بطاقة تعريف:الطباطبائي كربلائي، السید علي بن السيد محمد علي، 1161 - 1231ق.
عنوان واسم المؤلف:ریاض المسائل في تحقیق الاٴحکام بالدلائل المجلد 7/ تأليف السید علي بن السيد محمد علي الطباطبائي كربلائي؛ تحقیق موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث.
تفاصيل المنشور:قم: موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث، 1418ق.-= 1376-
مواصفات المظهر:16 ج.: نمونه.
الصقيع:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث؛ 204، 205، 206، 207، 212، 214.
ISBN: دوره: 964-319-088-9 ؛ 7500 ریال: ج. 9: 964-319-111-7 ؛ 8500 ریال: ج. 11: 964-319-273-3 ؛ 8500 ریال: ج. 12 964-319-274-1 : ؛ 8500 ریال: ج. 13 : 964-319-275-X ؛ ج. 15: 964-319-277-6 ؛ 9000 ریال: ج. 16: 964-319-278-4
حالة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية
ملاحظة: عربي.
ملاحظة: هذا الكتاب تعليق على مختصرالنافع محقق حلي.
ملاحظة:ج.9 (الطبعة الأولى: 1419ق. = 1377).
ملاحظة:ج. 11 - 13 (مطبعة؟: 1421ق. = 1379).
ملاحظة:ج. 15و 16 (مطبعة؟: 1422ق. = 1380).
ملاحظة:فهرس.
عنوان:محقق حلي، جعفربن حسن، 672 - 602ق. المختصر النافع -- نقد و تفسیر
عنوان:فقه جعفري -- قرن 7ق.
المعرف المضاف:محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. المختصر النافع. شرح
المعرف المضاف:موسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاءالتراث
ترتيب الكونجرس:BP182/م3م30216 1376
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:م 77-4774
ص :1
ص :2
ص :3
ص :4
القول في الطواف و النظر في مقدمته و كيفيّته و أحكامه
أما المقدمة: فيشترط تقديم الطهارة على الطواف الواجب بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (1)،و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (2).
و إطلاق جملة منها كالعبارة يشمل الطواف المندوب، كما عن الحلبي (3).لكن صريح جملة أُخرى منها الاختصاص بالواجب،و منها الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر،قال:« يتوضأ و يعيد طواف،و إن كان تطوّعاً توضّأ و صلّى ركعتين» (4).
و عليه الأكثر.و هو الأظهر؛ لأن المفصَّل يحكم على المجمل.
و يستباح بالترابية كما يستباح بالمائية؛ لعمومات المنزلة.
و إزالة النجاسة عن الثوب و البدن وفاقاً للأكثر كما في كلام
ص:5
جمع (1)،بل لم ينقل في المنتهى فيه خلاف (2)،و في الغنية الإجماع عليه (3).
للنبوي:« الطواف بالبيت صلاة» (4)بناءً على أن التشبيه يقتضي الشركة في جميع الأحكام،و منها هنا الطهارة من النجاسة.
و الخبر:عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف،قال:« ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله،ثم يعود فيتمّ طوافه» (5).
و إطلاق النص كالمتن و الأكثر يقتضي عدم الفرق في الطواف بين الفرض و النفل.
و الأقرب العفو فيه عما يعفى عنه في الصلاة،وفاقاً للشهيدين (6)؛ لظاهر عموم التشبيه في الخبر الأوّل؛ مضافاً إلى فحوى العفو عنه في الصلاة،فهنا أولى،و بذلك يقيّد إطلاق الخبر الثاني.
خلافاً لجماعة فلا يعفى (7)،و هو أحوط.
و كره ابن حمزة الطواف مع النجاسة في ثوبه أو بدنه (8).و الإسكافي
ص:6
في ثوب أصابه دم لا يعفى عنه في الصلاة (1).و تبعهما جماعة من المتأخرين (2).
للأصل،و ضعف الخبرين،و المرسل كالصحيح:عن رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه،فقال:« أجزأه الطواف فيه، ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» (3).
و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل عن الأصل بما مرّة؛ و ضعف الخبرين ينجبر بالعمل سيّما من نحو ابن زهرة و الحلّي (4)،اللذين لا يعملان بصحيح أخبار الآحاد فضلاً عن ضعيفها إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية (5)؛ و ضعفِ المرسل و إن عدّ كالصحيح،مع عدم صراحته في العمد فيحتمل الجهل،فليحمل عليه للجمع.
و الختان في الرجل وفاقاً للأكثر،بل لم ينقل في المنتهى خلافاً فيه (6)،و عن الحلبي أنه شرط الحج بإجماع آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله) (7).
للنهي عنه في الصحاح و غيرها المفسد للعبادة (8)،من غير فرق بين الفرض و النفل.
ص:7
خلافاً للحلّي فظاهره التوقف (1)،و ليس في محلّه.
نعم،الأخبار لا تدلّ على الشرطية المطلقة بحيث تشمل غير صورة العمد؛ لاختصاص النهي الذي هو مناط الدلالة بها،فلا يعمّ غيرها،إلّا أن يتمّ بالإجماع و عدم القائل بالفرق إن تمّ.
و احترز بقوله:« في الرجل» عن المرأة،فلا يشترط عليها؛ للأصل و الإجماع كما قيل (2)؛ مع اختصاص الأخبار بغيرها؛ و خصوص الصحيح:
« لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة» (3).
و عن الصبي؛ للأصل،و عدم دليل فيه،عدا إطلاق الصحيح:
« الأغلف لا يطوف بالبيت» (4)و لا عموم فيه،بل غايته الإطلاق المنصرف إلى غيره،لغلبته،فتأمل؛ مضافاً إلى عدم توجه النهي إليه.
و من الوجه الأول يستفاد إلحاق الخنثى بالصبي،مع احتمال عدمه، لوجوب تحصيل يقين الخروج عن عهدة التكليف القطعي،و لا ريب أنه بل و إلحاق الصبي بالرجل أحوط.
و إطلاق العبارة يشمل المتمكّن من الختان و غيره و لو بضيق الوقت.
خلافاً لجماعة فقيّدوه بالمتمكّن (5).و هو قوي؛ للأصل،و عدم انصراف
ص:8
الأخبار الناهية إلى غيره.
نعم في الخبر:في رجل يسلم فيريد أن يخشن و حضره الحج، أ يحجّ أم يخش؟قال:« لا يحجّ حتى يختتن» (1).
و لكن في سنده جهالة،بل و ضعف في الدلالة،لما قيل من أنه غير ظاهر في أنه غير متمكن من الختان لضيق الوقت و أنّ عليه تأخير الحج من عامة لذلك،فإنّ الوقت إنما يضيق عن الاختتان مع الاندمال،فأوجب(عليه السّلام) أن يختتن ثم يحج و إن لم يندمل (2).
و يستحب مضغ شيء من الإذخر كما هنا و في الشرائع و القواعد (3)،و عن الجامع و الجمل و العقود (4)،و فيه:تطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره.
قبل دخول مكّة كما عن الوسيلة و المهذّب (5)،و فيه نحو ما في الجمل و العقود من تطييب الفم به أو بغيره.
أو عند دخول الحرم،كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى و الاعتقاد و المصباح (6)و مختصره،و في هذه الثلاثة
ص:9
التطييب أيضاً بغيره كما في الكتابين.
و الأصل في المسألة الصحيح:« إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه» (1)و نحوه الخبر (2).
و قال الكليني:سألت بعض أصحابنا عن هذا،فقال:يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر (3).
قيل:و هو يؤيد استحبابه لدخول مكة،بل المسجد،و كونه من سنن الطواف (4).
و دخولها من أعلاها كما في الشرائع و القواعد (5)،و عن النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الكافي و الغنية و الجامع (6)إذا أتاها من طريق المدينة،كما عن المقنعة و التهذيب و المراسم و الوسيلة و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة (7)،و فيه:أو الشام.قيل:
لاتحاد طريقهما بقربها بل قبل ذلك (8).
ص:10
و فيه أيضاً:فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة يعني العليا.
و فيه أيضاً:و قيل:بل هو عام ليحصل التأسي بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله) .قلت:و استظهره الشهيدان في الدروس و الروضة (1)،و نسب في الدروس إلى الفاضل اختصاصه بالمدني و الشامي،قال:و في رواية يونس إيماء إليه.
قلت:لأنه سأل الصادق(عليه السّلام)من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟فقال:« ادخل من أعلى مكة» (2).
و فيه:أنّ القيد في كلام السائل.
و الأجود الاستدلال به بالأصل،و اختصاص الرواية السابقة و هي موثقة بالمدني،و لا دليل على العموم،و التأسي به(صلّى اللّه عليه و آله)إنما يتم لو دلّ دليل على أنّ فعله على العموم،و لم نجده،و إنما الموجود منه الصحيح:
إنه(صلّى اللّه عليه و آله)دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين (3).و هو كما ترى لا دلالة فيه عليه.
و الأعلى كما في الدروس و عن غيره (4)ثنيّة كداء بالفتح و المدّ، و هي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكة.
ص:11
و يستحب دخولها حافياً كما في الشرائع و القواعد (1)،و عن المبسوط و الوسيلة و ظاهر الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذّب و السرائر و الجامع (2).
و في الصحيح:« إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة و الوقار و الخشوع،و من دخله بخشوع غفر اللّه له إن شاء اللّه» (3).
و أن يدخلها على سكينة و وقار احتراماً لها و للبيت؛ و للصحيحين و غيرهما (4)،و فيها:« من دخلها بسكينة غفر له ذنبه» .و في الصحيح:كيف يدخل بالسكينة؟قال:« يدخل غير متكبّر و لا متجبّر» (5)و بمعناه غيره (6).
و أن يكون مغتسلاً لدخولها من بئر ميمون أو فَخّ للصحيح:
« إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء اللّه تعالى فاغتسل حين تدخله،و إن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكة» (7).
و في آخر مضمر:عن الغسل في الحرم قبل دخوله مكة أو بعد
ص:12
دخوله؟قال:« لا يضرّك أيّ ذلك فعلت،و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس» (1).
و يستفاد منه التخيير بين الغسل قبل الدخول و بعده،لكن المستحب الأول كما هو شأن كل غسل يستحب للمكان.
و في المرسل:« إنّ اللّه عز و جل يقول في كتابه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [1] (2)فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر» (3).
و لو تعذّر التقديم اغتسل بعد الدخول لما مرّ من الصحيح.
قيل:و الاغتسال من بئر ميمون للقادم من العراق و نحوه،و من فَخّ للقادم من المدينة،و بالجملة:فكلّ من يمرّ عليه في قدومه،فلا يكلّف غيره بأن يدور حتى يرد أحد ذلك فيغتسل منه،للأصل،و عدم عموم النص أو إطلاقه (4).
و الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة قيل (5):للتأسي، و النص (6).و علّل فيه بأن هُبَل بضمّ الهاء و فتح الباء و هو أعظم الأصنام مدفون تحت عتبتها،فإذا دخل منها وطئه برجله.
ص:13
و في المدارك و غيره:إنّ هذا الباب غير معروف الآن لتوسّع المسجد،لكن قيل:إنه بإزاء باب السلام،فينبغي الدخول منه على الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به على هذا القول (1).
و الدعاء عنده أي عند الدخول بالمأثور في الصحيح،ففيه:
« فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل:السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته،بسم اللّه و باللّه و من اللّه و ما شاء اللّه،و السلام على أنبياء اللّه تعالى و رسله،و السلام على رسول اللّه،و السلام على إبراهيم خليل اللّه، و الحمد للّه ربّ العالمين.فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل:اللّهم إني أسألك في مقامي هذا في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي،و أن تجاوز عن خطيئتي،و تضع عنّي وزري،الحمد للّه الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابةً للناس و أمناً و مباركاً و هدًى للعالمين،اللهم إني عبدك،و البلد بلدك،و البيت بيتك،جئت أطلب رحمتك،و أؤمّ طاعتك،مطيعاً لأمرك،راضياً بقدرك،أسألك مسألة المضطر إليك،الخائف لعقوبتك،اللهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني بطاعتك و مرضاتك» (2).
و أمّا الكيفية:
فواجبها النية و استدامة حكمها إلى الفراغ كما في غيره من العبادات.
و الأظهر الاكتفاء فيها بقصد الفعل المتعين طاعةً للّه عزّ و جلّ،و إن كان الأحوط التعرض للوجه من وجوب أو ندب،و كون الحج إسلامياً أو
ص:14
غيره،تمتعاً أو غيره.
و في الدروس:ظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيّات الأفعال (1).و ما ذكرناه أظهر و أحوط.
و البدأة بالحجر الأسود و الختم به بالإجماع كما في كلام جماعة (2)؛ و المعتبرة،ففي الصحيح:« من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه من الحَجر الأسود إلى الحَجر الأسود» (3).
و حيث تجب البدأة بالحَجر فلو ابتدأ من غيره لم يعتّد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود،فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النية عنده أو استصحبها فعلاً.
و الظاهر الاكتفاء في تحقق البدأة بالحَجر بما يصدق عليه ذلك عرفاً.
و اعتبر العلّامة و من تأخّر عنه (4)جعل أوّل جزء من الحَجر محاذياً لأوّل جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه بعد النية بجميع بدنه علماً أو ظنّاً.
و هو أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.
و معنى الختم به إكمال الشوط السابع إليه بحيث يصدق الختم به عرفاً.
خلافاً لمن مرّ،فاعتبروا محاذاة الحَجر في آخر شوط كما ابتدأ به أوّلاً ليكمل الشوط من غير زيادة و لا نقصان.
ص:15
و الكلام فيه كما مرّ،بل قيل:إنّ الظاهر الاكتفاء بتجاوزه بنية أنّ ما زاد على الشوط لا يكون جزءاً من الطواف،بل الظاهر عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزيادة و إن قصد كونها من الطواف (1).
و الطواف على اليسار بالإجماع كما في كلام جماعة (2)؛ للتأسي، مع حديث:« خذوا عنّي مناسككم» (3).
و المراد به جعل البيت على يساره حال الطواف،فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلاً أو سهواً أو عمداً و لو بخطوة لم يصحّ،و وجب عليه الإعادة.
و لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى جهة اليمين بحيث لا ينافي صدق الطواف على اليسار عرفاً قطعاً.
و إدخال الحِجر أي حِجر إسماعيل(عليه السّلام) في الطواف بالإجماع كما في الغنية و غيرها و عن الخلاف (4).
و الصحاح،منها زيادةً على ما مرّ الصحيح:قلت رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجر،قال:« يعيد ذلك الشوط» (5).
و الصحيح:في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحِجر،قال:
« يقضي ما اختصر من طوافه» (6).
ص:16
قيل:و زاد في التذكرة و المنتهى أنه من البيت،فلو مشى فيه لم يكن طاف بالبيت (1).
و في التذكرة:إنّ قريشاً لمّا بنت البيت قصرت الأموال الطيبة و الهدايا و النذور عن عمارته،فتركوا من جانب الحِجر بعض البيت،قال:روت عائشة أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال:« ستة أذرع من الحِجر من البيت» (2).
و حكى في موضع آخر عن الشافعي أن ستة أذرع منه من البيت، و عن بعض أصحابه أن ستة أذرع أو سبعة منه من البيت و أنهم بنوا الأمر فيه على التقريب (3).
و ظاهره فيه و في المنتهى أن جميعه من البيت (4).
و في الدروس:إنه المشهور (5).
و جميع ذلك يخالف الصحيح،و فيه بعد أن سئل عنه:أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟فقال:« لا و لا قلامة ظفر،و لكن إسماعيل دفن امّه فيه فكره أن توطأ،فجعل عليه حجراً،و فيه قبور أنبياء» (6).
أقول:و بمعناه أخبار أُخر (7).
و على الجملة فلو مشى على حائطه أو طاف بينه و بين البيت لم يصحّ شوطه الذي فعل فيه ذلك و وجب عليه الإعادة.
ص:17
و هل الواجب إعادة ذلك الشوط خاصة،أو إعادة الطواف رأساً؟ الأصحّ:الأوّل،وفاقاً لجمع (1)؛ للصحيح المتقدم قريباً.
و لا ينافيه الصحيح المتقدم سابقاً:« من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه» (2)لاحتمال التقييد بالشوط الذي وقع فيه الخلل،أو الاختصار في جميع الأشواط.
و لا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحِجر،بل تجب البدأة من الحجر الأسود؛ للأمر به فيما مرّ من الصحيح،مضافاً إلى أنه المتبادر من إعادة الشوط.
و أن يطوف سبعاً بالإجماع كما في كلام جماعة (3)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة القريبة من التواتر،بل لعلّها متواترة (4).
و أن يكون طوافه بين المقام و البيت مراعياً قدر ما بينهما من جميع الجهات مطلقاً على المشهور،بل قيل:كاد أن يكون إجماعاً (5).و في الغنية الإجماع عليه صريحاً (6).
للخبر:عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت،قال:« كان الناس على عهد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يطوفون بالبيت و المقام،و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و البيت،فكان الحدّ موضع
ص:18
المقام اليوم،فمن جازه فليس بطائف،و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين نواحي البيت،فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد،لأنه طاف في غير حدّ،و لا طواف له» (1).
و في سنده جهالة و إضمار،إلّا أنه لا محيص عنه،لانجباره بالشهرة و نقل الإجماع.
خلافاً للإسكافي،فجوّزه خارج المقام مع الضرورة (2)؛ للموثق كالصحيح:عن الطواف خلف المقام،قال:« ما أُحبّ ذلك،و ما أرى به بأساً،فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بدّاً» (3).
قيل:و قد يظهر من المختلف و التذكرة و المنتهى الميل إليه (4).
و في دلالة الرواية عليه مناقشة،بل ظاهرها الدلالة على الجواز مطلقاً و لو اختياراً،لكن مع الكراهة و أنها ترتفع بالضرورة،و رواها الصدوق في الفقيه،و ظاهره الإفتاء بها،فيكون قولاً آخر في المسألة.
و من لوازمه أن يصلّي ركعتين وجوباً في الطواف الواجب، و ندباً في المندوب،على المعروف من مذهب الأصحاب كما في كلام جماعة (5).
ص:19
و في الخلاف:الإجماع على الوجوب (1)،مع أن فيه و في السرائر (2):
نقل قول بالاستحباب.و هو مع شذوذه محجوج بظاهر الآية (3)و الأخبار الكثيرة (4)التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة.
و يجب إيقاعهما في المقام مقام إبراهيم حيث هو الآن،لا حيث كان على عهد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و إبراهيم(عليه السّلام)،فالمعتبر في مكانهما خارج المطاف،و هو مكان المقام الآن.
للصحيح:أُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)؟فقال:« حيث هو الساعة» (5).
و الموجود فيه و في غيره من النصوص الكثيرة اعتبار الخلف،فما في المتن و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المراسم و السرائر و الشرائع و التذكرة و التبصرة و التحرير و المنتهى و الإرشاد (6)من اعتبار الوقوع فيه لا وجه له،إلّا أن يراد به عنده،كما في جملة من النصوص،و عن الاقتصاد و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و شرحه و الجامع (7)،و يؤيده استدلال
ص:20
الفاضل على ما في المتن بما نصّ على فعلهما عنده أو خلفه.
و عن الشهيد أنه قال:و أمّا تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فمجاز تسميةً لما حول المقام باسمه؛ إذ القطع حاصل بأن الصخرة التي فيها أثر قدم إبراهيم(عليه السّلام)لا يصلّي عليها (1).
و الأحوط أن لا يصلّي إلّا خلفها،كما عن الصدوقين و الإسكافي و الشيخ في المصباح و مختصره و القاضي في المهذّب (2)؛ للأخبار الدالة عليه (3)،و عدم تعارض بينها و بين الأخبار المتضمنة للصلاة عنده إلّا تعارض العموم و الخصوص المطلق فيجب التقييد.
و عن الشهيد أنه قال:لا خلاف في عدم جواز التقدم على الصخرة و المنع عن استدبارها،و التعبير ب« في» للدلالة على وجوب الاتصال و القرب منه بحيث يتجوّز عنه بالصلاة فيه،لظاهر الآية (4).انتهى.
و هو حسن،و مقتضاه وجوب إيقاعهما في البناء الذي فيه الصخرة.
و لا ينافيه إطلاق الأخبار بالصلاة خلف المقام أو عنده،الصادق على الخارج عن البناء؛ لانصرافه إلى الداخل فيه لا الخارج.
و لعلّه لذا رتّب الماتن بين الداخل و الخارج بقوله بعد ما مرّ: فإن منعه زحام عن الصلاة في المقام صلّى على حياله أي خلفه أو
ص:21
أحد جانبيه من خارج البناء،و يوافقه عبائر كثير (1)و إن اختلفت في التخيير بين الخلف و أحد الجانبين،أو الترتيب بينهما بتقدم الخلف على الجانب مع الإمكان،كما هو الأحوط.
و على الجملة:يجب تحرّي القرب منه ما أمكن،فإذا تعذّر لزحام جاز البُعد بقدر الضرورة؛ للصحيح في الكافي (2)و إن ضعف في التهذيب (3):رأيت أبا الحسن موسى(عليه السّلام)يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد.
و في التهذيب:« قريباً[من الظلال (4)]لكثرة الناس» .قيل:و للأصل،و إطلاق الأخبار بالصلاة خلفه،و للآية باتّخاذ المصلّى منه بمعنى ابتداء المصلّى أو اتّخاذه منه بكونه بحياله.و أما وجوب تحرّي الأقرب منه بقدر الإمكان و عدم جواز البُعد إلّا بقدر الضرورة فللأخبار الآمرة بفعلها عنده،و احتمال« مِن» في الآية الاتصالية و الابتدائية التي في نحو:اتّخذت الخاتم من الفضّة،و للاحتياط.و أما جواز الصلاة إلى أحد الجانبين فللأصل،و إطلاق الآية و أخبار الفعل عنده،و احتمال هذا الخبر،و الأحوط الخلف.و في جواز التباعد لمجرد الزحام أيضاً نظر ما لم يتضيق الوقت؛ لضعف الخبر (5).
أقول:و فيه نظر؛ لما عرفت من صحة السند في الكافي و كون الضعف
ص:22
في التهذيب.
نعم في الدلالة نظر؛ لعدم التصريح فيه،بل و لا ظهور بفعله(عليه السّلام) الركعتين ثمة في سعة الوقت،بل هو مجمل،فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن.
ثم إنّ هذا الحكم أعني وجوب صلاة ركعتي طواف الفريضة خلف المقام أو إلى أحد الجانبين بحيث لا يتباعد عنه عرفاً،أو على النهج المتقدم مع الاختيار قول المعظم،و عليه الأكثر،و في عبائر جمع أنه الأشهر.و لعلّه الأظهر؛ للكتاب،و السنّة المستفيضة،و فيها الصحاح و المعتبرة.
خلافاً للخلاف فيستحب،فإن لم يفعل و فعل في غيره أجزأ (1).
و للحلبي فجعل محلّهما المسجد الحرام مطلقاً (2)،كما عن ابني بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة (3)و مستندهم غير واضح،عدا ما قيل من الأصل،و عدمِ صراحة الآية فيه،لأنها إن كانت من قبيل اتّخاذ الخاتم من الفضة،أو كانت« مِن» فيها بمعنى« في» لزم أن يراد بالمقام:المسجد،أو الحرم،و إلّا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه.و إن أُريد الاتصال و القرب التام،و بالمقام الحجر،فالمسجد كلّه بقربه.و إن وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده(صلّى اللّه عليه و آله)في الكعبة،لكون المقام عنده،و كذا كلّما نقل إلى
ص:23
مكان وجبت الصلاة فيه،لعلّه لا قائل به؛ و إطلاقِ بعض الأخبار (1)لمن نسيهما في فعلهما في مكانه (2).
و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ.
و ظهورِ الآية فيه بظهور الاحتمال الأول على ما اعترف به القائل، و منع ما أُورد على تقديره من لزوم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم، باحتمال أن يراد به ما جاوره ممّا يقرب منه،بل لعلّه المتعين،لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة،و مرجعه إلى وجوب مراعاة الأقرب إلى المقام فالأقرب،كما هو مقتضى الاحتمال الأخير أيضاً.و منعه بعدم قائل بما يلزمه ممنوع بعدم بلوغ مثله إجماعاً سيّما مع عدم تعرض أحد له.
و حمل غير الناسي على الناسي قياس.
مع أن هذه الوجوه لو صحّت لثبت بها القول الأوّل (3)،و أما الآخران فلم أقف لهما على مستند عدا الأخير فله الرضوي (4)،و في مقاومته لأدلة الأكثر نظر،فضلاً من أن يقوّي عليها و يترجّح.
و أمّا ما عن الخلاف من أنه لا خلاف في أن الصلاة في غيره يعني فيما عدا خلف المقام تجزئه و لا تحب عليه الإعادة (5).فعلى تقدير سلامته من تطرّق الوهن إليه بوجود الخلاف سيّما من الأكثر،معارض بالنصوص الآمرة بالإعادة المترجّحة عليه من وجوه لا تخفى على من تدبّر.
ثم إن هذا الخلاف إنما هو في ركعتي طواف الفريضة.
ص:24
و يصلّي ركعتي طواف النافلة حيث شاء من المسجد بلا خلاف فيه فتوًى و روايةً،و هي مستفيضة (1)،بل في بعضها المروي في قرب الإسناد:عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد،قال:« يصلّي بمكة لا يخرج منها إلّا أن ينسى فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف» (2).
و ظاهره جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة على الإطلاق، و لم أر مفتياً به،فالعمل به مشكل و لو صحّ سنده.
و لو نسيهما رجع فأتى بهما فيه أي في المقام؛ تحصيلاً للامتثال،و التفاتاً إلى ظاهر الأمر به في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).
و لا تعارضها الأخبار الأُخر المرخِّصة لفعلهما حيث ذكره من غير اشتراط للتعذر فيها أو المشقّة؛ لقصورها جملةً عن الصحة،بل ضعف بعضها سنداً،و جميعها دلالةً،فإنّ غايتها الإطلاق،و يمكن تقييدها بصورة المشقة جمعاً بين الأدلة.
و هو أولى من الجمع بينهما بحمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب، و إبقاء الأخيرة على إطلاقها،كما احتمله في الاستبصار (4)،و ربما يعلم (5)من الصدوق في الفقيه أيضاً (6)؛ لما تقرّر في الأُصول من أولوية التخصيص
ص:25
من المجاز.
مع اعتضادها هنا بالشهرة العظيمة بين الأصحاب حتى كادت تكون إجماعاً،كما صرّح به بعض الأصحاب (1)و بكثرة الأخبار الأوّلة و صحّتها و استفاضتها،و تضمّن جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى « وَ اتَّخِذُوا» [1] و الأمر فيه للوجوب قطعاً.
مضافاً إلى إشعار بعضها بالتفصيل،فيكون شاهداً على هذا الجمع، و هو الصحيح:عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [2] حتى ارتحل،فقال:« إن كان ارتحل فإني لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع،و لكن يصلّي حيث يذكر» (2).
و بالجملة:لا ريب في هذا الحكم و إن مال عنه إلى محتمل الشيخين بعض معاصري الأصحاب،قال:لصراحة بعض الأخبار في جواز الصلاة حيث ذكر هنا أيضا (3)،فإن فيه:نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى،فرجعت إلى مكة فصلّيتهما ثم عدت إلى منى، فذكرنا ذلك له عليه السّلام،فقال:« أ فلا صلّاهما حيث ذكر؟! » (4).و فيه بعد الإغماض عن قصور سنده أو ضعفه-:منع صراحته؛ إذ ليس إلّا من جهة دلالته على رخصته عليه السّلام له مع عوده،و هو حسن إن اعتبرنا التعذر في جواز الصلاة في محل الذكر.و أما إذا اكتفينا بالمشقة و لو من غير تعذّر كما يأتي فلا صراحة فيه؛ لإمكان كون عود الراوي معها
ص:26
و لأجلها رخّص فيه.
و لو تعذّر الرجوع أو شقّ صلّاهما حيث ذكر و لو خارج المسجد أو الحرم و تمكّن من الرجوع إليهما،على الأشهر الأقوى،بل كاد أن يكون إجماعاً.
خلافاً للدروس فقال:رجع إلى المقام،فإن تعذّر فحيث شاء من الحرم،فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع (1).
و هو أحوط،و أحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن و لم يمكن إلى المقام و إن كان في تعيّنه نظر؛ لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر، بحيث يشمل خارج الحرم و المسجد و لو مع التمكن منهما،و صورة المشقة من غير تعذر في العود إلى المقام،بل ظهور الصحيحة المتقدمة أو صراحتها فيها،و صراحة الرواية المتقدمة بعدها قطعاً،مضافاً إلى انتفاء العسر و الحرج و اعتبار الوسع في التكليف.
و لا معارض لها يوجب الرجوع إلى الحرم أو المسجد مع الإمكان و يقيّد المشقة بالتعذر.
و للتحرير فجوّز الاستنابة فيهما إن خرج و شقّ عليه الرجوع (2).
و كذا عن التذكرة إن صلّاهما في غير المقام ناسياً ثم لم يتمكن من الرجوع (3).
قيل:لجواز الاستنابة تبعاً للطواف،فكذا وحدها؛ و للصحيح فيمن نسيهما حتى ارتحل من مكة،قال:« إن كان مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما،
ص:27
أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» (1).
و الصحيح:« من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة،فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين» (2).
و الخبر:عمّن نسي أن يصلّي الركعتين،قال:« يصلّى عنه» (3).
و المرسل:عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج، قال:« يوكّل» (4)انتهى (5).
و في هذه الأدلة أجمع نظر؛ لأن الأول قياس فاسد.
و الصحيح الأول مخالف للإجماع؛ لدلالته على جواز الاستنابة مع التمكّن من الرجوع،و لم نر [أر] قائلاً به.
و الصحيح الثاني يحتمل التقييد بما إذا مات فإن الحكم فيه ذلك كما يأتي.
و الخبر الأول يحتمل التقييد به أيضاً،مضافاً إلى ما في سنده.
نعم الرواية الأخيرة صريحة في ذلك،إلّا أنّ ضعف سندها من وجوه و قصورها عن المقاومة للأخبار الآمرة للناسي بفعله لهما بنفسه يمنع عن العمل بها.
قيل:و ظاهر المبسوط الاستنابة إذا خرج مع تعمّد الترك (6).و لم نقف على مستنده،مع أنه غير مرتبط بما نحن فيه.
و لم يتعرّض المصنف لحكم الجاهل و العامد.
ص:28
أمّا الجاهل فالظاهر أنه بحكم الناسي،وفاقاً لجماعة (1)؛ للصحيح:
« إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» (2).
و أمّا العامد فقيل:إنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان،و إنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر،أو بقائهما إلى أن يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلّهما،و كذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما،من صدق الإتيان بها،و من عدم وقوعها على الوجه المأمور به (3).انتهى.و هو جيّد.
و لو مات الناسي لهما و لم يصلّهما قضاهما عنه الوليّ كما في كلام جماعة (4)،من غير خلاف فيه بينهم أجده؛ للعموم،و للصحيحة المتقدمة قريباً،و هي و إن كانت عامة لصورتي الموت و الحياة لكن الثانية خرجت بما عرفته من الأدلة،و« أو» فيها ليست ناصّة في التخيير،فيحتمل غيره،و هو تعيّن الوليّ مع وجوده،و جواز غيره له مطلقاً،أو مع عدمه.
و إن فاتتاه مع الطواف فهل الولي قضاء الجميع بنفسه أو بالاستنابة؟ الأقوى الوجوب،أما الصلاة فلما (5)مرّ.
و أما الطواف فللصحيح:فيمن نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال:« لا يحلّ له النساء حتى يزور البيت» و قال:« يأمر من يقضي عنه إن
ص:29
لم يحجّ،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» (1).
و هو إن كان مخصوصاً بطواف النساء لكن يشمل طواف العمرة و الزيارة بطريق أولى.
و القِران بين الطوافين فصاعداً بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده بل تأتي بهن أجمع ثم بصلاتهن كذلك حرام عند الأكثر على الظاهر،المصرّح به في المنتهى (2).
و مبطل أيضاً.
كلّ ذلك على الأشهر على ما هنا و في التنقيح (3).
و فيه:إن لم يكن إجماع نظر؛ فإنّا لم نقف على نصّ و لا فتوًى يتضمّن الحكم بالإبطال،و إنما غايتهما النهي عن القران.
ففي الصحيح:عن الرجل يطوف الأسابيع جميعاً فيقرن،فقال:« لا، إلّا أُسبوع و ركعتان،و إنما قرن أبو الحسن(عليه السّلام)لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة» (4).
و في (5)آخر مروي في السرائر عن كتاب حريز:« لا قِران بين أُسبوعين في فريضة و نافلة» (6).
ص:30
و في الخبر:عن الرجل يطوف بين أُسبوعين،فقال:« إن شئت رويت لك عن أهل مكة» فقال:قلت له:و اللّه مالي في ذلك حاجة جعلت فداك،و لكن اروِ لي ما أدين اللّه عز و جل به،فقال لي:« لا تقرن بين أُسبوعين،كلّما طفت أُسبوعاً فصلِّ ركعتين،و أما أنا فربما قرنت الثلاثة و الأربعة» فنظرت إليه فقال:« إنّي مع هؤلاء» (1).
و غاية هذه الأخبار الدلالة على تحريم القرآن،و هو لا يستلزم بطلان الطواف الأول إذا كان فريضة،أو بطلانهما معاً كما هو ظاهر العبارة و غيرها؛ لتعلق النهي بخارج العبادة،لعدم صدق القران إلّا بالإتيان بالطواف الثاني،فهو المنهي عنه،لا هما معاً أو الأول كما هو ظاهر القوم.
نعم،لو أُريد بالباطل الطواف الثاني اتّجه؛ لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ.
و يدلُّ على البطلان حينئذ زيادةً على ذلك الأخبار الدالة على فورية صلاة الطواف و أنها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخَّر (2)،بناءً على ما قررناه في الأُصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيّق و لو لأحدهما.
و بالجملة:ظاهر الأدلة تحريم القرآن في طواف الفريضة،و أما بطلانه فلم نقف له على حجة إلّا أن يكون إجماعاً كما ربما يفهم من التنقيح و غيره (3).
ص:31
و مقابل الأشهر قول الحلّي بعدم البطلان و التحريم،بل الكراهة (1)؛ للأصل،و الأخبار الكثيرة الدالة على أنهم(عليهم السّلام)قرنوا (2)،و للصحيح (3)و غيره (4):« إنما يكره أن يجمع الرجل بين أُسبوعين و الطوافين في الفريضة،و أما في النافلة فلا بأس» .و في الجميع نظر؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ،و ضعف دلالة الأخبار أجمع:
أما أخبار الفعل فلعلّ الفعل كان في النافلة،أو الفريضة لحال التقية، فإنّ الجواز مذهب العامة كما في المنتهى و غيره (5)،و صرّح به جملة من الأخبار السابقة.
و أما الخبران الأخيران فلأعمية الكراهة فيهما من الكراهة بالمعنى المصطلح،فلعلّ المراد بها الحرمة،كما ربما يشير إليه المقابلة لها بنفي البأس في النافلة،بناءً على الإجماع على الكراهة فيها،بل جعلها في التنقيح على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة أمارة صريحة (6).
و من هنا يتّضح المستند في قوله: و القِران مكروه في طواف النافلة مضافاً إلى الشبهة الناشئة من عموم الأخبار الناهية للنافلة،
ص:32
و خصوص صحيحة حريز المتقدمة،و إن قيل في تضعيف دلالتها على المنع في النافلة احتمال أن يكون المراد أنه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة،بل يجب أن يصلّي بركعتين للفريضة ثم يطوف للنافلة؛ لبُعده غايته.
و لو لا نفي الخلاف عن الجواز فيها مع الكراهة الظاهر المصرَّح به في التنقيح (1)،لكان القول بالمنع فيها أيضاً في غاية القوة؛ لما عرفته (2)،مع قصور الخبرين المتقدمين بأنه إنما يكره في الفريضة،و أمّا النافلة فلا بأس عن صَرف الأخبار المانعة بتقييد و شبهه،بقوة احتمال ورودهما للتقية،مع أن ظاهرهما نفي البأس في النافلة بالكلّية،و لا قائل به منّا كما عرفته،فتدبّر.
و اعلم أن تفسير القِران بما قدّمناه من أنه الجمع بين أُسبوعين فصاعداً هو ظاهر النصوص و الفتاوي،و به صرّح في التنقيح أيضاً (3).
و لكن يحتمل تفسيره بما يعمّه و الجمع بين طواف و ما زاد و لو شوطاً أو بعضه،فيكون إشارةً إلى تحريم الزيادة على الطواف مطلقاً.و قد فرضها الأصحاب مسألة أُخرى،و ظاهرهم الاتفاق على الحكم المذكور فيها إلّا نادراً،و أطلقوا الحكم في ذلك فلم يفصّلوا بين صور المسألة و شقوقها، فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فالمتّجه التفصيل على ما ذكره بعض أصحابنا،حيث قال بعد ذكر الحكم على إطلاقه مبيّناً لدليله:
أما إذا نوى الزيادة من أول الطواف أو في أثنائه على أن يكون من
ص:33
الطواف فهو ظاهر؛ لأنه نوى ما لم يأمر به الشارع،كما لو نوى صوم يوم و ليلة أو و بعضها،فإن نواها من أوّل الأمر لم يشرع إلّا في طواف غير مشروع بنيّة غير صحيحة،و إن نواها في الأثناء فلم يستدم النية الصحيحة و لا حكمها.
و أما إن لم يكن شيء من ذلك و إنما تجدّد له تعمّد الزيادة بعد الإتمام،فإن تعمّد فعلها لا من هذا الطواف فعدم البطلان ظاهر؛ لأنها حينئذ فعل خارج وقع لغواً أو جزءاً من طواف آخر.
و إنما الكلام إذا تعمّدها حينئذ من هذا الطواف،فظاهر الأكثر البطلان؛ لأنه كزيادة ركعة في الصلاة،كما في الخبز:« الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها،فإذا زدت عليها فعليك الإعادة» (1).
و لخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مع وجوب التأسّي، و قوله(صلّى اللّه عليه و آله):« خذوا عنّي مناسككم» (2).
و للخبر:عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط،قال:« يعيد حتى يستتمّه» (3).
و في الكل نظر؛ لأن الخبرين إن سلما يحتملان نية الزيادة أول الطواف أو أثناءه.
و الخروج عن الهيئة المأثورة ممنوع،فإنّ ما قبلها كان على الهيئة،
ص:34
و الزيادة إنما لحقتها من بعد.
و كذا كونها كزيادة ركعة،بل إنما هي كفعل ركعة بعد الفراغ من الصلاة،و لذا لم يجزم المحقّق بالحرمة فضلاً عن الإبطال.
و قد يؤيّد الصحة مع الأصل إطلاق نحو الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط،قال:« يضيف إليها ستّاً» (1)و هو كثير،إلّا أنه لا بدّ أن يكون المراد السهو،أو نية الطواف الثاني،أو تعمّد الشوط من طوافه..إلى آخر ما ذكره (2).
و لنعم ما ذكره،و إنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده و جودة محصوله.
و إلى ما ذكره يميل جماعة (3)،لكن ما اختاره الأكثر لعلّه أظهر؛ للخبر الذي مرّ،و ضعفه إن كان بعملهم منجبر.مع أنه قريب من الصحيح،لكون الراوي عن موجِب الضعف (4)مَن نُقِل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،مع أن الضعف بالاشتراك بين الثقة و غيره (5)،و قيل:أنه الثقة، و لذا وصفه بعض العلماء بالصحة (6).
و كيف كان،فالتأمل في السند لا وجه له،و كذا في الدلالة؛ لإطلاق ما فيها من الزيادة الشاملة لمفروض المسألة.و تقييده بخصوص ما ذكره من غير مقيّد لا وجه له.
ص:35
ثم إنّ هذا إذا زاد عمداً.
و لو زاد سهواً أكمل أُسبوعين على الأشهر الأظهر،كما في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (1).
و أكثرها و إن عمّت صورة العمد لكنها مخصَّصة بالسهو؛ لما مرّ، مضافاً إلى الصحيح:« من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن،فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثم ليصلّ ركعتين» (2).
و به يقيّد الخبران المتقدّمان قريباً المطلقان للإعادة بالزيادة،بحملهما على العمد أيضاً و إن بعد في أحدهما.
خلافاً للصدوق،فجمد على ما ظاهرهما من الإطلاق (3)،و مال إليه بعض المعاصرين (4)؛ لذلك،و للخبر:قلت:رجل طاف و هو متطوّع ثمان مرات و هو ناسٍ،قال:« فليتمّ طوافين ثم يصلّي أربع ركعات،فأما الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط» (5).
مضافاً إلى الصحيح المتقدم الآمر بصلاة ركعتين خاصة.
و نحوه بل و أظهر منه آخر:كان علي(عليه السّلام)يقول:« إذا طاف[ثمانية ]فليتمّ أربعة عشر» قلت:يصلّي أربع ركعات؟قال:« يصلّي ركعتين» (6).
ص:36
قال:و التقريب فيهما أن الأول صار باطلاً باعتبار الزيادة و إن كانت سهواً،و أن الشوط الثامن قد اعتدّ به من الطواف الواجب المأمور به بعد بطلان الأول،و هاتان الركعتان له.
و في الجميع نظر؛ لضعف الخبرين بما مرّ،و الثالث بضعف السند، و شذوذ الصحيحين و عدم قائل بهما في البين،لانحصار القول في المسألة في اثنين،أحدهما:استحباب إكمال أُسبوعين و صلاة أربع ركعات،أشار إليه الماتن بقوله:
و صلّى ركعتي الطواف الواجب منهما قبل السعي و ركعتي الزيادة بعده و دلّ عليه الصحيح:« إنّ علياً(عليه السّلام)طاف طوافه الفريضة ثمانية،فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليها ستة،ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام،ثم خرج إلى الصفا و المروة،فلمّا فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللذين ترك في المقام الأول» (1).
و نحوه كثير من الصحاح و غيرها (2)،لكن من غير بيان للركعات أنها مفصولة أو موصولة.
و ثانيهما:ما عليه الصدوق من بطلان ما فعل و وجوب الإعادة، و مقتضاه وجوب إعادة سبعة أشواط لا ستّة،فيصير المجموع خمسة عشر شوطاً،و هو خلاف نصّ الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة من الاكتفاء بأربعة عشر شوطاً،مع أن[ثانيهما (3)]الدالّ على قول الأمير(عليه السّلام):ذلك
ص:37
معارض بصريح الصحيح الأخير المتضمن لفعله(عليه السّلام)خلافه.و وهنه بعدم إمكان حمله على العمد و لا النسيان لعصمته(عليه السّلام)عنهما،مضعّف في كلام جماعة (1)بإمكان كون فعله(عليه السّلام)تقيةً،فتأمّل.
فطرحهما،أو حملهما على أن يراد بالركعتين صلاتان،أو صلاة ركعتين لكل طواف،أو يراد قبل السعي،متعيّن.
و بالجملة:فالأخبار المتقدمة ما بين ضعيفة سنداً و دلالةً،و شاذّة، و مع ذلك فغير مكافئة لأخبار الأكثر من وجوه عديدة من حيث الصحة و الاستفاضة و الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،بل لعلّها إجماع في الحقيقة،و بغيرها من المعتبرة كالرضوي الذي عليه اعتماد الصدوق و أبيه و كثير:« فإن سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط، فزد عليها ستة أشواط و صلِّ عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف،ثم اسعَ بين الصفا و المروة،ثم تأتي المقام فصلِّ خلفه ركعتي الطواف،و اعلم أن الفريضة هو الطواف الثاني،و الركعتين الأوّلتين لطواف الفريضة،و الركعتين الأخيرتين للطواف الأول،و الطواف الأول تطوّع» (2).
و صريح هذه الرواية و ظاهر بعض الصحاح المتقدمة كون الطواف الثاني الفريضة و الأول الناقلة،كما عن والد الصدوق و الإسكافي (3)،و هو ظاهر العبارة و أخبار المسألة؛ للأمر فيها أجمع بإكمال أُسبوعين،و هو حقيقة في الوجوب،فلا يجوز قطع الطواف الثاني.
ص:38
خلافاً للفاضل و الشهيدين (1)،فجعلوا الثاني في النافلة و جوّزوا قطعها.
و هو مشكل؛ لما عرفته،مع سلامته عن المعارضة بالكلّية،سوى أصالة بقاء الطواف الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النية،و لا قائل بوجوب الطوافين معاً،بل نقل الإجماع على عدمه،و أنه إنما يجب الثاني إن قلنا ببطلان الأوّل (2)،و لم نقل به كما مرّ و الكلام على تقديره،و في بعض الأخبار التصريح بأن أحدهما فريضة و الآخر نافلة (3).
و فيه مناقشة واضحة؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما عرفته.
إلّا أن يجاب بأن الناصّ منه في بلوغها درجة الحجيّة مناقشة، و الصحيح ظهوره ليس بذلك الظهور المعتدّ به حتى يكون حجة يخصَّص بها الأصل،مضافاً إلى قوة احتمال عدم كونه من أخبار المسألة كما أشار إليه بعض الأفاضل،فقال في تضعيف الاستناد إليه بعده:لكن لمّا امتنع السهو عليه لم يطف ثمانية إلّا لعدوله في الأول عن نية فرضه لموجب له، فليس من المسألة (4).
و الأخبار الآمرة و إن كانت ظاهرة في ذلك إلّا أنه ربما يفهم منها من جهة أُخرى كون الثاني هو النافلة،و لذا أن الصدوق في الفقيه بعد نقل بعضها قال:و في خبر آخر أن الفريضة هي الطواف الثاني،ثم ساق متن الرضوي إلى آخر،و لعلّه هو المراد بالرواية المشار إليها في كلامه.
ص:39
و هو كالصريح فيما ذكرنا من فهمه من الأخبار الآمرة بالإكمال أُسبوعين ما ذكرناه،من أن الثاني هي النافلة،و كذلك الأصحاب،و إلّا فلم نجد لما ذكروه حجة سوى الأصل المخصَّص بما مرّ.
و الجمع بينه و بين الأمر بالإكمال و إن أمكن بحمله على الاستحباب إلّا أن الجمع بينهما بالتخصيص أرجح كما في الأُصول قد تقرّر.
و كيف كان،فالأحوط ما عليه الإسكافي،بل لا يبعد أن يكون أظهر.
ثم إنّ إطلاق العبارة بالإكمال أُسبوعين يقتضي عدم الفرق فيه بين إكمال الشوط الثامن ببلوغ الركن و عدمه.و هو ظاهر بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة لقوله:« فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً» حيث جعل المناط في الأمر بالإتمام أربعة عشر شوطاً الدخول في الثامن،و لا ريب في صدقه بالزيادة و لو مع عدم بلوغ الركن.
خلافاً للأكثر،ففصّلوا بين البلوغ فيتمّ،و عدمه فيلغي الزائد؛ لصريح الخبر:« إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه،و إن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً و ليصلِّ أربع ركعات» (1).
و لعلّه أظهر و إن ضعف السند؛ لانجباره بعمل الأكثر،فيترجّح على الصحيح،لعدم صراحته،و احتماله الحمل على أن المراد بالدخول في الثامن إتمامه،كما هو ظاهر مورد الأخبار الباقية،و لذا أنّ الشيخ بعد نقلهما قال:إنّ هذا الخبر و أشار به إلى الصحيح مجمل،و رواية أبي كهمش و أشار به إلى الخبر مفصّلة،و الحكم بالمفصّل أولى منه بالمجمل (2).
ص:40
و ارتضاه بعض من تأخّر عنه،إلّا أنه ردّه باشتراط التكافؤ المفقود في محلّ البحث؛ لضعف سند الخبر (1).و فيه ما مرّ.
ثم إنّ صريح العبارة وجوب إيقاع ركعتين قبل السعي للفريضة، و الأُخريين بعده للنافلة،و عزي إلى الأكثر (2)،و به نصّ الرضوي المتقدم، و الصحيح المروي في السرائر عن نوادر البزنطي،و فيه:عن الركعات كيف يصلّيهن،أ يجمعهن أو ماذا؟قال:« يصلّي ركعتين للفريضة،ثم يخرج إلى الصفا و المروة،فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلّي ركعتين للأُسبوع الآخر» (3).
و نحوه بعض الصحاح المتقدمة و غيره (4)،لكن ليس فيهما سوى الأمر بالتفريق بين الركعات كما مرّ،و لم يتعرض فيهما لكون الأُوليين قبل السعي للفريضة و الأُخريين بعده للنافلة.
خلافاً لبضع المتأخرين،فجعل ذلك على سبيل الأفضلية و جّوز تقديم الأربع كملاً قبل السعي؛ لإطلاق الأمر بالأربع في الصحيح و غيره (5).
و فيه نظر؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد،و هو أولى من حمل أمر المفصّل على الاستحباب،لرجحان التخصيص على المجاز كما مرّ في باب.
و يعيد من طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة مع العلم بها حينه،إجماعاً من القائلين باشتراط الطهارة منها في الطواف؛ للنهي المفسد للعبادة.
ص:41
و لا فرق فيه بين العالم بالحكم و غيره على الأشهر الأحوط،خلافاً لجمع فألحقوا الثاني بالجاهل بالنجاسة (1).
و لا يعيد لو لم يعلم بها حينه و لا قبله قطعاً؛ فإنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء،مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الصلاة على الأشهر الأقوى كما مضى،فكذا هنا إن قلنا بالتسوية بينهما،أو بطريق أولى.
و فيما لو علم بها قبله و نسيها حينه إشكال،من خبر التسوية (2)،و من الأصل و الشك في عموم التسوية و شمولها لهذا الحكم.
و لا ريب أن الإعادة أحوط و أولى إن لم نقل بكونه أقوى.
خلافاً للفاضل و غيره (3)،فلم يوجبوها كالجاهل؛ و لعلّه لما مرّ، و لإطلاق المرسل كالصحيح:رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه،فقال:« أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» (4).
و هو و إن شمل العامد لكنه خرج بالدليل،فيبقى الباقي و منه الجاهل و الناسي.و لا بأس به لولا قصور السند و عدم صحته.
و لو علم بها في أثناء الطواف أزاله أي نزعه أو غسله و أتمّ الباقي؛ لأن امتصال الأمر يقتضي الإجزاء؛ و للخبرين (5).
و إطلاقهما كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق بين
ص:42
ما لو توقّف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه،و لا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله،و هو نصّ القريب من الصحيح،و فيه:
ابتدأت في طواف الفريضة،فطفت شوطاً،فإذاً إنسان أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته،ثم جئت فابتدأت الطواف،فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه(عليه السّلام)، فقال:« بئس ما صنعت،كان ينبغي لك أن تبنى على ما طفت،أما إنه ليس عليك شيء» (1).
خلافاً للشهيدين،فجزما بوجوب الاستئناف إن توقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و لمّا يكمل أربعة أشواط (2).
قيل:نظراً إلى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف،و الحكم في المسألتين واحد (3).و فيه نظر.
و الأجود الاستدلال لهما بعموم ما دلّ على أن قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف كما يأتي،و لا معارض له صريحاً سوى الخبر الأخير،و هو قاصر سنداً يشكل تخصيصه به،و كذا الخبران الأولان،مضافاً إلى عدم صراحتهما و احتمالهما التقييد بصورة التجاوز،كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما.
و بالجملة:فإن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر،و الأقوى تقييد هذين بذلك،لقصور السند.
لكن يمكن جبر القصور بعد الجبر بعمل المشهور بالموافقة للأصل؛ فإنّ الأصل بقاء صحة ما فعل و عدم وجوب الاستئناف،مع تأملٍ ما في ذلك
ص:43
العموم و إنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع،و لعلّ هذا أظهر، سيّما مع اعتضاده بصريح ما مرّ من الخبر المعتبر،فتدبّر.
و يصلّي ركعتيه أي الطواف بقول مطلق كما هنا و في السرائر (1)حيث لم يقيداه بالواجب،أو الواجب منه خاصة كما هو الأشهر في كل وقت حتى الأوقات الخمسة التي تكره فيها ابتداء النافلة ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (2).
و الصحاح المعارضة لها بالمنع (3)محمولة إمّا على التقية،كما صرّح به شيخ الطائفة،قال:لأنه مذهب العامة (4).
أقول:و لكن في الموثق كالصحيح:« ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين(عليهم السّلام)إلّا الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة» (5)و ظاهره موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداءً منهم بهما(عليهم السّلام) .لكن يمكن الجواب بالفرق بين فعلهم و فعلنا؛ فإنّ فعلنا لم يظهر كونه لأجل اختصاص الجواز بركعتي الطواف،بل يحتمل كونه للجواز على الإطلاق كما هو مذهبنا،فإذا رأت العامة نفعلهما فربما توهّمت بنا الجواز مطلقاً فآذتنا،و لا كذلك لو فعلتهما بعد ظهور مذهبهم في المنع مطلقاً.
و ربما يشير إلى ما ذكرنا الصحيح:عن صلاة[طواف]التطوع بعد العصر،فقال:« لا» فذكرت له قول بعض آبائه(عليهم السّلام):« إنّ الناس لم يأخذوا
ص:44
عن الحسن و الحسين(عليهما السّلام)إلّا الصلاة بعد العصر بمكة» فقال:« نعم و لكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه» فقلت:إنّ هؤلاء يفعلون، فقال:« لستم مثلهم» (1).
أو على النافلة؛ لكراهة ركعتيها على الأشهر،للخبر:عن الطواف بعد العصر،فقال:« طف طوافاً و صلِّ ركعتين قبل صلاة المغرب عند غروب الشمس،و إن طفت طوافاً آخر فصلِّ الركعتين بعد المغرب» (2).
و لكن ظاهر الصحيحة المتقدمة عدم الكراهة فيها و إن نهى عنها؛ لظهور سياقها في أنه كان اتّقاءً؛ و لعلّه لها أطلق الطواف الماتن هنا و السرائر.
هذا،مع أن في النفس من كراهية ابتدائية النوافل في هذه الأوقات مطلقاً شيء،قدّمنا وجهه في كتاب الصلاة،من أراده راجع هناك.
و احترز بقوله:ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة،عمّا لو تضيّق وقتها فإنه يجب تقديمها قطعاً.
و عليه يحمل الصحيح:عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة،أ يصلّي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟قال:
« لا» (3)فيقيّد وقت الصلاة منه بالضيق منه.
و ربما يفهم من الشيخ في الاستبصار العمل به إطلاقه حيث قال بعد
ص:45
نقله:فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من أنه كان في وقت صلاة فريضة فلم يجز له أن يصلّي ركعتي الطواف إلّا بعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة.
و هو مشكل،و الأصل يقتضي التخيير بينهما كما صرّح به الفاضل في بعض كتبه (1)؛ لأنهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر.
هذا إن قلنا بسعة وقت صلاة طواف الفريضة.
و إن قلنا بفوريتها كما يظهر من جملة من المعتبرة (2)فتقديمها حينئذ يكون واجباً،و الصحيح المتقدم غير صريح في الإطلاق فيحتمل التقييد بما ذكرنا عملاً بالأصل،مضافاً إلى احتماله الحمل على التقية،لما قدّمنا.
و لو نقص من طوافه شوطاً أو أقلّ أو أزيد أتمه إن كان في المطاف مطلقاً ما لم يفعل المنافي،و منه طول الفصل المنافي للموالاة إن أوجبناها كما هو ظاهر الأصحاب.
و إن انصرف و كان طوافه طواف فريضة و قد تجاوز النصف بأن طاف أربعة أشواط رجع ف أتمّ ما أمكن.
و لو لم يمكنه كأن رجع إلى أهله استناب في الإتمام.
و لو كان ما طافه دون ذلك أي قبل إتمام الرابع استأنف إن أمكنه،و إلّا استناب.
على الأظهر الأشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلّا من جمع ممن تأخّر (3)،حيث قالوا:لم نظفر بمتمسَّك لهذا التفصيل،و إن ما وقفنا عليه
ص:46
من الاخبار لا تساعده:
ففي الصحيح:رحل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال:« يعيد ذلك الشوط» و فيه:عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط،فقال(عليه السّلام):« يطوف شوطا» و فيه:فان فاته ذلك حتى اتى أهله،قال:« يأمر من يطوف عنه» .و على مورده اقتصر جماعة كالشيخ في التهذيب و النهاية،و الفاضل في التحرير و التذكرة (1).
أقول و باللّه سبحانه التوفيق-:و لعلّ الدليل على هذا التفصيل بعده:
مفهوم التعليل في بضع الأخبار المتقدمة في بحث أن الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة تعدلان إلى الافراد أو القِران.
ففيه:عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت،قال:
« تتمّ طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة،فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها،و لتستأنف بعدُ الحج» (2).
و هو صريح في أن علة الحكم بالإتمام بعد تجاوز النصف و طواف أربعة أشواط إنما هو التجاوز،و أن من تجاوزه فقد تمّ طوافه.
و قريب منه آخر وارد في المريض بهذا التفصيل،و فيه:رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف،قال:« إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه،و إن كان
ص:47
طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فلا بأس أن يؤخّر الطواف يوماً أو يومين،فإن خلته العلّة عاد فطاف أُسبوعاً» (1).
و ذلك فإنّ قوله:« فقد تمّ طوافه» في قوة التعليل للحكم بالإتمام، و هو جارٍ في المقام.
و خصوصية المورد لا تقدح في عموم التعليل على الأقوى كما حقّق في الأُصول مستقصى،و ضعف الأسانيد منجبر بالفتوى.
و لا دليل أبين من هذا سيّما مع اعتضاده بتتبع الموارد الأُخر الثابت فيها ذلك التفصيل بالنصّ و الفتوى،و من جملتها ما أشار إليه بقوله:
و كذا الحكم في من قطع طواف (2)الفريضة لحدث،أو لحاجة له أو لغيره،أو لمرض.
أما الأخير فللنصّ المتقدم المنجبر ضعف سنده بالعمل و الموافقة للرضوي،و فيه بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف و أنها تبنى بعد تجاوز النصف لا قبله:
« و كذلك الرجل إذا أصابته علّة و هو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه،فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف» (3).
و على ما فصّل فيهما يحمل إطلاق الصحيح بالإعادة بعروض المرض في الأثناء (4)،بحمله على ما إذا لم يتجاوز النصف؛ فإنّ المطلق يحمل على المقيّد بعد التكافؤ المشترط الموجود هنا و لو مع ضعف سند المفصّل،بناءً على
ص:48
ما مضى من انجباره بالفتوى،مضافاً إلى موافقته لما فهم من العلّة التي قدّمناها.
و أمّا الأول فللمرسل كالصحيح على الصحيح:في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه،قال:« يخرج فيتوضأ،فإن كان جاز النصف بنى على طوافه،و إن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف» (1).
و لا معارض لهذا الخبر،مع اعتباره في نفسه،و اعتضاده بالفتوى و بمفهوم التعليل الذي قدّمناه،مضافاً إلى الأخبار الواردة في الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما في الأثناء.
و أمّا الثاني فللجمع بين النصوص الواردة فيه المتعارضة أكثرها تعارض العموم و الخصوص المطلق،لدلالة جملة منها معتبرة متضمّنة للصحيح و غيره على البناء مطلقاً (2)،و جملة اخرى منها كذلك على أنه يبني على الشوط و الشوطين في النافلة و لا يبني في طواف الفريضة (3)،باستثناء هذه عن تلك،و يلحق ما زاد على الشوطين فصاعداً إلى ما لا يتجاوز النصف بهما،لعدم قائل بالفرق بينهما أصلاً.
و أمّا ما في المرسل كالصحيح المروي في الفقيه من جواز البناء على الأقلّ من النصف (4)،فلا يبلغ قوّة المعارضة للأخبار المصرّحة بالإعادة من وجوه عديدة،مضافاً إلى شذوذه و كونه مرويّاً في التهذيب بنحو يوافق تلك الأخبار (5)و يضادّ ما في الفقيه،مع أنه ليس فيه تصريح بالفريضة فيحتمل
ص:49
النافلة،و الحكم فيها ذلك اتفاقاً و روايةً.
و حيث ثبت هذه الكلّية،من اعتبار التجاوز عن النصف في عدم الإعادة،و عدمه في ثبوتها،ظهر صحّة التفصيل المذكور في العبارة و نحوها،و ما ذكره الأصحاب من ثبوته أيضاً فيمن دخل جوف الكعبة في الأثناء،مع أنه ورد الصحيح بالإعادة مطلقاً (1)؛ إذ ينبغي تقييده بما إذا لم يتجاوز النصف،كما هو مورد كثير من المعتبرة المتضمّنة للصحيح و غيره الواردة بالإعادة في هذه المسألة (2).و الجمع بالعكس بتخصيص الكلّية بهذه الصحيحة و إن أمكن إلّا أن الجمع الأول أشهر فيتعيّن.
ثم إن إطلاق النصّ و الفتوى بالإعادة مع عدم التجاوز عن النصف، و عدمها معه فيما لو نقص يشمل صور وقوعه عمداً أو جهلاً أو نسياناً، و حكي التصريح به عن المفيد و الديلمي (3).
خلافاً لآخرين فقيّدوه بصورة النسيان و أوجبوا الاستئناف مع العمد (4).
قيل:و يؤيّده الأمر بالاستئناف إذا قطعه لدخول البيت من غير تفصيل في الأخبار (5).
و فيه:أن الأخبار الواردة فيه أكثرها مختصة بما إذا طاف ثلاثة أشواط،و الحكم فيه الإعادة مطلقاً عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً اتّفاقاً، و المطلق منها ليس إلّا رواية واحدة،و حملها على ما يوافق ذلك التفصيل بتقييده بما إذا لم يتجاوز النصف كما هو مورد تلك ممكن،بل متعيّن و إن
ص:50
أمكن العكس لما مرّ.
و هل يجزئ الاستئناف حيث جاز البناء؟يعطيه بعض الأخبار المتقدّمة فيمن طاف و وجد النجاسة في الأثناء (1).لكن ضعف سنده يمنع عن العمل به هنا،و الاحتياط يقتضي ترك الاستئناف.
و حيثما تعيّن عليه البناء هل يبني من موضع القطع،أو من الركن؟ الأحوط الأول؛ حذراً من الزيادة،و للصحيح و غيره (2)حيث أُمر فيهما بالحفظ من موضع القطع.
و احتاط في التحرير و المنتهى (3)بالثاني،مع اعترافه فيهما و في التذكرة (4)كما قيل بدلالة ظاهر الخبر على الأول (5).
نعم ظاهر ما في بعض الصحاح الوارد فيمن اختصر شوطاً من الإعادة من الحجر إلى الحجر هو الثاني (6)،و الجمع بالتخيير لا يخلو عن وجه.
و إذا شك في موضع القطع أخذ بالاحتياط كما في الدروس (7).
و لو قطعه لصلاة فريضة حاضرة جاز مطلقاً و إن لم يتضيّق وقتها بإجماع العلماء،إلّا مالكاً،فإنه قال:يمضي في طوافه و لا يقطعه،إلّا أن يخاف أن يضرّ بوقت الصلاة،كما في المنتهى (8).
ص:51
و إذا قطع ثم صلّى ثم بعد الفراغ منها أتمّ طوافه من حيث قطع مطلقاً و لو كان ما طافه دون الأربعة أشواط،كما في صريح الغنية (1)،و المحكي في الدروس عن الحلبي (2)،و في غيره عن الإصباح و الجامع (3).
و هو ظاهر الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر (4)،و المحكي عن المهذّب و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة (5)،و فيهما إجماع أهل العلم، و غيرهم (6)،حيث أطلقوا البناء و تركوا التفصيل هنا مع ذكرهم له في المسائل المتقدّمة.
و لعلّه لإطلاق الصحيح:رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة،قال:« يقطع الطواف و يصلّي الفريضة،ثم يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه» (7)و نحوه غيره (8).
و لا بأس به و إن أمكن تقييد إطلاق الخبرين بمفهوم التعليل المتقدم، و ذلك لإمكان العكس،فيقيّد المفهوم بإطلاق منطوق الصحيح،لرجحانه هنا على الأوّل بالشهرة و حكاية الإجماع.
ص:52
خلافاً للشهيدين في الدروس و اللمعتين (1)،فاختارا الجمع الأوّل، و زاد أوّلهما فادّعى نُدور ما في المتن،مع أنك قد عرفت شهرته و دعوى الإجماع عليه فيما مرّ،و هو عجيب و لا سيّما من مثله.
و أعجب منه دعواه إضافة الماتن خاصة الوتر بقوله: و كذا للوتر و أنه نادر،مع أن الشيخ في النهاية و الفاضل في التحرير و المنتهى (2)ألحقوه أيضاً؛ للصحيح:عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه،فطلع الفجر،فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر،ثمّ يرجع فيتمّ طوافه،أ فترى ذلك أفضل،أم يتمّ الطواف ثم يوتر و إن أسفر بعض الإسفار؟قال:« ابدأ بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك،ثم أتمّ الطواف بعد» (3).
لكن ظاهر من عدا الماتن اشتراط خوف فوات الوتر،كما هو ظاهر الصحيح أيضاً،و هو أقوى.
خلافاً للماتن فأطلق.و فيه مخالفة للنصّ و الفتوى،و يشبه أن يكون دعوى النُّدور لهذا لا لما مضى.
و للشهيدين فلم يفرقا بين الفريضة و الوتر في جريان التفصيل فيهما (4).
و لو دخل في السعي و قد ذكر أنه لم يطف قطّ استأنف الطواف ثم استأنف السعي لوجوب تقديمه عليه؛ للمعتبرة،منها زيادةً على ما يأتي الصحيح:عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف
ص:53
بالبيت،قال:« يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» (1).
و لو ذكر أنه طاف و لم يكن يتمّ الطواف قطع السعي و أتمّ الطواف ثم تمّم السعي للموثّق كالصحيح:رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة،فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت،قال:« يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه،ثم يرجع إلى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي» قلت:فإنه بدأ بالصفا و المروة قبل أن يبدأ بالبيت،فقال:
« يأتي البيت فيطوف به،ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة» قلت:فما فرق بين هذين؟قال:« لأن هذا قد دخل في شيء من الطواف،و هذا لم يدخل في شيء منه» (2).
و ظاهره وجوب البناء مطلقاً و لو لم يكن عن النصف متجاوزاً،كما هو ظاهر المتن و الشرائع و النهاية و التهذيب و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة فيما نقل (3).
خلافاً لصريح الفاضل في القواعد و الشيخ في المبسوط فيما نقل و الشهيدين في اللمعتين (4)،فقيّدوه بصورة التجاوز عن النصف،و أوجبوا مع عدمه الاستئناف،و ربما عزي إلى المشهور (5)،و فيه نظر.
و وجه القولين واضح مما مرّ،إلّا أن ترجيح القول الأوّل لعلّه هنا
ص:54
أظهر؛ لكون القائل به على الظاهر أكثر،و كون النصّ لما في ذيله(من تعليل كالنصوص) (1).
و الاستئناف بعد البناء أحوط.
و سننه أُمور:
الوقوف عند الحجر الأسود كما في الخبر:« إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود،فتستقبله و تقول:الحمد للّه» الحديث (2).
و الدعاء بعد الحمد و الصلاة رافعاً يديه كما في الصحيح:« إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه و صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و اسأل اللّه تعالى أن يتقبل منك،ثم استلم الحجر و قبِّله،فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك،فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه و قل:اللّهم أمانتي أدّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة،اللهم تصديقاً بكتابك و على سنّة نبيك،أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّداً عبده و رسوله،آمنت باللّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و باللات و العزّى و عبادة الشيطان و عبادة كلّ ندّ يُدعى من دون اللّه،فإن لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه،و قل:اللهم إليك بسطت يدي،و فيما عندك عظمت رغبتي،فاقبل سحتي (3)،و اغفر لي و ارحمني،اللهم إني أعوذ بك من الكفر[و الفقر]و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة» (4).
ص:55
و في الخبر السابق بعد ما مرّ:« الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه،سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر من خلقه،و أكبر مما أخشى و أحذر،و لا إله اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت،و يميت و يحيي،بيده الخير،و هو علي كلّ شيء قدير؛ و تصلّي على النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله)و تسلّم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد» .قيل:و زاد الحلبيّان بعد شهادة الرسالة:و أن الأئمة من ذريّة و يسمّيهم حججه في أرضه و شهداؤه على عباده صلّى اللّه عليه و عليهم (1).و لا بأس به.
و استلامه قبل الطواف كما في الصحيح المتقدم و غيره.
و فيه،كما في الخبر:« كنت أطوف مع أبي و كان إذا انتهى إلى الحَجَر مسحه بيده و قبّله» (2).
و ظاهر الحسن أو الصحيح:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يستلمه في كل طواف فريضة و نافلة» (3).
و أخبار مطلقه كثيرة جدّاً (4).
قيل:بل في كلّ شوط كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذّب و الغنية و الجامع و المنتهى و التذكرة و في الفقيه و الهداية يحتملان الوجوب و ذلك لثبوت أصل الرجحان بلا مخصّص.
قال الصدوق في الكتابين:إن لم تقدر فافتح به و اختم به.
ص:56
قلت:يوافقه الخبر:« كنّا نقول:لا بُدّ أن يستفتح بالحجر و يختم به، و أمّا اليوم فقد كثر الناس» (1).
و ما في قرب الإسناد للحميري من خبر سعدان بن مسلم قال:رأيت أبا الحسن موسى(عليه السّلام)استلم الحجر،ثم طاف حتى إذا كان أُسبوع التزم وسط البيت و ترك الملتزم الذي يلتزمه أصحابنا،و بسط يده على الكعبة ثم مكث ما شاء اللّه،ثم مضى إلى الحجر فاستمله و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)ثم استلم الحجر فطاف حتى إذا كان في آخر السبوع استلم وسط البيت،ثم استلم الحجر،ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)، ثم عاد إلى الحجر و استلمه،ثم مضى حتى إذا بلغ الملتزم في آخر السبوع التزم وسط البيت و بسط يده،ثم استلم الحجر،ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(عليه السّلام)،ثم عاد إلى الحجر و استلم ما بين الحجر إلى الباب (2).
و استلام الحجر كما في العين و غيره:تناوله باليد أو القبلة.
قال الجوهري:و لا يهمز،لأنه مأخوذ من السلام و هو الحجر،كما تقول:استنوق الجمل،و بعضهم يهمزه.
و قال الزمخشري:و نظيره:استهم القوم إذا جالوا السهام،و اهتجم الحالب إذا حلب في الهجم،و هو القدح الضخم.
قلت:و أقرب من ذلك:اكتحلت و ادّهنت إذا تناول الكحل و الدهن و أصاب منهما.
و كأنّ التمسح بالوجه و الصدر و البطن و غيرها أيضاً استلام،كما يعطيه كلام الفاضل في القواعد.
ص:57
و في الخلاص إنه التقبيل.
و قال ابن سيدة:استلم الحجر و استلامه قبّله أو اعتنقه،و ليس أصله الهمزة.
و قال ابن السكيت:همزته العرب على غير قياس لأنه من السلام و هي الحجارة.
و في السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى عن تغلب:أنه بالهمزة من اللأمة أي الدرع،بمعنى اتخاذه جُنّة و سلاحاً.
و قال ابن الأعرابي:إن الأصل الهمز و إنه من الملاءمة أي الاجتماع.
و قال الأزهري:أنه افتعال من السلام و هو التحية،و استلامه لمسه باليد تحرّياً لقبول السلام منه تبرّكاً به،قال:و هذا كما يقال:اقترأت منه السلام،قال:و قد أملى عليّ أعرابي كتاباً إلى بعض أهاليه فقال في آخره:
اقترئ مني السلام،قال:و ممّا يدل على صحة هذا القول أن أهل اليمن يسمّون الركن الأسود:المُحيّا،معناه أن الناس يحيّونه بالسلام.انتهى.
و في المنتهى و التذكرة:إنه مأخوذ من السلام يعني إنه يحيّي نفسه عن الحجر،إذ ليس الحجر ممّا يحيّيه،كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم و إنما خدم نفسه.
و في الصحيح:عن استلام الركن،قال:« استلامه أن تلصق بطنك، و المسح أن تمسحه بيدك» (1)و هو يحتمل الهمز من الالتئام المنبئ عن الاعتناق أو التلبس به كالتلبس بالأمة.ثم الركن غير الحجر و إن كان يطلق عليه توسّعاً،و يحتمل ركنه و غيره.
ص:58
و استحبّ الفاضل في القواعد وفاقاً للمبسوط و الخلاف استلامه ببدنه أجمع؛ لأن أصله مشروع للتبرك و التحبّب إليه،فالتعميم أولى،لكن لما يناسب التعظيم و التبرك و التحبب،و هو المراد بالجميع،أو المراد به الاعتناق و الالتزام فهو تناول له بجميع البدن و تلبس و التئام (1).
و يستحب تقبيله بخصوصه و إن دخل في الاستلام؛ للنصوص بالخصوص (2).
قيل:و لم يذكر الحلبي سواه.و أوجبه سلّار؛ و لعلّه لأن الأخبار بين آمر به أو بالاستلام،و مقيِّد لتركه بالعذر،و آمر للمعذور بالاستلام باليد أو بالإشارة و الإيماء،و لا يعارض ذلك أصل البراءة (3).
أقول: سيّما إذا اعتضد بالمعتبرة الناصّة باستثناء المرأة و أنه ليس عليها استلام (4)؛ فإنها كالصريحة في الوجوب على الرجل.
لكن يضعّفها و سائر ما ورد الأمر فيه بالاستلام كونه أعمّ من التقبيل، و لا قائل بوجوبه،و خلوّها أجمع عن الأمر بالتقبيل ربما كان قرينة على كون الأمر به حيثما ورد للاستحباب،سيّما مع اقترانه في مواضع بكثير من الأوامر التي هي له بإجماع الأصحاب،هذا،مع أن الظاهر انعقاد الإجماع على الاستحباب كما صرّح به في المنتهى (5)،و لا يضرّ خروج الديلمي، لمعروفيّة نسبه،فيكون شاذّاً.
ص:59
و لكن مراعاته أحوط و أولى.
ثم في القواعد:فإن تعذّر يعني الاستلام لجميع البدن فيعضه،أي بما تيسّر منه (1).
قيل:كما في المبسوط و الخلاف،و فيه الإجماع عليه و أن الشافعي لم يجتزئ به (2).
ثم فيه:فإن تعذّر فبيده.
قيل:كما في الصحيح (3)و غيره (4)،و في الفقيه و المقنع و المقنعة و الاقتصاد و الكافي و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و الدروس أنه يقبّل يده،و يؤيّده أنه المناسب للتبرك و التعظيم و التحبب،و أنه روي أنّ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) كان يستلم بالمحجن و قبّل المحجن (5)(6). فإن لم يقدر من الاستلام باليد أشار إلى الحجر بيده قيل:كما نصّ عليه الأصحاب،و الخبر:عن الحجر و مقاتلة الناس عليه،فقال:« إذا كان كذلك فأوم إليه إيماءً بيدك» (7)و في الفقيه و المقنع و الجامع:و يقبّل اليد (8).
ص:60
و لو كانت اليد مقطوعة ف ليستلم بموضع القطع كما في الخبر:« انّ علياً(عليه السّلام)سئل:كيف يستلم الأقطع؟يستلم الحجر من حيث القطع،فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله» (1).
و لو لم يكن له يد أصلاً أشار إليه بوجهه،كما في القواعد (2).
قيل:و نصّ عليه المحقّق،و يشمله إطلاق الأكثر،و الصحيح:« فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه» (3)بل و الصحيح:« إن وجدته خالياً و إلّا فسلّم من بعيد» (4)(5). و أن يقتصد في مشيه بأن لا يسرع و لا يبطئ مطلقاً،وفاقاً للقديمين و الشيخ في النهاية و الحلبي و الحلّي و غيرهم (6).
و بالجملة:الأكثر على الظاهر،المصرَّح به في كلام جمع (7)؛ للنصوص:
منها:عن الطواف أُسرع و أُكثر أو أمشي و أُبطئ؟فقال:« مشي بين المشيين» (8)و قريب منه ما سيأتي.
ص:61
خلافاً للشيخ في المبسوط،فقال:يرمل ثلاثاً و يمشي أربعاً في طواف القدوم خاصة (1)(2).و تبعه الفاضل في التحرير و الإرشاد (3).
و لابن حمزة،فاستحب الرَّمَل (4)في الثلاثة الأشواط الاُولى،و المشي في الباقي بين السرع و الإبطاء،و خاصة في طواف الزيارة (5).
و حجتهما غير واضحة،عدا ما في المبسوط من قوله:اقتداءً بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)؛ لأنّه كذلك فعل،رواه جعفر بن محمّد[عن أبيه]عن جابر (6).
و فيه أوّلاً:أن الرواية مرسلة غير مسندة.
