من وهج العشق الحسيني

اشارة

عنوان : من وهج العشق الحسيني
پديدآورندگان : غزي , عبدالحليم(پديدآور)
نوع : متن
جنس : كتاب
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
وضعيت نشر : موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
ويرايش : -
مشخصات فيزيكي : 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (42 بايگاني: 343.8KB)
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : كتابنامه ملزومات نظام: ويندوز 98+ با پشتيباني متون؛ شيوه دسترسي: شبكه جهاني وب؛ عنوان از روي صفحه عنوان نمايش,عبدالحليم الغزي
شناسه : oai:lib.ahlolbait.ir/parvan/resource/46207
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/9/1
تاريخ تغيير ركورد : 1389/10/9
تاريخ ثبت : 1390/9/8
قيمت شيء ديجيتال : فاقد شيء ديجيتالي

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم(الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).[سورة الزمر: الآية 18].اللهمّ صلّ علي محمّدٍ وآل محمّد وعجّل فرج محمّدٍ وآل محمّد والعن عدوّ محمّدٍ وآل محمّدلا تـــــلم يـا سائلاً عن شقّ رأس العاشقين أصدرت فتواه زينب مذ رأت رأس الحسينإلي سيدي المحزون، وإمامي المثكول: صاحب المصاب زين العابدين وسيّد الساجدين صلوات الله عليه الذي قيل له في بكائه وحزنه الدائم علي أبيه سيد الشهداء صلوات الله عليهما والذي لم ينقطع أبداً: (انك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت علي هذا؟ فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي) [1] .والي سيدتي عقيلة الهاشميين، ولبوة الطالبين: شريكته في المصاب، العالمة غير المعلّمة، والفهمة غير المفهّمة [2] والتي حين رأت رأس المولي (نطحت جبينها بمقدّم المحمل حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقةٍ وجعلت تقول:يــــا هـلالاً لمـــــا استتمّ كمالا غاله خسفه فأبدي غروبا) [3] .أرفع إلي أعتابكم العاليات: آيات عزائي.الراجي عفوكم ونوالكم يــــا فاطمه قومــي إلي الطفوف هــــــذا حســـين طعمة السيوفالأرض تــبكي والسما.. واويلاه هذا حســـين في الدما.. واويلاهحيدر.. حيدر.. حيدر.. حسين مظلوم.. حسين شهيدحيدر.. حيدر.. حيدر [4] اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيةمن دون مقدّمةٍ أدبيةٍ أو تاريخية أو تحاملٍ أو انتقادٍ لاذع لهذا الطرف أو ذاك أشرع في صلب موضوعي ألا وهو التطبير: أحد مراسم العزاء الحسيني في يوم عاشوراء. وإني أجد نفسي في غنيً عن تعريفه لشهرته وشيوعه وذيوعه بين أبناء التشيّع في كلّ مكان من هذا العالم أنّي وجدوا.وليس خفياً فإنّ الخلاف في زماننا هذا محتدم حول هذه الشعيرة الحسينية بين قائل بحرمتها وبين معتقدٍ جوازها بل استحبابها من جهة كونها أحد مصاديق إظهار الحزن والجزع علي سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) والذي أكّدت عليه وأوصت به أحاديث وكلمات أهل البيت (عليهم السلام).ومن هنا فإني سأتناول هذه المسألة من جميع جهاتها، مبتهلاً إلي الله تعالي في التوفيق والسداد، ومتوسلاً إليه بدم المظلوم في كربلاء أن يعجّل فرج الطالب بثأره، وأن يجمع كلمة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) علي الحق. إنّه سميع مجيب.المؤلّف - 1420 هـ

ادلة مانعي التطبير والقائلين بحرمته

المعارضون للتطبير والقائلون بحرمته:كلّ ما عندهم:أولاً - التطبير بدعة.ثانياً - فيه إضرار بالنفس.ثالثاً - فيه توهين للمذهب.وسأتناول هذه الأمور الثلاثة بما يناسب المقام:أولاً: قولهم: بأنّ التطبير بدعة.ماهي البدعة؟الذي عليه أهل التحقيق والنظر أنّ البدعة:أ ـ نفي أو إنكار أو جحود ما ثبت بالأدلة الصحيحة أنه من ديننا الذي يرتضيه الله ورسوله وآله الأطهار (صلوات الله عليه وعليهم) عقائدياً كان أو فقهياً أو سلوكاً أخلاقياً وأدبياً.ب ـ الافتراء علي الله وعلي رسوله والأئمة المعصومين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) إمّا بتفسير النصوص الشرعية وفقاً للآراء والأهواء وإمّا بإضافة أشياء جديدة إلي الدين ما هي من الدين أصلاً ولا فرعاً ولا مفهوماً ولا مصداقاً.ولا يمكن لأحدٍ أن يجعل التطبير مصداقاً لأيّ من المعنيين المذكورين إذ أنّ القول بجواز التطبير وإباحته لا يستلزم نفي أو إنكار أو جحود أيّ شيء من دين الله سبحانه وتعالي وكذا فإنه لا يفسّر شيئاً ولا يضيف شيئاً إلي دين الله مما هو ليس منه، إذ غاية الأمر أنّ التطبير مظهر من مظاهر الحزن والجزع علي سيد الشهداء (صلوات الله عليه) الّذين أكّدت عليهما سنة المعصومين (عليهم السلام) وأوصت بهما. وليس خفياً فإنّ الحزن والجزع علي مراتب يختلف التعبير عنها من إنسان لآخر بحسب انفعاله وتأثره فقد يكون التعبير عن الحزن بالتحسر والتوجّع، أو بالإكثار من الاسترجاع والحوقلة، أو بالسكوت والانطواء، أو بترك الملذات والمسرات، أو بلبس ثياب الأحزان والظهور بمظهر أهل المصاب، أو بالبكاء والنحيب، أو بالصراخ والعويل، أو بلطم الوجه ولدم الصدر، أو بضرب الرأس أو الجسد باليد أو بالحجر أو غيره، أو بضرب نفسه بالأرض، أو بحثو التراب والرماد علي الرأس والوجه والبدن، أو بالانقطاع عن الطعام والشراب أو بهجر النوم والفراش، أو بأي فعل آخر يكون بحسب العرف أو بحسب ذوق أهل المصاب وبحسب ما يستشعره صاحب المصيبة بأنه قد فعل شيئاً يعبّر فيه عن عظم مصابه ورزيته (مصيبةً ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض) [5] .وما التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام) إلا مرتبة من تلكم المراتب التي يراها بعض المحبين أنها وسيلة للتعبير عن حزنهم وجزعهم لهذه المصيبة العظمي والرزية الكبري.فأين وجه تسمية التطبير ووصفه بأنه بدعة إذن؟أليس الأولي أن نصف حكم التحريم من دون دليلٍ من كتابٍ أو سنة بأنّه بدعة؟إذ اتفقت كلمات فقهائنا من مضي منهم ومن حضر في أصول استنباط الفتاوي والأحكام علي أن نتمسّك بالأصل العملي حين عدم النص. وإننا وبنحو قطعي لا نملك نصاً أبداً لا من كتاب ولا من سنة يمنع التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) [6] لذا وجب علينا والحال هذه أن نتمسّك بأصالة البراءة: (كل شيء هو لك حلال حتي تعلم الحرام بعينه) [7] .أفليس الحقّ هذا؟!أوليس طريقة الاستنباط والاجتهاد والإفتاء والفقاهة عند كلّ فقهاء الشيعة هي هذه؟!أوليس الخروج عن هذه الطريقة في الاستنباط والإفتاء المعروفة هو الأولي بوصف البدعة والابتداع؟!آه.... لو أنصف الحكم!ومع كلّ ذلك فإنّا لا نريد أن نصف حكم المنع والتحريم بأنّه بدعة ولكننا نحمله علي أحسن المحامل فنقول: إنه اشتباه وتسرّع وتحكّم وعدم دقةٍ وتمحيص وإنّه قول بلا دليل شرعي صحيح.ثانياً: إن التطبير موجب لإلحاق الضرر بالنفس:أول سؤال يطرح نفسه: أين يكون الضرر الذي يلحقه التطبير بالنفس؟أهو في الإدماء وخروج الدم فقط؟أم هو في جرح الرأس المشتمل علي الإدماء؟أمّا مجرّد خروج الدم من البدن أو إخراجه بلفظٍ أدق فلقد أوصي نبيّنا وأئمتنا (صلوات الله عليه وعليهم) بالحجامة والفصد [8] وقد فعلوه مراراً وتكراراً أمام أعين أصحابهم وذويهم وقد جاءتنا الأحاديث الشريفة عنهم (عليهم السلام) تخبرنا بالمنافع الصحية الجمّة لهذين الأمرين. وأمّا علم الطب الحديث فضلاً عن تأييده للحجامة والفصد فإنه يوصي بمسألة إخراج مقدارٍ من الدم بين المدة والأخري لأجل ضخّ دم جديد في بدن الإنسان وذلك أنّ الله سبحانه وتعالي أعطي بدن الإنسان قدرة علي توليد دمٍ جديدٍ يبعث النشاط في بدن الإنسان حين يفقد مقداراً من دمه. ولذا فإننا نري كثيراً من الناس يبادرون إلي المستشفيات العامة أو إلي بنوك الدم للتبرع بمقادير من دمائهم بحسب ما فيه الفائدة الصحية لهم ولهذه المؤسسات. ولطالما يتعرّض الإنسان في حياته لكثير من الحوادث التي قد يفقد فيها مقداراً كثيراً من دمه ولا يؤثّر ذلك عليه ولا علي قدراته إذ سرعان ما يرجع إلي حالته الأولي. ومن هنا فإنّ فقدان الجسم لمقدار من الدم لا يعدّ ضرراً بل قد يكون نفعاً وفائدة ولذا فلا يعدّ هذا الأمر بشيء خصوصاً فيما نحن فيه حيث أنّ المانعين والقائلين بحرمة التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) يؤكّدون علي التبرع بالدم بدلاً من التطبير. وأما جرح الرأس الذي قد يذكره البعض عنواناً للضرر الذي يلحق الإنسان فأقول إنّ مثل هذا الضرر وأشدّ منه قد أجازه الفقهاء ما دام لا يؤدي إلي شلل في أحد أعضاء البدن ولا يكون سبباً لقطع تلكم الأعضاء أو فسادها ولا يفقد الإنسان قدرة من قدراته أو حاسة من حواسه ولا يصيبه بداء عضال أو مرضٍ مزمنٍ يقعده عن الحركة والعمل. إذ أجازوا ممارسة الرياضات العنيفة مثل المصارعة والملاكمة والجودو والكراتيه الكونكفو وغيرها مع ما تسببه من الآلام الشديدة والجراحات والرضوض والكسور غير البالغة بل أجازوا ما هو الأكثر من ذلك في التدريبات العسكرية لأجل تهيئة الجيوش وإعدادها للدفاع وقت الحاجة عن الدين أو الوطن أو النفس أو المصالح المهمة. ولا ننسي أيضاً المخاطر القويّة والأضرار الشديدة المحتملة لسباق الخيول والدّراجات البخارية والسيارات والزوارق السريعة والتزلّج في المناطق الخطرة مع القفز من الارتفاعات العالية إلي غير ذلك من فنون رياضات هذا العصر وجنونه.وإننا لنستغرب أشدّ الاستغراب إذ أنّ القائلين بحرمة التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام) ومنعه يجيزون ما تقدّم من ضررٍ مذكور في الألعاب الرياضية وغيرها ويعتبرون أنفسهم في ذلك ممّن يواكبون العصر ويشجّعون الرياضة و و و... إلي غير ذلك. ولكن ما إن يصل الكلام إلي الشعائر الحسينية والتطبير علي ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلا كان وكان..ومع كل هذا الكلام والتنظير فإنّ الواقع العملي يشهد بعدم ترتب أي ضررٍ علي المشتركين في مواكب التطبير الحسيني ولا أظنّ أنّ ذا وجدانٍ ينكر ذلك. ورحم الله شيخنا مرجع الطائفة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء إذ يقول في كتابه (الآيات البينات): (فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كلّ سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر ولا سمعنا به في الغابرين). وحتي لو سلّمنا رغم ما تقدّم من كلامٍ بوجود ضررٍ يلحق الإنسان نتيجة التطبير فلا يكون هذا دليلاً كافياً أو ملاكاً تاماً للتحريم والمنع، إذ متي حرّمت الشريعة كلّ عملٍ يسبّب الضرر للإنسان ابتداءاً من الخدشة الصغيرة وانتهاءاً بالموت أو القتل بأبشع صورةٍ وأوحشها وما يقع بين هذين من مراتب كثيرةٍ للضرر والإضرار بالنفس؟! فلا يخفي علي أهل الفقه والدين والعقل من أنّ الضرر بل الإضرار في الأمور الراجحة عموماً والواجبة خصوصاً في نظر الشرع أو العقل أو العرف الصحيح قد يكون واجباً بدرجةٍ لا تقبل الترك أما من جهة الشرع أو من جهة العقل، وقد يكون بدرجة ممدوحةٍ وحسنةٍ في نظر العقل والعرف الصحيح أو مستحبة ومندوبة في نظر الفقه والشريعة ولكن بشرط أن يكون مقدار الضرر مناسباً للقصد والهدف وأهميتهما ابتداءاً من الخدشة وانتهاءاً بالقتل الفظيع. بل إنّ الحقيقة أنّ الإنسان في اغلب حالاته الدينية والدنيوية أن لم يكن في جميعها في معرض إلحاق الضرر بالنفس علي اختلاف مراتبه أو ليس أفضل الأعمال أحمزها؟! أي أشدّها وأشقّها. وأنّ الثواب علي قدر المشقة. هكذا علّمنا نبينا وأئمتنا (صلي الله عليه وعليهم أجمعين).ولذا تعلو درجات العباد بقدر ما يلقون من أذيً وعنت في سبيل الله ولعلّ الجهاد والمرابطة في سبيل الله من أوضح مصاديق إلحاق الضرر الشديد بالنفس فيكون واجباً في أحيان لا يجوز تركه ويكون مستحباً في أحيان أخري له الأولوية علي كل عملٍ آخر. وهكذا فإن السعي للوقوف بوجه الظالمين وطلب إصلاح المجتمع وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض درجاته ونشر دين الله كلّ ذلك وغيره يستلزم إلحاق الضرر الشديد بل الهلاك أي الموت في بعض المراتب والدرجات. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فالذهاب إلي الحج والي زيارة المعصومين (عليهم السلام) مشياً علي الأقدام وتجشم المتاعب الصعبة والمعاناة الشديدة في تلكم الأسفار البعيدة ممّا حثّت وأكّدت عليه شريعة الله. ويضاف إلي ذلك ما يلقاه الإنسان من أذيً وما يلحقه من ضرر سواء في أسفار التجارة والكسب والمعاش أو في ما يلقاه من أذيً في مختلف أنواع المهن والحرف خصوصاً في زماننا هذا حيث نري أنّ الكثير من المؤسسات الصناعية والإنشائية تعطي للعاملين فيها مقداراً من المال زيادة علي أجورهم ورواتبهم بسبب ما يلقونه من ضررٍ يومي يؤثر علي أوضاعهم الصحية وقواهم البدنية بشكل مباشر إلي غير ذلك من:أضرار استعمال الأدوية المختلفة لعلاج الأمراض،وأضرار إجراء العمليات الجراحية،وأضرار تلوث البيئة والعيش في المدن الملوّثة،وأضرار كثرة المواد الكيمياوية التي أخذت تدخل في كل جزء من أجزاء طعامنا الحيواني والنباتي، وأضرار الأصوات والتلوث الصوتي علي المخ والقلب والجهاز العصبي، وأضرار التدخين واستعمال الأدوية المهدّئة، وأضرار كثرة الأكل والإكثار من الدهون والسكريات المصنوعة، وأضرار الأشعة والأمواج المختلفة الصادرة من كل أجهزة الاتصالات والطباعة والمعلومات المرئية منها وغير المرئية، وأضرار الألعاب الرياضية علي اختلاف أنواعها [9] ، وأضرار التجارب العلمية في المختبرات...... إلي غير ذلك من أنواع الأضرار التي تحيط بنا ونسعي إليها بأنفسنا ونبذل الأموال في أحيان كثيرة لاجل الوصول إليها.وإني لأعجب أن يقول البعض بحرمة التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام) من جهة ضرره الصحي ويتمادي في ذلك ولم ينبسّ ببنت شفةٍ عن ضرر التدخين بل نجده من المدمنين علي التدخين الثقيل مع أننا وكل الناس يعلمون مدي ضرر التدخين علي الصحة وغيرها، إذ أنّ التدخين:1- يعود بالضرر الكبير علي نفس المدخّن بما يسببه التدخين من أمراض خطيرة كما يشهد بذلك علم الطب أو ما يؤدي إلي استفحال أمراض موجودة وعدم التمكن من علاجها وقد ثبت ذلك علمياً وعملياً في حياتنا اليومية.2- يسبب الأضرار والمشاكل الصحية لمن يجالسون المدخّن ويكونون علي مقربة منه.3- يؤدي إلي تلوث البيئة والتي يعمّ ضررها علي الكل.4- يكون سبباً لهدر الأموال الكثيرة وتحويلها إلي دخان وأوساخ.5- يعود بالمنافع الكثيرة علي شركات التدخين وعلي شركات صناعة الخمور وذلك لاستعمال مصانع التدخين لكميات كبيرة جداً من الخمور في صناعة السجاير كما تشهد بذلك التقارير العلمية الصحيحة عن صناعة الدخان. علماً أنّ منافع هذه الشركات تصبّ في جيوب أعداء الإسلام.6- حينما يشربه الكبار يقلّدهم الصغار والذي قد يفتح أمامهم أبواباً لخصال سيئة أخري.7- قد يكون التدخين في بعض الأحيان سبباً ومقدّمة للاعتياد علي المخدّرات القاتلة للإنسانية بكل معناها والمدمّرة للشعوب والمجتمعات. ومع كل ذلك نري أنّ المانعين للتطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام) لضرره الصحي إما أن يكونوا هم أنفسهم من المدّخنين بل من المتأنّقين في اختيار أفضل أنواع السجاير وتبوغ الغليون (pipe) المعطّرة والمنقوعة في الكحول، أو من القائلين بإباحته وجوازه. فأين الإنصاف يا تري؟التدخين بكلّ ضرره القطعي هذا لا يعارضه أحد وحتي لو عارضوه فإنّ تلك المعارضة لا تشكّل نسبة 1% مما أبدوه ويبدونه في معارضتهم للتطبير حزناً وجزعاً علي الحسين المظلوم (عليه السلام)!ولكن ماذا نقول؟ومن عجب الدنيا حكيم مصفر وأعمـــش كحّال وأعمي منجّمومخلص القول فإنّ الضرر الممنوع والمحرّم في الشريعة الإسلامية هو:أولاً ـ الضرر الذي ليس له من قصدٍ ولا هدف ولا غايةٍ سوي الإضرار بالنفس فحسب كالقاصد للانتحار أو لقطع عضو من أعضائه من دون منفعة أو دفع مفسدة إلي غير ذلك.ثانياً ـ الضرر الذي لا هدف له وإنما يكون اعتباطاً وسرفاً وبطراً.ثالثاً ـ الضرر الزائد علي النسبة المطلوبة من الضرر في بعض الأمور الراجحة التي تستلزم مقداراً من الضرر فيسبّب الإنسان لنفسه أكثر من الضرر الذي لابدّ منه مع قصد العمد في زيادة الضرر أو مع عدم الاحتياط والتحرز بعد أن كان الإنسان عالماً بحصول الضرر الزائد أو باحتمال حصوله [10] .والتطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) مع أنّه لا ضرر فيه يعتدّ به وهذا ثابت بشكل عمليّ وقطعي يعرفه كل الشيعة وأرباب المواكب والعزاء الحسيني. ومع ذلك فحتي لو افترضنا وجود الضرر فيه فإنّه لا يندرج بأي وجه من الوجوه تحت أي واحدٍ من هذه الأنواع الثلاثة المحرّمة. ولا يوجد نوع رابع من الإضرار أو الضرر المحرّم.ولا أواصل الحديث أكثر من هذا إلا أنني أذكر دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يناجي ربّه سبحانه وتعالي في سجوده حيث يدعو لتلك الوجوه التي تضررت بحرارة الشمس لأجل حسين العقيدة والمبادئ (صلوات الله عليه) يقول:(فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس) [11] .ثالثاً: إنّ التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه سلام) يكون سبباً لتوهين المذهب!!!.وقد عللّ المانعون والقائلون بحرمة التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) أنّ السبب الرئيس في التحريم هو ما يسبّبه التطبير الحسينيّ من توهين للمذهب وذلك:1- أنّ التطبير خرافة.2- أنّه ظاهرة متخلّفة وهمجية تكون سبباً لأن يستهزئ بنا الآخرون.أما كون التطبير خرافة:فما هو معني الخرافة؟ [12] .كلّ ما هو غير حقيقي يمكننا أن نصفه بالخرافة فلو اعتقدنا بوجود شيءٍ لا وجود له حقيقة فهو اعتقاد خرافي ولو تحدّثنا عن شيء لا وجود له حقيقة وأخبرنا عنه أنواعاً من الأخبار ووصفناه بشتي الأوصاف فذلك حديث خرافي. أمّا أين يقع التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) من ذلك؟ فالقضية التي بين أيدينا مركّبة من ثلاثة أشياء:مصاب الحسين (عليه السلام)، والحزن والجزع عليه بحسب ما أمرت وأوصت به النصوص الشريفة، والتطبير الذي هو مظهر أو تعبير عمليّ عن ذلك الحزن والجزع المقدّسين. والثلاثة هذه كلها حقيقة موجودة في الواقع الخارجي فأين الخرافة التي لا وجود لها بيننا؟!اللهم إلاّ أن يقول القائل بأنّ الخرافة هي أن نعتقد بأنّ التطبير جزء من الدين ولاقائل بذلك أبداً إنما التطبير كما يعرفه الخاص والعام وسيلة تعبيرية عن الحزن والجزع اللذين أمرت بهما شريعة الله ودينه علي لسان أوليائه وحججه صلوات الله عليهم أجمعين.فما معني وصف التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) بالخرافة إذن؟!أليس الأولي أن نصف مثل هذه الكلام بالخرافة؟لأنه تحدّث عن معنيً وحكم عليه بشيء لا وجود له أصلاً وليس فيه أبداً. والحقيقة أنّ هذا الكلام هو الخرافة بعينها.ومع ذلك أعود فأقول: إنّ أحسن المحامل هو أن نصف هذه الأقوال بالتسرّع وعدم الدقة والتمحيص.هذا بالنسبة للخرافة. أمّا كون التطبير الحسيني ظاهرة تخلّف وهمجيةٍ تكون سبباً للاستهزاء والسخرية بنا وبمذهبنا من قبل الآخرين فهذا ما سيكون الكلام عنه الآن.أمّا أوّلاً - ما هي الهمجية أو التخلف الذي يفعله أهل مواكب التطبير؟هل يعتدون علي أحدٍ من الناس بشتمٍ أو ضربٍ أو جرح؟هل قتلوا أحداً من الجماهير التي تجتمع لمشاركتهم العزاء أو أرعبوا أحداً وأخافوه واستلبوا أمنه؟هل عذّبوا أحداً بصنوف العذاب كما يفعل من يفعل مع ادّعاءات عريضة كبيرة؟ هل أخربوا داراً أو صادروا مالاً أو غصبوا حقاً؟هل فعلوا فساداً أو فاحشةً حينما يلبسون أكفانهم البيضاء وترتفع أصواتهم: ياحسين.. ياحسين؟هل خرجوا إلي الشوارع يثيرون الشهوات والمفاسد والمنكرات؟وهل.. وهل.. وهل..فأين هي الهمجية ياتري؟أناس يعبّرون عن حزنهم علي إمامهم المظلوم ويناجونه من كل قلوبهم مخاطبين له:(حتي نكّسوك عن جوادك، فهويت إلي الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، اختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفياً إلي رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شارداً إلي خيامك قاصداً محمحماً باكياً) [13] .وأمّا ثانياً ـ فمن هم الذين يستهزؤن بنا؟ وما قدرهم؟ وما قيمة استهزائهم؟ ثم ما هو الجديد في الأمر؟ إذ أنّ أعداء الله مذ كانوا فهم يسخرون من ديننا، وعقيدتنا، وفقهنا، وأحكامنا، وعباداتنا، ومناسكنا، وآدابنا، وأعرافنا، وتأريخنا، ولا يقّرون بأي جميلٍ لنا. وهذا قرآننا يصدع في أسماعنا بأنّ كلّ الرسل والأنبياء السابقين (عليه السلام) كانوا معرض استهزاء وسخريةٍ من قبل أعدائهم وأقوامهم فما كان منهم إلاّ الثبات والإصرار وما كانوا يعبئون بكل ذلك ما داموا علي الحقّ والهدي وكذاك نبيّنا الأعظم وأئمتنا الأطهار صلوات الله عليه وعليهم لقوا ما لقوا في هذا السبيل مّما هو أشدّ وأعظم من الذي لقيه الأنبياء والأوصياء السابقون (عليهم السلام) أو ليس المصطفي (صلي الله عليه وآله) هو الذي يقول: (ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت) ولذا فإني لا أردّ بشيءٍ علي المتحججين باستهزاء وسخرية الآخرين وانّما أستنير بكتاب الله في ردّهم ومناقشتهم:1- (زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا، والذين اتّقوا فوقهم يوم القيامة).[سورة البقرة: الآية 212].2- (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين. وإذا ناديتم إلي الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).[سورة المائدة: الآيتان 57 و 58].3- (فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون).[سورة الإنعام: الآية 5].4- (ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة الإنعام: الآية 10].5- (ولئن أخّرنا عنهم العذاب إلي أمّة معدودة ليقولنّ ما يحبسه، ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة هود: الآية 8].6- (ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه، قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون).[سورة هود: الآية 38].7- (ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب).[سورة الرعد: الآية 32].8- (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين. وما يأتيهم من رسولٍ إلاّ كانوا به يستهزءون).[سورة الحجر: الآيتان10 و 11].9- (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة النحل: الآية 34].10- (وما نرسل المرسلين إلاّ مبشّرين ومنذرين، ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحقّ، واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا).[سورة الكهف: الآية 56].11- (ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا واتّخذوا آياتي ورسلي هزوا).[سورة الكهف: الآية 106].12- (وإذا رآك الذين كفروا إن يتّخذونك إلاّ هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون).[سورة الأنبياء: الآية 36].13- (ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة الأنبياء: الآية 41].14- (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربّنا آمنّا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. فاتّخذتموهم سخريّاً حتي أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون. إنّي جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون).[سورة المؤمنون: الآيات 109 و 110 و 111].15- (وإذا رأوك إن يتّخذونك إلاّ هزواً أهذا الذي بعث الله رسولا).[سورة الفرقان: الآية 41].16- (وما يأتيهم من ذكرٍ من الرحمن محدث إلاّ كانوا عنه معرضين. فقد كذّبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون).[سورة الشعراء: الآيتان 5 و6].17- (ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوأي أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون).[سورة الروم: الآية 10].18- (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً، أولئك لهم عذاب مهين).[سورة لقمان: الآية 6].19- (يا حسرةً علي العباد ما يأتيهم من رسولٍ إلاّ كانوا به يستهزءون).[سورة يس: الآية 30].20- (بل عجبت ويسخرون. وإذا ذكّروا لا يذكرون. وإذا رأوا آية يستسخرون).[سورة الصّافّات: الآيات 12 و 13 و 14].21- (وقالوا مالنا لانري رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار. أتّخذناهم سخريّاً أم زاغت عنهم الأبصار).[سورة ص: الآيتان 62 و 63].22- (وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة الزمر:الآية 48].23- (واتّبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وانتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرّطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين).[سورة الزمر:الآيتان 55 و 56].24- (فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة غافر: الآية 83].25- (وكم أرسلنا من نبيّ في الأوّلين. وما يأتيهم من نبيّ إلاّ كانوا به يستهزءون).[سورة الزخرف: الآيتان 6 و 7].26- (ولقد أرسلنا موسي بآياتنا إلي فرعون وملإه فقال إني رسول ربّ العالمين. فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون).[سورة الزخرف: الآيتان 46 و 47].27- (وإذا علم من آياتنا شيئاً اتّخذها هزواً، أولئك لهم عذاب مهين).[سورة الجاثية: الآية 9].28- (وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة الجاثية: الآية 33].29- (ذلكم بأنّكم اتّخذتم آيات الله هزواً وغرّتكم الحياة الدنيا، فاليوم لا يخرجون منها ولاهم يستعتبون).[سورة الجاثية: الآية 35].30- (إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون).[سورة الأحقاف: الآية 26].31- (أفمن هذا الحديث تعجبون. وتضحكون ولا تبكون).[سورة النجم: الآيتان 59 و 60].32- وختام ما نذكره من كلام الله سبحانه وتعالي هو آيتان من سورة المطفّفين:أُولاهما: (إنّ الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون).[سورة المطففين: الآية 29].وأُخرهما فيها حديث العاقبة حين تقوم الساعة:(فاليوم الذين آمنوا من الكفّار يضحكون).[سورة المطففين: الآية 34].وبعد ذكر هذا الحشد المتظافر المبارك من الآيات القرآنية الكريمة، وقبل كلّ شيء لابدّ أن أنّبه إلي أنني لا أريد الاستدلال بهذه الآيات المباركة بخصوص مسألة التطبير بنحو خاص وإنّما كان الغرض من ذكرها:أولاً - تذكرةً وتنبيهاً إلي أنّ الاستهزاء والسخرية من الأمور التي واجهت كلّ أنبياء الله ورسله وأوصيائهم (عليهم السلام) وكذلك أتباعهم فيما مضي من الزمان وفيما حضر وفيما يأتي.ثانيا- نلاحظ أنّ القرآن الكريم قد حدّثنا وأخبرنا في آياته السابقة الذكر بأنّ الاستهزاء والسخرية قد طال خاتم الأنبياء (صلي الله عليه وآله) ومن سبقه من الرسل (عليهم السلام) وكان موجّهاً ومصبوباً علي الذين آمنوا وعلي دينهم وعلي صلاتهم وعلي قرآنهم وعلي آيات الله وأمر الله وجنب الله وعلي كلّ ما يمتّ للدين والعقيدة والعبادة والأحكام الشرعية بصلة من قريب أو من بعيد.ثالثاً- بيّن لنا كتاب الله العزيز ما هو الموقف الشرعي الذي يريده الله سبحانه وتعالي منّا إزاء هذه السخرية وهذا الاستهزاء؟ وذلك في مواضع من الكتاب الكريم:1- (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديثٍ غيره، إنّكم إذاً مثلهم، إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً).[سورة النساء: الآية 140].2- (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين).[سورة المائدة: الآية 57].3- (ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذيً كثيراً، وان تصبروا وتتّقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور).[سورة آل عمران: الآية 186].4- (وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).[سورة الفرقان: الآية 63].5- (ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه، قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون).[سورة هود: الآية 38].فنري أنّ قراننا العزيز ينهانا عن الحضور في مجالس المستهزئين ويأمرنا بألاّ نتخذهم أولياء ونلقي إليهم بالمودة ويوصينا بالصبر والثبات في مواجهة أذاهم وسخريتهم واستهزائهم. بل يحدثنا عن حالة من السمو النفسي في وصفه لعباد الرحمن بأنهم لا يعبئون بهم علي أية حال ولا يرون لهم ولا لاستهزائهم من قيمة أبداً: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). وفي آية أخري يرسم لنا كتابنا العزيز أسوة حسنة في قصة نوح (عليه السلام): (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).فهذا كتاب الله وهذه آياته التي لا نجد فيها موضعاً يعطي للإنسان المؤمن عذراً أو مجالاً أن يلغي بسبب الاستهزاء والسخرية من قبل الآخرين ما هو شيء صحيح في نفسه وان يحرّم ما هو جائز بل راجح في الشريعة المقدّسة. ولإشباع المبحث وتوضيح الصورة فإني سأورد بعضاً من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن القضية الحسينية بنحوٍ خاص وتتناول مسألة الاستهزاء والسخرية، وما يجب أن يكون عليه الشيعي في مواجهة ذلك:1- عن النبي (صلي الله عليه وآله) مخاطباً أمير المؤمنين علياً عليه أفضل الصلاة والسلام: (فابشر وبشّر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا أنالهم الله بشفاعتي ولا يردون حوضي) [14] .2- (عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما ألقي من قومي ومن بنيّ إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين (عليه السلام) من الخير إنّهم يكذّبوني ويقولون: إنّك تكذب علي جعفر بن محمد! قال: ياذريح دع الناس يذهبون حيث شاؤوا، والله إنّ الله ليباهي بزائر الحسين بن علي، والوافد يفده الملائكة المقرّبين وحملة عرشه......) [15] .3_ من دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) في سجوده لزوار جدّه الحسين صلوات الله عليه: (اللهم يا من خصّنا بالكرامة.... اغفر لي ولأخواني وزوار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبةً في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه علي نبيك، وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه علي عدوّنا، أرادوا بذلك رضاك.... اللهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم علي من خالفنا....) [16] .4- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهذؤنهم ويقبّحون ما يصنعون) [17] .يهذؤنهم: يؤذونهم ويسمعونهم ما يكرهون.5- من حديث قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: (قال علي بن الحسين (عليهما السلام): بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً علي محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب علي هذه الأمة من حقنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل [18] بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر....) [19] .أما وقد ذكرنا هذه الكلمات القدسية الشريفة فلا بدّ أن أقول: إنّ اللسان المطابقي بوجهٍ إجمالي لهذه الروايات والأحاديث التي ذكرت هو زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) وما يلقاه أولياء أهل البيت (عليهم السلام) من استهزاء وسخرية بسببها؛ لذلك فإني لا أريد الاستدلال بها أو الاستفادة منها في الذي نحن فيه من حاقّ هذه الجهة بما هي وإنما يكون تقرير الكلام وتقرير الاستدلال ووجه الاستفادة هكذا:أولاً- إنّ الناظر في كلّ الروايات والأحاديث التي وردت بخصوص القضية الحسينية ومن جميع الجهات يقطع قطعاً حقيقياً تاماً من أنّ النبي الأعظم والزهراء البتول والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم جميعا)ً لا يرومون إلاّ إحياء الأمر الحسيني والفكر الحسيني والموقف الحسيني وبعبارة أشمل القضية الحسينية بكلّ أبعادها والزيارة أحد أهم مصاديق إحياء القضية الحسينية وابقاء شعلتها متوهجة في النفوس والأرواح والعقول والقلوب لذا فإنّ الموقف الشرعي من سخرية الآخرين واستهزائهم بسببها هو عينه الموقف الشرعي من السخرية والاستهزاء بأي مصداق آخر من مصاديق إحياء الذكر الحسيني والقضية الحسينية. والتطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام) هو أحد هذه المصاديق التي تذكّرنا بالواقعة الدموية بما فيها من طهارة التضحية والإباء ونجاسة الخبث والحقارة ولؤم النفاق والكفر وعلي هذا فلا بدّ أن يكون الموقف الشرعي من الاستهزاء والسخرية من التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) هو نفس الموقف الذي ذكرته هذه الروايات الشريفة وهو واضح لا غبار عليه ولا يخفي علي ذي عينين.ثانياً- لابدّ من الالتفات إلي أن الأحاديث المذكورة وإن ركّزت بشكل واضح علي الزيارة الحسينية ألاّ أنها لم تغفل ذكر إحياء الأمر الحسيني والقضية الحسينية بنحو عام أي بكلّ مصاديق إحيائها. وإنّ في الرواية الخامسة التي تقدّم ذكر بعضها في المتن وذكر تمامها في الحاشية ما يشهد علي ذلك حيث يحدّث إمامنا السجاد (عليه السلام) صاحبه زائدة عن قول عمته العقلية سلام الله عليها: (فو الله إنّ ذلك لعهد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ من هذه الأمّة.... ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه علي كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّا) [20] .زُبدة القول:إنّ ما استند إليه المانعون والقائلون بالتحريم للتطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) في كلّ ما قالوه وأفتوا به هو هذه الأمور الثلاثة: (كون التطبير بدعة، وأنه يلحق الضرر بالإنسان، ويكون سببا لتوهين المذهب)، ولا رابع لها. وقد رأيت أيها المنصف أنّها لا تثبت للمناقشة، لوهنها وضعفها ومخالفتها لقول الحقّ لذا فهي لا يمكن أن تكون أساساً أو مستنداً أو ملاكاً تامّاً لصدور فتوي شرعيةٍ صحيحة بأي وجهٍ من الوجوه وعلي هذا فإنّ ما توهّموه دليلاً ما هو إلاّ جُزاف من القول لا قيمة له في سوق العلم والتحقيق! (قل كلّ يعمل علي شاكلته، فربّكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا) [21] .

