موسوعة الشهيد الثاني المجلد 9

هوية الکتاب

موسوعة

الشهيد الثاني

الجزء التاسع

الروضة البهية

في شرح اللمعة الدمشقية / 4

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع (الروضة البهية / 4)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 242

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء ( صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833 ، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب : 37185/38585 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 111 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني/ الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية ،1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN - (دوره)

. ISBN 978-600-5570-84-7 -(ج 9)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فيبا.

کتابنامه.

مندرجات : ج .9 الروضة البهية / 4 -

1. اسلام - مجموعه ها .2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش .

4 .اخلاق اسلامی الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان .

8 م BP4/6/92

297/08

المحرر الرقمي: عليرضا حقاني فر

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع

الروضة البهيّة

فى شرح اللمعة الدمشقية / 4

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع (الروضة البهية / 4)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 242

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء ( صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833 ، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب : 37185/38585 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 111 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني/ الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية ،1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN - (دوره)

. ISBN 978-600-5570-84-7 -(ج 9)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فيبا.

کتابنامه.

مندرجات : ج .9 الروضة البهية / 4 -

1. اسلام - مجموعه ها .2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش .

4 .اخلاق اسلامی الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان .

8 م BP4/6/92

297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد؛ .5 البداية

6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل/ 2 : 7 تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8 تقليد الميت؛ .9 العدالة: 10 . ماء البئر ؛ 11 تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13. النية؛ 14. صلاة الجمعة 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام ؛ الحج والعمرة 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة؛ 21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة : 23. الحبوة 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25. أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع - (31 - 43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية : 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34. وصيّةً نافعة : 35. شرح حديث«الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 . مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38 .ترجمة الشهيد بقلمه الشريف: 39 .حاشية خلاصة الأقوال» 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات 42 .الإنهاءات والبلاغات؛ 43 .الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية

الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب الإقرار...11

الفصل الأوّل: الصيغة وتوابعها...13

الفصل الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه...27

الفصل الثالث في الإقرار بالنسب...34

كتاب الغصب ...41

كتاب اللقطة ...59

الفصل الأوّل في اللقيط...61

الفصل الثاني في لقطة الحيوان ...69

الفصل الثالث في لقطة المال غير الحيوان مطلقاً...74

كتاب إحياء الموات ...87

شروط الإحياء المُمَلّك ...94

القول في المشتَرَكات بين الناس في الجملة ...100

کتاب الصيد والذباحة...109

الفصل الأوّل في آلة الصيد ...111

ص: 7

الفصل الثاني في الذباحة...116

الفصل الثالث في اللواحق ...127

كتاب الأطعمة والأشربة ...135

كتاب الميراث ...173

الفصل الأوّل: البحث في الموجبات للإرث والموانع منه....175

الفصل الثاني في بيان السهام المقدَّرة و بيان أهلها...188

القول في ميراث الأجداد والإخوة ...205

القول في ميراث الأعمام والأخوال وأولادهم ...212

القول في ميراث الأزواج ....219

الفصل الثالث في الولاء ...225

الفصل الرابع في التوابع ....230

كتاب الحدود ...249

الفصل الأوّل في حدّ الزنى ...251

الفصل الثاني في اللواط ....280

الفصل الثالث في القذف ...287

الفصل الرابع في شرب المُسْكِر...300

الفصل الخامس في السرقة ...308

الفصل السادس فى المحاربة ...325

الفصل السابع في عقوباتٍ متفرّقةٍ...332

كتاب القصاص...347

الفصل الأوّل في قصاص النفس ...349

ص: 8

القول في شرائط القصاص...358

القول فيما يثبت به القتل...372

الفصل الثاني في قصاص الطَّرَف ...377

الفصل الثالث في اللواحق ...384

كتاب الديات ...393

الفصل الأوّل في مَوْرِد الدية ...395

الفصل الثاني في التقديرات ...416

القول في دية المنافع ...439

الفصل الثالث في الشجَاج...444

الفصل الرابع في التوابع ...451

الأوّل: دية الجنين ...451

الثاني في العاقلة التي تحمل دية الخطأ...455

الثالث في الكفّارة اللازمة للقاتل بسبب القتل مطلقاً ...458

الرابع في الجناية على الحيوان الصامت ...459

ص: 9

ص: 10

كتاب الإقرار

اشارة

(وفيه فصول :)

ص: 11

ص: 12

الفصل الأوّل: الصيغة وتوابعها

من شرائطِ المُقِرّ وجملةٍ من أحكامه المترتبة على الصيغة، ويندرج فيه بعضُ شرائط المُقَرّ به. وكان عليه أن يُدرج شرائط المُقَر له أيضاً فيه ،وهي أهلیته للتملك ، وأن لا يُكَذِّب المُقِرّ وأن يكون ممّن يملك المُقَرَّ به، فلو أَقَرَّ للحائط أو الدابَّةِ لغا، ولو أكذبه لم يُعْطَ، ولو لم يصلح لملكه - كما لو أقر لمسلم بخنزير، أو خمرٍ غير محترمة - بَطَل، وإنّما أدرجنا ذلك ليتم الباب.

(وهي) أي الصيغة (« له عندي كذا») أو «علي» (أو «هذا ) الشيءُ؛ كهذا البيت أو البستان (له»)، دون «بيتي وبستاني» في المشهور؛ لامتناع اجتماع مالكين مُستَوعِبَين على شيءٍ واحدٍ، والإقرارُ يقتضي سَبْقَ مِلك المُقَرّ له على وقت الإقرار فيجتمع النقيضان. نعم، لو قال: بسبب صحيح [كشراء] ونحوه صح؛ لجواز أن يكون له حق وقد جَعَل دارَه في مقابلته.

والأقوى الصحة مطلقاً؛ لإمكان تنزيل الخالي من الضميمة عليها؛ لأنّ الإقرار مطلقاً يُنَزَّل على السبب الصحيح مع إمكان غيره؛ ولأنّ التناقض إنما يتحقق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر، أما ثبوت أحدهما ظاهراً والآخر في نفس الأمر فلا، والحال هنا كذلك، فإنّ الإخبار بملك المقرّ له يقتضي ثبوت ملكه في الواقع ونسبة المقرّ به إلى نفسه يُحمّل على الظاهر فإنّه المطابق لحكم الإقرار؛ إذ لابد فيه من كون المقرّ به تحت يد المقر، وهي تقتضي ظاهراً كونه ملكاً له؛ ولأنّ

ص: 13

الإضافةً يكفى فيها أدنى مُلابسة مثل(1): ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾(2) ، فإن المراد ، بيوت الأزواج، وأضيفت إلى الزوجات بملابسة السكني، ولو كان ملكاً لهنّ لما جاز إخراجهنّ عند الفاحشة، وكقول أحدِ حامِلي الخشبة «خُذْ طَرَفَك» وك«كوكب الخَرقاء» و«شهادة «الله» و «دِينه». وهذه الإضافة لو كانت مجازاً لوجب الحمل عليه؛ لوجود القرينة الصارفةِ عن الحقيقة، والمعيّنة له؛ لأن الحكم بصحة إقرار العقلاء مع الإتيان باللام المفيد للملك والاستحقاق قرينة على أنّ نسبة المال إلى المقر بحسب الظاهر.

وفَرَقَ المصنِّف (رحمه الله)بين قوله: «مِلكي لفلان» و «داري» فحكم بالبطلان في الأوّل، وتوقَّف في الثاني (3)، والأقوى عدم الفرق. وليس منه ما لو قال«مسكني له» فإنّه يقتضي الإقرار قطعاً؛ لأنّ إضافة السكنى لاتقتضي ملكيّة العين؛ لجواز أن يَسكُن مال غيره.

أو «له في ذمتي) كذا»( وشبهه) كقوله : «له قبلي كذا».

( ولو علقه بالمشيئة)، كقوله :«إن شئتَ» أو «إن شاء زيد» أو«إن شاء الله» (بطل) الإقرارُ (إن اتصل) الشرط؛ لأنّ الإقرار إخبار جازم عن حق لازم سابقي على وقت الصيغة، فالتعليق ينافيه؛ لانتفاء الجزم في المعلَّق، إلا أن يقصد في التعليق على مشيئة الله التبرّكَ فلا يَضُرّ.

وقد يُشكل البطلان فى الأوّل بأنّ الصيغة قبل التعليق تامة الإفادة لمقصود الإقرار، فيكون التعليق بعدها كتعقيبه بما ينافي، فينبغي أن يَلغُوَ المنافي لا أن يَبطُلَ الإقرار.

والاعتذار ب-«كون الكلام كالجملة الواحدة لا يتم إلا بآخره» وارد في تعقيبه

ص: 14


1- في النسخ: زيادة «و» وهو سهو .
2- الطلاق .(65):1.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 123 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

بالمنافي مع حكمهم بصحته. وقد يُفرّق بين المقامين بأنّ المراد ب-«المنافي الذي لا يُسمَع» ما وَقَع بعد تمام صيغةٍ جامعةٍ لشرائط الصحة وهنا ليس كذلك؛ لأنّ من جملة الشرائط التنجيز وهو غيرُ متحقق بالتعليق، فتَلْغُو الصيغة.

(ويصح) الإقرار (بالعربية وغيرها)؛ لاشتراك اللغات في التعبير عما في الضمير، والدلالة على المعاني الذهنية بحسب المواضعة، لكن يُشترط في تحقق اللزوم علمُ اللافظ بالوضع، فلو أقرّ عربي بالعجمية أو بالعكس وهو لا يعلم مؤدَّى اللفظ لم يقع، ويُقبل قوله في عدم العلم إن أمكن في حقه أو صَدَّقه المقَرُّ له، عملاً بالظاهر والأصل من عدم تجدّد العلم بغير لغته.

والمعتبر في الألفاظ الدالة على الإقرار إفادتها له عرفاً وإن لم تقع على القانون العربي، وقلنا باعتباره في غيره من العقود والإيقاعات اللازمة؛ لتوقف تلك على النقل، ومَن ثُمَّ لم تصح بغير العربية مع إمكانها.

(ولو علقه بشهادة الغير) فقال: «إن شَهِد لك فلانٌ عليَّ بكذا، فهو لك في ذمّتي» أو« لك عليّ كذا إن شهد لك به فلان» أو قال : «إن شَهِد) لك (فلان) عليَّ بكذا (فهو صادق ) أو فهو صدق أو حقٌّ أو لازم لذمتى» ونحوه،( فالأقرب البطلان) وإن كان قد علق ثبوت الحق على الشهادة، وذلك لا يُصَدَّق إلّا إذا كان ثابتاً في ذمّته الآن وحكم بصدقه على تقدير شهادته، ولا يكون صادقاً إلا إذا كان المشهود به في ذمته؛ لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمُخبَره بحسب الواقع؛ إذ ليس للشهادة أثر في ثبوتِ الصدق ولا عدمه فلولا حصول الصدق عند المقرّ لما علقه على الشهادة لاستحالة أن تجعله الشهادة صادقاً وليس بصادق، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق وقد حَكَم به وَجَب أن يلزمه المالُ وإن أنكر الشهادة، فضلاً عن شهادته أو عدم شهادته.

وإنّما لم يؤثر هذا كلُّه (لجواز أن يعتقد استحالة صدقه؛ لاستحالة شهادته عنده)، ومثله في محاورات العوام كثير، يقول أحدهم: «إن شهد فلان أنّي لستُ لأبي فهو

ص: 15

صادق» ولا يريد إلّا أنّه لا تصدر منه الشهادة؛ للقطع بعدم تصديقه إياه على كونه ليس لأبيه، وغايته قيام الاحتمال وهو كافٍ في عدمِ اللزوم وعدم صراحة الصيغة في المطلوب، مُعتضداً بأصالة براءة الذمة، مع أنّ ما ذُكِر(1) في توجيه اللزوم معارض بالإقرار المعلق على شرط بتقريب ما ذكر.

وكذا قولهم: إنّه يصدق «كلما لم يكن المالُ ثابتاً فى ذمّته لم يكن صادقاً على تقدير الشهادة»، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا «كلما كان صادقاً على تقدير الشهادة كان ثابتاً في ذمته وإن لم يشهد لكن المقدَّم حقٌّ؛ لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2) وقد أقرّ بصدقه على تقدير الشهادة، فالتالي - وهو ثبوت المال في ذمته - مثله؛ فإنه معارض بالمعلق، ومنقوض بالاحتمال الظاهر.

(ولابد من كون المقر كاملاً) بالبلوغ والعقل (خالياً من الحجر للسفه)، أما الحجرُ للفلس، فقد تقدَّم في باب الدين اختيار المصنِّف أنّه مانع من الإقرار بالعين دون الدين، فلذا لم يذكره هنا.

ويُعتبر مع ذلك القصد والاختيار، فلا عبرة بإقرار الصبي وإن بلغ عشراً، إن لم تُجز وصيّته ووقفه وصدقته، وإلا قُبِل إقراره بها؛ لأنّ «مَنْ مَلَك شيئاً مَلَك الإقرار به». ولو أقرَّ بالبلوغ استفسر، فإن فَسَّره بالإمناء قُبِل مع إمكانه، ولا يمين عليه؛ حذراً من الدور.

ودفع المصنِّف له في الدروس: بأنّ يمينه موقوفة على إمكان بلوغه، والموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه فتغايرت الجهة(3) ، مندفع بأنّ إمكان البلوغ غير كافٍ شرعاً في اعتبار أفعالِ الصبي وأقواله التي منها يمينه ومثله إقرار الصبية به أو بالحيض.

ص: 16


1- راجع غاية المراد، ج 2، ص 164 - 165 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
2- لم نعثر عليه في كتب الحديث إلا ما رواه عن جماعة من علمائنا الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج 16، ص 133 ، باب صحة الإقرار .... ح 2؛ وعوالي اللآلي، ج 1، ص 223، ح 104؛ ذكره العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 370، المسألة 337؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 428.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 116 - 117 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

وإن ادّعاه بالسنّ كُلّف البيِّنة، سواءٌ في ذلك الغريب والخامل وغيرهما، خلافاً للتذكرة حيث ألحقهما فيه بمدّعي الاحتلام(1)؛ لتعذر إقامة البيّنة عليهما غالباً؛ أو بالإنبات اعتبر، فإنّ محلَّه ليس من العورة، ولو فُرِض أنّه منها فهو موضع حاجة.

ولا بإقرار المجنون إلا من ذي الدور وقت الوثوق بعقله، ولا بإقرار غير القاصد كالنائم والهازل والساهي والغالط.

ولو ادَّعَى المقر أحد هذه، ففي تقديم قوله عملاً بالأصل، أو قول الآخر عملاً بالظاهر وجهان، ومثله دعواه بعد البلوغ وقوعه حالة الصبا، والمجنون حالته مع العلم به، فلو لم يُعلم له حالة جنونٍ حَلَف نافيه. والأقوى عدم القبول في الجميع.

ولا بإقرار المكره فيما أكره على الإقرار به، إلا مع ظهور أمارة اختياره كأن يُكرَه على أمر فيُقر بأزيد منه. وأمّا الخلوّ من السَفَه فهو شرط في الإقرار المالي، فلو أقرَّ بغيره كجنايةٍ تُوجِب القصاص ونكاح وطلاق قبل، ولو اجتمعا قُبل في غير المال، كالسرقة بالنسبة إلى القطع، ولا يلزم بعد زوال حجره ما بَطَل قبله. وكذا يُقبل إقرارُ المُفَلَّس في غير المال مطلقاً.

(وإقرار المريض من الثلث مع التُهَمة) وهي الظنُّ الغالب بأنه إنما يريد بالإقرار تخصيص المقر له بالمقرّ به، وأنه في نفس الأمر كاذب.

ولو اختلف المقَرُّ له والوارث فيها فعلى المدّعِي لها البينة؛ لأصالة عدمها، وعلى منكرها اليمين. ويكفي في يمين المقرّ له أنّه لا يعلم التهمة ، لا أنّها ليست حاصلةً في نفس الأمر؛ لابتناء الإقرار على الظاهر، ولا يُكلَّف الحلف على استحقاق المقرّ به من حيثُ إِنَّه يَعلَم بوجه استحقاقه؛ لأنّ ذلك غير شرط في استباحة المقرّ به، بل له أخذه ما لم يعلم فساد السبب.

ص: 17


1- تذكرة الفقهاء . ج 15. ص 254، المسألة 845

هذا كله مع موت المقرّ في مرضه، فلو بَرِئَ نفذ من الأصل مطلقاً، ولا فرق في ذلك بين الوارث والأجنبي.

(وإلّا) يكن هناك تُهَمَةٌ ظاهرة( فمن الأصل) مطلقاً، على أصح الأقوال(1).

(وإطلاق الكيل أو الوزن) في الإقرار، كأن قال: «له عندي كَيلُ حِنطةٍ أو يَطلُ سَمْنٍ»( يُحمل على) الكيل والوزن( المتعارَفِ في البلد) أي بلد المقر وإن خالف بلد المقرّ له، (فإن تعدَّد) المكيالُ والميزانُ في بلده (عيَّن المقرّ) ما شاء منها (ما لم يغلب) أحدُها في الاستعمال على الباقي (فيُحمل على الغالب). ولو تعذَّر استفساره فالمتيقَنُ هو الأقل. وكذا القول في النقد.

(ولو أقرَّ بلفظ مبهم صح) إقرارُه (وأُلزِم تفسيره). واللفظ المبهم ( كالمال والشيء والجزيل والعظيم والحقير) والنفيس، ومالٍ أي مالٍ ويُقبل تفسيره بما قل؛ لأنَّ كلَّ مالِ عظيمٌ خطرُه شرعاً؛ كما يُنبِّه عليه كفرُ مُستَحِلِّه، فتقبل هذه الأوصاف (و) لكن (لابد من كونه ممّا يُتَمَوَّل) أي يُعدّ مالاً عرفاً (لاكقِشْرِ جَوزة، أو حبّة دُخْنٍ) أو حنطة؛ إذ لا قيمة لذلك عادة.

وقيل : يُقبل بذلك، لأنه مملوك شرعاً، والحقيقة الشرعيّة مقدمة على العرفية، ولتحريم أخذه بغير إذن مالكه ووجوبِ ردّه(2) ، ويُشكل بأنّ المِلكَ لا يستلزم إطلاق اسم 2 المال شرعاً والعرفُ يَأباه . نعم، يَتَّجِه ذلك تفسيراً للشيء وإنْ وَصفه بالأوصاف العظيمة؛ لما ذُكِر. ويَقرب منه ما لو قال: «له عليَّ حقٌّ».

وفي قبول تفسيرهما بردّ السلام والعيادة وتسميتِ العِطاس وجهان من إطلاق الحق عليهما في الأخبار(3)فيُطلَق الشيءُ لأنّه أعم. ومن أنّه خلافُ المتعارَف، وبعدهما

ص: 18


1- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 617 - 618 والقاضي في المهذب، ج 1، ص 419؛ والقول الآخر أنّه من الأصل مطلقاً لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 506؛ وراجع غاية المراد، ج 2، ص 323 - 324 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 296 - 297، المسألة 887
3- الكافي، ج 2، ص 171، باب حق المؤمن على أخيه .... ح 6، وص 653 - 654، باب العطاس والتسميت، ح 1، 3 و 7.

عن الفهم في معرض الإقرار، وهو الأشهر.

ولو امتنع من التفسير حُبس وعُوقب عليه حتى يُفَسِّر ؛ لوجوبه عليه، ولو مات قبله طُولِب الوارث به إن عَلِمَه وخَلَفَ تَرِكةً، فإن أنكر العلم وادّعاه عليه المقر له حَلَف على عدمه.

(ولا فرق) في الإبهام والرجوع إليه في التفسير (بين قوله «عظيم» أو «كثير»)؛ لاشتراكهما في الاحتمال

(وقيل) - والقائل الشيخ (1)وجماعة(2) - بالفرق، وأن( الكثير ثمانون) كالنذر؛ للرواية الواردة به فيه(3)، والاستشهاد بقوله تعالى : ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾(4).

ويُضعف - مع تسليمه - ببطلان القياس؛ ولاستعمال «الكثير» في القرآن لغير ذلك مثل: ﴿فِئَةٌ كَثِيرَةً﴾ (5)،﴿ وذِكْرًا كَثِيرًا ﴾(6)، ودعوى أنه عرف شرعي فلا قياس، خلافُ الظاهر، وإلحاق العظيم به غريب(7).

(ولو قال : «له) عليَّ (أكثر من مال فلان») لَزِمه بقدره وزيادة (و) لو (فسِره بدونه وادَّعى ظنَّ القلّة حَلَف)؛ لأصالة عدم علمه به مع ظهور أن المال من شأنه أن يَخفَى، وفسَّر بما ظنّه وزاد عليه زيادةً. وينبغي تقييده بإمكان الجهل به في حقه. ولا فرق في ذلك بين قوله قبل ذلك: «إنّي أعلم مال فلان» وعدمه. نعم، لو كان قد أقر بأنه قدرٌ يَزِيد عمَّا ادَّعَى ظَنَّه لم يُقبل إنكاره ثانياً.

ص: 19


1- المبسوط، ج 2، ص 407.
2- منهم: القاضي في المهذب، ج 1، ص 405؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 271؛ والكيدري في إصباح الشيعة، ص 332 .
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 317، ح 1180.
4- التوبة .(9): 25
5- البقرة (2): 249
6- الأحزاب (33): 41 .
7- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 539 المسألة 246

ولو تَأَوَّل بأنّ«مال فلانٍ حرام أو شبهة أو عين وما أقررت به حلال أو دين والحلال والدين أكثر نفعاً أو بقاء» ففى قبوله قولان(1): من أنّ المتبادر كثرة المقدار فيكون حقيقةً فيها، وهي مقدَّمة على المجاز مع عدم القرينة الصارفة. ومن إمكان إرادة المجاز، ولا يُعلم قصده إلا من لفظه فيُرجع إليه فيه. ولا يخفى قوّةُ الأوّل. نعم، لو اتصل التفسير بالإقرار لم يبعد القبول.

(ولو قال : «له عليَّ كذا درهم بالحركات الثلاث ): الرفع والنصب والجر (أو الوقف ) بالسكون، وما في معناه (فواحد) لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعاً، فيُحمّل على الأقل؛ لأنه المتيقن إذا لم يُفسّره بأزيد؛ فإنّ «كذا» كناية عن الشيء، فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً منه، والتقدير «شيء «درهم»، ومع النصب يكون تمييزاً (2)له، وأجاز بعضُ أهل العربية نصبه على القطع(3) ؛ كأنه قطع ما ابتدأ به وأقرَّ بدرهم، ومع الجرّ تُقَدَّر الإضافة بيانيةً ك-﴿حَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ (4)والتقدير: «شيء هو درهم».

ويُشكل بأنّ ذلك وإن صح إلا أنه يمكن تقديرُ ما هو أقل منه بجعل الشيء جزءً من الدرهم أُضيف إليه، فيلزمه جزء يُرجَع في تفسيره إليه؛ لأنّه المتيقن، ولأصالة البراءة من الزائد، ومِن ثُمَّ حُمِل الرفعُ والنصب على الدرهم مع احتمالهما أزيد منه.

وقيل: إنّ الجرَّ لَحْنُ يُحمَل على أخويه، فيلزمه حكمُهما(5). وأما مع الوقف فيحتمل الرفع والجرَّ - لو أعرب - لا النصبَ ؛ لوجوب إثبات الألف فيه وقفاً، فيُحمل على مدلول ما احتمَله، فعلى ما اختاره يشتركان في احتمال الدرهم فيُحمل عليه، وعلى ما حققناه

ص: 20


1- القول بالقبول للعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 410: والقول الآخر للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 362 - 363، المسألة 2.
2- في «ق ، م . ن»: «تميزاً».
3- نقله عن الكوفيين العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 15، ص 313 ، المسألة 902؛ وعن بعض النحويين فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 442.
4- سورة ق (50): 9
5- لم نعثر عليه لكن حكاه الشهيد في مسالك الأفهام، ج 11، ص 49: والعاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 275.

يلزمه جزء درهم خاصةً؛ لأنه باحتماله الرفع والجر حصل الشك فيما زاد على الجزء، فيُحمل على المتيقن، وهو ما دلت عليه الإضافة.

(و«كذا كذا درهماً» و «كذا وكذا درهماً» كذلك) في حمله على الدرهم، مع الحركات الثلاث والوقف؛ لاحتمال كون «كذا» الثاني تأكيداً للأوّل في الأوّل.

والحكم في الإعراب ما سلف، وفي الوقف يُنَزَّل على أقل الاحتمالات، وكون«كذا شيئاً مبهماً، والثاني معطوفاً عليه في الثاني، ومُيّزا ب-«درهم» على تقدير النصب، وأبدلا منه على تقدير الرفع، وبيّنا معاً بالدرهم مع الجرّ، ونُزِّل على أحدهما مع الوقف، أو أُضيف الجزء إلى جزء الدرهم في الجرّ على ما اخترناه، وحُمِل الوقف عليه أيضاً.

(ولو فَسَّر) في حالة (الجرّ) من الأقسام الثلاثة ( ببعض درهم جاز)؛ لإمكانه وضعاً بجعل الشيء المراد من «كذا» وما ألحق به كناية عن الجزء. وفيه أن قبول تفسيره به يقتضي صحته بحسب الوضع، فكيف يُحمّل مع الإطلاق على ما هو أكثر منه مع إمكان الأقل، فالحمل عليه مطلقاً أقوى.

(وقيل) والقائل به الشيخ (1)وجماعة (2): ( يُتبع في ذلك) المذكور من قوله: «كذا وكذا كذا وكذا وكذا» بالحركات الثلاث والوقف، وذلك اثنتا عشرة صورةً(مُوازِنه (3)من الأعداد)؛ جعلاً لكذا كنايةً عن العدد لا عن الشيء، فيكون الدرهم في جميع أحواله تمييزاً لذلك العدد فيُنظر إلى ما يُناسبه بحسب ما تقتضيه قواعد العربية من إعراب المميز للعدد، ويُحمل عليه فيلزمه مع إفرادِ المبهم ورفع الدرهم درهم؛ لأن المميز لا يكون مرفوعاً فيُجعَل بدلاً كما مرّ، ومع النصب عشرون درهماً؛ لأنّه أقل عددٍ مفردٍ يُنصب مميزه إذ فوقه ثلاثون إلى تسعين فيُحمل على الأقل، ومع الجرّ مائة درهم؛ لأنه

ص: 21


1- المبسوط، ج 2، ص 415 - 416: الخلاف، ج 3، ص 365 - 367. المسألة 8-11.
2- منهم: ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 273؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 528، المسألة 226، إذا كان المقرّ عارفاً؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 492.
3- فيلزمه في النصب عشرون ومع الجرّ مائة ؛ بناءً على أنّ «كذا» كناية عن العدد، وأن أقل العدد المفسر لمفرد منصوب عشرون، وأن أقل العدد المفسّر بمجرور مائة. (زين رحمه الله)

أقل عددٍ مفردٍ فُسِّر بمفردٍ مجرورٍ؛ إذ فوقه الألفُ، ومع الوقف درهم لاحتماله الرفع والجرَّ فيُحمل على الأقل. ومع تكريره بغير عطف ورفع الدرهم درهم؛ لما ذكر في الإفراد، مع كون الثاني تأكيداً للأوّل، ومع نصبه أحد عشر؛ لأنه أقل عددٍ مركب مع غيره يَنتَصِب بعده مميزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعةَ عشرَ فيُحمل على المتيقن، ومع جره ثلاثمائة درهم؛ لأنه أقل عددٍ أُضيف إلى آخر وميز بمفرد مجرورٍ؛ إذ فوقه أربعمائة إلى تسعمائة ثمّ مائةُ مائة، ثمّ مائة ألفٍ، ثمّ ألفُ ألفٍ فيُحمل على المتيقّن والتركيب هنا لا يَأْتي؛ لأنّ مميّز المركب لم يرد مجروراً، وهذا القسم لم يُصرح به صاحبُ القول ولكنّه لازم له، ومع الوقف يُحتمل الرفعُ والجرُّ فيُحمل على الأقلّ منهما وهو الرفع؛ ومع تكريره معطوفاً ورفع الدرهم يلزمه درهم؛ لما ذُكر في الإفراد بجعل الدرهم بدلاً . مجموع المعطوف والمعطوف عليه، ويُحتمل أن يلزمه درهم وزيادة؛ لأنه ذكر شيئين متغايرين بالعطف، فيُجعَل الدرهم تفسيراً للقريب منهما وهو المعطوف، فيبقى المعطوفُ عليه على إبهامه فيُرجع إليه في تفسيره، وأصالة البراءة تدفعه.

ومع نصب الدرهم يلزمه أحد وعشرون درهماً؛ لأنه أقل عددَين عُطِف أحدهما على الآخر وانتصب المميّز بعدهما؛ إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين فيُحمَل على الأقل، ومع جرّ الدرهم يلزمه ألف ومائة؛ لأنّه أقل عددين عُطِف أحدهما على الآخر ومُيّز بمفردٍ مجرورٍ؛ إذ فوقه من الأعدادِ المعطوف عليها المائة والألفُ ما لا نهاية له، ويُحتمل جعل الدرهم مميزاً للمعطوف فيكون مائةً، ويبقى المعطوف عليه مبهماً فيُرجع إليه في تفسيره، وجعله درهماً لمناسبة الأعداد المميّزة فيكون التقدير: «درهم ومائة درهم لأصالة البراءة من الزائد، وهذا القسم أيضاً لم يُصرحوا بحكمه ولكنه لازم للقاعدة؛ ومع الوقف عليه يُحتمل الرفعُ والجرُّ فيُحمل على الأقل وهو الرفع.

وإنما حملنا العبارة على جميع هذه الأقسام مع احتمال أن يريد بقوله: «وكذا كذا درهماً، وكذا وكذا درهماً كذلك حكمهما في حالة النصب لأنه الملفوظ، ويكون حكمُهما في غير حالة النصب مسكوتاً عنه؛ لأنّه عقبه بقوله «ولو فَسَّر في الجرّ ببعض

ص: 22

درهمٍ جاز» وذلك يقتضي كون ما سبق شاملاً لحالة الجر؛ إذ يَبعُد كونُ قوله «ولو فَسَّر في الجر» تتميماً لحكم «كذا» المفردِ لبعده. وعلى التقديرين يترتب قوله: وقيل: يُتبع في ذلك مُوازِنُه، فعلى ما ذكرنا تَتَشَعَّبُ الصور إلى اثنتي عشرة وهي الحاصلة (1)من ضرب أقسام الإعراب الأربعة في المسائل الثلاث وهي كذا المفرد والمكرر بغير عطف، ومع العطف، وعلى الاحتمال يَسقُط من القسمين الأخيرين ما زاد على نصب المميز، فتنتصف الصور.

وكيف كان فهذا القول(2)ضعيفٌ، فإنّ هذه الألفاظ لم تُوضع لهذه المعاني لغةً، ولا اصطلاحاً، ومناسبتها على الوجه المذكور لا يوجب اشتغال الذمة بمقتضاها مع أصالة البراءة واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بين. ولا فرق في ذلك بين كون المقر من أهل العربية وغيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية - في غير ما ادعوه - استعمالاً شهيراً خلافاً للعلّامة حيث فَرّق، فحكم بما ادعاه الشيخ(3)على المقر إذا كان من أهل اللسان(4)، وقد ظهر ضعفه.

(و) إنما (يمكن هذا) القولُ (مع الاطّلاع على القصد) أي على قصد المقرّ، وأنه أراد ما ادعاء القائل، ومع الاطلاع لا إشكال.

(ولو قال :«لي عليك ألْفُ» فقال :«نَعَم» أو«أَجَل» أو«بَلَى» أو «أنا مُقِرٌّ به» لَزِمَه) الألفُ، أمّا جوابه ب-«نعم» فظاهر؛ لأن قول المجاب إن كان خبراً فهي بعده حرفُ تصديقٍ، وإن كان استفهاماً محذوف الهمزة فهي بعده للإثباتِ والإعلام؛ لأنّ الاستفهام عن الماضي إثباته ب-«نعم» ونفيه ب- «لا»، و«أجل» مثله، وأما «بلى» فإنّها وإن كانت لإبطال النفي، إلّا أنّ الاستعمال العرفي جوز وقوعها في جواب الخبر المثبتِ كنعم، والإقرار جارٍ عليه لا على دقائق اللغة، ولو قدر كون القول استفهاماً، فقد وقع استعمالها

ص: 23


1- في نسخة الأصل: «إلى اثني عشر وهي الحاصل».
2- أي قول الشيخ والجماعة تقدم في ص 21، الهامش 1 - 2.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 528 المسألة 226
4- مختلف الشيعة، ج 5، ص 528 المسألة 226

في جوابه لغةً وإِنْ قل، ومنه قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم ) لأصحابه : «أترضون أن تكونوا من أرفع

أهل الجنّة؟» قالوا: بلى(1). والعرف قاض به.

وأما قوله : «أنا مقرّ به»، فإنّه وإن احتمل كونه مقرّاً به لغيره، وكونه وعداً بالإقرار من حيث إنّ «مقراً» اسم فاعل يحتمل الاستقبال، إلّا أنّ المتبادِرَ منه كونُ ضمير «به» عائداً إلى ما ذكره المقر له وكونه إقراراً بالفعل عرفاً والمرجع فيه إليه.

وقَوَّى المصنّف في الدروس أنه ليس بإقرار حتى يقول: «لك»(2)، وفيه - مع ما ذكر - أنه لا يدفع لولا دَلالة العرف وهي واردة على الأمرين. ومثله «أنا مقر بدعواك» أو «بما ادَّعَيتَ» أو «لستُ منكراً له» لدلالة العرف مع احتمال أن لا يكون الأخيرُ إقراراً؛ لأنه أعمّ.

(ولو قال: «زِنْهُ» أو «انْتَقِدْهُ» أو «أنا مُقرّ») ولم يقل: «به» (لم يكن شيئاً). أما الأولان فلانتفاء دَلالتهما على الإقرار؛ لإمكان خروجهما مَخرج الاستهزاء، فإنّه استعمال شائع في العرف، وأما الأخير، فلأنه - مع انتفاء احتماله الوعد - يُحتمل كونُ المقرّ به المدَّعَى ،وغيرَه، فإنه لو وصل به قوله : «بالشهادتين» أو «ببطلان دعواك» لم يَختلّ اللفظ؛ لأنّ المقَرَّ به غير مذكور فجاز تقديره بما يُطابق المدَّعَى وغيره، معتضداً بأصالة البراءة.

ويُحتمل عَدُّه إقراراً؛ لأنّ صدوره عقيب الدعوى قرينةُ صَرفه إليها، وقد استُعمِل لغةً كذلك، كما في قوله تعالى: ﴿أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا ﴾(3) وقوله تعالى: ﴿فَاشْهَدُوا﴾(4)، ولأنه لولاه لكان هذراً.

وفيه منع القرينة؛ لوقوعه كثيراً على خلاف ذلك، واحتمال الاستهزاء مُندفع عن

ص: 24


1- صحيح البخاري، ج 5، ص 2392، ح 6163؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1432، ح 4283 وفيهما: «ربع أهل الجنة».
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- آل عمران (3): 81
4- آل عمران (3): 81

الآية، ودعوى الهذرية إنما يتم لو لم يكن الجواب بذلك مفيداً ولو بطريق الاستهزاء، ولا شبهة في كونه من الأُمور المقصودة للعقلاء عرفاً، المُستعمل لغةً، وقيام الاحتمال يَمنَع لزوم الإقرار بذلك.

(ولو قال: «أليس لى عليك كذا؟» فقال «بلى» كان إقراراً)؛ لأنّ «بلى» حرف يقتضي إبطال النفي، سواءً كان مجرَّداً نحوُ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي﴾ (1)أم مقروناً بالاستفهام الحقيقي كالمثال، أو التقريري نحوُ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى﴾(2) ،﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ (3)، ولأن أصل بلى «بل» زيدت عليها الألفُ، فقوله: «بلی» ردُّ لقوله: «ليس عليك كذا فإنّه الذي دَخَل عليه حرفُ الاستفهام ونفي له، ونفي النفي إثبات فيكون إقراراً.

(وكذا) لو قال: («نعم» على الأقوى)؛ لقيامها مقام «بلى» لغةً وعرفاً، أما العرف فظاهر، وأمّا اللغة فمنها قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) للأنصار : ألستم ترون لهم ذلك؟» فقالوا : «نعم»(4).

وقول بعضهم:

أليس الليلُ يَجمَع أُمَّ عمررٍ*** وإيانا؟ فذاك بنا تدان تَدَانٍ (5)

نعم، وأرى الهلال كما تراه*** ويَعلُوها النهارُ كما علاني (6)

ونقل في المغني عن سيبويه وقوع «نعم» في جواب «ألست» وحَكَى عن جماعة من المتقدمين والمتأخرين جوازه (7).

والقولُ الآخَرُ أنّه لا يكون إقراراً؛ لأنّ«نعم»حرفُ تصديق كما مر، فإذا ورد على النفي الداخل عليه الاستفهام كان تصديقاً له، فيُنافي الإقرار، ولهذا قيل ونُسب إلى

ص: 25


1- التغابن (64): 7
2- الملك (67): 8 و 9
3- الأعراف (7) :172
4- لم نعثر عليه نقله الشهيد في مسالك الأفهام، ج 11، ص 67.
5- في النسخ «تداني».
6- مغني اللبيب، ج 2، ص 347
7- مغني اللبيب، ج 2، ص 347

ابن عباس(1) : إن المخاطبين بقوله تعالى: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾(2) لو قالوا: نعم كفروا . فيكون التقدير حينئذ ليس لك عليَّ فيكون إنكاراً لا إقراراً.

وجوابه أنا لأننازع في إطلاقها كذلك، لكن قد استعملت في المعنى الآخَرِ لغةً - كما اعترف به جماعة (3)- والمثبِتُ مقدَّم، واشتهرت فيه عرفاً، ورُدَّ المحكي عن ابن عباس (4)وجُوِّز الجوابُ ب-«نعم»، وحَمَله في المغني على أنّه لم يكن إقراراً كافياً ؛ لاحتماله(5)، وحيث ظهر ذلك عرفاً، ووافقته اللغةُ، رُجّح هذا المعنى وقَوِيَ كونه إقراراً.

ص: 26


1- نسبه في مغني اللبيب، ج 1، ص 223، «حرف الباء».
2- الأعراف (7): 172
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 415 بدون الرقم الدروس الشرعية، ج 3، ص 122 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (11) جامع المقاصد، ج 9، ص 195.
4- انظر مغني اللبيب، ج 2، ص 347 .
5- مغني اللبيب، ج 2، ص 348

الفصل الثاني في تعقيب الإقرار بما ينافيه

وهو قسمان : مقبول و مردود .

(والمقبولُ منه الاستثناء إذا لم يَستَوعِب) المستثنى منه، سواءٌ بَقِي أقل مما أخرج أم أكثرُ أم مساءٍ ؛ لأن المستثنى والمستثنى منه كالشيء الواحد فلا يتفاوت الحالُ بكَثرتِه وقِلَّتِه، ولوقوعه في القرآن(1) وغيره من اللفظ الفصيح العربي. (و) إنما يصح الاستثناء إذا (اتصل) بالمستثنى منه (بما جرت به العادة) فيُغتفر التنفّس بينهما والسُعَالُ وغيرهما ممّا لا يُعدّ منفصلاً عرفاً.

ولمّا كان الاستثناء إخراج ما لولاه لَدَخَل في اللفظ، كان المستثنى والمستثنى منه متناقضين (فمِن الإثبات نفي ومن النفي إثباتٌ). أما الأوّل فعليه إجماع العلماء، وأمّا الثاني: فلانه لولاه لم يكن لا إله إلا الله يتم به التوحيد؛ لأنه لا يتم إلا بإثبات الإلهية [له] ونفيها عما عداه تعالى والنفي هنا حاصل، فلو لم يحصل الإثبات لم يتم التوحيد.

