شعائر الحسينية في الميزان الفقهي

اشارة

عبدالحسين حلي
نوع: كتاب
پديدآور: حلي، عبدالحسين‌1883-1955م.
عنوان و شرح مسئوليت: الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي [منبع الكترونيكي] / عبدالحسين الحلي
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (58 بايگاني: 458.1KB)
يادداشت: كتابنامه: ص.55-58. و همچنين به صورت زيرنويس
موضوع: شيعه
شعاير و مراسم مذهبي

مقدمة التحقيق

اشاره

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين واللعنة علي أعدائهم أجمعين.منذ أن تفككت القيود الحديدية - نسبياً - عن المسلمين الشيعة في بعض مناطق العالم، عند تهاوي الدول الظلامية الظالمة التي حكمت الوطن الإسلامي بأسوأ طريقة ممكنة، تمتع الشيعة بحرية نسبية في أداء شعائرهم الدينية علناً، فقاموا بالتظاهر بممارسة النشاطات الدينية، وكان منها مراسم العزاء علي سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) الإمام الحسين (صلوات الله عليه).وعند ظهور الحكومات الشيعية أو المحايدة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية وبلاد فارس، استمرت إقامة هذه المراسم مع توسع كمّي وكيفي، وظلّوا يقيمون هذه الشعائر عدة قرون مع مدّ وجزر.ومنذ أن اجتاحت عاصفة التغريب والتجديد (التبديد) المجتمعات الإسلامية في الشرق في العقود الأخيرة، ظهرت نقاشات حادة حول مجموعة كبيرة من المفاهيم الدينية، ومن جملتها كيفية إقامة العزاء علي الإمام الحسين (عليه السلام).النقاش في كيفية إقامة العزاء علي الإمام كان ينصبّ في عدة قنوات، مثل:1- تحليل نفسي تاريخي لإثبات عدم أصالة هذه المراسم، وذلك بإرجاع منشأها إلي الخرافة والتخلف الفكري من جهة، وإلي عادات المجوس في بلاد فارس من جهة أخري.2- سرد مجموعة من الوجوه لإثبات حرمة هذه المراسم، بدعوي صدق عنوان (البدعة) و(الإسراف) و(الإهلاك) و(الإيذاء) و... عليها.وقد تكفل الفقهاء والعلماء الإجابة علي التشكيكات المتعلقة بدائرة الفقه، لأن الفقيه الواجد لشرائط الإفتاء هو الذي يحسم التشكيك المتعلق بالحكم الشرعي لأفعال المكلّفين، كما قام المفكّرون والدعاة بالرد علي التشكيكات المتعلقة بالقنوات الأخري.والكتاب الذي بين يديك هو واحد من الأعمال الثقافية التي قام بها العلماء في مواجهة الهجوم الذي تعرضت له مفردات الشعائر الحسينية قبل عدة عقود.يعالج هذا الكتاب التشكيكات التي أوجدها البعض حول الشعائر الحسينية ذات الصلة بالفقه، فيتعرض إلي الحكم الشرعي لإقامتها مثبتاً استحبابها، ويدحض تلك التشكيكات بأدلة قوية. وقد انتهج في ذلك أسلوب النقاش الحوزوي.ويلاحظ أن الطابع العام له هو التركيز علي الحكم الشرعي للتطبير والضرب بالسلاسل علي الظهور. والسبب في ذلك يرجع إلي وقوع هذين الأمرين مثار التشكيك أكثر من غيرها، وأنه إذا ثبتت إباحة واستحباب هذين الفعلين، فقد ثبتت لغيرهما بالأولوية القطعية.كما أن هناك حديث واسع حول قاعدة نفي الضرر وحرمة الإيذاء ويستنتج منه المؤلف أنه لا سبيل إلي الاستدلال بها علي حظر أيّ من الشعائر بقول مطلق.

اسم الكتاب

اسم هذا الكتاب الذي اختاره المؤلف (النقد النزيه لرسالة التنزيه)، ونظراً إلي أنّ هذا العنوان لا يلفت انتباه القراء والراغبين في كسب المزيد من المعرفة عما يتعلق بالشعائر، اخترنا له هذا الاسم (الشعائر الحسينية في الميزان الفقهي).

المؤلف

ولد الشيخ عبد الحسين الحلي عام 1299هـ أو 1300هـ 1301هـ في مدينة الحلّة بجنوب العراق، وهاجر عام 1314هـ إلي مدينة النجف، ودخل حوزتها العلمية. وبعد أن أكمل المرحلة التمهيدية (المقدمات) والنظرية (السطح) دخل المرحلة العملية (الخارج) حيث درس عند الأستاذ الأصولي الشيخ محمد كاظم مصنف (كفاية الأصول) وعند الأستاذ الفقيه السيد محمد كاظم الطباطبائي، وعند الأستاذ الشيخ شريعة، والأستاذ الشيخ محمد طه نجف حتي بلغ درجة الاجتهاد.وقام - إلي جانب التأليف - بالتدريس في الحوزة العلمية لعدد غير قليل من طلابها، حتي صار مرشحاً لنيل المرجعية الدينية.بعد فترة هاجر إلي البحرين، حيث بقي هناك حتي وافاه الأجل المحتوم في ذي الحجة 1375هـ وانتقل إلي جوار ربه.له مؤلفات كثيرة، طبع عدد منها، ولا زال عدد آخر منها مخطوطاً. أما المطبوع منها فأبرزها:1- النقد النزيه.2- نصرة المظلوم.3- الشجرة الملعونة.4- مصارع الكرام.5- شرح الاثني عشرية في الصلاة.6- الرد علي الطبيعيين.7- ينابيع الأحكام.8- النفحات القدسية.

ظروف تأليف الكتاب

منذ الأربعينيات (1340هـ فصاعداً) كان الراحل السيد محسن الأمين يتظاهر بمخالفة الشعائر الحسينية التي كان يقوم بها المؤمنون في سوريا ولبنان، ولا سيما تجريح الرؤوس (التطبير) والضرب بالسلاسل علي الظهور. وقد أثار هذا التظاهر مجموعة من التساؤلات حول الحكم الشرعي لهذه الممارسات التي كانت تؤدي إلي حدوث ثمة تشكيكات في قضية نهضة الإمام الحسين (عليه السلام).فقام العلامة الشيخ عبد الحسين العاملي بتأليف ونشر كتاب بعنوان (سيماء الصلحاء في إثبات جواز إقامة العزاء لسيد الشهداء) يدافع فيه عن تلك الشعائر مبيناً عدم منافاتها مع أحكام الشرع، ومثبتاً لاستحبابها، وطبع عام 1345 في لبنان.وقد استشم السيد الأمين من هذا الكتاب استثارته، فسارع إلي تأليف كتاب للرد عليه بعنوان (التنزيه لأعمال الشبيه) وطبعه في مطبعة العرفان في 22 صفحة عام 1347هـ. وبالرغم من أن الهدف كان الرد علي مؤلف (سيماء الصلحاء) - كما ذكر الأمين نفسه في المقدمة، إلا أنه هاجم معظم مفردات الشعائر الحسينية، وحكم بحرمة أغلبها وأبرزها، ورد الأدلة التي كانت قد ذكرت في (سيماء الصلحاء) لإثبات الجواز.وانتهج السيد الأمين في كتابه أسلوب خلط الأوراق، فاستدل - مثلاً - بقواعد ثابتة الحجية في الأصول أو الفقه لإثبات حرمة هذا الشعائر مع شيء من الصخب والتهويل، مع أن الشعائر ليست صغريات تلك القواعد أبداً.ونشر الكتاب، وقامت بعض الجهات بتوزيعه وتسويقه علي نطاق واسع.الحوزات العلمية شجبت هذا العمل الذي وصفته بـ(محاولة أموية) ورفضت الكتاب من دون ترديد، وحكمت ببطلانه من المنظور العلمي. بيد أن بعض أصاغر الطلبة الذين لم يكونوا قد درسوا الفقه، انخدعوا بمحتوياته، وقاموا بالدعاية لصالح الكتاب ومحتوياته.وهنا وجد العلماء والفقهاء أنفسهم أمام التكليف الشرعي الذي يحتم عليهم مجابهة الضلال إذ أن العلماء حماة الدين، فينبغي عليهم الحفاظ علي حماه والدفاع إزاء ما تتعرض له مفرداته من شبهات ومحاولات التحريف ومجابهة البدع وأصحابها، والوقوف في وجه محاولات إباحة المحرمات وتحريم المباحات والمستحبات، وذلك عن طريق إنارة الرأي العام والمحافل العلمية من خلال الكتاب والمنبر والمحراب و...، أما السكوت أمام الباطل ومحاولات تغيير معالم أحكام الدين وكتمان الحق، فهو جريمة كبري في حق الآخرين والأجيال القادمة، وذنب عظيم، قال الله تعالي: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدي من بعد ما بيّناه للناس أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) [1] وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أيّما رجل آتاه الله علماً، كتمه وهو يعلم، لقي الله عزّ وجل يوم القيامة ملجماً بلجام من نار) [2] .لذلك تصدت مجموعة منهم في العراق لدفع الشبهات وإبطال التشكيكات التي أثيرت حول الحكم الشرعي لممارسة الشعائر الحسينية، واتسمت هذه الردود بالمتانة العلمية.وكان من أولئك: الفقيه آية الله الشيخ عبد الحسين الحلي (أعلي الله درجاته) حيث ألّف كتابين في هذا المجال، وهي: (نصرة المظلوم) و(النقد النزيه لرسالة التنزيه) (وهو هذا الكتاب). وكان هدفه إظهار الحق ودحض الباطل.ومع الأسف فإنه ما تصدّي أحد من العلماء لمحاولات التزييف والتحريف والتغيير في ما يتعلق بدائرة الأحكام الدينية إلاّ واتهمته الجهات التي لها مصالح في ذلك التزييف أو التحريف بتهم ظالمة مثل: التحجر، الرجعية، الجهل، الارتباط بالمخابرات الأجنبية، الجنون، التأثر بزعيق العوام و... وكل من يفقد الحميّة الدينية ولا يكافح رياح الضلال والبدعة والتحريف، لهثاً لحطام الدنيا، ويؤيد الجناة المبدعين، تصفه تلك الجهات بالمنوّر، العصري، المتحضّر، البصير، الفهيم، العارف بظروف العصر و...ولم يستثن الفقيه المؤلف من هذه التهم، مثل (أعزاه صياح العوام والمغرضين إلي نقده في كتابين..)، إلا أنه لم يتأثر بهذه الأمور واستمر في طريقه. قدّس الله نفسه.

دواعي تحقيق و طباعة الكتاب

يمكن إجمال دواعي القيام بتحقيق وطباعة هذا الكتاب إلي الأمور التالية:1- التعايش السلمي بين الشيعة وغيرهم من أتباع المذاهب الإسلامية، وظهور الميول لدي أتباع تلك المذاهب إلي مشاركة الشيعة في عدد من المراسيم التي يقيمونها في المناسبات الدينية، ولا سيما في عزاء الإمام الحسين. هذا التعايش أبرز ضرورة وجود كتب في متناول الأيدي تبحث عن المستند الفقهي للمراسيم التي يقيمها الشيعة تخليداً لذكري استشهاد الإمام الحسين، مثل التطبير والضرب بالسلاسل علي الظهور، واللطم، ولبس السواد، والبكاء و... وتتكفل بإثبات استحبابها ونفي تشكيكات الحرمة والكراهة عنها، وذلك لمن يفهم الخطاب الفقهي.وقد كتب الفقهاء الكثير في هذا المجال، بيد أنها ظلت محفوظة أو نفدت نسخها قبل سنين كثيرة، فأصبحت طباعة هذه الكتب - مع تحقيق وإخراج مناسب - أمراً في غاية الأهمية في العصر الحاضر، وتحقيق وطباعة هذا الكتاب القيم خطوة إلي الأمام في هذا الطريق.2- تواجه الشعائر الحسينية منذ فترة هجوماً واسعاً من قبل ائتلاف مركّب من أعداء الإسلام، هذا الهجوم يستهدف بث التشكيكات بين البسطاء والسذج حول الحكم الفقهي لهذه الشعائر... وطباعة هكذا كتب وجعلها في متناول الأيدي هو رد حضاري في مواجهة هذا الهجوم الشرس، والذي لا يبعد وجوبه كفائياً.3- بالرغم مما ألّف في الاستدلال علي استحباب الشعائر الحسينية ونفي التشكيكات عنها، يشكل جزءاً بارزاً من المكتبة الفقهية، بيد أن رفوف المكتبات الفقهية ومراكز المعلومات في الحوزات العلمية المتوزعة في عدد من بلدان العالم، أصبحت خالية - تقريباً - من هذه الكتب، نظراً لنفاد طبعاتها السابقة، وقلة أماكن تواجد نسخها المخطوطة، فبالرغم من الرغبة الملحّة لطلاب الحوزات في معرفة المزيد في هذا المجال، بيد أن أكثرهم لا يستطيع الحصول علي ما يريده. فصارت إعادة طباعة هكذا كتب ذا أهمية كبيرة في الحال الحاضر.

علمنا في الكتاب

1- ذكر مقدمة عن الكتاب وموضوعة وسبب تأليفه، ودواعي تحقيقه وطباعته في الحاضر، وتعريفٌ خاطف بالشيخ المؤلف وأعماله الثقافية.2- تقسيم الكتاب إلي قسمين رئيسين، وتقسيم الثاني إلي أبواب، وتقسيم بعض الأبواب - بحسب الحاجة - إلي فصول.3- اختيار عناوين أصيلة للقسم والباب والفصل، وعناوين هامشية لبعض الفقرات، تسهيلاً لعملية الاستفادة من الكتاب، وتفكيكاً بين مواضيعه، وإفهاماً لمقصود مؤلفه.4- ضبط النصوص والكلمات مع المصادر وتخريجها اعتماداً علي المصادر الأصلية قدر الإمكان، وتصحيحها، وجعل الزيادات والقطعات بين القوسين المربعين [ ].5- استخدام علامات التنقيط الحديثة المستخدمة لتسريع الاستيعاب وإفهام المقصود.6- توضيح معاني بعض الكلمات، والمراد من بعض الفقرات.

تنبيه

أ - مجالات استخدام القوسين المربعين [ ] في تحقيق هذا الكتاب هي:أولاً: العناوين التي اخترتها للقسم والباب والفصل والفقرات (العنوان الهامشي).ثانياً: الزيادات الموجودة في المصادر التي نقل عنها، والتي رأينا إثباتها لازماً.ثالثاً: المصدر وعنوانه الدقيق في الهامش بالنسبة إلي تعليقات وتخريجات المؤلف.ب - للمؤلف مجموعة من التعليقات وبعض التخريجات للنصوص والأقوال التي ذكرها أو أشار إليها هو، وقد أدرجها في الهامش. لكن بعض التعليقات كانت بحاجة إلي تطبيق مع المصدر والتخريج وربما كانت زيادات في المصدر لها دخل ما في إفادة المقصود، فقمت بذلك وأثبت الزيادات - إن وجدت - وكذا التخريجات داخل القوسين المربعين.كما كانت لدي بعض التعليقات، فثبتها - بالإضافة إلي التخريجات - في الهامش. وعقبت هذه التعليقات والتخريجات بحرف (م)، أي أن التعليقة أو التخريج من المحقق، وما لم يكن في آخره هذه العلامة، فهو من المؤلف نفسه.

النسخة المعتمدة

للكتاب نسخة مطبوعة واحدة هي طبعته الأولي في المطبعة الحيدرية بالنجف بالعراق عام 1347 هجرية. وهي - مع الأسف - مليئة بالأخطاء المطبعية والسقطات. ولم أستطع الحصول علي الأصلية المخطوطة. فكانت هذه النسخة محل الاعتماد في التحقيق.أدعو الله أن يتقبل هذا العمل المتواضع بلطفه وكرمه، وأن يوفقني دوماً لخدمة قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، كما أرجو من الأخوان الأماجد تنبيهي علي الهفوات الواقعة في التحقيق.نزار الحائريدمشق - سوريا3 / 4 / 1995قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إن لقتل الحسين (عليه السلام) حرارة في قلوب المؤمنين، لا تبرد أبداً).نقل هذا الحديث خاتمة المحدثين النوري (قدس سره) في (المستدرك) عن مجموعة الشهيد الأول، نقلاً عن كتاب (الأنوار) لأبي علي محمد بن همام، مسنداً عن ابن سنان عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نظر النبي (صلي الله عليه وآله) إلي الحسين (عليه السلام)، وهو مقبل، فأجلسه في حجره، وقال: (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً). ثم قال أبو جعفر: (بأبي قتيل كل عبرة). قيل: وما قتيل كل عبرة؟ قال: (لا يذكره مؤمن إلا بكي) [3] .هذا الحديث يعطي اليقين للجادّين بإماتة التذكارات الحسينية باسم (الإصلاح الديني) - الذين هم في الأغلب ليسوا من أهله - بأن تلك الحرارة الموعودة من النبي (صلّي الله عليه وآله) ببقائها ما دامت واغلة في النفوس، مرتكزة في القلوب، فإنها لا محالة تكون روحاً خالدة لحياة تلك الشعائر المقدسة، ومثاراً لتجددها بجميع مظاهرها، لا تخلق علي مرّ الدهر، ولعلّما تكون جذوة لبروز مظاهر أخري للحزن علي ذلك الشهيد الأعظم، لم تكن اليوم بحسبان.

مقدمة التأليف

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.وبعد: فقد حدث - منذ أعوام - في البصرة رأي لا يؤبه به يتضمن المنع عن كثير من الشعائر الحسينية التي تقام في بلدان الشيعة، عدا البكاء ولدم الصدور في الدور. وهو - مع أن صاحبه ليس بتلك المكانة - لم يدعم بحجة، ولم يقم علي سوي التهاويل الفارغة.وقد تُقبّل هذا الرأي في ما مضي برسائل جمّة حافلة بالأدلة التي لا يكاد يبقي بعد مراجعتها ريب في وجوب إقامة جميع الشعائر المذكورة كفاية إلاّ لجاهل بأصول الاستدلال، أو قاصر بذاته عن البلوغ إلي مراتب الكمال.واليوم قد أوقفتنا العجائب الغرائب علي أوراق مطبوعة في هذا الشأن تدهورت علينا من الشام [4] ، وهي تنحو هذا المنحي، إلا إنّ هذه - مع أنّ صاحبها [5] في مفتتحها يزعم أنه لم يقصد بها سوي إنكار المنكرات التي أدخلها الناس في الشعائر الحسينية - تشفّ عن روح التعصب الحاد، ويستبين الغضب الشائن من خلال سطورها، ويقرأ كل أحد بوضوح من عناوينها التحامل المقذع علي بعض الأعلام من معاصريه [6] المعروفين بالعلم والأدب.حتي أنه لم يملك نفسه في صيانة ما افتتح به مقالته دون أن رفع عقيرته مجاهراً [7] بقوله: (وأيم الله لو لم يوجّه - يعني معاصره - سبّاته ولسعاته إلينا، ما تعرضنا له، قل لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل، وأنا بريء مما تعملون، ولكن من أُغضب فلم يغضب فهو حمار). انتهي.ولعمري لقد كانت الأنباء تحمل إلينا من دمشق عظمة هذا المؤلف، وسموّ منزلته في العلم والعرفان، ولكن أوراقه التي رأيناها - التي ألمعنا عن مفتتحها وما وقع في أثنائها من الكلمات التي يتنزّه عنها المقام الروحاني - لا تجعل لتلك الأنباء قيمة تذكر، إذ أنّها من جهة الاستدلال العلمي تحطّ من مقدار عرفانه المزعوم، ومن جهة الانتقاد الغير النزيه، تشين الأخلاق والآداب المنحولة له.وإلا فما الذي يحمله علي البراءة من رجل مسلم عالم من أهل نحلته، وهو يعلم أنّ التهاجر بين الرجلين - فضلاً عن التبري - يقطع العصمة بينهما ويخرجهما عن ولاية الله [8] وليس البراءة من المسلم إلا البراءة من عمله؟هلمّ فليرشدنا هذا الرجل: أي شيء هذه الكلمة الموحاة التي أرسلها واعتمد في غضبه لنفسه عليها (من أُغضب، فلم يغضب فهو حمار)؟ أين موقعها من سور الكتاب وأبواب السنة؟ فإنّا وجدنا كتاب الله - الذي كان حقيقاً أن يتمسك به - يقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) [9] ؟، (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [10] . والسنة القويمة تنطق بأنه ما من شيء أحب إلي الله من جرعتين يتجرّعها المؤمن: جرعة غيظ يردّها بحلم، وجرعة مصيبة يردّها بصبر) [11] .إنّا فحصنا جهد الإمكان في الكتاب والسنة، فلم نجد فيهما استحسان أن يغضب الإنسان لنفسه، أو أن يتشفّي من مؤمن، ولو بقول الحق، فضلاً عن السخرية به والاستهزاء، أو التظاهر عليه وتتبع عثراته وإحصاء زلاّته. بل وجدنا في ما جاء عن أئمة الهدي (سلام الله عليهم) بدل كلمته الغضبية، هذه الجمل الذهبية: (الغضب مفتاح كل شر)، (الغضب ممحقة [12] لقلب الحكيم)، (الغضب جمرة من الشيطان يوقدها في قلب ابن آدم)، (الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل)، (الغضب شعلة من نار، تلقي صاحبها في النار)، (الغضب جند عظيم من جنود إبليس)، (الغضب يفسد الألباب، ويبعد عن الصواب)، (الغضب نار موقدة، من كظمه أطفأها، ومن أطلقة كان أول محترق بها) [13] .وبما أنّي في نشرتي هذه - النزيهة عن كل مراء وكل قذف واستهزاء - التي أدعوها (النقد النزيه لرسالة التنزيه) لا أحاول سوي إبداء الملاحظات علي تلك الرسالة من الجهة العلمية، فلغيري أوكل التنبيه علي ما تضمنته من الأمور التي لا يجمل بالأدب ذكرها من الجبرية واحتقار العلماء، ولا بدع فقد جاء في الحديث الصحيح: (بدء الغضب الكبر، والتجبّر، ومحقرة الناس) [14] .وإني - والله - بما أنوّه به عليهم لا أريد بما سوف أنتقده أن أمسّ كرامة هذا الرجل، ولا أن أزلزل به - لو استطعت - شيئاً من مركزه، مهما عظم علي عرفاء الفرقة شيء من أقواله التي تمس عصمة النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وتحطّ من كرامتهم.ولكني أريد أن يتعلم الرجل أكثر مما علم، وأن يعتقد أنّ جلّ ما يقصده القائمون بتلك المظاهرات والتمثيلات الحسينية ليس إيلام أجسامهم وأرواحهم - وإن كان ذلك مطلوباً في الجملة -، ولا التلهّي بالغناء والمعازف، بل لهم فيتلك الأعمال أسرار يهون لأجلها كل إيلام وإيذاء، إذ إنها ما زالت - كما هي الآن - عائدة علي عموم الفرقة بأكبر الفوائد، متقدمة بهم في شؤونهم الاجتماعية والسياسية.وقد طفحت الرسائل بتلك الأسرار المشار إليها آنفاً، المطبوعة قديماً وحديثاً، وقد انتشرت في العراق وغيره، لكني حباً للنشر سوف أنقل منها - في محل الحاجة - نبذة ممتعة تفي بالغرض اللازم، وتحجز أي رجل من الشيعة بعد اليوم أن يستهدف لقول أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا، ويمدحنا، ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا، وغيرهم يهددونهم، ويقبّحون ما يصنعون) [15] .وها أنا - قياماً بواجبي الديني - مقتصٌّ أثر المهم من تلك الرسالة من بدئها إلي خاتمتها، ناقلاً نصّ عبارتها، إلا ما ندر فإني ملتزم تلخيصه، بحيث لا يختلّ المعني.

المنكر والنهي عنه

اشاره

وقد زعم صاحبها [16] أنّ المنكرات التي أدخلت في مجموع الشعائر الحسينية هي مما أجمع المسلمون علي تحريم أكثرها، وأنّ بعضها من الكبائر، وهي - حسب إحصائه - تسعة.وإنّي سأوقفه علي ما يقنع به من البرهان الصحيح الصريح علي أنّ المحرّم منها لم يدخل في شيء من المظاهر الحسينية، والداخل منها فيها ليس بمحرّم البتة.ولكن كان عليه قبل كل شيء أن يتنبّه إلي معرفة مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يأمر وينهي إذا شاء.

انكار المنكر

إنّ مسألة شرعية المواكب العزائية المتنوعة الممثلة لفاجعة الحسين (عليه السلام) واللاّدمة صدورها حتي تحمر، والضاربة رؤوسها حتي تدمي بما احتف بها من صياح وزعق [17] من الرجال والنساء، ونفخ الأبواق وضرب الطبول المعتادة، قد صارت منذ أعوام قريبة من الأمور النظرية، ووقعت موقع السؤال والتشكيك.وقد تبع العلماء آراءهم فيها، والعامة مقلّديهم. وقد انتشرت فتاواهم - مطبوعة وغير مطبوعة - في هذا الموضوع الذي ما كان يدور بالبال أن يقع موقع شك وسؤال!فما هو مورد النهي عن المنكر في مورد التقليد وحصول الوفاق أو الخلاف من المجتهدين؟ أهل يري الكاتب جواز الإنكار في المسائل النظرية الخلافية، لننكر عليه إنكاره؟ أم بلغت المحرّمات المزعومة درجة كانت فيها من ضروريات الدين أو المذاهب؟كلاّ، ثم كلاّ إنّه لا يدّعي ذلك أدني الجهال. أين ضرورية حرمة تشبه الرجال بالنساء بالمعني المدّعي وقوعه في العزاء؟ أين ضرورية حرمة صياح النساء؟ أين ضرورية حرمة زعقات الرجال؟ أين ضرورية حرمة ركوب المرأة في الهودج حاسرة [18] أيها المنصفون؟ وأين ضرورية حرمة الهتك المدعي؟ وما هو مصداقه الضروري الحرمة؟ وأين ضرورية حرمة النفخ في البوق، وليس بمزمار؟ وما يدري الكاتب أنّ الطبل المحرّم هو هذا المستعمل اليوم في العزاء؟ أذلك ضروري في المذهب أم هو اجتهاد منه؟ولعمري إنّ الكذب والغناء المدّعي وقوعهما من القرّاء هما أيضاً محل النظر من جهة الموضوع والحكم معاً - كما ستقف عليه -، والمرجع فيهما المجتهدون. فكيف - والناس فيهما وفي غيرهما من المقلّدة - يصح في الشرع الإنكار عليهم ورميهم بأنهم يعملون المنكرات لولا سورة الغضب [19] ؟إنه كان علي الكاتب إبداء رأيه في شأن الشعائر الحسينية، إبداؤه في سائر المسائل الفرعية، لا دعوي أنّها قد دخلت فيها المنكرات التي قام ينكرها. ولقد كنّا نظن أنّ الأمر انتهي من قبل أكثر من عامين علي قاعدة رجوع العامة إلي مقلّديهم بلا جلبة [20] فارغة، ولا تهويل شائن. فما للكاتب أعجله الغضب عن هذه القاعدة الأساسية إلي حرب تخسر فيها الشيعة أكثر مما تستفيد؟ولأعد إلي ذكر المنكرات المدّعاة، مجانباً ما يحاوله بعض أهل العصر من التشبث بكلمات العلماء وجمع الشواذ المتفرقة نصرةً لرأيه، فإن ذلك لا تقوم به حجة، ولا يلزم احترامه مهما كان صاحبه عظيماً، فإن كلمات العلماء فيها الشاذ والمهجور والمتروك والمأثور، والمتّبع هو البرهان الصريح.

المحرمات المزعومة وجودها في الشعائر الحسينية

الكذب في مراثي الامام الحسين

اشاره

(فالأول منها [21] : الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها [22] ، وعدم وجودها في خبر، ولا نقلها في كتاب، وهي تتلي علي المنابر وفي المحافل بكرة وعشياً، ولا رادع [23] وسنذكر طرفاً منها في طي كلماتنا الآتية).انتهي في الصفحة الثالثة.وذكر في الصفحة الثالثة عشرة شطراً من الأخبار المكذوبة - بزعمه - منها: حديث (أين ظلّت مطيّتك يا حسان)، وحديث (خرجت أتفقد الثنايا والعقبات)، وحديث الطائر الذي أعلم بنت الحسين (عليه السلام) بقتله، وحديث دفن السجاد لأبيه مع بني أسد، وغيرها.وأنا لا أريد تفنيد رأيه في بعض ما رمز إليه، ولكن لأنبّهه علي أمور:

تعريف الكذب المحرم

الأول: إنّ كذب القارئ هو أن يقرأ من تلقاء نفسه كلاماً زوّر معناه، وصاغ ألفاظه، ونسبه إلي غيره، من دون أن ترد به رواية - ولو مرسلة - ولا أدرج في كتاب معتبر.وأما نقله للكذب فهو أن يقرأ كلاماً زوّره غيره وافتعله، مع علمه بذلك أو ظنه.ولا ريب أن أحداً من قرّاء تعزية سيد الشهداء (عليه السلام) حتي الأصاغر وغير أهل الورع منهم لم يزوّر خبراً من نفسه، وإنما ينقل عن غيره من نقلة الحديث الموثوق بهم، غير المعلوم عنده كذب حديثهم، وعهدة مثل هذا الحديث علي راويه، لا علي ناقل روايته. فإذاً ليس هو بكاذب، وإن كان المقروء كذباً واقعاً، ولا ناقلاً لما هو معلوم الكذب.وعسي أن يكون هذا هو السبب في عدم إنكار أحد من العلماء - قديماً وحديثاً - شيئاً من الأخبار التي تتلي علي المنابر وفي المحافل بكرة وعشيّاً - كما يعترف به الكاتب -، ولو كانوا يرون ذلك كذباً لأنكروه، لكنهم أجلّ من أن ينكروا ما تقضي عليهم القواعد بعدم كونه كذباً، ولا مننقل الكذب.

التسامح في نقل اخبار القصص والفضائل والوقائع

الثاني: إنّ وقائع الطف وما احتفّ بها وما سواها مما يقرأه الذاكرون لم تتضمن أحكاماً إلزامية لينظر في سندها ويعرف أنّه من قسم الصحيح أو الموثق أو الحسن، ولا حكماً غير إلزامي ليقع الكلام في تحكيم أخبار التسامح في أدلة السنن فيها - كما هو المشهور - أو عدمه - كما هو مذهب بعض -، بل هي قسم ثالث من سنخ الرّخص، وإن لم تكن رخصاً حقيقة، وأعني بذلك القصص والمواعظ والفضائل والمصائب وأخبار الوقائع، فإنها نوع من الأخبار لا تدخل في ما تضمّن الأحكام الشرعية ليجري عليها حكمه من لزوم التصحيح وجواز المسامحة. وما يكون كذلك مما لا يترتب عليه حكم شرعي، لا ينبغي النظر في سنده إذا كان مما لا تنفيه فطرة العقول، وكان الضرر فيه مأموناً علي تقدير كذبه في نفس الأمر.وقد ادّعي الشهيد الأول (قدس سره) في (الذكري) أنّ أهل العلم يتسامحون في أخبار الفضائل [24] . ونسب الشهيد الثاني في (شرح الدراية). إلي الأكثر جواز العمل بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ والفضائل، واستحسن ذلك ما لم يبلغ الخبر في الضعف حد الوضع والاختلاق [25] . والمراد بالعمل بالخبر الضعيف في الفضائل والمصائب هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب، وذلك مما لا محذور فيه عقلاً، لفرض أمن المضرّة فيه علي تقدير الكذب، وشرعاً لأنه لا يعدّ عرفاً من الكذب حتي تترتب عليه أحكامه، وليس ثمّة عنوان آخر من العناوين المحرمة يشمله حتي يقال لأجله بعدم الجواز.قال شيخنا المحقق الأنصاري [26] - بعد نقل العبارة المتقدمة عن الشهيد الثاني -: (المراد بالعمل بالخبر الضعيف [27] في القصص والمواعظ هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها عدا ما يتعلق بالواجب والحرام. والحاصل أن العمل بكل شيء علي حسب ذلك الشيء، وهذا أمر وجداني لا ينكر، ويدخل في ذلك [حكاية] فضائل أهل البيت ومصائبهم. ويدخل في العمل - أي: العمل بالخبر الضعيف في الفضائل والمصائب وشبهها - الإخبار [28] بوقوعها - أي: الفضائل والمصائب - من دون نسبة إلي الحكاية [29] علي حد الاجتهاد بالأمور المذكورة الواردة بالطرق المعتمدة، كأن يقال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول كذا، ويبكي كذا، ونزل علي مولانا سيد الشهداء كذا وكذا، ولا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة، وإن كان يجوز حكايتها فإنّ حكاية الخبر الكاذب ليست كذباً، مع أنّه لا يبعد عدم الجواز إلاّ مع بيان كونها كاذبة.ثم إن الدليل [30] علي جواز ما ذكرنا من طريق العقل، حسن العمل بهذه مع أمن المضرة فيها علي تقدير الكذب، وأما من طريق النقل فرواية ابن طاووس [31] والنبوي [32] مضافاً إلي إجماع (الذكري) [33] المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر) [34] . انتهي كلام المحقق الأنصاري بنصه.ومن هذا يعلم الوجه في ما جري عليه العلماء قديماً وحديثاً من العمل - بالمعني الذي ذكرناه - بالوقائع التاريخية، فإنها لم يصح السند في شيء منها، وإنما ترسل في كتب التاريخ مسلّمة، ولذلك إذا نقل المؤرخ في كتابه واقعة منها، لا يقال إنّها من الأمور المكذوبة، لأنه لم يسندها معنعنة إلي من شهد تلك الواقعة، وكذلك إذا نقل الواقعة نفسها ناقل من ذلك الكتاب، لا يعدّ من ناقلي الكذب لمجرد أنه نقل ما ليس مسنداً عن رجال قد زكّي كل واحد منهم بشهادة عدل أو عدلين.

الارسال في اخبار وقائع الطف

الثالث: إنّ وقائع الطف لم تصل إلينا - حتي التي تلقيناها بواسطة المفيد والشيخ والسيد وأضرابهم - إلا مرسلة، وأكثر ما يرسل المؤرخون وأوثقهم ابن جرير الطبري عن أبي مخنف، وهو لم يحضر الواقعة وكذلك غيره. وكثيراً ما اعتمدوا في النقل علي هلال بن نافع وحميد بن مسلم وهلال بن معاوية وغيرهم ممن شهد حرب الحسين (عليه السلام) وكان مقاتلاً له.وأيّ فرق - غير اختلاف مراتب الوثوق - بين ما ينقله المفيد ويرسله السيّد، وبين قوله في (البحار) وغيره من الجوامع (روي مرسلاً) أو (روي بعض الثقات) أو (روي بعض أصحابنا) أو (روي في بعض الكتب القديمة) أو (روي في بعض الكتب المعتبرة) وشبه ذلك من العبائر؟!أم أيّ فرق - غير ذلك - بين ما تضمنته تلك العبارات، وبين ما يوجد في كتاب العالم الفاضل الأديب الشيخ حسن بن الشيخ علي السعدي، الكنّي بـ(أبي قفطان) [35] من مراسيل تلقاها من مشايخ أهل الكوفة وصاغ لها ألفاظاً من نفسه، وما القصور الذي يكون فيها بحيث تنحطّ عن درجة سائر المراسيل الموجودة في (المنتخب) وفي (الدمعة الساكبة) إلي حيث تسقط عن درجة الاعتبار من رأس؟ وإذا كان القارئ - علي ما قلناه - نقل مضمون تلك المراسيل المروية في تلك الكتب، لا يكون كاذباً البتة، ولا ناقلاً لما هو معلوم الكذب، فما هو إذاً معني قول الكاتب - مشيراً إلي ما يقرأه - الذاكرون من الأخبار - إنّها معلومة الكذب؟!من ذا يا تري - غير عالم الغيب - يعلم أنّ الأخبار مكذوبة. نعم إنّ تلك الأخبار غير معلومة الصدق، وهكذا جميع الأخبار بلا استثناء، وشتان بين معلوم الكذب وبين غير معلوم الصدق. ولو لزم الناس أن لا ينقل أحد منهم إلا الصادق أو معلوم الصدق - ولو بالطرق الظاهرية المعروفة في كتب الأصول والحديث - لانسدّ باب نقل الأخبار، وبطل الاحتجاج بأقوال المؤرخين، وذلك ما لا يلتزم به عالم ولا جاهل.ولو أن الكاتب - سامحه الله - توسط في الأمر، فتوقف في الأخبار المزعوم كذبها، وردّ علمها إلي قائلها، لكان أدني للحزم وأقرب إلي ما جاء عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من (إن حق الله علي العباد أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون) [36] وأنّه إذا جاءهم من يقول للّيل إنّه نهار، وللنهار إنّه ليل، لا يسعهم إلاّ ردُّ علمه إليهم، وإلاّ فإنه يكون مكذّباً لهم [37] . وعن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام): (لا تكذبوا بحديث أتاكم به أحد، فإنكم لا تدرون لعلّه من الحق) [38] . وعن علي المسناني عن أبي الحسين (عليه السلام): (لا تقل لما بلغك عنا، أو نسب إلينا: هذا باطل، وإن كنت تعرف خلافه [39] [40] .

