التطبير حقيقة لا بدعة

اشارة

عنوان : التطبير حقيقة لا بدعة
پديدآورندگان : ناصر منصور(پديدآور)
نوع : متن
جنس : كتاب
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
وضعيت نشر : موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
ويرايش : -
مشخصات فيزيكي : 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (31 بايگاني: 200.4KB)
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس,ملزومات نظام: ويندوز 98+ با پشتيباني متون؛ شيوه دسترسي: شبكه جهاني وب؛ عنوان از روي صفحه عنوان نمايش,ناصر المنصور
شناسه : oai:lib.ahlolbait.ir/parvan/resource/46206
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/9/1
تاريخ تغيير ركورد : 1389/2/28
تاريخ ثبت : 1390/9/6
قيمت شيء ديجيتال : فاقد شيء ديجيتالي

المقدمة

أول الكلامنقول: أن فصول الكتاب تدور حول التطبير بشكل خاص وعن الشعائر الحسينية بشكل عام لما كثر الكلام وأثيرت بعض الشكوك والاتهامات حوله. ولا أريد أن أزعم أني قد استوفيت البحث فيه، وهل يتمكن بشر عادي مثلي أن يدرك الحسين وحقائق الحسين وما يدور حول الحسين وهو الذي حير العقول والأفئدة وأذهل حتي ملائكة السماء!! فإن كل إنسان يتبحر أو يغوص في أعماق الحسين ومعانيه لا يصل يوماً إلي شاطئ أو قرار. وإذا ألح في الطلب لا يحس إلا بوجود معان عميقة ومحبّة مكنونة تجاه الحسين (عليه السلام) في قلبه ووجدانه لا يمكنه التعبير عنها، بل وتعجز كل الكلمات عن أداء معانيها، وبعدها لا يمتلك إلا أن يكوي ضميره بمصائبه ويصب دموعه عن اختيار أو بلا اختيار تضامناً معه!!ورد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) (إن للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكنونة..) [1] ، كما ورد (إن للحسين محبة مكتومة في قلوب المؤمنين) [2] .ولا غرو في ذلك فإن الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) سر من الأسرار الإلهية في هذا الوجود، وخلاصة النبوة والإمامة معاً، فهل يمكن لإنسان محدود أن يدرك هذا الغور ويبلغ هذا العمق؟!إذن.. أنا مسبقاً أعلن عن عجزي وضعفي وقصوري عن أن أبلغ الحسين وما يرتبط بالحسين من شعائر ومراسم وطقوس، ولكني حاولت وبذلت غاية جهدي ومجهودي لكي تكون محاولتي البسيطة هذه جادة ومنطقية ودالة في نفس الوقت.فسعيت لأن أشير إلي التطبير - وهو ذروة الشعائر الحسينية وقمتها في الدلالة علي المواساة والتضامن مع جراح الحسين وموقفه العجيب من عدة وجوه وجوانب، وستمر عليك مضامينها. وأخيراً أود أن أذكر الأخوة القراء أن هذا الجهد المتواضع الذي أضعه بين أيديهم هو خلاصة شديدة لما كتبناه عن التطبير دفاعاً عن الحسين ونصرة لمبادئه ومواساة لآلامه.. وقد هيئناه للطبع في حوالي ألف صفحة ولكن لما رأينا إن ذلك قد يصعب علي العديد من أنصار الحسين وشيعته أقترح علينا بعض الأخوة تلخيص بعض مضامينه ليخرج بشكل عاجل في هذه الصورة وأما التفاصيل الأخري نتركها إلي الكتاب الآخر والله من وراء القصد.. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

حقائق لابد منها

عاشوراء قطب الرحي

كانت عاشوراء ولا تزال قطب الرحي الذي تتجدد فيه حياة الإسلام والتشيع بشكل خاص وحياة القيم والفضائل الإنسانية بشكل عام.ففي كل عام تتجدد فيه الأحزان والآلام والمصائب، تتجدد معه عواطف الناس ويزداد ارتباطهم بالدين والمبادئ الهادفة، بل وتتجدد حيويتهم وأنشطتهم في سبيل العمل لخدمة الإنسانية.ولعلك لا تجد في العالم مذهباً من المذاهب أو طائفة من الطوائف يقرنون الأحزان بالهمم، والذكريات بالعظات، والآلام بالحماسة والإصرار والاستقامة في سبيل التقدم والبناء كالتشيع والشيعة.فهم في الوقت الذي يمارسون شعائرهم المقدسة في المناسبات الخاصة طول أيام السنة عموماً وفي محرم وصفر خصوصاً يقرنونها بالتوعية والنصيحة والدفع إلي الأمام.وفي الوقت الذي يعلنون في مجالسهم الحسينية ومواكبهم ولطمهم وبكائهم الحب والولاء لرسول الله أولاً ثم للزهراء وذريتها الطاهرة ثانياً ويواسونهم في أحزانهم ويفرحون لأفراحهم.. يعلنون أيضاً عن حبهم وولائهم للقيم الإنسانية والمبادئ الحقة في هذا الوجود. وهل توجد مبادئ أحق من مبادئ الرسول وآل الرسول (صلي الله عليه وآله)؟!بل في الوقت الذي يبذلون فيه الغالي والنفيس في سبيل ظلامة أئمتهم ويلخصونها في مظلومية الحسين فيندبون إماماً قتل غريباً وحيداً عطشاناً مع أخوته وأطفاله وكل أنصاره في أرض ينساب في جنباتها أعذب ماء في هذه الأرض وأطيبه وهو ماء الفرات... يندبون معه كل حق مضيّع ودم مهدور ومال مأكول بالباطل، وإلي جانبه يرفضون كل ما يضاد ذلك، فيلعنون الظلم وأهله وحزبه، والباطل وأهله، الذي كان يزيد وأعوانه، ومن هو علي شاكلته بالأمس من أهله وأما اليوم كل من يقتدي ويتأسي به في الخصائص والصفات.فلا تجد إذن في العالم مذهباً كالتشيع وقّاداً في الفكر، حيوياً في العواطف، مرهفاً في الحسن، يقرن الحب بالرفض، والتولي بالتبري. وهل الحياة إلا التولي للحق والتبري من أعدائه؟!.من هنا نعرف خلاصة الشعائر الحسينية التي يهتم بها الشيعة ويبذلون في سبيلها جهوداً وأتعاباً مضنية كل عام، بل ويتحملون في سبيل التهم، والدعايات تلو الدعايات لأنهم يعرفون دائماً أنهم علي حق، ومن يقف أمامهم ويعرقل هذه الوسائل والسبل النزيهة الحقة ليس إلا الجهل أو الباطل..إنك لو تتبعت سلسلة الذين يقفون أمام الشعائر، والذين يقفون إلي جانبها تتلمس - بوضوح - البون الشاسع بين الصفين.فالذي يصدّ عن الشعائر كان بالأمس، من طبقة الحكام الظلمة والمذاهب الباطلة والفئات المنحرفة.. أما الذين يقفون إلي جانبها فهم من طبقة السادة والعلماء وأصحاب المبادئ الحقة والفئات المخلصة النزيهة..فبالأمس صد عنها يزيد وابن زياد والحجاج وهارون والمتوكل والعثمانيون ونحوهم، واليوم يصد عنها الاستعمار وعملاؤه بكل أصنافهم وأشكالهم.والغريب في الأمر أن الكل يدعي نفس الادعاء، ويتهمها بنفس التهمة من حيث الجوهر والحقيقة وان كانت الصورة والقالب يختلفان.فبالأمس أسموها خروجاً عن الدين وعلي خليفة المسلمين. واليوم يسمونها بدعة وخرافة ورجعية وخروجاً عن منطق الإسلام ومفاهيمه التقدمية!!ولعلك لم تجد شعاراً من الشعائر الحسينية لاقي صنوف المحاربة والتهم والدعايات والتشكيكات مثل ما لاقاه التطبير.. لأنه ذروة عاشوراء ورأس الشعائر الحسينية وقمتها التي تتجلي فيها المحبة الصادقة والروح الفدائية التضحوية، بل إن في التطبير أقوي جواب وأعمق تعبير لأعظم نداء هتف به الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ينادي به الأجيال في عمق التأريخ والزمن - ألا هل من ناصر ينصرنا.. ألا هل من مغيث يغيثنا [3] .فبالتطبير تتجلي المواساة والنصرة، والاستجابة لهذا النداء في أكمل معانيها.. ومن الثابت أن الإنسان يتفاعل ويتأثر بالأفعال والأحداث الخارجية التي يواجهها.. فلكل موقف وعمل يصدر هناك استجابة يبديها الإنسان تجاهه.. ومن الواضح أن الاستجابة الحقيقة الصادقة تلك التي تساوي الفعل وتوازيه حتي تناسبه.وإلا لا يمكن أن نسميها استجابة بالمستوي المطلوب اللائق بذلك العمل!! بل في بعض الأحيان تنقلب الاستجابة الضعيفة إلي ضدها تماماً..إذن.. لابد من الموازاة والموازنة بين الفعل ورد الفعل.. ولابد من التكافؤ بين الموقف النبيل والاستجابة له، حتي يصدق عليها أنها استجابة لائقة.. والحسين عليه الصلاة والسلام أحسن إلينا جميعاً.. وبذل كل ما يملك من غال ونفيس في سبيلنا وله حق في رقابنا جميعاً.. هكذا تحدثنا الروايات وكلمات علمائنا وأثبتته أحداث التأريخ.وفي نفس الوقت طلب منا جميعاً نصرته وإغاثته..أو لست تقول في زيارته (لبيك داعي الله.. إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري ورأيي وهواي علي التسليم)؟ [4] .إذن.. لابد وأن تكون نصرتك ومواساتك للحسين (عليه السلام) بما يليق من النصرة والمواساة أليس كذلك؟!فتواسي دموع الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) بدموعك..وتواسي لطم الفاطميات علي مصابه بلطمك..وتواسي عطشهم وجوعهم وآلامهم بجوعك وعطشك في يوم عاشوراء..ومن هنا أفتي الفقهاء حسب أدلة صحيحة وقطعية باستحباب الإمساك عن الطعام والشراب في يوم عاشوراء [5] أما دماؤهم وأرواحهم الزكية الطاهرة.. فلا يتم المواساة فيها إلا بالدم أيضاً.. لأن الدمع مهما كثر وعظم، لا يبلغ مقام الدم وأهميته كي نواسي مناحرهم الشريفة ودماؤهم بدموع العيون أو لطم الخدود أو حتي خمش الوجوه.. كلا.. وإنما الدم يواسيه ما يوازيه إلا الدم..ومن هنا وردت روايات عديدة تحثّ الشيعة علي مواساة الحسين (عليه السلام) في كل آلامه ومصائبه، كما أشار إلي ذلك ولي العصر والزمان (عجل الله تعالي فرجه الشريف) في زيارة الناحية.. وكما فعل أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم في ذلك وزينب والفاطميات بحضور مولانا زين العابدين (عليه السلام) مما يعطيها جهة الحجية والاعتبار الشرعي أيضاً.وبطون التأريخ مشحونة بالقصص والأخبار في هذا السبيل، بل هو مشهور معروف يطرح علي المنابر دائماً [6] .والتطبير.. ليس إلا مواساة حقيقية لجراح الحسين ودمائه الطاهرة ودماء أنصاره وأطفاله (عليهم السلام) كما سنثبت ذلك بالأدلة والبراهين.

شيء عن عاشوراء

نقلاً عن كتاب مأساة الحسين بين السائل والمجيب للشيخ عبد الوهاب الكاشي (بتصرف).إن المحرم هو أحد الشهور الأربعة الحرم وهي (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب) أي المحترمة منذ القدم عند العرب، حيث كانوا يتركون فيها القتل والقتال وينصرفون لشؤونهم التجارية والزراعية والأدبية وغيرها.وأما عاشوراء فهو يوم العاشر منه، كانوا يعتبرونه أقدس أيام السنة وأكثرها خيراً وبركة يطعمون فيه الفقراء ويتفقدون فيه المساكين والأرامل واليتامي، ويعملون فيه الخير.هذا موجز مفهوم المحرم ومفهوم عاشوراء من قديم الزمان إلي أن جاء الأمويون، فهتكوا حرمة الأشهر الحرم في جملة ما هتكوا من الحرمات وارتكبوا في الشهر المحرم وفي يوم عاشوراء أبشع جريمة عرفها التاريخ، فسفكوا فيه أقدس الدماء وقتلوا فيه أفضل وأشرف الذوات الإنسانية وذبحوا فيه الأطفال وقتلوا النساء ومثلوا بالشهداء وأحرقوا الخيام علي آل رسول الله، ورضوا جثث أهل البيت بحوافر الخيول. فتبدل بفعلهم هذا معني المحرم وعاشوراء وتحوّل مفهومها عند المسلمين إلي أيام حداد وأسي، وصار المحرم موسماً خاصاً للاحتفال بذكري أولئك الأبطال الذين أقدموا علي تحمل المآسي العظام دفاعاً عن الحق والعدل والفضيلة، ففي الاحتفال بذكري شهداء كربلاء وأبطال العاشر من المحرم سنة 61 هـ يترك أحسن الأثر في نفوس النشء الجديد والشباب الواعي لأن ذكراهم ومواقفهم تلقن الشباب دروس العزة والكرامة والشعور بالشرف الإنساني، وتقوي في نفوسهم روح التضحية والفداء في سبيل الحق والعدل. فنشر أنباء أولئك الأبطال هو في رأي الخبراء أكبر خدمة اجتماعية وتربوية تقدم للمجتمع. ألا تري العادة الجارية والتقليد السائد عند كافة الشعوب والأمم حيث يحتفلون بين حين وآخر بذكري ثوراتهم الوطنية وأبطالهم الثائرين وقادتهم المحررين ويقيمون لهم التماثيل ويرفعون صورهم في الشوارع والساحات العامة تخليداً لذاكرهم. لماذا؟يعللون ذلك بأنه أداء لحقهم وتقدير لصنيعهم أولاً، ثم تشجيع وترغيب للشباب والنشء الجديد نحو الاقتداء بهم، والسير علي مبدئهم وفي طريقهم والقيام بمثل أعمالهم.ويقول الخبراء لولا هذه الذكريات لماتت روح التضحية في نفوس الناس وسادت روح الأنانية والفردية.فإذا كان الأمر كذلك، أليس يجدر بثورة الحسين (عليه السلام) وموقفه يوم عاشوراء أن يشاد بذكراها في كل زمان ومكان؟ أي ثورة إنسانية ووطنية في العالم بلغت عمقها وشمولها ونبل أهدافها وبركة نتائجها مبلغ ثورة الحسين (عليه السلام)؟.إنها لم تخدم الشيعة فحسب ولا المسلمين فقط، بل خدمت الإنسانية والحق العالمي.إن مدرسة الحسين (عليه السلام) يجب أن تفتح في كل مكان، وذكراه يجب أن تقام في كل زمان، تماماً كما صورها هذا الأديب القائل:كأن كـــــــل مكان كربلاء لدي عيني وكل زمان يوم عاشوراولقد حاول مخالفو الشعائر الحسينية ولا زالوا يحاولون، أن يخلقوا بعض المبررات لكي يتخذوا من أيام المحرم أعياداً ومناسبات فرح لا أساس لها من الواقع فمن ذلك مثلاً زعمهم أن هجرة الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله) إلي المدينة المنورة كانت في أول يوم من المحرم فهم لذلك يتخذون من ذلك اليوم عيداً وأسموه عيد الهجرة. مع العلم أن هجرة الرسول (صلي الله عليه وآله) كانت أوائل شهر ربيع الأول حسب إجماع المؤرخين.وعلي كل حال لا يوجد أي مبرر لاتخاذ أيام المحرم أو بعضها أعياداً أبداً بعد أن وقعت فيه تلك المأساة الخالدة والكارثة الإنسانية العظمي التي راح ضحيتها العشرات من ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين في تلك المجزرة الرهيبة التي لم يسبق لها نظير. ففي حديث الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن شهر المحرم كان أهل الجاهلية فيما مضي يعظمونه ويحترمونه ويحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، لكن هذه الأمة ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيها فقتلوا فيه ذريته وسبوا فيه نساءه من بلد إلي بلد [7] .وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) قال: إن يوم عاشوراء تبركت به وفرحت فيه بنو أمية وآل مروان لقتلهم الحسين (عليه السلام) وأهل بيته فمن اتخذه يوم فرح وسرور جعل الله له يوم القيامة يوم حزن وخوف وكآبة، ومن اتخذه يوم حزن ومصيبة جعل الله له يوم القيامة يوم فرح وسرور وقرت بنا في الجنان عينه [8] .ومنه نعرف أسباب حرص المسلمين عامة والشيعة منهم خاصة علي إحياء ذكري الحسين (عليه السلام) ونشرها ولفت الأنظار إليها بكل الوسائل والشعائر، لأن الحسين (عليه السلام) أعظم داعية للجهاد في سبيل الله واظهر مثل للثبات والاستقامة علي المبدأ، وأرفع منار علي طريق الشعور بالمسؤولية وأدائها. ولولا حرمة النحت والتماثيل في الإسلام لكان من المفيد جداً بالإضافة إلي ذلك، إن نقيم التماثيل للحسين (عليه السلام) في كل الساحات والشوارع بل في كل بيت لأننا كلما تذكرنا الحسين (عليه السلام) تذكرنا الله والدين والحق والعدل والإنسانية والمثالية بل في كل بيت لأننا كلما نسينا أو تغافلنا عن الحسين (عليه السلام) التبس علينا وجه الحق وفقدنا الموازين الإنسانية والمقاييس التي تفرق وتشخص الحق عن الباطل.. وعند ذلك الويل والشقاء حسب ما ورد في الحديث الشريف (... كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) [9] ، ولقد أحسن من قال:لقد تحمل من أرزائها محـــناً لم يحتملها نبي أو وصي نبيوقال الآخر:أحســـين فيما أنت قد حملته أشغلت فكر العالمين جميعاًولا يضر بإحياء عاشوراء مرور الزمان وقدم الحادثة، لأنه ليس كل حادثة، تتأثر بطول العهد ومرور الزمان عليها فتفقد أهميتها وأثرها في النفوس أو يطويها الزمن في ملف المهملات.. كلا. فإلي مزيد من تذكّر الحسين (عليه السلام) والي مزيد من إحياء ذكري ثورته المقدسة بشتي الوسائل والأساليب.

