التبيان في آداب حملة القرآن‌

اشارة

سرشناسه : نووي، يحيي بن شرف
عنوان و نام پديدآور : التبيان في آداب حملة القرآن/ محيي الدين يحيي بن شرف النوويحققه و علق عليه: محمد رضوان عرقسوسي
مشخصات نشر : بيروت:موسسة الرسالة، ۱۴۲۵ق=۲۰۰۴م=۱۳۸۳.
مشخصات ظاهري : ۲۲3ص.
وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي
يادداشت : الطبعة الثانية
شماره كتابشناسي ملي : ۱۱۴۳۴۱۲

مقدمة التحقيق‌

اشارة

مقدمة التحقيق
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الذي نزّل كتابه تبيانا لكلّ شي‌ء و هدي و رحمة و بشري للمسلمين، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، إله واحد، لا إله إلا هو الرّحمن الرحيم، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، أرسله بالهدي و دين الحقّ ليظهره علي الدّين كلّه. اللهمّ صلّ و سلّم علي هذا النبيّ العظيم، نبيّنا محمد، و علي آله و أصحابه، و الذين اتّبعوهم بإحسان، رضي اللّه عنهم و رضوا عنه، اللهمّ اجعلنا في زمرتهم، و احشرنا معهم يا ربّ العالمين، آمين.
و بعد:
فقد خصّ اللّه الأمّة الإسلامية، و شرّفها، و أنعم عليها بهذا القرآن العظيم، فكانت به خير أمّة أخرجت للنّاس، فهو النور المبين الذي يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السّلام، و هو أحسن الحديث الذي تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم.
و منّ اللّه علي المصطفين الأخيار من عباده، فأورثهم كتابه، و هيّأهم لحمل أمانته، فكانوا أحقّ بها و أهلها، فعكفوا علي كتاب اللّه، دراسة و تعلّما، و تلاوة و تدبّرا، و حفظا و تحفيظا، فهم يعلّمونه كما تعلّموه، و يلقّنونه كما تلقّوه، و بذلك يتصل إسنادهم في تلاوته بالوحي الإلهي، فلا تكاد تختلف تلاوة القارئ منهم من عصر إلي عصر، و من مصر إلي مصر، في كل بلاد الإسلام. و لا عجب في ذلك، فإنّ اللّه تعالي قد تكفّل بحفظ كتابه، فهنيئا لمن حفظ اللّه تعالي كتابه بهم، فقد نالوا شرف أهليّته، فهم أهل اللّه و خاصّته، و أعظم به من شرف!
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 6
لكن لا بدّ لنيل هذا المجد المؤثّل من أن يخلص المرء عمله للّه تعالي، فإنه ما لم يخلص للّه العمل، فسيكون من أوّل من يقضي عليه يوم القيامة- كما ورد في الصحيح- و يقال له: «قرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، فيؤمر به، فيسحب علي وجهه، حتي يلقي في النار». اللهمّ إنّا نسألك العفو و العافية.
فلذلك دأب العلماء من السّلف و الخلف في تصانيفهم علي تقديم النّصح للمسلمين- و لطلبة العلم، و حملة القرآن منهم خاصّة- و علي تنبيههم لضرورة تصحيح النيّة، فإنما الأعمال بالنّيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوي.
و نبّهوهم كذلك علي أهمية التزام الآداب مع القرآن الكريم، و أن يبذلوا وسعهم في احترامه. و قدّموا لهم كذلك جملة من قواعد الأخلاق و التربية، مستنبطة من الكتاب و السّنة، و عادات و تقاليد متميّزة، ورثها الخلف عن السّلف، مما يجهله كثير من الناس في هذه الأيام.
و كتابنا هذا- «التّبيان في آداب حملة القرآن»- أثر من آثار الإمام النوويّ، رحمه اللّه و رضي عنه، كتب فيه لطلبة العلم و حفظة القرآن و حملته أهمّ ما ينبغي عليهم أن يعلموه، فيعملوا به، من آداب حميدة في تلاوته، و أخلاق سامية يتحلّون بها، و سلوك قويم يجب أن يلتزمه المعلّم و المتعلّم، إلي غير ذلك من أحكام فقهيّة متعلّقة بأحوال القراءة و القارئ و المستمع، و أحكام أخري نفيسة، تتعلّق بأحوال الناس كلّهم مع القرآن، جمعه المصنّف- رحمه اللّه- خلال واحد و عشرين يوما، فجاء هذا الكتاب مختصرا مفيدا، جامعا لكلّ ما يحتاجه الطّلبة و الحفظة، و ذلك من قبيل النّصيحة لكتاب اللّه، فقال- رحمه اللّه- في مقدمة الكتاب: «و من النصيحة له بيان آداب حملته و طلّابه، و إرشادهم إليها، و تنبيههم عليها».
و قد ذكر المصنّف رحمه اللّه أنه آثر فيه الاختصار، ليكثر انتشاره و الانتفاع به، و هذا ما كان، فقد انتشر هذا الكتاب- كبقية كتبه- انتشارا كبيرا، و ذاع
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 7
صيته، و ما ذلك إلا لعظيم فائدته، و سرّ إخلاص مصنّفه.
رحم اللّه الإمام النوويّ، و رضي عنه، و جزاه عن المسلمين خير الجزاء.

وصف النسخ المعتمدة

وصف النسخ المعتمدة
: 1- إن النسخة المعتمدة في هذه الطبعة هي نسخة الظاهرية، و الموجودة الآن في مكتبة الأسد الوطنية تحت رقم (326)، و هي من القطع الصغير، و قد أشرت إلي هذه النسخة ب «الأصل».
يقع هذا الأصل في (150) ورقة «1»، في كل ورقة لوحتان، و هو مكتوب بخط نسخ واضح و مشكول، جاءت الورقتان (4) و (5) بخط مغاير لخط الناسخ، و لم يخل هذا الأصل من أخطاء، و بخاصة في الشكل، و مع ذلك فهو أفضل من النسخ الأخري للكتاب التي توافرت لديّ.
و جاء في لوحة الغلاف العنوان التالي: «كتاب التّبيان في آداب حملة القرآن» للشيخ الإمام العلامة ... محيي الدين النووي رضي اللّه عنه و أرضاه، و جعل الجنة مأواه ..».
و جاء في هذه اللوحة أيضا وقف باسم الوالي أسعد باشا العظم علي مدرسة والده إسماعيل باشا. و في اللوحة أيضا تملكات يرجع بعضها إلي سنة (1110) ه.
و جاء في اللوحة الأخيرة ما نصه: «و كان الفراغ من تعليق هذا الكتاب المبارك أذان المغرب ليلة الاثنين خامس عشر صفر الخير سنة أحد و تسعين و ثمان مائة علي يد كاتبه لنفسه، العبد الفقير إلي اللّه تعالي الغني، محمد بن
__________________________________________________
(1) بلغ رقم آخر ورقة (151) إلا أن الرقم (105) سقط أثناء الترقيم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 8
علي بن عمر البسيوني، غفر اللّه له و لوالديه، و لمشايخه و لأحبائه و لجميع المسلمين، و الصلاة و السلام علي محمد و آله إلي يوم الدين، آمين آمين آمين».
و في اللوحة الأخيرة أيضا إجازة عثمان بن محمد للناسخ بقراءته عليه، مع ذكر إسناده في سماع الكتاب.
2- نسخة أخري من نسخ الظاهرية أيضا، هي برقم (8482) مكتوبة سنة (986) ه، رمزت لها ب (آ)، و هي نسخة كثيرة الخطأ و السقط، إلا أني أفدت من مقابلتها بإثبات بعض الفروق.
3- نسخة ثالثة من نسخ الظاهرية كذلك، هي برقم (17622) مكتوبة عام (1137) ه- رمزت لها ب (ج)، أفدت منها بعض التصحيحات و الملاحظات.
4- مطبوع «التبيان» بهامش كتاب «منار الهدي» طبع المطبعة الخيرية بمصر سنة (1307) ه- و رمزت له ب (م).
5- مطبوع «التبيان» إصدار مكتبة القرآن بالقاهرة، تحقيق مجدي سيد إبراهيم.
كما رجعت في بعض المواضع إلي كتاب «المجموع» للمؤلف، حيث إنه نثر فيه أغلب ما جمعه في هذا الكتاب.

ميراث هذه الطبعة، و منهج العمل فيها

ميراث هذه الطبعة، و منهج العمل فيها
: 1- ضبط النصّ، و ترقيمه، و تفصيله، و إثبات أهم ما جاء من فروق النسخ في الحواشي.
2- تنزيل بعض المفردات التي شرحها المصنّف في الفصل العاشر من الكتاب في مواضعها منه.
3- تخريج الأحاديث من دواوين السنة التي ذكرها المصنّف، و غالبا ما تكون في الصحيحين، أو في أحدهما، ثم إحالة الحديث علي مسند الإمام أحمد (طبعة مؤسسة الرسالة) إن كان ثمة، و ذلك للإفادة من تتمة تخريجه.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 9
أما إن لم يكن الحديث في «المسند» فقد استوفي تخريجه لمعرفة طرقه، حسب ما توافر من مصادر. مع الإشارة إلي أن الرقم الذي وضع بين قوسين في التخريج يدلّ علي رقم الحديث في المصدر المذكور.
4- ترجمة الأعلام الواردين في الكتاب (غير المشهورين منهم) و قد استكملت الترجمة بعد ذكر المصنّف بعضها، لتشمل اسم المترجم، و كنيته، و نسبته، و أهم ما اشتهر به، و تاريخ وفاته، ثم أحلت علي المصدر الذي استقيت منه الترجمة، و هو في الغالب كتاب «سير أعلام النبلاء» للإمام الذهبيّ (طبعة مؤسسة الرسالة) و ذلك لمعرفة مصادر الترجمة الأخري، حيث أوردها محقّقوه مفصّلة في حواشيه.
و أما إن لم تكن الترجمة في «السّير» فقد أخذتها من مصدر آخر، ذكرته في موضعه. و سأضع آخر الكتاب (إن شاء اللّه) فهرسا يحدد المواضع التي جاءت فيها التراجم، فإن كثيرا من الأعلام قد تكرر ذكرهم.
كما أنني سأزوّد الكتاب بفهارس للآيات، و الأحاديث، و الأقوال (غير الفقهية)، و الكتب (غير دواوين السنة)، التي أوردها المصنف في الكتاب، و يليها فهرس مفصّل للموضوعات.
و لا أدّعي أني وفّيت الكتاب حقّه، حسبي أني لم أدّخر جهدا في تصحيح نصّه، و ضبطه، و التعليق عليه، بما فيه فائدة للقارئ، إن شاء اللّه تعالي.
و في الختام، فإني أتقدّم بالشكر إلي الأستاذين الفاضلين: أخي الأستاذ محمد نعيم عرقسوسي، و صديقي الأستاذ إبراهيم الزيبق، اللّذين أفدت بصحبتهما في العمل الكثير، و قد أبديا ملاحظات قيمة خلال عملي في هذا الكتاب، كان لها أثر في إغنائه، و تقريبه من الصواب، فجزاهما اللّه خيرا.
و أتقدّم بالشكر كذلك إلي الأستاذ الفاضل أبي مروان رضوان دعبول، الذي أخذ علي نفسه مهمة نشر التراث علي الوجه المحقّق اللائق به، فهو
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 10
يهيّئ له أدواته اللازمة، مهما كلّفه ذلك من ثمن، فجزاه اللّه خيرا.
و إن أنس، فلن أنسي من درجت بالعمل في تحقيق التراث بين يديه و تلمذت له، فكان لي شرف البدء معه، فضيلة الأستاذ الشيخ شعيب الأرناءوط، حفظه اللّه تعالي، و نفع به، و زاده من فضله، فجزاه اللّه عني خير الجزاء.
اللهمّ فتقبّل منّي إنك أنت السميع العليم.
اللهمّ إني أسألك علما نافعا، و عملا متقبّلا.
ربّ اغفر لي و لوالديّ، ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا.
اللهمّ اجزهما عني خير ما جزيت به والدين عن ولدهما، و اجز اللهمّ عني مشايخي و أساتذتي، و كلّ من علّمني، خير الجزاء، و اجعل اللهمّ أجر ما بذلوه لي و لغيري في صحائف أعمالهم أضعافا مضاعفة يوم القيامة، يا ربّ العالمين، آمين، و الحمد للّه ربّ العالمين.
دمشق 18 صفر 1421 ه- محمد رضوان عرقسوسي 22 أيار 2000 م
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 15

[ترجمة الامام] النّواوي‌

[ترجمة الامام] النّواوي
الإمام، الفقيه، الحافظ الأوحد، القدوة، الزّاهد، محيي الدين أبو زكريا، يحيي بن شرف بن مري، الحزامي، الحوراني، الشّافعي، صاحب التصانيف.
ولد في المحرّم سنة إحدي و ثلاثين و ست مائة.
و قدم دمشق سنة تسع و أربعين، فسكن في الرواحيّة، و حفظ- فيما قيل- «التنبيه» في أربعة أشهر و نصف، و قرأ ربع «المهذّب» من حفظه في باقي السنة علي شيخه الكمال إسحاق بن أحمد، ثم حجّ مع أبيه، و سمع من الرضي ابن البرهان، و شيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، و زين الدين بن عبد الدائم، و زين الدين خالد بن يوسف، و تقي الدين بن أبي اليسر، و جمال الدين بن الصيرفي، و الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، و غيرهم.
و قرأ «الكمال» للحافظ عبد الغني علي الزّين خالد، و شرحا في أحاديث «الصّحيحين» علي المحدّث أبي إسحاق إبراهيم بن عيسي المرادي، و أخذ الأصول عن القاضي التّفليسي، و تفقّه علي جماعة، منهم:
الكمال سلّار الإربلي، و شمس الدين عبد الرحمن بن نوح، و قرأ النحو علي الشيخ أحمد المصري، و قرأ علي ابن مالك كتابا من تصنيفه.
و لازم الاشتغال و التصنيف، و تخرّج به جماعة، و ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد أبي شامة.
حدّث عنه: ابن أبي الفتح، و المزّي، و ابن العطّار، و غيرهم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 16
و قد ذكر ابن العطّار «سيرته» في كراريس، و حكي عنه أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا علي مشايخه شرحا و تصحيحا: درسين في «الوسيط» و درسا في «المهذّب»، و درسا في «الجمع بين الصّحيحين»، و درسا في «صحيح مسلم»، و درسا في «اللّمع» لابن جني، و درسا في «إصلاح المنطق»، و درسا في التصريف، و درسا في أصول الفقه، و درسا في أسماء الرجال، و درسا في أصول الدين. قال: و كنت أعلّق جميع ما يتعلّق بها من شرح مشكل، و وضوح عبارة، و ضبط لغة، و بارك اللّه لي في وقتي، و خطر لي أن أشتغل بالطّب، و اشتريت كتاب «القانون» فأظلم قلبي، و بقيت أياما لا أقدر علي الاشتغال، فأفقت علي نفسي، و بعت «القانون» فأنار قلبي.
قال ابن العطار: و كان يمتنع من أكل الفواكه و الخيار، و يقول: أخاف أن يرطّب جسمي، و يجلب النّوم. و كان يأكل في اليوم و الليلة أكلة، و يشرب شربة واحدة عند السّحر، و كلّمته في الفاكهة فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، و أملاك من تحت الحجر و التصرف لهم لا يجوز إلا علي وجه الغبطة لهم، ثم المعاملة فيها علي وجه المساقاة، و فيها خلاف، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟
و قال ابن فرح: الشيخ محيي الدّين قد صار إلي ثلاث مراتب، كلّ مرتبة منها لو كانت لشخص، لشدّت إليه الرّحال: العلم، و الزّهد، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و قال الشيخ شمس الدين بن الفخر الحنبلي: كان إماما بارعا، حافظا، مفتيا، أتقن علوما شتي، و صنّف التصانيف الجمّة، و كان شديد الورع و الزّهد، تاركا لجميع ملاذّ الدنيا من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك و تين، و كان يلبس الثّياب الرّثّة المرقّعة، و لا يدخل حمّاما، و ترك الفواكه
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 17
جميعها، و لم يتناول من الجهات درهما.
و قال الشيخ قطب الدّين اليونيني: كان أوحد زمانه في العلم و الورع و العبادة، و التقلّل و خشونة العيش، واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرّة، فحكي عن الملك الظّاهر أنه قال: أنا أفزع منه.
سافر لزيارة بيت المقدس، و عاد إلي نوي، فمرض عند والده، و مات في رجب، سنة ست و سبعين و ست مائة «1».
__________________________________________________
(1) هذه الترجمة مستلة من كتاب «طبقات علماء الحديث» لابن عبد الهادي، الجزء الرابع ص 254- 257- بتحقيق الأستاذ إبراهيم الزيبق، طبعة مؤسسة الرسالة، 1989.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 19

[مقدمة المصنف]

[مقدمة المصنف]
بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه الكريم المنّان، ذي الطّول و الفضل و الإحسان، الذي هدانا للإيمان، و فضّل ديننا علي سائر الأديان، و منّ علينا بإرساله إلينا أكرم خلقه عليه، و أفضلهم لديه، حبيبه و خليله، و عبده و رسوله، محمدا صلّي اللّه عليه و سلّم، فمحا به عبادة الأوثان، و أكرمه صلّي اللّه عليه و سلّم بالقرآن، المعجزة المستمرة علي تعاقب الأزمان، التي تحدّي بها الإنس و الجانّ «1»، و أفحم «2» بها جميع أهل الزّيغ و الطّغيان، و جعله ربيعا لقلوب أهل البصائر و العرفان، فلا يخلق «3» علي كثرة التردّد «4» و تغاير الأحيان، و يسّره للذّكر حتي استظهره صغار الولدان، و ضمن حفظه من تطرّق التغيير إليه و الحدثان «5»، و هو محفوظ بحمد اللّه و فضله «6» ما اختلف الملوان «7»، و وفّق للاعتناء بعلومه من اصطفاه من أهل الحذق و الإتقان، فجمعوا فيها من كلّ فنّ ما تنشرح له صدور أهل الإيقان.
__________________________________________________
(1) في (أ) و (ج): الجنّ و الإنس بأجمعهم.
(2) قوله: و أفحم، أي: قطع و غلب. قاله المصنّف آخر الكتاب.
(3) بضم اللام، و يجوز فتحها، و الياء فيهما مفتوحة، و يجوز ضمّ الياء مع كسر اللام، يقال: خلق الشي‌ء، و خلق، و خلق، و أخلق: إذا بلي، و المراد هنا: لا تذهب حلاوته و جلالته. قاله المصنّف.
(4) في (أ) و هامش الأصل: الرّدّ، و في (ج): التّرداد.
(5) الحدثان، بفتح الحاء و الدال: هو الحدث، و الحادثة، و الحدثي، بمعني، و هو وقوع ما لم يكن. قاله المصنّف.
(6) في (أ): بحمد اللّه و منّه و فضله.
(7) الملوان: الليل و النهار.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 20
أحمده علي ذلك و غيره من نعمه التي لا تحصي، خصوصا علي نعمة الإيمان، و أسأله المنّة عليّ، و علي جميع أحبابي، و علي سائر المسلمين، بالرضوان.
و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة محصّلة للغفران، منقذة صاحبها من النيران، موصلة له إلي سكني الجنان. و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، الدّاعي إلي الإيمان، صلّي اللّه عليه و سلّم، و علي آله و صحبه، و شرّف و كرّم و عظّم، ما تعاقب الجديدان «1».
أمّا بعد: فإنّ اللّه سبحانه و تعالي منّ علي هذه الأمة- زادها اللّه تعالي شرفا- بالدّين الذي ارتضاه دين الإسلام، و بإرساله إليها محمدا خير الأنام، عليه منه أفضل الصلوات و البركات و السّلام، و أكرمها بكتابه أفضل الكلام، و جمع فيه سبحانه و تعالي جميع ما يحتاج إليه من أخبار الأوّلين و الآخرين، و المواعظ و الأمثال، و الآداب و ضروب الأحكام، و الحجج القطعيّات الظّاهرات في الدلالة «2» علي وحدانيّته، و غير ذلك مما جاءت به رسله، صلوات اللّه و سلامه عليهم، الدّامغات لأهل الإلحاد و الضّلّال الطّغام «3»، و ضعّف الأجر في تلاوته، و أمر بالاعتناء به و الإعظام، و ملازمة الآداب معه، و بذل الوسع في الاحترام.
__________________________________________________
(1) من قوله: و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله ... إلي قوله: ما تعاقب الجديدان، أشير إليه بعلامة الحذف، مما يعني أنها ليست من أصل الكتاب (و الوجه إثباتها) و لذلك اختلفت عبارتها عما جاء في النسخة (ج) و هي: «و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله المبعوث بالرأفة و الرحمة و الإحسان، أرسله [بالهدي] و دين الحقّ، ليظهره علي كل الأديان، صلّي اللّه عليه و علي آله و أصحابه، صلاة دائمة إلي يوم ينصب فيه الميزان».
(2) بفتح الدال و كسرها، و وقع في هامش الأصل: الأدلة. (نسخة).
(3) جاء في حاشية الأصل ما نصّه: الطّغام، بفتح الطاء المهملة، و بالغين المعجمة: هم أوغاد الناس و أسافلهم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 21
و قد صنّف في فضل تلاوته جماعات من الأماثل و الأعلام، كتبا معروفة عند أولي النّهي «1» و الأحلام، لكن ضعفت الهمم عن حفظها، بل عن مطالعتها، فصار لا ينتفع بها إلا أفراد من أولي الأفهام «2»، و رأيت أهل بلدنا دمشق- حماها اللّه و صانها و سائر بلاد الإسلام- مكثرين من الاعتناء بتلاوة القرآن العزيز تعلّما و تعليما، و عرضا و دراسة، في جماعة و فرادي، مجتهدين في ذلك بالليالي و الأيام، زادهم اللّه حرصا عليه، و علي جميع أنواع الطاعات، مريدين وجه ذي الجلال و الإكرام «3»، فدعاني ذلك إلي جمع مختصر في آداب حملته، و أوصاف حفظته و طلبته، فقد أوجب اللّه سبحانه النصيحة لكتابه، و من النصيحة له بيان آداب حملته و طلّابه، و إرشادهم إليها، و تنبيههم عليها، و أوثر فيه الاختصار، و أحاذر التطويل و الإكثار، و أقتصر في كل باب علي طرف من أطرافه، و أرمز «4» من كل ضرب من آدابه إلي بعض أصنافه، فلذلك أذكر «5» ما أذكره بحذف أسانيده.
__________________________________________________
(1) قال المصنّف: النّهي: العقول، واحدها نهية، بضم النون، لأنها تنهي صاحبها عن القبائح، و قيل: لأنّ صاحبها ينتهي إلي عقله و رأيه. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النّهي مصدرا، و يجوز أن يكون جمعا، كالغرف.
(2) في (أ): النّهي و الأفهام.
(3) و ما زال أهل هذا البلد علي الحال التي وصفهم بها المصنف رحمه اللّه، من اعتنائهم بكتاب اللّه تعالي، تعلّما و تعليما، و عرضا و دراسة، ابتغاء وجه اللّه تعالي و رضوانه، و هذا من فضل اللّه و توفيقه، و هو مصداق قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «بينا أنا نائم، إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلي الشام، ألا و إنّ الإيمان حين تقع الفتن بالشام». أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (1775) من حديث أبي الدرداء، و هو حديث صحيح.
(4) قوله: و أرمز، من (أ) و (ج) و (م).
(5) في (م): أكثر.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 22
و إن كانت أسانيده بحمد اللّه تعالي من الحاضرة «1» العتيدة «2»، فإن مقصودي التنبيه علي أصل ذلك، و الإشارة بما أذكره إلي ما حذفته مما هنالك.
و السبب في إيثاري اختصاره إيثاري حفظه، و كثرة الانتفاع به و انتشاره.
ثم ما وقع من غريب الأسماء و اللغات في الأبواب أفرده بالشرح و الضبط الوجيز الواضح، علي ترتيب وقوعه في بابه «3» في آخر الكتاب «4» ليكمل انتفاع صاحبه به، و يزول الشكّ عن طالبه «3».
و يندرج في ضمن ذلك و في خلل «6» الأبواب جمل من القواعد، و نفائس من مهمّات الفوائد، و أبيّن الأحاديث الصحيحة و الضعيفة مضافات إلي من رواها من الأئمة الأثبات، و قد أذهل عن نادر من ذلك في بعض الحالات.
و اعلم أن العلماء من أهل الحديث و غيرهم جوّزوا العمل بالضعيف في فضائل الأعمال «7». و مع هذا فإني أقتصر علي الصحيح، و لا أذكر الضعيف
__________________________________________________
(1) في الأصل: المحاضرة، و المثبت من (أ) و (ج) و (م).
(2) في (أ): و إن كانت أسانيده عندي بحمد اللّه تعالي ... إلخ. و قوله: العتيدة، أي:
الحاضرة المعدّة. قاله المصنف.
(3) ما بين الرقمين من (أ).
(4) و هو الباب العاشر منه، و قد نزّلت بعض ما جاء فيه من الغريب في أماكنه، ليغدو أسهل تناولا، و أكثر نفعا.
(6) في (أ): خلال. قلت: و هي جمع خلل، مثل: جبال، و جبل.
(7) للعلماء في العمل بالحديث الضعيف ثلاثة أقوال:
الأول: العمل به مطلقا.
الثاني: لا يجوز العمل به مطلقا.
الثالث: التفصيل، فيجوز العمل بالحديث الضعيف- غير شديد الضعيف- في الفضائل و نحوها، يعني مما لا تعلّق له بالعقائد و الأحكام. و قد نقل السيوطيّ و غيره عن الحافظ ابن حجر العسقلاني ثلاثة شروط للعمل بالحديث الضعيف:
الأول: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذّابين، و المتّهمين
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 23
إلا في بعض الأحوال.
و علي اللّه الكريم توكلي و اعتمادي، و إليه تفويضي و استنادي، أسأله سلوك سبيل الرشاد، و العصمة من أحوال أهل الزّيغ و العناد، و الدوام علي ذلك و غيره من الخير في ازدياد، و أبتهل إليه سبحانه أن يوفّقني لمرضاته، و يجعلني ممن يخشاه و يتقيه حقّ تقاته، و أن يهديني لحسن النيات «1»، و ييسّر لي جميع أنواع الخيرات، و يعينني علي أنواع المكرمات، و يديمني «2» علي ذلك حتي الممات، و أن يفعل ذلك كلّه بجميع أحبابي و سائر المسلمين و المسلمات. حسبنا اللّه و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم.
__________________________________________________
بالكذب، و من فحش غلطه. نقل العلائي الاتفاق عليه.
الثاني: أن يندرج تحت أصل معمول به.
الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط. انظر «تدريب الراوي» 1/ 351، و «توجيه النظر» 2/ 653 و ما بعدها.
(1) في (أ): الثبات.
(2) في (أ): و يمدّني.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 24

و هذه فهرسة أبوابه‌

و هذه فهرسة أبوابه
: الباب الأول: في أطراف من فضيلة تلاوة القرآن و حملته [ص 25] الباب الثاني: في ترجيح القراءة و القارئ علي غيرهما [ص 33] الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن، و النهي عن إيذائهم [ص 34] الباب الرابع: في آداب معلّم القرآن و متعلّمه [ص 39] الباب الخامس: في آداب حامل القرآن و ثوابه [ص 61] الباب السادس: في آداب القراءة، و هو معظم الكتاب و مقصوده [ص 78] الباب السابع: في آداب الناس كلّهم مع القرآن [ص 151] الباب الثامن: في الآيات و السور المستحبة في أوقات و أحوال مخصوصة [ص 161] الباب التاسع: في كتابة القرآن و إكرام المصحف [ص 171] الباب العاشر: في ضبط ألفاظ الكتاب [ص 181]
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 25

الباب الأول في أطراف من فضيلة تلاوة القرآن و حملته‌

الباب الأول في أطراف من فضيلة تلاوة القرآن و حملته
قال اللّه تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ «1» (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) [فاطر].
و روينا عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:
«خيركم من تعلّم القرآن و علّمه». رواه الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم البخاريّ في «صحيحه» «2» الذي هو أصحّ الكتب بعد القرآن.
و عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «الذي يقرأ القرآن و هو ماهر فيه «3» مع السّفرة الكرام البررة، و الذي يقرأ القرآن و يتتعتع فيه و هو شاقّ عليه، له أجران» أرواه البخاريّ، و أبو الحسين مسلم بن الحجّاج بن مسلم النّيسابوريّ في صحيحيهما «4».
و عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، ريحها طيّب، و طعمها طيّب، و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التّمرة، لا ريح لها، و طعمها حلو، و مثل
__________________________________________________
(1) قال المصنف (في الباب العاشر): الإنفاق الممدوح في الشرع: إخراج المال في طاعة اللّه تعالي. «تجارة لن تبور» أي: لن تهلك و تفسد.
(2) صحيح البخاري (5027)، و هو في «مسند» أحمد (500).
(3) في هامش الأصل: به. (نسخة).
(4) صحيح البخاري (4937)، و صحيح مسلم (798)، و هو في «مسند» أحمد (24211).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 26
المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة، ريحها طيّب، و طعمها مرّ، و مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح، و طعمها مرّ».
رواه البخاريّ و مسلم «1».
و عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «إن اللّه تعالي يرفع بهذا الكتاب أقواما، و يضع به آخرين». رواه مسلم «2».
و عن أبي أمامة الباهليّ رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:
«اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه». رواه مسلم «3».
و عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «لا حسد إلا في اثنتين:
رجل آتاه اللّه القرآن، فهو يقوم به آناء الليل و آناء النهار، و رجل آتاه اللّه مالا، فهو ينفقه آناء الليل و آناء النهار». رواه البخاريّ و مسلم «4».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (5020)، و صحيح مسلم (797)، و هو في «مسند أحمد» (19664).
و الأترجّة، واحدة الأترجّ، و هو- كما في «معجم متن اللغة»- من فصيلة الحمضيات، يعرف بالشام الكبّاد. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» 9/ 66- 67:
قيل: خصّ صفة الإيمان بالطّعم، و صفة التلاوة بالرّيح، لأنّ الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، و كذلك الطّعم، ألزم للجوهر من الرّيح، فقد يذهب ريح الجوهر، و يبقي طعمه. ثم قيل: الحكمة في تخصيص الأترجّة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيّب الطعم و الرّيح- كالتفاحة- لأنه يتداوي بقشرها، و هو مفرح بالخاصّيّة، و يستخرج من حبّها دهن له منافع.
(2) صحيح مسلم (817)، و هو في «مسند» أحمد (232)، و فيه قصة.
(3) صحيح مسلم (804)، و هو قطعة من حديث.
(4) صحيح البخاري (5025)، و صحيح مسلم (815)، و هو في «مسند» أحمد (4550).
قال المصنف: الحسد تمنّي زوال النعمة عن غيره، و الغبطة تمنّي مثلها من غير زوالها، و الحسد حرام، و الغبطة في الخير محمودة محبوبة، و المراد بقوله صلّي اللّه عليه و سلّم: «لا حسد إلا في اثنتين» أي: لا غبطة محمودة يتأكّد الاهتمام بها إلا في اثنتين. قلت: و نقل الذهبيّ في «سير أعلام النبلاء» 8/ 437 عن الفضيل بن عياض قوله: المؤمن يغبط و لا يحسد، الغبطة من الإيمان، و الحسد من النّفاق.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 27
و رويناه أيضا من رواية عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللّه مالا، فسلّطه علي هلكته في الحقّ، و رجل آتاه اللّه حكمة، فهو يقضي بها و يعلّمها» «1».
و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «من قرأ حرفا من كتاب اللّه، فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها؛ لا أقول «الم» حرف، بل ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف». رواه أبو عيسي محمد بن عيسي التّرمذيّ، و قال: حديث حسن صحيح «2».
و عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «يقول الرّبّ سبحانه و تعالي: من شغله القرآن و ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين، و فضل كلام اللّه سبحانه و تعالي علي سائر الكلام، كفضل اللّه تعالي علي سائر خلقه». رواه الترمذيّ، و قال: حديث حسن «3».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (73)، و صحيح مسلم (816)، و هو في «مسند» أحمد (3651)
(2) أخرجه التّرمذي (2910) من طريق محمد بن كعب القرظي، عن عبد اللّه بن مسعود، مرفوعا كما ذكر المصنف، و قد روي من طريق أبي الأحوص عوف بن مالك الأشجعي، عن عبد اللّه بن مسعود، رفعه بعضهم- كما عند الدار قطني في «العلل» 5/ 326- 327، و الخطيب في «تاريخ بغداد» 1/ 285- 286- و وقفه آخرون- كما عند الدارمي (3308)، و الطبراني في «الكبير» (8648)، و الحاكم في «المستدرك» 1/ 566. قال الدار قطني: و هو الصواب (يعني وقفه). قلت: و هو و إن كان موقوفا، فإنه في حكم المرفوع، لأنه مما لا يقال بالرأي.
(3) قوله: حديث حسن، فيه نظر، و قد نوزع فيه، فأخرجه عثمان الدّارميّ في «الردّ علي الجهميّة» ص 74، و أبو محمد عبد اللّه الدّارميّ في «السنن» (3356)، و التّرمذيّ (2926)، و عبد اللّه بن أحمد في «السنة» (125)، و محمد بن نصر المروزي، كما في «مختصر قيام الليل» ص 75، و العقيلي في «الضعفاء» 4/ 49، و ابن حبّان في «المجروحين» 2/ 277، و الطبراني في «الدعاء» (1851)، و أبو نعيم في «الحلية» 5/ 106، و أبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (76)، و البيهقي في «الأسماء و الصفات» (507)
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 28
__________________________________________________
- (508) من حديث أبي سعيد الخدري. و في إسناده عطيّة العوفي، و هو ضعيف، و فيه أيضا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، و هو ضعيف كذلك. قال العقيلي بعد أن أخرج له هذا الحديث: و لا يتابع عليه، و قال ابن حبّان: وافقه الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس، و لكن من حديث ابن حميد (يعني محمد بن حميد الرازي) و ابن حميد قد تبرّأنا من عهدته. و قال الذهبي في «الميزان»: حسّنه الترمذي، فلم يحسن! و قوله منه: «من شغله القرآن و ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» روي عن عدد من الصحابة، بأسانيد ضعيفة أيضا:
فعن عمر بن الخطاب: أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» ص 105، و في «التاريخ الكبير» 2/ 115، و الطبراني في «الدعاء» (1850)، و القضاعي في «مسند الشّهاب» (1455)، و البيهقي في «شعب الإيمان» (572). و في إسناده صفوان بن أبي الصهباء، مختلف فيه، و ذكره ابن حبان في «الثقات» 8/ 321، و ذكره أيضا في «المجروحين» 1/ 376، و أورد له هذا الحديث، و حكم عليه بالوضع.
و عن جابر بن عبد اللّه: أخرجه القضاعي (584)، و البيهقي في «شعب الإيمان» (573)، و في إسناده الضّحّاك بن حمرة، و هو ضعيف.
و عن حذيفة بن اليمان: أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» 7/ 313 و في إسناده عبد الرحمن ابن واقد، أبو مسلم الواقدي، قال ابن عدي في «الكامل» 4/ 1626: حدّث بالمناكير عن الثقات، و سرق الحديث.
و عن مالك بن الحارث: أخرجه ابن المبارك في «الزّهد» (929)، و عبد الرزاق (4057)، و ابن أبي شيبة 10/ 237، و البيهقي في «شعب الإيمان» (574). و في إسناده انقطاع، فهو عند ابن المبارك و عبد الرزاق و البيهقي، من رواية منصور، و عند ابن أبي شيبة من رواية الأعمش، كلاهما عن مالك، و منصور و الأعمش لم يدركا الصحابة، غير أن الأعمش رأي أنس بن مالك، و لم يثبت له منه سماع، و أورده السيوطي في «اللآلي المصنوعة» 2/ 343 و جاء اسم الصحابي فيه مالك بن الحويرث (؟) و عن عبد اللّه بن نمير، عن موسي بن أسلم (كذا) عن عمرو بن مرّة، أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 237، و نقله السيوطي في «اللئالئ المصنوعة» 2/ 343. و موسي بن أسلم لم أعرفه، و لعله محرّف عن موسي بن مسلم- كما جاء في «اللئالئ»- و هو المعروف بالصغير، لأن ابن نمير يروي عنه، فإن كان كذلك، فالإسناد منقطع، و اللّه أعلم
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 29
و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «إن الذي ليس في جوفه شي‌ء من القرآن كالبيت الخرب». رواه الترمذي، و قال: حديث حسن صحيح «1».
و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:
«يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق «2» و رتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ». رواه أبو داود و الترمذيّ و النّسائيّ، و قال الترمذي:
__________________________________________________
و قد أورد الحافظ ابن حجر في «الفتح» 9/ 66 بعض طرق هذا الحديث، و ما فيها، و لم يحكم عليه، غير أن السيوطي نقل عنه في «اللآلي المصنوعة» أنه حسّنه في «أماليه».
و قوله منه: «فضل كلام اللّه سبحانه و تعالي علي سائر الكلام، كفضل اللّه تعالي علي خلقه»: أخرجه عثمان الدارميّ في «الرّدّ علي الجهميّة» ص 74 من طريق محمد بن سواء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أشعث بن جابر الحدّانيّ، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، مرفوعا. و شهر بن حوشب ضعيف، و محمد بن سواء لم يذكروا في روايته عن ابن أبي عروبة، هل هي قبل اختلاطه، أم بعده.
و أخرجه عثمان الدّارميّ أيضا، و أبو محمد الدّارمي (3357) من طريق شهر بن حوشب قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ... فذكره مرسلا. قال الدار قطني في «العلل» 11/ 29: و هو أشبه بالصواب. ا ه.
و أورده البخاري في «خلق أفعال العباد» ص 19 عن أبي عبد الرحمن السّلمي، قوله. قال الحافظ في «الفتح» 9/ 62: أشار (يعني البخاري) إلي أنه لا يصحّ مرفوعا.
و قال محمد بن نصر المروزيّ، كما في «مختصر قيام الليل» ص 75: و عن شهر بن حوشب و أبي عبد الرحمن السّلمي قالا: فضل كلام اللّه ... فذكره من قولهما.
و قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 9/ 66: بيّن العسكريّ أنها من قول أبي عبد الرحمن السّلمي.
(1) سنن الترمذي (2913)، و في إسناده قابوس بن أبي ظبيان، فيه لين، كما في «تقريب» الحافظ. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» الإمام أحمد (1947).
(2) في الأصل: و ارق، و المثبت نسخة من هامشه، عليها علامة الصحة.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 30
حديث حسن صحيح «1».
و عن معاذ بن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «من قرأ القرآن، و عمل بما فيه، ألبس والداه تاجا يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشّمس في بيوت الدّنيا، فما ظنّكم بالذي عمل بهذا؟!» رواه أبو داود «2».
و روي الدارميّ «3» بإسناده عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه «4» قال:
اقرءوا القرآن، فإنّ اللّه تعالي لا يعذّب قلبا وعي القرآن، و إنّ هذا القرآن مأدبة اللّه تعالي، فمن دخل فيه، فهو آمن، و من أحبّ القرآن فليبشر «5».
__________________________________________________
(1) سنن أبي داود (1464)، و سنن الترمذي (2914)، و السنن الكبري للنسائي (8056)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (6799). قال الخطّابي في «معالم السّنن» 1/ 289- 290: جاء في الأثر أنّ عدد آي القرآن علي قدر درج الجنة، يقال للقارئ:
ارق في الدّرج علي قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفي قراءة جميع القرآن، استولي علي أقصي درج الجنة، و من قرأ جزءا منها، كان رقيّه في الدّرج علي قدر ذلك، فيكون منتهي الثواب عند منتهي القراءة. ا ه. قلت: أخرج نحوه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 37، و ابن أبي شيبة 10/ 467، من قول عائشة رضي اللّه عنها.
(2) سنن أبي داود (1453)، و في إسناده زبّان بن فائد، و هو ضعيف الحديث، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (15645).
(3) هو عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الفضل، أبو محمد التّميمي الدّارميّ، أحد حفّاظ الدنيا، صنف التصانيف، و طوّف الأقاليم. مات سنة (255 ه). «سير أعلام النبلاء» 12/ 224.
(4) في (م) زيادة: عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و هو خطأ، و انظر التعليق التالي.
(5) قوله منه: «اقرءوا القرآن، فإن اللّه تعالي لا يعذّب قلبا وعي القرآن» هو من قول أبي أمامة، و ليس من قول ابن مسعود، كما ذكر المصنف.
فقد أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 505- 506 عن يزيد بن هارون، عن حريز بن عثمان، عن سليمان بن شرحبيل الجبلاني، عن أبي أمامة، قوله. و سليمان بن شرحبيل الجبلاني ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» 2/ 20، و ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» 4/ 122، و ابن حبّان في «الثقات» 4/ 313، و لم يذكروا في الرواة عنه غير حريز بن عثمان، فهو في عداد المجهولين.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 31
و عن عبد الحميد الحمّاني «1» قال: سألت سفيان الثوريّ «2» عن الرجل
__________________________________________________
و قد اختلف فيه علي حريز: فأخرجه الدّارميّ في «السنن» (3319) عن الحكم بن نافع، عن حريز بن عثمان، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة. و شرحبيل بن مسلم: صدوق، فيه لين، كما في «تقريب» الحافظ ابن حجر.
و أخرجه تمّام الرازي في «فوائده» (1303) (الرّوض البسّام) من طريق مسلمة بن عليّ، عن حريز بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، مرفوعا. و مسلمة بن عليّ متروك الحديث.
و أخرجه الدارميّ (3320) عن عبد اللّه بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، موقوفا. و عبد اللّه بن صالح- و هو أبو صالح كاتب الليث- صدوق كثير الغلط.
و قوله منه: «إن هذا القرآن مأدبة اللّه تعالي، فمن دخل فيه، فهو آمن»: أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (787)، و الدّارميّ (3322)، و ابن أبي شيبة 10/ 484، و الفريابي في «فضائل القرآن» (59) من طريق شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الأحوص الجشميّ، عن عبد اللّه بن مسعود، موقوفا، و هذا إسناد صحيح إلي ابن مسعود، رضي اللّه عنه.
و رواه إبراهيم بن مسلم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، فرفعه. و إبراهيم هذا قال الحافظ فيه: ليّن الحديث، رفع موقوفات. ا ه. لكنه قد رواه علي الجادة (يعني موقوفا) فيما أخرجه عبد الرزاق (6017) عن سفيان بن عيينة، عنه، به، و انظر «الكامل» لابن عدي 2/ 215.
و قوله: «و من أحبّ القرآن فليبشر»: أخرجه الدّارميّ (3323) (3324)، و ابن أبي شيبة 10/ 506 من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم النّخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد النّخعي، عن عبد اللّه بن مسعود، قوله. و هذا إسناد صحيح إليه. و قوله: «فليبشر»؛ قال ابن الأثير في «النهاية»: أي: فليفرح و ليسرّ، أراد أنّ محبة القرآن دليل علي محض الإيمان، من بشر يبشر، بالفتح.
(1) هو ابن عبد الرحمن، أبو يحيي الكوفي، و الحمّاني نسبة إلي حمّان من تميم. مات سنة (202 ه). كذا في «التهذيب».
(2) هو ابن سعيد بن مسروق، أبو عبد اللّه الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، قدّمه بعضهم
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 32
يغزو أحبّ إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال: يقرأ القرآن، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال:
«خيركم من تعلّم القرآن و علّمه» «1».
__________________________________________________
في الحفظ علي مالك، توفي بالبصرة سنة (161 ه). «سير أعلام النبلاء» 7/ 229.
(1) سلف ذكر الحديث ص 25، و هو في «صحيح» البخاري (5027). قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 9/ 76: فإن قيل: فيلزم علي هذا أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة و الرّباط، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر مثلا؟
قلنا: حرف المسألة يدور علي النفع المتعدّي، فمن كان حصوله عنده أكثر، كان أفضل، فلعل «من» مضمرة في الخبر، و لا بدّ من مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم ...
و انظر تتمة كلامه.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 33

الباب الثاني في ترجيح القراءة و القارئ علي غيرهما

الباب الثاني في ترجيح القراءة و القارئ علي غيرهما
ثبت عن أبي مسعود الأنصاريّ البدريّ رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، قال: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه». رواه مسلم «1».
و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان القرّاء أصحاب مجلس عمر رضي اللّه عنه و مشاورته، كهولا كانوا أو شبّانا. رواه البخاريّ في «صحيحه» «2». و سيأتي في الباب بعد هذا أحاديث تدخل في هذا الباب.
و اعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه من يعتمد عليه من العلماء أنّ قراءة القرآن أفضل من التسبيح و التهليل، و غيرهما من الأذكار، و قد تظاهرت الأدلة علي ذلك «3».
__________________________________________________
(1) صحيح مسلم (673)، و تتمته: «فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة ...».
قال المصنف في «شرحه» 5/ 172- 173: فيه دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ علي الأفقه، و هو مذهب أبي حنيفة، و أحمد، و بعض أصحابنا. و قال مالك و الشافعي و أصحابهما:
الأفقه مقدّم علي الأقرأ، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، و قد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر علي مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه. قالوا: و لهذا قدّم النبي صلّي اللّه عليه و سلّم أبا بكر رضي اللّه عنه في الصلاة علي الباقين، مع أنه صلّي اللّه عليه و سلّم نصّ علي أن غيره أقرأ منه ...
(2) صحيح البخاري (4642) و (7286)، و فيه قصة.
(3) قال المؤلف في «شرح صحيح مسلم» 17/ 49: قراءة القرآن أفضل من التسبيح و التهليل المطلق، فأما المأثور في وقت، أو حال، و نحو ذلك، فالاشتغال به أفضل، و اللّه أعلم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 34

