الامام موسي بن جعفر الكاظم (علیهما السلام) اضاءات حول سيرة سابع أئمة أهل البيت

اشارة

المؤلف: كوثر شاهين

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله و الحمد لله و لا اله الا الله و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم السميع القدير المجيب الأحد الفرد الصمد. اضاءات حول سيرة سابع أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) الامام موسي بن جعفر الكاظم (عليهماالسلام) [ صفحه 7] بسمه تعالي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). «صدق الله العلي العظيم) (قل لآ أسئلكم أجرا الا المودة في القربي). و قال الرضا عليه‌السلام. «رحم الله عبدا أحيي أمرنا.. قيل: كيف.. يا ابن رسول الله؟ قال عليه‌السلام: يتعلم علومنا و يعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا». [ صفحه 9]

الاهداء

اليك امام الهدي يمشي بي الفكر و تسري بي الأنام و العقل و الشعر و أشتاق ترب الطف أسقيه أدمعا كمر قال أنات به استنزف الدهر يرود ضفاف الكاظمين توسلا بأفياء الهام هو الحق و السر لباب به الأنفاس تردادها هوي و باب هو الايحاء و المنبع الثر ألوذك استقريك و الحزن هاطل كودق سحاب سيدي أغلس الفجر و دافت بقلبي ناقعات من الأسي كأجراس صل يستقي سمها الشر توسلت أستهديك دربي و خافقي سلوك مفازات بها أقعد الكفر و نامت عيون الضوء و استام ظالم أفاويق واليلاه كما أخرس النذر و كم حاولوا ثملا و قتلا و فتكة فباءت بهم منهم دواه لها ظئر و في حرفها كما سود الله وجهها دسائس غايات ينز بها القدر تؤم حبال الشرك و الشر و القذي و تلقف ما الأوطار أقعت به النكر توسلت استقريك من كل آية أيا سيدي المظلوم يا من به البشر و يا من اليه القلب قد جاء ضارعا تلاوة قرآن و قد مسه الضر يلوذ بقبر في مقام به استقت جراحات أنات توسدها قبر و تأتيك كي تهدي حروفا امامها غريب ديار ساقه الظلم و القهر اليك امام الطهر موسي أشيلها عليك سلام الله ما أبلج الفجر و ما ناحت الورقاء ما دمعة همت بشوق اليكم أو بكي النظم و الشعر لعلي بحرفي سيدي من حروفكم أفوز بغوث الوالدين لهم أجر [ صفحه 10] كتابي اليك اجتاز بالذكر و التقي ليرفل في خير به استصدر الأمر و نامت عيون الخلق و القلب ساهر يناجي مقاما دونه البعد و القفر فلا و الذي أنشاك من نور أحمد اماما طهورا من امام به النصر لقد كنت من نفسي كما النفس قربها كحبل وريد من شغاف له الصدر أناديك لا بالصوت، بالحرف هاتفا بك القلب بالأعماق في عمقه البدر كوثر [ صفحه 11]

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم يقول تبارك و تعالي: (أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الآ أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [يونس: 35]. «صدق الله العلي العظيم» و في رحاب نور سرمدي كان قبل أن يكون العالم و انتقل من ثم الي آدم فالرسل حتس استقر في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و في وصيه و أخيه و وليه علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، ثم الأئمة الأطهار من نسل فاطمة الزهراء عليهم‌السلام انهم أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين يقول فيهم: «ألا ان أهل بيتي فيكم مثل باب حطة من بني‌اسرائيل من دخله غفر له». و يؤكد صلي الله عليه و آله و سلم مرارا قائلا: «من مات و ليس عليه امام مات ميتة الجاهلية» و يؤكد الباقر عليه‌السلام في حديث له: «ان الأئمة كانوا نورا مشرقا حول العرش فأمرهم الله أن يسبحوا فسبح أهل السموات بتسبيحهم فمن أوفي بذمتهم فقد و في بذمة الله، و من عرف حقهم فقد عرف حق الله، و من جحد حقهم فقد جحد حق الله. و في اكمال الدين باسناده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا علي أنت و الأئمة من ولدك حجج الله علي خلقه و أعلامه في [ صفحه 12] بريته فمن أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، و من عصي واحدا منهم فقد عصاني، و من أطاعكم فقد أطاعني». و في كتاب فضائل أميرالمؤمنين عن محمد بن صدقة أن سلمان الفارسي و أباذر الغفاري رضي الله عنهما سألا عليا عليه‌السلام عن معرفة الامام بالنورانية فقال عليه‌السلام و ساق الحديث الي أن قال: كنت أنا و محمد نورا واحدا من نور الله فأمر الله ذلك النور أن ينشق فقال للنصف كن محمدا و قال للنصف كن عليا، فمنها قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: علي مني و أنا من علي و لا يؤدي عني الا علي... حتي يقول عليه‌السلام: الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا و خصوصيتنا و ما أعطانا الله ربنا لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله و مشيئته. و يقول الجارود و كان نصرانيا (في كنز الفوائد) أسلم عام الحديبية و كان قارئا الكتب عالما تفسيرها متبصرا بالطب و الفلسفة و قد وفد مع رجال من عبد القيس علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوقف بين يديه و قال: سلام عليك يا رسول الله بأبي أنت و أمي... الي أن قال: يا رسول الله ان قسا كان ينتظر زمانك و يتوكف (ينتظر) ابانك و يهتف باسمك و اسم أبيك و أمك و بأسماء لست أصيبها معك و لا أراها فيمن اتبعك؟ و تابع يقول: يا رسول الله لقد شهدت و قد خرج من نادي أندية اياد و هو مشتمل علي نجاد فوقف في أضحيان ليل كالشمس رافعا الي السماء وجهه و اصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم رب هذه السبعة السموات الأرقعة و الأرضين الممرعة و بمحمد و الثلاثة المحاميد معه و العليين الأربعة و سبطيه النبعة الأرفعة و السري الألمعة و سمي الكليم الضرعة أولئك النقباء الشفعة. و الطريق المهيعة و درسة الانجيل و حفظة التنزيل علي عدد النقباء من بني‌اسرائيل، محاة الأضاليل و نفاة الأباطيل عليهم تقوم الساعة، و بهم تنال الشفاعة و لهم من الله فرض الطاعة اسقنا غيثا مغيثا اللهم ليتني مدركهم و لو بعد لأي من عمري و محياي... [ صفحه 13] يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخير عن هذه الاسراء التي لم نشهدها و أشهدها قس فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا جارود ليلة أسري بي الي السماء أوحي الله عزوجل (و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) [الزخرف: 44]، علي ما قد بعثوا؟ فقلت لهم علي ما بعثتم؟ فقالوا: علي نبوتك و ولاية علي بن أبي‌طالب و الأئمة منكما. ثم أوحي الي أن التفت عن يمين العرش فالتفت فاذا علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح من نور يصلون فقال لي الرب تعالي هؤلاء الحجج أوليائي و هذا المنتقم من أعدائي. و جاء في كتاب رياض الجنان عن أبي‌جعفر عليه‌السلام قال: كان الله و لا شي‌ء غيره و لا معلوم و لا مجهول فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و خلقنا أهل البيت معه من نوره و عظمته فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء و لا أرض و لا مكان و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر بفضل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس نسبح الله تعالي و نقدسه و نحمده و نعبده حق عبادته ثم بدأ الله تعالي أن يخلق المكان فخلقه و كتب علي المكان لا اله الا الله محمد رسول الله علي أميرالمؤمنين و وصيه به أيدته و نصرته، ثم خلق الله العرش فكتب علي سرادقات العرش مثل ذلك. ثم خلق الله السموات فكتب علي أطرافها مثل ذلك. ثم خلق الملائكة و أسكنهم السماء ثم تراءي لهم الله تعالي و أخذ عليهم الميثاق له بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لعلي بالولاية فاضطربت فرائص الملائكة فسخط الله علي الملائكة، و احتجب عنهم فلاذوا بالعرش سبع سنين يستجيرون بالله من سخطه و يقرون بما أخذ عليهم و يسألونه الرضي فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك و أسكنهم السماء و اختصهم لنفسه و اختارهم لعبادته ثم أمر الله تعالي أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا بتسبيحنا و لولا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف [ صفحه 14] يسبحون الله و لا كيف يقدسونه ثم ان الله خلق الهواء فكتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله علي أميرالمؤمنين و وصيه، به أيدته و نصرته، ثم خلق الله الجن و أسكنهم الهواء و أخذ الميثاق منهم له بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لعلي بالولاية فأقر منهم من أقر و جحد منهم من جحد فأول من جحد ابليس لعنه الله، فختم له بالشقاوة و ما صار اليه، ثم أمر الله تعالي أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا بتسبيحنا و لولا ذلك ما دروا كيف يسبحون. ثم خلق الله الأرض فكتب علي أطرافها لا اله الا الله محمد رسول الله علي أميرالمؤمنين و وصيه به أيدته و نصرته. و بذلك قامت السموات بغير عمد و ثبتت الأرض ثم خلق الله آدم من أديم الأرض فسواه و نفخ فيه من روحه، ثم أخرج ذريته من صلبه فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لعلي بالولاية أقر منهم من أقر و جحد من جحد فكنا أول من أقر بذلك ثم قال يا محمد و عزتي و جلالي و علو شأني لولاك و لولا علي و عترتكما الهادون المهديون الراشدون ما خلقت الجنة و لا النار و لا المكان و لا الأرض و لا السماء و لا الملائكة و لا خلقا يعبدني يا محمد أنت خليلي و حبيبي و صفيي و خيرتي من خلقي و أحب الخلق الي و أول من ابتدأت اخراجه من خلقي ثم من بعدك الصديق علي أميرالمؤمنين وصيك به أيدتك و نصرتك و جعلته العروة الوثقي و نور أوليائي. ثم هؤلاء الهداة المهديون من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت و أنتم خيار فيما بيني و بين خلقي خلقتكم من نور عظمتي و احتجبت بكم عمن سواكم من خلقي و جعلتكم استقبل بكم و أسأل بكم فكل شي‌ء هالك الا وجهي و أنتم وجهي لا تهلكون و لا يهلك من تولاكم و من استقبلني بغيركم فقد ضل و هوي و أنتم خيار خلقي و سادة أهل السموات و الأرض. ثم قال أبوجعفر عليه‌السلام: فنحن أول خلق الله و أول خلق عبدالله و سبحه و نحن سبب خلق الله الخلق و سبب تسبيحهم و عبادتهم من الملائكة [ صفحه 15] و الآدميين. فبنا عرف الله و بنا عبدالله و بنا وحد الله و بنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه و بنا أثاب من أثقاب و بنا عاقب من عاقب ثم تلا قوله تعالي: (و انا لنحن الصآفون (165) و انا لنحن المسبحون) [الصافات: 165]، قوله تعالي: (قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين (81) [الزخرف: 81]، فرسول الله أول من عبدالله و أول من أنكر أن يكون له ولد و شريك، ثم نحن بعد رسول الله، ثم أودعنا بذلك النور صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب و الأرحام حتي صار في صلب عبدالمطلب فافترق النور جزأين جزء في عبدالله و جزء في أبي‌طالب. فذلك قوله تعالي: (و تقلبك في الساجدين) [الشعراء: 219] يعني في أصلاب النبيين و أرحام نسائهم فعلي هذا أجرانا الله في الأصلاب و الأرحام من لدن آدم عليه‌السلام. و من رحاب ذلك النور نقبس الهدي في معارج الحياة ملتمسين باب حطة و سفينة نوح باتباع قول كريم من رب رحيم علي لسان الأمين، نستسقي النهج الحق من نهجهم، نبعهم من النبع الطاهر من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاليك سيدي يا نبي الله يا خاتم الأنبياء و المرسلين أرفع عملي المتواضع أسكبه علي تراب كربلاء استسقي من أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام رشف الايمان و نهلة التقي و نور القربان.. أطوف به بين عتبات طهر ترابها و عز مقامها مستأذنة بالولوج الي حضرة السابع الكاظم الامام الحق موسي بن جعفر عليه‌السلام فاليك يا صاحب الذكر أبتهل التقبل و أستشفي الأمل و أرقل المسعي علني أنال شفاعتكم و أشم ريح تربتكم، و أنهل من ذلك السر رشف خفق أعبر به اليكم... و في زمن كما قال صلي الله عليه و آله و سلم اذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع... و له ظهر و بطن فظاهره حكم و باطنه علم ظاهره أنيق و باطنه عميق له تخوم. [ صفحه 16] و كما قال الحسين بن علي عليه‌السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (الزموا مودتنا أهل البيت و الذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله الا بمعرفة حقنا). فاللهم اجعلنا ممن يعرفون هذا الحق و يؤمنون به و يتولونه و يدرأون عنه بنحورهم... آمين رب العالمين يا من تهدي من تشاء الي صراط علي المستقيم... [ صفحه 17]

المدخل

الي سيرة الامام موسي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين‌العابدين ابن الامام الحسين الشهيد ابن علي بن أبي‌طالب عليهم سلام الله. بسم الله الرحمن الرحيم (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). [1] . قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا فانهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) صدق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و في قول آخر: (ألا و اني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتي يلقاني و سألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا و اني قد تركتهما فيكم، كتاب الله و عترتي أهل بيتي فلا تسبقوهم فتفرقوا و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم.) [2] . يقول الامام علي عليه‌السلام: كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو و كل صمت ليس فيه فكر فسهو و كل نظر ليس فيه اعتبار فلهو. [ صفحه 18] و يقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهم‌السلام الحسين بن علي: (نحن أئمة المسلمين و حجج الله علي العالمين و سادة المؤمنين و قادة الغر المحجلين و موالي المؤمنين، و نحن أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، و نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض الا باذنه و بنا يمسك الأرض أن تحيد بأهلها و بنا ينزل الغيث، و ينشر الرحمة، و يخرج بركات الأرض، و لولا ما في الأرض منا لساخت الأرض بأهلها... ثم قال: و لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة لله و لولا ذلك لم يعبد الله) [3] . و يقول صادق أهل البيت و كلهم صادقون عليهم‌السلام: (حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث أبيه و حديث أبيه حديث علي بن أبي‌طالب و حديث علي حديث رسول الله و حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قول الله عزوجل) [4] . فالحمد لله علي ما ألهم من معرفته و هدي اليه من سبيل طاعته و صلواته علي خيرته من بريته أبي القاسم محمد سيد أنبيائه و صفوته و علي الأئمة المعصومين من عترته. و لسان كل مؤمن يقول مع الشافعي: يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكمو من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له و (ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء و الله ذو الفضل العظيم) [5] . و تلكم الأيام تدور و الصادق الحق عليه‌السلام يلاقي وجه ربه ليحمل الأمانة ابنه سابع الأئمة الأطهار، الأئمة الهداة المعصومين الذين حملوا رسالة جدهم [ صفحه 19] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر داعين الي الحق قولا و فعلا. و لقد: مرت بي الأيام في بحث سعيت لعلني و الله أظفر حيث التقيته قائما في غلس ليل ما تحدر يبكي يئن و دمعة بخشوع مصلي منه تطفر و الصبح آذن و الشروق بدا... تدثر و بغمرة التطواف جئته ساعيا و الليل أدبر و رأيت أني و السؤال يشدني لهفا تمحور من ذا بحق الله من بالسر يجهر و أتي الجواب كأنما نور من الأفلاك يظهر هذا امام الحق... ذا موسي بن جعفر فاقرأ به الايمان و انهل رشف كوثر من نبع ايمان به المنجاة فاظفر و أخذ بي النوم مأخذه، و شدتني تهويمة هلعي أرود بها دنيا و دنيا الي أن أتاني الأمر... قومي... أتمي الكتابة لقد كان الوجه يطفح بالنور، و كانت اللحية بيضاء... و فوق الرأس عمامة كأنها السحاب... و خرجت تمتمات... الامام الصادق... و تبسم و أعاد الأمر... أتمي الكتابة... و جلست خلف طاولتي... قرأت آية الكرسي و سورة الكوثر و الضحي و أمسكت القلم (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [6] . نفسي و ما ملكت يدي تفدي تراب الكاظمين تسري لطف. للغري تلوذ في قبر الحسين و تشد رحلا صوب زوراء تروذ الضفتين [ صفحه 20] تمشي الي باب الحوائج تلتجي بالأكرمين تقتات حب أئمة تستاف ريح الموقفين و تروح في سكر الهوي بين التلاوة مرتين قبل الشروق تساكبت و الي الغروب منارتين من نور الهام بها للنور من جد الحسين كم من شهيد قتلته الفئة الباغية لا لشي‌ء الا لأنه مع الحق و من أجل الحق يقول كلمته. فنسأل الله تعالي أن يهلمنا كلمة الحق و أن يكتبنا مع شهداء الحق في كل زمان و أوان.. يقول شيخ المحدثين عامر بن شراحيل الشعبي: «ماذا لقينا من آل علي اذا أحببناهم قتلنا و ان عاديناهم دخلنا النار». زمن القمع ذاك الذي دفع الحسن البصري الجسور الي التقية في روايته للحديث فيقول: قال أبوزينب و يسأله ابن‌عياش: (ما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في علي) و يجيب: (يا ابن أخي احقن دمي من هؤلاء الجبابرة، لولا ذلك لسالت بي أعشب). القمع و الظلم و الجور و القتل ابتدأ بها معاوية حكمه.. تلك دماء «حجر بن عدي» الصحابي الجليل الذي غضب من القدح في أهل البيت فكان جزاؤه القتل مع صحبه. و تأتي البطشة الكبري عام واحد و ستون و علي طف كربلاء أرادها يزيد كما قالها (لو أن أجدادي ببدر): انتقاما لكفرة كانوا أجداده قتلوا يوم بدر.. و ها هو يقتل سبط النبي و ريحانته مع أهل بيته شفاء لغليله... و تحملنا الأقتاب الوعرة الي يثرب الطيبة مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث التصفية الكبري للحساب و حيث يقتل جيل صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من المهاجرين و الأبصار في وقعة الحرة عام ثلاث و ستون. كان الظلم و الظلام و الظلمة تعمه الأبصار و كانت سيوف الطغاة مسلطة علي رقاب المؤمنين... و في تلك الدياجير المدلهمة كنا [ صفحه 21] نسمع و نري في الطرف الآخر من ملأ الأرض ورعا و علما و سخاء... زين‌العابدين و سيدهم ابن الشهيد الحسين عليه‌السلام ذو الثفنات ناصر المستضعفين و ملاذ التائهين و المظلومين شاطئة الأمن و السلام و حجره الأمان و الرخاء الي أن لحق بأبيه و جده و بزغ نجم ابنه الباقر عليه‌السلام في سماء المدينة و أعقبه الصادق عليه‌السلام حاملا مشعال العلم و الهدي و الي أن وافته المنية شهيدا مسموما مظلوما. قام ابنه سابع الأئمة الامام موسي الأمين الكاظم عليه‌السلام و الذي سنري من خلال حياته مأساة الانسانية ظلما و عدوانا. لقد حمل طغاة بني‌أمية حقدهم علي آل البيت يقتلون من يظنون أنه يحبهم أو حتي يسمي باسمهم، و علي منوالهم غزل العباسيون و يا بئس الغزل فها هو أبوحنيفة قتيلهم بالسم و النسائي من شهداء الوفاء لعلي عليه‌السلام حيث خرج من مصر الي الشام فسألوه بها عن فضائل معاوية (بعد أن ألف كتابا في فضائل علي عليه‌السلام)، فقال: لا أعلم له فضيلة، فما زالوا يدفعونه في خصيتيه حتي أخرجوه من المسجد مشرفا علي الموت فقال: احملوني الي مكة فحمل اليها حيث مات... و كذلك أبوحنيفة الذي يقول: (لولا السنتان لهلك النعمان) كان يخاطب الصادق عليه‌السلام قائلا: جعلت فداك يا ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فانتهت حياته بسم الدوانيقي لأنه حرض علي الخروج مع زيد الشهيد. و يقول ابن‌حنبل: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الفضائل ما جاء لعلي) و ذاك مالك بن أنس أحد تلامذة الامام الصادق عليه‌السلام. لقد جهد الأمويون في افقار المسلمين و تجويعهم و سلك مسلكهم العباسيون، فهنا نسمع معاوية يقول: (الأرض لله و أنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي و ما تركته كان جائزا لي)... و كذلك كان المنصور الدوانيقي.. [ صفحه 22] و من ذلك الادلهمام و بالجور الجاثم علي صدور الناس كانت براكين الحقد تغلي و نفوسهم تتطلع الي الرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و في كل ثورة كان الناس يتنفسون الصعداء مؤملين ازاحة الظلم و الظلمة... و من ذلك العمق البعيد يرتفع صوت يقول: انها حكمة الله... انما نمد لهم مدا.. و الكاظمين الغيظ... و بشر الصابرين و تترقرق دمعة و صوت الحسين دافي حار في الأعماق كدمه الطهور... أجل لا يوجد ابن نبي غيره... و بالرغم من ذلك قتلوه و ذبحوه... انهم يعرفون من هو و من أبوه و من جده و من أين نبت لحمه و دمه و أنه سيد شباب أهل الجنة، و لذلك قتلوه... لذلك ذبحوه و سبوا أهل بيته بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم. صراع أزلي بين الحق و الباطل و الخير و الشر... صراع لن ينتهي الا بقائم آل محمد بالمهدي الآتي (عج) مهدي هذه الأمة الذي يخلصها من الشرور فيحق الحق... يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر... القدس أرضه... قدس آل محمد و المسيح خلفه... صلاة مباركة طاهرة... و يرتفع الأذان و يخرج بتعداد أهل الكهف ثم أهل بدر... ثم ها هي النفس الذكية و ها هو ذوالفقار و تلك العمامة السحاب ها هم مستضعفو الأرض... فتبارك الله... و صلت ملائكة السماء النور يهزم الظلام و الحق يهزم الباطل. و يزهر وجه الزهراء... و علي الصراط القسيم الحق... و ينادي المنادي.. يا أيها النور المحمدي... أظلنا بظلك.. و يا نور أبي‌تراب... اهدنا بنهجك.. و يا سيدي الحسن المجتبي ألهمنا حكمتك.. و يا رائد العدل و العدالة يا سيدالشهداء... يا أبا عبدالله مدنا بقوة من لدنك. [ صفحه 23] و يا سيدي يا سيد العابدين اجعلنا ممن يتبعون خطواتك. و يا شبيه المصطفي يا باقر العلم اليك الملتجا. و للصادق الحق جعفر ابنك سرنا متوسلين الركب. و لكاظم الغيظ موسي بن جعفر نمد أعناقنا و قلوبنا. و لابنه علي الرضا اتجهنا متممين بزيارته زيارة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فهو بضعته الفريد. و لابنه محمد بن علي التقي جواد الأئمة منك لنا الجود. و للتقي علي بن محمد اللجوء. و للحسن بن علي العسكري نتوجه. و للامام المنتظر صاحب الزمان... الحجة نرجو. و الله السميع المجيب. فيا سابغ النعم، و يا دافع النقم، و يا باري‌ء النسم و يا مجلي الهمم و يا كاشف الضر و الألم يا ذالجود و الكرم أسألك بكرامة نبيك و وصيه و سبطيه و بضعته الزهراء و الأئمة الأطهار نصر الحق و اجلاء الظلام و الظلمة و دفع ركب المستضعفين الي النصر المبين و كسر شوكة الغاصبين الظالمين، و الصلاة و السلام علي أبي القاسم محمد خاتم الأنبياء و المرسلين و علي آله الطيبين الطاهرين المعصومين و أصحابه المنتجبين... اليك التجأنا فلا تكلنا لأنفسنا و اهدنا الصراط المستقيم و احشرنا مع الأبرار و المطهرين، و صل اللهم علي محمد و آله صلاة ترضاها يا أرحم الراحمين. لعمري و كم ناديت دارا و مربعا و ساهرت حين الليل للصبح أطلعا و أسرجت قلبا باللظي كم تأوهت حناياه و اشتاقت سبيلا و مهيعا تداور في ليل به البؤس أترعت سقاياه و امتدت لموج بها سعا أناخت يميط السقم عن رتق وجهها ليفتر صبح الغوث مستشرقا معا [ صفحه 24] بكاظم أنات و غيظ تسومه أياد بها للسوء سجنا و مبضعا تهافت منها ظالم ضاق صدره به الجور و البأساء و الكفر أترعا و ضلت به الأقدام و القلب و الحجي و للشر مد الكف خوفا تذرعا ينادي رسول الله عفوا فانني لسجن سأودي بالذي منك أشرعا سآخذ موسي الكاظم الغيظ عنوة لعلي أريح الطرف يوما تجرعا فويل لكف دافت السم ناقعا و ويل اذا ما قاضي الحق قد دعا اليك فؤادي يا ابن‌جعفر فاديا ترابك لو قد شئت صدرا و أضلعا و روحا ترود الكون تشتاق علها تشم نسيم الكاظمين مضوعا فيا قبر موسي أنت يا باب حاجة و يا شاطي‌ء الملهوف مستضعف سعا أنخت ركابي عند باب لعلني أفوز بما واليت حبا و مطمعا لأقريك من حرفي سلاما و أحتبي بتربك أستهديك نهجا و مرجعا [ صفحه 25]

كاظم آل البيت

اشاره

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين قال السيد ابن طاوس في الصلاة علي موسي بن جعفر هي بالتعابير الخاصة به: «اللهم صل علي محمد و أهل بيته الطاهرين و صل علي موسي بن جعفر وصي الأبرار، و امام الأخيار، و عيبة الأنوار، و وارث السكينة و الوقار، و الحكم و الآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر الي السحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، و الدموع الغزيرة، و المناجاة الكثيرة، و الضراعات المتصلة، و مقر النهي و العدل و الخير و الفضل، و الندي و البذل، و مألف البلوي و الصبر، و المضطهد بالظلم و المقبور بالجور، و المعذب في قعر السجون و ظلم المطامير ذي الساق المرضوض، بحلق القيود، و الجنازة المنادي عليهم بذل الاستخفاف، و الوارد علي جده المصطفي و أبيه المرتضي و أمه سيدة النساء بارث مغصوب و ولاء مسلوب و أمر مغلوب و دم مطلوب و سم مشروب. اللهم و كما صبر علي غليظ المحن و تجرع غصص الكرب و استسلم لرضاك، و أخلص الطاعة لك، و محض الخشوع، و استشعر الخضوع، و عادي البدعة و أهلها و لم يلحقه في شي‌ء من أوامرك و نواهيك لومة لائم صل عليه صلاة نامية منيفة زاكية توجب له بها شفاعة أمم من خلقك و قرون من [ صفحه 26] براياك، و بلغه عنا تحية و سلاما، و آتنا من لدنك في موالاته فضلا و احسانا و مغفرة و رضوانا... انك ذوالفضل العميم، و التجاوز العظيم، برحمتك يا أرحم الراحمين. يقول الرضا عليه سلام الله: ان الله تبارك و تعالي لم يقبض نبيه صلي الله عليه و آله و سلم حتي أكمل له الدين و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شي‌ء، بين فيه الحلال و الحرام. و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج اليه كاملا. فقال عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء) [7] و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [8] . و أمر الامامة من تمام الدين، و لم يمض صلي الله عليه و آله و سلم حتي بين لأمته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم علي قصد الحق، و أقام لهم عليا علما و اماما، و ما ترك شيئا تحتاج اليه الأمة الا بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عزوجل، و من رد كتاب الله تعالي فهو كافر. هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا اماما باختيارهم. ان الامامة خص بها ابراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوة. و الخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عزوجل: (اني جاعلك للناس اماما) فقال الخليل سرورا بها: (و من ذريتي) قال عزوجل: (لا ينال عهدي الظالمين) [9] . فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيامة، و صارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عزوجل بأن جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عز [ صفحه 27] وجل: (و وهبنا له، اسحاق و يعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين (72) و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينآ اليهم فعل الخيرات و اقام الصلاة و ايتآء الزكاة و كانوا لنا عابدين) [10] ، فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي ورثها النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال عزوجل: (ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين) [11] ، فكانت له خاصة فقلدها عليا بأمر الله عزوجل علي رسم ما فرضه الله عزوجل فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الايمان بقوله عزوجل: (و قال الذين أوتوا العلم و الأيمان لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث) [12] ، فهي في ولد علي عليه‌السلام خاصة الي يوم القيامة اذ لا نبي بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟!! ان الامامة هي منزلة الأنبياء و ارث الأوصياء، ان الامامة خلافة الله عزوجل، و خلافة الرسول و مقام أميرالمؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليه‌السلام. ان الامامة زمام الدين، و نظام المسلمين، و صلاح الدنيا، و عز المؤمنين، ان الامامة أسس الاسلام النامي، و فرعه السامي، بالامام تمام الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و توفير الفي‌ء و الصدقات، و امضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف. الامام يحل حلال الله، و يحرم حرام الله، و يقيم حدود الله و يذب عن دين الله، و يدعو الي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام و يمكنه اختباره؟ هيهات هيهات، ضلت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و حسرت العيون، و تصاغرت العظماء، و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت [ صفحه 28] الألباء، و كلت الشعراء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز و التقصير، و كيف يوصف له؟ أو ينعت بكهنه، أو يفهم شي‌ء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه،... لا. و أني... أين الاختيار من هذا؟ أين العقول عن هذا؟ أين يوجد مثل هذا؟ ظنوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كذبتهم و الله أنفسهم و منتهم الباطل، فارتقوا مرتقي صعبا دحضا، تزل الي الحضيض أقدامهم، راموا اقامة الامام بعقول جائرة بائرة ناقصة، و آراء مضلة، فلم يزدادوا الا بعدا (قاتلهم الله أني يؤفكون) [13] لقد راموا صعبا، و قالوا افكا و (ضلوا ضلالا بعيدا) [14] و وقعوا في الحيرة، اذ تركوا الامام عن بصيرة (و زين لهم الشياطين أعمالهم فصدهم عن السبيل و كانوا مستبصرين) [15] و رغبوا عن اختيار الله، و اختيار رسوله الي اختيارهم، و القرآن يناديهم (و ربك يخلق ما يشآء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالي عما يشركون) [16] ، و قال الله عزوجل: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله، أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [17] . و قال عزوجل: (ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) ان لكم...) (لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذلك زعيم (40) أم لهم شركاء فليأتوا بشركآئهم ان كانوا صادقين) [18] . [ صفحه 29] و قال عزوجل: (أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها) [19] . أم طبع الله علي قلوبهم فهم لا يفقهون أم (قالوا سمعنا و هم لا يسمعون (21) ان شر الدوآب عندالله الصم البكم الذين لا يعقلون، و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون) [20] . و (قالوا سمعنا و عصينا) [21] بل هو (فضل الله يؤتيه من يشآء و الله ذو الفضل العظيم) [22] . فكيف لهم باختيار الامام؟!! و الامام عالم لا يجهل، معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة، و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول، و هو من نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، و لا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، و الذروة من هاشم، و العترة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الرضا من الله، شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزوجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله. ان الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم ثم انظروا في قوله تعالي: (أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الآ أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [23] . و قوله عزوجل: (و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) [24] . [ صفحه 30] و قوله عزوجل في طالوت: (ان الله اصطفائه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم و الله يؤتي ملكه من يشاء و الله واسع عليم) [25] . و قال عزوجل لنبيه: (و كان فضل الله عليك عظيما). و قال عزوجل في الأئمة من أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و عترته و ذريته: (أم يحسدون الناس علي ما ءاتاهم الله من فضله، فقد ءاتينآ ءال ابراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا عظيما (54) فمنهم من ءامن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا) [26] . و ان العبد اذا اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم ألهاما، فلم يع بعده بجواب و لا يحيد فيه عن الصواب، و هو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد قد أمن الخطايا و الزلل، و العثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده و شاهده علي خلقه، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء و الله ذو الفضل العظيم). فهل يقدرون علي مثل هذا فيختاروه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا و بيت الله الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، و في كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه، و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم، فقال عزوجل: (و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين) [27] ، و قال عزوجل: (فتعسا لهم و أضل أعمالهم) [28] . و قال عزوجل: (كبر مقتا عندالله و عند الذين ءامنوا كذلك يطبع الله [ صفحه 31] علي كل قلب متكبر جبار) [29] [30] . انه حديث الاستدلال و الحجة علي وجوب الامامة و ضرورتها و استمالة الاختيار و الانتخاب فيها فالله تبارك و تعالي هو الذي يعين ذلك و يختار من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات الخير و الكمال و طهارة النفس و صفاء الذات و العصمة كي يصلح لهداية الناس و اصلاحهم و غرس روح الثقة و الفضيلة في نفوسهم و ليكون القدوة لهم. و هكذا سبحانه و تعالي اختار نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و اختار وصيه و كذلك الأئمة بعده.

سيرة الكاظم

وها نحن نتلمس من سيرة الامام السابع عليه‌السلام تلك المناقب التي خصه بها سبحانه فجعله العبد الصالح الكاظم... فلنعبر عتبته المطهرة كي ننظر عينا و قلبا في تلك الحياة التي سار طريقها الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام حيث كان المثل الأعلي الذي يحتذي به و الذي نتأسي سيرته الشريفة متمثلين آية الكتاب في قول الله سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الأخر و ذكر الله كثيرا) [31] و هذه الآية الكريمة و ان نطقت بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم فهي تدل بمضمونها علي مشاركة الأئمة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ذلك. و في سيرة الامام الكاظم عليه‌السلام نري الجانب العبادي و الأخلاقي و العسكري و الأمني و السياسي و الاجتماعي و الفكري، نري مواقفه الثابتة في وجه الظلم و نراه رائدا في حماية العقيدة و حفظ الشريعة في زمن صارت فيه الفتن كقطع الليل. فنسأل الله ضارعين: (اللهم بحق محمد و أمته و علي و شيعته و فاطمة [ صفحه 32] و عترتها و الحسن و دعوته و الحسين و شهادته و السجاد و زهادته و الباقر و جلادته و الصادق و استقامته و الكاظم و انابته و الرضا و آيته و التقي و جلالته و النقي و هدايته و الزكي و حكمته و المهدي و غيبته) نسأله تبارك و تعالي بدعاء المستجير هذا بحبال الله بثاني الثقلين الذين هم المنجاة و الذين قرنهم بكتاب الله سبحانه فهو لا ينطق عن الهوي و أسأل الله قائلة:

رباه اني سائل

اني سألتك ضارعا متهجدا بسم النبي و آله و من اغتدي من ثاني الثقلين حبلا منقذا و الي النجاة يمد يا رب اليدا اني سألتك بالنبي محمد و بأمة ترجوه تتبعه الهدي و سألت بابك بالوصي و شيعة قد آمنت نهجا قويما مرشدا و بحق بضعة أحمد زهراؤه الطهر البتول و عترة لبت ندا و بابنها الحسن الطهور المجتبي و بدعوة قد ساقها يوم الفدا و سألت بالسبط الشهيد تقربا من باب رحمتك التي لن توصدا لمن اقتفاه و سار درب شهادة أمرا بمعروف يسود علي المدا رباه بالسجاد زين العابدين أدير طرفي ساجدا متوحدا أدعوك اذ كل الأنام عيونهم رقدي و عينك لا تنام اذ الردي في كل مخلوق خلقت و عابد من كل ما وطن الثري أو غردا و بباقر العلم الشبيه بأحمد و هو السمي هو الصبور علي العدا و بصادق الحرف الأمين المستقيم و ما أنار و ما تنكب و ارتدي و بما بجور قد تحمل صابرا و مكافحا و مناضلا قد أرشدا و بكاظم الغيظ المنيب و آية رباه في باب الحوائج أنجدا و بآية أعطيتها لعلي بن موسي الرضا عهدا اليك مؤيدا في غربة قد قالها من زاره هو زارني و من اهتداه قد اهتدي هو بضعتي مني يقول محمد يا قاري‌ء القرآن فيه مرددا [ صفحه 33] فاقف الصراط و جز اليه لترتقي و تكون في خير المواقف سيدا و الي التقي جلالة و تكرما و الي النقي هداية متعبدا و الي الذكي نهاية و بداية كالنور من نور أضاء و أوجدا اني ببابك سيدي يا ابن الرضا يا ابن الحسين بن العلي لك الفدا أقفو لألحق غيبة لمغيب بسم النبي سميه حين ابتدا و به الوجود به الهداية للأنام امام عصر يا الهي لك الندا فاجعل لنا بهم السبيل لدوحهم نقفو و ما بابا نروده موصدا و أنر لنا قلبا و فكرا نرتجي علما بطينا أو ظهيرا يغتدي رباه اني سائل و بحقهم منجاة نفس ان تضل هم الهدي و نسأل الله المنجاة من الكرب العظيم.. و ها هو الطبيب النصراني يتقدم و جثة الامام عليه‌السلام علي الجسر.. يكشف العباءة عن وجهه، و ينظر في يده و يقوم.. و لم يتكلم. و يقول علي بن سويد ضاقت صدورنا من الألم و الانتظار و كنا نترقب خروج الامام، و كانت عائلته في أسي ولوعة فحاولت أن أصل اليه بمختلف الطرق فأرضيت السجانين الي أن دخلت عليه، و لما رآني مقبلا قال لي: مكانك يا ابن‌سويد حتي يؤتي اليك بشمعة، ثم دخلت فوجدته قد افترش عباءته و استقبل القبلة، فقلت له: سيدي و الله لقد ضاقت صدورنا من الانتظار فمتي تكون أيام الفرج؟ قال لي: يا ابن سويد الفرج قريب، قلت متي؟ قال: الجمعة الآتية و الموعد علي الجسر ببغداد. و يتابع علي بن سويد فيقول: خرجت و أنا لا تكاد تحملني قدماي من الفرح و أقبلت لأصحابنا أطرق عليهم أبوابهم بابا بابا أبشرهم بقرب خروج الامام عليه‌السلام و حددت لهم الموعد يوم الجمعة علي جسر بغداد. و لما صار يوم الموعد اكتظت بنا الطرق ننتظر خروج الامام و بينما نحن كذلك و اذ [ صفحه 34] بجنازة يحملها أربعة من الحمالين أقبلوا بها و طرحوها علي جسر و نودي عليها (هذا امام الرافضة الذي تزعم أنه لا يموت، ها هو قد مات حتف أنفه). و يقول علي: ذهلت و دهشت، بينما كنا نتوقع خروج الامام و اذا به يخرج جنازة... ثم أقبلت الي طبيب نصراني كانت لي معه صحبة صادف أن مر بي قلت: بالمسيح عيسي عليك الا ما أقبلت معي، ثم أخذت بيده حتي جئت الي جسد الامام و كان مسجي و ملفوفا بعباءته... نعم لم يتكلم الطبيب فألح عليه علي بن سويد قائلا: بالمسيح عيسي عليك، الا ما أخبرتني ما داؤه؟ لا تطل يا ابن‌سويد أما للرجل من عشيرة فلتطالب بدمه!! ان الرجل مات مسموما. علي الجسر رميت الجنازة و بصوت النكر صاحوا يا رافضة ملفوف بعباءته ملقي... ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكمو من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له عندما توفي هند بن أبي‌هالة و كان ظئر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تنافست القبائل علي تكفينه خمسمائة قبيلة كل قبيلة جاءت الي البصرة بكفن لتحظي بشرف تكفينه... لماذا؟ لأنه ظئر رسول الله و هذا الامام موسي بن جعفر ابن رسول الله أخرجوه بلا كفن، ملفوف بعباءته. و يقف هارون الرشيد عند قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليقول: بأبي أنت و أمي يا رسول الله، اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه، اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه لأني خشيت أن يلقي بين أهلك حربا يسفك فيها دماءهم... و ها هو الامام عليه‌السلام واقف بجوار جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يصلي و ها هي شرطة الرشيد تدخل عليه خلوته و تقطع صلاته و تلقي القبض عليه.. آخذوه [ صفحه 35] عنوة و جروه غصبا و دموعه تنهمر علي خديه مناديا يا جداه يا رسول الله... انها نفس الصورة تتكرر مع الأئمة عليهم سلام الله.. ها هو صوت الحسين عليه‌السلام ينادي يا جداه و ها هو الصادق عليه‌السلام ينادي يا جداه... و لكن الظلمة لا يعون و لا يعرفون الا أن يزيحوا ذلك الواقف في طريق كفرهم و أن يكموا صوت الحق الصارخ في وجههم الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر... لم و لن يتعظوا ممن سبقهم... ويل للمنصور قبل الرشيد و ويل للرشيد قبل القتلة من أبنائه.. عندما تدور عجلة الزمن و يضرب الدهر ضربته... أين قبور بني‌أمية و أين قصور بني العباس.. أين تلك التي لم تبق سوي أطلال و خرائب تصفر فيها الرياح... و ها هو الكوخ المتواضع قد استحال الي قباب تناطح السماء رفعة و علوا من الذهب الابريز... أصبحت منارا للمقهورين و المعذبين في الأرض و ها هو شاعر يقول: لقدسك يا باب الحوائج باب جثت حوله للطالبين ركاب يمر عليه المستحيل فينثني الي ممكن يدعي به فيجاب ليهنك عقبي الصابرين أبا الرضا و ان طال سجن و استطال عذاب فكوخ به عشت استطال الي السما و قصر به عاش الرشيد خراب و مظلم سجن عشت في جنباته اليفاك محراب به و كتاب تحول صرحا قد تكامل عنده لأروع آيات الفنون نصاب و أقول:

يا سيد الحزن العظيم

يمم تراب الكاظمين مصليا و أقر السلام علي الأئمة داعيا و الهج بذكر فضائل و مناقب تمت باذن الله حين تواصيا من سيد و لسيد و بسيد حرف الامامة بالفريضة ساقيا [ صفحه 36] يا ابن الصدوق الصدق جعفر انني أبلجت قلبي في هواكم حانيا يأتم بالنور المنير بخفقة من ضوء مصباح الطهارة جائيا في فسحة الايمان يسرج قلبه يحتاط ليلا و الظلام موليا مر قال أشرعة اليكم يلتجي و من العذاب مراكبا و صياصيا ما هم شوك قتاد درب طائع بين السباسب لم يزل متخفيا ما هم صل مناقع و مواقع فالأبطح الفرد الفرند مقفيا قد جزت ما عجز المسير حطامه و قطعت ما الأفلاك أضنت قلبيا و وصلت ليل البؤس صبح عجارف و القر و الحر المنيط ببابيا ما هم عجف القاع أو نار اللظي حيث الوصول الي الديار تلاقيا أسفو بثوب البؤس فوق أعنتي و أهيل ما لفح الشواظ و ما بيا خوف و لا ألم و لا حتي البكا فأنا أمني بالوصال جراحيا أسرجت و الهفي عيون محبتي و حملت زاد البؤس نبض قوافيا أحدو حداء المبعدين تشدني آهات ليل قد توسل باكيا لا لوعة الفقد المنيخ بكلكلي لا سقم داء قد توسد جفنيا لا و الذي منه استقيت مثابة و طفقت أخصف بالنجوم مؤاسيا ما كنت الا مضغة من مضغة شفت بها عين السماء تدانيا أبكي بحرف الشعر كاظم دمعة أبكي امام الحق و هو مصليا يدعو أبا جداه فانظر بؤسهم و انظر لكفر في القلوب مؤديا جداه يا أبتاه أشكو ما الذي ضنكي و مأساتي تميط لثاميا جداه و السم الزعاف بخافقي و ركائب البلوي مشت قداميا و أنا اليك أمد قلب مدامعي و جدا أردد العالمين مناديا يا من اليك الملتجي و المرتجي و الخفق في عمق التعبد دانيا أدعوك بسم الآل بسم محمد أن تنجني من حب قال طاغيا رباه و التسبيح فيه تعلتي و بمجد شأنك ضارعا متوليا أسلمت نفسي في رحابك طائعا فاليك ملتجأ الفؤاد ملبيا [ صفحه 37] فأنجز الهي ما وعدت و ضمني في خيرة منك احتبيت تأسيا اني كيوسف بين قوم أفسدوا و طغوا و ما أدنيت ليس بقاصيا رباه بالثقلين أدعو ضارعا منجاة نفس أستعيذك آتيا يا كاظم الغيظ الذي في صبره قد جاز أيوب و بز لياليا لي بالتقرب من رحابك زفرة أزجي بها دمعي ألوذ مواسيا في مهرب من آه ظلم جاثم أرجو لقلبي من ثراك تجليا يا سيد الحزن العظيم اليك في داج من البلوي أمد فؤاديا كي يسلو الألم المحض بأضلعي و يريح ما بالعمق يصرخ باكيا

ولادة الكاظم

الأحد السابع من صفر و الرحال في الأبواء مرقد آمنة أم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.. و السابع يوم بزوغ كما كان يوم أفول... غيب فيه الحسن المجتبي صلي الله عليه و آله و سلم و ولد فيه سمي الكليم عليه‌السلام و صفر فيه تبدأ صفين و في تاسعه النهروان و في ثانيه استشهاد زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام و في السابع عشر منه ارتحال الامام الرضا عليه‌السلام و في عشرينه أربعين الحسين عليه‌السلام، و في نهايته الثامن و العشرين قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. يا له من شهر.. ايه يا صفر يا موقع الخبر و منزل القدر و يوم السفر... الشمس و القمر بحسبان و النجم و الشجر يسجدان و السماء رفعها و وضع الميزان... يثرب الطيبة و مكة الطاهرة و موعد مع الحق.. و ستائر الكعبة تلك التي تعلقت بها فاطمة بنت أسد... يمسك بها جعفر بن محمد عليه‌السلام يلثمها بوجد و شغف و تتحرك الشفتان بوله تقبلان الحجر الأسود.. البدر في السماء مهطع النظرات، ساكب العبرات في صلاة يتردد همسها مع نسائم الصحراء المترامية في كل مكان الا شعاب مكة فهي تردد صلاة الصادق و ترشف قطرات الدمع المنسابة علي و جنتيه و عيناه مغمضتان، فهل [ صفحه 38] تراه يسرح بالبعيد الماضي و الآتي... انه مع ربه في خشوع و تضرع... و نحن ما ترانا نتلمس؟ أالي خيبر، أم الخندق، أم أحد، أم الأحزاب؟ و يجتاحنا صوت من ليلة الهرير و ألف آه لليلة قبض فيها الحبيب، و انزوت بضعته في بيت الأحزان ترسل آهتها الي أن يواريها بعلها أبوالسبطين في ثراها... و بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة... أيتها الزهراء، يا ريحانة المصطفي، سلام الله عليك أيتها المظلومة و سلام الله علي بعلك الثاوي بالغري في موضع طهر بالطهر و سلام الله علي ابنك المجتبي المسموم الطاهر الذي أصلح الله به بين أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و السلام علي السبط الشهيد بكربلاء الذي لولاه لانتهي دين جده... سيدتي و أني لتلك الجامعة التي سلسل بها زين‌العابدين فنزت دماه فوقها، مسبيا و هو سيد السجادين، حمل رسالة الاسلام وصان أمانة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي أن سلمها لابنه الباقر شبيه المصطفي باقر علوم الأولين و الآخرين عليه سلام الله... و نقف يا سيدتي نرقب الصادق متمسكا بأستار الكعبة، ذارفا الدمع المدرار!! أعلي جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أم علي السبط الحسن أم حملته أنسم الكعبة الي أميرالمؤمنين عليه‌السلام (أريد حياته و يريد موتي...) و تلك الضربة من عدو الله... أم الي كربلاء الي أجساد بلا رؤوس... و الي سبايا... أمامها.. علي الحراب رؤوس آل البيت الأطهار.. مكة ها هي تموج بالحجيج و ذاك ركب أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام و الجموع تحيط به من كل صوب، تغرب الشمس و تشرق و الآلاف تؤم بابه. تبحث عن عمق عقيدتها في أجوبة الأسئلة التي حملتها من كل أقطاب الدنيا... و الصادق بن محمد عليهما سلام الله يجيب كل سائل و يهدي كل تائه و ينير بمعرفته كل سبيل، «لا تقس يا أباحنيفة» و صوت من البعيد... «لولا السنتان لهلك النعمان» و يردد الصدي في البعيد البعيد «ان أول من قاس ابليس». [ صفحه 39] تلك بطحاء مكة و هذه بئر زمزم و الهرج و المرج... و مع آخر شعاع من الشمس الغاربة يرتفع نداء الله أكبر و يضي‌ء القمر بنوره في السماء، و تضي‌ء تعاليم الصادق الأرض، و تنقضي أيام ذي الحجة و يدخل محرم الحرام ثم ها هو صفر و الطريق بين مكة و المدينة قصيرة مهما طالت، فها هي مشارف الأبواء... و ذاك قبر آمنة.. و يحط الركب رحله.. الصلاة و السلام علي يا رسول الله و علي آلك الأطهار المنتجبين. السلام عليك يا آمنة يا أم المصطفي. و من عمق التراب تفوح رائحة الطهر و عبير الايمان.. لقد انتهت مناسك الحج و قفل ركب الامام الصادق عليه‌السلام عائدا الي المدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و كل قوم حملتهم ركابهم الي ديارهم و انفضت الجموع التي أمت باب الامام جعفر بن محمد عليه‌السلام متزودة بتعاليم الدين الحنيف و بالهدي و الارشاد و بالأجوبة الشافية لما حملوه من أسئلة معهم من أهلهم، فلقد كان الامام الصادق عليه‌السلام مدرسة علم و فقه و ثقافة، حفظ جامعة أبيه الباقر عليه‌السلام و وسعها حتي أنه كان يؤم درسه ما ينوف عن أربعة آلاف رجل كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه‌السلام، فلقد كان الامام بعد أبيه محمد الباقر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، و لقد نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، و انتشر ذكره في البلاد، و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، و قد روي عنه جماعة من أعيان الأئمة كابن جريج و مالك بن أنس و الثوري و يحيي بن سعيد و ابن‌عيينة و أبي‌أيوب السجستاني و غيرهم الكثير، و لا أبين مما نطق به لسان أبي‌حنيفة: «لو لا السنتان لهلك النعمان». و يقول ابن‌قتيبة في كتاب (أدب الكاتب): [و كتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمد الباقر فيه كل ما يحتاجون الي علمه الي يوم القيامة]. [ صفحه 40] و يقول المعري: لقد عجبوا لآل بيت لما أتاهم علمهم في جلد جفر و مرآة المنجم و هي صغري تريه كل عامرة و قفر لقد كان الامام الصادق عليه‌السلام يجلس للعامة و الخاصة و يأتيه الناس من الأقطار يسألونه عن الحلال و الحرام و عن تأويل القرآن و فصل الخطاب، فلا يخرج أحد منهم الا راضيا بالجواب.. و هذا ما كان من مجلسه الكريم، و بعدما انفض المجلس يمم شطر يثرب و أهله في ركابه... و انحدرت شمس ذلك النهار نحو المغيب في حمرة مخضبة الشفق و حتي لكأنها كتلة نار ملتهبة، و مع اضمحلال آخر خيوطها كان هلال صفر ذي السبعة أيام يبتسم بنوره الفضي.. و ها هو الامام عليه‌السلام في محرابه يتلو آيات القرآن مبتهلا الي الله بدعائه المعتاد مستذكرا في ذلك اليوم السبط المجتبي عليه‌السلام الذي قضي بسم معاوية بيد جعدة.. و يقيم عليه‌السلام مجلس دعاء و عزاء فيضج بالبكاء علي الامام السبط عليه‌السلام و علي جده صلي الله عليه و آله و سلم و يمتد الذكر الي آمنة بنت وهب المدفونة بتلك المنازل البعيدة عن المدينة و عن مكة.. الأبواء... محط رحالهم في ذلك اليوم للراحة من لهب شمس النهار التي ما ان رحلت بآخر شعاع منها حتي امتدت يد الليل ببرودة لاذعة بعد نهار قائظ فوق رمال الصحراء الممتدة بلا نهاية و المتأوهة قلي مما أحاق بآل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الظلم و الجور و العنت... و يرتفع صوت رخيم هادي‌ء.. السلام عليك يا ابن رسول الله... السلام عليك أيها السبط الطاهر المسموم... يا ابن الزهراء... لعن الله ساميك و معاديك و من نزوا علي منبر جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صوت آخر يقول: ويلها جعدة من نار الجحيم... و يشير الامام عليه‌السلام بالدعاء.. السلام علي السبط [ صفحه 41] الشهيد بكربلاء.... السلام عليك يا رسول الله و علي وصيك و ابنتك و آلك الأطهار... و ما أن يتم عليه‌السلام كلمته حتي يهمس رسول (حميدة) الزوج الفاضلة (بطلبها اياه)... الأحد.. الأحد هو يوم الامام علي عليه‌السلام... السابع... سبع سماوات... و أحرق أبي تراب السبعة و صفر... صفر شهر الارتحال و شهر ولادة موسي... و العام ثمان و عشرون و مائة للهجرة.. و تضع تلك الطاهرة وليدها في الأبواء... حميدة المصفاة... و حميدة المغربية من أشراف الأعاجم و قيل أندلسية حمية الصفات، وصفت باللؤلؤة و نعتت بالمصفاة، صالحة تقية قال عنها الصادق عليه‌السلام: حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتي أديت الي كرامة من الله و للحجة من بعدي. روي الشيخ الكليني و القطب الراوندي و آخرون عن ابن كاشة أنه دخل علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، و كان أبو عبدالله عليه‌السلام قائما عنده فقدم اليه عنبا و أكرمه و أثناء الحديث قال لأبي‌جعفر عليه‌السلام لأي شي‌ء لا تزوج أبا عبدالله، فقد أدرك التزويج؟ و كان بين يديه صرة مختومة فقال عليه‌السلام: سيجي‌ء نخاس من أهل البربر ينزل دار ميمون فنشتري بهذه الصرة منه جارية. و يقول الراوي: فدخلنا علي أبي‌جعفر عليه‌السلام يوما فقال: ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم فاذهبوا و اشتروا بهذه الصرة جارية، فأتينا النخاس فقال: قد بعت كل ما عدي الا جاريتين مريضتين احداهما أقل من الأخري، قلنا: فأخرجهما ننظر اليهما، فأخرجهما فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟ قال: بسبعين دينارا. قلنا: أحسن، قال: لا أنقص من سبعين دينارا. فقلنا نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية فقال: فكوا الخاتم و زنوا. فقال النخاس: لا تفكوا فانها ان [ صفحه 42] نقصت حبة من السعبين لم أبايعكم. قال الشيخ: زانوا، ففككنا و وزنا الدنانير فاذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي‌جعفر عليه‌السلام و جعفر قائم عنده فأخبرنا أباجعفر بما كان. فحمدالله ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة. فقال: حميدة في الدنيا و محمودة في الآخرة. و ها هي تلك الطاهرة تضع وليدها... مختونا طاهرا ساجدا رافعا اصبعه نحو السماء متشهدا فيأخذه أبوه عليه‌السلام و يجري له المراسيم الشرعية، فأذن باليمني و أقام باليسري و ما لبث أن عاد عليه‌السلام الي مجلسه و وجهه يتهلل سرورا، و بشر أصحابه بوليده المبارك. و أخبر الخواص منهم بأنه الامام من بعده، و عندما وصل المدينة أولم فأطعم الناس ثلاثا. و يروي الشيخ الكليني و الصفار و آخرون عن أبي‌بصير قال: كنت مع أبي عبدالله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه‌السلام فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبدالله عليه‌السلام الغداء و أكثره و أطابه فبينما نحن نتغدي اذ أتاه رسول حميدة: ان الطلق قد ضربني و قد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا لأنه ليس كغيره من الأبناء [32] ، فقام أبو عبدالله فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد الينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنه فقلنا: أضحك الله سنك و أقر عينك، ما صنعت حميدة؟ فقال: وهب الله لي غلاما و هو خير من برأ الله، و لقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها، قلت: جعلت فداك و ما خبرتك عنه حميدة قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه الي السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الامام من بعده. و روي الشيخ البرقي (أحمد بن أبي عبدالله البرقي) عن منهال القصاب أنه قال: خرجت من مكة و أنا أريد المدينة فمررت بالأبواء و قد ولد لأبي [ صفحه 43] عبدالله عليه‌السلام فسبقته الي المدينة و دخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا فكنت آكل في من يأكل فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتي أرتفق ثم لا أطعم شيئا الي الغد. و عن يعقوب السراج روي الشيخ المفيد أنه قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه‌السلام و هو واقف علي رأس أبي الحسن موسي عليه‌السلام و هو في المهد، فجعل يساره طويلا فجلست حتي فرغ فقمت اليه فقال: ادن الي مولاك فسلم عليه، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي بلسان فصيح ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فانه اسم يبغضه الله، و كانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: انته الي أمره ترشد فغيرت اسمها. و روي أنه قيل لأبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ما بلغ بك من حبك ابنك موسي عليه‌السلام فقال: وددت أن ليس لي ولد غيره حتي لا يشاركه في حبي له أحد. و مما لا شك فيه و ان اختلف الراوون و الرواة فان الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام ولد بالأبواء لسبع مضين من صفر يوم الأحد بعد عودة الامام الصادق عليه‌السلام من الحج من زوجته حميدة المغربية التي قال عنها الصادق عليه‌السلام: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الملائكة تحرسها حتي أديت الي كرامة من الله لي و للحجة من بعدي... و لا أظهر من ذلك بسؤاله لها: أبكر أنت أم ثيب قالت: بكر: قال: و أني تكونين من أيدي النخاسين قالت: لما كان هم بي يأتيه شيخ و ما زال يلطمه علي حر وجهه حتي يتركني و لما اشتراها النخاس رأته امرأة من أهل الكتاب و قالت: سيولد منك أعز الخلق علي الأرض... و كان أن ولدت الامام موسي عليه‌السلام. يقول ابن‌بابويه بالاسناد عن منصور بن حازم قال: كنت جالسا مع أبي [ صفحه 44] عبدالله عليه‌السلام علي الباب و معه اسماعيل اذ مر علينا موسي و هو غلام فقال اسماعيل: سبق بالخير ابن الأمة.. و كانت أم‌اسماعيل فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين و هي أم عبدالله و أم (أم‌فروة) و أمام أم‌موسي عليه‌السلام و اسحاق محمد فهي حميدة (أم ولد).. انها أمة... و كانت سارة أمة أيضا.. و جاء في رواية البرقي [33] أن الصادق عليه‌السلام قال: ان حميدة ذكرت أنه لما سقط الامام موسي عليه‌السلام من بطنها واضعا يده علي الأرض رافعا رأسه الي السماء... فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الوصي من بعده. و يتابع عليه‌السلام جوابا عن علامة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و علامة الوصي فيقول: يا أبا محمد انه لما أن كانت الليلة التي علقت فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم، و أمرني بمثل الذي أمرهم به. فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي ما يهب الله لي فجامعت فعلقت بابني هذا المولود، فدونكم فهو و الله صاحبكم من بعدي، ان نطفة الامام مما أخبرتك فانه اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشأ فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي اليه ملكا يقال له «جيوان» يكتب في عضده الأيمن (و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته) [34] فاذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه قبل رب العزة، من الأفق الأعلي باسمه و اسم أبيه يا فلان ابن فلان اثبت مليا لعظيم خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي، و خليفتي في أرضي، و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري. ثم و عزتي لأصلين من عاداك أشد [ صفحه 45] عذابي، و ان أوسعت عليهم في الدنيا من سعة رزقي، قال: فاذا انقضي صوت المنادي أجابه هو و هو واضع يده علي الأرض رافعا رأسه الي السماء و يقول: (شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لآ اله الا هو العزيز الحكيم) [35] ، فاذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول و العلم الآخر و استحق زيارة الروح في ليلة القدر. قلت: و الروح ليس هو جبرائيل؟ قال: لا، الروح خلق أعظم من جبرائيل، ان جبرائيل من الملائكة و ان الروح خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك و تعالي: (تنزل الملائكة و الروح) [36] ، و قد اختلف في العام فمنهم من ذهب الي أنه عام ثمان و عشرين و مائة و بعضهم قال تسع و عشرين و مائة و الأرجح هو ثمان و عشرين و... و هو عليه‌السلام أبوالحسن موسي الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين‌العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. و كما وصفه كمال‌الدين: هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، و المشهود له بالكرامات، و المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما و يقطع النهار متصدقا و صائما. و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، فكان يجازي المسي‌ء باحسانه اليه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، و لكثرة عبادته كان يسمي بالعبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله، لنجح المتوسلين الي الله تعالي به، كراماته تحار منها العقول و تقضي بأن له عندالله قدم صدق. [ صفحه 46] واقع الحياة و المدينة ابان ولادة الامام الكاظم عليه‌السلام مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تلك المنورة بذكره و اسمه و كتابه و تعاليمه مدينة الهجرة المباركة يثرب الطاهرة تسبح في ظلامة الظلم و القهر و العزلة.. أصبحت السجن الكبير الذي يحجر فيه الخلفاء من بني‌أمية علي شباب قريش أن يبرحوا الحجاز الا باذن... و ذلك ما جعل المدينة ترزح في عزلة، فزاد أهلها تقاربا و تراحما و تصاهرا و كذلك تناقضا و نقائضا. ها هي أطراف الجمل في بيت واحد مجتمعة (سكينة بنت الحسين عليه‌السلام) يبني بها مصعب بن الزبير ثم يبني بضرة لها (عائشة بنت طلحة). و أما الامام الصادق عليه‌السلام فكان جده لأبيه زين‌العابدين الذي هو و القاسم بن محمد بن أبي‌بكر و سالم بن عبدالله بن عمر أولاد خالات (بنات كسري يزدجرد). أما الباقر عليه‌السلام فقد ولدته لزين‌العابدين بنت عمه فاطمة بنت الحسن.. و أما أم‌الصادق عليه‌السلام فهي (أم‌فروة) بنت القاسم بن محمد بن أبي‌بكر و كان الامام علي عليه‌السلام تزوج من أسماء بنت عميس بعد موت أبي‌بكر فصار ابنها محمد ربيبه ترعرع في كنفه و شهد معه الجمل و صفين و ولاه مصر حيث قتلته جيوش معاوية. و أما جدته لأمه فهي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي‌بكر عم القاسم و شقيق عائشة و الذي قال لمعاوية (عندما بعث له مائة ألف درهم ظنه يشتريه فردها قائلا: [لا أبيع ديني بدنياي])، و هو القائل أيضا مع رفض البيعة ليزيد: (جعلتموها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل). فجعفر الصادق عليه‌السلام ولده النبي صلي الله عليه و آله و سلم مرتين و كسري مرتين و يقول ولدني أبوبكر مرتين.. [ صفحه 47] الصادق عليه‌السلام هو والد الامام موسي عليه‌السلام ابن‌حميدة النوبية و هي أمة.. فلو استقرأنا التاريخ لرأينا أن الاسلام كان للموالي و العرب و ذلك هو الدين الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دافع من أجله عن المساواة بين المسلمين وصيه أميرالمؤمنين عليه‌السلام باب مدينة العلم الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي بابها. و ريحانتاه الحسن و الحسين عليه‌السلام الجيل الأول الذي تلاه الجيل الثاني و الذي هو السجاد مع ابنيه الباقر و زيد عليهم‌السلام و تمثل الجيل الثالث بجعفر بن محمد عليه‌السلام البدر الكامل لجيل ختم أجيال، ففي زمان الصادق عليه‌السلام تنتهي دولة الأمويين لتبدأ دولة بني‌العباس و في ذلك المعترك الهائل ولد و نشأ و ترعرع الامام الكاظم عليه‌السلام سليل بيت النبوة و سابع الأئمة المعصومين. لنر الآن لك الشعب التي كانت تشاد في ذلك الزمن و لنسمع مالك بن أنس فقيه أهل المدينة و امام أهل السنة يقول: [حسبما روي الشيخ الصدوق] كنت أدخل علي الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام فيقدم لي مخدة و يعرف لي قدرا و يقول من ثم: يا مالك اني لأحبك، فكنت أسر بذلك و أحمد الله عليه و كان عليه‌السلام رجلا لا يخلو من احدي ثلاث خصال: اما صائما و اما قائما و اما ذاكرا، و كان من عظماء العباد و أكابر الزهاد و الذين يخشون الله عزوجل و كان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد، و كان اذا قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اخضر مرة و اصفر أخري، حتي ينكره من كان يعرفه، و لقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عندالاحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخر عن راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله و لابد لك من أن تقول: فقال: يا ابن أبي‌عامر، كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك و أخشي أن يقول عزوجل، لا لبيك و لا سعديك.. هذه حال الصادق عليه‌السلام فكيف سيكون حال الابن الذي ترعرع علي تعاليم الوالد...؟؟!! [ صفحه 48]

نشوء الكاظم

لقد نشأ الامام موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام و ترعرع في ظل أبيه الصادق عليه‌السلام و تربي في حجره و مدرسته فاتصف بصفات الكمال حيث بنيت شخصيته علي أساس من التقوي و التهذيب و الخلق الكريم فلقب عليه‌السلام بالعبد الصالح و الامام الصابر و باب الحوائج و كان أشهرها الكاظم. و لقد جاء في الحديث الشريف: «ما من جرعة يتجرعها الانسان أعظم أجرا من جرعة غيظ في الله عزوجل». و جاء في سورة آل‌عمران آية 143: (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين). فالامام موسي عليه‌السلام انفرد بهذا القب لكظمه الغيظ و صبره علي ما لقي من الظلم و الأذي.

في المدينة

رويدا نعود الي أفياء المدينة و الي ما يعتور تلك الأجواء من تجهم تارة و تلبد أخري و أحيانا كأنها السحب الماطرة أو نخالها العجاج المدلهم و لربما كشفت عن رقراق شعر حزين، لكن الأمر السائد هو تلك الفلسفة الآخذة بنواص المتفلسفين أو ذلك التعمق بالدين و الذي يصل أحيانا الي الخروج الي الزندقة و الشرك أو في التمحص و التنقيب و العلم.. فهنا و هناك (ابن‌عباس، و ابن‌عمر، و ابن‌الزبير، و أبوسلمة و عبدالرحمن بن أبي‌بكر و بنته حفصة و أم‌سلمة و عائشة و عروة بن الزبير و القاسم بن محمد بن أبي‌بكر...) و غيرهم الكثير الكثير حتي نصل الي مالك بن أنس الذي يعاصر في النصف الثاني من القرن الثاني نهاية الأجيال المفضلة و كذلك ابن‌مالك شيخ الشافعي محمد بن ادريس الذي تتلمذ علي يديه أحمد بن حنبل. و يأخذ الفقه الاسلامي طريقه من المدينة باتجاه بغداد و الكوفة و البصرة [ صفحه 49] و سائر مدن العراق لنسمع عبدالله بن مسعود الذي يتتلمذ علي يده الكثيرون منهم علقمة و الحارث و ابراهيم بن يزيد شيخ حماد بن أبي‌سليمان الذي قضي أبوحنيفة في حلقته في مدرسة الرأس و القياس الذي وضع قواعده الشافعي، و كان هوي أبي‌حنيفة مع أبناء علي عليه‌السلام و مذهبه يقارب المذهب الزيدي أكثر من أي من مذاهب السنة. و في عام 121 ه احدي و عشرين و مائة للهجرة عندما استشهد زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام كان أبوحنيفة يأخذ مجلس حماد و يدون بعض مذهبه، و أما السابق له بالتدوين فهو زيد الشهيد الذي تعلم ذلك منه أبوحنيفة و الذي بقي يردد: (لولا السنتان لهلك النعمان) تلكما السنتان اللتان تفقه بها علي يدي الامام الصادق عليه‌السلام حيث نهاه عن القياس، فأول من قاس ابليس (لعنه الله)، و كان خلال سنتيه هاتين يخاطب الصادق عليه‌السلام بقوله: [جعلت فداك يا ابن بنت رسول الله]. و روي ابن شهر آشوب عن مسند أبي‌حنيفة أن الحسن بن زياد قال: سمعت أباحنيفة و قد سئل من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث الي فقال: يا أباحنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيي‌ء له من مسائلك السداد، فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث الي أبوجعفر المنصور و هو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة ما لم يدخلني لأبي‌جعفر المنصور، فسلمت عليه فأومأ الي فجلست ثم التفت اليه فقال: يا أبا عبدالله، هذا أبوحنيفة، قال: نعم أعرفه، ثم التفت الي فقال: يا أباحنيفة، ألق علي أبي عبدالله من مسائلك فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا، فربما تابعنا و ربما تابعهم و ربما خالفنا جميعا حتي أتيت علي الأربعين مسألة فما أخل فيها بشي‌ء ثم قال أبوحنيفة: أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس. [37] . [ صفحه 50]

في خضم التاريخ

لقد ارتحل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عام أحد عشر للهجرة [11 ه - 632 م] و بعد ذلك تولي الحكم الخلفاء الراشدون منذ 11 حتي 40 ه / 632 - 661 م ثم حكم الأمويون من 40 / 132 هـ / 661 - 750 م و استمر حكم العباسيين من 132 - 656 هـ / 750 - 1258 م. و من بني‌أمية معاوية (رأس الأفعي) الذي أمر بسب الامام علي عليه‌السلام علي المنابر و قال كلمته: (حتي يموت عليها كبيرهم و يربي عليها صغيرهم)، و قتل علي الظنة و التهمة و أفقر و جوع و قوله لأهل الكوفة مشهور (جئت أتأمر عليكم)، لقد اعتبر نفسه مالك الأرض، ثم أورث الخلافة ابنه الفاسق يزيد بعد أن قتل من صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما قتل، و هو المشهور عنه أسلوب المخادعة فبعد أن يؤمن الانسان يقتله و قال: (ان لله جنودا من عسل) عندما قتل مالك الأشتر بحيلته بالعسل المسموم. و عندما قتل معاوية حجر بن عدي و رفاقه [لغضب الصحابي الجليل من القدح في أهل البيت]، فانه كان يقتل استقلال الرأي. و عندما أصدر أوامره بعد عام الصلح (مصالحته مع الامام الحسن عليه‌السلام) بقوله: (انظروا الي من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه)، ثم أتبعها بقوله: (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به و اهدموا داره)، فهو بذلك أعلن جاهليته و سفيانيته بكل حقد أمه و هي تلوك كبد حمزة عليه‌السلام و يتابع يزيد طريق النكر و الجور و الفسق و الجريمة الكبري النكراء قتله سبط النبي و ريحانته (حسين مني و أنا من حسين) و كانت كربلاء أكبر جريمة بأهل البيت عام احدي و ستين للهجرة حيث سبيت النساء الأطهار و اقتيدت الي دمشق فالمدينة... انها مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مدينة النور و الهداية ها هو يزيد ينتهك حرمتها و يبيح نساءها و دماءها و أعراضها و أطفالها الذين لم يعصمهم قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بقداسته من ذلك الثور الهائج... فقتل أهلها في حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كأنهم [ صفحه 51] يردون جميله يوم مكة (من دخل دار أبي‌سفيان فهو آمن). لقد ردوا الجميل بانتهاك المحرمات و اجبار من بقي من الأحياء علي مبايعة يزيد (علي أنهم خول يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم، و الممتنع كان يوسم بالكي علي رقبته). ان التاريخ لم يكتب و لم يشهد نظير ذلك قسوة و غلظة و مأساة فكانت وقعة الحرة عام ثلاث و ستون و صمة في جبين التاريخ فهي تصفية لجيل صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من المهاجرين و الأنصار. و ان ما لم يختلف عليه المؤرخون هو أن الأمويين لم تكن لهم أية نزعة اسلامية بل لم ينفذ الاسلام الي دخائل قلوبهم بل جري علي ألسنتهم فقط خوفا من حد السيف، و لما دخلوا في حظيرته نصبوا المكائد له و تربصوا به الدوائر فالنزعات الجاهلية في قلوبهم و عقولهم و لا أدل علي ذلك من قول أبي‌سفيان زعيم الأمويين عندما استلم عثمان الحكم أنه ذهب الي قبر سيدالشهداء حمزة فركله برجله و قال: (يا أباعمارة ان الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا يتلعبون به) و مضي بعد ذلك منشرح الصدر الي عثمان فقال: (اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية و الملك ملك غاصبية و اجعل أوتاد الأرض لبني‌أمية) [38] و لم يحرك الخليفة ساكنا. هذه النزعة ورثها الأب ابنه. يقول مطرف بن المغيرة: وفدت مع أبي‌المغيرة علي معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف الي فيذكر معاوية و عقله و يعجب بما يري منه، و أقبل ذات ليلة فأمسك عن العشاء و هو مغتم أشد الغم فانتظرته ساعة و ظننت أنه لشي‌ء حدث فينا أو في عملنا فقلت له: مالي أراك مغتما هذه الليلة؟ [ صفحه 52] قال: يا بني جئت من أخبث الناس، قلت: و ما ذاك؟ قال: خلوت بمعاوية فقلت له انك قد بلغت مناك يا أميرالمؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فانك قد كبرت، و لو نظرت الي اخوانك من بني‌هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شي‌ء تخافه، فقال لي: هيهات هيهات!! ملك أخوتيم فعدل و فعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، الا أن يقول قائل: أبوبكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره الا أن يقول قائل عمر. ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل، و عمل به فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره و ذكر ما فعل به. و ان أخا بني‌هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات (أشهد أن محمدا رسول الله) فأي عمل يبقي بعد هذا لا أم لك الا دفنا دفنا. [39] . و من معاوية و زبانيته و من بعد من ملك عاني الشيعة الجور و الاضطهاد فقتلوا بكل بلدة و قطعت الأيدي و الأرجل علي الظنة، و من يذكر بحب آل البيت كان يسجن و ينهب ماله و تهدم داره [40] ، و ما ذلك الا لأنهم ناهضوا الظلم و كافحوا الجور، و لقد كتب معاوية الي كافة عماله: (انظروا الي من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه، و كتب لا حقا: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به و اهدموا داره) [41] . و أشد محنة لاقاها شيعة الكوفة أيام معاوية حيث استعمل عليهم زياد ابن أبيه، و كان به عالما فأشاع فيهم القتل و الاعدام، فقتلهم تحت كل حجر و مدر و قطع أيديهم و أرجلهم و سمل عيونهم و صلبهم علي جذوع النخل و شردهم و طردهم. [42] . [ صفحه 53] و هذا الاضطهاد و التنكيل لم يعده المسلمون قبلا بأحد منهم و هذا ما أثار سخط المسلمين و عملت الشيعة نتيجة الجور و الظلم علي تشكيل المنظمات السرية لايقاظ الرأي العام للتخلص من الحكم الأموي.

التحام القوي

ان المآسي و الأحزان و المصائب تجمع الناس و تؤلف بينهم بتلك الخفقات الأليمة و الدموع السواكب. و في وقعة الحرة و التي لم يخل بيت فيها من ثاكل و يتيم و منتهك أعراض، و التي أصبحت حديث الأندية و مقولة الألسنة فكانت الجراح الداميات من أوثق الأسباب التي أدت الي التحام القوي و تعبئة الرأي العام لثورة أقل ما يقال فيها انها أطاحت بذلك الحكم الأموي الذي لم يكن فيه أية نزعة اسلامية عدا الزمن القصير لعمر بن عبدالعزيز و الذي قتلوه مسموما بعد حكم قصرت أيامه حتي لكأنها استراحة مسافر كي يتنفس الصعداء.. ان يوم أربعاء الحرة في ثمان و عشرين من ذي الحجة لعام ثلاثة و ستين لهجرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم كيوم كربلاء و حتي يوم صلب ابن‌الزبير و ضربت الكعبة بالمنجنيق ما كان بأشد هولا من ذلك اليوم و ها هو معاوية بن يزيد يقف بعد موت أبيه معلنا تنازله عن الحكم لأهله و لم يمر عليه سوي ثلاثة أشهر فقط. لقد اهتبلها مروان و اقتنصها ليبدأ المروانيون بعد السفيانيين عام أربع و ستون للهجرة. ليخلفه ابنه عبدالملك عام خمس و ستون للهجرة و هو الذي قضي علي مصعب بن الزبير و عبدالله ليخلفه ابنه الوليد بن عبدالملك عام ست و ثمانين للهجرة ثم سليمان بن عبدالملك عام ست و تسعون للهجرة.. و بعده عمر بن عبدالعزيز عام ثمان و تسعين ليقتنصها منه يزيد بن عبدالملك ثم يليه هشام بن عبدالملك عام واحد و مائة و يعقبه الوليد بن يزيد عام خمس [ صفحه 54] و عشرون و مائة و كان مولعا بالخمر و اللهو خلع و قتل ليأتي يزيد بن الوليد (الناقص) عام ست و عشرون و مائة الذي ملك عدة شهور و مات بالطاعون. ثم ابراهيم بن الوليد عام ست و عشرون و مائة بويع بعد موت أخيه يزيد و هو المسمي بالمخلوع ثار عليه مروان بن محمد و عزله ثم عفا عنه ثم مروان بن محمد (الثاني) عام اثنان و ثلاثين و مائة و هو آخر الخلفاء الأمويين و قد قبض علي ابراهيم الامام عام 131 ه حيث قتله و كان مسكنه الحميمة جنوب البحر الميت و قد هزمه العباسيون في معركة الزاب و قتل قرب بوصير و لقب مروان الحمار. ثم العباسيون و كان أولهم السفاح عام اثنان و ثلاثين و مائة للهجرة (123 ه / 750 م) يليه المنصور (136 ه / 754 م) فالمهدي (158 ه / 775 م) فالهادي (169 ه / 785 م) فالرشيد (170 ه / 786 م).

تاريخ الولادة المباركة للامام

في هذه الدوامة العاصفة كانت ولادة الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام عام (128 ه) ثمان و عشرين و مائة.. فالسفاح و هو عبدالله بن محمد أبوالعباس ولد سنة 152 ه قاد الثورة بعد ابراهيم الامام و بويع له في مسجد الكوفة و قد أمر بابادة الأمويين بعد أن انتصر علي مروان الثاني في معركة الزاب... اتخذ الأنبار عاصمة له فجددها و أقام القصور و أسماها الهاشمية... و توفي بالجدري. تلاه المنصور الدوانيقي (عبدالله بن محمد) أبوجعفر (136 ه - 158 ه). ولد بالحميمة عام خمس و تسعين للهجرة و قد خلف السفاح و انتصر علي عمه عبدالله بن علي المطالب بالعرش و قتل أبومسلم الخراساني و أخضع ثورات العلويين و قتل محمد ذوالنفس الذكية (المدينة) و قتل أخاه ابراهيم في الكوفة (باخمرا) و بني بغداد و سماها دار السلام و توفي [ صفحه 55] في طريق الحج حيث خلفه ابنه المهدي (محمد بن عبدالله المنصور) 158 ه - 169 ه. ثم خلفه ابنه الهادي (موسي بن محمد المهدي) 169 ه - 170 ه و قد ولد بالري عام 144 ه و حاول اكراه الرشيد علي التنازل عن ولاية العهد، فقتل في دار الحريم بالموصل بتحريض من أمه الخيزران و خلفه الرشيد 170 ه - 193 ه و هو ابن المهدي و الخيزران ولد بالري و توفي بسناباد من قري طوس، استولي علي العرش بعد مقتل أخيه.

في سجلات التاريخ

لنرجع الي يوم خيبر و لنستمع لقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الفرح يملأ جوانحه بعد النصر الذي آتاه له الله في خيبر علي يد علي عليه‌السلام و اذ بجعفر يطل كالبدر في ليلة ظلماء عائدا من الحبشة. كانت فرحة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا تقدر فقالها ترددها الأكوان (فتح خيبر أم عودة جعفر) كلتاهما السرور و الهناءة و السعادة... كيف لا و جعفر بن أبي‌طالب الأسد الهصور.. (صل جناح ابن عمك مع جعفر تربي صغيرا في بيت عمه أبي‌طالب و معه ترعرع و هو لا يقل بطولة عن أترابه... انه أول قتيل في الاسلام (جعفر ذوالجناحين) في مؤتة و من ذريته محمد بن جعفر و أمه أسماء بنت عميس و هو قتيل صفين ثم أبوبكر بن عبدالله بن جعفر قتيل يوم الحرة مع أخيه عون الأصغر و أمه جمانة و قد جاء في قتل الطالبيين: أن عبيدالله بن علي بن أبي‌طالب قتل يوم الدار ثم عبدالله بن محمد بن علي بن أبي‌طالب (دس له السم سليمان بن عبدالملك بن مروان) و قيل انه أوصي الي محمد بن علي بن عبدالله بن العباس حيث ان هذا أوصي الي محمد الامام و قد قتل قبل ذلك الحسن بن علي عليه‌السلام قتله معاوية بيد جعدة التي دست له السم.. ثم يأتي مقتل الحسين عليه‌السلام في كربلاء و عمره ست و خمسون عاما و معه في نهضته تلك قتل مسلم بن عقيل بن أبي‌طالب بالكوفة و قتل علي بن [ صفحه 56] الحسين الأكبر و عبدالله بن علي و جعفر و عثمان و العباس أمهم أم البنين و محمد الأصغر ابن علي و أبوبكر بن علي و أبوبكر بن الحسين بن علي و القاسم بن الحسن بن علي و عبدالله بن الحسن بن علي و عبدالله بن الحسين بن علي (أمه الرباب) و عون بن عبدالله بن جعفر و أخيه محمد و عبدالله و قتل عبدالرحمن بن عقيل بن أبي‌طالب و أخوه عبدالله الأكبر و محمد بن مسلم بن عقيل و عبدالله بن مسلم بن عقيل و محمد بن أبي‌سعيد الأحول. و بعد استشهاد الامام الحسين عليه‌السلام يستلم الامامة علي بن الحسين زين‌العابدين عليه‌السلام ثم ابنه الباقر محمد بن علي عليه‌السلام و تقوم ثورة زيد بن علي بن الحسين (و له تنسب الزيدية) و زيد هذا هو حليف القرآن يقتل في الكناسة زمن هشام بن عبدالملك و كان أبوحنيفة من مشجعي الثوار معه و يظل زيد عليه‌السلام مصلوبا حتي زمن الوليد بن يزيد فينزله و يحرقه.. و بعد زيد يحمل ابنه يحيي لواء الثورة أيام الوليد بن يزيد فيقتل في (الجوجزان) و هو قتيل باخمرا و يصلب حتي زمن أبي مسلم الخراساني حيث ينزله و يغسله و يدفنه ثم يقتل قاتليه. و يحمل لواء الثورة عبدالله بن محمد بن علي بن الحسين و هو أخو جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام أمهم أم‌فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي‌بكر، حيث قتل بالسم سقاه اياه رجل من بني‌أمية و أما عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب فقد دس له السم أبومسلم. و قد قتل عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن علي بن أبي‌طالب أمه أسماء أم عون كان جوادا فارسا شاعرا لكنه ردي‌ء المذهب و السيرة يتلذذ بقتل غريمه بالسياط حتي الموت (أقسي خلق الله قلبا). و عندما بويع يزيد بن الوليد الأموي خرج الي الكوفة داعيا لنفسه و لبس [ صفحه 57] الصوف مظهرا الخير و قد قتله أبومسلم و بعث رأسه الي مروان الحمار [43] . و قد رأينا المرور عبورا بتلك القافلة من الشهداء لنستقري‌ء الأجواء القائمة التي يسيطر عليها الرعب و القتل و التشرذم في خلال ملك بني‌أمية و الذي نزا علي منابر الحق مهوما بالباطل و المؤامرات و القتل و من أراد الاستزادة عما قاموا به فالمراجع تفيض بالدسائس و النقائص و في مقاتل الطالبيين ما يعطي تلك الصورة عن الأمصار و ما يسود فيها من قتل وسم... منذ تقمصها معاوية بخداعه و نفاقه حتي سقط مروان الحمار في الزاب.. [ صفحه 58]

في تاريخ العباسيين

اشاره

السفاح لم يقتل أحدا من العلويين لكنه كان يطلب محمد و ابراهيم ابني عبدالله بن الحسن. المنصور و في زمنه تأتي الويلات و هو الذي خلف لابنه المهدي خزانة مليئة برؤوس العلويين و لكل رأس ورقة مكتوب عليها اسم صاحبه و بدأ بعبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام و أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم‌السلام (كل حسن انتهي الي عبدالله بن الحسن) و قيل: (ولده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مرتين) و قد اقتيد مع نفر من آله الي المطبق و هو حبس لا يري الضوء و لا يعرف فيه ليل من نهار و كانوا يقضون الصلاة بتسبيح علي بن الحسن و كان معه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام و ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام (و هو شبيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) و قد توفي معهم في حبسهم بالهاشمية سنة 145 ه و هو أول من توفي و عمره سبع و ستون عاما و توفي عبدالله سنة 145 ه و عمره خمس و سبعون عاما و الحسن بن الحسن و عمره ثمان و ستون عاما سنة 145 ه. يقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: [يدفن من ولدي سبعة بشاطي‌ء الفرات لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون] و كان معهم علي بن الحسن بن الحسن بن [ صفحه 59] الحسن (علي الخير) و قد توفي و هو ساجد في حبس المنصور و كنت صلاتهم تقام علي أجزاء القرآن الي يقرأها علي بن الحسن و كان عمره ست و أربعون سنة صباح الأضحي سنة 145 ه و معه أخوه عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب توفي يوم الأضحي و عمره ست و أربعون عاما سنة 145 ه. و العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام أخذوه من علي الباب (قالت أمه دعوني أشمه شمة و أضمه ضمة فقالوا: لا و الله ما كنت في الدنيا حية)، توفي في رمضان لسبع بقين منه سنة 145 ه و عمره خمس و ثلاثون سنة (أمه عائشة بنت طلحة الجود)، كذلك اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام و كان مثل سبيكة الذهب كلما اشتد البلاء ازداد صبرا. و محمد بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام (الديباج) قتله أبوجعفر و قال: أما و الله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت ثم أدخل فيها فبينت عليه و هو حي. و علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام أمه أم محمد بن عبدالله بن الحسن حبسه المصنور مع أهله فمات معهم. و محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان (أخ عبدالله بن الحسن من أمه) و كان يحبه جدا و قد قتل معهم. و قتل طفل صغير لمحمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام. و محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام سمي بالمهدي و النفس الزكية و أمه هند أم أخيه ابراهيم و عندما ملك العباسيون حرصوا علي الظفر بمحمد و ابراهيم لما في أعناقهم من البيعة [ صفحه 60] لمحمد (فقد بايعه المنصور مرتين احداهما بالمدينة و الأخري بمكة في المسجد الحرام و كان يمسك لمحمد ركاب دابته و يسوي سرجها) و قد قتل بالمدينة علي أحجار الزيت حيث خرج سنة 145 ه و كان أشبه بحمزة بن عبدالمطلب و قد قتل قبل العصر من يوم الاثنين الرابع عشر من رمضان و دفن بالبقيع و كان حميد بن قحطبة قد احتز رأسه و أرسله للمنصور و طيف به في طبق أبيض. و خرج معه من بني‌هاشم كما قال الحسن بن الحسين عن الحسين بن زيد: أربعة من ولد الحسين (أنا و أخي عيسي و موسي و عبدالله ابنا جعفر بن محمد عليه‌السلام). و الحسن و يزيد و صالح بنو معاوية بن عبدالله بن جعفر و قد أخذ المنصور (الحسن) و حبسه و ضربه بالسوط و لما مات أبوجعفر أطلق سراحه المهدي أمه و أم اخوته يزيد و صالح فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي عليه‌السلام. فالحسين و عيسي ابنا زيد بن علي كانا مع أبناء جعفر بن محمد بن علي أي الامام موسي عليه‌السلام و أخيه عبدالله (بوصية أبيهما جعفر عليه‌السلام). و كذلك حمزة بن عبدالله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. و علي و زيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام. و القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب عليه‌السلام. و المرجي علي بن جعفر بن اسحاق بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب و المنذر بن محمد بن المنذر بن الزبير. و خرج ابن‌هرمز و عبدالله بن يزيد بن هرمز و محمد بن عجلان (و كان [ صفحه 61] كالحسن البصري مرجع دين وفقه لأهل المدينة و بعد استشهاد محمد أمر به سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس والي المدينة فقطعت يده.) و كان مالك بن أنس قد أفتي بالخروج مع محمد كما خرج معه مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير و ابنه عبدالله بن مصعب، كذلك خرج أبوبكر الفقيه الذي كان يروي عنه الواقدي و كانت معه رايته. و خرج يزيد بن هرمز و عبدالواحد بن أبي‌عون مولي الأزد و عبدالله بن عامر الأسلمي و عبدالعزيز بن محمد الدراوردي و اسحاق بن دينار مولي جهينة و عبدالحميد بن جعفر و عبدالله بن عطاء و بنوه جميعا و كانوا تسعة أبناء و مات عبدالله متواريا بعد مقتل محمد و لما خرج نعشه أنزله جعفر بن سلمان والي المدينة فصلبه ثم أنزله فدفن. و معه أيضا خرج عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير و قد قتله المنصور بعد أن طلب منه المال و وصفه بابن اللخناء فأجابه عثمان: ابن اللخناء من قامت عنه مثل أمك سلامة كما خرج عبدالرحمن بن أبي الموالي و عبدالواحد بن أبي‌عون و عبدالله بن عمر بن العمري و أخوه و بعد مقتل محمد حبسه المنصور بالمطبق ثم تركه و مات في خلافة هارون سنة 172 ه كذلك خرج عبدالله بن جعفر بن المسور و قد تواري بعد مقتل محمد حتي استؤمن. كما خرج معه أبوخالد الواسطي و القاسم بن محمد السلمي و هما من أصحاب زيد بن علي. كما و قتل زمن المنصور عبدالله الأشتر بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام [قتله هشام التغلبي و أرسل رأسه الي المنصور]. و أما ابراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام و أمه هند [ صفحه 62] أم أخيه محمد فقد خرج بعد خروج أخيه محمد ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة 145 ه. و لابراهيم قوله المشهور: (طوبي لمن كان منطقه ذكرا و نظره و عبره و سكوته تفكرا و وسعه بيته و بكي علي خطيئته أو سلم المسلمون منه). و بعد مقتل أخيه كان يقول: (ما أتي علي يوم بعد قتل محمد الا استطلته حبا للحاق به). و قد قتل عليه‌السلام في باخمرا و قال أصحابه: (أردنا أن نجعلك ملكا فأبي الله الا أن يجعلك شهيدا) حتي قتلوا معه. [44] . و كان قد خرج في رمضان سنة 145 ه و قتل في ذي الحجة و كان شعاره (أحد أحد) و قيل قتل يوم الاثنين ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة، و جي‌ء للمنصور برأسه يوم الثلاثاء حيث أمر بنصبه في السوق و نادي المنادي (هذا رأس الفاسق ابن الفاسق) و كان الأقطع هو الذي احتز رأسه.

حبس العلويين في الكوفة

و بعدها جمع المنصور في الكوفة كل آل علي الذين أجلاهم عن المدينة حتي لم يترك فيها محتلم و علي رأسهم جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام حبسهم شهرا ثم دعاهم الربيع حاجبه فقال أين هؤلاء العلوية فأدخل اليه جعفر بن محمد و الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليهم‌السلام. فقال المنصور لجعفر: أنت الذي تعلم الغيب قال: لا يعلم الغيب الا الله فقال: أنت الذي يجبي اليك هذا الخراج قال: اليك يجبي يا أميرالمؤمنين الخراج قال: أتدرون لم دعوتكم؟ قال: لا. قال: أردت أن أهدم [ صفحه 63] رباعكم و أروع قلوبكم و أعقر نخلكم و أترككم بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز و أهل العراق فانهم لكم مفسدة [و كان لسان الجاهلية القرشية هو الذي يحكم و يتكلم يوم نفي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و رهطه الي شعب أبي‌طالب و منع عنهم الطعام و الكلام]، كما و كأني به يشير بقوله الي الصادق يوم قال لعبدالله بن الحسن و الله ليس لك و لا لبنيك و انها لهؤلاء و عندما لحق المنصور بالصادق عليه‌السلام و اطمأن الي الأمر «و ظلم ذوي القربي... أليس أبالهب من ناصب النبي صلي الله عليه و آله و سلم العداء و ليست امرأته حمالة الحطب...؟!!). فقال الصادق عليه‌السلام: يا أميرالمؤمنين ان سليمان أعطي فشكر و ان أيوب ابتلي فصبر و ان يوسف ظلم فغفر و أنت من ذلك النسل، قال: فتبسم و قال: أعد علي، فأعاد، فقال: مثلك فليكن زعيم القوم و قد عفوت عنكم و وهبت لكم جرم أهل البصرة، و سرحهم الي المدينة بعد أن طلب منه الامام الصادق عليه‌السلام أن يحدثه الحديث الذي حدث به عن أبيه عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [45] . قال الصادق عليه‌السلام: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: صلة الرحم تعمر الديار و تطيل الأعمار و ان كانوا كفارا. فقال المنصور: ليس هذا. قال الصادق عليه‌السلام: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: الأرحام معلقة بالعرش تنادي: اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني فقال: ليس هذا. قال الصادق عليه‌السلام: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان الله عزوجل يقول: أنا الرحمن خلقت الرحم و شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته و من قطعها قطعته، قال: ليس هذا الحديث قال الصادق عليه‌السلام: حدثني أبي عن آبائه عن علي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن ملكا من الملوك في الأرض كان بقي من عمره [ صفحه 64] ثلاث سنين فوصل رحمه فجعلها الله ثلاثين سنة فقال: هذا الحديث أردت. و لما وضع رأس ابراهيم بن عبدالله بين يدي المنصور تمثل قولا: فألقت عصاها و استقرت بها النوي كما قر عينا بالاياب المسافر [46] . و كان خرج مع ابراهيم من أهل العلم و الفقهاء منهم سلام بن أبي واصل و ثلاث من رهطه عيسي بن اسحاق السبعي و أبوخالد الأحمر (سليمان بن حيان كوفي ثقة) و يونس بن أبي‌اسحاق ظلوا معه حتي قتل و هم من أصحاب زيد بن علي، و كذلك أبوداود الطهوي و قطر بن خليفة (و هو شيخ كبير) و عبدالله بن جعفر المدائني والد علي بن المدائني و هارون بن سعد [47] و هو رجل صالح أعطاه واسط حيث بايعه أهلها و كان معه مسلم بن سعيد و الأصبغ بن يزيد و خليفة بن حسان و عامر بن كثير السراج و حمزة بن عطاء البرني و كان هشام بن حسان يقول: اللهم أهلك أبا الدوانيق. و كان ممن تبعه عباد بن العوام (هدم الرشيد داره و منعه الحديث) و يزيد بن هارون و هشيم بن بشير (و قد قتل ابنه معاوية و أخوه الحجاج). كذلك كان معه العلاء بن بشير و اسحاق بن يوسف الأزرق و العوام بن حوشب و هو شيخ و أسامة بن زيد و عبدالواحد بن زياد و بعد مقتل ابراهيم نادي مناد أمن الناس أجمعون الا العوام بن حوشب (استخفي سنتين حتي أخرج له الأمان معن بن زائدة) و أسامة بن زيد (تواري ثم هرب الي الشام). و كان أبوحنيفة يجهر في أمر ابراهيم جهرا شديدا و يفتي الناس بالخروج معه. يقول أبواسحاق الفزاري: جئت أباحنيفة فقلت له: ما اتقيت الله حيث [ صفحه 65] أفتيت أخي بالخروج مع ابراهيم بن عبدالله بن الحسن حتي قتل!! فقال: قتل أخيك حيث قتل يعدل قتله لو قتل يوم بدر و شهادته مع ابراهيم خير له من الحياة، قلت: ما منعك أنت من ذلك؟ قال: ودائع الناس كانت عندي. و كتب أبوحنيفة لابراهيم: (اذا أظفرك الله بعيسي و أصحابه فلا تر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فانه لم يقتل المنهزم و لم يأخذ الأموال و لم يتبع مدبرا و لم يذفف علي جريح، لأن القوم لم يكن فئة ولكن سر فيهم بسيرة يوم صفين فان سبي الذرية و ذفف علي الجريح و قسم الغنيمة لأن أهل الشام كانت لهم فئة و كانوا في بلادهم). فظفر أبوجعفر بكتابه فسيره و بعث اليه فأشخصه و سقاه شربة فمات منها و دفن ببغداد في رجب سنة 150 ه في مقابر الخيزران و عمره سبعون سنة. وحدث ابراهيم بن سويد الحنفي قال: سألت أباحنيفة و كان لي مكرما أيام ابراهيم قلت: أيهما أحب اليك بعد حجة الاسلام الخروج الي هذا أو الحج؟ فقال: غزوة بعد حجة الاسلام أفضل من خمسين حجة. و حدث الحسين بن سلمة الأرحبي قال: جاءت امرأة الي أبي‌حنيفة أيام ابراهيم فقالت: ان ابني يريد هذا الرجل، و أنا أمنعه. فقال: لا تمنعيه. و عن عبدالله بن ادريس قال: سمعت أباحنيفة و هو قائم علي درجته و رجلان يستفتيانه في الخروج مع ابراهيم و هو يقول: اخرجا. و كان شعبة الأزدي يقول: ما يقعدكم؟ هي بدر الصغري و كذلك كان صالح المروزي يحرض الناس علي نصرة ابراهيم، و كان الأعمش (سليمان بن مهران) يقول: أما أني لو كنت بصيرا لخرجت. أما ابن الفرزدق (و كان شيخا كبيرا جليلا) فقال: لا ملجأ من الله الا اليه... و قتل. و كان معه نصر بن ظريف و أبو العوام القطان (من أصحاب الحسن البصري) و عبد ربه بن يزيد، و من آل سلمة بن المحبق (عبدالحميد بن [ صفحه 66] سنان و الحكم بن موسي و عمران بن شبيب) و عباد بن منصور و سوار بن عبدالله و خالد بن عبدالله الواسطي، و الفضل الضبي (أقام عنده ابراهيم) و الطهوي أبوداود و ابراهيم الأسدي و غيرهم الكثير، و قد أحصي ديوان ابراهيم من أهل البصرة مائة ألف... و قتل ابراهيم في باخمرا كما قتل أخوه علي أحجار الزيت...

ماذا بعد الثورة

انها الثورات التي فجرها الكبت و الجور. ثورات اقتدت ثورة الحسين عليه‌السلام ضد الظلم و من أجل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. لقد عايش الامام موسي عليه‌السلام هذا التشتت و القتل و التشريد كما عايشها أبوه و لقد اشترك عليه‌السلام في الثورة حيث خرج مع محمد بن عبدالله بأمر من أبيه هو و أخوه عبدالله. و عندما قتل محمد و ابراهيم اللذان كانت ثورتهما الأمل للناس للتخلص من الظلامة المحيقة، خبا ذلك الأمل و أجاف الخلق أبوابهم عليهم و منهم من تخفي و منهم من هرب و منهم من صرخ عاليا و قتل.. و ها هو سفيان الثوري الشيخ الفقيه يقول: ما أظن الصلاة تقبل، الا أن الصلاة خير من تركها و عندما يتلفظ عالم فقيه كسفيان الثوري بذلك فعلينا ادراك شدة الألم و النقمة كما و يدل علي قسوة الحياة و المعاناة... و كان من المتوارين الذين شهدوا مع محمد و ابراهيم الحسين بن زيد بن علي و الذي كان يقيم في منزل جعفر بن محمد عليه‌السلام و هو الذي رباه و نشأ في حجره منذ مقتل أبيه و لقد أخذ عن الصادق عليه‌السلام العلم و كان للحسين أخا هو محمد بن زيد و كان مع المنصور. يقول يحيي بن الحسين: قالت أمي لأبي ما أكثر بكاءك فقال: و هل ترك السهمان و النار سرورا يمنعني من البكاء (يعني السهمين اللذين قتل بهما أبوه زيد و أخوه يحيي). [ صفحه 67] أما موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام و أمه هند أم أخويه محمد و ابراهيم فقد ضربه المنصور بالسياط حتي غشي عليه و كان مع الدفعة الأولي التي أخذها المنصور الي الربذة و كان حديث السن و قد ولدته أمه هند و لها من العمر ستون عاما و لقد قال له المنصور: لا أنعم الله بك عينا و بعد أن أفاق قال له انطلق فائتني بأخويك. و لقد وجهه أخوه محمد الي الشام لكنه قبل أن يبلغها قتل محمد (و قيل ان موسي رجع و قاتل مع أخيه و شهد مقتله) و قيل ذهب من الشام الي البصرة و كان معه ابنه عبدالله و مولي له و رجل من شيعته و قد قبض عليه (محمد بن سلمان ابن أخته) حيث كان موسي خاله و من ثم أرسله للمنصور الذي ضربه خمسمائة سوط و قيل لم يزل موسي محبوسا حتي أطلقه المهدي و قيل تواري حتي مات. حدث عبدالله بن موسي عن أبيه قال: دخلت مع أبي علي أبي العباس السفاح و أنا غلام حديث السن فالتفت الي أبي فقال: لعل ابنك هذا يروي لامية أبي‌طالب؟ قال له: نعم يا أميرالمؤمنين قال: مره لنشدها فقال لي: قم فأنشده اياها. قال: و دخل موسي يوما علي الرشيد ثم خرج من عنده فعثر بالبساط فسقط فضحك الخدم وضحك الجند، فلما قام التفت الي هارون فقال: يا أميرالمؤمنين انه ضعف صوم لا ضعف سكر. و علي بن الحسن بن زيد بن علي عليه‌السلام فقد حبسه المنصور مع أبيه الحسن بن زيد و مات في الحبس، كذلك حمزة بن اسحاق بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب حبسه المنصور فمات في الحبس. كم من قتيل و كم من أسير و كم من رأس في خزانة الرؤوس و كم من طفل ثكلته أمه و كم من اسطوانة بنيت علي آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يذهب المنصور الي غير رجعة و لا رحمة من الله سبحانه هلك عدو الله بعد أن قتل [ صفحه 68] الكثير من خلق الله ظلما و عدوانا، فأبكي الأمهات و الآباء و أرعب القلوب، انه أبوالدوانيق الذي أسكن البؤس في النفوس فكم من مرة أرهب الصادق عليه‌السلام و كم من مرة استدعاه و هو يحلف الأيمان أن سيقتله... كم من المرات أرسل من يقتاده اليه دون حذاء أو كساء. يروي السيد ابن‌طاوس (رض) أنه لما حج المنصور في سنة من السنين نزل الربذة و كان بها جعفر الصادق عليه‌السلام فغضب عليه يوما فدعا ابراهيم بن جبلة و قال له: قم اليه فضع ثيابه في عنقه، ثم ائتني به سحبا. قال ابراهيم: فخرجت حتي أتيت منزله فلم أصبه، فطلبته في مسجد أبي‌ذر فوجدته فاستحييت أن أفعل ما أمرت به، فأخذت بكمه فقلت له: أجب أميرالمؤمنين فقال: (انا لله و انآ اليه راجعون)، دعني حتي أصلي ركعتين، ثم بكي بكاء شديدا و أنا خلفه ثم قال: (اللهم أنت ثقتي...) ثم قال: اصنع ما أمرت به فقلت: و الله لا أفعل و لو ظننت أني أقتل، فأخذت بيده فذهبت به، لا و الله ما أشك الا أنه يقتله، فلما انتهيت به الي باب الستر قال: (يا اله جبرائيل..) فلما أدخلته عليه أقبل يلومه و قال: و الله لأقتلنك، فقال عليه‌السلام: خذ عني، فوالله لقل ما أصحبك، فقال أبوجعفر: انصرف ثم التفت الي عيسي بن علي فقال له: الحقه فسله: أبي أم به؟ (أي بموتي أم بموته) فخرج يشتد حتي لحقه فقال: يا أبا عبدالله. أميرالمؤمنين يقول لك: أبك أم به؟ فقال: لا، بل بي، فعاد فأخبر المنصور بذلك، فسر به. لقد كان المنصور (لعنه الله) يعلم في سريرته من هو الصادق عليه‌السلام و يؤمن بكراماته و موقعه و أحقيته كان كابليس داخله البغض و الحسد و الجور و البهتان، لم ينس و لن ينسي أنه كان يسوي السرج لمحمد بن عبدالله... و لا يمكنه في أية خطوة يخطوها الا أن يذكر طفولته و من هو لذلك كان يتقمصه ابليس في طغيانه للقضاء علي النسل الطاهر من آل البيت و خاصة سيدهم في ذلك الحين الصادق عليه‌السلام، و كم من المرات أبكي تلك العيون التي لا تبكي [ صفحه 69] الا لخشية الله.. بكي الصادق عليه سلام الله و هو ينظر أهله يقتلهم أبوالدوانيق... هذا محمد ذوالنفس الذكية و ذلك ابراهيم و الديباج و رتل طويل طويل من القتلي و المقتولين في المطامير ظلما و عدوانا و تلك رسالته عليه‌السلام الي عبدالله بن الحسن في سجنه تطفح ألما و تعج طهرا و صبرا... كما أسدي النصح لعبدالله و هو يقول هذا ابني المهدي و بقلب جرحته المأساة و ملأه العذاب يقول له... ليس هو المهدي و لم تؤن الساعة. و يرد عبدالله... هذا حسد منك لابني... لكن الصادق عليه سلام الله يبكي ألما و يقول و الله يا عماه ما هو بالمهدي و لكنه سيقتل مع أخيه... و لم يبخل عليه‌السلام بابنيه موسي و عبدالله فأخرجهما مع محمد بعد أن اعتذر عن نفسه علما أن فؤاده كان يتوق للشهادة مع محمد لكن الأمة في ذلك الوقت بحاجة اليه مرشدا معلما موجها حافظا لشريعة الله.. لم يؤن الأوان كما قال عليه‌السلام و كما قالها قبله أبوه الباقر عليه‌السلام لأخيه زيد بن علي الشهيد و لابنه يحيي... و ان لله حكمته في ذلك.. ثورة، و ثورة... و تقية، و تقية. حدث علي بن عباس قال: أنبأنا بكار بن أحمد قال: حدثنا يحيي بن الحسن قال: حدثني حماد بن يعلي قال: قلت لعلي بن عمر بن علي بن الحسين: أمتع الله بك، أسمعت جعفرا يذكر في محمد و ابراهيم شيئا؟ قال: سمعته حين أمره أبوجعفر أن يسير الي الربذة، فقال: يا علي بنفسي أنت، سر معي، فسرت معه الي الربذة، فدخل علي أبي‌جعفر و قمت أنتظره، فخرج علي جعفر و عيناه تذرفان فقال لي: يا علي، ما لقيت من ابن الخبيثة، و الله لا أمضي، ثم قال: رحم الله ابني هند انهما كانا لصابرين كريمين، و الله لقد مضيا و لم يصبهما دنس [48] ... قال: و قال غيره انه قال: فما آسي علي [ صفحه 70] شي‌ء الا علي تركي اياهما لم أخرج معهما. و جاء أن موسي عليه‌السلام و عبدالله ابنا جعفر بن محمد عليه‌السلام كانا عند محمد بن عبدالله فأتاه جعفر فسلم، ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك، قال: ما أحب ذلك، قال: فان رأيت أن تأذن لي فانك تعرف علي. قال: قد أذنت لك ثم التفت محمد بعد ما مضي جعفر عليه‌السلام الي موسي عليه‌السلام و عبدالله ابن جعفر فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا، فالتفت جعفر فقال: ما لكما؟ قالا: قد أذن لنا، فقال جعفر عليه‌السلام: ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي و بكما عنه، فرجعا فشهدا محمدا. انه الصوت الحق لذي تمني علي عبدالله بن الحسن قائلا: لا تفعلوا... فان هذا الأمر لم يأت بعد... (ان كنت تري أن ابنك هذا هو المهدي فليس به، و ليس هذا أوانه و ان كنت انما تريد أن تخرجه غضبا لله و ليأمر بالمعروف وينه عن المنكر فانا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبايع ابنك)... و ها هو و الألم يعتصر نفسه و هو يقول له: (انها و الله ما هي اليك و لا الي ابنيك و لكنها لهم، و ان ابنيك لمقتولان...) كان عليه‌السلام يعلم مما علمه الله سبحانه بما يجري فكان اذا رأي محمد بن عبدالله بن الحسن ترغرغت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو، ان الناس ليقولون فيه انه المهدي... و انه لمقتول، ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة!!!