لماذا الشعائر

نقلاً عن المصدر السابق(بتصرف).؟ستأتيك التفاصيل في فصول الكتاب إن شاء الله ولكن أقول باختصار هنا الشعائر لتجسيد عشرات الحقائق والقيم، منها:أولاً: صدق القول المأثور (ما ضاع حق وراءه مطالب).وهل الشعائر الحسينية إلا مطالبة صريحة بحقوق أهل البيت (عليهم السلام) المغصوبة، وبالتالي مطالبة صريحة أخري بحقوقنا المغصوبة المتفرعة علي غصب حقوقهم!!ثانياً: صدق القول المأثور الآخر… (الظلم لا يدوم) وان تراه أحياناً يستمر عشرات الأعوام فإنها قليلة وضئيلة قياساً إلي عمر الزمن. ولو قدّر لدولة ظالمة أن تدوم وتستمر علي الظلم والعدوان لدامت الدولة السفيانية التي أسسها معاوية بن أبي سفيان في الشام.فالدولة والحكومة التي خلفها معاوية ابن أبي سفيان كانت حصينة وقوية إلي أقصي ما يمكن.. فقد توفرت فيها كل عناصر البقاء والدوام ما عدا عنصر واحد فقط وهو العدل والحق، وهما أساس الملك الدائم فـ(العدل أساس الملك الدائم)، لذا انهارت تلك الدولة بأسرع وقت - كما سبق - وذلك عندما تنازل معاوية الثاني ابن يزيد عن العرش دون أن ينصب أحداً مكانه ومات بعد ثلاثة أيام.وهل الشعائر الحسينية إلا صرخة دائمة مدوّية بوجه الظلم ومذكّرة بمآسيه ومآثمه!!وثالثاً: صدق القول المأثور: (ما كان لله ينمو).هذا القول الحق والحكمة البالغة تتجسد بصورة واضحة في ثورة الحسين (عليه السلام) فإنها رغم حدوثها في زمن خاص وأرض محدودة لكنها اتسعت أصداؤها وانعكاساتها وتنامت ردود أفعالها علي مرور الأيام حتي أصبحت في طليعة الثورات الكبري التي حولت مجري التاريخ وأثرت في تحرر المجتمع وحفظ كيان الأمة تأثيراً كبيراً، بل ولقد صار الخبراء والباحثون يؤمنون بأنها (أي ثورة الحسين (عليه السلام)) هي الثورة المثالية في باب الثورات الإنسانية والإصلاحية والشعبية مطلقاً وأصبح شعار يا لثارات الحسين (عليه السلام) نداء كل ثورة ودولة تريد أن تجد لها مكاناً في عقول الجماهير وقلوبهم.وفعلاً، لقد تأثر بها أكثر الثائرين في العالم بعد الحسين (عليه السلام) وجعلوا من ثورته وثباته وصلابة عزيمته وصبره وشجاعته، جعلوا من كل تلك الأمور قدوة مثلي لثوراتهم.يقال عن مصعب بن الزبير - مثلاً - الذي ثار علي عبد الملك بن مروان وبقي وحده في المعركة وعرض عليه الأمان والسلام من قبل عبد الملك فرفض إذ انه قال ما ترك الحسين (عليه السلام) لابن حرة عذراً. ثم تقدم إلي القتال وحده وقاتل حتي قتل، وكان يتمثل بقول الشاعر:وإن الأولي بالطف من آل هاشم تأسوا فسنّوا للكــــرام التآســــياوكان من بعض أصدائها القريبة وردود فعلها المباشرة ثورة أهل المدينة علي سلطان يزيد، وثورة عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة، وثورة المختار الثقفي في الكوفة، ثم ثورة مصعب بن الزبير في البصرة، وثورة زيد بن علي وابنه يحيي بن زيد في كل من الكوفة وخراسان.نعم إنما هي أرادة الله سبحانه التي تبنت ذكري ثورة الحسين (عليه السلام) وقدرت لها البقاء، لأن في بقائها حجة بالغة ودعوة قائمة إلي طريق الخير والسعادة والشرف والكرامة.. تلك الحجة وذلك الطريق المتمثلين في العمل الذي قام به الحسين (عليه السلام) إيماناً بالله وحباً للإنسانية وتضحية في الدفاع عنها حتي النصر أو الموت.إن موقف الحسين (عليه السلام) في كربلاء أوضح دلالة وأشد تأكيداً علي صدق هذا القول المأثور (ما كان لله ينمو). فلقد وقف (عليه السلام) ومعه نفر قليل من الأعوان بدون عدة ولا مدد محاصرين ممنوعين عن الماء ووراءه جمع من النساء والأطفال، وأمامه جيش من الأعداء وقد تجردوا من كل صفة إنسانية وفقدوا الضمير والوجدان، بالإضافة إلي أن ذلك الجيش كان يفوق عدد أصحابه بمئات المرات، حيث كان لا يقل عن الثلاثين ألفاً.ووقف الحسين (عليه السلام) وأصحابه يوم عاشوراء ذلك الموقف الحرج الشاق الصعب، مع أنه كان في وسع كل واحد منهم أن يتجنب القتل بكلمة يقولها أو بخطوة يخطوها. ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشي جياع مجاهدين من دون أن يكون لهم أي أمل في النصر العاجل والانتصار العسكري، ولكن وقفوا لوجه الله تعالي مخلصين له بالجهاد في سبيل دينه وشريعته مضحين بأنفسهم في سبيله.وهل الشعائر الحسينية إلا تأكيداً لهذه الحقيقة المأثورة ودلالة قوية علي أن الحسين (عليه السلام) قام لله، فلذا هو خالد لا ينتهي وكل ما يرتبط به - والشعائر الحسينية من أبرزها - لا ينتهي أيضا رغم كل.. ورغم كل.. لأن ما كان لله ينمو.رابعاً: الشعائر الحسينية إظهار حب وولاء للحسين (عليه الصلاة والسلام) وهل يمكن أن تنزل نكبة ومصيبة بحبيب لك وعزيز عليك ثم لا تبكي ولا تتأثر منها، والحسين (عليه السلام) حبيب كل إنسان وقد أصيب بأعظم المصائب وأفدح الكوارث لأجل الحق والعدالة دفاعاً عن الإيمان والإنسانية، فكيف لا يبكيه أو لا يتأثر عليه إنسان؟! ومع غض النظر عن هذا فإن لإقامة شعائره والبكاء عليه وجوهاً أخري للحسن والصحة نذكر بعضها فيما يلي:الوجه الأول:توقع الثواب من الله سبحانه والأجر منه تعالي في الآخرة، حيث أن التأثر علي الحسين والمشاركة في مصائبه وإظهار الحزن والأسي يوم قتله كل ذلك أمر محبوب ومرغوب فيه، لأنه من التأسي برسول الله (صلي الله عليه وآله) وبأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، وقد قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في كلمته المعروفة: (شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا... الخ) [10] .الوجه الثاني:تعظيم شعائر الحسين (عليه السلام) وتعزيز عظمته وتكريم مقامه حيث ورد عن الرسول (صلي الله عليه وآله): (ميت لا بواكي عليه لا إعزاز له)، أي لا احترام له.فأية وسيلة يمكن أن يعبر بها عن عظم منزلة الفقيد بين أصحابه ومحبيه أقوي دلالة وأوضح تعبيراً من الحداد والبكاء عليه؟ ثم أية ظاهرة أدل وأوضح تعبيراً عن شديد حبنا وعظيم تعلقنا به من ظاهرة البكاء عليه وجريان الدموع لموته.وهل رأيت أو سمعت أن زعيماً شعبياً في العالم مات أو قتل ولم يبك عليه أتباعه وأنصاره وشعبه؟ ولم يجعلوا يوم وفاته يوم حداد وأسي؟ وخاصة إذا كان موته بصورة مفجعة وقاسية تقتل أولاده وأطفاله وإخوانه وعشيرته وتقطع رؤوسهم وترض أجسادهم بحوافر الخيل وتحرق خيامه علي نسائه وينهب رحله و و.. إلي آخر ما هناك من صور إجرامية ووحشية تقشعر منها الجلود وتفتت الأكباد والقلوب.وقد يقال بأن حادثة الحسين (عليه السلام) قديمة جداً مضي عليها أكثر من ثلاثة عشر قرناً، فإلي متي هذا البكاء لها والحزن عليها وكل فقيد في العالم مهما عظم فإنما يبكي عليه لأيام معدودة ثم يطوي ذكره في زوايا التاريخ وبطون الكتب؟ فإنا نقول:أولاً: أن عظمة الحسين (عليه السلام) تفوق عظمة كل عظيم في العالم بعد جده المصطفي (صلي الله عليه وآله) وأبيه المرتضي (عليه السلام) فقياسه علي غيره من عظماء الإنسانية قياس مع الفارق الكبير بل الفوارق.وثانياً: إن الكيفية التي فُقد عليها الحسين (عليه السلام) لم يفتقد عليها حتي الآن أي فقيد قط. قتل عطشاناً شعثاً مغبراً غريباً وحيداً ثاكلاً مكروباً مستضعفاً يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار ويستعين فلا يعان يسمع ضجيج عياله وصراخ أطفاله وهم بين الآلاف من الأعداء ينتظرون منهم كل مكروه [11] ومن الناحية الثانية ينظر إلي قومه وصحبه حوله مجزرين كالأضاحي، مع العلم بأن الذين قتلوه هم أمة جده المصطفي الذين جاء لأجلهم وقام لإنقاذهم من الظلم والاضطهاد.لذلك فإن فقده في بابه، جديد أبداً ودائماً، لا يؤثر عليه مرور الزمن ولا يخفف من وقعه تعاقب القرون والأجيال فهو كما قال عنه الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً.حيث قال بعضهم:فقيد تعــفي كــــــل رزء ورزؤه جديد علي الأيام سامي المعالموقال الآخر:وفجائع الأيام تبقي مدة وتزول وهي إلــــــي القــــــيامة باقيـةوقال الآخر:كذب المـوت فالحسين مخلد كلمـا مـــــرت الدهــور تجددوقال الآخر:مصاب له طاشت عقول ذوي الحجا إذا ما تعـــــفي كــــــل رزء تجــــددالقد صلب المسيح عيسي بن مريم (عليه السلام) حسب زعم المسيحيين قبل ألفي عام تقريباً، وها هم المسيحيون لا يزالون يجددون ذكري صلبه كل عام ويبكون له ويحزنون. وقد اتخذوا من خشبة صلبه شعاراً عاماً لهم يرفعونه فوق كل المؤسسات والجمعيات والكنائس معلنين بذلك أسفهم وحزنهم علي مصابه [12] ومأساته، مع العلم بأن مأساة المسيح (عليه السلام) بسيطة جداً في جنب مأساة الحسين فلماذا يلام الشيعة علي حزنهم وبكائهم لمأساة الحسين (عليه السلام) ولا يلام غيرهم علي الحزن والبكاء لمأساة سائر العظماء؟وفي كتاب الملحمة الحسينية الجزء الثالث صفحة (15 - 23) أجريت بعض المقارنات بين ما تقوم به الشيعة من مراسم دينية سامية وبين ما يقوم به النصاري من أعمال لا تنسجم مع العقل والمنطق، خاصة في أعياد ميلاد المسيح السنوية منها ما ورد (بتصرف):إن احتفالاتهم بهذه المناسبات الدينية أشبه ما تكون بالاحتفالات، الفارغة من أية معنوية أو روحانية أو أخلاق ذلك أنها عبارة عن رقص وشراب وسكر وعربدة وفسق وفجور.بينما بالمقابل تري حفل ولادة الحسين غالباً ما يقترن بمظاهر العظمة المعنوية، وتشكيل مجالس الوعظ، والإرشاد، والخطبة، وسكب دموع الشوق، وطلب التقرب لله، واستمداد التربية والتعلم منه.إن تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم نزعة طبيعية وسنة عقلانية سائدة في كافة أنحاء العالم وبين جميع الأمم والشعوب منذ أقدم العصور وإلي يومنا هذا. بل إن عصرنا هذا وجيلنا الحاضر هو أكثر تمسكاً وأشد محافظة علي هذا التقليد من السابق، فتري بعض الدول التي ليس لها زعيم سابق معروف وبطل عالمي شهير تمجد فيه البطولة والفداء في سبيل الأمة، يعمدون إلي بناء نصب تذكاري يسمونه (الجندي المجهول) يرمزون به علي التضحية الفذة والفداء المثالي في سبيل الوطن، ويمجدون فيه البطولة والشهامة. وها نحن نسمع ونقرأ ونري إنه ما من رئيس دولة زار أو يزور دولة أخري في الشرق أو في الغرب إلا وكان في برامج زيارته موعد خاص لزيارة ضريح عظيم تلك الدولة أو مؤسسها أو محررها، أو زيارة النصب التذكاري فيها للجندي، المجهول. فيضع علي ذلك الضريح أو ذلك النصب إكليلاً من الزهور ويؤدي التحية المرسومة.حتي الدول الشيوعية التي نبذت كل التقاليد العامة والمراسيم القديمة فإنهم لا يزالون محتفظين بهذا التقليد، ولا يمكن أن يقوم الزائر بزيارة رسمية للاتحاد السوفيتي مثلاً ما لم يقصد قبر لينين الذي جعلوه رمز الثورة الشيوعية، في روسيا وتؤدي التحية لقبره. ومما يذكر بهذه المناسبة أن من مراسيم الأعياد عند أهالي موسكو أن يزوروا لينين كل عيد وفي كل مناسبة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال جثة الرئيس جون كندي القتيل تزار من قبل آلاف الأمريكان في الأعياد والمناسبات، وربما يبكون عليه أحياناً ويقيمون الحداد عليه. وأيضاً الشعوب غير المسلمة تنحت الصور وتقيم التماثيل لرجالها المصلحين في الساحات العامة والمواقع الرئيسية من مدنها... لماذا يصنعون ذلك؟ لا شك أنك تعرف أنهم يفعلون ذلك تكريماً لذكراهم وشكراً لتضحياتهم وتلقيناً لسيرتهم وعملهم إلي الشباب الحاضر والأجيال القادمة. أفلا يستحق زعماؤنا المخلصون وشهداؤنا الأحرار (لأجل الأعراب عن شكرنا لهم ولأجل تلقين أجيالنا الطالعة سيرتهم ومبادئهم) إقامة التعازي عليهم وزيارة قبورهم والوقوف أمام مراقدهم خاشعين، مستوحين منها ذكريات التضحية والفداء في سبيل المصلحة العامة.هذا منطق الشيعة وفلسفتها لهذه الظاهرة، وهو كما تراه منطق العقل في كل زمان ومكان.الوجه الثالث:هو أن شعائر الحسين (عليه السلام) والحداد عليه ترمز إلي تأييد الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة وإعلان الثورة علي الظلم والظالمين والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضد أعداء الحق والعدل. والأعراب عن الأسف علي عدم وجودنا في صفوف أصحاب الحسين سادات الشهداء الخالدين، وعدم نيلنا توفيق وسعادة نصرة الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء. فيا ليتنا كنا معك أبا عبد الله فنفوز فوزاً عظيماً [13] لبيك داعي الله إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري [14] .هذا لسان حال شيعة الحسين (عليه السلام) في كل مكان وزمان، فإجابة القلب بالإيمان بمبدأ الحسين (عليه السلام) الذي قتل لأجله، وإجابة السمع بالاستماع إلي سيرة الحسين (عليه السلام) وأقواله. وإجابة البصر سكب الدموع علي مآسي الحسين (عليه السلام).فالتضامن والبكاء لكل واحد من هذه الأهداف والغايات الثلاث أمر طبيعي وعقلائي وظاهرة فطرية خيّرية من ظواهر الفطرة السليمة التي وقاها الله تعالي نكسة القساوة والغلظة وتحجر الضمير، وهي من أخطر الأمراض النفسية والانحرافات الروحية التي يتعرض لها بعض الأفراد وقانا الله شرها، وهي المعبّر عنها بموت القلب.وإليك ما قاله الأستاذ العقاد، ص 190 من كتابه (أبو الشهداء):إن الطبائع الآدمية قد أشربت حب الشهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين وإنما تنحرف عن سواء هذه السنة لعوارض طارئة تمنعها أن تستقيم أو من نكسة في الطبع، لأن العطف الإنساني نحو الشهداء هو كل ما يملك التاريخ من جزاء... الخ.كما لم يجد الخبراء وعلماء النفس والأخلاق بين الصفات الإنسانية كلها صفة أفضل وأشرف من الرحمة ورقّة القلب علي الآخرين، حتي أن بعض الفلاسفة عدل عن تعريف الإنسان بالحيوان الناطق - وهو التعريف المشهور - عدل عنه إلي أنه (حيوان ذو عطف) وعليه فلا إنسانية مطلقاً بدون العطف علي مصائب الآخرين وبدون الرحمة ورقة القلب علي نكبات المظلومين ومآسي المنكوبين. والحقيقة أن الشيخ الأعسم (رحمه الله) قد مثل في البيتين الآتيين شعور كل إنسان سليم الفطرة تجاه الحسين (عليه السلام) حيث قال:تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنما عيني لأجلك باكيةتبتل منكم كربلاء بدم ولا تبتل مني بالدموع الجارية

مهوي الأفئدة

راجع مجلة رسالة الحسين العدد الثاني السنة الأولي 1412 هـ (بتصرف).ولهذا نجد أن الحسين شعار مقدس عند كل إنسان وإن لم يكن شيعياً، وبإيجاز شديد أقول: ليس من المستغرب أبداً أن يدخل الحسين - بلا استئذان - إلي أفئدة أحرار العالم - علي اختلاف مشاربهم وتباين مساربهم - سواء في العصور الخوالي، أم في وقتنا الحاضر.ففي عصرنا الحديث، تبرز لنا أسماء لامعة - في دنيا المعرفة والأدب - وفي مناطق عديدة من العالم ارتفع أصحابها إلي سموهم الإنساني وتجاوزوا ضيق الأفق الذي أريد لهم أن يظلوا أساري وهمه، فانطلقوا يتغنون بأمجاد آل محمد، رغم كونهم نصاري أو هندوس أو أتباع أي مذهب آخر: ومن الإنصاف أن نشير - في هذا الصدد - إلي شهادات (جورج جرداق) و(سليمان كتاني) و(روكس بن راشد العزيزي) و(مارون عبود) و(انطون بارا) [15] وغيرهم.ولم يقف العشق الإنساني - بشقه غير الإسلامي - عند ذوي العلم والمعرفة، بل لم يستثن من ذلك حتي بعض الساسة والقادة، وهذا باني الهند الحديثة (غاندي) يقولها وهو الهندوسي: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر... ولو كان لي عشرة رجال من أصحاب الحسين لفتحت الدنيا.