وعلى ما ذكر من القواعد (فلو قال : «له عليَّ مائة إلّا تسعين» فهو إقرار بعشرة)؛ لأنّ المستثنى منه إثبات للمائة، فالمستثنى نفي للتسعين منها فبقي عشرة (ولو قال : «إلّا تسعون») بالرفع (فهو إقرار بمائةٍ)؛ لأنه لم يستثن منها شيئاً؛ لأنّ الاستثناء من الموجبِ التام لا يكون إلا منصوباً، فلمّا رَفَعه لم يكن استثناءً وإنما «إلّا» فيه بمنزلة «غیر»، يوصف بها وبتاليها ما قبلها، ولمّا كانت المائة مرفوعةً بالابتداء كانت التسعون مرفوعة صفة للمرفوع، والمعنى له مائة موصوفة بأنها غيرُ تسعين»، فقد وَصَف المقَرَّ

ص: 27


1- الحجر .(15): 42

به ولم يستثن منه شيئاً. وهذه الصفة مؤكدةً، صالحة للإسقاط؛ إذ كلُّ مائة فهي موصوفة بذلك مثلها فى ﴿ نَفْخَةٌ وَحِدَةٌ﴾(1).

واعلم أنّ المشهور بين النحاة(2) في «إلّا »الوصفية كونها وصفاً لجمع مُنكَرٍ، كقوله :تعالى:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾(3)، والمائة ليست من هذا الباب، لكن الذي اختاره جماعة من المتأخرين عدم اشتراط ذلك (4)، ونَقَل في المغني عن سيبويه جواز «لو كان مَعَنا رجلٌ إلا زيدٌ لغَلَبْنا»(5) أي غير زيد.

( ولو قال : «ليس له عليَّ مائة إلّا تسعون» فهو إقرار بتسعين)؛ لأن المستثنى من المنفي التام يكون مرفوعاً، فلما رفع التسعين عُلم أنه استثناء من المنفي، فيكون إثباتاً للتسعين بعد نفي المائة، (ولو قال : «إلّا تسعين») بالياء (فليس مقراً)؛ لأن نصب المستثنى دليل على كون المستثنى منه موجباً، ولما كان ظاهره النفي حُمِل على أنّ حرف النفي داخل على الجملة المثبتة المشتملة على الاستثناء، أعني مجموع المستثنى والمستثنى منه وهي« له مائة إلا تسعين» فكأنه قال: «المقدار الذي هو مائة إلّا تسعين ليس له عليَّ أعني العشرة الباقية بعد الاستثناء.

كذا قرَّره المصنِّفُ في شرح الإرشاد على نظير العبارة(6)، وغيره(7) . وفيه نظر؛ لأنّ ذلك لا يَتِمّ إلا مع امتناع النصب على تقدير كون المستثنى منه منفيّاً تاماً، لكن النصب جائز حينئذٍ اتفاقاً وإن لم يبلغ رُتبةَ الرفع. قال ابن هشام: «النصب عربي جيّد»(8)، وقد قُرِئَ به

ص: 28


1- الحاقة (69): 13.
2- راجع مغني اللبيب، ج 1، ص 70.
3- الأنبياء (21): 22
4- منهم: الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2)؛ والمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 9، ص 310 .
5- مغني اللبيب، ج 1، ص 72 .
6- غاية المراد، ج 2، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
7- كالمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 9، ص 310.
8- لم نعثر على نص العبارة ولكن يوجد ما هو قريب منه في مغني اللبيب، ج 1، ص 148.

في السبع(1) ﴿ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾(2)، ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّاأَمْرَأَتَكَ﴾ (3). فالأولى في توجيه عدم لزوم شيء في المسألة أن يقال - على تقدير النصب -: يُحتمل كونه على الاستثناء من المنفي فيكون إقراراً بتسعين، وكونه من المثبت والنفي موجة إلى مجموع الجملة، فلا يكون إقراراً بشيء، فلا يلزمه شيء؛ لقيام الاحتمال واشتراك مدلول اللفظ لغةً. مع أنّ حمله على المعنى الثاني - مع جواز الأول - خلافُ الظاهر، والمتبادِرُ من صيغ الاستثناء هو الأول، وخلافه يحتاج إلى تكلُّف لا يتبادر من الإطلاق، وهو قرينةُ ترجيح أحد المعنيين المشتركين، إلا أن فتواهم المُنْضَمَّ إلى أصالة البراءة، وقيام الاحتمال في الجملة، يُعَيِّن المصير إلى ما قالوه.

(ولو تعدد الاستثناء وكان بعاطف) كقوله : «له عليَّ عشرة إلا أربعةً وإلا ثلاثةً» (أو كان) الاستثناء (الثاني أزيد من الأوّل) كقوله: «له عليَّ عشرة إلا أربعةً إِلَّا خمسةً»( أو مساوياً له) كقوله في المثال : «إلّا أربعة إلا أربعة» (رَجَعا جميعاً إلى المستثنى منه).

أما مع العطف، فلوجوب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، فهما كالجملة الواحدة، ولا فرق بين تكرر حرف الاستثناء وعدمه، ولا بين زيادة الثاني على الأوّل ومساواته له ونقصانه عنه، وأما مع زيادة الثاني على الأوّل أو مساواتِه، فلاستلزام عوده إلى الأقرب الاستغراق، وهو باطل فيُصان كلامه عن الهذر بعودهما معاً إلى المستثنى منه.

واعلم أنّه لا يلزم من عودهما معاً إليه صحتهما، بل إن لم يستغرق الجميع المستثنى منه صح كالمثالين وإلّا ،فلا لكن إن لَزِمَ الاستغراق من الثاني خاصةً كما لو قال: «له عشرة إلا خمسةً إلا خمسة لغا الثاني خاصةً؛ لأنه هو الذي أوجب الفساد، وكذا مع العطف، سواء كان الثانى مساوياً للأوّل - كما ذُكِر - أم أزيد ك-«له عشرة إلا ثلاثة وإلا

ص: 29


1- أي في قراءات السبع.
2- النساء(4): 66
3- هود (11) :81

سبعةُ» أم أنقص كما لو قدَّم السبعة على الثلاثة.

(وإلّا) يكن بعاطف ولا مساوياً للأوّل ولا أزيد منه، بل كان أنقص بغير عطف كقوله : «له عليَّ عشرة إلا تسعة إلا ثمانية» (رجع التالي إلى مثلُوّه ) القُربه؛ إذ لو عاد إلى البعيد لَزِم ترجيحه على الأقرب بغير مرجّح، وعوده إليهما يوجب التناقض؛ إذ المستثنى والمستثنى منه متخالفان نفياً وإثباتاً - كما مر - فيلزمه في المثال تسعة؛ لأنّ قوله الأوّلَ إقرار بعشرة حيث إنه إثبات والاستثناءُ الأوّلُ نفى للتسعة منها؛ لأنه وارد على إثبات فيبقى واحد، واستثناؤُه الثاني إثبات للثمانية؛ لأنه استثناء من المنفي فيكون مثبتاً فيَضُمّ ما أثبته وهو الثمانية إلى ما بقي وهو الواحد، وذلك تسعة.

ولو أنّه ضَمَّ إلى ذلك قوله: «إلّا سبعة إلا ستة...» حتى وصل إلى الواحد لَزِمه خمسةٌ؛ لأنّه بالاستثناء الثالث نَفَى سبعةً ممّا اجتمع وهو تسعة فبقي اثنان، وبالرابع أثبت ستةً فبقي ثمانية، وبالخامس يصير ثلاثةً، وبالسادس يصير سبعة، وبالسابع أربعةً، وبالثامن ستة، وبالتاسع - وهو الواحد - ينتفي منها واحد، يبقى خمسة.

والضابط أن تجمع الأعداد المثبتة وهي الأزواج على حِدَةٍ، والمنفيّة وهي الأفراد كذلك وتُسقط جملة المنفي من جملة المثبت، فالمثبَتُ ثلاثون والمنفي خمسة وعشرون والباقي بعد الإسقاط خمسة، ولو أنّه لمّا وصل إلى الواحد قال: «إلّا اثنين إلا ثلاثة .... إلى أن وَصَل إلى التسعة لَزِمه واحد. ولو بَدَأ باستثناء الواحد وختم به لَزِمه خمسة، ولو عَكس القسم الأوّلَ فَبَدَأ باستثناء الواحد وختم بالتسعة لَزِمه واحد. وهو واضح بعد الإحاطة بما تقدَّم من القواعد، ورَتِّب عليه ما شئت من التفريع.

(ولو استثنى من غير الجنس صح) وإن كان مجازاً لتصريحه بإرادته، أو لإمكان تأويله بالمتصل؛ بأن يُضمِر قيمة المستثنى ونحوها مما يُطابق المستثنى منه منه (وأسقط) المستثنى باعتبار قيمته (من المستثنى منه فإذا بقي) منه (بقيّةٌ) وإنْ قَلَّتْ ( لَزِمَت وَإِلَّا بَطَل) الاستثناء؛ للاستغراق (كما لو قال : «له عليَّ مائةً إلّا ثوباً»).

هذا مثال الاستثناء من غير الجنس - مطلقاً - فيصح ويُطالب بتفسير الثوب، فإن

ص: 30

بَقِيَ من قيمته بقيّة من المائة بعد إخراج القيمة ،قبل، وإن استغرقها بطل الاستثناء على الأقوى، وألزم بالمائة. وقيل: يبطل التفسير خاصةً فيُطالب بغيره(1).

(و) الاستثناء (المستغرِقُ باطل) اتفاقاً كما لو قال : «له على مائة إلا مائةً») ولا يُحمل على الغلط، ولو ادعاه لم يُسمع منه.

هذا إذا لم يَتَعَقَّبه استثناءً آخَرُ يُزيل استغراقه، كما لو عقب ذلك بقوله «إلّا تسعين» فيصح الاستثناءان ويلزمه تسعون؛ لأن الكلام جملةً واحدةً لا يتم إلا بآخِره، وآخِرُه يُصَيّر الأوّلَ غيرَ مُستَوعِب، فإنّ المائة المستثناة منفيّة لأنها استثناء من مثبت والتسعين مثبتة؛ لأنها استثناء من منفي فيصير جملة الكلام في قوّة «له تسعون» وكأنه استثنى من أوّل الأمر عشرة.

( وكذا) يبطل (الإضراب) عن الكلام الأول ب- «بل» (مثل) «له عليَّ(مائة بل تسعون» فيلزمه في الموضعين) وهما الاستثناء المستغرق ومع الإضراب (مائةٌ)؛ لبطلان المتعقب في الأول للاستغراق، وفي الثاني للإضراب الموجِبِ لإنكار ما قد أقرَّ به فلا يلتفت إليه.

وليس ذلك كالاستثناء؛ لأنّه من متمَّمات الكلام لغةً، والمحكوم بثبوته فيه هو الباقي من المستثنى منه بعده، بخلاف الإضراب فإنّه بعد الإيجاب يَجعَل ما قبل «بل» كالمسكوت عنه بعد الإقرار به فلا يُسمع، فالفارق بينهما اللغة.

(ولو قال : «له عليَّ عشرةٌ من ثَمَن مبيع لم أقبضه» أُلْزِم بالعشرة) ولم يُلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع؛ للتنافي بين قوله: «علي» وكونه لم يقبض المبيع؛ لأن مقتضاه عدم استحقاق المطالبة بثمنه مع ثبوته في الذمة، فإنّ البائع لا يستحق المطالبة بالثمن إلا مع تسليم المبيع.

وفيه نظر؛ إذ لا منافاة بين ثبوته في الذمة وعدم قبض المبيع، إنما التنافي بين

ص: 31


1- قال به العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 415

استحقاق المطالبة به مع عدم القبض وهو أمرٌ ،آخَرُ ومِن ثَمَّ ذهب الشيخ إلى قبول هذا الإقرار(1) ؛ لإمكان أن يكون عليه العشرة ثمناً، ولا يجب التسليم قبل القبض؛ ولأصالة عدم القبض وبراءة الذمة من المطالبة به؛ ولأنّ للإنسان أن يُخبر بما في ذمته، وقد يشتري شيئاً ولا يقبضه فيُخبر بالواقع، فلو ألزم بغير ما أقرَّ به كان ذريعةً إلى سد باب الإقرار وهو مُنافٍ للحكمة.

والتحقيق أنّ هذا ليس من باب تعقيب الإقرار بالمنافي، بل هو إقرار بالعشرة؛ لثبوتها في الذمة، وإن سُلَّمَ كلامه فهو إقرار منضَمُّ إلى دعوى عينٍ من أعيان مال المقرّ له أو شيءٍ في ذمّته فيُسمَع الإقرارُ ولا تُسمع الدعوى، وذكره في هذا الباب لمناسبة ما.

(وكذا) يُلزم بالعشرة لو أقرّ بها ثمّ عقبه بكونها (من ثمن خمر أو خنزير)؛ لتعقيبه الإقرار بما يقتضي سقوطه؛ لعدم صلاحية الخمر والخنزير مبيعاً يُستحق به الثمنُ في شرع الإسلام. نعم، لو قال المقرّ : «كان ذلك من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ فظَنَنْتُه لازماً لي وأَمكَن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه، وكان له تحليف المقر له على نفيه إن ادَّعَى العلم بالاستحقاق. ولو قال : « لا أَعلَمُ الحال»، حَلف على عدم العلم بالفساد. ولو لم يُمكن الجهل بذلك في حق المقر لم يُلتفت إلى دعواه.

(ولو قال : «له) عليّ (قَفِيزُ حِنطة بل قفيزُ شَعِيرٍ» لَزِماه) قفيزُ الحنطة والشعير؛ لثبوت الأوّل بإقراره والثاني بالإضراب (ولو قال) : « له عليَّ (قفيزُ حنطة بل قفيزان حنطةً »فعليه قفيزان) وهما الأكثر خاصةً. ولو قال : «له هذا الدرهم بل هذا الدرهم فعليه الدرهمان) ؛ لاعترافه في الإضراب بدرهم آخَرَ مع عدم سماع العدول. (ولو قال : «له هذا الدرهم بل درهم» واحدٌ)؛ لعدم تحقق المغايرة بين المعيَّنِ والمطلق لإمكان حمله عليه.

وحاصل الفرق بين هذه الصور يرجع إلى تحقيق معنى «بل» وخلاصته أنّها حرفُ

ص: 32


1- المبسوط، ج 2، ص 440.

إضراب، ثمّ إن تَقَدَّمَها إيجاب وتلاها مفردٌ جَعَلَتْ ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يُحكَم عليه بشيء، وأثبتت الحكم لما بعدها، وحيث كان الأوّلُ إقراراً صحيحاً استَقَر حكمه بالإضراب عنه، وإن تَقَدَّمَها نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه وجَعْل ضده لما بعدها. ثمّ إن كانا مع الإيجاب مختلفين أو معيَّنين لم يُقبل إضرابه؛ لأنه إنكار للإقرار الأول وهو غير مسموع، فالأول ك- «له قفيز حنطة بل قفيز شعير»، والثاني ك-«له هذا الدرهم بل هذا الدرهم» فيلزم القفيزان والدرهمان؛ لأن أحد المختلفين وأحد الشخصين غير داخل في الآخر؛ وإن كانا مطلقين أو أحدُهما لَزِمَه واحدٌ إن اتحد مقدار ما قبل «بل» وما بعدها ک-«له در هم بل درهم»، أو «هذا الدرهم بل درهم»، أو «درهم بل هذا الدرهم»، لكن يلزمه مع تعیین أحدِهما المعيَّنُ؛ وإن اختلفا كمّيّةً ك-

« له قفيز بل قفيزان»، أو «هذا القفيز بل قفيزان» - أو بالعكس - لَزِمَه الأكثر، لكن إن كان المعيَّن هو الأقل تعيَّن ووجب الإكمال.

( ولو قال : «هذه الدار لزيد بل لعمرو» دفعت إلى زيد)؛ عملاً بمقتضى إقراره الأوّلِ (وغَرِم لعمرو قيمتها)؛ لأنه قد حال بينه وبين الشيء المقرّ به بإقراره الأول، فيغرم له للحيلولة الموجبة للغُرْم، إلّا أن يُصدِّقه (زيد) في أنّها لعمرو فيدفَع إلى عمرو من غير غُرم.

(ولو أَشهَد) شاهدي عدلٍ (بالبيع) لزيد (وقبض الثمن) منه (ثمّ ادَّعَى المواطأة) بينه وبين المقرّ له على الإشهاد من غير أن يقع بينهما قبض سمِعت دعواه؛ لجريان العادة بذلك و(أحلف المقَرُّ له) على الإقباض أو على عدم المواطأة.

ويُحتمل عدم السماع، فلا يتوجه اليمين؛ لأنّه مُكذِّبٌ لإقراره. ويُضعف بأن ذلك واقع تَعُمّ البلوى به فعدم سماعها يُفضي إلى الضرر المنفي(1). هذا إذا شهدت البينة على إقراره، أما لو شهدت بالقبض لم يُلتفت إليه؛ لأنّه مُكذِّب لها، طاعِنُ فيها، فلا يَتَوَجّه بدعواه يمين .

ص: 33


1- الكافي، ج 5، ص 292 - 293، باب الضرار، ح 2 : الفقيه، ج 3، ص 76 ، ح 3371؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147. ح 651.

الفصل الثالث في الإقرار بالنسب

(ويُشترط فيه أهليّةُ المُقِرّ) للإقرار ببلوغه وعقله، (وإمكانُ إلحاق المقر به) بالمقر شرعاً (فلو أقرَّ ببُنُوَّة المعروفِ نَسَبُه ) أو أُخُوَتِه أو غيرهما مما يُغاير ذلك النسب الشرعي، (أو) أقرَّ (ببنوّة مَن هو أعلى سنّاً) من المقرّ (أو مساءٍ) له (أو أنقصُ) منه (بما لم تَجْرِ العادةُ بتولّده منه بَطَل) الإقرار، وكذا المنفي عنه شرعاً كولد الزنى وإنْ كان على فراشه، وولدِ اللعان وإنْ كان الابن يَرِتُه.

( ويُشترط التصديقُ) أي تصديق المقرّ به للمقرّ في دعواه النسب (فيما عدا الولد الصغير) ذكراً كان أم أنثى،

(والمجنون) كذلك، (والميِّتِ) وإن كان بالغاً عاقلاً ولم يكن ولداً. أما الثلاثة فلا يُعتبر تصديقهم، بل يثبت نَسَبُهم بالنسبة إلى المقرّ بمجرد إقراره ؛ لأنّ التصديق إنّما يُعتبر مع إمكانه، وهو ممتنع منهما، وكذا الميت مطلقاً.

وربما أشكل حكمُه كبيراً ممّا تقدم، ومن إطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه؛ ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يُوشك أن يكون خوفاً من إنكاره، إلا أنّ فتوى الأصحاب على القبول ولا يقدح فيه التهمة باستيثاق مال الناقص وإرث الميت.

والمراد بالولد هنا الولد للصلب، فلو أقرَّ ببنوّة ولد ولده فنازلاً اعتبر التصديق كغيره من الأقارب، نَصَّ عليه المصنِّفُ (1)وغيرُه(2) . وإطلاق الولد يقتضي عدم الفرق بين دعوى

ص: 34


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- كالشيخ في المبسوط، ج 2، ص 446؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 123؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 438

الأب والأُمّ، وهو أحد القولين في المسألة(1)، وأصحهما - وهو الذي اختاره المصنف في الدروس(2)- الفرقُ، وأن ذلك مخصوص بدعوى الأب، أمّا الأُمّ فيعتبر التصديق لها؛ لورود النص على الرجل(3)فلا يتناول المرأة، واتحاد طريقهما ممنوع؛ لإمكان إقامتها البينة على الولادة دونه، ولأنّ ثبوت نسبٍ غير معلوم على خلاف الأصل يقتصر فيه على موضع اليقين.

(و) يُشترط أيضاً في نفوذ الإقرار مطلقاً (عدم المنازع) له في نسب المقرّ به، (فلو تنازعا) فيه (اعتُبرت البيِّنةُ) وحُكم لمن شهدت له، فإن فقدت فالقرعة لأنها لكلّ أمرٍ مشكل، أو معين عند الله مبهم عندنا، وهو هنا كذلك.

هذا إذا اشتركا في الفراش على تقدير دعوى البُنُوَّة، أو انتفى عنهما كواطِني خالية عن فراش لشبهة، فلو كانت فراشاً لأحدهما حُكم له به خاصة دون الآخر وإنْ صادقه الزوجان. ولو كانا زانتين انتفى عنهما ، أو أحدهما فعنه. ولا عبرة في ذلك كلّه بتصديق الأُمّ.

(ولو تصادق اثنان فصاعداً على نسب غير التولّد) كالأُخُوَّة (صح) تصادقهما (وتَوارَثا)؛ لأنّ الحقُّ لهما ( ولم يَتَعَدَّهما التوارُتُ) إلى وَرَتْتِهما؛ لأنّ حكم النسب إنما يثبت بالإقرار والتصديق، فيُقتصر فيه على المتصادِقين إلّا مع تصادقِ وَرَنتهما أيضاً.

ومقتضى قولهم «غير التولد» أنّ التصادق فى التولّد يَتَعَدَّى، مضافاً إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق الصغير مطلقاً، والكبير مع التصادق. والفرق بينه وبين غيره من الأنساب - مع اشتراكهما في اعتبار التصادق - غيرُ بَيِّن.

(ولا عبرة بإنكار الصغير بعد بلوغه) نسب المعترف به صغيراً، وكذا المجنون بعد كماله؛ لثبوت النسب قبله، فلا يزول بالإنكار اللاحق، وليس له إحلافُ المقرّ أيضاً؛ لأنّ

ص: 35


1- اختاره العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 20، الرقم 5313، وص 435 الرقم 6037.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 182 ، ح 637.

غايته استخراج رجوعه أو نكوله، وكلاهما الآن غير مسموع، كما لا يُسمع لو نَفَى النسب حينئذٍ صريحاً.

(ولو أقرَّ العم) المحكوم بكونه وارثاً ظاهراً (بأخ) للميت وارثٍ دَفَع إليه المال)؛ لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث (فلو أقرَّ العمُّ بعد ذلك بولد) للميت وارث (وصدقه الأخُ دَفَع إليه) المال؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما، (وإن أكذبه) أي أكذب الأخ العمَّ في كون المقرّ به ثانياً ولداً للميت لم يدفع إليه؛ لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد له- وهو العم - ولم تُعلم أولوية الثاني؛ لأنّ العمَّ حينئذٍ خارج فلا يُقبل إقراره في حق الأخ، و(غَرِم العم له) أي لمن اعترف بكونه ولداً (ما دَفَع إلى الأخ) من المال؛ لإتلافه له بإقراره الأول مع مباشرته لدفع المال.

ونبه بقوله «غرم ما دفع» على أنه لو لم يَدفَع إليه لم يغرم بمجرد إقراره بكونه أخاً؛ لأن ذلك لا يستلزم كونه وارثاً، بل هو أعم، وإنّما يَضمن لو دَفَع إليه المال؛ لمباشرته إتلافه حينئذ. وفي معناه ما لو أقر بانحصار الإرث فيه؛ لأنه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره الأوّل فلا يُسمَع ، ويَغرم للولد لحيلولته بينه وبين التركة بالإقرار الأول، كما لو أقر بمال لواحد ثمّ أقرَّ به لآخَرَ.

ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ وعدمه؛ لأنه مع اعترافه بإرثه مُفَوِّت بدون الحكم نعم، لو كان دَفَعه في صورة عدم اعترافه بكونه الوارث بحكم الحاكم اتَّجه عدمُ الضمان لعدم اختياره في الدفع. وكذا الحكم في كلّ مَن أقرَّ بوارثٍ أَولى منه ثمّ أقر بأولى منهما، وتخصيص الأخ والولد مثال. ولو كان إقرار الأول بمساءٍ للثاني كأخ آخَرَ فإن صدقه تَشَارَكا وإلّا غرم للثاني نصف التركة

على الوجه الذي قررناه.

(ولو أقرت الزوجة بولد) للزوج المتوفى ووارتُه ظاهراً إخوته (فصدقها الإخوة) على الولد، (أَخَذ) الولدُ (المال) الذي بيد الإخوة أجمع ونصف ما في يدها؛ لاعترافهم باستحقاقه ذلك، (وإن أكذبوها دَفَعَتْ إليه ) ما بيدها زائداً عن نصيبها على تقدير الولد

ص: 36

وهو (التُمْن)؛ لأنّ بيدها رُبعاً نصيبها على تقدير عدم الولد، فتدفع إلى الولد نصفه. ويُحتمل أن تدفَع إليه سبعةَ أثمانِ ما في يدها تنزيلاً للإقرار على الإشاعة فيستحق في كلّ شيء سبعة أثمانه بمقتضى إقرارها.

(ولو انعكس) الفرضُ بأن اعترف الإخوة بالولد دونها (دفعوا إليه) جميع ما بأيديهم وهو (ثلاثة الأرباع. ولو أقرَّ الولد بآخَرَ دَفَع إليه النصف)؛ لأنّ ذلك هو لازم إرث الولدين المتساويين ذُكوريّةً وأُنوثيّةً. (فإن أقرا) معاً(بثالث دَفَعا إليه الثلث) أي دَفَع كلُّ واحدٍ منهما ثلث ما بيده (وعلى هذا لو أقرَّ الثلاثةُ برابع دَفَع إليه كلُّ منهم ربع ما بيده.

(ومع عَدالة اثنين) من الوَرَثَةِ المُقِرِّين (يَثبُت النسب والميراثُ)؛ لأنّ النسب ممّا يثبت بشاهدين ،عدلين والميراث لازمه (وإلّا) يكن فى المعترفين عدلان (فالميراث حَسْبُ)؛ لأنه لا يتوقف على العدالة، بل الاعترافِ، كما مرّ(1).

(ولو أقرَّ بزوج للميّتة أعطاه النصفَ) أي نصف ما في يده (إن كان المقر) بالزوج (غير ولدِها)؛ لأنّ نصيبَ الزوج مع عدم الولد النصفُ، (وإلّا) يكن كذلك بأن كان المقِرُّ ولدها (فالربعَ)؛ لأنه نصيبُ الزوج معه. والضابط أنّ المقرَّ يَدفَع الفاضل ممّا في يده عن نصيبه، على تقدير وجود المقرّ به، فإن كان أخاً للميتة ولا ولد لها دَفَع النصف، وإن كان ولداً دَفَع الربع.

وفي العبارة قصور عن تأدية هذا المعنى؛ لأنّ قوله « أعطاه النصف إن كان المقِرُّ غيرَ ولدِها» يَشمل إقرار بعض الورثة المُجامِعِين للولد كالأبوين، فإنَّ أحدهما لو أقرَّ بالزوج مع وجود ولد يصدق أنّ المقرَّ غيرُ ولدها، مع أنّه لا يَدفَع النصف بل قد يدفع ما دونه، وقد لا يدفع شيئاً فإنّ الولد إن كان ذكراً والمقر أحد الأبوين لا يدفع شيئاً مطلقاً؛ لأنّ نصيبه لا يزاد على السدس على تقدير وجودِ الزوج وعدمه، وإنما حصّة الزوج مع

ص: 37


1- في الأمثلة المتقدّمة من إقرار الزوجة أو الإخوة.

الابن، وإن كان أنثى والمقِرُّ الأبَ يَدفَع الفاضل ممّا في يده عن السدس وكذا إن كان الأُم وليس لها حاجب، ومع الحاجب لا تدفع شيئاً؛ لعدم زيادة ما في يدها عن نصيبها.

ولو كان المقِرُّ أحد الأبوين مع عدم وجود الولد الذي هو أحدُ ما تَنَاوَلَتْه العبارة، فقد يدفع نصف ما في يده كما لو لم يكن وارثاً غيره، أو هو الأب مطلقاً، وقد لا يدفع شيئاً كما لو كان هو الأمّ مع الحاجب. وتنزيل ذلك على الإشاعة يُصحح المسألة، لكن يُفسد ما سبق من الفروع؛ لأنّها لم تُنَزَّل عليها. ولقد قَصَّر كثيرٌ من الأصحاب في تعبير هذا الفرع، فتأمله في كلامهم.

(وإن أقرّ) ذلك المقرُّ بالزوج ولداً كان أم غيره (بآخَرَ، وأكذب نفسه في) الزوج (الأول، أُغرِم له) أي للآخر الذي اعترف به ثانياً؛ لإتلافه نصيبه بإقراره الأول، (وإلّا) يُكذِب نفسه (فلا شيء) عليه في المشهور؛ لأنّ الإقرار بزوج ثانٍ إقرار بأمرٍ ممتنع شرعاً، فلا يترتب عليه أثر.

والأقوى أنّه يغرم للثاني مطلقاً؛ لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم، مع إمكان كونه هو الزوج، وأنه ظنّه الأوّلَ فأقرَّ به ثمّ تَبَيَّن خلافه، وإلغاء الإقرار في حق المقرّ مع إمكان صحته منافٍ للقواعد الشرعية. نعم، لو أظهر لكلامه تأويلاً ممكناً في حقه كتزوجه إيّاها في عدّة الأوّل، فظنّ أنّه يَرِثُها زوجان، فقد استقرب المصنف في الدروس(1) القبول، وهو متجه.

(ولو أقرَّ بزوجة للميّت فالربع) إن كان المقر غير الولد( أو الثُمْنَ) إن كان المقر الولد.

هذا على تنزيله في الزوج، وعلى ما حققناه يتم في الولد خاصةً، وغيرُه يَدفَع إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها، ولو كان بيده أكثر من نصيب الزوجة اقتصر على دفع نصيبها، فالحاصل أنّ غير الولد يَدفَع أقل الأمرين من نصيب الزوجة وما زاد

ص: 38


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 142 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة؛ فأحد الأبوين مع الذكر لا يَدفَع شيئاً، ومع الأُنثى يَدفَع الأقل، والأخُ يدفع الربع، والولدُ التُمْنَ كما ذكر (فإن أقر بأخرى وصدقته ) الزوجة (الأولى اقتسماه) الربع أو الثمن أو ما حصل،( وإن أَكذَبَتْها غَرِم) المقِرُّ (لها نصيبها) وهو نصف ما غَرَم للأولى إن كان باشَرَ تسليمها - كما مرّ(1) وإلا فلا.

(وهكذا) لو أقرَّ بثالثة ورابعةٍ فيغرم للثالثة مع تكذيب الأُولَيَيْن تُلتَ مَا لَزِمَه دفعُه، وللرابعة مع تكذيب الثلاث رُبعه.

ولو أقر بخامسة فكالإقرار بزوج ثانٍ فيغرم لها مع إكذاب نفسه، أو مطلقاً، على ما سبق(2)، بل هنا أولى؛ لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوج بعد بعد الطلاقِ وانقضاء العدة، ودَخَل ومات في سَنَتِه، كما تقدّم. ويمكن فيه استرسال الإقرار، ولا يقفُ عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.

ص: 39


1- مر في ص 37.
2- سبق في ص 38.

ص: 40

كتاب الغصب

ص: 41

ص: 42

(كتاب الغصب )

(وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عُدواناً) والمراد بالاستقلال الإقلال، وهو الاستبداد به لا طلبه، كما هو الغالب في باب الاستفعال. وخرج به ما لا إثبات معه أصلاً؛ كمنعه من ماله حتّى تلف وما لا استقلال معه؛ كوضع يده على ثوبه الذي هو لابسه، فإنّ ذلك لا يُسمَّى غصباً، وخَرَج بالمال الاستقلال باليد على الحرّ، فإنّه لا تَتَحقَّق فيه الغصبيّةُ فلا يُضمن، وبإضافة المال إلى الغير ما لو استقل بإثبات يده على مال نفسه عدواناً؛ كالمرهون في يد المرتهن، والوارث على التركة مع الدين فليس بغاصب وإنْ أَيَّم، وضين، وبالعدوان إثبات المرتهن والولي والوكيل والمستأجر والمستعير أيديهم على مال الراهن والمُولى عليه والموكل والمؤجر

والمُعِير.

ومع ذلك فينتقض التعريف في عكسه بما لو اشترك اثنان فصاعداً في غصب بحيث لم يَستقِل كلُّ منهما باليد، فلو أبدل الاستقلال بالاستيلاء لَشَمَلَه؛ لصدق الاستيلاء مع المشاركة، وبالاستقلال بإثبات اليد على حق الغير؛ كالتحجير وحق المسجد والمدرسة والرباط، ونحوه ممّا لا يُعدّ مالاً، فإنّ الغصب متحقق، وكذا غصبُ ما لا يتموّل عرفاً كحبة الحنطة فإنّه يتحقَّق به أيضاً على ما اختاره المصنف، ويجب ردُّه على مالكه مع عدم المالية إلا أن يُراد هنا جنس المال أو يُدَّعَى إطلاق المال عليه، ويُفرَقَ بينه وبين المُتَمَوَّل، وهو بعيد. وعلى الحرّ الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب؛ كلدْغِ الحيّة

ص: 43

ووقوع الحائط فإنّه يضمن عند المصنف وجماعةٍ(1)، كما اختاره في الدروس(2)، فلو أبدل المال بالحقِّ لَشَمَل جميع ذلك.

وأما مَن تَرتَّبَتْ يده على يد الغاصب جاهلاً به ومَن سَكَن دارَ غيره غلطاً، أو لَبِس ثوبه خطأ، فإنّهم ضامنون وإن لم يكونوا غاصبين؛ لأنّ الغصب من الأفعال المحرَّمة في الكتاب (3)والسنة (4)، بل بالإجماع ودليل العقل، فلا يتناول غير العالم وإنْ شارَكَه في بعض الأحكام. وإبدال العدوان ب-«غير حق ليتناولهم من حيث إنهم ضامنون ليس بجيد؛ لما ذكرناه، وكذا الاعتذار بكونه بمعناه، أو دعوى الاستغناء عن القيد أصلاً ليشملهم، بل الأجودُ الافتقار إلى قيدِ العدوان الدال على الظلم. وقد تلخص أن الأجود في تعريفه أنّه «الاستيلاء على حق الغير عُدواناً» وأنّ أسبابَ الضمان غيرُ منحصرة فيه.

وحيث اعتُبِر في الضمان الاستقلال أو الاستيلاء (فلو مَنَعه من سکنی داره) ولم يُثبِت المانعُ يده عليها (أو) مَنَعه من (إمساك دابته المُرسَلة) كذلك (فليس بغاصب ) لهما، فلا يضمن العين لو تلفت، ولا الأجرة زمن المنع؛ لعدم إثبات اليد الذي هو جزء مفهوم الغصب.

ويُشكل بأنّه لا يَلزَم من عدم الغصب عدم الضمان؛ لعدم انحصار السبب فيه، بل ينبغي أن يَختَصّ ذلك بما لا يكون المانع سبباً في تلف العين بذلك؛ بأن اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها، والمالكِ غير معتبر في مراعاة الدابة كما يتفق لكثير من الدور والدواب، أما لو كان حفظه متوقفاً على سكنى الدار، ومراعاة الدابة الضعفها، أو كون أرضها مَسْبَعةً مثلاً، فإنّ المتجة الضمان نظراً إلى كونه سبباً قوياً مع ضعف المباشر، ومثله ما لو منعه من الجلوس على بساطه فتَلِف أو سُرِق، أو غَصَبَ

ص: 44


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 21؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 223؛ وابن فهد الحلي في المقتصر . ص 342
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 98 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- البقرة (2) : 188 و 194.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 385 - 386، الباب 1 من كتاب الغصب.

الأم فمات ولدُها جوعاً. وهذا هو الذي اختاره المصنف (رحمه الله)في بعض فوائده، وإنْ اتَّبَع هنا وفي الدروس (1)المشهور. أما لو منعه من بيع متاعه فنَقَصت قيمته السوقية مع بقاء العين وصفاتها لم يَضمَن قطعاً؛ لأن الفائت ليس مالاً بل اكتسابه.

(ولو سكن معه قهراً) في داره ( فهو غاصب للنصف) عيناً وقيمة؛ لاستقلاله به بخلاف النصف الذي بيد المالك. هذا إذا شاركه في سكنى البيت على الإشاعة من غير اختصاص بموضع معيّن أمّا لو اختَصَّ بمعين اختَصَّ بضمانه، كما لو اختَصّ ببيتٍ من الدار أو موضع خاص من البيت الواحد. ولو كان قوياً مُستَولياً وصاحب الدار ضعيفاً بحيثُ اضْمَحَلَّتْ يده معه احتُمِل قويّاً ضمان الجميع.

(ولو) انعكس الفرضُ بأن (ضَعُف الساكنُ) الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته (ضَمِن) الساكنُ (أُجرة ما سكن(2))؛ لاستيفائه منفعته بغير إذن مالكه.

(قيل) والقائل المحقق(3)والعلّامة(4) ، وجماعةٌ(5) : ( ولا يَضمَن) الساكنُ (العين)؛ لعدم تحقق الاستقلال باليد على العين، الذي لا يتحقق الغصب بدونه. ونسبته إلى القول يُشعر بتوقفه فيه، ووجهه ظهور استيلائه على العين التي انتفع بسكناها، وقدرة المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقق العدوان. نعم، لو كان المالك القوي نائياً فلا شبهة في الضمان؛ لتحقق الاستيلاء.

(ومدُّ مِقْوَد الدابّة) بكسر الميم، وهو الحبلُ الذي يُشَدّ بزمامها أو لجامِها، (غصبٌ) للدابة وما يَصحَبُها؛ للاستيلاء عليها عدواناً (إلّا أن يكون صاحبها راكباً) عليها (قويّاً)

ص: 45


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 97 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- إن استقل بجزء معين ضمنه خاصةً، وإلا ضمن النصف. (زين رحمه الله)
3- شرائع الإسلام، ج 3، ص 184.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 222.
5- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 166 : والمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 6، ص 211 - 212

على دفع القائد (مُستيقظاً) حالة القَوْد، غير نائم، فلا يتحقق الغصب حينئذ لعدم الاستيلاء .

نعم، لو أتَّفق تلفها بذلك ضَمِنها؛ لأنّه جانٍ عليها. ولو لم تتلف هل يَضمَن منفعتها زمن القَوْد؟ يُحتمل قوياً ذلك؛ لتفويتها بمباشرته وإن لم يكن غاصباً كالضعيف الساكن. ولو كان الراكب ضعيفاً عن مقاومته أو نائماً فلا ريب في الضمان؛ للاستيلاء. ولو ساقها قدامه بحيث صار مستولياً عليها لكونها تحت يده، ولا جماحَ لها فهو غاصب لتحققِ معناه. ولو تَرَدَّتْ بالجماح حينئذٍ أو غيره فتلفت أو عابَتْ ضَمِن؛ للسببية.

وغصبُ الحامل غصب للحمل)؛ لأنه مغصوب كالحامل، والاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعية لأُمّه. وليس كذلك حمل المبيع فاسداً حيث لا يَدخُل في البيع؛ لأنه ليس مبيعاً فيكون أمانةٌ في يد المشتري؛ لأصالة عدم الضمان، ولأن تَسَلَّمَه بإذن البائع مع إحتماله؛ لعموم «على اليد ما أخذت حتى تُؤَدِّيَ»(1)، وبه قطع المحقق في الشرائع(2).

(ولو تَبِعَها) الولد حين غصبها (ففي الضمان) للولد (قولان)(3) مأخذهما عدمُ إثبات اليد عليه، وأنه سبب قوي، والأقوى الضمان وهو الذي قَرَّبَه في الدروس (4).

(والأيدي المتعاقبةُ على المغصوب أيدي ضَمانٍ) سواءٌ عَلِموا جميعاً بالغصب أم جَهلوا أم بالتفريق لتحقق التصرف في مال الغير بغير إذنه، فيدخُل في عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» وإن انتفى الإثم عن الجاهل بالغصب،( فيتخيَّر المالك في تضمين مَن شاء) منهم العين والمنفعة، (أو) تضمين (الجميع) بدلاً واحداً بالتقسيط وإن لم يكن متساوياً؛ لأنّ جواز الرجوع على كلّ واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض، وكذا له تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد، وترك الباقين؛ لما ذُكر.