الاخبار المكذوبة

الأخبار المكذوبة - بزعم الكاتب - مما دخل في التعازي الحسينية معدودة محصورة، وقد ذكر منها في صفحة 13 نحو عشرة أخبار، فلتكن مائة بدل كونها عشرة، فإنها مهما كثرت لا يقرأها كل قارئ، بل الصغار قد يقرءون نبذة من بعضها في السنة مرة أو مرتين جهداً منهم بأنها مفتعلة، لأنهم ليسوا من أهل التمييز بين الأخبار، فاللازم علي المصلحين تعيين تلك الأخبار والنهي عن قراءتها، لا التهويل علي الشعائر الحسينية بأنها محرّمة، لأن فيها الكذب المحرّم الذي هو من الكبائر بإجماع المسلمين، فيما هذا إلا إرعاد يراد به إخفاء صوت الحقيقة الحقة التي لا تخفي بالتهاويل.هذا مع أنّ بعض ما أشار إليه من الأخبار المختلقة - بزعمه - لا يقصر عن غيره من المراسيل والمسانيد التي يعتمد عليها في باب التاريخ كافة العلماء.أما حديث الطيور البيض فقد رواه في محكي (العوالم) [41] ، وفي (المنتخب) [42] ، و(البحار) [43] وعبارتها هكذا: (روي من طريق أهل البيت أنه لما استشهد الحسين (عليه السلام) [بقي في كربلاء صريعاً، ودمه علي الأرض مسفوحاً، و] إذا بطائر أبيض قد أتي وتمسّح بدمه...) [44] الحديث.ومثله حديث الغراب [45] الذي أعلم فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) - بقتله، فقد نقله في محكي (العوالم) [46] وفي (البحار) [47] عن كتاب المناقب القديم، مسنداً [48] عن المفضل بن عمر الجعفي عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليه السلام) [49] .وأما حديث (خرجت أتفقّد الثنايا) فقد نقله في (الدمعة الساكبة) وهذا لفظه: (عثرت علي أشياء أرسلها بعض معاصرينا في مؤلفاتهم، فأحببت ذكرها، وإن لم أقف عليها في الكتب، منها ما عن المفيد قال:...) [50] الحديث.وهذا المعاصر هو العالم العامل الشيخ حسن الملقّب بأبي قفطان، فقد حكي أنّه روي أحاديث كثيرة، منها حديث (أتفقد الثنايا)، وحديث (أنا صاحب السيف الصقيل)، وحديث (أين ظلت مطيتك يا حسان) عن مشايخ من أهل الكوفة يروونها عن آبائهم ومشايخهم. وهذه لا تقصر عن المراسيل المروية في الكتب القديمة عن حميد بن مسلم وهلال بن نافع، وبين زمان تأليفها وزمن رواتها أكثر من خمسمائة عام.وأما حديث دفن السجاد لأبيه فقد نقله في (الدمعة) عن بعض الكتب المعتبرة عن كتاب (أسرار الشهادات) [51] ، [52] .وروي أبو عمرو الكشّي - في رجاله - عن الرضا (عليه السلام) ما يتضمن تقرير الواقعة بأن علي بن الحسين هو الذي دفن أباه [53] .ويؤيده ما روي عنهم من أنّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام، إما ظاهراً وإما بطريق الخفاء [54] .وأما قول بعض قد مائنا بدفن بني أسد له، فيراد به معاونتهم للسجاد (عليه السلام) في دفن أبيه، وكذلك ما جاء من قول: (السلام علي من دفنه أهل القري) [55] ، وقول النبي (صلي الله عليه وآله) عن الحسين (عليه السلام): (يدفنه الغرباء، ويزوره الغرباء) [56] .ومن الغريب القطع بأمر يعينه في شأن دفن الحسين (عليه السلام) بعد إرسال المفيد [57] والسيد [58] دفن بني أسد له، ورواية (الأسرار) بأن الذي دفنه هو السجاد (عليه السلام) [59] ، وذلك مؤيد بما عرفت من رواية الكشي التي هي حجة مستقلة.وروي الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه والصدوق في مجالسه بأسانيد معتبرة أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) هو الذي دفن الحسين (عليه السلام) [60] .فلماذا ولأيّ مرجح يكون الأول صادقاً ويجعل الكاذب ما عداه؟ مع أنّ الكل مروي مسنداً ومرسلاً عدا دفن بني أسد، فإنها لم ترد في رواية مرسلة، وإنما ذكر في الكتب قولاً كحادثة من التاريخ منقولة.ومن غريب ما تركه الأول للآخر أنّ خاتمة المحدثين شيخنا النوري (قدس سره) و(ناهيك به إطلاعاً وإنكاراً للكذب) استقصي في كتابه (اللؤلؤ والمرجان) الأخبار المكذوبة [61] ، وما عدّ منها حديث دفن السجاد لأبيه مجملاً ولا مفصلاً، ولا حديث الطيور البيض، ولا الغراب الذي طار من كربلاء إلي المدينة وغيرها مما سرّده الكاتب، وما ذلك إلا لاكتفائه في مقام النقل أن توجد الرواية في كتاب معتبر، ولو بعنوان (روي بعض أصحابنا) وشبه ذلك إذا كانت مما لا يأباها العقل، ولم تظهر عليها أمارات الوضع والافتعال. وكم له في بعض كتبه مثل ذلك.إنّ شيخنا النوري (قدس سره) في كتابه المذكور بالغ في تقريع القرّاء باستعمال الكذب ونقل الأحاديث في ذمه، وها نحن نزيده من تقريعهم علي الكذب - إذا شاء - ونؤكد ذمه وقبحه عقلاً ونقلاً، ولكن أين هو ممّا يقرءونه؟ إنّهم لم يتخطّوا قيد شبر عمّا رسمه لهم من الخطة المتبعة إذ يقول (ما ترجمته): (إنّ علي الناقل أن ينقل عن ثقة مطمئن بنقله، وذلك بأن يكون متحرزاً عن الكذب، بانياً علي الصدق، بحيث كان الصدق له ملكة أو عادة، حتي يكون معروفاً في ذلك بين من عرفه وعاشره، وأن لا يكون كثير النسيان والسهو، وأن يكون من أهل المعرفة والبصيرة) [62] .وفي مقام آخر - بعد نقل ما جاء في النهج في كتاب علي (عليه السلام) للحارث الهمداني: (ولا تحدّت الناس بكل ما سمعت، فكفي بذلك كذباً) وبما جاء في (كشف المحجة) عن رسائل ثقة الإسلام من قولهم: (ولا تحدّث إلاّ عن ثقة، فتكون كذاباً، والكذب ذل). ونحو ذلك - قال ما ترجمته: (وحاصل مفاد جميع هذه الأخبار المعتبرة أنّ تكليف الناقل في مقام نقل أي أمر ديني أو دنيوي لغيره، بنفسه أو بواسطة أو وسائط، أو من كتاب، أن ينقل عن شخص ثقة يطمأن بنقله) [63] .وهذا مما لا ينكره أحد، لكنه لا يوجب إلا ترك ما لا يطمأن بصدقه، أو علم كون راويه متعمداً للكذب أو كثير الخطأ في الأمور المحسوسة، فضلاً عن المنقولة، لا ما يحاوله الكاتب من الاقتصار علي مرويّات المشاهير الأقدمين وأرباب التاريخ.وأما ما ادعاه الكاتب في صحيفة 13 من فقرات ادعي كذبها، فإنّا لا نعرفها ولا سمعنا أحداً يقرأها في العراق، ولقد سألت كثيراً من القرّاء عنها، فلم يعرفها أحد، وكم سألني جمع منهم عنّها، فلم أدر بها.وعسي أن تكون تلك صادرة من البحر الذي ورد منه قول الكاتب أن زين العابدين (عليه السلام) شاهد شمر بن ذي الجوشن يفري بسيفه وريدي الحسين (عليه السلام) حتي فصل رأسه المكرّم عن جسده [64] .وقوله ج 3 ص 6، وج 4 ص 3: أن الرّباب أخذت رأس الحسين (عليه السلام) ووضعتها في حجرها، وقبّلته وقالت:واحسيـناً فلا نســـيت [65] حسيناً أقصــــــدته أســــنة الأعداء [66] وقوله ج 3 ص 119: بات أطفال الحسين (عليه السلام) في الليلة الحادية عشر جياعاً عطاشي.وقوله ج 2 ص 47: كانت لحيته المباركة مخضوبة بالوسمة، كأنها سواد السبّح [67] . فإن لفظ (سواد السبج) وقع في حديث مسلم الجصاص الذي جاء فيه: (نطحت جبينها بمقدّم المحمل) [68] .وقوله ج 3 ص 22 وج 4 ص 16: إنّ مروان أخذ رأس الحسين (عليه السلام) بعد قتله فوضعه بين يديه، وجعل يقول: (يا حبّذا بردك في اليدين). والله لكأني أنظر إلي أيام عثمان...)، مع أن من ذكر ذلك يظهر منه أنّ ذلك كان في المدينة، وهو بعيد عن الصحة. نعم جاء في كتب أصحابنا أنّ مروان لما نظر إلي الرأس الشريف في الشام جعل يهزّ أعطافه وينشد الأبيات، ولا كلمة بعدها.وقوله في ج 2 ص 138 - تبعاً لبعض الروايات -: إنّ السجّاد عاش بعد أبيه أربعون سنة، وهو يبكي. مع أنّه يعلم بأنه (سلام الله عليه) علي جميع الأقوال والروايات في وفاته، لم يعش بعد أبيه أزيد من خمس وثلاثين سنة.وروايته ج 4 ص 22 وص 37 حديث جابر الجعفي في تغسيل الباقر (عليه السلام) أباه، وقوله: (لما جردته ثيابه، وجدت آثار الجامعة في عنقه). إلي غير ذلك مما لا أحبّ ذكره، ولا أطيل.

الكذب في الشعر

يصرّح صاحب (المستند) بأن ما يتضمن من الشعر نسبة قول أو فعل إلي أحد الأئمة (عليهم السلام) يقطع بعدم صدوره، هو محرّم ومبطل للصوم، لأنه من الكذب علي الإمام (عليه السلام)، إلاّ إذا كان داخلاً في باب مبالغات الشعر وإغراقاته [69] ، [70] .وهذا من الغرائب، فإن الخلاص عن الكذب لا ينحصر بالمبالغة والإغراق، لأن الشعر أكثر ما يكون خيالاً أو متضمناً لحكاية، حال، نظير قوله تعالي: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) علي ما يرتئيه سيدنا المرتضي في (المسائل الطرابلسية) [71] .فمن الخيال قوله:تريب المــــحيّا تظــــــنّ السّما بأن علـــــي الأرض كــــيوانهاومن حكاية الحال قوله:وقال قفـــــي يا نفــــس وقفة واردٍ حيــــاض الــرّدي لا وقفة المتردّدوقوله:وهوي علــــيه مــــا هنـــالك قائـلاً اليــــوم بـــان عن اليمين حسامهاومن أقسام الخيال إرسال القول أو الفعل مبنياً علي إضمار (كأنّ) أو شبهها، كقوله:عجّت بهم مذ علي أبرادها اختلفت أيدي الــــعدوّ ولكــــن من لها بهميريد (كأني بها عجّت بهم وهي تقول كذا..) ولا يقصد أنّ ذلك واقع منها واقعاً، فهو في الحقيقة يجري مجري قول علي (عليه السلام) في إحدي خطبه في وصف الموتي (ولو استنطقت [72] عنهم عرصات تلك الديار الخاوية، والربوع الخالية، لقالت: ذهبوا في الأرض ضلاّلا..) [73] في كونه ليس من الكذب إن أريد به (كأنّي بها لو استنطقت..).وكذا إذا لم يرد ذلك، لكنه يكون علي هذا من حكاية الحال نحو (قالت نملة).ولو أني ذهبت استقصي أمثال هذا من شعر حسّان بن ثابت، والكميت، والسيد [74] ودعبل، وغيرهم الذين أنشدوا بحضور النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لخرجت عن وضع الرسالة.

التغني بمراثي الامام الحسين

اشاره

الثاني: التلحين [75] بالغناء. قال في ص 3: (وهذا يستعمله جملة من القرّاء بدون تحاش، ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلا غناء المرأة في الأعراس بشرط أن لا تقول باطلاً، ولا يسمع صوتها الأجانب. وقد قام الإجماع علي تحريمه، سواء كان لإثارة السرور أو الحزن، وعدّه العلامة الطباطبائي من الكبائر فيما نقله عنه صاحب الجواهر، لقوله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث). انتهي.لا ريب في حرمة الغناء في الجملة وأنّه من الكبائر - إن صح تفسير آية لهو الحديث أو غيرها به -، وأنّه من مقولة الأصوات باعتبار كيفياتها من دون مدخلية لمواد الألفاظ فيه من كونها حقاً أو باطلاً، وأنّه لا فرق في حرمته بين إثارته للسرور أو الوجد الموجبين للانشراح والبكاء.ولكن ما هو الغناء؟ وما هو المحرم منه؟

تعريف الغناء

الغناء موضوعاً وحكماً مختلف فيه، ولا يخلو ما ذكر في تفسيره عن إشكال أو إجمال. وصدق اسمه علي أرقّ وأرخم صوت يقرأ به الذاكرون في العراق في مأتم سيد الشهداء غير معلوم، إن لم يكن معلوم العدم، وقواعد الفن تقتضي في مثل المقام بحرمة المتيقن كونه غناءً فقط [76] .ولعل استعمال ما ينسبه إلي القراء بلا تحاش، مع سماع العلماء له وعدم إنكارهم آية عدم كونه غناءً عندهم.وكم بين هذه النسبة المسوقة للإنكار وبين تأييد المقدس الأردبيلي في (مجمع البرهان) [77] والفاضل النراقي في (المستند) [78] القول بعدم حرمة الغناء في الرثاء بعمل [79] المسلمين في الأعصار والأمصار بغير نكير من زمن المشايخ إلي زمانهم، وعسي أن لا يكون ذلك من الغناء المحرّم أيضاً.وما استشهد به في ص 23 من قيام بعض العلماء الصلحاء من المجلس حينما يقرأ فيه الشعر بالألحان - كما يقول - وتذمّر البعض الآخر عند سماعها، فالوجه فيه التورّع منهم عن الوقوع في الشبهة، لأن موضوع الغناء لم يكن متضحاً لديهم، لا لحكمهم بكون ذلك غناءً محرّماً، ولذلك لم يأمر أحد منهم الناس بالخروج من المجلس، ولم ينه القارئ عن قراءته. ولا بدع إذا أشكل علي أولئك القشفين معني الغناء، لأنه موضوع لا يعرفه النّسّاك في الأغلب.لا ريب في أن مجرد مدّ الصوت ورفعه ليس بغناء، فضلاً عن كونه محرماً، كذلك مطلق تحسين الصوت المتناول لمثل حسن جوهره ورخامته. كيف وقد كان الأئمة (عليهم السلام) يقرأ القرآن، فربما مرّ به المار فيصعق من حسن صوته، والسقّاءون يمرون فيقومون ببابه يستمعون قراءته، لحسن صوته [80] . وكذا كان ولده أبو جعفر (عليه السلام) [81] .وقد ورد في الأخبار مدح الصوت الحسن وأنّه من الجمال [82] ، وأنّه ما بعث الله نبياً إلا بالصوت الحسن [83] .وورد فيها الترغيب في تحسين الصوت بقراءة القرآن، ففي بعضها:(إنّ لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن) [84] وفي آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في قوله تعالي: (ورتّل القرآن ترتيلاً) [85] قال: (أن تتمكّث وتحسن فيه [86] صوتك) [87] .وكذلك مطلق الترجيع، فإن الحكم بكونه غناءً مما لا شاهد له من عرف أو لغة، بل الحديث المروي من طريق الفريقين [88] عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: (اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإياكم وألحان أهل الفسوق والكبائر، فإنه سيجيء بعدي قوم يرجّعون القرآن ترجيع الغناء...) [89] الحديث.فيه [90] دلالة ظاهرة علي أنّ مطلق الترجيع ليس غناءً لتضمّنه أنّ الغناء المنهي عنه في القرآن لحن أهل الفسق والكبائر المتداول في الملاهي، والغناء المحرّم شيء واحد في القرآن وغيره. والخبر كالنص في أنّ المحرّم ليس هو ألحان العرب، أي: تطريبهم وترجيعهم، بل هو لحن أهل الفسوق وغناؤهم [91] .وحاصل هذا يرجع إلي أن الغناء كيفية خاصة من الترجيع، وهي معروفة بين أهل الفسوق يستعملونها في الملاهي.هذا مع أنّ من راجع الأخبار الدالة علي حرمة الغناء بأسرها [92] ، يحصل له القطع بأن حرمته من حيث كونه لهواً وباطلاً، كما اعترف بذلك المحقق الأنصاري في مواضع من كتابه [93] .والمراد بذلك - علي ما صرح المحقق المذكور - كون الصوت بنفسه (مهما كانت مادته) صوتاً لهوياً يناسبه اللعب بالملاهي والتكلم بالأباطيل، وذلك هو لحن أهل الفسق والمعاصي وترجيعهم الذي ورد النهي عن قراءة القرآن به، سواء كان هو الغناء - كما هو الظاهر - أو أخص منه [94] .وكيف يكون مطلق تحسين الصوت وترجيعه غناءً، مع أنّ غالب الأصوات في قراءة القرآن والخطب والمراثي التي تقرأ علي العلماء في جميع الأعصار والأمصار لا تخلو عن تحسين وترجيع في الجملة.أمّا تعريفه [95] بالترجيع المطرب فلا يخلو عن إجمال أيضاً، لأن المطرب لا يراد به الملائم للطبع، لأن ذلك لازم حسن الصوت، بل يراد به مرتبة خاصة المعروفة بين أرباب الملاهي والفسوق.

استثناء الغناء في الرثاء

قد استثني فقهاؤنا من حرمة الغناء أفراداً، بعضها ذهب الأكثر إلي استثنائه، والبعض الآخر لا يزال مذهب الأقلّين، ولا يهمّنا التعرّض لذلك، لأنّ محطّ النظر الغناء في رثاء سيد الشهداء.وقد حكي المحقق الثاني في (جامع المقاصد) [96] والوحيد البهبهاني في محكي حواشي المسالك [97] قولاً باستثنائه فيه، نظير استثنائه في الأعراس.ويظهر من المقدس الأردبيلي في (مجمع الفائدة) جوازه فيه، ووجود القول به قبله [98] . وتلميذه الفاضل السبزواري في (الكفاية) جوّزه فيه وفي كل ما ليس بلهوٍ ولا باطل من قرآن ومناجاة [99] .وبذلك صرح الفاضل النراقي في (مستند الشيعة) [100] ، وولده في كتابه (مشارق الأنوار)، وزاد هذا رثاء أولاد الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم إذا قصد به الإبكاء والتحزين.بل حكي شيخنا المرتضي الأنصاري في (المكاسب) عن بعض أهل عصره تقليداً لمن سبقه من الأعيان، منع صدق الغناء في المراثي [101] ومراده بـ(من سبق من أعياننا) علي الظاهر كاشف الغطاء في محكي (شرح القواعد)، فإنه حُكي عنه دعوي أنّ الغناء والرثاء متغايران متباينان موضوعاً وحكماً، لا يطلق أحدهما علي الآخر عرفاً.وهذا منه مبني علي أن لمواد الألفاظ دخلاً في كون الصوت غناءً أو رثاءً. والتحقيق خلاف ذلك.وكيف كان فقد قال هؤلاء المجوزون أنّ الأصل الجواز [102] بعد قصور أدلة الحرمة عن الشمول لذلك: أما الإجماع فلانتفائه في محل الخلاف، مع كونه دليلاً لبّياً، وأما الأخبار - فمع قصور إطلاقاتها [103] - معارضة بالمحكي عن (قرب الإسناد) عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي (عليه السلام) قال: سألته عن الغناء في الفطر والأضحي والنوح [104] قال: (لا بأس ما لم يعص به) [105] . والظاهر أن المراد بعدم العصيان به عدم قيامه بكلام لهوٍ أو باطل أو بمزمار [106] .ويؤيّد هذا قوله (عليه السلام) في المحكي عن نفس كتاب علي بن جعفر (لا بأس ما لم يزمر به) [107] .وأيّد ذلك المقدس الأردبيلي وغيره بأنه متعارف دائماً في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلي زمانه من غير تذكير، وبما دل علي جواز النياحة بالغناء وأخذ الأجرة عليها، ثم ذكر أخبار جواز مطلق النياحة الشاملة للغناء ومؤيداتها، ومؤيدات جواز الغناء في الرثاء من أنّ تحريم الغناء للطرب، ولهذا قيّد بالمطرب، وليس في المراثي طرب، بل ليس إلاّ الحزن. إلي أن قال: (وبالجملة: عدم ظهور دليل علي التحريم، والأصل، وأدلة جواز النياحة مطلقاً، بحيث يشمل الغناء، بل إنّها لا تكون إلاّ معه، تفيد الجواز، والاجتناب أولي وأحوط) [108] انتهي.قلت: ويؤيّد هذا - وإن لم أذهب إليه واختاره [109] - خبر أبي هارون المكفوف [110] قال: قال لي أبو عبد الله: (أنشدني في الحسين) (عليه السلام)، فأنشدته. قال: (أنشدني كما تنشدون، يعني بالرقة). فأنشدته:امرر علـي جــــدث الحــــسين وقــــــل لأعـــــظمه الــــــزكيةالخبر [111] .وخبره الآخر: قال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: (أنشدني). فأنشدته. فقال: (لا، كما تنشدون، وكما ترثيه عند قبره). فأنشدته... الخبر [112] .فإن قوله (عليه السلام) في هذين الخبرين (كما تنشدون) يراد به - علي الظاهر - كما تنشدون الشعر في ما بينكم بالألحان المهيّجة للبكاء، المثيرة للحزن، ويومئ إليه قوله في الخبر الأول (يعني الرقة)، أي بترقيق الصوت ومدّه والتمكّث فيه، فإن الصوت واللحن من الأمور المرققة للقلب، المعدّة له أن يتأثر بسرعة بتذكر الأحوال الذي لا يمكن إنكار سببية اللحن له.إنّ هذا المعني الذي ندب إليه فيه الخبرين هو الذي سمعناه منذ نشأنا للآن، وسمعه كل واحد في العراق من القرّاء في المحافل وعلي المنابر، وما سمعنا منهم غناءً. فإن كان هذا هو الغناء الذي يعنيه الكاتب، فالأخبار صريحة بجوازه، وإن كان غيره مما يشتمل علي تراجيع أرباب الملاهي وإطرابهم، فهذا أمر يبرأ منه كل ذاكر عراقي.وعسي أن يكون المؤلف سمعه في الشام أو غيرها من البلدان السورية. وعلي أيّ فاللازم عليه - وهو من دعاة الإصلاح - أن ينهي عن الغناء (وقد نهي عنه جميع الفقهاء)، لا أن يهوّل علي المجالس العزائية بأنّ الغناء يستعمل فيها بلا تحاش بحيث يري الناس أنّ ذلك أمراً لا ينفك عنه أي مجلس رثائي!!وماذا يكون لو غنّي قارئ واحد يوماً في بلد من البلدان غير أنّه فعل حراماً؟ ولزم نهيه عن غنائه، كما لو غنّي يوماً بالقرآن أو بشعر غزلي أهل يصح - والحال هذه - نهي الكافة عن قراءة القرآن ونشيد الأشعار الغزلية؟؟

العسر والحرج في التطبير والضرب بالسلاسل و...

اشاره

الثالث [113] : إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها. وهذا يتحقق - في مزعمة الكاتب - بضرب الرؤوس وجرحها بالمدي والسيوف. قال ص 3: (وكثيراً ما يؤدّي ذلك إلي الإغماء بنزف الدم الكثير، وإلي المرض، أو الموت [114] أو طول برأ الجرح [115] ، وبضرب الظهور بسلاسل الحديد، وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدّح به رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقوله: (أتيتكم بالشريعة السمحة السهلة) [116] . ومن رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالي: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) [117] .النقد: إضرار النفس شيءٌ وحملها علي الأمر الشاقّ شيٌ آخر، لا دخل علي رأي الكاتب لأحدهما بالآخر موضوعاً وحكماً، كما يفهم مما ذكره في ص 17 و ص 18 من رسالته، وقد صرّح في الموضعين بأن الكلفة إذا بلغت حدّ العسر والحرج، أسقطت التكليف، وإذا بلغت حدّ الإضرار، أوجبت حرمة الفعل، ولذلك فإنني أطارحه الكلام في مقامين: العسر والضرر.وبالرغم علي ما أخذته علي نفسي من الاختصار وابتذال التعبير، لا أشك أني قد أخرج عن الشرط، لأن الكاتب - سامحة الله - قد خلط في الاستدلال بين دليلي القاعدتين الذين يعترف بتغايرهما حكماً وموضوعاً، وخبط في كل واحدة منهما بما لم يعهد من أحد قبله!!

مدلول ادلة نفي العسر والحرج

الكلام في باب العسر والحرج في أمرين:الأول: في أنهما أوجبا وقوع التخفيف في أصل شرعية الأحكام، بمعني أن ما ثبت في الشرع من تكليف لا حرج فيه ولا عسر.وهذا المعني إن ثبت في نفسه [118] ، كما هو مقتضي قوله (صلي الله عليه وآله) (بعث بالحنيفية السهلة السمحة) [119] وغيره، لا ينفع في مقام الاستدلال علي رفع الأحكام المشروعة الثابتة إذا عرض العسر عليها من باب الاتفاق، علي ما يحاوله الكاتب في مواضع من رسالته [120] .الثاني: في أن العسر والحرج يوجبان الحكم بالتخفيف لو طرأ العسر والضيق علي تكليف من التكاليف التي هي في نفسها وفي أصل شرعيتها لا عسر فيها، كما هو مقتضي قوله تعالي: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) [121] ، و(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [122] .وهذا هو الذي ينفع في مقام الاستدلال، وباعتباره حكموا بسقوط وجوب مباشرة أفعال الحج عمن يكون عليه عسر وحرج في الركوب والغسل بالماء البارد عمن يؤذيه أو يوجب مرضه أو بطؤه، وأمثال ذلك كثير في أبواب العبادات في كتب الفقه.

ادلة نفي العسر والحرج لا تشمل الشعائر الحسينية

وسواء أراد الكاتب أن بعض الشعائر الحسينية فيه عسر فلا يكون مما له حكم شرعي مجعول في المذهب من أصله، أو أراد أن حكمه الثابت له - ولو لطروّ عنوان كونه إبكاءً أو جزعاً أو حزناً أو إسعاداً أو غير ذلك - مرفوع لعروض العسر عليه، فيرد بوجوه، نذكر المهم منها:الأول: إن قاعدة العسر والحرج بمعنييهما السالفين مختصة - علي ما صرح به كثير - بالإلزاميات، لا تشمل غيرها.والظاهر أنّ فقهاءنا لا يختلفون في ذلك، ولذلك جزموا بشرعية العبادات الشاقة المستحبة وصحتها، كصوم الدهر - غير العيدين -، وإحياء الليالي بالعبادة في تمام العمر إذا لم يوجب ضرراً، والحج متسكعاً لمن ليس عليه فرض الحج.والوجه في ذلك أمور:أحدها: أنّ رفع الحكم الحرجي إنما هو للامتنان، ولا منّة في رفع المندوبات والسنن، بل المنّة في ثبوتها.ثانيها: إنه لا يعقل تحقق الحرج مع الترخيص في الترك، لأن الحرج إنما يكون من قبل الحكم، لا من قبل متعلقه، مهما كان بذاته مشاقاً، ولذلك لا تجري القاعدة في الواجب المخيّر إذا تجرد بعض آحاده عن الحرج [123] .ثالثها: إن الظاهر من أدلة الحرج عدم كون جعل الشارع سبباً قريباً لإلقاء المكلّف في الحرج بحيث يستند وقوعه فيه إلي جعله، وهذا إنما يكون في الإلزاميات فقط، دون ما رخص الشارع في تركه [124] .رابعها: إن المتتبع للتكاليف أدني تتبّع يعلم أن التكاليف غير الإلزامية - مع كونها أكثر من الإلزاميات أضعافاً مضاعفة - هي أشق منها بمراتب، كالصوم ندباً في الصيف، وإحياء الليالي الطوال بالعبادة، وطي الوقت بالجوع، وصلاة ألف ركعة في كل يوم وليلة، والوقوف ماثلاً بمقدار أن يقرأ ألف سورة - ولو مثل التوحيد - في ركعة واحدة -، والسجود علي حجارة خشنة من الفجر إلي ما بعد طلوع الشمس مثلاً وشبه ذلك من الأمور الشاقة، التي يعلم كل من مارس الأدلة وكيفية الاستدلال أن شرعيتها لا تنافي سهولة الشريعة وعدم الحرج فيها، لحصول السهولة والخروج عن الضيق بتركها، واختيار ما هو أسهل منها، وإن لم يلزم ذلك.والحاصل أن نفس كون المندوبات عسرة بذاتها أو بكثرتها [125] يدل علي اختصاص القاعدة بالواجبات والمحرمات، فيسقط قول الكاتب من أصله.ولو أن فقيهاً أجري قاعدة الحرج في المندوبات لاستراح الناس منها، وحرموا ثوابها - علي رأي الكاتب -، لأن الحرج عنده يرفع الحكم ويكون الترك بمقتضي كلامه عزيمة لا رخصة، وإلاّ جاء المحذور!! [126] الثاني [127] : إن فقهاءنا مختلفون في أن المنفي بعمومات الحرج هل هو الحرج الشخصي أو النوعي الغالبي، ومختار المحققين منهم المحقق الأنصاري وصاحب المستند الأول، وهو الحق [128] . ومقتضاه عدم ارتفاع الحكم إلا عمن يكون الحكم في حقه عسراً.ولا ريب في أن المشقة - إذا كانت حاصلة في تلك الشعائر المذهبية - ليست عامة لجميع الشيعة قطعاً، فلماذا تعد غير مشروعة أو غير مندوبة علي الإطلاق بحجة ارتفاع حكمها للعسر؟ والعسر لا يقتضي ارتفاع الحكم عمّن لا عسر عليه.وإذا كان الضرب علي الصدر باليد، أو علي الظهر بسلسلة، عسراً علي الكاتب، فليسقط عن نفسه وأمثاله، ولا ينبغي له أن يتعرض لحال غيره ممن لا عسر في حقه، أو كان يتحمل المشقة والعسر.وإذا تسني بالوجوه الصحيحة لجماعة كثيرة من فقهائنا تقييد الشين [129] - الذي دلت الأخبار علي جواز التيمم عند حدوثه من استعمال الماء [130] - بالفاحش [131] وآخرين بما لا يتحمل في العادة [132] ، وثالث بالشديد الذي يعسر تحمله [133] ، ورابع بما إذا غير الخلقة وشوهها [134] مع إطلاق الأدلة بالنسبة إلي جميع هذه التقييدات، فإن بإمكان كل أحد إنكار أن يكون شيء من الشعائر الحسينية - عدا إدماء الرأس - عسراً [135] .الثالث: إن المعروف بين أصحابنا مشروعية العبادات الحرجية وصحتها، كالصوم الحرجي، والطهارة الحرجية من الوضوء والغسل للغايات الواجبة، والصلاة قائماً لمن كان القيام في حقه عسراً من جهة مرض أو غيره، وغير ذلك من الموارد، بل لا أعرف أحداً حكم بعدم مشروعيتها للحرج إلا (كاشف الغطاء) إذ قاسها علي العبادات الضررية.وشتان بينهما، فإن الضرر ببعض مراتبه ينتفي معه جواز الفعل [136] ، وليس كذلك الحرج بأي مرتبة منه باعتراف هذا الرجل. وإلاّ بعض [137] مشايخنا، لكن في ماله بدلٌ اضطراري كالوضوء [138] ، لا مطلقاً.وقد اختلفت كلمة الأصوليين منّا في وجه ذلك [139] ، ولسنا بصدد بيانه.وعلي هذا لو توضّأ من يكون الوضوء عليه عسراً بقصد رجحانه الذاتي، يرتفع حدثه ويسقط عنه وجوب التيمم، لارتفاع موضوعه وكذا من يكون الصوم في حقه حرجياً مع عدم تضرره به، أو تحمّل العسر وصام بلحاظ حسنه ورجحانه ذاتاً، كان صومه جائزاً ومسقطاً للقضاء.فلماذا يا تري كانت الشعائر الحسينية إذا فرض رجحانها لذاتها، أو بعنوان كونها من الإبكاء وإظهار الحزن والجزع علي سيد الشهداء [140] ، غير مشروعة، أو غير محكومة بالاستحباب لمجر دعوي كونها متعسرة، ذلك الأمر الذي يشاركها فيها سائر المتعسّرات؟؟وهلاّ وسع الضرب علي الصدر ما وسع غيره من المستحبات والواجبات الشاقة التي أفتي الأصحاب بشرعيتها مع المشقّة وحصول الثواب عليها. وهاهو الكاتب في ص 2 يقول في شأن الشعائر الحسينية: (دخلت فيها المنكرات لإفسادها وإبطال منافعها).في ختام هذا الفصل يجب الالتفات لدقيقتين:

العسر والحرج في الادلة الخاصة حكمة لا علة

الدقيقة الأولي: إن كلام أصحابنا في نفي الحرج مختص بما إذا كان الحرج علة لرفع الحكم أو عدم جعله ابتداءً، أما إذا استند رفعه إلي دليل خاص، وإن لوحظ فيه الحرج حكمة، فليس ذلك من محل كلامهم في رفع الحكم بأدلة الحرج. ولذلك تري الفقهاء يحكمون بجواز التيمم عند حصول الشين أو تشقق الجلد وخشونته، ولا يحكمون به في ما هو أشد من ذلك تعسّراً، كالوضوء والغسل - مثلاً - في البرد الشديد، والصلاة في حر الظهيرة إذا لم يجد الظل، والصوم في شدة الحر وطول النهار، وسفر الحج للبعيد في الأهوية غير المعتدلة وغير ذلك، وما هذا الفرق إلاّ لأن ارتفاع وجوب الوضوء في الموارد السالفة لدليلها المختص بها، وكون الحكمة فيها هي التخفيف لا يقضي بالتسري إلي غيرها، لأن الحكمة لا يلزم اطّرادها.ومن سبر مواضع وقوع تلك الموارد في رسالة الفقيه الشامي، يجده يهوّل بارتفاع الحكم في موردين أو ثلاثة [141] - لا أزيد من ذلك - بكون الفعل فيها أقل مشقة من لدم الصدور بالأيدي وضرب الظهور بالسلاسل، وانه إذا كان الحكم مرتفعاً في الأهون الأخف، كان ارتفاعه في الأصعب الأشق أولي!!وقد فاته أن يعلم أن ارتفاع الحكم في ما ذكره من الفروع إنما هو لدليله المختص به، والحرج فيه حكمة، لا علّة، فكيف يصح التهويل به وقياس غيره عليه لولا عدم التمييز بين الموردين؟وإذا كان ذكر موضعين أو ثلاثة من ذلك القبيل، فإن الشهيد الأول - في (القواعد) ذكر نيفاً وستين فرعاً جميعها مما بني علي التخفيف، ولو حظ الحرج فيها حكمة، لا علة [142] ، ولذلك لم يعتبر اطرادها، بل يؤخذ بالإطلاق في موارد كل منها، ولا يجوز في قواعد الفن وأصوله الأخذ بالفحوي والأولوية في غيرها.

القاعدة عند الشد في تحقق العسر والحرج

الدقيقة الثانية: أن الأصوليين منا ذكروا أنه إذا تحقق في فعلٍ مقدارٌ من المشقة ومرتبة من الشدة فلا يعلم صدق مفهوم لفظ (العسر) عليها بحسب الحقيقة العرفية من حيث غموض معناه وكثرة مراتبه ضعفاً وقوة، كان المرجع في المصاديق المشكوكة إلي العمومات المثبتة للتكاليف [143] .ولا وجه للتمسّك علي رفع الحكم فيها أو عدم جعله ابتداءً بعمومات نفي العسر والحرج أصلاً [144] ، ومقتضي ذلك جواز الإتيان بكل مشكوك الحرجية ورجحانه إذا كان أمراً عبادياً.وقد يكون صاحب الرسالة يعتقد بأن الحرج في لدم الصدور وضرب الظهور قد بلغ في المشقة حداً يقطع معه بتحقق العسر فيهما والحرج لكل أحد، وأنه لا شك عنده في ذلك، وإلا انقلب الأمر عليه. واليقين حالة قهرية ينبغي أن نساهله فيها من حيث نفسه، ولكن اعتقاده بتحقق الموضوع لا يكون حجة علي الشاك فيه، أو المعتقد خلافه، حتي لو كان عامياً يرجع في الأحكام إليه، لأن أمثال هذه الموضوعات لا تقليد فيها.وعلي هذا كان اللازم عليه عندما يطرق هذا الموضوع أن لا يتعرض للمسألة بنحو كلي، بل يخص كلامه بمن عرف معني العسر، واعتقد تحققه في تلك الشعائر الحسينية، ومع ذلك عليه أن يعرفه بأن فعله يكون مباحاً، لأن المرفوع بأدلة الحرج استحبابه فقط.

الايذاء والاضرار بالتطبير والضرب بالسلاسل و...

دليل حرمة الايذاء والاضرار

الايذاء والاضرار

يوجد في كلمات شيخنا الشهيد أن الإنسان منهي عن جرح نفسه وإتلافها [145] ، والظاهر أنه يريد بالجرح ما يوجب الضرر بحدوث مرض لا يتحمل عادة أو بطؤ برئه، ومع ذلك لا دليل من العقل والنقل علي حرمة ذلك ما لم يؤدّ إلي إتلاف النفس.وقد جوّز أصحابنا أن يختن الخنثي المشكل اعتماداً علي أصالة البراءة، مع كون ذلك إيلاماً وإيذاءً وجرحاً يبقي ألمه أياماً، وربما يوجب مرضاً. ولم أعثر علي قائل معلوم صرح بحرمته، وإنما اختلفوا في وجوبه، والمعروف بينهم - وهو الذي تقتضيه القواعد - العدم. نعم نسب الشهيد التحريم إلي القيل [146] ولعل القائل ليس منّا. وهو مع ذلك لا وجه له حتي علي ما يقوله بعض العظماء [147] من حرمة الإضرار بالنفس عقلاً ونقلاً، لعدم كون ذلك إضراراً.والفرق جلي بين الإضرار والإيذاء المؤقت، نظير وشم الأيدي وغيرها من الأعضاء، المتعارف قديماً وحديثاً، والأدلة ناصّة علي حرمة إيذاء الغير وإضراره، والمطلق الشامل بذاته منها للنفس - لو كان -، هو منصرف إلي ذلك.وربما كان في وجوب الختان علي المسلم، ولو طعن في السن [148] ، واستحباب ثقب أذني الغلام الذي اتفق عليه النص والفتوي [149] ، وثقب آذان النساء وأنوفهن لتعليق الأقراط [150] والشّنوف [151] والخزائم [152] والوشم لهن علي القول المعروف بجوازه علي كراهية، وغير ذلك مما ستعرفه، دلالةٌ علي شرعية الإيذاء والإضرار في الجملة.لم يقع في الكتاب والسنة لفظ إيذاء النفس وإضرارها وما يؤدي معني ذلك، موضوعاً لحكمٍ مّا حتي يصح لأحد أن يجاهر بدعوي دلالة النقل، فضلاً عن حكم العقل الذي لا يستبهم أمره علي العقول.وكل من رمز إلي دلالة الأدلة العقلية والنقلية علي حرمة إيذاء النفس وإضرارها، لم يحل تلك الرموز حلاً تفصيلياً ولا إجمالياً.ومن فحص الأدلة الشرعية لا يجد سوي ما تضمن حرمة إيذاء الغير وإضراره نصاً أو انصرافاً، ومن أمعن النظر في أحكام العقول لا يجد فيها سوي قبح ظلم النفس، وهو لو صلح دليلاً علي الحرمة الشرعية، لا يعم - بلا شبهة - كل ما ينزله الإنسان بنفسه من أنواع الأذي والإضرار، ما لم يكن إتلافاً لها أو موجباً لفقد طرف أو حاسة، علي إشكال في هذا لولا الاتفاق المدعي علي تحريمه.وأنا في هذه النبذة التي لابد من تحريرها، أفصّل حكم العقل عن النقل، وأفصّل الكلام في ما يقضي به كل منهما.

الدليل العقلي علي حرمة الايذاء

إن جعل العقل شارعَ إيجابٍ وتحريم، إنزالٌ له في أرفع من منزله، بداهة أنه يحكم علي الأشياء تبعاً لما يدرك فيها من حسن أو قبح لذاتها، أو لما يطرأ عليها من العناوين المحسنة والمقبحة بمدح فاعلها، أو ذمّة، ولا يحكم البتة بأن حكمها الوجوب أو الحرمة عنده ولا عند الشرع، بمعني استحقاق فاعلها أو تاركها الجزاء الأخروي، إلا إذا كان مدركاً واجدية الشيء لملاك التحريم شرعاً، بمعني كونه علي الصفة التي تكون علة تامة لحكم الشرع عليه بالحرمة.ولكن هذا بابٌ منسدٌّ غالباً، بل دائماً في وجه العقل، لأن دعوي إدراكه ذلك في قوة دعوي إدراكه حكم الله تعالي.أما حكمه الايجابي أو التحريمي - لا بالمعني المذكور، بل - بمعني إلزامه بفعل شيء أو تركه لملاكات شتي [153] ، لا يعلم بثبوت الملازمة بينها وبين حكم الشرع بالوجوب والتحريم المصطلحين، ككون الشيء ملائماً للطبع أو منافراً له، فذلك مما لا ريب فيه، لكنه لا يجدي شيئاً في ما يحاوله مدعي حرمة الإيذاء والإضرار عقلاً، لأن حقيقة هذا المعني المسمي (حكماً عقلياً) لا يزيد علي مجرد إدراك العقل حسن الشيء أو قبحه، بمعني كونه علي الصفة التي لو خلت عن الموانع والمزاحمات واقعاً، لجهة حسنه أو قبحه المدركين عقلاً، لكان واجباً أو حراماً شرعاً.وهذا المعني من حكم العقل قاصر عن إثبات الحرمة المصطلحة، إذاً فما معني حرمة الإضرار عقلاً؟ وما هو الملاك لحكم العقل بحرمته؟إن العقل لا يحكم علي الأشياء بعناوينها العارضة عليها حكماً جزافياً، بل لابد له في حكمه من ملاك يتبعه، وإذا كان هو لا يدرك في مطلق ما يؤذي النفس واجديته لملاك التحريم شرعاً، وكان نفس كونه منافراً للطبع أو مؤذياً أو مضراً، لا يستتبع حرمته عقلاً ولا شرعاً بمعني استحقاق العقاب عليه [154] ، فما هو الملاك لحكمه علي عنوان المضر للنفس بلزوم تركه حتي لو بلغ الضرر إلي درجة هلاك النفس، فضلاً عما دونه؟ [155] أجل! إن دفع الضرر عن النفس أمر جبلي فطري، وليس بحكم عقلي يتبع ملاكاً يخصه أو يعمه تبعية المعلول لعلته، ولذلك يشترك فيه الإنسان العاقل وسائر الحيوانات العجم، فإنها بما أودع في طباعها بأصل الخلقة، تتحرز عن مظان الوقوع في الضرر، وهذا هو الضرر المقطوع أو المظنون مما لا تعتري العقول فيه شبهة.

لا ضرر في التطبير

وعلي كل حال فإن إدماء الرأس بمجرده ليس ضرراً ولا مما يقطع أو يظن بكونه ضرراً. نعم لا ريب في كونه إيذاءً للنفس وإيلاماً، والإيذاء غير الضرر.وربما يدعي أنه لا فطرة ولا جبلة تقضي بالفرار إلا عن الضرر، أعني الموجب لخطر الهلاك، لا عن مطلق إيذاء النفس وإيلامها [156] .ولو فرض تساويهما في لزوم الدفع بالفطرة، لم يجد ذلك في دعوي حكم العقل المزعوم، لأن النفرة عن شيء بالطبع، غير حكم العقل بلزوم الفرار عنه، وآية ذلك أنك تجد الإنسان عند تسليم نفسه للفصد، أو الحجامة، أو لعملية جراحية، يرضي بذلك، ويريده بعقله، ولكنه كاره له بطبعه حينما هو راض به، فهو يفضل الحكم العقلي ترجيحاً للمنفعة علي الدافع الجبلي.وأخري أن العقلاء مع فطرتهم وجبلتهم يقتحمون موارد الضرر المقطوع - فضلاً عن المظنون والمحتمل - لأغراض لهم لا تقع تحت الحصر، ومع ذلك لا يرون في تجاوزهم حد الفطرة والجبلة قبحاً عقلاً، ولا مراغمة إلا لحكم الفطرة الذي يكون مغلوباً كثيراً لحكم العقل. كما أنهم في بعض الموارد يحجمون عن الاقتحام في الضرر المحتمل، فضلاً عن المظنون والمقطوع، حسبما يتجلي لهم أهمية أحد الأمرين: السلامة والخطر [157] .ومعلوم أن مخالفة الأمر الجبلي بما هو أمر يندفع إليه أو عنه الإنسان بطبعه، لا تستدعي حرمة شرعية ولا عقاباً أخروياً.وبلحاظ الأهمية التي أشرنا إليها تقدم النساء علي الوشم المتعارف، وعلي قلع الأسنان الخلفية، ويقتحم الرجال خطر المهالك في المفاوز وغمرات البحار للتجارة إزاء منافع دنيوية ينالونها، ويرتكبون المحن المجهدة الشاقة والمضرة بالبدن.ولعله بلحاظ هذه الأهمية أفتي الشهيدين في (القواعد) و(تمهيدها) بجواز أن يسلّم الإنسان نفسه للقتل إذا أُجبر علي إظهار كلمة الكفر، كما يدل علي ذلك تعليلهما بأن في القتل إعزازاً للإسلام وتثبيت عقائد العوام [158] . مع أن إظهار كلمة الكفر جائز إجماعاً ونصّاً كتاباً وسنّة، إن لم يكن واجباً حفظاً للنفس. وما ذلك إلاّ لأهمّية إظهار عزّ الإسلام وتثبيت عقائد العوام علي السلامة عن أعظم الأضرار والآلام.وإذا كان المحسوس لعرفاء الجعفرية أن إعزاز طريقتهم وتثبيت عقائد عوامهم بسمو مراتب أئمتهم، واجتماع كلمتهم، وتميّزهم عن سائر الشّيع، وظهورهم للملأ بمظهر أكبر الفرق، يكون بإشهار مصيبة الحسين (عليه السلام) بمظاهرها المتنوعة التي منها تمثيله (عليه السلام) وأصحابه مثخنين بالجراح، وقد سالت دماؤهم علي ثيابهم المتخذة أكفاناً لهم، فلماذا ينكر عليهم إذا فضلّوا ذلك بما فيه من تعب وألم علي الراحة والدعة، وهم علي كل حال ناجون من الخطر، واثقون بالسلامة؟لماذا ينكر عليهم إذا وقفوا يمثّلون إمامهم مفادياً بروحه العزيزة في سبيل نصرة الدين - علي قلّة الناصر، ووفور العدو عدّة وعدداً -، يرون الناس وكأنهم يخاطبونهم - بلسان الحال - بأنّ رجلاً تكون هذه حاله في المفاداة مع كونه أقرب الناس إلي الرسول والبقية من أهل البيت الطاهرين، هو الذي ينبغي أن يكون إمام الحق، وهو الذي يلزم اتّباعه والإقتداء بأفعاله البارة، دون سائر المنتحلين اسم الزعامة الدينية في الإسلام.