و ثانياً:أن الذي يظهر من جملة من الروايات أن فعله(صلّى اللّه عليه و آله)ذلك و كذلك أصحابه كان لمصلحة سَنَحَت لهم يومئذ،و لذا أنهم(عليهم السّلام)بعد
ص:62
نقلهم ذلك عنه(صلّى اللّه عليه و آله)أظهروا له المخالفة:
فمنها مروي الصدوق في العلل:عن الطواف أ يرمل فيه الرجل؟ فقال:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لمّا أن قدم مكة و كان بينه و بين المشركين الكتاب الذي قد علمتم أمر الناس أن يتجلّدوا،و قال:أخرجوا أعضادكم، و أخرج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد،فمن أجل ذلك يرمل الناس،و إني لأمشي مشياً و كان علي بن الحسين(عليه السّلام) يمشي مشياً» (1).
و نحوه مرويّة الآخر صحيحاً في الكتاب المسطور (2)،غير أنّه لم يتضمّن لنقل فعله و لا فعله علي بن الحسين(عليه السّلام) .و هما صريحان في أن فعله(صلّى اللّه عليه و آله)في خصوص ذلك اليوم كان لإظهار التجلّد و القوة لمشركي قريش،و المفهوم من الخبر الأوّل أن العامّة اتّخذوا ذلك سنّةً على الإطلاق بسبب هذه القضية و أنّهم(عليهم السّلام)كانوا يمشون مشياً، و هو ظاهر في قصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار إليه،و مع ذلك فلا تخصيص فيه بالثلاثة الأُول.
و يؤكد ذلك و إن دلّ على تخصيص الرمل بالثلاث الأُول ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره،عن أبيه،قال:سئل ابن عباس فقيل له:إنّ قوماً يروون أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أمر بالرمل حول الكعبة،فقال:كذبوا و صدقوا،فقلت:و كيف ذلك؟فقال:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)دخل مكة في عمرة القضاء و أهلها مشركون فبلغهم أنّ أصحاب محمّد(صلّى اللّه عليه و آله)مجهودون، فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):« رحم اللّه امرءاً أراهم من نفسه جلداً» فأمرهم
ص:63
فحسروا عن أعضادهم و رملوا بالبيت ثلاثة أشواط و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)على ناقته،و عبد اللّه بن رواحة أخذ بزمامها و المشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم،ثم حجّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بعد ذلك فلم يرمل و لم يأمرهم بذلك، فصدقوا في ذلك و كذبوا في هذا (1).
و عن أبيه،عن جدّه،عن أبيه قال:رأيت علي بن الحسين(عليه السّلام) يمشي و لا يرمل (2).
و ممّا ذكر يظهر أن الرمل مذهب العامة،و به صرّح العماني من قدماء الطائفة (3).
و لا يجب شيء من الطريقين بغير خلاف ظاهر،مصرّح به في بعض العبائر (4)؛ للأصل،و النصّ:عن المسرع و المبطئ في الطواف،فقال:« كلّ واسع ما لم يؤذ أحداً» (5).
و أن يذكر اللّه سبحانه و يدعوه بالمأثور و غيره و يقرأ القرآن في حال طوافه كلّ ذلك للنصوص بالعموم و الخصوص:
و في المرسل كالصحيح:« ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس،حاسراً عن رأسه،حافياً،يقارب خطاه،و يغضّ بصره،و يستلم الحجر الأسود في كلّ طواف من غير أن يؤذي أحداً،فلا يقطع ذكر اللّه
ص:64
تعالى عن لسانه،إلّا كتب اللّه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة،و مَحا عنه سبعين ألف سيئة،و رفع له سبعين ألف درجة،و أعتق عنه سبعين ألف رقبة،ثمن كلّ رقبة عشرة آلاف درهم،و شفّع في سبعين من أهل بيته، و قضيت له سبعون ألف حاجة،إن شاء فعاجلة و إن شاء فآجلة» (1).
و في الخبر:دخلت الطواف فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلّا الصلاة على محمّد و آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و سعيت فكان ذلك،فقال (عليه السّلام):« ما اعطي أحد ممّن سأل أفضل ممّا أُعطيت» (2).
و في ثالث:القراءة و أنا أطوف أفضل أو أذكر اللّه تبارك و تعالى؟ قال:« القراءة أفضل» (3).
قيل:و القراءة مكروهة عند مالك (4).
و أن يلتزم المستجار،و هو بحذاء الباب من وراء الكعبة دون الركن اليماني بقليل،قيل:و قد يطلق على الباب (5)،كما في الصحيح:
« إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني فابسط يديك» الخبر (6).
و يبسط يديه و خدّه على حائطه و يلصق بطنه به و يذكر ذنوبه
ص:65
و يعدّدها عنده مفصّلة،فليس من مؤمن يقرّ لربه بذنوبه فيه إلّا غفر له إن شاء اللّه،كما في الصحيح (1)،و يدعو حينئذٍ بالمغفرة و الإعاذة من النار و غيرهما بالمأثور.
كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:
« إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوّذ،و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل:اللّهم البيت بيتك،و العبد عبدك،و هذا مقام العائذ بك من النار،اللهم من قِبَلك الروح و الفرج.ثم استلم الركن اليماني،ثم ائت الحجر فاختم به» (2).
و في تتمة الصحيح المتقدم:« فابسط يديك على البيت،و ألصق بطنك و يديك و خدّك بالبيت و قل:اللهم البيت بيتك» إلى آخر ما مرّ.
ثمّ و فيه بعده:« ثم أقرّ لربك بما عملت،فإنه ليس من عبد مؤمن» إلى آخر ما قدّمنا.
ثم قال:« و تقول:[اللّهم (3)]من قِبَلك الروح و الفرج و العافية،اللهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي،و اغفر لي ما اطّلعت عليه منّي و خفي على خلقك،ثم تستجير باللّه من النار،و تخيّر لنفسك من الدعاء.ثم استلم الركن اليماني،ثم استلم الحجر الأسود» .و هما كغيرهما نصّان في اختصاص استحباب الالتزام بالمستجار و ما بعده بالشوط السابع،كما قيّده به الأصحاب.فما أطلقه العبارة لا وجه له
ص:66
عدا إطلاق بعض الأخبار (1)،و ينبغي تقييده به،حملاً للمطلق على المقيّد.
و لو نسي الالتزام حتى جاوز المستجار رجع و التزم قيل:لعموم جملة من النصوص،و منها الصحيحان المتقدمان.و لا يلزم زيادة في الطواف؛ لأنه لا ينوي بما بعد ذلك إلى موضع الرجوع طوافاً،و إنما الأعمال بالنيات،و لذا لم ينه عنه الأصحاب و إنما ذكروا أنه ليس عليه (2).انتهى.
و فيه نظر؛ لمنع العموم،لفقد اللفظ الدال عليه،و إنما غاية ما في النصوص الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع.
قوله:و لا يلزم زيادة في الطواف.
قلنا:ممنوع؛ لتوقف ذلك على اعتبار النية في البطلان بالزيادة، و ليس كذلك،فإنّ النص و الفتوى بالبطلان بها مطلقة لا تقييد في شيء منهما بالنية.
بل صرّح الشهيدان في الدروس و الروضة (3)في المسألة بما يعرب عن الإطلاق؛ فإنهما قالا:و متى استلم أو التزم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه فيه و لا يتقدم بهما حالته،حذراً من الزيادة في الطواف و النقصان.
و لو اختصّ البطلان بالزيادة بصورة نية كونها من الطواف لما كان لكلامهما ذلك مزيد فائدة،بل كان الأولى الأمر بالاحتياط و ترك نية كون الزيادة من الطواف لو كانت موجودة.
و نحو كلامهما النصوص الآمرة بحفظ موضع القطع حيث يجوز
ص:67
الخروج من الطواف و البناء.
قوله:و لذا لم ينه عنه الأصحاب.
قلنا:ممنوع،فقد نهى عنه الماتن في الشرائع (1)،و حكاه الشهيد في الدروس فقال:و قيل:لا يرجع مطلقاً (2).و هو نهي أو نفي راجع إليه.
و إنما الذي قال:ليس عليه،هو الشيخ في النهاية و الفاضل في التحرير (3)خاصّة،و لو سلّم فغايته عدم النهي عنه هنا،و هو لا يستلزم عدم النهي عنه مطلقاً،فقد يكون إطلاق نهيهم عن الزيادة جارياً هنا.
و ممّا ذكر ظهر أنه لا دليل على الرجوع مطلقاً،بل وجود الدليل على المنع كذلك،و هو نهيهم عن الزيادة في الطواف على الإطلاق؛ مضافاً إلى الصحيح:عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر،أو يدع ذلك؟قال:
« يترك اللزوم و يمضي» (4).
قوله:« و يمضي» أمر بالمضي فيكون واجباً،و الرجوع له مضادّ قطعاً فيكون منهياً عنه،مع أنه لو كان الرجوع إلى المستجار مستحباً لأمر به و لو كان المسئول عنه غيره،و هو صلوح الالتزام بين الركن اليماني و بين الحجر،فإنّ المقام كان يقتضيه لو كان مستحباً.
و بالجملة: فهذا الصحيح صريح في المنع عن الرجوع إذا جاز الركن اليماني،و لذا خصّ الشهيد استحباب الرجوع بما إذا لم يبلغه (5).
ص:68
و هو حسن،و لكن لا دليل على استحباب الرجوع مع عدم البلوغ، إلّا أن يكون ما مرّ،و لكن جوابه قد ظهر.
فإذاً القول بالمنع عن الرجوع مطلقاً كما عليه الماتن في الشرائع أظهر،و مع ذلك فهو أولى و أحوط.
و كذا يستحب أن يستلم الأركان الأربعة كلّها؛ للصحيح الفعلي الآتي،و في آخر:يستلم اليماني و الشامي و الغربي؟قال:« نعم» (1).
و هما نصّان على من منع عن استلام ما عدا الركن العراقي و اليماني كالإسكافي (2)؛ مضافاً إلى الأصل و الإجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى (3)؛ مع عدم وضوح دليل على المنع أصلاً سوى النصوص بأن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)استلمهما و لم يستلم غيرهما (4).
و هي محمولة على كون ذلك لتأكده فيهما،دون غيرهما،كما أفتى به الأصحاب أيضاً،و منهم الماتن هنا،لقوله: و آكدها استحباباً ركن الحجر يعني العراقي و اليماني و بهذا الجمع صرّح في الاستبصار،حيث قال بعد نقل الصحيح الثاني و معارضه من الموثّق:« كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لا يستلم إلّا الركن الأسود و اليماني و يقبّلهما و يضع خدّه عليهما،و رأيت أبي يفعله» (5).
ص:69
و الصحيح:« كنت أطوف بالبيت و إذاً رجل يقول:ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان؟!فقلت:إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)استلم هذين و لم يتعرّض لهذين،فلا تتعرّض لهما إذا لم يتعرّض لهما رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)» قال جميل:و رأيت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)يستلم الأركان كلّها (1).
و لا تنافي بين هذين الخبرين و الخبر الأوّل؛ لأنهما حكاية ما فعل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و يجوز أن يكون رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)لم يستلمهما لأنّه ليس في استلامهما من الفضل و الترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي و اليماني،و لم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه،و لأجل ما قلناه قال جميل إنه رأى أبا عبد اللّه(عليه السّلام)يستلم الأركان كلّها،فلو لم يكن جائزاً لما فعله(عليه السّلام) (2)انتهى.
و بالجملة: فالقول بالمنع نادر ضعيف لا دليل عليه،بل الأدلة حجة عليه.
و مثله في الضعف و الشذوذ قول الديلمي بوجوب استلام الركن اليماني لا استحبابه (3)؛ للأصل،و عدم دليل عليه،سوى ما قيل من الأمر به في الأخبار من غير معارض (4).
و هو كما ترى؛ إذ لم نر من الأخبار المعتبرة ما يتضمّن الأمر به أصلاً،و إنما غايتها بيان فعلهم(عليهم السّلام)،و هو أعمّ من الوجوب،بل هو بالنسبة إلى العراقي الذي تضمنته أيضاً للاستحباب إجماعاً،فليكن بالنسبة
ص:70
إلى اليماني كذلك أيضاً،فتأمّل.
ثم إنّ الموجود في العبارة و غيرها و النصوص المتقدمة و غيرها إنما هو الاستلام،و لكن في الصحيح:عن استلام الركن،فقال:« استلامه أن تلصق بطنك به،و المسح أن تمسحه بيدك» (1).
و في المرفوع:« كنت أطوف مع أبي و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله،و إذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه،فقلت:جعلت فداك، تمسح الحجر بيدك و تلتزم اليماني؟!فقال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):ما أتيت الركن اليماني إلّا وجدت جبرئيل(عليه السّلام)قد سبقني إليه يلتزمه» (2).
و ظاهرهما أن المستحب الالتزام،بل ظاهر الأوّل أنه المراد من الاستلام للركن حيث يطلق في الأخبار،و لعلّه لذا بدّل الاستلام في الشرائع و القواعد بالالتزام (3).و لا بأس به.
و أن يتطوّع بثلاثمائة و ستّين طوافاً كلّ طواف سبعة أشواط،فيكون مجموعها ألفين و خمسمائة و عشرين شوطاً،بلا خلاف؛ للصحيح:« يستحب أن يطوف ثلاثمائة و ستّين أُسبوعاً عدد أيام السنة،فإن لم يستطع فثلاثمائة و ستّين شوطاً،فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف» (4).
و هو كعبارات الأصحاب مطلق،لكن في الرضوي:« و يستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة و ستّين أُسبوعاً بعدد أيام السنة،فإن لم
ص:71
يقدر عليه طاف ثلاثمائة و ستّين شوطاً» (1).
و ظاهره التقييد بمدة مقامه بمكة،و لعلّه المتبادر من إطلاق الرواية السابقة.
قيل:و الظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامة أو في كلّ عام، و ما في الأخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه (2).
و من الخبرين يظهر المستند في قوله كباقي الأصحاب: فإن لم يتمكّن جعل العدّة أشواطاً فيكون جميع الأشواط أحداً و خمسين طوافاً و ثلاثة أشواط،و ينوي بكل سبعة أشواط طوافاً،فإذا طاف خمسين طوافاً حصل ثلاثمائة و خمسين شوطاً يبقى عليه عشرة.
و ظاهر الأصحاب إلّا النادر أنه يجعلها كلّها طوافاً واحداً فينوي:
أطوف بالبيت عشرة أشواط لندبه قربةً إلى اللّه تعالى،قالوا:و هو مستثنى من(كراهة) (3)القِران في النافلة؛ للنصوص المزبورة.
خلافاً لابن زهرة فلم يستثن،و قال:يجعل السبعة من العشرة طوافاً، و يضمّ إلى الثلاثة الباقية أربعة أُخرى ليصير طوافاً آخر،و المجموع على هذا اثنان و خمسون طوافاً،و جعله رواية (4).
قال الشهيد في الدروس:رواه البزنطي (5).
قال في حاشية الكتاب:إنّ في جامعه إشارة إليه؛ لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن الصادق(عليه السّلام)أنّها اثنان و خمسون طوافاً.و زاد الشهيد أنها
ص:72
يوافق أيام السنة الشمسية (1).
أقول: روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب في الصحيح عن البزنطي، عن علي،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة،كلّ أُسبوع لسبعة أيام،فذلك اثنان و خمسون أُسبوعاً» (2).
و ضعف السند بالبطائني مجبور في المشهور بكونه ممن روى عنه البزنطي الذي نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه من أحاديثه.
و يدفع التدافع بين صدر الخبر بأنه يطاف عدد أيام السنة و ذيله المتضمن لأن ذلك اثنان و خمسون أُسبوعاً،مع أنه بمقتضى الصدر أحد و خمسون و ثلاثة أشواط كما مرّ بأن المراد عدد السنة الشمسية كما ذكره الشهيد(رحمه اللّه) .و يجاب عن الرايات السابقة بأن استحباب ما فيها من العدد لا ينفي الزيادة،فيزاد على الثلاثة أربعة؛ و لعلّه لذا نفى عن هذا القول البأس في المختلف (3)،و استحسنه شيخنا في الروضة،لكن لم يأب عمّا عليه الأصحاب فجعله مستحباً أيضاً (4).
و أن يقرأ في ركعتي الطواف بالحمد و الصمد في الركعة الأُولى،و بالحمد و الجحد في الثانية على الأظهر الأشهر؛ لصريح الصحيح و غيره (5)،و يعضده الترتيب الذكري في كثير من الأخبار المرغبة
ص:73
في قراءة السورتين هنا (1)و في باقي المواضع السبعة المشهورة (2).
خلافاً للشيخ (3)في كتاب الصلاة،فقال بالجحد في الأُولى و التوحيد في الثانية،و جعله الشهيد و جماعة (4)رواية،و لم أقف عليها،مع أن الشيخ قد رجع عنها في النهاية في المسألة فأتى بعين ما في العبارة (5)،و مع ذلك فقد نفى البأس عنه أيضاً في كتاب الصلاة من النهاية (6).
و يكره الكلام فيه بغير الذكر و الدعاء و القراءة للخبر:
« طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه تعالى و تلاوة القرآن،و النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشيء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به» (7).
و« لا ينبغي» ليس فيه للتحريم؛ للإجماع على الجواز على الظاهر، المصرَّح به في التحرير و المنتهى (8)؛ مضافاً إلى الصحيح:عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك،في الفريضة أو في غير الفريضة،أ يستقيم
ص:74
ذلك؟قال:« لا بأس به،و الشعر ما كان لا بأس به منه» (1).
و نفي البأس فيه محمول على نفي التحريم جمعاً،فلا ينافي المرجوحية المستفادة من صريح الرواية السابقة،لكن ظاهرها اختصاصها بالفريضة.
لكن قيل في توجيه فتوى الأصحاب بالكراهة على الإطلاق:إنّ الخبر و إن اختص بالفريضة لكن العقل يحكم بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة و إن كان أخفّ،بل و النهي عن كلام الدنيا في المسجد معروف (2).و هو كما ترى.
قال الشهيد-(رحمه اللّه) تتأكد الكراهة في الشعر (3).
و لعلّه لورود النهي عن إنشاده في المسجد مطلقاً (4)،ففي الطواف أولى،إلّا ما كان منه دعاءً أو حمداً أو مدحاً لنبي أو إمام أو موعظة.
و زاد الشهيد كراهية الأكل،و الشرب،و التثاؤب،و التمطي، و الفرقعة،و العبث،و مدافعة الأخبثين،و كلّ ما يكره في الصلاة غالباً.
و لعلّه للنبوي المشهور:« الطواف بالبيت صلاة» (5)و لعلّه المستند في فتوى الأصحاب بكراهية الكلام في الطواف على الإطلاق كما يفهم من المنتهى (6)،لا التوجيه المتقدم عن بعض الأصحاب.
ص:75
و أما أحكامه فثمانية:
الأول: الطواف ركن،فلو تركه عامداً عالماً بأن لا يأتي به في وقته،و هو في طواف الحج قبل انقضاء ذي الحجة،و في طواف عمرة التمتع قبل أن يضيق الوقت عنها و عن الحج،و في طواف العمرة الجامعة لحجّ الإفراد و القِران قبل خروج السنة بناءً على وجوب إيقاعها فيها،و في المجرّدة قبل الخروج عن مكة بنية الإعراض عن فعله على إشكال.
بطل حجه أو عمرته بلا خلاف و لا إشكال؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف،و لفحوى الرواية الآتية في تركه على وجه الجهالة،لكن فيها وجوب البدنة.
قال الشهيد-(رحمه اللّه)-:و في وجوب هذه البدنة على العالم نظر،من الأولوية (1).
قلت:و من عدم النص،و جواز منع الأولوية كمن عاد إلى تعمد الصيد.
و قيل:يجوز كون الكفارة للتقصير بعدم التعلم (2).
ثم إن هذا في غير طواف النساء،فإنه ليس بركن يبطل بتركه النسك من غير خلاف،كما في السرائر (3)،معرباً عن الإجماع،كما في صريح المسالك و غيره (4)؛ و هو الحجّة.
ص:76
مضافاً إلى أصالة خروجه عن حقيقة النسك و الصحاح الظاهرة في ذلك،منها:« على المفرد طواف بالبيت،و صلاة ركعتين،و سعى واحد بين الصفا و المروة،و طواف بالبيت بعد الحج و هو طواف النساء» (1)كما في الصحيح الآخر الوارد بهذا النهج في القارن (2).
و منها:إنّ معنا امرأة حائضاً و لم تطف طواف النساء و يأبى الجمّال أن يقيم عليها،قال:فأطرق و هو يقول:« لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمّالها» ثم رفع رأسه إليه فقال:« تمضي فقد تمّ حجّها» (3).
و قوله:« فقد تمّ حجّها» ظاهر في خروجه عن النساء مطلقاً و لو في حال الاختيار و لا يختصّ بحال الاضطرار و إن كانت مورده؛ فإن العبرة بعموم الجواب،لا خصوص المحلّ.
و لو كان تركه ناسياً أتى به مع القدرة،و قضاه متى ذكره،و لا يبطل النسك و لو كان طواف الركن و ذكره بعد المناسك و انقضاء الوقت،بلا خلاف في كل من الحكم بالصحة،و وجوب القضاء عليه بنفسه مع إمكان المباشرة.
إلّا من الشيخ في كتابي الحديث في الأوّل،فأبطل الحج بنسيان طوافه (4)،و مثله الحلبي (5).
و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع في صريح الغنية
ص:77
و الخلاف (1)،و ظاهر غيرهما (2)،مع أن الشيخ رجع عنه في كتبه المتأخرة كالخلاف و المبسوط و النهاية (3)،فلا ريب في ضعفه،للإجماع على خلافه،مضافاً إلى لزومه الحرج المنفي.
و يدفعه عموم رفع الخطأ أو النسيان في النبوي (4)و غيره (5)، و الصحيح:عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله،فقال:« لا يضره إذا كان قد تقضى مناسكه» (6).
و الصحيح الآتي في الحكم الآتي.
و حمل الطواف في الأوّل على طواف الوداع،و في الثاني على طواف النساء لا وجه له بعد عمومهما لهما و لغيرهما ممّا نحن فيه،سوى الأصل المتقدم في العامد،و ما سيأتي من الخبرين في الجاهل.
و لا دخل له بما نحن فيه؛ إذ الجاهل غير الناسي،و لذا يقابل أحدهما بالآخر عرفاً و لغةً،و الأصل مخصَّص بما عرفته من الأدلة في المسألة.
و من بعض المتأخرين في الثاني،فجوّز الاستنابة مطلقاً و لو مع القدرة على المباشرة؛ لإطلاق الصحيحة الآتية في الاستنابة (7).
و فيه:أنه محمول على صورة التعذر و المشقة كما هو الغالب من
ص:78
أفراده إجماعاً،كما في الغنية (1)و شرح الشرائع للصيمري؛ لفحوى ما دلّ على وجوب المباشرة مع القدرة في نسيان طواف النساء إن قلنا به فهنا أولى.
و قريب منها فحوى ما مرّ من الأدلّة على وجوب قضاء ركعتي الطواف بنفسه مع القدرة لو نسيهما،فهنا أولى،لكونهما فرع الطواف و من توابعه جدّاً كما مضى.
و لو تعذّر العود استناب فيه بلا خلاف من القائل بصحة الحج و عدم بطلانه،و عليه الإجماع في الغنية (2)؛ و للحرج،و للصحيح:عن رجل نسي طواف الفريضة حتى يقدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟قال:
« يبعث بهدي،إن كان تركه في حج يبعث به في حج،و إن كان تركه في عمرة يبعث به في عمرة،و يوكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» (3).
و هو نصّ في تساوي الحج و العمرة،كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في كلام جماعة (4)،و لكن عن الأكثر الاقتصار عليه في طواف الحج (5)، و لا وجه له بعد عموم الحجّة.
و المراد بتعذر العود امتناعه و اشتماله على مشقة لا تتحمل عادة.
ص:79
قيل:و يحتمل أن يراد بالقدرة استطاعة الحج المعهودة (1).و هو ضعيف في الغاية.
قيل:و الصحيح يعطي أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً،و لكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطاً (2).
أقول:و لعلّه لكون صورة العذر هو الغالب المتيقن من إطلاق الصحيح،فلا يسلّم إعطاؤه أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً مطلقاً،بل يعطي ذلك في الفرد الغالب المتيقن منه خاصة.
و متى وجب قضاء طواف العمرة أو الحج فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضاً،كما عليه الشيخ و جمع (3)؛ للصحيح:عن رجل طاف بين الصفا و المرة قبل أن يطوف بالبيت،فقال:« يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» (4).
و يحتمل العدم؛ للسكوت عنه في خبر الاستنابة المتقدم،و احتمال اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت كما يفهم من خبر آخر لراوي الصحيح المتقدم،و فيه:عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة،قال:« يرجع فيطوف بالبيت أُسبوعاً ثم يستأنف السعي» قلت:إنه فاته،قال:« عليه دم، أ لا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» (5).
ص:80
و هو ظاهر في أن وجوب إعادة السعي إنما هو مع الحضور و بقاء الوقت،و أما مع فوات وقته فليس عليه إلّا الدم،دون إعادة السعي،و إلّا لأمر بهما،و عليه ففي الرواية دلالة على عدم وجوب الإعادة عكس ما عليه الجماعة و لذا أن الأكثر لم يذكروا قضاء السعي،كما عن شيخنا الشهيد الثاني (1).
هذا،و المسألة محل نظر (2).و لا ريب أن الاحتياط يقتضي إعادة السعي.و إنما يحصل التحلّل مما يتوقف على الطواف و السعي بالإتيان بهما و لا يحصل بدون فعلهما.
و لو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة،فهل يكتفي بذلك،أو يتعيّن عليه الإحرام،ثم يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟وجهان.
و لعلّ الأوّل أرجح؛ تمسكاً بمقتضى الأصل،و التفاتاً إلى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة،و الإحرام لا يقع إلّا من مُحلّ.
ثم إنّ ما مرّ إنما هو حكم من ترك الطواف عالماً عامداً،أو ناسياً.
و أما لو تركه جاهلاً فلم يذكر حكمه الماتن هنا صريحاً،و إنما أشار
ص:81
إليه بقوله: و في رواية بل روايات إن كان [تركه] على وجه جهالة أعاد أي الحج و عليه بدنة ففي الصحيح:عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال:« إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة» (1).
و الخبر:عن رجل جهل كما في نسخة،أو سها كما في اخرى أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله،قال:« إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة» (2).
و في نسبة الحكم إلى الرواية إشعار بتردّده فيه.و لا وجه له قطعاً إن تعلّق بوجوب إعادة الحج؛ لموافقته الأصل المتقدم في العامد،مضافاً إلى صحة سند الرواية و اعتضادها بغيرها،مع سلامتها عن المعارض.
فتعيّن تعلّقه بما فيها من إيجاب البدنة.و لا وجه له فيه أيضاً إلّا ما في التنقيح،من أصالة عدم الوجوب أوّلاً،و من هجران الروايتين ثانياً لعدم القائل بهما،و من ضعفهما ثالثاً (3).
و في هذه الأوجه الثلاثة ما ترى؛ لوجوب الخروج عن الأصل بالدليل،و هو الصحيح و تاليه.و دعوى ضعفهما معاً سنداً فاسدة جزماً؛ لما بيّن في الرجال مستقصًى.و كذا دعوى شذوذهما و عدم قائل بهما،فإنها غريبة جدّاً؛ فقد حكي القول بمضمونهما عن الشيخ و الأكثر (4)،و به أفتى
ص:82
صريحاً جمع ممن تأخر (1)،و هو أظهر.قالوا:و هذه البدنة عقوبة محضة، لا جبران؛ لأن النسك باطل من أصله،فلا يتعلق به الجبران.
الثاني: من شك في عدده أي عدد أشواط الطواف بعد الانصراف فلا إعادة كسائر العبادات،بلا خلاف؛ لاشتراك العلّة أعني الحرج المنفي في الشريعة،و قوله(عليه السّلام):« كلّ ما شككت فيه ممّا مضى فامضه» (2).
و للصحاح فيمن طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة (3)،قال:« فليعد طوافه» قال:ففاته،قال:« لا أرى عليه شيئاً» و في بعضها:« الإعادة أحب إليّ و أفضل» .و التقريب فيها عدم إمكان حملهما على الشك في الأثناء؛ لوجوب التدارك فيه إما بالاستئناف أو إتيان شوط آخر على ما سيأتي من الخلاف، و لا قائل بعدم وجوب شيء مطلقاً و لو مع الفوات،إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان و لكلٍّ موجَب مضى تفصيله،إذ هو كترك الطواف كلا أو بعضاً فتأتي فيه الأحوال الثلاث مع ما يترتب عليها من الأحكام،و ليس منها أنه لا شيء عليه أصلاً،فالحكم به صريحاً في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة صورة الشك بعد الانصراف.
و لا ينافيها الحكم بالاستئناف بناءً على عدم ظهور قائل به أيضاً مطلقاً،و ذلك لظهورها في استحبابه،و لا يشترط فيه ظهور قائل به.
ص:83
و الظاهر أن العبرة في الانصراف بالنية،فإذا اعتقد أنه أتمّ الطواف فهو منصرف عنه و إن كان في المطاف و لم يفعل المنافي،خصوصاً إذا تجاوز الحجر؛ أما قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف،كان عند الحجر أو بعده، أو خارجاً عن المطاف،أو فعل المنافي.
و لو كان الشك المزبور في أثنائه و كان بين السبعة أشواط و ما زاد فقط،كما إن شك فيها أنه سبعة أو ثمانية قطع شوطه و صحّ و لا إعادة عليه بلا خلاف؛ للأصلين:عدم الزيادة و البراءة من الإعادة؛ و عموم نحو الصحيح الشامل لما سبق و ما نحن فيه:عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أم ثمانية،فقال(عليه السّلام):« أما السبعة فقد استيقن،و إنما وقع وهمه على الثامن فليصلّ ركعتين» (1).
ثم إنه إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط.أما لو كان في الأثناء بطل طوافه؛ لتردّده بين محذورين:الإكمال المحتمل للزيادة عمداً،و القطع المحتمل للنقيصة،صرّح بذلك شيخنا في المسالك و الروضة (2)،و تبعه جماعة (3)،و سبقهم في ذلك ابن زهرة في الغنية (4).
و لو كان الشك في الأثناء في النقيصة كأن شك فيما طافه أنه سبعة أو ستّة مثلاً أعاد الطواف وجوباً في الفريضة على الأظهر الأشهر،بل عليه الإجماع في الغنية؛ و هو الحجّة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة منها: زيادةً على ما يأتي الصحيح
ص:84
المروي في الكافي:عن رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة،قال:« يستقبل» (1).
و نحوه الخبر المروي في التهذيب بسند فيه اشتراك (2)،و ربما وصف أيضاً بالصّحة.
و الخبر المروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من فقه الحج، عن إبراهيم بن هاشم،عن صفوان،قال:سألت أبا الحسن(عليه السّلام)عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال كلّ منهم لصاحبه:تحفّظ الطواف،فلمّا ظنّوا أنهم فرغوا قال واحد:معي سبعة أشواط،و قال الآخر:معي ستة أشواط، و قال الثالث:معي خمسة أشواط،قال:« إن شكّوا كلّهم فلستأنفوا،و إن لم يشكّوا و استيقن كلّ واحد منهم على ما في يده فليبنوا» (3)و عُدّ هذا الحديث حسناً (4).
و الخبر:رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية،قال:« يعيد طوافه حتى يحفظ» (5)و قصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.
و قال المفيد:من طاف بالبيت فلم يدر أ ستّاً طاف أم سبعاً،فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنه طاف سبعاً (6).
و فهم منه الفاضل البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط
ص:85
آخر،و تبعه من المتأخرين جماعة (1)و عزوه إلى واد الصدوق و الإسكافي و الحلبي.
و استدَلّ له بأصل البراءة و عدم الزيادة و بالصحيح:إني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة،فطفت طوافاً آخر،فقال:« هلّا استأنفت؟» قال:
قلت:قد طفت و ذهبت،قال:« ليس عليك شيء» (2)فلو كان الشك موجباً للإعادة لأوجبها عليه.
و أجاب عن الأولين بالأخبار و الاحتياط و عن الصحيح باحتماله النافلة،و كون الشك بعد الانصراف،و احتمال قوله:« قد طفت» الإعادة، أي فعلت الأمرين:الإكمال و الإعادة (3).
و زاد غيره الاستدلال بما مرّ من الصحاح في حكم الشك بعد الفراغ.
و هي محمولة على موضوع تلك المسألة كما عرفته،فلا دخل له بالمسألة.
و بالصحيح:في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة،قال:« يبني على يقينه» (4).
و هو ليس بصريح؛ لاحتماله النفل،و كون الشك بعد الانصراف، و البناء على اليقين بمعنى أنه حين انصرف أقرب القين ممّا بعده،فلا يلتفت إلى الشك بعده؛ و إرادةِ الإعادة أي يأتي بطواف يتيقن عدده.
و بنى على الأقلّ في النافلة بلا خلاف؛ للمستفيضة
ص:86
منها الموثق:فيمن طاف فأوهم فقال:طفت أربعة أو طفت ثلاثة:
« إن كان طواف فريضة فليُلقِ ما في يديه و ليستأنف،و إن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له» (1).
و الخبر:عن رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة، فقال:« إن كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه،و إن كان نافلة بنى على ما هو أقلّ» (2)و نحوه اخرى (3).
و في التذكرة و المنتهى و التحرير و غيرها (4):جواز بنائه على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على سبعة؛ للمرسل في الفقيه و المقنع:عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة،قال:« طواف فريضة أو نافلة؟» قيل:أجبني فيهما جميعاً،فقال(عليه السّلام):« إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت،و إن كان طواف فريضة فأعد» (5).
و في التذكرة و المنتهى:إنه من تتمة بعض الصحاح المروي في الفقيه فيكون صحيحاً،و لكنه غير معلوم،كما نبّه عليه جمع (6).
ص:87
و لو زاد على السبع ناسياً تجاوز الحجر و دخل في الشوط الثامن و ذكر قبل بلوغ الركن أنه زاد قطع الشوط و لم يعد الطواف.
هذه المسألة كالمقيّدة لقوله فيما سبق:و من زاد على السبعة سهواً أكمل أُسبوعين.فإنّ الزيادة عليها تتحقق و لو بخطوة،مع عدم ثبوت ذلك الحكم على الأظهر كما مرّ.
الثالث: لو طاف و ذكر أنه لم يتطهر أعاد ه وجوباً إن كان طواف الفريضة،و كذا يعيد صلاته،و لا يعيد إن كان طواف النافلة و لكن يعيد صلاته استحباباً كلّ ذلك للنصوص المتقدم إليها الإشارة في بحث اشتراط الطواف، و منها الصحيح:عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر،قال:
« يتوضأ و يعيد طوافه،فإن كان تطوعاً توضّأ و صلّى ركعتين» (1).
و لو نسي طواف الزيارة أي طواف الحج حتى رجع إلى أهله و واقع عاد و أتى به،و مع التعذّر يستنيب فيه كما مرّ (2)،و إنما أعاد هنا لبيان حكم الكفارة المشار إليه بقوله:
و في وجوب الكفارة تردّد و اختلاف بين الأصحاب:
فبين موجبٍ لها،كالشيخ في النهاية و المبسوط (3)،و عن المهذّب و الجامع (4)؛ للصحاح
ص:88
منها: زيادةً على ما مرّ في أوّل بحث وجوب الاستنابة مع التعذر عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت،قال:« يهريق دماً» (1).
و منها:عن متمتع وقع على أهله و لم يزر،قال:« ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون ثلم حجّه إن كان عالماً،و إن كان جاهلاً فلا بأس عليه» (2).
و مانعٍ عن وجوبها،كالحلّي في السرائر (3)،و جماعة و عزي إلى الأكثر (4)و منهم:الفاضل في التذكرة و المختلف و المنتهى و الشهيدان و غيرهم (5)،و اختاره في الشرائع (6)و هنا أيضاً لقوله:
أشبهه أنه لا يجب إلّا مع المواقعة بعد الذكر و لعلّه الأقوى؛ للأصل،و رفع النسيان،مع عدم صراحة تلك الصحاح،و احتمالها الحمل على المواقعة بعد الذكر،أو الاستحباب،جمعاً بينها و بين ما دلّ على عدم الكفارة على المحرم الواطئ ناسياً أو جاهلاً من النص و الفتوى:
ففي الصحيح المروي في العلل:في المحرم يأتي أهله ناسياً،قال:
« لا شيء عليه،إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناسٍ» (7).
ص:89
و المرسل المروي في الفقيه:« ان جامعت و أنت محرم» إلى أن قال:
« و إن كنت ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليك» (1).
و الأخبار بنفيها عن الجاهل مستفيضة،بل متواترة (2)،فإن عمّمنا الجهل للنسيان شملت المسألة.
و الجمع بين الأخبار بتقييد هذه على ما عدا المسألة كما اتّفق لجماعة (3)لا وجه له بعد رجحان أخبارنا بالأُصول و الشهرة،مع أن من تلك الصحاح ما يعمّ طواف العمرة و لم يذكره أكثر الجماعة،بل اقتصروا على طواف الزيارة كما في العبارة،نعم عن الجامع الإطلاق (4).
و الصحيحة الأخيرة قد جعلها للمختار بعض الأصحاب حجة، بتعميم البأس المنفي للكفارة،لا خصوص الثلم و الإثم و المؤاخذة،و جَعْلِه العلم المشترط شرطاً لجميع ما تقدّمه،و منه إيجاب الكفارة (5).
و لكنّه بعيد في الغاية؛ لظهور كون العلم قيداً لثلم الحج خاصة، و البأس المنفي هو الإثم و الثلم لا الكفارة،كما صرّح به جماعة.
نعم لا بأس بما ذكره،دفعاً للصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة.
هذا،و لا ريب أن الإيجاب أحوط و إن كان العدم أظهر.
و لو نسي طواف النساء إلى أن رجع إلى أهله استناب مطلقاً
ص:90
و لو مع القدرة على المباشرة كما في ظاهر إطلاق العبارة،بل صريح سياقها،و عليه الأكثر،و جعله في الدروس أشهر (1)،بل لا خلاف فيه بين القدماء و المتأخرين يظهر،إلّا عن الشيخ في التهذيب و الفاضل في المنتهى (2)،فاشترطا فيه التعذر،و قد رجع الأوّل عنه في النهاية (3)،و قال الثاني في أكثر كتبه بما في العبارة كالتحرير و الإرشاد و التلخيص و التذكرة (4).
للصحاح المروي أحدها في مستطرفات السرائر:عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله،قال:« يرسل فيطاف عنه» (5).
و زيد في اثنين منها:« فإن مات قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه» (6).
و إطلاقها بل عمومها بترك الاستفصال يعمّ محل النزاع.
و قريب منها الصحيح:رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال:« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» و قال:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» (7).
ص:91
و التقريب أن الظاهر أن المراد بقوله:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» و اللّه يعلم أنه يستنيب إن لم يرد العود بنفسه،و هو أعم من صوره التعذّر و غيره،بل لعلّه ظاهر في الثاني،و إلا لقيل:يأمر من يقضي عنه إن لم يقدر على الحج،و حينئذٍ فيكون هذا قرينة على أن المراد بقوله في صدره:« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» لا تحلّ له حتى يحصل زيارة بنفسه أو بغيره.
و أظهر منه في ذلك ما سيأتي من رواية صحيحة،بل لعلّها فيه صريحة كما ستعرفه.
و منه يظهر الجواب عن الصحيح المستدل به للقول الثاني المتضمّن لقوله(عليه السّلام):« لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت،فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره» (1)بحمله على ما ذكرنا.
و لا ينافيه ما في ذيله من قوله(عليه السّلام):« فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه» الحديث؛ إذ غايته نفي الصلاحيّة الذي هو أعم من الكراهة و الحرمة،فلعلّ المراد به الكراهة إن لم نقل بظهوره فيها،كما عليه المتأخّرون كافة،تبعاً لما صرّح به الشيخ في مواضع عديدة،و منها ما في الاستبصار في بحث صلاة الفريضة في جوف الكعبة حيث صرّح ثمة بأنّ لا يصلح صريح في الكراهة (2)،و نحن نقول بها في المسألة،و على هذا فتكون هذه الصحيحة دليلاً آخر على الإطلاق،لا على خلافه حجّة و إن توهّمه جماعة (3).
ص:92
و أما الصحيح المتضمن لنحو ما مرّ في صدر الصحيح الأخير و قول الراوي بعده:قلت:فإن لم يقدر،قال:« يأمر من يطوف عنه» (1)فليس فيه دلالة على التقييد؛ إذ الشرط إنما هو في كلام الراوي،فلا يفيد التقييد، و إنما يستفاد من قوله(عليه السّلام):« حتى يطوف بالبيت» الظاهر في وجوب طوافه عليه و مباشرته له بنفسه.لكن قد عرفت بما مرّ أن المراد منه المعنى الأعم الشامل له و لنائبه.
و على هذا فلم يبق حجّة على القول الثاني عدا أصالتي بقاء حرمة النساء و عدمِ الانتقال إلى الغير،و هما مخصَّصان بما مرّ.
فإذاً القول الأوّل أظهر،سيّما مع كونه أشهر و أوفق بما دلّ على نفي العسر و الحرج.
و لكن الثاني أحوط،بل لا يترك؛ لإمكان المناقشة في إطلاق الصحاح بقوة احتمال ورودها مورد الغالب،و هو صورة التعذّر أو التعسّر في العود؛ و عدم صراحة قوله(عليه السّلام)في الحديث الذي[يقر بها (2)]:« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» فيما مرّ،بل هو مطلق أيضاً،يحتمل الحمل على الغالب من صورة التعذّر،فلعلّه الباعث على عدم إرادة الحج.
و على هذا فيبقى الأوامر بطوافه بنفسه المستفادة من قوله:« لا حتى يطوف بالبيت» و غيره باقية على ظاهرها من لزوم المباشرة،خرج منه صورة التعذّر خاصة اتّفاقاً فتوًى و روايةً و بقي الباقي،و حينئذٍ فلا مخصّص يطمئن إليه للأصلين المتقدم إليهما الإشارة.
ص:93
و بالجملة: فالمسألة محلّ إشكال و ريبة؛ لإمكان الجمع بين الروايات بما يوافق كلا القولين،مع عدم وضوح دليل صالح للترجيح في البين سوى الشهرة للأوّل،لكنّها معارضة بالأُصول للثاني،فالمصير إلى الاحتياط أجود و إن كان في تعيّنه نظر،لقوّة الشهرة على الأُصول،سيّما مثل هذه الشهرة القريبة من الإجماع،المعتضدة بلفظ« لا يصلح» الظاهر في الكراهة إن لم نقل بصراحته فيها.
إلى ظهور بعض الصحاح في أنّ المراد بالأوامر المستفادة من قوله:« لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» و غيره ما قدّمن،من تحصيل الطواف و لو بالاستنابة،لا المباشرة خاصة.
ففيه:قلت:رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله،قال:
« يأمر من يقضي عنه إن لم يحج،فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» (1).
فإنّ تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلّة أوضح قرينة على أن المراد بها ما عرفته،لا طوافه بنفسه خاصة،و إلّا لما ارتبط العلّة بمعلولها و ما كان بينهما مناسبة.
و حينئذٍ فترتفع الأوامر بالمباشرة،و لا موجب لاعتبارها بالكليّة، و حينئذٍ فتنعكس الأُصول في المسألة.
و على القولين (2)يشترط عدم العود بنفسه في الاستنابة؛ لما عرفته من الأخبار الصحيحة.
و لو مات و لم يطف و لو استنابة قضاه عنه الوليّ أو
ص:94
غيره؛ لما عرفته من الروايات المتقدّمة.
الرابع:من طاف فالأفضل له تعجيل السعي في يوم الطواف؛ لآيتي المسارعة و الاستباق (1).
و لا يجوز تأخيره إلى غده للصحيحين (2):رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟قال:
« لا».و لا خلاف فيه إلّا من الماتن في الشرائع فجوّزه إليه (3)،و هو مع رجوعه عنه في الكتاب نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا الأصل، و إطلاق الصحيح:عن رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟قال:« نعم» (4)و هما مقيّدان بما مرّ.
هذا،مع أن عبارته في الشرائع غير صريحة في المخالفة،كما فهمها الجماعة،فإنّها هكذا:
من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد،ثم لا يجوز مع القدرة.
و النزاع في دخول الغاية في المغيّا و عدمه معروف،و المخالفة تظهر من هذه العبارة على التقدير الأوّل،دون الثاني،بل هي عليه ظاهرة في
ص:95
الموافقة.
و مستند جواز التأخير أولى الغد بهذا التقدير زيادةً على الأصل و إطلاق الصحيحة المتقدمة رواية أُخرى صحيحة:عن الرجل يقدم مكة و قد اشتدّ عليه الحرّ،فيطوف بالكعبة و يؤخر السعي إلى أن يبرد،فقال:
« لا بأس به» قال:و ربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل (1)و كيف كان فلا ريب في المنع إلّا لعذر،فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق.
و يجزئ مع التأخير الجائز و المحرّم ما كان في الوقت؛ للأصل من غير معارض.
الخامس: لا يجوز للمتمتّع تقديم طواف حجّه و سعيه على الوقوفين و قضاء المناسك في منى يوم النحر،بإجماع العلماء كافة،كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة (2)،و في الغنية الإجماع (3)؛ للمعتبرة:
منها: زيادةً على ما سيأتي الخبر المنجبر ضعف سنده بالعمل:
رجل كان متمتعاً و أهلّ بالحج،قال:« لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف» (4).
و هذا الحكم ثابت مطلقاً إلّا ل معذور ك امرأة تخاف الحيض المتأخر أو مريض يضعف عن العود أو هِمّ و شيخ عاجز يخاف
ص:96
على نفسه الزحام،فيجوز لهم التقديم حينئذٍ بلا خلاف.
إلّا من الحلي فمنع عنه أيضاً؛ للأصل،و اندفاع الحرج بحكم الإحصار (1).
و هو نادر،بل في الغنية على خلافه الإجماع (2)،و هو الحجّة المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.
مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،و هي ما بين مطلقة لجواز التقديم و هي صحاح مستفيضة (3)،و مقيّدةٍ له بالضرورة و هي أيضاً مستفيضة:
منها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (4)-:عن المتمتّع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض،يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟ فقال:« نعم من كان هكذا يعجّل» (5).
و منها الخبر كالصحيح:عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج،ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر،يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟قال:« إذا خافت أن تضطر إلى [ذلك]فعلت» (6).
ص:97
و قريب منها الصحيح:لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى» (1).
و الجمع بين هذه الأخبار بحمل مطلقها على مقيّدها أولى من إبقاء المطلقة بحالها و حمل المقيدة على الندب؛ لرجحان التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،مع حصول شرائط التكافؤ هنا،لحجيّة نحو الموثّق و غيره بعد الانجبار بعمل الأصحاب،فإنه أقوى من الصحيح المخالف له جدّاً.
فما يوجد في كلمات جملة من متأخري المتأخرين من الميل إلى الجواز مطلقاً لولا الإجماع (2)،عملاً بالصحاح،و حملاً للمفصّلة على الاستحباب ليس بصواب و إن هر الميل إليه من الفاضل في التحرير و التذكرة (3).
و أظهر منه الشيخ في الخلاف حيث قال:و روى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف و السعي قبل الخروج إلى منى و عرفات،و الأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلى يوم النحر إن كان متمتّعاً (4).
لندورهما جدّاً،مع عدم ظهور فتواهما بذلك ظهوراً كاملاً،إذ ليس في التحرير إلّا روي ساكتاً عليها.
و في التذكرة بعد نقل الرخصة في ذلك و أنه رأي الشافعي و ذكر رواية
ص:98
عامية مرخّصة (1)و خاصية مفصّلة (2):الأولى التقييد للجواز بالعذر.
و السكوت ليس علامة الرضا،و يأتي الأولى مرادفاً للأقوى كثيراً.
و ما في الخلاف و إن كان ظاهراً لكن يحتمل الاختصاص بالضرورة، قيل:كما يفهمه الحلّي،أي الأفضل مع العذر التأخير (3).
و في جواز تقديم طواف النساء على الوقوفين مع الضرورة روايتان،أشهرهما كما في الكتاب و غيره الجواز و فيها:« لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى،و كذلك من خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودّع البيت،ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً» (4).
و قصور السند إن كان مجبور بالعمل مع أنه قيل صحيح (5)، و إطلاقه الشامل لحال الاختيار مقيّد بما سيأتي من النص و الإجماع على عدم الجواز فيها.
و الرواية الثانية لم أر عاملاً بها عدا الحلّي خاصة (6).و هو نادر جدّاً، و لا يمكنه التمسك بها،لأنها من الآحاد التي لا تفيد عنده علماً و لا عملاً؛ و مع ذلك فضعيفة الإسناد،متضمنة لما لا يقول به من جواز تقديم طواف الحج و سعيه مع الضرورة إن كان المراد بها رواية عليّ بن حمزة كما يظهر
ص:99
من جماعة.
و فيها:عن رجل يدخل مكّة و معه نساء و قد أمرهنّ فتمتّعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن من الحيض،فقال:« إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحج من مكانها،ثم تطوف بالبيت و بالصف و المروة،فإن حدث بها شيء قضت بقية المناسك و هي طامث» قال:فقلت:أ ليس قد بقي طواف النساء؟» قال:« بلى» قلت:فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟قال:
« نعم» قلت:فلِمَ لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟قال:« يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلّها مخافة الحدثان» قلت:
أبى الجمّال أن يقيم عليها و الرفقة؟قال:« ليس لهم ذلك،تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها» (1).
و إن كان المراد بها الرواية الآتية في المنع عن تقديمه اختياراً (2)كما يفهم من التنقيح و غيره (3)فهي و إن كانت موثقة إلّا أنها أيضاً عنده ضعيفة، و مع ذلك ليس فيها تصريح لحال الضرورة،بل هي مطلقة تقبل التقييد بحال الاختيار،و المنع فيها محل وفاق.
و كما لا يمكنه العمل بهما كذا لا يمكننا؛ لقصورهما عن مقاومة الرواية الأُولى؛ لشهرتها.
مضافاً إلى ضعف الاُولى منهما سنداً كما مضى.بل و متناً؛ لظهورها
ص:100
في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين و لو بالاستعداء على الجمّال و رفقتها؛ مع أن ما فيه من إطلاق الاستعداء عليهم مخالف للأُصول و الصحيح الوارد في مثل القضية المتضمن لقوله(عليه السّلام):« تمضي و قد تمّ حجّها» (1)بعد أن سئل عن التي لم تطف طواف النساء و لا يقيم عليها جمّالها، حيث لم يأمرها بالاستعداء،بل أمرها بالمضي معهم و قد حكم بأنها تمّ حجّها.
فلم يبق للحلّي دليل على قوله،سوى ما قيل من الأصل،و اتّساع وقته،و الرخصة في الاستنابة فيه (2).
و الأصل عندنا مخصَّص بما مرّ،و اتّساع الوقت مخالف للفرض، و الرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة،و إلحاق الضرورة به قياس فاسد في الشريعة.
و يجوز للقارن و المفرد تقديم الطواف اختياراً طواف الحج و سعيه على الوقوفين بلا خلاف،إلّا من الحلّي (3).و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في صريح الغنية (4)،و ظاهر المعتبر و غيره (5)،و عن الشيخ (6)؛ و هو الحجّة.
مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،منها زيادةً على الأخبار الصحيحة الواردة بذلك في حجة الوداع (7)الصحيح:عن
ص:101
مفرد الحج يقدّم طوافه أو يؤخّره؟فقال:« هو و اللّه سواء،عجّله أو أخّره» (1)و نحوه أخبار أُخر موثقة.
و اعترض الفاضلان في المعتبر و المنتهى و المختلف (2)على هذه الأخبار الأخيرة باحتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق و بعده.
و أجابا بجملة من الأخبار الغير المحتملة لذلك،منها: زيادةً على الموثقة الآتية قريباً « إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية،فلا متعة لك فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة ثم تخرج إلى منى و لا هدي عليك» (3).
و نحوها أخبار حجة الوداع،فإنها صريحة في ذلك.
و ظاهرها عدم الكراهة أيضاً،كما هو ظاهر العبارة.
خلافاً للفاضلين في الشرائع و القواعد (4)،فحكما بها.
و لعلّها إما للشبهة الناشئة من خلاف الحلّي.
و لكنه ضعيف في الغاية فلا يصلح لمعارضة أخبار حجة الوداع التي عليها بناء المناسك،و فيها قال(صلّى اللّه عليه و آله):« خذوا عني مناسككم» (5)المؤيدة بظاهر الأخبار المتقدمة المصرِّحة بالتسوية.
أو للموثق:عن مفرد الحج يقدّم طوافه أو يؤخّره؟قال:« يقدّمه»
ص:102
فقال رجل إلى جنبه:لكن شيخي لم يفعل ذلك،كان إذا قدم أقام بفَخّ حتى إذا رجع الناس إلى منى راح معهم،فقلت له:من شيخك؟فقال:علي بن الحسين(عليهما السّلام)،فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين(عليهما السّلام) لاُمّه (1).
و الاحتجاج به مع قصور السند و المكافأة لما مرّ على عدم الكراهية أوجه منه على الكراهية و حيث يقدّمان يجدّدان التلبية عقيب صلاة كل طواف،كما مرّ في صدر الكتاب في بيان أنواع الحج.
و لا يجوز تقديم طواف النساء على الوقوفين لمتمتع و لا غيره اختياراً بلا خلاف؛ للأصل،و للموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (2)-:عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت و الصفا و المروة،أ يعجّل طواف النساء؟ قال:« لا،إنما طواف النساء؟قال:« لا،إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى» (3).
و هو و إن اختص بالمفرد إلّا أن قوله« إنما» يعمّه و الآخَرَين،مضافاً إلى عدم القائل بالفرق.
و يجوز تقديمه عليهما مع الضرورة و الخوف من نحو الحيض على الأشهر الأظهر كما مرّ.
و لا يجوز لمتمتع و لا غيره أن يقدّم طواف النساء على السعي لتأخّره عنه بأصل الشرع بالنص و الإجماع.
ص:103
ففي المرسل:متمتع زار البيت و طاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى،قال:« لا يكون السعي إلّا من قبل طواف النساء» فقلت:
أ فعليه شيء؟فقال:« لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء» (1).
و لو قدّمه عليه ساهياً أو ناسياً لم يُعد و أجزأه؛ للموثق:عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال:« لا يصرّه،يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه» (2).
و نفي الضرر على الإطلاق مع السكوت من الأمر بالإعادة مع كون المقام مقام الحاجة ظاهر في الإجزاء،مضافاً إلى فهم الأصحاب.
و هو و إن عمّ العالم و الجاهل،لكنهما خارجان:
أمّا الأول فلأنه لا يتصور منه التعبّد و التقرّب به.
و أمّا الجاهل فلأنه في حكمه عند أكثر الأصحاب.
مضافاً إلى الأصل و عموم النص المتقدم لهما،بل و للساهي أيضاً، لكنه خرج بالنص و الإجماع ظاهراً فيبقيان.
فلا يجزئ التقدّم فيهما إلّا مع الضرورة كالمرض و خوف الحيض، فيجزئ حينئذ،كما في كلام جماعة (3)؛ لإطلاق الموثق،مضافاً إلى انتفاء العسر و الحرج،المؤيد بجواز تقديمه على الموقفين.
قيل:و يحتمل العدم؛ لأُصول عدم الإجزاء مع مخالفته الترتيب،
ص:104
و بقائه على الذمة،و بقائهنّ على الحرمة؛ و اندفاع الحرج بالاستنابة، و سكوت أكثر الأصحاب عنه (1).
و فيه نظر،سيّما و قد قال جماعة:إنّ جواز التقديم مع النسيان و الضرورة مقطوع به في كلام الأصحاب (2)،مشعرين بدعوى الإجماع.
و ربما أُيّد بفحوى الصحيح الوارد في التي لم تطف طواف النساء و يأبى الجمّال أن يقيم عليها (3)،الدالّ على أنها تمضي و قد تمّ حجها، فإنه إذا جاز ترك الطواف من أصله فتقديمه أولى.و فيه نظر جدّاً.
و في آخر:« لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود» (1).
و التعليل فيه ظاهر في الكراهة،و لذا استدل به عليها في التنقيح (2).
و ربما استدل به على التحريم.و هو ضعيف،سيّما مع ضعف السند، فلا يخصّص الأصل؛ و لذا كانت الكراهية أشبه لكن لا مطلقاً كما في التهذيب (3)بل ما لم يكن الستر على الطائف المزبور محرّماً كما إذا كان في طواف الحج بعد الوقوفين.و أما إذا كان محرّماً كما إذا كان في طوافه قبل الوقوفين،أو في طواف العمرة مطلقاً فيحرم قطعاً،كما عليه الحلّي و أكثر المتأخرين عنه (4).
و الحقّ الكراهة مطلقاً؛ لخصوصية اللباس في الطواف.و لا ينافيه عروض التحريم أحياناً؛ و ذلك لظهور الخصوصية من الفتوى و الرواية،و إلّا فالتحريم مع الستر حيث يحرم لا خصوصية له بالبرطلة،بل يظهر من الرواية الأخيرة أن الكراهية من حيث اللبس حول الكعبة،سواء كان هناك أم لا،بل و ربما أشعر التعليل فيها بأنها من حيث اللبس خاصة كما قيل (5)،للصحيح:إنه كره لبس البرطلة (6).
ص:106
و لكن يستفاد من الرواية الأُولى و فتوى الأصحاب أن للطواف بها خصوصية في الكراهية،و الجمع بينها و بين الصحيح يقتضي حمل الرواية على تأكد الكراهة و على الأقوال فحيث طاف معها كان طوافه صحيحاً.
أما عندنا فواضح،و أما عند المحرِّم فقيل:لتعلّق النهي بالخارج (1).
و فيه نظر؛ لتصريح الرواية الأُولى بالنهي عن نفس الطواف،فيكون البطلان موجهاً.
السابع: كلّ محرم يلزمه طواف النساء،رجلاً كان أو امرأة أو صبيّاً أو خصيّاً في حج كان بجميع أنواعه أو عمرة بأنواعها. إلّا في العمرة المتمتع بها أما وجوبه في الحج بأنواعه فمجمع عليه عندنا على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة مستفيضاً،كالغنية و التذكرة و المنتهى و غيرها (2)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها:
ففي الصحيح:« على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكل طواف ركعتين،و سعيان بين الصفا و المروة» (3).
و فيه:« لا يكون القارن إلّا بسياق الهدي،و عليه طوافان بالبيت و سعي بين الصفا و المروة كما يفعل المفرد،و ليس بأفضل من المفرد إلّا بسياق الهدي» (4).
ص:107
و أما وجوبه في العمرة المبتولة مطلقاً فهو الأظهر الأشهر،بل كاد أن يكون إجماعاً،بل عليه إجماعنا في الغنية و عن التذكرة و المنتهى (1)، و المعتبرة به مع ذلك مستفيضة أيضاً:
ففي الصحيح:عن العمرة هل على صاحبها طواف النساء؟و عن التي يتمتع بها إلى الحج؟فكتب:أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء،و أما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء» (2).
و فيه:عن العمرة المفردة،على صاحبها طواف النساء؟..فجاء الجواب:« نعم و هو واجب لا بدّ منه» (3).
و نحوه الخبر كالصحيح بابن أبي عمير الذي لا يروي إلّا عن ثقة (4)، فلا يضرّ جهالة من بعده.
و في المرسل:« المعتمر يطوف و يسعى و يحلق» قال:« و لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر» (5)و هو يعمّ المفردة و المتمتّع بها،و الأخيرة خارجة بما سيأتي من الأدلّة،و المبتولة و لا مخرج لها كما ستعرفه.و ضعف السند فيه و قصوره في سابقه مجبور بالعمل.
خلافاً للمحكي في الدروس عن الجعفي،فأسقطه هنا (6)؛ للأصل،
ص:108
و يخصَّص بما مرّ.
و للصحيح:عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحج طاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟قال:« إنما طواف النساء بعد الرجوع[من ]منى» (1).
و فيه:أنه يجوز أن يكون المراد:إنما طواف النساء عليه (2)، لا مطلقاً.
و لآخر:« إذا دخل المعتمر مكّة من غير تمتّع و طاف بالبيت و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم(عليه السّلام)و سعى بين الصفا و المروة فيلحق بأهله إن شاء» (3).
و فيه:أنه ليس نصّاً في وحدة الطواف،فيحتمل إرادة طواف ما يجب عليه،بل قيل:إنّ ظاهره ذلك (4).
و لخبرين (5)ضعف سندهما مع قصورهما عن المكافأة لما مضى من وجوه شتّى،يمنع عن العمل بهما.
و أما عدم وجوبه في المتمتّع بها فبالأصل،و الإجماع الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر (6)،و الصحاح المستفيضة المتقدم إلى جملة
ص:109
منها الإشارة.
و عن بعض الأصحاب وجوبه فيها (1)؛ لإطلاق بعض ما مرّ من الصحاح،و يقيّد بالمبتولة لما عرفته من الأدلّة؛ و للخبر (2)،و في سنده ضعف بالجهالة،و في متنه قصور في الدلالة،و مع ذلك قاصر عن المقاومة لما عرفته من الأدلّة.
و أما عموم وجوبه لمن مرّ فللإجماع،كما عن المنتهى و التذكرة (3).
و الصحيح:عن الخصيان و المرأة الكبيرة،أ عليهم طواف النساء؟ قال:« نعم عليهم الطواف كلّهم» (4).
و في الموثّق:« لولا ما منّ اللّه تعالى به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم و لا ينبغي لهم أن تمسّوا نساءهم،يعني لا تحلّ لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أُسبوعاً آخر بعد ما يسعى بين الصفا و المروة،و ذلك على النساء و الرجال واجب» (5).
قال الشهيد-(رحمه اللّه)-:و ليس طواف النساء مخصوصاً بمن يغشى النساء إجماعاً،فيجب على الخصيّ و المرأة و الهِمّ،و على من لا إربه له في النساء (6).
ص:110
و قيل:إن وجوبه غير معلّل بإمكان الاستمتاع،و لذا يجب قضاؤه عن الميّت كما مرّ (1).
و المراد بالخصيّ:ما يعمّ المجبوب،بل المقصود أوّلاً من عبارات الأصحاب و السائل في الصحيح المتقدم هو الذي لا يتمكن من الوطء.
و بوجوبه على الصبي:أن على الوليّ أمر المميّز به،و الطواف بغير المميّز،فإن لم يفعلوه حَرٌ من عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه، استصحاباً لحرمتهن المستفادة من عموم نحو قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ [1] الآية (2).
الثامن: لو نذر أحد أن يطوف على أربع،قيل كما في النهاية و اللمعة و عن المبسوط و التهذيب و المهذّب و الجامع (3) يجب عليه طوافان على النهج المعهود،طواف ليديه،و طواف لرجليه و روى ذلك في خبرين (4)أحدهما القوي بالسكوني و صاحبه،لكن موردهما امرأة نذرت ذلك خاصة.
و قيل في السرائر (5) لا ينعقد هذا النذر لأنه لا يتعبّد بصورة النذر إجماعاً،و إيجاب ما في الخبرين بدله يحتاج إلى دلالة هي
ص:111
في المقام مفقودة،إذ ليس إلّا الخبرين،و في الاعتماد عليهما في تخصيص الأصل مناقشة،لقصورهما عن الصحة.
و مع ذلك فهما مختصّان بالمرأة،فالتعدية إلى الرجل تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،و لا إجماع مركّباً في المسألة،فقد حكي القول بالتفصيل بينهما،فالقول الثاني في الرجل و الأول في المرأة (1).
و هو أحوط؛ لاعتبار أحد الخبرين بالقوة،و اعتضاده مع ذلك بالموافقة للخبر الآخر و الشهرة المحكيّة في الروضة (2).
و أحوط منه القول الأول و إن كان الثاني لعلّه أظهر و بين المتأخرين أشهر.
و عليه فهل الباطل الهيئة خاصة كما عن المنتهى (3)فيجب عليه طواف واحد،إلّا أن ينوي عند النذر أن لا يطوف إلّا على هذه الهيئة رأساً؛ أو الطواف رأساً؟وجهان،و الأول أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.
ص:112
القول في السعي و النظر في مقدمته،و كيفيته،و أحكامه
أما المقدمة فمندوبات عشرة الطهارة من الأحداث بلا خلاف،إلّا من العماني فأوجبها (1)؛ للنهي عن السعي بدونها في الصحيح (2)و غيره (3).
و هو نادر،بل على خلافه الإجماع على الظاهر،المنقول عن ظاهر المنتهى (4)،حيث أسند الاستحباب إلى علمائنا،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه؛ و هو الحجّة.
مضافاً إلى الأصل،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الصريحة في عدم الوجوب (5)،بها يحمل الخبران الأوّلان على الكراهة، جمعاً بين الأدلّة.
و من الأخباث،كما في كلام جماعة (6)؛ و لم أقف لهم على رواية و حجّة،عدا ما قيل من أنه للتعظيم (7).
ص:113
و استلام الحجر و تقبيله مع الإمكان،و الإشارة إليه مع العدم إذا أراد الخروج للسعي.
و الشرب من زمزم بعد إتيانه.
و الاغتسال بل الصبّ على الرأس و الجسد من الدلو المقابل للحجر إن أمكن و إلّا فمن غيره،و الأفضل استقاؤه بنفسه،و يقول عند الشرب و الصبّ:« اللهم اجعله علماً نافعاً و رزقاً واسعاً و شفاءً من كلّ داء و سُقم» (1).
و الخروج للسعي من باب الصفا المقابل للحجر،قيل:و هو الآن داخل في المسجد كباب بني شيبة،إلّا أنه مُعلَّم بأُسطوانتين فليخرج من بينهما (2).
و في الدروس:الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما (3).
على سكينة و وقار.
و صعود الصفا إلى حيث يرى الكعبة من بابه.
قيل:و يكفي فيه الصعود على الدرجة الرابعة التي كانت تحت التراب و ظهرت الآن حيث أزالوا التراب.
و الوقوف عليه بقدر قراءة سورة البقرة بتأنٍّ.
و استقبال ركن العراقي الذي فيه الحجر و التحميد و التكبير و التهليل سبعاً و الصلاة على النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و الدعاء بالمأثور.
ص:114
كلّ ذلك بالإجماع،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:« إذا فرغت من الركعتين فأت الحجر الأسود فقبّله و استلمه[أو]أشر إليه فإنه لا بدّ منه» و قال:« إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل» (1).
و فيه:« يستحب أن تستقي من ماء زمزم دلواً أو دلوين و نضبّ على رأسك و جسدك،و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر» (2).
و فيه:« ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)،و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي،و عليك السكينة و الوقار» (3).
و فيه:« فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود،فاحمد اللّه تعالى و أثن عليه،ثم اذكر من الآية و بلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره،ثم كبّر اللّه تعالى سبعاً،و أحمده سبعاً،و هلّله سبعاً،و قل:لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت (4)،و هو حي لا يموت (5)،و هو على كلّ شيء قدير،ثلاث مرّات،ثم صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و قل:اللّه أكبر،الحمد للّه على ما هدانا،و الحمد للّه على ما أولانا،و الحمد للّه الحي القيّوم،و الحمد للّه
ص:115
الحي الدائم،ثلاث مرّات،و قل:أشهد أن لا إله إلّا اللّه،و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله،لا نعبد إلّا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون،ثلاث مرّات،اللهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة،ثلاث مرّات،اللهم آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ [1] ، ثلاث مرّات،ثم كبّر اللّه مائة مرّة،و هلّل اللّه مائة مرّة،و احمد اللّه مائة مرّة، و تسبّح مائة مرّة و تقول:لا إله إلّا اللّه وحده،أنجز وعده،و نَصَر عبده، و غلب الأحزاب وحده،فله الملك و له الحمد،وحده وحده،اللهم بارك لي في الموت و فيما بعد الموت،اللهم إنّي أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته،اللهم أظلّني في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلّا ظلّك و أكثر من أن تستودع ربك دينك و نفسك و أهلك،ثم تقول:أستودع اللّه الرحمن الرحيم الذي لا يضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي،اللهم استعملني على كتابك و سنّة نبيّك،و توفّني على ملّته،و أعذني من الفتنة،ثم تكبّر ثلاثاً،ثم تعيدها مرّتين،ثم تكبّر واحدة،ثم تعيدها،فإن لم تستطع هذا فبعضه» (1).
و روى غير ذلك (2)،و أنه ليس فيه شيء موقت (3).
و أما الكيفيّة: ففيها الواجب و الندب و الواجب أربعة:النيّة المشتملة على الفعل،أعني به السعي المخصوص،فلا بدّ من تصور معناه المتضمّن للذهاب من الصفا إلى
ص:116
المروة و العود و هكذا سبعاً؛ و على وجهه من الوجوب و الندب(إن وجب) (1)و كونه سعي حجّ الإسلام أو غيره من عمرة الإسلام أو غيرها؛ و التقرب به إلى اللّه تعالى مقارنة لأوّله.
و يجب استدامة حكمها حتى الفراغ إن أتى به متّصلاً إلى الآخر،فإن فصل جدّدها ثانياً فما بعده.
و البدأه بالصفا و الختم بالمروة فلو عكس بطل مطلقاً و لو سهواً أو جهلاً.
و السعي بينهما سبعاً،يعدّ ذهابه إلى المروة شوطاً،و عوده منها إلى الصفا آخر و هكذا إلى أن يكمّلها سبعاً.
كلّ ذلك بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (2)،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة،بل متواترة.
ففي الصحيح:«طف بينهما سبعة أشواط،تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» (3).
و فيه:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حين فرغ من طوافه قال:ابدءوا بما بدأ اللّه به من إتيان الصفا،إنّ اللّه عز و جل يقول: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ [1] (4)(5).و فيه:« من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل
ص:117
و ظاهر إطلاقهما وجوب الإعادة لو عكس في كلّ ما قدّمناه من الأحوال الثلاثة (3)،و يعضده الأُصول،لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.
و في الصحيح:سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبد اللّه بن راشد فقلت له:تحفّظ عليّ،فجعل يعدّ ذاهباً و جائياً شوطاً أحداً إلى أن قال -:فأتممنا أربعة عشر شوطاً،فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه(عليه السّلام)فقال:« قد زادوا على ما عليهم،ليس عليهم شيء» (4).
و يحصل البدأة بالصفا و الختم بالمروة إما بالصعود عليهما،أو بجعل عقبه و كعبه أعني ما بين الساق و القدم ملاصقاً للصفا،و أصابع قدميه قدميه جميعاً ملاصقة للصفا،و أصابع قدميه جميعاً ملاصقة للمروة.
و لا يجب صعودهما إجماعاً على الظاهر،المصرّح به في عبائر جماعة و منهم:الشيخ في الخلاف و القاضي (5)فيما حكي،و عن الفاضل في المنتهى و التذكرة (6)أيضاً؛ للأصل،و الصحيح:عن النساء يطفن على الإبل و الدواب أ يجزئهنّ أن يقفن تحت الصفا حيث يرين؟فقال:« نعم» (7).
و عن التذكرة و المنتهى:أن من أوجب الصعود أوجبه من باب
ص:118
المقدّمة،لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلّا به،كغسل جزء من الرأس في الوضوء،و صيام جزء من الليل.قال:و هذا ليس بصحيح؛ لأن الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل،بخلاف صورة النزاع فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا (1).انتهى.
و هو حسن،بل اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا،و الأصابع بالمروة،لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة و الاكتفاء بأقلّ من ذلك ممّا يصدق معه السعي بين الصفا و المروة عرفاً و عادةً كما اختاره بعض المعاصرين لا يخلو عن قوّة؛ لما ذكر من أن المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك،فإنّ السعي على الإبل الذي دلّت عليه الأخبار و أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان يسعى على ناقته (2)لا يتّفق فيه هذا التضييق، مِن جعل عقبه يلصقه بالصفا في الابتداء،و أصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود،فضلاً عن ركوب الدرج،بل يكفي فيه الأمر العرفي (3).
و لكن الأحوط ما ذكروه.
و في الدروس:الأحوط الترقّي إلى الدرج،و تكفي الرابعة (4).
قيل (5):لما روي أنه(صلّى اللّه عليه و آله)صعده في حجة الوداع (6)،مع قوله(صلّى اللّه عليه و آله)
ص:119
« خذوا عنّي مناسككم» (1).
أما كفاية الرابعة فلما روي أنه(صلّى اللّه عليه و آله)رَقِيَ قدر قامة (2)حتى رأى الكعبة (3).
و زيد في الدروس و غيره (4)على الأربعة وجوب الذهاب بالطريق المعهود،و استقبال المطلوب بوجهه،فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز،و كذلك لو سلك سوق الليل،و كذا لو أعرض أو مشى القهقرى لم يجز.
قيل:لأنهما المعهود من الشارع (5).و لا بأس به.
و المندوب أيضاً أُمور أربعة:المشي طرفيه أي طرفي السعي أي في أوّله و آخره،أو طرفي المشي من البطء و الإسراع،و يعبّر عنه بالاقتصاد.
و الإسراع يعني الهرولة،و يقال له الرَّمَل أيضاً ما بين المنارة و زقاق العطّارين للرجل خاصة.
بلا خلاف ظاهر و لا محكي،إلّا عن الحلبي في الإسراع فأوجبه (6)، و عبارته المحكية عن إفادة الوجوب قاصرة،و مع ذلك فهو نادر،بل على خلافه الإجماع في الغنية و غيرها (7).
ص:120
و المعتبرة بفضيلة الأمرين قولاً و فعلاً مستفيضة:
ففي الصحيح:« ثم انحدر ماشياً و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة و هي طرف المسعى فاسع مِلء فروجك و قل:بسم الله و بالله و الله أكبر،و صلّى اللّه على محمد و آله،و قل:اللهم اغفر و ارحم و اعف عمّا تعلم إنك أنت الأعزّ الأكرم،حتى تبلغ المنارة الأُخرى،فإذا جاوزتها فقل:
يا ذا المنّ و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت،ثم امش و عليك السكينة و الوقار» (1).
و نحوه غيره إلى قوله:« حتى تبلغ المنارة الأُخرى» إلى أن قال:« ثم امش و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المروة» (2).
و في الموثق:« إنما السعي على الرجال و ليس على النساء سعي» (3)و نحوه غيره (4).
و المراد بالسعي فيهما الهرولة و الإسراع في المشي دون العدو،و هو المشار إليه في الصحيح المتقدم بقوله:« اسع مِلء فروجك» .هذا إذا كان راجلاً،و إذا كان راكباً حرّك دابته بسرعة في موضع الرَّمَل إجماعاً كما عن التذكرة (5)،و للصحيح:« و ليس على الراكب رمل و لكن ليسرع شيئاً» (6).
ص:121
و في الدروس ما لم يؤذ أحداً (1).
و لو نسي الهرولة رجع القهقرى أي إلى خلف استحباباً و تدارك ها موضعها؛ للمرسل:« من سها عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كلّه ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفاً،و لكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي» (2).
قيل:و هو إن سلم فينبغي الاقتصار على القهقرى و أطلق القاضي العود و التخصيص بما إذا ذكر في شوط أنه ترك الرمل فيه،فلا يرجع بعد الانتقال إلى شوط آخر،و الأحوط أن لا يرجع مطلقاً،و لذا نسبه إلى الشيخ في المنتهى (3).انتهى.و لا بأس به.
و إذا تركه اختياراً لم يكن عليه شيء؛ للأصل،و الصحيح (4).
و الدعاء في موضع الهرولة بما مرّ في الصحيح و غيره.
و أن يسعى ماشياً فإن أفضل الأعمال أحمزها،و لأنه أدخل في الخضوع،و قد ورد أن المسعى أحبّ الأراضي إلى اللّه تعالى لأنه يذلّ فيه الجبابرة (5).
و للصحيح:« و المشي أفضل» (6).
ص:122
و يجوز راكباً بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في الغنية و غيرها (1)؛ و الصحاح،منها زيادةً على ما مضى عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة على الدابة؟قال:« نعم،و على[المحمل ]» (2). و يجوز الجلوس في خلاله للراحة على الأشهر الأظهر،بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الحلبيّين،فمنعا عنه مطلقاً حتى مع العجز و الإعياء، و جوّزا فيه الوقوف خاصة (3)،و هما نادران.بل على خلافهما الإجماع الآن.
للصحاح،منها:عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة،أ يستريح؟ قال:« نعم،إن شاء جلس على الصفا و المروة أو بينهما فيجلس» (4).
و نحوه آخر،لكن في صورة الإعياء خاصة (5).
و في ثالث اشتراطه،و النهي عنه من دونه (6).
و مقتضى الجمع تقييد الجواز بصورة الإعياء خاصة،و لعلّه ظاهر نحو العبارة حيث قيّد الجواز بقوله:للاستراحة.
ص:123
و يمكن الجمع بحمل النهي في الأخير على الكراهة؛ للأصل،و قوة الإطلاق،و اعتضاده بما دلّ على جواز السعي راكباً فإنه ملازم للجلوس غالباً،و هو عامّ لخالتي الاختيار و الاضطرار إجماعاً،و إليه الإشارة في الصحيح:عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة،يجلس عليهما؟قال:« أو ليس هوذا يسعى على الدواب» (1).
