رسائل الشهيد الثاني

اشارة

‏سرشناسه : شهيد ثاني، زين‌الدين‌بن علي، ق‌۹۶۶ - ۹۱۱
‏عنوان و نام پديدآور : رسائل الشهيد الثاني/ زين‌الدين‌بن علي العاملي المشهور بالشهيد الثاني؛ تحقيق مركز الابحاث و الدراسات الاسلاميه، قسم احياآ التراث الاسلامي
‏مشخصات نشر : قم: الحوزه العلميه بقم، مكتب الاعلام الاسلامي، مركز النشر، ۱۴۲۱ق. = ۱۳۷۹.
‏مشخصات ظاهري : ۲ج.نمونه
‏فروست : (مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه قم؛ ۶۸۰. مركز مطالعات و تحقيقات اسلامي‌۱۱۷)
(سلسله مولفات الشهيد الثاني‌۶)
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : پشت جلد لاتيني‌شده:Rasa, El [Treatises of] Al -Sahid Al-Sani.
‏يادداشت : كتابنامه
‏موضوع : فقه جعفري -- قرن ۱۰ق.
‏موضوع : اسلام -- مسائل متفرقه
‏شناسه افزوده : حوزه علميه قم. دفتر تبليغات اسلامي. مركز مطالعات و تحقيقات اسلامي. واحد احياآ التراث الاسلامي
‏شناسه افزوده : حوزه علميه قم. دفتر تبليغات اسلامي. مركز انتشارات
‏رده بندي كنگره : BP۱۸۲/۶/ش‌۹ر۵ ۱۳۷۹
‏رده بندي ديويي : ۲۹۷/۳۴۲
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۹-۲۶۰۷۲

(12) أقلُّ ما يجب معرفتُه مِنْ أحكام الحجّ و العمرة

اشارة

تحقيق رضا المختاري في مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة
رسائل الشهيد الثاني، ص: 339
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للّه مُسَهّلِ الصعاب و مُيَسّرِ الحساب، و الصلاة علي أشرف الأحباب، و علي آله و أصحابه خيرِ آلٍ و أصحاب.

[صفة عمرة التمتّع]

و بعدُ، فهذه جملة كافِلة ببيان أقلِّ ما يجب معرفتُه من أحكام الحجّ و العمرةِ؛ تسهيلًا علي المكلّفين و تيسيراً علي المتعلّمين، فإنّ التيسيرَ مُرادُ الله تعالي، و هو حَسْبُنا و نعم المُعِين.
اعلم أنّ الواجبَ علي الآفاقي و هو من نأي منزلُه عن مكّةَ بمرحلتينِ مع استطاعته إلي الحجّ حجّ التمتّع، و هو الذي تُقَدّمُ عُمرتُه علي حَجّه.
و الواجبُ إذا وَصَلَ إلي ميقات الإحرامِ و هو مسجدُ الشجَرة لمن حَجّ علي طريق المدينة، و الجُحْفَةُ لمن حَجّ علي طريقِ مصرَ، و يَلَمْلَمُ [لأهل اليمن و] لمن مرّ به، و العَقيقُ لأهل العِراقِ و من في معناهم، و مُحاذِي أحدِ المواقيتِ و لو ظنّاً لمنْ لم يُصادِفْ طريقُه أحَدَها أنْ يُحْرِمَ منه بأنْ يَنْزِعَ المخيطَ و يَكْشِفَ رأسَه و قدَمَيْه إلا ما يتوقّفُ عليه لُبْسُ النعلَيْنِ إنْ كان رجلًا، و يُزيلُ ما علي بدنه مِن رائحة الطيبِ.
ثمّ ينوي العمرةَ، و صِفتُها: «أُحْرِمُ بعمرة التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله»، و لو اقتصر علي قوله ناوياً: «أُحْرِمُ بالعمرةِ لِلّه» كفي. ثمّ يُلبّي ناوياً: «أُلَبّي
رسائل الشهيد الثاني، ص: 340
لوجوبه قربةً إلي الله»، و يكفي «أُلَبّي لِلّه» و يقول: «لَبّيْك اللهمّ لَبّيْك، لَبّيْك، إنّ الحمدَ و النعمةَ و المُلكَ لك، لا شريكَ لَكَ لَبّيْك».
و يُسَنّ قبلَ الإحرامِ توفيرُ شَعْر الرأس من أوّل ذي القَعدة، و التنظيفُ عندَه بإزالة شَعْر العانةِ و الإبْطِ و قصّ الأظْفارِ، و الغُسلُ، ثمّ يُصَلّي سُنّةَ الإحرام، و هي سِتّ ركعاتٍ، و أقلّها ركعتانِ، و نيّتها: «أُصَلّي ركعتينِ مِنْ سُنّة الإحرام لِلّه تعالي».
فإذا نَزَعَ المخيطَ لَبِسَ ثَوْبَي الإحرام، يَأتَزِرُ بأحدهما و يَرْتدِي بالآخَر أو يَتَوَشّحُ به. و يُعْتَبَر كونُهما من جنس ما تصحّ الصلاةُ فيه اختياراً، و تجوز الزيادةُ عليهما، و يُسَنّ كونُهما من القُطْنِ الأبيضِ الخالِصِ.

[عقد الإحرام]

فإذا عَقَدَ الإحرامَ بالتلبيةِ حَرُمَ عليه صَيْدُ البَرّ المُمتَنِع بالأصالة المحلّل، و ستّة، من المحرم: الأسَدُ و الثعْلَبُ و الأرْنَبُ و الضبّ و اليَربوعُ و القُنْفُذُ، و أكْلُه و الإعانَةُ عليه، و الاستمتاعُ بالجِماعِ و مقدّماتِه، و عقدُ النِّكاح، و اسْتِعمالُ الطيبِ مطلقاً، و الاكتحالُ بالسواد، و الادّهانُ بالدهْنِ الْمُطَيبِ و غيرِه، و إخْراجُ الدمِ، و إزالةُ الشعْر اختياراً فيهما، و قَلْمُ الأظفارِ، و قَطْعُ الشجرِ و الحشيشِ النابِتَيْنِ في الحرم إلا الإذْخِرَ و ما في معناه، و الفُسوقُ و هو الكَذِبُ مطلقاً، و الجِدالُ و هو الحَلْفُ مطلقاً، و لُبْسُ الخاتَمِ، و الحِنّاءُ للزينة لا لِلسّنّة فيهما و الفارِقُ القصدُ، و قَتْلُ القَمْلِ و غيره مِن هَوامّ الجسد، و النظرُ في المرآة، و لُبسُ المَخِيطِ للرجلِ و إنْ قَلّتِ الخياطةُ عدا المِنْطَقَةِ و الهِمْيانِ و في معناها الزرّ و الخَلالُ، و لُبْسُ ما أحاطَ بالبدن مِن اللِّبْد و الدرْعِ، و التظليلُ سائراً اختياراً، و تَغْطيةُ الرأسِ و لو بالارتماسِ، و سَتْرُ ظَهْر القَدَم بالخُفّ و نحوِه، و تَغْطيةُ المرأةِ وَجْهَها إلا القدرَ الذي يَتَوَقّفُ عليه تغطيةُ رأسها. و يجوز لها
رسائل الشهيد الثاني، ص: 341
سَدْلُ ثوبٍ علي وجهها علي وجه لا يُصِيبُهُ، و يَحْرُمُ عليها لُبْسُ ما لم تَعْتَدْهُ من الحَلْي، و ما اعْتادتْهُ بقصد الزينة أو مع إظهاره للزوج.
فإذا فَعَلَ المُحْرِمُ شيئاً مِنْ هذه المحرّماتِ: فإنْ كان جاهلًا أو ناسِياً فلا شَي‌ءَ عليه إلا في الصيْد، فلا يَفْرُقُ فيه بينَ العامد و غيره، و إنْ كان عامداً أثِمَ و وَجَبَتْ عليه الكفّارةُ، إلا في الاكتحال و الادّهانِ بغير المُطَيّب و إخراجِ الدمِ و لُبْسِ الخاتَمِ و الحِنّاء و النظرِ في المرآة و الفسوقِ و لُبْسِ الحَلْي، فلا شي‌ءَ فيها سِوَي الإثْمِ. و الكفّارة في الباقي مفصّلة في بابها.
فإذا وَصَلَ إلي مكّةَ وجب أنْ يبتدِئَ بطوافِ العمرة، فيَتَطَهّر من الحَدَث و الخبثِ علي حدّ ما يُعْتَبَرُ في الصلاة، و يَسْتُر عورتَه، و يَخْتَتِن إنْ كان رجلًا مع المُكْنةِ كالصلاة.
و كيفيّة الطوافِ أنْ يَقِفَ بإزاء الحَجَر الأسودِ مُسْتَقْبِلًا له جاعِلًا أوّلَ جزءٍ منه ممّا يَلي الرُّكْنَ اليماني مُحاذِياً لأوّلِ كِتْفِه الأيمنِ و لو ظنّاً، ثمّ يَنْوِيَ: «أطُوفُ طوافَ العمرة لوجوبه قربةً إلي الله» ثمّ يَنْفَتِلَ «1» وَ يَجْعَل البيتَ علي يَسارِه، و يَطوفَ به سبعةَ أشواطٍ من غير زيادة و لا نُقصانٍ في القَدْر الذي بينَ البيتِ و المَقام، مُدْخِلًا لِلحجْرِ في الطوافِ مُخْرِجاً لجميع بدنه عن البَيْتِ فلايَمُسّ الحائطَ ماشياً بل يَقِفُ إنْ أراده و لا ينتقل حتّي يُخْرِجَ يَدَهُ عنه.
فإذا فَرَغَ مِن الطواف وَجَبَ عليه صلاة ركعتيه خَلْفَ المَقام أو مع أحَدِ جانِبَيْهِ و نيّتهما: «أُصَلّي رَكْعتي طوافِ العمرة لوجوبه «2» قربةً إلي الله».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 342
فإذا فَرَغَ من الصلاة خرج إلي السعي بينَ الصفا و المروة سَبْعةَ أشواطٍ بادِئاً بالصفا خاتِماً بالمروة، مُسْتَقْبِلًا للمطلوب بوجهه، ذاهباً بالطريق المعهود، و نيّتُه و هو علي الصفا: «أسْعي سَعْيَ العمرةِ لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا فَرَغَ من السعي قَصّرَ مِنْ ظُفُره أو مِن شَعْره مُسَمّاه ناوياً «أُقَصّرُ لوجوبه قُرْبَةً إلي الله».

[صفة حجّ التمتّع]

و بالتقصير يَتَحَلّلُ مِنْ عُمرة التمتُّعِ لا الحَلْقِ و هو آخِرُ أفعالها، و يبقي علي إحْلاله إلي أنْ يُحْرِمَ بالحجّ.
و يُسْتَحَبّ كونُه يومَ الثامنِ من ذي الحِجّة من المسجد الحرام، و أفضلُه المقامُ أو الحِجْرُ تحتَ الميزاب، و نيّته: «أُحْرِمُ بحجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلي الله». ثمّ يَنْوي التلبيةَ: «أُلَبّي لوجوبه قربةً إلي الله» [و يقول:] «لَبّيكَ اللهمّ لبّيك، لبّيك، إنّ الحمدَ و النعمةَ و المُلْكَ لك، لا شريك لك لبّيك».
فإذا وصل إلي عَرَفاتٍ وجب عليه الكَوْنُ بها من زَوال الشمس يومَ التاسع إلي غروبها، ناوياً قبلَ الزوال أو بعدَه بغير فصل تقريباً: «أقِفُ بعَرَفَةَ لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا غَرَبتِ الشمسُ أفاضَ إلي المشعَر الحرامِ، و وَجَبَ عليه المَبِيتُ به بقيّة تلك الليلةِ، ناوياً: «أبِيتُ بالمشعر لوجوبه قربةً إلي الله»، فإذا أصْبَحَ وجب عليه الكَوْنُ به إلي طلوع الشمس، ناوياً بعد الفجر أو قبله كما مرّ: «أقِفُ بالمشعر لوجوبه قربةً إلي الله». و لو اقْتَصَرَ علي نيّةٍ واحدةٍ حينَ الوصول إليه ليلًا تَشْتَمِلُ علي قصد الكَوْنِ به إلي طلوع الشمس كفي.
فإذا طَلَعَتِ الشمسُ أفاض إلي مِنًي، و وجب عليه بها ثلاثةُ أفعالٍ:
[1]رَمْيُ جَمْرة العَقَبة بسَبْعِ حَصَياتٍ حَرَميةٍ أبكارٍ، مُبتدِئاً به عند وصوله
رسائل الشهيد الثاني، ص: 343
إلي مِني.
[2] ثمّ ذَبْحُ الهَدْي، و هو ثَنيّ من النَّعَم تامّ الخِلقةِ سَمين بحيث يكون علي كُلْيَتَيْه شَحْم و لو ظنّاً، و تفريقُه ثلاثةَ أجزاءٍ: فيأكُل شيئاً منه، و يُهْدِي ثُلْثَه لبعض إخوانه من المؤمنين، وَ يَتَصَدّق بثُلْثِه علي فقيرٍ من فقرائهم. و نيّة الرَّمْي: «أرْمِي هذه الجَمْرَةَ بسَبْعِ حَصَياتٍ لوجوبه قربةً إلي الله». و نيّة الذَّبْحِ: «أذْبَحُ هذا الهَدْيَ لوجوبه قُربةً إلي الله». و نيّة الأكلِ و الإهداء و الصدقة: «آكُلُ من هذا الهَدْي لوجوبه قُربةً إلي الله، أُهْدِي ثُلْثَ هذا الهَدْي لوجوبه قربةً إلي الله، أتَصَدّقُ بثُلْثِ هذا الهَدْي لوجوبه قربةً إلي الله».
[3] فإذا فَرَغَ مِنْ ذلك حَلَقَ رأسَهُ أو قَصّرَ مِن شَعْره أو ظُفُره كما مرّ ناوياً: «أحْلِقُ رأسي أو أُقَصّرُ لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا فَعَلَ ذلك أحَلّ مِن كلّ شي‌ءٍ عدا النساء و الطيب و الصيْدِ، فإذا طاف للحجّ و سَعي حَلَّ له الطيبُ، فإذا طافَ للنساء حَلَلْنَ له.
ثمّ يَخْرُجُ إلي مكّةَ مِنْ يومه إنْ أمكَنَه الرجوعُ قبلَ الغروب، و إلا فمِنْ غده، أو بعدَ انتصافِ الليل.
فإذا وَصَلَ إلي مكّةَ وجب عليه طوافُ الحجّ و صلاةُ ركعتَيْه ثمّ السعي بينَ الصفا و المروة سبعاً كما مرّ ثمّ طوافُ النساء ثمّ صلاةُ ركعتَيْه، و كيفيّاتُها و واجباتُها كما مرّ، إلا أنّه يَنْوي طوافَ الحَجّ و سَعْيَه و طوافَ النِّساء، وصفتُه: «أطُوفُ طوافَ الحجّ لوجوبه قربةً إلي الله، أُصلّي ركعتي طوافِ الحجّ لوجوبه «1» قربةً إلي الله، أسْعي سَعْيَ الحجّ لوجوبه قربةً إلي الله، أطُوفُ طوافَ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 344
النِّساء لوجوبه قربةً إلي الله، أُصلّي رَكعتي طوافِ النساء لوجوبه «1» قُربةً إلي الله».
فإذا فَرَغَ مِنْ ذلك وجب عليه الرجوعُ إلي مِني لِلمبيتِ بها لياليَ التشريقِ الثلاثَ، و هي الحاديةَ عَشرةَ و الثانيةَ عَشرةَ و الثالثةَ عَشرةَ.
و يجوز لِمن اتّقَي الصيْدَ و النساءَ الاقتصار علي مَبِيتِ الليلتينِ الأُولَيَيْن ما لم تَغْرُبْ عليه الشمسُ في الليلة الثالثة، فيجب عليه مبيتُها مطلقاً، ناوياً عند الغروب: «أبِيتُ هذه الليلةَ بِمنيً لوجوبه قربةً إلي الله».
و يجب رَمْيُ الجَمَراتِ الثلاثِ كلّ واحدةٍ بسبْعِ حَصَياتٍ في كلّ يومٍ يجبُ مَبِيتُ ليلَتِه. و نيّة الرَّمْي: «أرْمي هذه الجمرةَ بسبع حَصَياتٍ لوجوبه قربةً إلي الله».
و لو اقْتَصَرَ في جميع هذه النِّيّاتِ علي قوله: «أفْعَلُ كذا لِلّه» من غير تعرّضٍ للوجوبِ و لفظِ القربة كفي. و حَسْبُنا اللهُ و كفي.
و النائب عن غيره يُضِيفُ إلي ذلك: «نيابةً عن فلانٍ» أو «عمّن اسْتُؤْجِرْتُ عنه».
و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّي اللهُ علي سيِّدنا محمّدٍ و آله أجمعين.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 345

(13) نيّاتُ الحجّ و العمرة

اشارة

تحقيق رضا المختاري في مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة
رسائل الشهيد الثاني، ص: 347