الدليل النقلي علي حرمة الاضرار

ظن شيخنا الأعظم في (رسالة الظن) دلالة بعض الآيات [159] علي حرمة تعريض النفس للمهالك والمضار الدنيوية والأخروية المظنونة.وهي علي تقدير دلالتا علي حكم التعريض المذكور، لا تدل إلاّ علي الطلب الإرشادي، لا التحريم الشرعي [160] ، وأكثرها يدل علي الإيعاد علي ترتب لوازم مخالفة الشارع.أما الكاتب فإنه لم يذكر من الأدلة النقلية سوي أدلة نفي الحرج، كما في ص 3، وهذه لو تمت دلالتها لا تقتضي علي مذهبه - المصرح به في ص 17 و18 و 20 [161] إلا رفع الحكم في مورد تحقق الحرج، فأين ما يدل علي ارتفاع الحكم عند الضرر، فضلاً عما يدل علي ثبوت الحرمة؟ولو أنه ادعي رفع الحكم عند حصول الضرر بالفحوي، بقي ما يدعيه من ثبوت الحرمة بغير دليل، لأن أدلة نفي الحرج لا تفي بذلك قطعاً باعترافه - في المواضع المشار إليها -.أما إذا تمسّك بما دل علي سهولة الشريعة وسماحتها وعدم جعل الحكم الحرجي فيها بأصل التشريع، لو تم ذلك [162] من حيث دلالته بالفحوي علي عدم جعل الحكم الضرري كذلك، كان:أولاً: محجوجاً بمثل الجهاد والختان وغيرهما، فإن الحكم الإيجابي متعلق بهما في أصل التشريع مع كونهما مضرين، وتخصيص مثل قاعدة الحرج المفروض استفادة حكم الضرر منها، مع سوقها مساق الامتنان، في غاية البعد.ولو أنه تخلص عن النقض بالجهاد - بما لا حاجة إلي ذكره الآن - فلا مخلّص له في مسألة الختان، وثقب الآذان والأنوف، والوشم، وخصوص ختان الخنثي المشكل إلاّ الالتزام بمشروعية المؤذي في الجملة. هذا مضافاً إلي ما سيمرّ عليك مفصلاً من الإيذاءات الاختيارية الواقعة من الأئمة (عليهم السلام) لأنفسهم في العبادات وغيرها [163] .وثانياً: أن مقتضي تلك الأدلة أن الله تعالي لم يجعل في أصل التشريع حكماً ضررياً، بمعني أنه لم يشرع حكماً يأتي من قبله الضرر.والحكم الإستحبابي مهما كان متعلقه مضراً بذاته كالقتل، فضلاً عن إدماء الرأس، ليس بحكم ضرري، إذ المراد بالضرري ما يجيء الضرر من قبله، ويكون هو الموقع للإنسان في الضرر، والحكم إنما يكون كذلك إذا كان إلزامياً، غير مرخّص بتركه، كما سيأتي تفصيل ذلك في قاعدة الضرر.وقول الكاتب - في مواضع من رسالته -: (الجرح ضرر، وإدماء الرأس ضرر) من التمويهات والأوهام. نعم هو ضرر، أي: أمر هو بذاته مضر، ولكن ماذا يترتب علي كونه ضرراً بالمعني المذكور إذا كان الشرع لم يرفع الضرر رفعاً تكوينياً، ولا نهي أن يضر أحد نفسه بالفرض، وإنما نفي - بفحوي أدلة الحرج، أو بقاعدة الضرر الآتية - أن يجيء من قبله الضرر المنحصر ذلك في كون حكمه الذي بيده رفعه ووضعه ضررياً، ولا ريب أن كونه كذلك إنما يتحقق إذا كان حكمه إلزامياً، سواء كان موضوعه مضراً بذاته أم لا، ولا أثر للمضرية الذاتية للشيء بمجردها إذا كان حكمه مرخصاً في تركه.

حرمة المؤمن عندالله

قد يتوهم متوهم أن ما دل علي عدم جواز إيذاء الغير وإضراره لاحترامه عند الله تعالي يدل علي عدم جواز إيذائه لنفسه وإيلامها، لأنه كغيره في الاحترام، وليس احترامه لنفسه موكولاً إليه وداخلاً تحت اختياره حتي يكون له إسقاطه.وهذا من المغالطات، لأن احترام المؤمن بعدم إيذائه قد أوجبه الله إذ أمر به. أما احترامه لنفسه بمعني عدم إدخال الأذي عليها، فلم يوجد في الأدلة ما يقضي بلزومه. ولا ملازمة بين لزوم احترام الناس له وبين لزوم احترامه لنفسه [164] . وغاية ما يوجد في الأدلة الشرعية أنه لا يظلم نفسه، ولا يلقي نفسه وفي التهلكة، أي لا يتلفها ولا يعرضها لخطر الهلاك، وأين هذا من مسألة إيذاء النفس المدعي حرمته مطلقاً؟وأما قضية دخول احترام الإنسان لنفسه تحت اختياره، فهي إثباتاً ونفياً تتوقّف علي البرهان، ولا برهان علي النفي إلاّ الدعوي نفسها. وأما الإثبات فيكفيه - مع قطع النظر عن كل شيء - أصالة الجواز والإباحة [165] .

قاعدة نفي الضرر و حكم التطبير والضرب بالسلاسل

مدلول قاعدة نفي الضرر

قد تبلغ الفقاهة (!!) بأحد إلي حد الاستدلال علي حرمة إيذاء النفس وإضرارها بقاعدة نفي الضرر [166] المستفاد من قوله (صلي الله عليه وآله): (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) [167] .وهذا الاستدلال مردود بوجوه:الأول: أن القاعدة المذكورة - علي ما استظهره المحققون من أدلتها علي اختلاف تعبيراتهم - إنما تنفي ما يوجب الضرر من الأحكام، بمعني أن ما يكون منها ضرراً علي أحد من الله أو من العباد، منفي شرعاً وغير مجعول لله ولا ممضي عنده في أصل التشريع وبعده. وهذا - كما تري - لا يقتضي إلا عدم جعل الأحكام الضررية ورفع الحكم المجعول إذا لزم منه الضرر. وأين ذلك من ثبوت الحرمة في مورد الضرر كما يدعيه المدعي؟؟نعم لو حمل لفظ (لا) في قوله (لا ضرر) علي نفي الحقيقة ادعاءً، بلحاظ نفي الحكم الثابت أو المناسب للضرر المنفي - كما يذهب إليه شيخنا المحقق صاحب الكفاية [168] - كان اللازم الحكم بعدم جواز إدماء الرأس حيث يكون ضرراً، لا مطلقاً. وهذا أخص من المدعي إن تم مبناه.لكن إدماء الرأس لما كان نفسه ضرراً عند الكاتب [169] ، يلزمه - بمقتضي زعمه - عدم صحة الاستدلال بالقاعدة علي حرمته [170] ، لخروجه عنها موضوعاً، ضرورة أن الحكم المنفي بنفي الضرر - علي هذا الرأي - لا يعم الثابت للأفعال بما هي أمور ضررية، كالجهاد والزكاة، فضلاً عن نفس الضرر، لأن كون الشيء ضررياً أو ضرراً علة لنفي الحكم بالفرض، ولا يعقل أن يكون الموضوع في ظرف تحققه مانعاً عن ثبوت حكمه، علي أن الحكم المناسب أو المتوهم لنفس الضرر هو الحرمة، ونفيها بالقاعدة ينتج ضد المدعي.وليست القاعدة بمثبتة لحكم ما، وإنما هي من القواعد النافية للأحكام علي جميع الآراء، غاية الأمر نفيها يلزمه الحكم بالحرمة في بعض الفروض، لا أن الحرمة هي مؤدّي نفس القاعدة.نعم، لو حمل لفظ (لا) علي النهي - كما تفرّد به البدخشي، وتبعه شاذ منّا [171] - لكان لما ذكر من التحريم وجه، لكن حمل (لا) علي النهي غير وجيه، لوجوه مبينة في غير هذا الموضع.الثاني: أن القاعدة - علي المذهب المشهور - في مدلولها (وهو الذي يلوح من الكاتب اختياره) [172] مختصة بالإلزاميات، ولا تشمل المباحات والمندوبات، لما فصلناه آنفاً من أن رفع الحكم الذي يتأتّي من قبله الضرر للامتنان، ولا منّة في رفع المندوبات، ومن ارتفاع الضرر موضوعاً مع الترخيص في الترك، كما يصرّح بذلك شيخنا المرتضي في (رسالة الضرر)، إذ يقول: (إن إباحة الضرر، بل طلبه استحباباً، ليس حكماً ضررياً، ولا يلزم من جعله ضرر علي المكلفين، ليكون مرفوعاً بالقاعدة) [173] . ومن [174] أن الظاهر من أدلة القاعدة عدم كون جعل الشارع سبباً قريباً لإلقاء المكلّف في الضرر، وهو إنما يكون سبباً كذلك إذا كان حكمه إلزامياً، لأن الإلقاء في الضرر لو كان الحكم غير إلزامي، يكون مستنداً إلي اختيار المكلّف، لا إلي جعل الشرع. ومن [175] وقوع المندوبات الضررية بكثرة فائقة في الشرع [176] ، وذلك آية اختصاص القاعدة بغيرها.وربما يزاد هنا وجه آخر، وهو أن كون عدم جعل الحكم الضرري - إحداثاً وإبقاءً - للامتنان، يقتضي جواز أن يؤذي الإنسان نفسه ويضرها بغير القتل، فإن منعه عن ذلك خلاف الامتنان، بخلاف إضرار الغير، فإن في رفعه كمال المنة بانتظام أمر النوع [177] .الثالث: أن مذهب أصحابنا كافة - كما يعلم من تتبع كلماتهم في الموارد المتفرقة - أن المرفوع بقاعدة الضرر في العبادات الضرر الشخصي، لا النوعي الغالبي [178] ، بمعني أن الحكم في مورده الخاص إذا لزم منه الضرر علي شخص يرتفع عنه، دون كلّيه ودون كلي الأشخاص.

التطبير ليس مضرا

ولا ريب أن إدماء الرأس ليس مضراً للكافة، فلماذا يكون محرماً علي الإطلاق، بل اللازم - لو استفيد التحريم من القاعدة - أن يكون محرماً حيث يكون ضرراً، لا مطلقاً.لكن الكاتب في ما أسلفنا نقله من رسالته يقول: (الجرح نفسه ضرر)، وهذا ليس من كلام الفقهاء، بل من كلام طبيب غير حاذق، فالحاذق يأبي له حذقه من الحكم علي البت بأن الجرح ضرر، لأنه في واقع الأمر وبحكم الوجدان قد يكون ضرراً وقد لا يكون.أن حصول الضرر بالجراح من العوارض الاتفاقية التي لا يمكن ضبطها، ولا يصلح للفقيه جعلها مناطاً للحكم وملاكاً لقاعدة مطردة في جميع الموارد الشخصية. وأخري أن علي الفقيه بيان الأحكام، وليس من شأنه تنقيح الموضوعات الصرفة الجزئية، فضلاً عن الحكم علي جزئياتها غير المحصورة [179] .ثم إذا كان الجرح ضرراً - كما يقول - لا يتجه أصلاً إثبات حرمته إلاّ بدليل غير قاعدة الضرر، كنحو (لا تضروا أنفسكم أو لا تؤذوها) أما القاعدة فقد تقدم أن موردها لا يندرج فيه الحكم الثابت للموضوع الضرري علي رأي شيخنا صاحب (الكفاية). وأما علي المذهب فخروج ذلك أبين، لما مر من أن المدار في شمول القاعدة لشيء علي كون الحكم المجعول شرعاً يلزم منه الضرر، لا كون الشيء مضراً بذاته، والحكم لا يكاد يكون كذلك إلاّ إذا كان إلزامياً، لأن المرخص في تركه مهما كان متعلقه مضراً، لا يكون ضرراً من قبل الشرع.في ختام هذا الفصل يجب أيضاً الالتفات إلي دقيقتين:

الضررية لا توجب حرمة التطبير والضرب بالسلاسل

الدقيقة الأولي: إن كثيراً من أصحابنا [180] صرحوا بصحة العبادات الضررية إذا كان الضرر غير مؤد إلي الموت أو سرعته أو إلي مرض يزمن مثلاً، وشبه ذلك من الأضرار التي يعلم من الخارج عدم جواز تحملها.ولا يخفي أن البطلان في هذه الصورة يبتني علي امتناع اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي، لا علي قاعدة الضرر، ولذا يختص البطلان بصورة العلم بالضرر - كما هو المقرر في تلك المسألة من اختصاص الحرمة والفساد بصورة العلم.وأما صحتها في ما إذا لم يكن الضرر مؤدياً إلي مثل ذلك، وبعبارة أخري: إذا كان الضرر مما علم من الخارج جواز تحمله، فلأن نفي الضرر لا يقتضي إلاّ رفع وجوب الشيء المضر، لأن الضرر يتأتي من قبله، لا من قبل شرعيته. ورفع الإلزام لا ينافي ثبوت المصلحة المقتضية للتكليف غير الإلزامي في مورده، وذلك كاف في عبادية الشيء وصحة التقرب به لله تعالي.وسيأتي في خاتمة هذا الباب أن شيخنا المحقق الأنصاري يحكم بصحة جميع العبادات الضررية التي يعتقد المكلف عدم التضرر بها مع كونها مضرة في نفس الأمر وتبعه علي ذلك المحقق الآشتياني في (رسالة الحرج) [181] ، لكن في غير الضرر الذي كان تجويزه منافياً لحكم العقل.وإذا صحّت العبادات المضرة واقعاً مطلقاً، أو علي بعض الوجوه عند هؤلاء المحقّقين، وكانت راجحة عندهم ومقربة لله، فلماذا يكون مثل إدماء الرأس، وضرب الظهر بسلسلة، محرّماً أو غير مندوب لمجرد دعوي كونه ضررياً، وهو أمر يشاركه فيه سائر العبادات؟ فهلاً وسعه - عند الكاتب - ما وسع غيره من الضرريات عند المحققين إذ أفتوا بشرعيتها في الجملة مع الضرر.مع أن دعوي كون شديد جرح الرأس المتعارف في العزاء الحسيني - فضلاً عن خفيفه - ضرراً، ممنوعة جداً. نعم هو إيذاء، والإيذاء غير الضرر، ولا دليل من عقل أو نقل علي حرمته وفساد التعبّد به لأجل الضرر.

اعتبار خوف الضرر موضوعي

الدقيقة الثانية: إن الكاتب في ص 17 من رسالته هوّل علي قول القائل (لم يقم برهان علي عدم جواز أن يكلّف الله بما فيه ضرر) بأنه (أين قول الفقهاء: دفع الضرر المظنون واجب؟ وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في إسقاط التكليف؟ وأين قولهم بوجوب...، وقولهم ببطلان...)؟ وذكر مواضع يفتي الفقهاء فيها ببطلان العبادة مع خوف الضرر [182] .وهذا من غرائب الفقه، فإن لأصحابنا في اعتبار ظن الضرر وخوفه في الموارد المعدودة وغيرها، مذاهب شتي تعرف من متفرقات كلماتهم في أبوابها. والكلام في حكم أنيط بالضرر، لا بظنه أو خوفه كما هو الشأن في موارد النقض المذكورة.والظاهر أن اعتبار أكثرهم للظن والخوف في تلك الموارد من باب الموضوعية، ولذلك لم يختلفوا - علي الظاهر - في أن سلوك الطريق المظنون الخطر يوجب إتمام الصلاة فيه، وإن انكشفت عدم الضرر. وقد حكي عن المحقق في (المعتبر) الحكم بعدم وجوب إعادة الصلاة بوضوء علي من ظن مخوفاً يمنع من استعمال الماء، فتيمم وصلي، ثم بان فساد ظنه، وببطلان الغسل إذا ظن الضرر باستعمال الماء، فاغتسل ثم بان فساد ظنه.وإذا كان ظن الضرر أو خوفه في تلك الموارد تمام الموضوع أو جزءه، سقط الاستدلال به، ولم يصح أن يجعل آلة تهويل علي ما هو محل الكلام من إدماء الرأس بسيف - مثلاًً -، أو ضرب الظهر بسلسلة، إلاّ إذا كانا مظنوني الضرر أو مقطوعيه، وذلك أخص ممن يدعيه.ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا باعتباره من باب الطريقية، نظراً إلي أن انسداد باب العلم بالضرر الواقعي يوجب إناطة الحكم بالظن به بلا مدخلية له في الموضوعية للحكم، فغاية ما يقتضي ذلك ثبوت الحرمة عند تحقق الضرر واقعاً، وإن لم يكن مظنوناًً، وهذا لا أثر له في ما يراد إثباته ونفيه في المقام، لأن الانسداد المذكور - ولو بنينا علي طريقية الظن - يوجب تبعية الحكم الفعلي للقطع بالضرر اتفاقاً، أو ظنه. ولا ريب في أن بطلان العبادة بالنهي عنها يتبع النهي الفعلي المنجز، ولا أثر للحكم الواقعي إلا الإعادة أو القضاء عند انكشاف الحال، ولكن في دعوي القطع أو الظن بالضرر في مثل إدماء الرأس من المجازفة والمكابرة ما يشهد الوجدان بخلافه.أما قول القائل (أين قول الفقهاء: دفع الضرر المظنون واجب؟ وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر)؟، فهو أشد غرابة ومجازفة، فإنا لم نجد أحداً من الفقهاء أفتي بوجوب الصوم وإتمام الصلاة في السفر المحتمل فيه الضرر، ولا سقوط وجوب الحج عمن يحتمل في سفره ذلك، ولا وجوب التيمم مع احتمال الضرر بالوضوء أو الغسل، إلي غير ذلك من موارد احتمال الضرر الدنيوي.نعم قد علّق الحكم في بعض الموارد علي خوف الضرر المساوق للظن به، وهو أن شمل الشك، كان حكماً تعبدياً في مورده، لا يصح النقض به، ولا يصلح لاستفادة قاعدة منه.وقول العلماء بوجوب دفع الضرر المظنون، لعله يراد به الضرر الأخروي، وهو في موارد قيام الأمارات الشرعية في الموضوعات والأحكام مما لا ريب فيه. وفي غير تلك الموارد ملحق بالضرر المحتمل، وقد تطابق العقل والنقل علي الاعتناء به في الشبه البدوية مطلقاً أو في الجملة.أما الضرر الدنيوي مظنوناً أو محتملاً، فقد أسلفنا القول بأن دفعه أمر فطري جبلي، وليس بحكم عقلي ولا شرعي إلا ما كان منه نحو إلقاء النفس في مهلكة، أو موجباً لفقد طرف، أو حدوث مرض أو شبه ذلك، وذلك لخصوص ما علق فيه الحكم علي خوف الضرر أو ظنه، علي تفصيل سلف في صحة العبادة معه وعدمها [183] .إذاً فما هو موقع القول (وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في إسقاط التكليف)، فإنا لا نعرف فقيهاً ولا أصولياً اكتفي في الضرر الدنيوي بالاحتمال في سقوط تكليف ولا ثبوته، كيف والأضرار المحتملة في الأفعال نفساً ومالاً وبدناً مما لا تكاد تنتهي، ولا يمكن التحرز عنها، إذ ما من فعل إلاّ ويحتمل الضرر فيه من جهة أو جهات.نعم ذكر متكلمونا ذلك في مقام الاستدلال علي وجوب شكر المنعم، إذ قالوا: بأن في تركه احتمال المضرة، وجعلوا ثمرة وجوب دفعه استحقاق تارك الفحص عن صحة دعوي مدعي النبوة، العقاب. والاكتفاء به من خصوصيات ذلك المقام المعلوم مصادفة الاحتمال فيه للواقع، وذلك في الحقيقة دفع لأعظم الأضرار المقطوعة، لا المحتملة.

خلاصة القول في الإيذاء والضرر

لنرجع إلي مسألة إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها، ونبحث عنهما من طريق آخر لا يعسر علي العامة فهمه، يكون نصفاً بين الجميع، فنقول:لا ريب في أن لإيذاء النفس وإدخال الضرر عليها مراتب، أعلاها ما ليس فوقه إلا إزهاق النفس وأدناها ما ليس تحته إلا العدم المحض، والمراتب المتوسطة بينهما كثيرة لا تقف علي حد. وليس في الأدلة الشرعية ما يقضي بحرمة غير ما يكون إلقاء للنفس بالتهلكة، أو الجناية عليها بقطع عضو، أو حدوث مرض لا يتحمل في العادة، وشبه ذلك.ولا نجد في أحكام العقول ما يوجب قبح غير ما يكون ظلماً للنفس، وليس جميع المراتب المتوسطة من الظلم القبيح إذا خلت عن الأعراض الأخروية باعتبار انطباق العناوين الراجحة عليها شرعاً، فكيف إذا انطبق عليها نحو عنوان الإبكاء، والحزن، والجزع لمصاب سيد الشهداء.والحاصل أن الفعل الذي ينزله الفاعل بنفسه - ويسميه هذا الكاتب إيذاءً وإضراراً - إذا وقع لغرض عقلائي، ولو كان هو النفع الأخروي، لا يصدق عليه اسم الظلم قطعاً، وإلاّ كان عليه أن يلتزم بحرمة ارتكاب المهن المجهدة للنفس والبدن من حرفة أو صنعة [184] . ومع عدم صدقه فأي دليل من العقل والنقل - كما يقول - علي حرمته؟ بل أي دليل علي الحرمة إذا تجرد عن كل غرض عقلائي؟ إذ غاية الأمر صيرورته حينئذ فعلاً عبثياً، ولا برهان من العقل والنقل يدل علي أن كل فعل ليس للعقلاء فيه فائدة مقصودة معتد بها، قبيح عقلاً ومحرّم شرعاً، فإن العناوين القبيحة العقلية معلومة، وليس العبث منها، وموضوعات الأحكام التحريمية معروفة - حسب ما يستفاد من الأدلة الشرعية -، وليس هو أحدها.لكني لا أستبعد من بعض أهل الأذواق اللطيفة أن يقول حينئذ (هو فعل همجي وحشي جنوني) إلي غير ذلك من هذه الألفاظ ومن أمثالها.ونحن نلقي إليه بكل صراحة هذا الجواب: أن هذه السفاسف الرائجة لا يعتني بها الفقهاء، إلا أن يقوم البرهان عندهم علي حرمة عنوان (الوحشية) و(الهمجية)، وإن لم يكن فيه خروج عن الحدود الشرعية.ومن هذا كله يحصل اليقين بالفرق بين الإيذاء والإضرار، وأن الإيذاء بجميع أنواعه لا دليل علي حرمته، ومنه جرح الإنسان رأسه بسيف أو مدية، وضرب ظهره بسلسلة، ولدم صدره حتي يسود، وحتي يسيل منه الدم.وأما الإضرار فما يكون منه ظلماً للنفس بإلقائها في مهلكة وتعريضها للأمراض، والآفات والعاهات، فلا ريب في قبحه عقلاً وحرمته شرعاً [185] . وما لم يكن كذلك فلا دليل علي حرمة المعلوم كونه ضرراً، فضلاً عما يشك في كونه مضراً [186] .الهوامش:

نماذج من ايذاء اهل البيت انفسهم في سبيل الله

تتميمات ملحقة بقاعدتي الحرج والضرر

قد وقعت لصاحب الرسالة نوافذ كلمات في مسألتي العسر والضرر بزعم أنه يرد بها علي معاصره في ركونه إليها وجعلها دليلاً علي مشروعية الشعائر الحسينية المجهدة، ولما أنها ليست من الأمور العديمة الأثر في تأييد تلك الشعائر المقدسة، فإني أتعرض لها بصورة محاكمة بين الرجلين:

تورم قدم النبي من القيام للعبادة

سيماء الصلحاء: لو كان الشاق - وإن دخل تحت القدرة والطوق - غير مشروع، ما فعلته الأنبياء، ألم يقم النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة حتي تورّمت قدماه؟ [187] .رسالة التنزيه: قيام النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة حتي تورمت قدماه إن صح، لابد وأن يكون من باب الاتفاق، أي ترتب الورم علي القيام اتفاقاً، ولم يكن النبي (صلي الله عليه وآله) يعلم بترتبه، وإلا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون أنه يؤدي إلي ذلك، لأنه ضرر يرفع التكليف ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه [188] انتهي.النقد النزيه: حديث قيام النبي (صلي الله عليه وآله) إلي أن تورّمت قدماه رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) [189] ، ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) عن أبي الحسن موسي (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) [190] ، ونقله في (البحار) [191] عن (الخرائج) [192] .ويشهد له بالصحة ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه عن أبي جعفر (عليه السلام) منقول السجاد (عليه السلام): (أن جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه [193] وما تأخّر، فلم يدع الاجتهاد في العبادة حتي ورم الساق، وانتفخ القدم [194] . وما رواه في (البحار) عن كتاب (فتح الأبواب) في الاستخارات - لابن طاووس - عن الزهري من قول السجاد أيضاً: (كان رسول الله يقف للصلاة حتي تورم قدماه، ويظمأ [195] حتي يعصب فوه [196] ) [197] .وأنا لا أشك أن الكاتب قد يثبت صحة الخبر رواية، فتترتب عليها آثار وقوع المخبر به واقعاً، ولكن لأمرٍ ما يقول (إن صح)(!!)إن هذه الأخبار بظاهرها تدل علي استدامته علي طول القيام، ويلزم ذلك - عادة - العلم بحصول الورم، وكونه (صلي الله عليه وآله) عامداً علي إجهاد نفسه في عبادة ربه.ويؤيد هذا أن انتفاخ الساق وورم القدم لا يكون دفعياً، بل تدريجياً، والمواظبة علي الأمر التدريجي الضرر، ومع ظهور مباديه، لا يكون إلا للإقدام عليه عمداً مع العلم به.أن إيذاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) لنفسه في العبادة لو كان اتفاقياً وهو غير عالم به، لم يكن وجه لمعاتبة الناس له بأنه قد غفر الله له، فلا حاجة له إلي إتعاب نفسه وإيذائها، ولا لجوابه (صلي الله عليه وآله) لهم بقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) بل لا وجه للعتاب الإرفاقي المتوجه إليه من جانبه تعالي بقوله: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي) [198] ، أي: لتستمر في فعل ما يشق علي النفس، لأن العتاب الإرفاقي لا يكون علي أمر غير اختياري غير معلوم الوقوع عنده.إن دعوي اتفاقية ترتب الورم علي قيامه (صلي الله عليه وآله) من دون علمه به مما لا مجال لاحتمالها:أولاً: لما روي في (الاحتجاج) و(الخرائج) عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قام عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه [199] وفي (مجمع البيان) روي أنه كان يرفع إحدي رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي)، فوضعها [200] . وفي (الحدائق) - في أول باب أعداد الصلوات -: روي أنه كان يقوم [في الصلاة] علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه إجهاداً لنفسه في العبادة، حتي عاتبه الله علي ذلك عتاب رحمة، فقال: (طه ما أنزلنا عليك الرآن لتشقي) [201] . الحديث [202] . وفي (مصباح الشريعة): كان رسول الله يصلي حتي يتورم، ويقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً)؟ أراد أن تعتبر [به] أمته، فلا يغفلوا عن الاجتهاد والتعب والرياضة [203] .فإن هذه الأخبار صريحة الدلالة علي مواظبته (صلي الله عليه وآله) علي القيام المؤذي الموجب للورم، وأنه إنما يفعل ذلك قاصداً إتعاب نفسه وإيذائها في العبادة.وثانياً: أن الورم من حيث هو ليس بضرر، وإنما الضرر هو الألم الحاصل عند حدوث الورم، ولازم كل عاقل شاعر أن يحسّ بالألم عند حدوثه، مهما كان ضعيفاً، فكيف بالألم الموجب للورم؟والقول علي هذا باتفاقية ترتبه لا يكاد يتعقل له محصل إلاّ إذا كان واقعاً من غير مدرك.وثالثاً: إن الأخبار الواردة عن أئمة الهدي في تفسير قوله - تبارك وتعالي -: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلاّ من ارتضي من رسول) [204] تدل علي أن محمداً (صلي الله عليه وآله) ممن ارتضاه الله، وأنه انتهي إليه، ثم إليهم علم كل ما قدّره الله وقضاه [205] . ولا شك أن من ذلك تورم قدميه، لفرض وقوعه بتقدير الله وقضائه. ولعمري لو أن أحداً قال بأنه (صلي الله عليه وآله) لم يعلم ذلك بعلم الله، لكان في علمه العادي - بالتقريبات التي أسلفناها - كفاية.إن قيام رسول الله الذي تورمت قدماه به لو كان قياماً عادياً، لصح لقائل أن يقول فيه ما شاء، لكنه شاق بذاته، مؤذٍ في نفسه وإن قصر، لأن علي بن إبراهيم - في تفسيره - يروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه [206] كان يقوم علي أصابع رجليه حتي تورم [207] . وثقة الإسلام - في (الكافي) - يروي عنه (عليه السلام): أنه كان يقوم علي أطراف أصابع رجليه، فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي) [208] . وعبد الله بن جعفر الحميري - في محكي (قرب إسناده) - يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقوم ويرفع إحدي رجليه، فأنزل الله عليه (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي)، فوضعها [209] ، [210] .فبالله عليك ما هذا القيام الشاق الذي اختاره رسول الله - علي ما يقول صاحب الجواهر - إلا لأنه أشق أفراد القيام وأحمزها. وهل يصح في ما إذا اختاره (صلي الله عليه وآله) وهو مؤذٍ في نفسه أن يقال: أنه لا يعلم بترتب الأذي عليه؟ كل ذلك للفرار من القول بجواز فعل المؤذي للنفس في الجملة.أنا والله لا أريد تأييد القول بعلمه بذلك إلا لرفع الوصمة عنه (صلي الله عليه وآله) وحفظ عصمته عن الزلّة [211] ، لأنّ ترتب الورم علي قيامه إن كان اتفاقياً وهو لا يعلم به، لزم مع جهله فعله للحرام جهلاً. وإن كان ليس باتفاقي - كما ظاهر أكثر الأخبار وصريح ما عداها - لزم علي رأي الكاتب أن فعل كل ما يؤذي النفس محرماً لزم أن يكون الرسول الأكرم قد فعل الحرام عمداً(!!!)وإذا جوّز بعض السهو عليه (صلي الله عليه وآله) في غير الأحكام، ونسب آخرون إليه الجهل بالموضوعات، فإن أحداً منّا قبل اليوم لم يلصق بساحته المقدسة فعل الحرام لا عمداً ولا جهلاً ولا سهواً ولا خطاً، لا اختياراً ولا اضطراراً، لا قبل النبوّة ولا بعدها [212] .بل الظاهر اتفاق أصحابنا علي عدم وقوع السهو منه في المباحات والمكروهات وتنزيهه حتي عن مثل الفظاظة والغلظة، وعن المباحات القادحة في الأدب، كالأكل ماشياً وفي الطرقات.بل صريح من جعل العصمة لطفاً - في نقل شارح التجريد - أنه مؤاخذاً علي ترك الأولي، فلا يخل به عمداً، ولا سهواً، ولا خطأً.ولذلك فإني لا أري صاحبنا اليوم يتترّس - في مزعمته - بشيخنا الصدوق إذ جوّز عليه السهو عن الصلاة وفيها، بل ينبغي أن يضيف إليه القائل بجهله بالموضوعات، [213] لأن قوله مزيج من القولين اللذين ما أظنهما اجتمعا لواحد.مع أنّا مهما وسعنا القول بعلمه (صلي الله عليه وآله) وعلم الأئمة (عليهم السلام) في باب الموضوعات، فلا يسعنا إنكار علمهم في الباب المذكور بمثل عاقبة القيام في الصلاة المؤدي إلي فعل الحرام عصمة لهم عن الإثم، وحفظاً عن الخطيئة، وإلا فما معني كونهم مؤيّدين بروح القدس الذي لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ولا يلعب؟ [214] .هذا مع أن الصدوق نفسه يتنصل عن نسبة السهو إليه (صلي الله عليه وآله)، ويسمي ما يدّعي وقوعه منه إسهاءً من الله لنوع من المصلحة ذكره [215] ، وأنه ليس كسهونا الذي هو من الشيطان. وأين هذا من مزعمة الكاتب الخالية عن المصلحة؟ وهي مع ذلك تجهيل للنبي (صلي الله عليه وآله)، لا إسهاءً من الله تعالي (!!).وإذا كان الكاتب غير معتمد في مقالته علي خبر يدل عليها، بل تأوّل خبراً لا ينافي بظاهره العصمة إلي ما ينافيها، فإن شيخنا رئيس المحدثين يركن إلي أخبار كثيرة مستفيضة، كان معذوراً في الاعتماد عليها [216] لو كان ممن يصلح - علي رأي شيخنا المفيد - لسوي حمل الأخبار وروايتها [217] ومع ذلك فقد لقي من نوافذ الكلمات الشنيعة من المفيد والسيد والشيخ والعلامة والشهيد وأضرابهم ما لا يجمل بالأدب ذكر كله، حتي قال المفيد في خاتمة رسالة نفي السهو في الرد عليه - بعد أن نقل مقالته -: (وإن كان شيعياً يعتمد علي هذا الحديث - يعني حديث ذي الشمالين المتضمن لسهوه - في الحكم علي النبي (صلي الله عليه وآله) بالغلط والنقص وارتفاع العصمة، لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريب إلي ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف) [218] .ولأكتفِ بهذا عن غيره مما هو شنيع للغاية، فإن رسالتي هذه لم توضع لنقل مطاعن العظماء، سامحنا الله وإيّاهم بفضل كرمه.

تورم قدمي السجاد

دع عنك تورم قدمي الرسول الأعظم واتفاقية ترتبه علي عبادته، وخذ محتجاً بفعل الإمام السجاد ذي الثّفنات، فإنه لا يشك من له إلمام يسير بالسيرة بأنه عاش دائم السقم، دائم الحزن، نحيف البدن، وقد كلّف نفسه الجهد بالعبادة في قول جابر الأنصاري [219] وهو (يهلك نفسه اجتهاداً بالعبادة) في قول فاطمة بنت علي (عليه السلام) [220] وهو (شديد الاجتهاد بالعبادة) في قول ولده الباقر (عليه السلام) [221] ، وبالاستدامة علي العبادة المجهدة (اصفر لونه [من السهر]، ورمصت عيناه [222] من السهر [223] ، ودبرت جبهته [224] ، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام للصلاة) [225] .وقد رآه أبو حمزة في فناء الكعبة يصلّي، فأطال الصلاة حتي جعل يتوكّأ مرة علي رجله اليسري [226] .فما هي هذه الآلام البدنية؟ وهل هذا الذي ينزله الإمام بنفسه من أنواع المشقات التي تترتب عليها انخرام أنفه وورم ساقيه وقدميه إلا إضرار بنفسه؟ وليست هي باتفاقية قطعاً، كما يعلم ذلك من سيرته من له أدني اطلاع علي السيرة.إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري عندما يطلب منه البقيا علي نفسه يقول له: (لا أزال علي منهاج أبويّ مؤتسياً بسنتيهما حتي ألقاهما) [227] . وولده أبو جعفر (عليه السلام) عندما يقول له: كم هذا الدأب، يجيبه بقول: (إنني أتحبّب إلي ربّي لعلّه يزلفني) [228] . فلم لا قال له أحد: أن هذا الذي تفعله محرّم عليك ولا يطاع الله من حيث يعصي؟وإذا كان ضرب الصدر باليد حتي يحمر أو يسود ضرراً وإيذاءً محرّماً، فإن اسوداد ظهر السجاد مما يحمله دائماً علي ظهره إلي الفقراء بوفاق من مؤرخينا، فضلاًًُ عن إثفان السجود جبهته وعرنين أنفه الذين كان يقرضهما بالمقراض في السنة مرتين أو أكثر، [229] أولي [230] أن يكون إيذاءاً ومحرماً علي مذهب أهل الشام.

تورم قدمي الزهراء و اضرارها

إنّ شيخنا المجلسي يروي - في (البحار)- عن بعض مؤلفات العامة عن الحسن أنه قال: (ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة (عليها السلام)، كانت تقوم حتي ورم قدماها) [231] وهذا يدل علي أن الحسن يري أن العبادة التي تتورم فيها القدمان من أفضل أفراد العبادة، وأن فاطمة (عليها السلام) كانت تدأب في طول القيام، وأنّ تورم قدميها ليس باتفاقي.وجاء في أخبار كثيرة من طرقنا أن فاطمة (عليها السلام) استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها، وطحنت بالرحي حتي مجلت يداها [232] . والمجل في اليد هو ثخن جلدها بمزاولة الأعمال بالأشياء الصلبة، وذلك لا يكون إلاّ بعد آلام متتابعة.وفي رواية (الخرايج) عن سلمان الفارسي وقد دخل علي فاطمة، قال: كانت فاطمة جالسة، قدّامها الرحي، تطحن بها الشعير، وعلي عمود الرحي دم سائل، والحسين (عليه السلام) في ناحية من الدار يتضور من الجوع [233] . فقلت: يا بنت رسول الله! دبرت كفّاك [234] وهذه فضة جالسة؟ فقالت: (أوصاني رسول الله أن تكون الخدمة بيني وبينها أياماً [235] ، فكان أمس يوم خدمتها [236] ) الحديث.فإن صح الحديث وكان سيلان الدم من يديها علي عمود الرحي اتفاقياً، ولم تكن تعلم بترتبه علي طحنها، فإن دبر الكفين ومجلهما الذين لا ينفكان عن إيذاء النفس وإضرارها في بدء الأمر لا يكون اتفاقياً قطعاً.

ايذاء النبي نفسه بالجوع

سيماء الصلحاء: ألم يضع - يعني النبي (صلي الله عليه وآله) - حجر المجاعة علي بطنه، مع اقتداره علي الشبع؟ [237] رسالة التنزيه: أما وضعه حجر المجاعة علي بطنه مع اقتداره علي الشبع، فلو صح، لحمل علي صورة عدم خوف الضرر [238] لحرمة ذلك. ولكن من أين تثبت أنه كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختياراً مع القدرة علي الشبع؟ [239] انتهي.النقد النزيه: قد صح أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) خرج من الدنيا خميصاً، ما أكل خبز برّ قط، ولا شبع من خبز شعير قط. أما إفراط الجوع به حتي شدّ الحجر علي بطنه، فقد رواه الصدوق في مجالسه، وابن شهر آشوب في مناقبه مسنداً عن ابن عباس. ورواه ابن الجوزي مسنداً بعدة طرق عن علي (عليه السلام)، ونقله الزمخشري في (ربيع الأبرار) عنه (عليه السلام)، وكذا ابن أبي الحديد في (شرح النهج)، فقد نقله وذكر أنه جاء في الأخبار الصحيحة [240] . وامتنّ به رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي كافة المهاجرين والأنصار، وهو علي المنبر في آخر يوم من أيام حياته إذ قال: (ألم أضع حجر المجاعة علي بطني)؟ فقالوا: بلي.وقد تقدم في حديث السجاد (عليه السلام) أن النبي (صلي الله عليه وآله) ليس فقط يجوع حتي يربط علي بطنه الحجر، بل ويظمأ حتي يعصب فوه، أي يجفّ ريقه من شدة العطش.إن من الغريب قوله: (من أين ثبت أنه كان يتحمل الجوع المفرط)! وهو وكل أحد يعلم أن ربط الحجر لا يكون إلاّ للحاجة إليه، وإلا يكون فاعله مرائياً، ومع الحاجة إلي ربط الحجر لا معني للقول بأن ذلك الجوع الذي كان لأجله ربط الحجر، لم يكن مفرطاً.سلّمنا، لكن في تحمل ذلك الجوع مشقة شديدة، وإيذاء للنفس، والمشقّة وإن لم توجب حرمة الفعل، لكنها ترفع حكمه - علي مذهبه - وعليه لا يكون تحمّله للجوع مستحباً ولا مطلوباً ولا مثاباً عليه، بل هو والشبع سواء في الإباحة، فما هو الداعي لفعل النبي (صلي الله عليه وآله) إياه وإيثاره علي الشبع. وحمل جوعه علي ما لا مشقة فيه أيضاً كما لا ضرر فيه، يوجب حصر شدّ الحجر بالرياء المحض.وأغرب من هذا دعوي أن جوعه المفرط الموجب للضرر كان عن اضطرار، وذلك النبي (صلي الله عليه وآله) إذا انقطعت به المذاهب عن تدبير ما يسد به رمقه، ولو بقرض ونحوه، فلقد كان بإمكانه أن يبرز إلي ظواهر المدينة وضواحيها، فيأكل من حشائشها ما يحفظ به حشاشة نفسه الشريفة تأسّياً بأخيه موسي بن عمران (عليه السلام)، فلقد كانت خضرة الحشيش تري من صفاق [241] بطنه لهزاله [242] .ولعمري إن امتنانه علي المسلمين بربط الحجر، وتصديقهم إياه ينبئ عن علمهم بأنه كان باختياره يكابد الجوع المفرط غالب أيامه، وأنه أمر محبوب، وأنه لو شاء لم يكن مع أن جوعه لولم يكن مفرطاً، أو كان ولكن عن اضطرار، لم يكن لامتنانه علي الأمة وجه.نعم يظهر من بعض كتب السير أن المسلمين أصابهم جهد وقلّة زاد أيام حفر الخندق، وأن رسول الله ربط الحجر من الجوع علي بطنه ثلاثة أيام يومئذ، وهذا ما لا يمتنّ به رسول الله (صلي الله عليه وآله)، لعموم ابتلاء المسلمين به.