كلمات هزيلة

كلمات هزيلة.. عنوان مناسب جداً لما يتفوّه به البعض ممّن يتصوّرون أنهم علي حظّ من الثقافة والمعلومات وهم في الحقيقة لا يعدّون من أنصاف المثقّفين ولا من أرباعهم ولا حتي من أعشارهم في سوق الثقافة السليمة وميزانها العادل. وقد يلقلق بها البعض من دون دراية لأنها وضعت علي ألسنتهم كي يشيعوها ويذيعوها لمقاصد معينة. وعلي أية حال فإني لا أريد أن أطيل الوقوف عند هذه الكلمات الواهية والتي لم يضعها نفس المانعين للتطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) والقائلين بحرمته في نظر الاعتبار لكونها أوهي وأوهن من بيت العنكبوت. إلاّ أنني سأستعرضها بنحوٍ سريع لئلا يبقي شيء ولو كان واهناً لم تتم الإشارة إليه. كي لا يقال بأنّ البحث لم يكن محيطاً بكلّ الجزئيات والمسائل التي تمتّ بصلة إلي موضوعه قريبةً كانت أو بعيدة.والكلمات الهزيلة هذه هي:1- إنّ أكثر روّاد مواكب التطبير الحسيني والمشاركين فيها ممن لا يلتزمون بأحكام الشريعة وواجباتها.2- هناك من ينفث سمومه في آذان بعض السذّج والبسطاء من الناس:إنّ السفارات الأجنبية هي التي تقف وراء مواكب التطبير وتمدّها بالدعم المادي.3- إنّ مواكب التطبير لم تكن في عهد الأئمة (عليهم السلام) و زمانهم.أمّا الردّ علي هذه الكلمات فسيكون موجزاً:أوّلاَ - قولهم إنّ أكثر المشتركين في مواكب التطبير الحسيني ممن لا يلتزمون بأحكام الشريعة وواجباتها. فهذا لا يعني مع فرض صحته بالكامل ومع فرض انطباقه علي جميع المواكب أن نمنع التطبير وأن نقف منه موقف المعادي. لأنه إذا كانت القاعدة أنّ كل عمل صحيح يمارسه جمع كثير ممّن يسيئون التصرف في أعمال أخري لابدّ من منعه والوقوف ضدّه فهذا سينجرّ علي كلّ ما هو جميل وصحيح في حياة الناس وبالتالي يؤدي بنا إلي الإفساد لا إلي الإصلاح.فهل أن المصلّين - لا أقول كلّهم - بل أكثرهم ممّن تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر؟إذ أنّ الواقع العملي في حياة المسلمين يشهد علي أنّ أكثر المصلّين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر بل إنّ أكثر المصلّين لا يؤدّون صلاتهم بنحو صحيح وبحدودها الشرعية والفقهية كما أمرت بها السّنة الشريفة.فهل ذلك يعني أن نمنع الصلاة أو أن نقف منها موقف الرافضين؟ وهكذا الصوم.. وهكذا الحج إذ ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج.. إلي غير ذلك من الأعمال الحسنة الصحيحة الدينية منها أو الدنيوية.ثانياً- ما ينفثه البعض هنا وهناك من أنّ السفارات الأجنبية هي التي تشجّع مواكب التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) فهو من سخيف القول وسخافة القائل وخبثه وأسخف منه عقلاً من يصدّق به. إذ أنّ التأريخ يشهد والكلّ يعلم أنّه منذ واقعة الطفّ الأليمة والي يومنا هذا ما وقف بوجه القضية الحسينية وما حارب ومنع الشعائر الحسينية إلاّ الطغاة والظلمة والجبابرة علي مرّ التأريخ. وكانت مواقفهم هذه خصوصاً في زمان تحكّم السفارات الأجنبية ببلادنا الإسلامية بشكلٍ مباشر أو بشكل غير مباشر تحظي بدعم وتأييدٍ من تلك السفارات ودولها إذ يبدأ إعلام دول تلكم السفارات يتحدّث عن تقدّمية أولئك الحكام ومواكبتهم للعصر الحديث ما إن يباشروا منع الشعائر الحسينية وأول شيء يباشرون به والتجربة شاهدة علي ذلك منع مواكب التطبير الحسيني. ثم متي كانت مصالح السفارات الأجنبية في تركيز وتثبيت علاقة المجتمع الشيعي بالقضية الحسينية والتي من أحد أسبابها المهمة والرئيسة إقامة الشعائر الحسينية ونشرها في الوسط الاجتماعي بقوةٍ واهتمام؟!ولا أظنّ أنّ الأمر يحتاج إلي أكثر من هذا البيان؛ إذ الشمس لا تحجب بغربال. ولا أملك جواباً للذين كانوا السبب في إذاعة مثل هذه الأكاذيب الرخيصة إلاّ ما جاء في المثل العربي المعروف.(رمتني بدائها وانسلّت)ثالثاً- ما يقال من أنّ مواكب التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) لم تكن في عهد الأئمة (عليهم السلام) وزمانهم. نعم مواكب التطبير الحسيني بهذه الهيئة المعروفة في زماننا هذا لم تكن موجودة في زمان الأئمة (عليهم السلام) وكذلك سائر الشعائر الحسينية الجماهيرية من مواكب علي اختلاف أنواعها، ومسيرات عزائية لم تكن هي الأخري موجودة أيضاً لسبب واضح ومعروف هو التقية الشديدة التي كان يعيشها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وأشياعهم. أما الأصول النظرية لهذه المواكب من دون تحديد لهيئةٍ معيّنة لها فهذا ما تظافرت به النصوص عن المعصومين (عليهم السلام) من بكاء، وإبكاء، وإظهار حزن وجزع علي سيد الشهداء (صلوات الله عليه)، وتأكيدٍ علي زيارته، وذكر مصيبته علي كلّ حال حتي عند شربنا للماء مع لعن أعدائه وقتلته لعنة الله عليهم جميعاً، والبراءة منهم ومن أفعالهم، إلي غير ذلك من الأمور التي لها مدخلية مباشرة أو غير مباشرة في إحياء القضية الحسينية وإنماء اتقادها وتوهجها في العقول والقلوب. مضافاً إلي كلّ ذلك ما صدر بنحو عملي من جزعٍ، وإدماءٍ عن أهل البيت (عليهم السلام)، من البكاء دماً، وخمش الوجوه، إلي نطح الرأس وضربه وإدمائه، وغير ذلك مما ستري تفصيله في ما يأتي من هذا الكتاب الذي بين يديك. علماً أنّ أحاديث المعصومين (عليهم السلام) ووصاياهم لم تحدّد لنا طريقة التعبير عن الحزن علي سيد الشهداء (عليه السلام) ولم تجعل الأمر توقيفيّاً علي نحو معيّن أو كيفية مخصوصة بل فتحت الباب بتأكيد معني الجزع واستحبابه واستحباب إظهاره علي أبي عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه). وما التطبير إلاّ مصداق من مصاديق إظهار الجزع والحزن لأجل هذه المصيبة العظمي والرزية الكبري.

التبرع بالدم هل هو بديل افضل؟

يطرح البعض التبرع بالدم لأجل إعانة مريضٍ في إشفائه أو ربما في إنقاذ حياته بديلاً عن مواكب التطبير الحسيني. ونحن هنا لا نريد التشكيك في ما وراء هذا الكلام كما يذهب آخرون إلي ذلك وربما صدقوا في شكوكهم وربما لم يصدقوا. لا شأن لنا بذلك. ولا نريد الاعتراض عليهم للجدل بما هو جدل؛ فنقول لهم: إن كنتم تقولون بأنّ التطبير الحسيني بدعة ولا دليل عليه كما تدّعون، فإنّ التبرع بالدم كذلك بدعة ولا دليل من الكتاب أو السنة ينصّ عليه، وهذا الكلام وارد جداً في النقاش مع القطع بأنهم لا يملكون رداً علي ذلك. لكننا نريد مناقشة الموضوع للوصول إلي حقيقة الأمر التي يطلبها كل منصفٍ وعاقلٍ سويّ. لذا سأجمع شتات كلامي في عدة نقاطٍ مهمة لأجل إيضاح المطلب بأسلوب مناسب: [22] .الأساس الذي يتبنّاه الذين طرحوا التبرع بالدم بديلاً عن التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) هو:أ- إنّ التطبير فيه إهدار لكميةٍ لا بأس بها من الدماء، والتبرع بها يكون مانعاً لهذا الإهدار وسبباً للاستفادة منها في المستشفيات العامة.ب - التبرّع بالدم قيمة حضارية.فأقول: ما المراد من الإهدار أو الإسراف؟ أهكذا يلقي الكلام علي عواهنه من دون تدبّر وفهم وإدراك؟!الإهدار والإسراف الذي ترفضه شريعتنا و تحرّمه ويرفضه العقل قطعاً ويأباه هو بذل ما له قيمة من دون تحصيل أيّ فائدة ومنفعةٍ مقصودة. ولا تنحصر المنافع والفوائد في المادّيات فحسب إذ أنّ باب المنافع والمقاصد المعنوية أوسع بكثير من باب الماديات خصوصاً في حياة أهل الإيمان والتديّن بدين محمّد وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. فكيف يكون الدّم النازف من رؤوس المعزّين والمحزونين لأجل غريب فاطمة وشهيدها المظلوم صلوات الله عليهما يذهب هدراً من دون قيمةٍ معنوية تتناسب ومعنوية المقام الحسيني المحمود ولا أظنّ أنّ أحداً من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ممّن يديمون الاشتراك والحضور في مواكب التطبير الحسيني ينكر الفائدة المعنوية التي يتحسسها في أعماق وجدانه. نعم ربما يأتي كاتب أو صحفي أو مصور أو مراسل أخبار أو من أولئك الذين يحسبون أنفسهم أوصياء علي الناس فيجلسون بين جدران أربع بعيدين عن واقع الحياة ووجدان أبناء مجتمعهم فيقولون بأننا لا نري لمواكب التطبير من فائدة، من دون أن يتذوقوا ما تذوقه الآخرون الممارسون والقريبون من الأمر......ذق مــــــــا أذوق وبعده قل ما تشاء من الفضولومن هنا فإنّ نزف مقدارٍ من الدماء لأجل ترسيخ قيمةٍ معنوية لا يدرك قدرها إلا الله تعالي وخاصة أوليائه صلوات الله عليهم الذين منّ عليهم بعلمه وحكمته كيف يكون هدراً و إسرافاً؟!ومع كلّ ذلك فإننا إذا نظرنا بدقةٍ لوجدنا أن احتمال الإهدار والإسراف في التبرع بالدم أكثر من إهدار الدم في مواكب التطبير الحسيني لو أردنا أن ننكر القيمة المعنوية وآثارها النفسية السامية في نفوس أهل العزاء والمشاركين لهم.وذلك:أنّ التطبير يكون في يوم عاشوراء وفي وقتٍ محدودٍ ومعينٍ من ذلك اليوم بينما يبقي باب التبرع بالدماء مفتوحاً طيلة أيام السنة:يوم واحد مقابل سنة كاملة فكم ستكون كميات الدم المتبرع بها؟فسيقول قائل: بأنّ هذه الدماء ينتفع منها في اشفاء مريض أو في إنقاذ حياته.فأقول:أ- كل دم يتبرّع به لبنوك الدم أو المستشفيات سيكون فاسداً وغير قابل للاستفادة منه بعد ثلاثة أشهر هذا إذا أن المتبرّع بدمه سليماً من الأمراض والأوبئة وكان دمه صالحاً للخزن والتبريد ولم يفسد خلال الأشهر الثلاثة التي يخزن فيها. وهذا يعني أنّ مقادير كثيرة من الدماء ستذهب هدراً بعد ثلاثة أشهر إن لم يكن قد تمّت الاستفادة منها في المدة المذكورة.ب - قد يتبرّع بدماء كثيرة من فصيلة دمويّة معينة أكثر من القدر الذي يحتاج إليه وبذلك ستذهب هدراً بعد مدة الخزن المعلومة، مضافاً إلي ذلك ما يبذل من أموال وجهود من قبل مؤسسات وبنوك الدم في أدائهم لعملهم هذا سواء في الحفظ والخزن أو في الإتلاف بعد ذلك حين فساد تلك الدماء أو بسبب عدم الحاجة إليها إذ أنّ عملية الإتلاف هي أيضاً بحاجةٍ إلي جهدٍ ومتابعة.ج - ربما يستفاد من هذه الدماء في اشفاء أناس يجرّون الويلات علي مجتمعهم ويكونون سبباً للإجرام والإفساد ويحتمل العكس أيضاً. لكن مع وجود هذا الاحتمال السيئ سيقوي احتمال الإهدار والإسراف في الدماء المتبرّع بها بنحوٍ أكثر من احتمال الإهدار في مواكب التطبير مع غضّ النظر عن الفائدة المعنوية. وكلّ هذا كلام للجدل فقط وإلا فالحقيقة أنّ لا إهدار في التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) إذ الفائدة المقصودة معنوية وبعيدة عن الماديات كلّ البعد. وكذلك بالنسبة للتبرع بالدم لإشفاء مريض أو ربما لإنقاذ حياته فهو وإن كان هناك إهدار بالفعل لكثرة ما يفسد من الدماء من دون استعمال وفائدة أو ما يحتمل من أن يكون إعانة لمجرم أو طاغية يهلك الحرث والنسل لكن كل ذلك لا ينظر إليه بسبب عظيم ما قد يتحقق من فائدة في اشفاء إنسان صالح من مرضه أو إنقاذ حياة آخر ممن يستحق الإنقاذ أو يكون واجباً إنقاذه لا يجوز التخلف عنه ولكن تبقي الأفضلية للتطبير الحسيني في مراسم العزاء العاشورائي جليّةً وهذا ما سيتضح لك بشكلٍ قوي فيما يأتي من السطور. وأضيف إلي ذلك عجبي من هؤلاء الذين يتكلّمون عن الإهدار والإسراف في كمية محدودة من الدم وفي نفس الوقت يرون ما ينفق من أموال كثيرة ومن جهود إنسانية هائلة مع ما يرافق ذلك من احتمال أضرار صحية قوية أثناء التدريب أو أثناء اللعب من المسؤولين الحكوميين علي اختلاف المستويات وصرف لأوقات طويلة وبذل جهود إعلامية هائلة لأجل أن يشترك فريق كرة القدم الوطني في دوري من الدوريات الرياضية حتي وإن لم يصل إلي الفوز ويعدّون ذلك قيمة حضارية إلي غير ذلك مما ينفق من الأموال الطائلة في كثير من المؤتمرات التي لا طائل تحتها أو للتطبيل والتزمير الإعلامي لهذه الشخصية أو تلك مستحقة كانت أم لا أو في المهرجانات السنوية أو المناسبات الوطنية أو لموت قائد أو لإحياء ذكراه وهكذا..... فلا يعدّون ذلك إسرافاً وإهداراً للأموال والأفكار وجهود العاملين والوقت إلي غير ذلك وإنما يعتبرون النتيجة في الحاصل المعنوي والثمرة المعنوية الناتجة من كل ما تقدّم... أمّا حينما يصل الكلام إلي التطبير حزناً وجزعاً علي إمامنا المظلوم الشهيد صلوات الله عليه فيكون ويكون....هذا ما يتعلّق بالإهدار. أما القيمة الحضارية فما هي ياتري؟قطعاً إنّ كلّ عملٍ يساهم في استمرار وتكامل حياة الإنسان بالنحو الأفضل في بعدها المادي أو في بعدها المعنوي أو في البعدين معاً يمكننا أن نصفه بالعمل الحضاري أو أن نعتبره ذا قيمةٍ حضارية. وهذا المعني إذا كان ينطبق علي التبرع بالدم وهو كذلك - إذ لا شك أنّ إشفاء مريض أو ربما إنقاذ حياته عمل حضاري وذو قيمةً حضاريةٍ ممتازة - فهو ينطبق بنحو أقوي ودرجةٍ أشد علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام؛ إذ أنّ ثمرة هذا العمل هو تشديد العُلقة وتعميق الرابطة مع ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو مجمع الفضائل، ومركز الإباء والكرامة، ومحور الإخلاص والتوحيد، وقرآن الله الناطق في خلقه، أبو الأحرار، وركن الإيمان، ومعقل الإسلام.وأيّ ذبـــيح داســــــت الخيل صدره وفـــــرسانــــها مــــن ذكـــره تتجمّدالــــــم تـــدري أنّ روح محـــــــــمدٍ كقــــــرآنه فـــــي سبـــــطه متـجسّدفـــــلو عـــلمت تلــك الخيول كاهلها بـــــأنّ الـــذي تــحـت السنابك أحمدلثـــارت عـــلي فــــرسانها وتمرّدت عـليـــهم كما ثاروا بها وتمرّدوا [23] .ولا يخفي علي أهل الإيمان أنّ حبّ الحسين هو حبّ آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، والذين امرنا أن نخاطبهم:(السلام علي الذين من والاهم فقد والي الله، ومن عاداهم فقد عادي الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ومن تخلّي منهم فقد تخلّي من الله) [24] .فأية قيمة حضارية أسمي من ذلك، وأيّ عملٍ حضاريّ أشرف من عمل يشدّنا إلي الله سبحانه وتعالي، ويأخذنا إلي فناء الحقّ والطهر محمّدٍ وآل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.بعد مناقشة مسألة الإهدار والإسراف ومسألة القيمة الحضارية واتضاح الأمر بشكلٍ جليّ فإني سأجري بين يديك عزيزي القارئ مقارنة سريعة بين التبرّع بالدم والتطبير حزناً وجزعاً علي أبي الأحرار وسيد الشهداء صلوات الله عليه:أ- من جهة أصل شرعيتهما فهما متساويان؛ إذ أنّ التطبير مصداق لإظهار الحزن والجزع علي سيد شباب أهل الجنة عليه السلام. وكذلك فإنّ التبرّع بالدم مصداق لإعانة المحتاج وإغاثة المريض والجريح ومن هو بحاجةٍ إلي مساعدة. وكلا الأمرين ممّا أوصت بهما شريعتنا وأكّدت عليهما تعاليم أهل البيت (عليهم السلام). فيكون عندنا نقطة في كفّة كل واحد منهما.ب - وأمّا من جهة فائدة الاثنين للناس فكلاهما مفيد في بابه إذ التطبير الحسيني معنويّ المنفعة، والتبرّع بالدم ماديّ المنفعة. وبشهادة كلمات المعصومين (عليهم السلام) فإنّ المنفعة المعنوية مقدّمة علي المنفعة المادية وعلي سبيل المثال ما جاء في الرواية المعتبرة الشريفة: (عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عز وجل في كتابه: (ومن أحياها فكأنما أحيي الناس جميعا) [25] قال: من حرقٍ أو غرق. قلت: فمن أخرجها من ضلالٍ إلي هدي؟ قال: ذاك تأويلها الأعظم) [26] .حيث عدّ إمامنا الباقر (عليه السلام) إنقاذ الآخرين من حريقٍ أو من غرق من مصاديق إحياء النفس لكن في جانبها المادي ومبيناً في نفس الوقت بأنّ إخراج الإنسان من ضلالٍ إلي هديً من مصاديق إحياء النفس في جانبها المعنوي بأنّه أعلي درجةً من سابقه حيث قال (عليه السلام): (ذاك تأويلها الأعظم).وهنا لابدّ أن أشير إلي مراتب إحياء النفس المعنوي بنحوٍ إجمالي:أولاً- إخراجها من الضلال الكلي إلي الهدي الكلي، كإخراجها من الكفر إلي الإيمان، ومن الشرك إلي التوحيد.ثانياً- إخراجها من ضلال جزئي إلي هديً جزئي، كإخراجها من اعتقاد فاسدٍ في جانب من جوانب الدين والاعتقاد إلي ما هو الحق والصواب والهدي في ذلك الأمر. وربما يظهر من الرواية التي بين أيدينا أنها تشير إلي هذا المعني وذلك أنها استعملت كلمتي الضلال والهدي في حال تنكيرٍ وتنوين إذ قالت: (من ضلالٍ إلي هديً).ثالثاً- إخراجها من الدرجة المفضولة في عالم الهدي إلي الدرجة الفاضلة ومنها إلي الدرجة الأفضل وهكذا. فذلك أيضاً هو مرتبة من مراتب إحياء النفس وذلك بالتسابق والمسارعة في وإلي أعلي الدرجات والرتب.ولا شكّ فإنّ الازدياد في توثيق وتعميق الرابطة القلبية والمودة العاطفية والتصديق الوجداني والعقلي مع سيد الشهداء صلوات الله عليه هو داخل في النوع الثالث من أنواع إحياء النفس لأنّ ذلك يؤدي إلي الترقي في درجات الإيمان ومراتب القرب من الله سبحانه وتعالي. ولا ريب فإنّ لمواكب التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) تأثيراً في هذا الجانب، لا أقول علي كلّ الناس بل علي الذين يتذوّقون هذا الأسلوب وهذا النحو في التعامل والترابط الذي يتناسب مع مشاربهم النفسية والروحية في علاقتهم بإمامهم و سيدهم صلوات الله عليه، وللناس فيما يعشقون مذاهب. والنتيجة التي نخلص إليها أنّ التطبير الحسيني متفوّق علي التبرع بالدم في هذا الجانب وبنحو واضح جداً. فهذه نقطة أكيدة في كفّة التطبير الحسيني.ج- والأمر الثالث في هذه المقارنة يتفوّق التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) فيه أيضاً علي التبرع بالدم وذلك بالنظر إلي القيمة الشرعية المرتبطة بالقضية الحسينية لكل منهما: فالتطبير يوم عاشوراء يحصل فيه:بكاء إبكاء إظهار للحزن إظهار للجزع إحياء لذكر الحسين (عليه السلام) وثورته وتضحيته ومظلوميته.بينما لا يمكن أن يصدق علي التبرع بالدم في يوم عاشوراء سوي عنوان واحد هو إحياء ذكر الحسين (عليه السلام) وهذا لا يتحقق إلاّ بإشاعة هذا الأمر و توجيه الناس إليه وإقبالهم عليه بهذا العنوان وهو التبرع بالدم في يوم عاشوراء لإحياء ذكر الحسين (عليه السلام) وتركيز معاني التضحية والفضيلة الحسينية. وإلا فإنّ حقيقة الأمر إلي هذا الوقت أن التبرع بالدم ليس محسوباً ولا معدوداً في جملة الشعائر الحسينية إذ لابدّ من السعي والعمل لمدةٍ مديدةٍ من الزمن كي يتفهم الناس بنحو يمسّ قلوبهم فلسفة هذا الأمر فيقبل عليه من يقبل متذوّقاً هذا النحو من التعبير لإحياء ذكر أبي عبد الله (عليه السلام) ويأباه من أباه أيضاً وذلك أنّ التبرع بالدم لا يتصوّر فيه البكاء والإبكاء حيث يخلو من الجانب العاطفي الجيّاش الذي يظهر في التطبير الحسيني في أعلي درجاته وأشدّ قوته ولا يتصوّر فيه أيضاً معني إظهار الحزن وإظهار الجزع علي الحسين (عليه السلام) إذ أنّ هيئة التبرع بالدم وكيفيته لا توحي بأي نحوٍ من الأنحاء إلي هذه المعاني ولا تشير إليها. ومن هنا فإنّ التطبير الحسيني:أ- مشتمل علي خمسٍ من القربات الحسينية والمستحبات الشرعية فيكون الإتيان به مشتملاً علي درجةٍ أرقي من درجات الامتثال مما عليه في التبرع بالدم فهذه خمس نقاطٍ في كفّة التطبير الحسيني مقابل نقطة واحدة في كفّة التبرع بالدم:التطبير الحسيني: التبرع بالدم: التبرع بالدم:بكاء إحياء للذكرإحياء للذكرإبكاءإظهار للحزنإظهار للجزعإحياء للذكرب - ما يترتب علي ذلك من كثرة الثواب وعظيم الأجر لأجل التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام وذلك لكثرة ما فيه من أسباب موجبةٍ لعظيم الأجر وجزيل الثواب بالمقايسة مع التبرع بالدم. وهذه نقطة أخري أيضاً تضاف إلي كفة التطبير الحسيني. فيتحقّق عندنا المجموع النهائي في ميزان المفاضلة: ثمان نقاط في كفة التطبير الحسيني مقابل نقطتين في كفّة التبرع بالدم.فأين هذا من هذا؟!وبعد كلّ هذا أقول:1- جميل أن تتشكّل مجاميع للتبرع بالدم يوم عاشوراء باسم الحسين (عليه السلام) لكن ليس بديلاً عن التطبير الحسيني. وإنما يتذوّق البعض هذا، وآخرون ذاك. فالبديل إمّا أن يكون أفضل أو مساوٍ علي الأقل في ميزان المفاضلة وقد رأيت النتيجة قبل قليل بامّ عينك. فلا وجه لطرح التبرع بالدم بديلاً عن التطبير الحسيني بأيّ نحوٍ من الأنحاء.2- وجميل أيضاً أن يجمع روّاد مواكب التطبير الحسيني والمشاركون فيها بين التطبير في يوم عاشوراء والتبرع بالدم باسم الحسين (عليه السلام) في وقتٍ آخر من السنة كيوم ولادة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه مثلاً؛ ليثبتوا للآخرين بأنّ عشاق الحسين (عليه السلام) كما تنزف رؤوسهم دماً يوم عاشوراء حزناً وجزعاً ولوعةً وأسفاً وتجديداً لعهد الإمامة المقدّس، فإنّ أبدانهم وقلوبهم تجود بدمائها حباً ورحمةً وشوقاً وعشقاً وولهاً وهياماً ومودةً لكل معاني الكرامة والسخاء في سبيل الحسين (عليه السلام) وبثّ معني الحياة في كل صورها ومصاديقها من إشفاء مريض وإنقاذ عليلٍ إلي إغاثة ملهوف وإعانة محتاج إلي غير ذلك من المعاني الإنسانية السامية.3- وجميل وجميل جدّاً أن تؤسّس مراكز باسم الحسين (عليه السلام) لجمع الدم من المتبرعين من محبي سيد الشهداء صلوات الله عليه طيلة أيام السنة وتقدّم ذلك إعانةً للمرضي والمحتاجين لدمٍ يبعث الحياة فيهم من جديد باسم الحسين صلوات الله وسلامه عليه. كي نبرهن للجميع بأنّ دماء الحسين الزاكية صلوات الله عليه التي روّت شجرة الإسلام بعد أن يبس عودها، فعاد مخضرّاً وأورفت أوراقها، وأينعت ثمارها؛ لهي قادرة وإلي الأبد علي أن تبعث الحياة المعنوية والمادية في أبناء المجتمع الإنساني.فـــداء لمثواك من مضجع تـــــنوّر بـــــالأبلج الأروعبـأعبق من نفحات الجنان روحـاً ومن مسكها أضوعومخلص القول أنّ التبرع بالدم مع اشتراط نية القربة فيه عمل حسن يثاب عليه فاعله علي طول أيام السنة لكنه لا يمكن أن يرقي إلي فضيلة التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) في يوم عاشوراء ولا يمكن أن يكون بديلاً عنه بأي وجهٍ من الوجه إذا وزنّا الأمور بميزان العدل والمنطق السليم. وقد بيّنت لك تفصيل الأمر فيما مضي من السطور، والله وليّ التوفيق.