الباب الثالث في إكرام أهل القرآن و النهي عن إيذائهم‌

الباب الثالث في إكرام أهل القرآن و النهي عن إيذائهم
قال اللّه تعالي: وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ (32) [الحج].
و قال تعالي: وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج: 30].
و قال تعالي: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) [الحجر].
و قال تعالي: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (58) [الأحزاب].
و في الباب حديث أبي مسعود الأنصاريّ، و حديث ابن عباس، المتقدمان في الباب الثاني.
و عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «إنّ من إجلال اللّه تعالي إكرام ذي الشّيبة المسلم، و حامل القرآن، غير الغالي فيه و الجافي عنه، و إكرام ذي السّلطان [المقسط]». رواه أبو داود، و هو حديث حسن «1».
__________________________________________________
(1) سنن أبي داود (4843). و أخرجه أيضا البخاريّ في «الأدب المفرد» (357)، و ابن خزيمة- فيما ذكر الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة» 10/ 124- و البيهقي في «شعب الإيمان» (2685) و (10986)، و حسّنه أيضا الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» 4/ 565. و استدركت كلمة «المقسط» من المصادر. قال صاحب «عون المعبود» 4/ 412: غير الغالي ... يعني غير المتجاوز الحدّ في العمل به، و تتبع ما خفي منه، و اشتبه عليه من معانيه، و في حدود قراءته، و مخارج حروفه. قاله العزيزي. «و الجافي عنه»: أي: و غير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، و أحكام قراءته، و إتقان معانيه، و العمل بما فيه. و قيل: الغلوّ: المبالغة في التجويد، أو الإسراع في القراءة، بحيث يمنعه عن تدبّر المعني، و الجفاء أن يتركه بعد ما علمه، لا سيما إذا كان نسيه، فإنه من الكبائر. قال في «النهاية»: و منه الحديث: «اقرءوا القرآن، و لا تجفوا عنه» أي:
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 35
و عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: «أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن ننزل الناس منازلهم» رواه أبو داود في «سننه»، و البزار «1» في «مسنده» «2». قال الحاكم أبو عبد اللّه في «علوم الحديث»: هو حديث صحيح «3».
و عن جابر رضي اللّه عنه أن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يجمع بين الرّجلين من قتلي أحد، ثم يقول: «أيّهما أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير إلي أحدهما، قدّمه في اللّحد. رواه البخاري «4».
__________________________________________________
تعاهدوه، و لا تبعدوا عن تلاوته، بأن تتركوا قراءته، و تشتغلوا بتفسيره و تأويله، و لذا قيل: اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل، و اشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم.
(1) هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر البصري، البزّار، الحافظ، صاحب «المسند». مات بالرّملة سنة (292 ه). «سير أعلام النبلاء» 13/ 554.
(2) أخرجه أبو داود (4842)، و أبو يعلي (4826)، و أبو نعيم في «حلية الأولياء» 4/ 379، و البيهقي في «شعب الإيمان» (11000)، و في «الآداب» (299) من طريق يحيي بن اليمان، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن عائشة. و هذا إسناد منقطع، فإن ميمونا لم يدرك عائشة. قال البيهقي:
مرسل.
و أخرجه البيهقي أيضا في «الشّعب» (10999)، و في «الآداب» (300)، و الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (806) من طريق يحيي بن اليمان، عن سفيان، عن أسامة بن زيد، عن عمر بن مخراق، عن عائشة. و هذا إسناد منقطع أيضا. قال الإمام أحمد- فيما نقله عنه البيهقي-: عمر بن مخراق عن عائشة مرسل. قلت:
و يحيي بن اليمان أيضا ضعيف، و مع ذلك، فقد صححه الحاكم كما ذكر المصنف! و قد علّقه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ص 6 بصيغة التضعيف، فقال: و قد ذكر عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن ننزل الناس منازلهم. و من المعروف أن مسلما لم يشترط الصحة للأحاديث التي أوردها في مقدمة صحيحه.
(3) «معرفة علوم الحديث» ص 49.
(4) صحيح البخاري (1343). قوله: «اللّحد»؛ قال المصنّف: لحد القبر، بفتح اللام
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 36
و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أنّ اللّه عزّ و جلّ قال: «من آذي لي وليّا، فقد آذنني بالحرب» رواه البخاري «1».
و ثبت في الصحيحين عنه صلّي اللّه عليه و سلّم أنه قال: «من صلّي الصّبح، فهو في ذمّة اللّه، فلا يطلبنّكم اللّه تعالي بشي‌ء من ذمّته» «2».
و عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة و الشافعيّ رحمهما اللّه قالا: إن لم يكن العلماء أولياء اللّه، فليس للّه وليّ «3».
و قال الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر «4» رحمه اللّه «5»: اعلم يا أخي- وفّقنا اللّه و إياك لمرضاته، و جعلنا ممن يخشاه و يتقيه حقّ تقاته- أنّ لحوم العلماء مسمومة، و عادة اللّه في هتك أستار منقصهم «6» معلومة، و أنّ من أطلق
__________________________________________________
و ضمّها، لغتان مشهورتان، و الفتح أفصح، و هو شقّ في جانبه القبلي يدخل فيه الميّت، يقال: لحدت الميّت، و ألحدته.
(1) صحيح البخاري (6502)، و فيه: آذنته. قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» 11/ 342 في معني قوله: «آذنته بالحرب» أي: تعرّض لإهلاكي إياه، فأطلق الحرب، و أراد لازمه. ثم نقل عن الفاكهيّ قوله: في هذا تهديد شديد، لأن من حاربه اللّه، أهلكه، و هو من المجاز البليغ.
(2) أخرجه مسلم (657) من حديث جندب بن عبد اللّه بن سفيان، و هو من أفراده، و وهم المصنّف بقوله: في الصحيحين. و انظر تتمة تخريجه، و أحاديث الباب في «مسند» أحمد (18803) (18814).
(3) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» ص 35 عن الإمام أبي حنيفة، و ص 36 عن الإمام الشافعي.
(4) هو عليّ بن الحسن الدّمشقيّ، الشافعيّ، الحافظ، صاحب «تاريخ دمشق» و غيره.
توفي سنة (571)، و دفن بمقبرة باب الصغير بدمشق. «سير أعلام النبلاء» 20/ 554.
(5) في «تبيين كذب المفتري» ص 29.
(6) في (أ)، و «تبيين كذب المفتري»: منتقصيهم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 37
لسانه في العلماء بالثّلب «1»، بلاه «2» اللّه تعالي قبل موته بموت القلب. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) [النور].
__________________________________________________
(1) الثّلب، بفتح الثاء المثلثة، و إسكان اللام: العيب. قاله المصنف.
(2) في (أ) و هامش الأصل: ابتلاه. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 39

الباب الرابع في آداب معلم القرآن و متعلمه‌

فصل‌

فصل
أول ما ينبغي للمقرئ و القارئ أن يقصد بذلك رضا اللّه تعالي، قال اللّه تعالي: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) [البينة]. أي: الملّة المستقيمة.
و في الصحيحين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «إنّما الأعمال بالنيات، و إنما لكلّ امرئ ما نوي» «1»، و هذا الحديث من أصول الإسلام.
و روينا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إنما يحفظ الرجل علي قدر نيّته «2»، و عن غيره: إنما يعطي الناس علي قدر نيّاتهم.
و روينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيريّ «3» رحمه اللّه تعالي قال:
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (1)، و صحيح مسلم (1907)، و هو من حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (168).
(2) أخرجه الدّارميّ (375) بلفظ: إنما يحفظ حديث الرجل علي قدر نيّته. و في إسناده ضعفاء. و قد أشير إلي لفظ الدارميّ في حاشية الأصل.
(3) هو عبد الكريم بن هوازن الخراسانيّ، النّيسابوريّ، الشافعيّ، الصوفيّ، صاحب «الرسالة القشيرية». كان علّامة في الفقه و التفسير، و الحديث و الأصول، و الأدب و الشعر و الكتابة. مات بنيسابور سنة (465 ه-). «سير أعلام النبلاء» 18/ 227.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 40
الإخلاص إفراد الحقّ سبحانه و تعالي في الطاعة بالقصد، و هو أن يريد بطاعته التقرّب إلي اللّه تعالي دون شي‌ء أخر؛ من تصنّع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معني من المعاني سوي التقرب «1» إلي اللّه تعالي. قال: و يصحّ أن يقال: الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
و عن حذيفة المرعشيّ «2» رحمه اللّه: الإخلاص استواء أفعال العبد في الظاهر و الباطن.
و عن ذي النون «3» رحمه اللّه: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح و الذّمّ من العامّة، و نسيان رؤية الأعمال في الأعمال، و اقتضاء «4» ثواب الأعمال في الآخرة.
و عن الفضيل بن عياض «5» رضي اللّه عنه قال: ترك العمل لأجل الناس رياء، و العمل لأجل الناس شرك، و الإخلاص أن يعافيك اللّه منهما.
__________________________________________________
(1) في «الرسالة القشيرية» 3/ 132: التقرّب به.
(2) هو ابن قتادة، أحد الأولياء، صحب سفيان الثوريّ و روي عنه. و المرعشيّ نسبة إلي مرعش: بلد بالشام قرب أنطاكية. «سير أعلام النبلاء» 9/ 283.
(3) هو ثوبان بن إبراهيم النّوبي الإخميمي، أبو الفيض، شيخ البلاد المصرية، مات سنة (245 ه-). «سير أعلام النبلاء» 11/ 532.
(4) في «الرسالة القشيرية» 3/ 134: و نسيان اقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة. ا ه. بزيادة كلمة «نسيان». قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرحها: بأن لا يخطر لك علي عملك جزاء دنيوي و لا أخروي! قلت: و عبارة المصنّف- التي أوردها هنا، و أوردها كذلك في كتابيه: «المجموع» و «الأذكار» بإسقاط كلمة «نسيان»- هي أولي بالصواب، لأنها تتوافق و مقاصد الشريعة.
(5) هو شيخ الإسلام، أبو علي التميمي، الخراساني، المجاور بحرم اللّه، ولد بسمرقند، و نشأ بأبيورد، و ارتحل في طلب العلم. مات بمكة سنة (187 ه). «سير أعلام النبلاء» 8/ 421.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 41
و عن سهل التّستريّ «1» رحمه اللّه قال: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص، فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته و سكونه في سرّه و علانيته للّه تعالي وحده، لا يمازجه شي‌ء، لا نفس و لا هوي و لا دنيا.
و عن السّريّ «2» رحمه اللّه قال: لا تعمل للناس شيئا، و لا تترك لهم شيئا، و لا تغطّ لهم شيئا، و لا تكشف لهم شيئا.
و عن القشيريّ قال: أقلّ الصدق استواء السرّ و العلانية.
و عن الحارث المحاسبيّ «3» رحمه اللّه قال: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلّ قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، و لا يحبّ اطّلاع الناس علي مثاقيل الذّرّ من حسن عمله، و لا يكره اطّلاع الناس علي السّيّئ من عمله، فإنّ كراهته «4» لذلك دليل علي أنه يحبّ الزيادة عندهم، و ليس هذا من أخلاق الصّدّيقين.
و عن غيره: إذا طلبت اللّه تعالي بالصّدق، أعطاك مرآة تبصر فيها كلّ شي‌ء من عجائب الدنيا و الآخرة.
و أقاويل السّلف في هذا كثيرة، أشرنا إلي هذه الأحرف منها تنبيها علي المطلوب، و قد ذكرت جملا من ذلك مع شرحها في أول «شرح المهذّب» «5»،
__________________________________________________
(1) هو ابن عبد اللّه بن يونس، أبو محمد التّستري، الصوفي، شيخ العارفين، لقي في الحج ذا النّون المصري. مات سنة (283 ه). «سير أعلام النبلاء» 13/ 330.
(2) هو ابن المغلّس السّقطي، أبو الحسن البغدادي، الإمام القدوة. مات سنة (253 ه) «سير أعلام النبلاء» 12/ 185.
(3) هو ابن أسد البغدادي، أبو عبد اللّه المحاسبي، شيخ الصوفية، صاحب التصانيف الزّهدية. مات سنة (243 ه-). «سير أعلام النبلاء» 12/ 110.
(4) في (أ) و هامش الأصل: كراهيته.
(5) «المجموع شرح المهذّب» 1/ 29- 30.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 42
و ضممت إليها من آداب المعلّم و المتعلّم، و الفقيه و المتفقّه، ما لا يستغني عنه طالب علم، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
ينبغي أن لا يقصد به توصّلا إلي عرض من أعراض الدنيا، من مال، أو رئاسة، أو وجاهة، أو ارتفاع علي أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك، و لا يشين المقرئ إقراءه بطمع في رفق «1» يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان الرّفق مالا أو خدمة، و إن قلّ، و لو كان علي صورة الهدية التي لو لا قراءته عليه لما أهداها إليه. قال اللّه تعالي: وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) [الشوري]، و قال تعالي: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الآية [الإسراء: 18].
و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «من تعلّم علما ممّا يبتغي به وجه اللّه تعالي، لا يتعلّمه إلا ليصيب به عرضا من أعراض الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة». رواه أبو داود بإسناد صحيح «2»، و مثله أحاديث كثيرة.
و عن أنس و حذيفة و كعب بن مالك رضي اللّه عنهم أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «من طلب العلم ليماري به السّفهاء، أو يكاثر به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوّأ مقعده من النار» رواه الترمذيّ من رواية كعب بن
__________________________________________________
(1) المراد بالرّفق هنا: ما استعين به، كما قال المصنف بعد ذلك: سواء كان الرّفق مالا، أو خدمة ...
(2) سنن أبي داود (3664)، و فيه: «عرضا من الدنيا». و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (8457). قوله: «عرف الجنة»، بفتح العين، و إسكان الراء، و بالفاء:
ريحها. قاله المصنّف.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 43
مالك، و قال: «أدخله اللّه النار» «1».
__________________________________________________
(1) أما حديث أنس: فأخرجه البزار (178) (زوائد)، و العقيلي في «الضعفاء» 2/ 130، و الطبراني في «الأوسط» (5704) من طريق سليمان بن زياد الواسطي، عن أبي معاوية شيبان النّحوي، عن قتادة، عن أنس، به. و سليمان بن زياد الواسطي مجهول، قال الذهبي في «الميزان»: لا يدري من ذا. ا ه. و قال البزار: تفرّد به سليمان، و لم يتابع عليه، و بنحوه قال الطبراني، و قال العقيلي: في هذا الباب أحاديث عن جماعة من أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و سلّم ليّنة الأسانيد، و نقل عن يحيي بن معين قوله: هذه الأحاديث بواطيل.
و أخرجه الخطيب البغدادي في «اقتضاء العلم العمل» (101) من طريق عثمان بن مطر، عن أبي هاشم الرّمّاني، عن أنس، به. و عثمان بن مطر ضعيف، و أبو هاشم الرّمّاني رأي أنس بن مالك، و ليس له رواية عنه.
و أما حديث حذيفة: فأخرجه ابن ماجة (259) من طريق بشير بن ميمون، عن أشعث بن سوّار، عن ابن سيرين، عن حذيفة، به. و بشير بن ميمون- و هو الواسطي- متروك الحديث، و أشعث بن سوّار ضعيف.
و أخرجه الخطيب البغدادي أيضا في «الجامع لأخلاق الراوي» (22) من طريق عطاء بن عجلان، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، به. و عطاء بن عجلان متروك الحديث.
و أخرجه الخطيب البغدادي أيضا في «اقتضاء العلم العمل» (100) من طريق بشر بن عبيد الدّارسي، عن محمد بن سليم، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن حذيفة، به. و بشر بن عبيد الدارسي؛ قال الذهبي في «الميزان» 1/ 320:
كذّبه الأزدي، و قال ابن عديّ: منكر الحديث عن الأئمة، بيّن الضعف جدا. ا ه.
و عطاء بن السائب: صدوق اختلط، و لم يذكر أن محمد بن سليم (؟) روي عنه قبل اختلاطه أم بعده. و يزيد بن جابر- والد عبد الرحمن بن يزيد- جهّله ابن القطان، و تعقّبه العراقي في «الذيل علي ميزان الاعتدال» ص 357 بقوله: هو معروف الحال.
و أما حديث كعب بن مالك: فأخرجه الترمذي (2654)، و ابن أبي الدنيا في «الصمت» (141)، و العقيلي في «الضعفاء» 1/ 104، و ابن حبّان في «المجروحين» 1/ 133- 134، و الآجرّيّ في «أخلاق العلماء» ص 92- 93، و ابن عديّ في «الكامل» 1/ 326، و الحاكم في «المستدرك» 1/ 86، و البيهقي في «شعب الإيمان» (1772)، و الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (25)، و ابن الجوزي في «العلل المتناهية»
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 44

فصل‌

فصل
و ليحذر كلّ الحذر من قصده التكبّر «1» بكثرة المشتغلين عليه، و المختلفين إليه. و ليحذر من كراهته قراءة أصحابه علي غيره ممن ينتفع به.
و هذه مصيبة يبتلي بها بعض المعلّمين الجاهلين، و هي دلالة بيّنة من صاحبها علي سوء نيّته، و فساد طويّته، بل هي حجّة قاطعة علي عدم إرادته بتعليمه
__________________________________________________
- (86) من طريق إسحاق بن يحيي بن طلحة، عن ابن كعب بن مالك، عن كعب، به. قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و إسحاق بن يحيي بن طلحة ليس بذاك القوي عندهم، تكلم فيه من قبل حفظه. ا ه. و قال العقيلي: لا يتابع عليه.
ا ه. و قال ابن الجوزي: لا يعرف هذا إلا من حديث إسحاق، قال يحيي بن سعيد: هو شبه لا شي‌ء، و قال يحيي بن معين: ليس بشي‌ء، لا يكتب حديثه، و قال أحمد و النسائي: متروك الحديث.
قلت: و أخرج ابن ماجة (254)، و ابن حبّان في «صحيحه» (77)، و ابن عديّ في «الكامل» 7/ 2672، و الحاكم في «المستدرك» 1/ 86، و ابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» ص 226 من طريق يحيي بن أيوب، عن ابن جريج، عن أبي الزّبير، عن جابر، مرفوعا: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، و لا تماروا به السفهاء، و لا تخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنار النار». و فيه عنعنة ابن جريج و أبي الزّبير، و ذكر ابن عديّ أن هذا الحديث غير محفوظ، و قال: حديث أبي الزبير معروف بيحيي بن أيوب، ينفرد به عن ابن جريج بهذا الإسناد.
قلت: و خالفه عبد اللّه بن وهب- كما عند الحاكم 1/ 86- فرواه عن ابن جريج أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال ... فذكره مرسلا.
و أخرجه الدارمي (373) (374) من طريق أبي العلاء برد بن سنان، عن مكحول، قوله.
و أخرج أيضا (367) من طريق عاصم بن سليمان الأحول، عمّن حدثه عن أبي وائل، عن عبد اللّه (و هو ابن مسعود) قال: من طلب العلم لأربع، دخل النار، أو نحو هذه الكلمة:
ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، او ليصرف به وجوه الناس إليه، أو ليأخذ به الأمراء. ا ه. و الضعف في إسناده ظاهر.
(1) في (أ): التكثير، و في المطبوع: التكثر.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 45
وجه اللّه الكريم، فإنه لو أراد اللّه تعالي بتعليمه، لماكره ذلك، بل قال لنفسه: أنا «1» أردت الطاعة بتعليمه، و قد حصلت، و هو قصد بقراءته علي غيري زيادة علم، فلا عتب عليه.
و قد روينا في مسند الإمام المجمع علي حفظه و إمامته أبي محمد الدّارميّ رحمه اللّه، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: يا حملة العلم، اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، و وافق علمه عمله، و سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، و تخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا، يباهي بعضهم بعضا، حتي إن الرجل ليغضب علي جليسه أن يجلس إلي غيره و يدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلي اللّه تعالي «2».
و قد صحّ عن الإمام الشافعي رحمه اللّه أنه قال: وددت أنّ هذا الخلق تعلّموا هذا العلم- يعني علمه و كتبه- علي أن لا ينسب إليّ منه حرف «3».

فصل‌

فصل
و ينبغي للمعلّم أن يتخلّق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، و الخلال الحميدة، و الشّيم المرضيّة، التي أرشد إليها من الزّهادة في الدنيا، و التقلّل
__________________________________________________
(1) في هامش الأصل: إنما. (نسخة).
(2) أخرجه الدارمي (382) عن الحسن بن بشر، عن أبيه (و هو بشر بن سلم البجلي) عن سفيان الثوري، عن ثوير بن أبي فاختة، عن يحيي بن جعدة، عن علي رضي اللّه عنه، و أورده ابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» ص 245- 246. و الحسن بن بشر، و ثوير ضعيفان، و بشر بن سلم- والد الحسن- منكر الحديث، كما في «الجرح و التعديل»، و في سماع يحيي بن جعدة من عليّ نظر.
(3) أخرج البيهقي نحوه في «معرفة السنن و الآثار» (458).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 46
منها، و عدم المبالاة بها و بأهلها «1»، و السخاء و الجود و مكارم الأخلاق، و طلاقة الوجه، من غير خروج إلي حدّ الخلاعة، و الحلم و الصبر، و التّنزّه عن دني‌ء الاكتساب، و ملازمة الورع و الخشوع، و السّكينة و الوقار، و التواضع و الخضوع، و اجتناب الضحك، و الإكثار من المزح، و ملازمة الوظائف الشرعية، كالتنظيف، بإزالة الأوساخ و الشعور التي ورد الشرع بإزالتها، كقصّ الشارب، و تقليم الأظفار، و تسريح اللّحية، و إزالة الروائح الكريهة، و الملابس المكروهة.
و ليحذر كلّ الحذر من الحسد و الرّياء، و العجب، و احتقار غيره، و إن كان دونه، و ينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح و التهليل، و نحوهما من الأذكار و الدعوات، و أن يراقب اللّه تعالي في سرّه و علانيته، و يحافظ علي ذلك، و أن يكون تعويله في جميع أموره علي اللّه تعالي.

فصل‌

فصل
و ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، و يرحّب به، و يحسن إليه، بحسب حالهما، فقد روينا عن أبي هارون العبديّ قال: كنّا نأتي أبا سعيد الخدريّ
__________________________________________________
(1) الزّهادة في الدنيا و التقلّل منها لا يعني الانصراف عنها، و ترك الكسب و السعي فيها، بل المراد من ذلك أن لا يتعلّق قلبه بها، و أن لا تكون همّه. قال سفيان بن عيينة: ليس من حبّ الدنيا طلبك منها ما لا بدّ منه. و سئل عن الزّهد: ما هو؟ فقال: الزّهد فيما حرّم اللّه، فأما ما أحلّه اللّه، فقد أباحكه اللّه، فإنّ النبيين قد نكحوا و ركبوا، و لبسوا و أكلوا، و لكن اللّه تعالي نهاهم عن شي‌ء، فانتهوا عنه، و كانوا به زهّادا.
و قال سفيان الثوري: لأن أخلّف عشرة آلاف درهم، فيحاسبني اللّه عليها، أحبّ إليّ من أن أحتاج إلي الناس، و قال: كان المال فيما مضي يكره، فأما اليوم، فهو ترس المؤمن.
و قال له رجل: يا أبا عبد اللّه، تمسك بهذه الدنانير؟! فقال له سفيان: اسكت، فلو لا هذه الدنانير، لتمندل بنا هؤلاء الملوك! و قال أيضا: من كان في يده من هذه شي‌ء، فليصلحه، فإنّه زمان، إن احتاج، كان أول ما يبذله دينه!.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 47
رضي اللّه عنه، فيقول: مرحبا بوصية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «إنّ الناس لكم تبع، و إنّ رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقّهون في الدّين، فإذا أتوكم، فاستوصوا بهم خيرا» رواه الترمذيّ و ابن ماجة و غيرهما «1».
و روينا نحوه في مسند الدارميّ عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه «2».
__________________________________________________
(1) أخرجه الترمذي (2650) و (2651)، و ابن ماجة (249)، و الرّامهرمزي في «المحدّث الفاصل» (22)، و تمّام الرازي في «فوائده» (82)- (92) (الرّوض البسّام)، و أبو نعيم في «حلية الأولياء» 9/ 252- 253، و الخطيب البغدادي في «شرف أصحاب الحديث» (34) من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، به. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي هارون، عن أبي سعيد. ا ه. قلت: أبو هارون العبدي- و هو عمارة بن جوين- متروك، و منهم من كذّبه. كذا في «التقريب».
و أخرجه الرّامهرمزيّ أيضا (93)، و الحاكم في «المستدرك» 1/ 88، و تمّام الرازي (93) من طريق عبّاد بن العوّام، عن سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك، عن أبي سعيد، به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ثابت ... و لا يعلم له علّة، فلهذا الحديث طرق يجمعها أهل الحديث عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد، و أبو هارون ممّن سكتوا عنه.
قلت: و سعيد بن إياس الجريريّ، قد اختلط، و لا يعرف؛ هل رواية عبّاد بن العوّام عنه قبل اختلاطه، أم بعده؟ فتصحيح الحاكم لهذه الرواية فيه نظر. قال ابن الصّلاح في «علوم الحديث» ص 22 في الحاكم: و هو واسع الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء به، فالأولي أن نتوسّط في أمره، فنقول: ما حكم بصحته، و لم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح، فهو من قبيل الحسن ... ا ه قلت:
يكفي فيه قول الترمذي السالف: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي هارون، عن أبي سعيد.
و أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (360)، و في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 116 من طريق عبيد اللّه بن زحر، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد، به. و عبيد اللّه، و ليث، و شهر ضعفاء.
و هناك طرق أخري للحديث، أكثر ضعفا، لا داعي لإيرادها.
(2) أخرجه الدّارميّ (348) عن إسماعيل بن أبان الورّاق، عن يعقوب بن عبد اللّه القمّيّ، عن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 48

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يبذل لهم النصيحة، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «الدين النصيحة ... للّه و لكتابه و لرسوله، و لأئمّة المسلمين، و لعامّتهم» رواه مسلم «1».
و من النصيحة للّه تعالي و لكتابه إكرام قارئه و طالبه، و إرشاده إلي مصلحته، و الرّفق به، و مساعدته علي طلبه بما أمكنه، و تألّف قلب الطالب، و أن يكون سمحا بتعليمه في رفق، متلطّفا به، و محرّضا له علي التعلّم، و ينبغي له ان يذكّره فضيلة ذلك، ليكون سببا في نشاطه، و زيادة في رغبته، و يزهّده في الدنيا، و يصرفه عن الرّكون إليها، و الاغترار بها «2»، و يذكّره أنّ الاشتغال بالقرآن و سائر العلوم الشرعية هو طريقة الحازمين، و عباد اللّه العارفين، و أن ذلك رتبة الأنبياء، صلوات اللّه و سلامه عليهم.
و ينبغي أن يحنو علي الطالب، و يعتني بمصالحه، كاعتنائه بمصالح نفسه، و مصالح ولده، و يجري المتعلّم مجري ولده في الشّفقة عليه، و الاهتمام بمصالحه، و الصبر علي جفائه، و سوء أدبه، و يعذره في قلّة أدبه في بعض الأحيان، فإنّ الإنسان معرّض للنقائص، لا سيما إذا كان صغير السنّ.
__________________________________________________
عامر بن إبراهيم قال: كان أبو الدّرداء إذا رأي طلبة العلم قال: مرحبا بطلبة العلم. و كان يقول: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أوصي بكم. قلت: عامر بن إبراهيم؛ إن كان ابن واقد الأصبهاني المؤذّن (و هو من أصحاب يعقوب القمّي، و يكون من رواية الأكابر عن الأصاغر) فالإسناد منقطع، فإن عامر بن إبراهيم من الطبقة التاسعة، و لا يروي عن الصحابة، و إن كان غيره، فلم أجده في كتب الرجال المتوافرة لدي.
(1) صحيح مسلم (55)، و فيه: و عامتهم، و هو في «مسند» أحمد (16940).
(2) انظر التعليق (1) ص 46.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 49
و ينبغي أن يحبّ له ما يحبّ لنفسه من الخير، و أن يكره له ما يكره لنفسه من النقائص مطلقا، فقد ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتي يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» «1».
و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال: أكرم الناس عليّ جليسي الذي يتخطّي الناس حتي يجلس إليّ، لو استطعت أن لا يقع الذباب علي وجهه لفعلت «2».
و في رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني.

فصل‌

فصل
و ينبغي أن لا يتعاظم علي المتعلّمين، بل يلين لهم «3»، و يتواضع لهم، فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة، فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده؟! مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن، مع ما لهم عليه من حقّ الصحبة «4»، و تردّدهم إليه، فقد جاء عن النّبي صلّي اللّه عليه و سلّم: «لينوا لمن تعلّمون، و لمن تتعلّمون منه» «5».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (13)، و صحيح مسلم (45)، و هو من حديث أنس رضي اللّه عنه.
(2) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 112.
(3) في الأصل: إليهم، و المثبت من (أ) و (ج).
(4) في (أ): من حقّ الصحبة و النصيحة.
(5) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 113 مطوّلا من طريق عبّاد بن كثير الثقفي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قال:
«اطلبوا العلم، و اطلبوا مع العلم السّكينة و الحلم، لينوا لمن تعلّمون، و لمن تتعلّمون منه، و لا تكونوا من جبابرة العلماء، فيغلب جهلكم علمكم». و عبّاد بن كثير الثقفي متروك، قال الإمام أحمد: روي أحاديث كذب. ا ه. و ضعّف الحافظ العراقي إسناد هذا الحديث في تخريج أحاديث «الإحياء» 3/ 176.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 50
و عن أيوب السّختياني «1» رحمه اللّه تعالي: ينبغي للعالم أن يضع التراب علي رأسه تواضعا للّه عز و جل «2».

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يؤدّب المتعلّم علي التدريج بالآداب السّنيّة، و الشّيم المرضيّة، و رياضة نفسه بالدّقائق الخفيّة، و يعوّده الصّيانة في جميع أموره الباطنة و الجليّة، و يحرّضه بأقواله و أفعاله المتكرّرات علي الإخلاص و الصّدق و حسن النيّات، و مراقبة اللّه تعالي في جميع اللّحظات، و يعرّفه أنّ بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف، و ينشرح صدره، و يتفجّر من قلبه ينابيع الحكم و اللطائف، و يبارك اللّه له في علمه و حاله، و يوفّق «3» في أفعاله و أقواله.

فصل‌

فصل
تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح له إلا واحد، تعيّن عليه، و إن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، و امتنعوا كلّهم، أثموا، و إن قام به بعضهم، سقط الحرج عن الباقين، و إن طلب من أحدهم، فامتنع، فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكنه يكره له ذلك إذا لم يكن له عذر.

فصل‌

فصل
يستحبّ للمعلّم أن يكون حريصا علي تعليمهم، مؤثرا لذلك علي مصالح
__________________________________________________
(1) هو ابن أبي تميمة كيسان، أبو بكر السّختياني، العنزي مولاهم، البصري، الإمام الحافظ، مولده عام توفي ابن عباس، سنة ثمان و ستين، و وفاته بالبصرة سنة (131).
«سير أعلام النبلاء» 6/ 15.
(2) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 113، و الآجريّ في «أخلاق حملة القرآن» ص 78، و في «أخلاق العلماء» (82)، و فيه: «الرّماد»، بدل: «التراب».
(3) في هامش الأصل: و يرفق. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 51
نفسه الدّنيوية التي ليست بضرورية، و أن يفرّغ قلبه في حال جلوسه لإقرائهم من الأسباب الشاغلة كلّها، و هي كثيرة معروفة، و أن يكون حريصا علي تفهيمهم، و أن يعطي كلّ إنسان منهم ما يليق به، فلا يكثر علي من لا يحتمل الإكثار، و لا يقصّر لمن يحتمل الزيادة، و يأمرهم «1» بإعادة محفوظاتهم، و يثني علي من ظهرت نجابته، ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، و من قصّر، عنّفه تعنيفا لطيفا ما لم يخش تنفيره، و لا يحسد أحدا منهم لبراعة تظهر منه، و لا يستكثر فيه ما أنعم اللّه تعالي به عليه، فإنّ الحسد للأجانب حرام شديد التحريم، فكيف للمتعلّم الذي هو بمنزلة الولد؟! و يعود من فضيلته إلي معلّمه في الآخرة الثواب الجزيل، و في الدنيا الثناء الجميل.

فصل‌

فصل
و يقدّم في تعليمهم إذا ازدحموا الأوّل، فالأوّل، فإن رضي الأول بتقديم غيره، قدّمه. و ينبغي أن يظهر لهم البشر و طلاقة الوجه، و يتفقد أحوالهم، و يسأل عمّن غاب منهم.

فصل‌

فصل
قال العلماء: و لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النّيّة. فقد قال سفيان و غيره: طلبهم للعلم نيّة «2». و قالوا: طلبنا العلم لغير اللّه تعالي، فأبي أن يكون إلا للّه «3». معناه: كان عاقبته أن صار للّه تعالي.
__________________________________________________
(1) في (أ) و (م): و يأخذهم.
(2) أخرجه الدارمي (358)، و الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (207) من طريقين، عن يحيي بن يمان، عن سفيان الثوري.
(3) أخرج نحوه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (782) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، قوله.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 52

فصل‌

فصل
و يصون يديه في حال الإقراء «1» عن العبث، و عينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، و يقعد علي طهارة مستقبل القبلة، و يجلس بوقار، و تكون ثيابه بيضا نظيفة، و إذا وصل «2» إلي موضع جلوسه، صلّي ركعتين قبل الجلوس، سواء كان الموضع مسجدا أو غيره، فإن كان مسجدا، فهو آكد، فإنه يكره الجلوس فيه قبل أن يصلّي «3»، و يجلس متربّعا إن شاء، أو غير متربّع.
و روي أبو بكر بن أبي داود السّجستاني «4» بإسناده أنّ عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه كان يقرئ الناس في المسجد جاثيا علي ركبتيه.

فصل‌

فصل
و من آدابه المتأكدة و ما يعتني به أن لا يذلّ العلم، فيذهب إلي مكان ينسب إلي من يتعلّم منه ليتعلم منه فيه، و إن كان المتعلّم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك، كما صانه عنه السّلف رضي اللّه عنهم، و حكاياتهم في هذا كثيرة مشهورة.
__________________________________________________
(1) في (أ): القراءة.
(2) في (أ): فإذا عاد أو وصل.
(3) إن كان الموضع الذي دخله مسجدا، فإنه يسنّ له أن يصلي ركعتي تحية المسجد، لحديث قتادة مرفوعا: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس». أخرجه البخاري (444)، و مسلم (714)، و سواء كان دخوله المسجد في وقت النّهي عن الصلاة، أم في غيره. و أمّا إن كان الموضع غير مسجد، فإن صلاة الركعتين من باب النفل المطلق، و يراعي فيها أوقات النهي عن الصلاة.
(4) هو عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث الحافظ، صاحب التصانيف مثل «المصاحف»، و «الناسخ و المنسوخ» و غيرهما. و أبوه أبو داود السّجستاني صاحب «السنن». مات سنة (316 ه). «سير أعلام النبلاء» 13/ 221.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 53

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يكون مجلسه واسعا ليتمكّن جلساؤه فيه، ففي الحديث عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم: «خير المجالس أوسعها». رواه أبو داود في «سننه» في أوائل كتاب الأدب بإسناد صحيح من رواية أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه «1».

فصل في آداب المتعلم‌

فصل في آداب المتعلم
جميع ما ذكرناه من آداب المعلّم في نفسه آداب للمتعلّم.
و من آدابه أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل، إلا سببا لا بدّ منه للحاجة، و ينبغي أن يطهّر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن و حفظه و استثماره، فقد صحّ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم أنه قال: «ألا إنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كلّه، و إذا فسدت، فسد الجسد كلّه، ألا و هي القلب» «2».
و لقد أحسن القائل: يطيّب القلب للعلم، كما تطيّب الأرض للزراعة.
و ينبغي أن يتواضع لمعلّمه و يتأدب معه، و إن كان أصغر منه سنّا، و أقلّ شهرة و نسبا و صلاحا، و غير ذلك، و يتواضع للعلم «3»، فبتواضعه للعلم يدركه. و قد قالوا:
العلم حرب للفتي المتعالي كالسّيل حرب للمكان العالي
«4»
__________________________________________________
(1) سنن أبي داود (4820)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (11137).
(2) صحيح البخاري (52)، و صحيح مسلم (1599)، و هو قطعة من حديث النعمان بن بشير، رضي اللّه عنه، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (18374).
(3) في الأصل: للمعلّم، و المثبت من (أ).
(4) جاء في الأصل: العلم حرب للمتعالي. دون لفظة: «للفتي»، و كذلك هي في «المجموع» للمصنف 1/ 60، و «مختصر التبيان» له ص 30، و المثبت من (ج) و (م).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 54
و ينبغي أن ينقاد لمعلّمه، و يشاوره في أموره، و يقبل قوله، كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب الناصح الحاذق، و هذا أولي.

فصل‌

فصل
و لا يتعلم إلا ممّن كملت أهليّته، و ظهرت ديانته، و تحقّقت معرفته، و اشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين «1» و مالك بن أنس و غيرهما من السلف: هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم «2».
و عليه أن ينظر معلّمه بعين الاحترام، و يعتقد كمال أهليّته و رجحانه علي طبقته، فإنه أقرب إلي انتفاعه به، و كان بعض المتقدّمين إذا ذهب إلي معلّمه تصدّق بشي‌ء، و قال: اللهمّ استر عيب معلّمي عنّي، و لا تذهب بركة علمه منّي.
و قال الربيع «3» صاحب الشافعي رحمهما اللّه: ما اجترأت أن أشرب الماء و الشافعيّ ينظر إليّ، هيبة له.
و روينا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: من حقّ العالم عليك أن تسلّم علي الناس عامة، و تخصّه دونهم بالتحية، و أن تجلس أمامه، و لا تشيرنّ عنده بيدك، و لا تغمزنّ بعينك، و لا تقولنّ: فلان قال،
__________________________________________________
- و قد جاء في هامش الأصل بخط حديث عبارة: للفتي المتعالي. قلت: و قوله: كالسّيل حرب للمكان العالي، تضمين للشطر الثاني من بيت أبي تمّام 3/ 77:
لا تنكري عطل الكريم من الغني فالسّيل حرب للمكان العالي
(1) هو أبو بكر الأنصاري البصري، الإمام، مولي أنس بن مالك، أدرك ثلاثين صحابيا.
مات سنة (110). «سير أعلام النبلاء» 4/ 606.
(2) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 96- 98.
(3) هو ابن سليمان بن عبد الجبار بن كامل، أبو محمد المرادي مولاهم، المصري، الفقيه الكبير، صاحب الإمام الشافعيّ، و ناقل علمه، و شيخ المؤذنين بجامع الفسطاط.
و مستملي مشايخ وقته، وفاته سنة (270 ه). «سير أعلام النبلاء» 12/ 587.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 55
خلافا لقوله، و لا تغتابنّ عنده أحدا، و لا تسارر في مجلسه، و لا تأخذ بثوبه، و لا تلحّ عليه إذا كسل، و لا تعرض، أي: تشبع من طول صحبته «1».
و ينبغي أن يتأدّب بهذه الخصال التي أرشد إليها عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و أن يردّ غيبة شيخه إن قدر. فإن تعذّر عليه ردّها، فارق ذلك المجلس.

فصل‌

فصل
و يدخل علي شيخه كامل الخصال، متنظّفا «2» بما ذكرناه في المعلّم، متطهّرا مستعملا للسواك، فارغ القلب من الأمور الشاغلة، و أن لا يدخل بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلي استئذان، و أن يسلّم علي الحاضرين إذا دخل و يخصّه، و أن يسلّم عليه و عليهم إذا انصرف، كما جاء في الحديث: «فليست الأولي بأحقّ من الثانية» «3».
و لا يتخطّي رقاب الناس، بل يجلس حيث ينتهي به المجلس «4»، إلا أن
__________________________________________________
(1) روي الخطيب البغدادي نحوه في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 99.
(2) في (أ): كامل الحال متلطفا، و في (م): متصفا.
(3) قطعة من حديث أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (7142) من حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا انتهي أحدكم إلي المجلس، فليسلّم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلّم، فليس الأولي بأحقّ من الآخرة» و هو حديث صحيح، و انظر تمام تخريجه فيه.
(4) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (20855) من حديث جابر بن سمرة قال: كنّا إذا جئنا إليه- يعني النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم- جلس أحدنا حيث ينتهي. و هو حديث حسن. و أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (7197) عن شيبة بن عثمان قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «إذا انتهي أحدكم إلي المجلس، فإن وسّع له، فليجلس، و إلّا، فلينظر إلي أوسع مكان يري، فليجلس» أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» 8/ 59، و قال: إسناده حسن. و أخرج ابن سعد في «الطبقات» 1/ 424- في حديث طويل في شمائله صلّي اللّه عليه و سلم- من حديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و فيه: و إذا انتهي (يعني النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم) إلي قوم، جلس حيث انتهي به المجلس، و يأمر بذلك.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 56
يأذن له الشيخ في التقدّم، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، و لا يقيم أحدا من موضعه. فإن آثره غيره، لم يقبل، اقتداء بابن عمر رضي اللّه عنهما «1»، إلا أن يكون في تقدّمه مصلحة للحاضرين، أو أمره الشيخ بذلك، و لا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة «2»، و لا يجلس بين صاحبين إلا بإذنهما «3»، فإن فسحا له، قعد، و ضمّ نفسه.

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يتأدّب أيضا مع رفقته و حاضري مجلس الشيخ، فإنّ ذلك تأدّب مع الشيخ و صيانة لمجلسه، و يقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين، لا قعدة المعلّمين، و لا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، و لا يضحك، و لا يكثر الكلام من غير حاجة، و لا يعبث بيده، و لا غيرها، و لا يلتفت يمينا و لا شمالا من غير حاجة، بل يكون متوجّها للشيخ، مصغيا إلي كلامه.
__________________________________________________
(1) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (5625) من طريق ابن شهاب الزّهري، عن سالم، عن أبيه عبد اللّه بن عمر، مرفوعا: «لا يقم أحدكم أخاه، فيجلس في مجلسه». قال سالم: فكان الرجل يقوم لابن عمر من مجلسه، فما يجلس في مجلسه. و هو حديث صحيح.
(2) أخرج أبو داود (4826)، و الترمذي (2753) من طريق قتادة، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن حذيفة بن اليمان، أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم لعن من جلس وسط الحلقة. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: نقل الإمام أحمد- بعد إخراجه الحديث في «المسند» 5/ 398- قول شعبة: لم يدرك أبو مجلز حذيفة. ا ه. قال الخطّابي في «معالم السنن» 4/ 114 في شرح الحديث: هذا يتأوّل فيمن يأتي حلقة قوم، فيتخطّي رقابهم، و يقعد وسطها، و لا يقعد حيث ينتهي به المجلس، فلعن للأذي، و قد يكون في ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة، حال بين الوجوه، و حجب بعضهم من بعض، فيتضرّرون بمكانه و بمقعده هناك.
(3) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (6999) من حديث عبد اللّه بن عمرو مرفوعا: «لا يحلّ لرجل أن يفرّق بين اثنين إلا بإذنهما» و هو حديث حسن.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 57

فصل‌

فصل
و مما يتأكّد الاعتناء به أن لا يقرأ علي الشيخ في حال شغل قلب الشيخ، و ملله و استنفاره «1»، و غمّه و فرحه، و جوعه و عطشه، و نعاسه و قلقه، و نحو ذلك، مما يشقّ عليه، و يمنعه من كمال حضور القلب و النشاط، و أن يغتنم أوقات نشاطه.
و من آدابه أن يحتمل جفوة الشيخ و سوء خلقه، و لا يصدّه ذلك عن ملازمته و اعتقاد كماله، و يتأوّل لأقواله و أفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة «2»، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، و إذا جفاه الشيخ، ابتدأ هو بالاعتذار إلي الشيخ، و أظهر أن الذّنب له، و العتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا و الآخرة، و إنقاء «3» لقلب شيخه له.
و قد قالوا: من لم يصبر علي ذلّ التعلّم، بقي عمره في عماية الجهالة، و من صبر عليه، آل أمره إلي عزّ الآخرة و الدّنيا، و منه الأثر المشهور عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: ذللت طالبا، فعززت مطلوبا «4».

فصل‌

فصل
و من آدابه المتأكدة أن يكون حريصا علي التعلّم، مواظبا عليه في جميع
__________________________________________________
(1) في (ج) و (م): و استيفازه.
(2) هذا فيما يقبل التأويل مما ليس فيه مخالفة شرعية، أما إذا كان خطأ الشيخ لا يقبل التأويل بوجه من الوجوه، فليتلطف في تنبيهه إلي ذلك، مع مراعاة الأدب معه.
(3) في (ج): و أبقي، و في (م): و أنقي.
(4) ذكره صاحب «كشف الخفا» 1/ 505، و نقل عن نجم الدين الغزّي قوله: هذا لفظ مشهور عن ابن عباس. أخرجه الدينوري بلفظ: ذللت طالبا للعلم، فعززت مطلوبا.
ا ه. و جاء بعد هذا الأثر في المطبوع ما نصه: و قد أحسن من قال:
من لم يذق طعم المذلّة ساعة قطع الزمان بأسره مذلولا
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 58
الأوقات التي يتمكّن منه فيها، و لا يقنع بالقليل مع تمكّنه من الكثير، و لا يحمّل نفسه ما لا يطيق، مخافة من الملل، و ضياع ما حصّل، و هذا يختلف باختلاف الناس و الأحوال.
و إذا حضر إلي مجلس الشيخ، فلم يجده، انتظره، و لازم بابه، و لا يفوّت وظيفته، إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك، بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه، و أنه لا يقرئ في غيره، و إذا وجد الشيخ نائما، أو مشتغلا بمهمّ، لم يستأذن عليه، بل يصبر إلي استيقاظه و فراغه، أو ينصرف، و الصبر أولي، كما كان ابن عباس رضي اللّه عنهما و غيره يفعلون «1».
و ينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل في وقت الفراغ و النشاط، و قوة البدن، و نباهة الخاطر، و قلّة الشاغلات، قبل عوارض البطالة، و ارتفاع المنزلة، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: تفقّهوا قبل أن تسوّدوا «2». معناه: اجتهدوا في كمال أهليّتكم و أنتم أتباع قبل أن تصيروا
__________________________________________________
(1) أخرجه ابن سعد في «الطبقات» 2/ 367- 368، و الحاكم في «المستدرك» 1/ 106- 107- و صححه- و الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (219) من طريق يزيد ابن هارون، عن جرير بن حازم، عن يعلي بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
لما قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم، قلت لرجل من الأنصار: هلمّ، فلنسأل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم، فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجبا لك يا ابن عباس! أ تري الناس يفتقرون إليك، و في الناس من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم من فيهم؟! قال: فتركت ذلك، و أقبلت أسأل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني عن الرجل، فآتي بابه و هو قائل، فأتوسّد ردائي علي بابه، تسفي الريح عليّ التراب، فيخرج، فيراني، فيقول لي: يا ابن عمّ رسول اللّه، ما جاء بك؟ أ لا أرسلت إليّ، فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك. فأسأله عن الحديث. فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتي رآني، و قد اجتمع الناس حولي ليسألوني، فيقول: هذا الفتي كان أعقل مني. اه. و إسناده صحيح.
(2) أخرجه الدارمي (250)، و الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 78 من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر بن الخطاب، قوله.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 59
سادة، فإنكم إذا صرتم سادة متبوعين، امتنعتم من التعلّم، لارتفاع منزلتكم، و كثرة شغلكم. و هذا معني قول الإمام الشافعيّ رضي اللّه عنه:
تفقّه قبل أن ترأس، فإذا رأست، فلا سبيل إلي التفقّه «1».