ايذاء اهل البيت انفسهم بالجوع

إن الله جلّ ذكره أنزل في الذكر الحكيم سورة تتلي من حين نزولها إلي قيام الساعة (هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، يشكر فيها سعي أهل البيت الطاهرين بتحمّلهم الجوع المفرط، وإيثارهم بالطعام من ليس هو بأولي به منهم يومئذ.وقد جاء في الحديث المفسّر لآية (يوفون بالنذر) [243] أنه طووا ثلاثاً لم يطعموا سوي الماء، وأن الحسنين رآهما النبي (صلي الله عليه وآله) بعد الثلاث يرتعشان من شدة الجوع كالفرخين، ورأي فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها [244] وهذا من أعظم أفراد إيذاء النفس المحرّم عقلاً ونقلاً علي المذهب الجديد.وروي في (الخرائج) أن رسول الله مضت عليه تلك الأيام والحجر علي بطنه من الجوع أيضاً، وقد علم بحال أهل بيته وجوعهم [245] .وورد في حديث طويل يتضمن دخول النبي (صلي الله عليه وآله) وجابر الأنصاري علي فاطمة (عليها السلام)، أن النبي لما دخل عليها رأي وجهها اصفر كأنه بطن جرادة، فقال لها رسول الله: (ما لي أري وجهك اصفر)؟ فقالت: (يا رسول الله! الجوع...) وفي حديث آخر يرويه في (المناقب) - عن تفسير الثعلبي -: أن رسول الله دخل علي فاطمة فرأي صفرة وجهها وتغير حدقتها، فسألها عن ذلك. فقالت: أن لنا ثلاثاً ما طعمنا شيئاً، وقد اضطرب عليّ الحسن والحسين من شدة الجوع، ثم رقدا كأنهما فرخان منتوفان. وكان النبي (صلي الله عليه وآله) نفسه لم يطعم شيئاً يومئذ منذ ثلاث.وفي (الخرايج): عن جابر أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أقام ثلاثاً لم يطعم شيئاً، فطاف بيوت أزواجه وبيت فاطمة، فلم يجد. وفي (البحار) - عن صحيفة الرضا (عليه السلام) - أن فاطمة (عليها السلام) جاءت إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم الخندق بكسرة من خبز. فقال لها: (أما إنها أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث) [246] .وفي هذا يتحقق غاية الجوع الذي يربط له الحجر، ومثله كثير. والغرض ذكر مثال منه.

ايذاء النفس بالمشي للحج

سيماء الصلحاء: ألم تحج الأئمة (عليهم السلام) مشاة حتي تورمت أقدامهم، مع تمكّنهم من الركوب [247] انتهي.رسالة التنزيه: وكذا استشهاده بحج الأئمة مشاة هو من هذا القبيل [248] .النقد النزيه: قد حج الإمام السجاد ماشياً مع سقمه وضعف بدنه، وذلك ملازم لمشقته وإيذاء نفسه [249] . وحج الحسن (عليه السلام) ماشياً خمس وعشرين حجة، والنجائب تقاد خلفه [250] ، [251] ، وكذا الحسين (عليه السلام) في رواية [252] .وورد عنهم الحثّ علي المشي إلي زيارة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) مهما بعدت عنه الدار. وهذا في نفسه - علي الأغلب - مشقة يرتفع معها الحكم - كما سمعته -مع قطع النظر عن ترتب الأذي عليه، وإذا كان سيرهم متوالياً في كل يوم وموافقاً لسير القوافل - كما يدل عليه بعض الأخبار [253] -، فالمشقة أشد.وقول الكاتب أن الاستشهاد بمشيهم من هذا القبيل، إن أراد به أن تورم أقدامهم - إن صح - فلابد من كونه حاصلاً من باب الاتفاق مع عدم علمهم به، فهذه فادحة يهون خطبها عليهم أنها نزلت بجدهم المصطفي من قبل. وإن أراد أن الورم غير معلوم تحققه، وأن مشيهم لم يثبت أنه كان موجباً للألم الموجب للتضرر [254] ، قلنا: قد روي ثقة الإسلام في (الكافي) عن أبي أسامة عن الصادق (عليه السلام) أن الحسن (عليه السلام) خرج سنة إلي مكة ماشياً، فتورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت، لسكن عنك هذا الورم. فقال: كلا، ولكن إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسودٌ ومعه دهن، فاشتر منه ولا تماكسه...) [255] الحديث. وهو يدل بظاهره علي أنه (عليه السلام) يتعمد أن تورم قدماه في عبادة ربه، وأنه يحسب ذلك طاعة لا معصية. هذا مع أن المشي إلي مكة إيذاء للنفس.وظاهر قول السجاد - المروي في (الخصال)- أن الحسن (عليه السلام) كان إذا حجّ، حجّ ماشياً، وربما مشي حافياً [256] ، أن المشي كان من دأبه كلما حج، وليس اتفاقياً، وأن الاتفاقي هو حفاه عند المشي.وحمل ذلك علي صورة عدم خوف الضرر، لا يجدي في رأي المؤلف من أن المضر بنفسه حرام فعله، سواءً اعتقد الفاعل الضرر به أم لا. سلّمنا، لكن لا أقل من كونه يوجب المشقة التي يرتفع معها استحباب المشي، فإذاً يكون سعي الأئمة (عليهم السلام) ومشيهم إلي بيت الله الحرام عبثاً ولغواً، ليس لهم عليه أجر وثواب ولو أنهم ركبوا - في ذلك السبيل - نجائبهم التي تقاد خلفهم، لكان الركوب أقرب لهم عند الله، لأنهم لا يريدون السمعة الكاذبة نعوذ بالله منها(!!).

بكاء السجاد علي ابيه

سيماء الصلحاء: (ألم يتخذ علي بن الحسين (عليه السلام) البكاء علي أبيه دأباً، والامتناع من تناول الطعام والشراب حتي يمزجها بدموع عينيه ويغمي عليه في كل يوم مرة أو مرتين؟ أيباح لزين العابدين أن ينزّل بنفسه ما ينزل من الآلام تأثراً وانفعالاً من مصيبة أبيه، ولا يباح لوليّه أن يؤلم نفسه لمصيبة إمامه؟ [257] انتهي.رسالة التنزيه: (أما بكاء علي بن الحسين (عليه السلام) المؤدي إلي الإغماء والامتناع عن الطعام والشراب، فإن صح فهو أجنبي عن المقام، فإن هذه أمور قهرية لا يتعلق بها تكليف، وما كان اختيارياً فحاله ما مر). [258] انتهي.النقد النزيه: إن صح تعليق جميع ما سبق بـ(إن صح)، فإنه لا يصح تعليق بكاء سيد الساجدين علي شيء، فقد صح، وتواتر نقله، وأُفردت له في كتب الحديث أبواب تخصه، حتي روي ابن شهر آشوب في (المناقب) أنه إذا أخذ إناءً يشرب ماءً، بكي حتي يملأه دماً. [259] وكذا الحال في الإغماء عليه من البكاء، وفي الامتناع عن الطعام والشراب، ولا شك أن الكاتب لا يشك في ذلك، ولكن تلجئ الضرورات في الأمور إلي سلوك ما لا يليق بالأدب.دع عنك - بالله - التعليق بـ(إن صح)، وهلمّ الخطب في قوله (إن هذه أمور قهرية، لا يتعلّق بها تكليف). هلمّ نستعمل الدقة التامة في استخراج معناه بلا محاباة ولا تحامل. هلم بنا ننظر بكل هدوء وسكينة هل يوجد لهذه الكلمة معني لا يحط من قدر الإمام؟ وبالأحري لا يقدح في إمامته؟إن الآلام التي ينزلها الإمام السجاد بنفسه، ومنها البكاء بضعاً وعشرين سنة حتي خيف علي عينيه من كثرة بكائه - كما في (المناقب) - إن كانت محرّمة في نفسها - كما يدعيه هذا الكاتب -، فلا ترتفع حرمتها بكونها أموراً قهرية علي بعض الوجوه. فإن أراد بقهريتها صدورها لا عن اختيار وإرادة، فإن الإمامية كافة يرفضون هذا الاعتقاد الشائن، لأنهم يعتقدون أنه لا يجوز أن يصدر عن الإمام المعصوم فعل أو قول من دون اختيار منه وإرادة، حتي إذا كان مباحاً، فضلاً عن المحرّم. وصدور المحرّم - ولو بلا اختيار - ينافي العصمة والتأييد بروح القدس [260] .ولقد قال بعض الصحابة - علي ما يوجد في كتب التاريخ [261] - في حق الرسول الأعظم (إنّ النبي ليهجر) [262] ، فرمي بسهام اللؤم إلي اليوم لمجرد أنه نسب إليه صدور لفظ لا باختياره، ولم ينسب له محرماً بلا اختيار.مع أن كون البكاء قهرياً بهذا المعني مما لا يكاد أن يقع من أحد أبداً، إلاّ إذا كانت مبادئه - كتذكر المصاب وغيره - قهرية أيضاً، ليكون خروج الدمع من العين كالدم المندفع من عرق، والماء المتدفق من ينبوع [263] .وإن أراد بقهريتها صدورها بمقتضي طبعه المتوغل فيه من محبة أبيه، فهذا أدهي وأمرّ من سابقه، لأن القهرية بهذا المعني لا ترفع التكليف عقلاً ولا شرعاً، لأنها لا تنافي الاختيار، وهل بعد صدور المحرّم عمداً من الإمام يبقي محل لعصمته؟إن الشيعي لا يرضي للإمام أن يستأسره أي عامل بشري لحظة واحدة، فضلاً عن بقائه بضعاً وعشرين سنة مسلوب الاختيار والإرادة، مغلوباً لدواعي الشهوة البشرية، علي حين أن المشاهد من غير المعصومين من أرباب المجاهدات أنهم يصابرون النوائب بالجلد، ويتغلبون بسهولة علي البواعث الطبيعية ضد الدواعي الإلهية بغية الثواب، وترفعاً عن مقام الشهوانيين.تعتقد الشيعة أن محبة الأنبياء والأئمة لواحد من البشر قريباً أو غريباً ليس ولا يكون فقط ناشئاً عن الدواعي النفسانية والشهوات البشرية، لأن المدلول عليه بالأخبار الكثيرة - المدعومة بالبراهين العقلية - أنهم مجردون عن جميع الرغائب الطبيعية، إنما حبهم لله خالصاً، وإرادتهم له لا لسواه، وإذا أحبوا غيره، فذلك لحب الله له، ويرجع الأمر بالآخرة إلي محبة الله وحده، ولذلك أحبّ يعقوب يوسف دون أخوته، وكان إفراطه في حبّه غير مناف لخلوصه لربّه.وإذا كان حب السجاد (عليه السلام) لأبيه لا لداع طبيعي قهري - كما تعتقده الإمامية - فلا يعقل أن يكون بكاؤه عليه قهرياً طبعياً، بل يكون لا محالة تابعاً لنفس داعي حبه له، وهو حب الله الخالص وحده [264] .سبحان الله! إن الرجل من سائر الناس ليبكي أو يتباكي ساعة واحدة علي الحسين (عليه السلام)، فينال ما أعدّ له من ثواب البكاء أو التباكي، والإمام السجاد يبكي علي أبيه البكاء المقرح مدة حياته، ولا يكون له علي الله ثواب!! لأن الأمر القهري - بأي المعنيين أراده الكاتب - لا يستحق فاعله من الثواب شيئاً بحكم العقل، ولا كرامة!!!سبحان الله! أما كان بإمكان السجاد (عليه السلام) في تلك المدة الطويلة التي تنيف - بلا ريب - عن عشرين عاماً، أن يروض جماح نفسه ويصد طبعه عما هو عليه، كما يفعل ذلك غيره من غير واجبي العصمة، ليبكي علي أبيه بكاء أداني الناس عليه لينال الجزاء بذلك البكاء!!!قوله: (وما كان منه اختيارياً، فحاله حال ما مرّ) إن أراد به ترتّب الإيذاء علي الأمر الاختياري من الأمور السالفة النقل عن الإمام السجاد (عليه السلام)، وأنه لا يعلم بترتبه عليه، وإلاّ لم يجز له ذلك، فمع أن النظر في سيرته يكذّبه، يرجع إلي تجهيل الإمام وفعله الحرام، وهذه (شنشنة أعرفها من أخزم).وإن أراد به أنه محمول علي صورة عدم خوف الضرر الموجب لحرمة الفعل، كان مكابراً، لأن امتناع الصائم دهره عن الطعام والشراب الذي هو أحد الأمور الاختيارية له، موجب للضرر لو تجرد عن مثل مقارنته لذلك البكاء المقرح الذي يمتزج بدموعه طعامه وشرابه، فضلاً عما قارنه ذلك. علي أن خوف الضرر لا أثر له في الحرمة علي رأي الكاتب، كما أسلفناه.

امتناع العباس عن الماء

سيماء الصلحاء: أينفُض العباس الماء من يده وهو علي ما هو عليه من شدة الظمأ تأسّياً بعطش أخيه، ولا نقتصّ أثره [265] .رسالة التنزيه: (أمّا نفض العباس الماء من يده تأسّياً بعطش أخيه، فلو صح، لم يكن حجة، لعدم العصمة) [266] .النقد النزيه: نفض العباس الماء من يده ذكره العلامة المجلسي في (البحار)، ونقله عن بعض تأليفات أصحابنا [267] وأرسله فخر الدين في موضعين من منتخبه غير متردد فيه [268] . ونقله في (الدمعة) [269] عن العوالم [270] .وذلك كافٍ في الحكم بصحة أية حادثة تاريخية [271] . ولذلك جري بفطرته عليها المؤلف، فذكر تلك الحادثة في موضعين من مجالسه [272] الذي ألّفه لانتقاء الأحاديث الصحيحة علي ما تنطق به ص 11 من رسالته [273] . ونظمه في قصيدته - المذكورة في (الدر النضيد) ص 130 - بقوله في حقه:أبي بأن لا يـــــذوق المـــــاء وهو يري أخـاه ظمآن من ورد له يئساولكن الحادثة التاريخية غير الصحيحة القدح في العباس بأنه إن صح رواية أو واقعاً أنه نفض الماء من يده، فقد فعل حراماً يستحق العقاب عليه، لأنه آذي نفسه بترك شرب الماء، وأدخل الضرر عليها، وغير المعصوم يصدر منه الذنب ويعاقب عليه.وإذا جهل أحد منصب النبوة ومقام الإمامة فلا بدع أن يجهل قدر العباس، ويحمل الإثم علي عاتقه المقدس لمجرد كونه غير معصوم (!!!).العباس (عليه السلام) ليس بواجب العصمة، لا أنه غير معصوم علي البت، كما يرسله هذا الكاتب. أن العصمة مرتبة من الكمال الروحي تحصل من الله فيضاً بأسبابها الاختيارية تمنع من ارتكاب المعصية مع القدرة عليها، وإلا لم يكن لصاحبها علي الله ثواب ولا جزاء. ولذلك يثبت كثير من علمائنا العصمة بهذا المعني لسلمان الفارسي وأضرابه من ثقاة أمير المؤمنين (عليه السلام) علي تفاوت درجاتهم ويقولون أنه محدّث ومؤيّد بالروح [274] .وأبو الفضل المتربي بحجر أبيه أبي الأئمة المعصومين، والمستن بسيرة أخويه الحسن والحسين (عليهما السلام) في نحو أربع وثلاثين سنة، أولي بنيل مراتب العصمة من سلمان وأضرابه.وأظن هذا الرجل لا يعرف للمعصوم مصداقاً سوي واجب العصمة من نبي أو إمام، فلذلك يجاهر بالقول الجازم بنفي العصمة عن أبي الفضل العباس. ولو عرف أنه يكون من المعصومين من ليس بواجب العصمة، كما اجترأ علي عظمة أبي الفضل العباس بتلك الكلمة الشائنة.هب أن العباس (عليه السلام) غير معصوم، لكن لا ملازمة بين عدم العصمة واقعاً وبين فعل المحرّم خارجاً، ومع عدم الملازمة كيف يتسني لرجل أن ينسب لغير المعصوم - مثل العباس - فعل الحرام إذا صدر منه فعل مشتبه الوجه لمجرد كونه غير معصوم، كل ذلك للمحافظة علي دعوي أن كل ما يؤذي النفس حرام.إن غير الجعفريين من فرق المسلمين يثبتون العصمة - بالمعني الذي ذكرناه - للأقطاب والأبدال وللغوث والمشايخ والأولياء. وهم عندهم دون العباس مرتبةً عند الشيعة، فما له ينحط عند هذا الكاتب عن بعضهم؟وأنا لا أستبعد ممن يقصر النظر في شأن العباس (عليه السلام) علي العبارة المبذولة في الكتب المتداولة: (كان العباس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم [275] ورجلاه تخطان في الأرض) [276] أن يجهل منزلة العباس [277] ، ولا يقدّر له من المزايا سوي كونه فارساً شجاعاً وبطلاً صاحب مناقب، وقائد كتائب، قد خرج مع أخيه للدين وللحميّة، ولم يكن يفضل سائر أصحابه بسوي الأخوة والنجدة!!ولكن المتتبع لمؤلّفات المتأخرين وما جمعته الشوارد يعلم أنه كان من أكابر فقهاء أهل البيت وعلمائهم وعظمائهم، وأنه كان ناسكاً، عابداً، ورعاً، بين عينيه أثر السجود، [278] ووجهه كفلقة القمر ليلة البدر، يعلوه النور، لم يغيّر ولم يقلل القتل منه شيئاً [279] .وأنه روي الحديث عن أبيه وأخيه، وكان أبوه يمتحن نباهته وكمال معرفته - علي الصغر-، فتظهر له منه شدة الورع والبصيرة في الدين [280] .شهد بعض المغازي، ولم يأذن له بحرب، وكان عمره يومئذ أربع عشرة سنة [281] .إن التاريخ لم يفرد للعباس بالتدوين صحيفة يؤخذ منها مقامه [282] ، ولكن تعرف مكانته السامية التي تصعد به إلي مرتبة العصمة، من التدبّر في بعض ما ورد في حقه عن الأئمة المعصومين، فمن ذلك مخاطبة الإمام الصادق (عليه السلام) له في زيارته [283] بقول: (لعن الله أمّةً استحلّت منك المحارم، وانتهكت في قتلك حرمة الإسلام). إذ إنّ حرمة الإسلام لا تنتهك بقتل أي مسلم مهما كان عظيماً، إلا أن يكون هو الإمام المعصوم، وما ذلك إلاّ لبلوغ العباس المراتب السامية - في العلم والعمل - لمقام أهل العصمة.ومن ثناء الإمام السجاد (عليه السلام) عليه [284] بقول: (وإن للعباس منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة). وهذا عام يشمل حتي علي بن الحسين الأكبر قتيل الطف وغيره من شهداء الطف وغيرهم، مع أن علي بن الحسين من المعصومين حكماً أو موضوعاً [285] .وربما يستشعر ذلك من قول الصادق فيه: (مضيت علي بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين) [286] لأن مقترف الذنوب لا يصلح عده في الصالحين ولا في المقتدين بهم.ومن قول نفسه يوم الطف: (إني أحامي أبداً عن ديني) [287] ، إذ إنّ جميع من عداه يحامي بجهاده عن الحسين (عليه السلام) ويدافع عنه، وأما المحاماة عن الدين في محاربة الأمويين، فتلك منزلة إن تجاوزت شخص الحسين (عليه السلام) إلي غيره، فالعباس أحق بمعرفتها، وأولي أن يكون جهاده في سبيلها، وهي من الغايات البعيدة التي نالها بنفوذ بصيرته وصلابة إيمانه. وقد قال الصادق (عليه السلام) (في الخبر المروي في (العمدة)): (كان عمّنا العباس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين (عليه السلام) وأبلي بلاءً حسناً، حتي مضي شهيداً).إن من صلابة إيمان العباس ونفوذ بصيرته أنه ألقي له ولأخوته الأمان يوم الطف، فنبذه [288] ، وجاهد مع أخيه الحسين (عليه السلم) وواساه بنفسه وأخوته حتي قتلوا بين يديه.ومن صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته أنّه قدّم أخوته خلصائه إلي الموت أمامه، ليزرأ بهم، ويحتسبهم، فيشتد حزنه ويعظم أجره، ويكون هو الطالب بدمائهم، لأنهم لا ولد لهم [289] .ومن صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته أنه لمّا ملك الماء يوم الطف، وقد ذكر عطش أخيه الحسين، نفضه من يده مواساة له، حتي في احتمال العطش، فخصّ من دون جميع أخوته وسائر من معه بقول الصادق (عليه السلام) (فنعم الأخ المواسي) [290] وبقول السجاد (عليه السلام): (رحم الله عمي العباس، فقد آثر وأبلي) [291] .إن العباس (عليه السلام) فادي بنفسه، وكذلك سائر آل الحسين (عليه السلام) وأخوته وجميع أصحابه كل فداه بمهجته، وما خص العباس (عليه السلام) من بينهم بكونه آثر وواسي، إلا لأن من عدا العباس لمّا لم يكن قد ملك الماء يوم الطف، يكون تحمّله للعطش لنفسه، لا لمواساة الحسين (عليه السلام) بعطشه، ولكن العباس (عليه السلام) لنفوذ بصيرته وصلابة إيمانه قاسي شديد العطش، وكابده لأجل المواساة، لا لغيرها، فخصّ بتلك الكلمات دون غيره [292] .إن كانت علي العباس تبعة فهي أنه أراد شرب الماء وهمّ به، لا أنه ترك شربه ونفضه من يده، لأن الواجب عليه - وقد ملك الماء - إيصاله إلي إمامه وإمام المسلمين أخيه الحسين (عليه السلام) ليحفظ حشاشته الشريفة، فإن حفظها أهم من حفظ كل نفس معصومة ولولا أن العباس علم أنه لا يسوغ له التواني بمقدار زمان شربه غرفة من الماء بيده، لشرب الغرفة وزاد عليها، ولكنه من صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته في دينه، كابد الظمأ المجهد، ولم يتأخّر لحظة واحدة عن إيصال الماء إلي الحسين (عليه السلام) مقدمة للواجب الأهم.وأخري أن الإيثار المشروع لا يقف علي حد الضرر بالنفس، كما يدل عليه قوله تعالي: (ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [293] . وقد جاء في حديث المعلّي بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) أن ريّ الإنسان مع ظمأ أخيه المؤمن من الإجحاف بحقه، قال (عليه السلام) فيه: (الخامس - يعني الحق الخامس من الحقوق السبعة المذكورة في الحديث - أن لا تشبع ويجوع، ولا تروي ويظمأ ولا تلبس ويعري) [294] .وقد آثر أبو ذر الغفاري في غزاة تبوك [295] رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فاحتمل العطش الشديد مع كونه يحمل ماءً عذباً، كان قد أبي أن يذوقه حتي يشرب منه رسول الله، ولو لم يكن أبو ذر شديد العطش، لما أمر رسول الله باستقباله بالماء مع كونه حاملاً له [296] .وقد ندب الإمام الصادق (عليه السلام) وأمر بالامتناع عن شرب الماء يوم عاشوراء إلي ما بعد العصر بساعة [297] ، مع أن ذلك ليس بصوم شرعاً، بل جاء في الحديث الصحيح النهي عن صومه [298] . أليس ذلك لمواساة الحسين (عليه السلام) وأهل بيته إذ انجلت الهيجاء عنهم حينئذ وعلي الأرض ثلاثون رجلاً صريعاً من آل رسول الله ومواليهم [299] ، قد تفتت أكبادهم من شدة العطش، أفتندب مواساة الحسين (عليه السلام) بذلك بعد مقتله، ولا تندب أو تكون محرمة في حال حياته؟إن المروي في (المنتخب) - مرسلاً - [300] ، وعن (العوالم) عن ابن شهر آشوب [301] وفي (البحار) عن أبي مخنف عن الجلودي، أن الحسين (عليه السلام) لما أقحم فرسه علي الفرات وولجه وغرف منه غرفة ليشرب، سمع صائح القوم يقول: (يا حسين! أدرك خيمة النساء فقد هتكت)، فرمي الماء من يده وخرج فإذا الخيمة سالمة [302] . أتراه لا يعلم سلامة الخيمة؟ أم أن عدم انذعار النساء في الخيمة بمقدار زمان شربه غرفة من ماء بيده كان أهم من حفظ حشاشة نفسه من العطش الذي حال بينه وبين السماء كالدخان؟ فإن كان شرب الماء هو الأهم فلماذا نفضه الحسين (عليه السلام) من يده - إن صح ذلك -؟، والحسين معصوم عند جميع الشيعة. وإن كان الأهم عنده حفظ الخيام بحيث لا يجوز له التأخّر والتواني بمقدار زمان شربه لغرفة ماء بيده، فإن ترك العباس (عليه السلام) شرب غرفة في يده لأجل الإسراع في إيصال الماء إلي الحسين (عليه السلام) ليحفظ نفسه المقدسة من الظمأ أولي أن يكون هو اللازم عليه، وإن أضر نفسه.إن المروي في (المنتخب) أن علي بن الحسين (عليه السلام) قتيل الطف شدّ علي حرّاس الفرات، ففرّقهم، ومعه ركوة [303] ، فملأها ماءً جاء به إلي أبيه وقال: (يا أبتاه! الماء لمن طلب، فاسْقِ أخي - يعني الرضيع -، وإن بقي شيء فصبّه عليّ...). فلما أخذ الحسين الركوة من يده، وتلقي دم ولده [304] فإن صح أن الحسين (عليه السلام) رمي الركوة، وأهريق ماؤها، فماذا يقال والحسين (عليه السلام) لا شك في عصمته؟أنا وإن كنت لم أضمن صحة هذه الأحاديث (فضلاً عما تضمن منها أن الحسين (عليه السلام) عندما أقحم فرسه علي الماء، وهمّ الفرس أن يشرب، وبّخه الحسين علي تقدمه بالشرب عليه، فامتنع من الشرب، وهو حيوان أعجم) إلا أن خصائص يوم عاشوراء - علي ما يقول صاحب (الخصائص الحسينية) - لا ينبغي لأحد أن يعترض علي ما لا يعرفه منها، لأنها لا تنخرط في سلك ما نعرفه [305] .ولو أن الكاتب - سامحه الله - بدلاً عن حمل الإثم علي عاتق العباس (عليه السلام) في يوم لا يري الشيعي فيه أن تُنسب المعصية عمداً أو جهلاً إلي أداني أصحاب الحسين (عليه السلام) فضلاً عن عظمائهم، قال إني لا أعلم صحة الخبر، ولا أعرف وجه امتناع العباس عن شرب الماء إن صحّ، ولعله من خصائص ذلك اليوم، لخلص نجيّاً عن كل العثرات، وهكذا في كل ما يكون من هذا البحر وعلي تلك القافية.

تقريح الرضا جفونه

سيماء الصلحاء: (أيقرح الرضا جفون عينيه من البكاء - والعين أعظم جارحة نفيسة - ولا نتأسّي به، فنقرح علي الأقل صدورنا وبعض رؤوسنا)؟ [306] انتهي.رسالة التنزيه: (وأما استشهاده بتقريح الرضا (عليه السلام) جفون عينيه، فإن صح فلابدّ أن يكون ذلك حصل قهراً واضطراراً، لا قصداً واختياراً، وإلا لحرم) [307] .النقد النزيه: لم يرد في رواية أبداً أن الرضا (عليه السلام) تقرّحت جفون عينيه من البكاء وشبه ذلك من العبائر، وظني أن الكاتب يظن أن معاصره رمز بقوله (أيقرح الرضا عليه السلام) إلي خبر يتضمن أن الرضا (عليه السلام) تقرّحت جفون عينيه، وبما أنه لم يعرف خبراً كذلك، قال (إن صح).ولكن المرموز إليه هو ما رواه الصدوق - في أماليه - عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه السلام) أنه قال - من جملة حديث طويل -: (أن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا) [308] . وهذا لا يدل علي أن الرضا (عليه السلام) فقط قد قرح البكاء عينيه، بل هو وسائر الأئمة وجميع أبناء الحسين قد تقرحت جفونهم.وأما قوله: إن ذلك التقريح المحرّم - علي رأيه - قد صدر من الإمام بغير قصد واختيار، فإن أراد أن الإمام يكون به مسلوب الإرادة حتي يرتفع عنه التكليف، نافي ذلك عصمة الإمام الذي تعتقد الإمامية أن حاله في الاختيار والاضطرار لا يختلف، حتي في النوم وأن حاله فيه كحاله في اليقظة، وأنه وغيره لا يغيّر منه شيئاً من جهة الاختيار والإدراك والمعرفة، لأنه إذا نامت عيناه، لا ينام قلبه، وقد بالغوا في عدم صدور شيء منه بغير اختيار حتي عند المرض والموت، حتي قالوا أنه لا يتثاءب ولا يتمطي [309] .وإن أراد أن البكاء المقرح للأجفان يصدر منه بطبيعة المحبّة والأبوة، فهذا - كما سلف - لا يرفع التكليف، لأنه لا ينافي الاختيار، وعلي هذا يكون التقريح المحرّم قد صدر منه باختياره، و(تلك لعمر الله قاصمة الظهر).إن التقريح الذي يحصل بأسبابه الاختيارية لا يمكن في العادة صدوره بغير اختيار، إلاّ أن يكون البكاء نفسه واقعاً بغير اختيار.نعم يمكن أن يصدر البكاء المقرح من أحد وهو لا يعلم بترتّب التقريح المحرّم عليه، لكن الإمام إن لم يجب عند الكاتب تنزيهه عن الجهل بالموضوعات، فهو واجب التنزيه عند كافة الإمامية عن فعل الحرام جهلاً به، لطهارته من جميع الأرجاس والمعايب، وتأييده بروح القدس الذي لا يلهو ولا يغفل ولا ينام، يخبره ويسدده أن يصدر منه العثار والخطل في القول والعمل [310] .ليس الإشكال في الخبر من جهة تقريح الرضا (عليه السلام) جفون عينيه فقط، بل ومن جهة إخباره به، فإن كان خبره صدقاً، كان إخباراً منه بإيقاعه الحرام - علي رأي الكاتب - عمداً أو جهلاً، وكان الأولي به حيث فعله أن لا يخبر به. وإن كان كذباً، فإنا نبرأ إلي الله ممن يحتمل ذلك.وربما يختلج ببال أحد أنه صادر في مورد المبالغة في شأن تلك الفادحة المحضة، والمبالغة إن لم تكن من الكذب الذي يتنزّه عنه الإمام، لا بأس بها. ويتّجه حينئذ حمل فقرة الحديث عليها.وعلي مثل هذا يحمل أيضاً قول الحجة - إن صح - في زيارته لجده الحسين (لأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)، لا علي البكاء الاضطراري، لأنه (عليه السلام) لم يخبر بوقوع البكاء منه ليحمل علي ذلك، وإنما يعِد به وعداً.ولكن كيف يكون البكاء - وإن كان اضطرارياً - دماً؟ وهل يمكن أن تدمع العين دماً؟ وما هو وجه المبالغة لو أنه (عليه السلام) أراد أن يبالغ بشدة بكائه وكثرته، إذ إن المناسب - علي هذا - أن يقول: (لأبكينّ بكاءً يغمر وجه الأرض بالدمع) وشبه ذلك، لا قول (لأبكينّ دماً).وقد يريد (عليه السلام) بذلك أنه يبكي باحتراق وشدة حتي تتقرح أجفانه من عظم حرق المصيبة حتي تمتزج دموعه بالدم المتفجّر من أجفانه القريحة، إذ يصدق حينئذ أن يقال أنه بكي علي جده دما. كما إنّا أوّلنا بذلك ما روي من السجاد (عليه السلام) أنه كان إذا أخذ إناءً ليشرب ماءً بكي حتي يملأه دماً [311] .وحينئذ يأتي رأي الكاتب في أن هذا البكاء المخصوص أو ذلك التقريح الموعود به هل يقع من الحجّة - عن قهر واضطرار أم قصد واختيار.

بكاء الانبياء

ليس تقريح جفون الرضا (عليه السلام) بأعظم مما صدر عن الأنبياء الكرام، أمناء الله علي حلاله وحرامه، فقد جاء في حديث البكّائين الخمسة: أن آدم (عليه السلام) بكي لفراق الجنّة حتي صار في خديه أمثال الأودية، وحتي ساخت أقدامه في الأرض التي غمرتها دموعه والأنهار، وأن يعقوب بكي لفراق يوسف حتي ابيضّت عيناه [312] - أي عميتا -.وجاء في أحاديث زهد يحيي بن زكريا (عليه السلام) وعبادته وبكائه من النار ومن خشية الله، أن الدمع خدّ خديه حتي بانت للناظرين أضراسه، فوضعت أمه عليها لبداً يسترها ويشرب الدمع المنحدر عليها [313] .وورد في شعيب (عليه السلام) أنه بكي حبّاً لله وخشية منه حتي عمي، فردّ الله عليه بصره، ثم بكي حتي عمي، فردّ الله عليه بصره، ثم بكي حتي عمي، فردّ الله عليه بصره. وعند معاتبته من جانب الحق علي ذلك البكاء، وتصريحه بأنه كان حبّاً لله، قال الله (عزّ وجل) له: لهذا سأخدمك كليمي موسي بن عمران (عليه السلام) [314] . روي ذلك الديلمي في إرشاده [315] - علي ما ببالي -.فما هذه الآلام والأضرار في العبادات، والضرر محرم عند الكاتب سيما في العبادة؟ وما هو ذلك الإطراء الذي تنطق به الأخبار لأولئك الأنبياء الكرام لولا أن إيذاء النفس في العبادات من أفضل الطاعات؟ أين هذا لعمري من قول الكاتب - ص 21 من رسالته - (ومن يعلم أن يظن أن البكاء يقرح عينيه، فلا يجوز له البكاء إن قدر علي تركه، لوجوب دفع الضرر بالإجماع وحكم العقل)؟ انتهي.إنّ عمي يعقوب وشعيب، وتخدّد خدّي آدم ويحيي، أشدّ من تقرح الأجفان. وما وبخ الله عليه واحداً من الأنبياء ولا أسقطه بذلك عن مرتبة النبوّة والأمانة علي الوحي، بل شكر سعيهم، ورفع منازلهم، وباهي بهم ملائكته، ونشر ذكرهم بين الكافة أطيب نشر.وقد ورد في متواتر الأحاديث وصف الشيعة بكونهم عمش [316] العيون من البكاء، خمص [317] البطون من الطوي، [318] ذَبْل [319] الشفاه من الظمأ.فقد أسلفنا الكلام فيه، وكذا حكم العقل الذي لا يقبل التخميص لو تمّ وتحقّق، ولا يختص بشريعة دون أخري، ولا بأمّة، بل الناس فيه جميعاً سواء.وقد صح عن الأنبياء والأئمة المعصومين أنهم تعمدوا إضرار نفوسهم وإيلام أجسامهم في عاداتهم وعباداتهم، وخاصة تقريح أجفانهم، وعمش عيونهم، وذهاب بصرها ونورها بالكلية. فكيف يصح - والحال هذه - دعوي حكم العقل بأن البكاء المظنون كونه مقرحاً للأجفان من أفراد العصيان عقلاً ونقلاً؟ إن هذا إلاّ اختلاق.سيماء الصلحاء: (وهب أنه لا دليل علي الندب - أي ندب جرح الرؤوس، فلا دليل علي الحرمة) [320] . انتهي.رسالة التنزيه: (هذا طريف، لأن الأصل في المؤذي والمضر الحرمة، ودفع الضرر واجب عقلاً ونقلاً) [321] . انتهي.النقد النزيه: هذا أطرف، لأنّا إن سلّمنا - بالرغم علي إطلاق أدلة البراءة النقلية - أصالة الحرمة في إيذاء الغير وإضراره، ليس في نفسه فقط، بل وفي ماله وعرضه، ولكن أيّ أصل يقتضي الحرمة في إيذاء الرجل نفسه؟؟ وما هي المرتبة المحرّمة من الإيذاء؟ وأين هذه الأدلة العقلية والنقلية التي ادعاها المدعون، لنراها وننظر ما يستفاد منها؟وهب أن الأدلة النقلية خفيت علينا، فإن أحكام العقول لا تخفي، وليست العقول بالتي تحكم علي الأشياء بلا ملاك يكون علة للحكم، فما هو الملاك عند العقل في حرمة كل ما ينزله الإنسان بنفسه مما يسميه الكاتب إيذاء وإضرار؟إنه قد تعارف بين العقلاء وَشْم الأيدي وغيرها من الأعضاء وشماً كثيراً، ولا نجد فطرة عقولهم تنفيه وتدفعه لمجرد كونه إيذاءً وضرراً علي النفس، وقس علي هذا ثقب الآذان والأنوف للنساء لتعليق الأقراط والشنوف والخزائم.ولا أريد بهذا سوي الاستشهاد علي أن العقل بفطرته لا يأبي من تحمّل الضرر الذي لا يوفي بصاحبه علي التلف، وإن كان ذلك بالنظر إلي استحباب الزينة للنساء وخصوص الشنوف والأقراط دلالة علي جواز ثقب الآذان والأنف وإدمائها شرعاً أيضاً. وقد أسلفنا القول في دلالة وجوب الختان علي كل مسلم واستحباب ثقب أذني الغلام الذي لم يخالف فيه أحد من أصحابنا علي جواز الإيلام شرعاً في الجملة.سيماء الصلحاء: (إن الشيعي الجارح نفسه لا يعتقد بذلك الضرر، ومن كان بهذه المثابة لا يلزم بالمنع من الجرح وإن حصل منه الضرر اتفاقاً [322] . انتهي.رسالة التنزيه: الجرح نفسه ضرر وإيذاء محرّم، ولا يحتاج إلي اعتقاد أنه يترتب عليه ضرر أو لا [323] .النقد النزيه: تنسكب العبرات هاهنا لثلاث: النبي (صلي الله عليه وآله)، والفقه، والفقهاء.أما النبي (صلي الله عليه وآله) فلأنه إذا كان فعل المؤذي والمضر محرماً، وإن لم يعتقد الإنسان بترتب الضرر والأذي علي فعله، كان النبي (صلي الله عليه وآله) بإدخاله الأذي علي نفسه بتورم قدميه - وهو لا يعلم بترتبه علي فعله - قد وقع في فعل الحرام، وهو لا يعلم بوقوعه - علي رأي الكاتب سامحه الله -.وأما الفقهاء، فإن قوله (الجرح ضرر) كلمة طبيب لا فقيه. أن للطبيب أن يقول (الجرح ضرر)، فيحكم الفقيه بأنه حرام. أما أن الضرر حرام - في رأي الكاتب - فها هو ذا طبيب وفقيه. هب أنه صار طبيباً، فليكن حاذقاً في فنه، فالحاذق لا يقول (الجرح ضرر)، بل الجرح قد يكون ضرراً وقد لا يكون.وأما الفقه فلمعلومية أن جرح الإنسان غيره وإيذاءه ولو بخدش، محرّم، أما جرح نفسه نحو جرح رأسه في العزاء الحسيني غير المستلزم تلف النفس ولا مرض البدن، فلا نعلم أي عقل وشرع يمنعه. وأدلة الحرج التي تمسّك بها آنفاً علي حرمة ذلك قد بيّنا مفصّلاً أنها أجنبية عنه، وأن الاستدلال بها عليه من الزلاّت التي لا تغفر للعلماء. والركون إلي قاعدة (لا ضرر في الإسلام) لو لم تخصص بغير العبادات البدنية - كما قيل -، مما لا يصح بوجه - كما تقدّم -.ثم بناءً علي حرمة الإضرار، لا ريب في دورانها مدار الاعتقاد بالضرر، وقوله بعدم الاحتياج إلي اعتقاد ترتب الضرر من غرائب الكلام، لأن حرمة المضر العقلية إن كانت، فالعلم جزء موضوعها قطعاً، وأما الشرعية فهي كحرمة سائر المحرمات، لا تكون فعلية إلا بالعلم، ولا أثر للحرمة الواقعية وضعاً ولا تكليفاً، مع الجهل بالموضوع المحرّم، ولذلك صرح كثير بصحة العبادات الضررية التي يعتقد المكلف عدم التضرر بها، مع كونها مضرة في نفس الأمر، سواءً كان المدرك لحرمة الضرر هو ما دل - بزعمهم - علي تحريم الإضرار بالنفس مثل قوله تعالي: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) [324] ، أو هو قاعدة (لا ضرر في الإسلام)، لأن المانع عندهم عن امتثال الأمر هو النهي الفعلي المنجز في مسألة عدم جواز اجتماع الأمر والنهي، ومسألة النهي عن العبادة، لا الواقعي الشأني الذي لا يثمر إلا الإعادة أو القضاء عند انكشاف الحال، ولا فعلية للنهي مع الجهل بالمنهي عنه.ومن هذا يعلم أن دعوي أن الضرر مانع واقعي عن صحة العبادة، كلام ظاهري، لأن حرمة الضرر إن كانت لمثل الآية السالفة، كان ثبوتها مبنياً علي امتناع اجتماع الأمر والنهي، ولا ريب أن الذي يمتنع اجتماعه مع الأمر هو النهي الفعلي المنجّز، أعني الثابت للمتضرر العالم بتضرره. وإن كانت للقاعدة، كان دورانها مدار الاعتقاد أوضح علي رأي شيخنا المحقق الأنصاري - المصرح به في رسالة الضرر - من أن القاعدة إنما تنفي الحكم الفعلي للمتضرر الثابت للعالم أو الظان بالضرر لأن الحكم المذكور هو الموقع للمكلّف في الضرر، لا الحكم الواقعي الذي لا يتفاوت فيه الحال وجوداً وعدماً في إقدام المكلّف علي الضرر، ولا يكون نفيه امتناناً علي المكلّف ولا تخليصاً له عن الضرر، بل هو لا يثمر إلا تكليفاً بالإعادة بعد العمل والتضرر [325] .وهذا غير بعيد بالنظر إلي ما أسلفناه عن بعض المحققين من دعوي ظهور القاعدة في عدم كون جعل الشارع سبباً للإلقاء في الضرر فإن الاعتقاد بعدم الضرر علي هذا يوجب رفع استناد الوقوع فيه إلي الشارع. ولذا ذكروا أن القاعدة لا تجري فيكل مورد يكون إقدام المكلّف علي الضرر رافعاً لموضوع استناد الضرر إلي الشارع. وهذا كلام لا تمس الحاجة إليه هنا، وإنما ذكرته وفاءً بوعد سابق.والغرض نقد قول الكاتب: (الجرح ضرر، وأنه لا يحتاج إلي اعتقاد أنه يترتب عليه ضرر)، فإنه لا وجه له إلا دعوي أن الضرر الواقعي هو موضوع الحكم الواقعي، ولا أثر للاعتقاد سوي كونه طريقاً إليه.لكنا قد أسلفنا بأنه لا أثر للطريقية والموضوعية فيما يراد إثباته ونفيه في المقام، فإن الضرر الواقعي أن سلمنا أنه موضوع الحرمة الواقعية، لكن فعليتها موقوفة علي العلم بالضرر، وهذا لا اختصاص للضرر به، بل هو جار في جميع المحرمات الواقعية التي لم يوجب الشرع والعقل عند الجهل بها الاحتياط. ويختص الضرر من بينها بأن انسداد باب العلم به لا بالوقوع فيه يوجب تبعية الحكم الفعلي للقطع به أو ظنه، ولا أثر لحكمه الواقعي تكليفياً كان أو وضعياً، لعدم النهي الفعلي المنجز عنه مع الجهل به، كما لا يخفي.وقد يحسن في خاتمة هذا الفصل أن أضمنه نبذة من النشرة التي جاد بها قلم بعض الأساطين من الفقهاء المعاصرين في رسالته (المواكب الحسينية)، فإن لها مساساً بالمقام دعوي ودليلاً. قال - سلّمه الله تعالي -: لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد ذاته من المباحات، ولكنه قد يجب تارة، وقد يحرم أخري، وليس وجوبه أو حرمته إلاّ بالعناوين الثانوية الطارئة عليه، وبالجهات والاعتبارات، فيجب لو توقّفت الصحة علي إخراجه، كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت، وقد تعرض له جهة محسّنة ولا توجبه. وناهيك بقصد مواساة سيد أهل الإباء وخامس أصحاب العباء وسبعين باسلاً من صحبه وذويه. حسبك بقصد مواساتهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وإظهار التفجع والتلهّف عليهم [326] ، وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام محبيهم. ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة وغايات شريفة ترتقي بتلك الأعمال من أخس مراتب الحطة إلي أعلي مراتب الكمال.أما ترتب الضرر أحياناً بنزف الدم المؤدي إلي الموت أو إلي المرض المقتضي لتحريمه، فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر عن ذي لبّ، فضلاً عن فقيه أو متفقّه:أما أولاً: فقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية، وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.وأما ثانياً: فتلك الأمور علي فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم، أو ملاكاً لقاعدة، وليس علي الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية، أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا وظيفته.والذي علينا أن نقول: أن كل من يخاف الضرر علي نفسه من عمل من الأعمال، يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل. ولا أحسب أن أحداً من الضاربين رؤوسهم بالسيوف يخاف من ذلك الضرر علي نفسه، ويقدم علي فعله، ولئن حرم ذلك العمل عليه فهو لا يستلزم حرمته علي غيره.وبالأصل الذي شيّدناه من أن المباح قد تعرض له جهات محسّنة، يتضح لك الوجه في جميع تلك الأعمال العزائية في المواكب الحسينية) [327] .عند هذا الحد أقطع المحاكمة، وأعود إلي استقصاء المحرّمات المزعوم دخولها في الشعائر الحسينية.