ادلة التطبير و احكامه

اشاره

قد يتساءل البعض هل التطبير في عزاء الحسين (عليه السلام) عمل جائز في الشريعة الإسلامية أم لا؟وإذا كان جائزاً هل يصح فعله في هذه الأيام أم لا؟وللإجابة علي هذين السؤالين نقول:نعم.. التطبير جائز في الشريعة الإسلامية بل هو عمل مستحب بل أفتي بعض العلماء بوجوبه العيني وبعضهم بوجوبه الكفائي.. ولنا في ذلك أدلة نذكر أبرزها..

اصالة الاباحة

الأول: لقد ثبت في علم الأصول أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا قام الدليل علي حرمتها وقد اتفق الأصوليون علي هذا المبني ولم يخالف فيه أحد..وهم جميعاً في الفقه يعملون بهذا الأصل عند فقدان النص علي الخلاف.. وقد وردت في ذلك مجموعة من الروايات منها:قوله (عليه السلام): (كل شيء لك حلال حتي تعرف انه حرام) [16] .وقوله (عليه السلام) (كل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي) [17] .والظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام) (حتي يرد) حتي يصل فالورود بمعني الوصول هنا لا الصدور.وسواء أريد من (كل شيء حلال) و(كل شيء مطلق) الإباحة الشرعية الواقعية أو الإباحة الظاهرية المجهولة للشاك [18] لا فرق، كلا الاحتمالين يدلان علي أصالة الإباحة والحل في الأشياء التي لم يقم الدليل علي حرمتها.. هذا بناءً علي كون مسألة الأصل في الأشياء الحظر والإباحة هو عين مسألة البراءة والاشتغال وان كان لا يختلف الأمران سواء قلنا انهما بحثان أو بحث واحد فإن كليهما يدللان علي أصالة الإباحة في الأشياء سوي أن الفرق بينهما أن الأول عقلي قبل الشريعة والثاني بعد الشريعة.قال المحقق الأنصاري في الرسائل الصفحة:(قوله (عليه السلام) في مرسلة الفقية كل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي استدل به الصدوق... واستند إليه في أماليه حيث جعل إباحة الأشياء حتي يثبت الحظر من دين الأمامية. ودلالته علي المطلوب أوضح من الكل).وقال المحقق الخراساني في الكفاية الصفحة طبعة بغداد لدي الاستدلال بالحديث الأول: (ومنها قوله (عليه السلام) (كل شيء لك حلال حتي تعرف أنه حرام بعينه) حيث دل علي حليّة ما لم يعلم حرمته مطلقاً).وقد أيد جميع الأصوليين قديماً وحديثاً هذا المبني، بل أيد هذا المبني الأخباريون أيضاً فإنهم يرون أن الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي علي تحريمه من حيث أنه مجهول الحكم في الشبهات البدوية التحريمية فقط وهو الاحتياط العقلي والشرعي، وإلا فإن الموارد التي لا يوجد فيها دليل علي الحرمة ونحوها أتفق الأصوليون والأخباريون معاً علي جريان الإباحة فيها [19] .بل هناك إجماع عملي عند المسلمين كاشف عن رضا المعصوم (عليه السلام) قائم علي معاملة الأشياء معاملة الإباحة عند فقد النص علي الخلاف. فإن سيرة المسلمين من أول الشريعة بل لعله في كل شريعة علي عدم الالتزام والإلزام بترك ما يحتمل ورود النهي عنه من الشارع بعد الفحص وعدم وجدان الأدلة وإن طريقة الشارع كانت تبليغ المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلا لعدم احتياج الرخصة والإباحة في الفعل إلي البيان وكفاية عدم وجدان النص الدال علي النهي فيها علي الإباحة.قال المحقق الحلي (قدس سره) [20] :(إن أهل الشرائع كافة لا يخطئون من بادر إلي تناول شيء من الشبهات سواء علم الإذن فيها من الشرع أم لم يعلم ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من المأكول والمشروب إن يعلم التنصيص علي إباحته ويعذرونه في كثير من المحرمات إذا تناولها من غير علم، ولو كانت محظورة لأسرعوا إلي تخطئته حتي يعلم الإذن).أقول: وهذا أيضاً مما يؤيد حكم العقل أيضاً إذ أن العقل البشري يحكم بقبح العقاب علي شيء دون بيان حكمه ووصوله إلي العبد من قبل مولاه.وقد جمع الفقهاء هذا الدليل بجملة واحدة اعتبروها قاعدة مسلمة في الأصول والفقه هي قاعدة البراءة العقلية القائلة بـ (قبح العقاب بلا بيان).وفي كل ما تقدم بحوث مفصلة ذكرها الأعلام في كتب الأصول ليس هنا محل ذكرها. ولكن المستفاد من كل ما تقدم هو: إن الأصل في الأشياء هو الإباحة حتي يعلم بوجود النهي عنها..والتطبير حسب هذا الأصل يكون مباحاً.. حيث لم ينه عنه الشارع المقدس وليس في المصادر الفقهية الموجودة بأيدينا دليل علي حرمة الجرح والإدماء. وكل ما لم ينه عنه الشارع يعد مباحاً في الشريعة.ومن هنا أفتي سائر الفقهاء بإباحته وجوازه.وإذا ثبتت إباحته يثبت استحبابه أيضاً إن لم يثبت الوجوب كما قال بعض الفقهاء وذلك لقيام جملة من الأدلة علي الاستحباب ولما ثبت في محله أيضاً أن العمل بالمباحات في الجملة هو بنفسه عمل مستحب كما سيأتي إن شاء الله تعالي.

زينب تشق جبينها

الثاني: صدور الإدماء من بعض أهل بيت الحسين (عليهم الصلاة والسلام) وهم أهل بيت العصمة والطهارة، ففي الخبر المصحح:أن زينب الكبري (عليها صلوات الله وسلامه) لما رأت في الكوفة رأس أخيها علي رأس رمح نطحت جبينها بمقدم المحمل حتي سال دمها.قال العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار [21] :(رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلاً عن مسلم الجصاص قال:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة فأقبلت علي خادم كان معنا فقلت: مالي أري الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتي خرج ولطمت وجهي حتي خشيت علي عيني أن يذهب (بصرها). وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلي الناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل علي أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذ بعلي بن الحسين (عليهما السلام) علي بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دماً وهو مع ذلك يبكي ويقول:يا أمة السوء لا سقياً لربعكم يا أمة لم تراع جدنا فينالو أننا ورسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنت تقوليناتسيرونا علي الأقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكمو دينا... حتي قال:أليس جدي رسول الله ويلكمو أهدي البرية من سبل المضلينايا وقعة الطف قد أورثتني حزناً والله يهتك أستار المسيئيناقال: وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين علي المحامل بعض التمر والخبز والجوز فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به الأرض قال كل ذلك والناس يبكون علي ما أصابهم..ثم أن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه! يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟ فالحكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت فإذا هم أتوا بالرؤوس يتقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلي الله عليه وآله) ولحيته كسواد السّبح قد انتصل منها [22] الخضاب ووجهه دائرة قمر طالع والرمح [23] تلعب بها يميناً وشمالاً (فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:يـا هـلالاً لما استتـم كمـالا غـاله خسفه فأبدا غروبـامـا توهمت يا شقيق فـؤادي كـان هـذه مقدّرا مكتوبـايـا أخي فاطم الصغيرة كلمهـا فقد كـاد قلبها أن يذوبـايـا أخي قلبـك الشفيق علينـا ماله قد مشي وصار صليبا؟يا أخي لو تري علياً لدي الأسر مـع اليتم لا يطيق وجوباكـلما أوجعوه بـالضرب نادا ك بذلّ يغيـض دمعاً سكوبـايـا أخـي ضمّه إليـك وقربّه وسـكّن فـؤاده المـرعوبـامـا أذلّ اليـتم حـين يـنادي بـأبيه ولا يـراه مجيـبـا)إلي آخر الكلام.وقد روي هذه الحادثة أيضاً في العوالم والسيد عبد الله شبر (قدس سره) في جلاء العيون الجزء الثاني صفحة (238) [24] ، وفخر الدين الطريحي في المنتخب الجزء الثاني المجلس العاشر الصفحة (478)، وقد صحح هذا الخبر شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) مع جملة من الأخبار الواردة بشأن عزاء سيد الشهداء وإظهار الجزع وإيلام النفس حسرة علي ما دهاه [25] .ومن موقف عقيلة الطالبيين هذا يستفاد جواز إسالة الدم أو إظهار الجزع علي المولي سيد الشهداء وذلك لأمرين:الأول: إن هذا الموقف حصل في محضر الإمام المعصوم علي بن الحسين (عليهما السلام) ونال تقريره وكان في وسع الإمام (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية لو كان فيها حضر شرعي، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته، وقد ثبت في محله من علم الأصول إن تقرير الإمام المعصوم حجة شرعية.الثاني: نفس العقيلة الكبري (عليها صلوات المصلين) تحظي بمقام العصمة الصغري، وهو مقام معنوي رفيع يبعد عنها احتمال الإقدام علي عمل لم تحرز جوازه الشرعي، وقد شهد لها بهذا المقام السامي الرفيع عدة كبيرة من الأعيان والأعلام فضلاً عن شهادة الإمام المعصوم (عليه السلام) وكفي بتعريف الإمام زين العابدين لها بقوله (عليه السلام):(أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهّمه) [26] .يريد أن مادة علمها (عليها السلام) من سنخ ما منح به رجالات بيت النبوة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، فعلومهم (عليهم السلام) ليست اكتسابية تحصل بالدراسة والتخرج علي يد الأساتذة والمعلمين بل علومهم حضورية.. تحصل بالإلهامات الربانية أو بالإفاضات علي حسب القابليات، كما ثبت بالأدلة العقلية والنقلية أنهم يملكون الاسم الأعظم [27] كما عندهم آيات الأنبياء: وراثة كما ورد في الزيارة الجامعة (وعندكم مواريث الأنبياء) كألواح موسي وعصاه وخاتم سليمان بل لديهم جميع كتب الأنبياء وعلومهم وآياتهم أيضاً، وعندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وما يحدث بالليل والنهار بل هم أوعية العلم الإلهي.وقد شهد لأهل البيت بذلك حتي يزيد بن معاوية بقوله في الإمام السجاد (عليه السلام) في الشام (إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقّا) [28] وقد فصل ذلك علماؤنا الأعلام في الكتب الكلامية فراجع.أقول: وزينب بنت علي (عليها السلام) من أهل هذا البيت علومها لدنية إلا أنها دون مرتبة الإمامة والعصمة الكبري الثابتة للمعصومين الأربعة عشر.. ومن هنا كانت مصدراً للفتوي ونشر الأحكام..فعن الصدوق محمد بن بابويه القمي طاب ثراه [29] :(كانت زينب (عليه السلام) لها نيابة خاصة عن الحسين (عليه السلام) وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتي برئ زين العابدين (عليه السلام) من مرضه).وقال الطبرسي:أن زينب (عليها السلام) روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء (عليها السلام) وعن عماد المحدثين... أن زينب كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء وممن روي عنها ابن عباس وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغري وغيرهم.وقال أبو الفرج الأصفهاني:زينب العقيلة هي التي روي ابن عباس عنها كلام فاطمة صلي الله عليها في فدك فقال حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليها السلام).ومعني العقيلة في النساء السيدة، كعقال في الرجال يقال للسيد.بل ويظهر من العلامة الدربندي وغيره: أنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في (أسرار الشهادة) إنها صلوات الله عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء.زينب الكبري... يكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت علي الحسين (عليه السلام) وكان يقرأ القرآن فوضع القرآن علي الأرض وقام لها إجلالاً.وبعد كل هذا المقام العظيم وجلالة القدر عصمة وعلماً والتي شهد بها أعلام المسلمين نفهم أن ما صدر من مولاتنا العقيلة في مصاب أخيها سيد الشهداء في شق جبينها الطاهر بمقدم المحمل وإسالة الدم هو وحده كاف في الدلالة علي جواز شق الرؤوس وإسالة الدماء حزناً وتأسفاً عليه لما لها من مقام وعظمة.. فكيف به إذا حضي بتقرير الإمام المعصوم (عليه السلام) وموافقته له.قال الفاضل الدربندي (قدس سره) سنة 1286 هجرية في (أسرار الشهادة) صفحة (474 - 475) عن هذه الحادثة وما يستفاد منها شرعاً (مع تصرف قليل):(أعلم إن قضية نطح زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) رأسها بمقدم المحمل بحيث أنه جرح وجري الدم منه يكشف فحويً عن أن ما لا يجوز فعله في مصيبة غير آل محمد من الجزع الشديد وشق الثياب والجيوب ولطم الصدور وخمش الوجوه وحث التراب والرماد علي الرؤوس وضربها بالأكف وتلطخ الجسد بالوحل والألوان المسودة وما يشبه ذلك يجوز فعله في مصائب آل محمد صلوات الله عليهم ولا سيما في مصائب سيد الشهداء روحي له الفداء بل إن استنباط الكل ما أشرنا إليه من الأخبار الكثيرة وفقرات الزيارات الوفيرة استنباطاً تطابقاً أو التزاماً مما لا يشك فيه العالم العريض التتبع والشديد التيقظ. بل يمكن أن يقال أن جواز كل ذلك بل استحبابه مما عليه السيرة والضرورة من المذهب. وأما بالنسبة إلي ما فعلته زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام) فلا إشكال في الإفتاء عليه أصلاً، لأن ما فعلته (عليها السلام) كان في محضر من حجة الله علي جميع خلقه سيد الساجدين فكما أن فعل المعصوم وقوله حجتان فكذا تقريره، علي أنه قد تقدم ما يدل علي كون زينب محدثة وتالية لمرتبة العصمة بل هي من جملة من اتصف بالعصمة لكن علي النهج الذي أشرنا إليه..فإن قلت: إن قضية نطح زينب رأسها بمقدم المحمل لم يرد إلا في خبر مرسل عن مسلم الجصّاص وهو أيضاً الحال فكيف يجوز أن تخصص به العمومات وبعض القواعد البالغة حد أصول المذهب بالمعني الأخص علي أن الحكم بحرمة مثل ذلك ولو كان ذلك في تعزية سيد الشهداء وعند ذكر مصائبه من المسائل الاتفاقية الإجماعية؟قلت: إن وصف المحقق المجلسي الكتاب الذي اخذ هذا الخبر عنه بكونه من الكتب المعتبرة يصيّر هذا الخبر بمنزلة ما هو محرز لشرائط العمل به. فعلي البناء علي اتساع الدائرة في باب الأخبار يجوز تخصيص العمومات به. وأما دعوي أن القاعدة التي علي خلاف ما يفيده هذا الخبر من أصول المذهب بالمعني الأخص كدعوي أن هذه المسألة بخصوصها من المسائل الاتفاقية والإجماعية فمن الدعاوي الجزافية. إذ كون القاعدة من أصول المذهب بالمعني الأخص أول الكلام. والمسألة بخصوصها لم تعنون بكتاب من كتب الأصحاب فكيف تكون من الاتفاقيات أو مما أدعي في شأنها الاتفاق والإجماع؟!فقد بان من ذلك كله أن الحكم بالجواز مما لا يخلو عن قوة ولا سيما إذا لوحظ ما في الأمصار وفي جميع الإعصار ما يفعله جمع من شبان الشيعة بل وكهولهم وشيوخهم أيضاً من لطمهم صدورهم وجباههم ورؤوسهم بالحجر والحديد ونحو ذلك حتي تدمي هذه الأعضاء وتجرح في محضر من أكابر الدين وأعاظم المذهب من العلماء والصلحاء وهم لا يمنعونهم عن ذلك، بل يشتد بكاؤهم ويعلو نحيبهم فكأن طبايع جمع قد جبلت علي فعل أمثال ذلك في أيام العشر الأول من المحرم. أما سمعت حديث مسلم الجصّاص حيث قال ولطمت وجهي حتي خشيت علي عيني أن تذهبا. وبالجملة فإن ذلك ليس إلا لأمر أصلي صادر من رضا المعصومين (عليهم السلام) وبذلك مع كونه علي طبق الأصل الأولي، لكون المقام من صقع الشبهة التحريمية الحكمية مع عدم سبق العلم الإجمالي في البين) انتهي [30] .