ص: 46


1- سنن أبي داود، ج 3، ص 296، ح 3561؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 802، ح 2400.
2- شرائع الإسلام، ج 3، ص 236.
3- القول بعدم الضمان للمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 187؛ والعلّامة في قواعد الأحكام ، ج 2، ص 3 والقول بالضمان للشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 99 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 99 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(ويرجع الجاهلُ منهم بالغصب) إذا رُجِع عليه (على مَن غَرَّه) فسلطه على العين أو المنفعة ولم يُعلمه بالحال، وهكذا الآخَرُ إلى أن يَستقِرَّ الضمانُ على الغاصبِ العالم، وإنْ لم تَتلَف العينُ في يده. هذا إذا لم تكن يدُ مَن تَلفت في يده يد ضمان؛ كالعارية المضمونة؛ وإلا لم يَرجِع عليه(1) .

ولو كانت أيدي الجميع عاديةً تخيَّر المالك كذلك واستقر الضمان على من تلفت في يده، فيُرجع غيرُه عليه لو رجع عليه دونه. وكذا يَستقِرٌ ضَمان المنفعة على مَن استوفاها عالماً.

( والحرُّ لا يُضمن بالغصب)عيناً ومنفعةً؛ لأنه ليس مالاً، فلا يدخُل تحت اليد. هذا إن كان كبيراً عاقلاً إجماعاً، أو صغيراً فمات من قبل الله تعالى، ولو مات بسببٍ كلَدْغِ الحية ووقوع الحائط، ففي ضمانه قولان للشيخ(2)، واختار المصنف في الدروس الضمان(3)؛ لأنه سبب الإتلاف، ولأنّ الصغير لا يستطيع دَفْعَ المُهلكات عن نفسه، وعروضها أكثري، فمِن ثَمَّ رَبَّح السبب. والظاهرُ أنَّ حدَّ الصِغَرِ العجز عن دفع ذلك عن نفسه حيث يُمكن الكبير دفعُها عادةً؛ لا عدم التمييز. وألحق به المجنون.

ولو كان بالكبير خَبَلْ أو بَلَغ رتبة الصغير لكبَرٍ أو مرض، ففي إلحاقه به وجهان. (ويُضمن الرقيق) بالغصب؛ لأنه مال.

( ولو حَبَس الحرَّ) مدةً لها أجرة بالعادة (لم يَضمَن أجرتَه إِذا لم يَستعمله)؛ لأنّ منافع الحرّ لا تدخُل تحت اليد تبعاً له، سواء كان قد استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله أم لا . نعم، لو كان قد استأجره مدّةً معيّنةً فمضت زمن اعتقاله وهو باذل نفسه للعمل، استَقَرّت الأجرة لذلك لا للغصب (بخلاف الرقيق)؛ لأنه مال محض

ومنافعه كذلك.

ص: 47


1- هكذا في الأصل، وفي سائر النسخ: «على غيره».
2- القول بعدم الضمان في المبسوط، ج 2، ص 527: والقول بالضمان في الخلاف، ج 3، ص 421، المسألة 40.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 98 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(وخمرُ الكافر المستَتَرُ) بها (محترم يُضمَن بالغصب) مسلماً كان الغاصب أم كافِراً؛ لأنّها مال بالإضافة إليه وقد أُقِرّ عليه، ولم تَجُز مزاحمته فيه. وكان عليه تأنيتُ ضمائر الخمر؛ لأنّها مؤنَّتْ سَماعي.

ولو غَصَبها من مسلم أو كافرٍ مُتَظَاهِرٍ، فلا ضمان وإن كان قد اتَّخذها للتخليل؛ إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام، لكن هنا يأتم الغاصب.

وحيث يضمن الخمر يعتبر(بقيمته عند مُسْتَحِلِّيه) لا بمثله، وإن كان بحسب القاعدة مثليّاً؛ لتعذَّرِ الحكم باستحقاق الخمر في شرعنا وإن كنا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها. ولا فرق في ذلك بين كون المُتلف مسلماً وكافراً، على الأقوى، وقيل: يَضمَن الكافرُ المثل؛ لإمكانه في حقه من حيث إنه مثليّ مملوك له يُمكنه دفعُه سِرّاً(1). ورُدَّ بأنّ استحقاقه كذلك يؤدّي إلى إظهاره؛ لأنّ حكمَ المُستَحِق أن يَحبِس غريمه لو امتنع من أدائه، وإلزامه بحقه، وذلك ينافى الاستتار(2).

(وكذا ) الحكم في (الخنزير) إلّا أنّ ضمان قيمة الخنزير واضح؛ لأنّه قيمي حيث يُملك.

(ولو اجتمع المباشر) وهو مُوجد علّة التلف كالأكل والإحراق والقتل والإتلاف (والسببُ) وهو فاعل ملزوم ،العلة كحافر البئر (ضمن المباشر)؛ لأنه أقوى( إلا مع الإكراه أو الغرور) للمباشر (فيَستقِرّ الضمانُ في الغرور على الغار) وفي الإكراه على المُكرِه؛ لضعف المباشر بهما، فكان السبب أقوى؛ كمن قدَّم طعاماً إلى المغرور فأكله، فقرارُ الضمان على الغار، فيرجع المغرورُ عليه لو ضُمِّن هذا في المال، أمّا النفس فيتعلَّق بالمباشر مطلقاً، لكن هنا يُحبَس الآمِرُ حتّى يموت.

(ولو أرسل ماءً في ملكه أو أجج ناراً فسرى إلى الغير) فأفسد (فلا ضمان) على الفاعل (إذا لم يَزِدْ) في الماء والنار (عن قدر الحاجة، ولم تكن الريح) في صورة

ص: 48


1- قال به القاضي في المهذب، ج 1، ص 444.
2- هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 223.

الإحراق (عاصفةً) بحيث علم أو ظنَّ التعدّي الموجب للضرر؛ لأنّ «الناس مسلطون على أموالهم»(1) ولهم الانتفاع بها كيف شاؤوا نعم لو زاد عن قدر حاجته فالزائد مشروط بعدم الإضرار بالغير ولؤ بالظنّ؛ لأنه مناط أمثال ذلك، جمعاً بين الحقين ودفعاً للإضرار المنفي(2)، (وإِلّا ضَمِن).

وظاهرُ العبارة أنّ الزائد عن قدر الحاجة يَضمَن به وإنْ لم يَقترن بظنّ التعدّي، وكذا مع عَصْف الريح وإن اقتصر على حاجته؛ لكونه مظنّةً للتعدي، فعدم الضمان على هذا مشروط بأمرين: عدم الزيادة عن الحاجة، وعدم ظهور سبب التعدي كالريح، فمتى انتَفَى أحدُهما ضَمِن. ومثله في الدروس(3)إلّا أنّه اعتبر علم التعدّي، ولم يكتفِ بالظنّ، ولم يعتبر الهواء. فمتى عَلِمه - وإن لم يكن هواءً - ضَمِن، وإنْ لم يَزِد عن حاجته فبينهما مغايرة .

وفي بعض فتاويه اعتبر في الضمان أحدَ الأُمور الثلاثة مجاوزة الحاجة، أو عَصْفِ الهواء، أو غلبة الظنّ بالتعدّي (4). واعتبر جماعة - منهم الفاضلان(5) - في الضمان اجتماع الأمرين معاً وهما مجاوزة الحاجة، وظنُّ التعدّي أو العلم به. فمتى انتفى أحدهما فلا ضمان، وهذا قوي وإن كان الأوّلُ أحوط.

(ويجب رد المغصوب) على مالكه وجوباً فورياً؛ إجماعاً؛ ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(6) ( ما دامت العين باقيةً) يُمكنه ردُّها، سواء كانت على هيئتها يومَ غصبها أم زائدة أم ناقصةً،( ولوْ أَدَّى ردُّه إلى) عُسْرٍ (وذَهَابِ مال الغاصب) كالخشبةِ

ص: 49


1- لم نعثر عليه في المجاميع الحديثية ولكن نقله مرسلاً الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177، المسألة 290؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 144 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147 ، ح 651.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 99 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 18، ص 66.
5- شرائع الإسلام، ج 3، ص 186: قواعد الأحكام، ج 2، ص 223؛ والمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 12. ص 166 .
6- تقدم تخريجه في ص 46، الهامش 1.

في بنائه واللوح في سفينته؛ لأنّ البناء على المغصوب لا حرمة له، وكذا مالُ الغاصب في السفينة حيث يُخشَى تَلَفُه ، أو غَرَقُ السفينة على الأقوى.

نعم، لو خِيفَ غَرَقُه أو غَرَقُ حيوان محترم أو مالٍ لغيره، لم يُنزع إلى أن تصل الساحل، ( فإن تعذَّر) ردُّ العين لتلف ونحوه (ضَمِنَه الغاصب (بالمثل إن كان) المغصوبُ (مِثليّاً) وهو المتساوي الأجزاء والمنفعة، المتقارب الصفات كالحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب والأدهان (وإلّا) يكن مثليّاً (فالقيمة العليا من حين الغصب إلى حين التلف)؛ لأنّ كلَّ حالةٍ زائدة من حالاته في ذلك الوقت مضمونة؛ كما يُرشِد إليه أنه لو تَلِف حينئذٍ ضَمِنها، فكذا إذا تلف (1)بعدها.

(وقيل) والقائل به المحقق فى أحد قوليه - على ما نقله المصنف عنه(2) - يَضمَن الأعلى من حين الغصب (إلى حين الردّ) أي ردّ الواجب وهو القيمة. وهذا القولُ مبني على أنّ القيمي يُضمن بمثله كالمثلي، وإنّما يَنتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل، فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة؛ لأن الزائد في كل آن سابق من حين الغصب مضمون تحت يده، ولهذا لو دَفَع العين حالة الزيادة كانت للمالك، فإذا تَلِفت في يده ضَمِنها. وعلى القول المشهور من ضمان القيمي بقيمته ابتداءً لا وجه لهذا القول.

(وقيل) - والقائل به الأكثرُ(3) على ما نَقَله المصنِّفُ في الدروس(4) -: إنّما يَضمَن (بالقيمة يوم التلف لا غيرُ)؛ لأنّ الواجب زمن بقائها إنّما هو ردُّ العين، والغاصب مخاطَب بردّها حينئذٍ، زائدةً كانت أم ناقصةً من غير ضمان شيء من النقص إجماعاً. فإذا تَلِفت وَجَبت قيمةُ العين وقت التلف؛ لانتقال الحق إليها حينئذ؛ لتعذر البدل. العالم

ص: 50


1- في الأصل: «تلفت».
2- نقله عنه في الدروس الشرعية، ج 3، ص 105( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ وراجع شرائع الإسلام. ج 3، ص 189
3- منهم: ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 436 - 437؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 96، المسألة 84
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 105 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ونَقَل المحقق في الشرائع عن الأكثر أنّ المعتبر القيمة يوم الغصب(1)؛ بناءً على أنه أوّلُ وقتِ ضمان العين. ويُضعف بأن ضمانها حينئذ إنما يراد به كونها لو تَلِفت لَوَجَب بدلها، لا وجوب قيمتها؛ إذ الواجب مع وجود العين منحصر في ردّها، وفي صحيح أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)في اكتراء البغل ومخالفة الشرط ما يدلّ على هذا القول.

ويمكن أن يُستفاد منه اعتبار الأكثر منه إلى يوم التلف وهو قوي؛ عملاً بالخبر الصحيح (3)، وإلا لكان القول بقيمته يوم التلف مطلقاً أقوى. وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بسبب اختلاف القيمة السوقية، أما لو كان لنقص العين أو لتعيُّبها فلا إشكال في ضمان ذلك النقص.

(وإن عاب)المغصوب ولم تذهب عينه (ضَمِن أرشَه ) إجماعاً؛ لأنّه عِوَض عن أجزاءٍ ناقصةٍ أو أوصافٍ، وكلاهما مضمون، سواء كان النقص من الغاصب أم من غيره ولوْ مِن قِبَل الله تعالى.

ولو كان العيبُ غير مستقِرّ بل يَزِيد على التدريج، فإن لم يُمكن المالك بعد قبض العين قطعه أو التصرُّفُ فيه، فعلى الغاصب ضمان ما يتجدد أيضاً، وإن أمكن ففي زوال الضمان وجهان من استناده إلى الغاصب، وتفريط المالك، واستقرب المصنِّفُ في الدروس عدم الضمان(4) .

(ويَضمَن) أيضاً (أجرته إن كان له أجرة؛ لطول المدّة) التي غَصَبه فيها، سواءٌ( استعمله أو لا) ؛ لأنّ منافعه أموال تحتَ اليد فيضمن بالفواتِ والتفويت. ولو تعدّدت المنافع فإن أمكن فعلها جملةً، أو فعل أكثر من واحدة وجب أجرةً ما أمكن، وإلا - كالخياطة والحياكة والكتابة - فأعلاها أجرةً. ولو كانت الواحدة أعلى منفردةً عن

ص: 51


1- شرائع الإسلام، ج 3، ص 189
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 215 ، ح 943
3- أي صحيح أبي ولاد المتقدم آنفاً.
4- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 104( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

منافع متعدّدةٍ يمكن جمعُها ضَمِن الأعلى.

(ولا فرق بين بهيمة القاضي والشوكي في ضمان الأرش) إجماعاً لعموم(1) الأدلة(2)، وخالَفَ في ذلك بعضُ العامة(3)، فحكم في الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة، ويأخذ الجاني العين؛ نظراً إلى أنّ المعيب لا يليق بمقام القاضي.

(ولو جَنَى على العبد المغصوب) جانٍ غيرُ الغاصب (فعلى الجاني أرشُ الجناية) المقرَّرُ في باب الديات، (وعلى الغاصب ما زاد عن أرشها من النقص إن اتَّفق )زيادة، فلو كانت الجناية ممّا له مُقدَّرٌ كقطع يده الموجب لنصف قيمته شرعاً، فنقص بسببه ثلُثا قيمته فعلى الجاني النصفُ، وعلى الغاصب السدسُ الزائد من النقص، ولو لم يحصل زيادة فلا شيء على الغاصب، بل يستقر الضمان على الجاني. والفرق أنّ ضمان الغاصب من جهة المالية، فيضمن ما فات منها مطلقاً، وضمان الجاني منصوص فيقِفُ عليه، حتّى لو كان الجاني هو الغاصب فيما له مقدَّرُ شرعي، فالواجب عليه أكثر الأمرين المقدّرِ من الشرعي والأرشِ ؛ لأنّ الأكثر إن كان هو المقدَّر فهو جانٍ، وإن كان هو الأرش فهو مال فَوْتُه تحت يده كغيره من الأموال؛ لعموم على اليد ما أَخَذَتْ حتى تؤدّي»(4)؛ ولأنّ الجاني لم يُثبت يده على العبد فيتعلّق به ضمان المالية بخلاف الغاصب والأقوى عدمُ الفرق بين استغراق أرش الجناية القيمة ،وعدمه فيجتمع عليه ردُّ العين والقيمة فما زاد.

(«ولو مَثَل به» الغاصب «انعتق»)؛ لقول الصادق (عليه السلام): «كلُّ عبدٍ مُثل به فهو حرّ»(5).

(وغَرِم قيمته للمالك). وقيل: لا يعتق بذلك(6)؛ اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل على موضع

ص: 52


1- لنا أن النظر في الضمان إلى نفس المفوّت لا إلى أغراض الملاك ألا ترى أن في وطء جارية الأب بالشبهة مهر المثل كما في وطء جارية الأجنبي وإن تضمّن وطء جارية الأب تحريمها عليه؟ (منه رحمه الله)
2- تقدم تخريجه في ص 51 الهامش 2
3- الفتاوى الهندية، ج 5، ص 122
4- تقدم تخريجه في ص 46، الهامش 1.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223 ، ح 801
6- قال به العلامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 446.

الوفاق، وهو تمثيل المولى، والرواية العامة ضعيفة السند . وأما بناء الحكم على الحكمة في عتقه هل هي عقوبة للمولى أو جبر للمملوك فيعتق هنا على الثاني دون الأول؟ فهو ردُّ للحكم إلى حكمةٍ مجهولة لم يَرِدْ بها نص والأقوى عدم الانعتاق نعم لو أقعد أو عَمِيَ عَتَقَ وضَمِن الغاصبُ؛ لأنّ هذا السبب غير مختص بالمولى إجماعاً.

(ولو غصب) ما يَنقُصُه التفريق مثل (الخُفَّين أو المصراعين، أو الكتابِ سِفْرَين فَتَلِفَ أحدهما) قبل الردّ (ضَمِن قيمته) أي قيمة التالف (مجتمعاً) مع الآخر ونَقْصَ الآخر(1)، فلو كان قيمة الجميع عشرة وقيمة كلّ واحد مجتمعاً خمسة ومنفرداً ثلاثة ضَمِن سبعةً؛ لأنّ النقصان الحاصل في يده مستند إلى تلف عين مضمونة عليه، وما نَقَصَ من قيمة الباقي في مقابلة الاجتماع فهو بفوات صفة الاجتماع في يده.

أما لو لم تثبت يده على الباقي بل غَصَب أحدهما ثمّ تَلِفَ في يده أو أتلفه ابتداءً، ففي ضمانه قيمة التالف مجتمعاً أو منفرداً، أو مُنْضَمّاً إلى نقص الباقي كالأوّل أوجه، أجودُها الأخيرُ؛ لاستناد الزائد إلى فَقَدِ صفةٍ - وهي كونه مجتمعاً - حَصَل منه.

(ولو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شيء عليه) لعدم النقصان (ولا له)؛ لأنّ الزيادةَ حَصَلت في مال غيره (إلّا أن تكون ) الزيادة (عيناً) من مال الغاصب ( كالصبغ فله قَلْعُه) لأنّه ماله،( إن قبل الفصل) ولو بنقص قيمة الثوب، جمعاً بين الحقين، (و) نقصُ الثوب يَنجير بأنّ الغاصبَ (يَضمَن أرشَ الثوب)، ولا يَرِدُ «أنّ قلعه يستلزم التصرّف في مال الغير بغير إذن، وهو ممتنع، بخلاف تصرف مالك الثوب في الصبغ؛ لأنه وقع عدواناً»؛ لأن وقوعه عدواناً لا يقتضي إسقاط ماليته، فإنّ ذلك عدوان آخَرُ، بل غايتُه أن يُنزَع ولا يُلتفت إلى نقص قيمته أو اضمحلاله؛ للعدوان بوضعه.

ص: 53


1- لا يكاد يستفاد ضمان نقص الآخر من العبارة لأنّ ضمير قيمته إن عاد إلى التالف كما هو الظاهر فالظاهر عدم دلالته عليه، وإن عاد إلى قيمة المغصوب يلزم ضمان قيمة الموجود وهو غير مراد ولا صحيح، ولابد من القول بضمان نقص الآخر، كما ذكره غيره، وذكر هو في غير الكتاب الدروس الشرعية، ج 3، ص 109 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)]. (منه رحمه الله )

ولو طَلَب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم تجب إجابته، كما لا يجب قبول هبته، نعم، لو طلب مالك الثوب بيعهما ليأخذ كلُّ واحدٍ حقَّه لَزِم الغاصب إجابته دون العكس.

(ولو بيع مصبوغاً بقيمته مغصوباً) بغير صَبْغ (فلا شيء للغاصب)؛ لعدم الزيادة بسبب ماله. هذا إذا بَقِيَت قيمة الثوب بحالها، أما لو تجدد نقصانه للسوق فالزائد للغاصب؛ لأنّ نقصان السوق مع بقاء العين غيرُ مضمون. نعم، لو زاد الباقي عن قيمة الصبغ كان الزائد بينهما على نسبة المالين كما لو زادت القيمة عن قيمتهما من غير نقصان.

ولو اختلفت قيمتهما بالزيادة والنقصان للسوق فالحكم للقيمة الآن؛ لأن النقص غيرُ مضمون في المغصوب للسوق، وفي الصبغ مطلقاً، فلو كان قيمةُ كلّ واحد خمسةٌ وبيعَ بعشرة إلّا أنّ قيمة الثوب ارتفعت إلى سبعة وقيمة الصبغ انْحَطَّتْ إلى ثلاثة، فلصاحب الثوب سبعة وللغاصب ثلاثة، وبالعكس.

(ولو غصب شاةٌ فأطعمها المالك جاهلاً) بكونها شاته (ضَمِنها الغاصب) له. لضعف المباشر بالغرور، فيرجع على السبب، وتسليطه المالك على ماله، وصيرورته بيده على هذا الوجه لا يوجب البراءة؛ لأنّ التسليم غيرُ ،تام، فإنّ التسليم التام تسليمه على أنّه مِلكُه يَتصرّف فيه كتصرّف المُلاك، وهنا ليس كذلك، بل اعتقد أنه للغاصب، وأنّه أَباحَه إتلافه بالضيافة، وقد يتصرف بعض الناس فيها بما لا يَتصرفون في أموالهم كما لا يخفى. وكذا الحكم في غير الشاة من الأطعمة والأعيان المنتفع بها؛ كاللباس.

(ولو أطعمها غير صاحبها) في حالة كون الآكِلِ (جاهلاً ضَمَّن المالك) قيمتها (مَن شاء) من الآكِلِ والغاصب؛ لترتُبِ الأيدي كما سلف (والقرار ) أي قرار الضمان على الغاصب لغروره للآكل بإباحته الطعام مجاناً، مع أنّ يده ظاهرة في الملك، وقد ظهر خلافه.

(ولو مزج) الغاصب (المغصوب) بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره (كُلْفَ قسمته) بتمييزه ( إن أمكن) التمييز ، (وإنْ شَقَّ) كما لو خَلَط الحنطة بالشعير أو الحمراء

ص: 54

بالصفراء؛ لوجوب ردّ العين حيث يمكن ( ولو لم يُمكن) التمييز كما لو خَلَط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها وصفاً (ضَمِن المثل إن مَزَجه بالأردأ)؛ لتعذرِ ردّ العين كاملة؛ لأنّ المزج في حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كلّ جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب وهو أدونُ من الحق فلا يجب قبوله بل ينتقل إلى المثل. وهذا مبني على الغالب من عدم رضاه بالشركة أو قول في المسألة(1)، والأقوى تخييره بين المثل والشركةِ مع الأرش؛ لأنّ حقَّه في العين لم يَسقُط ؛ لبقائها كما لو مَزَجها بالأجود، والنقصُ بالخَلْط يُمكن جبره بالأرش.

(وإلّا) يَمرُّجه بالأردأ بل بالمساوي أو الأجود (كان شريكاً) بمقدار عين ماله لا قيمته؛ لأن الزيادة الحاصلة صفةٌ حَصَلت بفعل الغاصب عدواناً فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله؛ كما لو صاغ النقرة وعَلَفَ الدابةَ فسَمِنَتْ. وقيل: يَسقُط حقه من العين للاستهلاك، فيتخير الغاصب بين الدفع من العين لأنه مُتَطَوّع بالزائد، ودفع المثل(2). والأقوى الأوّل.

(ومؤونة القسمة على الغاصب)؛ لوقوع الشركة بفعله تعدّياً.

هذا كله إذا مَزَجه ،بجنسه فلو مَزَجه بغيره كالزيت بالشيرج فهو إتلاف؛ لبطلان فائدته وخاصيته. وقيل: تثبت الشركةُ هنا أيضاً كما لو مَزَجاه بالتراضي أو امتزجا بأنفسهما؛ لوجود العين(3).

ويُشكل بأنّ جبر المالك على أخذه بالأرش أو بدونه إلزام بغير الجنس في المثلي وهو خلاف القاعدة، وجبر الغاصب إثبات لغير المثل عليه بغير ،رضاه، فالعدول إلى المثل ،أجود، ووجود العين غير متميّزة من غير جنسها كالتالفة.

(ولو زَرَع) الغاصبُ (الحبَّ) فنَبَت (أو أَحْضَن البَيْضَ) فأَفرَخ (فالزَرْعُ والفَرْخُ

ص: 55


1- قول في التنقيح الرائع ج 4، ص 72
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 497 - 498: وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 482.
3- القول للعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 395 (الطبعة الحجرية).

للمالك)على أصح القولين(1) ؛ لأنه عين مال المالك، وإنّما حَدَث بالتغير اختلاف الصور ونَماءُ المِلك للمالك، وإن كان بفعل الغاصب. وللشيخ قول بأنه للغاصب؛ تنزيلاً لذلك منزلة الإتلاف، ولأنّ النّماء بفعل الغاصب(2)، وضعفهما ظاهر.

(ولو نقله إلى غير بلد المالك وجب عليه نقله) إلى بلد المالك (ومؤونة نقله) وإنْ استَوعَبَتْ أضعافَ قيمته؛ لأنّه عادٍ بنقله، فيجب عليه الردُّ مطلقاً ولا يجب عليه إجابةُ المالك إلى أُجرة الردّ مع إبقائه فيما انتقل إليه؛ لأن حقه الردُّ دون الأُجرة. (ولو رَضِيَ المالك بذلك المكان) الذي نَقَله إليه (لم يجب) الردُّ على الغاصب؛ لإسقاط المالكِ حقَّه منه، فلو ردَّه حينئذ كان له إلزامه بردّه إليه.

(ولو اختَلَفا في القيمة حَلَف الغاصبُ)؛ لأصالة البراءة من الزائد، ولأنّه منكر ما لم يَدَّعِ ما يُعلم كذبه كالدرهم قيمةً للعبد، فيُكلف بدعوى قدر يمكن، مع احتمال تقديم قول المالك حينئذ، وقيل: يَحلف المالك(3)، وهو ضعيف.

(وكذا) يحلف الغاصب (لو ادَّعَى) المالك (إثبات صناعة يزيد بها الثمنُ)؛ لأصالة عدمها، وكذا لو كان الاختلاف في تقدمها لتكثر الأجرة؛ لأصالة عدمه.

(وكذا) يحلف الغاصب (لو ادَّعَى التلف) وإن كان خلاف الأصل؛ لإمكان صدقه، فلو لم يُقبل قولُه لَزِم تخليده الحبس لو فُرض التلفُ، ولا يَرِدُ مثله لو أقام المالكُ بيّنةً ببقائه، مع إمكان كذب البيّنة؛ لأنّ ثبوت البقاء شرعاً مجوّز للإهانة والضرب، إلى أن يُعلم خلافه. ومتى حَلَف على التلف طُولب بالبدل وإن كانت العين باقيةً بزعم المالك: للعجز عنها بالحلف، كما يستحق البدل مع العجز عنها وإن قطع بوجودها، بل هنا أولى.

(أو ادَّعَى) الغاصب (تملك ما على العبد من الثياب) ونحوها؛ لأنّ العبد بيده،

ص: 56


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 196؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 538، الرقم 6156.
2- المبسوط، ج 2، ص 527؛ الخلاف، ج 3، ص 420، المسألة 38
3- قال به المفيد في المقنعة، ص 607؛ والشيخ في النهاية، ص 402.

ولهذا يضمنه ومنافعه، فيكون ما معه في يده، فيُقدَّم قوله في ملكه.

(ولو اختلفا في الردّ حَلَف المالك)؛ لأصالة عدمه، وكذا لو ادَّعَى ردَّ بدله مثلاً أو قيمةً أو تقدُّمَ ردّه على موته، وادَّعَى المالك موته قبله؛ لأصالة عدم التقدّم ولا يَلزَم هنا (1)ما لَزِم في دعوى التلف؛ للانتقال إلى البدل حيث يتعذر تخليص العين منه.

لكن هل ينتقل إليه ابتداءً أو بعد الحبس والعذابِ إلى أن تَظهَرَ أَمارة عدم إمكان العين؟ نظر، ولعلّ الثاني أوجَهُ؛ لأنّ الانتقال إلى البدل ابتداءً يوجب الرجوع إلى قوله، وتكليفه بالعين مطلقاً قد يوجب خلود حبسه كالأوّل، فالوسط متجة، وكلامهم هنا غيرُ منفّح.

ص: 57


1- أي في مسألة الكتاب. وهي قبول قول المالك في عدم الرد. (منه رحمه الله)

ص: 58

كتاب اللُّقَطَة

اشارة

ص: 59

ص: 60

(كتاب اللقطة)

بضم اللام وفتح القاف، اسم للمال الملقوطِ أو للمُلتقط؛ كباب «فُعَلَة» كهُمَزة ولُمَزة، أو بسكون القاف اسمٌ للمال، وأطلق على ما يَشمَل الإنسان تغليباً.

(وفيه فصول :)

الفصل الأوّل في اللقيط

وهو «فعيل» بمعنى «مفعول» كطريح وجريح، ويُسمَّى مَنبوذاً. واختلافُ اسميه باعتبار حالتيه إذا ضاع، فإنّه يُنبَذ أولاً، أي يُرمَى ثمّ يُلقط.

(وهو إنسانٌ ضائع لا كافِلَ له) حالةَ الالتقاط، (ولا يستقل بنفسه) أي بالسعى على ما يُصلحه، ويدفع عن نفسه المُهلِكاتِ الممكن دفعُها عادةً،( فيُلتَقَط الصبيُّ والصبيّةُ) وإنْ ميَّزا على الأقوى؛ لعدم استقلالهما بأنفسهما (ما لم يَبلُغا) فيمتنع التقاطهما حينئذ؛ لاستقلالهما، وانتفاء الولاية عنهما. نعم، لو خاف على البالغ التلف في مَهْلَكة وَجَب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه. والمجنون بحكم الطفل، وهو داخل في إطلاق التعريف وإن لم يَخُصَّه بالتفصيل، وقد صرّح بإدخاله في تعريف الدروس(1).

ص: 61


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 73 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

واحترز بقوله« لا كافل له» عن معلوم الولي أو الملتقط (فإذا عُلِم الأب، أو الجد)(1) وإنْ علا، أو الأم وإنْ صَعَدَتْ (أو الوصيُّ ، أو الملتقط السابق) مع انتفاء الأولين، لم يصح التقاطه و(سُلّم إليهم) وجوباً لسبق تعلقِ الحق بهم، فيُجبرون على أخذه .

(ولو كان اللقيط مملوكاً حُفِظ ) وجوباً (حتّى يَصِلَ إلى المالكِ) أو وكيله. ويُفهم من إطلاقه عدم جواز تملّكه مطلقاً، وبه صرّح في الدروس(2). واختلف كلام العلامة ففي القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولاً(3)، وهو قول الشيخ (رحمه الله)(4)؛ لأنّه مال ضائع يُخشَى تلفه، وفي التحرير أطلق المنع من تملكه، محتجاً بأنّ العبد يتحفّظ بنفسه كالإبل(5)، وهو لا يتم في الصغير، وفي قول الشيخ قوة. ويمكن العلم برقيته بأن يراه يُباع في الأسواق مراراً قبل أن يضيع، ولا يعلم مالكه، لا بالقرائن من اللون وغيره؛ لأصالة الحرية.

( ولا يُضمَن ) لو تَلِف أو أبَق (إلّا بالتفريط)؛ للإذن فى قبضه شرعاً فيكون أمانة. (نعم)، الأقربُ المنع من أخذه أي أخذ المملوك (إذا كان بالغاً أو مُراهِقاً) أي مُقارِباً للبلوغ؛ لأنّهما كالضالّةِ المُمْتَنِعَةِ بنفسها، (بخلاف) الصغير (الذي لا قوّة معه) على دفع المهلكات عن نفسه. ووجه الجواز مطلقاً أنه مال ضائع يُخشَى تلفه. وينبغي القطع بجواز أخذه إذا كان مَخُوف التلف ولو بالاباق؛ لأنّه معاونة على البِرّ، ودفع لضرورة المضطرّ، وأقلُّ مراتبه الجواز وبهذا يحصل الفرق بين الحر والمملوك، حيث

ص: 62


1- أطلق المصنّف الأب والجد وزاد في الدروس الشرعية ج 3، ص 73 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) الأم وإن علت ومحل النزاع غير محرز فإنّ الحكم إن كان مختصاً بمن يجب الإنفاق عليه فهو العمودان وإن كان من يجب عليه الحضانة فينبغي بناؤه على الخلاف فيمن يجب عليه، فإن قيل بتعديها إلى الأقارب يعدى هنا فينبغي تأمل ذلك. (منه رحمه الله)
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 201
4- المبسوط، ج 3، ص 163.
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 448 ، الرقم 6044.

اشتُرِط في الحرِ الصِغَرُ دون المملوك؛ لأنه لا يخرج بالبلوغ عن المالية، والحرّ إنما يُحفظ عن التلف، والقصدُ مِن لقطته حضانته وحفظه، فيَختَصّ بالصغير، ومِن ثَمَّ قيل: إنّ المميّز لا يجوز لقطتُه (1).

(ولابد من بلوغ الملتقط وعقله) فلا يصح النقاط الصبي والمجنون، بمعنى أنّ حكم اللقيط في يدَيْهما ما كان عليه قبل اليد. ويُفهم من إطلاقه اشتراطهما دون غيرهما أنه لا يُشترط رشده فيصح من السفيه؛ لأنّ حضانة اللقيط ليست مالاً وإنّما يُحجَر على السفيه ،له ومطلقُ كونه مولى عليه غيرُ مانع.

واستقرب المصنف في الدروس اشتراط ،رشده، محتجاً بأنّ الشارع لم يَأْتَمِنْه على ماله، فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ولأن الالتقاط ائتمان شرعي، والشرعُ لم يأتمنه(2) .

وفيه نظر؛ لأنّ الشارع إنما لم يأتمنه على المال لا على غيره، بل جوَّزَ تصرُّفَه في غيره مطلقاً، وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيَّتين، وهما: عدم استثمانِ المُبَذِّر على المال، وتأهيله لغيره من التصرفات التي من جملتها الالتقاط والحضانه، فيُؤخَذ المالُ منه خاصةً. نعم، لو قيل: إنّ صحة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه وهو ممتنع من المبذر؛ لاستلزامه التصرف المالي، وجعل التصرف فيه لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع أموره، أمكن إن تحقق الضرر بذلك، وإلا فالقول بالجواز أجود.

(وحرّيّتِه) فلا عبرة بالتقاط العبد (إلّا بإذن السيّد)؛ لأنّ منافعه له، وحقه مُضَيَّق فلا يتفرغ للحضانة، أما لو أذن له فيه ابتداءً أو أقره عليه بعد وضع يده جاز، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقط والعبد ،نائبه ثم لا يجوز للسيد الرجوع فيه. ولا فرق بين القنّ والمكاتب والمدبَّرِ ومَن تَحرَّر بعضُه وأُم الولد؛ لعدم جواز تبرع واحدٍ منهم بماله

ص: 63


1- قال به العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 440.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 76 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

ولا منافعه إلا بإذن السيد، ولا يدفع ذلك مُهايَأةُ المُبَعض وإنْ وَفَى زمانه المختص بالحضانة؛ لعدم لزومها فجاز تَطَرُّقُ المانع كل وقت.

نعم، لو لم يُوجَد للقيط كافل غيرُ العبد وخِيفَ عليه التلفُ بالإبقاء، فقد قال المصنف في الدروس: إنه يجب حينئذٍ على العبد التقاطه بدون إذن المولى(1). وهذا في الحقيقة لا يُوجب إلحاق حكم اللقطة، وإنّما دَلَّت الضرورة على الوجوب من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك، فإذا وُجِد مَن له أهليّة الالتقاط وجب عليه انتزاعه منه وسيده من الجملة؛ لانتفاء أهلية العبد له.

(وإسلامه إن كان اللقيط محكوماً بإسلامه)؛ لانتفاء السبيل للكافر على المسلم، ولأنه لا يُؤمَن أن يَفْتِنَه عن دينه، فإن التقطه الكافِرُ لم يُقرّ في يده. ولو كان اللقيط محكوماً بكفره جاز التقاطه للمسلم والكافر؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾(2).

(وقيل) والقائل الشيخ(3)والعلّامة في غير التحرير(4): ( وعدالته)؛ لافتقار الالتقاط إلى الحضانة، وهي استئمان لا يليق بالفاسق؛ ولأنه لا يُؤمَن أَن يَستَرِقَه ويأخُذَ ماله.

والأكثر على العدم؛ للأصل، ولأنّ المسلم محلُّ الأمانة، مع أنه ليس استثماناً حقيقياً، ولا نتقاضه بالتقاط الكافر مثله؛ لجوازه بغير خلاف. وهذا هو الأقوى وإن كان اعتبارها أحوط. نعم، لو كان له مال فقد قيل باشتراطها؛ لأن الخيانة في المال أمر راجح الوقوع(5) ، ويُشكل بإمكان الجمع بانتزاع الحاكم له منه كالمبذر. وأولى بالجواز التقاط المستور.

ص: 64


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 75( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- الأنفال (8): 73
3- المبسوط، ج 3، ص 178.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 201؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 440؛ تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 313 - 314، المسألة 409 .
5- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 6 ، ص 108

والحكم بوجوب نصب الحاكم مراقباً عليه لا يعلم به، إلى أن تحصُلَ الثقة به أو ضدُّها فيُنتزع منه(1)، بعيد.

(و) قيل: يُعتبر أيضاً (حَضَرُه، فيُنتزَع من البَدَوِيّ ومِن مُريد السفر به)(2)؛ لأداء التقاطهما له إلى ضياع نَسَبِه بانتقالهما عن محلّ ضياعه، الذي هو محلّ ضياعه، الذي هو مظنة ظهوره. ويُضعف بعدم لزوم ذلك مطلقاً، بل جاز العكس، وأصالة عدم الاشتراط تدفعه، فالقول بعدمه(3)أوضح.

وحكايته اشتراط هذين قولاً يدلّ على تمريضه، وقد حكم في الدروس بعدمه(4). ولو لم يُوجد غيرهما لم يُنتزع قطعاً، وكذا لو وُجد مثلهما.

والواجب على الملتقط حضانته بالمعروف، وهو تعهده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، ولا يجب عليه الإنفاق عليه من ماله ،ابتداءً، بل من مالِ اللقيط الذي وُجِد تحت يده، أو الموقوفِ على أمثاله، أو الموصى به لهم بإذن الحاكم مع إمكانه، وإلّا أنفق بنفسه ولا ضمان.

(و) مع تعذُره (يُنفَق عليه من بيت المال) برفع الأمر إلى الإمام؛ لأنّه مُعَدُّ للمصالح وهو من جملتها، (أو الزكاة) من سهم الفقراء والمساكين، أو سهم سبيل الله إن اعتبرنا البسط، وإلا فمنها مطلقاً ولا يترتب أحدهما على الآخر.

(فإن تعذَّر) ذلك كلُّه (استعان) الملتقط (بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفاية؛ لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقاً، فإن وُجِدَ متبرع منهم وإلا كان الملتقط وغيره ممن لا يُنفِق إلا بنية الرجوع سواء في الوجوب (فإن تعذَّرَ أَنفَق) الملتقط (ورَجَع عليه ) بعد يساره( إذا نواه)، ولو لم ينو كان متبرعاً لا رجوع له، كما لا

ص: 65


1- هذا الحكم اختاره العلّامة في تذكرة الفقهاء [ ج 17، ص 315 المسألة 409] مع اشتراط العدالة، ويضعف بأنّ تمكنه من المال مع عدم الشرط غير جائز. (منه رحمه الله)
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 178
3- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 225.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 75 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

رجوع له لو وَجَد المُعِينَ المتبرع فلم يَستَعِنْ به ولو أنفق غيره بنية الرجوع فله ذلك.

والأقوى عدم اشتراط الإشهاد في جواز الرجوع وإن توقف ثبوته عليه بدون اليمين. ولو كان اللقيط مملوكاً ولم يتبرع عليه متبرع بالنفقة رَفَع أمره إلى الحاكم ليُنفِقَ عليه أو يبيعه في النفقة أو يأمره به، فإن تعذر أنفق عليه بنية الرجوع ثم باعه فيها إن لم يمكن بيعه تدريجاً.

(ولا وَلاءَ عليه للملتقط) ولا لغيره من المسلمين، خلافاً للشيخ(1)، بل هو سائبة يَتَوَلَّى مَن شاء، فإن مات ولا وارث له فميراثه للإمام.

(وإذا خاف) واجده (عليه التلف وجب أخده كفايةً(2)) كما يجب حفظ كلِّ نفسٍ محترمةٍ عنه مع الإمكان، (وإلّا) يَخَف عليه التلف (استُحِبّ) أخذه؛ لأصالة عدم الوجوب مع ما فيه من المعاونة على البر. وقيل: بل يجب كفايةً مطلقاً؛ لأنّه مَعرَضُ للتلف، ولوجوب إطعام المضطر(3) ، واختاره المصنّف في الدروس(4). وقيل: يُستحب مطلقاً؛ لأصالة البراءة(5)، ولا يخفى ضعفه.