استعمال آلات اللهو في الشعائر الحسينية

اشاره

فالرابع منها [328] : استعمال آلات اللهو. وهي في عبارة الرسالة هكذا: (الطبل، والزمر الدمام) [329] والصنوج النحاسية، وغير ذلك الثابت تحريمها في الشرع. ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلا طبل الحرب، والدف في العرس بغير صنج) [330] .النقد: أين عنوان (آلات اللهو) من الأمور المعنونة الثلاث؟ أين البوق من المزمار؟ وهل يصح علي الكاتب الجهل بهما؟ وهل هو لا يعلم أن البوق ليس من آلات اللهو، بخلاف المزمار؟ وما الذي أدخل لفظ (الزمر) في المقام لولا التغليط؟ فإن الزمر - مصدراً - هو التغني لا النفخ. وأين النفخ بالبوق من التغني بالمزمار؟قس علي هذا قول (الصنوج النحاسية). وأسأله: من ذا حرمها قبل هذا العصر؟ وفي أي كتاب وسنة وجد الدليل علي حرمتها بالخصوص؟ وهي إن كانت من آلات اللهو، فلا ريب في اشتراكها بينه وبين غيره. وما هو الوجه في تقييدها بالنحاسية؟ وهل هي تحل إذا كانت من حديد أو شبهه؟ثم عد إلي أعظم هذه وهو الطبل، كيف أخذ الكاتب تحريم مطلقه مسلّماً ليتسني له القول باستثناء طبل الحرب منه؟ ومن حرّم المستثني منه بنحو كلي؟ وأي فقيه ذكر ذلك في أي كتاب؟ وهل الاستثناء المزعوم يقضي بحلية طبل الحرب وإن ضرب به ضرباً لهوياً؟ أو إذا كان بالنحو المستعمل في الحرب للتهويل علي الأعداء فقط.ثم لأي حكمةٍ ترك الكاتب ذكر طبل القافلة المتفق علي جوازه؟ وهو عين الطبل المستعمل في العزاء لا يفارقه في ذات ولا في هيئة ولا في صفة. لأي شيء - لعمري - يعود الضمير في قوله (الثابت تحريمها)؟ هل إلي العنوان - آلات اللهو - الذي لا ريب فيه؟ أم إلي المعنون في كلامه الذي فيه الريب والتخليط؟إنه لا ينبغي للفقيه أن يتكلم بأي مسألة وهو آخذ منها بطرف من دون تحقيق. ولكن الذي يهون الخطب أن تباشير الزمان تنذر بهبوط الأمر في فقه الشريعة إلي أسفل من هذه الهوة العميقة.وإني وإن عظم عليّ من بعض الجهات أن أحرر في هذا الباب كلمة، إلاّ أن الخلط في الآلات الثلاث من الكتاب والالتباس الواقع قبل اليوم فيها في أذهان كثير من النّسّاك وأكثر السّذّج، أوجبا أن أفتح هذا الباب الذي كنت ولا أزال أحب أن يبقي موصداً إلي الأبد..

الفرق بين طبل العزاء و طبل اللهو

الطبل هو اسم جنس يشمل طبولاً ليس كلها محرماً، بل المحرّم منها هو طبل اللهو، وهو الذي يستعمله المخنّثون من طبل وسطه ضيق، وطرفاه واسعان وهو بوجه واحد - علي ما ذكره العلامة [331] والمحقق الثاني [332] وغيرهما -. واسمه الذي يخصه في اللغة (كوبة) - بالضم -، أو (كبر) - بفتحتين -. ولم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة سواهما.وقد فسّر (الكوبة) في (الصحاح) [333] و(المصباح) [334] و(القاموس) [335] بالطبل الصغير المخصّر - بتشديد الخاء -. من التخصّر، وهو دقة الوسط من الإنسان وغيره.وفي غير هذه فسّر بالطبل الصغير. بإسقاط لفظ (المخصّر). ومرادهم بالمخصّر ما نقلناه هنا عن العلامة والمحقق الثاني من كون وسطه ضيقاً. وهذا هو المستعمل اليوم عند أرباب الملاهي.قال الأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده: هو المعروف بالدربكة (دنبركة). والظاهر أن هذه اللفظ حبشية، فإن الزنوج والحبش هم الذين ألقوها في العراق وفي مصر.وعلي كلّ فليس الطبل العزائي - الذي يعبّر عنه بالدمّام - كوبة قطعاً، لأنه غير صغير ولا مخصّر. ولا كبراً، فإن (الكبر) - بوفاق من أهل اللغة -: الطبل بوجه واحد. وهذا ليس إلا طبل اللهو الذي وصفناه، فإن جميع ما عداه بوجهين.وإذا لم يقع النهي في الأدلة إلا عن الكوبات والكبرات - كما يقف عليه المتتبع -، لا عن مطلق الطبل، فما هو الدليل علي حرمة الطبل العزائي أيها المهوّلون بلفظ الطبل؟ وليس هو كوبة ولا كباراً.وهل بعد هذا إلاّ أن ينظر في أن الضرب به هل هو لهوي أم لا. فإن مختار المحققين وخاتمتهم شيخنا المحقق الأنصاري، وغيره أن حرمة استعمال حتي آلات اللهو - فضلاً عن المشتركة بينه وبين غيره - ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث أنه لهوٌ، أي: ضرب علي سبيل البطر وشدة الفرح، حسب ما يستفاد من الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار [336] ، [337] .فإن ادعي أحدٌ أن الضرب بالطبل العزائي ضرب لهوي واقع علي سبيل البطر والفرح وعلي الكيفية التي يستعملها أهل الملاهي، كان محرماً من هذه الجهة، وتشاركه حينئذ في الحرمة من الجهة المذكورة القصاع والطسوس والطشوت، لوحدة الملاك وفرض عدم حرمة استعمال الجميع بعناوينها الخاصة بها من كونها طبلاً أو قصعة أو طاسة أو كوبة. وإن لم يكن ضرباً لهوياً بذلك المعني، فما هو الدليل علي تحريمها؟هذا ومن البديهي الوجداني أن الطبل المعود استعماله في النجف اليوم في المواكب الحسينية المرسومة فيه أيضاً، مع أنها لم يقصد بها اللهو، هي بنفسها لا لهو بها أصلاً، وإنما يقصد بها انتظام الموكب والإعلان بمسيره ووقوفه ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختل بخفاء أصوات النادبين كثيراً لولا مشايعته لها.ظني أنه لما كان من المحقّق بالضرورة أن شيئاً من الطبول محرم الاستعمال (وكانت الأسماء الخاصة للمسميات التي هي موضوعات الحكم بالتحريم) مفقودة عند العامة في زماننا وما قبله، ولم يبق لديهم من الأسماء شيء يعرفونه سوي لفظ الطبل الذي هو اسم جنس، توهموا أنه هو المحرم. وربما كان بعضهم يتوهّم أن المراد باللهو المضاف إليه الضرب، مطلق اللعب.ولكن بعد ما عرفت من أن الطبل بنحو كلي لم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة، وبعد ما أشرنا إليه من أن المراد باللهو وبالضرب اللهوي - حسب ما يستفاد من تتبّع كثير من موارد استعماله في الكتاب والسنّة - اللعب علي سبيل البطر وشدة الفرح، [338] تعرف أن الطبل المحرّم الاستعمال غير الطبل العزائي إذا كان الضرب به بكيفية غير لهوية.وهاهنا أوقفك علي ما أشرت إليه من أن الفقهاء لم يحرموا الطبل بقول مطلق، ويستثنوا منه طبل الحرب - كما يقول الكاتب - بل ذكروا له أفراداً وحكموا بحليّة الجميع إلا واحداً منها، وهو طبل اللهو.قال العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي في كتابه (تذكرة الفقهاء) (في كتاب الوصايا، في باب مسائل الوصية بالأعيان): (مسألة: لفظ (الطبل) يستعمل في طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلي طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به لإعلام النزول والارتحال، وعلي طبل العطارين وهو سفطٌ لهم، وعلي طبل اللهو. وقد فسّر [339] بـ(الكوبة) الذي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ولعل التمثيل بها أولي من التفسير [340] .فإن أوصي بطبل حرب، صحت الوصية إجماعاً، لأن فيه منفعة مباحة. وكذا باقي الطبول إلا طبل اللهو، فإن كان للحال يصلح لطبل اللهو والحرب معاً، صحت الوصية أيضاً، لأن المنفعة به قائمة) [341] انتهي موضع الحاجة منه بلفظه.وقال المحقق الثاني علي بن عبد العال الكركي العاملي (في باب الوصية من كتابه (جامع المقاصد) في شرح قول العلامة في القواعد (ولو أوصي بطبل لهو بطل)): لفظة (الطبل) تقع علي طبل الحرب، وعلي طبل الحجيج والقوافل، وعلي طبل العطارين، وعلي طبل اللهو. وفسّر بـ(الكوبة) التي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ثم قال: إذا عرفت هذا فاعلم أن الطبل الذي الغرض المقصود منه أمر محلّل الذي ليس المراد منه اللهو، بل التهويل في قلوب الأعادي، يجوز اقتناؤه. ولو أوصي به، صحت الوصية إجماعاً نقله في التذكرة. ولو صلح للهوٍ وغيره، صحّت الوصية أيضاً للمنفعة المحلّلة. ولو لم يصلح إلاّ للهو، فإن أمكن إصلاحه لغيره، مع تغيير يسير، يبقي معه الاسم، صحّت أيضاً، خلافاً لبعض العامة، وإلاّ لم تصح. [342] انتهي موضع الحاجة ملخصاً.وهاتان العبارتان صريحتان في أن المستثني مما يجوز هو طبل اللهو [343] ، لا أنه قد استثني الفقهاء مما لا يجوز استعماله طبل الحرب فقط، كما يتهجّم به الكاتب.وأنت إذا أحطت خبراً بهذه الطبول، وتيقّنت أنها جميعاً - حتي طبل القافلة - يمكن أن يضرب بها ضرب لهوي كما يستعمله أهل الملاهي، فلماذا جوّزوا استعمالها والوصية بها واقتناءها وبيعها وشراءها؟ أليس لأنها ما أعدّت ولا هيّئت لذلك؟ أليس لكون الضرب العادي بها ليس ملهياً ولا مطرباً، بل هو ضرب إعلام وتنبيه أو تهويل، كما هو الشأن في الطبل المستعمل في العزاء.الطبل العزائي لو كان من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فلا ريب أن استعماله ليس لأجل اللهو والطرب ولا الضرب به علي الكيفية الملهية المطربة، ولهذا عد كاشف الغطاء (قدس سره) في عداد ما كان راجحاً لعنوان ينطبق عليه أكثر ما يقام في العزاء من (دق طبل إعلام، وضرب نحاس، وتشابيه صور). [344] وظاهر هذه العبارة، بل صريحها استحباب اتخاذ هذا الطبل في العزاء، لا جوازه.ولم أقف علي مثل هذا من غيره سوي الشيخ الفقيه المتبحّر الشيخ زين العابدين الحائري المازندراني [345] في رسالته (ذخيرة المعاد)، [346] فإنه بعد السؤال عن حكم الطبل والصنج المستعملين في العزاء الحسيني، أجاب - بما ترجمة نصه -: (لا بأس به، بل هو من الأمور المطلوبة المحبوبة).وقد تضمن تاريخ العصر البويهي - الحافل بفطاحل العلماء المتنفذين علي السلطان - ضرب الطبول في خمسة أوقات أيام سلطان الدولة بعد أن كانت تضرب في ثلاثة أوقات أيام عضد الدولة، حسب ما يؤثر عن تاريخ ابن الأثير وأبي الفداء. والظاهر أن ذلك الضرب للتنبيه علي أوقات الصلاة، وليس من المراسم السلطانية.قد رأينا ورأي كل من صحب القوافل الكبري في جزيرة العرب طبل القافلة، وهو عين الدمام المتعارف استعماله في المواكب العزائية في النجف، أنهما في الشكل والحجم سواء، وفي كون الضرب عليهما بالآلة لا باليد سواء، وفي كون الضرب بهما منتظماً انتظاماً خاصاً سواء، وفي كون الغرض من ضربهما التنبيه والإعلام سواء، فما هو الفارق إذاً؟إن طبل اللهو يفارق هذه الطبول في جميع هذه الخواص حتي في كيفية انتظام الضرب عليه، فإنه في طبل اللهو علي كيفية خاصة يعرفها أهل الملاهي ولا يجهلها كل أحد، وتلك الكيفية غير حاصلة في ضرب الدمام ولا في ضرب طبل القافلة.

اسماء آلات الملاهي المنهي عن استعمالها

في ختام هذا الفصل أستقصي لك أسماء آلات الملاهي التي وقعت في الأدلة موضوعاً للحرمة، لتعرف أن الطبل العزائي ليس أحدها، ولا يشبهها بوجه لا شكلاً، ولا حجماً، ولا هيئةً، لا ضرباً:منها: الدف - بضم الدال، والفتح لغة -، وهذا يكون بإطار يختلف قطره ضيقاً وسعة، وهو يتراوح - علي الأغلب - من قطر ذراع باليد تقريباً، وهو المستعمل في الملاهي، إلي قطر ذراعين، وهو المستعمل في حلقات الذكر. ولا ينفك غالباً إطاره عن قطع نحاس - أو شبهه - صغار بقدر أخمص الراحة، تعلّق عليه في جميع دورته، وهي الصنوج، وهذا ما لا يجهله أحد، ولا يجهل كونه ليس الطبل العزائي.والذي تدل عليه عبارة الكاتب أن الفقهاء استثنوه في العرس. ولعلّ مراده البعض منهم، فإنه استثناه في الأملاك والختان، لنبويّ يدل علي الترخيص بالضرب به إعلاناً للنكاح. [347] .والشيخ أبو جعفر الطوسي في (المبسوط) [348] ، وابن إدريس في السرائر) [349] والعلامة في (التذكرة) [350] ، وكاشف اللثام [351] وغيرهم حرموه مطلقاً. وهو الوجه، لضعف دليل الجواز سنداً ودلالة [352] .ومنها: البَرْبَط - كجعفر - وهو العود، كما في (القاموس) [353] ، وقيل هو الكوبة التي عرفت أنها الطبل الصغير المخصّر - كما في مجمع البحرين -. وقال في (المصباح) أنه من ملاهي العجم. وعن ابن السكيت أن العجم تسميه (المزهر) و(العود) [354] .وعلي كل حال فليس الطبل العزائي بربطاً.ومنها: الطنبور. قال في (القاموس): أصله (دُنْبه برّه)، شبّه بإلية الحَمْل [355] وهذا التشبيه ينبئ عن كونه العود أو الطبل الصغير. ومقتضي تشكيله [356] في (المنجد) [357] أنه الآلة المعروفة باسم (الربابة).ومنها: المعازف، جمع (معزف). قال في (القاموس): المعازف: الملاهي، كالعود والطنبور [358] وشبهه. وعن (النهاية) الأثيرية: المعازف هي الدفوف وغيرها مما يضرب [359] بها. وعن (مجمع البحرين): المعازف: آلات اللهو، يضرب بها [360] . وفي (المصباح): المعازف: آلات يضرب بها. وعن الأزهري: إذا قيل المعزف فهو نوع من الطنابير يتخذه أهل اليمن. قال: وغير الليث يجعل العود معزفاً [361] والظاهر أن المعازف آلات تشبه العود.ومنها: المِزْهَر. وما عثرت علي النهي عنه باسمه. وقد سمعت تفسير البربط به. وقيل هو الدف الكبير ينقر به. وفي (القاموس): المزهر - كمنبر -: العود الذي يضرب به [362] وهذا غير بعيد.هذه هي أنواع من الآلات اللهوية قد وقع النهي عن استعمالها [363] . وليس الطبل العزائي المستعمل في المواكب الحسينية - فيما رأيته في بلدان العراق - أحدها بلا شبهة، ولا شبيهاً بها، ولا أعرف الدليل علي حرمة استعماله إذا كان الضرب به غير لهوي ولا مطرب.ولو أني عثرت علي النهي عن الطبل في شيء من الأدلة الشرعية، لكان للنظر في دلالة دليله علي العموم الأفرادي والأحوالي وعدمها، مجالٌ.ولكن مع الفحص التام لم أعثر علي سوي المرويات في (الجعفريات) عن علي (عليه السلام) أنه قال: طرق طائفة من بني إسرائيل ليلاً عذاب، فأصبحوا وقد فقدوا أربعة: الطبّالين، والمغنيين... [364] .وعن (دعائم الإسلام) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: مرّ بي أبي وأنا غلام وقد وقفت علي زمارين وطبالين ولعابين أستمع، فأخذ بيدي وقال: مرّ، لعلك ممن شمت بآدم. فقلت: وكيف ذلك يا أبة؟ فقال: هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس شماتة بآدم حين أُخرج من الجنة) [365] .وهذان الخبران مع ضعفهما عن إثبات الحرمة - خصوصاً الأخير منهما - لا عموم فيهما، بل الظاهر - ولو بقرينة الاقتران بالمغنين والزمّارين واللعابين - أن المراد بالطبالين مستعملي طبل اللهو، أو ما يكون الضرب به ملهياً: ويؤيّد هذا الظهور أن المتعارف عند الطبّالين والزمّارين هو استعمال الكوبات والكبرات، لا غيرها. هذا مع أن قوله - في ذيل الخبر الأخير - (هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس) ظاهر في إرادة الضرب اللهوي، لا مطلقاً كما يومئ إلي ذلك خبر سماعة المتقدم علي ما يراه شيخنا المرتضي.ومن الغرائب أن جمعاً من المتفقّهة راموا إقامة الأدلة علي حرمة استعمال الآلات الثلاث، فرموا أهزع كنانتهم وأفرغوها بالاستدلال بقول أبي عبد الله (عليه السلام)-: (من أنعم الله عليه بنعمة، فجاء عند تلك النعمة بمزمار، فقد كفرها) [366] وبقوله (عليه السلام): وقد سئل عن السفلة، فقال: (من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور) [367] وبقول السجّاد (عليه السلام)-: (لا يقدس الله أمّة فيها بربط يقعقع) [368] .وأنت - مما أسلفناه وما يأتي - تعرف أن البوق ليس بمزمار، وأن البربط هو العود ذو الأوتار، وأن الطنبور ليس بطبل، بل هو آلة شبه العود تدعي الآن (ربابة).وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لنوف: (إياك أن تكون.. صاحب كوبة وهي الطبل) [369] فهو نهي عن الكوبة، وهي طبل قطعاً، ولكن ليس كل طبل كوبة، ويؤيّد هذا، بل يدل عليه ذيل هذا الحديث، وهو (أن نبي الله (صلي الله عليه وآله) خرج ذات ليلة، فنظر إلي السماء فقال: إنها الساعة التي لا تردّ فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر، أو شرطي أو صاحب عرطبة، أو صاحب كوبة) [370] .وقس علي هذا كل ما تضمن النهي عن استعمال المزمار واستعمال الكوبة، كقوله (صلي الله عليه وآله) (أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات والكبرات) [371] .

البوق ليس مزمار

البوق هو الآلة المستعملة في بعض المواكب العزائية، وتسمي بلسان العامة في عرف العراقيين (بوري).ولكن الكاتب - في مفتتح كلامه - يقول (الزمر)! وهذا ما لا يعرف، فإن الزمر - مصدراً - هو الغناء بالمزمار، أو هو - بضمتين - جمع لـ(مزمار) إن صح [372] . ومعلومٌ أنّ البوق ليس مزماراً، ولا التصويت به زمراً، فما هذا التخليط والتغليط الذي ينطلي علي العامة التي لا تعرف اللغة ولا تدقق في العرف.(البوق) آلة ينفخ فيها نحو النفخ في النار، والنفخ في الزق، لكنها تصوّت بالنفخ بها تصويتاً حاداً هجناً مرتفعاً. و(المزمار) آلة يزمر فيها، أي يتغني بها، ولا ينفخ فيها، ولذلك يقال: (نفخ في البوق) كما يقال (نفخ في الصور). ولا يقال (زمر في الصور) وغنّي في البوق. ولعل قوله في (القاموس): (البوق آلة ينفخ فيه ويزمر) [373] توسعٌ في العبارة، كيف والبوق هو الصور باعترافه - كما ستعرفه - وهو مما ينفخ فيه ولا يزمر.والفرق جلي بين الزمر والتغني الذي هو صوت مقطع وبين النفخ المجرد عن تقطيع الصوت، وهذا الذي لا تقطيع فيه بطبعه ليس بغناء، بخلاف سابقه، إذاً فما وجه تبديل الكاتب (النفخ بالبوق) في كلام معاصره بـ(الزمر)، الذي يراد به التعمية علي العامة؟ وهل يوجد في المواكب الحسينية إلا بوق، وليس فيها زمر ولا مزمار؟المزمار - حسب ما تعرفه من اللغة - آلة يزمر فيها، أي يتغنّي بها، وكانت في بدء الأمر تتخذ من القصب، وهي لا تزال باقية لليوم عند الأعراب في البوادي، يسمي ذو الأنبوب الواحد منها (منفرد)، وذو الأنبوبين (مطبق)، يغنون به غناءً مطرباً، كما تغني بالآلة ذات الأوتار.قال في (القاموس) زمّر تزميراً: غنّي في القصب [374] . وقال في (المجمع): زمر الرجل يزمر - من باب ضرب -: إذا ضرب بالمزمار. وهو - بالكسر - قصبة يُزمّر بها. وقال في (المنجد): الزمّارة: القصبة التي يزمّر فيها. وقال: المزمار: آلة يزمّر فيها، وزمر زمراً: غنّي بالنفخ في القصب [375] .ولكن سكان الحواضر والمترفون من أرباب الملاهي ارتفعوا عن القصب إلي ما أحكم منه وأبقي، فاستبدلوه بالشبه وغيره، إذ لا مدخلية للقصب مع حصول الفائدة بعينها في غيره من المعادن المعمولة علي كيفية ما يسمي اليوم مزماراً أو (ني). ولا يفرق في كيفية التصويت بينها وبين القصب، بل هي ألهي وأرقّ وأطرب.أما البوق فقد كان عند سذاجة البشر يتخذ من القرون، وهو لا يزال باقياً اليوم عند السوّاح المتسولة من الهنود والعجم (دراويش).ولأمر يخص مزاعم هؤلاء يحافظون علي شكله أن يتغيّر، قال صاحب (المجمع) وغيره من أهل اللغة (البوق هو القرن الذي ينفخ فيه).- ولقول صاحب القاموس (الصور - بالضم - هو القرن ينفخ فيه) [376] ، يستدل علي أن البوق هو الصور، وأنه شيء ينفخ فيه ولا يتغني به. وقال في (المنجد): الصور: القرن ينفخ فيه، البوق. وقال: البوق: شيء مجوّف مستطيل ينفخ فيه [377] .وقد غيّر البوق عند من عرفت من المتسولة إلي مادة غير القرن، وهيئة يكون بها أرفع صوتاً وأشد هجنة، وهو مهما تغيّر مادته - حتي لو صيغ من الذهب - هو ذلك الصور القرني الذي لا زمر فيه ولا غناء.ولذلك يستعمل اليوم في السلم والحرب للتنبيه علي الأوقات، وأعداد الساعات، ولحشر الجنود المتفرقة، وتسيير مواكب الرجال المجندة، ونحو ذلك. ولم يعهد الزمر والتغني به منذ البدء للآن.ولم يوجد في الأدلة إلاّ النهي عن (الزفن، والمزمار، والكوبات، والكبرات) [378] وما عثرنا علي نهي عن البوقات. ولا أظن أنه توجد علاقة مصححة لإطلاق لفظ المزمار علي البوق مجازاً، لبعده حتي في تركيبه الطبيعي عن الزمر، فهو في الحقيقة آلة تنبيه وإعلام، لا آلة طرب.قال العلامة المجلسي [379] في بيان ما جاء في بعض الأحاديث من دقّ بوق التبريز، ما نصه: (بوق التبريز: أي البوق الذي ينفخ فيه لخروج العسكر إلي الغزو).إن الذي يدل علي أن البوق غير المزمار - مضافاً إلي ما سبق - أن المزمار لا يكون إلاّ بثقوب كثيرة - من أربعة إلي ثمانية - في أنبوبه المتساوي قدّاً، غير الثقب الذي يلي الشفة، ولكل واحد من تلك الثقوب الكثيرة نغمة خاصة تخالف نغمة الثقب الآخر، يسدّ الزامر ما شاء سدّه بطرف أنملته، ويفتح ما شاء، وهو لا يزال بسدّ وفتح.أما البوق فهو لا يكون إلا بثقب واحد في أسفله غير فوهته العليا، ولذلك لا تكون له نغمة، ولا يكون الصوت الخارج منه إلاّ واحداً غير مختلف [380] .. أما صلابته وهجنته فإنها تستند إلي سعة فوهته حسب تركيبه الطبيعي، فإنه كلما طال ودقّ موضع النفخ به واتسعت فوهته العليا، زاد صوته ارتفاعاً وهجنة، وربما كان لالتوائه مزيد دخل في شدة هجنته، إما لزيادة طوله بذلك الالتواء وإما لدوران الصوت به حسب التوائه.فلارتفاعه استعمل لتنبيه الجند، ولهجنته جعل جزءاً من (الجوق الموسيقي) للتأليف بين الأصوات الكثيرة المختلفة، المختلف أفراد النوع الواحد منها، ليحصل كمال الطرب بالمجموع المؤلّف.ولكن البوق لو انفرد عنها لا يكون ولا يصلح أن يكون مُلهياً ولا مطرباً، ولذلك لا ينبغي عدّه من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فضلاً عن المختصة باللهو. وإذا لم يكن من آلات اللهو ولا من المزامير - لمباينته لها قدّاً وحجماً وشكلاً وهيئةً وتركيباً وصوتاً - فما هو الدليل علي تحريمه؟ ولم يوجد في الأدلة ما يتضمن النهي عن استعماله باسم يخصه أو يعمه في ما يحضرني من كتب الفقه والحديث، وعسي أن يحظي بالعثور علي تحريمه غيري، فيرشدني إليه [381] .

عدم حرمة الصنح المستعمل في العزاء

الصنج، وهو مفرد (صنوج) المعبّر عنه بلسان العامة في النجف (طوس). وهذا يستعمل في المواكب العزائية للعلة التي يستعمل لها الطبل من انتظام الموكب، والإعلان بمسيره، ووقوفه، ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختل بخفاء أصواتهم إذا تباعد محشد منهم عن آخر، لولا صوت هذا الصنج، ولذلك لا نجدهم يستعملونه عند لطمهم في دار - مثلاً -، لاستغنائهم عنه حينئذ.والانتظام وإن لم يكن لازماً في مواكب العزاء، لكنه مستحسن قطعاً، والموكب المزعبل لا مُلزم به. وهب أنهم التزموا تشويش المواكب بترك الصنج، فالإعلام بالارتحال والوقوف وغيرهما لا يكون إلاّ به.وقد سمعت من غير واحد من المشايخ [382] أن هذا الصنج أحدثه العلامة المجلسي (قدس سره) في قري إيران مصاحباً لموكب اللطم المخترق للأزقّة والمجتمع في الدور والمآتم، ليسمع صوته أهل القري القريبة منهم، ويعلموا بإقامتهم للعزاء ليشاركوهم إمّا في الاجتماع معهم، وإما بإقامة عزاء آخر في قريتهم، فاستطرد الناس استعماله لغير ذلك، وليتهم اكتفوا به عن الطبل، لأنه يقوم مقامه في الفائدة المقصودة منه.وعلي كل حال، فإن من الخطأ الفاحش عدّ الصنج المتعارف ضربه اليوم في العزاء الحسيني في النجف من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فضلاً عن المختصة.وسواء أريد باللهو مطلق اللعب - كما يفهمه العوام - أو الواقع علي سبيل البطر وشدة الفرح - كما أسلفنا نقله عن أهل التحقيق - فضرب الصنج لا يقصد به عند مستعمليه إلا ما ذكرنا من انتظام الموكب العزائي والإعلان بمسيره ووقوفه، وذلك ليس لعباً ولا بطراً، فكيف تعدّ الآلة المستعملة لذلك من آلات اللعب والبطر؟إذاً فما الوجه في ما أرسله الكاتب علي عواهنه من حرمة الصنوج النحاسية وما هو وجه التقييد بها؟ أنه في مفتتح مقالته يزعم أنه يذكر الأمور التي أجمع المسلمون علي تحريم أكثرها، وأنها من المنكرات، ولازم ذلك كون القليل منها غير محرّم أو غير مجمع علي تحريمه. فهل الضرب بالصنوج مما أجمع المسلمون علي تحريمه أو هو محرّم بغير الإجماع؟ وما هو هذا الدليل القائم علي التحريم إذا لم يكن الصنج من آلات اللهو الخاصة به؟نعم أرسل الشيخ الفقيه المتبحّر المتقن الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي في (مجمع البحرين) - وهو كتاب يجمع غريب القرآن والحديث، ليس للإمامية مثله - حديثاً لا يعلم من أي طريق روي، ومن هو المروي عنه، سوي أنه يتضمن التحذير عن استعمال الصنوح، وها هو ذا متنه: (إياك والضرب بالصوانج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك) [383] .ولقد فحصت كثيراً في الأبواب المناسبة لهذا الحديث من كتاب أصحابنا في الفروع والحديث وغريبه، فلم أجده. والذي وجدته في أصل زيد النرسي - بعد استقصاء ما عداه فحصاً هو هذا (وأما ضربك بالصوالج، فإن الشيطان معك يركض، الملائكة تنفر عنك) [384] .وهذا موافق نصاً لما نقله شيخنا المحدث النوري - أعلي الله مقامه - في (المستدرك) [385] نقلاً عن أصل زيد النرسي [386] .و(الصوالج) في هذا الحديث - باللام قبل الجيم - مفرد (صولجان). والصولجان هو عصي في رأسها اعوجاج، فارسي معرب. قاله الجوهري.وهذا نهي عن اللعب بالصولجان والكرة - المسماة في عرفنا (طوبة) -. واللعب بها أمر معروف عند العرب وغيرهم اليوم، فلا حاجة إلي وصفه.وتمام الخبر المذكور - كما هو منقول في (المستدرك) - عن الصادق (عليه السلام) هكذا: قال في من طلب الصيد لاهياً: وإن المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الآخرة عن الملاهي. إلي أن قال: وإن المؤمن [عن جميع ذلك] لفي شغل، ما له والملاهي؟ فإن الملاهي تورث قساوة القلب، وتورث النفاق. وأما ضربك بالصوالج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك. وإن أصابك شيء، لم تؤجر. ومن عثرت به دابته، فمات، دخل النار) [387] .وفي كتاب (الفقه الرضوي) - باب اللعب بالشطرنج والنرد والقمار والضرب بالصوالج - وساق النواهي في الثلاثة الأول ثم قال: (واتق اللعب بالخواتيم والأربعة عشر وكل قمار، حتي لعب الصبيان بالجوز والكعاب.وإياك والضربة بالصولجان، فإن الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك. وإن عثرت به دابته فمات، دخل النار) [388] وروي في (المستند) عن الكتاب المذكور، مثله، إلا أن فيه (إياك والضربة بالصوالج). [389] وعلي هذا يكون الخبر أجنبياً بالمرة عما نحن فيه، إذ هو يتضمن المنع عما يتلهي به الإنسان بغير آلات الطرب، كالصيد واللعب بالصولجان والكرة وغيرهما، [390] وأن المتلهي بهما إذا حدث به حدث من لعبه، لا يؤجر، وإذا عثرت - بمن يطلب الصيد - دابته فمات، يدخل النار.وإذا كان الأمر كذلك، فأين الدليل علي حرمة استعمال الصنج المتعارف، وليس هو من الآلات الخاصة بالملاهي قطعاً، ولا مستعملاً في اللهو؟ وأين وجده صاحب رسالة التنزيه وغيره عند الإفتاء بحرمته؟ وهل تصح الفتوي بلا فحص كامل عن وجود الدليل وبلا بحث وافٍ عن دلالته؟ولولا أن مؤنة النفي عظيمة، لتحديتهم جميعاً بطلب الدليل علي حرمة استعمال البوق والصنج المتعارفين في العزاء الحسيني في العراق.إلاّ أن يكابر أحد منهم بدعوي كون المنقول في (مجمع البحرين) غير المذكور في كتاب النرسي والفقه الرضوي. وهذا في غاية البعد، لظهور وحدة الخبر، واختلاف النسخ فيه هو الذي أوقع صاحب المجمع في ما وقع فيه. وقد صرح بالوحدة واختلاف النسخة صاحب المستند - في كتاب الشهادات منه [391] -، لكن عبارته ليست صريحة في أن المحرّف (صوانج) لا (صوالج. نعم هي صريحة في أن تردد اللفظ الوارد بينهما كاف في عدم صلاحية الخبر لإثبات الحرمة [392] .ثم إنا إذا أخذنا الحديث المذكور في (المجمع) بمتنه مسلّم الرواية - وهو مرسل، وغير منقول في جوامع الحديث - فهل يصح علي أصول أصحابنا إثبات حكم تحريمي به؟ كلا، إن أصحابنا - قديماً وحديثاً - لا يعملون بمثل هذا الخبر في الأحكام الإلزامية، ولا يثبتون بمثله إلا الاستحباب والكراهة.ومع الغض عن هذا، فإن حمل النهي الذي هو باللفظ الموضوع للتحذير - لا بمادة النهي ولا بهيئة - علي التحريم لا قرينة عليه من حال أو مقال. وليس التحذير - كالنهي - موضوعاً للحرمة أو ظاهراً فيها. ولا إجماع عليها حسب الفرض يصلح للقرينية علي إرادتها منه.ومع الإغضاء عن هذا أيضاً، فإن الصنج له في اللغة معان:1- آلة بأوتار.2- قطع نحاس تعلّق في إطار الدف.3- آلة تتخذ من صفر، يضرب إحداهما بالأخري.4- الآلة التي يتخذها الراقصون في أطراف أصابعهم يصفقون بها، تسمي عند أرباب الملاهي (زنك) وهو معرب صنج. وغير ذلك من المعاني.والمعني الثالث منها ينطبق علي ما هو المستعمل اليوم في العزاء الحسيني، لكن من المعلوم أن استعمال هذا الصنج لا يمكن قصد التلهي به، لأنه بذاته لا لهو فيه ولا طرب. وقد سمعت - في ما سلف - أن المستفاد من الأخبار الكثيرة أن حرمة اللعب بالآلات ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث أنه لهو - أي ضرب علي سبيل البطر والفرح -.وأنت إذا تأمّلت، وجدت دق الصنج المتعارف في المواكب يوجب الضجر، لا الطرب، وما هو إلاّ كدقّ الصفّارين بمطارقهم الحديدية علي النحاس دقّاً منتظماً.ولا يبعد أن يكون الصنج الذي قد يعد من آلات الملاهي ليس هو هذا الصنج، ولا صنج الموسيقي القائم مقام التصفيق، بل هو ما يتخذه الراقصون في أصابع أيديهم يصفقون به من الآلة المسماة في عرفنا (زنك).ثم إذا كان الصنج لغة مردداً بين معان، وكانت الآلة ذات الأوتار قدراً متيقناً مما جعل موضوع الحكم، وما عدا ذلك مشكوك المراد به من اللفظ، كان مقتضي أصول الفن لمن لا يوجب الاحتياط في الشبهة المفهومية التحريمية، أن يقول بجوازه، لا حرمته.وكم فرق بين هذا وبين كاشف الغطاء إذ يعدّ من الأمور الراجحة (دق طبل إعلام وضرب نحاس) [393] وظني أن كاشف الغطاء والشيخ الحائري المازندراني [394] - لو كانا متيقنين للنهي عنه في أخبارنا وأن النهي تحريمي - قد حملا الصنج المنهي عنه علي خصوص المطرب الذي يضرب به ضرب بطر وفرح ملاحظة للمناسبة بين الحكم وموضوعة [395] .