فلسفة مواكب التطبير حزنا و جزعا علي الحسين

إذا أردنا البحث في تحليل العوامل والدوافع التي تكون بمثابة الجذور النفسية لاختيار البعض من محبي أهل البيت (عليهم السلام) التطبير الحسيني أسلوباً للتعبير عن حزنهم وجزعهم وموآساتهم لما جري في كربلاء فإننا سنجد الروافد الآتية هي التي بامتزاجها ترفد هذه الحالة حيث تستجيب النفوس منقادةً للعاطفة الحسينية المقدّسة التي تعتلج في الوجدان وتتوهّج في القلوب وتتّقد في الضمائر:أولاً - المودّة:والتي أسّ أساسها وأعلي بنيانها كتاب الله المجيد: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [27] ، فكانت واسطة العقد ومحور الأمر في كمال الدين وتمام النعمة علي أهل الإيمان الذين لا يثبت إيمانهم إلاّ بها ولا تسترشد عقولهم وقلوبهم إلاّ بالتقلّب في فنائها حيث تنمو شجرة الدين والعقيدة باسقة مزدانة، وارفة الإفناء، ضاربة جذورها في أعماق الوجدان وطوايا القلوب؛ فتنشأ العلقة الصادقة الخلية من شوائب الأطماع الدنيئة بين المحبين والأحبة. وكلّما اقترب المحبّون من أحبتهم يكتشفون جمالاً فوق جمال وحسناً يخفي وراءه ما هو أحسن منه فتنفجر عيون المحبة والغرام همّارةً بالودّ الطاهر والحبّ الأمين الذي لا تعرف إليه خائنة الأعين من طريق.ثانياً- عظم المصيبة:حين يتسامي جمال الحبيب ويتجاوز كماله كلّ الحدود التي اعتادت الأفكار والأنظار والحواسّ أن تقف عندها ويغطّي طوفانه النوري عالم الأرواح والأفئدة ويجتذب إليه ممغنطاً كلّ ما هو طاهر في الحياة وإذا بالكسوف قد غاله؛ فقطّع أحبال الوصال وانقلبت الخضرة الزاهية والرياحين الفوّاحة دماً عبيطاً يغسل وجه السماء قبل رمال كربلاء.. (السلام علي الشيب الخضيب، السلام علي الخد التريب، السلام علي البدن السليب، السلام علي الثغر المقروع بالقضيب) [28] .فيالها من مصيبةٍ (أبكت كلّ عدوّ وصديق حتي جرت دموع الخيل علي حوافرها) [29] ، أبا عبد الله.. (وأقيمت لك المآتم في أعلي عليّين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكّانها، والجنان وخزّانها، والهضاب وأقطارها، والبحار وحيتانها، والجنان وولدانها، والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحلّ والإحرام) [30] .فكيف لا تشتعل القلوب ناراً والمهج أسفاً والأكباد لوعةً، وكيف لا تنوء العقول بثقلها الفادح ووزرها الباهظ. لذا بقيت تقضّ مضاجع المحبين مهما طالت السنون، وتكتوي الضمائر بلهيب أوارها بعد القرون والقرون.ثالثاً - ثورة العواطف والجماهير:اعظم قوّة بعد قوة المبادئ في نهضة أبي عبد الله صلوات الله عليه التي جرفت أمامها التيار الأموي بكل طغيانه واستهزائه بالحق أنها:أ- حملت آلام الجماهير وآمالها، فكان خطابها الجماهير ولازال هو البلسم الشافي في عنوانه الوسيع: (من كان مثلي لا يبايع مثله).ب- ما حشده سبط الرسالة الأعظم وقرأنها الناطق، وما جيّشه من جيوش العواطف والمظلومية، وما رسمه بدمه ودماء أهل بيته وأنصاره من صور المأساة والمعاناة والآلام، حيث الدماء والدموع، وحيث العطش والصمود والغربة والكبرياء [31] ، والعزّة والجلال.لذا فقد خدّت الثورة الحسينية وحفرت أخاديد في أعماق ضمير الأمة الشيعية الموالية بسبب ما تحمله من روح جماهيرية صادقة من جهة وبسبب روافدها العاطفية الفيّاضة التي لا تنضب ولا تنقطع أبداً رغم تقادم الأيام والسنين من جهةٍ أخري. ومن هنا فإننا نجد في مواكب التطبير الحسيني في يوم عاشوراء الاستجابة الطبيعية والصدي الواقعي لثورة العواطف والجماهير إذ تتجلّي في هذه المواكب وبنحو واضح: روح المشاركة الجماهيرية الواسعة والصادقة في نفس الوقت مع الزخم العاطفي الهائل الذي لا نظير له كمّاً ونوعاً [32] .رابعاً- حشود من النصوص:عشرات وعشرات بل مئات من النصوص المتضافرة والتي جاوزت حدّ التواتر المعنوي بمراتب كثيرة فاضت بها شفاه المعصومين صلوات الله عليهم تضخّ في الأمة ينابيع العاطفة الحسينية المقدّسة منها ما يتحدّث عن صور المأساة المؤلمة وعن أشجان أهل البيت (عليهم السلام) المفجعة الموجعة، ومنها ما يبيّن عظيم الآثار المعنوية في الملأ الأعلي وفي عالم التكوين، وحشد كثير منها يفصّل الكلام في جليل الأجر وكريم الثواب للمتفانين والذائبين والمتفاعلين مع الأحزان الطويلة الضاربة بجذوها في أعماق الحياة.فهذه الأربعة: (1- المودة، 2- عظم المصيبة، 3- ثورة العواطف والجماهير، 4- حشود من النصوص) هي العوامل والدوافع أو قل الروافد التي تشكّل الخليفة النظرية أو القاعدة النفسية الوجدانية أو قل بعبارة أخري الفلسفة التي تكمن في ما وراء تشكيل هذه المواكب الفوّارة بدمائها وعواطفها ودموعها وكلّ كياناتها. سواء تنبّه المشاركون في مواكب التطبير الحسيني لهذا المعني بتفصيله المبيّن أم لم يتنبّهوا وانّما تدفعهم لذلك الثقافة الحسينية التي أنشأها أهل البيت (عليهم السلام) في الأمة الشيعية وتشكّل من ذلك العقل الحسيني الجمعي في واقع الجماهير الشيعية التي تستجيب له بكل كيانها المادي والمعنوي.