و هو و إن كان مورده جوازه على المروة و الصفا،و لا خلاف فيه حتى منهما،إلّا أن قوله(عليه السّلام):« أو ليس» إلى آخره في قوة الجواب له بنعم،مع تعليله بما بما يعمّ الجلوس بينهما،بل التعليل أنسب بهذا كما لا يخفى.
و كيف كان،فهذه الصحاح مع صحتها و استفاضتها و اعتضادها بالأصل و الشهرة بين الأصحاب صريحة في ردّهما،بل ظاهر الأخير جوازه بينهما مطلقاً و لو لغير الاستراحة كما في السعي بينهما راكباً،نعم يكره لغيرها،لما مضى.
و أما الأحكام فأربعة:
و الكلام في وقت الترك و الفوات كما تقدّم في الطواف.
و لا يبطل كلّ منهما بتركه سهواً بلا خلاف فيه هنا؛ للأصل، و رفع الخطأ و النسيان (1)،و العسر و الحرج (2)،و لما سيأتي من الأخبار.
و لكن يعود لتداركه،فإن تعذّر العود أو شقّ استناب فيه بلا خلاف فيهما،بل عليهما الإجماع في الغنية (3).
و هو الحجّة الجامعة بين المعتبرة الواردة بعضها بإطلاق العود بنفسه كالصحيح:رجل نسي السعي بين الصفا و المروة،قال:« يعيد السعي» قلت:فإنه خرج،قال:« يرجع فيعيد السعي» الخبر (4).
و آخر بأنه يطاف عنه بقول مطلق كالصحيح (5)و غيره (6):عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع إلى أهله،قال:« يطاف عنه» .يحمل الأول على صورة التمكن من غير مشقة،و الأخيرين على غيرها جمعاً،و الجامع ما مرّ.
مضافاً إلى الأُصول الموجب بعضها العود على نفسه مع عدم المشقة
ص:125
و بقاء الوقت لبقاء الأمر،و آخر منها عدم وجوبه على نفسه مع المشقة لنفي العسر و الحرج في الشريعة،و جاء وجوب الاستنابة حينئذ من الخارج من النص و الإجماع،فتأمل.
الثاني: يبطل السعي بالزيادة فيه عمداً كالطواف بلا خلاف، لما مرّ ثمة،مع تأمل فيما دلّت عليه إطلاق العبارة،و أن الوجه التفصيل على ما ذكر ثمة (1).
و لا يبطل بالزيادة سهواً إجماعاً؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة و إن اختلفت في الدلالة على اطراح الزائد و الاجتزاء بالسبعة كما في أكثرها، منها زيادةً على ما مرّ في بحث وجوب عدّ الذهاب شوطاً و الإياب آخر الصحيح:حججنا و نحن صرورة،فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطاً،فسألت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)عن ذلك،فقال:« لا بأس،سبعة لك و سبعة تطرح» (2).
و الصحيح:« من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة» (3).
و هذه الأخبار و إن عمّت صورة صورة العمد لكنّها مقيدة بغيرها إجماعاً، و للصحيح:في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟فقال:« إن كان خطأ أطرح واحداً و اعتدّ بسبعة» (4).
ص:126
مضافاً إلى ظهور جملة منها في الزيادة جهلاً،و باقيها نسياناً،حملاً لأفعال المسلمين على الصحة.
أو إكمال أُسبوعين (1)كالصحيح:« إذا استيقن أنه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستّاً» (2).
و جمع بينها أكثر الأصحاب بالتخيير بين الأمرين (3).
خلافاً لابن زهرة،فاقتصر على الثاني (4).
و الأولى و الأحوط الاقتصار على الأول،كما هو ظاهر المتن؛ لكثرة ما دلّ عليه من الأخبار و صراحتها و عدم ترتب إشكال عليها،بخلاف الثاني، فإنّ الصحيح الدالّ عليه مع وحدته و احتماله ما سيأتي ممّا يخرجه عمّا نحن فيه يتطرّق إليه الإشكال لو ابقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا و الختم بها،أن الأُسبوع الثاني المنضمّة إلى الاُولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا،و قد مرّ الحكم بفسادها مطلقاً و لو نسياناً أو جهلاً.و تقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضمّ كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا،و يكون الأمر بإضافة الستّ إنما هو لبطلان السبعة الأُولى،لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف الشوط الثامن،لوقوع البدأة فيه من الصفا.
و قيل:لا بعد في الصحة حينئذ إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى
ص:127
من الصفا إلى المروة سعي الحج أو العمرة قربةً إلى اللّه تعالى،مع الغفلة عن العدد،أو مع تذكر أنه الثامن،أو زعمه السابع،فلا مانع من مقارنة النية لكل شوط،بل لا يخلو منها المكلّف غالباً،و لذا أُطلق إضافة الستّ إليها،فلم يبق الصحيح في المسألة مستنداً (1).انتهى.
أقول:فيما ذكره بُعد.و الأولى السكوت عن أمر النية؛ فإن الإشكال الوارد من جهتها و هو عدم تحققها في الابتداء و مقارنتها مشترك الورود بين الاحتمالين (2).
هذا،و لكن الإنصاف بُعد الاحتمال الثاني جدّاً،و كون الجمع الأول أولى،سيّما مع اشتهاره بين أصحابنا.لكن ينبغي الاقتصار حينئذ في إضافة الستّ على مورد النص،و هو إكمال الشوط الثامن،كما صرّح به ابن زهرة و شيخنا الشهيد الثاني و غيرهما (3)؛ لما عرفت من مخالفته الأصل من وجهين (4)،فتعيّن اطراح الزائد إن كان بعضاً،و الاعتداد بالسبعة المزيد عليها؛ و الأخبار بالصحة و إن اختصّت بمن زاد شوطاً كاملاً أو شوطين أو أشواطاً كاملة،لكن إذا لم يبطل بزيادتها سهواً فلئلّا يبطل بزيادة بعضٍ شوطٍ أولى.
ص:128
و اعلم أنه هنا رواية صحيحة مفصِّلة بين زيادة شوط على السبعة فالبطلان رأساً و وجوب الإعادة،و زيادة شوطين عليها فبطلان ثمانية و البناء على واحد و إضافة ستة (1).
و لم أر عاملاً بها كما هي [في المنتهى] ،و لذا اختلف في تنزيلها على صورة العمد.
و فقهها حينئذ:أنه إذا طاف تسعةً عامداً كما هو المفروض فقد بطلت السبعة بالزيادة عليها شوطاً ثامناً،و الشوط الثامن لا يمكن أن يتعبّد به مبدءاً لسعي جديد،لأن ابتدأه يكون من المروة فيبطل أيضاً،و أما التاسع فهو لخروجه من الأشواط الباطلة و كون مبدئه من الصفا يمكن أن يتعبّد به و يبني عليه سعياً جديداً،و لهذا قال:« فليسع على واحد و يطرح ثمانية» .و إن طاف ثمانية خاصة فقد عرفت الوجه في بطلان الجميع و لذا أمر باطراحها و الاستئناف.
أو إبقائها على ظاهرها من وقوع ذلك نسياناً،و حملها على من استيقن الزيادة و هو على المروة لا الصفا،فيبطل سعيه على الأول،لابتدائه من المروة،دون الثاني،لابتداء التاسع من الصفا،و على هذا الصدوق في الفقيه و الشيخ-(رحمه اللّه) في الاستبصار (2)،و الأول ظاهرة في التهذيب (3)،و تبعه جماعة (4).
و لعلّه الأولى إن لم يكن الحكم بالصحة في موردها مشكلاً؛ لإطلاق الأصحاب كالنصّ بكون الزيادة عمداً مبطلاً؛ و اعتبارهم النية في كل
ص:129
عبادة في ابتدائها؛ و نية العامد في أوّل الأُسبوع الثاني نية جعلها جزءاً من الاُولى-لا عبادة مستقلّة برأسها و أسبوعاً مبتدأً بها-كما هو الفرض في الزيادة عمداً،و إلّا فلو نواها عبادة أُخرى مستقلّة عن الاُولى لم يصحّ أن يقال:إنه زاد على العبادة عمداً،بل يقال:إنه أتى بعبادة اخرى،فيكون الأُسبوعين عبادتين صحيحتين إن شرّع ثانيتهما،بأن ثبت استحباب السعي مطلقاً،و إلّا كما هو ظاهر الأصحاب حيث صرّحوا بأنه لم يشرّع السعي مندوباً مطلقاً إلّا فيما قدّمنا فالثانية فاسدة،دون الاُولى،عكس ما حكمت به الرواية كما ترى،مع أن الموجود فيها زيادة شوط أو شوطين،و نيتهما بمجردهما سعياً و لو في ابتدائهما باطل قطعاً،إذ لا ريب في عدم مشروعية السعي بشوط أو شوطين،فهذا أوضح قرينة على أن الشوط و الشوطين لم يقرنا بنية كونهما عبادة مستقلة،بل بنية الزيادة على أنها جزء من الأُسبوع الاُولى مزيدة عليها.
و كيف كان،فالعمل بهذه الرواية مشكل،و المعمول عليه ما قدّمنا.
و من تيقن عدد الأشواط و شك في الأثناء فيما بدأ به أ هو المروة أم الصفا فإن كان في الفرد على الصفا أو متوجهاً إليه أعاد السعي من أوّله؛ لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة.
و لو كان فيه على المروة أو متوجهاً إليها لم يعد و صحّ سعيه؛ لأنه يقتضي ابتدأه بالصفا.
و يكون الحكم بالعكس لو كان سعيه زوجاً فيصح لو كان فيه على الصفا،و يعيد لو كان فيه على المروة.
و الوجه في الجميع واضح ممّا قدّمنا من وجوب البدأة بالصفا،و أن البدأة بالمروة مبطل للسعي عندنا،و عن العامة أنهم بين من يجوّز الابتداء
ص:130
بها،و من يهدر الشوط الأول و يبني على ما بعد (1).و هو ضعيف جدّاً.
و اعلم أن الشك هنا إنما هو باعتبار الذهول أوّلاً،و إلّا فبعد ظهور الأمر بما مضى يحصل العلم بما به ابتدأ،صحيحاً كان أو فاسداً.
و لو لم يحصِّل العدد و شك فيه في الأثناء فلم يدر ما سعى شوطاً أو شوطين فصاعداً أعاد السعي قطعاً؛ لتردده بين محذورين:الزيادة، و النقصان،المبطل كلّ منهما؛ و للصحيح:« و إن لم يكن حفظ أنه سعى ستاً فليعد،فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط» (2).
و يستثنى منه ما لو شك بين الإكمال و الزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا،كما إذا شك بين السبعة و التسعة و هو على المروة فإنه لا يعيد؛ لتحقق الإكمال،و أصالة عدم الزيادة،مع أنها نسياناً كما مرّ مغتفرة.
و لو كان على الصفا أعاد.
و لو تيقن النقصان أتى به أي بالناقص المدلول عليه بالعبارة، نسي شوطاً أو أقلّ أو أكثر و إن كان أكثر من النصف،كما يقتضيه إطلاق المتن و جمع (3)،و صريح آخرين و منهم شيخنا في المسالك و الروضة (4)، قائلاً إنه أشهر القولين في المسألة.
قيل:للأصل،و ما سيأتي من القطع للصلاة بعد شوط،و للحاجة بعد ثلاثة (5).
هذا فيما نقص عن النصف الذي هو محل التشاجر،و أما فيما زاد
ص:131
فالمعتبرة به مستفيضة،منها مضافاً إلى ما سيأتي في المسألة الرابعة الصحيح:« فإن سعى الرجل أقلّ من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع فيسعى تمامه و ليس عليه شيء،و إن كان لا يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً» (1).
خلافاً للمحكي عن المفيد و الديلمي و الحلبيّين (2)،فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف؛ للخبر:« إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف عَلَمت ذلك الموضع الذي بلغت،فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله» (3)و نحوه آخر (4).
و في سندهما ضعف،فلا يعارضان ما مرّ،سيّما مع اعتضاده زيادةً على الأصل و الكثرة بعمل الأكثر.
لكن في الغنية الإجماع عليهما،و الأكثر عملوا بمضمون الخبرين في الطواف كما عرفته في صدر الكتاب،فالاحتياط لا يترك.
الثالث: لو قطع سعيه لصلاة فريضة حاضرة،وجوباً فيما إذا ضاق وقتها،و استحباباً في غيره أو لحاجة مؤمن استحباباً أو لتدرك ركعتي الطواف بعد أن نسيهما وجوباً،أو جوازاً أو غير ذلك من نسيان بعض الطواف كما مرّ أتمّ السعي بعد قضاء الوطر مطلقاً و لو
ص:132
كان ما سعى قبل القطع شوطاً واحداً،على الأشهر الأقوى؛ للمعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح:الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة،أ يخفّف،أو يقطع و يصلّي ثم يعود،أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟قال:« لا،بل يصلّي ثم يعود» (1).
و أظهر منه في البناء على الشوط الواحد الموثق (2)و غيره (3):سعيت شوطاً ثم طلع الفجر،قال:« صلِّ ثم عد فأتمّ سعيك» .و عن التذكرة و المنتهى (4):أنه لا نعلم فيه خلافاً.
و في الصحيح:عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة،ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام،قال:« إن أجابه فلا بأس» (5).
و في الفقيه و التهذيب زيادة قوله:« و لكن يقضي حقّ اللّه تعالى أحبّ إليّ من أن يقضي حقّ صاحبه» .قيل:و لذا قال القاضي:و لا يقطعه إذا عرضه حاجة،بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكّن من تأخيرها،و مرّ في الطواف الأمر بالقطع،فلعلّ
ص:133
الاختلاف لاختلاف الحاجات (1).
و فيه:عن الرجل يطوف بالبيت،ثم ينسى أن يصلّي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك،قال:« ينصرف حتى يصلّي،ثم يصلّي الركعتين،ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه» (2).
و نحوه آخر (3)و المرسل كالصحيح (4)،إلّا أنه ليس فيهما ذكر الخمسة أشواط أو أقلّ،و لا التصريح بإتمام السعي بعد العود إلى المكان الذي خرج منه.
و هذه النصوص مع استفاضتها،و صحة أكثرها،و صراحة بعضها في جواز البناء و لو على شوط معتضدة بالأصل،و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً،من المتأخرين إجماع حقيقة،مضافاً إلى حكاية عدم الخلاف المتقدمة،المؤيدة بالإجماع على عدم وجوب الموالاة في السعي المنقول عن التذكرة (5).
خلافاً للمفيد و من تبعه في المسألة السابقة (6)،فجعلوا السعي كالطواف،و اعتبروا فيه للبناء المجاوزة عن النصف،و أوجبوا الاستئناف
ص:134
بدونها،فيلزمهم اعتبارها له هنا في هذه الصور كلّها.
إلّا أن الحلبيّين حيث نصّا في الطواف أنه إذا قطع لفريضة بني بعد الفراغ و لو على شوط،فيوافقان الأصحاب في القطع للفريضة،بخلاف المفيد و الديلمي فأطلقا افتراق مجاوزة النصف و عدمها في الطواف و مشابهة السعي له.
و مستندهم ما مرّ من الخبرين مع الجواب عنه،لا حمل السعي على الطواف كما في المختلف (1)،ليد أنه قياس مع الفارق،لأن حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي.
و هل يجوز القطع من غير داعٍ حيث لا يخاف الفوت؟وجهان.
و المحكي من الجامع:نعم (2)،و عليه جمع (3)؛ للأصل،و ما مرّ من نقل الإجماع على عدم وجوب الموالاة.و لكن الأحوط العدم؛ أخذاً بمقتضى التأسي و المتيقن.
هذا،و لو لا اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف في هذه الصور كلّها و جواز البناء مطلقاً و لو كان ما سعى شوطاً واحداً لكان القول.بما قاله الحلبيّان قوياً؛ للتأسي و ما بعده السالمين عن المعارض صريحاً،بل و ظاهراً ظهوراً يعتدّ به،إلّا الموثق و غيره الواردين في القطع للصلاة،فإنهما صريحان في البناء و لو على شوط،و نحن نقول فيه بمضمونهما،بل مرّ نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة و المنتهى.
ص:135
و لا موجب للتعدي إلى ما عداه من الصور سوى الأخبار الباقية و الإجماع على عدم وجوب الموالاة.
و الأخبار ليست بواضحة الدلالة إلّا على الأمر بالعود إلى المكان الذي فيه قطعه خاصة كما في بعضها،أو مع الأمر بإتمام السعي كما في آخر منها،و ربما خلا بعضها عن الأمر بالعود أيضاً و إنما فيه رخصة القطع خاصة.
فأوضحها دلالةً الرواية الثانية،و ليس فيها تصريح بالبناء على الأصل، بل ظاهرها الإطلاق،و لمّا سيق لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه صار فيه مجملاً،و إنما ذكر الحكم فيه تبعاً،فيشكل التعويل على مثل هذا الإطلاق جدّاً في الخروج عن مقتضى الدليلين اللذين قدّمناهما،سيّما بعد اعتضادهما بالخبرين اللذين ذكراً سابقاً للمفيد و من تبعه مستنداً.
و الإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة غايته نفي الوجوب الشرعي،بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعاً،لا الشرطي،فلا ينافي وجوبها شرطاً في محل النزاع،بمعنى أنه لو لم يوالِ يفسد سعيه،و يتوقف صحته على إعادته و إن لم يكن بترك الموالاة آثماً.
و بالجملة:التمسك بنحو هذا الإجماع المنقول و الأخبار لا يخلو عن إشكال.
و كيف كان،فالاحتياط لا يترك على حال،و يحصل بالإتمام ثم الاستئناف.
الرابع: لو سعى ستة أشواط ثم ظنّ إتمام سعيه فأحلّ و واقع أهله،أو قلّم أظفاره،ثم ذكر أنه نسي شوطاً واحداً أتمّ سعيه بلا خلاف؛ لما مرّ من وجوب الإتمام مع تيقن النقصان.
ص:136
و في بعض الروايات أنه يلزم دم بقرة ففي الصحيح:
رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط،ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه،و قلّم أظفاره و أحلّ،ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط، فقال(عليه السّلام):« يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط؟فإن كان يحفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد و ليتمّ شوطاً و ليُرِقْ دماً» سأله:دم ماذا؟فقال:« دم بقرة» الخبر (1).
و في آخر:عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة،فذكر بعد ما أحلّ و واقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط،فقال:
« عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطاً» (2).
و في سند هذا ضعف،و في متنه كالأول مخالفة للأُصول المقرّرة عندهم من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد؛ و وجوب البقرة في تقليم الأظفار،مع أن الواجب بمجموعها شاة؛ و وجوبها في الجماع مطلقاً، مع أن الواجب به مع العلم بُدنة،و لا شيء من النسيان؛ و مساواة القلم للجماع،و الحال أنهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة.
و لعلّه لهذا أطرحهما القاضي و الشيخ في كفارة النهاية و المبسوط كما حكي (3)،و حملهما بعض الأصحاب على الاستحباب (4)،و لم يفت الماتن بها هنا و لا في الشرائع،بل عزاه إلى القيل (5)و بعض الروايات،مشعراً
ص:137
بتردّده فيه:من ذلك،و من صحة الرواية الأُولى،و إمكان جبر ضعف الثانية بفتوى الشيخين و الحلّي بها و جماعة (1)،فيمكن تخصيص القواعد بهما،كما صرّح به جماعة (2)قائلين بأن العقل لا يأباها بعد ورود النص بها.
مع إمكان توجيه الحكم فيهما بنحو لا يخالفها،إمّا بما ذكره الحلّي من أن الكفارة لأجل أنه خرج من السعي غير قاطع به و لا متيقِّن بإتمامه،بل خرج عن ظنّ منه،و هاهنا لا يجوز له أن يخرج مع الظن بل مع القطع و اليقين،و قال:هذا ليس بحكم الناسي.
أو بما ذكره شيخنا في المسالك من أن الناسي و إن كان معذوراً لكن قد قصّر حيث لم يلحظ النقص،قال:فإنّ من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا،و هو واضح الفساد،فلم يعذر،بخلاف الناسي غيره فإنه معذور (3).انتهى.و لعلّ هذا أقوى.
لكن يجب القصر على مورد النص،و هو المتمتع كما في الرواية الأُولى جزماً،و كذا في الثانية على ما يفهم من جماعة،و منهم الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)،تبعاً للحلّي (5)،حيث قال بعد الفتوى بمضمونها و توجيهه بما مضى:و هذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج،فإنه في غيرها قاطع بوجوب طواف النساء عليه و قد جامع قبله متذكراً فعليه لذلك بدنة.
ص:138
و لكن اعترض عليه بأن الرواية مطلقة بل عامة،و ما ادّعاه من القبلية و التذكر ممنوعة (1)،و لذا احتمل المحقّق في النكت أن يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه إتمام السعي (2)،و الفاضل في المختلف أن يكون قدّم طواف النساء على السعي لعذر (3).
أقول:و يرد عليه أيضاً منافاة ما ذكره هنا لما ذكره في توجيه الرواية سابقاً،من أن الكفارة إنما هي لتقصيره في الاكتفاء بالظن و عدم مراعاته العلم مع وجوب مراعاته عليه،و هذا لا يختلف فيه الحال بين أن يكون في سعي العمرة المتمتع بها أو غيرها،و ما ذكره هنا ظاهر بل صريح في أن الكفارة إنما هي من حيث المواقعة،لا ما ذكره،فتأمّل.
القول في أحكام منى بعد العود من مكة إليها:
اعلم أن الحاج إذا قضى مناسكه بمكة شرّفها اللّه تعالى من طواف الزيارة و السعي و طوائف النساء
يجب عليه العود للمبيت بمنى ليلة الحادي عشر و الثاني عشر مطلقاً،و الثالث عشر على تفصيل سيذكر إن شاء اللّه تعالى،بإجماعنا،و وافقنا عليه أكثر من خالفنا كما عن المنتهى (4)؛ و هو الحجّة،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر،بل لعلّها متواترة (5).
و عن الشيخ في التبيان القول باستحبابه (6).و هو شاذّ.
ص:139
قيل:و لا ينافيه ما في بعض الكتب من جعله من السنّة،أو حصر واجبات الحج في غيره،أو الحكم بأنه إذا طاف للنساء تمّت مناسكه أو حجه؛ لجواز خروجه عنه و إن وجب،و نصّ الحلبي على كونه من مناسكه،و لذا اتفقوا على وجوب الفداء على من أخلّ به.
و يجب النية كما في الدروس،و في اللمعة الجليّة (1)يستحب،فينوي كما في الفخرية (2)أنه أبيت هذه الليلة بمنى لحج التمتع حج الإسلام مثلاً لوجوبه قربة إلى اللّه تعالى (3)،فإن أُخلّ بالنية عمداً أثم،و في الفدية وجهان كما في المسالك (4).
أقول:و نفى فيه البعد عن العدم (5).و لا بأس به؛ للأصل،و عدم معلومية شمول إطلاق ما دلّ على لزوم الفدية بترك المبيت لمثله،لانصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي،لا الحكمي.
و لو بات بغيرها ليلة كان عليه دم شاة،أو لليلتين ف شاتان إجماعاً،كما في صريح الغنية و الخلاف و غيرهما (6)،و ظاهر المنتهى و غيره (7)؛ و للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.
ص:140
ففي الصحيح:« من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم» (1).
و فيه عن أبي الحسن(عليه السّلام):« سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة،فقلت:لا أدري» قال صفوان:فقلت له:جعلت فداك، ما تقول فيها؟قال:« عليه دم إذا بات» (2).
و فيه:عن رجل بات مكة ليالي منى حتى أصبح،فقال:« إن كان أتاها نهاراً فبات حتى أصبح فعليه دم يهريقه» (3).
و فيه:« لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى،فإن بتّ في غيرها فعليك دم» (4).
و الاستدلال بهذين إنما هو لأن إطلاقهما يفيد شاة لليلة فلليلتين شاتان،كذا قيل (5)،و لا يخلو عن إشكال.
نعم لا بأس به،جمعاً بينهما و بين الأخبار المتقدمة الصريح بعضها في وجوب الدم بترك المبيت ليلةً؛ مضافاً إلى الإجماعات المنقولة، و صراحة الرواية الآتية بثلاثة لثلاث (6)،و ظاهر غيرهما ممّا سيأتي إليه الإشارة.
ص:141
فلا إشكال في المسألة و إن حكي التعبير بأنّ من بات ليالي منى بغيرها و ما بلفظ الجمع عن المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جعل العلم و العمل؛ لما قيل من احتماله الوفاق لما عليه الأصحاب و إن احتمل الخلاف،أمّا بالتسوية بين ليلة و ليلتين و ثلاث،أو بأن لا يجب الدم إلّا لثلاث،لإجماله و احتماله كلّاً من الاحتمالات على السواء،بل قيل:الأول أظهرها (1).
و إطلاق النصوص و الفتاوي يشمل الجاهل و المضطر و الناسي، فيكون جبراناً،لا كفارة.
خلافاً للمحكي عن الشهيد في بعض الحواشي،فاستثنى الجاهل (2).
و وجهه غير واضح.
و في الصحيح:عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى،قال:« ليس عليه شيء و قد أساء» (3).
و هو يحتمل الجهل،و الليلة الثالثة،و ما في التهذيبين من الخروج بعد انتصاف الليل،أو الاشتغال بالطاعة في مكة (4).
و في آخر:فاتتني ليلة المبيت بمعنى في شغل،فقال:« لا بأس» (5).
و هو يحتمل ما فيهما،و النسيان،و الصرورة،و الليلة الثالثة.
ص:142
و يحتملان أيضاً الحمل على التقية،كما ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة المروية عن أبي الحسن(عليه السّلام)،و قيل:إنه مذهب أبي حنيفة (1).
أو على أن يكون غلبه عينه بمكة أو في الطريق بعد ما خرج منها إلى منى،كالمروي في قرب الإسناد:في رجل أفاض إلى المبيت،فغلبته عيناه حتى أصبح،قال:« لا بأس عليه،و يستغفر اللّه تعالى،و لا يعود» (2).و هو ضعيف.
نعم،هنا أخبار صحيحة بجواز النوم في الطريق اختياراً:
منها:« من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم،و إن خرج منها فليس عليه شيء و إن أصبح دون منى» (3).
و منها:« إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه» (4).
و منها:« إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام» (5).
قيل:و به أفتى الإسكافي و الشيخ في التهذيبين (6).
أقول:و لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه؛ لوضوح
ص:143
دلالتها،مضافاً إلى صحتها و كثرتها و موافقتها الأصل،مع عدم وضوح معارض لها إلّا إطلاق بعض الصحاح المتقدمة،و يقبل التقييد بها،و الخبر:
عن رجل زار البيت فطاف بالبيت و بالصفا و المروة ثم رجع،فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح،قال:« عليه شاة» (1).
و في سنده ضعف،و يحتمل تقييد الطريق فيه بطريق في حدود مكة لا خارجها.و لا بُعد فيه،سيّما بعد ملاحظة الصحيحة الأُولى المتقدمة في صدر المسألة.
هذا،و لكن الأحوط ما عليه الأصحاب.
و الحكم بوجوب الدم لترك المبيت مطلق إلّا أن يبيت بمكة متشاغلاً بالعبادة فلا يجب على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛ للصحيحين (2)،في أحدهما:عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتى طلع الفجر،فقال:« ليس عليه شيء،كان في طاعة اللّه عزّ و جلّ» .و هو يفيد العموم لكل عبادة واجبة أو مندوبة.
و مورده استيعاب الليل بها،فينبغي الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الدم بترك المبيت عليه.
نعم،يستثنى منه ما يضطر إليه من غذاء و شراب كما ذكره الشهيدان (3)،
ص:144
و لكن زادا:و نوم يغلب عليه.و فيه نظر؛ إذ ليس في الخبر ما يرشد إليه، بل و لا إلى الأولين،و إنما استثنيا حملاً لإطلاق النص على الغالب،و ليس في الخبر ما يخالف في النوم،لظهوره في عدمه.
قيل:و يحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى،و هو أن يتجاوز نصف الليل (1).و هو ضعيف.
نعم،له المضي إلى منى؛ لإطلاق الصحاح المتقدمة في النوم في الطريق،و بل ظهورها فيه،بل تظافرت الصحاح [حينئذ] بالأمر به:
منها:« إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بمنى» (2).
و منها:« إذا زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلّا و هو بمنى» (3).
و منها:« إن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت بمنى، إلّا أن يكون شغلك نسكك،أو قد خرجت من مكة» (4).
إلى غير ذلك من الصحيح و غيره (5).
و خالف الحلّي في أصل الاستثناء،فاستظهر أن عليه الدم و إن بات بمكة مشتغلاً بالعبادة؛ عملاً بالعمومات،و التفاتاً إلى أن الصحيح من الآحاد (6).و هو مع و هو أصله شاذّ.
ص:145
و لو كان ممن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث مطلقاً (1)و ترك المبيت بها أجمع لزمه ثلاث شياه لكل ليلة شاة إجماعاً كما في الغنية (2)؛ لإطلاق بعض الروايات المتقدمة؛ مضافاً إلى رواية أُخرى ضعف سندها بالشهرة منجبر:عمن بات ليالي منى بمكة،قال:« ثلاثة من الغنم يذبحهن» (3).
و المراد بمن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث هو:من لم يتّق في إحرامه الصيد و النساء،أو موجبات الكفارة،أو مطلق المحرّمات،على اختلاف الأقوال الآتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى.
فإن قلنا بالأخيرين كان على من أخلّ بالمبيت في الثلاث ثلاث من الشياه كما في النهاية و السرائر (4)و إن اتّقى عن سائر المحرّمات،و إلّا فشاتان كما عن المبسوط و الجواهر (5).
و حدّ المبيت بها أي القدر الواجب منه أن يكون بها ليلاً حتى يتجاوز نصف الليل فله الخروج منها بعد الانتصاف و لو إلى مكة شرّفها اللّه تعالى؛ للمعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح:« فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى،إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة،و إن خرجت
ص:146
بعد نصد الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها» (1).
و فيه:« إن زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلّا و هو بمنى،و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة» (2).
و في الخبر:« فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شيء» (3).
و في آخر:« إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلّا و هو بمنى،و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها» (4).
و يستفاد منه و من الصحيح الثاني تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال،كما عن الحلبي (5)،إلّا أن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأول فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني،و صريح شيخنا في المسالك و الروضة (6)ذلك،و زاد فأوجب مقارنة النية لأول الليل.
فإن تمّ إجماعاً،و إلّا فاستفادة ذلك من الأخبار بعدم ضم بعضها إلى بعض مشكل؛ و لذا صرح سبطه بأن أقصى ما يستفاد منها ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجاً عنها من أول الليل إلى آخره (7).
و هو حسن و إن كان ما ذكره شيخنا في المسالك أحوط أخذاً
ص:147
بالمتيقن.
و الكون بها إلى الفجر أفضل كما في النهاية و السرائر (1)،و عن المبسوط و الكافي و الجامع (2)؛ للصحيح:عن الدُّلجة إلى مكة أيام منى هو يريد أن يزور،قال:« لا حتى ينشق الفجر،كراهية أن يبيت الرجل بغير منى» (3).
و يستفاد منه كراهية الخروج كما عن ابن حمزة (4)،و عن المختلف إن خبر الجازي و أشار به إلى ما قدّمناه من الخبر الثالث بعد الصحيحين ينفيها و إن كان الأفضل المبيت بها إلى الفجر (5).
و فيه نظر؛ فإن الموجود فيه نفي الضرر،و هو يجامع الكراهة،فإنها ليست بضرر قطعاً.
ثم إن ظاهر جملة من الأخبار المتقدمة و صريح بعضها ما قدّمنا:من جواز الخروج بعد الانتصاف و لو إلى مكة شرّفها اللّه تعالى،و عليه الأكثر.
و قيل:لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر و القائل الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر (6)،و حكي أيضاً عن المبسوط و الوسيلة و الجامع (7)، و في الدروس:إنه لم يقف على مأخذه (8).
ص:148
قيل:و لعلّهم استندوا إلى ما مرّ من الأخبار الناطقة بأن الخارج من مكة ليلاً إلى منى يجوز له النوم في الطريق إذا جاز بيوت مكة؛ لدلالتها على أن الطريق في حكم منى،فيجوز أن يريد و الفضل،لما مرّ من أن الأفضل الكون إلى الفجر،و الوجوب،اقتصاراً على اليقين،و هو جواز الخروج من منى بعد الانتصاف لا من حكمه (1).
و هو كما ترى مع ضعفه كما لا يخفى اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المتقدم،المعتضد زيادةً على الأصل و الإطلاقات بصريح الخبر المروي عن قرب الإسناد،ففيه:« و إن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شيء» (2).
و ضعف السند ينجبر بفتوى الأكثر،فما اختاروه أقوى و إن كان ما قاله الشيخ أحوط.
و اعلم أنه يجوز لذوي الأعذار[ترك (3)]المبيت حيث يضطرون إليه؛ إذ لا حرج في الدين.و في وجوب الدم نظر،من التردد في كونه كفارةً أو جبراناً،و ظاهر الغنية العدم (4)،كما هو مقتضى الأصل.
قيل:و منه الرعاة و أهل السقاية،فروى العامة ترخيصهم،و نفى عنه الخلاف في الخلاف و المنتهى،و خصّص مالك و أبو حنيفة الرخصة للسقاية بأولاد عباس.
و في التذكرة و المنتهى:إنه قيل للرعاة ترك المبيت ما لم تغرب
ص:149
الشمس عليهم بمنى،فإن غربت وجب عليهم،بخلاف السقاة، لاختصاص شغل الرعاة بالنهار،بخلاف السقاية،و أفتى بهذا الفرق في التحرير و الدروس.و هو حسن.
و في الخلاف:و أما من له مريض يخاف عليه،أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك؛ لقوله تعالى وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] (1)و إلزام المبيت و الحال ما وصفناه حرج،و للشافعي فيه وجهان.
و نحوه المنتهى،و هو فتوى التحرير و الدروس،و مقرَّب التذكرة.
و في الدروس:و كذا لو منع من المبيت منعاً خاصاً أو عاما كنفر الحجيج ليلاً،قال:و لا إثم في هذه المواضع،و تسقط الفدية عن أهل السقاية و الراعاة،و في سقوطها عن الباقين نظر.
قلت:وجّه الفرق بعض العامة بأن شغل الأوّلين ينفع الحجيج عامة، و شغل الباقين يخصّهم (2).
و يجب رمي الجمار الثلاث في الأيام التي يقيم بها،كلّ جمرة بسبع حصيات بلا خلاف في شيء من ذلك حتى الوجوب،كما في السرائر و غيره (3)،و عن التذكرة و المنتهى أنه لا نعلم فيه خلافاً (4).
و عن الخلاف الإجماع على وجوب الترتيب بين رمي الثلاث و وجوب القضاء (5).
قيل:و عدّ في التبيان من المسنونات،و لعلّ المراد ما ثبت وجوبه
ص:150
بالسنّة،و في الجمل و العقود في الكلام في رمي جمرة العقبة يوم النحر:إنّ الرمي مسنون.فيحتمله،و الاختصاص برمي جمرة العقبة،و حمل على الأول في السرائر و المنتهى (1).
أقول:و ظاهر التهذيبين أيضاً الاستحباب (2)،و لكنه شاذّ على خلافه الآن قطعاً الإجماع؛ و هو الحجة،مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،بل المتواترة كما في السرائر (3).
و في الصحيح:« اَلْحَجِّ الْأَكْبَرِ [1] الوقوف بعرفة و رمي الجمار» (4).
و في الخبر:« من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء و عليه الحج من قابل» (5).
و لكنه شاذّ لم يعمل به أحد من الأصحاب؛ كما في الذخيرة (6).
و يزيد هنا على ما مضى من شرائط الرمي أن يكون مرتباً يبدأ بالأُولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً،كالخلاف و الغنية و غيرهما (7)صريحاً،و في التذكرة و المنتهى و غيرهما (8)ظاهراً،و للتأسي،و الصحاح المستفيضة.
و ف لو نكس أعاد الوسطى و جمرة العقبة بلا خلاف،
ص:151
و للصحاح المستفيضة:
منها:قلت له:الرجل يرمي الجمار منكوسة،قال:« يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة» (1).
و يحصل الترتيب بأربع حصيات فلو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات على السابقة حصل الرمي بالترتيب،و إلّا فلا،بلا خلاف،بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى (2)الإجماع.
للمعتبرين (3)أحدهما الصحيح:في رجل رمي الجمرة الأُولى بثلاث و الثانية بسبع[و الثالثة بسبع]،قال:« يعيد رميهن بسبع سبع» قلت:فإن رمى الاُولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع،قال:« يرمي الجمرة الأُولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع» قلت:فإنه رمي الجمرة الأُولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع،قال:« يعيد فيرمي الأُولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة» .و إطلاقه كغيره يقتضي البناء على الأربع مع العمد و الجهل و النسيان، و هو أيضاً ظاهر المتن و الشرائع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة (4).
خلافاً للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهى،و الشهيدين في
ص:152
الدروس و الروضة (1)،و ربما عزي إلى الشيخ و الأكثر (2)،و ربما جعل أشهر (3)،فقيّدوه بالناسي،و ألحق الشهيدان به الجاهل.
و مستندهم غير واضح،عدا ما عن الفاضل في الكتابين من أن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان.و هو إعادة للمدّعى.
و في الروضة بأنه منهي عن رمي الجمرة اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد.
و يضعّف بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل أربع لا مطلقاً،و لو سلّم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص،إلّا أن يمنع شموله للعامد،لندرته،فلا ينصرف إليه السؤال المعلّق عليه الجواب؛ مضافاً إلى حمل فعل المسلم على الصحة كما مرّ غير مرّة.
ثم النص صريح في وجوب استئناف الناقصة عن الأربع و ما بعدها مطلقاً و لو كانت الثانية أو الأُولى.
خلافاً للحلّي فاكتفى بإكمالها و أوجب استئناف ما بعدها خاصة (4).
قيل:لعدم وجوب الموالاة في الرمي؛ للأصل.و يدفع بالنص (5).
و وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها على الأشهر الأقوى؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:« رمي
ص:153
الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها» (1).
و نحوه آخر مؤكّداً بالقسم (2).
خلافاً للمحكي عن الوسيلة و الإشارة و والد الصدوق (3)في مبدئه، فجعلوه أول النهار.
و يردّه صريحاً(الصحيح) (4):« لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس» (5).
و يحتمل أن يريدوا به طلوع الشمس،كما عن بعض كتب اللغة (6).
و للغنية و الإصباح و الجواهر و الخلاف (7)كما حكي فيه أيضاً، فجعلوه بعد الزوال،مدّعين عليه الإجماع عدا الإصباح.
و في المختلف:إنه شاذّ لم يعمل به أحد من علمائنا،حتى أن الشيخ المخالف وافق أصحابه،فيكون إجماعاً،لأن الخلاف إن وقع منه قبل الوفاق فقد حصل الإجماع،و إن وقع بعده لم يعتدّ به،إذ لا اعتبار بخلاف من يخالف الإجماع (8).
قلت:و على تقدير عدم شذوذه فغايته أنه إجماع منقول لا يعارض ما قدّمناه من الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب.
ص:154
و أما الصحيح:« ارم في كل يوم عند الزوال» (1)فمحمول على الاستحباب؛ لعدم قائل به إن أُريد به قبل الزوال،و كذا إن أُريد به بعده، جمعاً بين الأدلة،مع احتماله حينئذ الحمل على التقية،فقد حكاه في الخلاف عن الشافعي و أبي حنيفة (2).
و للصدوقين في آخره،فوقّتاه إلى الزوال (3)،إلّا أنّ في الرسالة:و قد روي من أول النهار إلى آخره.
و في الفقيه:و قد رويت رخصة من أوّل النهار إلى آخره (4).
و لو نسي بل ترك مطلقاً رمي يوم قضاه من الغد وجوباً بلا خلاف،بل قيل:بالإجماع كما في الغنية (5)و للشافعي قول بالسقوط، و آخر بأنه في الغد أيضاً أداء،و كذا أن فاته رمي يومين قضاهما في الثالث، و إن فاته يوم النحر قضاه بعده،و لا شيء عليه غير القضاء عندنا في شيء من الصور،للأصل (6).
أقول:و لظاهر الصحاح الواردة في المسألة حيث لم يؤمر في شيء منها بغير القضاء:
فمنها: زيادةً على ما يأتي في رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة،قال:« يرجع فيرمي متفرقاً،و يفصل بين كلّ رميتين بساعة» الخبر (7).
ص:155
و في آخر:قلت:الرجل ينكس في رمي الجمار،فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى،قال:« يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد» (1).
و يجب أن يكون مرتباً بينه و بين الأداء،فيؤخره عن القضاء،بل لو فاته رمي يومين قدّم الأول على الثاني و ختم بالأداء،بلا خلاف،بل عليه الإجماع عن الخلاف (2).
و هو الحجّة عليه،دون ما قيل من تقدم السبب و الأخبار و الاحتياط (3).
إذ لا دليل على أن تقديم السبب يقتضي وجوب تقديم المسبّب.
و الأخبار المفيدة لوجوب التقديم لم نجدها،لأنها بين مطلقة للأمر بالقضاء،و هي ما قدّمناه قريباً،و بين مصرّحة بالأمر بالتقديم مقيداً بقيد هو للاستحباب.و يفصح عنه قوله:
و يستحب أن يكون ما لأمسه غدوة أي بعد طلوع الشمس و ما ليومه بعد الزوال ففي الصحيح:رجل أفاض من جَمْع حتى انتهى إلى منى،فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس،قال:« يرمي إذا أصبح مرّتين:
إحداهما بكرة و هي للأمس،و الأُخرى عند زوال الشمس» (4).
ص:156
و ظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب و إن أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر (1).و هو كذلك،جمعاً بينه و بين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل بينهما بساعةٍ المنافي لما في هذا الصحيح قطعاً، و الجمع بالحمل على تفاوت مراتب الاستحباب،فأدناها ما سبق و أعلاها ما هنا.
لكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن الحديث السابق فليلحق بالشواذ، و يتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد،و إن انعقد كما صرّح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه:بلا خلاف بشرط الترتيب (2)فالوجه الاستحباب.
و ممّا ذكرنا ظهر أنه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع.
و أما الاحتياط فليس بدليل شرعي بعد وجود ما قدّمنا من الإطلاق بلا خلاف.
و هل يجوز القضاء قبل طلوع الشمس،أم يتعيّن بعده كالأداء؟ وجهان،بل قولان.أحوطهما الثاني؛ لعموم ما دلّ على أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس،مع النهي عنه قبله في بعض ما مرّ من الصحاح و إن أمكن الذبّ عنه بالمعارضة بإطلاق أخبار المسألة،و يرجّحها على السابقة أصالة البراءة و ضعف إطلاقها بعدم تبادر القضاء منه بل الأداء خاصة.
و يجب نية القضاء فيه دون الأداء فيه دون الأداء و إن كانت فيه أيضاً أولى.
و الفرق وقوع ما في ذمته أوّلاً على وجهين فيحتاج إلى نية التعيين
ص:157
إجماعاً،دون الثاني حيث لم يكن مشغول الذمة بالقضاء،و إنما كانت مع ذلك أولى تفصّياً عن خلاف من أوجبها مطلقاً.
و لا يجوز الرمي ليلاً لما مضى من توقيته بما بين طلوع الشمس إلى غروبها إلّا لعذر كالخائف و الرعاة و العبيد و نحوهم،فيجوز لهم ليلاً أداءً و قضاءً بلا خلاف على الظاهر،المصرح به في بعض العبائر (1).
للحرج و للمعتبرة المستفيضة (2)،و فيها الصحيحان و الموثقان،و فيها التنصيص على خصوص من ذُكر،و زيد في بعضها:الحاطبة و المدين و المريض (3).
و لا فرق في الليل بين المتقدم و المتأخر؛ لعموم النصوص و الفتاوي.
قيل:و الظاهر أن المراد بالرمي ليلاً رمي جمرات كل يوم في ليلته، و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة؛ لأنه أولى من الترك أو التأخير (4).انتهى.و لا بأس به.
و يجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض و إن لم يكن مأيوساً من برئه،و عن الصبي الغير المميّز و المغمى عليه،بلا خلاف أعرفه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (5).
و في الموثق:« إن المريض يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه» قال:
لا يطيق ذلك،قال:« يترك في منزله و يرمى عنه» (6)و حمل الحمل فيه على
ص:158
الاستحباب (1).
قيل:و في المبسوط لا بدّ من إذنه إذا كان عقله ثابتاً.
و عن المنتهي و التحرير استحباب استئذان النائب عن غير المغمى عليه،قال في المنتهى:إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمي عنه عندنا، عملاً بالعمومات.
و في الدروس:لو أُغمي عليه قبل الاستنابة و خيف فوت الرمي فالأقرب رمي الولي عنه،فإن تعذّر فبعض المؤمنى؛ لرواية رفاعة عن الصادق(عليه السّلام):يومي عمّن أُغمي عليه (2).
قلت:فقه المسألة أن المعذور تجب عليه الاستنابة،و هو واضح، لكن إن رمي عنه بدون إذنه فالظاهر الإجزاء،لإطلاق الأخبار و الفتاوي، و عدم اعتباره في المغمى عليه،و إجزاء الحج عن الميت تبرعاً من غير استنابة؛ و يستحب الاستئذان إغناءً له عن الاستنابة الواجبة عليه و إبراء الذمة عنها (3).انتهى.و هو حسن.
و لو زال العذر و الوقت باق لم يجب عليه فعله؛ لسقوطه عنه بفعل النائب بمقتضى إطلاق النص و الفتوى،لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.
و لو استناب المعذور ثم أُغمي عليه قبل الرمي لم ينعزل نائبه كما ينعزل الوكيل،وفاقاً للأكثر؛ لأنه إنما جازت النيابة لعجزه،لا للتوكيل،و لذا جازت بدون إذنه،و الإغماء زيادة في العجز.
ص:159
و لو نسي من حصى جمرة حصاة فصاعداً إلى الثلاث و جهل موضعها من الجمرات الثلاث رمي على كل جمرة حصاة مخيراً بين الابتداء بكل منها.
و لا يجب الترتيب؛ لأن الفائت من واحدة و وجوب الباقي من باب المقدمة.
و لإطلاق الصحيح:رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها، فزادت واحدة،فلم يدر أيّهن نقص،قال:« فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة» الخبر (1).
و عن الجواهر الإجماع (2).
و لو فاته جمرة و جهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتباً بينها؛ لإمكان كونها الاُولى فيبطل الأخيرتان بعدها.و كذا لو فاته أربع حصيات فصاعداً و جهلها.
و لو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب؛ لتعدّد الفائت بالأصالة.
و لو فاته ثلاث و شك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتباً؛ لجواز التعدّد.و لو كان الفائت أربعاً استأنف.
و يستحب الوقوف عند كل جمرة و رميها عن يسارها من بطن المسيل حال كونه مستقبل القبلة،و يقف عندها داعياً بالمأثور عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة و يرميها عن يمينها و لا يقف
ص:160
عندها.
كلّ ذلك خلا الاستدبار للصحيح:« و ابدأ بالجمرة الأُولى،فارمها عن يسارها من بطن المسيل،و قل كما قلت يوم النحر،ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه تعالى و أثن عليه و صلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)، ثم تقدّم قليلاً فتدعو و تسأله أن يتقبّل منك،ثم تقدم أيضاً،ثم أفعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالأُولى و تقف و تدعو اللّه كما دعوت،ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها» (1).
الصحاح و غيرها بعدم الوقوف عند الثالثة مستفيضة جدّاً (2).
و أما الاستدبار للقبلة في رمي جمرة العقبة فقد مضى الكلام فيه في بحثها مستوفى (3).
و لو نسي بل ترك الرمي كلّاً أو بعضاً مطلقاً حتى دخل مكة شرّفها اللّه سبحانه وجب عليه أن يرجع فيها أي منى و يتدارك ما ترك وجوباً؛ للصحاح و غيرها.
ففي الصحيح:في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة،قال:«[فلترجع]فلترم الجمار كما كانت ترمي،و الرجل كذلك» (4).
و فيه:قلت له:رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة،قال
ص:161
يرجع فيرميها،يفصل بين كلّ رميتين بساعة» قلت:فإنه فاته ذلك و خرج، قال:« ليس عليه شيء» (1).
و نحوه آخر،لكن فيه بدل« ليس عليه شيء»:« ليس عليه أن يعيد» (2).
و هي كما ترى كالعبارة و نحوها مطلقة شاملة لصورتي بقاء أيام التشريق و عدمه،لكن قيّدها الأكثر بالأُولى.و لعلّه الأظهر؛ جمعاً بينها و بين الخبر:« من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل،فإن لم يحج رمي عنه وليّه،فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه،و أنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» (3).
و في سنده و إن كان ضعف بالجهالة،إلّا أنه مجبور بالشهرة الظاهرة، و المحكية (4)،بل عليه الإجماع في الغنية (5).
مضافاً إلى ضعف الإطلاق في الأخبار السابقة،و عدم معلومية انصرافه إلى الصورة الثانية،فإنّ المتبادر منها الأُولى خاصة.
و لو خرج من مكة و لما [لم] يتدارك الرامي [الرمي] فلا حرج عليه و لا شيء كما مرّ في الصحيحين إن مضت أيام التشريق،كما هو الغالب
ص:162
في الخروج،و عليه يحمل إطلاقهما و العبارة،مضافاً إلى مفهوم الرواية السابقة كما عرفته.
و لا ريب في الحكم إن أُريد من الحرج و الشيء المنفي الكفارة؛ لانتفائها بالأصل.
قيل:هذا عندنا،و أوجب الشافعية عليه هدياً،و لا يختلّ بذلك إحلاله عندنا و إن كان في ترك الرمي عامدا (1)و أما ما مر من بعض الأخبار بأنه من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل (2)فمع ضعف سنده و شذوذه و إن حكي نحوه عن الإسكافي (3)و أشعر عبارة التهذيب بقبوله (4)غير صريح؛ لاحتماله الحمل على تعمّد الترك لزعمه عند ما أحرم أو بعده أنه لغو لا عبرة به،فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجّه و إحلاله؛ أو على أن يكون المراد إيجاب الحج من قابل لقضاء الرمي فيه،فيكون بمعنى ما في الخبر المتقدم كما قيل (5)؛ أو على الاستحباب،كما في الاستبصار و المختلف و الدروس (6)، و فيه:أنه لم نقف على قائل به.
و كذا إن أُريد منه وجوب العود لتدارك الرمي في عامه؛ لاتفاق الأخبار المتقدمة عليه.
و يشكل لو أُريد منه ذلك مطلقاً،كما هو ظاهره في الشرائع (7)و صريحه هنا؛ لقوله:
ص:163
و لو حج في القابل استحب له القضاء،و لو استناب و لم يباشره جاز لعدم وضوح دليل عليه،سوى الأصل و عموم الصحيحين المتقدمين بنفي الشيء و الإعادة السالمين عمّا يصلح للمعارضة،سوى الرواية المتقدمة،و هي ضعيفة السند كما عرفته،و قد عرفت الجواب عن ضعف السند بالشهرة العظيمة،إذ لم نر مصرِّحاً بالاستحباب عدا الماتن و الفاضل فيما حكي عنه من التبصرة (1).
و أما باقي الأصحاب فهم بين مصرِّح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين و الخلاف،و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة (2)،و باللزوم كالحلبي فيما حكي (3)،أو آمرٍ به كالشيخ في النهاية،و الحلّي في السرائر، و الفاضل في التحرير و القواعد،و ابن زهرة في الغنية (4)،مدعياً عليه إجماع الطائفة،و حينئذ فتكون الرواية حجة.
و يقيّد بها الأصل و الصحيحان،بحمل الشيء و الإعادة فيهما على ما يجامع الرواية،بأن يراد بالشيء نحو الكفارة،أو الإعادة في هذه السنة، و عليها يحمل الإعادة المنفية في الرواية الثانية،مضافاً إلى احتمالها الحمل على ما ذكره بعض الأجلة فقال:و يحتمل أن يكون إنما أراد السائل أنه نسي التفريق،و يؤيده لفظ« يعيد» قال:مع أن في طريقها النخعي فإنما يكون صحيحاً إن كان أيوب بن نوح،و لا يقطع به (5).
و تستحب الإقامة بمنى أيام التشريق للصحيح:عن رجل يأتي
ص:164
مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعاً،فقال:
« المقام بمنى أفضل و أحبّ إلىّ» (1).
و لا يجب؛ للأصل،و نحو الصحيحين (2):« لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف في أيام منى و لا يبيت بها» .و في الموثق:رجل زار فقضى طواف حجه كلّه،أ يطوف بالبيت أحبّ إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟فقال:« أيّ ذلك شاء فعل ما لم يَبِت» (3).
و يجوز للحاج إذا فرغ من رميه الجمار في اليومين الأوّلين من أيام التشريق النفر في الأول،و هو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتّقى الصيد بأن ترك قتله و أخذه و النساء بأن ترك وطأهنّ،و ربما قيل:
الاستمتاع بهنّ مطلقاً (4).و هو أحوط و أولى في إحرامه في الحج،و ربما الحق به عمرة التمتع،لارتباطها به (5)،و هو أحوط.
و يسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث حينئذ بلا خلاف،كما عن المنتهى (6).
و إن شاء نفر في الثاني و هو الثالث عشر من الشهر.
ص:165
بالكتاب (1)و السنّة (2)،و الإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (3)،و عن المنتهى إنه مذهب العلماء كافة (4).
و لكن اختلف الفتاوي و النصوص في المراد بالمتّقي:أ هو من الصيد و النساء خاصة،كما هو الأشهر،أو سائر ما يوجب الكفارة كذلك،كما عن الحلّي و غيره (5)،أو كلّ ما حرم عليه في إحرامه،كما عن ابن سعيد (6)؟ و الأظهر:الأول؛ للخبرين في أحدهما:« إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول،و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [1] .. لِمَنِ اتَّقى [2] (7)اتّقى الصيد» (8).
و مفهومه و إن دلّ على جواز نفر المتّقي للصيد في النفر الأول مطلقاً و لو لم يتّق النساء،لكنه مقيّد بما إذا اتّقاهن أيضاً بالإجماع.
و في الثاني:« و من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول» (9).
ص:166
و ضعف سندهما منجبر بالعمل.
و لا دليل على الأخيرين عدا الخبر للأخير،و فيه:« لمن اتّقى الرَّفَث و الفسوق و الجدال،و ما حرّم اللّه تعالى في إحرامه» (1).
و في سنده ضعف،مضافاً إلى عدم مقاومته لما مرّ من وجوه.و هو و إن وافقه ظاهر إطلاق الآية،إلّا أنها كما قيل (2)مجملة محتملة لمعان متعددة رويت في تفسيرها.و فيه نظر.
و كيف كان،فلا ريب أن هذا القول أحوط،فلا يترك العمل به مهما أمكن.
و لو لم يتّقِ تعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير إجماعاً؛ لما مرّ قريباً.
و كذا يتعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير لو غربت الشمس و هو بمنى ليلة الثالث عشر و إن اتّقى،بالإجماع و المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح:« إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبِت بمنى،فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح» (3).
و فيه:« فإن أدركه المساء بات و لم ينفر» (4).
و من نفر في الأوّل لا يجوز أن ينفر إلّا بعد الزوال إلّا لضرورة.
ص:167
و من نفر في الأخير يجوز له قبله بلا خلاف هنا حتى من القائل بأن وقت الرمي بعد الزوال،بل في الغنية و التذكرة عليه الإجماع (1)،و عن المنتهى بلا خلاف (2).
و لا في الأول؛ إلّا ما يحكى عن التذكرة،فقرّب فيها أن التأخير مستحب (3).
و وجّهه بعض بأن الواجب إنما هو الرمي و البيتوتة،و الإقامة في اليوم مستحبة كما مرّ،فإذا رمى جاز النفر متى شاء.قال:و يمكن حمل كثير من العبارات عليه،و يؤيده الخبر:« لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال» (4)و إن حمل على الضرورة و الحاجة (5).انتهى.
و فيه:أنه اجتهاد صِرف في مقابلة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:« إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس،و إن أخّرت إلى آخر أيام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت،من قبل الزوال أو بعده» (6).
و فيه:« أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس،فأما اليوم الثالث
ص:168
فإذا ابيضّت الشمس فانفر على كتاب اللّه تعالى» الخبر (1).
و فيه:عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس،فقال:
« لا،و لكن يخرج ثقله،و لا يخرج هو حتى تزول الشمس» (2).
مع أن الخبر الذي ذكره ضعيف السند بالجهالة و الدلالة؛ باحتماله التقييد بما ذكره،و هو أقوى من حمل الصحاح على الاستحباب أو الكراهة من وجوه عديدة.
و دعوى انحصار الواجب في الرمي و البيتوتة أوّل النزاع و المشاجرة، و استحباب الإقامة في اليوم كلّه لا يستلزم استحبابها في أجزائه،و بعبارة اخرى:الموصوف بالاستحباب إنما هو الإقامة بعد الزوال إلى الليل، لا الإقامة إلى الزوال،و أحدهما غير الآخر،و المؤيد هو الثاني دون الأوّل.
ثم اعلم أن إطلاق الأدلة كالعبارة و نحوها بجواز النفر في الثاني قبل الزوال أو بعده مخيراً بينهما يعمّ الإمام و غيره.
خلافاً للمحكي عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الغنية (3)و الإصباح،فخصّوه بغير الإمام،و قالوا:عليه أن يصلّي الظهر بمكة.
و عن المنتهى و التحرير و التذكرة استحباب ذلك له (4).و لا بأس به؛ للصحيح:« يصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكة» (5).
ص:169
و في الخبر:إنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا،فقال بعضهم:إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل،و قال بعضهم:قبل الزوال،فكتب:« أما علمت أن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)الظهر و العصر بمكة؟فلا يكون ذلك إلّا و قد نفر قبل الزوال» (1).
و ربما يفهم منه رجحانه لغير الإمام أيضاً.
و يستحب للإمام كما هنا و في الشرائع و القواعد (2) أن يخطب الناس بعد صلاة الظهر كما في التحرير (3)،و عن المنتهى بدل الظهر:العصر من اليوم الثاني من أيام التشريق (4).
و يعلمهم ذلك أي وقت النفر الأول و الثاني.
و في الدروس و غيره (5):ينبغي أن يعلمهم أيضاً كيفية النفر و التوديع و بحثّهم على طاعة اللّه تعالى،و على أن يختموا حجّتهم بالاستقامة و الثبات على طاعة اللّه تعالى،و أن يكونوا بعد الحج خيراً منهم قبله،و أن يذكروا ما عاهدوا اللّه تعالى عليه من خير.
و في الدروس حكم بالوجوب.و لم أعرف مستنده،و له وجه إن علم الإمام جهلهم بما يجب عليهم.
و في التحرير عبّر بالجواز،و لا بأس به،بل و لا بالاستحباب.
و التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر النحر،و في
ص:170
البلدان عقيب عشر صلوات أوّلها ظهره أيضاً مستحب.
و قيل:يجب (1) و قد مرّ التحقيق فيه و في كيفيته في بحث صلاة العيد فلا نعيده.
و من قضى أي أدّى مناسكه بمنى فإن كان بقي عليه شيء من مناسك مكة كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها لفعله وجوباً،و إلّا فله الخيرة في العود إلى مكة و غيرها؛ لعدم وجوبه عليه عندنا كما في الروضة و غيرها (2)؛ للأصل،و النصوص:
منها:ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟فقال:« إذا كان قد قضى مناسكه فليقم ما شاء و ليذهب حيث شاء» (3).
و منها:« لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة» (4).
و لكن الأفضل العود إليها لوداع البيت و دخول الكعبة خصوصاً للصرورة لاستحبابهما بالإجماع و النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح:« إذا أردت أن تخرج من مكة و تأتي أهلك فودّع البيت و طف أُسبوعاً» الخبر (5).
و في الموثق:عن الدخول في الكعبة،فقال:« الدخول فيها دخول
ص:171
في رحمة اللّه تعالى،و الخروج منها خروج من الذنوب،معصوم فيما بقي من عمره،مغفور له ما سلف من ذنوبه» (1).
و لا ينافيه الصحيح:عن دخول البيت،فقال:« أما الصرورة فيدخله، و أما من قد حجّ فلا» (2)لأنه محمول على أن المنفي تأكد الاستحباب الثابت للصرورة،كما في الصحيح:« لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع» (3)و ظاهره و إن كان وجوبه على الصرورة،كما وقع التصريح بلفظة في غيره (4)،لكن وقع التصريح بالاستحباب في جملة من المعتبرة:
منها:« أُحبّ للصرورة أن يدخل الكعبة و أن يطأ المشعر الحرام» (5).
و منها:كيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حجّ؟قال:« لأن الصرورة قاضٍ فرضَ مدعوّ إلى حج بيت اللّه تعالى، فيجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه» (6).
و يستحب أن يكون الدخول بلا حذاء و بعد الغسل كما مرّ في بحثه، و الدعاء إذا دخل بالمأثور على سكينة و وقار،و أن لا يبزق و لا يمتخط فيها.
و مع عوده إلى مكة و دخوله في الكعبة استحب له الصلاة في زوايا الكعبة الأربع في كل زاوية ركعتين،يبدأ في بالزاوية التي فيها
ص:172
الدرجة،ثم الغربية،ثم التي فيها الركن اليماني،ثم التي فيها الحجر الأسود،كما عن القاضي (1)،داعياً بالمأثور.
و على الرخامة الحمراء التي بين الأُسطوانتين اللتين تليان الباب، و هي مولد مولانا أمير المؤمنين(عليه السّلام) كما قيل (2)ركعتين،يقرأ في الأُولى بعد الحمد حم السجدة و يسجد لها ثم يقوم فيقرأ الباقي،و في الثانية بقدرها من الآيات،لا الحروف و الكلمات.
و الطواف بالبيت للوداع،و هو كغيره سبعة أشواط.
و استلام الأركان كلّها و خصوصاً اليماني و الذي فيه الحجر في كل شوط،و أقلّه أن يفتتح به و يختم.
و إتيان المستجار و الدعاء عنده في الشوط السابع أو بعد الفراغ منه و من صلاته.
و الشرب من زمزم،و الخروج من باب الحنّاطين قيل:و هو باب بني جمح،و هي قبيلة من قبائل قريش،و هو بإزاء الركن الشامي على التقريب (3).
و الدعاء عند الخروج بالمأثور و السجود عند الباب هو مستقبل القبلة،و الدعاء بقوله:اللهم إني انقلب على لا إله إلّا اللّه.
قيل:و زاد القاضي قبله الحمد و الصلاة،و في المقنعة مكان ذلك:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام (4).
ص:173
و الصدقة بتمر يشتريه بدرهم كفارة لما لعلّه فعله في الإحرام أو الحرم،و عن الجعفي يتصدّق بدرهم (1)،و في الدروس:لو تصدّق ثم ظهر له موجب يتأدّى بالصدقة أجزأ على الأقرب (2).
كلّ ذا للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:« إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها،و لا تدخلها بحذاء،و تقول إذا دخلت:اللهم إنك قلت وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] فآمنّي من عذاب النار،ثم تصلّي ركعتين بين الأُسطوانتين على الرخامة الحمراء،تقرأ في الركعة الأُولى حم السجدة،و في الثانية عدد آياتها من القرآن،و تصلّي في زواياه و تقول:اللهم من تهيّأ أو تعبأ أو أعدّ و استعدّ لوفادة إلى مخلوقٍ رجاءَ رده و جائزته و نوافله و فواضله،فإليك يا سيدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك،فلا تخيّب اليوم رجائي،يا من لا يخيب عليه سائل و لا ينقصه نائل،فإني لم آتك اليوم لعمل صالح قدّمته و لا شفاعة مخلوق رجوته، و لكني أتيتك مقرّاً بالظلم و الإساءة على نفسي،فإنه لا حجّة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلّي على محمّد و تعطيني مسألتي و تقيلني عثرتي و لا تردّني مجبوهاً ممنوعاً و لا خائباً،يا عظيم ثلاثا أرجوك للعظيم،أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم،لا إله إلّا أنت» قال:
« و لا تدخلها بحذاء،و لا تبزق فيها و لا تمتخط فيها» الحديث (3).
و فيه:« إذا دخلته فادخل بسكينة و وقار» (4).
ص:174
و فيه:« إذا أردت أن تخرج من مكة و تأتي أهلك فودِّع البيت و طف أُسبوعاً،و إن استطعت أن تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كلّ شوط فافعل،و إلّا فافتتح به و اختم،و إن لم تستطع ذلك فموسّع عليك،ثم تأتي المستجار فتصنع عنده ما صنعت يوم قدمت مكة،ثم تخيّر لنفسك من الدعاء» إلى أن قال:« ثم ائت زمزم و اشرب من مائها ثم اخرج و قل:
آئبون تائبون عابدون،لربّنا حامدون،إلى ربنا منقلبون راغبون،إلى اللّه تعالى راجعون إن شاء اللّه تعالى» قال:و إن أبا عبد اللّه(عليه السّلام)لمّا ودّعها و أراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجداً عند باب المسجد طويلاً،ثم قام و خرج (1).
و فيه:رأيت أبا جعفر الثاني(عليه السّلام)في سنة خمس عشرة و مائتين (2)[ودّع البيت]بعد ارتفاع الشمس و طاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط،فلمّا كان الشوط السابع استلمه و استلم الحجر و مسح بيده ثم مسح وجهه بيده،ثم أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين،ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه،ثم وقف عليه طويلاً يدعو،ثم خرج من باب الحنّاطين و توجّه،قال:فرأيته في سنة تسع عشرة (3)و مائتين ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في
ص:175
كل شوط،فلمّا كان الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني و فوق الحجر المستطيل،و كشف الثوب عن بطنه،ثم أتى الحجر فقبّله و مسحه،و خرج إلى المقام فصلّى خلفه،ثم مضى و لم يعد إلى البيت،و كان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية (1)(2).و فيه:رأيت أبا الحسن(عليه السّلام)ودّع البيت فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجداً،ثم قام فاستقبل القبلة فقال:« اللهم إني أنقلب على [أن]لا إله إلّا اللّه» (3).
و فيه:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)و هو خارج من الكعبة و هو يقول:« اللّه أكبر» حتى قالها ثلاثاً،ثم قال:« اللهم لا تجهد بلاءنا،ربّنا و لا تشمت بنا أعداءنا،فإنك أنت الضارّ النافع» (4).
و فيه:« ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه و أراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمراً يتصدّق به،فيكون كفارة لما لعلّه دخل عليه[في حجّه]من حكّ أو قمّلة سقطت أو نحو ذلك» (5).
ص:176
و من المستحب التحصيب للنافر في الأخير،إجماعاً كما عن التذكرة و المنتهى و في المدارك و غيره (1)؛ للصحيح:« إذا نفرت و انتهيت الى الحصباء و هي البطحاء فشئت أن تنزل قليلاً» فإنّ أبا عبد اللّه(عليه السّلام)قال:« كان أبي ينزلها ثم يحمل فيدخل مكة من غير أن ينام بها» (2).
و الموثق كالصحيح:عن الحصبة،فقال:« كان أبي ينزل الأبطح قليلاً،ثم يجيء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح» الخبر (3).
و ظاهره أنه النزول بالأبطح من غير أن ينام،و قيل في تفسيره غير ذلك (4).
و ظاهر إطلاق العبارة استحبابه استحبابه مطلقاً و لو في النفر الأول،و هو خلاف الإجماع الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5)،و في ذيل الموثق السابق:
أ رأيت من يعجل في يومين عليه أن يحصب؟قال:
« لا». و النزول بالمعرَّس معرَّس النبي(صلّى اللّه عليه و آله) على طريق المدينة بذي الحليفة و صلاة ركعتين فيه و هو بضمّ الميم و فتح العين و تشديد الراء المفتوحة،و يقال بفتح الميم و سكون العين و تخفيف الراء،مسجد يقرب مسجد الشجرة و بإزائه ممّا يلي القبلة،كما في كلام جماعة (6).
ص:177
و استحباب نزوله و الصلاة فيه مجمع عليه كما في كلام جماعة (1)؛ للصحاح و الموثقات:
ففي الصحيح:« إذا انصرفت من مكة إلى المدينة فانتهيت إلى ذي الحليفة و أنت راجع من مكة فائت مكة فائت معرَّس النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،فإن كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصلِّ فيه،و إن كان في غير وقت صلاة فانزل فيه قليلاً،فإن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قد كان يعرّس فيه و يصلّي فيه» (2).
و فيه:« التعريس هو أن تصلّي فيه و تضطجع،ليلاً مرَّ به أو نهاراً» (3).
و يستفاد منه أنه لا فرق في استحباب التعريس و النزول به بين أن يحصل المرور به ليلاً أو نهاراً،و به صرّح جماعة (4).
و أظهر منه الموثق:إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرّس فيه؟و إنما التعريس في الليل؟فقال:« نعم إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرِّس فيه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان يفعل ذلك» (5).
و قوله:إنما التعريس في الليل،إشارة إلى معناه اللغوي،أو ما فعله النبي(صلّى اللّه عليه و آله).و هو كذلك،كما يظهر من المحكي عن القاموس و الجوهري.
ففي الأول:أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة،كعرّسوا،
ص:178
و ليلة التعرّس الليلة التي نام فيها النبي(صلّى اللّه عليه و آله) (1).
و عن الثاني:المعرس محل نزول القوم في السفر آخر الليل (2).
و يستفاد من الصحيح الأول أن التعريس إنما يستحب في العود من مكة إلى المدينة،لا في المضي إلى مكة،و هو صريح الموثق:« و إنما المعرس إذا رجعت إلى المدينة،ليس إذا بدأت» (3).
و يستفاد من جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و الموثق تأكّد استحباب التعريس حتى لو تجاوز المعرس بلا تعريس رجع فعرَّس (4).
و العزم على العود فإنّ العزم على الطاعات من قضايا الإيمان، و أخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد ناطقة به،مضافاً إلى خصوص النصوص:
منها:« من خرج من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره» (5).
و منها:« من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه» (6).
و في ثالث:كنّا مع أبي عبد اللّه(عليه السّلام)و قد نزلنا الطريق فقال:« ترون هذا الجبل نافلاً؟إنّ يزيد بن معاوية عليهما اللعنة لمّا رجع من الحج
ص:179
مرتحلاً إلى الشام ثم أنشأ يقول:إذا تركنا ثافلاً يميناً،فلن نعود بعده سنيناً، للحج و العمرة ما بقينا فأماته اللّه قل أجله» (1).
و من المكروهات: المجاورة بمكة بلا خلاف و إن اختلفت العبارات بالإطلاق كما هنا و في الشرائع و المنتهى و غيرها من عبائر كثير (2)، و في الدروس و غيره (3):إنه المشهور،و جعله المدارك هو المعروف بين الأصحاب (4)،مشعراً بالإجماع.
أو التقييد بسنة كاملة،سواء وثق من نفسه بعدم المحذورات الآتية أم لا،كما في الجامع و غيره (5).
أو التقييد بما إذا وثق من نفسه عدمها مطلقاً كما في الدروس (6).
أو التقييد بهما معاً كما في المدارك و غيره (7).
و منشأ الاختلافات اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار المختلفة.
فممّا يدل على المشهور النصوص المستفيضة،و فيها التعليل بأنّ كلّ ظلم فيه إلحاد (8)،و في المقام خوف ظلم منه و ممن معه كما في الصحاح، و في جملة منها فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة كما في أحدها (9)،
ص:180
أو كان ينتهي أو يتقي أن يسكن الحرم كما في غيره (1).
أو بأن من خرج منها دام (2)شوقه إليها،كما في المرسل كالصحيح (3)و غيره (4).
أو بأن المجاورة بها تقسي القلوب،كما في المراسيل المستفيضة (5).
و على الثاني الصحيح:« لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة» قلت:
كيف يصنع؟قال:« يتحوّل عنها» الخبر (6).
و ممّا يدل على استحباب المجاورة مطلقاً أو سنةً ما أشار إليه بعض الأصحاب جامعاً بينه و بين ما سبق فقال بعده:و لا ينافيه استحبابها لما ورد من الفضل فيما يوقع فيها من العبادات،و هو ظاهر.
و لا ما في الفقيه عن علي بن الحسين(عليهما السّلام)من قوله:« الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها،و الماشي بمكة في عبادة اللّه عز و جل» (7)إذ الطاعم بها إنما هو كالصائم و الماشي في العبادة لكونهما نوياً بكونهما التقرب إلى اللّه تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات،و هو لا ينافي أن يكون
ص:181
الخارج منها لتشويق نفسه إليها و التحرز من الإلحاد و القسوة أيضاً كذلك.
و لا ما فيه عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)من قول:« من جاور بمكة سنة غفر اللّه تعالى له ذنوبه و لأهل بيته و لكل من استغفر له و لعشيرته و لجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت،و عصموا من كل سوء أربعين و مائة سنة» (1)إذ ليس نصّاً في التوالي،مع جواز كون الارتحال لأحد ما ذكر أفضل من المجاورة التي لها الفضل المذكور كما في مكروهات العبادات،و لذا قيل بعد ما ذكر بلا فصل:و الانصراف و الرجوع أفضل من المجاورة،و هو يحتمل الحديث و كلام الصدوق (2).انتهى.
و هو حسن،مع أن الخبرين ضعيفاً السند بالإرسال،فلا يقاومان ما سبق من وجوه،فلا إشكال من جهتهما.
و إنما الإشكال من جهة الرواية المقيدة بالسنة الظاهرة في عدم الكراهة فيما دونها،و مقتضى الأُصول و إن كان لزوم تقييد إطلاق ما سبقها بها إلّا أن التعليلات فيها كادت تلحقها بالنص على الكراهة مطلقاً،سيّما التعليل بإيراثها قساوة القلب و أنه أمر غير اختياري،فيكون التعارض بينهما من قبيل تعارض النصّين.و لا ريب أن الأخذ بما هو المشهور أولى، و خصوصاً مع كونه أحوط و أولى؛ للمسامحة في أدلة السنن بما لا يتسامح في غيرها،بناءً على أنه ليس المفهوم من الرواية استحباب الإقامة فيما دون السنة،و إنما غايتها كسائر الفتاوي المقيّدة عدم الكراهة فيه،و هو أعم من الاستحباب.
ص:182
فالكراهة لا معارض لها من قبيله فصاعداً ليتوقف في الفتوى بها مسامحةً،نعم المرسلان قد أفادا الاستحباب و لكن قد عرفت الجواب عنهما.
و الحج و العمرة على الإبل الجلّالة كما في بعض المعتبرة (1).
و منع الحاج دور مكة جمع دار من السكنى بها كما في الصحاح و غيرها:« ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئاً من الدور ينزلونها» (2)كما في بعضها،و بمعناه الباقي.
و في الخبر:« إنّ علياً(عليه السّلام)كره إجارة بيوت مكة،و قرأ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [1] (3).و بمعناه في تفسير الآية به أحد الصحاح و الحسان و غيرهما،و في أحدهما:« ليس لأحد أن يمنع الحاج شيئاً من الدور و منازلها» (4).
قيل:و به عبّر القاضي (5).و ظاهره التحريم كما عن صريح الشيخ (6)و ظاهر الإسكافي (7).
ص:183
و هو ضعيف؛ لشذوذ القول به،و دعوى الإجماع القطعي في السرائر و المدارك (1)على خلافه،مضافاً إلى الأصل و أظهرية دلالة الصحاح على الكراهة من الحسنة على الحرمة.
قيل:و هي و إن فتحت عنوة فهو لا يمنع من الأولوية و اختصاص الآثار بمن فعلها (2).
و أن يرفع بناء فوق الكعبة للصحيح:« لا ينبغي أن يرفع بناء فوق الكعبة» (3).
و لا يحرم على الأشهر الأظهر؛ للأصل،و دلالة الصحيح على الكراهة كما مرّ.
خلافاً للمحكي عن الشيخ و الحلّي فحرّماه (4)،و عن القاضي النهي عنه (5).و هو ضعيف.
و البناء يشمل الدار و غيرها حتى حيطان المسجد.
قيل:و ظاهر رفعه أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة،فلا يكره البناء على الجبال حولها،مع احتمالها (6).
و الطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة،و للمقيم بها
ص:184
بالعكس كما عن الصحيح (1).
و في آخر:« الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة،و الصلاة لأهل مكة و القاطنين أفضل من الطواف» (2).
و في ثالث:عن المقيم بمكة الطواف أفضل له أو الصلاة؟قال:
« الصلاة» (3).
و في رابع:« من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة،و من أقام سنتين خلط من ذا و من ذا،و من أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف» (4).
و ينبغي حمل إطلاق ما مر عليه وفاقا لبعض المحدثين و الظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب إذ ليس في الروايات المزبورة تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة و ينبه عليه ما مر في الصحيح المتضمن للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر و البدأة بالوتر ثم إتمام الطواف (5)و بذلك صرّح بعض الأصحاب قال:و بالجملة:فلا يمكن الخروج بهاتين الروايتين و أشار بهما إلى الأُولى و الأخيرة عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة المتضمنة للحثّ الأكيد على النوافل المرتّبة،و أنها مقتضية لتكميل ما نقص من الفرائض بترك الإقبال،إلى آخر ما قال (6).