التشبيه

تشبه الرجال بالنساء

تقول الرسالة [396] : (هذا [397] يقع في التمثيل، وتحريمه ثابت في الشرع).وبما أني أعتقد أن صاحب الرسالة لا يجهل وقوع الخلاف في التشبيه موضوعاً وحكماً، فإني أعدُّ قوله (تحريمه ثابت في الشرع) خيانة في الشرع، إذ أنه إن أراد ثبوته في الجملة - أي ولو في صورة تأنث الرجل - لم يفده شيئاً سوي التهويل. وإن أراد ثبوته مطلقاً، كان محجوجاً بما لا يجهله من عدم الثبوت كذلك.إن اللازم في مثل هذه المسألة إرشاد العامة إلي مراجعهم في التقليد وإيكال أمرهم إليهم، لا إبداء الكاتب رأيه بين الكافة بمظهر أنه حقيقة راهنة لا خلاف فيها، فإن ذلك لا يصدر إلاّ من المغالطين.إن التشبيه المدّعي وقوعه في التمثيل هو تجليل الرجل بإزار أسود من قرنه إلي قدمه، وهو بهيئته وملابسه الرجالية، ليتراءي للناظر إليه أنه امرأة، وهذا مما لم يثبت في الشرع تحريمه، ولا وجدنا قائلاً بذلك نصاً أو ظهوراً.علي أنّي ما رأيت منذ خمسين سنة للآن في التمثيلات العزائية في العراق تشبيه رجل بامرأة ولا امرأة برجل. وعسي أن يكون ما يوجد في غيره من قبل ما ذكر من التشبيه الصوري المؤقت، وهو ليس بتشبيه علي الحقيقة.والقدر المعلوم تحريمه من التشبّه هو أن يتأنّث الرجل، ويعدّ نفسه امرأة، ومظهر ذلك - مع قصد التأنث - أن يخرج عن زيه، ويأخذ بأزياء النساء، لا بمجرد لبسه ملابسهنّ بدون تبديل لزي [398] .وبهذا أفتي الميرزا القمي في (جامع الشتات) [399] ، وشيخنا المحقق الأنصاري في (المكاسب) [400] ، وأكثر علماء عصرنا، منهم شيخنا المحقق المدقق العلامة آية الله الميرزا محمد حسين النائيني الغروي (دام ظله) [401] ، والشيخ الفقيه العلامة المتقن صاحب المصنفات الكثيرة، حجة الإسلام الشيخ عبد الله المامقاني النجفي (دام علاه) [402] وغيرهم [403] .ولأكتف بذكر عبارة الأوّلين ليطلع عليها من لا تحضره الكتب والأخبار. قال العلامة الأنصاري - في كتابه - بعد ذكر النبوي المشهور (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) [404] : (وفي دلالته عليه - يعني دلالة النبوي علي حرمة مطلق التشبيه - قصور، لأن الظاهر من التشبّه تأنّث الذكر، وتذكّر الأنثي، لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبيه. ويؤيّده المحكي عن (العلل) أن علياً (عليه السلام) رأي رجلاً تأنث في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقال له: اخرج من مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وهم المخنّثون، واللائي ينكحن بعضهنّ بعضاً) [405] .ثم ذكر روايتين تدل إحداهما علي كراهة أن يجرّ الرجل ثوبه تشبّهاً بالنساء، والآخر علي زجر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن التشبه بالنساء، وقال: إن (فيهما خصوصاً الأولي - بقرينة المورد - ظهور في الكراهـــة، فالحكم بالتــحريم لا يخلــــو عن إشـــكال) [406] انتهي.وقال المحقق القمي (قدس سره) ما ملخص ترجمته هذا: المستفاد من الأخبار المانعة من تشبه الرجال بالنساء هو الخروج من زي أحدهما والدخول في زي الآخر، بحيث يعدّ الرجل نفسه من صنف النساء، وبالعكس. أما التشبه بامرأة خاصة في زمان قليل لغرض خاص فهو خارج عن منصرف الأخبار. واستطرد في أثناء كلامه تشبه رجل برجل، كتشبه أحد بالحسين (عليه السلام)، وآخر بأحد أعدائه، واستوجه رجحان ذلك إذا كان المقصود به الإبكاء ونحوه من الأمور الراجحة، خصوصاً التشبه بالأعداء، لما فيه من قهر النفس وإذلالها، لطاعة الله بنفس التشبّه بهم [407] .وجري هذا المجري الفقيه الحائري المازندراني في (الذخيرة) [408] ، وسائر محشيها، كولده، والسيد الصدر، والميرزا الشيرازي الحائري.وقد يلهج القاصدون بكون تشبّه رجل بالحسين (عليه السلام) توهيناً له، سيما إذا لم يكن من أهل الصلاح والشرف.وهذا ما لا يخفي علي أحد كونه تمويهاً، فإن التوهين عنوان لا يتحقق بفعل ما بدون قصده، كالظلم، والتأديب، ووقوع التوهين قهراً مع كون الفعل بذاته يقع علي وجوه كثيرة مما لا يعقل.نعم قد يحصل التوهين القهري بالقول بدون قصده، لكنه في الأفعال الممكنة الوقوع علي وجوه لا يمكن تحققه لو خلت عن كل قصد، فكيف بالأفعال المقصود بها الإبكاء عند إلقاء مخاطبات الحسين (عليه السلام) وحكاية أفعاله الواقعة تجاه أعدائه يوم الطف. وقد تضمنت السيّر والأخبار تشبه رجل برجل في ما لا يحصي من الموارد.وأرسل أبو حامد الغزالي في كتاب (إحياء العلوم) أن مضحك فرعون كان يتشبه بموسي بن عمران كراعي غنم قد لبس مدرعة صوف قصيرة وبيده عصي يهشّ بها علي غنمه، قد نجاه الله من الغرق - أو رفع عنه العذاب - كرامة لموسي (عليه السلام) لنفس تشبّهه به، وإن كان لأجل أن يضحك فرعون وجلساؤه، عليه.

تشبه المراة بغيرها

اركاب النساء الهوادج مكشفات الوجوه تشبيها ببنات رسول الله

تقول الرسالة [409] : (وهو [410] محرّم في نفسه، لما يتضمنه من الهتك والمثلة، فضلاً عما إذا اشتمل علي قبح وشناعة، مثل ما جري في العام الماضي في البصرة من تشبيه امرأة خاطئة بزينب، وإركابها الهودج حاسرة علي ملأ من الناس، كما سيأتي). انتهي.وذكر نحواً من هذا في صفحة 21. ونقل عن زميله البصري وقوع ذلك التشبيه الشائن في الماضي من سنة 1345 هجرية.النقد: عاش الرجل برهة من الدهر في العراق، ومرّ بكثير من بلدانه، وقضي جلّ عمره في البلاد السورية، فأين وجد تمثيل النساء؟ وهل رأي بعينه مشاهدة أو نقل له الثقات ذلك؟ فإنا ما رأينا ذلك، ولا سمعناه، ولا نقل لنا ناقل أنه شهد ذلك، أو أن أحد أجداده الأعلون شهده، أو نقله عن جده.إنا لو أخذنا وقوع ذلك بكثرة مسلّماً، أو صححنا علي مذهب أهل التهويل مؤاخذة جميع الشعائر العزائية بوقوعه فيها مرة في بلد، أو في قرية، أو في عامه الماضي - كما يزعم - أو من قبل سبع سنين أو سبعين سنة، فإنا نحب أن نعلم أي شيء هو المحرم: ركوب النساء؟ أم كون الركوب في الهوادج؟ أم كشف المرأة البرزة وجهها؟ أم تشبيه امرأة بامرأة؟ أم المحرم هو المجموع، في ملأ وقع أم في خلأ؟فإنا ما وجدنا في الكتاب والسنّة ولا في فتاوي علماء الأمة كافة أن شيئاً من تلك العناوين محرّم، ولا مجموعها. وكيف يكون اجتماع المحلّلات حراماً. إن أشد ما يقف القلم دونه من الأمور السالفة هو كشف المرأة وجهها أو نظر الرجل إلي وجهها المكشوف؟ وفي هذا كلام يذكر في كتب الفقه، ولا محل لذكره في المقام.يسرد الكاتب جملاً ثلاثة: إركاب النساء الهوادج، مكشفات الوجوه، تشبيههنّ ببنات الرسول (صلي الله عليه وآله). آخرها: تشبيه امرأة بامرأة. بحيث يظهر لأول النظر أنها جميعاً محرّمة، ثم يقول (وهو محرّم في نفسه)، فلماذا يعود هذا الضمير المفرد؟ الواحد غير المعين منها، أم للأخير، أم المجموع من المحللات؟ثم إذا كان الأمر الذي يشير إليه محرّماً في نفسه - كما يقول - فما موقع قوله بأن حرمته لما يتضمنه من الهتك والمثلة؟ دع عنك انتقاد لفظة (المثلة)، فإن إقحامه - بمعناه المحرر في اللغة - تهويل بيّن [411] .وخذ في معرفة المراد من الهتك المزعوم.الهتك هو إشهار النساء، سوقهنّ أمام ركاب القوم سبياً مجلوباً، يطاف به في البلدان وفي الأسواق وفي الأزقّة بكل احتقار واستهانة، كما فعله آل أمية بمخدرات آل محمد.أما ما يدعي الكاتب وقوعه في التمثيل - الذي يبرأ منه كل تمثيل في العراق، ولعلّما سوريا أيضاً - فهو ليس بإشهار النساء حتي يكون مستقبحاً وظهور المرأة المتسترة للرجل بارزة الحجم، يري الناس أنها هي تلك المرأة المسبية بين علوج بني أمية، حينما سيقت أمام ركابهم مهانة محتقرة ليس فيه شيء من الهتك للمرأة المتمثّلة ولا الممثّلة، وكيف - والحالة هذه - يكون محرماً أو يطرأ علي الواقع منه في التمثيل عنوان مستقبح؟نعم هو موجب للالتفات إلي قبح ما ارتكبه آل أبي سفيان من سبي عقائل الرسالة، ولا قبح فيه ولا هتك علي الممثّلين ولا المتمثّلين.أمّا ما ذكره من تمثيل امرأة خاطئة بزينب في عامه الماضي - وهو سنة 1347هـ. فينبغي أن يسامحه كل بصري ونزيل في البصرة، كما أنهم من قبل سنتين سامحوا من نقل أنه واقع في البصرة في عامه الماضي أيضاً - وهو في سنة 1345 -. فكم من عام ماض إلي عام ماض إلي سبع سنين ماضية لم يقع بها في البصرة شيء من ذلك.نعم في سنة 1341 هجرية ركبت تلك (الخاطئة) من تلقاء نفسها في أحد المحامل التي تقاد في التمثيل، خالية أو ممتلئة بالأطفال الممثّلين للسبي من دون أن تتشبّه بامرأة، ولا جعلها أحد شبيهاً بها، بيد أن من يراها، يظن ذلك. ولم يمض علي ركوبها بضع دقائق حتي أنزلت من المحمل بلا مدافعة منها، لأنها لم تعرف أن ركوب مثلها من الأمور الشائنة [412] .

الصياح في الشعائر الحسينية

صياح النساء في مجالس التعزية

السابع [413] : صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب.يقول الكاتب: (صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب محرّم، لأن صوتها عورة، ولو فرض عدم تحريمه فهو معيب شائن مناف للآداب والمروءة، يجب تنزيه المآتم عنه) [414] انتهي.النقد: لست أدري، ولا المنجم يدري في أي كتاب وسنة ورد (صوت المرأة عورة) حتي يبحث عن معناه؟ والكاتب يظهر منه كون ذلك حديثاً، أو مقعد إجماع حصّله [415] ، أو قاعدة مستفادة من الأخبار المعمول بها، وإلاّ فما هو الوجه في تعليل التحريم بذلك؟وهل المحرّم - في رأيه - تكلم المرأة بحيث يسمع صوتها الأجانب؟ أو هو صياحها بعنوانه الخاص؟ أو سماع الأجانب صوتها؟ أو استماعهم له؟ فإن محل كلام فقهائنا في التحريم نفياً وإثباتاً، إطلاقاً وتقييداً هو الاستماع لا غيره [416] . وأما التكلم والسماع بلا استماع من الرجل، فليس بمحرم البتة.والأخبار الصادرة عن أئمة الهدي (عليهم السلام) وإن تضمن بعضها النهي عن تكلم المرأة مع غير محرم عليها، إلاّ أن أكثرها صريح بجوازه. وهي مؤيّدة بما ثبت من تكلم النساء معهم (عليهم السلام) بمحضر أصحابهم بلا ضرورة [417] ، وربما جرت عليه سيرة العلماء من الصدر الأول إلي زماننا من التكلم مع النساء بما يزيد علي القدر الضروري.نعم ربما حرّم البعض منّا صياح المرأة علي الموتي، لا لأن صوتها عورة، بل لأنه من الجزع الذي جاء في الأخبار الصحيحة عن أئمة الهدي (عليهم السلام) أنهم قالوا: (كل الجزع والبكاء مكروه، سوي الجزع والبكاء علي الحسين) [418] .إن كل ما تعمله الشيعة من الضرب بسلاسل الحديد علي الظهور وجرح الرؤوس بالسيوف - فضلاً عن الصياح والضجيج - هو مظهر من مظاهر الجزع، وليس بجزع حقيقة، فإن الجزع أمر معروف في اللغة والعرف، وهو ضد الصبر، نحو أن ينتحر الرجل العاقل أو يلقي بنفسه من شاهق، لحادثة تغلب صبره وتورده الهلاك. وأين هذا من جرح الرأس بسيف أو مدية جرحاً خفيفاً يوجب خروج الدم، ولا يؤلم إلاّ بمقدار ما تؤلمه الحجامة وغيرها مما يرتكب لأغراض عقلائية سياسية أو طبية؟وبهذا الاعتبار كان بعض العظماء يصحح المرسل المتضمن لكون بعض عيال الحسين (عليه السلام) ممن لا يشك في عصمتها وعظمتها، لما لاح لها رأسه، نطحت [419] جبينها بمقدم المحمل حتي سال دمها [420] ، إذ أن ذلك لا بعد فيه إلا من جهة ظهور الجزع منها وإيلام نفسها والإيلام غير المؤدي إلي الهلاك أو المرض لا دليل علي حرمته.والجزع مندوب ومرغوب فيه في الأخبار الكثيرة [421] ، بل الظاهر من الأخبار جواز (الهلع) أيضاً، وهو - علي ما ذكره أئمة اللغة - أفحش الجزع وأشدّه.ويظهر من خبر قدامة بن زائدة أن السجاد (عليه السلام) قد صدر منه الهلع [422] وكيف لا يهلع من إذا أخذ إناءً ليشرب، يبكي حتي يملأه دماً؟ [423] وإذا ساغ للسجاد أن يسيّل الدم باختياره من أرقّ وأعزّ أعضائه، فما هو شأن ما يصدر من الشيعة من ضرب السلاسل والسيوف، فضلاً عن الصياح الذي ينكر اليوم؟ولو أن الكاتب اعتمد في ما ذكر في حرمة صياح المرأة علي ما ورد في بعض الأخبار من أنه (لا ينبغي الصراخ علي الميت)، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نهي عن الرنّة في المصيبة، وما ورد من تحديد أشد الجزع بالصراخ والعويل والويل، ولطم الوجه والصدر، وجزّ الشعر من النواصي، وبالنواحة، التي جاء فيها: (من أقام النواحة، فقد ترك الصبر)، وما ورد في الأخبار المستفيضة من النهي عن دعاء المرأة بالويل والثبور عند المصيبة، لكان أنسب بقواعد الفن، أخذاً بإطلاق هذه المضامين [424] .ولكان (مع قطع النظر عن قول صاحب الحدائق [425] (قدس سره) أن ظاهر أكثر الأصحاب الإعراض عن هذه الأخبار وتأويلها، وحملها علي محمل آخر، فإن القول بالتحريم مذهب كثير من أصحاب الحديث من الجمهور) مردوداً [426] بوجوه:أولاً: بأن ذلك لا يقتضي إلا حرمة نفس الصراخ، لا حرمة المآتم والتمثيلات التي يقع فيها ذلك، لأنه من الأمور الخارجة عن المآتم والتمثيل المقارنة لهما، والمحرّم الخارج المقارن لا يقتضي بوجه حرمة ما يقارنه، وقد روي في (الكافي) صحيحاً عن زرارة قال: حضر أبو جعفر (عليه السلام) جنازة رجل من قريش، وأنا معه، وكان في الناس عطاء [427] . فصرخت صارخة. فقال عطاء: لتسكتنّ أو لنرجعنّ. فلم تسكت، فرجع عطاء. فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن عطاء رجع لمكان صراخ الصارخة...، فقال: (امض بنا، فلو أنّا إذا رأينا شيئاً من الباطل [مع الحق]، تركنا له الحق، لم نقض حق مسلم) [428] ... الحديث.وهذا من وضوح الدلالة علي ما أشرنا إليه بحيث لا يحتاج إلي تقريب.وثانياً: بأن الصياح والصراخ إنما يكره أو يحرم علي غير الحسين (عليه السلام)، [429] وأما عليه، فلا حرمة ولا كراهة، لأنه من مظاهر الجزع عليه، وهو مندوب إليه، كيف وأعظم المعدودات في تحديد الجزع هو لطم الوجه والصدر والنواحة؟ وهذه الأخيرة مما طفحت الأخبار باستحبابها، وإلاّ لزم سد المآتم عامة.أما لطم الخد - فضلاً عن الصدر - فقد دل علي جوازه خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام)، وفيه: (ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين [بن علي] (عليه السلام)، وعلي مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب) [430] .هذا مضافاً إلي إطلاق قول الحجة (عليه السلام) في دعاء الندبة: (فعلي الأطايب من أهل بيت محمد وعلي فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون) [431] .وفي حديث معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): (اللّهمّ ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا) [432] . قال في (القاموس): الصرخة: الصيحة الشديدة [433] .وثالثاً: بأن هذه الشعائر العزائية التي يقع فيها صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب قد عقدها الأئمة (عليهم السلام) في دورهم وأمروا بها. فقد روي الصدوق في (العيون) [434] أن دعبل بن علي لما أنشد الرضا (عليه السلام) - تائيته المشهورة وانتهي إلي قوله:أفاطم لو خــــلت الحســــين مجدّلاً وقـــد مـــات عطــشاناً بشط فراتإذاً للطـــمت الخــــد فـــــاطم عنده وأجريت دمـــع العين في الوجناتلطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر، وبكي الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً حتي أغمي عليه مرتين.وروي أبو الفرج [435] بسند معتبر أنه لما دخل السيد الحميري علي الصادق (عليه السلام)، أقعد حرمه خلف الستر، ثم استنشده في رثاء جده الحسين (عليه السلام) فأنشده أبيات كثيرة قال - يعني راوي الحديث - [436] : فرأيت دموع جعفر تنحدر علي خديه، وارتفع الصراخ من داره حتي أمره بالإمساك، فأمسك الحديث.وإنا إذا رجعنا إلي قواميس اللغة، وجدنا الصراخ: الصوت، أو شديده [437] . و(الجمع) يقول: الصراخ هو الصياح باستغاثة وَجْدٍ وشدّة [438] .وقد جري نحو هذه المآتم التي تصرخ فيها النساء بمسمع من الرجال، للصادق (عليه السلام) في غير قصة الحميري، ولكن اللفظ الذي جاء في هذه تارة هكذا: (فبكي الصادق (عليه السلام) وتهايج النساء) [439] . وتارة هكذا (فلما انتهيت بالإنشاد إلي... صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه) [440] .ولأعد من بعد هذا لتتميم الكلام السابق في دعوي الكاتب أن (صوت المرأة عورة) الفقرة التي لم نعثر في ما لدينا من كتب الحديث عليها. ولا أظن الكاتب وجدها في غير كتب الفقه عبارةً لفقيه [441] .ويبعد كل البعد أن يلتبس الأمر عليه بما ورد من أن (المرأة عورة) من جهة وجوب الستر عليها، فيتوهم كون صوتها كذلك من جهة وجوب إخفائه. كيف ومتن الرواية التي رواها هشام عن الصادق (عليه السلام) هكذا: (النساء عي [442] وعورة، فاستروا العورات بالبيوت، واستروا العيّ بالسكوت) [443] . وهي صريحة في أن الأمر بالسكوت لعيّها، لا لكونها عورة، أو أن صوتها عورة، وأنه إنما يلزم من جهة كونها عورة سترها بالبيت لإخفاء صوتها [444] .إن هذه من غرائب الفقه قوله: (لو فرض عدم تحريمه - أي الصياح -، وجب تنزيه المآتم عنه، لكونه معيباً شائناً)، إذ أنه إذا كان بالفرض غير محرّم، فما هو الوجه في وجوب تركه، وغير المحرم لا يجب تركه؟ وإذا كان واجب الترك لكونه معيباً وشائناً - كما يقول - كان فعله محرماً لا محالة، وقد فرض عدم تحريمه.إن كونه معيباً وشائناً ومناف للمروءة والأدب و... و... و... إلي آخره ما تفني برقمه الطروس، إن كان يصلح علة لوجوب الترك، كان فعله حراماً، وإلاّ لم يكن تركه واجباً، فما هذا إلاّ كالمتناقض، وهل هو إلا إفتاء بوجوب الترك بلا حجّة؟إنه كان اللازم علي الكاتب عندما يفرض عدم حرمته، أن يتمهل في الحكم بوجوب تركه، ولا يتسرع إلي التهويل بكونه معيباً شائناً لأن الأئمة (عليهم السلام) في ما إذا أمروا به وفعلوه، لم يروه معيباً وشائناً، فما هو معني معيب وشائن؟ شائن ومعيب لأي شيء في رأيه؟ وهل يوجد في العناوين المحرّمة الشرعية أو العقلية كون الشيء معيباً وشائناً؟ لعمري أنه شائن ومعيب للفقيه أن يفتي بغير دليل وأن يستعمل التهاويل.وإذا أخذنا كونه شائناً ومعيباً قضية مسلّمة الحكم بالحرمة، فماذا يكون إذا صاحت المرأة عندما تسمع بأذنيها رزية سيد الشهداء، أو تري نصب عينيها تمثيل مصيبته؟ أيكون صياحها وحده محرماً لأن صوتها عورة ومناف للأدب - كما يقول-؟ أم يكون التمثيل والقراءة محرمين؟ فإن كان الأول، بطل ما يرمز إليه بقوله [445] : (إن تلك الأمور المحرمة دخلت في الشعائر قصداً لإفساد منافعها، وإبطال ثوابها). وإن كان الثاني، كان محجوجاً بما قضت به القواعد الأصولية من أن المحرّم المقارن ما لم يكن ملازماً لذات الواجب، أو عنواناً ثانوياً يتعنون به الراجح، لا يوجب حرمته ولا مرجوحيته، وأن الأعراض المفارقة الاتفاقية لو كانت في مورد اقترانها بالراجح، لا يوجب حرمته ولا مرجوحيته، وأن الأعراض المفارقة الاتفاقية لو كانت في مورد اقترانها بالراجح توجب حرمته، لحرمت الصلاة في بعض الصور [446] ، ومنع الحج، ولكان المنع من زيارة ذلك الشهيد الأعظم الكريم علي الله تعالي، أولي بالمنع، لما فيها من صياح النساء، ومزاحمتهنّ للرجال، وبروزهنّ في وسط تلك المشاهد الشريفة المقدّسة مكشفات الوجوه، بملأ من الناس وبمرأي منهم ومسمع.

رفع الصوت في الندبة علي الامام

الثامن [447] : الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحةكما وقف قلم الكاتب هنا عن إقامة دليل إقناعي - فضلاً عن برهان عقلي - علي حرمة الصياح والزعيق، يقف قلمي أيضاً وقلم كل كاتب عن تلفيق أي حجة تهويلية علي ذلك [448] .إنه لا يريد بكلمته هذه أن ينعي علي قرّاء التعزية في المآتم استكراه أصواتهم، لأنه كان من قبل الساعة ينكر عليهم استعمال الغناء، فلا شك أنه يشير إلي ما يستعمله اللادمون صدورهم في الدور والأزقة من ندبة سيد الشهداء بلغتهم الدارجة العرفية، أو الفصيحة بصوت مرتفع في الجملة، أو إلي ضوضاء ترتفع لهم أحياناً.وقد فاته أن يعلم أن الشرع في ما استحب فيه رفع الصوت - كالتلبية والأذان - لم يشترط فيه كون الصوت حسناً أو غير مستكره، فلماذا ولأي سبب يشترط هذا الكاتب - وقد جوّز ندبة سيد الشهداء - أن تكون بصوت غير مرتفع وغير مستكره؟لعمري أن صياح وزعيق أولئك لا يزيد شيئاً في الارتفاع والاستكراه من حيث نفس الصوت، عن قول الحاج برفيع الصوت (لبيك)، إذ الحاج ليس كلهم حسن الصوت، بل الغالب علي أصوات غير الشبان الاستكراه، برثاء تكلموا أم تلبية أم بأذان.نعم إذا كان صوت أولئك الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم لمواساة أئمّتهم في أحزانهم وأفراحهم موجباً لإضرار الناس من جهة فزع أفئدتهم بأصواتهم المنكرة، كان للقول بحرمتها وجه، لا من جهة نفس قبح الصوت، بل من باب إضرار الغير.

الهتك والشنعة في الشعائر الحسينية

التاسع [449] كل ما يوجب الهتك والشنعة:هنا وقف قلم الكاتب ليس فقط عن بيان دليل حرمة ما يوجب الهتك والشنعة، بل عن ذكر ما يتحقّقان به، بيد أنه [450] يزعم أنه لا يدخل تحت الحصر، ويختلف الحال فيه بالنسبة إلي الأقطار والأصقاع. وكأن الكاتب نفسه لا يحدّ هذا ولا يضبطه ولا يعينه، بل يحكم علي غائب عنه بكل معني، هتك من؟ وشنعة علي من؟ وما هو معني الهتك والشنعة؟ إدماء الرؤوس، وضرب الظهور والصدور، ولا الغناء والزمر - كما يقول -، ولا تشبيه النساء، ولا صياحهنّ، ولا إركابهن الهوادج، ولا الزعيق والأصوات المنكرة، لأن هذه قد أفرد لكل منها كلاماً يخصه في تعداد محرماته التي جعل هذا العنوان (الهتك والشنعة) تاسعاً لها، فلا محالة يكون أمراً غيرها.وغير التمثيل أيضاً، لأنه يقول في رسالته [451] : (نعم، إن التمثيل المسمي بالشبيه مما نقول بحسنه ورجحانه، وبأنه من أعظم أسباب إقامة شعائر الحزن، لكن بشرط أن لا يشتمل علي محرّم آخر، ولا شيء ينافي الآداب ويوجب الشنعة).ونحن قد أومأنا ثم صرحنا أن المحرّم الخارجي ما لم يكن ملازماً، لا يقتضي حرمة ما يقارنه، وذلك يوجب سقوط شرطه الذي اشترطه. وعرفنا أن ما يسميه منافياً للآداب ما لم يبلغ حدّ مجاوزة الحدود الشرعية، ليس بمحرّم.ولكن ما هذا الذي يوجب الشنعة علي الدين أو المتدينين غير ما ذكرناه وغير ما أسلفه الكاتب؟ وهل يستعمل القائمون بالشعائر الحسينية في مواكبهم المتنوعة معاقرة [452] الخمور، ومفاكهة ربات الفجور ونحو ذلك مما يوجب الشنعة وسوء السمعة؟ وهل بقي إلاّ لبس الأكفان [453] ، ونشر الأعلام، وقود الخيول، والخروج إلي الأزقة بتلك الهيئات المؤثرة؟وهذا لا يوجب هتكاً ولا شنعة، فإن أظهر هذه في إيجاب ذلك هو لبس الأكفان، وهو ليس بأشنع من لبس الرجل ثوبي الإحرام وهو حاسر الرأس، وافر الشعر، بادٍ لحر الشمس خمسة أيام علي الأقل إلي شهر وأكثر [454] وهو يتجوّل في الأزقة والأسواق، وهو ينادي برفيع صوته (لبيك).وعلي كل حال، فالذي يغلب علي ظني - وظن الألمعي يقينٌ - أن تلك الأعمال هي مرادة بـ(ما يوجب الهتك والشنعة)، وهي التي نقلها في رسالته [455] عن معاصره وأنه حسّن فعل الناس إياها يوم عاشوراء، فإنه في الصفحة نفسها ذكر (لبس الأكفان، وكشف الرؤوس، وجرحها بالمدي والسيوف، حتي تسيل منها الدماء، وتلطخ بها تلك الأكفان، ودق الطبول، وضرب الصنوج، والنفخ في البوقات، والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة). انتهي.ثم أرعد وأبرق بإبداء وجوه غير ما أسلفه من الأمور التسعة تدل بزعمه علي حرمة تلك الأعمال أو مرجوحيتها. ونحن - بتيسير الله وعونه - سنتعرض لذلك دعوي ودليلاً في الجزء الثاني من هذا الكتاب، فإن العوارض الوقتية كما اقتضت تأخير إنجازه، اقتضت أيضاً انشطاره إلي جزئين، ينتهي الأول منها إلي هذا الحد، ويليه - بحول الله وطوله - الجزء الثاني في أمور ربما كان بيانها أهم في شرعة الدين والأدب. ولعنا نذكر فيه أو في كتاب (صنمي قريش) أسباب هذا التأخير والانشطار.ومن الله نستمد التوفيق، ونسأله خلوص النية، والعفو عن الهفو، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلي الله علي محمد وآله أجمعين.

ملاحق

ملحق 1

نص الفتوي الجريئة التي أصدرها المرجع الديني العملاق آية الله الشيخ محمد حسين النائيني حول جواز واستحباب الشعائر الحسينية، والتي أعلن كبار مراجع الطائفة تأييدهم لهابسم الله الرحمن الرحيم1- خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلي الطرق والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه، وكونه من أظهر مصاديق ما يقام في عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلي كل قريب وبعيد.لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله، من غناء، أو استعمال آلات اللهو، والتدافع في التقدم والتأخر بين أهل محلّتين، ونحو ذلك. ولو اتفق شيء من ذلك، فذلك الحرام الواقع في البين هو المحرّم، ولا تسري حرمته إلي الموكب العزائي، ويكون كالنظر إلي الأجنبية حال الصلاة، في عدم بطلانها.2- لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي علي الخدود والصدور إلي حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً علي الأكتاف والظهور إلي الحدّ المذكور، بل وإن تأدّي كل من اللطم والضرب إلي خروج دم يسير علي الأقوي.وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات، فالأقوي جواز ما كان ضرره مأموناً [456] ، وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة علي عظمها، ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم [457] ونحو ذلك. كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتفق خروج قدر ما يضر خروجه، لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام أمناً من ضرره، ثم تبيّن ضرره منه.لكن الأولي، بل الأحوط، أن لا يقتحمه غير العارفين المتدربين، ولاسيما الشبان الذين لا يبالون بما يوردون علي أنفسهم، لعظم المصيبة، وامتلاء قلوبهم من المحبة الحسينية، ثبّتهم الله تعالي بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.3- الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون، وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء علي الأقوي...4- الدمام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا - إلي الآن - حقيقته، فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع، وتنبيه الراكب علي الركوب، وفي الهوسات العربية ونحو ذلك، ولا يستعمل في ما يطلب فيه اللهو والسرور، كما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف، فالظاهر جوازه. والله العالم [458] .

ملحق 2

هل في مراسيم عاشوراء عمل حرام شرعاًبقلم: الشيخ عبد الوهاب الكاشي [459] أكثر ما يثير الاستغراب والتساؤل في مظاهر عاشوراء عند الشيعة هو ما يقوم به بعضهم من مظاهر عزائية قاسية تتصف بالعنف أحياناً، مثل اللطم علي الصدور العارية، والضرب علي الظهور والأكتاف المجردة بالسلاسل الحديدية الجارحة، وإدماء الرؤوس بالسيوف وغير ذلك. مما يثير الاستغراب لدي البعض، بل يثير الاستهجان والانتقاد لدي البعض الآخر، ويتساءلون: لماذا يفعل هؤلاء هكذا بأنفسهم؟ ولماذا لا يمنعهم العلماء ورجال الدين؟ وهل إن هذه الأعمال جائزة شرعاً وصحيحة بحسب العرف العقلائي؟والجواب علي هذا السؤال هو: أن تلك الأعمال من حيث الأصل مباحة شرعاً إذا كان القيام بها لهدف مشروع وغرض عقلائي، ولم يترتب عليها ضرر كبير أو خطر علي حياة الإنسان. هذا ما يقوله العلماء ومراجع التقليد العليا في كل زمان ومكان. هذا من حيث الأصل.وأما قيام الشيعة بها في عاشوراء فهو أولاً لأغراض عقلائية مشروعة وبدافع الحب والولاء الشديد للحسين (عليه السلام)، فهم بتلك الأعمال يعبرون عن تأسّيهم بالحسين (عليه السلام) ومواساتهم له في تحمّل ألم الجراح وجريان الدماء. وفي نفس الوقت يمثلون بها دور العمل الفدائي في سبيل قضية الحسين (عليه السلام) التي استشهد دفاعاً عنها. ويظهرون استعدادهم للتضحية من أجلها بكل غال وعزيز.بالإضافة إلي أنها - أي: تلك الأعمال - عندهم كتظاهره كبري ضد أعداء الحسين (عليه السلام) الذين يخطّئون الحسين (عليه السلام) في قيامه ضد الدولة الأموية ويبرّرون إقدام يزيد علي قتل الحسين (عليه السلام)، وهؤلاء موجودون بيننا وفي عصرنا بكثرة.ومن جهة أخري هي كتأييد عملي ودعم شعبي لثورته المقدسة، بالتالي هي استنكار صارخ للظلم والعدوان، وتأييد التحرير والإصلاح في كل زمان ومكان.كيف لا ومظاهر القسوة والعنف في أعمال الاحتجاج أمر متداول في عصرنا هذا. فكم نسمع عن أشخاص أحرقوا أنفسهم حتي الموت وأضربوا عن الطعام حتي أشرفوا علي الموت، كل ذلك احتجاجاً علي ظلم أو اعتداء، فلم يسخر منهم شباب العصر، بل يعتبرونهم بذلك أبطالاً مناضلين، ولكن إذا قام شيعة أهل البيت بما هو أقل من ذلك وأبسط، اتّهموا بالسّخف والرجعية والوحشية، لماذا؟أضف إلي ذلك أن قيامهم بتلك الأعمال هو بمثابة تدريب وتمرين علي خلق الروح النضالية الفعّالة والمعنوية العسكرية الراقية لا تتحقّقان لدي شباب الأمة بمجرد بعض التمارين الخالية الجوفاء والتمثيليات الفارغة التي لا تخلق سوي جيشاً انهزامياً فراراً غير كرار، يصدق عليهم قول الشاعر العربي القديم:وفي الغزوات ما جرّبت نفسي ولكن في الهزيمة كالغزالويصدق عليهم قوله تعالي: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشبٌ مسنّدة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو..).أجل! إن الاستهانة بالموت تحتاج إلي تهيّؤ، وتدريب جدّي وتمارين شاقة خشنة، وإلاّ فالواقع ما قاله البطل الثائر زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام): (ما كره قوم حرّ السيف إلاّ ذلّوا).والخلاصة هي أن هذه دوافع الشيعة وأهدافهم لدي قيامهم بتلك الأعمال في عاشوراء، وهي - كما تراها - دوافع مشروعة وأهداف عقلائية نافعة.هذا مع العلم بأنهم لا يرون فيها ضرراً، ولا يحسون فيها خطراً علي صحتهم ولا علي حياتهم حسب ما يؤكدونه هم أنفسهم القائمون بتلك الأعمال، وحسب ما يشاهد بالوجدان. بل الثابت منهم وعنهم عكس ذلك، أي: أنهم قد يستفيدون من بعضها فوائد صحية.نعم قد تقع بعض الأخطاء من قبل بعض القائمين بتلك الأعمال أو بعض المشرفين عليها، فتؤدي عفواً إلي بعض الأضرار البسيطة، وذلك نادراً، والنادر الشاذ لا يقاس عليه.أما إذا أيقن أحد بحصول ضرر بالغ علي نفسه من تلك الأعمال، فلا يجوز له خاصة أن يقوم بها حتماً.هذه خلاصة وجهة نظر الشيعة ورأي علمائهم الكبار، والمطابقة لفتاوي مراجعهم العليا في النجف الأشرف وغيرها، منذ خمسين عاماً أو أكثر حتي اليوم. وتلك الفتاوي مجموعة ومدوّنة مع ذكر تواريخها وبنصوصها التفصيلية في ضمن بعض الكتب المؤلفة حول موضوع الشعائر الحسينية، أو في كراسات خاصة مطبوعة يمكنك الإطلاع عليها إذا شئت.ولا أعلم مرجعاً دينياً من مراجع التقليد عند الشيعة سئل عن حكم هذه الأعمال العزائية في عاشوراء إلاّ وأجاب بالجواز والمشروعية.هذا مع العلم بأن هذه الأعمال كانت تجري ويقوم بها الشيعة أيام عاشوراء منذ قديم الزمان وتحت سمع وبصر كبار العلماء السابقين أرباب الكلمة النافذة واليد المبسوطة، أمثال الشيخ المفيد والكليني والصدوق والسيد المرتضي والسيد الرضي والشيخ الطوسي والسيد مهدي بحر العلوم الكبير والشيخ جعفر الكبير والشيخ الأنصاري وهكذا إلي عصرنا هذا أمثال الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن والشيخ كاشف الغطاء والسيد الحكيم وغيرهم. فكانوا يؤيّدون تلك الأعمال ويدعمونها مادياً ومعنوياً.وفي هذا دلالة كافية علي جواز تلك الأعمال ومحبوبيتها شرعاً. وفيه أيضاً قناعة كافية لمن يطلب الحق ومعرفة الواقع بدون تعنّت وتصلّب واستبداد في الرأي.أما الناقدون والمعارضون لتلك الأعمال العزائية فليس عندهم سند منطقي ولا قاعدة عامة عقلائية يصح الاستدلال بها في معارضتهم لها، فإنهم يقولون - مثلاً - أن القيام بهذه الأعمال توجب السخرية والاستهزاء بهم من قبل الأجانب.ونقول في الجواب: أن السخرية والاستهزاء والاشمئزاز من قبل بعض الناس علي عمل ما، لا يثبت فساد ذلك العمل، ولا يقتضي تركه لمجرد ذلك، ولا توجد قاعدة عقلائية تقول أن كل عمل أثار السخرية من قبل شخص أو أشخاص فذلك العمل باطل فاسد يجب تركه لا شيء سوي استهزاء بعض الأشخاص البعيدين عن معرفته وحقيقته.ولا يوجد عاقل في العالم يؤمن بأن محض السخرية ومجرد الاستهزاء بشيء ما سبب كاف وعلة تامة لفساد ذلك الشيء.إذ لو كان الأمر هكذا لوجب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في بدأ الدعوة أن يترك الرسالة والدعوة إلي الإسلام لماذا؟ لأن قريش صارت تستهزئ به وتسخر من دعوته وتشمئز منه لذلك. أو لوجب أن يترك الصلاة علي الأقل، لأنها كانت أكثر ما في الإسلام إثارة لسخرية المشركين واستهزائهم منه بها، فهل ترك الصلاة؟ طبعاً كلا.بل أقول: لو كان مجرد استهزاء البعض علي القيام بعمل ما يبرّر تركه لكان يلزمنا نحن المصلين في هذا العصر أن نترك الصلاة لأنها أصبحت موضع سخرية واستهزاء من قبل أكثر الشباب والمتمدنين من أهل زماننا هذا، فهل يصح تركها لذلك خوف أن يقال لنا رجعيين؟وها هو الحجاب للمرأة أصبح عيباً وعاراً ومدعاة للسخرية والاتهام بالرجعية، فهل صار حراماً وخلعه واجباً أو جائزاً شرعاً لذلك؟ وهاهي أكثرية النساء في البلاد الإسلامية قد خلعن حجابهنّ وبرزن سافرات، فهل أحسنّ بهذا صنعاً؟وأعوذ فأكرر القول بأن مجرد الاستهزاء ومحض سخرية تصدر من أناس علي أفعال وأعمال أناس آخرين لا يبرر الحكم علي تلك الأعمال بالفساد والسوء حتي يثبت فساد تلك الأعمال من حيث العوامل والنتائج. فإذا كان العمل صحيح العوامل والأسباب وصحيح النتائج والثمرات بشكل عام، فحينئذ الاستهزاء به كهواء في شبك (وأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).وأنني إذ أقول هذا لا أستبعد أن يكون أكثر هؤلاء المنتقدين للشعائر الحسينية قد وقعوا تحت تأثير الدعاية الأموية من حيث يشعرون أو لا يشعرون أو لا يشعرون. تلك الدعاية التي نشطت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في كثير من البلدان الشيعية، وبقصد القضاء نهائياً علي كل أثر من ذكر ثورة الحسين (عليه السلام) علماً منهم بأن هذه الذكري هي الوسيلة الوحيدة الباقية للدعوة الصادقة المخلصة إلي الحق ومكافحة الباطل.من إحياء ذكري الحسين فقط ترتفع أصوات المعارضة الصحيحة ضد الظلم والظالمين. من هذه الذكري تنطلق الأضواء الكاشفة فتسلّط علي كل زوايا المجتمع ومنعطفات طريق السعادة الاجتماعية لتلفت أنظار الناس إلي ما أمامها من أخطار وعقبات، فيتجنبونها ويواصلون سيرهم بسلام آمنين.أيها القاري الكريم! إن ساحة كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61 هجرية كانت أشبه بمسرح تمثيل، في جانب منه قام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بتمثيل أروع دور لمثالية الإنسان، وأسمي ما يمكن أن يرتفع إليه بروحه وخلقه وأريحيته، بحيث لا يبقي في الوجود ما هو أشرف منه وأفضل سوي خالقه العظيم.في الطرف الآخر قام أعداء الحسين (عليه السلام) بتمثيل أدني وأسفل درك من الحضيض يمكن أن يتدني إليه ويهوي فيه هذا البشر من اللؤم والخبث والقوة والأنانية، بحيث يتندّي منه جبين الوحش ولا يبقي في الوجود ما هو شر منه ولا أسوأ مطلقاً.ولا تزال حوادث تلك المعركة هي المعالم الواضحة والحد الفاصل والسمات الظاهرة بين الحق والباطل وهي المقياس الدقيق لمعرفة الخير من الشر إلي أبد الآبدين.أجل! إن معركة كربلاء لم تنتهي بنهاية يوم العاشر من المحرم، بل هي لا تزال قائمة بصورها المختلفة وأحجامها العديدة وفصولها المتغيرة في كل زمان ومكان وما دام في الحياة خير وشر وحق وباطل.وما أحسن تصوير الشاعر لهذا المعني في معركة كربلاء حيث قال:كأن كل مكان كربلاء لدي عيني وكل زمان يوم عاشوراءفالحسين (عليه السلام) من وجهة نظر الشيعة وكل الخبراء في العالم إنما هو رمز الخير والعدل والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية. والأمويون هم رمز الرذيلة والجور والاستبداد والظلم الاجتماعي.وكل الأعمال العزائية التي يقوم بها الشيعة أيام عاشوراء إنما يعبرون بها عن دعمهم وتأييدهم للخير والعدل والحق، واستنكارهم وكرههم للظلم والباطل.وهذا دليل علي وعيهم الاجتماعي ونضجهم السياسي الكامل حسب ما يؤكده الباحثون وحسب ما هو واضح من ثوراتهم التحريرية عبر تاريخهم الطويل والمليء بالتضحيات.