اهل البيت يبكون دما علي الحسين

الثالث: صدور الإدماء بالفعل من قبل عدد من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) حزناً علي الحسين (عليه السلام) ليس من الرأس بل من العين التي هي أخطر وأرق من الرأس...ففي رواية رواها المجلسي في البحار وفي جلاء العيون:(أن الإمام زين العابدين إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتي يملأه دماً).وفي الأمالي للصدوق الصفحة (78) عن إبراهيم بن محمود عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (... إن يوم الحسين أقرح جفوننا...) وفي زيارة الناحية يندب الإمام ولي العصر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) جده الحسين بما هو أكبر وأعظم حتي من الإدماء حيث يقول (عليه السلام):(ولئن أخرتني الدهور وعاقني نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً علي ما دهاك وتلهفاً حتي أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب...) [31] .وفي قوله (عجل الله تعالي فرجه): (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) تأكيد، لأن: (اللام) و(النون) مما يشير إلي شدة البكاء وكثرته ودوامه إن في الفعل المضارع (أبكين) دلالة علي الدوام والاستمرار.. ومن الواضح أن من يستمر طول دهره يبكي دماً سينتابه من الآلام والأمراض ما قد يؤول به إلي الموت ومن هنا جعل الإمام (عجل الله فرجه الشريف) الموت غاية ينتهي بها بكاؤه (عليه السلام) فهو يبكي ويظل يبكي طول دهره وعمره الشريف حتي يموت أسيً ولوعة حيث قال (عليه السلام): (حتي أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب).كما أن في قول الرضا (عليه السلام): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا) دلالة واضحة علي استمرار بكاء أهل البيت (عليهم السلام) طول حياتهم، حيث أن القرح في العين لا يحصل إلا بعد كثرة البكاء وشدته في مدة طويلة كما يفصح به قوله (عليه السلام) في تتمة الحديث: (وأسبل دموعنا) والدمع يسبل إذا هطل كما لا يخفي.وهذا طبعاً ليس مبالغة في الكلام من قبل المعصوم (عليه السلام) لعدم صحته علي مذهبنا، ولأصالة حمل كلام المتكلم علي الحقيقة، لأن المبالغة نوع من المجاز، والأصل عدم المجاز، ويؤيد هذا ما ورد في الأخبار أن هذا شأن الزهراء (عليها السلام) كل يوم، فإنها تشهق علي ولدها حتي يسكتها أبوها [32] والشهيق له معان عديدة كلها تشترك في بيان عظم البكاء والحزن، منها ما جاء في تفسير الفخر الرازي لدي تفسير هذه الآية: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق):الزفير: ما يجتمع في الصدر من النفس عند البكاء الشديد فينقطع النفس، والشهيق: هو الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن وربما تبعها الغشية وربما حصل عقيبة الموت [33] .ومن هنا نعرف استحباب شدة البكاء علي الحسين (عليه السلام) ولو استلزم قرح العين بل ولو استلزم حصول آفة في العين أو ذهاب نور البصر أو أذاها.. عند جماعة من الفقهاء كالعلامة الطباطبائي الحائري (قدس سره) والشيخ علي البحراني المتوفي سنة 1319 في رسالته المسماة (قامعة أهل الباطل) في الصفحة 20 – 27 [34] .قال الطريحي في المنتخب، المجلس الثامن من الجزء الثاني - الباب الأول - الصفحة: 395:(فيا هذا... أيلام من شق الجيوب القلوب لا جيوب الثياب؟! أو يعنف من أجري الدماء لا الدموع علي هذا المصاب؟! كلا.. حاشا لله حقهم لا يقضي، وشكرهم لا يؤدي، لكن من بذل الاجتهاد كان جديراً أن يحصل المراد). وقال في الصفحة(70) أيضاً:(فلعمري لو تضاعفت أحزاني وتزايدت أشجاني وأجريت عوض الدموع دماً وجعلت عمري كله مأتماً وبقيت من شدة الجزع والاكتياب كالحلال لم أوف ببعض ما يجب علي من حق الآل).كما قال السيد محسن الأمين في المجالس السنية الجزء الرابع - المجلس الواحد الثلاثون بعد المائتين - الصفحة 260.(قد قضي العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتاً وتجديد الذكري لوفاتهم وإظهار الحزن عليهم لا سيما من بذل نفسه وجاهد حتي قتل لمقصد سام وغاية نبيلة، وقد جرت علي ذلك الأمم في كل عصر وزمان وجعلته من أفضل أعمالها وأسني مفاخرها، فحقيق بالمسلمين بل جميع الأمم أن يقيموا الذكري للحسين (عليه السلام) فإنه من عظماء الرجال وأعاظمهم في نفسه ومن الطراز الأول... وحقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكري في كل عام وتبكي له العيون دماً بدل الدموع وأي رجل في الكون قام بما قام به الحسين (عليه السلام)..)وشبيه هذا الكلام ذكره المقرّم في المقتل [35] وكذلك أيضاً قول الحجة المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف): (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) ليس من قبيل المبالغة في التعبير وإنما من باب بيان ما يستحقه من إظهار التأسف والحسرة مقابل تلك المصائب كما هو المتعارف في التعبير عند البعض لدي إرادة الكشف عن أمر مهم، وذلك لما ثبت في محلة من أصول الدين من تنزيه كلام المعصوم (عليه السلام) عن المبالغات الكلامية التي لا واقعية لها، لاستلزامه الكذب أحياناً - والعياذ بالله - ومن ثم الإضلال في بيان الواقع مما قد يناقض وجودهم ودورهم في هذا الوجود (عليهم السلام).ومن الثابت أن البكاء بدل الدمع دماً قسمان:القسم الأول: أن تشتد حرارة الباكي وتتدفق دموعه حتي تمزق الشرايين الرقيقة في الأجفان فيهمي منها الدم.والقسم الثاني: أن ينشج الباكي بالبكاء وتتدفق دموعه حتي لا تتاح الفرصة للدم حتي ينقلب دمعاً لأن الدمع هو بخار الدم فإذا قلّت الرطوبة وكثر البكاء أو أسرع البكاء من قابلية تبخر رطوبات الدم فإن الدم نفسه يجري في عروق الأجفان [36] .أقول: ومن كل ما تقدم يظهر جواز إسالة الدم من الرأس حزناً علي سيد الشهداء (عليه السلام) في مواكب التطبير بشكل أولي، وذلك لأنه إذا جاز إدماء العيون التي هي من أهم وأرق أعضاء الإنسان، بل وصدر ذلك من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فقد جاز التطبير بطريق أولي، بل إذا كان الإمام صاحب العصر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) يبكي الحسين دماً طول عمره الشريف حتي يموت ألماً وحسرة عليه، فكيف لا يجوز لشيعته الموالين أن يشقوا رؤوسهم ويجرون دماءهم يوم عاشوراء حزناً عليه وتلهفاً لما دهاه وأطفاله وعياله في وادي الكرب والبلاء.ولعل من هذا ما ورد عن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) أنه قال لما ذكر بعض الناس مقتل الحسين، ما معناه: (لو علمتم بعظم تلك المصيبة لبكيتم حتي تزهق أنفسكم) [37] .كما وردت في خطبة للأمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) عند رجوعه إلي المدينة بعد وقائع عاشوراء ومسيرة السبايا كلمات شجية أشارت إلي صحة تحمل الآلام والأضرار حتي بما هو أعظم وأشد من إسالة الدم علي مصاب المولي سيد الشهداء (عليه السلام) حيث قال في ضمن ما قال:(أيها الناس إي قلب لا ينصدع لقلته؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم؟!) [38] قال المرحوم السيد عبد الرزاق المقرم في المقتل:(فمصابه يقل فيه البكاء ويعز عنه العزاء! فلو تطايرت شظايا القلوب وزهقت النفوس جزعاً لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه...) [39] .

خمش الوجوه

الرابع: ورود الأدلة العديدة بجواز خمش الوجوه في مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن الواضح إن خمش الوجه يلازم الإدماء عادة فإذا جاز خمش الوجه فقد جاز الإدماء أيضاً في الجملة، خصوصاً وأنه حاز علي تقرير الإمام المعصوم (عليه الصلاة والسلام)، بما يجعله حجة شرعية، فقد روي السيد ابن طاووس في كتابه (اللهوف) ولما أخبر بشير بن حذلم أهل المدينة بمقتل الحسين (عليه السلام) ورجوع زين العابدين (... فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل والثبور) [40] .بل جاء في بعض الروايات خمش الوجه بصيغة الأمر، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث موثق أنه قال:(... علي مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الخدود..) [41] .وقد ثبت في محله من الأصول أن الأمر ظاهر الوجوب وتتأكد الدلالة في الوجوب إذا كان الأمر بصيغة المضارع كما في قوله (عليه السلام): (فلتشق ولتخمش) وإذا اتصل به لام الأمر، فيتضاعف تأكيد الوجوب أكثر ولعله بهذه التأكيدات (صيغة المضارع، واللام) المنضمة إلي ظهور الأمرية في الوجوب يمكن أن يستدل علي وجوب خمش الوجه وليس جوازه فقط.. وإذا تنزلنا من الوجوب نحمله علي الاستحباب، وبذلك يظهر أن خمش الوجه علي الحسين (عليه السلام) مستحب أن لم يكن واجبا. وبما أن خمش الوجه يلازم الإدماء، يصبح الإدماء مستحباً أيضاًًًًًًً لأنه يلازم المستحب، بناء علي أن اللازم يأخذ حكم ملزومه أيضا، أو يكون جائزا علي الأقل، وإلا يلزم منه المحال إذ لا يعقل أن يكن خمش الوجه واجبا أو مستحبا أو حتي مباحا كما في الأدلة المتقدمة ولكن يكون حكم لازمه - وهو الإدماء - الحرمة، للزوم الخلف، ولعدم القدرة علي الامتثال حينئذ (فتأمل).ومن مجموع الأدلة المتقدمة يستفاد إباحة التطبير علي الحسين (عليه الصلاة والسلام) وجوازه علي أقل التقادير، ولكن هناك مجموعة من الأدلة الأخري التي يمكن أن نستفيد منها استحبابه أيضا نذكر بعضها:

ادلة استحباب التطبير

الأول: تحبيب الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الجزع علي الحسين (عليه السلام) فقد روي الشيخ في المصابيح مسندا عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن يزور الحسين عن بعد في يوم عاشوراء...(وليقم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه) [42] .وقد جزع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الحادي عشر من المحرم كما في الزيارات من قوله (عليه السلام) لعمته العقلية (كيف لا أجزع ولا أهلع وقد أري أبي وعمومتي وولد عمي صرعي لا يوارون) [43] .بل أن الإمام الصادق (عليه السلام) دعا بالرحمة لمن جزع علي مصائب أهل البيت (عليهم السلام). ولم يكن الجزع محبوباً مرغوباً فيه في الشريعة السمحاء لما دعا الإمام (عليه السلام) للجازعين في رواية رواها المجلسي في مزار البحار باب (زيارة الحسين واجبة مفترضة) [44] عن ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال:دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) وهو في مصلاه فجلست حتي قضي صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضي وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا...اللهم..... ارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت علي قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا... الخ.وقد مدح الإمام الصادق (عليه السلام) مسمع كردين بقوله:(أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا).والرواية مفصلة رواها ابن قولوية في كامل الزيارات في الصفحة: (101)، أقول: ومعلوم أن الجزع في مقابل الصبر.. وليس التطبير وشج الرؤوس إلا من أهون معاني الجزع ومصاديقه.ولعل من أجلي مصاديق الجزع علي الحسين (عليه السلام) التي آلت إلي الموت والذي حظي بتقرير السجاد (عليه السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) هو موقف الرباب زوجة الحسين (عليه السلام).فقد روي في الوافي عن الكافي (باب ما جاء في الحسين بن علي (عليهما السلام) الصفحة: 175) أنها بكت (رضوان الله عليها) علي الحسين (عليه السلام) حتي جفت دموعها فأخبرتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة فأمرت بذلك فصنع لها لاستدرار الدمع..وواضح كم في البكاء حتي جفاف الدمع من الآلام والأوجاع.وروي أنها ما استظلت من الشمس - حتي اقشعر جلدها وذاب لحمها وان الصديقة الصغري (سلام الله عليها) كانت تسألها التحول من الشمس والجلوس مع النسوة في المأتم فكانت تأبي ذلك حتي لحقت بسيدها الحسين (عليه السلام).وفي الكامل لابن الأثير الجزء الرابع (الصفحة 36):(وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتي بليت وماتت كمدا).ومن كل هذا وذاك يعرف استحباب التطبير وإدماء الرؤوس والجبهات لأنها من معاني الجزع علي شهيد كربلاء ومصاديقه.

التطبير نوع من الحجامة

الثاني: وردت روايات عديدة في مصادرنا الروائية تؤكد علي حجامة الرأس. وتجعلها من المستحبات الشرعية لما لها من الفوائد الصحية الجمة كوقاية من بعض الأمراض الخطرة أو كعلاج لبعضها الآخر، ننقل بعضها:في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كل داء إلا السام، وشبر من الحاجبين إلي حيث بلغ إبهامه ثم قال هاهنا) [45] .وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله): (الحجامة في الرأس شفاء من كل داء) [46] .وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحجامة علي الرأس علي شبر من طرف الأنف وفتر من بين الحاجبين وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يسميها بالمنقذة) [47] .وفي حديث آخر كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يحتجم علي الرأس ويسميه المغيثة أو المنقذة.وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهم السلام) يقول: (قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) الحجامة في الرأس شفاء من كل داء إلا السام) [48] .وعن الصادق (عليه السلام): (الحجامة في الرأس شفاء من سبع من الجنون والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة العين والصداع) [49] .ومن جملة هذه الروايات المتقدمة نستفيد أمورا:الأول: إن فعل النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله) للحجامة واحتجامه برأسه وحده كاف للدلالة علي استحبابها كما ورد في الرواية انه (صلي الله عليه وآله) - بناء علي أن أفعال الأنبياء لا تخرج عن الواجبات والمستحبات - كان يحتجم ويسميها المنقذة.الثاني: كون الحجامة منقذة ومغيثة وشفاء من كل داء ونحو ذلك يؤكد استحباب فعلها حتي وان أصيب صاحبها ببعض الألم أو بعض الأضرار من قبيل الجروح وإسالة الدم ونحو ذلك، ولهذا أفتي جماعة من الفقهاء المتقدمين فضلا عن المتأخرين باستحباب حجامة الرأس... [50] .منهم الشهيد الأول (قدس سره) في السرائر حيث قال: (يستحب الحجامة في الرأس فإن فيها شفاء من كل داء).ومنهم العلامة المجلسي (قدس سره): حيث قال:(فضل حجامة الرأس ومنافعها وردت في روايات الخاصة والعامة وقال بعض الأطباء الحجامة وسط الرأس نافعة جداًًًًًًًً وقد روي أن النبي (صلي الله عليه وآله) فعلها).ويفهم من كلام المجلسي (قدس سره) أيضا إن استحباب الحجامة في الرأس لا يقول به الشيعة فقط بل هناك روايات عند العامة أيضا تؤكد استحبابها.الثالث: بعض الروايات المتقدمة عينت موقع حجامة الرأس منه وهي عادة في الربع الأول من قمة الرأس أي في مسافة فتر تقريبا ما بين رأس الأنف إلي نهاية ما يصل إليه الإبهام.. وواضح أن محل التطبير وضرب القامات والسيوف علي الرأس يأتي في نفس هذا الموضع لمن أراد أن يعتني ويدقق في عمله..وبهذا يمكن أن يكون التطبير نوعا من الحجامة فيكون مستحبا في نفسه لأن الحجامة مستحبة وان لم نقصد فيه أي عنوان آخر، وواضح أن استحباب التطبير يتأكد إذا أنضم إليه عنوان مستحب جديد وهو عنوان التأسي برسول الله (صلي الله عليه وآله) واتباع سنته في حجامة الرأس كما تقدمت الروايات في ذلك فإنه سوف ينطبق عليه عنوان الاقتداء والتأسي فضلا عن الاحتجام..وقد ذكر الفقهاء انه إذا وجب شيء بالنص ثم انطبق عليه عنوان واجب آخر فإن هذا الوجوب يتأكد، فمثلا: لو نذر الإنسان إقامة الصلاة اليومية الواجبة، فإن وجوبها يتأكد بالنذر بمعني تداخل الواجبين في وجوب واحد.وهكذا إذا كان الشيء مستحبا في نفسه مثل الحجامة ثم انطبق عليه عنوان مستحب آخر وهو العمل بسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والاقتداء به فإن الاستحباب يتأكد.أقول: فكيف بشيعة علي والحسين سددهم الله تعالي إذا جمعوا في التطبير عناوين ثلاثة مستحبة وليس عنوانين وهي:1- الحجامة.2- التأسي برسول الله (صلي الله عليه وآله).3- تعظيم الشعائر.وقد قال الفقهاء إن تعظيم الشعائر وخاصة الشعائر الحسينية من المستحبات الشرعية [51] قال تعالي (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب) [52] .ومن مجموع هذه المستحبات الثلاثة يتأكد استحباب التطبير ويصبح كله مستحبا في مستحب، بل إذا قلنا بتداخل المستحبات فربما يتاخم الوجوب، ولعل من هنا أفتي جماعة من فقهاء السلف بوجوبه - أي التطبير - العيني كما سيأتي، وبعض الفقهاء المعاصرين بوجوبه الكفائي كما أخبرني بعض الثقاة أن بعض أعلام الأساتذة في الحوزة سأل في أحد المجالس عن رأيه في التطبير فأجاب أنه يري أنه واجب عيني تخييري وستمر عليك بعض الإشارات إلي ذلك فانتظر.