[نيّة غسل الإحرام و الإحرام]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة علي محمّدٍ و آله الطاهرين.
إذا عَزَمْتَ علي سبيل الحجّ، و قطعتَ العلائقَ، فقِفْ علي باب بيتك، و انو الحجّ و العمرة: «أتوجّهُ إلي البيت الحرام و المشاعرِ العظامِ، لأعْتَمِرَ عُمرةَ الإسلام عمرةَ التمتّع، و أحُجّ حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا وَصَلتَ إلي الميقات، اسْتُحِبّ أنْ تَغْتَسِلَ غُسلَ الإحرام، و نيّته: «أغْتَسِلُ غُسلَ الإحرام لندبه قربةً إلي الله».
فإذا فَرَغْتَ من الغسل، فَالبَسْ ثوبي الإحرام، تأتزرُ بأحدهما و ترتدي بالآخر، ثمّ تصلّي سنّة الإحرام استحباباً، و هي ستّ ركعات، و أقلّها ركعتان، و النيّة: «أُصَلّي ركعتين مِن سُنّة الإحرام لندبه «1» قربة إلي الله».
ثمّ إنْ كان الإحرام من ميقات المدينة فليدخل مسجد الشجرة، و يُحْرِمُ بعمرة التمتّع من داخله،

[نيّة السعي]

و نيّته: «أُحْرِم بالعمرة المتمتّع بها إلي الحجّ حج
رسائل الشهيد الثاني، ص: 348
الإسلام حجّ التمتّع، و أُلبّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام، لوجوب الجميع قربة إلي الله».
و يُقارنُ بالنيّة التلبيةَ، فيقول: «لَبّيك اللهمّ لَبّيك لَبّيك؛ إنّ الحمدَ و النعمةَ و الملكَ لك، لا شريكَ لك لَبّيك».
ثمّ يَتوجّه إلي مكّةَ مكرّراً لِلتلبية استحباباً، فإذا وَصَلَ إلي مكّة بدأ بالطواف حول الكعبة سبعة أشواطٍ، يبدأ بالحجر الأسود و يختم به. و النيّة مقارنة لأوّل الطواف عند محاذاة أوّل جزءٍ منه لأوّل جزءٍ من الحجر الأسود، علماً أو ظنّاً، مستقبلًا بوجهه الكعبة، أو جاعلًا لها علي اليسار، و صفتها: «أطوف بالبيت سبعة أشواطٍ في عمرة الإسلام عمرة التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله». و يقارن بالنيّة الحركة، و يختم الشوط السابع كما بدأ أوّلًا بمحاذاة الحجر.
فإذا فَرَغَ من الطواف مضي إلي مقام إبراهيم عليه السلام، و صلّي ركعتي الطواف خلفَه، أو إلي أحد جانبيه، و نيّتها: «أُصَلّي ركعتي طواف عمرة الإسلام عمرةِ التمتّع أداءً، لوجوبه قربة إلي الله».
فإذا فَرَغَ منها مضي إلي السعي بين الصفا و المروة سبعةَ أشواطٍ، يحتسب من الصفا إليه شوطين، حتّي يُكملَ السبعةَ خاتماً بالمروة، و نيّته و هو علي الصفا: «أسعي سبعةَ أشواطٍ بين الصفا و المروة في عمرة الإسلام عمرة التمتّع؛ لوجوبه قربة إلي الله».
فإذا فرغ مِن السعي قَصّرَ من شعره، أو مِن ظفره، و نيّته: «أُقَصّرُ للإحلال من إحرام عمرة الإسلام عمرةِ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
و التقصيرُ آخر أفعال العمرة، فإذا فعله بقي علي الإحلال من كلّ ما حرّمه الإحرام إلي أنْ يُحرم بالحجّ يوم الثامن.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 349
و يُستحبّ كونُه بعد أنْ يصلّيَ الظهرين ذلك اليوم، فيُحْرِم له مِن مكّةَ، و أفضلها المسجد الحرام، و خلاصته «1» الحِجْر أو المقام. فينوي بعد الغسل و لُبسِ ثوبي الإحرام و صلاة السنّة المتقدّمة: «أُحْرِمُ بحجّ الإسلام حجّ التمتّع، و أُلبّي التلبياتِ الأربع لعقد هذا الإحرام، لوجوب الجميع قربةً إلي الله». ثمّ يلبّي مقارناً بها النيّة: «لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة و الملك لك، لا شريكَ لك لبّيك».

[نيّة الوقوف بعرفة]

ثمّ يمضي إلي عرفاتٍ، فيقفُ بها يومَ التاسع مِن الزوال إلي غروب الشمس بمعني الكون بها، و النيّة عند تحقّق الزوال بلا فصلٍ: «أقِفُ بعرفةَ إلي غروب الشمس في حجّ الإسلام حجّ التمتّع؛ لوجوبه قربة إلي الله».
فإذا غرَبتِ الشمسُ أفاضَ إلي المشعرِ، فإذا وَصَلَ إليه وجب عليه المَبيتُ به ناوياً عند وصوله: «أبيتُ هذه الليلةَ بالمشعر في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا أصْبَحَ وجب عليه الوقوفُ به إلي طلوع الشمس بمعني الكون به، و تجب النيّة عند تحقّق الفجر: «أقِفُ بالمشعر إلي طلوع الشمس في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
فإذا طلعتِ الشمسُ أفاضَ إلي مِنًي، فإذا وصل إليها وجب عليه فيها ثلاثة أفعال: رميُ جَمْرة العَقَبة بسبعِ حَصَياتٍ، ثمّ ذَبْحُ الهدي، ثمّ حَلْقُ الرأس أو التقصير. و نيّة الرمي: «أرمي هذه الجمرة بسبع حَصَياتٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع أداءً، لوجوبه قربة إلي الله»، مقارناً للنيّة برَمْي الحَصاة الأُولي. و نيّة
رسائل الشهيد الثاني، ص: 350
الذَّبْح: «أذْبَحُ هذا الهديَ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
و يجب أنْ يأكلَ منه شيئاً، و أنْ يُهْديَ ثُلثَه لإخوانه المؤمنين، و يتصدّق بثلثه علي فقرائهم، و النيّة مقارنةً للأكل و تسليم القابض: «آكُلُ مِن لحم هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلي الله»؛ «أهْدَيْتُك يا فلان ثُلْثَ هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجّ التمتُّع، لوجوبه قربةً إلي الله»؛ «أتصدّق بثلثِ هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
ثمّ يَحْلِقُ رأسَه، أو يُقَصّرُ مِن شَعْره أو ظُفُرِه كما مرّ، و نيّته مقارنة للفعل: «أحْلِقُ رأسي أو أُقصّرُ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
فإذا فرغ من ذلك مضي إلي مكّةَ للطواف و السعي. فإذا وَصَلَ إليها بدأ بطواف الحجّ، وصفتُه كما مرّ، و نيّته: «أطوفُ بالبيت سبعةَ أشواطٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
ثمّ يُصَلّي رَكعَتَيْه خلفَ المقام، و نيّتهما: «أُصلّي ركعتي طواف حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه «1» قربة إلي الله».
ثمّ يسعي كما مرّ، و نيّته: «أسْعي سبعةَ أشواطٍ بين الصفا و المروة في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
ثمّ يطوف طواف النساء، و نيّته: «أطوف بالبيت طواف النساء سبعة أشواطٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله».
ثمّ يصلّي ركعتيه، و نيّتهما: «أُصلّي ركعتي طواف النساء في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه «2» قربة إلي الله».
فإذا فرغ من هذه الأفعال رجع إلي مِني للمبيت بها لياليَ التشريق الثلاث
رسائل الشهيد الثاني، ص: 351
و هي الحادية عشرة و الثانية عشرة و الثالثة عشرة. و يجوز لمن اتّقي الصيدَ و النساء، و لم تغرب عليه ليلة الثالثة عشرة الاقتصار علي مبيت الليلتين، و تجب النيّة عند الغروب: «أبِيتُ هذه الليلة بمني في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلي الله». و يجب رَميُ الجِمارِ الثلاثِ في كلّ يومٍ يجب مبيت ليلته، يبدأ بالأُولي ثمّ الوسطي ثمّ جَمْرة العقبة، و نيّة الرمي: «أرْمِي هذه الجَمْرةَ بسبعِ حصياتٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع؛ لوجوبه قربةً إلي الله».
فإذا فَرَغَ من أفعاله، و رجع إلي مكّةَ اسْتُحِبّ له الإكثارُ من الطواف المندوب، و نيّته: «أطوف بالبيت سبعةَ أشواطٍ، لندبه قربة إلي الله».

[نيّة الطواف بالبيت الحرام]

ثمّ يصلّي ركعتيه [و نيّتهما]: «أُصلّي ركعتي الطواف لندبه «1» قربة إلي الله».
فإذا أراد الخروجَ مِن مكّةَ، اسْتُحِبّ له طوافُ الوَداع، و نيّته: «أطوفُ بالبيت سبعةَ أشواطٍ طواف الوَداع، لندبه قربة إلي الله». و يصلّي ركعتي طواف الوَداع، و نيّة الصلاة: «أُصلّي ركعتي طواف الوداع، لندبه «2» قربة إلي الله».
و إن كان الحاجّ نائباً عن غيره، أضافَ إلي هذه النيّات «نيابةً عن فلان»: فينوي في الإحرام «أُحْرِمُ بالعمرة المتمتّع بها إلي حجّ الإسلام حجّ التمتّع، و أُلَبّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام نيابةً عن فلان أو عمّن اسْتُؤْجِرتُ عنه لوجوبه عليه بالأصالة و عليّ بالنيابة قربةً إلي الله». و لو اقتصر بعدَ قوله: «نيابةً عن فلان» علي قوله: «لوجوبه قربةً إلي الله» كفي. و الله الكافي، و حسبنا الله و نعم الوكيل، و الحمد لِلّه وحدَه، و صلّي الله علي سيّدنا محمّد و آله و سلّم.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 353

(14) مناسك الحجّ و العمرة

اشارة

تحقيق السيّد أبو الحسن المطّلبي مراجعة أسعد الطيّب رضا المختاري في مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة
رسائل الشهيد الثاني، ص: 355
بسم الله الرحمن الرحيم نَحْمَدكَ اللهمّ يا مَنْ شَرَعَ لنا مَسالكَ الأحكام، و شَرَحَ لنا مَناسكَ حجّ بيتِه الحرام، و نَشْكُرُكَ علي ما فَضّلْتَنا به مِن فضائلِ الإكرام، و غَمَرْتَنا به مِن جَلائلِ الإنعام، و نُصلّي و نُسَلّمُ علي نبيّك محمَّدٍ الداعي إلي دار السلام، أشْرَفِ مَنْ طافَ بالبيت الحرام، و سَعيَ بينَ الرُّكنِ و المَقام، و علي آله المخصوصينَ بالتطهير مِن بينِ الأنام، صلاةً و سلاماً دائمَيْنِ بدَوام اللَّيالي و الأيّام.
و بعدُ، فهذه جملة كافِلة ببيان واجبات الحجّ و العمرة، و نبْذَة مِن سُنَنِهما الفِعلية، و أذكارِهما اللفظيةِ، و وظائِفِهما القلبيةِ، حاوَلْتُ فيها بَسْطَ اللفظِ و سُهولةَ المعني، طلباً للتسهيل، و رَجاءً للثواب الجزيل.
و رَتّبْتُها علي مقدّمةٍ و مقالتينِ و خاتمةٍ.

أمّا المقدّمة

اشارة

فاعْلَمْ أنّ الحجّ ركن عظيم من أركان الإسلام، و مفهومه مشتهِر بينَ ذَوَي الأفهام، و تعريفُه الصناعي مع عِزّة سلامتِهِ لا يَليقُ بحثُه بهذا المَقام، و الحَثّ عليه في الكتاب و السنّة أوْضَحُ دليلًا لمَنْ فَكّرَ في ذلك مِن العالَمينَ، و ناهِيك بقوله تعالي وَ لِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 356
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ «1». و في الآية ضُروب من التأكيد عليه جَليّةُ المباني تُعْلَمُ مِن صِناعة المَعاني. و نحوُها من السنّةِ المُطَهّرةِ قولُه صلّي الله عليه و آله:
مَنْ وَجَبَ عليه الحَجّ و لم يَحُجّ فَلْيَمُتْ إنْ شاء يهودياً و إنْ شاء نصرانياً «2».
و يَكْفِيكَ في فضله مِن جِهة الاعتبار أنّه جَمَعَ ضُروباً مِن العبادات كالصلاة، و بَذْلِ المال المضاهِي لِلزكَواتِ و الأخْماسِ و الكفّاراتِ، و الصوْمِ علي بعض الوجوه و التعرّضِ للجهاد كذلك، مع اشتماله علي أنواعِ المَشاقّ و الأهوالِ، و التغْرير بالنفس و المال، و مفارَقَةِ الأهل و الولد و الوطن و البلد، إلي غير ذلك مِن المزايا، و مِن هنا وَرَدَ فيه مِن الثواب الجَزيلِ ما قد تَظافَرَتْ به الأخبارُ عن النبيّ و آله الأطهارِ صَلَواتُ الله عليهم. فعن النبيّ صلّي الله عليه و آله: «مَنْ حَجّ و لم يَرْفُثْ و لم يَفْسُقْ خَرَجَ مِن ذُنوبه كيوم وَلَدَتْه أُمّه» «3».
و عنه صلّي الله عليه و آله:
الحُجّاج و العُمّار وَفْدُ الله و زُوّاره، إنْ سَألوه أَعْطاهم و إن اسْتَغْفَروه غَفَرَ لهم، و إنْ دَعَوه اسْتجابَ لهم و إنْ شَفَعوا إليه شَفّعَهم «4».
و عنه صلّي الله عليه و آله:
حجّة مبرورة خير من الدنيا و ما فيها، و حجّة مَبرورة ليس لها أجْر إلا الجَنّة «5».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 357
و عنه صلّي الله عليه و آله:
ما رُئيَ الشيطانُ في يومٍ هو [فيه] أصْغرُ و لا أدْحَرُ و لا أحْقرُ و لا أغْيَظُ منه يومَ عَرَفةَ، و ذلك لِما يَري فيه مِن نُزول الرحمة و تجاوُزِ اللهِ عن الذُّنوب العظامِ «1».
و عنه صلّي الله عليه و آله:
إذا تَوَجّهْتَ إلي سبيل الحجّ ثُمَّ رَكِبْتَ راحِلتَك و قلتَ: بسم الله الرحمن الرحيم و مَضَتْ بك راحِلتُك لم تَضَعْ راحِلتُك خُفّاً و تَرْفَعْ خُفّاً إلا كَتَبَ اللهُ لك حسنةً، و مَحا عنك سيِّئةً، فإذا أحْرَمْتَ و لبّيتَ كتب الله لك بكلّ تلبية عَشْرَ حَسناتٍ، و محا عنك عَشْرَ سيّئاتٍ. فإذا طُفْتَ بالبيت أُسبوعاً كان لك بذلك عند الله عَهْد و ذِكْر يَسْتَحْيي أنْ يُعذّبَك بعدَه. فإذا صَلّيْتَ عندَ المَقام ركعتينِ كَتَبَ اللهُ لك بهما ألفي ركعةٍ مقبولةٍ. فإذا سَعَيْتَ بينَ الصفا و المَروة سبعةَ أشواطٍ، كان لك بذلك عند الله عزّ و جَلّ مثلُ أجرِ مَنْ حجّ ماشياً من بلاده، و مثلُ أجرِ مَنْ أعْتَقَ سبعينَ رقبةً مؤمنةً. فإذا وَقَفْتَ بعَرفاتٍ إلي غروب الشمس فلو كان عليك مِن الذنوب مثلُ رَمْلِ عالِج و زَبَدِ البحر لَغَفَرها لك. فإذا رَمَيْتَ الجِمارَ كَتَبَ الله لك بكلّ حَصاةٍ عَشْرَ حسناتٍ. فإذا ذَبَحْتَ هَديَك كَتَبَ الله لك بكلّ قطرةٍ مِن دَمها حَسَنةً. فإذا طُفْتَ بالبيتِ للزيارة أُسبوعاً و صَلّيْتَ عندَ المقام ركعتينِ ضَرَبَ مَلَك كريم بينَ كَتِفَيْك، و قال: «أما و امضِ فقد غَفَرَ الله لك» «2».
و عن مولانا الصادق عليه السلام:
مَنْ حَجّ هذا البيتَ بنيّةٍ صادقةٍ جَعَلَه اللهُ في الرفيق الأعلي مع
رسائل الشهيد الثاني، ص: 358
النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «1».
و غير ذلك مِن الأحاديثِ «2».