ص:185
و هو حسن،و مرجعه إلى أن التعارض بين هذه الأخبار و أخبار الحثّ تعارض العموم و الخصوص من وجه،يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر، و عليه فينبغي أن يصار إلى الترجيح،و هو مع أخبار الحثّ،للتواتر الموجب لقطعيتها،بخلاف هذه،لأنها من الآحاد المفيدة للظن،فلا يترجّح على القطع،سيّما مع تأيّدها بما مرّ من قطع الطواف للوتر مع خوف الفوات.
و اللواحق للكتاب أُمور أربعة:
الأوّل: من أحدث شيئاً ممّا يوجب الحدّ أو التعزير أو القصاص و لجأ إلى الحرم لم يُقَم عليه فيه حدّ بجنايته،و لا تعزير و لا قصاص و لكنه يُضيّق عليه في المطعم و المشرب و المسكن،فلا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى ليخرج فيقام عليه.
و لو أحدث ذلك في الحرم قوبل بما يقتضيه جنايته من حدّ أو تعزير أو قصاص.
كلّ ذلك بالكتاب (1)و السّنة المستفيضة،بل المتواترة:
ففي الصحيح:عن رجل قتل رجلاً في الحلّ ثم دخل الحرم،فقال:
« لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ» قلت:فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟قال:
يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً،لانه لم ير للحرم حرمة و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [1] فقال:« هذا هو في الحرم» و قال:« فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ [2] » (2).
ص:186
و نحوه آخران و غيرهما (1)،إلّا أنه ليس فيها الاستشهاد بآية الاعتداء، و زيد فيها النهي عن التكلّم،و أُطلق الحدث فيها.
و لا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرَّح به في كلام جماعة (2)،و لا إشكال إلّا في تفسير الضيق بما قدّمناه،فمن الأصحاب من فسّره بأنّه لا يمكّن من ماله إلّا ما يسدّ به الرمق،أو ما لا يحتمله مثله عادة، و لا يطعم و لا يسقى سواه (3).
و لا وجه له أصلاً،سيّما مع اتّفاق النصوص على ما قدّمناه.اللّهم إلا أن يقال:إن في العمل بمقتضاها من ترك الإطعام و السقي مطلقاً قد يوجَب تلف النفس المحترمة حيث لا تكون جنايته لنفسه مستغرقة،بل مطلقاً و لو كانت مستغرقة،فإن إمساك الطعام عنه و الشراب إتلاف له من هذا الوجه، فقد حصل في الحرم ما أُريد الهرب عنه.
و فيه نظر؛ لعدم استناد الإتلاف إلى الممسك،بل هو المتلف حيث أمسك عن الخروج،فتأمل.
الثاني:لو ترك الحاجّ زيارة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)أُجبروا على ذلك على الأشهر الأظهر و إن كانت على الآحاد ندباً،لأنه أي إطباقهم على تركها جفاء له(صلّى اللّه عليه و آله)،و لا ريب أنه حرام،فيجب على الوالي إجبارهم على تركه.
و في كلام جماعة (4):إن التعليل إشارة إلى ما في النبوي:« من أتى مكة حاجّاً و لم يزرني إلى المدينة فقد جفاني» (5).
ص:187
و فيه نظر؛ لعدم مطابقته حينئذ للمدّعى المفروض في العبارة و نحوها من عبارة الشيخ و من تأخر عنه من الفقهاء،و هو اتّفاق الحاج على تركها.
و الرواية لو صحّت تفيد وجوبها على الآحاد و أن ترك كل منهم لها جفاء، سواء زار الباقون أم لا،و هذا لا يجامع كونها ندباً،و لذا أنكر الحلّي وجوب الإجبار عليها رأساً (1)،معلّلاً بما ذكرنا.
و على هذا،فالظاهر أن مراد من علّل الحكم بهذا كالماتن هنا و في الشرائع،و الفاضل في التذكرة و المنتهى على ما يحكى،و غيرهما (2)ما ذكرنا.
و الأجود ترك هذا التعليل الذي قد يتراءى في النظر أنه عليل، و الاستدلال للحكم بالصحيح الصريح:« إن الناس لو تركوا زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك،فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من أموال المسلمين» (3).
و اجتهاد الحلّي مدفوع بهذا النص الجليّ عندنا و إن كان عنده غير بعيد،بناءً على أصله في حجية الآحاد،و لكنه ليس بأصيل.
و لا بُعد في الجبر على عدم ترك الكل المندوب بعد ورود النص الصحيح المعتضَد بالعمل،سيّما بعد وجود النظير،و هو ما ذكره الشهيدان من الأذان (4).
قال ثانيهما:و قد اتفقوا على إجبار أهل البلد على الأذان،بل على
ص:188
قتالهم،إذا أطبقوا على تركه.انتهى.
فلا يحتاج إلى ما ذكره أخيراً بقوله:و الجبر و إن كان عقاباً لا يدل على الوجوب لأنه دنيوي،و إنما يستحق بترك الواجب العقاب الأُخروي.
سيّما مع تطرّق القدح إليه بما ذكره سبطه بقوله بعد ذكره:فضعيف، لأن المعاقبة الدنيوية إنما تستحق على الإخلال بواجب أو فعل محرّم،لا على ترك ما أذن الشارع في تركه،كما هو واضح (1).
الثالث: للمدينة المنورة على مشرّفها ألف صلاة و سلام و تحيّة حرم،و حدّه كما في الصحيحين (2) من ظلّ عائر إلى ظل وعير ضبطه الشهيد الأول بفتح الواو (3)،و الثاني عن بعض بضمّها و فتح العين المهملة (4)،و حكاه سبطه و غيره (5)عن المحقق الثاني،قال:إنه وجدها كذلك في مواضع معتمدة.
و قيل أيضاً:كذا وجدته مضبوطاً بخط بعض الفضلاء (6).
و ذكر الشهيد الثاني أنهما جبلان يكتنفان المدينة شرقاً و غرباً (7)، و حكاه سبطه عن جماعة (8).
قيل:و في خلاصة الوفاء:عير و يقال عائر جبل مشهور في قبلة
ص:189
المدينة قرب ذي الحليفة،و لعلّ المراد بظلّ وعير فيئه،كما في مرسلة الصدوق (1)،و التعبير بظلّهما للتنبيه على أن الحرم داخلهما،بل بعضه (2).
و في الخبر القريب من الصحيح من عير إلى وعير (3).
و روت العامة من عير إلى ثور،و من عير إلى أُحد (4).
و في آخر من ذباب إلى واقم،و العريض و النقيب من قبل مكة (5).
و ذباب كغراب و كتاب:جبل شامي المدينة،يقال:كان مضرب قبّة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)يوم الأحزاب.
و العُريض مصغّراً:وادٍ في شرقي الحَرّة قرب قناة،و هي أيضاً وادٍ.
و النقب:الطريق في الجبل.
و في الصحيحين إنه بريد في بريد (6).
لا يعضد و لا يقطع شجره للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (7)،و في بعضها:« و لا يختلى خلاها» (8).
ص:190
و ظاهرها التحريم كالعبارة،و هو الأظهر،وفاقاً للأكثر كما في كلام جماعة (1)،و عن التذكرة أنه المشهور (2)،بل عزاه في المنتهى إلى علمائنا (3)،مؤذناً بدعوى الإجماع؛ و هو حجة أُخرى،مضافاً إلى الأخبار السليمة مع ذلك عن المعارض بالكلية،سوى الأصل،و يجب الخروج عنه بعد قيام الأدلة.
فالقول بالكراهة كما عليه الفاضلان في الشرائع و القواعد و غيرهما (4)،بل في المسالك إنه المشهور (5)لا وجه له.
قيل:و استثنى الفاضل في الكتابين و التحرير ما يحتاج إليه من الحشيش للعلف؛ لخبر عامي،و لأن بقرب المدينة أشجاراً و زروعاً كثيرة، فلو منع عن الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي في الشريعة،بخلاف حرم مكة.و استثنى ابن سعيد بعني في الجامع عودي الناضح،كما في الصحيح (6):« حرّم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ما بين لابتيها صيدها،و حرّم ما حولها بريد في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها،إلّا عودي الناضح» (7).
أقول:و اللابة:الحَرّة كما عن الجوهري (8).و الخلا:الرطب من
ص:191
النبات.و اختلاؤه:جزّه،كما عن نص أهل اللغة (1).
و لا بأس بصيده إلّا ما صيد في الحرّتين قيل:حرّة واقم هي شرقية المدينة،و حرّة ليلى و هي غربيتها،و هي حرّة العقيق،و لها حرّتان أُخريان جنوباً و شمالاً تتصلان بهما،فكأنّ الأربع حرّتان،فلذا اكتفى بهما،و هما حرّة قبا و حرّة الرجل ككسرى،و يمدّ، يترجّل فيها لكثرة حجارتها (2).
و ما اختاره الماتن من التفصيل بين ما صيد في الحرّتين فيحرم و ما صيد في غيرهما فلا هو الأقوى،و عزاه جمع إلى أكثر علمائنا (3)،بل عليه الإجماع عن صريح الخلاف و ظاهر المنتهى (4)؛ للصحيح:« يحرم صيد المدينة ما صيد بين الحَرّتين» (5).
و بهما يقيّد ما أُطلق فيه الجواز من الصحاح و غيرها بحمله على ما صيد في غيرهما.
و هذا الجمع أولى من الجمع بالكراهة و إن اعتضد بالأصل كم مرّ غير مرّة،و عليه فيضعّف القول بها في الجملة أو مطلقاً كما عليه الفاضلان في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة و غيرهما،و ادّعى في المسالك هنا أيضاً الشهرة (6).
ص:192
و ظاهر العبارة أنه لا كراهة فيما صيد في غير الحرّتين.و لا بأس؛ به لأنه أيضاً ظاهر الأخبار أجمع،فلا وجه للقول بكراهيته أيضاً.لكن لا بأس به بعد وجود قائل به،مسامحةً في أدلة السنن،فيحمل الأخبار على أن المراد عدم الحرمة و الرخصة،لا نفي الكراهة.
الرابع: يستحب الغسل لدخولها كما في بحث الأغسال من كتاب الطهارة قد مضى.
و زيارةُ النبي(صلّى اللّه عليه و آله) و هو بالرفع عطف على الغسل،لا على الدخول و إن صحّ،لما مرّ ثمة من استحبابه لها أيضاً،فالتقدير:يستحب زيارته(صلّى اللّه عليه و آله) استحباباً مؤكّداً و لذا جاز أن يجبر الإمام الناس عليها لو تركوها مضى،و خصوصاً للحاج،فقد ورد:« من أتى مكة حاجّاً و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة،و من أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة» (1).
و نحو ذيله:الصحيح المروي بأسانيد كثيرة و ألفاظ مختلفة،منها:
ما لمن زار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)قاصداً؟قال:« له الجنة» (2).
و زيارة عليّ و فاطمة(عليهما السّلام)من عند الروضة بناءً على أن قبرها(سلام اللّه عليها)هناك،كما هو ظاهر الماتن هنا و في الشرائع (3)،وفاقاً
ص:193
للنهاية (1)؛ لرواية،و في اخرى إنها روضة من رياض الجنة (2).
و قيل في البقيع؛ لرواية أُخرى (3)،و استبعدها جماعة كالشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط،و الفاضل في التحرير و المنتهى،و الحلّي، و ابن سعيد في الجامع (4).
و الأصح وفاقاً للصدوق و جماعة (5)أنها دفنت في بيتها،و هو الآن داخل في المسجد؛ للصحيح:عن قبر فاطمة(سلام اللّه عليها)،فقال:« دفنت في بيتها،فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد» (6).
و حملت الروايتان السابقتان على التقية،مع عدم وضوح سندهما، و لكن الأحوط زيارتها في المواضع الثلاثة،كما في القواعد و الدروس و غيرهما (7)،و خصوصاً في بيتها و من عند الروضة و هي بين القبر و المنبر، كما ذكره الشيخ و غيره.
و الأئمة الأربعة بالبقيع و السبعة الباقين في مشاهدهم المشرّفة المعروفة مع الإمكان،و إلّا فمن البعيدة.
و النصوص الواردة في فضل زيارتهم(عليهم السّلام)أكثر من أن تحصى، و تتأكد في الحسين(عليه السّلام)،بل ورد أن زيارته فرض على كل مؤمن (8).
ص:194
و أن تركها ترك حق اللّه (1)تعالى (2).
و أن تركها عقوق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) (3)،و انتقاص في الإيمان و الدين (4).
و أنه حق على الغني زيارته في السنة مرّتين و الفقير مرّة (5).
و أن من أتى عليه حول و لم يأت قبره نقص من عمره حول (6)،و أنها تطيل العمر (7).
و أن أيام زيارته لا تعدّ من الأجل (8)،و تفرّج الغم (9)،و تمحّص الذنوب و لكل خطوة حج مبرور له (10).
و بزيارته أجر عتق ألف نسمة و حمل على ألف فرس في سبيل اللّه و رسوله (11).و له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم (12).
ص:195
و من أتى بقبره عارفاً بحقه غفر اللّه تعالى ما تقدم من ذنوبه و ما تأخر (1).
و أن زيارته خير من عشرين حجة (2).
و أن زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقه ألف حجة و ألف عمرة متقبّلات و ألف غزوة مع نبي أو وصي (3)،و زيارته أول رجب مغفرة الذنوب البتة (4)،و نصف شعبان يصافحه مائة ألف نبي و عشرون ألف نبي (5)،و ليلة القدر مغفرة الذنوب (6).
و أن لمن جمع في سنة واحدة بين زيارته ليلة عرفة و الفطر و ليلة النصف من شعبان ثواب ألف حجة مبرورة و ألف عمرة متقبلة و قضاء ألف حاجة في الدنيا و الآخرة (7).
و من زاره يوم عاشوراء عارفاً بحقه كمن زار اللّه تعالى فوق عرشه (8).
ص:196
و من بعد عنه و صعد على سطحه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم توجّه إلى قبره و قال:السلام عليك يا أبا عبد اللّه،السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،كتب له زورة،و الزورة حجة و عمرة (1).
و لو فعل ذلك كل يوم خمس مرات كتب اللّه تعالى له ذلك.
و كذلك زيارة الرضا(عليه السّلام)فقد ورد أنها كسبعين ألف حجة (2).
و سئل الجواد(عليه السّلام):أ زيارة الرضا(عليه السّلام)أفضل أم زيارة الحسين(عليه السّلام)؟ قال:« زيارة أبي أفضل،لأنه لا يزوره إلّا الخواص من شيعته» (3).
و عنه(عليه السّلام)إن أفضله رجب (4).
و عنه(عليه السّلام)إنها تعدل ألف ألف حجة لمن يزوره عارفاً بحقه (5).
و عن الرضا(عليه السّلام):« من زارني على بعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى أُخلّصه من أهوالها:إذا تطايرت الكتب يميناً و شمالاً،و عند الصراط،و عند الميزان» (6).
و الصلاة في مسجد النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و خصوصاً بين القبر الشريف و المنبر و هو الروضة لأنها أشرف بقاع المسجد.
و في جملة من المعتبرة و فيها الصحيح و غيرها أنها روضة من
ص:197
رياض الجنة (1)؛ و لعلّها كافية في استحباب الصلاة فيها بخصوصها و إن لم نقف فيه على رواية بخصوصها.
و أن يصام بها أي بالمدينة الأربعاء و يومان بعده يعني الخميس و الجمعة للحاجة و الاعتكاف فيها بالمسجد.
و أن يصلّى ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لُبابة و هي أُسطوانة التوبة،قيل:و هي الرابعة من المنبر في المشرق على ما في خلاصة الوفاء، و القعود عندها يومه (2).
و الصلاة ليلة الخميس عند الأُسطوانة التي تلي مقام الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) أي المحراب،و الكون عندها يومه.
و الصلاة في المساجد التي بها،كمسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح،و مسجد الفضيخ،و مشربة أُم إبراهيم.
و إتيان قبور الشهداء بأُحد خصوصاً قبر حمزة كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:« إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فائت المنبر،فامسحه بيدك و خذ برمّانتيه و هما السفلا و إن و امسح عينيك و وجهك به فإنه يقال:إنه شفاء للعين،و قم عنده فاحمد اللّه تعالى و أثن عليه و سل حاجتك،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) قال ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة و منبري على ترعة من ترع الجنة و الترعة هي الباب الصغيرة ثم تأتي مقام النبي صلى الله عليه و آله فتصلّي فيه ما بدا لك،فإذا دخلت المسجد فصلِّ على النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و إذا خرجت فاصنع مثل ذلك،و أكثر من الصلاة في
ص:198
مسجد الرسول(صلّى اللّه عليه و آله) » (1).و فيه:« إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لُبابة،و هي أُسطوانة التوبة التي ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء،و تقعد عندها يوم الأربعاء،ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس،ثم تأتي الأُسطوانة التي تلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و مصلّاه ليلة الجمعة فتصلّي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة،فإن استطعت أن لا تتكلم بشيء في هذه الأيام فافعل إلّا ما لا بدّ لك منه،و لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة،و لا تنام في ليل و لا في نهار فافعل،فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل،ثم احمد اللّه تعالى في يوم الجمعة و أثن عليه و صلِّ على النبي (صلّى اللّه عليه و آله)و سل حاجتك،و ليكن فيما تقول:اللهم ما كانت لي إليك من حاجة، شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع،سألتكها أو لم أسألكها،فإني أتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة في قضاء حوائجي،صغيرها و كبيرها،فإنك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء اللّه» (2).
و في الصحيح:« صم الأربعاء و الخميس و الجمعة،و صلِّ ليلة الأربعاء و يوم الأربعاء عند الأُسطوانة التي تلي رأس رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)،و ليلة الخميس و يوم الخميس عند أُسطوانة أبي لُبابة،و ليلة الجمعة و يوم الجمعة عند الأُسطوانة التي تلي مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)،و ادع[ب]هذا الدعاء لحاجتك،و هو:
اللهم إني بعزتك و قوتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن
ص:199
تصلّي على محمد و آل محمّد (1)و أن تفعل بي كذا و كذا» (2).
و نحوه آخر،إلّا أنه ليس فيه ذكر الليل و لا هذا الدعاء،و فيه الصلاة يوم الجمعة عند مقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله)مقابل الأُسطوانة الكثيرة الخلوق،و الدعاء عندهنّ جميعاً لكلّ حاجة (3).
و فيهما مخالفة لما سبقهما في الصلاة عند أُسطوانة أبي لبابة،ففيهما أنها في ليلة الخميس،و فيما سبقهما أنها ليلة الأربعاء،و للتخيير وجه، إلّا أن الأشهر الثاني،و الأخذ به أحوط.
و فيه:« لا تدع إتيان المشاهد كلّها:مسجد قُباء فإنه المسجد الذي أُسّس على التقوى من أول يوم،و مشربة أُم إبراهيم،و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء،و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح» قال:« و بلغنا أنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)كان إذا أتى قبور الشهداء قال:السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار،و ليكن فيما تقول عند مسجد الفتح:يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين،اكشف همّي و غمي و كربي كما كشفت عن نبيّك همّه و غمّه و كربه و كفيته هول عدّوه في هذا المكان» (4).
ص:200
المقصد الثاني:
في بيان حقيقة العمرة و حكمها.
و هي لغةً:الزيارة،و شرعاً:المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات و مكة.
و هي واجبة في العمر بأصل الشرع مرة كالحج على كلّ مكلّف،بالشرائط المعتبرة في الحج بالكتاب و السّنة و الإجماع.
ففي الصحيح:« العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج،لأن اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ [1] (1)و إنما نزلت العمرة بالمدينة» (2).
و نحوه آخر بزيادة قوله:قلت فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [2] أ يجزئ عنه؟قال:« نعم» (3).
و فيه:عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [3] (4)يعني به الحج دون العمرة؟قال:« لا،و لكنه يعني الحج و العمرة جميعاً،لأنهما مفروضان» (5).
و ربما ظهر من إطلاقها كالعبارة و نحوها أنه لا يشترط في وجوبها الاستطاعة للحج معها،بل لو استطاع لها خاصة وجبت،كما أنه لو استطاع
ص:201
للحج خاصة وجب دون العمرة.
و هو أصح الأقوال في المسألة و أشهرها؛ إذ لم نجد من الأدلة ما يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب و إن حكي قولاً (1)،و لا على ارتباط العمرة بالحج خاصة فلا تجب إلّا بوجوبه،دون الحج،و إن اختاره في الدروس (2).
هذا في العمرة المفردة كما هو المفروض من المقصد في العبارة.أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها و للحج؛ لدخولها فيه،و ارتباطها به،و كونها بمنزلة الجزء منه،و هو موضع وفاق.
و تجب فوراً كالحج بلا خلاف كما عن السرائر (3)،بل عن التذكرة الإجماع عليه (4).
و قد تجب كالحج بنذر و شبهه من العهد و اليمين و الاستئجار،و الإفساد لها على ما قطع به الأصحاب.
و الفوات أي فوات الحج،فإنه يجب التحلل منه بعمرة مفردة، كما سبق إليه الإشارة في بحث من فاته الحج في أواخر القول في الوقوف بالمشعر.
و بدخول مكة بل الحرم لمن قصدهما كائناً من كان عدا من يتكرر منه الدخول فيها (5) و المريض و من أحلّ و لمّا يمضي شهر، فإنه لا تجب على هؤلاء كما سبق في الإحرام مفصّلاً.
ص:202
و المراد بالوجوب هنا الوجوب الشرطي لا الشرعي فيترتب الإثم و المؤاخذة على الدخول بغير إحرام لا على تركها كالطهارة لصلاة النافلة.
و لا فرق في ذلك بين ما إذا وجب الدخول شرعاً أم لا،إلّا على القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به،فتجب العمرة شرعاً في الأول و شرطاً في الثاني.
و إنما يجب الإحرام بها للدخول،تخييراً بينه و بين إحرام الحج، لا عيناً؛ لما مضى.
و أفعالها ثمانية:النية و الإحرام و الطواف و ركعتاه و السعي بعده و طواف النساء و ركعتاه و التقصير أو الحلق بلا خلاف في شيء من ذلك فتوًى و نصّاً،إلّا في وجوب طواف النساء،فقد اختلف في وجوبه فيها،و الأظهر الأشهر الوجوب كما مرّ في آخر بحث الطواف مستوفى.
و ممّا يدل على التخيير بين الحلق و التقصير و إن اقتصر في الشرائع على الأخير (1)الصحيح:في الرجل يجيء معتمراً عمرة مبتولة،قال:
« يجزئه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت،و من شاء أن يقصّر قصّر» (2).
و تصح العمرة المفردة في جميع أيام السنة للإطلاقات، مضافاً إلى ما سيأتي من الروايات في صحة الاتباع،و صريح الصحيح:
« المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء،و أفضل العمرة عمرة رجب» (3).
ص:203
و عن المنتهى:أنه لا يعرف فيه خلافاً (1).
و أفضلها أي أيام السنة رجب بلا خلاف؛ لما عرفته من الصحيحة،مضافاً إلى الصحاح الأُخر المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:أيّ العمرة أفضل،عمرة رجب أو عمرة في شهر رمضان؟فقال:« لا،بل عمرة في رجب أفضل» (2).
و يرشد إليه ما مرّ في أحكام المواقيت من جواز الإحرام قبل الميقات للعمرة في رجب.
و يتحقق العمرة فيه بالإهلال فيه و إن أكملها في غيره؛ للصحيح:إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبية» (3).
و من أحرم بها أي بالعمرة المبتولة في أشهر الحج و دخل مكة جاز أن ينوي بها عمرة التمتع و يلزمه الدم أي الهدي؛ للصحيح:
« من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة» و قال:« ليس يكون متعة إلّا في أشهر الحج» (4).
و مقتضاه جواز التمتع بالعمرة المفردة في أشهر الحج(بمعنى إيقاع) (5)حج التمتع بعدها و إن لم ينوبها التمتع،و على هذا فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعيّنة بنذر و ما شابهه كما ذكره في المسالك
ص:204
و غيره (1)،و نبّه على ما ذكرنا سبطه (2).
ثم إن مقتضى إطلاق صدره جواز الخروج بعد فعل العمرة إلى حيث شاء،سواء بقي إلى يوم التروية أم لا.و نحوه في ذلك آخَر صحيحةٌ و غيرها،ففي الصحيح:« لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله» (3).
و فيه:عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلى بلده،قال:
« لا بأس،و إن حج في عامة ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم» (4).
خلافاً للمحكي عن القاضي،فأوجب الحج على من أدرك التروية (5)؛ للصحيح:« من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية» (6).
و قريب منه ذيل الصحيحة المتقدمة.
و حملهما الأصحاب على الاستحباب،جمعاً بينهما و بين ما مرّ من الأخبار المرخّصة للرجوع إلى أهله متى شاء،و في بعضها أن الحسين بن علي(عليهما السّلام)خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمراً (7)،لكنه يحتمل الضرورة.
ص:205
و الجمع بتقييد الأخبار المطلقة في الرخصة بما إذا لم يدرك يوم التروية أولى من الجمع بالحمل على الاستحباب كما مرّ غير مرّة.
فقوله في غاية القوّة،لولا الشذوذ و الندرة؛ و بُعدُ حمل فعل الحسين (عليه السّلام)على الضرورة،نظراً إلى سياق الرواية المتضمنة له،فتدبّر؛ و اعتضادُ الاستحباب باختلاف أخبار الباب في الرخصةِ على الإطلاق،أو التقييد بما عرفته في الصحيحة،أو بما إذا لم يدرك هلاك ذي الحجة و إلّا فعمرته متعة،كما في الصحيح:« إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن،و إن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلّا الحج» (1).
و أظهر منه الخبر:« من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج من الناس» (2).
و الحكم (3)بأنها في أشهر الحج متعة على الإطلاق،كما في الصحيح:
عن المعتمر في أشهر الحج،قال:« هي متعة» (4).
و أظهر منه المرسل:سأل بعض أصحابنا أبا جعفر(عليه السّلام)في عشر من شوال فقال:إني أُريد أُفرد عمرة هذا الشهر،فقال له:« أنت مرتهن بالحج» (5).
و الجمع بين هذه الأخبار بعد ذلك يتحقق بحمل الاختلاف على تفاوت مراتب الاستحباب،كما صرّح به بعض الأصحاب.
ص:206
فقال:و لو اعتمر مفردة في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج، و يجعلها متعةً،خصوصاً إذا أقام إلى هلال ذي الحجة،و لا سيّما إذا أقام إلى التروية؛ للأخبار و إن خلت عما قبل هلال ذي الحجة.و لا يجب؛ للأصل،و الأخبار.لكن الأخبار الأولة تعطي الانتقال إلى المتعة و إن لم ينوه (1).انتهى.
و هو حسن،إلّا أن قوله:و إن خلت عمّا قبل هلال ذي الحجة، المناقشة فيه واضحة؛ لما عرفت من ورود الروايات به أيضاً،و هي الصحيح الأخير مع ما بعده.
و يستفاد من مفهوم العبارة أنه لو أحرم في غير أشهر الحج لم يجز له أن ينوي بها المتعة،و هو كذلك.و وجه واضح.
و في الخبر:من أين افترق المتمتع و المعتمر؟فقال:« إنّ المتمتّع مرتبط بالحج،و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء،و قد اعتمر الحسين (عليه السّلام)في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى،و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» (2).
و يصح الإتباع أي إتباع عمرة بأُخرى إذا كان بينهما شهر وفاقاً لجماعة،و منهم:الشيخ في أحد قوليه و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة (3)،لكنّهما قالا:في كلّ شهر،أو في كل سنة مرة،و هو يحتمل التردّد و التوقف في جوازها في كل شهر.
ص:207
و لا ريب في ضعفه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها بأن لكل شهر عمرة،كما في جملة منها (1)،و في جملة اخرى:إنّ في كل شهر عمرة (2).
و لا معارض لها سوى الصحيحين بأن العمرة في كل سنة كما في أحدهما (3)،و لا تكون عمرتان في سنة كما في ثانيهما (4).
و لقصورهما عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى،أعظمها كثرتها عدداً،و اشتهارها فتوًى،حتى كاد أن يكون الفتوى بها و لو في الجملة إجماعاً ممن عدا العماني على الظاهر،المصرَّح به في المختلف (5)، دونهما،مع عدم صراحتهما في العمرة المفردة،و قوةِ احتمال اختصاصهما بالمتمتّع بها،أُوجب حملهما عليها،دون المفردة،جمعاً بين الأدلة و تعادياً من طرحهما بالكلّية.
و على هذا الجمع اتفاق من عدا العماني،كما قيل (6).
و ربما حملا على التقية؛ لأنه رأى بعض العامة (7)،أو على أنّ المراد فيهما إني لا أعتمر في كل سنة إلّا مرّة،و في الأول تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة،و لا بأس بها و إن بعدت غايته.
و بالجملة:لا إشكال في جواز الاعتمار في كل شهر مرّة،و إنّما هو
ص:208
في المنع عن الزيادة فيه عنها،كما هو ظاهر العبارة و باقي الجماعة؛ لعدم وضوح دليل عليه من الأخبار السابقة؛ إذ غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كل شهر و أن لكلّ شهر عمرة،و هو لا يدل على النهي عن الزيادة،و قد اعترف بذلك من المتأخرين جماعة (1).
و يعضده الخبر:« لكل شهر عمرة» قال:فقلت له:يكون أقلّ من ذلك؟قال:« لكل عشرة أيام عمرة» (2).
فإنّه مع التصريح في صدره بأنّ لكل شهر عمرة لم يفهم الراوي المنع عن الزيادة،بل سأل عنها على حدة،و هو(عليه السّلام)قد قرّره على فهمه،و مع ذلك فقد أجاب في الذيل بأن لكل عشرة عمرة.
و لأجله قيل بصحة الإتباع إذا كان بينهما عشرة أيام و القائل جماعة كالشيخ في قوله الثاني (3)،بل جميع كتبه كما قيل (4)، و المهذّب و الجامع (5)و الإصباح،و هو خيرة الفاضل في التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد (6).
و لا بأس به لو صحّ السند،لكن ليس فيه دلالة على المنع عن الاعتمار فيما دون العشرة،بل سبيله سبيل الأخبار السابقة،إلّا أن يقال:إنّ سوق السؤال و الجواب فيه يقتضيه،و هو غيره يعيد،إلّا أن السند ضعيف.
ص:209
و قيل كما عن العماني (1)خاصة أنه لا يكون في السنة إلّا عمرة واحدة لما عرفته مع الجواب عنه مفصّلاً،فلا نعيدهما.
و هنا قول رابع أشار إليه بقوله:
و لم يقدّر علم الهدى بينهما حدّا من الحدود الثلاثة و لا غيرها، بل جوّز الاعتمار في كل يوم مرة فصاعداً (2)،و وافقه الديلمي و الحلّي كثير من المتأخرين (3).
و عزاه في الناصريات إلى أصحابنا (4)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، و استدل عليه بالنبوي:« العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (5)قال:و لم يفصّل(عليه السّلام)بين أن يكون ذلك لسنة أو سنتين،أو شهر أو شهرين.
و فيه:بعد الإغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما مجمل غير واضح الدلالة،فإن إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة،لا لتحديد المدة،و بذلك أجاب عنه جماعة (6)،و به يمكن الجواب عن الإطلاقات الأُخر في الندب إليها إن وجدت.
ص:210
و ممّا ذكر ظهر أن المسألة محل إشكال؛ لعدم وضوح دليل على شيء ممّا فيها من الأقوال،فلا يترك فيها الاحتياط على حال.
نعم،ينبغي القطع بجوازها في كل شهر،و يبقى الكلام في العشر فما دونها؛ لضعف المستند فيهما،فتركها فيهما أحوط و أولى.و لا يجوز المسامحة هنا في الفتوى باستحبابها فيهما؛ لوجود القول بالتحريم و المنع عنهما.
و العمرة المتمتع بها تجزئ من المفردة المفروضة إجماعاً فتوًى و روايةً،و هي صحاح مستفيضة و غيرها من المعتبرة (1).
و تلزم أي المتمتع بها مرة كلّ مَن ليس من حاضري المسجد الحرام و كان نائياً عنه.
و لا تصحّ إلّا في أشهر الحج لارتباطها به،كما مرّ الكلام في جميع ذلك مفصّلاً.
و يتعيّن فيها التقصير و هو إبانة الشعر أو الظفر بحديد و نتف و قرض و غيرها.
و يكفي فيه المسمّى،و هو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر أو ظفر.
كلّ ذلك للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (2).
و أما ما في الصحيح:« إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك،و خذ من شاربك،و قلّم أظفارك،و أبق منها لحجّك،فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم» (3).
ص:211
فمحمول على الاستحباب،إلّا قوله(عليه السّلام):« و أبق منها لحجّك» فباق على ظاهره من الوجوب؛ و لذا تعيّن التقصير على الأظهر (1)الأشهر،بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلّا من الخلاف (2)،فجعله أفضل من الحلق،و هو نادر،و يردّ مضافاً إلى الصحيح السابق الصحيح:« و ليس في المتعة إلّا التقصير» (3).
و ظاهر الأول حرمة الحلق مطلقاً و لو بعد التقصير،قيل:و صرّح بها الشهيد،وفاقاً لابني حمزة و البراج؛ لإيجابهما الكفارة بالحلق قبل الحج، فيختص الإحلال بغيره،و لعلّه لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلاً،لأن أوّله تقصير،إلّا أن يلحظ النية،و إنما حرّم في النافع قبله (4).
أقول:لقوله: و لو حلق قبله لزمه شاة لكن ليس فيه نفي التحريم بعده،و إنما خصّ لزوم الشاة بالحلق قبله اقتصاراً على مورد النص الوارد به،ففي الخبر:عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه،قال:« عليه دم يهريقه،فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» (5).
و فيه:أن النص غير منحصر في هذا،بل استدل على الحكم أيضاً بالصحيح في متمتع حلق رأسه بمكة:« إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء،و إن
ص:212
تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإنّ عليه دماً يهريقه» (1).
بل الظاهر انحصار المستند في الدم من الأخبار في هذا الخبر،دون ما مرّ؛ إذ هو مع قصور سنده بل ضعفه ظاهر في الجاهل أو الساهي أو الناسي،دون العامد،و قد أجمعوا عدا الماتن على اختصاص الحكم بالعامد،و أنه لا شيء على من عداه؛ للأصل،و ضعف الخبر،و خصوص الصحيح الذي مرّ،و المرسل القريب منه في السند و المتن:« إن كان ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و إن كان متمتعاً في أول شهور الحج فليس عليه شيء إذا كان قد أعفاه شهراً» (2).
و لكن في التمسك للحكم بهذا الصحيح أيضاً نظر؛ لعدم ظهوره في الحلق بعد الإحرام،و احتمال كون الدم للإخلال بتوفير الشعر قبل الإحرام المستحب عند الأصحاب،و الواجب عند الشيخين (3)،و أفتى بوجوب الدم فيه المفيد،كما مرّ في بحث الإحرام (4).
و به استدل له هناك،و لكن قد مرّ الجواب عنه ثمة.
و بالجملة:فالخبر للاحتمال المزبور مجمل لا يمكن التمسك به في محل البحث،مضافاً إلى أن ما فيه من التفصيل في صورة العمد لا يوافق فتوى الأصحاب على الإطلاق بلزوم الدم،و هذا من أكبر الشواهد على تعيين ما مرّ من الاحتمال،و إلّا فهو شاذ،و كذا الخبر الأول،لما مرّ.
و عليه فيشكل الحكم بوجوب الدم،إلّا أن يكون إجماعاً،و لا ريب
ص:213
أنه أحوط.
و كيف كان،فينبغي القطع باختصاصه بصورة العمد،لا كما أطلقه الماتن هنا و في الشرائع (1).
و بما إذا حلق الرأس أجمع،فلو حلق جملة منه و أبقى منه بعضاً فلا دم و لا تحريم،كما قطع به جمع (2).
و بثبوت تحريم الحلق مطلقاً و لو بعد التقصير؛لورود الأمر به في الصحيح الماضي،و هو يستلزم النهي عن ضده العام إجماعاً،فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين فيه،و لا لتأمله في إجزائه عن التقصير و لو على القول بتحريمه (3)،كما عن المنتهى،حيث إنه مع قوله بتحريمه قال بالإجزاء،لتوجيهه بأن أول الحلق تقصير،فبعد ما بدأ به حصل الامتثال، و إنما النهي عن الحلق تعلّق بالخارج عنه،فيأثم بفعله خاصة (4).
و بهذا وجّه فتوى الشيخ في الخلاف بالجواز (5)،فقيل:إنه إذا أحلّ من العمرة حلّ له ما كان حرّمه الإحرام،و منه إزالة الشعر بجميع أنواعها، فيجوز له الحلق بعد التقصير،و أوّل الحلق تقصير (6).
و لكن يضعّفه أن النهي عن الحلق في الصحيح المتقدم في قوة تخصيص الإحلال بما عداه،كما صرّح به بعض المحدّثين،فقال:إنه
ص:214
يتحلّل بالتقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق (1)،و هو ظاهر الأصحاب أيضاً.
بقي الكلام فيما وجّهنا به الإجزاء،فإنه على إطلاقه مشكل.نعم لو قصد بأول الحلق التقصير ثم حلق أجزأ و إن أثم،و إن قصد أوّلاً الحلق دون التقصير أشكل،بل ظاهر قوله(عليه السّلام)في الصحيح المتقدم:« فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء» عدم الإحلال مع الحلق،لأن المشار إليه بقوله:
« ذلك» ما أمر به سابقاً،و من جملته قوله:« و أبق منها لحجّك» فيعتبر في الإحلال،فتأمل.
و كيف كان،فالأحوط عدم الإجزاء بالحلق مطلقاً.
ثم إن ظاهر قوله(عليه السّلام)في الخبر المتقدم:« فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» الوجوب،كما صرّح به في السرائر و القواعد (2).
و لكن الأظهر:الاستحباب؛ للأصل،و ضعف الخبر سنداً و دلالةً كما مرّ،مع عدم موجب له،كيف لا و إنما يجب يوم النحر أحد الأمرين من التقصير و الحلق،و الموجود في الخبر ليس إلّا الأمر بإمرار الموسى حين يريد الحلق،و قد لا يريده،فتعيّن حمله على الوجوب التخييري،إذ لا يخلو غالباً عن شعر يحلقه الموسى،و إنما تعرّض له بالخصوص لأفضلية الحلق من التقصير كما مرّ.
و ليس فيها طواف النساء و إنما هو في الحج مطلقاً،و العمرة المفردة خاصة على الأشهر الأقوى،كما مرّ في آخر بحث الطواف مفصّلاً.
ص:215
و إذا دخل المحرم مكة متمتعاً بالعمرة إلى الحج و فرغ من أفعالها كره له الخروج منها لأنّه أي ما أتى به من الإحرام للعُمرة مرتبط بالحج و جزئه كما مرّ،مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا:« أو ليس مرتبطاً بالحج؟!لا يخرج حتى يقضيه» (1).
و نحوه في النهي عن الخرج قبل القضاء الصحاح:«ليس له أن يخرج من مكة حتى يحجّ» (2)، و الخبران:«لا يخرج حتى يحرم بالحج» (3)، و ظاهرها التحريم،كما عن الوسيلة و المهذّب و الإصباح و موضع من النهاية و المبسوط (4)،و عزي إلى المشهور (5).
خلافاً للحلّي و الشيخ في التهذيب و موضع آخر من الكتابين (6)فيكره،و تبعهما الفاضلان هنا و في التذكرة و المنتهى و موضع من التحرير (7).
و لعلّه للأصل،و ظاهر الصحيح في متمتّع يريد الخروج إلى الطائف قال:« يهلّ بالحجّ من مكّة،و ما أُحبّ أن يخرج منها إلّا محرماً،و لا يجاوز الطائف إنها قريبة من مكّة» (8).
ص:216
فإنّ« لا أُحبّ» كالصريح في الكراهة،و أظهر دلالةً عليها مِن« ليس له» على التحريم في الأخبار السابقة،مع أنه صريح في جواز الخروج بعد الإحرام قبل قضاء الحج.
و نحوه في ذلك صحيحان آخران،في أحدهما:رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها،قال:« فليغتسل و ليهلّ بالإحرام بالحج و ليمض في حاجته في حاجته،فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات» (1).
و في الثاني:« من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج،فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً و دخل ملبّياً،فلا يزال على إحرامه،فإن رجع إلى مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى» الخبر (2).
و تلك الصحاح ظاهرة في المنع إلى أن يقضي الحج و يكمّله، و مقتضاه عدم الاكتفاء بالخروج محرماً،فيصرف ظاهرها إلى صريح هذه، إلّا أن يجمع بينهما بحمل القضاء في الصحاح على ما يعمّ الدخول في الإحرام،كما في الخبرين بعدها،لكنّهما قاصراً السند،و مع ذلك فيتعيّن تقييد إطلاقهما بحال الضرورة كما فصّلته الصحيحة الأخيرة،و حمل القضاء في الصحاح على ذلك في غاية البُعد.
بل الأظهر في الجمع بينهما أن يبقى القضاء فيها على حاله،و يقيد إطلاقها بصورة الاختيار،و يحمل الاكتفاء بالإحرام في هذه الصحاح على حال الضرورة و حصول الحاجة،كما هو مورد أكثرها،و المطلق منها يقبل
ص:217
التقييد بها،للصحيحة المفصّلة المتقدمة،و هي أوضح شاهد على هذا الجمع،حيث اشترط فيها في جواز الخروج و لو محرماً عروض الحاجة، و صرَّح قبله بالمنع عن الخروج حتى يقضي الحج و يكمّله،كالصحاح السابقة.
و قريب منها المرسل:« المتمتّع محتبس لا يخرج من مكّة حتّى يخرج إلى الحج،إلّا أن يأبق غلامه أو تضلّ راحلته فيخرج محرماً،و لا يجاوز إلّا على قدر ما لا يفوته عرفة» (1).
و بالجملة:فمقتضى الجمع بين هذه الأخبار المعتبرة بعد ضمّ بعضها ببعض المنع عن الخروج عن مكّة اختياراً حتّى يقضي الحج و يكمّله، إلّا مع الضرورة،فيخرج محرماً إلى ما يفوت معه عرفة،كما في المرسلة، و نحوها الأخبار المرخَّصة للخروج محرماً،لاختصاصها بالأماكن القريبة منها،بل اشترط ذلك في الصحيحة الأخيرة.
و كلّ هذه الأخبار متّفقة في المنع مطلقاً أو من غير ضرورة من غير تفصيل فيها بين ما إذا خرج و دخل في الشهر الذي أُحرم فيه للعمرة أو غيره.
فما ذكره الماتن هنا و في الشرائع (2)،و تبعه الفاضل في القواعد و غيره (3)،من الجواز في الأول مطلقاً و لو من غير كراهة لقوله: و لو خرج و عاد في شهره الذي اعتمر فيه فلا حرج مطلقاً و لو من غير ضرورة.
ص:218
منظور فيه؛ لمخالفته الأخبار المتقدّمة أجمع،مع عدم وضوح شاهد عليه عدا المُرسل:سأل أبا جعفر(عليه السّلام)في عشر من شوّال،فقال:إنّي أُريد أن أُفرد عمرة هذا الشهر،فقال:« أنت مرتهن بالحج» فقال له الرجل:إنّ المدينة منزلي،و مكّة منزلي،و لي بينهما أهل،و بينهما أموال،فقال:« أنت مرتهن بالحج» فقال له الرجل:فإنّ لي ضياعاً حول مكّة و أُريد الخروج إليها؟!فقال:« تخرج حلالاً و ترجع حلالاً إلى الحج» (1).
و إطلاقه بجواز الدخول حلالاً و إن شمل ما لو دخل في غير الشهر الذي اعتمر فيه،إلّا أنّه لمّا علم بالدليل أنّه لا بدّ من الإحرام إذا مضى شهر قيّد بما إذا دخل في الشهر.
و عليه ينص الموثّق كالصحيح:عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و إلى ذات عِرق و إلى بعض المعادن، قال:« يرجع إلى مكّة بعُمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه؛ لأن لكل شهر عمرة،و هو مرتهن بالحج» (2).
و المرُسل (3)و الرضوي (4):« إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك؛ لأنّه مرتبط بالحج حتّى يقضيه،إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحج،و إن علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً،و إن دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرماً».و نحوهما
ص:219
الصحيح الآتي.
و على هذا فيكون قوله(عليه السّلام):« و يرجع حلالاً» كناية عن وجوب الرجوع في الشهر الذي اعتمر فيه،و نهياً له عن إفراد العمرة و إن سأل الرخصة فيه،و إنّما خصّ(عليه السّلام)الرخصة له في ذلك بمورد السؤال الأخير دون الأول لكونه ممّا يمكن فيه الرجوع إلى مكّة في الشهر الذي اعتمر فيه،لقربه منها،و كونه في حواليها،دون مورد الأول،لكونه بين مكّة و المدينة،و يبعد فيه ذلك غايته.
و يؤيّده ما قيل من أنّ الظاهر أنّ المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج و اتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما،فإذا لم يفتقر إليه لم يمنع عنه (1).
و فيه (2)نظر،أمّا أوّلاً:فلضعف(سند) (3)المرسل من وجوه.
و أمّا ثانياً:فلاختصاصه كالأخبار بعده على تقدير دلالتها على الرخصة في الخروج من غير إحرام بحال الضرورة أو صُورة العلم بأنّه لا يفوته الحج،و شيء منهما غير مذكور في العبارة،بل ظاهرها جواز الخروج في الصورة المفروضة فيها و لو مع الاختيار و عدم العلم بالرجوع إلى مكّة في الشهر الذي أُحرم فيه.
و بالجملة:فهذه الأخبار و ما قبلها الواردة بالجواز كلّها مختصة بحال الضرورة،عدا الرضوي و ما طابقه،فإنهما مطلقان،لكن ينبغي تقييدهما
ص:220
بالضرورة،للصحيحة المفصّلة المتقدمة.
و مع ذلك صحاحها مشترطة في الخروج معها الإحرام،و ظاهر أكثرها التحريم من دونه.إلّا ما تضمّن منها لفظه الكراهة في الخروج من دونه تصرفها عن ظاهرها إلى الجواز مع الكراهة؛ لأنها صريحة أو كالصريحة في الجواز من غير إحرام لكن مع الكراهة،و بها تجبر المرسلة المتقدمة المجوّزة للخروج في الضرورة،فما ذكره الماتن لا بأس به إلّا أنه ينبغي تقييده بحال الضرورة.
و القول بأن الظاهر أن المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج و اتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما إلى آخره،لا يمنع تقييد الجواز بالضرورة و الكراهة بعد ما دلّت عليهما الأخبار المعتبرة،و ربما كان الوجه في اعتبارهما احتمال أن لا يمكنه بعد الخروج العود إلى مكة.
و ممّا ذكر يظهر تطرّق النظر أيضاً في إطلاق ما ذكره الماتن بقوله:
و كذا لا حرج لو أُحرم بالحج و خرج بحيث إذا أزف و قرب الوقوف عد إلى عرفات بل ينبغي تقييده بحال الضرورة؛ لما عرفت من اتفاق الأخبار كلّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض على اعتبارها.
و بالجملة:فالذي يظهر من الجمع بين الأخبار المنع عن الخروج اختياراً (1)مطلقاً (2)،و جوازه إلى ما لا يفوت معه الوقوف بعرفة مع الكراهة من غير إحرام،و بدونها معه.
و إطلاقها كالعبارة و الفتاوي يعمّ صورتي كون العمرة المتمتع بها
ص:221
إلى الحج واجبة أو مندوبة،و لذا قال جماعة بأن في هذه الأخبار دلالةً على وجوب إتمام المندوب بالشروع فيه (1).
أقول:مضافاً إلى قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ [1] الآية (2).
و لو خرج لا كذلك بأن خرج غير محرم بالحج و عاد في غير الشهر الذي اعتمر فيه جدّد عمرة أُخرى وجوباً لما مضى من الأخبار؛ مضافاً إلى الصحيح:فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام،ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج،فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟فقال:« إن رجع في شهره دخل مكة من غير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً»[قلت:]فأي الإحرامين و المتعتين متعة،الأُولى أو الأخيرة؟قال:« الأخيرة و هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» (3).
و منه يظهر المستند في قوله: و يتمتع بالأخيرة دون الاُولى مضافاً إلى عدم الخلاف فيه و لا في سابقه و إن اختلفوا في حصول الإثم بالخروج في الجملة،أو مطلقاً،أو عدمه مع الكراهة أو بدونها، و المختار ما قدّمنا.
و في احتياج العمرة الأُولى حيث صارت مبتولة إلى طواف النساء و عمده وجهان (4).أحوطهما الأول و إن كان الثاني بظاهر إطلاق النص و الفتاوي أوفق،مضافاً إلى الأصل،و عدم دليل صالح على وجوبه هنا عدا
ص:222
الإطلاق،و المتبادر منه العمرة المبتولة ابتداءً،لا المنقلبة إليها قهراً شرعاً.
و حيث خرج و دخل في الشهر الذي اعتمر فيه فلا ريب في جواز الدخول من غير إحرام؛ لما عرفت من الأخبار المستفيضة(بل في أكثرها الأمر بالدخول إلى مكة محلّاً) (1)و ظاهرها الوجوب،لكن في الموثق كالصحيح،المتقدم (2)بعد ما مرّ:قلت:فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟قال(عليه السّلام):« كان أبي(عليه السّلام)مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء، فلمّا رجع بلغ ذات عرق،أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» .و ظاهره جواز الإحرام بالحج من غير مكة،و باستحبابه صرّح جماعة،منهم الفاضل في المنتهى و التذكرة (3)،و الشهيد في الدروس كما قيل (4)،لكن ظاهره التردد فيه كالمنتهى،و فيه بعد الفتوى بالاستحباب و نقل الرواية:هذا قول الشيخ و استدلاله،و فيه إشكال،إذ قد بيّنّا أنه لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلّا بمكة.
أقول:مضافاً إلى عدم بلوغه قوة المعارضة للأخبار في المسألة الظاهرة في الوجوب كما عرفته،مع أنه متضمن نقل فعل عنه(عليه السّلام)،و هو يحتمل وجوهاً منها التقية،كما ربما يشعر به سياقها،كما لا يخفى على من تأمّله و تدبّره.فإذاً المتوجه عدم الجواز.
ص:223
المقصد الثالث:
في اللواحق،و هي ثلاثة:
الأول: في أحكام الإحصار و الصدّ قدّم الحصر هنا للنص عليه في القرآن العزيز (1).
قيل:و لعمومه لغةً،و أخّره بعد لكثرة مسائل الصدّ (2)و
المصدود هو من منعه العدو و ما في معناه خاصة،بلا خلاف عند نافيه،و لا فيما سيأتي من أن المحصور مَن منعه المرض خاصة،و بالإجماع منّا صرّح جماعة مستفيضاً (3)و منهم شيخنا في المسالك فقال:هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم (4).
أقول:و منها الصحيح:« المحصور هو المريض،و المصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ليس من مرض،و المصدود تحلّ له النساء،و المحصور لا تحلّ له النساء» (5).
ثم قال:و هو مطابق أيضاً للّغة،قال في الصحاح:أُحصر الرجل على ما لم يسمّ فاعله،قال ابن السكيت:أحصره المرض،إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها،قال اللّه تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [1] إلى آخر ما قال.
ص:224
و ما نقله عن ابن السكيت قد نقله أيضاً في المصباح المنير عنه و عن ثعلب،و عن الفراء أن هذا هو كلام العرب و عليه أهل اللغة (1).
أقول:و لكن المحكي عن أكثرهم اتحاد الحصر و الصدّ،و أنهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض،و هذا هو الذي عامة فقهاء الجمهور (2).
و كيف كان فلا ريب فيما ذكرنا بعد ورود النص بذلك عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم.
و اعلم أنهما مشتركان في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة، و يفترقان في عموم التحلّل،فإنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل كلّ ما حرّمه الإحرام،و المحصَر ما عدا النساء؛ و في مكان ذبح هدي التحلل، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث صدّ،و المحصَر يبعثه إلى مجلّة بمكة و منى؛ و في إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصَر دون الآخر،لجوازه له بدون الشرط.
و قد يجتمعان على المكلّف بأن يمرض و يصدّه العدو،فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما،و أخذ الأخفّ من أحكامهما؛ لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم،سواء عرضاً دفعةً أو متعاقبين،وفاقاً لجماعة (3).
خلافاً للشهيد في الدروس،فاستقرب ترجيح السابق إذا كان عرض الصدّ بعد بعث الهدي للحصر،و الإحصار بعد ذبح المصدود و لمّا
ص:225
يقصّر (1).
و لا يخلو عن وجه،و مع ذلك فلا ريب أنه أحوط.
و إذا قد تمهد هذا فإذا تلبّس بالإحرام لحج أو عمرة وجب عليه الإكمال إجماعاً،فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّة.
ف إن صدّ نحر هديه في مكانه و أحلّ من كل شيء أحرم منه حتى النساء،على الأشهر الأظهر،بل لا يكاد يظهر خلاف في شيء من ذلك إلّا من الحلّي فلم يوجب الهدي (2)،و هو محجوج بما يأتي.
و من الحلبي فأوجب إنفاذ الهدي كالمحصور،و يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه (3).
و قريب منه الإسكافي فيما حكي عنه،ففصّل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب،و عدمه فينحرها مكانه (4).
و تردّهما المعتبرة المستفيضة،ففي الموثق:« المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء،و المحصور يبعث بهديه» (5).
و في الصحيح:« إنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنته و رجع إلى المدينة» (6).
و نحوه الخبر إلّا أن فيه:« قصّر و أحلّ و نحر،ثم انصرف منها،و لم
ص:226
يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك،فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير» (1).
و في المرسل:« المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه،ثم يحلّ،و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل،هذا إذا كان حجة الإسلام،فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و حلّ ما كان أحرم منه،فإن شاء حج من قابل و إن شاء لا يجب عليه الحج؛ و المصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه و يقصّر من شعر رأسه و يحلّ،و ليس عليه اجتناب النساء سواء كان حجته فريضة أو سنّة» (2).
و هل الأمر بذبح الهدي مكان الصدّ للوجوب،كما هو الأصل فيه،أم للرخصة؛ لقوة احتمال وروده مورد توهّم وجوب البعث كالحصر؟ وجهان،بل قولان.
و ظاهر الخبر الأخير كالخبر المتقدم عليه توقف الإحلال على التقصير،كما في القواعد و عن المراسم (3)،و في الغنية و عن الكافي (4)، إلّا أن فيهما الحلق بدل التقصير،و اختاره الشهيدان (5)،لكن مخيّرين بينهما.
و لا وجه له،و لا لما سبقه من اعتبار الحلق؛ لعدم دليل عليه،عدا رواية عامية بحلقه(صلّى اللّه عليه و آله)يوم الحديبية (6)،و الرواية المتقدمة بتقصيره(صلّى اللّه عليه و آله)تردّه،
ص:227
لكن في سندها كالمرسلة ضعف.
و لا دليل على التقصير بعدهما عدا ما قيل من ثبوته أصالةً،و لم يظهر أن الصدّ أسقطه،فالإحرام يستصحب إليه (1).
و فيه نظر؛ لمنع ثبوته أصالةً هنا،و إنما هو في محلّ قد فات بالصدّ جزماً؛ و الاستصحاب إنما يتوجه في مقام الشك،و لا شك هنا بعد إطلاق الأدلة من الكتاب و السنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير اشتراط بالتقصير.
نعم،هو أحوط و إن كان عدم الوجوب لعلّه أظهر،وفاقاً لظاهر المتن و الأكثر.
ثم إن ظاهر إطلاق النصوص و الفتوى جواز الإحلال بالصدّ مطلقاً و لو مع رجاء زوال المانع،بل قيل:و هو ظاهر الأصحاب،حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات (2).
فإن تمّ إجماعاً،و إلّا كما هو الظاهر فالأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعاً أو ظنا،اقتصاراً أو ظنا،اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن من إطلاق النص و الفتوى،و ليس بحكم التبادر و غيره إلّا ما ذكرنا،دون صورة الرجاء قطعاً.
ثم إن الأمر بالإحلال في النص و الفتوى و إن أفاد الوجوب أصلاً، إلّا أن الظاهر أن المراد به هنا الإباحة و الترخيص دون الوجوب،فيجوز له في إحرام الحج و العمرة المتمتع بها البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات، فيحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحج،و عزي أيضاً إلى الأصحاب (3)،
ص:228
بل زاد بعضهم فقال:إنه أفضل من الإحلال (1).و يجب عليه إكمال أفعال العمرة إن تمكّن،و إلّا تحلّل بهدي.
و لو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقّق الفوات،بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال،و لو أخّر التحلّل كان جائزاً،فإن آيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.
و انما يتحقق الصدّ مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة بل عن مناسكها، و لو قال« من مكة» تنزّل عليه بلا تكلّف مع الإيجاز إن كان معتمراً أو الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر إن كان حاجّاً بحيث لا طريق له غير موضع الصدّ،أو كان له طريق آخر لكن لا نفقة له في سلوكه.
و لا خلاف في حصول الصدّ بذلك،بل قيل:اتفاقاً (2).
و كذا إذا صدّ المعتمر عن الطواف أو السعي خاصة؛ لعموم الآية و استصحاب حكم الإحرام إلى الإتيان بما على المصدود،و أما حصول الإحلال به فبطريق أولى مع العموم.
و لا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار و المبيت بها،قيل:
إجماعاً كما نقله جماعة من الأصحاب،بل يحكم بصحة حجه و يستنيب في الرمي إن أمكن،و إلاّ قضاه في القابل (3)و إن منع من مناسك منى يوم النحر و استناب قد تمّ نسكه بمنى بلا خلاف.فإن تعذّر الاستنابة قيل:احتمل البقاء على إحرامه مطلقاً؛ للأصل (4).
ص:229
و كذا لو كان المنع عن مكة و منى جميعاً،و لو منع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى يبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب و النساء و الصيد خاصة.
و قيل:إن لم يمكنه الاستنابة في الرمي فهو مصدود؛ لعموم نصوصه،و أولوية تحلله من المصدود عن الكل.و في الذبح فهو لا يستطيع الهدي،فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبح بقية ذي الحجة (1).
و هذا القول أظهر؛ لقوة دليله،مع ما في الأول من لزوم البقاء إلى القابل العسر و الحرج.
و منه مضافاً إلى الأولوية المتقدم إليها الإشارة يظهر الجواب عمّا قيل على عموم الكتاب و السنة باختصاص إطلاقهما بحكم التبادر و غيره بحيث لا يدانيه شبهة بما إذا صدّ عما يفوت به الحج أو العمرة بالكلّية، لا بعض أفعالهما المتأخرة؛ فإنه على تقدير تسليمه،و ربما يمنع بأن منطوقهما و إن اختص بذلك إلّا أن فحواهما يعمّه و غيره حتى ما يمكن فيه الاستنابة،إلّا أنه خرج اتفاقاً فتوًى و روايةً.
و من ثمرات الصدّ و إن كان قضاء الحج من قابل وجوباً أو استحباباً، إلّا أنه في صورة فواته بالصدّ و نحوه،لا مطلقاً،فإنه ليس من لوازمه التي لا تنفك منه إجماعاً،و إنما ثمرته اللازمة له جواز الإحلال من الإحرام و وجوب الهدي.و نحن نقول بهما هنا،لكن على إشكال في الأخير؛ لفقد العموم فيه،و عدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصدّ عن الحج أو العمرة من أصله،فإنّ غاية الأولوية إفادة جواز الإحلال
ص:230
لا وجوبه،لاحتمال خصوصية في الصدّ عن كلّ الحج في إيجابه لا توجد في الصدّ عن أبعاضه،لكن غاية ذلك الشك،و أصالة البقاء على الإحرام ربما تحكم بإيجابه،فإيجابه للأصل لا للفحوى و هو كافٍ في ذلك.
و تلخّص ممّا ذكرنا تحقّق الصدّ الموجب و الهدي بالمنع عن الحج و العمرة بتمامهما أو أبعاضهما،و سقوط ما صدّ عنه بعد التحلّل في عامة إلّا ما تقبل النائبة فيجب،و لا ثمرة للصد فيه إلّا إفادة جوازم التحلّل فيما لا تحلّل إلّا بفعله أو بالصدّ.
و لا يسقط الحج الواجب المستقر في ذمته قبل عام الصد،و لا المستمر إليه و إلى العام المقبل مع الصدّ فيقضيه وجوباً في القابل.
و يسقط المندوب أي لا يجب كما أوجبه أو حنيفة و أحمد في رواية (1)للأصل و الإجماع،كما هو ظاهر التذكرة و المنتهى (2)،و إنما يقضيه ندباً.
و في بعض الأخبار المتقدمة و الآتية في الحصر دلالة عليه.
و في وجوب الهدي على المصدود قولان:أشبههما الوجوب وفاقاً للمشهور،بل ظاهر الغنية و المحكي عن المنتهى و غيرهما (3)إجماعنا عليه؛ و هو الحجة.
مضافاً إلى استصحاب بقاء حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلّل،و خصوص ما مرّ من النصوص؛ و غيرهما كالمرسل:« المحصور
ص:231
و المضطر يذبحان بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه» (1).
و قصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بالعمل و موافقة الكتاب، بناءً على أن المراد بالحصر فيه المنع مطلقاً و لو بالعدو،لموافقته لأهل اللغة كما عرفته،و إجماع المفسّرين على نزول الآية في حصر الحديبية،كما صرّح به جماعة كالشافعي و النيسابوري و غيرهما (2)،و يظهر أيضاً من الغنية،و روى تفسيرها بها الشيخ في التبيان و الطبرسي في المجمع (3)عن الأئمة(عليهم السّلام)فيما حكي عنهما.
و يشعر بذلك أيضاً ذيل الآية،و هو قوله سبحانه فَإِذا أَمِنْتُمْ [1] لظهوره في الأمن من العدوّ،دون المرض و العلّة؛ و لذا قال بعض العامة باختصاص الآية بالصدّ دون المرض (4)،و إن كان المناقشة فيه أيضاً واضحة،لأن الورود في قضية خاصة لا ينافي عموم اللفظ و كذا تخصيص بعض أفراده بحكم غير ما علّق عليه أوّلاً لا يفيد تخصيص الحكم الأول بذلك الفرد أيضاً.
و القول الثاني للحلّي فلم يوجبه (5)؛ للأصل،و يخصّص بما مرّ؛ و منع عموم الآية للمنع بالعدو،لاختصاصه بالحصر بالمرض،و فيه ما مرّ.
و لا ينافيه الإجماع فتوًى و نصاً بتخصيص الحصر بالمرض،و الصد بالعدوّ؛ لاحتمال كونه اصطلاحاً خاصاً لما بعد النزول.و لا بُعد فيه بعد
ص:232
وجود الدليل كما قيل.
و لو سلّم فغايته اختصاص الآية بالمرض،لكن لا دلالة فيها و لا في الأخبار على نفي الوجوب في الصدّ،و إنما الدليل عليه حتى في كلامه إنما هو أصالة البراءة،و هي معارضة بالاستصحاب المتقدم إليه الإشارة،و لا حجة لأصالة البراءة في مقابله إلّا بعد وجود عموم أو إطلاق يمكن رفع الشك بهما،و لم أر وجوداً لهما هنا كما مضى.
و بالجملة:فأصالة البراءة مخصَّصة بما دلّ على لزوم أحكام الإحرام، و الأصل بقاؤها في موضع الشك إلى أن يثبت الرافع لها و لو عموماً أو إطلاقاً نافعاً،و قد عرفت فقدهما.
و على المختار ف لا يصح التحلّل مطلقاً إلّا بالهدي لما مرَّ.
و نيّةِ التحلّل كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده؛ لأن الذبح يقع على وجوه أحدها التحلل،فلا ينصرف إليه دون غيره إلّا بمخصّص و هو النية،كما في كل عبادة مشتركة.
قيل:لا يقال:نية التحلل غير معتبرة في غير المصدود،فكيف اعتبرت هنا،أ ليس إذا رمى أحلّ من بعض الأشياء و إن لم ينو التحلل؟ لأنا نقول:من أتى بأفعال النسك فقد خرج عن العهدة و أتى بما عليه فيحلّ بإتمام الأفعال و لا يحتاج إلى نية،خلاف المصدود؛ لأنا قد بيّنّا أن الذبح لا يتخصص بالتحلل إلّا بالنية فاحتيج إليها،دون الرمي الذي لا يكون إلّا النسك،فلم يحتج إلى قصد (2).انتهى.
ص:233
قيل:و إن قيل:كما أن غير المصدود يخرج عن العهدة بإتمام المناسك فكذا المصدود بإتمام ما عليه.
قلنا:الفرق أن للمصدود أن يبقى على إحرامه و إن ذبح سبعين مرة إذا لم ينو التحلل.
لا يقال:و كذا الرمي يقع على وجوه،و بيّن أنه إذا نوى اللغو و نحوه لم يفد التحلل.
لأنه مسلّم،و لكن يكفيه ما عليه من الرمي في الحج،كسائر المناسك إنما ينوي بها فعل ما عليه منها لوجوبه،و أما هدي التحلل فلا يتعين إلّا بنية التحلل،فإذا لم ينو كان كاللغو من الرمي،و لذا يشترط وقوعها عند الذبح.
و لا يكفي وجوب الهدي للسياق عن هذه النية؛ لأن الأصل فيما ساقه الذبح بمنى أو بمكة،فهذا الذبح قبل مكانه و زمانه (1).انتهى.
و هو حسن،إلّا أن قوله:و لا يكفي وجوبه للسياق عن هذه النية، محل مناقشة؛ لاحتمال الاكتفاء عنها بقصد القربة و امتثال الأمر،إذ أمر مشتركاً بذبح الهدي المساق في الواقعة،بل الأمر به إنما هو للتحلل خاصة، و نية التعيين إنما يحتاج إليها في الأوامر المتعددة المشتركة،و لا تعدّد في الأمر هنا كما عرفته.و قوله:لأن الأصل فيما ساقه..،لا يفيد الاحتياج إلى هذه النية،كما لا يخفى على من تدبّره.
و هل يسقط الهدي لو شرط في إحرامه حلّه من حيث حبسه؟فيه أي في السقوط به قولان مضيا في أواخر بحث أحكام الإحرام،و مرّ أن الأقوى القول بالسقوط،وفاقاً للمرتضى و الحلّي (2)،
ص:234
مدّعيين الإجماع عليه.
و أظهرهما عند آخرين أنه لا يسقط و جعلوا فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع و تربّص لبلوغ الهدي محلّه.
و فيه:أن هذه الفائدة مختصة بالمحصورة و أما المصدود فلا تظهر فيه؛ لما مرّ من جواز تحلّله من غير تربّص،بناءً على جواز ذبح هديه مكان الصدّ كما هو الأظهر الأشهر،و لذا خصّها الماتن في بحث الإحرام بالمحصور،لا لما توهّم من اختصاص جواز التحلل من أصله به دون المصدود،و حينئذ فلا فائدة لهذا الشرط في المصدود.
و أضعف منه سائر ما قيل في توجيه هذا الشرط غير سقوط الهدي، من أراد تفصيل ذلك فعليه بمراجعة ذلك البحث.
و في إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل قولان بل أقوال أشبههما عند الماتن هنا وفاقاً للصدوقين (1) أنه لا يجزئ مطلقاً، سواء وجب الهدي المسوق و لو بالإشعار أو التقليد أم لا.و فصّل الإسكافي بين الواجب فلا يجزئ،و غيره فنعم (2).
و اختاره جماعة منهم شيخنا الشهيد الثاني فقال:
و الأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجباً و لو بالإشعار أو التقليد؛ لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدّد المسبّبات،نعم لو لم يتعين ذبحه كفى، إلّا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز (3).انتهى.
و ربما يظهر من قوله:إلّا أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز،رجوع
ص:235
قول الإسكافي إلى قول الصدوقين،كما صرّح به غيره (1).
و لم نقف لهما على دليل سوى ما مرّ،و الرضوي:« فإن قرن الرجل الحج و العمرة فأُحصر بعث هدياً مع هديه،و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه،فإذا بلغ الهدي محلّه أحلّ و انصرف إلى منزله،و عليه الحج من قابل،و لا يقرب النساء حتى يحج من قابل» (2).
و فيهما نظر:
أما الأول:فلأنا لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر أو الصدّ هدياً مستقلا،و إنما المستفاد من الأدلة كتاباً و سنّةً إنما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول (3)،أو هديه كما في الثاني كما عرفت،و لا ريب في صدقهما على المسوق مطلقاً في محل البحث،و لعلّه لهذا استدل بالأول في المنتهى على ما اختاره من القول الثاني (4).
و أما الثاني:فلقصوره عن معارضة ما دلّ على القول الثاني و هو الإجزاء مطلقاً،كما عليه الأكثر،بل المشهور على الظاهر،المصرَّح به في كلام جمع (5)،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه مطلقاً (6)،و كذا الحلّي إلّا من الصدوق (7)كما حكي عنه.
ص:236
و هو الأظهر؛ للأصل،و إطلاق الكتاب و السنّة على ما مرّ،و الإجماع المحكي،و ظاهر الصحيح:القارن يحصر و قد قال:و أشترط فحلّني حيث حبستني،قال:« يبعث بهديه» قلت:هل يتمتع من قابل؟قال:« لا،و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» (1).
و نحوه الخبر (2)،و ضعف سنده بسهل سهل،و مع ذلك منجبر بالعمل و الموافقة لما مرّ.
فليحمل الرضوي على الاستحباب،مضافاً إلى قصوره في نفسه.
و لكن العمل به أحوط،سيّما مع إمكان التأمل في أكثر أدلة الأكثر بمعارضة الأصل استصحاب بقاء حكم الإحرام،و هو أخصّكما مرّ فليقدم؛ و عدم وضوح نقل الإجماع سيّما من الحلّي؛ و قصور دلالة الصحيح و غيره عن التصريح بسقوط هدي التحلل،و على تقديره فلعلّه لما فيهما من الاشتراط،أي قوله:فحلّني من حيث حبستني،بناءً على المختار من أن فائدته سقوطه كما مرّ.
و نحوهما في قصور الدلالة ما قيل (3)من الصحيح:« خرج الحسين (عليه السّلام)معتمراً و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا،فبَرْسمَ (4)فحلق شعر رأسه و نحرها،ثم أقبل فجاء فضرب الباب» (5)لعدم وضوح ظهوره في
ص:237
الاكتفاء بما ساقه؛ مضافاً إلى ما قيل من احتمال أن لا يكون أحرم (1)،فتأمل.
و في الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما (2).يعني لا إن وجب بالإشعار أو التقليد.
و لعلّ الفرق لأنه وجب بالإحرام فاتّحد السبب،و لظهر فتاوي الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه و فيما يجب للصدّ أو الحصر، لا الواجب بنذر و شبهه.
و البحث في المعتمر إذا صدّ عن مكة أو النسك فيها كالبحث في الحاج إذا صدّ كما مرّ.
و اعلم أنه لم يتقدم في كلامه ما يدل على اختصاص الأحكام المتقدمة بإحرام الحج صريحاً حتى يلحق به إحرام العمرة،إلّا أن مقتضى السياق لعلّه ذلك،و كان الأولى ذكر هذا الحكم عند التعرض لما يتحقق به الصدّ.
و المحصور و هو الذي يمنعه المرض عن مكة أو الموقفين أو نحو ذلك مما مرّ في الصد كما مرّ فهو يبعث هديه للتحلّل لو لم يكن ساق،و لو ساق اقتصر على بعث هدي السياق على المختار من الاكتفاء به عن هدي التحلل،و يأتي على القول الآخر عدم جواز الاقتصار عليه كما مرّ في المصدود.
و ظاهر الأصحاب عدم الفرق في جواز الاقتصار و عدمه بين الصدّ و الإحصار،و صرّح به جمع من الأصحاب (3).
ص:238
إلّا أن ظاهر الماتن هنا و الفاضل في القواعد (1)الفرق،حيث صرّحا بجواز الاقتصار هنا،و أظهرا عدمه في الصدّ،و هو ظاهر الأدلة إن لم نعتبر الأصل الأول و الإطلاقات كتاباً و سنّة،و قلنا باختلاف الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات.
و ذلك الاختصاص ما دلّ على جواز الاقتصار على هدي السياق و عدمه من الأخبار بالإحصار،دون الصدّ،فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل من لزوم تعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب،فيتوجّه الفرق.
إلّا أن شبهة الإجماع المركّب المنقول في عبائر الأصحاب أوجب العدم مطلقاً،سيّما و أن بعض نسخ الكتاب في الصدّ بدل« لا يجزئ»:
« يجزي» كما في نسخ الشرائع (2)،و احتمال انسحاب ذلك في عبارة القواعد؛ فإنها في الصدّ هكذا:و هل يكفي هدى السياق عن هدى التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه.
و الضمير في« ندبه» كما يحتمل الرجوع إلى هدي السياق،و يكون مفادها حينئذ التفصيل بين السياق المندوب فيجزئ،و الواجب فلا يجزئ.
كذا يحتمل رجوعه إلى هدي التحلّل،و يكون مفادها حينئذ الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل مطلقاً و لو كان هدي السياق واجباً،و يكون استحباب هدي التحلّل من باب الاحتياط كما قدّمناه،خروجاً عن شبهة الخلاف،فينوي التحلّل عند ذبح كل من الهديين.و حكى عن الإيضاح نقل هذا الاحتمال عن والده (3).
ص:239
و على هذا فيكون مختار الفاضلين في الكتابين جواز الاقتصار في المقامين،فارتفع القائل بالفرق في البين.
و كيف كان فالظاهر هنا الاكتفاء بهدي السياق.
و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه،و هو منى إن كان حاجّاً،و مكة إن كان معتمراً على اختلاف فيه بين الأصحاب،بعد اتّفاقهم كغيرهم على وجوب الهدي هنا للتحلّل و إن اختلفوا فيه في المصدود.
و ما في المتن من عدم جواز التحلّل إلّا ببلوغ الهدي محلّه مطلقاً هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب،بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (1)؛ للأصل، و ظاهر الآية وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [1] (2)و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيحين:القارن يحصر و قد قال:و أشترط فحلّني حيث حبستني،قال:« يبعث بهديه» (3).
و في الموثق:عن رجل أُحصر في الحج،قال:« فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه،و محلّه أن يبلغ الهدي محلّه،و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج،و إن كان بعمرة نحر بمكة» الخبر (4).
خلافاً للمحكي عن ظاهر المفيد و الديلمي (5)،ففصّلاً بين الإحرام
ص:240
بالحج الواجب فكالأول،و التطوع فيذبح في محل الحصر كالصد.
و للإسكافي،فخيّر مطلقاً بين البعث و الذبح محلّ الحصر،و جعل الأول أولى (1).
و للمقنع،فالمحصر و المضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه (2).
و لعلّ مستندهم الصحيح:« إنّ الحسين بن علي(عليهما السّلام)خرج معتمراً فمرض في الطريق،فبلغ علّياً(عليه السّلام)و هو بالمدينة،فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض،فقال:يا بنيّ ما تشتكي؟قال:أشتكي رأسي،فدعا عليّ(عليه السّلام)ببدنه فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة» (3).
و نحوه آخر مرّ في بحث إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل في الصدّ (4).
و ظاهرهما الضرورة،و يحتملها عبارة المقنع المتقدمة.
و يحتملان التطوع،كما مرّ عن ظاهر المفيد و سلّار،و أن لا يكون الحسين(عليه السّلام)أحرم كما مرّ،و إنما نحرها هو أو أبوه تطوعاً و خصوصاً إذا كان قد ساق.
و يؤيده الصحيح:عن رجل أُحصر فبعث الهدي،قال:« يواعد أصحابه ميعاداً،إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر،فإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك،و إن
ص:241
كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كانت تلك الساعة قصّر و أحلّ؛ و إن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله و نحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة،و إذا برئ فعليه العمرة واجبة،و إن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل،فإنّ الحسين بن علي(عليه السّلام)خرج معتمراً» إلى آخر ما مرّ في الصحيح الأول.
كذا في الكافي،و إن كان في التهذيب مكان« بعد ما يخرج»:« بعد ما أحرم» (1)و السياق يؤيد الأول و إن ظنّ عكسه كما قيل (2)قيل:و حينئذ فالسقيا هي البئر التي كان النبي(عليه السّلام)يستعذب ماءها فيستقى له منها،و اسم أرضها الفلجان،لا السقيا التي يقال بينها و بين المدينة يومان.
و للجعفي فيذبح مكانه مطلقاً ما لم يكن ساق (3)،و هو خلاف ما فعله الحسين(عليه السّلام)على ما تشهد به الصحيحة الثانية إن كان أحرم.
نعم له الصحيح:في المحصور و لم يسق الهدي،قال:« ينسك و يرجع» (4).
إلّا أنّ في بلوغه قوة المعارضة لأدلة الأكثر نظراً سيّما مع عدم صراحته في الذبح محل الحصر،و احتماله الحمل على ما يوافق الأكثر و إن بعد.