مواساة الحسين عمل مستحب

الثالث: قامت الأدلة الشرعية علي استحباب المواساة بين المؤمنين في المصائب والآلام وخاصة مواساة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) حيث ورد عنهم (شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) (إن الله أطلع إلي أرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا أولئك منا وإلينا) [53] .كما ورد عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا (إن ذلك - أي البكاء علي الحسين - صلة منكم لنا وإحسان وإسعاد) [54] وصلة لرسول الله [55] . وأداء لحقه وحقوق الأئمة، ففي الرواية أن الباكي قد أدي حقنا [56] وكذلك في البكاء نصرة للحسين وأسوة بالأنبياء والأئمة والملائكة، وفي هذا أيضا قال علماؤنا الأعاظم وعملوا به.بل يظهر جملة من الأخبار أيضا أن الله عز وجل أحب مواساة الحسين (عليه السلام) في مصائبه، بل ساق سبحانه ركب أنبيائه وأوليائه إلي كربلاء ليواسوه في مصائبه ويذكروا ما دهاه من آلام وفجائع بالدماء والدموع قبل أن ينتهي إليها ركب الحسين بمئات الأعوام والسنين فأشرك الله سبحانه أنبياءه في أهوال هذه الأرض مع السبط الشهيد كما أشركهم معه في إسالة دمائهم علي تربة كربلاء الزاكية حتي أولو العزم منهم (عليهم السلام)، ففي أخبار معتبرة: أن آدم (عليه السلام) لما وصل إلي كربلاء وبلغ مقتل الحسين عثر بصخرة فجري الدم من قدمه ثم أوحي الله إليه: إن في هذه الأرض سيقتل ولدك الحسين فأدرت أن تشاركه في الألم والحزن ويراق دمك عليها كما يراق عليها دمه.وإن سفينة نوح (عليه السلام) لما وصلت إلي كربلاء جاءها موج فاضطربت حتي كادت أن تغرق فنزل جبرائيل وقال: يا نوح أن هذه أرض يقتل فيها سبط نبي آخر الزمان وابن خير الأوصياء.وان سليمان (عليه السلام) كان علي بساط الريح يجوب الأفاق تجري به الريح رخاء حيث أصاب، إذ وصل إلي كربلاء فطافت به حول نفسه ثلاثا ولما عاتب سليمان الريح أجابت: بأن في هذا المكان يقتل سبط أحمد المختار.وان إبراهيم (عليه السلام) كان يوما راكباً جواده ماراًًً بصحراء كربلاء إذ كبا فرسه وانقلب علي الأرض فأصيب رأسه بصخرة وجري منه الدم فبدأ إبراهيم (عليه السلام) بالاستغفار وقال يا إبراهيم لم يصدر منك ذنب ولكنه موضع يقتل فيه سبط محمد المصطفي ونجل علي المرتضي (عليه السلام) ظلما وجورا فأراد الله أن تواسيه ويراق دمك فيه.وإن موسي بن عمران مر بصحراء كربلاء مع وصيه يوشع بن نون فلما دخلها انقطع شسع نعله وأدمت الأشواك قدمه فسأل الله عن سبب ذلك فأوحي الله إليه إن في هذه الأرض يراق دم عبدي الحسين فأردت أن يراق دمك فيها.ولعل أصرح هذه الروايات دلالة ما رواه الصدوق في العلل وابن قولويه وفي الوسائل أيضا عن الإمام الصادق (عليه السلام):(أن إسماعيل ابن حزقيل كان نبيا من أنبياء الله بعثه إلي قومه فسلخوا جلدة وجهه ورأسه فأتاه ملك يخبره: إن الله أمره بإطاعته فيما يريد فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين) [57] .وهناك روايات عديدة في هذا الشأن تركناها للاختصار، ومن أراد التفصيل فليرجع إلي كتاب البحار للعلامة المجلسي الجزء (44) طبعة بيروت.كما عقد المجلسي فصلا خاصا في الآيات المؤولة بشهادته (صلوات الله عليه) وأنه يطلب الله بثأره (في الجزء 44 ص: 217) واستعرض في ذلك آراء جملة من المفسرين وجملة الحديث كتفسير علي بن إبراهيم القمي والعياشي والصافي ونور الثقلين والخصائص الحسينية ونحوها.ومن كل هذه الروايات المتقدمة نستخلص أمورا:إن مصيبة الحسين (عليه السلام) لم تكن كباقي مصائب الأولين والآخرين بل كانت مصيبة فجع بها كل ما خلق الله مما يري وما لا يري وأصابت الناس والحيوانات والجمادات وبكته السماء والأرض وسرت المصيبة إلي الآخرة فبكي لها رضوان ومالك، ولطمت الحور العين، وبكي كل من يتقلب في الجنة والنار، وندب عليها الأنبياء والأوصياء قبل ميلاده، وأقيمت له المآتم يوم ولادته، كما في الأدلة المعتبرة، فلابد يقام لها مقياس آخر غير مقاييس بقية المصائب مهما عظمت وعظم من يصاب بها.ومن هنا أحب الله سبحانه أن يشارك جميع أنبيائه الحسين ويواسونه في إراقة دمائهم علي تربة كربلاء ولو كان عن غير قصد مع إن العديد من أنبيائه وأوليائه قتل علي أيدي الكفر والإلحاد أيضا حتي إن يحيي ذبح وقطع رأسه، وإسماعيل سلخ جلدة وجهه ورأسه بالإضافة إلي أن أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الرسول (صلي الله عليه وآله) تعرض لأشق الأحوال والآلام، حتي ورد عنهم (عليهم السلام) (ما منا إلا مسموم أو مقتول) [58] وورد عنه (صلي الله عليه وآله) (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت) [59] .ومع كل هذا وذاك لا نجد مصيبة في هذا الوجود أفجعت الكون وأبكت أركانه و أبكت عين السماء والأرض كمصيبة المولي سيد الشهداء (عليه صلوات المصلين) مما يدل علي أن الله سبحانه منح الحسين عناية خاصة ومقاما خاصا وأراد أن تكون مصيبته ممتازة علي سائر المصائب والآلام.أقول: إذا كان الأنبياء يواسون الحسين بدمائهم.. بل صبر إسماعيل علي سلخ جلدة وجهه ورأسه أسوة بالحسين، مع أنه لم يقصد التأسي في بادئ الأمر بل سلخها قومه كرهاً ثم احتسبها تأسيا فقبلها منه الله سبحانه، فإن تطبير الشيعة من محبي الحسين وإسالة دمائهم بقصد التأسي بالحسين من أول الأمر ربما يكون من أنواع التأسي المحبوب المقبول بشكل أولي، بل إذا كان بكاء أحد علي ميت مواساة لأهله وأداء لحقوقهم لأنه من مظاهر الحزن عليه، فإن الإدماء - الذي هو أظهر مصاديق الجزع المستحب علي الحسين (عليه السلام) كما تقدم - أولي بأن يكون أسوة ومواساة ومشمولا بالحديث الذي رواه السيد ابن طاووس في كتابه (المقتل) عن الإمام السجاد (عليه السلام): (... أيما مؤمن أذي مسه أذي فينا صرف الله عن وجهه الأذي يوم القيامة وأمنه من النار) [60] .إذن... من مجموع الأخبار المتقدمة - وحدها - كفاية للدلالة علي رجحان التطبير مواساة للحسين وأصحابه (عليهم الصلاة والسلام) بل مع لحاظ الفارق بين موقف الأنبياء وبين موقف سائر الخلق في إسالة الدم علي الحسين (عليه السلام)، ربما يصبح رجحان التطبير من الأوليات، وذلك لأن الأنبياء واسوا الحسين (عليه السلام) بدمائهم قبل الواقعة ونحن نواسيه بعدها، بالإضافة إلي أن دماء الأنبياء أغلي وأهم عند الله من ساير الدماء، ومع ذلك تعد رخيصة في سبيل الحسين (عليه السلام)، فكيف بدمائنا إذن!!.

مشاطرة الحسين في المصائب و الآلام

ومن هنا ورد في العديد من الأخبار أدلة علي محبوبية مشاطرة الإمام الحسين في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها.منها ما جاء في زيارة الناحية الواردة عن مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) يخاطب جده المقتول المظلوم فيقول:(السلام عليك فإني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلي الله بمحبتك البراء من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك علي من بغي عليك ونصرك وفداك بروحه وجسده وماله وولده. وروحه لروحك فداء وأهله لأهلك وقاء، فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنك صباحا ومساء ولأبكين لك بدل الدموع دما حسرة عليك وتأسفا علي ما دهاك وتلهفا حتي أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب.) [61] .والذي يتأمل في مضامين هذه الكلمات الشريفة علماً بأنها صدرت من إمام معصوم إلي إمام معصوم آخر، يجد في نفسه إن التطبير من أبسط ما يمكن أن يقدمه شيعي محب في سبيل إمامه مواسيا له في عزائه ومصابه. ونحن هنا نلفت نظر القارئ الشريف إلي عدة أمور ونترك جوابها إلي شروح الزيارات وكتب الكلام..فما معني أن يقول الإمام الحجة (عجل الله تعالي فرجه):إني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك مع أنه إمام معصوم مثله؟سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلي الله بمحبتك؟سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك... وفداك بروحه وجسده وماله وولده.. وروحه لروحك فداء...؟ولأندبنك صباحا ومساء... ولأبكين لك بدل الدموع دما... حتي أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب؟أليس كل ذلك مواساة من الإمام الحجة لجده المظلوم العطشان.ولا أظن أحدا إذا تدبر وتبصر يشك في أن إدماء الرؤوس مواساة للمولي سيد الشهداء (عليه السلام) عمل غير جائز أو ليس بصحيح أو مستحب.

التطبير احياء لامرهم

الرابع: ورد في بعض الروايات المعتبرة التأكيد علي إحياء أمر أهل البيت وتذكره والتذكير به بل بعض الروايات تضمنت حث الشيعة وتحريكهم نحو هذا العمل، ففي البحار -كتاب العشرة - باب تزاور الأخوان [62] .ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) يخاطب خيثمة... ومن جملة ما يقول:(... يا خيثمة أبلغ من تري من موالينا السلام. وأوصيهم بتقوي الله العظيم.. وأن يتلاقوا في بيوتهم فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا..).وفي قرب الإسناد الصفحة: (18) والبحار الحديث (18)..عن أبي عبد الله (عليه السلام) قائلا لفضيل: (تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا.. فرحم الله من أحيا أمرنا.. يا فضيل: من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر).وفي أمالي الطوسي الجزء الأول الصفحة: عن العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول لأصحابه وأنا حاضر...... (اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا).وفي الخصال الجزء الأول الصفحة: (14) عن خيثمة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (تزاوروا في بيوتكم فإن ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا).وفي بشارة المصطفي الصفحة: (133) عن معتب مولي أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: (يا داود أبلغ موالي مني السلام وأني أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذكر أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما وما اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا وعاد إلي ذكرنا). وغيرها عشرات الروايات التي جاءت في هذا المجال.والظاهر أن هذه الروايات وأمثالها مطلقة تشتمل كل معاني الإحياء إذ هي تؤكد علي ضرورة الإحياء وتدعو لمن قام به بالرحمة ولم تحدد بالخصوص الأساليب والسبل التي يتم بها الإحياء المندوب. ومن الواضح أن من مصاديق أحياء أمرهم (عليهم الصلاة والسلام) مجالس العلم والتفقه، ومنها الشعائر الحسينية ومنها التطبير، كما سنوضح في الاستدلال ولكن قبل ذلك هناك بعض النقاط لا بأس بالإشارة إليها...الأولي: صحيح أن بعض الروايات قالت: (تزاوروا في بيوتكم) و(تجلسون وتحدثون) مما قد يفهم البعض منها أنها وردت في خصوص المجالس البيتية ونحو ذلك التي اعتاد عليها الشيعة منذ سالف الأزمان إلا أن الظاهر انه لا خصوصية للمجالس البيتية، وإنما الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) ذكروا ذلك من باب أجل المصاديق وأظهرها وقد ثبت في الأصول أن بيان المصداق لا يقيد الإطلاق كما لا يخصص العام، خاصة وأن الشيعة - عادة - كانوا في ظروف تقية لا تسمح لهم بإعلان ذلك في الأسواق والطرقات والمحافل العامة، فاضطراراً كانوا يعقدونها في البيوت والمحلات الخاصة حفاظا علي أنفسهم وأعراضهم. وأنت إذا راجعت التأريخ وكتب الرجال تتلمس ذلك بوضوح.إذن أحياء الأمر مطلوب مندوب عند أهل البيت (عليهم السلام) بأي صيغة وفي أي صورة كان، استفادة من إطلاق الروايات، ولعل مما يؤيد ذلك ما جاء في حاشية مقتل المقرم: (عقد المحافل للتذكير بتلك الفاجعة المؤلمة لا يقتصر فيه علي ذكرها في البيوت فقط فإنه خلاف إطلاق الأخبار). ففي أمالي الصدوق عن الرضا (عليه السلام): (من ذكر بمصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تعمي العيون...).وهذه الأخبار إلي نظائرها الكثير تحث بعمومها علي كل وسيلة يتذكر بها مصاب الحسين أو مصاب أهل البيت (عليهم السلام) سواء في ذلك عقد المأتم أو بذل المال لأجله أو نظم الشعر أو كتابة تلك الفوادح أو تدوينها أو إنشاد ما جري عليهم أو تصوير تلك الفاجعة أمام الناس بكل مظهر من مظاهره كالتمثيل والتطبير فأن الجامع لهذه الإنحاء قوله (عليه السلام) من ذكر بمصابنا [63] .الثانية: في قوله (عليه السلام): (من ذكرنا) أيضا مطلق يشمل كل أنواع الذكر والتذكير ومما لا شك فيه أن إقامة الشعائر الحسينية ومنها التطبير من أجلي مصاديق ذكرهم والتذكير بهم، فيكون مندوبا ويعد صاحبه من خير الناس من بعد الأئمة (عليهم الصلاة والسلام): (وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا) [64] .الثالثة: في قوله (عليه السلام): (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا) و(فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا) احتمالان:الأول: انه ظاهر في العلية المعدة بمعني أنه له ظهور في المقدمية والطريقية أي طريقية الجلوس والتحدث والمذاكرة أحياء أمرهم (عليهم السلام)، بمعني انه لما كان الجلوس والتحدث والمذاكرة طريقا إلي إحياء أمرهم (عليهم السلام) حث عليه الإمام (عليه السلام).الثاني: أو أنه ظاهر في العلية التامة المبقية بمعني أن الجلوس والتحدث والمذاكرة علة تامة مبقية لإحياء أمرهم في مقام العمل ونشر الفقه والأحكام وإظهار الحب والمودة والتبصرة ونحو ذلك منها، إذ لولا هذه المجالس لمحا الطغاة آثارهم (عليهم السلام) كما قد يظهر هذا الاحتمال من عبارة العلامة المجلسي (قدس سره) في تفسير معني أمرنا. وهناك احتمالات أخري لا مجال لذكرها.وقد ثبت في علم الأصول أيضا أن العلة تعمم وتخصص كما لو قال الطبيب لا تأكل الرمان لأنه حامض فإنه لا خصوصية في الرمان حتي يمنع عنه الطبيب وإنما الخصوصية التي استدعت منع الطبيب هي الحموضة، ولهذا فإنه يفهم من كلام الطبيب هذا أن كل حامض لا يصح أكله وان لم يكن رمانا، فهذه جهة التعميم كما يفهم منه أيضا أن الرمان إذا كان حلوا لا بأس بأكله وهذه جهة التخصيص.وهنا العلة تعمم أيضا لأن الهدف هو الإحياء فأي عمل يتم به الغرض ويتحقق به الهدف يصبح مطلوبا أيضا ونحن بأي احتمال أخذنا يكفي في الدلالة علي رجحان التطبير، ولذلك أساليب - سواء بنحو المقدمات والطرق أو العلة المبقية - لأن المهم - أولا وبالذات كما يظهر من الروايات هو أحياء أمرهم ولهذا الأحياء أساليب منها مجالس المذاكرة ومنها مراسم الشعائر كالتطبير والزنجيل واللطم والشبيه ونحو ذلك فتكون كلها مندوبات لأنها أساليب لإحياء أمرهم (عليهم السلام).إذن يستفاد من إطلاق قولهم (عليهم الصلاة والسلام) (أحيوا أمرنا) جواز بل استحباب أي نوع من أنواع الإحياء بما فيها التطبير، إلا إذا كان هناك دليل علي الحرمة ولا دليل يحرم ذلك.وأما كيفية الاستدلال علي الندب في كل ذلك فنقول:أولا: قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) صيغة أمر، وقد ثبت أن الأمر ظاهر في الوجوب إلا إذا كانت قرينة علي الندب والاستحباب فنحملها عليه. والروايات المتقدمة لا يخلو أمرها من هاتين الحالتين إذ هي أما مجردة عن القرائن فتحمل علي الوجوب كما هو الأصل، أو هي كما قال البعض تحمل علي الاستحباب لوجود قرائن صارفة عن الوجوب، منها: ظهور الجمل الواردة في الروايات يعطي معني الاستحباب لا الوجوب.ومنها قولهم (عليهم الصلاة والسلام): (رحم الله من أحيا أمرنا) فإنه أما بمعني الدعاء لمن يحيي أمرهم (عليهم السلام). أو هو إنشاء إيجاد وتنزيل للرحمة الإلهية بالفعل لمن يقيم أمرهم ويحييه من باب الولاية التكوينية والتشريعية التي منحها الله سبحانه وتعالي لهم إذ جعل سبحانه أزمة الإعطاء والمنع بأيديهم حتي صاروا (عليهم الصلاة والسلام) مجاري الفيوضات الإلهية وأوعية المشيئة الربانية في الأشياء؛ فهم (عليهم السلام) ينزلون الرحمة علي من يحيي أمرهم؛ أو هو إنشاء بلسان الأخبار أي يخبرون عن واقع متحقق وحقيقة موجودة في الكون وهي أن من يحيي أمرهم (عليهم السلام) تتنزل عليه الرحمة إيجادا.وعلي أي معني من هذه المعاني الثلاثة حملنا كلام الإمام (رحم الله من أحيي أمرنا) فإنه قرينة علي الاستحباب لا الوجوب فتأمل.وعلي كل حال.. بأي القولين أخذنا (التجرد من القرينة علي الندب) أو (عدمه) فنحمله علي الوجوب لا يخلو أمر التطبير من الوجوب أو الندب كما سنوضح.