سطور التاريخ

وقف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ينظر ابنته فاطمة عليهاالسلام و عليها كساء من أجلة الابل، تطحن بيدها و ترضع ولدها بالأخري فتدمع عيناه و يقول: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة... و تجيب عليهم‌السلام قائلة: يا رسول الله الحمدلله علي نعمائه و الشكر لله علي آلائه.. و نسمع صوت الصادق عليه‌السلام يقول لسائله: أد الأمانة لمن ائتمنك و أراد [ صفحه 71] منك النصيحة و لو الي قاتل الحسين، انها ضريبة الرسالة و ضريبة الايمان. الصبر و التحمل... و ما تلك التصفيات الجسدية التي قام بها العباسيون و من قبلهم الأمويون و قبل ذلك هضم حق الزهراء و علي الا من أجل كرسي الملك...

الايعاز بقتل جعفر و موسي

يروي السيد ابن‌طاوس عن الربيع حاجب المنصور أنه قال: دعاني المنصور يوما فقال: أما تري ما هو هذا يبلغني عن جعفر بن محمد، و الله لأستأصلن شأفته ثم دعا بقائد من قواده فقال انطلق الي المدينة في ألف رجل و اهجم علي جعفر بن محمد علي غرة و خذ رأسه و رأس ابنه موسي بن جعفر في مسيرك فخرج القائد من ساعته حتي قدم المدينة فلما بلغها أمر جعفر بن محمد فأتي بناقتين فأوثقهما علي باب البيت و دعا بأولاد موسي و اسماعيل و محمد و عبدالله فجمعهم و قعد في المحراب و جعل يدعو... قال موسي بن جعفر عليه‌السلام: كنت واقفا فرأيت القائد و قد أقبل مع رجاله و أمرهم بحز رأسي الناقتين ففعلوا ثم انطلقوا بهما الي المنصور، فلما دخلوا عليه، اطلع علي المخلاة التي كان فيها الرأسان فاذا هما رأسا ناقتين، فقال: أي شي‌ء هذا، قال القائد: أيها الأمير ما ان دخلت البيت الذي فيه جعفر بن محمد حتي دار رأسي و لم أنظر ما بين يدي، فرأيت شخصين قائمين خيل الي أنهما جعفر بن محمد و موسي ابنه فأخذت رأسيهما، فقال المنصور: اكتم علي و لا تحدث بهذا أحدا، قال: فما حدثت به أحدا حتي مات.

الصادق في ذمة الله

و يروي الشيخ الصدوق عن أبي‌بصير أنه قال: دخلت علي حميدة (أم ولد و هي أم الكاظم عليه‌السلام) زوجة الصادق عليه‌السلام أعزيها بأبي عبدالله عليه‌السلام فبكت و بكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبدالله عليه‌السلام عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني و بينه قرابة، [ صفحه 72] قالت: فلم نترك أحدا الا جمعناه، فنظر اليهم ثم قال: (ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة). ها هو عليه‌السلام مسجي في فراشه، يوصي بالهبات... باعطاء فلان و فلان وصلة ذي القربي... و تستغرب سالمة مولاة أبي عبدالله فيقول لها عليه‌السلام: نعم يا سالمة ان الله تعالي خلق الجنة فطيبها و طيب ريحها و ان ريحها يوجد من مسيرة ألف عام و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم... و الي بارئها تعود روحه الطاهرة... يقبض عليه سلام الله كما قبض جده و أبوه... و ها هو الكاظم عليه‌السلام يأمر بالسراج في البيت الذي كان يسكنه أبوه و قبض فيه... يروي الشيخ الكليني عن الكاظم عليه‌السلام قال: أنا كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما و في قميص من قمصه و في عمامة كانت لعلي بن الحسين عليه‌السلام و في برد اشتريته بأربعين دينارا... (التقية ديني و دين آبائي) قالها عليه‌السلام و كررها و ها هو يلجأ اليها في وصيته فهو عليه‌السلام يوصي لابنه عبدالله و موسي عليه‌السلام و المنصور و حميدة و والي المدينة و هكذا دل علي الصغير و بين علي الكبير و ستر الأمر العظيم توقيا من شر المنصور... و تجري دموع التماسيح من عيني المنصور... يمسك النعوة و يبكي فهل يبكي فرحا أم ترحا... الحقيقة أنه بكي يوم وردت نعوة أبي عبدالله عليه‌السلام لكن قلبه كان ينبض بالشر و الاثم فيقول لأبي أيوب الخوزي الذي استدعاه في جوف الليل يطلعه علي وفاة الامام الصادق عليه‌السلام فيقول له: اكتب الي محمد بن سليمان ان كان أوصي الي رجل بعينه فقدمه و اضرب عنقه... و لم تنل نفسه مناها فقد ورد الجواب بالوصية لخمسة أحدهم الدوانيقي و محمد بن سليمان و عبدالله و موسي ابني جعفر و حميدة... و تخرج زفرة الغيظ يشعلها الحقد... (ليس الي قتل هؤلاء سبيل). [ صفحه 73] لقد استعمل التقية ليدفع القتل عن الامام بعده فلقد اختصت الوصاية و الامامة به عليه‌السلام... ارتحل سلام الله عليه و كما قال لموسي عليه‌السلام فقد ادعي عبدالله (الأفطح) الامامة و عندها أمر الامام موسي عليه‌السلام بجمع حطب كثير من وسط داره و أرسل الي أخيه عبدالله يسأله أن يصير اليه، فلما صار عنده و مع موسي عليه‌السلام جماعة من وجوه الامامية فلما جلس اليه أخوه عبدالله أمر موسي عليه‌السلام أن تشعل النار في الحطب فاحترق كله و لا يعلم الناس السبب فيه حتي صار الحب كله جمرا ثم قام موسي عليه‌السلام و جلس بثيابه في وسط النار، و أقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه و رجع الي المجلس و من ثم قال لأخيه عبدالله: ان كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس. قالو: فرأينا عبدالله قد تغير لونه، و قام يجر رداءه حتي خرج من دار موسي عليه‌السلام و لبث عبدالله بعد أبيه سبعين يوما ثم توفي. و بذلك صدق قول أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام حيث قال لموسي عليه‌السلام (يا بني ان أخاك سيجلس مجلس و يدعي الامامة بعدي فلا تنازعه بكلمة فانه أول أهلي لحوقا بي). و لقد كان للكاظم عليه‌السلام اخوة تسعة (اسماعيل و عبدالله و أم‌فروة أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و كان الكاظم و اسحاق و محمد لأم ولد هي حميدة المغربية، و العباس و علي و أسماء و فاطمة لأمهات أولاد شتي). أما اسماعيل فكان أكبر اخوته و كان أبو عبدالله شديد المحبة له و البر به و الاشفاق عليه و كان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه و خليفته و قد مات في حياة أبيه بقرية العريض و حمل علي رقاب الرجال الي أبيه بالمدينة حتي دفن بالبقيع، و بعد موته انصرف عن القول بامامته بعد أبيه من كان يظن ذلك و بقيت شرذمة قالت بامامة محمد بن اسماعيل ثم أولاده و من سلالة اسماعيل كان الملوك الفاطميون. [ صفحه 74] أما عبدالله بن جعفر فكان الأكبر بعد اسماعيل و كان متهما بالخلاف مع أبيه في الاعتقاد (كان يخالط الحشوية) و يتمذهب بالمرجئة و ادعي الامامة بعد أبيه و تابعه جماعة ثم رجعوا للقول بامامة أخيه موسي عليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه و براهين الامام موسي عليه‌السلام و الذين اتبعوه سموا بالفطحية حيث كان أفطح الرجلين. و أما اسحاق بن جعفر فقد كان من أهل الفضل و الصلاح و الورع و الاجتهاد و روي عنه الناس الحديث و الآثار و يقال عنه الثقة الرضي و كانت زوجته السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام المدفونة بمصر. و محمد بن جعفر عليه‌السلام كان يقال له الديباج لحسنه و بهائه و جماله و كماله، و كان سخيا شجاعا و كان يري رأي الزيدية بالخروج بالسيف، خرج علي المأمون سنة 199 ه بالمدينة فبايعه أهلها بامرة المؤمنين، و كان يصوم يوما و يفطر يوما و له كل يوم شاة، ثم أتي مكة مع نفر من العلويين منهم الحسين بن الحسن الأفطس و محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثني و محمد بن الحسن و علي بن الحسين بن عيسي بن زيد و علي بن الحسين بن زيد و علي بن جعفر بن محمد و وقع القتال بينهم و بين هارون بن المسيب قائد المعتصم الذي أرسل لمحمد رسالة مع الامام الرضا عليه‌السلام للصلح فأبوا و حوصروا بجيش كبير في جبل ثبير (بمكة) و طال الحصار حتي نفد زادهم و ماؤهم فتفرق من معه و طلب الصلح، و قد وضع الطالبيون بالأغلال و ساروا بهم الي خراسان حيث المأمون الذي أكرم وفادتهم و وصلهم، فأقام مع المأمون بخراسان حتي وفاته حيث صلي عليه المأمون و دخل قبره ثم قضي ديونه. و قد روي الشيخ الصدوق عن السيد عبدالعظيم بن عبدالله الحسني عن جده علي بن الحسن بن يزيد بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام أنه قال: حدثني عبدالله بن محمد بن جعفر بن [ صفحه 75] محمد عن أبيه عن جده أن محمد بن علي الباقر جمع ولده وفيهم عمهم زيد بن علي عليهم سلام الله، ثم أخرج اليهم كتابا بخط علي عليه‌السلام و املاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مكتوب فيه: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم (حديث اللوح)... الي الموضع الذي يقول فيه (و أولئك هم المهتدون). و يقول عبدالعظيم: العجب كل العجب لمحمد بن جعفر و خروجه و قد سمع أباه عليه‌السلام يقول هذا و يحكيه. ثم العباس بن جعفر و كان فاضلا. و علي بن جعفر و كان سيدا جليل القدر عظيم الشأن شديد الورع عالما راوية للحديث كثير الفضل، أدرك الجواد عليه‌السلام و يقال أدرك الهادي عليه‌السلام و توفي في أيامه و قد لزم أخاه موسي عليه‌السلام و أخذ عنه معالم دينه. و يروي الشيخ الكليني عن محمد بن الحسن بن عمار أنه قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد عليه‌السلام جالسا و كنت أقمت عنده عشر سنين أكتب عنه ما سمع من أخيه (أباالحسن عليه‌السلام) اذ دخل عليه أبوجعفر محمد بن علي الرضا المسجد مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوثب علي بن جعفر بلا حذاء و لا رداء و قبل يده و عظمه فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: يا عم اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدي كيف أجلس و أنت قائم، فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عم أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل فقال: اسكتوا، اذا كان الله عزوجل (و قبض علي لحيته) لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد). و انا هذا و ان دل فانما يدل علي فضيلة هذا الرجل العظيم و تقديره لامام زمانه، و كفاه شرفا بذلك. و لقد جاء في روضة الشهداء أنه كان يعرف بعلي العريضي و له أولاد كثر [ صفحه 76] عقب من أربعة منهم (محمد و أحمد الشعراني و الحسن و جعفر) و قد أخذ العلم عن أخيه موسي عليه‌السلام و كان أبوه مات و هو صغير و قد جاء في بعض كتب الأنساب أن فاطمة الكبري بنت محمد بن عبدالله الباقر ابن الامام زين‌العابدين بن علي عليه‌السلام هي زوجة العريضي.

في زمن المهدي

ذهب المنصور بحقده و جوره و فسقه و بخله، ذهب أبوالدوانيق الي لا غير رحمة من الله بعدما فتك و قتل ويتم و خلفه المهدي و عندما قتل ابراهيم قيل للمنصور ألا تطلب عيسي فقال: لا و الله لا أطلب منهم رجلا أبدا بعد محمد و ابراهيم. و ان عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه‌السلام (ميتم الأشبال) كان شهد محمد و ابراهيم حيث كان علي ميمنة ابراهيم بعد محمد و كان مع أخيه الحسين مع محمد و ابراهيم، و قد قيل انه أفضل من بقي من أهله دينا و علما و ورعا و زهدا و تقشفا و أشدهم بصيرة في أمره و مذهبه، روي عن أبيه و عن جعفر بن محمد عليه‌السلام و عن أخيه عبدالله بن محمد و عن سفيان الثوري و الحسن بن صالح و شعبة بن الحجاج و يزيد بن أبي‌زياد و الحسن بن عمارة و مالك بن أنس و عبدالله بن عمر العمري و لقد عهد اليه محمد بن عبدالله ان أصيب فابراهيم، فان أصيب فعيسي بعده. و لقد تواري في الكوفة (عمل سقاء في دار علي بن صالح بن حي) و كان متعبدا ما رفع رجلا أو وضعها الا بذكر الله. و لقد خرج في زمان المهدي علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام فقدم بغداد و دعا لنفسه فاستجاب له الزيدية فأخذه المهدي و حبسه حتي قدم الحسين بن علي صاحب فخ استوهب منه، لكنه قبل خروجه من الحبس دس له المهدي السم و عند وصوله المدينة تفسخ لحمه و مات بعد ثلاثة أيام. [ صفحه 77] يقول سفيان الثوري: ان حب بني فاطمة و الجزع لهم مما هم عليه من الخوف و القتل و التطريد ليبكي من في قلبه شي‌ء من الايمان... و قال الحسن بن صالح لصباح الزعفراني و كانا متخفيين بعد مقتل ابراهيم و بعد أن قتل المهدي ثالثهما و هو مولي لهم و يدعي (حاضر)... لو أنا نخبر المهدي بموت عيسي بن زيد: أجابه: (لا و الله لا نبشر عدو الله بموت ولي الله ابن نبي و لا نقر عينه فيه و نشمته به، فو الله لليلة يبيتها خائفا منه أحب الي من جهاد سنة و عبادتها). تلك هي الأيام تداور بعضها و هل خلد فرعون أم هامان... كم من القصور و الحصون و الأسوار رفعت فهل تراها حجبت الموت عمن بناها و أشادها و كم من كفرة طغوا و ظنوا كأبرهة أن بامكانهم هدم الكعبة... ما علموا أن هناك قوة أقوي و منعة أمنع... غرتهم أنفسهم و أموالهم و العسكر من حولهم... ما اتعظوا بالماضين و ما قرأوا سجل الذاهبين و ما رأت أعينهم أبعد من أنوفهم..

في زمن الهادي

و دارت رحي الأيام فاستلم الهادي الذي ولد بالري سنة 144 ه و قد حاول اكراه الرشيد علي التنازل فقتل بدار الحريم بتحريض من أمه الخيزران فهل سيكون الهادي بأفضل من أبيه و جده الذين أخذوا علي عاتقهم قتل و ابادة أهل البيت؟ ففي زمانه خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و هو الشهيد صاحب (فخ). عن أبي‌جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال: مر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بفخ فنزل فصلي ركعة فلما صلي الثانية بكي و هو في الصلاة فلما رأي الناس النبي يبكي بكوا فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله [ صفحه 78] قال: نزل علي جبرائيل لما صليت الركعة الأولي فقال: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين. و عن زيد بن علي قال: انتهي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الي موضع فخ فصلي بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال: يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين ينزل لهم بأكفان و حنوط من الجنة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة. و كذلك صلي بفخ الامام الصادق عليه‌السلام و بكي و قد حدث بذلك النضر بن قرواش، و كذلك حدث الحسن بن الحسين (بن جامع عن موسي بن عبدالله بن الحسن) قال: حججت مع أبي فلما انتهينا الي فخ أناخ محمد بن عبدالله بعيره فقال لي أبي: قل له يثير البعير، فقلت له فأثاره ثم قلت لأبي: يا أبه لم كرهت له هذا؟ قال: انه يقتل في هذا الموضع رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة. لقد كان الحسين جوادا شهما فارسا عابدا حدث اسماعيل بن ابراهيم الواسطي قال: جاء رجل الي الحسين بن علي صاحب فخ فسأله فلم يكن عنده شي‌ء فأقعده و بعث الي أهل داره من أراد أن يغسل ثيابه فليخرجها فأخرجوا ثيابهم ليغسلوها فلما اجتمعت قال للرجل خذها!!! [49] . و باع ضيعة ليفي دينه فوزع ثمنها...و كان يتصدق حتي لا يبقي معه ثمن الطعام. أما سبب خروجه عليه سلام الله فان موسي الهادي ولي المدينة اسحاق بن عيسي بن علي فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبدالعزيز بن عبدالله حمل علي الطالبيين و أساء اليهم مفرطا في التحامل عليهم حيث طالبهم بالعرض كل يوم فكانوا يعرضون في المقصورة [ صفحه 79] ثم أخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه و نسيبه فكان أن الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله بن الحسن يضمنان الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن و عندما وافي أوائل الحاج و قدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا نزلوا دار ابن أفلح بالبقيع و أقاموا بها و لقوا حسينا و غيره فبلغ ذلك العمري فأنكره، و كان قبل ذلك قد أخذ الحسن بن محمد بن عبدالله و ابن جندب الهذلي الشاعر و مولي لعمر بن الخطاب و هم مجتمعون فأشاع أنه وجدهم علي شراب فضرب الحسن ثمانين سوطا و ضرب ابن‌جندب خمسة عشر سوطا و ضرب مولي عمر سبعة أسواط و أمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم، فبعثت اليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبدالله فقالت له: لا و لا كرامة لا تشهر أحدا من بني‌هاشم و تشنع عليهم و أنت ظالم، فكف عن ذلك و خلي سبيلهم. و لما اجتمع النفر من الشيعة في دار ابن أفلح أغلظ العمري أمر العرض و ولي علي الطالبيين رجلا يعرف بأبي‌بكر بن عيسي الحائك مولي الأنصار، فعرضهم يوم جمعة و لم يأذن لهم بالانصراف حتي بدأ الناس بالمجي‌ء الي المسجد، فأذن لهم فكان قصاري أحدهم أن يغدو و يتوضأ للصلاة، فلما صلوا حبسهم في المقصورة الي العصر ثم عرضهم فدعا باسم (الحسن بن محمد) فلم يحضر فقال ليحيي و الحسين بن علي: لتأتياني به أو لأحبسكما فان له ثلاثة أيام لم يحضر العرض [50] . فراده بعض المرادة و شتمه يحيي و خرج و مضي ابن الحائك فدخل علي العمري و أخبره، فدعا لهما فوبخهما و تهددهما فتضاحك الحسين و قال: أنت مغضب يا أبافحص، فقال العمري: أتهزأ بي و تخاطبني بكنيتي؟! فقال له: قد كان أبوبكر و عمر و هما خير منك يخاطبان بالكني فلا ينكران ذلك و أنت تكره الكنية و تريد المخاطبة بالولاية! فقال: آخر قولك شر من أوله، فقال: معاذ الله، يأبي الله لي ذلك و من أنا [ صفحه 80] منه. فقال له: أفأنما أدخلتك الي لتفاخرني و تؤذيني، فغضب يحيي بن عبدالله و قال له: فما تريد منا؟ قال: أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد، فقال: لا نقدر عليه، هو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث الي آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم اعرضهم رجلا رجلا فان لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا. فحلف علي الحسين بطلاق امرأته و حرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه و ليلته و أنه ان لم يجي‌ء به ليركبن الي سويقه فيخربها و يحرقها و ليضربن الحسين ألف سوط و ان وقعت عينه علي الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته.. فوثب يحيي مغضبا فقال له: أنا أعطي الله عهدا و كل مملوك لي حر ان ذقت الليلة نوما حتي آتيك بالحسن بن محمد أو لا أجده فأضرب عليك بابك لتعلم أني قد جئتك، و خرجا من عنده و هما مغضبان و هو مغضب، فقال الحسين ليحيي بن عبدالله: بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به، و أين تجد حسنا؟!... قال: لم أرد أن آتيه بالحسن و الله و الا فأنا نفي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من علي عليه‌السلام بل أردت ان دخل عيني نوم حتي أضرب عليه بابه و معي السيف ان قدرت عليه قتلته. فقال الحسين: بئسما تصنع، تكسر علينا أمرنا؟! قال يحيي: و كيف أكسر عليك أمرك و انما بيني و بين ذلك عشرة أيام حتي تسير الي مكة. و اجتمع ستة و عشرون رجلا من ولد علي و عشرة من الحاج و نفر من الموالي، و مع أذان الصبح دخلوا المسجد و نادوا: أحد... أحد و صعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم عند موضع الجنائز فقال للمؤذن: أذن بحي علي خير العمل فأذن و سمعه العمري فأحس [ صفحه 81] بالشر و دهش و صاح: أغلقوا البغلة الباب و أطعموني حبتي ماء... ثم اقتحم الي دار عمر بن الخطاب و خرج في الزقاق هاربا حتي نجا... فصلي الحسين بالناس الصبح و دعا بالشهود و بالحسن قائلا: قد جئتكم بالحسن فهاتوا العمري و الا و الله خرجت من يميني و مما علي. و لم يتخلف من الطالبيين الا الحسن بن جعفر بن الحسن فانه استعفاه فلم يكرهه و موسي بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام و قيل ان موسي بن جعفر عليه‌السلام أتي بعد عتمة الي الحسين صاحب فخ فانكب عليه و قال: أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي عنك فقال: أنت في سعة، و قال الحسين لمويس بن جعفر بالخروج، فقال له: انك مقتول فأحد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله عزوجل أحتسبكم من عصبة. و خطب الحسين بن علي بعد الصلاة... و هكذا خرج الحسين بن علي مع أهله و مواليه و أصحابه بزهاء ثلاثمائة و استخلف علي المدينة دينار الخزاعي... (خرج سلام الله عليه كما خرج الشهيد الحسين الي كربلاء آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر). و في فخ تلقتهم الجيوش و عرض العباس علي الحسين الأمان و الصلة فأبي ذلك و نادي مناديه: (هذا الحسين ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه يدعوكم الي كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... و حدثت البيعة علي كتاب الله و سنة رسول الله و علي أن يطاع الله و لا يعصي، و دعاهم الي الرضا من آل محمد...)، و لقيته الجيوش يقودها العباس بن محمد و موسي بن عيسي و جعفر و محمد ابنا سليمان، و التقوا عند صلاة الصبح يوم التروية... و أصيب الحسن بن محمد بنشابة في عينه فتركها و جعل يقاتل أشد القتال، فناداه محمد بن سليمان يا ابن خال اتق الله في نفسك و لك الأمان. [ صفحه 82] قال: و الله ما لكم من أمان و لكني أقبل منك و كسر السيف و دخل ايهم فصاح العباس بن محمد بابنه: قتلك الله ان لم تقتله، فعاجلوه و ضربوا عنقه. و نشبت الحرب بين العباس بن محمد و محمد بن سليمان فقال: أنت ابن خالي فقتلتموه... و هكذا... جاء الجند بالرؤوس الي موسي و العباس و كان هناك جماعة من ولد الحسن و الحسين فلم يتكلم أحد الا موسي بن جعفر عليه‌السلام فقال له: هذا رأس الحسين. قال عليه‌السلام: انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا صواما قواما، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان من أهل بيته مثله؛ فلم يجيبوه بشي‌ء... و حملوا الرؤوس الي الهادي مع الأسري حيث ضربت أعناقهم. و كان بين يديه رجل من الأسري قال: أنا مولاك يا أميرالمؤمنين فقال: مولاي يخرج علي؟ و كان معه سكين فقال و الله لأقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا.. قيل و غلبت عليه العلة فمكث ساعة ثم مات و سلم الرجل من القتل. و عندما بلغ العمري ما جري بفخ أحرق دار الحسين بن علي و دور أهله و أخذ أموالهم و نخلهم... و قد كان خرج مع الحسين من أهل بيته: يحيي و سليمان و ادريس بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن و علي بن ابراهيم بن الحسن و ابراهيم بن اسماعيل طباطبا و الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن و عبدالله و عمر ابنا اسحاق بن الحسن بن علي بن الحسن و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن. و لقد حدث ابراهيم بن اسحاق القطان قائلا: سمعت الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله يقولان: ما خرجنا حتي شاورنا أهل بيتنا و شاورنا موسي بن جعفر فأمرنا بالخروج. [ صفحه 83] و أخبر جماعة من موالي محمد بن سليمان: أنه لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة و هو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني و لم أكن لقيت حسينا يوم فخ و لا الحسن و ظل يرددها حتي مات. أيها التاريخ أما لعينيك الكلل و أنت تري تلك المجازر و المآسي التي ألمت بآل البيت الطاهر بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تمر كشريط أسود لونته الدماء التي جفت علي مذابح الكفر و الفجور... يتكالب الرعاع علي قتل الأطهار أفواج تتلو بعضها... و الصراع قائم بين الحق و الباطل.. يقول موسي بن عيسي: هم و الله أكرم عندالله و أحق مما في أيدينا منا و لكن الملك عقيم و لو أن صاحب القبر (يعني النبي صلي الله عليه و آله و سلم) نازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف. كلاب عوت لا قدس الله أمرها فجاءت بصيد لا يحل لآكل ترددها الأصداها و تتجاوبها الآفاق من كلاب بني‌أمية الي كلاب بني‌العباس. و يبقي كلم يحيي (و هل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء و أخذ ما لستم له بأهل) تتناوله الآذان و تبقي الكناسة و الحرة و كربلاء و صمة في وجه الأمويين و تبقي أحجاز الزيت و باخمري و فخ و غيرها و صمة للعباسيين. و ها هي يد الخراساني أبومسلم تقتل قتلة آل البيت... و الملك عقيم... هكذا قالوا... و الخوف عليه جعل من صنعه للعباسيين ضحية له... فيقتل أبومسلم و يتلوه غيره الكثير. و ها هي خزانة الدوانيقي ممتلئة بالرؤوس، و التاريخ الأسود ملطخ [ صفحه 84] بالدماء الطاهرة و (انا أعطيناك الكوثر) لن ينقطع نسل الزهراء بل سيستمر ليحمل شعار الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ما دام الحق و الباطل يتصارعان.

امامة الامام الكاظم

في ذلك الخضم الهائل من التكالب و الصراعات يشد الامام الكاظم عليه‌السلام أشرعة سفينته لتمخر العباب بسم الله و بعون الله و بلا حول و لا قوة الا بالله ففي عصر يوم قائظ لليلة باردة لسبع من هلال صفر لنهار هو الأحد و لعام هو ثمان و عشرون و مائة تنورت الأبواء بالولادة الطاهرة الكريمة و بالطفل الامام المولود الذي يشب و عيناه تريان المجازر و الآلام و القتل و التشريد و الفقر و التجويع و تذهب صرره المثل (لن يشكو العوز من تأتيه صرة موسي) (كيف لمن جاءته صرة موسي أن يشكو الفقر) و من الصرة الي باب الحوائج تبارك سمي الكليم الكاظم الغيظ... العبد الصالح.. النبراس الحق... و تباركت الرحم الطاهرة للحميدة المحمودة. «يا مفضل الامام من بعدي ابني موسي، الخلف المأمول المنتظر» [51] بأبي أنت و أمي... و يقف ابن‌سليط ثاويا ممسكا قلبه مستمعا و لسان الصادق عليه‌السلام يقول: «يخرج الله تعالي منه غوث هذه الأمة، و غياثها، و علمها و نورها و فهمها و حكيمها خير مولود و خير ناشي‌ء، يحقن الله به الدماء و يصلح به ذات البين، و يلم به الشعث، و يشعب به الصدع و يكسو به العاري، و يشبع به الجائع، و يؤمن به الخائف، و ينزل به القطر و يأتمر له العباد، خير كهل، و خير ناشي‌ء قوله حكم، و صمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه [52] . [ صفحه 85] و يقول عليه‌السلام للفيض بن المختار: «يا فيض هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم فقر له بحقه». و بين يديه الطاهرتين يربو كالبرعم الطاهر في ظل طاهر يدي الصادق عليه‌السلام تحملان الكاظم عليه‌السلام و عندما تشرق الشمس تنهل من نوره الطاهر و لسان حال الصادق عليه‌السلام يقول لابراهيم الكرخي: «يا ابراهيم: أما انه لصاحبك من بعدي أما ليهلكن فيه قوم و يسعد فيه آخرون، فلعن الله قاتله و ضاعف العذاب علي روحه، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سمي جده - يعني محمد المهدي عجل الله فرجه سمي النبي و شبيهه في تحطيمه للظلم و القضاء علي الظالمين - و وارث علمه، يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسدا له، و لكن الله بالغ أمره و لو كره المشركون». «يخرج الله من صلبه تمام اثني عشر مهديا، اختصهم الله بكرامته و أحلهم دار قدسه، المقر بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يذب عنه»... و يمر عام بعده يتم عليه‌السلام الفقرة التالية من كلامه قائلا: يا ابراهيم: «المفرج الكرب عن شيعته بعد ضنك شديد و بلاء طويل و جزع و خوف، فطوبي لمن أدركه» [53] . و يدخل معاذ بن كثير الي الامام الصادق عليه‌السلام يسأله عن الامام الذي يتولاه من بعده قائلا: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها...» فقال عليه‌السلام: قد فعل الله ذلك قال: من هو جعلت فداك؟؟!! فأشار الي ولده موسي و هو راقد قائلا: هذا الراقد و كان عليه سلام الله غلاما [54] . [ صفحه 86] و يدخل منصور بن حازم علي الامام أبي عبدالله عليه‌السلام طالبا معرفة الامام من بعده قائلا: بأبي أنت و أمي ان الأنفس يغدي عليها و يراح فاذا كان ذلك فمن؟ قال عليه‌السلام: فهذا صاحبكم، و أشار الي أبي الحسن موسي، ثم وضع يده علي منكب ولده مدلا عليه و كان عمره آنذاك خمس سنين [55] . و الي سلمة بن محرز يقول عليه‌السلام و كان متألما: «ألا قلت له: هذا موسي بن جعفر قد أدرك ما يدرك الرجال». و ذلك ردا علي من قال له: كم عسي أن يبقي لكم هذا الشيخ... انما سنة أو سنتان حتي يموت ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون اليه... [56] . و يقول عليه‌السلام ليزيد بن أسباط: «يا يزيد أتري هذا - و أشار الي ولده موسي - اذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف انما كان ذنبه عند اخوته حتي طرحوه في الجب، الحسد له حين أخبرهم أنه رأي أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر له ساجدين، و كذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد...»، ثم استدعي عليه‌السلام أولاده (عبدالله و اسحاق و محمد و العباس و موسي) فقال لهم: «هذا - و أشار لولده موسي - وصي الأوصياء و عالم العلماء و شهيد علي الأموات و الأحياء» [57] . و يقول اسحاق بن جعفر: كنت عند أبي فسأله عمران بن علي عن الامام من بعده قائلا: جعلت فداك الي من نفزع و يفزع الناس بعدك؟؟ قال عليه‌السلام: الي صاحب الثوبين الأصفرين الطالع عليكم من الباب... فدخل الامام موسي عليه‌السلام و هو صبي يافع و عليه ثوبان أصفران و عنده غديرتان. [58] . [ صفحه 87] و يروي علي بن جعفر قائلا: «سمعت أبي‌جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول لجماعة من خاصته و أصحابه، استوصوا بابني موسي خيرا فانه أفضل ولدي و من أخلف بعدي و هو القائم مقامي و الحجة لله تعالي علي كافة خلقه» [59] . و حدث ظريف بن ناصح قال: كنت مع الحسين بن زيد و معه ابنه علي اذ مربنا أبوالحسن موسي عليه‌السلام فسلم و انصرف، فقلت للحسين: جعلت فداك يعرف موسي بقائم آل محمد عليه‌السلام؟ قال: ان يكن أحد يعرفه فهو ثم قال: و كيف لا يعرفه؟! و عنده خط علي بن أبي‌طالب و املاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فانبري اليه ولده قائلا: كيف لم يكن ذلك عند أبي‌زيد بن علي؟ قال: يا بني ان علي بن الحسين و محمد بن علي سيدا الناس و اماماهم فلزم - يا بني - أبوك زيد أخاه و تأدب بأدبه و تفقه بفقهه قال: يا أبه: ان حدث بموسي عليه‌السلام حدث يوصي الي أحد من اخوته؟ قال: - لا - و الله لا يوصي الا الي ابنه. و قال الصادق عليه‌السلام لبعض شيعته: «سابعكم قائمكم ألا و هو سمي صاحب التوراة - يعني موسي بن عمران عليه‌السلام.» و جوابا لسؤال بعض أصحابه عليه‌السلام قال عد الأيام فعدها من الأحد حتي السبت فقال له الامام عليه‌السلام: كم عددت؟ قال: سبعة. فقال عليه‌السلام: سبت السبوت، و شمس الدهور، و نور الشهور من لا يلهو، و لا يلعب، و هو سابعكم قائمكم، ثم أشار لولده موسي عليه‌السلام. و لقد صرح الصادق عليه‌السلام بأن تعيين الامام لا يرجع اليه و انما بيدالله تعالي فهو الذي يختاره... و نوه مرات و مرات قائلا عن ولده موسي عليه‌السلام: [ صفحه 88] «هو الحق و الحق معه و منه الي أن يرث الله الأرض و من عليها...» [60] .

انين الزمن

و تشهد كف الدوانيقي التي بايع بها مرتين لمحمد بن عبدالله و التي بها لعب برأسه المقطوع، ستبقي شاهدة و تشهد علي فسقه حتي يوم الله عندما تنطق أحجار الزيت و تفور المياه في باخمري و تردد السبع... أبي الله الا أن يجعلك - يا ابراهيم - شهيدا علي درب الحسين عليه‌السلام التي عليها مشي زيد و يحيي، ثم محمد و ابراهيم ثم الحسين صاحب فخ طريق الثورة التي لابد لها من نار توقدها كي تطلع شمس الحق و مهما طال ليل الظالمين فصاحب الزمان (عج) قادم، بيده يمحو الظلام و ينشر العدل باذن الله. فالله سبحانه جعل محمدا صلي الله عليه و آله و سلم خاتم أنبيائه فأكمل الدين بالاسلام و تمم الأخلاق بمكارمها و سيأتي سميه المخلص ليخلص العالم من الشرور بعد أن ادلهمت بالظلم و المظالم. سيشرق النور حتما بعد ليلة داكنة يحمل الحق و الحقيقة لنسمع كاظم الغيظ عليه‌السلام و نردد أقوالا و نجو الدروب الدارسة نبحث فيها عما فقدناه نتلمس الأثر و نقفو الريح و نستظهر الآلام و الأشعار و الأقوال و الأحاديث تارة تغلبنا الدموع و تارة نتميز غيظا بالرغم من كل ما أتي به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فان الاسلام لم ينفث الي دخائل بني‌أمية فنزعة الجاهلية متجذرة في أعماقهم ينشدها لسان يزيدهم: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل زندقة بزندقة و سكر و عربدة و حقد علي الاسلام الذي حاول ملوك بني‌أمية محو سطوره. [ صفحه 89] و تسمع برية الله و تنظر سديف بن ميمون رافعا يديه الي السماء: (اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة و امارتنا غلبة بعد المشورة و عهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة، و اشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم و الأرملة، و حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة و تول القيام بأمرهم كل فاسق... الي أن قول: قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته و استجمع طريده و استوثق و ضرب بجرانه... اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تجتث سنامه و تهشم سوقه و تبدد شمله و تفرق كلمته ليظهر الحق في أحسن صورته و أتم نوره) [61] . الحروف جراح نازفة باكية بالدماء من ظلم الأمويين و أما ذوو القربي فظلمهم أشد مرارة و وقعا... و يقول سديف لما خرج ذوالنفس الذكية أيام المنصور في المدينة: (فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا ان الخلافة فيكم يا بني حسن) و لم يمهله المنصور فأمر عبدالصمد أن يدفنه حيا ففعل ذلك [62] أما في تاريخ ابن‌عساكر فقد جاء أن المنصور رمي به في بئر بعد أن ضربه. فمن سمع وصية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بل من لم يصم أذنيه عن سماعها أوصيكم بأهل بيتي خيرا [63] . و ها هو أبوسفيان يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: بنوهاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيما تيم بن مرة أو عدي فما الأمر الا فيكم و اليكم و ليس لها الا أبوحسن علي و هو هو نفسه يرفع عقيرته يوم عثمان ليقول: تداولوها تداول الكرة.. و ذاك حفيده وارث جده... فلا خبر جاء، و لا وحي نزل ويئن الزمن في [ صفحه 90] صمت... في حروف من هدم الأصنام و حمل السيف ذابا عن حوضه من رددت الأصداء و الأجواء قول.. لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الا علي.. ها هي أحرفه تقول: (فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجي) و نسمعه يقسم عليه‌السلام قائلا: (أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لولا حضور الحاضر و لزوم الحجة بوجود الناصر و ما أخذ الله علي أولياء الأمر ألا يقروا علي كظة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها و لسقيت آخرها بكأس أولها و لألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز). و يخرج زيد و يتلوه يحيي و العام اثنان و عشرون و مائة و يخرج محمد و ابراهيم و العام خمس و أربعون و مائة و ما بينهما و ما قبلهما و ما بعدهما.. صراع مرير و سيبقي حتي نهاية العالم يوم يأتي المخلص الامام صاحب الزمان (عج) و بخط الطبري (8 / 270) و بخط ابن‌الأثير (5 / 96) و يكتب القلم عن خروج زيد و عن ذلك الصراع الدامي بين الحق و الباطل. يقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (يقتل رجل من أهل بيتي فيصلب لا تري الجنة عين رأت عورته) [64] و يقول صلي الله عليه و آله و سلم للحسين عليه‌السلام: (يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطي هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب). زيد العابد حليف القرآن ثفنات السجود علي جنبيه و أشعة الهدي و التقي و النور في عينيه، يقول البابكي عبدالله بن مسلم: (خرجنا مع زيد بن علي الي مكة، فلما كان نصف الليل و استوت الثريا قال: يا بابكي أما تري هذه الثريا، أتري أحدا ينالها؟ قلت: لا. قال: و الله لوددت أن يدي ملصقة بها [ صفحه 91] فأقع الي الأرض أو حيث أقع فأنقطع قطعة قطعة و أن الله أصلح بين أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم) [65] . و لم نجد أيا من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عاش حياته بعيدا عن الخوف و الفزع و الارهاق بل كان الظلم و الجور و الاضطهاد يحيق بهم و كل منهم كانت نهاية حياته لسم أو القتل. لقد حمل أهل البيت الذين هم ثاني الثقلين مهمة اصلاح الأمة، كل امام يوصي بها لامام و كل منهم حبل محدود يتعلق به المؤمن: (لولا علي لهلك عمر)... (لولا السنتان لهلك النعمان). و من ذلك البيت الطاهر يأتي سابع الأئمة يشرق نوره في الأبواء متلألئا عابرا... للسلام علي آمنة في طهر ثراها... في الأبواء الجدة الطاهرة التي حملت بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم...أصدفة تلك أم أن الله سبحانه شاء أن يأتي الطفل. تضعه حميدة البربرية مسلما علي جدته اليثربية آمنة بنت وهب و في ذكري يوم شهادة الحسن... ارادة الله تلك و مشيئته (و الشمس و ضحاها) قال الرضا عليه‌السلام: الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها العالم و هو في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار. و جاء: (انما كني بهم عليه‌السلام الشهور لأن بهم دارت السموات و استقرت الأركان و بوجودهم جرت الأعوام و الأزمان و ببركتهم ينتظم نظام عالم الامكان). يقول شيخ الأزهر [66] : قد يقال ان أئمتكم الاثني عشر أولي بالاتباع من الأئمة الأربعة و غيرهم لأن الاثني عشر كلهم علي مذهب واحد قد محصوه [ صفحه 92] و قرروه باجماعهم بخلاف الأربعة فان الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها فلا تحاط موارده و لا تضبط، و من المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد لا يكافي‌ء في الضبط ما يمحصه اثنا عشر اماما. لقد وقف الأئمة عليهم‌السلام حياتهم لاصلاح أمتهم فقد كانوا مسؤولين عن رعايتها و صيانة حقوقها و تأمين مصالحها و كانوا لا يقرون علي كظة ظالم و لا سغب مظلوم في زمن حفل بالاستغال و ارغام الناس علي ما يكرهون فكان معاوية و يزيد و مروان و غيرهم من ملوك بني‌أمية و بني‌العباس لا يهمهم شأن الرعية أو مصالحها بل كان همهم اشاعة الظلم و الجور، و الانصراف الي اللذة و المجون و علي ذلك تدل قصورهم العامرة بالطرب و الخمور، و الابتعاد عن ذكر الله و اليوم الآخر، بالرغم من أن منطق الحكم الذي يمثلونه و الذي هو حكم اسلامي عهد اليهم القيام بشؤون الدين لكنهم حقيقة لا يمثلونه لا بقليل و لا كثير، فلقد ابتعدوا عن كل سنن الاسلام و أحكامه، و كان موقف الأئمة عليهم‌السلام موقفا ثابتا متسما بالشدة و الصرامة و عدم المهادنة، فلم يخلدوا الي السكينة أو الدعة، بل أعلنوا المقاومة التي تمثلت بالخروج علي الحكام كمقاومة ايجابية نهجها ثورة الحسين عليه‌السلام التي أيقظت الجماهير و حركت كرامتها، لتسقط الهوان و الخنوع.

طرق الجهاد

و اختار بعضهم النهج السلبي لأن الظروف غير مهيأة لانتصار الثورة، و لأن القضية الاسلامية لن تنتفع بذلك فأخذوا أسلوب مقاطعة الحكام و حرموا الترافع في مجالس قضائهم فقد أكد ذلك الامام الكاظم عليه‌السلام في حديثه مع صفوان الجمال و الذي عمد الي بيع جماله التي يكريها في مواسم الحج استجابة لنصيحة الامام موسي عليه‌السلام. فلقد اتخذ الأئمة عليهم‌السلام كل الأساليب لهداية هؤلاء الطغاة الظلمة سواء [ صفحه 93] من ملوك بني‌أمية أو بني‌العباس و ولاتهم... و الذين ما ازدادوا الا عنفا و اضطهادا و تعنتا و مبالغة بالقهر و الظلم و التنكيل و السجون و السم، و فرض الحصار الاقتصادي عليهم لاضعاف شوكتهم، نسمعها في معاوية و نراها في أبي الدوانيق و الرشيد الذي أجزل العطاء في يثرب لجميع أبناء الصحابة عدا الامام موسي عليه‌السلام و عندما سأله المأمون السبب قال: ان فقره أحب الي من غناه و لو أوصلته بما يستحق لخرج علي. لقد تناسي قول الامام عليه‌السلام: لو كان الفقر رجلا لقتلته. لقد أفقر الحكام آل البيت فحرموهم سبل الحياة، و بلغت ذورة ذلك أيام المتوكل الذي عمد الي قطع جميع مواردهم الاقتصادية و بات ينزل عقوبته بكل من يصلهم، و كسابقيه فرض الرقابة و المطاردة لحجبهم عن العالم، و انزال ما لا يتصوره عقل بتلك العصبة الطاهرة الذين عصمهم الله و أذهب عنهم الرجس. لقد أراد الأئمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هذا وحده كاف لانزال أقصي العقوبات بهم لأنهم ينورون المجتمع (باشاعة العدل و المساواة و تطبيق أحكام القرآن) بحيث يرفض الخنوع و الاستزلام و الاستذلال، و لذا كانوا يحقدون علي كل من يطالب بالاصلاح و العدالة (ففي ذلك الحرب الشعواء عليهم) و أن المنصور برغم ايمانه المطلق بأن الصادق عليه‌السلام بعيد كل البعد عن ثورات عصره و عن سياسييه و أنه لا يبغي سلطان، و أنه نهي العلويين عن الثورة، برغم ذلك لم يتركه وادعا ينشر علوم جده صلي الله عليه و آله و سلم بل حاول قتله مرات و مرات و اهانته و افقاره و تحقيره و كان الله سبحانه و تعالي له بالمرصاد ينقذه من براثنه.. و كما كان المنصور كان حفيده هارون يعلم أن الامام موسي عليه‌السلام لا يهدف الي سلطة أو انقلاب أو ثورة أو خروج و برغم ذلك نكل به وزجه بالسجون و دس له السم... لقد كان حسده و حقده يقودانه الي شرور نفسه. [ صفحه 94]

طفولة ليس فيها طفولة

كل الأطفال يبكون حين يسقطون من بطون أمهاتهم و كلهم لهم طقوس معينة... الا الأئمة... فموسي عليه‌السلام سقط رافعا اصبعه متشهدا طاهرا مختونا معطرا... دموعه كانت قطرات الندي و شهيقه... لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله الشهادتين و الولاية... تلك الولادة... و ماذا بعد. لقد رأت عينا الامام موسي عليه‌السلام المآسي و العذاب و التنكيل منذ أن ولد و نشأ و ترعرع، فها هي تلك الثورة التي أطاحت بالأمويين لتنهي سلسلة الجور و الضنك و الازلال و الظلم الأموي كي يبدأ القهر العباسي،... تفتحت عينا الوليد علي الدماء تجري و علي صفوف القتلي و دموع الثكالي... أربع سنوات كان عمره الطاهر... يدرك فيها كل ما يدور حوله و ما يراه أو يسمعه أو يحسه، خاصة في مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي قرأ فيها التاريخ كل السطور المجحفة، و نظر فيها ذلك الكبت و الظلم منذ أن ودعها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و التحق بالرفيق الأعلي، كانت رائحة النار تلطخ سطور التاريخ حول بيت فاطمة عليهم‌السلام و كانت فواصل السطور تئن مع الضحايا في الحرة ممتدة بين شعب القتل و التدمير، و احراق المنازل؛ و ظن الناس أن الثورة هي للرضا من آل محمد و يركض الطفل خلف والده ليسمعه يقول لابن عمه... و الله ما هي لكم...و ليراه يقول لمحمد بن عبدالله ما أنت بالمهدي و لا هذا زمانك... الصادق صدق... و صدق الصادق عليه‌السلام، فلقد انجلي الغبار و تمخضت الثورة عن استيلاء السفاح أبوالعباس علي دست الحكم، و فتك الخراساني و علي القتل و نبش القبور، فكم أحرق و فتك و تلك الفتكة الكبري لكنه استيقظ فجأة من صولاته و جولاته، استيقظ قلبه من جنون القتل و السفك ليري سواد المستقبل، فيخط رسالته للصادق عليه‌السلام... و جزافا كانت... و ها هو يقتل.. بحار الدماء سقت رمال الصحراء و طوفت الي السفوح و تنفستها الرياح و لعبت بها الشمس، فاذ بها تنقلب سوداء فاحمة تحملها الرايات السوداء [ صفحه 95] و التي ستأتي بليل عباسي أشد حلكة من ليل بني‌أمية، تفوح منه رائحة الجثث و القتلي و الدماء، و يسمع الطفل والده الذي يستنكر هذه الابادة، و هذه الجائحة من الانتقام و التشفي الذي حمله السفاح و أمر به الخراساني الشاب المندفع بخططه الجهنمية. لقد كان عليه‌السلام يحمل الطهر و النقاء و العفو و الرفق و الاحسان، حمله من جده صلي الله عليه و آله و سلم الذي قال: (من دخل دار أبي‌سفيان فهو آمن) و دار أبي‌سفيان هي (هنود آكلة الكبود) و حمله من حفيد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سيد العابدين و هو يأوي بني‌مروان يوم الحرة.. و ها هو عليه‌السلام يستنكر ما يفعله العباسيون بأعدائهم و أعدائهم يصفح عمن أذاقه و أذاق والده مآسي الحياة.. طفل ذو أربع سنوات، أترابه يلهون و هو يأمر الشاة بالصلاة، طفل حاول أبوحنيفة استكشاف شي‌ء فوجده النبع الثر و رآه بقلبه فعاد عن باب الصادق عليه‌السلام و نفسه تقول اذا كان الصغار هكذا، فكيف شأن الكبار. طفل يري والده عليه‌السلام يحرق رسالة الخلال، و يسمع والده يقول لعبدالله و ابنه محمد ألا ينخدعا فليس لهما ذلك الأمر.. و ها هي الثورات تتري و مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تشهدها و يقف الشاب مع دعاة الحق يضرب بسيفه و يذب عن دين الله،... و يقتل ذوالنفس الذكية علي أحجار الزيت و يري دموع والده علي آل علي و أبناء فاطمة و هم يساقون كالبعير الي السجون، لكن البعير دون أغلال و هم سلاسلهم بأرجلهم و أعناقهم، و دماؤهم تشخب منهم، و ها هي رؤوسهم فوق الرماح يطاف بها و كان... (ظلم ذوي القربي أشد مضاضة). و أبوالدوانيق، لم يراع حرمة و لا رحما بل استفحل به الشر فقتل الشيوخ مع الأطفال قتلا و تعذيبا و تشريدا و تفتقت قريحته عن نوع لم يشهده التاريخ... (و الله سأقتلك قتلة لم يعرفها أحد)، و كان قتلاه أحياء يصفون [ صفحه 96] ضمن الاسطوانات ليرتفع عليها البناء... ليصرخ بالأنين في صمت الليالي السود... و كان الموت... صورة أخري و سجلا آخر و خزائنه ملئت بالرؤوس... المنصور ويح نفسه كم حمل في كتابه ليلاقي ربه بسجل ملي‌ء بالمنكرات... زد علي ذلك ما اعتلج في النفوس من منكر و تزندق تفشي في الأقطار و زحف كالنار... تأكل الهشيم... ليأكل الاسلام. و يلتهم الأديان بالعبث بالآداب و افساد النظم الاجتماعية، و ارتكاب المحرمات،.. و يتصدي لذلك الامام الصادق عليه‌السلام و ابنه الامام الكاظم عليه‌السلام باذلين كل ما لديهم من قوة لدحضها و كسر شوكتها بكل السبل و الوسائل... يقول جل من قائل: (و ممن خلفنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون) [67] .. و يقول سبحانه: (ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم) [68] . لقد حمل علي بن الحسين عليه‌السلام الرسالة من أبيه الحسين عليه‌السلام و حملها ابنه الباقر عليه‌السلام من بعده فكان أن جابه ما جابه آباؤه في سبيل ذلك (رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) [69] . و لقد استشهد الامام الصادق عليه‌السلام ليحمل أمانته الامام الكاظم عليه‌السلام و كان سم المنصور في عنبه الذي أجبر الامام علي تناوله، هو الذي فعل فعلته المنكرة حسدا و حقدا و خوفا... و كان ذلك في الخامس و العشرين من شوال و قد مضي من عمره الكريم خمسة و ستون عاما.. جاء في مشكاة الأنوار: دخل بعض أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام عليه في مرضه الذي توفي فيه و قد ذبل فلم يبق الا رأسه، فبكي فقال عليه‌السلام: لأي شي‌ء تبكي؟ فقال: كيف لا أبكي و أنا أراك علي هذه الحال؟ قال عليه‌السلام: لا [ صفحه 97] تفعل، فان المؤمن يعرض عليه كل خير ان تقطع أعضاؤه كان خيرا له و ان ملك ما بين المشرق و المغرب كان خيرا له.. لقد رحل الي بارئه سبحانه و تعالي و ترك الرسالة الأمانة، و ترك جامعته أمانة في عنق ابنه موسي بن جعفر عليه سلام الله... (فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلآء شهيدا) [70] . و بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان الأئمة هم أعلام الهدي و حجج الله علي الأرض أمارون بالمعروف ناهون عن المنكر، سابعهم كاظمهم موسي بن جعفر عليه‌السلام. يقول الله سبحانه: (ان عدة الشهور عندالله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) [71] .. ان عدد الشهور كعدد الأئمة الذين حمل كل منهم عب‌ء الأمة و هديها.. يقوله سبحانه: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [72] . [ صفحه 98]

سابع الأئمة

اشاره

موسي بن جعفر عليه‌السلام الامام المطهر و الليث الغضنفر و السيد علي البشر أبي الحسن السيد العالم، و العادل لحاكم، و السيف الصارم و القادر القائم موسي الكاظم. فهو عليه‌السلام مؤنس الضعفاء، و خير الأخيار و راحم المساكين و (عجبا لمن جاءته صرة موسي أن يشكو الفقر). لقد كان محمد صلي الله عليه و آله و سلم خاتم الأنبياء و علي عليه‌السلام سيد الأوصياء و الحسن عليه‌السلام ولي الأصفياء و الحسين عليه‌السلام امام الشهداء و السجاد عليه‌السلام زين الأتقياء و الباقر عليه‌السلام علم الأولياء و الصادق عليه‌السلام ظهير الفقراء و الكاظم عليه‌السلام مؤنس الضعفاء و أما الرضا عليه‌السلام فهو معلم الفقهاء و التقي عليه‌السلام ميراث النقباء و النقي عليه‌السلام مزين الأمراء و الذكي عليه‌السلام ولي الحنفاء و المهدي عليه‌السلام آخر الخلفاء (عج)... هم أولاء الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كم من داع بأسمائهم لينال القربي و القبول هم ثاني الثقلين و المنجاة قرنهم بكتاب الله سبحانه فهو لا ينطق عن الهوي. و بكي صلي الله عليه و آله و سلم لما ستلاقيه عترته من بعده من أمته و أولهم الزهراء عليهم‌السلام بضعة المصطفي و قرة عينه من بغضها بغضه الله و من أحبها أحبه الله ما راعوا فيها حرمة الله و رسوله و حتي وصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من نزلت به (قل كفي [ صفحه 99] بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب) [73] .. و هو علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام روي ذلك موسي بن جعفر و زيد بن علي و محمد ابن‌الحنفية و سلمان الفارسي و أبي سعيد الخدري و اسماعيل السدي. و من نزلت فيه (انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون) [74] ، و لا حرمة الحسن و لا الحسين و هو يناديهم (ما من ابن بنت نبي غيري) و ساءلهم كي يهتدوا لكن قلوبهم غلف و عيونم فاغرة جوفاء، و ما الشر الذي أحدقه الدوانيقي بالصادق عليه‌السلام الا من ذلك الحقد الذي امتلأت به تلك الصدور. و لقد جاء في أحاديث الرواة و منهم ابن شهر آشوب و ابن‌بابويه أن الدوانيقي أرسل يوما الي جعفر بن محمد عليه‌السلام ليقتله، و طرح له سيفا و نطعا و قال للربيع حاجبه اذا أنا كلمته ثم ضربت باحدي يدي علي الأخري فاضرب عنقه. قال الربيع: فلما دخل جعفر بن محمد عليه‌السلام الي المنصور و نظر اليه من بعيد تململ و قال: مرحبا و أهلا بك يا أبا عبدالله، ما أرسلنا اليك الا رجاء أن نقضي دينك و نقضي ذمامك ثم ساءله مساءلة لطيفة عن أهل بيته و قال لي: يا ربيع لا تمضي ثلاثة حتي يرجع جعفر الي أهله فلما خرج قال له الربيع: يا أبا عبدالله رأيت السيف؟ انما كان وضع لك و النطع فأي شي‌ء رأيتك تحرك به شفتيك: قال عليه‌السلام: انه دعاء قرأته ثم علمه اياه. و في رواية: أن الربيع قال للمنصور: ما الذي أبدل غضبك عليه رضي فقال: ما ان دخل علي حتي رأيت تنينا عظيما يقرض بأنيابه و هو يقول بألسنة الآدميين: ان أنت لمست ابن رسول الله لأفصلن لحمك من عظمك، فأفزعني ذلك و فعلت ما رأيت. و في كل مرة يستدعي بها الصادق عليه‌السلام كان أهله يعيشون الرعب [ صفحه 100] و المأساة و كان الكاظم عليه‌السلام يعرف ذلك الجور و ذلك العذاب الذي يلاقيه و يتحمله والده و الذي يعاني منه في أعماقه، و برغم كل المعجزات فان الدوانيقي لم يأل جهدا في اضمار الشر و العزم علي القتل،... فقط السفاح استدعاه الي العراق من المدينة و لكنه لم ينزل به الأذي لما شاهده من معجزاته و علومه و مكارم أخلاقه، فأذن له بالعودة أما أبوالدوانيق فلم يزل خلفه حتي دس له السم.

بين امامين

عشرون عاما بين مولد الكاظم عليه‌السلام بين السابع من صفر لعام ثمان و عشرين و مائة و وفاة الصادق عليه‌السلام في شوال عام ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستون عاما، و لقد قبض عليه‌السلام في حبس السندي بن شاهك عام ثلاث و ثمانون و مائة و له من العمر خمس و خمسون عاما بقي منها في الامامة بعد أبيه خمسا و ثلاثين سنة.. ألا يا قاصد الزوراء عرج علي الغربي من تلك المغاني و نعليك اخلعن و اخضع خشوعا اذ لاحت لديك القبتان فتحتها لعمرك نار موسي و نور محمد متقابلان أبوالحسن الكاظم موسي بن جعفر عليه‌السلام أمه حميدة محمودة و مناقبه كثيرة و لو لم تكن منها الا العناية الالهية لكفاه ذلك. لقد كان عمر الامام عندما استلم أبوالدوانيق ست سنوات و كان يرافق أباه الصادق عليه‌السلام الي بستانه الذي يعمل به. جاء في الكافي عن أبي عمرو الشيباني أنه قال: رأيت أبا عبدالله عليه‌السلام و بيده مسحاة و عليه ازار غليظ يعمل في حائط له و العرق يتصاب عن ظهره فقلت: جعلت فداك، أعطني أكفك، فقال لي: اني أحب أن يتأذي الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة. و يقول شعيب: تكارينا لأبي عبدالله عليه‌السلام قوما يعملون في بستان له [ صفحه 101] و كان أجلهم الي العصر فلما فرغوا قال لغلامه معتب: أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم، هو ذاك من كان والد الكاظم عليه‌السلام. و أما الكاظم عليه‌السلام فانه فذ من أفذاذ العقل الانساني و من كبار أئمة المسلمين، من العترة الطاهرة الذين قرنهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بمحكم التنزيل و جعلهم سفن النجاة و باب حطة، فهم شجرة النبوة و مختلف الملائكة، و موضع الرسالة، و ينابيع العلم و الحكمة، و لم يكن الامام موسي بن جعفر الا سليل معدن النبوة و فرع تلك الشجرة الطاهرة التي أضاءت الانسانية، و في ذلك الخضم الزاخر بالعلم و العلماء من الرجال و النساء في بيئة ضمت الامام الصنو (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس) [75] حيث عاش أهل البيت بعد مجزرة كربلاء تواضعا وفقها و عطاء فزين‌العابدين عليه‌السلام يجلس مع العبد نافع بن جبير و يقف الزهري و هو شيخ مالك بن أنس ليقول: ما رأيت أفقه من زين‌العابدين... و يتابع: ما رأيت قرشيا أفضل منه و الزهري هذا يقول فيه الشافعي: (لولا الزهري لذهبت السنن من المدينة)، فكيف هو ذلك السيد العلم النبراس «زين‌العابدين» عليه‌السلام و كيف يكون أبناؤه المعصومون فروع شجرة النبوة المباركة. و في حج البيت الحرام و الحجيج يسعون لنستمع الي هشام بن عبدالملك الذي غلبت عليه غريزة المعاجزة لأهل البيت عندما رأي الامام الباقر عليه‌السلام بالمسجد (و في مهابة و جلال يعطي دروس و تعاليم الاسلام و آدابه و فرائضه و أحكامه و الناس خشع في مجلسه) فبعث اليه من يسأله ما طعام الناس و شرابهم يوم الحشر؟ فأجابه الباقر عليه‌السلام بآيات محكمات من الكتاب الكريم. تلك النفس التي يوسوس لها الشيطان نسمعها في قلب المنصور الذي يقر للامام الصادق عليه‌السلام بمكانه من العلم و التقوي بالرغم من ضيق صدره [ صفحه 102] بمكانته في الأمة فيقول: (هذا الشجي المعترض في حلقي أعلم أهل زمانه و أنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا) و بالرغم من ذلك... قتله. و يجلس الكاظم عليه‌السلام يستمع لأبيه الصادق عليه‌السلام و لحروفه التي لها جرس في الأذن و نعم في الفم و عذوبة علي اللسان و خفقة في البنان، لقد كان مجلسه عليه‌السلام موردا عذبا كثير الزحام، فالقلوب و اجفة و الآذان مصغية و الشفاه كأنها ستنطق عندما يقول عليه‌السلام: لا اليسر يطرؤنا يوما فيبطرنا و لا لأزمة دهر نظهر الجزعا ان سرنا الدهر لم نبهج لصحبته أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهلعا مثل النجوم علي مضمار أولنا اذا تغيب نجم آخر طلعا لقد حاكت سيرة الأئمة الأطهار سيرة جدهم صلي الله عليه و آله و سلم ايمانا بالله و حبا للخير و نكرانا للذات سيرهم متشابهة بالعطاء مجدبة من المغريات لم تلوثها قذارة المادة و لا مآثم الحياة طفحت بالفضائل و عبقت بالمآثر، هم القدوة و الكمال و المثل الأعلي. عن موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: سئل النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن طوبي فقال: شجرة في الجنة أصلها في داري و فرعها علي أهل الجنة. ثم سألوه عنها ثانية فقال: شجرة أصلها في دار علي و فرعها علي أهل الجنة، فقيل له في ذلك فقال: ان داري و دار علي غدا واحدة. و قال موسي بن جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل: (ألا انهم يثنون صدورهم) [76] : (اذا كانت نزلت الآية في علي ثني أحدهم صدره لئلا يسمعها و يستخفي من النبي صلي الله عليه و آله و سلم). و هذا ينطبق علي الأئمة جميعهم عليهم‌السلام.. محمدهم و عليهم و حسنهم و حسينهم و جعفرهم و كليمهم... عليهم سلام الله و صلاته... (من لا يصلي عليكم لا صلاة له). [ صفحه 103]

موسي سمي كليم الله

اشاره

أيها البازغ بدرا مكتملا.. أيها المنحدر من الأصلاب الطهر المباركة أيها الكاظم الغيظ، أيها المقري الضيف، أيها الناصر المستضعف، أيها العالم العلم، الحاكم الحكم، الباسط الكف خيرا، العابد الله سرا و جهرة، أيها النور من النور و للنور... من الأبواء الي الزوراء سلام الله عليك يوم ولدت و يوم نشأت و يوم حملت الأمانة و يوم دفعت الظلم و حفظت الشريعة و ناضلت من أجل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و سرت فوق القتاد و تصدقت حتي بلقمتك... ما ثغب من أتته صرتك و ما جاع و ما افتقر.. و لا خاف من التجأ اليك و احتمي يا ملاذ الهلعي و منقذ الغرقي و مسرج الضوء في رحاب الايمان يا ذا الكرامات العالية المقدار الخارقة للعوائد يا من أيدك الله بعنايته الربانية و حباك مقام التقديس و التطهير... (و ما يلقاهآ الا الذين صبروا و ما يلقائهآ الا ذو حظ عظيم) [77] . في بابك... باب الحوائج نقف فهل تسمح مولانا بالدخول... فلقد بات الألم يخرج من و ديان عقولنا سيولا تجرف قواقع الأمل الجوفاء و لم يبق الا التوسل بك لاجتياز مضيق التيه في دامس ليل بلا نهاية... كي تشرق نفوسنا [ صفحه 104] من أنوارك الطاهرة و يغسل الألم في بحارك النقية العامرة بالايمان و التقي.. ألم يقل لك أبوك الصادق عليه‌السلام انك من نفسه و الباقون أبناؤه، لم تكن لتلهو و لا لتلعب.. كانت الصلاة و العبادة دأبك ألست أنت عليك سلام الله ملاح السفينة للنجاة... كي لا نضل... و لن نضل باذن الله. يروي زيد النرسي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: ان ناجيت الله و نازلته في اسماعيل ابني أن يكون بعدي فأبي ربي الا أن يكون موسي ابني، و يقول الصادق عليه‌السلام ان شيطانا قد ولع بابني اسماعيل يتصور في صورته ليفتن به الناس و انه لا يتصور في صورة نبي و لا وصي فمن قال لك من الناس ان اسماعيل ابني حي لم يمت فانما ذلك الشيطان تمثل له في صورة اسماعيل و ما زلت أبتهل الي الله الي الله عزوجل في اسماعيل ابني أن يحييه لي و يكون القيم من بعدي فأبي ربي ذلك و أن هذا ليس الي الرجل منا يضعه حيث يشاء، و انما ذلك عهد من الله عزوجل يعهده الي من يشاء، شاء الله أن يكون ابني موسي و أبي أن يكون اسماعيل و لو جهد الشيطان أن يمتثل بابني موسي ما قدر علي ذلك أبدا و الحمد لله. [78] . و في رجال الكشي عن موسي بن بكر الواسطي قال: سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: قال أبي عليه‌السلام: سعد امري‌ء لم يمت حتي يري منه خلفا تقر به عينه و قد أراني الله عزوجل من ابني هذا خلفا - و أشار بيده عليه‌السلام الي العبد الصالح عليه‌السلام - ما تقر به عيني [79] . [ صفحه 105] ابن أبي‌يعفور قال: كنت عند الصادق عليه‌السلام اذ دخل عليه موسي عليه‌السلام فجلس، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: يا ابن أبي‌يعفور هذا خير ولدي و أحبهم الي، غير أن الله عزوجل يضل قوما من شيعتنا فانهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم. قلت: جعلت فداك قد أزغت قلبي عن هؤلاء. قال: يضل به قوم من شيعتنا بعد موته جزعا عليه فيقولون: لم يمت، و ينكرون الأئمة من بعده و يدعون الشيعة الي ضلالتهم، و في ذلك ابطال حقوقنا و هدم دين الله، يا ابن أبي‌يعفور و الله و رسوله منهم بري‌ء و نحن منهم براء. [80] . و جاء عن الفيض قال: قلت لأبي عبدالله: جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها آخرين علي أن ما أخرج الله منها من شي‌ء كان من ذلك النصف أو الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر؟ قال: لا بأس. فقال له اسماعيل ابنه: يا أبه لم تحفظ قال: فقال يا بني أو ليس كذلك أعامل أكري، ان كثيرا ما أقول الزمني فلا تفعل، فقام اسماعيل فخرج قلت: جعلت فداك و ما علي اسماعيل ألا يلزمك اذا كنت أفضت اليه الأشياء، من بعدك كما أفضت اليك بعد أبيك؟! قال: فقال يا فيض ان اسماعيل ليس كأنا من أبي قلت: جعلت فداك فقد كنا لا نشك أن الرجال ينحط اليه من بعدك، و قد قلت فيه ما قلت، فان كان ما يخاف و أسأل الله العافية فالي من؟ قال: فأمسك عني، فقبلت ركبتيه و قلت: ارحم سيدي فانما هي النار، اني و الله لو طمعت أن أموت قبلك لما باليت و لكني أخاف البقاء بعدك، فقال لي: مكانك، ثم قام الي ستر في البيت فرفعه فدخل ثم مكث قليلا، ثم صاح: يا فيض ادخل، فدخلت فاذا هو في المسجد قد صلي فيه و انحرف عن القبلة فجلست بين يديه، فدخل اليه أبوالحسن عليه‌السلام و هو يومئذ خماسي و في يده [ صفحه 106] درة فأقعده علي فخذه فقال له: بأبي أنت و أمي ما هذه المخفقة بيدك؟ قال: مررت بعلي أخي و هي في يده فضرب بها بهيمة فانتزعتها من يده. فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: يا فيض ان رسول الله أفضت اليه صحف ابراهيم و موسي عليهم‌السلام فائتمن عليها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا، و ائتمن عليها علي الحسن و ائتمن عليها الحسن و الحسين و ائتمن عليها الحسين علي بن الحسين، و ائتمن عليها علي بن الحسين محمد بن علي، و ائتمنني عليها أبي و كانت عندي و قد ائتمنت عليها ابني هذا علي حداثته، و هي عنده، فعرفت ما أراد فقلت له: جعلت فداك زدني... قال: يا فيض ان أبي كان اذا أراد ألا ترد له دعوة أقعدني علي يمينه فدعا فلا ترد له دعوة كذلك أصنع بابني هذا، و لقد ذكرناك أمس بالموقف فذكرناك بخير، فقلت له: يا سيدي زدني قال: يا فيض ان أبي كان اذا سافر و أنا معه فنعس و هو علي راحلته أدنيت راحلتي من راحلته فوسدته ذراعي الميل و الميلين حتي يقضي و طره من النوم و كذلك يصنع بي ابني هذا قال: قلت جعلت فداك زدني. قال: اني لأجد بابني هذا ما كان يجد يعقوب بيوسف، قلت: يا سيدي زدني. قال: هو صاحبك الذي سألت عنه فأقر له بحقه، فقمت حتي قبلت رأسه و دعوت الله له فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: أما انه لم يؤذن له في أمرك منك. قلت: جعلت فداك أخبر به أحدا؟ قال: نعم أهلك و ولدك و رفقاك، و كان معي أهلي و ولدي و يونس بن ظبيان من رفقائي. فلما أخبرتهم حمدوا الله علي ذلك كثيرا. و قال يونس لا و الله حتي أسمع ذلك منه و كانت فيه عجلة فخرج فاتبعته فلما انتهيت الي الباب سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام قد سبقني قال: الأمر كما قال لك الفيض. قال: سمعت و أطعت. [81] . [ صفحه 107] و سأل المفضل بن عمر أبا عبدالله عليه‌السلام: هل يفرض الله طاعة عبد ثم يكتمه خبر السماء؟ فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: الله أجل و أكرم و أرأف بعباده و أرحم من أن يفرض طاعة عبد، ثم يكتمه خبر السماء صباحا و مساء. قال: ثم طلع أبوالحسن موسي عليه‌السلام، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: أيسرك أن تنظر الي صاحب كتاب علي؟ قال المفضل: و أي شي‌ء يسرني اذا أعظم من ذلك، فقال: هو هذا صاحب كتاب علي، الكتاب المكنون الذي قال الله عزوجل: (لا يمسه الا المطهرون) [82] . [83] . و قال معاوية بن وهب: دخلت علي أبي عبدالله عليه‌السلام، فرأيت أباالحسن موسي عليه‌السلام و له يومئذ ثلاث سنين و معه عناق من هذه المكية و هو آخذ بخطام عليها و هو يقول لها: اسجدي لله الذي خلقك، ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال له غلام صغير؛ يا سيدي قل لها تموت فقال له موسي عليه‌السلام: ويحك أنا أحيي و أميت؟ الله يحيي و يميت [84] .

ذلك الطفل

يقال ان الانسان لا يخضع في سلوكه لتكوينه الداخلي فقط بل يتفاعل مع العوامل الخارجية التي تطبعه بآثارها في دخائل نفسه و أعماق ذاته حيث تغرس العادات و التقاليد و التصرفات فان حسنت حسن و ان ساءت ساء.. و ان لاستقرار المحيط البيئي أثره علي الفرد فالأسرة المتكاتفة المتعاون أعضاؤها، تضامنا و تحابا و الفة تنشي طفلا سويا تعاونيا.. فهو كالعجينة يكيفه والده أولا مجتمعه ثانيا و الامام موسي عليه‌السلام ابن الصادق ذلك النبراس العظيم و المعلم الكبير للانسانية فكيف تراه يكون ذلك الطفل الغرسة الطاهرة [ صفحه 108] التي تسقي من رحيق الرسالة و تترعرع في في‌ء الهدي لأم حميدة محمودة طاهرة عابدة ساجدة نقية مصانة مصونة و في بيت معهد يخرج الفضائل و الفضيلة و يدرس الايمان و التقوي... أربعة آلاف كل يقول حدثني الصادق عليه‌السلام و من أقطاب الدنيا يجي‌ء طالب العلم لينهل من الينبوع أكثر من قمة العطاء و التقي و الفضيلة فالأحري بذلك الطفل أن يتقمص شخصية ذلك الأب ان لم يزد علي ذلك بذكائه و نبوغه و رهافة حسه و امتثاله تعاليم الهدي...، موسي عليه‌السلام مولود الرسالة غمرته بالنور الذي تقلب في الأصلاب الطاهرة و سقته رحيقها رشفة من قطر السماء، الفة و مودة و رأفة لا هجر في كلام و لا تكلف في حياة و لا مراءاة... بيته ذلك الموقع الطاهر و تربته تلك التربة المطهرة حرفها القرآن و نسيمها العبادة و شمسها الصلاة و ضوؤها ذلك الشعاع السماوي المتلألي‌ء الدافق بحب الهي يصعب وصفه... يرقي الي اللاوصف... يقول الشهيد زيد بن علي عليه سلام الله: (في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به علي خلقه، و حجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضل من تبعه و لا يهتدي من خالفه) [85] . و قد سكب هذا الامام العظيم في نفس ولده موسي جميع مثله و نزعاته حتي صار بحكم نشأته و تربيته من أفذاذ الفكر الاسلامي و من أبرز أئمة المسلمين... لقد كان الامام موسي عليه‌السلام وحيدا في خصائصه و مقوماته فأسرته معدن التقوي و خزنة الحكمة و العلم و مختلف الملائكة و مهبط الوحي و التنزيل و اليها تنتهي كل المكارم و الفضائل في الاسلام. و نطفته من صلب النبوة و الرسالة. أما الرحم التي حضنته فهي كالسبيكة المصفاة... ابنة ذلك البربري الطاهر المؤمن المحمودة الحميدة من خيرة النساء... [ صفحه 109] أما ما حوله فكان جو القرآن و الفضيلة ان قلده يقلد التقي و ان ظمي‌ء ينهل من النبع الطهور... ورث موسي عليه‌السلام من آبائه عليهم سلام الله كل الصفات الحميدة كرما و سخاء (صرر موسي) و حلما و رحمة و حبا للخير و برا بالناس و تفانيا لأجل الآخرين... مشكاة النور من النور يقول نوح عليه‌السلام: (رب لا نذر علي الأرض من الكافرين ديارا (26) انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا الا فاجرا كفارا) [86] ، فالكافر يعطي الكفر المؤمن ينضح الايمان... و نور موسي من نور جعفر لنور أبيه محمد لنور أبيه علي لنور الحسين لنور أميرالمؤمنين عليهم أجمعين أفضل الصلاة و السلام... حضن طاهر تسلسله الأحضان الطاهرة و ايمان باهر تناقلته القلوب المؤمنة... لتصل الي صنو النبي صلي الله عليه و آله و سلم وليد الكعبة و السابق ايمانا و محطم الأصنام و من لو شاء نال نجوم السماء و هو علي كتف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (تخيروا لنطفكم فان العرق دساس) موسي بن جعفر عليهما سلام الله مولود الطهارة و الايمان و وعاء التقي و العبادة و الورع... العبد الصالح... كاظم الغيظ ذو الطاقة الهائلة من النور و العطاء و الاستيعاب و البذل. فان قلنا الذكاء الاجتماعي هو فهم الناس فهما صحيحا و السلوك معهم بحكمة و روية لكان عليه‌السلام القمة في الذكاء و ان قلنا قوامه المدركات الكلية و الرمزية تمييزا للأمور صحيحها و سقيمها و حقها و باطلها و جذرها و متجذرها مذهبا و تمذهبا لكان النبراس حكمة (قصة العمري) و روية و ادراكا لحقائق الأمور و معرفة لخفايا و كنه الأشياء التي لم يدركها فطاحل العلماء فهو عليه‌السلام و منذ قلامة أظفاره أحاط بكل العلوم و المعارف و الأصول... انه الامام أعلم أهل عصره و أكثرهم دراية و احاطة بكل ما تحتاج اليه الأمة في كافة أمور حياتها فعلمه الهامي لا سبي كالأنبياء و موسي عليه‌السلام كسائر الأئمة عليهم‌السلام خصهم الله سبحانه بذلك فلقد كان الجواد عليه‌السلام حفيده [ صفحه 110] أصغر الأئمة سنا، رجع اليه العلماء الكبار و الشيعة بعد وفاة أبيه الرضا عليه‌السلام و كان عمره الشريف لا يتجاوز السبع سنين حين عقد له المأمون مؤتمرا علميا و عهد لكبار العلماء و الفقهاء بامتحانه بأكثر المسائل غموضا و تعقيدا فكان لديه الجواب الشافي الكافي. و خاضوا معه مختلف العلوم فأعطاهم كلمة الحق ظافرا منتصرا ملك قلوبهم اعجابا جعلهم يدينون بامامته و هو الطفل الصغير و هم الكبار سنا المتمرسون حياة... و المتقلبون تفكيرا... قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (حسين مني و أنا من حسين). جاء أن أباحنيفة المتذهب بالجبرية الداعي اليها سافر الي يثرب محاججا الامام الصادق عليه‌السلام و الذي كان من خصوم هذه الفكرة (التي تقول بأن الفعل الصادر من الانسان ليس مخلوقا له و ليس صادرا منه باختياره و انما هو مخلوق لله و صادر عن ارادة الله و ان ارادة الانسان و قدرته لا دخل لها في ايجاد أي فعل سواء أكان صادرا منه باختياره أم مكرها عليه) و قد أجمعت الشيعة علي بطلان ذلك و بعده عن الصواب، حيث أثبت علماء الأصول زيفه مقررين أن أي فعل يسبق بمقدمات ارادية هي: تصور الشي‌ء ذهنيا ثم ميل النفس اليه فالجزم بفائدته لتتعلق الارادة به و يسعي الانسان لايجاده و الأمر به مهما كان و ليس هناك أي قسر أو اجبار للانسان علي فعله. و عندما وصل يثرب قصد دار الامام عليه‌السلام و جلس في دهليز الدار منتظرا الاذن و بينما هو جالس خرج صبي يدرج فبادره أبوحنيفة قائلا: أين يضع الغريب؟ فالتفت اليه الصبي و قال له: علي رسلك، ثم جلس متأدبا، و استند الي الحائط و انبري اليه يجيبه علي سؤاله قائلا: (توق شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و أفنية المساجد و قارعة الطريق، و توار خلف الجدار، و لا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، وضع أين شئت)؟؟ [ صفحه 111] لم يجبه عليه‌السلام فورا و لا و هو واقف بل جلس متأدبا ثم بين له المواقع لقد بهر أبوحنيفة (و هو الذي أحضره المنصور بمسائله العويصة كي يحرج الامام الصادق عليه‌السلام... و ها هو ذا طفل يقف مجيبا اياه) و بدا الذهول في وجهه فاندفع يسأل الصبي...: ما اسمك؟! يقول عليه‌السلام: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب... و لما عرف أبوحنيفة أن الصبي فرع من دوحة النبوة و الامامة اطمأنت نفسه و تقدم اليه بالسؤال الذي أعده للامام الصادق عليه‌السلام قائلا: «يا غلام ممن المعصية؟ هل هي من الله أم من العبد؟» و انطلق عليه‌السلام فأجابه: (لا تخلو أما أن تكون من الله و ليس من العبد شي‌ء فليس لله أن يأخذ العبد بما لم يفعل و أما أن تكون من العبد و من الله و الله أقوي الشريكين، فليس للشريك القوي أن يأخذ الضعيف بذنب هما فيه سواء، و أما أن تكون من العبد و ليست من الله فان شاء عفا و ان شاء عاقب و هو المستعين). لقد ملأت الدهشة أعطاف أبي‌حنيفة الذي وقف مبهورا رافعا عقيرته قائلا: لقد استغنيت بما سمعت... و شاعت هذه المساءلة ورد الامام عليه‌السلام الذي دل علي ما وصل اليه عليه‌السلام من العلوم و المعارف رغم سنه المبكر فلقد أدرك ما لا يدركه العلماء الكبار بأفكارهم و تجاربهم... هذا ما كان شأن أبي‌حنيفة و أما بشأن أبي‌الخطاب ذلك الملحد الذي زعم أن جعفر بن محمد اله - تعالي الله عن قوله - و استحل المحارم فكان أصحابه كلما ثقل عليهم أداء فريضة أتوه و قالوا يا أباالخطاب خفف علينا، فيأمرهم بتركها حتي تركوا جميع الفرائض و استحلوا جميع المحارم و ارتكبوا المحظورات حتي شهادة الزور. و عندما ظهرت مبادئه الهدامة في الكوفة في [ صفحه 112] وقت خرج من زوال بني‌أمية و ظهور بني‌العباس حيث ساعدته الظروف في جمع نفر من أهل الكوفة يلقنهم تعاليمه و يرسهم لهم خطط الدعوة و الظهور و وصلت بدعه الي الامام الصادق عليه‌السلام فتبرأ منه و لعنه علي رؤوس الأشهاد فهو سابقا كان من أصحابه و أتباعه ثم ارتد بعدئذ... و قد هرع عيسي الشلقاني الي الامام الصادق عليه‌السلام يسأله رأيه في هذا الملحد الخطير فقال عليه‌السلام: يا عيسي، ما منعك أن تلقي ابني (يعني الامام موسي) فتسأله عن جميع ما تريد؟. فانعطف عيسي نحو الامام و كان آنذاك صبيا في المكتب فلما رآه عليه‌السلام انبري اليه مجيبا قبل أن يسأله قائلا له: (يا عيسي ان الله تبارك و تعالي أخذ ميثاق النبيين علي النبوة فلم يتحولوا عنها أبدا و أخذ ميثاق الوصيين علي الوصية، فلم يتحولوا عنها أبدا و أعار قوما الايمان زمانا ثم سلبهم اياه، و ان أباالخطاب ممن أعير الايمان ثم سلبه اياه...). و أكبر عيسي جواب الامام فقام اليه و ضمه و قبل ما بين عينيه و انطلق يقول: «بأبي أنت و أمي، ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم» ثم قفل راجعا الي الامام أبي عبدالله: يا عيسي ان ابني هذا لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم». ثم انه أمر باخراج ولده من المكتب (و في ذلك الوقت أيقن عيسي بامامة موسي عليه‌السلام و أنه ولي عهد أبيه) فأجلسه الي حجره و كان معه لوح فقال له يا بني اكتب: تنح عن القبيح و لا ترده... فلما رسم ذلك قال له يا بني أجزه فاندفع فورا يقول: و من أوليته حسنا فزده [ صفحه 113] ثم ألقي له الامام شطرا آخر يطلب منه اجازته و هو: ستلقي من عدوك كل كيد فأجازه: اذا كان العدو فلا تكده و فرح الامام عليه‌السلام بمواهب ولده و عبقريته فضمه اليه قائلا: (ذرية بعضها من بعض) [87] . و كان من آيات نبوغه في طفولته ما حدث به صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن صاحب هذا الأمر فقال لي: (صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب)، و يقول صفوان: بينما يحدثني عن ذلك اذ أقبل أبوالحسن موسي عليه‌السلام و هو صبي و معه بهمة عناق يخاطبها قائلا: اسجدي لربك فأخذه أبو عبدالله عليه‌السلام و ضمه اليه و هو يقول له: (بأبي أنت و أمي من لا يلهو و لا يلعب) [88] .

تفكر

حدق اذا ما الليل طاف و أوجرا و اذ الخليقة و الخلائق بالكري و اذ السحاب من السماء تبعثرا و البدر في الفلك العظيم تكورا و الفلك فوق عباب يم أبحرا و النبع من صم الصخور تفجرا و اسأل فؤادك في العشي و مسحرا ما السر في ليل يطوف بالوري ما السر في نظم بها قد سطرا أو ماجت الأمواه و انحدرت ذرا ما السر في كون تراه تمحورا حدق بطفل بالامامة سورا لم يله كالأطفال يوما أو جري لم تلهه الدنيا و لا نار القري أو ما به الألعاب يوما تشتري أو بالسقاسف أو بما قد زمرا [ صفحه 114] أو بالذي لعبت عقول أظهرا فانظر اليه بسجدة كم عبرا عما بصدر بالعبادة نورا و من التقي قد عمرت و تعطرا و من الشهامة و الكرامة أكبرا و من التواضع رحمة لمن انبري يأتي لباب يؤته متيسرا عجبا يقول العالمين.. غضنفرا و الكاظم الغيظ الامام مبشرا و بصرة يعطي، كريما، قسورا حدق بقلب الحرف و انظر حيدرا و اسمع من الأصداء صوتا كبرا و أقر السلام عليهم مستغفرا لتفوز في الدارين منه و تظفرا و في تاريخ بغداد يروي الخطيب و في الرسالة القوامية يروي السمعاني و في الأربعين أبوصالح أحمد المؤذن و في الابانة أبو عبدالله بن بطة و في الكشف و البيان الثعلبي و كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌السلام لما روي عنه قال: حدثني موسي بن جعفر قال: حدثني أبي‌جعفر بن محمد و هكذا الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال أحمد: و هذا اسناد لو قري علي المجنون أفاق. و عندما لقيه عليه‌السلام أبونواس قال: اذا أبصرتك العين من غير ريبة و عارض فيك الشك أثبتك القلب و لو أن ركبا أمموك لقادهم نسيمك حتي يستدل بك الركب جعلتك حسبي في أموري كلها و ما خاب من أضحي و أنت له حسب يقول اليوناني كانت لموسي بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال و كان عليه‌السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان اذا قرأ يحزن، و بكي السامعون لتلاوته، و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [89] . و يروي عيسي شلقان فيقول: كنت قاعدا فمر أبوالحسن موسي عليه‌السلام و معه بهيمة فقلت: يا غلام ما تري ما يصنع أبوك، يأمرنا بالشي‌ء ثم نهانا عنه [ صفحه 115] أمرنا أن نتولي أباالخطاب ثم أمرنا أن نلعنه و نتبرأ منه؟ فقال أبوالحسن عليه‌السلام - و هو غلام - ان الله خلق خلقا للايمان لا زوال له و خلق خلقا للكفر لا زوال له و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين اذا شاء سلبهم و كان أبوالخطاب ممن أعير الايمان قال: فدخلت علي أبي عبدالله عليه‌السلام فأخبرته ما قلت لأبي الحسن عليه‌السلام و ما قال لي: فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: انه نبعة نبوة [90] . و في نص يروي أبوحنيفة فيقول: أتيت الصادق عليه‌السلام لأسأله عن مسائل فقيل لي: انه نائم، فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيا جميل المنظر ذا هيبة و حسن سمت فسألت عنه فقالوا: هذا موسي بن جعفر فسلم عليه و قلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في أفعال العباد ممن هي؟. فجلس ثم تربع و جعل كمه الأيمن علي الأيسر و قال: يا نعمان قد سألت فاسمع، و اذا سمعت فعه، و اذا دعيت فاعمل، ان أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال: اما من الله علي انفراده أو من الله و العبد شركة أو من العبد بانفراده، فان كانت من الله علي انفراده فما باله سبحانه يعذب عبده علي ما لم يفعله مع عدله و رحمته و حكمته، و ان كانت من الله و العبد شركة فما بال الشريك القوي يعذب شريكه علي ما قد شركه فيه و أعانه عليه، قال: استحال الوجهان يا نعمان فقال: نعم، فقال له: فلم يبق الا أن يكون من العبد علي انفراده ثم أنشأ يقول: لم تخل أفعالنا التي نذم بها احدي ثلاث خصال حين نبديها اما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين نأتيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لالهي في جنايتها ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها [91] . [ صفحه 116] طفل أنطقه الله بالحكمة، و جلله بالامامة و كساه بالتقي و عصمه بالنور العلوي كي يضي‌ء القلوب و يمحو الضلالة و الضلال. فلقد كان أبوه الصادق عليه‌السلام مفجرا لينابيع العلم و الحكمة في الأرض و فتح للناس أبوابا من العلوم لم يعهدوها من قبل و قد ملأ الدنيا بعلمه - كما قال الجاحظ [92] - و نقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر صيته في جميع البلدان - كما أدلي بذلك ابن‌حجر - [93] . [ صفحه 117]

جامعة الامام الصادق

اشاره

لقد نمي الامام الصادق عليه‌السلام جامعة أهل البيت و مدها بعناصر الحياة و البقاء تلك الجامعة التي كان المؤسس الأول لها الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام الرائد الأول للعلم و التطور في الاسلام فقد جهد علي نشر العلوم و تثقيف المسلمين حيث اتخذ جامع الكوفة مدرسة له يلقي من علي منبره خطبه الحافلة بعلم الاقتصاد و السياسة و الادارة و الفلسفة و الحكمة، و أصول التربية الهادفة الي اقامة حسن السلوك و الأخلاق... فخص أصحابه بعلومه النيرة المستمدة من علوم النبي العظيم صلي الله عليه و آله و سلم فأخذوا منه علم الكلام و التوحيد و الفقه و التفسير و الشريعة و البلاغة فأمدوا العالم الاسلامي بتراثهم و مؤلفاتهم فكان منهم (حبر الأمة و مرجعها عبدالله بن عباس و منهم الأستاذ الأول لعلم النحو أبوالأسود الدؤلي، و منهم أول من صنف علم المغازي و السير أبورافع صاحب كتاب السنن و الأحكام و القضاء) و بعده قام الحسن المجتبي ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سبطه الأول عليه‌السلام بتنمية تلك المؤسسة التي انتقلت من الكوفة الي يثرب بعد غدر أهل العراق به فاتخذ عليه‌السلام الجامع النبوي معهدا له يلقي به محاضراته العلمية و من تلامذته (الحسن المثني، و المسيب بن نجبة، و سويد بن غفلة، و العلاء بن عبدالرحمان، و الشعبي، و هبيرة بن بركم، و الأصبغ بن نباتة، و جابر بن خلد، و أبوالجواز، و عيسي بن مأمون بن [ صفحه 118] زرارة، و نفالة بن المأموم و عمير بن سعيد النخعي، و أبومريم بن قيس الثقفي، و طحرب العجلي، و اسحاق بن يسار والد محمد بن اسحاق و عبدالرحمان بن عوف، و سفين بن الليل، و عمر بن قيس الكوفيون) [94] . و ازدهرت يثرب في عصره و أصبحت أخصب بلاد الاسلام علما و أدبا و ثقافة و بعد وفاة الحسن عليه‌السلام انبري أخوه الامام الحسين عليه‌السلام الي رعاية ذلك المعهد و تغذية طلابه بأنواع العلوم لكن ابتلاءه بطاغية زمانه (يزيد بن معاوية) الذي أعلن الكفر و الالحاد و الفسوق و المجون و الذي امتحن به الامام عليه‌السلام امتحانا عسيرا رأي أن الواجب الديني يحتم عليه أن يفدي دين جده بدمه الغالي و أن يقدم الكواكب من أبنائه و أهل بيته ضحايا في سبيل كلمة التوحيد و انقاذ المسلمين من جور الأمويين و بطشهم فسجل بذلك أروع تضحية في سبيل الحق و المبدأ لم يشاهد التاريخ الانساني أسمي منه و لذا قيل (الاسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني)، و بعد استشهاده عليه‌السلام انصرف الامام و ولده علي بن الحسين الذي قال فيه الزهري: (ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين عليه‌السلام) انصرف الي العبادة فكان يصوم نهاره و ينفق ليله متعبدا حتي صار كالشن البالي من كثر عبادته اضافة الي الأحزان علي ما حل بأبيه و أهل بيته فكربلاء أمامه بكل آلامها و كان خامس البكائين... و بالرغم من كل ما ألم به فقد قام عليه‌السلام بدور هام في تزويد العلماء و الرواة بأحاديثه في مختلف العلوم و قد روي عنه أولاده محمد الباقر عليه‌السلام و زيد الشهيد و عبدالله و أبوسلمة بن عبدالرحمن و طاوس بن كيسان، و أبو الزناد و عاصم بن عمر بن قتادة، و عاصم بن عبيدالله، و القعقاع بن حكيم، و زيد بن أسلم و الحكم بن عتيبة، و حبيب بن أبي‌ثابت، و أبوالأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل، و مسلم البطين و يحيي بن سعيد الأنصاري [ صفحه 119] و هشام بن عروة و علي بن زيد بن جدعان و آخرون [95] ، و ترك عليه‌السلام الصحيفة السجادية (زبور آل محمد) و يقال (انجيل آل محمد) عليه‌السلام، و ذلك لما حوته من الثروات الفكرية المتميزة بوضع قواعد الأخلاق و أصول الفضائل و علوم التوحيد و غيرها... كذلك (رسالة الحقوق) و هي أروع رسالة ألفت في الاسلام حيث وضعت الأسس لحقوق الدولة علي الشعب و حقوق الشعب علي الدولة و حقوق المسلمين بعضهم علي بعض، و صاغت البرامج العامة لأصول التربية و أنواع السلوك و آداب التعليم و حقوق المعلم علي المتعلمين و غير ذلك. و بعده عليه‌السلام قام الامام محمد الباقر عليه‌السلام الذي ورث عن أبيه رسالته و رعاية مؤسسته الدينية لتزويد علمائها و طلابها بعلوم الاسلام و آدابه، و لقد ازدهرت في عصره معاهد العلم و التف حوله العلماء، ينتهلون النبع الثر من علومه المباركة، و لقد كان المرجع الوحيد للعالم الاسلامي في عصره لعلوم الشريعة حيث تصاغر أمامه كل علماء عصره اعترافا منهم بسمو منزلته العلمية التي لا يدانيها أحد [96] ، و لقد روي عنه زرارة بن أعين (يقول الصادق عليه‌السلام: لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب) [97] ، و محمد بن مسلم الذي سمع منه ثلاثين ألف حديث [98] . و أبوبصير (قال الصادق عليه‌السلام فيه و في اخوانه: «لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست) [99] ، و عبدالملك بن أعين (دعا له الامام الصادق عليه‌السلام فقال: اللهم ان أبا الضريس كنا عنده خيرتك من لخقك، فصيره في ثقل [ صفحه 120] محمد صلواتك عليه يوم القيامة) [100] . و روي عنه أيضا عمر بن دينار و هو من رجال الصحاح السنة، و كذلك الأعرج و الزهري و أبوجهضم موسي بن سالم و القاسم بن الفضل و الأوزاعي و ابن‌جريج و الأعمش و شيبة بن نصاح و عبدالله بن أبي‌بكر و عمر بن حزم و عبدالله بن عطاء و بسام الصيرفي و حرب بن سريج و حجاج بن أرطأة و محمد بن سوقة و مكحول بن راشد و معمر بن بسام و غيرهم [101] . و نمت و ازدهرت في دوره جامعة أهل البيت عليهم‌السلام و أمدت العالم بجميع مقومات النهضة الفكرية التي حمل مشعلها الصادق عليه‌السلام بعد أبيه الباقر عليه‌السلام لقد عملت جامعة الامام الصادق عليه‌السلام علي ايقاظ الفكر البشري و بلورة العقلية الاسلامية، و تطوير المجتمع الانساني، فأنتجت صفوة العلماء و قادة المفكرين و الملهمين الذين جهدوا علي نشر العلم بجميع أنواعه و ببركة جهودهم نضجت الحياة الفكرية في ذلك العصر. حتي سمي بحق العصر الذهبي للاسلام. قال أحدهم: (الحقيقة أن مدرسة الاسلام جعفر الصادق الفكرية قد أنجبت خيرة المفكرين و صفوة الفلاسفة و جهابذة العلماء و اذا كان هناك حقيقة يجب أن تقال فهي: أن الحضارة الاسلامية و الفكر العربي مدينان لهذه المدرسة الفكرية بالتطور و الرقي و الخلود، و لعميدها الصادق بالمجد العلمي و التراث الثمين). لقد انطلقت تلك الجامعة العظيمة في عهد الامام الصادق عليه‌السلام و الذي زامن انتهاء دولة و ابتداء دولة، فتن كقطع الليل مع أهواء فاسدة و مجتمع متفكك أحرقته نيران الحروب المشتعلة في الأمصار كافة فلم يعد الناس [ صفحه 121] يهتمون الا بالمناجزة السياسية فلا علم و لا دين في قلوبهم ولا عقيدة تمخر لبابهم.. الهرج و المرج و الدماء... في ذلك الليل الحالك أمسك النور بكلتا يديه عليه‌السلام ليري الناس طريقهم بعد ضلال... و اذا بهم يقبسون الطريق بعد التيه فانطلقت ركابهم الي ظلال الاسلام الذي جعل طلب العلم فريضة و وجدوا في حفيد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم القائد الموجه لهم الي شاطي‌ء السلام في رحاب مدرسته التي تفرغ لها كلية فقد كان بمعزل عن التدخل بأي شأن من شؤون الدول أموية كانت أم عباسية لذا طلب الحكام رضاءه و السلطات ابتعدت عن مراقبته و التضييق عليه أو منعه نشر علومه فلذا وجد أمامه المجال المتسع لفتح أبواب مدرسته و تغذيه طلابه بالعلوم و المعارف فسارع اليه كبار العلماء و الرواة و المحدثين للانضواء تحت رايته فوجد عليه‌السلام لهم خير عون لأداء رسالته الاصلاحية التي بلورت عقلية المجتمع الاسلامي و أنقذته من رواسب الجهل و الجمود و كان لادارته المباشرة و اشرافه المتواصل الأثر الكبير في النجاح الذي تحقق فلقد أجمع المسلمون بكل طوائفهم و علي مختلف نزعاتهم أنه من ألمع أئمة المسلمين علما وفقها و موهبة مما أدي لنجاح تلك الجامعة العظيمة. و قد كانت يثرب مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و مهبط الوحي دار جامعته العظمي فأصبح موئل العلماء و ملاذ الفقهاء في أطهر بقعة اختارها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو مسجده الطاهر (الجامع النبوي)... مكانا لجامعته. و ها هي الكوفة و البصرة و واسط و الحجاز ترسل أبناءها الي جعفر بن محمد عليه‌السلام من كل قبيلة من قبائل العرب: غفار و غطفان و الأزد و خزاعة و خثعم و مخزوم و بني‌ضبة و سليم و مخارق و طي و أسد و قريش سيما بني الحارث بن عبدالمطلب و بني الحسن بن علي و من شتي الأقطار الاسلامية للانتهال من علوم الامام و تهذيب نفوسهم بأحكام الدين من حفيد النبي العظيم صلي الله عليه و آله و سلم و بذلك حقق المجتمع الاسلامي نصرا رائعا في تأييد الحركة العلمية و بناء كيانها فلقد صنف الحافظ أبوالعباس الهمداني الكوفي كتابا في [ صفحه 122] أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام فذكر ترجمة أربعة آلاف راو منهم [102] . و هذا العدد الضخم الذي لم يعهد له مثيل في أي معهد علمي و الذي كان من كبار العلماء و المحدثين الذين أصبح بعضهم أئمة و رؤساء لبعض المذاهب الاسلامية نقلوا عن الامام عليه‌السلام من العلوم و المعارف ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في كل البلدان فقد كان بيت جعفر الصادق عليه‌السلام كالجامعة يزدان علي الدوام بالعلماء الكبار في الحديث و التفسير و الحكمة و الكلام. و لقد ألف تلاميذه مجموعة من الكتب عدت دائرة علمية للمذهب الجعفري أو الشيعي... و من تخرج من تلك الجامعة عاد الي موطنه حاملا معه ارثا علميا هيأه لتأسيس معاهد علمية و أندية دينية عملت علي تهذيب النفوس و تشذيب الأخلاق و كان من أعظمهم المعهد الديني الكبير الذي أقيم في جامع الكوفة حيث بلغ من التحق به من المتخرجين من مدرسة الامام تسعمائة عالم و كما حدث بذلك الحسن بن علي الوشاء قال: أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد [103] . و قد انتهل من نمير علومه كثير من الأسر العلمية في الكوفة و عرفت بعد ذلك بالفقه و الحديث مثال بيت آل حيان تغلبي و آل أعين و بني‌عطية و دراج و غيرهم [104] ، و لقد احتفت به هذه الأسر أثناء اقامته بالكوفة أيام السفاح حيث دام بقاؤه عامين. كان منزله في بني عبدالقيس حيث ازدحمت عليه الشيعة تستفتيه و تسأله عن أحكام دينها. [ صفحه 123]

اجواء الصادق

و مهما كان من أمر فان الامام موسي عليه‌السلام كان يعيش تلك الأجواء برمتها و من كافة نواحيها... لقد كان عالما في واحد.. فلئن اختص هشام بن الحكم و هشام بن سالم و مؤمن الطاق و محمد بن عبدالله الطيار و قيس الماصر و غيرهم بعلم الكلام و الفلسفة و مباحث الامامة... و زرارة بن أعين و محمد بن مسلم و جميل بن دراج و بريد بن معاوية و اسحاق بن عمار و عبيدالله الحلبي و أبوبصير و ابان بن تغلب و الفضيل بن يسار و أبوحنيفة و مالك بن أنس و محمد بن الحسن الشيباني و سفيان بن عيينة و سفيان الثوري و يحيي بن سعيد و غيرهم بعلم الفقه و أصوله و التفسير و سائر العلوم الدينية. و أما علم الكيمياء فجابر بن حيان... و أما حكمة الوجود و أسرار الخليقة فالمفضل بن عمر، كذلك تناول في كتابه الذي أملاه عليه الامام الصادق عليه‌السلام أغلب أبواب الطب (وظائف الأعضاء و دوران الدم و الجراثيم المسببة للأمراض و تشريح الانسان). كل هذه العلوم انبثقت عن الصادق عليه‌السلام لتذهب بتخصصاتها لكل نفر نوع لكنها انسرحت الي قلب و فكر الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام فحملها أمانة و أداها رسالة... تلامذة الصادق عليه‌السلام يفخرون بأنهم تلاميذه... أبوحنيفة يقول: (لولا السنتان لهلك النعمان)... و مالك بن أنس يقول: ما رأت عين و لا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام علما و عبادة و ورعا. و المنصور ذلك الأفعي أبوالدوانيق كم تملق الامام و كما حاول معه و كتب اليه (لم لا تخشانا كما يخشانا سائر الناس؟!). [ صفحه 124] و يجيبه الامام عليه‌السلام: (ليس عندنا من الدنيا ما نخافك عليه، و ليس عندك من الآخرة ما نرجوك له). و يكتب له بأسلوب نفاقه قائلا: انك تصحبنا لتنصحنا، فيجيبه عليه‌السلام: (من أراد الآخرة فلا يصحبك و من أراد الدنيا فلا ينصحك). لقد ابتعد الامام عن السلطة لكن أصحاب السلطة لم يبتعدوا عنه و لا تركوه بحاله... كان الخوف يسكن قلوبهم و الحسد يعمي بصائرهم...