(وكلّ ما بيده) عند التقاطه من المال والمتاع، كملبوسه والمشدود في ثوبه (أو تحته) كالفِراشِ والدابة المركوبة له (أو فوقه) كاللّحافِ والخَيمة والفسطاط، التي لا مالك لها معروف (فله)؛ لدّلالة اليد ظاهراً على الملك. ومثله ما كان بيده قبل الالتقاط ثم زالت عنه لعارض؛ كطائرٍ أَفْلَتَ من يده ومتاعِ غُصِب منه أو سَقط، لا ما بين يديه أو إلى جانبه، أو على دكة هو عليها، على الأقوى.

( ولا يُنفق منه ) عليه الملتقط ولا غيره (إلا بإذن الحاكم)؛ لأنه وليه مع إمكانه أما مع تعذره فيجوز للضرورة كما سلف.

ص: 66


1- النهاية، ص 323
2- وإن كان الآخذ عبداً وإن لم يأذن السيد إذا لم يوجد غير العبد. (زين رحمه الله)
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 171 - 172
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 76 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 226.

(ويُستحَبّ الإشهاد على أخذه) صيانةً له ولنَسَبِه وحريته، فإنّ اللقطةَ يَشيع أمرُها بالتعريف، ولا تعريف للقيط إلا على وجه نادر، ولا يجب؛ للأصل.

(ويُحكَم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام ) مطلقاً (أو في دار الحرب وفيها مسلم) يمكن تولّده منه وإن كان تاجراً أو أسيراً، (وعاقلته الإمام) دون الملتقط إذا لم يتوال أحداً بعد بلوغه ولم يظهر له نسب، فَدِيةُ جنايته خطأ عليه وحق قصاصه نفساً له، وطرفاً للقيط بعد بلوغه قصاصاً وديةً. ويجوز تعجيله للإمام قبله كما يجوز ذلك للأب والجد على أصح القولين (1).

(ولو اختلفا) الملتقط واللقيط بعد البلوغ (في الإنفاق)، فادّعاء الملتقط وأنكره اللقيط، (أو) اتَّفقا على أصله واختلفا في قدره، خلف الملتقط في قدر (المعروف): لدلالة الظاهر عليه وإن عارَضَه الأصل. أما ما زاد على المعروف فلا يلتفت إلى دعواه فيه؛ لأنه على تقدير صدقه مُفرِطٌ، ولو قدَّر عُروض حاجة إليه فالأصل عدمُها ولا ظاهر يَعضُدها.

(ولو تَشاحَ ملتقطان) جامعان للشرائط في أخذه، قدم السابق إلى أخذه، فإن استَوَيا (أُقرع) بينهما وحكم به لمن أخرَجَتْه القرعة، ولا يُشرك بينهما في الحضانة؛ لما فيه من الإضرار باللقيط أو بهما، (ولو تَرَك أحدهما للآخر جاز)؛ لحصول الغرض فيجب على الآخر الاستبداد به.

واحترزنا بجمعهما للشرائط عمّا لو تَشَاعٌ مسلم وكافِرُ، أو عدل وفاسق، حيث يُشترط العدالة، أو حرّ وعبد، فيُرجح الأوّلُ بغير قرعة، وإن كان الملقوط كافراً في وجه.

وفي ترجيح البلدي على القروي، والقروي على البدوي، والقارّ على المسافر والمُوسِر على المُعسر، والعدل على المستور، والأعدل على الأنقص قول(2) مأخذه

ص: 67


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 227؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 44. والقول الآخر للشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 185
2- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 318 - 319، المسألة 413.

النظر إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل، والأقوى اعتبار جواز الالتقاط خاصةً.

(ولو تَدَاعَى بُنُوتَه ،اثنان، ولا بيّنة) لأحدهما، أو كان لكلّ منهما بينة (فالقرعة)؛ لأنّه من الأمور المشكلة، وهي لكلّ أمرٍ مشكل (ولا (1)ترجيح) لأحدهما (بالإسلام) وإن كان اللقيط محكوماً بإسلامه ظاهراً على قول الشيخ في الخلاف؛ لعموم الأخبار(2) فيمن تَدَاعَوْا نسباً(3)، ولتكافؤهما(4) في الدعوى، ورجح في المبسوط دعوى المسلم لتأيده بالحكم بإسلام اللقيط على تقديره(5)، ومثله تنازُعُ الحر والعبد مع الحكم بحرية اللقيط. ولو كان محكوماً بكفره أو رقه أشكل الترجيح. وحيث يُحكم به للكافر يُحكم بكفره على الأقوى للتبعية.

(و) كذا (لا) ترجيح (بالالتقاط) بل الملتقط كغيره في دعوى نَسَبه؛ لجواز أن يكون قد سَقَط منه، أو نَبَذه ثمّ عاد إلى أخذه ولا ترجيح لليد في النسب. نعم، لو لم يُعلَم كونُه ملتقطاً، ولا صرَّح ببنوته فادّعاه غيرُه فنازَعَه، فإن قال: «هو لقيط وهو ابني فهما سواء، وإن قال : «هو ابني» واقتصر ، ولم يكن هناك بينةٌ على أنه التقطه، فقد قرَّب في الدروس ترجيح دعواه؛ عملاً بظاهر اليد(6).

ص: 68


1- بل زین( رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 166، ح 166.
3- الخلاف، ج 3، ص 596 المسألة 25
4- يجوز في نحو هذه الهمزة كتبها ياءً وواواً، لأنّها وإن كانت متطرفة إلا أنها في حكم المتوسطة بسبب اتصالها بالضمير، فتكتب على نحو ما تخفّف وفي تخفيفها وجهان وكذا في كتابتها. (منه رحمه الله)
5- المبسوط، ج 3، ص 189.
6- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 79 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الفصل الثاني في لقطة الحَيَوان

(وتسمى ضالة . وأخذه في صورة الجواز مكروه)؛ للنهي عنه في أخبار كثيرة(1) ، المحمول على الكراهة (2)جمعاً . (ويُستحبّ الإشهاد) على أخذ الضالة، (ولو تحقق التلفُ لم يُكرَه)، بل قد يجب كفايةً إذا عرف مالكها وإلّا أبيح خاصةً.

(والبعير وشبهه) من الدابة والبقرة ونحوهما (إذا وُجد في كلا وماءٍ) في حالة كونه (صحيحاً) غير مكسورٍ ولا مريض، أو صحيحاً وإنْ لم يكن في كلا وماء (تُرك)؛ لامتناعه، ولا يجوز أخذه حينئذ بنية التملك مطلقاً، وفي جوازه بنية الحفظ لمالكه قولان(3) : من إطلاق الأخبار بالنهي(4)، والإحسان.

وعلى التقديرين (فيضمَن بالأخذ) حتَّى يَصِل إلى مالكه أو إلى الحاكم مع تعذره، (ولا يرجع أخذه بالنفقة) حيث لا يُرجح أخذه؛ لتبرعه بها، أما مع وجوبه أو استحبابه فالأجود جوازه مع نيّته؛ لأنه محسن، ولأنّ إذنَ الشارع له في الأخذ مع عدم الإذن في النفقة ضرر وحرجٌ.

(فلو(5) تُرِكَ مِن جُهْدٍ) وعَطَبِ؛ لمرض أو كسر أو غيرهما - (لا في كلا وماء - أُبيح)

ص: 69


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394 - 396، ح 1182 و 1193.
2- كالعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 283، المسألة .280
3- القول بعدم الجواز للشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 151؛ القول بالجواز للعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 304. المسألة 399
4- تقدّم في الهامش 1.
5- كذا في الأصل وفي سائر النسخ :«ولو»

أخذه، ومَلَكه الآخِذُ وإنْ وَجَد مالكه وعينه قائمة في أصح القولين(1)؛ لقول الصادق(عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان: «مَن أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض قد كَلَّت وقامت وقد سيبها صاحبها لما لم تتبعه، فأَخَذها غيرُه فأقام عليها أو أنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشيء المباح»(2). وظاهره أنّ المراد بالمال ما كان من الدواب التي تحمل ونحوها، بدليل قوله : «قد كلَّت وقامت وقد] سيبها صاحبها لما لم تتبعه والظاهر أنّ الفلاة المشتملة على كلاء دون ماء أو بالعكس بحكم عادِمَتِهما؛ لعدم قوام الحيوان بدونهما . ولظاهر قول أمير المؤمنين (عليه السلام):« إنه كان تركها في غير كلأ ولا ماء فهي للذي أحياها»(3).

(والشاة في الفلاة (4)) التي يُخاف عليها فيها من السباع (تُؤخَذ) جوازاً؛ لأنّها لا تمتنع من صغير السباع فهي كالتالفة، ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(5) (وحينئذٍ يَتَمَلَّكها إن شاء، وفي الضمان لمالكها على تقدير ظهوره أو كونه معلوماً (وجه) جَزَم به المصنِّف (رحمه الله) في الدروس(6)؛ العموم قول الباقر(عليه السلام) : «فإذا جاءَ طالبه ردَّه إليه»(7). ومتى ضَمِن عينَها ضَمِن قيمتها، ولا يُنا في ذلك جواز تملكها بالقيمة على تقدير ظهوره؛ لأنه ملك متزلزل، ووجه العدم عموم صحيحة ابن سنان السابقة (8)

ص: 70


1- ذهب إليه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 458، الرقم 6057؛ والشهيد في الدروس الشرعية. ج 3، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)؛ والقول الآخر لفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 148 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 - 393، ح 1177.
3- الكافي، ج 5، ص 140 ، باب اللقطة، ح 16.
4- ما خرج عن العمران زین( رحمه الله )
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394، ح 1158.
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 ، ح 1157.
8- تقدّم في الهامش 2

وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «هي لك» إلى آخره، فإنّ المتبادر منه عدم الضمان مطلقاً، ولا ريب أن الضمان أحوطُ.

وهل يتوقف تملُّكُها على التعريف؟ قيل نعم(1)؛ لأنّها مال فيدخُل في عموم الأخبار(2)، والأقوى العدم ؛ لما تقدَّم. وعليه فهو سَنَةٌ كغيرها من الأموال.

(أو يُبقِيها) فى يده (أمانةٌ)إلى أن يَظهَرَ مالكها، أو يُوصله إيَّاها إن كان معلوماً؛(أو يَدفَعُها إلى الحاكم) مع تعذر الوصول إلى المالك، ثمّ الحاكم يحفظها أو يبيعها.

(قيل) والقائل الشيخ في المبسوط(3)والعلّامة(4) ، وجماعةٌ(5) بل أسنده في التذكرة إلى علمائنا(6) مطلقاً. (وكذا) حكمُ (كل ما لا يمتنع) من الحيوان (من صغير السباع) بعَدْوِ ولا طيران ولا قوة وإن كان من شأنه الامتناع إذا كمل؛ كصغير الإبل والبقر. ونَسَبه المصنِّفُ إلى القيل لعدم نص عليه ،بخصوصه، فإنّما وَرَد على الشاة فيَبقَى غيرُها على أصالة البقاء على ملك المالك، وحينئذٍ فيلزمها حكمُ اللقطة، فيُعَرِّفُ سَنةً ثمّ يَتَمَلَكُها إن شاء، أو يَتَصَدَّقُ بها، لكن في قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إيماء إليه، حيث إنّها لا تمتنع من السباع ولو أمكن امتناعها بالعدو؛ كالظباء، أو الطيران، لم يَجُز أخذُها مطلقاً، إلا أن يُخاف ضياعها فالأقرب الجواز بنية الحفظ للمالك.

وقيل: يجوز (7)، أخذ الضالة مطلقاً بهذه النيّة ، وهو حسن؛ لما فيه من الإعانة

ص: 71


1- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 460، الرقم 6065.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 389 ، ح 1163 - 1165.
3- المبسوط، ج 3، ص 152 - 153.
4- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 458، الرقم 6060.
5- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 101؛ والمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 6، ص 140 - 141: وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 302.
6- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 287 - 288، المسألة 384
7- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 304 ، المسألة 399.

والإحسان، وتُحمّل أخبارُ النهي على الأخذ بنية التملك، والتعليل بكونها محفوظةً بنفسها غيرُ كافٍ في المنع؛ لأنّ الأثمان كذلك حيث كانت مع جواز التقاطها بنية التعريف، وإنْ فارَقَتْها بعد ذلك في الحكم.

(ولو وجدت الشاة في العُمْران) وهي التي لا يُخاف عليها فيها من السباع، وهي ما قَرُبَ من المساكن

(احتَبَسها) الواجدُ (ثلاثةَ أيّام) من حين الوجدان، (فإن لم يجد صاحبَها باعها وتَصَدَّقَ بثمنها(1) ) وضَمِن إن لم يَرْضَ المالك على الأقوى، وله إبقاؤُها بغير بيع وإبقاء ثمنها أمانةً إلى أن يَظهَرَ المالك أو يَبْأسَ منه، ولا ضمان حينئذ إن جاز أخذها، كما يظهر من العبارة. والذي صرَّح به غيرُه(2) عدم جواز أخذ شيء من العُمران ولكن لو فعل لَزِمه هذا الحكم في الشاة.

وكيف كان فليس له تملكها مع الضمان على الأقوى للأصل وظاهر النص(3)والفتوى عدم وجوب التعريف حينئذ، وغيرُ الشاة يجب مع أخذه تعريفه سنةً كغيره من المال، أو يحفظه لمالكه من غير تعريف، أو يدفعه إلى الحاكم.

(ولا يُشترط في الآخِذ)- باسم الفاعل - شيء من الشروط المعتبرة في آخذ اللقيط وغيرها(إلّا الأخُذُ )بالمصدر، بمعنى أنه يجوز التقاطها في موضع الجواز للصغير والكبير والحرّ والعبد والمسلم والكافر؛ للأصل.

(فتقِرُّ يدُ العبد) على الضالة، مع بلوغه وعقله (و) يدُ (الوليّ على لقطةٍ غيرِ الكامل) من طفل ومجنون وسفيه كما يجب عليه حفظ ماله؛ لأنه لا يُؤمن على إتلافه فإن أَهمَل الوليُّ ضَمِن. ولو افتقر إلى تعريفٍ تَوَلّاه الوليُّ، ثمّ يَفعَل بعده الأولى للملتقط من تملك وغيره.

(والإنفاق) على الضالة (كما مرّ) في الإنفاق على اللقيط من أنه مع عدم بيتِ

ص: 72


1- ويجوز الصدقة بعينها وقبل الحول( زين رحمه الله )
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 230؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 206.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397 ، ح 1196.

المال والحاكم، يُنفِق ويَرجِع مع نيته على أصح القولين(1)؛ لوجوب حفظها ولا يتم إلا بالإنفاق، والإيجابُ إذن من الشارع فيه فيستحقه مع نيّته. وقيل: لا يرجع هنا(2)؛ لأنه إنفاق على مال الغير بغير إذنه فيكون متبرّعاً، وقد ظهر ضعفه. ولا يُشترط الإشهاد، على الأقوى للأصل.

(ولو انتَفَع) الآخِذُ بالظَّهْرِ والدَرِّ والخدمةِ (قاص) المالك بالنفقة، ورَجَع ذو الفضل بفضله. وقيل: يكون الانتفاع بإزاء النفقة مطلقاً(3)، وظاهر الفتوى جواز الانتفاع لأجل الإنفاق، سواءٌ قاصَّ أم جَعَله عِوَضاً.

(ولا يَضمَن) الآخِذُ الضالةَ حيث يجوز له أخذها إلا بتفريط)، والمراد به ما يَشمل التعدّي (أو قَصْدِ التملك في موضع جوازه وبدونه، ولو قبضها في غير موضع الجواز ضمن مطلقاً؛ للتصرف في مال الغير عدواناً.

ص: 73


1- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 648: والشيخ في النهاية، ص 324؛ والقول الآخر للمحقق في شرائع الإسلام ج 3، ص 231
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 107.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 324.

الفصل الثالث في لقطة المال غير الحيوان مطلقاً

(وما كان) منه (في الحرم حَرُم أخذُه) بنية التملك مطلقاً قليلاً كان أم كثيراً؛ لقوله تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا﴾(1) ، وللأخبار الدالة على النهي عنه مطلقاً (2)، وفي بعضها عن الكاظم(عليه السلام) : «لقطة الحرم لا تُمَسُّ بيد ولا رجل، ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبُها وأَخَذَها»(3). وذهب بعضهم إلى الكراهة مطلقاً(4) ، استضعافاً لدليل التحريم؛ أمّا في الآية فمن حيث الدلالة، وأما في الخبر(5) فمن جهة السند، واختاره المصنف في الدروس(6)، وهو أقوى.

(و) على التحريم (لو أَخَذه حَفِظَه لربّه، وإن تَلِف بغير تفريط لم يَضمَن)؛ لأنه يصير بعد الأخذ أمانةً شرعيّة. ويُشكل ذلك على القول بالتحريم؛ لنهي الشارع عن أخذها فكيف يصير أمانةً منه والمناسب للقول بالتحريم ثبوت الضمان مطلقاً.

(وليس له تملّكه) قبل التعريف ولا بعده،( بل يَتَصَدَّق به) بعد التعريف حولاً عن مالكه سواءٌ قل أم كثر؛ لرواية علي بن أبي حمزة عن الكاظم(عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل

ص: 74


1- العنكبوت (29): 67 .
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 420، ح 1460 و 1463.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 390 ، ح 1167.
4- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 579، المسألة 3؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 233
5- لم ترد في «ق . م».
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

وجد ديناراً فى الحرم فأخذه، قال: «بِئْسَ ما صَنَع ما كان ينبغي له أن يأخُذَه». قال : قلت : قد ابتلي، بذلك. قال: «يُعَرِّفه سنةً»، قلت: فإنه قد عرَّفه فلم يجد له ناعتاً. فقال: «يَرجع إلى بلده فيَتَصَدَّق [به] على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(1). وقد دلّ الحديث(2) على تحريم الأخذ كذلك، وعلى ضمان المتصدق لو كَرِه المالك، لكن ضعفُ سندِه يَمنَع ذلك. والأقوى ما اختاره المصنف في الدروس(3) من جواز تملك ما نَقص الدرهم، ووجوب تعريف ما زاد كغيره.

(وفي الضمان) لو تصدَّقَ به بعد التعريف وظهر المالك فلم يَرْضَ بالصدقة (خِلافٌ) منشأه دلالة الخبر السالف على الضمان، وعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(4)، وإتلافه مال الغير بغير إذنه، ومن كونه أمانة قد دفعها بإذن الشارع فلا يَتَعَقَّبُه الضمان، ولأصالة البراءة. والقولُ بضمان ما يجب تعريفه(5) أقوى.

(ولو أخذه بنيّة الإنشاد) والتعريف (لم يَحرُم) وإنْ كان كثيراً؛ لأنّه محسن والأخبارُ الدالّة على التحريم مطلقة، وعَمِل بها الأكثرُ مطلقاً، ولو تَمَّت لم يكن التفصيل جیداً.

(ويجب تعريفه حولاً على كل حال قليلاً كان أم كثيراً، أخذه بنية الإنشاد أم لا؛ لإطلاق الخبر السالف(6)، وقد عرفت ما فيه.

(وما كان في غير الحرم يَحِلّ منه) ما كان من الفضة (دون الدرهم)، أو ما كانت قیمته دونه لو كان من غيرها (من غير تعريف) ولكن لو ظَهَر مالكه وعينه باقية وجب

ص: 75


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 395، ح 1190.
2- في الأصل زيادة: «بإطلاقه على عدم الفرق بين القليل والكثير في وجوب تعريفه مطلقاً» شطب عليها.
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- تقدم في ص 46 الهامش 1
5- قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 1، ص 168.
6- آنفاً.

ردُّه عليه على الأشهر. وفي وجوب عوضه مع تلفه قولان(1) مأخذهما أنه تصرُّف شرعي فلا يتعقبه ضمان، وظهورُ الاستحقاق.

(وما عداه) وهو ما كان بقدر الدرهم أو أزيدَ عيناً أو قيمة (يتخيَّر الواجدُ فيه بعد تعريفه حولاً) عقيب الالتقاط مع الإمكان مُتَتابعاً، بحيث يعلم السامع أنّ التالي تكرار المَتْلُوه، ولْيَكُن في موضع الالتقاط مع الإمكان إن كان بلداً، ولو كان بريَّة عَرَّف من يجده فيها ثم أكمله إذا حَضَر في بلده. ولو أراد السفر قبل التعريف في بلد الالتقاط أو إكماله، فإن أمكنه الاستنابةُ فهي أولى وإلّا عَرَّفه في بلده بحيث يشتهر خبره، ثمّ يُكمله في غيره. ولو أَخَّره عن وقت الالتقاط اختياراً أَيم. واعتبر الحولُ من حين الشروع، ويترتب عليه أحكامُه مطلقاً على الأقوى.

ويجوز التعريف (بنفسه وبغيره)؛ لحصول الغرض بهما، لكن يُشترط في النائبِ العدالة أو الاطلاع على تعريفه المعتبر شرعاً؛ إذ لا يُقبل إخبار الفاسق(بين الصدقة) به على مستحق الزكاة؛ لحاجته وإنْ اتَّحد وكَثُرَتْ

(والتملكِ) بنيته. (ويَضمَن) لو ظَهَر المالكُ (فيهما) في الثاني مطلقاً، وفي الأوّل إذا لم يَرْضَ بالصدقة.

ولو وَجَد العينَ باقيةً ففي تعين رجوعه بها لو طَلَبها، أو تخيرِ الملتقط بين دفعها ودفع البدل مثلاً أو قيمةً قولان(2)، ويظهر من الأخبار(3)الأول، واستقرب المصنِّف في الدروس (4)الثاني. ولو عابت ضَمِن أرشها، ويجب قبوله معها على الأوّل، وكذا على الثاني، على الأقوى والزيادة المتصلة للمالك والمنفصلة للملتقط، أما الزوائد قبل نيّة التملك فتابعة للعين.

ص: 76


1- القول بالضمان للعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 463، الرقم 6070؛ والقول بعدم الضمان للشيخ في النهاية، ص 320.
2- القول بوجوب ردّ العين للمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 6، ص 168 و 186؛ والقول بالتخيير للمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 236؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 213
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 - 390، ح 1163 - 1165.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

والأقوى أنّ ضمانها لا يحصل بمجرد التملكِ أو الصدقة، بل بظهور المالك سواء طالب أم لم يُطالب، مع احتمال توقفه على مطالبته أيضاً ولا يُشكل بأنّ استحقاق المطالبة يتوقف على ثبوت الحق، فلو توقف ثبوته عليه دارَ؛ لِمَنْعِ توقفه قفه على ثبوت الحق، بل على إمكان ثبوته، وهو هنا كذلك.

وتظهر الفائدة في عدم ثبوته دَيناً في ذمّته قبل ذلك، فلا يُقَشَط عليه ماله لو أَفلَس، ولا يجب الإيصاءُ به، ولا يُعد مديوناً ولا غارماً بسببه، ولا يُطالبه به في الآخرة لو لم يظهر في الدنيا إلى غير ذلك.

(وبين إبقائه) في يده (أمانةً) موضوعاً في حِرْز أمثاله، (ولا يَضمَن) ما لم يُفرّط.

هذا إذا كان ممّا لا يَضُرّه البقاء كالجواهر، (ولو كان ممّا لا يَبقَى) كالطعام (قَوَّمَه على نفسه) أو باعه وحَفِظ ثمنه، ثمّ عَرَّفه (أو دَفَعه إلى الحاكم) إن وجده، وإلَّا تَعَيَّن عليه الأوّلُ، فإن أَخلَّ به فتَلِفَ أو عاب ضَمِن. ولو كان ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب، تعلّق الحكم بها عند خوف التلف.

(ولو افتقر إبقاؤُه إلى عِلاج) كالرُطَبِ المفتقِرِ إلى التجفيف (أصلحه الحاكم ببعضه) بأن يَجعَل بعضَه عِوَضاً عن إصلاح الباقي، أو يبيع بعضه ويُنفِقه عليه وجوباً، حذراً من تَلَفِ الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم يَعلَم، ومع عدمه يتولاه بنفسه حذراً من الضرر بتركه .

(ويُكرَه التقاط) ما تكثر منفعتُه وتَقِل قيمته مثل (الإدارة (1)) بالكسر، وهي المطهرة به أيضاً (والنعل) غيرِ الجلد؛ لأنّ المطروح منه مجهولاً مَيْتةً، أو يُحمل على ظهور أمارات تدلّ على ذكاته، فقد يظهر من المصنف في بعض كتبه(2)التعويل عليها، وذكره هنا مطلقاً تبعاً للرواية(3). ولعلها تدلّ على الثاني: (والمِخْصَرة) بالكسر، وهي كلّ كلُّ ما

ص: 77


1- أي معاون للشرب. (زين رحمه الله)
2- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 380 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 394، ح 1183.

اختَصَر الإنسانُ بيده فأمسكه من عصى ونحوها، قاله الجوهري(1)والكلام فيها إذا كانت جلداً - كما هو الغالب - كما سبق؛ (والعصا) وهي على ما ذكره الجوهري(2)أخصُّ من المِخْصَرة، وعلى المتعارف غيرُها (والشظاظ) بالكسر ، خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةٌ الطَّرَف تُدخل في عُروة الجُوالِقين ليُجمع بينهما عند حملهما على البعير، والجمع أَشِطَة، (والحبلِ والوَتِدِ) بكسر وسطه (والعقال) بالكسر، وهو حبل يُشَدّ به قائمة البعير. وقيل: يحرُم بعضُ هذه(3) و(4) ؛ للنهي عن مسه(5) .

(ويُكرَه أخذُ اللقطة) مطلقاً وإنْ تَأكَّدت في السابق لما رُوي عن عليّ(عليه السلام) : «إياكم واللقطة فإنّها ضالة المؤمن، وهي من حريق النار»(6)، وعن الصادق(عليه السلام) : «لا يأخذ الضالةَ إلَّا الضالون»(7). وحرَّمها بعضُهم (8)لذلك، وحُمِل النهي على أخذها بنية عدم التعريف، وقد رُوي في الخبر الثاني زيادة: «إذا لم يُعرفوها»(9).

(وخصوصاً من الفاسق والمُعسِر)؛ لأنّ الأوّلَ ليس أهلاً لحفظ مال الغير بغير إذنه، والثاني يَضُرّ بحال المالك إذا ظهر وقد تَمَلَّكَ، وإنما جاز مع ذلك؛ لأنّ اللقطة في معنى الاكتساب لا استئمان محض.

هذا إذا لم يُعلَم خيانته، وإلا وجب على الحاكم انتزاعها منه، حيث لا يجوز له التملك

ص: 78


1- الصحاح، ج 2، ص 646، «خصر».
2- الصحاح، ج 4، ص 2428، «عصو ».
3- وهو النعلان والإداوة والسوط. قال أبو الصلاح وجماعة يحرم لقطتها؛ لرواية عبد الرحمن عن الصادق : لا تمسه» [تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394، ح 1183). (منه رحمه الله). راجع الكافي في الفقه، ص 350؛ والفقيه، ج 3، ص 292، ح 4051؛ ونسبه العلّامة إلى ابن بابويه في مختلف الشيعة، ج 6، ص 55-56، المسألة 37.
4- راجع مفتاح الكرامة، ج 17 . ص 754.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394 ، ح 1183.
6- الفقيه، ج 3، ص 292، ح 4051.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1193.
8- تقدم في الهامش 4.
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394، ح 1182.

أو ضَمُّ مُشرِفٍ إليه من باب الحسبة، ولا يجب ذلك في غيره. (ومع اجتماعهما) أي الفسق والإعسار، المدلول عليهما بالمشتق منهما (تَزيد الكراهة)؛ لزيادة سببها.

(وليشهد) الملتقِطُ (عليها) عند أخذها عدلين (مستحبّاً) تنزيهاً لنفسه عن الطمع فيها، ومنعاً لوارثه من التصرف لو مات وغرمائه لو فُلِّسَ، (ويُعَرِّف الشهودَ بعض الأوصاف)؛ كالعدّة والوعاء، والعِفاص والوكاء، لا جميعها، حذراً من شياع خبرها فيَطَّلِعُ عليها من لا يستحقها فيَدَّعِيها ويَذكُر الوصف.

(والملتقِطُّ) للمال ( مَن له أهليّةُ الاكتساب) وإنْ كان غير مكلف أو مملوكاً، (و) لكن يجب أن يحفظ الوليُّ ما التقطه الصبيُّ ) كما يجب عليه حفظ مالِه، ولا يُمَكِّنه منه؛ لأنّه لا يُؤمن عليه، وكذا المجنون)، فإن افتقر إلى تعريف عَرَّفه، ثمّ فَعَل لهما ما هو الأغبط لهما من التملك والصدقة والإبقاء أمانة.

( ويجب تعريفها) أى اللقطة البالغة درهماً فصاعداً (حولاً) كاملاً، وقد تقدّم(1)، وإنما أعاده ليُرَتِّبَ عليه قوله (ولو متفرّقاً) وما بعده. ومعنى جوازه متفرّقاً أنه لا يُعتبر وقوع التعريف كلَّ يوم من أيام الحول، بل المعتبر ظهورُ أنّ التعريف التالي تكرار لما سبق لا للقطةٍ جديدةٍ، فيكفي التعريف في الابتداء كلَّ يوم مرّةً أو مرَّتين، ثمّ في كلّ أسبوع، ثمّ في كلّ شهر، مُراعياً لما ذكرناه، ولا يَختَصّ تكراره أياماً بأسبوع، وأسبوعاً ببقية الشهر وشهراً ببقية الحول وإن كان ذلك مجزئاً، بل المعتبر أن لا يُنسى كون التالى تكراراً لما مَضَى: لأن الشارع لم يُقدِّرُه بقدر، فيُعتبر فيه ما ذكر لدلالة العرف عليه.

وليس المراد بجوازه متفرّقاً أنّ الحولَ يجوز تلفيقه لو فُرِض ترك التعريف في بعضه، بل يُعتبر اجتماعه في حولٍ واحدٍ ؛ لأنه المفهوم منه شرعاً عند الإطلاق، خلافاً لظاهر التذكرة (2)حيث اكتفى به، وبما ذكرناه من تفسير التفرّق صَرَّح في القواعد(3) .

ص: 79


1- تقدّم في ص 75.
2- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 224، المسألة 341.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 210.

ووجوب التعريف ثابت (سواءٌ نَوَى) الملتقط(التملك أو لا)في أصح القولين(1)؛ لإطلاق الأمر به الشامل للقسمين، خلافاً للشيخ(2)حيث شَرَط في وجوبه نية التملك. فلو نَوَى الحفظ لم يجب. ويُشكل باستلزامه خَفاءَ اللقطة، وبأن التملك غير واجب فكيفَ تجب وسيلته، وكأنه أراد به الشرط.

(وهي أمانةٌ) في يد الملتقط (في الحول وبعده) فلا يضمنها لو تلفت بغير تفريط (ما لم يَنْوِ التملّكَ فيَضمَن) بالنية وإن كان قبل الحول، ثم لا تعود أمانته لو عاد إلى نينها استصحاباً لما تبت ولم تُفد النية الملك في غير وقتها، لكن لو مَضَى الحولُ مع قيامه بالتعريف وتَمَلَّكَها حينئذٍ بُنِي بقاءُ الضمان وعدمه على ما سلف، من تنجز الضمان أو توقفه على مطالبة المالك.

(ولو التقط العبدُ عَرَّف بنفسه أو بنائبه) كالحرّ، (فلو أتلفها) قبل التعريف أو بعده (ضَمِن بعد عِتْقِه) ويساره كما يَضمن غيرها من أموال الغير التي يتصرف فيها بغير إذنه، (ولا يجب على المالك انتزاعها منه) قبل التعريف وبعده (وإن لم يكن) العبد (أميناً)؛ لأصالة البراءة من وجوب حفظ مال الغير مع عدم قبضه، وخصوصاً مع وجود يد متصرفة. وقيل: يضمن بتركها في يد غير الأمين لتعديه(3)، وهو ممنوع.

نعم، لو كان العبد غير مميز فقد قال المصنف في الدروس: إنّ المتجة ضمانُ السيّد(4)، نظراً إلى أنّ العبد حينئذٍ بمنزلة البهيمة المملوكة يضمن مالكها ما تُفسده من مال الغير مع إمكان حفظها. وفيه نظر؛ للفرق بصلاحية ذمّة العبد لتعلقِ مال الغير بها دون الدابة والأصل براءة ذمة السيد من وجوب انتزاع مال غيره وحفظه. نعم، لو أذن له في الالتقاط اتَّجَه الضمان مع عدم تمييزه أو عدم أمانته إذا قصر في الانتزاع قطعاً، ومع

ص: 80


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 236 والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 210؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 87 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- المبسوط، ج 3، ص 155
3- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 159 - 160 .
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

عدم التقصير على احتمال من حيث إنّ يد العبد يد المولى.

(ويجوز للمولى التملك بتعريف العبد) مع علم المولى به، أو كون العبد ثِقَةٌ ليُقبل خبره، وللمولى انتزاعها منه قبل التعريف وبعده. ولو تَمَلَّكها العبد بعد التعريف صح على القول بملكه ، وكذا يجوز لمولاه مطلقاً .

(ولا تُدفَع) اللقطة إلى مدعيها وجوباً (إلّا بالبينة) العادلة، أو الشاهد واليمين (لا بالأوصاف وإنْ خَفِيَتْ) بحيث يغلب الظنُّ بصدقه؛ لعدم اطلاع غير المالك عليها غالباً؛ کوصف وزنها ونقدها ووكائها(1) ؛ لقيام الاحتمال (نعم، يجوز الدفع)(2) بها. وظاهره - كغيره - جواز الدفع بمطلق الوصف؛ لأنّ الحكم ليس منحصراً في الأوصاف الخفية وإنّما ذُكرت مبالغةً، وفي الدروس شَرَط في جواز الدفع إليه ظنَّ صدقه لإطنابه في الوصف، أو رجحان عدالته(3)، وهو الوجه؛ لأن مناط أكثر الشرعيّات الظن، ولتعذر إقامة البيِّنة غالباً، فلولاه لَزِم عدم وصولها إلى مالكها كذلك ، وفي بعض الأخبار(4) إرشاد إليه. ومنع ابنُ إدريس من دفعها بدون البينة؛ لاشتغال الذمة بحفظها، وعدم ثبوت كون الوصف حجّةٌ (5)، والأشهر الأول.

وعليه (فلو أقام غيرُه) أي غيرُ الواصف (بها بيّنةً) بعد دفعها إليه (استُعِيدَتْ منه)؛ لأنّ البينة حجّةٌ شرعيّة بالملك، والدفع بالوصف إنّما كان رُخصةً وبناءً على الظاهر (فإن تعذرَ) انتزاعها من الواصف (ضَمِن الدافعُ) لِذِي البينة مثلها أو قيمتها (ورَجَع) الغارمُ (على القابض) بما غَرِمَه؛ لأنّ التلف في يده؛ ولأنه عاد إلّا أن يعترف الدافع له بالملك فلا يرجع عليه لو رجع عليه؛ لاعترافه بكون الأخذ منه ظلماً، وللمالك الرجوع على الواصفِ القابض ابتداءً، فلا يرجع على الملتقط سواءٌ تَلِفَت في يده أم لا.

ص: 81


1- في الأصل و «ق . م ، ن»: «وكاها».
2- مع تعارض الأصل والظاهر. (منه رحمه الله)
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- الكافي، ج 5، ص 138، باب اللقطة والضالة ، ح 6.
5- السرائر، ج 2، ص 111

ولو كان دفعها إلى الأوّل بالبينة، ثمّ أقام آخَرُ بينةً، حُكم بأرجح البينتين عدالة أو عدداً، فإن تَساوَيا أُقرع، وكذا لو أقاماها ابتداءً، ولو خرجت القرعة للثاني انتَزَعَها من الأول، وإن تَلِفَت فبدلها مثلاً أو قيمةً، ولا شيء على الملتقط إن كان دفعُها بحكم الحاكم وإلا ضَمِن.

ولو كان الملتقط قد دَفَع بدلها لتلفها ثمّ ثبتت للثاني رجع على الملتقط؛ لأنّ المدفوع إلى الأوّل ليس عين ماله ويرجع الملتقط على الأول بما أدّاه إن لم يعترف له بالملك، لا من حيث البيّنة، أما لو اعترف لأجلها لم يَضُرّ ؛ لبنائه على الظاهر وقد تَبَيَّنَ خِلافُه.

(والموجود في المَفازَةِ) وهي «البريّةُ القفرُ والجمع المَفاوِز» قاله ابن الأثير في النهاية(1) ، ونقل الجوهري عن ابن الأعرابي أنّها سمّيت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز(2).

(والخَرِيةِ) التي باد أهلها (أو مدفوناً فى أرض لا مالك لها ) ظاهراً (يُتَمَلَّك من غير تعريف) وإنْ كَثر (إذا لم يكن عليه أثر الإسلام) من الشهادتين، أو اسم سلطانٍ من سلاطين الإسلام ونحوه، وإلّا) يكن كذلك بأن وُجد عليه أثر الإسلام (وجب) التعريفُ؛ لدَلالة الأثر على سَبْقِ يدِ المسلم فتُستصحب.

وقيل : يُملك مطلقاً (3)؛ لعموم صحيحة محمّد بن مسلم أن للواجد ما يوجد في الخَرِبة(4)؛ ولأنّ أثر الإسلام قد يصدر عن غير المسلم. وحُمِلت الرواية (5)على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه الأثر، وهو بعيد، إلّا أنّ الأوّلَ أشهرُ. ويستفاد من تقييد الموجود في الأرض التي لا مالك لها ب-«المدفون» عدم اشتراطه في الأولين، بل

ص: 82


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 478)، «فوز».
2- الصحاح، ج 3، ص 890، «فوز» فيه: قال الأصمعي.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 320.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1169.
5- حملها على الاستحقاق العلامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 73، المسألة 58؛ والشهيد في الدروس الشرعية. ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

يُملك ما يُوجد فيهما مطلقاً؛ عملاً بإطلاق النصّ والفتوى، أما غير المدفون في الأرض المذكورة فهو لقطة. هذا كله إذا كان في دار الإسلام، أما في دار الحرب فلواجده مطلقاً.

( ولو كان للأرض ) التى وُجد مدفوناً فيها (مالك عَرَّفه، فإن عَرَفه ) أى ادَّعى أنه له، دفعه إليه من غير بينةٍ ولا وصفٍ (وإلّا) يدَّعيه فهو للواجد) مع انتفاء أثر الإسلام، وإلا فلقطة، كما سبق.

ولو وجده في الأرض المملوكة غير مدفون، فهو لقطة إلّا أنّه يجب تقديم تعريف المالك، فإن ادّعاه فهو له -كما سلف - وإلّا عرفه.

(وكذا لو وجده في جوف دابّة عَرَّفه مالِكَها) كما سبق؛ لسبق يده، وظهور كونه من مالِه دَخَل في عَلَفها؛ لبُعْدِ وجوده في الصحراء، واعتلافه، فإن عَرَفه المالك وإلا فهو للواجد؛ لصحيحة عليّ(1) بن جعفر قال: كتبتُ إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشتَرَى جَزُوراً أو بقرةً للأضاحي، فلمّا ذَبَحها وَجَد في جوفها صُرَةً فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن تكون؟ قال: فوَقَعَ(عليه السلام) : «عَرِّفها البائع فإن لم يكن يَعرِفُها فالشيءُ لك، رَزَقَك اللهُ إيَّاه»(2). وظاهرُ الفتوى والنصّ عدمُ الفرق بين وجود أثر الإسلام عليه و عدمه، والأقوى الفرقُ واختصاص الحكم بما لا أثر عليه، وإلا فهو لقطة؛ جمعاً بين الأدلة، ولدلالة أثر الإسلام على يد المسلم سابقاً.

(أمّا) ما يُوجَد في جوف (السَمَكة فللواجد)؛ لأنّها إنّما مُلِكَت بالحيازة، والمُحِيز إنّما قصد تملَّكها خاصةً؛ لعدم علمه بما في بطنها فلم يتوجه قصده إليه؛ بِناءً على أنّ المُباحاتِ إِنّما تُملَك بالنية والحيازة معاً،( إلّا أن تكون) السمكة (محصورةً) في ماءٍ (تُعلَف) فتكون كالدابة؛ لعين ما ذكر.