ماذا يعني امرنا؟

ثانيا: ما هو المراد من أمرنا؟ احتمالات عديدة أهمها اثنان:1- أن يكون المراد من (أمرنا) أي حكمنا (فالمراد من الأمر هو الحكم وما بمعناه كالدين والشريعة ونحوه، ويؤيده إن بعض الروايات جاءت في مجالس الذكر والحديث عنهم والتفقه بآدابهم وسننهم وهذا المعني هو الذي احتمله العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار حيث قال لدي شرح هذه الرواية القائلة: (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا): (حياة لأمرنا.. أي سبب لإحياء ديننا وعلومنا ورواياتنا والقول بإمامتنا) [65] وهذا الحمل ظاهر في مجالس الفقه والحديث وأصول الدين وفروعه ونحوه لأن بها إحياء الدين.2- أن يكون المراد من (أمرنا) هو شأننا وذلك لأنه من معاني الأمر - لغة - الشأن فيكون قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) أحيوا شأننا. ومن الواضح أن شأنهم (عليهم السلام) عام يشمل كل ما يرتبط بهم من قريب أو بعيد سواء كان في أصول الدين أو في فروعه أو في شعائره ونحوها فيكون هذا المعني أعم من المعني الأول.وبأي الاحتمالين تمسكنا يشمل الشعائر الحسينية ومنها التطبير أيضا، لأن (أحيا أمرنا) إن كان بالمعني الأول أي إحياء دينهم كما احتمله المجلسي فإن إحياء الدين يتم بأمور واجبة مثل الصلاة والصيام والحج ونحوها كما يتم بأمور مندوبة مثل بناء المساجد والحسينيات وزيارة المراقد المطهرة وإقامة الشعائر الحسينية.نعم ربما هناك تفاوت وتفاضل في الرتبة إذ أن إقامة الدين وأحياءه يتم بالواجبات أولا ثم بالمندوبات ولكن تفاضل الرتب لا يضر بالرجحان. وأما إذا قلنا أن المراد من (أمرنا) هو المعني الثاني فشموله للشعائر الحسينية يكون في غاية الوضوح ودلالته علي المطلوب أتم [66] .ولكن الظاهر أنه يمكن أن نقول انه قد ثبت في أصول الفقه وأصول الدين إن إقامة الدين وإحياء معالمه من الواجبات الشرعية كما في قوله تعالي (أن أقيموا الدين) [67] .كما ثبت أيضا بالدلالة العقلية والنقلية أن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) هم عين الدين وجوهره الزكي بل لولاهم لما كان الدين.ومن هذا وذاك يمكن أن نستفيد أن إحياء أمرهم الذي هو الآخر إحياء لنفس الدين وإحياء في بعض مراتبه، وذلك لأن إحياء الدين في بعض مصاديقه واجب مثل بيان العقائد والأحكام ونشرها بين الناس. وبعضها الآخر مستحب مثل المناقب والأخلاق والفضائل.. وبما أن إقامة الدين وأحياءه يتوقف في بعض مصاديقه علي الشعائر في الجملة تصبح في الأخري من الواجبات في الجملة أيضا، ويبقي الباقي تحت عنوان المستحب... ولعل من هنا أفتي بعض الفقهاء الراحلين والمعاصرين بوجوب التطبير العيني أو الكفائي كما سيمر عليك، والله العالم.وإذا أراد البعض أن يناقش في كل ما تقدم من أدلة علي استحباب التطبير ورجحانه الشرعي ولا يرضي بغير جوازه وإباحته فنقول:حتي لو قلنا بذلك فإنه يبقي لدينا دليل علي الاستحباب أيضا.إذ ورد عنهم (عليهم الصلاة والسلام): (أن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه) [68] ، والرخصة في مقابل العزيمة هي الواجبات والمحرمات أما الرخصة فهي المباحات.فإذا كان العمل بالمباحات هو بنفسه عملا مستحبا من باب أنه حكم الله أيضا فيؤخذ به والله سبحانه أحب أن يؤخذ برخصه فيصبح المباح محبوبا عند الله مندوبا إليه فيدخل العمل المباح حينئذ في حيز المستحبات. وبهذا يصبح التطبير عملا مستحبا أيضا من هذا الباب فتأمل تعرف.

رايان في وجوب التطبير

الأول: وربما يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها - في الجملة - بقوله سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب) [69] .بضميمة قوله سبحانه وتعالي: (فاتقوا الله ما استطعتم) [70] .حيث أن تحصيل التقوي وكسبها يعد من الأمور الواجبة شرعا وذلك لمكان صيغة الأمر في (فاتقوا) الذي قال فيها الأصوليون أنها - أي صيغة الأمر - دالة علي الوجوب أو ظاهرة فيه - وكذلك (ما استطعتم) أي التقوي لازمة بمقدار الطاقة والجهد فالمؤمن يجتهد في تقوي الله ما استطاع، فإذا صار تحصيل التقوي من الأمور الواجبة وتعظيم الشعائر الإلهية (كما في منطوق الآية الأولي) من التقوي، يصبح إقامتها وتعظيمها من الأمور الواجبة أيضا.وإذا أردنا أن نعبر عن المسألة بصيغة منطقية، نشكل قياسا منطقيا من الشكل الأول تعطينا نتيجة وجوب تعظيم الشعائر الإلهية والتي منها الشعائر الحسينية فنقول...صغري القياس نستفيدها من الآية الأولي بهذا الشكل:تعظيم الشعائر من تقوي القلوب. وكبري القياس نستفيدها من الآية الثانية بهذا الشكل:وتقوي القلوب واجبة. فتكون النتيجة بهذا الشكل بعد حذف الحد الأوسط: إذن... تعظيم الشعائر واجب. والقياس يتشكل بهذه الصيغة:تعظيم الشعائر من تقوي القلوب، وتقوي القلوب واجب، إذن تعظيم الشعائر واجب.وبما أن تعظيم الشعائر يتم بعوامل وطرق وأساليب لم تتحدد في الآيات الشريفة يصبح هذا التعظيم مطلقا.. بأي صيغة عظمتها يعد أداء للواجب المفروض علي العباد. ومما لا شك فيه أن الشعائر الحسينية من وسائل التعظيم للشعائر الإلهية فتصبح واجبة - في الجملة والتطبير من هذه المعظمات إن لم يكن من أرقاها فيصبح واجبا أيضا [71] .

الوجوب العيني التخييري

الثاني: كما قد يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها وجوبا عينيا تخييريا بقوله تعالي في سورة الشوري: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) [72] .وقد اتفق الفريقان - الشيعة والسنة - علي أن المقصود من القربي في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) وأن الحسنة في الآية إنما هي مودتهم وأن الله تعالي غفور شكور لأهل ولايتهم. وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها، وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة [73] .وفي آية المودة المتقدمة وقعت مودة القربي في حيز الطلب، مما يؤكد أن المودة هي الحب الظاهر لتعلق الأمر به أولاً. وثانياً إن محبة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) الواجبة هي المودة وليس الحب وحده، بمعني أن الذي يجب علي سائر الناس من محبة القربي ومودتهم هو إظهار الحب وإبرازه علي جوارحهم ومواقفهم وأفعالهم وذلك بمدحهم والثناء عليهم.- اتباعهم في مناهج العمل والآداب والسنن.- الدفاع عنهم ونصرتهم أحياء وأمواتا.- احترامهم وإجلالهم إحياء أيضا، وحيث أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الأطيبين الأطهرين (عليهم الصلاة والسلام) جعلهم الله قدوة للناس يتأسون بهم في الدين والدنيا جعل الأمر بمحبتهم ومودتهم طريقا إلي الإقتداء والتأسي بهم، لأن دعوة الناس إلي محبتهم وولائهم تكون سببا إلي التفتيش عن موجبات هذه الدعوة وفلسفتها، وفي نهاية المطاف يكون هذا الأمر سببا إلي التفات الناس إلي سجاياهم وأخلاقهم التي تخلق المحبة في قلوب الناس. وبذلك يتضح أن دفع الناس إلي التعرف علي عظمة الشخص يحصل بأحد أمرين:الأول: رفع الستار عن سجاياه الأخلاقية وملكاته الفاضلة ببيان فضائله وهو عمل يوجه الناس إلي القائد بصورة مباشرة.الثاني: الأمر بحبه ومودته وموالاته ويكون سببا لإقبال الناس عليه والتعرف بالتدريج علي مؤهلاته وصفاته وسجاياه.وعلي هذا الأساس يعتبر الأمر بمودتهم (عليهم السلام) منطلقا للتعريف وأساسا للإتباع ولعل من هنا قال سبحانه: (وما سألتكم من أجر فهو لكم) [74] .إذن، الظاهر أن المقصود من المودة في الآية هو الارتباط، وبالنتيجة: التعرف علي المعارف والأصول، وفي مرحلة أخري الإتباع والاقتداء العملي فيصير طلب المودة نوعا من طلب الإتباع للرسول وكتابه.قال تعالي:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [75] .ومن كل ما تقدم نفهم:أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والمقصود من المودة هو الحب الظاهر علي جوارح الموالين وأفعالهم ومواقفهم.وبما أن إظهار الحب والموالاة يختلف من إنسان لآخر... ومن مظهر لأخر، يصبح وجوب الإظهار عينياً تخييرياً.أما عينياً فلأن الجميع مكلف بمودتهم (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) منهم.بل أن للحسين (عليه السلام) في هذه الآية عناية ربانية خاصة وتأكيدا علي الحب والمودة فقد ورد في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلي ابن عباس قال:(كنا جلوسا مع النبي (صلي الله عليه وآله) إذ هبط عليه الأمين جبرائيل (عليه السلام) ومعه جام من البلور مملوء مسكا وعنبرا. وكان إلي جنب رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب وولداه الحسن والحسين إلي أن قال: فلما صارت الجام في كف الحسين (عليه السلام)، قالت:(بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم علية أجرا إلا المودة في القربي) [76] .وأما تخييرياً فلأن كل واحد يظهر هذا الولاء والحب بطريقته الخاصة، فبعضهم بواسطة اللطم علي أحزانهم وبعضهم البكاء وبعضهم بالإطعام، وبعضهم بالزيارة، وبعضهم بالتطبير وهكذا.كل يجب عليه إظهار حبه وولائه لأهل البيت، ولكن عليه انتخاب الطريقة التي يريدها، وذلك لأن من شروط المحبة والموالاة الفرح لفرح المحبوب والحزن لحزنه [77] ومما لا شك فيه أن التطبير من أجلي مظاهر إبراز الحب والموالاة بل والمواساة للحسين (عليه السلام) وآل الحسين (عليهم الصلاة والسلام) في جروحهم وآلامهم كما قال الشاعر.وإن الأولي بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسياوبذلك يظهر أن التطبير واجب عيني تخييري [78] .

هل الضرر يمنع من التطبير؟

أما من يزعم أن التطبير عمل محرم في الشريعة، فالظاهر أنه لم يقم لنا دليلا علي حرمته كي نتأمل في صحته وسقمه... ورغم ذلك سنتطرق للضرر بعض الشيء لنري هل يمكن أن يشمل التطبير في الموضوع أو الحكم أم لا؟يقول الفقهاء: أن الضرر الذي لا يجوز الإقدام علي ارتكابه هو ما لازمه أحد أمور ثلاثة:الأول: قتل النفس، فإن هذا لا يجوز لأدلة حرمة قتل النفس [79] .الثاني: قطع عضو من أعضائه كأن يقطع يده أو رجله أو يقلع عينه أو يصلم أذنه ونحو ذلك فإن مثل هذا الضرر لا يجوز ارتكابه ومرتكبه يعد عاصيا في الشريعة.الثالث: أن يشل قوة من قواه علي عمل يؤدي إلي فقدان بصره أو فقدان سامعته أو شل يده أو رجله ونحو ذلك. فإن مثل هذه الأعمال التي تؤدي إلي هذه الأضرار محرمة ومرفوعة بدليل (لا ضرر في الإسلام) وأما سائر الأضرار الأخري التي لا تصل إلي هذا الحد من الضرر فإنها جائزة مباحة في الشريعة بل أحيانا مستحبة كما تقدم.قال السيد أبو القاسم الخوئي في مصباح الأصول (ج 2 ص 551) أنه يجوز للإنسان أن يضر نفسه (ما عدا القتل وقطع الأعضاء) إذ لا دليل علي حرمته.ننقله (بتوضيح منا):..(التحقيق عدم ثبوت ذلك (أي حرمة الإضرار بالنفس) علي إطلاقه. أي حتي في غير التهلكة وما هو مبغوض في الشريعة المقدسة كقطع الأعضاء ونحوه، لأن المتقين من حرمة الضرر في النفس هو ثلاثة فقط هي:1- قتل النفس فهو حرام.2- قطع عضو من أعضاء البدن.3- إسقاط قوة من قوي النفس أو البدن.فإن العقل لا يري محذورا في إضرار الإنسان بما له بأن يصرفه كيف يشاء بداع من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حد الإسراف والتبذير، ولا بنفسه بأن يتحمل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي بل جرت عليه سيرة العقلاء، فإنهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي واجبا لهذا من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر.(وكذا النقل لم يدل علي حرمة الإضرار بالنفس) انتهي.والتطبير كما هو معروف مشهور بين الناس لا يلازم أي نوع من هذه الأضرار المتقدمة فلا تشمله أدلة حرمة الضرر بمعني أن دليل لا ضرر منصرف عن هذه الأضرار الطفيفة التي لا تلازم قتل النفس أو قطع الأعضاء أو إسقاط قواها.كيف وقد ثبت بالوجدان والمشاهدة والتجارب العديدة المتكررة علي مرور الأيام والأعوام أن التطبير يحظي بعناية خاصة من الحسين وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وقد ظهرت من المعاجز والكرامات فيه ما يعجز الكلام عن وصفه وتقصر هذه الوريقات البسيطة علي احتوائه، خاصة ونحن علي هذه العجالة في الوقت لا مقدور لنا علي أن نصفها ونذكرها، ولعل من أجلي المعاجز والكرامات فيه ما يظهر في الضرب القاسي بالسيف المسلول والقامات الحادة علي الرأس المحلوق ونزول السيف حتي العظم، فإنه لابد أن يقضي علي الإنسان حسب القوانين الطبيعية، كما يؤكده الطب القديم والحديث. ولكننا نري ألوف المتطبرين يتطبرون صباحا ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف في الشوارع والأزقة والطرقات ثم تعود إلي الحمام وتطوف في بقية البلاد مسافات معتد بها في لفح الصيف وعواصف الشتاء ولكن عندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتي الليل، ومع ذلك، ومع توفر أكثر الدواعي للانهيارات البدنية ولكن لا يصاب أحدهم بمكروه.ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض ويواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب. يقول بعض الأعلام في هذا المجال:(وإنني شخصيا لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذبا) [80] .ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه الآيات البينات الصفحة (18):(لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصيلة ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخري وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات فيجب كما لو توقفت الصحة علي إخراجه كما في الفصد والحجامة وقد يحرم كما لو كان موجبا للضرر والخطر من المرض أو الموت وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه. وناهيك بقصد مواساة أهل الأباء وخامس أصحاب العباء وسبعين باسل من صحبه وذويه حسبك بقصد مواساتهم وإظهار التفجع والتلهف عليهم وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة وغايات شريفة....أما لو ترتب الضرر أحيانا بنزف الدم المؤدي إلي الموت أو المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلا عن فقيه أو متفقه...أما أولا: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصا مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.وأما ثانيا: فتلك الأمور علي فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكا لقاعدة وليس علي الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية أما الجزئيات فليس من شأن الفقيه ولا من وظيفته والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر علي نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل...).وقال العلامة الشيخ إبراهيم مظفر (قدس سره) في (نصرة المظلوم) الصفحة (10) رداًًًًً علي مزاعم البعض الذين يقولون بموت بعض المتطبرين:(وهنا ربما ينبري بعض... ليقول: إنه مات من (المطبرين): بعضهم في مواكب التطبير، لكنها فرية بلا مرية فإني منذ أدركت لليوم ما رأيت ولا سمعت أن واحدا مات بذلك في أي سنة وأي بلدة فضلا عن جماعة في كل سنة ولقد سألت كثيرا ممن جاوز السبعين والثمانين من سني عمره من ثقاة أهل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم من علماء البلدان وصلحائهم وكل أنكر أن يكون رأي أو سمع أن واحدا من أولئك تألم ألما يوجب مراجعة الجراح كيف وأغلب أفراد مواكب السيوف يجرحهم كبراؤهم بسكين دقيقة جروحا خفيفة يظهر منها الدم بواسطة الضرب علي الرأس لا بالجرح بمجرده من دون أن يحصل لهم إيلام مزعج لأن غرضهم صوري وهو البروز بصورة التقتيل والجريح).وفضلا عن كل ذلك فقد نقل الثقاة أن عدة من مراجعنا العظام (قدس الله أسرارهم) كانوا يرون وجوب التطبير عينا وبعضهم كفاية كالشيخ المامغاني (قدس سره) حيث كتب رسالة خاصة في وجوب التطبير وكان في كل يوم عاشوراء هو وكل مقلديه يتطبرون...وكذلك المولي الدربندي صاحب أسرار الشهادة وكان من مراجع التقليد في كربلاء المقدسة المعاصرين للشيخ الأنصاري فكان يفتي بوجوب التطبير ويتطبر هو ومقلدوه في كل عام.وغيرهم من علماء السلف.. كما أن العديد من علماء اليوم أيضا يفتون بوجوبه وهم عملاً يمارسون هذه الشعيرة العظيمة. ولو كانوا يرون إضرار النفس عملا محرما في الشريعة لما أفتوا بوجوبه ولما عملوا به أيضا..كما أن بعض الأطباء عقدوا في الحسينيات التي يقام فيها التطبير ندوة طبية في هذا الشأن بعد إجراء عمليات اختبار عديدة علي المتطبرين ودمائهم وحتي السيوف والقامات التي يضرب بها المواسون للحسين رؤوسهم فلم يتمكنوا من تفسير عدم التلوث والإصابات المرضية عند المتطبرين إلا بالمعجزة. حتي قال بعضهم (إن هذه الظاهرة لا يتمكن الطب الحديث أن يجد لها تفسيرا صحيحا سوي الغيب). إذن.. إن وجود هذه المعجزة البينة في موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة وكفاه دليلا علي الرجحان.