استقلال مدرسته

لقد استقلت مدرسة الصادق عن السلطة فلم تخضع لها و لم تفسح المجال لولاة الأمر بالتدخل في شؤونها أو تكون لهم يد في توجيهها و تطبيق نظامها و لذا لم يتسن لذوي السلطة استخدامها في مصالحهم الخاصة... فقد كانت منذ نشأتها الأولي تحارب الظالمين و لا تركن اليهم و لا تربطها بهم أية روابط و لا أي انسجام لذا تعرضت للخطر فالدولة تحمل العداء لهذه المدرسة لأنها لا يمكنها التنازل لنهج المدرسة لكسب ودها و لا المدرسة يمكنها التنازل لارادة الدولة فتؤازرها و تسير بخدمتها و ذلك محال كونه لا ترتبط بالثقلين... كتاب الله و عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المتلازمان اللذان لن يفترقا حتي يردا الحوض فالقرآن ينهي عن معاونة الظالمين (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أوليآء ثم لا تنصرون) [105] . لقد فزعت السلطة الحاكمة من مدرسة الامام عليه‌السلام و هالها اتساع نطاقها و كثرة المنتمين اليها خاصة و أنهم يحملون علوم الامام يحدثون الناس بها و ينشرون فضائله و مناقب أهل البيت عليهم‌السلام مما أقض مضاجع المنصور فخشي علي مصالحه السياسية و خاف افتتان الناس بالامام - علي حد قوله - فعهد الي أبي‌حنيفة بمجابهته.. و أني له ذلك.. [ صفحه 125] يقول أبوحنيفة: (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد...) و ان دل ذلك علي أمر فهو يدل علي مدي حنق السلطة و حقدها و حذرها من الامام و علي مقدرة الامام العلمية التي كانت لديه. و عمد المنصور الي مكافحة مدرسة الامام عليه‌السلام لعزله فقرب مالك بن أنس مبجلا اياه مكرما له ليجعله مرجع الأمة و قد عهد اليه بوضع كتاب يحمل الناس قسرا علي العمل به. و امتنع مالك بادي ذي بدء فأجبره علي ذلك قائلا: ضعه فما أحد اليوم بأعلم منك، فوضع (الموطأ) و أمر الرشيد عامله علي المدينة أن لا يقطع أمرا دون مالك.. و كان الرشيد يجلس أرضا لاستماع حديثه، حيث التزمت الدولة مالك و سخرت أجهزتها الدعائية لنشر مذهبه و حمل الناس عليه كي تصرف الناس عن مذهب أهل البيت الذي انتشر و علا أمره بسبب الامام الصادق عليه‌السلام و لقد بالغ الرشيد في تعظيم أبي‌يوسف لأنه تلميذ أبي‌حنيفة و ناشر مذهبه فولاه رئاسة القضاء حيث يتم تولية القضاة في الأمصار باشارته حتي قال له: يا أبايعقوب لو جاز لي ادخالك في نسبي و مشاركتي في الخلافة المفضية الي لكنت حقيقا به.. و هكذا جهدت السلطة العباسية بتأسيس بعض المذاهب و العناية بأصحابها و ارغام الأئمة علي الأخذ بآرائها و العمل بافتاءاتها كي تصرف المسلمين عن مدرسة أهل البيت و مذهبهم و كان المنصور فاتح أبواب ذلك الاضطهاد الفكري الذي سار علي نهجه بعده الملوك العباسيون لاخماد الوعي الديني المستمد من أهل البيت.

وصية الصادق لابنه

لقد حث الامام الصادق عليه‌السلام شيعته علي التحلي بمكارم الأخلاق و محاسن الأفعال ليكونوا قدوة صالحة للمجتمع و ها هو يوصي ولده الامام [ صفحه 126] موسي عليه‌السلام قائلا: يا بني: انه من رضي بما قسم له استغني و من مد يمينه الي ما في يد غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه و من استصغر زلة نفسه استكبر زلة غيره. يا بني: من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته و من سل سيف البغي قتل به، و من احتفر لأخيه بئرا سقط فيها و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء و قر، و من دخل مداخل السوء اتهم. يا بني: اياك أن تزدري بالرجال فيزدري بك و اياك و الدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك. يا بني: قل الحق لك أو عليك. يا بني: كن لكتاب الله تاليا و للسلام فاشيا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا، و لمن قطعك واصلا و لمن سكت عنك مبتدئا و لمن سألك معطيا و اياك و النميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال و اياك و التعرض ليعوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف. يا بني: اذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فان للجود معادنا و للمعادن أصلا و للأصول فروعا و للفرع ثمرا و لا يطيب ثمر الا بفرع و لا فرع الا بأصل و لا أصل ثابت الا بمعدن طيب. يا بني: اذا زرت فزر الأخيار و لا تزر الفجار فانهم صخرة لا ينفجر ماؤها و شجرة لا يخضر ورقها و أرض لا يطيب عشبها [106] . و يوجه عليه‌السلام رسالة الي بعض أصحابه يأمرهم فيها بمكارم الأخلاق و محاسن الأعمال فيقول: «عليكم بحب المساكين المسلمين فان من حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين الله و اعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقي [ صفحه 127] الله عليه المقت فاتقوا الله في اخوانكم فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم، فان الله أمر نبيه بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصي الله و رسوله و من عصي الله و رسوله و مات علي ذلك مات من الغاوين. اياكم أن يبغي بعضكم علي بعض فانها ليست من خصال الصالحين فانه من بغي صير الله بغيه علي نفسه و صارت نصرة الله لمن بغي عليه و من نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله. اياكم أن يحسد بعضكم بعضا فان الكفر أصله الحسد، اياكم أن تعينوا علي مسلم مظلوم، يدعو الله عليكم، و يستجاب له فيكم، فان أبانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ان دعوة المظلوم مستجابة، اياكم أن تشره نفوسكم الي شي‌ء مما حرم الله عليكم فان من انتهك ما حرم الله عليه حال الله بينه و بين الجنة [107] . و تزخر الكتب بوصاياه عليه‌السلام و يزخر صدر ابنه الكاظم بتلك التحف التي تنضح الخير و الهدي و العدل الذي طالما تحدث عنه ليقول عليه‌السلام: العدل أحلي من الماء يصيبه الظمآن. و قال: ما أوسع العدل و ان قل... و قال: اتقوا الله و اعدلوا فانكم تعيبون علي قوم لا يعدلون. و ها هو عليه‌السلام يوصي بالحق... الحق الذي قال عنه صلي الله عليه و آله و سلم: (الحق مع علي و علي مع الحق يدور كيفما دار) فيقول الصادق عليه‌السلام: (ان حقيقة الايمان أن تؤثر الحق و ان ضرك، علي الباطل و ان نفعك). و ان متابعة الحق و اتباعه و تقديمه علي المصالح الخاصة من أهم الحقائق التي هتف بها الاسلام و عززته مدرسة الامام عليه‌السلام و لنستمع الي مكارم أخلاقه عليه‌السلام التي سار بها الامام الكاظم عليه‌السلام حيث يقول: (صدقة يحبها [ صفحه 128] الله، اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا و تقارب بينهم اذا تباعدوا)... هو ذاك هدف أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين كرسوا حياتهم في سبيله و لاقوا المزيد من الاضطهاد و الجور من أجله. و لنستمع الي تلك الصرخة المدوية في أرجاء المعمورة من وجدانه الشريف عليه‌السلام: (و العامل بالظلم، و المعين له، و الراضي به كلهم شركاء ثلاثتهم) [108] . لقد حرم عليه‌السلام التعاون مع الظالمين و الاشتراك معهم بأي عمل يساعد علي بسط نفوذهم و تقوية سلطانهم و ها هو يقول مجيبا علي سائله من بعض أصحابه في جواز البناء لهم و كراية النهر فيقول: (ما أحب أن أعقد لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء و لا مدة بقلم، ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار). و يؤكد عليه سلام الله علي أصحابه قائلا: (اتقوا الظلم فان دعوة المظلوم تصعد الي السماء). و يتابع عليه‌السلام (ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا الله). و بالمقابل حث عليه‌السلام علي التعاون... فقال لصفوان لجمال: قم فأعن أخاك حيث دخل (ميمون) يشكو للصادق عليه‌السلام تعذر الكراء.. فقام صفوان و يسر الله ذلك فعاد فسأله عليه‌السلام: ما صنعت في حاجة أخيك؟ قال: قضاها الله بأبي أنت و أمي.. قال عليه‌السلام: (أما أنك ان تعن أخاك المسلم أحب الي من طواف أسبوع في البيت). و يقول عليه‌السلام لجميل بن دراج: من صالح الأعمال البر بالاخوان و السعي [ صفحه 129] في حوائجهم و ذلك مرغمة للشيطان و تزحزح عن النيران و دخول في الجنان، يا جميل أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك. يقول: جعلت فداك و من غرر أصحابي. قال عليه‌السلام: هم البارون بالاخوان في العسر و اليسر. [109] .

معرفة الله

و أما أهم الواجبات الاسلامية فكانت معرفة الله سبحانه و قد حث الامام الصادق عليه‌السلام أصحابه عليها كاشفا جليل آثارها فقال: لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عزوجل ما مدوا أعينهم الي ما متع الله به الأعداء من زهرة هذه الدنيا و نعيمها و كانت دنياهم أقل عندهم مما يطأونه بأرجلهم، و لنعموا بمعرفة الله عزوجل و تلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنات مع أولياء الله، ان معرفة الله عزوجل أنس من وحشة، و صاحب من كل وحدة، و نور من كل ظلمة، و قوة من كل ضعف، و شفاء من كل سقم. و يقول سلام الله عليه... (قد كان قبلكم قوم يقتلون و يحرقون و ينشرون بالمناشير و تضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عما هم عليه شي‌ء مما هم فيه، من غير ترة و تروا من فعل ذلك بهم و لا أذي بل ما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحمية، فاسألوا درجاتهم و اصبروا علي نوائب دهركم تدركوا سعيهم) [110] .

وصف المؤمن

و يصف لأصحابه من دخل قلبه الايمان فيقول: المؤمن له قوة في دين، و حزم في لين، و ايمان في يقين و حرص في فقه و نشاط في هدي، و بر في [ صفحه 130] استقامة، و علم في حلم، و كيس في رفق و سخاء في حق، و قصد في غني، و تجمل في فاقة و عفو في مقدرة و طاعة الله في نصيحة و انتهاء في شهوة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدة، في الهزاهز وقور، و في الرخاء شكور، لا يغتاب، و لا يتكبر، و لا يقطع الرحم، و ليس بواهن، و لا فظ، و لا غليظ، و لا يسبقه بصره، و لا يفضحه بطنه، و لا يغلبه فرجه، و لا يحسد الناس، و لا يعير و لا يعير، و لا يسرق، ينصر المظلوم، و يرحم المسكين، نفسه منه في عناء، و الناس منه في راحة، و لا يرغب في عز الدنيا، و لا يجز من ذلها، للناس هم قد أقبلوا عليه و له هم قد شغله، لا يري في حكمه نقص، و لا في رأيه وهن، و لا في دينه ضياع، يرشد من استشاره، و يساعد من ساعده، و يكيع عن الخنا و الجهل [111] .

صفات المؤمن

و في وصف المؤمن يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتي يكون كامل العقل، و لا يكون كامل العقل حتي يكون فيه عشر خصال، الخير منه مأمول، و الشر منه مأمون، يستقل كثير الخير من نفسه، و يستكثر قليل الخير من غيره، و يستكثر قليل الشر من نفسه و يستقل كثير الشر من غيره، و لا يتبرم بطلب الحوائج قبله و لا يسأم من طلب العلم عمره، الذل أحب اليه من العز، (الذل في طاعة الله أحب من العز في معصيته) و الفقر أحب اليه من الغني، حسبه من الدنيا القوت، و العاشرة ما العاشرة لا يلقي أحدا الا قال هو خير مني و أتقي، فاذا لقي الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به، و اذا لقي الذي هو شر منه و أدني قال لعل شر هذا ظاهر و خيره باطن فاذا فعل ذلك علا و ساد أهل زمانه. [112] . [ صفحه 131] و أما الورع فله فيه عليه‌السلام وصاية بقول كريم لأصحابه: (عليكم بالورع فانه لا ينال ما عندالله الا بالورع) [113] . و يقول عليه‌السلام: عليكم بتقوي الله و الورع، و الاجتهاد، و صدق الحديث، و أداء الأمانة، و حسن الخلق، و حسن الجوار، و كونوا دعاة الي أنفسكم بغير ألسنتكم، و كونوا زينا و لا تكونوا شينا [114] . ذاك ما حفلت به تلك الجامعة التي قطع الامام موسي عليه‌السلام شوطا من حياته فيها فكان أبرز العلماء النابهين. شارك أباه في القاء محاضراته العلمية و سانده في تعزيزها و تقديمها في الميادين الثقافية و عندما صعدت الروح الطاهرة للصادق الي جوار ربه تولي الامام موسي عليه‌السلام شؤون هذه المدرسة الكبري و قام بنشر العلوم و بث روح الفضيلة يحيط به العلماء و الرواة لا يفترقون عنه يكتبون ما يقول و يخطون ما يفتي به ألواحهم في أكمامهم و أميالهم تجري علي الألواح بكل حرف ينطق به عليه‌السلام حيث روي عنه هؤلاء العلماء جميع أنواع العلوم التي حملها علي عاتقه كما حملها قبله أبوه عليه‌السلام حتي عمت حواضر الاسلام تتناقلها الأجيال و قد بلغ الامام موسي عليه‌السلام في مواهبه و عبقريته أعلي مستويات الانسانية فهو فذ من أفذاذ العقل الانساني بحكم قابلياته و مقدراته، و هو المثل الرائع للخير و الكمال في الأرض فضائل و مآثرا و علما و حلما و سخاء و احسانا و كظما للغيظ و صمودا للأحداث فهو الامام الذي سبق أن أوجزنا ما نص عليه الرواة من نص الامامة بوصايا والده عليه‌السلام فهو السابع في اللوح المنصوص عليه... المتحلي بصفات الامامة و فضائلها فالله سبحانه خصه بها... حيث طهرت ذاته من الأرجاس و الآثام و عصمه الله بعصمته و جعله من أفضل الخلق و أكرمهم عنده في زمانه. [ صفحه 132] يقول ابن‌خلدون: ان نصب الامام واجب قد عرف وجوبه في الشرع باجماع الصحابة و التابعين... [115] . و ان الامامة ضرورة من ضروريات الحياة كما مر سابقا لا يمكن الاستغناء عنها فبها تتحقق العدالة الكبري التي ينشدها الله في الأرض. يقول ابن‌تيمية: (ان ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين الا بها و لأن الله أوجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نصرة المظلوم، و كذلك سائر ما أوجبه الله من الجهاد و العدل و اقامة الحدود، و لا تتم الا بالقوة و الامارة) [116] .

ضرورات الامامة

اذن فالامامة قاعدة من قواعد الاسلام و أصل من أصوله اتفق المسلمون علي ضرورتها و حتميتها لأن الشريعة الاسلامية مجموعة من الأحكام التي لا يمكن للفرد اقامتها دون امام يتولي تنفيذها. فالامام يحفظ الدين و يحرس الاسلام فيصونه من المستهترين بالقيم و الأخلاق فيقيم الحدود لتصان الأنفس و الأموال و يذب عن الحرم ليتصرف الناس في معايشهم آمنين علي أنفسهم و أموالهم فيختار الأمناء الأكفاء في تقليد الولايات لتضبط الأعمال بالكفاءة و تحفظ الأموال بالأمناء فتحصن الثغور بالعدد و العدد كي لا ينتهك العدو الحرم و يسفك دماء المسلمين و المعاهدين فيجاهد الكفرة حتي يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين قياما بحق الله بظهور دينه علي الدين كله فتجبي الأموال من الفي‌ء و الصدقات و الخراج دون حيف أو عسف و تنفذ الأحكام و تقطع الخصومات فلا ظالم [ صفحه 133] يتعدي و لا مظلوم يضعف. فيقدر العطاء و استحقاق الفرد دون اسراف أو تقتير ليدفع في وقت معلوم... فيقوم الامام مشرفا بنفسه علي الأمور العامة دون الاعتماد علي ولاته و عماله فقد يخون الأمين و يغشي الناصح قال سبحانه: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله) [117] و يقول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية و مسؤولة عن رعيتها و الخادم في مال سيده و هو مسؤول عن رعيته. و الرجل في مال أبيه راع و مسؤول عن رعيته فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته. و جاء في صحيح الترمذي من حديث عمرو بن مرة الجهني قال لمعاوية: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: (ما من امام يغلق بابه دون ذوي الحاجات و المسكنة الا أغلق الله أبواب السماء دون خلته و حاجته و مسكنته) [118] . فالامام يجب أن يكون عادلا عالما سليم الحواس و الأعضاء ذا رأي سديد و شجاعة و نجدة و محتد و نسب شريف من قريش و أن الشيعة تؤمن بأن الامام يجب أن يكون أفضل الناس في ملكاته و عبقرياته و لابد فيه من العصمة و التي هي قاعدة أساسية في الامامة و هي لطف من الله يفيضها علي أكمل عباده و أفضلهم عنده و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا أو سهوا و قد جاء في آية التطهير قوله تعالي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [119] ، دلالة علي العصمة التي اتصف بها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فهم معصومون من الزيغ و الرجس و الذنوب و المعاصي كذلك يدل حديث الثقلين علي ذلك بوضوح فالرسول صلي الله عليه و آله و سلم قرن بين الكتاب و عترته، و كما أن الكتاب العزيز معصوم عن الزلل و الخطأ كذلك العترة. [ صفحه 134] فالعصمة حصانة ذاتية يرتفع بها الانسان عن الاتضاع و يمتنع بها عن الانزلاق و الانحرافات، فهي توقظ مشاعر الانسان الكامل فلا يغفل و لا ينزلق و لا يكبو. و يكون الامام أعلم الناس و أفضلهم في مقدراته العلمية فهو يتلقي المعارف و الأحكام الالهية و جميع المعلومات عن طريق النبي أو الامام الذي قبله أما المستجدات فيعلمها عن طريق الالهام بالقوة القدسية. فالأئمة منذ طفولتهم تبدو عليهم علامات النجابة و قد نوهنا الي أن الامام الجواد عليه‌السلام كان أصغر الأئمة عليهم‌السلام ابن سبع سنين يأخذ عنه كبار العلماء فعلمه الهامي لا كسبي. يقول الامام كاشف الغطاء: (و أن يكون - أي الامام - أفضل أهل زمانه في كل فضيلة و أعلمهم بكل علم لأن الفرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح (هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة) [120] و الناقص لا يكون مكملا و الفاقد لا يكون معطيا فالامام في الكمالات دون النبي و فوق البشر) [121] . لقد كان كلام الامام علي عليه‌السلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق.. و هذا الرأي الصريح للشيعة في علم الامام و هي تجمع علي أن تعيين الامام ليس بيد الامة و لا بيد أهل الحل... ألم يقل الصادق عليه‌السلام أنه أراد اسماعيل خلفا له و لكن الله أراد موسي.. و هو من نفسه... فالانتخاب في الامامة باطل و الاختيار مستحيل... قال تعالي: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) [122] . و قال سبحانه: (و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة [ صفحه 135] سبحان الله و تعالي عما يشركون) [123] . و شأن الامامة كشأن النبوة لا رجوع فيها الي اختيار الشعب و ارادته. و قد دلت علي ذلك النصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و حتي النبي لا يمكنه الاختيار فموسي عليه‌السلام اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم و اخلاصهم فوقعت خيرته علي المنافقين قال الله سبحانه: (و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا) [124] (و اذ قلتم يا موسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) [125] بظلمهم فموسي و هو نبي لم يحسن الاختيار... لأن الطاقات البشرية قاصرة عن ادراك الأصلح و أمر ذلك بيدالله تعالي... عالم كل شي‌ء و ما تخفي الأنفس، و ما يتلجلج في الصدور. و الوحي نزل علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم.. فكان يوم الغدير هو يوم الولاية... و في يوم الدار قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في أميرالمؤمنين: «هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا»، و أخرج الطبراني بالاسناد الي سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان وصيي و موضع سري و خير من أترك بعدي، ينجز عدتي، و يقضي ديني علي بن أبي‌طالب». و أخرج أبونعيم الحافظ عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين، قال أنس: فجاء علي، فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مستبشرا فاعتنقه و قال له: أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي [126] . [ صفحه 136] و أخرج الطبراني بالاسناد الي أبي‌أيوب الأنصاري عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة. أما علمت أن الله عزوجل اطلع علي أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار بعلك فأوحي الي فأنكحته و اتخذته وصيا. [127] . و روي الطبراني بسنده عن أنس قال: قلنا لسلمان سل النبي صلي الله عليه و آله و سلم من وصيه؟ فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ قال: يا سلمان من كان وصي موسي؟ قال: يوشع بن نون قال: فان وصيي و وارثي يقضي ديني و ينجز و عدي علي بن أبي‌طالب. [128] . و كذلك روي عن بريدة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (لكل نبي وصي و وارث و ان عليا وصيي و وارثي) [129] . و في امامة السبطين عليه‌السلام قال عليه‌السلام: (أنتما الامامان و لأمكما الشفاعة) [130] ، و قال عليه‌السلام مشيرا الي الحسين عليه‌السلام هذا امام ابن امام أخو امام أبو أئمة تسعة. و لقد أوصي أميرالمؤمنين عليه‌السلام حينما حضرته الوفاة الي ولده الحسن عليه‌السلام و قال له: (يا بني أمرني رسول الله أن أوصي اليك، و أن أدفع اليك كتبي و سلاحي كما أوصي الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دفع الي كتبه و سلاحه و أمرني أن آمرك اذا حضرك الموت أن تدفعها الي أخيك الحسين)، ثم أقبل علي الحسين فقال: (و أمرك أن تدفعها الي ابنك هذا - و أشار الي زين‌العابدين - ثم أخذ بيد علي بن الحسين و قال: و أمرك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن [ صفحه 137] تدفعها الي ابنك محمد فأقره من رسول الله و مني السلام) [131] . و هكذا عرف الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام بامامة ابنه موسي عليه‌السلام منذ أن كان طفلا رضيعا... روي الحميري عن الحسن بن ظريف عن معمر عن الرضا عن أبيه موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام ذات يوم و أنا طفل خماسي اذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الأمة و الحجة علي أهل الأرض؟ قال لهم: نعم. قالوا: انا نجد في التوراة أن الله تبارك و تعالي أتي ابراهيم عليه‌السلام و ولده الكتاب و الحكم و النبوة و جعل لهم الملك و الامامة و هكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة و الخلافة و الوصية فما بالكم قد تعديكم ذلك و ثبت في غيركم و نلقاكم مستضعفين مقهورين لا يرقب فيكم ذمة نبيكم. فدمعت عينا أبي عبدالله عليه‌السلام ثم قال: نعم لم تزل أمناء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق، و الظلمة غالبة، و قليل من عباد الله الشكور، قالوا: فان الأنبياء و أولادهم علموا من غير تعليم و أوتوا العلم تلقينا و كذلك ينبغي لأئمتهم و خلفائهم و أوصيائهم، فهل أوتيتم ذلك، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام: ادنه يا موسي فدنوت فمسح يده علي صدري ثم قال: اللهم أيده بنصرك بحق محمد و آله. ثم قال: سلوه عما بدا لكم. قالوا: و كيف نسأل طفلا و لا يفقه. قلت: سلوني تفقها و دعوا العنت. قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسي بن عمران قلت: العصا و اخراجه يده من جيبه بيضاء و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و رفع الطور و المن و السلوي آية واحدة و فلق البحر قالوا: صدقت، فما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك عن قلوب من أرسل اليه؟ قلت: آيات كثيرة أعدها ان شاء الله فاسمعوا وعوا و أفقهوا، أما أول [ صفحه 138] ذلك فأنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت من أوان رسالته بالرجوم و انفضاض النجوم و بطلان الكهنة و السحر. و من ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته و اجماع العدو و الموالي علي صدق لهجته و صدق أمانته و عدم جهله أيام طفولته و حين أيفع و فتي و كهل لا يعرف له شكل و لا يواريه مثل. و من ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه مثل وفد قريش فيهم عبدالمطلب فسألهم عنه و وصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال: هذا أوان مبعثه و مستقره أرض يثرب و موته بها. و من ذلك أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة الي بيت الله الحرام لهدمه قبل مبعثه فقال عبدالمطلب: ان لهذا البيت ربا يمنعه ثم جمع أهل مكة فدعي و هذا بعدما أخبره سيف بن ذي يزن فأرسل الله تبارك و تعالي عليهم طيرا أبابيل و دفعهم عن مكة و أهلها. و من ذلك أن أباجهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه، و من ذلك أن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله بحقه فأتي قريشا فقال: اعدوا بي علي أبي الحكم فقد لوي حقي فأشاروا الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو يصلي في الكعبة فقالوا: أنت و هذا الرجل فاستعد به عليه و هم يهزأون بالأعرابي فأتاه فقال له: يا عبدالله اعدني علي عمرو بن هشام فقد منعني حقي. قال: نعم فانطلق معه فدق علي أبي جهل بابه فخرج اليه متغيرا فقال: ما حاجتك. قال: أعط الأعرابي حقه. قال: نعم قالوا: انما أردنا أن نغريك بمحمد و نهزأ بالأعرابي. قال: يا هؤلاء دق بابي فخرجت اليه فقال: أعط الأعرابي حقه و فوقه مثل الفحل فاتحا فاه فكأنه يريدني فقال: أعطه حقه فلو قلت لا لابتلع رأسي فأعطيته. و من ذلك أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث و علقمة بن أبي معيط بيثرب الي اليهود و قالوا لهما: اذ قدمتما عليهم فاسألوهم عنه، فقالوا: صفوا [ صفحه 139] لنا صفته فوصفوه فقالوا: و من تبعه منكم قالوا: سفلتنا فصاح حبر منهم فقال: هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة و نجد قومه أشد الناس عداوة له. و من ذلك أن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتي خرج الي المدينة في طلبه فلحق به فقال صاحبه: هذا سراقة يا نبي الله فقال: اللهم اكفنيه فساخت قوائم ظهره فناداه يا محمد خل عني بموثق أعطيكه أن لا أناصح غيرك و كل من عاداك لا أصالح فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ان كان صادق المقال فأطلق فرسه فأطلق فوفي و ما انثني بعد ذلك. و من ذلك أن عامر بن الطفيل و أزيد بن قيس أتيا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال عامر لأزيد: اذا أتيناه فأنا أشاغله عنك فاعله بالسيف فلما دخلا عليه قال عامر: يا محمد خائر قال: لا حتي تقول لا اله الا الله و اني رسول الله و هو ينظر الي أزيد و أزيد لا يخبر شيئا فلما طال ذلك نهض و خرج و قال لأزيد ما كان علي وجه الأرض أخوف منك علي نفسه فتكا منك و لعمري لا أخافك بعد اليوم، فقال له أزيد: لا تعجل فاني ما هممت بما أمرتني به الا دخلت الرجال بيني و بينك حتي أبصر غيرك فأضربك. و من ذلك أن أزيد بن قيس و النضر بن حارث اجتمعا علي أن يسألانه عن الغيوب فدخلا عليه فأقبل النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي أزيد فقال: يا أزيد أتذكر ما جئت له يوم كذا و كذا و معك عامر بن الطفيل فأخبر بما كان فيهما فقال أزيد: و الله ما حضرني و عامرا أحد و ما أخبرك بهذا الا ملك من السماء فأنا أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أنك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و من ذلك أن نفرا من اليهود أتوه و قالوا لأبي الحسن جدي استاذن لنا علي ابن عمك نسأله فدخل علي عليه‌السلام فأعلمه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و ما يريدون مني فاني عبد من عبيدالله لا أعلم الا ما علمني ربي ثم قال: اذن لهم فدخلوا فقال: أتسألوني عما جئتم له أم أنبئكم؟ قالوا: نبئنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين، قالوا: نعم. قال: كان غلاما من أهل الروم ثم ملك و أتي مطلع [ صفحه 140] الشمس و مغربها ثم بني السد فيها، قالوا: نشهد أن هذا كذا. و من ذلك أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال: لا أدع من البر و الاثم شيئا الا سألته عنه، فلما أتاه قال له بعض أصحابه اليك يا وابصة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: دعه، ادن يا وابصة فدنوت فقال: أتسأل عما جئت له أو أخبرك قال: أخبرني، قال: جئت تسأل عن البر و الاثم قال: نعم، فضرب بيده علي صدره ثم قال: يا وابصة البر ما اطمأنت به الصدور، و الاثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و ان أفتاك الناس و أفتوك. و من ذلك أنه أتاه وفد عبدالقيس فدخلوا عليه فلما أدركوا حاجتهم عنده قال ائتوني بتمر أهلكم مما معكم فأتاه كل رجل منهم بنوع منه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم هذا يسمي كذا و هذا يسمي كذا فقالوا: أنت أعلم بتمر أرضنا، فوصف لهم أرضهم فقالوا: أدخلتها؟ قال: لا ولكن فسح لي فنظرت اليها فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله هذا خالي و به خبل فأخذ بردائه فقال: اخرج عدو الله ثلاثا، ثم أرسله فبري‌ء و أتوه بشاة هرمة فأخذ بأحد أذنيها بأصابعه فصار له مثلة ثم قال: خذوه فان هذه السمة في آذان ما تلد الي يوم القيامة و هي توالد و تلك في آذانها معروفة غير مجهولة. و من ذلك أنه كان علي سفر فمر علي بعير قد أعيي و قام منزلا علي أصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في اناء و توضأ و قال: افتح فاه وصب في فيه فمر ذلك الماء علي رأسه و حاركه ثم قال: اللهم احمل خلادا و عامرا و رفيقهما و هما صاحبي الجمل فركبوه و أنه ليحضر بهم أمام الخيل. و من ذلك أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر فقال صاحبها: لو كان نبيا لعلم أين الناقة فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان الغيب لا يعلمه الا الله انطلق يا فلان فان ناقتك بموضع كذا و كذا و قد تعلق زمامها بشجرة فوجدها كما قال. [ صفحه 141] و من ذلك أنه مر علي بعير ساقط فتبصبص له فقالوا: انه ليشكو شر ولاية أهله و سأله أن يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فأتاه فقال: بعه و أخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ثم نهض و تبع النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يسألني أن أتولي أمره فباعه من علي عليه‌السلام فلم يزل عنده الي أيام صفين. و من ذلك أنه دعا علي مضر فقال: اللهم اشدد وطأك علي مضر و اجعلها عليهم كسنين يوسف فأصابهم سنون فأتاه رجل فقال: فوالله ما أتيتك حتي لا يخطر لنا مخل و لا يزدد منا رابح فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم دعوتك فأجبتني و سألتك فأعطيتني، اللهم فاسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا سجالا عاجلا غير زائب، نافعا غير ضار فما قام حتي ملأ كل شي‌ء و دام عليه جمعة فأتوه فقالوا: يا رسول الله انه انقطعت سبلنا و أسواقنا فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: حوالينا لا علينا فانجابت السحابة عن المدينة فصار قيما حولها و امطروا شهرا. و من ذلك أنه توجه الي الشام قبل بعثته مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره و كان عالما بالكتب و قد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلي الله عليه و آله و سلم به و عرف أوان ذلك فأمر فدعي الي طعامه فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها فقال: هل بقي من رجالكم أحد؟ قالوا: غلام يتيم قال: فقام بحيراء الراهب فاطلع فاذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نائم و قد أظلته سحابة فقال للقوم: ادعوا هذا اليتيم ففعلوا و بحيراء مشرف عليه و هو يسير و السحابة قد أظلته، فأخبر القوم بشأنه و أنه سيبعث فيهم رسولا و يكون من حاله و أمره، فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يجلونه، فلما قدموا أخبروا قريشا بذلك و كان عند خديجة بنت خويلد، فرغبت في تزويجه و هي سيدة نساء قريش و قد خطبها كل صنديد و رئيس قد أبتهم، فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء. و من ذلك أنه كان بمكة أيام ألب عليه قومه و عشائره فأمر عليا أن يأمر خديجة أن تتخذ له طعاما ففعلت ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبدالمطلب فدعا أربعين رجلا فقال لهم: طعاما يا علي فأتي بثريدة و طعام [ صفحه 142] تأكله الثلاثة و الأربعة فقدمه اليهم و قال: كلوا و سموا، فسميا و لم يسم القوم فأكلوا و صدروا و شبعوا فقال أبوجهل: جاء ما سحركم محمد يطعم من طعام ثلاث رجال أربعين رجلا هذا و الله هو السحر الذي لا بعده، فقال له علي عليه‌السلام: ثم أمرني بعد أيام فاتخذت له مثله و دعوتهم بأعيانهم فطمعوا و صدروا. و من ذلك أن علي بن أبي‌طالب قال: دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم و ذرة بدرهم فأتيت به فاطمة عليهم‌السلام حتي اذا فرغت من الخبز و الطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته فأتيته و هو مضطجع و هو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له: يا رسول الله عندنا طعام، فقام و اتكأ علي و مضينا نحو فاطمة عليهم‌السلام فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة فقدمت الرمة و الفرص فغطي القرص و قال: اللهم بارك لنا في طعامنا ثم قال: اغرفي لعائشة فغرفت ثم قال: اغرفي لأم‌سلمة فغرفت فما زالت تغرف حتي وجهت الي نسائه التسع قرصة قرصة و مرق، ثم قال: اغرفي لابنيك و بعلك، ثم قال: اغرفي و كلي و اهدي لجاراتك ففعلت و بقي عندهم أياما يأكلون. و من ذلك أن امرأة عبدالله بن مسلم أتته بشاة مسمومة و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم بشر بن براء العازب فتناول النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذراع و تناول بشر الكراع فأما النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلاكها و لفظها و قال: انها مسمومة و أما بشر فلاك المضغة، و ابتلعها فمات فأرسل اليها فأقرت و قال: ما حملك علي ما فعلت قالت: قتلت زوجي و أشراف قومي فقلت: ان كان ملكا قتلته و ان كان نبيا فسيطلعه الله تبارك و تعالي علي ذلك. و من ذلك أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: رأيت الناس يوم الخندق يحفرون و هم خماص و رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحفر و بطنه خميص فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت: ما عندنا الا هذه الشاة و محرز من ذرة قال: فاخبزي و ذبح الشاة و طبخوا شقها و شووا الباقي حتي اذا أدرك أتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا [ صفحه 143] رسول الله اتخذت طعاما فائتني أنت و من أحببت، فشبك أصابعه في يده ثم نادي، ألا ان جابرا يدعوكم الي طعامه، فأتي أهله مذعورا خجلا فقال لها: هي الفضيحة، قد حفل بهم أجمعين، فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟ قال: هو قالت: فهو أعلم بهم، فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت علي الشوارع و أمره بأن يجمع التواري (يعني قصاعا كانت من خشب) و الجفان ثم قال: ما عندكم من طعام؟ فأعلمته فقال: غطوا السدامة و البرمة و التنور و اغرفوا و اخرجوا الخبز و اللحم و غطوا. فما زالوا يغرفون و ينقلون و لا يرونه ينقص شيئا حتي شبع القوم و هم ثلاثة آلاف ثم أكل جابر و أهله و أهدوا و بقي عندهم أياما. و من ذلك أن سعد بن عبادة أتاه عشية و هو صائم فدعي الي طعامه و دعا معه علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام فلما أكلوا قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: نبي و وصي يا سعد، أكل طعامك الأبرار و أفطر عنه الصائمون وصلت عليكم الملائكة، فحمله سعد علي حمار قطوف و ألقي عليه قطيفه فرجع الحمار و أنه لهملاج ما يساير. و من ذلك أنه أقبل علي الحديبية و في الطريق ماء يخرج من و شل بقدر ما يروي الراكب و الراكبين فقال: من سبقنا الي الماء فلا يستقين منه، فلما انتهي اليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ففاض الماء فشربوا و ملأوا أدواتهم و حياضهم فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأن بقيتم أو بقي منكم ليسقين بهذا الوادي يسقي ما بين يديه من كثرة مائه فوجدوا ذلك كما قال. و من ذلك أخباره عن الغيوب و بما كان و ما يكون فوجد ذلك موافقا لما يقول. و من ذلك أنه أخبر صبيحة الليلة التي أسري به بما رأي في سفره فأنكر ذلك بعض و صدقه بعض فأخبرهم بما رأي من المارة و المحتارة و هيأتهم و منازلهم و ما معهم من الأمتعة و أنه رأي عيرا أمامها بعير أورق و أنه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس، فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقت [ صفحه 144] لهم فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم كذب الساحر و أبصر آخرون بالعير و قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا صدق هذه نعم قد أقبلت. و من ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشا و بادر الناس اليه يقولون: الماء الماء يا رسول الله فقال لأبي‌هريرة: هل معك من الماء شي‌ء فقال: كقدر قدح في ميضأتي فقال: هلم ميضأتك نصب ما فيه في قدح و دعا و أعاده و قال: ناد من أراد الماء فأقبلوا يقولون: الماء يا رسول الله فما زال يسكب و أبوهريرة يسقي حتي تروي القوم أجمعون و ملأوا ما معهم ثم قال لأبي‌هريرة: أشرب فقال: آخركم شربا، فشرب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شرب. و من ذلك أن أخت عبدالله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها: الي أين تريدين؟ قالت: الي عبدالله بهذه التمرات، فقال: هاتيهن فنثرت في كفه ثم دعا بالأنطاع و فرقها عليها، و غطتها بالأزر، و قام فصلي ففاض التمر علي الأنطاع ثم نادي هلموا و كلوا، فأكلوا و شبعوا و حملوا معهم و دفع ما بقي اليها. و من ذلك أنه كان في سفر فأجهدوا جوعا فقال: من كان معه زاد فليأتنا. فأتاه نفر منهم بمقدار صاع، فدعا بالأزر و الأنطاع ثم ضعف التمر عليها و دعي ربه فأكثر الله ذلك التمر حتي كان أزوادهم الي المدينة. و من ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا: يا رسول الله ان لنا بئرا اذا كان القيظ اجتمعنا عليها و اذا كان الشتاء تفرقنا علي مياه حولها و قد صار من حولنا عدو فادع الله في بئرنا. فتفل صلي الله عليه و آله و سلم في بئرهم ففاضت المياه المغيبة فكانوا لا يقدرون أن ينظروا الي قعرها بعد كثرة مائها، فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل الماء فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه فصار كالحبوب. و من ذلك أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من [ صفحه 145] كنانة و قال: ستمر برعاع فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي عنده و اشرب فلما انتهي اليهم أتوه بعنز حامل فمسح صلي الله عليه و آله و سلم ضرعها فصارت حاملا و درت حتي ملأ الاناء و ارتووا. و من ذلك أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير فأكل هو و أصحابه ثم دعا لها بالبركة فلم تزل العكة تصب سمنا أيام حياتها. و من ذلك أن أم جميل امرأة أبي‌لهب أتته حين نزلت سورة تبت و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم أبوبكر بن أبي‌قحافة فقال: يا رسول الله هذه أم‌جميل امرأة أبي‌لهب مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال: انها لا تراني، فقالت لأبي‌بكر: أين صاحبك قال: حيث شاء الله. قالت: لقد جئته و لو أراه لرميته فانه هجاني و اللات و العزي اني لشاعرة فقال أبوبكر: يا رسول الله لم ترك قال: لقد ضرب الله بينها و بيني حجابا. و من ذلك كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الخلال التي ان ذكرناها لطالت فقالت اليهود: و كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟ فقال لهم موسي عليه‌السلام: و كيف لنا أن نعلم ما تذكرون من آيات موسي علي ما تصفون قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين. قال لهم: فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين و لا معرفة عن الناقلين. فقالوا: نشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله و أنكم الأئمة القادة و الحجج من عندالله علي خلقه، فوثب أبو عبدالله عليه‌السلام فقبل بين عيني ثم قال: أنت القائم من بعدي. (فلهذا قالت الواقفة أنه حي و أنه القائم). ثم كساهم أبو عبدالله عليه‌السلام و وهب لهم و انصرفوا مسلمين. [132] . [ صفحه 146]

الحياة الاجتماعية و السياسية في زمن الامام

اشاره

ها هي معتقلات العباسيين تفرز القتلي و تلفظ الموتي و تسمع أنين الغرثي و تري دموع المتلهفين لملاقاة الله، و تسمع الآفاق ضربات السياط و زفير نيران الصدور،... المحن و الخطوب كالودق تنهمر علي آل البيت و شيعتهم و القائلين بامامتهم و المدافعين عنهم و الذابين عن حياضهم.. و لقد واجه جمهور المسلمين من العناء و الجهد ما لا سبيل الي تصويره... و بالرغم من ذلك لم يحيدوا قيد أنملة لأنهم شدوا بوثاق الامامة عقيدة و مذهبا لذا فانهم يكفرون بالحكومات المتوالية أموية كانت أم عباسية أم غيرها لأنها غير شرعية لعدم توفر الصفات التي ينشدونها في الامام من العدالة و العلم و الدين، ما يفي بحاجة الأمة في مجالاتها القضائية و الادارية و السياسية. و لذا كانت الثورات تقوم لاسقاط حكومات الجور و الظلم و البغي و الضلال، و قد واجه الشيعة ما لم تواجهه أية طائفة أخري، و كلما زاد عليهم الظلم و الجور و أمعنت الحكومات بالاذلال و العبودية و الطغيان زاد ايمان تلك الفئة بعقيدتها و أحقيتها. و مع استغراق الملوك (الذين يزعمون أنهم يمثلون ظل الله و عدله في الأرض) بالطرب و المجون و السكر و انفاق الأيام بين الجواري و الرقيق و اثارة الغرام كانت تلك الطائفة تستغرق في حب الله و الجهاد و العبادة، و أعينها ترمق خزينة الدولة تذهب علي فساد الأخلاق و اثارة الشهوات من [ صفحه 147] قصر معاوية الي يزيد فالوليد و من ثم الرشيد... في حين يتضور الشعب من الجوع و الفقر و الحرمان... و في قصورهم موائد الملذات تمد لهم عامرة و للشعب تمد موائد السياط يسير بها الغلمان و الجواري و النساء... أصبح الاسلام خلف الظهور و الدين مهمل تحت الموائد و العدل نازف ملقي تحت أكوام الرماد... هتكت مبادي‌ء الاسلام و ألجمت أفواهها و كبتت الحريات و جيفت الأبواب... (لكن لكل أمر حده... فشدة الضغط تولد الانفجار... فالحياة و الموت سيان و لا حياة مع ذل) فلقد قطعت الأرحام التي أمر بها الله أن توصل و ساد الفساد و النميمة و ضاق الناس بالفقر (لو كان الفقر رجلا لقتلته). يروي محمد بن الفضل عن موسي بن جعفر عليه‌السلام في قوله تعالي (و الذين يصلون مآ أمر الله به أن يوصل) [133] : هي رحم آل محمد.. لقد استشري الفساد و الضلال و تمذهب كل بطريق و ها هو الزمخشري الحنفي يقول ساخرا: اذا سألوا عن مذهبي لم أبح به و أكتمه كتمانه لي أسلم فان حنفيا قلت قالوا بأنني أبيح الطلي و هو الشراب المحرم و ان شافعيا قلت قالوا بأنني أبيح نكاح البنت و البنت تحرم و ان مالكيا قلت قالوا بأنني أبيح لهم أكل الكلاب و هم هم فمن أين ابتدأ الانحدار السحيق... أمن صفين... أم من قبل ذلك؟! شرارة الشر و الفساد استفحلت بعد رفع المصاحف... فالأمة غاصت بالفتن و انجرت نحو الويلات، لقد أراد الامام علي عليه‌السلام اقامة المجتمع الاسلامي الأمثل، مساويا بين الناس... سيد أم عبد أبيض أم أسود... لا فرق الا بالتقوي و الايمان.. و لكل عمله.. أراد عليه سلام الله أن لا يبقي محروما [ صفحه 148] و لا فقيرا، حاول انصاع صفحة التاريخ و السمو بالمجتمع الي الحرية و العدالة و المساواة و نشر العلم و تطوير العمل و تحديث السلوك الانساني بنشر المحبة و التعاون و سقل النفس بالترفع عن الأنا و المكروه... لكن هذه الأهداف لم تعها الطغمة التي أسلمت و لم يدخل الايمان في قلوبهم لذا كانت الجمل و بعدها صفين... لقد استعوت الكلاب المسعورة تنبح (علي الحق)... (علي مع الحق و الحق مع علي يدور كيفما دار). و حاولوا اسكات الصوت و كانت الطامة الكبري... و كانت المخلفات التي ما هي الا الوبال علي الاسلام و الوعي الاسلامي الذي بات يحتضر مع النفوس الخانعة، المحبطة في دوامة الجور... لقد ظهر ذلك الانهزام جليا في مأساة سابع الأئمة عليه‌السلام الذي زجه هارون في ظلمات السجون، و لم يحرك أحد ساكنا... لم يصرخ أي من المسلمين محتجا، و لم ترتفع أية أصوات لدحض الظلم.. و لم يطالب أحد باطلاق سراحه حتي توفي عليه‌السلام غريبا في سجن السندي بن شاهك و حتي أنهم عمدوا بعد التزوير و القتل الي نشر الجثمان الطاهر علي جسر الرصافة و ارتفعت عقيرتهم بالنداء الباطل... و البهتان.

موقف الامام الكاظم وسط هذا العجاج

توفي الامام الصادق عام ثمان و أربعين و مائة و عمر الكاظم عليه‌السلام آنئذ عشرون عاما... فاستلم جامعة أبيه و احتفت به جموع العلماء و رواة الحديث ينهلون من منبعه أكثر و يتلقفون علومه الفياضة لتستمر جامعة الامام الصادق عليه‌السلام تعطي النور للانسانية و تضي‌ء للعقل دروب الحياة و سبلها.. لقد قدم الامام الكاظم عليه‌السلام للامام الكثير الكثير من الأحكام كالعبادات و المعاملات، و سطرت الموسوعات في الفقه و الحديث، حيث زود الفقه الاسلامي بالتعاليم والطاقات الهائلة من الآراء الحصيفة و الأحاديث القويمة، [ صفحه 149] و استقطب الباحثين من أقطاب الدنيا، و أجمع المسلمون علي تعظيمه و تكريمه حتي ان المأمون قال: ان أباه علمه التشيع من تعظيم الامام موسي عليه‌السلام. لقد تقدم الامام موسي عليه‌السلام علي كل الهاشميين و غيرهم من أعلام عصره و هذا ما أثار الضغائن و الأحقاد و الحسد في نفوس أولئك المتحكمين، فأجمعوا علي التنكيل به و حجبه عن العلماء و حرمانهم من ثر ينابيعه و تلك و ايم الله لأبشع جناية علي العلم و العلماء. روي الكليني عن أحمد بن مهران و علي بن ابراهيم جميعا عن محمد بن علي عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم قال: كنت عند أبي الحسن موسي عليه‌السلام اذ أتاه رجل نصراني - و نحن معه بالعريض - فقال له النصراني: أتيتك من بلد بعيد و سفر شاق و سألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني الي خير الأديان و الي خير العباد و أعلمهم، و أتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق، فانطلقت حتي أتيته فكلمته فقال: أنا أعلم أهل ديني و غيري أعلم مني، فقلت: أرشدني الي من هو أعلم منك فاني لا أستعظم السفر و لا تبعد علي الشقة و لقد قرأت الانجيل كلها و مزامير داود و قرأت أربعة أسفار من التوراة و قرأت ظاهر القرآن حتي استوعبته كله، فقال لي العالم: ان كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب و العجم بها و ان كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم، و ان كنت تريد علم الاسلام و علم التوراة و علم الانجيل و علم الزبور و كتاب هود و كل ما أنزل علي نبي من الأنبياء في دهرك و دهر غيرك و ما أنزل من السماء من خبر، فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان كل شي‌ء و شفاء للعالمين و روح لمن استروح اليه، و بصيرة لمن أراد الله به خيرا و أنس الي الحق فأرشدك اليه، فائته و لو مشيا علي رجليك، فان لم تقدر فحبوا علي ركبتيك، فان لم تقدر فزحفا علي استك، فان لم تقدر فعلي وجهك. فقلت: لا بل أنا أقدر علي المسير في البدن و المال، قال: فانطلق من فورك حتي تأتي يثرب، [ صفحه 150] فقلت: لا أعرف يثرب، قال: فانطلق حتي تأتي مدينة النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي بعث في العرب و هو النبي العربي الهاشمي، فاذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار و هو عند باب مسجدها و أظهر بزة النصرانية و حليتها فان و اليها يتشدد عليهم و الخليفة أشدد، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول و هو ببقيع الزبير ثم تسأل عن موسي بن جعفر و أين منزله و أين هو؟ مسافر أم حاضر، فان كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت اليه، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني اليك و هو يقرئك السلام كثيرا و يقول لك: اني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل اسلامي علي يديك. فقص هذه القصة و هو قائم معتمد علي عصاه، ثم قال: ان أذنت لي يا سيدي كفرت لك و جلست، فقال: آذن لك أن تجلس و لا آذن لك أن تكفر، فجلس ثم ألقي عنه برنسه ثم قال: جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟ قال: نعم ما جئت الا له، فقال له النصراني: أردد علي صاحبي السلام أو ما ترد السلام. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: علي صاحبك ان هداه الله فأما التسليم فذاك اذا صار في ديننا، فقال النصراني: انني أسألك - أصلحك الله - قال: سل قال: أخبرني عن كتاب الله تعالي الذي أنزل علي محمد و نطق به، ثم وصفه بما وصفه به، فقال: (حم (1) و الكتاب المبين (2) انا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم) [134] ما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أما (حم) فهو محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو في كتاب هود الذي أنزل عليه و هو منقوص الحروف، و أما (و الكتاب المبين) فهو أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام و أما (الليلة) ففاطمة و أما قول: (فيها يفرق كل أمر حكيم) يقول: يخرج منها خير كثير، فرجل حكيم و رجل حكيم و رجل حكيم. فقال الرجل: صف لي الأول و الآخر من هؤلاء الرجال؟ فقال: ان الصفات تشتبه و لكن الثالث من القوم [ صفحه 151] أصف لك ما يخرج من نسله و انه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم، ان لم تغيروا و تحرفوا و تكفروا و قديما ما فعلتم. قال له النصراني، اني لا أستر عنك ما علمت و لا أكذبك و أنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول و كذبه، و الله لقد أعطاك الله فضله، و قسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون و لا يستره الساترون و لا يكذب فيه من كذب، فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت، فهو كما ذكرت. فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه الا قليل ممن قرأ الكتب، أخبرني ما اسم أم‌مريم و أي يوم نفخت فيه مريم و لكم من ساعة من النهار، و أي يوم وضعت مريم فيه عيسي عليه‌السلام و لكم من ساعة من النهار؟ فقال النصراني: لا أدري؟ فقال أبوابراهيم عليه‌السلام: أما أم‌مريم فاسمها مرثا و هي وهيبة بالعربية و أما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال و هو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين و ليس للمسلمين عيد كان أولي منه، عظمه الله تبارك و تعالي و عظمه محمد صلي الله عليه و آله و سلم فأمره أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة و أما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء، لأربع ساعات و نصف من النهار و النهر الذي ولدت عليه مريم عيسي عليه‌السلام هل تعرفه؟ قال: لا. قال: هو الفرات و عليه شجر النخل و الكرم و ليس يساوي بالفرات شي‌ء للكروم و النخيل، فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها و نادي قيدوس ولده و أشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا الي مريم فقالوا لها: ما قص الله عليك في كتابه و علينا في كتابه، فهل فهمته؟ قال: نعم و قرأته اليوم الأحدث، قال: اذن لا تقوم من مجلسك حتي يهديك الله، قال النصراني: ما كان اسم أمي بالسريانية و بالعربية فقال عليه‌السلام: كان اسم أمك بالسريانية عنقالية و عنقورة كان اسم جدتك لأبيك و أما اسم أمك بالعربية فهو مية و أما اسم أبيك فعبد المسيح و هو عبدالله بالعربية و ليس للمسيح عبد، قال: صدقت و بررت، فما كان اسم جدي؟ قال: كان اسم جدك جبرائيل و هو عبدالرحمن [ صفحه 152] سميته في مجلسي هذا قال: أما انه كان مسلما؟ قال أبوابراهيم عليه‌السلام: نعم و قتل شهيدا، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة، و الأجناد من أهل الشام، قال: فما كان اسمي قبل كنيتي؟ قال: كان اسمك عبدالصليب، قال: فما تسميني؟ قال: اسميك عبدالله، قال: فاني آمنت بالله العظيم و أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له فردا صمدا، ليس كما تصفه النصاري و ليس كما تصفه اليهود و لا جنس من أجناس الشرك و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق فأبان به لأهله و عمي المبطلون و أنه كان رسول الله الي الناس كافة، الي الأحمر و الأسود كل فيه مشترك فأبصر من أبصر و اهتدي من اهتدي و عمي المبطلون و ضل عنهم ما كانوا يدعون و أشهد أن وليه نطق بحكمته و أن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة و توازروا علي الطاعة لله و فارقوا الباطل و أهله و الرجس و أهله و هجروا سبيل الضلالة و نصرهم الله بالطاعة له و عصمهم من المعصية، فهم لله أولياء و للدين أنصار، يحثون علي الخير و يأمرون به، آمنت بالصغير منهم و الكبير و من ذكرت منهم و من لم أذكر و آمنت بالله تبارك و تعالي رب العالمين ثم قطع زناره و قطع صليبا كان في عنقه من ذهب ثم قال: مرني حتي أضع صدقتي حيث تأمرني فقال: ههنا أخ لك كان علي مثل دينك و هو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة و هو في نعمة كنعمتك فتواسيا و تجاورا و لست أدع أن أورد عليكما حقكما في الاسلام. فقال: و الله - أصلحك الله - اني لغني و لقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس و فرسة و تركت ألف بعير، فحقك فيها أوفر من حقي. فقال له: أنت مولي الله و رسوله و أنت في حد نسبك علي حالك. فحسن اسلامه و تزوج امرأة من بني فهر و أصدقها أبوابراهيم عليه‌السلام خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و أخدمه و بوأه و أقام حتي أخرج أبوابراهيم عليه‌السلام فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة [135] . [ صفحه 153] و روي الكليني عن علي بن ابراهيم و أحمد بن مهران جميعا عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: كنت عند أبي‌ابراهيم عليه سلام الله و أتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان و معه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: اذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير، قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا، فأمر بخصفة بواري، ثم جلس و جلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها، و سألها أبوابراهيم عليه‌السلام عن أشياء لم يكن عندها فيه شي‌ء، ثم أسلمت ثم أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد كنت قويا علي ديني و ما خلفت أحدا من النصاري في الأرض يبلغ مبلغي في العلم، و لقد سمعت برجل في الهند اذا شاء حج الي بيت المقدس في يوم و ليلة ثم يرجع الي منزله بأرض الهند، فسألت عنه بأي أرض هو؟ فقيل لي: انه بسبذان و سألت الذي أخبرني فقال: هو علم الاسلام الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتي بعرش سبأ و هو الذي ذكره الله لكم في كتابكم و لنا معشر الأديان في كتبنا، فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال الراهب: الأسماء كثيرة فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله فسبعة. فقال له أبوالحسن عليه‌السلام: فأخبرني عما تحفظ منها، قال الراهب: لا و الله الذي أنزل التوراة علي موسي و جعل عيسي عبرة للعالمين و فتنة لشكر أولي الألباب، و جعل محمدا بركة و رحمة و جعل عليا عليه‌السلام عبرة و بصيرة و جعل الأوصياء من نسله و نسل محمد بما أدري و لو دريت ما احتجت فيه الي كلامك و لا جئتك و لا سألتك. فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: عد الي حديث الهندي، فقال له الراهب: سمعت هذه الأسماء و لا أدري ما بطانتها و لا شرايحها و لا أدري ما هي و لا كيف هي و لا بدعائها، فانطلقت حتي قدمت سبذان الهند فسألت عن الرجل، فقيل لي: انه بني ديرا في جبل فصار لا يخرج و لا يري الا في كل سنة مرتين [ صفحه 154] و زعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره و زعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه و يحرث له من غير حرث يعلمه فانتهيت الي بابه فأقمت ثلاثا لا أدق الباب و لا أعالج الباب. فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب و جاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن فدفعت الباب فانفتح فتبعتها و دخلت فوجدت الرجل قائما ينظر الي السماء فيبكي و ينظر الي الأرض فيبكي و ينظر الي الجبال فيبكي فقلت: سبحان الله ما أقل ضربك في دهرنا هذا، فقال لي: و الله ما أنا الا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك، فقلت له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم و ليلة بيت المقدس و ترجع الي بيتك. فقال لي: و هل تعرف بيت المقدس؟ قلت لا أعرف الا بيت المقدس الذي بالشام؟ قال: ليس بيت المقدس. و لكن البيت المقدس و هو بيت آل محمد عليه‌السلام، فقلت له: أما ما سمعت به الي يومي هذا فهو بيت المقدس فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، و انما كان يقال لها حظيرة المحاريب، حتي جاءت الفترة التي كانت بين محمد و عيسي صلي الله عليهما و قرب البلاء من أهل الشرك و حلت النقمات في دور الشياطين، فحولوا و بدلوا و نقلوا تلك الأسماء و هو قول الله تبارك و تعالي - البطن لآل محمد و الظهر مثل -: (ما تعبدون من دونه الا أسماء سميتموهآ أنتم و ءابآؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) [136] فقلت له: اني قد ضربت اليك من بلد بعيد، فعرضت الي بحارا و غموما و هموما و خوفا و أصبحت و أمسيت مؤيسا الا أكون ظفرت بحاجتي. فقال لي: ما أري أمك قد حملت بك الا و قد حضرها ملك تحريم و لا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك الا و قد اغتسل و جاءها علي طهر و لا أزعم الا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك فختم له بخير، ارجع [ صفحه 155] من حيث جئت، فانطلق حتي تنزل مدينة محمد صلي الله عليه و آله و سلم التي يقال لها طيبة و قد كان اسمها في الجاهلية يثرب ثم اعمد الي موضع منها يقال له البقيع ثم سل عن دار يقال لها دار مروان فانزلها و أقم ثلاثا ثم سل عن الشيخ الأسود الذي يكون علي بابها يعمل البواري و هي في بلادهم اسمها الخصف، فالطف بالشيخ و قل له: بعثني اليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع ثم سله عن فلان ابن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه لك فتعرفه بالصفة و سأصفه لك. قلت: فاذا لقيته فأصنع ماذا؟ قال: سله عما كان و عما هو كائن وسله عن معالم دين من مضي و من بقي، فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: قد نصحك صاحبك الذي لقيت، فقال الراهب: ما اسمه جعلت فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز و هو من أبناء الفرس و هو ممن آمن بالله وحده لا شريك له و عبده بالاخلاص و الايقان و فر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما و هداه لسبيل الرشاد و جعله من المتقين و عرف بينه و بين عباده المخلصين و ما من سنة الا و هو يزور فيها مكة حاجا و يعثر في رأس كل شهر مرة و يجي‌ء من موضعه من الهند الي مكة، فضلا من الله و عونا و كذلك يجزي الله الشاكرين. ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها و سأل الراهب عن أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شي‌ء فأخبره بها، ثم ان الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة و بقي في الهواء منها أربعة، علي من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء و من يفسرها؟ قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره و ينزل عليه ما لم ينزل علي الصديقين و الرسل و المهتدين، ثم قال الراهب: فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي: قال: أخبرك بالأربعة كلها أما أولهن فلا اله الا الله وحده لا شريك له باقيا، و الثانية محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مخلصا، و الثالثة، نحن أهل البيت. و الرابعة شيعتنا منا و نحن من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و رسول الله من الله بسبب. [ صفحه 156] فقال له الراهب: أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله و أن ما جاء به من عندالله حق و أنكم صفوة الله من خلقه و أن شيعتكم المطهرون المستبدلون و لهم عاقبة الله و الحمد لله رب العالمين فدعا أبوابراهيم عليه بجبة خز و قميص قوهي و طيلسان و خف و قلنسوة فأعطاه اياها و صلي الظهر و قال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي [137] . الكاظم عليه‌السلام البحر اللجي علما موهوبا تلقائيا من رب العالمين ليهدي به من شاء الله له الهدي دينا قيما صراطه مستقيما لا لبث فيه واضح النهج بين السبل... كلمة خفيفة علي اللسان ثقيلة في الميزان قولها أمان و فعلها اطمئنان و سلوكها هدي الرحمن و ولوجها اتقاء من الخوف و البهتان، شاءها الديان لمن اهتدي بالقرآن و تمسك بآل البيت فكان له الثقلان صونا من الزلل و وقاية من العلل و الضلل. آمنا مؤمنا مطمئنا الي آل بيت النبوة اماما فامام لا يخلو زمان و لا مكان حتي تقوم الساعة و يرث الله سبحانه الأرض.. قال الطبري: حدثني القاضي أبوالفرج المعافي قال: حدثنا أحمد بن اسماعيل الكاتب قال: كان بحضرة باب الرشيد رجل من الأنصار يقال له نفيع و كان عريضا و كان آدم بن عبدالعزيز شاعرا طريفا فاتفقا بباب الرشيد و حضر موسي بن جعفر عليه‌السلام علي حمار له فلما قرب قام الحاجب اليه فأدخله من الباب فقال نفيع لآدم من هذا؟ فقال: أو ما تعرفه؟ قال: لا. قال: هذا شيخ آل أبي‌طالب اليوم هذا فلان ابن فلان. فقال: تبا لهؤلاء القوم يكرمون هذا الاكرام من يقصد ليزيلهم عن سريرهم، أما انه اذا خرج لأسوأنه قال: فقال آدم: لا تفعل ان هؤلاء قوم قد أعطاهم الله (...) رجل حظا في ألسنتهم و قل ما ناوأهم انسان أو تعرض لهم لا و وسموه بسمة سوء فقال: سنري و خرج موسي عليه‌السلام فوثب عليه نفيع [ صفحه 157] فأخذ بلجام حمارة و قال له: من أنت؟ فقال بوقار: ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن اسماعيل ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله و ان كنت تريد البيت فهو البيت الذي أوجب الله جل ذكره علي المسلمين كافة و عليك ان كنت منهم أن تحجوا اليه، و ان كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركو قومي بمسلمي قومك أكفاء حتي قالوا: يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش، قال: فاسترخت أصابعه من اللجام و تركه. [138] . و حدث السيد المرتضي قال: أخبرنا أبو عبدالله المرزباني قال: حدثني عبدالواحد بن محمد الخصيبي قال: حدثني أبوعلي أحمد بن اسماعيل قال: حدثني أيوب بن الحسين الهاشمي قال: قدم علي الرشيد رجل من الأنصار يقال له نفيع - و كان عريضا - فحضر باب الرشيد و معه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز و حضر موسي بن جعفر عليه‌السلام علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالبر و الاكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجل له الاذن، فقال نفيع لعبدالعزيز: من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا. قال: هذا شيخ آل أبي‌طالب، هذا موسي بن جعفر، قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم: يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما لئن خرج لأسوأنه، فقال له عبدالعزيز: لا تفعل، فان هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحدف في خطاب الا و سموه بالجواب سمة يبقي عارها عليه مدي الدهر. قال: و خرج موسي بن جعفر عليه‌السلام، فقام اليه نفيع الأنصاري، فأخذ بلجام حماره ثم قال: من أنت؟ فقال له يا هذا، ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن اسماعيل ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله، و ان كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله علي المسلمين و عليك - ان كنت منهم - الحج اليه و ان كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم [ صفحه 158] حتي قالوا: يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش، خل عن الحمار قال: فخلي عنه و يده ترعد، و انصرف بخزي، فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك. [139] . و يزور الرشيد قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيلتقي بالامام عليه‌السلام و بعد انتهاء المقابلة خرج الامام عليه‌السلام فاجتاز علي محمد الأمين ابن الرشيد فالتفت محمد الي الفضل بن الربيع قائلا له: عاتب هذا. فقام الفضل الي الامام عليه‌السلام فقال له: كيف لقيت أميرالمؤمنين علي هذه الدابة التي ان طلبت عليها لم تسبق و ان طلبت عليها تلحق؟ قال عليه‌السلام: (لست أحتاج أن أطلب و لا أن أطلب، و لكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل و ترتفع عن ذلة العير، و خير الأمور أوسطها) [140] و تركه الامام و انصرف و بدا علي الفضل الارتباك و العي و العجز. قال الصدوق: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه عن عثمان بن عيسي عن أصحابه، قال: قال أبويوسف للمهدي و عنده موسي بن جعفر عليه‌السلام: تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي‌ء؟ فقال: نعم، فقال لموسي بن جعفر عليه‌السلام: أسألك؟ قال: نعم. قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبوالحسن عليه‌السلام: ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: و لم؟ قال: هكذا جاء، قال أبوالحسن عليه‌السلام: و هكذا جاء هذا، فقال المهدي لأبي‌يوسف: ما أراك صنعت شيئا؟ قال: رماني بحجر دامغ. [141] . و تركهما الامام و انصرف عنهما و قد خيم عليهما الحزن و الشقاء. [142] . [ صفحه 159] و من جملة ما جري مع الامام عليه‌السلام و أبي‌حنيفة أن الأخير دخل علي الامام الصادق عليه‌السلام فقال له: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه فلم ينههم عن ذلك؟ فأمر أبو عبدالله عليه‌السلام باحضار ولده فلما مثل بين يديه قال له: يا بني، ان أباحنيفة يذكر أنك كنت تصلي و الناس يمرون بين يديك؟ قال: نعم، يا أبت ان الذي كنت أصلي له كان أقرب الي منهم، يقول الله عزوجل: (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [143] . (بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار) و أخذه عليه‌السلام الي صدره يضمه حبا [144] و تقديرا لمنطقة الرائع.. و لا غرو من ذلك فهو امام ابن امام عليه‌السلام. و أراد محمد بن الحسن الشيباني كما أراد غيره اخراج الامام عليه‌السلام فسأله بمحضر من الرشيد و هم بمكة قائلا: أيجوز للمحرم أن يظل علي محمله نفسه؟ فقال له موسي عليه‌السلام: لا يجوز له ذلك مع اختيار فقال له أبوالحسن: أفيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك له محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبوالحسن موسي عليه‌السلام: أتعجب من سنة النبي عليه‌السلام و تستهزي‌ء بها، ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام الله يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضها ببعض فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا. [145] . و جاء عن أبي‌منصور الطبرسي قال: روي عن علي بن يقطين أنه قال: أمر أبوجعفر الدوانيقي يقطين أن يحفر له بئرا بقصر العبادي، فلم يزل يقطين [ صفحه 160] في حفرها حتي مات أبوجعفر و لم يستنبط الماء منها، و أخبر المهدي بذلك فقال له: احفر أبدا حتي يستنبط الماء و لو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال. قال: فوجه يقطين أخاه أبا موسي في حفرها، فلم يزل يحفر حتي ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض، فخرجت منه الريح، قال: فهالهم ذلك، فأخبروا به أبا موسي، فقال: أنزلوني، قال: فأنزل و كان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراعا، فأجلس في شق محمل و دلي في البئر، فلما صار في قعرها نظر الي هول، و سمع دوي الريح في أسفل ذلك، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم، ثم دلي فيه رجل في شق محمل فقال: ايتوني بخبر هذا ما هو؟. قال: فنزلا في شق محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فأصعدا، فقال لهما: ما رأيتما؟ قالا: أمرا عظيما، رجالا و نساء و بيوتا و آنية و متاعا، كله ممسوخ من حجارة، فأما الرجال و النساء فعليهم ثيابهم فيمن بين قاعد و مضطجع و متكي‌ء فلما مسسناهم اذا ثيابهم تتفشي شبه الهباء، و منازل قائمة، قال فكتب بذلك أبوموسي الي المهدي، فكتب المهدي الي المدينة الي موسي بن جعفر عليه‌السلام يسأله أن يقدم عليه، فقدم عليه، فأخبره، فبكي بكاء شديدا و قال: يا أميرالمؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم، هؤلاء أصحاب الأحقاف. قال: فقال له المهدي: يا أباالحسن و ما الأحقاف؟ قال: الرمل. [146] . و نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسي بن جعفر عليه‌السلام رأي في منامه في احدي الليالي: (الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام يقول له: يا محمد (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) [147] قال الربيع: فأرسل الي ليلا فراعني و خفت من ذلك [ صفحه 161] و جئت اليه و اذا هو يقرأ هذه الآية و كان أحسن الناس صوتا فقال: علي الآن بموسي بن جعفر: فجئته به، فعانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام في النوم فقرأ علي كذا، فتؤمني أن تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟ فقال عليه‌السلام: و الله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني، قال: صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار و رده الي أهله الي المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح الا و هو في الطريق خوف العوائق (و رواه الجنائزي و ذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار). و روي أحمد بن محمد بن أبي‌قتادة القمي عن أبي‌خالد الزبالي قال: قدم أبوالحسن موسي عليه‌السلام زبالة و معه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في اشخاصه قال: و أمرني بشراء حوائج له، فنظر الي و أنا مغموم فقال لي: يا أبخالد ما لي أراك مغموما؟ قلت: هو ذا تصير الي الطاغية و لا آمنه عليك، فقال: يا أباخالد ليس علي منه بأس، اذا كان شهر كذا و كذا في يوم كذا و كذا فانتظرني في أول الليل فاني أوافيك ان شاء الله، فما كان لي همة الا احصاء الشهور و الأيام، حتي اذا كان ذلك اليوم، فغدوت الي أول الليل في المصر الذي و عدني، فلم أزل أنتظره الي أن كادت الشمس أن تغيب و وسوس الشيطان في صدري فلم أر أحدا، ثم تخوفت أن أشك و وقع في قلبي أمر عظيم، فبينما أنا كذلك و اذا سواد قد أقبل من ناحية العراق، فانتظرته فوافاني أبوالحسن أمام القطار علي بغلة له فقال: ايه أباخالد؛ قلت: لبيك يا ابن رسول الله، قال: لا تشكن، ود الشيطان أنك شككت، قلت: قد كان ذلك، قال: فسررت بتخليصه فقلت: الحمد لله الذي خلصك من الطاغية. فقال: يا أباخالد، ان لهم الي عودة لا أتخلص منها [148] . ذلك موسي بن جعفر عليه‌السلام فلنتبعه مع البلخي... فلقد حدث خشنام بن [ صفحه 162] حاتم الأصم فقال: قال لي أبي‌حاتم قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر الي الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت الي فتي حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان و قد جلس منفردا فقلت في نفسي: هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلا علي الناس في طريقهم، و الله لأمضين اليه و لأوبخنه فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق (اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) [149] ثم تركني و مضي، فقلت في نفسي: ان هذا الأمر عظيم، قد تكلم بما في نفسي و نطق باسمي و ما هذا الا عبد صالح، لألحقنه و لأسألنه أن يحالني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب عن عيني، فلما نزلنا واقصة و اذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب و دموعه تجري، فقلت هذا صاحبي أمضي اليه و أستحله، فصبرت حتي جلس و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: (و اني لغفار لمن تاب و ءآمن و عمل صالحا ثم اهتدي) [150] ، ثم تركني و مضي فقلت: ان هذا الفتي لمن الأبدال، لقد تكلم عن سري مرتين، فلما نزلنا زبالة اذا بالفتي قائم علي البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر اليه، فرأيته و قد رمق السماء و سمعته يقول: أنت ربي اذا ظمئت الي الماء، و قوتي اذا أردت الطعام، اللهم الهي و سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها، يقول شقيق: فوالله لقد رأيت البئر و قد ارتفع ماؤها فمد يده و أخذ الركوة و ملؤها ماء، فتوضأ و صلي أربع ركعات، ثم مال الي كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يطرحه في الركوة و يحركها و يشرب، فأقبلت نحوه و سلمت عليه فرد السلام فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة، فشربت منها فاذا هو [ صفحه 163] سويق و سكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب ريحا فشبعت و رويت و بقيت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا، ثم اني لم أره حتي وصلنا مكة، فرأيته ليلة الي جنب قبة السراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك حتي طلوع الفجر، فلما أصبح جلس في مصلاه يسبح الله تعالي ثم مال الي حاشية الطواف فركع الفجر هناك ثم صلي فيه الصبح مع الناس ثم دخل الطواف فطاف الي بعد شروق الشمس ثم صلي خلف المقام ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه و اذا بجماعة قد طافوا به يمينا و شمالا و من خلفه و من قدامه و اذا له حاشية و خدم و حشم و موالي و أتباع قد خرجوا معه فقلت لهم: من هذا الفتي؟ فقالوا: هو موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب الا لمثل هذا السيد ثم اني انصرفت. و قد ذكر الشيخ ابن الجوزي في كتاب (مسير العزم الساكن الي أشرف الأماكن). و رواها الحافظ الجنائزي في كتاب (معالم العترة النبوية). و رواها الرامهرمزي قاضي القضاة في كتابه (كرامات الأولياء) و غيرهم [151] . و كان ذلك بعد وفاة الصادق عليه‌السلام بعام...