و كيف كان،فلا ريب أن ما اختاروه أولى و أحوط إن لم نقل بكونه
ص:242
أقوى و أظهر.
و قال الشهيد:و ربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضرّ به التأخير،و هو في موضع المنع؛ لجواز التعجيل مع البعث (1).يعني تعجيل الإحلال قبل بلوغ الهدي محلّه فإنما فيه مخالفة واحدة لأصل الشرع،و هو الحلق قبل بلوغه محلّه مع ما مرّ من جواز ذلك في منى،بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محلّه أصلاً.انتهى.
و إذا بلغ ميعاد بلوغ الهدي محلّه فهناك أي في ذلك الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعيّن كما مرّ في الصحيح الأخير و الموثق يقصّر كما في الأول و الخبر المتقدم في الصد (2).
و يحلّ من كل شيء أحرم منه إلّا من النساء بالنص (3)و الإجماع على كل من المستثنى منه و المستثنى.
قيل:و من العامة من لا يرى الإحلال إلّا بأن يأتي بالأفعال،و إن فاته الحج تحلّل بالعمرة،و منهم من يرى الإحلال من النساء أيضاً (4).
و في الدروس:و لو أُحصر في عمرة التمتع فالظاهر حلّ النساء له؛ إذ لا طواف لأجل النساء فيها (5).
قيل:و هو حسن (6)؛ للصحيح:عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء يكون حاله،و أيّ شيء عليه؟قال:« هو حلال من كل شيء» قلت:من
ص:243
النساء و الثياب و الطيب؟فقال:« نعم من جميع ما يحرم على المحرم» الحديث (1).
و فيه نظر؛ إذ ليس فيه تصريح بالعمرة المتمتع بها،بل هو مطلق شامل للعمرة المفردة و الحج بأقسامه،و لا قائل به حينئذ،و إخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع و إن أمكن جمعاً،إلّا أن الجمع غير منحصر فيه.
فيحتمل الحمل على التقية،لكون جواز الإحلال مطلقاً حتى من النساء مذهب بعض العامة كما عرفته،و يؤيده كون الإمام(عليه السّلام)المروي عنه الرواية ممن كانت التقية في زمانه في غاية الشدة.أو على ما إذا استنيب و طيف عنه،كما ذكره بعض المحدّثين (2).
و مع ذلك فهو معارض بالصحيح المجمع عليه،الوارد في قضية الحسين(عليه السّلام)،و فيه بعد نقلها:فقلت:أ رأيت حين برئ من وجعه حلّ له النساء؟قال:« لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة» فقلت:فما بال النبي(صلّى اللّه عليه و آله)حين رجع إلى المدينة حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟فقال:« ليس هذا مثل هذا،النبي(صلّى اللّه عليه و آله)كان مصدوداً و الحسين(عليه السّلام)كان محصوراً» (3).
و هو كما ترى أيضاً مطلق ليس فيه تقييد بما عدا عمرة التمتع فيشملها أيضاً،كما صرّح به جماعة،و منهم المحقق الثاني و شيخنا الشهيد
ص:244
الثاني (1)،معترضين به على ما في الدروس بعد نقله و ميلهما إليه أوّلاً، فاستدركاه بإطلاقه،و هو في محلّه.
و يعضده استصحاب بقاء الإحرام بالإضافة إلى النساء على حاله إلى أن يتحقق المخرج عنه،و ليس إلّا ما مرّ،و ضعفه قد ظهر.
و كذا التعليل في الدروس بقوله:إذ لا طواف لأجل النساء فيها (2).
فإنه إنما يتمّ لو علّق الإحلال منهم على طوافهن،و ليس،إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرّض لذكر طواف النساء،و إنما المستفاد من الصحيح المتقدم توقف حلّهن على الطواف و السعي،و هو متناول للحج بأقسامه و العمرتين.
و نحوه الرضوي،لكن فيه:« لا يقرب النساء حتى يحجّ من قابل» (3).
لكن ربما يقال:إن سياق الصحيح لعلّه يشعر باختصاص مورده بغير العمرة المتمتع بها،كما لا يخفى،فلا إطلاق فيه لها،إلّا أن هذا غير كاف في إخراجها؛ إذ غايته نفي الإطلاق،و حينئذ فينبغي الرجوع فيما لم يشمله إلى مقتضى الأُصول،و هو هنا البقاء على الإحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلّل،و ليس إلّا الطواف،لانعقاد الإجماع على الإحلال به منهنّ دون غيره.
و بالجملة:فالأظهر مساواة العمرة المتمتع مع غيرها في أنه لا يحل بالحصر من النساء حتى يحجّ في القابل إن كان أي الحج المحصَر عنه
ص:245
واجباً مستقراً في ذمته أو يطاف عنه للنساء إن كان ندباً لما مضى.
لكن الصحيح و الرضوي لا يفيدان هذا التفصيل و إن كان مشهوراً حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا (1)،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،بل إطلاقهما يشمل الندب أيضاً،فلا يتحلل فيه أيضاً عن النساء إلّا بأن يطوف بالبيت.
لكن الإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة العظيمة،بل عدم ظهور مخالف معتدّ به في المسألة،و بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه،و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم،فالاكتفاء في الحلّ بالاستنابة لعلّه كاف،لا سيّما مع ضعف دلالة نحو هذا الحديث،لوروده لبيان حكم آخر،كما لا يخفى على من تدبّره.
و ظاهر المتن في الواجب إطلاق توقف حلّهن على قضائه في القابل و لو مع العجز عنه،و عدم كفاية الاستنابة مطلقاً،كما هو مقتضى الأصل، و نحوه الصحيح المتقدم،و حكي عن ظاهر النهاية و المبسوط و المهذّب و الوسيلة و المراسم و الإصباح و الفاضلين في جملة من كتبهما (2)،لكن لم يحك عنهم التعميم إلى صورة العجز،بل في القواعد التصريح بالاكتفاء بالطواف عنه لهنّ إذا عجز (3)،و نسب في الدروس إلى القبل (4)،و لعلّ دليله الحرج أو لزم العمل بإطلاق ما مرّ من الصحيح،فيخصّ بعموم ما دلّ على نفيه في الدين.
و إنما لزم الاستنابة اقتصاراً في مخالفة الإطلاق على قدر ما يندفع به
ص:246
الضرورة،مضافاً إلى عدم قائل بالإحلال مع العجز من غير استنابة،هذا.
و عن الخلاف و الغنية و التحرير (1):لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهنّ في القابل،أو يطاف عنه،من غير تفصيل بين الواجب و غيره.
و عن الجامع:إذا استناب المريض لطواف النساء و فعل النائب حلّت له النساء (2).و لم يقيد بالقابل.
قيل:و كذا في السرائر:أنهن لا يحللن له حتى يحجّ في القابل،أو يأمر من يطوف عنه للنساء.و هذا أظهر في الاعتبار،و الأول أحوط.
و في الكافي:لا يحللن له حتى يحجّ أو يحجّ عنه.و يجوز أن يريد أن يطاف عنه (3).انتهى.
و فيما ذكره من أظهرية ما ذكره من الأقوال للاعتبار محل إشكال،بل غاية الاعتبار ما مرّ من التفصيل بين الاختيار فقضاؤه المناسك بنفسه من قابل،و الاضطرار فجواز الاستنابة،لا جوازها على الإطلاق.
و اعلم أن ما نقل عن الخلاف و من بعده من عدم التفصيل بين الواجب و غيره يدافع دعوى الإجماع الظاهرة من المنتهى على التفصيل بينهما بما في العبارة،مضافاً إلى عدم صراحة لفظه فيها،فيتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح و تاليه في الحكم باتحاد الواجب و الندب في عدم جواز الاستنابة و لزوم الطواف و السعي من قابل.
لكن الظاهر عدم قائل به؛ فإنّ الأصحاب ما بين مفصِّل بين الواجب و غيره بما مرّ،و فيه جواز الاستنابة في الندب؛ و مطلِقٍ لجوازها فيه و في
ص:247
الفرض،كما مرّ عن الخلاف و غيره؛ و قائلٍ بالتحلل في الندب من غير توقف على شيء حتى الاستنابة،كما عن المفيد و غيره (1)،و لهما المرسل في المقنعة:« المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [1] ثم يحلّ،و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل،هذا إذا كان حجة الإسلام،فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد أحلّ ممّا أحرم عنه،فإن شاء حجّ من قابل و إن شاء لا يجب عليه الحج» الخبر (2).
فالقول في الندب بمساواته مع الواجب في عدم الإحلال من النساء إلّا بأداء المناسك خلاف ما اتّفقت عليه الأقوال،و المتّجه منها بحسب الاحتياط الواجب في نحو المقام بحكم الاستصحاب هو قول المشهور.
و قول المفيد مع ضعف سنده،و احتمال كون محل البحث من المرسل من عبارته نادر،كقول الخلاف و من بعده من جواز الاستنابة في الواجب مطلقاً،فإنه نادر أيضاً،مع عدم صراحة عبارتهم في التخيير، لاحتمالها التنويع،و يكون الشق الأول من فرديه في الواجب،دون الثاني، لاختصاصه بالندب،و لا بُعد فيه،و مع ذلك فلا مستند له حتى يخرج به عن مقتضى و إطلاق نحو الصحيح المتقدم،المعتضد جميع ذلك بالشهرة و الإجماع المنقول الظاهر من المنتهى (3)،كما مضى.
و لو بان أن هديه لم يذبح سواء بعثه أو بعث ثمنه لم يبطل تحلّله بمعنى عدم ترتب ضرر عليه من كفارة و غيرها بارتكاب ما يلزم
ص:248
المحرم اجتنابه، و لكن يبعثه ل يذبح له في القابل بلا خلاف في شيء من ذلك و لا إشكال.
للصحيح:« فإن ردّوا الدراهم عليه و لم يجدوا هدياً ينحرونه و قد أحلّ لم يكن عليه شيء،و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضاً» (1).
و للموثق:إن ردّوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ فأتى النساء؟قال:« فليعد و ليس عليه شيء،و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث» (2).
و في آخر:« و إن اختلفوا في الميعاد فلا يضره إن شاء اللّه تعالى» (3).
و هل يجب أن يمسك عمّا يجب على المحرم الإمساك عنه إلى يوم الوعد،كما هو ظاهر الأمر في الخبرين،و المشهور كما في المسالك و الروضة و غيرهما (4).
الوجه عند الماتن و الفاضل في المختلف و المقداد في شرح الكتاب و غيرهما من المتأخرين وفاقاً للسرائر (5)أنه لا يجب؛ للأصل، لأنه ليس بمحرم و لا في الحرم،فلا وجه لوجوب الإمساك عنه و إن ورد به الخبران،إمّا لكونهما من الآحاد،فلا يقوّيان حجة عند الحلّي لتخصيص
ص:249
الأصل،أو لعدم صراحتهما،لاحتمالهما الحمل على الاستحباب،كما نزلهما عليه من عداه.
و الأول لعلّه أظهر؛ لما مرّ من الخبرين،بناءً على المختار من حجية أخبار الآحاد،و أولوية تخصيص الأصل من حمل الأمر على الاستحباب، لصراحته في الوجوب بالإضافة إلى الأصل.
هذا على تقدير تسليم جريان الأصل هنا،كما هو ظاهر أكثر الأصحاب،و إلّا فالظاهر أن الأصل بالعكس،و ذلك لأن مفاد الآية أنه يشترط في التحلل بلوغ الهدي محلّه في نفس الأمر،فلو تحلّل و لم يبلغ كان باطلاً،و لا يستفاد من الخبرين المتقدمين و غيرهما سوى أنه لو تحلّل يوم الوعد و لم يبلغ لم يكن عليه ضرر،و الظاهر أن المراد به الإثم و الكفارة،و لا ريب فيه،لوقوع التحلل بإذن الشرع،فلا معنى لأن يتعقبه ضرر،و انتفاء الضرر لا يستلزم حصول التحلل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف؛ و لعلّ هذا هو الوجه في الأمر في الخبرين بالإمساك.
و لازم هذا التحقيق كون هذا لرجل محرماً و إن اعتقد لجهله بالحال كونه محلّاً،و بهذا يتوجه المنع إلى قوله في تصحيح الأصل بأنه ليس بمحرم،فإنه في حيّز المنع،إذ لا دليل عليه لا من نصّ و لا من إجماع، لوقوع الخلاف،و تصريح بعض المتأخرين بكونه محرماً،و أنّ وقت الإمساك إنّما هو حين الانكشاف (1)،كما هو مقتضى هذا التحقيق،و لم يصرّح من القائلين بوجوب الإمساك بخلافه؛ لسكوتهم عن بيان وقت الإمساك و احتمال إرادتهم به ما ذكرناه كالأخبار.
ص:250
و دعوى جماعة عدم الخلاف في صحة الإحلال أو عدم بطلانه (1)غير ظاهرة في إرادتهم عدم البطلان في نفس الأمر و أنه مُحلّ الآن و واقعاً؛ لقوة احتمال إرادتهم ما ذكرناه في تفسير المتن،و لا ريب أن عدم البطلان بذلك المعنى ممّا لا خلاف فيه و لا شبهة تعتريه كما قدّمناه.
لا يقال:إن قوله(عليه السّلام)في الموثق الأخير:« و إن اختلفوا في الميعاد فلا يضره» ينفي الضرر على العموم من غير تقييد بوجوب الإمساك،و لا ريب أن وجوبه ضرر.
لأنا نقول:الظاهر أن المراد أن الخلف لا يوجب عليه فيما فعله ممّا يجتنبه المحرم،لا أنه لا يجب عليه الإمساك،فإنّ وجوب الإمساك لم ينشأ من خلف الوعد و إنما نشأ من الإحرام السابق،نعم لما كان في مكمن الخفاء فبتبيّن الخلف تبيّن البقاء،فوجوب الإمساك إنما نشأ منه لا من الخلف،إذ لا وجه لتوهم إيجابه بنفسه الإمساك و الضرر من جهته حتى يدفع بنفي الوجوب الذي هو ضرر من جهته.
و لو سلّم عموم الضرر المنفي له،نقول:إنه مخصَّص بالأمر السابق، و هو أولى من حمله على الاستحباب.
نعم يمكن أن يقال:إن ظاهر الموثق الأول الأول كون وقت الإمساك حين البعث لا حين الانكشاف،فلو بعثه بعدَ حينٍ لم يجب عليه الإمساك قبل البعث و لو بعد الانكشاف،و هذا ظاهر في تحقق الإحلال في الواقع، و أن الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق،و هذا المفهوم معتبر في الأصل مع اعتضاده هنا بالأصل و ظاهر الأكثر.
ص:251
و كيف كان:فالأظهر وجوب الإمساك،و الأحوط وقوعه حين الانكشاف و إن احتمل قوياً الاكتفاء به حين البعث.
و لو أُحصر أو صدّ الحاج أو المعتمر فبعث به أي بهديه ثم زال العارض من المرض أو العدو التحق بأصحابه في العمرة مطلقاً،و في الحج إذا لم يفت بلا خلاف،لزوال العذر،و انحصار جهة الإحلال في الإتيان بالمناسك،و للصحيح:« إذا أُحصر بعث بهديه،فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس،فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و ينحر هديه و لا شيء عليه،و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة» قلت:فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال:« يحج عنه إن كانت حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شيء عليه» (1).
و نحوه غيره في المصدود (2).
و حيث التحق فإن كان حاجّاً و أدرك الموفقين على وجه يجزئ صحّ حجّه إجماعاً.
و إن فاتاه معاً أو أحدهما مع عدم إجزاء الآخر تحلّل بعمرة.
و يقضي الحج إن كان واجباً،و إلّا يقضي ندباً بلا خلاف و لا إشكال إلّا في إطلاق وجوب التحلل بعمرة و عمومه لما إذا تبيّن وقوع الذبح عنه و عدمه،فقد احتمل الشهيدان و غيرهما (3)في
ص:252
الأول العدم،لحصول التحلل به.
و مرجع الإشكال إلى تعارض عموم أدلة وجوب التحلل بالعمرة لمن فاته الحج،و أدلّة حصول التحلل ببلوغ الهدي محلّه.و لكن ظاهر الأصحاب حتى الشهيدين ترجيح الأول،و لا ريب أنه أحوط إن لم لم نقل بأنه أظهر؛ للأصل،و عدم وضوح عموم فيما دلّ على التحلل ببلوغ الهدي محلّه بحيث يشمل محل الفرض،إذ غايته الإطلاق المنصرف بحكم التبادر الى غيره،هذا.
و ربما يستدل له بالصحيح المتقدم قريباً،بناءً على أن في بعض النسخ بعد قوله:« فإن عليه الحج من قابل» بدل قوله« أو العمرة» بأو « و العمرة» بالواو،و أن الظاهر أن المراد بهذه العمرة المأمور بها مع الحج إنما هو عمرة التحلل.
و فيه نظر،مضافاً إلى اختلاف النسخ،مع عدم دليل على تعيّن الأخيرة،و لعلّه لذا لم يستدل به الأكثر مع أنه بمرأى منهم و منظر.
هذا حكم الحاجّ إذا تحلّل.
و أما المعتمر إذا تحلّل ف يقضي عمرته عند زوال المانع من الأمرين مطلقاً و لو في الشهر الذي اعتمر فيه أوّلاً فتحلّل منها.
و قيل: إنما يقضيها في الشهر الداخل و القائل الشيخ و غيره (1)،بل الأكثر كما في عبائر جمع (2).
و ظاهر الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين.
ص:253
و فيه نظر؛ لعدم تحقق العمرة،لتحلّله منها،فلا يعتبر في جواز الثانية تخلّل الزمان المعتمر بين العمرتين،إلّا أن يقال باعتبار مضي الزمان بين الإحرامين،و لكن لا دليل عليه.
و لعلّه لذا أطلق الماتن هنا وجوب قضائها عند زوال المانع،مع أنه اشترط في بحث العمرة مضي الشهر بين العمرتين.
و عكس الحلّي فوافق الشيخ هنا (1)،و المرتضى ثمة (2)،و لذا تعجّب منه بعض الأصحاب (3)،و هو في محلّه،و منه يظهر ما في البناء بحسب القول أيضاً (4).
ثم إنه انما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك كالحج، و إلّا فيستحب،كما هو واضح.
و اعلم أن مقتضى إطلاق ما مرّ من الصحاح و غيرها بقضاء الحج الذي تحلّل منه بالهدي قضاؤه بما شاء،حتى لو كان قارناً و تحلّل جاز له أن يقضي تمتعاً مثلاً،كما عليه الحلّي مطلقاً كما في نقل (5)،أو على تفصيل المتن كما في آخر (6).
و قيل:لو أُحصر القارن حج في القابل قارناً أيضاً وجوباً مطلقاً؛ للصحيحين (7)و غيرهما (8)في القارن إذا أُحصر و تحلّل هل يتمتع من
ص:254
قابل؟قال:« لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» .و القائل:الشيخ و ابن حمزة (1)،بل الأكثر كما في كلام جماعة (2)،بل المشهور كما قيل (3)،أخذاً بظاهر الأمر فإنه حقيقة في الوجوب،و الإطلاق، لعدم إشعار في الأخبار بورودها في الواجب،و هو خيرة الماتن في الشرائع (4).
و لكنه رجع عنه هنا فقال: و هو أي اعتبار المماثلة في المقضي و الأمر به في الأخبار محمول على الأفضل و الاستحباب إلّا أن يكون القرآن الذي خرج منه متعيناً في حقه بوجه من الوجوه كالنذر و شبهه،و تبعه الفاضل في جملة من كتبه (5)،و كثير من المتأخرين (6).
و لا شبهة و لا إشكال في صورة التعيّن و لزوم اعتبار المماثلة فيها؛ لتوافق الأُصول و النصوص فيها،بل و الفتاوي أيضاً،إذ لم ينقل القول بعدم اعتبار المماثلة و جواز القضاء بما شاء مطلقاً إلّا من الحلّي،و هو مع ندرته محمول إطلاق كلامه المحكي على غير المتعين،لغاية بُعد صدور مثل هذا الإطلاق مع مخالفته للأُصول الشرعية من مثله،و لعلّه لهذا نزّله كثير على ما في المتن من التفصيل.
و يشكل الحكم في الصورة الأُخرى؛ لمخالفته إطلاق النصوص
ص:255
المتقدمة،المعتضدة بالشهرة المحكية في كلام جماعة،السليمة عما يصلح للمعارضة سوى الإطلاق المتقدم إليه الإشارة،و لا ريب أن هذه النصوص أظهر دلالةً منه،فلينزّل عليها.
و لا دليل لصرفها عن ظاهرها بالحمل على الاستحباب أو التقييد بالصورة الأُولى،عدا ما في المنتهى من أن الحج إذا لم يكن قضاؤه واجباً فعدم وجوب الكيفية أولى (1).
و غايته نفي الوجوب النفسي،و هو لا يلزم نفي الوجوب الشرطي التقييدي،بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء،و لكن إن قضى فليقضه مماثلاً، و هذا الوجوب أقرب إلى الحقيقة من الاستحباب و التقييد السابقين،فتأمل.
و كيف كان فالقول المزبور إن لم نقل بكونه أظهر فلا ريب أنه أحوط؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية،و خروجاً عن الشبهة.
ثم إن مفروض المتن و أكثر الجماعة،بل نصوص المسألة أيضاً هو خصوص من حج قارناً،دون غيره،إلّا أن بعض الأصحاب عمّم و جعل فرض المسألة بين القوم أعم (2)،فإن تمّ الإجماع على ذلك،و إلّا فينبغي القطع بالرجوع إلى تفصيل المتن في غير القارن،لسلامة الأُصول فيه عن المعارض،بناءً على اختصاص مورد النصوص و الفتاوي الموجبة للتماثل بالقارن،و لا موجب للتعدية كما هو الفرض،و ذلك واضح بحمد اللّه سبحانه.
و اعلم أنه روي في الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة استحباب بعث هدي من أيّ أُفق من الآفاق كان
ص:256
و المواعدة مع المبعوث معه لإشعاره و تقليده،و اجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ الهدي محلّه و أنه لا يلبّي أظهرها دلالةً على ذلك الصحيح:« إنّ علياً(عليه السّلام)و ابن عباس كانا يبعثان هديهما من المدينة ثم يتجرّدان،[و]إن بعثا بهما من أُفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما و إشعارهما يوماً معلوماً،ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم،و يجتنبان كلّ ما يجتنب المحرم، إلّا أنه لا يلبّي إلّا من كان حاجّاً أو معتمراً» (1).
و قريب منه آخر:عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً،قال:« يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه،فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم،فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه،فإنّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة» (2).
لكنه كباقي الأخبار يحتمل الاختصاص بالمصدود و المحصور، لمكان التعليل فيه و إن بَعُد بالإضافة إلى قوله في الصدر:تطوعاً،لقبوله التنزيل على ما يوافق التعليل و يلائمه من الاختصاص بالمصدود،و لا كلام في الحكم فيه و لا في المحصور.
لكن ظاهر متأخري الأصحاب الاتفاق على عمومها للمسألة،بل اختصاصها بها،حيث استدلوا بها للحكم فيها،مدّعين اشتهارها بين الأصحاب،رادّين بذلك على الحلّي حيث أنكر الحكم في المسألة بعد أن
ص:257
نقله عن الشيخ في النهاية،قائلاً بأنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها،و هذه أُمور شرعية يحتاج مثبتها و مدّعيها إلى أدلة شرعية،و لا دلالة من كتاب،و لا سنّة مقطوع بها،و لا إجماع،فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم،و لا يودعونه في تصانيفهم،و إنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه النهاية إيراداً،لا اعتقاداً،لأن الكتاب المذكور كتاب خبر،لا كتاب بحث و نظر،كثيراً ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها،و الأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية (1).
و أول من ردّه الفاضل في المختلف،فقال بعد نقل هذه الأخبار:
و هذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء،فكيف يجعل ذلك شاذاً من غير دليل،و هل هذا إلّا جهل منه بمواقع الأدلة و مدارك أحكام الشرع (2).
و تبعه في ذلك جماعة من المتأخرين (3)،معربين عن الأكثر بأنهم الكليني و الصدوق و القاضي و الشيخ في المبسوط.و هو حسن،إلّا أن تعداد الكليني و الصدوق منهم مبني على ظهور الأخبار عدا الصحيح الأول عندهما في محل البحث،و هو محلّ نظر،و لم يرويا الصحيح الأول الذي هو ظاهر فيه،و روايتهما للأخبار غير معلوم فهمهما منها ما يتعلق بالبحث،فلعلّهما فهما منها ما يختص ببحث الصدّ و الحصر كما مرّ.
و وافقنا على التأمل في دلالة ما عدا الأول على الحكم في محل
ص:258
البحث بعض فضلاء المتأخرين،فقال بعد نقل القول بكون الاجتناب عما يجتنبه المحرم على الوجوب،كما هو ظاهر الشيخ و القاضي،للأمر به في الخبر المتقدم،مع التصريح بتحريمه عليه كما يحرم على المحرم في الصحيح الآخر و قريب منه في السند ما لفظه:و ربما ينازع فيه؛ لعدم وضوح العموم في الروايتين بالنسبة إلى التطوع (1).انتهى.
و هو حسن،إلا أنه يكفي في الوجوب تضمن الصحيح الأول الذي هو نصّ في محل البحث اجتناب عليّ(عليه السّلام)ما يجتنبه المحرم،و هو و إن لم يفد بنفسه الوجوب بالنسبة إلينا،بناءً على عدم وجوب التأسي من أصله، إلّا أن بعد انضمام الأصل من توقيفية العبادة و لزوم الاقتصار فيها على ما ورد به الشريعة يقتضي ذلك،لأن المعهود و المأثور في الصحيحة من فعل عليّ(عليه السّلام)هذه العبادة إنما هو على الكيفية المزبورة المتضمنة لاجتنابه فيها ما يجتنبه المحرم بالكلية.
لكن مفاد هذا التحقيق الوجوب الشرطي،بمعنى أن هذه العبادة لا تؤدّى إلّا بالكيفية المزبورة،لا الشرعي الذي يترتب عليه الكفارة.
و من هنا يظهر وجه النظر فيما يحكى عن ظاهر الشيخ و القاضي في لزوم الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم (2)،و تبعهما الفاضلان هنا و في الشرائع و القواعد (3).
لكن قالا: يكفّر لو أتى بما يكفّر له المحرم استحباباً و لا بأس بقولهما.
ص:259
لا لما قيل من الصحيح (1):إن أبا مراد بعث بدنة و أمر الذي بعثها معه أن يقلّد و يشعر في يوم كذا و كذا،فقلت له:إنه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب،فبعثني إلى أبي عبد اللّه(عليه السّلام)و هو بالحيرة،فقلت له:إن أبا مراد فعل كذا و كذا و أنه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر فقال:« مره فليلبس الثياب و لينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب» (2).
فإنّ غاية ما يستفاد منه على تقدير وروده في محل البحث أن من لبس ثيابه للتقية كفّر ببقرة،و هو مختص باللبس و متضمن للتكفير فيه ببقرة،و لا يقولون به،كما صرّح به جماعة (3)،و مع ذلك فحمله على الاستحباب لا وجه له.
بل للتسامح في أدلة السنن،و الخروج عن شبهة خلاف من أوجبها.
ثم إن مورد العبارة و أكثر الفتاوي و أخبار المسألة إنما هو استحباب بعث الهدي،لا ثمنه.
خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني،فساوى بينهما في ذلك (4)؛ للمرسل:
« ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة» فقيل له:لا يبلغ ذلك أموالنا،فقال:
« أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أُضحيّته و يأمره أن يطوف عنه أُسبوعاً بالبيت و يذبح عنه،فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيّأ
ص:260
للمسجد،فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس» (1).
و فيه نظر؛ إذ الظاهر أن ما تضمّنه صورة أُخرى غير مفروض العبارة و النصوص و الفتاوي،لعدم تضمّنه ما تضمّنته من المواعدة لإشعار الهدي، و لا اجتناب ما يجتنبه المحرم.
و الظاهر أن المراد بالثياب التي أُمر فيه بلبسها يوم عرفة إنما هو ثياب الزينة،كما ورد به في الخروج ليوم العيد و الجمعة (2)،و تقييده بذلك فرع اتحاد الموضوع،و هو مختلف،ففيها الهدي،و في هذا الثمن،و أحدهما غير الآخر،و لذا أفرد الحكم فيه جماعة ممن تأخر عنه (3)،و أفتوا به زيادةً على الأول.و لا بأس به و إن ضعف السند؛ لما مرّ من جواز التسامح في أدلة السنن،مضافاً إلى موافقته العمومات،كما صرّح به جمع (4).
و لذا أفتوا به من غير توقف فيه من جهة السند مع أن ديدنهم المناقشة في الحكم المخالف للأصل إذا لم يصحّ السند.
و اعترض عليه (1)أوّلاً:بأن التقييد بالمحلَّل يفيد عدم تحريم المحرَّم عليه،و هو خلاف ما ذكره من تحريم نحو الثعلب و الأرنب و الضبّ مما يأتي،بل خلاف ما قال غيره،فإنّ الحلبي حرّم قتل جميع الحيوان ما لم يكن حيةً أو عقرباً أو فأرة أو غراباً،و لم يذكر له فداءً.
و ثانياً:أن إطلاق الممتنع يشمل الممتنع بالعرض،فيحرم النعم و الخيل المتوحشة،و ليس كذلك إجماعاً،فكان ينبغي تقييده بالأصالة لئلّا يلزم ذلك،و لا يخرج منه ما استأنس من الحيوان البرّي كالظبي مع تحريم قتله إجماعاً.و هو حسن.
إلّا أنه يمكن الجواب عن الأول بأن حرمة المعدودات لا تنافي تقييد الصيد بالمحلّل،إلّا على فرض أخذ تحريمها من عموم أدلة الصيد.و ليس بواضح؛ لاحتمال أخذه من الأدلة المخصوصة بها كما يأتي إن لم نقل بأنه الظاهر.
نعم،يتوجه عليه أن الصيد لغةً بل و عرفاً حقيقة في الأعم من المحلّل و المحرّم،فلا وجه لتقييده بالأول،فإطلاقه عن القيد كما في الشرائع و جملة من كتب الفاضل (2)أسدّ.
إلّا أن يوجّه التقييد بأن الإطلاق يقتضي دخول نحو الذئب و النمر و الفهد من الحيوانات الممتنعة بالأصالة مع أن قتلها غير محرّم اتفاقاً،كما عن المبسوط و التذكرة (3).
ص:262
أو يقال:إن المتبادر من قوله تعالى: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (1)حرمة أكله،و لا اختصاص لحرمة المحرّم منه بالمحرم.
و كذا قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [2] (2)فإن المحرّمات ليست كذلك مع أصل الحلّ و البراءة.
و في الوجهين نظر:
أما الأول فلأن خروج تلك الأفراد المعدودة من المحرّم بالإجماع المنقول المتقدم غايته خروجها خاصة،لا كلّ ما ليس بمحلَّل،و لا التجوز بلفظ الصيد في خصوص المحلّل،فإنّ التخصيص خير من المجاز،و لا موجب لإخراج ما ليس لإخراجه دليل من نص أو إجماع،لاختصاصهما فيما وصل إلينا بما مرّ من تلك الأفراد،هذا.
مع أن الإجماع المنقول عن المبسوط فيما وصل إلينا من عبارته إنما هو على نفي الكفارة و الجزاء في تلك الأفراد،لا انتفاء التحريم،و أحدهما غير الآخر،و لا دليل على التلازم بينهما،كما لا تلازم بين لزوم الكفارة بقتل حيوان و كون وجهه كونه صيداً.
و منه يظهر ما في تعريف بعضهم الصيد هنا بما في المتن،و زيادة قوله:و من المحرّم الثعلب و الأرنب و الضبّ و اليربوع و القنفذ و القمل و الزنبور و القطاة (3).فإن حرمة قتل هذه المحرّمات عليه لم يبيّن كونه من عموم أدلة حرمة الصيد،و لا موجب لتوهم ذلك غير لزوم الكفارة على قتلها،و قد عرفت أنه أعم من جهة الصيد.
ص:263
و أما الثاني فلمنع التبادر أوّلاً،و إلّا لاختصت الآية بإثبات تحريم أكل الصيد،لا قتله،و هو بعيد جدّاً،بل مخالف لفهم الكل قطعاً.
و ثانياً بأن غاية ذلك اختصاص تلك الآية بالمحلَّل،و هو لا يوجب تقييد إطلاق الآية الأُخرى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ [1] (1)و ما ضاهاها من إطلاق الأخبار و غيرها.
و بالجملة:فترك التقييد بالمحلَّل وفاقاً لمن مرّ أسدّ.
و يؤيده الخبر في تفسير الآية الأخيرة عند قوله وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [2] قال:« إنّ رجلاً انطلق و هو محرم،فأخذ ثعلباً،فجعل يقرب النار إلى وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من استه،و جعل أصحابه ينهونه عما يصنع،ثم أرسله بعد ذلك،فبينما الرجل نائم إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب،ثم خلّت» (2).
و هو كالنص في عموم الآية للثعلب،و لا قائل بالفرق.
و أما قول الحلبي فلا دخل له بأحد التعريفين كإخباره- (3)إن ابقي على ظاهره من تحريم مطلق الحيوان،بل هو قول شاذ مخالف للنص و الإجماع،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (4).و إن قيّد بإرادته الحيوان البرّي كالأخبار رجع إلى ما قلناه من عموم الصيد للمحرّم فيؤيده،مع أنه حكي عن الراوندي أنه مذهبنا (5)،معرباً عن دعوى الإجماع،هذا.
ص:264
و الإنصاف أن ظاهر سياق الآية الأخيرة يفيد التلازم بين حرمة قتل الصيد و لزوم الكفارة،و أنه مسبّب عنها،و كذلك ظاهر الأخبار الكثيرة المعتبرة،كالصحيح:« لا تستحلنّ شيئاً من الصيد و أنت حرام[و لا و أنت حلال في الحرم]و لا تدلّنّ عليه محلّاً و لا محرماً فيصطاده،و لا تُشر إليه فيستحل من أجلك،فإن فيه الفداء لمن تعمّده» (1).
و الصحيح:« المحرم لا يدلّ على الصيد،فإن دلّ فعليه الفداء» (2).
و هذا التلازم لا يتم إلّا على تقدير تخصيص الصيد بالمحلّل منه،فإنه الذي وقع الإجماع نصّاً و فتوى على التلازم فيه كلياً دون غيره،فلم يثبت فيه التلازم كذلك،بل صرّح الشيخ في المبسوط بأنه لا خلاف يعني بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في مثل الحيّة و العقرب و الفأرة و الغراب و الحدأة و الذئب و الكلب،و أنه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحو ذلك،و السباع من البهائم كالأسد و النمر و الفهد و غير ذلك.
و قال في مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه و ما لا يجب فيه ذلك كالسبع،و هو المتولد بين الضبع و الذئب،و المتولد بين الحمار الأهلي و حمار الوحش:يجب الجزاء فيه عند من خالفنا،و لا نصّ لأصحابنا فيه.
و الأولى أن نقول لا جزاء فيه؛ لأنه لا دليل عليه،و الأصل براءة الذمة (3).
انتهى.
ص:265
فلو كان صيد هذه الأنواع المحرّمة محرّماً للزم فيه الفداء بمقتضى ما مرّ من التلازم الظاهر من الآية و الأخبار،و التالي باطل،لما عرفت من الإجماع،فتعيّن أن المراد بالصيد المحرَّم عليه إنما هو المحلَّل منه،دون المحرَّم،و إلّا للزم إما الفداء فيه مطلقاً،و هو خلاف الإجماع كما مضى،أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية و الأخبار كما قدّمنا،و لا سبيل إليه أيضاً،فإنّ تخصيص الصيد فيهما بالمحلَّل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما،سيّما و أنّ التخصيص و لو في الجملة لو عمّم الصيد للمحرّم لازم أيضاً قطعاً.
فما ذكره الماتن من التعريف هنا أقوى،و لا يحتاج إلى إدخال نحو الثعلب و الأرنب في الصيد،و لا إلى استثنائها من القصر المستفاد من التعريف و إن وقع في الدروس (1)،لابتنائهما على كون تحريم قتلها لكونها صيداً،و فيه ما مضى.
بقي الكلام في الخبر الذي مرّ في تفسير الآية و تضمنه الثعلب، و إشعار عبارة الراوندي بدعوى الإجماع على عموم الصيد للمحرَّم.
و يمكن الجواب عنهما:فالأول بضعف السند (2).و الثاني بالوهن بمعارضته بدعوى كون التخصيص مذهب الأكثر،و بعد التعارض يبقى العموم في الصيد للمحرَّم بعد ما قدّمناه بلا مستند.
فإذاً التخصيص بالمحلَّل هو المعتمد.
و إذا تمهّد ذلك فاعلم أنه لا يحرم صيد البحر بالكتاب و السنّة المستفيضة و الإجماع و هو ما يبيض و يفرخ بضم حرف
ص:266
المضارعة و كسر العين،أو فتح الفاء و تشديد الراء في الماء معاً، بالإجماع و الصحاح.
منها:« السمك لا بأس بأكله طريّه و مالحة و يتزود،قال اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ [1] (1)» قال:« فليختر الذين يأكلون» و قال:« فصّل ما بينهما:كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ،و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» (2).
و في حكم البيض و الإفراخ التوالد.
ثم الاعتبار بذلك إنما يفتقر إليه فيما يعيش في البرّ و البحر معاً،و إلّا فما يعيش في الأول منه البتة،كما في الصحيح:« مرّ عليّ(عليه السّلام)على قوم يأكلون جراداً،فقال:سبحان اللّه و أنتم محرمون؟!فقالوا:إنما هو من صيد البحر،فقال:ارموه في الماء إذاً» (3).
و ما لا يعيش فيه من الثاني البتة.
و المراد بالبحر ما يعمّ النهر بلا خلاف كما عن التبيان،فقال:لأن العرب يسمّي النهر بحراً،و منه قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [2] (4).و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحاً،لكن إذا أُطلق
ص:267
دخل فيه الأنهار بلا خلاف (1).
و لا الدجاج الحبشي و يسمّى السندي و الغِرغِر،بإجماعنا الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (2)؛ للصحاح المستفيضة:
منها:إنه:« ليس من الصيد،إنما الطير ما طار بين الأرض و السماء و صفّ» (3).و في بعضها:« لأنها لا تستقلّ بالطيران» (4).
قيل:و حرّمه الشافعي لأنه وحشي يمتنع بالطيران و إن كان يألف البيوت،و هو الدجاج البرّي،قريب من الأهلي في الشكل و اللون،يسكن في الغالب سواحل البحر،و هو كثير ببلاد المغرب يأوي مواضع الطرفاء و يبيض فيها،و يخرج فراخه كيّسة كاسبة تلقط الحبّ من ساعتها كفراخ الأهلي.و قال الزهري:كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة من أعتى الناس على اللّه تعالى،فقالوا قولاً لم يقله أحد،فعاقبهم اللّه تعالى بعقوبة ترونها الآن بأعينكم،جعل رجالهم القردة،و بُرّهم الذرّة،و كلابهم الأسود، و رمّانهم الحنظل (5)،و عنبهم الأراك،و جوزهم السرو (6)،و دجاجهم الغرغر و هو دجاج الحبش لا ينتفع بلحمه لرائحته،و قال في التهذيب:لاغتذائه بالعذرة (7).
و لا بأس بقتل الحية بأقسامها و العقرب و الفأرة إذا خاف منها
ص:268
على نفسه،و كذا كل ما يخاف منه عليها،إجماعاً فتوًى،و نصّاً مستفيضاً:
ففي الصحيح:« كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله،و إن لم يردك فلا ترده» (1).
و نحوه غيره:« يقتل المحرم كلّ ما خشيه على نفسه» (2).
و في آخر:« كل شيء أرادك فاقتله» (3).
و كذا إذا لم يخف منها على الأظهر الأشهر فتوًى،بل عن المبسوط اتفاق الأُمة (4)،و عن الغنية إجماع الطائفة (5)؛ للأصل،بناءً على اختصاص الصيد المحرَّم عليه بالمحلَّل كما هو المختار،و إطلاق نحو الصحيح:« يقتل في المحرم و الإحرام الأفعى،و الأسود العذر،و كل حية[سوء]و العقرب، و الفأرة و هو الفويسقة،و يرجم الغراب و الحدأة رجماً» (6).
و أظهر منه الخبر:عن المحرم و ما يقتل من الدواب،فقال:« يقتل الأسود و الأفعى و الفأرة و العقرب و كلّ حية،و إن أرادك السبع فاقتله،و إن لم يردك فلا تقتله،و الكلب العقور إذا أرادك فاقتله،و لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة،و إن عرض له اللصوص امتنع منهم» (7).و قريب منه آخر (8).
ص:269
و ضعف سندهما منجبر بعمل الأكثر.و هما كالنص في الإطلاق،و إلّا لما خصّ فيهما المنع عن القتل مع عدم الإرادة بالسبع و نحوه و يطلق فيما عداه.
خلافاً للمحكي عن السرائر،فلم يجوّز قتلها حينئذ (1)؛ و لعلّه للصحيح الأول،حيث جعل فيه الحيّات كالسباع في المنع عن قتلها إذا لم ترده.
و نحوه الصحيح الآخر:« اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة،فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت،و أما العقرب فإن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)مدّ يده إلى الحجر فلسعته فقال:لعنك اللّه لا برّاً تدعينه و لا فاجراً،و الحية إن أرادتك فاقتلها و إن لم تردك فلا تردها، و الأسود العذر فاقتله على كل حال،و ارم الغراب و الحدأة رمياً على ظهر بعيرك» (2).
و فيه نظر؛ لعدم مقاومتهما لما تقدم من وجوه شتّى،فليطرحها،أو يؤوّلا بإرجاع الضمير في قوله في الصحيح الأول:« و إن لم يردك فلا ترده» إلى خصوص السباع دون الحيّات،أو يحمل النهي على مطلق المرجوحية الشاملة للكراهة.
و كذلك الصحيحة الأخيرة.و هذا الحمل فيها أقرب من تقييد إطلاق قتل هذه الأفراد في صدرها بما إذا إرادته؛ لما مرّ،مضافاً إلى أنها صريحة في جواز قتل العذر الأسود على كل حال،و حيث إنه لم يقل بهذا التفصيل
ص:270
في الحيّات أحد يلزم إما اطراحها رأساً،و ليس بجائز مع إمكان الحمل على الصحيح و أقرب المجازات،فتعيّن حمل النهي فيما عدا الأسود العذر على الكراهة،و لا ريب فيها فتوًى و نصاً.
فهذا الصحيح أقوى دليل على الجواز و لو مع الكراهة كما قلنا.
و يستفاد منه و من الصحيح السابق جواز رمي الغراب بأقسامه و الحدأة مطلقاً في الحرم و غيره،مع الإحرام و لا معه،و عن ظهر البعير و غيره،كما هو مقتضى إطلاق الصحيح السابق و العبارة هنا و في الشرائع و عن النهاية و الجامع (1).
و لكن الصحيح الأخير مختصّ بالرمي عن ظهر البعير،كما عن المقنع (2)،فإن أراد تخصيص الجواز به فلا وجه له؛ لإطلاق الصحيح السابق،و عدم إفادة غيره التخصيص ليجمع بينهما به.و إلّا فلا بأس به.
ثم إن مقتضى الروايتين عدم جواز قتلهما إلّا أن يُفضي الرمي إليه.
خلافاً للمحكي عن المبسوط فجوّزه مطلقاً (3)،و هو ضعيف.
و جواز رمي الغراب مطلقاً.خلافاً للمحقّق الثاني،فقيّده بالمحرَّم منه الذي هو من الفواسق الخمس،دون المحلَّل؛ لأنه محترم لا يعدّ من الفواسق (4).
و لا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقاً؛ لإطلاق ما دلّ على حرمة الصيد من الكتاب و السنّة المتواترة الشامل لما حلّ من الغراب،و تقييده بما
ص:271
عدا الغراب بهذين الصحيحين و إن أمكن،لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلَّل.
و ذلك فإن التعارض بينهما و بين نحو الكتاب تعارض العموم و الخصوص من وجه؛ لأن نحو الكتاب و إن كان عاما للغراب المحلَّل و غيره،إلّا أنه خاص بالإضافة إلى تحريم الصيد المحلَّل،بناءً على فرض اختصاصه بالمحلَّل كما هو المختار و قد تقدم.و الروايتين و إن كانتا خاصتين بالغراب،لكنه فيهما أعم من المحلّل منه و المحرّم.
فكما يمكن تقييد إطلاق الصيد بما عدا الغراب مطلقاً حتى المحلَّل، كذا يمكن تقييد الغراب في الصحيحين بالمحرَّم منه.و الترجيح لهذا؛ لقطعيّة الكتاب و نحوه،مضافاً إلى إشعار التعليلين في الصحيحة الأخيرة لإباحة القتل و في غيرها بالتقييد أيضاً،فتدبر.
و الجمع السابق فرع عدم القول بتحريم الغراب مطلقاً،و لكنه كما سيأتي خلاف التحقيق،و أن الأصح تحريمه مطلقاً.و عليه فالأظهر إباحة رمي الغراب مطلقاً؛ لعدم التعارض بين الأدلة السابقة،لأن النسبة بينهما التباين الكلّي،فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر.
هذا مضافاً إلى إمكان التأمل في دعوى كون التعارض بين الكتاب و الصحيحين من تعارض العموم و الخصوص من وجه،بل النسبة بينهما إما التباين الكلي،أو العموم و الخصوص مطلقاً،الأول في الكتاب،و الثاني فيهما،فتدبر و تأمل.
و لا كفارة واجبة في قتل شيء من السباع عدا الأسد،
ص:272
مطلقاً بلا خلاف،و كذا فيه إذا أراده،و عن المنتهى و الشيخ (1)عليه الإجماع،و فيما إذا لم يرده خلاف.و الأصح العدم،وفاقاً للأكثر على الظاهر،المصرَّح به في كلام بعض من تأخر (2)؛ للأصل،مضافاً إلى الإجماع المنقول عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط و التذكرة (3)،السليم جميع ذلك عما يصلح للمعارضة حتى الكتاب و السنة المتواترة الدالة على حرمة قتل الصيد و إيجابه الكفارة،بناءً على المختار من اختصاصه بالمحلّل،فلا يشمل محلّ الفرض،و لا معارض له آخر غير ما أشار إليه بقوله:
و روى في قتل الأسد كبش إذا لم يرده و هذه الرواية مع شهادته عليها بأنه فيها ضعف لم نقف عليها في شيء من كتب الأخبار،و لا نقله ناقل في شيء ممّا وقفت عليه من كتب الاستدلال.
نعم،روى الكليني و الشيخ عن أبي سعيد المكاري:قال:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):رجل قتل أسداً في الحرم،فقال(عليه السّلام):« عليه كبش يذبحه» (4).
و هو مع اختصاصه بالقتل بالحرم فيه ضعف أيضاً سنداً بمن ترى، فليطرح،أو يحمل على الاستحباب،و مع ذلك فهو مطلق لا تقييد فيه بعدم الإرادة،و لا موجب لتقييده بها عدا ما مرّ من الصحاح المفصّلة بين صورة الإرادة فجوّز القتل،و عدمها فنهى،لكنه مع عدم اختصاصه بالأسد
ص:273
و عمومه لباقي السباع و لا قائل بحكمه فيها مطلقاً مورده إباحة القتل و النهي،و لا ملازمة بينه و بين الكفارة هنا،سيّما خصوص نوع هذه الكفارة.
فالقول بمضمونه كما عن والد الصدوق و ابن حمزة (1)لا وجه له، سيّما و قد تعدّيا عن مورده الذي هو القتل في الحرم إلى مسألتنا هنا،فتأمل جدّاً.
نعم في الرضوي:« و لا بأس للمحرم أن يقتل الحيّة و العقرب و الفأرة،و لا بأس برمي الحدأة،و إن كان الصيد أسداً ذبحت كبشاً» (2)و لا ريب أنه أحوط.
بقي الكلام في حرمة قتله،و لا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة.
و يشكل فيها على القول بالعدم،من الأصل،بناءً على المختار من اختصاص الصيد المحرَّم في الكتاب و السنّة بالمحلَّل،و من ورود النهي عن قتله إذا لم يرده فيما مرّ من الصحيح و غيره،لكنه فيهما يعمّ الأسد و غيره، و لم أعثر بقائله،مضافاً إلى ورود مثله في الحيّة،و قد عرفت أنه محمول على الكراهة،فالقول بها أيضاً هنا لا يخلو عن قوة،سيّما و أن ظاهر جماعة التلازم هنا بين نفي الكفارة و ثبوت إباحة القتل،و بالعكس، كالفاضل في المنتهى و المختلف و غيره (3).
و أما العبارة فمساقها يحتمل القول بالإباحة و بالحرمة،و كأنه في الأخير أظهر دلالةً كما لا يخفى على من تدبّره.و تحتمل ثالثاً و هو التوقف
ص:274
بينهما،و لا ريب أنه بحسب العمل بل الفتوى لعموم الصحيح السابق الناهي عن قتل الدواب إلّا ما مضى أحوط و أولى.
و لا كفارة واجبة أيضاً في قتل الزنبور واحداً أو متعدّداً و لو كثيراً إذا كان خطأً على الأقوى،وفاقاً للماتن و جماعة (1)؛ للأصل،مع اختصاص الصيد المتساوي عمده و خطاؤه في لزوم الكفارة بالمحلَّل كما مرّ،و لعلّه لهذا تعرّض الماتن لنفي الكفارة هنا،تنبيهاً على أن لزومها في العمد ليس لكونه صيداً.
خلافاً لعبائر كثير من القدماء (2)،فأطلقوا التكفير في قتله،بحيث يشمل الخطأ؛ و لعلّه بناءً على كونه صيداً.
و يضعّفه مضافاً إلى ما مضى خصوص الصحاح هنا:عن محرم قتل زنبوراً،قال:« إن كان خطأ فليس عليه شيء» قلت:فالعمد؟قال:
« يطعم شيئاً من طعام» (3).
و يستفاد منها أن في قتله عمداً صدقة بشيء من طعام كما أفتى به الماتن هنا و جماعة (4)،و أطلق الشيء في النهاية (5).
و بدّله في الشرائع بصدقة و لو بكفّ من طعام (6)،و في القواعد بكفّ
ص:275
من طعام و شبهه (1)،و عن السرائر و التلخيص (2)بتمرة.
و اكتفي بكفّ من طعام في المحكي عن المقنع و الفقيه و الغنية و الكافي و الجامع (3)؛ للرضوي (4).و في مقاومته لما سبق ضعف.
فالأصح ما في المتن،مع خلوّ ما عدا الأخير من المستند،إلّا ما ربما يقال من أن القول بتمر لكونه من الطعام،و أنه ليس خيراً من جراد (5).
و فيهما ضعف،سيّما في مقابلة النص.
و مورده كالمتن الزنبور الواحد،فالمتعدد و الكثير خالٍ عن النص، فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل،فيحتمل إلحاقهما بالواحد في كفارته إن لم يثبت بالأصل الزيادة عليها.
و هنا أقوال أُخر،منها:لزوم صاع في المتعدد كما عن الحلبي (6)، و شاة في الكثير منه،كما عنه و عن الغنية و المهذّب و التلخيص (7).
أو مدّ من طعام أو تمر أو شبهه كما عن المقنعة و جعل العلم و العمل و التحرير (8).
ص:276
و نحوه عن المراسم (1)،إلّا في مدّ من طعام فلم يذكر فيه.
و لا مستند لشيء من هذه الأقوال،إلّا ما ربما يقال من أن إيجاب الشاة لكثيره للحمل على الجراد،و إيجاب المدّ أو الصاع لضمّ فداء بعضه إلى بعض (2)،و فيهما كما ترى ضعف.
ثم إن ظاهر وجوب التكفير تحريم تعمّد القتل،خلافاً للمبسوط، فصرّح بالجواز،و أنه يكفّر بعد القتل بما استطاع (3)؛ و لعلّه للأصل،و كونه من المؤذيات،مضافاً إلى الخبرين.
في أحدهما:« يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود العذر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه» (4).
و في الثاني المروي عن قرب الإسناد للحميري:« يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره،و يقتل الزنبور و العقرب و النسر و الذئب و الأسد،و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور» (5).
و لا ينافي الجواز وجوب الكفارة،كما في وجوبها في قتل الصيد خطأ.
و هو حسن إن نمنع ظهور لزوم الكفارة في الحرمة،و هو مشكل، و التخلف في بعض الأفراد لا ينافي الظهور.
و حيث ثبت يمكن دفع الأصل بما مرّ من التكفير الظاهر في المنع
ص:277
كما مرّ.
و عن الخبرين بضعف السند،مع احتمال تنزيلهما على جواز القتل في صورة الخوف منه و إرادته له،و لا ريب في الجواز حينئذ كما مرّ، مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا،و فيه بعد نحو ما مرّ في الصحاح من الأمر بالتكفير بشيء من الطعام في صورة العمد:قلت:إنه أرادني،قال:
« كل شيء أرادك فاقتله» (1).
و بهما يقيّد إطلاق المتن و نحوه و ما مرّ من النص بصورة عدم الإرادة و انتفاء الخوف منه.
و يجوز شراء القَماريّ جمع قمرية بالضم:ضرب من الحمام، و القمرة بالضم:لون إلى الخضرة أو الحمرة فيه كدرة.
والدباسيّ من الدبس بالضم:جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد و الحمرة،و منه الدُّبسيّ لطائر أدكن يقرقر،كما عن القاموس (2).
و إخراجها من مكة شرّفها اللّه سبحانه،على كراهية لا ذبحها و [أو] أكلها.
اتّفاقاً في الحكم الأخير فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّةً من غير معارض.
و وفاقاً للنهاية و المبسوط (3)في الأولين؛ للصحيح:عن شراء القَماريّ تُخرَج من مكة و المدينة،قال:« ما أُحبّ أن يُخرَج[منهما (4)]شيء» (5).
ص:278
و هو مع اختصاصه بالقماري غير صريح في الجواز،بل ظاهر جماعة كالشيخ في التهذيب و غيره (1)دلالته على التحريم.
و لعلّه لدوران الأمر فيه بين إبقاء لفظ« لا أُحبّ» على ظاهره من الكراهة،و تخصيص الشيء المنفي في سياق النفي بخصوص القماري أو الدباسي أيضاً؛ و بين إبقاء العموم بحاله،و صرف« لا أُحبّ» عن ظاهره إلى التحريم،أو الأعم منه و من الكراهة.
و الأول خلاف التحقيق و إن كان التخصيص أولى من المجاز،بناءً على اختصاص الأولوية بالتخصيص المقبول،و هو ما بقي من العام بعده أكثر أفراده،و ليس هنا كذلك،فاختيار الثاني لازم.
هذا إن سلّم ظهور« لا أُحب» في الكراهة،و إلّا فهو أعم منها و من الحرمة لغةً،لكن مقتضى هذا عدم دلالته على التحريم أيضاً.
و التحقيق:أن هذه الرواية مجملة لا تصلح أن تتخذ لشيء من القولين حجة.
و حينئذ فالأصل في المسألة عدم الجواز؛ لعمومات حرمة الصيد كتاباً و سنّةً،كما عليه جماعة (2)،تبعاً للحلّي (3)،و لكن مورد عبارته المنع عن الإخراج عن الحرم خاصة،و مورد النص الإخراج من مكة،و أحدهما غير الآخر فلا تنافي،كذا قيل (4).
و فيه نظر؛ لمنع اختصاص النص بمكة،فإن مورد السؤال الذي
ص:279
ينطبق عليه الجواب هو الإخراج منها و من المدينة بمقتضى الواو المفيدة للجمعية في الحكم،الذي هو هنا الإخراج،و الإخراج منهما معاً يستلزم الإخراج من الحرم.
ثم لو سلّم نقول:إنه جوّز فيه الإخراج عن مكة من غير تقييد بما إذا لم يخرج عن الحرم بعد عموم السؤال له و انطباق الجواب عليه بقاعدة ترك الاستفصال،فالرواية و إن لم تكن ناصّة بالجواز في الحرم لكنها ظاهرة فيه أيضاً،فيتحقق التعارض و التنافي كما فهمه سائر الأصحاب،حيث ذكروا الحلّي مخالفاً للشيخ هنا و خالفوه،أو وافقوه و هو الأقوى.
و أنما يحرم على المحرم صيد البرّ دون البحر كما مرّ.
و ينقسم باعتبار لزوم الكفارة و بدلها إلى قسمين :
الأول: ما لكفارته بدل على الخصوص و هو على ما ذكروه (1) خمسة:
مع أنه قيل:لا مخالفة بينه و بين الأدلة،و لا بين القولين كما يظهر من المختلف،وفاقاً للتذكرة و المنتهى و غيرهما؛ إذ لا فرق بين الجزور و البدنة،غير أن البدنة ما يحرز للهدي و الجزور أعم،و هما يعمّان الذكر و الأُنثى،كما في العين و النهاية الأثيرية و تهذيب الأسماء للنووي و في التحرير له و المعرب و المغرب في البدنة.
و خصّت في الصحاح و الديوان و المحيط و شمس العلوم بالناقة و البقرة.
لكن عبارة العين كذا:البدنة ناقة أو بقرة،الذكر و الأُنثى فيه سواء، يهدى إلى مكة.فهو مع تفسيره بالناقة و البقرة نصّ على التعميم للذكر و الأُنثى،فقد يكون أُولئك لا يخصّونها بالأُنثى،و إنما اقتصروا على الناقة و البقرة تمثيلاً،و إنما أرادوا تعميمها للجنسين ردّاً على من يخصّها بالإبل، و هو الوجه عندنا.
و يدلّ عليه قوله تعالى فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها [1] (1)قال الزمخشري:
و هي الإبل خاصة؛ و لأن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)ألحق البقرة بالإبل حين قال:
البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة،فجعل البقرة في حكم الإبل،صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة و أصحابه،و إلّا فالبدن هي الإبل،و عليه تدل الآية (2).انتهى.
أقول:و جملة ما ذكر حسن،إلّا أن ما ادّعاه من ظهور الاتحاد و عدم المخالفة بين الروايات و القولين من المختلف محل نظر،بل الذي وقفنا
ص:281
عليه من عبارته يفيد العكس (1).
و يدلُّ على ما ادّعاه من كون التخصيص بالإبل هو الوجه عندنا مضافاً إلى ما ذكره مقابلة البقر للبدنة في أخبارنا،ففي الصحيح:في قول اللّه عز و جل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [1] (2)قال:« في النعامة بدنة، و في حمار الوحش بقرة،و في الظبي شاة،و في البقر بقرة» (3).
هذا،و يؤيِّد عموم البدنة للذكر و الأُنثى كما ذكره ما في المصباح المنير من أنه قالوا:و إذا أُطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير،الذكر كان أو الأُنثى (4).
و ربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الإطلاق ليس من جهة الوضع اللغوي و إنما هو اصطلاح المتشرعة.
لكن في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة:و إنما سمّيت بذلك لعظم بدنها و سمنها،و تقع على الجمل و الناقة عند جمهور أهل اللغة و بعض الفقهاء (5).
أقول:و يعضده ما تقدّم.
و كيف كان،فلا ريب أن اختيار الأُنثى مع الإمكان أحوط و أولى و إن كان إجزاء الذكر أيضاً أقوى.
ثم لمّا كانت البدنة اسماً لما تهدى اعتبر في مفهومها السنّ المعتبر في الهدي.
ص:282
و مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوي إجزاء البدنة مطلقاً،سواء وافقت النعامة و ماثلتها في الصغر و الكبر و غيرهما،أم لا.خلافاً للمنقول عن التذكرة،فاعتبر المماثلة بين الصيد و فدائه،ففي الصغير إبل في سنّه،و في الكبير كذلك،و في الذكر ذكر،و في الأُنثى أُنثى (1).
و لم نقف على دليله،سوى إطلاق الآية باعتبار المماثلة،و لا ريب أنه أحوط و إن كان في تعيّنه نظر.
فإن لم يجد البدنة و عجز عنها فضّ ثمن البدنة بعد تقويمها قيمة عادلة على البُرّ كما في عبائر جمع (2)،أو الطعام المطلق،كما في عبائر آخرين (3)و النصوص (4).و هو الأظهر و إن كان الأول أحوط؛ أخذاً بالمتيقن.
و أطعم ستين مسكيناً كلّ مسكين مدّين على الأشهر،كما في كلام جمع (5)و الصحيح (6)،أو مدّاً،كما في كلام آخرين (7)و كثير من
ص:283
النصوص (1)،و فيها الصحيح و غيره.و هو أظهر؛ حملاً للظاهر على النص.
و عليه يحمل أيضاً ما أُطلق فيه الإطعام من الفتاوي و النصوص و إن كان فيهما الصحيح و غيره،حملَ المطلق على المقيّد.
و لا يلزمه إنفاق ما زاد من قيمتها عن ستين مسكيناً،بل له الزائد و لا ما زاد عن قيمتها إن نقصت عن الوفاء بالستين بلا خلاف،إلّا ممن أطلق إطعام الستين،تبعاً لإطلاق ما مرّ من النصوص.
و فيه:أنه يجب تقييده بنحو الصحيح:« عليه بدنة،فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً،فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستين مسكيناً،و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة» (2).
و عن الخلاف الإجماع على نفي وجوب الزائد (3).
و من الحلبيين،فأطلقا أنّ من لم يجد البدنة تصدّق بقيمتها (4)؛ للصحيح:« عِدل الهدي ما بلغ يتصدّق به» (5)و يجوز تنزيله على الأول كما في كلام جمع (6).
و أما الموثق فيمن عليه بدنة واجبة في فداء:« إذا لم يجد بدنة فسبع شياه» (7)فشاذّ لم أر قائلاً به،و به صرّح بعض الأصحاب.
ص:284
فإن لم يجد ثمنها ليطعم صام عن كل مدّين أو مدّ يوماً على الأظهر الأشهر،بل في صريح الغنية (1)،و ظاهر التبيان و كنز العرفان و غيرهما (2):الإجماع عليه؛ للصحيحين و غيرهما:« فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً» (3)كما في أحدهما.
و في الثاني:« فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ،لكل طعام مسكين يوماً» (4).
خلافاً للعماني و الصدوق (5)،فثمانية عشر يوماً مطلقاً (6)؛ للصحاح و غيرها (7):فإن لم يقدر على أن يتصدّق فليصم ثمانية عشر يوماً.
و هو حسن لولا الأخبار الأوّلة المصرِّحة بصوم الستين بعد العجز عن الصدقة،المعتضدة زيادةً على الشهرة بالإجماعات المنقولة و الاحتياط اللازم في الشريعة،بناءً على أن الجمع بين الأخبار يمكن بأحد وجهين:
حمل الأخبار السابقة على الفضيلة و الأخيرة على الإجزاء،أو تقييد هذه بما إذا عجز عن صوم الستين و السابقة على ما إذا قدر عليه،و بعد تعارض الحملين و تساويهما يجب الأخذ بما يحصل به البراءة اليقينية،للإجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشيء من الصوم في الجملة بعد العجز عن
ص:285
الصدقة.
هذا على تقدير القول بتساوي الحملين،و إلّا فالظاهر رجحان الثاني، لأنه من قبيل التقييد و الأول من قبيل المجاز،و إذا تعارضا فالأول أولى، و بالترجيح أحرى،على الأشهر الأقوى،سيّما مع اعتضاده هنا بالشهرة و غيرها.
و من هنا يتّضح المستند لقوله: فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً و محصّله الجمع بين النصوص،مضافاً إلى أن في صريح الغنية و ظاهر الكنز الإجماع (1).
و اعلم أنه لو انكسر البُرّ عن القدر الذي يجب دفعه إلى كل مسكين دفع ذلك إليه و صام عن الناقص يوماً،بلا خلاف يعلم،كما في التذكرة و المنتهى (2)،مشعرين بدعوى الإجماع.
و هو الحجة إن تمّ،لا ما قيل من أن صيام اليوم لا يتبعّض،و السقوط غير ممكن؛ لشغل الذمة،فيجب كمال اليوم (3).فإنه مع ما فيه من النظر يدفعه أن مقتضى النصوص أن صيام اليوم إنما يجب بدلاً عن نصف الصاع،و هو غير متحقق هنا.
و لا يصام عن الزائد على الشهرين لو كان؛ للأصل،و النص:« فإذا زادت الأمداد على الشهرين فليس عليه أكثر منه» (4).
و في الغنية الإجماع (5).
ص:286
و لا الناقص عنهما إن نقص البدل،وفاقاً لظاهر الأكثر و صريح جمع (1)؛ للأصل،و ظاهر الأخبار.
خلافاً لآخرين (2)،فيصوم الستين مطلقاً.و هو أحوط و أولى و إن كان الأول أقوى.
و لو عجز عن الستين فهل يجب الثمانية عشر و يكفي مطلقاً،أم بشرط العجز عن الزائد عنها و إلّا فيجب الزائد أيضاً؟وجهان،و لعلّ الأول أقوى و إن كان الثاني أحوط و أولى.
و لو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر فأقوى الاحتمالات السقوط و إن كان الأحوط وجوب ما قدر و لو زائداً عن التسعة،و بين الاحتمالين صومها خاصة،و جعله في القواعد أقواها (3)
الثاني:في بقرة الوحش بقرة أهلية بلا خلاف فتوًى و روايةً، و هي صحاح مستفيضة معتضدة بعد ظاهر الكتاب بأخبار أُخر معتبرة (4).
فإن لم يجد ها فضّ ثمنها على الطعام و أطعم ثلاثين مسكيناً، كل مسكين مدّين كما في الصحاح،و إن اختلفت كالفتاوي في التقدير بمدّ كما في الصحيح (5)،أو مدّين كما في الصحيحين (6).و الأول أقرب،
ص:287
و يحمل الثاني على الفضل كما مرّ.
و إن كانت قيمة البقرة أقلّ من ذلك اقتصر على قيمتها كما يستفاد من الصحيح.و كذا لو زادت عنه لم يجب عليه الزيادة،كما يستفاد من غيره من الصحاح (1).
و لا خلاف في شيء من ذلك أجده إلّا فيما عرفته.
فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً للصحيحين و غيرهما الآمرة بالصيام عن كل مسكين يوماً بعد العجز عن الصدقة:
ففي أحدهما (2)و المرسل كالموثق (3):عن قول اللّه تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [1] (4)قال:« عدل الهدي ما بلغ يتصدق به،فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوماً» .و في الثاني:« فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوماً» (5).
فإن عجز عن الصيام كذلك صام تسعة أيام للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (6)،لكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن الصدقة،كما عليه جماعة (7)،و لكنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل،
ص:288
وفاقاً للأكثر،و في الغنية الإجماع (1)،جمعاً بين الأدلة،و إن أمكن الجمع بينها بحمل الأخبار الأوّلة على الفضيلة،و لكن ما اخترناه من الجمع أولى، لما عرفته في النعامة.و يأتي في هذه المسألة ما قد عرفته ثمة من الفروعات المناسبة.
و كذا الحكم في حمار الوحش فيلزم فيه البقرة،و مع العجز عنها فإطعام ثلاثين مسكيناً،و مع العجز عنه فالصوم كذلك،و مع العجز عنه فصوم تسعة أيام على الأظهر الأشهر بل في الغنية الإجماع (2)؛ للنصوص المستفيضة و فيها الصحيح و غيره (3).
خلافاً للمقنع فبدنة (4)؛ للصحاح (5).
و للإسكافي فخيّر بينهما (6)،و وافقه جماعة من متأخري المتأخرين جمعاً (7).
و فيه:أنه فرع التكافؤ،و ليس؛ لرجحان الأوّلة بكثرة العدد و الاعتضاد بالشهرة و حكاية الإجماع المتقدمة؛ مضافاً إلى ضعف دلالة الأخيرة باحتمال البدنة فيها الحمل على البقرة،لما عرفته من عموم البدنة للبقرة
ص:289
عند جماعة من اللغويين و الحنفية (1)،كذا قيل (2).و فيه مناقشة.
الثالث:الظبي،و فيه شاة بالكتاب (3)و السنّة (4)و الإجماع.
فإن لم يجد ها فضّ ثمن الشاة على البُرّ بل مطلق الطعام و أطعم عشرة مساكين كل مسكين مدّين على الأشهر،و مدّاً على الأظهر.
و لو قصرت قيمتها عن إطعامهم اقتصر عليها و لو زادت عنه لم يجب عليه الزائد.
فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً،فإن عجز صام ثلاثة أيام كلّ ذلك لعين ما مرّ من الأدلة،فإنّ الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدمها فتوًى و دليلاً و خلافاً.
و الأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير عند جماعة و منهم الحلّي (5)،عازياً له كغيره- (6)إلى الشيخ في الجمل و العقود و الخلاف (7)، و تبعهما كثير من متأخري الأصحاب و منهم الفاضل المقداد (8)؛ لظاهر« أو»
ص:290
في الآية المفيدة للتخيير،بناءً على وضعها له لغةً،كما صرّح به هو و غيره (1)،مبالغاً في ظهورها فيه،حتى ادّعى أنها نصّ فيه،فقال في الجواب عن جواب المرتضى عنها بأنه يجوز العدول عن ظاهر القرآن للدلالة كما عدلنا في قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ [1] (2)عن مدلول الواو و هو الجمعية إلى التخيير ما صورته:
و فيه نظر؛ لأنا نمنع أنه عدول عن الظاهر،بل عدول عن النص، و هو غير جائز،لأن لفظ« أو» لا يحتمل أمرين أحدهما أظهر،و هو التخيير،بل هو نصّ في التخيير كما قال علماء العربية.
ثم قال:سلّمنا،لكن نمنع وجود الدلالة الموجبة للعدول عن الظاهر؛ لجواز أن يراد بالترتيب في الرواية الأفضلية،لا الوجوب،و التخيير في الآية لا ينافي أفضلية الترتيب.
و فيما ذكره من الجوابين نظر:
أمّا الثاني فلأن جواز إرادة الأفضلية من الترتيب الوارد في الروايات لا ينافي ظهورها فيه،نعم هو محتمل خلاف الظاهر.
و أما الأول فلأن وضعها للتخيير لا يستلزم نصّيّته،إلّا بعد ثبوت صحة ما ذكره من عدم احتمالها أمرين أحدهما أظهر و هو التخيير،و لم يثبت،بل الثابت خلافه،لظهور شيوع استعمالها فيما عدا التخيير من التنويع،و لذا أن عامة متأخري الأصحاب بل كافّتهم عداه لم يدّعوا سوى ظهورها في التخيير،لا صراحتها فيه،بل زاد بعض متأخريهم فادّعى إجمالها و عدم ظهورها فيه،و إنما استدل على هذا القول بالأصل فقال
ص:291
للأصل،مع احتمال« أو» للتخيير أو التقسيم،ثم قال:و ضعفه ظاهر، و أضعف منه ما يقال أن ظاهر« أو» للتخيير (1).
أقول:و فيه أيضاً نظر،بل الحقّ فيها هو الظهور المطلق،كما هو ظاهر من عداهما من الأصحاب.
و عليه،فيشكل الجمع بين ظاهر الآية و هو التخيير،و الأخبار الكثيرة القريبة من التواتر (2)،و هو الترتيب.
و لأجلها قيل في المسألة بأنها على الترتيب و القائل:الأكثر،و منهم السيّدان (3)،مدّعياً ثانيهما في ظاهر الغنية الإجماع،و الشيخان (4)،عازياً ثانيهما له في المبسوط إلى الأصحاب،مؤذناً بدعوى الإجماع عليه،كما قيل (5).
و هو إن لم نقل بكونه أظهر فلا ريب في كونه أحوط، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى و دليلاً،كتاباً و سنّةً؛ فإنّ الجمع بينهما و إن أمكن بحمل الروايات على الأفضلية،إلّا أنه ليس بأولى من حمل« أو» في الآية على ما عدا التخيير،و التكافؤ من جميع الوجوه حاصل،فيدور الأمر بين التجوز في ظاهر الكتاب و التجوز في ظاهر الروايات،كلّ محتمل.
و ترجيح الثاني بالصحيح:« كل شيء في القرآن أَوِ [1] فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء،و كلّ شيء في القرآن فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [2] فعليه كذا
ص:292
فالأول بالخيار» (1)ليس بأولى من ترجيح الأول بظاهر دعوى الإجماع المتقدمة في كلام ابن زهرة و شيخ الطائفة،سيّما مع اعترافه بكون التخيير ظاهر الآية.
و حيث دار الأمر بين مجازين لا مرجّح لأحدهما على الآخر،صار المكلَّف به من قبيل المجمل،فيجب الأخذ فيه بالمتيقن و إن احتمل على بُعدٍ التخيير.
ثم ظاهر العبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة ثبوت التخيير على القول به في جميع الإبدال الثلاثة.
خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني و سبطه (2)فقالا:موضع الخلاف من الثلاثة،الثلاثة الأُول،أعني الفرد من النعم،و فضّ ثمنه على المساكين، و صيام قدرهم أياماً.
و أمّا الصوم الأخير في الثلاثة،و هو الثمانية عشر و التسعة و الثلاثة فلا خلاف في أنها مترتبة على المتقدم.
و في الثعلب و الأرنب شاة بلا خلاف،كما استفاض نقله في عبائر جماعة من الأصحاب (3)،مشعرين بدعوى الإجماع،كما في ظاهر الغنية فيهما (4)،و عن التذكرة في الأرنب و كذا عن المنتهى (5).
ص:293
للصحاح (1)في[الثاني (2)]و بعض المعتبرة المنجبرة بفتوى الجماعة و حكايات الإجماع المتقدمة في[الأول (3)].و فيه:عن رجل قتل ثعلباً،قال:« عليه دم» قال:فأرنباً؟قال:« مثل ما في الثعلب» (4).
و يؤيده ما قيل من أن الشاة مثله من النعم،و هو أولى بذلك من الأرنب (5).
قيل:فإن عجز عن الشاة استغفر اللّه تعالى،و لا بدل لها،وفاقاً للمحقّق و الصدوقين و ابني الجنيد و أبي عقيل؛ للأصل من غير معارض (6).
و فيه نظر؛ لوجود المعارض؛ و هو الصحاح المتقدمة المتضمنة بعضها لقوله(عليه السّلام):« إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه صيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم» (7)فإنّ الجزاء متناول للجميع.
و آخر منها قوله:« من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام» (8)فإنه متناول أيضاً للجميع.
و نحوهما قوله(عليه السّلام)في آخر منها:« عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به،
ص:294
فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ،لكل إطعام مسكين[يوماً ]» (1). و لذا قيل: إن البدل فيهما كالظبي و القائل به الأكثر كالشيخين و السيّدين و الحلّي و غيرهم (2)،و في ظاهر الغنية الإجماع.
و هنا قول آخر ذهب إليه شيخنا في المسالك و الروضة و غيره (3)، و هو العمل بإطلاق الصحيح الثاني،قال:و الفرق بينه و بين إلحاقهما بالظبي يعني القول الثاني يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين،فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة،و على الرواية يجب إطعام العشرة.
و اعترضه سبطه بأنه يتوجه عليه بأن الصحيح الأول المتضمن للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناول للجميع،فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي و منعه هنا،مع أن اللازم مما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي،و هو بعيد جدّاً (4).انتهى.و هو حسن.
الرابع:في كسر بيض النعام إذا تحرّك الفرخ فيها و كان حياً فتلف بالكسر:
لكل بيضة بَكرة من الإبل،و المعروف في اللغة أنها أُنثى البَكر،
ص:295
و هو الفَتيّ (1)،و كأنهم أرادوا الواحدة،كما عن الحلّي و في الشرائع و غيره (2).
و المستند الصحيح (3):« إنّ في كتاب عليّ(عليه السّلام)في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم،مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل» (4).
و حمل عليه إطلاق البعير في الصحيح الآخر:عن رجل كسر بيض نعام و في البيض فراخ قد تحرك،فقال:« لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر» (5).
كما قيّد إطلاق البيض في الأول بالمتحرك فيه الفرخ لهذا الصحيح، مضافاً إلى الإجماع عليه،كما في صريح المختلف و المدارك و ظاهر الغنية (6).
و بهما يقيّد إطلاق ما سيأتي من الأخبار بالإرسال و إن أفتى بظاهرها جماعة من القدماء،كالإسكافي و الصدوق في بعض كتبه و المفيد و المرتضى و الديلمي (7)،جمعاً،مع ضعف إطلاقها بظهور سياق جملة منها في المجهول حاله،و هو الفرد المتبادر و الغالب الذي ينصرف إليه إطلاق
ص:296
البواقي و عبارات هؤلاء القدماء،و يؤيده ما مرّ من تعدّد نقلة الإجماع على التقييد.
نعم،عن الصدوقين التصريح بالإرسال إذا تحرّك،و أنه إذا لم يتحرك فعن كل بيضة شاة (1).
قيل:و كأنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الإرسال و بعض الأخبار (2)بأن في بيض النعامة شاة (3).
و فيه:أنه فرع الشاهد عليه،و ليس؛ مضافاً إلى ما مرّ من انصراف الإطلاق إلى صورة الجهل،دون العلم.
نعم في بعض الأخبار (4)و الرضوي (5):« و إذا وطئ بيض نعام ففدغها و هو محرم و فيها فراخ تتحرك،فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد البيض فما لقح و سلم حتى ينتج فهو هدي لبيت اللّه الحرام،و إن لم ينتج شيئاً فليس عليه شيء» .لكنهما غير مكافئين لما مضى سنداً و عملاً و اشتهاراً،فالعمل به أولى.