ومنه يظهر أنّ المراد بالدابَّةِ الأهلية، كما يظهر من الرواية، فلو كانت وحشيّةً لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة. وهذا كله إذا لم يكن عليه أثر الإسلام وإلّا فلقطة

ص: 83


1- كذا في النسخ ، وفي المصدر: عبدالله بن جعفر.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 1174.

كما مرّ، مع احتمال عموم الحكم له فيهما؛ لإطلاق النص والفتوى .

(والموجود في صندوقه أو داره) أو غيرهما من أملاكه (مع مشاركة الغير) له في التصرف فيها، محصوراً أو غير محصور على ما يقتضيه إطلاقهم (لقطة)، أما مع عدم الحصر فظاهر؛ لأنه بمشاركة غيره لا يد له بخصوصه فيكون لقطةً، وأمّا مع انحصار المشارِك فلأنّ المفروض أنه لا يعرفه فلا يكون له بدون التعريف، ويُحتمل قوياً كونه له مع تعريف المنحصر؛ لأنّه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك فيه، (ولا معها) أي لا مع المشاركة (حِلّ) للمالكِ الواجدِ؛ لأنه من توابع ملكه المحكوم له به. هذا إذا لم يقطع بانتفائه عنه، وإلّا أشكل الحكم بكونه له، بل ينبغي أن يكون لقطة، إلا أنّ كلامهم هنا مطلق، كما ذكره المصنف.

ولا فرق في وجوب تعريف المشارِك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد؛ لاشتراكهم في اليد بسبب التصرّف. ولا يفتقر مُدَّعيه منهم إلى البينة ولا الوصف؛ لأنّه مال لا يدعيه أحدٌ. ولو جَهلوا جميعاً أَمْرَه فلم يعترفوا به ولم يَنْفَوه، فإن كان الاشتراك في التصرف خاصة فهو للمالك منهم، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك، وإن كان الاشتراك في المِلكِ والتصرّفِ فهم فيه سواءٌ.

(ولا يكفي التعريف حولاً في التملك)؛ لما يجب تعريفه (بل لابد) بعد الحول ( من النيّة) للتملك وإنّما يُحدِث التعريفُ حولاً تخيير الملتقط بين التملك بالنية، وبين الصدقة به، وبين إبقائه في يده أمانةً لمالكه.

هذا هو المشهور من حكم المسألة، وفيها قولان آخران على طرف النقيض، أحدهما: دخوله في الملك قهراً من غير احتياج إلى أمرٍ زائد على التعريف؛ لظاهر قول الصادق (عليه السلام): «فإن جاءَ لها طالب وإلا فهي كسبيل ماله »(1)والفاء للتعقيب، وهو قول ابن إدريس(2). ورُدَّ بأن كونها كسبيل ماله لا يقتضي حصول الملك حقيقةً.

ص: 84


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 ، ح 1163
2- السرائر، ج 2، ص 102.

والثاني: افتقار ملكه إلى اللفظ الدال عليه، بأن يقول: «اخترتُ ملكها»، وهو قول أبي الصلاح (1)وغيره (2)؛ لأنه معه مُجمَعٌ على ملكه، وغيره لا دليل عليه.

والأقوى الأول؛ لقوله (عليه السلام): « وإلّا فاجْعَلْها في عَرْضِ مالك»(3)، وصيغة «افعل» للأمر، ولا أقل من أن يكون للإباحة، فيستدعى أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف وعدمِ مجيء ء المالك، ولم يذكر اللفظ، فدلّ الأوّلُ على انتفاء الأول، والثاني على انتفاء الثاني. وبه يُجمع بينه وبين قوله كسبيل «ماله وإلا لكان ظاهره الملك القهري، لا كما رُدَّ سابقاً. والأقوال الثلاثة للشيخ (رحمه الله)(4) .

ص: 85


1- . انظر الكافي في الفقه، ص 350 - 351؛ نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6. ص 52، المسألة 34.
2- كالشيخ في الخلاف، ج 3، ص 584 المسألة 10: وابن حمزة في الوسيلة، ص 278
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 390 ، ح 1165.
4- القول الأول في المبسوط، ج 3، ص 156؛ والقول الثاني في النهاية، ص 320 والقول الثالث في الخلاف، ج 3، ص 584، المسألة 10.

ص: 86

كتاب إحياء الموات

اشارة

ص: 87

ص: 88

(كتاب إحياء الموات)

(وهو) أي الموات من الأرض( ما لا يُنتفع به ) منها ( لعُطْلَتِه أو لاستئجامه أو لعدم الماء عنه) أو لاستيلاء الماء عليه، ولو جَعَل هذه الأقسام أفراداً لعطلته لأنها أعم منها كان أجود.

ولا فرق بين أن يكون قد سَبَق لها إحياء ثمّ ماتت وبين موتها ابتداءً على ما يقتضيه الإطلاق، وهذا يَتِمّ مع إبادة أهله بحيث لا يُعرفون ولا بعضهم، فلو عُرف المحيي لم يصح إحياؤها، على ما صرح به المصنّف في الدروس (1)، وسيأتي(2)إن شاء الله ما فيه.

ولا يُعتبر في تحقق موتها العارضِ ذَهابُ رسم العمارة رأساً، بل ضابطه العطلة وإن بقيت آثار الأنهار ونحوها لصدقه عرفاً معها، خلافاً لظاهر التذكرة(3) .

ولا يلحق ذلك بالتحجير، حيث إنه لو وقع ابتداءً كان تحجيراً؛ لأنّ شَرْطَه بقاءُ اليد وقصد العمارة، وهما منتفيان هنا، بل التحجير مخصوص بابتداء الإحياء؛ لأنه بمعنى الشروع فيه حيث لا يبلغه، فكأنه قد حَجَر على غيره بأثره أن يتصرف فيما حَجَّره بإحياء وغيره.

وحكمُ الموات أن (يَتَمَلَّكه من أحياه) إذا قصد تملكه (مع غيبة الإمام (عليه السلام)) سواء

ص: 89


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- يأتي ص 94.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 401 (الطبعة الحجرية).

في ذلك المسلم والكافرُ؛ لعموم «مَن أحيا أرضاً مَيْتَةً فهي له»(1)، ولا يقدح في ذلك كونها للإمام (عليه السلام) على تقدير ظهوره؛ لأن ذلك لا يقصر عن حقه من غيرها؛ كالخمس والمغنوم بغير إذنه، فإنه بيد الكافر والمخالفِ على وجه الملك حالَ الغيبة ولا يجوز انتزاعه منه فهنا أولى.

(وإلّا) يكن الإمام(عليه السلام) غائباً (افتقر) الإحياء (إلى إذنه) إجماعاً، ثم إن كان مسلماً مَلَكَها بإذنه. وفي ملك الكافر مع الإذن قولان(2)، ولا إشكال فيه لو حصل، إنما الإشكال في جواز إذنه (عليه السلام)له، نظراً إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك أم لا ؟ والنزاع قليلُ الجَدْوَى.

( ولا يجوز إحياء العامرِ وتوابعه كالطريقِ) المُفضي إليه (والشِرْبِ) بكسر الشين، وأصله الحظ من الماء، ومنه قوله تعالى:﴿ لَّهَا شِرْبُ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾(3) ، والمراد هنا النهرُ وشبهه المُعَدُّ لمصالح العامر، وكذا غيرهما من مَرافِقِ العامر وحريمه.

(ولا) إحياءُ (المفتوحةِ عَنْوَةً (4)) بفتح العين أي قهراً وغلبة على أهلها، كأرض الشام والعراق وغالبِ بِلاد الإسلام؛ (إذ عامِرُها) حالَ الفتح (للمسلمين) قاطبةً، بمعنى أنّ حاصلها يُصرَف في مصالحهم، لا تصرُّفهم فيها كيف اتفق، كما سيأتي (5).

(وغامِرُها) بالمُعْجَمة، وهو خلاف العامر بالمُهملة. قال الجوهري:

وإنّما قيل له: «عامر» لأنّ الماءَ يَبلُغه فيَغْمره، وهو فاعل بمعنى مفعول، كقولهم: « سرُّ كاتِمٌ» و﴿ مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾، وإنما بُنِي على فاعل ليُقابَلَ به «العامر»(6).

ص: 90


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 151، ح 670 .
2- القول بالعدم نسبه إلى علمائنا العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 400 (الطبعة الحجرية)؛ القول بالملك للمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 215؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 484، الرقم 6095.
3- الشعراء (26): 155
4- بفتح العين، وهو ما أُخذ عن خضوع وتذلّل، قال الله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ﴾ [طه (20): 111] أي خضعت و ذلّت. (زین رحمه الله)
5- يأتي في ص 94.
6- الصحاح، ج 2، ص 773 ، «عمر».

وقيل: الغامر من الأرض ما لم يُزرع ممّا يحتمل الزراعة، وما لا يبلغه الماء من موات الأرض لا يقال له غامر؛ نظراً إلى الوصف المتقدّم. والمراد هنا أنّ مواتها مطلقاً (للإمام (عليه السلام))، فلا يصح إحياؤُه بغير إذنه مع حضوره، أمّا غَيبته فيملكها المُحيي.

ويرجع الآن في المحيا منها والميت في تلك الحال إلى القرائن، ومنها ضرب الخراج والمُقاسمة، فإن انتَفَتْ فالأصل يقتضي عدم العمارة فيُحكم لمن بيده منها شيء بالملك لو ادعاه.

(وكذا كلُّ ما) أي موات من الأرض (لم يَجْرِ عليه ملك المسلم) فإنه للإمام(عليه السلام) . فلا يصح إحياؤه إلا بإذنه مع حضوره، ويُباح في غيبته، ومثله ما جرى عليه ملكه ثمّ باد أهله.

(ولو جَرَى عليه مِلكُ (مسلم) معروف فهو له ولوارثه بعده) كغيره من الأملاك (ولا ينتقل عنه بصيرورته مواتاً مطلقاً؛ لأصالة بقاء الملك، وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل، وهو محصور، وليس منه الخَراب. وقيل: يملكها المحيي بعد صيرورتها مواتاً ويبطل حقُّ السابق(1): لعموم «من أحيا أرضاً ميتةً فهي له»(2)؛ ولصحيحة أبي خالد الكابلي عن الباقر(عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام): أَنّ الأرضَ الله يُورِتُها مَن يشاء من عباده والعاقبة للمتقين إلى أن قال: وإن تركها أو خرَّبَها فأَخَذها رجل من المسلمين من بعده فعَمَرها وأحياها فهو أحقُّ بها من الذي تركها»(3). وقول الصادق(عليه السلام) : «أيما رجلٍ أَتَى خَرِبَةٌ هائرةٌ فاستَخرَجَها وكَرَى أَنهارَها وعمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضاً لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرضَ الله ولمن عَمَرها»(4). وهذا هو الأقوى.

ص: 91


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 401 (الطبعة الحجرية).
2- تقدم تخريجه في ص 90 الهامش 1.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 152، ح 674.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 152 ، ح 672.

وموضعُ الخلاف ما إذا كان السابق قد ملكها بالإحياء، فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه لم يَزُلْ مِلكه عنها إجماعاً على ما نقله العلّامة في التذكرة عن جميع أهل العلم(1).

(وكلّ أرضِ أَسلم عليها أهلها طوعاً) كالمدينة المشرفة والبحرين وأطراف اليمن (فهي لهم) على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاؤوا، (وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع اجتماع (الشرائط) المعتبرة فيها .

هذا إذا قاموا بعمارتها ، أما لو تركوها فخَرِبَت فإنّها تدخُل في عموم قوله : («وكلّ أرض ترك أهلُها عمارتها فالمحيي أحقُّ بها ») منهم، لا بمعنى ملكه لها بالإحياء؛ لما سبق من أنّ ما جَرَى عليه مِلكُ مسلم لا ينتقل عنه بالموت، فبترك العمارة التي هي أعم من الموت أولى، بل بمعنى استحقاقه التصرف فيها ما دام قائماً بعمارتها. (وعليه طَسْقُها) أي أُجرتها (لأربابها) الذين تركوا عمارتها، أما عدم خروجها عن ملكهم، فقد تقدّم.

وأمّا جواز إحيائها مع القيام بالأجرة، فلرواية سليمان بن خالد وقد سأله عن الرجل يأتي الأرضَ الخَرِبةَ فيستخرجها، ويُجري أنهارها ويعمرها ويزرعها، فماذا عليه؟ قال: «الصدقة». قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليُؤَدِّ إليه حقَّه»(2). وهي دالة على عدم خروج الموات به عن الملك أيضاً؛ لأنّ نفس الأرض حقُّ صاحبها، إلّا أنّها مقطوعة السند ضعيفةً، فلا تصلح.

وشَرَط في الدروس إذن المالك في الإحياء، فإن تعذر فالحاكم، فإن تعذر جاز الإحياء بغير إذن، وللمالك حينئذٍ طَسْقُها(3)، ودليله غير واضح.

والأقوى أنها إن خرجت عن ملكه جاز إحياؤها بغير أجرة، وإلا امتنع التصرف فيها

ص: 92


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 401 (الطبعة الحجرية).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 148، ح 658.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 60 - 61 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

بغير إذنه، وقد تقدَّم ما يُعلم منه خروجُها عن ملكه وعدمه(1). نعم، للإمام تقبيلُ المملوكة الممتنع أهلُها من عمارتها بما شاء؛ لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

( وأرضُ الصلح التي بأيدي أهل الذمة) وقد صالحوا النبيَّ أو الإمام(عليه السلام) على أن الأرضَ (لهم) فهي لهم عملاً بمقتضى الشرط، وعليهم الجِزْيَةُ) ما داموا أهلَ ذمّةٍ، ولو أسلموا صارت كالأرض التي أسلَم أهلها عليها طوعاً، ملكاً لهم بغير عوض، ولو وقع الصلحُ ابتداءً على أنّ الأرضَ للمسلمين كأرض خيبر، فهي كالمفتوحة عنوةً.

(ويصرف الإمامُ حاصل الأرضِ المفتوحةِ عَنوةً) المُحياةِ حال الفتح (في مصالح المسلمين) الغانمين وغيرهم كسَد الثغور ومعونة الغزاة وأرزاق الولاة.

هذا مع ،حضوره أمّا مع غَيبته، فما كان منها بيد الجائر يجوز المُضي معه في حكمه فيها، فيصح تناولُ الخراج والمقاسمة منه بهبةٍ وشراء واستقطاع وغيرها مما يقتضيه حكمه شرعاً، وما يمكن استقلال نائب الإمام به - وهو الحاكم الشرعي - فأمره إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل.

کی عمری

( ولا يجوز بيعها ) أي بيع الأرضِ المفتوحةِ عَنوةً، المحياةِ حالَ الفتح؛ لأنّها للمسلمين قاطبةً، مَن وُجِد منهم ذلك اليوم ومَن يَتجدَّد إلى يوم القيامة، لا بمعنى ملك الرقبة، بل بالمعنى السابق، وهو صرف حاصلها في مصالحهم؛ (ولا هبتها ولا وقفها ولا نقلها(2) ) بوجه من الوجوه المُمَلّكة؛ لما ذكرناه من العلة.

(وقيل) والقائل به جماعة من المتأخرين(3)، منهم المصنف - وقد تقدَّم في كتاب البيع(4) اختياره له : إنّه (يجوز ) جميعُ ما ذكر من البيع والوقف وغيره (تبعاً لآثار المتصرّف) من بِناءٍ وغَرْسٍ ويَستمر الحكم ما دام شيء من الأثر باقياً، فإذا زال

ص: 93


1- تقدم في ص 90.
2- حكم الأولوية حكم الملك في جميع الأشياء إلا البيع. (زين رحمه الله)
3- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 478؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 23؛ والمحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 7، ص 11.
4- تقدم في ج 2، ص 139.

رجعت الأرضُ إلى حكمها الأول.

ولو كانت ميتةً حالَ الفتح أو عَرَض لها المَوتانُ ثمّ أحياها مُحْيِ، أو اشتبه حالُها حالته، أو وُجدت في يد أحدٍ يَدَّعي ملكها حيث لا يُعلَم فساد دعواه، فهي كغيرها من الأَرْضِين المملوكة بالشرط السابق يتصرف فيها المالك كيف شاء بغير إشكال.

وشروط الإحياء المُمَلكِ

للمحبي (ستة :)

1 - (انتفاء يد الغير) عن الأرض الميتة، فلو كان عليها يد محترمة لم يصح إحياؤُها لغيره؛ لأن اليد تدلّ على الملك - ظاهراً - إذا لم يُعلم انتفاء سببٍ صحيح للملك أو الأولوية، وإلا لم يُلتفت إلى اليد.

2 - ( وانتفاءُ مِلك سابق) للأرض قبل موتها لمسلم أو مُسالم، فلو كانت مملوكة لأحدهما لم يصح إحياؤها لغيره استصحاباً للملكِ السابق.

وهذان الشرطان مبنيان على ما سبق من عدم بطلان الملك بالموت مطلقاً، وقد تقدم ما فيه من التفصيل المختار(1).

3 - ( وانتفاء كونه حريماً لعامر)؛ لأنّ مالك العامر استَحَق حريمه؛ لأنه من مرافقه، وممّا يتوقف كمالُ انتفاعه عليه، وسيأتي تفصيل الحريم.

4- (و) انتفاء (كونه مَشْعَراً) أي محلاً (لعبادة) كعرفة والمشعر ومنى ولؤ كان يسيراً لا يمنع المتعبدين سدّاً لباب مزاحمة الناسكين، ولتعلق حقوق الناس كافةً بها فلا يسوغ تملكها مطلقاً؛ لأدائه إلى تفويت هذا الغرض الشرعي.

وجوز المحقِّقُ اليسير منه (2)؛ لعدم الإضرار، مع أنه غيرُ مِلك لأحد، وهو نادر. وعليه لو عَمَد بعضُ الحاج فوَقَف به لم يَجُزْ؛ للنهي عن التصرف في ملك الغير(3)؛ لأنا بَنَيْنا

ص: 94


1- تقدّم في ص 92.
2- شرائع الإسلام، ج 3، ص 218
3- الكافي، ج 7، ص 273، باب القتل، ح 12؛ مسند أحمد، ج 1، ص 69، ح 20172

عليه، وهو مُفسِد للعبادة التي هي عبارة عن الكون ومن ضروراته المكان. وللمصنف (رحمه الله) تفريعاً عليه وجه بالجواز جمعاً بين الحقين، وآخَرُ بالتفصيل بضيق المكان فيجوز وسعته فلا(1)، وإثباتُ الملك مطلقاً يأباهما، وإنما يتوجهان لو جَعَله مشروطاً بأحد الأمرين .

5- (أو مُقْطَعاً) من النبي أو الإمام (عليه السلام) الأحد المسلمين؛ لأن المُقطَعَ [له] يصير أولى من غيره؛ كالتحجير، فلا يصح لغيره التصرّفُ بدون إذنه وإن لم يُفد ملكاً، وقد رُوِيَ أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أَقطع بلال بن الحرث «العقيق»(2)، وهو وادٍ بظاهر المدينة، واستمر تحت يده إلى ولاية عمر، وأقطع الزبير بن العوام «حُضْرَ فرسه بالحاء المهملة المضمومة والضادِ المعجمة - وهو عَدْوُه مقدارَ ما جَرَى، فأجْرَى فرسه حتى قام - أي عجز عن التقدم - فرَمَى بسوطه طلباً للزيادة على الحضر فأعطاه من حيث وقع السوط(3)، وأقطع غيرهما مواضعَ أُخَرَ(4) ؛

6- (أو مُحَجَّراً) أي مشروعاً في إحيائه شروعاً لم يبلغ حدَّ الإحياء، فإنّه بالشروع يفيد أولويةً لا يصح لغيره التخطي إليه وإنْ لم يُقد ملكاً، فلا يصح بيعه لكن يُوَرَّث، ويصح الصلح عليه، إلّا أن يُهمل الإتمام فللحاكم حينئذٍ إلزامه به أو رفع يده عنه، فإن امتنع أذن لغيره في الإحياء، وإن اعتذر بشاغل أمهله مدةً يزول عذرُه فيها، ولا يَتَخَطَّى غيره إليها ما دام مُمْهَلاً .

وفي الدروس جعل الشروط تسعةً، وجعل منها : إذن الإمام مع حضوره، ووجود ما يُخرجها عن الموات بأن يتحقق الإحياء؛ إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه، وإنْ أفاد الشروع تحجيراً لا يفيد سوى الأولوية كما مرّ ؛ وقصد التملك، فلو فَعَل أسباب

ص: 95


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 61 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 256، ح 7636.
3- مسند أحمد، ج 2، ص 334 ، ح 6422: السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 238 ، ح 11790.
4- الجامع الصحيح، ج 3، ص 665، ح 1381؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 6، ص 238، ح 11788.

الملك بقصد غيره، أو لا مع قصد لم يملك كحيازة سائر المباحات من الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش(1).

والشرط الأوّل قد ذكره هنا في أوّل الكتاب، والثاني يلزم من جعلها شروط الإحياء مضافاً إلى ما سيأتي(2) من قوله: «والمرجع في الإحياء إلى العرف» إلخ، والثالث يُستفاد من قوله في أوّل الكتاب «يَتَملَّكُه مَن أحياه» إذ التملك يستلزم القصد إليه، فإنّ الموجود في بعض النسخ «يتملكه» بالتاء بعد الياء، ويُوجد في بعضها يملكه» وهو لا يفيد. ويمكن استفادته من قوله بعد حكمه برجوعه إلى العرف، «لمن أراد الزرع ... ولمن أراد البيت فإنّ الإرادةَ لِما ذُكر ونحوه تكفي في قصد التملك وإن لم يقصده بخصوصه.

وحيث بيَّن أنّ مِن الشرائط أن لا يكون حريماً لعامرٍ ، نبه هنا على بيان حريم بعض الأملاك بقوله : (وحريم العين ألفُ ذِراع) حولها من كل جانب (في) الأرض (الرُّخْوَة، وخمسمائة في الصُّلْبَة) بمعنى أنه ليس للغير استنباط عين أُخرى في هذا القدر، لا المنع من مطلق الإحياء، والتحديد بذلك هو المشهور رواية (3) وفتوى.

وحَدَّه ابن الجنيد بما ينتفي معه الضرر(4)، ومالَ إليه العلّامة في المختلف(5) استضعافاً للمنصوص، واقتصاراً على موضع الضرر، وتمسكاً بعموم نصوص(6)جواز الإحياء. ولا فرق بين العين المملوكة والمشتركة بين المسلمين والمَرجِع في الرخاوة والصلابة إلى العرف.

(وحريم بئر الناضح (7)) وهو البعير الذي يُستَقى عليه للزرع وغيره (ستون ذراعاً)

ص: 96


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 59 - 64 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- يأتي في ص 97
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 145 ، ح 644.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 171، المسألة 111.
5- مختلف الشيعة، ج 1، ص 172، المسألة 111.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 151 ، ح 670.
7- يُدلى منه على الابل (زین رحمه الله)

من جميع الجوانب، فلا يجوز إحياؤُه بحفر بئر أخرى، ولا غيره.

(و) حريم بئر (المعطن(1)) واحد المعاطن، وهي مبارك الإبل عند الماء لتَشرَب» قاله الجوهري(2)، والمراد البئر التي يُستقَى منها لشرب الإبل (أربعون ذراعاً) من كلّ جانب كما مرّ.

(وحريمُ الحائطِ مَطرَحُ آلاته) من حجر وتراب وغيرهما على تقدير انهدامه لمسيس الحاجة إليه عنده.

(و) حريم الدارِ مطرح ترابها ورَمادِها وكُناستها (وثُلوجها) ومَسيل مائها حيث يحتاج إليهما (ومسلك الدخول والخروج في صَوْب الباب) إلى أن يصل إلى الطريق و المباح ولؤ بازوِرارٍ لا يُوجب ضرراً كثيراً أو بعداً. ويُضَمّ إلى ذلك حريم حائطها بما سلف. وله منعُ من يُحفر بقرب حائطه بئراً أو نهراً، أو يغرس شجرةً تَضُرّ بحائطه أو داره، وكذا لو غَرَس في ملكه أو أرض أحياها ما تبرز أغصانُه أو عروقه إلى المباح ولو بعد حين لم يكن لغيره إحياؤُه، وللغارس منعه ابتداءً.

هذا كلُّه إذا أحيا هذه الأشياء فى الموات، أما الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها على جاره لتعارُضِها، فإنّ كلَّ واحد منها حريم بالنسبة إلى جاره ولا أولوية؛ ولأن من الممكن شروعهم في الإحياء دفعةً فلم يكن لواحدٍ على آخَرَ حريم.

(والمرجع في الإحياء إلى العرف) لعدم ورود شيءٍ معيَّن فيه من الشارع (كعَضْدِ الشجر) من الأرض،( وقطع المياه الغالبة) عليها، (والتحجير) حولها (بحائط) من طين أو حجر (أو مِرْز) بكسر الميم، وهو جمع التراب حول ما يُريد إحياءه من الأرض ليتميز عن غيره (أو مُسَنّاةٍ(3)) بضم الميم، وهو نحو المزز وربما كان أزيد تراباً، ومثله نصب القصب والحَجَر والشوك ونحوها حولها، وسوق الماء) إليها

ص: 97


1- يُدلى منه على البقر. (زين رحمه الله)
2- الصحاح، ج 4، ص 2165. «عطن».
3- من طين (زين رحمه الله)

حيث يحتاج إلى السفي( أو اعتياد الغيث) كلُّ ذلك (لمن أراد الزرع والفرس) بإحياء الأرض.

وظاهرُ هذه العبارة أنّ الأرض التي يُراد إحياؤُها للزراعة لو كانت مشتملة على شجرٍ والماءُ مُستَولٍ عليها لا يتحقق إحياؤُها إلا بعضد شجرها وقطع الماء عنها، ونصب حائط وشبهه حولها، وسوق ما يحتاج إليه من الماء إليها إن كانت مما تحتاج إلى السقي به، فلو أخلَّ بأحد هذه لا يكون إحياء بل تحجيراً.

وإنّما جَمَع بين قطع الماء وسوقه إليها؛ لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي، بأن يكون وصوله إليها على وجه الرشح المُضِر بالأرض من غير أن يَنفَع في السقي ونحو ذلك، وإلا فلو كان كثيراً يمكن السقي به كفى قطع القدر المضر منه وإبقاء الباقي للسقي.

ولو جُعِل الواو في هذه الأشياء بمعنى «أو» كان كلُّ واحد منها كافياً في تحقق الإحياء، لكن لا يصح في بعضها، فإنّ من جملتها سَوْقَ الماء أو اعتياد الغيث، ومقتضاه أنّ المعتادة لسقي الغيث لا يتوقف إحياؤُها على شيء من ذلك. وعلى الأوّل لو فُرِض عدم الشجر أو عدم المياه الغالبة لم يكن مقدارُ ما يُعتبر في الإحياء مذكوراً، ويكفي كلُّ واحدٍ ممّا يَبقَى على الثاني.

وفي الدروس اقتصر على حصوله بعضدِ الأشجار، والتهيئة للانتفاع، وسوق الماء أو اعتياد الغيث، ولم يشترط الحائط والمُسَنّاةَ ، بل اشترط أن يُبيِّنَ الحدَّ بيرز وشبهه، قال: ويحصل الإحياء أيضاً بقطع المياه الغالبة(1). وظاهره الاكتفاء به عن الباقي أجمع، وباقي عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك كثيراً. والأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأُمورِ الثلاثةِ السابقة مع سوق الماء حيث يفتقر إليه، وإلّا اكتفى بأحدها خاصة.

هذا إذا لم يكن المانعان الأولان أو أحدهما موجوداً، وإلا لم يكتف بالباقي، فلو كان

ص: 98


1- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 60 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الشجر مستولياً عليها والماءُ كذلك لم يَكْفِ الحائط ، وكذا أحدهما، وكذا لو كان الشجرُ لم يكف دفع الماء وبالعكس؛ لدلالة العرف على ذلك كله، أما الحرث والزرعُ فغير شرط فيه قطعاً؛ لأنه انتفاع بالمحيا كالسكنى المحيي الدار.

نعم، لو كانت الأرضُ مُهَيَّأَةً للزراعة والغرس لا يتوقف إلا على الماء كَفَى سوقُ الماء إليها مع غرسها أو زرعها؛ لأنّ ذلك يكون بمنزلة تميزها بالمِرْزِ وشبهه.

(وكالحائط) ولو بخَشَبٍ أو قَصَبِ (لمن أراد ) بإحياء الأرض (الحَظِيرة) المُعَدَّةَ للغنم ونحوه، أو لتجفيف الثمار، أو لجمع الحَطَّبِ والخَشَبِ والحشيش وشبه ذلك. وإنما اكتفى فيها بالحائط ؛ لأنّ ذلك هو المعتبر عرفاً فيها.

(و) كالحائط (مع السقف) بخُشُبٍ أو عُقَدٍ أو طرح بحسب المعتاد (إن أراد البيت).

واكتفى في التذكرة، في تملك قاصد السكنى بالحائط(1) المعتبر في الحظيرة، وغيره من الأقسام التي يحصل بها الإحياء لنوع مع قصد غيره الذي لا يحصل به. وأما تعليق الباب للحظيرة والمسكن فليس بمعتبر عندنا؛ لأنه للحفظ لا لتوقف السكنى عليه.

ص: 99


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 412 (الطبعة الحجرية).

القول في المشتَرَكات بين الناس في الجملة

وإن كان بعضها مختصاً بفريق خاص

وهي أنواع ترجع أصولها إلى ثلاثة : الماء، والمعدِنِ، والمنافع.

والمنافع ستة منافع : المساجد والمشاهد والمدارس، والربط والطُرُقُ ومَقاعِدُ الأسواق، وقد أشار إليها المصنف في خمسة أقسام :

(فمنها: المسجد) وفي معناه المشهد (فمَن سَبَق إلى مكان) منه (فهو أولى به) مادام باقياً فيه،( فلو فارق) ولؤ لحاجة كتجديد طهارة وإزالة نَجاسة (بَطَل حقه) وإنْ كان ناوياً للعود (إلا أن يكون رَحْلُه) وهو شيء من أَمْنِعَتِه، ولو سُبْحَته وما يَشُدّ به وَسَطَه وخُفّه (باقياً) في الموضع (و) مع ذلك( ينوي العود)، فلو فارَقَ لا بنيته سَقط حقه وإن كان رَحْلُه باقياً.

وهذا الشرط لم يَذكُره كثير، وهو حسن؛ لأنّ الجلوس يُفيد أولويّةٌ ، فإذا فارَقَ بنيّة رفع الأولوية سَقَط حقه منها، والرحل لا مدخل له في الاستحقاق بمجرده، مع احتماله؛ لإطلاق النصّ (1)والفتوى .وإنّما تظهر الفائدة على الأوّل لو كان رَحله لا يَشغَل من المسجد مقدار حاجته في الجلوس والصلاة؛ لأنّ ذلك هو المستثنى، على تقدير الأولوية، فلو كان كبيراً يَسَع ذلك فالحقُ باقٍ من حيث عدم جواز رفعه بغير إذن مالكه، وكونه في موضع مشترك كالمباح مع احتمال سقوط حقه مطلقاً على ذلك التقدير فيصح رفعه لأجل غيره حذراً من تعطيل بعض المسجد ممن لا حق له.

ص: 100


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 9 ، ح 31؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 249، ح 11836.

ثم على تقدير الجواز هل يضمن الرحل رافِعُه؟ يحتمله؛ لصدق التصرف، وعدم المنافاة بين جواز رفعه والضمان جمعاً بين الحقين؛ ولعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»(1)، وعدمه؛ لأنه لا حق له، فيكون تفريغه منه بمنزلة رفعه من ملكه، ولم أجد في هذه الوجوه كلاماً يُعتد به.

وعلى تقدير بقاء الحق لبقائه أو بقاءِ رَحْله، فأَزْعَجَه مُزْعِجٌ فلا شبهةً في إثمه، وهل يَصير أولى منه بعد ذلك؟ يحتمله؛ لسقوط حق الأوّل بالمفارقة، وعدمه؛ للنهي فلا يترتب عليه حق. والوجهان آتيان في رفع كلّ أولوية، وقد ذكر جماعة من الأصحاب(2)أنّ حقّ أولوية التحجير لا يسقط بتَغَلُّبِ غيره، ويتفرع على ذلك صحة صلاة الثاني وعدمها. واشترط المصنِّفُ في الذكرى(3)في بقاء حقه مع بقاء الرحل أن لا يَطُولَ المَكْتُ، وفي التذكرة(4) ؛ استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعُذر، كإجابة داعٍ وتجديد وضوء وقضاء حاجةٍ، وإن لم يكن له رحل.

(ولو استبق اثنان) دفعةً إلى مكان واحد (ولم يُمكن الجمعُ) بينهما (أقرع): لانحصارِ الأولوية فيهما وعدم إمكان الجمع فهو لأحدهما؛ إذ مَنْعُهما معاً باطل و«القرعة لكلّ أمرٍ مشكل»(5).

مع احتمال العدم؛ لأنّ القرعة لتبيين المجهول عندنا المعيَّنِ في نفس الأمر، وليس كذلك هنا، وقد تقدَّمَ (6)أنّ الحكم بالقرعة غيرُ منحصر فيما ذُكر، وعموم الخبر يَدفعه،

ص: 101


1- سنن أبي داود، ج 3، ص 296، ح 3561: الجامع الصحيح، ج 3، ص 566، ح 1266.
2- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 87 - 88: والقاضي في المهذب، ج 2، ص 32؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 269.
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 66 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 405 (الطبعة الحجرية).
5- لم نعثر عليه. راجع تهذيب الأحكام، ج 1، ص 233؛ والخلاف، ج 1، ص 234، المسألة 32؛ والسرائر، ج 2، ص 170 - 173؛ وكنز العرفان، ج 2، ص 28 - 29.
6- تقدم في ج 3، ص 375، كتاب العتق.

والرجوع إليها هنا هو الوجه. ولا فرق في ذلك كله بين المعتاد لبقعة معينة وغيره وإنْ كان اعتياده لدرس وإمامةٍ، ولا بين المُفارِقِ في أثناء الصلاة وغيره؛ للعموم(1). واستقرب المصنِّفُ في الدروس بقاء أولويّة المُفارِق في أثنائها اضطراراً، إلا أن يَجِد مكاناً مساوياً للأوّل أو أولى منه، محتجاً بأنّها صلاةٌ واحدةٌ فلا يُمنع من إتمامها(2). ولا يخفى ما فيه .

(ومنها: المدرسة والرباط(3)، فمن سَكَن بيتاً) منهما أو أقام بمكان مخصوص (ممّن له السكنى) بأن يكون متصفاً بالوصفِ المعتبر في الاستحقاق، إما في أصله بأن يكون مشتغلاً بالعلم في المدرسة أو بحسب الشرط؛ بأن تكون موقوفةً على قبيلة مخصوصة أو نوع من العلم أو المذاهب ويتصف الساكن به (فهو أحقُّ به وإِن تَطَاوَلَتْ المدّة، إلّا مع مخالفة شرط الواقف)؛ بأن يَشرِط الواقف أمداً فينتهي . واحتَمَل المصنف في الدروس في المدرسة ونحوها الإزعاج إذا تم عرضه من ذلك. وقَوَّى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم» وإنْ لم يَشْرُطه الواقف، لأنّ موضوع المدرسة ذلك (4).

(وله أن يَمنَع مَن يُشاركه) لما فيها من الضرر إذا كان المسكنُ الذي أقام به مُعَدّاً لواحد، فلو أُعِد لما فوقه لم يكن له منعُ الزائد عنه، إلى أن يزيد عن النصاب المشروط.

(ولو فارَقَ) ساكنُ المدرسة والرباط (لغير عذر بَطَل حقه )سواء بَقِىَ رحله أم لا. وسواءٌ طالَتْ مدّة المفارقة أم قَصُرَت لصدقها، وخُلُو المكان الموجب لاستحقاق غيره إشغاله. ومفهومه أنه لو فارَقَ لعذر لم يسقط حقه مطلقاً، ويُشكل مع طول المدة.

وأطلق الأكثر بطلان حقه بالمفارقة، وفي التذكرة أنه إذا فارَقَ أياماً قليلةً لعذر فهو

ص: 102


1- تقدّم تخريجه في ص 100، الهامش 1.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 71 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- للفقراء والمساکین( زین رحمه الله )
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 71 - 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)

أحقُ (1)، وشَرَط بعضُهم بقاء الرحل وعدم طول المدة(2). وفي الدروس ذكر في المسألة أوجُها :

زوال حقه كالمسجد وبقاؤه مطلقاً لأنّه باستيلائه جَرَى مجرى المالك، وبقاؤه إن قَصُرت المدّة دون ما إذا طالت؛ لئلا يُضِرّ بالمستحقين، وبقاؤه إن خرج لضرورة وإن طالت المدة، وبقاءه إن بَقِيَ رحله أو خادمه.

ثم استقرب تفويض الأمر إلى ما يراه الناظرُ صَلاحاً(3) .

والأقوى أنه مع بقاءِ الرّحل وقصر المدّة لا يبطل حقه، وبدون الرحل يبطل إلا أن يقصُر الزمانُ بحيث لا يَخرُج عن الإقامة عرفاً. ويُشكل الرجوع إلى رأي الناظر مع إطلاق النظر؛ إذ ليس له إخراج المستحق اقتراحاً، فرأيه حينئذ فرع الاستحقاق وعدمه. نعم ، لو فُوِّضَ إليه الأمر مطلقاً فلا إشكال.

(ومنها: الطُّرُقُ، وفائدتها)في الأصل (الاستطراق، والناسُ فيها شَرع ) بالنسبة إلى المنفعة المأذون فيها،( ويُمنَع من الانتفاع بها في غير ذلك )المذكور وهو الاستطراق (ممّا يفوت به منفعة المارة(4) ) لا مطلقاً، (فلا يجوز الجلوس) بها (للبيع والشراء) وغيرهما من الأعمال والأكوان( إلّا مع السعة حيث لا ضرر) على المارة لو مَرُّوا في الطريق بغير موضعه، وليس لهم حينئذٍ تخصيص المَمَرّ بموضعه إذا كان لهم عنه مندوحة؛ لثبوتِ الاشتراك على هذا الوجه وإطباق الناس على ذلك في جميع الأصقاع.

ولا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم؛ لأنّ لأهل الذمة منه ما للمسلمين في الجملة.

ص: 103


1- تذكرة الفقهاء . ج 2، ص 406 (الطبعة الحجرية).
2- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 41.
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- مسألة: لو غرس شجرة تين في الطريق الواسع بحيث لا تضر بالمارة وجعلها وقفاً صح إن كان فيما زاد على السبعة وإلا فلا( زين رحمه الله)

(فإذا فارَقَ) المكان الذي جلس فيه للبيع وغيره (بطل حقه) مطلقاً؛ لأنه كان متعلقاً بكونه فيه وقد زال وإن كان رحله باقياً؛ لاختصاص ذلك بالمسجد.

وأطلق المصنِّفُ في الدروس(1) ، وجماعة(2)بقاء حقه مع بقاء رحله؛ لقول أمير المؤمنين(عليه السلام) : «سُوقُ المسلمين كمسجدهم »(3) والطريق على هذا الوجه بمنزلة السوق. ولا فرق مع سقوط حقه على التقديرين بين تضرُّرِه بتفرّق معامليه وعدمه، واحتمل في الدروس بقاءه مع الضرر؛ لأنّ أظهر المقاصد أن يُعرف مكانه ليَقصِدَه المُعامِلون، إلّا مع طول زمان المفارقة(4)لاستناد الضرر حينئذ إليه. وفي التذكرة قيَّد بقاء حقه مع الرحل ببقاء النهار ، فلو دخل الليلَ سَقَط حقه(5) ؛ محتجاً بالخبر السابق حيث قال فيه: «فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل»(6).

ويُشكل بأنّ الرواية تدل بإطلاقها على بقاء الحق إلى الليل سواء كان له رحل أم لا. والوجه بقاءُ حقه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمانُ أو يُضر بالمارة. ولا فرق بين الزائد عن مقدار الطريق شرعاً وما دونه، إلا أن يُجَوَّزَ إحياءُ الزائد فيجوز الجلوس فيه مطلقاً.