البلخي

أو ما سمعت بقصة البلخي مع موسي بن جعفر ان كنت في شك الغواة بليلة و الصبح أسفر أو كنت بعد بمرية أو كنت تضمر شرا يوسوس فيه شيطان لك الشر [ صفحه 164] فاسمع تزيل غشاوة و انظر تفكر ما بين ترب القادسية و اللظلي في الرمل يسعر مدت به النفس الظنون و ما درت بالحق يظهر آتاه صمتا لم تقل شفتاه في حرف و تجهر حين انبري ناداه باسمه رادعا عما قد افتر و الشك في قلب ابن‌آدم دائم بالحق يقهر حين انجلي الوادي (بفضة) سارع البلخي ينظر مستهدفا ذاك الذي قولا من الشفتين قد مر ناداه ثانية بآيات الكتاب و ما تقدم أو تأخر فاهتز في البلخي قلب كاد بالشفتين يشهر في دوحة الأبواء و البئر استفاض بماء كوثر من بعد أن رمق السماء مناجيا و الحرف يجهر طافت بوجه المساء ركوته التي ما ان تحسر جاءته ساعية لأجل وضوئه سعيا تفكر يا أيها البلخي فاسعي نحو من بالحرف طهر مد الخطي نحو الامام مسارعا يبغي يعفر أو يستقي من ركوة رشفا يذيب الحر يقهر فاذا به الرمل استحال سويقة ديفت بسكر حين ارتشفت رحيقها ما عاد بي جوع يثرثر سبحان من فتح السماء فأنزلت و الصخر فجر سبحان ربي قالها البلخي من قلب به الايمان عمر حين الجواب أي: بذا موسي بن جعفر و في السنة التي قبض فيها الامام الصادق عليه‌السلام قال علي بن أبي‌حمزة دخلت علي أبي الحسن موسي عليه‌السلام فقلت له: كم أتي لك؟ قال: تسع عشرة سنة، قال: فقلت: ان أباك أسر الي سرا و حدثني بحديثه فأخبرني به فقال لي: [ صفحه 165] قال لك كذا و كذا حتي نسق لي جميع ما أخبرني به أبو عبدالله عليه‌السلام [152] . و عن مولي لأبي عبدالله عليه‌السلام قال: كنا مع أبي الحسن عليه‌السلام حين قدم به البصرة فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة و خلفنا سفينة فيها امرأة تزف الي زوجها فكانت لهم جلبة فقال: ما هذه الجلبة؟ قلنا: عروس فما لبثنا أن سمعنا ضجة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت، فقال: احبسوا و قولوا لملاحهم يحبس، فحبسنا و حبس ملاحهم، فاتكأ علي السفينة و همس قليلا و قال: قولوا لملاحهم يتزر بفوطة و ينزل فيتناول السوار، فنظرنا فاذا السوار علي وجه الأرض و اذا ماء قليل، فنزل الملاح فأخذ السوار فقال: اعطها و قل لها: فلتحمد الله ربها ثم سرنا، فقال له أخوه اسحاق: جعلت فداك، الدعاء الذي دعوت به علمنيه، قال: نعم، و لا تعلمه من ليس له بأهل، و لا تكلمه الا من كان من شيعتنا ثم قال: اكتب، فأملي علي انشاء: (يا سابق كل فوت، يا سامعا لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية و لا تشابه عليك اللغات المختلفة، و لا يشغلك شي‌ء عن شي‌ء يا من تشغله دعوة داع دعاه من الأرض عن دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شي‌ء من خلقه سمع سامع و بصر نافذ، يا من لا تغلطه كثرة المسائل و لا يبرمه الحاح الملحين يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه، يا من سكن العلي و احتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره و جاء الظلم أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها صل علي محمد و أهل بيته) ثم سل حاجتك. و يحدث الوشاء فيقول: حدثني محمد بن يحيي عن وصي علي بن السري قال: قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام ان علي بن السري [ صفحه 166] توفي و أوصي الي فقال: رحمه الله فقلت: و ان ابنه جعفرا وقع علي أم ولد له و أمرني أن أخرجه من الميراث، فقال لي: أخرجه و ان كان صادقا فسيصيبه خبل قال: فرجعت فقدمني الي أبي‌يوسف القاضي فقال له: أصلحك الله أنا جعفر بن علي السري و هذا وصي أبي، فمره أن يدفع الي ميراثي من أبي. فقال: ما تقول؟ قلت: نعم هذا جعفر و أنا وصي أبيه قال: فادفع اليه ماله، فقلت له: أريد أن أكلمك فقال: ادن فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت: هذا وقع علي أم ولد لأبيه فأمرني أبوه و أوصاني أن أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا فأتيت موسي بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة فأخبرته و سألته فأمرني أن أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا. قال: فقال: الله ان أباالحسن أمرك بذلك؟ قلت: نعم، فاستحلفني ثلاثا و قال: أنفذ ما أمرك به، فالقول قوله: قال الوصي: و أصابه الخبل بعد ذلك، قال الحسن بن علي الوشا: رأيت علي ذلك تلك القصص و الأمثال يجري بها الناس تحمل بين أحرفها المعاني الجليلة و الدروس و الحكم و المواعظ، فمن شاء اتعظ و من شاء اتخذ لنفسه نهجا يسير به الي حيث يلاقي ربه الله بيدين طاهرتين أو دنستين (لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) [153] ... (و تلك الأيام...). يقول عيسي المدائني خرجت سنة الي مكة فأقمت مجاورا ثم قلت أذهب الي المدينة فأقيم بها سنة مثل ما أقمت بمكة فهو أعظم لثوابي، فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلي الي جنب دار أبي‌ذر (رض) و جعلت اختلف الي سيدي موسي الكاظم عليه‌السلام فبينما أنا عنده في ليلة مطيرة اذ قال: يا عيسي قم، فقد انهدم البيت علي متاعك فقمت فاذا بالبيت قد انهدم علي المتاع فاكتريت قوما كشفوا عن متاعي و استخرجته جميعه لم يذهب لي شي‌ء غير سطل للوضوء، فلما أتيته من الغد مسلما عليه قال: فقدت شيئا من متاعك فندعو الله لك بالخلف، فقلت: ما فقدت غير سطل كنت أتوضأ به، فأطرق [ صفحه 167] رأسه ثلاثا ثم رفعه فقال: قد ظننت أنك أنسيته قبل جارية رب الدار فاسألها عنه و قل لها: أنسيت السطل في بيت الخلاء فرديه و انها سترده عليك، قال: فسألتها عنه فردته [154] . و حدث علي بن أبي‌حمزة فقال كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام جالسا اذ أتاه رجل من الري يقال له جندب، فسلم عليه ثم جلس، فسأل أباالحسن فأكثر السؤال ثم قال له عليه‌السلام: يا جندب ما فعل أخوك؟ فقال: الخير و هو يقرئك السلام، فقال له: أعظم الله أجرك في أخيك، فقال له: ورد الي كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوما بالسلامة، فقال له: يا جندب و الله مات بعد كتابه بيومين، و دفع الي امرأته مالا و قال لها ليكن هذا المال عندك فاذا قدم أخي فادفعيه اليه، و قد أودعته في الأرض في البيت الذي كان يسكنه فاذا أنت أتيتها فتلطف لها و أطمعها في نفسك فانها ستدفعه لك. قال علي: و كان جندب رجلا جميلا. و يحدث علي فيقول: فلقيت جندبا بعدما فقد أبوالحسن عليه‌السلام فسألته عما كان قال أبوالحسن عليه‌السلام، فقال: يا علي صدق و الله سيدي ما زاد و لا نقص في الكتاب و لا في المال. تلك المغيبات التي كان عليه‌السلام يعلمها ما هي الا العلم الذي أنزله الله عليه و اطمأن به صدره فدفعه أمانة من أجل حفظ دين الله و رسالة نبيه. يقول هشام بن الحكم: أردت شراء جارية بمني و كتبت الي أبي‌الحسن أشاوره فلم يرد علي جوابا، فلما كان في الطواف مر بي يرمي الجمار علي حمار فنظر الي و الي الجارية من بين الجواري ثم أتاني كتابه: لا أري بشرائها بأسا ان لم يكن في عمرها قلة؟ قلت: لا و الله ما قال لي هذا الحرف الا و ها هنا شي‌ء، لا و الله لا أشتريها، قال: فما خرجت من مكة حتي دفنت. [ صفحه 168] و هذا خالد يقول: خرجت و أنا أريد أباالحسن عليه‌السلام فدخلت عليه و هو في عرصة داره جالس، فسلمت عليه و جلست و قد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت الي و قال: ينبغي لأحدكم اذا لبس الثوب الجديد أن يمر بيده عليه و يقول: الحمد لله الذي كساني ما أداري به عورتي و أتجمل به بين الناس، و اذا أعجبه شي‌ء فلا يكثر ذكره فان ذلك مما يهده و اذا كانت لأحدكم الي أخيه حاجة أو وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره الا بخير فان الله يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته، قال: فرفعت رأسي و أنا أقول: لا اله الا الله، فالتفت الي و قال: يا خالد اعمل ما أمرتك. لقد حاز عليه‌السلام ارث النبوة و بوي‌ء محل الخلافة و خص بشرف الولاية يقول اسحاق بن عمار: سمعت العبد الصالح ينعي الي رجل نفسه فقلت في نفسي: و انه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته؟ فالتفت الي شبه المغضب فقال: يا اسحاق قد كان رشيد الهجري و كان من المستضعفين يعلم علم المنايا و البلايا، فالامام أولي بذلك، يا اسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فني، و أنت تموت الي سنين و أخوك و أهل بيتك لا يلبثون من بعد الا يسيرا حتي تفرق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا و يصيرون لاخوانهم و من يعرفهم رحمة حتي يشمت بهم عدوهم. قال اسحاق: فاني أستغفر الله مما عرض في صدري، فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس الا سنتين حتي مات، ثم ما ذهبت الأيام حتي قام بنو عمار بأموال الناس و أفلسوا أقبح افلاس رآه الناس فجاء ما قال أبوالحسن عليه‌السلام فيهم ما غادر قليلا و لا كثيرا. و حدث الوشا قال: حدثني الحسن بن علي قال: حججت أنا و خالي اسماعيل بن الياس فكتبت الي أبي الحسن الأول عليه‌السلام و كتب خالي ان لي بنات و ليس لي ذكر و قد قتل رجالنا و قد خلفت امرأتي حاملا، فادع الله أن يجعله غلاما و سمه، فوقع في الكتاب: قد قضي الله حاجتك فسمه محمدا، [ صفحه 169] فقدمنا الكوفة و قد ولد له غلام قبل وصولنا الي الكوفة بستة أيام و دخلنا يوم سابعه فقال أبومحمد: هو و الله اليوم رجل و له أولاد [155] . و من المغيبات التي أنعم الله بها علي الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام ما حدث به اسماعيل بن موسي فقال: كنا مع أبي الحسن عليه‌السلام في عمرة فنزلنا بعض قصور الأمراء، و أمر بالرحيل، فشدت المحامل و ركب بعض الغلمان و كان أبوالحسن عليه‌السلام في بيت فخرج فقام علي بابه فقال: حطوا حطوا، قال اسماعيل، و هل تري شيئا؟ قال عليه‌السلام: انه سيأتيكم ريح سوداء مظلمة ترمح بعض الابل، فحطوا. و جاءت ريح سوداء. قال اسماعيل بن موسي: فأشهد لقد رأيت جملا كان لي عليه كنيسة كنت رأكب فيها أنا و أحمد أخي و لقد قام ثم سقط علي جنبه بالكنيسة. و يحدث زكريا بن آدم فيقول: سمعت الرضا عليه‌السلام يقول: كان أبي ممن تكلم في المهد. و يقول الأصبغ بن موسي: بعث معي رجل من أصحابنا الي أبي ابراهيم عليه‌السلام بمائة دينار و كانت معي بضاعة لنفسي و بضاعة له فلما دخلت المدينة صببت علي الماء و غسلت بضاعتي و بضاعة الرجل و ذررت عليها مسكا ثم اني عددت بضاعة الرجل فوجدتها تسعة و تسعين دينارا فأعدت عدها و هي كذلك فأخذت دينارا آخر لي فغسلته و ذررت عليه المسك و أعدتها في صرة كما كانت و دخلت عليه في الليل فقلت له جعلت فداك ان معي شيئا أتقرب به الي الله تعالي فقال: هات، فناولته دنانيري و قلت له: جعلت فداك ان فلانا مولاك بعث اليك معي بشي‌ء فقال: هات، فناولته الصرة. قال: صبها، فصببتها فنثرها بيده و أخرج ديناري، ثم قال: انما بعث الينا و زنا لا عدا. [ صفحه 170] و عن عثمان بن عيسي قال: قال أبوالحسن عليه‌السلام لابراهيم بن عبدالحميد: - و قد لقيه سحرا و ابراهيم ذاهب الي قبا و موسي عليه‌السلام داخل المدينة - يا ابراهيم الي أين؟ قال: الي قبا، قال: في أي شي‌ء؟ فقال: انا في كل سنة نشتري من هذا التمر فأردت أن آتي في هذه السنة الي رجل من الأنصار فأشتري منه نخلا، فقال له موسي عليه‌السلام: و قد أمنتم الجراد ثم فارقه، فوقع علامة في صدره فلم يشتر شيئا، فما مرت خامسة حتي بعث الله جرادا أكل عامة النخل [156] . و روي هشام بن أحمر أنه ورد تاجر من المغرب و معه جوار فعرضهن علي أبي الحسن عليه‌السلام، فلم يختر منهن و قال: أرنا، فقال: عندي أخري و هي مريضة، فقال: ما عليك أن تعرضها، فأبي، فانصرف ثم انه أرسلني من الغد اليه و قال: قل له: كم غايتك فيها؟ قال: ما أنقصها عن كذا و كذا. فقلت: قد أخذتها و هو لك فقال: و هي لك، و لكن من الرجل؟ فقلت: رجل من بني‌هاشم. فقال من أي بني‌هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة: اني اشتريتها من أقصي المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض و لا تلبث عنده الا قليلا حتي تلد له غلاما ما يولد بشرق الأرض و لا غربها مثله، يدين له شرق الأرض و غربها، قال: فأتيته بها فلم تلبث الا قليلا حتي ولدت عليا الرضا عليه‌السلام [157] . و يروي المجلسي من كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر الصوري باسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب [ صفحه 171] يحيي بن خالد و كان علي بقايا يطالبني بها و خفت من الزامي اياها خروجا عن نعمتي و قيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب فاجتمع رأيي علي أني هربت الي الله و حججت و لقيت مولاي الصابر يعني موسي بن جعفر عليه‌السلام فشكوت حالي اليه فأصبحني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم أن الله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا أو نفس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سرورا و هذا أخوك و السلام. قال: فعدت من الحج الي بلدي و مضيت الي الرجل ليلا و استأذنت عليه و قلت: رسول الصابر عليه‌السلام. فخرج الي حافيا ماشيا ففتح لي بابه و قبلني و ضمني اليه و جعل يقبل بين عيني و يكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته عليه‌السلام و كلما أخبرته بسلامته و صلاح أحواله استبشر و شكر الله ثم أدخلني داره و صدرني في مجلسه و جلس بين يدي فأخرجت اليه كتابه عليه‌السلام فقبله قائما و قرأه ثم استدعي بماله و ثيابه فقاسمني دينارا دينارا و درهما درهما و ثوبا ثوبا و أعطاني قيمة مالم يمكن قسمته و في كل شي‌ء من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك؛ فأقول: اي و الله و زدت علي السرور ثم استدعي العمل فأسقط ما كان باسمي و أعطاني براءة مما يتوجه علي منه و ودعته و انصرفت عنه. فقلت: لا أقدر علي مكافأة هذا الرجل الا بأن أحج في قابل و أدعو له و ألقي الصابر عليه‌السلام و أعرفه فعله، ففعلت و لقيت مولاي الصابر عليه‌السلام و جعلت أحدثه و وجهه يتهلل فرحا فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك فقال: اي و الله لقد سرني و سر أميرالمؤمنين، و الله لقد سر جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لقد سر الله تعالي [158] . و من الأمور الغيبية ما رواه أبوحمزة فقال: سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: لا و الله لا يري أبوجعفر بيت الله أبدا، فقدمت الكوفة فأخبرت [ صفحه 172] أصحابنا بذلك. فلم يلبث أن خرج، فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا و الله لا يري بيت الله أبدا، فلما صار في البستان اجتمعوا الي أيضا و قالوا: بقي بعد هذا شي‌ء؟ فقلت: لا و الله لا يري بيت الله أبدا فلما نزل بئر ميمون أتيت أباالحسن عليه‌السلام فوجدته قد سجد و أطال السجود ثم رفع رأسه الي فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس، فخرجت فسمعت الداعية علي أبي‌جعفر فرجعت فأخبرته، فقال: الله أكبر ما كان ليري بيت الله أبدا. [159] . و من حكمته عليه‌السلام ما كان يلجأ اليه ليدرأ السوأة التي يقترفها الآخرون و من ذلك ما حدث به ابراهيم بن مفضل بن قيس قال: سمعت أباالحسن الأول عليه‌السلام و هو يحلف أنه لا يكلم محمد بن عبدالله الأرقط أبدا فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر و الصلة و يحلف أن لا يكلم ابن عمه قال: فقال: هذا من بري به، و هو لا يصبر أن يذكرني و يعيبني، فاذا علم الناس أني لا أكلمه لا يقبلون منه: أمسك عن ذكري و كان خيرا له. و قال الراوندي في الباب الثامن من معجزات موسي بن جعفر عليه‌السلام عن أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام قال: قال أبي‌موسي بن جعفر عليه‌السلام لعلي بن حمزة مبتدئا من غير أن أسأله عن شي‌ء: انك لتلقي رجلا من أهل المغرب يسألك عني. و جاء في رجال الكشي ص 276 أنه وجدت بخط جبرائيل بن أحمد، حدثني محمد بن عبدالله بن مهران عن محمد بن علي عن ابن البطائني عن أبيه عن شعيب العقرقوفي قال: قال لي أبوالحسن عليه‌السلام مبتدئا من غير أن أسأله عن شي‌ء: يا شعيب غدا يلقاك رجل من أهل المغرب يسألك عني فقل: هو و الله الامام الذي قال لنا أبو عبدالله الصادق عليه‌السلام، فاذا سألك عن الحلال و الحرام فأجبه مني، فقلت: جعلت فداك فما علامته؟ قال عليه‌السلام: [ صفحه 173] رجل طويل جسيم يقال له يعقوب بن يزيد و هو رائد قومه، فان أراد أن تدخله الي فأدخله، قال: فوالله اني لفي الطواف اذ أقبل الي رجل جسيم طويل فقال لي: اني أريد أن أسألك عن صاحبك فقلت: عن أي صاحب قال: عن موسي بن جعفر عليه‌السلام قلت: فما اسمك؟ قال يعقوب قلت: من أين أتيت؟ قال: من المغرب. قلت: من أين عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي فقال لي: ألق علي بن أبي‌حمزة فسله عن جميع ما تحتا اليه، فسألت عنك فدللت عليك فقلت: اقعدني هذا الموضع حتي أفرغ من طوافي و أعود اليك فطفت ثم أتيته فكلمته فرأيته رجلا عاقلا فطنا، فالتمس مني الوصول الي موسي بن جعفر عليه‌السلام فأوصلته فلما رآه قال: يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك خصومة في موضع كذا حتي تشاتمتما و ليس هذا من ديني و لا من دين آبائي، فلا نأمر بهذا أحدا من الناس فاتق الله فانكما ستفترقان عن قريب بموت، فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل الي أهله و تندم أنت علي ما كان منك اليه و ذلك أنكما تقاطعتما و تدابرتما فقطع الله عليكما أعماركما، فقال الرجل: يا ابن رسول الله فأنا متي يكون أجلي؟ قال: كان قد حضر أجلك فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا فنسأ الله في أجلك عشرين حجة. قال علي بن أبي‌حمزة فلقيت الرجل من قابل بمكة فأخبرني أن أخاه توفي و دفنه في الطريق قبل أن يصل الي أهله. و حدث بدر مولي الرضا عليه‌السلام فقال: ان اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر عليه‌السلام فجلس عنده اذ استأذن عليه رجل خراساني فكلمه بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير، قال اسحاق: فأجاب موسي بمثله و بلغته الي أن قضي و طره من مساءلته و خرج من عنده فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام، قال هذا كلام قوم من أهل الصين و ليس كل كلام أهل الصين مثله. ثم قال: أتعجب من كلامي؟ قلت: هو موضع العجب قال: أخبرك بما [ صفحه 174] هو أعجب، ان الامام يعلم منطق الطير و نطق كل ذي روح خلقه الله و ما يخفي علي الامام شي‌ء. و يقول علي بن أبي‌حمزة: أخذ بيدي موسي بن جعفر عليه‌السلام يوما فخرجنا من المدينة الي الصحراء فاذا نحن برجل مغربي علي الطريق يبكي و بين يديه حمار ميت و رحله مطروح فقال له موسي عليه‌السلام: ما شأنك؟ قال: كنت مع رفاقي نريد الحج فمات حماري هاهنا، و بقيت، و مضي أصحابي. و قد بقيت متحيرا، ليس لي شي‌ء أحمل عليه. فقال له موسي عليه‌السلام: لعله لم يمت؟ قال: أما ترحمني حتي تلهو بي قال: ان عندي رقية جيدة. قال الرجل: ما يكفيني ما أنا فيه حتي تستهزي‌ء بي، فدنا موسي من الحمار و دعا بشي‌ء لم أسمعه و أخذ قضيبا كان مطروحا فنخسه به وصاح عليه، فوثب قائما صحيحا سليما، فقال: يا مغربي تري هاهنا شيئا من الاستهزاء؟ الحق بأصحابك. و مضينا و تركناه، قال علي بن أبي‌حمزة: فكنت واقفا يوما علي زمزم و اذا المغربي هناك، فلما رآني عدا الي و قبلني فرحا مسرورا، فقلت: ما حال حمارك؟ فقال: هو و الله صحيح سليم و لا أدري من أين من الله علي فأحيا لي حماري بعد موته فقلت له: قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته. و روي أن هارون الرشيد بعث يوما الي موسي عليه‌السلام علي يدي ثقة له طبقا من السرقين الذي هو علي هيئة التين و أراد استخفافه فلما رفع الازار عنه فاذا هو أحلي من التين و أطيبه، فأكل عليه‌السلام و أطعم الحامل منه ورد بعضه الي هارون الرشيد فلما تناوله صار سرقينا في فيه و كان في يده تينا جنيا. و قال اسحاق بن عمار: أقبل أبوبصير مع أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام من المدينة يريد العراق فنزل زبالة فدعا بعلي بن أبي‌حمزة البطائني و كان تلميذا لأبي‌بصير فجعل يوصيه بحضرة أبي‌بصير و يقول يا علي اذا صرنا الي الكوفة، تقدم في كذا، فغضب أبوبصير و خرج من عنده فقال لا و الله ما أري [ صفحه 175] هذا الرجل أنا أصحبه منذ حين ثم يتخطاني بحوائجه الي بعض غلماني، فلما كان من الغد حم أبوبصير بزبالة فدعا بعلي بن أبي‌حمزة فقال: أستغفر الله مما حل في صدري من مولاي و من سوء ظني به، كان قد علم أني ميت و أني لا ألحق بالكوفة فاذا أنا مت فافعل بي كذا و تقدم في كذا فمات أبوبصير بزبالة. و قال اسماعيل بن سالم: بعث الي علي بن يقطين و اسماعيل بن أحمد فقالا لي: خذ هذه الدنانير فائت الكوفة فالق فلانا فاستصحبه و اشتريا راحلتين و امضيا بالكتب و ما معكما من مال فادفعاه الي موسي بن جعفر عليه‌السلام، فسرنا حتي اذا كنا ببطن الرملة و قد اشترينا علفا و وضعناه بين الراحلتين و جلسنا نأكل، فبينما نحن كذلك اذ طلع علينا موسي بن جعفر عليه‌السلام علي بغلة له أو بغل و خلفه شاكري فلما رأيناه و ثبنا له و سلمنا عليه فقال: هاتا ما معكما فأخرجناه و دفعناه اليه و أخرجنا الكتب و دفعناها اليه فأخرج كتبا من كمه: فقال هذه جوابات كتبكم فانصرفوا في حفظ الله تعالي فقلنا: قد فني زادنا و قد قربنا من المدينة فلو أذنت لنا فزرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تزودنا زادا. فقال: أبقي معكما من زادكما شي‌ء؟ فقلنا نعم. قال: ائتموني به، فأخرجناه اليه فقبضه بيده و قال: هذه بلغتكم الي الكوفة، امضيا في حفظ الله، فرجعنا و كفانا الزاد الي الكوفة. قال ابن‌حمدون في تذكرته: قال موسي بن جعفر عليه‌السلام: وجدت علم الناس في أربع أولها أن تعرف ربك و الثانية أن تعرف ما صنع بك و الثالثة أن تعرف ما أراد منك و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك. و معني هذه الأربع: الأول: وجوب معرفة الله تعالي و التي هي اللطف. الثانية: معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة. [ صفحه 176] الثالثة: أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك و ندبك الي فعله لتفعله علي الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب. و الرابع: أن تعرف الشي‌ء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه. و لقد روي اسحاق بن عمارة فقال: لما حبس هارون أباالحسن عليه‌السلام دخل عليه أبويوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبي‌حنيفة. فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد أمرين، اما أن نساريه و اما أن نشككه. فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي فقال: ان نوبتي قد انقضت و أنا علي الانصراف، فان كانت لك حاجة فامرني حتي آتيك بها في الوقت التي تلحقني النوبة، فقال: ما لي حاجة، فلما خرج قال لأبي‌يوسف و محمد بن الحسن: ما أعجب هذا، يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع و هو ميت في هذه الليلة، قال: فغمز أبويوسف محمد بن الحسن فقاما: فقال أحدهما للآخر: انا جئنا لنسأله عن الفرض و السنة و هو الآن جاء بشي‌ء آخر كأنه من علم الغيب، ثم بعثا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتي تلازمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة و تأتينا بخبره من الغد، فمضي الرجل فنام في مسجد عند باب داره، فلما أصبح سمع الداعية، و رأي الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟ قالوا: مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة، فانصرف اليهما فأخبرهما، فأتيا أباالحسن عليه‌السلام فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت في هذه الليلة قال: من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام فلما رد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا [160] . و سأله الرشيد قائلا: لم زعمتم أنكم أقرب الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منا؟ فقال عليه‌السلام: يا أميرالمؤمنين لو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نشر فخطب اليك [ صفحه 177] كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله، فكنت أفتخر بذلك علي العرب و العجم فقال عليه‌السلام: لكنه لا يخطب الي و لا أزوجه لأنه ولدنا و لم يلدكم. و روي أنه عليه‌السلام قال: هل كان يجوز له أن يدخل علي حرمك و هن متكشفات، فقال: لا. فقال عليه‌السلام: و لكنه كان يدخل علي حرمي كذلك و كان يجوز له. و قيل انه سأله: لم قلتم أنا ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جوزتم أن ينسبوكم اليه فيقولوا: يا بني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتم بنو علي، و انما ينتسب الرجل الي أبيه دون جده؟ فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين (84) و زكريا و يحيي و عيسي و الياس) [161] و ليس لعيسي أب و انما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه. و كذلك ألحقنا بذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم من قبل أمنا فاطمة عليهم‌السلام و أزيدك يا أميرالمؤمنين قال الله تعالي: (فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبنآءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم) [162] و لم يدع عند مباهلة النصاري غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين و هما الأبناء. يقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم و علي بابها».. و يقول الصادق عليه‌السلام: (ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أفضيت اليه صحف ابراهيم و موسي عليه‌السلام فائتمن عليها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه‌السلام و ائتمن عليها علي عليه‌السلام الحسن عليه‌السلام و ائتمن عليها الحسن عليه‌السلام الحسين عليه‌السلام و ائتمن عليها الحسين عليه‌السلام علي بن الحسين عليه‌السلام و ائتمن عليها علي بن الحسين عليه‌السلام محمد بن علي عليه‌السلام و ائتمنني عليها أبي فكانت عندي، و لقد [ صفحه 178] ائتمنت عليها ابني هذا علي حداثته و هي عنده). يقول عليه‌السلام: ان ابني هذا لو سئل عما بين دفتي المصحف لأجاب بعلم.. و لقد كان الامام موسي الكاظم عليه‌السلام سيد ولد أبي عبدالله عليه‌السلام و فيه علم الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج الناس اليه من أمور دينهم و فيه حسن الخلق و حسن الجوار و هو باب من أبواب الله عزوجل و فيه (كما يقول والده الصادق عليه‌السلام) أخري هي خير من هذا كله... (يخرج الله تعالي منه غوث هذه الأمة و غياثها و علمها و نورها و حكمها خير مولود و خير ناشي‌ء: يحقن الله به الدماء و يصلح به ذات البين و يلم به الشعث و يشعب الصدع و يكسو العاري و يشبع الجائع و يؤمن الخائف و ينزل به القطر.. ذكر المؤرخون أن رجلا من أحفاد الخليفة الثاني في المدينة كان كلما رأي الامام موسي عليه‌السلام يشتم الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام ليؤذي الامام و يسيي اليه حتي غضب أصحاب الامام و ساءهم ذلك فهموا بالانتقام من ذلك الشاتم و قتله فنهاهم الامام عليه‌السلام أشد النهي و زجرهم أشد الزجر ثم سأل عن مكان هذا الرجل فقيل ان له مزرعة خارج المدينة يتعهدها و يتولي زراعتها، فقصده الامام عليه‌السلام راكبا حمارا، فلما دخل المزرعة صاح به العمري، لا تطأ زرعنا، فلم يلتفت الامام عليه‌السلام حتي وصل اليه و نزل عنده يلاطفه ثم قال: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال: مائة دينار قال: فكم ترجو أن تصيب منه؟ قال: أنا لا أعلم الغيب، فقال الامام: انما قلت كم ترجو؟ قال: أرجو أن يجيئيني منه مائتا دينار، فأعطاه الامام عليه‌السلام ثلاثمائة دينار. قال: هذه لك وزرعك علي حاله، فقام العمري و قبل رأس الامام و سأله أن يصفح عنه، ثم تركه الامام عليه‌السلام و انصرف، فكان اذا دخل المسجد بعد ذلك وثب اليه العمري فسلم عليه و قال: «الله أعلم حيث يجعل رسالته» فسأله أصحابه ما قصتك لقد كنت تقول خلاف هذا، فخاصمهم و شاتمهم و جعل يدعو للامام كلما دخل [ صفحه 179] و خرج، فقال الامام عليه‌السلام للذين كانوا أرادوا قتله من أصحابه، أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار اليسير. و لمواقفه المشابهة الكثيرة أثرها البالغ في رسالة الاسلام فلقد كان عليه‌السلام يجازي المسي‌ء بالاحسان اليه، و الجاني بالعفو عنه و كان اذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل اليه الذهب. [163] . و هذه الصفة الكريمة من الحلم و تجرع الغيظ لا تتصف بها الا النفوس الكبيرة و الشخصيات الفذة الحالمة الصافحة التي تعفو و ترتفع عن الحقد و تسمو عن الصغائر (بالرغم من قدرتها علي الانتقام و مقابلة المثل) [164] لكنها تأبي الا الصفح و المغفرة و مقابلة الاساءة بالاحسان. و هكذا هم أهل ابيت عليهم‌السلام، وجودهم رحمة و هداية و انقاذ للناس من الضلال و انتشالهم من الجهل دون النظر الي اساءاتهم، و هكذا كان الامام موسي عليه‌السلام حليما كاظما للغيظ لقد لقب بالعبد الصالح، و من الطبيعي أن يكون عليه‌السلام عبدا صالحا فهو ليس فقط سليل نبي الرحمة بل تربي أيضا في معاهد الطهر و العبادة و التقوي فهو ابن الصادق عليه‌السلام الذي قال فيه أحد تلامذته (مالك بن أنس امام المذهب المالكي): اختلفت الي جعفر بن محمد زمانا فما كنت أراه الا علي احدي ثلاث خصال اما مصليا و اما صائما و اما يقرأ القرآن و ما رأيته قط يحدث عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا عن طهارة و لا يتكلم بما لا يعنيه و كان من العلماء العباد و الزهاد الذين يخشون الله [165] ، فليس بالغريب علي الامام موسي بن جعفر عليهم‌السلام أن ينشأ و هو في قمة العبادة و الخشوع و الانابة. و لقد جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: روي أصحابنا أن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام دخل مسجد النبي صلي الله عليه و آله و سلم فسجد سجدة في أول الليل [ صفحه 180] و سمع و هو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة، فجعل يرددها حتي أصبح. و كان عليه‌السلام يصلي نوافل الليل اذا دخل ثلثه الأخير و يستمر في الصلاة الي طلوع الفجر، فاذا جاء وقت الصبح صلاها ثم يشرع في الدعاء و البكاء من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و يغشي عليه من خشية الله، و حتي أنه اعتبر تلك الأيام المظلمة في سجون بني‌العباس نعمة من الله كي يتفرغ للعبادة، فكان يقول في دعائه: (اللهم اني طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت، فلك الحمد) و ها هو أشد الناس عداوة له (هارون الرشيد) يقول عنه لشدة عبادته بأنه من رهبان بني‌هاشم و ذلك عندما أودع الامام عليه‌السلام في السجن عند الربيع و أطل ذات يوم من أعلي القصر فرأي ثوبا مطروحا فسأل الربيع: ما ذلك الثوب المطروح الذي أراه كل يوم في هذا الموضع و لم يتغير عن مكانه؟ فقال له: ما هذا بالثوب و انما هو موسي بن جعفر، و له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال، فاهتز هارون و قال: انه من رهبان بني‌هاشم و في ذلك يقول أحمد بن عبدالله عن أبيه: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح له فقال لي أشرف علي هذا البيت و انظر ما تري؟ فقلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا، فتأملت فقلت: رجل ساجدا!! فقال لي: تعرفه؟ هو موسي بن جعفر، أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي هذه الحالة، انه يصلي الفجر فيعقب الي أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد و كل من يترصد له أوقات الصلاة، فاذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء و هو دأبه، فاذا صلي العتمة أفطر ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر [166] . و كان عليه‌السلام اذا قرأ القرآن يجتمع عليه الناس لحسن صوته و كانت قراءته [ صفحه 181] مؤثرة في نفوس سامعيه فيتفاعلون معه في الخشوع و البكاء عند تلاوته للقرآن الكريم. فمنذ قلامة أظفاره كان يتمتع عليه‌السلام بحدة الذكاء و شدة الفطنة و حضور البديهة و قوة الملكة العلمية في الفقه الاسلامي بالاضافة الي ما خلف لنا من تراث ضخم و توجيهات قيمة وردت عبر وصاياه و محاوراته و أحاديثه و حكيماته، فلقد كان عليه‌السلام القمة العلمية في عصره بلا منازع علي الاطلاق، فقد تولي عمادة جامعة أبيه العلمية و تخرج علي يديه كبار الفقهاء، و أساطين العلماء، و اشتملت محاضراته الثقافية و أبحاثه العلمية في جميع أبعاد المعرفة علي تراث خالد يتناقله العلماء جيلا بعد جيل. و نعود لمعاصريه فلقد عاصر عليه‌السلام خمسة من خلفاء بني‌العباس فهو ولد في عهد آخر الخلفاء الأمويين (مروان بن محمد) الحمار و قبيل تشكيل الدولة العباسية حتي تولي السفاح زمام الحكم و تفرغ لاستئصال شأفة الأمويين و مطاردة جيوب مقاومتهم، فسفك أنهارا من الدماء حتي لقب بالسفاح. في هذا العهد كان الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام في طفولته المبكرة فبين تأسيس الدولة العباسية سنة اثنان و ثلاثين و مائة و بين ولادته الكريمة سنة ثمان و عشرين و مائة أربع سنوات، و في كنف أبيه الصادق عليه‌السلام و رعايته نشأ و ترعرع و لم يتعرض السفاح لأهل البيت بسوء لانهماكه بارساء قواعد الدولة الجديدة و مطاردة فلول الأمويين حيث استمر في الحكم أكثر من أربع سنين حتي هلك فتولي بعده المنصور الذي هو المؤسس الحقيقي لدولة بني‌العباس حيث حكم اثنين و عشرين عاما من الظلم و البطش و الجور، صب فيها نقمته علي أبناء علي و فاطمة من الذين أصابهم الحيف من سرقة ثورتهم و خيبة آمالهم و احباط تضحياتهم، فالثورة قامت علي أكتافهم و بجهودهم و شعاراتهم و أسمائهم و دعوتهم للرضا من آل محمد. و لقد كان العلويون و العباسيون رفاق سلاح ضد الحكم فكان للعلويين الرصيد الجماهيري الكبير و القاعدة [ صفحه 182] الشعبية العريضة المويدة لهم في حين كان بنوالعباس مغمورين لا يحلمون بالحكم الا أنهم غدروا بالعلويين و سرقوا ثورتهم و تقمصوها ظلما و عدوانا و ركبوا تيار النقمة التي زرعها الحسين عليه‌السلام في النفوس ضد الأمويين فقد كانت الدماء التي قدمها الحسين عليه‌السلام يوم الطف قذيفة نسفت العرش الأموي من أساساته فكان المنتظر و المتوقع أن العلويين هم الذين يتسلمون القيادة. فاذ بهم يفاجأون بالعباسيين يبرزون علي مسرح الحكم فكانوا أسوأ من الأمويين في تعاملهم مع العلويين و في ذلك يقول الشاعر: تالله ما فعلت علوج أمية معشار ما فعلت بنوالعباس فلقد تجسدت بالدوانيقي الصلافة و القحة و هو النكرة المغمور و ان حظي ببعض الاحترام فلانتسابه للبيت الهاشمي العريق فقد كان يعتز و يفخر بقربه من علي عليه‌السلام و آل علي و كان مداحا و ذاكرا لفضائل علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام تتصدق عليه العامة من أجل ذلك و لكم أخذ بركاب محمد بن عبدالله بن الحسن اذا ركب وك م سوي له ثيابه علي السرج، و كان من مقدمة المبايعين لمحمد مع أخويه ابراهيم و السفاح، و كان أشدهم حماسا لتلك البيعة و تشهد بذلك الأبواء حيث اجتمع بنوالحسن و بنوالعباس و عقدوا مؤتمرا للتداول في النظام الجديد بعد اضطراب أمور بني‌أمية و ها هو الصادق عليه‌السلام يأتيهم بناء علي طلبهم فرغبوا اليه مبايعة محمد فقال عليه‌السلام: ان هذا الأمر لن يتم الا لهذا و ضرب علي ظهر السفاح ثم لهذا و أشار الي المنصور و قال لعبدالله بن الحسن ان ولديك ابراهيم و محمد سيقتلهما المنصور ثم نهض و خرج. و تدور الدوائر علي بني‌أمية و يستلم دست الحكم أبوالدوانيق و يتخفي محمد بن عبدالله بن الحسن خوفا علي نفسه فيطلبه المنصور من أبيه محاولا قتله بكل وسيلة للتخلص مما في عنقه من بيعة له فهو الشخص المنافس المشرح للخلافة بعد سقوط دولة بني‌أمية حيث كان المفروض أن يتسلم مهام المسؤولية بعد الأمويين و حيث بايعه عامة الهاشميين بالخلافة كما [ صفحه 183] بايعه السفاح و اخوته، و لذا لم يعترف بالحكم العباسي و لم يبايع السفاح و لا المنصور و مع تمادي الطغيان العباسي و تصاعد سياسة الارهاب و العنف ضد العلويين أعلن ثورته و سيطر علي المدينة، فأرسل المنصور جيشا لمحاصرة المدينة و قمع الثورة و القضاء علي قادتها و قد تم له ذلك و قتل محمد ذي النفس الذكية في أحجار الزيت و كذلك قتل أخوه ابراهيم في باخمرا و قد كان يخطب علي المنبر في البصرة حين جاءه خبر مصرع أخيه فقال: سأبكيك بالبيض الرقاق و بالقنا فان بها ما يدرك الطالب الوترا و لست كمن يبكي أخاه بعبرة يعصرها من ماء مقلته عصرا و انا لقوم لا تفيض دموعنا علي هالك منا و ان قصم الظهرا و قد بايعه في البصرة جمع غفير من أهلها بعد اعلان ثورته بها. و يزحف بجيشه الي الكوفة ليلتقي مع جيش المنصور في باخمرا علي شاطي‌ء الفرات حيث يقتل رحمه الله و هذا ما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ما قاله الأئمة من بعده، و تبدأ مطاردة العلويين بوحشية لم يشهدها التاريخ و ضراوة لم تألفها الذئاب فها هو المنصور يجمع أبناء الحسن من المدينة الي الربذة الي المطبق بالأغلال و السلاسل، و القيود في أعناقهم و أرجلهم يحملون علي محامل مكشوفة بغير وطاء كما فعل قبل ذلك يزيد بعيال الحسين عليه‌السلام و كما فعل قبله معاوية أيام عثمان بأبي‌ذر الغفاري (طهر الله ثراه) و ها هو أبوالدوانيق يودعهم السجون تحت الأرض لا يعرفون الليل من النهار حتي أشكلت عليهم أوقات الصلاة فجزأوا القرآن خمسة أجزاء فكانوا يصلون علي فراغ كل واحد من جزئه و نستذكر الديباج محمد بن ابراهيم بن الحسن الميت في اسطوانة و هو حي و سيذكر التاريخ مخلفات المنصور تلك الرؤوس المقفل عليها بخزانة مفتاحها أمنه لدي (ريطة) زوجة المهدي و التي حملت وصيته بعدم فتحها و عدم تسليم مفتاحها للمهدي الا بعد وفاته... و ما ان هلك حتي أسرعت ريطة و زوجها المهدي مؤملة بالغنائم و الجواهر و الحلي و اذا بها [ صفحه 184] أشلاء و جثث و رؤوس مقطعة في آذانها رقاع بأس، و أنساب... منهم الأطفال منهم الشيوخ و الشباب فهل خوف المهدي و ارتياعه لما رأي الرؤوس فأمر بدفنها منعه من سلوك طريق أبيه و التاريخ يرفع اصبعه مشيرا الي الآلاف من أبناء علي عليه‌السلام المقتولين مع الأعداء التي لا تعد و لا تحصي من شيعتهم أم أن تفنن أبيه بالظلم و اختراع أنواع القتل و التنكيل سواء بالسياط التي تنزل علي الأعين فتفقأها لتسيل عليها أو بالأنين المتصاعد من تحت البيوت المهدومة علي أهلها و هم أحياء أم برصفهم مع الحجارة في الجدران و الي تسميمهم بالفضلات و القذارات جعله مستمرا باللعبة فوق السيرك، و من بين شقوق جدران التاريخ السوداء تلمح صورة لأبي‌أيوب (سليمان بن أبي مجاهد) و الذي كان صديق المنصور و من ذوي الفضل عليه قبل تسنمه الخلافة.. يقول خالد بن يزيد الأرقط: بينما أبوأيوب في أمره و نهيه اذ طلبه المنصور فاصفر و ارتعد فلما خرج من عنده تراجع لونه و كان ذلك دأبه كلما طلبه فقيل له انا نراك مع كثرة دخولك الي أميرالمؤمنين و أنسه بك تتغير اذا دخلت عليه، فضرب لذلك مثلا فقال: زعموا أن بازيا و ديكا تناظرا فقال البازي للديك ما أعرف أقل وفاء منك فقال: و كيف؟ قال: لأنك تؤخذ بيضة فيحضنك أهلك و تخرج علي أيديهم فيطعمونك بأكفهم حتي اذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد الا طرت هنا و هناك و صت و ان علوت حائط دار كنت فيها سنين طرت و تركتها و صرت الي غيرها و أنا أؤخذ من الجبال و قد كبرت سني فأطعم الشي‌ء القليل و أونس يوما أو يومين ثم أطلق علي الصيد فأطير وحدي فآخذه و أجي‌ء به الي صاحبي. فقال له الديك: ذهبت عنك الحجة ما لو رأيت بازيين في سفود ما عدت اليهم أبدا و أنا كل يوم و وقت أري السفافيد مملوءة ديوكا و أقيم معهم فأنا أوفي منك لو كنت مثلك و أنتم لو عرفتم من المنصور ما أعرف لكنتم أسوأ حالا مني عند طلبه اياكم [167] . [ صفحه 185] لقد كان يري بأم عينه المجازر المرعبة داخل القصر كلما دخل علي المنصور متوقعا الموت و كان عيناه تنظران الوسائل الجهنمية التي يستعملها العباسيون مع خصومهم بوحشيتها و قسوتها تقطيعا لأجساد و شواء في تنانير ملتهبة يفوح منها الشواء و كما جري لعبدالله بن المقفع بأمر المنصور و هو يتلذذ بمرآه.. ذلك المنصور خليفة الله علي الأرض و الذي كان يؤمن بالله و يصلي له... و هؤلاء الذين ينفث بهم حقده قرابة رحمه... لقد أدي المنصور رسالته كحاقد علي الفضيلة و أهلها و يعلق الشيخ مغنية في كتابه الشيعة و الحاكمون فيقول: ان استقرائي لسيرة الخلفاء المسلمين قد بعث في شعورا بأن الاسلام لولا المنصور و أمثاله من الحاكمين لعم الناس أجمعين و اعتنقوه تلقائيا بدون دعوة أو دعاية و لما وجد علي هذه الكرة انسان غير مسلم. لقد كان المنصور أشرس طاغية و لوع بسفك الدماء خاصة دماء العلويين، لذلك كان الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام بعد وفاة أبيه الصادق عليه‌السلام يحسب لنقمة المنصور حسابها و يتعامل معها بكل حيطة و حذر.. و لا يخفي أن التصرف الحكيم للامام الصادق عليه‌السلام قبل وفاته هو الذي دفع القتل عن ولده موسي بوصيته التي أشركه فيها دافعا بذلك شره عن ولده و الا فالوصي الحقيقي هو الامام فقط. و لقد كتب المنصور الي عامله علي المدينة أن ينظر الي من يجتمع عليه الناس بعد جعفر بن محمد عليه‌السلام فيحتال في قتله و التخلص منه، و لما تحقق الوالي أن الأوصياء أربعة و بضمنهم المنصور و هو كتب اليه يخبره بذلك، و طبعا لا سبيل لقتل هؤلاء جميعا فأعرض المنصور عن قتل الامام موسي عليه‌السلام و لقد وقع الكثير من الاضطرابات و الخلاف بين صفوف الشيعة حول الشخصية المؤهلة للقيام بمسؤولية الامامة فمنهم من قال بامامة محمد بن اسماعيل ابن الامام الصادق عليه‌السلام و كانوا قلة لم يطلعوا علي النصوص التي نصبت الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام بعد أبيه غير أنهم لما [ صفحه 186] أطلعوا عليها لا حقا رجعوا الي القول بامامته و منهم من قال بامامة عبدالله الأفطح الذي ادعي الامامة كما قال الصادق عليه‌السلام لكنه فشل في الامتحان و الأسئلة العلمية التي وجهت اليه و لم يجدوا فيه مؤهلات الامامة فرجع الذين اتبعوه أولا عن امامته الي امامة موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام. و قد سبق أن أوردنا بعض النصوص الدالة علي امامته عليه‌السلام حيث جاءت الروايات بالنص عليه من الله تعالي بالامامة كخبر اللوح و أن الامام لا يكون الا الأفضل في العلم و الزهد و العلم و أنه معصوم كعصمة الأنبياء عليهم‌السلام و لقد رأي الناس من آيات الله عزوجل الظاهرة علي يده عليه‌السلام ما يدل علي امامته و بطلان مقال من ادعي الامامة لغيره و روي النصوص عن امامته عن أبيه أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام شيوخ أصحاب أبي عبدالله و خاصته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحون (رض)، كذلك أخويه اسحاق و علي و لقد سبق أن أوردنا قول الامام الرضا في الامامة حين يقول: هي منزلة الأنبياء و وراثة الأوصياء و هي خلافة الله و خلافة الرسول و هي زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين و من هذا المنطلق حمل الامام موسي عليه‌السلام تلك الأمانة مرشدا واعظا حافظا لدين الله و شريعته و الماوردي يقول: الامامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين و سياسة الدنيا. يقول منصور بن حازم: قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: بأبي أنت و أمي، ان الأنفس يغدي عليها و يراح فاذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبدالله عليه‌السلام اذا كان ذلك فهو صاحبكم و ضرب علي منكب أبي الحسن الأيمن و هو فيما أعلم خماسي عبدالله بن جعفر جالس معنا. و جاء في الارشاد [168] عن الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: خذ بيدي من النار من لنا بعدك؟ قال: فدخل أبوابراهيم و هو [ صفحه 187] يومئذ غلام فقال: هذا صاحبكم فتمسك به. و روي عبدالرحمن بن الحجاج فقال: دخلت علي جعفر بن محمد عليه‌السلام في منزله فاذا هو في بيت كذا من داره في مسجد له و هو يدعو و علي يمينه موسي عليه‌السلام يؤمن دعاه فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي اليك و خدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك قال: يا عبدالرحمن ان موسي قد لبس الدرع و استوت عليه فقلت له: لا أحتاج بعد هذا الي شي‌ء و قد سبق ذكر ذلك. كما روي المفضل بن عمر الجعفي فقال: كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام فدخل أبوابراهيم موسي عليه‌السلام و هو غلام فقال لي أبو عبدالله عليه‌السلام: استوص به وضع أمره عند من تثق من أصحابك كما و قال معاذ بن كثير لأبي عبدالله عليه‌السلام: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزق من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك، قلت من هو؟ جعلت فداك... فأشار الي العبد الصالح و هو راقد، فقال: هذا الراقد و هو يومئذ غلام. [169] . لقد قام الامام موسي عليه‌السلام بمسؤولية الامامة في ذلك العصر المضطرب بالفتن كقطع الليل الملي‌ء بالخلافات في الآراء و العقائد المختلفة و الذي نبغ فيه أناس حادوا عن طريق الاسلام فجاءوا بآراء الحادية و نشروا أقوالا تثير التشكيك فكانت مدرسته التي تزعمها بعد أبيه تواصل نشاطها في قمع تلك الحركات و صد تلك الهجمات عن الدين الاسلامي. و لقد خرج دعاة الامام موسي عليه‌السلام الي الأقطار الاسلامية لنشر الدعوة و التصدي لتلك الأقوال و ردها و تفنيد تلك الآراء و ابطالها بعد أن ساعد علي انتشارها و نشرها في المجتمع الاسلامي ما يعانيه ذلك المجتمع و ما قام به الولاة و بذا عمل عليه‌السلام علي الحفاظ علي شريعة الاسلام. [ صفحه 188] لقد حرص عليه‌السلام غاية الحرص في ارسالياته و توجيهاته و احتاط غاية الاحتياط و الحذر من بطش المنصور و كيده و عدائه حتي حلت نهايته و انطوت صفحته بهلاكه و انتهي دور الطاغية المنصور ليأتي دور آخر هو المهدي الذي جعل سياسته منفتحة ليمتص النقمة الجماهيرية التي أحدثها أبوه أبوالدوانيق و أول خطوة ايجابية كانت هي اطلاق سراح المعتقلين السياسيين خاصة و أن أبوه أتم المهمة و انتهي من تنفيذ ما أعده من خطط الاغتيال و الفتك بقوي الخير و الصلاح. لقد كان المهدي أخف وطأة و أقل شدة في تعامله مع العلويين من أبيه المنصور الا أن شدة الاقبال الجماهيري و الالتفاف الشعبي حول شخصية الامام موسي عليه‌السلام جعله يتخوف علي عرشه و يقلق علي منصبه (و الملك عقيم) و لم يأمن وثبة الشيعة بقيادة الامام عليه‌السلام علي حكومته فأصدر أوامره باعتقال الامام، فاعتقل و أودع السجن ثم أطلق لرؤيا رأي فيها أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام و قد سبق ايرادها حيث حدث الربيع فقال: طرقت علي الباب ليلا ففتحتها و اذا بمسرور الكبير قال: أجب أميرالمؤمنين... فارتعبت و قلت: ماذا يريد مني نصف الليل فأسرعت اليه فوجدته يقرأ القرآن و يردد هذه الآية (عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) [170] فدخلت و سلمت فرد علي السلام و قال أنت آمن لقد ارعبناك و لكن اذهب الي هذا الحجازي و أطلق سراحه، قلت: من؟ قال: موسي بن جعفر، قلت: أطلق سراحه، قلت: من؟ قال: موسي بن جعفر، قلت: أطلق سراح موسي؟ قال: بل ائتني به فورا، قال الربيع: فمضيت و فتحت أبواب السجن فوجدت الامام عليه‌السلام يصلي، و لما فرغ قال: يا ربيع ما الذي جاء بك في منتصف الليل؟ قلت: سيدي، أمرت باطلاق سراحك، قال: لعلك أمرت بغير هذا و تريد أن تخفف الروع علي، امض لما أمرت به و أنا مسلم أمري الي [ صفحه 189] الله، قلت لا و الله سيدي أمرت باطلاق سراحك. ثم اصطحبته الي المهدي فاستقبله و عانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن اني رأيت جدك أميرالمؤمنين واقفا علي شفير دجلة عاضا علي أنملته و هو يقرأ الآية (فهل عسيتم...) أفتؤمني ألا تخرج علي و لا علي أحد من ولدي؟ فقال الامام عليه‌السلام: لا فعلت ذلك و لا هو من شأني، فقال: صدقت ثم التفت الي الربيع و قال: أعطه ثلاثة آلاف دينار و خيره بين البقاء عندنا أو الرحيل الي المدينة فعرض عليه الربيع ذلك فقال الامام عليه‌السلام: لا يا ربيع دعني أمضي الي أهلي فلقد استوحشوا لفراقي، فأسرع الربيع في تجهيزه و رجع الامام عليه‌السلام الي المدينة و بقي فيها طيلة أيام المهدي يقوم بواجبه الاسلامي في التربية و التوجيه و نشر العلوم حتي جاء دور موسي الهادي و الذي كان شريرا دمويا رهيبا و في أيامه كانت واقعة فخ التاريخية المرعبة التي ضارعت واقعة الطف بل تفوقت عليها و لولا شهرة واقعة الطف لكانت واقعة فخ أعظم منها و انما عظمت واقعة الطف لوجود الامام الحسين عليه‌السلام فيها و لكن اذا استثنينا الحسين عليه‌السلام نري مشاهد و فصول واقعة فخ أعظم بكثير من واقعة كربلاء. و لما بدأ العباسيون في ضغوطهم علي العلويين و ملاحقتهم لهم و كان والي المدينة رجل من أحفاد الخليفة الثاني اسمه عبدالعزيز تحامل علي الطالبيين و أساء اليهم و سامهم سوء العذاب فحجر عليهم أن يخرجوا من المدينة و فرض عليهم الاقامة الجبرية فيها و عدم السفر و طالبهم أن يثبتوا وجودهم (كما يوقع الموظفون) و يعرضوا عليه أنفسهم كل يوم و يوقعوا لئلا يثور أحد منهم و كان يفتري عليهم التهم، و أنهم يعاقرون الخمرة حتي أمر بكبس دار الحسن الأفطس و أركبوه علي حمار و شهروا به بأنهم و جدوه يشرب الخمرة و اشتدت الضغوط حتي بلغت الحالة درجة لا تطاق و ذات يوم أرسل الي الحسين بن علي بن الحسن شهيد فخ و أسمعه كلاما قاسيا و تهدده و توعده فصممم الحسين علي الموت و خرج و أخرج معه العلويين و جماعة من [ صفحه 190] الحجاج و أقبل الي فخ (وادي من و ديان مكة يبعد عنها ستة أيام). و هناك طوقته جيوش بني‌العباس و كان اللقاء يوم التروية و قد سبق ذلك تفصيلا كيف بذلوا له الأمان ثم غدروا به و رشقه مبارك التركي بسهم أرداه صريعا و انجلت الواقعة عن ستة و سبعين و مائة من القتلي من أبناء الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بقيت أجسادهم ثلاثة أيام بلا مواراة حتي أكلتهم السباع و الطير و قطعت رؤوسهم و رفعت علي أطراف الرماح من المدينة الي بغداد و سيقت نساؤهم و أطفالهم سبايا كما فعل يزيد تماما بل زادوا علي يزيد لأن يزيد لم يقتل الأسري من الأطفال الصغار بينما هؤلاء عندما و صلوا بهم الي بغداد و أدخلوهم علي موسي الهادي كان يستدعي الصبيان و الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم فيوبخهم و يأمر بضرب أعناقهم، و تركت جثثهم تتراقص بدمائها في وسط المجلس (مثل الدجاج) و بيده صفيحة أو سيف و يتخطي علي تلك الجثث البريئة و ينشد: بني عمنا لا تنشدوا الشعر بعدما دفنتم بصحراء الغميم القوافيا و قد ساء في ما جرت الحرب بيننا بني عمنا لو كان أمرا مدانيا فان قلتم أنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا و لكنا أسأنا التقاضيا و راح يتهدد و يتوعد و ينال من الطالبيين الي أن ذكر الامام موسي عليه‌السلام فقال: و الله ما خرج حسين الا من أمره و لا تبع الا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله اذا أبقيت عليه. فقال له أبويوسف القاضي تلميذ أبي‌حنيفة: يا أميرالمؤمنين أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل في دينه و علمه و ما بلغني من السفاح فيه من تقريظه و تفضيله لنبشت قبره. فقال أبويوسف: نساؤه طوالق، و عتق جميع ما يملك من الرقيق، و تصدق بجميع ما يملك من المال و حبس دوابه و عليه المشي الي بيت الله [ صفحه 191] الحرام ان كان مذهب موسي الخروج و لا يذهب اليه و لا مذهب أحد من أولاده و لا ينبغي أن يكون هذا منهم، و لم يزل أبويوسف يخاطب الهادي و يخفف حدة غضبه بكلام رقيق حتي سكن غضبه. و كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام فلما وصل الخبر الي الامام جمع أهل بيته و شيعته و استشارهم بالأمر فقالوا نشير عليك أن تختفي و تواري شخصك عن هذا الطاغية الأرعن فتبسم الامام ثم تمثل بقول كعب بن مالك: زعمت سخينة أن ستغلب ربها فليغلبن مغالب الغلاب ثم أقبل علي من حضر من مواليه و أهل بيته و قال ليفرج روعكم أنه لا يرد أول كتاب من العراق الا بموت الهادي و هلاكه، قالوا: و ما ذاك أصلحك الله؟ فأخبرهم أنه رأي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام و شكي اليه موسي الهادي و ما جري منه في أهل بيته، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لتطب نفسك يا موسي، ما جعل الله لموسي عليك سبيلا، ثم قال: قد أهلك الله آنفا عدوك فلتحسن لله شكرك فتفرق الناس و هم ينتظرون بفارغ الصبر ورود البريد من العراق. فما كان بأسرع من أن وافاهم و هو يحمل البشري بهلاك الطاغية و الذي انطوت صفحته السوداء و لفظته الأرض الي جهنم و بئس المصير. و لقد جاء في الفصول المهمة: أن الامام عليه‌السلام عندما قال له أهله: نري أن تتباعد عنه و أن تغيب شخصك فانه لا يؤمن عليك من شره فتبسم ثم رفع يده الي السماء فقال: «الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته و داف لي قواتل سمومه و لم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح و عجزي عن كلمات الجوائح صرفت ذلك عني بحولك و قوتك لا بحولي و قوتي و ألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي خائبا من أمله في دنياه، متباعدا عما يرجوه في أخراه، فلك الحمد علي قدر ما عممتني فيه من نعمتك و ما توليتني من جودك و كرمك، اللهم فخذه بقوتك و افلل حده عنا بقدرتك [ صفحه 192] و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا به عما ينويه. اللهم و عدني عليه عدوة حاضرة تكون من غيظي شفاء و من حنقه علي وقاء، أوصل اللهم دعائي بالاجابة و انظم شكايتي بالتعبير، و عرفه عما قليل ما وعدت به من الاجابة لعبيدك المضطرين، انك ذوالفضل العظيم و المن الجسيم». ثم ان أهل بيته انصرفوا عنه فلما كان بعد مدة يسيرة حتي اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد علي موسي بن جعفر عليه‌السلام بموت موسي الهادي و في ذلك يقول بعضهم: و سارية لم تسر في الأرض تبتغي محلا و لم يقطع بها الأرض قاطع و بالرغم من قصر أيامه فقد استطاع أن يقوم بعمل تاريخي و يسجل اسمه مع جلادي الشعوب و قتلة أولاد الأنبياء. [ صفحه 193]

زمان هارون الرشيد

اشاره

و جاء دور الرشيد و زهرت له الدنيا و استوثقت له الأمور و عم نفوذه أرجاء الأرض حتي كان يخاطب السحاب: (اذهبي الي حيث شئت يأتيني خراجك) حتي أصبح الرجل الأسطوري لما بلغته الخلافة العباسية علي عهده من مسجد بلغ القمة و من شهرة طبقت الدنيا فلم يشتهر أحد من العباسيين كشهرة الرشيد، و لعبت قصص ألف ليلة و ليلة دورا كبيرا في ذلك فألبسته أساطيرها ثوبا فضفاضا من العظمة و الجلال و الأبهة، و لقد سلك سياسة القمع و الانتقام مع العلويين و شيعتهم بشكل مروع فساق منهم الي ساحات الاعدام ظلما و عدوانا و أودع فئة غياهب السجون و دفن بعضهم في باطن الأرض و بين الجدران كما فعل جده المنصور، و نفي و شرد البعض الآخر و أمر بهدم قبر الحسين عليه‌السلام ليمحو أثره لأنه منطلق الثورة و محرك الثوار ضد البطش و الارهاب. و لقد احتفظ تاريخه الأسود بمجزرة الستين شهيدا التي يحدثنا عنها حميد بن قحطبة الطائي الطوسي و كان قائدا في خراسان فيقول: طلبني الرشيد في بعض الليل و قال لي فيما قال: خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به الخادم. فجاء بي الخادم الي دار مغلقة ففتحها و اذا فيها ثلاث بيوت و بئر ففتح البيت الأول و أخرج منه عشرين نفسا عليهم الشعور و الذوائب و فيهم الشيوخ و الكهول و الشبان و هم مقيدون بالسلاسل و الأغلال و قال لي: يقول [ صفحه 194] لك أميرالمؤمنين اقتل هؤلاء، و كانوا كلهم من ولد علي و فاطمة فقتلتهم الواحد تلو الآخر و الخادم يرمي بأجسامهم و رؤوسهم في البئر، ثم فتح الباب الثاني و اذا فيه أيضا عشرون من نسل علي و فاطمة و كان مصيرهم كمصير الذين كانوا في البيت الأول ثم فتح الثالث و اذا فيه عشرون فألحقهم بمن مضي و بقي منهم شيخ و هو الأخير فقال: تبا لك يا ميشوم، أي عذر لك يوم القيامة عند جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي فنظر الي الخادم مغضبا و هددني فقلت الشيخ و رمي به في البئر. و هذا نموذج للمجازر الدموية لحكومة هارون. و لكأني أري ابن‌قحطبة يقول: [(و قد جاءه سائل في رمضان) [1] . و كما جاء في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن عبيدالله البزاز النيسابوري (و كان مسنا) قال: كان بيني و بين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت اليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت و علي ثياب السفر لم أغيرها و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر فلما دخلت اليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه و جلست فأتي بطست و ابريق فغسل يديه ثم أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة و ذهب عني أني صائم و أني في شهر رمضان. ثم ذكرت فأمسكت يدي. فقال لي حميد: ما لك لا تأكل؟ فقلت: أيها الأمير هذا شهر رمضان، و لست بمريض و لا بي علة توجب الافطار، و لعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الافطار، فقال: ما بي علة توجب الافطار و اني لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه و بكي. فقلت له بعدما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: أنفذ الي هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب، فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف. فلما قمت بين يديه رفع رأسه [ صفحه 195] الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين؟ فقلت: بالنفس و المال، فأطرق ثم أذن لي بالانصراف. فلم ألبث في منزلي حتي عاد الرسول و قال: أجب أميرالمؤمنين، فقلت في نفسي: انا لله أخاف أن يكون قد عزم علي قتلي و انه لما رآني استحيي مني. فعدت الي بين يديه فرفع رأسه الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين فقلت: بالنفس و المال و الأهل و الولد. فتبسم ضاحكا، ثم أذن لي في الانصراف. فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول الي فقال: أجب أميرالمؤمنين فحضرت بين يديه و هو علي حاله، فرفع رأسه الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين فقلت: بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين، فضحك ثم قال لي: خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم. قال: فتناول الخادم السيف و ناولنيه و جاء به الي بيت بابه مغلق ففتحه فاذا به بئر في وسطه و ثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فاذا فيه عشرون نفسا... (كما سبق و أوردت).. و قد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة عليه‌السلام، فاذا كان فعلي هذا و قد قتلت ستين نفسا من ولد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فما ينفعني صومي و صلاتي و أنا لا أشك أني مخلد في النار...] ابن‌قحطبة: يروي ابن‌قحطبة و نفسه تلغب و يقول يا ليتاه ذاك المهرب يوما و في رمضان يأكل جهرة و تنوشه الحمر الخضاب و تسكب يأتيه يسأله الهداية و التقي فيرد و الحرف السليب يخضب من أين أهرب من دناسة فعلة تودي بي النيران حين تلهب اني ابن‌قحطبة الذي في ردنه غضب الرسول مع الاله أجلب في يوم نحس قد تمزق خافقي و بأمر هارون أكيل و أضرب ستون من أبناء طهر المصطفي ألقي بهم حتف الأنوف و أسكب تلك الدماء الطهر بين مضارب في حد سيف و القيود تعقب [ صفحه 196] و الخادم الملعون يصدر أمره من أمر هارون و نفسه تشخب و يلاه من ضرب بسيف ضلالة قادت بي القدمان كيف سأهرب ستون في بئر رؤوس قطعت من فوق أجساد بها اتنكب ويح الرشيد و ويح قلبي يومها و الشيخ ينذرني و سيفي يخضب من دون ذنب دون أي و تيرة قتل النفوس غدت لهم تتوثب و الأمر ما الأمر العتي فويلتي يوما و في نار الجحيم سأحطب كفاي و السيف اللعين و خوف بطش للرشيد و ليث بطشه أقرب ما كنت يوم قيامة بجهنم ألقي و ربي بالسؤال يؤنب ماذا جناه بنو علي من أذي كي تثكل الزهراء، ويحك قحطب ستون من طفل و شيخ طاعن ستون تقطع للرؤوس و تنوب خذها من الله علي بلعنة حتي القيامة و الثري لك يضرب ما كنت يوما من حميد تبتغي سفر الاله و لا الرسول لك الأب تلقاه يسألك السؤال بلهفة لم ويح نفسك بالدما تتلعب أبنائي الأطهار تذبح روحهم ذبح الضحية، أي غرم تنصب ما لي تسائلني أبعد جريمة بالصوم يغفر ما جرمت و يذهب اني سألعن ما حييت و بعد موتي بالثري من فعلتي سأعذب فاترك (سألتك بالذي بك عالم) نفسي بها بين السنابك أهرب ما و الذي سمك السماء لي النجا من شر ما قدمت أو ما أعقب

رسالة الكاظم ليحيي

و عندما ورد كتاب يحيي بن عبدالله بن الحسين اليه عليه‌السلام و فيه: أما بعد فاني أوصيك نفسي بتقوي الله و بها أوصيك، فانها وصية الله في الأولين و وصيته في الآخرين خبرني من ورد علي من أعوان الله علي دينه و نشر طاعته، بما كان من تحننك مع خذلانك و قد شاورت في الدعوة للرضا من [ صفحه 197] آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و قد احتجبها و احتجبها أبوك من قبلك و قديما ادعيتم ما ليس لكم، و بسطتم آمالكم الي ما لم يعطكم الله فاستهويتم و أضللتم، و أنا محذرك ما حذرك الله منه نفسه. فكتب اليه أبوالحسن عليه‌السلام: من موسي بن أبي عبدالله جعفر و علي مشتركين في التذلل الي الله و طاعته الي يحيي بن عبدالله بن الحسن أما بعد فاني أحذرك الله و نفسي و أعلمك أليم عذابه، و شديد عقابه و تكامل نقماته و أوصيك و نفسي بتقوي الله، فانها زيف الكلام، و تثبيت النعم. أتاني كتابك، تذكر فيه أني مدع و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك مني، و ستكتب شهادتهم و يسألون، و لم يدع حرص الدنيا و مطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتي يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم و ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك، و ما منعني من مدخلك الذي أنت فيه لو كانت راغبا ضعف عن سنة، و لا قلة بصيرة بحجة و لكن الله تبارك و تعالي خلق الناس أمشاجا، و غرائب، و غرائز فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما، ما العترف في بدنك؟ و ما الصهلج في الانسان، ثم اكتب الي بخبر ذلك. و أنا متقدم اليك أحذرك معصية الخليفة، و أحثك علي بره و طاعته و أن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار، و يلزمك الخناق من كل مكان تتروح الي النفس من كل مكان و لا تجده، حتي يمن الله عليك بمنه و فضله ورقة الخليفة أبقاه الله، فيؤمنك و يرحمك، و يحفظ فيك أرحام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و السلام علي من اتبع الهدي (انا قد أوحي الينآ أن العذاب علي من كذب و تولي) [171] . و قال الجعفري عبدالله بن ابراهيم فبلغني أن كتاب موسي بن جعفر عليه‌السلام وقع في يدي هارون فلما قرأه قال: الناس يحملوني علي موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو بري‌ء مما يرمي به. [172] . [ صفحه 198] و قد ورد في مقاتل الطالبيين برواية أبي الفرج بأسانيده عن عنيزة القصباني قال: رأيت موسي بن جعفر عليه‌السلام بعد عتمة قد جاء الي الحسين صاحب فخ فانكب عليه شبه الركوع و قال: أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي عنك فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ثم رفع رأسه اليه فقال: أنت في سعة. و بأسانيد أخري قال: قال الحسين لموسي بن جعفر عليه‌السلام في الخروج فقال له: انك مقتول، فأجد الضراب فان القوم فساق، يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شكا، فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله جل و عز أحتسبكم من عصبة [173] .

سفك الرشيد

لقد كان الرشيد مغري بالمساءلة عن أمر آل أبي‌طالب و عمن له ذكر و نباهة و قد قتل منهم الكثير أما يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهم‌السلام و يكني أباالحسن و أمه (قريبة) فقد روي الحديث عن جعفر بن محمد عليه‌السلام، و روي عن أبيه و أخيه محمد و عن ابان بن تغلب و قد أوصي اليه جعفر بن محمد لما حضرته الوفاة و الي أم موسي و الي أم ولد كانت له و كان جعفر بن محمد عليه‌السلام قد ربي يحيي بن عبدالله بن الحسن فكان يحيي يسميه حبيبي و يقول حدثني حبيبي جعفر بن محمد و قد كان يقوم له مالك بن أنس و يجلسه جنبه. و لما قتل أصحاب فخ كان في قبلهم فاستتر مدة يدور في البلدان و بلغ الرشيد خبره في الديلم فولي الفضل بن يحيي نواحي المشرق و أمره بالخروج الي يحيي. [ صفحه 199] قال عبدالله بن موسي: أتيت عمي يحيي بن عبدالله بعد انصرافه من الديلم، و بعد الأمان فقلت: يا عم، ما بعدي مخبر و لا بعدك مخبر فأخبرني بما لقيت؟ فقال ما كنت الا كما قال حيي بن أخطب اليهودي: لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه و لكن من لا ينصر الله يخذل فجاهد حتي أبلغ النفس عذرها و قلقل يبغي العز كل مقلقل [174] . و لما جاء الفضل الي بلاد الديلم قال يحيي بن عبدالله: [اللهم اشكر لي اخافتي قلوب الظالمين، اللهم ان تقضي لنا النصر عليهم فانما نريد اعزاز دينك، و ان تقضي لهم النصر فبما تخار لأوليائك و أبناء أوليائك من كريم المآب و سني الثواب]. و كتب الأمان و دخل بغداد علي بغل فأجزاه الرشيد (مائتا ألف دينار) و أراد الحيلة علي يحيي و التفرغ له و طلب العلل عليه و علي أصحابه، حتي أخذ رجلا يقال له فضالة بلغه أنه يدعو الي يحيي فحبسه ثم دعا به فأمره أن يكتب الي يحيي بأنه قد أجابه جماعة من القواد و أصحاب الرشيد ففعل ذلك و جاء الرسول يحيي فقبض عليه و جاء به الي يحيي بن خالد البرمكي فقال له: هذا جاءني بكتاب لا أعرفه و دفع الكتاب اليه فطابت نفس الرشيد بذلك، و حبس فضالة هذا، فقيل: انك تظلمه في حبسك اياه فقال: أنا أعلم ذلك و لكن لا يخرج و أنا حي أبدا قال فضالة: فلا و الله ما ظلمني. لقد كنت عهدت الي يحيي ان جاءه مني كتاب ألا يقبله و أن يدفع الرسول الي السلطان، و علمت أنه سيحتال عليه بي. قالوا: فلما تبين يحيي بن عبدالله ما يراد به استأذن في الحج فأذن له و قال علي بن ابراهيم في حديثه: لم يستأذن في الحج و لكنه قال للفضل ذات يوم: اتق الله في دمي، و أحذر أن يكون محمد صلي الله عليه و آله و سلم خصمك غدا في فرق له [ صفحه 200] و أطلقه و كان علي الفضل عين للرشيد قد ذكر له ذلك فدعا بالفضل و قال: ما خبر يحيي بن عبدالله قال: في موضعه عندي مقيم. قال: و حياتي قال: و حياتك اني أطلقته، سألني برحمة من رسول الله فرققت له. قال: أحسنت قد كان عزمي أن أخلي سبيله، فلما خرج أتبعه طرفه و قال: قتلني الله ان لم أقتلك. قالوا: ثم ان نفرا من أهل الحجاز تحالفوا علي الوشاية بيحيي بن عبدالله بن الحسن و الشهادة عليه بأنه يدعو الي نفسه و أن أمانه منتقض فوافق ذلك ما كان في نفس الرشيد له و هم (عبدالله بن مصعب الزبيري و أبوالبختري وهب بن وهب و رجل من بني‌زهرة و رجل من بني‌مخزوم)، فوافوا الرشيد لذلك و احتالوا الي أن أمكنهم ذكرهم له، فأشخصه الرشيد اليه و حبسه عند مسرور الكبير في سرداب، فكان في أكثر الأيام يدعو به فيناظره الي أن مات في حبسه رضوان الله عليه. و جاء في المقاتل أن الناس اختلفوا في أمره و كيف كانت وفاته و ان ذكر ذلك لنوع من الصور التي كانت في تلك الآونة من المجتمع و الدسائس و المؤامرات التي تحاك و تشري و تباع... قيل ان الرشيد دعا بيحيي يوما فجعل يذكر ما رفع اليه في أمره و هو يخرج كتبا كانت في يده حججا له فيقرؤها الرشيد و أطراف الكتب في يدي يحيي فتمثل بعض من حضر: لأنت أصغر من حرباء تنضبه لا يرسل الساق الا مرسلا ساقا فغضب الرشيد من ذلك و قال للمتمثل: أتؤيده و تنصره؟ قال: لا ولكني شبهته في مناظرته و احتجاجه بقول الشاعر هذا ثم أقبل عليه فقال: دعني من هذا يا يحيي أينا أحسن وجها أنا أو أنت؟ قال: بل أنت يا أميرالمؤمنين، انك لأنصع لونا و أحسن وجها. قال: فأينا أكرم و أسخي أنا أو أنت؟ فقال: و ما هذا يا أميرالمؤمنين و ما تسألني عنه، أنت تجبي اليك خزائن الأرض و كنوزها، و أنا أتحمل معاشي من سنة الي سنة. قال: فأينا أقرب الي [ صفحه 201] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنا أو أنت؟ قال: قد أجبتك عن خطتين، فاعفني من هذه. قال: لا و الله قال: بل اعفني فحلف بالطلاق و العتاق ألا يعفيه. فقال: يا أميرالمؤمنين لو عاش رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خطب اليك ابنتك أكنت تزوجه؟ قال: اي و الله قال: فلو عاش فخطب الي أكان يحل لي أن أزوجه؟ قال: لا. قال: فهذا جواب ما سألت. فغضب الرشيد و قام من مجلسه و خرج الفضل بن الربيع و هو يقول: لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملكه. قالوا ثم رده الي محبسه في يومه ذلك. ثم دعا به [175] و جمع بينه و بين عبدالله بن مصعب الزبيري ليناظره فيما رفع اليه، فجبهه ابن‌مصعب بحضرة الرشيد و قال له: نعم يا أميرالمؤمنين ان هذا دعاني الي بيعته. قال له يحيي: يا أميرالمؤمنين، أتصدق هذا و تستنصحه؟ و هو ابن عبدالله بن الزبير الذي أدخل أباك و ولده الشعب و أضرم عليهم النار حتي تخلصه أبو عبدالله الجدلي صاحب علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام (عنوة)، و هو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في خطبته حتي التاث عليه الناس، فقال: ان له أهل بيت سوء اذا [صليت عليه أو] و ذكرته [أتلعوا أعناقهم و أشرأبوا لذكره] و فرحوا بذلك فلا أحب أن أقر عينهم بذكره. و هو الذي فعل بعبدالله بن العباس ما لا خفاء به عليك، حتي لقد ذبحت يوما عنده بقرة فوجدت كبدها قد نقبت فقال ابنه علي بن عبدالله: يا أبه أما تري كبد هذه البقرة، فقال: يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك ثم نفاه الي الطائف فلما حضرته الوفاة قال لعلي ابنه: يا بني الحق بقومك من بني عبد مناف الشام، [و لا تقم في بلد لابن الزبير فيه امرة]. فاختار له صحبة يزيد بن معاوية علي صحبة عبدالله بن الزبير، و الله ان عداوة هذا [يا أميرالمؤمنين] لنا جميعا بمنزلة سواء، و لكنه قوي علي بك و ضعفت عنك، [ صفحه 202] فتقرب بي اليك ليظفر منك بما يريد، اذ لم يقدر علي مثله منك، و ما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في فان معاوية بن أبي‌سفيان و هو أبعد نسبا منك الينا، ذكر يوما الحسن بن علي فسفهه فساعد عبدالله بن الزبير علي ذلك فزجره معاوية و [انتهره] فقال: انما ساعدتك يا أميرالمؤمنين، فقال: ان الحسن لحمي آكله و لا أوكله. فقال عبدالله بن مصعب: ان عبدالله بن الزبير طلب أمرا فأدركه و ان الحسن باع الخلافة من معاوية بالدراهم، أتقول هذا في عبدالله بن الزبير و هو ابن صفية بنت عبدالمطلب؟ فقال يحيي: يا أميرالمؤمنين، ما أنصفنا أن يفخر علينا بامرأة من نسائنا و امرأة منا، فهلا فخر بهذا علي قومه من النوبيات و الأساميات و الحمديات فقال عبدالله بن مصعب: ما تدعون بغيكم علينا و توثبكم في سلطاننا؟ فرفع يحيي رأسه اليه، و لم يكن يكلمه قبل ذلك و انما كان يخاطب الرشيد بجوابه لكلام عبدالله، فقال له: أتوثبنا في سلطانكم؟ و من أنتم - أصلحك الله - عرفني فلست أعرفكم؟ فرفع الرشيد رأسه الي السقف ليستر ما عراه من الضحك و خجل ابن‌مصعب، ثم التفت يحيي فقال: يا أميرالمؤمنين و مع هذا فهو الخارج مع أخي علي أبيك و القائل له: ان الحمامة يوم الشعب من وثن هاجت فؤاد محب دائم الحزن انا لنأمل أن ترتد الفتنا بعد التدابر و البغضاء و الاحن و تنقضي دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدي وثن قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا ان الخلافة فيكم يا بني الحسن قال: فتغير وجه الرشيد عند سماع الشعر فابتدأ ابن‌مصعب يحلف بالله الذي لا اله الا هو و بايمان البيعة أن هذا الشعر ليس له و أنه لسديف. فقال يحيي: و الله يا أميرالمؤمنين ما قاله غيره و ما حلفت كاذبا و لا صادقا بالله قبل هذا، و ان الله اذا مجده العبد في يمينه بقوله: الرحمن الرحيم [ صفحه 203] الطالب الغالب استحيي أن يعاقبه، فدعني أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا الا عوجل قال: حلفه قال: قل: برئت من حول الله و قوته و اعتصمت بحولي و قوتي و تقلدت الحول و القوة من دون الله استكبارا علي الله و استغناء عنه و استعلاء عليه ان كنت قلت هذا الشعر. فامتنع عبدالله من الحلف بذلك فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع: يا عباسي ما له لا يحلف ان كان صادقا؟ هذا طيلسان علي، و هذه ثيابي لو حلفني أنها لي لحلفت. فرفس الفضل بن الربيع عبدالله بن مصعب برجله و صاح به: احلف و يحك - و كان ما له فيه هوي - فحلف باليمين و وجهه متغير و هو يرعد فضرب يحيي بين كتفيه ثم قال: يا ابن مصعب قطعت و الله عمرك، و الله لا تفلح بعدها. فما برح من موضعه حتي أصابه الجذام فتقطع و مات اليوم الثالث [176] فحضر الفضل بن الربيع جنازته و مشي معها و مشي الناس معه فلما جاءوا به الي القبر و وضعوه في لحده و جعل اللبن فوقه، انخسف القبر فهوي حتي غاب عن أعين الناس فلم يروا قرار القبر و خرجت منه غبرة عظيمة فصاح الفضل التراب فجعل يطرح التراب و هو يهوي و دعا بأحمال الشوك فطرحها فهوت فأمر حينئذ له بقبر فسقف بخشب و أصلحه و انصرف منكرا فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل ليحيي من ابن‌مصعب [177] . قالوا: ثم جمع الرشيد الفقهاء ليحيي و منهم (محمد بن الحسن صاحب أبي‌يوسف و الحسن بن زياد اللؤلؤي، و أبوالبختري) فجمعوا في مجلس و خرج اليهم مسرور الكبير بالأمان فبدأ محمد بن الحسن فنظر فيه فقال: هذا أمان مؤكد.. فصاح عليه مسرور و قال: هاته فدفعه الي الحسن بن زياد [ صفحه 204] فقال: هو أمان ثم استلبه أبوالبختري فقال: هذا باطل قد شق عصا الطاعة و سفك الدم فاقتله و دمه في عنقي. فأخبر مسرور الرشيد بذلك فقال: قل له خرقه ان كان باطلا بيدك فقال: شقه يا أباهاشم قال مسرور: بل شقه أنت ان كان منتقضا. فأخذ سكينا و جعل يشقه و يده ترتعد فأدخله مسرور علي الرشيد الذي وثب و أخذه من يده و هو فرح و وهب لأبي البختري ألف ألف و ستمائة ألف و ولاه القضاء و صرف الآخرين و منع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة و أجمع علي انفاذ ما أراده بيحيي بن عبدالله. و قد اختلف في مقتله كيف كان و قد حدث جعفر بن أحمد الوراق عن أحمد بن يحيي عن محمد بن عثمان عن الحسن بن علي عمرو بن حماد عن رجل كان مع يحيي بن عبدالله في المطبق قال: كنت قريبا منه في أضيق البيوت و أظلمها فبينما نحن ذات ليلة كذلك اذ سمعنا صوت الأقفال و قد مضت من الليل هجعة، فاذا هارون قد أقبل علي برذون له ثم وقف و قال: أين هذا؟ يعني يحيي بن عبدالله بن الحسن. قالوا: في هذا البيت. قال: علي به فأدني اليه فجعل هارون يكلمه بشي‌ء لم أفهمه فقال: خذوه، فأخذوه فضرب مائة عصا و يحيي يناشده الله و الرحم و القرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يقول: بقرابتي منك فيقول: ما بيني و بينك قرابة. ثم حمل فرد الي موضعه فقال: كم أجريتم عليه؟ قالوا: أربعة أرغفة و ثمانية أرطال ماء. قال: اجعلوه علي النصف ثم خرج و مكثنا ليالي. ثم سمعنا وقعا فاذا نحن به قد دخل فوقف موقفه فقال: علي به، فأخرج ففعل به مثل فعله ذلك، و ضربه مائة عصا أخري و يحيي يناشده الله. فقال: كم أجريتم عليه؟ قالوا: رغيفين و أربعة أرطال ماء. قال: اجعلوه علي النصف ثم خرج و عاد الثالثة و قد مرض يحيي بن عبدالله و ثقل فلما دخل قال: علي به، قالوا هو عليل مدنف لما به. قال: كم أجريتم عليه قالوا رغيفا و رطلين ماء، قال: [ صفحه 205] فاجعلوه علي النصف ثم خرج فلم يلبث يحيي بن عبدالله أن مات فأخرج الي الناس و دفن و قيل علي لسان ابراهيم بن رياح في رواية ابن‌عمار: انه بني عليه اسطوانة بالرافقة و هو حي، و قيل انه دس اليه من خنقه ليلا حتي تلف و قيل: انه سقاه السم، و قال علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن بنان الخثعمي، عن محمد بن أبي‌الخنساء: أنه أجاع السباع ثم ألقاه اليها فأكلته. و مهما كانت الطريقة فهي لا تنم الا عن نفس حقودة قميئة ملئت بالشر لا تعرف الله و لا الاسلام و لا الحق. و قيل عن عبدالرحمن بن عبدالله بن عمر بن حفص العمري أنه قال: دعينا لمناظرة يحيي بن عبدالله بن الحسن بحضرة الرشيد فجعل يقول له: اتق الله و عرفني أصحابك السبعين لئل ينتقض أمانك، و أقبل علينا فقال: ان هذا لم يسم أصحابه، فكلما أردت أخذ انسان بلغني عنه شي‌ء أكرهه ذكر أنه ممن أمنت. فقال يحيي: يا أميرالمؤمنين أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان أفتريد أن أدفع اليك قوما تقتلهم معي، لا يحل لي هذا. قال: ثم خرجنا ذلك اليوم، و دعانا له يوما آخر، فرأتيه أصفر الوجه متغيرا فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه فقال: ألا ترون اليه لا يجيبني، فأخرج الينا لسانه و قد صار أسود مثل الفحمة، يرينا أنه لا يقدر علي الكلام فتغيظ الرشيد و قال: انه يريكم أن سقيته السم، و و الله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا، قال: ثم خرجنا من عنده فما وصلنا في وسط الدار حتي سقط علي وجهه لا حراك به. و قد خرج معه من أهل العلم و الحديث: يحيي بن مساور و سهل بن عامر البجلي و علي بن هاشم بن البريد و عبد ربه بن علقمة و مخول بن ابراهيم الهندي. و أما ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام أمه عاتكة و قد أفلت من فخ فهرب الي فاس و طنجة فأقام هناك و استجابت له البربر و عندما بلغ الرشيد خبره غمه ذلك فأرسل سليمان بن [ صفحه 206] جرير الجزري و معه عطر مسموم سمه به و قيل سمه بالطعام. و أما عبدالله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام يقال له: ابن‌الأفطس تقلد يوم فخ سيفين يقاتل بهما و أوصي له الحسين صاحب فخ بالأمر بعده، أخذه الرشيد و حبسه عنده فأنفذ اليه رقعة فيها كلام قبيح و شتم فدعا جعفر بن يحيي البرمكي و أمره التوسيع عليه لكنه قتله دون أمر الرشيد و قدمه له هدية يوم النيروز فقال له: ويحكم لم فعلت هذا؟ قال: لاقدامه علي ما كتب فقال: قتلك اياه بغير أمري أعظم من فعله ثم أمر بغسله و دفنه و قال لمسرور اذا أردت قتله فقل له هذا بعبدالله بن الحسن ابن عمي الذي قتلته بغير أمري فقالها مسرور عند قتله البرمكي. و أما محمد بن يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام فقد حبسه بكار الزبيري فمات في حبسه. و الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب عليه‌السلام و أمه حمادة بنت معاوية بن عبدالله بن جعفر أخذه بكار الزبيري بالمدينة أيام ولايته فضربه بالسوط حتي مات. و العباس بن محمد بن عبدالله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام يكني (بأبي‌الفضل) أمه أم‌سلمة بنت محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام دخل علي هارون فكلمه كلاما طويلا فقال هارون: يا ابن الفاعلة قال: تلك أمك التي تواردها النخاسون فأمر به فأدني فضربه بالجرز حتي قتله. و اسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علي عليهم‌السلام فقد حبسه الرشيد فمات في الحبس. [ صفحه 207]

مواقف الامام

و أما موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام فقد تميز موقفه عليه‌السلام مع حكومة هارون الرشيد بالشدة و الصرامة و حرمة التعاون معها في جميع الحالات بدليل ما ذكره المؤرخون عن حواره مع صفوان الجمال حين قال عليه‌السلام: يا صفوان كل شي‌ء من حسن جميل ما خلا شي‌ء واحد، قال: جعلت فداك و ما هو؟ قال: كراؤك جمالك من هذا الطاغية. فقال صفوان: و الله ما كريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو و لكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، و لا أتولاه و لكن أبعث معه غلماني. فقال الامام عليه‌السلام: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟ قال: نعم. قال: من أحب بقاءهم فهو منهم و من كان منهم كان واردا النار. و هذا هو أسلوب المقاطعة الذي هو نوع من الحرب الباردة و بذلك يجسد الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام رأي الاسلام في حرمة التعاون مع الظالمين انطلاقا من الآية الكريمة (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) [178] . لقد تجرع الامام موسي عليه‌السلام المزيد من ظلم الرشيد و بطشه و تنكيله، فكم من مرة يحضر بها الامام حسب عادته بقصد الاهانة و التشفي و الأذي، و كم من مرة يقابله بما لا يليق بمقامه السامي و يخاطبه بسوء أدب و هو صابر محتسب و ذات يوم أحضره للحجاج و لكنه تعمد المماطلة في السماح له بالدخول عليه بحجج واهية الي أن دخل فرفع رأسه قائلا: (يا موسي خليفتان في الأرض يجبي اليهما الخراج و يطيعهما الناس) و قد روي ذلك أبوأحمد هاني بن محمد العبدي فقال: حدثني أبومحمد، رفعه الي موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: لما أدخلت علي الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم [ صفحه 208] قال: يا موسي بن جعفر: خليفتان يجبي اليهما الخراج! فقلت: يا أميرالمؤمنين، أعيذك بالله أن تبوأ باثمي و اثمك و تقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كما علم ذلك عندك. ثم قال له: أرسلت خلفك لأسألك و لكن أنتم بنو فاطمة مشهورون بالتقية، فهل تعدني بترك التقية في اجابتك؟ فقال الامام عليه‌السلام: ان أمنتني أجبتك، [فالتقية لا تستعمل الا في الحالات الاضطرارية لحفظ النفس و حفظ الكرامة عندما تصادر الحريات و تكون لغة الارهاب و سفك الدماء هي اللغة السائدة فيلتجي‌ء الانسان لاستعمال التقية و ليس هذا السلوك غريبا عن مفاهيم القرآن الكريم فقد صرح في أكثر من مورد بهذا المعني كقوله تعالي (الا أن تتقوا منهم تقاة) [2] ، و قوله تعالي: (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) [3] فالتقية تستعمل للضغط و الخوف]. فان أمنتني أجبتك الاجابة الصريحة. فقال الرشيد: أنت آمن، ثم قال: أخبرني لم فضلتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة، و لم ادعيتم القرب من رسول الله و الحال أنتم أولاد عمه أبي‌طالب و نحن أولاد عمه العباس بن عبدالمطلب؟ فقال الامام عليه‌السلام: انما صرنا أقرب لرسول الله منكم لأن أم عبدالله والد النبي و أم أبي‌طالب واحدة و هي فاطمة المخزومية فهما أشقاء لأم و أب بينما العباس أمه أجنبية كانت مملوكة لفاطمة المخزومية و أذنت لعبدالمطلب أن يطأها فوطأها بالاذن فولدت له العباس (و بهذا المعني يشير أبوفراس الحمداني قائلا: لا يطغين بني‌العباس ملكهم بنو علي مواليهم و ان رغموا) [ صفحه 209] و كانت اجابة الامام بمنتهي التهذيب و اللباقة و كأن الامام عليه‌السلام ما أحب أن يقول له ان أمك أمة أو وصيفة بل قال نحن أقرب لأن آباءنا أشقاء أم و أب فقال الرشيد: أجل عرفت وجه القرب ثم سأله: لم ادعيتم أنكم أبناء رسول الله (و هذه المسألة خطيرة و حساسة جدا و قد لعبت دورا خطيرا في تاريخ الفقه السياسي و جندت السلطات كل طاقاتها المادية و المعنوية لاقتلاع هذه الفكرة من أذهان الناس) ان الحسن و الحسين ليسا أبناء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و انما أبناء بنته (لأن اثبات ذلك لهما معناه هم أحق من غيرهم بميراثه و هم يذهبون الي النظرية الوراثية في الحكم و تكون النتيجة أن أبناء رسول الله من علي و فاطمة هم أحق و أولي باستلام الخلافة الاسلامية، و لذلك جندوا شعراءهم و خطباءهم و وسائل أعلامهم و حشدوا طاقاتهم للتضليل علي هذه المسألة و اقتلاعها من الأساس). فقال الامام عليه‌السلام: لو بعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيا و خطب منك ابنتك أكنت تزوجه؟ قال: نعم و أفتخر بذلك علي العرب و العجم، قال: أما أنا فلا أستطيع أن أزوجه و لا هو يخطب مني لأنه ولدني و لم يلدك أليس كذلك؟ قال: نعم صحيح لأنك داخل في صلبه عن طريق ابنته فاطمة لأنه من المحرمات البنت و ان نزلت، فاذا كان كذلك فكيف لا نكون أبناءه! ثم سأله قائلا: لم ادعيتم أنكم ورثتم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من دوننا و الحال أن العم يحجب ابن العم (و هذه من مسائل الفقه الاقتصادي التي توضحها تفاصيل طبقات الميراث أن ابن العم يأتي برتبة متأخرة عن العم و هذه المسألة أساسا لا تأتي هنا اطلاقا لأنها انما تكون في حالة عدم وجود الولد الصلبي ذكرا كان أم أنثي أما اذا مات الانسان و خلف أولادا صلبيين فلا دخل لهؤلاء أبدا، نعم هذه المسألة علي آراء أخري غير الامامية، فسؤال الرشيد يقول: ان أباكم أباطالب كان ميتا عند وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كان جدنا العباس حيا، فهو الذي يتورث فكيف تقولون أنتم الوارثون لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم)، فقال الامام عليه‌السلام للرشيد: ما [ صفحه 210] قولك بالحديث الوارد عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم (علي أقضاكم) هل تؤمن به؟ قال: نعم أؤمن به لأن أحد رواته جدي عبدالله بن عباس قال: ما معني أقضاكم؟ قال: يعني أعلمنا بالقضاء و بالشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام قال: فاذا ذكرت لك رأي علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام بالميراث هل تقبله؟ قال: نعم، قال: رأيه أن الرجل اذا مات و خلف ولدا صلبيا ذكرا أم أنثي فليس لأحد حق بالميراث الا للأبوين اذا وجدا فنحن لم نرث النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن طريق أبينا و انما عن طريق أمنا الزهراء عليهم‌السلام فهي الوارثة الوحيدة. فأطرق الرشيد، فقال الامام عليه‌السلام هذا دليل و هناك دليلا آخر، قال: ما هو؟ قال: ان عمي العباس لا يمكنه أن يرث، قال: لماذا؟ قال عليه‌السلام: لأنه آمن و لم يهاجر و الذي يؤمن و لا يهاجر ليس له في الميراث حق. قال: و ما هو دليلك؟ قال: القرآن الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا) [179] فالله عزوجل بنص القرآن الكريم قطع ولايته عنا و الميراث لون من ألوان الولاية فليس له ولاية و لا يرث اطلاقا [180] . و لما وصل الامام عليه‌السلام الي هذه النطقة اصفر وجه الرشيد و أربد و قال: يا موسي هل أفتيت أحدا من أعدائنا بهذه المسألة؟ قال: لا، قال: و الله لئن بدرت من فمك ليفارقن رأسك بدنك، ثم خرج الامام عليه‌السلام (و بقي الرشيد يلاحقه و لم يشغله ذلك النعيم عن تتبع خطوات الامام عليه‌السلام). ان عالم الرشيد الملي‌ء بالبذخ و الرخاء كان المفترض فيه الهاؤه ليترك الامام مستقرا. فينشغل عنه بدنياه و قصوره و جواريه و خموره حيث كان يتقلب بقصر الخلد الذي يصفه المؤرخون كمدينة كاملة حشد فيها ألوان الترف و البطر. فكانت الجواري تعزف الليل و النهار، و تتعالي منه أصوات المغنين [ صفحه 211] كابراهيم و اسحاق بن ابراهيم المغني و أمثالهم و الي جانب هذا القصر كانت خربة داخلها كوخ تتعالي منه أصوات التهجد و العبادة و الي جانب آخر كانت رؤوس العلويين تتطاير بمعزوفة يطرب لها قلب الرشيد.. و يقول الحمداني في ذلك: تنش التلاوة في أبياتهم سحرا و في بيوتكم الأوتار و النغم اذا تلوا آية غني خطيبكم قف بالديار التي لم يعفها قدم منكم علية أم منهم و كان لكم شيخ المغنين ابراهيم أم لهم و يقول الحمداني في شافيته: أتفخرون عليهم لا أبا لكم حتي كأن رسول الله جدكم و هذا يشابه قول المعري: فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص و وا أسفاكم يظهر النقص فاضل و قال أمسها للشمس أنت خفية و قال الدجي للصبح لونك حائل و طاولت الأرض السماء سفاهة و فاخرت الشهب الحصا و الجنادل و في رواية هاني بن محمد العبدي [181] بعض الاختلاف بعد سؤال الرشيد حيث يتم الامام عليه‌السلام قائلا: فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال: قد أذنت لك، فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «ان الرحم اذا مست الرحم تحركت و اضطربت) فناولني يدك جعلني الله فداك، قال: ادن مني! فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني الي نفسه و عانقني طويلا ثم تركني و قال: اجلس يا موسي فليس عليك بأس، فنظرت اليه فاذا به قد دمعت عيناه، فرجعت الي نفسي فقال: صدقت و صدق جدك صلي الله عليه و آله و سلم لقد [ صفحه 212] تحرك دمي و اضطربت عروقي حتي غلبت علي الرقة و فاضت عيناي و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا فان أنت أجبتني عنها خليت عنك و لم أقبل قول أحد فيك و قد بلغني عنك أنك لم تكذب قط فأصدقني فيما أسألك مما في قلبي. فقلت: ما كان علمه عندي فاني مخبرك به ان أنت أمنتني. قال: لك الأمان ان صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشر بني‌فاطمة، فقلت: ليسأل أميرالمؤمنين عما يشاء. قال: أخبرني لم فضلتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة و بنو عبدالمطلب و نحن و أنتم واحد؟ انا بنوعباس و أنتم ولد أبي‌طالب و هما عما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قرابتهما منه سواء. فقلت: نحن أقرب، قال: و كيف ذلك؟ قلت: لأن عبدالله و أباطالب لأب و أم و أبوكم العباس ليس هو من أم عبدالله و لا من أم أبي‌طالب قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد توفي أبوطالب قبله و العباس عمه حي. فقلت له: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة و يسألني عن كل باب سواه يريده. فقال: لا، أو تجيب. فقلت: فآمني. قال: قد آمنتك قبل الكلام. فقلت: ان في قول علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: انه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أم أنثي لأحد سهم الا الأبوين و الزوج و الزوجة و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث و لم ينطق به الكتاب العزيز و السنة، الا أن تيما و عديا و بني‌أمية قالوا: (العم والد) رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من قال بقول علي عليه‌السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه‌السلام و قد حكم به و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين الكوفة و البصرة و قد قضي به، فأنهي الي أميرالمؤمنين فأمر باحضاره و احضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري و ابراهيم المدني و الفضيل بن عياض فشهدوا أنه قول علي عليه‌السلام في هذه [ صفحه 213] المسألة: فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: لم لا تفتون و قد قضي به نوح بن دراج؟ فقالوا: جسر نوح و جبنا و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: (أقضاكم علي) و كذلك قال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا) و هو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه من القرابة و الفرائض و العلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي! قلت: المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك، فقال: لا بأس به قلت: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر فقال: ما حجتك فيه؟ قلت: قول الله تبارك و تعالي: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا) [182] و ان عمي العباس لم يهاجر. فقال لي: اني أسألك يا موسي هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا، أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي‌ء؟ فقلت: اللهم لا و ما سألني عنها الا أميرالمؤمنين، ثم قال لي: لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يقولوا لكم: يا بني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتم بنو علي و انما ينسب المرء الي أبيه و فاطمة انما هي وعاء و النبي صلي الله عليه و آله و سلم جدكم من قبل أمكم؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم نشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله و لم لا أجيبه! بل أفتخر علي العرب و العجم و قريش بذلك، فقلت له: لكنه لا يخطب الي و لا أزوجه، فقال: و لم؟ فقلت: لأنه ولدني و لم يلدك، فقال: أحسنت يا موسي، ثم قال كيف قلتم انا ذرية النبي و النبي لم يعقب و انما العقب للذكر لا للأنثي و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب له، فقلت: أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه الا أعفيتني عن هذه المسألة، فقال: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، و أنت يا موسي يعسوبهم و امام زمانهم، كذا أنهي الي و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه [ صفحه 214] حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، و أنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شي‌ء، ألف و لا واو الا تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء) [183] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين (84) و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين) [184] . من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب، فقلت: انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم‌السلام من طريق مريم عليهم‌السلام و كذلك ألحقنا بذراري النبي صلي الله عليه و آله و سلم من قبل أمنا فاطمة عليهم‌السلام: أزيدك يا أميرالمؤمنين؟ قال: هات. قلت: قول الله عزوجل: (فمن حآجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبنآءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين) [185] ، و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلي الله عليه و آله و سلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري الا علي بن أبي‌طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم‌السلام فأبناؤنا الحسن و الحسين و نساؤنا فاطمة و أنفسنا علي عليه‌السلام علي أن العلماء قد أجمعوا علي أن جبرائيل قال يوم أحد: (يا محمد ان هذه لهي المواساة من علي) قال: (لأنه مني و أنا منه) فقال جبرائيل: (و أنا منكما يا رسول الله) ثم قال: (لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الا علي)، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه‌السلام اذ يقول: (قالوا سمعنا فتي يذكرهم يقال له ابراهيم) [186] ، انا نفتخر بقول جبرائيل انه منا، فقال: أحسنت يا موسي ارفع الينا حوائجك [ صفحه 215] فقلت له: ان أول حاجة لي أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جده صلي الله عليه و آله و سلم و الي عياله، فقال: ننظر ان شاء الله. يقول الفضل بن يحيي: استدعاني الرشيد و طلب مني احضار موسي بن جعفر عليه‌السلام حالا فمضيت الي منزله و كان خربة بداخلها كوخ من جريد النخل و اذا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي علي مولاك، فقال لي: لج، لا حاجب و لا بواب، فولجت فاذا بالامام قد افترش الحصباء، صافا قدميه، دموعه تتحادر علي خديه، استقبل القبلة يقرأ آيات من القرآن الكريم فاذا مرت به آية فيها وعد أو وعيد رددها بانتحاب و حنين و الي جانبه جلم يأخذ اللحم الميت من مواضع سجوده. قصر و كوخ و مغنين و تال و راقصات و ساجد، و مخمورات و مخمورين... و عابد... شتان بين اثنين كافر و مؤمن و شتان بين الأسن و الطهارة.. ألف ليلة و ليلة من الفسق و الفجور و الجواري... و كم من الليلات في دموع تنهمل و مناجاة ترتفع للسبع العلا غريب ذلك الامام عليه‌السلام في كوخ رطب يسجد لربه و دموعه تتهاطل بعيد عن أهله و ولده و قبر جده... حوله كلاب نوابح و ذئاب عاوية و لسانه ما فتي يتلو.. (قل هو الله أحد)... الله لا اله الا هو... (انا أعطيناك الكوثر) يسبح في العشي و الأبكار... صائم النهار قائم الليل، حامدا الله علي اتاحته له العبادة... أمامه رسالة الايمان و في قلبه صورة الرحمان أقرب اليه من حبل الوريد... الحي القيوم.. و سبحان الله عما يصفون.

عود علي بدء

صعدت الروح الطاهرة للصادق عليه‌السلام الي الرفيق الأعلي و قد بقي من شوال خمسة أيام لعام ثمان و أربعين و مائة... و قلب المنصور كفيه... الوصية.... بقتل من أوصي اليه جعفر بن محمد عليه‌السلام. [ صفحه 216] هكذا أمر بقتل رجل يجهله و يجهل من هو و دون ما ذنب و دون محاكمة لمجرد فحوي وصية... الوصية الرسالة.. التي تعلن الامام الجديد و ما كانت وصية الصادق لأبي‌جعفر و واليه الا توصية لهما بالأمة و تذكيرا لهما بأنهما ملاقيا الله مثلما لاقاه هو عليه‌السلام، و ان أباجعفر للأجدر بالتذكرة بالموت. و عندما قرن الامام الصادق عليه‌السلام أباجعفر و واليه بابنيه و زوجه فان ذلك ليذكره بأن يخاف الله فيهم و في ذوي رحمه، لقد سابق أبوجعفر الموت لتتم له الوصية لوحده لكن وصية الامام فوتت عليه مبتغاه، و لم تمنعه دموعه الهتونة و استرجاعه الله مرات ثلاث من احاكة الكيد، و كأن الدمع يغسل مقترفاته أو كأنه المداد ليختط به مكيدته أو ليأمر به بقطع رأس امام جديد من أهل البيت. لقد أنسته شياطين الطمع و الفزع و الهلع و الجشع تذكار ما علمه اياه الصادق عليه‌السلام من صلة الرحم، فدس الجواسيس ليعرف من يجتمع اليه الناس بعد جعفر عليه‌السلام فيقتله و يأتي بعده أبناؤه البررة متقمصين تعاليم قتل أهل البيت عليهم‌السلام... و يسأل سائل الامام موسي عليه‌السلام فيقول له: «اذا هدأت الرجل و انقطع الطريق فأقبل». و يسأله آخر فيقول له: (سل تخبر و لا تذع، فان أذعت فانه الذبح) و كان هشام بن سالم ينبه أصحابه الشيعة كي لا يقعوا في حبائل أبي‌جعفر... لقد دلت تلك الجامعة العظيمة و تلك المجالس الضخمة التي قل ما ضمت أربعة آلاف كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه‌السلام و يذهب أبوحنيفة بسم المنصور و لسان حاله يقول للصادق عليه‌السلام: جعلت فداك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ذهب الصادق عليه‌السلام و هو يقول: ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب و الناس بين مخاتل و موارب يفشون بينهم المودة و الصفا و قلوبهم محشوة بعقارب أجل ذهب الصادق القويم عليه‌السلام و بقيت وصيته لابنه موسي الكاظم عليه‌السلام [ صفحه 217] (يا بني من رضي بما قسمه الله له استغني و من مد عينيه الي ما في يد غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه و من استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره). (يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته و من سل سيف البغي قتل به، و من احتفر لأخيه بئرا سقط فيها و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء و قر و من دخل مداخل السوء اتهم. يا بني اياك أن تزري بالرجال فيزري بك و اياك و الدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك. يا بني قل الحق لك أو عليك، يا بني كن لكتاب الله تاليا و للاسلام فاشيا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و عن قطعك و اصلا و لمن سكت عنك مبتدئا و لمن سألك معطيا. و اياك و النميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال و اياك و التعرض لعيوب الناس، فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف). فالسلام عليك يا امام المسلمين يا جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين‌العابدين و سيد السجادين ابن الحسين شهيد كربلاء ابن الامام علي بن أبي‌طالب عليكم سلام الله يا أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و السلام عليك يا سابع الأئمة يا موسي بن جعفر.... السلام عليكم و نحن فداكم و أرواحنا لكم و نفوسنا و أهلونا... حتي و ان قتلنا سنحبكم و ان أحرقنا و ذرينا و لن نقول كما قال الشعبي... [ماذا لقينا من أبناء علي اذا أحببناهم قتلنا و اذا عاديناهم دخلنا النار]. لقد ارتحل الي بارئه من كان أعلم أهل زمانه و أوقرهم و أورعهم يقول أبوبصير: قال موسي بن جعفر عليهم‌السلام فيما أوصاني به أبي أن قال: يا بني اذا أنا مت فلا يغسلني أحد غيرك فان الامام لا يغسله الا امام و اعلم أن عبدالله أخاك سيدعو الناس الي نفسه فدعه فان عمره قصير، فلما أن مضي غسلته كما أمرني و ادعي عبدالله الامامة مكانه، فكان كما قال أبي و ما لبث عبدالله يسيرا حتي مات). [ صفحه 218] و جاء في المناقب لابن شهر آشوب [187] عن الكاظم عليه‌السلام في قوله تعالي: (بلي من كسب سيئة) قال: بغضنا و (و أحاطت به خطيئته) [188] قال: من شرك في دمنا. و عنه عليه‌السلام في قوله تعالي: (فأكتبنا مع الشاهدين) [189] قال: نحن هم نشهد للرسل علي أممها. و عنه عليه‌السلام في قوله تعالي: (و اذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم) [190] ، قال: هم عدونا أهل البيت اذا سألوا عنا قالوا ذلك. و عنه في قوله تعالي: (و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون) [191] ، ان الله أعز و أمنع من أن يظلم و أن ينسب نفسه الي ظلم و لكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه و ولايتنا ولايته. و لقد بني الدين علي اتباع النبي صلي الله عليه و آله و سلم (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني) [192] ، و اتباع الكتاب (و اتبعوا النور الذي أنزل معه) [193] ، و اتباع الأئمة من أولاده (و الذين اتبعوهم باحسان) [194] . فاتباع النبي صلي الله عليه و آله و سلم يورث المحبة (يحبكم الله) [195] و اتباع الكتاب يورث السعادة (فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقي) [196] و اتباع الأئمة يورث الجنة [ صفحه 219] (رضي الله عنهم و رضوا عنه) [197] . و ورد أن الامام موسي عليه‌السلام سابع الأئمة و كادت الأشياء تكون سبعة السماوات و الأرضون و الأسابيع حتي قال: و لا اله الا الله محمدا رسول الله سبع كلمات يقول الشاعر: ان الذي قسم الأئمة حازها في صلب آدم للامام السابع روي محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء أو من الأصابع الي الكعبين أم من الكعبين الي الأصابع؟ و كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن ذلك فكتب اليه: فيما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تمسح رأسك كلمه و تمسح ظاهر أذنيك و باطنها و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الي غيره. فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين تعجب مما رسم فيه. مما أجمع العصابة علي خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره، و كان يعمل في وضوئه علي هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي‌الحسن عليه‌السلام، و سعي بعلي بن يقطين الي الرشيد و قيل: انه رافضي مخالف له. فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين و القرف له بخالفنا و ميله الي الرفض و لست أري في خدمته لي تقصيرا، و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه علي ما يقرف به و أحب أن أستبري‌ء أمره من حيث لا يشعر بذلك فيحرز مني. فقيل له: ان الرافضة يا أميرالمؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء [ صفحه 220] فتخففه و لا تري غسل الرجلين فامتحنه يا أميرالمؤمنين من حيث لا يعلم، بالوقوف علي وضوئه، فقال: أجل ان هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة و ناطه بشي‌ء من الشغل في الدار حتي دخل وقت الصلاة و كان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة (و كأنه جاسوس) بحيث يري علي بن يقطين و لا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا و استنشق ثلاثا و غسل وجهه ثلاثا و خلل شعر لحيته و غسل يديه الي المرفقين ثلاثا و مسح رأسه و أذنيه و غسل رجليه و الرشيد ينظر اليه، فلما رآه و قد فعل ذلك لم يملك نفسه و حتي أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي‌الحسن عليه‌السلام ابتداء من الآن يا علي بن يقطين فتوضأ كما أمر الله و اغسل وجهك مرة فريضة و أخري اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك و السلام [198] . و قال ابن‌سنان [199] : حمل الرشيد في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها و فيها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ ابن‌يقطين بها الي موسي بن جعفر عليهم‌السلام مع مال كثير، فلما وصل الي أبي‌الحسن عليه‌السلام قبل المال ورد الدراعة و كتب اليه احتفظ بها و لا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج اليها معه، فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين علي غلام له فصرفه عن خير منه، فسعي الغلام به الي الرشيد فقال انه يقول بامامة موسي بن جعفر و يحمل اليه خمس ماله في كل سنة و قد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أميرالمؤمنين فغضب الرشيد غضبا شديدا و قال: [ صفحه 221] ان كان الأمر علي ما تقول أزهقت نفسه: فأنفذ باحضار ابن‌يقطين و قال: علي بالدراعة التي كسوتك الي الساعة فأنفذ خادما و قال: آتيني بالسفط الفلاني. فلما جاء به وضعه بين يدي الرشيد و فتحه فنظر الي الدراعة بحالها مطوية مدفونة بالطيبة فسكن الرشيد من غضبه و قال: انصرف راشدا فلن أصدق بعدها ساعيا و أمر أن يتبع بجائزة سخية و تقدم بضرب الساعي حتي مات منه. و يقول أحمد بن عمر الخلال: سمعت الأخوص بمكة يذكره فاشتريت سكينا و قلت: و الله لأقتلنه اذا خرج من المسجد و أقمت علي ذلك و جلست له، فما شعرت الا برقعة أبي‌الحسن عليه‌السلام قد طلعت علي فيها: بسم الله الرحمن الرحيم بحقي عليك لما كففت عن الأخوص فان الله ثقتي هو حسبي. [ صفحه 222]

تذكرة بالامامة للامام موسي

اشاره

و بعد وفاة الامام الصادق عليه‌السلام اجتمع الناس علي عبدالله بن جعفر فدخل عليه هشام بن سالم و محمد بن النعمان (صاحب الطاق) فسألاه عن الزكاة كم تجب؟ فقال في مائتي درهم خمسة دراهم فقالا: ففي مئة؟ قال: درهمين و نصف، فخرجا يقولان: الي المرجئة، الي القادرية، الي المعتزلة، الي الزيدية، فرأيا شيخا يومي اليهما فاتبعاه خائفين أن يكون عينا من عيون أبي‌جعفر المنصور، فلما ورد هشام علي باب موسي فاذا خادم بالباب فقال له ادخل رحمك الله فلما دخل قال: الي الي لا الي المرجئة و لا الي الزيدية و لا الي القدرية و لا الي المعتزلة فقال هشام: مضي أبوك موتا! قال: نعم، قال: فمن لنا بعده؟ قال: ان شاء الله أن يهديك هداك، قال: ان عبدالله يزعم أنه امام، قال: عبدالله يريد أن لا يعبد الله، قال: فمن لنا بعده؟ قال: ان شاء الله أن يهديك هداك، قال: فأنت هو؟ قال: و ما أقول ذلك، قال: عليك امام؟ قال: لا، قال: أسألك كما كنت أسأل أباك؟ قال: سل تخبر و لا تذع فان أذعت فهو الذبح. و قال أبوعلي بن راشد و غيره في خبر طويل: انه اجتمعت العصابة الشيعية بنيسابور و اختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا اليه ثلاثين ألف دينار و خمسين ألف درهم و ألفي شقة من الثياب و أتت شطيطة بدرهم صحيح و شقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: ان الله لا يستحيي من [ صفحه 223] الحق قال: فثنيت درهمها و جاءوا بجزء فيه مسائل مل‌ء سبعين ورقة في كل ورقة مسألة و باقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها و قد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم و ختم عليها بثلاث خواتيم علي كل حزام خاتم و قالوا: ادفع الي الامام ليلة وخذ منه في غد فان وجدت الجزء صحيح من الخواتيم فاكسر منها خمسة و انظره هل أجاب عن المسائل و ان لم تنكسر الخواتيم فهو الامام المستحق للمال فادفع اليه و الا فرد الينا أموالنا. فدخل علي الأفطح عبدالله بن جعفر و جربه و خرج عنه قائلا: رب اهدني الي سواء الصراط، قال: فبينا أنا واقف اذ بغلام يقول: أجب من تريد، فأتي بي دار موسي بن جعفر عليه‌السلام فلما رآني قال لي: لم تقنط يا أباجعفر؟ و لم تفزع الي اليهود و النصاري فأنا حجة الله و وليه، ألم يعرفك أبوحمزة علي باب مسجد جدي؟ و قد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج اليه منذ أمس فجئني به و بدرهم شطيطة الذي وزنه درهم و دانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازواري و الشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين. قال: فطار عقلي من مقاله و أتيت بما أمرني و وضعت ذلك قبله، فأخذ درهم شطيطة و ازارها ثم استقبلني و قال: ان الله لا يستحيي من الحق يا أباجعفر أبلغ شطيطة سلامي و أعطها هذه الصرة - (و كانت أربعين درهما) - ثم قال: و أهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيداء قرية فاطمة عليهم‌السلام و غزل أختي حليمة ابنة أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ثم قال: و قل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي‌جعفر و وصول الشقة و الدراهم فانفقي علي نفسك منها ستة عشر درهما و اجعلني أربعة و عشرين صدقة منك و ما يلزم عنك و أنا أتولي الصلاة عليك، فاذا رأيتني يا أباجعفر فاكتم علي فانه أبقي لنفسك ثم قال: واردد الأموال الي أصحابها و افكك هذه الخواتيم عن الجزء و انظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء! فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها [ صفحه 224] واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا: ما يقول العالم عليه‌السلام في رجل قال: نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقي قديما و كان له جماعة من العبيد؟ الجواب بخطه: ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر و الدليل علي صحة ذلك قوله تعالي: (و القمر قدرناه) [200] و الحديث: (من ليس له من ستة أشهر) و فككت الختم الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال: و الله لأتصدقن بمال كثير فبم يتصدق؟ الجواب تحته بخطه عليه‌السلام: ان كان الذي حلف من أرباب شياه فليتصدق بأربع و ثمانين شاة، و ان كان من أصحاب النعم فليتصدق بأربع و ثمانين بعيرا، و ان كان من أرباب الدراهم فليتصدق بأربع و ثمانين درهما و الدليل عليه قوله تعالي: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) [201] ، فعددت مواطن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة و ثمانين موطنا. فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا: ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت و قطع رأس الميت و أخذ الكفن؟ الجواب بخطه عليه‌السلام: يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز و يلزم مائة دينار لقطع رأس الميت لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح فجعلنا في النطفة عشرون دينارا، فلما وافي خراسان وجد الذين رد عليهم أموالهم ارتدوا الي الفطحية و شطيطة علي الحق فبلغها سلامه و أعطاها صرته و شقته فعاشت كما قال عليه‌السلام فلما توفيت شطيطة، جاء الامام علي بعير له، فلما فرغ من تجهيزها ركب بعيره و انثني نحو البرية و قال: عرف أصحابك و أقرأهم مني السلام و قل لهم: اني و من يجري مجراي من الأئمة عليهم‌السلام لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم فاتقوا الله في أنفسكم. [ صفحه 225] و قال علي بن أبي‌حمزة: كنا بمكة سنة من السنين فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حيت مات من ذلك خلق كثير فدخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام فقال مبتدئا من غير أن أسأله: يا علي ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص به ثلاثا الي أن يجي‌ء منه ريح يدل علي موته قلت له: جعلت فداك كأنك تخبرني أنه دفن ناس كثير أحياء، قال: نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا الا في قبورهم. و حدث علي بن أبي‌حمزة [202] قال: أرسلني أبوالحسن عليه‌السلام الي رجل قدامه طبق يبيع بفلس فلس و قال: أعطه هذه الثمانية عشر درهما و قل له: يقول لك أبوالحسن انتفع بهذه الدراهم فانها تكفيك حتي تموت فلما أعطيته بكي. فقلت: و ما يبكيك؟ قال: و لم لا أبكي و قد نعيت الي نفسي، فقلت: و ما عندالله خير مما أنت فيه، فسكت و قال: من أنت يا عبدالله؟ فقلت: علي بن أبي‌حمزة، قال: و الله لهكذا قال لي سيدي و مولاي اني باعث اليك مع علي بن أبي‌حمزة برسالتي، قال علي: فلبثت نحوا من عشرين ليلة ثم أتيت اليه و هو مريض فقلت: أوصني بما أحببت أنفذه من مالي، قال: اذا أنا مت فزوج ابنتي من رجل دين ثم بع داري و ادفع ثمنها الي أبي الحسن و اشهد لي بالغسل و الدفن و الصلاة قال: فلما دفنته زوجت ابنته من رجل مؤمن و بغت داره و أتيت بثمنها الي أبي‌الحسن عليه‌السلام فزكاه و ترحم عليه و قال: رد هذه الدراهم فادفعها الي ابنته. و أرسل الامام الكاظم عليه‌السلام عليا بن أبي‌حمزة الي رجل من بني‌حنيفة و قال انك تجده في ميمنة المسجد، فدفعت اليه كتابه فقرأه ثم قال: ائتني يوم كذا و كذا حتي أعطيك جوابه، فأتيته في اليوم الذي وعدني فأعطاني جواب الكتاب ثم لبثت شهرا فأتيته لأسلم عليه فقيل: ان الرجل قد مات، فلما [ صفحه 226] رجعت من قابل الي مكة لقيت أباالحسن عليه‌السلام و أعطيته جواب كتابه فقال: رحمه الله، ثم قال: يا علي لم لم تشهد جنازته؟ قلت: قد فاتت مني. حدث شعيب العقرقوفي قال: بعثت مباركا مولاي الي أبي‌الحسن عليه‌السلام و معه مائتا دينار و كتبت معه كتابا فذكر لي مبارك أنه سأل عن أبي‌الحسن عليه‌السلام فقيل له: قد خرج الي مكة فقلت: لأسيرن بين مكة و المدينة بالليل و اذا هاتف يهتف بي: يا مبارك مولي شعيب العقرقوفي فقلت: من أنت يا عبدالله فقال: أنا معقب يقول لك أبوالحسن عليه‌السلام هات الكتاب الذي معك و واف بالذي معك الي مني، فنزلت من محملي و دفعت اليه الكتاب و صرت الي مني فأدخلت عليه و صببت الدنانير التي معي قدامه فجر بعضها اليه و دفع بعضها بيده ثم قال: يا مبارك ادفع هذه الدنانير الي شعيب و قل له: يقول لك أبوالحسن ردها الي موضعها الذي أخذتها منه فان صاحبها يحتاج اليها، فخرجت من عنده و قدمت علي سيدي و قلت ما قصة هذه الدنانير؟ قال: اني طلبت من فامة خمسين دينارا لأتم بها هذه الدنانير فامتنعت علي و قالت: أريد أن أشتري بها قراح فلان ابن فلان، فأخذتها منها سرا و لم ألتفت الي كلامها ثم دعا شعيب بالميزان فوزنها فاذا هي خمسون دينارا. و حدث أبوخالد الزبالي قال: نزل أبوالحسن عليه‌السلام فنزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة و نحن لا نقدر علي عود نستوقد به فقال: يا أباخالد ائتنا بحب نستوقد به قلت: و الله ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا فقال: كلا يا أباخالد تري هذا الفج، خذ فيه فانك تلقي أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه و لا تماكسه، فركبت حماري و انطلقت نحو الفج الذي وصف لي فاذا أعرابي معه حملان حطبا فاشتريتهما منه و أتيته بهما، فاستوقدوا منه يومهم ذلك و أتيته بطرف ما عندنا فطعم منه، ثم قال: يا أباخالد انظر خفاف الغلمان و نعالهم فأصلحها حتي نقدم عليك في شهر كذا و كذا، قال أبوخالد: فكتب تاريخ ذلك اليوم، فركبت حماري اليوم الموعود حتي جئت [ صفحه 227] الي لزق ميل و نزلت فيه اذا أنا براكب مقبل نحو القطار، فقصدت اليه فاذا هو يهتف بي و يقول: يا أباخالد: قلت: لبيك جعلت فداك قال: أتراك وفيناك بما وعدناك، ثم قال: يا أباخالد ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما؟ قلت: جعلت فداك، قد هيأتهما لك و انطلقت معه حتي نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما ثم قال: ما حال خفاف الغلمان و نعالهم؟ قلت: قد أصلحناها، فأتيته بها فقال: يا أباخالد سلني حاجتك فقلت: جعلت فداك أخبرك بما فيه: كنت زيدي المذهب حتي قدمت علي و سألتني الحطب و ذكرت مجيئك في يوم كذا فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته. فقال: يا أباخالد من مات لا يعرف امامه ما ميتة الجاهلية و حوسب بما عمل في الاسلام.