[المستحبّات لمن أراد الحجّ]

و يُستحبّ لمنْ أرادَ الحجّ قَطْعُ العلائقِ بينَه و بينَ مُعامِليه، و إيصالُ كلّ ذي حقّ حقّه، و اختيارُ يومٍ صالحٍ للسفر كالسبْتِ و الثلاثاء و رفيقٍ صالحٍ، و تحسينُ الخُلُقِ زيادةً علي الحَضَر، و التوَسّعُ في الزاد، و طِيبُ النَّفْسِ في البَذل، و الإنفاقُ بالعَدلِ دونَ البُخْل و التقتير و التبذيرِ؛ فإنّ بَذْلَ الزادِ في طريق مكّةَ إنفاق في سبيل الله. قال صلّي الله عليه و آله:
الحجّ المبرورُ ليس له أجر إلا الجنّةَ. فقيل: يا رسولَ الله ما بِرّ الحجّ؟ قال: طِيبُ الكلام و إطعامُ الطعام «3».
و عن الصادق عليه السلام:
درهم واحد في الحجّ أفضلُ مِن ألفي ألفِ درهمٍ فيما سِواه في سبيل الله، و الهديّةُ مِن نفقة الحجّ «4».
فإذا عَزَمَ علي الخروج صَلّي في منزله ركعتينِ؛ فإنّهما أفضلُ ما اسْتَخْلَفَه الرجلُ علي أهله، و يقول بعدهما: «اللهُمّ إنّي أسْتَوْدِعُكَ نَفْسي و أهلي و مالي و ذُرّيتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمةَ عملي»، فيُعطيه اللهُ ما يَسْألُ، كما
رسائل الشهيد الثاني، ص: 359
ورد في الخبر «1».
و يَفْتَتِحُ سفرَه بالصدقة، ثمّ يَقومُ علي باب داره و يَقرأ فاتحةَ الكتاب و آيةَ الكرسيّ أمامَه الذي يتوجّه نحوَه و عن يمينه و شماله، و يَدْعو بكلمات الفرج مُضِيفاً إليها:
اللهمّ احْفَظْني و احْفَظْ ما معي، و سَلّمْني و سَلّمْ ما معي، و بَلّغْني و بلّغْ ما معي ببلاغِك الحَسَنِ الجميلِ «2»، و الحمد للّه ربّ العالمينَ ثمّ يقول: اللهمّ كُنْ لي جاراً مِنْ كُلّ جبّارٍ عنيدٍ، و مِنْ كُلّ شيطانٍ مريدٍ ثمّ يقول: بِاسم الله دَخَلْتُ، و باسم الله خَرَجْتُ، و في سبيل الله تَوَجّهْتُ، اللهُمّ إنّي أُقَدّمُ بينَ يدي نِسْياني و عَجَلتي باسم الله و ما شاء الله في سفري هذا ذكرتُه أو نَسِيتُهُ، اللهمّ أنت المُسْتعانُ علي الأُمور كُلّها، و أنتَ الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل، اللهمّ هَوّنْ علينا سَفَرَنا، و اطْوِ لنا الأرضَ، و سَيّرْنا فيها بطاعتك و طاعةِ رسولك، اللهمّ أصْلِحْ لنا ظَهْرَنا، و بارِكْ لنا فيما رَزَقْتَنا، و قِنا عذابَ النار، اللهمّ إنّي أعوذُ بك مِنْ وَعْثاءِ السفر و كَآبةِ المنْقَلَب و سوءِ المنْظَر في الأهل و المال و الولد، اللهمّ أنت عَضُدي و ناصِري، بك أحُلّ و بك أسِيرُ، اللهُمّ إنّي أسألُك في سفري هذا السرورَ و العملَ بما يُرْضِيك عنّي، اللهمّ اقْطَعْ عني بُعدَه و مَشَقّتَه، و اصْحَبْني فيه، و اخْلُفْنِي في أهلي بخيرٍ، و لا حولَ و لا قوّةَ إلا بالله.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 360
اللهمّ إنّي عبدُك، و هذا حُمْلانُك «1»، و الوجهُ وجهُك، و السفرُ إليك، و قد اطّلَعْتَ علي ما لم يَطّلِعْ عليه أحد غيرُك، فاجْعَلْ سَفَري هذا كفّارةً لِما قَبْلَه مِنْ ذنوبي، و كُنْ عوناً لي عليه، و اكفني وَعْثَه و مَشَقّتَه، و لَقّنّي مِنَ القول و العملِ رضاك؛ فإنّما أنا عبدُك و بِك و لَك «2».
ثمّ ينوي: «أتوجّهُ إلي البيت الحرام و المشاعِرِ العظامِ؛ لأعْتَمِرَ عمرةَ الإسلام عمرةَ التمتُّع و أحُجّ حجّ الإسلام حجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله».
و ليَخْرُج مُتَحَنّكاً لِيَرْجِعَ إلي أهله سالِماً، متطهّراً لِتُقضي حاجتُه، فإذا وَضَعَ رِجلَه في الركاب فليَقُلْ: «بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله و الله أكبرُ». فإذا اسْتَوي علي راحلته فليَقُلْ:
الحمد للّه الذي هدانا للإسلام، و مَنّ علينا بمحمّدٍ صلّي الله عليه و آله، سُبْحانَ الله سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلي رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ «3» و الحمدُ لِلّه ربّ العالمين، اللهمّ أنت الحاملُ علي الظهْر، و المُسْتعانُ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 361
علي الأمر، اللهمّ بَلّغْنا بَلاغاً يُبَلّغُ إلي خيرٍ، بلاغاً يُبَلّغُ إلي مَغْفرتِك و رضوانِك، اللهمّ لا طيرَ إلا طيرُكَ، لا خيرَ إلا خيرُك، و لا حافِظَ غيرُك «1».
و ينبغي أنْ يَخْرُج رَثّ «2» الهيئةِ أقْرَبَ إلي الشعَث، مُلازِماً ذلك في السفر، فخيرُ الحاجّ الشعِثُ التفِثُ «3». يَقُولُ اللهُ لملائكته: «انظُروا إلي زُوّار بَيْتِي قد جاءوني شُعْثاً غُبْراً مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ «4» أُشْهِدُكم أنّي قد غَفَرْتُ لهم». «5» و أنْ يَرْكبَ الراحِلةَ دونَ المَحْمِلِ إلا لِعذرٍ؛ تأسّياً بالنبيّ صلّي الله عليه و آله، فإنّه حَجّ علي راحِلته و كان تحتَه رَحْل رَثّ و قَطِيفة خَلِقَة قيمته أربعةُ دراهمَ، و طافَ علي الراحلةِ لِيَنْظُرَ الناسَ، و قال: «خُذُوا عنّي مناسِكَكُم» «6».
و أنْ يَمْشِيَ مع القدرة؛ فإنّ ذلك أفْضَلُ و أدْخَلُ في الإذعانِ لعبودية الله تعالي، اللهُمّ إلا أنْ يُنافِيَ ما هو أفضلُ منه.
و أنْ يَرْفُقَ بالدابّة و لا يُحَمّلَها ما لا تُطِيقُ، و أنْ يَنْزِلَ عنها غُدْوَةً و عَشِيّةً.
و أنْ يُصَلّيَ في كلّ منزلٍ ركعتينِ عند النُّزول و الارتحالِ.
و أنْ يَقولَ عند مشاهَدَة المنازلِ و القُري:
اللهُمّ ربّ السماء و ما أظَلّتْ، و ربّ الأرضِ و ما أقَلّتْ، و ربّ الرِّياح و ما ذَرَتْ، و ربّ الأنهار و ما جَرَتْ، عرّفْنا خيرَ هذه القريةِ و خيرَ أهلها، و أعِذْنا مِن شرِّها
رسائل الشهيد الثاني، ص: 362
و شرّ أهلها، إنّك علي كُلّ شي‌ءٍ قدير «1».
و أنْ يكونَ طَيّبَ النفسِ بما يُنْفِقُه و بما يُصِيبُهُ مُتَعَوّضاً عنه بما عند الله، فإنّ ذلك مِن علامة قبول الحجّ.

[إحضار القلب في حركاته و سكناته]

و أنْ يُحْضِرَ قلبَه في حركاته و سكناته؛ فإنّه روح العبادة فيَتَبَيّنُ له بذلك أنّ هذا السفر مثال لسفر الآخرة؛ فيَتَذَكّرُ بوصيّته قبلَ السفر و جَمْعِ أهلِهِ اجتماعَهم علي وصيّتِه عند إشرافه علي لقاء الله تعالي؛ و بتهيئته الزادَ و الراحلةَ و ملاحَظَةِ الاحتياجِ إليهما و التعرّضِ للهلاك عند التقصيرِ فيهما مع قِصَرِ هذا السفرِ شدّةَ احتياجِه إلي ذلك في سفر الآخرة، وَ تَعرّضَه بل وقُوعه في الهلاك عند التقصير في زاده مِن الأعمال الصالحة والتوجّهات المُخْلِصة الناجِحة؛ و بِذِلّتِهِ و انكسارِه عندَ مشاهَدَةِ ذَوِي الأخطار العظيمة و الثروة الجسيمة مع نُفودِ زاده و نفُوق راحِلته ما يَلْقاه المُقَصّرُ مِن الذُّلّ و الانكسار حين تجتمع الخلائقُ ببضائع «2» الآخرة و المتاجِرِ الفاخرةِ، و هو مُفْلِس مِن الأعمال مُضَيّع نفسَه بسابق الإهمال، إلي غيرِ ذلك من التنبيهات إلي آخر الأفعال، و ستأتي جملة منها في الخاتمة إنْ شاء اللهُ تعالي.
و قاعدةُ ذلك كُلّهِ و مرجِعُه إلي ما روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال:
إذا أردتَ الحجّ فجرّد قلبَك للّه تعالي مِن كلّ شاغِلٍ و حجابِ كلّ حاجب؛ و فَوّضْ أُمورَك كلّها إلي خالقك؛ و توكّلْ عليه في جميع ما يظهر مِن حركاتك
رسائل الشهيد الثاني، ص: 363
و سكناتك؛ و سَلّمْ لقضائه و حُكْمه و قَدَرِه؛ و ودّع الدنيا و الراحةَ و الخَلْقَ؛ و اخْرُجْ مِن حقوقٍ تَلْزَمُك مِن جِهة المخلوقين؛ و لا تَعْتَمِدْ علي زادك و راحلتك و أصحابك و قُوّتِك و شَبابك و مالك، مخافةَ أنْ يَصيرَ ذلك «1» عَدُوّاً و وَبالًا، فإنّ مَنْ ادّعي رِضي اللهِ و اعْتَمَدَ علي ما سِواه صَيّرَه عليه وَبالًا وعدُوّاً، لِيعلَمَ أنّه ليس له قُوّة و لا حيلة، و لا لأحدٍ إلا بعصمة الله تعالي و توفيقه؛ و اسْتَعِدّ استعدادَ مَنْ لا يَرجو الرجوعَ؛ و أحْسِنِ الصحْبةَ؛ و راعِ أوقاتَ فرائضِ الله و سُنَنِ نبيّه صلّي الله عليه و آله، و ما يجبُ عليك مِن الأدب و الاحتمالِ و الصبرِ و الشكر و الشفَقَةِ و السخاءِ و إيثارِ الزادِ علي دوام الأوقاتِ؛ ثمّ اغْسِلْ بماء التوبة الخالصة ذُنوبَك؛ و الْبَسْ كِسْوةَ «2» الصدقِ و الصفاء و الخضوع و الخشوع؛ و أحْرِم من كُلّ شي‌ءٍ يَمْنَعُك عن ذكر الله تعالي و يَحْجُبُك عن طاعته؛ و لَبّ بمعني إجابة صافية خالصة زاكية للّه عزّ و جلّ في دعوتك مُتَمَسّكاً بالعروة الوثقي؛ و طُفْ بقلبك مع الملائكة حولَ العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حولَ البيت؛ و هَرْوِلْ هَرْولةً مِن هَواك و تبرّؤاً مِن حولك و قوّتك، و اخْرُجْ مِنْ غَفْلتِك و زَلله تك بخروجك إلي مِنًي، و لا تَتَمَنّ ما لا يَحِلّ لك و لا تَسْتَحِقّه؛ و اعترِفْ بالخطايا بعَرَفاتٍ؛ و جَدّدْ عهدَك عند الله تعالي بوحدانيته، و تقرّبْ إليه و اتّقِه بمُزْدَلِفَةَ؛ و اصْعَدْ بروحك إلي الملإ الأعلي بصعودك إلي الجبل، و اذْبَحِ الهوي و الطمع عندَ الذبيحة؛ وَ ارمِ الشهواتِ و الخَساسة و الدناءة و الذميمة عندَ رَمْي الجَمَراتِ؛ و احْلَقِ العيوبَ الظاهرة و الباطنةَ بِحَلْقِ شَعْرِك؛ و ادخُلْ في أمان الله تعالي و كَنَفِه و سَتْرِه و كلاءته مِن متابعة مرادك بدخولك الحرمَ؛ و دُرْ حولَ البيت
رسائل الشهيد الثاني، ص: 364
مُتَحقّقاً لتعظيم صاحبه و معرفةِ جلاله و سلطانه؛ و اسْتَلِمِ الحَجَرَ رضًي بقسمته و خضوعاً لعزّته؛ و وَدّعْ ما سِواه بطَواف الوَداع، و أصْفِ روحَك و سِرّك للقائه يومَ تَلْقاه بوقُوفك علي الصفا؛ و كُنْ بِمَرأي من الله عند المَروة؛ و اسْتَقِمْ علي شرط حجّك هذا و وفاء عهدك الذي عاهَدتَ مع ربّك، و أوْجَبْتَه له إلي يومِ القيامة.
و اعلم بأنّ اللهَ تعالي لم يَفترضِ الحجّ و لم يَخُصّه مِن جميع الطاعات بالإضافة إلي نفسه بقوله عَزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1» إلا للاستعانة علي الموت و القبر و البَعْثِ و القيامة و الجنّة و النار. بمشاهَدَة «2» مَناسِكِ الحجّ مِن أوّلها إلي آخرها، و في ذلك عِبرة لأُولي الألباب و النهي. «3» انتهي.

[أنواع الحجّ]

و لْنَشْرَعِ الآنَ في الأحكام الشرعية:
فاعلم أنّ الحجّ ثلاثةُ أنواعٍ: تمتّع و قِران و إفراد، فالتَمتّعُ فَرْضُ مَنْ نأي عن مكّةَ بثمانيةٍ و أربعين مِيلًا، و الآخرانِ فَرْضُ حاضريها و مَن في حكمهم. و الفرقُ بينَها أنّ التمتُّعَ تُقَدّمُ فيه العمرةُ علي الحجّ، و ليس في عُمرته طوافُ النساء بخلافهما، و يَخْتَصّانِ عنه أيضاً بجَواز تقديم طواف الحجّ علي الخروج إلي عرفةَ لغير عذرٍ. و الفرقُ بينَهما مع اشتراكهما في تلك الأحكام انحصارُ عقدِ إحْرام الإفراد في التلبية، و التخييرُ في القِران بينهما و بَيْنَ سياق الهَدْي.
إذا تقرّرَ ذلك فأفعالُ عُمْرة التمتّعِ سبعة: الإحرامُ و التلبيةُ و لُبس ثوبي الإحرام و الطوافُ و رَكعتاه و السعيُ و التقصيرُ.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 365
و أفعالُ عُمرة الإفراد جميعُ ذلك مع طواف النساء بعد التقصير و رَكْعَتَيْه.
و أفعالُ الحجّ بأنواعه سِتّةَ عَشَرَ: الإحرامُ و التلبيةُ و اللبْسُ و الوقوفُ بعرفةَ و المَبِيتُ بالمشعر و الوقوفُ به و رَمْيُ جَمْرة العَقَبَةِ و الذبْحُ و الحَلْقُ و التقصيرُ و طَوافُ الحجّ و ركعتاه و السعيُ و طوافُ النساء و ركعتاه و المَبيتُ بِمنًي لياليَ التشريق و رَمْيُ الجَمَراتِ الثلاث.
و الأركانُ من ذلك أَحَدَ عَشَرَ: الإحرامانِ و التلبيتانِ و الطوافانِ و السعيانِ و الوقوفانِ و الترتيبُ بين الأفعال. و المرادُ بالركن هنا ما يَبْطُلُ الحجّ بتركه عَمداً لا سَهواً، إلا أنْ يكونَ الفائتُ الوقوفينِ فيَبْطُل و إنْ كان سهواً، و لا يَبْطُلُ بفَواتِ باقي الأفعال و إنْ كان عمداً.