ادلة جواز التطبير حزنا و جزعا علي الحسين والقول باستحبابه

دليل الجواز والإباحة:أدلّ دليلٍ علي جواز وإباحة التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) ما يصطلح عليه في علم استنباط الأحكام الشرعية بـ: (أصالة البراءة) والتي تعني الحكم بالجواز والإباحة والحلية لكلّ عملٍ أو شيءٍ لم يصلنا فيه نصّ أو دليل يدل علي حرمته ومنعه في الكتاب الشريف أو السنّة المباركة.إذ أنّ كلّ فقيهٍ حين تواجهه أيّ مسألة من مسائل الحياة الدينية أو الدنيوية لابدّ أن يكون للشرع المقدّس رأيّ فيها فعليه أن يبحث أولاً في أدلة الكتاب والسنة بخصوص تلكم المسألة التي واجهته فإن لم يجد لها ذكراً في النصوص والأدلة الشرعية فعليه أن يتمسّك بالأصول العملية كأصالة البراءة مثلاً التي ترتبط بما في أيدينا من أمر والتي تعني بأنّ كلّ شيءٍ هو لك حلال حتي تثبت حرمته من الكتاب العزيز أو السنّة الشريفة. وهذا هو حكم العقل والشرع معاً وهو ما يصطلح عليه بالبراءة العقلية والشرعية [33] .ومن هنا فإن التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه جائز ومباح من دون أي أشكال يذكر وذلك للقطع الأكيد واليقين الواضح من أننا لا نملك أي نص أو دليل من الكتاب أو السنة يحرّمه أو يمنعه. ولقد خالف الذين ذهبوا إلي حرمة التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) الطريقة الصحيحة في استنباط الأحكام الشرعية والتي عليها اتفاق كلمة فقهاء الأمة وعلمائها إذ أفتوا بالتحريم من دون أي دليل شرعي صحيح وكلّ ما أوردوه من الكلام في طريق ذلك لا يثبت للمناقشة الشرعية وقد رأيت ضعف كلامهم ووهنه في الفصل الأول من هذا الكتاب.أدلة الاستحبابأولاً- الجزع المقدّس:1- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوي الجزع والبكاء علي الحسين (عليه السلام).رواها الشيخ الطوسي (ره) في الأمالي، المجلس السادس ص 161 ح 20. والشيخ المجلسي (ره) في البحار ج 44 ب 34 ص 280 ح 9 وكذلك أيضاً في ج 45 ب 46 ص 313 ح 14.2- (عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع علي الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور).عن كامل الزيارات ب 32 ص 107 ح 2 طبعة طهران، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 291 ح 32.3- عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟.... قال لي أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر لذلك حتي يري أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتي يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا....) [34] .عن كامل الزيارات ب 32 ص 108 ح 6، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 289 ح 31.4- عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في مراسم يوم عاشوراء: (.... ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه....) [35] .عن كامل الزيارات ب 71 ص 193 ح 7، وفي بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 290 ح 1.5- ما رواه قدامة بن زائدة، عن أبيه، عن إمامنا السجاد (عليه السلام) حيث قال: (فإنه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا.... فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يابقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أري سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعري....) [36] .عن كامل الزيارات ب 88 ص 274.وبعد أن أجلت النظر ياقارئي العزيز في هذه الأحاديث الكريمة فإنّه لابدّ من القول:1- إنّ هذه الروايات في غاية الاعتبار والقبول من جهة طرقها وأسانيدها ومصادرها عند علمائنا وفقهائنا المتقدمين منهم والمتأخرين. وعليها عمل فقهاء ومراجع الأمة إذ نطقت بذلك أسفارهم وزبرهم. ودونك الأحياء منهم فسلهم، والأمر سهل.2- متون هذه الروايات تدلّ بشكلٍ واضح وصريح علي أنّ الجزع علي سيد الشهداء (عليه السلام) مستحبّ مؤكّد وفي غاية التأكيد وبنحوٍ أخص في يوم عاشوراء الأليم.3- المراد من الجزع في لغة العرب هو نقيض الصبر وهذا ما عليه كلّ المعاجم اللغوية. لذا فإنّ كلّ فعلٍ يفعله صاحب المصيبة يعبّر به عن عدم تحمّله وعن تأثّره الشديد فهو مصداق من مصاديق الجزع؛ إذ لا يوجد في لغة العرب تحديد معيّن لمعني الجزع وذلك أنّ حقيقته هو الحزن بلا حدود فكيف يكون له حدّ معين وخاص به. لكننا نعتمد علي العرف الصحيح في تحديد أقلّ مراتبه وهو العويل والضجيج والصراخ والبكاء الذي لا ينقطع مصحوباً بلطم الوجه وضرب الرأس ولدم الصدر إلي غير ذلك مما يقع في هذه المرتبة الأقل وإنّما قلت الأقلّ لأن المرتبة الأعلي والأشد هي ما يكون فيها هلاك النفس ويظهر هذا واضحاً في الحديث الخامس عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت وكيف لا أجزع وأهلع.....)، فالتفت ياقارئي العزيز لما جاء في هذه الكلمات الشريفة:كادت نفسي تخرج: بمعني أوشكت علي الموت أو الهلاك.مالي أراك تجود بنفسك: بمعني مالي أراك تريد أن تودّع الحياة.وهذا التعبير: (تجود بنفسك) في لغة العرب ولسانهم يقال لمن يكون في النزع الأخير لخروج روحه من بدنه أي حينما يكون الموت وشيكاً وقريباً جداً من الإنسان. أمّا قوله (عليه السلام): (وكيف لا أجزع وأهلع) فهو صريح في استحباب الجزع وأفضليته بل الهلع الذي هو أفحش الجزع في لغة العرب [37] ؛ إذ لو لم يكن محبوباً عند الله سبحانه وتعالي لما فعله المعصوم (عليه السلام). ومن هنا صرّح الفقيه المحقق الشيخ خضر بن شلال العفكاوي (ره) في كتابه (أبواب الجنان) [38] قائلاً: (الذي يستفاد من مجموع النصوص ومنها الأخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم ولو مع الخوف علي النفس يجوز اللطم والجزع علي الحسين كيفما كان حتي لو علم بأنه يموت في نفس الوقت).4- يتّضح ممّا تقدّم أنّ الجزع علي الحسين (عليه السلام) علي مراتب كثيرة أوّلها الصراخ والعويل والنحيب والبكاء المتواصل مع لدم الصدر والطم الوجه وضرب الرأس باليد أو غيرها، وآخرها ما قد يؤدّي إلي هلاك النفس والإضرار الشديد بها. وقطعاً فإنه يقع ما بين هاتين المرتبتين مراتب كثيرة تتسلسل بحسب شدتها. وما التطبير الحسيني إلاّ مرتبة من هذه المراتب التي تقع في الحد الوسط من حيث الشدّة بل ربما أقل من ذلك وإلاّ فأين يقع جزع التطبير من جزع إمامنا السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج) وهو قول يطابق الواقع مائة في المائة ليس فيه أدني حدّ من المبالغة أو المواربة إذ هو قول المعصوم (عليه السلام) وكلامه، وكلام الإمام إمام الكلام. ثم إنّ التطبير الحسيني لا ضرر فيه علي الإنسان وحتي لو كان فيه ضرر فهو ضرر لا يعتدّ به أبداً كما بيّنا ذلك فيما تقدّم من هذا الكتاب. ومن هنا فإنّ مرتبته لن تكون من المراتب الشديدة من الجزع علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.5- النتيجة التي نحصل عليها بعد تلكم المقدّمات أن التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه ما هو إلاّ مرتبة ومصداق من مصاديق الجزع علي الحسين (عليه السلام) والذي حكمت الشريعة باستحبابه المؤكّد وندبت إليه أهل الإيمان؛ كي يقتدوا بأئمتهم المعصومين (عليهم السلام) الذين جزعوا حتي كادت النفوس أن تخرج لاجل حسين العقيدة والمبادئ صلوات الله عليه.6- ويؤيّد هذه المعاني ما تفيض به كلمات دعاء الندبة الشريف الذي يرويه سيدنا ابن طاووس (ره) في إقبال الأعمال، ومصباح الزائر، وجمال الأسبوع، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار:(فعلي الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلي الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟! أين الحسين؟! أين أبناء الحسين؟!).إلي أن يقول الدعاء الشريف:(أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟! أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟!).ثم يقول مناجياً نادياً:(هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء؟! هل من جزوع فاساعد جزعه إذا خلا؟! هل قذيت عين فساعدتها عيني علي القذي؟! هل إليك يا أبن أحمد سبيل فتلقي؟!).فانظر أيها القارئ العزيز لقول الدعاء الشريف:1- هل من جزوع: والجزوع بحسب موازين الصرف صيغة مبالغة أي جازع وجازع و...2- هل قذيت عين: إشارة واضحة لما يصيب العين من ضرر أو مرض أو ألم شديد بسبب البكاء والنوح جزعاً علي مصاب الحسين (عليه السلام)، وشوقاً وحسرةً علي فراق الطالب بثأره صلوات الله وسلامه عليه.والحرّ تكفيه الإشارة.ثانياً - الإبكاء:1- (عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكي لما ارتكب منّا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة ومن ذكّر بمصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون،..).عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 1 منقولاً عن أمالي الشيخ الصدوق المجلس 17، الرقم 4.وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 1 ص 294 بنفس إسناد الحديث المتقدم عنه صلوات الله عليه: (من تذكّر مصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون،..) [39] .2- عن السيد ابن طاووس (ره): (روي عن آل الرسول (عليهم السلام) أنّهم قالوا: من بكي وأبكي خمسين فله الجنة، ومن بكي وأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن بكي وأبكي عشرين فله الجنة، ومن بكي وأبكي عشرة فله الجنة، ومن بكي وأبكي واحداً فله الجنة، ومن تباكي فله الجنّة).عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 288 منقولاً عن اللهوف في قتلي الطفوف للسيد ابن طاووس (ره).3- (عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا هارون أنشدني في الحسين (عليه السلام)؟ قال: فأنشدته فبكي، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:امرر علي جدث الحسين فقـــــل لأعظـــمه الزّكيّةقال: فبكي، ثمّ قال زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخري، قال: فبكي، وسمعت البكاء من خلف السّتر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي عشراً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي خمسةً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي واحداً كتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه علي الله، ولم يرض له بدون الجنّة).عن كامل الزيارات ب 33 ص 111 ح 1، وثواب الأعمال ص 47، والبحار ج 44 ب 34 ص 288 ح 28.4- (عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني في الحسين (عليه السلام)، قال: فأنشدته فبكي، ثمّ أنشدته فبكي، ثمّ أنشدته فبكي، قال: فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتي سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أبا عمارة من انشد في الحسين شعراً فأبكي خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً بأبكي أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكي فله الجنة).عن كامل الزيارات ب 33 ص 112 ح2، و أمالي الصدوق المجلس 29 - الرقم 6، وثواب الأعمال ص 47، والبحار 44 ب 34 ص 282 ح 15.5- (عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنشد في الحسين (عليه السلام) بيت شعرٍ فبكي وأبكي تسعةً فله ولهم الجنة، فلم يزل حتي قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكي وأظنّه قال: أو تباكي فله الجنة).عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 4 ومثله بسند آخر ح 7 من نفس الباب والصفحة، وثواب الأعمال ص 48، والبحار ج 44 ب 34 ص 289 ح 29.6- (عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: أنشدني فأنشدته، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:امرر علي جدث الحسين فقل لأعظمه الزّكيّةقال: فلمّا بكي أمسكت أنا، فقال مرّ، فمررت، قال: ثمّ قال: زدني.. زدني، قال: فأنشدته:يـــا مريم قومي فاندبي مولاك وعلي الحسين فاسعدي ببكاكقال: فبكي وتهايج النساء!! قال: فلمّا أن سكتن قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) فأبكي عشرة فله الجنة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتي بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكي واحداً فله الجنة، ثمّ قال: من ذكره فبكي فله الجنة). عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 5، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 287 ح 25.7- (عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيّين فدخل جعفر بن عفّان علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقرّبه وأدناه ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك! جعلني الله فداك. قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيده. فقال له: نعم، جعلني الله فداك، قال: قل! فأنشده (صلي الله عليه) فبكي ومن حوله، حتي صارت الدموع علي وجهه ولحيته. ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالي لك يا جعفر في ساعته [40] الجنة بأسرها، وغفر الله لك. فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي. قال: ما من أحدٍ قال في الحسين شعراً فبكي وأبكي به إلاّ أوجب الله له الجنة وغفر له).عن رجال الكشي ص 187، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 16، ووسائل الشيعة ج 10 ص 464 ب 104 المزار ح 1.وبعد ذكر هذه الأحاديث والروايات، أقول:1- الأخبار المتقدّمة تلقّاها علماؤنا بالقبول والاعتماد والعمل بها والفتيا علي أساسها؛ فلا حاجة للخوض في تفاصيل أسانيدها؛ لوضوح كونها علي درجةٍ عاليةٍ من الاعتبار الشرعي والعملي.2- مضمون هذه الأخبار ومحتواها: الاستحباب المؤكّد للبكاء والإبكاء علي سيد الشهداء صلوات الله عليه وما يترتب عليهما من عظيم أجرٍ عند الله سبحانه وتعالي. أمّا الذي نخصّه بالذكر والبحث هنا من بينهما فهو الإبكاء وذلك أنّ البحث منعقد لأجله منذ البداية. والذي نراه واضحاً في هذه الروايات الشريفة أنّ الأولي والثانية منها تحدّثت عن الإبكاء بنحوٍ عام من دون ذكر أي مصداقٍ من مصاديق الإبكاء فجاء لسانها: (بكي وأبكي) من دون ذكر أي أسلوب من أساليب الإبكاء، وأما ما تبقّي منها فقد جاء مشتملاً علي ذكر مصداقٍ من أهم مصاديق الإبكاء خصوصاً في زمان الأئمة [41] (عليهم السلام) وهو إنشاد الشعر لأجل الإبكاء علي الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه. وإلا فمن المعلوم أنّ الإبكاء ليس له من أسلوب معيّن فقد يكون من طريق: ذكر المصيبة نثراً بلحنٍ حزين، أو من دون لحن، أو بإنشاد الشعر إلقاءً، أو بصوتٍ شجيّ، أو بتأليف كتابٍ يستدرّ الدمعة من قارئه ومطالعه، أو بإنتاج فيلم سينمائي أو تلفزيوني روائياً كان أو وثائقيّاً يعرض الواقعة بكل آلامها وأشجانها، أو بإخراج مسرحيةٍ أو تمثيليةٍ تهيج الدمع والعبرات، أو برسم لوحةٍ فنيةٍ تعبّر عن جراحات ضمائر الأحرار وآلامها لما لقي سبط النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله)، أو بإقامة المسيرات العزائية والمواكب الحسينية من مواكب اللطم وضرب السلاسل والتطبير الحسيني إلي غير ذلك من فنون العزاء الحسيني وأشكاله والتي هي من أهم أسباب الإبكاء وطرقه. علماً أن أسباب الإبكاء وأساليبه ليست منحصرةً في ما ذكر وإنّما يبقي الباب مفتوحاً في هذا المجال لكل أشكال التعبير وتهييج الأحزان لأجل مصاب سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه.3- يظهر بوضوحٍ جليّ مما تقدّم الاستحباب المؤكّد للإبكاء علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام، ويظهر أيضاً أنّ مواكب التطبير الحسيني من أهمّ أسباب الإبكاء وتهييج العبرات، لذا فإنّ هذا الاستحباب سيسري حتماً علي هذه الشعيرة الحسينية المبكية كما يسري علي غيرها من الشعائر الحسينية الأخري المبكية وكذلك الأساليب التعبيرية المختلفة المكية أيضاً والتي ذكرنا قبل قليلٍ أمثلةً منها في قائمةٍ لذكر أنواع مختلفة من أساليب الإبكاء علي الحسين (عليه السلام). ولا يخفي فإنّ القول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني من أهم أسباب الإبكاء هو ما يشهد به الواقع علي الأرض ويقرّبه أرباب العزاء الحسيني والجماهير الغفيرة المشاركة في الحضور وأهل البيت أدري بالذي فيه؛ حيث يتجمّع أهل التطبير عند فجر عاشوراء في تكاياهم وحسينياتهم، وهم يرتدون أكفانهم البيضاء، بعد تأدية صلاة الصبح، تقرأ زيارة عاشوراء، تتبعها قراءة شجية جداً لقصّة مذبح الحسين ومقتله (عليه السلام) بنحو مختصر، مع مقاطع من زيارة الناحية المقدّسة، ثم ترتفع الصيحات والصرخات: يا حسين.. يا حسين، والبكاء والنحيب يهزّ الأرجاء، وتقرع الطبول، وتمتشق السيوف، وبصوتٍ واحدٍ تتدافع الدموع متدفّقةً كأنّها عين جارية:يا فاطمه قومي إلي الطفوف هـــذا حسين طعمة السيوفحيدر.. حيدر.. حيدر فتجري الدماء نازفةً تذكّر بأقدس دم سفك علي وجه الأرض، مشفوعةً بالدموع والعبرات، والآهات والحسرات، فكم من باكٍ أو باكية، حيث لا تري إلاّ أجواءً مشحونةً بالعاطفة الحسينية الجيّاشة، ولا تسمع إلاّ ندبةً وصراخاً حسينياً يهزّ سمع الملكوت.. فكأنها الغاضريات وصوت حسين يجرف الدهور ويمزّق أستار القرون!!!فيــــا أيها الوتر في الخالدين فـــــذّاً إلــــي الآن لـــم يشفعويـــا عـظة الطامحين العظام للاهيـــــن عــــــن غدهم قنّعأبا عبد الله صلي الله عليك.. فما قدر الدموع؟! وما قدر الدماء؟! في محراب أحزانك، (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكي له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهن، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا، وما يري، وما لا يري) [42] .ولا أملك إلاّ أن أقول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني هي دماء نازفة، ودموع مسفوحة، وقلوب واعية تطوف في محراب عشقها في الفناء الحسيني الأرحب، وتستضيء بنور مصباح الهدي؛ كي تفوز بسفينة النجاة الآمنة. فطوبي لكم أحباب الحسين (عليه السلام)، وطوبي لكم أيها النازفون دماً ودمعاً في محراب عشقه ومودّته.ثالثاً - إحياء أمر الإمام الحسين (عليه السلام):1- (عن الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيي أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 14، نقلاً عن قرب الإسناد ص 26.2- (عن علي بن الحسين بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكي لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) [43] .وهنا أمور لابدّ من ذكرها والإشارة إليها:1- إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء الأمر الحسيني والقضية الحسينية خصوصاً واجب شرعيّ أكيد يوجبه العقل [44] قبل الشرع وتؤكّد الأدلة الشرعية بشكلٍ واضحٍ وقطعي من نصوصٍ دينيّة وسيرة متشرّعة إلي غير ذلك من المرتكزات العقلية والشرعية. وهذه مسألة مفروغ منها في دنيا الفقه والأحكام، ومن البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من فقهائنا بأيّ وجهٍ من الوجوه. نعم يمكن القول بأنّ إحياء الأمر علي مرتبتين منه ما هو واجب لا يجوز تركه بأيّ حالٍ من الأحوال، ومنه ما هو مندوب ومستحبّ إتيانه بنحوٍ أكيد يترتب عليه عظيم الأجر والثواب.2- ليكن معلوماً إنّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة وجوباً أو استحباباً بإحياء أمرهم كثيرة جداً. وإني لم أتناولها بالذكر لوضوح أمرها عند أهل الشرع والدين. وما ذكرت هذين الحديثين الشريفين إلاّ لأجل التبرك بهما أولاً. وثانياً لظهورهما في إحياء الأمر المستحب الذي يدور الحديث عنه في هذا المقام.3- الروايتان المذكورتان تدلاّن علي أهمية إحياء أمرهم (عليهم السلام) وتصرّحان باستحبابه المؤكّد. مع اشتمالهما علي ذكر بعضٍ من الأمور التي هي من الأسباب المهمة في إحياء الأمر من قبيل إقامة مجالس الذكر والعزاء، وتذكّر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وذكرها، والبكاء والإبكاء في سبيل ذلك، وهكذا كلّ أمرٍ يوصلنا إلي نفس هذا المطلوب.4- من كلّ ما تقدّم يتجلّي بوضوحٍ أنّ التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه مصداق واضح من مصاديق إحياء الأمر من جهةٍ كونه سبباً قوياً من أسباب الإبكاء علي الحسين (عليه السلام) وقد مرّ بيان ذلك فضلاً عمّا أشارت إليه الروايتان اللتان بين أيدينا من إن الإبكاء مصداق من مصاديق إحياء الأمر أيضا، هذا أولاً. وثانياً لما في التطبير الحسيني من بعد جماهيري واسع؛ حيث الجموع الغفيرة المشاركة في هذا الموكب والجموع المتفاعلة والمتأثرة بها. ولا شكّ فإنّ أهم أمرٍ في إحياء الأمر العقائدي هو جماهيرية العمل وانتشار تأثيره خصوصاً إذا كان ذا ميزةٍ عاطفية ثرّة كالتطبير الحسيني. ومن كل ذلك يبدو واضحاً سريان حكم الاستحباب علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه، لكونه مصداقاً من أوضح مصاديق إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء أمر الحسين صلوات الله عليه بنحو خاص.توضيحات:1- ربّما يقول قائل: إنّ إظهار الجزع والإبكاء من جملة مصاديق إحياء الأمر. فلأيّ سببٍ جعلنا كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه؟ وجواب ذلك: إنّ الناظر والمتفحّص بدقةٍ في كلمات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم يجد بوضوحٍ أنّ الجزع مطلوب بنفسه بما هو، ومن جملة آثاره أنه يكون سبباً في إحياء الأمر. وكذلك الإبكاء فهو مطلوب بنفسه بما هو أيضاً لما فيه وفي الجزع من منافع معنوية وتربوية تصقل روح الإنسان، وتذكّي وجدانه، وتغسل عواطفه من كلّ شائبةٍ تلحق بها، راسمةًً لها جادّة صوابها. فكل واحدٍ منهما مطلوب بنفسه بما هو هو، وفي بعض جهات كلّ واحدٍ منهما سبب لإحياء الأمر، ومن هنا جعلنا كل واحدٍ من هذه الثلاثة: الجزع المقدّس، والإبكاء، وإحياء الأمر الحسيني موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه.2- حكم الاستحباب المؤكّد يسري بنحو الأصالة علي إظهار الجزع علي الحسين (عليه السلام)، وعلي الإبكاء عليه، وعلي إحياء أمره صلوات الله عليه؛ وذلك لورود النصوص الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) بخصوص كل واحد من هذه الثلاثة. أما سريان هذا الاستحباب علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام فهو من باب التفرّع والمصداقية، إذ أنّ التطبير الحسيني مصداق واضح لإظهار الجزع، والإبكاء، وإحياء الأمر، ومن هنا كان جريان حكم الاستحباب عليه. لا من باب ورود نصّ خاصّ يأمر بهذا النحو المعين من العزاء. وإنّما كان ذلك عملاً موافقاً لما رواه البزنطي في جامعه عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا) [45] ، وما رواه أيضاً في جامعه عن الإمام الرضا (عليه السلام): (علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفريع) [46] .زبدة القول:استحباب إظهار الجزع علي ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، واستحباب الإبكاء عليه، واستحباب إحياء أمره (عليه السلام).أمور ثابتة لا شكّ فيها وقد تبيّنت ذلك واضحاً يا قارئي العزيز فكذاك هو التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه حقّ لا ريب فيه ويجري عليه حكم الاستحباب لكونه مصداقاً واضحاً لإظهار الجزع المستحب، والإبكاء المستحب، وإحياء الأمر المستحب. وقد مرّت بك الأدلة واضحةً جلية. وستأتيك أدلة أخري وأخري، (ويأتيك بالأنباء من لم تزوّد).أدلّة أخري.. لعلّهم يبصرون!أولاً - حزن نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) (وتولّي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين).[سورة يوسف: الآية 84 و 85]. وهنا ثمّة فوائد:الفائدة الأولي: في المعاني اللغويةابيضّت عيناه: أصابها البياض وهو فقدان البصر. ويقول صادق العترة (عليه السلام): (البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فأما يعقوب فبكي علي يوسف حتي ذهب بصره..) [47] .وبصريح القرآن العزيز أنه (عليه السلام) ما ارتدّ بصيراً حتي شمّ قميص ولده يوسف: (فلما أن جاء البشير ألقاه علي وجهه فارتدّ بصيرا) [48] .تالله تفتؤا تذكر يوسف: لا تفتر عن ذكر يوسف ولا تنقطع عنه.حرضاً: مشرفاً علي الهلاك أو ميتاً.الفائدة الثانية: في قوّة حجّية الاستدلال بحالة نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) في المقام الذي نحن فيه وذلك من جهة:أ- أنها سيرة نبيّ معصوم يبيّنها لنا الباري سبحانه وتعالي في كتابه العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) [49] .ويقرّرها لنا لأجل الاعتبار والتأسّي بسيرة أوليائه الطاهرين.ب - استدلّ بها إمامنا السجاد (عليه السلام) حين سئل عن طول حزنه وبكائه وجزعه علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه حيث يروي لنا شيخنا أبو القاسم جعفر بن قولويه (ره) بأسانيده الموثوقة المعتبرة: (أشرف مولي لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه وقال: ويلك والله لقد شكي يعقوب إلي ربّه في أقلّ مما رأيت حتي قال: (يا أسفي علي يوسف)، إنه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي) [50] .وفي بحار الأنوار رواية أخري أنه حين قال له أحد مواليه: (أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له (صلوات الله عليه): ويحك إنّ يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلي أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟) [51] .الفائدة الثالثة: مدلول الآيتين الشريفتيندلّت الآيتان الكريمتان 84 و 85 من سورة يوسف المباركة علي معان عديدة من أهمّها:أ- أولوية إظهار الحزن والجزع والبكاء علي أولياء الله حزناً علي مصابهم أو شوقاً إليهم.ب - أفضلية مثل هذا العمل علي غيره خصوصاً وان النبي يعقوب (عليه السلام) علم بأنّ فقدان البصر سيؤثر بشكلٍ وآخر علي أعماله الأخري والتي يكون التبليغ والإرشاد ورعاية أمور أتباعه من أهمها ومع ذلك فهو قد بكي وبكي حتي كفّ بصره لما يجده من فضلٍ وعظيم أجر في بكائه شوقاً وحزناً علي فراق ولي الله، ولما في علمه من أنّ بكائه وحزنه هذا مفضّل عند الله تعالي علي غيره من سائر الأعمال الأخري وإلا لما فعله فهو نبي معصوم وأسوة حسنة لأتباعه ومن يقتدي به من المؤمنين.ج- أفضلية وأولوية ورجحان التعرّض للضرر الشديد كفقدان البصر وانطفاء نور العينين وغير ذلك بسبب الحزن والغمّ والبكاء والنحيب والجزع لأجل أولياء الله. علماً أن قيمة العينين كقيمة الحياة وهذا ما قررّه الشرع المبين في أحكام الديات إذ جعل دية العينين كدية إنسان كامل.د- لم يكن تعرّض النبي يعقوب (عليه السلام) لهذه الأضرار الكبيرة من دون قصدٍ وسابق علمٍ وكأنّها حصلت بغتةً فجأة بل إنّ الأمر كان يحصل بعلمه وبعلم الآخرين من حوله إلا تري القرآن العظيم يخبرنا عن قولهم له (عليه السلام): (حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين)، لأنهم كانوا يرون بأمّ أعينهم أيّ ضررٍ وألمٍ يلحقه بنفسه بسبب شوقه وحزنه وجزعه علي ولي الله.الفائدة الرابعة: في علم نبيّ الله يعقوب بحياة ولده يوسف (عليهما السلام):من دون مقدماتٍ لابدّ من القول: إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان علي علمٍ بحياة ولده يوسف (عليه السلام) وإليك ما جاء من تلويحٍ وتصريحٍ بهذا الخصوص في كتاب الله العزيز:1- (فصبر جميل عسي الله أن يأتيني بهم جميعا).[سورة يوسف: الآية 83].2- (قال إنّما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون).[سورة يوسف: الآية 86].3- (يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون).[سورة يوسف: الآية 87].4- (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون، قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم، فلما أن جاء البشير ألقاه علي وجهه فارتدّ بصيراً، قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون).[سورة يوسف: الآيات 94 و 95 و 96].وأمّا الروايات الشريفة فإليك نموذج منها:1- (عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) كان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من الحزن والبكاء؟ قال: نعم علم أنه حي؛ أنه دعي ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم. قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال: اخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريق؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة وتعرض عليّ مجتمعة. قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ فقال: لا؛ فعند ذلك علم أنه حي.فقال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تياسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [52] .2- (عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام):.... وكان يعقوب يعلم أنّ يوسف حي لم يمت وأنّ الله تعالي ذكره سيظهره له بعد غيبته، كان يقول لبنيه: إني اعلم من الله ما لا تعلمون) [53] .ولا أظنّك يا قارئي العزيز أنّك بحاجةٍ إلي أكثر من ذلك لأجل بيان هذا الأمر و شرحه.الفائدة الخامسة: زبدة القوللقد بلغ ما بلغ من حزن يعقوب (عليه السلام) أن فقد بصره وابيضّ شعره وتقوّس ظهره وأسرع إليه الهرم حتي قال عنه إمامنا الصادق (عليه السلام) حين سألوه: (ما بلغ من حزن يعقوب علي يوسف؟ قال (عليه السلام): حزن سبعين ثكلي حرّي) [54] ، وكان ذلك منه مع علمه بحياة ولده. وقد جاء في رواية علي بن إبراهيم (ره) في تفسيره المعروف أنه كان بين يوسف وأبيه مسافة ثمانية عشر يوماً لا غير ومع كلّ ذلك فإنّ نبي الله يعقوب (عليه السلام) قضي سنينه في الحزن العظيم والجزع الشديد؛ ولو لم يكن ذلك من أعظم القربات إلي الله سبحانه وتعالي لما فعله هذا النبيّ المعصوم سلام الله عليه، ولما قرّره الباري جلّ شأنه في كتابه العزيز.فهل يحق لأحد بعد ذلك من أهل الدين والشرع أن يشكّك في جواز بل مندوبية واستحباب إلحاق ضرر لا يعتدّ به في إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة لإظهار الحزن والجزع علي مصاب أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وقطعاً فقد تبيّن لك مما تقدم إن التطبير الحسيني لا ضرر فيه وحتي إن وجد فهو ممّا لا يعتدّ به. وأين يقع ضرر التطبير الحسيني علي فرض وجوده من ضرر العمي وفقدان البصر؟! فلمّا جاز هذا جاز ذلك مع أولويةٍ وأفضليةٍ وتأكيد لجهات ثلاث يتميز بها الجزع والحزن علي سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه عن جزع وحزن يعقوب علي ولده (عليهما السلام):1- للفارق العظيم بين المنزلتين والمقامين لسيد الشهداء صلوات الله عليه ويوسف الصديق (عليه السلام).2- لعظمة مصيبة أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه التي لا تشبهها مصيبة ولا تدانيها رزية؛ إذ لا يمكننا المقايسة بين الذي جري علي يوسف (عليه السلام) وبين ما جري علي غريب الطفوف عليه افضل الصلاة والسلام.3- للفارق الكبير جداً جداً بين ملابسات القضيتين وآثارهما، فأين وجه المقارنة أو المقايسة بين قضية عائليةٍ محدودة جوهرها التحاسد بين أخوةٍ لأبٍ واحد في بيتٍ واحد وعائلةٍ واحدة، وبين القضية الحسينية الخالدة بكل أبعادها، وظروفها، وبكل أهدافها، وآلامها، وآمالها، وتضحياتها، ومآسيها الجسام القاسية؛ والتي دوّخت العقول عبر الأجيال والعصور؟!