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يبكّر بقراءته علي الشيخ أول النهار، لحديث النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم:
«اللهمّ بارك لأمّتي في بكورها» «2»، و ينبغي أن يحافظ علي قراءة محفوظه «3»، و أن لا يؤثر بنوبته غيره. فإن الإيثار بالقرب مكروه، بخلاف الإيثار بحظوظ النفوس، فإنه محبوب، فإن رأي الشيخ المصلحة في الإيثار في بعض الأوقات لمعني شرعيّ، فأشار عليه بذلك، امتثل أمره.
و مما يجب عليه و تتأكّد الوصية به ألا يحسد أحدا من رفقته، أو غيرهم، في فضيلة رزقه اللّه الكريم إياها، و أن لا يعجب بما حصّله. و قد قدّمنا إيضاح هذا في آداب الشيخ «4».
و طريقه في نفي العجب أن يذكّر نفسه أنه لم يحصل له ما حصل بحوله
__________________________________________________
- و علّقه البخاري بصيغة الجزم في «الصحيح» عن عمر رضي اللّه عنه، باب الاغتباط في العلم و الحكمة، و عقّبه بقوله: و بعد أن تسوّدوا. و صحح الحافظ إسناده في «الفتح» 1/ 166، و قيّد قوله: تسوّدوا، بضم المثناة، و فتح المهملة، و تشديد الواو، و قال:
أي تجعلوا سادة.
(1) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه و المتفقّه» 2/ 78.
(2) حديث حسن، أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (15443) من حديث صخر الغامدي، و أخرجه أيضا عبد اللّه بن أحمد في زوائده علي «المسند» (1323) من حديث علي بن أبي طالب، و انظر تمام تخريجهما هناك.
(3) في (أ): علي قراءته و محفوظه.
(4) سلف ص 51.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 60
و قوّته، و إنما هو من فضل اللّه تعالي، فلا ينبغي أن يعجب بشي‌ء لم يخترعه، بل أودعه اللّه سبحانه و تعالي فيه.
و طريقه في نفي الحسد أن يعلم أنّ حكمة اللّه تعالي اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها، و أن لا يكره حكمة أرادها اللّه تعالي، و لم يكرهها، و اللّه أعلم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 61

الباب الخامس في آداب حامل القرآن‌

اشارة

الباب الخامس في آداب حامل القرآن
قد تقدّم جمل منه في الباب الذي قبل هذا.
و من آدابه أن يكون علي أكمل الأحوال، و أكرم الشمائل، و أن يرفع نفسه عن كلّ ما نهي القرآن عنه إجلالا للقرآن، و أن يكون مصونا عن دني‌ء الاكتساب، شريف النفس، مترفّعا علي الجبابرة و الجفاة من أهل الدنيا، متواضعا للصالحين، و أهل الخير و المساكين، و أن يكون متخشّعا، ذا سكينة و وقار، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال: يا معشر القرّاء، ارفعوا رءوسكم، فقد وضح لكم الطريق، و استبقوا الخيرات، و لا تكونوا عيالا علي الناس «1».
و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، و بنهاره إذا الناس مفطرون، و بحزنه إذا الناس يفرحون، و ببكائه إذا الناس يضحكون، و بصمته إذا الناس يخوضون، و بخشوعه إذا الناس يختالون «2».
و عن الحسن «3» رحمه اللّه تعالي: إنّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من
__________________________________________________
(1) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (1217).
(2) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 52، و أحمد في «الزهد» ص 202- 203، و الآجريّ في «أخلاق حملة القرآن» ص 58- 59، و البيهقي في «شعب الإيمان» (180).
(3) هو ابن أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، مولي زيد بن ثابت، نشأ بوادي القري، و حضر الجمعة مع عثمان، و سمعه يخطب، و شهد يوم الدار، و له يومئذ أربع عشرة-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 62
ربّهم، فكانوا يتدبّرونها بالليل، و ينفذونها بالنهار.
و عن الفضيل بن عياض رحمه اللّه: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له حاجة إلي أحد: الخلفاء، فمن دونهم «1».
و عنه أيضا: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، و لا يسهو مع من يسهو، و لا يلغو مع من يلغو «2». تعظيما لحقّ القرآن.

فصل‌

فصل
و من أهمّ ما يؤمر به أن يحذر كلّ الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبل رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «اقرءوا القرآن، و لا تأكلوا به، و لا تجفوا عنه، و لا تغلوا فيه» «3».
و عن جابر رضي اللّه عنه، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلم قال: «اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجّلونه و لا يتأجّلونه» «4».
و رواه أبو داود بمعناه من رواية سهل بن سعد «5».
معناه: يتعجّلون أجره، إما بمال، و إما بسمعة، أو نحوهما.
__________________________________________________
- سنة. مات سنة (110 ه). «سير أعلام النبلاء» 4/ 563.
(1) أخرجه الآجرّيّ في «أخلاق حملة القرآن» ص 60.
(2) المصدر السالف.
(3) حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (15529)، و انظر تتمة تخريجه فيه.
و انظر في معني الغلوّ ما سلف ص 34- 35.
(4) حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد (14855). القدح: هو السّهم الذي يرمي به عن القوس، بعد تقويمه و اعتداله، و يطلق أيضا علي السهم الذي كانوا يستقسمون به. انظر «النهاية» في غريب الحديث لابن الأثير.
(5) سنن أبي داود (831)، و أخرجه أيضا ابن حبان (760)، و الطبراني في «الكبير» (6021) و (6022)، و البيهقي في «شعب الإيمان» (2644)- (2646).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 63
و عن فضيل بن عمرو «1» رضي اللّه عنه قال: دخل رجلان من أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم مسجدا، فلما سلّم الإمام، قال رجل، فتلا آيات من القرآن، ثم سأل. فقال أحدهما: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم يقول:
«سيجي‌ء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه». و هذا الإسناد منقطع، فإن فضيل بن عمرو لم يسمع الصحابة «2».
و أما أخذ الأجرة علي تعليم القرآن، فقد اختلف العلماء فيه، فحكي الإمام أبو سليمان الخطابيّ «3» منع أخذ الأجرة عليه عن جماعة من العلماء، منهم الزّهريّ «4»، و أبو حنيفة. و عن جماعة أنه يجوز إذا لم يشرطه، و هو قول الحسن البصريّ و الشعبيّ «5» و ابن سيرين، و ذهب عطاء «6» و مالك
__________________________________________________
(1) هو أبو النّضر الكوفي، الفقيمي التّميمي، من كبار أصحاب إبراهيم النّخعي، مات سنة (110 ه). كذا في «التهذيب».
(2) لم أجد من خرّج هذا الحديث في المصادر المتوافرة لديّ، و قد بيّن المصنف علّته.
و أخرج نحوه الإمام أحمد في «المسند» (19917) من حديث عمران بن حصين مرفوعا:
«اقرءوا القرآن، و اسألوا اللّه به، فإنّ من بعدكم قوما يقرءون القرآن يسألون الناس به».
و هو حسن بشواهده.
(3) في «معالم السنن» 3/ 99. و أبو سليمان الخطّابي هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب البستي، الحافظ، اللغوي، توفي سنة (388 ه). «سير أعلام النبلاء» 17/ 23.
(4) هو محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب، أبو بكر الزّهريّ، القرشيّ، المدنيّ، نزيل الشام، حافظ زمانه، روايته عن كبار التابعين، مات سنة (124 ه).
«سير أعلام النبلاء» 5/ 326.
(5) هو عامر بن شراحيل، أبو عمرو الهمداني، ثم الشعبي، رأي عليّا رضي اللّه عنه، و صلّي خلفه، و سمع من عدّة من كبراء الصحابة. مات سنة (104 ه). «سير أعلام النبلاء» 4/ 294.
(6) هو عطاء بن أبي رباح، أبو محمد القرشي مولاهم، المكّيّ. ولد في خلافة عثمان، و كان ثقة، فقيها، عالما، كثير الحديث، مات سنة (115 ه). «سير أعلام النبلاء» 5/ 78.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 64
و الشافعي و آخرون إلي جوازها إذا شارطه و استأجره «1» إجارة صحيحة. و قد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة «2».
و احتجّ من منعها بحديث عبادة بن الصّامت أنه علّم رجلا من أهل الصّفّة القرآن، فأهدي له قوسا «3»، فقال له النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم: «إن سرّك أن تطوّق بها طوقا من نار فاقبلها». و هو حديث مشهور، رواه أبو داود و غيره «4»، و بآثار كثيرة عن السلف.
__________________________________________________
(1) في (أ): أو استأجره.
(2) منها حديث سهل بن سعد عند البخاري (5087)، و مسلم (1425) في تزويج المعسر، و فيه: «اذهب، فقد ملّكتكها بما معك من القرآن». قال المصنف في «شرح مسلم»:
في هذا الحديث دليل لجواز كون الصّداق تعليم القرآن، و جواز الاستئجار لتعليم القرآن ... و هذا الحديث مع الحديث الصحيح: «إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه» يردّان قول من منع ذلك، و نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة سوي أبي حنيفة. ا ه.
قلت: الحديث الذي ذكره المصنف، هو حديث ابن عباس عند البخاري (5737)، و فيه قصة الرّقية بفاتحة الكتاب.
(3) في هامش الأصل: قضيبا. (نسخة).
(4) أخرجه أبو داود (3416) من طريق المغيرة بن زياد الموصلي، عن عبادة بن نسيّ، عن الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن الصامت، به. و مغيرة بن زياد مختلف فيه، و ذكر ابن معين و يحيي القطّان و ابن عبد البرّ أن هذا الحديث من مناكيره، و الأسود بن ثعلبة مجهول.
و قد اختلف فيه علي عبادة بن نسيّ:
فأخرجه أبو داود أيضا (3417) من طريق بشر بن عبد اللّه بن يسار، عن عبادة بن نسيّ، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، به، و صحّحه الحاكم 3/ 356، و وافقه الذهبي. و قال البيهقي في «السنن» 6/ 125: هذا حديث مختلف فيه علي عبادة بن نسيّ، و حديث ابن عباس و أبي سعيد أصحّ إسنادا منه. ا ه. قلت: يعني حديث ابن عباس عند البخاري (5737)، و حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري أيضا (5736)، و عند مسلم (2201)، و سيشير إليه المصنف في الباب الثامن، فصل فيما يقرأ عند المريض. و انظر تتمة تخريج حديث عبادة بن الصامت في «مسند» أحمد (22689).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 65
و أجاب المجوّزون عن حديث عبادة بجوابين:
أحدهما: أنّ في إسناده مقالا «1».
و الثاني: أنه كان تبرّع بتعليمه، فلم يستحقّ شيئا أهدي «2» إليه علي سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
ينبغي أن يحافظ علي تلاوته و يكثر منها، و كان السلف رضي اللّه عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروي ابن أبي داود عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، و عن بعضهم في كلّ شهر ختمة، و عن بعضهم في كل عشر ليال، و عن بعضهم في كلّ ثمان ليال، و عن الأكثرين في كل سبع ليال، و عن بعضهم في كل ستّ ليال، و عن بعضهم في كل خمس ليال، و عن بعضهم في كل أربع ليال، و عن كثيرين في كل ثلاث ليال، و عن بعضهم في كل ليلتين، و عن كثيرين في كل يوم و ليلة ختمة، و منهم من كان يختم في كل يوم و ليلة ختمتين، و منهم من كان يختم ثلاثا، و ختم بعضهم ثمان ختمات، أربعا في الليل، و أربعا في النهار.
فمن الذين كانوا يختمون الختمة في اليوم و الليلة عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، و تميم الداريّ «3»، و سعيد بن جبير «4»،
__________________________________________________
(1) انظر التعليق السالف.
(2) في (أ) و (م): ثم أهدي.
(3) هو ابن أوس بن حارثة، قدم المدينة، فأسلم، حدّث عنه النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم قصة الجسّاسة، و عدّ ذلك من مناقبه. انتقل إلي الشام بعد مقتل عثمان، و سكن فلسطين، و مات فيها سنة (40 ه). «سير أعلام النبلاء» 2/ 442.
(4) هو الإمام الحافظ، المفسّر الشهيد، أبو محمد الأسدي الكوفي، روي عن عدد من الصحابة، و أكثر عن ابن عباس، و قرأ عليه القرآن، و كان جامعا لكل العلوم. قتله
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 66
و مجاهد «1»، و الشافعي، و آخرون.
و من الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سليم بن عتر «2» رضي اللّه عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي اللّه عنه، و قاصّ «3» أهل مصر. فروي أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في كل ليلة ثلاث ختمات. و روي أبو عمر الكنديّ «4» في كتابه في «قضاة مصر» أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
و قال الشيخ الصالح الإمام أبو عبد الرحمن السّلميّ «5» رضي اللّه عنه:
سمعت الشيخ أبا عثمان المغربيّ «6» يقول: كان ابن الكاتب «7» رضي اللّه عنه يختم بالنهار أربع ختمات، و بالليل أربع ختمات. و هذا أكثر ما بلغنا في اليوم و الليلة «8».
__________________________________________________
- الحجّاج سنة (95 ه). «سير أعلام النبلاء» 4/ 321.
(1) هو ابن جبر، أبو الحجاج المكّي، شيخ القراء و المفسّرين، روي عن عدد من الصحابة، و أخذ القرآن و التفسير و الفقه عن ابن عباس. مات سنة (102 ه) و قيل غير ذلك. «سير أعلام النبلاء» 4/ 449.
(2) هو قاضي مصر، و واعظها، و قاصّها، أبو سلمة التّجيبيّ، كان يدعي النّاسك، حضر خطبة عمر بالجابية، و هو أول من سجن بقضائه. توفي سنة (75 ه). «سير أعلام النبلاء» 4/ 131.
(3) في الأصل: و قاضي، و المثبت من الطبعة المصرية.
(4) هو محمد بن يوسف بن يعقوب، التّجيبيّ، أبو عمر الكنديّ، المصريّ، المؤرّخ، الفقيه الحنفي، صنّف الكثير في أخبار مصر، و كان عارفا بأحوال الناس، و سير الملوك.
توفي بمصر سنة (350 ه). من «المقفّي الكبير» للمقريزي 7/ 489- 490.
(5) هو محمد بن الحسين، الأزدي، السّلميّ الأمّ، شيخ خراسان، و كبير الصوفية، صاحب كتاب «طبقات الصوفية». مات سنة (412 ه). «سير أعلام النبلاء» 17/ 247.
(6) هو سعيد بن سلّام المغربي، القيرواني، نزيل نيسابور، الإمام، القدوة، شيخ الصوفية، توفي سنة (373 ه). «سير أعلام النبلاء» 16/ 320.
(7) هو الحسن بن أحمد أبو علي ابن الكاتب، من كبار مشايخ المصريين، و كان أبو عثمان المغربي يعظّمه. مات سنة نيف و أربعين و ثلاث مائة. كذا في «طبقات الصوفية» للسّلمي ص 386.
(8) أورد الحافظ ابن كثير في «فضائل القرآن» ص 173- 177 بعض هذه الأخبار، ثم قال:
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 67
و روي السيد الجليل أحمد الدّورقيّ «1» بإسناده عن منصور بن زاذان «2»- من عبّاد التابعين رضي اللّه عنهم- أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر و العصر، و يختمه أيضا فيما بين المغرب و العشاء، و يختمه فيما بين المغرب و العشاء في رمضان ختمتين و شيئا، و كانوا يؤخّرون العشاء في رمضان إلي أن يمضي ربع اللّيل.
و روي ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهدا كان يختم القرآن في رمضان، فيما بين المغرب و العشاء، في كل ليلة من رمضان.
و عن منصور «3» قال: كان عليّ الأزديّ «4» يختم فيما بين المغرب و العشاء
__________________________________________________
- هذا و أمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما علي أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم (يعني حديث ابن عمرو الذي سيذكره المؤلف) أو أنهم كانوا يفهمون، و يتفكرون فيما يقرءونه، مع هذه السرعة، و اللّه سبحانه و تعالي أعلم. ا ه. ثم نقل كلام المصنّف الآتي: و الاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ... قلت: و قول الحافظ ابن كثير: إنه ما بلغهم في ذلك حديث: فيه بعد، و الأصحّ في هذا ما ذكره من الاحتمال الآخر، و أنه من اجتهادهم، لما وجدوا في أنفسهم من القدرة علي تحقيق ذلك بشروطه.
و مع هذا فهو من الحالات التي لا يقاس عليها.
(1) هو ابن إبراهيم، أبو عبد اللّه العبدي، الحافظ، المصنّف، كان أبوه من النّسّاك العبّاد، فقيل: كان في ذلك الوقت كلّ من تنسّك يقال له: دورقيّ. مات سنة (240 ه). «سير أعلام النبلاء» 12/ 130.
(2) هو شيخ واسط علما و عملا، أبو المغيرة الثقفي مولاهم، قال ابن سعد: كان ثقة حجة، سريع القراءة، يريد أن يترسّل، فلا يستطيع، و قال هشيم: كان منصور لو قيل له: إن ملك الموت علي الباب، ما كان عنده زيادة في العمل، توفي بواسط سنة (131 ه).
«سير أعلام النبلاء» 5/ 441.
(3) هو ابن المعتمر السّلميّ، أبو عتّاب الكوفي، قيل عنه: لم يكن بالكوفة أحفظ من منصور، و كان صوّاما قوّاما. مات سنة (132 ه). «سير أعلام النبلاء» 5/ 402.
(4) هو ابن عبد اللّه، أبو عبد اللّه الأزديّ البارقيّ، من رجال مسلم، و أصحاب السنن. كذا في «التهذيب».
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 68
كلّ ليلة من رمضان.
و عن إبراهيم بن سعد «1» قال: كان أبي يحتبي، فما يحلّ حبوته حتي يختم القرآن «2».
و أما الذين ختموا القرآن في ركعة، فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين عثمان بن عفان و تميم الداري. و سعيد بن جبير ختمه في ركعة في الكعبة.
و أما الذين ختموا في الأسبوع مرة، فكثيرون، نقل عن عثمان بن عفّان، و عبد اللّه بن مسعود، و زيد بن ثابت، و أبيّ بن كعب، رضي اللّه عنهم، و عن جماعة من التابعين، كعبد الرحمن بن يزيد «3»، و علقمة «4»، و إبراهيم «5»، رحمهم اللّه «6».
__________________________________________________
(1) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق القرشي، الزّهري، المدني، الإمام الحافظ. و أبوه سعد: إمام حجة فقيه، ولي قضاء المدينة، و كان شعبة إذا ذكر سعد بن إبراهيم قال: حدثني حبيبي سعد بن إبراهيم، يصوم الدهر، و يختم القرآن في يوم و ليلة. توفي سعد سنة (125)، و توفي إبراهيم سنة (183 ه). «السير» 5/ 418 و 8/ 304.
(2) قال المصنف: قوله: يحتبي، أي: ينصب ساقيه، و يحتوي علي ملتقي ساقيه و فخذيه بيديه، أو بثوب، و الحبوة- بضم الحاء و كسرها، لغتان- هي ذلك الفعل.
(3) هو الإمام الفقيه، أبو بكر النّخعي، ابن أخي علقمة بن قيس النّخعي، مات بعد الثمانين.
«السّير» 4/ 78.
(4) هو ابن قيس، أبو شبل النّخعي، فقيه الكوفة، و عالمها، و مقرئها، عمّ عبد الرحمن بن يزيد، و خال فقيه العراق إبراهيم النّخعي. قال عبد اللّه بن مسعود: ما أقرأ شيئا و لا أعلمه إلا علقمة يقرأه أو يعلمه. ولد علقمة في حياة النبي صلّي اللّه عليه و سلم، و مات بعد الستين، و قيل: بعد السبعين. «السير» 4/ 53.
(5) هو ابن يزيد بن قيس، أبو عمران النّخعي، الإمام الحافظ، فقيه العراق. مات سنة (96 ه). «السّير» 4/ 520.
(6) أخرج بعض هذه الأخبار عبد الرزاق في «المصنف» 3/ 352- 355، و أبو عبيد في-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 69
و الاختيار أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف و معارف، فليقتصر علي قدر يحصل له به كمال فهم ما يقرؤه، و كذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمّات الدّين و مصالح المسلمين العامّة، فليقتصر علي قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، و إن لم يكن من هؤلاء المذكورين، فليستكثر ما أمكنه، من غير خروج إلي حدّ الملل و الهذرمة «1».
و قد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم و ليلة، و يدلّ عليه الحديث الصحيح عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث». رواه أبو داود و الترمذيّ و النسائيّ و غيرهم «2». قال الترمذي: حديث حسن صحيح، و اللّه أعلم.
و أما وقت الابتداء و الختم لمن يختم في الأسبوع، فقد روي ابن أبي داود بإسناده أنّ عثمان بن عفان رضي اللّه عنه كان يفتتح القرآن ليلة الجمعة، و يختمه ليلة الخميس.
و قال الإمام أبو حامد الغزاليّ «3» رحمه اللّه في «الإحياء»: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، و أخري بالنهار، و يجعل ختمة النهار «4» يوم الاثنين في
__________________________________________________
«فضائل القرآن» 87- 92، و البيهقي في «شعب الإيمان» 2/ 395- 399.
(1) الهذرمة: السرعة في القراءة و الكلام.
(2) سنن أبي داود (1390) و (1394)، و سنن الترمذي (2949)، و السنن الكبري للنسائي (8067)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (6546).
(3) هو زين الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو حامد، الطّوسيّ، حجّة الإسلام، أعجوبة الزمان، صاحب «الإحياء» و غيره. توفي سنة (505 ه). «السير» 19/ 322.
(4) في «الإحياء» 1/ 276: ختمه بالنهار.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 70
ركعتي الفجر «1»، أو بعدهما، و يجعل ختمة الليل «2» ليلة الجمعة في ركعتي المغرب، أو بعدهما، ليستقبل أول النهار و آخره.
و روي ابن أبي داود عن عمرو بن مرّة «3» التابعي قال: كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل، أو من أوّل النهار.
و عن طلحة بن مصرّف «4» التابعيّ الجليل قال: من ختم القرآن أيّة ساعة كانت من النهار، صلّت عليه الملائكة حتي يمسي، و أيّة ساعة كانت من الليل، صلّت عليه الملائكة حتي يصبح. و عن مجاهد نحوه.
و روي الدارميّ في مسنده بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص رضي اللّه عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أوّل الليل، صلّت عليه الملائكة حتي يصبح، و إن وافق ختمه آخر الليل، صلّت عليه الملائكة حتي يمسي. قال الدارميّ: هذا حسن عن سعد «5».
__________________________________________________
(1) يعني سنة الفجر.
(2) في «الإحياء»: ختمه بالليل.
(3) هو الإمام الحافظ القدوة، أبو عبد اللّه المرادي، ثم الجملي الكوفي، أحد الأئمة الأعلام. مات سنة (116 ه)، و قيل: (118 ه). «السّير» 5/ 196.
(4) هو ابن عمرو بن كعب، أبو محمد اليامي، الهمداني، الحافظ، المقرئ، شيخ الإسلام. توفي سنة (112 ه). «السّير» 5/ 191.
(5) سنن الدارمي (3483)، و في إسناده محمد بن حميد الرازي، و ليث بن أبي سليم، و هما ضعيفان، و أخرجه أبو نعيم في «الحلية» 5/ 26 مرفوعا، و في إسناده ثلاثة ضعفاء:
هشام بن عبيد اللّه الرازي، و محمد بن جابر بن سيّار، و ليث بن أبي سليم أيضا. و قد نقل ابن علّان في شرح «الأذكار» 3/ 238 عن الحافظ ابن حجر قوله: كأنه (يعني الدارميّ) حسّنه لشواهده السابقة و غيرها، أو لم يرد الحسن بالاصطلاح. قلت: و أخرج الدّارميّ نحوه (3475) (3477) (3478) من قول إبراهيم (لعله ابن يزيد النّخعي) و عبدة بن أبي لبابة، و أسانيدها إليهما صحيحة.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 71
و عن حبيب بن أبي ثابت «1» التابعيّ أنه كان يختم القرآن قبل الركوع.
قال ابن أبي داود: و كذا قال أحمد بن حنبل رحمه اللّه.
و في هذا الفصل بقايا، ستأتي في الباب الآتي، إن شاء اللّه تعالي.

فصل في المحافظة علي القراءة في الليل‌

فصل في المحافظة علي القراءة في الليل
ينبغي أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر، و في صلاة الليل أكثر، قال اللّه تعالي: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) [آل عمران].
و ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم أنه قال: «نعم الرّجل عبد اللّه لو كان يصلّي من الليل» «2».
و في الحديث الآخر في الصحيح أنه صلّي اللّه عليه و سلم قال: «يا عبد اللّه، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، ثم تركه» «3».
و روي الطبرانيّ «4» و غيره عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه
__________________________________________________
(1) هو الإمام الحافظ، فقيه الكوفة، أبو يحيي القرشي، الأسدي مولاهم. قال أبو بكر بن عياش: رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا، فلو رأيته، قلت: ميّت. يعني من طول السجود. مات سنة (119). «السّير» 5/ 288.
(2) صحيح البخاري (1122)، و صحيح مسلم (2479). و عبد اللّه في الحديث هو ابن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما.
(3) صحيح البخاري (1152)، و صحيح مسلم (1159) (185)، و عبد اللّه في الحديث هو ابن عمرو بن العاص، رضي اللّه عنهما.
(4) هو سليمان بن أحمد بن أيوب، أبو القاسم الطبرانيّ، الإمام الحافظ صاحب المعاجم الثلاثة، مات بأصبهان سنة (360 ه). «السير» 16/ 119.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 72
صلّي اللّه عليه و سلم أنه قال: «شرف المؤمن قيام الليل» «1». و الأحاديث و الآثار في هذا كثيرة.
و قد جاء عن أبي الأحوص الجشميّ «2» قال: إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا- أي: يأتيه ليلا- فيسمع لأهله دويّا كدويّ النحل، قال:
فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون؟ «3»
__________________________________________________
(1) قطعة من حديث، أخرجه الطبرانيّ في «الأوسط» (4290)، و الحاكم في «المستدرك» 4/ 325، و السّهمي في «تاريخ جرجان» ص 102، و أبو نعيم في «حلية الأولياء» 3/ 253، و ابن الجوزي في «الموضوعات» 2/ 33 من طريق زافر بن سليمان، عن محمد بن عيينة (و هو أخو سفيان بن عيينة) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاء جبريل إلي النبي صلّي اللّه عليه و سلم، فقال: «يا محمد، أحبب من شئت، فإنّك مفارقه، و اعمل ما شئت، فإنّك مجزيّ به، و عش ما شئت، فإنّك ميّت، و اعلم أنّ شرف المؤمن قيامه بالليل، و عزّه استغناؤه عن الناس». و زافر بن سليمان؛ وثّقه أحمد، و يحيي بن معين، و أبو داود، و ضعّفه البخاريّ، و النسائيّ، و أبو زرعة، و ابن حبّان، و العقيليّ. قال ابن حبّان في «المجروحين» 1/ 315: و الذي عندي في أمره الاعتبار بروايته التي يوافق فيها الثقات، و تنكّب ما انفرد به من الروايات. اه-.
قلت: و قد انفرد به، فقد قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث محمد بن عيينة، تفرّد به زافر بن سليمان. ا ه-. قلت: و محمد بن عيينة (و هو أخو سفيان) لا يحتجّ بحديثه، و يأتي بالمناكير، كما في «الجرح و التعديل» 8/ 42، و قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصحّ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم. ا ه-. قلت: و قد صحّحه الحاكم، و حسّنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» 10/ 219، و المنذريّ في «الترغيب و الترهيب» (918).
و روي أيضا من حديث أبي هريرة، فيما أخرجه العقيليّ في «الضعفاء» 2/ 37- 38، و ابن الجوزيّ في «الموضوعات» 2/ 33، و في إسناده داود بن عثمان الثغري، قال العقيلي: يحدّث بالبواطيل، و قال أيضا: هذا يروي عن الحسن و غيره من قولهم، و ليس له أصل مسند.
(2) هو عوف بن مالك بن نضلة، من التابعين، و هو مشهور بكنيته، قتل في ولاية الحجاج.
كذا في «التهذيب».
(3) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص 32- و عنه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 61-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 73
و عن إبراهيم النّخعي قال: كان يقال: اقرءوا من الليل، و لو حلب شاة.
و عن يزيد الرّقاشي «1» قال: إذا أنا نمت، ثم استيقظت، ثم نمت، فلا نامت عيناي.
قلت: و إنما رجّحت صلاة الليل، و قراءته، لكونها أجمع للقلب، و أبعد من الشاغلات و الملهيات و التّصرّف في الحاجات، و أصون من الرّياء، و غيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل، فإنّ الإسراء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم كان ليلا، و حديث: «ينزل ربّكم كلّ ليلة إلي سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: هل من داع فأستجيب له» الحديث «2»، و في الصحيح أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم قال: «في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء كلّ ليلة» «3».
و روي صاحب كتاب «بهجة الأسرار» «4» بإسناده عن سلمان
__________________________________________________
و أحمد في «الزهد» ص 418، و إسناده صحيح.
(1) هو ابن أبان، أبو عمرو الرّقاشي، البصري، من زهّاد البصرة و عبّادها، و كان قاصّا.
مات قبل العشرين و مائة. كذا في «تهذيب الكمال» للمزّي، و أورد فيه الخبر الذي أورده المصنّف.
(2) أخرجه البخاري (1145)، و مسلم (758) و غيرهما من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد (7592).
(3) أخرج مسلم (757) من حديث جابر مرفوعا: «إنّ في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيرا من أمر الدنيا و الآخرة، إلا أعطاه إياه، و ذلك كل ليلة». و أما اللفظ الذي أورده المصنف، فهو ترجمة الباب الذي ساق مسلم فيه هذا الحديث.
(4) صاحب «بهجة الأسرار» هو عليّ بن عبد اللّه بن الحسن بن جهضم، أبو الحسن الهمداني، شيخ الصوفية بالحرم. و قد نقل الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» عن الذهبي في «تاريخ الإسلام» قوله: لقد أتي بمصائب في كتاب «بهجة الأسرار» يشهد القلب ببطلانها، فأتي في محنة أحمد بعجائب و قصص، لا يشكّ من له أدني ممارسة ببطلانها، و هي شبيهة بما وضعه البلوي في محنة الشافعي. اه. فائدة: ذكر الزركلي في «الأعلام» 4/ 304 أن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 74
الأنماطي «1» قال: رأيت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في المنام يقول:
لو لا الذين لهم ورد يقومونا و آخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
و اعلم أن فضيلة القيام بالليل و القراءة فيه، تحصل بالقليل و الكثير، و كلّما كثر كان أفضل «2»، إلا أن يستوعب الليل، فإنه يكره الدوام عليه، و إلا أن يضرّ بنفسه.
و مما يدلّ علي حصوله بالقليل حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، و من قام بمائة آية كتب من القانتين، و من قام بألف آية كتب من المقنطرين».
رواه أبو داود و غيره «3».
و حكي الثعلبيّ «4» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: من صلّي بالليل ركعتين، فقد بات للّه ساجدا و قائما.
__________________________________________________
كتاب «بهجة الأسرار» لابن جهضم هذا، غير كتاب «بهجة الأسرار» للشطنوفي علي بن يوسف المتوفّي سنة (713)، و أن صاحب «كشف الظنون» (1/ 256) جعلهما واحدا، و بينهما ثلاث مائة سنة، و تابعه علي خطئه بروكلمان 1/ 561 (435)، و سركيس في «معجم المطبوعات» 1126. قلت: و كتاب الشطنوفي هو في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه اللّه.
(1) لم أعرفه.
(2) أخرج مسلم (756) من حديث جابر مرفوعا: «أفضل الصلاة طول القنوت».
(3) أخرجه أبو داود (1398)، و ابن خزيمة (1144)، و ابن حبان (2572)، و هو حديث حسن.
(4) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الثعلبي النّيسابوري، العلّامة المفسّر، توفي سنة (427 ه). «السير» 17/ 435.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 75

فصل في الأمر بتعهد القرآن و التحذير من تعريضه للنسيان‌

فصل في الأمر بتعهد القرآن و التحذير من تعريضه للنسيان
ثبت عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم قال: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده، لهو أشدّ تفلّتا من الإبل في عقلها» رواه البخاريّ و مسلم «1».
و عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم قال: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة، إن عاهد عليها أمسكها، و إن أطلقها ذهبت» رواه البخاري و مسلم «2».
و عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «عرضت عليّ أجور أمتي حتي القذاة «3» يخرجها الرجل من المسجد، و عرضت عليّ ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن- أو آية- أوتيها رجل ثم نسيها» رواه أبو داود و الترمذيّ، و تكلّم فيه «4».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (5033)، و صحيح مسلم (791)، و هو في «مسند» أحمد (19546).
(2) صحيح البخاري (5031)، و صحيح مسلم (789)، و هو في «مسند» (4665).
(3) القذاة، كالعود، و فتات الخزف، و نحوهما، مما يكنس المسجد منه. قاله المصنف.
(4) أخرجه أبو داود (461)، و الترمذي (2916)، و أبو يعلي (4265)، و ابن خزيمة (1297)، و البيهقي في «السنن» 2/ 440، و في «شعب الإيمان» (1966)، و الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (84)، و البغوي في «شرح السنة» (479)، و ابن الجوزي في «العلل المتناهية» 1/ 116 من طريق ابن جريج، عن المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب، عن أنس، به. قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و ذاكرت به محمد بن إسماعيل (يعني البخاريّ) فلم يعرفه، و استغربه. قال محمد: و لا أعرف للمطّلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و سلم إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم.
قال: و سمعت عبد اللّه بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 76
و عن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلم قال: «من قرأ القرآن، ثمّ نسيه، لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة أجذم» رواه أبو داود و الدارميّ «1».

فصل فيمن نام عن ورده‌

فصل فيمن نام عن ورده
عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «من نام عن حزبه من الليل، أو عن شي‌ء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» رواه مسلم «2».
__________________________________________________
أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و سلم. قال عبد اللّه: و أنكر عليّ ابن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس. اه. و نقل ابن الجوزي عن الدار قطني قوله: الحديث غير ثابت، لأنّ ابن جريج لم يسمع من المطّلب شيئا. اه. و ضعّف الحافظ ابن حجر إسناده في «الفتح» 9/ 86.
(1) سنن الدارمي (3340)، و سنن أبي داود (1474)، قال الحافظ في «الفتح» 9/ 86: و في إسناده مقال. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (22456). قوله: أجذم؛ قيل:
مقطوع اليد، و قيل: مقطوع الحجة، و قيل: مقطوع السبب من الخير، و قيل: خالي اليد من الخير. كذا في «الفتح». و نقل ابن عبد البرّ في «التمهيد» 14/ 132 عن سفيان بن عيينة قوله: إن النسيان أريد به هنا التّرك، نحو قوله تعالي: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا [الأعراف: 21]، و قوله: إِنَّا نَسِيناكُمْ [السجدة:
14]. و ليس من اشتهي حفظه، و تفلّت منه بناس له، إذا كان يحلّ حلاله، و يحرّم حرامه. اه. و نقل الحافظ ابن حجر في «الفتح» ما أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي العالية موقوفا: كنّا نعدّ من أعظم الذنوب أن يتعلّم الرجل القرآن، ثم ينام عنه حتي ينساه، و قال: إسناده جيد، و من طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسي القرآن، كانوا يكرهونه، و يقولون فيه قولا شديدا. و نقل الحافظ أيضا عن أبي العباس القرطبي قوله: من حفظ القرآن، أو بعضه، فقد علت رتبته بالنسبة إلي من لم يحفظه، فإذا أخلّ بهذه الرتبة الدينية، حتي تزحزح عنها، ناسب أن يعاقب علي ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلي الرجوع إلي الجهل، و الرجوع إلي الجهل بعد العلم شديد.
(2) صحيح مسلم (747)، و هو في «مسند» أحمد (220).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 77
و عن سليمان بن يسار «1» قال: قال أبو أسيد «2» رضي اللّه عنه: نمت البارحة عن وردي حتي أصبحت، فلما أصبحت، استرجعت، و كان وردي سورة البقرة، فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني! رواه ابن أبي داود «3».
و عن ابن أبي الدنيا «4» عن بعض حفّاظ القرآن أنه نام ليلة عن حزبه، فرأي في منامه كأن قائلا يقول:
عجبت من جسم و من صحّة و من فتي نام إلي الفجر
و الموت لا تؤمن خطفاته في ظلم الليل إذا يسري
«5»
__________________________________________________
(1) هو عالم المدينة و فقيهها، أبو أيوب المدني، ولد في خلافة عثمان، و كان من أوعية العلم، بحيث إن بعضهم فضّله علي سعيد بن المسيّب. مات سنة (107 ه). «السّير» 4/ 444.
(2) هو مالك بن ربيعة، السّاعديّ، من كبراء الأنصار، شهد بدرا و المشاهد، مات سنة (30 ه) أو (40 ه)، و قيل غير ذلك. «السّير» 2/ 538.
(3) و ذكره ابن أبي الدنيا في «المنامات» ص 98.
(4) هو عبد اللّه بن محمد بن عبيد، القرشيّ مولاهم، البغداديّ المؤدّب، من موالي بني أمية، تصانيفه كثيرة جدا، فيها مخبّآت و عجائب. كذا في «السّير» 13/ 397. مات سنة (281 ه).
(5) «المنامات» لابن أبي الدنيا ص 111.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 78

الباب السادس في آداب القراءة

اشارة

الباب السادس في آداب القراءة
هذا الباب هو مقصود الكتاب، و هو منتشر جدا، و أنا أشير إلي أطراف من مقاصده كراهة الإطالة، و خوفا علي قارئه من الملالة، فأوّل ذلك أنه يجب علي القارئ الإخلاص- كما قدّمناه- و مراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي اللّه تعالي، و يقرأ علي حال من يري اللّه تعالي، فإنه إن لم يكن يراه، فإن اللّه تعالي يراه.

فصل‌

فصل
و ينبغي إذا أراد القراءة أن ينظّف فمه بالسّواك أو غيره، و الاختيار في السّواك أن يكون بعود من أراك، و يجوز بسائر العيدان، و بكل ما ينظّف، كالخرقة الخشنة، و الأشنان «1»، و غير ذلك «2». و في حصوله بالإصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي، أشهرها: أنه لا يحصل، و الثاني:
يحصل، و الثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، و لا يحصل إن وجد.
و يستاك عرضا، مبتدئا بالجانب الأيمن من فمه، و ينوي به الإتيان بالسّنّة.
قال بعض العلماء: يقول عند السّواك «3»: اللهمّ بارك لي فيه يا أرحم
__________________________________________________
(1) الأشنان، بضم الهمزة و كسرها، لغتان، ذكرهما أبو عبيدة، و ابن الجواليقي، و هو فارسي معرب، و هو بالعربية المحضة: حرض، و همزة أشنان أصلية. قاله المصنّف.
و في «المعجم الوسيط»: هو شجر ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو، أو رماده، في غسل الثياب و الأيدي.
(2) مثل ما هو معروف بفرشاة الأسنان، فينوي عند استعمالها الإتيان بالسنة.
(3) ذكر المصنّف في «المجموع» 1/ 331 و «تهذيب الأسماء و اللغات» عن أهل اللغة أن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 79
الراحمين «1».
قال الماورديّ «2» من أصحاب الشافعي: يستحبّ أن يستاك في ظاهر الأسنان، و باطنها، و يمرّ السّواك علي أطراف أسنانه، و كراسيّ أضراسه، و سقف حلقه، إمرارا رفيقا.
قالوا: و ينبغي أن يستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة، و لا شديد الرطوبة. فإن اشتدّ يبسه، ليّنه بالماء، و لا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه «3».
و أما إذا كان فمه نجسا بدم، أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله. و هل يحرم؟ قال الرّوياني «4» من أصحاب الشافعي عن والده:
__________________________________________________
السواك يطلق علي الفعل، و هو الاستياك، و علي الآلة التي يستاك بها، و هي المسواك، بكسر الميم.
(1) ذكره المصنف أيضا في «المجموع» 1/ 343 بأطول منه، و قال: و هذا و إن لم يكن له أصل، فلا بأس به، فإنه دعاء حسن.
(2) هو عليّ بن محمد بن حبيب، أبو الحسن البصريّ، الماورديّ، الشافعيّ، أقضي القضاة، صاحب «الحاوي»، ولي القضاء ببلدان شتي، ثم سكن بغداد، و توفي فيها سنة (450 ه). «السّير» 18/ 64.
(3) و ذلك بعد غسله و تنظيفه، فقد أخرج أبو داود (52) بإسناد حسن عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و سلم يستاك، فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به، فأستاك، ثم أغسله، و أدفعه إليه. قال الحافظ في «الفتح» 1/ 357: و هذا دالّ علي عظيم أدبها، و كبير فطنتها، لأنها لم تغسله ابتداء، حتي لا يفوتها الاستشفاء بريقه، ثم غسلته تأدّبا و امتثالا. اه. و قد ترجم البخاري: باب من تسوّك بسواك غيره، و أورد فيه حديث عائشة (890) في قصة وفاته صلّي اللّه عليه و سلم، فانظره، و انظر حديث ابن عمر عند البخاري (246) و مسلم (2271).
(4) هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الرّويانيّ، الطبريّ، القاضي، شيخ الشافعية، أخذ عن والده و جدّه و غيرهما، و برع في المذهب حتي كان يقول: لو احترقت كتب الشافعيّ، لأمليتها من حفظي. له كتاب «البحر» في المذهب، و «حلية المؤمن» و غير ذلك. قتل سنة (501 ه). «السّير» 19/ 260.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 80
يحتمل وجهين، و الأصحّ لا يحرم «1».

فصل‌

فصل
و يستحب أن يقرأ القرآن و هو علي طهارة، فإن قرأ محدثا، جاز بإجماع المسلمين، و الأحاديث فيه كثيرة معروفة «2».
قال إمام الحرمين «3»: و لا يقال ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء، تيمّم، و المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر، حكمها حكم المحدث. و أما الجنب و الحائض، فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن، سواء كان آية، أو أقلّ منها، و يجوز لهما إجراء القرآن علي قلوبهما من غير تلفّظ به، و يجوز لهما النظر في المصحف، و إمراره علي القلب، و أجمع المسلمون علي جواز التسبيح و التهليل، و التحميد و التكبير، و الصلاة علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم، و غير ذلك من الأذكار، للجنب و الحائض.
قال أصحابنا: و كذا إذا قال لإنسان: يا يحيي خذ الكتاب بقوّة «4»، و قصد به غير القرآن، فهو جائز، و كذا ما أشبهه، قالوا: و يجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: إنا للّه و إنا إليه راجعون «5»، إذا لم يقصدا القراءة.
__________________________________________________
(1) قوله: و الأصحّ لا يحرم، من المطبوع، و هو في «المجموع» 2/ 177.
(2) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (639) عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم يقضي حاجته، ثم يخرج، فيقرأ القرآن، و يأكل معنا اللحم، و لا يحجزه- و ربما قال: يحجبه- من القرآن شي‌ء ليس الجنابة. و هو حديث حسن.
(3) هو أبو المعالي عبد الملك بن الإمام أبي محمد عبد اللّه بن يوسف الجويني، ثم النّيسابوري، شيخ الشافعية، صاحب التصانيف، توفي أبوه، فدرّس مكانه، و لم يكمل عشرين سنة، و توفي سنة (478 ه)، «السير» 18/ 468.
(4) قوله: يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ من سورة مريم، الآية [12].
(5) قوله: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ من سورة البقرة، الآية [156].
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 81
قال أصحابنا الخراسانيون: و يجوز أن يقولا عند ركوب الدابة: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ «1»، و عند الدعاء: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ «2»، إذا لم يقصدا القراءة.
قال إمام الحرمين: فإن قال الجنب: بسم اللّه، أو: الحمد للّه، فإن قصد القراءة، عصي، و إن قصد الذّكر، أو لم يقصد شيئا، لم يأثم، و يجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته، ك: «الشيخ و الشيخة إذا زنيا، فارجموهما».

فصل‌

فصل
إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماء، تيمّم، و يباح له القراءة و الصلاة و غيرهما، فإن أحدث، حرم عليه الصلاة، و لم تحرم عليه القراءة و الجلوس في المسجد و غيرهما مما لا يحرم علي المحدث، كما إذا اغتسل، ثم أحدث، و هذا مما يسأل عنه و يستغرب، فيقال: جنب يمنع من الصلاة، و لا يمنع من قراءة القرآن، و الجلوس في المسجد من غير ضرورة، كيف صورته؟! فهذه صورته.
ثم لا فرق فيما ذكرناه بين تيمّم الجنب في الحضر و السفر، و ذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمّم في الحضر، استباح الصلاة، و لا يقرأ بعدها، و لا يجلس في المسجد، و الصحيح جواز ذلك، كما قدّمناه.
و لو تيمّم و صلّي و قرأ، ثم رأي ماء، يلزمه استعماله، فإنه يحرم عليه القراءة، و جميع ما يحرم علي الجنب، حتي يغتسل.
__________________________________________________
(1) قوله: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ من سورة الزخرف، الآية [13].
(2) قوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ من سورة البقرة، الآية [201].
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 82
و لو تيمّم و صلّي و قرأ، ثم أراد التيمّم لحدث أو لفريضة أخري، أو لغير ذلك، فإنه لا يحرم عليه القراءة علي المذهب الصحيح المختار، و فيه وجه لبعض أصحاب الشافعي أنه لا يجوز، و المعروف الأول.
أما إذا لم يجد الجنب ماء و لا ترابا، فإنه يصلّي لحرمة الوقت علي حسب حاله، و يحرم عليه القراءة خارج الصلاة، و يحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد علي الفاتحة، و هل يحرم عليه قراءة الفاتحة؟ فيه وجهان:
الصحيح المختار أنه لا يحرم، بل يجب، لأن الصلاة لا تصحّ إلا بها، و كما جازت الصلاة للضرورة مع الجنابة، تجوز القراءة.
و الثاني: لا يجوز، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئا من القرآن، لأن هذا عاجز شرعا، فصار كالعاجز حسّا. و الصواب الأول.
و هذه الفروع التي ذكرتها يحتاج إليها، فلهذا أشرت إليها بأوجز العبارات، و إلا، فلها أدلة و تتمات كثيرة معروفة في كتب الفقه، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
و يستحبّ أن تكون القراءة في موضع نظيف مختار، و لهذا استحبّ جماعة من العلماء القراءة في المسجد، لكونه جامعا للنظافة، و شرف البقعة، و محصّلا لفضيلة أخري، و هي الاعتكاف، فإنه ينبغي لكلّ جالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف، سواء كثر جلوسه أو قلّ، بل ينبغي له أول دخوله في المسجد أن ينوي الاعتكاف، و هذا الأدب ينبغي أن يعتني به، و يشاع ذكره، و تعرفه الصغار و العوامّ، فإنه مما يغفل عنه.
و أما القراءة في الحمّام، فقد اختلف السّلف في كراهتها، فقال أصحابنا: لا تكره، و نقله الإمام المجمع علي جلالته أبو بكر ابن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 83
المنذر «1» في «الإشراف» «2» عن إبراهيم النّخعي و مالك، و هو قول عطاء.
و ذهب إلي كراهته جماعات، منهم علي بن أبي طالب، رواه عنه ابن أبي داود، و حكاه ابن المنذر عن جماعة من التابعين، منهم أبو وائل شقيق بن سلمة، و الشّعبيّ، و الحسن البصريّ، و مكحول، و قبيصة بن ذؤيب، و رويناه أيضا عن إبراهيم النّخعيّ، و حكاه أصحابنا عن أبي حنيفة، رضي اللّه عنهم أجمعين.
قال الشعبي: تكره قراءة القرآن في ثلاثة مواضع: الحمّامات، و الحشوش «3»، و بيت الرّحي و هي تدور.
و عن أبي ميسرة «4» قال: لا يذكر اللّه إلا في مكان طيّب: و اللّه أعلم.
و أما القراءة في الطريق، فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهي صاحبها عنها، كرهت، كما كره النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم القراءة للناعسين «5» مخافة من الغلط «6».
__________________________________________________
(1) هو محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النّيسابوري، الحافظ الفقيه، نزيل مكة، صاحب التصانيف، عداده في الفقهاء الشافعية، و له تفسير كبير. توفي سنة (318 ه).
«السّير» 14/ 490.
(2) و هو «الإشراف في اختلاف العلماء» كما سماه الذهبي في «السير» 14/ 490، و نشرت دار طيبة (الرياض) قسما منه باسم «الإشراف علي مذاهب العلماء».
(3) الحشوش: مواضع العذرة و البول المتخذة له، واحدها حشّ، بضم الحاء و فتحها، لغتان. قاله المصنف.
(4) هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، الكوفي، من كبار التابعين، كان من العبّاد الأولياء، مات سنة (63 ه). «السّير» 4/ 135.
(5) في (أ) و هامش الأصل: للناعس. (نسخة).
(6) أخرج مسلم (787) من حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن علي لسانه، فلم يدر ما يقول، فليضطجع». و انظر حديث عائشة عند البخاري (212) و مسلم (786).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 84
و روي ابن أبي داود عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه أنه كان يقرأ في الطريق، و عن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه أنه أذن فيها.
قال ابن أبي داود: و حدّثني أبو الربيع «1» قال: أخبرنا ابن وهب «2» قال:
سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلي المسجد، و قد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شي‌ء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق. و كره ذلك. و هذا إسناد صحيح عن مالك رحمه اللّه.