المقالةُ الأُولي في أفعال عمرة التمتُّع‌

اشارة

و فيها فصول:

الأوّلُ: الإحرام‌

و توابعُه، و هو توطين النفس علي تَرْكِ أُمورٍ مخصوصةٍ إلي أنْ يأتيَ بالمُحَلِلِ، و سَيأتي تفصيلُه. و تلك التروك منها ما يَشْتَرِكُ بينَ الذَّكَرِ و غيرِه و هو سِتّةَ عَشَرَ: صَيْدُ البَرّ المُحَلّل المُمْتَنِع بالأصالة و سِتّةٍ مِن المُحرّمِ: الأسَدِ و الثعْلَبِ و الأرْنَبِ و الضبّ و اليَربوعِ و القُنْفُذِ، اصطياداً و أكْلًا و ذَبْحاً و دلالةً و إغْلاقاً، مباشَرَةً و تسبيباً و لو بإعارة الآلة، و الاستمتاعُ بالجِماع و مقدّماته حتّي العقد، و الطيبُ بأنواعه شمّاً و سُعُوطاً و اطّلاءً و كَحْلًا و صَبْغاً و غيرَها، و الاكتحالُ بالسواد، و الادّهانُ مطلقاً، و إخْراجُ الدمِ، و قَلْمُ الأظفارِ، و إزالةُ الشعْر، و قَطْعُ الحشيشِ و الشجرِ النابِتَيْنِ في الحرمِ إلا الإذْخِرَ و المَحالةَ و عُودَيْها و شجرَ الفواكِهِ و النابتَ في ملكه، و الكَذِبُ مطلقاً، و الجدالُ و هو الحَلْفُ مطلقاً، و لُبْسُ الخاتَمِ، و الحِنّاءُ للزينة لا للسنّة فيهما و الفارقُ القصدُ، و لُبْسُ السلاح اختياراً، و قتلُ هوامّ الجَسَدِ كالقَمْل، و النظرُ في المرآة.
و منها ما يَخْتَصّ بالرجل، و هو لُبْسُ المَخِيطِ و إنْ قَلّتِ [الخياطةُ] عدا المِنْطَقَةِ و الهِمْيانِ، و يَلْحَقُ به الزرّ و الخِلالُ و ما أحاطَ بالبدن من اللِّبْد و الدرْعِ المَنسوجِ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 367
و غيرِهما ممّا أشْبَهَ المخيطَ، و التظليلُ سائراً اختياراً و لا يَحْرُمُ المشيُ في ظِلّ المَحْمِل و لا المرورُ تحتَ الظلّ، و تَغْطيةُ الرأس و لو بالارتماسِ. و في اختصاصه بتحريم سَتْر ظَهْر القَدَمِ بالخُفّ و نحوِه أو عموم التحريم قولانِ «1»، أقربُهما الأوّلُ.
و منها ما يَخْتَصّ بالمرأة، و هو تغطيةُ الوجه إلا القدرَ الذي يَتَوَقّفُ عليه تغطيةُ الرأس فيَحْرُمُ عليها النِّقابُ و نحوهُ، و يجوزُ لها أنْ تَسْدُلَ قِناعَها بحيثُ لا يُصيبُ وجهَها، و لُبْسُ ما لم تَعْتَدْه مِن الحَلْي و ما اعْتادَتْه بقصد الزينةِ لا بدونها، لكنْ يَحْرُمُ عليها إظهارُه للزوج. و الخُنْثي المُشكِلُ في ذلك كالرجُل إلا في كَشفِ الرأسِ فيَتَخَيّرُ بينَه و بينَ كشفِ الوجه.
و يُشْتَرَطُ في الإحرام إيقاعُه في أحد المواقيتِ التي وَقّتَها رسولُ الله صلّي الله عليه و آله و هي: مسجد الشجرة لأهل المدينة و مَن اجتاز بها، و الجُحْفَةُ لأهل المصر و الشام إنْ مَرّوا بها، و يَلَمْلَمُ لأهل اليمنِ، و قَرْنُ المنازِلِ لأهل الطائف، و العَقِيقُ لأهل العراق و هو المَسْلَخُ و ذاتُ عِرْقٍ و ما بينَهما، و أفضلُه أوّلُه. و مَنْ كان منزلُه دونَ المِيقات فميقاتُه منزلُه. و لو سَلَكَ طريقاً لا يَمُرّ بميقاتٍ أحْرَمَ عند مُحاذاة الميقاتِ و لو ظنّاً، و لا فرقَ في ذلك بينَ البَرّ و البحر.
و هذه المواقيتُ لحجّ القِرانِ و الإفراد و لعمرة التمتّع و للمفرَدة إذا مَرّ عليها. و لو كان بمكّةَ خرج لها إلي أدني الحِلّ. و مِيقاتُ حجّ التمتُّع اختياراً مكّةُ، و أفضلها المسجدُ و أفضلُه المَقامُ أو تحتَ المِيزابِ.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 368
و يُشتَرَطُ أيضاً في غير عمرة الإفراد وقوعُه في أشْهُرِ الحجّ و هي شوّال و ذو القَعْدةِ و ذو الحِجّةِ.
و يُسْتَحَبّ قبلَ الإحرام تَوْفيرُ شَعْرِ الرأس من أوّل ذي القَعْدة، و يَتَأكّدُ عندَ هِلال ذي الحِجّة، و استكمالُ التنظيفِ عندَه بإزالة شَعْرِ الإبْطِ «1» و العانةِ بالحَلْقِ و أفضلُ منه الاطّلاءُ «2» و إنْ كان مُطّلِياً قبلَ ذلك، ما لم يَقْصُرْ وقتُه عن خَمْسةَ عَشَرَ يوماً فلا يتأكّد الاستحباب و قَصّ الأظفارِ و إزالةِ الشعَثِ، و الغُسْلُ علي الأقوي، و يُجزِئُ غُسلُ النهارِ ليومه و الليلِ لليلته ما لم يَنَمْ أو يُحْدِثْ أو يَأكُلْ أو يَتَطيّبْ أو يَلْبَسْ ما يَحْرُم علي المُحْرِم فيُعيدُه. و لو تَعَذّرَ الغُسْلُ تَيَمّمَ. و لو خافَ عَوْزَ الماء في الميقات قَدّمَه في أقربِ أوقات الإمكان إليه، ثمّ يَلْبَسُ ثوبي الإحرامِ، و سيأتي بيانُهما. ثمّ يُصلّي سُنّةَ الإحرامِ و هي سِتّ ركعاتٍ أو أربع أو ركعتان، ثمّ يُصلّي الفريضةَ الحاضرةَ إنْ كانَتْ و أفضلُها الظهرُ، و إلا قَضي فريضةً. و نِيّةُ الغُسل: «أغْتَسِلُ غُسلَ الإحرامِ لندبه قربةً إلي الله». و نيّةُ السنّة: «أُصلّي ركعتين مِنْ سُنّة الإحرامِ لنَدْبهما قربةً إلي الله».
و ينبغي النيّة عندَ نَزْعِ المخيطِ و لُبْس الثوبينِ، و ليستْ شرطاً في الصحّة و إنْ توقّفَ عليها الثوابُ، فيَنْوي: «أنْزِعُ المَخيطَ لوجوبه قربةً إلي الله، ألْبَسُ ثَوْبَي الإحرامِ لوجوبه قربةً إلي الله».
و نيّةُ الإحرامِ بالعُمرة: «أُحْرِمُ بالعمرة المُتَمَتّعِ بها إلي حَجّ الإسلام حَجّ التمتُّع، و أُلَبّي التلبياتِ الأربعَ لعقد هذا الإحرامِ لوجوب الجميعِ قربةً إلي الله». و يُقارِنُ بها التلبيةَ و هي «لَبّيْك اللهُمّ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ، إنّ الحمدَ و النعْمةَ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 369
و المُلك لك، لا شريك لك لَبّيْك». و لَمّا كانتِ النيّة هي القصد إلي الفعل المعيّن المتّصِفِ بالأوصاف المذكورة فلا بُدّ مِنْ معرفة المكلف بمعانيها ليَتَحَقّقَ القصدُ إليها. فمعني أُحْرِمُ أي أُوطّنُ نفسي علي ترك الأُمور المذكورة سابقاً.
و العُمرة لغةً: الزيارة، و شرعاً: زيارةُ البيت مع أداء مناسِكَ مخصوصةٍ، و تُطْلَقُ علي مجموع تلك المناسك. و خَرَجَ ب «العمرة» «1» الحجّ و المتمتّعُ بها إلي الحجّ أي التي يَتَخَلّلُ بينَها و بينَ الحجّ راحة و تحلّل مُسْتَمِرّ من الفَراغ منها إلي أنْ يَشْتَغِلَ بالحجّ، و بهذا القيد تَتَمَيّز عن العمرة المفرَدة؛ فإنّها تقع بعدَ الحجّ أو «2» غيرَ مُرْتَبِطةٍ به، و بقيد «الإسلام» تَخرج العمرةُ المتمتّعُ بها إلي حجّ النذر و شبهه، و «لوجوب الجميع» إشارة إلي الوجه الذي يقع عليه الفعلُ و به يَمْتازُ عن المندوب و «قربةً إلي الله» إشارة إلي غاية الفعلِ المتعبّدِ به. و المرادُ بالقربة إليه سبحانه موافقةُ إرادته و التقرّبُ إلي رضاه تعالي لا القربُ المكاني و الزماني، لتنزّهِه تعالي عنهما. و أُوثرُ هذه الصيغةَ لورودها كثيراً في الكتاب و السنّة، و لو اقْتَصَرَ علي جَعْلها لِلّه تعالي كفي.
و يُعتبر في التلبية مقارَنَتُها للنيّة كتكبيرة الإحرام بالنسبة إلي نيّة الصلاة، و ترتيبُها علي الوجه المذكور، و موالاتُها، و إعرابُها.
و معني لَبّيْك: «إجابةً بعدَ اجابةٍ لك يا ربّ» أو «إخلاصاً بعدَ إخلاصٍ» أو «إقامةً علي طاعتك بعدَ إقامةٍ». و معني اللهمّ: «يا الله». و يجوز كسر «إنّ» في قوله: «إنّ الحمدَ» و فتحها، و الأوّل أجودُ «3». و قد ورد في الخبر أنّ هذه التلبية
رسائل الشهيد الثاني، ص: 370
جواب للنداء المذكور في قوله تعالي وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ «1» حيثُ صَعِدَ إبراهيمُ عليه السلام أبا قُبَيْسٍ و نادَي بالحجّ «2». و في «لا شريك لك» إرغام لأُنوف الجاهلية الذين كانوا يُشْرِكونَ الأصنامَ و الأوثانَ بالتلبية، و في تَكرارها بَعْث للقلب علي الإقبال علي خالص الأعمال و تلافٍ لِما لعلّه وقع من الإخلال بوظائف عبودية المَلِك المتعالِ، كتَكرار الركعات و التسبيحاتِ و التكبيراتِ و غيرِها من الأفعال.
و يُسْتَحَبّ الإكثارُ منها و من باقي التلبياتِ المستحبة خصوصاً «لَبّيْكَ ذا المعارِجِ، لَبّيْك» فقد كان النبي صلّي اللهُ عليه و آله يُكْثِرُ منها، و مِنَ المستحبّةِ:
لَبّيْك ذا المعارجِ إلي دار السلام، لَبّيْك لَبّيْك غفّارَ الذنوبِ، لَبّيْك لَبّيْك أهلَ التلبية، لَبّيْك لَبّيْك ذا الجَلالِ و الإكرام، لَبّيْك لَبّيْك تُبْدِئُ و المعادُ إليك، لَبّيْك لَبّيْك تَسْتَغْني و يُفْتَقَرُ إليك، لَبّيْك لَبّيْك مَرهوباً و مَرغوباً إليك، لَبّيْك لَبّيْك إلهَ الحقّ، لَبّيْك لَبّيْك ذا النَّعْماء و ذا الفَضْلِ الحَسَنِ الجَميل، لَبّيْك لَبّيْك كَشّافَ الكُرَبِ العِظامِ، لَبّيْك لَبّيْك عبدُك و ابنُ عبديْك، لَبّيْك لَبّيْك أتَقَرّبُ إليك بمحمّدٍ و آل محمّد صَلّي الله عليهم، لَبّيْك لَبّيْك يا كريمُ لَبّيْك، لَبّيْك بالعمرة المتمتّعِ بها إلي الحجّ لَبّيْك «3».
و لو كان لإحرام الحجّ قال بَدَلَ «بالعمرة»: «بالحجّ» إلي آخر مميّزاته.
و يُشْتَرطُ في الثوبينِ صِحّةُ الصلاة فيهما اختياراً، فلا يُجْزِئ النَّجِسُ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 371
و لا الحريرُ المحْضُ و لا جِلدُ غيرِ المأكول، و لا الرقيقُ الذي يَحْكي العورةَ. و لْيَأتَزِرْ بأحدهما و يرتدِ بالآخر بأنْ يُغَطّيَ به مِنْكَبَيْه أو يَتَوشّح به بأنْ يُغَطّيَ [به] أحدَهما. (و لو تَأدّتِ الوظيفتانِ بثوبٍ طويلٍ أجْزأ عنهما) «1». و يَجوزُ عَقدُ الإزارِ دونَ الرِّداء، و الزيادةُ عليهما للحاجة، و إبدالهُما.
و يُسْتَحَبّ الطوافُ في الأوّليْنِ، و أن يكونا مِن القُطن الأبيضِ، و يُكْرَهُ غَسْلُهما و إنْ تَوَسّخا و كونُهما غيرَ أبيضَيْنِ.
تذنيب: الحَيْضُ لا يَمْنَعُ الإحرامَ، فلو اتّفَقَ حالةَ الإحرام أحْرَمَتْ كذلك مِنْ غير غُسْلٍ «2» و لا صَلاةٍ. و لو كان مِيقاتُها مسجدَ الشجرة أحْرَمَتْ مِنْ خارجه أو مُجْتازةً به مع أمْنِ التلويثِ.
و يُسْتَحَبّ لها أنْ تَلْبَسَ ثياباً طاهرةً حالةَ النيّة فإذا أحْرَمَت نَزَعَتْها إنْ شاءت و أنْ تَسْتَثْفِرَ «3» بَعدَ الحَشْوِ و تَتَنَظّفَ ثمَّ تُحْرِمَ.
و لو تَرَكَتِ الإحرامَ لظنّها فَسادَه رَجَعَتْ إلي الميقاتِ مع الإمكان، فإنْ تعذّر فمِنْ حيث أمْكَنَ و لو مِنْ أدنَي الحِلّ. ثمّ إنْ طَهُرَتْ قبلَ وقتِ الطوافِ فظاهر، و إلا أخّرتْه و ما بعدَه مِن الأفعال إلي أنْ تَطْهُرَ أو يَضِيقَ الوقتُ بالتلبّسِ بالحجّ، فإنْ ضاقَ و لمّا تَطْهُرْ عَدَلَتْ إلي حجّ الإفراد، وَ خَرَجَتْ إلي عَرَفَةَ بإحرامِها الأوّلِ، ثمّ اعْتَمَرَتْ بعدَ الحجّ عمرةً مفردةً و أجْزأها عن فرضها. و كذا
رسائل الشهيد الثاني، ص: 372
لو عَرَضَ الحَيضُ بعدَ الإحرام و قبلَ أنْ تَطوفَ أربعةَ أشواطٍ. و لو عَرَضَ بعدَ أنْ طافَتِ الأربعةَ سَعَتْ و أكْمَلَتِ العمرةَ، و أخّرَتْ بقيّةَ الطوافِ و الصلاة إلي أنْ تَطْهُرَ.