وختاماً يا قارئي العزيز فإني أقول بملء فمي: إنّ الذي تدل عليه وبوضوح آيات الكتاب الكريم في قصة يعقوب و يوسف (عليهما السلام) هو جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس في مواطن الحزن والجزع علي أولياء الله؛ لما في ذلك من عظيم أجرٍ وسمّو هدفٍ وجليل نفعٍ وجزيل فائدة مثمرة. ولا يخفي عل كلّ منصفٍ من محبي أهل البيت (عليهم السلام) إن التطبير الحسيني ليس فيه من إضرار واقعيّ بالنفس بل هو إضرار موهوم ومدّعي إذ لا حقيقة له والتجربة الطويلة الوافرة وتأريخ مواكب التطبير الحسيني أدلّ دليلٍ علي ذلك. ومن هنا فإذا جاز إلحاق الضرر بالنفس حزناً وجزعاً علي أولياء الله بحسب آيات الكتاب الكريم في قصة يوسف (عليه السلام). فكيف سيكون القول في التطبير الحسيني الذي لا ضرر ولا إضرار فيه علي النفس إذاً؟ ولكن (أفلا يتدبّرون القرآن أم علي قلوبٍ أقفالها) [55] .و واعجباً ممّن يدّعي العلم والفقه والرئاسة الدينية وهو يري رضا الله سبحانه وتعالي في قرآنه الكريم عن حزن نبي معصوم لغيبة ولده أضرّ به حتي أفقده بصره مع علمه بحياة ولده؛ وإنّما كان ذلك منه شوقاً وحسرةً عليه بسبب ما يلقاه من مصاعب الحياة وبلاءاتها. كيف يتجرّأ ويعلن عدم رضا الله سبحانه وتعالي عن مواكب التطبير الحسيني حزناً وجزعاً علي مصاب لا مثيل له عبر تاريخ البشرية والي يوم القيامة (قل أ الله إذن لكم أم علي الله تفترون) [56] .ولا أسهب في الكلام اكثر من ذلك، إلا أنني أقول: إذا كان قميص يوسف (عليه السلام) ببركته ويمنه ردّ البصر والنور إلي العينين اللتين انطفأ ضوءهما حزناً وجزعاً لأجل فراقه وشوقاً إليه. فإنّ تراباً جالت عليه خيول الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه الأوفياء وداسته بحوافرها هو تراب الغاضريات جعل الله فيه الشفاء من كل داء. وإنّ كلّ قطرة دمعٍ أو دمٍ سالت حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله صلوات الله عليه تردّ البصيرة قبل البصر، وتجلي العقول، وتطهر القلوب، وترفع النفس الإنسانية إلي المراتب السامية.ثانياً - خطبة أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله وسلامه عليه وهي خطبته المعروفة المشهورة والتي أولها: (أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه..)، وقد خطبها حين وردت الأخبار بما فعله أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم لما غزوا الأنبار. فكان ممّا قاله عليه أفضل الصلاة والسلام: (وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسّان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل علي المرأة المسلمة والأخري المعاهدة [57] ، فينتزع حجلها [58] وقلبها [59] وقلائدها ورعثها [60] ، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع [61] والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم [62] ، ولا أريق لهم دم؛ فلو أنّ امرءاً مسلمـــاً مات مـــن بعــــد هـــذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً [63] ) [64] .وأمّا مصادر هذه الخطبة الشريفة فهي كثيرة جداً ومن أهمّها:نهج البلاغة ص 69 و ص 70 خ 27.الكافي ج 5 ص 7 و ص 8 ح 6 ب 1 فضل الجهاد.وقد رواها أيضاً شيخ الطائفة (ره) في تهذيب الأحكام ج 6 ص 54 ح 11 والشيخ الصدوق (ره) في معاني الأخبار، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار، وأشار إليها الحر العاملي (ره) في الوسائل ج 11 وغيرهم كثير جداً.وأظنّ يا قارئي العزيز أنّ وجه الاستدلال واضح فيها لا غبار عليه ولا غبش فيه؛ فسيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه في خطبته هذه ما هو بلائمٍ لأي مسلم مات أسفاً وحسرةً لما جري علي نساء الأنبار من رعايا دولة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حين سلب أتباع معاوية لعنة الله عليه وعليهم حليّ نساء المسلمين ونساء أهل الذمة من اليهود أو النصاري بعد أن قتلوا عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) علي الأنبار وعاثوا في الأرض فسادا. بل أنه (عليه السلام) يراه جديراً بالاحترام والتقدير، إذ يقول صلوات الله عليه: (بل كان عندي به جديرا).فإذا كان الموت أسفا وحزناً لسلب امرأة يهودية من رعايا دولة أمير المؤمنين (عليه السلام) حليها وزينتها أمراً يستحق الإنسان عليه التقدير والإكرام عند سيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه فما بالك أيها المنصف في الذي جري علي عقيلة العقائل زينب الكبري وعلي بنات أمير المؤمنين ونساء الحسن والحسين وآل بيت النبي صلوات الله عليهم جميعاً في عرصات الطفوف وما بعدها؟! وما بالك في الذي جري علي سيد الشهداء صلوات الله عليه قبل الذبح وبعده؟!فأين الإنصاف يا تري.وأين الحقّ يا تري؟فلسلب امرأةٍ يهودية من أهل الذمة يجوز الموت أسفاً.. بل من مات بسبب ذلك أسفاً وحسرةً كان به جديرا! مع أنّ الثابت فقهاً حرمة الجزع في غير مصاب الحسين (عليه السلام) مطلقاً والنصوص شاهدة بذلك والجزع يا قارئي العزيز اشد بكثير جداً من الأسف فإذا كان الموت يعدّ من الأسف كما هو واضح وجلي في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف بالجزع ومراتبه؟!ولا أريد الإطالة عليك، لكنّ مخلص القول هو:1- ممدوحية الموت أسفاً لسلب امرأة يهودية من أهل الذمة.2- وعلي ما تقدم فإنّ الموت من درجات ومراتب الأسف.3- ومن المعلوم فإنّ الأسف اقل بكثيرٍ من الجزع.4- تأكيد المعصومين (عليهم السلام) وأمرهم لنا بإظهار الجزع علي مصاب الحسين (عليه السلام) والذي هو أعلي درجة من الأسف بكثير بل جاء في بعض النصوص الشريفة التي تقدّم ذكرها قبل قليل في نفس هذا الفصل الحثّ علي الهلع وهو أفحش الجزع. ولقد جزع وهلع إمامنا السجاد(عليه السلام) علي مصاب أبيه (عليه السلام) كما حدثنا بذلك عن نفسه المقدّسة.فما هي النتيجة بعد ذلك يا تري؟أظنّ أنّ الأمر بات واضحاً لذي عينين؛ أفبعد كل هذا؟! كيف يمكن الاستشكال علي جراحةٍ محدودة وخروج مقدار محدود من الدم لا يسبّب أدني ضررٍ للإنسان يفعله عشاق الحسين صلوات الله عليه في مواكب حزنهم وجزعهم عليه وعلي أهل بيته الأطهار وصحبه الأخيار؟!ولكن ما عشت أراك الدهر عجبا!!!ثالثاً- استحباب زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه مع الخوف علي النفس ووجود المخاطر العظيمة:والأحاديث والأخبار عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم كثيرة وفيرة في هذا المضمون. وهاأنا ذاكر لك بعضاً منها:1- (عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول فيمن زار أباك علي خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الّذي فيه فوزك).جاء مروياً في:1- كامل الزيارات طبعة طهران ب 45 ح 1 ص 135.2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 1 ص 356.3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.2- (عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتّي ارجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال: يا ابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدّثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة).جاء مروياً في:1- كامل الزيارات ب 45 ح 2 ص 135 و ص 136.2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 2 ص 356.3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.3- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإنّ من تركه رأي من الحسرة ما يتمنّي أنّ قبره كان عنده، أما تحب أن يري الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)؟ أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضي ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟ أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟.جاء مروياً في:1- كامل الزيارات ب 40 ح 3 ص 127 و ب 45 ح 3.2- وسائل الشيعة ج10 ب 37 ح 7 ص 321.3- بحار الأنوار ج 101 ب 1 ح 30 ص 8.وقد مرّ ذكر هذا الحديث بتمامه نقلاً عن الوسائل في الفصل الأول من هذا الكتاب.4- عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه سأله: (هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم علي خوف ووجل، فقال (عليه السلام): ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، ورآه النبي [65] (صلي الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله) [66] .5- ما جاء في حديث قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: (قال علي ابن الحسين (عليهما السلام): بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً علي محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب علي هذه الأمة من حقّنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً. فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر..).وقد مرّ عليك يا قارئي العزيز هذا الحديث الطويل بتمامه في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي بين يديك نقلاً عن كامل الزيارات ب 88 من ص 273 إلي ص 278، فراجعه مرةً أخري وأخري تغتنم إن شاء الله تعالي.6- (عن الأصمّ [67] قال: حدّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل، قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال نعم ويصلّي عنده، وقال: يصلي خلفه ولا يتقدّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنة إن كان يأتمّ به، قال: فما لمن تركه رغبةً عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قال: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: درهم بألف درهم، قال: فما لمن مات في سفره إليه؟ قال: تشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنّة، وتصلّي عليه إذا كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّي تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلي قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتي تقوم الساعة، قلت: فما لمن صلّي عنده؟ قال من صلّي عنده ركعتين لم يسأل الله تعالي شيئاً إلا أعطاه إيّاه، قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه، قال: قلت: فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلّةٍ تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم أنفقه مثل أُحُد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله، قال: قلت: فما لمن قتل عنده، جار عليه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه يغفر له كلّ خطيئة، وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتي تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقي الله وهو مخلص من كلّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتولّي الصلاة عليه الملائكة مع جبرائيل وملك الموت، ويؤتي بكفنه وحنوطه من الجنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنّة وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلي حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتي تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً. فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أوّل من يصافح رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأوصياء (عليهم السلام) ويبشّرونه ويقولون له: الزمنا، ويقيمونه علي الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ. قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلي يوم القيامة، فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكلّ ضربةٍ حوراء وبكلّ وجع يدخل علي بدنه ألف ألف حسنة ويمحي بها عنه ألف ألف سيّئة، ويرفع له بها ألف ألف درجة، ويكون من محدّثي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي يفرغ من الحساب، فيصافحه حملة العرش ويقال له: سل ما أحببت. ويؤتي ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتي ينتهي به إلي ملك يحبوه ويتحفه بشربةٍ من الحميم، وشربةٍ من الغسلين، ويوضع علي مقالٍ في النار فيقال له: ذق ما قدّمت يداك فيما أتيت إلي هذا الذي ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله ويؤتي بالمضروب إلي باب جهنّم فيقال له: انظر إلي ضاربك والي ما قد لقي فهل شفيت صدرك، وقد اقتصّ لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه).وقد جاء هذا الحديث مروياً في:1- كامل الزيارات ب 44 ح 2 ص 133 و ص 134.2- بحار الأنوار ج 101 ص 79.3- مستدرك الوسائل ج 2 ص 209 الطبعة الحجرية.بيان:بعد ذكر هذه الروايات والأحاديث التي لا يحتاج فهمها ومعرفة فحواها إلي جهدٍ جهيد، اُلخّص الكلام في النقاط التالية:1- الروايات المتقدمة كلها منقولة من كتاب كامل الزيارات الذي يعتبر بين المحققين من العلماء والفقهاء والمحدّثين أنه من أوثق كتب الطائفة وأعلاها منزلة وأشدّها اعتباراً [68] .2- متون هذه الروايات تدلّ بوضوحٍ علي:أ- جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس لو استلزم ذلك في سبيل زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه.ب - عظيم الثواب والأجر، وعظيم المنزلة والزلفي والقرب من الله سبحانه وتعالي بسبب ما يتحمّله الإنسان من أضرار تلحق به أو مخاطر عظيمة قد تودي بحياته في سبيل زيارة أبي عبد الله الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه) [69] .3- البعد الأهم في ملاك تشريع الزيارة الحسينية المقدّسة كما يبدو من كلمات المعصومين (عليهم السلام) هو بعد تربوي عقائدي: تربوي من حيث العبرة والأسوة الحسينية بكل كمالها وحقّها وهداها، وعقائدي من حيث تمتين وتشديد الرابطة الصحيحة بين الجماهير وقادتهم الربانيين وإذكاء شعلة الحق بإحياء القضية الحسينية، إضافةً لما يترتب علي ذلك من عظيم الأجر والثواب، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، وغفران الذنوب، وتوفيق الطاعة والعمل الصالح، ودفع البلاء في الدين والدنيا؛ لذا كان هذا الحثّ الأكيد من المعصومين (عليهم السلام) للتوجّه إلي زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه ولو استلزم ذلك قتل النفوس كما مرّ علينا في الأحاديث والروايات الشريفة التي ذكرت قبل قليل. فإذا جاز قتل النفس وتحمّل الأضرار والمخاطر الكبيرة في سبيل إحياء أمر الحسين (عليه السلام) بل يظهر الاستحباب بشكلٍ واضح من تلكم الروايات والأخبار. فما قيمة الضرر الهيّن علي فرض وجوده في التطبير حزناً وجزعاً علي سيد شباب أهل الجنّة صلوات الله وسلامه عليه إذاً؟! وما قيمة الاستهزاء والسخرية في مقابل ما يفعله الظالمون من تنكيل وتعذيب وتقتيل في سبيل إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعاً؟! الجواب عندكم أيها المنصفون..زبدة المخض:من قصة يوسف (عليه السلام) القرآنية عرفنا جواز بل رجحان الإضرار بالنفس حتي درجة فقدان البصر شوقاً وحزناً علي أولياء الله وما يجري عليهم.ومن خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) عرفنا جواز بل رجحان الموت أسفاً لأجل ما يجري من الأذيان والمحن علي رعايا الدولة الإسلامية وان كانوا من أهل الذمة كما صار في واقعة غزو الأنبار من قبل أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم.ومن أحاديث استحباب زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) مع الخوف عرفنا جواز بل رجحان تحمل البلايا والمخاطر العظيمة حتي درجة القتل في سبيل ذلك.فهل يبقي لذي قول مقال؟!وهل بعد ذلك إلا القول بجواز بل رجحان واستحباب التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟!وفي جوّ الإستدلال أيضاً:شواهد ومؤيّداتأ- من موارد الإدماء:(عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصصّ الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت علي خادم كان معنا فقلت: مالي أري الكوفة تضجّ؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتّي خرج ولطمت وجهي حتّي خشيت علي عيني أن تذهب، وغسّلت يدي من الجصّ وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلي الكناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شُقّة تحمل علي أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذا بعليّ بن الحسين (عليهما السلام) علي بعير بغير وطاء، دماً وأوداجه تشخب، وهو مع ذلك يبكي ويقول:يـــا أمــة السوء لا سقياً لربعكم يـــا أمّـــة لـــم تــــراع جدّنا فينالـــو أنّـــنا ورســــول الله يجمعنا يـــــوم القـــيامة ما كنتم تقولونابنـــي أمـية ما هذا الوقوف علي تـــلك المــصائب لا تلبون داعيناتصــــفّقون عـــلينا كفّــــكم فرحاً وأنتـــم في فجاج الأرض تسبوناأليـــس جـــدّي رسول الله ويلكم أهدي البريّــة من سبل المضلّينايا وقعة الطـفّ قد أورثتني حزنا والله يهتك أســــتار المســـــيئيناقال وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين علي المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلي الأرض، قال كل ذلك والناس يبكون علي ما أصابهم. ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء. فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهريّ قمريّ أشبه الخلق برسول الله (صلي الله عليه وآله) ولحيته كسواد السبج [70] قد انتصل منها الخضاب، ووجه دارة قمرٍ طالع والريح تلعب بها يميناً وشمالا فالتفت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتّي رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:يــــا هــلالاً لمّـــا استتمّ كمالا غـــــاله خســــفه فأبدا غروباما توهّمت يا شقــــيق فؤادي كان هذا مقدّراً مكتوبــا) [71] .وفي الزيارة المفجعة التي يقرأها زوّار العقيلة (عليها السلام) حين المثول بين يدي ضريحها المقدّس في مشهدها المبارك:(السلام عليك يا من نطحت جبينها بمقدّم المحمل إذ رأت رأس سيد الشهداء، ويخرج الدم من تحت قناعها ومن محملها بحيث يري من حولها الأعداء).2- (عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح [72] جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.ثمّ قال (عليه السلام): كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يري ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّي يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلي الله عليه) [73] .3- ومما جاء في زيارة الناحية المقدّسة، حيث يقول إمام زماننا (عليه السلام): (فلئن أخّرتني الدّهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين لك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك، وتأسّفاً علي ما دهاك، وتلهّفاً حتّي أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب) [74] .4- وعن بحار الأنوار لشيخنا المجلسي (ره):(إنّ آدم لمّا هبط إلي الأرض لم ير حوّا فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلا فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الّذي قتل فيه الحسين، حتّي سال الدّم من رجله، فرفع رأسه إلي السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحي الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم: يا ربّ أيكون الحسين نبيّاً؟ قال: لا، ولكنه سبط النبيّ محمّد، فقال: ومن القاتل له؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل؟ فقال: العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات ومشي خطوات إلي جبل عرفات فوجد حوّا هناك) [75] .5- وعنه أيضاً:(إنّ إبراهيم (عليه السلام) مرّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أيّ شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرائيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرائيل ومن يكون قاتله؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين، والقلم جري علي اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه فأوحي الله تعالي إلي القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن. فرفع إبراهيم (عليه السلام) يده ولعن يزيد لعناً كثيراً وأمّن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه:أيّ شيء عرفت حتّي تؤمّن علي دعائي؟ فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالي) [76] .6- وعنه أيضاً كذلك:(إنّ موسي كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلي أرض كربلا انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك [77] في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أيّ شيء حدث منّي فأوحي إليه أنّ هنا يقتل الحسين (عليه السلام) وهنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه فقال: ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له: هو سبط محمّد المصطفي، وابن عليّ المرتضي. فقال: ومن يكون قاتله؟ فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء. فرفع موسي يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن يوشع بن نون علي دعائه ومضي لشأنه) [78] .7- وفي كامل الزيارات:(عن محمّد بن سنان - عمّن ذكره - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالي في كتابه: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) [79] ، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء، بعثه الله إلي قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالي فقال: إنّ الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين) [80] .8- ومنه أيضاً:(عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّه كان لله رسولاً نبياً تسلّط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه فأتاه رسول من ربّ العالمين فقال له: ربّك يقرؤك السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك؛ وقد أمرني بطاعتك، فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين أسوة) [81] .وسنري أحاديث أخري عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا المضمون في الفصل السادس من هذا الكتاب في طوايا كلمات علماء وفقهاء ومراجع الأمة، كقول الإمام الصادق (عليه السلام): (علي مثل الحسين فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه، ولتلطم الخدود)، ولا يخفي فإنّ لازمة خمش الوجوه هو الإدماء. وكذلك ما جاء منقولاً عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنّه (كان إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتي يملأه دماً)، وغير ذلك ممّا استدلّ به علماء الأمة وفقهاؤها واستشهدوا به.ب - من موارد إلحاق الضرر بالنفس حتي الموت المؤيّدة بتقرير المعصوم (عليه السلام) ورضاه:1- خطبة وصف المتقين في نهج البلاغة الشريف أشهر من نارٍ علي علم بين أهل العلم وأهل الدين من خاصّتهم وعامّتهم. فلندقّق النظر في قصة هذه الخطبة. وإليك نصّ ما ذكره الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة:(روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له همام كان رجلاً عابداً فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين حتي كأني أنظر إليهم. فتثاقل (عليه السلام) عن جوابه ثم قال: يا همام اتق الله وأحسن فـ (إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) [82] .فلم يقنع همام بهذا القول حتي عزم عليه، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبي (صلّي الله عليه وآله) ثم قال (عليه السلام):أمّا بعد.... إلي آخر الخطبة الشريفة.قال: فصعق [83] همام صعقة كانت نفسه فيها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال: أهكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها؟) [84] .تعليق:قول سيد الأوصياء عليه أفضل الصلاة والسلام:(أما والله لقد كنت أخافها عليه) يُشعرنا بأنّ هماماً كان متوقّعاً منه أن يكون الذي منه كان، حيث وقع مغشياً عليه وفارقت روحه الدنيا. وهذا يدلّ بنحو مؤكّد علي جواز الإقدام علي ما يلحق الضرر بالنفس ولو إلي درجة الموت مع العلم المسبق أو الظن الشديد قبل الشروع في بعضٍ من الحالات المعنوية كالتي كان الحديث عنها في هذه الواقعة. وقوله (عليه السلام): (أهكذا تصنع المواعظ بأهلها؟) تقرير واضح وإمضاء بيّن لحالة همام رضوان الله تعالي عليه بل هو في الحقيقة مدح بليغ وبيان جزل لسموّ المقام المعنوي والدرجة الإيمانية لهمام ومن كان مثله. وخلاصة القول هي: جواز بل رجحان إلحاق الضرر بالنفس ولو كان ذلك إلي درجة الموت في بعضٍ من الحالات المعنوية، فهمام رضوان الله تعالي عليه سمع أوصاف المتقين فصعق صعقة كانت نفسه فيها. فكيف لو سمع بما جري علي إمام المتقين وسيدّهم وحجة الله البالغة عليهم سيد الشهداء صلوات الله عليه:(.... ولما ضعف الحسين (عليه السلام) عن القتال وقف يستريح فرماه رجل بحجر علي جبهته فسال الدم علي وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه، رماه آخر بسهم محدّد له ثلاث شعب وقع علي قلبه فقال: بسم الله وبالله وعلي ملّة رسول الله ورفع رأسه إلي السماء وقال: الهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس علي وجه الأرض ابن بنت نبي غيري!! ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت رمي به نحو السماء وقال: هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض! ثم وضعها ثانياً فلما امتلأت لطخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال: هكذا أكون حتي ألقي الله وجدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنا مخضّب بدمي...... وأعياه نزف الدم فجلس علي الأرض ينوء برقبته فانتهي إليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ثم ضربه بالسيف علي رأسه وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دما فقال الحسين (عليه السلام): لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين.... فصاح الشمر: ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام والرماح؟! احملوا عليه!وا أســـــــــفاه حـــــملوا عــــليـــه مــــن كــــل جــــــانبٍ أتــــوا إليـهقــــد ضــــربوا عــــاتقه المطــهرا بـضربةٍ كبي لها علي الثري [85] .وضربه زرعة بن شريك علي كتفه الأيسر، ورماه الحصين في حلقه، وضربه آخر علي عاتقه، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدر رماه بسهمٍ في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه. وأقبل الفرس يدور حوله ولطّخ ناصيته بدمه فصاح ابن سعد دونكم الفرس.... فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلاً عالياً.. قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) كان يقول: (الظليمة، الظليمة، من أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها) وتوجّه نحو المخيم بذلك الصهيل.... ثم صاح بن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس علي صدره، وقبض علي شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة، واحتزّ رأسه المقدّس!!!!!وأقبل القوم علي سلبه، فأخذ إسحاق بن حوية قميصه، وأخذ الأخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته، وأخذ الأسود بن خالد نعليه.... وجاء بجدل فرأي الخاتم في إصبعه والدماء عليه فقطع إصبعه واخذ الخاتم.... وأراد رجل منهم أخذ تكّة سرواله وكان لها قيمة [86] وذلك بعد ما سلبه الناس يقول: أردت أن انزع التكّة فوضع يده اليمني فلم اقدر علي رفعها فقطعت يمينه فوضع يده اليسري عليها فلم أقدر علي رفعها فقطعتها وهممت بنزع السروال فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليّ....) [87] .أتري هماماً ماذا يصنع؟ سؤال أترك جوابه للمنصفين..وماذا يقول سيد الأوصياء (عليه السلام) لقومٍ يلطّخون رؤوسهم بدمائهم حزناً وجزعاً علي مصاب إمامهم من دون أن يلحقهم أي ضررٍ يذكر بعد أن قال ما قال عليه أفضل الصلاة والسلام في همامٍ الذي قضي نحبه في صعقةٍ لأجل موعظةٍ بالغة؟!2- تحت نظر الإمام السجاد صلوات الله عليه وتقريره آلت الرباب (عليها السلام) أم عبد الله الرضيع علي نفسها أن لا تسكن تحت ظل بعد أن بقي أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ثلاثاً علي الثري من دون ظل؛ وبقيت تتحمل آلام حرّ الحجاز وقرّه لم يظلها سقف بيت حتي ودّعت الدنيا بعد عاشوراء بسنةٍ واحدة. وهذا الأمر ليس بخفيّ إذ نقله مؤرّخو العامة [88] قبل الخاصة.ويحضرني من الشعر ما يناسب المقام:البـــــــدار البـــــــدار آل نـــــــــزال قد فنيتم ما بين بيض الشفار [89] .لا تــــــلد هــــــاشمية علــــــويــــــاً إن تــــــــركتم أميـــــــــةً بــــــقرارطـــــأطأوا الروس إنّ رأس حسينٍ رفعـــــوه فـــوق القنا الخطّار [90] .لا تذوقوا المعيــــــن واقضوا ظمايا بعـــــد ظـام قضي بحدّ الغرار [91] .لا تــــمدّوا لكــــم عـن الشمس ظلاّ إنّ فـــــي الشمـــس مهجة المختارحــــــقّ أن لا تـــــكفّنوا هـــــاشمياً بعــــــد مـــــا كفّـن الحسين الذاريلا تشــــــقّوا لآل فــــــهرٍ قبـــــــوراً فــــــابن طـــه ملقيً بلا إقبار [92] .وبعد ما رأيت يا قارئي العزيز من حال سيدتنا الرباب سلام الله عليها وما تحمّلته من آلامٍ وأوجاع خلال سنةٍ كاملة حتي فارقت الدنيا؛ كلّ ذلك حزناً وجزعاً علي سيد شباب أهل الجنّة عليه أفضل الصلاة والسلام. أفيحقّ لأحدٍ أن يعترض علي مواكب التطبير الحسيني والتي لا يقاس ما فيها من حزنٍ وجزعٍ أبداً بأي وجه من الوجوه مع حزنٍ كحزن سيدتنا الرباب (عليها السلام)؟! ولكن ماذا نقول إذا انقلبت الموازين، وانتكس الوجدان، ومات الإنصاف؟!خاتمة الفصل الخامس:مرّ علينا في هذا الفصل:1- دليل أصالة البراءة: إذ كل شيء هو لك حلال حتي تعلم بحرمته.2- أحاديث: استحباب الجزع، الإبكاء، إحياء الأمر.3- حزن نبي الله يعقوب (عليه السلام)، خطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أحاديث استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) مع الخوف والمخاطر.4- مجموعة من الشواهد والمؤيّدات.وكلّ ذلك يدلّ بوضوح علي جواز ورجحان وأولوية واستحباب التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه. ومهما يكن فإنّه حتي لو أنكر المنكرون كلّ هذه الأحاديث والروايات والأدلّة - ولا يكون ذلك قطعاً منهم إلاّ جهلاً أو مكابرةً وعناداً - فإنهم لا يمكنهم بأي وجهٍ من الوجوه أن يتركوا الإفتاء والعمل بالأصل العملي القائل بالجواز لعدم وجود أي نصّ أو حديثٍ في أيديهم يمنع من التطبير الحسيني. وإلا كانت فتاواهم وآراؤهم إفتاءً من غير علم، ومن أفتي بغير علم فأمره معروف.