تشيع المأمون

روي الحافظ البرسي أن الرشيد لما حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر عليه‌السلام فلما أدخل عليه دخل و هو يحرك شفتيه، فلما قرب اليه قعد الرشيد علي ركبتيه و عانقه ثم أقبل عليه و قال: كيف أنت يا أباالحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ و هو يقول: خير خير... فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبوالحسن فقعد ثم عانقه و خرج، فلما خرج قال له المأمون: من هذا الرجل؟ قال: يا بني، هذا وارث علوم الأولين و الآخرين، هذا موسي بن جعفر عليه‌السلام فان أردت علما حقا فعند هذا [203] . و جاء أن المأمون قال: «كنت أجرأ ولد أبي عليه» [و كان المأمون متعجبا من اكبار أبيه لموسي بن جعفر و تقديره له] قال: قلت لأبي: يا أميرالمؤمنين من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال: [ صفحه 228] هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفته علي عباده فقلت: يا أميرالمؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟ فقال: أنا أمام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي بن جعفر امام حق، و الله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مني و من الخلق جميعا، و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فان الملك عقيم. [204] . و يقول المأمون: قال لي أبي‌هارون الرشيد: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر بن محمد عليه‌السلام ان أردت العلم الصحيح فعند هذا قال المأمون فحينئذ انغرس في قلبي محبتهم. [205] . قال ابن‌الجوزي: كان يدعي العبد الصالح لأجل عبادته و اجتهاده و قيامه بالليل، و كان كريما حليما، اذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث اليه بمال. [206] . و قال الخطيب: كان سخيا كريما و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار و أربعمائة دينار و مائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة و كانت صرر موسي بن جعفر مثلا، اذا جاءت الانسان الصرة فقد استغني. و يقول أحمد بن فجر الهيثمي: (موسي الكاظم و هو وارث جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام) علما و معرفة و كمالا و فضلا سمي الكاظم لكثرة تجاوزه و حلمه و كان معروفا لدي أهل العراق بباب الحوائج عندالله و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أسخاهم) [207] . روي ابن‌قولون باسناده عن علي بن حسان عن بعض أصحابنا قال: [ صفحه 229] حضرت أباالحسن الأول عليه‌السلام و هارون الخليفة و عيسي بن جعفر و جعفر بن يحيي بالمدينة و قد جاءوا الي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال هارون لأبي الحسن عليه‌السلام: تقدم، فأبي فتقدم هارون فسلم و قام ناحية فقال عيسي بن جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام: تقدم فأبي فتقدم عيسي بن جعفر فسلم و وقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبي فتقدم جعفر فسلم و وقف مع هارون و تقدم أبوالحسن عليه‌السلام فقال: السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدي بك أن يصلي عليك «فقال هارون لعيسي: سمعت؟ قال: نعم. فقال هارون: أشهد أنه أبوه حق» [208] . و قال محمد بن طلحة الشافعي: «هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي‌ء اليه باحسانه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، و لكثرة عبادته كان يسمي العبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح مطالب المتوسلين الي الله بكرامات تحار منها العقول و تقضي، له عندالله تعالي قدم صدق لا يزال» [209] . و قال ابن‌الصباغ المالكي: قال بعض أهل العلم: (الكاظم هو الامام الكبير القدر، و الأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين كاظما و هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج الي الله و ذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين) [210] . [ صفحه 230] و قال ابن‌عنبة: (و كان عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء لقب بالكاظم لكظمه الغيظ و حلمه و كان يخرج في الليل و في كمه صرر من الدراهم فيأتي من لقيه و من أراد بره، و كان يضرب المثل بصرة موسي و كان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة) [211] . قال محمد بن طلحة الشافعي: (أما مناقبه فكثيرة و لو لم يكن منها الا العناية الربانية لكفاه ذلك منقبة). «فهذه الكرامات العالية و الأقدار الخارقة العوايد هي علي التحقيق حلية المناقب و زينة المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها الا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد و مررت له أخلاف التوفيق و ازدلفته من مقام التقديس و التطهير (و ما يلقائهآ الا الذين صبروا و ما يلقائهآ الا ذو حظ عظيم) [212] ، و لقد قرع سمعي واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسي عليه‌السلام أشرف منقبة و شهدت له بعلو مقامه عندالله تعالي، و زلفي منزلته لديه، و ظهرت بها كرامته بعد وفاته، و لا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة و هي أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالي من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مذته و كان ذا سطوة و جبروت، فلما انتقل الي الله تعالي اقتضت رعاية الخليفة أن تقوم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الامام موسي عليه‌السلام بالمشهد المطهر و كان بالمشهد نقيب معروف مشهور له بالصلاح، كثير التردد و الملازمة للضريح و الخدمة له: قائم بوظائفه، فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن ذلك المتوفي في ذلك القبر بات بالمشهد فرأي في منامه أن القبر انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و نار الي أن ملأت المشهد و أن الامام [ صفحه 231] موسي عليه‌السلام واقف، فصاح بهذا النقيب باسمه و قال له: تقول للخليفة: يا فلان (و سماه باسمه) لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم و قال كلاما خشنا فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرعد فرقا و خوفا فلم يلبث أن كتب ورقة و سيرها منهيا فيها صورة الحال و جلية الواقعة بتفصيلها، فلما جن الليل جاء الخليفة الي المشهد المطهر بنفسه و استدعي النقيب و دخلوا الي الضريح و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون الي موضع خارج المشهد فلما كشفوه و جدوا فيه رماد الحريق و لم يجدوا للميت أثرا. و في هذه القصة زيادة استغناء عن بقية مناقبه و اكتفاء عن بسط القول فيها) [213] . و يقول أيضا ابن‌الصباغ المالكي: و أما كراماته الظاهرة و فضائله و صفاته الباهرة تشهد له بأنه افترع قبة الشرف و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها و ذلل له كواهل السيادة و امتطاها و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها. [214] . قال ابن شهر آشوب: و سمي الكاظم لما كظمه من الغيظ و غض بصره عما فعل الظالمون به، حتي مضي قتيلا في حبسهم و الكاظم الممتلي‌ء خوفا و حزنا. [215] . و قال الربيع بن عبدالرحمن: كان و الله من المتوسمين فيعلم من يقف عليه بعد موته و يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فلذلك سمي بالكاظم و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب الله و أحسنهم صوتا بالقرآن فكان اذا قرأ يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته و كان أجل الناس شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أسخاهم بيانا و أفصحهم لسانا و أشجعهم جنانا، [ صفحه 232] قد خص بشرف الولاية و حاز ارث النبوة و بوي‌ء محل الخلافة، سليل النبوة و عقيد الخلافة) [216] . و يقول علي بن عيسي الأربلي: «مناقب الكاظم و فضائله و معجزاته الظاهرة و دلائله و صفاته الباهرة و نحائله تشهد أنه اقترع قبة الشرف و علاها و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها، طالت أصوله، فسمت الي أعلي رتب الجلال، و طابت فروعه فعلت الي حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه، السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نغبة من نغبه، و اللباب الفاخر من عد عبيده و خدمه كأن الشعري علقت في يمينه، و لا كرامة للشعري العبور، و كأن الرياض أشبهت خلائقه و لا نعمي لعين الروض الممطور، و هو عليه‌السلام غرة في وجه الزمان، و ما الغرر و الحجول و هو أضوأ من الشمس و القمر، و هذا جهد من يقول، بل هو و الله أعلي مكانة من هذه الأوصاف و أسمي، و أشرف عرفا من هذه النعوت و أنمي، فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره أو ترتقي همة البليغ الي نعت فخاره، أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته، أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته. كاظم الغيظ و صائم القيظ، عنصره كريم، و مجده حادث و قديم و هو بكل ما يوصف به زعيم، الآباء عظام و الأبناء كرام، و الدين متين و الحق ظاهر مبين، و الكاظم في أمر الله قوي أمين، و جوهر فضله غال ثمين، و واصفه لا يكذب و لا يمين، قد تلقي راية الامامة باليمين فسما عليه‌السلام الي الخيرات منقطع القرين، و أنا أحلف علي ذلك فيه و في آبائه و أبنائه عليهم‌السلام باليمين، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة و هي و أن بلغت الغاية بالنسبة اليه قليلة، و مهما عد من المزايا و المفاخر فهي فيهم صادقة و في غيرهم مستحيلة، اليهم ينسب العظماء، و عنهم يأخذ العلماء، [ صفحه 233] و منهم يتعلم الكرماء، و هم الهداة الي الله فبهداهم اقتده، و هم الأدلاء علي الله فلا تحل عنهم و لا تنشده، و هم الأمناء علي أسرار الغيب و هم المطهرون من الرجس و العيب و هم النجوم الزواهر في الظلام و هم الشموس المشرقة في الأيام و هم الذين أوضحوا شعار الاسلام و عرفوا الحلال من الحرام، من تلق منهم تقل لاقيت سيدا، و متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات متفردا و من قصدت منهم صمدت قصدك مقصدا، و رأيت من لا يمنعه جوده اليوم أن يجدد غدا، و متي عدت اليه عاد كما بدا، المائدة و الأنعام يشهدان بحالهم، و المائدة و الأنعام يخبران بنوالهم، فلهم كرم الأبوة و البنوة، و هم معادن الفتوة و المروة و السماح في طبائعهم غريزة و المكارم لهم شنشنة و نحيزة، و الأقوال في مدحهم و ان طالت و جيزة، بحور علم لا تنزف، و أقمار عز لا تخسف و شموس مجد لا تكسف، مدح أحدهم يصدق علي الجميع و هم متعادلون في الفخار، فكلهم شريف رفيع، بذوا الأمثال بطريفهم و تالدهم، و لا مثيل، و نالوا النجوم بمفاخرهم و محامدهم فانقطع دون شأواهم العديل و لا عديل، فمن الذي ينتهي في السير الي أمدهم و قد سددونه السبيل، أمن لهم يوم كيومهم أو غد كغدهم و لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ حد أحدهم صلي الله عليه و آله صلاة نامية الأمداد، باقية علي الآباد، مدخرة ليوم المعاد انه كريم جواد [217] . هذه صفات أوجز بها ما تمكن له الايجاز... و جمع بها ما تمكن له قلمه الانجاز فالأئمة عليهم سلام الله علمهم بحر لجي من علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الله سبحانه و تعالي... الذي يقول: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) [218] الدين بهم و هم الدين [ صفحه 234] في قلوبهم و عقولهم و طعامهم و تصرفاتهم... مكارم الأخلاق منهم و مكارم الأفعال صفاتهم و مكارم الأقوال لغاتهم من أجل دين الله استشهد الحسين و حمل بنوه الشهادة.. شهادة النضال للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، من أجل دين الله نذروا نفوسهم و للذود عن حياضه كانت حياتهم الفداء.. [الاسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني] هكذا الحسين استشهد قربانا لدين الله... و هكذا صبر موسي كاظما لأجل دين الله... يقول الخطيب البغدادي: «روي أصحابنا: أنه دخل عليه‌السلام مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فسجد سجدة في أول الليل و سمع و هو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة، فجعل يرددها حتي أصبح» [219] . حدث عمار بن أبان قال: حبس أبوالحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام عند السندي بن شاهك فسألته أخته أن تتولي حبسه (و كانت تتدين) ففعل، فكانت تلي خدمته فحكي لنا أنها قالت: كان اذا صلي العتمة حمدالله و مجده و دعاه فلم يزل كذلك حتي يزول الليل. فاذا زال الليل قام يصلي حتي يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتي تطلع الشمس ثم يقعد الي ارتفاع الضحي ثم يتهيأ و يستاك و يأكل ثم يرقد الي قبل الزوال ثم يتوضأ و يصلي حتي يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتي يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة فكان هذا دأبه، فكانت أخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، و كان عبدا صالحا [220] . و روي ابن شهر آشوب: كانت لموسي بن جعفر بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال و كان عليه‌السلام أحسن الناس صوتا [ صفحه 235] بالقرآن فكان اذا قرأ يحزن و يبكي السامعون لتلاوته و كان يبكي خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [221] . و روي أحمد بن عبدالله عن أبيه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي: أشرف علي هذا البيت و انظر ما تري؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا، فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ هو موسي بن جعفر، أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي هذه الحالة، انه يصلي الفجر فيعقب الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد و كل من يترصد أوقات الصلاة فاذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء و هو دأبه فاذا صلي العتمة أفطر ثم يجدد وضوءه، ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، و قال بعض عيونه: كنت اسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم انني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد. و كان عليه‌السلام يدعو فيقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب [222] . و روي ابراهيم بن عبدالحميد قال: دخلت علي أبي‌الحسن الأول عليه‌السلام في بيته الذي كان يصلي فيه فاذا ليس في البيت الا حصفة و سيف معلق و مصحف [223] . و قال الشيخ المفيد: و روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من [ صفحه 236] الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس و كان يدعو كثيرا فيقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب و يكرر ذلك و كان من دعائه عليه‌السلام: عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك. و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أية جهة هو. [224] . روي السيد ابن‌طاوس: «لما كان هم هارون الرشيد بقتل موسي بن جعفر عليه‌السلام دعا الفضل بن الربيع و قال له: قد وقعت لي اليك حاجة أسألك أن تقضيها و لك مائة ألف درهم قال: فخر الفضل عند ذلك ساجدا و قال: أمرا أم مسألة؟ قال: بل مسألة، ثم قال: أمرت بأن تحمل الي دارك في هذه الساعة مائة ألف درهم و أسألك أن تصير الي دار موسي بن جعفر و تأتيني برأسه. قال الفضل: فذهبت الي ذلك البيت فرأيت فيه موسي بن جعفر و هو قائم يصلي فجلست حتي قضي صلاته و أقبل الي و تبسم و قال: عرفت لماذا حضرت، أمهلني حتي أصلي ركعتين؟ قال: فأمهلته فقام و توضأ فأسبغ الوضوء و صلي ركعتين و أتم الصلاة بحسن ركوعها و سجودها و قرأ خلف صلاته بهذا الحرز فادرس و ساخ في مكانه فلا أدري أرض ابتعلته أم سماء اختطفته، فذهبت الي هارون فقصصت عليه القصة قال: فبكي هارون الرشيد ثم قال: قد أجاره الله مني. [225] . و روي عبدالله بن مالك الخزاعي قال: دعاني هارون الرشيد فقال: يا أبا عبدالله، كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين ما أنا الا [ صفحه 237] عبد من عبيدك، فقال: امض الي تلك الحجرة و خذ من فيها و احتفظ به الي أن أسألك عنه، فقال: دخلت فوجدت موسي بن جعفر عليه‌السلام، فلما رآني سلمت عليه و حملته علي دابتي الي منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي و كنت أتولي خدمته و مضت الأيام فلم أشعر الا برسول الرشيد يقول: أجب أميرالمؤمنين. فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال: ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال: فقال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: صالح، فقال: امض اليه و ادفع له ثلاثة آلاف درهم و اصرفه الي منزله و أهله، فقمت و هممت بالانصراف فقال: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أميرالمؤمنين. فقال: نمت علي الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون أطلق موسي بن جعفر فانتبهت فقلت لعلها لما في نفسي منه فنمت الي هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون أمرتك أن تطلق موسي بن جعفر فلم تفعل فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم نمت الي هذا الفراش الذي أنا عليه و اذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كأن أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب و قد أومأ الي و هو يقول: و الله يا هارون لئن لم تطلق موسي بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك، فأرسلت اليك فامض فيما أمرتك به و لا تظهره الي أحد فأقتلك، فانظر لنفسك، قال: فرجعت الي منزلي و فتحت الحجرة و دخلت علي موسي بن جعفر فوجدته قد نام في سجوده فجلست حتي استيقظ و رفع رأسه و قال: يا أبا عبدالله افعل ما أمرت به، فقلت له: يا مولاي سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هل دعوت الله عزوجل في يومك هذا بالفرج؟ فقال: أجل اني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا موسي أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله فقال: ادع بهذا الدعاء: «يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا [ صفحه 238] باري‌ء النسم، يا مجلي الهمم، و يا مغشي الظلم، يا كاشف الضر و الألم، يا ذا الجود و الكرم، و يا سامع كل صوت و يا مدرك كل فوت، و يا محيي العظام و هي رميم و منشئها بعد الموت، صل علي محمد و آل محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا يا ذالجلال و الاكرام». فلقد دعوت به و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يلقنيه حتي سمعتك و قلت: قد استجاب الله منك. ثم قلت له ما أمرني الرشيد و أعطيته ذلك. [226] . دخل موسي بن جعفر عليه‌السلام بعض قري الشام متنكرا هاربا فوقع في غار و فيه راهب يعظ في كل سنة يوما، فلما رآه الراهب دخل منه هيبة فقال: يا هذا أنت غريب؟ قال منا أو علينا؟ قال: لست منكم قال: أنت من الأمة المرحومة؟ قال: نعم. قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قال: لست من جهالهم، فقال: كيف طوبي أصلها في دار عيسي و عندكم في دار محمد و أغصانها في كل دار؟ فقال عليه‌السلام: الشمس قد وصل ضوؤها الي كل مكان و كل موضع و هي في السماء. قال: و في الجنة لا ينفد طعامها و ان أكلوا منه و لا ينقص منه شي‌ء؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شي‌ء، قال: و في الجنة ظل ممدود؟ فقال عليه‌السلام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله ظل ممدود و ذلك قوله تعالي: (ألم تر الي ربك كيف مد الظل) [227] قال: ما يؤكل و يشرب في الجنة لا يكون بولا و لا غائطا، قال عليه‌السلام: الجنين في بطن أمه. قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر، فقال عليه‌السلام: اذا احتاج الانسان الي شي‌ء عرفت أعضاؤه ذلك و يفعلون بمراده من غير أمر. قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة. قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا اله الا الله قال: صدقت و أسلم و الجماعة معه. [228] . [ صفحه 239]

علم النجوم

و قال المجلسي: روي أن هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر عليه‌السلام فأحضره فلما حضر عنده قال: ان الناس ينسبونكم يا بني‌فاطمة الي علم النجوم و أن معرفتكم بها معرفة جيدة، و فقهاء العامة يقولون: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: اذا ذكرني أصحابي فاسكتوا و اذا ذكروا القدر فاسكتوا فاذا ذكروا النجوم فاسكتوا و أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته الذين يقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها. فقال له الكاظم عليه‌السلام: هذا حديث ضعيف و اسناده مطعون فيه و الله تبارك و تعالي قد مدح النجوم و لولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزوجل و الأنبياء عليهم‌السلام كانوا عالمين بها و قد قال الله تعالي في حق ابراهيم خليل الرحمان صلوات الله عليه (و كذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين) [229] ، و قال في موضع آخر: (فنظر نظرة في النجوم (88) فقال اني سقيم) [230] ، فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال: (اني سقيم). و ادريس عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، و الله تعالي قد أقسم بمواقع النجوم (و انه لقسم لو تعلمون عظيم) [231] ، و قال في موضع (و النازعات غرقا) الي قوله (فالمدبرات أمرا) [232] يعني بذلك اثني عشر برجا و سبعة سيارات و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر الله عزوجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله عزوجل: (و علامات و بالنجم هم يهتدون) [233] و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره. [ صفحه 240] فقال له هارون: بالله عليك يا موسي هذا العلم لا تظهره عند الجهال و عوان الناس حتي لا يشنعوا عليك و أنفس عن العوام به وغط هذا العلم و ارجع الي حرم جدك، ثم قال له هارون: و قد بقي مسألة أخري بالله عليك أخبرني بها قال له عليه‌السلام: سل؟ فقال: بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبرني أنت تموت قبلي؟ أو أنا أموت قبلك؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم، فقال له موسي: آمني حتي أخبرك، فقال: لك الأمان فقال عليه‌السلام: أنا أموت قبلك و ما كذبت و لا أكذب، و وفاتي قريب. فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها و لا تضجر. فقال عليه‌السلام: سل؟ فقال: خبروني أنكم تقولون ان جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا و أنكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله الينا فليس بمسلم؟ فقال له موسي: كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، و اذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له: يا بني و للجارية بابنتي و نقعدهم يأكلون معنا تقربا الي الله سبحانه، فلو أنهم عبيدنا و جوارينا ما صح البيع و الشراء، و قد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة و ما ملكت أيمانكم يعني: صلوا و أكرموا مماليككم و جواريكم و نحن نعتقهم، و هذا الذي سمعته غلط من قائله و دعوي باطلة، و لكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا يعني ولاء الدين هؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم علي ذلك و نحن ندعي ذلك لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم يوم غديرخم: من كنت مولاه فعلي مولاه و ما كان يطلب بذلك الا ولاء الدين، و الذين يوصلونه الينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و أما الغنائم و الخمس من بعد موت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقد منعونا ذلك و نحن محتاجون الي ما في يد بني‌آدم الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك، فان نفذ الينا أحد هدية و لا يقول صدقة نقبلها لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم لو دعيت الي كراع لأجبت و لو [ صفحه 241] أهدي لي كراع لقبلت (و الكراع اسم القرية و الكراع يد الشاة) و ذلك سنة الي يوم القيامة. و لو حملوا الينا زكاة و علمنا أنها زكاة رددناها و ان كانت هدية قبلناها. ثم ان هارون أذن له في الانصراف فتوجه الي الرقة ثم تقولوا عليه اشياء فاستعاده هارون و أطعمه السم فتوفي عليه‌السلام. [234] . و الرشيد القائل (الملك عقيم)... الرشيد الذي وصل للحكم بعد جريمة قتل فهل لديه سوي القتل... فمن هي أمه و من هو أبوه و من هو جده... سلالة همها قتل أهل البيت و كم أفواه الحق و العدالة... فان صحا للحظات أبرقت بالاسلام أنوارها فسرعان ما يعمه في ظلمة حندس من شيطان الملك و الجور:

شاهت وجوه القوم

أو كالذي في الليل و هو الكاظم و هو الغريب و كل جفن نائم ما هومت عيناه، ما الحرف انتهي من آية تتلي بها فالقائم في ظل محراب يقيم صلاته لله في نجواه و هو الصائم كالشن صار بحبس هارون البغي سوما من الويلات منه الظالم للسابع المعصوم موسي من اهتدت منه الخلائق نهج دين خاتم يأتيه و الحقد الحبيس بصدره كالنار ويحه نارها فجهنم يصلي بها يوم القيام جزاؤه مما تقدمه اليدان يقدم كم ويح عيناه اللتان تراءتا كم ويح كف بالصلافة تزحم و اللهو و القين اللواتي دبجت ثم الجواري بالصروح تناغم في ألف ليلة بهجها و سرورها و موائد نصبت بها و الأنجم و سواكب الخمر التي ما عتقت الا ليرشفها بسكر آثم ما كل ذا ملهيه عن عبد بدا في سجدة لله و هو يتمتم [ صفحه 242] نصب الضلال مع الضلالة مجهدا كي يخمد النور المضي‌ء فيظلم ويل لنفس حملت بالشر في عمق، عيون الشر فهي الأظلم هارون يا ابن‌الخيزران غدا اذا ما المصطفي يدعوك و هو العالم كيف الجواب تصوغ نسغ حروفه في مطبق، بالقتل فيه تجمجم أم بالدما تروي الثري أم بالذي في البئر من جثث بها تتكلم أم ويح نفسك هل تعد رؤوسها و النطع و السيف الظلوم يترجم لا بارك الله الكريم بدولة حكمت فيها أو بها تتحكم شاهت وجوه القوم منك و شوهت يوم التلاقي في غد و ستعلم أن الممالك و الملوك سحابة في الصيف تجلو كالضباب و ترزم و الباقيات الصالحات فعال من جادت به الكفان حقا يرسم فاليك مولاي ابن‌جعفر أحرفي قلبي و فكري بالصلا أتقدم فاسمح سألتك بالذي سمك السما عونا أيا باب الحوائج تعلم و روي الكليني باسناده عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أباالحسن عليه‌السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عزوجل فان الناس انما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم لها فقال له أبوالحسن عليه‌السلام: بل هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أميرالمؤمنين. فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أباالحسن؟ فقال: قول الله عزوجل: (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق) [235] فأما قوله: (ما ظهر منها) يعني الزنا المعلن و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية و أما قوله عزوجل: (و ما بطن) يعني ما نكح من الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلي الله عليه و آله و سلم اذا كان للرجل زوجة و مات عنها تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن أمة، فحرم الله عزوجل ذلك، و أما الاثم فانها الخمرة بعينها و قد قال الله عزوجل في موضع آخر: (يسئلونك [ صفحه 243] عن الخمر و الميسر قل فيهمآ اثم كبير و منافع للناس) [236] ، فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمرة و المسير و اثمهما أكبر كما قال الله تعالي قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه و الله فتوي هاشمية. قال: قلت: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي. [237] . و روي المجلسي باسناده عن التلعكبري باسناده عن الكاظم عليه‌السلام قال: قال هارون: أتقولون ان الخمس لكم؟ قلت نعم، قال: انه لكثير، قال: قلت: ان الذي أعطانا علم أنه لنا غير كثير. [238] . و عن علي بن يقطين عن أبي‌الحسن الماضي عليه‌السلام قال: ان الله عزوجل لم يحرم الخمر لاسمها و لكنها حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر. [239] . و روي الكليني باسناده عن جعفر بن المثني الخطيب عن محمد بن الفضل و بشر بن اسماعيل قال: قال لي محمد بن اسماعيل: ألا أسرك يا ابن‌مثني؟ قال: قلت: بلي و قمت اليه، قال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي‌الحسن عليه‌السلام ثم أقبل عليه فقال له: يا أباالحسن ما تقول في المحرم أيستظل علي المحمل؟ فقال له: لا، قال: فيستظل في الخبأ؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزي‌ء يضحك. فقال: يا أباالحسن فما الفرق بين هذا و هذا؟ فقال: يا أبايوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون بالدين، انا صنعنا كما صنع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قلنا كما قال [ صفحه 244] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض و ربما ستر وجهه بيده و اذا نزل استظل بالخبأ و في‌ء البيت و في‌ء الجدار. [240] . و عن علي بن يقطين أنه كتب الي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام: ان قلبي يضيق مما أنا عليه من علم السلطان - كان وزير الهارون - فان أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه. فرجع الجواب: لا آذن لك بالخروج من عملهم و اتق الله. [241] . روي يعقوب بن جعفر الجعفري عن أبي‌ابراهيم موسي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ذكر عنده قوم زعموا أن الله تبارك و تعالي ينزل الي السماء الدنيا فقال: ان الله لا ينزل و لا يحتاج أن ينزل انما منظره في القرب و البعد سواء، لم يبعد منه بعيد و لا يقرب منه قريب و لم يحتج الي شي‌ء بل يحتاج اليه كل شي‌ء و هو ذو الطول لا اله الا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين انه ينزل تبارك و تعالي عن ذلك علوا كبيرا فانما يقول ذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة، و كل متحرك يحتاج الي من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون فقدت هلك، فاحذروا في صفاته من أن تفقوا له علي حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك، زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود، فان الله جل و عز عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين. [242] . و عن الحسن بن عبدالرحمن الحماني قال: قلت لأبي‌ابراهيم عليه‌السلام: ان هشام بن الحكم زعم أن الله تعالي جسم ليس كمثله شي‌ء، عالم، سميع بصير، قادر، متكلم، ناطق. و الكلام و القدرة و العلم يجري مجري واحد [ صفحه 245] ليس شي‌ء فيها مخلوقا فقال عليه‌السلام: قاتله الله؛ أما علم أن الجسم محدود؟! و الكلام غير المتكلم؟ معاذ الله، و أبرأ الي الله من هذا القول، لا جسم و لا صورة و لا تحديد و كل شي‌ء سواه مخلوق و انما تكون الأشياء بارادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان. [243] . و عن يعقوب بن جعفر عن أبي‌ابراهيم عليه‌السلام أنه قال: لا أقول انه قائم فأزيله عن مكان و لا أحده بمكان يكون فيه و لا أحده أن يتحرك في شي‌ء من الأركان و الجوارح و لا أحده بلفظ شق فم و لكن كما قال عزوجل: (انمآ أمره اذا أراد شيئا أن يقول له، كن فيكون) [244] . بمشيئته من غير تردد في نفس، صمدا فردا لم يحتج الي شريك يدبر له ملكه و لا يفتح له أبواب علمه. [245] . و عن احسن بن راشد قال: سئل أبوالحسن موسي عليه‌السلام عن معني قول الله تعالي: (الرحمان علي العرش استوي) [246] فقال عليه‌السلام استولي علي ما دق و جل. [247] . و عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: سأل رجل - يقال له عبدالغفار السلمي - أباابراهيم موسي بن جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالي: (ثم دنا فتدلي (8) فكان قاب قوسين أو أدني) [248] ؛ قال: أري هاهنا خروجا من حجب و تدليا الي الأرض و أري محمدا صلي الله عليه و آله و سلم رأي ربه بقلبه و نسب الي بصره فكيف هذا؟ فقال أبوابراهيم عليه‌السلام دنا فتدلي فانه لم يزل عن موضع و لم يتدل ببدن. فقال عبدالغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: (دنا فتدلي) [ صفحه 246] فلم يتدل عن مجلسه الا و قد زال عنه و لولا ذلك لم يصف بذلك نفسه. فقال أبوابراهيم عليه‌السلام: ان هذه لغة في قريش اذا أراد الرجل منهم أن يقول: قد سمعت يقول: قد تدليت، انما التدلي: الفهم. [249] . و عن داود بن قبيصة قال: سمعت الرضا عليه‌السلام يقول: سئل أبي عليه‌السلام هل منع الله عما أمر به، و هل نهي عما أراد، و هل أعان علي ما لم يرد؟ فقال عليه‌السلام: أما ما سألت: (هل منع الله عما أمر به) فلا يجوز ذلك و لو جاز ذلك لكان قد منع ابليس عن السجود لآدم و لو منع ابليس لعذره و لم يلعنه، و أما ما سألت: (هل نهي عما أراد)؟ فلا يجوز ذلك و لو جاز ذلك لكان حيث نهي آدم عليه‌السلام عن أكل الشجرة، أراد منه أكلها و لو أراد منه أكلها لما نادي عليه صبيان الكتاتيب: (و عصي ءادم ربه فغوي) [250] و الله تعالي لا يجوز عليه أن يأمر بشي‌ء و يريد غيره. و أما ما سألت عنه من قولك: (هل أعان الله علي ما لم يرد)؟ فلا يجوز ذلك و جل الله تعالي عن أن يعين علي قتل الأنبياء و تكذيبهم و قتل الحسين بن علي عليه‌السلام و الفضلاء من ولده، و كيف يعين علي ما لم يرد و قد أعد جهنم لمخالفيه، و لعنهم علي تكذيبهم لطاعته و ارتكابهم لمخالفته؟ و لو جاز أن يعين علي ما لم يرد لكان أعان فرعون علي كفره و ادعائه أنه رب العالمين، أفتري أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية، يستتاب قائل هذا القول، فان تاب من كذبه علي الله و الا ضربت عنقه [251] . و روي عن أبي محمد الحسن بن علي بن محمد العسكري عليهم‌السلام: أن أباالحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: ان الله خلق الخلق فعلم ما هم اليه صائرون فأمرهم و نهاهم، فما أمرهم به من شي‌ء فقد جعل لهم السبيل الي الأخذ به و ما نهاهم عنه من شي‌ء فقد جعل لهم السبيل الي تركه، و لا يكونون [ صفحه 247] آخذين و لا تاركين الا باذنه، و ما جبر الله أحدا من خلقه علي معصيته بل اختبرهم بالبلوي كما قال تعالي: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [252] [253] . و روي أنه دخل أبوحنيفة المدينة و معه عبدالله بن مسلم فقال له: يا أباحنيفة ان هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد فاذهب بنا اليه نقتبس منه علما، فلما أتيا اذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك اذ خرج غلام حدث، فقام الناس هيبة له، فالتفت أبوحنيفة فقال: يا ابن‌مسلم من هذا؟ قال: موسي ابنه، قال: و الله لأجبهنه بين يدي شيعته، قال: مه! لن تقدر علي ذلك. قال: و الله لأفعلنه، ثم التفت الي موسي عليه‌السلام فقال: يا غلام! أين يضع الغريب في بلدكم هذه؟ قال: يتواري خلف الجدار، و يتوقي أعين الجار و شطوط الأنهار و مسقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها. فحينئذ يضع حيث يشاء، ثم قال: يا غلام ممن المعصية؟ قال: يا شيخ! لا تخلو من ثلاث: اما أن تكون من الله و ليس من العبد شي‌ء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله. و اما أن تكون من العبد و من الله، و الله أقوي الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه، و اما أن تكون من العبد و ليس من الله شي‌ء فان شاء عفي و ان شاء عاقب، قال: فأصابت أباحنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر. قال: فقلت له: ألم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [254] . و بما يشابه ذلك النص و ردت في عدة روايات كلها تتمحور حول نقطة واحدة. العلم الذي يحمله الامام موسي عليه‌السلام... و هو علم الهامي. و لو تبحرنا في الأحاديث السابقة فرأينا ذلك الصرح العظيم من الايمان و العلم و الاطلاع و لوجدنا ذلك الكلم السامق الذي يضي‌ء ظلامة النفس [ صفحه 248] فيهديها النهج الحق... الذي حمل رسالة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لقرأنا سطور النور المشعة علي العالم دفقا من الضياء المستمد من شمس الحقيقة التي لن تخبو و المنطلقة من أئمة الهدي الذين لا يخلو منهم زمان.. و حتي تشيع المأمون الذي تعلمه من الظالم هارون نلمسه في كل الروايات مهما اختلفت مصادرها و رواتها و مراجعها تصب في السر الكبير لامام الرحمة و الدين و الفقه... و حجة الله علي خلقه... و خليفته علي عباده و لقد روي أن المأمون قال لقومه: أتدرون من علمني التشيع؟ قال القوم: لا و الله ما نعلم ذلك قال: علمنيه الرشيد! قيل له: و كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟! قال: كان يقتلهم علي الملك لأن الملك عقيم، ثم قال: انه دخل موسي بن جعفر عليه‌السلام علي الرشيد يوما فقام اليه الرشيد و استقبله و أجلسه في الصدر و قعد بين يديه و جري بينهما أشياء، ثم قال موسي بن جعفر عليه‌السلام لأبي: يا أميرالمؤمنين ان الله عزوجل قد فرض علي ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الأمة و يقضوا علي الغارمين و يؤدوا عن المثقل، و يكسوا العاري، و يحسنوا الي العاني و أنت أولي من يفعل ذلك، فقال: افعل يا أباالحسن، ثم قام فقام الرشيد لقيامه و قبل ما بين عينيه و وجهه ثم أقبل علي و علي الأمين و علي المؤتمن فقال: يا أبا عبدالله و يا محمد و يا ابراهيم مشوا بين يدي ابن عمكم و سيدكم، خذوا بركابه و سووا عليه ثيابه و شيعوه الي منزله، فأقبل الي أبوالحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام سرا بيني و بينه فبشرني بالخلافة و قال لي: اذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي. ثم انصرفنا و كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين! و من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له قال: هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفة علي عباده فقلت: يا أميرالمؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك! فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر و موسي بن [ صفحه 249] جعفر امام حق، و الله يا بني انه لاحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مني و من الخلق جميعا، و و الله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك لأن الملك عقيم. فلما أراد الرجل من المدينة الي مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم أقبل علي الفضل فقال له: اذهب الي موسي بن جعفر و قل له: يقول لك أميرالمؤمنين: نحن في ضيقة و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت، فقمت في وجهه فقلت: يا أميرالمؤمنين: تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني‌هاشم و من لا تعرف حسبه و نسبه خمسة آلاف دينار الي ما دون و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار، و أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟ فقال: اسكت لا أم لك، فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و اغنائهم. [255] . و جاء في عيون أخبار الرضا: فلما نظر الي ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ فقام الي الرشيد فقال: يا أميرالمؤمنين قد دخلت المدينة و أكثر أهلها يطلبون مني شيئا و ان خرجت و لم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أميرالمؤمنين علي، و منزلتي عنده فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال له: يا أميرالمؤمنين هذا لأهل المدينة، و علي دين أحتاج أن أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار أخري، فقال له: يا أميرالمؤمنين بناتي أريد أن أزوجهن و أنا محتاج الي جهازهن فأمر له بعشرة آلاف دينار أخري فقال له: يا أميرالمؤمنين لابد من غلة تعطينيها ترد علي و علي عيالي و بناتي و أزواجهن القوت فأمر له باقطاع ما يبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار و أمر أن يعجل ذلك له من ساعته. ثم قام مخارق من فوره و قصد موسي بن جعفر عليه‌السلام و قال له: قد وقفت علي ما عاملك به هذا الملعون و ما أمر لك به و قد احتلت عليه لك و أخذت منه [ صفحه 250] صلات ثلاثين ألف دينار و أقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار و لا و الله يا سيدي ما احتاج الي شي‌ء من ذلك و ما أخذته الا لك و أنا أشهد لك بهذه الأقطاع و قد حملت المال اليك. فقال عليه‌السلام: بارك الله لك في مالك، و أحسن جزاك ما كنت لآخذ منه درهما واحدا و لا من هذه الأقطاع شيئا و قد قبلت صلتك و برك فانصرف راشدا و لا تراجعني في ذلك فقبل يده و انصرف. [256] . و قد يرد بعض الاختلافات الجزئية حسب مصدر الرواية و الراوون و لكن يبقي الجوهر واحد فعن التظليل و الذي ورد سابقا جاء في بحارالأنوار: سأل محمد بن الحسن أباالحسن موسي عليه‌السلام بمحضر من الرشيد و هو بمكة، فقال له: أيجوز للمحرم أن يظل عليه محمله؟ فقال له عليه‌السلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم. فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك،فقال له أبوالحسن عليه‌السلام أتعجب من سنة النبي و تستهزي‌ء بها، ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام الله تعالي يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا [257] ، و مهما كان من أمر بالدلالة واضحة و ان لأعداء أبوابا سرعان ما تغلق بقوة الايمان، حيث يدحض عليه‌السلام بطلهم و يتجاوز ترهاتهم من أجل هدايتهم كاظما غيظه آخذا اياهم بحلمه عسي الله أن يهديهم سواء السبيل الي دينه الحق.. [ صفحه 251]

الرشيد و معاناة الامام

و أما الرشيد الطاغية فكم من الروايات تذكر معاناة الامام من فسقه و جوره و ظلمه و طغيانه.. و كم من مرة يزور فيها مدينة رسول الله و يتوجه لزيارة القبر المشرف و الغيظ و الحنق يفجران حقد صدره قيل انه و في احدي زياراته (لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و معه الناس، فتقدم الي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ابن عم، مفتخرا بذلك علي غيره، فقدم أبوالحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام الي القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه. فتغير وجه الرشيد و تبين الغيظ فيه ثم قال: و الله يا أباالحسن هذا هو الفخر و الشرف حقا، ثم حمله معه الي بغداد فحبسه بها سنة سبع و سبعين و مائة فأقام في حبسه الي سنة ثمان و ثمانين و مائة في رجب فتوفي بها) [258] . و من كتاب حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر قال: استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه‌السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له و قال: لا تفعل فان لنا بك أنسا و لاخوانك بك عزا و عسي أن يجبر الله بك كسرا و يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الي اخوانكم، اضمن لي واحدة و اضمن لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقي أحدا من أوليائنا الا قضيت حاجته و أكرمته و أضمن لك أن لا يضلك سقف سجن أبدا و لا ينالك [ صفحه 252] ينالك حد سيف أبدا، و لا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ و بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم ثني و بنا ثلث. و جاء في الاحتجاج أنه روي عن أبي‌الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام أنه قال: لما سمعت بهذا البيت و هو لمروان بن أبي‌حفصة: (أني يكون و لا يكون و لم يكن لبني البنات وراثة الأعمام) دار في ذلك ليلتي فنمت فسمعت هاتفا في منامي يقول: أني يكون و لا يكون و لم يكن للمشركين دعائم الاسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم و العم متروك بغير سهام ما للطليق و للتراث و انما سجد الطليق مخافة الصمصام و بقي ابن نثلة واقفا مترددا فيه و يمنعه ذوو الأرحام ان ابن‌فاطمة المنوه باسمه حاز التراث سوي بني‌الأعمام [259] . و عن أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام قال: قال رجل من خواص الشيعة لموسي بن جعفر عليه‌السلام و هو يرتعد بعدما خلا به: يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما أخوفني أن يكون فلان ابن فلان ينافقك في اظهار اعتقاده وصيتك و امامتك، فقال موسي عليه‌السلام: و كيف ذلك؟ قال: لأني حضرت معه اليوم في مجلس فلان و كان معه رجل من كبار أهل بغداد، فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن صاحبك موسي بن جعفر امام دون هذا الخليفة القاعد علي سريره؟ قال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسي بن جعفر غير امام و ان لم أكن أعتقد أنه غير امام، فعلي و علي من لم يعتقد ذلك لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين فقال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا، و لعن الله من وشي بك الي، فقال له موسي بن جعفر عليه‌السلام: ليس كما ظننت ولكن صاحبك أفقه منك، انما قال موسي غير امام، أي ان الذي هو غير امام [ صفحه 253] فموسي غيره فهو اذن امام، فانما أثبت بقوله هذا امامتي، و نفي امامة غيري يا عبدالله: متي يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق تب الي الله. ففهم الرجل ما قاله و اغتم ثم قال: يا ابن رسول الله، ما لي مال فأرضيه به، و لكن قد وهبت له شطر عملي كله من تعبدي و صلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائكم. قال موسي عليه‌السلام: الآن خرجت من النار [260] . لقد استعمل التقية ذلك التابع له عليه‌السلام الحامل رسالته المستنير من هديه الذاب عن عقيدته و المؤمن بولايته ليدفع سطوة الطغاة و بطشهم و ما رسالة الامام الكاظم عليه‌السلام للخيزران الا نوع من أنواع التقية، في وجه أولئك الظلمة الطغاة... كتب لها و هو يعلم عليه‌السلام أنها هي التي قتلت ابنها متجاهلا ذلك بدعائه لها (أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمته...). و في ذلك جاء في قرب الاسناد ما رواه محمد بن عيسي عن بعض من ذكره أنه كتب أبوالحسن موسي عليه‌السلام الي الخيزران أم أميرالمؤمنين يعزيها بموسي الهادي ابنها و يهنيها بهارون ابنها: بسم الله الرحمن الرحيم للخيزران أم أميرالمؤمنين من موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أما بعد أصلحك الله، و أمتع بك، و أكرمك، و حفظك، و أتم النعمة و العافية في الدنيا و الآخرة لك برحمته. بلغنا أطال الله بقاك ما كان من قضاء الله الغالب في وفاة أميرالمؤمنين موسي صلوات الله عليه و رحمته و مغفرته و رضوانه، و انا لله و انا اليه راجعون. اعظاما لمصيبته، و اجلالا لرزئه و فقده. ثم انا لله و انا اليه راجعون صبرا لأمر الله عزوجل و تسليما لقضائه، ثم انا لله و انا اليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة و بلوغها من حر قلوبنا و نشوز أنفسنا. نسأل الله أن يصلي علي أميرالمؤمنين و أن يرحمه، و يلحقه بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم و بصالح سلفه و أن [ صفحه 254] يجعل ما نقله اليه خيرا مما أخرجه منه و نسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك، و أن يحسن عقباك و أن يعوضك من المصيبة بأميرالمؤمنين أفضل ما وعد الصابرين، من صلواته و رحمته و هداه. و نسأل الله أن يربط علي قلبك و يحسن عزاك و سلوتك و الخلف عليك و لا يريك بعده مكروها في نفسك و لا في شي‌ء من نعمته. ثم ان الأمور أطال الله بقاءك كلها بيدالله عزوجل يمضيها و يقدرها بقدرته فيها و السلطان عليها توكل بحفظ ماضيها و تمام باقيها فلا مقدم لما أخر منها و لا مؤخر لما قدم، استأثر بالبقاء، و خلق خلقه للفناء أسكنهم دنيا سريعا زوالها، قليلا بقاؤها و جعل لهم مرجعا الي دار لا زوال لها و لا فناء، و كتب الموت علي جميع خلقه و جعلهم أسوة عدلا منه عليهم عزيزا و قدرة منه عليهم، لا مدفع لأحد منهم، و لا محيص له عنه، حتي يجمع الله تبارك و تعالي بذلك الي دار البقاء خلقه و يرث به أرضه و من عليها و اليه يرجعون. و أسأل الله أن يهنيك خلافة أميرالمؤمنين، أمتع الله به، و أطال بقاءه، و مد في عمره، و أنسأ في أجله، و أن يسوغكما بأتم النعمة و أفضل الكرامة، و أطول العمر و أحسن الكفاية، و أن يمتعك و ايانا خاصة و المسلمين عامة بأميرالمؤمنين حتي نبلغ به أفضل الأمل فيه لنفسه و منك أطال الله بقاه و مناله لم يكن أطال الله بقاك أحد من أهلي، و قومك و خاصتك و حرمتك كان أشد لمصيبتك اعظاما، و بها حزنا و لك بالأجر عليها دعاء و بالنعمة التي أحدث الله لأميرالمؤمنين أطال الله بقاه دعاء بتمامها و دوامها و بقائها، و فع المكروه فيها مني، و الحمد لله لما جعلني الله عليه بمعرفتي بفضلك، و النعمة عليك و بشكري بلاءك، و عظيم رجائي لك أمتع الله بك و أحسن جزاك، ان رأيته أطال الله بقاك أن تكتبي الي بخبرك في خاصة نفسك و حال جزيل هذه المصيبة و سلوتك عنها فعلت، فاني بذلك مهتم و الي ما جاءني من خبرك و حالك فيه متطلع أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمته و اصطنع عندك من [ صفحه 255] كرامته و السلام عليك رحمة الله و بركاته، و كتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر لسنة سبعين و مائة. [261] . ما أشد هذه التقية في ذلك الزمان الممحل ليحتاج الامام موسي عليه‌السلام لكتابة مثل هذا الكتاب لموت كافر ظالم قاتل فاسق لا يؤمن بيوم الحساب و لا بآي الكتاب تاريخه حافل بالدماء و القتل للمؤمنين و آل البيت... و يداه ملطختان... و قلبه ليل حندس... فالسلام عليك أيها الكاظم الغيظ السلام عليك يا ابن الصادق ابن الباقر ابن السجاد ابن الحسين الشهيد ابن علي الوصي السلام عليكم يا حملة رسالة الاسلام يا أئمة الايمان و الهدي... و علي من اتبعكم مؤمنا بحقكم. سالكا سبلكم حافظا شريعتكم ذابا عنها لأنها رسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم... رسالة الحق... رسالة الوحي الأمين و الصلاة علي سيد المرسلين و آله المنتجبين الطاهرين. روي عن الامام موسي عليه‌السلام أنه كان حسن الصوت حسن القراءة، فقال يوما من الأيام أن علي بن الحسين عليه‌السلام كان يقرأ القرآن فربما مر به المار، فصعق من حسن صوته و ان الامام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس. قيل له: ألم يكن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يصلي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟ فقال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يحمل من خلفه ما يطيقون. [262] . و روي عنه أيضا أنه قال عليه‌السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعلم ما هو محتاج اليه أشد علي ابليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط و هذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله و امائه لينقذهم من يد ابليس و مردته و لذلك هو أفضل عندالله من ألف عابد و ألف ألف عابد. [ صفحه 256] و قال محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري: كان مما قال هارون لأبي الحسن صلي الله عليه و آله و سلم حين أدخل عليه: ما هذه الدار؟ قال: هذه دار الفاسقين قال: و قرأ (سأصرف عن آيتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروأ كل آية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد) [263] فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا فترة و لغيرهم فتنة قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ قال: أخذت منه عامرة، و لا يأخذها الا معمورة. [264] . [ صفحه 257]

بين الحق و الباطل

اشاره

(المرء بأصغريه قلبه و لسانه) فماذا أتي به العباسيون بألسنتهم بعد ألسنة الأمويين و ماذا حبلت به قلوبهم. و ماذا أسدوه للناس من البر و التقوي و الخير و المعروف... أفي قصورهم و مغانيهم و قرودهم و كلابهم و خمرهم و ميسرهم و جوره و فجورهم ذياك النعيم الباقي و الأثر الخالد أم في كفرهم و سخطهم و قتلهم أولاد الأنبياء بدون حق..

وصف موسي

و يكظم موسي غيظه عليه سلام الله و يسبط كفه بما ملكت يداه... و ما خفق به قلبه من ايمان و صدق و عمل و عطاء و سخاء و خير... (من سمعت شتمه اياك باليمني ثم اعتذر باليسري كأنه لم يقل شيئا)... (و العافين عن الناس). [265] . و ذلك المهدي يري مناما فيحاول؟!! (يقول ابن عبد ربه ان المهدي رأي في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه، فلما انتبه قص رؤياه علي الربيع فقال: ان شريكا مخالف لك، فانه فاطمي محض، قال المهدي: علي بشريك فأتي به، فلما دخل عليه قال: بلغني أنك فاطمي قال: أعيذك بالله أن [ صفحه 258] تكون غير فاطمي الا أن تعني فاطمة بنت كسري قال: لا و لكن أعني فاطمة بنت محمد قال: فلتلعنها؟ قال: لا معاذ الله. قال: فما تقول فيمن يلعنها؟ قال: عليه لعنة الله. قال: فالعن هذا - يعني الربيع - قال: لا و الله ما ألعنها يا أميرالمؤمنين. قال له شريك: يا ماجن فما ذكرت لسيدة نساء العالمين و ابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال، قال المهدي: فما وجه المنام؟ قال: ان رؤياك ليست برؤيا يوسف عليه‌السلام و ان الدماء لا تستحل بالأحلام) [266] . و لنسمع الي ما رواه الخطيب البغدادي باسناده عن عيسي بن محمد بن مغيث القرظي و قد بلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخا و قثاء و قرعا في موضع بالجوانية علي بئر يقال لها أم عظام فلما قرب الخير و استوي الزرع بغتني الجراد فأتي علي الزرع كله، و كنت غرمت علي الزرع و في ثمن جملين مائة و عشرين دينارا فبينما أنا جالس طلع موسي بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام فسلم ثم قال: ايش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل زرعي. قال: و كم غرمت فيه؟ قلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين فقال: يا عرفة زن لأبي المغيث مائة و خمسين دينارا، فربحك ثلاثين دينارا و الجملين. فقلت: يا مبارك ادخل و ادع لي فيها، فدخل و دعا و حدثني عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: (تمسكوا ببقايا المصائب) ثم علقت عليه الجملين و سقيته فجعل الله فيها البركة و زكت فبعث منها بعشرة آلاف. [267] . فهل يستوي الذين يفعلون الخير مع الذين يقطعون دابره... كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون.. انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق لقد بعث رسول الله رحمة للعالمين... فلعنة الله علي الظالمين و علي الظانين بالله ظن السوء. [ صفحه 259] يقول أحمد بن خالد البرقي عن محمد بن عباد المهلبي: لما حبس هارون الرشيد موسي بن جعفر عليه‌السلام و أظهر الدلائل و المعجزات و هو في الحبس دعا الرشيد يحيي بن خالد البرمكي و سأله تدبيرا في شأن موسي عليه‌السلام فقال: الذي أراه لك أن تمن عليه و تصل رحمه، فقال الرشيد: انطلق اليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين أن لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة و هذا يحيي و هو ثقتي و وزيري فله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا. فقال عليه‌السلام: يا أبا علي أنا ميت و انما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي و ائتني يوم الجمعة وصل أنت و أوليائي علي فرادي، و انظر اذا سار هذا الطاغية الي الرقة و عاد الي العراق لا يراك و لا تراه و احتل لنفسك فاني رأيت في نجمك و نجم ولدك و نجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال له: يا أبا علي أبلغه عني: يقول موسي بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة و يخبرك بما يري و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المتعدي علي صاحبه. فلما أخبره بجوابه قال هارون: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا، فلما كان يوم الجمعة توفي أبوابراهيم عليه‌السلام. و روي الخطيب البغدادي باسناده عن محمد بن موسي قال: خرجت مع أبي الي ضياعه (بساية) فأصبحنا في غداة باردة و قد دنونا منها و أصبحنا علي عين من عيون ساية فخرج الينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستذفر بخرقة، علي رأسه قدر فخار يفور، فوقف علي الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكني؟ قال له: أبوالحسن، قال: فوقف عليه فقال: سيدي، يا أباالحسن هذه عصيدة أهديتها اليك، قال: ضعها عند الغلمان، فأكلوا منها قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتي خرج علي رأسه حزمة حطب حتي وقف فقال له: سيدي هذا حطب أهديت اليك، قال: ضعه عند [ صفحه 260] الغلمان وهب لنا نارا، فذهب فجاء بنار، قال: و كتب أبوالحسن اسمه و اسم مولاه فدفعه الي و قال: يا بني احتفظ بهذه الرقعة حتي أسألك عنها، قال: فوردنا الي ضياعه و أقام بها ما طاب له ثم قال: امضوا بنا الي زيارة البيت، قال: فخرجنا حتي و ردنا مكة، فلما قضي أبوالحسن عليه‌السلام عمرته دعا صاعدا فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فاذا علمت بموضعه فأعلمني حين أمشي اليه، فاني أكره أن أدعوه و الحاجة لي. قال لي صاعد: فذهبت حتي وقفت علي الرجل، فلما رآني عرفني - و كنت أعرفه و كان يتشيع - فلما رآني سلم علي و قال: أبوالحسن قدم؟ قلت: لا. قال: فأيش أقدمك؟ قلت: حوائج و قد كان علم بمكانه بساية فتتبعني و جعلت أتقضي منه و يلحقني بنفسه، فلما رأيت أني لا أنفلت منه، مضيت الي مولاي و مضي معي حتي أتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك لم أعلمه، فسلم عليه فقال له أبوالحسن عليه‌السلام: غلامك فلان تبيعه؟ قال له: جعلت فداك، الغلام لك و الضيعة و جميع ما أملك قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها و قد حدثني أبي عند جدي أن بائع الضيعة ممحوق و مشتريها مرزوق، قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها، فاشتري أبوالحسن الضيعة و الرقيق منه بألف دينار و أعتق العبد و وهب له الضيعة. [268] .

يا زائرا موسي بن جعفر

حدق بآيات الكتاب توسلا في باطن الآيات نور قد جلا في كل حرف للولاية موقع و بكل سطر دفق هذي كللا و بكل خافقة ضياء محمد و العترة الأطهار منهم قد علا يا سائلا عم التساؤل و الذي أنشاك قد شاء الهداية موئلا بأئمة ما حاد درب سلوكهم عن أمر ربهم الكريم و لاقلا [ صفحه 261] هم من رسول الله عترته التي كالحبل يمسكه الغريق من البلا هم ثاني الثقلين هم منجاتنا فاتبع سبيلهم القويم تواصلا و اسلك اليهم لا تحد عن دربهم لهم الولاية خذ بها متقبلا و احفظ بما أوتيت خيرا سابغا من هديهم و ادفع بقول جللا و اقصد لسابعهم بباب حوائج فأقر التحية و الصلاة مقبلا و اسلك الي الزوراء و ادفع بابها و اقصد لجسر في غد متوكلا فاصمت هنيهة لحظة و انظر لما حاك الطغاة بليل ظلم أمحلا ثم اتجه للكاظمين و بعدها فاركع و سبح للذي خلق الملا ثم التفت و أقر السلام تبركا و الثم تراب القبر تنج من البلا يا زائرا موسي بن جعفر ذارفا دمعا كودق كالهتون تهاطلا لا تبخلن فأقر السلام مكررا عني بعهد للامامة بالولا [ صفحه 262]

لماذا الامام موسي بن جعفر الكاظم

اشاره

روي علي بن أبي‌حمزة البطائني قال: خرج أبوالحسن موسي عليه‌السلام في بعض الأيام من المدينة الي ضيعة له خارجة عنها، فصحبته أنا و كان عليه‌السلام راكبا بغلة و أنا علي حمار لي فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت خوفا و أقدم أبوالحسن عليه‌السلام غير مكترث به فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن عليه‌السلام و يهمهم فوقف أبوالحسن عليه‌السلام كالمصغي الي همهمته، و وضع الأسد يده علي كفل بغلته، و قد همتني نفسي من ذلك و خفت خوفا عظيما، ثم تنحي الأسد الي جانب الطريق و حول أبوالحسن عليه‌السلام وجهه الي القبلة و جعل يدعو و يحرك شفتيه بما لا أفهمه ثم أومأ الي الأسد بيده أن امض فهمهم الأسد همهمة طويلة و أبوالحسن عليه‌السلام يقول آمين آمين و انصرف الأسد حتي غاب عن أعيننا و مضي أبوالحسن عليه‌السلام لوجهه و اتبعته فلما بعدنا عن الموضع لحقته فقلت له: جعلت فداء ما شأن هذا الأسد و لقد خفته و الله عليك و عجبت من شأنه معك، فقال لي أبوالحسن عليه‌السلام: انه خرج الي يشكو عسر الولادة علي لبوته و سألني أن أسأل الله أن يفرج عنها ففعلت ذلك له و ألقي في روعي أنها تلد ذكرا فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله، فلا سلط الله عليك و لا علي ذريتك و لا علي أحد من شيعتك شيئا من السباع فقلت آمين. [ صفحه 263] و حدث علي [269] بن ابراهيم عن أبيه عن الرافعي قال: كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبدالله و كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه و كان يتقيه السلطان لجده في الدين و اجتهاده و ربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما يغضبه فكان يحتمل ذلك له لصلاحه، فلم تزل هذه حاله حتي دخل يوما المسجد و فيه أبوالحسن موسي عليه‌السلام فأومأ اليه فأتاه فقال له: يا أبا علي ما أحب الي ما أنت عليه و أسرني به الا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة، فقال له: جعلت فداك و ما المعرفة؟ قال: اذهب تفقه و اطلب الحديث. قال: عمن؟ قال: عن فقهاء أهل المدينة ثم اعرض علي الحديث. قال فذهب فكتب ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله ثم قال له: اذهب فاعرف و كان الرجل معنيا بدينه، قال: فلم يزل يترصد أباالحسن حتي خرج الي ضيعة له فلقيه في الطريق فقال له: جعلت فداك اني أحتج عليك بين يدي الله، فدلني علي ما يجب علي معرفته، قال: فأخبره أبوالحسن عليه‌السلام بأمر أميرالمؤمنين عليه‌السلام و حقه و ما يجب له و أمر الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد ثم سكت. فقال له: جعلت فداك فمن الامام اليوم؟ فقال: ان أخبرتك تقبل مني قال: نعم. قال: أنا هو. قال: أفشي‌ء أستدل به؟ قال: اذهب الي تلك الشجرة و أشار بيده الي بعض شجر أم غيلان فقل لها يقول لك موسي بن جعفر أقبلي قال: فأتيتها فرأيتها و الله تخد الأرض خدا حتي وقفت بين يديه ثم أشار اليها بالرجوع فرجعت. قال: فأقر به ثم لزم الصمت و العبادة فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك [270] . روي أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن أبي‌بصير قال: قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام: جعلت فداك، بم يعرف الامام؟ قال: بخصال: أما أولاهن فانه بشي‌ء قد تقدم منه من أبيه و اشارته اليه ليكون حجة [ صفحه 264] و يسأل فيجيب و اذا سكت عنه ابتدأ و يخبر بما في غد و يكلم الناس بكل لسان، ثم قال: يا أبامحمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل اليه رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبوالحسن عليه‌السلام بالفارسية فقال له الخراساني و الله ما منعني أن أكلمك بالفارسية الا أنه ظننت أنك لا تحسنها فقال: سبحان الله اذا كنت لا أحسن أن أجيبك فبما فضلي عليك فيما أستحق به الامامة ثم قال: يا أبامحمد ان الامام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس و لا منطق الطير و لا كلام شي‌ء فيه روح. و رواه محمد بن خالد الطيالسي عن علي بن أبي‌حمزة عن أبي‌بصير. [271] . قال اسماعيل بن موسي: رأيت العبد الصالح عليه‌السلام علي الصفا يقول: الهي في أعلي عليين، اغفر لعلي بن يقطين. [272] . فلماذا علي بن يقطين خصه عليه‌السلام بالدعاء. يقول عبدالله بن يحيي الكاهلي: كنت عند أبي‌ابراهيم عليه‌السلام اذ أقبل علي بن يقطين فالتفت أبوالحسن عليه‌السلام الي أصحابه فقال: من سره أن يري رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلينظر الي هذا المقبل، فقال له رجل من القوم: هو اذن من أهل الجنة؟ فقال أبوالحسن عليه‌السلام: أما أنا فأشهد أنه من أهل الجنة. [273] . و قال داود الرقي: دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام يوم النحر فقال مبتدئا: ما عرض في قلبي أحد و أنا علي الموقف الا علي بن يقطين فانه ما زال معي و ما فارقني حتي أفضت. [274] . [ صفحه 265] و سبق أن ورد الحديث علي لسان علي بن طاهر في كتاب حقوق المؤمنين. و في رواية أخري قال الحسن بن عبدالرحيم: قال أبوالحسن عليه‌السلام لعلي بن يقطين: اضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثا فقال علي: جعلت فداك و ما الخصلة التي أضمنها لك و ما الثلاث اللواتي تضمنهن لي؟ قال: فقال أبوالحسن عليه‌السلام الثلاث اللواتي أضمنهن لك: أن لا يصيبك حر الحديد أبدا بقتل و لا فاقة و لا سجن حبس. قال: فقال علي و ما الخصلة التي أضمنها لك؟ فقال عليه‌السلام تضمن أن لا يأتيك ولي أبدا الا أكرمته، قال: فضمن علي الخصلة و ضمن أبوالحسن عليه‌السلام الثلاث [275] . و روي محمد بن علي الصوفي قال: (استأذن ابراهيم الجمال علي أبي‌الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة علي مولانا موسي بن جعفر عليه‌السلام فحجبه فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي، ما ذنبي؟ فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك ابراهيم الجمال و قد أبي الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك ابراهيم الجمال، فقلت: سيدي و مولاي، من لي بابراهيم الجمال في هذا الوقت و أنا بالمدينة و هو بالكوفة، فقال: اذا كان الليل فامض الي البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك و غلمانك و اركب نجيبا هناك مسرجا. قال: فوافي البقيع و ركب النجيب و لم يلبث أنا أناخه علي باب ابراهيم الجمال بالكوفة فقرع الباب و قال: أنا علي بن يقطين، فقال ابراهيم الجمال من داخل الدار: ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين: يا هذا ان أمري عظيم و آلي عليه الاذن له فلما دخل قال: يا ابراهيم ان المولي عليه‌السلام أبي أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك فآلي علي بن يقطين علي ابراهيم [ صفحه 266] الجمال أن يطأ خده فامتنع ابراهيم من ذلك فآلي عليه ثانية ففعل فلم يزل ابراهيم يطأ خده و علي بن يقطين يقول: اللهم اشهد ثم انصرف و ركب النجيب و أناخه من ليلته بباب المولي موسي بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة فأذن له و دخل علي فقبله) [276] .

دعاة الامام

و هذا درس و لا أكبر من ذلك في الطريق التي رسمها الاسلام. و نطقت بها الشريعة و جوهرتها العقيدة... مثال ابراهيم الجمال مع الوزير علي بن يقطين واحد من أصحاب موسي بن جعفر عليه‌السلام و الذين بلغ عددهم مائتين و واحد و ثمانين شخصا من الخلص حفظة الشريعة و الذابين عن دين الله، الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر و المليئة بهم و باحتجاجاتهم الكتب و في رجال البرقي ذلك العدد و لربما أريد به الأعلام و النابهين حيث ان المنتهين الي مدرسة الصادق عليه‌السلام بقوا بعد وفاة الامام ينتهلون من علم الامام الكاظم عليه‌السلام و يتلقون منه الفقه و العلوم و قد قام الكثيرون منهم بدور مهم في التأليف و التصنيف و نشر الحضارة الاسلامية فملئت المكتبة العربية و الاسلامية في عصرهم بنتاجهم القيم الذي دل بحق علي أن لهم اليد الطولي في رفع منار العلم و تقويم الأخلاق و تهذيب الأفكار. و من الكتب الناطقة بفضلهم لسان الميزان و جامع الرواة و رجال ابن‌داود و الوجيزة للنجاشي و رجال الكشي و غير ذلك. و هذه الكوكبة من أصحاب الامام عليه‌السلام و رواة حديثه و حملة علمه كشفت لنا جانبا مهما من حياة الامام عليه‌السلام و دللت علي أهمية الدور الذي قام به في رفع منار العلم و تشييد صروحه و نشر الوعي الثقافي في ربوع العالم مما دل علي أن النهضة الفكرية [ صفحه 267] كانت تستند الي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. لقد كان من أصحاب الكاظم عليه‌السلام عبدالله بن جندب البجلي كان مجتهدا جليل القدر. [277] . و قد سأله مرة: ألست عني راضيا؟ قال عليه‌السلام: اي و الله و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الله عنك راض. [278] . و قال يونس بن عبدالرحمن: رأيت عبدالله بن جندب و قد أفاض من عرفة فقلت له: قد رأي الله اجتهادك منذ اليوم، فقال لي عبدالله: و الله الذي لا اله الا هو، لقد وقفت موقفي هذا و أفضت ما سمعني الله دعوت لنفسي بحرف واحد لأني سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: الداعي لأخيه المؤمن بظهر الغيب ينادي من أعنان السماء: لك بكل واحدة مائة ألف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري أجاب اليها أم لا؟

هشام بن الحكم

و أما هشام بن الحكم و هو ممن فتق الكلام في الامامة و هذب المذهب بالنظر و من متكلمي الشيعة، كان حاذقا بصناعة الكلام، حاضر الجواب... و من خواص الامام عليه‌السلام له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأصول... سئل يوما عن معاوية هل شهد بدرا؟ قال: نعم من ذاك الجانب. [279] . روي الصدوق أنه كان ليحيي البرمكي بن خالد في داره مجلس يحضره المتكلمون من لك فرقة و ملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعضهم علي بعض فبلغ الرشيد ذلك فقال ليحيي بن خالد: يا عباسي، ما هذا [ صفحه 268] المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أميرالمؤمنين ما شي‌ء مما رفعني به أميرالمؤمنين و بلغ بي من الكرامة و الرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم فيحتج بعضهم علي بعض و يعرف المحق منهم و يتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم. فقال له الرشيد: أنا أحب أن أحضر هذا المجلس و أسمع كلامهم علي أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني و لا يظهروا مذاهبهم قال: ذلك الي أميرالمؤمنين متي شاء. قال: فضع يدك علي رأسي أن لا تعلمهم بحضوري، ففعل ذلك و بلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا بينهم و عزموا علي أن لا يكلموا هشاما الا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد و انكاره علي من قال بالامامة. قال: فحضروا و حضر هشام و حضر عبدالله بن يزيد الاباضي و كان من أصدق الناس لهشام بن الحكم و كان يشاركه في التجارة، فلما دخل هشام سلم علي عبدالله بن يزيد من بينهم فقال يحيي بن خالد لعبدالله بن يزيد: يا عبدالله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة؟ فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب و لا مسألة ان هؤلاء قوم كانوا مجتمعين منا علي امامة رجل ثم فارقونا بلا علم و لا معرفة فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق و لا حين فارقونا علموا علي ما فارقونا فليس لهم علينا مسألة و لا جواب. فقال بيان - و كان من الحرورية - أنا أسألك يا هشام، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟ قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون، و صنف مشركون، و صنف ضلال فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي: ان عليا عليه‌السلام امام من عند الله عزوجل و معاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي عليه‌السلام [ صفحه 269] و أقروا به، و أما المشركون فقوم قالوا: علي امام و معاوية يصلح لها فأشركوا اذ أدخلوا معاوية مع علي عليه‌السلام، و أما الضلال: فقوم خرجوا علي الحمية و العصبية للقبائل و العشائر فلم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهال. قال: فأصحاب معاوية ما كانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف كافرون و صنف مشركون و صنف ضلال. فأما الكافرون: فالذين قالوا: ان معاوية امام و علي لا يصلح لها فكفروا من جهتين اذ جحدوا اماما من الله عزوجل و نصبوا اماما ليس من الله و أما المشركون: فقوم قالوا: معاوية امام و علي يصلح لها فأشركوا معاوية مع علي عليه‌السلام. و أما الضلال: فعلي سبيل أولئك خرجوا للحمية و العصبية للقبائل و العشائر فانقطع بيان عند ذلك. فقال ضرار: و أنا أسألك يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: و لم؟ قال: لأنكم كلكم مجتمعون علي دفع امامة صاحبي و قد سألني هذا عن مسألة و ليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتي أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قال: أتقول: ان الله عزوجل عدل لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك و تعالي. قال: فلو كلف الله المقعد المشي الي المساجد و الجهاد في سبيل الله و كلف الأعمي قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائرا؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك. قال هشام: قد علمت أن الله لا يفعل ذلك و لكن علي سبيل الجدل و الخصومة، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا اذ كلفه تكليفا لا يكون له السبيل الي اقامته و أدائه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائرا. قال: فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم الا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال: بلي، قال: فجعل لهم دليلا علي وجود ذلك الدين، أو كلفهم ما دليل لهم علي وجوده فيكون بمنزلة من كلف [ صفحه 270] الأعمي قراءة الكتب و المقعد المشي الي المساجد و الجهاد؟ قال: فسكت ضرار ساعة ثم قال: لابد من دليل و ليس بصاحبك، قال: فتبسم هشام و قال: تشيع شطرك و صرت الي الحق ضرورة و لا خلاف بيني و بينك الا في التسمية، قال ضرار: فاني أرجع القول عليك في هذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: كيف تعقد الامامة؟ قال هشام: كما عقد الله عزوجل النبوة، قال: فهو اذا نبي؟ قال هشام: لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء و الامامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوة بالملائكة، و عقد الامامة بالنبي، و العقدان جميعا بأمر الله جل جلاله، قال: فما الدليل علي ذلك؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: و كيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: اما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فلم يكلفهم و لم يأمرهم و لم ينههم، فصاروا بمنزلة السباع و البهائم التي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار، ان التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: لا أقول هذا. قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علماء في مثل حد الرسول في العلم حتي لا يحتاج أحد الي أحد فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم و أصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا أن الناس استحالوا علماء حتي صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتي لا يحتاج أحد الي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في اصابة الحق؟ قال: لا أقول هذا و لكنهم يحتاجون الي غيرهم. قال: فبقي الوجه الثالث، و هو أنه لابد لهم من عالم يقيمه الرسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف. معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج الناس اليه و لا يحتاج الي أحد، قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام ثمان دلالات أربع في نعت نسبه و أربع في نعت نفسه. فأما الأربع التي في نعت نسبه: فانه يكون معروف الجنس معروف [ صفحه 271] القبيلة معروف البيت و أن يكون من صاحب الملة و الدعوة اليه اشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة و الدعوة الذي ينادي باسمه في كل يوم خمس مرات علي الصوامع «أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله» فتصل دعوته الي كل بر و فاجر و عالم و جاهل، مقر و منكر في شرق الأرض و غربها، و لو جاز أن تكون الحجة من الله علي هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتي علي الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده، و لجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم و غيرهم و لكان من حيث أراد الله عزوجل أن يكون صلاح يكون فساد و لا يجوز هذا في حكمة الله جل جلاله و عدله أن يفرض علي الناس فريضة لا توجد، فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون الا في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة و الدعوة فلم يجز أن يكون من هذا الجنس الا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة و هي قريش و لما لم يجز أن يكون من هذا الجنس الا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة الا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة، و لما كثر أهل هذا البيت و تشاجروا في الامامة لعلوها و شرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز الا أن يكون من صاحب الملة و الدعوة اشارة اليه بعينه و اسمه و نسبه كيلا يطمع فيها غيره. و أما الأربع التي في نعت نفسه: فأن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله و سننه و أحكامه حتي لا يخفي عليه منها دقيق و لا جليل و أن يكون معصوما من الذنوب كلها و أن يكون أشجع الناس و أن يكون أسخي الناس. فقال عبدالله بن يزيد الاباضي: من أين قلت انه أعلم الناس؟ قال: لأنه ان لم يكن عالما بجميع حدود الله و أحكامه و شرائعه و سننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده و من وجب عليه الحد قطعه فلا يقيم لله عزوجل حدا علي ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا. [ صفحه 272] قال: فمن أين قلت: انه معصوم من الذنوب؟ قال: لأنه ان لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ فلا يؤمن أن يكتم علي نفسه و يكتم علي حميمه و قريبه، و لا يحتج الله بمثل هذا علي خلقه. قال: فمن أين قلت انه أشجع الناس؟ قال: لأنه فئة للمسلمين الذين يرجعون اليه في الحروب. و قال الله عزوجل: (و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا الي فئة فقد بآء بغضب من الله) [280] ، فان لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله و لا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عزوجل حجة الله علي خلقه. قال: فمن أين قلت: انه أسخي الناس؟ قال: لأنه خازن المسلمين فان لم يكن سخيا تاقت نفسه الي أموالهم فأخذها فكان خائنا و لا يجوز أن يحتج الله علي خلقه بخائن. فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب العصر أميرالمؤمنين، و كان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله فقال عند ذلك: أعطانا و الله من جراب النورة ويحك يا جعفر - و كان جعفر بن يحيي جالسا معه في الستر - من يعني بهذا؟ فقال: يا أميرالمؤمنين يعني به موسي بن جعفر، قال: ما عني بها غير أهلها ثم عض علي شفتيه و قال: مثل هذا حي و يبقي لي ملكي ساعة واحدة؟ فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف، و علم يحيي أن هشاما قد أتي فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجل فقال: يا أميرالمؤمنين حسبك تكفي - أي تكفي شره و نقتله - ثم خرج الي هشام فغمزه فعلم هشام أنه قد أتي فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه و انسل و مر ببنيه و أمرهم بالتواري و هرب و مر من فوره نحو الكوفة فوافي الكعبة و نزل علي بشير النبال - و كان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام - [ صفحه 273] فأخبره الخبر ثم اعتل علة شديدة فقال له بشير: أتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت فلما حضره الموت قال لبشير: اذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أميرالمؤمنين مات حتف أنفه. و كان هارون قد بعث الي اخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به فلما أصبح أهل الكوفة رأوه و حضر القاضي و صاحب المعونة و العامل و المعدلون بالكوفة و كتب الي الرشيد بذلك فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره. فخلي عمن كان أخذ به. [281] . لقد كان هشام نموذجا لحملة علوم الامام الداعين في الأمصار الي الاسلام الحق و الطريق الصواب و كان ذابا عن دين الله حاميا لعقيدته و شريعته من أفذاذ الأمة الاسلامية و كبار علمائها و في طليعة المنافحين عن مبدأ أهل البيت عليهم‌السلام جاهد في نصرة الحق و الذب عن كيان الاسلام في عصر ظلمت فيه النفوس و أظلمت و انعدمت الحريات و ساد البغي و الفساد و حورب أهل البيت عليهم‌السلام حتي كان الذاكر لفضائلهم عرضة للانتقام و التنكيل من قبل السلطة الحاكمة التي بذلت جميع امكانياتها في اضعاف كيان آل الرسول عليه‌السلام و وقف هشام كالطود مناظرا خصومه متفوقا عليهم فلهجت الأندية العلمية بقوة استدلاله و روعة برهانه و ان دل ذلك فيدل علي حبه و تعلقه بأهل بيت النبوة عليهم‌السلام و لسنا هنا في معرض البحث عن حياته بقدر ما يهمنا ما قام به و في الكشي ص 166 شافية الطالب لسجل حياته تغمده الله برحمته لما أعطاه و قدمه للاسلام مستنيرا بالنور الحق ناهلا من ثاني الثقلين مستمسكا بالعروة الوثقي فكان خير آخذ عن الصادق عليه‌السلام و خير منافح عن الشريعة السمحة التي ما فتي‌ء ينهل منها بعد الصادق عليه‌السلام عن ابنه الكاظم عليه‌السلام... من المنبع الثر فنال الشرف الرفيع عند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام [ صفحه 274] تفوق علي الفلاسفة بمناظراته. و خصوبة فكره و سرعة بديهته و سعة معرفته فقال فيه الامام موسي عليه‌السلام (ما ترك شيئا) و للاستذادة بالاطلاع علي آثاره القيمة فكتاب (هشام بن الحكم) و تاريخ الاسلام للذهبي و فرق الشيعة للنوبختي. و نقرأ في الكشي و مروج الذهب و الأمالي مناظرته مع عمرو بن عبيد حيث يتوصل في النهاية لاثبات أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أوصي قبل موته فيقول: (يا أبامروان ان الله لم يترك جوارحك حتي جعل لها اماما يصحح لها الصحيح و ينفي ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم و حيرتهم و يقيم لك اماما لجوارحك ترد اليه حيرتك و شكك)!! هشام بن الحكم قال فيه الصادق عليه‌السلام: (يا هشام، لا زلت مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك)، و من أبلغ مناظراته ما كان من يحيي البرمكي بحضور الرشيد حين توصل بقوله لهشام: أخبرني عن علي و العباس لما اختصما الي أبي‌بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل فقال: لم يكن من أحدهما خطأ و كانا جميعا محقين و نظير ذلك قصة داود في القرآن الكريم حيث يقول الله جل جلاله: (و هل أتاك نبؤا الخصم اذ تسوروا المحراب (21) اذ دخلوا علي داود ففرع منهم قالوا لا تخف خصمان بغي بعضنا علي بعض) [282] فأي الملكين كان مخطئا؟ و أيهما كان مصيبا؟ أم تقول: انهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه فقال يحيي: لست أقول: ان الملكين أخطآ بل أقول انهما أصابا و ذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة و لا اختلفا في الحكم و انما أظهرا ذلك لينبها داود علي الخطيئة و يعرفاه الحكم و يوقفاه عليه، فقال هشام: كذلك علي و العباس لم يختلفا في الحكم و لا اختصما في الحقيقة [ صفحه 275] و انما أظهرا الاختلاف و الخصومة لينبها أبابكر علي غلطه و يوقفاه علي خطيئته و يدلاه علي ظلمه لهما في الميراث و لم يكونا في ريب من أمرهما و انما ذلك منهما علي ما كان من الملكين) [283] . واحد من العمالقة الذين جعل الله في لسانهم صوت الحق و في قلوبهم نور الايمان و جعلهم رسل الامامة لنشر الرسالة و الذود عن حياضها و جعل الأئمة سفن النجاة و باب حطة و الحبل الممدود الي النجاة. و يتساءل التاريخ ما دور هشام في القبض علي الامام موسي عليه‌السلام؟ هل كان لتلك المناظرة و الرشيد يسمعها عندما و وصل ابن‌جرير لموضع السؤال الذي قال فيه: أخبرني عن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام مفروض الطاعة؟ فقال هشام: نعم فسأله: ان أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل و تطيعه فقال: لا يأمرني قال: و لم اذا كانت طاعته مفروضة عليك و عليك أن تطيعه. لقد كان سليمان يحفر لهشام ليوقعه في الشرك الذي يصطاده به الرشيد خاصة و أن يحيي عندما تغير عليه و شي للرشيد به و قال انه من الرافضة. و عندما قال سليمان: فلم يأمرك في حال تطيعه و في حال لا تطيعه؟ فقال هشام: ويحك لم أقل اني لا أطيعه... و هنا كانت المصيدة أطبقت فقال: ان طاعته مفروضة انما قلت لك: لا يأمرني. و يقول سليمان: ليس أسألك الا علي سبيل سلطان الجدل، ليس علي الواجب أنه لا يأمرك فقال هشام: كم تحوم حول الحمي، هل هو الا أن أقول لك ان أمرني فعلت فتنقطع أقبح الانقطاع، و لا يكون عندك زيادة و أنا أعلم بما يجب قولي، و ما اليه يؤول جوابي. و هنا تغير وجه الرشيد... و قال: قد أفصح، و قال الناس و اغتنمها هشام [ صفحه 276] فخرج علي وجهه الي المدائن... و ماذا بعد ذلك ما هي النتيجة التي تخرج من بين يدي هارون...؟ قيل بلغنا أن هارن قال ليحيي: شد يدك بهذا و أصحابه و بعث الي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام فحبسه فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب، و انما أراد يحيي أن يهرب هشام فيموت مخفيا ما دام لهارون سلطان. فهل كان السبب الرئيس لأخذ الامام موسي عليه‌السلام ذلك الجدل و الذي اتخذه الرشيد ذريعة للوصول لغايته و التي كان يرسم لها كما رسم آباؤه للأئمة قبله و يفعل كما فعلوا بآل البيت... ربما كانت (الشعرة التي قصمت ظهر البعير) و لكن المرجح أن هارون كان الحقد يغلي في قلبه و الحسد يقتله، أو ليس هو القائل للمأمون: (الملك عقيم) و كيف به و هو يري و يسمع عن الامام موسي ما لا أذن سمعت و لا عين رأت من علمه و فضله و حقه و موقفه بالرغم من ايمانه بأن الامام موسي عليه‌السلام لن يخرج عليه - و لن يفعل الا كما فعل الامام الصادق عليه‌السلام مع من عاصره... و في زمن المهدي زعم هشام ليونس بن عبدالرحمن أن أباالحسن عليه‌السلام بعث اليه فقال له: كف هذه الأيام عن الكلام فان الأمر شديد. قال هشام: فكففت عن الكلام حتي مات المهدي و سكن الأمر و قد اختلف الرواة في الكيفية التي جرت المناقشة فيها و جري فيها استدعاء هشام بن الحكم و كان به علة و في الطريقة التي سلكها يحيي البرمكي للكيد لهشام.. و اثارة الضغينة لدي هارون عليه و هو الذي كان بادي‌ء ذي بدء يقربه منه و يجعله قطب مناظرته... و نحن لا نقول ان الزمن قلب ظهر المجن بل هو الصراع الدائم بين الحق و الباطل.. فهشام يحمل رسالة الامام موسي عليه‌السلام و من قبله رسالة الامام الصادق عليه‌السلام رسالة الاقناع بالامامة و الرسالة و الاسلام الحق، الرسالة التي حملها أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعد وفاته و التحاقه ببارئه.. و الذين كان منوط بهم [ صفحه 277] حفظ تلك الرسالة و حمايتها و الذود عنها بكل السبل حتي ذهب الحسين عليه‌السلام شهيدها و بعده كم من شهيد من آل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم كم من قتيل الظلم و الظلمة و الطغاة... فهل كان مجلس يحيي البرمكي الذي يحضره المتكلمون من كل فرقة و ملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم و مذاهبهم اذا جاز لنا وصف احتجاجاتهم تلك بالأديان لأن الدين واحد و المذاهب مختلفة هل كان مجلس علم أم أنه مجلس جاسوسية بلغتنا الحاضرة، من يرضي عنه فاز و من يحقد عليه... أوغر صدر الخليفة عليه ليؤخذ اما للمطبق أو للسيف أو للحيطان و الاسطوانات أو الجلد حتي الموت أو كما أخذ بعد ذلك البرامكة.. و قد ذكر الشيخ المفيد في الارشاد [284] مناظرات هشام أيام أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام حيث قال له الصادق عليه‌السلام: مثلك فليكلم الناس، اتق الزلة، و الشفاعة من ورائك و كان هشام وقتها أول ما اختطت لحيته... يقول موسي بن جعفر عليه‌السلام (و قد سبق الاشارة لذلك): دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي فأجلسني أبي بين يديه و قال: يا بني اكتب: (تنح عن القبيح و لا ترده)، ثم قال أجزه فقلت: (و من أوليته حسنا فزده). ثم قال: (ستلقي من عدوك كل كيد)، فقلت: (اذا كان العدو فلا تكده). قال عليه‌السلام: (ذرية بعضها من بعض) [285] . و نعود لما قال يزيد بن أسباط: دخلت علي أبي عبدالله عليه‌السلام في مرضته التي مات فيها فقال لي: يا يزيد أتري هذا الصبي اذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف انما كان ذنبه عند اخوته حتي [ صفحه 278] طرحوه في الجب الحسد له حين أخبرهم أنه رأي أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر و هم له ساجدون، و كذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد ثم دعا موسي و عبدالله و اسحاق و محمد و العباس و قال لهم: هذا وصي الأوصياء و عالم علم العلماء و شهيد علي الأموات و الأحياء، ثم قال: يا يزيد ستكتب شهادتهم و يسألون. لم يكن الامام موسي عليه‌السلام غلاما و لا صبيا بل كان قد بلغ من العمر تسع عشرة سنة أما حين نص عليه و هو غلام قائلا للفيض بن المختار الذي سأله: جعلت فداك أخبر به أحدا؟ قال: نعم أهلك و ولدك و رفقاءك، و كان يونس بن ظبيان ممن أخبر بذلك و تأكد بقول الصادق عليه‌السلام له: الأمر كما قال لك فيض.. و ان الذين رووا صريح النص بالامامة من أبيه عنه فمنهم أخوه علي و اسحاق، و المفضل بن عمر الجعفي و معاذ بن كثير و عبدالرحمان بن الحجاج و الفيض بن المختار و يعقوب السراج و سليمان بن خالد و صفوان بن مهران الجمال و حمران بن أعين و أبوبصير و داود الرقي و يزيد بن سليط و يونس بن ظبيان و قطع عليه العصابة الا طائفة عمار الساباطي و ان اعتبار القطع علي عصمة الامام و وجوب النص عليه يوجب امامته و يبطل امامة كل من يدعي له الامامة لأنه بين لمن لم يكن مقطوعا علي عصمته و بين من يدعي له العصمة و لم يكن مقطوعا، و عليه في ثبوت الأمرين ثبوت امامته خلفا عن سلف بالنص عليه من أبيه و عن آبائه و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و حكي داود بن كثير الرقي قال: أتي أعرابي الي أبي‌حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال: توفي جعفر الصادق. فشهق شهقة و أغمي عليه. فلما أفاق قال: هل أوصي الي أحد؟ قال: نعم أوصي الي ابنه عبدالله و موسي و أبي‌جعفر، فضحك أبوحمزة و قال: الحمد لله الذي هدانا الي المهدي و بين لنا عن الكبير و دلنا علي الصغير و أخفي عن أمر عظيم. [ صفحه 279] فسئل عن قوله فقال: بين عيوب الكبير و دل علي الصغير لاضافته اياه و كتم الوصية للمنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل أنت و كان المنصور دعا في جوف الليل أباأيوب الخوزي فلما أتاه رمي كتابا اليه و هو يبكي و قال هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأن جعفر بن محمد قد مات فانا لله و انا اليه راجعون و أين مثل جعفر، ثم قال له اكتب ان أوصي الي رجل بعينه فقدمه و اضرب عنقه فكتب و عاد الجواب: قد أوصي الي خمسة أحدهم أنت و هم: (أبوجعفر المنصور و محمد بن سليمان و عبدالله و موسي و حميدة) قال المنصور: ما الي قتل هؤلاء سبيل و قد سبق أن أوردنا الوصية بعدة روايات... كان المنصور من تابعه عليه‌السلام و الآن نري هارون يتابع الامام موسي عليه‌السلام للتخلص منه فماذا و لماذا سلط الشر علي الخير... و ذاك ابن نثيلة ثم ابن‌الخيزران و هذا و ذاك نقيضان... سلالة الطهر تحكمها سلالة (العهر) و أبناء الأنبياء يتحكم بهم أولاد الاماء وليتهم أولاد اماء مصونات... فماذا يصنع التاريخ و ماذا تخط أقلامه جعفر و موسي عليه‌السلام تقف الأقلام عاجزة عن الكتابة عن مآثرهما الخيرة الحافظة للدين و العقيدة و الشريعة و الأحكام و الهدي و هناك في الطرف الآخر الغصب و الاغتصاب و الطغيان و الفسق و الفجور و القتل... حميدة المصفاة يا ابنة صاعد البربري أيتها الأندلسية اللؤلؤة بورك حملك و بورك ابنك و بورك حرف لسانك و بورك من حملت له و حملت منه يا أم موسي و علي و اسحاق من لي بجواب علي سؤال و لكن أني و أين فسلام الله عليكم أجمعين... يقول الجنابذي أبوالحسن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام أمه أم ولد تدعي حميدة المصفاة من أشراف الأعاجم ولد له: علي الرضا و زيد و عقيل و هارون و الحسن و الحسين و عبدالله و اسماعيل و عبيدالله و عمر و أحمد و جعفر و يحيي و اسحاق و العباس و حمزة و عبدالرحمن و القاسم و جعفر الأصغر و يقال موضع عمر [ صفحه 280] محمد و أبوبكر و من البنات: خديجة و أم‌فروة و أسماء و علية و فاطمة و كلثوم و أم‌كلثوم و آمنة و زينب و أم عبدالله و زينب الصغري و أم القاسم و حكيمة و أسماء الصغري و محمودة و أمامة و ميمونة. يقول الذهبي محمد بن أحمد: كان موسي من أجود الحكماء و من عباد الله الأتقياء و كان صراع الرشيد ضاريا و نزاعه عنيفا، استدعاه من المدينة المنورة الي العراق و بالغ في أذيته و تعذيبه و تقييده و اثقاله بالحديد و نقله من سجن الي سجن سنوات خرج بعدها محمولا الي جسر الرصافة يوم الجمعة ملفوفا بعباءته مسموما ميتا و مدير شرطة الرشيد يتمايل علي فرسه بعد فوزه بسم موسي عليه‌السلام و كان السندي بن شاهك و كانت السنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة و كان الخامس و العشرين من شهر رجب و التف الناس حول الجثمان... و سرعان ما جاء انتقام الله عزوجل... سقط السندي مع حصانه في النهر و ذهب الي جهنم و بئس المصير... و يسأل الرشيد الامام موسي عليه‌السلام: يا أباالحسن، ما عليك من العيال: قال الامام عليه‌السلام: يزيدون عن الخمسمائة قال: أولاد كلهم قال عليه‌السلام: لا أكثرهم موالي و حشمي فأما الولد فلي نيف و ثلاثون... و تتابع الحديث فقال هارون لم لا تزوج النسوة من بني عمومتهن؟ قال الامام عليه‌السلام: اليد تقصر عن ذلك.. و يقول هارون: يا ابن العم أنا أعطيك من المال ما تزوج به أولادك و تعمر به الضياع و يجيب عليه‌السلام: وصلتك رحم يا ابن العم و شكر الله لك هذه النية الجميلة و الرحم ماسة و اشجة و النسب و احد و العباس عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و صنو أبيه و عم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و صنو أبيه و ما أبعدك الله من أن [ صفحه 281] تفعل ذلك و قد بسط يدك و أكرم عنصرك و أعلي محتدك. قال هارون: افعل ذلك يا أباالحسن، و كرامة. لقد بقيت صلة هارون فيه جميلة براقة كبرق غمامة صيف بلا مطر و تمر أيام الرشيد في المدينة... بلا صلة للامام عليه‌السلام حتي أزمع الرحيل فأرسل اليه أبخس ما أعطي (مائتا دينار)...؟؟!! و يقول له المأمون: يا أميرالمؤمنين تعطي فلان و فلان... و من لا يعرف نسبه خمسة آلاف و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس.. و يصيح هارون: اسكت لا أم لك فاني لو أعطيته هذا و مواليه.. و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم. [286] . هو الرشيد المؤمن بداخله أن موسي بن جعفر عليه‌السلام هو الامام و هو الخليفة لله في أرضه و حجته علي عباده و أن الخلافة الاسلامية من حقوقه الخاصة و ليس هناك أحد أولي بها منه لكن الملك عقيم... و حب الدنيا غلب علي كل ما عداه. قال بأم لسانه عن السبب في حرمان الامام عليه‌السلام من العطاء انها الحرب الشعواء حرب الافقار و الاذلال و لكن يأبي الله ذلك. لقد كان الرشيد يعلم بمكانة الامام و يعتقد أنه خليفة الله علي عباده و أنه وارث علوم الأنبياء، و كان يسأله عما يجري بعده من الأحداث فكان عليه‌السلام يخبره بذلك و قد سأله عن الأمين و المأمون فأخبره بما يقع بينهما فحز ذلك في نفسه و تألم أشد الألم و أقساه و لقد روي الأصمعي قال: دخلت علي الرشيد، و كنت قد غبت عنه بالبصرة حولا فسلمت عليه بالخلافة، فأومأ لي بالجلوس قريبا منه فجلست ثم نهضت فأومأ لي أن أجلس فجلست حتي خف الناس ثم قال لي: يا أصمعي ألا تحب أن تري محمدا و عبدالله ابني؟ [ صفحه 282] قلت: بلي يا أميرالمؤمنين، اني لأحب ذلك و ما أردت القصد الا اليهما لأسلم عليهما. و أمر الرشيد باحضارهما، فأقبلا حتي وقفا علي أبيهما و سلما عليه بالخلافة فأومأ لهما بالجلوس فجلس فجلس محمد عن يمينه و عبدالله عن يساره ثم أمرني بمطار حتهما الأدب فكنت لا ألقي عليها شيئا في فنون الأدب الا أجابا فيه و أصابا.. فقال الرشيد: كيف تري أدبهما؟ يا أميرالمؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما وجودة فهمهما و ذهنهما أطال الله بقاءهما و رزق الله الأمة من رأفتهما و عطفهما، فأخذهما الرشيد و ضمهما الي صدره و سبقته عبرته، فبكي حتي انحدرت دموعه علي لحيته، ثم أذن لهما في القيام فنهضا و قال: يا أصمعي كيف بهما اذا ظهر تعاديهما و بدا تباغضهما و وقع بأسهما بينهما، حتي تسفك الدماء، و يود كثير من الأحياء أنهما كانا موتي. فبهر الأصمعي من ذلك و قال له: يا أميرالمؤمنين هذا شي‌ء قضي به المنجمون عند مولدهما أو شي‌ء أثرته العلماء في أمرهما!! فقال الرشيد و هو واثق بما يقول: (لا بل شي ء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما)، و يقول المأمون: كان الرشيد قد سمع جميع ما يجري بيننا من موسي بن جعفر عليه‌السلام. [287] . ان الذي أثار أحقاد و ضغائن الرشيد علي الامام موسي عليه‌السلام علمه بمنزلة الامام و بما تذهب طائفة من المسلمين الي القول بامامته لذا دعاه و زجه في ظلمات السجون... و جاء في المناقب لابن شهر آشوب عن خالد السمان في خبر أنه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني و قال له: أنت الذي تقول: ان [ صفحه 283] السحاب حملتك من بلد الصين الي طالقان؟ فقال: نعم. قال: فحدثنا كيف كان؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام علي لوح تضربني الأمواج، فألقتني الأمواج الي البر، فاذا أنا بأنهار و أشجار، فنمت تحت ظل شجرة فبينا أنا نائم اذ سمعت صوتا هائلا فانتبهت فزعا مذعورا فاذا أنا بدابتين يقتتلان علي هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما، فلما بصرتا بي دخلتا في البحر فبينما أنا كذلك اذ رأيت طائرا عظيم الخلق، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل فقمت مستترا في الشجر حتي دنوت منه لأتأمله فلما رآني طار و رجعت أقفو أثره. فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تكبيرا و تلاوة قرآن، و دنوت من الكهف، فناداني مناد من الكهف: ادخل يا علي بن صالح الطالقاني، رحمك الله، فدخلت و سلمت فاذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع، أعين، فرد علي السلام و قال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز، لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف، لو لا أن الله رحمك في هذا اليوم فأنجاك و سقاك شرابا طيبا، و لقد علمت الساعة التي ركبت فيها و كم أقمت في البحر و حين كسر بك المركب، و كم لبثت تضربك الأمواج و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت، لعظيم ما نزل بك، و الساعة التي نجوت فيها، و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، و اتباعك الطائر الذي رأيته واقعا، فلما رآك صعد طائرا الي السماء فهلم فاقعد رحمك الله، فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي؟ فقال: عالم الغيب و الشهادة، و الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع، فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فاذا بمائدة عليها منديل، فكشفه و قال: هلم الي ما رزقك الله فكل. فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه، ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه و لا أعذب، ثم صلي ركعتين ثم قال: يا علي أتحب الرجوع الي بلدك؟ فقلت: و من لي بذلك؟! فقال: و كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات [ صفحه 284] و رفع يده الي السماء و قال: الساعة، الساعة، فاذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، و كلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله و حجته فيقول: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين؟ فتقول أرض كذا فيقول: لرحمة أو سخط؟ فتقول: لرحمة أو سخط و تمضي، حتي جاءت سحابة حسنة مضيئة فقال: السلام عليك يا ولي الله و حجته قال: و عليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة، أين تريدين؟ فقالت: أرض طالقان، فقال: الرحمة أو سخط؟ فقالت: لرحمة فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله، فقالت: سمعا و طاعة، قال لها: فاستقري باذن الله علي وجه الأرض، فاستقرت. فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها، فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم و بحق محمد خاتم النبيين و علي سيد الوصيين و الأئمة الطاهرين من أنت؟ فقد أعطيت و الله أمرا عظيما فقال: ويحك يا علي بن صالح ان الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، اما باطن و اما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة، و حجته الباطنة أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم و أنا المؤدي الناطق عن الرسول أنا في وقتي هذا، موسي بن جعفر، فذكرت امامته و امامة آبائه، و أمر السحاب بالطيران، فطارت، فوالله ما وجدت ألما و لا فزعت فما كان بأسرع من طرفة العين حتي ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية، فقتله الرشيد و قال: لا يسمع بهذا أحد. [288] .