الثاني في الطواف‌

، و هي الحركة الدَّوْرية حولَ البيتِ علي الوجه المخصوصِ للقربة، و له مقدّمات مَسْنونة و فُروض و سُنَن:
فالمقدّمات: الغسلُ عندَ دخول الحرم، و دخولُه ماشياً حافياً و نعلُه بيده، فمَنْ فَعَلَ ذلك تواضعاً للّه تعالي مَحا اللهُ عنه مائةَ ألفِ سيِّئةٍ، و كَتَبَ له مائةَ ألفِ حسنةٍ، و بَنيَ له مائةَ ألفِ درجةٍ، و قضي له مائةَ ألفِ حاجةٍ. رواه أبانُ بنُ تَغْلِبَ عن الصادق عليه السلام «1».
و الدعاءُ عند دخوله، فإذا أرادَ دخولَ مكّةَ اغْتَسَلَ أيضاً بالأبْطحِ مِنْ بِئرِ مَيْمونٍ أو غيره، و لا يُحْدِثَ بعدَه حتّي يدخُلَها.
و يُسْتَحَبّ الغُسلُ ثالثاً لدخول المسجد الحرام، ثمّ يَدخلُه حافِياً خاضِعاً خاشِعاً مِنْ باب بني شَيْبَةَ، و هو بإزاء باب السلام أدْخلُ منه نحوَ المسجد، و يَقِفُ عندَه و يقول:
السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة الله و بركاته، باسم الله و بالله [و من الله و] «2» ما شاء الله، و السلام علي أنبياء الله و رُسُله، و السلام علي رسول الله، و السلام علي إبراهيمَ خليلِ الله، و الحمد للّه ربّ العالمينَ «3».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 373
ثمَّ يَرفَعُ يدَيْه و يَسْتَقْبِلُ البيتَ و يقول:
اللهُمّ إنّي أسألك في مقامي هذا في أوّلِ مناسكي أنْ تَقْبَلَ تَوْبَتِي، و أنْ تجاوَزَ عَنْ خَطيئتي و تَضَعَ عنّي وِزْري، الحمد لِلّه الذي بَلّغَني بيتَه الحرامَ. اللهُمّ إنّي أُشْهِدُك أنّ هذا بيتُك الحرامُ الذي جَعَلْتَه مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً «1» و مُبارَكاً و هُدًي للعالمين. اللهُمّ إنّي عبدُك، و البلدُ بلدُك، و البيتُ بيتُك، جئتُ أطْلُبُ رحمتَك و أؤمّ طاعتَك، مُطِيعاً لأمرك، راضياً بقَدَرك، أسألُك مسألةَ الفقيرِ إليك الخائفِ مِنْ عُقوبتك. اللهُمّ افْتَحْ لي أبوابَ رحمتِك، و اسْتَعْمِلْنِي بطاعتك و مَرْضاتِك، و احفَظْنِي بحفظِ الإيمان أبداً ما أبْقَيْتَنِي، جَلّ ثناءُ وجهِك. الحمد لِلّه الذي جَعَلَني مِن وَفْدِهِ و زُوّارِه، وَ جعَلَني مِمّنْ يَعْمُرُ مساجِدَه، و جَعَلَني مِمّن يُناجيه. اللهُمّ إنّي عبدُك و زائرُك و في بيتك، و علي كُلّ مأتيّ حقّ لِمَنْ أتاه و زارَه، و أنت خيرُ مأتيّ و أكرمُ مَزُورٍ، فأسألُك يا اللهُ يا رحمانُ بأنّك أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنت وحدَك لا شريك لك، و بأنّك واحِد أحَد صَمَد لم تلِدْ و لم تُولَدْ و لم يكن لك كُفواً أحد، و أنّ محمَّداً عبدُك و رسولك صلّي الله عليه و آله. يا جوادُ يا ماجِدُ يا حَنّانُ يا مَنّانُ يا كريمُ أسألُك أنْ تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إيّاي مِن زيارتي إيّاكَ فَكاكَ رَقَبَتي مِن النار، اللهُمّ فُكّ رَقَبَتي مِن النار ثلاثاً و أوْسِعْ عليّ مِن رِزقك الحلالِ، و ادْرأْ عنّي شرَّ شياطينِ الجنّ و الإنسِ وَ شَرّ فَسَقَةِ العربِ و العجمِ «2».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 374
ثمّ يمشي نحوَ البيتِ، فإذا دَنا مِن الحَجَر الأسودِ رَفَعَ يدَيْه و حَمِدَ اللهَ و أثْني عليه و قال:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «1» سبحان الله و الحمد للّه و لا إلهَ إلا اللهُ و الله أكبرُ «2».
و صلّي علي النبيّ صلّي الله عليه و آله، ثمَّ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ و يُقَبّلُه، فإنْ لم يَسْتَطِعْ أشارَ بيده إليه و يقول:
اللهُمّ إنّي أُؤمِنُ بوعدك، و أُوفِي بعهدك. اللهُمّ أمانتي أدّيتُها و ميثاقي تعاهَدْتُه لِتَشْهَدَ لي بالموافاة. اللهُمّ تصديقاً بكتابك و علي سنّةِ نبيّك صلّي الله عليه و آله، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، و أنّ محمَّداً عبدُه و رسولُه، آمَنْتُ بالله و كَفَرْتُ بالجِبْت و الطاغوتِ و باللاتِ و العُزّي و عبادةِ الشيطانِ و عبادةِ كُلّ نِدّ يُدْعيَ مِن دونِ الله.
فإنْ لم يَقْدِرْ علي جميع ذلك قال بعضه «3»:
اللهُمّ إليك بَسَطْتُ يدي، و فيما عندك عَظُمَتْ رَغْبَتي، فَاقْبَل سُبْحَتي «4»، و اغفِر لي و ارْحَمْني. اللهُمّ إنّي أعوذُ بك مِن الكُفرِ و الفقرِ و مواقِفِ الخِزْي في الدنيا و الآخرة «5».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 375
و أمّا الفروض فعلي ضربين: شروط متقدّمة و مقارِنَة:
فالشروط أربعة: الطهارةُ مِن الحَدَث و لو بالتيمّم مع تعذّر المائية، و لا يُشْتَرَطُ ذلك في الطواف المندوبِ علي الأقوي و إنْ كان مِنْ كماله، نَعَم هي شرط في صلاة الطوافِ مطلقاً؛ و إزالةُ النَّجاسة عن الثوب و البدن علي حدّ ما يُعتبر في الصلاة؛ و سَتْرُ العورةِ الواجبِ سَتْرُها في الصلاة بحسب حال الطائف؛ و الخِتانُ في الرجل مع المُكْنة.
و المقارِنةُ سَبْعَة: النيّةُ مقارِنةً لأوّل جزءٍ مِن الحجر الأسودِ، بحيث يكونُ أوّلُ بدنِه مُحاذياً لأوّلِ جزءٍ من الحجر عِلْماً أو ظنّاً، لِيَمُرّ عليه بجميع بدنه، و لا يُشْتَرَطُ استقبالُ البيتِ أوّلًا ثمّ الانحرافُ بل يَكفي جَعْلُه علي اليَسار ابتداءً، و إنْ كان الأوّلُ أولي و صفتها: «أطوفُ بالبيتِ سبعةَ أشواطٍ لعمرةِ الإسلامِ عمرةِ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله» مُسْتَدامةَ الحكم إلي آخره، مقارِنَةً للحركة عقيبَها بنفسه أو حامله؛ و جعل البيتِ علي اليَسار؛ و المَقامِ علي اليمين و لو تقديراً، بمعني مراعاةِ النسبة في جميع الجِهات؛ و الخروجُ بجميع البدن عن البيت، فلايَمَسّ الحائطَ ماشياً بل يَقِفُ إنْ أرادَه لِتَدْخُلَ يدُه علي الشاذروانِ؛ و موالاةُ أربعة أشواطٍ مِنَ السبعةِ، و يجوزُ تفريقُ الباقي منها لضرورةٍ أو قضاءِ حاجةٍ أو صلاةِ فريضةٍ أو نافلةٍ يُخاف فوتُها أو لدخول البيت؛ و إدخالُ الحِجْرِ في الطواف، فلو طافَ فيه أو مَشي علي حائطه لم يُجْزِئ، و لا يجب الخروجُ عن شي‌ءٍ آخَرَ خارِجه إجماعاً؛ و الختمُ في الشوْط السابعِ بما بَدَأ به، بمعني جَعْلِ أوّلِ جزءٍ مِن الحَجَرِ مُحاذياً لأوّلِ بدنه حَذَراً مِن الزيادة و النقيصة المُبْطِلَتينِ و لو بخُطْوةٍ، حتّي لو لم يَحْصُلِ العددُ أو شَكّ في النقيصة مطلقاً و في الزيادة قبلَ بُلوغِ الركنِ بَطَلَ، و لو بَلَغَه قَطَعَ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 376
و صَحّ طَوافُه. و لو شَكّ بعدَ الفَراغِ لم يَلْتَفِتْ مطلقاً. و لو كان الطوافُ نَفْلًا بَني علي الأقلّ.
و سُنَنهُ: المبادَرَةُ إليه حينَ يَدْخُلُ المسجدَ، لأنّه تَحيّتهُ إلا أنْ يَخافَ فَوْتَ الجماعةِ فيُقَدّمها؛ و تقبيلُ الحجَر و اسْتِلامُه ببطنه و ما أمْكَنَ مِن بدنه في ابتداء الطواف و في كُلّ شوط، فإنْ تَعَذّرَ فبِيده، فإنْ تَعَذّرَ أوْمَأ إليه كما مَرّ؛ و استلامُ الأركانِ كلّها و تقبيلُها خصوصاً العراقيّ و اليمانيّ، بل قيل بوجوب استلام اليماني «1»؛ و الاقتصادُ في المشي، و التداني مِن البيتِ و إنْ قلّتِ الخُطَا؛ و التزامُ المُسْتَجارِ في الشوط السابع، و هو مقابِلُ الباب قريباً مِن الركن اليماني؛ و بَسْطُ اليدينِ علي حائطه؛ و إلصاقُ البطنِ و الخَدّيْنِ به؛ و تَعدادُ الذُّنوبِ مُفَصّلَةً و الاستغفارُ منها؛ و الدعاءُ عنده بقوله: «اللهُمّ البيتُ بيتُك و العبدُ عبدُك، و هذا مكانُ العائذِ بك مِن النار» «2».
و متي الْتَزَمَ أو اسْتَلَمَ حَفِظَ موضعَ قيامه و عادَ إلي طوافه منه حَذَراً مِن التقدُّم و التأخّر؛ و أنْ يقولَ في حال الطواف:
اللهُمّ إنّي أسْألُك بِاسمك الذي يُمْشي به علي طَلَلِ الماء كما يُمْشي به علي جَدَدِ الأرضِ، و أسألُكَ باسمكَ الذي يَهْتَزّ له عرشُكَ، و أسألُكَ باسمكَ الذي تَهْتَزّ له أقدامُ ملائكتك، و أسألُكَ باسمكَ الذي دعاكَ به موسي بنُ عِمرانَ مِن جانبِ الطورِ فَاسْتَجَبْتَ له و ألْقَيْتَ عليه مَحَبّةً منك، و أسألُكَ باسمك الذي غَفَرْتَ به لمحمّدٍ صلّي الله عليه و آله ما تَقَدّمَ مِنْ ذنبه و ما تَأخّر و أتْمَمْتَ عليه
رسائل الشهيد الثاني، ص: 377
نِعْمتَك «1» أنْ تَفْعَلَ بي كذا و كذا و يقول أيضاً: اللهُمّ إنّي إليك فقير، و إنّي خائف مُسْتَجِير، فلا تُبَدّلْ اسمي و لا تُغَيّرْ جسمي «2».
فإذا فَرَغَ مِن الطواف أتَي مقامَ إبراهيمَ عليه السلام فصلّي ركعتيه خلفَه أو عن أحدِ جانبيه، و نيّتهما: «أُصلّي ركعتي طوافِ عمرةِ الإسلام عمرةِ التمتُّع أَداءً لوجوبه «3» قربةً إلي الله» و هي كاليومية في الشرائط و الأفعال. و يَتَخَيّرُ فيها بين الجهر و الإخفات. و يُسْتَحَبّ أنْ يَقْرأ في الركعة الأُولي بعدَ الحمدِ التوحيدَ و في الثانيةِ الجحدَ أو بالعكس. و يَدْعو بعدَهما بالمأثور أو بما سَنَحَ.

الثالث: السعي‌

، و هي الحركاتُ المعهودةُ بينَ الصفا و المَروة للقربة، و له مقدّمات مَسْنونة و فروض و سُنَن مقارِنَة:
فمقدّماته: التعجيلُ إليه عقيبَ صلاة الطواف، و الطهارة مِن الحَدَثِ و الخَبَث علي أشهر القولين «4»، و استلامُ الحَجَرِ، و الشربُ مِنْ زَمْزَمَ و صَبّ الماء عليه مِن الدَّلْو المقابلِ للحَجَر و إلا فمِنْ غيره، و الأفضلُ استقاؤه بنفسه قائلًا عند الشرب: «اللهمّ اجْعَلْه عِلْماً نافعاً و رِزقاً واسعاً و شفاءً مِن كلّ داءٍ و سُقْمٍ» «5»، و الخروج إلي الصفا مِن الباب المقابِل للحَجَر، و هو الآن في داخل المسجد بإزاء الباب المعروف بباب الصفا مُعَلّم بأُسْطُوانتينِ معروفتين، فليَخْرُجْ مِن
رسائل الشهيد الثاني، ص: 378
بينهما إلي الباب، و الصعودُ علي الصفا بحيث يَرَي البيتَ مِن بابه، و استقبالُ الرُّكْنِ العِراقي، و إطالةُ الوقوفِ عليه، و قِراءةُ سورة البقرة، و حمدُ الله و تكبيرُه و تسبيحُه و تهليلُه و الصلاةُ علي النبي و آله صلّي الله عليه و آله مائة مائة، و أقلّه التكبيرُ و التهليلُ سَبْعاً سَبْعاً، ثمّ يقولُ:
لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ و له الحمدُ، يُحْيي و يُمِيتُ و هو حيّ لا يَموتُ، بيده الخَيرُ و هو علي كُلّ شي‌ءٍ قدير «1». و يقول: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه وحدَه، أنْجَزَ وعدَه، و نَصَرَ عبدَه، و هَزَمَ الأحزابَ وحدَه، فله الملكُ، و له الحمدُ وحدَه. اللهُمّ بارِكْ لي في الموت و فيما بعدَ الموت. اللهمّ إنّي أعوذُ بك مِنْ ظلمةِ القبر و وحشتِه. اللهُمّ أظِلّنِي تحتَ عرشِك يومَ لأظِلّ إلا ظِلُّك و يقول: أسْتَودِعُ اللهَ الرحْمنَ الرحيمَ، الذي لا يُضيع وَدائِعَه، ديني و نَفَسي و أهلي «2».
و فروضه: النيّةُ: «أسْعي سبعةَ أشواطٍ لِعُمْرَة الإسلام عمرةِ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله» مقارِنةً للصفا بأنْ يُلصِقَ عَقِبه به أو يَصْعَدَ عليه، و الحركةُ بعدَها في الطريق المعهود بوجهه مستدامةَ الحكم إلي آخره، و يَخْتِمُ بالمروة و لو بأصابع قدميهِ إنْ لم يَدْخُلْ، فإذا عاد ألْصَقَ عَقِبَه بها و أصابِعَه بالصفا آخِراً إنْ لم يَصْعَدْ كذلك، و إتمامُ السبعةِ، مِنَ الصفا إليه شوطانِ، من غير زيادةٍ و لا نُقصانٍ، فلو زادَ عمداً بَطَلَ و ناسياً يَقْطَعُ. و لو نَقَصَ عادَ للإكمال وجوباً.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 379
و يَستَنِيبُ مع التعذُّر، و لا يَتَحَلّلُ بدونه، و إيقاعُه يومَ الطواف، فإنْ أخّرَه أثِمَ و أجْزَأ، و الأحوطُ موالاتُه كالطوافِ.
و سُنَنُه: السعْيُ ماشياً مع القدرة و السكينة و الوقار، و أنْ لا يَقْطَعَه لغير ضرورة، و الهَرْوَلَةُ للرجل بينَ المَنارة و زُقاقِ العطّارين، و لو نَسِيَها رَجَعَ القَهْقَري و تَدارَكَها ما لم يَشْرَعْ في الشوط الثاني، و الراكِبُ يُحَرّكُ دابّتَه ما لم يُؤذِ أحَداً، و أنْ يَقولَ:
بِاسم الله و الله أكبرُ، و صلّي الله علي محمَّدٍ و آله، اللهمّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ، و تجاوَزْ عمّا تَعْلَم، إنّك أنتَ الأعز الأكْرَمُ «1».

الرابع: التقصير

، و هو إبانةُ مُسَمّي الشعرِ أو الظفُرِ، و به يُحِلّ مِن إحرام العمرة المُتَمَتّعِ بها. أمّا المُفْردَةُ فلا يَتِمّ الإحلالُ منها إلا بطوافِ النساء بعدَه و صلاةِ ركعتيهِ.
و فروضه: النيّةُ مقارِنَةً للفعل: «أُقَصّرُ للإحلال مِن إحرام العمرة المتمتّعِ بها إلي حَجّ الإسلام حجّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله» مستدامةَ الحكم إلي آخره، و لا تَتَعَيّنُ له آلة مخصوصة، فيُجْزِئُ الحديدُ و النورةُ و النتْفُ و القَرْضُ بالسنّ و غيرُها، و لا فرقَ بينَ شَعْرِ الرأسِ و غيرِه، و لا يُجْزِئُ الحَلْقُ هنا، نَعَمْ يُجْزِئُ في المفرَدة، و مكانُه مكّةُ.
و يُسْتَحَبّ كونُه علي المروة، و البدأةُ بالناصيةِ، و الأخذُ مِن جميعِ جوانبِ شَعْره علي المُشْطِ، و تقليمُ الأظفار مع أخْذِ الشعْر، و التشَبّهُ بالمُحْرِمينَ بعدَه في ترك لُبْسِ المَخِيط إلي أنْ يَتَلَبّسَ بالحجّ، و كذا لأهلِ مكّةَ طُول المَوْسِمِ.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 380

المقالةُ الثانيةُ في أفعال الحج‌

اشارة

و فيها فصول‌

الأوّلُ: الإحرام‌

، و تحقيقه كما مرّ في الواجبات و المحرّمات إلا أنّه يَنْوِي هنا إحرامَ الحجّ، و صفة النيّة: «أُحْرِمُ بحجّ الإسلام حجّ التمتُّع، و أُلَبّي التلبياتِ الأربعَ لِعقد هذا الإحرام لوجوب الجميع قربةً إلي الله، لَبّيْك اللهُمّ لَبّيْك إلخ». و قد تَقَدّمَ «1» أنّ محلّه مكّةُ، و أفضلُها المسجدُ و خلاصته «2» المقام أو تحت المِيزابِ، و أفضلُ زمانه يومَ الثامنِ بعدَ الزوال عقيبَ الظهرينِ المُتَعَقّبَيْنِ لِسُنّة الإحرامِ المتقدّمة.
و يُسْتَحَبّ رفعُ الصوتِ بالتلبية في موضع الإحرام إنْ كان ماشياً، و إنْ كان راكباً إذا نَهَضَ به بَعيرُه، مُتَوَجّهاً إلي عرفاتٍ خصوصاً إذا أشْرَفَ علي الأبطحِ، و أنْ يقولَ عند توجّهه: «اللهُمّ إيّاكَ أرجو و إيّاك أدعو، فبَلّغْنِي أمَلي و أصْلِحْ لي عملي» «3». فإذا وَصَلَ إلي منيً قال
رسائل الشهيد الثاني، ص: 381
اللهمّ هذه منيً و هي ممّا مَنَنْتَ به علينا مِن المناسِكِ، فأسْألُكَ أنْ تَمُنّ عليّ بما مَنَنْتَ به علي أنبيائك، فإنّما أنا عبدُك و في قَبْضَتِكَ «1».
و يُسْتَحَبّ المَبِيتُ بها ليلةَ التاسع، و أنْ لا يَجُوزها حتّي تَطْلُعَ الشمسُ، فإذا تَوَجّهَ إلي عرفاتٍ قال:
اللهمّ إليك قَصَدْتُ، و إيّاك اعْتَمَدْتُ، و وَجْهَك أردتُ، أسألُك أنْ تُبارِكَ لي في رِحْلتي، و أنْ تَقْضِيَ لي حاجتي، و أنْ تَجْعَلَنِي ممّن تُباهِي به اليومَ مَنْ هو أفضلُ منّي «2».
و لْيَسْتَمِرّ علي التلبية استحباباً إلي أنْ يَصِلَ إلي عَرَفَةَ.