وحيث يجوز له الجلوس يجوز التظليلُ عليه بما لا يَضُرّ بالمارّة، دون التسقيف وبناء دكّةٍ وغيرها، إلا على الوجهِ المُرَخَّص فى الطريق مطلقاً، وقد تقدّم. وكذا الحكم في مقاعدِ الأسواق المُباحةِ، ولم يذكرها المصنّف هنا، وصرَّح في الدروس(7) بإلحاقها بما ذُكر في حكم الطريق.

ص: 104


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 72 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 221؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 270؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 235 - 236.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 9، ح 31
4- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 405(الطبعة الحجرية).
6- هو ضمن الحديث المذكور في ص 100 الهامش 1.
7- الدروس الشرعية، ج 3، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(ومنها: المياه المباحةُ) كمياء العيون في المُباح، والآبار المباحة، والغيوث والأنهار الكبارِ كالفرات ودجلة والنيل، والصغار التي لم يُجْرِها مُجْرٍ بنيّة التملك، فإنّ الناس فيها شَرع،( فمن سبق إلى اعتراف شيء منها فهو أولى به، ويملكه مع نيّة التملك )لأنّ المباحَ لا يُملك إلا بالإحراز والنية.

ومقتضى العبارة أنّ الأولوية تحصل بدون نية التملك بخلاف الملك تنزيلاً للفعل قبل النيّة منزلة التحجير. وهو يُشكل هنا بأنّه إن نَوَى بالإحراز الملك فقد حصل الشرط، وإلّا كان كالعابت لا يستفيد أولوية.

(ومَن أَجرَى منها) أي من المياه المباحة (نهراً) بنية التملك (مَلَك الماءَ المُجْرَى فيه)على أصح القولين(1).وحُكي عن الشيخ إفادته الأولوية خاصةً(2) ؛ استناداً إلى قوله : «الناس شركاء في ثلاث : النار والماء والكَلاءِ»(3)، وهو محمول على المباح منه دون المملوك إجماعاً.

(ومن أجرى عيناً) بأن أخرجها من الأرض وأجراها على وجهها (فكذلك) يملكها مع نية التملك، ولا يصح لغيره أخذ شيء من مائها إلا بإذنه، ولو كان المُجرِي جماعةً مَلكوه على نسبة عملهم، لا على نسبة خرجهم إلا أن يكون الخرج تابعاً للعمل.

وجوّز في الدروس الوضوء والغسل وتطهير الثوب منه؛ عملاً بشاهد الحال إلا مع النهي(4) ، ولا يجوز ذلك من المُحْرز فى الإناء ولا ممّا يُظَنّ الكراهة فيه مطلقاً. ولو لم يَنْتَهِ الحفرُ في النهر والعين إلى الماء بحيث يجري فيه فهو تحجيرٌ يُفيد الأولوية، كما مرّ.

(وكذا) يملك الماءَ ( من احتقن شيئاً من مياه الغيث أو السيل)؛ لتحققِ الإحراز مع

ص: 105


1- ذهب إليه العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 275؛ وولده في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 241.
2- المبسوط ، ج 3، ص 101-102
3- مسند أحمد، ج 1، ص 500، ج 22573؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 278، ح 3477.
4- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

نية التملك كإجراء النهر، ومثله ما لو أجرى ماءَ الغيث في ساقية ونحوها إلى مكان بنية التملك، سواءٌ أحرزها فيه أم لا، حتى لو أحرزها في ملك الغير وإن كان غاصباً للمُحرز فيه لا إذا أجراها ابتداءً في ملك الغير فإنّه لا يفيد ملكاً، مع احتماله كما لو أحرزها في الآنية المغصوبة بنية التملك.

(ومَن حَفَر بئراً مَلَك الماءَ) الذي يحصل فيه (بوصوله إليه )أي إلى الماء إذا قصد التملك، (ولو قصد الانتفاع) بالماء (والمفارقة فهو أولى به مادام نازلاً عليه) فإذا فارَقَه بَطَل حقه، فلو عاد بعد المفارقة ساوى غيره على الأقوى. ولو تجرَّدَ عن قصد التملكِ والانتفاع فمقتضى القواعدِ السابقة عدمُ المِلكِ والأولوية معاً كالعابت.

(ومنها: المعادن)، وهي قسمان: ظاهرةً وهي التي لا يحتاج تحصيلها إلى طلب، كالياقوت والبرام والقير والنفط والملح والكبريت وأحجار الرحى وطين الغسل. وباطنة وهي المتوقفُ ظهورُها على العمل، كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفَيْرُوزَج.

(فالظاهرة لا تُملك بالإحياء)؛ لأنّ إحياء المعدن إظهاره بالعمل وهو غيرُ مُتَصوَّر في المعادن الظاهرة لظهورها، بل التحجير أيضاً؛ لأنه الشروع في الإحياء، وإدارة نحو الحائط إحياء للأرض على وجه، لا مطلقاً، بل الناسُ فيها شَرع: الإمامُ وغيرُه. (ولا) يجوز أن (يُقْطِعَها السلطانُ) العادل لأحدٍ على الأشهر؛ لاشتراك الناس فيها، وربما قيل بالجواز(1) نظراً إلى عموم ولايته ونظره.

(ومن سبق إليها فله أخذ حاجته) أي أخذ ما شاء وإن زاد عمّا يحتاج إليه؛ لثبوت الأحقية بالسبق، سواءٌ طال زمانُه أم قَصُر،( فإن تَوَافَيا) عليها دفعةً واحدةً (وأمكن القسمةُ) بينهما (وَجَب) قسمة الحاصل بينهما؛ لتساويهما في سبب الاستحقاق وإمكان الجمع بينهما فيه بالقسمة وإن لم يمكن الجمع بينهما للأخذ من مكان واحد.

ص: 106


1- احتمله العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 2، ص 403 (الطبعة الحجرية).

هذا إذا لم يَزِد المعدن عن مطلوبهما، وإلّا أشكل القول بالقسمة لعدم اختصاصهما به حينئذ. (وإلّا) يُمكن القسمة بينهما لقلة المطلوب أو لعدم قبوله لها (أقرع) بينهما؛ لاستوائهما في الأولوية وعدم إمكان الاشتراك، واستحالة الترجيح فأشكل المستحِقُ فعين بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل فمن أَخْرَجَتْه القرعةُ أخذه أجمع. ولو زاد عن حاجتهما ولم يمكن أخذهما دفعةً لضيق المكان فالقرعة أيضاً وإن أمكن القسمة وفائدتها تقديمُ مَن أخرجته في أخذ حاجته. ومثله ما لو ازدحم اثنان على نهر ونحوه، ولم يمكن الجمعُ، ولو تَقَلَّبَ أحدهما على الآخر أَيْمَ ومَلك هنا، بخلاف تَغَلُّبِه على أولوية التحجير والماء الذي لا يفي بغرضهما، والفرق أنّ الملك مع الزيادة لا يتحقق بخلاف ما لو لم يزد.

(و) المعادن (الباطنةُ تُملك ببلوغ نَيْلِها) وذلك هو إحياؤها وما دونه تحجير. ولو كانت على وجه الأرض أو مستورة بتراب يسير لا يصدق معه الإحياء عرفاً لم يُملك بغير الحيازة كالظاهرة.

هذا كله إذا كان المعدِنُ في أرض مباحةٍ، فلو كان في أرض مملوكة فهو بحكمها. وكذا لو أحيا أرضاً مواتاً فظهر فيها معدن فإنّه يملكه وإن كان ظاهراً، إلا أن يكون ظهوره سابقاً على إحيائه وحيث يُملك المعدِنُ يُملك حريمه، وهو منتهى عُروقه عادةً ومَطْرَحُ ترابه وطريقه وما يتوقَّفُ عليه عمله إن عَمِلَه عنده. ولو كان المعدِنُ في الأرضِ المختصة بالإمام(عليه السلام) ، فهو له تبعاً لها، والناسُ في غيره شَرع على الأقوى، وقد تقدَّم الكلام فيه في باب الخمس.

ص: 107

ص: 108

کتاب الصيد والذباحة

اشارة

(وفيه فصول) ثلاثة:

ص: 109

ص: 110

الفصل الأول في آلة الصيد

(يجوز الاصطياد) بمعنى إثباتِ الصيد وتحصيله (بجميع آلاته) التي يمكن تحصيله بها، من السيف والرمح والسهم والكلب والفهد والبازي والصفر والعقاب والباشق والشَرَك والحِبالة والشبكة والفَخّ والبندق وغيرها.

(و) لكن( لا يُؤْكَل منها ) أي من الحيواناتِ المَصِيدة المدلول عليها بالاصطياد ( ما لم يُذَكَّ) بالذبح بعد إدراكه حياً، فلو أدركه بعد رميه ميّتاً أو مات قبل تذكيته لم يَحِلّ (إلّا ما قَتَله الكلبُ المُعَلَّم) دون غيره، على أظهر الأقوال(1) والأخبار(2) .

ويثبت تعليمُ الكلب بكونه (بحيث يسترسل) أي ينطلق( إذا أرسل، ويَنزجِر) ويَقِفُ عن الاسترسال (إذا زُجر (3) عنه، ولا يعتادُ أكل ما يُمْسِكُه )من الصيد.

(ويتحقق ذلك) الوصفُ وهو الاسترسال والانزجار وعدم الأكل (بالتكرار على هذه الصفاتِ) الثلاث مراراً يُصدق بها التعليم عرفاً، فإذا تحقق كونه مُعَلَّماً حَلَّ مقتوله، وإن خلا عن الأوصاف إلى أن يَتكرَّر فَقْدُها على وجه يصدق عليه

ص: 111


1- لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 365 - 367. المسألة 62 وغاية المراد، ج 3، ص 347 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
2- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 331 - 333، وص 339 - 340، الباب 1 و 3 من أبواب الصيد.
3- قبل رؤية الصيد. (زين رحمه الله )

زوالُ التعليم عرفاً ثمّ يَحرُم مقتوله ، ولا يعود إلى أن يتكرر اتصافه بها كذلك، وهكذا.

(ولو أكل نادراً أو لم يسترسل نادراً لم يَقدَح) في تحققِ التعليم عرفاً، ولا في زواله بعد حصوله، كما لا يقدَح حصول الأوصاف له نادراً، وكذا لا يقدح شربه الدم.

(ويجب) مع ذلك - بمعنى الاشتراط - أمور:

(التسمية) لله تعالى من المُرسل (عند إرساله) الكلب المعلَّم، فلو تركها عمداً حَرُم، ولو كان نسياناً حَلَّ إن لم يذكر قبل الإصابة، وإلّا اشترط استدراكها عند الذكر ولوْ مقارنةً لها.

ولو تركها جهلاً بوجوبها، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان : من أنه عامد، ومن أنّ «الناس في سعةٍ ممّا لم يعلموا»(1)، وألحقه المصنف في بعض فوائده بالناسي(2).

ولو تَعمَّد تَرْكَها عند الإرسال ثمّ استدركها قبل الإصابة، ففي الإجزاء قولان(3)، أقربهما الإجزاء؛ لتناول الأدلة له مثل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ أَسْمُ اللهِ عَلَيْهِ﴾(4) ﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ(5)(6)، وقول الصادق(عليه السلام) : «كُل ما قتله الكلبُ إذا سَمَّيْتَ»(7)، ولأنّه أقرب إلى الفعل المعتبر في الذكاة فكان أولى؛

ص: 112


1- الكافي، ج 6 ، ص 297، باب النوادر، ح 2 وفيه: هم في سعة حتّى يعلموا؛ أورد نصه الشهيد في غاية المراد ج 1، ص 83 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1) ؛ وابن أبي الجمهور في عوالي اللآلي ، ج 1، ص 424، ح 109 .
2- انظر القواعد والفوائد، ج 1، ص 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
3- القول بالإجزاء للعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 312 - 313؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 2. ص 324 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10): والقول الآخر ظاهر المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 155.
4- الأنعام (6): 121
5- في الأصل: «واذكروا الله»!
6- المائدة (5): 4
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 24، ح 97

ووجه المنع دلالة بعض الأخبار على أنّ محلَّها الإرسال(1)، ولأنه إجماعي وغيره مشكوك فيه . ولا عبرة بتسمية غيرِ المُرسل. ولو اشتَرَك في قتله كلبان مُعَلَّمان اعتُبِر تسمية مُرْسِلَيْهما، فلو تركها أحدهما أو كان أحد الكلبين غير مُرسَل أو غير معلَّمٍ لم يَحِلّ.

والمعتبرُ من التسمية هنا وفي إرسال السهم والذبح والنَّحْر ذكرُ اللهِ المقترِنُ بالتعظيم؛ لأنه لأنه المفهوم منه كإحدى التسبيحات الأربع. وفي «اللهم اغفر لي» «أو ارحمني»، أو «صلّ على محمد وآله قولان(2)، أقربهما الإجزاء، دون ذكر الله مجرداً، مع احتماله لصدق الذكر، وبه قطع الفاضل(3).

وفي اشتراط وقوعه بالعربية قولان(4): من صدقِ الذكر، وتصريح القرآن باسم الله العربي، والأقوى الإجزاء؛ لأنّ المراد من الله تعالى في الآية الذاتُ لا الاسم. وعليه يتفرع ذكرُ الله تعالى بأسمائه المختصة به غير «الله»، فعلى الأوّل يُجزئ لصدق الذكر، دون الثاني، ولكن هذا مما لم يُنبهوا عليه.

(وأن يكون المُرسِلُ مسلماً أو بحكمه) كولدِه المميّز غير البالغ ذَكَراً كان أم أُنثى، فلو أرسله الكافرُ لم يَحِلّ وإنْ سَمَّى، أو كان ذمّيّاً على الأصح(5)، وكذا الناصب من المسلمين والمُجَسِّمُ، أما غيرُهما من المخالفين ففي حِلّ صيده الخِلافُ الآتي في الذبيحة. ولا يَحِلّ صيد الصبي غير المميز ولا المجنون؛ لاشتراط القصد، وأما الأعمى فإن تُصُوِّر فيه قصد الصيد حَلَّ صيده وإلا فلا.

ص: 113


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 26، ح 106.
2- القول بالإجزاء للشهيد في الدروس الشرعية ، ج 2، ص 324 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10) ولم نعثر على القول الآخر.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 607، الرقم 6208.
4- القول بعدم الاشتراط للعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 607 ، الرقم 6208؛ أما القول باشتراط العربية لم نعثر عليه.
5- نقلهما العلامة عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة، ج 8، ص 316، المسألة 28.

(وأن يُرسله للاصطياد) فلو استرسل من نفسه أو أرسله لا للصيد فصادَفَ صيداً فقتله لم يَحِلّ وإنْ زاده إغراء. نعم، لو زَجَره فوَقَف ثمّ أَرسله حَلَّ.

( وأن لا يَغِيبَ الصيد) عن المُرسِل (وحياتُه مستقِرَّةٌ) بأن يمكن أن يَعِيش ولوْ نصف يوم، فلو غاب كذلك لم يَحِلّ؛ لجواز استناد القتل إلى غير الكلب، سواءٌ وَجَد الكلب واقفاً عليه أم لا، وسواءٌ وَجَد فيه أثراً غيرَ عَضَةِ الكلب أم لا، وسواءٌ تَشاغَلَ عنه أم لا. وأولى منه لو تَرَدَّى من جَبَلٍ ونحوه وإنْ لم يَغِبْ؛ فإن الشرط موته بجرح الكلب حتى لو مات بإتعابه أو غَمِّه لم يَحِلّ. نعم، لو عَلِم انتفاءَ سبب خارجي أو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرة وصار في حكم المذبوح أو تَرَدَّى كذلك حَلَّ. ويُشترَط مع ذلك كون الصيد ممتنعاً سواء كان وحشيّاً أم أهلياً، فلو قتل غير الممتنع من الفُرُوخ أو الأهلية لم يَحِلّ.

(ويُؤْكَلُ أيضاً من الصيد ما قتله السيفُ والرُّمْحُ والسَهْمُ وكلُّ ما فيه نَصْلُ) حديدٍ سواءٌ خَرَقَ أم لا، حتّى لو قطعه بنصفين، اختَلَفا أم اتَّفَقا، تَحَرَّكا أم لا حَلّا، إلا أن يكون ما فيه الرأس مستقر الحياة فيُذَكَّى ويَحرُم الآخَرُ (والمِعراضُ) ونحوه من السهام المحدَّدة التي لا نَصْل فيها (إذا خَرَق اللحم) فلو قتل مُعتَرِضاً لم يَحِلّ، دون المُتَقَل الحَجَرِ والبُنْدُقِ فإنّه لا يَحِلَّ وإنْ خَرَق وكان البندق من حديد والظاهرُ أنّ الدبوس بحكمه، إلا أن يكون محدداً بحيث يصلح للخرق وإن لم يخرق.

(كلّ ذلك مع التسمية) عند الرمي أو بعده قبل الإصابة، ولو تركها عمداً أو سهواً أو جهلاً فكما سبق.

(والقصد) إلى الصيد، فلو وقع السهم من يده فقتله أو قصد الرَمْيَ لا له فقتله، أو قصد خنزيراً فأصاب ظَبْياً أو ظَنَّه خنزيراً فبان ظَبْياً لم يَحِلّ. نعم، لا يُشترط قصد عينه حتى لو قصد فأخْطَاً فقتل صيداً آخَرَ حَلَّ، ولو قصد محلَّلاً ومحرَّماً حَلّ المحلل.

ص: 114

(والإسلام) أي إسلام الرامي أو حكمه، كما سلف(1). وكذا يُشترط موتُه بالجَرْح، وأن لا يغيب عنه وفيه حياةٌ مستقرّة، وامتناع المقتول كما مر(2) . (ولو اشترك فيه آلتا مسلم وكافر) أو قاصدٍ وغيره، أو مُسِمٌ وغيره، وبالجملة فآلة جامع للشرائط وغيره .

(لم يَحِلّ، إلّا أنّ يُعلَم أن جَرْحَ المسلم) ومَن بحكمه (أو كلبه) لو كانت الآله كلبين فصاعداً هو القاتل خاصةً، وإن كان الآخَرُ مُعِيناً على إثباته.

( ويحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة)؛ لقُبح التصرف في مال الغير بغير إذنه (و) لكن (لا يحرم الصيد) بها ويملكه الصائد (وعليه أُجرة الآلة) سواء كانت كلباً أم سلاحاً.

(ويجب عليه غَسلُ موضعِ العَضَةِ) من الكلب، جمعاً بين نَجاسةِ الكلب وإطلاق الأمر بالأكل(3). وقال الشيخ: لا يجب(4)؛ لإطلاق الأمر بالأكل منه من غير أمر بالغسل.

وإنما يحلّ المقتول بالآلة مطلقاً، إذا أدركه ميتاً أو في حكمه (ولو أدرك ذو السهم أو الكلب الصيد) مع إسراعه إليه حال الإصابة (وحياتُه مستقرّة ذكاه، وإلّا) يُسرع أو لم يُذَكِّه(حَرُم إن اتَّسع الزمانُ لذبحه) فلم يفعل حتى مات.

ولو قصر الزمان عن ذلك فالمشهور حِلُّه وإن كانت حياته مستقرةً، ولا منافاة بين استقرار حياته وقصور الزمان عن تذكيته مع حضور آلاته؛ لأن استقرار الحياة مناطه الإمكان، وليس كلُّ ممكن بواقع ولو كان عدم إمكان ذكاته لغيبة الآلة التي تقع بها الذكاة أو فَقْدِها بحيث يفتقر إلى زمان طويل عادةً، فاتَّفق موتُه فيه لم يحلّ قطعاً.

ص: 115


1- سلف في ص 113.
2- مر في ص 114 .
3- المائدة (5): 4
4- الخلاف ج 6، ص 12، المسألة8 .

الفصل الثاني في الذباحة

غَلَّب العنوان عليها - مع كونها أخصَّ ممّا يُبحث عنه في الفصل؛ فإنّ النحر خارج عنها - تجوزاً في بعض الأفراد أو أشهرها، ولو جَعَل العنوان «الذكاة» - كما فَعَل في الدروس(1)- كان أجود لشموله الجميع.

(ويُشترط في الذابح الإسلام أو حكمه) وهو طفله المميز، فلا تَحِلَّ ذَبيحة الكافر مطلقاً، وَتَنِيّاً كان أم ذمّيّاً، سُمِعت تسميته أم لا، على أشهر الأقوال، وذهب جماعة (2) إلى حل ذبيحة الذمّي إذا سُمِعت تسميته، وآخرون ذبيحة غير المجوسي مطلقاً(3)، وبه أخبار حِلّ صحيحة(4) ، معارضة بمثلها (5)وحُمِلت على التقيّة أو الضرورة(6).

( ولا يُشترط الإيمانُ) على الأصح؛ لقول أمير المؤمنين(عليه السلام) : «من دانَ بكلمة الإسلام وصام وصلّى فذبيحته لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه»(7) ومفهوم الشرط أنه إذا لم يَذكُر اسم الله لم يحلّ.

وهل يُشترط مع الذكر اعتقاد وجوبه؟ قولان(8): مِن صدق اسم ذكر الله عليه،

ص: 116


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 335 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- منهم الشيخ الصدوق في المقنع، ص 417.
3- نقله عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 316، المسألة 28.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 68 - 69 ، ح 287 - 294 .
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 65 - 66، ح 275 - 280.
6- كما في مختلف الشيعة، ج 8، ص 318 - 319، المسألة 28.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 71، ح 300.
8- القول بالاشتراط للعلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 320، المسألة :29؛ القول بالعدم للشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وأصالة عدم الاشتراط، ومن اشتَرَطه اعتبر إيقاعه على وجهه كغيره من العبادات الواجبة، والأوّل أقوى.

وحيث لم يُعتبر الإيمان صح مع مطلق الخلاف إذا لم يكن بالغاً حدَّ(النصب)لعداوة أهل البيت(عليهم السلام) ، فلا تَحِلّ حينئذٍ ذبيحته؛ لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «ذبيحة الناصب لا تحلّ»(1)، ولارتكاب الناصب خِلافَ ما هو المعلوم من دين النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ثبوته ضرورةً فيكون كافراً فيتناوله ما دلّ على تحريم ذبيحة الكافر، ومثله الخارجى والمُجَسم.

وقَصَر جماعة(2)الحِلَّ على ما يَذبَحه المؤمنُ؛ لقول الكاظم(عليه السلام) لزكريا بن آدم : «إنّي أنهاك عن ذبيحة من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه»(3) ويُحمل على الكراهة بقرينة الضرورة فإنّها أعمُّ مِن وقتٍ تَحِلّ فيه المَيْتَةُ. ويمكن حملُ النهي الوارد في جميع الباب عليه عليها جمعاً، ولعله أولى من الحمل على التقيّةِ (4)والضرورة.

(ويَحِلّ ما تَذبَحه المسلمةُ والخَصِيُّ ) والمجبوبُ (والصبيُّ المميز)، دون المجنون ومَن لا يميّز لعدم القصد،

(والجنب ) مطلقاً (والحائض) والنفساء لانتفاء المانع مع وجود المقتضى للحل.

(والواجب في الذبيحة أُمور سبعة)

[الأمر] (الأول(5): أن يكون) فَرْيُ الأعضاء (بالحديد) مع القدرة عليه ؛ لقول

ص: 117


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 71، ح 301.
2- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 439؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 105 - 106؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 277
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 70 ، ح 298
4- تقدّم تخريجه في ص 116 ، الهامش 6.
5- في الأصل، وفي نسخة «ن»: «أ ، ب ، ج ...»

الباقر(عليه السلام): «لا ذكاة إلا بالحديد» (1)(فإن خِيفَ فوتُ الذبيحة) بالموت وغيره (وتَعذَّر الحديد جاز بما يَفْرى الأعضاء من لَيْطَةٍ) وهى القشر الأعلى للقَصَب المتصل به، (أو مَرْوَةٍ حادةٍ) وهي حَجَرٌ يَقدَح النار،( أو زُجاجِةٍ)، مخير في ذلك من غير ترجيح. وكذا ما أَشبَهَها من الآلاتِ الحادّةِ غير الحديد؛ لصحيحة زيدٍ السَّحام عن الصادق(عليه السلام) قال : «اذْبَح بالحجر وبالعظم وبالقصبة وبالعُود إذا لم تُصِب الحديد، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(2). وفي حسنة عبد الرحمن عن الكاظم (عليه السلام)قال : سألته عن المَرْوَةِ والقَصَبَةِ والعُودِ نَذبح بها إذا لم نجد سكيناً. قال: «إذا فَرَى الأوداج فلا بأس بذلك»(3).

(وفي الظُّفْر والسنّ) متصلين ومنفصلين (للضرورة قول بالجواز) (4)؛ لظاهر الخبرين السالفين، حيث اعتبر فيهما قطع الحلقوم وفَرْي الأوداج ولم يُعتبر خصوصية القاطع وهو موجود فيهما. ومنعه الشيخ في الخلاف(5) محتجاً بالإجماع، ورواية رافع بن خَدِيج أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «ما أَنْهار(6) الدم وذكر اسم الله عليه فكُلُوا، إلا ما كان من سِنٌ أو ظُفُرٍ، وسأُحَدِّتُكم عن ذلك: أمّا السن فعظم من الإنسان، وأما الظفر فمُدَى الحبشة»(7). والرواية عاميّة، والإجماع ممنوع. نعم، يمكن أن يقال - مع اتصالهما -: إنه يخرج عن مسمّى الذبح، بل هو أشبه بالأكل والتقطيع. واستقرب المصنف في الشرح المنع منهما مطلقاً (8).

وعلى تقدير الجواز هل يُساوِيان غيرهما ممَّا يَفرِي غير الحديد، أو يترتبان على

ص: 118


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 51 ، ح 211 .
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 51 ، ح 213
3- الفقيه، ج 3، ص 326، ح 4166.
4- اختاره ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 86
5- الخلاف، ج 6، ص 22 - 23، المسألة 22.
6- كذا في النسخ، وفي المصدر: «أنهر»
7- السنن الكبرى البيهقي، ج 9، ص 414، ح 18935؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1558 ، ح 1968/20.
8- غاية المراد، ج 3، ص 361 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

الفصل الثاني في الذباحة ه 119

غيرهما مطلقاً؟ مقتضى استدلال المجوّز بالحديثين الأوّل، وفي الدروس استقرب الجواز بهما مطلقاً مع عدم غيرهما(1)، وهو الظاهر من تعليقه الجواز بهما هنا على الضرورة؛ إذ لا ضرورة مع وجود غيرهما، وهذا هو الأولى.

[الأمر) (الثاني: استقبال القبلة)(2)بالمذبوح لا استقبال الذابح. والمفهوم من استقبال المذبوح الاستقبال بمَقَادِيم بدنه ومنه مَذْبَحُه، وربما قيل بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصةً (3)، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر

(عليه السلام)قال: سألته عن الذبيحة. فقال: «اسْتَقْبِل بذبيحتك القبلة»(4) ، الحديث، تدلّ على الأوّل.

هذا (مع الإمكان) ومع التعذّر - لاشتباء الجهة أو الاضطرار لتَرَدِّي الحيوان أو استعصائِه أو نحوه - يَسقُط .

(ولو تركها ناسياً فلا بأس)؛ للأخبار الكثيرة(5) وفي الجاهل وجهان، وإلحاقه بالناسي ،حسن، وفي حسنة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل ذَبح ذبيحةً فجَهل أن يُوَجِّهها إلى القبلة. قال : «كُل منها»(6).

[الأمر) (الثالث: التسمية) عند الذبح (وهي أن يذكر الله تعالى) كما سبق(7)، فلو تركها عمداً فهي مَيْتَةٌ إذا كان معتقداً لوجوبها. وفي غير المعتقد وجهان، وظاهرُ

ص: 119


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- أجمع الأصحاب على اشتراط استقبال القبلة في الذبح والنحر وأنه لو أخل به عامداً حرمت ولو كانت ناسياً لم تحرم لحسنة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن ذبيحة ذبحت بغير القبلة فقال (عليه السلام): «كل لا بأس بذلك ما لم يتعمد». ومثلها حسنة الحلبي عنه(عليه السلام) ، والجاهل هنا كالناسي لحسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل ذبح ذبيحة جهل أن يوجهه إلى القبلة قال: «كل منها وقال(عليه السلام) : «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» ومَن لا يعتقد وجوب الاستقبال في معنى الجاهل فلا تحرم ذبیحته( زین رحمه الله)
3- لم نعثر عليه.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 53 ، ح 220.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 59 - 60، ح 250 - 252.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 60. ح 253.
7- سبق في ص 112.

الأصحاب التحريم ؛ لقطعهم باشتراطها من غير تفصيل.

واستشكل المصنِّفُ(1) ذلك بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصباً، ولا ريب أنّ بعضهم لا يعتقد وجوبها(2)، ويمكن دفعه بأن حكمهم بحل ذبيحته من حيثُ هو مخالف، وذلك لا يُنافي تحريمها من حيث الإخلال بشرط آخَرَ. نعم، يمكن أن يقال بحلها منه عند اشتباه الحال؛ عملاً بأصالة الصحة وإطلاق الأدلة، و ترجيحاً للظاهر من حيثُ رُجحانها عند من لا يُوجبها، وعدم اشتراط اعتقاد الوجوب، بل المعتبرُ فعلُها كما مر(3). وإنّما يُحكم بالتحريم مع العلم بعدم تسميته، وهذا ،حسن، ومثله القول في الاستقبال.

(ولو تركها ناسياً حل )؛للنص(4) . وفي الجاهل الوجهان، ويمكن إلحاق المخالف الذي لا يعتقد وجوبها بالجاهل؛ لمشاركته له في المعنى، خصوصاً المقلّد منهم.

[الأمر] (الرابع: اختصاص الإبل بالنحر) وذكره في باب شرائط الذبح استطراد أو تغليب لاسم الذبح على ما يشمله( وما عداها ) من الحيوان القابل للتذكية غير ما يُستثنى (بالذبح، فلو عكس) فذَبَح الإبل أو جَمَع بين الأمرين أو نَحَر ما عداها مختاراً ( حَرُمَ) ومع الضرورة كالمُستَعْصِي يَحِلّ كما يحلّ طعنه كيف اتفق.

ولو استدرك الذبح بعد النحر أو بالعكس احتمل التحريم؛ لاستناد موته إليهما وإنْ كان كلُّ منهما كافياً في الإزهاق لو انفرد، وقد حكم المصنف(5) وغيره(6) باشتراط استناد موته إلى الذكاة خاصةً، وفرَّعوا عليه أنه لو شرع في الذبح فنَزَعَ آخَرُ حُشْوَتَه معاً فمَيْتةً، وكذا كلَّ فعل لا تَستقِرّ معه الحياة وهذا منه، والاكتفاء بالحركة بعد الفعل المعتبر

ص: 120


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 340 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- انظر المجموع شرح المهذب، ج 8، ص 408 - 409.
3- تقدم في ص 117.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 59 - 60، ح 250 - 252.
5- الدروس الشرعية، ج 2، ص 340 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
6- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 160.

أو خروج الدم المعتدل كما سيأتي(1) .

[الأمر] (الخامس: قطع الأعضاء الأربعة) في المذبوح (وهي المَرِيء) بفتح الميم والهمز آخِرَه (وهو مجرى الطعام) والشراب المتصل بالحلقوم (والحلقوم) بضمّ الحاء (وهو للنفس ) أي المُعَدّ لِجَرْيِه فيه ،(والوَدَجَان وهما عِرْقان يَكتَنِفان الحلقوم) فلو قطع بعض هذه لم يحل وإنْ بَقِي يسير. وقيل: يكفي قطع الحلقوم(2)؛لصحيحة زيدٍ الشحام عن الصادق(عليه السلام) : «إذا قطع الحلقوم وجرى الدم فلا بأس»(3). وحُمِلت على الضرورة(4) ؛ لأنّها وردت في سياقها مع معارضتها بغيرها.

ومحلُّ الذبح الحلق تحتَ اللَّحْيَين، ومحلُّ النحر وَهْدَةُ اللَّيَّةِ. (و) لا يُعتبر فيه قطعُ الأعضاء بل يكفى) فى المنحور طعنه في وَهْدَة (اللَبّبة) وهي تُغرة النحر بين التَرْقُوتَين. وأصلُ الوَهْدة المكان المطمئن وهو المنخفض، واللبة - بفتح اللام وتشديد الباء - المَنْحَر. ولا حد للطعنة طولاً ولا عرضاً بل المعتبرُ موته بها خاصةً.

[الأمر] (السادس: الحركة بعد الذبح) أو النحر، ويكفي مسمّاها في بعض الأعضاء كالذنب والأُذُن، دون التقلص والاختلاج فإنّه قد يحصل في اللحم المسلوخ (أو خروج الدم المعتدل) وهو الخارج بدفع لا المُتَناقِل، فلو انتَفَيا حَرُم؛ لصحيحة الحلبي(5) على الأوّل، ورواية الحسين بن مسلم (6)على الثاني. واعتبر جماعة اجتماعهما(7)، وآخرون الحركة وحدها(8) لصحة روايتها وجهالة الأُخرى بالحسين، وهو

ص: 121


1- يأتي عن قريب.
2- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 369، المسألة 66.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 51، ح 213
4- حملها الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 339 - 340(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 56. ح 235
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 56. ح 236.
7- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 580: والديلمي في المراسم ص 209؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 428.
8- منهم الشيخ الصدوق في المقنع، ص 416: والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 326، المسألة 34؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 110.

الأقوى. وصحيحةُ الحلبي وغيرها (1)مصرحة بالاكتفاء في الحركة بطَرْفِ العين أو تحريك الذنّب أو الأُذُنِ، من غير اعتبار أمرٍ آخَرَ.

ولكنّ المصنِّفَ هنا وغيره من المتأخرين(2)اسْتَرَطوا مع ذلك أمراً آخَرَ، كما نبه عليه بقوله : ( ولو علم عدم استقرار الحياة حَرُمَ)، ولم نَقِفْ لهم فيه على مستند، وظاهرُ القدماء - كالأخبار - الاكتفاء بأحد الأمرين، أو بهما من غير اعتبار استقرار الحياة، وفي الآية إيماء إليه، وهي قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾إلى قوله : ﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾(3) ، ففي صحيحة زرارة عن الباقر ، في تفسيرها: «إن أدركت شيئاً منها عين تَطرف، أو قائمة تَركُضُ أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله»(4)، ومثلها أخبار كثيرة(5).

قال المصنف في الدروس: وعن يحيى أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب، ونعم ما قال(6). وهذا خلافُ ما حَكَم به هنا وهو الأقوى فعلى هذا يُعتبر في المُسْرِفِ على الموت وأكيل السبع وغيره الحركة بعد الذبح وإن لم يكن مستقر الحياة، ولو اعتبر معها خروج الدم المعتدل كان أولى.

[الأمر] (السابع : متابعةُ الذَبح حتَّى يَستَوفِي) قطع الأعضاء، فلو قطع البعض وأرسله ثم تَمَّمه أو تثاقل بقطع البعض حَرُمَ إن لم يكن في الحياة استقرار؛ لعدم صدق الذبح مع التفرقة كثيراً؛ لأنّ الأوّلَ غيرُ مُحَلِّل، والثاني يجري مجرى التجهيز على الميّت. ويُشكل مع صدق اسم الذبح عرفاً، ويمكن استناد الإباحة إلى الجميع، ولولاه لورد مثله مع التوالي، واعتبار استقرار الحياة ممنوع، والحركة اليسيرة الكافية مصححة

ص: 122


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 56 - 57، ح 235 و 237.
2- كابن إدريس في السرائر ، ج 3، ص 108؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 158؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 322
3- المائدة (5): 3
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 58 ، ح 241.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 56 و 57 ، ح 235 و 237 .
6- الدروس الشرعية، ج 2، ص 342 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

فيهما مع أصالة الإباحة إذا صَدَق اسم الذبح، وهو الأقوى.

(و) على القولين (لا تَضُرّ التفرقةُ اليسيرة) التي لا تخرج عن المتابعة عادةً.

(ويُستحَبٌ نَحْرُ الإبل قد رُبطَتْ أخفافُها) أي أخفاف يَدَيْها (إلى آباطِها) بأن يَربُطَهما معاً مجتمعين من الخُفّ إلى الآباط ورُوِيَ أنّه يَعقِل يدها اليسرى من الخُفِّ إلى الركبة ويُوقفها على اليمنى(1)، وكلاهما حسن؛( وأُطلِقت أَرجُلُها، والبقر تُعقل يداه ورجلاه ويُطلق ذنبه، والغَنَم تُربط يداه ورجل واحدةٌ) وتُطلق الأخرى (ويُمسك صُوفَه وشَعْرُه ووَبَرُه حتّى يَبرُدَ) وفي رواية حُمران بن أعين: «إن كان من الغنم فأَمْسِك صوفَه أو شعره، ولا تُمْسِكَنَّ يداً ولا رجلاً»(2) والأشهر الأول (والطيرُ) يُذبَح ( ويُرسل) ولا يُمسك ولا يُكتف .

(ويُكرَهُ أن تُنخَع الذبيحة ) وهو أن يُقطع نخاعُها قبل موتها، وهو الخَيطُ الأبيض وسط الفقار - بالفتح - ممتداً من الرقبة إلى عَجب الذنب - بفتح العين وسكون الجيم - وهو أصله. وقيل: يحرم(3)؛ لصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تنخَع الذبيحة حتى تموت، فإذا ماتت فانْخَعها»(4)، والأصل في النهي التحريم، وهو الأقوى، واختاره في الدروس(5). نعم، لا تحرم الذبيحة على القولين.

(وأن يقلِبَ السكّين) بأن يُدخِلَها تحت الحلقوم وباقي الأعضاء (فيَذبَح إلى فوق لنهي الصادق (عليه السلام) عنه في رواية حُمران بن أعين(6)ومِن ثَمَّ قيل بالتحريم(7) حملاً للنهي عليه، وفي السند من لا تثبت عدالته، فالقول بالكراهة أجود.

ص: 123


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 221 . ح 745.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 55، ح 227.
3- قال به الشيخ في النهاية. ص 584؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 440.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 55. ح 228 .
5- الدروس الشرعية ، ج 2، ص 342 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
6- تقدم آنفاً في الهامش 3.
7- قال به الشيخ في النهاية، ص 584: والقاضي في المهذب، ج 2، ص 440.

(والسلخ قبل البزد)؛ لمرفوعة محمّد بن يحيى عن الرضا(عليه السلام) : «إذا ذُبِحَت وسُلِخَت أو سُلخ شيءٌ منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها»(1)(2)، وذهب جماعة(3) ، منهم المصنف في الدروس والشرح(4)، إلى تحريم الفعل استناداً إلى تلازم تحريم الأكل و تحريم الفعل. ولا يخفى منعه، بل عدم دلالته على التحريم والكراهة. نعم، يمكن الكراهة من حيث اشتماله على تعذيب الحيوان على تقدير شعوره، مع أنّ سَلْخَه قبل بَرده لا يستلزمه ؛ لأنّه أعمُّ مِن قَبْليّة الموت ، وظاهرُهم أنهما متلازمان، وهو ممنوع، ومِن ثُمَّ جاز تغسيل ميت الإنسان قبل برده، فالأولى تخصيص الكراهة بسلخه قبل موته.

(و إبانة الرأس عمداً) حالة الذبح للنهي عنه في صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر، قال: «لا يَنخَع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح»(5). (وقيل) والقائل الشيخ في النهاية (6)وجماعة(7)(بالتحريم) ؛ لاقتضاء النهي له مع صحة الخبر، وهو الأقوى.