الأسد و عصا موسي

و من تلك المعجزات التي خص بها الله سبحانه أولياءه ما روي ابن الوليد عن الصفار و سعد معا عن ابن عيسي عن الحسن، عن أخيه، عن أبيه علي بن يقطين قال: استدعي الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسي بن [ صفحه 285] جعفر عليه‌السلام و يقطعه و يخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا علي الخبز فكان كلما رام خادم أبي‌الحسن عليه‌السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، و استفز هارون الفرح و الضحك لذلك، فلم يلبث أبوالحسن عليه‌السلام أن رفع رأسه الي أسد مصور علي بعض الستور فقال له: يا أسد الله خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم فخر هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيا عليهم، و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن عليه‌السلام: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل فقال: ان كانت عصا موسي ردت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في افاقة نفسه. [289] . لم يكن للرشيد من هم الا الاساءة للامام عليه‌السلام فقد قتله الحسد و الغيرة و أعمي ناظريه و بصيرته الحقد الذي يأكل نفسه ويح نفسه يوم الله... و ويل للظالمين. انها القدرة التي أعطاها سبحانه لأوليائه المؤمنين الصالحين أو لم يعطي المسيح عيسي ابن مريم عليه‌السلام القدرة ليشفي الأكمه و الأبرص باذن الله، و كذلك أعطي نوحا و لوطا... و فدي اسماعيل بالكبش و حمي كعبته فأرسل الطير الأبابيل و استسقي أبوطالب بكرامة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و الوحي و التنزيل معجزة المعجزات... و تلك عصا موسي تلقف ما صنعوا، و يضرب بعصاه البحر...!! و هذا الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام كم من معجزة له كي يرعوي أولئك الظلمة الفراعنة، كي يؤمنون و يتوبوا... (انما نمد لهم مدا) يعرف الرشيد [ صفحه 286] و يخلف.. يبكي لما سيجري لولداه فقد أخبره بذلك الامام عليه‌السلام و بالرغم من ذلك يكفر و كفره ذو عذاب أليم كم من مرة حاول اهانة الامام و كم من مرة جرجر به من المدينة الي العراق و كم أهانه بكلمات جارحات و الكاظم الغيظ عليه‌السلام يحلفه بصلة الرحم و بالقربي و بمعجزات الكلام و بالمغيبات و الطاغية الفرعون في طغيانه يعمه.. أراد اطفاء نور الله و لكن الله متم نوره... عن سليمان بن عبدالله قال: كت عند أبي الحسن موسي عليه‌السلام قاعدا فأتي بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمني في جبينها و يده اليسري من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين، ثم قال: (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) [290] فرجع وجهها فقال: احذري أن تفعلي كما فعلت. قالوا: يا ابن رسول الله و ما فعلت؟ فقال: ذلك مستور الا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها فالتفت اليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها، فرجع وجهها علي ما كان. [291] . روي أحمد بن محمد عن أحمد بن أبي‌محمود الخراساني عن عثمان بن عيسي قال: رأيت أباالحسن عليه‌السلام في حوض من حياض ما بين مكة و المدينة عليه ازار، و هو في الماء فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه و هو يصفر فقلت: هذا خير من خلق الله في زمانه و يفعل هذا!! ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي: أين نزلت؟ فقلت له: نزلت أنا و رفيق لي في دار فلان فقال: بادروا و حولوا ثيابكم و اخرجوا منها الساعة قال: فبادرت و أخذت ثيابنا و خرجنا فلما صرنا خارجا من الدار انهارت الدار. [292] . و روي الحسن بن علي بن النعمان عن عثمان بن عيسي قال: وهب [ صفحه 287] رجل جارية لابنه فولدت أولادا فقالت الجارية بعد ذلك: قد كان أبوك و طأني قبل أن يهبني لك. فسئل أبوالحسن عليه‌السلام عنها فقال: لا تصدق انما تفر من سوء خلقه، فقيل ذلك للجارية فقالت: صدق و الله ما هربت الا من سوء خلقه. [293] . و روي محمد بن عيسي عن حماد بن عيسي قال: دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام بالبصرة فقلت له: جعلت فداك ادع الله تعالي أن يرزقني دارا و زوجة و ولدا و خادما و الحج في كل سنة. قال: فرفع يده ثم قال: اللهم صل علي محمد و آل محمد و ارزق حماد بن عيسي دارا و زوجة و ولدا و خادما و الحج خمسين سنة، قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة، قال حماد: و قد حججت ثمانية و أربعين سنة و هذه داري قد رزقتها و هذه زوجتي و راء الستر تسمع كلامي و هذا ابني و هذه خادمتي و قد رزقتها كل ذلك، فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أباالعباس النوفلي فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق فمات، رحمنا الله و اياه قبل أن يحج زيادة علي الخمسين و قبره بسيالة. [294] . و حدث أحمد بن محمد عن القاسم عن جده عن يعقوب بن ابراهيم الجعفري قال: سمعت ابراهيم بن وهب و هو يقول: خرجت و أنا أريد أباالحسن بالعريض فانطلقت حتي أشرفت علي قصر بني‌سراة ثم انحدرت الوادي فسمعت صوتا لا أري شخصه و هو يقول: يا أباجعفر صاحبك خلف القصر عند السدة فأقرئه مني السلام، فالتفت فلم أر أحدا ثم رد علي الصوت باللفظ الذي كان، ثم فعل ذلك ثلاثا فاقشعر جلدي ثم انحدرت في الوادي [ صفحه 288] حتي أتيت قصد الطريق الذي خلف القصر، و لم أطأ في القصر، ثم أتيت السد نحو السمرات [295] ، ثم انطلقت قصد الغدير، فوجدت خمسين حيات روافع من عند الغدير، ثم استمعت فسمعت كلاما و مراجعة فطفقت بنعلي ليسمع وطئي، فسمعت أباالحسن يتنحنح، فتنحنحت و أجبته ثم هجمت فاذا حية متعلقة بساق شجرة فقال: لا تخشي و لا ضائر. فرمت بنفسها ثم نهضت علي منكبيه، ثم أدخلت رأسها في أذنه فأكثرت من الصفير، فأجاب: بلي قد فصلت بينكم و لا ينبغي خلاف ما أقول الا ظالم، و من ظلم في دنياه فله عذاب النار في آخرته مع عقاب شديد، أعاقبه اياه و آخذ ما له ان كان له حتي يتوب، فقلت: بأبي أنت و أمي ألكم عليهم طاعة؟ فقال: نعم و الذي أكرم محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة، و أعز عليا عليه‌السلام بالوصية و الولاية انهم لأطوع لنا منكم، يا معشر الانس و قليل ما هم. [296] . و جاء في بصائر الدرجات عن الحسين بن محمد عن المعلي عن الوشاء، عن محمد بن علي عن خالد الجوان قال: دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة (منزل في طريق البصرة) فلما نظرت اليه قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي! مظلوم، مغصوب، مضطهد - في نفسي - ثم دنوت منه فقبلت ما بين عينيه و جلست بين يديه، فالتفت الي فقال: يا ابن‌خالد نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تتصور هذا في نفسك قال: قلت: جعلت فداك و الله ما أردت بهذا شيئا قال: فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا لو أردنا أزف الينا، و ان لهؤلاء القوم مدة و غاية لابد من الانتهاء اليها قال: فقلت: لا أعود أصير في نفسي شيئا أبدا قال: فقال: لا تعد أبدا. [297] . [ صفحه 289] يعرفون الحق و يحرفون و بأم أعينهم يرون النور فيغمضون الأجفان ليكذبوا علي أنفسهم. فهل هناك (أظلم ممن افتري علي الله كذبا) [298] ويل لولاة الجور و طغاة العصور و كفار الصدور يوم تصير أجسادهم الي القبور و نفوسهم طي السطور و أرواحهم يقبضها عزرائيل... يوم يسألهم منكر و نكير و تشهد أيديهم و ألسنتهم عن كل جور و فجور... و عما حوته لهم القصور و ماذا وسوست لهم شياطينهم و ماذا جنت أيديهم.. أين المفر يوم لا مفر أالي سقر من سفر ويل لهم في الحفر.. من ظلمهم للبشر (الي ربك يومئذ المستقر) [299] . يروي ابن‌الوليد عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن اسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبوالحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام: لما أمر هارون الرشيد بحملي دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام و رأيته مغضبا، فرمي الي بطومار فقال: اقرأه فاذا فيه كلام، قد علم الله عزوجل براءتي منه، و فيه أن موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته، يدينون الله بذلك و يزعمون أنه فرض عليهم الي أن يرث الله الأرض و من عليها، و يزعمون أنه من لم يذهب اليه بالعشر و لم يصل بامامتهم، و لم يحج باذنهم، و يجاهد بأمرهم، و يحمل الغنيمة اليهم و يفضل الأئمة علي جميع الخلق و يفرض طاعتهم مثل طاعة الله و طاعة رسوله فهو كافر حلال ماله و دمه، و فيه كلام شناعة مثل المتعة بلا شهود، و استحلال الفروج بأمره و لو بدرهم، و البراءة من السلف و يلعنون عليهم في صلاتهم و يزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته و من آخر الوقت فلا صلاة له لقول الله تبارك و تعالي (أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) [300] يزعمون أنه واد في جهنم و الكتاب [ صفحه 290] طويل و أنا قائم أقرأ و هو ساكت فرفع رأسه و قال: اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته، قلت: يا أميرالمؤمنين و الذي بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج لكنا معاشر آل أبي‌طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم في قوله: لو أهدي لي كراع لقبلت، و لو دعيت الي ذراع لأجبت، و قد علم أميرالمؤمنين ضيق ما نحن فيه و كثرة عدونا، و ما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب فضاق بنا الأمر و حرمت علينا الصدقة و عوضنا الله عزوجل عنها الخمس و اضطررنا الي قبول الهدية و كل ذلك مما علمه أميرالمؤمنين، فلما تم كلامي سكت. ثم قلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم فكأنه اغتنمها فقال: مأذون لك هاته. فقلت: حدثني أبي عن جدي يرفعه الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ان الرحم اذا مست رحما تحركت و اضطربت فان رأيت أن تناولني يدك فأشار بيده الي. ثم قال: ادن، فدنوت فصافحني و جذبني الي نفسه مليا ثم فارقني و قد دمعت عيناه فقال لي: اجلس يا موسي فليس عليك بأس، صدقت و صدق جدك و صدق النبي صلي الله عليه و آله و سلم لقد تحرك دمي، و اضطربت عروقي و اعلم أنك لحمي و دمي و أن الذي حدثتني به صحيح، و اني أريد أن أسألك عن مسألة فان أجبتني، أعلم أنك صدقتني خليت عنك، و وصلتك و لم أصدق ما قيل فيك، فقلت: ما كان علمك عندي أجبتك فيه. فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله و أنتم ولد علي و فاطمة انما هي وعاء، و الولد ينسب الي الأب لا الي الأم فقلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل؟ فقال: لست أفعل أو أجبت فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي‌ء؟ فقال: لك الأمان قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (و وهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين (84) و زكريا و يحيي [ صفحه 291] و عيسي) [301] ، فمن أبوعيسي؟ فقال: ليس له أب انما خلق من كلام الله عزوجل و روح القدس فقلت: انما ألحق عيسي بذراري الأنبياء من قبل مريم، و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي عليه‌السلام فقال: أحسنت أحسنت يا موسي زدني من مثله. فقلت: اجتمعت الأمة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي المباهلة لم يكن في الكساء الا النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم‌السلام فقال الله تبارك و تعالي: (فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبنآءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم) [302] فكان تأويل أبنائنا الحسن و الحسين، و نسائنا فاطمة، و أنفسنا علي بن أبي‌طالب، فقال: أحسنت، ثم قال أخبرني عن قولك: ليس للعم مع ولد الصلب ميراث، فقلت: أسألك يا أميرالمؤمنين بحق الله و بحق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم أن تعفيني من تأويل هذه الآية و كشفها، و هي عند العلماء مستورة فقال: انك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك و لست أعفيك، فقلت: فجدد لي الأمان فقال: قد أمنتك. فقلت: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، و ان عمي العباس قدر علي الهجرة فلم يهاجر، و انما كان في عدد الأساري عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم و جحد أن يكون له الفداء فأنزل الله تبارك و تعالي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخبره بدفين له من ذهب، فبعث عليا عليه‌السلام فأخرجه من عند أم‌الفضل، و أخبر العباس بما أخبره جبرائيل عن الله تبارك و تعالي فأذن لعلي و أعطاه علامة الذي دفن فيه، فقال العباس عند ذلك: يا ابن أخي ما فاتني منك أكثر، و أشهد أنك رسول رب العالمين، فلما أحضر علي الذهب، فقال العباس: أفقرتني يا ابن أخي، فأنزل الله تبارك و تعالي: (ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ممآ أخذ [ صفحه 292] منكم و يغفر لكم) [303] ، و قوله (و الذين ءامنوا و لم يهاجروا) [304] . ثم قال: (و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) [305] فرأيته قد اغتم ثم قال: أخبرني من أين قلتم ان الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله؟ فقلت: أخبرك يا أميرالمؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد ما دمت حيا، و عن قريب يفرق الله بيننا و بين من ظلمنا. و هذه مسألة لم يسألها أحد من السلاطين غير أميرالمؤمنين قال: و لا تيم و لا عدي و لا بنوأمية و لا أحد من آبائنا؟ قلت: ما سئلت و لا سئل أبو عبدالله جعفر بن محمد عنها. قال: فان بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما آمنتك فقلت: لك علي ذلك فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول و فروع، يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت: نعم و علي عيني يا أميرالمؤمنين قال: فاذا فرغت فارفع حوائجك، و قام و وكل بي من يحفظني و بعث الي في كل يوم بمائدة سرية. فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم أمور الدنيا أمران أمر لا اختلاف فيه و هو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة، و المستنبط منها كل حادثة و أمر يحتمل الشك و الانكار، و سبيل استنصاح أهله الحجة عليه. فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها، و وجب عليه قبولها، و الاقرار و الديانة بها، و ما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة عن النبي عليه‌السلام لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الأمة و عامها الشك فيه و الانكار له. كذلك، هذان الأمران من أمر التوحيد فما [ صفحه 293] دونه، الي أرش الخدش فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و لا قوة الا بالله و حسبنا الله و نعم الوكيل. فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج و عرضت عليه فقال: أحسنت هو كلام موجز جامع، فارفع حوائجك يا موسي، فقلت: يا أميرالمؤمنين أول حاجتي اليك أن تأذن لي في الانصراف الي أهلي، فاني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا. فقال: مأذون لك، ازدد؟ فقلت: يبقي الله أميرالمؤمنين لنا معاشر بني عمه، فقال: ازدد؟ فقلت علي عيال كثير، و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته، فأمر لي بمائة ألف درهم و كسوة و حملين و ردني الي أهلي مكرما. [306] . و في الخرائج جاء عن محمد بن عبدالله عن صالح بن واقد الطبري قال: دخلت علي موسي بن جعفر عليه‌السلام فقال: يا صالح انه يدعوك الطاغية (يعني هارون) فيحبسك في محبسه و يسألك عني فقل اني لا أعرفه، فاذا صرت الي محبسه فقل من أردت أن تخرجه فأخرجه باذن الله تعالي، قال صالح: فدعاني هارون من طبرستان فقال: ما فعل موسي بن جعفر فقد بلغني أنه كان عندك؟ فقلت: و ما يدريني من موسي بن جعفر؟ أنت يا أميرالمؤمنين أعرف به و بمكانه، فقال: اذهبوا به الي الحبس. فوالله اني لفي بعض الليالي قاعد و أهل الحبس نيام اذا أنا به يقول: يا صالح، قلت: لبيك، قال: صرت الي هنا؟ قلت: نعم يا سيدي. قال: قم فاخرج و اتبعني، فقمت و خرجت، فلما صرنا الي بعض الطريق قال: يا صالح السلطان سلطاننا كرامة من الله أعطانا، قلت: يا سيدي فأين احتجز من هذا الطاغية؟ قال: عليك [ صفحه 294] ببلادك فارجع اليها فانه لن يصل اليك. قال صالح: فرجعت الي طبرستان فوالله ما سأل عني و لا دري أحبسني أم لا [307] .! فان يك يا أميم علي دين فعمران بن موسي يستدين يقول هشام بن أحمر: كنت أسير مع أبي‌الحسن عليه‌السلام في بعض أطراف المدينة اذ ثني رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال و أطال، ثم رفع رأسه و ركب دابته فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟! فقال: انني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي [308] و قد رواه عنه علي بن عيطة و عنه أخذ ابن أبي‌عمير فأبوعلي فعلي و هذا ما جاء في الكافي. و يركب دابته منشدا... فان يك يا أميم علي دين... و تنهمر الدموع من مقلتيه و تخط دربها علي خديه تتلكأ... لا تريد مفارقته و بكل خشوع ينظر الي السماء و تتغلغل نظرته في البعيد البعيد.. سبحان الله.. و لا حول و لا قوة الا بالله. و عن سهل عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي‌حمزة عن أبيه قال: رأيت أباالحسن عليه‌السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه و من أبي فقلت: و من هو؟ فقال: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه‌السلام و آبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم و هو من عمل النبيين و المرسلين و الأوصياء و الصالحين. [309] . و يتابع عمله في أرضه و يتم انشاده عليه‌السلام فعمران بن موسي يستدين و يردد عليه‌السلام: [ صفحه 295] فان يك يا أميم علي دين فعمران بن موسي يستدين و هذا ما قاله علي بن محمد عن اسحاق بن محمد النخعي عن محمد بن جمهور عن فضالة عن موسي بن بكر قال: ما أحصي ما سمعت أباالحسن موسي صلوات الله عليه ينشد [310] . فان يك يا أميم علي دين فعمران بن موسي يستدين و أقول: و ان بالظلم قد كبلت ظلما فقبلي ثار من ظلم حسين و اني كاظم و الله غيظي و لو كالشن طاف بي الهتون لأدعو بالصلاة لهدي قومي و أسجد و السجود به الحنيف أناجي خالق الأكوان ربي و أشكر نعمة أني أكون لرب البيت عبدا في صلاتي و في نسكي و في ما أستعين فأسأل عفوك اللهم عونا اذا ما الموت جاء به السكون بعفو منك راحة كل نفس و عفو منك تطلبه العيون و تستسقي الجوارح من رحيق هو الترياق يسكبه الحنين فتسري فيه رعشة كل حرف من الآيات و الجفن الحزين يداعبه الكري في ليل بؤس و يردعه الذي فيه الأنين لغرثي بانتظار رغيف عيش تساقيهم من الضنك السنون فان يك ممحل كفي فاني و حق الله كفي تستدين لتدفع غائلات الجوع عنهم و شر البؤس عمن يستكين و تحيي من موات النفس نفسا بها لله تقفو تستبين طريق الحق في أمر و نهي و فعل فيه تسبيح و دين فاني مذنب و الذنب مني و عفوك واسع ربي هتون هو الغيث الذي يحيي مواتا و ينشي عالما و به البنون [ صفحه 296] أغثني منك عفوا في حياتي و بعد الموت عفوك لي حصون من التقوي لباسي يا الهي رجائي نحو بابك لي يقين روي ابراهيم بن أبي‌البلاد قال: قال لي أبوالحسن عليه‌السلام: اني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة. [311] . عن كتاب البصائر عن محمد بن جعفر العاصي عن أبيه عن جده قال: حججت و معي جماعة من أصحابنا، فأتيت المدينة، فقصدنا مكانا ننزله فاستقبلنا أبوالحسن موسي عليه‌السلام علي حمار أخضر يتبعه طعام و نزلنا بين النخل و جاء و نزل و أتي بالطست و الماء و الأشنان فبدأ بغسل يديه و أدير الطست عن يمينه حتي بلغ آخرنا ثم أعيد الي من علي يساره حتي أتي الي آخرنا ثم قدم الطعام، فبدأ بالملح ثم قال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ثني بالخل، ثم أتي بكتف مشوي فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فان هذا طعام كان يعجب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم أتي بالخل و الزيت فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب فاطمة عليهم‌السلام، ثم أتي بالسكباج [312] فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فهذا طعام كان يعجب أميرالمؤمنين عليه‌السلام. ثم أتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فان هذا الطعام كان يعجب الحسن بن علي عليه‌السلام، ثم أتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فان هذا طعام كان يعجب الحسين بن علي عليه‌السلام ثم أتي بجبن مبرز (مطيب بالتوابل) فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليه‌السلام ثم أتي (بتور) فيه بيض كالعجة فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فان هذا [ صفحه 297] طعام كان يعجب أبي‌جعفر عليه‌السلام ثم أتي بحلواء فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجبني و رفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه‌السلام: انما ذلك في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير و البهائم. ثم أتي بالخلال فقال: من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك فما أجابك ابتلعته و ما امتنع ثم بالخلال تخرجه فتلفظه، و أتي بالطست و الماء فابتدي‌ء بأول من علي يساره حتي انتهي اليه فغسل ثم غسل من علي يمينه حتي أتي علي آخرهم ثم قال يا عاصم كيف أنتم في التواصل و التبار؟ فقال: علي أفضل ما كان عليه أحد فقال: أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا. قال: لستم علي ما أحب من التواصل و الضيقة و الفقر. [313] . يا سبحان الله أليس ذلك هو قمة التعاون و التعاضد... فأين من ذلك دعاة الاشتراكية لصوص الجيوب الذين ما هم لهم الا أنفسهم ضمنا و ظاهريا يتشدقون بالتفاني و بالتعاون و التكاتف و التواصل... فسلام الله عليك يا موسي بن جعفر يا من ضربت المثل بالتفاني من أجل الآخرين و جاهدت لحفظ عقيدة جدك تلك الذي بعث بها متمما للأخلاق. و كما سبق لنا معرفة ما جري بالطالقاني الذي تاه مركبه في بحار الصين فضربته العاصفة و جمح به الموج علي لوح... و من خوف الرشيد و هلعه من أن يسمع الشعب القصة فيلتف حول الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام... قتل الطالقاني.. لكنه ويله فهل يقتل الشمس كي لا ترسل أشعتها أو يذبح القمر كي لا يرسل ضياءه. [ صفحه 298] حدث أبوالأزهر ناصح ابن علية البرجمي مطولا فقال: جمعني مسجد بازاء دار السندي بن شاهك و ابن السكيت فتفاوضنا في العربية و معنا رجل لا نعرفه فقال: يا هؤلاء، أنتم الي اقامة دينكم أحوج منكم الي اقامة ألسنتكم و ساق الكلام الي امام الوقت و قال: ليس بينكم و بينه غير هذا الجدار، قلنا تعني المحبوس موسي؟ قال: نعم، قلنا: سترنا عليك فقم من عندنا خيفة أن يراك أحد جليسنا فنؤخذ بك قال: و الله لا يفعلون ذلك أبدا و الله ما قلت لكم الا بأمره و انه ليرانا و يسمع كلامنا و لو شاء أن يكون ثالثنا لكان قال: فقد شئنا فادعه الينا، فاذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا كادت لرؤيته العقول أن تذهل، فعلمنا أنه موسي بن جعفر عليه‌السلام ثم قال: أنا هذا الرجل و تركنا و خرج من المسجد مبادرا، فسمعنا و جيبا شديدا و اذا السندي بن شاهك يعد و داخلا الي المسجد معه جماعة، فقلنا: كان معنا رجل فدعانا الي كذا و كذا، و دخل هذا الرجل المصلي و خرج ذاك الرجل و لم نره، فأمر بنا فأمسكنا ثم تقدم الي موسي و هو قائم في المحراب فأتاه من قبل وجهه و نحن نسمع فقال: يا ويحك كم تخرج بسحرك هذا و حيلتك من وراء الأبواب و الأغلاق و الأقفال و أردك فلو كنت هربت كان أحب الي من وقوفك ههنا، أتريد يا موسي أن يقتلني الخليفة؟ قال: فقال موسي و نحن و الله نسمع كلامه: كيف أهرب و لله في أيديكم موقت لي يسوق اليها أقداره، و كرامتي علي أيديكم، في كلام لله قال: فأخذ السندي بيده و مشي ثم قال للقوم: دعوا هذين و اخرجوا الي الطريق فامنعوا أحدا أن يمر من الناس حتي أتم أنا و هذا الي الدار. [314] . فكيف يفسر هذا الخوف، كيف يريد السندي للامام الهرب و يكف يمنع المرور كي يأخذه بيده... ويح نفسه يوم لا ينفع نفسا شي‌ء الا ما قدمت... ان الامام عليه‌السلام يتخطي الأبواب و الأقفال باذن الله... يقوم بما أمر به. [ صفحه 299] أما أحضر آمن ذاك الذي عنده علم بحرف أو باسم عرش سبأ قبل أن يرتد طرف سليمان عليه‌السلام... الله وحده علام الغيوب و الله وحده يعطي علمه من يشاء اذا شاء و متي يشاء.. هو الذي أوحي سبحانه و تعالي لموسي أن يلقي عصاه... و في رواية أن الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به عليه‌السلام فقال له: ان القوم قد افتتنوا بك بلا حجة فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوران علي هذا المسند فأشار عليه‌السلام اليهما و قال: خذا عدو الله، فأخذاه و أكلاه ثم قالا: و ما الأمر أنأخذ الرشيد؟ قال: لا عودا الي مكانكما. و لم يتعظ الرشيد كما لم يتعظ فرعون من قبله. قال علي بن أبي‌حمزة: كان يتقدم الرشيد الي خدمه اذا خرج موسي بن جعفر من عنده أن يقتلوه، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة و الزمع، فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب و جعل له وجها مثل وجه موسي بن جعفر عليه‌السلام و كانوا اذا سكروا أمرهم أن يذبحوه بالسكاكين و كانوا يفعلون ذلك أبدا. فلما كان في بعض الأيام جمعهم في الموضع و هم سكاري و أخرج سيدي اليهم فلما بصروا به هموا به علي رسم الصورة فلما علم منهم ما يريدون كلمهم بالخزرية و التركية فرموا من أيديهم السكاكين و وثبوا الي قدميه فقبلوهما، و تضرعوا اليه و تبعوه الي أن شيعوه الي المنزل الذي يكان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: ان هذا الرجل يصير الينا في كل عام، فيقضي أحكامنا، و يرضي بعضنا من بعض، و نستسقي به اذا قحط بلدنا، و اذا نزلت بنا نازلة فزعنا اليه، فعاهدهم أنه لا يأمرهم بذلك. فرجعوا [315] . و رئي في بغداد امرأة تهرول فقيل: الي أين؟ قالت: الي موسي بن جعفر فانه حبس ابني، فقال لها حنبلي: انه مات في الحبس فقالت: بحق المقتول في [ صفحه 300] الحبس أن تريني القدرة فاذا بابنها قد أطلق و أخذ ابن المستهزي‌ء بجنايته. و حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه و أخذ جليدا فأذابه بدواء ثم أخذ ماء و عقده بدواء و قال: هذا الطب الا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عندالله يدعو لك فقال الخليفة: علي بموسي بن جعفر فأتي به فسمع في الطريق أنينه، فدعا الله سبحانه، و زال مغص الخليفة فقال له: بحق جدك المصطفي أن تقول بم دعوت لي؟ فقلت: اللهم كما أريته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، فشفاه الله من ساعته. [316] . و قال علي بن أبي‌حمزة: كنت معتكفا في مسجد الكوفة اذ جاءني أبوجعفر الأول بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه‌السلام فقرأت كتابه فاذا فيه: اذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فاحرزه حتي أطلبه منك، فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزة في صندوق مقفل في جوف قمطر في جوف حق مقفل و باب البيت مقفل و مفاتيح هذه الأقفال في حجرته فاذا كان الليل فهي تحت رأسه و ليس يدخل بيت البز غيره فلما حضر الموسم خرج الي مكة و أفاد بجميع ما كتب اليه من حوائجه فلما دخل عليه قال العبد الصالح عليه‌السلام: يا علي ما فعلت بالكتاب الصغير الذي كتبت اليك فيه أن احتفظ به. فحكيته، قال: اذا نظرت الي الكتاب أليس تعرفه؟ قلت بلي قال: فرفع مصلي تحته، فاذا هو قد أخرجه الي فقال: احتفظ به فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك قال: فرجعت الي الكوفة و الكتاب معي فأخرجته من دروز جيبي عند ابطي فكان الكتاب «حياة علي في جيبه» فلما مات علي قال محمد و حسن ابناه: فلم يكن لنا هم الا الكتاب ففقدناه فعلمنا أن الكتاب قد صار اليه. قال محمد بن الحسن: ان بعض أصحابنا كتب الي أبي‌الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة علي الزجاج قال: فلما نفذت كتابي اليه [ صفحه 301] تفكرت و قلت: هو مما تنبت الأرض و ما كان لي أن أسأله عنه؟ فقال: فكتب الي: لا تصل علي الزجاج و ان حدثتك نفسك أنه مما تنبت الأرض، و لكن من الملح و الرمل و هما ممسوخان. و جاء في المناقب عن موسي بن جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: (لما كلم الله موسي بن عمران علي جبل طور سيناء اطلع علي الأرض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق و قال أقسمت علي نفسي أن لا أعذب كف لا بسك اذا تولي عليا بالنار) [317] . و عن محمد بن أبي‌عمير: قلت لموسي بن جعفر عليه‌السلام تختم أميرالمؤمنين عليه‌السلام باليمين فقال: انما يتختم بيمينه لأنه امام أصحاب اليمين بعد رسول الله و قد مدح الله أصحاب اليمين و ذم أصحاب الشمال. [318] . و في أمالي أبي عبدالله النيسابوري: أنه دخل الكاظم علي الصادق و الصادق علي الباقر و الباقر علي زين‌العابدين و زين‌العابدين علي الشهيد و كلهم فرحون و قائلون انه ناول النبي صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه‌السلام تفاحة فسقطت بيني يديه و صارت نصفين فخرج في وسطه مكتوب فيه من الطالب الغالب الي علي بن أبي‌طالب. [319] . و قال موسي بن جعفر عليه‌السلام بينما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جالس اذ دخل عليه ملك له أربعة و عشرون وجها فقال له: حبيبي جبرائيل لم أرك في هذه الصورة؟ قال الملك: لست بجبرائيل أنا محمود بعثني الله أن أزوج النور من النور قال: من بمن قال: فاطمة من علي، فلما ولي الملك اذا بين كتفيه (محمد رسول الله علي وصيه)، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: منذ كم كتب هذا بين [ صفحه 302] كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله آدم باثنين و عشرين ألف عام. [320] . و عن مقاتل بن مقاتل عن مرازم عن موسي بن جعفر عليه‌السلام في قوله تعالي (و التين و الزيتون) قال الحسن و الحسين (و طور سنين) قال: علي بن أبي‌طالب (و هذا البلد الأمين) قال محمد صلي الله عليه و آله و سلم و (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) قال الأول: (ثم رددناه أسفل سافلين) ببغضه أميرالمؤمنين (الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات) علي بن أبي‌طالب (فما يكذبك بعد بالدين) يا محمد ولاية علي بن أبي‌طالب [321] . يقول الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: أتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوي العالم الأكبر و أقول:

بك الدنيا

أتحسب و الذي سمك السماء بأنك مفرد جئت الرجاء و أنك لا تعي الا بأمر و مؤتمر يهيب بك العطاء و أنك مثل طير أو سحاب و مثل النجم شيأت النداء و أنك لست الا في فناء كجرم سار لا يألو بلاء ضعيف الحول في وعثاء درب و في عنت الحياة لك الخواء بلا أي ارتعاش أو هبوب بعاصفة تنيخ بك الرداء فتسوفك الرياح سفاء رمل و تلقي منك أشلاء سواء أتحسب أيها المخلوق وهما ففيك العالم الضخم استفاء و فيك الكنه فيك السر نبض و من عينيك لو شئت ابتداء [ صفحه 303] تأمل أنت في ابداع صنع رويدا من أناملك اصطفاء لكل منك من أجزاء جسم هو الدور المسطر فيه شاء و منه انساب في شريان قلب و جيف الروح منسرحا جفاء و منه الصوت من أوتار صدر و من بعض الحفيف تلا وباء رويدا أنت اذ ترجو خفوقا بكأس أو تناديت الخفاء و أرسلت الشعاع يجس جسما و أبديت المخاوف و الرياء و ظنت فيك ذاك الجرم وهما تديف لها من الصمت ابتلاء سدوم من سديم في مراح و ما تدري اذا دارت وثاء فخذ من كل مقلمة شموخا و سطر من تكون، بك البداء بك الدنيا بك الأفلاك تسري و منك الظل فيك بك ارتقاء زمان الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين... انها الامامة و الماوردي يقول: الامامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين و سياسة الدنيا انها منزلة الأنبياء و وراثة الأوصياء.. و كان الحقد من مقومات ذات الرشيد و أبرز صفاته فهو يحمل الحقد لكل من له مكانة مرموقة فهو يكره أن يتحدث الناس الا عنه و عن مآثره فعندما تحدث الناس عن البرامكة و مكارمهم اشتعل بالغيظ و منذ ضمه الستر و يحيي مستمعا لمجلس يحيي فأنزل بهم المصاب و محاهم من الوجود. و من الطبيعي أن يحقد علي الامام موسي عليه‌السلام.

المع شخصية

فالامام موسي عليه‌السلام هو ألمع شخصية في عصره آمن بامامته الكثير الكثير و عرف أحقيته بمنصب الخلافة ممن تقمصها حتي هارون نفسه قالها لابنه المأمون بأن الامام أولي منه بمنصبه هذا، لذلك امتلأ بالغيظ و الحقد و عينه و قلبه و فكره يؤمن و يري الامام في القمة العليا فضلا و مأثرة و علما و فقها و قربا من النبوة ألم يقل السلام عليك يا أبه و قال هارون يومها: أجل انه أبوه [ صفحه 304] حقا.. أراد الرشيد الفخر أمام الناس بقوله لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم السلام عليك يا ابن عم، و عندما قال الامام موسي السلام عليك يا أبه. أنشب الغيظ في أعماقه... فهو الحريص علي ملكه و سلطانه يضحي في سبيله بكل المقدسات ألم يقل للمأمون... «الملك عقيم... لو نازعني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأخذت الذي فيه عيناه» فكيف يترك (موسي عليه‌السلام) ذلك الامام العظيم و ابن الرسول فكيف تطيب نفسه و موسي عليه‌السلام يدرج بين الناس و يقصده كل طالب فقه و علم من أقصي الدنيا... و هارون يتلصص ليل نهار و يتجسس لسماع مقولات الناس فكان لا يسمع الا الذكر العطر للامام موسي بن جعفر عليه‌السلام، و لا يري الا حب الناس و تفانيهم بالولاء له فيتميز غيظا و حقدا، ذلك الحقد الذي ورثه عن آبائه الذين نكلوا بالعلويين و ما زالت دماؤهم تعبق في تلك الأروقة و تفوح من تلك الآبار و العواميد و الاسطوانات و الجدران التي تصرخ ليل نهار بما فيها من ظلم و جور و طغيان. لقد طارد العباسيون العلويين في كل مكان و كانت وحشيتهم أكثر من الأمويين الذين لم يجرأوا علي دفن العلويين أحياء حتي يزيد ذل القاتل المجرم لم يجرؤ علي اتخاذ ما اتخذه العباسيون بأهل (فخ) من الأسري... أجل لقد زاد هارون و أسلافه جورا فدفن العلويين أحياء و أشاع الثكل و الحزن و اليتم في بيوتهم و ما ترك وسيلة الا اتبعها للبطش و التنكيل بهم و حتي حرمهم من جميع حقوقهم الطبيعية و كان سمت البغض لديه و هو يري يعسوب العلويين [كما قال هو (و أنت يعسوبهم)..]. و سيدهم الامام موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام في تلك المكانة التي له بين الناس و في قلوبهم و عقولهم فدفعه لؤمه و عداؤه الموروث الي سجنه ليحرم الناس من الوصول اليه و انتهال علمه و نصائحه و توجيهاته و كم هناك من النفوس الضعيفة التي تبيع نفسها بدريهمات تشري بها تزلفها من هارون الخليفة واشية لدي الطاغية هامسة في أذنه... (خليفتان في الأرض يجبي لهما..) كم من هؤلاء ابتلي بهم الاسلام.. باعوا أنفسهم بثمن بخس.. و منذ اشتراهم معاوية [ صفحه 305] (الوضاعون) اشتري ضمائرهم و وجودهم لوضع الأحاديث الكاذبة له... متبارين تقربا و تزلفا و كما لا يخلو عصر و لا أرض من امام حجة، كذلك لا تخلو تلك الأرض من أولئك الطغمة الفاسدة حتي يأتي امام العصر (عج) فيخلص العالم من الشرور و الفساد...

الوشاة

ها هي العيون و الجواسيس و الوشاة، هارون الرشيد يريد افقار العلويين و يأتي من يقول له ان موسي بن جعفر (عليهم سلام الله) قد اشتري (اليسرية) بثلاثين ألف دينار... و انه يجبي له الخراج.. و جاء في الفصول المهمة [322] لابن الصباغ الي أن هذه الوشاية من جملة الأسباب الداعية لسجن الامام عليه‌السلام و هو القائل للمأمون (ان فقرهم أحب الي من غناهم). و جاء من يهمس له بأن موسي بن جعفر عليه‌السلام يطالب بالخلافة و رسائله تذهب الي الأمصار و دعاته تجوب الأقطار للتهيئة للثورة و كانت القشة التي قصمت ظهر البعير من (يحيي البرمكي) الذي وشي بهشام من الحكم وحاك مؤامرة مجلسه ليقول (لو أمره موسي بالخروج بالسيف لخرج) من جملة و شاياته و السبب أن هارون أراد أن يعقد الأمر و يشهره لابن زبيدة محمد الأمين ليكون ولي عهده ثم المأمون عبدالله ثم القاسم المؤتمن فحج و كتب الي الآفاق يأمر الفقهاء و العلماء و القراء و الأمراء بالحضور الي مكة يوم الموسم و أخذ هو طريق المدينة، [و كان سبب سعاية يحيي بن خالد بموسي عليه‌السلام أن الرشيد وضع ابنه محمد في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث و كان يتشيع فساء ذلك يحيي و قال اذا مات الرشيد و أفضي الأمر الي ابنه محمد انقضت دولتي و دولة ولدي و تحول الأمر الي ابن الأشعث و ولده]، فأظهر لجعفر أنه يتشيع فسر بذلك و أفضي له بكل أموره و ذكر له ما هو عليه في موسي بن جعفر عليه‌السلام [ صفحه 306] عند ذلك سعي به الي الرشيد، و كان الرشيد يرعي له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره و يؤخر و يحيي لا يألو أن ينفث عليه (الي أن دخل يوما الي الرشيد. فأظهر له اكراما و جري بينهما كلام مت به جعفر بحرمته و حرمة أبيه فأمر له الرشيد بعشرين ألف دينار) فابتلعها يحيي و لم يتكلم حتي المساء فقال للرشيد: يا أميرالمؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر و مذهبه فتكذب عنه و ها هنا أمر فيه الفيصل قال: و ما هو؟ قال: انه لا يصل اليه مال من جهة ما الا أخرج خمسه فوجه به الي موسي بن جعفر و لست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت له بها؟ فقال هارون: ان في هذا لفيصلا. فأرسل الي جعفر ليلا و قد كان عرف سعاية يحيي به فتباينا و أظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة فلما طرق رسول الرشيد باب جعفر ليلا خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيي و أنه دعاه ليقتله فأفاض عليه الماء و دعا بمسك و كافور و تحنط بهما و لبس بردة فوق ثيابه و أقبل الي الرشيد، فلما وقعت عليه عينه و شم رائحة الكافور و رأي البردة قال: يا جعفر ما هذا فقال: يا أميرالمؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي فأرسلت لاي لتقتلني، فقال: كلا و لكن قد خبرت أنك تبعث الي موسي بن جعفر كل ما يصير اليك بخمسه و أنك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار، فأحببت أن أعلم ذلك، فقال جعفر: الله أكبر يا أميرالمؤمنين، تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر و انطلق به حتي تأتيني بهذا المال و سمي له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت اليه البدر بخواتيمها فأتي بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعي بي اليك، قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فاني لا أقبل فيك قول أحد. و أما يحيي فجعل يحتال لاسقاط جعفر بكل السبل فسأل يحيي بن أبي‌مريم أن يدله علي رجل من آل أبي‌طالب له رغبة في الدنيا [ صفحه 307] ليوسع له منها فدله علي (علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد) فأرسل اليه يحيي فقال: أخبرني عن عمك و عن شيعته و المال الذي يحمل اليه. فقال له: عندي الخبر، فسعي بعمه و أخبر يحيي عن الأموال و عن شرائه ضيعة اليسيرية بثلاثين ألف دينار. و كان موسي بن جعفر عليه‌السلام يأمر لعلي بن اسماعيل بالمال ويثق به حتي أنه ربما خرج الكتاب الي شيعته بخط علي بن اسماعيل، ثم استوحش منه. فلما أراد الرشيد الرحلة الي العراق بلغ موسي بن جعفر عليه‌السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان الي العراق فأرسل اليه: (ما لك و الخروج مع السلطان)؟ قال: لأن علي دينا، فقال عليه‌السلام: دينك علي قال: و تدبير عيالي؟ قال: أنا أكفيهم، فأبي الا الخروج فأرسل اليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم فقال: اجعل هذا في جهازك و لا تؤثم ولدي. (و ذكر أن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد ذكر لعلي بن جعفر أن محمد بن جعفر دخل علي هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت أخي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة «أهو الحسد أم الحقد أم الفقر أم أنه كاخوة يوسف الصديق عليه‌السلام»، و كان ممن سعي بموسي بن جعفر عليه‌السلام يعقوب بن داود و كان يري رأي الزيدية. قال ابراهيم بن أبي‌البلاد: كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قال بالامامة فدخلت اليه بالمدينة في الليلة التي أخذ فيها موسي بن جعفر عليه‌السلام في صبيحتها فقال لي: كنت عند الوزير الساعة (يعني يحيي بن خالد فحدثني أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كالمخاطب له: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه، و اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم» و أنا أحسب أنه سيأخذه غدا. فلما كان من الغد أرسل اليه الفضل بن الربيع و هو قائم يصلي في مقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأمر بالقبض عليه و حبسه و كان ذلك [ صفحه 308] في العشرين من شوال لعام تسع و سبعين و مائة حيث قدم المدينة منصرفا من عمرة رمضان. ثم شخص الي الحج و حمله معه فصرفه علي طريق البصرة حيث وصل يوم التروية الي الموصل فسجن عند عيسي بن جعفر. و أما علي بن اسماعيل بن جعفر فانه لم يلتفت لقول عن الامام موسي عليه‌السلام و انجرف بما وسوست له نفسه و قام من عند عمه و هو يقول له عليه‌السلام: لا تؤثم أولادي و أخذ علي المال الذي أعطاه عمه و انصرف و قال الامام عليه‌السلام: و الله ليسعي في دمي و يؤثم أولادي. فقال له أصحابه: جعلنا الله فداك، فأنت تعلم هذا من حاله و تعطيه؟!! فقال عليه‌السلام: نعم، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: ان الرحم اذا قطعت فوصلت قطعها الله. و في بغداد دخل علي الرشيد مسلما عليه بالخلافة باسطا كفيه فاغرا فاه قائلا: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت عمي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة... و قيل انه قال له: ان الأموال تحمل اليه من المشرق و المغرب و أن له بيوت أموال و أنه اشتري اليسيرية بثلاثين ألف دينار. و فقد الرشيد صوابه فالواشي ابن أخ الامام عليه‌السلام... من غرته الدنيا و أفقده الحسد انتماءه و قيمه فكان كاخوة يوسف الصديق عليه‌السلام و يأمر الرشيد لعلي بمائتي ألف درهم علي أن يستحصلها من بعض نواحي الشرق.. و تمضي الرسل فتجبي الأموال و تعود اليه و يدخل هو بيت الخلاء و لغضب الله عليه تخرج أمعاؤه و يحاولون ردها... و لا فائدة.. و تصل الأموال و هو يعاني سكرات الموت فقيل له: ان الأموال قد و صلتك و يقول: و ما أصنع بها و قد أتاني الموت و قيل انه رجع الي داره فهلك فيها في تلك الليلة التي اجتمع بها مع هارون [323] بعد أن باع آخرته بدنياه و لم ينتفع بها و باء بخزي من الله. [ صفحه 309]

اسباب سجن الامام

اشاره

و الأسباب التي دعت الرشيد لسجنه مهما كثرت فانها تتمركز حول الحقد و الحسد و الخوف علي الكرسي. الرشيد الخليفة يريد أن يكون هو كل شي‌ء خليفة الله علي الأرض كما قال معاوية و كل ما علا الأرض ملكه يأخذ ما يريد و ما يشاء متي يشاء جن بهم جنون الجاه و اغتروا و ما عادوا نظروا و لا اعتبروا.. و يفقد عقله الرشيد و يصيبه المس أمام من احتشد حول قبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول السلام عليك يا ابن العم مفاخرا بقرابته من النبي الأعظم محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم و عندما يتقدم موسي عليه‌السلام يقول: السلام عليك يا أبه... فموسي أعظم منه و أفخر منه و أقرب منه موسي هو الشوكة في حلقه و موسي في أعماقه مؤمن أنه الامام و أنه الأحق فماذا يصنع بموسي عليه‌السلام... الحبس.. القتل.. التغييب عن الناس الأفقار و التشريد.. ماذا يعمل صراع و خوف في أعماقه الدنيا و الآخرة تتشادان.. و يتغلب الملك و تتغلب الدنيا و ينتصر في نفسه الشيطان، أمر باعتقال الامام عليه‌السلام و زجه بالسجن و ما زالت ترن في أذنه أقوال الامام عليه‌السلام عن حدود فدك.. ففي كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر عليه‌السلام خذ فدكا حتي أردها اليك، فيأبي حتي ألح عليه فقال عليه‌السلام: لا [ صفحه 310] آخذها الا بحدودها قال: و ما حدودها؟ قال: ان حددتها لم تردها قال: بحق جدك الا فعلت؟ قال عليه‌السلام: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد و قال: ايها قال: و الحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه قال: و الحد الثالث افريقية فاسود وجهه و قال: هيه قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية. قال الرشيد فلم يبق لنا شي‌ء فتحول الي مجلسي، قال موسي عليه‌السلام: قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردها فعند ذلك عزم علي قتله، و في رواية ابن‌أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال: هذا كله، هذه الدنيا فقال عليه‌السلام هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي‌هالة فأفاءه الله علي رسوله بلا خيل و لا ركاب، فأمره الله أن يدفعه الي فاطمة عليهم‌السلام. [324] . و قد سبق في زمن المهدي أن الامام موسي عليه‌السلام كما يروي علي بن محمد بن عبدالله عن بعض أصحابنا - أظنه السياري - عن علي بن أسباط. قال: لما ورد أبوالحسن موسي عليه‌السلام علي المهدي رآه يرد المظالم فقال: يا أميرالمؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال له: و ما ذاك يا أباالحسن؟ قال: ان الله تبارك و تعالي لما فتح علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فدك و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم (و ءات ذا القربي حقه) [325] فلم يدر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من هم فراجع في ذلك جبرائيل عليه‌السلام ربه فأوحي الله اليه أن ادفع فدك الي فاطمة عليهم‌السلام فدعاها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال لها: يا فاطمة ان الله أمرني أن أدفع اليك فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله و منك. فلم يزل و كلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما ولي أبوبكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك. [ صفحه 311] فجاءت بأميرالمؤمنين عليه‌السلام و أم أيمن فشهدا لها. فكتب لها بترك التعرض. فخرجت و الكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتب لي ابن أبي‌قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها و نظر فيه، ثم تفل فيه و محاه و خرقه. فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل و لا ركاب فضعي الجبال في رقابنا. فقال له المهدي: يا أباالحسن حدها لي: فقال: حد منها جبل أحد، و حد منها عريش مصر، و حد منها سيف البحر، و حد منها دومة الجندل، فقال له: كل هذا؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين هذا كله ان هذا كله مما لم يوجف أهله علي رسول الله بخيل و لا ركاب فقال: كثير و أنظر فيه. [326] . فكانت فدك بتحديدها نقطة قوة تلجم حكام الزور و البهتان في كل زمان.. خاصة ذلك (الرشيد اللارشيد) المتمسك بكلتا يديه بالكرسي يحسب نفسه ظل الله علي الأرض ان لم يكفر أثكر.. فتحفز لسماع أية همهمة ينقلها استراق سمعه و عيون جواسيسه... و كان موقف الامام عليه‌السلام من هذا الطاغية موقفا سلبيا تمثلت فيه صرامة الحق و صلابة العدل، حرم علي شيعته التعاون مع السلطة الحاكمة بأي وجه و لقد رأينا كيف منع صاحبه صفوان الجمال من اكراء جماله لهارون علما أنها تكري لحج بيت الله الحرام فاضطر صفوان لبيعها و عرف هارون فامتلأ حقدا علي صفوان و هم بقتله كما أنه عليه‌السلام منع زياد بن أبي‌سلمة من وظيفته و شاعت في الأوساط الاسلامية فتوي الامام بحرمة الولاية من قبل هارون و أمثاله من الحكام الجائرين فزاد ذلك ايغار قلبه وساءه ذلك فالامام عليه‌السلام لم يصانع هارون و لم يتسامح معه فكان موقفه معه صريحا واضحا و قد رأينا ذلك سابقا في سؤاله للامام عليه‌السلام عندما أدخله الي بعض قصوره المشيدة التي لم ير مثلها هارون مختالا سكرا بنشوة النصر [ صفحه 312] و نشوة الحكم و بنشوة الغرور فقال بصيغة السؤال و هو يريد الاعتزاز: ما هذه الدار!!! فأجابه الامام دون تقية و لا خوف من جبروت: هذه دار الفاسقين و تلي عليه‌السلام (سأصرف عن آيتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) [327] ... و مشت الرعدة في جسم هارون و غمرته موجة الاستياء فقال للامام: دار من هي؟... فقال عليه‌السلام: هي لشيعتنا فترة و لغيرهم فتنة و يقول: ما بال صاحب الدار لا يأخذها يقول عليه‌السلام أخذت منه عامرة و لا يأخذها الا معمورة... و يسأله: أين شيعتك فيقول عليه‌السلام: بسم الله الرحمن الرحيم (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة) [328] . و قال هارون بصوت يقطر نقمة و غضبا: أنحن كفار؟ قال: لا. و لكن كما قال الله تعالي: (الذين بدلوا نعمت الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) [329] فغضب هارون و أغلظ في كلامه علي الامام و اجتمع هذا السبب مع الأسباب السابقة كحسده لسمو شخصية الامام عليه‌السلام و حقده عليه لمكانته في قلوب الناس و حرصه علي كرسي الملك و من ثم بغضه العلويين و لعبت الوشاية دورها كما لعب احتجاج الامام عليه‌السلام تعيين فدك و صلابة الامام في دينه كل دوره في حقن ذلك الكافر المارق فأودع الامام حنادس السجون و غياهب الظلام و القسوة و الضنك بالرغم من قناعته أن الامام عليه‌السلام لم يكن يبغي الحكم و السلطان فقد خاف من نشر العدل و الحق بين الناس لأن ذلك يزيل ظلمه و جبروته... لقد قدم أهل البيت أروع التضحيات في سبيل الله و نشر رسالة الاسلام [ صفحه 313] بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لانقاذ المجتمع الاسلامي من الاستبداد و الجور. خاصة و أن الامام موسي عليه‌السلام كان زعيم المعارضين لسياسة هارون... و أن لمن أقسي المحن التي تناقلتها البشرية هي التي نزلت بالامام موسي عليه‌السلام و الذي قضي زهرة حياته في ظلمات السجون محجوبا عن أهله و شيعته محظر عليه نشر علومه... و قد جهد هارون و أمعن في ظلمه و التنكيل به. و كما حفل التاريخ بالثورات علي حكام الظلم و التي قادها المصلحون لأجل أبناء جلدتهم فعانوا الأذي و الاضطهاد و التنكيل فانه سطر بحروف من نور جهاد أهل البيت عليهم‌السلام الذين قدموا أروع التضحيات لنصرة الحق و انقاذ العالم من الجور و الاستبداد سواء في زمن بني‌أمية أو بني‌العباس و الذي مارسه الحكام الطغاة في سلب أموال المسلمين لصرفها علي المجون و الدعارة و بذلها لعملائهم الذين يزوقون لهم أفعالهم و يدعمونها بالافتراء... كل هذا حفز أهل البيت عليهم‌السلام و هم المسؤولون عن رعاية الدين و حماية المسلمين منهم (ثاني الثقلين) و عليهم انقاذ المجتمع الاسلامي من الجور و الذب عن حياض الاسلام و حماية المسلمين. قرر هارون حبس موسي عليه‌السلام فاعتذر للنبي صلي الله عليه و آله و سلم عن حبسه اعتذر القاتل لأب المقتول أنه سيقتل ابنه.. قال عفوا؟؟!!! اعتذر المجرم للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في انتهاك حرمته و في التنكيل بفلذة كبده ويحه ظن الاعتذار من ارتكاب الجريمة يحله عن العقاب يوم العقاب الأكبر... و ألقت شرطته القبض علي الامام موسي عليه‌السلام و هو قائم يصلي لربه عند رأس جده النبي صلي الله عليه و آله و سلم... قطعوا عليه صلاته و ما أمهلوه لاتمامها.. حملوه و دموعه تذرف و قيدوه و جروه من قرب جده... و صوته يشكو لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (اليك أشكو يا رسول الله) [330] .. لم يحترم هارون قداسة القبر الشريف فهتك حرمته (فلو نازعه صاحب القبر [ صفحه 314] لأخذ عينيه) و هتك حرمة أبنائه و التي هي أولي بالرعاية و المودة من كل شي‌ء، و كما لم يحترم الصلاة التي هي أقدس العبادات في الاسلام فقطع عليه صلاته و أمر بتقييده. و حمل اليه الامام و هو يرسف في ذل القيود فلما مثل عنده جفاه و أغلظ له في القول. [331] .

اثر اعتقال الامام

اعتقل الامام و سري الخبر كالنار في الهشيم.. فالخبر وقع كالصاعقة فأجزع النفوس و شتت العقول... هذا ابن رسول الله يعتقل... و أين؟! في المحراب و هو يصلي عند رأس جده.. القلوب تصدعت حزنا و أسي ها هو عليه‌السلام ذو الصرر و ذو العطاء و ذو العلم و الايمان يحتجب فأني للفقراء و الأيتام و الأرامل من معيل و أني لهم من متعهد بالرعاية و العطف و الحنان المفزع عند الخطوب و الملجأ عند الكوارث و المرشد من الضياع و الهادي الي النهج الحق... خيم علي يثرب الحزن و اللوعة و المصاب... و خاف الرشيد من حدوث الفتنة و الاضطراب فأمر بتهيئة قبتين و أوعز بحمل احداهما الي الكوفة و الأخري الي البصرة ليوهم علي الناس أمر الامام و ليخفي عليهم خبر اعتقاله بأي مكان و أمر بحمله عليه‌السلام الي البصرة في غلس الليل حيث سير اليها و قد أحاطته الآلام و وكل حسان السروري بحراسته و المحافظة عليه [332] و قبل أن يصل البصرة مثل بين يديه عبدالله بن مرحوم الأزدي فدفع له الامام كتبا و أمره بايصالها الي ولي عهده الامام الرضا عليه‌السلام (و عرفه بأنه الامام من بعده). و طوت القافلة البيداء لتصل البصرة قبل التروية بيوم [333] فأخذ حسان [ صفحه 315] الامام عليه‌السلام و دفعه الي عيسي بن جعفر بن أبي‌جعفر المنصور ابن عم هارون و هو أميرها و ذلك علانية نهارا حتي عرف الخبر و شاع أمره فحبسه عيسي في بيت من بيوت الحبس و أقفل عليه أبواب السجن فكانت لا تفتح الا في حالتين احداهما في خروجه للطهور و الأخري لادخال الطعام له. يقول: محمد بن سليمان النوفلي: حدثني أحد كتاب عيسي بن جعفر و كان نصرانيا و كان خاصا بي فقال: لقد سمع هذا الرجل الصالح - و يعني الامام عليه‌السلام - في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله. و في ذلك الحبس المنكر أقبل الامام عليه‌السلام علي عبادة الله فحير الألباب و العقول بعبادته و انقطاعه الي الله فكان يصوم النهار و يقوم الليل مصليا متهجدا ساجدا داعيا لربه... لم يسئمه السجن و لم يضجره عزله عن العالم و اعتبر تفرغه للعبادة من أعظم النعم التي منحها الله له. فكان يشكر ربه و يدعو قائلا: (اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد) [334] . و شاع خبر اعتقاله عليه‌السلام في مدينة البصرة فأقبل علماؤها و رواة الحديث فيها الي الامام فاتصلوا به عن طريق خفي فاتصل به ياسين الزياتي [335] و غيره من العلماء البارزين و رووا عنه الشي‌ء الكثير مما يتعلق بالتشريع الاسلامي و الأحكام و العلوم... و تناقل الناس حديثه مقرونا بالحسرة و اللوعة و انتشر الخبر في البصرة و تناقله الركبان فخاف هارون من حدوث الفتن فأوعز الي عيسي يطلب منه [ صفحه 316] فورا القيام باغتيال الامام عليه‌السلام كي يستريح منه. و وصلت السالة الأمر لعيسي فثقل عليه ذلك و جمع خواصه و ثقاته و عرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة، فاستصوب رأيهم و كتب الي الرشيد رسالة يطلب فيها اعفاءه من ذلك فقال فيها: (يا أميرالمؤمنين، كتبت الي في هذا الرجل، و قد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عينا عليه، لينظروا حيلته و أمره و طويته ممن له المعرفة و الدراية و يجري من الانسان مجري الدم، فلم يكن منه سوء قط و لم يذكر أميرالمؤمنين الا بخير، و لم يكن عنده تطلع الي ولاية و لا خروج و لا شي‌ء من أمر الدنيا و لا دعاء علي أميرالمؤمنين و لا علي أحد من الناس و لا يدعو الا بالمغفرة و الرحمة له و لجميع المسلمين مع ملازمته للصيام و الصلاة و العبادة، فان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من أمره، أو ينفذ من يتسلمه مني و الا سرحت سبيله فاني منه في غاية الحرج. [336] . و كما كشف لنا دعاء الامام عليه‌السلام صبره و رضاه بقضاء الله و مدي حبه للعبادة و الطاعة، كذلك دلت رسالة عيسي علي اكباره و تقديره البالغ للامام عليه‌السلام و هو الذي راقبه سنة كاملة بعيونه و جواسيسه، فلم يره الا مشغولا بذكر الله و طاعته، و لم يسمعه تعرض لذكر أحد بسوء حتي الظلمة له، فخاف الله من اغتياله.

وصف الاعتقال

و جاء في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن الطالقاني عن محمد بن يحيي الصولي عن أحمد بن عبدالله عن علي بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لما قبض الرشيد علي موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم [ صفحه 317] قائما يصلي فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول: اليك أشكو يا رسول الله ما ألقي، و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون فلما حمل الي بين يدي الرشيد شتمه و جفاه، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له فحمل موسي بن جعفر عليه‌السلام الي أحدهما في خفاء و دفعه الي حسان السروي و أمره أن يصير به في قبة الي البصرة فيسلمه الي عيسي بن جعفر بن أبي‌جعفر و هو أميرها و وجه قبة أخري علانية نهارا الي الكوفة معها جماعة ليعمي علي الناس أمر موسي بن جعفر عليه‌السلام. فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه الي عيسي بن جعفر نهارا علانية حتي عرف ذلك وشاع أمره. فحبسه عيسي في بيت من بيوت الحبس الذي كان يحبس فيه، و أقفل عليه، و شغله العيد عنه فكان لا يفتح عنه الباب الا في حالتين حال يخرج فيها الي الطهور و حال يدخل اليه فيها الطعام قال أبي: فقال لي الفيض بن أبي‌صالح: - و كان نصرانيا ثم أظهر الاسلام و كان زنديقا، و كان يكتب لعيسي بن جعفر و كان بي خاصا - فقال: يا أبا عبدالله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله. قال أبي: و سعي بي في تلك الأيام الي عيسي بن جعفر بن أبي‌جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس بن ربيعة في رقعة دفعها اليه أحمد بن أسيد حاجب عيسي. قال: و كان علي بن يعقوب من مشايخ بني‌هاشم و كان أكبرهم سنا و كان مع سنه يشرب الشراب و يدعو أحمد بن أسيد الي منزله فيحتفل له و يأتيه بالمغنين و المغنيات و يطمع في أن يذكره لعيسي. فكان في رقعته التي دفعها اليه: انك تقدم علينا محمد بن سليمان في اذنك و اكرامك و تخصه بالمسك و فينا من هو أسن منه، و هو يدين بطاعة موسي بن جعفر المحبوس عندك. قال أبي: فاني لقائل في يوم قائظ اذ حركت حلقة الباب علي فقلت: ما [ صفحه 318] هذا؟ فقال لي الغلام: قعنب بن يحيي علي الباب يقول: لابد من لقائك الساعة فقلت: ما جاء الا لأمر ائذنوا له، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي‌صالح بهذه القصة و الرقعة، و قد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني: لا تخبر أبا عبدالله فتخوفه، فان الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغا و قد قلت للأمير: أفي نفسك من هذا شي‌ء حتي أخبر أبا عبدالله فيأتيك فيحلف علي كذبه؟ فقال: لا تخبره فتغمه فان ابن عمه انما حمله علي هذا لحسد له، فقلت له: أيها الأمير أنت تعلم أنك لا تخلو بأحد خلوتك به، فهل حملك علي أحد قط؟ قال: معاذ الله. قلت: لو كان له مذهب يخلاف فيه الناس لأحب أن يحملك عليه قال: أجل و معرفتي به أكثر. قال أبي: فدعوت بدابتي و ركبت الي الفيض من ساعتي فصرت اليه و معي قعنب في الظهيرة فاستأذنت عليه، فأرسل الي: جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه، و اذا هو جالس علي شرابه فأرسلت اليه، لابد من لقائك فخرج الي في قميص دقيق و ازار مورد فأخبرته بما بلغني فقال لقعنب: لا جزيت خيرا، ألم أتقدم اليك أن لا تخبر أبا عبدالله فتغمه ثم قال: لا بأس فليس في قلب الأمير من ذلك شي‌ء قال: فما مضت بعد ذلك الا أيام يسيرة حتي حمل موسي بن جعفر عليه‌السلام سرا الي بغداد و حبس ثم أطلق ثم حبس و سلم الي السندي بن شاهك فحبسه و ضيق عليه ثم بعث اليه الرشيد بسم في رطب و أسره أن يقدمه اليه ويحتم عليه في تناوله منه ففعل، فمات صلوات الله عليه. [337] .

محاولة القتل

و جاء أيضا عن عمر بن واقد قال: ان هارون الرشيد لما ضاق صدره [ صفحه 319] مما كان يظهر له من فضل موسي بن جعفر عليه‌السلام و ما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بامامته، و اختلافهم في السر اليه بالليل و النهار خشية علي نفسه و ملكه ففكر في قتله بالسم فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة. و أخذ سلكا فعركه في السم و أدخله في سم الخياط و أخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل يردد اليها ذلك السم بذلك الخيط، حتي علم أنه قد حصل السم فيها فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب و قال لخادم له: احمل هذه الصينية الي موسي بن جعفر و قل له: ان أميرالمؤمنين أكل من هذا الرطب و تنغص لك به و هو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة فاني اخترتها لك بيدي، و لا تتركه يبقي منها شيئا و لا يطعم منها أحدا. فأتاه بها الخادم و أبلغه الرسالة فقال: ائتني بخلال فناوله خلالا و قام بازائه و هو يأكل من الرطب و كانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها و خرجت تجر سلاسلها من ذهب و جوهر حتي حاذت موسي بن جعفر عليه‌السلام فبادر بالخلال الي الرطبة المسمومة و رمي بها الي الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها لاأرض و عوت و تهرت قطعة قطعة و استوفي عليه‌السلام باقي الرطب و حمل الغلام الصينية حتي صار بها الي الرشيد فقال له: قد أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين قال: فكيف رأيته؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أميرالمؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة و أنها قد تهرت و ماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا و استعظمه و وقف علي الكلبة فوجدها متهرئة بالسم، فأحضر الخادم و دعا له بسيف و نطع و قال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا أميرالمؤمنين اني حملت الرطب الي موسي بن جعفر و أبلغته سلامك و قمت بازائه فطلب مني خلالا فدفعته اليه فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة و يأكلها حتي مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمي بها فأكلتها الكلبة و أكل هو باقي الرطب فكان ما تري يا أمير [ صفحه 320] المؤمنين. فقال الرشيد: ما ربحنا من موسي الا أنا أطعمناه جيد الرطب و ضيعنا سمنا و قتل كلبتنا، ما في موسي حيلة. [338] . لقد لبث عليه‌السلام في حبس عيسي سنة حضه الرشيد فيها مرارا علي قتله غير أنه لم يجرؤ أن يقدم علي هذا الأمر الشنيع، كما منعه من ذلك جماعة من خواصه و يقول أحد عيون عيسي الذي كلف بمراقبة الامام عليه‌السلام: كنت أسمعه كثيرا يناجي ربه فيقول: يار ب ما زلت أسألك أن ترزقني زاوية اعتزل بها و أخلو فيها للتعبد لك في سكون و راحة بال و أشكرك لأنك استجبت لي و أعطيتني ما أردت..

حمله الي بغداد

و بعد وصول كتاب عيسي الي الرشيد وجه من تسلمه منه و حمل سرا الي بغداد فحبس عند الفضل بن الربيع و كان يقضي مدة حبسه متعبدا ساجدا جل وقته. لقد فرح عيسي لأن الله أنقذه من ارتكاب جريمة قتل في امام جليل... لقد حمل الي بغداد عليه‌السلام تحف به الشرطة و الحراس و في يديه و رجليه الأغلال و ساروا مسرعين ليصلوا هارون حيث أمر بوضعه في سجن الفضل ابن الربيع و الذي هو في حال الامام عليه‌السلام بيت الفضل و الغاية من ذلك التمويه علي الناس من أن الامام عليه‌السلام غير معتقل نظرا لخطورة الامام عليه‌السلام عليه و لسمو مكانته و عظم شخصيته و لذا لم يضعه في أحد السجون العامة كالمطبق كما وضع عبدالله بن الحسن و أهل بيته... و في تاريخ الطبري أن عبدالملك بن صالح لما غضب عليه الرشيد سجنه عند الفضل بن الربيع و كذلك سجن ابراهيم بن المهدي عند أحمد بن أبي‌خالد. [339] . [ صفحه 321] و لذا سجن الامام عليه‌السلام في بيوت الوزراء و كبار رجال الدولة و كان الفضل بن الربيع حاجبا للرشيد. و قيل توفي عام 207 ه بعد أن ولي أمور الأمين و مهامه بعد وفاة الرشيد و قيل انه روي عن أبيه أنه روي عن المنصور عن جده عن ابن‌عباس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) [340] . و في سجن ابن‌الربيع أقبل الامام عليه‌السلام علي طاعة ربه فكان يقضي أوقاته في الصلاة و السجود و الابتهال الي الله و التضرع اليه حتي فاق بطاعته جميع الأولياء و بهر الفضل بعبادته فكان يحدث عنها باكبار و تقديس للامام عليه‌السلام كما حدث بذلك عبدالله القزويني و قد جاء في ص 175 روي أحمد بن عبدالله ببعض التصرف: قال عبدالله: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح داره فقال لي ادن مني، فدنوت منه حتي حاذيته فقال لي: أشرف علي الدار، فقال الفضل: ما تري في البيت قال: أري ثوبا مطروحا قال: انظر حسنا تأمل عبدالله في نظره فقال: رجل ساجد قال: هل تعرفه قال: لا قال: هذا مولاك قال: من مولاي؟ قال: تتجاهل علي؟ قال: ما أتجاهل و لكن لا أعرف لي مولي قال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر و جعل الفضل يحدث عبدالله عن عبادة الامام و طاعته لله قائلا: اني أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها. انه يصلي الفجر، فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد و كل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدي‌ء بالصلاة من غير أن يجدد الوضوء، فاعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ [ صفحه 322] من صلاة العصر فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة فاذا صلي العتمة أفطر علي شواء يؤتي به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم، فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر فلست أدري متي يقول الغلام ان الفجر قد طلع؟ اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي. و لما رأي عبدالله اكبار الفضل للامام صلي الله عليه و آله و سلم حذره من أن يستجيب لداعي الهوي فينفذ رغبة الرشيد باغتياله فقال له: اتق الله و لا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة فقد نعلم أنه لم يفعل أحد بأحد سوءا الا كانت نعمته زائلة. و كان الفضل مؤمنا بذلك فقال له: «قد أرسلوا الي غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم الي ذلك و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني». و كان هارون يتوجس خفة من الامام عليه‌السلام فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه تترصده فكان يراقبه بنفسه و يتطلع علي شؤونه خوفا من أن يتصل به أحد من الناس أو يكون الفضل قد رفه عليه. فأطل من أعلي القصر علي السجن فرأي ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ما ذاك بثوب، و انما هو موسي بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال فقال هارون: أما ان هذا من رهبان بني‌هاشم!! و التفت اليه الربيع بعد ما سمع من اعترافه بزهد الامام قائلا له: [ صفحه 323] يا أميرالمؤمنين، ما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟!! فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من الشر و فقدان الرأفة قائلا: هيهات... لابد من ذلك. [341] . و ضاق الامام ذرعا من طول مدة حبسه و اشتاق لعياله و أطفاله و الخطوب المريرة تحيطه و الآلام المرهقه تنزل به منتقلا من حبس لحبس و من عيون تراقبه لعيون ليل نهار كي لا يتصل به شيعته فلجأ عليه‌السلام الي الله سبحانه و تعالي ليخلصه من محنته تلك فقام في غلس الليل مجددا طهوره فصلي لربه أربع ركعات و أخذ يناجي الله و يدعوه قائلا: (يا سيدي نجني من حبس هارون و خلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل و طين و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء، خلصني من يد هارون) [342] .

اطلاق سراحه

و كأني بالامام عليه‌السلام تقطر كلماته أسي و موجدة و عذاب كأني بها تبكي من شدة المعاناة... فهو ليس كالغريق بل أقسي و أشد... غريب، بعيد، مظلوم، مقهور (و يستجيب الله سبحانه و تعالي للعبد الصالح فينقذه من سجن الطاغية هارون الذي يطلقه في غلس الليل). حدث عبدالله بن مالك الخزاعي الذي كان علي دار الرشيد و شرطته قال: أتاني رسول الرشيد في ما جاءني فيه قط فانتزعني من موضعي و منعني من تغيير ثيابي. فراعني ذلك، فلما صرت الي الدار سبقني الخادم، فعرف [ صفحه 324] الرشيد خبري فأذن لي في الدخول، فدخلت، فوجدته جالسا علي فراشه، فسلمت، فسكت ساعة، فطار عقلي، و تضاعف جزعي ثم قال لي: يا عبدالله، أتدري لم طلبتك في هذا الوقت قلت: لا و الله يا أميرالمؤمنين؟ قال: اني رأيت الساعة في منامي كأن حبشيا قد أتاني، و معه حربة فقال: ان لم تخل عن موسي بن جعفر الساعة، و الا نحرتك بهذه الحربة، اذهب فخل عنه. و لم يطمئن عبدالله لأمر الرشيد باطلاق سراح الامام فقال له: أطلق موسي بن جعفر؟ قال له ذلك ثلاث مرات، فقال الرشيد: «نعم امض الساعة حتي تطلق موسي بن جعفر، و اعطه ثلاثين ألف درهم و قل له ان أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب، و ان أحببت المضي الي المدينة فالاذن في ذلك اليك». و يمضي عبدالله مسرعا الي السجن قال: لما دخل وثب الامام عليه‌السلام قائما. و ظن أني قد أمرت فيه بمكروه فقلت له: «لا تخف، قد أمرني أميرالمؤمنين باطلاقك و أن أدفع اليك ثلاثين ألف درهم، و هو يقول لك: ان أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب و ان أحببت الانصراف فالأمر في ذلك مطلق لك و أعطيته الثلاثين ألف درهم [343] ، و قلت له: لقد رأيت من أمرك عجبا. فحدثه الامام عليه‌السلام عن السبب في اطلاق سراحه فقال: بينما أنا نائم اذ أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال لي: يا موسي حبست مظلوما قل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس فقلت له: بأبي أنت و أمي ما أقول: فقال: قل: يا سامع كل صوت و يا سابق الفوت و يا كاسي العظام لحما و منشرها بعد الموت أسألك بأسمائك الحسني و باسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا [ صفحه 325] يقوي علي أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصي عددا، فرج عني» فكان ما تري. [344] . و لقد سبق أن وردت بنص متفاوت حيث انه جاء أن السجن منزل عبدالله بن مالك الخزاعي. و جاء في البحار أن الامام عليه‌السلام بقي بعد اطلاق سراحه في بغداد لم ينزح عنها الي يثرب و كان يدخل علي الرشيد في كل أسبوع مرة في يوم الخميس و كان يحتفي به اذا رآه و قد دخل عليه يوما و قد استولي عليه الغضب من أجل رجل ارتكب جرما فأمر أن يضرب ثلاثة حدود فنهاه الامام عليه‌السلام عن ذلك و قال انما تغضب لله، فلا تغضب له أكثر مما غضب لنفسه. [345] .

في بغداد

و ان أغلب الظن أن الرشيد حين أطلق سراح الامام عليه‌السلام فرض عليه الاقامة الجبرية في بغداد و لم يسمح له بالسفر الي وطنه فمكث عليه‌السلام في بغداد مدة من الزمن لم يتعرض له هارون بسوء. و قد بذل عليه‌السلام في تلك الفترة كل جهوده لارشاد الناس و هدايتهم الي طريق الحق، فهذا بشر الحافي الذي تاب علي يده حتي صار من عيون الصالحين و المتقين و الذي كان في بداية أمره يتعاطي الشراب و يقضي لياليه و أيامه في المجون و الدعارة فاجتاز الامام عليه‌السلام علي داره في بغداد فسمع الملاهي و أصوات الغناء و القصب تعلو من داره التي خرجت منها جارية بيدها قمامة رمت بها في الطريق فالتفت الامام قائلا: يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد قالت: حر قال عليه‌السلام: صدقت لو كان عبدا لخاف من مولاه، و دخلت الجارية الدار، و كان بشر علي مائدة [ صفحه 326] السكر، فقال لها: ما أبطأك فنقلت له ما دار بينها و بين الامام عليه‌السلام فخرج بشر مسرعا حتي لحق الامام فتاب علي يده و اعتذر منه و بكي [346] و بعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه و اتصل بالله عن معرفة و ايمان حتي فاق أهل عصره في الورع و الزهد و قال فيه ابراهيم الحربي: (ما أخرجت بغداد أتم عقلا و لا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل) [347] . و لقد أعرض عن زينة الحياة الدنيا و رضي بالقناعة و قال فيها: لو لم يكن في القناعة شي‌ء الا التمتع بعز الغناء لكان ذلك يجزي ثم أنشأ يقول: أفادتني القناعة أي عز و لا عز أعز من القناعه فخذ منها لنفسك رأس مال و صير بعدها التقوي بضاعه تحز حالين تغني عن بخيل و تسعد في الجنان بصبر ساعه و كان يتذمر من أهل عصره و يكره الاختلاط بهم و ذلك لفقدان المؤمنين و الأخيار و كثرة الأشرار و المنحرفين، لذلك ابتعد عن الاجتماع بكثير من الناس حتي أن المأمون تشفع بأحمد بن حنبل في أن يأذن له في زيارته فأبي و لم يجبه [348] ، و من شعره في تذمره من أهل زمانه قوله: ذهب الرجال المرتجي لفعالهم و المنكرون لكل أمر منكر و بقيت في خلف يزين بعضهم بعضا ليدفع معور عن معور [349] . و قد تجرد عن الدنيا و انقطع الي الله حتي صار من أقطاب العارفين و كل ذلك ببركة وعظ الامام موسي عليه‌السلام و ارشاده له. و ما هي المدة التي أطلق به سراحه عليه‌السلام و التي استقطب بها الناس.. [ صفحه 327] و كم من المرات أعاده الي السجن ثم أطلقه حيث كانت شكوكه هي المسيطرة عليه و قد ذكر أنه انتقل من سجن الفضل بن الربيع الي سجن الفضل بن يحيي. لقد ضاق صدر الرشيد و بلغ حقده مبلغا مما تناقله الناس من فضائل الامام عليه‌السلام و خاف منه فعزم علي قتله.

القبض علي الامام

حدث الفضل فقال: كنت حاجبا عند الرشيد فأقبل علي يوما غضبانا و بيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي قلت: و أي الحجازيين؟ قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب قال الفضل: فخفت من الله عزوجل ان جئت به اليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: افعل فقال: ائتني بسواطين و جنازين و جلادين قال: فأتيت بذلك و مضيت الي منزل أبي‌ابراهيم موسي بن جعفر عليه‌السلام فأتيت الي خربة فيها كوخ من جرائد النخل (حيث كان يسكن عليه‌السلام و ذلك بعد خروجه من السجن أول مرة)، فاذا أنا بغلام أسود فقلت له: استئذن لي علي مولاك يرحمك الله فقال لي: لج ليس له حاجب و لا بواب، فولجت اليه فاذا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده فسلمت عليه و قلت: أجب الرشيد فقال: ما للرشيد و ما لي؟ أما تشغله نعمته عني؟ ثم قام مسرعا و هو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان طاعة السلطان للتقية واجبة ما جئت فقلت له: استعد للعقوبة يا أباابراهيم رحمك الله فقال عليه‌السلام: أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة و من يقدر اليوم علي سوء بي ان شاء الله. فقال الفضل بن الربيع: فرأيته و قد أدار يده يلوح علي رأسه ثلاث [ صفحه 328] مرات، فدخلت الي الرشيد فاذا هو كأنه امرأة ثكلي قائم حيران فلما رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبيك فقال: جئتني بابن عمي؟ قلت: نعم، قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان فاني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده، ائذن له بالدخول، فأذنت له. فلما رآه وثب اليه قائما و عانقه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي ثم أجلسه علي فخذه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي ثم أجلسه علي فخذه و قال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال: سعة ملكك و حبك للدنيا فقال: ايتوني بحقة الغالية. فأتي بها فغلفه بيده ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان و دنانير فقال الامام موسي عليه‌السلام: و الله لولا أني أري من أزوجه بها من عزاب بني أبي‌طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا ثم تولي عليه‌السلام و هو يقول: الحمد لله رب العالمين فقال الفضل: يا أميرالمؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه و أكرمته؟ فقال لي: يا فضل انك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون ان آذي ابن رسول الله خسفنا به و بداره الأرض و ان أحسن اليه انصرفنا عنه و تركناه. فتبعته عليه‌السلام فقلت له: ما الذي قلت حتي كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام كان اذا دعا به ما برز الي عسكر الا هزمه و لا الي فارس الا قهره و هو دعاء كفاية البلاء. قلت: و ما هو؟ قال: قلت: «اللهم بك أساور و بك أحاول و بك أحاور و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا، أسلمت نفسي اليك و فوضت أمري اليك و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم اللهم انك خلقتني و رزقتني و سترتني عن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني فاذا هويت رددتني و اذا عثرت قومتني و اذا مرضت شفيتني و اذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [350] . و عن تلك الدعوات و عن سجنه عليه‌السلام و اطلاق سراحه ثم سجنه تكثر [ صفحه 329] الروايات و كلها حول قطب واحد و هو الظلم المحيق بالامام عليه‌السلام و المعجزات التي يظهرها و جور هارون و خوفه علي كرسي الملك و مؤامراته و أوامره لقتل الامام عليه‌السلام. قيل لما حبس الرشيد موسي بن جعفر عليه‌السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدد عليه‌السلام طهوره و استقبل بوجهه القبلة و صلي لله عزوجل أربع ركعات ثم دعا فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون و خلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل و طين و ماء و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء خلصني من يد هارون، فلما دعا عليه‌السلام بهذه الدعوات أتي هارون في نومه رجل أسود و بيده سيف مسلول فوقف علي رأس هارون و هو يقول: يا هارون أطلق عن موسي بن جعفر و الا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف هارون من هيبته و دعا الحاجب و قال له: اذهب الي السجن فأطلق عن موسي بن جعفر. فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه السجان من ذا؟ قال: ان الخليفة يدعو موسي بن جعفر فأخرجه من سجنك و أطلق عنه، فصاح السجان يا موسي ان الخليفة يدعوك، فقام موسي عليه‌السلام مذعورا فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل الا لشر يريد بي، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجاء الي هارون و فرائصه ترتعد فقال: سلام علي هارون فرد عليه‌السلام قال: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟ قال عليه‌السلام: نعم قال: و ما هن؟ قال عليه‌السلام: جددت طهورا و صليت لله عزوجل أربع ركعات و رفعت طرفي الي السماء و قلت يا سيدي خلصني من يد هارون و ذكره و شره... فقال هارون: قد استجاب الله دعوتك. يا حاجب أطلق عن هذا ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا و حمله علي فرسه و أكرمه و صيره نديمه لنفسه ثم قال: هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه و سلمه الي الحاجب ليسلمه الي الدار و يكون معه، [ صفحه 330] فصار موسي بن جعفر عليه‌السلام كريما شريفا عند هارون و كان يدخل عليه كل خميس الي أن حبسه ثانية فلم يطلق عنه حتي سلمه الي السندي بن شاهك فقتله بالسم. و جاء في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية: لعل هذا من الريح. فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح و اذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي: أجب الأمير، و لم يسلم علي، فيئست من نفسي و قلت هذا مسرور الكبير قد دخل الي بلا اذن و لم يسلم، ما هو الا القتل، و كنت جنبا فلم أجسر أن أسأله انظاري حتي أغتسل فقالت لي الجارية لما رأت تحيري و تبلدي: ثق بالله عزوجل و انهض، فنهضت و لبست ثيابي و خرجت معه حتي أتيت الدار فسلمت علي أميرالمؤمنين و هو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أميرالمؤمنين، فتركني ساعة حتي سكنت ثم قال لي: صر الي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر بن محمد و ادفع اليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع و احمله علي ثلاثة مراكب و خيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا الي أي بلد أراد و أحب. فقلت: يا أميرالمؤمنين تأمر باطلاق موسي بن جعفر؟ قال: نعم، فكررت عليه ثلاث مرات، فقال لي: نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد، فقلت: يا أميرالمؤمنين و ما العهد؟ قال: بينما أنا في مرقدي هذا اذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد علي صدري و قبض علي حلقي و قال لي: حبست موسي بن جعفر ظالما له؟ فقلت: فأنا أطلقه و أهب له، و أطلع عليه، فأخذ علي عهد الله عزوجل و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج. فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو في حبسه فرأيته قائما يصلي فجلست حتي سلم ثم أبلغته سلام أميرالمؤمنين و أعلمته بالذي [ صفحه 331] أمرني به في أمره و أني قد أحضرت ما وصله به فقال: ان كنت أمرت بشي‌ء غير هذا فافعله فقلت: و لا و حق جدك رسول الله ما أمرت الا بهذا فقال: لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال اذا كانت في حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ، فقال: اعمل به ما أحببت و أخذت بيده و أخرجته من السجن ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل فقد وجب حقي عليك لبشارتي اياك و لما أجراه الله عزوجل علي يدي من هذا الأمر. فقال عليه‌السلام: رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليلة الأربعاء، في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم، فقلت: نعم رسول الله محبوس مظلوم فكرر علي ذلك ثلاثا ثم قال: (و ان أدري لعله فتنة لكم و متاع الي حين) [351] ، أصبح غدا صائما و اتبعه بصيام الخميس و الجمعة فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد و اثنتي عشرة مرة كل هو الله أحد فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل: (يا سابق الفوت يا سامع كل صوت يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك و علي أهل بيته الطيبين الطاهرين و أن تعجل لي الفرج مما أنا فيه. ففعلت فكان الذي رأيت) [352] . الكاظم عليه سلام الله و صلواته ابن الخمسة و أبوالخمسة ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام. يقول صلوات الله و سلامه عليه و علي أهل بيته محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم: (نحن أهل بيت لا نقاس بأحد و لا يقاس بنا أحد). يقول الحمداني: ليس الرشيد كموسي بالقياس و لا مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم [ صفحه 332]

العن ظلوما لهم

شتان بينهما يا نفس فارتفدي من منهل الطهر لا من منهل الظلم من كاظم الغيظ من ابن الرسول هدي موسي بن جعفر باب الخير و الحكم من مثل عيسي تقي من أمه حملت طهرا كريما بطهر النور و القيم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا ابن أحمد خير الخلق في النظم هذا ابن حيدرة و ابن البتول اذا ما اساءل الخلق من ذا جاوبت بفم سبع السموات و الأرضون و ارتعشت كل البرية بسم الله لم تقم الا لأجلهم الدنيا و ما حملت أو ما أقلت بطون الريح و الرحم فاصدع لأمر اله الكون و ال لهم و أتل الكتاب صلاة العهد و القسم و انظر بقلبك نحور الله مبتهلا و اقرأ و سبح أفض للكاظم الألم و اقصد بنفسك باب الطهر ملتمسا عون الكريم بباب الخير و الكرم باب الحوائج فانزع عنك ما حملت نفس من الشك فالايمان عبر دم سلم عليهم طهور الكف ملتمسا منجاة قلبك من شر و من اثم و العن ظلوما حقودا جائرا كفرت كفاه و النفس مغترا، و في الرحم لم يأل جهدا لكم الحق ما انتصرت عيناه، فالله منهم خير منتقم أجل شتان بين رشيدهم و الكاظم. فالرشيد أول خليفة لعب بالصولجان بالميدان و أول الخلفاء اللاعبين بالشطرنج و النرد و أما الكاظم عليه‌السلام فكما سبق و أوردنا كما قال معاوية بن وهب: دخلت علي أبي عبدالله عليه‌السلام فرأيت أباالحسن موسي عليه‌السلام و له يومئذ ثلاث سنين و معه عناق و هو آخذ بخطامها و هو يقول لها: اسجدي، فلا تفعل ذلك (ثلاث مرات) فقال له غلام صغير: يا سيدي قل لها تموت. فقال موسي عليه‌السلام: ويحك أنا أحيي و أميت! الله تعالي يحيي و يميت. موسي بن جعفر عليه‌السلام كان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسي عليه‌السلام فشكا القلة. [ صفحه 333] يقول علي بن جعفر عليه‌السلام: خرجنا مع أخي موسي بن جعفر عليه‌السلام في أربع عمر يمشي فيها الي مكة بعياله و أهله، واحدة منهن يمشي فيها ستة و عشرين يوما و أخري خمسة و عشرين يوما و أخري أربعة و عشرين يوما و أخري أحد و عشرين يوما [353] . و في البحار كما وردت سابقا عن يحيي بن الحسن قال: كان موسي بن جعفر عليه‌السلام اذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير و كانت صراره ما بين الثلاثمائة الي المائتين و كانت صرار موسي مثلا. [354] . و في كشف الغمة قال محمد البكري: قدمت المدينة أطلب دنيا فأعياني فقلت: لأذهب الي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام، فشكوت اليه: فأتيته و هو يسقي في ضيعته فخرج الي و معه غلام و معه منسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره، فأكل و أكلت معه و سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل فلم يقم الا يسيرا حتي خرج الي فقال لغلامه اذهب ثم مد يديه الي فدفع الي صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام موسي فقمت فركبت دابتي و انصرفت. [355] . فأي باب للمقارنة بين النور و الظلمة و الحق و الباطل و أي قياس: (نحن أهل بيت لا نقاس بأحد و لا يقاس بنا أحد) صدق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

محابس الرشيد

لقد بقي الامام موسي عليه‌السلام في حبس الفضل بن الربيع مدة طويلة و أراده الرشيد علي شي‌ء من أمره فأبي فكتب بتسليمه الي الفضل بن يحيي فتسلمه منه و أراد ذلك منه فلم يفعل و بلغه أنه عنده في رفاهية و سعة و هو حينئذ [ صفحه 334] بالرقة، فأنفذ مسرور الخادم الي بغداد علي البريد و أمره أن يدخل من فوره الي موسي بن جعفر عليه‌السلام فيعرف خبره فان كان الأمر علي ما بلغه أوصل كتابا منه الي العباس بن محمد و أمره بامتثاله و أوصل منه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس. فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد ثم دخل علي موسي بن جعفر عليه‌السلام فوجده علي ما بلغ الرشيد فمضي من فوره الي العباس بن محمد و السندي فأوصل الكتابين اليهما فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض الي الفضل بن يحيي فركب معه و خرج مشدوها دهشا حتي دخل علي العباس فدعا بسياط و عقابين فوجه ذلك الي السندي و أمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط و خرج متغير اللون خلاف ما دخل فأذهبت نخوته. فجعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد فأمر بتسليم موسي الي السندي بن شاهك و جلس مجلسا حافلا ضمن جمهورا غفيرا من الناس فرفع صوته قائلا: ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي و رأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه و بلغ يحيي بن خالد ذلك فركب الي الرشيد و دخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر ثم قال: التفت الي يا أميرالمؤمنين. فأصغي اليه فزعا فقال له: ان الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه و سر و أقبل علي الناس فقال: ان الفضل كان قد عصاني في شي‌ء فلعنته و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه فقالوا: نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت وقد توليناه [356] ، ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي أتي بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شي‌ء فأظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمر العمال و تشاغل ببعض ذلك و دعا السندي فأمره فيه فامتثله. [ صفحه 335] أية جماهير تلك التي تساق كالماشية لا تعرف الا الطاعة العمياء دون أي تفكير أو رادع أو شعور، جماهير بلا وعي تفشي فيها الفساد (نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت) لم يقل له أحد لماذا و الفضل من أقرب الناس اليه و أعزهم عليه. لقد نكل به و سبه و شتمه لماذا؟ لأنه رفه علي الامام عليه‌السلام و لم يضيق عليه أي لم ينفث حقد الرشيد فيه و لم يقتله كما أراد منه ذلك. فكم حشي قلبه و نفسه بالحقد و كم غصت أوداجه بالكراهية للامام عليه‌السلام. روي أن الرشيد لعنه الله لما أراد أن يقتل موسي بن جعفر عليه‌السلام عرض قتله علي سائر جنوده و فرسانه فلم يقبله أحد منهم فأرسل الي عماله في بلاد الافرنج يقول لهم التمسوا لي قوما لا يعرفون الله و رسوله فاني أريد أن أستعين بهم علي أمر، فأرسلوا اليه قوما لا يعرفون من الاسلام و لا من لغة العرب شيئا و كانوا خمسين رجلا، فلما دخلوا اليه أكرمهم و سألهم من ربكم و نبيكم فقالوا لا نعرف لنا ربا و لا نبيا أبدا فأدخلهم البيت الذي فيه الامام ليقتلوه و الرشيد ينظر اليهم من روزنة البيت فلما رأوه رموا أسلحتهم و ارتعدت فرائضهم و خروا سجدا يبكون رحمة له فجعل الامام يمر يده علي رؤوسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون، فلما رأي الرشيد ذلك خشي الفتنة و صاح بوزيره أخرجهم فخرجوا و هم يمشون القهقهري اجلالا له و ركبوا خيولهم و مضوا نحو بلادهم من غير استئذان. تري ما هو شعور الرشيد و ما هي النيران التي كانت تسلخه ما هي قوتها و هي تلتهب بجسده و هو ينظر ذلك المشهد. أقوام عرف منهم أنهم لا يعرفون حتي ربهم.. خروا سجدا... أقوام أتي بهم من آخر المعمورة لقتل النور.. و لجم الحق فماذا بعد هذا يتمخض عنه تنور حقده. لقد أعيا الرشيد أمر الامام عليه‌السلام و أقض مضجعه انتشار اسمه و ذيوع [ صفحه 336] فضله و معجزاته و تحدث الناس عن محنته و اضطهاده، و لم يجبه كبار رجالات دولته الي قتله لما رأوه من كراماته عليه‌السلام و انقطاعه الي الله و اقباله علي العبادة.. لقد خافوا زوال النعمة ان هم آذوه أو تعرضوا له بمكروه فهذا عيسي بن جعفر و ذاك الفضل بن الربيع و بعده الفضل بن يحيي... و أخيرا لم يجد من ينفذ أمره الا السندي بن شاهك (الوغد الأثيم الذي لا يؤمن بالله و لا برسوله و لا بكتابه و لا بآخرته) فنقله الي سجنه و قد ذاق عليه‌السلام الأمرين من ذلك الظالم الأثيم الذي قابل الامام عليه‌السلام بكل صلافة و قسوة و الامام صابر محتسب كاظم غيظه موكل الي الله أمره فلقد جهد اللعين بالتنكيل به عليه‌السلام و بارهاقه و بالغ في أذاه و التضييق عليه في مأكله و مشربه و اكالة المسبات و الشتم له مع تكبيله بالقيود تقربا من ملكه المشؤوم الملعون هارون.

كم من ظلام

قالت سطور للرواة تدور ان الرشيد و قد سقاه غرور فانحط في درك الصفاقة موغلا يجني الهشيم و بالهشيم شرور يقتات صوت المبعدين و قد سرت بين المرابع آفة و سعير من حقد نفس أترعت بكؤوسها نار العداوة و اللظاة تمور سفت به الكلمات و هي بغيضة في عمقها ريح الفجور تفور من فيه تستاف النتانة مركبا تغدو اليه مع العتاة تصير في بؤبؤ الخوف المحيق سلافة يهفو بها و السابقات تشير في جس نبض السوء مما أرعفت كف الأساة و زمجر التنور في حرف هارون البغي مجلبب يرتاد سوء البأس فيه شفير و الأمر من كل الجوانب موصد بالقتل يبغي و العيون جحور و الرفض من كل الجنود موجه قال الرواة و في الحديث نشور مستدعيا أقوام كفر لا تعي منهم عقول أو تجيش صدور من دين رب البيت أية آية أو أي لفظ مد فيه جذور [ صفحه 337] جاءوا و هم خمسون ما من قاري‌ء نهج النبي و لا بهم تسطير و حرابهم بأكفهم و سيوفهم قد أشهرت و كأن فيه نفير قد أدخلوا بيتا لقتل ظالم مأجورة فيه الأكف تصير و عيون هارون تراقب فعلهم كي تشتفي نفسي به و شعور و الباب أوصد دونهم و عيونهم محدودة نحو الأسير تدور حتي اذا وقعت عليه كأنما وقع الحسام علي الرؤوس يطير خروا و هم يبكون نحوه سجدا و سلاحهم ألقوه و هو حسير مد الامام يدا تجس رؤوسهم و بحرفه الحاني ترش عبير و دموعهم فوق الخدود يخدها ألم به ارتعدت عليه نحور فدعاهم بلغاتهم و كلامهم يدعو لهم و الدمع سال غزير موسي بن جعفر و الوحوش تهابه و الطير تحنو و الرشيد كفور لما رأت عيناه ذاك تمردت و بصوته الباغي يموت ضمير صاحت قماءته التي قد ألهبت جوفا تدير به الرحاة شرور أخرجهم كي لا تكون مصيبة بل فتنة بين الأنام تصير و القهقري يمشون اجلالا و قد نكسوا رؤوسا و الوجوم يشير و يدون ما استئذان شدوا خيلهم ركبا لموطنهم مضوا و سعير في قلب هارون و قلب وزيره يشري و تستشري هناك نحور كم دس من سم و كم من مرة بالقتل أقسم و اللظاة تخور كم حاك من ظلم ينيخ ركابه كم من يمين قد سقته فجور كم من سجون حاك بين ظلامها ظلما يفوح به الحديد يجور كم من قيود كم رتاج كم أسي ساق الرشيد و للرشيد مصير و الله ينظر و الكتاب مسطر لغد و في نار الحطيم طمور للكافرين القاتلين أئمة للظالمين جهنم و سعير و بذمة الله العلي لكاظم و مع الجنان الي الرسول يصير بوئت ما قال النبي أسيدي يا ابن النبي مجاهد و نصير [ صفحه 338] لقد نقل عليه‌السلام من سجن الفضل بن يحيي و هو الذي كان يوسع عليه في حياته اليومية و في مأكله و مشربه و حاجاته تقربا من الله و خوفا لما وجد عليه الامام عليه‌السلام من التقي و الورع. حمله السندي بشرطته مكبلا مقيدا مأسورا... ما روعيت قرابته من الرسول و لا روعيت سنه و لا مقامه... (لربما الذئب يرأف بالخروف عند أكله لكن هؤلاء الوحوش الذئاب الشرسة الكلبة أني لها الرأفة..).

في سجن السندي

و سجن عليه‌السلام في المحبس المعروف (بدار المسيب) الواقع قرب باب الكوفة مقيدا ثلاثين رطلا من الحديد بأمر الرشيد مقفولة عليه الأبواب [357] . لا يخرج الا للوضوء.. و قد و كل السندي به مولاه بشار و الذي كان من أشد الناس بغضا لآل أبي‌طالب و الذي تاب الي الحق لما رآه من كرامات الامام عليه‌السلام و معجزاته فقدم له بعض الخدمات. [358] . عن بشار مولي السندي بن شاهك قال: كنت من أشد الناس بغضا لآل أبي‌طالب فدعاني السندي بن شاهك يوما فقال لي: يا بشار اني أريد أن ائتمنك علي ما ائتمنني عليه هارون قلت: اذن لا أبقي فيه غاية فقال: هذا موسي بن جعفر قد دفعه الي و قد و كلتك بحفظه، فجعله في دار دونه حرمه و وكلني عليه، فكنت أقفل عليه عدة أقفال فاذا مضيت في حاجة و كلت امرأتي بالباب فلا تفارقه حتي أرجع. قال بشار: فحول الله ما كان في قلبي من البغض حبا قال: فدعاني عليه‌السلام يوما فقال: يا بشار امض الي سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج و قل له: [ صفحه 339] أبوالحسن يأمرك بالمسير اليه، فانه سينهرك و يصيح عليك ماذا فعل ذلك فقل له: أنا قد قلت لك و أبلغت رسالته، فان شئت فافعل ما أمرني و ان شئت فلا تفعل و اتركه و انصرف، قال: ففعلت ما أمرني و أقفلت الأبواب كما كنت أفعل و أقعدت امرأتي علي الباب و قلت لها: لا تبرحي حتي آتيك، و قصدت الي سجن القنطرة فدخلت الي هند بن الحجاج فقلت: أبوالحسن يأمرك بالمسير اليه، قال: فصاح علي و انتهرني فقلت له: أنا قد أبلغتك و قلت لك فان شئت فافعل و ان شئت فلا تفعل و انصرفت و تركته و جئت الي أبي‌الحسن عليه‌السلام فوجدت امرأتي قاعدة علي الباب و الأبواب مغلقة فلم أزل أفتح واحدا واحدا منها حتي انتهيت اليه فوجدته و أعلمته الخبر فقال: نعم جاءني و انصرف، فخرجت الي امرأتي فقلت لها: جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب؟ فقالت: لا و الله ما فارقت الباب و لا فتحت الأقفال حتي جئت. و روي علي بن محمد بن الحسن الأنباري قال: بلغني من جهة أخري أنه لما صار اليه هند بن الحجاج قال له العبد الصالح عليه‌السلام عند انصرافه ان شئت رجعت الي موضعك و لك الجنة و ان شئت انصرفت الي منزلك فقال: أرجع الي موضعي في السجن (رحمه الله). ذلك موسي بن جعفر عليه‌السلام الذي بهر العقول و الأبصار... و تلك أخت السندي الفاسق اذا نظرت للامام عليه‌السلام أرسلت ما في عينيها من دموع و هي تقول: «خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل» [359] . و جاء في الكافي عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسي عن مسافر قال: أمر أبوابراهيم عليه‌السلام حين أخرج به علي الرضا عليه‌السلام أن ينام علي بابه في كل ليلة ما دام حيا الي أن يأتيه خبره. قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن علي الأرض في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام فاذا أصبح انصرف [ صفحه 340] الي منزله. قال: فمكث علي هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا و فرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا و داخلنا أمر عظيم من ابطائه فلما كان الغد أتي الدار و دخل الي العيال و قصد الي أم أحمد فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت وجهها و شقت جيبها و قالت: مات و الله سيدي، فكفها و قال لها: لا تكلمي بشي‌ء و لا تظهريه حتي يجي‌ء الخبر الي الوالي، فأخرجت اليه سفطا و ألفي دينار أو أربعة آلاف دينار فدفعت ذلك أجمع اليه دون غيره و قالت: انه قال لي فيما بيني و بينه - و كانت أثيرة عنده - احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها بيني و بينه - و كانت أثيرة عنده - احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت فاذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه و اعلمي أني قد مت، و قد جاءتني و الله علامة سيدي، فقبض ذلك منها و أمرهم بالامساك جميعا الي أن ورد الخبر و انصرف فلم يعد بشي‌ء من البيت كما كان يفعل. فما لبثنا الا أياما يسيرة حتي جاءت الخريطة بنعيه فعددنا الأيام و تفقدنا الوقت، فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبوالحسن عليه‌السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض. [360] . و لقد كانت بعض الأقاليم الاسلامية التي تدين بالامامة ترسل مبعوثيها الي الامام عليه‌السلام و هو في سجن السندي مزودين بالفتاوي و الرسائل فكان عليه‌السلام يجيبهم عنها و منهم علي بن سويد..

وكلاء الامام

و نصب عليه‌السلام وكلاء له من تلامذته و أصحابه في بعض الأقاليم الاسلامية ليرجع اليهم الشيعة في أخذ الأحكام الدينية منهم و كذلك و كلهم في قبض الحقوق الشرعية، لصرفها علي الفقراء و المحتاجين و انفاقها في وجوه البر [ صفحه 341] فكان منهم المفضل بن عمر و حيان السراج و زياد القندي و علي بن أبي‌حمزة و غيرهم و قد و صلتهم أموال ضخمة فغرتهم الدنيا ببريقها فخانوا الله و رسوله و اشتروا الضياع و القصور و اتخذوا مذهب الوقف منكرين امامة الرضا عليه‌السلام حيث نصبه من بعده علما لشيعته و مرجعا لأمة جده. حدث الحسين بن المختار قال: لما كان الامام موسي عليه‌السلام في السجن خرجت لنا ألواح من عنده و قد كتب فيها (عهدي الي أكبر ولدي) [361] . و كان عليه‌السلام عينه قبل أن يعتقله الطاغية هارون و قلده منصب الامامة و دل عليه الخواص من شيعته فقد روي محمد بن زيد بن علي بن الحسين قال: دعانا أبوابراهيم و نحن سبعة عشر من ولد علي و فاطمة فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية و الوكالة في حياته و بعد موته [362] .

الوصية

و لم يهمل عليه‌السلام أمر الامامة فهدي شيعته طريق الحق و بين لهم الحجة من بعده، و قد أشهد علي وصيته عليه‌السلام اسحاق بن جعفر بن محمد و ابراهيم ابن محمد الجعفري و جعفر بن صالح الجعفري و معاوية الجعفري و يحيي بن الحسين بن زيد و سعد بن عمران الأنصاري و محمد بن الحارث الأنصاري و يزيد بن سليط الأنصاري و محمد بن جعفر الأسلمي. أشهدهم أنه يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور و أن البعث بعد الموت حق و أن الحساب و القصاص حق و أن الوقوف بين يدي الله عزوجل حق و أن ما جاء به محمد صلي الله عليه و آله و سلم حق حق حق و أن ما نزل به الروح الأمين حق علي ذلك أحيا [ صفحه 342] و عليه أموت و عليه أبعث ان شاء الله. أشهدهم أن هذه وصيتي بخطي و قد نسخت وصية جدي أميرالمؤمنين عليه‌السلام و وصايا الحسن و الحسين و علي بن الحسين و وصية محمد بن علي و وصية جعفر بن محمد عليهم‌السلام قبل ذلك حرفا بحرف و أوصيت بها الي علي ابني و بني بعده ان شاء الله و آنس منهم رشدا و أحب اقرارهم فذلك له، و ان كرههم و أحب أن يخرجهم فذلك له، و لا أمر لهم معه، و أوصيت اليه بصدقاتي و أموالي و صبياني الذين خلفت و ولدي و الي ابراهيم و العباس و اسماعيل و أحمد و أم أحمد و الي علي أمر نسائي دونهم و ثلث صدقة أبي و أهل بيتي يضعه حيث يري و يجعل منه ما يجعل ذو المال في ماله ان أحب أن يجيز ما ذكرت في عيالي فذاك اليه و ان كره فذاك اليه، و ان أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق علي غير ما وصيته فذاك اليه و هو أنا في وصيتي في مالي و في أهلي و في ولدي. و ان رأي أن يقر اخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم و ان كره فله أن يخرجهم غير مردود عليه و ان أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها الا باذنه و أمره، و أي سلطان كشفه عن شي‌ء أو حال بينه و بين شي‌ء مما ذكرت في كتابي فقد بري‌ء من الله تعالي و من رسوله، و الله و رسوله منه بريئان و عليه لعنة الله و لعنة اللاعنين، و الملائكة المقربين و النبيين و المرسلين أجمعين و جماعة المؤمنين، و ليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شي‌ء لي عنده بضاعة و لا لأحد من ولدي، ولي عنده مال. و هو مصدق فيما ذكر من مبلغه ان قل أو كثر فهو الصادق و انما أردت بادخال الذين أدخلت معه من ولدي التنويه بأسمائهم و أولادي الأصاغر و أمهات أولادي من أقام منهن في منزلها و في حجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي ان أراد ذلك و من خرج منهن الي زوج فليس لها أن ترجع الي خزانتي الا أن يري علي ذلك، و لا يزوج بناتي أحد من اخوتهن و من أمهاتهن و لا سلطان و لا عمل لهن الا برأيه [ صفحه 343] و مشورته. فان فعلوا ذلك فقد خالفوا الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و حادوا في ملكه و هو أعرف بمناكح قومه ان أراد أن يزوج زوج و ان أراد أن يترك ترك. و قد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في صدر كتابي و أشهد الله عليهن. و ليس لأحد أن يكشف وصيتي و لا ينشرها و هي علي ما ذكرت و سميت فمن أساء فعليه و من أحسن فلنفسه و ما ربك بظلام للعبيد و ليس لأحد من سلطان و لا غيره أن يفض كتابي الذي ختمت عليه أسفل فمن فعل فعليه لعنة الله و غضبه و الملائكة بعد ذلك ظهير و جماعة المسلمين و المؤمنين، و ختم موسي بن جعفر و الشهود. [363] . و جاء أن عبدالله بن محمد الجعفري قال: قال العباس بن موسي عليه‌السلام لابن عمران القاضي الطلحي: ان أسفل هذا الكتاب كنز لنا و جوهر يريد أن يحتجزه دوننا و لم يدع أبونا شيئا الا جعله له و تركنا عالة. فوثب عليه ابراهيم بن محمد الجعفري فأسمعه و وثب اليه اسحاق بن جعفر ففعل به مثل ذلك، فقال العباس للقاضي: أصلحك الله فض الخاتم و اقرأ ما تحته فقال: لا أفضه لا يلعنني أبوك. فقال العباس: أنا أفضه، قال: ذلك اليك، ففض العباس الخاتم فاذا فيه اخراجهم من الوصية و اقرار علي وحده و ادخاله اياهم في ولاية علي ان أحبوا أو كرهوا أو صاروا كالأيتام في حجره و أخرجهم من حد الصدقة و ذكرها، ثم التفت علي بن موسي عليه‌السلام الي العباس فقال: يا أخي اني لأعلم أنه حملكم علي هذا الغرام و الديون التي عليكم، فانطلق يا سعد فتعين لي ما عليهم و اقضه عنهم و اقبض ذكر حقوقهم و خذ لهم البراءة فلا و الله لا أدع مواساتكم و بركم ما أصحبت و أمشي علي ظهر الأرض فقولوا ما شئتم، فقال العباس: ما تعطينا الا من فضول أموالنا و ما لنا عندك أكثر. فقال: قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم، اللهم أصلحهم و أصلح بهم و اخسأ [ صفحه 344] عنا و عنهم الشيطان و أعنهم علي طاعتك، و الله علي ما نقول وكيل، قال العباس: ما أعرفني بلسانك و ليس لمسحاتك عندي طين. ثم ان القوم افترقوا. و جاء في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن أحمد بن ادريس، عن محمد بن أبي‌الصهبان عن صفوان بن يحيي عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: بعث الي أبوالحسن عليه‌السلام بوصية أميرالمؤمنين عليه‌السلام و بعث الي بصدقة أبيه مع أبي‌اسماعيل مصادف، و ذكر صدقة جعفر بن محمد عليه‌السلام و صدقة نفسه (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به موسي بن جعفر، تصدق بأرضه مكان كذا و كذا و حدود الأرض كذا و كذا و نخلها و أرضها و مائها و أرجائها و حقوقها و شربها من الماء و كل حق هو لها في مرفع أو مظهر أو عنصر، أو مرفق، أو ساحة، أو مسيل، أو عامر، أو غامر تصدق بجميع حقه من ذلك علي ولده من صلبه الرجال و النساء يقسم و اليها ما أخرج الله عزوجل من غلتها بعد الذي يكفيها في عمارتها و مرافقها و بعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين أهل القرية بين ولد موسي بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين فان تزوجت امرأة من ولد موسي بن جعفر فلا حق لها في هذه الصدقة حتي ترجع اليها بغير زوج، فان رجعت كانت لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسي و من توفي من ولد موسي و له ولد، فولده علي سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين علي مثل ما شرط موسي بين ولده من صلبه و من توفي من ولد موسي و لم يترك ولدا رد حقه علي أهل الصدقة. و ليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق الا أن يكون آباؤهم من ولدي و ليس لأحدف في صدقتي حق مع ولدي و ولد ولدي و أعقابهم ما بقي منهم أحد فان انقرضوا و لم يبق منهم أحد فصدقتي علي ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد ما شرطت بين ولدي و عقبي، فان انقرض ولد أبي من أمي و أولادهم فصدقي علي ولد أبي و أعقابهم ما بقي منهم أحد فان لم يبق منهم أحد [ صفحه 345] فصدقتي علي الأولي فالأولي حتي يرث الله الذي ورثها و هو خير الوارثين. تصدق موسي بن جعفر بصدقته هذه و هو صحيح صدقة حبيسا بتا بتلا لا مثنوية فيها و لا رد أبدا. ابتغاء وجه الله تعالي و الدار الآخرة و لا يحل لمؤمن يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو يهبها أو ينحلها أو يغير شيئا مما وضعتها عليه حتي يرث الله الأرض و من عليها). و جعل صدقته هذه الي علي و ابراهيم فان انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي مكانه فان انقرض أحدهما دخل اسماعيل مع الباقي منهما فان انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما فان انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه فان لم يبق من ولدي الا واحد فهو الذي يقوم به [364] قال: و قال أبوالحسن عليه‌السلام: (ان أباه قدم اسماعيل في صدقته علي العباس و هو أصغر منه)، و هذا الوقف الذري هو بعض ميراثه عليه‌السلام و بعض خيراته حيث خص به أبناؤه و ذريته لتقوم تلك الغلة بشؤونهم و تغنيهم عما في أيدي الناس.

و عن الصادق

روي الشيخ الصدوق عن يزيد بن سليط قال: لقينا أبا عبدالله عليه‌السلام في طريق مكة و نحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت و أمي، أنتم الأئمة المطهرون و الموت لا يعري منه أحد، فأحدث الي شيئا ألقيه الي من يخلفني فقال لي: «نعم هؤلاء و لدي و هذا سيدهم» و أشار الي ابنه موسي عليه‌السلام و فيه علم الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم و فيه حسن الخلق و حسن الجواب و هو باب من أبواب الله عزوجل و فيه أخري هي خير من ذلك كله. فقلت له: و ما هي بأبي أنت و أمي؟ قال:«يخرج الله منه غوث هذه الأمة [ صفحه 346] و غياثها و علمها و نورها و فهمها و حكمها خير مولود و خيرنا منشأ، يحقن الله به الدماء و يصلح به ذات البين و يلم به الشعث و يشعب به الصدع و يكسو به العاري و يشبع به الجائع و يؤمن به الخائف و ينزل به القطر و يأتمر له العباد خير كهل و خير ناشي‌ء يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه قوله حكم و صمته علم يبين للناس ما يختلفون فيه..