الثاني: الوقوفُ بعرفَة

، و هو الكَوْنُ بها من زَوال الشمسِ إلي غروبها مِن يَوْم التاسعِ مقارِناً أوّلَه بالنيّة عندَ تحقّقِ الزوال مُسْتَدامةَ الحكم إلي آخره: «أقِفُ بعرَفَةَ في حجّ الإسلام حجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله».
و الركنُ منه مسمّي الكَوْنِ بعدَ النيّة و إنْ كان عابرَ سبيلٍ، و باقيه موصوف بالوجوب لا غيرُ. و حدّ عَرَفَةَ ما بين ثَوِيّةَ و عُرَنَةَ و ذي المَجاز و ذي الأراك.
و سُنَنُه: الغسلُ قبلَ الزوال، و جَمْعُ الرَّحْلِ، و قَطْعُ العلائقِ المانعةِ مِن الإقبال علي الله تعالي في ذلك الوقت، و الجمعُ بينَ الظهرينِ في أوّل الوقت بأذانٍ و إقامتينِ، و الوقوفُ بالسفْحِ في مَيْسَرَةِ الجبلِ و القُرْبُ منه، و القيامُ بعدَ الصلاة مع الاختيار، و استقبالُ القبلة، و إحضارُ القلب، و الإكثارُ مِن التكبير
رسائل الشهيد الثاني، ص: 382
و التحميد و التهليل و التمجيد و التسبيح و الثناء علي الله تعالي بما هو أهلُه، و الاستعاذةُ بالله مِن الشيطانِ الرجيمِ فإنّه حريص علي أنْ يُذْهِلَ المؤمنَ في ذلك المَوْطنِ الشريفِ و الاستغفارُ بالقلب و اللسانِ، و تَعدادُ الذنوبِ، و البُكاءُ أو التباكي، و الدعاءُ للإخوانِ و أقلّهم أربعونَ، و البروزُ تحتَ السماء إلا لضرورةٍ، و صرفُ الزمانِ كلّه في الدعاء و الاستغفار و الذِّكرِ، بل قيل بوجوبه «1»، و الدعاءُ بالمأثور «2» و هو كثير لا يَقْتَضِي الحالُ ذِكرَه هنا، و أعظَمُهُ دعاءُ الحسينِ و وَلَدِه زينِ العابدين عليهما السلام، و قِراءة عَشْرٍ مِن أوّل البقرةِ ثمّ التوحيدِ ثلاثاً و آيةِ الكرسيّ و السخْرةِ «3» و المُعَوّذَتَيْنِ ثمّ حمدُ اللهِ تعالي علي نِعَمِه مُفَصّلةً، و فِعْلُ الخيرِ ما اسْتَطاعَ، و تَرْكُ الهَذَرِ.

الثالثُ: الوقوفُ بالمشعرِ الحَرام‌

إذا غَرَبَتِ الشمسُ مِن يومِ عرفَةَ، فَلْيُفِضْ إليه وجوباً بالسكينة و الوَقار مُسْتغفِراً داعياً بالمأثورِ و هو:
اللهمّ لا تَجْعَلْه آخِرَ العهدِ مِنْ هذا المَوْقِفِ، و ارْزُقْنِيه أبَداً ما أبْقَيْتَنِي، و اقْلِبْني اليومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لي مَرحوماً مَغفوراً لي بأفضلِ ما يَنْقَلِبُ به اليومَ أحد مِن وَفْدِك عليك، و أعْطِنِي أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ أحداً مِنهم مِن الخيرِ و البَرَكةِ و الرضوان و المغفرةِ، و بارِكْ لي فيما أرْجِعُ إليه مِنْ أهلٍ أو مالٍ أو قليلٍ أو كثيرٍ، و بارِكْ لَهم فيّ «4».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 383
و لْيُكْثِرْ مِن قوله: «اللهمّ أعْتِقْ رَقَبَتي مِن النار» «1» فإذا بَلَغَ المَشْعَرَ و حَدّهُ ما بينَ المأزِمَيْنِ إلي‌وادي مُحَسّرٍ وجب عليه‌به‌الفجر ناوياًأبِيتُ‌الليلةَ بالمشعرِ في حجّ الإسلام حجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله‌و يُسْتَحَبّ إحياءُ تلك الليلةِ بالعبادة؛ فإنّ أبوابَ السماءِ لا تُغْلَقُ تلك الليلةَ لأصوات المؤمنين «2». فإذا أصْبَحَ وجبَ عليه الكَوْنُ به إلي طُلوع الشمسِ ناوياً عندَ تحقّقِ الفجر: «أقِفُ بالمَشْعَرِ في حجّ الإسلام حَجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله» مُسْتَدامَةَ الحكمِ إلي آخره.
هذا كُلّه مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار فيُجْزِئ مُسَمّي الوقوفِ بعرفَةَ ليلةَ العاشر، و بالمشعرِ مُسمّاه أيضاً في تلك الليلةِ و فيما بينَ طلوع الشمسِ و زوالِها مِنْ يَوْم النَّحْرِ. و يُدْرَكُ الحَجّ بإدراكِ الاختياريَّيْنِ و أحدِهما، و الاضطراريّيْنِ و أحدِهما مع اختياريّ الآخَر لا مُنْفَرِداً، و في اضطراريّ المشعرِ وحدَه قول قويّ بالإجزاء «3»؛ هذا إذا لم يَكنِ الفَواتُ عمداً كما مَرّ.
و يُسْتَحَبّ الدعاءُ في المَشْعَرِ بقوله
رسائل الشهيد الثاني، ص: 384
اللهمّ هذه جَمْع فَاجْمَعْ لي فيها جوامِعَ الخير. اللهمّ لا تُؤْيِسْني مِن الخير الذي سألتُك أنْ تجمعَه لي في قلبي، ثمّ أطلبُ إليك أنْ تُعَرّفني ما عَرّفْتَ أولياءَك في منزلي هذا، و أنْ تَقِيَني جوامِعَ الشرّ «1» و يَقول أيضاً: اللهمّ ربّ المشعرِ الحرام فُكّ رَقَبَتِي مِن النار، و أوْسِعْ عليّ مِن رزقك الحلالِ، و ادْرأْ عنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجنّ و الإنسِ. اللهمّ أنت خيرُ مطلوبٍ إليه و خيرُ مدعوٍ و خيرُ مسؤولٍ، و لكُلّ وافِدٍ جائزة، فاجْعَلْ جائزتي في مَوْطِني هذا أنْ تُقِيلَنِي عَثْرَتي و تَقْبَلَ مَعْذِرتي، و أنْ تَجاوَزَ عَنْ خَطيئتي، ثمَّ اجْعَلِ التقوي مِن الدنيا زادي «2».
فإذا طَلَعَتِ الشمسُ أفاضَ إلي مِني بالسكينة و الوَقارِ و الذكرِ للّه تعالي و الاستغفارِ، و الدعاءِ.
و الهَرْوَلَةُ «3» بوادي مُحَسّرٍ للماشي و الراكبِ، و لو نَسِيَها رَجَعَ لِتَداركِها و لو مِن مكّةَ، كما ورد في الخبر «4». و يقول فيها «5»: «اللهمّ سَلّمْ عَهْدي، واقْبَلْ تَوْبَتي، و أجِبْ دَعوتي، و اخْلُفْنِي فيمَنْ تَرَكْتُ بَعدي» «6».
و يُسْتَحَبّ التقاطُ الحَصي للرمْي مِنَ المشعر و هي سبعون حَصاةً، و لو احتاط بالزائد فلا بأسَ. و يُسْتَحَبّ كونُها بُرْشاً كُحْلِيّةً مُلْتَقَطةً مُنَقّطَةً رِخْوَةً بِقَدْرِ الأنمُلَةِ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 385
طاهرةً مغسولةً.

الرابع: نزولُ مِنًي يوم النَّحْر

لِرَمْي جَمْرة العَقَبةِ و الذبحِ و الحَلْقِ مُرَتّباً كما ذُكِرَ، و لو عَكَسَ أثِمَ و أجْزأ، فإذا وَصَلَ مِني فليَبْدأ أوّلًا برَمْي جَمْرةِ العَقَبة و هي علي حدّ مِنًي إلي جِهة مكّةَ كما أنّ حدّها الآخَرَ وادي مُحَسّرٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ حَرَميةٍ غيرِ مسجديةٍ أبكارٍ بما يُسمّي رَمْياً مُصِيبةً بفعله مباشَرةً بيده. و تجب فيه النيّةُ مقارِناً بها لأوّله: «أرْمي هذه الجَمْرةَ بِسَبْعِ حَصَياتٍ في حجّ الإسلامِ حجّ التمتُّع أداءً لوجوبه قربةً إلي الله». مُسْتَدامةَ الحكمِ إلي آخره. و الظاهر أنّ الأداء و التعَرّضَ للعددِ مِنْ كَمال النيّة لا واجب فيها. و وَقْتُهُ ما بينَ طلوعِ الشمسِ إلي غروبها، و يُقْضيَ لو فات مقدّماً علي الحاضر، و يَخْرُجُ وقتُه بخروج الثالثَ عَشَرَ إلي القابل.
و تُسْتَحَبّ الطهارةُ، و المَشْيُ إليه، و رَمْيُ جَمْرةِ العقبةِ مُسْتَدبِراً للقبلة مُقابِلًا لها، و التباعدُ عنها بِعَشْرِ أذْرُعٍ إلي خَمْسَ عَشْرَةَ، و الرمْيُ خَذْفاً بأنْ يَضَعَ الحَصاةَ علي إبهامِ يدِه اليُمْني و يَدْفَعُها بظُفُر السبّابة، و لو تَعارَضَ الخَذْفُ و التباعُدُ قُدّمَ الخَذْفُ تَخَلّصاً مِنْ خلافِ مَنْ أوْجَبَه «1». و يَدْعو مع رَمْيِ كُلّ حَصاةٍ بالمنقول و هو:
اللهمّ ادْحَرْ عنّي الشيطانَ. اللهمّ تصديقاً بكتابِك و علي سُنّةِ نبيّك صلّي الله عليه و آله. اللهُمّ اجْعَلْه حَجّا مَبْروراً، و عملًا مقبولًا و سَعْياً مشكوراً و ذَنْباً مغفوراً «2».
و الهَدْيُ بعدَ الرَّمْيِ واجب علي المُتَمَتّع و إنْ كان مَكّيّاً. و يَجِبُ كونُه مِنَ النَّعَمِ، و أفضلُه البُدْنُ ثمّ البَقَرُ ثمّ الغَنَمُ، و أقلّه الثنيُ و هو مِنَ الإبل ما دَخَلَ في
رسائل الشهيد الثاني، ص: 386
السنَةِ السادسةِ و مِن الأخِيريْنِ ما دَخَلَ في الثانية. و يَكفي في الضأْن إكمالُ الشهرِ السابِعِ؛ و كونُه تامّاً، فلا يُجْزِئُ الأعْوَرُ و المريضُ و الأعرجُ و الأجربُ و مَكسورُ القَرْنِ الداخلِ و مقطوعُ الأُذُنِ أو بعضِها و الخَصِيّ، و يُجْزِئ فاقدُ القَرْنِ و الأُذُنِ خِلْقةً؛ و كونهُ سَميناً بأنْ يكونَ علي كُلْيَتَيْه شَحْم. و يَكْفِي الظنّ الْمُسْتَنِدُ إلي التجربة أو إخبارِ عارفٍ، و إنْ أخْطَأ بعدَ الذَّبْحِ لا قبلَه.
و لو تَبَيَنَ النُّقْصانُ لم يُجْزِئ مطلقاً، و كذا لو ظَهَرَ السمَنُ مع عدمِ الظنّ به ابتداءً.
و لو لم يُوجَدْ إلا فاقِدُ الشرائط أجْزَأ، فإنْ فُقِدَ خَلّفَ ثَمَنَه عندَ ثقةٍ لِيَذْبَحَ عنه في ذي الحِجّة، فإنْ تَعَذّرَ فمِنَ القابِلِ. و لو عَجَزَ عن الثمَنِ صامَ بدلَه ثلاثةَ أيّامٍ في الحجّ أي في ذي الحِجّة متواليةً و سبعةً إذا رَجَعَ إلي أهله، أو مَضي للمجاور مقدارُ وصوله أو شَهْر.
و يُسْتَحَبّ كونُه أُنثي مِن الإبل و البقرِ ذكراً مِن غيرهما قد حَضَرَ عَرَفَةَ و يَكفي قولُ المالك سميناً زيادةً علي ما شُرِطَ، و المباشَرَةُ إنْ أحْسَنَ و إلا جَعَلَ يدَه مع يدِ الفاعل، و الدعاءُ عندَ ذَبْحِه أو نَحْرِه، بقوله:
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً «1» وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ «2» إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا مِن المسلمين «3». اللهمّ مِنكَ و لَك، باسم اللهِ و اللهُ أكبرُ، اللهمّ تَقَبّلْ مِنّي «4».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 387
و تجب النيّةُ مُقارِنَةً للفعل مُسْتدامةَ الحكمِ: «أذْبَحُ أو أنْحَرُ هذا الهَدْيَ في حجّ الإسلامِ حجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله»؛ و قسمتُه ثلاثةَ أقسامٍ: ثُلْثاً يأكُلُه أو بعضَه، و ثُلْثاً يُهْدِيه لإخوانه مِن المؤمنين، و ثُلْثاً يَتَصَدّقُ به علي فُقَرائهم، و لا ترتيبَ بينها؛ و النيّةُ مقارِنةً لها: «آكُلُ مِنْ هَدْيِ حَجّ الإسلام حَجّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله، أُهْدِي ثُلْثَ هَدْيِ حَجّ الإسلامِ حَجّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله، أتَصَدّقُ بثُلْثِ هَدْي حجّ الإسلام حجّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله».
ثمّ يَحْلِقُ رأسه أو يُقَصّرُ مِنْ شَعْره أو ظُفُرِه كما مَرّ. و يتعيّن علي المرأة و الخنثي التقصيرُ، و النيّةُ مقارِنةً مُسْتَدامةَ الحكمِ: «أحْلِقُ أو أُقَصّرُ للإحلال مِن إحرام حجّ الإسلام حَجّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلي الله».
و يُسْتَحَبّ استقبالُ القبلة، و البدأةُ بالقَرْن الأيمنِ مِنْ ناصيته، و تسميةُ المَحلوقِ و الدعاءُ بقوله: «اللهمّ أعْطِني بكُلّ شَعْرةٍ نوراً يومَ القيامة» «1».
و لا يَخْرُجْ مِن مِنًي حتّي يأتيَ بالثلاثة في ذي الحِجّة، و يَرْجِعُ للذبحِ و الحَلْقِ لو خَرَجَ بدونه طولَه. فإنْ تَعَذّرَ خَلّفَ ثَمَنَ الهَدْي كما مرّ، و حَلَقَ مكانَه وجوباً، و بَعَثَ بالشعْر لِيُدْفَنَ بها ندباً. أمّا الرميُ فيَخْرُجُ وقتُه بخروج الثالثَ عَشَرَ، فيُقْضي في القابل.
و بالحَلْقِ أو التقصير يَتَحَلّلُ مِنْ جميع المحرّمات المتقدّمةِ إلا الطيبَ و النساءَ و الصيْدَ، ثمّ يَتَحَلّلُ مِن الطيب بالسعْي بعدَ الطواف، و مِن النساء بطوافِهنّ بعدَهما، و الأولي تَوَقّفُ حِلّ الصيْدِ الإحرامي علي طوافِ النساء.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 388

الخامسُ: العَوْدُ إلي مكّةَ للطوافَيْنِ و السعي‌

، و مقدّماتُها و كيفيتُها و واجباتُها و مندوباتُها كما مَرّ.
و النيّةُ: «أطوفُ بالبيتِ سبعةَ أشواطٍ طوافَ حجّ الإسلام حجّ التَمَتّعِ لوجوبه قربةً إلي الله، أُصَلّي ركعتي طوافِ حجّ الإسلام حجّ التمتُّع أداءً لوجوبه «1» قربةً إلي اللهِ، أسْعي سبعةَ أشْواطٍ سَعْيَ حَجّ الإسلام حَجّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلي الله، أطُوفُ طوافَ النساءِ في حجّ الإسلام حَجّ التَمَتّعِ لوجوبه قربةً إلي الله، أُصَلّي ركعتي طوافِ النساء في حجّ الإسلام حجّ التَمَتّع أداءً لوجوبه «2» قربةً إلي الله».
و تُسْتَحَبّ كونُ ذلك يومَ النَّحْر، فإنْ أخّرَه فمِنْ غَدِه، و في جواز تأخيره عن غَدِهِ اختياراً قولانِ أقربُهما الجوازُ «3». و تَظْهَرُ الفائدةُ في الإثم و عدمه لا في الصحّة و البُطلان.
و يَخْرُجُ وقتُها بخروج ذي الحِجّة إجماعاً، و هي مترتّبة كما ذكرناه، و ليس طوافُ النساء مخصوصاً بمَنْ يَغْشاهنّ، بل يجب علي الخَصيّ و الهِمّ و المرأةِ و غيرِهم، و يَسْتَمِرّ بتركه ما كان قد حَرَّمَه الإحرامُ مِنهنّ.