وعليه هل تَحْرُم الذبيحةُ ؟ قيل: نعم(8)؛ لأنّ الزائد عن قطع الأعضاء يُخرجه عن كونه

ص: 124


1- اعلم أنّ الرواية مع عدم دلالتها على موضع النزاع مرسلة ؛ لأنّ محمّد بن يحيى لم يدرك الرضا(عليه السلام) إنما رفعه اليد(عليه السلام) وهو طريق آخر لردّها والمصنف في الشرح غاية المراد، ج 3، ص 365 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج (3) اعتذر عن ذلك بأن الرفع في الاصطلاح بمعنى الإسناد، وضعف بأنه مع تسليمه لا يستلزم كونه على وجه يصلح للحجة ؛ لأن السند حينئذٍ مجهول فهو بمعنى الإرسال. وأعجب من ذلك أنه جعلها في الدروس الشرعية، ج 2، ص 343 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10] مقطوعة مع كونها مروية عن الرضا(عليه السلام)، والمقطوع ما لم يذكر فيه المروي عنه من النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام(عليه السلام) . (منه رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 56 ، ح 233.
3- منهم: الشيخ في النهاية، ص 584 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 440 وابن حمزة في الوسيلة، ص 360.
4- غاية المراد، ج 3، ص 365؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 343 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3 و 10).
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 60، ح 252.
6- النهاية، ص 584
7- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 440؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 360؛ والشهيد في الدروس الشرعية. ج 2، ص 342 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
8- قال به الشيخ في النهاية، ص 584؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 397.

ذبحاً شرعياً فلا يكون مُبيحاً. ويُضعف بأنّ المعتبر فى الذبح قد حصل فلا اعتبار بالزائد وقد رَوَى الحلبي في الصحيح عن الصادق(عليه السلام) ، حيث سُئِل عن ذَبح طيرٍ قُطِع رأسه، أَيُؤْكَل منه؟ قال: «نعم، ولكن لا يتعمَّد قطع رأسه»(1). وهو نص؛ ولعموم قوله تعالى:﴿ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (2) فالمتجه تحريم الفعل دون الذبيحة فيه وفي كل ما حُرم سابقاً.

ويمكن أن يكون القولُ المحكيُّ بالتحريم متعلقاً بجميع ما ذكر مكروهاً لوقوع الخلاف فيها أجمع، بل قد حرمها المصنِّفُ في الدروس(3)إِلَّا قَلْبَ السكين فلم يَحكُم فيه بتحريم ولا غيره، بل اقتصر على نقل الخلاف.

(وإنّما تَقَع الذكاة على حيوان طاهر العين، غير آدمي ولا حشارٍ) وهي ما سكن الأرض من الحيوان كالفَارِ والضَبّ وابنِ عِرْس (ولا تقع على الكلب والخنزير) إجماعاً (ولا على الآدمي وإن كان كافراً) إجماعاً، (ولا على الحشرات ) على الأظهر؛ للأصل. إذ لم يَرِدْ بها نص (وقيل: تقع)(4)، وهو شاذ.

(والظاهرُ وقوعها على المُسُوخ والسباع)؛ لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) أنه سُئِل عن سباع الطَّيْرِ والوَحْشِ حتّى ذُكِر القَنَافِدُ والوَطْوَاطُ والحَمِيرُ والبغالُ والخَيلُ. فقال: «ليس الحرام إلا ما حرَّمه الله في كتابه»(5). وليس المراد نفي تحريم الأكل؛ للرواياتِ الدالة على تحريمه(6) ، فبَقِيَ عدم تحريم الذكاة. ورَوَى حَمَّادُ بنُ عثمان عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) عَزُوفَ النفس، وكان يَكرَه الشيءَ ولا يُحَرِّمُه، فأُتِيَ بالأَرْنَب فكَرِهَها ولم يُحَرِّمها»(7). وهو محمول أيضاً على عدم تحريم

ص: 125


1- الفقيه، ج 3، ص 328 ، ح 4175.
2- الأنعام (6) : 118
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 342 - 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- راجع غاية المراد، ج 3، ص 358 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 42، ح 176
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 42، ح 176
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 43، ح 180.

ذكاتها وجلودها جمعاً بين الأخبار(1) والأرنب من جملة المسوخ، ولا قائل بالفرق بينها.

وروى سماعة قال: سألته عن لحوم(2)السباع وجلودها؟ فقال: «أما اللحوم، فدَعْها، وأمّا الجُلُود، فازكَبوا عليها، ولا تُصَلُّوا فيها»(3). والظاهرُ أنّ المسؤول الإمام. ولا يخفى بُعد هذه الأدلّة. نعم، قال المصنف في الشرح : إنّ القولَ الآخَرَ في السباع لا نعرفه لأحدٍ منا(4). والقائلون بعدم وقوع الذكاة على المسوخ أكثرهم عللوه بنجاستها، وحيث ثبت طهارتها في محلّه تَوَجَّه القولُ بوقوع الذكاة عليها إن تمّ ما سَبَق.

ويُستثنى من المُسوخ الخنازير لنجاستها، والضَبُ والفَارُ والوَزَعُ لأنّها من الحشار وكذا ما في معناها، ورَوَى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله(عليه السلام) : «أنّ المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً: القِرَدَةُ والخنازيرُ والخُفّاش والذئب والدب والفيلُ والدُعْموص والجريث والعقرب وسهيل والزهرة والعنكبوت والقُنْفُذ». قال الصدوق (رحمه الله):

والزهرة وسهيل دابتان وليستا نجمين ولكن سُمِّي بهما النجمان كالحَمَل والثور.

- قال: -والمُسوخ جميعُها لم تَبْقَ أكثر من ثلاثة أيّام ثم ماتت وهذه الحيوانات على صُورِها، سميت مسوخاً استعارة(5).

ورُوِيَ عن الرضا (عليه السلام) زيادة الأرنب والفأرة والوزغ والزُنْبُور(6)، ورُوِيَ إضافهُ الطاووس (7).

والمراد بالسباع الحيوانُ المُفْتَرِسُ كالأسد والنمر والفهد والتعْلَب والهر.

ص: 126


1- حمله على ذلك فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 131.
2- كذا في المصدر، وفي النسخ: «تحريم».
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 79 ، ح 338
4- غاية المراد، ج 3، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
5- الخصال، ص 493 - 495 ، ح 1-2.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 39 ، ح 166.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 18، ح 70

الفصل الثالث في اللواحق

(وفيه مسائل)

[المسألة] :الأولى: (ذكاةُ السَمَكِ) المأكول (إخراجه من الماء حيّاً) بل إثبات اليد عليه خارج الماء حيّاً وإن لم يخرجه منه، كما نبه عليه بقوله (ولو وَثَبَ فأَخْرَجه حيّاً أو صار خارج الماء) بنفسه (فأخذه حيّاً حَلَّ ، ولا يكفي) في حِلّه (نظره) قد خرج من الماء حيّاً ثم مات على أصح القولين(1)؛ لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في حسنة الحلبي: «إنّما صَيد الحيتان أخُذُه»(2).وهي للحصر. ورَوَى علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد فماتت أيصلح أكلها؟ قال: «إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها»(3).

وقيل: يكفي في حلّه خروجه من الماء وموته خارجه، وإنّما يَحرُم بموته في الماء(4)؛ الرواية سَلَمَةَ بن أبي حَفْص عن أبي عبد الله : أنّ عليّاً كان يقول في الصيد: السمك إذا أدركتها وهي تضطرب وتضرب بيديها وتُحرّك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها»(5) وروى زرارة قال قلتُ: السمكة تَثبُ من الماء فتَقَعُ على الشط فتضطرب

ص: 127


1- اختاره المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 162؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 323؛ والقول الآخر يأتي في الهامش 3.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 10 ، ح 34
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 7 ، ح 23.
4- قال به المحقق في نكت النهاية، ج 3، ص 80.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 7 - 8، ح 24 في النسخ: «ذكاته» بدل «ذكاتها».

حتى تموت. فقال: «كُلْها»(1). ولحِلِّه بصيد المجوسي مع مشاهدة المسلم له كذلك وصيده لا اعتبار به وإنّما الاعتبار بنظر المسلم.

ويُضعف بأن سَلَمَةَ مجهول أو ضعيفٌ، ورواية زرارة مقطوعة مرسلة، والقياس على صيد المجوس فاسد؛ لجواز كون سبب الحلّ أخْذَ المسلم أو نظره، مع كونه تحت يد؛ إذ لا يدلّ الحكم على أزيد من ذلك وأصالة عدم التذكية مع ما سلف يقتضي العدم.

( ولا يُشترط في مُخرِجه الإسلام) على الأظهر (لكن يُشترط حضور مسلم عنده) يُشاهده قد أخرج حياً ومات خارج الماء (في حِلّ أكله)؛ للأخبار الكثيرة الدالة عليه، منها صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن صيد الحيتان وإن لم يُسمّ؟ فقال: «لا بأس به. وسألته عن صيد المجوس للسمك آكله؟ فقال: «ما كنتُ لأكله حتّى أَنظُرَ إليه»(2). وفي رواية أخرى له عنه(عليه السلام) أنه سُئل عن صيد المجوس حين يَضربون بالشباك ويُسَمّون بالشرك. فقال : لا بأس بصيدهم إنما صيد الحيتان أخذُه»(3). ومطلقُ الثاني محمول(4) على مشاهدة المسلم له جمعاً.

ويظهر من الشيخ في الاستبصار المنعُ منه إلا أن يأخذه المسلم منه حيّاً(5)، لأنه حَمَل الأخبار على ذلك. ومن المفيد(6) وابن زهرة(7) المنع من صيد غير المسلم له مطلقاً؛ إما لاشتراط الإسلام في التذكية وهذا منه؛ أو لما في بعض الأخبار من اشتراط أخذ المسلم له منهم حياً(8)، فيكون إخراجهم له بمنزلة وتُوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

ص: 128


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 7، ح 22
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 9، ح 31
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 10 ، ح 34.
4- حملها عليه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 10، ذيل الحديث 32
5- الاستبصار، ج 4، ص 577
6- المقنعة، ص 577
7- غنية النزوع، ج 1، ص 397
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 10، ح 33.

والمذهب هو الأول. والقول في اعتبار استقرار الحياة بعد إخراجه كما سبق(1)، والمصنف في الدروس (2)مع ميله إلى عدم اعتباره ثُمَّ جَزَم باشتراطه هنا.

( ويجوز أكله حيّاً)؛ لكونه مُذَكَّى بإخراجه من غير اعتبار موته بعد ذلك، بخلاف غيره من الحيوان فإنّ تذكيته مشروطة بموته بالذبح أو النحر أو ما في حكمهما. وقيل: لا يُباح أكله حتى يموت كباقى ما يُذَكَّى(3) ، ومِن ثُمَّ لو رجع إلى الماء بعد إخراجه فمات فيه لم يَحِلّ، فلو كان مجرّدُ إخراجه كافياً لما حَرُمَ بعده. ويمكن خروج هذا الفرد بالنص عليه، وقد عُلِّلَ فيه بأنه مات فيما فيه حياته»(4)، فيبقى ما دلّ على أن ذكاته إخراجه خالياً عن المعارض.

(ولو اشتَبَه الميِّتُ منه بالحي في الشبكة وغيرِها حَرُمَ الجميع) على الأظهر؛ لوجوب اجتناب الميت المحصور الموقوفِ على اجتناب الجميع، ولعموم قول الصادق : ما مات في الماء فلا تأكله فإنه مات فيما فيه حياته» (5).

وقيل : (6)يحلّ الجميع إذا كان في الشبكةِ أو الحظيرة مع عدم تميّز الميّت؛ لصحيحة الحلبي(7)وغيرها(8) الدالّة على حله مطلقاً، بحمله على الاشتباه جمعاً، وقيل: يحل الميِّتُ في الشبكة والحظيرة وإنْ تَميَّز (9)؛ للتعليل في النص(10) بأنهما لمّا عُمِلا للاصطياد جَرَى ما فيهما مجرى المقبوض باليد

ص: 129


1- سبق أنفاً.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 341 - 342 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 672.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 11، ح 41.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 12 . ح 44.
6- قال به الشيخ في النهاية، ص 578 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 438.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 12، ح 43
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 11 - 12 ، ح 42 و 45 .
9- نقله عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 285، المسألة 6.
10- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 11 - 12، ح 42 - 43.

[المسألة] :(الثانية: ذكاة الجَراد أخذه) حيّاً باليد أو الآلة (ولؤ كان الآخِذُ له كافراً) إذا شاهَدَه المسلم كالسمك، وقول ابن زهرة هنا كقوله في السمك(1)، هذا (إذا استَقَلَّ بالطَّيَران) وإلا لم يحلّ. وحيث اعتبر في تذكيته أخذه حياً (فلو أحرقه قبل أخذه حَرُمَ)، وكذا لو مات في الصحراء أو في الماء قبل أخذه وإن أدركه بنظره. ويُباح أكله حيّاً وبما فيه كالسمك. (ولا يحلّ الدبا) بفتح الدال مقصوراً، وهو الجراد قبل أن يَطِير وإنْ ظَهَر جَناحُه، جمع دباةٍ بالفتح أيضاً.

[المسألة] (الثالثة: ذكاة الجنين ذكاةً أُمه). هذا لفظ الحديث النبوي(2)، وعن أهل البيت مثله(3) . والصحيحُ رِوايةً وفتوى أنّ «ذكاة» الثانية مرفوعة خبراً عن الأُولى، فتنحصر ذكاته في ذكاتها؛ لوجوب انحصار المبتدأ في خبره؛ فإنّه إما مساءٍ أو أعم، وكلاهما يقتضي الحصر. والمراد بالذكاة هنا السببُ المُحَدِّلُ للحيوان كذكاة السمك والجراد، وامتناعُ «ذَكَيْتُ الجنين» إن صح فهو محمول على المعنى الظاهر وهو فَرْيُ الأعضاء المخصوصة، أو يقال: إنّ إضافة المصادر تُخالف إضافة الأفعال؛ للاكتفاء فيها بأدنى مُلابسةٍ، ولهذا صح «الله على الناسِ حِجُّ البيت، وصوم رمضان» ولم يصح «حَجَّ البيت، وصام رمضان» بجعلهما فاعلين. وربما أعربها بعضُهم(4) بالنصب على المصدر أي«ذكاته كذكاة أُمّه»فحذف الجارُ ونُصِبَ مفعولاً، وحينئذٍ فتجب تذكيته كتذكيتها.

وفيه - مع التعسُّف - مخالفته لرواية الرفع، دون العكس؛ لإمكان كون الجار المحذوف «في» أي «داخلة في ذكاة أُمّه »جمعاً بين الروايتين، مع أنه الموافق لرواية

ص: 130


1- غنية النزوع، ج 1، ص 397.
2- مسند أحمد، ج 3، ص 429 ، ح 10950؛ الجامع الصحيح، ج 4، ص 72، ح 1476.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 58 - 59، ح 244 و 246.
4- نقله الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 11، ص 510؛ نقله عن بعض العامة في جواهر الکلام، ج 36، ص 182 .

أهل البيت(عليه السلام) ، وهم أَدْرَى بما في البيت، وهو في أخبارهم كثير صريح فيه، ومنه قول الصادق

(عليه السلام) وقد سئل عن الحوار تُذَكَّى أُمُّه أَيُؤكل بذكاتها؟ فقال: «إذا كان تاماً ونَبَتَ عليه الشعرُ فكُلْ»(1)، وعن الباقر(عليه السلام) أنه قال في الذبيحة تُذبَح وفي بطنها ولد، قال: «إن كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاةً أُمّه، وإن لم يكن تاماً فلا تأكله»(2).

وإنما يجوز أكله بذكاتها (إذا تمّت خِلقتُه) وتَكامَلَتْ أعضاؤُه وأَشْعَرَ أو أَوْبَرَ، كما دلت عليه الأخبار(3)(سواءٌ وَلَجَتْه الروحُ أو لا، وسواءٌ أُخرِج ميتاً أو أُخرِج حياً غيرَ مستقِرّ الحياة)؛ لأنّ غير مستقرها بمنزلة الميت؛ ولإطلاق النصوص بحلّه إذا كان تاماً(4) .

(ولو كانت)حياته (مستقرّةً ذُكِّي(5))؛ لأنه حيوان حي فيتوقف حِلُّه على التذكية؛ عملاً بعموم النصوص الدال عليها إلا ما أخرجه الدليل الخاص، وينبغي في غير المستقر ذلك لما تقدَّم من عدم اعتبارها في حِلّ المذبوح. هذا إذا اتَّسع الزمانُ لتذكيته، أما لو ضاق عنها ففى حلّه وجهان من إطلاق الأصحاب وجوب تذكية ما خَرَج مستقِرَّ الحياة(6)، ومن تنزيله منزلة غير مستقرها؛ لقصور زمان حياته، ودخوله في عموم الأخبار الدالة على حله بتذكية أُمّه إن لم يدخُل مطلق الحي.

ولو لم تَتِمّ خلقتُه فهو حرام. واشتَرَط جماعةٌ(7) مع تمام خلقته أن لا تَلِجَه الروحُ، وإلا افتقر إلى تذكيته مطلقاً، والأخبار مطلقة، والفرض بعيد؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام الخلقة عادةً.

ص: 131


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 59، ح 246.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 58 ، ح 243.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 58، ح 244.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 58 ، ح 242
5- وتجب المبادرة إلى شق الجوف.(زين رحمه الله)
6- النهاية . ص 585 قواعد الأحكام، ج 3، ص 320.
7- منهم: الشيخ في النهاية، ص 584؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 440؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 361.

وهل تجب المبادرة إلى إخراجه بعد موت المذبوح، أم يكفي إخراجه المعتاد بعد كَشطِ جِلده عادةً ؟ إطلاق الأخبار والفتوى يقتضي العدم، والأوّلُ أولى.

[المسألة] :(الرابعة ما يثبت في آلة الصيّاد) من الصيودِ المقصودة بالصيد (يَملِكه) لتحقق الحيازة والنية، هذا إذا نصبها بقصد الصيد، كما هو الظاهر، ليتحقق قصد التملك.وحيث يملكه يَبقَى مِلكُه عليه (ولو انْفَلَتْ بعد ذلك) لثبوت ملكه فلا يزول بتعذر قبضه؛ كاباقِ العبد وشُرودِ الدابة.

ولو كان انفلاته باختياره ناوياً قطع ملكه عنه، ففي خروجه عن ملكه قولان(1): من الشك في كون ذلك مخرجاً عن الملك مع تحققه فيُستصحب. ومن كونه بمنزلة الشيء الحقيرِ من ماله إذا رماه مُهمِلاً له. ويُضعف بمنع خروج الحقير عن ملكه بذلك، وإن كان ذلك إباحةً لتناول غيره فيجوز الرجوع فيه مادام باقياً. وربما قيل بتحريم أخذ الصيدِ المذكورِ مطلقاً (2)وإن جاز أخذ اليسير من المال لعدم الإذن شرعاً في إتلاف المال مطلقاً إلّا أن تكون قيمته يسيرةً.

(ولا يملك ما عَشَّشَ في داره أو وَقَع في مُوحِلته أو وَثَب إلى سفينته)؛ لأن ذلك لا يُعد آلة للاصطياد ولا إثباتاً لليد. نعم، يصير أولى به من غيره فلو تخطّى الغير إليه فعل حراماً.

وفي ملكه له بالأخذ قولان(3): من أن الأولوية لا تُفيد الملك، فيمكن تملكه بالاستيلاء. ومن تحريم الفعل فلا يترتب عليه حكم الملك شرعاً، وقد تقدَّم مثله في أولوية التحجير وأنّ المتخطي لا يملك. وفيه نظر. ولو قصد ببناء الدار احتباس الصيد

ص: 132


1- القول بعدم الخروج للمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 166: والقول الآخر نسبه إلى الشيخ في المبسوط فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 123 ولم نعثر عليه في المبسوط.
2- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 315 - 316؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- القول للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 316. والقول الآخر لم نعثر عليه.

أو تعشيشه وبالسفينة وُتُوبَ السمك وبالمُوحِلة تَوَحُلَه ، ففي الملك به وجهان: من انتفاء كون ذلك آلةً للإصطياد عادةً. وكونه مع القصد بمعناه، وهو الأقوى.

ويملك الصيد بإثباته بحيث يسهل تناوله وإن لم يقبضه بيده أو بآلته.

(ولو أمكن الصيد التحامُلُ)بعد إصابته (عَدْواً أو طيراناً بحيث لا يُدركه إلا بسرعة شديدةٍ فهو باقٍ على الإباحة) ؛ لعدم تحقق إثبات اليد عليه ببقائه على الامتناع وإنْ ضَعُفَتْ قوته. وكذا لو كان له قوة على الامتناع بالطيرانِ والعَدْوِ فأبطل إحداهما خاصّةً؛ لبقاء الامتناع في الجملة المنافي لليد.

[المسألة] :(الخامسة: لا يُملك الصيدُ المَقْصُوصُ أو ما عليه أَثَرُ الملك)؛ لدلالة القص والأثر على مالك سابقٍ والأصلُ بقاؤه. ويُشكل بأنّ مطلق الأثر إنما يدلّ على المؤثر، أمّا المالك فلا؛ لجواز وقوعه من غير مالك أو ممن لا يصلح للتملك أو ممّن لا يُحترم ماله، فكيف يُحكم بمجرد الأثر بمالك محترم! مع أنه أعم والعام لا يدل على الخاص. وعلى المشهور يكون مع الأثر لقطة، ومع عدم الأثر فهو لصائده وإن كان أهليّاً كالحمام للأصل، إلا أن يعرف مالكه فيدفعه إليه.

ص: 133

ص: 134

كتاب الأطعمة والأشربة

ص: 135

ص: 136

(كتاب الأطعمة والأشرِبَة)

(إنّما يَحِلّ من حيوان البحر سمك له فَلْسٌ وإن زال عنه) في بعض الأحيان، (كالكَنْعَت) ويقال : الكَنْعَد - بالدال المهملة - ضَرْبٌ من السمك له فلس ضعيف، يُحتك بالرمل فيَذهَب عنه ثمّ يعود.

(ولا يحل الجري) بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشدّدة المكسورة، ويقال: الجريث، بالضبط الأول مختوماً بالثاء المثلثة، (والمارماهي) بفتح الراء - فارسي معرَّب - وأصلها حيَّةُ السمك (والزَهْوُ) بالزاي المعجمة فالهاء الساكنة (على قول) الأكث(1)ر، وبه أخبار(2)لا تبلغ حد الصحة، وبحِلّها أخبار صحيحة(3)حُمِلت(4) على التقية،ويمكن حملُ النهي على الكراهة كما فعل الشيخ في موضع من النهاية(5) ، إلّا أنّه رجع في موضع آخر وحكم بقتل مُسْتَحِلّها(6). وحكايته قولاً مُشعرة بتوقفه، مع أنه رجح في الدروس التحريم(7) ، وهو الأشهر.

ص: 137


1- اختاره الصدوق في المقنع، ص 423؛ والسيد المرتضى في الانتصار، ص 400، المسألة 229؛ والشيخ في المبسوط، ج 4، ص 471.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 3 - 4 ، ح 6 و 8
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 5 - 6 ، ح 15 - 16.
4- حملها عليها العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 305، المسألة 22
5- النهاية. ص 576
6- النهاية. ص 713.
7- الدروس الشرعية، ج 3، ص 19 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(ولا السُلَحْفَاةُ) بضم السين المهملة وفتح اللام فالحاء المهملة الساكنة فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف

(والضفْدِع) بكسر الضادِ والدال، مثال خِنْصِر (والصَرَطان) بفتح الصاد والراء، وغيرُها من حيوان البحر ، وإن كان جنسه في البرّ حلالاً، سوى السمك المخصوص.

( ولا الجلالُ من السَمَك ) وهو الذي اعْتَذَى العذرة محضاً حتى نَما بها كغيره (حتى يُستبراً بأن يُطعَمَ علفاً طاهراً) مطلقاً، على الأقوى، (في الماء) الطاهر (يوماً وليلةً) رُوِيَ ذلك عن الرضا (عليه السلام)بسند ضعيف(1)، وفي الدروس : أنّه يُستبرأ يوماً إلى الليل. ثمّ نَقَل الروايةَ وجَعَلَها أولى(2)، ومستند اليوم رواية القاسم بن محمد الجوهري(3)، وهو ضعيف أيضاً، إلّا أنّ الأشهر الأول، وهو مناسب ليقين البراءة واستصحاب حكم التحريم إلى أن يُعلَم المزيل، ولولا الإجماع على عدم اعتبار أمرٍ آخَرَ في تحليله لما كان ذلك قاطعاً للتحريم؛ لضعفه.

( والبَيْضُ تابع) للسَمَك في الحِل والحرمة ، ولو اشتَبَه بَيضُ المحلل بالمحرَّم (أُكِل الخَشِنُ دون الأمْلَس) وأَطلَق كثير (4)ذلك من غير اعتبار التبعية.

(ويُؤكَل من حيوان البرِّ الأنعام الثلاثة) : الإبل والبقر والغنم، ومَن نَسَب إلينا تحريم الابل فقد بَهَتَ. نعم، هو مذهب الخطابية لعنهم الله (وبقرُ الوحش وحماره وكَبْشُ الجبل) ذو القَرْن الطويل (والظَّبْيُ واليَحْمُور).

(ويُكرَه الخيلُ والبِغالُ والحَمِيرُ الأهلية) في الأشهر،( وآكَدُها) كراهة (البغلُ ): لتركبه من الفرس والحمار، وهما مكروهان، فجمع الكراهتين (ثم الحمار. وقيل) والقائل القاضي (5):(بالعكس) آكدُها كَراهةً الحمارُ ثم البغلُ؛ لأن المتولد من قوي

ص: 138


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 13، ح 48.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 21 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- الفقيه، ج 3، ص 214، ح 993.
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 576 وسلّار في المراسم ص 210 وابن حمزة في الوسيلة، ص 355.
5- لم نعثر عليه على ما بأيدينا من كتب القاضي، نقله عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 17 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 11)؛ ونقله عن بعض أصحابنا ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 98.

الكراهة وضعيفها أختُ كراهةً من المتولد من قوتها خاصة. وقيل (1)بتحريم البغل. وفي صحيحة ابن مُسكان النهي عن الثلاثة إلا لضرورة(2) ، وحُمِلت على الكراهة جمعاً(3) .

( ويحرم الكلب والخنزير والسنَّوْر) بكسر السين وفتح النون (وإن كان) السنور (وحشيّاً، والأسد والنمر) بفتح النون وكسر الميم، (والفَهْدُ والثعلب والأرنب والضبع) بفتح الضاد فضم الباء، (وابن آوى والضَبُّ، والحشراتُ كلُّها كالحيّة والفَأْرةِ والعقرب، والخَنَافِسِ والصَرَاصِرِ وبناتِ وَرْدان(4) ) بفتح الواو مبنياً على الفتح،( والبَراغِيثِ والقَمْلِ واليَربُوعِ والقُنْفُدِ والوَبْر) بسكون الباء، جمع وَبرَة بالسكون، قال الجوهري : هي دُوَيْبَةٌ أصغرُ من السنور طحلاءُ اللون لا ذنب لها، تَرجُن في البيوت (5)(والخَزّ) وقد تقدّم في باب الصلاة (6)أنه دُوَيْبَةً بحريَّةٌ ذاتُ أربع تُشبه الثعلب، وكأنّها اليوم مجهولة أو مُغَيَّرَةُ الاسم أو موهومته، وقد كانت في مبدأ الإسلام إلى وسطه كثيرة جداً؛ (والفنك) بفتح الفاء والنون، دابةٌ يُتَّخَذُ منها الفَرْوُ، (والسَمُّور) بفتح السين وضم الميم المشددة، (والسنجاب، والعظاءة) بالظاء المُشَالة، ممدودة مهموزة، وقد تقلب الهمزة ياءً قال في الصحاح : هي دُوَيبَة أكبرُ من الوَزَعَة(7)والجمع العظاء، ممدودةً: (واللحَكَةُ) بضم اللام فتح الحاء، نقل الجوهري عن ابن السكيت أنّها دُوَيْبةً شبيهة بالعظاءة، تبرُقُ زرقاءُ، وليس لها ذنب طويل مثل ذنب العظاءة، وقوائمها خفيّة(8).

(و) يَحرُم (من الطير ما له مِخْلابٌ) بكسر الميم (كالبازي والعُقابُ) بضم العين

ص: 139


1- قال به الحلبي في الكافي في الفقه، ص 277
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 40. ح 168 .
3- حملها عليها العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 316، المسألة 26
4- دواب تأكل العذرة (زين رحمه الله)
5- الصحاح، ج 2، ص 841، «وبر».
6- تقدّم في ج 1، ص 108 ، الفصل الثاني في شروط الصلاة.
7- الصحاح، ج 4، ص 2431، «عظي».
8- الصحاح، ج 3، ص 1606 ، «لحك».

(والصَقْرُ)بالصاد وتُقلب سيناً، قاعدة فى كلمة فيها قاف أو طاء أو راء أو غين أو خاء، كالبصاق والصراط والصدغ والصماخ (والشاهينُ والنَسْرُ) بفتح أوله، (والرَخَمُ والبَغاتُ) بفتح الموحدة وبالمعجمة والمثلثة، جمع بغاثةٍ كذلك، طائرٌ أبيضُ بَطِيءُ الطيران، أصغرُ من الحِدأة، بكسر الحاء والهمز. وفي الدروس :

أنّ البَغاثَ ما عَظُم من الطير وليس له مخلابٌ مُعَقَّفٌ قال : - وربما جُعِل النسر من البغاث - وهو مثلث الباء - وقال الفراء : بغاتُ الطير شرارها وما لا يصيد منها (1).

(والغُرابُ الكبيرُ) الأسودُ الذي يَسكُن الجبال والخربان ويأكل الجِيف،( والأبقعُ) أي المشتمِلُ على بياض وسَوادٍ مثلُ الأبلق في الحيوان والمشهور أنه صنف واحد، وهو المعروف بالعَقْعَق بفتح عينيه، وفي المهذب جَعَلَه صنفين (2)أحدهما: المشهور والآخر: أكبرُ منه حجماً وأصغرُ ذَنَباً. ومستند التحريم فيهما صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بتحريم الغُراب مطلقاً (3)، ورواية أبي يحيى الواسطي أنه سأل الرضا عن الغراب الأبقع، فقال: «لا يؤكل، ومَن أَحَلَّ لك الأسود»(4) ؟

(ويَحِلّ غُرابُ الزرع) المعروف بالزاغ ( في المشهور و) كذا (الغُداف، وهو أصغر منه إلى الغُبرة ما هُوَ )(5)أي يميل إليها يسيراً، ويُعرف بالرمادي لذلك. ونَسَب القول بحلّ الأوّل إلى الشهرة؛ لعدم دليل صريح يُخصصه، بل الأخبارُ منها مطلق في تحريم

ص: 140


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 22 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- المهذب البارع، ج 4، ص 209 - 210.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 18 - 19، ج 73
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 18، ح 71
5- هذه العبارة كزميلاتها من العبائر الغامضة في الكتاب وما أكثرها؟! أي« يميل إلى غبرة ما »بادغام التنوين في «ما» ثم دخلت لام الجنس على كلمة «الغبرة» فامتنع التنوين فانفصلت كلمة «ما» فى التلفظ عمّا قبلها ثم حذفت لفظة «يميل» وأخرت كلمة «هو» فصارت «إلى الغبرة ما هو» فيكون «هو» مبتدأ مؤخراً خبره «يميل» وهو المحذوف. إلى الغبرة متعلّق بالخبر المحذوف ولفظة «ما» نكرة للتقليل فأصل العبارة «هو يميل إلى غير ما».

الغراب بجميع أصنافه، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) أنه قال: «لا يحلّ شيء من الغربان : زاغ ولا غيره»(1). وهو نص أو مطلق في الإباحة، كرواية زرارة عن أحدهما(عليهم السلام) أنه قال : «كلُّ الغراب ليس بحرام إنّما الحرام ما حرَّم الله في كتابه»(2). لكن ليس في الباب حديث صحيح غير ما دلّ على التحريم، فالقول به متعيّن، ولعلّ المخصص استند إلى مفهوم حديث أبي يحيى، لكنه ضعيف (3).

ويُفهم من المصنف القطع بحِلّ الغُداف الأغبر؛ لأنّه أخره عن حكاية المشهور، و مستنده غيرُ واضح مع الاتفاق على أنه من أقسام الغراب.

( ويحرم) من الطير ( ما كان صَفِيفُه) حالَ طَيْرانِه - وهو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يُحرِّكَهما - (أكثرَ من دَفِيفه) بأن يُحرِّكَهما حالته دون ما انعكس، أو تَسَاوَيا فيه أي في الصفيف والدفيف والمنصوص (4)تحريماً وتحليلاً داخل فيه، إلا الخُطَّاف فقد قيل(5) بتحريمه مع أنّه يَدفُ، فلذلك ضُعف القولُ بتحريمه.

(و) كذا (يَحرُم ما ليس له قانصةٌ )وهي للطير بمنزلة المَصارِينِ لغيرها،( ولا حَوْصَلَّةٌ) بالتشديد والتخفيف، وهي ما يجتمع فيها الحبُّ وغيره من المأكول عند الحلق، (ولا صِيصِيَةٌ) بكسر أوّله وثالثه مخفّفاً، وهي الشوكةُ التي في رِجْله مَوضِعَ العَقِبِ، وأصلُها شوكة الحائك التي يُسَوِّي بها السَداةَ واللُّحْمةَ. والظاهرُ أنّ العلاماتِ متلازمة فيُكتَفَى بظهور أحدها.

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبد الله(عليه السلام) وأنا أسمع : ما تقول

ص: 141


1- تقدّم في ص 140 ، الهامش 3.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 18، ح 72
3- يجوز عود الضعف إلى الحديث باعتبار سنده وإلى المفهوم؛ لأنه مفهوم الاسم وضعفه ظاهر، أو مفهوم الوصف ،وهو كذلك (منه رحمه الله)
4- الفقيه، ج 3، ص 322، ذيل الحديث 4149
5- قال به الشيخ في النهاية، ص 577 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 429 وابن إدريس في السرائر، ج 3. ص 104.

في الحُبَارَى؟ قال: «إن كانت له قانصة فكل». قال : وسألته عن طير الماء؟ فقال: «مثل ذلك»(1). وفي رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «كُلْ ما دَفَّ، ولا تأكل ما صَفّ»(2). فلم يعتبر أحدهما الجميع.

وفي رواية سماعة عن الرضا(عليه السلام) : كُلّ من طير البرِّ ما كان له حَوْصَلَةٌ، ومن طير الماء ما كانت له قانصةٌ كقانصة الحَمَام لا مَعدة كمعدة الإنسان، وكُلُّ ما صَفَّ فهو ذو مخلب وهو حرام. وكلُّ ما دَفَّ فهو حلال، والقانصة والحوصلة يمتحن بها من الطير ما لا يُعرَف طَيَرانُه وكلُّ طيرٍ مجهول»(3). وفي هذه الرواية أيضاً دلالة على عدم اعتبار الجميع، وعلى أنّ العلامة لغير المنصوص على تحريمه وتحليله.

(والخُشّافُ) ويقال له : الخُفّاش والوطواط، والطاوس).

(ويُكرَه الهدهد) لقول الرضا(عليه السلام): نَهَى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)عن قتل الهدهد والصرد والصُوّام والنحلة »(4)ورَوَى علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى

(عليه السلام) عن الهدهد فقال: «لا يُؤذَى ولا يُذبح فنعم الطير هو !»(5)، وعن الرضا(عليه السلام) قال: «في كل جناح هدهد مكتوبٌ بالسريانية : آل محمد خير البرية»(6).

(والخُطَّاف) بضم الخاء وتشديد الطاء، وهو الصُنُونُو (أشدُّ كَراهيةً) من الهدهد؛ لما رُوِيَ عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «استوصوا بالصنينات خيراً - يعني الخُطَّاف - فإنّهنّ آنسُ طيرٍ بالناس»(7). بل قيل بتحريمه(8)؛ لرواية داودَ الرقي قال: بينا نحن قعود عند أبي عبد الله (عليه السلام)

ص: 142


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 15، ح 59
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 16، ح 63 .
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 17، ح 65 .
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 19، ح 76 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 19 ، ح 75.
6- الكافي، ج 6، ص 224 ، باب الهدهد والصرد، ح2.
7- الكافي، ج 1، ص 223، باب الخطاف، ح 2.
8- قال به الشيخ في النهاية، ص 577 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 429.

إذ مرَّ رجل بيده خُطَّافٌ مذبوح فوتب إليه أبو عبد الله(عليه السلام) ، حتى أخذه من يده ثم دَحَا به الأرض، ثم قال(عليه السلام) : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! أَخْبَرَني أبي عن جدّي أنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)نهى عن قتل الستة منها الخُطَّاف»(1). وفيه: «أنّ تسبيحه قراءة الحمد الله ربّ العالمين، ألا تَرَونَه يقول: ولا الضالين». والخبر مع سلامة سنده لا يدلّ على تحريم لحمه.

ووجه الحكم بحله حينئذٍ أنه يدق فيدخُل في العموم، وقد رُوِيَ حِلُّه أيضاً بطريق ضعيف(2) .

( ويُكرَه الفاخِتَةُ والقُبَّرَةُ) بضم القاف وتشديد الباء مفتوحةً من غير نون بينهما فإنّه لَحْن من كلام العامة، ويقال القنبراء بالنون لكن مع الألف بعد الراء ممدودةً، وهي في بعض نسخ الكتاب وكراهةُ القُبَّرة مُنضَمّةٌ إلى بركة بخلاف الفاختة. رَوَى سليمان الجعفري عن الرضا(عليه السلام) قال: «لا تأكلوا القبرة ولا تَسُبُّوها ولا تُعطوها الصبيان يلعبون بها فإنها كثيرة التسبيح، وتسبيحُها لَعَنَ اللهُ مُبغِضِي آلِ محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم)»(3). وقال: «إنّ القُنْرُعةَ التي على رأس القبرة من مَسْحَةِ سليمان بن داود(عليه السلام)» في خبر طويل(4). ورَوَى أبو بصير أنّ أبا عبد الله (عليه السلام)قال لابنه إسماعيل وقد رأى في بيته فاختةً في قفص تصيح: «يا بُنَيَّ! ما يدعوك إلى إمساك هذه الفاختة، أما عَلِمْتَ أنّها مَشُومةٌ؟ وما تدري ما تقول! إنما تدعو على أربابها فتقول: فَقَدْتُكُم فَقَدْتُكُم»(5).

(والحُبارَى) بضم الحاء وفتح الراء وهو اسم يقع على الذكر والأنثى واحدها وجمعها (أشدُّ كَراهيةً) منهما. ووجه الأشدّيّة غير واضح، والمشهور في عبارة المصنفِ

ص: 143


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 20 ، ح 78
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 21، ح 84 .
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 19، ح 77
4- الكافي، ج 6 . ص 225، باب القنبرة، ح 4.
5- الكافي، ج 6. ص 551، باب الفاختة ، ح 3.

وغيره (1)أصل الاشتراك فيها، وقد رَوَى المَسمَعي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن الحُبارَى، قال: «فودِدتُ أنّ عندي منه فآكل حتَّى أَتَمَلاً»(2).

(و) يُكرَه أيضاً (الصُرَدُ) بضم الصاد وفتح الراء، (والصوام) بضم الصاد وتشديد الواو، قال في التحرير: إنه طائر أغبرُ اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل(3)، وفي الأخبار النهي عن قتلهما في جملة ستةٍ(4) ، وقد تقدَّم بعضها(5) (والشقراق) بفتح الشين وكسر القاف وتشديد الراء، وبكسر الشين أيضاً، ويقال: الشقراق كقِرْطاس، والشرقراق بالفتح والكسر، والسَّرَقْرَق كسَفَرْجَل طائرٌ مُرَقَطُ بخُضْرةٍ وحمرةٍ وبياض. ذكر ذلك كلَّه في القاموس(6). وعن أبي عبد الله(عليه السلام) تعليل گراهته بقتله الحيات، قال: «وكان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يوماً يمشي فإذا شَقِرَاقٌ قد انقض فاستخرج من خُفِّه حيّةً».(7)

(و يَحِلُّ الحَمَامُ كله كالقماري(8) ) بفتح القاف، وهو الحَمامُ الأَزرقُ جمعُ قُمري بضمّه، منسوب إلى طَيْرِ قُمْر؛ (والدباسي) بضم الدال جمعُ دُبْسِي بالضم منسوب إلى طيرِ دُبْسِ بضمها، وقيل: إلى دِبْسِ الرُّطَب بكسرها (9)وإنّما ضُمَّت الدال مع كسرها في المنسوب إليه في الثاني؛ لأنّهم يُغيّرون في النسب، كالدهري بالضم، مع نسبته إلى الدهر بالفتح، وعن المصنّف (رحمه الله) أنّه الحمام الأحمرُ؛ (والوَرَشان) بفتح الواو

ص: 144


1- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 173؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 379.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 17، ح 69.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 635، الرقم 6241.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 19 - 20 ، ح 76 و 78.
5- تقدّم في ص 142 ، الهامش 4
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 258، «شقرق».
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 21، ح 85 .
8- قد تقدّم في الحج أنّ الحمام جنس يقع على كلّ ذات طوق من الطيور أو ما يعبّ أي يشرب الماء بلا مص فيدخل فيه القمري وهو الأزرق، والدبسي وهو الأحمر، والورشان وهو الأبيض، والفواخت وغيرها، ولا خلاف في حلها بين أهل الإسلام (زين رحمه الله)
9- قال به الجوهري في الصحاح، ج 2، ص 926، «دبس».