مضافاً إلى أن ظاهر هذين الخبرين الفرق بين الكسر بالوطء فما
ص:297
مرّ،و بالإصابة و الأكل فشاة كما في صدرهما،و هو معارض للأخبار بل و الفتاوي جملةً،إلّا من الصدوق في المقنع فأفتى بمضمونهما (1)،و أما أبوه فصرّح بالتسوية بينهما (2)كظاهر سائر الأصحاب،فهو شاذّ،و ما في المتن هو المشهور و المختار.
و إن لم يتحرك قطعاً أو احتمالاً أرسل فحولة الإبل في إناث بعدد البيض فما نتج كان هدياً لبيت اللّه تعالى الحرام،بل خلاف إلّا ممن مرّ.و هو مع ضعف مستنده كما عرفت نادر،بل على خلافه الإجماع في ظاهر الغنية و صريح المدارك (3)؛ و هو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة،و فيها الصحاح و غيرها،منها:« من أصاب بيض نعام و هو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل،فإنه ربما فسد كلّه،و ربما خلق كلّه،و ربما صلح بعضه و فسد بعضه،فما نتجت الإبل فهدياً بالغ الكعبة» (4).
و نحوه في ظهور السياق في المجهول الخبران،أحدهما المرسل (5).
و منها:في رجل وطئ بيض نعام ففدغها و هو محرم،قال:« قضى
ص:298
فيه عليّ(عليه السّلام)أن يرسل الفحل على[مثل (1)]عدد البيض من الإبل،فما لقح و سلم حتى ينتج كان[النتاج (2)]هدياً بالغ الكعبة» (3).
و نحوه في الإطلاق آخر (4).
و ظاهر إطلاقها كفاية الفحل الواحد و عدم اعتبار تعدّده،كما صرّح به جماعة (5)،معربين عن عدم خلاف فيه و إن أوهمته ظاهر العبارة.
و ظاهرها اعتبار تعدد الأُنثى،و أنه لا يكفي مجرّد الإرسال،بل يشترط مشاهدة كل واحد منها قد طرقت بالفحل.
ثم قد عرفت أن ظاهرها جهالة البيض،فلو علم بأن فرخها ميت لم يلزمه شيء؛ للأصل السالم عن المعارض.
و كذا لو كانت فاسدة،أو كسرها فخرج منها فرخ فعاش،و صرّح بذلك أيضاً أجمع جمع (6).
و ليس فيها و لا في كلام أكثر الأصحاب تعيين مصرف هذا الهدي، و قيل:إنه مساكين الحرم كما في مطلق جزاء الصيد (7)،و قيل بالتخيير بين
ص:299
صرفه في مصالح الكعبة و معونة الحاج كغيره من أموال الكعبة (1)، و الاحتياط لا يترك.
فإن عجز فعن كل بيضة شاة،فإن عجز فإطعام عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام وفاقاً للأكثر؛ للخبر المنجبر بالعمل:« فمن لم يجد إبلاً فعليه لكل بيضة شاة،فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين،لكلّ مسكين مدّ،فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام» (2).
و في الصحيح:« من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» (3).
و عكس الصدوق في المقنع و الفقيه كما قيل (4)،فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام،فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين؛ للخبرين (5).
و فيهما ضعف عن المقاومة لما مرّ سنداً و اشتهاراً،حتى أن في صريح المدارك الاتفاق عليه (6).
ثم إن صريح الخبر أنّ لكل مسكين مدّاً،و هو نصّ التحرير و التذكرة و المنتهى و المختلف و الدروس و غيرهم (7).و هو الأقوى،و للأصل.
ص:300
خلافاً للمحكي عن القاضي،فأطلق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر عليها أطعم عشرة مساكين،كل مسكين نصف صاع (1).و مستنده غير واضح.
و حكى الحلّي (2)عن المقنعة أن على من عجز عن الإرسال أطعم عن كل بيض ستين مسكيناً،فإن لم يجد صام شهرين متتابعين،فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً.
و قد صرّح الفاضل في المختلف و غيره (3)بأنهم لم يجدوه في نسخها،و لا حكاه الشيخ في التهذيب.
الخامس:في بيض القطاة و القبج إذا تحرك الفرخ فيه من صغار الغنم كما هنا و في الشرائع و عن الجامع (4)،لكن بزيادة الدرّاج كما في القواعد (5).
قيل:و بمعناه ما في الخلاف من أن في القطاة بكارة من الغنم،و ذلك للمماثلة المنصوصة في الآية و ما مرّ من الصحيح (6)و إن اختص ببيض القطاة؛ لتشابه الثلاثة،و ما يأتي من أن فيها أنفسها حَمَلاً،ففي بيضها أولى؛ و عن المهذّب و الإصباح أن في بيضة الحَجَلة شاة (7).
و في رواية ضعيفة بالإضمار و غيره: في البيضة من القطاة مخاض من الغنم أي ما من شأنه أن يكون حاملاً،كما عن الحلي (8)،
ص:301
ففيها:عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه،قال:« يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل،و من أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» (1).
و عمل بها في النهاية و المبسوط و الوسيلة (2)في بيض القبج و القطاة.
قيل:و يوافقها التذكرة و المنتهى و التحرير و المختلف و الدروس و الإرشاد (3).
و قال الماتن في النكت:إنه شيء انفرد به الشيخ لهذه الرواية و تأويلها بما تحرّك فيه الفرخ.قال:و في التأويل ضعف؛ لأنه بعيد أن يكون في القطاة حَمَل،و في الفرخ عند تحرّكه مخاض،فيجب اطراحه لوجوه:
أحدها:أن الخبر مرسل؛ لأنا لا ندري المسئول من هو.
و ثانيها:أنه ذكر في البيضة،و لعلّه لا يريد بيض القطاة،بل بيضة النعام،لأن الكلام مطلق،ثم يعارضه رواية سليمان بن خالد أيضاً،عن أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (4)،و ذكر ما أشرنا إليه من الصحيحة (5).
أقول:التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص المطلق إن قلنا بشمول البكار من الغنم للصغير منه،و إلّا كما في الذخيرة- (6)فلا تعارض بينهما،و على التقدير الأول يجب حمل العام على الخاص،و المطلق على
ص:302
المقيد،لكن لما ضعف الخاص سنداً و مخالفة لما مرّ من القياس بالطريق الأولى عيّن طرحه أو حمله على الاستحباب جمعاً.
و إن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم أو فحلاً منها في إناثها بعدد ما كسر من البيض،فما نتج كان هدياً للبيت،بلا خلاف في هذا الإرسال على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1)؛ للمستفيضة،و فيها الصحاح،منها:عن محرم وطئ بيض قطاة فشدخه،قال:« يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من النعام في الإبل» (2).
و لكنها كغيرها خلت عن كون الهدي لبيت اللّه،و قد ذكره الشيخ و غيره (3).و عن التقييد بعدم التحرك،بل هي مطلقة له و لغيره،و لذا أطلق الإرسال جماعة من قدماء الأصحاب كالمفيد و الديلمي و الحلبيّين (4).
و لكن التفصيل جامع بينها و بين ما مرّ،مضافاً إلى عموم التشبيه ببيض النعام في الصحيح:« في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام من الإبل» (5).
و قريب منه الصحيح المتقدم و غيره (6).
ص:303
قيل:و قيّده علي بن بابويه بتحرك الفرخ،و أوجب القيمة إن لم يتحرك (1)؛ للرضوي (2).و هو كمستنده مع قصوره شاذّ.
و لو عجز عن الإرسال كان فيه ما في بيض النعام كما هنا و في الشرائع و عن النهاية و المبسوط (3).
و ظاهر العبارة كما صرّح به الحلّي في السرائر،و الماتن في النكت كما حكي- (4):أنه يجب عن كل بيضة شاة،ثم إطعام عشرة مساكين،ثم صيام ثلاثة أيام.
قال الحلّي:و لا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه.
و ظاهره الفتوى به،كما هو نصّ المفيد،كما حكاه عنه جماعة، منهم الماتن فيما حكي،فإنه قال:إن وجوب الشاة عن كل بيضة إذا تعذّر الإرسال شيء ذكره المفيد،و تابعه عليه الشيخ،و لم انقَل به رواية على الصورة،بل رواية سليمان بن خالد:« في كتاب علي(عليه السّلام):في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام» (5)و هذا فيه احتمال (6).
أقول:و كذا المرسل:« يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل» (7)و لكنه فيه أبعد.
ص:304
و عن المنتهى عندي في ذلك تردّد؛ فإنّ الشاة تجب مع تحرّك الفرخ،لا غير،بل و لا يجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيّنّاه،فكيف يجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك و إمكان فسادة و عدم خروج الفرخ منه، قال:و الأقرب أن مقصود الشيخ مساواته لبيض النعام في وجوب الصدقة على عشرة مساكين،و الصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الإطعام (1).
و نحوه التحرير و التذكرة و المختلف (2)،و فيه القطع بأنه لا يجوز المصير إلى ما ذكره الحلّي،قال:و كيف يتوهّم إيجاب الأقوى و هو الشاة التي لا تجب مع المكنة حالة العجز،فإنّ ذلك غير معقول.
ثم لمّا كان ظاهر كلام الحلّي أن الأخبار وردت به ردّه بأنها لم ترد بما قاله،نعم روى سليمان بن خالد،و ذكر ما في النكت،قال:و لكن إيجاب الكفارة كما تجب في النعام لا يقتضي المساواة في القدر.
أقول: و على منهاجه سلك المتأخرون،و مرجعه إلى الاستبعاد،و منع دلالة رواية سليمان.
و لا حجة في الأول بعد قيام الدليل الظاهر،سيّما مع ضعفه في نفسه بمنع كون الشاة أقوى و أشقّ من الإرسال،بل هي أسهل على أكثر الناس، لتوقفه على تحصيل الإناث و الذكور،و تحرّي زمن الحمل،و مراجعتها إلى حين النتاج،و صرفه إلى الكعبة.
و هذه أُمور تعسر على الحاج غالباً أَضعاف الشاة،كما نبّه عليه شيخنا في الروضة،فمنَعَ تفسير المتأخرين من هذه الجهة.لكن وافقهم في المذهب،قال:لا لذلك،بل لأن الشاة تجب أن تكون مجزئة هنا بطريق
ص:305
أولى؛ لأنها أعلى قيمةً و أكثر منفعةً من النتاج،فيكون كبعض أفراد الواجب،و الإرسال أقلّه،و متى تعذّر الواجب انتقل إلى بدله،و هو هنا الأمران الأخيران يعني الإطعام ثم الصيام من حيث البدل العام، لا الخاص،لقصوره عن الدلالة،لأن بدليتهما عن الشاة تقتضي بدليتهما عمّا هو دونها قيمةً بطريق أولى (1).
و فيه:أنه مبني على جواز الشاة مع التمكن عن الإرسال،و فيه منع، مع مخالفته في الظاهر الإجماع فتوًى و نصّاً.
و مع ذلك فبدلية الأخيرين عن الإرسال بالبدل العام تتوقف على العجز عن أفراد الواجب كلّها حتى الشاة كما فرضه،و الفرض خلافه،و هو التمكن منها،و حينئذ فلا يتبدل الأخيران عن الإرسال أيضاً و لو بالبدل العام.
و بالجملة:المفروض بدليتهما عن الإرسال مع التمكن من الشاة،و ما ذكره على فرض تماميته إنما تفيد بدليتهما عنه مع العجز عنها،و هو غير محل النزاع.
ثم ما ذكره من قصور دلالة الخاص يعني رواية سليمان تبعاً للمتأخرين إن أراد به القصور عن الصراحة فمسلّم،لكن الظهور كاف،و إن أراد به القصور عنه أيضاً فممنوع،و لذا اعترف بالظهور في صدر عبارته التي لم ننقله هنا،فقال بعد نقل نحو عبارة الماتن من اللمعة:كذا أطلق الشيخ تبعاً لظاهر الرواية،و تبعه الجماعة،و ظاهره أن في كل بيضة شاة، فإن عجز أطعم عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام،ثم استشكل باستبعاد المتأخرين.
ص:306
و فيه ما عرفته من ضعفه في نفسه مضافاً إلى ما قاله،مضافاً إلى ابتنائه على ضعف دلالة الرواية و توقفها على إرادة المشابهة في المقدار و الكيفية،دون ثبوت أصل الكفارة خاصة،و هو قد اعترف بظهورها في ما عدا الثاني،و هو كاف،إذ لا يشترط في الدلالة الصراحة.
و يعضده فهمُ الجماعة،و لذا أفتوا بإطلاقها كما ذكره،مشعراً بوفاقهم،و اتفاقُهم إلّا النادر على ثبوت البدلين الأخيرين مع أنه لا حجة لهم سوى الرواية.
و الحكم ببدليتهما هنا تبعاً للرواية العامة ببدليتهما عن الشاة حيث تعذّرت موقوف أوّلاً على كون المبدل منه الشاة،و ليس كذلك،بل هو الإرسال.و ثانياً على تعذرها،و الفرض إمكانها كما عرفته.
و ممّا ذكرنا تبيّن أن الحقّ ما عليه المفيد و الحلّي و سائر الجماعة،و أنّ قول المتأخرين ضعيف في الغاية،كالمحكي عن ابن حمزة،حيث أوجب بعد العجز عن الإرسال التصدق بدرهم عن كل بيضة (1)؛ لعدم وضوح دليل عليه و لا حجة،كما صرّح به جماعة (2).
نعم قيل:قد يكون مستنده خبر سليمان مع ما يأتي من الصحيح في مُحلّ اشترى لمحرم بيض نعام فأكله،أنّ على المحلّ قيمة البيض،لكل بيضة درهماً (3)،أو حمله على بيض الحمام،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أن فيه درهماً (4).انتهى.و هو كما ترى.
ص:307
القسم الثاني: ما لا بدل لفديته على الخصوص و هو أيضاً خمسة:
الحمام،و هو كل طائر يَهْدِر قيل:أي يرجّع صوته و يواصله مردّداً (1) و يعبّ الماء قيل:أي يشرب الماء كرعاً أي يضع منقاره في الماء و يشرب و هو واضع له فيه،لا بان يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة و يبلعها بعد إخراجه كالدجاج (2).
و تفسير الحمام بذلك قد وقع في الشرائع و التحرير و التذكرة و المنتهى و المبسوط (3)،كما حكي.
و لعلّه يوافقه ما عن الأزهري أنه قال:أخبرني عبد الملك،عن الربيع عن الشافعي أنه قال:كلّ ما عبّ و هدر فهو حمام،يدخل فيه القماري و الدباسي و الفواخت،سواء كانت مطوقة أو غيرها،آلفة أو وحشية (4)،ثم قال:و العرب تسمّي كلّ مطوّق حماماً (5).
و جعله المحقّق الثاني أعرف بين أهل اللغة (6)،مع أن المحكي عن أكثرهم كالصحاح و فقه اللغة للثعالبي و شمس العلوم و السامي و غيرها (7)ما
ص:308
أشار إليه بقوله: و قيل:كلّ مطوّق قيل:و حكاه الأزهري عن أبي عبيدة،عن الأصمعي،قال:مثل القمري و الفاختة و أشباههما (1).و قال الجوهري:من نحو الفواخت و القماري و ساقُ حُرّ و القطا و الوراشين و أشباه ذلك،قال:و عند العامة أنها الدواجن فقط (2).
و عن بعضهم:المراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة (3).
نعم التفسير الأول أعرف بين الفقهاء؛ إذ لم أر مفسِّراً بهذا قبل الماتن أصلاً،و بعده أيضاً إلّا الشهيد في الدروس ففسّره به حتماً (4)،و في اللمعة مردّداً بينه و بين التفسير الأول فقال:و في الحمامة و هي المطوقة أو ما تعبّ الماء (5).
و كذا الفاضل في القواعد (6).
قيل: و أو هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كل واحد من النوعين حماماً،و كونه للترديد؛ لاختلاف الفقهاء و أهل اللغة في اختيار كل منهما،و الظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف،و هو يصلح لجعل المردِّد كلّاً منهما معرِّفا (7).
ص:309
أقول:و يحتمل أن يكون الترديد إشارةً إلى ثبوت الحكم الآتي للحمامة بأيهما فسّرت،و ذلك لعدم انحصار ما دلّ عليه من الأخبار فيما تضمّنت لفظها خاصة،بل فيها ما تضمّن لفظ الطير بقول مطلق،أو الفرخ، أو البيض كذلك،و جميع هذه يعمّ الحمامة بالتفسيرين،فلا يحتاج هنا إلى الدقة في تعيين أحدهما،و لا تعارض بين الأخبار ليحتاج إلى حمل مطلقها على مقيّدها،و الحمد للّه.
و على كلّ تقدير فلا بدّ من إخراج القطاة قيل:و الحجل- (1)من التعريف؛ لأن لهما كفارة معيّنة غير كفارة الحمام مع مشاركتهما له في التعريف،كما صرّح به جماعة (2).
و يلزم المحرم و لو في الحلّ في قتل الحمامة الواحدة شاة بلا خلاف إلّا من نادر (3)،و في المنتهى و عن الخلاف و التذكرة (4)الإجماع.
و في فرخها حَمَل بالتحريك من أولاد الضأن،ماله أربعة أشهر فصاعداً،على ما ذكره جماعة من الفقهاء (5).
و لكن الموجود في كلام بعض أهل اللغة أنه الخروف إذا بلغ ستة أشهر (6)،و الأخذ به أحوط.
ص:310
و في بيضها درهم إذا لم يتحرك فيه الفرخ،و إلّا فحَمَل؛ لما مرّ.
و للصحيح:عن رجل كسر بيض الحمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال:« عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرّك بشاة،و يتصدق بلحومها إن كان محرماً،و إن كان الفراخ لم يتحرك تصدّق بقيمته ورقاً يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم» (1).
و عليه ينزل إطلاق الصحيح الآخر:عن غلام كسر بيضتين في الحرم،فقال:« جديين أو حَمَلين» (2)من جهتي شموله المحرم و غيره، و المتحرك من البيض و غيره،بتقييد إطلاقيه بالأولين من القسمين جمعاً بينه و بين سابقه و غيره.كما يقيّد إطلاق الشاة في سابقه على الحَمَل،جمعاً.
و ظاهر الأخير جواز الجدي بدله،و هو الأصح،وفاقاً لجمع (3)؛ لذلك.
مضافاً إلى الصحيح الآخر:في محرم ذبح طيراً« إن عليه دم شاة يهريقه،فإن كان فرخاً فجدي أو حَمَل صغير من الضأن» (4).
و على المحلّ في الحرم فيها أي في قتل الواحدة من الحمام درهم،و في فرخها نصف درهم،و في بيضها إذا لم يتحرك ربع
ص:311
درهم و إلاّ فنصفه.
و لو كان الجاني على أحد هذه الثلاثة محرماً في الحرم اجتمع عليه الأمران فيجب عليه شاة و درهم في الأول،و حَمَل و نصف درهم في الثاني،و درهم و ربعه في الثالث.
كلّ ذلك على المشهور لا سيّما بين المتأخرين.
و الأصل فيها زيادةً على ما مرّ الصحيح:في« المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة،و إن قتل فِراخها ففيها حمل،و إن وطئ البيض فعليه درهم» (1).
و الصحيح:« في الحمام درهم،و في الفرخ نصف درهم،و في البيضة ربع درهم» (2).و نحوه غيره (3).
و يقيّدان بنحو الصحيح:« من أصاب طيراً في الحرم و هو مُحلّ فعليه القيمة،و القيمة درهم يشتري علفاً لحمام الحرم» (4).
و الصحيح:عن فرخين مُسَرْوَلَيْن (5)ذبحتهما و أنا بمكة مُحلّ إلى أن قال: فقال:« تصدّق بثمنهما» فقلت:فكم ثمنهما؟فقال:« درهم خير من ثمنهما» (6).
ص:312
و ظاهرهما كغيرهما- (1)وجوب التصدق بالقيمة،سواء زادت عن الدرهم أو نقصت،و أن سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة وقت السؤال.
و يؤيده الأخبار الكثيرة الآمرة بالقيمة على الإطلاق كما في بعضها (2)، و بالثمن كما في آخر (3)،و بمثله في ثالث (4)،و بأفضل منه في رابع (5)، و بدرهم و شبهه في خامس (6).
و الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم و من القيمة السوقية،وفاقاً للمنتهى و التذكرة (7)و إن كان في تعيّنه في وجوب الزائد نظر،لإطلاق الأصحاب وجوب الدرهم من غير التفات إلى القيمة السوقية.
و لعلّه لظهور أن تقويم الحمامة فيما مرّ من الأخبار ليس لأنه قيمتها السوقية يومئذ؛ لبُعد اتّفاق تقويم الحمامة بجميع أنواعها و أصنافها و أفرادها به عند جميع المقوّمين لها و لو بمكة خاصة،و في جميع أعصار الأئمة (عليهم السّلام)التي صدرت عنهم الأخبار.بل الظاهر أن تقويمها بذلك إنما هو تقويم شرعي ليضبط المدار،و يشهد لذلك سؤال بعض الرواة عن قيمة
ص:313
الحمامة و قدرها عنهم،و جوابهم(عليهم السّلام)له بذلك المقدار،و لو كان المراد القيمة السوقية لما كان للسؤال عنهم(عليهم السّلام)وجه،و لا لجوابهم،فتأمل.
و أما اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم فلأصالة عدم تداخل الأسباب؛ مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة،منها الصحيح:« إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة،و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعم حمام مكة،فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» (1).
و سيأتي تتمة الكلام في المسألة.
و يستوي فيه أي فيما على المحلّ من الدرهم و نصفه و ربعه إذا جنى في الحرم،كما صرّح به في الشرائع و الفاضل في التحرير و القواعد و غيرهما (2) الأهلي أي المملوك من الحمام(إن صحّ فرضه) (3) و حمام الحرم الغير المملوكة في حرمة الجناية عليهما و لزوم القيمة بها و مقدارها،بغير خلاف على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (4)،و في المنتهى:لا نعرف فيه خلافا إلّا من داود حيث قال:لا جزاء في صيد الحرم (5).
و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (6)،فلا شبهة في الاستواء المزبور.
غير أن حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامة و يتصدق بقيمة
ص:314
غيره،كما في الصحيح (1)و غيره (2).و فيه الأمر بشراء القَمح أي الحنطة، و ظاهره الوجوب.
إلّا أنه محمول على الفضل؛ للأصل،و ضعف السند.
بل الأصح وفاقاً لجمع (3)جواز التصدق بقيمة حمام الحرم أيضاً، مخيّراً بينه و بين العلف؛ لجملة من النصوص،منها الصحيح:« إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة،و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكة،فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» (4).
ثم إنه لا ريب في الاستواء في ذلك مع إذن المالك في الإتلاف،أو كان المتلف هو المالك.أما لو كان غيرهما ففي ثبوت الاستواء أيضاً فلا تجب إلّا الفداء،أو الفرق بوجوبه مع ضمان القيمة للمالك كما أفتى به شيخنا في المسالك- (5)إشكال:من الأُصول،و إطلاق الفتاوي و النصوص بخصوص الفداء دون غيره.و الاحتياط واضح.
و هل يختص الاستواء المزبور بالمُحلّ،أم يعمّه و المحرم،حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني، و مع الفداء على الأول؟إشكال
ص:315
من إطلاق النص و الفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمامة في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها و الحرمي.
و من ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم و الإحرام، فيلزمه الأمران كلّ بسببه،و هذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة،لكونه صيداً مُنع عنه المحرم،و أما الأهلي منها فلا منع فيها إلّا من جهة الحرم،لأنه من دخله كان آمناً.
و لم أر من الأصحاب من تعرّض لهذا الفرض،فضلاً عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه و الإشكال.
و الأقرب من وجهي الإشكال:الأول؛ لقوة دليله،مضافاً إلى التصريح:في حمام[مكة]الطير الأهلي من غير حمام الحرم:« من ذبح طيراً منه و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه،فإن كان محرماً فشاة عن كل طير» (1).
و هو كما ترى صريح في الفرق بين المحرم و المحلّ في الحمام الأهلي إذا قتلاه في الحرم؛ لإيجابه الشاة فيه على الأول،و القيمة على الثاني.
نعم ظاهره عدم وجوب القيمة على المحرم،إلّا أن سبيله سبيل كثير من الأخبار الواردة بلزوم الشاة عليه إذا قتلها في الحرم (2)من غير ذكر القيمة،و ذكر الأصحاب أن إيجاب الشاة لهتك حرمة الإحرام،و لا ينافيه وجوب القيمة أيضاً لهتك حرمة الحرم.و هو حسن.
ص:316
و بالجملة:فما ذكرناه أظهر،و مع ذلك أحوط،و يمكن استفادته من العبارة،بجعل الضمير المجرور في« فيه» الأحكام المذكورة بقوله« على المُحلّ» إلى آخره،و منها اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم،فإن مقتضاه حينئذ أنه يستوي في هذا الحكم أيضاً الأهلي و الحرمي،فأيّهما قتل المحرم اجتمع عليه الأمران.
و في قتل القطاة حَمَل قد فطم من اللبن و رعى من الشجر كما في الصحيح (1)و غيره (2).
و كذا في قتل الدرّاج و شبهها من الحجل و غيره،بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (3)؛ و هو الحجة فيها، لا الخبران،لاختصاصهما بالأول و لا ما في رواية أُخرى ثالثة (4)و إن تضمّنت الثلاثة و نظيرهن؛ لأن المذكور فيها دم و هو أعم من المدّعى،إلّا أن يقيّد به أو يحمل على الاستحباب.
و اعلم أن الحَمَل قريب من صغير الغنم في فرخها كما اخترناه ثَمّ (5)، و لا بُعد في تساوي الصغير و الكبير في الفداء.و يشكل على القول بوجوب المخاض هناك،إلّا أن يدفع بابتناء شرعنا على اختلاف المتّفقات و اتّفاق المختلفات،فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير،و لا مانع من المصير إليه بعد الثبوت كما هو الفرض.
ص:317
و هذا أولى من دفعه بحمل المخاض ثَمّ على بنت المخاض،أو على أن فيها هنا مخاضاً بطريق أولى؛ لمخالفتهما الإجماع على الظاهر،المصرَّح به في الروضة و المسالك (1).
و في قتل الضبّ جَدْي،و كذا في القنفذ و اليربوع على الأظهر الأشهر،بل عليه عامة من تأخر؛ للحسن،و فيه:« و الجَدي خير منه،و إنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» (2).
خلافاً للمحكي عن الحلبيّين،فأوجبوا حَمَلاً (3)،و عن الغنية الإجماع.و الأول أظهر.
و مورد المتن و الأكثر الثلاثة خاصة تبعاً لمورد النص،و ألحق بها المرتضى و الشيخان و بنو إدريس و حمزة[و سعيد]و غيرهم كما حكي - (4)أشباهها،و مستندهم غير واضح.
و ربما نظروا إلى التعليل في النص،و أنه إذا ثبت به أن في مثل هذه الثلاثة جَدْياً،بل هو خير منه،ثبت ذلك فيما أشبهه.
و لا يخلو من وجه،و لذا مال إليه من المتأخرين المحقّق الثاني في شرح القواعد،بل أفتى به صريحاً (5).
ص:318
و في العصفور مدّ من طعام،و كذا في القبّرة بضم القاف ثم الباء المشددة من غير نون بينهما و الصعوة قيل:هو عصفور له ذنب طويل يرمح به (1).وفاقاً للأكثر؛ للمرسل كالصحيح (2).
خلافاً للصدوقين،فأوجبا في كل طائر عدا النعامة شاة (3)؛ للصحيح:
في محرم ذبح طيراً:« إنّ عليه دم شاة يهريقه،و إن كان فرخاً فجَدي أو حَمَل صغير من الضأن» (4).
و فيه:أنه لا عموم فيه لغةً،و إنما غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل البحث.و لو سلّم فغايته العموم،و ما مرّ خاص، فليقدّم عليه؛ لاعتبار سنده؛ مضافاً إلى اعتضاده أو (5)انجباره بعمل الأصحاب.
و للإسكافي،فأوجب القيمة و في الحرم قيمتين (6)؛ للمرسل (7).
و ضعف سنده يمنع عن العمل به،سيّما في مقابلة ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر،مع اعتباره في نفسه كما مرّ.
و في قتل الجرادة الواحدة كفّ من طعام كما في
ص:319
الصحيح (1)و غيره (2)،وفاقاً للمحكي عن المقنعة و الغنية و جمل العلم و العمل و المراسم (3).
و في الصحاح:« عليه تمرة،و تمرة خير من جرادة» (4)كما عن الفقيه (5)و المقنع و النهاية و الخلاف و المهذّب و النزهة و الجامع و والد الصدوق و السرائر و كفّارات المقنعة (6).
و للتخيير بينهما وجه،كما عليه الشهيدان و غيرهما من المتأخرين (7)، وفاقاً للمحكي عن المبسوط و التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهى (8).
إلّا أن الأوجه:الثاني،و أحوط منه الجمع بين الأمرين.
و في رواية دم (9)،لكن موردها الإصابة و الأكل،و حكي القول به
ص:320
حينئذ عن الإسكافي و والد الصدوق و الشيخ في النهاية و الخلاف (1)،لكن قيّده الأول بالعمد،دون الأخيرين فأطلقاه.
و لا بأس به لولا ضعف السند و إن مال إلى العمل بمضمونها في موردها بعض متأخري المتأخرين (2)،وفاقاً للمحكي عن والد الصدوق، و لا بأس به لو صحّ السند.
و كذا يجب كفّ من طعام في القملة يلقيها من جسده وفاقاً لمن مرّ في الجرادة،غير الديلمي،فلم يحك هنا عنه شيئاً،و ذكر بدله في الحكاية:المهذّب،بزيادة قوله:أو يقتلها (3)،كما عليه المحقّق الثاني و الشهيد الثاني أيضاً- (4)قال:بطريق أولى.
و الأصل في المسألة الصحيحان:عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها،قال:« يطعم مكانها طعاماً» (5).
و إطلاق الطعام فيهما مقدّر بما في المتن؛ للحسنين المقدِّرين له بقبضة بيده كما في أحدهما (6)،و بكفّ واحد كما في الثاني (7).
ص:321
و بإزاء هذه الأخبار أخبار أُخر مستفيضة أيضاً نافية للكفارة فيها بقول مطلق (1)،بل في بعضها الترخيص لإلقائها (2)،لكن أكثرها قاصرة السند ضعيفة التكافؤ هي و الصحيح (3)منها لما مضى،فلتطرح أو تحمل على محامل ذكرها الشيخ في الكتابين (4).
و أجود منها حمل هذه على التقية كما ذكره بعض المعاصرين-(رحمه اللّه) قال:فإنه مذهب جملة من العامة،و نقل ذلك في المنتهى و التذكرة عن مالك في إحدى الروايتين،و سعيد بن جبير و طاوس و أبي ثور و ابن المنذر،و[عن (5)]أصحاب الرأي و قول مالك في الرواية الأُخرى أنه يتصدق بما أمكن من قليل أو كثير،و لم ينقل القول بكفّ من طعام كما هو المروي في الروايات الأُول إلّا عن عطاء خاصة.انتهى (6)و هو حسن.
و منه يظهر ضعف الجمع بينهما بحمل الأولة على الاستحباب؛ إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا بوجوه شتّى عرفتها.
و كذا قيل في قتل العظاية كفّ من طعام،و القائل الصدوق في الفقيه و المقنع و الشيخ (7)،و تبعهما الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس و غيرهما من المتأخرين (8)؛ للصحيح:محرم قتل عظاية،قال
ص:322
« عليه كف من طعام» (1).
خلافاً للمحكي في المختلف عن الإسكافي (2)،فخيّر بينه و بين كفّ من تمر،و لا وجه له.كما لا وجه لتمريض المتن القول الأول؛ لنسبته إلى القيل المشعر بالتمريض،بعد ورود النص الصحيح؛ و لا لعدم ذكر كثير من الأصحاب ممن تعرّض لما سبق له بالكلية.
و لو كان الجراد كثيراً فقتلها جملة ف عليه دم شاة بلا خلاف يعتدّ به،إلّا عن المفيد في كفارات المقنعة من التكفير فيه بمدّ من تمر (3).و هو نادر مع قوله فيها هنا بما في المتن (4).
و عليه الإجماع عن الخلاف (5)؛ للصحيح:عن محرم قتل جرادة، قال:« كفّ من طعام،و إن كان أكثر فعليه دم شاة» (6).
و ظاهره أن المراد بالكثرة الزيادة على الواحدة،و لكنه خلاف ظاهر الأصحاب،بل صريح جملة منهم كشيخنا الشهيد الثاني و المحقق الثاني (7)فقالا:إن المرجع في الكثرة إلى العرف،و يحتمل اللغة،فتكون الثلاثة كثيراً،و يجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كفّ.
و هو حسن؛ للأصل،و اختلاف نسخة الصحيح،فنسخة بذا في
ص:323
كتابي الحديث،و أُخرى بما يوافق المتن في الكافي (1)،لكنه مروي فيه بسند فيه سهل،ألّا أن ضعفه سهل،و مع ذلك منجبر بالموافقة للأصل و فتوى الأصحاب.
مع أن في كتابي الحديث نسخة ثالثة تحتمل التوفيق مع ما في المتن في محل البحث،و هي فيهما بتبديل جرادة ب« جراداً كثيراً» و لا يستلزم الأكثر منه ثبوت الدم فيما زاد على الواحدة،بل فيما زاد على الكثير.
و كيف كان فالعمدة الإجماع المنقول و الصحيح بنسخة الكافي؛ لأضبطيته و انطباقها بفتوى الأصحاب.
ثم إن هذا مع إمكان التحرز و لو لم يمكن التحرز منه بأن كان على الطريق بحيث لا يمكن التحرز منه إلّا بمشقة كثيرة لا تتحمل عادة، لا الإمكان الحقيقي فلا إثم و لا كفارة بغير خلاف ظاهر؛ للصحاح الصراح (2).
و اعلم أن نفي البدل عن هذه الخمس الكفارات إنما هو على الخصوص،و إلّا فالعموم ثابت لها أجمع مع العجز عنها،فما عدا الشاة منها بالتوبة و الاستغفار،و فيها بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و اعلم أن ما لا تقدير لفديته فقيمته بلا خلاف على الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (3)،حتى زاد بعضهم فقال:لا خلاف فيه
ص:324
بين العلماء (1)؛ لتحقق الضمان الموجب لذلك عليه،و الصحيح:« في الظبي شاة،و في البقرة بقرة،و في الحمار بدنة،و في النعام بدنة،و فيما سوى ذلك قيمته» (2).
و المعتبر القيمة السوقية بتقويم عدلين عارفين و إن كان الجاني أحدهما إذا كان مخطئاً أو تاب،كما صرّح به جماعة من الأصحاب (3).
و قول الشيخ بأن في البطّة و الإوزّة و الكَرْكي شاة (4)شاذ غير واضح المستند،إلّا الصحيح في كل طير (5)،كما عليه والد الصدوق (6)،و تبعه جماعة من الأصحاب فيما لا نصّ فيه بالخصوص (7).و لا بأس به،و يخصّ به عموم الصحيح السابق،مع قوة احتمال اختصاصه بحكم السياق بغير الطير،إلّا أنه لا خصوصية له بهذه الثلاثة المذكورة في كلام الشيخ،فإن أرادها فلا ريب في ضعفه.
و أسباب الضمان ثلاثة:
إمّا المباشرة للإتلاف، و إمّا إمساك للصيد و إثبات اليد عليه،
ص:325
و إمّا تسبيب للإتلاف.
و في جملة من كتب الفاضل أنها أمران:المباشرة و التسبيب (1)،و نصّ في جملة منها على دخول اليد في التسبيب (2)،و فيه توسّع،فإنه أعم مما يستند إليه التلف.
أما المباشرة فمن قتل صيداً ضمنه بالقيمة أو الفداء على حسب ما مضى.
و لو قتله ثم أكله جميعاً أو شيئاً منه لزمه فداء آخر وفاقاً للنهاية و المبسوط و السرائر و الإصباح و التذكرة و المنتهى و المختلف (3)، و عليه الشهيدان في الدروس و المسالك و المحقق الثاني (4)،و بالجملة:
الأكثر؛ لأن كلّاً منهما سبب له،أما القتل فبالكتاب و السنّة و الإجماع كما مرّ،و أمّا الأكل فللصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
منها: زيادةً على الصحاح و الموثقات و غيرها الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الميتة و الصيد أنه يأكله و يفديه (5)،و الصحيح الآتي في مسألة ما لو اشترى محلّ لمحرم بيض نعام فأكله أن على المحرم الفداء- (6)عموم الصحيح:« من أكل طعاماً لا ينبغي أكله و هو محرم متعمداً فعليه دم شاة» (7).
ص:326
و خصوص آخر:عن قوم اشتروا ظبياً فأكلوا منه جميعاً و هم حُرُم، فقال:« على كلّ من أكل منهم فداء صيد،على كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً» (1).
و الخبر:قلت لأبي عبد اللّه(عليه السّلام):صيد أكله قوم محرمون،قال:
« عليهم شاة شاة (2)،و ليس على الذابح إلّا شاة» (3).و قريب منهما آخر (4).
و الاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة دلالتها على تضاعف الفداء، بل على لزومه بالأكل،و إنما التضاعف أتى من قَبل الجمع بينها و بين ما مرّ من الأدلة على استلزام[القتل (5)]الفداء أيضاً،بناءً على اقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات،فإن الأصل عدم التداخل.
و يعضده زيادةً على الأصل ما سيأتي من الأخبار في مسألة ما لو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم،بل بعضها ربما يكون دليلاً في المسألة من تضاعف الفداء،كمرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة:قلت له (عليه السّلام):يصيد الصيد فيفديه،أ يطعمه أو يطرحه؟قال:« إذاً يكون عليه فداء آخر» قلت:فما يصنع به؟قال:« يدفنه» (6).
نعم في الصحيح:عن حُرُم أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها،
ص:327
فقال:« عليهم مكان كلّ فرخ أصابوه و أكلوه بدنة» (1).
و ظاهره التداخل و الاكتفاء بالبدنة،لكنه شاذّ غير معلوم القائل،كما صرّح به بعض الأصحاب (2)،و ظاهر المحكي عن المنتهى الإجماع على خلافه (3)،و هو كذلك:فإن الأصحاب ما بين قائلين بما مرّ في المتن، و بوجوب القيمة بالأكل دون الفداء مع ثبوته بالقتل أيضاً،كما عن الخلاف و تبعه الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد و الإرشاد (4)؛ استناداً إلى الأصل و الموثق:« أيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة،فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك» (5).
و فيهما نظر؛ لوجوب تخصيص الأول بما مرّ إن كان بينهما عموم و خصوص مطلق،و إلّا فقد يوافق المختار الأصل،بأن يزيد القيمة عن الشاة،لإمكانه و إن بعُد.
و قصورِ سند الثاني،و ضعفه عن المقاومة لأدلة المختار من وجوه، منها ضعف الدلالة،باحتمال أن يكون المراد من القيمة فيه الفداء،كما أُريد منها في آخره.
و يعضده أنه مروي بطريق صحيح هكذا:« إذا اجتمع قوم محرمون على صيد في صيده،أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته» (6).
ص:328
و المراد بالقيمة فيه بالإضافة إلى القتل الفداء قطعاً،فكذا بالإضافة إلى الأكل كما هو واضح.
و الفرق بينه و بين الموثق تأدية الجزاء في الصيد و الأكل هنا بلفظ الفداء،و لا كذلك الموثق،لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه،و في الأكل بالإشارة بلفظه« مثل ذلك» (1)المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء،لا خصوص الفداء،فيحتمل حينئذ إرادة القيمة،و هو و إن بعُد أيضاً؛ فإن الظاهر من المماثلة ثبوتها في الأمرين،إلّا أنها ليست نصّاً فيه، بخلاف الصحيح فإنه نصّ فيه،و بعد ضمّه إلى الموثق يجعله كالنص،فإنّ أخبارهم(عليهم السّلام)سيّما مع اتحاد الراوي و المروي عنه كما هنا يكشف بعض عن بعض.
و حينئذ فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم الفداء بالأكل،فهي لنا لا علينا.
و كذلك الصحيحة السابقة بالتداخل فهي و إن دلّت عليه بالمتن المتقدم إلّا أنه مروي في الفقيه كما قيل- (2)بمتن آخر،و هو هذا:في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعاً،فقال:« عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها فيشترونها على عدد الفراخ و عدد الرجال» (3).
و هو كما ترى ليس فيه ذكر« ذبحوها» و إنما فيه« أكلوها» خاصة،
ص:329
فتكون من أخبار المسألة دليلاً للمختار،كالأخبار السابقة.
و أما الصحيح:اُهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا،فقال:
« لا يرى به أهل مكة بأساً» قلت:فأيّ شيء تقول أنت؟قال:« عليهم ثمنه» (1).
فليس بصريح في محل النزاع من كون الآكل محرماً،فيحتمل كونه مُحلّاً،كما نصّ عليه الصحيح الآخر:عن رجل اهدي إليه حمام أهلي جيء به و هو في الحرم مُحلّ،قال:« إن أصاب منه شيئاً فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه» (2).
و ربما يرشد إليه قوله(عليه السّلام):« لا يرى به أهل مكة بأساً» لما قيل من أنه ظاهر أن أهل مكة لا يرون به بأساً إنّ الآكلين محلّون (3).
و بما ذكرناه ارتفع التعارض بين الأخبار و توافقت على المختار، و لعلّه لهذا لم يستدل للقول الثاني بالأخبار أكثر الأصحاب،و إنما استندوا له ببعض الاعتبارات الغير المسموعة في مقابلة ما قدّمناه من الروايات، و الحمد للّه تعالى.
و اعلم أن موضوع المسألة على ما صرّح به بعض الأصحاب - (4)كون القتل و الأكل في الحلّ،لا في الحرم،و إلّا فيتضاعف الجزاء لو كان في الحرم و هو محرم.و هو حسن؛ لما قيل في القتل من هتكه لكلّ من حرمتي الإحرام و الحرم فيتضاعف الجزاء.
ص:330
و كذا يجب الفداء بالأكل على المحرم لو أكل ما أي صيداً ذبح في الحلّ مطلقاً و لو ذبحه المُحلّ لعموم الأدلة المتقدمة، و عدم اختصاصها بغير هذه الصورة،و نحوها العبارة،فلا يحتاج إلى التصريح بحكم هذه الصورة إلّا على تقدير اختصاص ما سبق بغيرها من وقوع الذبح في الحرم،أو كون الذابح هو المحرم،مع أنه ليس فيه ما يشعر بأحد الأمرين.
نعم،ربما يتبادر منه الأخير خاصة،فيتوجه تعميم الحكم لما ذبحه المُحلّ،لكن من غير احتياج إلى ذكر الذبح في الحلّ.
و لعلّ الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر هو ورود الصحاح المستفيضة بتحريم صيدٍ ذبحه المُحلّ و لو في الحلّ على المحرم (1)،و لكن لا كلام فيه،و إنما الكلام في لزوم الفدية بالأكل،و لا دليل فيه سوى ما مرّ من عموم الأدلة؛ و لعلّه لذا لم يذكر الماتن في الشرائع و لا غيره من الأصحاب التصريح بالحكم في هذا الفرد،و اكتفوا بعموم الكلام السابق.
و الأمر سهل بعد وضوح الدليل على المطلب بعنوان العموم و الخصوص.
و لو رمى صيداً و أصابه و تحقق أنه لم يؤثر فيه رميته بقتل و لا جرح و لا كسر فلا فدية فيه و ليستغفر اللّه سبحانه،بلا خلاف ظاهر،بل ظاهر جماعة الإجماع (2)؛ للأصل،و النص المنجبر:عن محرم رمى صيداً فأصابت يده فعرج،فقال:« إن كان مشى عليها و رعى و هو ينظر إليه فلا شيء» (3).
ص:331
و في قوله:« و هو ينظر إليه» إشارة إلى التحقق كما ذكرنا،احترازاً عن صورة الشك،فإن فيه كما يأتي الفداء كاملاً.
و المتبادر من النص و الفتوى انفراد الرامي بالرمي،فلا ينافيهما ما سيأتي من أنه لو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كلّ منهما.
و لو جرحه أو كسر رجله أو يده و رآه بعد ذلك سويّاً أي صحيحاً بلا عيب(أو مطلقاً) (1) ف يجب عليه ربع الفداء كما عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الإصباح و الجامع (2).
قيل:للنصوص (3)،منها الصحيح:عن رجل رمى صيداً و هو محرم فكسر يده أو رجله،فمضى الصيد على وجهه،فلم يدر الرجل ما صنع الصيد،قال:« عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع،فإن رآه بعد أن كسر يده و رجله و قد رعى و انصلح فعليه ربع قيمته» (4)و به عبّر في الشرائع و الإرشاد (5).و نحوه آخر (6).
و لعلّه المراد من ربع الفداء في المتن و صحيح آخر (7)؛ إذ الفداء
ص:332
بنفسه لا يوجب تربيته،بل قيمته،فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء،لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم من نحو الصحيحين،لأن مرجع الضمير المجرور فيهما إنما هو الفداء المذكور فيهما بعد الصيد قبل الضمير، لا الصيد و إن احتمله،لبُعده و قرب المرجع الأول.
لكن ظاهر بعض الأخبار الرجوع إلى الصيد (1)،لكنه قاصر السند.
خلافاً للمحكي عن والد الصدوق و المفيد و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة (2)،فيتصدق بشيء،و هو خيرة المختلف في الإماء،قال:لأنه جناية لا تقدير فيها (3).
و فيه نظر؛ لأن مقتضى الدليل لزوم الأرش إن أوجبنا في أجزاء الصيد الضمان كما في المنتهى،مدّعياً عليه الوفاق (4)،لا التصدق بشيء الذي هو أعم من الأرش،إلّا أن يقيّد به،فيراد به الأرش كما في الشرائع و القواعد و كلام غير واحد من متأخري الأصحاب (5).
و كلامهم في خصوص الجرح،و لزوم الأرش فيه مذهب المعظم، كما في المسالك (6)؛ و لعلّه قيّد إطلاق الشيء في كلام المفيد و من حذا حذوه بالأرش.و فيه نظر؛ لتصريح المفيد فيما حكي عنه بالتصدق
ص:333
بشيء إذا انتفى العيب،و إلّا فالأرش.
و كيف كان،القول بلزوم الأرش في الإدماء هو حسن؛ للدليل المتقدم السالم عن المعارض،سوى الأخبار المتقدمة،و موردها كسر اليد و الرجل،و نحن نقول بربع الفدية فيهما،و إلحاق الجرح قياس لا نقول به، إلّا أن يقال بعدم فارق بين الكسر و الجرح بين القدماء،بل و لا المتأخرين صريحاً،فلا بدّ من العمل إمّا بالأصل (1)و طرحه الأخبار،أو العمل بها و تخصيص الأصل،و هو الوجه إن تمّ الإجماع المركّب كما ربما يفهم من المسالك و غيره (2).
و فيه نظر،بل ظاهر عبائر كثيرة اختصاص إلحاق الجرح بالكسر بالشيخ،فإذاً الوجه عدم الإلحاق،و لزوم الأرش في الجرح،و ربع الفداء في الكسر.
و يعضده الرضوي:« فإن رميت ظبياً فكسرت يده أو رجله فذهب على جهة لا تدري ما صنع فعليك فداؤه،فإن رأيته بعد ذلك يرعى و يمشي فعليك ربع قيمته،و إن كسرت قرنه أو جرحته تصدّق بشيء من طعام» (3)و يحمل الشيء فيه على الأرش جمعاً بينه و بين الأصل.
و لو جهل حاله أي الصيد الذي جرحه أو كسر يده أو رجله فلم يدر هلك أم عاش ففداء كامل بلا خلاف ظاهر،بل عليه الإجماع في ظاهر المنتهى و صريح الانتصار و الخلاف و شرح الجمل للقاضي (4)كما
ص:334
حكي؛ لما مرّ من الأخبار،و نحوها الموثق (1)و غيره (2)،بزيادة التعليل فيهما بقوله:« لأنه لا يدري لعلّه قد هلك» فلا يضرّ اختصاص موردها بالكسر دون الجرح؛ لجريان التعليل فيهما.
مضافاً إلى التأيد بالقوي الوارد في خصوص الجرح و الإدماء بأن:
« عليه جزاؤه» (3)بناءً على أن المتبادر منه جزاء الصيد كاملاً،و هو المعبّر عنه بالفداء،فالكسر بتلك الأخبار و الإدماء بهذا.
مضافاً إلى عدم القول بالفرق بينهما،و الإجماعات المنقولة مطلقة.
فالمناقشة في الروايات أجمع بالأخصية من المدّعى كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين (4)لا وجه له أصلاً،و لا وقع له بعد ذلك جدّاً.
قيل:و كذا يجب الفداء كاملاً فيما لو رماه و لم يعلم حاله أنه أثّر فيه أم لا و القائل الشيخ في النهاية،و الحلّي في السرائر،و يحيى بن سعيد في الجامع (5).
قيل:و يحتمله كلام الحلبيّين و الجواهر؛ عملاً بالأغلب،و هو التأثير مع الإصابة،و إذا بني على التأثير و جهل الحال رجع إلى المسألة الأُولى (6).
ص:335
و فيه نظر؛ فإن أغلبية التأثير غايتها إفادة الظن به،و اعتباره في نحو المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل،و ليس،و موضوع المسألة الاُولى في ظاهر النصوص و الفتاوي صورة القطع به،لا الظن،فالتعميم يحتاج إلى دليل.
و لعلّه لهذا عزاه الماتن و الفاضل في التحرير (1)إلى قول،مشعرَين بتمريضه،و مرجعه إلى البناء على أصل عدم التأثير و أصل البراءة،مع انتفاء نصّ فيه،و لو لا النصوص في الأوّل لم يتّجه ضمان كمال الفداء فيه أيضاً.
و هو قوي متين إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،كما يفهم من بعض شرّاح الكتاب (2)،و يحتمله ما عن الغنية من الإجماع على أنه إذا أصاب فغاب الصيد فلم يعلم له حالاً فداه (3).
و عن الجواهر الإجماع على وجوب الجزاء (4).
و بالجملة:فالمسألة محل إشكال،فلا يترك فيها الاحتياط بحال.
ثم إنّ صور المسألة خمس تعرّض الماتن لحكم أربع منها،بقي الخامسة،و هي ما إذا رماه فلم يدر أصابه أم لا،و الحكم فيها البراءة بلا خلاف أجده إلّا من القاضي فضمّنه الجزاء (5)،و هو ضعيف جدّاً.
وا علم أنه قد اختلف الأصحاب فيما يجب في أعضاء الصيد:
ف قيل: إن في كسر يد الغزال نصف قيمته،و في يديه كمال القيمة، و كذا في رجليه في كل منهما نصف قيمته مطلقاً،و كذا في عينيه و في
ص:336
قرنيه معاً نصف قيمته،و في كل واحد منهما ربع قيمته.
و القائل:النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و السرائر و الجامع (1)كما حكي،و تبعهم من المتأخرين الفاضل في المختلف في العين خاصة (2)،و في القواعد و الإرشاد و المحقق الثاني (3)في الجميع،و ظاهر الأخير أنه المشهور،كالشهيد الثاني فقال:إن عليه المعظم (4).
و مستندهم رواية سماعة (5)الضعيفة بأبي جميلة،و لذا قال الماتن هنا و في الشرائع (6):
و في المستند ضعف إلّا أن يجبر بالشهرة المحكية فيما عرفت من كلام ثاني المحقّقين و ثاني الشهيدين و عملِ نحو الحلّي ممّن لا يجوّز العمل بأخبار الآحاد سيّما الضعيف منها إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية.
و فيهما نظر؛ لمعارضتهما بالمثل،فقد ادّعى جماعة (7)كون ذلك خلاف مذهب الأكثر من تعيّن الأرش،كما هو مقتضى الأصل،بناءً على ما ظاهره الاتفاق عليه من ثبوت ضمان أجزاء الصيد كما مرّ.
و قيل:هو ظاهر الخلاف،و به قال المفيد و الديلمي و الحلبيّان في
ص:337
الكسر،و زاد عدا ابن زهرة منهم إن رآه بعد ذلك سليماً تصدّق بشيء (1).
و هؤلاء أيضاً لا يعملون بالآحاد،و الرواية بمرأى منهم و منظر،بل رواها في الغنية بعد الفتوى بالأرش،فهو مما يوهنها زيادة على ما فيها من الضعف،فالأصح الأرش.
و هنا أخبار نادرة تقبل التأويل و التنزيل على كل من القولين (2).
و لو اشترك جماعة في قتله أي الصيد مطلقاً لزم كل واحد منهم فداء كامل بإجماعنا ظاهراً،و منقولاً في عبائر جماعة مستفيضاً (3)، و الصحاح به مضافاً إليه مستفيضة أيضاً (4).
و موردها و إن كان جماعة محرمين إلّا أن إطلاق الفتاوي يشملهم و غيرهم من المُحلّين في الحرم و المتفرقين.و به صرّح جماعة و منهم الشهيدان في الدروس و المسالك (5)،تبعاً للعلّامة في التحرير و المنتهى (6)، و ظاهرهم و سيّما الأخير أنه لا خلاف فيه بيننا،إلّا من الشيخ في التهذيب في المحلّ و المحرم إذا اشتركا في صيد حرمي،فأوجب على المحرم الفداء كاملاً،و على المحلّ نصف الفداء (7).
و من بعض العامة فيه أيضاً فأوجب فداءً واحداً عليهما (8).
ص:338
و مستند الشيخ القوي:في محرم و مُحلّ قتلا صيداً،فقال:« على المحرم الفداء كاملاً،و على المُحلّ نصف الفداء» (1).
و فيه مضافاً إلى قصور السند أنه أعم من المدّعى.
ثم على تقدير العموم للمحلّين في الحرم و المفترقين كما هو مقتضى الفتاوي ينبغي تعميم الفداء فيهما لما يشمل القيمة أيضاً،كما وقع التصريح بها في عبارة المصرِّحين بالعموم.
اللهم إلّا أن يقال:إن ذلك مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة،و هي مفقودة في كلامهم إلّا من حيث إطلاق الجماعة،و تقييده بالمحرمين أولى من حمل الفداء على الأعم،بناءً على الأصح من تقديم التخصيص على المجاز حيثما تعارضا،و خصوصاً هنا،لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه،دون المُحلّ و لو في المحرم،و إنما ذكر سابقاً تبعاً له.
و لذا توقف في التعميم بعض المتأخرين (2)،و هو في محلّه إن لم يثبت الإجماع على خلافه.
و لو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم للخبر:في محرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقتله،قال:« عليه ثلاث قيمات،قيمة لإحرامه،و قيمة للحرم،و قيمة لاستصغاره إياه» (3).
و في سنده ضعف و في متنه مخالفة للأُصول؛ لاقتضائها التفصيل بين أفراد الطير،و إيجاب المنصوص فيما ورد به من بدنة كما في النعامة،
ص:339
و كفّ من طعام كما في العصفور،و شاة كما في الحمامة،أو في الطير مطلقاً على حسب ما مرّ،لا إيجاب القيمة مطلقاً و لو كان منصوصاً بدونها من بدنة أو تمرة أو غيرهما كما في الرواية.
و نفيها (1)الزائد عن القيمة للحرم و الجزاء للقتل و لو مع الاستصغار؛ إذ لا دليل على إيجابه الكفارة،و إنما غايته الحرمة،و لا تلازم بينها و بين الكفارة.
فالتعول على هذه الرواية مشكل،إلّا أن تجبر بالاتفاق بالعمل عليها في إيجابها ثلاث كفّارات في الظاهر؛ إذ لم نر مخالفاً في ذلك من الأصحاب حتى نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد الخالية عن قرينة الصدق،و إن اختلفوا في الجمود على ظاهرها كما اختاره الماتن هنا و قال الشيخ في النهاية و المبسوط،و الحلّي في السرائر،و ابن عمّ الماتن في الجامع،و ابن حمزة في الوسيلة،و القاضي في المهذّب و الفاضلان في كتبهما حتى الماتن في الشرائع (2)،و غيرهم من المتأخرين (3):إنه عليه دم و قيمتان و زاد من عدا الماتن و الوسيلة التعزير،كما عن المنتهى و التحرير و التذكرة (4).
و الطير فيه و إن كان مطلقاً لكن المتبادر منه المنصرف إليه الإطلاق هو
ص:340
خصوص ما عدا النعامة و العصفور و الجرادة،و هو الحمامة،فلا عموم فيه قطعياً يحتاج إلى التفصيل توفيقاً بينه و بين الأُصول.
و لو سلّم فقوله في التعليل:« قيمة لإحرامه» كالصريح،بل صريح في أنها موجَبة عن الجناية من حيث الإحرام،و أنها كفارته،و حينئذ فيجعل المراد من القيمة ما يرادف الجزاء على حسبه،و لا ريب في شيوع إطلاق القيمة على الفداء مثلاً أو الجزاء،و لذا حكي التعبير بلفظ الجزاء دون الدم عن الوسيلة و المهذّب،و ذكر الدم في عبائر الأكثر إما مثال أو مقصور على الحمامة التي فيها الدم،و هي المتبادر من إطلاق الطير كما مرّ.
و بالجملة:التعليل المزبور أوضح قرينة على أن المراد بالقيمة الجزاء كما في عبائر هؤلاء.
و حينئذ فاندفع الإشكال عن الرواية بحذافيره،و تبيّن أن الأقرب ما في عبارة الوسيلة و المهذّب،بل من عدا الماتن،و أن ما اختاره من إطلاق القيمة جموداً على ظاهر لفظ الرواية محل مناقشة.
ففي الحقيقة مختاره خالٍ عن الدليل،لا ما ذكره الشيخ و الجماعة؛ فإنّ مستندهم الرواية على حسب ما فيها من التعليل و إن عكس جماعة.
و حيث كان الداعي إلى العمل بالرواية و مخالفة الأصل هو الإجماع أو الشهرة فيجب الاقتصار على موردها،و ليس إلّا الطير المضروب به الأرض في الحرم،و ضاربه المحرم،و قاتله الضرب و إن عمّت العبارة بعض ما ليس فيها،فإنه ليس بمعتمد،بل اللازم في غير المنصوص المصير إلى حكم الأُصول.
و لو شرب لبن ظبية في الحرم فعليه دم و قيمة اللبن كما عن
ص:341
النهاية و المبسوط و المهذّب و الجامع و في الشرائع و القواعد و الإرشاد (1)، لكن بدون لفظ« في الحرم» كما هنا،و عن الوسيلة (2).
للخبر:في رجل مرّ و هو محرم في الحرم،فأخذ عنز ظبية فاحتلبها و شرب لبنها،قال:« عليه دم و جزاء للحرم عن اللبن» (3).
و هو مع الضعف اشترط فيه الإحرام و الحرم جميعاً و أخذ الشارب و احتلابه،و لقد أغفلها الأصحاب جملةً أو بعضاً.
و لضعفه أو وحدته قال الحلّي بعد الفتوى به:على ما روي في بعض الأخبار (4).و هو حسن على أصله،بل على أصلنا أيضاً إن لم ينجبر الضعف بعمل الأصحاب.و الظاهر فيه الجبر؛ لعدم خلاف فيه بينهم يعتدّ به و إن اختلفوا في التعبير عنه بقيوده كلّاً أو بعضاً.
و المتّجه العمل به بقيوده جملةً؛ لحصول الجبر فيه حينئذ قطعاً؛ مضافاً إلى التأيد بما عن التذكرة و المنتهى (5)من الاستدلال زيادةً على الخبر بأنه شرب ما لا يحلّ شربه،إذ اللبن كالجزء من الصيد،فكان ممنوعاً منه،فيكون كآكل ما لا يحلّ أكله،فيدخل في عموم قوله(عليه السّلام):
« من أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعل متعمداً فعليه دم شاة» (6)إذ لا فرق بين الأكل
ص:342
و الشرب.
قال:و أما وجوب القيمة فلأنه جزء صيد فكان عليه قيمته.
و لا يخلو عن نظر،و لكن لا بأس به للتأييد،سيّما بعد عمل الأصحاب.
قيل:و احتمل الشهيد-(رحمه اللّه) وجوب القيمة على المُحلّ في الحرم، و الدم على المحرم في الحلّ (1).
و أما الإمساك:فإذا أحرم و معه صيد مملوك له قبل الإحرام بأحد الأسباب المملّكة زال ملكه عنه فيما قطع به الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة (2)،مؤذنين بدعوى إجماعنا عليه،كما عن ظاهر المنتهى و صريح الخلاف و الجواهر (3).
فإن تمّ الإجماع و إلّا فمقتضى الأصل بقاء الملك و إن حرم بعض التصرفات.
و لا مخرج عنه واضحاً،سوى ما قيل من أنه لا يملكه ابتداءً فكذا استدامةً (4)؛ و لعموم الآية (5)،بناءً على أن صيد البرّ فيها ليس مصدراً و لأنه وجب عليه إرساله بعد الإحرام إجماعاً كما في ظاهر الغنية.
و للخبر:« لا يحرم أحد و معه شيء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه،فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه،فإن لم يفعل حتى يدخل
ص:343
و مات لزم الفداء» (1).
و لو كان بقي على ملكه كان له تصرّف المُلاّك في أملاكهم (2).
و في الجميع نظر:فالأول بمنع الأصل و إن اشتهر،ثم الفرع،إذ لا دليل عليه سوى القياس،مع أن ظاهر جملة من النصوص الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد و الميتة الآمرة بأكل الصيد تملّك المحرم الصيد و لو في الضرورة،لتعليلها بأنه يأكل من ماله،فلولا أنه يملكه لما صحّ التعليل بالكلية.
و منع الثاني أوّلاً:بمنع كون الصيد فيه اسماً؛ لعدم وضوح دليل عليه.
و ثانياً:بأن المتبادر منه على تقدير الاسمية غير التملك من سائر التصرفات،كالاصطياد و الذبح و الأكل و نحوها.
و ثالثاً:بأنه إن تمّ فإن مفاده حرمة التملك و الاستبقاء،فلا يفيد فساداً إلّا إذا اقتضى النهي الفساد و كان ذاكراً،و يمنع الاقتضاء،و لو سلّم فالدليل أخص من المدّعى فإنه قد ينسى.
و الثالث:بمنع الإجماع؛ لعدم ظهوره من الكتاب ظهوراً يعتدّ به يعتمد عليه.
و الخبر ضعيف السند،و مع ذلك فمفاده وجوب الإرسال بعد دخول الحرم،و لا بعد الإحرام،قيل:و عليه اقتصر في النهاية (3).
و مع ذلك فكلّ من الملازمة و بطلان اللازم ممنوع.
ص:344
فانحصر الدليل في الإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة العظيمة، و لعلّه كاف في المسألة،و لولاه لكان القول ببقاء الملك و إن وجب الإرسال كما عن الإسكافي و الشيخ (1)،و قوّاه جماعة من المتأخرين- (2)في غاية القوة.
و تظهر الفائدة بين القولين فيما لو أخذه آخذ،أو جنى عليه جانٍ، فإنّ له انتزاعه في الأول،و المطالبة بالعوض في الثاني.
و لو أهمل في الإرسال ف تلف قبل الإرسال ضمنه و لو حتف أنفه،إجماعاً منّا و من القائلين بوجوب الإرسال،كما عن المنتهى،قال:
لأنه تلف تحت اليد العادية فلزمه الضمان،كمال الآدمي (3).
و ظاهر إطلاقه كالمتن و نحوه يشمل صورتي وقوع التلف قبل دخول الحرم و بعده،فإن تمّ إجماعاً كما نقله،و إلّا فالمستفاد من النصوص ليس إلّا الحكم في الصورة الثانية:
ففي الحسن:عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الضبي في الحرم،فقال:« إن كان حين أدخله الحرم خلّى سبيله فلا شيء عليه،و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء» (4).
بل المستفاد من الرواية المتقدمة اختصاصه بها،لكنها ضعيفة السند.
فالعمدة في الإطلاق هو ما مرّ من الإجماع في المنتهى.
ثم فيه بعد ما مرّ:أما لو[لم (5)]يمكنه الإرسال و تلف قبل إمكانه
ص:345
فالوجه عدم الضمان؛ لأنه ليس بمفرِّط و لا متعدٍّ.
أقول:و هو الأظهر،وفاقاً لجمع ممن تأخر (1)،من غير خلاف بينهم يظهر.و ليس فيه منافاة لما مرّ من إطلاق النص،لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى محل الفرض.
ثم قالوا:لو لم يرسله حتى أحلّ فلا شيء عليه سوى الإثم.
و في وجوب إرساله بعد إحلاله وجهان (2)،أظهرهما العدم،و لا بأس بالأول.
و أما الثاني فمشكل على إطلاقه،سيّما على القول بخروجه بالإحرام عن ملكه و حجية الاستصحاب؛ فإن مقتضاه وجوب الإرسال إذا وجب عليه حال الإحرام،بأن كان متذكراً و أهمل و لم يرسل مع إمكانه،فالأحوط الإرسال في هذه الصورة،بل مطلقاً.
ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الصيد معه.
و لو كان نائياً عنه لم يخرج عن ملكه بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة (3)؛ للأصل،و الصحيحين (4).
و الظاهر تحقق النائي بأن لا يكون مصاحباً له في الإحرام.
ص:346
و كما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداءه،فلو اشترى المحرم صيداً نائياً عنه أو اتّهبه انتقل إلى ملكه؛ للأصل السليم عما يصلح للمعارضة،و حيث لا يزول ملكه عنه فله بيعه وهبته و غيرهما،كما عن التحرير و المنتهى (1).
قيل:و قيل بالمنع (2).
و في الخبر:عن رجل خرج إلى مكة و له في منزله حمام طيّارة فألفها طير من الصيد و كان مع حمامه،قال:« فلينظر أهله في المقدار،أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه و لا يعرّضون لذلك الطير و لا يفزعونه و يطعمونه حتى يوم النحر و يحلّ صاحبهم من إحرامه» (3).
و لقصور سنده حمله جماعة على الاستحباب (4)،و لا بأس.
و لو أمسكه محرم في الحلّ و ذبحه محرم آخر مثله فيه لزم كلّاً منهما فداء أما الذابح فلما مرّ،و أما الممسك فلفحوى ما سيأتي من لزومه على الدالّ و المشارك في الرمي من غير إصابة،فهنا أولى.
و لا خلاف فيه أيضاً ظاهراً،و حكي عن الخلاف و التذكرة صريحاً (5).
قيل:و للشافعية وجهان،أحدهما أن الفداء على القاتل،و الآخر أنه بينهما (6).
ص:347
و لو كان أحدهما أي الذابح و الممسك مُحلّاً و الآخر محرماً ضمنه المحرم خاصة؛ لما مرّ.دون المحلّ؛ للأصل،مع عدم هتكه حرمه الإحرام و الحرم.
و ما يصيده المحرم في الحلّ لا يحرم على المُحلّ إذا ذبحه هو أو مُحلّ آخر؛ للأصل،و الصحاح المستفيضة (1).بل يستفاد منها إباحته له مطلقاً و إن ذبحه محرم في الحلّ،و لكن الأظهر الأشهر تحريمه حينئذ عليه، كما مرّ في أول بحث التروك.
و أما التسبيب:فإذا أغلق باباً على حمام الحرم و فراخ و بيض ضمن بالإغلاق الحمامة بشاة،و الفرخ بحَمَل،و البيضة بدرهم هذا إن أغلق و هو محرم.
و إن أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم،و الفرخ بنصف درهم و البيضة بربع درهم،كما في الخبر (2)،بل قيل:الموثق (3)،و زيد فيه أنه إن لم يتحرك الفرخ ففيه على المحرم درهم.
و نحوه في الحَمام الصحيح:في رجل أُغلق بابه على طائر،فقال:
« إن أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة،و إن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه» (4).
و عليه ينزل إطلاق الصحيحين في أحدهما:عن رجل أغلق باب بيت
ص:348
على طير من حمام الحرم فمات،قال:« يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم» (1).
و في الثاني:عن قوم قفلوا الباب على حمام الحرم،فقال:« عليهم قيمة كل طائر[درهم]يشتري به علفاً لحمام الحرم» (2).
بحملهما على المُحلّ دون المحرم،مضافاً إلى الإجماع.
و إطلاق الرواية الأُولى و الأخيرة،بل الثانية على رواية الشيخ في التهذيب دون الفقيه (3)،فإنها كالثالثة مختصة بصورة الهلاك يقتضي عدم الفرق بينها و بين صورتي السلامة و جهل الحال.و هو ظاهر المتن هنا و خيرة الفاضل في التلخيص كما حكي (4)،و نقلاه في الشرائع و المختلف و جماعة (5)قولاً،و لكن لم نعرف له قائلاً.
و شرط الشيخ و الحلّي و من تأخر عنهما من الأصحاب حتى الفاضلين فيما عدا الكتابين (6)في ثبوت الضمان الهلاك و زاد المتأخرون الجهل بالحال.و هو الأقوى،حملاً للإطلاق على صورة الجهل بالحال؛ لفحوى ما دلّ على نفي الضمان برمي الصيد و إصابته مع عدم التأثير فيه،فعدم الضمان هنا أولى،إذ ليس الإغلاق مع عدم الهلاك أولى
ص:349
من الأخذ ثم الإرسال،بل هو أولى،و على هذا فإن أرسله سليماً فلا ضمان.
نعم،ربما يؤيد الإطلاق أنه عند الهلاك يجتمع على المحرم في الحرم الأمران،كما في السرائر و التحرير و المنتهى (1)فيما حكي،و ظاهر الخبرين و الفتاوي أنه ليس عليه إلّا شاة أو حَمَل أو درهم،إلّا أن يراد الإغلاق على حمام الحرم في الحلّ،و فيه بُعد،أو يقال:إن إيجاب الشاة فيهما إنما هو لأجل الإحرام،فلا ينافي ثبوت درهم لأجل الحرم،كما قيل في نظائرهما من الأخبار الواردة في الجناية على الحمامة و فرخها و بيضها كما مضى.
هذا،و لكن الأحوط العمل بالإطلاق جدّاً.
و قيل:إذا نفّر حمام الحرم و لم تَعُد فعن كل طير شاة،و لو عاد فعن الجميع شاة و القائل الشيخان و والد الصدوق و القاضي و الديلمي و الحلّي و ابن حمزة فيما حكاه عنهم جماعة (2)،و تبعهم الفاضل في جملة من كتبه و غيره (3).
و قيل:ذكره أكثر الأصحاب،و في التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته،و لم أجد به حديثاً مسنداً (4).
ص:350
أقول:و لعلّه لذا عزاه الماتن إلى القيل مشعراً بتمريضه.
أقول:و لكن يفهم من عبارة التهذيب المزبورة وجود رواية مرسلة به،فهي تكفي بعد الانجبار بفتوى الأكثر،و لا سيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية،هذا.
مضافاً إلى صريح الرضوي فيما حكي،و فيه:« و إن نفّرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلّها شاة،و إن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة» (1).
قيل:و في المنتهى لا بأس به؛ لأن التنفير حرام،لأنه سبب للإتلاف غالباً و لعدم العود،فكان عليه مع الرجوع دم،لفعل المحرّم،و مع عدم الرجوع شاة،لما تقدم من أن من أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده،فإن لم يفعل ضمنه،و نحوه التذكرة.
و في المختلف عن الإسكافي من نفّر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته،قال:و الظاهر أن مقصوده ذلك إذا رجعت،إذ مع عدم الرجوع يكون كالمتلف،فيجب عليه عن كل واحد شاة.
و التنفير و العود يحتملان عن الحرم و إليه،و عن الوكر و إليه،و عن كل مكان يكون فيه و إليه.
و الشاك في العدد يبني على الأقل،و في العود على العدم.
و هل يختص الحكم بالمُحلّ كما قيل فإن كان محرماً كان عليه جزاءان؟وجهان،أقواهما التساوي،للأصل من غير معارض.
و الأقرب أنه لا شيء في الواحدة مع الرجوع؛ للأصل،و اختصاص
ص:351
الفتاوي بحكم التبادر و السياق بالجمع،قلنا إن الحمام جمع أم لا؛ و لأنه لو وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها و عدمه،بل و لا تلفها.
و يحتمل المساواة للكثير،كما يتساوى ثلاثة منها و ألف،و كما يتساوى حمامة و جزؤها في الفداء عند الأكل؛ لتحصيل يقين البراءة،و منع اختصاص الفتاوي بالجمع،و إنما يعطيه ظاهر قولهم:فعن كل حمامة شاة، و هو لا يعيّنه،و أما بحسب اللغة فالمحقّقون على أنه اسم جنس،و لا بُعد في تساوي التنفير و الإتلاف (1).
و لو أوقد جماعة ناراً فاحترق فيها حمامة أو شبهها من الصيد لزمهم فداء واحد إذا لم يقصدوا بالإيقاد وقوعها فيها و اصطيادها، و لو قصدوا به ذلك لزم كل واحد منهم فداء كامل بغير خلاف ظاهر.
للصحيح (2)،[و مورده (3)]الإيقاد حال الإحرام قبل دخول الحرم.
و ألحق جماعة (4)بذلك المُحلّ في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة أعني الدرهم،و صرّحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم.و هو جيّد مع القصد إلى الاصطياد،و مشكل مع العدم؛ لانتفاء النص.
و لو اختلفوا في القصد و عدمه،بأن قصد بعض دون بعض اختصّ كلّ بحكمه،فيجب على كل من القاصدين فداء،و على من لم يقصد فداء واحد.
ص:352
و لو كان غير القاصد واحداً فإشكال،ينشأ من مساواته القاصد مع أنه أخفّ منه حكماً.
و احتمل جماعة وفاقاً للدروس (1)مع اختلافهم أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع،فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة و على الآخر نصفها،و هكذا،لو كان الواقع الحمامة.و لا بأس به.
و لو دلّ محرم على صيد في الحلّ أو الحرم محلّاً أو محرماً أو أغرى كلبه و أرسله إليه كذلك فقُتل،ضمنه للتسبيب فيهما؛ مضافاً إلى الإجماع المحكي عن الخلاف و الغنية (2)،و الصحيحين في الأول:
ففي أحدهما:« لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد و أنت حرام،و لا و أنت حلال في الحرم،و لا تدلّنّ عليه مُحلّاً و لا مُحرماً فيصطاده،و لا تشر إليه فيستحل من أجلك،فإن فيه فداءً لمن تعمّده» (3).
و احتمال كون الفداء فيه على المستحل،لا الدالّ،بعيد عن ظاهر سياقه،و لذا لم يحتمله أحد من الأصحاب،و استدلوا به هنا.
و في الثاني:« المحرم لا يدلّ على الصيد،فإن دلّ[فقتل]فعليه الفداء» (4).
قيل:أما الإجماع إنما هو إذا قُتل بالدلالة،فلا شيء عليه إذا لم يأخذه
ص:353
المدلول،أو أخذه ثم أرسله و إن أثم؛ للأصل،و أطلق الفداء جماعة من الأصحاب،و في المختلف:إنهم إن قصدوا الإطلاق فهو ممنوع،ثم استدل لهم بالصحيح الثاني بحذف قوله:« فقُتل» و أجاب بحمله على القيد،و هو موجود في نسخ الكافي و التهذيب (1)،و كأنّ القيد مراد لهم.
و لا ضمان إن رآه المدلول قبل الدلالة؛ التسبيب و الدلالة حقيقةً، مع الأصل.و كذا إن فعل ما فطن به غيره و لم يكن قصد به ذلك؛ لخروجه عن الدلالة.
ثم الدالّ إنما يضمن إذا كان محرماً دلّ محرماً أو مُحلّاً على صيد في الحرم أو في الحلّ.و إن كان مُحلّاً دلّ محرماً أو مُحلّاً على صيد في الحرم، ففي المنتهى و التحرير:إنّ في ضمانه نظراً،و الصحيح الأول يفيد الضمان.
و إن دلّ مُحلّ محرماً على الصيد في الحلّ لم يضمن،وفاقاً للتذكرة؛ لأنه لم يضمن بالمباشرة فبالتسبيب أولى،و تردّد في المنتهى،لأنه أعان على محرم فكان كالمشارك،و ضعفه ظاهر (2).
أقول:لأنه غاية الإعانة إفادة الإثم،لا الكفارة.
و من أحكام الصيد مسائل ثمانية:
الاُولى: ما يلزم المحرم في الحلّ من الفداء أو بدله في المنصوص،و القيمة في غيره و المُحلّ في الحرم كذلك يجتمعان على المحرم في الحرم بلا خلاف أجده و لا حكي،إلّا عن العماني،فلم
ص:354
يوجب على المحرم إذا قتل حمامة في الحرم إلّا شاة (1)،و هو نادر،بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر،كالإنتصار و الغنية و شرح الجمل للقاضي (2)كما حكي،و النصوص به مع ذلك مستفيضة عموماً و خصوصاً فيما ذكره.
و قد مرّ من الثاني الصحيح في قتل الحمامة (3)،و الأخبار بمعناه في قتلها و فرخها و بيضها مستفيضة (4).
و من العموم الصحيح:« إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك،و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فإنما عليك فداء واحد» (5).