اهل البيت يقدمون علي الضرر

وأخيرا نقول حتي لو كان التطبير يقترن ببعض الأضرار التي قد يعتد في بعض مراتبها العقلاء مما قد يتوهم أنها مشمولة بأدلة حرمة الضرر، إلا أن الظاهر من سيرة العقلاء في تمشية أمور معاشهم ومعادهم أنهم يقدمون علي ارتكاب بعض الأضرار إذا كانت تتزاحم بمصلحة أهم أو يحصلون من وراء الوقوع في الضرر مصالح أخري يمكن أن تعوض عن خسارات الأضرار. وكما يبدو أن هذه السيرة يقبلها أي عاقل إذا رجع إلي وجدانه. فمثلا: نجد أن العقلاء يقدمون علي إجراء العديد من العمليات الجراحية في سبيل اجتثاث بعض الأمراض من أبدانهم مع علمهم أحيانا أن احتمال الموت فيها 50% أو أكثر الأحيان يقدمون علي هذه الأضرار البدنية مع علمهم بعدم خطورة المرض ولكنهم يفضلون الإقدام علي العملية من اجل أن يتمتع المريض بعدها بصحة أفضل وجسم أسلم.كما أن أصحاب التجارات يقدمون علي ارتكاب أشق الأعمال وأهولها في سبيل نيل المكاسب وزيادة الأرصدة المالية وتقديم تجارتهم إلي الإمام وهكذا.أقول: إذا كان الإقدام علي ارتكاب بعض الضرر من أجل أمور الدنيا مقبولا عند العقلاء معمولا به بل مندوبا من أجل مصالح أهم...... فالإقدام عليه من أجل الأجر الأخروي يكون بشكل أولي محبوبا ومقبولا عندهم من أجل مصالح أهم، وقد ثبت أن مصالح الآخرة لا تعدلها مصلحة، وفوائدها لا يقوم مقامها شيء من فوائد الدنيا.ومن هنا نجد أن سادات الشريعة (محمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام) وهم أقرب الناس عند الله سبحانه وتعالي كانوا يقومون ببعض الأعمال العبادية المستحبة التي تعود عليهم بالأضرار من أجل إظهار العبودية والتذلل والتقرب أكثر إلي ربهم سبحانه.جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشاني (قدس سره) عند تفسير قوله تعالي (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي) [81] :(وأما طه فاسم من أسماء النبي (صلي الله عليه وآله) ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه…ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي… كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذا صلي قام علي أصابع رجليه حتي تورم فأنزل الله تبارك وتعالي طه…) [82] .والظاهر أن هذا المعني مما اتفقت عليه كلمة المفسرين المسلمين بل قامت عليه الأخبار أيضا، ففي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال:(كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أولا أكون عبدا شكورا؟ قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقوم علي أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه طه ما أنزلنا… [83] ، والشقاء هو الشدة والعسر.وأيضا جاء في تفسير قوله تعالي في سورة المزمل خطابا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) (إن ربك يعلم أنك تقوم أدني من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) [84] :إن رسول الله والإمام أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة وبعض الخواص من أصحاب رسول الله كانوا يقومون الليل بالعبادة حتي انتفخت أقدامهم.... [85] .كما ورد في بعض الروايات فضل الحج إلي بيت الله الحرام مشيا علي الأقدام وعمل الأئمة (عليهم السلام) به ففي الوسائل عن الحلبي قال:(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل المشي فقال: الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم ربه ثلاث مرات حتي نعلا ونعلا وثوبا ثوبا ودينارا دينارا وحج عشرين حجة ماشيا علي قدميه) [86] .وعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام):(إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان أعبد الناس وأزهدهم وأفضلهم في زمانه وكان إذا حج حج ماشيا ورمي ماشيا وربما مشي حافيا) [87] .وفي خبر آخر:(وكان الحسين بن علي (عليهما السلام) يمشي إلي الحج ودابته تقاد وراءه) [88] .أقول: وعمل الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) هذا لم ينحصر في مجال الحج بل في أكثر عباداتهم وأعمالهم كانوا يضغطون علي أنفسهم الطاهرة في الجوع والعطش وقيام الليل ولبس الخشن والحج ومشيا بل حفاة من أجل التقرب إلي الله سبحانه ونيل الزلفة لديه، وقد ورد في بعض الأخبار (أن أفضل الأعمال أحمزها) [89] (وأن الأجر علي قدر المشقة) [90] وسيرتهم معروفة مشهورة في كتب التاريخ فراجع.

اضرار في مصائب الحسين

وأما بالنسبة للحسين (عليه الصلاة والسلام) فهناك جهتان:الأولي: جاء في بعض التواريخ والروايات أيضا أن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) كانوا يضرون أنفسهم في مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) من خمش الوجوه ولطمها وتقريح الأجفان ونحوها وقد تقدم عديد منها.. ونقل السيد ابن طاووس في اللهوف عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذه الرواية.قال [91] (روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال أن زين العابدين (عليه السلام) بكي علي أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول: كل.. يا مولاي..فيقول: قتل ابن رسول الله (صلي الله عليهما) جائعا قتل ابن رسول الله (صلي الله عليهما) عطشان فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتي يبتل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتي لحق بالله عز وجل).(وحدث مولي له أنه برز يوما إلي الصحراء قال: فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة خشنة فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة يقول: لا إله إلا الله حقا لا إله ألا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا صدقا..ثم رفع رأسه من سجوده وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه..فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟ فقال لي: ويحك أن يعقوب بن إسحاق كان نبيا ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا.. وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعي مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي؟!) [92] .أقول: معلوم كم في البكاء ولمدة أربعين سنة متواصلة مقرونة بالصيام في النهار والقيام في الليل من الأذي والجهد والمشقة علي البدن والنفس، ومع ذلك كان الإمام المعصوم (عليه السلام) يواصل العمل بها حتي ألحق بربه.. هذا أولا....وثانيا.. كما يظهر من الرواية وكلمة الإمام (عليه السلام) عند الإفطار وإحضار الطعام أنه كان يريد من الصيام - بالإضافة للعبادة - مواساة والده وأخوته وعمومته في جوعهم وعطشهم في صحراء كربلاء، حيث كان يمزج طعامه وشرابه بدموع عينيه ويقول: قتل ابن رسول الله جائعا.. قتل ابن رسول الله عطشانا. ويؤكد هذا ما في الرواية الثانية حيث خرج الإمام (عليه السلام) إلي الصحراء يسجد هناك وعلي حجارة خشنة، إذ لولا أنه يريد المواساة وتعريض نفسه لأوضاع قد تشابه أوضاعهم في ما لاقوه من مشاق وهم عراة مطرحين علي الرمضاء تصهرهم حرارة الشمس وتؤذيهم أشواك الأرض وأحجارها، لما أقدم علي ذلك ويؤيده بكاؤه ونحيبه (عليه السلام) وجوابه لمولاه عندما سأله فإنه (عليه السلام) ربط بكاءه بقضية الحسين وما دهاهم من مصائب وآلام، ومقارنته لقضيتهم بقضية يوسف الصديق (عليه الصلاة والسلام).كما روي السيد ابن طاووس أيضا [93] . حادثة جرت مع أهل البيت في الكوفة قد تشبه ذلك قال: (وخطبت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام).. رافعة صوتها بالبكاء... فقالت:يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟ فتبا لكم وسحقا.. قتلتم خير رجالات بعد النبي (صلي الله عليه وآله) ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت - من ضمن ما قالت:وأني لأبكي في حياتي علي أخي علي خير من بعد النبي سيولدبدمع غزير مستهل مكفكف علي الخد مني دائما ليس يجمدقال الراوي فضج الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب علي رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن ودعون بالويل والثبور.. وبكي الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم).ومن الواضح أن هذه الحادثة وقعت بمرأي ومسمع من الإمام المعصوم زين العابدين (عليه السلام) وكان فيها خمش للوجوه وضرب علي الخدود.. ونتف اللحي من قبل الرجال..وكل هذه فيها الآلام والأضرار وخاصة - خمش الوجوه ونتف اللحي - بل وأحيانا يلازمها الإدماء ومع ذلك لم يردع عنها الإمام (عليه السلام) بل أقره وسكت عليه، هذا من الجهة الأولي.وفي زيارة الحسين (عليه السلام) أيضا:وأما الثانية: فقد قامت عندنا مجموعة كبيرة من الروايات المعتبرة علي استحباب زيارته حتي إذا خاف الإنسان الضرر أو كان في ظرف التقية، بل أفتي بعض العلماء بوجوبها كالمجلسي (قدس سره) في مزار البحار والشيخ خضر بن شلال (قدس سره) في أبواب الجنان كما عقد الحر العاملي (قدس سره) في الوسائل بابا خاصا أسماه (باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي (عليهما السلام) ووجوبها كفاية).وعلي أية حال يتأكد هذا الاستحباب إذا كان الذهاب إلي الزيارة مشيا علي الأقدام. مما يؤكد أن الشريعة الطاهرة وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أولوا الحسين (عليه السلام) وما يرتبط به من زيارة ومآتم ونحوها عناية فائقة خاصة لا يقوم مقامها شيء كما تقدمت كلماتهم (عليهم السلام) فيما مر عليك سابقا.ففي الخبر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:(مروا شيعتنا بزيارة الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه مفترض علي كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله عز وجل) [94] .وفي خبر آخر أيضا قال:(مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء وإتيانه مفروض علي كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله) [95] .والروايات في هذا المجال عديدة وأيضا هناك روايات أخري تقول باستحباب تفضيل زيارة الحسين (عليه السلام) علي الحج والعمرة المندوبين.وأخري تقول بأن ثواب زيارته (عليه السلام) تعادل ثواب عتق الرقاب والجهاد في سبيل الله، ذكرها الحر العاملي (قدس سره) في مزار الوسائل.وأخري تقول بأن ثواب زيارته (عليه السلام) تعادل ثواب عتق الرقاب والجهاد في سبيل الله، ذكرها الحر العاملي (قدس سره) في مزار الوسائل.وفي روايات معتبرة وعديدة أيضا إن زيارة الحسين (عليه السلام) في حال الخوف والضرر مندوبة أيضا وفيها الثواب والأجر الجزيل..فعن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له:(إن قلبي ينازعني إلي زيارة قبر أبيك وإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتي أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المصالح فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه؟وكان يحدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة. يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه البشارة) [96] .وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال:(قال لي هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام) قلت: نعم علي خوف ووجل فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين وانصرف بالمغفرة وسلمت عليه الملائكة وزاره النبي (صلي الله عليه وآله) وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وأتبع رضوان الله...) [97] الحديث.وحتي لو يركب البحر من أجل زيارة الحسين وخشي الضرر أو الموت بل حتي لو غرق فعلا ومات، فإن روايات أهل البيت (عليهم السلام) يؤكد علي استحبابها بل أعطوا (عليهم السلام) لمن يصاب بذلك ضمانا بدخول الجنة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) سأل بعض أصحابه: (تزورون الحسين وتركبون السفن قلت: أما تعلم إنها إذا تكفلت بكم نوديتم ألا طبتم وطابت لكم الجنة) [98] .

استحباب زيارة الحسين حتي مع الضرر

وأنت إذا تأملت في جملة ما جاء في الحسين (عليه السلام) وزياراته تجد أن زيارته مقدمة حتي علي الحج الشرعي الواجب في الجملة وذلك لأن الحج إنما يجب علي الإنسان الإتيان به إذا تحققت عنده شرائطه، ومن أوليات شرائطه تحقق الاستطاعة بأقسامها الأربعة، الاستطاعة المالية، والزمانية، والبدنية، والسربية - أي أمان الطريق وارتفاع موانعه.فإذا لم تتحقق واحدة من هذه الاستطاعات الأربع يسقط فرض الحج عن المكلف بالرغم من أهميته الشديدة في الإسلام، بينما نجد أن زيارة الحسين تعد مندوبة بل أحيانا واجبة حتي إذا افتقد الإنسان كل هذه الاستطاعات بما فيها الاستطاعة البدنية (أي الصحة) لورود الأخبار باستحباب مواساته وزيارته في الجوع والعطش ونحوه وتقدم بعضها.وكذلك الاستطاعة السربية لورود الأخبار أيضا باستحباب زيارته حتي في حالة الخوف بل الوقوع في الخوف والضرر أيضا بينما يسقط الحج في حالة خوف الضرر وان لم يقطع بوقوع الحاج في الضرر.كل ذلك لما للحسين (عليه السلام) والاهتمام بشؤونه من زيارة ومآتم ومواساة وإظهار جزع وتفجع ونحوها مما يقام في مراسم الشعائر الحسينية من أعمال وخدمات من دور وأهميته في إحياء الدين وتقوية شريعة سيد المرسلين (عليه الصلاة والسلام) كما عبر عنه العلماء.ولذا يقدم استحبابها علي الأضرار التي تنجم عنها... كل ذلك لتدارك هذا الضرر الحاصل بمصالح الزيارة الأكثر والأهم علي الشخص وعلي المجتمع كما لا يخفي علي كل ذي لب راجح [99] .أقول: إذا كانت زيارته (عليه السلام) مستحبة حتي مع الوقوع في الضرر بل وانكفاء السفينة في البحر، فكيف بالتطبير الأخف منه بكثير وكثير؟!إذن... من كل ما تقدم نفهم، أن سيرة العقلاء المدعومة بسيرة رسول الله والأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) قائمة علي ارتكاب بعض الأضرار من أجل مصالح أهم وأكبر وأعظم في الدنيا أو في الآخرة.ومما لا شك فيه أن أهمية الشعائر الحسينية ودورها الكبير في بناء الدين وإحياء الشريعة مما لا ينكر، بل يعدها الغربيون وبعض أعداء الدين من أهم المسائل التي تؤدي إلي نشر الدين في الشعوب غير المسلمة كما سنوضحه إنشاء الله.هذا فضلا عن المقام المعنوي الرفيع ودرجة القرب الذي يحصله الحسيني المحب في خدماته بعزاء الحسين ولطمه وبكائه وتطبيره وكل ما يمت إلي الحسين بصلة عند الله وعند أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الصديقة الطاهرة كما في روايات عديدة وأدلة قاطعة ذكرت في محلها، مما يضمحل ضرر شق الرأس أو إسالة الدم حتي لو كان معتدا به في الجملة أمام هذه الفضائل والقربات والثواب الجزيل، بل إن بعض فقهاؤنا العظام (قدس الله أسرارهم) ذهب إلي أبعد من ذلك وقال إن الضرر الذي يتدارك بمصلحة دنيوية أو دينية لا يسمي ضرارا أصلا. وبذلك يصبح التطبير في مقابل ما يعود علي الإنسان من نفع دنيوي في الصحة البدنية لما تقدم في حجامة الرأس، ونفع أخروي من ثواب وقربات عند الله لا يعد ضررا فيرتفع ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة من رأس.قال المولي أحمد النراقي (قدس سره) في (عوائد الأيام) الصفحة: 23 - لدي حديثه عن قاعدة (لا ضرر) – ما يلي:(إن صدق الضرر عرفا هو إذا كان النقصان ما لم يثبت بإزائه عوض مقصود للعقلاء يساويه مطلقا وأما مع ثبوت ذلك (أي العوض) بازائه فلا يصدق الضرر أصلا سيما إذا كان ما بازائه أضعافا كثيرة له وخيرا منه بكثير. ولا شك أن كل ما أمر به من التكاليف الموجبة لنقص في المال من الخمس والزكاة والحج والصدقة وإنفاق العيال وأمثالها مما يثبت بإزائها أضعاف كثيرة في الآخرة (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) [100] (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة) [101] الآية و(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) [102] بل في كثير منها وعد العوض في الدنيا أيضا وكيف يكون مثل ذلك ضررا إلا عند من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.ولو قال رجل يظن صدق وعده أن من أعطي عبدي شيئا أعوضه ضعفه فأعطي رجل عبده لا يقال أنه أضر بنفسه فكيف في حق لا خلف لوعده ولا كذب في قوله (الله سبحانه وتعالي) انتهي.وفي القواعد الفقهية أيضا ذكر السيد البجنوردي هذا الأمر كأحد الاحتمالات المستفادة من قاعدة (لا ضرر) حيث قال [103] .ان مفادها نفي الضرر المتدارك بمعني أن الشارع ينهي عن الضرر غير المتدارك وتقريبه: بأن يكون الضرر المتدارك في حكم العدم ولا يراه الشارع ضررا كما هو كذلك عند العرف والعقلاء فنفي الضرر المطلق (في لا ضرر) يرجع إلي نفي الضرر غير المتدارك بمصلحة أو فائدة أهم أو أكبر) انتهي بتوضيح قليل منا.ومن كل ما تقدم ظهر أن قاعدة (لا ضرر) لا يمكن التمسك بها لمنع التطبير أو تحريمه لقصورها عن شمول مثل التطبير، وعلي فرض شمولها فإنها مخصصة ببناء العقلاء وسيرتهم أو مزاحمتها فائدة دنيوية وأخروية أهم.. بحيث لا يمكن أن تقف أمام مصلحة التطبير واستحبابه، والله العالم.فالتطبير إذن.. مباح ذاتا ومستحب عرضا تأسيا بالحسين ومواساة له (عليه السلام) أولا، ولسائر الأدلة الأخري التي ذكرت دليلا علي الاستحباب، والله العالم.