مراجع الامة و فقهاوها ماذا قالوا؟ و ماذا فعلوا؟

أعرض بين يديك يا قارئي العزيز إضمامة عطرة من كلمات وفتاوي مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها في التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه مقتطفاً ذلك من هنا وهناك: تارةً من كتبهم، وأخري من أجوبتهم ونصوص فتاواهم، وثالثةً من بياناتهم وأحوالهم، كلّ ذلك لا علي نحو التتبع والتقصي، وإنما هي شذرات أزيّن بها كتابي هذا وأحاول من خلالها أن أضع صورةً واضحةً عن موقف علماء الأمّة ورجالاتها من التطبير الحسيني بين يديك الكريمتين أيها القارئ الفهيم:1- ممّا كتبه مرجع الطائفة وفقيهها الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ره) في جوابه علي الاستفتاء الموجّه إليه من جماعة من ذوي الفضل من النجف الأشرف يسألونه عن المواكب الحسينية وشعائر العزاء الحسيني بكلّ أشكاله المعروفة بين شيعة أهل البيت (عليهم السلام):(نحن إذا لم نقل باستحبابها ورجحانها لتوفر الأدلة من الأخبار والأحاديث المتظافرة المشعرة بمحبوبية تلك المظاهرات لأهل البيت (عليهم السلام) فلا أقلّ من القول بالجواز والإباحة) [93] .إلي أن يقول (ره):(وما أحسب التعرّض للسؤال عن تلك الأعمال التي استمرت السيرة عليها منذ مئات من السنين وذلك بمشاهدة أعاظم العلماء لها وصلحاء أهل الدين مع عدم النكير من واحد منهم لا حديثاً ولا قديماً مع أنها بمرئي منهم ومسمع ما احسب وضعها في مجال السؤال والتشكيك إلاّ دسيسة أموية أو نزعة وهابية يريدون أن يتوصلوا بذلك إلي إطفاء ذلك النور الذي أبي الله إلا أن يتمّه ولو كره الكافرون كما إني لا ارتاب في انه لو تمت لهم هذه الحيلة ونجحت لا مسح الله هذه الوسيلة وعطلت تلك المواكب والمراسم في سنتين أو ثلاثة سري الداء واستفحل الخطب وتطرّقوا إلي السؤال والتشكيك فيما يقام في بلاد الشيعة من المآتم وجعلوا ذلك باباً إلي إماتة تلك المحافل والمشاهد التي بإحيائها إحياء الدين وبإماتتها إماتة ذكر الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم ومن له اقلّ إلمام ووقوف علي المجتمعات والجمعيات التي عقدت في هذه الاعصار في مصر ودمشق وغيرها وما أصبحت تنشره من المقالات والمؤلّفات في إحياء ذكر بني أمية وتنزيههم وتبرير أعمالهم وتبرئتهم من قتل الحسن والحسين (عليهما السلام) والتنويه بذكر يزيد وانه من الخلفاء الراشدين والأئمة المرضيين عرف من أين سري هذا السمّ الخبيث وجاءت تلك البلية التي تريد أن تقضي علي حياة الشيعة وتزهق روح الشريعة ولا يروّج هذا إلا علي السذّج والبسطاء والمغفلين الذين يقتلون الدين باسم الدين من حيث لا يشعرون فالرجاء والأمل من جميع إخواننا المؤمنين ثبتهم الله بالقول الثابت وأيدهم بروح منه ترك الخوض في مثل هذه الأمور المتسالم عليها خلفاً عن سلف والتي هي من أعظم الوسائل إلي نيل الشفاعة والدخول في سفينة النجاة وأبواب الرحمة وليصرفوا أوقاتهم الثمينة في الاتّفاق والتعاضد والتعاون علي البر والتقوي فيما يعود إلي إصلاح شؤون دينهم ودنياهم وجمع كلمتهم علي الحق والهدي إن شاء الله تعالي ولا يخوضوا في ما يوجب اختلاف الأمة وتفرقة الكلمة والله وليّ التوفيق وبه المستعان) [94] .وفي البيان الذي وجّهه إلي أهل البصرة بعد أن تتابعت عليه البرقيات تستفتيه وتسأله عن حكم الشريعة في الشعائر الحسينية عموماً قال (ره):(أما الحكم الشرعي في تلك المظاهرات والمواكب فلا إشكال في أنّ اللطم علي الصدور وضرب السلاسل علي الظهور، وخروج الجماعات في الشوارع والطرقات بالمشاعل والأعلام مباحة مشروعة بل راجحة مستحبّة وهي وسيلة من الوسائل الحسينية وباب من أبواب سفينة النجاة وأما الضرب بالبطول والأبواق وأمثالها ممّا لا يعدّ من آلات اللهو والطرب فلا ريب أيضاً في إباحتها ومشروعيتها للإعلام والإشعار وتعظيم الشعار. وأما الضرب بالسيوف أو الخناجر والإدماء فهو كسوابقه مباح بمقتضي أصل الإباحة بل راجح بقصد إعلان الشعار للأحزان الحسينية نعم إلا أن يعلم بعروض عنوان ثانوي يقتضي حرمة شيء من تلك الأعمال الجليلة مثل كونه موجباً للضرر بتلف النفس أو الوقوع في مرض مزمن أما الألم الذي يزول بسرعة فلا يوجب الحرمة) [95] .وقد كتب (ره) بهذا الخصوص مصرّحاً في بيان ثالث وجهّه إلي شيعة أهل البيت (عليهم السلام):(سألتم أعزكم الله في عدة برقيات وردت إلينا منكم ومراسلات تتابعت لدينا عنكم: عن المواكب الحسينية زاد الله شرفها وعما يجري فيها من ضرب الرؤس والصدور بالسلاسل والسيوف والإدماء وقرع الطوس والطبول والشبيه أو الخروج في الشوارع والأزقّة بالهيئات المتعارفة والكيفيات المتداولة في أكثر بلاد الشيعة نصرها الله سيّما في العتبات المقدّسة دام شرفها. ولعمري ما كنت أحسب أن هذا الموضوع يعرض علي مطرقة النقد والتشكيك، أو يطرح في منطقة السؤال والترديد كيف وقد مرّت عليه الدهور والأحقاب وخضعت له أساطين الملة وأعلام الشريعة في جميع الاعصار والأدوار، ما أنكره منكر ولا اعترضه معترض، وهو بمرأي منهم ومسمع ومنتدي ومجمع، وقد كان يجري في القرن الماضي أزمنة السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء قدّس الله أسرارهم من التشبيهات التي كانت تسمّي الدائرة ما هو أوسع وأشيع، واكثر وافر مما يجري في هذه العصور وفضلا عن سكوت أولئك الأساطين كانوا يمدونهم بالمساعدة، ويعضدونهم بالحضور والمشاهدة. وفي كشف الغطاء وجامع الشتات للمحقق القمّي وغيرهما من أقرانهما ما يشهد بذلك اكبر شهادة.دع عنك هذه الشواهد والمشاهد وانظر إلي المسألة من وجهها العلمي ومن حيث القواعد والأدلة: أما أوّلاً: فالأصول الأولية تقضي بإباحة جميع تلك الأعمال وعلي مدعي الحرمة إقامة الدليل عليها والأصل مع المنكر ومطالبته بالدليل تضليل. وأمّا ثانياً: فكلّ واحد من تلك الأعمال علي الإجمال ممّا يتخرّج لمشروعيته وجه وجيه عند المتظلع الفقيه من عمومات الأدلة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة.اللطم واللدم: من ذا يشك ويرتاب في رجحان مواساة أهل بيت الرحمة وسفن النجاة والتأسي بهم في الأفراح والأتراح والضرّاء والسرّاء، أو من ذا يشك أنّ أهل البيت سلام الله عليهم قد لطموا في فاجعة الطف وجوههم ولدموا صدورهم وقرّح البكاء خدودهم وعيونهم وجوههم ولدموا صدورهم وقرّح البكاء خدودهم وعيونهم وفي زيارة الناحية المقدّسة: (فبرزن من الخدور ناشرات الشعور لاطمات الخدود سافرات الوجوه) [96] ولا تقل إنّ هذا مخصوص بيوم الطف وما قاربه، فقد روي الصدوق رضوان الله عليه إنّ دعبل لما أنشد الرضا (عليه السلام) تائيّة المشهورة التي فيها: (إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده.. الخ) لطمت النساء وعلا الصراخ من وراء الستر وبكي الرضا (عليه السلام) في إنشاد القصيدة حتي أغمي عليه مرتين.. فإذاً جاز للرضا (عليه السلام) أن يتعرّض لسبب الإغماء الذي هو أخ الموت فلماذا لا يجوز لشيعته ضرب الرؤس والظهور ولدم الصدور وأمثالها مما هو دون الإغماء بكثير) [97] .إلي أن يقول (ره):(ضرب الرؤس والظهور بالسيوف والسلاسل: لا ريب إن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حدّ ذاته من المباحات الأصلية ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخري وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات فيجب كما لو توقّفت الصحة علي إخراجه كما في الفصد والحجامة وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت وقد تعرض له جهة تحسّنه ولا توجبه، وناهيك بقصد مواساة سيد أهل الإبا وخامس أصحاب العبا وسبعين باسل من صحبه وذويه، حسبك بصد مواساتهم وإظهار التفجّع والتلهّف عليهم وتمثيل شبح من حالتهم مجسّمة أمام عيون محبيهم، ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسّنة وغايات شريفة ترتقي بتلك الأعمال من أخسّ مراتب الحطّة إلي أعلي مراتب الكمال.وإنّ الآلي بالطفّ من آل هاشمٍ تـــــأسّوا فسنّوا للكرام التأسّياإما ترتّب الضرر أحياناً بنزف الدم المودي إلي الموت أو إلي المرض المقتضي لتحريمه، فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلا عن فقيه أو متفقّه: أمّا أولاً: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر ولا سمعنا به في الغابرين. وأمّا ثانياً: فتلك الأمور علي فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية، ونوادر شخصية، لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكاً لقاعدة، وليس علي الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية أما الجزئيات فليس من شأن الفقيه ولا من وظيفته والذي علينا أن نقول: إنّ كل من يخاف الضرر علي نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل. ولا أحسب إنّ أحد الضاربين رؤسهم بالسيوف يخاف من ذلك الضرب علي نفسه ويقدم علي فعله، ولئن حرم ذلك العمل عليه فهو لا يستلزم حرمته علي غيره وأما ما ورد في الأخبار وذكره الفقهاء في كتاب الحدود والديات من أقسام الشجاج كالحارصة: وهي التي تقشر الجلد، وفيها بعير، والدامية، وهي التي تأخذ من اللحم يسيراً، وفيها بعيران، وهلمّ جرّا إلي الهاشمة وفيها عشرة. فمعلوم إن المراد ما لو جناه إنسان علي أخر عدواناً لا ما إذا فعله الإنسان بنفسه، ضرورة إن الإنسان لا يملك علي نفسه شيئاً وهذا ممّا لا أظنه يخفي علي جاهل فضلاً عن فاضل. هذا وانّ بالأصل الذي شيدناه من إنّ المباح قد تعرض له جهات محسّنة يتضح لك الوجه في جميع تلك الأعمال العزائية في المواكب الحسينية) [98] .وقد ختم رحمه الله بيانه وفتواه بهذا الكلام المتين السديد فقال:فذلكة [99] المقام وخلاصة الفتوي:إنّ واقعة الطف وما جري فيها من زوابع الفجائع واقعة خرقت النواميس الطبيعية والغرائز البشرية فضلا عن الشرائع الإلهية، وما رأت عين الدهر ولا سمعت واعية إلا زمان بواقعة مثلها ولا تسمع بمثلها أبدا، وكما أنها أخذت بمجامع الغرابة والتفرد في بابها فكذلك أحكامها غريبة الشكل عديمة النظير بديعة الأسلوب متفردة في بابها:الجزع والبكاء في المصائب مهما عظمت قبيح مكروه ولكن صادق أهل البيت سلام الله عليه وعليهم يقول في حديث معتبر: (البكاء والجزع كله مكروه إلا علي الحسين صلوات الله عليه).شقّ الجيوب علي الفقيد وخمش الوجوه محرّم في الأشهر ولكن صادق أهل البيت سلام الله عليه يقول في حديث وثيق: (علي مثل الحسين فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه، ولتلطم الخدود).إيذاء النفس وإدماء الجسد مرغوب عنه مذموم سيما من الأعاظم وأرباب العزائم، والحجة عجل الله فرجه يقول في زيارة الناحية: (فلاندبنّك صباحاً ومساءاً، ولأبكينّ عليك [100] بدل الدموع دماً) وقد سبقه إلي ذلك جدّه زين العابدين (عليه السلام) ففي بعض روايات المجلسي علي ما يعلق ببالي من زمن متقادم: أنّ زين العابدين كان أحيانا إذا قدّم إليه قدح فيه ماء بكي حتي يملأه دما. وعلي هذه الوتيرة فاسحب وجرّ سائر الأعمال التي يؤتي بها بقصد الحزن والتوجع لفاجعة الطف وإنها لعمر الله باب الرحمة الواسعة وسفينة النجاة من كل هلكة ومن ذا يقدر علي سدّ باب رحمة الله، أو يقطع أعظم الذرائع والوسائل إلي الله) [101] .2- ومما جاء في الفتوي المشهورة والمعروفة بين أهل العلم والفقه التي أصدرها المرجع الديني المعروف المحقق الشيخ محمّد حسين النائيني (ره) حيث كتب بخط يده:(لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي علي الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً علي الأكتاف والظهور إلي الحد المذكور، بل وإن تأدّي كلّ من اللطم والضرب إلي خروج دم يسير علي الأقوي، وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوي جواز ما كان ضرره مأموناً. وكان من مجرد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة علي عظمها ولا يتعقّب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم ونحو ذلك، كما يعرفه المتدرّبون العارفون بكيفية الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتفق خروج الدم قدر ما يضر خروجه لم يكن ذلك موجباً لحرمته ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمناً من ضرره ثم تبيّن تضرره منه، لكن الأولي، بل الأحوط، أن لا يقتحمه غير العارفين المتدرّبين ولا سيما الشبّاب الذين لا يبالون بما يوردون علي أنفسهم لعظم المصيبة وامتلاء قلوبهم من المحبة الحسينية ثبّتهم الله تعالي بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) [102] .وقد أمضاها وأيّدها مراجع الطائفة وفقهاؤها الذين كانوا في عصره، والذين جاءوا من بعده أيضاً إلي يومنا هذا. ومن أبرز أولئك الذين أعلنوا موافقتهم وإمضاءهم لما جاء في فتوي الشيخ النائيني (ره):1- السيد محسن الحكيم (ره).2- السيد عبد الهادي الشيرازي (ره).3- السيد حسين الحمّامي (ره).4- الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ره).5- الشيخ محمد كاظم الشيرازي (ره).6- السيد علي مدد الموسوي القايني (ره).7- السيد جمال الدين الكلبايكاني (ره).8- السيد محمود الشاهرودي (ره).9- السيد أبو القاسم الخوئي (ره).10- الشيخ محمّد حسين المظفّر (ره).11- السيد مهدي الشيرازي (ره).12- الشيخ محمّد رضا الطبسي النجفي (ره).وأكتفي بهذا العدد المبارك تيمناً وإلاّ فالأسماء كثيرة جداً. ويمكنك يا قارئي العزيز أن تراجع الكتب التالية نقلت فتوي الشيخ النائيني (ره) وفتاوي غيره من المراجع والفقهاء سواء الذين ذكرت أسماءهم علي سبيل المثال أو الذين لم أذكر أسماءهم وهم كثير جداً:1- نصرة المظلوم الشيخ حسن المظفّر (ره) طبعة النجف الأشرف 1345 هـ، المطبعة العلوية.2- أحسن الجزاء في إقامة العزاء علي سيد الشهداء (عليه السلام)، الجزء الثاني السيد محمّد رضا الحسيني الأعرجي طبعة قم المقدّسة 1401 هـ، المطبعة العلمية.3- حول البكاء علي الإمام الحسين (عليه السلام) السبط الشهيد الشيخ محمّد الشيخ محمّد علي دانشيار طبعة قم المقدّسة 1405 هـ.4- فتاوي العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية طبعة قم المقدّسة 1410 هـ.5- عزاداري أو ديدكاه مرجعيت شيعه (فارسي) الشيخ علي رباني خلخالي طبعة طهران 1415 هـ، مطبعة بهرام.6- الدعاة الحسينية للشيخ محمّد علي نخجواني بضميمه فتاوي مراجع عاليقدر تشيع بيرامون عزاداري سيد الشهداء (عليه السلام) (فارسي) طبعة قم المقدّسة 1406 هـ، مطبعة مهر.إلي غير ذلك من الكتب الكثيرة الوفيرة في هذا المضمار.3- وهذه نماذج أخري من فتاوي مراجع الأمة وفقهائها في الشعائر الحسينية عموماً والتطبير حزناً وجزعاً علي الحسين المظلوم (عليه السلام) خصوصاً:أ- (الذي يستفاد من مجموع النصوص ومنها الأخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم ولو مع الخوف علي النفس، يجوز اللطم والجزع علي الحسين كيفما كان حتي لو علم بأنّه يموت في نفس الوقت) [103] .الشيخ خضر شلاّل النجفي (ره)ب ـ (لا تنبغي الشبهة في هذه الأمور بل لو أفتي فقيه متبحّر بوجوبها كفاية في مثل هذه الأزمنة التي صمّم فيها جمع علي إطفاء نور أهل البيت لا يمكن تخطئته) [104] .الشيخ عبد الله المامقاني (ره)ج- (كل ما يصنع من عزاء الحسين (عليه السلام) وما فيه تهييج العبرة والبكاء بجميع صوره وأنحائه ما لم يكن موجباً لهلاك النفس راجح شرعاً) [105] .الشيخ عبد الرسول الجواهري (ره)د- (يظهر من تكرار هذه الأسئلة بين آونةٍ وأخري أنّ زمرة من أعداء الإسلام يرون عظم تأثير هذه المواكب والمآتم المشتملة علي إظهار الأسي بشتّي الأساليب ومختلف الأشكال في حفظ كيان الإسلام فيقعدون في المرصد ويكفرون في القضاء علي هذه الدعاية الدينية وإخماد هذه الشعائر الحسينية بخلق إشكالات تافهة ومناقشات واهية لا نصيب لها من الحقيقة، ولا حظّ لها من الواقع. وقد سألوا قبلنا من مشايخنا العظام ومراجع المسلمين فأجابوهم بفتاواهم الصريحة بجواز هذه الأمور وقد طبعت ونشرت مرات عديدة، وأنها من الشعائر التي ينبغي أن تعظّم وأنا أؤيدهم وأوافقهم) [106] .السيد محمّد جواد التبريزي (ره)هـ ـ (إنّ من أهم وسائل النجاة وأوثق أسباب التوسل إقامة الشعائر الحسينية وتعظيمها وإدامتها فإنّها من شعائر الله جلّت عظمته) [107] .السيد عبد الأعلي السبزواري (ره)و- (إنّ اللطم علي الصدور ونحوه هو ممّا استقرّت عليه سيرة الشيعة في العصور السابقة والأزمنة الماضية، وفيها الأعاظم والأكابر من فقهاء الشيعة المتقدمين والمتأخرين، ولم يسمع، ولن يسمع أنّ أحداً منهم قد أنكر ذلك ومنع، ولو فرض أنّ هناك من منع لشبهة حصلت له، أو لاعوجاج في السليقة، فهو نادر، والنادر كالمعدوم. وبالجملة، إنّ من ناقش في عصرنا هذا في جواز اللطم علي الحسين (عليه السلام) ورجحانه واستحبابه فهو لا يخلو عن خلل لا محالة إما في عقله أو في دينه أو في نسبه، والله أعلم بحقيقة حاله. ومن جميع ما ذكر إلي هنا يعرف حكم الضرب بالسلاسل علي الظهور، فإنه من الجزع المستثني لقتل الحسين (عليه السلام) فلا ريب في جوازه، بل رجحانه. وأما التطبير فإذا لم يكن بحد الضرر أو خوف الضرر فلا بأس به، وفعلُ زينب بنت عليّ (عليها السلام) من نطح جبينها بمقدّم المحمل حتي جري الدم، معروف مشهور لا ينكر، مضافاً إلي التطبير علي الشرط المذكور لا دليل علي حرمته، ولو شكّ، فالأصل حلّيته، وتوهّم أنّ ذلك من الإلقاء في التهلكة المحرّم فعله فاسد جداً بعد أن فرض كونه دون حد الضرر أو خوف الضرر بل لو اقتصر علي مجرد الإدماء بمقدار يخضّب به الرأس والوجه كالتدهين لا أكثر فلا يبعد رجحانه لما فيه من نحو مواساة وعزاء، ومن ناقش في جوازه حتي بهذا المقدار فهو من أهل الغرض والمرض، فزادهم الله مرضاً) [108] .السيد مرتضي الفيروز آبادي (ره)ز- (نري من أعظم القربات إلي المولي جلّ سلطانه، وأقرب الوسائل إلي النبي الأعظم وآله صلوات الله عليه وعليهم، تلك المآتم والشعائر الحسينية، إذ بها يحيي أمر الأئمة (عليهم السلام)، بل بها تقوم قائمة التبشير الديني والتبليغ المذهبي، وإليك فوائد إقامة العزاء علي مظلوم الخافقين بجميع مالها من الأنواع والأنحاء من ذكر مناقبه علي المنابر ومصائبه في المجالس وإنشاء المراثي في اضطهاده والبكاء عليه وعلي أولاده وأصحابه وعياله واللطم علي الخدود والصدور والضرب بالسلاسل علي الظهور وسير المواكب في الطرقات والشوارع بل التطبير والشبيه والضرب بالدمام واقتحام النار، وهي أمور:...) [109] .إلي أن يقول (ره):(وهنا شبهات حول الشعائر وحدها ولو لم تسدّ أفواه المشككين بالبراهين ورأوا مجالاً لإلقاء الشبهات لزادوا فيها وتجاوزوا الشعائر إلي إقامة العزاء، بل إلي زيارة المشاهد المشرّفة والبكاء عليهم، إذ المعاند لا يقنع بالقليل، وقد ابتلينا نحن الشيعة بخصماء من الخارج والداخل وشاهدنا منهم ما شاهدنا وسمعنا منهم ما سمعنا والي الله المشتكي، وهي أمور:الأول: إنه لم تعهد هذه الأمور في زمن المعصومين (عليهم السلام) وهم أهل المصيبة وأولي بالتعزية علي الحسين (عليه السلام) ولم يرد في حديث أمر بها منهم، فهذه أمور ابتدعها الشيعة وسمّوها الشعائر المذهبية والمأثور أنّ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.والجواب واضح جداً إذ ليس كل جديد بدعة إذ البدعة المبغوضة عبارة عن تشريع حكم اقتراحي لم يكن في الدين ولا من الدين والروايات الواردة في ذم البدعة والمبتدع ناظرة إلي التشريع في الدين، بل هي واردة مورد حكم العقل بقبح التشريع من غير المشرّع بعنوان أنه شرع إلهي ومستمد من الوحي السماوي، وإلا فأين محل الشبهات الحكمية التي وردت الروايات بالبراءة فيها وحكم العقل بقبح العقاب عليها. وبديهي أنّ الشعائر الحسينية ليست كذلك كيف والإبكاء مأمور به وهو فعل توليدي يحتاج إلي سبب وهو إما قولي كذكر المصائب وإنشاء المراثي، أو عملي كما في عمل الشبيه فللفقه أن يحكم بجواز تلك الشعائر لما يترتب عليها من الإبكاء الراجح البتة، كما أنّ التعزية عنوان قصدي، ولا بدّ له من مبرز ونري أنّ مبرزات العزاء في الملل مختلفة، وما تعارف عند الشيعة ليس مما نهي عنه الشرع أو حكم بقبحه العقل، وعلي المشكك أن يفهم المراد من البدعة ثم يطبقها علي ما يشاء إن أمكن.الثاني: إنّ سير المواكب في الشوارع في الوقت الحاضر يوجب استهزاء الأجانب علينا.والجواب: إنّ كل ملة لها مراسيم مذهبية واجتماعية، وليس ما عند الأجانب بألطف مما عندنا مضافاً إلي أنّ الدين لا يهجر ولا يتغيّر بمسخرة المعاند، بل أليس لنا أن نسخر ممن يري الدعارة فخراً والغدر هدي والجناية تقدّماً ثمّ يتهمنا بالرجعية؟ نعم بعثهم علي الاستهزاء بنا تخدير أعصابنا واستغلال وحدتنا المذهبية الكبري.الثالث: إنّ تلك النفقات لو صرفت في تعديل النظام الاقتصادي لكان أحسن لو لم نقل بأنّ صرف المال فيما لا يفيد إسراف بغيض والجواب: إنّ خير المال ما يوصل به الإمام (عليه السلام)، وقد ورد في الأخبار مثوبات كثيرة لمن يراعي مصلحة الإمام (عليه السلام) ويصرف المال في شؤونه، وياليت المشكّك يري بأنّ النظام الاقتصادي إنما يحصل بالاجتناب عن الكسل والبطالة وعن صرف المال في الملذّات المخزية.الرابع: إنّ ضرب السلاسل علي الظهور والتطبير والاقتحام في النار إضرار بالنفس وهو حرام، ولا يؤتي المستحب من طريق الحرام.والجواب: انه لم يدل دليل علي أنّ أمثال تلك الأمور مع عدم الانجرار إلي قتل النفس أو نقص الطرف حرام، فالتطبير مثلاً علي النحو المتداول مع الأمن من تلف النفس لاسيما من المحنّك المدرّب ليس بإضرار دل الدليل علي حرمته، وكذا الاقتحام في النار علي النحو الذي سمعناه ليس بنفسه سبباً لهلاك النفس فلا يشمله قوله تعالي: (ولا تقتلوا أنفسكم) [110] وقول المعصوم (عليه السلام): المؤمن لا يقتل نفسه، وبالجملة إيراد الجرح علي الطرف إطلاقه ليس بحرام، فكيف بضرب السلاسل علي الظهور؟ ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وعلي مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب) [111] .السيد علي الفاني (ره)4- وهذه مقتطفات من كتب علماء الأمة وفقهائها ورجالاتها:أولاً: نصرة المظلومللشيخ حسن المظفّر (ره)في ص 10:(.... وأنت إذا تيقنت قيام تلك الفائدة الجلية بالمآتم الحسينية قياماً طبيعياً أرشدت إليه الأئمة (عليهم السلام) الأطهار بهاتيك الأخبار لزمك الالتزام بوجوبها كفاية ووجوب كلما يفيد مفادها كذلك من تمثيل الفاجعة لحاسة البصر أو سير مواكب الرجال في الأزقّة والشوارع مذكرةً بها. ولم تحتج بعد تلك الفائدة الملموسة باليد إلي نضد الأدلّة علي مشروعيتها إذ أنها بهذا البيان الذي يشهد به الوجدان أجلّ من أن يرتاب مريب في رجحانها بل وجوبها كفايةً).وفي ص 32:(فأني مذ أدركت لليوم ما رأيت ولا سمعت أن واحداً مات بذلك في أيّ بلد فضلاً عن جماعة في كلّ سنة ولقد سئلت كثيراً ممن جاوز السبعين والثمانين من سني عمره من ثقات أهل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم من علماء البلدان وصلحائهم وكل أنكر أن يكون رأي أو سمع أنّ واحداً من أولئك تألّم ألماً يوجب مراجعة الجرّاح أو المضّمد فضلاً عن موته).وفي ص 33 و ص34:(قوله [112] ولو قطعنا النظر عن هذه الجهة: وهي نزف الدم، فهو فعل همجي وحشي مثل الضرب بسلاسل من الحديد - أقول: إذا قطع النظر عن تلك الجهة التي هي علة التحريم فكونه فعلاً همجياً لا يفي بالحكم المقصود - لو يعلم إلا إن يدل البرهان علي إن كل عبث وفعل لا ترتكبه العقلاء لهمجيته هو محرّم، وأنّي لأحدٍ بإثباته. علي أن عدّه فعلاً همجياً وحشياً إنما هو بنظر من لم يعرف حكمته ولم يطّلع علي المقصود منه.....إلي أن يقول (ره):وأنا استسلف العذر عن حزازة القدح اللساني الظاهري فقط بأعظم شعائر الله وحرماته: (الحج) ليس الحج إلا طواف حول بنيّة، وسعي وهرولة بين رابيتين، ووقوف علي جبل، وهبوط في وادي ورمي أحجار علي أحجار، في هيئة مقرحة من كشف الرؤوس لحر الشمس وتوفير الشعر وعري البدن إلا عن نحو إزار ورداء لاشكّ إن غير العارف برموزها وحكمها وأسرارها يستهزأ بها ويعدّها ضربا من الجنون والتوحش، وفعلاً من أظهر أفعال الهمجية أفهل يصلح للعارف برموزه وحكمه إن يمنع منه لمجرد عدّه عند الجاهل همجياً ولقد وقع الاستهزاء جهاراً بتلك المناسك العلية الأسرار الدقيقة الحكم والسخرية بها من قبل الماديين الأقدمين كعبد الكريم بن أبي العوجاء، وعبد الله الديصاني واضرابهما وخلّدت كتب الحديث إنكارهما عن مولانا الصادق (عليه السلام) وإنكار المتأخرين اظهر من ذلك....).وفي ص 36:(..... وهذه وما بعدها بنظري عمدة الأدلة علي جواز إدماء الرؤوس بالسيوف بل واستحبابه وذلك إنّ كل ما يفعله الشيعة من الضرب بسلاسل الحديد وبالقامات وغيرها هو دون الجزع المرغّب فيه. الضرب بالسيوف والقامات علي الرؤوس هو مظهر من مظاهر الجزع وليس بجزع حقيقة فان الجزع أمر معروف في اللغة والعرف وهو ضد الصبر نحو أن ينتحر الرجل العاقل أو يلقي نفسه من شاهق لحادثة تحدث تغلب صبره وتورده الهلاك وأين هذا من جرح الرأس بسكين أو سيف جرحاً خفيفاً يوجب خروج الدم ولا يؤلم إلا بمقدار ما تولم الحجامة وغيرها مما يرتكب لأغراض عقلائية سياسية أو طبية).وفي ص 37 و ص 38 و ص 39:(ولقد كان شيخنا العلاّمة شيخ الشريعة [113] قدس سره بهذا الاعتبار وبتلك الأخبار يصحح الخبر المرسل الذي استبعده بعض العظماء من إن عقيلة عليّ الكبري لمّا لاح لها رأس الحسين (عليه السلام) وهو علي رمح والريح تلعب بكريمته نطحت جبينها بمقدم المحمل حتي سال الدم من تحت قناعها، ويقول أنه لا استبعاد فيه إلا من جهة ظهور الجزع منها وإيلام نفسها والإيلام الغير المؤدي إلي الهلاك لا دليل علي عدم جوازه والجزع مندوب إليه ومرغوب فيه في كثير من الأخبار.قلت الظاهر من الأخبار جواز الهلع أيضاً، وهو علي ما ذكروا أفحش الجزع، ويظهر من الخبر الصحيح الذي تدل مضامينه علي صحته المروي في (الكامل) عن قدامة بن زائدة عن السجّاد (عليه السلام) انه قد صدر منه الهلع لو استطاعه، وروي المجلسي أعلي الله مقامه، والسيد عبد الله شبر رفع الله درجته، في كتاب (جلاء العيون): إنّ زين العابدين (عليه السلام) كان إذا اخذ إناءاً ليشرب يبكي حتي يملأه دماً.....).إلي أن يقول (ره):(وإذا ساغ للسجّاد أن يسيل الدم باختياره من عضو من أعضائه ببكاء الدم أو بتقريح الجفن جزعاً وهلعاً علي رزية الحسين فما هو إذا شأن ما يصدر من الشيعة من ضرب السلاسل والقامات؟! وهل سيلان دم السجّاد في الإناء أهون من انتثار قطرات من دم رأس الجريح علي ثيابه حزناً علي تلك الفادحة العظيمة؟!ثم أقول بهذا الاعتبار أيضاً مضافاً إلي ما سلف من قوله (عليه السلام): (علي مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب) يرفع الاستبعاد عما روي في الكتب من أنّ عقيلة آل محمّد صلوات الله عليهم في موارد عديدة لطمت وجهها وشقّت جيبها وصاحت ودعت بالويل والثبور، فإنه لا حامل لها علي شق الجيب إلا الجزع في مصاب حق أن تشق له القلوب لا الجيوب كما صرّح بذلك سيدنا العلاّمة السيد إسماعيل الصدر قدس سره في بعض حواشيه.وكيف لا تفعل ذلك في مصاب جزع له وبكي إبراهيم خليل الرحمن وموسي كليمه كما في الخبر، وفي آخر أنّ فاطمة (عليها السلام) لما أخبرها النبي (صلي الله عليه وآله) بقتل الحسين جزعت وشقّ عليها وفي خبر آخر إنها تنظر كل يوم إلي مصرع الحسين (عليه السلام) فتشهق شهقةً تضطرب لها الموجودات وفي غيره أنّ أبا ذر لما أخبر الناس بمصيبة الحسين قال ما معناه: (لو علمتم بعظم تلك المصيبة لبكيتم حتي تزهق نفوسكم). ومن الأدلة علي ذلك مضافاً إلي ما سلف وان كان فيه غني وكفاية ما دل علي إدماء الله كثيراً من أنبيائه لأجل أن يحصل لهم الفوز بدرجة المواساة للحسين (عليه السلام) فمن ذلك المروي في البحار والأنوار أنّ آدم (عليه السلام) لما انتهي في طوافه في الأرض إلي كربلاء عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) حتي سال الدم من رجله. وكذلك إبراهيم (عليه السلام) لما مرّ بها عثر فرسه فسقط وشج رأسه وسال دمه.وكذلك موسي (عليه السلام) حين جاء كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه. وكل هؤلاء لمّا ذعروا من ذلك وخشوا أن يكون ذلك لذنب حدث منهم أوحي الله إلي كل واحد منهم أن لا ذنب لك ولكن يقتل في هذه الأرض الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وقد سال دمك موافقة لدمه. فان في هذا الإعثار والإدماء من الله لا عن ذنب والتعليل بكونه موافقة لدم الحسين دلالة جلية علي جواز إدماء الإنسان نفسه مواساة له لان سيلان دمائهم مع كونه غير مقصود لهم إذا كان محبوباً لمجرد الموافقة في السيلان فالمقصود إسالته مواساة لهم أولي بالمحبوبية.إن التأسي بالحسين مندوب إليه وقد رغب فيه الغلام الزكي يحيي بن زكريا والصادق الوعد إسماعيل وهذا لما سلخ قومه جلدة وجهه ورأسه قال لي أسوة بالحسين (عليه السلام) بل روي أن غنمه التي كانت ترعي في شاطئ الفرات لما امتنعت من ورود الماء وسألها عن سبب الامتناع قالت هذه المشرعة يقتل عليها الحسين (عليه السلام) فنحن لا نشرب مواساة له.....).وفي ص 46 و ص 47 و ص 48 و ص 49:(السيد الميرزا محمّد حسن الشيرازي [114] نزيل سامراء وهو الذي انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره في جميع العالم وعدّ مجدداً للمذهب الجعفري علي رأس القرن الثالث عشر كما إن الوحيد البهبهاني محمّد باقر بن محمّد اكمل مجدده في القرن الثاني عشر... قد كان أنفذ كلمة علي عموم الشيعة ملوكها وسوقتها من كل سابق ولا حق. وقد يوجد اليوم في كل بلدة كثير ممن يعرف اشتهاره ونفوذه وكان مع علمه بوقوع الشبيه وخروج المواكب وما يحدث فيها من حوادث وبضرب القامات والسيوف في بلدان الشيعة في العراق وإيران وعدم وقوع الإنكار منه أصلاً تقام جميع الأعمال المشار إليها في سامراء محل إقامته نصب عينيه بلا إنكار. قد يظنّ الظانّ لأول وهلة أنه (قدس الله سره) لا يري رجحان ذلك بالنظر إلي حال محيطه لأن جميع من في البلدة عدا النزلاء من غير الفرقة الجعفرية وفيها أخلاط من غير المسلمين وفي ذلك مجال الاستهزاء والسخرية وقد سألت كثيراً ممّن كان يقطن سامراء في أيامه فكان اقلهم مبالغة في تعظيمه لشأن المواكب والشبيه شيخنا المتقن المتفنن الشيخ محمّد جواد البلاغي النجفي وعنه أنقل ما يلي:كان الشبيه يترتّب يوم العاشر في دار الميرزا (قدس سره) ثم يخرج للملأ مرتّباً، وكذلك موكب السيوف، كان أهله يضربون رؤسهم في داره ثم يخرجون وكانت أثمان أكفانهم تؤخذ منه، وما كان أفراد الشبيه سوي الفضلاء من أهل العلم لعدم معرفة غيرهم بنظمه في قول وفعل، وأما المواكب اللاطمة في الطرقات تتألف من أهل العلم وغيرهم.....إلي أن يقول (ره):ودام هذا كله بجميع ما فيه إلي آخر أيام خلفه الصالح الورع الميرزا محمّد تقي الشيرازي [115] (قدس سره) وكان الشبيه يترتب أيضاً في داره ومنه تخرج المواكب وإليه تعود..).ويستمر (ره) قائلاً:(إن بعد عليك عهد الشيخ الأنصاري والسيد الشيرازي فهذا بالأمس الأفقه الأورع الشيخ محمّد طه نجف (قدس سره) يري في النجف بل العراق جميع الأعمال المشار إليها وهو أقدر علي المنع فلا يمنع. إنّ المواكب جميعاً حتي موكب القامات تدخل إلي داره وهي بتلك الهيئات المنكرة علي ما يقول [116] وهو لا يحرك شفته بحرف من المنع بيد انه يلطم معهم ويبكي وهو واقف مكانه.الشيخ المذكور يقيم مأتم الحسين (عليه السلام) في داره عصراً فتغصّ بالعلماء والصلحاء وأهل الدين وفي يوم معين من كل سنة يقع في المأتم نفسه تمثيل بعض وقائع الطف ولا منكر منه ولا منهم وهب انه لا يستطيع تعميم المنع لكنه يستطيع منع أن يصنع ذلك في داره أو أن تدخل المواكب داره.....وكذا العلاّمة المتقن المتبحّر السيد محمّد آل بحر العلوم الطباطبائي يقام في داره أعظم وأفخم مآتم النجف يحضره جميع أهل العلم ويقع فيه التمثيل الذي يقع في دار الشيخ زيادةً هذا غير كون الدار المذكور موئلاً لجميع المواكب، وبها تضرب أرباب السيوف رؤوسها من لدن أيام السيد علي بحر العلوم أو قبله حتي اليوم ومنها تخرج إلي الشوارع والبيوت والجواد العمومية واليها تعود بلا إنكار ولا استيحاش.إن بعد عليك هذا العهد القريب أيضاً فهذا المرحوم خاتمة الفقهاء السيد محمّد كاظم اليزدي الذي كانت له السلطة الروحانية الفذة علي عموم الشيعة، كانت التمثيلات تقام نصب عينيه والمواكب تخترق الشوارع بين يديه ولم يؤثر عنه منع شيء من ذلك وهو بمكان من ثبات الرأي ونفوذ الكلمة.إن رمت عهداً أقرب من هذا فليس هو إلا يومك الذي أنت فيه. انظر إلي علماء الجعفرية في كل مكان تجدهم وهاتيك الأعمال الحسينية كلاً أو بعضاً بمنظر منهم ومشهد لا ينبسون ببنت شفة من الإنكار مع إمكانه... وبما أن العراقيين منهم ابتلوا بالسؤال عن تلك الأعمال في هذه الأيام، ظهرت فتاواهم مطبوعة وغير مطبوعة وهي مفصلة ولم يكن من قبلها للإفتاء عين ولا أثر لعدم الحاجة إليه في موضوع ما كان يدور في الخلد أن يقع موقع سؤال وتشكيك. ولا شكّ أنّ الصحف السائرة والمنشورات الدائرة أقرأتك فتوي سيدنا وملاذنا حجة الإسلام ومرجع الخاص والعام العالم العامل الرباني السيد أبو الحسن الأصفهاني دام علاه المتضمنة لامضاء جميع التذكارات الحسينية علي الإجمال... واليوم قد تمثلت أمام عينيك رسالتي هذه تطالع فيها الفتوي المفصلة التي جاد وأجاد بها بقية السلف من العلماء الأعلام شيخنا العلاّم آية الله في الأنام الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني أدام الله فضله... وبما أنّ إفتائه سلّمه الله موجّه إلي المؤمنين عامة وأهل البصرة خاصة لأنّهم المستفتون فأنا أنشره بنصه فيما يلي: قال دام ظله:.....).إلي أن يقول (ره) في ص 51:أما ما يقع في كربلاء أيام شريف العلماء أستاذ العلاّمة الأنصاري ثم في أيام الفاضل الأردكاني والشيخ زين العابدين المازندراني وفي الكاظمية أيام العلاّمة الأورع أبي ذر زمانه الشيخ محمّد حسن ياسين بل حتي أيام السيد محسن الأعرجي الكاظمي وفي الحلة منذ عهد العلاّمة الذي قلّ أن يأتي له الدهر بنظير السيد مهدي القزويني إلي الآن فإني لا أطيل بذكره لأنه يوجب الخروج عن وضع الرسالة.....).ثانياً: الشعائر الحسينية [117] للسيد الشهيد حسن الشيرازي (ره) في ص 107 و ص 108 و ص 109:(التطبير)حشود من الفدائيين يتجمعون ليلة عاشوراء هنا وهناك في مراكز مهيبة قد جلّل جدرانها السوداء، واشتعلت في جوانبها الأنوار الخافتة الحمراء، فيحلقون رؤوسهم بالمواسي، ويلبسون الأكفان البيض قطعتين: إزار ورداء، ويشدون في أوساطهم السيوف ثم يخرجون في مواكب منظّمة، تتقدمها مشاعل حمراء، وتتقدم كل موكب جوقة من أصحاب الطبول والصنوج والأبواق فيقرعون الطبول والصنوج، وينفخون في الأبواق، بقوة وعنف، ويهتفون من الصميم: (حسين.. حيدر) بطور حربي، تزلزل الأرض، فتقشعر لها الجلود، وتنتصب لها كل شعرة في جلد كل من يسمعها من قريب أو بعيد. وتتجوّل المواكب أخريات الليل العاشر من المحرّم، بين مراكزها، والعتبات أو الأماكن المقدسة، الموجودة في بلادها، حتي إذا لاح الفجر، وأرتفع صوت لأذان خشعت الأصوات، فلا تسمع إلا همس المصلين. وإذا قرب طلوع الشمس تتجمّع المواكب من جديد، فتصك الطبول والصنوج، وتزعق الأبواق، ويهتفون: (حسين.. حيدر) وتزلزل الأرض وتقشعرّ الجلود، وينتصب كل شعرة في جلد من يسمعها من قريب أو بعيد. وتهبّ المدينة عن بكرة أبيها، علي الطامة الكبري، وتزدلف الحشود علي جوانب الطرق التي تجوبها المواكب وتخرج المواكب من مراكزها وفي كربلاء المقدسة تخرج عادةً من مبني المخيّم منسابةً إلي الأماكن المقدّسة التي تنفضّ فيها، ثم لا تري إلاّ السيوف، التي تقطر الدم، والرؤوس المخضّبة، والأكفان الحمراء، والدموع التي تتحادر بلا استئذان، ولا تسمع سوي دوي الطبول والصنوج، وعربدة الأبواق، وأصوات الهاتفين: (حسين.. حيدر) وعويل النساء، ونشيج الرجال، وتنقلب المدينة كلها ملحمة هادئة حزينة، يختلط فيها الدمع بالدم، وتتمزّق القلوب أسفاً، علي أنّها لم تدرك الحسين فتنصره ثم تسلّي نفسها بأنّها إن لم تدرك شخصه لتنصره، فقد أدركت تاريخه لتنصره فيه، وتواسيه في المصاب، وتقاسمه المأساة. ثم يتفرّق الناس وكل فرد بركان صغير، في صميمه النار، وفي قلبه ثورة وفي عقله عبر وعظات لا تمسح، لو عصف بها الدهر كله، وتصبّبت عليها البحار, وإنني أتصوّر أن الإمام الحسين (عليه السلام) لو بعث لوجد في هذه المواكب أنصاراً، إن لم يكونوا كثيرين فإنهم لا يكونوا أقل من الأنصار الذين يجدهم في غير هذه المواكب. وموكب التطبير، اقدر موكب علي إعادة ثورة الحسين إلي الحياة، لأنّ فيها كل ما في الحرب: الطبول والصنوج، والأبواق والسيوف التي تقطر الدم، والرؤوس المخضبة، والأكفان الحمراء. والهيجة التي يحدثها موكب التطبير لا يحدثها أي خطيب ولا موكب، حتي موكب التمثيل، لأنّ موكب التمثيل، وان كان أدقّ في استعراض المأساة، إلا انّه تعوزه الواقعية، فكل من ينظر إليها يعلم أنها تمثيلية لا واقع فيها، بينما يكون موكب التطبير غنياً بالواقعية، فها هي تلك السيوف التي تقطر الدم، والرؤوس المخضّبة والأكفان الحمراء. وهذه الواقعية الملموسة، هي التي توفّق موكب التطبير لان يجلب الدموع الغزار، أكثر من غيره، ويركّز ثورة الحسين في الأعماق، أقوي من غيره. وأمّا جواز التطبير علي الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو جائز ذاتاً، ومستحب عرضاً، ولا يناقش فيه فقيه تأمّل وتدبّر، ولكن حيث وقعت حوله مناقشات بدوية نعمد فيه إلي شيء من التفصيل).وبعد أن يورد الأدلة الكثيرة يقول (ره) في ص 129:(إذن، فالتطبير مباح ذاتاً، ومستحبّ تأسياً بالحسين ومواساة له (عليه السلام)).ويواصل كلامه (ره) في الصفحتين 129 و 130:(وكل ما سبق، كان استدلالاً فقهياً علي جواز التطبير، وهنالك دليل غير فقهي، لا يدل علي جواز التطبير فحسب، ولا يدلّ علي تقدير الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من يتطبّر بغض النظر عن جميع خصوصياته فقط، وإنما يدل علي وجود نوع من المعجزة فيه، فإنّ الضرب القاسي بالسيف المسلول علي الرأس المحلوق، ونزول السيف حتي العظم لابد أن يقضي علي الإنسان، كما يؤكّده الطب القديم والحديث، ونحن نري ألوف المتطبرين يطبرون صباحاً، ثم يُنظّمون أنفسهم في مواكب، تطوف في كربلاء من المخيم إلي حرم الإمام الحسين، ومنه إلي حرم العباس، ثم تعود إلي حمام المخيم، وتطوف في بقية البلاد أكثر من مسافة ميل في لفح الصيف وعواصف الشتاء، وعندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية، ثم يخرجون، ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتي الليل، ولا يصاب أحدهم بمكروه. ولئن سقط أحدهم حين الضرب، لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه، فسرعان ما ينهض، ويواصل دوره في موكب التطبير، وبقية المواكب).إلي أن يقول (ره) في ص 132:(والواقع: إنّ وجود هذه المعجزة البيّنة، وفي موكب التطبير يكشف عن أنّ الإمام الحسين (عليه السلام)، يوليه عناية خاصة وكفاه دليلاً علي الرجحان).ثالثاً: نجاة الأمة في إقامة العزاء علي الحسين والأئمة عليهم السلامللسيد محمّد رضا الحسيني الحائري [118] في ص 61 و ص 62 و ص 63:(الفائدة الرابعة)إنّ في هذه الأخبار [119] ما تدل علي استحباب الجزع والفزع علي الحسين(عليه السلام) واستحباب كل فعل يصدر من الجازع بعنوان العزاء كاللطم علي الخدود والصدور وخمش الوجوه وان استلزم الإدماء فضلاً عن السواد والاحمرار بل وبلغ ما بلغ مما هو منهي عنه في مصيبة غير الحسين (عليه السلام) وفي الحديث عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام).(رحم الله شيعتنا لقد شاركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة علي مصاب الحسين (عليه السلام) وفيه دلالة واضحة علي لزوم إقامة المجالس الحسينية والمواكب العزائية وإدامة الحزن علي سيد الشهداء (عليه السلام) إلي يوم القيامة إن شاء الله تعالي).ويستمرّ في كلامه حتي يقول في الفائدة السابعة:(إنّ مقتضي هذه النصوص الشريفة استحباب البكاء علي الأئمة وسيد الشهداء صلوات الله عليهم مطلقاً، أعني حتي لو استلزم البكاء قرح العين وجرحها وذهاب نورها بل وعماها....).وفي ص 100:(وممّا ذكرناه لك في المقام يظهر لك بوضوح استحباب جرح الرؤوس بالمدي والسيوف حتي تسيل منها الدماء لأنه من أبرز مصاديق الجزع والفزع علي المولي الغريب الشهيد أبي عبد الله الحسين روحي له الفداء، إذ لا فرق في اللطم والضرب باليد أو غيرها كالسيوف والسلاسل والحجارة ونحوها بل ويدلّ علي ذلك ما عرفت من استحباب البكاء علي سيد الشهداء حتي ما لو استلزم جرح العين وقرحها وعماها).وفي ص 105 و ص 106:(هذا وقد صرّح فقهاؤنا الأعلام أعلي الله مقامهم في دار السلام بجواز جرح الرؤوس قديماً وحديثاً، منهم سيّد فقهاء عصره السيّد حسين الكوهكمري (قده) حيث أجاب عن ذلك في السؤال الموجّه إليه في هذا الخصوص، ومنهم مؤسّس الحوزة العلمية [120] شيخ الفقهاء المحقّق سلمان زمانه الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي أعلي الله تعالي مقامه، كما حدّثني بذلك ولده العلامة الفقيه شيخنا المرتضي قدّس الله تعالي سرّه، وهو أيضاً ممن ارتضي كلام والده العلاّمة، كما صرّح لي بنفسه نفعنا قدسه. وصرّح باستحباب جرح الرؤوس، الفقيه الشيخ محمّد علي النخجواني (قده) في الدعاة الحسينية، بل قال بوجوبه الكفائي، كما صرّح بالاستحباب شيخنا العلاّمة الفقيه المجاهد الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء النجفي (قده) في كتابه (الآيات البينات)، والعلاّمة الدربندي في (أسرار الشهادة)، والعلاّمة الشيخ حسين الحلّي في رسالته (النقد النزيه)، وفتوي المحقّق النائيني (قده) في الجواز مشهورة وقد تابعه جلّ معاصريه وكلّ من أتي بعده، كالفقيه الأوحد السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي، والسيد ميرزا مهدي الشيرازي، والسيد حسين الحمامي، والسيد محسن الطباطبائي الحكيم، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ محمّد رضا آل ياسين، وغيرهم أعلي الله مقامهم، وهو بعنوان العزاء مستحب. ونقل العلاّمة المرحوم السيد مرتضي الداماد (قده) في كتابه (الأعلام الحسينية): تأييد مواكب التطبير عن العلاّمة المجدد السيد ميرزا محمّد حسن الشيرازي في سامراء، وقال: إنّ مواكب التطبير كانت تخرج من بيته الشريف في يوم عاشوراء، وإنّ أمثال الفقيه المحقق الشيخ محمّد تقي الشيرازي، والفاضل الشربياني، والفقيه السيد محمّد بحر العلوم صاحب (بلغة الفقيه)، والسيد حسين القزويني، والفقيه الزاهد الشيخ محمّد طه نجف، والفقيه الأصولي المتبحر الشيخ ميرزا حبيب الله الرشتي (قدس الله أسرارهم) كانوا يخرجون أمام مواكب أهل التطبير لاطمين علي صدورهم ونقل العلاّمة الحائري الأصفهاني (قده) في رسالته الموضوعة حول هذا الموضوع: إنّ مواكب أهل التطبير كانت تخرج في النجف الأشرف من بيت المرحوم الفقيه السيد محمّد بحر العلوم وكانت هذه عادتهم من زمن جدّه العلاّمة السيد علي بحر العلوم صاحب (البرهان القاطع في الفقه).وفي كربلاء المقدسة كانت تخرج من بيت المرحوم الشيخ زين العابدين المازندراني صاحب ذخيرة المعاد، ومن بيت المرحوم السيد محمّد باقر الحجّة الحائري آل صاحب الرياض، وأنه قد شاهد ما حكاه. وفي سامراء كان المتكفّل لمصارف الهيئات العزائية والباذل لنفقة المواكب الحسينية من شراء الأكفان وتهيئة السيوف والخناجر هو العلاّمة المجدد السيد ميرزا محمّد حسن الشيرازي (قده)، وكان ولده العلاّمة الحاج ميرزا علي أقا الشيرازي هو المباشر لذلك بأمر والده العلاّمة أعلي الله مقامه ومقامه).رابعاً: عزاداري از ديدكاه مرجعيت شيعه [121] .للشيخ علي رباني [122] .هذا الكتاب باللغة الفارسية وهو يتضمّن فتاوي ما يقرب من مائتين وخمسين مرجعاً وفقيهاً من مراجع الأمة وفقهائها سواء من الماضين أو من المعاصرين، وكثير منها مثّبت في الكتاب بخطوط أيديهم. وكلّ هذا الزخم الوفير من الفتاوي يجمع علي جواز بل استحباب الشعائر الحسينية بنحوٍ عام بما فيها التطبير الحسيني تصريحاً وتلميحاً.فهل من معتبر؟!