و الظاهر أن المراد من الفداء في قوله:« فالفداء مضاعف» ما يعمّ القيمة،كما ربما يشعر به سياقه و رواية اخرى موثقة لراوي هذه الصحيحة، فإن فيها:« ليس عليك فداء شيء أتيته و أنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجك أو عمرتك؛ إلّا الصيد،فإن عليك الفداء بجهل كان أو عمد،و لأن اللّه تعالى قد أوجبه عليك فإن أصبته و أنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة،و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فعليك القيمة،و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً» (6).
ص:355
هذا،مضافاً إلى النصوص الواردة في الحمامة،فإنها صريحة في أن المجتمع على المحرم في الحرم الفداء و القيمة،لا الفداء مضاعفاً،فتكون صارفة للفداء في هذه الصحيحة إلى ما يعمّ القيمة.
و ارتكاب التجوّز فيها بذلك جميعاً أولى من الجمع بتخصيصها بما عدا الحمامة؛ لما عرفت،مضافاً إلى عدم قائل بهذا التخصيص،إذ الأصحاب ما بين قائل بما ذكرناه،و هم الأكثرون (1)،و قائلٍ بتضاعف الفداء مطلقاً كما حكي عن الإسكافي و المقنع و أحد قولي المرتضى (2)،و مخيّرٍ أو مردّدٍ بينهما كما عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة (3)،و التخصيص المزبور لا يوافق شيئاً من هذه الأقوال كما ترى.
فتعيّن ما ذكرنا دليلاً و فتوى؛ لعدم ما يدل على شيء من هذه الأقوال،مع إمكان إرجاعها إلى ما ذكرنا،كما احتمله جماعة من أصحابنا (4).
و أما الخبر:ما في القُمري و الدبسي[و السماني]و العصفور و البلبل؟ قال:« قيمته،فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم» (5)
ص:356
فلعلّه لأنه ليس لها مثل من النعم،كما عن التذكرة و المنتهى (1).
نعم،في بعض الأخبار عن مولانا الجواد في مسألة يحيى بن أكثم القاضي:« إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها فعليه شاة،و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً،و إذا قتل فرخاً[في الحلّ]فعليه حَمَل فطم من اللبن،و إذا قتله في الحرم فعليه الحَمَل و قيمة الفرخ،و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة،و إن كان نعامة فعليه بدنة،و إن كان ظبياً فعليه شاة،و إن كان قتل[شيئاً]من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة» (2).
و فيه مخالفة لما ذكرنا؛ لأن قوله(عليه السّلام) « هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» [1] نصّ على معنى مضاعفة الجزاء.
قيل:و يجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء و القيمة إلّا في الفرخ،فلذا فرّق بينهما فيه دون غيره (3).
و فيه أنه بعد الإغماض عن السند،و عدم المكافأة لما مرّ فرع وجود قائل بما فيه،و لم نجده.
و هذه الرواية نصّ في المضاعفة و لو بلغ الفداء بدنة كما عليه الأكثر، و عزاه الحلّي بعد اختياره إلى من عدا الشيخ من باقي الأصحاب (4)،
ص:357
مؤذناً باتفاقهم عليه.و هو الأظهر؛ لإطلاق ما مرّ في المسألة من النص، مؤيداً بصريح هذا الخبر.خلافاً للماتن هنا و في الشرائع (1)فقيّدها ب ما إذا لم يبلغ بدنة وفاقاً للشيخ و ابن حمزة و القاضي (2)كما حكي، و تبعهم الفاضل في جملة من كتبه (3)؛ للأصل،و يخصَّص بما مرّ.
و الخبر:« إنما يكون الجزاء مضاعفاً فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة،فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف» (4)و هو مع ضعفه بالإرسال معارض بمثله الصريح (5)،المعتضد بإطلاق الصحيح و غيره.
و دعوى المسالك شهرة هذا القول (6)موهونة،فلا يمكن أن يجبر بها ضعف سند الرواية،مع أنها بدعوى الحلّي المتقدمة معارضة،سيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتحققة،و مع ذلك فما اخترناه أحوط أيضاً في المسألة.
الثانية: يضمن الصيد بقتله عمداً بأن يعلم أنه صيد فقتله ذاكراً لإحرامه،كان عالماً بالحكم أم لا،مختاراً أو مضطراً،إلّا في نحو ما مرّ من الجراد ممّا يشقّ التحرز عنه.
و سهواً بأن يكون غافلاً عن الإحرام(أو عن الحرمة) (7)أو كونه صيداً.
ص:358
و جهلاً بالحكم.
و خطأً،بأن قصد شيئاً فأخطأ إلى الصيد،و يمكن إدخاله في الجهل.
كلّ ذلك بالإجماع المستفيض النقل (1)،كالصحاح و غيرها (2).
و ظاهرها كالفتاوي،بل صريح جملة منهما تساوي العمد و نحو الخطأ في وحدة الكفارة و عدم تضاعفها و لو في العمد.خلافاً للمرتضى في الناصريات و الانتصار (3)،فقال بالتضاعف في العمد،إما مطلقاً كما في الأخير،أو مع قصد نقض الإحرام كما في الأول،مستدلاً عليه بالإجماع و الاحتياط،و بأن عليه مع النسيان جزاء و العمد أغلظ،فيجب له المضاعفة.
و في الأول وهن؛ إذ لم أر قائلاً به سواه.و الثاني ليس بدليل شرعي.
و الثالث بأنه اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمد و غيره ليس إلّا الإثم (4)،الموجب للعقاب،و به تثبت الأغلظية،فلا يحتاج إلى تعدّد الكفارة.
و إذا تكرّر الجنابة خطأً و المراد به ما عدا العمد دائماً ضمن الكفارة بكلّ مرة إجماعاً مستفيض النقل (5)،كالصحاح و غيرها، و ستعرف جملة منها إن شاء اللّه تعالى.
و لو تكرّر عمداً عالماً ففي ضمانه الكفارة في المرة
ص:359
الثانية و الثالثة و هكذا روايتان و قولان أشهرهما كما هنا و في الشرائع (1) أنه لا يضمن و كان ممن ينتقم اللّه تعالى منه،و عزاه في كنز العرفان إلى أكثر الأصحاب (2)،و عن التبيان أنه ظاهر مذهب الأصحاب (3)، و عن المجمع أنه الظاهر في رواياتنا (4)،و عن الخلاف أنه في كثير من الأخبار (5).
أقول:و هي مع ذلك مستفيضة،ففي الصحيح:« فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاء،و ينتقم اللّه تعالى منه،و النقمة في الآخرة» (6).
و في آخر:« إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة،و هو ممن قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [1] (7)» (8).و نحوهما الخبر (9).
و أصرح منها المرسل كالصحيح على الصحيح لابن أبي عمير المجمع على قبول مراسيله كما قيل:« فإن أصابه ثانية متعمداً فهو ممن ينتقم اللّه تعالى،و النقمة في الآخرة،و لم يكن عليه الكفارة» (10).
ص:360
و هذه الأخبار صريحة الدلالة و إن لم يتضمن ما عدا الأخير منها التصريح بالتعمد،إلّا أن قوله فيها:« فينتقم اللّه تعالى منه» صريح في الاختصاص به،و هي مع ذلك مخالفة لما عليه العامة إلّا النادر منهم (1)،كما صرّح به جماعة (2)،موافقة لظاهر الكتاب؛ فإنه جعل سبحانه جزاء العود الانتقام،بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدية بمقتضى المقابلة،و التفصيل قاطع للشركة،و لذا تمسك به في الرواية الأخيرة،بل الروايات المزبورة كلّها لنفي الكفارة عن متعمد العود،فتكون مفسرة للآية.
و مع ذلك معتضدة بالأصل،و سليمة عن المعارض بالكلّية،عدا ما قيل (3)من الآية،و فيها ما عرفته؛ و من الاحتياط،و ليس بدليل شرعي؛ و إطلاقات الأخبار بالكفارات،لشمولها المرة الثانية و لو عمداً،و فيها منع، لاختصاصها بحكم التبادر بالمرة الأُولى و ما عدا العمد خاصة،فهي إذاً بالنسبة إلى التكرار و العمد مجملة لا حجة فيها بالكلية.
و الرواية الثانية و هي أيضاً مستفيضة،ففي الصحيح:« عليه الكفارة في كل ما أصاب» (4).
و في آخر:« كلّما عاد عليه كفارة» (5).
و في جملة من الأخبار الصحيحة أنه لا فرق في لزوم الكفارة بين
ص:361
العمد و الخطأ و الجهل،و إنما الفارق بين العمد و غيره هو خصوص المؤاخذة:
ففي الصحيح:عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد، أهم فيه سواء؟قال:« لا» قلت:جعلت فداك،ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة و هو محرم؟قال:« عليه الكفارة»[قلت:]فإن أصابه خطأً؟ قال:« عليه الكفارة»[قلت:]فإن أخذ ظبياً متعمداً فذبحه،قال:« عليه الكفارة» قال،قلت:جعلت فداك،قلتَ:إن الخطأ و الجهالة و العمد ليس سواء،فبأي شيء يفضل المتعمدُ الخاطئَ؟!قال:« بأنه أثم و لعب بدينه» (1)و لو انفصل العامد عن غيره بشيء غير ذلك لوجب ذكره و بيانه في مقام الحاجة.
و هذه الأخبار ليس شيء منها صريحاً،و إنما غايتها الإطلاق كالروايات الأخيرة و قد عرفت عدم انصرافه إلى المرّة الثانية،أو العموم كالصحيحين إن كان لفظه« ما» في أوّلهما مصدرية،و يقبل التخصيص بما عرفته،لحصول التكافؤ في الخاص،و قوة الدلالة من وجوه عديدة.
مع أن لفظه« ما» في الرواية الأُولى كما تحتمل المصدرية فتتعلق بموضوع المسألة؛ كذا يحتمل كونها موصولة فتخرج عنه،و تصير بالنسبة إليه مجملة،إذ الكلام فيها ليس في أفراد الصيد من حيث الفردية،بل الإجماع منعقد على العموم في الأفراد من هذه الحيثية،و لا يلحظ في هذه خصوص المرة الأُولى أو الثانية،و إنما الكلام فيها من حيث الأحوال من حيث التكرار و المرة،و ليس في الرواية على تقدير الموصولية إشارة إلى
ص:362
العموم من هذه الجهة،بل هي بالنسبة إليها مجملة،فلا يمكن التمسك بها حينئذ لإثبات العموم من هذه الجهة.
و أما تأييد هذه الأخبار بالأولوية و جملة من الأُمور الاعتبارية فلا وجه له بعد ضعف أصل الأخبار دلالةً،و معارضتها بأقوى منها من وجوه شتّى.
فإذاً القول الأول أقوى،وفاقاً للصدوق في الفقيه و المقنع و التهذيبين و المهذّب و الجامع كما حكي (1)،و الشهيدين في النكت و المسالك و سبط الثاني في المدارك (2)،و كثير ممن تأخر عنه (3)،بل قد عرفت دعوى شهرته في المتن و غيره،بل أنه ظاهر الأصحاب.
خلافاً للحلّي و السيّدين و الحلبي،و الفاضل في جملة من كتبه، و الفاضل المقداد في الكنز و الشرح (4)،و غيرهم (5).
و اعلم أن ظاهر الكتاب و الروايات النافية للتكرار مع العمد إنما هو في صيد الإحرام مطلقاً دون الحرم للمُحلّ و العمد بعد العمد،و في الإحرام الواحد،دون المتعدد.
فتتكرر الكفارة في صيد الحرم و لو للمُحلّ مطلقاً عمداً على الأقوى،
ص:363
وفاقاً للشهيد الثاني و غيره (1).
و في العمد بعد الخطأ أو النسيان،و العكس بلا خلاف،كما قيل (2).
و في الإحرامين مطلقاً لعامين مطلقاً و لو قرب الجنايتان فيهما زماناً، أو عام واحد لم يرتبط أحدهما بالآخر،أو ارتبطا كإحرام العمرة المتمتع بها مع حجها،على إشكال في الأخيرة،و لكن الأحوط بل الأقوى التكرار فيه أيضاً.
الثالثة:لو اشترى مُحلّ بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن المحرم كل بيضة أكلها بشاة،و ضمن المُحلّ عن كل بيضة درهماً كما في الصحيح (3)،و لا خلاف فيه أجده،و في المسالك الاتفاق عليه (4).
و لم يفرّق فيه و لا في الفتاوي بين كون المشتري أو الآكل في الحلّ أو الحرم،و في المسالك إنه في الحلّ،فعلى الآكل في الحرم المضاعفة، و على المشتري فيه أكثر الأمرين من الدرهم و القيمة.
و لا بأس بالأخير احتياطاً،و بالأول فتوًى؛ جمعاً بين الصحيح و ما دلّ على المضاعفة على المحرم في الحرم (5)،لعدم التعارض بينهما.
و منه يتوجه ما قيل من أن الشاة فداء الأكل خاصة،فلو انضم إليه الكسر لزم أيضاً الإرسال إن لم يتحرك الفرخ (6).
ص:364
و هل الأخذ بغير شراء كالشراء؟احتمال قريب.
و إن كان المشتري أيضاً محرماً و كان مكسوراً أو مطبوخاً أو فاسداً لم يكن عليه إلّا درهم؛ لإعانته المحرم على أكله؛ و فحوى ما دلّ على ثبوته على المُحلّ.
و إن كان صحيحاً فدفعه إلى المحرم كذلك،كان مسبِّباً للكسره،فعليه ما عليه إن باشره،و إن كسره بنفسه فعليه فداء الكسر قيل:و كان الطبخ مثله (1)ثم عليه لدفعه إلى الآكل الدرهم.
و إن اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه للشراء شيء،كما لا شيء على من اشترى غير البيض من صيد أو غيره و إن أساء و أثم،للأصل، و بطلان القياس،و منع الأولوية.
الرابعة:لا يملك المحرم صيداً باصطياد و لا ابتياع و لا اتّهاب و لا غير ذلك من ميراث و وصية و صلح و وقف و شبهها،إن كان معه في الحلّ أو الحرم،على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا و في الشرائع و القواعد و نحوها (2).
قيل:لعموم الآية و ما عرفت من زوال ملكه عنه بالإحرام،فعدم التملك أولى.و ضعفهما ممّا مضى،نعم،إن ثبت الإجماع على زوال الملك قوي العدم (3).
و يملك ما ليس معه كما لا يزول ملكه عمّا ليس معه.و لا يجب إرساله؛ للأصل من غير معارض.لكن عموم الآية معارض إن استند إليه
ص:365
فيما معه.
قيل:و في التحرير و التذكرة و المنتهى:إن ذلك في الحرم،أما في الحلّ فالوجه التملك؛ لأن له استدامة الملك فيه،فكذا ابتداؤه،مع قطعه فيها بزوال ملكه عند بالإحرام و احتجاجه له بأن استدامة الإمساك كابتدائه، و هو يعمّ المحرم في الحرم و في الحلّ.
و قيل:في المبسوط:إنه لا يدخل بالاتّهاب في ملكه و أطلق،و لا يجوز له شيء من الابتياع و غيره من أنواع التملك،و إن الأقوى أنه يملك بالميراث،و لكن إن كان معه وجب عليه إرساله،و إلّا بقي على ملكه و لم يجب إرساله.و هو قوي؛ لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم الآية بالتحريم،فيرثه بعموم أدلة الإرث،و إنما الذي اختاره الاستدامة،فلذا وجب الإرسال إن كان معه،و هو مقرّب التذكرة،و فيها و في المنتهى:إن الشيخ قائل به في الجميع،و الذي في المبسوط يختص بالإرث، و هو المنقول في المختلف (1).
الخامسة:لو اضطر المحرم إلى أكل ال صيد في مخمصة جاز له أكله بقدر ما يمسك به الرمق،و ضمن الفداء؛ بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في جملة من العبائر (2)؛ و بالنصوص،و منها الأخبار الآتية المرخصة لأكلها مع الميتة فبدونها أولى.
و لو كان عنده مع الصيد ميتة ف فيه روايتان باختلافهما اختلف الأصحاب على أقوال.
ص:366
و لكن أصحّهما و أشهرهما كما هنا و في التنقيح (1)أنه يأكل الصيد و يفديه و هي مع ذلك صحاح مستفيضة (2)،مؤيدة بغيرها من المعتبرة،و باختصاص الميتة بالحرمة الأصلية و بالخبث و فساد المزاج و إفساده المزاج،و بالمخالفة لما عليه أكثر العامة و رؤساؤهم،و منهم أصحاب الرأي،و هم أصحاب أبي حنيفة،على ما حكاه عنهم جماعة (3)، و عمل بها المفيد و الديلمي و المرتضى (4)،مدّعياً عليه في الانتصار الإجماع.
و ظاهر إطلاقها كالمتن و نحوه توقف الأكل على الفداء،و لا ريب فيه مع إمكان الفداء،و يشكل مع عدم إمكانه،إذ لم يذكروا كأكثر النصوص حكمه حينئذ.
و ظاهر المتن عدم جواز أكل الميتة هنا أيضاً لمقابلته هذا القول الذي اختاره بقوله:
و قيل:إن لم يمكن الفداء أكل الميتة و مفهومه أنه أكل الصيد مع الفداء إن أمكنه.
و وجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من الفداء على القول الثاني،و لا على القول الأول،بل يرجع فيه إلى القواعد المقررة،كما في المهذّب شرح الكتاب قال:و هي ان الصيد إن كان نعامة
ص:367
انتقل إلى إبدالها،حتى ينتهي إلى ما يلزم العاجز،و هو الصوم،و كذا إن كان ظبياً أو غيرهما،فهذا فرق ما بينهما فاعرفه (1).
و في التنقيح:إن الفارق بينهما هو أن الأكل في القول الأول رخصة، و في الثاني عزيمة (2).
و ظاهرهما بل و غيرهما أن المعتبر من التمكن و عدمه إنما هو وقت الاضطرار إلى الأكل،كما عن الإسكافي الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني (3).و فيه نظر،بل الأظهر أنه مع عدم التمكن من الفداء وقت الاضطرار يأكل الصيد و يقضي الفداء إذا رجع إلى ماله،كما في الموثق (4)، و نحوه الصحيح المروي عن المحاسن (5).
و الرواية تضمن الأمر بأكل الميتة مطلقاً،و هي روايتان قاصرتا السند،بل ضعيفتان (6)،فلا يعترض بهما الأخبار السابقة،مع ما هي عليه من المرجحات المزبورة و إن رجّحت هذه أيضاً بأُمور اعتبارية،لكنها مع ضعفها في نفسها و معارضتها بمثلها بمثلها لا تقابل المرجحات المزبورة،مع أنه لا قائل بإطلاقها كما يستفاد من العبارة،بل و غيرها،فهي إذا شاذة.
ص:368
و الجمع بينهما و بين الأخبار الأولة بحملها على صورة التمكن من الفداء،و هاتين على العدم،كما ذهب إليه إليه أرباب القول الثاني،و هم الشيخ في النهاية و المبسوط،و القاضي في المهذّب،و الفاضلان في الشرائع و القواعد و غيرهما (1)،لا وجه له.
كما لا وجه للجمع بينهما بالتخيير،كما عن الصدوق (2)؛ إذ هو فرغ التكافؤ المفقود في المقام كما مرّ؛ مضافاً إلى عدم الشاهد عليهما.
و بالجملة:فما اختاره الماتن هنا أقوى.
السادسة:إذا كان الصيد الذي جنى عليه المحرم مملوكاً ففداؤه الذي لزمه بجنايته للمالك دون اللّه سبحانه،كما هنا و في الشرائع و الإرشاد و القواعد (3).
و في المسالك:هكذا أطلق الأكثر،و المفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال،و هو شامل أيضاً لما إذا زاد قيمة الصيد المملوك أو نقص،و لما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر،و لما كان للمالك فيه نفع و غيره كالإرسال إذا لم ينتج شيئاً و الصوم،و لما إذا كانت الجناية من المحرم في الحلّ أو من المحلّ في الحرم،فيشمل ما يجتمع فيه القيمة و الجزاء،و مقتضاه أنه لا يجب للّه تعالى سوى ما يجب للمالك،مع أن القواعد المستقرة ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان.
ص:369
و كما يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران،قد يقتضي ضمان ما هو أقل،بل ما لا ينتفع به المالك،فلا يكون الإحرام موجباً للتغليظ عليه زيادةً على الإحلال.
فيتحصل في هذه المسألة مخالفة في أُمور ثمّ عدّها و أنهاها إلى اثنى عشر أمراً ثم قال:إلى غير ذلك من المخالفات للأصل المتّفق عليه من غير موجب يقتضي المصير إليه،و قد ذهب جماعة من المحقّقين منهم العلّامة في التذكرة و التحرير،و الشهيد في الدروس،و المحقق الشيخ علي إلى أن فداء المملوك للّه تعالى،و عليه القيمة لمالكه،و هذا هو الأقوى،لأنه قد اجتمع في الصيد المملوك حقان:للّه تعالى باعتبار الإحرام و الحرم، و للآدمي باعتبار الملك،و الأصل عدم التداخل،فحينئذ ينزّل الجاني منزلة الغاصب و القابض بالسوم،ففي كل موضع يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفيةً و كميةً،فيضمن القيمي بقيمته،و المثلي بمثله،و الأرش في موضع يوجبه للمالك،و يجب عليه ما نصّ الشارع عليه هنا للّه تعالى،و لو كان دالّاً ضمن الفداء للّه تعالى خاصة (1)انتهى.
و هو حسن،و ما اختاره خيرة الشيخ في الخلاف و المبسوط (2)أيضاً، كما حكاه عنه جماعة مختارين له أيضاً (3)،بل زاد بعضهم فقال:إنه مذهب المتأخرين كافة (4)،بل ذكروا أن ظاهر المنتهى دعوى الاتفاق عليه منّا (5).
ص:370
و لو لم يكن الصيد الذي جنى عليه مملوكاً لأحد تصدّق به إن لم يكن حيواناً،كما لو كان الواجب الأرش أو القيمة أو كفّ من طعام.
فلو كان حيواناً كالبدنة و البقرة وجب ذبحه أوّلاً بنية الكفارة،ثم التصدق به على الفقراء و المساكين بالحرم،و لا يجب التعدد،و يجب التصدق بجميع أجزائه مع اللحم،و النية عند الصدقة أيضاً،و لا يجوز الأكل منه،فلو أكل ضمن قيمة ما أُكل على الأقوى،كما في المسالك (1)،كل ذلك للنصوص (2)و الأُصول.
و حمام الحرم إذا جني عليه يشتري بقيمته علف لحمامه للأمر به فيما مرّ من الصحيح و غيره (3)،و لكن مرّ أن الأصح جواز التصدق بقيمته أيضاً مخيّراً بينهما و إن كان الأول أفضل و أحوط و أولى.
السابعة: كل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمنى إن كان حاجّاً و إن كان معتمراً فبمكة كما هنا و في الشرائع و القواعد (4)،و عن الخلاف و المراسم و الإصباح و الإشارة و الفقيه و المقنع و الغنية (5)،قيل:و فيه التنصيص على تساوي العمرة المبتولة و المتمتع بها (6).
لقول مولانا الجواد(عليه السّلام)للمأمون،فيما رواه المفيد في الإرشاد عن
ص:371
الريّان بن شبيب عنه:« و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى،و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة» (1).
و فيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره،عن محمد بن الحسن،عن محمد بن عون النصيبي،و فيما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول:« و المحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس،و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة» (2).
و في جمل العلم و العمل و المقنعة و الكافي و المهذّب و روض الجنان و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع (3):إن جزاء الصيد يذبحه الحاج بمنى،و المعتمر بمكة.
و نُصّ في الأربعة الأخيرة على أن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى؛ و في المهذب على جوازه في العمرة المبتولة؛ و في روض الجنان على جوازه و أطلق؛ و في الكافي على أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة.
و في السرائر و الوسيلة و فقه القرآن للراوندي و ظاهر الخلاف (4):أنها كالحج في ذبحه بمنى.
و يدلُّ على الحكم في جزاء الصيد مع ما سمعت الصحيح:« من
ص:372
وجب عليه فداء صيد أصابه محرماً فإن كان حاجّاً نحر هديه الذي يجب عليه بمنى،و إن كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة» (1).
و الخبر:في المحرم إذا أصاب صيداً فوجب عليه الهدي:« فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس،و إن كان في عمرة نحر بمكة،و إن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه» (2).
يعني و هو أعلم ما ذكره الشيخ من أنه لا يجب الشراء من حيث صاد و السياق إلى مكة أو منى و إن كان أفضل (3).
و أوجبه الحلبيّان (4)؛ للصحيح المقطوع:« يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد» (5).
و في كفارة غير الصيد الصحيح:عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟قال:« بمكة إلّا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى،و يجعلها بمكة أحبّ إليّ» (6).
و دليل اختصاصه بغير الصيد الآية (7)و المرسل:« من وجب عليه
ص:373
هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلّا فداء الصيد،فإن اللّه تعالى يقول هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [1] (1).
و في المختلف:و ليس في هذه الروايات تصريح بالعمرة المتمتع بها،و الأولى إلحاق حكمها بالعمرة المبتولة كما قاله الحلبي،لا بالحج كما قاله ابن حمزة و الحلّي،لنا:صدق عموم العمرة عليها (2).انتهى.
و عن والد الصدوق جواز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع [بمنى (3)].أقول:قيل (4):للرضوي (5).و في مقاومته لما مرّ ضعف ظاهر،فإذا المتجه إلحاقها بالمفردة،وفاقاً لمن مرّ.
و يتحصّل من جملة ما سبق من الأقوال و الأخبار أنه لا إشكال بل و لا خلاف فتوًى في تعين منى لفداء الحاج مطلقاً،في جزاء الصيد أو غيره، و الأخبار متفقة عليه أيضاً،إلّا المرسلة المتقدمة،فإنها شاملة لفدائه أيضاً في غير جزاء الصيد،و لكنها لضعفها و إرسالها و عدم مقاومتها لشيء مما قابلها غير صالحةً للحجية،فضلاً عن المعارضة،فلتكن مصرحة،أو مقيدة بالمعتمر،كما في الصحيحة السابقة عليها،و إن عمّت جزاء الصيد، لوجوب تخصيصها بغيره،لما عرفت من الآية،مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة المسندة و الرواية التي بعدها،و الجمع بينهما بذلك أولى من حمل
ص:374
الروايتين على الاستحباب لهذه الصحيحة،فلا إشكال أيضاً في تعيّن مكة للمعتمر في فداء الصيد.
و في تعيّنها له في غيره أيضاً،كما هو ظاهر إطلاق المتن و من مرّ،أم لا،إشكال و اختلاف.و الأحوط الأول و إن كان في تعيّنه نظر؛ لاستلزامه طرح الصحيحة المجوّزة لمنى من أفضلية مكة،و لا كذلك لو لم يتعيّن، فإنه يجتمع بذلك الأخبار بعضها مع بعض،بحمل إطلاق الأخبار الأولة بأن محل فداء المعتمر مكة على فداء الصيد لا غيره،جمعاً بينها و بين صريح هذه الصحيحة،بل ربما كان سياق بعضها ظاهراً فيه دون غيره،كما صرّح به بعض الأصحاب.
الثامنة:من أصاب صيداً فداؤه شاة فلم يجدها أطعم عشرة مساكين،فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج كما في الصحيح (1)،و أفتى به الماتن هنا،و الفاضل في صريح التحرير و ظاهر التذكرة و المنتهى كما قيل (2)،و شيخنا في المسالك و القاضي فيما حكاه عنه الصيمري (3).
و هو متوجّه؛ لصحة الرواية،و صراحتها،و عدم هور مخالفتها للأُصول المقطوع بها حتى تردّ أو يتردّد فيها،كما هو ظاهر الماتن في الشرائع و الفاضل في القواعد (4)،و لذا عدل الماتن عنه إلى الفتوى بها هنا، و هو أولى.
ص:375
إلّا أنه ليس فيها أن صام الثلاثة أيام في الحج في نسخ التهذيب المروية عنه،و لا ظفرنا بخبر آخر فيه ذلك،و بذلك صرّح جماعة (1)، و لكن ذكره الماتن في الكتابين و الفاضل في القواعد و التذكرة كما قيل (2)، و في المنتهى و المختلف (3).
فالحكم بذلك مشكل،بل المتّجه الإطلاق كما في التحرير (4)،و لكن ما هنا من التقييد بالحج أحوط.
ثم إنه ليس في الرواية أيضاً إضافة الكفارة إلى الصيد،بل هي مطلقة،لكن سياقها ظاهر في كفارته خاصة،فإنّ فيها:« كل من أصاب شيئاً فداؤه بدنة إن عجز عنها أطعم ستين مسكيناً،كل مسكين مدّاً،فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً،و من كان عليه شيء من الصيد فداؤه بقرة فعجز عنها أطعم ثلاثين مسكيناً،فإن عجز صام تسعة أيام،و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين،فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» .و بشهادة السياق بذلك صرّح جماعة (5)،قال بعضهم:للنص على الصيد في الأخيرين (6)،و هو كما ترى.
و يمكن أن يمنع الشهادة،بناءً على المختار من العبرة بعموم اللفظ و الجواب،لا خصوص المحلّ و السؤال،و عليه فيدخل في عمومها الشاة
ص:376
الواجبة بغيره من المحظورات،فتأمل (1).
و يلحق بهذا الباب مسائل:
الاُولى: في بيان صيد الحرم،و هو أي الحرم بريد أربعة فراسخ في بريد مثلها،بلا خلاف فيه بين المسلمين على الظاهر،كما في الذخيرة (2)،و فيها أنه محدود بعلامات هناك،و قد مرّ في بحث القبلة ما يدل عليه.
و رواه الشيخ في الموثق:« حرّم اللّه تعالى حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه و يعضد شجره» (3)و قد مرّ في بحث شجر الإحرام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من قتل فيه صيداً ضمنه بقيمته مطلقاً و لو كان مُحلّاً و يزيد عليه الفداء على التفصيل الذي مضى لو كان محرماً.
و المقصود بالبحث هنا المُحلّ خاصة،و قد مرّ من الأخبار ما يدل عليه،و هي صريحة في أن اللازم عليه إنما هو القيمة،كما ذكرنا،وفاقاً للأكثر،بل قيل:إنه إجماع،كما في المدارك (4).
خلافاً للمحكي فيه و في غيره (5)عن الشيخ،فقال:عليه دم.و هو ضعيف.
ص:377
و لو اشترك جماعة محلّون في قتله ففي وجوب القيمة على واحد منهم،أو على جميعهم قيمة واحدة،وجهان.أجودهما الثاني،وفاقاً للمحكي و غيره (1)؛ لأصالة البراءة،و حرمة القياس على المحرمين.
خلافاً لشيخنا في المسالك فالأول (2)،و لا ريب أنه أحوط.
ثم في المسالك:و كما يحرم على المُحلّ قتل الصيد في الحرم يحرم عليه أسبابه من الدلالة و الإعانة و غيرهما (3).
و هل يحرم على المُحلّ رمي الصيد و هو أي الصيد يؤمّ الحرم و يقصده؟قولان للشيخ،في التهذيب و النهاية و المبسوط (4)فالتحريم،و في الاستبصار (5)فالكراهة،و حكي عن الحلّي و الصدوق في الفقيه (6)،و هو خيرة أكثر المتأخرين،بل عامّتهم.
و في قوله: الأشهر:الكراهة و نحوه قول الفاضل المقداد في الشرح (7)دلالة على شهرته بين القدماء أيضاً،و بذلك يوهن الإجماع المنقول عن الخلاف على التحريم (8).
فالكراهة أقوى؛ عملاً بالأصل السليم عما يصلح للمعارضة؛ إذ ليس سوى الإجماع المنقول،و قد عرفت جوابه؛ و ما استدل به في التهذيب على
ص:378
التحريم من المرسل كالصحيح:« يكره أن يرمى الصيد و هو يؤمّ الحرم» (1).
و الموثق:عمن استقبله صيد قريباً من الحرم و هو متوجه إلى الحرم، فرماه فقتله،ما عليه في ذلك؟قال:« يفديه على نحوه» (2).
و هما مع قصور سندهما و دلالتهما؛ إذ لفظ الكراهة في الأول إن لم نقل بظهوره في الجواز فلا ريب أنه أعم من التحريم،فحمله عليه يحتاج إلى دليل،و ليس،بل الأصل يقتضي الحمل على الكراهة؛ و وجوب الفداء في الثاني على تقدير تسليمه لا يدل على تحريم رميه،و لذا قال به بعض من قال بكراهة رميه (3)معارضان بأجود منهما سنداً و دلالةً،و هو الصحيح الآتي المتضمن لنفي الجزاء،معلّلاً بأنه يصب حيث نصب و هو له حلال و رمى حيث رمى و هو له حلال.
و لو أصابه المُحلّ في الحلّ فدخل الحرم و مات فيه لم يضمن على أشهر الروايتين و أصحّهما و أظهرهما،وفاقاً للحلّي و الفاضل في المختلف و أكثر المتأخرين (4)،و هو الصحيح المروي في الكتب الثلاثة و العلل كذلك باختلافٍ ما يسير،و فيه:عن رجل رمى صيداً في الحلّ و هو يؤمّ الحرم فيما بين البريد و المسجد،فأصابه في الحلّ فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته،هل عليه جزاء؟فقال:« ليس عليه جزاء، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركاً في الحلّ إلى جانب الحرم،فوقع فيه
ص:379
صيد،فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فليس عليه جزاء،لأنه نصب حيث نصب و هو له حلال،و رمى حيث رمى و هو له حلال،فليس عليه فيما كان بعد ذلك شيء» (1).
و الرواية الثانية الموثقة المتقدمة،و عمل بها الشيخ في الكتب المتقدمة،و كذا المهذّب و الإصباح و الجامع فيما حكي عنهم (2)،و الفاضلان في الشرائع و القواعد (3)،لكن على تردّد.و لا وجه له؛ لفقد التكافؤ بين الروايتين سنداً و دلالةً،لاحتمال الموثقة الحمل على الاستحباب.
و هو أولى من حمل الصحيحة على نفي المؤاخذة كما في الاستبصار،قال:لأنه مكروه (4).أو أنه ليس عليه عقاب لكونه ناسياً أو جاهلاً،و ذلك لأن الموجود فيها على رواية الفقيه و الكافي نفي الجزاء صريحاً،و لا يجري فيه شيء من ذلك،نعم الموجود في التهذيب:« ليس عليه شيء» و هو و إن قبل الحمل بذلك إلّا أن رواية الشيخين السابقين لها كما مضى من التصريح بلفظ الجزاء يعيّنان كونه المراد بالشيء هنا.
و ليس في تحريم لحمه كما في الحسن (5)،و عن الشيخ في الكتب المتقدمة و القاضي و ابن سعيد (6)،بل في المسالك إنه ميتة على
ص:380
القولين (1)،و ظاهره دعوى اتفاقهما عليه تأييد للقول بالحرمة في المسألة المتقدمة و إن توهّمه بعض الأجلة (2).
هذا،مع أنه ليس في الموثقة ذكر موت الصيد في الحرم كما ذكره الفاضلان،بل هي مطلقة كالتهذيب و الاستبصار،فإذاً هي أعم من المدّعى في كلامهما،و لا يقولان بعمومها.
و بذلك يجاب عما استدل به في الاستبصار لوجوب الفداء ممّا يأتي قريباً من الأخبار الدالة على ضمان الصيد بين البريد و الحرم؛ و ذلك لأنه أعم من قصد الصيد الحرم،بل و من موته فيه أيضاً،فلا دخل لتلك الأخبار هنا،بل هي تناسب مسألة أُخرى اختلف فيها أيضاً أشار إليها بقوله:
و يكره الصيد بين منتهى البريد و أول الحرم أي خارج الحرم إلى بريد،و يسمّى حرم الحرم،على الأظهر الأشهر،كما في كلام جمع ممن تأخر (3)،وفاقاً للحلّي (4)؛ للأصل،و فحوى الصحيح الذي مرّ، السالمين عن المعارض،سوى الخبرين (5):
أحدهما الصحيح:« إذا كنت مُحلّاً في الحلّ فقتلت صيداً فيما بينك و بين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاءه،فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه
ص:381
تصدّقت بصدقة» و ليس نصّاً في الوجوب،فليحمل على الاستحباب جمعاً.
خلافاً للشيخين و القاضي و ابن حمزة فيما حكي (1)فمنعوا عنه؛ أخذاً بالخبرين،و فيه ما عرفته في البين.
و العجب من بعض المتأخرين حيث مال إلى المنع هنا لهذا الصحيح، قائلاً بعد أن نقل الجواب عنه بالحمل على الاستحباب عن المتأخرين:
و هو مشكل،لانتفاء المعارض (2).
مع أن المعارض،و هو الصحيح السابق الصريح في الجواز فحوًى أو إطلاقاً،و أفتى به سابقاً أيضاً موجود،و ليس بعد ذلك إلّا غفلته عنه هنا،و إلّا فالعمل بالصحيحين هنا و سابقاً ممّا لا يجتمعان،بل لا بدّ من صرف هذا إلى ذلك بما قدّمنا،أو بالعكس بنحو ما ذكره الشيخ في كتابي الحديث،و قد تقدم نقله عنه سابقاً.
و لا ريب أن ما قدّمنا أولى من وجوه شتّى،سيّما مع اعتضاده بقوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً [1] (3)فإن مفهومه عدم حرمة صيد البرّ ما دمتم محلّين،خرج منه صيد الحَرَم إجماعاً فتوًى و نصاً، و بقي الباقي و منه ما نحن فيه تحت العموم مندرجاً،و العام المخصَّص حجة في الباقي على الأشهر الأقوى،و لذا استدل به الفاضل في المختلف على الجواز (4)،و هو في محلّه.
ص:382
و على المختار يستحب الفداء،و التصدق بصدقه لو فقأ عينه أو كسر قرنه؛ للأمر به في الصحيح المحمول على الاستحباب جمعاً كما مضى،لما مضى،و إن كان الأحوط الوجوب،فعن الخلاف الإجماع عليه (1)،و لكن الأظهر الأشهر الاستحباب،و هو خيرة الماتن هنا لقوله:
و يستحب الصدقة بشيء لو كسر قرنه أو فقأ عينه وفاقاً للحلّي (2).
و ليس في المتن و نحوه التعرض لغير الجنايتين؛ لعدم النص،و أصالة البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما و إن قلنا بحرمة الجناية،إذ لا تلازم بينها و بين لزوم الكفارة.
و الصيد المربوط في الحلّ يحرم إخراجه لو دخل الحرم لعموم مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] (3).و المعتبرة المستفيضة عموماً كالصحيح:عن ظبي دخل الحرم،قال:
« لا يؤخذ و لا يمسّ،لأن اللّه تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [2] (4).و خصوصاً كالخبر:عن رجل أصاب صيداً في الحلّ فربطه إلى جانب الحرم،فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم و الرباط في عنقه،فاجترّه الرجل بحبله حتى أخرجه و الرجل في الحلّ من الحرم،فقال:« ثمنه و لحمه حرام مثل الميتة» (5).
ص:383
و يضمن المحلّ لو رمى الصيد من الحرم فقتله في الحلّ،و كذا لو رماه من الحلّ فقتله في الحرم أو أصابه و بعضه في الحرم.
و كذا لو كان الصيد على غصن في الحلّ واصلة في الحرم ضمنه القاتل و العكس.
بلا خلاف في شيء من ذلك أجده،بل عليه الإجماع في كلام جماعة كما ستعرفه.
أما الأول فلعموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم؛ و لأن كونه في الحرم هو الذي أفاده الحرمة و الأمن؛ و للإجماع كما في ظاهر المدارك و الذخيرة (1)،و صريح المحكي عن المنتهى و التذكرة (2).
قيل:و عن أحمد في رواية لا ضمان (3).
و منه أن يرميه و هما في الحلّ فدخل الصيد في الحرم ثم أصابه السهم كما في التذكرة (4).
و أما الثاني فللإجماع،كما في الكتب المتقدمة،و الحسن،بل الصحيح في ذلك فقال:« عليه الجزاء،لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم» (5).
قيل:و لم يضمن الشافعي و الثوري و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية (6).
ص:384
و أما الثالث فللإجماع كما في الخلاف و الجواهر (1)،و تغليب الحرام.
و أما الباقيان فللإجماع كما عنهما في الأول،و عن التذكرة و المنتهى (2)في العكس؛ و تغليب الحرام؛ و القوي:عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحلّ على غصن منها طير رماه رجل فصرعه،قال:« عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم» (3).
و يرشد إليه الصحيح:عن شجرة أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم، قال:« حرام أُصلها لمكان فرعها» (4).
و من أدخل صيداً في الحرم وجب عليه إرساله،و لو تلف في يده ضمنه،و كذا لو أخرجه من الحرم فتلف قبل الإرسال كل ذلك بالإجماع الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (5)في الأول،و الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح:عن الصيد يصاد في الحلّ ثم يجاء به إلى الحرم و هو حيّ،قال:« إذا أخله الحرم فقد حرم عليه أكله و إمساكه،فلا يشترينّ في الحرم إلّا مذبوحاً ذبح في الحلّ ثم جيء به إلى الحرم مذبوحاً فلا بأس به للحلال» (6).
و فيه:عن رجل اهدي له حمام أهلي جيء به و هو في الحرم،فقال:
ص:385
« إن هو أصاب منه شيئاً فليتصدق بثمنه نحواً مما كان يسوي في القيمة» (1).
و في الحسن:عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم،فقال:« إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شيء عليه،و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء» (2)و هو يعمّ ما لو تلف في يده في الحرم أو خارجه.
و في الخبر:« إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت،و إذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه» (3).
و لو كان طائراً مقصوصاً حفظه وجوباً حتى يكمل ريشه ثم أرسله بغير خلاف أجده،و به صرّح في الذخيرة (4)؛ للمعتبر،و فيها الصحاح و غيرها:
ففي الصحيح:فيمن أصاب طيراً في الحرم:« إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه،و إن كان غيره مستو نتفه و أطعمه و أسقاه،فإذا استوى جناحه خلّى عنه» (5).
و فيه:في رجل اهدي إليه حمام أهلي و هو في الحرم من غير الحرم، فقال:« إن كان مستوياً خلّيت سبيله،و إن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله» (6)و نحوهما آخر (7).
ص:386
و الخبران (1)،و يستفاد منهما جواز إيداعه من مسلم و لو امرأة كما في أحدهما،مع التقييد بلا بأس بها؛ و لذا اعتبر الفاضل العدالة فيه في المنتهى (2).
و ذكر جماعة (3)أنه لو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله؛ لأن ذلك بمنزلة الإتلاف.
و هل يلحق بالطائر ما يشاركه كالفرخ؟ قيل:لا؛ لعدم النص (4).و قيل:نعم؛ لأن إرساله في معنى إتلافه (5).
و هو مشكل فيما إذا كان مأيوساً عن عوذة إلى الصحة؛ لما في حفظه و مئونته من الحرج البيّن و إن كان أحوط.
و في تحريم حمام الحرم على المُحلّ في الحلّ كما عن النهاية و التهذيب و حجّ المبسوط و التحرير و التذكرة و المنتهى (6)،و في المسالك و المدارك و غيرهما (7)،أم العدم،كما عن صيد الخلاف و المبسوط و السرائر (8).
ص:387
تردّد من عموم ما ورد في تحريم صيد الحرم،و خصوص الصحيح:« لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم» (1).
و قريب منه المروي عن قرب الإسناد و غيره (2):عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحلّ فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟ قال:« لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال» .و من الأصل،و منع عموم حمام الحرم،إذ المسلّم منه الإطلاق، و المتبادر منه ما كان في الحرم.
و معارضةِ الصحيح بالصحيح:عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [1] قال:« من دخل الحرم مستجيراً به كان آمناً من سخط اللّه تعالى،و من دخله من الوحش و الطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم» (3)فإن مفهومه جواز الإيذاء إذا خرج من الحرم،و هو الموافق لما تقرّر في الإنسان الملتجئ به أيضاً.
و ضعفِ دلالة« لا يصلح» فيما بعد الصحيح على المنع،و احتمال الكراهة،بل و ظهوره فيها.
و بها يجمع بين الصحيحين بحمل النهي في أوّلهما على الكراهة، و الثاني على الرخصة،فهو أولى من الجمع بينهما بحمل النهي على الحرمة و تقيد مفهوم الصحيح الثاني بما عدا الحمام،لتضمنه الطير،و الغالب فيه الحمام،فيبعد غاية البُعد تخصيصه أو تقييده بغيره.
ص:388
و لو سلّم فغاية الأمر تعارض الجمعين،و لا مرجّح في البين،فيرجع إلى حكم الأصل،و هو البراءة.
فإذاً أشبهه الجواز مع الكراهة أما الأول فلما مرّ؛ و أما الثاني فللاحتياط،مع أنه أقلّ مراتب النهي« و لا يصلح» المتقدمين.
و من نتف ريشة من حمام الحرم بيده فعليه صدقة يسلّمها بتلك اليد الجانية التي نتفها بها إلى مسكين إن نتف باليد كما في النص (1)،المقطوع به بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في الذخيرة و المدارك (2).
و في التحرير و عن التذكرة و المنتهى (3):أنه إن تعدد الريش فلو كان بالتفريق فالوجه تكرر الفدية،و إلّا فالأرش.
قيل:لأنه في الأول نتف كل مرة ريشة،بخلاف الثاني،لكن الأرش إنما يتم إن نقصت القيمة،و إلّا فكالأول،و خصوصاً الخبر في الكافي و الفقيه فيمن نتف حمامة،لا في من نتف ريشة،و استظهر الشهيد التكرر مطلقاً.
و عن مالك و أبي حنيفة جميع الجزاء إذا تعدّد الريش.
و في الدروس:و لو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة، قال:و الأقرب عدم وجوب تسليم الأرش بيد الجانية،قال:و في التعدي إلى غيرها يعني الحمام و إلى نتف الوبر نظر،و يمكن هنا الأرش.قلت:إن
ص:389
حصل النقص،و حينئذ فالحمام كذلك.
و في المقنعة و المراسم و جمل العلم و العلم:نتف ريش طائر من طيور الحرم،و في الجامع:نتف ريشه من طير الحرم.
و لا يسقط الصدقة و لا الأرش بالنبات،خلافاً لبعض العامة (1).
و ما يذبح من الصيد في الحرم ميتة حرم أكله على المحرم و المُحلّ،سواء ذبحه المحرم أو المُحلّ،أكلاه في الحرم أو في الحلّ بلا خلاف،و قد مرّ نقل الإجماع عليه في المحرم،و المقصود هنا ذبح المُحلّ، و لا ريب في تحريمه عليهما مطلقاً،بل في صريح المدارك و ظاهر غيره (2)الإجماع على كونه ميتة.
و لا بأس بما أي بصيد يذبح -ه المُحلّ في الحلّ للمُحلّ،فيحلّ عليه و إن أكله في الحرم،دون المحرم فيحرم عليه مطلقاً.
و الأصل في الأحكام المزبورة الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة (3).
و مما يتضمن الأحكام الثلاثة الصحيح:في حمام ذبح في الحلّ، قال:« لا يأكله محرم،و إذا ادخل مكة أكله المحلّ بمكة،و إذا دخل الحرم حياً ثم ذبح في الحرم فلا تأكله،لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه» (4).
و تحريم الأكل و إن كان أعم من الحكم بكونه ميتة إلّا أنه هنا يستلزمه بالإجماع كما مرّ،مضافاً إلى صريح الخبر:« إذا ذبح المحرم الصيد في غير
ص:390
الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ و لا محرم،و إذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ و لا محرم» (1)و قصور السند مجبور بالعمل.
و هل يملك المُحلّ صيداً في الحرم أم لا؟فيه تردّد و قولان للماتن،اختار الثاني في الشرائع (2)،و الأول هنا فقال: الأشبه أنه يملك و هو الأظهر،بل المشهور،كما في بعض شروح الشرائع (3)،حاكياً له عن أبي العباس فقال:قال أبو العباس (4)في شرحه أي على الكتاب هذا هو المشهور،و لا أعرف فيه مخالفاً،و ذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك.
إلى أن قال:أما ثبوت الملك و وجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس؛ إذ لا مانع منه،و وجوب الإرسال لا ينافي الملك.
و أما وجه اختيار المصنف و هو عدم الملك لأن ثبوت الملك يستلزم التصرف،فمع وجوب الإرسال و عدم جواز التصرف فلا يظهر للملك فائدة،فلا يدخل في ملكه.و هو ضعيف؛ لاجتماع الملك و عدم جواز التصرف،كما في أُمّ الولد،و الرهن،و تملّك المحرّمات نسباً و خروجهم عن الملك في ثاني الحال.
و قد يجاب عن المصنف بأن تملّك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة، أما الرهن و أُمّ الولد ففائدتهما ظاهرة،لأن الرهن مملوك و يباع بدينه مع الإعسار و يفكّه مع اليسار،ففائدته ظاهرة له،و أما أُمّ الولد فهي مملوكة
ص:391
يتصرف فيها بجميع أنواع التصرف عدا البيع،ففائدتها ظاهرة أيضاً.
و أما فائدة تملّك المحرّمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال فهي أعظم الفوائد و أجلّها،و هي إنقاذ الرحم من الملكية و إخراجه من ذلّ الرق إلى عزّ الحرّية.
و أما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شيء من الفوائد الدينية لا الدنيوية فوجب أن لا يدخل في الملكية.
و قد يجاب عن منع فائدة تملّك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة و لو لم تكن حاضرة،فهي مقدّرة،و هي تتقدر بوجوه، و ذكر منها وجوهاً ثلاثة،و قد قدّمنا سابقاً إلى بعضها الإشارة.
و ما ذكره-(رحمه اللّه) في تحقيق المسألة قولاً و دليلاً لا مزيد عليه و لا مزيّة،فلذا اكتفينا به في شرح العبارة.
و منه يظهر ما في كلام بعض من نسبة قول الشرائع هنا إلى الأكثر من الضعف،سيّما و لم نر قائلاً به سوى الماتن في الشرائع،و لم يحك إلّا عنه،و قد رجع عنه.
و أما إنه يجب عليه إرسال ما يكون معه من الصيد فلا خلاف فيه نصاً و فتوى على الظاهر،المصرَّح به في بعض العبائر (1)،بل في بعضها الإجماع (2).
و في قوله:« معه» إيماء إلى اختصاص وجوب الإرسال المتوهم منه عدم الملك بالصيد الحاضر،دون النائي،و هو كذلك،و به صرّح جماعة (3)،
ص:392
و إن أوهم عبارة الماتن في الشرائع خلافه و عموم القول بالمنع عن الملك للحاضر معه و النائي عنه (1)،و لكن عبارته تقبل الانطباق لما هنا،كما صرّح به في المسالك (2)،و ارتضاه منه سبطه معنىً لا لفظاً (3)،و هو كذلك.
الثالث:في بيان ما يترتب على باقي المحضورات التي يترتب عليها الكفارة
الأول: الاستمتاع بالنساء و ما يلحق به ف اعلم أن من جامع أهله قبل إدراك أحد الموقفين من عرفة و مشعر قبلاً أو دبراً للجماع،ذاكراً للإحرام عالماً بالتحريم أتمّ حجه،و لزمه بدنة، و الحج من قابل،فرضاً كان حجه الذي أفسده أو نفلاً وجوباً في جميع ذلك،بإجماع العلماء عليه في الجملة،كما في كلام جماعة (4)، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة (5)،و لكن اختلفوا في أُمور:
منها ما في العبارة من تعميم الحكم للوقاع قبل المشعر بعد الاتفاق على ثبوته له قبل عرفة،فالأكثر على العموم،و منهم السيّدان في الرسيّة و الانتصار و الغنية،و القاضي في الجواهر و جمل العلم و العمل (6)،مدّعيين
ص:393
الإجماع عليه كالشيخ فيما حكي (1).
و هو الأظهر؛ لاستفاضة نقل الإجماع عليه،مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها الدالة عليه عموماً و خصوصاً:
ففي الصحيح:« إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» (2).
و فيه:عن رجل محرم وقع على أهله،فقال:« إن كان جاهلاً فليس عليه شيء؛ و إن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة،و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،و عليهما الحج من قابل» (3).
خلافاً للمفيد و الديلمي و الحلبي (4)،فخصّوه بمورد الوفاق؛ لحديث:
« إن الحج عرفة» (5).
و هو ضعيف سنداً و دلالةً،و معارض بأجود منه بحسبهما،فليحمل على أن الراد كونه أعظم الأركان.
قيل:و كذا قوله(عليه السّلام):« من وقف بعرفة فقد تمّ حجه» إن سلم يحتمل أنه يكفي إدراكه و يفيد أنه قارب التمام كقوله(عليه السّلام):« إذا رفع الإمام
ص:394
رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمّت صلاته» (1).
و يمكن الحمل على التقية،لما عن التذكرة من قول العامة بفوت الحج عمن فات عرفه مطلقاً و لو وقف بمزدلفة (2).
و منها:ما فيها من تعميمه (3)للوقاع قبلاً و دبراً كما عليه الأكثر إطلاقاً، و جماعة تصريحاً (4)،و منهم الشيخ في المبسوط (5)و إن جعله بعضهم هنا مخالفاً،قال:فأوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة (6)،و عبارته المحكية صريحة في الموافقة للعبارة،و إن الذي فيه البدنة خاصة إنما هو الوقاع فيما دون الفرج يعني القبل و الدبر،و لا القبل خاصة،كما صرّح به في صدر عبارته المحكية.
نعم حكي عن الخلاف في الخلاف عن بعض الأصحاب محتجاً بأصل البراءة (7)،و يعارضه العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.
و زيد له في المختلف الصحيح (8):عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج،قال:« عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» (9)و أُجيب عنه
ص:395
بأنا نقول بموجبه،فإن الدبر يسمى فرجاً،لأنه مأخوذ من الانفراج،و هو متحقق فيه (1).
و هو حسن و لو قلنا إن المتبادر من الفرج حيث يطلق هو القبل خاصة،لا الدبر،و ذلك فإنه تبادر إطلاقي،فلا يقطع بسببه بنفي إرادة الدبر،بل غايته الإجمال فيه،و هو لا يخصّص العمومات الشاملة للدبر.
نعم،لو كان التبادر تبادراً حقيقياً يكون بسببه غير المتبادر معنىً مجازياً أمكن التخصيص إن جوّز تخصيص العمومات بالخاص مطلقاً و لو كانت مشهورة،دون الخاص،و إن خصّصناه بما إذا لم تكن العمومات معتضدة بالشهرة منعنا التخصيص على هذا التقدير أيضاً،بناءً على ما مرّ من كون التعميم للدبر أشهر،سيّما و نحو هذه الشهرة التي لا يكاد فيها مخالف يعتد به يظهر،فإذاً المعتمد ما عليه الأكثر.
و منها:ما أشار إليه بقوله: و هل الحَجة الثانية عقوبة؟قيل:
نعم و الأولى فرضه و القائل:اليخ في النهاية (2)،و تبعه جماعة (3).
و قيل:الأُولى فاسدة و الثانية فرضه و القائل:الحلّي و الشيخ في الخلاف (4)كما حكي،و تبعهما الفاضل في كثير من كتبه (5).
و ربما يستفاد من قول: و الأول هو المروي الميل إلى الأول، و أشار به إلى الصحيح:قلت:فأي الحجتين لهما؟قال:« الأُولى التي أحدثا
ص:396
فيها ما أحدثا،و الأُخرى عليهما عقوبة» (1).
و أُيّد باستصحاب الصحة،و بأن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه من الاستطاعة ما اشترط في الأداء.
و يضعّف الأول بالقطع و الإضمار؛ إذ لم يسنده الراوي إلى إمام،و مع ذلك معارض بالصحيح الصريح في أن في الرفث فساد الحج (2)،و مضمونه مشهور بين الأصحاب حتى استدل به الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه هنا (3)،مؤذنين بدعوى الإجماع عليه،كما صرّح به الفاضل المقداد في شرح الكتاب،فقال في دليل القول الثاني:لأن الأُولى فاسدة،و كل ما كان فاسداً لا يجزئ و لا يبرئ الذمة،و المقدمتان إجماعيتان (4).
و لا ينافيه نقله بعد ذلك عن بعض الفضلاء الجواب عن صغرى القياس بالمنع،معلّلاً بأنَّه لم يرد في حديث فساد حجّه و إن اشتهر في عبارات الأصحاب،فإن ثبت حمل على نقصان فضله،لا فساد أصله، و تجبره الكفارة و الحج من قابل عقوبة.
إذ الإجماع عندنا ليس إلّا وفاق خاص يكشف عن قول الإمام(عليه السّلام)، فلا يقدح فيه خروج بعض الفضلاء.
و بهذا الإجماع يردّ كلام ذلك القائل،مع خطائه كجماعة من تبعه في
ص:397
الجواب بذلك بوجود ما مرّ من الصحيح بالفساد.و حمل الفساد فيه و في كلام الأصحاب علي ع ما ذكره من النقص في الفضل دون بطلان الأصل مجاز يحتاج إلى قرينة هي مفقودة؛ إذ ليس إلّا الاستصحاب و ما بعده، و يجب الخروج عنهما لهذا الصحيح.و صحيح المتن لا يعارضه؛ لما عرفت من القطع و الإضمار المسقطين للرواية عن الاعتبار.
فإذاً القول الثاني هو المختار،مع تأيده برجوع الشيخ عن القول الأول إليه في الخلاف.لكن الإنصاف أن المسألة بعد لا تخلو عن شوب الإشكال،فالاحتياط فيها لا يترك على حال.
و تظهر الفائدة في النية،فينوي على الأول في الإحرام مثلاً و كذا باقي الأفعال في الحجة الثانية:أفعل هذا الذي وجب عليّ بالإفساد،و علي الثاني حجة الإسلام.
و في الأجير للحج في سنة و في الناذر له فيها،فعلى الأول يرجع على الأجير بالأُجرة،و يجب على الناذر و من في معناه الكفارة،دون الثاني،فلا شيء عليهما بالكلية.
و في المفسد المصدود إذا تحلّل وجب القضاء.فإن قلنا بالأول لم يكف القضاء الواحد؛ لوجوب قضاء حجة الإسلام بالتحلل منها،و بقاء حجة العقوبة في ذمته،فيقدّم حجة الإسلام في القضاء.و إن قلنا بالثاني كفى القضاء الواحد؛ لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها.
و في غير ذلك.
و اعلم أن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في المرأة التي وطئها بين الدائم و المتمتع بها.
و في إلحاق الأمة و الأجنبية و وطء الغلام و البهيمة إشكال:من صدق
ص:398
المرأة بل الأهل الواردين فيهما على الأمة،و أولوية ثبوت الحكم في البواقي.
و مِن تبادر من عدا الأمة من الإطلاق،و انثلام الأولوية بأن مبناها أفحشية الفعل،و ربما تسقط معها الكفارة كما مرّ في كفارة الصيد.
و لا ريب أن الإلحاق في الجميع و لا سيّما الأمة أحوط إن لم يكن متعيناً؛ لضعف دليل المنع بأن في النص ما هو عام ينصرف إلى المتبادر و غيره،و حجية الأولوية،و عدم انثلامها في محل البحث برفع اليد عنها في بعض الموارد غيره لدليل مفقود في المقام.
و احترز بالعامد العالم عن الناسي و لو للحكم و الجاهل،فلا شيء عليهما بلا خلاف ظاهر فتوًى و نصاً،بل قيل:إجماعاً (1)،و عن الخلاف و الغنية (2)الإجماع عليه في الناسي.
و عن المكره،فلا شيء عليه بلا خلاف و لا إشكال إلّا في تحمل المكرِه للزوج أو لهما الكفارة عنه أو عنهما ففيه إشكال.و الأجود العدم؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الفتوى و النص،و هو ما أشار إليه بقوله:
و لو أكرهها أي المرأة زوجها و هي محرمة حمل عنها الكفارة و هي البدنة خاصة،دون الحج من قابل؛ لعدم فساد حجها بالإكراه.
و لذا لا يكون حج عليها في القابل ليتحمله عنها.
و لو طاوعته لزمها ما يلزمه من إتمام الحج و البدنة و الحج من
ص:399
قابل و لم يتحمل عنها كفارة و عليهما مطلقاً الافتراق في القضاء إذا وصلا موضع الخطيئة حتى يقضيا المناسك،و معناه أن لا يخلوا بأنفسهما إلّا مع ثالث محترم عندهما ليمنعهما الجماع،فلا عبرة بأمته و زوجته و غير المميز إذا لم يمتنعا عنه بهم.
و لا خلاف في شيء من ذلك أجده،و عن الخلاف الإجماع في الجميع (1)،و الغنية في الأخير (2)،و فيه و في الثاني في المدارك (3)؛ و هو الحجة.
مضافاً إلى الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة،ففي الصحيح:
« و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه،و إن استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل» (4).
و نحوه في تحمّل البدنة عنها الخبر المنجبر بالعمل:في محرم واقع أهله،قال:« أتى عظيماً» (5)قال:« استكرهها أو لم يستكرهها؟» قلت:
أفتني فيهما جميعاً،فقال:« إن استكرهها فعليه بدنتان،و إن لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة،و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة،و عليهما الحج من قابل لا بدّ منه» قلت:فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟فقال:« نعم هي امرأته كما هي،فإذا انتهيا إلى
ص:400
المكان الذي كان بينهما ما كان افترقا حتى يحلاّ،فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما،إنّ أبي كان يقول ذلك» (1).
و نحوهما في ذلك الرضوي:« و تلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل، فإن أكرهها لزمه بدنتان و لم يلزم المرأة شيء» (2).
و فيه أيضاً الحكم بالتفريق بينهما كالخبر المتقدم.
و الصحاح به زيادة عليهما مستفيضة (3)،و إطلاقها كالفتاوي يشمل صورتي الإكراه و المطاوعة،و ربما يوجد في بعض الفتاوي تقييده بالمطاوعة (4)،و لا وجه له.
نعم في الحسن:عن رجل غشي امرأته و هي محرمة،قال:« جاهلين أو عالمين» قلت أجبني في الوجهين جميعاً،قال:« إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شيء،و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل،فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» (5).
و هو بمفهومه يدل على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا علالمين،
ص:401
سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية،أو أحدهما عالماً و الآخر جاهلاً، و المكرَه بحكم الجاهل.
لكنه مقطوع السند،فلا يقيّد به إطلاق الأخبار السابقة،إلّا أن يقال:
إن الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو صورة المطاوعة دون الإكراه، فليحمل عليها.
و بنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوي،سيّما نحو العبارة ممّا ذكر فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة،و لا يخلو عن وجه،إلّا أن الاحتياط يقتضي التفريق مطلقاً،سيّما مع عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك.
ثم إن ظاهر النصوص و نحو العبارة وجوب التفريق،كما عليه الأكثر، بل المشهور كما قيل (1)،و في المدارك الإجماع على الوجوب (2)،كما أيضاً في صريح الرضوي (3).
و ربما يحكى عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذّب (4)التعبير ب « ينبغي» و ليس صريحاً في المخالفة،بل و لا ظاهراً كما في المختلف،قال:
لاستعماله فيهما،أي في الوجوب و الاستحباب كثيراً.
و فيه أيضاً:الروايات تدل على الأمر بالتفريق فإن قلنا الأمر للوجوب كان واجباً و إلّا فلا (5).
أقول:و حيث قال:و قلنا بكونه للوجوب تعيّن الفتوى به،إذ لا
ص:402
معارض له سوى الأصل،و يجب الخروج به عنه.
ثم إنّ هذا إن سلكا في القضاء ما سلكاه من الطريق في الأداء،و إلّا فلا افتراق كما يستفاد من الشرائع و التذكرة (1)فيما حكي عنه.
قيل:و نصّ عليه الصدوق و الشهيد و التحرير و المنتهى،و هو قريب (2).
و يعضده الصحيح و الموثق الآتيان قريباً،و أيّده في المنتهى بأنهما إذا بلغا موضع الجماع تذكراه فربما دعاهما إليه،و ليس ذلك في طريق آخر (3).
و اعلم أن ظاهر العبارة اختصاص وجوب التفريق بالقضاء،و أن غايته قضاء المناسك خاصة.و الأصح وفاقاً لجمع و منهم ابن زهرة مدّعياً عليه الإجماع (4)عمومه له و للأداء؛ لذلك،و لإطلاق جملة من الصحاح المستفيضة و غيرها،بل ظهورها في الأداء و صريح بعضها فيه،و آخر منها فيه و في القضاء.
ففي الصحيح:« و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،و عليه الحج من قابل» (5).
و من الأخبار المتقدمة المتضمنةُ للتفريق فيهما.
و اختلفت هذه الأخبار و غيرها في غاية التفريق
ص:403
ففي الصحيحين:« حتى يبلغ الهدي محلّه» أحدهما في الأداء (1)، و الآخر في القضاء (2).
و في آخرين:« حتى يقضيا الماسك و يعودا إلى موضع الخطيئة» (3)و موردهما الإطلاق أو الأداء.
و نحوهما الصحيحة المتقدمة أعني المقطوعة في القضاء،و في بعض الأخبار المتقدمة:حتى يبلغا مكة،و موضع الخطيئة.
و في الصحيح:« يفرّق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت:أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أُخرى يجتمعان؟قال:« نعم» (4).
و في الموثق المروي عن نوادر البزنطي:« يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت:إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق،قال:« فليجتمعا إذا قضيا المناسك» (5).
ص:404
و الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب،فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة و إن أحلّا و قضيا المناسك،قبله،ثم قضاء المناسك،ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين،و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة.
و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة الأعلى ثم الوسطى،سيّما في الحِجة الأُولى؛ لكثرة أخبارها و شهرتها،و لذا قيل:و قد أجاد الإسكافي حيث أفتى بالافتراق في الأداء إلى بلوغهما محل الخطيئة و إن أحلّا قبله، و في القضاء إلى بلوغ الهدي محلّه،و كذا ابن زهرة و إن لم ينصّ على الإحلال (1).
أقول:و في الغنية عليه الإجماع (2).
و لو كان ذلك أي الجماع عامداً عالماً منهما،أو من أحدهما بعد الوقوف بالمشعر لم يفسد به الحج،فلا يلزمه الحج من قابل، و لكن جبره ببدنة بلا خلاف،بل على الحكمين الإجماع في الغنية و المنتهى و غيرهما (3)؛ للأصل،و مفهوم الصحيح المتقدم (4)في فساد الحج بالجماع قبل الوقوف بالمشعر في الأول؛ مضافاً إلى المرسل (5)و الرضوي (6)فيهما.
ص:405
و خصوص المعتبرة في لزوم البدنة،ففي الصحيح:عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء،قال:« عليه جزور» (1).
و في آخر:قبل أن يزور البيت،قال:« يهريق دماً» (2).
و في الخبر:عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور،قال:
« إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة،و إن كان غير ذلك فبقرة أو شاة» (3).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.
و لو استمنى أي طلب المني بالعبث بيده أو بملاعبة زوجته أو غير ذلك،و الفرق بينه و بين الاستمتاع بغير الجماع مما يأتي تجرد الاستمتاع عن قصد الإمناء بخلافه.و قيّده جماعة و منهم الماتن هنا و الفاضل في القواعد و غيرهما (4)بكونه بيده،لزمته بدنة حسب وفاقاً للحلّي و جماعة (5).
للأصل،المؤيد بما في الصحيحين من عدم القضاء على المجامع فيما دون الفرج مطلقاً و لو أمنى (6)،و عليه الإجماع في الغنية (7)،بل و غيرها
ص:406
أيضاً (1)،بل جعل هذا فخر الإسلام دليلاً مستقلا على هذا القول بعد أن اختاره،فقال:لأن الجماع في غير الفرج أشد من الاستمناء،لتعلّق أحكام الزنا به،دونه،و هو لا يفسد (2).
و لكن في رواية موثقة عمل بها الشيخ في النهاية و المبسوط (3)،و جماعة كالقاضي و ابن حمزة (4)،بل الأكثر كما في التنقيح (5):في محرم عبث بذكره فأمنى،قال:«أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل (6) و مال إليها ثاني المحقّقين و الشهيدان (7)،قالوا:لعدم معارض لها.
و نحوهم الفاضل المقداد في التنقيح،فقال بعد الكلام في سندها:
لكن قال الإسكافي هي في حديث الكليني (8)عن مسمع بن عبد الملك، عن الصادق(عليه السّلام)،و مسمع ممدوح مدحه الصادق(عليه السّلام)،ملقّب بكردين بكسر الكاف،فانجبر ضعف الرواية بهذه،مع أن القائل بها أكثر و العمل بها أحوط.
انتهى.و هو حسن.
فيتعيّن الخروج بها عن الأصل و ما بعده المتقدّمين،سيّما مع تأيدها
ص:407
بما في المختلف (1)من أن الاستمناء أقبح من إتيان أهله،فيكون أولى بالتغليظ.
و من الصحيح:عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع،أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟قال:« عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي جامع» (2).
و إن كان في الاستدلال بهما و لا سيّما الثاني نظر.
هذا و الإنصاف أن الموثقة التي هي الأصل في الباب لا دلالة لها على حكم الاستمناء على الإطلاق،بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة و المتخلف عن اخرى،و لذا اقتصر على موردها الشيخ الذي هو الأصل في القول بها،فعبّر بمتنها،و هو الأقوى.
و لا موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع المتقدمة،فإن متنها كما في المختلف عن الإسكافي هكذا:« إذا أنزل لماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع» قال في المختلف بعد نقله:و ليس هذا القول صريحاً منه بالإفساد؛ لاحتمال المساواة في البدنة،فإن النظر لا يقتضي الإفساد (3).
أقول:و لعلّه لهذا لم يتعرض أحد سوى التنقيح للاستدلال بهذه الرواية في المسألة،و مع ذلك فينبغي تقييدها بما إذا وقع ذلك قبل أحد الموقفين مع ما مرّ من الوصفين،لا مطلقاً اتفاقاً.
ص:408
و لو جامع المولى أمته المحرمة بإذنه حال كونه مُحلّاً عامداً عالماً بأنه لا ينبغي له ذلك مختاراً لزمه بدنة أو بقرة أو شاة مخيراً بينها إن كان قادراً عليها أجمع.
و لو كان معسراً و لم يقدر إلّا على الشاة فشاة أو صيام فيما قطع به الأصحاب كما في كلام جماعة (1)،و في الروضة بعد نقل نحو العبارة بزيادة ثلاثة أيام بعد الصيام:هكذا وردت به الرواية و أفتى به الأصحاب (2).
و ظاهرهم كما ترى الإجماع مع أنه لم ينقل في المختلف و لا غيره إلّا عن أبي العلّامة و الماتن و ابن عمّه (3)،و سيأتي الخلاف فيه من الشيخ و الحلّي.
نعم أفتى به في القواعد و الإرشاد و التحرير (4)،و الشهيدان في كتبهم (5)،و غيرهم من المتأخرين (6)؛ لما مرّ من الرواية،و هي موثقة،بل قيل:صحيحة (7)،و فيها:عن رجل مُحلّ وقع على أمة له محرمة،قال:
« موسراً أو معسراً؟» قلت:أجبني فيهما،قال:« أمرها بالإحرام أو لم يأمرها و أحرمت من قبل نفسها؟» قلت:أجبني فيهما،فقال:« إن كان
ص:409
موسراً و كان عالماً أنه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام فعليه بدنة، و إن شاء بقرة،و إن شاء شاة؛ و إن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شيء عليه موسراً كان أو معسراً،و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام» (1).
و رويت المحاسن بزيادة:« أو صدقة» (2):
و هي مع اعتبار سندها و حجيتها مشهورة بين الأصحاب،فلا بأس بالعمل بها.
خلافاً للنهاية فعليه بدنة و إن لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام (3).
و قريب منه عن المبسوط و السرائر (4).
قيل:و كأنهما حملا الخبر على الإكراه؛ للأصل،مع ضعفه و معارضته بالصحيح:عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت و لم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت،قال:« يأمرها فتغتسل،ثم تحرم و لا شيء عليه» (5)و حمله في كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبّت،و أما عدد الثلاثة في الصيام فكأنه لكونها المعروفة بدل الشاة (6).انتهى.
و في الحكم بضعف الخبر ما مرّ،مع أنه على تقديره بفتوى الأصحاب منجبر،و الصحيح بإطلاقه شاذّ.
ص:410
ثم إن الخبر بإطلاقه شامل لما لو أكرهها أو طاوعته،لكن ذكر العلّامة و من تبعه (1)أن مع المطاوعة تجب عليها الكفارة أيضاً بدنة،و صامت عوضها ثمانية عشر يوماً،مع علمها بالتحريم،و إلّا فلا شيء عليها،و لو طاوعته قبل المشعر فسد حجها أيضاً.
و نظرهم في ذلك إلى عموم الأخبار و الأدلة المتقدمة في المسائل السابقة في جماع المحرم مع المحرمة؛ لما تقدم من عموم« الأهل» فيها و« المرأة» فلا وجه لتأمل جماعة من المتأخرين (2)فيما ذكروه مع اعترافهم بعموم تلك الأخبار للأمة.و لا ينافيه إطلاق الرواية؛ فإنه بالنسبة إلى المولى خاصة،و أما بالنسبة إلى حكم الأمة فالرواية مجملة لا تعرّض له فيها بشيء الكلية.
و لم يقيد بالفتوى و الرواية الجماع بوقت،فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه،أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق،فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة و العلم كما مرّ.
و احترز بالمحرمة بإذنه عما لو فعلته بغيره،فإنه يغلي و لا شيء عليهما.
و في إلحاق الغلام المحرم بإذنه بها وجهان مضى وجههما مراراً.
و لو جامع المحرم عالماً عامداً بعد المشعر قبل طواف الزيارة
ص:411
لزمه بدنة لإطلاق ما مرّ من ثبوتها على من جامع بعد المشعر،و إنما ذكر هنا هذا بالخصوص مع دخوله فيما مرّ للتنبيه على حكم الأبدال المشار إليه بقوله: فإن عجز عنها فبقرة أو شاة مخيراً بينهما كما هنا و في الشرائع و القواعد و غيرها (1)،أو مرتباً كما في الإرشاد و التحرير (2)،و عن النهاية و المبسوط و السرائر و التذكرة و المنتهى و التخليص و المهذّب (3).
و لم أعثر على نصّ على أصل هذه الأبدال مطلقاً،و بذلك اعترف جماعة (4).
و ربما استدل لها على التخيير ببعض الصحاح المتقدمة في الوقاع بعد المشعر،فإن فيه:« إن عليه دماً يهريقه» و هو بإطلاقه يشمل البقرة أيضاً.
و فيه:أنّه في الأخبار ظاهر في الشاة،و لو سلّم فيشمل البدنة أيضاً، و مقتضى الإطلاق جواز العدول إلى الآخرين مطلقاً،و ليس كذلك،فإن الترتيب بينها و بين الآخرين ثابت بلا خلاف،و لو سلّم فمقتضى الأُصول في الجمع بينه و بين الأدلة المتضمنة للبدنة التقييد بها.
و أما الاستدلال عليه بالخبر المتقدم بعدهما ثمة المتضمن لقوله:« إن وقع عليها بشهوة» إلى آخره فأوضح حالاً في الفساد غنيّ وجهه عن البيان.
و ربما استدل على ذلك بالخبر:عن رجل أتى أهله و عليه طواف النساء،قال:« عليه بدنة» ثم جاءه آخر فسأله عنها فقال:« عليه بقرة» ثم
ص:412
جاء آخر فقال:« عليك شاة» فقلت بعد ما قاموا:أصلحك اللّه تعالى كيف قلت عليه بدنة؟فقال:« أنت موسر عليك بدنة،و على الوسط بقرة،و على الفقير شاة» (1).
و هو بعد الإغماض عن ضعف السند بالجهالة،و عدم انطباقه على القول بالتخيير بين الشاة و البقر مورده من طاف الزيارة و عليه طواف النساء،و هو غير مفروض المسألة،أعني من عليه طواف الزيارة،و إلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد في الشريعة،و مع ذلك لزوم الشاة على الفقير مثلاً يتبع الاسم و الصفة،و هو أعم من العجز عن البدنة أو البقرة،فإن الفقير قد لا يعجز عنها مع فقرة قطعاً.
و الأجود الاستدلال بعدم ظهور الخلاف،و هو حجة على المختار.
بقي الكلام في تعيين الترتيب و التخيير،و مقتضى الأُصول الأول،مع أن القائل به أكثر،و العمل به أحوط.
و لا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئاً من الأشواط أو طاف أقل من النصف أو أكثر؛ لعموم الأخبار و الفتاوي،لصدق أنه قبل الطواف،و أنه لم يزر،فإنه بمعنى لم يطف.
و خصوصِ الخبر:« فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله،أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يرجع فيطوف أُسبوعا» (2)و كان إفساد الحج بمعنى نقصه؛
ص:413
إذ لا قائل بفساده بذلك.أو الحج بمعنى الطواف؛ تسميةً للجزء باسم الكل كما عن المنتهى (1)،أو رجوعاً إلى اللغة.
و لو طاف من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع و لو عامداً عالماً لم يلزمه الكفارة و أتمّ طوافه على الأظهر الأشهر،بل لا خلاف فيه إلّا من الحلّي (2).و هو نادر،و مستنده مع ذلك غير واضح،عدا ما ادّعاه من الإجماع على لزومها على من واقع قبل طواف النساء،و مال إليه بعض متأخري المتأخرين (3)؛ للأخبار المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره (4)بذلك.