السادسُ: العَوْدُ إلي مِنًي للمَبِيتِ بها لَيالِيَ التشريق‌

و الرمْيِ أيّامَها.
و يجوزُ لِمَنِ اتَّقَي الصيْدَ و النساءَ في إحرامه تركُ مَبِيتِ الثالثةِ، إلا أنْ تَغْرُبَ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 389
الشمسُ و هو بمِني فَيَتَعَيّنُ، و الأفضلُ مَبِيتُ الثالثةِ لغيرهما. و الواجبُ الكَوْنُ بها لَيلًا إلي نِصف الليلِ. و لو باتَ بغيرها فَعَنْ كُلّ ليلةٍ شاة، إلا أنْ يَبِيتَ بمكّةَ مُشْتَغِلًا بالعبادة الواجبةِ أو المُسْتَحَبّةِ طولَ الليلِ إلا ما يَضْطَرّ إليه مِنْ غِذاءٍ أو شَرابٍ أو نومٍ يَغْلِبُ عليه.
و تجبُ في المَبِيتِ النيّةُ عندَ تحقّقِ الغروب مُسْتَدامةَ الحكمِ إلي آخره: «أبِيتُ هذه الليلةَ بمِني في حجّ الإسلامِ حَجّ التَمَتّعِ لوجوبه قربةً إلي الله».
و يجبُ أنْ يَرْمِيَ الجَمَراتِ الثلاثَ في كُلّ يومٍ بحَسَبِ مَبِيتِ ليلتِهِ كُلّ واحدةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ مُرَتّباً، يَبْدأ بالأُولي ثمّ الوُسْطي ثمّ جَمْرةِ العَقَبةِ، فلو نَكَسَ أعاد علي ما يَحْصُلُ معه الترتيبُ، و هو يَحْصُلُ بأربعِ حَصَياتٍ مع النِّسيان أو الجَهل لا مع التعمُّدِ، فيُعيدُ الأخيرتينِ و يَبْنِي علي الأربعِ في الأُولي، و كذا لو رَمَي الثانيةَ بأربعٍ و رَمَي الثالثةَ بعدَها، و لو نَقَصَ عن الأربعِ بَطَلَ ما بعدَه مطلقاً و هو أيضاً علي الأقوي.
و كَيْفِيةُ الرَّمْيِ و واجباتُه و سُنَنُه كما مرّ، إلا أنّه يُسْتَحَبّ استقبالُ القبلةِ في الأُوليَيْنِ، و رَمْيُهما عن يَسارِهما و يَمينِه، و قد تَقَدّمَ أنّه يَسْتَدْبِرُ القبلةَ في جَمْرةِ العَقَبةِ. و أفْضَلُ أوقاتِ الرَّمْي عندَ الزوالِ.
و يُسْتَحَبّ الإقامةُ بِمِنًي بقيّةَ أيّامِ التشريقِ بل قد رُوي أنّ المُقامُ بها أفْضلُ مِن الطوافِ تَطَوّعاً «1».
و وقتُ النَّفْر الأوّلِ بعدَ الزوال إلا لضرورةٍ، أمّا النَّفْرُ الثاني فيجوز قبلَه إذا
رسائل الشهيد الثاني، ص: 390
رَمَي الجِمارَ، و الأفضلُ فيه التأخيرُ إليه لِيوقِعَ الرميَ عندَه.
و يُسْتَحَبّ للمُقِيمِ أنْ يَجْعَلَ صلاتَه فَرْضاً و نفلًا في مسجِد الخَيْفِ، و أفضلُه مَسْجِدُ رسولِ الله صلّي الله عليه و آله، و هو مِن المَثارة إلي نحوٍ مِن ثلاثين ذِراعاً إلي جِهة القبلةِ و عن يَمِينِها و يَسارِها «1» كذلك، فقد صَلّي فيه ألفُ نَبِيّ «2»، و رُوي أنّ:
مَنْ صَلّي في مسجدِ مِنًي مائةَ رَكْعةٍ عَدَلَتْ عِبادةَ سبعينَ عاما، و مَنْ سَبّحَ اللهُ فيه مائةَ تَسبيحةٍ كَتَبَ اللهُ له أجرَ عِتْقِ رَقَبةٍ، و مَنْ هَلّلَ اللهَ فيه مائةً عَدَلَتْ إحياءَ نَسَمةٍ، و مَنْ حَمِدَ الله عَزّ و جَلّ فيه مائةً عَدَلَتْ خَراجَ العِراقَيْنِ يُنْفَقُ في سبيلِ الله «3».
و تُسْتَحَبّ صلاةُ سِتّ رَكَعاتٍ به في أصل الصوْمَعةِ إذا نَفَرَ.
فإذا قَضي مَناسِكَه بِمِنًي استُحِبّ العودُ إلي مكّةَ لطوَافِ الوَداعِ و دخولِ البيتِ خصوصاً الصرورةَ بعدَ الغُسْل و التحفّي مُصاحِباً للسكينة و الوَقار آخِذاً بحَلْقَتَي البابِ عندَ الدخول، ثمّ يَقْصِدُ الرُّخامةَ الحَمْراءَ بينَ الاسْطُوانتَيْنِ اللتينِ تَلِيانِ البابَ و يُصَلّي عليها ركعتينِ، و في كُلّ واحدةٍ مِن الزوايا الأربع ركعتينِ، ثمّ يَعودُ إلي الرخامةِ الحمراءِ فيَقِفُ عليها، و يَرْفَعُ رأسَهُ إلي السماء، يُطِيلُ الدعاءَ مُبالِغاً في حضور القلب و الخُشوعِ و الخُضوعِ و قَصْرِ النظر عمّا يَشْغَلُ القلبَ، فإذا خَرَجَ منه صلّي رَكعتينِ عنْ يَمِينِ البابِ، و هو مَوْضِعُ المَقام في عَهْدِ رسولِ الله صلّي الله عليه و آله و هو الآن مُنْخَفِض عن المَطافِ.
و يُسْتَحَبّ إتيانُ المساجِدِ و المواضِعِ المشرّفَة بمكّةَ، و زيارةُ النبيّ صلّي الله
رسائل الشهيد الثاني، ص: 391
عليه و آله و الأئمّةِ و فاطمةَ عليهم السلام بالمدينة، و إتيانُ قبورِ الشهداء و الصحابةِ و الصالحين. قال صلّي الله عليه و آله:
مَنْ حجّ و لم يَزُرْني فقد جَفاني، و مَنْ جفاني جَفَوْتُهُ يومَ القيامة «1». و مَنْ أتاني زائراً كنتُ شفيعَه يومَ القيامة «2».
و عن فاطمةَ عليها السلامُ أنّها قالت:
أخْبَرَني أبي أنّه مَنْ سَلّمَ عليه و عليّ ثلاثةَ أيّامٍ أوْجَبَ اللهُ له الجنّةَ، فقيل لها: في حياتكما؟ قالت: نعم و بعدَ موتنا «3».
وَ لْتزرْ ببيتِها و الروضةِ و البقيعِ. و قال الباقر عليه السلام: «ابدءوا بمكّةَ و اخْتِموا بنا» «4». و عن الصادق عليه السلام: «مَنْ زار إماماً مفترضَ الطاعة كان له ثوابُ حجّةٍ مبرورةٍ» «5». و عن الرضا عليه السلام:
إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في أعناق أوليائه و شيعته، و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حُسْنِ الأداء زيارةَ قبورهم، فمَنْ زَارهم رغبةً في زيارتهم و تصديقاً بما رَغِبوا فيه كانتْ أئمّتُهم شُفَعاءَهم يومَ القيامة «6».
رسائل الشهيد الثاني، ص: 392
و الأخبار في ذلك خارجة عن حدّ الحصر «1».
و سُنَنُ الزيارة: الغسلُ قبلَ دخول المشهدِ، و الكونُ حالتَها علي طهارةٍ، و إتيانُه بالخضوع و الخشوع في ثيابٍ طاهرةٍ جُدَدٍ، و الوقوفُ علي بابه و الدعاءُ و الاستئذانُ بالمأثور. فإنْ وَجَدَ خشوعاً و رِقّةً دخل و إلا تَحَرّي زمانَ الرقّة، فإذا دخل قَدّمَ رجلَه اليمني، و وقف علي الضريح مُلاصِقاً له أو غيرَ ملاصِقٍ، و قَبّل الضريحَ الشريفَ، و استقبل وجهَ المَزور و اسْتَدْبَرَ القبلةَ، و يَزُوره بالمأثور، و أقلّها الحضور و السلام. ثمّ يَضَعُ خدّه الأيمنَ عليه عند الفَراغ، و يَدْعو متضرّعاً، ثم خدّه الأيسرَ سائلًا مِن الله تعالي بحقّه و حقّ صاحب القبر أنْ يَجْعَلَه من أهل شفاعته، ثمّ يُصلّي ركعتَي الزيارة عند الفَراغ، فإنْ كان زائراً للنبيّ صلّي الله عليه و آله ففي الروضة، و إنْ كان لأحد الأئمّة عليهم السلام فعند رأسه، و رُوِيتْ رخصة في صلاتهما إلي القبر «2» بمعني جعل القبر في قبلة المصلّي، و يجوز استدبارُه و إنْ كان غيرَ مستحسنٍ، و يُهْدي الصلاةَ للمَزور، و يدعو بعدَها بالمأثور، و إلا فبما سَنَحَ، وَ لْيُعَمّمِ الدعاءَ؛ فإنّه أقربُ إلي الإجابة، و يَتْلو بعد ذلك شيئاً من القرآن و يُهْدِيه للمَزورِ تعظيماً له، و المنتفِعُ بذلك كلّه الزائرُ. و يَخْتِم ذلك كلّه بالصدقة علي السدَنَةِ «3» و المَحاويجِ بتلك البُقْعة. و لْيَكُنْ بعدَ الحجّ و الزيارة خيراً منه قبلَهما؛ فإنّ ذلك علامةُ القبول و بلوغُ المأمول.
رسائل الشهيد الثاني، ص: 393

و أمّا الخاتمة [في وظائف الحجّ القلبيّةِ]