من فيض مواكب الفداء الحسيني (التطبير)

مراده المعروف في زماننا هذا.شيء من الفيضخصائص وآثار مواكب التطبير الحسينييمكن أن نجمل هذه الخصائص والآثار في الأبعاد التالية:البعد التربوي:إذ إن التطبير بمثابة نوعٍ من أنواع المجاهدات والرياضات الروحانية التي تؤلم الجسد وتصقل الروح فتعطي الإنسان قدرةً علي الإيثار وتقدح في روحه وجنانه جذوة التضحية ممّا يبعث فيها صفاء السريرة ولين الجانب.2-البعد القربي:حيث يتجلّي في التطبير معني الجزع المندوب، والبكاء، والإبكاء إلي غير ذلك من القربات التي حثّت عليها وصايا المعصومين (عليهم السلام) والتي يترتّب عليها عظيم الأجر والثواب.3- البعد العشقي (المودّة الخالصة):إذ أنّ امتزاج عواطف الحب الصادقة ودوافع المودّة الخالصة المنزّهة من الشوائب الدنيوية مع لوعة الأسي وحسرة الأسف ينتج نوعاً من العشق والهيام الذي لا يعرفه إلاّ أهله الذين تتوهّج قلوبهم بما يكويها ويجعلها مشدودةً إلي محبوبها برباط لا يحلّ.وما التطبير إلا نفثة تجعل العاشق في خيال عشقه قريباً من الواقعة التي يتضوّر قلبه حين يمرّ خاطرها، وتبقي القلوب المخلصة في طوافٍ مع الحسين (عليه السلام) وعنده وحوله صلوات الله عليه.4- البعد الإحيائي (إحياء الأمر):لا شكّ إنّ مواكب التطبير الحسيني تتميز بالمشاركة الجماهيرية الحاشدة أولاً، وبتفاعل المشتركين والحاضرين عاطفياً وقلبياً وعقائدياً مع الهدف الذي عقدت لأجله هذه المواكب ثانياً. كلّ ذلك من دون ضغطٍ من سلطة معينة، أو خوفٍ من جهةٍ ما، أو طمعٍ في شيءٍ من حطام الدنيا، أو انسياقٍ خلف حملة إعلامية ودعائية تدعو لهذا الطرف أو ذاك. بل يصعب ويتعذّر علي الحكومات والجهات المختلفة مهما بذلت من أموالٍ أو أبدت من ضغط أو أشاعت من دعاية أن تكسب الاثنين معاً: كثرة الجماهير وتفاعل قلوبها لصالح أمرٍ تريده تلك الحكومة أو هذه الجهة. بينما يتحقق هذان الأمران في مواكب التطبير الحسيني في كل الأحوال المواتية وغير المواتية سواء منعت أم لم تمنع من أي جهةٍ كانت. وبذاك تكون مواكب التطبير الحسيني معلماً شاخصاً في تأريخ الشعائر الحسينية التي كانت ولازالت ركناً أساسياً في إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعا، وكفي بذلك فائدةً ومنفعة.5- البعد الفنّي أو المشاعري:من الواضح جداً أنّ الفنّ وسيلة من وسائل التعبير، وأسلوب من أساليب الإيصال والتلقين، إلاّ أنه أشدّ تأثيراً من غيره علي إرهاف الحس، وتهذيب الذوق، وتنقية العواطف. وكلّما كان الفنان في فنّه - أيّاً كان نوع هذا الفن - أقرب إلي الحقيقة في تعبيره كلما كان تأثيره في المتلقي مشاهداً أو مستمعاً أو الاثنين معاً أشدّ وأركز. فعلي سبيل المثال: فنّ التمثيل مثلاً، والذي يعتبر الأعظم تأثيراً علي المجتمع الإنساني وخصوصاً في وقتنا الراهن، يبرع الفنان فيه كلما كان يمتلك قدرةً أقوي وأدق في تقمّص الشخصيات التي يمثّل أدوارها.. فلو بكي الممثّل حقيقة علي خشبة المسرح مثلاً سيكون أشدّ تأثيراً علي جمهوره مما لو مثّل البكاء اصطناعاً، وهكذا في سائر الفنون الأخري مع ملاحظة أنّ كلّ فنٍ بحسبه وبحسب أسلوبه التعبيري المناسب له وانتمائه المدرسي عقيدةً وفناً.وما التطبير الحسيني في هذا السياق إلاّ نوع من أنواع التعبير التراجيدي المفجع الذي يتناغم مع الوجدان الإنساني عازفاً علي أوتار الحزن والمأساة في مكنون ضمير الإنسان وطوايا خلجاته النفسية.. فكما إن الدموع الحقيقية التي يذرفها الممثل نتيجة تفاعله مع أي قصة أثناء أدائه لدور مأساوي تترك تأثيراً واضحاً علي الجمهور السينمائي أو التلفزيوني أو المسرحي، وكما أن الدموع الحقيقية المتفجّرة بصدقٍ من عيني شاعرٍ مبدعٍ أثناء إلقاء شعره إلقاءاً فنياً تبعث علي الهياج في نفوس الجماهير كذلك هو انبعاث الدم من الرؤوس حين يصبغ الأكفان البيضاء مع دويّ الحناجر بكلّ صدقٍ وعاطفة: (يا حسين.. يا حسين) يحفر أخاديد من التأثير في قلوب المشاركين والمشاهدين لمواكب الفداء الحسيني (مواكب التطبير) من محبي أهل البيت وأشياعهم صلوات الله عليهم ويجعلهم يعيشون في جوهر أقرب ما يكون إلي جوّ الواقعة.. وكلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرضٍ كربلاء، و كلّ شهرٍ محرّم، حتي تقوم دولة الحق.وفضلاً عن كل ذلك فإنّ الاسترسالية و الاندفاع العقائدي، و عدم التكلّف والتصنّع كل ذاك من دون أيّ مؤثّرات خارجية بعيداً عن الديكورات المصطنعة والمكياج المزيّف والحيل الفنية والإخراجية يجعل من أجواء مواكب التطبير الحسيني أرقي ما يمكن أن تعبّر عنه التراجيديا الواقعية، بما تعكسه من تأثيرات وانفعالات نفسية تصقل فيها بواطن النفوس وتشحذ فيها العواطف بنحوٍ إيجابي باتجاه الغاية المطلوبة بكل أهدافها السامية و جمالياتها اللامتناهية. [123] .شيء من كرامة التطبير الحسينيجاء في كتاب (أحسن الجزاء في إقامة العزاء علي سيّد الشهداء (عليه السلام)) للسيد محمّد رضا الحسيني الأعرجي في ج 2 ص 67 ما نصّه:(الحكاية الخامسة: وهي كما حدّثني بها الوالد [124] الماجد سلّمه الله وأبقاه، ومن كل مكروه وقاه، بحق البيت ومن بناه، نقلاً عن المرحوم الشيخ علي الساعاتي. قال: كان الشيخ علي رحمه الله من عادته في كل سنة أن يصنع دواء من أجل أهل التطبير في يوم عاشوراء لجرحهم رؤوسهم بالسيوف والقامات، حتي يحصل البرء سريعاً، ولئلا يتحمّل الماء ويبقي الجرح في الرأس. وكان عادة أهل التطبير أخذ الدواء منه في كل سنة ليلة عاشوراء. واتفق في سنةٍ إتيانهم لأخذ الدواء علي عادتهم في تلك الليلة من الشيخ علي رحمه الله، فأعطاهم ظرف التيزاب اشتباهاً بدل ظرف الدواء، ولم يعلم بذلك إلا بعد يوم أو يومين، حيث اتّفق أن وقع نظره علي ظرف الدواء المعدّ لأهل العزاء، فتذكّر في الحال أنّه أعطاهم ظرف التيزاب بدل ذلك، فتغيّر لونه وأيقن بهلاك الجماعة. وبعد ذلك أتي إليه من أخذ ذلك منه، ليشكره علي عمله. وقال: شخنا جزاك الله خيراً، إنّ دواءك في هذه السنة أحسن من السنين الماضية بكثير، فإنّه بمجرّد وضعه علي الجرح كان يبرأ في الفور.قال رحمه الله: فتعجّبت من قوله، وما صدّقت كلامه حتي حقّقت ذلك، فحصل لي اليقين من كلامه، فحمدت الله تعالي علي ذلك، وعلمت أنه معجزة سيد الشهداء (عليه السلام) ونظر لطفه ومحبّته بالنسبة إلي من يقيم عزاءه).سيدي يا حسين...!عباراتنا شتّي وحسنك واحد وكـــلّ إلي ذاك الجمال يشير

مسك الختام

بعيداً عن النقاش واستراحةً من الدليليّة والاستدلالسلام علي آل ياسين..ذكر الشيخ محمّد مهدي زين العابدين النجفي في كتابه (بيان الأئمة(عليهم السلام)) ج 2 ص 461 و ص 462 ما نصّه:(وبالمناسبة لما أتي ذكر جدّنا آية الله العظمي الشيخ زين العابدين النجفي (قدّس سرّه) صاحب الكرامات. نذكر له هذه الكرامة عن بعض أهل العلم والفضل، قال: إنّ أهل إيران، وأذربيجان، وأهل قفقاسيا استفتوا علماء النجف الأشرف عن الطبول التي تضرب في عزاء الحسين (عليه السلام)، وعن ضرب السيوف والقامات، والتشبيه، وغيرها.. وأنّها جائزة أو حرام؟وكتبوا ذلك في كتب متعدّدة، كلّ كتب إلي مقلّده، وأرسلت مع وفدٍ إلي النجف، وقرّروا علي أنهم إن أخذوا أجوبة الفتاوي توضع في ظرف وتختم ولا تفتح إلاّ في مسجد الشاه المعروف [125] وكان ذلك في زمن السيد آية الله العظمي صاحب العروة، فرجع الوفد بالأجوبة، وأخبروا الناس بالحضور في يومٍ معيّن، فحضروا في مسجد الشاه، فقرأت الفتاوي عليهم، فكان كلّ قد أجاب بجواب، فبعض قال: بحرمة هذه الأشياء، وبعض فصّل وبالأخص إلي ضرب السيوف والقامات، قال: إن كان فيه ضرر فلا يجوز وهو حرام، وان لم يكن فيه ضرر فهو جائز، وبعض قال: بالجواز، إلي أن فتح الكتاب الذي فيه فتوي المرحوم آية الله الشيخ زين العابدين (قدّس سرّه) فكان فيه:بسمه تعالي شأنهإنّي كنت متوقّفاً في هذه المسألة ومتردداً فيها، فلا أدري هل أفتي بالجواز أم أفتي بالحرمة؟ فذهبت إلي مسجد السهلة ووصلت بخدمة سيدي ومولاي الحجّة بن الحسن صلوات الله عليه، وعرضت المسألة عليه وسألته عنها، فأفتاني بالجواز، وأنا أفتي كما أفتي سيدي ومولاي بالجواز والسلام.فلمّا سمع المجتمع الفقير هذه الفتوي قالوا: لا حاجة لنا بتلك الفتاوي الأخري، وهذه تكفينا.تمّ بعون الله تعالي وتوفيقه في15/ رجب الأصبّ / 1419 هـيوم شهادة عقيلة العقائل الكبري زينب الحوراء صلوات الله عليها