ماذا في السجون

في ظلامة السجن يرزح السابع النور، الكاظم الغيظ، و شيعته خارج السجن تتحرق ألما للقياه و لرشف العلوم من ثر نبعه... و يأتيه جماعة من خواص شيعته يطلبون التوسط من قبله لبعض الشخصيات المقربة من الرشيد لاطلاق سراحه فامتنع عليه‌السلام و ترفع عن ذلك و قال لهم: حدثني أبي عن آبائه أن الله عزوجل أوصي الي داود، يا داود انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني و عرفت ذلك منه الا قطعت عنه أسباب السماء و أسخت الأرض من تحته) [365] . و ماذا يصنع هارون ماذا ينسجه له خياله المريض... الدنس. جاء في كتاب الأنوار: قال العامري: ان هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر عليه‌السلام جارية خصيفة لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن ظانا أنه سيفتتن بها. فلما وصلت اليه قال عليه‌السلام لمبعوث هارون: قل لهارون، (بل أنتم بهديتكم تفرحون) [366] لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها. فرجع الرسول و معه الجارية و أبلغ هارون قول الامام فالتاع غضبا و قال له: ارجع اليه، و قل له: (ليس برضاك حبسناك و لا برضاك أخذناك و اترك الجارية عنده، و انصرف). [ صفحه 347] فرجع ذلك الشخص و ترك الجارية عند الامام عليه‌السلام و أبلغه بمقالته، ثم قام هارون من مجلسه و أنفذ خادما اليه ليتفحص عن حال الجارية، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها و هي تقول في سجودها: (قدوس، قدوس سبحانك سبحانك..). فمضي الخادم مسرعا فأخبره بحالها، فقال هارون: سحرها و الله موسي بن جعفر... علي بها..!! فجي‌ء بها اليه و هي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء و هي تذكر الله و تمجده فقال لها هارون: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع، اني كنت عنده واقفة و هو قائم يصلي ليله و نهاره فلما انصرف من صلاته بوجهه و هو يسبح الله و يقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: و ما حاجتي اليك قلت: اني أدخلت عليك لحوائجك قال عليه‌السلام: فما بال هؤلاء؟ - و أشار بيده الي جهة - قالت: فالتفت فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري و لا أولها من آخرها فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، و عليها وصفاء و صفاء لم أر مثل وجوههم حسنا و لا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الأخضر و الأكاليل و الدر و الياقوت و في أيديهم الأباريق و المناديل و من كل الطعام فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون و قد أترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك، قالت: لا و الله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك فالتفت الرشيد الي خادمه و أمره باعتقال الجارية و اخفاء الحادث فقال له: اقبض هذه الخبيثة اليك، فلا يسمع هذا منها أحد فأخذها الخادم و اعتقلها عنده فأقبلت علي العبادة و الصلاة، فاذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح و قالت: اني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه فنحن له دونك و بقيت عاكفة علي العبادة حتي لحقت بالرفيق الأعلي و ذلك قبل موت موسي بأيام يسيرة. [367] . [ صفحه 348] و مع انتشار معجزات الامام عليه‌السلام و مناقبه احتار هارون أي السبل يسلك للوصول الي مأربه و غايته فقد باءت بالفشل كل مؤامراته فاستدعي وزيره يحيي بن خالد البرمكي فقال له: يا أباعلي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه، فقال له يحيي بن خالد: الذي أراه لك يا أميرالمؤمنين أن تمتن عليه و تصل رحمه فقد و الله أفسد علينا قلوب شيعتنا (قيل و كان يحيي يتولاه و هذا بعيد الاحتمال اذ لو كان ذلك صحيحا لما أوقع الدسائس السابقة و اللاحقة و استدرج علي بن اسماعيل ليشي به و انه هو الذي كان يتشيع و كان الرشيد ضربه و لعنه لتوسعته علي الامام عليه‌السلام). فاستجاب الرشيد لنصحه و قال له: انطلق اليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يميني أني لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة و هذا يحيي بن خالد ثقتي و وزيري و صاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا. ويحه البغي لقد أراد تسجيل اعتراف بالاساءة و الذنب من الامام عليه‌السلام كي يأخذه ذريعة فيصدر مرسوما ملكيا بالعفو عنه و يكون بذلك قد وصل للوسيلة التي يشهر بها بالامام و بنفس الوقت يكون ذلك مبررا له لسجنه اياه. و لم يخف ذلك علي الامام عليه‌السلام فقال ليحيي عما سيجري عليه و علي أسرته من زوال النعمة علي يد هارون و حذره من بطشه ثم أتم جوابه علي مقالة هارون فقال له (يا أباعلي، أبلغه عني، يقول لك موسي بن جعفر يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما تري - أي بموته - و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه)؟. قال محمد بن غياث المهلبي و الذي روي ذلك: أخبرني موسي بن يحيي بن خالد أن أباابراهيم قال ليحيي: يا أباعلي أنا ميت و انما بقي من [ صفحه 349] أجلي أسبوع، اكتم موتي و ائتني يوم الجمعة عند الزوال وصل علي أنت و أوليائي فرادي و انظر اذا سار هذا الطاغية الي الرقة و عاد الي العراق لا يراك و لا تراه لنفسك فاني رأيت في نجمك و نجم ولدك أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال: يا أباعلي أبلغه عني يقول لك موسي بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما تري و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه و السلام. فخرج يحيي من عنده و قد احمرت عيناه من البكاء و هو لا يبصر طريقه من الألم و الجزع حتي دخل علي هارون فأخبره بقصته و ما ورد عليه فقال هارون: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا، فلما كان يوم الجمعة توفي أبوابراهيم عليه‌السلام و قد خرج هارون الي المدائن قبل ذلك فأخرج الي الناس حتي نظروا اليه ثم دفن و رجع الناس و افترقوا فرقتين فرقة تقول مات و فرقة تقول لم يمت [368] ، و قيل لما علم الامام عليه‌السلام أن لقاءه بربه قريب نعي نفسه لبعض شيعته و عزاهم بمصيبته و أوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقي من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم. عن علي بن سويد قال: كتبت الي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و هو في الحبس كتابا أسأله عن حاله و عن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي ثم أجابني بجواب هذه نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون و بعظمته و نوره ابتغي من في السموات و من في الأرض اليه الوسيلة بالأعمال المختلفة و الأديان المتضادة فمصيب و مخطي‌ء و ضال و مهتد و سميع و أصم و بصير و أعمي حيران فالحمد لله الذي عرف دينه محمدا صلي الله عليه و آله و سلم. أما بعد فانك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة و حفظ مودة ما استرعاك من دينه و ما ألهمك من رشده، و بصرك من أمر دينك، بتفضيلك [ صفحه 350] اياهم و بردك الأمور اليهم، كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية و من كتمانها في سعة فلما انقضي سلطان الجبابرة و جاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة. الي أهلها العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة علي ضعفاء شيعتنا من قبل جهالهم فاتق الله عزوجل ذكره و خص بذلك الأمر أهله و احذر أن تكون سبب بلية علي الأوصياء أو حارسا عليهم بافشاء ما استودعتك و اظهار ما استكتمتك و لن تفعل ان شاء الله. ان أول ما أنهي اليك أني أنعي اليك نفسي في ليالي هذه غير جازع و لا نادم و لا شاك فيما هو كائن مما قد قضي الله عزوجل و ختم فاستمسك بعروة دين آل محمد و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي و المسالمة لهم و الرضا بما قالوا و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك، و لا تحبن دينهم فانهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله و خانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟ ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه و دلوا علي ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم فأذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون و سألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه علي الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و في سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حملاه اياه كرها فوق رقبته الي منازلهما فلما أحرزاه توليا انفاقه أيبلغان بذلك كفرا فلعمري لقد نافقا قبل ذلك و ردوا علي الله عزوجل كلامه و هزئا برسوله صلي الله عليه و آله و سلم و هما الكافران عليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. و الله ما دخل قلب أحد منهما شي‌ء من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما و ما زادا الا شكا، كانا خداعين مرتابين منافقين حتي توفتهما ملائكة العذاب الي محل الخزي في دار المقام. و سألت عمن حضر ذلك الرجل و هو يغصب ماله و يوضع علي رقبته منه عارف و منكر فأولئك أهل الردة الأولي من هذه الأمة فعليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. [ صفحه 351] و سألت عن مبلغ علمنا و هو علي ثلاثة وجوه. ماض و غابر و حادث فأما الماضي فمفسر و أما الغابر فمزبور و أما الحادث فقذف في القلوب و نقر في الأسماع، و هو أفضل علمنا و لا نبي بعد نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و سألت عن أمهات أولادهم و عن نكاحهم و عن طلاقهم فأما أمهات أولادهم فهن عواهر الي يوم القيامة، نكاح بغير ولي و طلاق بغير عدة. و أما من دخل في دعوتنا فقد هدم ايمانه ضلاله و يقينه شكه، و سألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكوات فأنتم أحق به لأنا قد أحللنا ذلك لكم، من كان منكم و أين كان. و سألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع اليه حجة و لم يعرف الاختلاف فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف. و سألت عن الشهادة لهم فأقم الشهادة لله عزوجل و لو علي نفسك أو الوالدين و الأقربين فيما بينك و بينهم فان خفت علي أخيك ضيما فلا وادع الي شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت اجابته و لا تحصن بحصن رياء. و وال آل محمد و لا تقل لما بلغك عنا و نسب الينا هذا باطل. و ان كنت تعرف منا خلافه فانك لا تدري لما قلناه و علي أي وجه وضعناه، آمن بما أخبرك، و لا تفش ما استكتمناك من خبرك، ان من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه و آخرته و لا تحقد عليه و ان أساء و أجب دعوته اذا دعاك و لا تخل بينه و بين عدوه من الناس و ان كان أقرب اليك منك، و عده في مرضه، و ليس من أخلاق المؤمن الغش و لا الأذي و لا الخيانة و لا الكبر و لا الخنا و لا الفحش و لا الأمر به فاذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك و لشيعتك المؤمنين، فاذا انكشفت الشمس فارفع بصرك الي السماء و انظر ما فعل الله عزوجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا جملا و صلي الله علي محمد و آله الأخيار» [369] . [ صفحه 352]

شهادة الامام

اشاره

أية صحف تلك التي تحمل حروف الهجاء و بها تسجد الكلمات و بها تئن النبرات و بها يعلو ذلك الصوت المجلجل... ذلك الصدي الرعد المالي‌ء الأكوان.. كيف خطت الأقلام بل ما هو مدادها.. و فواصلها... أقيود أم جنازير.. أم أقفال ضجت بها الأبواب.. يقول عبدالله بن طاوس: قلت للرضا عليه‌السلام: ان يحيي بن خالد سم أباك موسي بن جعفر صلوات الله عليهما؟ قال: نعم سمه في ثلاثين رطبة قلت له: فما كان يعلم أنها مسمومة؟ قال: غاب عنه المحدث، قلت: و ما المحدث؟ قال: ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو مع الأئمة، و ليس كلما طلب وجد، ثم قال: انك ستعمر، فعاش مائة سنة. [370] . الجانب الغربي ذاك و ذاك باب الكوفة. و ها هو سجن السندي و ذلك مسجد المسيب... أتراهم قتلوه في بيت السندي أم بيت المسيب لا فرق فكلها سجون تنوء بالجور و الظلم و الافتراء.. سجون ما فيها الا المظاليم و ما سمعت و ما رأيت الا الوجوه التي عفرها التراب.. ذاك المسيب بن زهرة الموكل بحراسة الامام عليه‌السلام و المسيب المسؤول عن شرطة بغداد فما ينتظر ممن ولي الشرطة هل يبتسم، لقد كان المسيب [ صفحه 353] شديدا غليظا جزارا حتي أن المنصور اذا أراد بأحد خيرا سلمه الي الربيع و اذا أراد شرا سلمه للمسيب [371] ، و ها هو موكل بالامام عليه‌السلام... فهل تراه يصمد أو تصمد شراسته و غلظته أمام دفعه نور الامام عليه‌السلام... لقد هداه الله و هيمن الامام علي مشاعره فانتهج طريق الحق و الصواب كي يغدو من خلص الشيعة و حملة أسرار الأئمة. و قبل وفاة الامام عليه‌السلام بأيام ثلاثة استدعاه و قال له: يا مسيب قال: لبيك يا مولاي، قال: اني ظاعن في هذه الليلة الي المدينة مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأعهد الي ابني ما عهده الي أبي و اجعله وصيي و خليفتي و آمره بأمري. قال المسيب: فقلت يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و أقفالها و الحرس معي علي الأبواب؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عزوجل و فينا؟ فقلت: لا يا سيدي، قال: فمه؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني فقال عليه‌السلام: اللهم ثبته ثم قال: اني أدعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه حتي يجمع بيني و بين علي ابني بالمدينة. قال المسيب: فسمعته عليه‌السلام يدعو، ففقدته عن مصلاه فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه و أعاد الحديد الي رجليه فخررت علي وجهي ساجدا شاكرا لله علي ما أنعم به علي من معرفته، و التفت الي الامام عليه‌السلام فقال لي: يا مسيب ارفع رأسك و اعلم أني راحل الي الله عزوجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته، فقلت: الحمد لله. [372] . [ صفحه 354]

علمه برحيله

قال المسيب: ثم ان سيدي عليه‌السلام دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل، فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها و رأيتني قد انتفخت و ارتفع بطني و اصفر لوني و احمر و اخضر و تلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فاذا رأيت بي هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا و لا علي من سيدي الا بعد وفاتي. قال المسيب: فلم أزل أرقب و أعد حتي دعا عليه‌السلام بالسربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولي غسلي و دفني و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي، فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا قال: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا الي جانبه و كان عهدي بسيدي الرضا و هو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسي عليه‌السلام و قال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتي مضي و غاب الشخص ثم أنهيت الخبر الي الرشيد فوافي السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت ذلك الشخص يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و هم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب فمهما شككت فيه فلا تشكن في فاني امامك و مولاك و حجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق عليه‌السلام و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون، ثم حمل عليه‌السلام حتي دفن في مقابر قريش و لم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه. [373] . [ صفحه 355] و في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام جاء عن عمر بن واقد قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت اليه و قلت: انا لله و انا اليه راجعون ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟ قلت: نعم. قال: فليس هنا الا خير. قلت: فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري، فقال: نعم ثم قال: يا أباحفص أتدري لم أرسلت اليك؟ فقلت: لا. فقال: أتعرف موسي بن جعفر فقلت: اي و الله اني أعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال: من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما و وقع في نفسي أنه عليه‌السلام قد مات. قال: فبعث و جاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر عليه‌السلام و قد صحبه قال: ثم قام فدخل. فخرج كاتبه و معه طومار فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و حلانا ثم دخل الي السندي. قال: فخرج السندي فضرب يده الي فقال: قم يا أباحفص فنهضت و نهض أصحابنا و دخلنا فقال لي: يا أباحفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا و اكشفه قال: ففعل فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نري به شيئا و لا نراه الا ميتا. قال: فلا تبرحوا حتي تغسلوه و اكفنه و أدفنه قال: فلم نبرح حتي غسله و كفنه و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد أعلم بموسي بن جعفر عليه‌السلام مني كيف يقولون انه حي و أنا دفنته. [374] . [ صفحه 356] و حدث عتاب بن أسيد عن مشايخ أهل المدينة قالوا: لما مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسي بن جعفر عليه‌السلام مسموما سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة و فيه السدرة و مضي عليه‌السلام الي رضوان الله و كرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و قد تم عمره أربعا و خمسين سنة و تربته بمدينة السلام. في الجانب الغربي بباب التبن في المقبرة المعروفة بمقابر قريش. [375] . و حدث الحسن بن عبدالله الصيرفي عن أبيه قال: توفي موسي بن جعفر عليه‌السلام في يدي السندي بن شاهك فحمل علي نعش و نودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه. فلما أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا (ألا من أراد أن يري الخبيث بن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج) و خرج سليمان بن أبي‌جعفر من قصره الي الشط فسمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر علي نعش فقال لولده و غلمانه يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فأنزلوه مع غلمانه فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم و فرقوا ما عليهم من السواد. فلما عبروا به نزلوا اليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و فرقوا عليهم سوادهم و وضعوه في مفرق أربع طرق و أقام المنادون ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج و حضر الخلق و غسل و حنط بحنوط فاخر و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كله و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش فدفنه هناك و كتب بخبره الي الرشيد الذي كتب الي سليمان بن أبي‌جعفر: [ صفحه 357] و صلتك رحم يا عم و أحسن الله جزاءك و الله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا. [376] . و روي محمد بن صدقة العنبري قال: لما توفي أبوابراهيم موسي بن جعفر عليه‌السلام جمع هارون شيوخ الطالبية و بني‌العباس و سائر أهل المملكة و الحكام و أحضر أباابراهيم موسي بن جعفر فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه و ما كان بيني و بينه ما أستغفر الله منه في أمره - يعني في قتله - فانظروا اليه فدخل سبعون رجلا من شيعته فنظروا الي موسي بن جعفر و ليس به أثر جراحة و لا خنق و كان في رجله أثر حناء فأخذه سليمان بن أبي‌جعفر فتولي غسله و تكفينه و تحفي و تحسر في جنازته. [377] . لقد اتفق المؤرخون أن الامام لم يمت حتف أنفه و انما توفي مسموما و أن الرشيد هو الذي أوعز في سمه و اغتياله و لكنهم اختلفوا في من تولي ذلك فجاء في مقاتل الطالبيين [378] أن السندي استدعي الفراشين و كانوا من النصاري فأمرهم بلف الامام في بساط فلف و هو حي و جلس عليه الفراشون حتي توفي. و ذكر ابن المهنا أن الرشيد لما سافر الي الشام أمر يحيي بن خالد السندي بقتله فقتله. [379] . و جاء في بعض الروايات أن الفضل بن يحيي هو الذي سم الامام عليه‌السلام و ذلك حينما نقل الي سجنه فكان الفضل بن الربيع يبعث له في كل يوم مائدة من الطعام و في اليوم الرابع قدم له الفضل بن يحيي مائدة فرفع الامام عليه‌السلام [ صفحه 358] يده الي السماء و قال: يا رب انك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت علي نفسي، ثم أكل الامام من تلك المائدة فمرض منها فلما كان اليوم الثاني ألم به المرض فجي‌ء له بطبيب ليسأله عن علته فقال له ما حالك؟ فتغافل الامام عن اجابته فألح عليه الطبيب بالسؤال فأخرج له الامام عليه‌السلام راحته ثم قال له: هذه علتي و كانت يده الشريفة قد اخضر وسط راحتها من السم فلما رآها الطبيب انصرف و قال لهم: و الله لهو أعلم بما فعلتم به منكم. [380] . و هذه الرواية بعيدة عن الواقع لأن الفضل كان يميل للعلويين و قد رفه علي الامام في حبسه حتي أن الرشيد نكل به و جلده و شهر به. و المشهور أن الرشيد عمد الي رطب فوضع فيها سما فتاكا و أمر السندي أن يقدمه الي الامام و يحتم عليه أن يتناول منه و قيل ان الرشيد أوعز الي السندي في ذلك فأخذ رطبا و وضع فيه السم و قدمه للامام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي زد علي ذلك فرمقه الامام بطرفه و قال له: حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه. و لما تناول الامام عليه‌السلام تلك الرطبات المسمومة تسمم بدنه و أخذ يعاني آلاما مبرحة و أوجاعا قاسية و أحاط به الأسي و الحزن و قد حفت به الشرطة القساة و لازمه السندي بن شاهك الوغد الخبيث يسمعه أخشن الكلام و أقساه مانعا عنه أية اسعافات ليعجل بنهايته المحتومة... هل يمكن وصف الآلام التي عاني منها الامام عليه‌السلام، لقد أذابت آلام السم قلبه و قطعت أوصاله زد علي ذلك غربته و عدم رؤية أهله و أحبائه و قد أشرف علي مغادرة هذه الدنيا الفانية.. لقد استدعي السندي ثمانين رجلا الي مكان الامام موسي عليه‌السلام، و قال: انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث فالناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه و هذا منزله و فراشه موسع علي غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين [ صفحه 359] سوءا و انما ينتظره أن يقدم فيناظره و ها هو ذا موسع عليه في جميع أموره فأسألوه؟ يقول ذلك الشيخ الذي أحضر مع من أحضر و لم يكن لنا هم سوي مشاهدة الامام و مقابلته، فلما دنونا منه لم نر مثله قط في فضله و نسكه فانبري الينا و قال لنا: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات و أني أصفر غدا و بعد غد أموت. فلما سمع السندي ذلك انهارت قواه و مشت الرعدة بأوصاله و اضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة [381] فقد أفسد عليه الامام ما رامه من الحصول علي البراءة من المسؤولية في قتله و روي أنه علي أثر ذلك أمر بالامام عليه‌السلام فلف في بساط و أجلس الفراشين عليه حتي فارق الحياة.

و مات الامام موسي

لقد مات الامام مات أبر الناس بالناس و أعطفهم علي الفؤاد و أحلمهم و أكظمهم للغيظ، لحق بالرفيق الأعلي عليه‌السلام و فاضت نفسه الزكية الي بارئها و لقد خسر الاسلام و المسلمون ألمع شخصية كانت تذب عن السلام و تناضل لأجل كلمة التوحيد و تطالب بحقوق المسلمين و تشجب كل اعتداء غادر عليهم.. مظلوم مقهور مضي عليه‌السلام مسجون معذب منتهك حرمته مغلول قدميه.. حيث لم يصانع الطاغية و لم يجاريه فقد تصدي له في اسرافه و مجونه و تبذيره لأموال المسلمين و كان عليه‌السلام صوت العدل و رافع راية الحق.. و ملاذ المستضعفين فالسلام عليك يا موسي يا ابن جعفر و السلام علي آبائك و السلام علي أبنائك السلام عليك يوم ولدت و يوم مت و يوم تبعث حيا.. [ صفحه 360] و كان رجب و قد مضي أكثره و بقي خمسة أيام لعام ثلاث و ثمانين و مائة يوم الجمعة.. و قيل ان الامام موسي عليه‌السلام سأل السندي عند وفاته أن يحضره مولي له ينزل عند دار العباس بن محمد في أصحاب القصب ليغسله ففعل ذلك قال السندي: و سألته أن يأذن لي أن أكفنه فأبي و قال: انا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طهرة أموالنا و عندي كفني، فلما مات أدخل عليه الفقهاء و وجوه أهل بغداد و فيهم الهيثم بن عدي و غيره فنظروا اليه لا أثر به و شهدوا علي ذلك و أخرج فوضع علي الجسر ببغداد و نودي هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت عليه‌السلام قال: و حدث رجل من بعض الطالبيين أنه نودي عليه هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا اليه فنظروا اليه. يا دمعة سحت و فاض غمام لموسد فوق الحصاة... امام بعباءة لفوه فهو مجلل من فوق جسر و الأنام ضرام وقفوا و في عمق الصدور جراحهم و الصمت نار و اللظاة سهام و الراية السوداء فوق رؤوسهم سوداء تسحب ذيلها الأيام اذ تنعق الغربان في أفواههم هذا امام الرافضين حطام قد مات حتف الأنف و هو موسد فلتنظروه فما عليه لثام هذا ابن‌جعفر و الألوف تجمهرت و غدا علي الجسر المقام ترام ما ظنهم أن الامام مواعد في جمعة و الموت فيه يشام و القاتل السندي فوق حصانه يعوي فتنبح بالجراء لئام و النهر من جور العتاة بثورة كالنار ما ابيضت بها الأرقام مدت بشدقيها و قد بلغ الزبي موج لتلقف من به الاجرام و اسم الخبيث ابن الخبيث يلفه و الطهر في موسي الامام ينام فاجتث دابرهم سليمان و قد غامت به الأحزان و الآلام [ صفحه 361] قال الرواة و قد بدت غلمانه ضربا بكل مسود يحتام أخذوا من الأوباش جثة كاظم و علي المفارق قامت الأنسام في نقل حرف طيب و لطيب موسي بن جعفر و العبير خزام و سعي الأنام بعيد غسله فارتقوا دربا حفاة كلها الأقدام خلف الجنازة و الدموع تهاطلت و مقابر لقريش صار لزام حفروا له قبرا ففاح معطرا بالمسك من عطر الجنان سلام يا للمسيب بالوصية يستقي نحو الرضا عهد اليه امام بوصاية قد قالها موسي الذي في تربة قد حرقت و رقام الا تراب السبط فهو شفاء من بالنهج سار و بالولاء لزام ظنوا و ما كف بهم قد غسلت أو ألحدت أو دبت الأقدام حيث الرضا بيديه غسل والدا فهو الامام يقوم فيه امام يحنوطه و بغسله و بدرجه ثم الصلاة عليه حين يرام و اذ المسيب منصت لكلامه قولا بلا شك عليه سلام و دنا علي قائلا لمسيب مثلي كيوسف و الفعال ختام نص الامام علي الامام اذ الرضا من بعد موسي قائم و يقام من يثرب قد جاء يشهد والدا و المنكرون منافق و طغام و من المسيب عين قلب وامق ضم السحائب و الوجود قتام و بعشر تمرات سقين السم من كيد الرشيد و في الجران جمام لهفي عليك ابن الكرام مسمما بالحبس و السندي منك كهام أي كاظم الغيظ الذي بفعاله دهش الأنام و زالت الأوهام فالعابد البر الصلوح هو الذي ضمن الاهاب تلوذه الأحكام و يخافه المتكالبون علي الدنا و الغاصبون الحق و الحكام و من افتروا كذبا بدين محمد و من اشتروا بخسا، بهم نحام دسوا له السم افتراء ويحهم من يوم جمع تشهد الأرحام يوم القسيم علي الصراط مسائلا شاهت وجوه القاتلين و جاموا [ صفحه 362] في كل دائرة العذاب جحيمهم و النار تلفح و العيون غمام لهفي عليك فدتك نفسي مؤمنا صرحا تذب و في يديك دعام باب الحوائج سيدي يأتوك من ضيم ينيخ و للظلام ختام من قبس ضوء الحق هديا للذين اليك ملتجأ لهم و زمام فانظر لمن ضاقت بهم رحب الدنا و اسمع أنين الحرف حين ينام هذي قلوب المؤمنين تجيش في صدر الزمان و في الصدور أوام تدعو امام العصر يضرع كفها لله في فرج عليك سلام قالوا و حمل و دفن في مقابر قريش.

روي الرواة

و جاء في أخبار الرضا عليه‌السلام و في البحار و غير ذلك من المراجع أن جثمان الامام موسي عليه‌السلام ألقي علي جسر الرصافة ملفوف بعباءته و روي أنه لما حمل النعش الشريف ليدفن عليه‌السلام في مقابر قريش نودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه ثم أتي به الي السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه ألا فانطروا اليه، فحف به الناس و جعلوا ينظرون اليه لا أثر به من جراحة و لا خنق. و روي أن السوق الذي وضع فيه النعش سمي سوق الرياحين و بني علي الموضع بناء و جعل عليه باب لئلا يطأه الناس بأقدامهم بل يتبركون به و يزورونه قال الشيخ المفيد: و خرج فوضع علي الجسر ببغداد و نودي هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت و قال ابن شهر آشوب ان السندي بن شاهك أخرج النعش الشريف فوضع علي جسر بغداد و نودي عليه هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا اليه، و لهذا قيل: ان الواقفة يعتقدون بأنه الامام القائم و زعموا أن حبسه هو غيبته، و لما كان السندي مع الناس علي الجسر نفر به [ صفحه 363] فرسه فرمي به في الماء فغرق السندي و شتت الله جماعة يحيي بن خالد. و جاء في تاريخ بغداد عن علي بن الخلال قال: (ما همني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر عليه‌السلام و توسلت به الا سهل الله لي ما أحب). ذلك موسي بن جعفر عليه‌السلام يقول ابن‌سنان للرضا عليه‌السلام: ما لمن زار أباك؟ قال: له الجنة فزره. و قال زكريا بن آدم عن الرضا عليه‌السلام ان الله نجي بغداد بمكان قبر أبي‌الحسن عليه‌السلام. و قال عليه‌السلام: و قبر بغداد لنفس زكية تضمنها الرحمن بالغرفات و قبر بطوس يا لها من مصيبة ألحت علي الأحشاء بالزفرات و جاء في الكافي باسناده عن ابن‌سنان قال: دخلت علي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة و علي ابنه جالس بين يديه فنظر الي فقال: يا محمد أما انه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال: قلت: و ما يكون جعلت فداك؟ فقد أقلقني ما ذكرت فقال: أصير الي الطاغية، أما انه لا يبدأني منه سوء و من الذي يكون بعده قال: قلت: و ما يكون جعلت فداك؟ قال: يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء قال: و قلت: و ما ذاك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه و جحد امامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي‌طالب حقه و جحده و امامته بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: قلت: و الله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقد و لأقرن له بامامته قال: صدقت يا محمد يمدالله في عمرك و تسلم له حقه و تقر له بامامته و امامة من يكون بعده قال: قلت: و من ذاك؟ قال محمد ابنه قال: قلت: له الرضا و التسليم. [382] . [ صفحه 364] أما رسالة الامام عليه‌السلام الي هارون فقد روي الخطيب البغدادي باسناده عن محمد بن اسماعيل قال: بعث موسي بن جعفر الي الرشيد من الحبس رسالة كانت: انه لا ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء حتي نقضي جميعا الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون. [383] . قال هندوشاه بن سنجر: روي الشيعة أنهم لما أخرجوا جثمان الامام موسي بن جعفر كانوا ينادون امام الرافضة مات حتف أنفه و كان أحمد بن حنبل حاضرا و كان يبكي خفية و لما قالوا مات امام الرافضة قال: لا و الله بل مات امام المغرب و المشرق. [384] . و يحضر موسي بن جعفر عليه‌السلام أولاده فقال لهم: يا بني اني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها: (ان اتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمني مكروها ثم تحول الي الأذن اليسري فاعتذر و قال: لم أقل شيئا فاقبلوا عذره...). و يقف السندي مناديا (هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا اليه ميتا) [385] ... و ينادي (هذا الخبيث ابن الخبيث). ألم تجد السلطة غير هذا الأسلوب القذر لمعرفة من سيأتي و من سيثور لهذا النداء أليس لها هم الا معرفة شيعة الامام لتصطادهم فلجأت الي التشهير بنداء لا يمت للقيم بصلة و أية قيم تطلب من سلطان الرشيد و جهابذته و جلاديه.. أبعد الفسق و الكفر من اثم كان النداء يصم الآذان و مجلا الأعطاف نكرا.. و ها هو الجثمان كما جاء في عمدة الطالب [386] يبقي ثلاثة أيام لم يوار... [ صفحه 365] حملوه من قعر السجن و ألقوه علي جسر الرصافة تراه المارة و ذلك للاستهانة به... و لو لا نداء سليمان عم الخليفة (ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليحضر) [387] هل كان هناك من يجسر علي السير أو علي البكاء.. لقد أراد سليمان محو العار عن أسرته التي قتلت الامام عليه‌السلام و أساءت لكرامة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فقام بما يفرضه الواجب للحافظ علي سمعته و سمعة أسرته و محو العار الذي ألصق الرشيد بفعله الشائن... و أكبر الظن أن سليمان خاف من انتفاضة الشيعة و تمرد الجيش و حدوث الاضطرابات و الفتن الداخلية. لأن ذلك الاعتداء الصارخ علي كرامة الامام عليه‌السلام هو طعنة في صميم العقيدة الشيعية فكان ذلك من الطبيعي أن يثير عواطفهم و يحفزهم علي الثورة و الانتقام حيث ان خلق كثير اعتنقوا عقيدة الشيعة من رجالات الدولة و قادة الجيش و كبار الموظفين و الكتاب فتدارك سليمان الموقف و أنقذ حكومة الرشيد و أسدي يدا بيضاء علي الشيعة تذكرها له بالخير.

الجنازة

لقد شيعت بغداد الامام عليه‌السلام فلم تر مثل يومها ذاك فقد خرج البر و الفاجر و الصالح و الطالح لتشييع سبط النبي و الفوز بحمل جثمانه و سارت المواكب تجوب الشوارع و الطرقات و تردد أناشيد اللوعة و الحزن يتقدم المشيعين (الرشيد كما روي ذلك) و اجم حزين يترحم علي الامام و يظهر البراءة من دمه و خلفه البرامكة [388] (علي أن الرشيد لم يكن موجودا و لم يحضر جنازة الامام عليه‌السلام لأنه كان بالرقة). و كبار الموظفين و المسؤولين من رجال الحكم يتقدمهم سليمان و هو حافي القدمين حاسر الرأس و أمام النعش مجامير العطور و في سوق الرياحين وضع الجثمان قليلا [389] ... و الي باب التبن سار [ صفحه 366] الموكب يسوده الحزن و الوجوم و في مقابر قريش أنزله في مقره الأخير سليمان بن أبي‌جعفر مذهول اللب خائر القوي... و نعود لابن سويد حيث يقول ضاقت صدورنا من الألم و الانتظار و كنا نرقب خروج الامام و كانت عائلته في أسي و لوعة فحاولت أن أصل اليه بمختلف الطرق فأرضيت السجانين الي أن دخلت عليه و لما رآني مقبلا قال لي مكانك يا ابن‌سويد حتي يؤتي اليك بشمعة ثم دخلت فوجدته قد افترش عباءته و استقبل القبلة فقلت له: سيدي، و الله لقد ضاقت صدورنا من الانتظار فمتي تكون أيام الفرج، قال لي: يا ابن‌سويد الفرج قريب، قلت: متي؟ قال: الجمعة الآتية و الموعد علي الجسر ببغداد..

سجون العباسيين

الباستيل يوم قامت الثورة الفرنسية فهدم كان فيه أربعة عشر معتقلا سياسيا فقد كان هذا السجن الذي يضرب به المثل للظلم لا يشكل أهمية نسبة بالقياس الي مطابق العباسيين المطابق الحديدية و في داخلها المسامير يوضع السجين في داخلها ثم يحركونه يمينا و شمالا و تخزه المسامير حتي الموت و فيها التنانير المحماة بالنار حيث يشوي بها الانسان الحي... و الي غير ذلك من الوسائل الجهنمية المرعبة في السجون العباسية و كانت ماثلة أمام ناظري الامام عليه‌السلام فكان يعاني الألم و اللوعة و هو ينظر أحوال المعذبين منتقلا من سجن لآخر أربعة عشر عاما يتقلب في اللظي حتي ورد في زيارته (السلام علي المعذب في قعر السجون و ظلم المطامير، السلام علي ذي الساق المرضوضة بحلق القيود، السلام علي الجنازة المعتدي عليها بذل الاستخفاف، و كان آخر هذه المعتقلات سجن السندي بن شاهك الوغد اللئيم الذي نفذ جريمة العباسيين بحق الامام فدس له السم.. سجن السندي ذاك طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار...). [ صفحه 367] يقول علي بن سويد: خرجت و أنا لا تكاد تحملني قدماي من الفرح و أقبلت لأصحابنا أطرق عليهم أبوابهم بابا بابا أبشرهم بقرب خروج الامام عليه‌السلام وحددت لهم الموعد يوم الجمعة علي جسر بغداد و لما صار يوم الموعد اكتظت بنا الطرق ننتظر خروج الامام عليه‌السلام و بينما نحن كذلك و اذ بجنازة يحملها أربعة من الحمالين أقبلوا بها و طرحوها علي الجسر و نودي عليها (هذا امام الرافضة الذي تزعم أنه لا يموت ها هو قد مات حتف أنفه). يقول علي: ذهلت و دهشت بينما كنا نتوقع خروج الامام و اذا به يخرج جنازة. ثم أقبلت الي طبيب نصراني كانت لي معه صحبة صادف أن مر بي قلت: بالمسيح عيسي عليك الا ما أقبلت معي ثم أخذت بيده حتي جئت الي جسد الامام عليه‌السلام و كان مسجي و ملفوفا بعباءته و تقدم الطبيب النصراني لما كشف العباءة عن وجهه و نظر في يده قام و لم يتكلم قلت بالمسيح عيسي عليك الا ما أخبرتني ما داؤه قال: لا تطل يا ابن‌سويد أما للرجل من عشيرة فلتطالب بدمه، ان الرجل مات مسموما. اذن ما من عشيرة تطالب بدمه.. و لذا جهز الجنازة سليمان لامتصاص النقمة.. فموسي بن جعفر عليه‌السلام علي الجسر ملفوف بعباءته... و هند بن أبي‌هالة ظئر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كما أسلفنا توفي بالبصرة فتنافست القبائل علي تكفينه... خمسمائة قبيلة كل واحدة جاءت بكفن لتحظي بشرف تكفينه و موسي بن جعفر ابن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أخرج ملفوف بعباءته!!!! [ صفحه 368]

يا سائلا

في حب هارون تلظي سعير و به الظلامة و الظلام قفير و الجور يوغر في الصدور يهيجها و ينيخ في ليل بكاه أسير شوقا لترب محمد و لآله شوقا لتذكار بهن قبور ضم البقيع و في البقيع أحبة و به الهتون الي القلوب يسير تستاقه الريح العصوف و تلتجي فيه النفوس الي الغمام تطير تشكو لرب البيت ظلما طاغيا يجتاح آفاقا، تنيخ شرور تنزو بفسق فوق منبر أحمد و تلوذ بالجدران و هي تمور لا لهفتي تجلي الأساة و لا بما نبض الصدور بخافقيه يجير يا سائلا عما بهن جحور عن كل كوكبة أتاها نفير و عن القيود عن السلاسل ما بها كيف الصلاة و للحديد زفير و ذوو الخساسة قد غدت أحكامهم تسري و صوت الحق فيه أسير و الأكرمون علي الترائب قيدت أقدامهم و الأرزلون صقور يا كيف تكتب أحرف دمع السما يا كيف ينبض في الصخور ضمير يا حب هارون و فيك بدور تذوي و ما بين الدمقس حقير شتان ما بين الثريا و الثري بين الامام و ساجنيه تدور ابن ابن بنت محمد خير الألي بعباءة تبكيه حيث يصير مسجي علا جسر الرصافة مدرجا و النار تغلي و الصدور زفير [ صفحه 369] و الموبقات تجللت بحروفهم تعوي و في صوت الكلاب سعير خسئت بهم تلك النفوس وليتها تصحو لتلعن نفسها و تثور حمت بها ريح الجنون فأفلست و الموج عات و العبور عسير [ صفحه 370]

علي صفحات التاريخ

اشاره

و ينصت التاريخ الي همسات أحرف في جوف الليل تقطر ألما نازفا مع الدمع المنهمر كقطر السحاب.. ترفعها يدان الي بارئها فيذهب الصوت كالشعاع الي كل مكان و تردد أصداؤه الأكوان (رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخر ستني و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني و عصيتك بفرحي و لو شئت و عزتك لأعقمتني و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي و لم يكن هذا جزاك مني). و نعود لنردد تلك الكلمات الحكم في قوله عليه‌السلام: من استوي يوماه فهو مغبون و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة. يقول عليه‌السلام: انه ليران علي قلبي و اني لأستغفر بالنهار سبعين مرة.. انه عليه‌السلام كاظم الغيظ و صائم القيظ. عنصره كريم و مجده حادث و قديم و خلفه سؤوده و سيم و هو بكل ما يوصف به زعيم. الآباء عظام و الأبناء كرام و الدين متين و الحق ظاهر مبين و الكاظم في أمر الله قوي أمين و جوهر فضله [ صفحه 371] عال ثمين، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات منفردا... فهل سطرت أيها التاريخ بكل اللغات ما تعني الثورات هل علمت لماذا قام الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام... و لماذا كربلاء و لماذا فخ و لماذا قتل ذي النفس الذكية.. لماذا في باخمرا.. هل قرأت ما بين الكلمات عن جرائم بني‌أمية و بني‌العباس و رسمت صور العواميد المحشوة و المسلحة بالأطهار الأحياء الذين لفظوا أنفاسهم داخل تلك الجدران... و هل عددت الرؤوس في خزانة المنصور فويل للظالمين الطغاة، اسمع أيها التاريخ... المسلمون عباد الله.. لا فرق بين أبيض أو أسود... عربي أو أعجمي الا بالتقوي... الناس سواسية يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا... لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها و اكتب أيها التاريخ... لقد قامت الثورات عندما تحولت الخلافة الي ملك عائلي و سلطة و تسلط و استئثار بالأموال و المناصب و تجميد لأحكام الشريعة و التلاعب بها... قامت الثورات و الانتفاضات و الصراع المرير الدامي فسفكت الدماء و انتشرت الفرقة و الفتن و نشأت الأفكار و النظريات المنحرفة علي طرفي نقيض، بعضها يبرر للحكام ظلمهم و سيطرتهم علي الأمة و يوعد للخنوع و الاستسلام و عدم نقض بيعة الظالم و الرضا به علي كل حال، و بعضها استغل الفرصة للقضاء علي الاسلام و أهله فدعا بدعوات ضالة جاهلية أباح المحرمات و الأموال و النساء و هدم الواجبات، و بعضها دعا الي الفوضي و التخريب و اباحة الدماء و تكفير الجميع... الأفكار تبلبلت و الاضطرابات احتدمت و الحروب أيها التاريخ تطحن فاسمع جيدا و اكتب ما قاله الصادق عليه‌السلام: العامل بالظلم و المعين عليه و الراضي به شركاء ثلاثتهم و يقول عليه‌السلام: من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فان دعا لم يستجب له و لم يأجره الله علي ظلامته انصت أيها التاريخ الي رسول العدل و الانسانية يقول صلي الله عليه و آله و سلم: عدل ساعة خير من عبادة [ صفحه 372] سبعين سنة قيام ليلها و صيام نهارها، و جور ساعة في حكم أشد و أعظم عندالله من المعاصي ستين سنة. و من مشي مع ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام و اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة. و من أرضي سلطانا بسخط الله خرج من دين الله. أسمعت أيها التاريخ: ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عونا الا الله عزوجل... هكذا قال الصادق عليه‌السلام. فهل تصورت مدي المعاناة حتي قال ذلك (الكافي ج 2 باب الظلم) و من ثم ابنه... كاظم الغيظ هل نظرته في غربته و تقلبه في السجون... (كلما أتت أمة لعنت أختها)... لقد غطي العباسيون علي الأمويين ظلما و عدوانا و مثلبة.. و الواحد تلو الآخر يقول قتلني الله ان لم أقتله... المنصور تهدد و توعد الصادق آلاف المرات و بعده توالي زبانيته المهدي فالهادي فالرشيد أسماء ظاهرها الخير و باطنها عكس ظاهرها فوالله لا رشيد و لا هادي و لا مهدي... طينة رجس و فساد و كفر و فسوق... و عندما قتل الحسين صاحب فخ صاح ذلك الجالس علي كرسي الخلافة: و الله ما خرج حسين الا عن أمره و لا اتبع الا حجته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله ان أبقيت عليه. فالامام عليه‌السلام هو رمز المعارضة في وعي الجماهير و دعاة الاصلاح وقادته يجسد كيان المعارضة و يمنحه الشرعية و لذا كان الخلفاء يحاولون التخلص منه و ابعاد الرأي العام عنه بالارهاب و الرشوة و القتل و السجن أو بالمنصب. لقد حمل الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام نهج تربية الأمة علي كراهية [ صفحه 373] الظلم و تركيز مفهوم العدل و شرح مفهوم الامامة و السياسة و توضيح أسس الحكم و السياسة في الاسلام لتنمية الوعي السياسي للأمة و تعميق حسها و زيادة نقمتها علي الظالمين و تحريك ركودها... لقد سلك عليه‌السلام أسلوب المقاطعة... الحرب السلبية (و من مشي مع ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام) تلك كلماته عليه‌السلام لصفوان الجمال... انها لغة أبيه الصادق عليه‌السلام و لغة الباقر و الحسين و علي و لغة رسول الله صلوات الله و سلامه عليهم... قال الصادق عليه‌السلام للمنصور (ليس لدينا ما نخافك من أجله و لا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له) و يفتي الامام الكاظم عليه‌السلام بحرمة معونة الظالم أو تولي الوظائف له الا اذا كان الهدف خدمة الاسلام من خلال الموقع (مثال علي بن يقطين) و دفع الظلم عن الآخرين. لقد كان عليه‌السلام مع الحسين صاحب فخ لأن الحسين بن علي ثائر علي الظلم و المعاناة الشرسة و الجور المستفحل... و الامام عليه‌السلام مع الثورة ضد الظلم و عدم اقرار الظلم و هو مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التي قادها الحسين بن علي عليه‌السلام في كربلاء و بعدها الثورات تتسابق ضد الظالمين لاسقاط الحكم الفاسد المخالف للاسلام... لقد وقف الكاظم عليه‌السلام الي جانب الثوار بالرغم من أنه كان يري فشل تلك الثورة نظرا لعدم توفر الظروف المؤاتية لنجاحها و لذا قال للحسين عندما رآه عازما علي الثورة: (انك مقتول فأحد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله أحتسبكم من عصبة) [390] . و عندما استشهدوا و أحضرت الرؤوس قيل للامام عليه‌السلام هذا رأس حسين؟ قال: نعم انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا صواما [ صفحه 374] آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ما كان في أهل بيته مثله. [391] . لقد تمثل بالامام موسي الكاظم عليه‌السلام الموقف السياسي و الصراع العنيف حيث وقف بوجه الحكام العباسيين الذين عرفوا بانحرافهم عن الاسلام و امتهانهم للأمة و استئثارهم دون المسلمين بالسلطة و المال و في زمن المهدي اشتدت مخاوفه من الامام عليه‌السلام فاستدعاه من المدينة الي بغداد لمحاكمته و التحقيق معه و زجه في السجون حتي فزع المهدي في حلمه الذي رأي فيه أميرالمؤمنين عليه‌السلام... و سبق بيان ذلك فأطلق سراحه و أما زمن الهادي حيث اشتدت المحنة علي الامام عليه‌السلام و علي آل أبي‌طالب فطاردهم و قتلهم ليستأصل وجودهم خاصة بعد ثورة الحسين صاحب فخ... حيث هدد الكاظم عليه‌السلام بالقتل و شرع بذلك فأتته المنية أسرع و أسرع و أما دور الرشيد فقد كان الظلم الأكبر.. الرشيد القاتل.. الباغي. المنحرف فماذا حصدت أيها التاريخ و ماذا علا بيدرك... حصيلتك بعد رحيل خاتم الأنبياء و المرسلين صلي الله عليه و آله و سلم.. أين الاسلام غدا. و أين الثقلين و باب حطة.. أما خجلت أيها التاريخ من تلك الصفحات السود.. من الدماء المسفوكة و الأعراض المهتوكة و المجون و الفساد و القصور و الطنابير و القردة... هل زال الحياء عن وجهك و أنت الخجول... أم اكتفيت بوريقة توت من نسيج العنكبوت.. فتبا لذلك التهتك و لتلك الموبقات قم اغسل عن وجهك العار، قم التمس التوبة في رحاب الايمان قم طهر نفسك من الرجس و أصلح ذات بينك و انزع رايات العواهر احرقها كي لا يبقي فجور و دس و سم و جواسيس و تكالب... و انسج لنفسك ثوب ايمان تخطو به لملاقاة ربك... اغسل وجهك و نقه من الدرن كي تقف يوم الموقف الذي لابد لك من وقوفه ويحك أيها التاريخ لماذا تفاقم الخلاف بين المدارس و المذاهب الفقهية و أبو [ صفحه 375] حنيفة يقول لو لا السنتان لهلك النعمان. و الشافعي و المالكي من وضعوا اجتهاداتهم كلهم آمنوا بآل البيت و كانوا ينهلون من منهلهم فلماذا يكون ذلك الخلاف الاجتهادي سببا للفرقة و التباعد بين أبناء الأمة الاسلامية الواحدة التي رسولها واحد و قرآنها واحد و ربها واحد أحد لم يلد و لم يولد... (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) [392] .. اكتب أيها التاريخ: (... لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) [393] .. فهل تعرف ما تعني هل يمكنك شرحها... أم أصبح قلبك ظلاما عليه غلف.. ما عاد يفقه، فاسع بقدميك الي موسي بن جعفر عليه‌السلام و اسأله فهو كما قال أبوه الصادق عليه‌السلام: (ان ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم) [394] فهو سيد أهل البيت عليهم‌السلام و الامام الذي يرجع اليه في أخذ العلوم و المعارف... لقد وصفه علماء الرجال و السير بأنه العالم الصادق و المتعبد المشهور بالورع و التقوي و عظمة الشأن و سمو الخلق... يسأل الهشام بن الحكم موسي بن جعفر عليه‌السلام [395] لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات؟ و لأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم و بحمده و في السجود سبحان ربي الأعلي و بحمده؟ قال عليه‌السلام: ان الله تعالي خلق السموات سبعا و الأرضين سبعا فلما أسري بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و صار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدني رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع الثاني كبر فلم يزل كذلك حتي رفع سبع حجب و كبر سبع تكبيرات فلهذه العلة يكبر في الافتتاح سبع تكبيرات فلما ذكر ما رأي من عظمة الله ارتعدت فرائضه [ صفحه 376] فابترك علي ركبتيه و أخذ يقول سبحان ربي العظيم و بحمده فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر الي تلك العظمة في موضع أعلي من ذلك الموضع، خر علي وجهه و هو يقول: سبحان ربي الأعلي و بحمده فلما قالها سبع مرات سكنه ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة.. أيها التاريخ ويحك أما سمعت ما قاله الكاظم عليه‌السلام و هو واقف عند قبر حضره: (ان شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله و ان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره) فماذا صنعت أيها التاريخ هل اتعظت؟ فاسمع لحكم الامام عليه‌السلام و خذ منها لآخرتك.. قال عليه‌السلام لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان. و قال عليه‌السلام: (كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون). و قال عليه‌السلام: (المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان). و قال عليه‌السلام: (يعرف شدة الجور من حكم به عليه). و قال عليه‌السلام: (و الله ينزل المعونة علي قدر المؤونة و ينزل الصبر علي قدر المصيبة). و قال عليه‌السلام: و من اقتصد و قنع بقيت عليه النعمة و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة. و قال عليه‌السلام: أداء الأمانة و الصدق يجلبان الرزق، و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق. و قال عليه‌السلام: اذا أراد الله بالنملة شرا أنبت لها جناحين. و قال عليه‌السلام: اياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله. و قال عليه‌السلام: المعروف غل لا يفكه الا مكافأة أو شكر، و لو ظهرت [ صفحه 377] الآجال افتضحت الآمال، و من ولده الفقر أبطره الغني، و من لم يجد للاساءة مضضا ما لم يكن للاحسان عنده موقع، ما تساب اثنان الا انحط الأعلي الي مرتبة الأسفل... و قال عليه‌السلام لبعض ولده: يا بني اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، و اياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. و عليك بالجد، و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته، و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف مروتك. و قال عليه‌السلام: المؤمن مثل كفتي ميزان كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه. معذرة أيها التاريخ سؤال يحيرني لماذا تغيرت السجون من مكان لآخر علي الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام فلقد قالوا ان السر في ذلك أنهم عندما كانوا يضعونه في سجن يرون بعد مضي قليل من الزمن أن السجانين يصبحون من أتباعه عليه‌السلام... فحقا كان ذلك.. أجل أجل في سجن البصرة لدي عيسي بن جعفر بن أبي‌جعفر حفيد المنصور و والي البصرة رجل مترف لاه شارب للخمر (قالوا جاءوا برجل عابد يعرف الله الي مكان سمع فيه أشياء لم يسمعها في حياته) في السابع من ذي الحجة... و الصيد و الترف و اللهو و ما انقضت الأيام حتي بدأ عيسي بالتعلق بالامام عليه‌السلام و رأي فيه خلاف ما نعي اليه فأعزه و أكرمه و أعلن أنه ضيفه و ليس سجينه و لما أمره الرشيد بقتله رفض و كتب لهارون انقله من عندي أو أطلق سراحه.. و في سجن الفضل بن الريبع الحاجب المعروف سرعان ما تعلق بالامام و عامله ليس كسجين بل كضيف... يتكلم عنه بالاكبار و الحب و ينتقل عليه‌السلام بأمر الرشيد الي سجن الفضل بن يحيي البرمكي و حدث ما حدث مع سابقه فكرم الامام عليه‌السلام و عامله بالحسني و جن جنون هارون.. [ صفحه 378] و الي سجن السندي اللعين الذي لم يكن يعرف الله... و عندما أو كل الي المسيب حراسته ما لبث أن أصبح من أشد أتباع الامام عليه‌السلام اخلاصا و ايمان بالله. لقد ملك الامام القلوب فعلي بن يقطين كان وزيرا لهارون... كان متشيعا متكتما يخدم أهداف الامام عليه‌السلام الامام الذي امتلك القلوب و العقول و كان هارون يخشي جاذبية الحقيقة... يقول الامام عليه‌السلام: كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم.. أي بعلمكم بمعرفتكم لله و خشية.. يبكي الامام عليه‌السلام من خشية الله و يرتجف و هو عليه‌السلام حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة [396] يري الله سبحانه و يري القيامة و الجنة و النار و يبكي علي الضعفاء و المحرومين و البؤساء.. من سيحمل لهم و هو في السجن سجن هارون فويل لهارون من رب هارون ويل له يوم يؤتي كل امرء بما جنته يداه... و هذا سجن السندي و تلك الجارية اللعوب الفاتنة ظنوها تغويه و اذ بها تسجد لخالقها ايمانا لما رأته فيه.. لقد كان نور الامام يجتاز كل العوائق ليهدي من أراد الله له الهداية... و ذلك بشر الحافي الحر الذي ركض خلف الامام في زقاق بغداد قائلا سيدي أريد أن أكون عبدالله... لقد كان وجود الامام بالنسبة للرشيد (أكبر ذنب) فهو عليه‌السلام يسحر الناس بما لديه من الخلق و الايمان و البرهان فيؤمنون بالله ان الايمان بالله يعني محاربة الظلم و الرشيد ظالم يعني محاربة الرشيد و ذلك صفوان الجمال نوع آخر من أنواع الحرب... حرب بلا سلاح بلا سيف بلا دماء حرب مقاطعة، حرب النهي عن المنكر... بأسلوب آخر (يا صفوان كل شي‌ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا)... كراؤك جمالك.. و ان كان كراء الجمال مما يغضب الله فلا كانت الجمال و لا كان الكراء...!!! حتي و لا كان الطعام و لا الحياة... المهم مرضاة الله [ صفحه 379] تعالي... موقف الاامام عليه‌السلام صارم.. ساقط علي حكومة هارون الفاسق... (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) [397] . و يقول عليه‌السلام لزياد بن أبي‌سلمة: (يا زياد لأن أسقط من شاهق فأنقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم) ان في مقاومة الامام عليه‌السلام لحكومة هارون بهذه المقاومة الشديدة وقاية للاسلام و حفظا له كي لا يدرس العدل و لا تتبدل السنة و لا يمحي الحق و يسود الباطل و يزول الاسلام و لذا أصر عليه‌السلام علي المقاطعة و حرم التعاون معه مستثنيا من ذلك من يؤدي في عمله منفعة المسلمين و في مكانه... مثال (علي بن يقطين) الذي طلب من الامام عليه‌السلام أن يترك ذلك العمل و يهرب... فأصر عليه بالبقاء وزيرا لخدمة الاسلام و معونة المظلومين... لقد اتخذ عليه‌السلام المقاومة السلبية طريقا و أسلوبا لمقاومة ظلم هارون الذي هو المنكر بعينه.. ايه أيتها الزوراء يا من يدعونك دار السلام فأي سلام بك شاهد كاظم أهل البيت عليه‌السلام... عندما خرج الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام رأي في نومه جده صلي الله عليه و آله و سلم فقال: خذني اليك في قبرك قال صلي الله عليه و آله و سلم: شاء الله أن يراك قتيلا و شاء الله أن يراهم سبايا، انها الحكمة الالهية و لو شاء سبحانه لأحرق الرشيد و لخسف به الأرض و لكن لحكمة أرادها و لأمر قدره... خبر ابن المسيب الهمداني قال: جاء في بعض الكتب أنه أخذ مع الامام موسي عليه‌السلام و حبس معه في محبسه ببغداد (علي بن المسيب الهمداني) فلما طال حبسه و اشتد شوقه للقاء عياله أمره الامام عليه‌السلام بالاغتسال فلما اغتسل أمره باغلاق عينيه ثم أمره بفتحهما فاذا به يري نفسه عند قبر الحسين عليه‌السلام فصليا و زارا ثم قال له أغلق عينيك ثم قال افتحهما ففعل فاذا بهما عند قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالمدينة قال له: هذا قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاذهب الي عيالك و جدد [ صفحه 380] عهدك بهم ثم ارجع الي فمضي وعاد فأمره ثانية باغلاق عينيه ثم فتحهما فاذا به معه فوق جبل قاف و أربعون رجلا من أولياء الله مؤتمون بالامام موسي عليه‌السلام ثم أمره باغلاق عينيه و فتحهما ففعل و اذا بهما في محبسهما ثانية. أو ما سلكت مداخل الزوراء و اخترت ما يشفي من البلواء فقصدت باب حوائج بأبي‌الرضا للكاظمين ففي الندا برجاء اجلاء أغشية الظلام و دفعها رتقا توحد أنجم بسماء تقتات من حرف الامامة زيتها لتنير أفئدة من الظلماء تسمو كما الأفلاك ترسل ضوءها أو كالحقيقة تجتلي بنداء كالموج يغسل للبحار وجوهها و يهيج بوح كوامن الأنواء و يرود في الفلك الوسيع منقبا عن كل شمس كل وجه خفاء عن موطن السر الذي في مقلة عن كل مضمون بثوب رياء شفت به الكلمات تقري ما بها و تروح تنشر ريح كل فداء كالثلج في ذوب الوجود كنقلة ديفت تموج بخافق الأحياء كي تنقل الصمت المنيخ بمقلة تسقي الترائب من لظي الاظماء تجلو سفير البؤس ترخي قبة فوق السرادق ضرجت بدماء فانهج لزوراء اذا ما دججت منك السواكب في قلي الظلماء و اسلك هوينا فوق جسر عابر للكاظمين و سر بغير حذاء طأطي‌ء و سبح و اتخذ درب الهدي قولا و رتل آية الايلاء مسترجعا مستقبلا متوسلا باب الحوائج دونما خيلاء فاذا اقتربت من المقام و تمتمت شفتاك قل مستأذنا برجاء مولاي جئتك ضارعا بالمرتضي بالمصطفي بالعترة الكرماء فاقبل حروف توسلي اني أنا أبغي الشفاعة ممسكا بردائي في ظل اظلال لرحمة من له القلب الوجيف قد احتبي بخباء ايه أيا الحسن الكظيم لغيظه روحي اليكم تلتجي و سمائي [ صفحه 381] و النفس في دوح الأمانة نسفها و من الأمير لها بكم بسخاء با ذا الكرامة من كريم فعالكم صفح و مغفرة لكل نداء فانظر بعين العطف نحو من ابتغي عطفا اليك محملا بولاء يا ابن الحميدة و الصدوق و أحمد قد جئت بابك يلتجيك ندائي و ليست بعيدة ما رويناه عن السندي و هو يركض باحثا في المسجد عن الامام قائلا و الله لأحب علي هروبك من وقوفك في هذا المكان و كان عليه‌السلام يصلي في المحراب في جامع المسيب خارج السجن. لم تكن القيود و لا الأبواب و لا الأقفال تشكل بالنسبة اليه ذلك العائق ف (سبحان الذي أسري بعبده ليلا) [398] .. تلك قدرة الله و نحن ما علينا الغوص في البواطن لأننا نري الرؤية المحدودة بنظرنا و أحيانا بقدرة الله تري عقولنا و تدرك ما لا تراه أبصارنا... جاء زنديق للامام الصادق عليه‌السلام فقال: كيف يعبدالله الخلق و لم يروه فقال عليه‌السلام: رأته القلوب بنور الايمان. و أثبتته العقول بيقظتها اثبات العيان و أبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب و أحكام التأليف ثم الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها و اقتصرت العلماء علي ما رأت من عظمته دون رؤيته [399] . و يقول آخر... أرأيت الله حين عبدته و يجيب عليه‌السلام: ما كنت أعبد شيئا لم أره قال: كيف رأيته قال عليه‌السلام: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان.. و يحمل موسي بن جعفر عليه‌السلام ذلك اللواء مدافعا عن العقيدة الاسلامية مبطلا زيف أفكار أولئك الملاحدة فيقول عليه‌السلام: أي فحش أو خنا أعظم من [ صفحه 382] قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. [400] . و مما قاله عليه‌السلام: (لا جسم و لا صورة و لا تحديد و كل شي‌ء سواه مخلوق انما تكون الأشياء بارادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان) [401] و في مكان آخر يقول عليه‌السلام: (لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما علم خلق الأشياء) [402] و يجيب عليه‌السلام المتسائل عن علم الله فيقول: (لم يزل الله عالما تبارك و تعالي ذكره) [403] و يجيب السائل عن ارادة الله سبحانه فيقول عليه‌السلام: (ارادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون بلا لفظ و لا نطق و لا لسان و لا همسة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما أنه لا كيف له) [404] . و عن سؤال (لا يكون شي‌ء الا ما شاء الله و أراد... ما معني شاء؟ قال عليه‌السلام: ابتداء الفعل) [405] و ذلك أن المعني القائم في النفس من حيث ارتباطه بالفاعل يسمي المشيئة و من حيث ارتباطه بالفعل يسمي الارادة. و في ذلك العصر الذي غزاه الالحاد الذي أطلق الحاقدون علي الاسلام و المعادون له و الذين رأوا أن لا وسيلة لهم لمقاومته الا باشاعة المبادي‌ء الهدامة بين المسلمين كي تضعف العقيدة و يذهب الايمان، ما لبث ذلك الموج أن انحسر و تلك الأفكار أن ذهبت غثاء أمام ما بذله أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و ما قام به قادة الفكر من تلامذتهم الذين انطلقوا بقوة يعملون لصيانة [ صفحه 383] الاسلام و حمايته من الملحدين و المضلين الكثر في عصر مجتمعه تفشي به التسيب و الانحلال و الخلاف و الشك فكان لجهود الأئمة عليهم‌السلام و لاحتجاجاتهم الأثر الفعال في عودة المسلمين الي جادة الصواب و طريق الحق.. و بعد أن تحولت بغداد الي دور لهو و عبث و مجون و انساب الناس وراء الشهوات و نبذوا قيم الاسلام فانحطت الأخلاق و انغمس الناس في المنكر و الفساد و الفجور الذي امتد الي الغلمان و شاعت الخلاعة التي كرس النظام نفسه لها فكان مثال التسيب و الاستهانة بالقيم الاسلامية و الأعراف الاجتماعية... كل هذا و ذاك من تيارات و أمواج هوج وقف أمامها أهل البيت عليهم‌السلام.. كي يعود الناس الي جادة الصواب و مثال (بشر الحافي) صورة عن ذلك.. و عندما كانت القين تعزف و تغني و الرقص و الشراب يدور و الموائد تهدر... كان الشعب يفقر و يتضور جوعا فما اغتني غني الا افتقر فقراء.. الدنيا ككفتي ميزان و لقد نهبت الحكومات العباسية أموال الشعوب الاسلامية و أشاعت الفقر و صرفت الخزينة علي الدعارة و اللهو و فساد الأخلاق و لذا التفت الأمة حول آل البيت عليهم‌السلام لأنهم هم الخلاص من ذلك الوبال و ذلك الجور و الاستبداد و الذي تحكم فيه الوشاية و قصة الفضيل بن عمران الذي قتله المنصور لمجرد الوشاية ثم قال الحقوه قبل قتله و صلبوه و كان قد قتل فقال (ما يقول أميرالمؤمنين في قتل رجل عفيف، دين مسلم بلا جرم و لا جناية) و نسي أنه أرسل الي و اليه سليمان يسأله عن وصية جعفر بن محمد عليه‌السلام قائلا اذا وصي لانسان بعينه فخذه و اقتله)... اقتله لا لشي‌ء الا أنه وصي له.. ما هو الذنب؟...! و يأتيه جواب القتل (هو أميرالمؤمنين يفعل ما يشاء، و هو أعلم بما يصنع)... و ماذا يصنع خلفاء الجور و البهتان في مضارب القيان... يا سيدي و أمير الناس كلهم قد جار في حكمه من كان يسقيني اني غفلت عن الساقي فصيرني كما تراني لسيب العقل و الدين فاختر لكم قاضيا غيري أنا رجل الراح تقتلني و العود يحييني [ صفحه 384] تلك صورة لخمارة بني‌العباس... و لظلم بني‌العباس... من قال لهم الحمداني: منكم علية أم منهم و كان لكم شيخ المغنين ابراهيم أم لهم طرفا حبل الواحدة للدار الآخرة و الأخري لتفاهات الدنيا... حبل ممدود... فيه الفضائل ذلك من نصره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... أهل البيت عليهم‌السلام فمن أي الطرفين.. فاختر.. و عندما نشر أبوالخطاب كفره كان الامام موسي عليه‌السلام صغير السن عندما أتي عيسي الشلقاني الي الامام الصادق عليه‌السلام سائلا اياه رأيه في هذا الملحد فقال له كما ورد سابقا لماذا لم تذهب الي ابني موسي... و يقول موسي بن جعفر عليه‌السلام (يا عيسي ان الله تبارك و تعالي أخذ ميثاق النبيين علي النبوة فلم يتحولوا عنها أبدا و أخذ ميثاق الوصيين علي الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا و أعار قوما الايمان زمانا ثم سلبهم اياه و ان أباالخطاب من أعير الايمان ثم سلبه اياه...). و يقول الصادق عليه‌السلام.. (يا عيسي ان ابني هذا لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم) [406] . و ها هو الامام موسي عليه‌السلام يكتب لهارون لعل هارون يهتدي يكتب له لحيفظ شريعة جده صلي الله عليه و آله و سلم [407] . و من أجل حماية الدين استعمل التقية و ما أشدها من تقية تلك في رسالته للخيزران معزيا بابنها (الذي هي أو عزت بقتله و هو يعلم ذلك) [408] .. و هؤلاء اليهود الواقفون بالمرصاد للاسلام يقولون يد الله مغلولة عن [ صفحه 385] القبض و البسط و الأخذ و العطاء... قلم التقدير كتب.. و يقول موسي بن جعفر عليهما سلام الله لقد (علم و شاء، و أراد و قدر، و قضي و أمضي فأمضي ما قضي، و قضي ما قدر و قدر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة و بمشيئته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء. و العلم يتقدم علي المشيئة و المشيئة ثانية و الارادة ثالثة و التقدير واقع علي القضاء بالامضاء فلله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما أراد لتقدير الأشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم في المعلوم قبل كونه، و المشيئة في المنشأ قبل عينه، و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عينا و وقتا، و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن وكيل، و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تعالي فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها و بالمشيئة عرف صفاتها و حدودها و أنشأها قبل اظهارها و بالارادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها و بالتقدير قدر أوقاتها و عرف أولها و آخرها و بالقضاء أبان للناس أماكنها و دلهم عليها و بالامضاء شرح عليها و أبان أمرها و ذلك تقدير العزيز العليم). هكذا قال عليه‌السلام للمعلي بن محمد الذي كانت ممتلئة نفسه بالسؤال عن علم الله كيف يكون و ما هو و ما ذلك القدر و التقدير و ما تلك الأسئلة التي تنكر و التي تدحض و التي تثير التساؤل... ما هو ذلك الايمان... و ما السر في علم مخزون لا يدركه المدركون.. و يقف الفتح بن عبدالله سائلا عن وجود الله و صفاته... فيجيب عليه‌السلام [409] . [ صفحه 386] مبتدئا بسم الله الرحمن الرحيم قائلا: (الحمد لله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال علي وجوده بخلقه، المستشهد بآياته علي قدرته الممتنعة من الصفات ذاته، و من الأبصار رؤيته، و من الأوهام الاحاطة به، لا أمد لكونه، و لا غاية لبقائه، لا تشمله المشاعر، و لا تحجبه الحجب و الحجاب بينه و بين خلقه اياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لا مكان مما يمتنع منه، و لافتراق الصانع من المصنوع، و الحاد من المحدود، و الرب من المربوب، الواحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعني حركة، و البصير لابأداة و السميع لا بتفريق آلة، و الشاهد لا بحماسة، و الباطن لا باجتنان، و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة، أزله نهي لمجاول الأفكار، و دوامه ردع لطامحات العقول، قد حسر كنهه نوافذ الأبصار، و قمح وجوده جوائل الأوهام، أول الديانة به معرفته و كمال معرفته توحيده، و كمال توحيده نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة الموصوف أنه غير الصفة و شهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل فمن وصف الله فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد أبطل أزله، و من قال كيف؟ فقد استوصفه، و من قال فيم فقد ضمنه، و من قال علام؟ فقد جهله، و من قال أين؟ فقد اخلا منه، و من قال ما هو؟ فقد نعته، و من قال الام؟ فقد غاياه، عالم لا معلوم، و خالق اذ لا مخلوق، و رب اذ لا مربوب، و كذلك يوصف ربنا، و فوق ما يصفه الواصفون).. فهل بعد ذلك أبلغ و أنصع و أفصح و أقوم و أرشد... فكيف لا يكون ذلك المغناطيس الذي يشد قلوب العلماء و المتفقهين و كيف لا يكون شوكة في حلق هارون..(يريدون أن يطفئوا نور الله... و خسي‌ء المبطلون.. لم يشهد التاريخ جنازة كجنازة موسي.. البر و الفاجر حوت.. خلفه سارت الأقوام حافية و الرؤوس حسيرة و النفوس و اكفة مدلهمة و العيون ماطرة ويحك يا هارون يوم الله من غضب الله.. [ صفحه 387] أي الأعمال أفضل...؟ أيها العالم... أيها أقوم و أيها أحسن عندالله؟ و يجيب سلام الله عليه: ما لا يقبل عمله الا به. يقول: و ما ذلك؟ فيجيب عليه‌السلام الايمان بالله و يسأل: فهل الايمان قول أم عمل؟ و يقول عليه‌السلام: الايمان عمل كله.. و يسأل راجيا: صف لي ذلك كي أفهمه... يجيب عليه‌السلام: الايمان درجات منه التام المنتهي تمامه و منه الناقص البين نقصانه و منه الزائد الراجح زيادته و يسأل: الايمان ليتم و يزيد و ينقص؟ يقول عليه‌السلام: نعم و يشرح له عليه‌السلام و ينهي كلامه بالتصديق و التسليم و العقد و الرضا بأن لا اله الا الله وحده لا شريك له، أحدا، صمدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبده و رسوله. [410] . و في زاوية من مسجد جده صلي الله عليه و آله و سلم وقعت عينه علي جمهرة من الناس فسأل فقالوا: علامة و سأل عليه‌السلام: ما العلامة قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها قال عليه‌السلام: ذاك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه!!!.. و بسط لهم كفيه بالعلم قائلا: (العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل)... و قال عليه‌السلام: (و جدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك و الثانية أن تعرف ما صنع بك و الثالثة أن تعرف ما أراد منك و الرابعة أن تعرف ما يخرجك عن دينك)... و يتم عليه‌السلام ارشاده للائذين به فيقول لهم: تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا، و فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب و من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا). انها مشكاة جده صلي الله عليه و آله و سلم و مشكاة سابقيه من الأئمة الأطهار... (و لقد ءاتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم) [411] ... موسي الكاظم عليه‌السلام السابع و الأسماء [ صفحه 388] المعصومة السبعة (محمد علي فاطمة الحسن الحسين جعفر موسي)... (الأسماء الحسني التي لا يصل الله من العباد عمل الا بمعرفتها) و لذا يقول عليه‌السلام: تفقهوا في الدين يقول عليه‌السلام: (محادثة العالم علي المزابل خير من محادثة الجاهل علي الزرابي). و حوله التف طلبة العلم و هو سابح في علياء عبادته يسبح لله و يدعوه و يلتجي‌ء اليه و يتقدم نحوه أحدهم: سيدي و ما فائدة الدعاء؟ يقول عليه‌السلام: (ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيلهمه الله عزوجل الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء و شيكا و ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرع الي الله عزوجل) [412] . و يرفع يديه الي السماء و يقف و فرائصه ترتعد و دموعه تسح.. (يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك و أن تبسط علي ما حظرت من رزقك) [413] . و في مهج الدعوات نستمع اليه عليه‌السلام يقول: توكلت علي الحي الذي لا يموت و تحصنت بذي العزة و الجبروت و استعنت بذي الكبرياء و الملكوت، مولاي استسلمت اليك، فلا تسلمني، و توكلت عليك فلا تخذلني، و التجأت الي ظلك البسيط فلا تطرحني، أنت الطلب و اليك المهرب، تعلم ما أخفي و ما أعلن و تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، فأمسك عني اللهم أيدي الظالمين من الجن و الانس أجمعين و اشفني، و عافني يا أرحم الراحمين [414] . ويحك أيها التاريخ أما خشعت أمام هذا الخشوع أما انهملت أجفانك أما [ صفحه 389] ارتجف و ميض عينيك و خفق فؤادك... أما مددت كفيك ضارعا ساجدا في ذلك المحراب... و أنت تسمع كلمات الكاظم يعظ ابنه... يصلي لربه... يبتهل لخالقه يرجوه. اسمعه.. ويحك يقول عليه‌السلام: يا بني اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها و اياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها و عليك بالجد و لا تخرجن من نفسك التقصير عن عبادة الله فان الله عزوجل لا يعبد حق عبادته و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف بمروءتك و اياك و الكسل و الضجر فانهما يمنعانك حظك من الدنيا و الآخرة. و اسمعه أيها التاريخ يقول لأصحابه و هم أولئك الذين حملوا الرسالة و الأمانة ينيرون بها الطريق و السبل... و يسرحون في الأقاصي و يعملون بأوامره عليه‌السلام يقول لهم: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله و ساعة لأمر المعاش و ساعة لمعاشرة الاخوان و الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم و بهذه الساعة تقدرون علي الثلات ساعات و لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر فانه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر يحرص، اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروءة و ما لا سرف فيه و استعينوا بذلك علي أمور الدين فانه روي (ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه) [415] . و يقول عليه‌السلام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنا استزداد منه و ان عمل شيئا استغفر الله منه و تاب.. و قال لأصحابه عليه‌السلام: اتق المرتقي السهل اذا كان منحدره و عرا ان أبي قال: لا تدع النفس و هواها فان هواها رداها و ترك النفس و ما تهوي أذاها و كف النفس عما تهوي دواها. [ صفحه 390]

اردع النفس

لا تدع نفسك تهوي بهواها أيها الانسان مشدود رداها و احذر الأعمال و انظر منتهاها ان الأعمال لو ساءت خطاها [416] . أو بها للخير ان قالته جاها [417] . من يد كفت و عين لا تراها أيها الساقي اذا ما جزت فاها فانظر الأحداق تقري مقلتاها ما الحروف الفعل فيها ما لظاها ما الذي أقصت و أدنت ما اعتراها ان بالنفس الهوي يسقي دماها و الردي بالنفس مقرون أذاها و اعتراك الحق يمشي في دماها أيها المسؤول في ردع دواها يا ابن ما الأرحام كم نزت حشاها كم تلقت و هي في عنت أساها كم بها ساءلت كم دانت سقاها كم تلاقت أعين ضاقت رؤاها و استراح الخطو في ظلم دهاها قم بلا حول بلا قول جلاها و اعمل المعروف و انهج في سراها و اسلك الصعب الذي خافت أتاها سر و بسم الله مرقالا سماها و اعمل المعروف لا تبخل يداها هذب الأخلاق و اسمع حسيناها و انبذ الشر استفق كم قد سباها لا تدعها وسوس الشيطان واها فانزع الشيطان منها من خطاها و يقول عليه‌السلام: لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب فان القليل من الذنوب يجتمع حتي يكون كثيرا و خافوا في السر حتي تعطوا من أنفسكم النصف. فهل سجلت أيها التاريخ هل حفظت قوله لتعمل به و هل شكرت ربك؟ اسمعه بتؤدة و احفظه بعمق و نفذ ما قال بقوة و تصميم... و يقول عليه‌السلام: (التحدث بنعم الله شكر و ترك ذلك كفر فاربطوا نعم ربكم [ صفحه 391] بالشكر و حصنوا أموالكم بالزكاة و ادفعوا البلاء بالدعاء فان الدعاء جنة ترد البلاء و قد أبرم ابراما). فاقرع أيها التاريخ ذلك الباب بهدوء و سلم علي ساكني تلك الدار، و انظر حاجتهم فاقضها و كن كما قال عليه‌السلام (من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره بطلب به ثواب الله و كل الله عزوجل به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتي يعود اليه ينادونه ألا طبت و طابت لك الجنة، تبوأت من الجنة منزلا). و يقول عليه‌السلام: ليس حسن الجوار كف الأذي و لكن حسن الجوار الصبر علي الأذي. و يقول عليه‌السلام: ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يسبطئه في رزقه و لا يتهمه في قضائه. و كان عليه‌السلام يحث أحصابه علي اغاثة المستجير فيقول: (من قصده رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عزوجل)... و يقول عليه‌السلام (من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هو رحمة من الله تبارك و تعالي ساقها اليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية الله و ان رده عن حاجته و هو يقدر علي قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره الي يوم القيامة) و يقول عليه‌السلام (ان الله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة و من أدخل علي مؤمن سرورا فرج الله قلبه يوم القيامة) [418] . و يقول عليه‌السلام: من اقتصد و قنع بقيت عليه النعمة و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة. و قال عليه‌السلام: السخي الحسن الخلق في كنف الله لا يتخلي الله عنه حتي يدخله الجنة و ما بعث الله نبيا الا سخيا و ما زال أبي يوصيني بالسخاء و حسن الخلق. لماذا الكاظم أليس لأنه كظم غيظه و صبر و هو يقول عليه‌السلام: (ان الصبر علي البلاء أفضل من العافية عند الرخاء. و يقول عليه‌السلام ان الصمت باب من [ صفحه 392] أبواب الحكمة و ان الصمت يكسب المحبة، انه دليل علي كل خير). أجل أيها التاريخ لقد بعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليتمم مكارم الأخلاق فكان صلي الله عليه و آله و سلم المثل الأعلي للانسانية الكريمة أخلاقا و اقتفي أثره أئمة الهدي يعلمون مكارم الأخلاق سلوكا و عملا و تصرفا في كل مجالات الحياة. هوينا أيها التاريخ لنقلب تلك الصفحات رويدا فما عدت أقوي علي المسير... فهل تسمع كما أسمع أنا لهاث ذلك القلب التعب... فلندعه يتربع علي بساط فوق تراب مهدته يد الحياة... كتاب الكافي ذلك. [ صفحه 393]

من دروس الامام

اشاره

و الكليني كتبه حتما أنت تعرفه و لذا لا ضرورة للمقدمة لندخل في تلك الرسالة التي يوصي بها الامام عليه‌السلام هشام بن الحكم، و الجزء الأول حتما و الصفحة الثالثة عشرة. و يقول عليه‌السلام: يا هشام: ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال: (فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدائهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [419] يا هشام ان الله تبارك و تعالي أكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبيين بالبيان و دلهم علي ربوبيته بالأدلة فقال (و الهاكم اله واحد لا الا الا هو الرحمن الرحيم (163) ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و مآ أنزل الله من السمآء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دآبة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون) [420] . يا هشام: قد جعل الله ذلك دليلا علي معرفته بأن لهم مدبرا فقال: [ صفحه 394] (و سخر لكم اليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) [421] و قال: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا و منكم من يتوفي من قبل و لتبلغوا أجلا مسمي و لعلكم تعقلون) [422] و قال: (و اختلاف الليل و النهار و ما أنزل الله من السمآء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها و تصريف الرياح ءايت لقوم يعقلون) [423] و قال: (يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) [424] و قال: (و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقي بمآء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الأكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون). [425] . و قال: (و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء مآء فيحي به الأرض بعد موتهآ ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون) [426] و قال: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا و لا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم و اياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون) [427] و قال: (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركآء في من رزقناكم فأنتم فيه سواء، تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذالك نفصل الآيات لقوم يعقلون) [428] . [ صفحه 395] يا هشام قم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: (و ما الحياة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) [429] . يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالي: (ثم دمرنا الآخرين (172)، و انكم لتمرون عليهم مصبحين (137) و بالليل أفلا تعقلون) [430] . و قال: (انا منزلون علي أهل هذه القرية رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون)(34) و لقد تركنا منهآ آية بينة لقوم يعقلون) [431] . يا هشام ان العقل مع العلم. قال تعالي: (و تلك الأمثل نضربها للناس و ما يعقلهآ الا العالمون) [432] . يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءابآءنآ أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون) [433] و قال: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعآء و ندآء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) [434] و قال: (و منهم من يستمعون اليك أفأنت تسمع الصم و لو كانوا لا يعقلون) [435] و قال: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [436] و قال: (لا يقاتلونكم جميعا الا في قري محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا و قلوبهم [ صفحه 396] شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) [437] و قال: (و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [438] . يا هشام: ثم ذم الله الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) [439] و قال: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) [440] و قال تعالي: (و لئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) [441] . يا هشام: ثم مدح القلة فقال: (و قليل من عبادي الشكور) [442] و قال: (و قليل هم) [443] . و قال: (و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) [444] و قال: (و من ءآمن و مآ ءامن معه الا قليل) [445] و قال: (و لكن أكثرهم لا يعلمون) [446] و قال: (و أكثرهم لا يعقلون) [447] . يا هشام: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و حلاهم بأحسن الحلية فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما [ صفحه 397] يذكر الآ أولوا الألباب) [448] و قال: (و الراسخون في العلم يقولون ءآمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الآ أولوا الألباب) [449] و قال تعالي: (ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار لآيات لأولي الألباب) [450] و قال تعالي: (أمن هو قنات ءانآء اليل ساجدا و قآئما يحذر الآخرة و يرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب) [451] و قال تعالي: (أفمن يعلم أنمآ أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب) [452] و قال تعالي: (كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولوا الألباب) [453] و قال تعالي: (و لقد ءاتينا موسي الهدي و أورثنا بني‌اسرائيل الكتاب (53) هدي و ذكري لأولي الألباب) [454] و قال تعالي: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين) [455] . يا هشام: ان الله تعالي يقول في كتابه: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) [456] - يعني عقل - و قال تعالي: (و لقد ءاتينا لقمان الحكمة) [457] - يعني الفهم و العقل. يا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس و ان الكيس لدي الحق يسير، يا بني: ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي الله و حشوها الايمان، و شراعها التوكل و قيمها العقل [ صفحه 398] و دليلها العلم و سكانها الصبر. يا هشام: ان لكل شي‌ء دليلا... و دليل العقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شي‌ء مطية، و مطية العقل التواضع وكفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه. يا هشام: ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة. يا هشام: ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة عليهم‌السلام و أما الباطنة فالعقول. يا هشام: «ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره، يا هشام: من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، و محا طرائق حكمته بفضول كلامه و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه علي هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.». يا هشام: كيف يزكو عندالله عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك و أطعت هواك عن غلبة عقلك. يا هشام: الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عندالله، و كان الله أنسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه من غير عشيرة. يا هشام: نصب الحق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم الا من عالم رباني و معرفة العلم بالعقل. [ صفحه 399] يا هشام: قليل العمل من العالم مقبول مضاعف و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود. يا هشام: ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارته. يا هشام: ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب؟ و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض. يا هشام: ان العاقل نظر الي الدنيا و الي أهلها فعلم أنها لا تنال اليها بالمشقة و نظر الي الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة فطلب بالمشقة أبقاهما. يا هشام: ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته. يا هشام: من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة في الدين فليتضرع الي الله عزوجل في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغني و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا. يا هشام: ان الله حكي عن قوم صالحين: أنهم قالوا: (ربنآ لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) [458] حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها و رداها، انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. [ صفحه 400] و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه. لم يدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه. يا هشام: كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول: ما عبدالله بشي‌ء أفضل من العقل و ما تم عقل امري‌ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر. يا هشام: ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه. يا هشام: لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا، أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها. يا هشام: ان أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان يقول: ان من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث فهو أحمق. ان أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن فمن لم يكن فيه شي‌ء فجلس فهو أحمق.. و قال الحسن بن علي عليه‌السلام: اذا طلبتم الحوائج، فاطلبوها من أهلها، فقيل له: يا ابن رسول الله و من أهلها؟ قال: الذين قصهم الله في كتابه [ صفحه 401] و ذكرهم، فقال: (انما يتذكر أولوا الألباب) [459] قال: هم أولو العقول. و قال علي بن الحسين عليه‌السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستثير قضاء النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا. يا هشام: ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه. و هذا ما جاء في رواية الكليني و جاء زيادة علي ذلك في تحف العقول للسيد الحسن بن علي الحراني و لم ترد في كتاب الكليني. و منها... قال عليه‌السلام: يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله من عثرته يوم القيامة، و من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة. يا هشام: وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه و قتل غير قاتله و من تولي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيه محمد عليه‌السلام و من أحدث حدثا أو آوي محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا. يا هشام: أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به الصلاة و بر الوالدين و ترك الحسد و العجب و الفخر. يا هشام: أصلح يومك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو، و أعد له الجواب، فانك موقوف و مسؤول، و خذ موعظتك من الدهر و أهله الي أن قال: و انظر في تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنيا كما ولي منها [ صفحه 402] فاعتبر بها و قال علي بن الحسين عليه‌السلام: ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها بحرها و برها و سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفي‌ء الظلال. ثم قال عليه‌السلام: أو لا حر يدع هذه اللماظة - يعني الدنيا - لأهلها فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس. يا هشام: ان كل الناس يبصرون النجوم و لكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجريها و منازلها و كذلك أنتم تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها. يا هشام: مكتوب في الانجيل: طوبي للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة طوبي للمطهرة قلوبهم أولئك المتقون يوم القيامة، طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة. يا هشام: قلة المنطق حكمة عظيمة فعليكم بالصمت فانه دعة حسنة و قلة وزر، و خفة من الذنوب، فحصنوا باب الحلم، فان بابه الصبر، و ان الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب، و المشاء الي غير أرب و يجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانتيكم، و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم. يا هشام: تعلم من العلم ما جهلت و علم الجاهل مما علمت، عظم العالم لعلمه ودع منازعته، و صغر الجاهل لجهله و لا تطرده و لكن قربه و علمه. يا هشام: ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. و قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: (ان الله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم [ صفحه 403] عن المنطق، و انهم لفصحاء عقلاء يستبقون الي الله بالأعمال الزكية، لا يستكثرون له الكثير و لا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرارا و أنهم لأكياس و أبرار). يا هشام: الحياء من الايمان و الايمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار. يا هشام: المتكلمون ثلاثة: فرابح و سالم و شاجب، فأما الرابح فالذاكر لله و أما السالم فالساكت، و أما الشاجب فالذي يخوض في الباطل، ان الله حرم الجنة علي كل فاحش، بذي‌ء قليل الحياء، لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه و كان أبوذر - رضي الله عنه - يقول: (يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهب و ورقك). يا هشام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده، و يأكله اذا غاب عنه، ان أعطي حسده، و ان ابتلي خذله، ان أسرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و ان شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه، و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم. و من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه. يا هشام: لا يكون الرجل مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا و لا يكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو. يا هشام قال الله عزوجل: و عزتي و جلالي و عظمتي و قدرتي و بهائي و علوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي علي هواه الا جعلت الغني في نفسه، و همه في آخرته و كففت عليه في ضيعته، و ضمنت السموات و الأرض رزقه، و كنت له وراء تجارة كل تاجر يا هشام: عليك بالرفق، فان الرفق يمن، و الخرق شؤم، ان الرفق و البر و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق. [ صفحه 404] يا هشام: قول الله تعالي: (هل جزآء الاحسان الا الاحسان) [460] جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر. من صنع اليه معروف عليه أن يكافي‌ء به و ليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي تري فضلك، فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء. يا هشام: ان مثل الدنيا مثل الحية ملمسها لين و في جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذوو العقول و يهوي اليها الصبيان بأيديهم. يا هشام: اصبر علي طاعة الله و اصبر عن معاصي الله فانما الدنيا ساعة فما مضي منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا. و ما لم يأت منها فليس تعرفه فاصبر علي تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت. يا هشام: مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله. يا هشام: اياك و الكبر فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه. يا هشام: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزداد منه و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه. يا هشام: تمثلت الدنيا للمسيح عليه‌السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا قال: فكل طلقت؟ قالت: لا بل كلا قتلت. قال المسيح عليه‌السلام. فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين. يا هشام: ان ضوء الجسد في عينيه، فان كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله و ان ضوء الروح العقل، فاذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه و اذا [ صفحه 405] كان عالما بربه أبصر دينه، و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين، و كما لا يقوم الجسد الا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل. يا هشام: ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار لأن الله جعل التواضع آلة العقل و جعل التكبر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجه و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه، و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله و من تواضع لله رفعه. يا هشام: ما أقبح الفقر بعد الغني و أقبح الخطيئة بعد النسك و أقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته. يا هشام: لا خير في العيش الا لرجلين لمستمع واع و عالم ناطق. يا هشام: ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، و ما بعث الله نبيا الا عاقلا حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين و ما أدي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل عنه. يا هشام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه يلقي الحكمة: و المؤمن قليل الكلام كثير العمل و المنافق كثير الكلام قليل العمل. يا هشام: أوصي الله تعالي الي داود عليه‌السلام: قل لعبادي: لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري و عن طريق محبتي و مناجاتي، أولئك قطاع الطريق من عبادي، ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم. يا هشام: من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و من [ صفحه 406] تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله، و من ادعي ما ليس له فهو أعني لغير رشدة. يا هشام: أوحي الله تعالي الي داود عليه‌السلام: يا داود حذر و أنذر أصحابك عن حب الشهوات فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني. يا هشام: اياك و الكبر علي أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته نياك و لا آخرتك و كن في الدنيا كساكن دار ليست له انما ينتظر الرحيل. يا هشام: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك و الخلاف فان في ذلك العطب. يا هشام: اياك و مخالطة الناس و الانس بهم الا أن تجد منهم عاقلا و مأمونا فآنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، و ينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله و اذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره و اذا حز بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب فانظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فان كثير الصواب مخالفة هواك، و اياك أن تطلب الحكمة و تضعها في الجهالة، قال هشام: فقلت له عليه‌السلام: فان وجدت رجلا طالبا لها غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي اليه؟ قال عليه‌السلام: فتلطف له في النصيحة فان ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة و احذر رد المتكبرين فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفيق قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال عليه‌السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد. و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته و مجده و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه وجوده و لم يفرج المحزونين بقدر حزنهم و لكن بقدر رأفته و رحمته. فما [ صفحه 407] ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذي فيه؟ و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق فيه. يا هشام: من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا الا ازداد من الله بعدا و ازداد الله عليه غضبا. يا هشام: ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به و أكثر الصواب في خلاف الهوي و من طال أمله ساء عمله. يا هشام: لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل. يا هشام: اياك و الطمع و عليك باليأس مما في أيدي الناس، و أمت الطمع من المخلوقين فان الطمع مفتاح للذل، و اختلاس للعقل و اختلاق للمروات و تدنيس للعرض و ذهاب للعلم و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه و جاهد نفسك لتردها عن هواها فانه واجب عليك كجهاد عدوك. فقال هشام: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ فقال عليه‌السلام: أقربهم اليك و أعداهم لك و أضرهم بك و أعظمهم لك عداوة و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، و من يحرض عليك أعداءك و هو ابليس الموكل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك و لا يكونن أصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته فانه أضعف منك في قوته و أقل ضررا في كثرة شره اذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مستقيم. يا هشام: من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له، عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر. يا هشام: احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة [ صفحه 408] أصناف: رجل مترد معانق لهواه، و متعلم مقري كلما ازداد علما ازداد كبرا يستعلي بقراءته و علمه علي من هو دونه، و عابد اهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يفطم و يوقر، و ذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به و لكنه عاجز أو مغلوب فلا يقدر علي القيام بما يعرفه، فهو محزون مغموم بذلك و هو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا [461] . لقد جاءت رسالة الصادق عليه‌السلام لجابر و جاءت رسالة موت الكاظم عليه‌السلام لهاشم و من قبل الصحيفة الصادقية و قبلها الصحيفة السجادية (زبور آل محمد) و قبل ذلك كلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق أئمة يهدون بالحق و به يعملون معصومون (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [462] . علمهم الهامي فكيف بنا و نحن في رحاب الكاظم ابن الصادق عليهما سلام الله.. و الكاظم من يعرف و هو طفل ما بين دفتي المصحف... هم الدين و هم الشريعة هم ثاني الثقلين حبهم حب الله و بغضهم بغض الله و التعلق بهم و بتعاليمهم هو المنجاة. انها رسالة في كل جملة فيها درس كامل وعظة مستحقة و قد اعتبرت من أهم الثروات الفكرية التي أثرت عن الامام عليه‌السلام و ان الأخذ بفقراتها يحتاج الي كتاب كامل يغوص في تلك الدرر و تلك الاستدلالات العلمية و الفلسفية العميقة التي يدل بها علي وجود الله سبحانه بآيات بينات ما زال العلم الحديث قاصر عن حل ألغازها... و ما زالت الاكتشافات عاجزة عن بيان كنهها و كل ذلك يثبت قدرة الخالق سبحانه و تعالي... (و تلك الأمثال نضربها للناس) [463] (سبحان الله عما يصفون) [464] .. فالمؤمن اذا لم يستضي‌ء قلبه [ صفحه 409] بنور الله و عقله يهتدي بهدي الله فانه ليس بآمن من الزيغ... و الارتداد لقوله تعالي: (ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون) [465] ... و قال سبحانه (و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر) [466] .. تراه القلوب سبحانه و تعالي و تراه العقول يراه ذلك الشعور الخفي... شعور الايمان... و يقف سلام الله عليه و علي آبائه و أبنائه يقف و الدموع تنهمل من عينيه... يبكي في صلاته و يبكي في قراءة القرآن... و في كل آية تخالها ترتحل به الي فضاء الله الرحب، تطوف به السبع العلا و تريه ملكوت الله سبحانه و تعرج نحو الفقراء و المساكين المستضعفين و تلج سجون المعذبين لتقف طودا أمام الطغاة و الجبابرة قساة القلوب السفاكين في ذلك العصر و الي أن يرث الله سبحانه و تعالي الأرض بما عليها. يا هشام... من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه هذا ما قاله عليه‌السلام و هذا ما حذر منه... يا هشام: احذر هذه الدنيا و احذر أهلها... رسالة تلك أم دروس دامغة في قواعد الآداب و السلوك و الأخلاق. و نعود القهقري نحو ذلك النصراني العالم النابه بريهة و الذي كان يطلب الحق و يبغي الهداية يحاجج الفرق الاسلامية كي يصل الي ارواء ظمأ نفسه و يحاجج هشام و معه مائة عالم نصراني و يلتقي الامام موسي عليه‌السلام قبل لقائه أبيه الصادق عليه‌السلام فيسأله الامام الكاظم عليه‌السلام يا بريهة كيف علمك بكتابك قال: أنا به عالم يقول عليه‌السلام: كيف ثقتك بتأويله قال: ما أوقفني بعلمي به. و ابتدأ عليه‌السلام يقرأ الانجيل و يرتل فصوله و تدمع عينا بريهة و يبكي يبكي قائلا: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك.. لماذا.. لماذا هو السؤال الكبير و هو السر العظيم في الامام الكاظم عليه‌السلام.. لقد أسلم بريهة و زوجته و من معه و قصدوا الامام الصادق عليه‌السلام فحكي له هشام الحديث و اسلام بريهة علي يد [ صفحه 410] ولده موسي فقال عليه‌السلام: ذرية بعضها من بعض.. يقول بريهة لأبي عبدالله عليه‌السلام: جعلت فداك، أني لكم التوراة و الانجيل و كتب الأنبياء فيقول عليه‌السلام: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرأوها و نقولها كما قالوها. ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي‌ء فيقول: لا أدري.. و الي جوار ربه ينتقل أبو عبدالله عليه‌السلام يتصل بريهة بالامام موسي عليه‌السلام و يصير من خلص أصحابه كما كان من خلص أصحاب أبيه عليه‌السلام.. و يتوفي بريهة.. و يصلي عليه الامام موسي عليه‌السلام... سلام الله عليك يا موسي بن جعفر و علي والدك و آبائك.. أيها القائل: أنا ابن مني و المشعرين و زمزم و مكة و البيت العتيق المعظم و جدي النبي المصطفي و أبي الذي ولايته فرض علي كل مسلم و سبطا رسول الله عمي و والدي و أولاده الأطهار تسعة أنجم متي تعتلق منهم بحبل ولاية تفز يوم يجزي الفائزون و تنعم يقول سلام الله عليه: اشتدت مؤونة الدين و الدنيا أما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الا وجدت فاجرا قد سبقك اليها و أما مؤونة الآخرة فانك لا تجد أعوانا يعينونك عليها. و يقول عليه‌السلام: أخذ أبي بيدي و قال: يا بني: ان أبي محمد بن علي أخذ بيدي و قال ان أبي علي بن الحسين أخذ بيدي و قال: يا بني افعل الخير الي كل من طلبه منك فان كان من أهله فقد أصبت موضعه و ان لم يكن له بأهل كنت أهله و ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الي يسارك و اعتذر اليك فاقبل منه، و قال الكثير الكثير الزاخرة منه بطون الكتب فيقول عليه‌السلام: أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به و أوجب العلم عليك ما أنت مسؤول عن العمل به و ألزم العلم ما دلك علي صلاح قلبك و أظهر لك فساده، و أحمد العلم عاقبة ما زاد في عقل العاقل، فلا تشغلن بعلم لا يضرك جهله و لا تغفلن عن علم يزيد في جهلك تركه. [ صفحه 411] و ما أروع تلك الحكم بل المناهج اذ يقول: ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا هم الآمنون يوم القيامة.. و كان علي بن يقطين واحدهم و عندما يسأله علي بن سويد عن قول الله عزوجل (و من يتوكل علي الله فهو حسبه) [467] يقول عليه‌السلام: التوكل علي الله درجات: منها أن تتوكل عليه في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنه لا يألوك الا خيرا و فضلا و تعلم أن الحكم في ذلك اليه و تثق به فيها و في غيرها). و سأله موسي بن بكر قائلا: الكفر أم الشرك أيهما أقدم فقال عليه‌السلام: ما عهدي بك تخاصم فقال: أمرني هشام بن سالم أن أسألك فقال عليه‌السلام: الكفر أقدم و هو الجحود قال الله عزوجل (الآ ابليس أبي و استكبر و كان من الكافرين) [468] و قال عليه‌السلام: أحسن من الصدق قائله و خير من الخير فاعله. و قال عليه‌السلام: جاء رجل الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال له يا رسول الله ما حق ابني هذا فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أن تحسن اسمه و أدبه. و يقول عليه‌السلام: من أفتي الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض و ملائكة السماء و عن عثمان بن عيسي قال: سألت أباالحسن موسي عليه‌السلام عن القياس فقال: ما لكم و القياس، ان الله لا يسأل كيف أحل و كيف حرم. روي الكليني عن محمد بن عبدالله رفعه عن يونس بن عبدالرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام: بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك و من ترك أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و سلم ضل و من ترك كتاب الله و قول نبيه كفر. [469] . البرقي عن أبيه، عن محمد بن أبي‌عمير، عن محمد بن حكيم قال: [ صفحه 412] قلت لأبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام: جعلت فداك فقهنا في الدين و أغنانا الله بكم عن الناس حتي أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه يحضره المسألة و يحضره جوابها منا من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشي‌ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي‌ء فننظر الي أحسن ما يحضرنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به؟ فقال: هيهات هيهات في ذلك و الله هلك من هلك يا ابن حكيم ثم قال: لعن الله أباحنيفة يقول: قال علي و قلت. و قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم: و الله ما أردت الا أن يرخص لي في القياس [470] . قال الصفار حدثنا أحمد بن محمد عن البرقي عن اسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي الفرا عن سماعة عن أبي‌الحسن عليه‌السلام قال: قلت له كل شي‌ء تقول به في كتاب الله و سنته أو تقولون فيه برأيكم قال: بل كل شي‌ء نقوله في كتاب الله و سنة نبيه [471] . روي المجلسي عن نوادر الراوندي باسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: سائلوا العلماء و خالطوا الحكماء و جالسوا الفقراء [472] . كذلك عنه عن نوادر الراوندي باسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان من البيان لسحرا و من العلم جهلا و من الشعر حكما و من القول عدلا [473] . و عنه عن نوادر الراوندي باسناده عن الكاظم عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لا سهر الا في ثلاث: مجتهد بالقرآن أو في طلب العلم أو عروس تهدي الي زوجها. [474] . [ صفحه 413] لقد نهي الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام عن القياس كما نهي عنه أبوه الصادق عليه‌السلام من قبله عندما قال لأبي‌حنيفة لا تقس فان أول من قاس ابليس.. روي المجلسي عن دعوات الراوندي: قال: لما ركب نوح عليه‌السلام في السفينة، أبي أن يحمل العقرب معه فقال: عاهدتك أن لا ألسع أحدا يقول: سلام علي محمد و آل محمد و علي نوح في العالمين. [475] . و روي العياشي عن سماعة بن مهران قال: سمعت العبد الصالح يقول: لقد كانت الدنيا و ما كان فيها الا واحد يعبد الله، و لو كان معه غيره اذ الاضافة اليه يحث يقول: (ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا و لم يك من المشركين) [476] فصبر بذلك ما شاء الله ثم ان الله تبارك و تعالي آنسه باسماعيل و اسحاق فصاروا ثلاثة [477] . و روي العياشي بسنده عن الحسن بن أسباط قال: سألت أباالحسن في كم دخل يعقوب من ولده علي يوسف؟ قال: في أحد عشر ابنا فقيل له أسباط قال: نعم و سألته عن يوسف و أخيه أكان أخاه لأمه أم ابن خالته؟ فقال: ابن خالته [478] . و روي البرقي عن بعض أصحابنا عن علي بن اسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم عن أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام قال: أتاهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما اكتفوا به في عهده و استغنوا به من بعده. [479] . [ صفحه 414] الكليني عن الحسين بن محمد الأشعري عن معلي بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحارث بن جعفر عن علي بن اسماعيل بن يقطين عن عيسي بن المستفاد أبي‌موسي الضرير قال: حدثني موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: أليس كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام كاتب الوصية و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المملي عليه و جبرائيل و الملائكة المقربون عليهم‌السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا ثم قال: يا أباالحسن قد كان ما قلت و لكن حين نزل برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الأمر نزلت الوصية من عندالله كتابا مسجلا، نزل به جبرائيل مع أمناء الله بتارك و تعالي من الملائكة، فقال جبرائيل: يا محمد مر باخراج من عندك الا وصيك ليقبضها منا و تشهدنا بدفعك اياها اليه ضامنا لها - يعني عليا عليه‌السلام - فأمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم باخراج من كان في البيت ما خلا عليا عليه‌السلام و فاطمة فيما بين الستر و الباب. فقال جبرائيل: يا محمد ربك يقرئك السلام و يقول: هذا كتاب ما كنت عهدت اليك و شرطت عليك و شهدت به عليك و أشهدت به عليك ملائكتي و كفي بي يا محمد شهيدا، قال: فارتعدت مفاصل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا جبرائيل ربي هو السلام و منه السلام و اليه يعود السلام صدق عزوجل و بر، هات الكتاب، فدفعه اليه و أمره بدفعه الي أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال له: اقرأه فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك و تعالي الي و شرطه علي و أمانته و قد بلغت و نصحت و أديت فقال علي عليه‌السلام: و أنا أشهد لك (بأبي أنت و أمي) بالبلاغ و النصيحة و التصديق علي ما قلت و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي، فقال جبرائيل عليه‌السلام: و أنا لكما علي ذلك من الشاهدين فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي أخذت وصيتي و عرفتها و ضمنت لله ولي الوفاء بما فيها فقال علي عليه‌السلام: نعم بأبي أنت و أمي علي ضمانها و علي الله عوني و توفيقي علي أدائها، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي اني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي عليه‌السلام: نعم أشهد، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ان جبرائيل و ميكائيل فيما [ صفحه 415] بيني و بينك الآن و هما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال: نعم ليشهدوا و أنا - بأبي أنت و أمي - أشهدهم، فأشهدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرائيل عليه‌السلام فيما أمر الله عزوجل أن ما قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والي الله و رسوله و البراءة و العدواة لمن عادي الله و رسوله و البراءة منهم علي الصبر منك و علي كظم الغيظ و علي ذهاب حقي و غصب خمسك و انتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله. فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: و الذي خلق الحبة و برأ النسمة لقد سمعت جبرائيل عليه‌السلام يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة و هي حرمة الله و حرمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرائيل حتي سقطت علي وجهي و قلت: نعم قبلت و رضيت و ان انتهكت الحرمة و عطلت السنن و مزق الكتاب و هدمت الكعبة و خضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتي أقدم عليك. ثم دعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة و الحسن و الحسين و أعلمهم مثل ما أعلم أميرالمؤمنين، فقالوا مثل قوله فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار و دفعت الي أميرالمؤمنين عليه سلام الله فقلت لأبي الحسن عليه‌السلام: بأبي أنت و أمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله و سنن رسوله. فقلت: أكان في الوصية توثبهم و خلافهم علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام؟ فقال: نعم و الله شيئا شيئا و حرفا حرفا. أما سمعت قول الله عزوجل: (انا نحن نحي الموتي و نكتب ما قدموا و ءاثارهم و كل شي‌ء أحصيناه في امام مبين) [480] ؟ و الله لقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأميرالمؤمنين و فاطمة عليه‌السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمت به اليكما و قبلتماه؟ فقالا: بلي و صبرنا علي ما ساءنا و غاظنا. [481] . [ صفحه 416] روي المجلسي عن عيسي الضرير عن الكاظم عليه‌السلام قال: قلت لأبي: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: فقال: ثم دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم‌السلام و قال لمن في بيته اخرجوا عني و قال لأم‌سلمة، كوني علي الباب فلا يقربه أحد، ففعلت ثم قال: يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها علي صدره طويلا و أخذ بيد علي بيده الأخري فلما أراد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الكلام غلبته عبرته فلم يقدر علي الكلام فبكت فاطمة بكاء شديدا و علي و الحسن و الحسين عليهم‌السلام لبكاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطعت قلبي و أحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين و الآخرين و يا أمين ربه و رسوله و يا حبيبه و نبيه من لولدي بعدك؟ و لذل ينزل بي بعدك من لعلي أخيك و ناصرالدين؟ من لوحي الله و أمره؟ ثم بكت و أكبت علي وجهه فقبلته و أكب عليه علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم فرفع رأسه صلي الله عليه و آله و سلم و يدها في يده فوضعها في يد علي و قال له: يا أباالحسن هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله و احفظني فيها و انك لفاعله يا علي هذه و الله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين هذه و الله مريم الكبري أما و الله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتي سألت الله لها و لكم فأعطاني ما سألته يا علي انفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرائيل عليه‌السلام و اعلم يا علي أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، و كذلك ربي و ملائكته يا علي ويل لمن ظلمها و ويل لمن ابتزها حقها و ويل لمن هتك حرمتها و ويل لمن أحرق بابها، و ويل لمن آذي خليلها و ويل لمن شاقها و بارزها، اللهم اني منهم بري‌ء و هم مني براء ثم سماهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ضم فاطمة اليه و عليا و الحسن و الحسين عليهم‌السلام، و قال: اللهم اني لهم و لمن شايعهم سلم و زعيم بأنهم يدخلون الجنة، و عدو حرب لمن عاداهم و ظلمهم و تقدمهم أو تأخر عنهم و عن شيعتهم زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم و الله يا فاطمة لا أرضي حتي ترضي، ثم لا و الله لا أرضي [ صفحه 417] حتي ترضي ثم لا و الله لا أرض حتي ترضي. قال عيسي: فسألت موسي عليه‌السلام و قلت: ان الناس قد أكثروا في أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمر أبابكر أن يصلي بالناس ثم عمر، فأطرق عني طويلا ثم قال: ليس كما ذكروا، و لكنك يا عيسي كثير البحث عن الأمور، و لا ترضي عنها الا بكشفها، فقلت: بأبي أنت و أمي انما أسأل عما أنتفع به في ديني و أتفقه مخافة أن أضل و أنا لا أدري، و لكن متي أجد مثلك يكشفها لي. فقال: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما ثقل في مرضه دعا عليا فوضع رأسه في حجره و أغمي عليه و حضرت الصرة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت: يا عمر اخرج فصل بالناس فقال: أبوك أولي بها، فقالت: صدقت، و لكنه رجل لين، و أكره أن يواثبه القوم فصل أنت، فقال لها عمر: بل يصلي هو و أنا أكفيه ان وثب واثب أو تحرك متحرك مع أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم مغمي عليه لا أراه يفيق منها، و الرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه يريد عليا عليه‌السلام فبادره بالصلاة قبل أن يفيق، فانه ان فاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة فقد سمعت مناجاته منذ الليلة، و في آخر كلامه: الصلاة الصلاة. قال: فخرج أبوبكر ليصلي بالناس فأنكر القوم ذلك ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم يكبر حتي أفاق صلي الله عليه و آله و سلم و قال: ادعو لي العباس - فدعي فحمله هو و علي، فأخرجاه حتي صلي بالناس و انه لقاعد، ثم حمل فوضع علي منبره. فلم يجلس بعد ذلك علي المنبر و اجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين و الأنصار حتي برزت العواتق من خدورهن فبين باك و صائح و صارخ و مسترجع و النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخطب ساعة و يسكت ساعة. و كان مما ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين و الأنصار و من حضرني في يومي هذا و في ساعتي هذه من الجن و الانس فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلفت فيكم كتاب الله، فيه النور و الهدي و البيان، ما فرط الله فيه من شي‌ء، حجة الله لي عليكم، و خلفت فيكم العلم الأكبر علم الدين و نور الهدي وصيي علي بن أبي‌طالب ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعا و لا تفرقوا عنه و اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم [ صفحه 418] بنعمته اخوانا. أيها الناس هذا علي بن أبي‌طالب كنز الله اليوم و ما بعد اليوم، من أحبه و تولاه اليوم و ما بعد اليوم فقد أوفي بما عاهد عليه الله و أدي ما وجب عليه، و من عاداه اليوم و ما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمي و أصم، لا حجة له عند الله أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا و يأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم أمامكم و بيعات الضلالة و الشوري للجهالة ألا و ان هذا الأمر له أصحاب و آيات قد سماهم الله في كتابه و عرفتكم و بلغتكم ما أرسلت به اليكم و لكني أراكم قوما تجهلون، لا ترجعن بعدي كفارا مرتدين متأولين للكتاب علي غير معرفة و تبتدعون السنة بالهوي. لأن كل سنة و حدث و كلام خالف القرآن فهو رد و باطل. القرآن امام هدي، و له قائد يهدي اليه و يدعو اليه بالحكمة و الموعظة الحسنة ولي الأمر بعدي وليه و وارث علمي و حكمتي و سري و علانيتي، و ما ورثه النبيون من قبلي و أنا وارث و مورث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس الله الله في أهل بيتي فانهم أركان الدين، و مصابيح الظلم و معدن العلم، علي أخي و وارثي و وزيري و أميني و القائم بأمري و الموفي بعهدي علي سنتي، أول الناس بي ايمانا و آخرهم عهدا عند الموت و أوسطهم لي لقاء يوم القيامة فليبلغ شاهدكم غائبكم ألا و من أم قوما امامة عمياء، و في الأمة من هو أعلم منه فقد كفر، أيها الناس و من كانت له قبلي تبعة فها أنا، و من كانت له عدة فليأت فيها علي بن أبي‌طالب فانه ضامن لذلك كله حتي لا يبقي لأحد علي تبعة. [482] . و قال السيد ابن‌طاوس (رض): روي محمد بن جرير الطبري عن يوسف بن علي البلخي عن أبي‌سعد الآدمي عن عبدالكريم بن هلال عن الحسين بن موسي بن جعفر عن أبيه عن جده عليهم‌السلام أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال: أمرني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أخرج فأنادي في الناس: ألا [ صفحه 419] من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة الله. ألا من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا و من سب أبويه فعليه لعنة الله. قال علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: فخرجت فناديت في الناس كما أمرني النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال لي عمر بن الخطاب: هل لما ناديت به من تفسير؟ فقلت: الله و رسوله أعلم، قال: فقام عمر و جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم فدخلوا عليه فقال عمر: يا رسول الله هل لما نادي علي من تفسير؟ قال: نعم أمرته أن ينادي ألا من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة الله و الله يقول: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [483] فمن ظلمنا فعليه لعنة الله و أمرته أن ينادي: من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله و الله يقول: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [484] و من كنت مولاه فعلي مولاه فمن توالي غير علي فعليه لعنة الله، و أمرته أن ينادي: من سب أبويه فعليه لعنة الله، و أنا أشهد الله و أشهدكم أني و عليا أبوالمؤمنين فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله، فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي لعلي في الولاية في غديرخم و لا في غيره أشد من تأكيده في يومنا هذا. قال خباب بن الأرت: كان هذا الحديث قبل وفاة النبي بتسعة عشر يوما. [485] . و لا يتسع لنا المجال هنا علي سرد تلك الأحاديث التي تزخر بها الكتب و التي تصب كلها في وعاء الدين و حمايته و حفظه من الشوائب و الترهات و التي تؤكد علي الثقلين و التمسك بهما لأنهما الصون من الغث و الحفظ من الضياع و المنجاة من الهاوية. و يروي الكليني عن بعض أصحابنا يصل الي أبي الحسن موسي عليه‌السلام يقول: ان الأحلام لم تكن فيما مضي في أول الخلق و انما حدثت فقلت: و ما العلة في ذلك؟ فقال: ان الله عز ذكره بعث رسولا الي أهل زمانه فدعاهم الي [ صفحه 420] عبادة الله و طاعته فقالوا: ان فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالا و لا بأعزنا عشيرة. فقال: ان أطعتموني أدخلكم الله الجنة و ان عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: و ما الجنة و النار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا متي نصير الي ذلك؟ فقال: اذ متم. فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا، فازدادوا له تكذبيا و به استخفافا فأحدث الله عزوجل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك فقال: ان الله عزوجل أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم اذا متم و اذا بليت أبدانكم تصير الأرواح الي عقاب حتي تبعث الأبدان. [486] . و يقول الصفار في البصائر حدثنا محمد بن الحسن عن موسي بن سعدان عن عبدالله بن القاسم عن هارون بن خارجة قال: قال لي أبوالحسن عليه‌السلام: نحن المثاني التي أوتيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نحن وجه الله نتقلب بين أظهركم فمن عرفنا عرفنا و من لم يعرفنا فأمامه اليقين. [487] . و جاء في دلائل الامامة قال ابراهيم بن سعد: أدخل الي موسي بن جعفر عليه‌السلام بسباع لتأكله فجعلت تلوذ به تبصبص له و تدعو له بالامامة و تعوذ به من شر الرشيد فلما بلغ الرشيد ذلك أطلق عنه و قال ان يفتنني و يفتن الناس و من معي. [488] . الكثير الكثير في بطون المراجع و الكتب و الكثير الكثير مما يشدنا اليه و به الايمان المطلق الذي أراده عليه‌السلام و الذي هدانا به الله و الذي أراده موسي بن جعفر عليه‌السلام حفظا لرسالة جده للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و من أراد الزيادة و الزود فليأت ما أمر الله به من العلم فليغترف باعه و ليسق فؤاده.. [ صفحه 421] فجوع العلم لا يشبعه زاد الا التقوي و ظمأ الاطلاع لا يرويه منهل الا البيان.. يقول عليه‌السلام: طوبي لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين علي موالاتنا و البراءة من أعدائنا أولئك منا و نحن منهم قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة فطوبي لهم ثم طوبي لهم و هم و الله معنا في درجاتنا يوم القيامة. و يقول عليه‌السلام: من عادي شيعتنا فقد عادانا و من والاهم فقد والانا لأنهم منا خلقوا من طينتنا من أحبهم فهو منا و من أبغضهم فليس منا، شيعتنا ينظرون بنور الله و يتقلبون في رحمة الله و يفوزون بكرامة الله. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يحجون البيت الحرام و يصومون شهر رمضان و يوالون أهل البيت و يبرأون من أعدائهم أولئك أهل الايمان و التقي و أهل الورع و التقوي و من رد عليهم فقد رد علي الله و من طعن عليهم فقد طعن علي الله لأنهم عباد الله حقا و أولياؤه صدقا، و الله ان أحدهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر فيشفعه الله تعالي فيهم لكرامته علي الله عزوجل. و يقول عليه‌السلام: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و عترته من بعده فان الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر. و نقلب صفحات الأعمال و نسطر بأقلام الدماء حروف الأولياء الصابرين الكاظمين الغيظ و نعيد القراءة سرا و علنا و نردد ما قاله أبوالحسن موسي عليه‌السلام (احفظ لسانك تعز، و لا تمكن الناس من قيادة رقبتك فتذل) و نكرر معه عليه‌السلام ما قاله جده صلي الله عليه و آله و سلم: رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم. و أيضا ما نطق به النبي الرحيم صلي الله عليه و آله و سلم: الرجل الصالح يجي‌ء بخبر صالح و الرجل السوء يجي‌ء بخبر سوء فاللهم اجعلنا ممن يأتي بالصالح و يتجنب الطالح و يبشر بالخبر و يؤتي منه و يدفع عنه الأذي، جعلت فداك سيدي يا أباالحسن أيها التقي النقي الصابر الكاظم يا من بكتك الملائكة و سار خلفك البر و الفاجر.. السلام عليك سلاما دائما قائما و صلاة نرفعها دافعة شافعة و لا [ صفحه 422] حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.. السلام عليك يا من قلت: شر البقاع دور الأمراء الذين لا يقضون بالحق و قلت من أرضي سلطانا بما أسخط الله خرج من دين الاسلام و قلت: الفقهاء أمناء الرسل حملتها عن جدك المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و أدليت بها الي من اهتدي بكم... و أما أولئك الفراعنة الذين يقولون ما لا يعملون فحسبي الله منهم.. يحرفون الكلم عن مواضعه و يقتلون أولياء الله بغير حق.. و ربك هو القوي العزيز.. و ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ويل لهارون انه من الظالمين المفترين الضالين.. كم قال: (أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي امام حق). و قال لابنه: (و الله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مني و من الخلق جميعا و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فان الملك عقيم. و قال: يا بني و الله هذا وارث علم النبيين هذا موسي بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام ان أردت العلم الصحيح فعند هذا). و يقول: هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفته علي عباده... و يقتله و ينكل به و يتجبر عليه فويحه لقد ضل الضلال البعيد... و لن يطفي‌ء نور الله.. ويحه أراد منه الاعتراف بالاساءة فقط (اطلب العفو) لقد تبت انك غير مذنب و لا مقصر و لكن أقسمت و لا أحنث... لقد أقسم الكافر... و هو لا يحنث و يطلب الاعتراف.. يطلب من الامام عليه‌السلام الكذب و يقول: (ثم تقدم علينا عزيزا مكرما).. خسي‌ء هارون فالامام هو الصراط الأقوم و السبيل الأعظم و شهيد دار الفناء و شفيع دار البقاء.. حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة من يعرف الله و يخشاه، لقد كان وجوده عليه سلام الله خطر علي خلفاء الجور و الظلم كان كما يقول عنه محمد بن طلحة الشافعي هو الامام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجد الجاد في الاجتهاد المشهور له [ صفحه 423] بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات. يبيت الليل ساجدا و قائما و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي‌ء اليه باحسانه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه و لكثرة عبادته كان يسمي العبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح مطالب المتوسلين الي الله بكراماته تحار منها العقول و تقضي له عند الله تعالي قدم صدق لا يزال [489] و يقول ابن‌خلكان: كان سخيا كريما و كان يسمع عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار و أربعمائة دينار و يقسمها بالمدينة [490] و ابن الصباغ المالكي يقول: قال بعض أهل العلم الكاظم هو الامام الكبير القدر و الأوحد الحجة الجد الساهر ليله قائما القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدي كاظما و هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج الي الله و ذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين [491] .. بلا سيف و لا اعلام ملك القلوب فنفوذه المعنوي الذي يمتلكه عليه‌السلام شد اليه القاصي و القريب هذا بشر الحافي و هذا صفوان الجمال و الكثير الكثير من أحبار و رهبان عرفوا الايمان الحق علي يديه عليه‌السلام. و يأتيه ذلك الشيخ الفقير يقول له يا ابن بنت رسول الله اني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسن عليه‌السلام كان يومها النيروز و قد طلب منه عليه‌السلام المنصور الجلوس للتهنئة و قبض ما يحمل اليه فقال عليه‌السلام: اني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم أجد لهذا العيد خبرا و أنه سنة للفرس و محاها الاسلام و معاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام فقال المنصور: انما تفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم الا [ صفحه 424] جلست و يجلس عليه‌السلام و يدخل الملوك و الأمراء و الأجناد يهنئونه و يحملون الهدايا و التحف اليه و علي رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل حتي دخل آخر الناس ذلك الشيخ العجوز... ينشد: عجبت لمصقول علاك فرنده يوم الهياج و قد علاك غبار و لأسهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك و الدموع غزار الا تقضقضت السهام و عاقها عن جسمك الاجلال و الاكبار و يقول عليه‌السلام: قبلت هديتك... اجلس بارك الله فيك و رفع رأسه عليه‌السلام الي الخادم و قال: امض الي أميرالمؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به؟ فمضي الخادم و عاد و هو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد.. قال موسي عليه‌السلام للشيخ جميع هذا المال هبة مني اليك.. ذلك موسي بن جعفر من كتب عنه الشيخ المفيد [492] قائلا: كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس و كان يدعو كثيرا فيقول: (اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند السحاب) و يقول: (عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك) و كان عليه‌السلام يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو). و ما زالت كلمات هارون عندما أرسل من يقتله و بعون الله حرسه الله و عندما يعلم هارون يقول: أجاره الله مني... فهل هناك أشد كفرا و فسوقا ممن يري آيات الله ثم ينكرها. و نفتح صفحات مطالب السؤول يقول محمد بن طلحة الشافعي: فهذه الكرامات العالية و الأقدار الخارقة العوايد هي علي التحقيق حلية المناقب و زينة [ صفحه 425] المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها الا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد و مرت له أخلاق التوفيق و ازدلفته في مقام التقديس و التطهير (و ما يلقاهآ الا الذين صبروا و ما يلقاهآ الا ذو حظ عظيم) [493] [494] و يقول له المهدي بعد أن أثبت له حرمة الخمر (صدقت يا رافضي) [495] . و يقف أبوحنيفة مشدوها أمام براهين الامام عليه‌السلام و هو طفل يبوب له المعصية و مر معنا ذلك الشيخ الذي زرع بطيخا.. فأعطاه خسارته و قال: تمسكوا ببقايا المصائب و ليس ببعيد قصة ذلك العبد الذي اشتراه مع الضيعة ثم أطلقه و عتقه و أعطاه الضيعة ف (هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) [496] لقد عتق أكثر من ألف مملوك لوجه الله سبحانه و تعالي و ابتغاء لمرضاته.