ملحق 3

الصمود ازاء التشكيكاتبقلم يوسف رمضان [460] منذ بداية هذا القرن، كانت القوي المعادية للإسلام تحاول بين فترة وأخري اختبار ميزان قوة المسلمين الشيعة من خلال بالونات اختبار متعددة، وكان منها إثارة الشكوك حول أمور لها علاقة مباشرة بالعقائد الدينية وشن حرب نفسية عليها.فإن كانت تواجه الرد القولي والعملي إزاء تلك التشكيكات، كانت تتراجع لفترة مؤقتة، وإن كانت تجد تقبّلاً لتلك التشكيكات، كانت تطرح المزيد منها حول أمور أخري ذات صلة بالمعتقدات، وتحاول التهريج عليها.الشعائر الحسينية كانت في صدر قائمة الأمور المستهدفة، هذه القوي كانت تسعي إلي جعل الشعائر في عزلة، وحصر ممارستها علي عدد قليل ومن ثم القضاء عليها كلياً.وكان التطبير أول ما يطرح ضده الشبهات في منظومة الشعائر الحسينية، إن إثارة البسطاء من الناس من خلال التهييج العاطفي أمر سهر للغاية، هذا في السابق.أما اليوم فالحرب علي ممارسة التطبير يأتي في نفس الإطار، لكن مع تغييرات في الأساليب وكيفية طرح التشكيكات، اقتضاها تطور الزمن. منذ سنين ونحن نري ونسمع تجدد إثارة الشبهات حول الشعائر عموماً وحول التطبير خصوصاً، وشن حرب نفسية ضد ممارستها ولاسيما التطبير بهدف زعزعة استقامة المؤمنين من المطبرين وغيرهم، وذلك من خلال بعض الصحف والأشرطة.لكنّ أنصار الإمام الحسين وقفوا المرة أيضاً في وجه هذه الإثارات والتشكيكات وقفة رجل واحد، فلم تزدهم التهريجات إلاّ ترابطاً وتماسكاً وتفاهماً واندفاعاً نحو ممارسة هذه الشعائر التطبير بالخصوص، وصمد المشاركون في عمليات التطبير صموداً مستحسناً، ولم تؤثر فيهم الحملات النفسية التي كانت تستهدف تحطيم معنوياتهم، وقد أثبت التاريخ أنه كلما أججت النيران ضد التطبير، ولجأ البعض إلي العمل ضده، كلما ازداد الاندفاع نحوه وزاد لهيبه في القلوب. كما أن علماء الدين والدعاة المخلصين ساهموا في استنارة الرأي العام حول هذا العمل، ودفع الشبهات المطروحة حوله.مجموع هذه الردود أدّت إلي اندحار الأعداء مرة أخري. لكنهم لجؤوا هذه المرة إلي سب وشتم المؤمنين المطبرين، والتجاسر علي الفقهاء ومراجع الدين الذين حكموا باستحباب التطبير، واتهموا هذا العمل بتهم ظالمة.ولم يترك المؤمنون التطبير سنةً ما تأثراً بالشبهات، بل كانت هذه الإثارات تؤدي إلي ارتفاع بارومتر التطبير في مختلف بلدان العالم. ولم تكن مواجهة الأخطار تؤثر سلبياً عليه، بل كانت تزيد المؤمنين حماساً وشوقاً واندفاعاً نحو ممارسة هذا العمل المقدس.والسبب الوحيد الذي كان يوجب ترك التطبير هو حظر السلطة السياسية لذلك بعد إلغاء حرية ممارسة هذا العمل، واستخدام القوة في منعه، وذلك لأهداف سياسية بحتة لا تمت إلي الدين بصلة، مثلاً في عام 1975 ظهر أحد علماء البلاط في التلفزيون العراقي، وقال إن التطبير يعني إسراف الدماء، وذلك في حين أن مقاتلينا في سيناء والجولان والضفة بحاجة إلي هذه الدماء، والإسراف حرام شرعاً. كما أن التطبير عمل يثير الرعب في نفوس النساء والأطفال الذين يشاهدونه، وتخويف الآخرين بدون سبب حرام شرعاً. وليس هناك دليل شرعي واحد علي جواز هذا الفعل، كما أنّ أحداً من الأئمة لم يفعل ذلك. فهذا العمل بدعة أدخلها الجهلة الحمقي المغفّلون إلي مدننا.بعد هذا الخطاب بأقل من أسبوع أبلغت سلطات الأمن العراقية جميع الهيئات الحسينية في المدن العراقية التي كان يمارس فيها التطبير، قرار حظر رسمي للتطبير، وعقوبة سجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لمن يقدم عليه.ولا أقصد مما ذكرته منع طرح الأسئلة وإقامة النقاشات حول الشعائر عموماً والتطبير خصوصاً، فالسؤال مفتاح فهم الحقيقة، لكن ينبغي التخلّق بأخلاق السؤال والنقاش عند طرح الأسئلة، وأقصد أن يكون الهدف هو الاستفهام لا العناد والجدل، وأن لا يشتمل علي إساءة أدب إلي أي من مراجع الدين وإلي الذين يمارسون التطبير واتهامهم بتهم ظالمة، وأن لا يراد فرض رأي شاذ علي بقية العلماء ومقلديهم.وأما ما أثير من شبهات حول التطبير فهي عموماً لا تستند إلي أُسس علمية وحقائق تاريخية ودينية، بل ناتجة عن عدم معرفة قواعد الأحكام الشرعية وبعض الأمور الأخري...نأمل أن يقوم شبابنا الأعزاء بقراءة هذا الكتاب وتحصين أنفسهم أمام شبهات الأعداء، وأخيراً مباشرة التطبير في كل عاشوراء، فإن فيه ثواباً عظيماً، كما أنّ ارتفاع عدد المطبّرين سيكون بمثابة زيادة حجم الحصانة حول العقائد الدينية. ونسأل الله أن يوفقنا لذلك، إنه مجيب.