پاورقي

[1] بحار الأنوار ج 46 ب 6 ص 109.
[2] قال إمامنا السجاد (عليه السلام) مخاطباً عمّته العقيلة (عليها السلام): (وأنت بحمد الله عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة) بحار الأنوار ج 45 ص 164 ح 7 نقلاً عن كتاب الاحتجاج.
[3] بحار الأنوار ج 45 ص 115 ب 39.
[4] من الشعارات المعروفة التي ترددّها مواكب التطبير الحسيني.
[5] مصباح الزائر للسيد ابن طاووس (ره) ص 270 من زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر (عليه السلام).
[6] بل ستري فيما سيأتي في مطاوي هذا البحث نصوصاً من الكتاب والسنة تدل علي رجحان التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء (عليه السلام).
[7] الأصول الأصلية والقواعد الشرعية للسيد عبد الله شبر (ره) ص 215 نقلاً عن كتاب الكافي والرواية منقولة عن الإمام الصادق (عليه السلام).
[8] ومن موارد الإدماء الأخري التي أوصت بها الشريعة السمحاء: الاختتان فهو مستحب لغير البالغ، وواجب علي من بلغ، وكذلك ثقب إذن الصبي فهو مستحب وممدوح في كلمات المعصومين عليهم السلام، وجواز ثقب منخر الأنف للمرأة لأجل تعليق الخزامة، وغير ذلك من المورد الأخري.
[9] أعني الأضرار التي قد يصاب بها اللاعبون أثناء التدريبات وكذلك أثناء اللعب والمسابقات مضافاً إلي ذلك أضرار العنف التي تقع بين جمهور المشاهدين ولعل مونديال باريس 1998 من أوضح شواهد العنف بين جمهور المشاهدين والمتابعين عن بعدٍ أيضاً. [
[10] قد يعرّض الإنسان نفسه لضررٍ أكثر من الضرر اللازم لعمل ما ولا إشكال في ذلك بل قد يكون عمله هذا في أعلي الدرجات وأفضلها بسبب شرف قصده وعلوّ غايته وهدفه حيث نسمع ونقرأ في تاريخ مقتل سيد الشهداء (عليه السلام) وصحبه الأبرار الأطهار حين خرج من معسكر ابن زياد لعنة الله عليه يسار مولي زياد وسالم مولي عبيد الله بن زياد لعنة الله عليهم جميعاً فطلبا البراز فخرج إليهما عبد الله بن عمير الكلبي رضوان الله تعالي عليه فشدّ علي يسار بسيفه يضربه (وبينا هو مشتغل به إذ شدّ عليه سالم فصاح أصحابه: قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم بالسيف فاتّقاها عبد الله بيده اليسري فأطار أصابعه ومال عليه عبد الله فقتله)، مقتل الحسين (عليه السلام) أو حديث كربلاء للسيد عبد الرزاق المقرم (ره) ص 238. وكذاك موقف عابس بن شبيب الشاكري رضوان الله تعالي عليه الذي أجنّه حب الحسين (عليه السلام) فهو أشهر من نارٍ علي علم.
[11] كامل الزيارات ص 126 ب 40 ح 2 طبعة طهران، مكتبة الصدوق.
[12] خرافة في أصلها اسم رجل استهوته الجن فكان يحدّث بما رأي فكذّبوه فقالوا: (حديث خرافةٍ يا أمّ عمرو) مجمع البحرين ج 5 ص 43 و 44 مادة خرف. وفي فرائد الأدب من المنجد في اللغة ص 979: خرافة رجل زعموا أن الجن استهوته مدة. ثم لما رجع إلي قومه أخبرهم بما رأي فكذّبوه حتي صاروا يقولون لما لا يمكن وقوعه: (حديث خرافة). ونفس هذا المعني جاء مذكوراً في كل كتب اللغة وقواميسها وكتب الأمثال والأخبار.
[13] بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 322 ح 8 زيارة الناحية المقدّسة.
[14] الوسائل ج1 ص 298 ب 26 ح 1، وجواهر الكلام ج 7 ص 289 من كتاب الحج طبعة بيروت (القطع الكبير)، مؤسسة المرتضي العالمية ودار المؤرّخ العربي، والتهذيب ج 2 ص 7. وإليك الحديث بتمامه مثلما جاء في كتاب وسائل الشيعة: (عن أبي عامر واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: ما لمن زار قبره يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمّر تربته؟ فقال: يا أبا عمّار حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه الحسين بن علي (عليه السلام) إنّ النّبي (صلي الله عليه وآله) قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ قال لي: يا أبا الحسن إن الله قد جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة وعرصةً من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل الأذي والمذلّة فيكم فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلي الله، ومودّة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنّة، يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدّس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتّي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه فابشر وبشر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرة العين بما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها أولئك شرار أمّتي لا أنالهم الله بشفاعتي ولا يردون حوضي).
[15] كامل الزيارات ب 56 ص 155 ح 5، وبحار الأنوار ج 101 ب 10 ص 75 ح 26. واليك الحديث بتمامه كما ذكره ابن قولويه (ره) في كامل الزيارات: عن ذريح المحاربيّ (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما ألقي من قومي ومن بني إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين (عليه السلام) من الخير إنهم يكذّبوني ويقولون: إنك تكذب علي جعفر بن محمّد! قال: يا ذريح دع الناس يذهبون حيث شاؤوا، والله إنّ الله ليباهي بزائر الحسين بن عليّ، والوافد يفده الملائكة المقرّبين وحملة عرشه حتي أنه ليقول لهم: أما ترون زوّار قبر الحسين أتوه شوقاً إليه والي فاطمة بنت رسول الله محمّد، أما وعزّتي وجلالي وعظمتي لأوجبنّ لهم كرامتي، ولأدخلنّهم جنّتي الّتي أعددتها لأوليائي ولأنبيائي ورسلي، يا ملائكتي! هؤلاء زوار قبر الحسين حبيب محمّد رسولي، ومحمّد حبيبي، ومن أحبّني أحبّ حبيبي، ومن أحبّ حبيبي أحبّ من يحبّه، ومن أبغض حبيبي أبغضني ومن أبغضني كان حقّاً عليّ أن أعذّبه بأشدّ عذابي وأحرقه بحرّ ناري، وأجعل جهنّم مسكنه ومأواه، وأعذّبه عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين).
[16] كامل الزيارات ب 40 ص 125 ح 1، ووسائل الشيعة ج 10 ب 37 ص 320 ح 7، وبحار الأنوار ج 101 ب 1 ص 8 ح 30، ورواه الشيخ الكليني (ره) في الكافي كتاب المزار، والصدوق (ره) في ثواب الأعمال، وغيرهم. وإليك الحديث بتمامه وكماله مثلما جاء في وسائل الشيعة لشيخنا الحر العاملي (ره): (عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقيل لي: ادخل فدخلت فوجدته في مصلاه، فجلست حتّي قضي صلاته فسمعته وهو يناجي ربّه وهو يقول: (يا من خصّنا بالكرامة، وخصّنا بالوصيّة ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضي وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولأخواني ولزوّار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه الذين انفقوا أموالهم، واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً ادخلوه علي نبيّك صلواتك عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه علي عدوّنا أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنّا بالرضوان واكلأهم باللّيل والنهار، وأخلف علي أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك أو شديد، وشرّ شياطين الجنّ والإنس، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به علي أبنائهم (وأبدانهم) وأهاليهم وقراباتهم، اللهمّ إنّ أعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، وخلافاً منهم علي من خلافنا، فارحم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت علي حفرة أبي عبد الله (عليه السلام)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهمّ إني أستودعك تلك الأنفس، وتلك الأبدان حتّي توافيهم علي الحوض يوم العطش. فما زال وهو ساجد يدعو الله بهذا الدعاء فلمّا انصرف قلت: جعلت فداك لو أنّ هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئاً، والله لقد تمنيّت أني كنت زرته ولم أحجّ، فقال لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك من زيارته، ثمّ قال: يا معاوية لم تدع ذلك، قلت: لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السّماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه، فمن تركه رأي من الحسرة ما يتمّني أن قبره كان عنده، أما تحبّ أن يري الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)، أما تحبّ أن تكون غداً ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضي ويغفر له ذنوب سبعين سنة، أما تحبّ أن تكون غداً ممن تصافحه الملائكة، أما تحبّ أن تكون غداً فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به، أما تحبّ أن تكون غداً ممّن يصافح رسول الله (صلي الله عليه وآله).
[17] كامل الزيارات ب 108 ص 339 ح 1، وبحار الأنوار ج 101 ب 10 ص 73 ح 21. والذي في البحار بدلاً من (يهذؤنهم) يهدرونهم أي يستبيحون دماءهم وفي بعض النسخ يهذون بهم أي يسخرون بهم ويؤذونهم بالرديّ من القول. واليك الحديث بتمامه وكماله كما جاء مروياً في كامل الزيارات: (عن عبد الله بن حمّاد البصريّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: إنّ عندكم أو قال: في قربكم لفضيلة ما اُتي أحد مثلها، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها، ولا تحافظون عليها ولا علي القيام بها، وإنّ لها لأهلاً خاصّة قد سّموا لها، وأُعطوها بلا حول منهم ولا قوة إلاّ ما كان من صنع الله لهم وسعادة حباهم الله بها و رحمة ورأفة وتقدّم. قلت: جعلت فداك وما هذا الّذي وصفت لنا ولم تُسمه؟ قال زيارة جدّي الحسين بن عليّ (عليهما السلام) فإنّه غريب بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن له من لم يزره، ويحرق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلي قبر ابنه عند رجله في أرض فلاة، لا حميم قربه ولا قريب، ثمّ منع الحقّ وتوازر عليه أهل الرّدة حتي قتلوه وضيّعوه وعرضوه للسباع، ومنعوه شرب ماء الفرات الّذي يشربه الكلاب، وضيّعوا حقّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسي مجفوّاً في حفرته، صريعاً بين قرابته، وشيعته بين أطباق التراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه، والمنزل الّذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرّفه حقّنا. فقلت له: جعلت فداك قد كنت آتيه حتّي بليت بالسلطان وفي حفظ أموالهم وأنا عندهم مشهور فتركت للتقية إتيانه وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير، فقال: هل تدري ما فضل من أتاه وما له من جزيل الخير؟ فقلت: لا فقال: أمّا الفضل فيباهيه ملائكة السماء، وأمّا ما له عندنا فالتّرحم عليه كل صباح ومساء. ولقد حدّثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلّ يصلّي عليه من الملائكة، أو من الجنّ أو الإنس، أو من الوحوش، وما من شيء إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسّح به ويرجوه في النّظر إليه الخير لنظره إلي قبره (عليه السلام)، ثمّ قال: بلغني أنّ قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وأُناساً من غيرهم ونساء يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئٍ يقرء، وقاصّ يقصّ ونادب يندب، وقائل يقول المراثي. فقلت: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف، فقال: الحمد لله الّذي جعل في النّاس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهذؤنهم ويقبّحون ما يصنعون).
[18] لا أحفل: لا أهتمّ ولا أعبأ مطلقاً.
[19] كامل الزيارات ب 88 ص 273. والحديث مفصّل وفي غاية الأهمية فدونكه مثلما جاء في مصدره المذكور: (عن نوح بن درّاج قال: حدّثني قدامة بن زائدة، عن أبيه: (قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام): بلغني يازائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الّذي لا يحتمل أحداً علي محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب علي هذه الأمة من حقّنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه يناليني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً، فقال: أبشر ثمّ أبشر ثمّ أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزونة، فإنّه لمّا أصابنا بالطّفّ ما أصابنا وقتل أبي (عليه السلام) وقتل من كان معه من ولده وأخوته وسائر أهله وحملت حرمه ونساؤه علي الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعي ولم يواروا فعظم ذلك في صدري وأشتدّ لما أري منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب الكبري بنت علي (عليهما السلام) فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وأخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أري سيّدي وأخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرمّلين بالعري، مسلّبين، لا يكفّنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشرّ، كأنهم أهل بيت من الدّيلم والخزر؟!! فقالت: لا يجز عنّك ما تري، فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطّف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه علي كرور الليالي والأيّام، وليجتهدّن أئمة الكفر وأشياع الضّلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً، فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟! فقالت: نعم، حدّثني أمّ أيمن أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) زار منزل فاطمة (عليها السلام) في يوم من الأيّام فعملت له حريرة، وأتاه عليّ (عليه السلام) بطبق فيه تمر، ثمّ قالت أمّ أيمن: فأتيتهم بعسّ فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من تلك الحريرة، وشرب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التّمر والزبد، ثم غسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يده وعليّ يصبّ عليه الماء، فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه، ثم نظر إلي عليّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه ثمّ رمق بطرفه نحو السّماء مليّا،ً ثم أنه وجّه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثمّ رفع رأسه وأطرق إلي الأرض ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهبناه أن نسأله حتي إذا طال ذلك قال له عليّ، وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكي الله عينيك فقد أقرح قلوبنا ما نري من حالك؟! فقال: يا أخي سررت بكم.. وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا: فقال: يا حبيبي إنّي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط وإني لأنظر إليكم وأحمد الله علي نعمته عليّ فيكم إذ هبط عليّ جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالي اطّلع علي ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنّأك العطيّة بأن جعلهم وذريّاتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنّة لا يفرّق بينك وبينهم يحبون كما تحبي ويعطون كما تعطي حتي ترضي وفوق الرّضا علي بلوي كثيرة تنالهم في الدّنيا ومكاره تصيبهم بأيدي اُناس ينتحلون ملّتك ويزعمون أنّهم من أمّتك براء من الله ومنك خبطاً خبطاً وقتلاً قتلاً، شتي مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عز وجل علي خيرته وارض بقضائه. فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم، ثمّ قال لي جبرائيل: يا محمد إنّ أخاك مضطهد بعدك مغلوب علي أمّتك مغلوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك يقتله أشرّ الخلق والخليقة، وأشقي البريّة، يكون نظير عاقر النّاقة ببلد تكون إليه هجرته وهو مغرس شيعة ولده، وفيه علي كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم، وإنّ سبطك هذا وأومأ بيده إلي الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذرّيتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها: كربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء علي أعدائك وأعداء ذرّيتك في اليوم الّذي لا ينقضي كربه، ولا تفني حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض، وأعظمها حرمةً، يقتل فيها سبطك وأهله وأنّها من بطحاء الجنّة فإذا كان ذلك اليوم الّذي يقتل فيه سبطك، وأهله، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السّماوات بأهلها غضباً لك يا محمّد ولذرّيّتك، واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك، ولشرّ ما تكافي به في ذريّتك وعترتك، ولا يبقي شيء من ذلك إلاّ استأذن الله عزّ وجلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الّذين هم حجّة الله علي خلقه بعدك فيوحي الله إلي السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهنّ: أني أنا الله؛ الملك القادر الّذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع وأنا أقدر فيه علي الانتصار والانتقام، وعزّتي وجلالي لأعذّبنّ من وتر رسولي وصفيّي، وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضج كل شيء في السّماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلي مضاجعها تولّي الله عزّ وجلّ قبض أرواحها بيده وهبط إلي الأرض ملائكة من السّماء السّابعة معهم آنية من الياقوت والزّمرّد مملوءة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنّة وطيب من طيب الجنّة، فغسّلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل وحنّطوها بذلك الطّيب، وصلّت الملائكة صفاً صفاً عليهم، ثمّ يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفّار لم يشركوا في تلك الدّماء بقول ولا فعلٍ ولا فعلٍ ولانيّة، فيوارون أجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحقّ، وسبباً للمؤمنين إلي الفوز وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة، ويصلّون عليه ويطوفون عليه و يسبّحون الله عنده ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمّتك متقرّباً إلي الله تعالي وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشي منه الأبصار يدلّ عليهم ويعرفون به، وكأنّي بك يا محمّد بيني وبين ميكائيل، وعليّ أمامنا ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصي عددهم، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّي ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمّد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عزّ وجلّ، وسيجتهد اناس ممّن حقّت عليهم اللعنة من الله والسّخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالي لهم إلي ذلك سبيلاً. ثمّ قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): فهذا أبكاني وأحزنني، قالت زينب: فلمّا ضرب ابن ملجم (لعنه الله) أبي (عليه السلام) ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له: يا أبه حدّثتني أمّ أيمن بكذا وكذا، وقد أجبت أن أسمعه منك، فقال: يا بنيّة الحديث كما حدّثتك أمّ أيمن، وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد أذلاّء خاشعين تخافون أن يتخطّفكم النّاس، فصبراً صبراً، فو الّذي فلق الحبّة وبرء النّسمة ما لله علي ظهر الأرض يومئذٍ وليّ غيركم وغير محبيكم وشيعتكم، ولقد قال لنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين أخبرنا بهذا الخبر: إنّ إبليس (لعنه الله) في ذلك اليوم يطير فرحاً فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول: يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطّلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النّار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك النّاس فيهم وحملهم علي عداوتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتّي تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم، ولا ينجو منهم ناج، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب، أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر. قال زائدة: ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) بعد أن حدّثني بهذا الحديث: خذه إليك، أما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلاً).
[20] لابدّ من إمعان النظر في هذه العبارة: (فلا يزداد أثره الاّ ظهوراً وأمره الاّ علوّا)، وبنحو أخص: (وأمره إلاّ علوّا).
[21] سورة الإسراء: الآية 84.
[22] لست من المخالفين لما ينفق من الأموال حتي لو كان بنحوٍ كثير في المناسبات الدينية أو الوطنية التي تعتبر نقاط مضيئة في تاريخ الأمة، فإنّ ذلك مما يقويّ الروابط الاجتماعية بين طبقات الأمة علي اختلاف مستوياتها ويشدّها إلي تاريخها والي قادتها المخلصين وينمي الشعور الديني والانشداد إلي مناقبية أولياء الله صلوات الله عليهم والتعرف بنحوٍ أدق وأوسع علي مناهجهم وتعاليمهم في الحياة. وهكذا يجري الأمر في كلّ ما يعود بالنفع علي أبناء الأمة الإسلامية ويحفظ مصالحهم ومنافعهم الدنيوية والأخروية.
[23] الأبيات من قصيدة للسيد صالح ابن العلاّمة السيد مهدي بحر العلوم (ره).
[24] كامل الزيارات ب 104 ص 330 ح 1 الزيارة الجامعة المختصرة المروية عن الإمام الرضا (عليه السلام).
[25] سورة المائدة الآية 32.
[26] الوسائل ج 11 ب 19 ص 447 ح 2، والكافي الأصول، ومحاسن البرقي.
[27] سورة الشوري: الآية 23.
[28] بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 319 ح 8 زيارة الناحية المقدّسة.
[29] المنتخب الحسني للأدعية والزيارات ص 597 زيارة العقيلة زينب الكبري (سلام الله عليها).
[30] بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 323 ح 8 زيارة الناحية المقدّسة.
[31] أعني كبرياء الحق في وجه الباطل، كبرياء وعظمة وشموخ وعزّة.
[32] هذه ميزة أخري ونقطة فوزٍ تضاف إلي كفة مواكب التطبير الحسيني في مقابل كفة البديل الذي يقترحه البعض وهو التبرع بالدم وبذلك تكون النتيجة تسع نقاط في كفة مواكب التطبير الحسيني وتقابلها نقطتان فقط للتبرع بالدم في ميزان المفاضلة بين الاثنين والذي أجريناه في الفصل السابق.
[33] البراءة العقلية هي حكم العقل بأن الله سبحانه وتعالي لا يعاقب أحداً من خلقه أو أمة من الأمم علي فعل شيءٍ لم يكن قد بيّن لهم حرمته من طريق الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) والكتب السماوية. وهي ما يعبّر عنها بقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وأما البراءة الشرعية فهي حكم الشرع كتاباً وسنةً الموافق والمطابق للحكم العقلي الذي سبق ذكره قبل قليل: وقد وردت النصوص من الكتاب الكريم والسنة المباركة في هذا المضمون وهذا المحتوي وعلي سبيل المثال مما ورد في السنة الشريفة: - عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كلّ شيء مطلق حتي يرد فيه نهي)، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق. - وعنه (عليه السلام) أيضاً: (الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي وكل شيءٍ يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً ما لم تعرف الحرام منه فتدعه)، أمالي الشيخ طوسي. - عن المعصوم (عليهم السلام): (كل شيءٍ مطلق حتي يرد فيه نص)، غوالي اللئالي.. إلي غير ذلك من النصوص الكثيرة والتي يمكنك أن تراجعها في ما جمعه السيد عبد الله شبر (ره) في كتابه الأصول الأصلية والقواعد الشرعية من ص 212 إلي ص 217 طبعة قم، منشورات مكتبة المفيد.
[34] واليك الحديث بتمامه كما رواه شيخنا بن قولويه (ره): (عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: لا؛ أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتّبع هوي هذا الخليفة، وعدوّنا كثير من أهل القبائل من النُّصّاب وغيرهم، ولست أمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي، قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله وأستعبر لذلك حتي يري أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتي يستبين ذلك في وجهي، قال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا، أما إنك ستري عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقّونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشدّ رحمةً لك من الأُم الشفيقة علي ولدها، قال: ثمّ استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضّلنا علي خلقه بالرحمة وخصّنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رحمةً لنا، وما بكي لنا من الملائكة أكثر وما رقأت دموع الملائكة، منذ قتلنا، وما بكي أحد رحمةً لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدّمعة من عينيه، فإذا سالت دموعه علي خدّه، فلو أنّ قطرةً من دموعه سقطت في جهنّم لأطفئت حرّها حتي لا يوجد لها حر، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحةً لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتي أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، يا مسمع من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستقِ بعدها أبداً، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل، أحلي من العسل، وألين من الزّبد وأصفي من الدمع وأذكي من العنبر يخرج من تسنيم، ويمرّ بأنهار الجنان يجري علي رضراض الدّر والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتي يقول الشارب منه: ياليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بدلا، ولا عنه تحويلاً، أما إنك يا ابن كردين ممن تروي منه، وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلي الكوثر وسيقت منه، وانّ الشارب منه ممن أحبنا ليعطي من اللّذّة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا. وان علي الكوثر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي يده عصاً من عوسج يحطم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم: إني أشهد الشهادتين، فيقول: انطلق إلي إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك، فيقول: تبرأ مني إمامي الّذي تذكره، فيقول: الرجع إلي ورائك فقل للذي كنت تتولاه وتقدّمه علي الخلق فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك، فإنّ خير الخلق من يشفع، فيقول: إني أهلك عطشاً، فيقول له: زادك الله ظمأ وزادك الله عطشاً. قلت: جعلت فداك وكيف يقدر علي الدنّو من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ، وكفّ عن شتمنا أهل البيت إذا ذكرنا، وترك أشياء اجترأ عليها غيره، وليس ذلك لحبنا ولا لهوي منه لنا، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذكر الناس، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النّصب واتّباع أهل النّصب وولاية الماضين وتقدّمه لهما علي كلّ أحد).
[35] هذا الحديث الشريف هو حديث زيارة عاشوراء المباركة وإليك الحديث بتمامه: (عن علقمة بن محمّد الحضرمي، ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: من زار الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء من المحرّم حتّي يظلّ عنده باكياً لقي الله تعالي يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف عمره، وألفي ألف غزوة، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين. قال: قلت: جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان ذلك اليوم برز إلي الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسلام، واجتهد علي قاتله بالدعاء وصلي بعده ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال، ثم ليندب الحسين (عليه السلام) ويبكيه ويأمر من في داره البكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام)، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك علي الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب، فقلت: جعلت فداك وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟ قال: أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك. قال: قلت: فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟ قال: يقولون: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنه يوم نحس لا تقضي فيه حاجة وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رشداً ولا تدّخرنّ لمنزلك شيئاً، فإنه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدّخره ولا يبارك في أهله، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجّة وألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكان له ثواب كلّ نبيّ ورسولٍ وصدّيقٍ وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلي أن تقوم الساعة. قال صالح بن عقبة الجهنّي وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرميّ: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) علّمني دعاءً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب، ودعاءً أدعو به إذا لم أزره من قريب، وأومأت إليه من بعد البلاد ومن سطح داري بالسلام، قال: فقال: يا علقمة إذا أنت صلّيت ركعتين بعد أن تومي إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه ومن بعد الركعتين هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة، ومحي عنك ألف ألف سيّئةٍ ورفع لك مائة ألف ألف درجة، وكنت ممن استشهد مع الحسين بن علي (عليهما السلام) حتّي تشاركهم في درجاتهم، ولا تعرف إلاّ في الشهداء الذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب كلّ نبيّ ورسول وزيارة من زار الحسين بن عليّ (عليهما السلام) منذ يوم قتل، تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا خيرة الله وابن خيرته.... إلي آخر الزيارة العاشورائية الشريفة).
[36] مرّ ذكر هذا الحديث بتمامه وكماله في الفصل الأول فراجعه تغتنم.
[37] مجمع البحرين ج 4 ص 411 مادة هلع.
[38] نقل الشيخ آقا بزرك الطهراني (ره) في كتابه المعروف: (الذريعة): بأن الشيخ خضر بن شلال (ره) رأي في المنام أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) يعطيه قلماً، فلمّا استيقظ وجد القلم في يده، فألّف به كتابه المذكور: (أبواب الجنان).
[39] بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 2.
[40] في الوسائل بدلاً من (ساعته): (ساعتك).
[41] وذلك لشدّة التقية في زمانهم (عليهم السلام) وعدم وجود مجالٍ لإبراز أساليب أخري من أساليب الإبكاء علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
[42] بحار الأنوار ج 101 ب 18 ص 152 ح 3/ نقلاً عن كامل الزيارات، والعبائر هذه مقتطفة من إحدي الزيارات المطلقة المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام).
[43] مر قبل قليل في روايات الإبكاء ذكر القسم الأول من هذه الرواية مع مصادرها، وهي كاملة هنا، ولا حاجة لتكرار ذكر مصادرها مرةً أخري.
[44] بعد ثبوت عصمة أهل البيت (عليهم السلام)، ووجوب طاعتهم وولايتهم، وأحقية دينهم؛ فإنّ العقل يحكم بوجوب إحياء أمرهم؛ لأنّه أحياء لكلّ معاني الخير والفضيلة والإحسان والكرامة والكمال بكلّ معناه.
[45] الأصول الأصلية والقواعد الشرعية للسيد عبد الله شبر (ره) ص 239، نقلاً عن السرائر لابن إدريس الحلّي (ره).
[46] الأصول الأصلية والقواعد الشرعية للسيد عبد الله شبر (ره) ص 239، نقلاً عن السرائر لابن إدريس الحلّي (ره).
[47] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 264 ح 5 نقلاً عن تفسير العيّاشي.
[48] سورة يوسف: الآية 96.
[49] سورة فصّلت: الآية 42.
[50] كامل الزيارات ص 115 ب 35 ح 2.
[51] بحار الأنوار: ج 46 ص 108 ب 6 ح 1.
[52] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 263 ح 2 في تفسير الآية 87.
[53] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 263 ح 2 في تفسير الآية 86.
[54] البرهان في تفسير القرآن ج2 ص 264 ح 2.
[55] سورة محمّد: الآية 24.
[56] سورة يونس: الآية 59.
[57] المعاهدة: اليهودية أو النصرانية من أهل الذمّة.
[58] الحجل: الخلخال.
[59] القلب: السوار المصمت.
[60] الرعث: نوع من الخزر.
[61] الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء مع قول إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
[62] كلم: جرح.
[63] جديراً: مستحقاً للاحترام والتقدير والإكرام.
[64] ليس هناك من حاجةٍ للبحث في سند هذه الخطبة المعتبرة لكونها معروفةً جداً، ومرويةً في أوثق المصادر، بل إنّ الذين يعارضون التطبير الحسيني لطالما استشهدوا بها في كتبهم وأحاديثهم و مجالسهم ومجلاّتهم ودروسهم حين يكون الحديث عن فضل الجهاد وأهميته. وفوق كل ذلك فإنّ بلاغتها وقوة سبكها دليل علي مصدرها إذ لطالما استدلّ العلماء المحققون بقوة المتون وبلاغتها علي قوة الأسانيد واعتبارها وصحتها.
[65] وفي ص 137 من كامل الزيارات بدلاً من: (ورآه النبي (صلي الله عليه وآله) وما يصنع ودعا له) جاء مذكوراً: (وزاره النبي (صلي الله عليه وآله) ودعا له).
[66] واليك الحديث بتمامه وكماله نقلاً عن كامل الزيارات ب 91 ح 7 ص 289 وص 290 و ص 291: (عن محمّد بن مسلم قال: خرجت إلي المدينة وأنا وجعٌ، فقيل له: محمّد بن مسلم وجع، فأرسل إليّ أبو جعفر (عليه السلام) شرباً مع غلام مغطّي بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه؛ فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتي تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه، وإذا بشراب طيّب الطعم بارد، فلما شربته قال لي الغلام: يقول لك مولاك: إذا شربته فتعال. ففكّرت فيما قال لي وما أقدر علي النهوض قبل ذلك علي رجلي، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي فكأنّما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوّت بي: صحّ الجسم، أدخل! فدخلت عليه وأنا باك، فسلّمت عليه وقبّلت يده، فقال لي: وما يبكيك يا محمّد؟! قلت: جعلت فداك أبكي علي اغترابي وبُعد الشُقّة وقلّة القدرة علي المقام عندك أنظر إليك. فقال لي: أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً، وأمّا ما ذكرت من الغربة، فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس، حتّي يخرج من هذه الدار إلي رحمة الله، وأمّا ما ذكرت من بعد الشقة فلك بأبي عبد الله (عليه السلام) أسوة بأرض نائية عنّا بالفرات، وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا، وأنّك لا تقدر علي ذلك، فالله يعلم ما في قلبك وجزاءك عليه. ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم، علي خوف ووجل، فقال: ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه أمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، ورآه النبي (صلي الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له وانقلب بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله. ثمّ قال لي: كيف وجدت الشراب؟ فقلت أشهد أنّكم أهل بيت الرحمة وأنّك وصيّ الأوصياء، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر علي أن أستقلّ علي قدمي، ولقد كنت آيساً من نفسي، فناولني الشراب فشربته فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه، فلمّا شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لك: إذا شربته فاقبل إليّ. وقد علمت شدّة ما بي، فالحمد لله الّذي جعلكم رحمةً لشيعتكم ورحمة عليّ، فقال: يا محمّد إنّ الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين (عليه السلام)، وهو أفضل ما استشفي به، فلا تعدل به، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنري فيه كلّ خير، فقلت له: جعلت فداك إنّا لنأخذ منه ونستشفي به؟ فقال: يأخذه الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره فلا يمرّ بأحدٍ من الجنّ به عاهة، ولا دابّةٍ ولا شيء فيه آفة إلا شمّه فتذهب بركته فيصير بركته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا، ولولا ما ذكرت لك ما يُمسح به شيء ولا شرب منه شيء إلا أفاق من ساعته وما هو إلا كحجر الأسود أتاه صاحب العاهات والكفر والجاهلية، وكان لا يتمسّح به أحد إلا أفاق، وكان كأبيض ياقوتة فاسودّ حتي صار إلي ما رأيت، فقلت: جعلت فداك وكيف أصنع به؟ فقال: تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك تستخفّ به فتطرحه في خُرجك وفي أشياء دنسة فيذهب ما فيه ممّا تريده له، فقلت: صدقت جعلت فداك، قال: ليس يأخذه أحد إلاّ وهو جاهل بأخذه ولا يكاد يسلم بالناس، فقلت: جعلت فداك وكيف لي آخذه كما تأخذه؟ فقال لي: أعطيك منه شيئاً؟ فقلت: نعم، قال: إذا أخذته فكيف تصنع به؟ فقلت: أذهب به معي، فقال: في أيّ شيء تجعله؟ فقلت: في ثيابي، قال: فقد رجعت إلي ما كنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله، فإنّه لا يسلم، فسقاني منه مرّتين، فما أعلم أنّي وجدت شيئاً مما كنت أجد حتّي انصرفت).
[67] هو عبد الله بن عبد الرحمن المسمعي.
[68] يذهب بعض من علمائنا وفقهائنا إلي أنّ مجرد ذكر راوٍ من الرواة في أسانيد كتاب كامل الزيارات هو دليل علي وثاقته وصحة مقولاته ليس في كامل الزيارات فحسب وإنما في سائر كتب الحديث الأخري.
[69] ومما قاله العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (ره) صاحب الغدير في تعليقه علي كتاب كامل الزيارات ص 261/ طبعة النجف الأشرف لسنة 1356 هـ: (ذهب غير واحد من الفقهاء والمحققين إلي جواز زيارة الحسين (عليه السلام) مع أي خوف وضرر لإطلاق النصوص كما مرت في بابها ص 125، ولعلّ التاريخ يملي علينا دروساً من عمل الأصحاب علي عهد الأئمة صلوات الله عليهم منضّمة بتقريرهم له يؤكد ما اختاره المحققون. ولقد حمل إلينا عن أولئك أنهم ما صدّهم عن قصد مشهد الحسين (عليه السلام) ما كابدوه من المثلة والتنكيل والعقوبة بحبسٍ وضربٍ وقطع يد وهتك حرمة وقابلوها بجأشٍ طامن ولبّ راجح وشوق متأكّد، وهذا كتابنا ينطق عليك بالحق في حديثٍ مرّ في ص 125 في زيارة ابن بكير وإتيانه لها من ارّجان من بلاد فارس خائفاً مشفقاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح وهو من فقهاء الطائفة كما في رجال الكشي، وفيما يأتي في ص 276 من حديث زيارة مثل محمّد ابن مسلم علي خوف ووجل وهو أكبر ثقة في الطائفة عدّه الصادق (عليه السلام) من أوتاد الأرض وأعلام الدين وفي كلا الحديثين فضلاً عن تقرير الإمام (عليه السلام) لفعلهما بيان ثواب جميل لهما بذلك ونصّ علي أنّ ما كان من هذا أشدّ فالثواب علي قدر الخوف. وفي حديث مرّ في ص 116 في زيارة مثل الحسين الليثي الكوفي الذي أطبق الأصحاب علي ثقته وجلالته في زمان بني مروان في الشدة وخوف القتل وتلف النفس كما صرّح بذلك في حديثه. ويدلّ علي مختار المحققين حديث هشام بن سالم الثقة الجليل المروي عن الصادق (عليه السلام) بطوله في ص 123 من الكتاب وفيه تفصيل بيان ثواب عظيم لمن يقتل دون الحسين (عليه السلام) وأجر جميل لا يستهان به لمن حبس في إتيانه وجزاء جزيل لمن ضرب بعد الحبس في قصد مشهده. إذن فلا ندحة من تعميم الحكم علي جميع ما ذكر وان صعّد وصوّب فيه المهملجون). وللتنبيه والفائدة أقول: إنّ أرقام الصفحات المذكورة في هذا التعليق تعود إلي كتاب كامل الزيارات طبعة النجف الأشرف لسنة 1356 هـ تحقيق وتعليق العلامة الأميني (ره)، وأما الأحاديث التي أشار إليها كحديث ابن بكير، وحديث محمد ابن مسلم، وحديث هشام بن سالم رضوان لله تعالي عليهم جميعاً فهي مذكورة بتمامها وكمالها في ضمن الروايات التي بين أيدينا والتي ذكرت قبل قليل في متن هذا الكتاب. ولا بدّ من الإشارة إلي ما تحمّله الشيعة عبر العصور في سبيل زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) وإحياء أمره؛ إذ تفنّن الظالمون والجبابرة والطغاة في أساليب منع زيارة الحسين (عليه السلام) والتنكيل بزوّاره فمرةً اشترطوا علي الزائر قطع يمينه كي يسمحوا له بالجواز إلي مشهد أبي الأحرار صلوات الله عليه؛ وقدّمت الأيدي تلو الأيدي حتي نقلت الأخبار أن زائراً طلب منه الشرطة أن يقدّم يمينه للقطع فقدّم شماله فقالوا له نريد يمينك فأخرجها لهم مقطوعة وقال لهم: قد قطعتموها في الزيارة السابقة، فقطعوا له شماله..!! وتارة أخري يشترطون علي كل عشرة من الزوار أن يقتل واحد منهم وتسابق زوار أبي عبد الله صلوات الله عليه إلي الشهادة والموت. وثالثة اشترطوا فيها أن يقتل من كل ثلاثة زوارٍ أحدهم، واستمرّ الظلم بأشكالٍ مختلفة، واستمرت التضحية والثبات والصمود إلي يومنا هذا.
[70] السبج: حجر أسود شديد السواد برّاق وله فوائد طبية.
[71] بحار الأنوار ج 45 ب 39 ص 114 و ص 115.
[72] أقرح: أخرج الدم بسبب ما فعله من جرح أو جراح.
[73] بحار الأنوار ج 44 ب 34 ح 17 ص 283 و ص 284.
[74] بحار الأنوار ج 101 ب 41 ص 320.
[75] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 37 ص 242 و ص 243.
[76] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 39 ص 243.
[77] الحسك: هو حسك السعدان وهي عشبه شوكها مدحرج.
[78] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 41 ص 244.
[79] سورة مريم: الآية 54.
[80] كامل الزيارات ب 19 ح 1 ص 62 و ص 63 طبعة طهران.
[81] كامل الزيارات ب 19 ح 2 ص 63.
[82] سورة النحل: الآية 128.
[83] صعق: وقع مغشياً عليه.
[84] نهج البلاغة خ 193 ص 303 - 306.
[85] المقبولة الحسينية ص 56.
[86] كانت قيمتها بضعة دراهم.
[87] مقاطع قصيرة من قصة مقتل سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه عن كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) أو حديث كربلاء للسيد المقرّم (ره) بين سطور الصفحات من ص 278 إلي ص 285.
[88] علي سبيل المثال راجع ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ ج 3 ص 30 وغيره.
[89] الشفار: السيوف الحادّة الصقيلة.
[90] الخطّار: الرمح الطويل.
[91] الغرار: السيف.
[92] الأبيات من قصيدة عصماء للشيخ عبد الحسين شكر (ره).
[93] الآيات البينات في قمع البدع والضلالات ص 5.
[94] الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ص 6 و ص 7.
[95] الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ص 9 و ص 10.
[96] يبدو أنّ الشيخ كاشف الغطاء (ره) ذكر مضمون النص بنحوٍ إجمالي وإلاّ فالنصّ هكذا: (فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجك عليه ملويّاً؛ برزن من الخدور، ناشرات الشعور علي الخدود، لاطمات الوجوه، سافرات وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات..). ولا يخفي علي العارفين بلغة العرب أنّ المرأة التي يقلّ خروجها من دارها لشدّة حشمتها إذا خرجت من بيتها أو خبائها أو خيمتها يقال لها: سفرت المرأة من بيتها: أي خرجت منه، كما يقال للشمس حين شروقها: سفرت الشمس: أي خرجت من الظلام، ويقال: أسفر الصبح، فكأنّه محتجباً في الظلام وخرج منه.
[97] الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ص 12 و 13 و 14 و 15.
[98] الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ص 17 و 18 و 19.
[99] فذلكه: محمل أو خلاصة. [
[100] في النص الأصل لهذه الزيارة الشريفة: (ولا بكينّ لك بدل الدموع دماً)، وهو ابلغ وأدقّ وألطف من القول: (ولأبكينّ عليك)، إذ في التعبير الأول لطائف دقيقة لا تخفي علي أهل البلاغة والبيان.
[101] الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ص 23 و ص 24.
[102] نصرة المظلوم للشيخ المظفّر (ره) ص 50.
[103] فتاوي العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية ص 19، وغيره من الكتب التي تقدّم ذكرها في ذيل فتوي الشيخ النائيني (ره).
[104] المصدر المتقدّم ص 20.
[105] المصدر المتقدّم ص 36.
[106] المصدر المتقدّم ص 34 و 35.
[107] المصدر المتقدّم ص 34.
[108] المصدر المتقدّم ص 42 و ص 43.
[109] المصدر المتقدّم ص 45 و ص 46.
[110] سورة النساء: الآية 29.
[111] فتاوي العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية من ص 49 إلي ص 53.
[112] الضمير يعود علي المعترض والمشكّك.
[113] هو المرجع الديني المعروف شيخ الشريعة الأصفهاني (ره) وأحد أبرز قادة ثورة العشرين في العراق.
[114] صاحب الفتوي المعروفة في تحريم التنباكو والتي التزم بها عموم الشيعة بل حتي بعض أفراد عائلة ناصر الدين شاه والتي كانت الفتوي موجّهة ضده وضد مصالحه وحكومته وسلطانه وعرشه.
[115] هو قائد ثورة العشرين في العراق ومرجع الشيعة في زمانه.
[116] الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود علي المنكر والمشكّك والمعترض.
[117] لابدّ من التنويه إلي أنّ هذا الكتاب هو من أحسن ما كتب في بابه.
[118] من فضلاء العلماء المعاصرين.
[119] مراده ما تقدّم من أخبار ذكرها في كتابه مرويةً عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم جميعاً.
[120] مراده الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة.
[121] ترجمة عنوان الكتاب إلي العربية هي: مراسم العزاء من منظار المرجعية الشيعية.
[122] من فضلاء المشايخ المعاصرين.
[123] هو المرجع الديني المعروف السيد كاظم اليزدي (ره).
[124] هو السيد جعفر الحسيني والد مؤلف الكتاب المذكور أعلاه.
[125] بمسجد الإمام الخميني - مدّ ظلّه العالي - في طهران، وتقرأ علي المجتمع من أهل البلاد ليعرف كل حكم مقلّده.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.