فصل‌

فصل
يستحبّ للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة، فقد جاء في الحديث: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» «3». و يجلس متخشّعا بسكينة
__________________________________________________
(1) هو سليمان بن داود بن حمّاد المهري، أبو الرّبيع، كان زاهدا، فقيها علي مذهب مالك، قال أبو داود: قلّ من رأيت من فضله. اه. مات سنة (253 ه). كذا في «التهذيب».
(2) هو عبد اللّه بن وهب بن مسلم، أبو محمد الفهري مولاهم، المصري، الحافظ، كان من أوعية العلم، و من كنوز العمل. قرئ عليه كتاب «أهوال يوم القيامة»- تأليفه- فخرّ مغشيّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتي مات بعد أيام، سنة (197 ه). «السّير» 9/ 223.
(3) روي من حديث عدد من الصحابة:
فأخرجه من حديث ابن عمر الطبرانيّ في «الأوسط» (8357)، و أبو نعيم، في «أخبار أصبهان» 2/ 344. و في إسناد الطبراني متروكان، و في إسناد أبي نعيم مستور.
و أخرجه من حديث ابن عباس العقيليّ في «الضعفاء» 1/ 170 و 3/ 387، و الطبرانيّ في «الكبير» 10/ 10781، و ابن عديّ في «الكامل» 4/ 1370 و 7/ 2564، و الحاكم في «المستدرك» 4/ 269- 270، و القضاعي في «مسند الشهاب» (1020) (1021) من طرق (في كل منها متروك) عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس بلفظ: «إنّ لكل شي‌ء شرفا، و إنّ شرف المجالس ما استقبل به القبلة». قال العقيلي: لم يحدّث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقة، و قال البيهقي في «السنن» 7/ 272: لم يثبت في ذاك إسناد.
و أخرجه من حديث أبي هريرة الطبرانيّ في «الأوسط» (2375) بلفظ: «إنّ لكل شي‌ء سيّدا، و إن سيّد المجالس قبالة القبلة» أورده الهيثمي في «المجمع» و قال: إسناده
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 85
و وقار، مطرقا رأسه، و يكون جلوسه وحده في تحسين أدبه و خضوعه، كجلوسه بين يدي معلّمه، فهذا هو الأكمل، و لو قرأ قائما، أو مضطجعا، أو في فراشه، أو غير ذلك من الأحوال، جاز، و له أجر، و لكن دون الأول، قال اللّه تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي جُنُوبِهِمْ [آل عمران].
و ثبت في الصحيح عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم يتكئ في حجري و أنا حائض، فيقرأ القرآن. رواه البخاريّ و مسلم «1».
و في رواية: يقرأ القرآن و رأسه في حجري «2».
و عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: إني أقرأ القرآن في صلاتي، و أقرأ علي فراشي.
و عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: إني لأقرأ حزبي و أنا مضطجعة علي السرير «3».

فصل‌

فصل
فإذا أراد الشروع في القراءة، استعاذ، فقال: أعوذ باللّه من الشيطان الرّجيم.
هكذا قال الجمهور من العلماء، و قال بعض السلف: يتعوّذ بعد القراءة، لقوله تعالي: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) [النحل] و تقدير
__________________________________________________
حسن. قلت: في إسناده إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي شيخ الطبراني، ذكره الذهبي في «ميزان الاعتدال» 1/ 63- و تبعه الحافظ ابن حجر في «اللسان»- و قال: غير معتمد.
(1) صحيح البخاري (297)، و صحيح مسلم (301)، و هو في «مسند» أحمد (25246).
(2) صحيح البخاري (7549).
(3) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 94، و ابن أبي شيبة في «المصنف» 10/ 532، و الفريابي في «فضائل القرآن» ص 230. و إسناده صحيح.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 86
الآية عند الجمهور: فإذا أردت القراءة، فاستعذ.
ثم صفة «1» التعوّذ كما ذكرنا، و كان جماعات من السلف يقولون: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرّجيم، و لا بأس بهذا، و لكن الاختيار هو الأول.
ثم إن التعوّذ مستحبّ، ليس بواجب، و هو مستحبّ لكل قارئ، سواء كان في الصلاة، أو غيرها.
و يستحبّ في الصلاة في كلّ ركعة علي الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، و علي الوجه الثاني إنما يستحبّ في الركعة الأولي، فإن تركه في الأولي، أتي به في الثانية.
و يستحبّ التعوذ في التكبيرة الأولي من صلاة الجنازة، علي أصح الوجهين.

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يحافظ علي قراءة «بسم اللّه الرحمن الرحيم» في أول كلّ سورة، سوي براءة، فإن أكثر العلماء علي أنها آية، حيث كتبت في المصحف، و قد كتبت في أوائل السور سوي براءة، فإن قرأها، كان مثبتا «2» قراءة الختمة، أو السورة، و إذا أخلّ بالبسملة، كان تاركا بعض القرآن عند الأكثرين، فإن كانت القراءة في وظيفة عليها جعل، كالأسباع و الأجزاء التي عليها أوقاف و أرزاق، كان الاعتناء بالبسملة أشدّ، ليستحقّ ما يأخذه يقينا، فإنه إذا أخلّ به، لم يستحقّ شيئا من الوقف عند من يقول: البسملة من أوائل السور. و هذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها و إشاعتها.
__________________________________________________
(1) في (م): صيغة.
(2) في (أ) و (م): متيقّنا.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 87

فصل‌

فصل
فإذا شرع في القراءة، فليكن شأنه الخشوع، و التدبّر، عند القراءة، و الدلائل عليه أكثر من أن تحصر، و أشهر و أظهر من أن تذكر، فهو المقصود و المطلوب، و به تنشرح الصدور، و تستنير القلوب، قال اللّه عز و جل:
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء: 82]. و قال تعالي: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] و الأحاديث فيه كثيرة، و أقاويل السلف فيه مشهورة.
و قد بات جماعات من السّلف يتلون آية واحدة، يتدبّرونها و يردّدونها إلي الصباح، و قد صعق جماعات من السّلف عند القراءة، و مات جماعات منهم حال القراءة.
روينا عن بهز بن حكيم «1» أن زرارة بن أوفي «2» التابعيّ الجليل رضي اللّه عنه أمّهم في صلاة الفجر، فقرأ حتي بلغ: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) [المدثر] خرّ ميتا. قال بهز: فكنت فيمن حمله.
و كان أحمد بن أبي الحواري «3» رضي اللّه عنه- و هو ريحانة الشام، كما قال أبو القاسم الجنيد «4» رحمه اللّه- إذا قرئ عنده القرآن يصيح و يصعق.
__________________________________________________
(1) هو ابن معاوية بن حيدة، أبو عبد الملك القشيري، البصري، الإمام المحدّث، توفي قبل الخمسين و مائة. «السير» 6/ 253
(2) هو الإمام الكبير، قاضي البصرة، أبو حاجب العامري، و قد أورد الذهبيّ في «السّير» 4/ 516، الخبر الذي ذكره المصنف، و ذكر أن ذلك كان سنة ثلاث و تسعين.
(3) هو شيخ أهل الشام، الإمام الحافظ، أبو الحسن الثّعلبي، أصله من الكوفة. قال يحيي ابن معين: أظنّ أهل الشام يسقيهم اللّه به الغيث. اه. توفي سنة (246 ه). «السّير» 12/ 85.
(4) هو ابن محمد بن الجنيد، أبو القاسم النهاوندي، ثم البغدادي، شيخ الصوفية، تفقه
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 88
قال ابن أبي داود: و كان القاسم بن عثمان الجوعي «1» رحمه اللّه ينكر ذلك علي ابن أبي الحواريّ، و كان الجوعي فاضلا من محدّثي أهل دمشق، و يقدّم في الفضل علي ابن أبي الحواريّ. قال: و كذلك أنكره أبو الجوزاء «2» و قيس بن حبتر «3» و غيرهما.
قلت: و الصواب عدم الإنكار إلا علي من اعترف بأنه يفعله تصنّعا، و اللّه أعلم.
و قال السيد الجليل ذو المواهب و المعارف إبراهيم الخوّاص «4» رضي اللّه عنه: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبّر، و خلاء البطن، و قيام الليل، و التضرّع عند السّحر، و مجالسة الصالحين.
__________________________________________________
علي أبي ثور، و سمع من السّريّ السّقطي، و صحبه، و صحب أيضا الحارث المحاسبي.
مات سنة (297). «السّير» 14/ 66.
(1) هو شيخ الصوفية، الوليّ، المحدّث، أبو عبد الملك العبدي، عرف بالجوعي نسبة إلي الجوع. و قد نقل الذهبي في «السّير» 12/ 78 هذا الخبر عن ابن أبي داود علي عكس ما نقله المصنّف عنه. قال: قال ابن أبي داود: رأيت أحمد بن أبي الحواريّ يقرأ عند القاسم بن عثمان، فيصيح القاسم و يصعق، و كان فاضلا من محدّثي دمشق، كان يقدّم في الفضل علي أحمد بن أبي الحواريّ.
(2) هو أوس بن عبد اللّه الرّبعي، أبو الجوزاء البصري، من كبار العلماء و العبّاد. مات سنة (83 ه). «السير» 4/ 371. و قد ذكر له صاحب «الحلية» 3/ 80 خبرا في إنكاره علي رجل خرّ فاضطرب، ظنه أبو الجوزاء من القفازين، و قال: إنما ذكرهم اللّه فقال: تفيض أعينهم، و تقشعرّ جلودهم.
(3) هو التميمي النّهشلي، من أواسط التابعين، سكن الجزيرة، و مات بعد المائة، من رجال «التهذيب». و أورد يعقوب بن سفيان في «المعرفة و التاريخ» 3/ 102 عنه، أنه ذكر له الذين يصعقون، فقال: بلغني أنها من الشيطان.
(4) هو ابن أحمد بن إسماعيل، أبو إسحاق، أوحد المشايخ في وقته، من أقران أبي القاسم الجنيد. مات بالرّي سنة (291 ه). «طبقات الصوفية» ص 284.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 89

فصل في استحباب ترديد الآية للتدبر

فصل في استحباب ترديد الآية للتدبر
قد بيّنا في الفصل قبله الحثّ علي التدبّر، و بيان موقعه، و تأثر السّلف به.
و روينا عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: قام النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم بآية يردّدها حتي أصبح، و الآية: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ [المائدة: 118] رواه النسائيّ و ابن ماجة «1».
و عن تميم الداريّ رضي اللّه عنه أنه كرّر هذه الآية حتي أصبح «2»: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية [الجاثية: 21].
و عن عبّاد بن حمزة «3» قال: دخلت علي أسماء رضي اللّه عنها و هي تقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ [الطور: 27] فوقفت عندها، فجعلت تعيدها و تدعو، فطال عليّ ذلك، فذهبت إلي السوق، فقضيت حاجتي، ثم رجعت، و هي تعيدها و تدعو «4».
و روينا هذه القصة عن عائشة رضي اللّه عنها «5».
__________________________________________________
(1) «المجتبي» 2/ 177، و سنن ابن ماجة (1350)، و هو حديث حسن، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (21328) و (21388).
(2) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص 31، و أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 68، و ابن أبي شيبة 2/ 477، و أحمد في «الزهد» ص 227.
(3) هو ابن عبد اللّه بن الزبير، القرشي، الأسدي، و هو من الطبقة الوسطي من التابعين، مات بعد المائة، و هو من رجال «التهذيب».
(4) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 69، و ابن أبي شيبة 2/ 211، و محمد بن نصر المروزيّ، كما في «مختصر قيام الليل» ص 63- 64.
(5) أخرج عبد الرزاق (4048)، و أحمد في «الزهد» ص 205، و البيهقي في «شعب الإيمان» (2092) أن عائشة كانت إذا قرأت: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 90
و ردّد ابن مسعود رضي اللّه عنه: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114] «1». و ردّد سعيد بن جبير: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ [البقرة: 281]، و ردّد أيضا:
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ [غافر] الآية. و ردّد أيضا: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) [الانفطار] «2»، و كان الضحّاك إذا تلا: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر: 16] يردّدها إلي السّحر.

فصل في البكاء عند قراءة القرآن‌

فصل في البكاء عند قراءة القرآن
قد تقدّم في الفصلين المتقدمين بيان ما يحمل علي البكاء في حال القراءة، و هو صفة العارفين، و شعار عباد اللّه الصالحين، قال اللّه تعالي:
وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) [الإسراء].
و قد وردت فيه أحاديث، و أثار السلف كثيرة.
فمن ذلك عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم: «اقرءوا القرآن و ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» «3».
__________________________________________________
قالت: اللهمّ منّ عليّ، وقني عذاب السّموم.
(1) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 68- 69 من طريقين عن ابن مسعود.
(2) أخرجه عبد الرزاق (4196)، و أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 69 و 70، و ابن أبي شيبة 2/ 477، و ابن نصر المروزيّ كما في «المختصر» ص 64.
(3) أخرجه الدورقي في «مسند» سعد بن أبي وقّاص (128) و (129) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن السائب، عن سعد بن أبي وقاص، به. و عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ضعيف الحديث، و عبد اللّه بن السائب (و يقال: عبد اللّه ابن السائب بن أبي نهيك، و يقال: عبيد اللّه، و يقال: عبد الرحمن) مجهول الحال، و قال الذهبي في «الميزان» 3/ 16: لا يعرف.
و أخرجه ابن ماجة (1337) بأطول منه و (4196) من طريق أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب (و يقال عبد اللّه، كما سلف) عن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 91
و عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه صلّي بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف، فبكي حتي سالت دموعه علي ترقوته. و في رواية أنه كان في صلاة العشاء، فيدل علي تكرره منه. و في رواية: فبكي حتي سمعوا بكاءه من وراء الصفوف «1».
و عن أبي رجاء «2» قال: رأيت ابن عباس و تحت عينيه مثل الشّراك البالي من الدموع «3».
و عن أبي صالح «4» قال: قدم ناس من أهل اليمن علي أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، فجعلوا يقرءونهم القرآن، و يبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: هكذا كنّا «5».
و عن هشام «6» قال: ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل و هو في
__________________________________________________
سعد بن أبي وقاص، به. و إسماعيل بن رافع ضعيف، ضعّفه أحمد و يحيي و النسائي و غيرهم، و قال أبو حاتم: منكر الحديث، و قال الدار قطني: متروك. ا ه. و قد جوّد الحافظ العراقي إسناده في تخريج أحاديث «الإحياء» 1/ 277.
(1) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 64- 65، و أورده السيوطي في «الدر المنثور» 4/ 32، و نسبه إلي عبد الرزاق، و سعيد بن منصور، و ابن سعد، و ابن أبي شيبة، و البيهقي في «الشّعب».
(2) هو عمران بن ملحان، العطارديّ، التّميميّ، البصري، أدرك الجاهلية، و أسلم بعد فتح مكة، و لم ير النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و كان خيّرا، تلّاء لكتاب اللّه تعالي، مات سنة (105 ه) و قيل غير ذلك، و له أزيد من مائة و عشرين سنة. «السير» 4/ 253.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 14/ 5، و أحمد في «الزهد» ص 181، و أبو نعيم في «الحلية» 1/ 329.
(4) هو ذكوان بن عبد اللّه، أبو صالح السمّان، مولي أمّ المؤمنين جويرية، الحافظ، من كبار العلماء بالمدينة، توفي سنة (101 ه). «السير» 5/ 36.
(5) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 64، و ابن أبي شيبة 14/ 5- 6، و أبو نعيم في «الحلية» 1/ 33- 34. و أبو صالح لم يدرك أبا بكر.
(6) هو ابن حسّان، أبو عبد اللّه الأزدي، القردوسي، محدّث البصرة. روي عن محمد بن
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 92
الصلاة «1». و الآثار في هذا كثيرة، لا يمكن حصرها، و فيما أشرنا إليه و نبّهنا عليه كفاية، و اللّه أعلم.
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه اللّه: البكاء مستحبّ مع القراءة و عندها.
قال: و طريقه في تحصيله أن يحضر في قلبه الحزن، بأن يتأمّل ما فيه من التهديد، و الوعيد الشديد، و المواثيق «2» و العهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن و بكاء كما يحضر الخواصّ، فليبك علي فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.

فصل‌

فصل
و ينبغي أن يرتّل قراءته. و قد اتفق العلماء علي استحباب الترتيل، قال اللّه تعالي: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) [المزمل].
و ثبت عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها أنها نعتت قراءة النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قراءة مفسّرة حرفا حرفا. رواه أبو داود و الترمذيّ و النسائيّ. قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح «3».
__________________________________________________
- سيرين قوله: هشام منّا أهل البيت. مات سنة (148 ه). «السير» 6/ 355.
(1) أخرج الإمام أحمد نحوه في «الزهد» ص 374 عن امرأة هشام بن حسان.
(2) في الأصل و (أ): الوثائق، و المثبت من «الإحياء» 1/ 277.
(3) سنن أبي داود (1466)، و سنن الترمذي (2923)، و «المجتبي» 3/ 214. و في «الكبري» (1095) و (1375) و كلام الترمذي بتمامه: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن يعلي بن مملك، عن أمّ سلمة. و قال النسائي بإثر (1375): يعلي بن مملك ليس بذلك المشهور. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (26526).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 93
و عن معاوية بن قرّة «1»، عن عبد اللّه بن مغفّل «2» رضي اللّه عنه قال:
رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم فتح مكة علي ناقته يقرأ سورة الفتح، فرجّع في قراءته. رواه البخاريّ و مسلم «3».
و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لأن أقرأ سورة أرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه «4».
و عن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة و آل عمران، و الآخر البقرة وحدها، و زمنهما و ركوعهما و سجودهما و جلوسهما سواء، قال:
الذي قرأ البقرة وحدها أفضل «5».
و قد نهي عن الإفراط في الإسراع، و يسمّي الهذّ «6»، فثبت عن عبد اللّه
__________________________________________________
(1) هو الإمام الثبت، أبو إياس المزنيّ البصري. مات سنة (113 ه-). «السير» 5/ 153.
(2) الصحابي الجليل، من أهل بيعة الرّضوان، كان يقول: إني لممّن رفع عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم من أغصان الشجرة يومئذ. سكن المدينة، ثم البصرة. توفي سنة (60 ه-). «السير» 2/ 483.
(3) صحيح البخاري (4281)، و صحيح مسلم (794)، و هو في «مسند» أحمد (20565).
قوله: فرجّع- بتشديد الجيم- أي: ردّد الصوت في الحلق، و الجهر بالقول مكرّرا بعد خفائه. كذا في «الفتح» 13/ 515. و ترجيعه صلّي اللّه عليه و سلّم في القراءة يفسّره سؤال شعبة لمعاوية بن قرّة- كما في رواية البخاري (7540)-: كيف كان ترجيعه؟ قال: آ، آ، آ.
ثلاث مرات. قال الحافظ في «الفتح» 9/ 92: قالوا: يحتمل أمرين: أحدهما أن ذلك حدث من هزّ الناقة، و الآخر: أنه أشبع المدّ في موضعه، فحدث ذلك. و انظر تتمة كلامه.
(4) أخرجه بنحوه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 74، و الآجرّي في «أخلاق حملة القرآن» ص 98- 99.
(5) أخرجه عبد الرزاق (4188)، و أبو عبيد ص 75، و ابن أبي شيبة 10/ 526، و الآجري ص 99.
(6) في (ج) و (م): الهذرمة، و كلاهما بمعني، يعني السرعة في القراءة.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 94
ابن مسعود رضي اللّه عنه أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصّل في ركعة واحدة، فقال عبد اللّه: هذّا كهذّ الشّعر! إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، و لكن إذا وقع في القلب، فرسخ فيه، نفع. رواه البخاريّ و مسلم. و هذا لفظ مسلم في إحدي رواياته «1».
قال العلماء: الترتيل مستحبّ للتدبّر و لغيره، قالوا: و لهذا يستحبّ الترتيل للعجميّ الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلي التوقير و الاحترام، و أشدّ تأثيرا في القلب.

فصل‌

فصل
و يستحبّ إذا مرّ بآية رحمة أن يسأل اللّه تعالي من فضله، و إذا مرّ بآية عذاب أن يستعيذ من الشرّ، أو من العذاب، و يقول «2»: اللهمّ إني أسألك العافية، أو: أسألك العافية من كلّ مكروه، أو نحو ذلك. و إذا مرّ بآية تنزيه للّه سبحانه و تعالي، نزّه، فقال: سبحانه و تعالي، أو: تبارك و تعالي، أو: جلّت عظمة ربّنا، فقد صحّ عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنهما قال:
صلّيت مع النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضي، فقلت: يصلّي بها في ركعة، فمضي، فقلت: يركع بها. ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح، سبّح، و إذا مرّ بآية سؤال، سأل، و إذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. رواه مسلم
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (775)، و صحيح مسلم (822)، و هو في «مسند» أحمد (3607) قوله: المفصّل؛ ذكر الحافظ في «الفتح» 2/ 259 أنها من ق إلي آخر القرآن علي الصحيح، و ذكر المصنف في «شرح مسلم» 6/ 106 أنه سمّي مفصلا لقصر سوره، و قرب انفصال بعضهن من بعض.
(2) في الأصل: أو يقول، و المثبت من (أ) و نسخة في الأصل.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 95
في «صحيحه» «1». و كانت سورة النساء في ذلك الوقت متقدمة علي آل عمران.
قال أصحابنا رحمهم اللّه: و يستحبّ هذا السؤال، و الاستعاذة، و التسبيح، لكلّ قارئ، سواء كان في الصلاة، أو خارجا منها، قالوا: و يستحبّ ذلك في الصلاة للإمام و المأموم و المنفرد، لأنه دعاء، فاستووا فيه، كالتأمين عقب الفاتحة. و هذا الذي ذكرناه من استحباب السؤال و الاستعاذة، هو مذهب الشافعيّ و جماهير العلماء، رحمهم اللّه. و قال أبو حنيفة رحمه اللّه: لا يستحبّ ذلك، بل يكره في الصلاة. و الصواب قول الجماهير، لما قدّمناه.

فصل‌

فصل
و مما يعتني به و يتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين.
فمن ذلك اجتناب الضّحك و اللّغط و الحديث في خلال «2» القراءة، إلا كلاما يضطرّ إليه، و ليمتثل أمر اللّه سبحانه و تعالي: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] و ليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن، لا يتكلّم حتي يفرغ مما أراد أن يقرأه. رواه البخاريّ في «صحيحه»، و قال: لم يتكلّم حتي يفرغ منه «3»، ذكره في كتاب التفسير في قول اللّه تعالي: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة: 223].
__________________________________________________
(1) صحيح مسلم (772)، و هو في «مسند» أحمد (23367). قوله: مترسّلا؛ قال ابن الأثير في «النهاية»: يقال: ترسّل الرجل في كلامه و مشيه، إذا لم يعجل، و هو و الترتيل سواء.
(2) في (أ): حال.
(3) صحيح البخاري (4526).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 96
و من ذلك العبث باليد و غيرها، فإنه يناجي ربّه سبحانه و تعالي، فلا يعبث بين يديه.
و من ذلك النظر إلي ما يلهي و يبدّد الذّهن، و أقبح من هذا كلّه النظر إلي من لا يجوز النظر إليه، كالأمرد و غيره، فإن النظر إلي الأمرد الحسن من غير حاجة حرام، سواء كان بشهوة، أو بغيرها، سواء أمن الفتنة، أم لم يأمنها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء، و قد نصّ علي تحريمه الإمام الشافعي رضي اللّه عنه، و من لا يحصي من العلماء رضي اللّه عنهم، و دليله قوله تعالي: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [النور: 30] و لأنه في معني المرأة، بل ربما كان بعضهم، أو كثير منهم، أحسن من كثير من النساء، و يتمكن من أسباب الرّيبة فيه، و يتسهّل من طرق الشرّ في حقّه ما لا يتسهّل في حقّ المرأة، فكان تحريمه أولي، و أقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصر، و قد سمّوهم الأنتان، لكونهم مستقذرين شرعا. و أما النظر إليه في حال البيع و الشراء، و الأخذ و العطاء، و التطبيب و التعليم، و نحوها من مواضع الحاجة، فجائز للضرورة، لكن يقتصر الناظر علي قدر الحاجة.
و لا يديم النظر من غير ضرورة، و كذا المعلّم، إنما يباح له النظر الذي يحتاج إليه. و يحرم عليهم كلّهم في كل الأحوال النظر بشهوة، و لا يختص هذا بالأمرد، بل يحرم علي كل مكلّف النظر بالشهوة إلي كل أحد، رجلا كان أو امرأة، محرما كانت المرأة أو غيرها، إلا الزوجة و المملوكة التي يملك الاستمتاع بها، حتي قال أصحابنا: يحرم النظر بالشهوة إلي محارمه، كبنته و أمه، و اللّه أعلم.
و علي الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة و غيرها أن ينهوا عنه علي حسب الإمكان، باليد لمن قدر، و باللسان لمن عجز عن اليد، و قدر علي اللسان، و إلّا، فلينكر بقلبه. و اللّه أعلم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 97

فصل‌

فصل
لا تجوز قراءة القرآن بالعجميّة، سواء أحسن العربية، أم لم يحسنها، سواء كان في الصلاة، أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة، لم تصحّ صلاته. هذا مذهبنا، و مذهب مالك، و أحمد، و داود «1»، و أبي بكر بن المنذر.
و قال أبو حنيفة: يجوز ذلك و تصحّ به الصلاة.
و قال أبو يوسف «2» و محمد «3»: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، و لا يجوز لمن يحسنها.

فصل‌

فصل
تجوز قراءة القرآن بالقراءات السّبع المجمع عليها، و لا تجوز بغير السّبع «4»، و لا بالروايات الشاذّة المنقولة عن القرّاء السبعة، و سيأتي في الباب
__________________________________________________
(1) هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان البغدادي، رئيس أهل الظاهر، ارتحل إلي إسحاق بن راهويه، و سمع منه المسند و التفسير، و ناظر عنده، و جمع و صنّف. مات سنة (270 ه-). «السير» 13/ 97.
(2) هو يعقوب بن إبراهيم، أبو يوسف، الكوفي، الإمام المجتهد، قاضي القضاة، لزم أبا حنيفة، و تفقّه به، و هو أنبل تلامذته و أعلمهم، تخرّج به أئمة، كمحمد بن الحسن الشّيباني، و غيره، و بلغ من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه. مات سنة (182 ه-). «السير» 8/ 535.
(3) هو ابن الحسن بن فرقد، أبو عبد اللّه الشيباني، فقيه العراق، صاحب أبي حنيفة، أخذ بعض الفقه عنه، و تمّمه علي القاضي أبي يوسف، و أخذ عنه الشافعي، فأكثر جدا، ولي القضاء للرشيد بعد أبي يوسف. توفي بالرّي سنة (189 ه-). «السير» 9/ 134.
(4) ذكر ابن الجزري في «النّشر» عن تقيّ الدين السّبكي في «شرح المنهاج» أن البغوي نقل في أول تفسيره الاتفاق علي القراءة بقراءة يعقوب و أبي جعفر مع السبع المشهورة. قال:
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 98
السابع «1» إن شاء اللّه تعالي بيان اتفاق الفقهاء عن استتابة من قرأ بالشواذّ أو قرّأ بها «2».
قال أصحابنا و غيرهم: لو قرأ بالشواذّ في الصلاة، بطلت صلاته، إن كان عالما، و إن كان جاهلا، لم تبطل، و لم تحسب له تلك القراءة.
و قد نقل الإمام أبو عمر ابن عبد البرّ «3» الحافظ إجماع المسلمين علي أنه لا تجوز القراءة بالشاذّ، و أنه لا يصلّي خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ بالشاذّ، إن كان جاهلا به، أو بتحريمه، عرّف ذلك، فإن عاد إليه، أو كان عالما به، عزّر تعزيرا بليغا إلي أن ينتهي عن ذلك، و يجب علي كل متمكّن من الإنكار عليه و المنع، الإنكار عليه و منعه.

فصل‌

فصل
إذا ابتدأ بقراءة أحد القرّاء، فينبغي أن لا يزال علي القراءة بها، ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضي ارتباطه، فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة، و الأولي دوامه علي الأولي في هذا المجلس.
__________________________________________________
- و هذا القول هو الصواب ... و نقل ابن الجزري أيضا عن قاضي القضاة تاج الدين السبكي قوله: القراءات السبعة التي اقتصر عليها الشاطبي، و الثلاثة التي هي قراءة أبي جعفر و قراءة يعقوب و قراءة خلف، متواترة، معلومة من الدين بالضرورة، و كل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزّل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ... و قال:
و الصحيح أن ماوراء العشرة شاذ. «النشر في القراءات العشر» 1/ 44- 46.
(1) ص 152.
(2) في الأصل: من يقرأ بالشواذ إذا قرأ بها، و المثبت من (أ).
(3) هو يوسف بن عبد اللّه الأندلسي القرطبي، المالكي، حافظ المغرب، صاحب «التمهيد» و «الاستذكار» و غيرهما الكثير، مات سنة (463 ه-). «السير» 18/ 153.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 99

فصل‌

فصل
قال العلماء: الأولي «1» أن يقرأ علي ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثم آل عمران، ثم ما بعدها علي الترتيب، و سواء قرأ في الصلاة، أو في غيرها، حتي قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولي سورة قل أعوذ بربّ الناس، يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.
قال بعض أصحابنا: و يستحبّ إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها.
و دليل هذا أنّ ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا ما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الأولي سورة السجدة، و في الثانية «هل أتي علي الإنسان». و صلاة العيد: في الأولي «ق»، و في الثانية «اقتربت الساعة». و ركعتي سنة الفجر: في الأولي «قل يا أيها الكافرون» و في الثانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و ركعات الوتر:
في الأولي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي، و في الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، و في الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، و المعوّذتين «2».
و لو خالف الموالاة، فقرأ سورة لا تلي الأولي، أو خالف الترتيب، فقرأ سورة، ثم قرأ سورة قبلها، جاز. فقد جاءت بذلك آثار كثيرة، و قد قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في الركعة الأولي من الصبح بالكهف، و في الثانية بيوسف «3».
__________________________________________________
(1) في (أ) و (م): الاختيار.
(2) أدلة ما ذكر ستأتي في الباب الثامن في التعليقات ص 161- 163.
(3) أخرجه عبد الرزاق (2710) و ابن سعد 8/ 472 من طريقين عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عمر. و إسناده صحيح. و عند عبد الرزاق: أن عمر قرأ في صلاة الفجر بالكهف و يوسف، أو يوسف و هود ... و ليس عند ابن سعد ذكر يوسف.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 100
و قد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف. روي ابن أبي داود عن الحسن أنه كان يكره مخالفة ترتيب المصحف «1».
و بإسناده الصحيح عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال: ذلك منكوس القلب «2».
و أما قراءة السورة منكوسة من آخرها إلي أولها، فممنوع منعا مؤكّدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، و يزيل حكمة ترتيب الآيات. و قد روي ابن أبي داود عن إبراهيم النّخعيّ الإمام التابعيّ الجليل، و الإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك، و أن مالكا كان يعيبه، و يقول: هذا عظيم.
و أما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلي أوله، فحسن، ليس من هذا الباب، فإن ذلك قراءات متفاصلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة علي ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة، فتجتمع القراءة و النظر. هكذا قاله القاضي حسين «3» من أصحابنا، و الإمام أبو حامد الغزالي، و جماعات من السلف.
و نقل الغزالي في «الإحياء» أن كثيرين «4» من الصحابة رضي اللّه عنهم
__________________________________________________
(1) في (أ) و (م): يكره أن يقرأ القرآن إلا علي تأليفه في المصحف.
(2) و أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 564.
(3) هو القاضي حسين بن محمد بن أحمد، أبو علي المروزيّ، شيخ الشافعية، تفقّه بأبي بكر القفّال المروزيّ، و من تلاميذه أبو محمد البغوي. مات سنة (462). «السير» 18/ 260.
(4) في الأصل: الأكثرين، و المثبت من هامش الأصل و (م). و انظر «الإحياء» 1/ 279.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 101
كانوا يقرءون من المصحف، و يكرهون أن يخرج يوم و لا ينظرون في المصحف «1».
و روي ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثير من السلف، و لم أر فيه خلافا.
و لو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فتختار القراءة في المصحف لمن استوي خشوعه و تدبّره في حالتي القراءة من المصحف و عن ظهر القلب، و تختار القراءة عن ظهر القلب لمن يكمل بذلك خشوعه و تدبّره، و يزيد علي خشوعه و تدبّره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا «2».
و الظاهر أن كلام السلف و فعلهم محمول علي هذا التفصيل.

فصل في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين، و فضل القارئين من الجماعة و السامعين، و بيان فضيلة من جمعهم عليها و حرّضهم و ندبهم إليها

فصل في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين، و فضل القارئين من الجماعة و السامعين، و بيان فضيلة من جمعهم عليها و حرّضهم و ندبهم إليها
اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، و أفعال السّلف و الخلف المتظاهرة، فقد صحّ عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم من رواية أبي هريرة رضي اللّه عنه، و أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه، أنه قال: «ما من قوم يذكرون اللّه إلا حفّت بهم الملائكة، و غشيتهم الرّحمة، و نزلت عليهم السّكينة، و ذكرهم اللّه
__________________________________________________
(1) أخرج عبد الرزاق (5979)، و أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 46، و ابن أبي شيبة 10/ 531، و الفريابي في «فضائل القرآن» ص 227 عن عبد اللّه بن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف. و إسناده حسن إليه.
(2) و قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 9/ 78: القراءة في المصحف أسلم من الغلط، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرّياء، و أمكن للخشوع، و الذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال و الأشخاص.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 102
فيمن عنده». قال الترمذي: حديث حسن صحيح «1».
و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه تعالي، يتلون كتاب اللّه تعالي، و يتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و حفّتهم الملائكة، و ذكرهم اللّه فيمن عنده» رواه مسلم، و أبو داود بإسناده صحيح علي شرط البخاريّ و مسلم «2».
و عن معاوية رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم خرج علي حلقة من أصحابه، فقال: «ما يجلسكم»؟ فقالوا: جلسنا نذكر اللّه تعالي، و نحمده علي ما هدانا للإسلام، و منّ علينا به، فقال: «أتاني جبريل صلّي اللّه عليه و سلّم، فأخبرني أن اللّه تعالي يباهي بكم الملائكة». رواه الترمذيّ و النسائيّ، و قال الترمذيّ:
حديث حسن «3». و الأحاديث في هذا كثيرة.
و روي الدارميّ بإسناده عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: من استمع إلي آية من كتاب اللّه تعالي كانت له نورا «4».
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي (3378)، و هو أيضا في صحيح مسلم (2700) بلفظ: «لا يقعد قوم يذكرون اللّه عزّ و جلّ إلا حفّتهم الملائكة ...» و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (11875).
(2) صحيح مسلم (2699)، و سنن أبي داود (1455). و هو في «مسند» أحمد (7427).
(3) هو في صحيح مسلم (2701)، و سنن الترمذي (3379)، و السنن الصغري (المجتبي) للنسائي 8/ 249، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (16835).
(4) أخرجه الدارمي (3367)، و الفريابي في «فضائل القرآن» (64) من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. و أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 26 عن حجّاج بن محمد المصّيصي، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس ... لم يذكر عطاء في الإسناد. و أخرج الإمام أحمد في «المسند» (8494) من طريق عبّاد بن ميسرة، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة مرفوعا: «من استمع إلي آية من كتاب اللّه عز و جل،
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 103
و روي ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي اللّه عنه كان يدرس القرآن مع نفر يقرءون جميعا.
و روي فضل الدراسة «1» مجتمعين عن جماعة من أفاضل السّلف و الخلف و قضاة المتقدمين.
و عن حسان بن عطيّة «2» و الأوزاعيّ «3» أنهما قالا: أوّل من أحدث الدراسة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل «4» في قدمته علي عبد الملك «5».
و أما ما روي ابن أبي داود عن الضّحّاك بن عبد الرحمن بن عرزب «6» أنه أنكر هذه الدراسة و قال: ما رأيت و لا سمعت، و قد أدركت أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم. يعني ما رأيت أحدا فعلها. و عن ابن وهب قال: قلت لمالك:
__________________________________________________
كتبت له حسنة مضاعفة، و من تلاها كانت له نورا يوم القيامة» و عبّاد بن ميسرة ليّن الحديث، و الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة. و أخرجه ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (56) من طريق ليث بن أبي سليم، عن رجل يقال له: الحسن، قوله. و ليث بن أبي سليم ضعيف.
(1) في (أ) و (م): و روي ابن أبي داود فعل الدراسة.
(2) هو الإمام الحجة، أبو بكر المحاربي مولاهم، الدّمشقي، من شيوخ الأوزاعي، بقي إلي حدود سنة ثلاثين و مائة. «السير» 5/ 466.
(3) هو عبد الرحمن بن عمرو، أبو عمرو الأوزاعيّ، عالم أهل الشام، كان يسكن بمحلة الأوزاع، و هي العقيبة الصغيرة، ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحوّل إلي بيروت مرابطا، إلي أن مات بها سنة (157 ه). «السير» 7/ 107.
(4) هو المخزومي، و إلي المدينة، و كانت بنته زوجة الخليفة عبد الملك بن مروان، ولّاه عبد الملك علي المدينة سنة اثنتين و ثمانين، و صرف عنها سنة سبع و ثمانين بعمر بن عبد العزيز، في خلافة الوليد بن عبد الملك، و مات بعد سنة سبع و ثمانين. «الأعلام» للزركلي 8/ 84.
(5) هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، الخليفة الأموي، من رجال الدهر، و دهاة الرجال، و كان الحجاج من ذنوبه. مات سنة (86 ه-). «السير» 4/ 246.
(6) هو الأمير، نائب دمشق لعمر بن عبد العزيز، أبو عبد الرحمن الأشعري. قال أبو مسهر:
كان من خير الولاة. مات سنة (105). «السير» 4/ 603.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 104
أ رأيت القوم يجتمعون، فيقرئون جميعا سورة واحدة حتي يختموها؟ فأنكر ذلك و عابه، و قال: ليس هكذا كان يصنع الناس، إنما كان يقرأ الرجل علي الآخر يعرضه، فهذا الإنكار منهما «1» مخالف لما عليه السّلف و الخلف، و لما يقتضيه الدليل، فهو متروك، و الاعتماد علي ما تقدم من استحبابها، لكن للقراءة في حال الاجتماع شروط قد بيّنّاها، ينبغي أن يعتني بها، و اللّه أعلم.
و أما فضيلة من يجمعهم علي القراءة، ففيها نصوص كثيرة، كقوله صلّي اللّه عليه و سلّم:
«الدالّ علي الخير كفاعله» «2» و قوله صلّي اللّه عليه و سلّم: «لأن يهدي اللّه بك رجلا، خير لك من حمر النّعم» «3». و الأحاديث فيه كثيرة، و قد قال اللّه تعالي: وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي [المائدة: 2]. و لا شكّ في عظم أجر الساعي في ذلك.

فصل في الإدارة بالقرآن‌

فصل في الإدارة بالقرآن
و هي أن يجتمع جماعة، يقرأ بعضهم عشرا، أو جزءا، أو غير ذلك، ثم يسكت، و يقرأ الآخر من حيث انتهي الأول، ثم يقرأ الآخر. و هذا جائز حسن، و قد سئل مالك رحمه اللّه عنه، فقال: لا بأس به.
__________________________________________________
(1) لفظة «منهما» من (أ) و (م).
(2) حديث صحيح، أخرجه الطبراني في «الكبير» 17/ (628)- (632)، و بنحوه أخرجه مسلم (1893)، و أبو داود (5129)، و الترمذي (2671) و غيرهم من حديث أبي مسعود رضي اللّه عنه، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (17084).
(3) أخرجه البخاري (2942)، و مسلم (2406) من حديث سهل بن سعد رضي اللّه عنه. قوله:
حمر النّعم؛ قال المصنف في «شرح مسلم» 15/ 178: هي الإبل الحمر، و هي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشي‌ء، و أنه ليس هناك أعظم منه، ...، و تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا، إنما هو للتقريب من الأفهام، و إلا، فذرّة من الآخرة الباقية، خير من الأرض بأسرها، و أمثالها معها، لو تصوّرت.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 105

فصل في رفع الصوت بالقراءة

فصل في رفع الصوت بالقراءة
هذا فصل مهمّ، ينبغي أن يعتني به:
اعلم أنه جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح، و غيره، دالّة علي استحباب رفع الصوت بالقراءة، و جاءت آثار دالّة علي استحباب الإخفاء، و خفض الصوت، و سنذكر منها طرفا يسيرا إشارة إلي أصلها، إن شاء اللّه تعالي.
قال أبو حامد الغزاليّ و غيره من العلماء: و طريق الجمع بين الأخبار و الآثار المختلفة في هذا، إن كان الإسرار أبعد من الرّياء، فهو أفضل في حقّ من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء بالجهر، و رفع الصوت، فالجهر و رفع الصوت أفضل، لأنّ العمل فيه أكثر، و لأن فائدته تتعدّي إلي غيره، و النفع المتعدّي أفضل من اللازم، و لأنه يوقظ قلب القارئ، و يجمع همّته «1» إلي الفكر فيه، و يصرف سمعه إليه، و يطرد النوم، و يزيد في النشاط، و يوقظ غيره من نائم، أو غافل، و ينشّطه.
قالوا: و مهما حضره شي‌ء من هذه النيّات، فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات، تضاعف الأجر.
قال الغزالي رحمه اللّه: و لهذا قلنا: القراءة في المصحف أفضل «2».
فهذا حكم المسألة.
و أما الآثار، فكثيرة، و أنا أشير إلي أطراف من بعضها:
ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يقول: «ما أذن اللّه لشي‌ء ما أذن لنبيّ حسن الصوت، يتغنّي بالقرآن، يجهر به»
__________________________________________________
(1) في (أ) و هامش الأصل: همّه.
(2) «الإحياء» 1/ 279.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 106
رواه البخاريّ و مسلم «1». معني أذن: استمع، و هو إشارة إلي الرّضا و القبول.
و عن أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال له: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود». رواه البخاريّ و مسلم «2». و في رواية مسلم «3» أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «لو رأيتني و أنا أستمع لقراءتك البارحة» «4».
رواه مسلم أيضا من رواية بريدة بن الحصيب «5» «6».
و عن فضالة بن عبيد «7» رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «للّه أشدّ أذنا إلي الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلي قينته». رواه ابن ماجة «8».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (7544)، و صحيح مسلم (792)، و هو في «مسند» أحمد (9805).
(2) صحيح البخاري (5048)، و صحيح مسلم (793): (236).
(3) في النسخ: «لمسلم»، و الصواب ما أثبتناه.
(4) هو حديث مسلم (793): (236)، المذكور في التعليق (2). و وقع في الأصل: لقد رأيتني، و المثبت من صحيح مسلم.
(5) صحيح مسلم (793): (235).
(6) بريدة بن الحصيب هو صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، شهد خيبر، و الفتح، و كان معه اللواء، و استعمله النبي صلّي اللّه عليه و سلّم علي صدقة قومه، مات سنة (62). «السير» 2/ 469.
(7) هو الأنصاريّ الأوسيّ صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، من أهل بيعة الرضوان، ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق، و كان يعدّ من كبار القرّاء. مات سنة (53 ه-) و دفن بباب الصغير بدمشق. «السير» 3/ 113.
(8) سنن ابن ماجة (1340)، و قد أخرجه من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد اللّه، عن ميسرة مولي فضالة، عن فضالة بن عبيد، به. و ميسرة مولي فضالة مجهول، لم يرو عنه غير إسماعيل بن عبيد اللّه، قال الذهبي في «الكاشف»:
نكرة. ا ه-. و الوليد بن مسلم- و إن كان ثقة- يدلّس و يسوّي، و قد رواه أيضا عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد اللّه، عن فضالة لم يذكر ميسرة. و هذا إسناد منقطع.
إسماعيل بن عبيد اللّه لا يروي عن فضالة. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (23947). قوله: أذنا، بفتح الهمزة و الذال، أي: استماعا. قاله المصنف.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 107
و عن أبي موسي رضي اللّه عنه أيضا قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون «1»، و أعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، و إن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار». رواه البخاريّ و مسلم «2».
و عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم». رواه أبو داود و النسائيّ و غيرهما «3».
و عن ابن أبي داود عن عليّ رضي اللّه عنه أنه سمع ضجّة ناس في المسجد يقرءون القرآن، فقال: طوبي لهؤلاء، كانوا أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم «4».
و في إثبات الجهر أحاديث كثيرة.
و أما الآثار عن الصحابة و التابعين من أقوالهم و أفعالهم، فأكثر من أن تحصر، و أشهر من أن تذكر، و هذا كلّه فيمن لا يخاف رياء و لا إعجابا، و لا نحوهما من القبائح، و لا يؤذي جماعة، بلبس صلاتهم، و تخليطها عليهم.
__________________________________________________
(1) في (أ) و هامش الأصل: يرحلون. و انظر التعليق التالي.
(2) صحيح البخاري (4232)، و صحيح مسلم (2499). قال الحافظ في «الفتح» 7/ 487: «حين يدخلون» بالدال و الخاء المعجمة، لجميع رواة البخاري و مسلم، و حكي عياض عن بعض رواة مسلم بالراء و الحاء المهملة، و صوّبها الدّمياطيّ في البخاري، و هو عجيب منه، فإن الرواية بالدال و المعجمة، و المعني صحيح، فلا معني للتغيير، و قد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء و المهملة. قال النووي: و الرواية الأولي صحيحة، أو أصح، و المراد: يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلي المسجد، أو إلي شغل ما، ثم رجعوا.
(3) سنن أبي داود (1468)، و «المجتبي» 2/ 180، و هو حديث صحيح، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (18494).
(4) أخرجه البزار (2324) (زوائد)، و الطبراني في «الأوسط» (7304)، و إسناداهما ضعيفان.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 108
و قد نقل عن جماعة من السّلف اختيار الإخفاء، لخوفهم مما ذكرناه:
فعن الأعمش «1» قال: دخلت علي إبراهيم «2» و هو يقرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل فغطّاه، و قال: لا يري هذا أني كنت أقرأ كلّ ساعة.
و عن أبي العالية «3» قال: كنت جالسا مع أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و رضي عنهم، فقال رجل: قرأت الليلة كذا، فقالوا: هذا حظّك منه.
و يستدل هؤلاء بحديث عقبة بن عامر «4» رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقول: «الجاهر بالقرآن، كالجاهر بالصّدقة، و المسرّ بالقرآن، كالمسرّ بالصّدقة». رواه أبو داود و الترمذيّ و النسائيّ «5». قال الترمذيّ: هذا حديث حسن.
قال الترمذي: معني هذا الحديث أن الذي يسرّ بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها. لأن صدقة السّرّ أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، قال:
و إنما معني هذا عند أهل العلم، لكي يأمن الرجل من العجب، لأن الذي يسرّ بالعمل لا يخاف عليه من العجب، كما يخاف عليه من علانيته.
قلت: و كلّ هذا موافق لما تقدّم تقريره في أول الفصل من التفصيل،
__________________________________________________
(1) هو سليمان بن مهران أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم، الكوفي، شيخ المقرئين و المحدّثين، رأي أنس بن مالك، مات سنة (148 ه). «السير» 6/ 226.
(2) هو ابن يزيد النّخعي، و قد سلفت ترجمته ص 68.
(3) هو رفيع بن مهران، البصري، المقرئ، المفسر، أدرك زمان النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و أسلم في خلافة أبي بكر الصديق، مات سنة (93 ه). «السير» 4/ 207.
(4) هو الجهني، صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، كان عالما مقرئا فصيحا، فقيها فرضيا، شاعرا كبير الشأن، و كان البريد إلي عمر بفتح دمشق، مات بمصر سنة (58)، و قبره بالمقطّم.
«السير» 2/ 467.
(5) سنن أبي داود (1333)، و سنن الترمذي (2919)، و «المجتبي» 5/ 80، و هو حديث صحيح، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (17368).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 109
و أنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره، لم يجهر، و إن لم يخف، استحبّ له الجهر، فإن كانت القراءة في جماعة مجتمعين، تأكّد استحباب الجهر لما قدّمناه، و لما يحصل فيه من نفع غيرهم، و اللّه أعلم.