هيئة علي الاصغر شباب كربلاء

بسم الله الرحمن الرحيمتأسست هيئة علي الأصغر (عليه السلام) (شباب كربلاء) في منطقة السيدة زينب (عليها السلام) في ربيع الأول من عام 1418 هـ وبتشجيع من سماحة آية الله العظمي المرجع الديني الأعلي الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله).ولتأكيده علي ممارسة الشباب للنشاطات الحسينية فقامت الهيئة بجهود بعض الشباب المؤمن وبدأت فعاليتها بمجالس أسبوعية ودعا التوسل في كل يوم ثلاثاء وفي شهر محرم الحرام من عام 1419 هـ توسعت مشاريع الهيئة وقامت بتشييد تكية حسينية وتوزيع المرطبات علي المعزين والمشاركة في عزاء التطبير المهيب الذي ينطلق من دوار الحجيرة إلي حرم عقيلة الهاشميين السيدة زينب (عليها السلام).وفي شهر صفر من نفس العام أقامت الهيئة مجلس عزاء حسيني وعزاء اللطم وقد أحيي هذه المجالس بتوجيهات كل من سماحة الخطيب الحسيني السيد مهدي المنوري وسماحة الخطيب الحسيني الشيخ مرتضي الشاهرودي والرادود الحسيني القدير ملا جليل الكربلائي وتستمر هذه الهيئة ببرامجها إلي نهاية شهر صفر.استمرت الهيئة في إقامة مجالسها الأسبوعية وزيارة عاشوراء في كل يوم أربعاء.وفي محرم عام 1420 هـ توسعت نشاطات الهيئة اكثر فأكثر مثل توسيع التكية إلي ثلاثة وقامت بإنزال موكب الشبيه للقاسم بن الحسن (عليه السلام) ودعوة الرادود الحسيني القدير السيد حسن الكربلائي لأحياء العشرة الأولي من محرم وذلك في حسينية الحوزة العلمية الزينبية وفي النهاية المساهمة في توزيع الأكفان والإسعافات الأولية وغير ذلك من ضروريات عزاء التطبير المهيب الذي يخرج إلي حرم السيدة زينب (عليها السلام).وفي شهر صفر التزمت الهيئة إقامة مجلس لمدة عشرة ليالي أحياها الخطيب الشيخ عبد الرضا معاش والخطيب الحسيني السيد مهدي المنوري والخطيب الشيخ جلال معاش والرادود الحسيني القدير ملا علي الكربلائي والرادود الحسيني ملا السيد حسن الكربلائي وكذلك إطعام الطعام.وبإذن الله وبتسديد أهل البيت (عليهم السلام) سوف تستمر الهيئة في مشاريعها الحسينية وفي تطويرها وذلك تأكيداً علي إننا لن نتهاون.. وإننا سنبقي أوفياء لشهداء كربلاء.. وتبقي ذكراهم خالدة في قلوبنا كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً).23 ذي الحجة الحرام 1420 هـ

پاورقي

[1] راجع الخصائص الحسينية العنوان الرابع القسم الأول الوجه السادس.
[2] الخرائج والجرائح ج 2 ص 841 ص 842. وبحار الأنوار ج 43 باب 12 الحديث 39 ص 272.
[3] راجع منتخب الطريحي: المجلس السابع من الجزء الثاني الباب الثاني. البحار ج 45 ج 46 معا.
[4] راجع مزار البحار باب زياراته صلوات الله عليه المطلقة الزيارة رقم 30 ص 179.
[5] وسيأتيك المزيد عن ذلك فانتظر.
[6] سيأتيك المزيد عن ذلك في الفصل الأول إنشاء الله تعالي.
[7] أمالي الصدوق ص 78. والبحار ج 44 ص 284.
[8] راجع نفس المصدر.
[9] الوسائل ج 11 الباب الأول الحديث 12 ص 397.
[10] راجع بحار الأنوار ج 44 ص 187. منتخب الطريحي ص 268 ص 269.
[11] سيأتيك المزيد عنها. راجع كامل الزيارات ص 168.
[12] وفي العادات المعروفة عند النصاري واليهود الحداد علي الميت أربعين يوم. فإذا كان يوم الأربعين، أقيم علي قبره الاحتفال بتأبينه يحضره أقاربه وخاصته وأصدقائه فالنصاري يجتمعون في الكنيسة يوم الأربعين من وفاة فقيدهم ويعيدون الصلاة عليه وتسمي عندهم بصلاة الجنازة، ويفعلون ذلك في نصف السنة أيضاً وعند تمامها. واليهود يعيدون الحداد علي فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوماً وبمرور تسعة أشهر وعند تمام السنة كل ذلك إعادة لذكراه وتنويهاً به وبآثاره وأعماله... (نهر الذهب في تاريخ حلب ج 1 ص 63).
[13] راجع أمالي الصدوق ص 79 المجلس 27.
[14] مزار البحار باب زياراته صلوات الله عليه المطلقة زيارة رقم 30 ص 179.
[15] انظر كتابه القيم (الحسين في الفكر المسيحي) الكويت 1978.
[16] الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
[17] الوسائل باب 12 من أبواب صفات القاضي الحديث 60.
[18] هناك احتمال ثالث في المراد من قوله (عليه السلام): (كل شئ مطلق) هو أن يكون المراد منه معني الإطلاق اللغوي وهو الإرسال وعدم التقييد في مقابل المنع والحرمان وهو اعم من الحلية المستفادة من الدليل والحلية المستندة إلي إصالة الحل. وواضح أن هذا الاحتمال أيضاً يدل علي المطلوب كالاحتمالين الأولين.
[19] راجع رسائل الشيخ الأنصاري ص 202 ص 203.
[20] المصدر السابق.
[21] البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي (عليهما السلام) باب الوقائع المتأخرة عن قتله (عليه السلام) ص 114 ص 115.
[22] السبح المعرب شبه وهو حجر أسود شديد السواد براق وله فوائد طبية. وأما النصل والانتصال فهو خروج اللحية من الخضاب ومنه لحيته ناصل.
[23] ولعله (الرمح تلعب به) والله العالم.
[24] وراجع أيضاً كتاب زينب الكبري للعلامة المحقق الشيخ جعفر النقدي ص 112.
[25] راجع نصرة المظلوم ص 18.
[26] الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 31.
[27] راجع الكافي باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام)من اسم الله الأعظم.
[28] البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي باب الوقائع المتأخرة عن قتله ص 137 ص 138.
[29] راجع كتاب زينب الكبري للعلامة الشيخ جعفر النقدي ص 35.
[30] أنظر المصدر / طبعة البحرين / ج 3 ص 331 ص 333.
[31] نقلها في البحار نقلاً عن المفيد والمرتضي وبن طاووس وصاحب المزار الكبير (قدس الله أرواحهم) راجع كتاب المزار باب كيفية زيارته يوم عاشوراء ص 165 إلي 171. ومزار البحار باب كيفية زيارته (صلوات الله عليه) يوم عاشوراء ص 317 ص 328.
[32] راجع كامل الزيارات ص 78. ونقله العلامة المجلسي في البحار ج 45 ص 225.
[33] راجع التفسير الكبير لدي الآية: 106 من سورة هود في المجلد السابع ص 62. وراجع أيضاً مجمع البيان للطبرسي.
[34] راجع أحسن الجزاء السيد محمد رضا الحسيني الأعرجي ج 2 ص 138.
[35] راجع المقتل للمقرم ص 222.
[36] راجع المقتل للمقرم ص 222.
[37] راجع الخصائص الحسينية للتستري القصد الثالث الصراخ والنحيب القسم الثالث. وراجع أيضاً كامل الزيارات ص 84. ونقله العلامة المجلسي في البحار ج 45 ص 219.
[38] راجع الملهوف ص 229 طبعة دار الأسوة الطبعة الأولي.
[39] راجع مقتل المقرم ص 223.
[40] البحار ج 45. تاريخ الحسين بن علي باب الوقائع المتأخرة عن قتله ص 147.
[41] راجع وسائل الشيعة ج 15 ص 583 نقلا عن تهذيب الطوسي.
[42] كامل الزيارات بن قولويه ص 175 الباب 71.
[43] كامل الزيارات بن قولويه باب 88 ص 261.
[44] راجع المصدر ص 8.
[45] الوسائل (طبعة آل البيت) ج 17 ص112 باب 13، البحار (طبعة إيران) ج 62 ص 129.
[46] مستدرك الوسائل ج 13 باب 11 ص 86، والبحار (طبعة إيران) ج 62 ص 134.
[47] البحار (طبعة إيران) ج 62 ص 112 باب 54 رواية 13.
[48] البحار ذات الطبعة ج 62 ص 112 باب 54 رواية 13.
[49] البحار راجع المصدر.
[50] راجع البحار ج 62 ص 138 ص 172.
[51] وبعضهم قال بوجوبها.
[52] سورة الحج: الآية 32.
[53] تصنيف غرر الحكم ص 117 الطبعة الأولي. وبحار الأنوار ج 44 ص 287. كما ورد عن الصادق (عليه السلام) قال: شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا ورضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة يبكيهم مصابنا ويحزنهم حزننا ويسرهم سرورنا ونحن أيضاً نتألم بتألمهم ونطلع علي أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم... اللهم إن شيعتنا منا. فمن ذكر مصابنا وبكي لأجلنا إستحي الله أن يعذبه بالنار: راجع الطريحي ص 268 ص 229.
[54] كامل الزيارة ص 81. ونقله في البحار ج 45 ص 207.
[55] المصدر السابق.
[56] المصدر السابق.
[57] راجع وسائل الشيعة ج 2 ص 909 وفي الباب حديث آخر وروي مثله آخرون عن أنبياء آخرين... كما أورد بن قولويه في كتاب الزيارة في ص 67 والباب الذي قبله وبعده روايات أيضاً مناسبة فراجع. وأيضاً راجع علل الشرائع ج 1 ص 73.
[58] البحار ج 27 باب 9 ص 217 الحديث.
[59] وفي نهج الفصاحة ص 543 الحديث 2626 (ما أوذي أحد ما أُذيت في الله).
[60] راجع البحار أيضاً ج 44 ص 281 الحديث 13 طبعة بيروت.
[61] راجع مزار البحار باب زيارته صلوات الله عليه يوم عاشوراء ص 317 ص 328. وتحفة الزائر ص 355 نقلا عن المفيد.
[62] البحار كتاب العشرة ص 343 حديث 2 باب تزاور الإخوان.
[63] مقتل المقرم ص 95 ص 96 بتصرف قليل.
[64] تقدمت أسماء مصادرها.
[65] راجع البحار كتاب العشرة باب تزاور الإخوان ج 2 ص 343.
[66] هناك احتمال ثالث في معني (أمرنا) وهو أمر الفرج وظهور مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالي فرجه) كما في بعض الأخبار، إلا أن الظاهر أنه من باب بيان المصداق لوضوح أن أمرهم أعم من الفرج والظهور وإطلاق (أمرنا) يشير إلي إحياء أمرهم مطلقاً...
[67] سورة الشوري: الآية 13.
[68] راجع البحار ج 66 الباب 38 ص 360 ط بيروت.
[69] سورة الحج: الآية 32.
[70] سورة التغابن: الآية 16.
[71] استفدنا هذه المعاني بجمع تفسير الآيتين الواردة في التفاسير التالية: 1- مجمع البيان. 2- التفسير الكبير. 3- تفسير الصافي. 4- نور الثقلين. 5- تقريب القران إلي الأذهان. 6- الميزان... فراجع.
[72] سورة الشوري: الآية 23.
[73] راجع الفصول المهمة للإمام شرف الدين ص 218 ط قم.
[74] سورة سبأ: الآية 47.
[75] سورة آل عمران: الآية 31.
[76] راجع تفسير نور الثقلين ج 4 ص 574.
[77] راجع المجالس السنية للسيد محسن الأمين ج 4 ص 262.
[78] راجع أصول المظفر ج 1 الواجب التخييري.
[79]. وراجع تفسير مجمع البيان والصافي والقمي في بيان معناها ودلالتها علي صحة التعبد بالقتل. وراجع الميزان ج1 ص 190 ص 191. فقد نقل بعض الروايات عن قتل بني إسرائيل لأنفسهم). حيث جعلت الآية قتل النفس طريقا للتوبة ورضا الله سبحانه وتعالي. وقد وردت روايات عديدة تبين أن المراد من عدم إلقاء النفس في التهلكة لا يشمل موارد القتل في سبيل الله سبحانه فقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في تفسير آية التهلكة ما يليق بالعقل: (فروي عن أسلم قال غزونا نهاوند وقال غيرها واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منها وأعرض والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم فحمل رجل منا علي العدو فقال الناس: لا إله إلا الله فألقي نفسه إلي التهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله إنما تؤولون هذه الآية علي أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة وليس كذلك إنما نزلت هذه الآية فينا لأنا كنا اشتغلنا بنصرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتركنا أهلينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها فقد ضاعت بتشاغلنا عنها فأنزل الله انكال لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله لإصلاح أموالنا: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) معناه: إن تخلفتم عن رسول الله وأقمتم في بيوتكم بأيديكم إلي التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة وتحريض لنا علي الغزو وما أنزلت هذه الآية في رجل حمل علي العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة (راجع تفسير الميزان ج2 ص 73 ص 74 ينقل رواية عن الدر المنثور بمعني مقارب جدا لهذا) وبهذا يتضح أن التطبير معنية التعبد والقربة لله بمواساة الحسين ومشاطرة أهل البيت في الآلام والمصائب يعد عبادة حتي لو لازمه الضرر بشكل أولا لأنه أخف من قتل النفس تعبدا بكثير.
[80] راجع الشعائر الحسينية للشهيد الشيرازي ص 130.
[81] سورة طه: الآية 1، 2.
[82] تفسير الصافي ج2 ص 59 ص 60.
[83] راجع المصدر.
[84] سورة المزمل: الآية 20.
[85] راجع المصدر السابق.
[86] الوسائل كتاب الحج الباب 32 استحباب المشي في الحج علي المركوب الحديث 3 ص 55.
[87] راجع المصدر.
[88] راجع المصدر.
[89] البحار ج 67 باب 53 ص 191 حديث 2 ط بيروت.
[90] في غرر الحكم ص 156 الطبعة الأولي (ثواب العمل علي قدر المشقة).
[91] اللهوف في قتل الطفوف السيد بن طاووس ص 92 ص 93.
[92] راجع المصدر.
[93] راجع المصدر ص 67 ص 68.(بتصرف).
[94] الوسائل المزار من أبواب متعددة.
[95] المصدر السابق.
[96] الوسائل المزار من أبواب متعددة.
[97] المصدر السابق.
[98] المصدر السابق.
[99] راجع (الخصائص الحسينية) للشيخ جعفر الشوشتري، الباب الخامس، من أحكام خاصة لزيارته. [
[100] سورة الحديد: الآية 11.
[101] سورة التوبة: الآية 121.
[102] سورة البقرة: الآية 261.
[103] القواعد الفقهية ج 1 ص 182 السيد ميرزا حسن البجنوردي.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.