پاورقي

[1] سورة البقرة، آية 159.
[2] أمالي الطوسي 1: 386.
[3] مستدرك الوسائل 10: 318. م.
[4].
[5] هو السيد محسن الأمين الشقراوي العاملي نزيل الشام، وقد سمي رسالته (التنزيه لأعمال الشبيه). وهي ليست بتنزيه، بل تشويه.
[6] هو الشيخ عبد الحسين صادق العاملي، وتدعي رسالته (سيماء الصلحاء).
[7] في ص 13 منها.
[8].
[9] سورة النور: الآية 22. م. [
[10] سورة آل عمران: الآية 134. م.
[11] باباً.
[12] ممحقة: ذاهب بخيره وبركته، أو لا يبقي منه شيء. م.
[13] عن كتاب النبوة): (لا ينتصر لنفسه من مظلمة حتي تنتهك محارم الله تعالي، فيكون غضبه لله - تبارك وتعالي-، لا لنفسه).
[14] في أبواب الجهاد.
[15] عنه بسنده إلي عبد الله بن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (بلغني أن قوماً يأتونه - يعني الحسين (عليه السلام) - من نواحي الكوفة، وأناساً غيرهم، ونساءً يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصّ يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي). فقلت له: نعم، قد شهدت بعض ما تصفه. فقال: (الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا، ويمدحنا، ويرثي لنا، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا، وغيرهم يهددونهم ويقبّحون ما يصنعون).
[16] أي: صاحب (رسالة التنزيه). م.
[17] زعق: صياح. م
[18] حاسرة: كاشفة. م.
[19] سَورة الغضب: شدّة الغضب. م.
[20] جلبة: اختلاط الأصوات والصياح. م.
[21] منها: من المنكرات. م.
[22] هذا القول نفسه كذب.
[23] هذا قدح في العلماء من حيث عدم نهيهم عن المنكر. ودعوي عدم السماع منهم، مما لا ينبغي الإصغاء إليها في خصوص الأخبار المكذوبة، ولعل عدم الإنكار دليل علي عدم كونها عندهم من الأخبار المكذوبة.
[24] ذكري الشيعة:68. م.
[25] الرعاية: 94. م.
[26].
[27] المراد بالضعيف ما لم يعلم أو يظن بكونه مختلقاً، ولذا قيّد الشهيد ذلك بما لم يبلغ حد الوضع.
[28] مصدر (أخبر)، لا جمع (خبر).
[29] عن علي (عليه السلام): (إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلي الذي حدّثكم، فإن كان حقاً فلكم، وإن كان كذاباً فعليه). وهذا هو الذي اختاره بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم)، وبه صرح العلامة الفقيه الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في كتابه (ذخيرة المعاد): ص 368 - 369، وهذه ترجمة عبارته: هل يجوز في الفضائل والمصائب القراءة بلسان الحال ومقتضي شاهد الحال أم لا؟ وعلي تقدير الجواز هل يجب الإشعار والإعلام بذلك أم لا؟ وإذا نقل أحدٌ حكايات الفضائل من كتاب غير معتبر أو لسان بعض القرّاء، هل يجوز ذلك أم لا؟ وهل علي القارئ إسناده أم لا؟ الجواب: ذكر المصائب بلسان الحال جائز إذا كان مناسباً للإمام (عليه السلام)، ولابد من الإشعار والإعلام بكونه لسان الحال، وإذا نقل من كتاب معتبر أو غير معتبر لابد من الإسناد إلي الناقل، ولا حاجة إلي تعيين الكتاب المنقول عنه).
[30] قد لا يحتاج إلي بعض ما ذكره من الأدلة الشرعية، فإنه يكفي في الجواز شرعاً أن ذلك لا يعدّ كذباً عرفاً حتي تترتب عليه أحكامه، وليس سواه عنواناً محرّماً يعمه حتي يقال بالحرمة لأجله. وأما العقل فلا حاجة إلي تحسينه، بل يكفي عدم حكمه بقبحه، لفرض خلوه عن المضرة علي تقدير الكذب، وببيان آخر يكفي في جوازه شرعاً الأصل، لعدم الدليل من العقل والنقل علي حرمته.
[31] ذلك، وإن لم يكن الأمر كما بلغه).
[32] إلي النبي (صلي الله عليه وآله) من طريق الفريقين من أنه (صلي الله عليه وآله) قال: (من بلغه عن الله فضيلة، فأخذها وعمل بما فيها إيماناً بالله، ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك).
[33]: (أخبار الفضائل يتسامح بها عند أهل العلم).
[34].
[35] ولد الشيخ حسن المذكور في النجف في حدود سنة ألف ومائتين وبضع عشرة هجرية، وتلمذ في الأصول علي جماعة، منهم الميرزا القمي - صاحب القوانين -، وفي الفقه علي العلامة المحقق المدقق صاحب الجواهر (قدس سره)، وله يد طولي في الأدب وشعر كثير في مدائح أعيان عصره ومراثيهم، ومراجعات أدبية خالدة مع السيد راضي البغدادي والسيد حيدر الحلّي. وقد أكثر من رثاء سيد الشهداء، بيد أن الموجود منه قليل، وله كتاب في مقتل الحسين (عليه السلام) يتضمن مراسيل غريبة، وقد أخفاه في حياته تحرّجاً، لأن بعض ما فيه لم يروه بلفظه، وتورّع عن النقل بالمعني مع صوغ اللفظ من معدن أدبه. وقد نقل عنه في (الدمعة) كثيراً، وهو من معاصري صاحبها، ولو كان معروفاً بالكذب - كما قد يتوهم - لعلم ذلك معاصره، ولم ينقل عنه. وللشيخ حسن المذكور ولد يدعي الشيخ أحمد، ذكره المحدث النوري في بعض كتبه بهذا اللفظ: (بديع الزمان في هذا الأوان، الجامع بين العلم والأدب والحسب الباذخ والنسب، أبو سهل الشيخ أحمد بن العالم العليم والفقيه الحكيم المقتدي المؤمن المؤتمن الشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبد الحسين الملقّب بـ(أبي قفطان) تغمده الله بالرحمة والرضوان). وله أخوة، منهم الشيخ محمد والشيخ جعفر ولدا الشيخ علي السعدي، وكانت مهنتهم التي يعيشون بها نسخ كتب الفقه والحديث، وخاصة كتاب (جواهر الكلام) في الفقه، وكانوا يحسبون ذلك قرباً وزلفة. وهم رياحيون من سعد العشيرة من تميم الذين يقطنون في أطراف الدجيل قرب سامراء. انتقل والدهم الشيخ علي بن نجم الدين إلي قرية شرقي الكوفة، تبعد عنها نحو اثني عشر فرسخاً، ثم منها إلي النجف، وبها ولد الشيخ حسن المترجم وأخوته، ولازال بنوهم اليوم في النجف.
[36] وسائل الشيعة 18: 11، الحديث التاسع. م.
[37] لم أجد حديثاً بهذا المضمون، والذي وجدته أن سفيان بن السمط قال للإمام الصادق (عليه السلام): جعلت فداك! إن الرجل ليأتينا من قبلك، فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر، فيضيق بذلك صدورنا حتي نكذبه. فقال الإمام له: أليس عني يحدثكم؟ فأجاب سفيان: بلي. فقال الإمام: فيقول للّيل أنه نهار والنهار أنه ليل؟ فأجاب سفيان: لا. فقال الإمام: رده إلينا، فإنك إن كذّبت، فإنما تكذبنا). بحار الأنوار 2: 187. م.
[38] بحار الأنوار 2: 186. م.
[39] بحار الأنوار 2: 186. م.
[40] هذه الأخبار مذكورة في بصائر الدرجات وفي الوسائل أيضاً في أبواب متفرقة.
[41] عوالم العلوم والمعارف 17: 493-494 م.
[42] لم أجده فيه. م.
[43] بحار الأنوار 45: 191 - 192. م.
[44] بقيته: (وجاء والدم يقطر منه، فرأي طيوراً...، فقال لهم.. الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقي علي الرمضاء، ضامئ مذبوح ودمه مسفوح... فلما رأته الطيور... تواقعن علي دمه يتمرغن فيه، وأن طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول وجاء يرفرف حول قبر سيدنا رسول الله... يعلن بالنداء ألا قتل الحسين بكربلاء، ألا ذبح الحسين بكربلاء، فلما نظر أهل المدينة...). م.
[45] بأسانيد مختلفة ومتون متقاربة من معجزاته (عليه السلام)، وكرّر نقله في مواضع من الكتاب المذكور.
[46] عوالم المعارف 17: 490.
[47] بحار الأنوار 45: 171.
[48] عن الحسن بن علي الحلواني، عن علي بن يعمر، عن إسحاق بن عبادة، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليه السلام).
[49] نصه: (لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) جاء غراب، فوقع في دمه، ثم طار.. فوقع بالمدينة علي جدار فاطمة بنت الحسين بن علي (عليه السلام) وهي الصغري، فرفعت رأسها، فنظرت إليه، فبكت بكاءً شديداً. م.
[50] الدمعة الساكبة 2: 291. والذي فيه: لما نزل الحسين (عليه السلام) في كربلاء، كان أخص أصحابه وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع، سيما في مظان الاغتيال...، فخرج الحسين (عليه السلام) ذات ليلة إلي خارج الخيم حتي بعُد، فتقلد هلال سيفه وأسرع في مشيه حتي لحقه، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة علي المنزل، ثم التفت إلي خلفه فرأي هلال، فقال: من الرجل؟ هلال؟ فقال: نعم جعلني الله فداك، أزعجني خروجك ليلاً إلي جهة معكسر هذا الطاغي. م. فقال: يا هلال! خرجتُ أتفقد هذه التلال مخافة أن تكون كنّاً لهجوم الخيل علي مخيمنا يوم تحملون ويحملون.. ثم فارق الإمام هلال ودخل خيمة أخته.. قالت: أخي! هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟.. فبكي (عليه السلام) وقال: أما والله لقد بلوتهم وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس.. م.
[51] الدمعة الساكبة 2: 317، أسرار الشهادة - للدربندي -469 (المجلسي 19). م.
[52] لعل هذا غير كتاب (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي، ولا أعرف مؤلف.
[53] ذكر ذلك في ترجمة ابن السراج وابن البطائني وابن المكاري، صفحة 289 في حديث طويل جاء فيه: (فقال له علي - يعني: ابن أبي حمزة البطائني -: إنّا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله. فقال له أبو الحسن (عليه السلام): فأخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان إماماً أو كان غير إمام؟ قال: كان إماماً. قال: فمن ولي أمره؟ فقال: علي بن الحسين. قال: وأين كان علي بن الحسين؟ قال: كان محبوساً في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة، خرج وهم كانوا لا يعلمون حتي ولي أمر أبيه، ثم انصرف. فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي من كربلاء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف، وليس هو في حبس ولا في إساءة.
[54] بحار الأنوار 27: 288 - 291 و 45:169. وفيها أخبار تدل نصاً وتقريراً علي ذلك. م.
[55] هذا السلام جزء من زيارة عاشوراء المعروفة بـ(زيارة الناحية المقدسة)، ذكرها الشيخ المفيد في كتاب (المزار الكبير):165 - 171، ونقلها عنه في البحار 98: 317 - 328. م.
[56]: وجدت بخط محمد بن علي الجبعي، نقلاً عن خط الشهيد نقلاً من مصباح الشيخ أبي منصور (رحمه الله): روي أنه دخل النبي يوماً إلي فاطمة، (وساق الحديث إلي أن) قال: وأما الحسين (عليه السلام) فإنه يظلم، ويمنع حقه، وتقتل عترته، وتطؤه الخيل، وينهب رحلة، وتسبي نساؤه وذراريه، ويدفن مرمّلاً بدمه، ويدفنه الغرباء. قال علي (عليه السلام) فبكيت وقلت: هل يزوره أحد؟ فقال: يزوره الغرباء.
[57] الإرشاد:243. وفيه: (ولما رحل ابن سعد، خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية، إلي الحسين وأصحابه (رحمة الله عليهم)، فصلّوا عليهم، ودفنوا الحسين (عليه السلام) حيث قبره الآن، ودفنوا...) م.
[58] اللهوف:127. م.
[59] أسرار الشهادة:469 (المجلس 19). م.
[60] عن ابن عباس في رواية ابن جبير عن أم سلمة أيضاً في حديث طويل جاء فيه قول أم سلمة (فلما كانت الليلة القابلة، رأيت رسول الله أغبر أشعث، فسألته عن شأنه، فقال: ألم تعلمي أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه؟.
[61] اللؤلؤ والمرجان:175 - 180. م.
[62] اللؤلؤ والمرجان: 136 - 137. م.
[63] اللؤلؤ والمرجان:137 - 138. م.
[64] في مجالسه ج 2 ص 47.
[65] في نسخة (فلا عدمت..). م.
[66] هذا البيت وما ورد بعده ذكره الطبري في تاريخه وأبو الفرج في (الأغاني) ج 16 ص 126 لعاتكة بنت يزيد بن عمرو بن نفيل، وليس هو للرباب التي لم يؤثر عنها أنها وضعت رأس الحسين (عليه السلام) في حجرها، ولا قبّلته. إنما المروي لها في رثائه ما ذكره أبو الفرج في (الأغاني) ج 14 ص 158، وهو: إن الذي كان نوراً يســــــتضاء به بكربــــلاء قتــــــيلٌ غــــير مدفون في أبيات خمسة مذكورة في المحل الذي ذكرناه من (الأغاني).
[67] سواد السَّبج: حجر شديد السواد، يشبّه به سواد الشيء. م.
[68] بحار الأنوار 45: 114، عوالم العلوم 17: 373. وفيه: (.. أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام)، وهو رأس زهريٌ قمريٌ، أشبه الخلق برسول الله (صلي الله عليه وآله) ولحيته كسواد السبج بها...، فالتفتت زينب (عليها السلام) فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحل، حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة..). ومقصود المؤلف أن كون لحية الإمام كسواد السبج ورد في حديث مسلم الجصّاص، وقد ورد في نفس هذا الحديث أن السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين جرحت رأسها في عزاء أخيها أمام الحسين. فإذا كان السيد الأمين يري حرمة تجريح الرأس، فكيف اعتمد علي حديث دال علي جواز تجريح الرأس؟ م.
[69] كقوله: وقفت له الأفلاك حين هويه وتبــدلت حـركاتها بسكون.
[70] مستند الشيعة 2: 109. م.
[71] رسائل الشريف المرتضي 1: 356. حيث نفي المرتضي أن تكون النملة قد تكلمت فعلاً، بل أوّل الآية بأنها لما خافت من الضرر الذي أشرف النمل عليه، جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك الحكاية البليغة، لأنها لو كانت قائلة ناطقة ومحفوفة بلسان وبيان لما قالت إلا مثل هذا. م.
[72] في المصدر (استنطقوا). م.
[73] نهج البلاغة: لخطبة 221. م.
[74] المقصود هو السيد الحميري. م.
[75] لفظ التلحين غلط لغوي، ولست بصدد استقصائه. التلحين تخطئة الإنسان غيره بقوله. ولا يأتي بمعني القراءة أو التصويت أو التطريب أو الترجيع ونحوها مما يحتمل أن يقصده الكاتب.
[76] والرجوع في ما عدا ذلك إلي الأدلة المثبتة للتكاليف، لأنها مخصصة بمنفصل مجمل مفهوماً، مردد بين قلة الخارج وكثرته. ولعل القائل بالرجوع إلي البراءة مراده ذلك لموافقته لأصالة البراءة حكماً ونتيجة. هذا علي القول بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة المفهومية.
[77] مجمع الفائدة والبرهان 8: 61. م.
[78] مستند الشيعة 2: 343-344. م.
[79] الباء للسببية، أي: بسبب عمل.. م.
[80] وسائل الشيعة 4: 859.
[81] وسائل الشيعة 4: 858.
[82] الكافي 2: 615. م.
[83] الكافي 2: 616. م.
[84] الكافي 2: 615. م.
[85] سورة المزمّل آية 4. م.
[86] في المصدر (به). م.
[87] وسائل الشيعة 4: 856. م.
[88] رواه الجمهور عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلي الله عليه وآله). ورواه أصحابنا عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلي الله عليه وآله)، فهو صحيح بلا مرية.
[89] الكافي 2: 614. م.
[90] أي: في الحديث المروي عن النبي. م.
[91]: وهذا خيال فاسد، لأن مطلق اللحن - أي الترجيع والتطريب - إذا لم يكن لهوياً ليس غناءً. وقوله (صلي الله عليه وآله) (إياكم ولحون أهل الفسق) نهي عن الغناء.
[92] وسائل الشيعة 12: 225 - 232. م.
[93] المكاسب 3: 281، 287، 235، 295. م.
[94] المكاسب 3: 215 - 216، 235. م.
[95] أي: تعريف الغناء. م.
[96] جامع المقاصد 4: 23. م.
[97] مخطوط. م.
[98] مجمع الفائدة والبرهان 8: 61. م.
[99] كفاية الأحكام: 86. م. [
[100] مستند الشيعة: 343. م
[101] المكاسب 3: 269. م
[102] هو أصالة الإباحة في مطلق الشبهة التحريمية البدوية. وعلي ما أسلفناه يراد به العمومات المثبتة للتكليف.
[103] مرادهم من قصور الإطلاقات كون المحكوم فيها بالحرمة لفظ الغناء، وهو مفرد معرّف، وقد حقّق في الأصول عدم إفادته العموم في نفسه.
[104] في المصدر (والفرح) بدل (والنوح). م.
[105] قرب الإسناد:294. م.
[106]. ولا يضر اشتمال الخبر علي جواز الغناء في غير النوح مما لا يقولون بجوازه فيه. ويحتمل أن يراد بالغناء في الجميع لحن العرب وترجيعهم، وهو ليس بغناء حقيقة.
[107] مقصوده أنه توجد في نسخة أخري عبارة (لا بأس ما لم يزمر به) بدلاً من (لا بأس ما لم يعص به).
[108] مجمع الفائدة والبرهان 8: 61-62. م.
[109] وإنما ذكرت ذلك لتنبيه الكاتب علي أن الغناء في الرثاء ليس بتلك المكانة من وضوح الحرمة، وعدم القائل، كما يستفاد من ظاهر كلامه.
[110].
[111] كامل الزيارات:104. م.
[112].
[113] أي الثالث من المنكرات التي ادعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.
[114] لا يخفي أن هذا الكلام عار عن الصحة تماماً، وقد كانت دعوي مرض المطبّر وموته منذ أمد بعيد أكثر ما يرد في غوغائيات القشريين المشهّرين بالشعائر الحسينية عموماً وبالتطبير خصوصاً. قال كاشف الغطاء في (المواكب الحسينية): قد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية، وما رأينا شخصاً مات أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين. وقال الشيرازي في (الشعائر الحسينية): لئن سقط أحدهم - أي: أحد المطبّرين - حين الضرب، لكثرة نزف الدماء وتغلّب الضعف عليه، فسرعان ما ينهض ويواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب، وإنني شخصياً لم أسمع برجل سقط فمات إلاّ وتتبعته، فإذا به يمشي في الشوارع، ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذباً. م.
[115] دعوي وقوع الإغماء والمرض والموت وبطء البُرء فرية بلا مرية. نعم قد يتحقق نزف الدم بلا ضرر، ولكن نزف الدم نفسه عند الكاتب ضرر!!.
[116]، وفي قواعد شيخنا الشهيد تقديم لفظة السمحة علي السهلة. وأظن الكاتب نقله بالمعني.
[117] سورة الحج آية 78. م.
[118] هذا إشارة إلي وجود التكاليف الشاقّة في الشريعة، كالجهاد، والحج في حق البعيد، وتمكين النفس من الحدود والقصاص والتعزيرات، ومجاهدة النفس بترك الأخلاق الرديئة المرتكزة فيها، والصبر علي المصائب والبلايا العظيمة، ونذر الأمور المتعسّرة كالمشي إلي بيت الله الحرام، وصوم الدهر عدا العيدين، وإحياء الليالي - علي ما عليه جماعة من انعقاده-، والحج متسعكاً لمن زالت استطاعته بالتقصير بعد استقراره عليه، وغير ذلك.
[119] وسائل الشيعة 5: 246. م.
[120] منها ما في صفحة 20 من عدم وجوب الوضوء عند خشونة الجلد وتشققه من استعمال الماء، ومنها في صفحة 17 من الحكم بسقوط المباشرة عمن يعسر عليه الركوب للحج، وعدم وجوب الغسل علي من يؤذيه استعمال الماء.
[121] سورة الحج آية 78. م.
[122] سورة البقرة آية 185. م.
[123] هذا الوجه ذكره في الفصول.
[124] هذا الوجه ذكره المحقق الآشتياني. وربما يدعي رجوعه علي سابقه، ولكن لا يخفي أن الفرق بينهما هو أن الملحوظ في الأول دعوي انتفاء الحرج موضوعاً مع الترخيص في الترك. وفي الثاني لم يلحظ إلاّ مفاد الأدلة وما يستظهر منها مع الغض عن تحقّق الحرج أو انتفائه مع الترخيص في الترك.
[125] قد يحصل العسر في بعض المندوبات من نفس كثرتها، كالأعمال المندوبة في ليلة القدر التي لا تفي بها أطول ليلة، النصف من شعبان، وما بين الزوال وغروب الشمس يوم عرفة، وفي اليوم الخامس عشر من شهر رجب، وغير ذلك. ولا ريب أن نفس تكثر المندوبات وصعوبتها نوعاً دليل اختصاص القاعدة بغيرها، وكذا المكروهات. ومن هنا استشكل في استحباب الجميع، حيث انه موجب للاختلال، بل الجمع بين المستحبات الواقعة في الشريعة بحسب أجزاء الزمان مما لا يقدر عليه، ولذلك قيل بأنه من باب التزاحم، فيقدم أهمها، أو التخيير مطلقاً.
[126] لأن الحرج عنده لا يتأتي من قبل الحكم، وإلا يسقط كلامه من رأس بل كون الفعل حرجياً يقتضي عدم جعل الحكم له، والفعل حرجي دائماً مهما كان حكمه، فلا يكون جائزاً أبداً، وإلاّ إذا تغيّر تغيّراً تكوينياً بانقلاب حقيقته إلي فعل آخر غير حرجي.
[127] أي: الثاني من أهم الوجوه التي ترد علي الكاتب أن أراد أنه لا حكم مجعول في الشريعة لبعض الشعائر الذي فيه عسر، أو أن حكمها مرفوع بسبب العسر. م.
[128] لأن ظاهر خطابات أدلة الحرج تعلقها بكل مكلّف، لا بالمجموع، كقوله تعالي: (كتب عليكم الصيام)، ولأن رفع الحكم الحرجي للامتنان بلا شبهة، ولا يناسب ذلك رفعه عمن لا يكون الحكم في حقه حرجياً.
[129] الشين: ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة، أو الموجبة لتشقق الجلد وخروج الدم. م.
[130] وسائل الشيعة 2: 967- 969، م.
[131].
[132].
[133] هو صاحب الجواهر نفسه 5: 106.
[134].
[135] أي: الثالث من أهم الوجوه التي ترد علي الكاتب إن أراد أنه لا حكم مجعولاً في الشريعة لبعض الشعائر الذي فيه العسر، أو أن حكمها مرفوع بسبب العسر. م.
[136] هذه المراتب هي: الموت، قطع عضو من أعضاء الجسم كاليد والرجل، ألم شديد طويل المدة الذي لا يتحمل عادةً، فإذا استلزم فعل أحد هذه الأمور الثلاثة، فهو موجب لرفع التكليف وحرمة الفعل. ولا يخفي أن القيام بالشعائر الحسينية وبالخصوص التطبير والضرب بالسلاسل علي الظهر لا يوجب أحد هذه الأمور الثلاثة يقيناً. م.
[137] هذا عطف علي قوله: (إلا كاشف الغطاء). م.
[138] وإلاّ لزم تساوي البدل الاضطراري ومبدله في الرتبة، وذلك خلاف ما يستفاد من أدلة البدلية الاضطرارية، وهذا من الشواهد عند هذا القائل علي ارتفاع الحكم عند الحرج ملاكاً وخطاباً في ذلك المورد، لا الإلزام به فقط.
[139] الذي استقر عليه الرأي الأخير لهم هو أن المرفوع بأدلة الحرج - حسب ما يستفاد منها ومن الخارج - هو الإلزام بالفعل رعاية لعنوان التسهيل الذي هو أهم بنظر الشرع من بقاء الفعل علي ما هو عليه من رجحانه وحسنه الذاتي. وهذا المقدار من الرجحان الذاتي يكفي في صحة الفعل العبادي إذا أتي به المكلّف لداعي كونه كذلك عند المولي، ولا تتوقف صحته عند المحققين علي أزيد من ذلك، ولذلك حكموا بصحة العبادة في موارد خالية عن الطلب في بعض الفروض.
[140] حيث وردت أدلة خاصة علي استحباب هذه الأمور. م.
[141] مذكورة في ص 20 من الرسالة، وهي خوف المكلّف حصول الخشونة في جلده وتشققه من استعمال الماء في الوضوء، وفي ص 17 من سقوط مباشرة الحج عمن يعسر عليه الركوب.
[142] القواعد 1: 127-132. م.
[143] لأنها مخصصة بمنفصل مجمل مفهوماً، مردد بين قلة الخارج وكثرته، والمتعين في ذلك - علي ما برهن عليه - الرجوع إلي العمومات المثبتة في غير المتيقن خروجه منها، لا إلي أصالة البراءة.
[144] إلاّ علي المذهب المتروك عند المحققين من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.
[145] القواعد 1: 231.م.
[146] القواعد 1: 231.م.
[147]. إلا أنه لا يُعرف الوجه في ذلك. وهو أعرف بما قال. ولا يبعد أنه علي هذه الدعوي بني في كتاب (الغاية القصوي) حرمة ضرب الرؤوس بالسيوف في العزاء الحسيني. ولكن في كون ذلك إضراراً بالنفس وفي حرمة الإضرار بجميع مراتبه كلام ستعرفه.
[148]: ولا قائل بالفصل بين المسلم وبين الكافر إذا أسلم.
[149].
[150] الأقراط جمع القرط: ما يعلّق في شحمة الأذن من درّة ونحوها.م.
[151] الشُّنوف جمع القرط: ما يعلّق في أعلي الأذن من الحلي. م.
[152] الخزائم جمع الخِزامة: حلقة تجعل في أحد جانبي المنخرين.
[153] بعضها لا يبتني علي التحسين والتقبيح العقليين، كحكمه في باب المقدمة بوجوبها، وفي الضد بحرمته، وشبه ذلك من الملازمات التي ليس ما نحن فيه منها قطعاً، ومن هذا الباب حكمه باتباع الظن الانسدادي علي القول بالحكومة، كما لا يخفي.
[154] قد تقرر في الأصول أن الحسن والقبح العقليين، بمعني كون الشيء ملائماً للطبع أو منافراً له، لا يستتبع حكماً عقلاً ولا شرعاً بوجوب الملائم، وحرمة المنافر، بمعني استحقاق الجزاء الأخروي عليهما.
[155] وفذلكة الأمر أن حكم العقل القطعي المستقل مفقود قطعاً، وغير المستقل - إن ثبت - لا يجدي شيئاً، ودعوي كون الضرر من الظلم، ستعرف ما فيها.
[156] قيل: ولعل الخلاف في كون وجوب دفع الضرر المظنون إلزامياً - كما عليه الأكثر، أو استحسانياً - كما عليه الحاجبي - مبني علي توهم تعميم المضر للمؤذي، وإلاّ فلا ريب في أن دفع المؤذي - كإدماء الرأس - إذا لم يكن فيه ضرر (أي: تعريض النفس للخطر الهلاك)، ليس إلزامياً، والتحرز عن مظنونه احتياط مستحسن، ولذلك يقدم عليه العقلاء، ولولا لغرض معتد به، بلا تحاش ومن دون مراغمة للفطرة.
[157] أن دفع الضرر لكونه جبلياً - لا حكماً عقلياً - لا يقف العقلاء علي حد الجبلة بحيث لا يتجاوزونه إلا بقاسر، بداهة أنهم يلقون بأيديهم إلي المؤذيات والأضرار حسب تفاوت مراتبها، حتي مرتبة الهلاك، فإنهم يتخطون إليها اختياراً لأغراضهم المتنوعة، ولا يرون في ذلك قبحاً عقلاً، ولا استهجاناً، ولا يجدون مراغمة إلا للفطرة والجبلة التي تتبع أهم الأمرين، وكثيراً ما تفضّل الهلاك علي السلامة لرجاء الفوز بعاقبة تهون الأخطار دونها، أو للخلاص عن بؤس الحياة وتعاستها.
[158] القواعد 1: 124. م.
[159] وهي آية النبأ بمقتضي التعليل الموجود فيها، وقوله تعالي: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)، (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، (واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة)، (ويحذّركم الله نفسه)، (أفأمن الذين مكروا السيّئات..).
[160] التحريم الشرعي لا يتصوّر بالنسبة إلي الضرر الأخروي المقطوع، فضلاً عن غيره، وأما الدنيوي فإنه وإن كان قابلاً لتعلق الحكم الشرعي بالمظنون منه أو المطقوع من باب الموضوعية، إلاّ أن ذلك خلاف ما ذكر من الآيات، لأنها علي تقدير دلالتها علي حكم تعريض النفس للأضرار لا تدل إلا علي الطلب الإرشادي بالتحذر عن الوقوع في المضار، لما أنها غير ملائمة للطباع.
[161] في ص 17: المؤذي والشاق غيران حكماً وموضوعاً. وفي ص 18 و 20: الكلفة إذا بلغت حد العسر، أوجبت رفع الحكم. وإذا بلغت حد الضرر، أوجبت حرمة الفعل.
[162] إشارة إلي نقوض كثيرة موردة علي القاعدة المذكورة تدل علي عدم تماميتها. وقد ذكرها بحر العلوم، وكاشف الغطاء، وصاحب الفصول، والفاضل النراقي، وشيخنا المرتضي، وكثير من تلامذته، وتكلفوا في الجواب عنها. وتخصيص القاعدة بها في مورد الامتنان، بعيد. وتوجيهها بأن ملاحظة كثرة الثواب المترتب عليها يوجب عدم الضرر والحرج فيها، كما تري، لأن الملاحظة المذكورة وإن صح أن تكون داعياً لبعض النفوس إلي الإقدام علي الضرر والمشقّة، إلاّ أن ذلك لا يوجب انقلاب الحكم عما هو عليه من كونه شاقاً أو ضررياً. ولعل تأويل ما دل علي عدم جعل الحكم الحرجي بالأصل، إلي إرادة رفع ما يعرض عليه الحرج من الأحكام المشروعة، أسلم من التوجيه المذكور وغيره.
[163] كتحملهم الجوع المفرط ثلاثة أيام، وتورم أقدامهم من القيام للصلاة، ومن المشي للحج، وانخرام آنافهم، وأثفان جباههم من السجود، وغير ذلك مما ستعرفه مفصلاً.
[164] قول القائل (المؤمن محترم عند الله) له معنيان: أحدهما: أنه تعالي لم يهنه ولم يخذله ولم يكله إلي غيره، بل وقّره وقرّبه وجعل له علي نفسه حقوقاً: أن يجيب دعوته، ويرفع عمله مضاعفاً، ويجزيه عليه أوفي جزاء وهذا لا دخل له بما يريده المتوهم. ثانيهما: أنه تعالي أمر الناس باحترامه في ما بينهم بعدم إيذائه وإضراره وإهانته. وهذا هو الذي يراد التشبث علي حرمة إيذاء نفسه وإضرارها. ولا يخفي أنه لا ملازمة بين لزوم احترام الناس له وبين لزوم احترامه نفسه، ومع فرض عدم الملازمة لا دليل يدل بخصوصه علي لزوم احترامه نفسه.
[165] بل ما يدل علي أولوية الإنسان بنفسه من كل من عدا النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة، يقتضي إطلاقه سلطنته عليها، نحو سلطانه علي ماله في تصريفه كيف شاء إلاّ ما علم عدم جوازه.
[166] لمّا بلغت الفقاهة إلي حد الاستدلال علي حرمة الضرر بما دل علي رفع الحكم عند حصول العسر والحرج (!!)، فلا بدع أن تبلغ حد الاستدلال بقاعدة الضرر علي حرمته.
[167] الحديث عن النبي بهذا المضمون ورد مرسلاً في (تذكرة الفقهاء) 1: 522. وورد مسنداً بتعبير (لا ضرر ولا ضرار) في (وسائل الشيعة) 17: 319، 341:17. وورد بتعبير (لا ضرر ولا ضرار علي المؤمن) في (الوسائل) 17: 341. م.
[168] كفاية الأصول 1: 381 م.
[169] إذ يقول في ص 21: (الجرح نفسه ضرر، وإيذاءٌ محرّم)، وفي ص 14: (الحجامة محرمة بالأصل، لأنها ضرر وإيذاء للنفس).
[170] بل القاعدة - علي هذا الرأي - تنفي الحكم الثابت للأفعال بعناوينها الأولية في حال الضرر، ولا تعمّ غيره، وإلاّ لوقعت المعارضة بين ما دل علي وجوب الزكاة - مثلاً - وبين أدلة القاعدة، وذلك مما لم يقل به أو يتوهمه أحد من العلماء.
[171] هو الفاضل النراقي في (عوائد الأيام). م.
[172] إذ يقول في ص 17 من رسالته: (إن الله لم يجعل حكماً ضررياً، بمقتضي قوله (صلي الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار).
[173] قاعدة نفي الضرر: 278. م.
[174] هذا هو الدليل الثالث من أدلة اختصاص قاعدة نفي الضرر بالإلزاميات. م.
[175] هذا هو الدليل الرابع من أدلة اختصاص قاعدة نفي الضرر بالإلزاميات. م.
[176] وقد ذكرنا في باب الحرج كثيراً من العبادات الضرورية، فراجعها، ويأتي في توابع هذا الفصل أضعافها.
[177] لا يقال: جواز إضرار الإنسان نفسه يختل به أمر النوع أيضاً، لأنا نقول: أن هذا تمنع من وقوعه الفطرة والجبلة، فهو مهما جاز شرعاً، يكون نادر الوقوع أو معدوماً خارجاً، لا محالة فلا يحصل اختلال النظام بخلاف إضرار الغير، فإنه لا رادع عنه من طبع أو غيره، بل هو من شيم النفوس، والمناسب للامتنان كمال المناسبة رفعه.
[178] لأن لازم هذا ارتفاع الحكم عمن لا يكون في حقه ضررياً إذا كان ذلك موجباً لضرر الأغلب، وهذا لا يلتزم به أحد في باب العبادات الضررية، مع أن فيه تفويت مصلحة الفعل بلا تدارك، وهو خلاف الامتنان الذي شرعت لأجله القاعدة.
[179].
[180] منهم: الشيخ العلامة الفقيه الشيخ آقا رضا الهمداني في كتابه (مصباح الفقيه) باب التيمم، وفي تعليقته علي رسائل المحقق الأنصاري في آخر رسالة أصالة البراءة. ومنهم المحقق الأنصاري والفاضل الآشتياني، ولكن لهذين تفصيلاً آخر تعرفه مما أشرنا إليه في المتن.
[181] رسالة الحرج مخطوط.
[182] بأن ملاك الإفطار بالمرض، شديده.
[183] قال في (بيان الأصول) 5: 123: (إن قلنا بأصالة حلية الأضرار إلا ما خرج، فالمخرج أمور: أ- قتل النفس مباشرة، أو بالواسطة القريبة والبعيدة التي يصدق عليها قتل النفس والإلقاء في التهلكة للآية (ولا تلقوا...)، والرواية (من قتل نفسه دخل النار)، والإجماع، والعقل، بل ضرورة الدين. ب - قطع عضو من أعضائه، أو شل قوة من قواه، وقد ادعي عليه الإجماع. ج - الأضرار العظيمة الموجبة لحدوث أمراض طويلة صعبة العلاج، أو مستمرة مدي العمر، وإن لم تؤد إلي الموت ونحوه. ولعله إما لصدق (التهلكة) عليه، فتأمّل، وإما لارتكاز ذهن المتشرعة. ولو أشكل فيهما موضوعاً أو حكماً، فالأصل البراءة). م.
[184] كالعمل في المعامل الحديدية، وأتونات البواخر والحمامات، وقس علي ذلك حرث الأرض بالآلات العادية القديمة، وطرق الحديد بالمطارق الثقيلة، ومزاولة عمل البناء في حمّارة القيض وصبّارة القر، وغير ذلك مما يوجب إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها.
[185] لعموم حرمة الظلم كتاباً وسنّة.
[186] الموارد المشكوك كونها ضرراً من جهة الشبهة المفهومية، يرجع فيها إلي العمومات المثبتة للتكاليف، ولا يرجع - البتة - إلي ما يدل علي حرمة الإضرار بالنفس لو كان له عموم أو إطلاق، إلا علي القول بجواز التمسك بالعموم عند الاشتباه في المصداق.
[187] سيماء الصلحاء: 80.
[188] رسالة التنزيه: 20.
[189].
[190] قال: لقد قام رسول الله (صلي الله عليه وآله) عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه، واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتي عوتب علي ذلك. ورواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضاً.
[191] بحار الأنوار 17: 257. م.
[192] الخرائج 2: 917. م.
[193] المقصود من الذنب هنا ليس هو المعصية. بل له معني آخر لا يسع المقام تفصيله. م.
[194].
[195] في المصدر (ويظمأ في الصيام..). م.
[196] عصب الفم: جفاف ريقه من العطش. وهذا لا يكون - غالباً - إلا في طول الصلاة.
[197] بحار الأنوار 46: 57، فتح الأبواب: 18. م.
[198] سورة طه آية 1-2. م.
[199].
[200] مجمع البيان 7: 4. م.
[201] الحدائق الناضرة 6: 28. م.
[202] تمام الحديث. وكان يقسّم الليل أنصافاً، فيقوم في صلاة الليل بطوال السور، وكان إذا ركع يقال: لا يدري متي يرفع. وإذا سجد، يقال: لا يدري متي يرفع.
[203] مصباح الشريعة: 170. م.
[204] سورة الجن آية 26. م.
[205]، وهي كثيرة.
[206] أي: رسول الله (صلي الله عليه وآله) م.
[207] ير علي بن إبراهيم 2: 58.
[208] الكافي 2: 95. م.
[209] قرب الإسناد: 171. م.
[210] ليس كلامي في جواز رفع إحدي الرجلين أو الاعتماد علي الأصابع في القيام للصلاة، فإن ذلك مختلف فيه. وقد ادعي بعض أصحابنا ارتفاع مشروعيته بعد نزول الآية، وإنما الغرض ذكر الأخبار فقط.
[211] إذا كان إيذاء النفس وإضرارها ليس بمحرّم، فلا وصمة عليه ولا زلّة منه.
[212] ذكر ذلك مؤلف الرسالة أيضاً في (الدّر الثمين) ص 10.
[213] المراد بها الموضوعات الجزئية مطلقاً، أو التي لا حكم لكلّيّها، ككون الجارية في البيت أما التي يكون لكلّيّها حكم، كأبوّة زيد لعمرو المحكوم علي كلّيّها بالتوارث، فيلزم تعميم علمه لها، ومن هذا القسم جهله (صلي الله عليه وآله) بكون قيامه مضراً.
[214]، ونقل بعضها في البحار عن كتاب الاختصاص.
[215]. وهو أن لا يتخذه الناس رباً معبوداً، وأن يعرف الناس بذلك أحكام السهو، وأن لا يعيّر به بعضهم بعضاً. ولا يخفي أن هذه العلة لو تمت، لأدت إلي ما لا يقول به أحد من المسلمين، ولأوجبت جواز العرج والعور وشبههما من العيوب والعاهات، عليه.
[216] القول بوقوع السهو من النبي - كيف ما كان - باطل بضرورة المذهب، ولما لم يكن هذا الموضوع قد صار ضرورياً في عصر الصدوق، فإن قوله بالسهو آنذاك، لم يعدّ قولاً علي خلاف الضرورة المذهبية، ولم يوجب فسق القائل. أما اليوم الذي أصبح فيه عدم سهو النبي مطلقاً من ضروريات المذهب، فالقول به مخالف للضرورة وموجب للفسق قطعاً. م.
[217].
[218] عدم سهو النبي: 32.
[219] كما في الخبر المروي في أمالي الشيخ
[220].
[221] في خبر الأمالي
[222] أيضاً.
[223]: كان علي بن الحسين (عليه السلام) شديد الاجتهاد بالعبادة، نهاره صائم، وليله قائم، حتي أضرّ ذلك بجسمه، فقال له أبو جعفر: يا أبه! كم هذا الدؤوب؟ فقال: أتحبّب إلي ربّي لعلّه يزلفني.
[224] رَمِصَت عيناه: خرج منهما وسخ أبيض. والظاهر أن هذا تصحيف، والصحيح: (رمضت عيناه) أي حميتا. م.
[225] في المصدر (من البكاء) بدل (من السهر).
[226] دبرت جبهته: حدثت قرحة أو جرحٌ في جبهته. م.
[227] مسنداً عن سعيد بن كلثوم عن الصادق (عليه السلام).
[228] عن أبي حمزة الثمالي.
[229].
[230] عن الزهري: كان علي ظهره محل. وعن عمرو بن ثابت: كان علي ظهره سواد. وعن مطالب السؤول: كانت آثار في ظهره.
[231]: ذو الثفنات هو علي بن الحسين.
[232] هذا خبر (إنّ) في قوله (إذا كان ضرب الصدر باليد حتي يحمر أو يسود، إضراراً وإيذاءً محرماً، فإن اسوداد ظهر السجاد..)). م.
[233] بحار الأنوار 43: 82. م.
[234] علل الشرائع 2: 369. م.
[235] في نسخة (والحسين في ناحية الدار يبكي). م.
[236] دبرت كفّاك: حدثت قرحة أو جرح في كفيك. م.
[237] في المصدر (أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً).
[238] الخرايج والجرائح 2: 530.
[239] سيماء الصلحاء: 80.
[240] إذا كان مبني الكاتب - المصرّح به في ص 21 - علي حرمة ارتكاب ما يكون ضرراً، سواء اعتقد فاعله أنه ضرر أم لا، فإن تحمل الجوع ضرر محرّم، وقد وقع منه (صلي الله عليه وآله) ولا دخل لخوف الضرر وعدمه في ذلك، مع أنه إذا كانت الحرمة في جوع النبي (صلي الله عليه وآله) منوطةً بخوف الضرر، فلم لا تكون حرمة إدماء الرأس منوطة بذلك أيضاً؟ ولم يكن محرّماً علي الإطلاق؟.
[241] رسالة التنزيه: 20.
[242] عن أبي عبد الله الحافظ وغيره بأسانيدهم عن جابر الأنصاري حديث الكدية التي ظهرت في الخندق، وفيه: (ثم قام النبي (صلي الله عليه وآله) فأتي الكدية، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول بيده وضربها، فعادت كثيباً).
[243] صفاق: الجلد الذي فوق اللحم وتحت الجلد الأعلي الذي عليه الشعر. أو جلد البطن كله. م.
[244].
[245] سورة الإنسان آية 7. م.
[246].
[247] وأنه دخل في اليوم الرابع حذيفة والمقداد، فأطعمهم تمراً من جذع يابس.
[248] بحار الأنوار 16: 225، صحيفة الرضا: 15.
[249] سيماء الصلحاء: 80.
[250] التنزيه: 20.
[251] أنه سار في عشرين يوماً من المدينة إلي مكة.
[252] أنه حج عشرين حجة. وقود النجائب خلفه دليل تمكنه من الركوب، وأن غلمانه وأصحابه ركبوا وأجنبوا نجائبهم خلفهم.
[253] بحار الأنوار 43: 399. م.
[254] بحار الأنوار 44: 192. م.
[255] المتضمنة لمشي كل من يلقاه إجلالاً له، حتي سعد بن أبي وقاص، وهو شيخ قريش يومئذ. وفي بعضها أن سعداً هذا قال له: يا بن رسول الله لو تنكبت الطريق لركب الناس، فقد كلّوا من المشي..
[256] وكل ألم وإيذاء هو ضرر عند الكاتب، سواء اعتقد فاعله به الأذي أم لا، كما تنطق به ص 21 من رسالته.
[257] الكافي 1: 463. م.
[258] لم أجده في المصدر، نعم هو مذكور في أمالي الطوسي وأمالي الصدوق. م.
[259] سيماء الصلحاء: 80.
[260] التنزيه: 20.
[261] مناقب آل أبي طالب 4: 166. لكن الذي فيه (حتي يملأه دمعاً). م.
[262] تعتقد الإمامية أن الإمام لا تختلف حاله في الاختيار والاضطرار حتي حال النوم، وقد بالغوا في ذلك حتي قالوا أنه لا يتثاءب ولا يتمطّي.
[263] منها تاريخ ابن الأثير ج 2، ص 122، الطبعة الأولي.
[264] صحيح البخاري 5: 9، 28 - كتاب المغازي، باب مرض النبي و...-، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 6: 51، مسند أحمد بن حنبل 1: 324 - 325، 336. م.
[265]. ولكن يُراد بهذا - حسب ما هو متعارفٌ في المحاورات - أنه (عليه السلام) تدركه غاية الدقة بتذكّر المصاب نحو الرقة علي اليتيم والضعيف والمظلوم، لا صدور البكاء بلا اختيار، فإنه لا يكاد أن يكون معقولاً، وإن كرّره الكاتب في مواضع كثيرة.
[266] قال العلامة المجلسي في (جلاء العيون) - ما ترجمته -: (إن بكاء المقرّبين بعضهم بعضاً ليس لأجل المحبة البشرية، بل لأغراض أُخر. والسجاد لما كان عالماً من أبيه ما يخفي علي غيره، ويعلم أنه أحب الخلق إلي الله، وأن قتله سبب لضلالة الناس وضياع الدين منهم بقتل الإمام، بكي لذلك). وسواء أتمّ هذا في نفسه أم لا، فإنه صريح بتنزيه الإمام عن كون بكائه لطبيعة الوالدية والولدية.
[267] سيماء الصلحاء: 80.
[268] التنزيه: 20.
[269] بحار الأنوار 45: 41 م.
[270] المنتخب 2: 430 م.
[271] الدمعة الساكبة: 320.
[272] عوالم العلوم 17: 284 م.
[273] بناءً علي ما أسلفناه - في باب الكذب - من التسامح العقلي في باب القصص والمصائب وشبهها إذا احتمل وقوع المخبر به، ولم تكن دلالة عقلية ولا نقلية علي خلافه.
[274].
[275] وذكر السيد محسن الأمين في (المجالس السنية) في المجلس 61 وصول العباس إلي الماء ورفضه للشرب منه بسبب كون الإمام الحسين عطشاناً. وفي المجلس 63 ذكر أنه اغترف من الماء ليشرب، لكنه رمي بها عندما ذكر عطش أخيه الإمام. كذلك في المجلس 127. وذكر في المجلس 142 شعراً مفاده رفض العباس شرب الماء بالرغم من عطشه، وذلك مواساة مع أخيه الإمام. م.
[276] بفتح الدال علي زنة اسم المفعول، وهو من يحدّثه ملك من الملائكة بما غاب عنه. وأما تأييده بالروح، فالمراد غير روح القدس، لأنه مختص بالأئمة علي ما في بعض الأخبار.
[277] المطهّم: الحسن، التام كل شيء منه. م.
[278].
[279] فإنها تدل علي أن له حقاً يمتاز به عن سائر الشهداء الذين نصروا الحسين (عليه السلام)، ولم يجئ في حق واحد منهم (لعن الله من جهل حقك)، وهذا الحق لابد وأن يكون لمزية لنفس العباس غير جهاده ونصرته.
[280] عن المدايني عنه أنه رأي رجلاً من بني أبان بن دارم، وأخبره أنه قتل شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود. قال: والمقتول هو العباس بن علي (عليه السلام).
[281] من أنه كان وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان في الأرض، وكان يقال له (قمر بني هاشم) وكان شاباً أمرد، بين عينيه أثر السجود، وكان لواء الحسين معه.
[282] يشهد لهذا ما نقله شيخنا المحدّث النوري - في حواشي مستدركه - عن مجموعة الشهيد الأول: أن علياً (عليه السلام) أراد يوماً أن يدرّب العباس ويمرّنه علي الكلام بين يديه. فقال له: قل واحد. فقال واحد. فقال له: قل اثنان. فقال: استحي أن أقول اثنان باللسان الذي قلت به واحد، فأحني علي (عليه السلام) عليه، وضمّه، وقبل ما بين عينيه.
[283] ذكر ذلك الجزري في كتاب (أسد الغابة).
[284] حتي أن الرجاليين منا لم يذكروا له ترجمة، لعدم انتهاء رواياته إليهم واستغنائه عن المدح عندهم. ولقد أجاد كل الإجادة شيخنا الشيخ محمد طه نجف - في كتاب رجاله - إذ قال فيه: إنه (عليه السلام) أجل من أن يذكر في عداد سائر الرجال، بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل البيت المعصومين (عليهم السلام).
[285].
[286] عن علي بن الحسين (عليه السلام)، وذلك عندما نظر إلي عبيد الله بن العباس.
[287] لما جاء في زيارته في قول الحجّة - علي قول - (وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). ولكن في كثير من زياراته هكذا: (وجعلك من ذرّية أهل البيت..).
[288] بحار الأنوار 97: 427، 98: 218. م.
[289]، أنشده عند قطع يمينه. وبعده: (وعن إمام صادق اليقين).
[290] ذكر ذلك أبو مخنف وغيره من أرباب المقاتل، ونقله أيضاً السيد الداودي في كتاب (العمدة).
[291] ذكر ذلك كثير من أهل السير الموثوق بهم، ولكن لفظ الطبري هكذا: أنه (عليه السلام) قال لأخوته: يا بني أمّي تقدموا حتي أرثكم، فإنه لا ولد لكم). وهذا لا يبعد كونه تصحيفاً، والصحيح (أرزأ بكم) أو(أرزئكم). نعم عبارة أبي مخنف (أنه (عليه السلام) قدّم أخاه جعفر ليحوز ميراثه). وهذا بعيد للغاية، لأن العباس (عليه السلام) أجل من أن يفعل ذلك. مع أن الوارث لأخوته إذا لم يكن لهم ولد هو أمهم فاطمة بنت حزام، لا العباس ولا ولده.
[292] هذا واقع في الزيارة المروية في (الكامل) عن أبي حمزة، عنه (عليه السلام).
[293] الخصال 1: 68.
[294] نقل الورع الثقة، واحد عصره في الإطلاع علي التاريخ والسير والحديث، فخر الذاكرين، الشيخ الميرزا هادي الخراساني النجفي عن كتاب (عدة الشهور): أن أمير المؤمنين عند وفاته دعا العباس، فضمه إليه، وقبّل عينيه، وأوصاه، وأخذ عليه العهد أنه إذا ملك الماء يوم الطف أن لا يذوق منه قطرة وأخوه الحسين عطشان. وعلي هذا يكون قول أرباب المقاتل في العباس (لمّا اغترف من الماء غرفة ذكر عطش الحسين (عليه السلام) أنه ذكر عطشه، وأنه موصي عند ذكر عطشه أن يواسيه في العطش ولا يشرب منه شيئاً.
[295] سورة الحشر آية 9. م.
[296] في أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
[297] تبوك موضع بالشام، بينه وبينها أحد عشر مرحلة، غزاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) سنة 9 من الهجرة، وقد كان قد بلغه أن هرقل - ملك الروم - تجهّز نحوه. فأنزل عسكره تبوك من أراضي البلقاء، ونزل هو بحمص. أقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) بها أياماً، وصالح أهلها علي الجزية.
[298].
[299].
[300].
[301]. والمشهور أنهم أقل من ذلك عدداً.
[302] المنتخب في جمع المراثي والخطب 1: 441. م.
[303] عوالم المعارف والعلوم 17: 294. م.
[304] بحار الأنوار 45: 51. م.
[305] رَكْوَة: إناء صغير من جلد يُرب فيه الماء. م.
[306] المنتخب في جمع المراثي والخطب 2: 431 - 432. م.
[307] عسي أن يكون من هذا القبيل امتناع مسلم بن عقيل الذي كان - في قول المجلسي - مميزاً بمزيد العلم ووفور العقل، عن شرب الماء لما سقطت ثناياه في القدح، مع أنه يكابد من الظمأ ما يجوز معه شرب الدم، فضلاً عن الماء المتنجس. ولكن مسلماً والعباس رضيعا لبن واحد عن الكاتب. وقد يكون سقوط ثناياه - بحيث يتعذر عليه الشرب - من متممات الحكمة التي اقتضت أن الحسين (عليه السلام) وجميع آله ومن معه يموتون عطاشي.
[308] سيماء الصلحاء: 80.
[309] التنزيه: 21.
[310] الأمالي: 111 (مجلس 27).
[311] وغيرها، وذكرها المجلسي في البحار.
[312].
[313] لم أجد هكذا رواية في مظانها.
[314] الخصال 1: 272 - 273. والمذكور هنا بعض ما يوجد في المصدر، وبالمضمون.
[315] أمالي الصدوق: 33- 34 (المجلس 8).
[316] علل الشرائع 1: 57. والمنقول بالمضمون.
[317] لم أجده في (إرشاد القلوب).
[318] عَمَش: سيلان الدمع من العين بصورة مستمرة حتي لا يكاد صاحبها أن يبصر بها. أو ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها.
[319] خَمْص: خلاء البطون من الطعام جوعاً.
[320] الطّوي: الجوع.
[321] ذَبْل: يبس، جفاف.
[322] سيماء الصلحاء: 80.
[323] التنزيه: 21.
[324] سيماء الصلحاء:. م.
[325] التنزيه: 21.
[326] سورة البقرة آية 195. م.
[327] قاعدة نفي الضرر: 279. م.
[328]-، ونقلها جميعاً في (الوسائل) في أبواب الصبر علي البلاء - التي تضمنت أن إسماعيل (عليه السلام) (وهو إسماعيل بن حزقيل، وليس ابن إبراهيم خليل الله، كما في بعض الأخبار كان نبياً من أنبياء الله بعثه إلي قومه، فسلخوا جلدة وجهه ورأسه، فأتاه ملك يخبره أن الله أمره بإطاعته فيما يريد صنعه بقومه، فقال (لي أسوة بما يصنع بالحسين). ويدل علي المشروعية أمور أُخر، لا لعنوان كونه مواساة، بل لعناوين أخر تأتي إن شاء الله.
[329] المواكب الحسينية: 20-22.
[330] أي: من المنكرات التي ادعي الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.
[331] هكذا وقع في ص 4 من الرسالة. وفي ص 5 هكذا: (دق الطبول، وضرب الصنوج، والنفخ في البوقات - الدمام). والجميع خطأ، وهو إمّا غلط مطبعي أو سهو من قلم الكاتب.
[332] التنزيه: 4.
[333] تذكرة الفقهاء 2: 4863. م.
[334] جامع المقاصد 10: 107. م.
[335] الصحاح 1: 215. م.
[336] المصباح المنير 2: 543. م.
[337] القاموس المحيط 1: 131. م.
[338] المكاسب 4: 243. المنقول بالمضمون. م.
[339].
[340]: لكن الإشكال في معني اللهو، فإن فسر به مطلق اللهو - كما يظهر من الصحاح والقاموس - فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور والسيرة، فإن اللعب - وهو الحركة لا لغرض عقلائي - لهو، ولا خلاف ظاهراً في عدم حرمته. نعم لو خُصّ بما يكون عن بطر وفسّر بشدة الفرح، كان الأظهر تحريمه. ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق والضرب بالطست بدل الدف، وكل ما يفيد فائدة آلات اللهو.
[341] أي فُسّر طبل اللهو. م.
[342] هذا التعبير من العلامة إما بملاحظة أن الكوبة فسرت بمعان، منها الطبل الضيق الوسط، ومنها النرد والشطرنج - كما في القاموس -. وإما بملاحظة أن الدف طبل لهو أيضاً، وليس هو بكوبة، فيكون تفسير طبل اللهو بالكوبة علي كل من الملاحظتين من قبيل تحديد المعني وإبانته بذكر فرد من أفراده نحو تفسير الأعم بالأخص، ولا يصح أن يكون تفسيراً حقيقياً، بل جعل ذلك مثالاً، خيرٌ من جعله تفسيراً.
[343] تذكرة الفقهاء 2: 483. م.
[344] جامع المقاصد 1: 107. م.
[345] لمعرفة المزيد من كلمات الفقهاء بهذا الشأن، راجع مفتاح الكرامة 7: 447 - 448، 477 - 478. م.
[346] كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء: 53. م.
[347] كاشف الغطاء هو من لا يجهل منزلته في العلم وترويج الدين أحدٌ من عوام الشيعة في بلدانها، فضلاً عن العلماء. أما الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري فهو من خواص تلامذة خاتمة الفقهاء الأواخر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (قدس سره). وكان هذا الشيخ لشدة... وحفظه للجواهر، يستعين به أستاذه علي كتابة أجوبة الاستفتاءات التي ترد عليه من الآفاق دون سائر تلامذته. قدم العراق سنة 1250هـ فقطن كربلاء يتلمذ علي العلامة السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط والدلائل. وعند وقوع الحصار علي كربلاء من بعض العادين عليها، انتقل إلي النجف، فلزم درس شيخه الأعظم صاحب الجواهر، إلي أن توفي شيخه المذكور سنة 1266هـ، فانتقل إلي كربلاء بأمر صدر من سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) في العالم الذي من رآهم فيه فقد رآهم. ومن آيات صدق تلك الرؤيا نجاح الشيخ المذكور في كربلاء واستقامة الأمر له وتمكنه من بث العلم وتربية العلماء. وما برح كربلاء حتي توفي بها في أواخر السنة العاشرة بعد الثلاثمائة وألف من الهجرة.
[348] طبعة بومباي، المطبوعة سنة 1316، ص 368 وص 435. وفي هذين الموضعين صرح بجواز استعمال طبل اللهو إذا كان القصد به حكاية حال قتلة الحسين في لهوهم. وقد سئل عن وجه ذلك - في ص 435 -، فقال: ولما كان الغرض علي ما يظهر من التواريخ، (علي ما قيل) من أنهم عليهم اللعنة والعذاب كانوا يشتغلون بآلات اللهو وقت مجيء أنصارهم جديداً، ووقت مبارزة الأبطال ونحو ذلك، فلو فرض ضرب بعض آلات اللهو بقصد حكاية ما كانوا يفعلونه في تلك الأوقات، فلا نضايق من إباحته وعدم حرمته، لاختلاف القصد، فتبصّر وتأمّل. فحينئذ في الغناء وبعض آلات اللهو يمكن فرض الحلية. لا يقال: أن الحكاية بالمحرم، محرمة. لأنّا نمنع حرمة هذه الأمور بهذا القصد، والأصل الإباحة، والله العالم. انتهي. وهذا من الغرائب التي ما كنتُ أحسب أن يجترئ عليه فقيه. وأغرب منه أن نسخة الكتاب المذكور عليها حواشي ولده العلامة الشيخ حسين، وحواشٍ خطية للمحقق الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري المتوفي سنة 1337هـ، وقد أمضيا ذلك ولم يعلقا عليه شيئاً، وكذا جواب السؤال المترجم في الأصل ملخصاً. وعلّق العلامة الميرزا محمد تقي علي قوله (لا بأس به) هذه العبارة: (بالشرط السابق، أي إذا لم يصدق عليه أنه لهو).
[349] النبوي المذكور هكذا (أعلنوا بهذا النكاح، واضربوا عليه بالدف). ولم أتحقق طريقه، ولم أجده - بغير فحص كامل - في كتب الحديث، وإنما أرسل في بعض كتب الفروع. والظاهر أنه عامي. ومثله قوله (صلي الله عليه وآله) (فصل ما بين الحلال والحرام والضرب بالدف عند النكاح). وقوله (لا يجوز ضرب الدف إلا في الأملاك).
[350] المبسوط 4: 20. م.
[351] السرائر: 388. م.
[352] تذكرة الفقهاء 2: 484. م.
[353] كشف اللثام 2: 193. و2: 373 من طبعة أخري.
[354] لأنه آلة لهو، ولاستفاضة الأخبار بالنهي عن استعماله، بحيث لا يصلح النبوي وحده مخصصاً أو مقيداً لها، لو تمت من جميع الجهات دلالته.
[355] القاموس المحيط 2: 350. م.
[356] المصباح المنير 1: 41. م.
[357] القاموس المحيط 2: 79. م.
[358] تشكيله: رسم شكله. م.
[359] المنجد: 472. م.
[360] القاموس المحيط 3: 175. م.
[361] النهاية في غريب الأثر 3: 230. م.
[362] مجمع البحرين 5: 99. م.
[363] المصباح المنير 2: 407. م.
[364] القاموس المحيط 2: 43. م.
[365].
[366] الجعفريات: 169. م.
[367] دعائم الإسلام 2: 209. ولا يخفي أن هذّ الرواية ضعيفة سنداً للإرسال، ودلالة بما تشتمل عليه من مضامين خاطئة لا يمكن قبولها، مثل استماع الإمام الصادق (عليه السلام) للهو، وإن كان عمره قليلاً، فهي مطروحة بالكلية، أو خصوص القسم المشتمل علي تلك المضامين، تفكيكاً للحجية. م.
[368] الكافي 6: 432- 433. م.
[369] الخصال 1: 62. م.
[370] الكافي 6: 434. م.
[371] الخصال 1: 338. م.
[372] الخصال 1: 338. م.
[373] الكافي 6: 432. م.
[374] يظهر من كتب اللغة عدم صحته.
[375] القاموس المحيط 2: 41. م.
[376] القاموس المحيط 2: 41. م.
[377] المنجد: 305.
[378] القاموس المحيط 2: 26. م.
[379] المنجد: 439، 55. م.
[380] الكافي 6: 432. م. النهي عن المزمار وعن الكوبات والكبرات كثير، ومنه الحديث المذكور في الهوامش السابقة. أما البوق فلم يقع النهي عنه في شيء من الأخبار. نعم جاء في كتاب المقاتل أنه عند دخول سبايا آل محمد إلي الشام، سمعت الطبول تضرب، والبوقات تدق. والظاهر أن استعمال البوقات لحشر الجنود وتنبيه الناس، فقد روي أن يزيد أمر أن تستقبل السبايا بمائة وعشرين راية، تحت كل راية كذا وكذا من الرجال.
[381].
[382] وأيضاً المزمار القصبي لا يتحقق الزمر به إلا بالمجمع، وهو قصبة صغيرة يدخلها الزامر في فمه، وطرفها الآخر مدخل في نفس المزمار، ولذلك قال فقهاؤنا: لو أوصي له بمزمار وأمكن الانتفاع به انتفاعاً محلّلاً، صحت الوصية، ولا يلزم حينئذ تسليم المجمع، وهو الذي يجعله الزامر بين شفتيه، لأن الاسم لا يتوقف عليه) صرح بذلك في (جامع المقاصد) وغيره. أما البوق فلا مجمع له، لأنه لا يزمر به، أي: لا يتغني حتي يتوقف علي مجمع. وظني أنه لو ثقب من وسطه، وأوصل أسفله بمجمع يدخل كله في الفم، أو صنع به ما يقوم مقام المجمع من الكيفيات المتعارفة بين اللهويين في آلاتهم كالني وغيره، لأمكن الزمر به.
[383] أنا لا أتحدّي في هذا ولا في سابقه، لأن التتبع لا يقف علي حد، سيما وبضاعتي من كتب الحديث ليست بتلك المكانة، ولكن القدر الحاصل من الفحص لي يوجب الجزم والمعذورية. نعم لا يكاد الإنسان يأتي علي كتاب من كتب المغازي والحروب إلاّ ويجد فيها نحو هذه العبارة (فلما أصبحوا، ضربوا الطبول والبوقات) أو (أمر فلان بضرب الطبول والبوقات) وشبه ذلك مما يدل علي أن البوق آلة تستعمل مع طبل الحرب قديماً لحشر العسكر.
[384] منهم السيد العلامة الفاضل، قدوة أهل الورع واللطف والأخلاق الفاضلة في زمانه، السيد مصطفّي الطالقاني النجفي، والشيخ العلامة الفقيه المقدس الورع الشيخ حسن مطر (قدس سرهما). وقلّ من يوجد في النجف اليوم من لا يعرف مكانتهما من العلم والورع، لقرب العهد بهما. كانا من تلامذة المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي (قدس سره) صاحب كتاب (هداية الأنام في شرائع الإسلام) المتوفي في أخريات سنة 1307 من الهجرة. وتلمذا بعده علي شيخنا الذي قل أن يأتي له الدهر بنظير علماً وورعاً، الشيخ محمد طه نجف (قدس سره) نفعنا الله بهم أمواتاً، كما نفعنا بهم أحياءً.
[385] مجمع البحرين 2: 313.
[386] أصل زيد النرسي: 51. م.
[387] مستدرك الوسائل 3: 216. م.
[388] النسخة التي بيدي الآن من كتاب زيد النرسي مستنسخة علي نسخة العالم العامل الورع المقدس الباحث المتتبع الميرزا محمد الطهراني - سلمه الله - الذي يقيم اليوم في سامراء. جاء هذا الشيخ بمجموعة فيها من الأصول الأربعمائة نيف وعشرة أصول، منها كتاب النرسي، فاستنسخت عليها قبل سنين في النجف ثلاث نسخ، والأصل مستنسخ علي نسخة الميرزا النوري (قدس سره) أو هو هي. وكان النوري يتفرد بهذه الأصول، ومنها ينقل في مستدركه. وليعلم أن في زيد الزراد وزيد النرسي، وفي كتابيهما كلاماً مذكوراً في كتب الرجال، لا محل لتحقيقه هنا. والمحقّق عند الشيخ أبي جعفر وجلّ من تأخر، صحة الكتابين وحسن حال الرجلين. وعلي ذلك بني شيخنا النوري (قدس سره) في آخر مستدركه. وهو بناء محكم.
[389] مستدرك الوسائل 3: 216. م.
[390] الفقه المنسوب إلي الإمام الرضا: 38. م.
[391] مستند الشيعة 2: 637 م.
[392] وغيره، بخلاف (صولجان) فإنه يجمع علي (صوالج) وذلك آية تحريفه به.
[393]: ومنه ما يشك في دخوله فيه - أي: في اللهو كالصور - هو البوق -، وما يتخذه السلطان لإعلام العساكر وعلامة الجلال، ويقال له بالفارسية (كرنا)، وكذا الصنج - بالمعني الذي فسّر به في (القاموس) - وهو دفتان من رصاص، يضرب بإحداهما علي الأخري لاجتماع الناس. وأما ما روي من قولهم (إياك والصوانج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك) فلا يصلح لإثبات الحرمة، لاختلاف النسخة، فإن في الأكثر: الصوالج. فتأمل). انتهي. والظاهر أنّ مراده اختلاف نسخ (الفقه الرضوي). وإذا كان الرضوي هو مستند القوم مع اختلاف نسخه، زاد الاستدلال به ضعفاً علي ضعف.
[394] ونحن قد أقمنا الشواهد اللفظية والسياقية لتعيين كون الوارد هو (صوالج) لا غيره. علي أن الموجود في نسخة (الفقه الرضوي) المطبوعة (صولجان) وعنوان الباب النهي عن (الصوالج)، فأين لفظ (الصوانج) لولا قول المستند أنه نسخة؟.
[395] كشف الغطاء: 53-54. ورجحان الأمور المذكورة هو في حال كونها في مقام التعزية علي الإمام الحسين (عليه السلام) كما صرح به كاشف الغطاء في المصدر المذكور. م
[396] في ص 368 من كتاب (ذخيرة المعاد) المطبوعة في بومباي سنة 1316.
[397] من جميع ما ذكرنا يعلم أن ما يتمنطق به بعض الطلبة القاصرين من الإتفاق علي حرمة استعمال آلات اللهو، أجنبي عن المقام، ولذلك لما سئل حجة الاسلام الميرزا محمد تقي الشيرازي عن آلات اللهو، كالطبل والطنبور وسائر أنواع الملاهي التي هي من أنواع الطبل والمعازف في العزاء الحسيني، أجاب بأنه يجب فيه وفي غيره ترك آلات اللهو. وأنت قد عرفت أن الطنابير والمعازف وسائر آلات اللهو غير مستعملة في العزاء، ولكن القاصرين لا يعرفون الطّنبور والمِعْزَف واللهو، فيتكلّمون بما شاءوا.
[398] صفحة: 4.
[399] أي: تشبه الرجال بالنساء. م.
[400] جاء في أخبارنا أن علياً (عليه السلام) سيّر من البصرة إلي المدينة أربعين امرأة ألبسهنّ العمائم والمناطق والأردية والدروع، وأمرهنّ بحمل السيوف والرماح.
[401] جامع الشتات: 2: 750، 787. م.
[402] المكاسب 2: 191. م.
[403].
[404].
[405] هذه الفتاوي مذكورة في كتاب (فتاوي العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية). م.
[406] الكافي 8: 69. م.
[407] أن النبي قال: لعن الله وأمّنت الملائكة علي رجل تأنّث، وامرأة تذكّرت.
[408] المكاسب 2: 189-191. م.
[409] جامع الشتات 2: 787. م.
[410] ذخيرة المعاد: 368. م.
[411] ص 4.
[412] أي: إركاب النساء الهوادج مكشفات الوجوه تشبيهاً ببنات رسول الله.
[413] المُثلة: التنكيل بالحيوان بقلع عضو من أعضائه. وليس إشهار الرجل والمرأة مثلة. ولعل الكاتب يريد بإقحام لفظ (المثلة) تكثير العناوين المحرّمة بالذكر، ناسبت المقام أم لم تناسب.
[414] نقل ذلك لنا متواتراً ثقات البصريين. وليت شعري إذا نظر البصري في الرسالة، ورأي فيها (جري ذلك في العام الماضي)، وهو يعلم أن ذلك غير واقع أصلاً، فماذا يظن بالكاتب؟ وبالأحري كيف يثق بأقوال العلماء؟.
[415] أي: السابع من المنكرات التي ادّعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.
[416] ص 4 من رسالته.
[417] أما الإجماع المنقول في بعض شروح القواعد، فلا اعتبار به من وجوه.
[418] مطلقاً أو إذا كانت عن تلذّذ وريبة، وبه قطع العلامة في (التذكرة)، واستجوده الشهيد الثاني وصاحبا الكفاية والمفاتيح، وجلّ من تأخّر عنهم.
[419] من ذلك خبر أبي بصير المروي في (الكافي) قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فاستأذنت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر. فقال أبو عبد الله: أيسرك أن تسمع كلامها؟ فقلت: نعم. فأذن لها، وأجلسني معه علي الطنفسة. قال: ثم دخلت، فتكلمت، فإذا هي امرأة بليغة. وقد طفحت السيرة بنياحة النساء وبكائهنّ علي حمزة بمسمع النبي وبأمره. والنياحة ليست بكاءً مجرداً مع الصوت فقط، بل هي ندبة بمقاطيع من الشعر، تلقيها النساء إنشاداً أو إنشاءً، فتبكي لها - كما يعلم من السيرة -. وربما تخلل ذلك صياح وزعيق، كما يعلم من صياح فاطمة علي أبيها، وصياح بناتها يوم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام). ومن الغريب أنّ الكاتب صرّح في إقناعه - ص 59 - بأن المحرّم هو استماع الأجنبي صوت المرأة مع تمييز الصوت، وحكم بإباحة ما عدا ذلك للأصل. وهاهنا ألهاه الغضب عن التقييد، فأطلق الحرمة وجعل موضوعها صياح النساء. ولعله تحقق عنده أن الأصل في صوت المرأة هو الحرمة، كما أن الأصل في الجرح الحرمة (!!).
[420] مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) في من يزور الحسين عن بعد في يوم عاشوراء: (ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه).
[421] نطحت: ضربت. م.
[422] بحار الأنوار 45: 114، عوالم العلوم 17: 373، المنتخب في جمع المراثي 2: 464 (المجلس 10).
[423] مرّ ذكر بعضها في التعليقة في صفحة. م.
[424] الحديث المذكور رواه في (كامل الزيارات)، وجاء فيه من قول السجاد (عليه السلام) في خطاب عمته (كيف لا أجزع وأهلع، وقد أري أبي وعمومتي وولد عمي صرعي لا يوارون)؟.
[425].
[426] مقصود المؤلف - رحمه الله - مما يذكره هو أن ما استدل به السيد محسن الأمين لإثبات حرمة صياح النساء هو كون صوت المرأة عورة، لكن هذا لم يرد في خبر معتبر، ولا في كلمات الفقهاء بمقدار يحصل معه الإجماع، ولا في قاعدة فقهية مصطيدة من النصوص، بل كان الأنسب الاستدلال للحرمة بإطلاقات الأخبار المشار إليها في المتن. لكنه مع ذلك، فإن الاستدلال بهذه الروايات لإثبات حرمة صياح النساء، مردود بوجوه، هي: 1- مفاد الأخبار حرمة خصوص الصراخ، لا ما فيه الصراخ من المآتم والتمثيليات. 2- اختصاص الحرمة بغير الإمام الحسين، فإن كان الصياح لهذا الإمام فلا تحريم، لتخصيص ما دل علي استحباب الجزع علي هذا الإمام لهذه الأخبار، لكون الصياح عليه مظهراً للجزع عليه. 3- تقرير الأئمة (عليهم السلام). هذا كله علي فرض صحة هذه الأخبار - المشار إليها في الصفحة السابقة وحجيتها. لكن المشهور من الفقهاء الشيعة أعرضوا عنها بالكلية، وحملوها علي أمور كالتقية، وحينئذ فهذه الأخبار ساقطة عن الحجية بالكلية، فلا يوجد أي دليل مثبت لتحريم صياح النساء. وحتي بناءً علي عدم وهن إعراض المشهور، فهذه الأخبار مشتملة علي قرائن الصدور تقية، لا لبيان الحكم الواقعي، ومع عدم تحقق أصالة الجد فيها، لا يشملها دليل حجية الخبر. م.
[427].
[428] قوله (مردوداً) خبر (كان).
[429] عطاء هذا كان من كبار بني أمية ومفتي بلاطهم. م.
[430] في أبواب تشييع الجنازة.
[431] لأن ما دل علي جواز الصياح والصراخ والضجيج علي الحسين أخص مطلقاً من نحو قوله (لا ينبغي الصراخ علي الميت)، وما هو عام منها. وإن كان معارضته له بالعموم من وجه، لكنه أرجح من معارضه من وجوه عديدة لا تخفي علي المتدرب المتدبر في الأخبار.
[432] روي ذلك الشيخ في (التهذيب (8: 325) عن خالد بن سدير. ولا يخفي أن لطم الخدود لا ينفك عن احمرارها باللطم، بل اسودادها وخروج الدم منها، ولا يكاد يقع لطم الوجه بدون ذلك، إلاّ أن يراد من لطم الوجه، مسحه باليد، كما يمسح الرأس والرجل بالماء.
[433] إقبال الأعمال: 295. م.
[434] كامل الزيارات: 117. م.
[435] القاموس المحيط 1: 273. م.
[436] ليس عندي الآن كتاب (العيون)، وإنما نقلت ذلك عن كتب مشايخنا وأصحابنا. نعم نقل ذلك الفاضل العباسي في كتاب (معاهد التنصيص) في ترجمة دعبل بن علي الخزاعي.
[437] في الأغاني ج 7، ص 7.
[438] وهو إسماعيل التميمي، والد علي بن إسماعيل راوي الحديث.
[439] الصحاح 1: 426. م.
[440] مجمع البحرين 2: 437. م
[441].
[442] ونحو هذا كثير.
[443].
[444] العي: الليّ، أو العجز عن البيان أو الكلام. م.
[445] واستروا عوراتهنّ بالبيوت) ونحو هذه غيرها.
[446].
[447] في ص 3.
[448] كما في صورة النظر إلي الأجنبية حال الصلاة، وكذا الحج لو نظر إليها فيه، أو وقع فيه ظلم أحد، أو سبّه، وهكذا الصوم والوضوء والغسل وسائر العبادات.
[449] أي: الثامن من المنكرات التي ادعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.
[450]. وروي أن أمير المؤمنين ليلة شهادته علا المئذنة، ووضع سبابتيه في أذنيه، ثم أذّن، وكان إذا أذّن لا يبقي في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته.
[451] أي: التاسع من المنكرات التي ادعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.
[452] في صفحة 4.
[453] صفحة 19.
[454] معاقرة: إدمان شرب الخمر. م.
[455] وهو مقدمة للتطبير. م.
[456] هذا بالنسبة إلي السفر آنذاك وحيث لم تكن وسائل المواصلات الحديثة. م.
[457] صفحة 5.
[458] مقصوده من الضرر هو الانجرار إلي الموت، أو الإصابة بمرض ذي ألم شديد دائم لا يتحمّل عادةً، أو استئصال (فساد) عضو من أعضاء الجسم. كما يظهر ذلك من ثنايا تقريرات دروس الشيخ النائيني في الأصول والفقه. م.
[459] الدم الذي يلحق خروجه الضرر هو خروج مقدار كثير منه بحيث يؤدي إلي الموت أو الإصابة بمرض ذي ألم شديد لا يتحمّل عادة، أو قطع (فساد) عضو من أعضاء الجسم، أو الموت. م.
[460] طبعت هذه الفتوي مرات عديدة بشكل مستقل وغير مستقل في العراق وبعض دول الخليج، وقد نقلت هذه الفتوي من كتاب (فتاوي العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية): 3-7. م.
[461] الشيخ عبد الوهاب الكاشي خطيب مفوّه يعيش في لبنان. وقد اقتبس هذا المقال من كتابه القيم (مأساة الحسين بين السائل والمجيب): 145 - 150.
[462] الأستاذ يوسف رمضان باحث إسلامي له كتابات عديدة، وقد اقتبس هذا المقال من كتابه (التطبير بين الحقائق والأوهام) ص 6 - 8.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.