فصل في استحباب تحسين الصوت بالقرآن‌

فصل في استحباب تحسين الصوت بالقرآن
أجمع العلماء رضي اللّه عنهم من السّلف و الخلف من الصحابة و التابعين، و من بعدهم، من علماء الأمصار أئمة المسلمين، علي استحباب تحسين الصوت بالقرآن، و أقوالهم و أفعالهم مشهورة نهاية الشّهرة، فنحن مستغنون عن نقل شي‌ء من أفرادها. و دلائل هذا من حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم مستفيضة عند العامة و الخاصة، كحديث: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» و حديث: «لقد أوتي مزمارا». و حديث: «ما أذن اللّه». و حديث: «للّه أشدّ أذنا». و قد تقدّمت كلّها في الفصل السابق «1»، و تقدّم في فصل الترتيل حديث عبد اللّه بن مغفّل في ترجيع النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم القراءة «2». و كحديث سعد بن أبي وقاص، و كحديث أبي لبابة رضي اللّه عنهما أن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «من لم يتغنّ بالقرآن، فليس منّا» رواهما أبو داود بإسنادين جيدين «3»، و في إسناد سعد اختلاف لا يضرّ. قال جمهور العلماء: معني لم يتغنّ: لم يحسّن صوته به.
و حديث البراء رضي اللّه عنه قال: سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في العشاء بالتين و الزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه. رواه البخاريّ و مسلم «4».
__________________________________________________
(1) تقدم ص 105- 107.
(2) تقدم ص 93.
(3) سنن أبي داود (1470) و (1471). و قد أخرجه البخاري (7527)، من حديث أبي هريرة، و انظر تتمة تخريج حديث سعد في «مسند» أحمد (1476).
(4) صحيح البخاري (769)، و صحيح مسلم (464) (177)، و هو في «مسند» أحمد (18566).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 110
قال العلماء رحمهم اللّه: فيستحبّ تحسين الصوت بالقراءة و ترتيبها ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتي زاد حرفا أو أخفاه، فهو حرام.
و أما القراءة بالألحان، فقد قال الشافعيّ رحمه اللّه في موضع: أكرهها.
و قال في موضع: لا أكرهها.
قال أصحابنا: ليست علي قولين، بل فيه تفصيل، فإن أفرط في التمطيط، فجاوز الحدّ، فهو الذي كرهه، و إن لم يجاوز، فهو الذي لم يكرهه.
و قال قاضي القضاة «1» في كتابه «الحاوي»: القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه، أو إخراج حركات منه «2»، أو قصر ممدود، أو مدّ مقصور «3»، أو تمطيط يخلّ به اللفظ، و يلتبس «4» به المعني، فهو حرام، يفسق به القارئ، و يأثم به المستمع، لأنه عدل به عن نهجه القويم إلي الاعوجاج، و اللّه تعالي يقول: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزّمر: 28]. قال: فإن لم يخرجه اللحن عن لفظه و قراءته علي ترتيله، كان مباحا، لأنه زاد بألحانه في تحسينه. هذا كلام أقضي القضاة.
و هذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرّمة مصيبة «5» ابتلي بها بعض العوامّ الجهلة، و الطّغام الغشمة الذين يقرءون علي الجنائز، و في بعض المحافل، و هذه بدعة محرّمة ظاهرة، يأثم كلّ مستمع لها، كما قاله أقضي القضاة، و يأثم كلّ قادر علي إزالتها، أو علي النهي عنها، إذا لم يفعل ذلك، و قد بذلت فيها بعض قدرتي، و أرجو من فضل اللّه الكريم أن يوفّق
__________________________________________________
(1) هو الماوردي المتوفي سنة (450 ه-) و قد سلفت ترجمته ص 79.
(2) في (أ) و هامش الأصل: عنه. (نسخة).
(3) في الأصل: أو قصر ممدودا، أو مدّ مقصورا، و المثبت من (أ)، و المطبوع.
(4) في هامش الأصل: يلبّس. (نسخة).
(5) في الأصل: معصية، و المثبت من (أ) و (م).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 111
لإزالتها من هو أهل لذلك، و أن يجعله في عافية.
قال الشافعيّ في مختصر المزنيّ «1» رحمهما اللّه: و يحسّن صوته بأيّ وجه كان. قال: و أحبّ ما يقرأ حدرا و تحزينا.
قال أهل اللغة: يقال: حدرت القراءة: إذا أدرجتها، و لم تمطّطها، و يقال: فلان يقرأ بالتحزين: إذا أرقّ «2» صوته.
و قد روي ابن أبي داود بإسناده عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) فحزّنها شبه الرّثاء، و في «سنن» أبي داود: قيل لابن أبي مليكة: أ رأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: يحسّنه ما استطاع «3».

فصل في استحباب القراءة الطيّبة من حسن الصوت‌

فصل في استحباب القراءة الطيّبة من حسن الصوت
اعلم أن جماعات من السّلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرءوا، و هم يستمعون، و هذا متفق علي استحبابه، و هو عادة الأخيار و المتعبّدين، و عباد اللّه الصالحين.
و هو سنة ثابتة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، فقد صحّ عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «اقرأ عليّ القرآن». فقلت: يا رسول اللّه، أقرأ عليك و عليك أنزل؟! قال: «إني أحبّ أن أسمعه من غيري».
فقرأت عليه سورة النساء، حتي جئت إلي هذه الآية: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً (41) قال: «حسبك الآن».
__________________________________________________
(1) هو إسماعيل بن يحيي بن إسماعيل، أبو إبراهيم، المزني، المصري، تلميذ الشافعي.
كان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي. توفي بمصر سنة (264). «السير» 12/ 492.
(2) في (م): رقّق، و كلاهما بمعني، ضد غلّظ.
(3) سنن أبي داود (1471)، و سلف ذكر الحديث ص 109.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 112
فالتفتّ إليه، فإذا عيناه تذرفان. رواه البخاريّ و مسلم «1».
و روي الدارميّ و غيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، أنه كان يقول لأبي موسي الأشعري رضي اللّه عنه: ذكّرنا ربّنا، فيقرأ عنده «2».
و الآثار في هذا كثيرة معروفة، و قد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، و اللّه أعلم.
و قد استحبّ بعض العلماء أن يستفتح مجلس حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و يختم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسّر من القرآن.
ثم إنه ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلس و يناسبه، و أن تكون قراءته في آيات الخوف و الرجاء، و المواعظ و التزهيد في الدنيا، و الترغيب في الآخرة، و التأهّب لها، و قصر الأمل، و مكارم الأخلاق.

فصل‌

فصل
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة، أو وقف علي غير آخرها، أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، و أن يقف علي آخر «3» الكلام المرتبط، و لا يتقيّد بالأعشار و الأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط، كالجزء الذي في قوله تعالي: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف: 53]، و في قوله تعالي: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء: 24]، و في قوله
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (4582)، و صحيح مسلم (800)، و هو في «مسند» أحمد (3606).
(2) أخرجه عبد الرزاق (4180)، و أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 79، و الدارمي (3493) من طريق ابن شهاب الزّهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب، به.
قال البخاري: أبو سلمة عن عمر منقطع.
(3) كلمة «آخر» من (أ)، و قد جاء في هامش الأصل كلمة «الأجزاء» دون إشارة إلي موضعها من السطر.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 113
تعالي: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ [النمل: 56]، و في قوله تعالي:
وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ [الأحزاب: 31]، و في قوله تعالي: وَ ما أَنْزَلْنا عَلي قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ [يس: 28]، و في قوله تعالي: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت: 47]، و في قوله تعالي: وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا [الجاثية:
33]، و في قوله تعالي: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ [الذاريات: 31].
و كذلك الأحزاب، كقوله تعالي: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة: 203]، و قوله تعالي: قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ [آل عمران: 15]، فكلّ هذا و شبهه ينبغي أن لا يبتدأ به، و لا يوقف عليه، فإنه متعلّق بما قبله، و لا تغترّ بكثرة الفاعلين له من القرّاء الذين لا يراعون هذه الآداب، و لا يفكّرون في هذه المعاني. و ليمتثل ما رواه الحاكم أبو عبد اللّه «1» بإسناده عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي اللّه عنه. قال: لا تستوحش طرق الهدي لقلّة أهلها، و لا تغترّنّ بكثرة الهالكين «2».
و لهذا المعني قال العلماء: قراءة سورة قصيرة بكمالها، أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنه قد يخفي الارتباط علي بعض الناس في بعض الأحوال.
و قد روي ابن أبي داود بإسناده عن عبد اللّه بن أبي الهذيل «3» التابعي المعروف قال: كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية، و يتركوا بعضها «4».
__________________________________________________
(1) هو محمد بن عبد اللّه بن محمد، أبو عبد اللّه ابن البيّع الضّبيّ، الحافظ الناقد، صاحب «المستدرك» و غيره. مات سنة (405 ه) «السير» 17/ 162.
(2) في (م) و النسخة المصرية زيادة: و لا يضرك قلة السالكين.
(3) هو أبو المغيرة العنزي، الكوفي، الإمام العابد، مات في ولاية خالد القسري علي العراق. «السير» 4/ 170.
(4) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 96، و ابن أبي شيبة 10/ 552.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 114

فصل في أحوال تكره فيها القراءة

فصل في أحوال تكره فيها القراءة
اعلم أن قراءة القرآن محبوبة علي الإطلاق، إلا في أحوال مخصوصة جاء الشرع بالنهي عن القراءة فيها، و أنا أذكر ما حضرني الآن منها مختصرة بحذف الأدلة، فإنها مشهورة:
فتكره القراءة في حال الركوع و السجود «1» و التشهّد، و غيرها من أحوال الصلاة، سوي القيام.
و تكره قراءة ما زاد علي الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام.
و تكره حالة القعود في الخلاء، و في حالة النعاس، و كذا إذا استعجم عليه القرآن.
و كذا حالة الخطبة لمن يسمعها، و لا تكره لمن لا يسمعها، بل تستحب.
هذا هو المختار الصحيح، و جاء عن طاوس «2» كراهتها، و عن إبراهيم عدم الكراهة، فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بما قلناه كما ذكره أصحابنا.
و لا تكره القراءة في الطواف، هذا مذهبنا، و به قال أكثر العلماء، و حكاه ابن المنذر عن عطاء و مجاهد و ابن المبارك «3» و أبي
__________________________________________________
(1) أخرج مسلم (480) من حديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: نهاني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن أقرأ راكعا أو ساجدا. و أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (611) بأتم منه، و انظر تمام تخريجه فيه.
(2) هو ابن كيسان، أبو عبد الرحمن الفارسي، ثم اليمني، الجندي، الحافظ، الفقيه، عالم اليمن، أدرك خمسين من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و لازم ابن عباس مدة، و هو معدود في كبراء أصحابه. مات سنة (106 ه). «السير» 5/ 38.
(3) هو عبد اللّه بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم، التركي، ثم
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 115
ثور «1» و أصحاب الرأي. و حكي عن الحسن البصريّ و عروة بن الزبير «2» و مالك كراهة القراءة في الطواف، و الصحيح الأول.
و قد تقدم بيان الاختلاف في القراءة في الحمّام و في الطريق، و فيمن في فمه نجس «3».

فصل‌

فصل
و من البدع المنكرة في القراءة ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبّة، فيجمعون أمورا منكرة: منها اعتقادها «4» مستحبة، و منها إيهام العوامّ ذلك، و منها تطويل الركعة الثانية علي الأولي، و إنما السنّة تطويل الأولي علي الثانية، و منها التطويل علي المأمومين «5».
و من البدع المشابهة لهذه قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة «الم تنزيل» قاصدا ذلك، و إنما السّنة قراءة «الم تنزيل» في الركعة الأولي، و «هل أتي» في الثانية.
__________________________________________________
المروزيّ، شيخ الإسلام، و أمير الأتقياء في وقته، كان نسيج وحده. من كلامه: في صحيح الحديث شغل عن سقيمه. مات سنة (181 ه). «السير» 8/ 378.
(1) هو إبراهيم بن خالد، أبو ثور الكلبي، البغدادي، الفقيه، الحافظ، مفتي العراق. مات سنة (240 ه). «السير» 12/ 72.
(2) هو عروة بن الزبير بن العوّام، أبو عبد اللّه القرشي، الأسدي المدني، أحد الفقهاء السبعة، و كان أصغر من أخيه عبد اللّه بعشرين سنة، مات سنة (93 ه). «السير» 4/ 421.
(3) تقدم ص 79 و 82 و 83.
(4) في هامش الأصل: اعتقادهم أنها. (نسخة).
(5) في (م) و الطبعة المصرية زيادة: و منها هذرمة القراءة.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 116

فصل في مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها

فصل في مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها
منها أنه إذا كان يقرأ، فعرض له ريح، ينبغي أن يمسك عن القراءة حتي يتكامل خروجها، ثم يعود إلي القراءة. كذا رواه ابن أبي داود و غيره عن عطاء، و هو أدب حسن.
و منها أنه إذا تثاءب، أمسك عن القراءة، حتي ينقضي التثاؤب، ثم يقرأ. قاله مجاهد، و هو حسن «1»، و يدلّ عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم «إذا تثاءب أحدكم، فليمسك بيده علي فمه، فإنّ الشيطان يدخل» رواه مسلم «2».
و منها أنه إذا قرأ قول اللّه عز و جل: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30]. وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64]. وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً [الأنبياء: 26]. و نحو ذلك من الآيات، فينبغي أن يخفض بها صوته. كذا كان إبراهيم النّخعيّ رضي اللّه عنه يفعل.
و منها ما رواه ابن أبي داود بإسناد ضعيف عن الشعبي أنه قيل له: إذا قرأ الإنسان: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) [الأحزاب]، يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و سلّم؟ قال: نعم.
و منها أنه يستحبّ أن يقول ما رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم
__________________________________________________
(1) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 56.
(2) صحيح مسلم (2995)، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد (11262). و قوله:
«فإن الشيطان يدخل» كناية عن تمكّنه منه. قال ابن العربي: كلّ فعل مكروه نسبه الشرع إلي الشيطان، لأنه واسطته .... قال: و التثاؤب من الامتلاء، و ينشأ عنه التكاسل، و ذلك بواسطة الشيطان. انظر «الفتح» 10/ 612.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 117
أنه قال: «من قرأ: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ (1) فقرأ: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) فليقل: بلي، و أنا علي ذلك من الشاهدين». رواه أبو داود و الترمذيّ بإسناد ضعيف عن رجل أعرابيّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه «1».
قال الترمذي: و هذا الحديث إنما يروي بهذا الإسناد عن الأعرابيّ عن أبي هريرة، و لا يسمّي.
و روي ابن أبي داود و غيره في هذا الحديث زيادة علي رواية أبي داود و الترمذي «2»: «و من قرأ آخر لا أقسم بيوم القيامة: أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلي أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتي (40) فليقل: بلي و أنا أشهد. و من قرأ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) فليقل: آمنت باللّه».
و عن ابن عباس و الزبير و أبي موسي الأشعريّ رضي اللّه عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) قال: سبحان ربي الأعلي، و عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه كان يقول فيها: سبحان ربي الأعلي، ثلاث مرات.
و عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه صلّي، فقرأ آخر بني إسرائيل، ثم قال: الحمد للّه الذي لم يتّخذ ولدا.
و قد نصّ بعض أصحابنا علي أنه يستحب أن يقال في الصلاة ما قدّمناه في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه في السور الثلاث، و كذلك يستحب أن يقال باقي ما ذكرناه، و ما كان في معناه، و اللّه أعلم «3».
__________________________________________________
(1) سنن أبي داود (887)، و سنن الترمذي (3347)، و قد بيّن المصنّف علّته، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد (7391).
(2) الزيادة التي ذكرها المصنّف هي عند أبي داود في الحديث المذكور آنفا. و لعل ما ذكره المصنف من عدم وجودها عنده راجع إلي اختلاف نسخ السنن.
(3) انظر «مصنف» عبد الرزاق (4050) و (4051)، و «فضائل القرآن» لأبي عبيد ص 72- 73،
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 118

فصل في قراءة القرآن يراد بها الكلام‌

فصل في قراءة القرآن يراد بها الكلام
ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا، فروي عن إبراهيم النّخعي رحمه اللّه أنه كان يكره أن يتأوّل القرآن بشي‌ء يعرض من أمر الدنيا «1».
و عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة:
وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ (1) وَ طُورِ سِينِينَ (2) ثم رفع صوته، و قال: وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) «2».
و عن حكيم- بضم الحاء- بن سعد «3» أن رجلا من المحكّمة أتي عليا رضي اللّه عنه و هو في صلاة الصبح فقال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:
65]، فأجابه عليّ رضي اللّه عنه و هو في الصلاة: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) [الروم].
قال أصحابنا: و إذا استأذن إنسان علي المصلي، فقال المصلي:
ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر: 46] فإن أراد التلاوة، أو التلاوة و الإعلام، لم تبطل صلاته، و إن أراد الإعلام، و لم يحضره نيّة، بطلت صلاته.

فصل‌

فصل
إذا كان يقرأ ماشيا، فمرّ علي قوم، يستحبّ أن يقطع القراءة، و يسلّم عليهم، ثم يرجع إلي القراءة، و لو أعاد التعوّذ، كان حسنا.
__________________________________________________
و «تفسير الطبري» 30/ 151، و «شعب الإيمان» (2098) و (2100)، و «الدر المنثور» 6/ 338- 339.
(1) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 58، و ابن أبي شيبة 10/ 15.
(2) أورده القرطبي في «التفسير» 20/ 112- 113، و السيوطي في «الدّرّ المنثور» 6/ 366 بأطول منه، و نسبه إلي عبد بن حميد و ابن الأنباري في «المصاحف».
(3) حكيم بن سعد الحنفي، أبو تحيي الكوفي، من الطبقة الوسطي من التابعين، له رواية عن بعض الصحابة. و هو من رجال «التهذيب».
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 119
و لو كان يقرأ جالسا، فمرّ عليه غيره، فقد قال الإمام أبو الحسن الواحديّ «1»:
الأولي ترك السلام علي القارئ، لاشتغاله بالتلاوة، قال: فإن سلّم عليه إنسان، كفاه الردّ بالإشارة. قال: فإن أراد الردّ باللفظ، ردّه، ثم استأنف الاستعاذة، و عاود التلاوة. و هذا الذي قاله ضعيف. و الظاهر وجوب الرّدّ باللفظ، فقد قال أصحابنا: إذا سلّم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة، و قلنا: الإنصات سنة، وجب ردّ السلام علي أصحّ الوجهين. فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات و تحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولي، مع أن ردّ السلام واجب في الجملة، و اللّه أعلم.
و أمّا إذا عطس في حال القراءة، فإنه يستحبّ أن يقول: الحمد للّه، و كذا لو كان في الصلاة، و لو عطس غيره و هو يقرأ في غير الصلاة، و قال:
الحمد للّه، يستحبّ للقارئ أن يشمّته، فيقول: يرحمك اللّه. و لو سمع المؤذن، قطع القراءة، و أجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان و الإقامة، ثم يعود إلي قراءته، و هذا متفق عليه عند أصحابنا. و أما إذا طلب منه حاجة في حال القراءة، و أمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة، و علم أنه لا ينكسر قلبه، و لا يحصل له شي‌ء من الأذي للأنس الذي بينهما و نحوه، فالأولي أن يجيبه بالإشارة، و لا يقطع القراءة، فإن قطعها، جاز، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
إذا ورد علي القارئ من فيه فضيلة من علم، أو صلاح، أو شرف، أو سنّ مع صيانة، أو له حرمة بولاية، أو ولادة، أو غيرهما، فلا بأس بالقيام
__________________________________________________
(1) هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسن الواحديّ، النّيسابوري، الشافعي، صاحب التفسير، و إمام علماء التأويل، لزم أبا إسحاق الثّعلبي، و أكثر عنه، مات بنيسابور سنة (468 ه). «السير» 18/ 339.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 120
له، علي سبيل الاحترام و الإكرام، لا للرياء و الإعظام، بل ذلك مستحبّ، و قد ثبت القيام للإكرام من فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و فعل أصحابه رضي اللّه عنهم بحضرته، و بأمره، و من فعل التابعين، و من بعدهم من العلماء و الصالحين، و قد جمعت جزءا في القيام «1»، و ذكرت فيه الأحاديث و الآثار الواردة باستحبابه، و النهي عنه، و بيّنت فيه ضعف الضعيف منها، و صحة الصحيح، و الجواب عما يتوهّم منه النهي، و ليس فيه نهي، و أوضحت ذلك كلّه بحمد اللّه تعالي، فمن شكّ في شي‌ء من أحاديثه، فليطالعه، يجد ما يزول به شكّه إن شاء اللّه تعالي.

فصل في أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة في الصلاة، أبالغ في اختصارها، فإنها مشهورة في كتب الفقه‌

فصل في أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة في الصلاة، أبالغ في اختصارها، فإنها مشهورة في كتب الفقه
منها أنه تجب القراءة في الصلاة المفروضة بإجماع العلماء.
ثم قال مالك و الشافعيّ و أحمد رحمهم اللّه و جماهير العلماء: تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة.
و قال أبو حنيفة رضي اللّه عنه و جماعة: لا تتعين الفاتحة أبدا، و لا تجب القراءة في الركعتين الأخريين.
و الصواب الأول، فقد تظاهرت عليه الأدلة من السنة، و يكفي من ذلك قوله صلّي اللّه عليه و سلّم في الحديث الصحيح: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأمّ القرآن» «2».
__________________________________________________
(1) و قد طبع غير مرة.
(2) أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (490)، و ابن حبان (1789) و (1794) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (9898). و أخرج البخاري (756)، و مسلم (394) و غيرهما من حديث عبادة بن الصامت أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال:
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 121
و أجمعوا علي استحباب قراءة السورة بعد الفاتحة في ركعتي الصبح، و الأوليين من باقي الصلوات، و اختلفوا في استحبابها في الثالثة و الرابعة، و للشافعيّ رحمه اللّه فيها قولان: الجديد أنها تستحبّ، و القديم أنها لا تستحبّ.
قال أصحابنا: و إذا قلنا: تستحبّ، فلا خلاف أنه يستحبّ أن تكون أقلّ من القراءة في الأوليين. قالوا: و تكون القراءة في الثالثة و الرابعة سواء.
و هل يطوّل الأولي علي الثانية؟ فيه وجهان: أصحّهما عند جمهور أصحابنا أنه لا يطوّل. و الثاني و هو الصحيح عند المحقّقين أنه يطوّل، و هو المختار، للحديث الصحيح أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يطوّل في الأولي ما لا يطوّل في الثانية «1»، و فائدته أن يدرك المتأخر الركعة الأولي، و اللّه أعلم.
قال الشافعيّ رحمه اللّه: و إذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعتين الأخريين من الظهر، أو غيرها، ثم قام إلي الإتيان بما بقي، استحبّ له أن يقرأ السورة.
قال الجماهير من أصحابنا: هذا علي القولين. و قال بعضهم: هذا علي قوله: يقرأ السورة في الأخريين، أما علي الآخر، فلا. و الصواب الأول، لئلا تخلو صلاته من سورة، و اللّه أعلم. هذا حكم الإمام و المنفرد.
فأما المأموم، فإن كانت الصلاة سريّة، وجب عليه الفاتحة، و استحبّ له السورة، و إن كانت جهريّة، فإن كان يسمع قراءة الإمام، كره له قراءة السورة.
و في وجوب الفاتحة قولان: أصحّهما: تجب، و الثاني: لا تجب.
و إن كان لا يسمع القراءة، فالصحيح وجوب الفاتحة، و استحباب السورة،
__________________________________________________
(1) أخرج البخاري (759)، و مسلم (451) من حديث أبي قتادة قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، و سورتين، يطوّل في الأولي، و يقصّر في الثانية، و يسمع الآية أحيانا، و كان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب و سورتين، و كان يطوّل في الركعة الأولي من صلاة الصبح، و يقصّر في الثانية.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 122
و قيل: لا تجب الفاتحة، و قيل: تجب، و لا تستحبّ السورة، و اللّه أعلم.
و تجب قراءة الفاتحة في التكبيرة الأولي من صلاة الجنازة. أما قراءة الفاتحة في صلاة النافلة، فلا بدّ منها، و اختلف أصحابنا في تسميتها فيها، فقال القفّال «1»: تسمي واجبة، و قال صاحبه القاضي حسين: تسمي شرطا، و قال غيرهما: تسمّي ركنا، و هو الأظهر، و اللّه أعلم.
و العاجز عن الفاتحة في هذا كلّه يأتي ببدلها، فيقرأ بقدرها من غيرها من القرآن، فإن لم يحسن، أتي بقدرها من الأذكار، كالتسبيح و التهليل، و نحوهما، فإن لم يحسن شيئا، وقف بقدر الفاتحة، ثم يركع، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
لا بأس بالجمع بين سور «2» في ركعة واحدة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: لقد عرفت النظائر التي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرن بينهن. فذكر عشرين سورة من المفضّل، كل سورتين في ركعة «3». و قد قدّمنا عن جماعة من السلف قراءة ختمة في ركعة.
__________________________________________________
(1) هو عبد اللّه بن أحمد بن عبد اللّه، أبو بكر القفّال، المروزيّ، الخراساني، شيخ الشافعية، كان رأسا في الفقه، قدوة في الزهد. مات سنة (417 ه). «السير» 17/ 405. و جاء في حاشية الأصل ما نصه: القفّال المذكور هنا هو المروزي.
(2) في (م): سورتين.
(3) أخرجه البخاري (4996)، و مسلم (822) و سلف بقطعة أخري منه ص 94، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (3607)، و الحديث في سنن أبي داود (1396)، و فيه ذكر هذه النظائر: «النجم» و «الرحمن» في ركعة، و «اقتربت» و «الحاقّة» في ركعة، و «الطور» و «الذاريات» في ركعة، و «إذا وقعت» و «ن» في ركعة، و «سأل سائل» و «النازعات» في ركعة، و «ويل للمطففين» و «عبس» في ركعة، و «المدثّر» و «المزمّل» في ركعة، و «هل أتي» و «لا أقسم بيوم القيامة» في ركعة، و «عمّ يتساءلون» و «المرسلات» في ركعة، و «الدخان» و «إذا الشمس كورت» في
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 123

فصل‌

فصل
أجمع المسلمون علي استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الصبح، و الجمعة، و العيدين، و الأوليين من المغرب و العشاء، و في صلاة التراويح، و الوتر عقبها. و هذا مستحبّ للإمام و المنفرد بما ينفرد به منها، و أما المأموم، فلا يجهر بالإجماع.
و يسنّ الجهر في صلاة كسوف القمر، و لا يجهر في كسوف الشمس، و يجهر في الاستسقاء، و لا يجهر في الجنازة إذا صليت بالنهار، و كذا بالليل علي المذهب الصحيح المختار.
و لا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيدين و الاستسقاء.
و اختلف أصحابنا في نوافل الليل، فالأظهر أنه لا يجهر، و الثاني: يجهر، و الثالث، و هو اختيار «1» البغوي «2»: يقرأ بين الجهر و الإسرار.
و لو فاتته صلاة بالليل، فقضاها بالنهار، أو بالنهار، فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر و الإسرار وقت الفوات، أم وقت القضاء؟ فيه وجهان لأصحابنا:
أظهرهما الاعتبار بوقت القضاء، و لو جهر في موضع الإسرار، أو أسرّ في موضع الجهر، فصلاته صحيحة، لكنه ارتكب المكروه، و لا يسجد للسهو.
و اعلم أن الإسرار في القراءة و التكبيرات، و غيرها من الأذكار، هو أن
__________________________________________________
ركعة. ا ه. و سلف معني المفصّل ص 94.
(1) في (م): و الثالث، و هو الأصح، و به قطع القاضي حسين و البغوي ... الخ.
(2) هو الحسين بن مسعود بن محمد، أبو محمد البغويّ، الشافعيّ، محيي السنة، المفسّر، صاحب التصانيف مثل: «شرح السنة» و «معالم التنزيل» و «المصابيح» و «التهذيب» في المذهب، و غيرها. توفي بمروالرّوذ سنة (516 ه) و دفن بجانب شيخه القاضي حسين. «السير» 19/ 439.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 124
يقوله بحيث يسمع نفسه، و لا بدّ من نطقه، بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع، و لا عارض له، فإن لم يسمع، لم تصحّ قراءته، و لا غيرها من الأذكار، بلا خلاف.

فصل‌

فصل
قال أصحابنا: يستحبّ للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات في حال القيام:
إحداها: بعد تكبيرة الإحرام، ليقرأ دعاء التوجّه، و ليحرم المأمومون.
و الثانية: عقيب الفاتحة، سكتة لطيفة جدا بين آخر الفاتحة، و بين «آمين»، لئلا يتوهم أن «آمين» من الفاتحة.
و الثالثة: بعد «آمين» سكتة طويلة، بحيث يقرأ المأمومون الفاتحة.
و الرابعة: بعد الفراغ من السورة، يفصل بها بين القراءة، و بين تكبيرة الهويّ إلي الركوع «1».

فصل‌

فصل
يستحبّ لكلّ قارئ، في الصلاة كان، أو في غيرها، إذا فرغ من الفاتحة أن يقول: آمين، و الأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة «2»،
__________________________________________________
(1) أخرج البخاري (744)، و مسلم (598) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا كبّر في الصلاة، سكت هنيّة قبل أن يقرأ. و أخرج أبو داود (780)، و الترمذي (251) من حديث سمرة بن جندب قال: سكتتان حفظتهما عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ... إذا دخل في صلاته، و إذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: و إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ (7). قال: و كان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتي يترادّ إليه نفسه. قال الترمذي: حديث حسن. ا ه. و انظر تمام تخريج حديث أبي هريرة في «المسند» (7164)، و حديث سمرة برقمي: (20081) و (20127).
(2) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (18842) و غيره عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلّي اللّه عليه و سلّم
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 125
و قد قدّمنا في الفصل قبله أنه يستحبّ أن يفصل بين آخر الفاتحة و بين «آمين» بسكتة لطيفة، و معناه: اللهمّ استجب، و قيل: كذلك فليكن، و قيل:
افعل، و قيل: معناه: لا يقدر علي هذا أحد سواك، و قيل: معناه: لا تخيّب رجاءنا، و قيل: معناه: اللهمّ آمنّا بخير، و قيل: هو طابع اللّه علي عباده، يدفع به عنهم الآفات، و قيل: هي درجة في الجنة يستحقّها قائلها، و قيل:
هي اسم من أسماء اللّه تعالي، و أنكر المحققون و الجماهير هذا، و قيل: هو اسم عبراني معرّب، و قال أبو بكر الورّاق: هو قوة للدعاء، و استنزال للرحمة، و قيل غير ذلك.
و في «آمين» لغات، قال العلماء: أفصحها: آمين، بالمدّ، و تخفيف الميم، و الثانية بالقصر، و هاتان مشهورتان، و الثالثة: آمين، بالإمالة مع المدّ بينهما. حكاها الواحدي عن حمزة «1» و الكسائيّ «2»، و الرابعة بتشديد الميم مع المدّ، حكاها الواحديّ عن الحسن «3» و الحسين بن الفضل «4» قال:
و يتحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق «5» رضي اللّه عنه، قال: معناه قاصدين
__________________________________________________
قرأ: وَ لَا الضَّالِّينَ (7) فقال: «آمين». يمدّ بها صوته، و هو حديث صحيح، و انظر تتمة تخريجه فيه، و سيذكر المصنف حديث أبي هريرة في فضيلة التأمين، آخر هذا الفصل.
(1) هو حمزة بن حبيب، أبو عمارة التيمي مولاهم، الكوفي الزيات، أحد القراء السبعة، أخذ عنه القراءة الكسائي و خلق كثير، كان قانتا للّه، ثخين الورع، رفيع الذكر، عالما بالحديث و الفرائض؛ أصله فارسي. توفي سنة (158 ه-). «السير» 7/ 90.
(2) هو علي بن حمزة بن عبد اللّه، أبو الحسن الأسدي مولاهم، الكوفي، أحد القراء السبعة، شيخ القراءة و العربية، كان ذا منزلة رفيعة عند الرشيد. مات بالري سنة (189 ه-). «السير» 9/ 131.
(3) يعني الحسن البصري.
(4) هو العلامة المفسّر، أبو علي البجلي، إمام عصره في معاني القرآن، توفي سنة (282).
«السير» 13/ 414.
(5) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام الصادق، أبو عبد اللّه القرشي الهاشمي، أحد الأعلام. مات بالمدينة سنة (148 ه). «السير» 6/ 255.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 126
نحوك، و أنت أكرم من أن تخيّب قاصدا. هذا كلام الواحديّ. و هذه الرابعة غريبة جدا، و قد عدّها أكثر أهل اللغة من لحن العوامّ، و قال جماعة من أصحابنا: من قالها في الصلاة، بطلت صلاته.
قال أهل العربية: حقّها في العربية الوقف، لأنها بمنزلة الأصوات، فإذا وصلها، فتح النون لالتقاء الساكنين، كما فتحت في أين، و كيف، و لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء.
فهذا مختصر ما يتعلق بلفظ «آمين»، و قد بسطت القول فيها بالشواهد و زيادة الأقوال في كتاب «تهذيب الأسماء و اللغات» «1».
قال العلماء: يستحبّ التأمين في الصلاة للإمام، و المأموم معه، و المنفرد، و يجهر الإمام و المنفرد بلفظ «آمين» في الصلاة الجهرية.
و اختلفوا في جهر المأموم، فالصحيح أنه يجهر، و الثاني: لا يجهر، و الثالث: يجهر إن كان جمعا كثيرا، و إلا فلا، و يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله و لا بعده، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في الحديث الصحيح: «إذا قال الإمام: و لا الضالين، فقولوا: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدّم من ذنبه» «2». و أما قوله صلّي اللّه عليه و سلّم في الحديث الصحيح: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا» «3» فمعناه: إذا أراد التأمين. قال أصحابنا: و ليس في الصلاة.
موضع يستحبّ أن يقترن قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله: آمين، و أما الأقوال الباقية، فيتأخّر قول المأموم.
__________________________________________________
(1). 2/ 12- 14.
(2) أخرجه البخاري (4475)، و مسلم (409) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد (7187).
(3) أخرجه البخاري (780)، و مسلم (410) من حديث أبي هريرة، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد. (7244).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 127

فصل في سجود التلاوة

فصل في سجود التلاوة
هو مما يتأكد الاعتناء به، فقد أجمع العلماء علي الأمر بسجود التلاوة.
و اختلفوا في أنه أمر استحباب، أم أمر إيجاب، فقال الجماهير: ليس بواجب، بل هو مستحبّ. و هذا قول عمر بن الخطاب، و ابن عباس، و سلمان الفارسي، و عمران بن الحصين، و مالك، و الأوزاعيّ، و الشافعيّ، و أحمد، و إسحاق «1»، و أبي ثور، و داود، و غيرهم، رضي اللّه عنهم.
و قال أبو حنيفة رحمه اللّه: هو واجب، و احتجّ بقوله تعالي: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) [الانشقاق].
و احتجّ الجمهور بما صحّ عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قرأ يوم الجمعة علي المنبر سورة النحل، حتي إذا جاء السجدة، نزل، فسجد، و سجد الناس، حتي إذا كانت الجمعة القابلة قرأها، حتي إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس، إنما نمرّ بالسجود، فمن سجد، فقد أصاب، و من لم يسجد، فلا إثم عليه. و لم يسجد عمر. رواه البخاريّ «2». و هذا الفعل و القول من عمر رضي اللّه عنه في هذا المجمع دليل ظاهر.
و أما الجواب عن الآية التي احتجّ بها أبو حنيفة رضي اللّه عنه، فظاهر، لأن المراد ذمّهم علي ترك السجود تكذيبا، كما قال اللّه تعالي بعده: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22). و ثبت في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي اللّه
__________________________________________________
(1) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المعروف بابن راهويه، أبو يعقوب، سيد الحفاظ، كان إماما في التفسير، رأسا في الفقه، من أئمة الاجتهاد. توفي سنة (238 ه).
«السير» 11/ 358.
(2) صحيح البخاري (1077).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 128
عنه أنه قرأ علي النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم «و النجم»، فلم يسجد «1»، و ثبت في الصحيحين أنه صلّي اللّه عليه و سلّم سجد في «و النجم» «2»، فدلّ علي أنه ليس بواجب.

فصل في بيان عدد السّجدات و محلّها

فصل في بيان عدد السّجدات و محلّها
أما عددها، فالمختار الذي قاله الشافعيّ و الجماهير أنها أربع عشرة سجدة: سجدة في الأعراف، و الرعد، و النحل، و سبحان، و مريم، و في الحج سجدتان، و في الفرقان، و النمل، و الم تنزيل، و حم السجدة، و النجم، و إذا السماء انشقت، و اقرأ باسم ربك.
و أما سجدة «ص» فمستحبة، و ليست من عزائم السجود، أي:
متأكّداته. ثبت في صحيح البخاريّ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:
«ص» ليست من عزائم السجود، و قد رأيت النبي صلّي اللّه عليه و سلّم سجد فيها «3». و هذا مذهب الشافعيّ، و من قال مثله.
و قال أبو حنيفة: هي أربع عشرة أيضا، و لكن أسقط الثانية من الحج، و أثبت سجدة «ص»، و جعلها من العزائم.
و عن أحمد روايتان، إحداهما: كما قال الشافعيّ، و الثانية: خمس عشرة، زاد «ص». و هو قول أبي العباس ابن سريج «4» و أبي إسحاق
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (1072) و (1073)، و صحيح مسلم (577)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (21623).
(2) أخرجه البخاري (1070)، و مسلم (576) من حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه، و هو في «مسند» أحمد (3805).
(3) صحيح البخاري (1069)، و هو في «مسند» أحمد (3387).
(4) هو أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس البغدادي، القاضي، الشافعي، صاحب المصنفات، به انتشر مذهب الشافعي ببغداد، و تخرج به الأصحاب. مات سنة (303 ه). «السير» 14/ 201.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 129
المروزيّ «1» من أصحاب الشافعيّ.
و عن مالك روايتان، إحداهما كما قال الشافعي، و أشهرهما إحدي عشرة، أسقط النجم، و إذا السماء انشقّت، و اقرأ. و هو قول قديم للشافعي.
و الصحيح ما قدمناه، و الأحاديث الصحيحة تدلّ عليه.
و أما محلّها: فسجدة الأعراف في آخرها، و الرعد عقيب قوله تعالي:
بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (15)، و النحل: وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50)، و سبحان:
وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)، و في مريم: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (58)، و الأولي من سجدتي الحج: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18)، و الثانية: وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)، و الفرقان: وَ زادَهُمْ نُفُوراً (60)، و النمل: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)، و الم تنزيل: وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [15]، و حم: لا يَسْأَمُونَ (38)، و النجم في آخرها، و إذا السماء انشقت: لا يَسْجُدُونَ (21)، و اقرأ: في آخرها.
و لا خلاف يعتدّ به في شي‌ء من مواضعها إلا التي في «حم»، فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الشافعي و أصحابه إلي ما ذكرناه أنها عقيب:
يَسْأَمُونَ (38)، و هذا مذهب سعيد بن المسيب «2»، و محمد بن سيرين، و أبي وائل شقيق بن سلمة «3»، و سفيان الثوري، و أبي حنيفة، و أحمد،
__________________________________________________
(1) هو إبراهيم بن أحمد، أبو إسحاق المروزي، شيخ الشافعية، صاحب أبي العباس بن سريج، و أكبر تلامذته، انتهت إليه رئاسة المذهب. توفي بمصر سنة (340 ه) و دفن عند ضريح الإمام الشافعي. «السير» 15/ 429.
(2) هو الإمام العلم، أبو محمد القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، و سيد التابعين في زمانه. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي اللّه عنه- و قيل لأربع- بالمدينة. مات سنة (93 ه). «السير» 4/ 217.
(3) هو الأسدي، الكوفي، شيخ الكوفة، مخضرم، أدرك النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و ما رآه. مات
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 130
و إسحاق بن راهويه. و ذهب آخرون إلي أنها عقيب قوله تعالي: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (173) حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، و الحسن البصريّ، و أصحاب عبد اللّه بن مسعود، و إبراهيم النّخعيّ، و أبي صالح، و طلحة بن مصرّف، و زبيد بن الحارث «1»، و مالك بن أنس، و الليث ابن سعد «2»، و هو وجه لبعض أصحاب الشافعي، حكاه البغوي في «التهذيب».
و أما قول أبي الحسن علي بن سعيد العبدري «3» من أصحابنا في كتاب «الكفاية في اختلاف الفقهاء»: عندنا أن سجدة النمل هي عند قوله تعالي: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ (25) قال: و هذا مذهب أكثر الفقهاء، و قال مالك رضي اللّه عنه: هي عند قوله تعالي: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26).
فهذا الذي نقله عن مذهبنا و مذهب أكثر الفقهاء غير معروف و لا مقبول، بل غلط ظاهر، و هذه كتب أصحابنا مصرّحة بأنها عند قوله تعالي: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26). و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
حكم سجود التلاوة حكم صلاة النافلة في اشتراط الطهارة عن الحدث، و عن النّجس، و في استقبال القبلة و ستر العورة، فيحرم علي من علي بدنه أو
__________________________________________________
- سنة (82 ه) «السير» 4/ 161.
(1) هو اليامي الكوفي، أحد الأعلام، عداده في صغار التابعين. قال شعبة: ما رأيت رجلا خيرا من زبيد. ا ه. مات سنة (122 ه). «السير» 5/ 296.
(2) الإمام الحافظ، عالم الديار المصرية، أبو الحارث الفهمي. نقل عن الشافعي قوله: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. ا ه. مات سنة (175 ه). «السير» 8/ 136.
(3) من بني عبد الدار، و من أهل ميورقة، من بلاد الأندلس. قال ابن السمعاني: برع في الفقه، و صار أحد الأئمة الوجيهين. ا ه. توفي ببغداد سنة (493 ه). «طبقات» السبكي 5/ 257، و «طبقات» الإسنوي 2/ 191.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 131
ثوبه نجاسة غير معفوّ عنها، و علي المحدث إلا إذا تيمّم في موضع يجوز فيه «1» التيمم، و يحرم إلي غير القبلة، إلا في السفر، حيث تجوز النافلة إلي غير القبلة، و هذا كلّه متفق عليه.

فصل‌

فصل
إذا قرأ سجدة «ص»، فمن قال: إنها من عزائم السجود، قال:
يسجد، سواء قرأها في الصلاة، أو خارجا منها، كسائر السجدات، و أما الشافعيّ و غيره ممن قال: ليست من العزائم، فقالوا: إذا قرأها خارج الصلاة، استحبّ له السجود، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم سجد فيها، كما قدّمناه، و إن قرأها في الصلاة، لم يسجد، فإن سجد و هو جاهل أو ناس، لم تبطل صلاته، و لكن يسجد للسّهو، و إن كان عالما، فالصحيح أنه تبطل صلاته، لأنه زاد في الصلاة ما ليس منها، فبطلت، كما لو سجد للشكر، فإنه تبطل صلاته بلا خلاف. و الثاني: لا تبطل، لأن له تعلّقا بالصلاة.
و لو سجد إمامه في «ص» لكونه يعتقدها من العزائم، و المأموم لا يعتقدها، فلا يتابعه، بل يفارقه، أو ينتظره قائما، و إذا انتظره، هل يسجد للسهو؟ فيه وجهان: الأظهر لا يسجد.

فصل فيمن يسنّ له السجود

فصل فيمن يسنّ له السجود
اعلم أنه يسنّ للقارئ المتطهّر بالماء، أو التراب حيث يجوز، سواء كان في الصلاة، أو خارجا منها، و يسنّ أيضا للمستمع، و يسنّ أيضا للسامع غير المستمع، و لكن قال الشافعيّ رحمه اللّه: لا أؤكّده في حقّه كما أؤكّده في حقّ المستمع. هذا هو الصحيح. و قال إمام الحرمين من أصحابنا: لا يسجد
__________________________________________________
(1) لفظه «فيه» من (أ) و (م).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 132
السامع. و المشهور الأول. و سواء كان القارئ في الصلاة، أو خارجا منها، يسنّ للمستمع و السامع السجود، و سواء سجد القارئ، أم لا. هذا هو الصحيح المشهور عند أصحاب الشافعيّ، و به قال أبو حنيفة، و قال صاحب «البيان» «1» من أصحاب الشافعي: لا يسجد المستمع لقراءة من قرأ في الصلاة، و قال الصيدلانيّ «2» من أصحاب الشافعي: لا يسن السجود إلا أن يسجد القارئ، و الصواب الأول.
و لا فرق بين أن يكون القارئ مسلما، بالغا، متطهّرا، رجلا، و بين أن يكون كافرا، أو صبيّا، أو محدثا، أو امرأة. هذا هو الصحيح عندنا، و به قال أبو حنيفة.
و قال بعض أصحابنا: لا يسجد لقراءة الكافر و الصبي و المحدث و السكران. و قال جماعة من السلف: لا يسجد لقراءة المرأة. حكاه ابن المنذر عن قتادة «3» و مالك و إسحاق، و الصواب ما قدمناه.

فصل في اختصار السجود

فصل في اختصار السجود
و هو أن يقرأ آية أو آيتين، ثم يسجد، حكي ابن المنذر عن الشعبيّ، و الحسن البصريّ، و محمد بن سيرين، و النّخعيّ، و أحمد، و إسحاق،
__________________________________________________
(1) صاحب «البيان» هو يحيي بن أبي الخير بن سالم، أبو الخير العمراني، اليماني، كان شيخ الشافعية ببلاد اليمن، و كان يحفظ «المهذب». توفي سنة (558). «طبقات» الإسنوي 1/ 212.
(2) هو محمد بن داود بن محمد المروزي، المعروف بالصيدلاني، نسبة إلي بيع العطر، و بالداودي نسبة إلي أبيه داود «طبقات» الإسنوي 2/ 129.
(3) هو ابن دعامة، أبو الخطاب السدوسي، البصري، الضرير الأكمه، حافظ العصر، و قدوة المفسرين و المحدثين، كان ممن يضرب به المثل في قوة الحفظ. مات سنة (117 ه). «السير» 5/ 269.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 133
أنهم كرهوا ذلك.
و عن أبي حنيفة، و محمد بن الحسن، و أبي ثور، أنه لا بأس به، و هذا مقتضي مذهبنا.