يا كاظم الغيظ

يا كاظم الغيظ استقاك بناني و استوثقت تلك الحروف لساني و استاق نبضي منك طيف لغاته يمشي اليك بمقلتي و جناني يا باب حاجات الأنام تولهي في باب بابك يستغيث حناني أفياك و الذكر الطهور لسابع من آل أحمد للامام أتاني كالهمس من ريح الجنان تعلقت روحي تنير بصائري و كياني ترنو لدفق النور بين جوانحي لسواكب تهمي مع الشطآن للريح تسفو بالكثيب تعلة لمراقد فوق النهي لجمان للفرقدين و من تنكب اثرهم عب‌ء الرسالة مشرع الايمان يسقي بكأس الظالمين مرارة سما يداف بقسوة البهتان ايه أيا باب الحوائج سيدي من لي أطوف مسارب الأكوان [ صفحه 426] أزجي بما بالقلب من وهج اللظي من قوة تسري بكل كياني دفاقة الهتن الصبوح كأنها و دق السحائب دامع الأجفان مما ينوء الحرف أو ما تصطلي فيه السوامق و الذرا بمعاني كفكفت تهطال الحداق أسيدي لكن قلبي موهن و لساني جاوزت صنوف الخوف جزت ركائبا جزت القتاد بقوة الايمان و انسقت أبني منك نهج قضية أمحو بها جهلا بكل بيان اشتاق ريح النور بين جوانحي يسري و حقك رائعا بكياني يا دوحة الايمان أنت و للتقي و المتقين الدرء كل زمان اسلمت حرفي مستغيثا هاتفا من بؤس ليل حالك الأردان تقتاته الكلمات بالجور الذي حط الوفاض مسربل الأدران آليت أني سيدي مستهديا مستشفعا بالخير بالعرفان بالنسج من خيط الطهارة و التقي من سلسبيل أستقي و معاني ضمت لغات الضاد ضمة باقة مهن نفح هتن رائع مرنان يسقي ظماء البيد رشف موله ثغر السحائب أترعت كدنان تسقي رهيف العود شهد مدامة شفت كرقراق بلا أبدان و ذاك جده زين‌العابدين عليه‌السلام كان يشتري العبيد ثم يعلمهم لديه عاما كاملا أصول الدين ثم يعتقهم و يزودهم بالمال و التعاليم و يذهبون في بلدان الله يحملون الهدي أينما حلوا و حطت رحالهم و موسي بن جعفر عليه‌السلام من ذلك النور و ذلك الصلب و تلك الرسالة صلب في الحق صامد أمام الخطوب قويم في السلوك... صورة عن آبائه و أجداده عليهم‌السلام في هديهم و التزامهم برسالة الاسلام و ها هي ثفناته كجده ذي الثفنات عليهما سلام الله و ها هو لسان أعدي الأعداء يقول (انه من رهبان بني‌هاشم) صبر علي الأحداث الجسام و المحن التي تعرض لها من طغاة عصره تنكيلا و اضطهادا و جورا و تعسفا، لم ترهبه أو تجزعه السجون... شكر الله في عظيم محنته و حمد له في تفرغه لعبادته و طاعته و هو يرسف بالقيود. [ صفحه 427] و لا أدل علي القدرة التي أعطاه اياه الله سبحانه يشد بها كل من جلس معه و حاججه و كل من تكلم معه فيصبح و الايمان في قلبه و التقي بين جنبيه و ان بقي السندي علي فسقه فها هو حفيده كشاجم الذي صار من أعلام الشيعة في عصره. فأي كف تلك الفائضة سخاء... صررها تذهب في أزقة المدينة للمعوزين و في غلس الليل و الناس نيام تسهر عيناه تغسل دموع الفقراء و المساكين و اليتامي و المستضعفين و المعوزين.. لقد كان عليه‌السلام أول من فتق باب الحلال و الحرام من أئمة أهل البيت [497] و كان من ألمع أئمة المسلمين في علمه و سهره علي نشر الثقافة الاسلامية، ضرب المثل بالاحسان الذي يقابل به الاساءة و المغفرة بالعفو عن المذنب... امتثل بجده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لقد كان الحبل المدود و كان باب حطة تواضعا لجلالة الله و خضوعا لحكمه، و لم يكن يقر علي كظة الظالم و لا سغب مظلوم. كالطود وقف شامخا في وجه المجون و الاستهتار و التهتك و ها هو بشير أحد التائبين و ما أكثرهم و ها هو صفوان الجمال و كم من صفوان.. فويل لهارون من عنف هارون و اضطهاده و قهره و ظلمه ويل له من حصاره الاقتصادي و من التضييق و الحبس للامام و من منعه و حجبه عن العالم الاسلامي و الرواة و الناهلين من علم العبد الصالح عليه‌السلام لقد آمن هارون أن موسي عليه‌السلام لا يريد السلطة لكن حقده أعماه و تعظيم المسلمين للامام عليه‌السلام أقض مضجعه... فنغص حياة الامام و نكل به و حتي في ظلمات السجون أراد عمل شي‌ء. ظن أنه ربما يفلح فوضع له غاوية تغويه و ما أسرع ما آمنت ما سجدت لربها ما نابت.. و ليس ببعيد أحنث السندي، و أهل بيته لما رأوه بأعينهم و قلوبهم من كرامات الامام عليه‌السلام لقد كانت حياته سلسلة جهاد [ صفحه 428] متواصل و ثورة علي أئمة الظلم و الطغيان و تذهب الآية الكريمة تنقلها الأنام و هو يتلوها بصوته الحنون.. فيبكي كل من يسمعها و تنتبه حواسه (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أوليآء ثم لا تنصرون) [498] و كلما زادت السلطة امعانا بالظلم و الجور و ارغام الناس علي الذل و العبودية كلما ازداد مع شيعته عليه‌السلام ايمانا بالنضال لقد رأوا أولئك الملوك الذين يمثلون ظل الله و عدله علي الأرض ينفقون لياليهم في المجون و الطرب و السكر و أيامهم في البحث عن الحسان و الشهوات و المنكر، و رأوا خزينة الدولة تذهب علي المجون و فساد الأخلاق و الفقر يسود و الجوع يتلوي مع الحرمان في بطون الفقراء و رأت أعينهم مصالح الدولة تهمل و أمورها تتسيب بيد الغلمان و الجواري و شاهدوا الدين اسما بلا مضمون فلا عدل و لا رفاهية و لا استقرار لا شي‌ء مما في الاسلام فكانت هذه الصرخات الثائرة رغم الكبت و الاحباط و رغم الذبح و القتل و التشريد لن يموت الجسم الا مرة واحدة و الحياة وقفة.. استشهاد صرخة في وجه ظالم. و ماذا نقول ما هو الصوت الذي ينطلق كالرعد مجلجلا كالبرق خاطفا تلك الأبصار.. المسلمون أجمعوا علي تكريمه و تعظيمه عليه‌السلام فأجمع خلاف الجور علي التنكيل به و حجبه عن العلماء.. قدمه العالم بأجمعه بالفضل علي الهاشميين حتي علي الخلفاء فأثار ذلك الأحقاد في نفوس أولئك الطغاة. فاض علمه المستمد من جده صلي الله عليه و آله و سلم و فاضت حكمته فزودت الفقه الاسلامي بطاقات هائلة من الآراء الحصيفة و العلوم القيمة و الأحاديث العامرة ايمانا و هديا حتي قبره عليه‌السلام يقول الشافعي: (قبر موسي الكاظم الترياق المجرب). فالسلام عليك يا من كان الذكر الحكيم رفيقك في خلواتك [ صفحه 429] و صاحبك في وحشتك يا من كان عيشك زهدا و بيتك بسيطا حتي لم يحتو سوي خصفة و سيف معلق و مصحف [499] السلام عليك يا ذا الكف الندي و اليدين المبسوطتين بالعطاء و الجود يا مفزع البائسين و المحرومين و المستضعفين و المحتاجين.. يا من قال عليه‌السلام مع جده صلي الله عليه و آله و سلم: (اللهم اغنني بالعلم و زيني بالحلم) و قال: (ما أعز الله بجهل قط و لا أذل بعلم قط) و مع جده علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام قال: ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك و لكن الخير أن يكثر علمك و حلمك و مع زين‌العابدين عليه‌السلام: (انه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند الغضب) و مع أبيه الصادق عليه‌السلام: كفي بالحلم ناصرا، لقد وضع نصب عينيه عليه‌السلام: (ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم) [500] يقول عليه‌السلام لأبنائه: يا بني اني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، اذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الأذن اليمني مكروها ثم تحول الي اليسري فاعتذر لكم و قال: اني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره.. و لقد قرأنا رسالته الي الوالي مع ذلك الرجل من أهل الري (اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا أو نفس عنه كربة أو أدخل علي قلبه سرورا و هذا أخوك و السلام).. قال الصادق عليه‌السلام: ولدي موسي شبيه عيسي ابن‌مريم. [501] . و قال عليه‌السلام: (و فيه علم الحكمة و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم و فيه حسن الخلق و الجوار و هو باب من أبواب الله). [ صفحه 430] يقول القرماني في كتاب الأخبار [502] : موسي هو الامام الكبير الأوحد الحجة الساهر ليله قائما القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين كاظما و هو المعروف بباب الحوائج لأنه ما خاب المتوسل به في قضاء حاجته قط. و يقول الزركلي: (موسي بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر أبوالحسن سابع الأئمة الاثني عشر عند الامامية كان من سادات بني‌هاشم و من أعبد أهل زمانه و أحد كبار العلماء الأجواد) [503] . و في أعلام الوري يقول الطبري: (قد اشتهر بين الناس أن أباالحسن موسي كان أجل ولد الصادق شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أفصحهم لسانا و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم) [504] . و يقول ابن شهر آشوب: (و كان الامام أجل الناس شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أسخاهم بنانا و أفصحهم لسانا و أشجعهم جنانا قد خص بشرف الولاية و حاز ارث النبوة و تبوأ محل الخلافة، سليل النبوة و عقيد الخلافة) [505] . و قال أحمد بن حجر الهيثمي: (موسي الكاظم: هو وارث أبيه علما و معرفة و كمالا و فضلا سمي الكاظم لكثرة تجاوزه و حلمه و كان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أسخاهم) [506] . و يقول الشيخ المفيد: (كان أبوالحسن موسي أعبد أهل زمانه و أفقههم [ صفحه 431] و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو) [507] . و يقول الشبلنجي: (قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الامام الكبير القدر الأوحد الحجة الحبر الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين كاظما و هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج الي الله و ذلك لنجح المتوسلين به) [508] . و يقول الخطيب البغدادي: (و كان الامام موسي سخيا كريما و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار و أربعمائة و مائتين ثم يقسمها بالمدينة و كانت صرر موسي بن جعفر اذا جاءت الانسان استغني) [509] . و يقول علي بن عيسي الأربلي: (مناقب الكاظم عليه‌السلام و فضائله و معجزاته الظاهرة و دلائله و صفاته الباهرة، و مخائله تشهد أنه افترع قمة الشرف و علاها و سما الي أوج المزايا فبلغ علاها و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها الت أصوله فسمت الي أعلي رتب الجلال و طابت فروعه فعلت الي حيث لا ينال يأتيه المجد من كل أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه.. الي آخر ذلك) [510] . لقد أجمعت كل الأمراء علي أن الامام عليه‌السلام أعلم أهل زمانه و أفقههم عبادته لا يجار به فيها أحد، هو أحلم الناس و أكظمهم للغيظ... يقابل المعتدي [ صفحه 432] و الجاني بالعفو و الاحسان، و هو باب الحوائج عندالله، كراماته تحار فيها العقول و هو أوصل الناس لأهله و رحمه و أفصح الناس و أبلغهم، من حجج الله و من أئمة المسلمين، بلغ القمة تواضعا و دماثة أخلاق، و عندما يعاتبه أحدهم لجلوسه مع عبد يقول عليه‌السلام: عبد من عبيدالله و أخ في كتاب الله و جار في بلاد الله يجمعنا و اياه خير الآباء آدم و أفضل الأديان الاسلام و لعل الدهر يرد من حاجتنا اليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه. ما أعجبك أيها التاريخ أما استوعبت قول الله سبحانه و تعالي: (و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا) [511] أو ما دخل في جنانك و تحرك به لسانك قوله عزوجل (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم) [512] . أيها التاريخ أو ما تعرف أيامك التي تدور بك و تعدها ماذا تعني حتي تحسب للآتي ألف حساب قبل أن تتفوه شفتاك بما يغضب الله افتح كتاب روضة الواعظين و تمعن بذلك الكلم و بما روي الصقر بن أبي‌دلف حيث يقول: قلت لأبي‌الحسن العسكري عليه‌السلام: يا سيدي حديث يروي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا أعرف معناه قال عليه‌السلام: و ما هو؟ قلت قوله: (لا تعادوا الأيام فتعاديكم) ما معناه؟ فقال عليه‌السلام: نعم الأيام ما قامت السموات و الأرض فالسبت اسم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الأحد كناية عن أميرالمؤمنين و الاثنين الحسن و الحسين و الثلاثاء علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و الأربعاء موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و أنا و الخميس ابني الحسن و الجمعة ابن ابني و اليه يجمع عصابة الحق و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما فهذا معني الأيام فلا تعدوهم في الدنيا [ صفحه 433] فيعادوكم في الآخرة. عدد ساعات النهار اثنتا عشرة و عدد ساعات الليل اثنتا عشرة) [513] . قال الله سبحانه (و في أنفسكم أفلا تبصرون) [514] (و قد خلقكم أطوارا) [515] (فتبارك الله أحسن الخالقين) [516] و هذا يدل علي العدد (اثني عشر)... أعلمت الآن أيها التاريخ.. اثنا شعر اماما فاذا بحثت أيضا و نقبت تجد الأسباط و الأعضاء و العالم و مراحل العمر (علقة، مضعة، عظاما، لحما، جنينا، رضيعا، فطيما، صبيا، شابا، كهلا، شيخا.. ثم ميتا) [517] . و أما عن البعث و النشور فالبحث طويل ولديك الكتب الكثيرة لكن هل أتعبت يديك لتفتح و تقرأ كي تتعظ و تتعلم فلا تخطي‌ء و لا تجور و لا تقتل و لا تزني و لا تغتر و لا تكفر و لا تسرق و لا تشرك و لا... اسمع أيها التاريخ سأنبئك أمرا فاحمله و انشره و أسمع تلك القلوب الغلف علها تترك الخطأ و تعي الحق و تتمسك به.. يقول جابر الجعفي في تفسيره عن جابر الأنصاري و كما كتبه في مناقبه ابن شهر آشوب: قال: سألت النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن قوله (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول) [518] عرفنا الله و رسوله فمن أولو الأمر قال: هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر و ستدركه يا جابر فاذا [ صفحه 434] لقيته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسي بن جعفر ثم علي بن موسي ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي و كنيتي حجة الله في أرضه و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي الذي يفتح الله علي يده مشارق الأرض و مغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت علي القول بامامته الا من امتحن الله قلبه بالايمان [519] . و يرتفع صوت هشام بن الحكم و هو يرد علي جماعة من المتكلمين من الخوارج و هارون يسمع و قلبه ويحه... يقول هشام: أخبروني حين بعث الله محمدا بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا: بنعمة تامة. قال: فأيما أتم أن يكون في أهل بيت واحد نبوة و خلافة أو يكون نبوة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوة و خلافة. قال: فلماذا جعلتموها في غيرها فاذا صارت في بني‌هاشم ضربتم وجوهكم بالسيوف... فأفحموا [520] . أعلمت الآن أيها التاريخ لماذا هارون الرشيد يخاف الامام موسي بن جعفر عليهما سلام الله... سأزيدك فاقرأ معي: تظاهرت الروايات عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في قوله تعالي: (الله نور السماوات و الأرض) [521] أنه قال: (يا علي النور اسمي و المشكاة أنت). يا علي مصباح المصباح الحسن و الحسين و (الزجاجة) علي بن الحسين و (كأنها كوكب دري) محمد بن علي و (يوقد من شجرة) جعفر بن محمد (مباركة) موسي بن جعفر (زيتونة) علي بن موسي (لا شرقية) محمد بن علي أو (غربية) علي بن محمد (يكاد زيتها) الحسن بن علي (يضي‌ء القائم المهدي. [522] . [ صفحه 435] و حكي في قوله: (و علامات و بالنجم هم يهتدون) [523] أنهم الأئمة الاثنا عشر يوضحه قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم (النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأهل الأرض) فالضال في البرية يهتدي بها و الضال في الدين يهتدي بهم. [524] . و قال المفسرون حروف المعجم في أوائل السور سر الله. بأربعة كل يسمي محمدا و أربعة أسماؤهم كلهم علي و بالحسنين و الحسين و جعفر و موسي أجرني انني لهم ولي [525] . فهل وعيت، وعي قلبك أيها التاريخ و قد بلغت من الكبر عتيا و أمامك فسحة تغسل بها آثامك و تطهر بها كفيك.. فانظر ماذا تخبي‌ء في جعبتك ما هي زوادتك لغد... يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و تري الناس سكاري و ما هم بسكاري... فاكتب معي علي جدار الزمن مقالة المحقق أبي‌الحسن علي بن عيسي بن أبي‌الفتح الأربيلي: (بعدا لهذه الأحلام الهافية و الأديان الواهية و العقائد المدخولة و النحل المجهولة و الأنفس الظالمة و الحركات الفاسدة و الأهواء الغالبة و الهمم القاصرة و السيرة القاسطة و الطبائع العادية و العقول الغائبة فلقد أتوها شنعاء شوهاء جذاء تبكي لها الأرض و السماء و أظلم منها النهار و تجاوزت حدها الأقدار و لم يأت بمثلها الكفار، هل عرفوا أي دم سفكوا و أي حرمة انتهكوا و بمن فتكوا حين فتكوا و كيف أساءوا حين ملكوا؟ فما أبقي و لا تركوا. لم يخافوا أن تميد بهم الأرض فتهلكهم بزلزالها و تحل بهم المنايا فتعركهم بثفاها أو تمطرهم السماء بالعذاب أو تسد عليهم أبواب الخير في الدنيا و لهم في الآخرة سوء الحساب. ألم يعلموا أنهم أراقوا دم النبي صلي الله عليه و آله و سلم ألم يخرقوا بفعلهم هذا حرمة الاسلام. ألم يعيدوها أموية؟ ألم [ صفحه 436] ينصبوا جسد النبي صلي الله عليه و آله و سلم كما نصبه أولئك ذرية؟ أم فعل الأواخر بموسي كما فعل الأوائل بالحسين عليه‌السلام، أما جهدوا جميعا في تشتيت الكلمة و تفريق ذات البين؟ ما أشبه الفعل الأول بالآخر و ما أقرب نسبة الخافي الي الظاهر. ويحهم ثم هلا قنعوا بحبسه و لم يقدموا علي ازهاق نفسه و تكوير شمسه. هل أنكروا مجده و شرفه أو جهلوا قديمه و سلفه، كلا و الله بل عرفوه و أنكروه و أساءوا اليه بعدما اختبروه فأقدموا منه علي ما يوجب سخط الله العظيم، و العدول عن النهج القويم و الصراط المستقيم و الخلود في العذاب الأليم، أما علموا أن الله ادخر للظالمين حميما؟ أما قرأوا (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما) [526] أتراهم لم يعرفوا ايمانه و مذهبه؟ و لا تحققوا أصله و نسبه. بلي و الله و لكن حب الفانية أعمي القلوب و الأبصار و وطن النفس علي دخول النار) [527] . و ارفع كفيك خاشعا لله داعيا مع الامام الكاظم عليه‌السلام: (الهي خشعت الأصوات لك، و ضلت الأحلام فيك، و وجل كل شي‌ء منك، و هرب كل شي‌ء اليك، و ضاقت الأشياء دونك و ملأ كل شي‌ء نورك، فأنت الرفيع في جلالك و أنت البهي في جمالك و أنت العظيم في قدرتك و أنت الذي لا يؤودك شي‌ء، يا منزل نعمتي، يا مفرج كربي و يا قاضي حاجتي، أعطني مسألتي بلا اله الا أنت آمنت بك مخلصا لك ديني أصبحت علي عهدك و وعدك ما استطعك أبوء لك بالنعمة و أستغفرك من الذنوب التي لا يغفرها غيرك يا من هو علوه دان و في دنوه عال و في اشراقه منير و في سلطانه قوي صل علي محمد و آله). و توسل بالله العلي الحفي الرضي الكافي الهادي القاضي الباقي ادعوه [ صفحه 437] أيها التاريخ آناء الليل و أطراف النهار و دموعك تسح و قلبك يرتجف (يا رب الركن و المقام، يا أعدل العادلين) ناجه أيها التاريخ مستصرخا: (يا عماد من لا عماد له و يا سند من لا سند له و يا ناصر من لا ناصر له)، ادعه مبتهلا طاهرا نقي الجانب و السريرة بقول: (يا مرشد من استرشده و مغيث من استغاثه... يا من لا مفر الا اليه و لا منجي منه الا اليه و لا حول و لا قوة الا به... يا من كل شي‌ء هالك الا وجهه). طهر نفسك أيها التاريخ و ردنك وقف في محراب القدس الأقدس و قل: (اللهم اني أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأعز الأجل الأكرم، و أسألك بقوتك و بجبروتك و بعزتك و بعظمتك و بسلطانك و بوجهك الباقي بعد فناء كل شي‌ء، و بعلمك الذي أحاط بكل شي‌ء. و بنور وجهك الذي أضاء له كل شي‌ء، يا أول الأولين و يا آخر الآخرين... اللهم و أسألك سؤال من اشتدت فاقته، و عظمت بليته، و قلت حيلته، يا لا اله الا أنت، سبحانك و بحمدك، كم من قبيح سترته، و من مكروه دفعته، و من ذنب غفرته، فارحم اللهم شدة ضري و ضعف بدني و كثرة بلائي يا غياث المستغيثين و يا ولي المؤمنين و يا من بيده ناصيتي يا عليما بضري و يا خبيرا بفاقتي يا سيدي يا من عليه معولي قو علي خدمتك جوارحي و اشدد علي العزيمة جوانحي، وهب لي القوة في طاعتك و احفظني برحمتك و اجعل لساني بذكرك لهجا و قلبي بحبك متيما و أقلني من عثرتي و اغفر ذلتي، يا من اسمه دواء و ذكره شفاء و طاعته غني..). أوعيت أيها التاريخ كيف تقف بين يديه ربك لا كما قال بنواسرائيل بل انهج طريق أئمة الايمان من هم باب حطة و من هم العروة الوثقي، قف كما وقفوا دون ملل و لا كل و لا ترفع و لا تكبر قف مطأطي‌ء الرأس خاشع البصر و انظر في عمق نفسك فاغسلها من الأدران و اسأل ربك بخشوع و قل: (يا لا اله الا أنت سبحانك و بحمدك، كم من قبيح سترته و من مكروه دفعته و من [ صفحه 438] ذنب غفرته، فارحم اللهم شدة ضري و ضعف بدني و كثرة بلائي يا غياث المستغيثين يا ولي المؤمنين يا من بيده ناصيتي و عليه معولي، احفظني اللهم برحمتك و أقلني من عثرتي.. يا نور المستوحشين في الظلم. عرفني دربي و سبيلي الحق و لا تزغ قلبي بعد اذ هديتني و عرفني امامي و حجتك و لا تمتني ميتة الجاهلية.. و ثبتني علي دينك و طاعة ولي أمرك..). و لا تني أيها التاريخ فابحث في أعماق أعماقك و استخرج ذلك الغل الأموي و الغل العباسي و غل الجائرين و المتكبرين و الطغاة اغسله بدمع التوبة و أنت تقف بين يدي ربك مستجيرا: (سبحانك آناء الليل و أطراف النهار و بالغدو و الآصال و بالعشي و الأبكار و لك الحمد يا الله في السموات و الأرضين يا مخرج الحي من الميت و الميت من الحي و يا محيي الأرض بعد موتها، سبحانك يا ذا الملك و الملكوت و العزة و الجبروت أسألك الصلاة علي محمد و آل محمد الأطياب الأطهار، باب حطة، و العروة الوثقي.. و عافني اللهم مما امتحنت به خلقك يا من بنوره اهتديت و بفضله استغنيت و بنعمته أصبحت و أمسيت، اللهم اني أشهدك و كفي بك شهيدا و أشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و حملة عرشك و سكان سماواتك و أرضك و جميع خلقك بأنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبدك و رسولك و أنك علي كل شي‌ء قدير و أن الجنة حق و النار حق و النشور حق و أنك تبعث من في القبور و أن عليا أميرالمؤمنين عليه‌السلام حقا حق و أن الأئمة من ولده هم الأئمة الهداة المهديون أولياءك المصطفون و صفوتك و خيرتك من خلقك اصطفيتهم علي عبادك و جعلتهم علي العالمين صلواتك و رحمتك و سلامك عليهم يا الله يا رب العالمين..). وقف بعدئذ ضارعا بكل جوارحك أيها التاريخ فقل: (اللهم لك الحمد علي حلمك بعد علمك و لك الحمد علي عفوك بعد قدرتك يا مجيب الدعوات و يا منزل الآيات و يا عظيم البركات و يا مخرج النور من الظلمات و يا [ صفحه 439] مبدل السيئات حسنات، يا غافر الذنب و قابل التوب لا اله الا أنت لك الحمد عدد الثري و الحصي و في الآخرة و الأولي اللهم فأنطقني بالهدي و ألهمني التقوي و وفقني للتي هي أزكي و اسلك بي الطريقة المثلي و اجعلني علي ملتك أموت و أحيا اللهم أنت عدتي ان حزنت و منتجعي ان حرمت، فتوجني بالكفاية، و سمني حسن الولاية وهب لي صدق الهداية، و اكفني مؤونة الاكتساب، و ارزقني من غير احتساب وصن وجهي باليسار و لا تبتذل جاهي بالاقتار، و ارزقني صحة في عبادة و علما في استعمال و ورعا في اجمال. اللهم اختم بعفوك أجلي و حقق في رجاء رحمتك أملي و سهل الي بلوغ رضاك سبيلي، و نبهني لذكرك في أوقات الغفلة و آتني في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قني عذاب النار يا لا اله الا أنت يا غفار يا جبار يا فالق الليل و النهار أسألك الصلاة علي محمد و آل محمد..). الآن هل استوعبت أيها التاريخ هل زالت الغلف التي علي قلبك و زالت الغشاوة التي علي عينيك، فاكتب بسم الله و الحمد لله و علي ملة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اقبس النهج القويم و الدرب الحق الصحيح و سر الهدي و الهداية.. فكل شي‌ء فان الا وجه ربك الكريم... فابحث عن زينة المتقين فالبسها و عن حلية الصالحين فتحلي بها.. (و لله غيب السماوات و الأرض و اليه يرجع الأمر كله فاعبده و توكل عليه و ما ربك بغافل عما تعملون) [528] و (فاستقم كمآ أمرت و من تاب معك و لا تطغوا انه بما تعملون بصير) [529] و (و أقم الصلوة طرفي النهار و زلفا من اليل ان الحسنات يذهبن السيئات) [530] (و اصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين) [531] و (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و ما [ صفحه 440] لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) [532] . و الآن ابدأ أيها التاريخ بتسجيل أيامك صدقا حقا قولا فعلا (و ما ربك بظلام للعبيد) [533] . يقف القلم و في الجعبة البوح الكثير.. يقف علي عتبات طهرات يلتمس العفو و الصفح عن الهفوات، يقف مدثرا بالكلم الطيب و الفوح العطر... معتذرا عن الذلل. آملا العفو عما بدر، و الصفح عما خطاه دون ما اصطبار... فهو بألم يقطع القفار سائلا الأخبار دمعت منه الأبصار، و سبح الله آناء الليل و أطراف النهار.. يقف القلم يا سيدي الكاظم يا موسي بن جعفر با ابن‌حميدة المحمودة يا ابن النور من النور و الي النور يا سيد الأطهار يا ذا الدمعة و الألم أستجير صاحب النون و القلم علني أقفو درب ذوي الجاه و الكرم أئمة الحق و الحلم الكاظمين الغيظ و العافين.. عليهم سلام الله و الملائكة أجمعين و صلوات رب العالمين.. حتي يحين فرج صاحب العصر و بقية الله في أرضه فاللهم عجل يا رب الخلق أجمعين بفرجه يا أكرم الأكرمين و أرنا نور وجهه و ارزقنا اتباعه و ألحقنا بالصالحين و الصلاة و السلام علي خير المرسلين و وصيه و أهل بيته باب حطة و العروة الوثقي و ثاني الثقلين و الحمد لله رب العالمين... [ صفحه 441]

اني سألتك

اني سألتك ضارعا متهجدا بسم النبي و آله و من اغتدي من ثاني الثقلين حبلا منقذا و الي النجاة يمد يا رب اليدا اني سألتك بالنبي محمد و بأمة ترجوه تتبعه الهدي و سألت بابك بالوصي و شيعة قد آمنت نهجا قويما مرشدا و بحق بضعة أحمد زهراؤه الطهر البتول و عترة لبت ندا و بابنها الحسن الطهور المجتبي و بدعوة قد ساقها يوم الفدا و سألت بالسبط الشهيد تقربا من باب رحمتك التي لن توصدا لمن اقتفاه و سار درب شهادة أمرا بمعروف يسود علي المدا رباه بالسجاد زين العابدين أدير طرفي ساجدا متوحدا أدعوك اذ كل الأنام عيونهم رقدي و عينك لا تنام اذ الردي في كل مخلوق خلقت و عابد من كل ما وطي‌ء الثري أو غردا و بباقر العلم الشبيه بأحمد و هو السمي هو الصبور علي العدا و بصادق الحرف الأمين المستقيم و ما أنار و ما تنكب و ارتدي و بما بجور قد تحمل صابرا و مكافحا و مناضلا قد أرشدا و بكاظم الغيظ المنيب و آية رباه في باب الحوائج أنجدا و بآية أعطيتها لعلي بن موسي الرضا عهدا اليك مؤيدا في غربة قد قالها من زاره هو زارني و من اهتداه قد اهتدي [ صفحه 442] هو بضعتي مني يقول محمد يا قاري‌ء القرآن فيه مرددا فاقف الصراط و جز اليه لترتقي و تكون في خير المواقف سيدا و الي التقي جلالة و تكرما و الي النقي هداية متعبدا و الي الذكي نهاية و بداية كالنور من نور غدا متجددا اني ببابك سيدي يا ابن الرضا يا ابن الحسين ابن العلي المبتدا أقفو لألحق غيبة لمغيب بسم النبي سميه حين اقتدي و به الوجود به الهداية للأنام امام عصر يا اله لك الندا فاجعل لنا منه المقام مكرما فرج لنا كربا بفضلك موردا و اجعل لنا بهم السبيل بدوحهم نقفو و ما بابا نروده موصدا و أنزلنا قلبا و فكرا نرتجي علما بطيئا أو ظهيرا يغتدي رباه اني سائل و بحقهم منجاة نفس ان تضل بهم هدي فاسق اليراع تقي و ثبت أنفسا و اجعل لنا دربا قويما مرشدا [ صفحه 443]

سيدي يا رسول الله

يبكيك ما يسقي الغمام و يلثم و بما بها الريح البحار تتمتم تبكيك أنسام بظلك سيدي تستأنس الأطيار و هي تحوم يبكيك حري و الدموع هواطل كالودق من عين السماء يحمحم يا ساقي الدنيا الأمان برحمة مما به التنزيل جاء يكرم هلا سقيت فؤاد وامقة ندي منه السحائب تستقي و الأنجم عزريل آه سيدي مستأذنا قد جاء ملتمسا و ربك يعلم كم داف من حزن و حط بأعين كم جاوز الحرف الذي يتألم كم قد تحرق مدنف و بلوعة ساق الدموع مكفكفا يتضرم يبكيك قلب من دم تخفاقه هلا نظرته كالثواقب يألم تجتاح فوديه الرعود و تنحني في صمت ثاكلة و حرفها أبكم يا خيرة الله. اصطفاك لأمة هديا و خارك للأنام تعلم من ذا الذي يقري الحروف أساتها و يمد ساكبة الهواطل يقحم و يزيل كل غشاوة عن أعين عمهت و كانت بالجهالة تقسم يا راكب البيداء تطرق بابها ان كنت تجهل ما المفاوز تولم فاشدد حيازيم التأسي و التمس بعض الذي من بعض غيث زمزم فالنار في حلق السماء يهيجها عصف من الآلام يلقمه الفم ساقته و الأنفاس يتلو بعضها بعضا و تنهل المآقي ترسم [ صفحه 444] لدوائر الحزن السحائب مرقدا و الغيث دمعا و السطور تترجم يا بائع الكلمات في سوق اللظي من ذا الذي عند البلية يرحم لو كنت أعلم أن سيقي قاطع لركبت دربا غير أني أقحم كل المصاعب رغم خوف و لوجها و أسوق نفسي و الردي يتقزم في وجه اعصار الارادة يرتمي كوريقة بمهب ريح تعدم فالموت ذاك خرافة في برزخ نحو الخلود و اذ تلوذ الأنجم بمسارب الريح اتقاء هبوبها فالسنديان به الجذور تقاوم و تشد كالأم الحنون لصدرها جسدا لطفل كالندي يتبرعم ليكون منها خافقا متوفزا قلبا يدق كما عناه الضيغم فاسلك فؤادي درب عز خالد أو كن شهيدا للفدا تتقدم لك بالذين استبسلوا و استشهدوا و من اغتدوا نبراس قربان هم للحق شاء الحق يسقي دربهم نورا و شاء بهم صراطا ينعم يا خالق الأكوان هذي جعبتي ملأي بألوان التساؤل تفعم تقتات من نفسي و أحمل وزرها و أغوص في حرف لعلي أعلم يبكي بي الحزن المقيم كأنني بصروف دهر قد جبلت و أرسم و ألوذ في طيف تراه بصيرتي في عين قلب بالأسي يتلطم يبكي و قد بكت البتول بدمعها في بيت أحزان كما يبكي الدم في صدري المضني تحشرج آهة كالنار في جمر الغضي تتضرم كيف السبيل و أنت وحدك سيدي و القوم في هرج السقيفة قد عموا غرتهم الدنيا فساقوا خلفها من شر أنفسهم تحيك و تبرم و البضعة الزهراء تمسك نفسها و كذا هما الحسنان دمعا يسحم و الروح منك تفيض حيث المرتضي أوصيت في ألف لباب تلقم و لكل باب منه ألف قد وعت أذن و قلب بالفضائل يزحم هو أول يا سيدي هو آخر هو ظاهر هو باطن بك أقسم و الرأس منك موسد مستأنس بالصدر يسمعه الخفوق يكلم [ صفحه 445] صدر الوصي المرتضي من ضمه و الدمع من مؤق تراه يتمتم يبكي رحيلك و هو يعلم في غد ماذا يحمل بآل بيتك اذ هم في حمل عب‌ء قد علمت بثقله و علمت ما القوم استعار فيهم و بكيت و الهفي عليك تقولها أبكي لما بغد يكون الأعظم اذ قلت: اني تارك يا سيدي و العترة الأطهار من ذا يرحم و أبوقحافة قد تقمص ثوبها و اختار من فدك لنار يضرم رحماك ضج بي الحنين و أبرقت بالقلب أنوار و أنت الأحكم يا خير خلق الله كيف أترجم و النطق في حرف غدا يتلعثم أبكيك يوم بكتك بضعتك التي في بيت أحزان لها يتألم و عقيلة الأحرار زينب طفلة تبكي كما أم بكت و الأنجم يا آه من ظلم الحياة بفقد من هم للحياة وجودها، هل آثم ان هاج بالشعر البكاء تأسيا و الي العقيلة قد تأبط يبرم عهدا بأن يبقي اللسان مترجما نبض الحروف و لو بدت تتبسم و الدمع يجري من مآقيها التي من حب آل كحلها و البلسم يا ساقي الشفتين بسمة نهلة فاسق المدامع سيدي اذ تقسم نورا تخط به الملاحم ترتجي قربا اليكم اذ يبوح به الفم يا سيد الكونين فارحم وامقا و اعطف عليه فقد ضناه العلقم و تكالبت جلف الوجوه لنهشه في عالم غطي العيون و يبهم رحماك يا من للسماء رفعتها من دون ما عمد نري أو نعلم رحماك في ذكري الرحيل و قد بدت عين السماء تفيض و دقا تضرم بالقلب من نار الجوي تكوي بها مؤق الحداق بلوعة لا ترحم صلت عليكم عترة المختار في دقات قلب بالدعا يترنم يا قاري‌ء الأشعار فاقري تربهم في السلام عليهم نطق الفم رحماك يا رباه رحمتك التي وسعت، فقلبي عند بابك يألم [ صفحه 446] يتلو الكتاب و يرتجي بصلاته ألف الصلاة علي النبي و من هم نور الوجود، الآل، من قد أذهب الرحمن عنهم كل رجس يأثم صلت عليكم سيدي في دوحكم أهل السماوات العلا و الأنجم و حروف شعري و الخفوق و مقلتي و الريح صلت و النهي و الأنسم 28 صفر 1423 م. كوثر شاهين [ صفحه 447]

في مولد الهدي و النور

خذني لدارتهم فالقلب يلتهب شوقا و تهطل في أحداقه السحب تروي ظمأه في الذكري يؤججها حب تدفق كالأمواج يصطخب تمشي به الريح لا عصفا بذارية بل لا رخاء اذ امتدت به الحقب يا أيها الشعر خذني نحو تربتهم أقري السلام عليهم فالنهي تجب تشتاق ذكرهم في كل آونة شوق التنهد في صدر به النوب يستاف ريحهم و الطير قد بلغت أفق الكواكب نحو السمت تقترب تدنو تقبل في الجوزاء ذكرهم ترمي السلام كما الأنوار ينسكب خذني لعمرك يا ذا الحرف انتسب في ظل راية خير الخلق اذ أهب روحي فداه و آل، بالصلاة هم ركن الصلاة، عمود الدين ينتصب لولاهم الكون لم يوجد و لا نسمت فيه النسائم أو دارت به الحقب لولاهم الشمس لم تشرق و لا نطقت آي تسبح، لا رعد و لا غرب بل لا سحاب و لا برق و لا مطر و لا سراب و لا بيداء تنتحب روحي فداهم..نبي الله منه هم و الشرق و الغرب و الآيات و الكتب و الودق و الحق و الأنوار قاطبة و الموج و البحر و الأنهار و السحب و الطير تسبح في الأجواء ما وقعت كالبدر تسبح كالأفلاك تحتجب خذني اليهم أعب الذكر ظامئة و ارأف بعاشقة روحا لهم تهب [ صفحه 448] يا أيها الشعر هل تقوي المسير و قد أضنيت من ومق، و المرهق النصب جز بي بواد لعل الدرب توصلني فيحاء طهر بها يرتادني الطرب في لثم ذكر يفوح النور مؤتلقا أيا لمست شغاف الحرف ينسكب يقتاته القلب و الأفكار ترشفه رشف الظمي لقطر الغيث يلتهب اني و ربك قد أسرجت راحلتي أمشي اليهم و ان أعياني التعب أستاف ريح جنان خفقها بهم نور كعطر سماء اذ هم شربوا يا أيها الحرف هل أسقيك من لهفي شوق المتيم و النيران تضطرب فاهرب اليهم لركن بالمقام و زر واتل الصلاة فلا مال و لا حسب الا الموالاة في نهج و في عمل تنجيك حرفي بيوم جاء يقترب يوم يشيب به الولدان من هلع و الكون يحبو و قلب الصخر ينشعب خذني البقيع اليهم فوق راحلة و اسلك سبيلا فقلبي بات ينتحب سلواي أني لترب المصطفي و ثقت مني الجوانح و الأعطاف و السلب و النبض بالقلب يستسقي كمعصرة غوثا بلهفة ملهوف به النصب أهدي بمولدك القدسي كل هوي يسقي فراتا ظماء الكون يحتطب من وهج نور شعاع للأنام بدا نورا تلألأ منه الكون و الحجب و افتر فيه ربيع للقلوب زها عشقا و تمتمت الأفلاك و الشهب يا در أرض بها من نورك احتملت من رحم آمنة. ما حافها التعب ما كان يؤلم أحداقا لها و رؤي الا بأنك في يتم سقاك أب يا ملهم الحرف وسع الكون ملحمة فاسمح لشعري اذا ما جاء يقترب ينساب رهوا صلاة لا يكل بها يسقي الشغاف لقلب هده التعب يا بارك الله للأكون مولدك يا من باسمك من الله يرتقب سماك أحمد في العلياء مكرمة حين اصطفاك نبيا سيدا يهب أي يا محمد و الأكوان ساجدة لله تحمد اذ من نورك الشهب و الهدي يمشي بخطو أنت سيدها تهدي الأنام طريقا دونها الريب لا غرو في ذا فوحي الحرف ما نطقت آي الكتاب و ما خطوا و ما كتبوا [ صفحه 449] يا مولد النور للدنيا برمتها أنت الأمين و أنت الغيث و السحب تهدي الصراط قلوبا ضل صاحبها في مهمه التيه قد ألقت به الكرب أيقظت من سكرة من كان في عمه بالجهل يقبع لا علم و لا أدب فالجاهلية فيه انساب بيرقها و أدا و حربا بها استعباد من غلبوا أي يا نبي الهدي يا خير من وطئت أقدامه الأرض أو جاءت به النجب صلي الاله عليك اختار فيك لنا يا خاتم الرسل نبراسا اذا النوب حطت فأنت ملاذ للقلوب كما في المدلهمات أنت الفوز و الطلب لبيك لبيك أنت الحق في سبل و النهج دربك لا باللات اذ نصبوا فالدين دينك و الاسلام سميته حق و عدل و نور ليس يحتجب و الحرف حرفك من جبريل جاء به أنعم و بارك لنا يا رب ما كتبوا بشراك آمنة في يوم مولده رب أراده فانجابت له الحجب قد كان سيدي و الكون لم يكن نورا من النور و الآفاق تضطرب لا شمس لا بدر لا أفلاك دائرة من قبل آدم لا نهار و لا لهب الا من النور خمس فيهم اتقدت آلاء رب ضياء لونه العجب و الأعجب العجب ما قد قال في لغة رب البرية وحيا و انتهي النسب بوركت آمنة، بوئت منزلة يوم الولادة حيث الفجر يرتقب من صبح جمعة عام الفيل و الهفي للنور يغمر كل الكون يصطحب يا در مكة و الزهراء كعبتها في خير صبح لمولود له الشهب قامت برجم شياطين كم استرقوا في السبع سمعا و عن أفق لها غربوا فجر الولادة يا للنور اذ سبحت فيه العيون كما الأطياب تنسكب أفديك أسقيك من روحي سلافتها شوقا، يضمك جفن العين و الهدب يا ابن الذبيحين يا خير الأنام سرت من ذكر اسمك أنوار بها السحب جادت بغيث بتسبيح و قد نطقت في أحرف الرعد بالتهليل اذ تجب تهدي و اسمك مثل الوحي قد نزلت في أذن (آمنة) الأصوات تنسرب ها قد ولدت بخير الناس قاطبة محمد سمه. في سره العجب [ صفحه 450] يا ابن الذبيحين و الأصنام قد نكست و الحق جاء باذن الله يقترب في لية ضحكت أقطابها فرحا اذ أشرق النور بالتسبيح ينسكب يا أفضل الخلق لي في يوم مولدك ما الحرف يعجز عن وصف كما الكتب أقريك صبحا مساء ما ألوذ به في يوم جمع و يوم الحشر أحتقب فاشفع سألتك بالزهراء سيدتي و بالأمير و بالسبطين أرتقب نصرا سألتك بسم الله في لجج أن لا يفي‌ء فؤادي حيث ينجذب الا بفيئك في رجب أفي‌ء بها أسقي بكأس وصي فيه أرتغب عهدا أوالي لمن واليت في قسم أمشي اليهم و للمهدي انقلب تنساب روحي اذ افترت سحائبها للصادق الطهر نحو البيت أقترب للمجمع العلم للأطهار حيث هوت لهم قلوب اليهم روحها تهب جاءت و من كل حدب همها جمعت في سر معرفة داخلت بها الكتب يا سيد الخلق من نور لك احتملت نورا بيومك اذ بالنور تختضب أي التزامن شاء الله مرحمة للخلق فيكم. هداة الأرض و النجب يا مولدا للنبي الطهر يا أملا يا نور دنيا و يا نصرا لمن غلبوا لي فيك أمنية أجلو النفوس بها كذا بمولد نور العلم انتسب يومان بينهما التاريخ في مقل خط المكارم و انسابت به الحقب يوم لجعفر ما أغلاه من خبر للباقر العلم و الأفلاك تضطرب يا نعميات حروف الشعر تلثمه في سبع عشرة من شهر به اكتسبوا أنعم و باردك و زد خير السلام به و انسج كساء به الآيات و الرتب و النص و الحرف و الأوصاف ما حملت تلك المعاني و ما قد زادها النسب فاقر الصلاة طهورا عند ذكرهم و ارم السلام اذا ما جئتهم تهب يا أيها الشعر فالثم كل زاوية من مرقد الطهر حيث النور ينسكب و الثم ترابا به الزهراء مرقدها في روضة من رياض الله قال أب يا سيدي يا رسول الله في زمن ضلت عقول، اليك القلب اذ يجب يقري سلاما و عهدا و الغدير به هذي العقول اذا ما ضلت الشهب [ صفحه 451] اسمع نداءه بالتوحيد قد برقت عين الحقيقة اذ من غوثكم كتب يا سيدي يا نبي الله ها قلمي وقف لنور له الأنوار تنجذب فاسق الفؤاد بكف للقسيم بها نور اليراع، أبا السبطين أرتقب أدني صلاتي و نسكي في رحابكم يا آل بيت نبي الله أحتسب 17 ربيع‌الأول 1423 م. كوثر شاهين [ صفحه 452]

يا بهجة الزهراء جئتك ساعيا

يا بهجة الزهراء جئتك ساعيا بصلاة ملهوف لبابك يقصد شدت به الذكري فقام ملبيا و لصاحب الذكري بدمع يرفد تاقت خمين للندا لطفولة و لوجه (روح الله) طفلا يسجد لم يلهه لعب الطفولة بل خطا للعلم يترع مؤمنا يتعبد يسقي الضلوع رحيق وجد مثلما يسقي الشفاه من الظما يتوحد و بعشقه الصوفي أرسل نفسه سكري بحب الله نورا تسعد تأتي تعب الآي تدخل سرها ترنو كبدر في السما لا يرقد تشتاق (ذكر الله) شوق متيم وجه الحبيب موله اذ يبعد يا أيها النائي و أنت بنا هنا في كل خفق لم تزل تتجدد ذكراك في (جمران) في حنياتها في منبر أنس الصلا يتهجد في دوح أشجار تعشق بعضها تأبي الهجوع و باللظي تتوقد فكأن نارا بالحشا باتت بها و الريح في تصفاقها لا تخمد يا غائبا. يا حاضرا يا مرشدا يا ذا الذي في كل خفق توجد و بكل بارقة انتصارا تستقي منك البيارق عزها تستنجد يا لهفة حري تسوق جمارها في بهجة الزهراء و هي توحد تلك القلوب أتت تفي‌ء بظلة بمقامك العلوي يزهو الفرقد [ صفحه 453] يا سيد النصر الذي قد شدته من شاطي‌ء الطف الذي بك يرشد عبدت آفاق النضال جعلتها لدم الحسين مآثرا تتخلد قولا كريما و استخارة ثائر يؤتي المعارك حقها يتصعد و يخط من قان حروف ابائها يسقي اذ القربان فيه يجسد فعل الجهاد كما الكفاح توطدت كل العزائم لانتصار تعقد يا مشرق القسمات لن يخفي الثري أنوار ايمان تطوف و تنجد يأتي ليستسقيك من في قلبه أنور تضي‌ء اذا حياضك يقصد جاءتك (روح الله) تسعي أمة هي آمنت بالله فيك تجدد عهد الولاية اذ تسوق ركابها من كل حدب نحو بابك ترصد يا سيدي فبك انبثاق رشادها و بك التمسك بالفضيلة تحمد و لك الصراط قد ابتغته سبيلها و العروة الوثقي و نورا يرشد فالحي في كل القلوب بنبضها أنت الامام الراحل المتجسد في شعبك الملهوف يسقي دمعة لثراك في عشقه لنورك يسجد متوسدا أرض الضريح مقبلا أطراف ريح من عبيرك تولد و تطل في يوم الرحيل بقلبها تلك الجموع، مناحة تتوقد فكأن من يوم النبي محمد يوما به الحزن العظيم يجدد و تردد السبع العلا آهاتها و الأرض من حزن تنوء و تخمد لولا انتظار (بقية الله) الذي سيجي‌ء منتصرا و سيفه ينضد و عزاؤنا يا سيدي أنا لنا بخليفة من خيرة هو سيد و هو الأمين علي خامنئي في سبل الحياة هو الولي المرشد منك استقي كم قالها: لك عاشقا نور الولاية في يديه يجدد أنت المخلد في جنان وسعها عرض السماوات العلا تتوسد في رحب جدك عند طهر المصطفي و البضعة الزهراء حيث الموعد و المرتضي و أئمة أطهار في دار هي الجنات و هي المقصد رحماك فاسق القلب منك تلهفا للدرب حيث المستقر الأسعد [ صفحه 454] صلت عليك حروف شعري ترتجي يا سيد الذكري لبابك تقصد كي يستنير بها الفؤاد كما الرؤي من نور وجهك يا امامي أرشد حزيران 2002 م. كوثر شاهين [ صفحه 455]

النصر يؤخذ لا يعطي

أيقظ حروفك يا شعري بمن هجعا أبرق و أرعد بك البركان مندفعا ألقم جحيما لكل المغلقين رؤي و السادرين بغي و الذي خنع ألقمه نارا بسجيل و كن حطبا و الذاريات ببيد جز بها رقعا كن فارسا ضيغما قم و امتشق حجرا و اصنعه نصرا و أذن بالذي صدع أبقظ نيام ضمير فالعيون بها و هم تلبد في الأحداق و انزرع فانزعه ميتا و ألقمه الردي مطرا و ابخع عدوا أراد الغزو منتجعا كن شبل أسد و لا تغررك بارقة بالأفق غيثا فرب السيف قد لمعا فالنصر يؤخذ لا يعطي فكن حذرا و الحق يبخس ان من أهله انتزع و الأرض و العرض صنوان بمسهما زهق الحقيقة لو لسن لها أو دلع خمسون عاما و زدهم أربعا عبثا ما اهتز فينا زعاف الهون أو خلع نشري ببخس بحرف فيه طمأنة و السم نجرع في معسول ما وضع فالحق يهضم اذ لا حق دون يد بالسيف تضرب لا خوفا و لا جزعا القدس تصرخ و الأقصي برقبتها كالمهد يضرع مما حل أو وقع و الضاد سكري بأقداح تصف لها فوق الموائد يا للزق كم برع قوموا أفيقوا هو الطوفان ينسفنا يقضي علينا فهل نستأصل الخدع أبناء قومي: هو الطاعون قد بسطت كفاه تأكلنا فلندفع الوجع و لنسرج الخيل عقبانا أشاوسة نرمي بنحر لصهيون و من جمع و لندحر البغي و الشذاذ عن وطن طهر أبي بهم قد ضاق بل ظلع [ صفحه 456] أبناء قومي هو استعمار طائفة العنصرية فيها ديدبا نبع و الحقد و الغل و التقتيل في دمها و الكره و السفك في أعطافها رتع قوموا استفيقوا نداء الله يجمعنا رب رحيم بنا الأخلاق قد طبعا من مهد عيسي لمسري المصطفي لمعت أنوار حق، و في يهواهم انقطع فالقتل شرعتهم و الدم مشربهم و الفسق مسكنهم في ذا لهم شرع أبناء قومي أيا أسدا غطارفة شدوا الحيازيم طاب الموت ما وسع ركب الشهادة. تلقي الله شامخة عزا نفوس و في الجنات مرتفعا شدوا الحيازيم يا عرب هنا وطن يأبي المذلة فيه الفجر قد طلع و الصبح أشرق و الشمس اغتدت علما تسقي الدماء الحنايا فيه ما رضع الا الكرامة ما ازورت مدامعه فالهطل غيث لسبع للعلا قرع ما الموت يأتي و لا الافناء يعرف من درب الشهادة سار الخطو و اتبع أعظم بهم موطني يسقوك من دمهم فيض القلوب و زيت للسراج سعي أيقظ حروفك يا درب العلا لهم فالنصر منهم بخط للعدا صفع أحياؤهم عند رب. رزقهم مدد و النور فيهم كما الآفاق ما جدع يتلون فخرا و عزا، رأسهم شمخت و القلب، نور بباب الله قد خشع 15 / 5 / 2002 م. كوثر شاهين [ صفحه 457]

ايقظ ضمائر قومي

أسرج خيولك هذا الليل يقترب يا فارس القدس يا ثارا بك الغلب أسرج خيولك فالأقصي هناك بكي في دمع طفل رضيع. أيها العرب يا نائمي مقلة، و النار في لجج سعيا عليكم، و بالملهاة هم سكبوا حقدا طويلا (أراد الله ذلهم) في كف طفل بسجيل به اللهب يا فارس القدس في جنين ملحمة أشبالها ثورة هم أسدها ضربوا لو كان في يدهم مثقال ما حملت كف البغاة لما اهتزت لهم حجب أو هدمت أسقف أو أن زرعهم داست منجزرة و الحقل يغتصب لو كان بعض ملوك فيهم ارتعشت بعض الضمائر ما انحلت لهم قطب أو جاس نذل بأرض طهرت بدم أو مد باعا الي الأعراض ينتهب يا فارس القدس لا تسمع للاغبة للدس للكذب للتفليق هم نصبوا أقدم فديتك بالغالين ذا وطني و القدس قلبي، و مهد الحق يلتهب أين الكماة أجب، هل في الكري هجعوا أم أن نائبة حلت و هم لعب أيقظ ضمائر قومي، قبل موتهم تحت السنابك، يا ذلاه يا عرب يا خيرة الخلق كنتم يوم كان بكم ايمان قلب و كان العز ينسكب كانت معاقلكم، شم مرابضكم مرهوبة الجانب القدسي، كان أب و اليوم وا أسفا تمشون خلف دمي في كفها جزرة تدنو و تقترب [ صفحه 458] قوموا استفيقوا فموت الموت صار بكم أي الحياة بذل ويحكم تثب يا فارس القدس ارقل فالسماء غدت نورا لوجهك و الأرضين تضطرب أنت المعفر وجه الشمس من لجج أنت المحقق نصرا فيك يرتقب أنت القوي و سيف الحق مشرعة فيه الأكف، فلسطين لها الغلب يا فارس القدس و الرايات ما خفقت الا بسيفك، نصر الله يقترب يا بارك الله شبانا أشاوسة عربا كراما بهم من ربهم رتب قد عاهدوا الله نصرا في قضيتهم و القدس دربا و للتحرير هم شهب جنين نبع و بركان و في جبل للنار هم ثورة، أجسادهم حطب لله قد نذروا القربان من دمهم يروي ثراهم فقف و اقرأ هم الكتب 14 / 5 / 2002 م. كوثر شاهين [ صفحه 459]

يوم النصر و الانتصار

افتح اذا ما جئت ذاك البابا و انظر فنصر الله مد جوابا قط الرؤوس رؤوس حيات البلا و اختار من أيار ذاك رضابا يسقي شغاف العبقرية حكمة و ينير دربا للعلا أوابا دافت به الويلات قد ركابها و استأصل الشر المنيخ ركابا رفع اللوا من ثوب جده أصفرا و اختط آيا يدفع الأسبابا قد شاءها الله العلي لحزبه و لحزبه النصر ارتقي الأبوابا من كربلاء يخط نهجا صالحا و لكربلا من خيرة أصحابا جد أيها الشعر استقم في وصفه يوم هو النصر المبين أصابا و تهاوت الأعقاب تدفع بعضها هربا و نجم في السما قد آبا في كفه القدسي يحمل راية تزهو و بسم الله مد خطابا مستأثرا بالحق بدء كلامه و كذا الختام به المنار كتابا كم لوحت تلك البيارق شمسها لتنير من عتم القلوب اهابا فبكل بيت للشهادة مضرب و بكل حرف للثكول انتابا و بكل صدر قد تحرق لاعج من دمع طفل يحرق الأهدابا كم هدم الباغون كم راشت بهم كف الضلالة أسقفا و ترابا و الله شاء لدحرهم يوما به انداحوا يلوذ فرارهم أعتابا تركوا جنازير الضلالة و ابتغوا في جنح ليل مأمنا أو بابا هربا من النار التي قد أحدقت ترمي بهم كالسيل رد جوابا [ صفحه 460] عشرون عاما كم طغت أحداقهم كم أحرقوا كم دمروا كم غابا في قعر زنزاناتهم كم عذبوا كم قتلوا كم شردوا أترابا و تفنن الارهاب بين أكفهم ثملا و بالتياركم قد خابا و الله شاء بخزيهم درسا لهم ويل لهم ويل البغاة كتابا يا للجنوب تكللت جبهاته بالغار بالنصر المبين أجابا في قلع جذر الغاصبين و من لهم كانوا الأداة لشرهم أذنابا يا وجه (عامل) يا قلاع سموه يا باب فاطمة و من قد نابا يا صور يا صيدا و يا نبطية يا كل شبر في ثراك أصابا يا قلعة و النهر تحت نعالها ينساب يغسل للحصي أعقابا صمدت بك العلياء و افتر الندي و اخضوضر العشب الندي أهابا للتين للزيتون للحبق الذي في كل حنية تلة قد طابا و اغرورقت قمم الهشامة أغدقت نورا يضي‌ء مفاوزا و هضابا من كف (نصر الله) باركت السما بدم الشهيد و أشرعت أبوابا لجنان رب ترتقي اذ أرقلت خطوا و مدت كالسحاب رقابا و من الجنوب الي الجنوب تعهدت غسل الثري من كل رجس نابا فاسق اليراع وريد قلبي و التمس نسغ الشهادة عزة و مآبا يا أيها المدثرون كرامة بوئتم العلياء و الأقتابا و تباركت بكم البلاد جنوبها و شمالها و سهولها و قبابا و جبالها، أطفالها و شيوخها و أجنة و نساءها و شبابا فالله أيدكم بنصر سؤدد (حسن و نصر الله) مد شهابا [ صفحه 461]

ايار سطر للجنوب ملاحما

أيار أغمد باللظي قيثاري و اهتف بحرفك من شفير النار ان النضال به انتصار قضيتي و بوقفة للعز كان قراري من نكبة أشعل دمي في أعين أبلج صباح معارك استئثاري فالنصر أو درب الشهادة أرتقي أمحو سواد مواقع الأشرار و أنير درب العابرين بقوة للساح حيث المجد للثوار أيار أشعل في القلوب أوارها و اسق اليراع بقوة الأحرار دفق السحائب من هبوب رياحها و كما الأريج يفوح بالأشعار أسرج ركاب الفتح و اسحب هيدبا من طهر قان رائع كغمار و اقبس من النصر المبين بيارقا فوق الكواكب غرسها كشعار من سيف حزب الله، أيار امتشق للقدس للأقصي لهيب الثار و انزع جذور الشر من أرض التقي و اغرس عبير الحق و الأزهار أسرج من السجيل كل مقالع بيد الطفولة، بيدر الأحجار ألقم طواغيت الظلام ظلامة فمن الجنوب الي الجنوب مناري من قبسة زيتونة في طهرها نصر الاله علي العدو الضاري أيار سطر للجنوب ملاحما و اهزج بعرس النصر للثوار للمؤمنين من ابتغوا بنضالهم دحر العدو و نصر دين الباري بأكف حزب الله من قد آمنوا أن الجهاد عقيدة الأحرار فالنصر و التحرير تمهره الدما و بعندم القربان كالأنوار [ صفحه 462] نصر و فتح للجنوب مكلل بالزغردات نسيمها بالغار بهزيمة الأعداء في جنح اللظي تجري بهم قطعانهم بالعار يا عزة الفخر التي قد سطرت بدم الشهيد بصرخة الثوار و من الحسين شعارها و طريقها في كل يوم يومها كشعار و بكل أرض للطفوف ترابها يا سيف حق فانتصر لقرار قد قالها العباس و الشيخ الذي هو راغب القيا مع الأطهار و كذا بها قد قال (نصر الله) في درب الجهاد وصية الأبرار فاسمع اذا ما جئت قاموس الهدي و اقر (السمات) و جز دروب النار و توضأ الفجر اعتمد في لجة قول الامام و سيد الأحرار أنت المعول بامتشاق قضية بحسام حرف قاطع بتار يعلو و لا يعلي عليه بقوة الايمان فانظر بيرق الأخيار الغالبون و حزبهم في آية شاء الاله لهم بلوغ الدار فاهزج بعيد النصر و ادفع قوة اسفينها يرمي العدو الضاري و يحطم الأغلال يصنع عزة في وقفة عزت بكل قرار بوركت (نصر الله) أنت المرتجي في ساح نصرك دوحة المختار يا أيها الساقي مفاتيح الدجي بدم الشهادة ان بي أشعاري تشتاق نسج حبالها لمن ابتغي مستمسكا بمشاغل الأنوار لينير درب القادمين ملألئا شمس الحقيقة هادرا كبحار فاسق اليراع فكل بيت يبتغي منك الضيا يا سيد الثوار بوركت يوم العيد بورك سعيكم للنصر (نصر الله) عند الباري 25 أيار 2002 م. كوثر شاهين [ صفحه 463]

الخاتمة

كل بداية لها نهاية و كل ولادة لها موت الا وجه الله فانه الحي الذي لا يموت كان قبل الكون واحد أحد لم يلد و لم يولد رحمن رحيم. رب العالمين، مالك يوم الدين.. اياه نعبد سبحانه و تعالي و به نستعين و عليه نتوكل و اليه ننيب، فالق الحب و النوي و مخرج الحي من الميت و الميت من الحي، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار يسبح الرعد بحمده و الرياح مسخرات بقدرته اذا أراد أمرا قال كن فيكون.. له الحمد و له الشكر و له الخضوع و له المآب و له النشور سابق كل فوت و سامع كل صوت و محيي العظام و كاسيها لحما بعد الموت.. له الطاعة و العبادة... سجدا في محرابه مؤتمين بمن حمل مشكاة الهداية و حماية الدين و حفظ العقيدة الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام من حمل الرسالة التي تركها أبوه عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فكان القمة في كل شي‌ء عطاء و علما و حزنا و ايمانا و عبادة و حقا و صدقا تمثل جده صلي الله عليه و آله و سلم فنهج دربه و سلك سبيله و بعلمه الالهامي رسخ قواعد الاسلام و فند الحلال و الحرام فأظهر الحق و أبانه و دحض الباطل و دفعه. هو النور الذي تسلسل من النور، ولادته في الأبواء و شهادته في الزوراء، و قبره ملاذ الضعفاء ورث الامامة فتبوأها و حملها و ورثها لبضعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن موسي الرضا عليه‌السلام الذي من زاره كأنه زار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من صلي عليه كأنه صلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و في عملي [ صفحه 464] المتواضع أني لي أن في ذلك الامام العظيم ذرة من عالم عطاءاته و أني لي حصر قطرة من سحاب غيثه و مداد غوثه.. أجري من ربي المودة في القربي و الرحمة من أرحم الراحمين و العفو من صاحب العفو و الغفران من صاحب المغفرة و الشفاعة من صاحب الشفاعة فالسلام عليك يا كاظم الغيظ يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم السلام عليك ولادة و شهادة و خلودا. السلام عليك و الصلاة عليك و علي آبائك و أبنائك الأئمة الأطهار المنتجبين و الحمد لله رب العالمين. الحمد لله عدد خلقه و الحمد لله رضا نفسه و الحمد لله مداد كلماته و الحمد لله زنة عرشه. و لا اله الا هو...

پاورقي

[1] سورة الأحزاب، الآية: 33.
[2] الارشاد، ص 96.
[3] أمالي الصدوق، 1 / 156.
[4] أعيان الشيعة، ج 3، ص 34، ط 3.
[5] سورة الحديد، الآية: 21.
[6] سورة الشوري، الآية: 23.
[7] سورة الأنعام، الآية: 38.
[8] سورة المائدة، الآية: 3.
[9] سورة البقرة، الآية: 124. [
[10] سورة الأنبياء، الآيتان: 73، 72.
[11] سورة آل‌عمران، الآية: 68.
[12] سورة الروم، الآية: 56.
[13] سورة التوبة، الآية: 30.
[14] سورة النساء، الآية: 167.
[15] سورة العنكبوت، الآية: 38.
[16] سورة القصص، الآية: 68.
[17] سورة الأحزاب، الآية: 36.
[18] سورة القلم، الآيات: 41 - 36.
[19] سورة محمد، الآية: 24.
[20] سورة الأنفال، الآيات: 23 -21.
[21] سورة البقرة، الآية: 93.
[22] سورة الحديد، الآية: 21.
[23] سورة يونس، الآية: 35.
[24] سورة البقرة، الآية: 269.
[25] سورة البقرة، الآية: 247.
[26] سورة النساء، الآيتان: 55، 54.
[27] سورة القصص، الآية: 50.
[28] سورة محمد، الآية: 8.
[29] سورة المؤمن، الآية: 35.
[30] عيون أخبار الرضا، 1 / 216 - 222. أصول الكافي.
[31] سورة الأحزاب، الآية: 21.
[32] منتهي الآمال، ص 240.
[33] مسند الامام الكاظم عليه‌السلام، ج 1، ص 1.
[34] سورة الانعام، الآية: 115.
[35] سورة آل‌عمران، الآية: 18.
[36] سورة القدر، الآية: 4.
[37] منتهي الآمال، ص 164.
[38] تاريخ ابن‌عساكر، 6 / 407.
[39] ابن أبي‌الحديد، 2 / 357.
[40] شرح ابن أبي‌الحديد، 3 / 15.
[41] المصدر السابق.
[42] حياة الامام الحسن، 2 / 348.
[43] مقاتل الطالبيين، 158 -154.
[44] الطبري، 9 / 259.
[45] مقاتل الطالبيين، ص 301.
[46] الطبري، 9 / 259.
[47] مقاتل الطالبيين، (301). بعد مقتل ابراهيم انحدر الي البصرة فمات حين دخلها.
[48] مقاتل الطالبيين، ص 222.
[49] مقاتل الطالبيين، ص 170.
[50] مقاتل الطالبيين، ص 374.
[51] البحار، ج 11، ص 234. الارشاد.
[52] البحار، ج 11، ص 234.
[53] البحار، ج 11، ص 235.
[54] البحار، ج 11، ص 235.
[55] أصول الكافي، ج 1، ص 309.
[56] البحار، ج 11، ص 237.
[57] البحار، ج 11، ص 236.
[58] كشف الغمة، ص 244.
[59] كشف الغمة، ص 244. الارشاد، 266.
[60] البحار، ج 11، ص 237.
[61] طبقات الشعراء، ص 38 -37.
[62] عمدة الطالب، ص 45.
[63] الارشاد، ص 98.
[64] مقاتل الطالبيين، ص 127.
[65] مقاتل الطالبيين، ص 126.
[66] الشيخ سليم في كتاب المراجعات، ص 41 -40.
[67] سورة الأعراف، الآية: 188.
[68] سورة آل‌عمران، الآية: 14.
[69] سورة هود، الآية: 73.
[70] سورة النساء، الآية: 41.
[71] سورة التوبة، الآية: 36.
[72] سورة الشوري، الآية: 23.
[73] سورة الرعد، الآية: 43.
[74] سورة المائدة، الآية: 55.
[75] سورة آل‌عمران، الآية: 134.
[76] سورة هود، الآية: 5.
[77] سورة فصلت، الآية: 35.
[78] مسند الامام الكاظم، ج 1، ص 11.
[79] رجال الكشي، ص 371.
[80] رجال الكشي، ص 392.
[81] رجال الكشي، ص 302.
[82] سورة الواقعة، الآية: 79.
[83] غيبة النعماني، ص 326.
[84] غيبة النعماني، ص 237.
[85] المناقب، 2 / 147.
[86] سورة نوح، الآيتان: 27، 26.
[87] المناقب، 2 / 380.
[88] البحار، 11 / 236.
[89] البحار، 48 / 107.
[90] الكافي، ج 2، ص 418.
[91] تاريخ الامام موسي بن جعفر، ص 104.
[92] رسائل الجاحظ، ص 106.
[93] الصواعق المحرقة، ص 120.
[94] حياة الامام الحسن عليه‌السلام نقلا عن تاريخ ابن‌عساكر.
[95] تهذيب التهذيب، 7 / 305.
[96] مرآة الجنان، 1 / 248.
[97] رجال الكشي، ص 88.
[98] رجال الكشي، ص 112.
[99] رجال الكشي، ص 113. [
[100] رجال الكشي، ص 117.
[101] تهذيب التهذيب، 9 / 350.
[102] تاريخ الكوفة، ص 40.
[103] المجالس السنية، ج 5، ص 28.
[104] تاريخ الكوفة، ص 408.
[105] سورة هود، الآية: 113.
[106] حلية الأولياء، ج 3، ص 135. - الامام جعفر الصادق عليه‌السلام، ص 80 -79.
[107] تحف العقول، ص 76.
[108] الكافي: في باب الظلم.
[109] خصال الصدوق.
[110] روضة الكافي.
[111] أصول الكافي، ج 2، ص 209.
[112] مجالس الشيخ الطوسي.
[113] أصول الكافي، ج2، ص 76.
[114] المصدر السابق.
[115] مقدمة ابن‌خلدون، ص 150.
[116] السياسة الشرعية، ص 173 -172.
[117] سورة ص، الآية: 26.
[118] صحيح الترمذي، 6 / 73.
[119] سورة الأحزاب، الآية: 33.
[120] سورة الجمعة، الآية: 2.
[121] أصول الشيعة و أصولها، ص 103، ط العرفان.
[122] سورة ص، الآية:: 26.
[123] سورة القصص، الآية: 68.
[124] سورة الأعراف، الآية: 155.
[125] سورة البقرة، الآية: 55.
[126] حلية الأولياء، ج 1، ص 63.
[127] مجمع الزوائد، 8 / 353.
[128] الرياض النضرة، 2 / 178.
[129] الرياض النضرة: 2 / 178.
[130] نزهة المجالس، 2 / 184.
[131] كشف الغمة، ص 151.
[132] قرب الاسناد، 141 -132. - مسند الامام الكاظم، ج 2، ص 170 - 161.
[133] سورة الرعد، الآية: 21.
[134] سورة الدخان، الآيات 4 -1.
[135] الكافي، ج 1، ص 481 -478.
[136] سورة يوسف، الآية: 40.
[137] الكافي، ج 1، ص 484 -481.
[138] دلائل الامامة، 156.
[139] أمالي المرتضي، ج 1 / 275.
[140] زهر الآداب، ج 1، ص 132.
[141] عيون الأخبار ج 1 / 78. - الاحتجاج 2 / 168. - مسند الامام الكاظم، ج 2، ص 160.
[142] و قد وردت في المناقب، ج 3، ص 429. مع هارون الرشيد و ليس المهدي.
[143] سورة ق، الآية: 16.
[144] البحار، ج 12، ص 283. - مناقب، ج 4، ص 335 طبع لبنان.
[145] كشف الغمة، ج 2، ص 230.
[146] الاحتجاج، ج 2، ص 159.
[147] سورة محمد، الآية: 22.
[148] الفصول المهمة، ص 234.
[149] سورة الحجرات، الآية: 12.
[150] سورة طه، الآية: 82.
[151] الفصول المهمة، ص 233. - القندوزي (ينابيع المودة) ص 362.
[152] كشف الغمة، ج 2، ص 42.
[153] سورة الرعد، الآية: 11.
[154] الفصول المهمة، ص 235.
[155] قرب الاسناد، ص 191.
[156] الفصول المهمة، ص 235.
[157] كشف الغمة، ج 3، ص 49.
[158] بحارالأنوار، ج 48، ص 174.
[159] قرب الاسناد، ص 195.
[160] الفصول المهمة، ص 241.
[161] سورة الأنعام، الآيتان: 85، 84.
[162] سورة آل‌عمران، الآية: 61.
[163] تاريخ بغداد، ج 13، ص 28.
[164] موسوعة الخليل، 9 / 38.
[165] الامام الصادق، أسد حيدر، ج 2، ص 334.
[166] قادتنا للميلاني، ج 6، ص 316.
[167] حياة الحيوان الكبري للدميري، ج 1، ص 138.
[168] الارشاد، ص 289.
[169] الارشاد، ص 289، ط لبنان.
[170] سورة محمد، الآية: 22.
[171] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 108.
[172] سورة طه، الآية: 48.
[173] الكافي، ج 1، ص 366.
[174] مقاتل الطالبيين، ص 447.
[175] الطبري، 10 / 55.
[176] نقل ذلك ابن أبي‌الحديد، 4 / 352.
[177] تاريخ الخلفاء، ص 90.
[178] تاريخ بغداد، 14 / 112 - مروج الذهب، 2 / 190.
[179] سورة هود، الآية: 113.
[180] سورة آل‌عمران، الآية: 28.
[181] سورة النحل، الآية: 106.
[182] سورة الأنفال، الآية: 72.
[183] قادتنا، ج 6، ص 340. - احتجاج الطبرسي، ج 2، ص 389.
[184] الاحتجاج، ص 355.
[185] سورة الأنفال، الآية: 72.
[186] سورة الأنعام، الآية: 38.
[187] سورة الأنعام، الآيتان: 85، 84.
[188] سورة آل‌عمران، الآية: 61.
[189] سورة الأنبياء، الآية: 60.
[190] ج 2، ص 307.
[191] سورة البقرة، الآية: 81.
[192] سورة آل‌عمران، الآية: 53.
[193] سورة النحل، الآية: 24.
[194] سورة البقرة، الآية: 57. و سورة الأعراف، الآية: 160.
[195] سورة آل‌عمران، الآية: 31.
[196] سورة الأعراف، الآية: 157.
[197] سورة التوبة، الآية: 100.
[198] سورة آل‌عمران، الآية: 31.
[199] سورة طه، الآية: 123.
[200] سورة البينة، الآية: 8. و سورة التوبة، الآية: 10. و سورة المجادلة، الآية: 22. و سورة المائدة، الآية: 119.
[201] الارشاد، ص 314.
[202] و رواه ابراهيم بن الحسن بتصرف في الخرائج و الجرائح، ص 203. و مثله في عيون المعجزات، ص 89.
[203] سورة يس، الآية: 39.
[204] سورة التوبة، الآية: 25.
[205] هو البطائني الأنصاري مولي الأنصار كوفي واقفي لعنه الرضا عليه‌السلام (رجال الطوسي 242) و كان قائد أبي‌بصير و كان من أصحاب الصادق و الكاظم عليه‌السلام قبل واقفيته.
[206] مشارق أنوار اليقين، ص 94.
[207] عيون أخبار الرضا، 1 / 91 رقم 11.
[208] عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 93، رقم 12.
[209] صفة الصفوة، ج 2، ص 184.
[210] ينابيع المودة، ص 362.
[211] كامل الزيارات، باب 3، ص 18.
[212] مطالب السؤول، ص 225.
[213] الفصول المهمة، ص 231. - نور الأبصار للشبلنجي، ص 173.
[214] عمدة الطالب، ص 196.
[215] سورة فصلت، الآية: 35.
[216] مطالب السؤول، ص 207.
[217] الفصول المهمة، ص 232.
[218] المناقب، 4 / 323.
[219] مناقب، ج 4، ص 323.
[220] كشف الغمة، ج 2، ص 256.
[221] سورة الكهف، الآية: 109.
[222] قادتنا، ج 6، ص 315.
[223] تاريخ بغداد، ج 3، ص 31.
[224] المناقب، ج 2، ص 318.
[225] المناقب، ج 2، ص 318.
[226] قرب الاسناد، ص 160.
[227] الارشاد، ص 277.
[228] مهج الدعوات، ص 29.
[229] مهج الدعوات، ص 305.
[230] سورة الفرقان، الآية: 45.
[231] مناقب، ج 4، ص 311.
[232] سورة الأنعام، الآية: 75.
[233] سورة الصافات، الآيتان: 89، 88.
[234] سورة الواقعة، الآية: 76.
[235] سورة النازعات، الآيات: 5 -1.
[236] سورة النحل، الآية: 16.
[237] فرج المهموم، ص 107.
[238] سورة الأعراف، الآية: 31.
[239] سورة البقرة، الآية: 219.
[240] الكافي، ج 6، ص 407.
[241] البحار، ج 48، ص 158.
[242] الكافي، ج 6، ص 412.
[243] الفروع من الكافي، ج 4، باب الظلال للحرم، ص 350.
[244] قرب الاسناد، ص 170.
[245] الاحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 327.
[246] الطبرسي، ج 2، ص 325. - بحارالأنوار، ج 3، ص 295.
[247] سورة يس، الآية: 82.
[248] الاحتجاج، ج 2، ص 326. - البحار، ج 295، 3.
[249] سورة طه، الآية: 5.
[250] البحار، ج 3، ص 336.
[251] سورة النجم، الآيتان: 9، 8.
[252] بحارالأنوار، ج 3، ص 313.
[253] سورة طه، الآية: 121.
[254] بحارالأنوار، ج 5، ص 25.
[255] سورة هود، الآية: 7.
[256] بحارالأنوار، ج 5، ص 26.
[257] بحارالأنوار، ج 5، ص 27.
[258] بحارالأنوار، ج 48، ص 129 و 131. - الاحتجاج، ص 213.
[259] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 88.
[260] بحارالأنوار، ج 2، ص 289.
[261] بحارالأنوار، ج 93، ص 239، و ج 28، ص 135.
[262] الاحتجاج، ص 345. البحار، ج 49، ص 109.
[263] بحارالأنوار، ج 68، ص 14.
[264] قرب الاسناد، ص 171.
[265] بحارالأنوار، ج 46، ص 69.
[266] سورة الأعراف، الآية: 146.
[267] تفسير العياشي، ج 2، ص 29.
[268] سورة آل‌عمران، الآية: 134.
[269] مناقب، ج 3، ص 114.
[270] تاريخ بغداد، ج 13، ص 29.
[271] تاريخ بغداد، ج 13، ص 29.
[272] في البصائر حدث ابراهيم بن اسحاق، ج 5، باب 13، ص 69، مع بعض التصحيف.
[273] الارشاد، ص 314. كذلك الخرائج و الجرائح، ص 235.
[274] قرب الاسناد، ص 196.
[275] اختيار معرفة الرجال، ص 437، رقم 823.
[276] اختيار معرفة الرجال، ص 431، رقم 810.
[277] اختيار معرفة الرجال، ص 432، رقم 813.
[278] اختيار معرفة الرجال، ص 433، رقم 818.
[279] عيون المعجزات، - الشيخ حسين بن عبدالوهاب، ص 90.
[280] رجال أبي‌داود، ص 200، رقم 832.
[281] اختيار معرفة الرجال، ص 585، رقم 1096.
[282] فهرست ابن‌النديم، ص 223.
[283] سورة الأنفال، الآية: 16.
[284] كمال‌الدين و تمام النعمة، ج 2، ص 362.
[285] سورة ص، الآيتان: 22، 21.
[286] عيون الأخبار، ج 2، ص 15.
[287] الارشاد، ص 296.
[288] سورة آل‌عمران، الآية: 34.
[289] بحارالأنوار، ج 11، ص 270.
[290] حياة الحيوان للدميري، ج 1، ص 77.
[291] المناقب، ج 3، ص 418.
[292] أمالي الصدوق، ص 148. - مناقب، ج 3، ص 417.
[293] سورة الرعد، الآية: 11.
[294] تفسير العياشي، ج 1، ص 205.
[295] قرب الاسناد، ص 194.
[296] قرب الاسناد، ص 196.
[297] قرب الاسناد، ص 174.
[298] جمع سمرة و هو شجرة الطلح.
[299] بصائر الدرجات، ج 2، باب 18، ص 28.
[300] بصائر الدرجات، ج 3، باب 5، ص 34.
[301] سورة الأنعام، الآية: 21.
[302] سورة القيامة، الآية: 12.
[303] سورة مريم، الآية: 59.
[304] سورة الأنعام، الآيتان: 85، 84.
[305] سورة آل‌عمران، الآية: 61.
[306] سورة الأنفال، الآية: 70.
[307] سورة الأنفال، الآية: 72.
[308] سورة الأنفال، الآية: 72.
[309] الاختصاص، ص 54. - تحف العقول، ص 426. - الاحتجاج، ص 211 مع بعض التغيير.
[310] البحار، ج 48، ص 66.
[311] الكافي، ج 2، ص 98.
[312] الكافي، ج 5، ص 75.
[313] الكافي، ج 5، ص 94.
[314] البحار، ج 48، ص 119، رقم 36.
[315] طعام يصنع من اللحم مع الخل و الزعفران.
[316] مكارم الأخلاق، ص 165. - البحار، ج 48، ص 117.
[317] مناقب، ج 2، ص 363 -362. - البحار، ج 11، ص 304.
[318] مناقب، ج 3، ص 418.
[319] مناقب، ج 3، ص 422.
[320] مناقب، ج 3، ص 347.
[321] مناقب، ج 3، ص 348.
[322] مناقب، ج 2، ص 262.
[323] مناقب، ج 3، ص 398.
[324] مناقب، ج 3، ص 444.
[325] الفصول المهمة، ص 252.
[326] عيون أخبار الرضا - غيبة الشيخ الطوسي. - المناقب. - البحار.
[327] مناقب، ج 3، ص 435.
[328] سورة الاسراء، الآية: 26.
[329] الكافي، ج 1،ص 543.
[330] سورة الأعراف، الآية: 146.
[331] سورة البينة، الآية: 1.
[332] سورة ابراهيم، الآية: 28.
[333] المناقب، ج 2، ص 385.
[334] البحار، ج 11، ص 296.
[335] البحار، ج 11، ص 298.
[336] البحار. - منتخب التواريخ، ص 578.
[337] مناقب، ج 2، ص 379.
[338] النجاشي، ص 352.
[339] البحار. - الفصول المهمة.
[340] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 85 - بحار، ج 48، ص 233 -221.
[341] البحار، ج 48، ص 223.
[342] تاريخ بغداد لطيفور، ص 185.
[343] تاريخ بغداد، ج 12، ص 343.
[344] البحار، ج 11، ص 298.
[345] مناقب، ج 2، ص 370.
[346] في المناقب، ج 2، ص 370. (جاء أن الامام رفض الهدايا و الخلع التي قدمت له) - مروج الذهب، ج 3، ص 265.
[347] وفيات الأعيان، ج 4، ص 394. شذرات الذهب، ج 1، ص 304.
[348] الوسائل باب الأمر بالمعروف.
[349] الكني و الألقاب ج 2 ص 150.
[350] تاريخ بغداد، ج 7، ص 73.
[351] الكواكب الدرية، ج 1، ص 208.
[352] تاريخ بغداد، ج 7، ص 77.
[353] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 76.
[354] سورة الأنبياء، الآية: 111.
[355] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 77.
[356] البحار، ج 48، ص 108.
[357] البحار، ج 48، ص 109.
[358] كشف الغمة، ج2، ص 228.
[359] مقاتل الطالبيين، ص 417 -416 طبع لبنان.
[360] البحار، ج 11، ص 300.
[361] البحار، ج 11، ص 305.
[362] تاريخ بغداد، ج 13، ص 31.
[363] الكافي، ج1، ص 381.
[364] البحار ج 49 ص 19.
[365] زيد الشهيد، ص 199.
[366] البحار، ج 48، ص 280 - 276.
[367] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 37 - البحار، ج 11، ص 216 -215.
[368] تاريخ اليعقوبي، ج 3، ص 125.
[369] سورة النمل، الآية: 36.
[370] المناقب، ج 3، ص 414.
[371] غيبة الطوسي، ص 21. - البحار، ج 11، ص 302 -301.
[372] الكافي، ج 8، ص 124.
[373] رجال الكشي، ص 371.
[374] الجهشياري، ص 7.
[375] عيون الأخبار. - البحار.
[376] عيون الأخبار، ج 1، ص 100.
[377] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 97.
[378] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 99.
[379] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 99.
[380] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام، ج 1، ص 105.
[381] مقاتل الطالبيين، ص 504.
[382] عمدة الطالب، ص 185، ط النجف.
[383] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.
[384] روضة الواعظين، ص 186 -185.
[385] الكافي، ج 16، ص 256.
[386] تاريخ بغداد، ج 12، ص 32.
[387] تجارب السلف، ص 140.
[388] الفصول المهمة، ص 54.
[389] عمدة الطالب، ص 185.
[390] مناقب، ج 2، ص 386.
[391] حضارة الاسلام في دار السلام، ص 126.
[392] الأنوار البهية، ص 99.
[393] مقاتل الطالبيين، ص 447.
[394] مقاتل الطالبيين، ص 455.
[395] سورة البقرة، الآية:111.
[396] سورة الكهف، الآية: 109.
[397] مناقب، ج 1، ص 411.
[398] مناقب، ص 339.
[399] منتهي الآمال، ج 2، ص 222.
[400] سورة هود، الآية: 113.
[401] سورة الاسراء، الآية: 1.
[402] احتجاج الطبري.
[403] أصول الكافي، ج 1، ص 105.
[404] أصول الكافي، ج 1، ص 106.
[405] أصول الكافي، ج 1، ص 107.
[406] أصول الكافي، ج 1، ص 107.
[407] أصول الكافي، ج 1، ص 127.
[408] أصول الكافي، ج 1، ص 150.
[409] البحار، ج 11، ص 237.
[410] البحار، ج 48، ص 124. - الاحتجاج، ص 211.
[411] البحار، ج 48، ص 134.
[412] أصول الكافي، ج 1، ص 140 -139.
[413] الكافي، ج 2، ص 39 -38.
[414] سورة الحجر، الآية: 87.
[415] الكافي، ج 2، ص 553.
[416] الكافي، ج 2، ص 553.
[417] الكافي، ج 2، ص 373.
[418] تحف العقول، ص 409.
[419] خطاها مساوي خطأها.
[420] جاها مساوي جاءها.
[421] الوسائل، باب الأمر بالمعروف.
[422] سورة الزمر، الآيتان: 18، 17.
[423] سورة البقرة، الآيتان: 164، 163.
[424] سورة النحل، الآية: 12.
[425] سورة غافر، الآية: 66.
[426] جزء من الآية الرابعة من سورة الجاثية.
[427] سورة الحديد، الآية: 18.
[428] سورة الرعد، الآية: 4.
[429] سورة الروم، الآية: 24.
[430] سورة الأنعام، الآية: 151.
[431] سورة الروم، الآية: 28.
[432] سورة الأنعام، الآية: 31.
[433] سورة الصافات، الآيات: 138 -136.
[434] سورة العنكبوت، الآيتان: 35، 34.
[435] سورة العنكبوت، الآية: 43.
[436] سورة البقرة، الآية: 169.
[437] سورة البقرة، الآية: 171.
[438] سورة يونس، الآية: 42.
[439] سورة الفرقان، الآية: 44.
[440] سورة الحشر، الآية: 13.
[441] سورة البقرة، الآية: 43.
[442] سورة الأنعام، الآية: 116.
[443] سورة لقمان، الآية: 25.
[444] سورة العنكبوت، الآية: 63.
[445] سورة سبأ، الآية: 13.
[446] سورة ص، الآية: 24.
[447] سورة غافر، الآية: 28.
[448] سورة هود، الآية: 40.
[449] سورة الأنعام، الآية: 37.
[450] سورة المائدة، الآية: 103.
[451] سورة البقرة، الآية: 268.
[452] سورة آل‌عمران، الآية: 6.
[453] سورة آل‌عمران، الآية: 189.
[454] سورة الزمر، الآية: 9.
[455] سورة الرعد، الآية: 19.
[456] سورة ص، الآية: 28.
[457] سورة غافر، الآية: 52.
[458] سورة الذاريات، الآية: 54.
[459] سورة ق، الآية: 36.
[460] سورة لقمان، الآية: 11.
[461] سورة آل‌عمران، الآية: 8.
[462] سورة الزمر، الآية: 9.
[463] سورة الرحمن، الآية: 60.
[464] تحف العقول، ص 400 -390.
[465] سورة الأحزاب، لآية: 33.
[466] سورة العنكبوت، الآية: 43.
[467] سورة المؤمنون، الآية: 91.
[468] سورة التوبة، الآية: 87.
[469] سورة البقرة، الآية: 217.
[470] سورة الطلاق، الآية: 3.
[471] سورة البقرة، الآية: 34.
[472] الكافي، ج 1، ص 56.
[473] الكافي، ج 1، ص 56.
[474] البصائر، ص 301.
[475] بحارالأنوار، ج 1، ص 198.
[476] بحارالأنوار، ج 1، ص 218.
[477] بحارالأنوار، ج 1، ص 222.
[478] بحارالأنوار، ج11، ص 342.
[479] سورة النحل، الآية: 120.
[480] تفسير العياشي، ج 2، ص 274.
[481] تفسير العياشي، ج 2، ص 197.
[482] المحاسن، ص 235.
[483] سورة يس، الآية: 12.
[484] الكافي، ج 1، ص 281.
[485] البحار، ج 22، ص 487 -484.
[486] سورة الشوري، الآية: 23.
[487] سورة الأحزاب، الآية: 6.
[488] البحار، ج 22، ص 489.
[489] الكافي، ج 8، ص 60.
[490] البصائر، ص 66.
[491] دلائل الامامة، ص 158.
[492] مطالب السؤول، ص 225.
[493] وفيات الأعيان، ج 1، ص 393.
[494] الفصول المهمة، ص 231.
[495] الارشاد، ص 277.
[496] سورة فصلت، الآية: 35.
[497] مطالب السؤول، ص 207.
[498] كافي، ج 6، ص 407.
[499] سورة الزمر، الآية: 9.
[500] الفقه الاسلامي مدخل دراسة نظام المعاملات، ص 160.
[501] سورة هود، الآية: 113.
[502] بحار، ج 11، ص 265.
[503] سورة فصلت، الآية: 34.
[504] دائرة المعارف، ج 1، ص 594.
[505] كتاب أخبار الدول، ص 112.
[506] الأعلام، ج 3، ص 108.
[507] أعلام الوري، ص 178.
[508] المناقب، ج 2، ص 383.
[509] الصواعق المحرقة، ص 121.
[510] الارشاد للشيخ المفيد، ص 271.
[511] نور الأبصار، ص 135.
[512] تاريخ بغداد، ج 13، ص 27.
[513] كشف الغمة، ص 255.
[514] سورة البقرة، الآية: 143.
[515] سورة النساء، الآية: 59.
[516] مناقب، ج 1، ص 372.
[517] سورة الذاريات، الآية: 21.
[518] سورة نوح، الآية: 12.
[519] سورة المؤمنون، الآية: 14.
[520] مناقب، ج 1، ص 373.
[521] سورة محمد، الآية: 33.
[522] مناقب، ج 1، ص 343.
[523] مناقب، ج 1، ص 329.
[524] سورة النور، الآية: 35.
[525] مناقب، ج 1، ص 341.
[526] سورة النحل، الآية: 16.
[527] مناقب، ج 1، ص 347.
[528] مناقب، ج 1، ص 367.
[529] سورة النساء، الآية: 93.
[530] كشف الغمة، ج 3.
[531] سورة هود، الآية: 123.
[532] سورة هود، الآية: 112.
[533] سورة هود، الآية: 114.
[534] سورة هود، الآية: 115.
[535] سورة هود، الآية: 113.
[536] سورة فصلت، الآية: 46.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.