و فيهما نظر؛ لمنع الإجماع و شموله لمحل النزاع،فإن القدر المتحقق من الفتاوي المتفقة عليه هو الوقاع قبل مجاوزة النصف،و كذلك الأخبار، مع ضعف سند أكثرها،بل المتبادر من إطلاقها إنما هو الوقاع قبل الشروع، لا بعده،و إنما استفيد حكمه من الإجماع الظاهر،المستفاد من جملة من العبائر (5)على نفي الكفارة بعد الخمسة الأشواط،و خصوص الحسن كالصحيح،بل قيل:صحيح (6):عن رجل كان عليه طواف النساء فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته،قال:« يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه،و يستغفر ربه و لا يُعد،و إن كان[طاف]طواف النساء
ص:414
فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل،ثم يعود فيطوف أُسبوعاً» (1).و فحوى الخبر الآتي.
و القدح سنداً بعدم الصحة،بل الضعف في الثاني،و دلالةً في الأول بعدم نفيه الكفارة،بل غايته السكوت عنها،و هو أعم من نفيها ليس في محلّه.
لكفاية الحسن في الحجية،و لا سيّما مثله؛ لرواية المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن موجبه،و على تقدير الضعف فهو مجبور بالشهرة المقطوع بها و نفي الخلاف عن[عدم (2)]لزوم الكفارة هنا في كلام جماعة.
و الدلالة واضحة؛ فإن السكوت عنها في مقام الحاجة دليل على نفيها،لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة،سيّما مع انضمام القرينة إليه و هو إيجاب البدنة في الوقاع إذا طاف ثلاثة أشواط في الذيل،و تركها في الصدر مع التعرض لها في الذيل أوضح قرينة على النفي،و لذا لم يعترض أحد من الأصحاب بضعف الدلالة.
نعم تأملوا في السند،و قد مرّ الجواب عنه أيضاً،مضافاً إلى الانجبار بموافقة الأصل،بناءً على ما مرّ من منع العموم على لزوم البدنة بالوقاع قبل طواف النساء بنحو يشمل محل النزاع،فإذاً لا شبهة في ضعف قول الحلّي، مع أنه لم يصرّح بلزوم البدنة في المسألة،و إنما صرّح بلزومها قبل الخمسة الأشواط في مقابلة الشيخ بدليل يعمّ المسألة.
ص:415
ثم المستفاد من ذيل الحسنة عدم لزوم الكفارة بالوقاع بعد الثلاثة الأشواط،خرج منه ما لم يبلغ النصف بالإجماع،و بقي الباقي مندرجاً تحت عموم مفهوم الشرط،و لا يعارضه مفهوم الخمسة في الصدر،لكونه في كلام الراوي،و الاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضي نفي الحكم عما عداه، و لذا قيل:يكفي في البناء الأولى:
في سقوط الكفارة،ففي العبارة تسامح مجاوزة النصف و القائل الشيخ و جماعة (1)،و هو في غاية القوة،لما عرفت.
مضافاً إلى تأيده بالخبر:في رجل نسي طواف النساء،قال:« إذا زاد على النصف و خرج ناسياً أمر من يطوف عنه و له أن يقرب النساء إذا زاد على النصف» (2)و لا معنى للزوم الكفارة على الفعل المرخص فيه،و ضعف الخبر منجبر بموافقة الأصل،بناءً على منع العموم المتقدم.
و لو عقد محرم لمحرم على امرأة و دخل بها فعلى كل واحد منهما كفارة بدنة فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف،و في المدارك:إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (3).و نحوه غيره (4).معربين عن دعوى الإجماع عليه،كما عن صريح ابن زهرة (5)،و هو الحجة،مضافاً إلى فحوى الرواية الآتية.
ص:416
و إطلاق المتن و غيره،بل الأكثر كما قيل- (1)يقتضي تساوي علمهما بالإحرام أو الحرمة و الجهل،و وجوب البدنة على العاقد إن كان دخول المعقود له بعد الإحلال،فإن تمّ الإجماع عليه و إلّا فالاقتصار على القدر المقطوع به و هو العلم بالأمرين لازم كما استوجهه بعض الأصحاب (2)،ناقلاً له عن غيره.
و كذا عليهما البدنة لو كان العاقد محلّاً على رواية سماعة الصحيحة إليه الموثقة به:« لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرماً و هو يعلم أنه لا يحل له» قال سماعة:فإن دخل بها المحرم،قال:« إن كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة،و على المرأة إن كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شيء عليها إلّا أن تكون قد علمت أن الذي تزوّجها محرم،فإن كانت قد علمت ثم تزوجته فعليها بدنة» (3).
و ظاهر المتن التوقف في العمل بها،و لعلّه لما في المنتهى من أنه في سماعه قول،و عندي في هذه الرواية توقف (4).و في الإيضاح:الأصح خلافه؛ للأصل،و لأنه مباح بالنسبة إليه،و تحمل الرواية على الاستحباب (5).
و فيه نظر؛ فإن الراوي ثقة،و ليس يقدح في قبول خبره فساد مذهبه إن قلنا به،مع أنه قال جماعة بحسن مذهبه،و الموثق حجة،سيّما و إذا
ص:417
اعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب على الظاهر،المصرَّح به في عبائر (1)،بل في التنقيح بعد القدح فيه بوقفه:لكن انجبر روايته بعمل الأصحاب (2)،و ظاهره دعوى الإجماع.
و مقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة إذا كانت[محلّة (3)]عالمة بإحرام الزوج،و بمضمونها أفتى الشيخ-(رحمه اللّه) و جماعة (4).
و في المدارك:و هو أولى من العمل بها في[أحد (5)]الحكمين و إطراحها في الآخر كما فعله في الدروس (6)،إلى آخر ما قال.و هو حسن.
و من جامع في إحرام العمرة مطلقاً قبل السعي فعليه بدنة و قضاء العمرة للحسن:في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة،ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة،قال:
« قد أفسد عمرته،و عليه بدنة،و عليه أن يقيم بمكة محلّاً حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه،ثم يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) لأهل بلاده فيحرم منه و يعتمر» (7).و نحوه الصحيح (8)و غيره (9)،لكن في
ص:418
المجامع قبل الطواف و السعي معاً.
و موردها أجمع:العمرة المفردة،قيل:و لذا خصّه في التهذيب بها (1).
خلافاً للأكثر فعمّموا الحكم للعمرة المتمتع بها أيضاً.
و استشكل فيه في القواعد (2)،قيل:من التساوي في الأركان و حرمتهن قبل الأداء،و إنما الخلاف باستتباع الحج و وجوب طواف النساء و عدمهما؛ و من الأصل،و الخروج عن النصوص،و لزوم أحد الأمرين إذا لم يسع الوقت إنشاء عمرة أُخرى قبل الحج،أما تأخير الحج إلى قابل،أو الإتيان به مع فساد عمرته،و هو يستلزم إما فساده مع الإتيان بجميع أفعاله و التجنب فيه عن المفسد،أو انتقاله إلى الإفراد،و إذا انتقل إلى الإفراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء،و في جميع ذلك إشكال (3).انتهى.
و لكن ظاهر جماعة كالمحقّق الثاني و فخر الإسلام حاكياً له عن والده (4):أنه لا إشكال في فساد العمرة المتمتع بها،و إنما هو في فساد حجها بفسادها،من ارتباطه بها،و من انفراده بإحرام آخر،و الأصل صحته و البراءة عن القضاء.
و كأنّ عدم إشكالهم في فسادها لعدم الخلاف فيه،و إلاّ فالنصوص مختصة بالمفردة،دونها،كما مضى،و حينئذ فالتعميم أقوى،وفاقاً
ص:419
للحلبيّين فيما حكي عنهما (1).
و حيث فسدت العمرة المتمتع بها فالأظهر فساد حجها أيضاً؛ لما مرّ من الارتباط،و فساد الوجه الآخر،لأن حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه.
و ليس في المتن و كلام الشيخ و الأكثر كما قيل- (2)تعرّض لوجوب إتمام العمرة الفاسدة،و لا وجوب التفريق.
و قطع الفاضل في القواعد و الشهيدان كما قيل- (3)بالوجوب؛ و مستندهم غير واضح،لخلو الأخبار عنه،بل ربما أشعرت بالعدم، للتصريح فيها بالفساد و عدم التعرض فيها للأمرين بالكلية مع كون المقام مقام الحاجة.
و ربما يستدل لهم بأنه لا يجوز إنشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول، كما مرّ.
و فيه نظر؛ لقوة احتمال اختصاص ذلك بالإحرام الصحيح،دون الفاسد.
ثم إن ظاهر الأخبار تعيّن القضاء في الشهر الداخل و لزوم الصبر إليه.
و لا ريب أنه أحوط و لو قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيام في غير المقام.
خلافاً لجماعة فجعلوه أفضل (4).
ص:420
و لو أمنى بنظره إلى غير أهله فبدنة إن كان موسراً،و بقرة إن كان متوسطاً،و شاة إن كان معسراً كما في الموثق (1)،و عليه الأكثر.
خلافاً للمقنع فجزور أو بقرة،و إن لم يجد فشاة (2)؛ للصحيح (3).
و لبعض المتأخرين،فأحتمل الاكتفاء بالشاة مطلقاً (4)،كما عن ابن حمزة (5)،حيث لم يذكر هنا إلّا الشاة؛ للحسن أو الصحيح:في حرم نظر إلى غير أهله فأنزل،قال:« عليه دم،لأنه نظر إلى غير ما يحل له،و إن لم يكن أنزل فليتّق و لا يعد،و ليس عليه شيء» (6).
و فيهما نظر؛ لقبول الخبرين التنزيل على الموثق،بحمل« أو» على التخيير بنحو يجامع الترتيب.و يقيّد الدم الذي هو عبارة عن الشاة بصورة الفقر،أو يراد منه ما يعمّ كلّاً من الثلاثة،و ينزّل على التفصيل المزبور في الرواية،جمعاً بينهما و بين الموثق،لصراحته بالإضافة إليهما و إن قصر سنده عنهما،لانجباره أو اعتضاده بالشهرة العظيمة التي تجعلها أقوى من الصحيح بمراتب شتّى،سيّما مع اعتضاده هنا بالاحتياط.
و المرجع في المفهومات الثلاثة إلى العرف.
و قيل:ينزل ذلك على الترتيب،فيجب البدنة على القادر عليها،فإن
ص:421
عجز عنها فالبقرة،و إن عجز عنها فالشاة (1).
و به قطه الفاضل في الإرشاد و الشهيد في الدروس (2).
و الرواية تدل على الأول،و لعلّ وجه تنزيلها على ما ذكره البناء على الغالب من أن شأن المتوسط أن يعجز عن البدنة،و الفقير عن البقرة.و لا يخلو عن نظر.
ثم إن ظاهر الموثق كون الكفارة للنظر،لا للإمناء؛ لما فيه من تعليلها بذلك،كما مرّ في الحسن،لكنه مع ذلك صريح في عدم الكفارة مع عدم الإمناء،و به يصرف أيضاً ظاهر التعليل في الموثق.
و إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ما لو قصد بالنظر الإمناء أم لا،كان النظر بشهوة أم بدونها.
خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني،فقيّدهما بما إذا لم يقصد به الإمناء،و لا كان من عادته ذلك أيضاً،قال:و إلاّ فكالمستمني (3).
و فيه نظر مرّ وجهه،فالعمل بإطلاق النص و الفتوى هنا أولى.
و لم يذكر الماتن و لا الأكثر حكم ما لو عجز عن الشاة،و الظاهر لزوم الصيام ثلاثة أيام كما مرّ،من أنه أصل عام،و حكي القول به هنا عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة (4).
و لو نظر إلى امرأته لم يلزمه شيء و إن أمنى إلّا أن ينظر إليها
ص:422
بشهوة فيمني فعليه بدنة فيما قطع به الأصحاب،كما في كلام جماعة (1)، مؤذنين بدعوى الإجماع،كما حكوه عن المنتهى (2)،مع أنه حكي عن المفيد و المرتضى-(رحمهما اللّه) أنهما أطلقا نفي الكفارة عمن نظر إلى أهله (3)، و لعلّهما نظرا إلى إطلاق الصحيح أو عمومه:عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم،قال:« لا شيء عليه» (4).
و صريح الموثق:في محرم نظر إلى امرأته بشهوة،قال:« ليس عليه شيء» (5).
و عن الحلبي أنه ذكر بدل البدنة شاة (6)،و لم أعرف مستنده.
و قول المفيد و المرتضى لا يخلو عن قوة لولا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة و خصوص الحسن:« و من نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى فعليه جزور» (7)فيقيد بهما إطلاق صحيحهما،مع أن في ذيله أيضاً ما يوافق الحسن،فإن فيه:قال في المحرم ينظر إلى امرأته و ينزّلها بشهوة حتى ينزل،قال:« عليه بدنة» .
ص:423
و قوله« بشهوة» إن خصّ به الإنزال لتباين الصدر و الذيل تبايناً كلّياً، فليرجع إلى النظر أيضاً ليمكن الجمع بينهما:إما بحمل الذيل على الاستحباب،أو تقييد الصدر بالنظر بغير شهوة،و هو الوجه،لرجحان التخصيص على المجاز و إن وافق الأصل.
فلم يبق غير الموثق،و لا يكافئ ما سبق،و لذا حمل على السهو.
و من الأصحاب من ألحق نظر معتاد الإمناء بالنظر بشهوة (1).و لا بأس به،بل لا إلحاق،فإنه لا ينفك نظره عن الشهوة.
و لو مسّها أي أهله بغير شهوة فلا شيء عليه و إن أمنى،بلا خلاف فتوًى و نصاً.
و إن مسّها بشهوة ف عليه شاة مطلقاً أمنى أو لم يمن وفاقاً للأكثر؛ للخبر:عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال:« إن كان حملها أو مسّها بشيء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه» الخبر (2).
و يعضده إطلاق الصحيح:المحرم يضع يده بشهوة يعني على امرأته قال:«يهريق دم شاة» قلت:فإن قبّل؟قال:« هذا أشدّ ينحر بدنة» (3).
و نحوه الحسن:« من مسّ امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة» (4).
ص:424
خلافاً للحلّي،فخصّ الشاة بما إذا لم يمن،و أوجب البدنة مع الإمناء (1).
و يمكن الاستدلال له بأنه أفحش من النظر،و فيه بدنة،فهو أولى بها،فليحمل الصحيحان على ما إذا لم يمن،كما هو الغالب في المسّ و لو بشهوة.
مضافاً إلى الصحيح المتقدم الموجب للبدنة فيمن ينزّل امرأته بشهوة حتى ينزل،كالنظر بشهوة فيمني المذكور فيه أيضاً.
و الخبر المتقدم ضعيف.
و هو قوي متين،لولا جبر ضعف الخبر بالشهرة العظيمة التي تكاد تبلغ الإجماع،فيترجح على الصحيحة،مع أن في العمل بالخبر إبقاءً لإطلاق الصحيحين،بل عموم أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال على حاله،فلتطرح الصحيحة،أو تحمل على الاستحباب،أو الاستمناء،و هو الوجه،و ربما يشعر به قوله:« ينزّلها حتى ينزل» فتدبّر.
و لو قبّلها بشهوة كان عليه جزور للصحيح المتقدم المتضمن لقوله:قلت:فإن قبّل؟قال:« هذا أشدّ ينحر بدنة» و سياقه ظاهر في التقبيل بشهوة،مضافاً إلى أنه الغالب المنصرف إليه الإطلاق.
مضافاً إلى الحسن:« إن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة،و إن قبّل امرأته على شهوة فأنزل فعليه جزور و ليستغفر» (2).
و به يقيّد الصحيح على تقدير ثبوت إطلاقه.
لكن ظاهره اشتراط الإنزال في الجزور،كما عليه الحلّي و الديلمي
ص:425
و ابن زهرة و غيرهم (1).
و لكن الأكثر لم يشترطوه؛ و لعلّه للخبر:في رجل قبّل امرأته و هو محرم:« عليه بدنة و إن لم ينزل» (2).
و إطلاقه ينزل على التقبيل بشهوة لما مرّ،و هو صريح في لزوم البدنة مع عدم الإمناء،و الحسنة ظاهرة في اشتراطه بالمفهوم الضعيف،و اللازم دفع الظاهر بالنص،و ضعف السند لعلّه مجبور بعمل الأكثر،مع أن ضعفه بسهل و هو سهل،و بالبطائني و قد ادّعى الشيخ إجماع الطائفة على العمل بخبره (3).
هذا إن قبّلها بشهوة،و إن قبّلها بغير شهوة فشاة؛ للحسنة المتقدمة السالمة عما يصلح للمعارضة،سوى إطلاق الصحيح و غيره،و قد مرّ اختصاصه بحكم السياق و غيره بالتقبيل بشهوة.
فتلخّص مما اخترناه في المسألة و استفدناه من الجمع بين أخبارها أنه لو قبّلها بغير شهوة فشاة مطلقاً،و بشهوة جزور كذلك،أمنى أولا،وفاقاً للنهاية و المبسوط و الشرائع و القواعد و التحرير و الدروس (4)،و فيه التصريح بالتعميم للإمناء و عدمه في لزوم البدنة.
و في المسألة أقوال أُخر،منها:لزوم البدنة مطلقاً،كما عن الصدوق
ص:426
و المفيد و المرتضى (1)؛ و إذا أنزل إما مطلقاً،كما عن الديلمي (2)؛ أو إذا كان بشهوة،كما عن ابن سعيد (3).
و آخر لزوم الشاة كذلك عن الفقيه (4).
و قولٌ للحلّي قريب مما اخترناه،لكن مشترطاً في البدنة زيادة على الشهوة الإمناء كما مضى.
و كذا لو أمنى عن ملاعبة فعليه جزور،و كذا على المرأة إن طاوعت كما في التهذيب و غيره (5)؛ للصحيح:عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني و هو محرم من غير جماع،أو يفعل ذلك في شهر رمضان، فقال:« عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي يجامع» (6)و مقتضاه وجوب البدنة؛ لأنها الواجب بالجماع.
و لو كان الإمناء عن تسمّع على مجامع،أو استماع إلى كلام امرأة أو وصفها من غير نظر إليها لم يلزمه شيء من الكفارة بلا خلاف أجده،و لا حكي إلّا عن الحلبي في الإصغاء إليها مع الإمناء فقال:
عليه شاة (7).و لم أعرف مستنده،و يدفعه الأصل،و هو الحجة في المسألة، مضافاً إلى المعتبرة
ص:427
منها الموثق:في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى،قال:
« ليس عليه شيء» (1)و نحوه آخر مرسل (2).
و في ثالث كالصحيح:في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني،قال:« ليس عليه شيء» (3).
و احترز بقوله« من غير نظر» عما لو نظر فعليه الكفارة،و لا إشكال فيه إذا كان النظر إليها،أما إذا كان النظر إلى المجامع خاصة فالظاهر العدم، و كذا إذا نظر إلى المتجامعين و هما ذكران أو ذكر و بهيمة؛ للأصل.
و إطلاق المتن و نحوه شرطَ انتفاء النظر لعلّ المراد به الاحتراز عن خصوص الأول،بل هو الظاهر.
و استثنى جماعة و منهم شيخنا الشهيد الثاني (4)معتاد الإمناء بذلك، قالوا:فهو من الاستمناء،و قصدوا به إيجاب البدنة فيه كما سبق في بحثه، و قد مرّ ثمة و في غيره ما فيه،فيشكل الحكم بإيجابها هنا،سيّما مع إطلاق النص بالعدم و كذا الفتوى،و لكنه أحوط و أولى.
و الثاني: الطيب،و يلزم باستعماله شاة مطلقاً صبغاً بالكسر أي إداماً،أو بالفتح،قيل:و كأنه أولى؛ لإغناء الأكل عن الأوّل (5).
و إطلاءً و بخوراً بفتح الباء و هو ما يبخر به،قيل:و لا يجيء
ص:428
مصدره بهذه الصورة و لو قال« و تبخراً» كان أولى (1).
و أكلاً في الطعام كما هنا،و في الشرائع إجماعاً،كما في المنتهى (2).
و زيد فيهما و في الإرشاد و القواعد (3)بعد الاطلاء:ابتداءً و استدامةً.
و في المنتهى لا نعلم فيه خلافاً.
و زيد في التحرير أيضاً:و سواء استعمله لعضو كامل أو بعضه، و سواء مسّت الطعام النار أم لا (4).و حكي أيضاً عن التذكرة بزيادة قوله:شمّاً و مسّاً،علّق به بالبدن أو عنقت به الرائحة،و احتقاناً و اكتحالاً و إسعاطاً لا لضرورة،و لبساً لثوب مطيب،و افتراشاً له بحيث يشم الريح أو يباشر به بدنه و ثياب بدنه،قال:
و لو داس بنعله طيباً فعلّق بنعله فإن تعمّد ذلك وجبت الفدية (5).
قيل:و استدل على الجميع بالعمومات،و لم أظفر من الأخبار إلّا بالصحيح:« من أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه شاة» (6).
و ما في قرب الإسناد للحميري من قول الكاظم(عليه السّلام)لأخيه علي-(رحمه اللّه) -
ص:429
« لكل شيء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت» (1).
و الصحيح في الفقيه:« من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم،فإن كان ناسياً فلا شيء عليه و يستغفر اللّه و يتوب إليه» (2).
و الصحيح المقطوع:في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، فقال:« إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين،و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه» (3).
و أرسل المفيد عن الصادق(عليه السّلام):« كفارة مسّ الطيب للمحرم أن يستغفر اللّه تعالى» (4)و لم يذكر له في باب الكفارات و لا في باب الكفارة عن خطأ المحرم كفارة إلّا ما ذكره من أنه إن أكل طعاماً لا يحل له متعمداً فعليه دم شاة.
و نحوه ابن حمزة،و لم يذكر له سلّار كفارة،و لا السيّد في الجمل، و لكنه قال أخيراً:فأما إذا اختلف النوع كالطيب و اللبس فالكفارة واجبة على كل نوع منه.و لا ابن سعيد إلّا قوله:روي فيمن داوى قرحة له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين،و قوله في الدهن الطيّب مختاراً دم.
و في الصحيح و المرسل:« لا يمس المحرم شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيّبة،فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق
ص:430
بقدر ما صنع قدر شبعه» (1).
و في الصحيح:« و اتّق قتل الدواب كلّها،و لا تمسّ شيئاً من الطيب و لا من الدهن في إحرامك،و اتّق الطيب في زادك،و أمسك على أنفك من الريح الطيبة،و لا تمسك من الريح المنتنة،فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة،فمن ابتلى بشيء من ذلك فعليه غسله و ليتصدّق بقدر ما صنع» (2).
و في الخبر:قلت له:أكلت خبيصاً فيه زعفران حتى شبعت،قال:
« إذا فرغت من مناسك و أردت الخروج من مكة فاشتر تمراً ثم تصدّق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك ممّا لا تعلم» (3).
و اقتصر في المقنع على الإفتاء بمضمونيهما مع الصحيح الوارد فيمن أكل ما لا ينبغي أكله متعمداً فعليه دم،و قد تقدم (4)،و حملت هذه الأخبار [في المنتهى]على السهو أو الضرورة،و أيدها بقوله(عليه السّلام):« فمن ابتلى بشيء من ذلك» إلى آخره (5).
أقول:و في المختلف بعد نقل ذلك عن المقنع:فإن قصد بالأول يعني به مضمون الخبر غير الصحيح النسيان،و الصدقة بدرهم استحباباً كما هو المشهور فهو حق،و إن قصد العمد فهو في مقام المنع،و يجب
ص:431
عليه شاة على ما هو متفق عليه بين الأصحاب (1).
و عن الخلاف:لا خلاف في أن في الدهن الطيّب الفدية على أيّ وجه استعمله،و أن ما عدا المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و الورس و العود لا كفارة فيه عندنا؛ للإجماع،و الأخبار،و أصل البراءة،و أن في أكل طعام فيه طيب الفدية على جميع الأحوال،إلى آخر ما نقل عنه (2).
و عن الحلبي في شمّ المسك و العنبر و الزعفران و الورس و أكل طعام فيه شيء منها دم شاة،و فيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة (3).
و عن النزهة:إذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران مختاراً وجب عليه شاة،و لم أقف في التهذيب على خبر يتضمن وجوب الشاة في استعمال الكافور،و المعتمد في ذلك على عمل أصحابنا (4).انتهى.
و المقصود من التطويل بنقل هذه الكلمات و الأقوال أن العمدة في إثبات كفارة الطيب في جميع الأحوال (5)الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف و صريح المنتهى و ظاهر غيرهما (6)،و أنه لا يظهر من فتاوى القوم ما يخالفه،عدا سكوت بعضهم عنها مطلقاً،أو في الجملة،و فتوى الصدوق بما عرفته،و قد عرفت الكلام فيها،مع أنه على تقدير ظهور مخالفته فقوله
ص:432
مضعّف بالإجماعات المنقولة و الأخبار الصحيحة،و أما السكوت عنها فعدم دلالته على المخالفة أظهر من أن يخفى.
قيل:و لمّا حرمت الاستدامة و أوجبت الكفارة كالابتداء فإن كان عليه أو على ثوبه طيب و سها عن إزالته إلى أن أحرم،أو وقع عليه و هو محرم، أو سها فتطيّب وجبت إزالته بنفسه أو بغيره،و لا كفارة عليه بغسله بيده، لأنه بذلك تارك للطيب،و لا متطيّب،كالماشي في الأرض المغصوبة للخروج عنها،و لقول النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لمن رأى عليه طيباً:« اغسل عنك الطيب» (1)و يستحب الاستعانة فيه بحلال،كما في التذكرة و المنتهى و المبسوط (2).
و لا بأس بخلوق الكعبة و إن مازجه الزعفران بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف و المنتهى (3)الإجماع عليه؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح:عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام،قال:« لا بأس به،هما طهوران» (4).
و فيه:المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام،فقال:« لا بأس بهما،هما طهوران» (5).
ص:433
و نحوه الموثق،من غير زيادة خلوق القبر،و بزيادة:« فلا تتّقه أن يصيبك» (1).
و ظاهرهما عدم البأس بزعفران الكعبة مطلقاً،كما أفتى به جماعة و منهم الشيخ في التهذيب و النهاية (2)،و الحلّي في السرائر (3)،و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة (4).
و ظاهر الصحيحين عدم البأس بخلوق القبر أيضاً،كما عن ابن سعيد (5)،و تبعه جماعة ممن تأخر عنه (6)،قالوا:و الظاهر أن المراد به قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله) .و لا بأس به و لا بسابقه إن تمّ دلالة الروايات من أصلها على رفع المنع عن الخلوق من حيث كونه طيباً،و لكن لا يخلو عن مناقشة،بل ظاهر التعليل فيها بأنه طهور ربما يفيد أن رفع المنع إنما هو من حيث احتمال النجاسة باحتمال حصولها فيه بمساورة الخاصة و العامة ممن لا يتورع النجاسة،و على هذا فلا دخل لها بمفروض المسألة،و لقد تنبّه لذلك في الذخيرة،إلّا أنه جبرها بفهم الأصحاب فقال:لكن فهم الأصحاب و اتفاقهم يكفي مئونة هذه المناقشة (7).انتهى.و هو حسن.
قيل:و الخلوق كما في المغرب و المعرب ضرب من الطيب مائع فيه
ص:434
صفرة؛ و قال الجزري في نهايته:طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و يغلب عليه الحمرة و الصفرة؛ و قال ابن جزلة المتطيّب في منهاجه:إن صنعته زعفران ثلاثة دراهم،و قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنَة درهماً،قَرَنفُل و قِرفَة عن كل واحد درهم يدقّ ناعماً و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه،و الرهشي هو السمسم المطحون قبل أن يعصر و يستخرج دهنه.
و أجاز في التذكرة و المنتهى الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر،حملاً على الخلوق.
و في الدروس عن الشيخ:لو دخل الكعبة و هي تجمّر أو تطيّب لم يكره له الشم.و الذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي، و أجاد في المسالك حيث حرّم غير الخلوق إذا طيّبت به الكعبة بالتجمير أو غيره؛ اقتصاراً على المنصوص،قال:لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها و عندها حينئذ،و إنما يحرم الشم،و لا كذلك الجلوس في سوق العطّارين و عند المتطيّب فإنه يحرم.انتهى.
و قيل في الاحتجاج لجواز شم ما يجمّر به الكعبة،إنه ورد في الصحيح نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا و المروة و أن لا يمسك أنفه منها (1)،فرائحة الكعبة أولى.
قلت:و يمكن إدخال جميع ذلك في الشم اضطراراً،و هو جائز اتفاقاً؛ لانتفاء العسر و الحرج في الدين،و خصوص الصحيح الوارد في
ص:435
السعوط (1)،لكن يأتي أن عليه الفدية في الدهن الطيّب (2).
انتهى كلام القائل إلى هنا،و إنما ذكرناه بطوله لتضمنه تحقيق الخلوق في المسألة،و تحقيق ما هو الحقّ من الحكم،و ذكر الأقوال فيما يتفرع عليها و يناسبها.
و لكن الأقرب جواز شم طيب الكعبة مطلقاً؛ لفحوى الخطاب الذي مضى،و منه يظهر ما في دليل المسالك من لزوم الاقتصار على المنصوص، فإنّ هذا أيضاً منصوص،إذ لا يشترط في النص الدلالة الصريحة بنحو من التضمن أو المطابقة،بل يكفي الدلالة الالتزامية،سيّما نحو الأولوية التي لا خلاف في حجيتها و لا شبهة.
و الثالث: القلم،و في قلم كلّ ظفر مدّ من طعام إلى أن يبلغ عشرة بلا خلاف،إلّا من الحلبي فكف إلى أن يبلغ خمسة فصاع (3)، و من الإسكافي ففي كل ظفر مدّ أو قيمته إلى أن يبلغ خمسة فدم شاة (4)، و هما نادران،بل على خلافهما الإجماع عن الخلاف و الغنية و المنتهى (5).
للمعتبرة،و منها الموثق بل الصحيح كما قيل (6):عن رجل قصّ ظفراً من أظافيره و هو محرم،قال:« عليه في كل ظفر مدّ من طعام حتى يبلغ
ص:436
عشرة،فإن قلم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة»[قلت:]فإن قلم أظافير يديه و رجليه جميعاً،فقال:« إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان» (1).
لكن في نسخة اخرى بدل« مدّ من طعام» قيمته،و لعلّه لهذا خيّر الإسكافي بينهما.
إلّا أن النسخة الأُولى أرجح؛ للشهرة و الإجماعات المنقولة،مضافاً إلى الاحتياط و لزوم الأخذ بالمتيقن،و الموافقة للخبر المنجبر ضعفه بالعمل:عن محرم قلم أظافيره،قال:« عليه مدّ في كل إصبع،فإن هو قلم أظافيره عشرتها فإن عليه دم شاة» (2).
و لا يعارضهما الصحيح:عن محرم يقلم أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه،قال:« لا يقصّ منها شيئاً إن استطاع،فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» (3).
و الصحيح:في المحرم ينسى فيقلم ظفراً من أظافيره،قال:« يتصدق بكف من الطعام» قلت:فاثنين،قال:« كفين» قلت:فثلاثة،قال:« ثلاث أكف،كل ظفر كف حتى يصير خمسة،فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد،
ص:437
خمسة كان أو عشرة أو ما كان» (1).
و المرسل:في محرم قلم ظفراً،قال:« يتصدق بكف من طعام» قلت:ظفرين،قال:« كفين» قلت:ثلاثة،قال:« ثلاث أكف» قلت:أربعة، قال:« أربع أكف» قلت:خمسة،قال:« عليه دم يهريقه،فإن قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلّا دم يهريقه» (2).
لشذوذها؛ و عدم قائل بها حتى الحلبي و الإسكافي و إن تضمّنت ما ربما يوهم الموافقة لهما لشمول إطلاق الرواية الأُولى قلم الأظافير كلّها، و هو موجب للدم إجماعاً،و تقييدها بما إذا لم يبلغ العشرة أو الخمسة و إن أمكن إلّا أنه ليس بأولى من التقييد بحال الضرورة كما هو صريح موردها.
و تصريحِ الثانية بثبوت ذلك مع النسيان،و هو خلاف الاتفاق فتوًى و نصاً على أنه لا شيء على الناسي مطلقاً،فليحمل على الاستحباب جمعاً.
و مع ذلك فما فيها و في الأخيرة مع إرسالها من التفصيل بكف من طعام لكل ظفر إلى أن يبلغ خمسة فدم لم يقل به الحلبي و لا الإسكافي؛ لإيجاب الأول في الخمسة الصاع من الطعام،لا الدم،فلا ينفعه ما فيهما من الكف لكل ظفر إلى الخمسة،و إيجاب الثاني المدّ من الطعام لكل ظفر إلى الخمسة،فلا ينفعه ما فيهما من الدم للخمسة،مع أن إيجابه لها يحتمل الورود مورد التقية كما ذكره بعض الأجلة،قال:لأنه مذهب أبي حنيفة (3).
و من هنا يتوجه ما ذكره جماعة (4)من أن مستندهما غير واضح في
ص:438
المسألة،و هو كذلك كما عرفته،و خصوصاً الصاع في قول الحلبي للخمسة،فإن أخبار المسألة خالية عنه بالكلية.
قيل:و قد يكون أراد بالصاع صاع النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الذي هو خمسة أمداد (1).أقول:فيوافق المختار في المسألة،مستنداً إلى الأخبار المتقدمة.
و يستفاد منها أن في قلم أظفار يديه و رجليه شاة إذا كان في مجلس واحد و أنه لو كان كل واحد منهما أي من قلم أظفار يديه و قلم أظفار رجليه في مجلس غير مجلس الآخر ف عليه دمان لكل مجلس دم.
و لا خلاف فيهما ظاهراً،بل عن الكتب المتقدمة الإجماع على لزوم الشاة في قلم أظفار اليدين (2)،و ما مرّ في الأخبار مما تعارض ذلك شاذّ.
و إنما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين أو الرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حدّ يوجب الشاة؛ لأنه المتبادر المتيقن من إطلاق الفتوى و النص،و إلاّ تعدّد المدّ خاصة بحسب تعدد الأصابع.
و لو كفّر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب عليه شاة أُخرى،و إلّا لزم خلوّ الباقي عن الكفارة مع تحريمه،و هو باطل قطعاً.
و لا ينافيه إطلاق النص و الفتوى؛ إذ المتبادر عدم تخلل التكفير، و وقوعه بعد قلم أظفار اليدين و الرجلين معاً في المجلس الواحد،فتأمل.
ص:439
و الظاهر أن بعض الظفر كالكل،وفاقاً لجمع (1).
و لو قصّه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية؛ للأصل.
و في التعدد مع الاختلاف نظر.
و لو أفتاه مفت بالقلم محرماً أو محلّاً فقيهاً أولا على الأقوى،لإطلاق النص و أكثر الفتاوي فأدمى ظفره فعلى المفتي شاة كما في النص (2)و إن ضعف السند،لأن الأصحاب عملوا به،كما في كلام جمع (3).
و أما الموثق:إن رجلاً أفتاه أن يقلمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه ففعل،قال:« عليه دم» (4)فيحتمل عود الضمير على المستفتي،و إن عاد على المفتي فإنه مطلق ينبغي تقييده بصورة الإدماء،خصوصاً و يخالف الأصل.
و ظاهر جماعة اعتبار الاجتهاد في المفتي (5).و فيه تقييد لإطلاق النص،إلّا أن يدّعى تبادر المجتهد منه،دون غيره.
و في تعدّد الشاة بتعدّد المفتي مطلقاً،أو وحدتها موزّعة عليهما كذلك مع الإفتاء دفعةً،و إلّا فعلى الأول خاصة،أوجه،أحوطها الأول،
ص:440
و أوجهها الثالث،لإطلاق النص في المفتي الأول لدخوله فيه بيقين، بخلاف الثاني،لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول.هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهداً،و لو انعكس و اعتبرنا الاجتهاد فيه انعكس الأمر،فتجب الشاة على الثاني،دون الأول.
و الرابع: لبس المخيط يلزم به دم مطلقاً و لو اضطر إليه بالإجماع و النصوص (1)،و ينتفي التحريم في حق المضطر خاصة،بل قد يجب.
قيل:و استثنى السراويل في الخلاف و المنتهى و التذكرة،فنفى الفدية فيه عند الضرورة،و استدل له الشيخ بأصل البراءة مع خلو الأخبار و الفتاوي عن ذكر فدائه،و فيه أنه روى في التهذيب في الصحيح:« من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم،ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» (2)إلّا أن يقول:إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه، و يضعفه قوله:« ففعل ذلك ناسياً» .و في الصحيح:عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها، فقال(عليه السّلام):« لكل صنف منها فداء» (3)لكن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، فإن تم كان هو الدليل (4).انتهى.و هو حسن.
ص:441
قيل:و كذا لو لبس الخفّين أو الشُّمِشك كان عليه شاة و إن كان مضطراً لكن ينتفي التحريم في حقه لأن الأصل في تروك الإحرام الفداء إلى أن يظهر السقوط،و لا دليل على سقوطه هنا؛ و لعموم الخبرين المتقدمين (1).
و في الدليلين نظر؛ لعدم دليل على الأصل له،و لا على ثبوته في مطلق المخيط،كما صرّح به جمع (2)؛ و الخبران في الثوب،و يمنع عمومه للخفين و الشمشك.
و عن التهذيب و الخلاف و التذكرة لا فدية إذا اضطر؛ لأصل البراءة؛ و تجويز اللبس في الصحيح (3)من غير إيجاب فداء (4).
قيل:و جعلهما ابن حمزة مما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيماً للشاة و البقرة و البدنة إذا لبسهما مختاراً (5).و لم أقف له على دليل أيضاً.
و اعلم أن قوله: و لو لبس عدّة ثياب مثلاً في مكان واحد يتعلق بالسابق،أي و يلزم الدم باللبس اختياراً و اضطراراً مطلقاً و لو لبس عدّة في مكان.
بلا خلاف إذا كان بلبس واحد و في وقت واحد و إن اختلف أصناف الثياب،إلّا من الفاضل في المنتهى فيما إذا اختلف الأصناف،فجعل لكل صنف فداءً (6)،و تبعه جماعة (7)؛ للصحيح المتقدم،و لا ريب أنه أحوط
ص:442
و إن كان في تعيّنه نظر؛ لقوة احتماله كعبارة الفاضل الاختصاص بصورة تعدد اللبس،كما هو الغالب،و عبارته المحكية كالنص في ذلك.
و محل خلاف إذا تعدد اللبس و تعدد الوقت،فعن الشيخ و جماعة (1)، بل الأكثر كما في المسالك (2)،تعدد الفداء بتعدد الوقت.
خلافاً للماتن هنا و في الشرائع (3)،فجعل المناط في سقوط الكفارة بلبس المتعدد اتحاد المجلس،فتسقط معه و إن تعدد اللبس و الوقت.و لا ريب في ضعفه؛ لعدم وضوح دليل عليه،بل مقتضى النص تعددها بتعدد اللبس،سواء اتّحد المجلس أو تعدد،اختلف الملبوس صنفاً أو اتّحد،كما نقله في المسالك عن التذكرة و اختاره (4).و لا فرق في ذلك بين أن يكون كفّر على الأول أم لا،و هو الأقوى،و سيأتي الكلام في المسألة مرة أُخرى.
و الخامس: حلق الشعر و فيه شاة،أو إطعام ستة مساكين،لكل مسكين مدّان،أو عشرة لكل مسكين مدّ،أو صيام ثلاثة أيام،مختاراً كان في الحلق أو مضطراً قيل:شعر الرأس كان أو غيره بإجماع أهل العلم،خلا أهل الظاهر، على ما في المنتهى و التذكرة،لكن من قبل الفاضلين إنما ذكروا حلق الرأس،و على العموم فإمّا أقلّ مسمّى الحلق حلق نحو شعر الإبطين جميعاً كما في المنتهى،أو نتف الإبطين مستثنى من هذا العموم كما في الروضة
ص:443
البهية،فإن المراد من الحلق هنا و النتف في الإبطين مطلق الإزالة كما في التذكرة و غيرها.
و أما التكفير فللكتاب (1)و السنّة و الإجماع،إلّا في الصدقة،فالأشهر في الرواية و الفتوى أنها على ستة مساكين،لكل منهم مدّان (2).
أقول:و هو الأقوى؛ لتعدد الرواية به (3)،مع صحة بعضها و صراحتها،و في الغنية نفى الخلاف عنه (4)،لكنه لم يصرّح بمدّ و لا مدّين.
خلافاً للفاضلين في الشرائع و القواعد و غيرهما (5)فقالوا إطعام عشرة لكل مداً،وفاقاً لابن حمزة (6)؛ للخبر (7).
و فيه ضعف سنداً،و متناً،لتضمّنه ما لا يقول به أحد،و دلالةً،لعدم تصريح فيه بالمدّ،و إنما غايته الإشباع و هو أعم منه،و لكنه الغالب، فليحمل عليه،و ضعف السند لعلّه عندهم مجبور بالشهرة،كما حكاها شيخنا في المسالك،فقال:الأول مشيراً إليه هو المشهور،و الثاني و أشار به إلى المختار مروي في الصحيح،و لا يبعد القول بالتخيير (8).
أقول:كما هو خيرة الماتن هنا و الشهيد في الدروس و الشيخ في
ص:444
التهذيبين و يحيى بن السعيد في الجامع (1)،و لكنهما لم يذكرا المدّ،بل الإشباع،لكن المرجع بناءً على ما عرفت من الغالب واحد.
و في الشهرة الجابرة نظر،و المنقولة معارضة بالمثل،بل و أكثر،فقد ادّعاها على المختار جماعة،منهم زيادةً على من مرّ السيّد في المدارك (2)،هذا مضافاً إلى التعدد و الصراحة،و لذا احتاط به الفاضل في المختلف (3)،و منه يظهر ضعف ما عن النهاية و المبسوط (4)من الاحتياط بالعشر.
و هنا قول آخر عن الشيخين في المقنعة و المبسوط و السرائر (5)من ستة أمداد لستة،و لم أعرف مستنده،إلّا مرسل الفقيه:« الصدقة على ستة مساكين،لكل مسكين صاع من تمر» و روى:« مدّ من تمر» (6).
و هو معارض بمثله،بل و أصحّ و أكثر،هذا و المحكي عن المقنعة في التهذيب:لكل مسكين مدّان (7).
قيل:و اقتصر سلّار على قوله:من حلق رأسه من أذى فعليه دم، و في النزهة:إن التخيير إنما هو لمن حلق رأسه من أذى،و إن حلقه من غير أذى متعمداً وجب عليه شاة من غير تخييره و هو قوي؛ لاختصاص
ص:445
نصوصه بذلك،مع الصحيح:« و من نتف إبطه أو قلم أظفاره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» (1)انتهى (2).
و إلى ما قوّاه مال في المدارك،معلّلاً بما ذكره،إلّا أن فيه:لكن قال في المنتهى:إن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع (3).
أقول:و ظاهره الإجماع،فيكفي في التعدي،و يصرف إليه الصحيح الآمر بالشاة مع العمد بحمله على الوجوب المطلق الجامع للوجوب المخيّر.
و لا خلاف فيهما أجده،إلّا من بعض المتأخرين في الثاني (1)؛ لضعف الخبر سنداً،و معارضته ببعض الصحاح المتقدمة:« إنّ من نتف إبطه متعمداً فعليه دم شاة» (2).
و فيه نظر؛ فإن الضعف منجبر بالعمل،سيّما من نحو ابن زهرة و الحلّي (3)ممن لا يعمل بأخبار الآحاد الصحيحة،فضلاً عن الضعيفة، إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعية،فيترجح الرواية على الصحيحة،سيّما مع اعتضادها بمفهوم الصحيحة الأُولى المشترطة في لزوم الشاة نتف الإبطين معاً،و مقتضاه عدم لزومها بنتف أحدهما.
فلا وجه لإيجابها له أيضاً إلّا ما في الذخيرة من عدم العبرة بهذا المفهوم؛ لورود الشرط مورد الغالب،إذ الغالب في نتف الإبط نتفهما معاً (4).و هو حسن،إلّا أن الغلبة كما تدفع أثر المفهوم كذا تدفع أثر الإطلاق و تمنع رجوعه إلى العموم لغير الغالب.
و لا ريب أن الموجود في الصحيح الموجب للشاة بنتف الإبط ليس إلّا نتف الإبط،و هو و إن كان مطلقاً يصدق على نتف الإبط الواحدة،إلّا أنه لمّا كان الغالب من أفراده كما هو الفرض نتفهما معاً،تعيّن الحمل عليه، دون نتف الإبط الواحدة،فلا داعي لإيجاب الشاة فيه من جهة الرواية و لا من غيرها.
و هذا الوجه و إن جرى في الرواية الضعيفة أيضاً فتخالف الإجماع
ص:447
و الصحيحين الصريحين في إيجاب الشاة بنتف الإبطين،إلّا أنه لا ضير في ذلك بعد الإجماع على لزوم شيء في نتف الإبط الواحدة أمّا الإطعام أو الشاة،و لا دليل على الثاني مع مخالفته لأصالة البراءة،فتعيّن الأول، و يمكن جعل هذا الإجماع قرينة على رجوع الإطلاق في الرواية إلى خصوص غير الغالب تخصيصاً أو تجوّزاً،و هما شائعان،و لا بأس في المصير إليهما بعد تعذّر الحقيقة.
و ألحق جماعة بنتف الإبطين حلقهما،و كذا نتف الإبط الواحدة (1)، و على هذا فيكون الحكم هنا مستثنى ممّا قدّمنا من أن في إزالة الشعر الشاة أو الإطعام أو الصيام كما قدّمناه.
و الأقرب أن بعض الإبط ليس ككلّه؛ للأصل،و إرشاد الفرق بين الواحدة منهما و الاثنتين.
و لو مسّ لحيته أو رأسه فسقط من شعره شيء تصدّق بكفّ من طعام أو كفّ من سويق،كما في الصحيح (2)،و عليه الأكثر،بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة (3)الإجماع.
و الشيء يعمّ شعرة و أكثر.
قيل:و أطلق المرتضى و الديلمي سقوط شيء من شعره بفعله من غير تخصيص بشعر اللحية و الرأس (4).
ص:448
أقول:و هذا الوجه لعموم بعض ما سيأتي من الصحيح.
و في النهاية و المبسوط (1):كفّ أو كفّان؛ للخبر:إذا مسّ لحيته فوقع منها شعر،قال:« يطعم كفاً من طعام أو كفين» (2).
و في الوسيلة و المهذّب (3):كفّان أخذاً بالأكثر احتياطاً.
و في المقنع:إذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه أن يتصدق بكف أو كفين من طعام (4).و هو كما ترى يحتمل معنيين.
و في الجامع:صدقة (5)؛ للصحيح:« يطعم شيئاً» (6).
و قريب منه آخر:« إن نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده» (7).
و الخبر:سأله أنه مولع بلحيته و هو محرم فتسقط الشعرات،قال:
« إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمراً و تصدّق به،فإن تمرةً خير من شعرة» (8).
أقول:و أصحّ هذه الأقوال هو الأول الذي عليه الأكثر؛ إذ لا دليل على
ص:449
الأقوال الأُخر سوى ما ذكر من الأخبار،و إرجاعها إلى الصحيح ممكن بحمل صحاحها و غيرها المطلقة على المقيد،و ما تضمّن منها الكفّين على الاستحباب لتصريحه أيضاً بجواز الكف،و التزام الكفين بعد ذلك لا وجه له،إلّا احتمال كون الترديد من الراوي فيجمل فيجب الأخذ بالمتيقن،و فيه نظر،لمخالفة الاحتمال الظاهر،مع أن الصحيح المتقدم للأكثر يرفع الإجمال،فلا وجه للاحتياط.
و هنا أخبار أُخر دالة على أنه لا شيء (1)،لكنها مع ضعفها و شذوذها محمولة على نفي المؤاخذة،دون الكفارة.
و لو كان سقوط الشعر بسبب المسّ ل الوضوء للصلاة أو غيرها فلا كفارة واجبة،وفاقاً للأكثر؛ للصحيح:عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان،فقال:« ليس بشيء ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] » (2).
و ليس فيه تقييد الوضوء بكونه للصلاة كما في المتن،بل هو مطلق يعمّ الوضوء لها و لغيرها،بل التعليل فيه يقتضي عموم الحكم له و للغسل، كما في الدروس (3)،تبعاً لجملة من القدماء كالخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر و غيرها (4).و لا بأس به،بل و لا بالتيمم و إزالة النجاسة كما في
ص:450
المسالك و غيره (1).
قيل:و أطلق الصدوق و المرتضى و الديلمي التكفير من غير استثناء، و نصّ المفيد على أن من أسبغ الوضوء فسقط شيء من شعره فعليه كفّ من طعام،و لم يتعرّض لغيره،قال:فإن كان الساقط من شعره كثيراً فعليه دم شاة،و كذا قال الديلمي،و كأنهما ألحقاه بالحلق (2).
أقول:و لا ريب في ضعفه.
و السابع: التظليل سائراً و فيه شاة كما هنا و في الشرائع و القواعد و غيرها (3)،و عن الكافي و الغنية و المهذّب و الجامع (4)لكن في الأولين تظليل المحمل،و أن على المختار لكل يوم شاة،و على المضطر لجملة الأيام.
و عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر (5)دم.
و الأخبار بكل من الدم و الشاة كثيرة،و لكن أكثرها تضمن الشاة و هي صحاح (6)،و بها يقيد الدم المطلق في الصحيح و غيره (7)،حملَ المطلق على
ص:451
المقيد،سيّما و أنها الظاهر منه عند الإطلاق.
و على جميع ذلك يقيد ما أُطلق فيه الفداء كالصحاح (1)،أو الكفارة كما في صحيح علي بن جعفر:سألت أخي(عليه السّلام)أُظلّل و أنا محرم،فقال:
« نعم و عليك الكفارة» قال: أي الراوي عن علي بن جعفر(عليه السّلام) فرأيت علياً أي علي بن جعفر كما فهمه الأكثر إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (2).
لكن فعل علي بن جعفر ربما يكشف عن فهمه من الكفارة البدنة أو ما يعمّها و غيرها،و حمله جماعة من الأصحاب على الاستحباب (3).
و الأحوط الشاة؛ للأمر بها في الصحاح،مع تفسير الفداء بها في الصحيح (4)،و فعل علي بن جعفر فضية في واقعة لا حجة فيها،سيّما و أن فعل مثله و كذا فهمه ليس بحجة،سيّما في مقابلة الأخبار المعتبرة.
ثم الأخبار جملة مختصة بحال الضرورة كعبائر جملة من القدماء المحكية،فلا يمكن التعدية إلى الاختيار بالإجماع،و لا بالأولوية؛ لما مرّ في بحث الصيد و قد عرفته.
و ظاهرها عدم تكرر الكفارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحج أو العمرة،و به صرّح جماعة (5).
ص:452
و أصرح منها على ذلك دلالةً الصحيح:جعلت فداك إنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام لأني محرور يشتد عليّ حرّ الشمس،فقال:
« ظلّل و أرق دماً» فقلت له:دماً أو دمين؟قال:« للعمرة؟» قلت:إنا نحرم فندخل مكة فنحلّ و نحرم بالحج،قال:« فأرق دمين» (1).
و موردها أجمع كما ترى المعذور.و ألحق به جماعة المختار فلم يكرّروا عليه بتكرير التظليل في النسك الواحد الكفارة كالمضطر (2)،و لا ريب فيه؛ للأصل،بل مقتضاه عدم لزوم التكفير في حقه من أصله،لكن ظاهر الأصحاب عدم القول بالفرق بينهما في ذلك،بل مرّ عن الحلبيّين أنهما زادا عليه الكفارة،فجعلا عليه لكل يوم شاة (3)،و لكن لم نجد مستنداً لهما في ذلك،مع ندرته،كالمحكي عن المقنع من أن لكل يوم مدّاً من طعام (4)؛ للخبر (5).
و عن العماني إلحاق التظليل بالحلق لأذى،فلا يتعين الشاة،بل يتخير بينها و بين أخويها (6)؛ لآخر (7).
و في الخبرين ضعف سنداً و مكافأةً لما قدّمناه من الأدلة من وجوه
ص:453
شتّى.
و كذا يجب شاة في تغطية الرأس للرجل و لو بالطين أو الاغتماس يعني الارتماس في الماء أو حمل ما يستره كما هنا و في الشرائع و القواعد و الإرشاد و غيرها (1)،و في المدارك و الذخيرة (2):إنه مقطوع به بين الأصحاب،و فيهما و في غيرهما عن المنتهى أنه لا خلاف فيه،و نقل عن المبسوط و التذكرة أيضاً (3)،و في الغنية الإجماع صريحاً (4)؛ و هو الحجة المعتضدة بعموم ما مرّ من الصحيح:« من لبس ما لا ينبغي له لبسه متعمداً فعليه شاة» (5)لشموله للثوب الساتر للرأس،و يلحق به غيره لعدم القائل بالفرق.
و عن الخلاف ما يدل على وجود رواية بذلك،فإنه قال:إذا حمل على أسه مِكتلاً أو غيره لزمه الفداء،دليلنا:ما روي فيمن غطّى رأسه أن عليه الفدية (6).
لكن لم نجد الرواية،و به صرّح جماعة (7)،فهي إذاً مرسلة،و مع
ص:454
ذلك فلا دلالة فيها على الشاة،فإذاً العمدة في الدلالة هو الإجماع كما عرفته في عبائر الجماعة،مع عدم ظهور مخالف فيه لنا أيضاً بالكلية.
و في الغنية ذكر تغطية رأس الرجل و وجه المرأة جميعاً،و ذكر أن على المختار لكل يوم شاة،مدّعياً الإجماع.و نحوه عن الحلبي (1).
فإن تمّ الإجماع،و إلّا فالأصل يقتضي العدم،و الظاهر عدم الإجماع على التكرر لكل يوم و إن ادّعاه،إذ لم نره إلّا في عبارته،و الحلبي فيما حكي.
و في الدروس:الأقرب عدم التكرر بتكرر تغطيته،نعم لو فعل ذلك مختاراً تعدّدت،و لا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقاً (2).
و وافقه الشهيد الثاني في جميع ذلك،إلّا أنه حكم بعدم التكرر لو اتّحد المجلس (3).
و لا ريب أن ما ذكراه من التكرر أحوط و إن كان في تعيّنه نظر؛ للأصل،و فقد الإجماع على ما ذكراه و كذا النص،و إلى هذا يميل جمع (4)، و هذا هو الثامن.
و التاسع: الجدال،و لا كفارة فيما دون الثلاث مرّات منه إذا كان فيه صادقاً،و في الثلاث منه كذلك شاة على المشهور،بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف يعتدّ به؛ للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة
ص:455
الدالة على الحكمين (1)،منطوقاً في أحدهما و مفهوماً في الآخر،لكنها مختلفة في تقييد الثلاث بالمتتابعات في مقام واحد كما في أكثرها،أو إطلاقها و خلوّها عنه كما في الصحيح و غيره.
و مقتضى الأُصول في الجمع بينها وجوب حمل مطلقها على مقيدها، كما يميل إليه بعض المتأخرين حاكياً له عن العماني (2).و لا بأس به إن لم ينعقد الإجماع على خلافه،و لكن الظاهر انعقاده؛ لشذوذ قول العماني و ندوره،مع أن إطلاق كلامه المحكي يعمّ الصادق و الكاذب،و النصوص المزبورة مصرّحة بخلافه و اختصاصه بالأول دون الثاني و إن اختلفت في بيان ما يجب فيه.
فالنصوص المقيدة على هذا التقدير لا قائل بها،و قول العماني لم نجد له دليلاً على إطلاقه،فإذاً المتجه ما عليه الأكثر و يتعين القول به.
و أما ما ورد بأن« من جادل و هو صادق فلا شيء عليه» (3)فمحمول على ما دون الثلاث،حملاً للمطلق على المقيد،مع أنه المتبادر من المطلق.
أو على ما لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل،ففي الدروس إن الأقرب جوازه و انتفاء الكفارة فيه (4)،و تبعه جماعة من المتأخرين (5).
ص:456
أو على ما إذا كان في طاعة اللّه تعالى و صلة الرحم ما لم يدأب في ذلك كما عن الإسكافي و الفاضل (1).
و لا دليل يعتدّ به على شيء من هذين القولين،فيتعين الأول عملاً بإطلاق الأدلة و الفتاوي.
ثم إن إطلاقهما بنفي الشيء و الكفارة فيما دون الثلاث يعمّ الدم و غيره حتى الاستغفار،خلافاً للمحكي عن الشيخين و غيرهما (2)فأوجبوا الاستغفار،قيل:لعموم الكتاب و السنّة (3).
و هو حسن،لولا ظهور بعض الأخبار بأنه لا جدال بالواحدة الصادمة أو بالثنتين:
ففي الصحيح:« إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به،و إذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» الخبر (4).و نحوه غيره (5).
و لكن الاستغفار أحوط إن لم نقل بكونه المتعين،بناءً على أن الظاهر أنه لا خلاف في صدق الجدال بالمرة مثلاً حقيقةً،كما هو ظاهر كثير من الأخبار أيضاً،فيتحقق به الذنب و كفارته الاستغفار بلا خلاف.و لا ينافيه إطلاقهم نفي الكفارة فيما دون الثلاث هنا؛ لأن الظاهر أن مرادهم من الكفارة في أمثال المقام ما عدا الاستغفار
ص:457
و في المرّة من الجدال كذباً شاة،و في المرّتين بقرة،و في الثلاث بدنة على الأشهر،بل لا خلاف فيه يعتدّ به يظهر و لا إشكال في الأول؛ لما مرّ من الصحيح و نحوه الموثق و غيره،فإنها صريحة فيه.
و أما الأخيران فيشكل الحكم فيهما؛ لعدم وضوح دليلهما؛ مع أن في الصحيح:« إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة،و على المخطئ بقرة» (1)و مقتضاه وجوب البقرة في الزائد على المرتين.
و نحوه آخر (2).
و مال إلى العمل بهما في المدارك فقال:و ينبغي العمل بهما؛ لصحة سندهما و وضوح دلالتهما (3).
و هو حسن إن وجد القائل بهما،و إلّا فشاذان يجب طرحهما؛ مع أنه يمكن الاستدلال للمشهور في البقرة بما رواه العيّاشي في تفسيره كما في الوسائل،عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن موسى(عليه السّلام)قال:
« من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقاً أو كاذباً،فإن عاد مرّتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة» الحديث (4).
و خروج صدره عن الحجية بالإجماع من وجهين لا يوجب خروج
ص:458
الباقي عنها كما قرّر في محله،و هو صريح في وجوب البقرة في المرتين من الجدال كذباً.
و في البدنة بالصحيح أو الموثق:« إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمداً فعليه جزور» (1).
و هو و إن كان مطلقاً يشمل المرة الأولى و الثانية،لكنهما مخرجتان عنه بالأخبار المتقدمة،فيتعين تقييده بالمرة الثالثة،و هو أولى من حمله على الاستحباب كما مرّ غير مرة.
هذا،مع تأيد الحكم فيهما،بل في جملة الأحكام المتقدمة في الجدال بأقسامه،بالرضوي فيما حكي،و فيه:« و اتّق في إحرامك الكذب [و]اليمين الكاذبة و الصادقة،و هو الجدال الذي نهى اللّه سبحانه» إلى أن قال:« فإن جادلت مرة أو مرتين و أنت صادق فلا شيء عليك،و إن جادلت ثلاثاً و أنت صادق فعليك دم شاة،و إن جادلت مرة و أنت كاذب فعليك دم شاة،و إن جادلت مرتين كاذباً فعليك دم بقرة،و إن جادلت ثلاثاً و أنت كاذب فعليك بدنة» (2).
فإذاً المشهور في غاية القوة،و عليه فإنما تجب البقرة بالمرتين و البدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السابق،فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة، أو اثنتين فالبقرة،و الضابط اعتبار العدد السابق ابتداءً أو بعد التكفير،فللمرة شاة،و للمرتين بقرة،و للثلاث بدنة،و بذلك أيضاً صرّح جماعة (3)،من
ص:459
غير خلاف بينهم أجده.
و اعلم أن ظاهر المتن هنا عدم وجوب الكفارة في غير ما مرّ لقوله:
و قيل:في استعمال الدهن الطيّب أي الذي فيه طيب شاة و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف (1)،نافياً عنه الخلاف كما مرّ في كفارة الطيب،و السرائر و الفاضل (2)،مدعياً عليه في المنتهى على لزوم الفدية فيه الإجماع،و تبعهم جماعة (3)من غير خلاف فيه بينهم بل مطلقاً أجده،إلّا من الماتن هنا في الشرائع (4)و الكتاب،مع أنه أوجبها في بحث كفارة الطيب (5).
و هو الوجه؛ للإجماع المنقول الذي هو العمدة في إيجابها في الطيب مطلقا،فإنه شامل لما نحن فيه،بل إجماع الخلاف صريح فيه.
مضافاً إلى تأيده بالصحيح المقطوع:في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج،فقال:« إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين،و إن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» (6).
و إن كان في الاستدلال به نظر،لأنه مقطوع،لا مضمر كما قيل - (7)
ص:460
فيجبر بعمل الأكثر،مع أخصيته من المدّعى،و اشتماله على وجوب الكفارة على الجاهل مع اتفاق الأصحاب و الأخبار على أنه لا كفارة عليه إلّا في الصيد خاصة كما يأتي،و مضى الإشارة إليه مراراً.
و لا فرق بين استعماله اختياراً و اضطراراً كما عن الأوّلين،خلافاً للمحكي عن ابن سعيد فإنما أوجب الدم باستعماله اختياراً (1).
و كذا قيل في قلع الضرس يجب فيه شاة،و القائل الشيخ في النهاية و المبسوط و القاضي في المهذّب و الحلبي و الجامع كما حكي (2)، لكن الأخير خصّه بالاختيار؛ للمرسل:محرم قلع ضرسه،فكتب(عليه السّلام):
« يهريق دماً» (3).
خلافاً لأكثر المتأخرين فردّوه (4)؛ لضعف السند،و الدلالة باحتمال أن يكون قد أدمى كما هو الغالب،و يكون الدم لأجله.
قيل:و قد قيل في الإدماء شاة،و في الكافي فيه طعام مسكين،و في الغنية مدّ من طعام،و المعنى واحد (5).
أقول:و هو الوجه و إن كان الوجوب أحوط،سيّما مع دعوى بعضهم اشتهاره بين الأصحاب (6).
ص:461
و هنا
مسائل ثلاث:
الاُولى: في قلع شجرة الحرم الإثم في جميع أقسامه عدا ما استثني ممّا مرّ ذكره في بحث تروك الإحرام على كل من حكمي المستثنى منه و المستثنى.
و الحكم الأول مطلق سواء كان أصلها في الحرم أو فرعها كما صرّح به جماعة (1)،من غير خلاف بينهم أجده؛ للصحيح:عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ،قال:« حرم فرعها لمكان أصلها» قال، قلت:فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم،قال:« يحرم أصلها لمكان فرعها» (2).
و ظاهر المتن هنا و في الشرائع (3)أنه لا كفارة فيه أصلاً،كما عن ظاهر الحلّي (4)،أو تردّده فيها.و هو ضعيف جدّاً؛ لما ستقف عليه إن شاء اللّه، مع أن المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً ثبوتها في الجملة و إن اختلفوا في بيانها:
فالإسكافي على أنها قيمتها و ثمنها مطلقاً،و اختاره الفاضل في المختلف (5)؛ للموثق،و روى في الفقيه بسند حسن،بل صحيح:عن
ص:462
الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة،قال:« عليه ثمنه يتصدّق به» (1).
و قريب منه الصحيح المروي في الفقيه:عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه،قال:« عليك فداؤه» (2).
و فيه:أن الفداء أعم من الثمن،فلا ينافي القول بوجوب البقرة مطلقاً،أو مع الشاة على التفصيل الآتي.
و مع ذلك فمورده كالسابق إنما هو القطع من الأراك الظاهر في قطع بعض أغصانه،لا قلع أصله الذي هو المتنازع فيه،و لا تلازم بينهما، لمصير الأكثر كما سيظهر إلى الفرق بينهما بإثبات الثمن في الأول كما في الخبرين،و البقرة أو الشاة في الثاني،فهذا القول كسابقه ضعيف.
و قيل:فيها أي في قلعها بقرة و القائل:القاضي (3)،و أطلق، فلم يفصّل بين الصغيرة و الكبيرة؛ للمرسل:« إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع،فإن أراد نزعها نزعها و كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين» (4).
و ردّ بضعف السند و متروكية الظاهر (5).
و فيه نظر؛ لأنه الإرسال إنما هو بقول الراوي الثقة:« روى أصحابنا»
ص:463
بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم،و مثله يلحق بالصحيح على الصحيح،مع أنه منجبر بشهرة العمل به في الجملة،مع نقل الإجماع عليه كما ستعرفه.
و متروكية الظاهر:الظاهر أنه إنما هو من حيث دلالته على المنع عن قلع الرجل الشجر في داره مع أنه كما سبق من جملة ما استثني،و قد مرّ الكلام فيه،و أن القدر الثابت منه إنما هو استثناء ما غرسه الإنسان و أنبته، سواء كان في ملكه أو غيره،أو ما نبت في ملكه بعد ملكيته،و الخبر هنا ليس نصاً فيهما،فيحتمل التقييد بغيرهما،و العامّ المخصَّص و المطلق المقيَّد حجة في الباقي.
فهذا القول متوجه لولا الإجماع المنقول على التفصيل الآتي،المؤيد بغيره.
و قيل:في الصغيرة منها شاة،و في الكبيرة بقرة و في الأغصان القيمة.
و القائل:الشيخ و جماعة كما في المدارك و غيره (1)،بل في شرح القواعد للمحقّق الثاني و المسالك و الروضة إن عليه الشهرة (2)،و في الخلاف الإجماع عليه (3).
و لا يخلو عن قوة،للإجماع المنقول،المعتضد بالشهرة المتأخرة الظاهرة،و المطلقة المحكية في عبائر هؤلاء الأجلّة.
المؤيد زيادةً على ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال:« في الدوحة
ص:464
بقرة و في الجزلة شاة» (1).
مضافاً إلى الرواية السابقة بالبقرة و إن أطلقها،لكنها مقيدة بالكبيرة، جمعاً بين الأدلة.
و أما الأغصان فقد مرّ من الأخبار المعتبرة ما يدل على أن فيها القيمة، فلا إشكال في المسألة بحمد اللّه سبحانه.
و المرجع في الصغيرة و الكبيرة إلى العرف و العادة.
و في المتوسطة و المشكوك في صغرها و كبرها شاة؛ لأصالة البراءة.
و يحتمل الإلحاق بالكبيرة احتياطاً من باب المقدمة،فتأمل (2).
الثانية: لو تكرر الوطء الموجب للكفارة تكررت مطلقاً الكفارة على الأظهر الأشهر بين الطائفة على الظاهر،المصرَّح به في عبائر جماعة (3)؛ بل عليه الإجماع في صريح الانتصار و الغنية (4)،و فيهما التصريح بعدم الفرق بين وقوعه في مجلس واحد أو مجالس متعددة،كفّر عن الأول أم لا؛ و هو الحجة،المؤيدة بعموم النصوص الموجبة للكفارة.
مضافاً إلى الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع؛ لعدم ظهور مخالف عدا الشيخ في الخلاف و ابن حمزة (5)،فقيّده الأول بما إذا تكرر بعد تخلل
ص:465
التكفير دون غيره،و الثاني بما إذا كان غير مفسد للحج و تكرّر بدفعات، دون المفسد و المتكرر دفعة،و قوّاه الفاضل في المختلف (1)؛ و حجتهما غير واضحة،عدا ما في الخلاف لقوله من أن الأصل براءة الذمة.
قيل:يعني أن النصوص إنما أفادت على المجامع بدنة،و هو أعم من المجامع مرة و مرات،و أُيّد بأنها أفادت أن الجماع قبل الوقوف يوجب بدنة،و الإتمام،و الحج من قابل،و بيّن أن الأمور الثلاثة إنما تترتب على الجماع الأول،فالقول بترتب البدنة خاصة على كل جماع دون الباقيين تحكّم.و فيه:أن القائل بتكرر البدنة لا ينفي ترتب الباقيين،لكنه يقول لا يتصور فيهما التكرار،و إلّا فهما أيضاً مترتبان على كل جماع كالبدنة،نعم يحتمل البدنة أن تكون مثلهما في أن تكون واحدة تترتب على الجماع مرة و مرات (2).انتهى.
و الأجود الجواب عنه أوّلاً:بالإجماع المنقول الذي هو في حكم النص الصحيح،المؤيد بما عرفته،مع أنه في الخلاف قبل تلك الفتوى أفتى بالتكرار مطلقاً،كما عليه من عداه.
و ثانياً:بأن ما ذكره على تقدير تماميته ينفي التكرر مطلقاً،كفّر عن الأول أم لا،فالتفصيل بينهما غير متوجه على كلّ تقدير.
و اعلم أنه يتحقق التكرر بتكرر الإيلاج و النزع مطلقاً،كما في عبائر جمع (3)،و استند بعضهم إلى العرف.و في إطلاق الصدق العرفي بذلك نظر؛ فإنّ من كرّر الأمرين بامرأة واحدة في حالة واحدة لا يصدق عليه في
ص:466
العرف أنه جامعها مراراً كثيرة،بل يقال إنه جامعها مرّة،نعم لو تعدد الموطوءة أو الحالات أمكن فيه ذلك.
و لعلّ هذا هو الوجه في نفي ابن حمزة الكفارة عن المتكرر دفعةً، و أما نفيه لها عن المفسد للحج فلما مرّ من التأييد في توجيه الخلاف، و مرجعه إلى منع عموم ما يدلّ على وجوب الكفارة لمثله،لاختصاص النص المثبت لها فيه بما يترتب عليه الأُمور الثلاثة حقيقةً،و هي لا تترتب إلّا على الأول منه،فالثاني مثلاً غير داخل فيه.
فهذا القول في غاية المتانة،لولا الإجماعات المنقولة،المعتضدة بالشهرة العظيمة،إلّا أن شمولها لمثل تكرر الإيلاج و النزع دفعةً بالموطوءة الواحدة في حالة واحدة محل مناقشة؛ لما مرّ من المنع عن صدق التكرر العرفي الذي يجب صرف الإطلاقات فتوًى و نصاً إليه عليه،بل الإطلاقات الموجبة للبدنة و ما بعدها مرةً الغالب فيها الذي ينصرف إليه بحكم العادة و الغلبة تكرر الأمرين فيه مراراً عديدة و إن أمكن فرض وقوعهما مرة،و مع ذلك حكم فيها بوجوب البدنة مثلاً مرةً،فالوجه عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة،لا لمنع الحكم،بل لمنع تكرر الموضوع و السبب عرفاً،فليس فيه مخالفة للإجماعات المزبورة بوجه.
و لو تكرّر اللبس فإن اتّحد المجلس لم يتكرر عند المصنف مطلقاً،سواء اتّحد الوقت أيضاً أو تعدّد كما مرّ.و فيه نظر،بل الوجه ما مرّ من التكرر بتكرر اللبس،سواء اتّحد المجلس أو تعدّد،اختلف الملبوس صنفاً أو اتّحد،كفّر عن الأول أم لا،و وجهه مع إشباع الكلام في المسألة قد مرّ.
و كذا لو تكرر التطيب.
ص:467
و يتكرر الكفارة فيهما مع اختلاف المجلس و لا مع وحدته عند المصنف.
و يتبدل المجلس بالوقت عند غيره،و هو الوجه كما مرّ،و عن الخلاف نفي الخلاف عنه،حيث ذكر تكرر الكفارة بتكرر اللبس و الطيب إذا فعل ثم صبر ساعة،و هكذا،كفّر عن الأول أم لا،و استدل بأنه لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة،فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة (1).
و اعلم أن الماتن لم يذكر الأسباب الأُخر هل بتكرر الكفارة فيها بتكررها أم لا،و هو مما ينبغي تحقيقه في المقام:
و مجمل الكلام فيه بنحو يوافق الأصل و الدليل ما أشار إليه بعض الأعلام فقال:و لو تعدّدت الأسباب مختلفة كالصيد و الوطء و الطيب و اللبس تعددت الكفارة اتفاقاً،اتحد الوقت أو اختلف،كفّر عن السابق أولا؛ لوجود المقتضي و انتفاء المسقط.
و لو تكرّر سبب واحد فإن كان إتلافاً مضمّناً للمثل أو القيمة تعددت بحسبه اتفاقاً؛ لأن المثل إنما يتحقق بذلك،و إلّا فإن لم يفصّل العرف أو الشرع فيه بين مجلس واحد و مجلسين،أو وقت وقتين،مثل الوطء فإنه يتعدد بتعدد الإيلاج حقيقةً و عرفاً و شرعاً تعددت الكفارة أيضاً بتعدده و لو في مجلس واحد،و كذا اللبس إذا ليس ثياباً،واحداً بعد واحد،أو ثوباً واحداً لبساً بعد نزع،و كذا التطيب إذا فعله مرة بعد اخرى،و التقبيل إذا نزع فاه ثم أعاد فقبّل،أما إذا كثر منه فلم ينزع فاه فيمكن أن يكون واحداً، و كذا ستر الرأس و التظليل.
ص:468
و لو تكرّر ما يفصّل فيه العرف أو الشرع بين مجلس و مجلسين،أو وقت و وقتين،مثل الحلق الذي يفصّل فيه العرف،و القلم الذي يفصّل فيه الشرع،تعددت الكفارة إن تغاير الوقت،كأن حلق بعض رأسه غدرةً و بعضه عشيةً،و إلّا فلا؛ لعدّه في العرف حلقاً واحداً،كما أنّ لبس ثياب دفعةً لبس واحد،لكن في الصحيح:عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب،فقال:« عليه لكل صنف منها فداء» (1)و هم يعمّ لبسها دفعةً و دفعات،و قد يمنع كون لبسها دفعةً لبساً واحداً،و عرفت الفرق بين القلم في مجلس و مجلسين (2).
انتهى المقصود من كلامه و هو في غاية الجودة،إلّا أن في بعض كلماته مناقشة،مثل دعواه صدق تكرر الجماع بتكرر الإيلاج مطلقاً عرفاً، فإنّ فيه ما مضى،و منع كون لبس الثياب دفعةً لبساً واحداً،فإنه ليس في محلّه،و الأجود في الجواب عن الصحيح حمله على لبسها دفعات،كما هو الغالب فيه،و قد قدّمناه.
الثالثة:إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه لبسه ممّا لا تقدير فيه بالخصوص عامداً عالماً لزمه دم شاة بلا خلاف أجده؛ للصحيح المتقدم غير مرة:« من نتف إبطه،أو قلم ظفره،أو حلق رأسه،أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه،أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء،و من فعل متعمداً فعليه دم شاة» (3).
ص:469
و يستفاد منه أنه يسقط الكفارة عن الناسي و الجاهل و لا خلاف فيه أيضاً مطلقاً حتى في غير ما تضمنه الصحيح من جملة ما يحرم على المحرم إلّا الصيد و النصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً،عموماً و خصوصاً،فقد ورد:
« أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (1).
و في الصحيح:« ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد،فإنّ عليك الفداء بجهل كان أو بعمد» (2).
و في آخر:« اعلم أنه ليس عليك فداء شيء أتيت و أنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً[في حجك]أو عمرتك،إلّا الصيد،فإن عليك الفداء بجهالة كان أو عمد» (3).
و ما ورد بمعناها في جملة من محرّمات الإحرام بالخصوص حيث اشترطت في إيجابها العمد و العلم كثير (4).
و يستفاد من الصحيحين و ما في معناهما عدم سقوطها عن الناسي و الجاهل في الصيد،كما دلّ عليه الاستثناء في المتن أيضاً.
و نحوه كلمة الأصحاب جملةً،حتى حكي الإجماع عليه عن الخلاف
ص:470
و الغنية و التذكرة و المنتهى (1)،و لا مخالف فيه صريحاً،بل و لا ظاهراً،إلّا ما يحكى عن العماني أنه حكى السقوط عن الناسي هنا أيضاً قولاً (2)،و هو ضعيف جدّاً،و لا مستند له عدا حديث رفع القلم (3)،و هو على تقدير وضوح دلالته على رفع الكفارة مع أن الظاهر المتبادر منه خصوص رفع الإثم و المؤاخذة مخصوص أو مقيد بما عرفته من الأدلة.
و ذكر جماعة عدم سقوطها في الصيد عن المجنون و الصبي أيضاً (4).
قيل:و الظاهر أن الكفارة على المجنون في ماله يخرجه بنفسه إن أفاق،و إلّا فالوليّ،و أما لو كان مجنوناً أحرم به الوليّ و هو مجنون فالكفارة على الوليّ كما في الغنية،كالصبي،و لم يذكر بعضهم الصبي،لأن كفارته على الوليّ كما سلف (5).
و الحمد للّه تعالى أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً،و الصلاة على سيّد الأنبياء و عترته الأئمة النجباء(عليهم السّلام).
ص:471