فصل‌

فصل
إذا كان مصلّيا منفردا، سجد لقراءة نفسه، فلو ترك سجود التلاوة و ركع، ثم أراد أن يسجد للتلاوة، لم يجز، فإن فعل مع العلم، بطلت صلاته، فإن كان قد هوي إلي الركوع، و لم يصل إلي حدّ الراكعين، جاز أن يسجد للتلاوة، و لو هوي لسجود التلاوة، ثم بدا له، و رجع إلي القيام، جاز. أما إذا أصغي المنفرد بالصلاة لقراءة قارئ في الصلاة، أو غيرها، فلا يجوز له أن يسجد، و لو سجد مع العلم، بطلت صلاته.
أما المصلّي في جماعة، فإن كان إماما، فهو كالمنفرد، و إذا سجد الإمام لتلاوة نفسه، وجب علي المأموم أن يسجد معه، فإن لم يفعل، بطلت صلاته، فإن لم يسجد الإمام، لم يجز للمأموم أن يسجد، فإن سجد، بطلت صلاته، و لكن يستحبّ أن يسجد إذا فرغ من الصلاة، و لا يتأكد، و لو سجد الإمام، و لم يعلم المأموم، حتي رفع الإمام رأسه من السجود، فهو معذور في تخلّفه، و لا يجوز أن يسجد، و لو علم و الإمام بعد في السجود، وجب السجود، فلو هوي إلي السجود، فرفع الإمام و هو في الهويّ، رفع معه، و لم يجز السجود، و كذا الضعيف الذي هوي «1» مع الإمام، إذا رفع الإمام قبل بلوغ الضعيف إلي السجود، لسرعة الإمام، و بطء المأموم، يرجع معه، و لا يسجد.
__________________________________________________
(1) في الأصل: هو، و التصويب من (ج)، و انظر «المجموع» للمصنف 3/ 552.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 134
و أما إذا كان المصلي مأموما، فلا يجوز أن يسجد لقراءة نفسه، و لا لقراءة غير إمامه، فإن سجد، بطلت صلاته، و يكره له قراءة السجدة، و يكره له الإصغاء إلي قراءة غير إمامه.

فصل في وقت السجود للتلاوة

فصل في وقت السجود للتلاوة
قال العلماء: ينبغي أن يقع عقيب آية السجدة التي قرأها، أو سمعها، فإن أخّر، و لم يطل الفصل، سجد. و إن طال، فقد فات السجود، و لا يقضي علي المذهب الصحيح المشهور، كما لا يقضي صلاة الكسوف، و قال بعض أصحابنا: فيه قول ضعيف أنه يقضي، كما يقضي السنن الراتبة، كسنة الصبح و الظّهر و غيرهما.
و أما إذا كان القارئ أو المستمع محدثا عند تلاوة السجدة، فإن تطهّر علي قرب، سجد، و إن تأخّرت طهارته حتي طال الفصل، فالصحيح المختار الذي قطع به الأكثرون أنه لا يسجد. و قيل: يسجد، و هو اختيار البغوي من أصحابنا، كما يجيب المؤذن بعد الفراغ من الصلاة، و الاعتبار في طول الفصل في هذا بالعرف علي المختار، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
إذا قرأت السجدات كلّها- أو سجدات منها- في مجلس واحد، سجد لكلّ سجدة بلا خلاف، و إن كرّر الآية الواحدة في مجالس، سجد لكل مرة بلا خلاف، فإن كرّرها في المجلس الواحد، نظر؛ فإن لم يسجد للمرة الأولي، كفاه سجدة واحدة عن الجميع، و إن سجد للأولي، ففيه ثلاثة أوجه:
أصحّها: يسجد لكلّ مرّة سجدة، لتجدّد السبب بعد توفية حكم الأولي.
و الثاني: تكفيه السجدة الأولي عن الجميع، و هو قول ابن سريج، و هو
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 135
مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه. قال صاحب «العدّة» «1» من أصحابنا: و عليه الفتوي، و اختاره الشيخ نصر المقدسيّ «2» الزاهد من أصحابنا.
و الثالث: إن طال الفصل، سجد، و إلّا، فتكفيه السجدة الأولي.
و أما إذا كرّر الآية الواحدة في الصلاة، فإن كان في ركعة، فهي كالمجلس الواحد، فيكون فيه الأوجه الثلاثة، و إن كان في ركعتين، فكالمجلسين، فيعيد السجود بلا خلاف.

فصل‌

فصل
إذا قرأ السجدة و هو راكب علي دابّة في السفر، سجد بالإيماء. هذا مذهبنا، و مذهب مالك، و أبي حنيفة، و أبي يوسف، و محمد، و أحمد، و زفر «3»، و داود، و غيرهم. و قال بعض أصحاب أبي حنيفة: لا يسجد، و الصواب مذهب الجماهير.
و أما الراكب في الحضر، فلا يجوز أن يسجد بالإيماء.
__________________________________________________
(1) صاحب «العدّة» هو الحسين بن علي بن الحسين، أبو عبد اللّه الطبري، درس بنظامية بغداد قبل الغزالي، و جاور بمكة نحوا من ثلاثين سنة، يدرّس و يفتي، و توفي بها سنة (498 ه). و كتابه «العدّة» شرح علي «إبانة» الفوراني، فيما ذكر السبكي في «طبقاته» 4/ 349. و لأبي المكارم الرّوياني (و هو ابن أخت أبي المحاسن الرّوياني صاحب «البحر») كتاب «العدة» أيضا، نقل عنه الرافعي، و قال الإسنوي في «طبقاته» 1/ 568- 569: وقف النووي علي «العدة» لأبي عبد اللّه، دون «العدة» لأبي المكارم، و الرافعي بالعكس ... و انظر تتمة كلامه، ففيه تفصيل ذلك.
(2) هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم النابلسي، المقدسي، المحدّث، الفقيه، الشافعي، صاحب «الكافي في المذهب». مات سنة (490 ه)، و دفن بمقبرة باب الصغير. «السير» 19/ 136.
(3) هو ابن الهذيل العنبري، من بحور العلم، و أذكياء الوقت، تفقه بأبي حنيفة، و هو أكبر تلامذته، و كان ممن جمع بين العلم و العمل، مات سنة (158 ه). «السير» 8/ 38.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 136

فصل‌

فصل
إذا قرأ آية السجدة في الصلاة قبل الفاتحة، سجد، بخلاف ما لو قرأها في الركوع و السجود، فإنه لا يجوز أن يسجد، لأن القيام محلّ القراءة، و لو قرأ السجدة، فهوي ليسجد، فشكّ هل قرأ الفاتحة؟ فإنه يسجد للتلاوة، ثم يعود إلي القيام، فيقرأ الفاتحة، لأن سجود التلاوة لا يؤخّر.

فصل‌

فصل
لو قرأ آية السجدة بالفارسية، لا يسجد عندنا، كما لو فسّر آية سجدة، و قال أبو حنيفة: يسجد.

فصل‌

فصل
إذا سجد المستمع مع القارئ، لا يرتبط به، و لا ينوي الاقتداء به، و له الرفع من السجود قبله.

فصل‌

فصل
لا تكره قراءة آية السجدة للإمام عندنا، سواء كانت الصلاة سرّيّة أو جهريّة، و يسجد متي قرأها. و قال مالك: يكره ذلك مطلقا، و قال أبو حنيفة: يكره في السرّيّة دون الجهرية.

فصل‌

فصل
لا يكره عندنا سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، و به قال الشعبيّ، و الحسن البصريّ، و سالم بن عبد اللّه «1»،
__________________________________________________
(1) سالم بن عبد اللّه بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، القرشي العدوي، الإمام الزاهد،
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 137
و القاسم «1»، و عطاء، و عكرمة «2»، و أبو حنيفة، و أصحاب الرأي، و مالك في إحدي الروايتين. و كره ذلك طائفة من العلماء، منهم عبد اللّه بن عمر، و سعيد بن المسيّب، و مالك في الرواية الأخري، و إسحاق بن راهويه، و أبو ثور.

فصل‌

فصل
لا يقوم الركوع مقام السجود للتلاوة في حال الاختيار، و هذا مذهبنا و مذهب جماهير العلماء من السّلف و الخلف، و قال أبو حنيفة رحمه اللّه:
يقوم مقامه، و دليل الجمهور القياس علي سجود الصلاة، و أما العاجز عن السجود، فيومئ إليه كما يومئ بسجود الصلاة.

فصل في صفة السجود

فصل في صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له حالان:
أحدهما: أن يكون خارج الصلاة.
و الثاني: أن يكون فيها.
أما الأول: فإذا أراد السجود، نوي سجود التلاوة، و كبّر للإحرام، و رفع يديه حذو منكبيه، كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة، ثم يكبّر تكبيرة أخري للهويّ إلي السجود، و لا يرفع فيها اليد. و هذه التكبيرة الثانية مستحبة، ليست بشرط، كتكبيرة سجدة الصلاة. و أما التكبيرة الأولي- تكبيرة
__________________________________________________
مفتي المدينة، كان أشبه ولد عبد اللّه به. مات سنة (106 ه). «السير» 4/ 457.
(1) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي، عالم وقته بالمدينة مع سالم و عكرمة، ربّي في حجر عمته عائشة رضي اللّه عنها، و تفقه منها و أكثر عنها. مات آخر سنة (106 ه). «السير» 5/ 53.
(2) هو مولي ابن عباس، أبو عبد اللّه القرشي مولاهم، المدني، البربري الأصل، الحافظ المفسر، مات سنة (104 ه). «السير» 5/ 12.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 138
الإحرام- ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا، أظهرها- و هو قول الأكثرين منهم- أنها ركن، لا يصحّ السجود إلا بها. و الثاني: أنها مستحبة، و لو تركت، صحّ السجود، و هذا قول الشيخ أبي محمد الجوينيّ «1». و الثالث: ليست مستحبة، و اللّه أعلم.
ثم إن كان الذي يريد السجود قائما، كبّر للإحرام في حال قيامه، ثم يكبّر للسجود في انحطاطه إلي السجود. و إن كان جالسا، فقد قال جماعة من أصحابنا: يستحبّ له أن يقوم، فيكبّر للإحرام قائما، ثم يهوي للسجود، كما إذا كان في الابتداء قائما، و دليل هذا القياس علي الإحرام، و السجود في الصلاة، و ممن نصّ علي هذا و جزم به من أئمة أصحابنا الشيخ أبو محمد الجوينيّ، و القاضي حسين، و صاحباه صاحبا «التتمة» «2» و «التهذيب» «3»، و الإمام المحقّق أبو القاسم الرافعي «4»، و حكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد «5»، ثم أنكره و قال: لم أر لهذا أصلا و لا ذكرا. و هذا الذي قاله
__________________________________________________
(1) هو عبد اللّه بن يوسف، الجويني، الطائي، شيخ الشافعية، والد إمام الحرمين أبي المعالي، صاحب «التبصرة» في الفقه، و «التذكرة» و «التفسير الكبير» و غيرها، كان فقيها، مدققا، محققا، نحويا، مفسرا. مات سنة (438 ه). «السير» 17/ 617.
(2) كتاب «التتمة» لأبي سعد عبد الرحمن بن مأمون المتولّي، النيسابوري، تمّم به «الإبانة» لشيخه أبي القاسم الفوراني، لكنه لم يكمله، وصل فيه إلي الحدود. مات ببغداد سنة (478 ه). «السير» 18/ 585.
(3) «التهذيب» في المذهب لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي المفسر، و سلفت ترجمته ص 123.
(4) هو عبد الكريم ابن العلامة أبي الفضل محمد بن عبد الكريم الرافعي، القزويني، شيخ الشافعية، عالم العجم و العرب، انتهت إليه معرفة المذهب، له «الفتح العزيز في شرح الوجيز» و «شرح مسند الشافعي» و «التذنيب» فوائد علي الوجيز، و غيرها، توفي سنة (623 ه-). «السير» 22/ 252.
(5) يعني أبا محمد الجويني، المذكور آنفا.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 139
إمام الحرمين ظاهر، فلم يثبت فيه شي‌ء عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم، و لا عمّن يقتدي به من السّلف، و لا تعرّض له الجمهور من أصحابنا، و اللّه أعلم.
ثم إذا سجد، فينبغي أن يراعي آداب السجود في الهيئة و التسبيح. أما الهيئة: فأن يضع يديه حذو منكبيه علي الأرض، و يضمّ أصابعه، و ينشرها إلي جهة القبلة، و يخرجهما من كمّيه، و يباشر بهما المصلّي، و يجافي مرفقيه عن جنبيه، و يرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا، فإن كانت امرأة أو خنثي، لم يجاف، و يرفع الساجد أسافله علي رأسه، و يمكّن جبهته و أنفه من المصلّي، و يطمئنّ في سجوده.
و أمّا التسبيح في السجود، فقال أصحابنا: يسبّح بما يسبّح به في سجود الصلاة، فيقول ثلاث مرات: سبحان ربي الأعلي، ثم يقول: اللهمّ لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه و صوّره، و شقّ سمعه و بصره بحوله و قوته، تبارك اللّه أحسن الخالقين «1». و يقول: سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة و الرّوح «2». فهذا كلّه مما يقوله في سجوده في الصلاة.
قالوا: و يستحب أن يقول: اللهم اكتب لي عندك بها أجرا، و اجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني بها وزرا، و اقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلّي اللّه عليه و سلّم «3». و هذا الدعاء خصيص بهذه السجدة، فينبغي أن يحافظ عليه.
__________________________________________________
(1) روي مسلم (771) هذا الدعاء من حديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه مطولا. و انظره في «مسند» أحمد (729).
(2) أخرج مسلم (487) من حديث عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقول في ركوعه و سجوده: «سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة و الروح». و هو في «مسند» أحمد (24063).
(3) أخرج الترمذي (579) و (3424)، و ابن ماجة (1053)، و ابن خزيمة (562)، و العقيلي في «الضعفاء» 1/ 243، و ابن حبان (2768)، و الحاكم 1/ 219- 220 من حديث ابن عباس قال: جاء رجل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فقال: يا رسول اللّه، إني رأيت في هذه الليلة فيما يري النائم، كأني أصلي خلف شجرة، فرأيت كأني قرأت سجدة، فرأيت الشجرة
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 140
و ذكر الأستاذ إسماعيل الضرير «1» في كتابه «التفسير» أن اختيار الشافعي رحمه اللّه في دعاء سجود التلاوة أن يقول: سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا [الإسراء: 108].
و هذا النقل عن الشافعيّ غريب جدا، و هو حسن، فإنّ ظاهر القرآن يقتضي مدح من قاله في السجود، فيستحبّ أن يجمع بين هذه الأذكار كلّها، و يدعو معها بما يريد من أمور الآخرة و الدنيا، فإن اقتصر علي بعضها، حصل أصل التسبيح، و لو لم يسبّح بشي‌ء أصلا، حصل السجود، كسجود الصلاة.
ثم إذا فرغ من التسبيح و الدعاء، رفع رأسه مكبّرا.
و هل يفتقر إلي السلام؟ فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران:
أصحّهما عند جماهير العلماء من أصحابه أنه يفتقر، لافتقاره إلي الإحرام، و يصير كصلاة الجنازة، و يؤيد هذا ما رواه ابن أبي داود بإسناده الصحيح عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه كان إذا قرأ السجدة، سجد، ثم سلّم.
و الثاني: لا يفتقر، كسجود التلاوة في الصلاة، و لأنه لم ينقل عن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ذلك.
__________________________________________________
- تسجد لسجودي، فسمعتها و هي ساجدة و هي تقول: اللهم اكتب لي عندك أجرا، و اجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني بها وزرا، و اقبلها مني، كما تقبلت من عبدك داود.
قال ابن عباس: فرأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ السجدة، فسمعته و هو ساجد يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة. قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا بهذا الإسناد. ا ه-.
قلت: و في إسناده حسن بن محمد بن عبيد اللّه، مجهول. قال العقيلي: لا يتابع علي حديثه، و قال الذهبي في «المغني»: غير معروف، و قال في «الكاشف»: غير حجة.
(1) هو إسماعيل بن أحمد، أبو عبد الرحمن، النيسابوري، الحيري، العلامة المفسر، له التصانيف في القرآن و القراءات، و الحديث و الوعظ. مات سنة (430 ه-). «السير» 17/ 539.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 141
فعلي الأول هل يفتقر إلي التشهد؟ فيه وجهان، أصحّهما: لا يفتقر، كما لا يفتقر إلي القيام، و بعض أصحابنا يجمع بين المسألتين، و يقول في التشهد و السلام ثلاثة أوجه، أصحّها: أنه لا بدّ من السلام دون التشهد، و الثاني: لا يحتاج إلي واحد منهما، و الثالث: لا بدّ منهما.
و ممن قال من السلف: يسلّم؛ محمد بن سيرين، و أبو عبد الرحمن السّلمي «1»، و أبو الأحوص، و أبو قلابة «2»، و إسحاق بن راهويه، و ممن قال: لا يسلم؛ الحسن البصريّ، و سعيد بن جبير، و إبراهيم النّخعيّ، و يحيي ابن وثّاب «3»، و أحمد.
و هذا كلّه في الحال الأول، و هو السجود خارج الصلاة.
الحال الثاني: أن يسجد للتلاوة في الصلاة، فلا يكبّر للإحرام، و يستحبّ أن يكبّر للسجود، و لا يرفع يديه، و يكبّر للرفع من السجود. هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور. و قال أبو علي ابن أبي هريرة «4» من أصحابنا: لا يكبّر للسجود، و لا للرفع. و المعروف الأول.
و أما الأدب في هيئة السجود، و التسبيح، فعلي ما تقدّم في السجود
__________________________________________________
(1) هو عبد اللّه بن حبيب السّلمي، الكوفي، الإمام العلم، مولده في حياة النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، أخذ القرآن عن عثمان و علي، و أقرأ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة، توفي سنة (74 ه-). «السير» 4/ 267.
(2) هو عبد اللّه بن زيد، أبو قلابة الجرمي، البصري، قدم الشام، و انقطع بداريا، كان ثقة كثير الحديث. مات سنة (104 ه-). «السير» 4/ 468.
(3) هو الأسدي، الكاهلي مولاهم، الكوفي، الفقيه، شيخ القراء، مات سنة (103 ه-).
«السير» 4/ 379.
(4) هو الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، أبو علي البغدادي، شيخ الشافعية، القاضي، انتهت إليه رئاسة المذهب، و صنف شرحا لمختصر المزني. توفي سنة (345 ه-).
«السير» 15/ 430.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 142
خارج الصلاة، إلا أنه إذا كان الساجد إماما، فينبغي أن لا يطوّل التسبيح، إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل.
ثم إذا رفع من السجود، قام، و لا يجلس للاستراحة بلا خلاف، و هذه مسألة غريبة، قلّ من نصّ عليها، و ممن نصّ عليها القاضي حسين، و البغويّ، و الرافعيّ، و هذا بخلاف سجود الصلاة، فإن القول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في البخاريّ و غيره استحباب جلسة الاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولي في كل الصلوات، و من الثالثة في الرّباعيات.
ثم إذا رفع من سجدة التلاوة، فلا بدّ من الانتصاب قائما، و المستحبّ إذا انتصب قائما أن يقرأ شيئا، ثم يركع، فإن انتصب، ثم ركع من غير قراءة، جاز.

فصل في الأوقات المختارة للقراءة

فصل في الأوقات المختارة للقراءة
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، و مذهب الشافعي و غيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود، و أما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، و النصف الأخير من الليل أفضل من الأول «1»، و القراءة بين المغرب و العشاء محبوبة، و أما القراءة في النهار، فأفضلها بعد صلاة الصبح، و لا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات لمعني فيه. و أما ما رواه ابن أبي داود عن معان بن رفاعة «2» عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد
__________________________________________________
(1) سلف ص 73 حديث: «ينزل ربكم كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: «هل من داع فأستجيب له ...».
(2) هو السلامي، أبو محمد الدمشقي، و يقال: الحمصي. قال الحافظ ابن حجر في «التهذيب»:
قرأت بخط الذهبي: مات مع الأوزاعي تقريبا، و هو صاحب حديث ليس بمتقن.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 143
العصر، و قالوا: هو دراسة يهود، فغير مقبول، و لا أصل له.
و يختار من الأيام يوم الجمعة، و الاثنين، و الخميس، و يوم عرفة، و من الأعشار العشر الأخير من رمضان، و العشر الأوّل من ذي الحجة، و من الشهور رمضان.

فصل‌

فصل
إذا أرتج «1» علي القارئ، فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهي إليه، فسأل عنه غيره، فينبغي أن يتأدّب بما جاء عن عبد اللّه بن مسعود، و إبراهيم النّخعيّ، و بشير بن أبي مسعود «2» رضي اللّه عنهم، قالوا: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية، فليقرأ ما قبلها، ثم يسكت، و لا يقول: كيف كذا و كذا؟ فإنه يلتبس «3» عليه «4».

فصل‌

فصل
إذا أراد أن يستدلّ بآية، فله أن يقول: قال اللّه تعالي كذا، و له أن يقول: اللّه تعالي يقول كذا، و لا كراهة في شي‌ء من هذا، هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السّلف و الخلف. و روي ابن أبي داود عن مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير «5» التابعيّ المشهور قال: لا تقولوا: إن اللّه تعالي يقول،
__________________________________________________
(1) جاء في حاشية الأصل ما نصه: أرتج، مبني لما لم يسمّ فاعله، و هو بالتخفيف.
(2) بشير بن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ، المدني، ثقة، من التابعين، و قيل: له صحبة. انظر «تهذيب التهذيب».
(3) في حاشية الأصل: يلبّس. (نسخة).
(4) أخرج عبد الرزاق (5988) من طريق إبراهيم النّخعي، عن عبد اللّه بن مسعود قال: إذا سأل أحدكم صاحبه؛ كيف يقرأ آية كذا و كذا، فليسأله عما قبلها، و إسناده صحيح إليه.
(5) هو أبو عبد اللّه الحرشي العامري، الإمام الحجة، كان ثقة، له فضل و ورع و عقل و أدب.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 144
و لكن قولوا: إن اللّه تعالي قال. و هذا الذي أنكره مطرّف رحمه اللّه، خلاف ما جاء به القرآن و السنة، و فعلته الصحابة و من بعدهم، رضي اللّه عنهم، فقد قال اللّه تعالي: وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ [الأحزاب: 4]. و في صحيح مسلم «1» عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: قال النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم: «يقول اللّه عز و جل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام: 160]». و في صحيح البخاري «2» في تفسير قوله تعالي: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] فقال أبو طلحة: يا رسول اللّه، اللّه تعالي يقول في كتابه: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. فهذا كلام أبي طلحة بحضرة النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم. و في الصحيح «3» عن مسروق «4» رحمه اللّه قال: قلت لعائشة رضي اللّه عنها: أ لم يقل اللّه تعالي:
وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير] فقالت: أو لم تسمع أن اللّه تعالي يقول:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام: 103]؟ أو لم تسمع أن اللّه تعالي يقول: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشوري: 51]؟ الآية، ثم قالت في هذا الحديث: و اللّه تعالي يقول:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] ثم قالت: و اللّه تعالي يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65]. و نظائر هذا في كلام السّلف و الخلف أكثر من أن تحصر، و اللّه أعلم.
__________________________________________________
- مات سنة (95 ه-). «السير» 4/ 187.
(1) رقم (2687)، و هو في «مسند» أحمد (21360).
(2) رقم (1461) و هو عند مسلم (998)، و انظره في «مسند» أحمد (12438).
(3) صحيح مسلم (177)، و انظر صحيح البخاري (4612) و (7380) و (7531).
(4) هو ابن الأجدع بن مالك، أبو عائشة، الوادعي، الهمداني، الكوفي، الإمام، القدوة، العلم. قيل: إنه سرق و هو صغير، ثم وجد، فسمي مسروقا. مات سنة (62 ه-) أو (63 ه-). «السير» 4/ 63.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 145

فصل في آداب الختم و ما يتعلق به و فيه مسائل:

الأولي في وقته:

الأولي في وقته:
قد تقدّم أن الختم للقارئ وحده يستحبّ أن يكون في الصلاة، و أنه يستحبّ أن يكون في ركعتي الفجر، أو ركعتي سنة المغرب «1»، و في ركعتي الفجر أفضل، و أنه يستحبّ أن يختم ختمة في أول النهار في دور، و يختم ختمة أخري في أول الليل في دور آخر، و أما من يختم في غير الصلاة، و الجماعة الذين يختمون مجتمعين، فيستحبّ أن يكون ختمهم في أول النهار، أو أول الليل «2»، كما تقدم، و أول النهار أفضل عند بعض العلماء.

المسألة الثانية:

المسألة الثانية:
يستحبّ صيام يوم الختم، إلا أن يصادف يوما نهي الشرع عن صيامه، و قد روي ابن أبي داود بإسناده الصحيح أنّ طلحة بن مصرّف، و حبيب ابن أبي ثابت، و المسيّب بن رافع «3» التابعيين الكوفيين رضي اللّه عنهم، كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما.

المسألة الثالثة:

المسألة الثالثة:
يستحبّ حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكّدا، فقد ثبت في الصحيحين أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أمر الحيّض بالخروج يوم العيد، فيشهدن الخير، و دعوة المسلمين «4».
__________________________________________________
(1) تقدم ص 69- 70.
(2) في الأصل: و أول الليل، و في (أ): و أول الليل أخري، و المثبت من (ج).
(3) هو الأسدي الكاهلي أبو العلاء، الفقيه الكبير، قيل: توفي سنة (105 ه-). «السير» 5/ 102
(4) صحيح البخاري (324)، و صحيح مسلم (890) و هو من حديث أم عطية، و انظر تتمة-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 146
و روي الدارميّ و ابن أبي داود بإسناديهما عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم، أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك «1».
و روي ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة التابعيّ الجليل صاحب أنس رضي اللّه عنهم قال: كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه إذا ختم القرآن، جمع أهله و دعا «2».
و روي بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عتيبة «3» التابعيّ الجليل قال:
أرسل إليّ مجاهد و عبدة بن أبي لبابة «4»، فقالا: إنا أرسلنا إليك، لأنّا أردنا أن نختم القرآن، و الدعاء مستجاب عند ختم القرآن «5».
و في بعض الروايات الصحيحة أنه كان يقال: إن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن.
__________________________________________________
- تخريجه في «مسند» أحمد (20789) و (20793).
(1) سنن الدارمي (3472)، و أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 48، و ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (79).
(2) أخرجه الدارمي (3473) و (3474)، و ابن الضّريس (78)، و الفريابي في «فضائل القرآن» (83) (84) من طريق ثابت البناني، و أخرجه أبو عبيد ص 48، و الفريابي (85) (86)، و ابن الضّريس (84) من طريق قتادة، كلاهما عن أنس، به.
(3) هو أبو محمد الكندي مولاهم، الكوفي، كان ثقة، ثبتا، فقيها، من كبار أصحاب إبراهيم النّخعي «السير» 5/ 208.
(4) هو أبو القاسم الأسدي، ثم الغاضري مولاهم، الكوفي التاجر، أحد الأئمة، نزل دمشق، و كان شريكا للحسن بن الحر، فقدما مكة بتجارة، و بها فاقة، فتصدّقا برأس المال أربعين ألفا. مات في حدود سنة (127 ه-). «السير» 5/ 229.
(5) أخرجه أبو عبيد ص 47- 48، و الدارمي (3482)، و ابن الضّريس (49) (81) (86)، و الفريابي (88)- (92). و هو أثر صحيح.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 147
و روي بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، يقولون: تنزل الرحمة «1».

المسألة الرابعة:

المسألة الرابعة:
يستحبّ الدعاء عقيب الختم استحبابا متأكّدا، لما ذكرناه في المسألة التي قبلها. و روي الدارميّ بإسناده عن حميد الأعرج قال:
من قرأ القرآن، ثم دعا، أمّن علي دعائه أربعة آلاف ملك «2».
و ينبغي أن يلحّ في الدعاء، و أن يدعو بالأمور المهمّة، و أن يكثر من ذلك في صلاح المسلمين، و صلاح سلطانهم، و صلاح ولاة أمورهم، و قد روي الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوريّ بإسناده أن عبد اللّه بن المبارك رضي اللّه عنه، كان إذا ختم القرآن، أكثر من دعائه للمسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات «3»، و قد قال نحو ذلك غيره.
__________________________________________________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 491، و الفريابي (87). و جاء في حاشية الأصل ما نصه:
و اختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي و جماعة أنه لا يصل، و ذهب أحمد بن حنبل و جماعة من العلماء، و جماعة من أصحاب الشافعي إلي أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه من القراءة: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلي فلان، و اللّه سبحانه و تعالي أعلم. من «الأذكار» للنووي. انتهي نص الحاشية.
(2) سنن الدارمي (3481) و في إسناده قزعة بن سويد، و هو ضعيف، و ذكره المصنف أيضا في «الأذكار»، و نقل ابن علان في شرحه 3/ 246 عن الحافظ ابن حجر قوله فيه: أثر مقطوع، و سنده ضعيف، و يغني عنه أثر مجاهد و عبدة السابق.
(3) و لهذا الأثر أصل صحيح، فقد أخرج مسلم (2733) و غيره عن أبي الدرداء مرفوعا:
«دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، و لك بمثل». قال المصنف في «شرح مسلم» 17/ 49: و في هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، و لو دعا لجماعة من المسلمين، حصلت هذه الفضيلة، و لو دعا لجملة المسلمين، فالظاهر حصولها أيضا، و كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه، يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة، لأنها تستجاب، و يحصل له مثلها.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 148
فيختار الداعي «1» الدعوات الجامعة، كقوله: اللهمّ أصلح قلوبنا، و أزل عيوبنا، و تولّنا بالحسني، و زيّنّا بالتقوي، و اجمع لنا خيري «2» الآخرة و الأولي، و ارزقنا طاعتك ما أبقيتنا، اللهمّ يسّرنا لليسري، و جنّبنا العسري، و أعذنا من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، و أعذنا من عذاب النار، و عذاب القبر، و فتنة المحيا و الممات، و فتنة المسيح الدّجّال، اللهمّ إنا نسألك الهدي و التّقي و العفاف و الغني، اللهمّ إنّا نستودعك أدياننا و أبداننا، و خواتيم أعمالنا، و أنفسنا و أهلينا و أحبابنا، و سائر المسلمين، و جميع ما أنعمت به علينا و عليهم من أمور الآخرة و الدنيا، اللهمّ إنّا نسألك العفو و العافية في الدّين و الدنيا و الآخرة، و الجمع «3» بيننا و بين أحبابنا في دار كرامتك، بفضلك و رحمتك. اللهمّ أصلح ولاة المسلمين، و وفّقهم للعدل في رعاياهم، و الإحسان إليهم، و الشفقة عليهم، و الرّفق بهم، و الاعتناء بمصالحهم، و حبّبهم إلي الرعيّة، و حبّب الرعية إليهم، و وفّقهم لصراطك المستقيم، و العمل بوظائف دينك القويم، اللهمّ الطف بعبدك سلطاننا، و وفّقه لمصالح الآخرة و الدّنيا، و حبّبه إلي الرّعيّة، و حبّب الرّعيّة إليه.
و يقول باقي الدعوات المذكورة في جملة الولاة، و يزيد: اللهمّ احم «4» نفسه و بلاده، و صن تبّاعه و أجناده، و انصره علي أعداء الدّين، و سائر المخالفين، و وفّقه لإزالة المنكرات، و إظهار المحاسن، و أنواع الخيرات،
__________________________________________________
(1) في الأصل: فيختار للداعي، و المثبت من (أ) و (ج) و (م).
(2) في الأصل: خير، و المثبت نسخة من هامشه.
(3) في هامش الأصل: و اجمع (نسخة).
(4) في (أ) و (م): ارحم.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 149
اللهمّ زد الإسلام بسببه ظهورا ظاهرا، و أعزّه و رعيّته إعزازا باهرا، اللهمّ أصلح أحوال المسلمين، و أرخص أسعارهم، و آمنهم في أوطانهم، و اقض ديونهم، و عاف مرضاهم، و انصر جيوشهم، و سلّم غيّبهم «1»، و فكّ «2» أسرهم، و اشف صدورهم، و أذهب غيظ قلوبهم، و ألّف بينهم، و اجعل في قلوبهم الإيمان و الحكمة، و ثبّتهم علي ملّة رسولك صلّي اللّه عليه و سلّم، و أوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، و انصرهم علي عدوّك و عدوّهم، إله الحق، و اجعلنا منهم، اللهمّ اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين به، ناهين عن المنكر مجتنبين له، محافظين علي حدودك، دائمين علي طاعتك، متناصفين متناصحين، اللهم صنهم في أقوالهم و أفعالهم، و بارك لهم في جميع أحوالهم.
و يفتتح دعاءه و يختمه بقوله: الحمد للّه ربّ العالمين حمدا يوافي نعمه، و يكافئ مزيده، اللهمّ صلّ و سلّم علي محمد و علي آل محمد، كما صلّيت علي إبراهيم و آل إبراهيم، و بارك علي محمد و علي آل محمد، كما باركت علي إبراهيم و علي آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

المسألة الخامسة:

المسألة الخامسة:
يستحبّ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخري عقيب الختم، فقد استحبّه السّلف و الخلف، و احتجّوا فيه بحديث أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «خير الأعمال الحلّ و الرّحلة». قيل: و ما هما؟
__________________________________________________
(1) في الأصل: غيبتهم، و المثبت نسخة من هامشه، و هو الصواب، و في (ج): غائبهم.
(2) في الأصل: و قلّ، و المثبت من (أ) و المطبوع.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 150
قال: «افتتاح القرآن و ختمه» «1».
__________________________________________________
(1) و ذكره المصنف في «الأذكار» و نقل ابن علان في شرحه 3/ 248 عن الحافظ ابن حجر قوله: حديث أنس المذكور أخرجه ابن أبي داود بسند فيه من كذّب، و عجيب للشيخ (يعني المصنّف) كيف اقتصر علي هذا، و نسب للسلف الاحتجاج به، و لم يذكر حديث ابن عباس، و هو المعروف في الباب.
قلت: أخرج حديث ابن عباس الترمذيّ (2948)، و أبو نعيم في «الحلية» 2/ 260، و أبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (80)، و البيهقي في «شعب الإيمان» (2001) من طرق عن صالح بن بشير المرّي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفي، عن ابن عباس قال:
قال رجل: يا رسول اللّه، أيّ العمل أحبّ إلي اللّه؟ قال: «الحالّ المرتحل». قال: و ما الحالّ المرتحل؟ قال: «الذي يضرب من أول القرآن إلي آخره، كلما حلّ ارتحل».
و صالح المرّيّ ضعيف. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، و إسناده ليس بالقوي.
و أخرج الدارمي (3476)، و الترمذي (2948) من طريقين آخرين عن صالح المرّي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفي، مرسلا. لم يذكر ابن عباس. قال الترمذي: و هذا عندي أصحّ.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 151

الباب السابع في آداب الناس كلهم مع القرآن‌

اشارة

الباب السابع في آداب الناس كلهم مع القرآن
ثبت في صحيح مسلم رحمه اللّه عن تميم الداريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «للّه و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم» «1».
قال العلماء رحمهم اللّه: النصيحة لكتاب اللّه تعالي هي الإيمان بأنه كلام اللّه تعالي و تنزيله، و لا يشبهه شي‌ء من كلام الخلق، و لا يقدر علي مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه و تلاوته حقّ تلاوته، و تحسينها، و الخشوع عندها، و إقامة حروفه في التلاوة، و الذّبّ عنه لتأويل المحرّفين، و تعرّض الطاغين، و التصديق بما فيه، و الوقوف مع أحكامه، و تفهّم علومه و أمثاله، و الاعتبار بمواعظه، و التفكّر في عجائبه، و العمل بمحكمه، و التسليم بمتشابهه، و البحث عن عمومه و خصوصه، و ناسخه و منسوخه، و نشر علومه، و الدعاء إليه، و إلي ما ذكرنا من نصيحته.

فصل‌

فصل
أجمع المسلمون علي وجوب تعظيم القرآن العزيز علي الإطلاق، و تنزيهه و صيانته، و أجمعوا علي أنّ من جحد منه حرفا أجمع عليه، أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد و هو عالم بذلك، فهو كافر.
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض «2» رحمه اللّه: اعلم أنّ من
__________________________________________________
(1) صحيح مسلم (55)، و قد تقدم ص 48.
(2) هو ابن موسي بن عياض، أبو الفضل اليحصبي، الأندلسي، ثم السبتي، المالكي، شيخ
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 152
استخفّ بالقرآن، أو بالمصحف، أو بشي‌ء منه، أو سبّهما، أو جحد حرفا منه، أو كذّب بشي‌ء مما صرّح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفي ما أثبته و هو عالم بذلك، أو شكّ في شي‌ء من ذلك، فهو كافر بإجماع المسلمين. و كذلك إن جحد التوراة و الإنجيل، أو كتب اللّه تعالي المنزلة، أو كفر بها، أو سبّها، أو استخفّ بها، فهو كافر.
قال: و قد أجمع المسلمون علي أن القرآن المتلوّ في جميع الأقطار، المكتوب في المصحف الذي بأيدي المسلمين، مما جمعه الدّفّتان، من أول «الحمد للّه ربّ العالمين» إلي آخر «قل أعوذ بربّ الناس»، كلام اللّه تعالي و وحيه المنزل علي نبيّه محمد صلّي اللّه عليه و سلّم، و أنّ جميع ما فيه حقّ، و أنّ من نقص منه حرفا قاصدا لذلك، أو بدّله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع «1»، و أجمع عليه أنه ليس بقرآن، عامدا لكل هذا، فهو كافر.
قال أبو عثمان ابن الحداد «2»: جميع من ينتحل التوحيد متفقون علي أن الجحد بحرف من القرآن كفر. و قد اتفق فقهاء بغداد علي استتابة ابن شنبوذ «3»
__________________________________________________
الإسلام، استبحر من العلوم، و جمع و ألف، من كتبه «الشفا في شرف المصطفي» و «ترتيب المدارك و تقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك» و «مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار». توفي بمراكش سنة (544 ه-). «السير» 20/ 212.
(1) جاء في هامش الأصل زيادة: و الجماعة. (نسخة).
(2) هو سعيد بن محمد ابن الحداد، المغربي، أحد المجتهدين، و كان بحرا في الفروع، و رأسا في لسان العرب، بصيرا بالسنن. مات سنة (302 ه-). «السير» 14/ 205.
و جاء في هامش الأصل: الحذاء. (نسخة). قلت: و هو خطأ.
(3) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، أبو الحسن المقرئ، أكثر الترحال في الطلب، كان إماما صدوقا، أمينا متصوفا، كبير القدر، لكنه كان له رأي في القراءة بالشواذ التي تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه لذلك، و بالغوا، و عزروه. مات سنة
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 153
المقرئ- أحد أئمة المقرئين المتصدّرين بها مع ابن مجاهد- لقراءته و إقرائه بشواذّ من الحروف مما ليس في المصحف، و عقدوا عليه بالرجوع عنه، و التوبة منه، و كتبوا فيه سجلّا أشهد فيه علي نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة «1» سنة ثلاث و عشرين و ثلاث مائة «2».
و أفتي أبو محمد بن أبي بكر فيمن قال لصبي: لعن اللّه معلّمك و ما علّمك، و قال: أردت سوء الأدب، و لم أرد القرآن؛ قال: يؤدّب القائل، قال: و أما من لعن المصحف، فإنه يقتل.
هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه اللّه.
__________________________________________________
- (328 ه-). «السير» 15/ 264.
(1) هو محمد بن علي بن حسن بن مقلة، أبو علي الوزير الكبير، كان أديبا شاعرا، يضرب بحسن خطه المثل، تقلّد الوزارة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء، و لحقه في حياته شقاء شديد. مات سنة (338 ه-). «السير» 15/ 224
(2) نقل الذهبي في «معرفة القراء الكبار» 2/ 550- 552 نسخة المحضر التي فيها اعتراف ابن شنبوذ بالحروف الشاذة التي كان يقرأ بها. و نقل كذلك عن إسماعيل الخطبي قوله: كان ابن شنبوذ يتبع الشواذ، و يقرئ بها، و يقرأ بها في المحراب، مما يخالف المصحف، مما روي عن ابن مسعود، و أبي بن كعب، و كان يجادل عن ذلك، حتي عظم أمره و فحش، و أنكر الناس، فقبض عليه، و أحضر العلماء بدار الوزير (يعني ابن مقلة). فأقام علي ما قيل عنه، و نصره، فاستنزله علي ذلك، فأبي، فكل من حضر أنكر ذلك، و أشاروا بعقوبته، فأمر بتجريده، فضربه نحو العشر درر ضربا شديدا، فلم يصبر، و استغاث، و أذعن بالرجوع و التوبة، فأعيدت عليه ثيابه، و استتيب. قال أبو شامة:
عزل الوزير بعد نكبة الشيخ أبي الحسن بسنة واحدة، فجري عليه من الإهانة و الضرب و المصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلي قطع يده و لسانه. قال: و ابن شنبوذ ليس كان بمصيب فيما ذهب إليه، لكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن و العلم، و كان الرّفق به أولي من إقامته مقام الدّعار و المفسدين، كان اعتقاله و إغلاظ القول له كافيا.

فصل‌

فصل
و يحرم تفسيره بغير علم، و الكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، و الأحاديث في ذلك كثيرة، و الإجماع منعقد عليه. و أما تفسيره للعلماء، فجائز حسن، و الإجماع منعقد عليه، فمن كان أهلا للتفسير، جامعا للأدوات التي يعرف بها معناه، و غلب علي ظنه المراد، فسّره إن كان مما يدرك بالاجتهاد، كالمعاني، و الأحكام الخفيّة و الجليّة، و العموم و الخصوص، و الإعراب، و غير ذلك، و إن كان مما لا يدرك بالاجتهاد، كالأمور التي طريقها النقل، و تفسير الألفاظ اللغوية، فلا يجوز له الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله، و أمّا من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته، فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله.
ثم المفسّرون برأيهم من غير دليل صحيح، أقسام:
منهم من يحتجّ بآية «1» علي تصحيح مذهبه، و تقوية خاطره، مع أنه لا يغلب علي ظنّه أن ذلك هو المراد بالآية، و إنما يقصد الظهور علي خصمه.
و منهم من يقصد الدعاء إلي خير، و يحتجّ بآية من غير أن يظهر له دلالة لما قاله.
و منهم من يفسّر ألفاظه العربية من غير وقوف علي معانيها عند أهلها، و هي مما لا تؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية و أهل التفسير، كبيان معني اللفظة و إعرابها، و ما فيها من الحذف و الاختصار و الإضمار، و الحقيقة
__________________________________________________
(1) في حاشية الأصل ما نصه: قوله: بآية علي تصحيح مذهبه، هو بالباء الموحدة، بعدها ألف، ثم بالياء المثناة من تحت، لا بالنون.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 155
و المجاز، و العموم و الخصوص، و الإجمال و البيان، و التقديم و التأخير، و غير ذلك مما هو خلاف الظاهر، و لا يكفي في ذلك معرفة العربية وحدها، بل لا بدّ معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجمعين «1» علي ترك الظاهر، أو علي إرادة الخصوص، أو الإضمار، أو غير ذلك مما هو خلاف الظاهر، و كما إذا كان اللفظ مشتركا بين معان، فعلم في موضع أن المراد إحدي المعاني، ثم فسر كل ما جاء به، فهذا كله تفسير بالرأي، و هو حرام، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
يحرم المراء في القرآن و الجدال فيه بغير حق، و من ذلك أن يظهر له دلالة الآية علي شي‌ء يخالف مذهبه، و يحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه، فيحملها علي مذهبه، و يناظر علي ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول.
و أما من لا يظهر له ذلك، فهو معذور، و قد صحّ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أنه قال:
«المراء في القرآن كفر» «2». قال الخطابي: قيل: المراد بالمراء الشكّ.
و قيل: الجدال المشكّك فيه. و قيل: الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر و نحوها.

فصل‌

فصل
و ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية علي آية في المصحف، أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع و نحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟
__________________________________________________
(1) في حاشية الأصل: مجتمعين. (نسخة).
(2) أخرجه أحمد في «المسند» (7508) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، و انظر تتمة تخريجه في الرواية (7848).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 156

فصل‌

فصل
يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها، أو أسقطتها، فقد ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «لا يقل أحدكم نسيت آية كذا و كذا، بل هو نسّي». و في رواية في الصحيحين أيضا: «بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت و كيت، بل هو نسّي» «1». و ثبت في الصحيحين أيضا عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم سمع رجلا يقرأ، فقال: «رحمه اللّه، لقد أذكرني آية كنت أسقطتها» «2».
و في رواية في الصحيح: «كنت أنسيتها» «3». و أما ما رواه ابن أبي داود عن أبي عبد الرحمن السّلميّ التابعيّ الجليل أنه قال: لا تقل أسقطت آية كذا، بل قل «4»: أغفلت، فهو خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح، و الاعتماد علي الحديث، و هو جواز «أسقطت»، و عدم الكراهة فيه «5».

فصل‌

فصل
يجوز أن يقال: سورة البقرة، و سورة آل عمران، و سورة النساء، و سورة المائدة، و سورة الأنعام، و كذا الباقي، و لا كراهة في ذلك، و كره بعض المتقدمين هذا، و قالوا: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة،
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري (5039)، و صحيح مسلم (790)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (3620).
(2) صحيح البخاري (5037)، و صحيح مسلم (788).
(3) صحيح البخاري (5038)، و صحيح مسلم (788) (225)، و هو في «مسند» أحمد (24335).
(4) قوله: قل، من حاشية الأصل.
(5) ذكر الحافظ ابن حجر هذا الخبر في «الفتح» 9/ 87، و قال: و هو أدب حسن، و ليس واجبا.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 157
و السورة التي يذكر فيها آل عمران، و السورة التي يذكر فيها النساء، و كذا الباقي. و الصواب الأوّل، فقد ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قوله:
سورة البقرة «1»، و سورة الكهف، و غيرهما مما لا يحصي، و كذلك عن الصحابة رضي اللّه عنهم، قال ابن مسعود: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة «2». و عنه في الصحيحين: قرأت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سورة النساء «3».
و الأحاديث و أقوال السّلف في هذا أكثر من أن تحصر.
و في السورة لغتان: الهمز، و تركه، و الترك أفصح، و هو الذي جاء به القرآن، و ممن ذكر اللغتين ابن قتيبة «4» في «غريب الحديث» «5».

فصل‌

فصل
و لا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو «6»، أو نافع «7»، أو حمزة، أو الكسائي، أو غيرهم. هذا هو المختار الذي عليه عمل السّلف و الخلف من
__________________________________________________
(1) أخرج البخاري (5040) من حديث أبي مسعود الأنصاري مرفوعا: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة، كفتاه». و هو في «مسند» أحمد (17068).
(2) أخرجه مسلم (1296)، و جاء في الأصل: أنزل، و المثبت من (أ) و هو الموافق لما في صحيح مسلم، و انظر «مسند» أحمد (3548).
(3) صحيح البخاري (4582)، و صحيح مسلم (800)، و قد سلف ص 111.
(4) هو عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد الدّينوري، و قيل: المروزي، صاحب التصانيف، كان رأسا في علم اللسان العربي و الأخبار و أيام الناس. مات سنة (276 ه-).
«السير» 13/ 296.
(5) و ذكرهما ابن قتيبة أيضا في «تفسير غريب القرآن» ص 34.
(6) هو ابن العلاء بن عمار بن العريان، التميمي، ثم المازني، البصري، أحد القراء السبعة، اختلف في اسمه علي أقوال، أشهرها زبّان، توفي سنة (154 ه-). «السير» 6/ 407.
(7) هو ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم، المدني، أحد القراء السبعة، أصله من أصبهان، و كان أسود اللون، صبيح الوجه، حسن الخلق، فيه دعابة، و انتهت إليه رئاسة القراء بالمدينة، و توفي بها سنة (169 ه-)، و قيل غير ذلك. «طبقات القراء» 2/ 330.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 158
غير إنكار. و روي ابن أبي داود عن إبراهيم النّخعيّ رحمه اللّه أنه قال: كانوا يكرهون أن يقال «1»: سنة فلان، و قراءة فلان، و الصحيح ما قدّمناه.