فتشتمل علي جملةٍ موجَزةٍ في وظائف الحجّ القلبيّةِ يَحْسُنُ فَهْمُها و تَذكارُها لمنْ أرادَ الحجّ مِن العالَمين قد أخرجها الحقّ سبحانَه علي لسان بعضِ الكاملين «1»:
اعلم أنّ أوّل الحجّ فهمُ موقع الحجّ في الدين، ثمّ العزمُ عليه، ثمّ قطعُ العلائق المانعة عنه، ثمّ تهيئةُ أسباب الوصول إليه من الزاد و الراحلة، ثمّ السيرُ، ثمّ الإحرامُ من الميقات بالتلبية، ثمّ دخولُ مكّةَ، ثمّ استتمامُ الأفعال المشهورة. و في كلّ حالةٍ من هذه الحالات تذكرة للمتذكّر، و عِبرة للمعتبِر، و تنبيه للمريد الصادق، و إشارة للفَطِن الحاذِقِ إلي أسرارٍ يَقِفُ عليها بصفاء قلبه و طهارة باطنه إنْ ساعَدَه التوفيق.
فاعلم أنّه لا وصولَ إلي الله سبحانه و تعالي إلا بتنحية ما عداه عن القصدِ مِن المشتَهَياتِ البدنيةِ و اللذّات الدنيويةِ، و التجريدِ في جميع الحالات و الاقتصارِ علي الضرورات. و لهذا انْفَرَد الرُّهبانُ في الأعصار السالفة عن الخلق في قُلَل
رسائل الشهيد الثاني، ص: 394
الجبال؛ توحّشاً مِن الخلق و طلباً للأُنس بالخالق، و أعرضوا عن جميع ما سِواه، و لذلك مَدَحَهم الله تعالي بقوله بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ «1». فلمّا انْدَرَس ذلك و أقبل الخلقُ علي اتّباع الشهَوات و الإقبالِ علي الدنيا و الالتفات عن الله تعالي بَعَثَ الله نبيّاً محمّداً صلّي الله عليه و آله لإحياء طريق الآخرة و تجديدِ سُنّةِ المرسلين في سلوكها، فسَألَه أهلُ الملل عن الرُّهبانيّة و السياحة في دينه فقال: «أبْدَلَنا [الله] «2» بها الجهادَ و التكبير علي كلّ شَرَفٍ» يعني الحجّ. و سُئل عليه السلام عن السائحين، فقال: «هم الصائمون» فجعل صلّي الله عليه و آله الحجّ رهبانيّةً لهذه الأُمّة، فشَرّفَ البيتَ العتيقَ بإضافته إلي نفسه، و نَصَبه مَقْصداً لعباده، و جَعَلَ ما حولَه حرماً لبيته؛ تفخيماً و تعظيماً لشأنه، و جَعَلَ عرفاتٍ كالميدان علي باب حَرَمه، و أكّدَ حرمةَ الموضعِ بتحريم صَيْده و شَجَره، و وَضَعه علي مثال حَضرة الملوك يَقْصِدُه الزوّار مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ «3» شُعْثاً غُبْراً متواضِعينَ لربّ البيت، مُسْتَكينينَ له؛ خضوعاً لجلالة و اسْتِكانةً لعزّته مع الاعتراف بتنزيهه سبحانه عن أنْ يَحْوِيه مكان ليكون ذلك أبلغَ في رِقّهم و عُبوديّتهم.
و لذلك وَظّفَ عليهم فيها أعمالًا لا تَأنَسُ بها النفوسُ و لا تَهْتَدي لمعانيها العقولُ، كرَمْي الجِمار بالأحجار، و التردّدِ بينَ الصفا و المروة علي سبيل التكرار. و بمثل هذه الأعمالِ يَظْهر كمالُ الرِّقّ و العبوديّةِ بخلاف سائر العبادات كالزكاة التي هي إرفاق من وجه معلوم، و للعقل إليه ميل، و الصوْمِ الذي هو
رسائل الشهيد الثاني، ص: 395
كَسْر للشهوة التي هي [آلة] «1» عدوّ الله و تفرّغ للعبادة بالكفّ عن الشواغلِ، و كالركوع و السجود في الصلاة التي هي تواضع للّه سبحانَه.
و أمّا أمثال هذه الأعمال فإنّه لا اهتداءَ للعقل إلي إسرارها، فلا يكون في الإقدام عليها إلا الأمرُ المجرّدُ و قصدُ امتثاله مِن حيث هو واجب الاتّباع فقط، و فيه عَزْل للعقل عن تصرّفه و صرفُ النفسِ و الطبعِ عن مَحلّ أُنسه المعينِ علي الفعل. و إذا اقْتَضَتْ حكمةُ الله سبحانه و تعالي ربطَ نَجاةِ الخلق بكون أعمالهم علي خلاف أهْويةِ طِباعهم، و أنْ تكون أزمّتُها بيد الشارع فيَتَردّدون في أعمالهم علي سننِ الانقياد و مقتضي الاستعباد، كان ما لا يُهْتَدي إلي معانيه أبلغَ أنواع التعبّدات في تزكية النفوس، و صرفِها عن ميل الطبع إلي مقتضي الاسترقاق.
و أمّا العَزْمُ فَلْيَسْتَحْضِرْ في ذهنه أنّه بِعَزْمِه مُفارق للأهل و الولد، هاجِر للشهواتِ و اللذّات، مُهاجِر إلي ربّه، متوجّه إلي زيارة بيته، و لْيُعْظِمْ قدرَ البيتِ لِقدرِ ربّ البيت، و لْيُخْلِصْ عَزْمَه لِلّه تعالي، و لْيَتَحَقّقْ أنّه لا يُقْبَل مِن عملِه إلا الخالصَ.
و أمّا قطعُ العلائقِ فحذفُ جميعِ الخواطرِ عن قلبه غيرِ قصد عبادة الله، و التوبةُ الخالصةُ عن المعاصي، فكلّ علاقةٍ مِن المعاصي خصم حاضر متعلّق به يُنادي عليه و يَقولُ: أ تَقْصِدُ بيتَ مَلِكِ الملوك، و هو مطّلِع منك علي تضييع أوامرِه، و اسْتِهانتِك به و عدمِ التفاتك إلي نَواهيه و زَواجِره، أما تَسْتَحِي أنْ تَقْدُمَ عليه قدومَ العبد العاصي، فيُغْلِقَ دونك أبوابَ رحمته، و يُلْقِيَك في مَهاوي نَقِمَتِه،
رسائل الشهيد الثاني، ص: 396
فإنْ كنت راغباً في قبول زيارتك فَابْرُزْ إليه مِن جميع مَعاصيك، و اقْطَعْ علاقةَ قلبك عن الالتفات إلي ما وراءك، لِتَتَوَجّه إليه بوجه قلبِك كما أنت متوجّه إلي بيته بوجهِ ظاهرك. و ليَذْكُرْ عندَ قطعه العلائِقَ لسفر الحجّ قطعَ العلائِقِ لِسفر الآخرةِ؛ فإنّ كلّ هذه أمثلة قريبة يَتَرقّي منها إلي إسرارها.
و أمّا الزادُ فليَطْلُبْه مِن موضعٍ حلال، فإذا أحسّ مِنْ نفسه بالحِرْص علي استكثارِه و طِيبِه و طَلَبِ ما يَبْقي منه علي طولِ السفر، و أنْ لا يَنْفَدَ قبل بلوغِ المَقْصد فليَذْكُرْ أنّ سفرَ الآخرة أطولُ مِن هذا السفر، و أنّ زاده التقوي، و ما عداه لا يصلُحُ زاداً و لْيَحْذَرْ أنْ يُفْسِدَ أعمالَه التي هي زاد الآخرة بشوائب الرياء و كدورات التقصير، فيَدْخُلَ في قولِه تعالي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. «1» و يلاحِظُ عندَ سفره نَقْلَتَه إلي منازِلِ الآخرة التي لا شكّ فيها، و لعلّه أقربُ من سفره هذا، فيَحْتاط في أمره، و ليَعْلَمْ أنّ هذه أمثلة محسوسة يَتَرقّي منها إلي مراكبِ النَّجاةِ مِن عذاب الله تعالي.
و أمّا الخروجُ من البلد فلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أنّه يُفارِقُ الأهلَ و الولدَ متوجّهاً إلي الله سبحانه في سفرٍ غيرِ أسفار الدنيا، و أنّه متوجّه إلي مَلِك الملوك و جبّارِ الجبابرةِ في جملة الزائرين الذين نُودوا فأجابوا، و شُوّقوا فاشتاقوا، و قَطَعوا العلائقَ، و فارَقوا الخلائقَ، و أقبلوا علي بيت الله تعالي طلباً لرضا الله تعالي و طمعاً في النظر إلي وجهه الكريم. و لْيُحْضِرْ أيضاً قلبَه لِلوصُولِ إلي المَلِك و القبول له بِسعَةِ فضله، و لْيَعْتَقِدْ أنّه إنْ مات قبلَ الوصول إليه لَقِي اللهَ تعالي وافِداً عليه
رسائل الشهيد الثاني، ص: 397
لقوله تعالي وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَي اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللَّهِ «1». ثمّ لْيَتَذَكّرْ في أثناء طريقه مِنْ مشاهَدةِ عَقَبات الطريق عَقَباتِ طريقِ الآخرة، و من السباع و الحَيّاتِ حَشَراتِ القبر، و مِنْ وحشةِ البَراري وحشةَ القبر و انفراده عن الإنْس؛ فإنّ كُلّ هذه الأُمور جاذبة إلي الله سبحانه، و مُذَكّرة له أمرَ مَعاده.
و أمّا ثَوْبُ الإحرامِ و لُبْسُه فليَتَذَكّرْ معه الكفنَ و دَرْجَه فيه، و لعلّه أقربُ إليه، و لْيَتَذَكّر معها «2» التسَرْبُلَ بأنوار الله تعالي التي لا مَخْلَصَ مِن عقابه إلا بها، فيَجْتَهِد في تحصيلها بقدر إمكانه.
و أمّا الإحرام و التلبيةُ فليَسْتَحْضِر أنّه إجابةُ نِداء الله سبحانه و تعالي «3». و ليَكُنْ في قبول إجابته بينَ خوفٍ و رجاء، مُفَوّضاً أمرَه إلي الله، مُتَوكّلًا علي فضله.
قال سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَجّ زينُ العابدين علي عليه السلام بنُ الحسينِ عليهما السلام، فلمّا أحْرَمَ و اسْتَوَتْ به راحلتُه اصْفَرَ لونُه، وَ وَقَعَتْ عليه الرِّعْدَةُ و لم يَسْتَطِعْ أنْ يُلَبّيَ، فقيل له: لِمَ لا تُلَبّي؟ فقال: «أخشيَ أنْ يَقولَ لي: لا لَبّيْكَ و لا سَعْدَيْك» فلمّا لَبّي غُشِيَ عليه و سَقَطَ عن راحلته، فلم يَزَلْ يَعْتَريه ذلك حتي قُضي عليه. «4» و لْيَذْكُرْ عند إجابته نداءَ الله سبحانه إجابةَ ندائِه بالنفخ في الصور، و حَشْر الخلقِ من القبور، و ازدحامهم في عَرَصاتِ القيامةِ مُجيبينَ لندائه، مُنْقَسِمينَ إلي
رسائل الشهيد الثاني، ص: 398
مقرّبين و مَمْقُوتين، و [مقبولين و] «1» مردودين، و متردّدين بينَ الخوفِ و الرجاء.
و أمّا دخولُ مكّةَ فَلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أنّه قد انتهي إلي حرم الله الأمينِ، و لْيَرْجُ عندَه أنْ يَأمنَ بدخوله مِن عقاب الله، وَ لْيَخْشَ أنْ لا يكونَ مِن أهل القُرب، و لْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ؛ فإنّ الكرمَ عميم، و شرفَ البيت عظيم، و حقّ الزائر مَرْعيّ، و ذِمامَ المستجيرِ محفوظ، خصوصاً عند أكرم الأكرمين. و لْيَسْتَحْضِر أنّ هذا الحرم مِثال للحرمِ الحقيقي، لِيَتَرقّي من الشوق إلي دخولِ هذا الحرم و الأمنِ بدخوله من العقاب إلي الشوقِ إلي دخولِ ذلك الحرمِ و المقامِ الأمينِ.
و إذا وَقَعَ بصرُه علي البيت فليَسْتَحْضِرْ عظمتَه في قلبه، و لْيَتَرَقّ بفكره إلي مشاهَدَة حضرةِ ربّ البيت في جِوار الملائكة المقرّبينَ، و لْيَتَشَوّقْ أنْ يَرْزُقَه النظرَ إلي وجهه الكريم، كما رَزَقَه الوصولَ إلي بيته العظيم. و لْيُكْثِرْ مِن الذكر و الشكرِ علي تبليغ اللهِ إيّاه هذه المرتبةَ. و بالجملة فلا يَغْفَلْ عن تَذَكّر أحوالِ الآخرة.
و أمّا الطوافُ بالبيت فلْيَسْتَحْضِرْ في قلبه التعظيمَ و الخَوْفَ و الخَشْيَةَ و المحبّةَ، و ليَعْلَمْ أنّه بذلك مُتَشَبّه بالملائكة المقرّبينَ، الحافّينَ حولَ العرش، الطائفينَ حولَه. و لا تَظُنّنّ أنْ المقصودَ طوافُ جسمِك بالبَيت بل طوافُ قلبك بذكرِ ربّ البَيْت، حتّي لا تَبْتَدئ بالذكر إلا منه، و لا تَخْتِمَ إلا به، كما تبتدئُ بالبيت، و تَخْتِمُ به. و من هنا قال أهلُ الحقيقة: «طوافُ أهل العبارة بالقالب، و طواف أهل الإشارة بالقلب»؛ فإنّ الطوافَ المطلوب هو طوافُ القلب بحضرة الربوبيّة، و إنّ البيتَ مِثال ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالَمُ الغيب، كما أنّ
رسائل الشهيد الثاني، ص: 399
الإنسانَ الظاهرَ مثال ظاهر في عالم الشهادة للإنسان الباطن الذي لا يُشاهَد بالبصر، و هو في عالَم الغيب، و إنّ عالَمَ المُلكِ و الشهادة مِرْقاة و مدْرَج إلي عالم الغيب و الملكوت لِمَنْ فُتِحَ له بابُ الرحمة، و أخَذَتِ العنايةُ الإلهيّةُ بيده لسلوك الصراط المستقيم.
و أمّا اسْتِلام الحَجَر فلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أنّه مُبايِع للّه علي طاعته، مُصَمّم عزيمتَه علي الوفاء ببيعته، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. «1» و لذلك قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: «الحَجَرُ الأسودُ يَمين اللهِ في الأرض، يُصافِحُ بها خَلْقَه كما يُصافِحُ الرجلَ أخاه». و لمّا قَبّلَه عُمَرُ قال: «إنّي لأعلَمُ أنّك حَجَر لا تَضُرّ و لا تَنْفَعُ، و لو لا أنّي رأيتُ رسولَ الله صلّي اللهُ عليه و آله يُقَبّلُك لَما قَبّلْتُك». فقال له عليّ عليه السلام: «مَهْ يا عُمرُ، بَلْ يَضُرّ و يَنْفَعُ؛ فإنّ الله سبحانه لَمّا أخَذَ المِيثاقَ علي بني آدمَ حيث يقول وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلي أَنْفُسِهِمْ الآية «2» ألْقَمَه هذا الحجرَ ليكونَ شاهداً عليهم بأداء أمانتهم. و ذلك معني قول الإنسانِ في الدعاء المتقدّم عند استلامِه: أمانتي أدّيْتُها، و ميثاقي تعاهَدْتُه، لِتَشْهَدَ لي عندَ ربّك بالموافاة» «3».
و أمّا التعلُّقُ بأسْتار الكعبة و الالتصاق بالملتَزَم فَلْيستحضِرْ فيه طلبَ القربِ؛ حُبّاً للّه و شوقاً إلي لقائه، تَبَرّكاً بالمماسّة و رجاءً للتحصّن من النار. و لتَكُن النيّةُ في
رسائل الشهيد الثاني، ص: 400
التعلُّقِ بالستْر الإلحاحَ في طلب الرحمة، و توجيهَ الذهن إلي الواحد الحقّ، و سؤالَ الأمان من عذابه، كالمُذْنِبِ المتعلّق بأذيالِ مَن عَصاه، المُتَضَرّعِ إليه في عفوه عنه، المعترِفِ له بأنّه لا ملجأ منه إلا إليه، و لا مَفْزَعَ له إلا عفوُه و كرمُه، و أنّه لا يُفارِقُ ذَيلَه إلا بالعفو، و بذلِ الطاعة «1» في المستقبَلِ.
و أمّا السعيُ بينَ الصفا و المروة في فِناء البَيت فمثال لتردّد العبد بفِناء دار المَلِك جائياً و ذاهباً مرّةً بعدَ أُخري؛ إظهاراً للخُلوص في الخدمة، و رجاءً لملاحَظَته بعَينِ الرحمة، كالذي دَخَلَ علي المَلِك و هو لا يَدْري ما الذي يَقْضي المَلِكُ في حقّه مِن قبولٍ أو ردّ، فيكون تردّدُه رجاءَ أنْ يَرْحَمَه في الثانية إنْ لم يكنْ رَحِمَه في الأُولي.
و لْيَتَذَكّرْ عندَ تردّدِه بينَ الصفا و المروة تردّدَه بينَ كفّتي الميزانِ في عرصة القيامة، و لْيُمَثّلِ الصفا بكفّة الحَسَناتِ و المروة بكفّة السيّئاتِ، و لْيَتَذَكّرْ تردّدَه بينَ الكفّتينِ، ملاحِظاً للرجحانِ و النقصانِ، متردّداً بينَ العذاب و الغُفْران.
و أمّا الوقوفُ بعرفَةَ فَلْيَتَذَكّرْ بما يَري مِن ازدحامِ الناسِ و ارتفاع الأصواتِ و اختلافِ اللغات، و اتّباعِ الفِرَقِ أئمّتهم في التردُّداتِ علي المشاعِر اقتفاءً بهم و سَيْراً بسيرتهم عَرَصاتِ القيامةِ، و اجتماعَ الأُمم مع الأنبياء و الأئمّة، و اقتفاءَ كلّ أُمّةٍ أثرَ نبيّها و إمامِها، هادياً كان أم مُضلا، و تحيّرهم في ذلك الصعيدِ الواحدِ بينَ الردّ و القبولِ. و إذا تَذَكّرَ ذلك فَلْيُلْزِمْ قلبَه الضراعةَ و الابتهالَ إلي الله تعالي في أنْ يَحْشُرَه في زُمْرة الفائزينَ المرحومينَ.
و لْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ؛ فإنّ الموقِفَ شريف، و الرحمة إنّما تَصِلُ مِن ذي الجلال
رسائل الشهيد الثاني، ص: 401
إلي كافّة الخلق بواسطة النفوس الكاملة مِنْ أوتاد الأرض و نحوِهم، و لا يَخْلو الموقِفُ مِنْ طائفةٍ مِن الأبدال و الأوتاد و طوائفَ مِن الصالحينَ و أربابِ القلوب، فإذا اجْتَمَعَتْ هِمَمُهُمْ، و تَجَرّدتْ لِلضراعة نفوسُهم، و ارْتَفَعتْ إلي الله تعالي أيدِيهِم، و امْتَدّتْ إليه أعْناقُهم، يرمقون بأبصارهم جِهةَ الرحمة طالبين لها، فلا تَظُنّنّ أنّه يَخِيبُ سَعْيُهُم مِن رحمةٍ تَغْمُرُهُمْ. و مِن هنا جاء ما تقدّم «1» مِن الحديث: «إنّ الشيطانَ ما رُئِيَ أدْحَرَ و لا أحْقَرَ و لا أصْغَرَ منه يومَ عَرَفَةَ، و ذلك لِما يَري مِنْ نزول الرحمة علي الخلق».
و ربما كان اجتماعُ الأُمَم بعرفاتٍ و الاستظهارُ بمجاوَرَةِ الأبدالِ و الأوْتادِ المجتمِعينَ مِن أقطار الأرض هو السرّ الأعظمُ مِن الحجّ و مقاصِدِه، فلا طريقَ إلي اسْتِنْزالِ رحمة الله أعظمُ مِن اجتماع الهِمَم و تعاوُنِ القلوبِ في وقتٍ واحدٍ علي صعيدٍ واحدٍ.
و أمّا الوقوفُ بالمَشْعَر فَلْيَسْتَحْضِرْ أنّه قد أقبَلَ عليه مولاه بعدَ أنْ كان مُدْبِراً عنه، طارداً له عن بابه، فأذِنَ له في دخول حرمه؛ فإنّ المَشْعَرَ مِن جملة الحرم و عَرَفَةَ خارجة، فقد أشْرَقَتْ عليه أنوارُ الرحمة، و هَبّتْ عليه نَسَمَاتُ الرأفة، و كُسِيَ خِلَعَ القبول بالإذنِ في دخول حرم المَلِك.
و أمّا رميُ الجِمار فَلْيَقْصِد به الانقيادَ لأمره و إظهارَ الرِّقّ و العبوديةِ، ثمّ لْيَقْصِدْ به التشَبّهَ بإبراهيمَ عليه السلام حيث عَرَضَ له إبليسُ لعنه الله في ذلك الموضِع لِيُدْخِلَ عليه شبهةً أو يَفْتِنَه بمعصيةٍ، فأمَرَه اللهُ تعالي برَمْيه بالحِجارة؛ طَرْداً له و قطعاً لأمله. فإنْ خَطَرَ له أنّ الشيطانَ عَرَضَ لإبراهيمَ عليه السلام
رسائل الشهيد الثاني، ص: 402
و لم يَعْرِضْ له، فَليَعْلَمْ أنّ هذا الخاطرَ مِن الشيطانِ، و هو الذي ألْقاه علي قلبه لِيُخَيّلَ إليه أنّه لا فائدةَ في الرمي، و أنّه يُشْبِهُ اللَّعْبَ، فَلْيَطْرُدْه عن نفسه بالجِدّ و التشمير «1» في الرمي فيه برَغْم أنْفِ الشيطان؛ فإنّه و إن كان رَمْياً للجَمْرة بالحَصي فهو في الحقيقة رَمْي لوجهِ إبليسَ و قَصْم لظهره إذ لا يَحْصُلُ إرغام أنفه إلا بامتثال أمر الله تعالي؛ تعظيماً لمجرّد الأمر.
و أمّا ذَبْحُ الهَدْي فَلْيَعْلَمْ أنّه تَقَرّب إلي الله تعالي بحكم الامتثال فَلْيُكْمِلِ الهَدْيَ و أجزاءه. و هو يُشْبِهُ القربَ إلي المَلِك بالذبْحِ له و إتمامِ الضيافة و القِري، و الغايةُ منه تذكّر المعبود الأوّل سبحانَه عندَ النيّة في الذَّبْح و اعتقادُ أنّه مُتَقَرّب به إلي الله تعالي «2».
فهذه هي الإشارةُ إلي أسْرار الحَجّ الباطنةِ، فراعِها بفكرٍ صحيحٍ تُطْلِعْكَ علي ما فوقَها مِن المَدارِج، و تَعْرُج بك علي أشرفِ المَعارج. وفّقَنا اللهُ و إيّاكَ لِتلقّي الأسرار، وَ جَعَلَنا مِن المخْلَصينَ الأبرار؛ إنّه جواد كريم.
تتميم: يُسْتَحَبّ لِقاءُ الحاجّ و مصافَحَتُه و تقبيلُه و الْتِماسُ بَرَكته و ما عَلِقَ «3» به مِنْ آثار رحمة الله تعالي. قال الصادق عليه السلام:
كان عليّ بنُ الحسينِ عليهما السلام يقول: «يا مَعْشَرَ مَنْ لم يَحُجّ، اسْتَبْشِروا
رسائل الشهيد الثاني، ص: 403
بالحاجّ، و صافِحوهم، و عَظّموهم؛ فإنّ ذلك عليكم، تُشارِكوهم في الأجر» «1».
و عن الصادق عليه السلام: «مَنْ عانَقَ حاجّاً بغُباره كان كأنّما اسْتَلَمَ الحجرَ الأسودَ»، رواه الصدوق في الفقيه «2».
وَ لْنَقْتَصِرْ علي ما أفْرَدناه، سائلينَ مِمّن انْتَفَع به أنْ يُشارِكَنا في دعائه و توجّهاتِه. جَمَعَنا اللهُ و إيّاكم علي طاعاته، و تَقَبّلَ مِنّا و منكم بفضله و كرمه. و اتّفَقَ الفَراغُ مِنْ تأليفه ضُحي يومِ الجمعة «3» سابعَ عَشَر شهر رمضانَ المبارك سنةَ خمسينَ و تسعمائة مِن الهجرة النبويّة المصطفوية «4». [و كتب] العبد «5» المذنب المفتقر إلي عفو الله تعالي و كرمه زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي، عامله الله بفضله، و عفا عنه بمنّه و كرمه.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.