فصل‌

فصل
لا يمنع الكافر من سماع القرآن، لقوله تعالي: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] و يمنع من مسّ المصحف. و هل يجوز تعليمه القرآن؟ قال أصحابنا: إن كان لا يرجي إسلامه، لم يجز تعليمه، و إن رجي إسلامه، ففيه وجهان: أصحّهما: يجوز، رجاء لإسلامه، و الثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه، و إن رجي إسلامه، و أما إذا رأيناه يتعلّم، فهل يمنع منه؟ فيه وجهان.

فصل‌

فصل
اختلف العلماء في كتابة القرآن في إناء، ثم يغسل، و يسقاه المريض، فقال الحسن البصريّ، و مجاهد، و أبو قلابة، و الأوزاعيّ، رحمهم اللّه:
لا بأس به، و كرهه النّخعيّ. قال القاضي حسين و البغويّ و غيرهما من أصحابنا: و لو كتب القرآن علي الحلوي و غيرها من الأطعمة، فلا بأس بأكلها. قال القاضي: و لو كتب علي خشبة، كره إحراقها.

فصل‌

فصل
مذهبنا أنه يكره نقش الحيطان و الثياب بالقرآن و بأسماء اللّه تعالي. و قال عطاء: لا بأس بكتابة القرآن في قبلة المسجد. و أما كتابة الحروز «2» من
__________________________________________________
(1) قوله: أن يقال، من (أ).
(2) في الأصل: الحروف، و المثبت من (أ) و (ج) و (م). و الحروز: جمع حرز، و المراد به التعويذ، و لم أجد هذا الجمع في المعاجم. و جاء في «لسان العرب» (حرز): الحرز:
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 159
القرآن، فقال مالك: لا بأس به إذا كان في قصبة أو جلد، و خرز عليه. و قال بعض أصحابنا: إذا كتب في الحرز قرآنا مع غيره، فليس بحرام، و لكن الأولي تركه، لكونه يحمل في حال الحدث، و إذا كتب، يصان بما قاله الإمام مالك، و بهذا أفتي الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح «1» رحمه اللّه تعالي.

فصل في النفث مع القرآن للرقية

فصل في النفث مع القرآن للرقية
روي ابن أبي داود عن أبي جحيفة الصحابي رضي اللّه عنه- و اسمه وهب بن عبد اللّه، و قيل غير ذلك- و عن الحسن البصريّ، و إبراهيم النّخعيّ، أنهم كرهوا ذلك، و المختار أن ذلك ليس بمكروه، بل هو سنة مستحبة، فقد ثبت عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا أوي إلي فراشه كلّ ليلة، جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما علي رأسه و وجهه، و ما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. رواه البخاريّ و مسلم في صحيحيهما «2».
و في روايات في الصحيحين زيادة علي هذا، ففي بعضها قالت عائشة:
فلما اشتكي، كان يأمرني أن أفعل ذلك به «3». و في بعضها: كان النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم ينفث علي نفسه في مرضه الذي مات فيه بالمعوّذات، قالت عائشة رضي اللّه
__________________________________________________
- ما حيز من موضع أو غيره، أو لجئ إليه، و الجمع أحراز.
(1) هو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسي الكردي، الشهرزوري، الموصلي، الشافعي، صاحب «علوم الحديث» جمع و ألّف، و تخرج به الأصحاب، و كان من كبار الأئمة، عديم النظير في زمانه. توفي سنة (643 ه-).
«السير» 23/ 140.
(2) صحيح البخاري (5017)، و صحيح مسلم (2192)، و هو في «مسند» أحمد (24853).
(3) صحيح البخاري (5748).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 160
عنها: فلما ثقل، كنت أنفث عليه بهنّ، و أمسح بيد نفسه لبركتها «1». و في بعضها: كان إذا اشتكي يقرأ علي نفسه بالمعوّذات، و ينفث «2».
قال أهل اللغة: النّفث: نفخ لطيف بلا ريق.
__________________________________________________
(1) صحيح مسلم (2192)، و هو في «مسند» أحمد (24728).
(2) صحيح البخاري (5016).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 161

الباب الثامن في الآيات و السور المستحبة في أوقات و أحوال مخصوصة

اشارة

الباب الثامن في الآيات و السور المستحبة في أوقات و أحوال مخصوصة
اعلم أن هذا الباب واسع جدا، لا يمكن حصره، لكثرة ما جاء فيه، و لكن نشير إلي أكثره أو كثير منه، بعبارات وجيزة، فإن أكثر الذي نذكره فيه معروف للخاصة و العامة، و لهذا لا أذكر الأدلة في أكثره.
فمن ذلك: السنة كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن في شهر رمضان، و في العشر الأخير منه أكثر، و ليالي الوتر منه آكد، و من ذلك العشر الأول من ذي الحجة، و يوم عرفة، و يوم الجمعة، و بعد الصبح، و في الليل، و ينبغي أن يحافظ علي قراءة «يس»، و «الواقعة»، و «تبارك» الملك.

فصل‌

فصل
السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولي الم (1) تَنْزِيلُ بكمالها، و في الثانية: هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ بكمالها «1»، و لا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار علي آيات من كل واحدة «2» منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما، و يدرج «3» قراءته
__________________________________________________
(1) أخرج مسلم (879) و غيره من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم (1) تَنْزِيلُ السجدة، و هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.
و أن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين. و هو في «مسند» أحمد (3325).
(2) في حاشية الأصل: سورة. (نسخة).
(3) يعني يقرؤهما حدرا، و قد نقل المصنف ص 111 عن أهل اللغة أنه يقال: حدرت القراءة:
إذا أدرجتها، و لم تمطّطها.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 162
مع ترتيل.
و السنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولي سورة الجمعة بكمالها، و في الثانية سورة المنافقين بكمالها، و إن شاء في الأولي: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1)، و في الثانية: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1). فكلاهما صحيح عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم «1»، و ليجتنب الاقتصار علي البعض، و ليفعل ما قدمناه.
و السنة في صلاة العيد في الركعة الأولي سورة ق، و في الثانية:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ بكمالهما، و إن شاء: سَبِّحِ و هَلْ أَتاكَ. فكلاهما صحّ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم «2»، و ليجتنب الاقتصار علي البعض.

فصل‌

فصل
و يقرأ في ركعتي سنة الصبح بعد الفاتحة في الأولي: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)، و في الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1). و إن شاء قرأ في الأولي: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا [البقرة: 136] الآية، و في الثانية:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ [آل عمران: 64] الآية، فكلاهما صحيح من فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم «3».
__________________________________________________
(1) أخرج مسلم (878) من حديث النعمان بن بشير رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في العيدين و في الجمعة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) و انظر «مسند» أحمد (18383).
(2) أخرج مسلم (891) (15) من حديث أبي واقد الليثي رضي اللّه عنه قال: سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في يوم العيد، فقلت: ب اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ و ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)، و انظر «مسند» أحمد (21896).
(3) أخرج مسلم (726) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في ركعتي
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 163
و يقرأ في سنة المغرب في الأولي: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)، و في الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) «1»، و يقرؤهما أيضا في ركعتي الطواف «2»، و ركعتي الاستخارة «3».
و يقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1)، و في الثانية: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)، و في الثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و المعوّذتين «4».
__________________________________________________
- الفجر: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1). و أخرج أيضا (727):
(100) من حديث ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في ركعتي الفجر: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا و التي في آل عمران: تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ. و انظر «مسند» أحمد (2038).
(1) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (4763) من حديث ابن عمر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في الركعتين قبل الفجر، و الركعتين بعد المغرب، بضعا و عشرين مرة- أو بضع عشرة مرة- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و هو حديث صحيح، و انظر تتمة تخريجه هناك.
(2) رواه مسلم (1218) ضمن حديث جابر الطويل في حجة النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و فيه: فجعل المقام بينه و بين البيت ... كان يقرأ في الركعتين: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1). و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (14440).
(3) و ذكره المصنف أيضا في «الأذكار». و نقل ابن علان في شرحه 3/ 354 عن الزين العراقي قوله: لم أجد في شي‌ء من طرق الحديث تعيين ما يقرأ في ركعتي الاستخارة، لكن ما ذكره النووي مناسب، لأنهما سورتا الإخلاص، فمناسب الإتيان بهما في صلاة المراد منها إخلاص الرغبة، و صدق التفويض، و إظهار العجز، و سبق إليه الغزالي. و لو قرأ ما وقع فيه ذكر الخيرة، كآية القصص، و آية الأحزاب، لكان حسنا ... و قال الحافظ ابن حجر: الأكمل أن يقرأ قبل سورة الكافرون، آية القصص: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ إلي قوله: تُرْجَعُونَ [68- 70] و قبل سورة الإخلاص آية الأحزاب: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إلي قوله: مُبِيناً [36] لأنهما مناسبتان كالسورتين، و إن لم يرد.
(4) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (15354) من حديث عبد الرحمن بن أبزي، عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم،
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 164

فصل‌

فصل
و يستحبّ أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة لحديث أبي سعيد الخدريّ و غيره فيه. قال الشافعي رحمه اللّه تعالي في «الأم»: و يستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة «1».
و دليل هذا ما رواه أبو محمد الدارميّ بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أضاء له من النور فيما بينه و بين البيت العتيق «2».
و ذكر الدارميّ حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة «3»، و عن
__________________________________________________
كان يقرأ في الوتر: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1). و هو حديث صحيح، و أخرجه كذلك (21141) من حديث عبد الرحمن بن أبزي، عن أبي بن كعب. و انظر تمام تخريجهما فيه. و أخرج أيضا (25964) مثله من حديث عائشة، لكن زاد فيه في الثالثة قراءة المعوّذتين، و إسناد حديث عائشة ضعيف.
و أخرجه الترمذي (462)، و ابن ماجة (1172) من حديث ابن عباس، ليس فيه قراءة المعوّذتين، و قال: و الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و سلّم و من بعدهم أن يقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1).
يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة.
(1) «الأم» 1/ 185.
(2) هو في سنن الدارمي (3407). و أخرجه أيضا أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 131، و ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (211)، و البيهقي في «شعب الإيمان» (2444) من طريق هشيم بن بشير، عن أبي هاشم الرماني، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن قيس بن عبّاد، عن أبي سعيد الخدري، موقوفا. و إسناده صحيح. قال البيهقي: المحفوظ موقوف.
(3) أخرجه الدارمي (3404)، و البيهقي أيضا في «شعب الإيمان» (2438) من طريق مسلم بن إبراهيم، عن همام، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللّه بن رباح، عن كعب الأحبار قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «اقرءوا سورة هود يوم الجمعة». و رجاله ثقات غير أنه مرسل.
و أخرجه أيضا الدارمي (3403)، و أبو داود في «المراسيل» (59) من طريق يزيد بن-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 165
مكحول «1» التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة «2».

فصل‌

فصل
و يستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسيّ في جميع المواطن، و أن يقرأها كلّ ليلة إذا أوي إلي فراشه، و أن يقرأ المعوّذتين عقيب كل صلاة، فقد صحّ عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال: أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن أقرأ المعوّذتين دبر كل صلاة. رواه أبو داود و الترمذيّ و النسائيّ. قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح «3».

فصل‌

فصل
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسيّ، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)، و المعوّذتين، و آخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم به، و يتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة.
ففي الصحيحين عن أبي مسعود البدريّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «الآيتان من آخر سورة البقرة؛ من قرأهما «4» في ليلة، كفتاه» «5».
__________________________________________________
- هارون، عن همام، به، لم يذكر كعب الأحبار.
(1) هو أبو عبد اللّه الشامي، الفقيه، أرسل عن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم، و عن عدد من الصحابة، عداده في أوساط التابعين، من أقران ابن شهاب الزّهري. مات سنة (113 ه-) و قيل غير ذلك.
«السير» 5/ 155.
(2) أخرجه الدارمي (3397) من طريق يحيي بن الحارث، عن مكحول قال: «من قرأ سورة آل عمران يوم الجمعة، صلت عليه الملائكة إلي الليل». و هو مقطوع.
(3) سنن أبي داود (1523)، و سنن الترمذي (2903)، و «المجتبي» 3/ 68، و انظر تمام تخريجه في «مسند» أحمد (17417).
(4) في حاشية الأصل: بهما. (نسخة).
(5) صحيح البخاري (5009)، و صحيح مسلم (808)، و انظر تتمة تخريجه في «مسند»-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 166
قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، و قال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
و عن عائشة رضي اللّه عنها، أنّ النبي صلّي اللّه عليه و سلّم كان كلّ ليلة يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و المعوّذتين. و قد قدّمناه في فصل النفث بالقرآن «1».
و روي ابن أبي داود بإسناده عن علي رضي اللّه عنه قال: ما كنت أري أحدا يعقل دخل في الإسلام، ينام حتي يقرأ آية الكرسيّ «2».
و عن عليّ أيضا قال: ما كنت أري أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة. إسناده صحيح علي شرط البخاري و مسلم «3».
و عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم: «لا يمرّ بك ليلة إلا قرأت فيها قل هو اللّه أحد، و المعوّذتين» «4». فما أتت عليّ ليلة
__________________________________________________
- أحمد (17090).
(1) ص 159.
(2) و أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 252، و ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (168) من طريق وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن عمرو الخارفي، عن علي رضي اللّه عنه، قوله. و رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبيد بن عمرو الخارفي، فقد ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» 5/ 453، و ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» 5/ 410، و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا، و ذكره ابن حبّان في «الثقات» 5/ 137، و قال: عداده في أهل الكوفة، روي عنه أهلها، و حسّنه الحافظ ابن حجر، فيما نقله عنه ابن علان في شرح «الأذكار» 3/ 171.
(3) أخرجه أيضا ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (176) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق السّبيعي، عن عمير بن سعيد، عن عليّ، قوله. و رجاله ثقات رجال الشيخين. و أخرجه الدارمي (3384) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عمن سمع عليا، فذكره.
(4) و أخرج نحوه الإمام أحمد في «المسند» (17296).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 167
إلا و أنا أقرؤهن.
و عن إبراهيم النّخعيّ قال: كانوا يستحبّون أن يقرءوا هؤلاء السّور في كلّ ليلة ثلاث مرّات «1»: «قل هو اللّه أحد» و المعوّذتين. إسناده صحيح علي شرط مسلم «2».
و عن إبراهيم أيضا: كانوا يعلّمونهم إذا أووا إلي فرشهم أن يقرءوا المعوّذتين.
و عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم لا ينام حتي يقرأ سورة الزّمر و بني إسرائيل. رواه الترمذي، و قال حسن «3».

فصل‌

فصل
و يستحبّ أن يقرأ إذا استيقظ من نومه كلّ ليلة آخر آل عمران، من قوله تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلي آخرها، فقد ثبت في الصحيحين.
أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ «4».

فصل فيما يقرأ عند المريض‌

فصل فيما يقرأ عند المريض
يستحبّ أن يقرأ عند المريض الفاتحة، لقوله صلّي اللّه عليه و سلّم في الحديث الصحيح فيها: «و ما أدراك «5» أنّها رقية؟» «6» و يستحبّ أن يقرأ عنده: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
__________________________________________________
(1) سلف ذكر حديث عائشة ص 159، و فيه: يفعل ذلك ثلاث مرات. و هو في الصحيح.
(2) و أورده المصنف في «الأذكار» أيضا. و ذكر ابن علان في «شرحه» 3/ 172 أن ابن أبي داود أخرج هذا الأثر عن إبراهيم النّخعي بسندين صحيحين، أخرج الشيخان لجميع رواتهما. ثم قال: فعجب من اقتصار الشيخ (يعني المصنّف) علي شرط مسلم.
(3) سنن الترمذي (2920)، و أخرجه أحمد (24388) أتمّ منه، و انظر تتمة تخريجه فيه.
(4) أخرجه البخاري (4569)، و مسلم (763) من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما، و هو في «مسند» أحمد (2488).
(5) في حاشية الأصل: يدريك. (نسخة).
(6) أخرجه البخاري (2276)، و مسلم (2201) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي اللّه-
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 168
و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مع النّفث في اليدين، فقد ثبت ذلك في الصحيحين من فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، و قد تقدّم بيانه في فصل النفث في آخر الباب الذي قبل هذا «1».
و عن طلحة بن مصرّف قال: كان يقال: إنّ المريض إذا قرئ عنده القرآن، وجد لذلك خفّة، فدخلت علي خيثمة و هو مريض، فقلت: إني أراك اليوم ضاحكا «2»، فقال: إني «3» قرئ عندي القرآن «4».
و روي الخطيب أبو بكر البغداديّ «5» رحمه اللّه بإسناده أنّ الرماديّ «6» رضي اللّه عنه كان إذا اشتكي شيئا قال: هاتوا أصحاب الحديث، فإذا حضروا قال: اقرءوا عليّ الحديث «7». فهذا في الحديث، فالقرآن أولي.

فصل فيما يقرأ عند الميّت‌

فصل فيما يقرأ عند الميّت
قال العلماء من أصحابنا و غيرهم: يستحبّ أن يقرأ عنده يس لحديث معقل بن يسار رضي اللّه عنه، أن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم قال: «اقرءوا يس علي موتاكم» رواه أبو داود، و النسائيّ في «عمل اليوم و الليلة»، و ابن ماجة بإسناد
__________________________________________________
- عنه، و فيه قصة، و هو في «مسند» أحمد (10985).
(1) تقدم ص 159- 160.
(2) في حاشية الأصل، و (أ) و (ج) و (م) و «فضائل القرآن» لأبي عبيد ص 233: صالحا، و هو الأشبه.
(3) في حاشية الأصل: إنه. (نسخة).
(4) أخرجه أبو عبيد ص 233، و البيهقي في «شعب الإيمان» (2579).
(5) هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، محدث الوقت، خاتمة الحفاظ، صاحب التصانيف مثل: «تاريخ بغداد» و غيرها. توفي سنة (463 ه-). «السير» 18/ 270.
(6) هو أحمد بن منصور بن سيّار، أبو بكر الرّمادي، البغدادي، كان رفيقا و صاحبا ليحيي بن معين في رحلته، مات سنة (265 ه-). «السير» 12/ 389.
(7) «شرف أصحاب الحديث» (189).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 169
ضعيف «1».
و روي مجالد عن الشعبيّ قال: كانت الأنصار إذا حضروا، قرءوا عند الميت سورة البقرة. و مجالد ضعيف «2».
__________________________________________________
(1) سنن أبي داود (3121)، و السنن الكبري للنسائي (10913) و (10914)- و هو في «عمل اليوم و الليلة» (1074) و (1075)- و سنن ابن ماجة (1448). و إسناده ضعيف- كما ذكر المصنف- لجهالة راويين فيه. و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (20301). قال ابن حبان عقب إخراجه الحديث في صحيحه (3002): قوله: «اقرءوا علي موتاكم يس»:
أراد به من حضرته المنيّة، لا أن الميّت يقرأ عليه، و كذلك قوله صلّي اللّه عليه و سلّم: «لقّنوا موتاكم لا إله إلا اللّه».
(2) أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 236، و قد بيّن المصنف علّته.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 171

الباب التاسع في كتابة القرآن و إكرام المصحف‌

اشارة

الباب التاسع في كتابة القرآن و إكرام المصحف
اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلّفا في زمن النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم علي ما هو عليه في المصاحف اليوم، و لكن لم يكن مجموعا في مصحف، بل كان محفوظا في صدور الرجال، فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كلّه، و طوائف يحفظون أبعاضا منه.
فلما كان زمن أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه، و قتل كثير من حملة القرآن، خاف موتهم، و اختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة رضي اللّه عنهم في جمعه في مصحف، فأشاروا بذلك، فكتبه في مصحف، و جعله في بيت حفصة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها «1».
فلما كان زمن عثمان رضي اللّه عنه، و انتشر الإسلام، خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدّي إلي ترك شي‌ء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف، و بعث بها إلي البلدان، و أمر بإتلاف ما خالفها، و كان فعله هذا باتّفاق منه و من عليّ بن أبي طالب و سائر الصحابة و غيرهم رضي اللّه عنهم، و إنما لم يجمعه النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادة، و نسخ بعض المتلوّ، و لم يزل ذلك التوقّع إلي وفاته صلّي اللّه عليه و سلّم، فلما أمن أبو بكر و سائر الصحابة رضي اللّه عنهم
__________________________________________________
(1) جاء في حاشية الأصل ما نصه: الذي في صحيح البخاري قال: فكانت الصحف عند أبي بكر حتي توفّاه اللّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي اللّه عنه. انتهي.
قلت: هو في «صحيح» البخاري برقم (4986).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 172
ذلك التوقّع، و اقتضت المصلحة جمعه، فعلوه رضي اللّه عنهم.
و اختلف في عدد المصاحف التي بعث بها، فقال الإمام أبو عمرو الدّاني «1»: أكثر العلماء علي أن عثمان كتب أربع نسخ، فبعث إلي البصرة إحداهن، و إلي الكوفة أخري، و إلي الشام أخري، و احتبس عنده أخري «2».
و قال أبو حاتم السجستاني «3»: كتب عثمان سبعة مصاحف، بعث واحدا إلي مكة، و آخر إلي الشام، و آخر إلي اليمن، و آخر إلي البحرين، و آخر إلي البصرة، و آخر إلي الكوفة، و حبس بالمدينة واحدا «4».
هذا مختصر ما يتعلق بأول جمع المصحف، و فيه أحاديث كثيرة في الصحيح «5».
و في المصحف ثلاث لغات: ضم الميم و كسرها و فتحها، فالضم و الكسر مشهورتان، و الفتح ذكرها أبو جعفر النحاس «6» و غيره.
__________________________________________________
(1) هو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي مولاهم، الأندلسي القرطبي، ثم الداني، مصنف «التيسير» و غير ذلك. مات سنة (444 ه-). «السير» 18/ 77.
(2) في الأصل: الأخري، و المثبت نسخة من هامشه.
(3) هو سهل بن محمد بن عثمان، السجستاني، ثم البصري، المقرئ النحوي، اللغوي، له «إعراب القرآن» و «المقصور و الممدود» و غيرهما. مات سنة (255 ه-). «السير» 12/ 268.
(4) ذكره ابن أبي داود في «المصاحف» ص 34.
(5) انظر حديث جمع المصحف في صحيح البخاري (4679) (4986) (7191)، و في «مسند» أحمد (76).
(6) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل، المصري، النحوي، إمام العربية، صاحب «إعراب القرآن» و «الناسخ و المنسوخ» و غيرهما. مات سنة (338). «السير» 15/ 401.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 173

فصل‌

فصل
اتفق العلماء علي استحباب كتابة المصحف، و تحسين كتابتها، و تبيينها، و إيضاحها، و تحقيق الخط، دون مشقّة و تعليقه «1». قال العلماء: و يستحبّ نقط المصحف و شكله، فإنه صيانة من اللّحن فيه و التصحيف، و أما كراهة الشعبيّ و النّخعيّ النّقط، فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه «2»، و قد أمن ذلك اليوم، فلا منع، و لا يمتنع من ذلك لكونه محدثا، فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره، مثل تصنيف العلم، و بناء المدارس و الرباطات، و غير ذلك، و اللّه أعلم.

فصل‌

فصل
لا تجوز كتابة القرآن بشي‌ء نجس، و تكره كتابته علي الجدران عندنا، و فيه مذهب عطاء الذي قدّمناه «3»، و قد قدّمنا أنه إذا كتب علي الأطعمة، فلا
__________________________________________________
(1) في «اللسان»: مشق الخطّ يمشقه مشقا: مدّه، و قيل: أسرع فيه. ا ه-. و تعليق الخطّ: وصل الحروف التي من حقها الفصل. و نقل الشيخ طاهر الجزائري في «توجيه النظر» 2/ 794 عن بعض الأئمة قوله: شرّ الكتابة المشق، و شرّ القراءة الهذرمة، و أجود الخط أبينه. ثم قال الشيخ طاهر: و المشق سرعة الكتابة، قاله الجوهري، و قال بعضهم: المشق: خفّة اليد و إرسالها مع بعثرة الحروف، و عدم إقامة الأسنان.
و التعليق: خلط الحروف التي ينبغي تفرقها، و إذهاب أسنان ما ينبغي إقامة أسنانه، و طمس ما ينبغي إظهار بياضه، فيجتمعان في عدم إقامة الأسنان، و ينفرد التعليق بخلط الحروف و ضمها، و المشق ببعثرتها و إيضاحها بدون القانون المألوف، و هو مفسد لخط المبتدئ، و دليل علي تهاون غيره.
(2) انظر «فضائل القرآن» لأبي عبيد ص 239- 240، و لابن الضّريس ص 42، و «مصنف» ابن أبي شيبة 10/ 550، و «المصاحف» لابن أبي داود ص 141- 143، و «المحكم» للداني ص 10- 13. و لم أجد في هذه المصادر خبرا عن الشعبي في هذا الباب، كما ذكر المصنّف.
(3) سلف ص 158.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 174
بأس بأكلها، و أنه إذا كتب علي خشبة، كره إحراقها.

فصل‌

فصل
أجمع المسلمون علي وجوب صيانة المصحف و احترامه. قال أصحابنا و غيرهم: و لو ألقاه مسلم- و العياذ باللّه تعالي- في القاذورات، صار الملقي كافرا.
قالوا: و يحرم توسّده، بل توسّد آحاد كتب العلم حرام، و يستحبّ أن يقوم للمصحف إذا قدم «1» به عليه، لأن القيام مستحبّ للفضلاء من العلماء و الأخيار، فالمصحف أولي، و قد قررت دلائل استحباب القيام في الجزء الذي جمعته فيه «2».
و روينا في «مسند» الدارميّ بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة «3» أن عكرمة بن أبي جهل رضي اللّه عنه كان يضع المصحف علي وجهه، و يقول:
كتاب ربي، كتاب ربي «4».

فصل‌

فصل
تحرم المسافرة بالمصحف إلي أرض العدوّ إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم نهي أن يسافر بالقرآن إلي
__________________________________________________
(1) في الأصل: أقدم، و المثبت من (أ) و (ج).
(2) ذكره المصنف ص 120.
(3) هو عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي مليكة، كان عالما مفتيا، صاحب حديث و إتقان، معدود في طبقة عطاء بن أبي رباح، و قد ولي القضاء لابن الزبير، مات سنة (117 ه-). «السير» 5/ 88.
(4) سنن الدارمي (3350)، و أخرجه أيضا الحاكم 3/ 243، و فيه انقطاع: ابن أبي مليكة لم يدرك عكرمة بن أبي جهل، فقد استشهد عكرمة يوم اليرموك (و قيل: يوم أجنادين).
و عقّب الذهبي في «تلخيص المستدرك» علي هذا الأثر بقوله: مرسل.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 175
أرض العدو «1».
و يحرم بيع المصحف من الذّمّيّ، فإن باعه، ففي صحة البيع قولان للشافعي، أصحّهما: لا يصحّ، و الثاني: يصحّ، و يؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه.
و يمنع المجنون و الصبيّ الذي لا يميّز من حمل المصحف مخافة من انتهاك حرمته، و هذا المنع واجب علي الوليّ و غيره ممن يراه «2» يتعرّض لحمله.

فصل‌

فصل
يحرم علي المحدث مسّ المصحف و حمله، سواء حمله بعلاقته، أو بغيرها، و سواء مسّ نفس المكتوب، أو الحواشي، أو الجلد، و يحرم مسّ الخريطة و الغلاف و الصندوق إذا كان فيهنّ المصحف. هذا هو المذهب المختار. و قيل: لا تحرم هذه الثلاثة، و هو ضعيف. و لو كتب القرآن في لوح، فحكمه حكم المصحف، سواء قلّ المكتوب، أو كثر، حتي لو كان بعض آية كتب للدراسة، حرم مسّ اللّوح.

فصل‌

فصل
إذا تصفّح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود و شبهه، ففي جوازه وجهان لأصحابنا، أظهرهما جوازه، و به قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماسّ و لا حامل، و الثاني: تحريمه، لأنه يعدّ حاملا
__________________________________________________
(1) أخرجه البخاري (2990)، و مسلم (1869) من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما، و انظر تتمة تخريجه في «مسند» أحمد (4507).
(2) في حاشية الأصل: رآه. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 176
للورقة، و الورقة كالجميع. و أما إذا لفّ كمّه علي يده، و قلب الورقة، فحرام بلا خلاف، و غلط بعض أصحابنا، فحكي فيه وجها «1»، و الصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد، لا بالكمّ.

فصل‌

فصل
إذا كتب المحدث أو الجنب مصحفا؛ إن كان يحمل الورقة، أو يمسّها حال الكتابة، فهو حرام، و إن لم يحملها و لم يمسّها، ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح جوازه، و الثاني تحريمه، و الثالث: يجوز للمحدث، و يحرم علي الجنب.

فصل‌

فصل
إذا مسّ المحدث، أو الجنب، أو الحائض، أو حمل كتابا من كتب الفقه، أو غيره من العلوم، و فيه آيات من القرآن، أو ثوبا مطرّزا بالقرآن، أو دراهم، أو دنانير منقوشة به، أو حمل متاعا في جملته مصحف، أو لمس الجدار، أو الحلوي، أو الخبز المنقوش به، فالمذهب الصحيح جواز هذا كلّه، لأنه ليس بمصحف، و فيه وجه أنه حرام.
و قال أقضي القضاة أبو الحسن الماورديّ في كتابه «الحاوي»: يجوز مسّ الثياب المطرّزة بالقرآن، و لا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن. و هذا الذي قاله ضعيف، لم يوافقه أحد عليه، فيما رأيته، بل صرّح الشيخ أبو محمد الجوينيّ و غيره بجواز لبسها، و هذا هو الصواب، و اللّه أعلم.
و أما كتب تفسير القرآن، فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره، حرم مسّها
__________________________________________________
(1) في حاشية الأصل: وجهين. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 177
و حملها، و إن كان غيره أكثر، كما هو الغالب، ففيه ثلاثة أوجه: أصحّها:
لا يحرم، و الثاني: يحرم، و الثالث: إن كان القرآن بخط مميز بغلظ «1» أو حمرة و نحوهما، حرم، و إن لم يتميز، لم يحرم. قلت: و يحرم المسّ إذا استويا «2».
قال صاحب «التتمة» من أصحابنا: و إذا قلنا: لا يحرم، فهو مكروه.
و أما كتب حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم، فإن لم يكن فيها آيات من القرآن، لم يحرم مسّها، و الأولي أن لا يمسها إلا علي طهارة، و إن كان فيها آيات، لم يحرم علي المذهب، بل يكره، و فيه وجه أنه يحرم، و هو الوجه الذي في كتب الفقه.
و أما المنسوخ تلاوته، ك «الشيخ و الشيخة إذا زنيا، فارجموهما» أو غير ذلك، فلا يحرم مسّه، و لا حمله، قال أصحابنا: و كذلك التوراة و الإنجيل.

فصل‌

فصل
إذا كان علي موضع من بدن المتطهر نجاسة غير معفوّ عنها، حرم عليه مسّ المصحف بموضع النجاسة بلا خلاف، و لا يحرم بغيره، علي المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا، و غيرهم من العلماء. و قال أبو القاسم الصّيمريّ «3» من أصحابنا: يحرم، و غلّطه أصحابنا في هذا. قال
__________________________________________________
(1) في حاشية الأصل: متميز بغليظ. (نسخة).
(2) قوله: قلت و يحرم المسّ إذا استويا، من المطبوع.
(3) هو عبد الواحد بن الحسين الصّيمري، من أصحاب الوجوه، تفقه عليه أقضي القضاة الماوردي. له «الإيضاح» في المذهب، سبع مجلدات، و غير ذلك، مات سنة (405 ه-). «السير» 17/ 14.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 178
القاضي أبو الطيب «1»: هذا الذي قاله مردود بالإجماع. ثم علي المشهور قال بعض أصحابنا: إنه مكروه، و المختار أنه ليس بمكروه.

فصل‌

فصل
من لم يجد ماء، فتيمّم حيث يجوز له التيمّم، يجوز له مسّ المصحف، سواء كان تيمّمه للصلاة، أو لغيرها، مما يجوز التيمم له. و أما من لم يجد ماء و لا ترابا، فإنه يصلي علي حسب حاله، و لا يجوز له مسّ المصحف، لأنه محدث، جوّزنا له الصلاة للضرورة، و لو كان معه مصحف، و لم يجد من يودعه إياه، و عجز عن الوضوء، جاز له حمله للضرورة. قال القاضي أبو الطيب: و لا يلزمه التيمّم. و فيما قاله نظر، و ينبغي أن يلزمه التيمم. أمّا إذا خاف علي المصحف من حرق أو غرق، أو وقوعه في نجاسة، أو حصوله في يد كافر، فإنه يأخذه و إن كان محدثا للضرورة.

فصل‌

فصل
هل يجب علي المعلم و الوليّ تكليف الصبيّ المميز الطهارة لحمل المصحف و اللوح اللّذين يقرأ فيهما؟ فيه وجهان مشهوران لأصحابنا، أصحّهما عند الأصحاب: لا يجب، للمشقّة «2».

فصل‌

فصل
يصحّ بيع المصحف و شراؤه، و لا كراهة في شرائه. و في كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحّهما- و هو نصّ الشافعي- أنه يكره، و ممن قال
__________________________________________________
(1) هو طاهر بن عبد اللّه بن طاهر، الطبري، الشافعي، شيخ الإسلام، فقيه بغداد، قال الخطيب البغدادي: مات صحيح العقل، ثابت الفهم، سنة (450 ه-). «السير» 17/ 668.
(2) ذكر المصنف هذه الأحكام في «المجموع» 2/ 73- 80.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 179
لا يكره بيعه و لا شراؤه الحسن البصريّ، و عكرمة، و الحكم بن عتيبة، و هو مرويّ عن ابن عباس، و كرهت طائفة من العلماء بيعه و شراءه، حكاه ابن المنذر عن علقمة، و ابن سيرين، و النّخعي، و شريح، و مسروق، و عبد اللّه ابن يزيد «1». و روي عن ابن عمر و أبي موسي الأشعريّ التغليظ في بيعة، و ذهبت طائفة إلي الترخيص في الشراء و كراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس، و سعيد بن جبير، و أحمد بن حنبل، و إسحاق بن راهويه، رضي اللّه عنهم أجمعين.
__________________________________________________
(1) كذا بالأصل: عبد اللّه بن يزيد، و لعل الصواب: عبد اللّه بن يزيد، و هو أبو قلابة. و قد سلف التعريف به ص 141.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 181

الباب العاشر في ضبط الأسماء و اللغات المذكورة في الكتاب علي ترتيب وقوعها

الباب العاشر في ضبط الأسماء و اللغات المذكورة في الكتاب علي ترتيب وقوعها
و هي كثيرة، و استيفاء ضبطها و إيضاحها و بسطها يحتمل مجلّدة ضخمة، لكني أشير إليها بأوجز الإشارات، و أرمز إلي مقاصدها بأخصر العبارات، و أقتصر علي الأصحّ في معظم الحالات.
فأول ذلك في الخطبة: الحمد: الثناء بجميل الصفات.
الكريم في صفات اللّه تعالي، قيل: معناه المتفضّل، و قيل غير ذلك.
المنّان: روينا عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن معناه الذي يبدأ بالنّوال قبل السؤال.
الطّول: الغني و السّعة.
الهداية: التوفيق و اللطف، و يقال: هدانا للإيمان، و هدانا بالإيمان، و هدانا إلي الإيمان.
سائر، بمعني الباقي.
لديه: عنده.
سمّي نبيّنا صلّي اللّه عليه و سلّم محمدا لكثرة خصاله المحمودة، قاله ابن فارس و غيره، أي: ألهم اللّه تعالي أهله ذلك، لما علم من جميل صفاته، و كرم شمائله.
تحدّي «1»: قال أهل اللغة: يقال: فلان يتحدّي فلانا: إذا باراه،
__________________________________________________
(1) قوله: تحدّي، من (م).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 182
و نازعه الغلبة.
قوله بأجمعهم «1»، بضم الميم و فتحها، لغتان مشهورتان، أي:
جميعهم.
و أفحم: أي: قطع و غلب.
لا يخلق، بضم اللام، و يجوز فتحها، و الياء فيهما مفتوحة، و يجوز ضم الياء مع كسر اللام، يقال: خلق الشي‌ء، و خلق، و خلق، و أخلق: إذا بلي، و المراد هنا: لا تذهب حلاوته و جلالته.
استظهره: حفظه ظاهرا.
الولدان: الصّبيان.
الحدثان، بفتح الحاء و الدال: هو الحدث، و الحادثة، و الحدثي، بمعني، و هو وقوع ما لم يكن.
الملوان: الليل و النهار.
الرّضوان، بكسر الراء و ضمّها.
الأنام: الخلق علي المذهب المختار، و يقال أيضا: الأنيم.
الدّامغات: الكاسرات القاهرات.
الطّغام، بفتح الطاء المهملة، و بالغين المعجمة: هم أوغاد الناس.
الأماثل: الخيار، واحدهم أمثل، و قد مثل الرجل، بضم الثاء، أي:
صار فاضلا خيارا.
الأعلام، جمع علم، و هو ما يستدلّ به علي الطريق، من جبل و غيره، سمّي العالم البارع علما بذلك، لأنه يهتدي به.
__________________________________________________
(1) سلف ص 19 أن لفظ «بأجمعهم» من (أ).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 183
النّهي: العقول، واحدها نهية، بضم النون، لأنها تنهي صاحبها عن القبائح، و قيل: لأنّ صاحبها ينتهي إلي عقله و رأيه. قال أبو علي الفارسيّ:
يجوز أن يكون النّهي مصدرا «1»، و يجوز أن يكون جمعا، كالغرف.
دمشق، بكسر الدال، و فتح الميم، علي المشهور، و حكي صاحب «مطالع الأنوار» «2» كسر الميم أيضا.
المختصر: ما قلّ لفظه، و كثرت معانيه.
العتيدة: الحاضرة المعدّة.
أبتهل: أتضرّع «3».
التوفيق: خلق قدرة الطاعة.
حسبنا اللّه، أي: كافينا.
الوكيل: الموكول إليه، و قيل: الموكول إليه تدبير خلقه، و قيل:
القائم بمصالح خلقه، و قيل: الحافظ.
آناء الليل: ساعاته، و في واحدها أربع لغات: إني، و أني، بكسر الهمزة، و فتحها، و إني، و إنو، بالياء و الواو، و الهمزة مكسورة فيهما،
__________________________________________________
(1) مثل: هدي، و سري.
(2) و هو «مطالع الأنوار علي صحاح الآثار» في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ و مسلم و البخاري، و إيضاح مبهم لغاتها، ألّفه صاحبه علي مثال «مشارق الأنوار» للقاضي عياض، استدرك عليه، و أصلح فيه أوهاما، فيما ذكر صاحب «كشف الظنون» 2/ 1215. و مؤلف «مطالع الأنوار» هو إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الحمزي الوهراني، المعروف بابن قرقول، من قرية حمزة من عمل بجاية، كان من أوعية العلم، توفي سنة (569 ه-). «السير» 20/ 520.
(3) في الأصل: ابتهل: تضرّع، و المثبت من (أ) و (ج) و (م)، و هو الموافق لما سلف في مقدمة المصنف ص 23.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 184
و مثله الآلاء، و هي النّعم، و في واحدها اللغات الأربع: إلي، و ألي، و إلي، و إلو. حكي هذا كلّه الواحديّ.
الإنفاق الممدوح في الشرع: إخراج المال في طاعة اللّه تعالي.
تجارة لن تبور، أي: لن تهلك و تفسد.
السّفرة: الملائكة الكتبة.
البررة: جمع بارّ، و هو المطيع.
يتتعتع، أي: يشتدّ و يشقّ.
أبو موسي الأشعري، اسمه عبد اللّه بن قيس، منسوب إلي الأشعر، جدّ القبيلة.
الأترجّة، بضم الهمزة و الراء، و هي معروفة. قال الجوهري: قال أبو زيد: و يقال: ترنجة. و في صحيح البخاري في كتاب الأطعمة في هذا الحديث: مثل الأترنجة «1».
أبو أمامة الباهليّ: اسمه صديّ بن عجلان، منسوب إلي باهلة، قبيلة معروفة.
الحسد: تمني زوال النّعمة عن غيره، و الغبطة تمني مثلها من غير زوالها، و الحسد حرام، و الغبطة في الخير محمودة محبوبة، و المراد بقوله صلّي اللّه عليه و سلّم: «لا حسد إلا في اثنتين»: أي: لا غبطة محمودة يتأكّد الاهتمام بها إلا في اثنتين.
التّرمذي، منسوب إلي ترمذ، قال أبو سعد السمعاني: هي بلدة قديمة علي طرف نهر بلخ الذي يقال له جيحون، و يقال في النسبة إليها: ترمذيّ،
__________________________________________________
(1) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 9/ 66 في تقييده للأترجّة: بضم الهمزة و الراء، بينهما مثناة ساكنة، و آخره جيم ثقيلة، و قد تخفّف، و يزاد قبلها نون ساكنة، و يقال بحذف الألف مع الوجهين، فتلك أربع لغات، و تبلغ مع التخفيف إلي ثمانية.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 185
بكسر التاء و الميم، و بضمّهما، و بفتح التاء، مع كسر الميم، ثلاثة أوجه حكاها السمعاني.
أبو سعيد الخدري: اسمه سعد بن مالك، منسوب إلي بني خدرة.
أبو داود السجستاني: اسمه سليمان بن الأشعث.
النّسائي: هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب.
أبو مسعود البدريّ: اسمه عقبة بن عمرو، و قال جمهور العلماء: سكن بدرا، و لم يشهدها. و قال الزّهريّ و البخاريّ و غيرهما: شهدها مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم.
الدارميّ: هو أبو محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن، منسوب إلي دارم جدّ قبيلة.
شعائر اللّه تعالي: معالم دينه، واحدتها شعيرة، قال الجوهري: و يقال في الواحدة: شعارة.
البزّار: صاحب المسند، بالراء في آخره.
لحد القبر، بفتح اللام و ضمها، لغتان مشهورتان، الفتح أفصح، و هو شقّ في جانبه القبليّ، يدخل فيه الميت، يقال: لحدت الميت و ألحدته.
أبو هريرة: اسمه عبد الرحمن بن صخر علي الأصح من نحو ثلاثين قولا، كنّي بهرّة كانت له في صغره، و هو أول من كنّي بهذا.
آذنني بالحرب، أي: أعلمني، و معناه: أظهر محاربتي.
أبو حنيفة: اسمه النعمان بن ثابت بن زوطي «1».
__________________________________________________
(1) في «القاموس» و زوطي، كسلمي، و قال الزّبيدي في شرحها: و قيل: هو زوطي، كموسي، و هو الذي جزم به كثيرون، و اقتصر عليه الإمام النووي، و ذكر الوجهين صاحب «عقود الجمان في مناقب النعمان».
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 186
الشافعيّ: أبو عبد اللّه محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصيّ.
الثّلب، بفتح الثاء المثلثة و إسكان اللام: و هو العيب.
حنفاء، جمع حنيف، و هو المستقيم، و قيل: المائل إلي الحق، المعرض عن الباطل.
المرعشي، بفتح الميم، و إسكان الراء، و فتح العين المهملة، و بالشين المعجمة.
التّستري، بضم التاء الأولي، و فتح الثانية، و إسكان السين المهملة بينهما، منسوب إلي تستر المدينة المعروفة.
المحاسبي، بضم الميم، قال السمعاني، قيل له ذلك لأنه كان يحاسب نفسه، و هو ممن جمع له علم الظاهر و الباطن.
عرف الجنة، بفتح العين و إسكان الراء و بالفاء: ريحها.
فليتبوأ مقعده من النار، أي: فلينزله، و قيل: فليتّخذه، و قيل: هو دعاء، و قيل: هو خبر.
الدّلالة، بفتح الدال و كسرها، و يقال: دلولة، بضم الدال و اللام.
الطّويّة، بفتح الطاء و كسر الواو، قال أهل اللغة: هي الضمير.
التراقي، جمع ترقوه، و هي العظم الذي بين ثغرة النحر و العاتق.
يجلسون حلقا، يقال بفتح الحاء و كسرها، لغتان.
ابن ماجة: هو أبو عبد اللّه محمد بن يزيد.
أبو الدرداء: اسمه عويمر، و قيل: عامر.
يحنو علي الطالب، أي: يعطف عليه، و يشفق به.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 187
أيوب السّختياني، بفتح السين و كسر التاء، قال أبو عمر ابن عبد البرّ:
كان أيوب يدبغ «1» الجلود بالبصرة، فلهذا قيل: السختياني.
البراعة، بفتح الباء، مصدر برع الرجل و برع، بفتح الراء و ضمها: إذا فاق أصحابه.
حلقة العلم و نحوها، بإسكان اللام، هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، و يقال بفتحها في لغة قليلة، حكاها ثعلب و الجوهريّ و غيرهما.
الرّفقة، بضم الراء و كسرها، لغتان.
قعدة المتعلّمين، بكسر القاف.
المعشر: الجماعة الذين أمرهم واحد.
قوله: و ينفذونها بالنهار، أي: يعملون بما فيها.
أبو سليمان الخطابيّ: منسوب إلي جدّ من أجداده، اسمه الخطّاب، و اسم أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، و قيل: اسمه أحمد.
الزّهريّ: هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب بن عبد اللّه بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب.
البصريّ، بفتح الباء و كسرها.
الشّعبيّ، بفتح الشين: اسمه عامر بن شراحيل، بفتح الشين.
تميم الدّاريّ: منسوب إلي جدّ له اسمه الدار، و قيل: منسوب إلي دارين، موضع بالساحل، و يقال: تميم الدّيريّ، نسبة إلي دير كان يتعبّد فيه، و قيل غير ذلك، و قد أوضحت الاختلاف فيه في أول شرح صحيح مسلم.
__________________________________________________
(1) في حاشية الأصل: يبيع. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 188
سليم بن عتر: بكسر العين المهملة، و إسكان المثناة فوق.
الدّورقيّ: بدال مهملة مفتوحة، ثم واو ساكنة، ثم راء مفتوحة، ثم قاف، ثم ياء النّسب، قيل: إنها نسبة إلي القلانس الطوال التي تسمي الدّورقيّة، و قيل: كان أبوه ناسكا، أي: عابدا، و كانوا في ذلك الزمان يسمّون الناسك دورقيّا، و قيل: نسبة إلي دورق، بلدة بفارس أو غيرها.
منصور بن زاذان، بالزاي و بالذال المعجمة.
قوله: يحتبي، أي: ينصب ساقيه، و يحتوي علي ملتقي ساقيه و فخذيه بيديه أو بثوب، و الحبوة، بضم الحاء و كسرها، لغتان: هي ذلك الفعل.
الهذرمة، بالذال المعجمة: سرعة الكلام الخفيّ.
الغزاليّ: هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، و هكذا يقال بتشديد الزاي، و قد روي عنه أنه أنكر هذا، و قال: إنما أنا الغزالي، بتخفيف الزاي، منسوب إلي قرية من قري طوس، يقال لها غزالة.
طلحة بن مصرّف، بضم الميم و فتح الصاد و كسر الراء، و قيل: يجوز فتح الراء، و ليس بشي‌ء.
أبو الأحوص، بالحاء و الصاد المهملتين، و اسمه عوف بن مالك.
الجشميّ، بضم الجيم و فتح الشين المعجمة، منسوب إلي جشم، جدّ قبيلة.
الفسطاط، فيه ستّ لغات: فسطاط، و فستاط، بالتاء بدل الطاء، و فسّاط بتشديد السين، و الفاء فيهن مضمومة و مكسورة، و المراد به الخيمة و المنزل.
الدّويّ، بفتح الدال، و كسر الواو، و تشديد الياء: صوت لا يفهم.
النّخعيّ، بفتح النون و الخاء، منسوب إلي النّخع، جدّ قبيلة.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 189
حلب شاة، بفتح اللام، و يجوز إسكانها في لغة قليلة.
الرّقاشيّ، بفتح الراء، و تخفيف القاف.
القذاة، كالعود و فتات الخزف، و نحوهما، مما يكنس المسجد منه.
سليمان بن يسار، بالمثناة تحت، ثم بالسين المهملة.
أبو أسيد، بضم الهمزة و فتح السين، اسمه مالك بن ربيعة، شهد بدرا.
تنطحني، بكسر الطاء و فتحها.
منتشر جدّا، بكسر الجيم، و هو مصدر.
الأشنان، بضم الهمزة و كسرها، لغتان، ذكرهما أبو عبيدة و ابن الجواليقي، و هو فارسي معرّب، و هو بالعربية المحضة: حرض، و همزة أشنان أصلية.
كراسيّ أضراسه، يجوز فيه تشديد الياء و تخفيفها، و كذلك كلّ ما كان من هذا واحده مشددا، جاز في جمعه التشديد و التخفيف.
الرّويانيّ، بضم الراء و إسكان الواو، منسوب إلي رويان، البلدة المعروفة.
قوله: صلي علي حسب حاله، هو بفتح السين، أي: علي قدر طاقته.
الحمّام معروف، و هو مذكر عند أهل اللغة.
الحشوش: مواضع العذرة و البول المتّخذة له، واحدها حشّ، بضم الحاء و فتحها، لغتان.
حجر الإنسان، بفتح الحاء و كسرها، لغتان.
الجنازة، بكسر الجيم و فتحها، لغتان، من جنز: إذا ستر.
بهز بن حكيم: هو بفتح الباء الموحدة، و إسكان الهاء، و بالزاي.
زرارة، بضم الزاي.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 190
أحمد بن أبي الحواري، بفتح الحاء و كسر الراء، و منهم من يفتح الراء، و كان شيخنا أبو البقاء خالد النابلسيّ- رحمه اللّه- يحكيه، و ربما اختاره، و كان علامة وقته في هذا الفن، مع كمال تحقيقه فيه، و اسم أبي الحواريّ عبد اللّه بن ميمون بن عباس بن الحارث.
الجوعي، بضم الجيم.
أبو الجوزاء، بفتح الجيم و بالزاي، اسمه أوس بن عبد اللّه، و قيل:
أوس بن خالد.
حبتر، بحاء مهملة مفتوحة، ثم باء موحدة ساكنة، ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة، ثم راء.
الرجل الصالح: هو القائم بحقوق اللّه تعالي و حقوق العباد. كذا قاله الزّجّاج، و صاحب «المطالع» «1»، و غيرهما.
أبو ذرّ: اسمه جندب، و قيل: برير، بضم الموحدة، و تكرير الراء.
اجترحوا السيئات: اكتسبوها.
الشّعار، بكسر الشين: العلامة.
الشّراك، بكسر الشين: هو السّير الرقيق الذي يكون في النعل علي ظهر القدم.
أمّ سلمة: اسمها عند، و قيل: رملة، و ليس بشي‌ء.
عبد اللّه بن مغفّل، بضم الميم، و فتح الغين المعجمة، و الفاء.
اللّغط، بفتح الغين المعجمة، و إسكانها، لغتان: هو اختلاط الأصوات.
__________________________________________________
(1) و هو «مطالع الأنوار علي صحاح الآثار» و سلف التعريف به ص 183.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 191
الجمعة، بضم الميم و إسكانها و فتحها، قاله الفراء و الواحديّ.
المعوّذتان، بكسر الواو.
الأوزاعيّ: اسمه عبد الرحمن بن عمرو، إمام الشام في عصره، منسوب إلي موضع بباب الفراديس من دمشق يقال له: الأوزاع، و قيل: إلي قبيلة، و قيل غير ذلك.
عرزب، بعين مهملة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم زاي مفتوحة، ثم باء موحدة.
بريدة بن الحصيب، بضم الحاء و فتح الصاد المهملتين.
فضالة، بفتح الفاء.
للّه أشدّ أذنا، بفتح الهمزة و الذال، أي: استماعا.
القينة، بفتح القاف: هي المغنية.
طوبي لهم، أي: خير لهم، كذا قاله أهل اللغة.
الأعمش، سليمان بن مهران.
أبو العالية، بالعين المهملة: اسمه رفيع، بضم الراء.
أبو لبابة الصحابيّ، بضم اللام: اسمه بشير، و قيل: رفاعة بن عبد المنذر.
الغشمة: الظّلمة.
قوله: عيناه تذرفان، أي: ينصبّ دمعهما، و هو بفتح التاء المثناة من فوق، و كسر الراء.
فما خطبكم، أي: شأنكم.
الأيام المعدودات: أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 192
تشميت العاطس: هو بالشين و بالسين.
القفّال المذكور هنا هو المروزي «1»، عبد اللّه بن أحمد.
يقرن، بضم الراء علي «2» اللغة الفصيحة، و في لغة بكسرها.
البغويّ، منسوب إلي بغ، مدينة بين هراة و مرو، و يقال لها أيضا:
بغشور، و اسمه الحسين بن مسعود.
الآصال جمع أصيل، و هو آخر النهار، و قيل: ما بين العصر و غروب الشمس.
زبيد بن الحارث، بضم الزاي، و بعدها باء موحّدة مفتوحة.
سبّوح قدّوس، يضم أولهما و يفتح، لغتان مشهورتان.
أبو قلابة، بكسر القاف، و تخفيف اللام، و بالباء الموحدة، اسمه عبد اللّه بن زيد.
يحيي بن وثّاب، بثاء مثلثة مشدّدة.
معان بن رفاعة، بضم الميم، و بالعين المهملة، و آخره نون.
الشّخّير، بكسر الشين و الخاء المعجمتين، و الخاء مشددة.
الحكم بن عتيبة: هو بتاء مثناة من فوق، ثم مثناة من تحت، ثم موحدة.
المحيا و الممات: الحياة و الموت.
أوزعهم، أي: ألهمهم.
حمدا يوافي نعمه، أي: يصل إليها، فيحصّلها.
__________________________________________________
(1) يعين المذكور ص 122، فصل في أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة.
(2) في حاشية الأصل: هي. (نسخة).
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 193
و يكافئ مزيده، هو بهمزة آخر «يكافئ»، و معناه: يقوم بشكر ما زادنا من النعم.
مجالد الراوي عن الشعبيّ: بالجيم و كسر اللام.
الصّيمري، بفتح الصاد المهملة و الميم، و قيل: بضم الميم، و هو غريب.
و قد بسطت بيانه في كتاب «تهذيب الأسماء و اللغات». فهذه أحرف وجيزة في ضبط مشكل ما وقع في هذا الكتاب، و ما بقي منها تركته لظهوره.
و ما ذكرته من الظاهر، فقصدت بيانه لمن لا يخالط العلماء، فإنه ينتفع به إن شاء اللّه تعالي.
هذا آخر ما تيسّر من هذا الكتاب، و هو نبذة مختصرة بالنسبة إلي آداب القرّاء، و لكن حملني علي اختصاره ما ذكرته في أول الكتاب.
و أسأل اللّه العظيم النفع العميم به لي و لأحبابي، و لكلّ ناظر فيه، و سائر المسلمين، في الدارين، و الحمد للّه ربّ العالمين حمدا يوافي نعمه، و يكافئ مزيده، و صلاته و سلامه الأكملان علي سيدنا محمد و آله و أصحابه أجمعين، دائما أبدا إلي يوم الدين.
قال مصنّفه رحمه اللّه: ابتدأت في جمعه يوم الخميس ثاني عشر «1» ربيع الأول، و فرغت من جمعه صبيحة [يوم الخميس الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ستّ و ستين و ستّ مائة من الهجرة النبوية] «2».
و كان الفراغ من تعليق هذا الكتاب المبارك أذان المغرب ليلة الاثنين خامس عشر صفر الخير سنة أحد و تسعين و ثمان مائة علي يد كاتبه لنفسه العبد
__________________________________________________
(1) في (ج): الثالث عشر.
(2) ما بين حاصرتين من النسخة المصرية.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 194
الفقير إلي اللّه تعالي الغنيّ، محمد بن علي بن عمر البسيوني، غفر اللّه له و لوالديه و لمشايخه و لأحبائه، و لجميع المسلمين. و الصلاة و السلام علي محمد و آله إلي يوم الدين. آمين، آمين، آمين.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 195

فهرس الآيات‌

فهرس الآيات
سورة الفاتحة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) 152 وَ لَا الضَّالِّينَ (7) 126 سورة البقرة:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا 162 إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) 63 و 80 رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ (201) 81 وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ 113 نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ 95 وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ 90 سورة آل عمران:
قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ 113 قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ 162 لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 144 مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) 71 إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي جُنُوبِهِمْ 85 و 167 سورة النساء:
وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ 112 فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً (41) 111 أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ 87 سورة المائدة:
وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي 104 وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ 116 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ 144 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ 89
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 196
سورة الأنعام:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ 144 مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها 144 سورة الأعراف:
وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) 95 سورة التوبة:
وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ 158 وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ 116 سورة يوسف:
وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي 112 سورة الرعد:
بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (15) 129 سورة الحجر:
ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) 118 وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) 34 سورة النحل:
وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) 129 فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) 85 سورة الإسراء:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها 42 سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) 140 وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) 90 و 129 سورة مريم:
يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ 80 خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (58) 129 سورة طه:
رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) 90 سورة الأنبياء:
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً 116
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 197
سورة الحج:
إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18) 129 وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ 34 وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ (32) 34 وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) 129 سورة النور:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ 96 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) 37 سورة الفرقان:
وَ زادَهُمْ نُفُوراً (60) 129 سورة النمل:
وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ (25) 130 رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) 129 و 130 فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ 113 قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ 144 سورة الروم:
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) 118 سورة السجدة:
الم (1) تَنْزِيلُ 115 و 161 وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) 129 سورة الأحزاب:
وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ 144 وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ 113 إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) 116 وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (58) 340 سورة فاطر:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) 25 سورة يس:
يس (1) 168 وَ ما أَنْزَلْنا عَلي قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ 113
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 198
سورة ص:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ 87 سورة الزمر:
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ 90 قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ 110 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 118 سورة غافر:
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ 90 سورة فصلت:
لا يَسْأَمُونَ (38) 129 إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ 113 إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) 130 سورة الشوري:
وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) 42 وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ 144 سورة الزخرف:
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) 81 سورة الجاثية:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ 89 وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا 113 سورة الذاريات:
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) 113 سورة الطور:
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) 89 سورة القمر:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ 99 و 162 سورة المزمل:
وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) 92 سورة المدثر:
فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) 87
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 199
سورة القيامة:
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) 117 أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلي أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتي (40) 117 سورة الإنسان:
هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ 99 و 115 و 161 سورة المرسلات:
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) 117 سورة التكوير:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) 111 وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) 144 سورة الانفطار:
ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) 90 سورة الانشقاق:
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) 128 و 129 فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) 127 و 129 بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) 127 سورة الأعلي:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) 99 و 117 و 162 و 163 سورة الغاشية:
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) 162 سورة التين:
وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ (1) 109 و 117 وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ (1) وَ طُورِ سِينِينَ (2) وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) 118 أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) 117 سورة العلق:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 128 سورة البينة:
وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) 39
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 200
سورة الكافرون:
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) 99 و 162 و 163 سورة الاخلاص:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) 99 و 159 و 162 و 163 و 165 و 166 و 167 سورة الفلق:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) 159 و 168 سورة الناس:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) 99 و 152 و 159 و 168
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 201

فهرس الأحاديث المرفوعة و الموقوفة

فهرس الأحاديث المرفوعة و الموقوفة
الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه (أبو مسعود البدري) 165 أتاني جبريل فأخبرني أن اللّه تعالي يباهي بكم الملائكة (معاوية) 102 إذا أمّن الإمام فأمّنوا (أبو هريرة) 126 إذا انتهي أحدكم إلي المجلس فليسلم (أبو هريرة) (ح) 55 إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده علي فيه (أبو سعيد الخدري) 116 إذا قال الإمام: و لا الضالين، فقولوا: آمين (أبو هريرة) 126 إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتي يصبح (من قول سعد بن أبي وقاص) 70 استوصوا بهم خيرا (أبو سعيد الخدري) 47 اطلبوا العلم و اطلبوا مع العلم السكينة و الحلم (أبو هريرة) (ح) 49 افتتاح القرآن و ختمه (أنس) 150 اقرأ عليّ القرآن (ابن مسعود) 111 اقرأ و ارتق و رتل كما كنت ترتل في الدنيا (ابن عمرو) 29 اقرءوا القرآن، فإن اللّه تعالي لا يعذب قلبا وعي القرآن (موقوف من قول أبي أمامة الباهلي) 30 اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه (أبو أمامة الباهلي) 26 اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح (جابر) 62 اقرءوا القرآن و ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا (سعد بن أبي وقاص) 90 اقرءوا القرآن و لا تأكلوا به (عبد الرحمن بن شبل) 62 اقرءوا يس علي موتاكم (معقل بن يسار) 168 ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله (النعمان بن بشير) 53 الذي يضرب من أول القرآن إلي آخره، كلما حلّ ارتحل (ابن عباس) (ح) 150 الذي يقرأ القرآن و هو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة (عائشة) 25 اللهم اكتب لي عندك بها أجرا (ابن عباس) 139 اللهم بارك لأمتي في بكورها (صخر الغامدي) 59 اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت (علي) 139 أ لم يقل اللّه تعالي: وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (33) (مسروق) 144 أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن ننزل الناس منازلهم (عائشة) 35 أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة (عقبة بن عامر) 165 أن ابن عباس كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن 146 إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم (من قول ابن مسعود) 94
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 202
إن الذي ليس في جوفه شي‌ء من القرآن كالبيت الخراب (ابن عباس) 29 إن اللّه تعالي يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين (عمر) 26 أن أم سلمة نعتت قراءة النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قراءة مفسرة حرفا حرفا 92 أن زيد بن ثابت قرأ علي النبي صلّي اللّه عليه و سلّم وَ النَّجْمِ فلم يسجد 127- 128 إن سرّك أن تطوّق بها طوقا من نار فاقبلها (عبادة بن الصامت) 64 أن عبد اللّه بن مسعود كان إذا قرأ السجدة، سجد، ثم سلم 140 أن عمر صلي بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف، فبكي 91 أن عمر قرأ يوم الجمعة علي المنبر سورة النحل حتي إذا جاء السجدة، نزل فسجد 127 أن عمر كان يقول لأبي موسي الأشعري: ذكّرنا ربنا، فيقرأ عنده 112 إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيرا من أمر الدنيا و الآخرة إلا أعطاه إياه (جابر) (ح) 73 إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا فيسمع لأهله دويا (أبو الأحوص) 72 إن من إجلال اللّه تعالي إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن (أبو موسي الأشعري) 34 إن الناس لكم تبع، و إن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض (أبو سعيد) 47 إن هذا القرآن مأدبة اللّه تعالي (من قول ابن مسعود) 30 إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوي (عمر) 39 إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة (ابن عمر) 75 إنما يحفظ الرجل (أو: حديث الرجل) علي قدر نيته (من قول ابن عباس) 39 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم أمر الحيّض بالخروج يوم العيد، فيشهدن الخير (أم عطية) 145 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم سجد في وَ النَّجْمِ (ابن مسعود) 128- أنه صلّي اللّه عليه و سلّم قام بآية يرددها حتي أصبح (أبو ذر) 89 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في ركعتي الفجر قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) (أبو هريرة) (ح) 162 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في العشاء بالتين و الزيتون (البراء) 109 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان إذا أوي إلي فراشه كل ليلة، جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ .. (عائشة) 159 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يجمع بين الرجلين من قتلي أحد (جابر) 35 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يطوّل في الأولي ما لا يطوّل في الثانية 121 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ (ابن عباس) 167 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في صلاة الجمعة، الجمعة و المنافقين (ابن عباس) (ح) 161 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ و هَلْ أَتي عَلَي الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (ابن عباس) (ح) 161 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم كان يقرأ كل ليلة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و المعوذتين (عائشة) 166 أنه صلّي اللّه عليه و سلّم لعن من جلس وسط الحلقة (حذيفة) (ح) 56
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 203
أنه صلّي اللّه عليه و سلّم نهي أن يسافر بالقرآن إلي أرض العدو (ابن عمر) 174- 175 إني أحب أن أسمعه من غيري (ابن مسعود) 111 إني أقرأ القرآن في صلاتي، و أقرأ علي فراشي (أبو موسي الأشعري) 85 إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل (أبو موسي الأشعري) 107 إني لأقرأ حزبي و أنا مضطجعة علي السرير (عائشة) 85 أو لم تسمع أن اللّه تعالي يقول: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً (عائشة) 144 بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت و كيت (ابن مسعود) 156 تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها (أبو موسي الأشعري) 75 الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة (عقبة بن عامر) 108 الحالّ المرتحل (ابن عباس) (ح) 150 حسبك الآن (ابن مسعود) 111 خير الأعمال الحل و الرحلة (أنس) 149 خير المجالس أوسعها (أبو سعيد الخدري) 53 خير المجالس ما استقبل به القبلة (ابن عمر) 84 خيركم من تعلم القرآن و علمه (عثمان) 25 و 32 الدال علي الخير كفاعله (أبو مسعود) 104 الدين النصيحة (تميم الداري) 48 و 151 ذكّرنا ربّنا (يقولها عمر لأبي موسي) 112 ذلك منكوس القلب (لمن يقرأ القرآن منكوسا) (ابن مسعود) 100 رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يوم فتح مكة علي ناقته يقرأ سورة الفتح، فرجّع في قراءته (عبد اللّه بن مغفل) 93 رحمه اللّه، لقد أذكرني آية كنت أسقطتها (عائشة) 156 زيّنوا القرآن بأصواتكم (البراء) 107 و 109 سبّوح قدّوس ربّ الملائكة و الروح (عائشة) 139 سمعت النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قرأ في العشاء بالتين و الزيتون (البراء) 109 سيجي‌ء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه (فضيل بن عمرو عن أحد الصحابة) 63 سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم (موقوف من قول علي) 45 شرف المؤمن قيام الليل (سهل بن سعد) 72 الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما 81 و 177 «ص» ليست من عزائم السجود، و قد رأيت النبي صلّي اللّه عليه و سلّم سجد فيها (ابن عباس) 128 صليت مع النبي صلّي اللّه عليه و سلّم ذات ليلة فافتتح البقرة (حذيفة) 94 طوبي لهؤلاء، كانوا أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم (علي) 107 عرضت عليّ أجور أمتي حتي القذاة يخرجها الرجل من المسجد (أنس) 75
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 204
فضل كلام اللّه سبحانه و تعالي علي سائر الكلام كفضل اللّه تعالي علي سائر خلقه (أبو سعيد الخدري) 27 فليست الأولي بأحق من الثانية (أبو هريرة) 55 في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء 73 قال اللّه عز و جل: من آذي لي وليا فقد آذنني بالحرب (أبو هريرة) 36 قام النبي صلّي اللّه عليه و سلّم بآية يرددها حتي أصبح (أبو ذر) 89 قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم في يوم العيد ب اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ و ق (أبو واقد الليثي) (ح) 162 قرأ زيد بن ثابت علي النبي صلّي اللّه عليه و سلّم وَ النَّجْمِ فلم يسجد 128 قرأ عمر في الركعة الأولي من الصبح بالكهف و في الثانية بيوسف 99 قرأ عمر يوم الجمعة علي المنبر سورة النحل حتي إذا جاء السجدة، نزل فسجد 127 قرأت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم سورة النساء (ابن مسعود) 157 كان ابن عباس يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن 146 كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتي يفرغ 95 كان أبو الدرداء يقرأ في الطريق 84 كان أنس بن مالك إذا ختم القرآن جمع أهله و دعا 146 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم إذا اشتكي يقرأ علي نفسه المعوذات و ينفث (عائشة) 160 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يتكئ في حجري و أنا حائض، فيقرأ القرآن (عائشة) 85 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في ركعتي الفجر قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا و تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ (ابن عباس) (ح) 163 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في العيدين و في الجمعة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) (النعمان بن بشير) (ح) 162 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرأ في الوتر سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي (1) و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) (عبد الرحمن بن أبزي) (ح) 163- 164 كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ينفث علي نفسه في مرضه الذي مات فيه بالمعوذات (عائشة) 159 كان عبد اللّه بن مسعود إذا قرأ السجدة، سجد، ثم سلّم 140 كان عبد اللّه بن مسعود يقرئ الناس في المسجد جاثيا علي ركبتيه 52 كان عمر يقول لأبي موسي الأشعري: ذكّرنا ربنا 112 كان القراء أصحاب مجلس عمر و مشاورته 33 لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب (أبو هريرة) 120 لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللّه القرآن (ابن عمر) 26 لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللّه مالا (ابن مسعود) 27 لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (عبادة بن الصامت) (ح) 120 لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما (ابن عمرو) (ح) 56
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 205
لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث (ابن عمرو) 69 لا يقعد قوم يذكرون اللّه عز و جل إلا حفتهم الملائكة (أبو سعيد و أبو هريرة) (ح) 102 لا يقل أحدكم نسيت آية كذا و كذا بل هو نسّي (ابن مسعود) 156 لا يقم أحدكم أخاه فيجلس في مجلسه (ابن عمر) (ح) 56 لا يمر بك ليلة إلا قرأت فيها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) و المعوذتين (عقبة بن عامر) 166 لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه (أنس) 49 لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله (ابن عباس) 93 لأن يهدي اللّه بك رجلا خير لك من حمر النعم (سهل بن سعد) 104 لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود (أبو موسي الأشعري) 106 و 109 لقد عرفت النظائر التي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم يقرن بينهن (ابن مسعود) 122 للّه أشد أذنا إلي الرجل الحسن الصوت بالقرآن (فضالة بن عبيد) 106 و 109 لو رأيتني و أنا أستمع لقراءتك البارحة (أبو موسي) 106 ليس الأولي بأحق من الثانية (أبو هريرة) 55 لينوا لمن تعلمون و لمن تتعلمون منه (أبو هريرة) 49 ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه تعالي (أبو هريرة) 102 ما أذن اللّه لشي‌ء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغني بالقرآن (أبو هريرة) 105 و 109 ما من قوم يذكرون اللّه إلا حفت بهم الملائكة (أبو هريرة و أبو سعيد) 101 ما يجلسكم؟ (لمن جلسوا يذكرون اللّه) (معاوية) 102 مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة (أبو موسي) 25 المراء في القرآن كفر (أبو هريرة) 155 مرحبا بوصية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم (أبو سعيد الخدري) 47 من آذي لي وليا فقد آذنني بالحرب (أبو هريرة) 36 من أحبّ القرآن فليبشر (موقوف من قول ابن مسعود) 30 من استمع إلي آية من كتاب اللّه تعالي كانت له نورا (موقوف من قول ابن عباس) 102 من تعلم علما مما يبتغي به وجه اللّه تعالي، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من أعراض الدنيا (أبو هريرة) 42 من شغله القرآن و ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (أبو سعيد) 27 من صلّي بالليل ركعتين فقد بات للّه ساجدا و قائما (موقوف من قول ابن عباس) 74 من صلّي الصبح فهو في ذمة اللّه (جندب بن عبد اللّه) 36 من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء (أنس و حذيفة و كعب بن مالك) 42 من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين (ابن عمرو) 74 من قرأ: أ ليس اللّه بأحكم الحاكمين فليقل بلي و أنا علي ذلك من الشاهدين (أبو هريرة) 117 من قرأ: أ ليس اللّه بقادر علي أن يحيي الموتي، فليقل: بلي و أنا أشهد (أبو هريرة) 117
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 206
من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة (ابن مسعود) 27 من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور (موقوف من قول أبي سعيد) 164 من قرأ: فبأيّ حديث بعده يؤمنون فليقل: آمنت باللّه (أبو هريرة) 117 من قرأ القرآن ثم نسيه لقي اللّه عز و جل يوم القيامة أجذم (سعد بن عبادة) 76 من قرأ القرآن و عمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة (معاذ بن أنس) 30 من لم يتغن بالقرآن فليس منا (سعد و أبو لبابة) و أبو هريرة (ح) 109 من نام عن حزبه من الليل .. فقرأه ما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر (عمر) 76 نعتت أمّ سلمة قراءة النبي صلّي اللّه عليه و سلّم قراءة مفسرة حرفا حرفا 92 نعم الرجل عبد اللّه لو كان يصلي من الليل (ابن عمر) 71 هذّا كهذّ الشعر (من قول ابن مسعود) 94 هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة (من قول ابن مسعود) 157 و ما أدراك أنها رقية (أبو سعيد الخدري) 167 يا حملة العلم، اعملوا به (من قول علي) 45 يا رسول اللّه، اللّه تعالي يقول في كتابه: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (أبو طلحة) 144 يا عبد اللّه، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه 71 يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق و رتل كما كنت ترتل في الدنيا (ابن عمرو) 29 يقول الرب سبحانه و تعالي: من شغله القرآن و ذكري عن مسألتي (أبو سعيد الخدري) 27 يقول اللّه عز و جل مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (أبو ذر) 144 ينزل ربكم كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل (أبو هريرة) 73 يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه (أبو مسعود) 33
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 207

فهرس الأقوال الواردة في الكتاب (غير الفقهية)

فهرس الأقوال الواردة في الكتاب (غير الفقهية)
الإخلاص استواء أفعال العبد في الظاهر و الباطن (حذيفة المرعشي) 40 الإخلاص إفراد الحق سبحانه و تعالي في الطاعة بالقصد (أبو القاسم القشيري) 40 إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي (يزيد الرقاشي) 73 إذا سأل أحدكم أخاه عن آية، فليقرأ ما قبلها ثم يسكت 143 إذا طلبت اللّه تعالي بالصدق، أعطاك مرآة تبصر فيها 41 أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن (الحكم بن عتيبة) 146 اعلم أن لحوم العلماء مسمومة، و عادة اللّه في هتك أستار منتقصهم معلومة (ابن عساكر) 36 اقرءوا من الليل و لو حلب شاة (إبراهيم النخعي) 73 أقل الصدق استواء السر و العلانية (أبو القاسم القشيري) 41 أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطي رقاب الناس حتي يجلس إليّ (ابن عباس) 49 اللهم استر عيب معلمي عني 54 إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني (ابن عباس) 49 إن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن 146 أن الرمادي كان إذا اشتكي شيئا قال: هاتوا أصحاب الحديث 168 أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف علي وجهه و يقول: كتاب ربي (ابن أبي مليكة) 174 إن لم يكن العلماء أولياء اللّه، فليس للّه ولي (أبو حنيفة و الشافعي) 36 إن المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد لذلك خفّة (طلحة بن مصرّف) 168 إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم (الحسن البصري) 61 إنما يعطي الناس علي قدر نياتهم 39 ترك العمل لأجل الناس رياء، و العمل لأجل الناس شرك (الفضيل بن عياض) 40 تفقه قبل أن ترأس (الشافعي) 59 تفقهوا قبل أن تسوّدوا (عمر) 58 ثلاث من علامات الإخلاص: (ذو النون المصري) 40 حامل القرآن حامل راية الإسلام (الفضيل بن عياض) 62 الدعاء مستجاب عند ختم القرآن (مجاهد و عبدة بن أبي لبابة) 146 دواء القلب خمسة أشياء (إبراهيم بن أحمد الخواص) 88 ذللت طالبا فعززت مطلوبا (ابن عباس) 57
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 208
رأيت ابن عباس و تحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع (أبو رجاء العطاردي) 91 الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق (الحارث المحاسبي) 41 طلبنا العلم لغير اللّه، فأبي أن يكون إلا للّه 51 طلبهم للعلم نية 51 كانت الأنصار إذا حضروا قرءوا عند الميت سورة البقرة (الشعبي) 169 كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون تنزل الرحمة (مجاهد) 147 كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو أول النهار (عمرو بن مرة) 70 كانوا يستحبون أن يقرءوا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و المعوّذتين في كل ليلة ثلاث مرات (إبراهيم النخعي) 167 كانوا يعلمونهم إذا أووا إلي فرشهم أن يقرءوا المعوذتين (إبراهيم النخعي) 167 لا تستوحش طرق الهدي لقلة أهلها (الفضيل بن عياض) 113 لا تعمل للناس شيئا و لا تترك لهم شيئا (السريّ السّقطي) 41 لا تقل أسقطت آية كذا بل قل أغفلت (أبو عبد الرحمن السلمي) 156 لا يري هذا أني كنت أقرأ كل ساعة (إبراهيم النخعي) 108 ما اجترأت أن أشرب الماء و الشافعي ينظر إليّ (الربيع) 54 ما كنت أري أحدا يعقل يدخل في الإسلام ينام حتي يقرأ آية الكرسي (علي) 166 ما كنت أري أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة (علي) 166 من حق العالم عليك أن تسلم علي الناس عامة و تخصه دونهم بالتحية (علي) 54 من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتي يمسي (طلحة بن مصرف) 70 من قرأ القرآن ثم دعا، أمّن علي دعائه أربعة آلاف ملك (حميد الأعرج) 147 من لم يصبر علي ذل التعلم بقي عمره في عماية الجهالة 57 نظر الأكياس في تفسير الإخلاص، فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته و سكونه في سره و علانيته للّه تعالي وحده (سهل التستري) 41 هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم (محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما) 54 وددت أن هذا الخلق تعلموا هذا العلم- يعني علمه و كتبه- علي أن لا ينسب إليّ منه حرف (الشافعي) 45 يا معشر القراء ارفعوا رءوسكم فقد وضح لكم الطريق (عمر) 61 يطيّب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة 53 ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له حاجة إلي أحد (الفضيل بن عياض) 62 ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليلة إذا الناس نائمون (ابن مسعود) 61 ينبغي للعالم أن يضع التراب علي رأسه تواضعا للّه عز و جل (أيوب السختياني) 50
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 209

فهرس الأعلام المترجمين في الحواشي‌

فهرس الأعلام المترجمين في الحواشي
إبراهيم بن أحمد الخواص أبو إسحاق 88 إبراهيم بن أحمد المروزي أبو إسحاق 129 إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي 115 إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 68 إبراهيم بن يزيد أبو عمران النخعي 68 إبراهيم بن يوسف الحمزي الوهراني صاحب «مطالع الأنوار» 183 أحمد بن إبراهيم الدورقي 67 أحمد بن أبي الحواري أبو الحسن الثعلبي 87 أحمد بن علي بن ثابت البغدادي 168 أحمد بن عمر بن سريج أبو العباس 128 أحمد بن عمرو أبو بكر البزار صاحب المسند 35 أحمد بن محمد أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري 74 أحمد بن منصور بن سيار الرمادي 168 أبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي 72 إسحاق بن راهويه 127 أبو إسحاق المروزي إبراهيم بن أحمد 129 إسماعيل بن أحمد أبو عبد الرحمن الضرير 140 إسماعيل بن يحيي أبو إبراهيم المزني 111 أبو أسيد: مالك بن ربيعة الساعدي 77 الأعمش: سليمان بن مهران 108 إمام الحرمين: أبو المعالي الجويني 80 الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو 103 أوس بن عبد اللّه أبو الجوزاء 88 أيوب السختياني 50 بريدة بن الحصيب الصحابي 106 البزار: صاحب المسند 35 بشير بن أبي مسعود 143 البغوي: الحسين بن مسعود أبو محمد 123 أبو بكر بن أبي داود السجستاني 52 أبو بكر بن المنذر 83 أبو بكر الخطيب البغدادي 168 بهز بن حكيم أبو عبد الملك القشيري 87 التستري: سهل بن عبد اللّه 41 تميم بن أوس الداري 65 الثعلبي: أحمد بن محمد أبو إسحاق 74 ثوبان بن إبراهيم ذو النون المصري 40 أبو ثور إبراهيم بن خالد 115 الثوري: سفيان بن سعيد 31 جعفر بن محمد الإمام الصادق 125 أبو جعفر النحاس 172 الجنيد بن محمد أبو القاسم 87 أبو الجوزاء أوس بن عبد اللّه 88 الجويني: أبو محمد والد إمام الحرمين 138 الجويني: أبو المعالي إمام الحرمين 80 أبو حاتم السجستاني 172 الحارث بن أسد المحاسبي 41 الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ 113 حبيب بن أبي ثابت أبو يحيي القرشي 71 حذيفة بن قتادة المرعشي 40 حسان بن عطية أبو بكر المحاربي 103 الحسن بن أحمد ابن الكاتب 66 الحسن بن أبي الحسن البصري 61 أبو الحسن العبدري 130 أبو الحسن الواحدي 119 الحسين بن علي صاحب «العدة» 135 الحسين بن الفضل 125
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 210
حسين بن محمد القاضي أبو علي المروزي 100 الحسين بن مسعود أبو محمد البغوي 123 الحكم بن عتيبة 146 حكيم بن سعد أبو تحيي الكوفي 118 الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن 31 حمد بن محمد أبو سليمان الخطابي 63 حمزة بن حبيب شيخ القراءة 125 الخطابي أبو سليمان 63 الخطيب البغدادي 168 الدارمي أبو محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن 30 ابن أبي داود أبو بكر 52 داود بن علي أبو سليمان الظاهري 97 ابن أبي الدنيا عبد اللّه بن محمد 77 الدورقي أحمد بن إبراهيم 67 ذكوان بن عبد اللّه أبو صالح السمان 91 ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم 40 الرافعي عبد الكريم بن محمد أبو القاسم 138 الربيع بن سليمان صاحب الشافعي 54 أبو الربيع سليمان بن داود بن حمّاد 84 أبو رجاء العطاردي عمران بن ملحان 91 رفيع بن مهران أبو العالية 108 الرقاشي: يزيد بن أبان 73 الرمادي: أبو بكر أحمد بن منصور 168 الروياني: عبد الواحد بن إسماعيل أبو المحاسن 79 زبيد بن الحارث اليامي 130 زرارة بن أوفي أبو حاجب العامري 87 زفر بن الهذيل 135 الزهري: محمد بن شهاب 63 سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب 136 السري السّقطي 41 ابن سريج أبو العباس 128 سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 68 سعد بن جبير أبو محمد الأسدي 65 سعيد بن سلام أبو عثمان المغربي 66 سعيد بن محمد أبو عثمان بن الحداد 152 سعيد بن المسيب 129 سفيان بن سعيد الثوري 31 سليم بن عتر قاضي مصر و قاصّها 66 سليمان بن أحمد أبو القاسم الطبراني 71 سليمان بن داود أبو الربيع المهري 84 سليمان بن يسار أبو أيوب الفقيه 77 سهل بن عبد اللّه بن يونس التستري 41 سهل بن محمد أبو حاتم السجستاني 172 ابن سيرين محمد 54 الشعبي: عامر بن شراحيل 63 شقيق بن سلمة 129 ابن شنبوذ 152 ابن شهاب الزهري 63 أبو صالح ذكوان بن عبد اللّه السمان 91 ابن الصلاح 159 الصيدلاني محمد بن داود 132 الصيمري: أبو القاسم 177 الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب 103 طاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن الفارسي 114 الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد 71 طلحة بن مصرف أبو محمد اليامي 70 أبو الطيب القاضي 178 أبو العالية رفيع بن مهران البصري 108 عامر بن شراحيل الشعبي 63 عباد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير 89 أبو العباس ابن سريج 128 ابن عبد البر 98 عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني 31 أبو عبد الرحمن السلمي التابعي 141 أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين صاحب «طبقات الصوفية» 66
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 211
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي 103 عبد الرحمن بن مأمون المتولي صاحب «التتمة» 138 عبد الرحمن بن يزيد بن قيس أبو بكر النخعي 68 عبد الكريم بن محمد أبو القاسم الرافعي 138 عبد الكريم بن هوازن أبو القاسم القشيري 39 عبد اللّه بن أحمد أبو بكر المروزي القفال 122 عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث 52 عبد اللّه بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي 30 عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي مليكة 174 عبد اللّه بن المبارك 114 عبد اللّه بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا 77 عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة 157 عبد اللّه بن مغفل الصحابي 93 عبد اللّه بن أبي الهذيل 113 عبد اللّه بن وهب أبو محمد المصري 84 عبد اللّه بن يوسف أبو محمد الجويني 138 عبد الملك بن عبد اللّه إمام الحرمين 80 عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي 103 عبد الواحد بن إسماعيل أبو المحاسن الروياني 79 عبدة بن أبي لبابة 146 أبو عثمان بن الحداد 152 أبو عثمان المغربي 66 عروة بن الزبير بن العوام 115 ابن عساكر أبو القاسم 36 عطاء بن أبي رباح 63 عقبة بن عامر الجهني الصحابي 108 عكرمة مولي ابن عباس 137 علقمة بن قيس أبو شبل النخعي 68 علي بن أحمد أبو الحسن الواحدي 119 علي بن الحسن الدمشقي ابن عساكر 36 علي بن حمزة أبو الحسن الكسائي 125 علي بن سعيد أبو الحسن العبدري 130 علي بن عبد اللّه بن الحسن بن جهضم صاحب «بهجة الأسرار» 73 علي بن عبد اللّه أبو عبد اللّه الأزدي 67 علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي 79 أبو علي ابن مقلة 153 أبو علي ابن أبي هريرة 141 أبو عمر بن عبد البر 98 أبو عمر الكندي محمد بن يوسف التجيبي 66 عمران بن ملحان أبو رجاء العطاردي 91 عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة الهمذاني 83 أبو عمرو ابن الصلاح 159 أبو عمرو بن العلاء 157 عمرو بن مرة أبو عبد اللّه المرادي الجملي 70 أبو عمرو الداني 172 عوف بن مالك أبو الأحوص الجشمي 72 عياض بن موسي أبو الفضل القاضي 151 الغزالي أبو حامد 69 فضالة بن عبيد أبو محمد الأنصاري 106 فضيل بن عمرو التميمي 63 الفضيل بن عياض 40 أبو القاسم الجنيد بن محمد شيخ الصوفية 87 أبو القاسم الصيمري 177 أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي 138 القاسم بن عثمان أبو عبد الملك الجوعي 88 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 137 القاضي حسين بن محمد أبو علي المروذي 100 القاضي أبو الطيب 178 القاضي عياض بن موسي أبو الفضل 151 قتادة بن دعامة السدوسي 132 ابن قتيبة عبد اللّه بن مسلم 157 القشيري أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن 39 القفال عبد اللّه بن أحمد أبو بكر المروزي 122 أبو قلابة عبد اللّه بن زيد 141
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 212
قيس بن حبتر التميمي النهشلي 88 ابن الكاتب 66 الكسائي علي بن حمزة أبو الحسن 125 الليث بن سعد 130 مالك بن ربيعة أبو أسيد 77 الماوردي علي بن محمد أبو الحسن 79 ابن المبارك عبد اللّه 114 مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي 66 المحاسبي الحارث بن أسد 22 محمد بن إبراهيم أبو بكر ابن المنذر 83 أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين 138 محمد بن الحسن أبو عبد اللّه الشيباني 97 محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السلمي 66 محمد بن داود بن محمد الصيدلاني 132 محمد بن سيرين 54 محمد بن عبد اللّه أبو عبد اللّه الحاكم 113 محمد بن علي بن مقلة 153 محمد بن محمد الغزالي 69 محمد بن مسلم بن شهاب الزهري 63 محمد بن يوسف أبو عمر الكندي 66 المرعشي: حذيفة بن قتادة 40 المزني: إسماعيل بن يحيي المصري 111 مسروق بن الأجدع 144 المسيب بن رافع 145 مطرف بن عبد اللّه بن الشخير 143 معان بن رفاعة 142 معاوية بن قرة أبو إياس المزني 93 ابن مقلة أبو علي الوزير 153 مكحول الشامي 165 ابن أبي مليكة 174 ابن المنذر محمد بن إبراهيم أبو بكر 83 منصور بن زاذان الثقفي 67 منصور بن المعتمر أبو عتّاب السّلمي 67 أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني 83 نافع بن عبد الرحمن أحد القراء السبعة 157 نصر المقدسي 135 ابن أبي هريرة أبو علي 141 هشام بن إسماعيل والي المدينة 103 هشام بن حسان أبو عبد اللّه الأزدي القردوسي 91 الواحدي 119 أبو وائل شقيق بن سلمة 129 ابن وهب عبد اللّه أبو محمد المصري 84 يحيي بن أبي الخير صاحب «البيان» 132 يحيي بن وثاب 141 يزيد بن أبان أبو عمرو الرقاشي 73 يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي 97 يوسف بن عبد اللّه ابن عبد البر 98 أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم 97
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 213

الأشعار الواردة في الكتاب‌

الأشعار الواردة في الكتاب
عجبت من جسم و من صحة و من فتي نام إلي الفجر
و الموت لا تؤمن خطفاته في ظلم الليل إذا يسري 77
من لم يذق طعم المذلة ساعة قطع الزمان بأسره مذلولا (ح) 57
العلم حرب للفتي المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي 53
لو لا الذين لهم ورد يقومونا و آخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم لأنكم قوم سوء ما تطيعونا 74 التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 215

فهرس الكتب التي ذكرها المصنف (غير دواوين السنة)

فهرس الكتب التي ذكرها المصنف (غير دواوين السنة)
«الإحياء» لأبي حامد الغزالي 69 و 100 «الإشراف في اختلاف الفقهاء» لأبي بكر بن المنذر 83 «الأم» للإمام الشافعي 164 «بهجة الأسرار» لعلي بن عبد اللّه بن الحسن بن جهضم 73 [ «بهجة الأسرار» آخر، للشطنوفي (ح)] 74 «البيان» ليحيي بن أبي الخير العمراني 132 «التتمة» لأبي سعد عبد الرحمن بن مأمون المتولي 138 و 177 «التفسير» لإسماعيل بن أحمد الضرير 140 «تهذيب الأسماء و اللغات» للمصنف 126 و 193 «التهذيب» لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي 130 و 138 «جزء في القيام» للمصنف 120 و 174 «الحاوي» لأبي الحسن الماوردي 110 و 176 «شرح المهذب» (المجموع) للمصنف 41 «العدة» لأبي عبد اللّه الحسين بن علي الطبري 135 [ «العدة» آخر لأبي المكارم الروياني (ح)] 135 «علوم الحديث» (معرفة علوم الحديث) للحاكم 35 «غريب الحديث» لابن قتيبة 157 «قضاة مصر» لأبي عمر الكندي 66 «الكفاية في اختلاف الفقهاء» لأبي الحسن علي بن سعيد العبدري 130 «مختصر» المزني 111 «مطالع الأنوار» لإبراهيم بن يوسف الحمزي المعروف بابن قرقول 183 و 190
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 217

مصادر التحقيق‌

مصادر التحقيق
إحياء علوم الدين، للغزالي، مصورة دار المعرفة.
أخلاق حملة القرآن، لأبي بكر الآجري، بعناية بسام الجابي، دار البشائر الإسلامية 1992.
اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، ت: الشيخ ناصر، المكتب الإسلامي 1984.
تاريخ (أخبار) أصبهان لأبي نعيم. ليدن 1930.
تاريخ جرجان، للسهمي، الطبعة الثالثة، عالم الكتب 1981.
تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، دار الكتاب العربي 1979.
تدريب الراوي، للسيوطي، ت: الفاريابي، دار الكلم الطيب، 1417 ه.
تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، ت: السيد صقر، دار الكتب العلمية، 1978.
تهذيب الأسماء و اللغات، للنووي، مصورة دار الكتب العلمية عن الطبعة المنيرية.
تهذيب الكمال، للحافظ المزي، ت: د. عوّاد، مؤسسة الرسالة.
توجيه النظر، للشيخ طاهر الجزائري، ت: الشيخ أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية 1995.
الجامع لأخلاق الراوي، للخطيب البغدادي، ت: د. الخطيب، مؤسسة الرسالة 1991.
حلية الأولياء، لأبي نعيم، مطبعة السعادة 1971.
ديوان أبي تمام بشرح التبريزي، ت: محمد عبده العزام، دار المعارف 1964.
الرسالة القشيرية، بهامش شرح الشيخ زكريا الأنصاري، القاهرة 1290 ه.
سنن الترمذي ت: زمرلي الشيخ أحمد شاكر و جماعة، القاهرة 1365 ه.
سنن الدارمي، ت: زمرلي و العلمي: دار الرّيان 1987.
سنن أبي داود، ت: عزت عبيد الدعاس، حمص 1388 ه.
سنن ابن ماجة، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: عيسي البابي الحلبي، القاهرة 1952.
السنن الصغري للنسائي (المجتبي) مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 1986.
السنن الكبري للبيهقي، حيدرآباد، مصورة دار الفكر.
السنن الكبري للنسائي، دار الكتب العلمية 1991.
سير أعلام النبلاء، ت: الشيخ شعيب، و جماعة، مؤسسة الرسالة 1994.
شعب الإيمان، للبيهقي، ت: زغلول، دار الكتب العلمية 1990.
صحيح البخاري مع شرحه: فتح الباري، المكتبة السلفية.
صحيح ابن حبان، ت: الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة 1991.
صحيح ابن خزيمة، ت: د. الأعظمي، المكتب الإسلامي.
التبيان في آداب حملة القرآن، ص: 218
صحيح مسلّم، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية 1955.
طبقات الصوفية للسلمي. ت: شريبة، مكتبة الخانجي 1969.
علوم الحديث، لابن الصلاح، ت: د. العتر، دار الفكر، 1986.
عمل اليوم و الليلة، للنسائي، ت: د. حمادة، مؤسسة الرسالة 1985.
عون المعبود، لمحمد أشرف الصديقي، مصورة دار الكتاب العربي.
فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية.
الفتوحات الربانية علي الأذكار النواوية، لابن علان، مصورة دار إحياء التراث العربي.
فضائل القرآن، لابن كثير، تصحيح رشيد رضا، مطبعة المنار، 1347 ه.
فضائل القرآن، لأبي عبيد، ت: وهبي غاوجي، دار الكتب العلمية، 1991.
فضائل القرآن، للفريابي، ت: يوسف جبريل، مكتبة الرشد، 1989.
الفقيه و المتفقه، للخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، 1975.
كشف الخفا، للعجلوني، ت: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة 1985.
المجموع شرح المهذب، للنووي، نشر زكريا يوسف، القاهرة.
مختصر التبيان، للنووي، بعناية بسام الجابي، دار البشائر الإسلامية 1992.
المستدرك علي الصحيحين، للحاكم النيسابوري، حيدرآباد 1962.
مسند أحمد بن حنبل، ت: الشيخ شعيب أرناؤوط و أصحابه، مؤسسة الرسالة، 1993.
مسند سعد بن أبي وقاص، للدورقي، ت: عامر صبري، دار البشائر الإسلامية 1987.
مسند الطيالسي، مصورة دار المعرفة.
مسند أبي يعلي الموصلي، ت: حسين أسد، دار المأمون، 1984 ..
معالم السنن للخطابي، المكتبة العلمية، 1981.
المعجم الكبير للطبراني، ت: حمدي السلفي، مكتبة التوعية الإسلامية.
معرفة علوم الحديث، للحاكم، ت: السيد معظم، المكتبة العلمية 1977.
الموطأ، للإمام مالك، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث 1985.
النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، تصحيح علي الضباع، مصورة دار الكتب العلمية.
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. ت: الطناحي و الزاوي، دار إحياء الكتب العربية 1963.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.