والراء، وعن المصنف أنّه الحَمامُ الأبيض.

( ويحلّ الحَجَلُ والدُرّاج) بضم الدال وتشديد الراء، (والقطا) بالقصر جمع قطاة. (والطَّيْهوج) وهو طائر طويلُ الرِجلين والرقبة من طيور الماء، (والدجاج) مثلتُ الدال والفتح أشهر، (والكَرَوَانُ) بفتح حروفه الأول، (والكُرْكي) بضم الكاف، واحد الكَراكِي (والصَعْوُ) بفتح الصاد وسكون العين جمعُ صَعْوَةٍ بهما، (والعُصفورُ الأهلي) الذي يَسكُن الدور.

(ويُعتبر في طير الماء) وهو الذي يَبيضُ ويُفرخ فيه (ما يُعتبر في البري من الصفيفِ والدفيفِ والقانصة والحَوْصَلّةِ والصِيصِية) وقد تقدّم ما يدلّ عليه(1).

( والبيض) (تابع) للطير (في الحِلّ والحُرمةِ) فكلُّ طائرٍ يحل أكله يؤكل بَيضُه وما لا فلا فإن اسْتَبَه أَكِل ما اختَلَف طَرَفاه واجتُنِبَ ما اتَّفَقَ.

(وتحرم الزنيبير) جمع زُنبور بضم الزاي، بنوعيه الأحمر والأصفر، (والبَقُ والذُبَاب ) بضمّ الذال ، واحدهُ ذُبابة بالضم أيضاً، والكثير ذبانُ بكسر الذال والنون أخيراً ( والمُجَثَّمَةُ) بتشديد المثلثة مكسورةً (وهي التي تُجعَل غَرَضاً للرمي وتُرمَى بالنشاب حتّى تموت والمصبورة وهي التي تُجرح وتُحبَس حتى تموت) صبراً، وتحريمُهما واضح لعدم التذكية مع إمكانها، وكلاهما فعل الجاهلية، وقد ورد النهي عن الفعلين مع تحريم اللحم(2).

(والجلال، وهو الذي يَتَغَذَّى(3)عَذِرَة الإنسان محضاً) لا يخلط غيرها إلى أن ينبت عليها لحمُه ويَسْتَدّ عَظْمُه عرفاً (حرام حتَّى يُستبراً(4)، على الأقوى)؛ لحسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «لا تأكلوا لحوم الجلالة، وهي التي تأكل

ص: 145


1- تقدّم في ص 142 ، الهامش 1 - 3.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 239، «جشم»؛ وج 3، ص 8، «صبر»؛ مسند أحمد، ج 4، ص 262، ح 14014: دعائم الإسلام، ج 2، ص 175، ح 628: راجع مسالك الأفهام، ج 12، ص 52.
3- في «ق ، م ، ن»: «يغتذي».
4- ولو أكل في أثناء الاستبراء شيئاً نجساً بالأصالة أسقط ذلك اليوم من البين ولا يستأنف (زين رحمه الله)

العَذِرة، فإن أصابك من عَرَقها فاغْسِلُه»(1). وقريب منها حسنة حفص(2)، وفي معناهما رواياتٌ أُخَرُ ضعيفة (3). (وقيل) والقائل ابن الجنيد(4): (يُكرَه) لحمُها وأَلبانُها خاصةً؛ استضعافاً للمستند أو حملاً لها على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين ما ظاهِرُه الحِلُّ.

وعلى القولين (فتُستبرَأُ الناقةُ بأربعين يوماً، والبقرة بعشرين) وقيل كالناقة(5) (والشاةُ بعشرة) وقيل بسبعة(6)، ومستند هذه التقديرات كلها ضعيف(7) ، والمشهور منها ما ذكره المصنف، وينبغي القول بوجوب الأكثر؛ للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه فلا تجب الزيادة، والشكٍّ فيما دونه فلا يُتَيقَّن زوالُ التحريم مع أصالة بقائه حيث ضعف المستند فيكون ما ذكرناه طريقاً للحكم.

وكَيفية الاستبراء( بأن يُربط) الحيوان والمراد أن يُضبَط على وجهِ يُوْمَن أكله النجس (ويُطعم علفاً طاهراً) من النجاسة الأصليّة والعَرَضيّة طول المدة.

(وتُستبرَأُ البَطَهُ ونحوُها) من طيور الماء (بخمسة) أيام، (والدجاجة وشبهها) ممّا في حجمها ( بثلاثة) أيام. والمستند ضعيف كما تقدم، ومع ذلك فهو خالٍ عن ذكر الشبيه لهما (وما عدا ذلك) من الحيوان الجلال

(يُستبرَأُ بما يَغلِب على الظنِّ) زوالَ الجلل به عرفاً؛ لعدم ورودِ مقدَّرٍ له شرعاً. ولو طرحنا تلك التقديرات لضعف مستندها كان حكم الجميع كذلك.

(ولو شَرِب) الحيوانُ (المحلَّلُ(8) لبن خنزيرة واشتدّ) بأن زادت قوتُه وقَوِيَ عظمُه ونَبَت لحمه بسببه (حَرُم ) لحمه ولحمُ (نسله) ذَكَراً كان أم أنثى،( وإن لم يَشتَدّكره).

ص: 146


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 45، ح 188
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 46 ، ح 191.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 45 - 46، ح 189 و 190.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 300 ، المسألة 19.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 679.
6- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 679.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 45 - 46. ح 189 - 192.
8- لو أرضعت الآدمية حيواناً محلّلاً حتى اشتدّ لم يحرم بل يكره ولحم نسله. (زين رحمه الله)

هذا هو المشهور لا نعلم فيه مخالفاً، والمستند أخبار كثيرة (1)لا تخلو من ضعف.

ولا يَتَعَدَّى الحكم إلى غير الخنزير، عملاً بالأصل، وإن ساواه في الحكم كالكلب مع احتماله. ورُوِيَ أنّه: «إذا شرب لبن آدمية حتى اشتدّ كره لحمه»(2). (ويُستحبّ استبراؤُه )على تقدير كراهته (بسبعة أيام) إمّا بعلف - إن كان يأكله - أو بشرب لبن طاهرٍ.

(ويَحرُم) من الحيوانِ ذوات الأربع وغيرها على الأقوى الذكور والإناتِ (موطوء الإنسان(3)، ونسله) المتجدّد بعد الوطء؛ لقول الصادق(عليه السلام) : «إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) سئل عن البهيمة التي تُنكَح قال : حرام لحمها ولبنُها»(4). وخصه العلّامة بذوات الأربع(5) اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل على المتيقن.

ويجب ذَبحه وإحراقه بالنار إن لم يكن المقصود منه ظَهْرَه. وشَمَل إطلاق الإنسان الكبير والصغير والعاقل والمجنون، وإطلاق النصّ (6)يتناوله أيضاً، أمّا بقيّةُ الأحكام غيرُ التحريم فيختص البالغ العاقل كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - مع بقية الأحكام في الحدود(7). ويستثنى من الإنسان الخنثى فلا يُحَرِّم وطؤه؛ لاحتمال الزيادة.

(ولو اشتبه) بمحصور (قسم) نصفين (وأُقرع) بينهما؛ بأن تُكتب رُقْعَتان في كلِّ واحدةٍ اسمُ نصفٍ منهما ثمّ يُخرج على ما فيه المحرَّم، فإذا خرج في أحد النصفين قُسِم كذلك وأقرع، وهكذا (حتى تَبقَى واحدةٌ) فيُعمَل بها ما عُمِل بالمعلومة ابتداءً. والرواية

ص: 147


1- الكافي، ج 6 ، ص 249 - 250 ، باب الحمل والجدي يرضعان من لبن الخنزيرة، ح 1 - 3.
2- الفقيه ، ج 3، ص 334، ح 4198، فيه: لا بأس به
3- موطوء الإنسان الذي يجب بيعه خارج البلد لا يجب إعلام المشتري بحاله (زين رحمه الله )
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 47 ، ح 196.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 328
6- تقدم في الهامش 4.
7- يأتي في كتاب الحدود.

تَضَمَّنَتْ قسمتها نصفين أبداً(1)، كما ذكرنا، وأكثرُ العبارات خالية منه حتّى عبارةِ المصنف هنا وفي الدروس(2)، وفي القواعد : قسم قسمين(3)،وهو مع الإطلاق أعم من التنصيف. ويُشكل التنصيفُ أيضاً لو كان العدد فرداً، وعلى الرواية يجب التنصيف ما أمكن. والمعتبرُ منه العدد لا القيمة، فإذا كان فرداً جُعِلت الزائدة مع أحد القسمين.

(ولو شَرِب المحلَّلُ خمراً) ثمّ ذُبِحَ عقيبه (لم يُؤكل ما في جوفه)من الأمعاء والقلب والكبد، (ويجب غسلُ باقيه) وهو اللحم، على المشهور. والمستند ضعيف (4)؛ ومِن ثَمَّ كَرَّهَه ابنُ إدريس(5) خاصةً. وقيَّدنا ذَبحه بكونه عقيب الشُرب تبعاً للرواية(6). وعبارات الأصحاب(7) مطلقة.(ولو شرب بولاً غُسِلَ ما في بطنه وأُكل(8)) من غير تحريم. والمستند مرسل (9)ولكن لا راد له، وإلا لأمكن القول بالطهارة فيهما نظراً إلى الانتقال كغيرهما من النجاسات. وفُرق(10) - مع النص - بين الخمر والبول بأن الخمر - لطيفٌ تَشرَبه الأمعاء فلا يُطَهَّر بالغسل وتُحَرَّم، بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء ولا تقبله الطبيعة.

وفيه: أنّ غَسْلَ اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه - كما هو الظاهر - لم يتم الفرقُ

ص: 148


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 43، ح 182.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 18 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 328.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 43، ح 181.
5- السرائر، ج 3، ص 97.
6- تقدّم في الهامش 4.
7- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 171؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 328
8- فائدة: لو وطئ مأكول اللحم وهو حامل فلحم ولده حلال، ويكون ذكاة الحمل ذكاة أمه. والذبح واجب على صاحب الحيوان ويجب استقبال القبلة والبسملة ولا يجوز الانتفاع بجلده كباقي الحيوانات المحرمة. وإحراقه تعبد. ويفعل بالطير كما يفعل بالحيوان (زین رحمه الله )
9- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 47، ح 194.
10- ذكر هذا الفرق الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 43.

بينه وبين ما في الجوف، وإن لم تَصِلْ إليه لم يجب تطهيره، مع أنّ ظاهر الحكم غَسلُ ظاهرِ اللحمالمُلاصِي للجلد، وباطنه المجاور للأمعاء، والرواية خالية عن غسل اللحم.

(وهنا مسائلُ:)

[المسألة] (الأولى : تَحرُم (المَيْتَةُ) أكلاً واستعمالاً (إجماعاً، وتَحِلّ منها )عشرة أشياءَ مُتَفَق عليها، وحادي عشر مختلف فيه، وهي (الصُوفُ والشَعْرُ والوَبَرُ والرِيشُ)، فإن جُز فهو طاهر،( وإن قلع غُسل أصله) المتصل بالميتة؛ لاتصاله برطوبتها، (والقَرْنُ والظلفُ والسن)، والعظم ولم يذكره المصنف ولابد منه، ولو أبدله بالسنّ كان أولى؛ لأنّه أعم منه إن لم يُجمع بينهما كغيره. وهذه مستثناة من جهة الاستعمال. أما الأكلُ فالظاهر جواز ما لا يَضُرّ منها بالبدن؛ للأصل، ويمكن دَلالة إطلاق العبارة عليه، وبقرينة قوله :( والبيض إذا اكتَسَى القشرالأعلى (1)) الصلب وإلّا كان بحكمها، (والإنْفَحَة) بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة، وقد تكسر الفاء، قال

فى القاموس :

هي شيءٌ يُستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيُعصَر في صوفةٍ فيَغلُظ كالجُبْن، فإذا أكل الجدي فهو كَرِش (2).

وظاهر أوّل التفسير يقتضي كونَ الإِنْفَحة هي اللبن المستحيل في جوف السخلة، فتكون من جملة ما لا تَحُلُّه الحياة، وفي الصحاح: الإنفحة كرْسُ الحَمَلِ أو الجَدْيِ ما لم يَأْكُل، فإذا أَكل فهي كَرِش(3) وقريب منه في الجمهرة (4)، وعلى هذا فهي مستثناة ممّا

ص: 149


1- ولا فرق بين الحي والميت، ولو خرجت البيضة من الحي ولم تكتس القشر الأعلى فهي حرام .(زين رحمه الله)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 262، «نفح».
3- الصحاح، ج 1، ص 413، «نفح».
4- جمهرة اللغة، ج 1، ص 556، «نفح».

تَحُلُّه الحياة. وعلى الأوّل فهو طاهر وإنْ لاصَقَ الجلد الميت؛ للنص(1)، وعلى الثاني، فما في داخله طاهر قطعاً، وكذا ظاهره بالأصالة.

وهل ينجس بالعرض بملاصقة الميت ؟ وجه ، و في الذكرى : الأولى تطهير ظاهرها(2). وإطلاق النص(3) يقتضي الطهارة مطلقاً. نعم، يبقَى الشكُ في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيلُ أم الكرْش بسبب اختلاف أهل اللغة، والمتيقن منه ما في داخله؛ لأنه متفق عليه.

(واللبنُ) في ضَرع الميتة ( على قول مشهورٍ) بين الأصحاب(4)، ومستنده روايات منها: صحيحة زرارة عن أبي عبد الله ، قال : سألته عن الإنفحة تُخرج من الجَدْيِ الميت. قال: «لا بأس به. قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال: «لا بأس»(5). وقد رُوِيَ نَجاستُه صريحاً في خبر آخَرَ(6) لكنّه ضعيف السند، إلا أنه موافق للأصل من نَجاسة المائع بملاقاة النّجاسة وكلُّ نجس حرام. ونسبة القول بالحِل إلى الشهرة تُشعر بتوقفه فيه، وفي الدروس جَعَله أصح، وضعف رواية التحريم وجَعَل القائل بها نادراً(7) وحَمَلها على التقيّة(8) .

(ولو اختلط الذكي ) من اللحم وشبهه (بالميت ) ولا سبيل إلى تمييزه (اجتنب الجميع): لوجوب اجتناب الميت ولا يتم إلا به فيجب. وفي جواز بيعه على مستحِلّ الميتة قول(9).

ص: 150


1- الكافي، ج 6، ص 256 ، باب ما ينتفع به من الميتة، ح 1.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- . تقدم في الهامش 1.
4- منهم: الصدوق في الهداية، ص 310؛ والمفيد في المقنعة، ص 583؛ والشيخ في النهاية، ص 585.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 76 ، ح 324.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 76، ح 325
7- القائل ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 112.
8- الدروس الشرعية، ج 3، ص 26 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
9- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 586 ابن حمزة في الوسيلة ص 362؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8 ص 337، المسألة 39

مستنده صحيحة الحلبي(1) وحسنته(2) عن الصادق (عليه السلام)، ورَدَّه قوم(3)نظراً إلى إطلاق النصوص بتحريم بيع الميتة وتحريم ثمنها(4) واعتذر العلامة عنه بأنه ليس ببيع في الحقيقة وإنّما هو استنقاذ مالِ الكافِر برضاه(5)، ويُشكل بأنّ مِن مستحِله من الكفّار من لا يَحِلّ ماله كالذمي؛ وحَسَّنَه المحقق مع قصدِ بيع الذكي حَسْبُ(6)، وتبعه العلامة أيضاً(7)، ويُشكل بجهالته وعدم إمكان تسليمه متميّزاً؛ فإما أن يُعمَل بالرواية(8) لصحتها من غير تعليل أو يُحكم بالبطلان.

(وما أبين من حي يحرم أكله واستعماله كألياتِ الغَنَم)؛ لأنها بحكم الميتة (ولا يجوز الاستصباح بها تحت السماء)؛ لتحريم الانتفاع بالميتة مطلقاً، وإنما يجوز الاستصباحُ بما عَرَض له النجاسة من الأدهان لا بما نجاسته ذاتية.

[المسألة] الثانية:( تحرُم من الذبيحة خمسةَ عشرَ) شيئاً : (الدمُ والطِحَال) بكسر الطاء (والقضيب) وهو الذكر

(والأُنْثيان) وهما البَيْضَتان (والفَرْثُ) وهو الرَّوْثُ في جوفها (والمَثَانةُ) بفتح الميم، وهو مجمع البول (والمرارة) بفتح الميم، التي تجمع المِرَّةَ الصفراء - بكسرها - معلقةً مع الكبد كالكيس، (والمَشِيمةُ) بفتح الميم: بيت الولد

ص: 151


1- نبه بقوله: «مستنده صحيحة الحلبي» على فائدة وهي أن المصنّف جعل الرواية من الصحيح والعلامة وغيره جعلها من الحسن وكلاهما حسن؛ لأنها وردت بطريقين: أحدهما حسن، والآخر صحيح. وكأن ما ذكره المصنف من أنها صحيحة أولى. (منه رحمه الله) راجع الدورس الشرعية، ج 3، ص 25 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (11)؛ ومختلف الشيعة، ج 8، ص 339، المسألة :39؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 639.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 47 - 48، ح 198 - 199.
3- كالقاضي في المهذب، ج 2، ص 441 - 442: وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 113
4- تحف العقول، ص 331
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 337، المسألة 39.
6- شرائع الإسلام، ج 3، ص 175.
7- مختلف الشيعة، ج 8، ص 337، المسألة 39.
8- تقدّم في الهامش 2.

وتُسمَّى الغِرْسَ - بكسر الغين المعجمة - وأصلُها مَفْعِلة فسكنت الياءُ، (والفرجُ) الحياءُ، ظاهرُه وباطنه،(والعِلْباء) بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحدة فالألف ممدودةً: عَصَبَتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عَجْبِ الذَنَب، (والنُّخاع) مثلتُ النون الخيط الأبيض في وسط الظهْر يَنْظِم خَرَزَ السلسلة في وسطها، وهو الوتين الذي لا قوامَ للحيوان بدونه (والغُدَدُ) بضم الغين المعجمة، التي في اللحم وتكثر في الشحم (وذاتُ الأشاجع) وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكفّ، وفي الصحاح جَعَلها الأشاجع(1) بغير مضاف، والواحد أشجع، (وخَرْزَةُ الدِماغ) بكسر الدال، وهي المُخُ الكائنُ في وسط الدماغ شبه الدودة، بقدر الحِيَّصة تقريباً يخالِفُ لونُها لونه وهي تَمِيل إلى الغُبْرة، (والحَدَقُ (2)) يعني حبّةَ الحَدَقة وهو الناظر من العين، لا جسم العين كله.

وتحريمُ هذه الأشياء أجمعَ ذَكَره الشيخ غير المثانة(3)، فزادها ابن إدريس(4) ، وتَبِعه جماعةٌ(5) ، منهم المصنّفُ(6). ومستند الجميع غير واضح؛ لأنّه رِوايات(7) يَتَلَقَّقُ من جميعها ذلك بعض رجالها ضعيفٌ وبعضُها مجهول. والمتيقن منها تحريم ما دلّ عليه دليل خارج كالدم، وفي معناه الطحال وتحريمُهما ظاهر من الآية(8)، وكذا ما استُخْبِتَ منها كالفَرْتُ والفَرْج والقضيب والأُنثيين والمثانة والمرارة والمشيمة، وتحريم الباقي يحتاج إلى دليل والأصلُ يقتضي عدمه، والروايات يمكن الاستدلال بها على الكراهة لسهولة

ص: 152


1- الصحاح ، ج 3، ص 1236، «شجع».
2- السواد الذي في جوف البياض (زین رحمه الله )
3- النهاية، ص 585
4- السرائر، ج 3، ص 111.
5- منهم: العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 329؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 4، ص 218
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 74، ح 314 - 316 و 317.
8- البقرة (2) 173

خَطْبِها، إلا أن يُدَّعَى(1)استخباتُ الجميع، وهذا مختار العلّامة في المختلف(2). وابن الجنيد(3)أطلق كَراهة بعض هذه المذكورات ولم ينص على تحريم شيء، نظراً إلى ما ذكرناه .

واحترز بقوله من الذبيحة عن نحو السمك والجراد فلا يحرم شيء من المذكورات للأصل. وشَمَل ذلك كبير الحيوان المذبوح كالجزور، وصغيره كالعصفور ويُشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه؛ لاستلزامه تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه والأجودُ اختصاص الحكم بالنعم ونحوها من الحَيَوانِ الوحشي، دون العصفور وما أشبهه.

(ويُكرَه) أكلُ (الكُلى ) - بضم الكاف وقصر الألف - جمعُ كُلْيَةٍ وكُلْوَةٍ بالضم فيهما ،والكسرُ لَحْنُ، عن ابن السكيت (4): (وأُذُنا القلب والعروق).

(ولو ثُقِبَ الطِحَالُ مع اللحم وشُوِيَ حَرمَ ما تحته) من لحم وغيره دون ما فوقه أو مساويه (ولو لم يكن مثقوباً لم يحرم) ما معه مطلقاً. هذا هو المشهور، ومستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله(عليه السلام)(5)، وعُلِّلَ فيها بأنه مع الثقب يَسيل الدم من الطحال إلى ما تحته فيُحرَّم، بخلاف غير المثقوب؛ لأنه في حجابِ لا يَسيل منه.

[المسألة] (الثالثة: يحرُم تناول الأعيانِ النَجِسةِ) بالأصالة كالنجاسات، وأمّا بالعرض، فإنّه وإنْ كان كذلك إلا أنه يأتي.

(و) كذا يحرُم (المُسْكِرُ) مائعاً كان أم جامداً وإن اختَصَّت النّجاسة بالمائع بالأصالة، ويمكن أن يريد هنا بالمسكر المائع بقرينة الأَمْئِلةِ، والتعرّض في هذه

ص: 153


1- ادّعاه ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 218
2- مختلف الشيعة، ج 8، ص 333، المسألة 36.
3- نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 332 المسألة 36
4- نقله عنه الجوهري في الصحاح، ج 4، ص 2475، «کلی».
5- الكافي، ج 6 ، ص 262 ، باب اختلاط الحلال بغيره .... ح 1.

المسألة للنجاسات وذكرُه تخصيص بعد تعميم (كالخمر(1)) المُتَّخَذِ من العِنَب (والنبيذ) المسكر من التمر.(والبِثْع) بكسر الباء وسكون التاء المثناة أو فتحها: نبيذ العسل، (والفَضيخ) بالمعجمتين من التمر والبشر، (والنقيع) من الزبيب ( والمِزْرِ) بكسر الميم فالزاء المعجمة الساكنة فالمهملة: نبيذُ الذرّة، (والجعة) بكسر الجيم وفتح العين المهملة: نبيذ الشعير. ولا يختص التحريم في هذه بما أسكر بل يحرُم وإنّ قَلَّ.

(و) كذا يحرُم (العصير العنبي إذا غلا) بالنار وغيرها بأن صار أعلاه أسفله ويستمر تحريمُه (حتى يذهبَ ثُلثاه أو ينقلِبَ خَلّاً). ولا خلاف في تحريمه، والنصوص متظافرة به(2)، وإنّما الكلام في نجاسته فإنّ النصوص خالية منها، لكنّها مشهورة بين المتأخرين(3).

(ولا يحرم) العصير (من الزبيب وإن غلا، على الأقوى)؛ لخروجه عن مسمّى العنب، وأصالة الحلّ واستصحابه، خَرَج منه عصير العنب إذا غلا بالنص فيبقى غيرُه على الأصل.

وذهب بعض الأصحاب إلى تحريمه(4) ؛ لمفهوم رواية علي بن جعفر عن أخيه موسی(عليه السلام)، حيث سأله عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيُطبَخ حتى يَذهَبَ تُلناه؟ فقال: «لا بأس»(5)، فإنّ مفهومه التحريم قبل ذهاب الثلثين. وسند الرواية والمفهوم ضعيفان فالقول بالتحريم ،أضعف أمّا النجاسة فلا شبهة في نفيها.

( ويحرُم الفقاع) وهو ما اتَّخِذ من الزبيب أو الشعير حتى وجد فيه النشيش والحركة، أو أطلق عليه عرفاً، ما لم يُعلم انتفاء خاصيته. ولو وُجد في الأسواق ما

ص: 154


1- و من التمر. (زين رحمه الله)
2- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 282 - 287، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
3- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 44؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 310، المسألة 25؛ والمحقق الكركي في رسائله، ج 2، ص 62.
4- نقله عن بعض مشايخه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 28 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 121، ح 522

يُسمّى فقاعاً حكم بتحريمه وإنْ جُهل أصله نظراً إلى الاسم، وقد رَوَى علي بن يَقْطين في الصحيح عن الكاظم(عليه السلام) ، قال : سألته عن شُرب الفقاع الذي يُعمَل في السوق ويُباع ولا أدري كيف عُمِل ولا مَتَى عُمِل أَ يَحِلُّ أن أشرِبَه ؟ قال : «لا أُحبّه»(1). وأما ما وَرَد في الفقاع بقولٍ مطلقٍ وأنّه بمنزلة الخمر، فكثير(2)لا يُحْصى.

(والعَذِراتُ) بفتح المهملة فكسر المعجمة،( والأبوالُ النجسة) صفةٌ للعَذرات والأبوال، ولا شبهة في تحريمها نجسةً كمطلق النجس لكن مفهوم العبارة عدم تحريم الطاهر منها كعَذِرةٍ وبولِ ما يُؤْكل لحمه.

وقد نقل في الدروس تحليل بول المحلَّل عن ابن الجنيد وظاهر ابن إدريس، ثمّ قوى التحريم للاستخباث (3)والأقوى جواز ما تدعو الحاجة إليه منه إن فُرِضَ له نفع. وربما قيل: إن تحليل بول الإبل للاستشفاء إجماعي(4) ، وقد تقدم حكمه بتحريم الفرث من المحلَّل(5)، والنقل عن ابن الجنيد؛ لكراهته(6) كغيره من المذكورات. ويمكن أن تكون النجسة صفةً للأبوال خاصةً، حملاً للعذرة المطلقة على المعروف منها لغةً وعرفاً، وهي عذرة الإنسان فيزول الإشكال عنها ويبقى الكلام في البول.

(وكذا) يحرُم (ما يقع فيه هذه) النجاسات (من المائعات)؛ لنجاستها بقليلها وإنْ كَثُرَتْ (أو الجامداتِ إلّا بعد الطهارة )استثناء من الجامدات نظراً إلى أن المائعاتِ لا تقبل التطهير كما سيأتي(7).

ص: 155


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 126، ح 547.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 124 - 125، ح 534 - 544.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 29 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 353، المسألة 53: السرائر، ج 3، ص 125.
4- قال به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 227.
5- تقدم في ص 151.
6- تقدم في ص 153، الهامش 3.
7- يأتي في ص 157 .

(وكذا) يحرُم (ما باشَرَه الكفّارُ) من المائعات أو الجامدات ( برطوبة) وإن كانوا ذمةً.

[المسألة]( الرابعة: يحرم الطين) بجميع أصنافه، فعن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه(1). وقال الكاظم(عليه السلام) : «أكلُ الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا طين قبر الحسين(عليه السلام) فإنّ فيه شفاء من كل داء وأَمْناً من كلّ خوف»(2). فلذا قال المصنف(رحمه الله): (إلّا طين قبر الحسين(عليه السلام) فيجوز الاستشفاء) منه لدفع الأمراض الحاصلة ( بقدر الحِمِّصَةِ ) المعهودة المتوسطة (فما دون). ولا يُشترط في جواز تناولها أخذها بالدعاء وتناولها به؛ لإطلاق النصوص(3)، وإن كان أفضل.

والمراد بطين القبر الشريف تربةُ ما جاوزه من الأرض عرفاً، ورُوي «إلى أربعة فراسخ»(4)، ورُوِيَ «ثمانية»(5)، وكلَّما قَرُبَ منه كان أفضل وليس كذلك التربة المحترمة منها فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح المقدس أو خارجه، كما مرّ، مع وضعها عليه أو أخذها بالدعاء. ولو وُجِد تربةٌ منسوبة إليه (عليه السلام)حكم باحترامها حملاً على المعهود.

(وكذا) يجوز تناولُ الطين (الأرمني) لدفع الأمراض، المقرَّرِ عند الأطباء نفعُه منها مقتصراً منه على ما تدعو الحاجة إليه بِحَسَب قولهم المفيد للظنّ؛ لما فيه من دفع الضرر المظنون، وبه رواية حسنة(6).

والأرمني طين معروف يُجلب من إرمينيّة يَضرِب لونه إلى الصفرة، يَنسَحِقُ بسهولة يحبس الطبع والدم وينفع البُنُورَ والطَواعِينَ شُرباً وطلاء، وينفع في الوباء إذا بُلَّ بالخَلّ

ص: 156


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 89، ح 376.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 89، ح 377
3- الكافي، ج 6، ص 265 ، باب أكل الطين.
4- لم نعثر عليهما، نعم، في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 71، ح 132 قال: حريم قبر الحسين(عليه السلام) خمسة فراسخ من أربع جوانبه.
5- لم نعثر عليهما، نعم، في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 71، ح 132 قال: حريم قبر الحسين(عليه السلام) خمسة فراسخ من أربع جوانبه.
6- طب الأئمة، ص 65.

واستُنشِقَ رائحته، وغير ذلك من منافعه المعروفة في كتب الطب.

[المسألة (الخامسة: يحرم السم) بضم السين (كله) بجميع أصنافه جامداً كان أم مائعاً، إن كان يَقتُل قليله وكثيره (ولو كان كثيرُه يَقتُل) دون قليله؛ كالأفيون والسَقْمُونيا، (حرُم) الكثيرُ القاتلُ أو الضار (دون القليل). هذا إذا أُخِذ منفرداً، أما لو أُضيف إلى غيره فقد لا يَضُرّ منه الكثير، كما هو معروف عند الأطباء، وضابط المحرَّم ما يحصل به الضرر على البدن وإفساد المزاج.

[المسألة] (السادسة: يحرم الدم المسفوح) أي المُنْصَبُّ من عِرْقٍ بكثرةٍ، مِن سَفَحْتُ الماء إذا هَرَقْتَه، (وغيرُه كدم القُراد وإنْ لم يكن) الدمُ (نجساً)؛ لعموم ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾(1)ولاستخبائه،( أما ما يَتَخَلَّفُ في اللحم) ممّا لا يقذفه المذبوحُ (فطاهر من المذبوح) حلال وكان عليه أن يَذكر الحِلَّ ؛ لأنّ البحث إنّما هو فيه، وتلزمه الطهارة إن لم يَذكُرها معه واحترز بالمتخلف في اللحم عمّا يجذبه النَفَسُ إلى باطن الذبيحة فإنّه حرام نجس.

وما يَتخلَّف في الكَبِدِ والقلب طاهر أيضاً، وهل هو حلال كالمتخلف في اللحم ؟ وجه، ولو قيل بتحريمه كان حسناً؛ للعموم(2). ولا فرق في طهارة المتخلف في اللحم بين كونِ رأس الذبيحة منخفضاً عن جسدها وعدمه؛ للعموم، خصوصاً بعد استثناء ما يتخلف في باطنها في غير اللحم.

[المسألة] (السابعة: الظاهرُ أنّ المائعاتِ النجسة غير الماء) كالدِبْسِ وعصيره واللبن والأدهان وغيرها (لا تُطَهَّر) بالماء وإنْ كان كثيراً (ما دامت كذلك) أي باقية

ص: 157


1- المائدة (5) :3.
2- المائدة (5) :3.

على حقيقتها بحيث لا تصير باختلاطها بالماء الكثير ماءً مطلقاً؛ لأن الذي يُطهر بالماء شرطه وصول الماء إلى كلّ جزء من النجس، وما دامت متميّزةً أو بعضها لا يتصور وصول الماء إلى كلّ جزء نجس وإلا لما بقيت كذلك.

هذا إذا وُضِعَت في الماء الكثير، أما لو وصل الماء بها وهي في محلّها فأظهرُ في عدم الطهارة قبل أن يستولي عليها أجمع؛ لأن أقل ما هناك أنّ محلَّها نَجِسٌ لعدم إصابة الماء المطلق له أجمعَ فينجس ما اتصل به منها وإنْ كَثرَ؛ لأنّ شأنها أن تَنجس بإصابة النجاسة لها مطلقاً، وتوهُمُ طهارة محلّها وما لا يصيبه الماء منها بسبب إصابته لبعضها في غاية البعد.

والعلّامة (رحمه الله) في أحد قوليه أطلق الحكم بطهارتها بمازَجتِها المطلق وإنْ خرج عن إطلاقه أو بقي اسمها، وله قول آخَرُ بطهارة الدهن خاصةً إذا صُبَّ في الكثير وضُرِب فيه حتى اخْتَلَطَتْ أجزاؤُه(1) به وإنْ اجْتَمَعَت بعد ذلك على وجهه. وهذا القول متجه على تقدير فرض اختلاط جميع أجزائه بالضرب ولم يَخرُج الماء المطلق عن .إطلاقه. وأما الماء فإنّه يُطهَّر باتصاله بالكثير ممازجاً له عند المصنّف(2)، أو غير ممازَج على الظاهر، سواءٌ صُبَّ في الكثير أو وصل الكثيرُ به ولؤ في آنيةٍ ضَيِّقة الرأس مع اتحادِهما عرفاً أو عُلُوّ الكثير .

(وتُلقَى النّجاسة وما يَكتَنِفُها) ويُلاصِقُها (من الجامد(3)) كالسمن والدبس في بعض الأحوال والعجين، والباقي طاهر على الأصل. ولو اختلفت أحوال المائع كالسمن في الصيف والشتاءِ فلكلّ حالةٍ حكمُها. والمرجع في الجمودِ والمَيَعَانِ إلى العرف لعدم تحديده شرعاً.

ص: 158


1- منتهى المطلب، ج 3، ص 291 - 292؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 281
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 40 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- يحلّ بيع الأدهان النجسة لفائدة الاستصباح تحت السماء، ويجب إعلام المشتري، ويكون الثمن حراماً إن لم يُعْلِمُه (زين رحمه الله )

[المسألة] (الثامنة: تحرُم ألبانُ الحيوان المحرَّم لحمه) كالهرة والذئبة واللبوة، (ويُكره لبن المكروه لحمه كالأُتُن) بضم الهمزة والتاء وبسكونها جمع أتان بالفتح: الحمارة ذكراً وأُنثى، ولا يقال في الأُنثى أَتانة.

[المسألة] (التاسعة: المشهور) بين الأصحاب، بل قال في الدروس: إنّه كاد يكون إجماعاً (1)(استبراء اللحم المجهول ذكاته) لوجدانه مطروحاً (بانقباضه بالنار) عند طرحه فيها (فيكون مُذكَّيَّ، وإلّا) ينقبض بل انبسط واتَّسع أو بَقِيَ على حاله (فمية).

والمستند رواية شعيب عن الصادق في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم يَدْرِ أذَكِيٌّ هو أم ميّت ؟ قال: «فاطَّرِحْهُ على النار فكلُّ ما انقبض فهو ذكي، وكلُّ ما انبسط فهو ميِّتٌ»(2). وعَمِل بمضمونها المصنّف في الدروس(3)، وردَّها العلّامة(4) ، والمحقق في أحد قوليه(5) ؛ لمخالفتها للأصل وهو عدم التذكية مع أنّ في طريق الرواية ضعفاً.

والأقوى تحريمه مطلقاً. قال في الدروس تفريعاً على الرواية: ويمكن اعتبار المختلط بذلك، إلّا أنّ الأصحاب والأخبار أهملَتْ ذلك(6). وهذا الاحتمال ضعيف؛ لأنّ المختلِطَ يُعلَم أنّ فيه ميّتاً يقيناً مع كونه محصوراً فاجتناب الجميع متعين، بخلاف ما يُحتمل كونه بأجمعه ،مذكّيَّ، فلا يصح حمله عليه مع وجود الفارق.

وعلى المشهور لو كان اللحمُ قِطَعاً متعدّدةً فلابد من اعتبار كلّ قطعة على حِدَةٍ؛

ص: 159


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 25 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 48، ح 200.
3- راجع الهامش 1.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 333
5- شرائع الإسلام، ج 3، ص 179 والقول الآخر اختاره في المختصر النافع، ص 366.
6- راجع الهامش 1.

لإمكان كونه من حيوان متعدّدٍ، ولو فُرِض العلم بكونه متحداً جاز اختلاف حكمه بأن يكون قد قطع بعضُه منه قبل التذكية. ولا فرق على القولين بين وجودِ محلّ التذكية ورؤيته مذبوحاً أو منحوراً، وعدمه؛ لأنّ الذبح والنحر بمجردهما لا يستلزمان الحِلَّ لجواز تخلّف بعض الشروط.

وكذا لو وُجد الحيوان غير مذبوح ولا منحورٍ لكنه مضروب بالحديد في بعض جسده؛ لجواز كونه استَعْصَى فذُكِّي كيف اتَّفَق حيث يجوز في حقه ذلك. وبالجملة فالشرط إمكان كونه مذكَّيَّ على وجه يُبيح لحمه.

[المسألة] :(العاشرة: لا يجوز استعمال شعر الخنزير) كغيره من أجزائه مطلقاً وإِنْ حَلَّت من الميتة غيره، ومثله الكلب (فإن اضطر) إلى استعمال شعر الخنزير (استَعمَل ما لا دَسَم فيه، وغَسَل يدَه) بعد الاستعمال. ويَزُول عنه الدَسَمُ بأن يُلقَى في فَخّار ويُجعَل في النار حتى يذهبَ دَسَمُه، رواه بُرْدُ الإسكاف عن الصادق(عليه السلام)(1). وقيل (2): يجوز استعماله مطلقاً؛ لإطلاق رواية سليمان الإسكاف، لكن فيها أنّه «يَغسِل يده إذا أراد أن يُصلّي»(3). والإسكافان مجهولان، فالقول بالجواز مع الضرورة حسن، وبدونها ممتنع؛ لإطلاق تحريم الخنزير الشامل لموضع النزاع. وإنّما يجب غسل يده مع مباشرته برطوبة كغيره من النجاسات .

[المسألة] (الحادية عشرة: لا يجوز لأحد الأكل من مال غيره ) ممّن يُحترم ماله وإن كان كافراً أو ناصباً أو غيره من الفِرَق بغير إذنه ؛ لقبح التصرف في مال الغير كذلك ؛ ولأنه أكل مال بالباطل، ولقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «المسلم على المسلم حرام دمه وماله

ص: 160


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 84، ح 355
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 340، المسألة 42.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 85، ح 357

وعرضه»(1). (إلّا) من بيوتِ مَن تَضَمَّنَتْه الآيةُ وهي قوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَابِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَيكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَلَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾(2) فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغَيبتهم (إلّا مع علم الكراهة) ولو بالقرائن الحاليّةِ بحيث تُثْمِر الظنّ الغالب بالكراهة، فإنّ ذلك كافٍ في هذا ونظائره ويُطلق عليه العلم كثيراً.

ولا فرق بين ما يُخشَى فسادُه في هذه البيوت وغيره ولا بين دخوله بإذنه وعدمه؛ عملاً بإطلاق الآية، خلافاً لابن إدريس فيهما(3). ويجب الاقتصار على مجرد الأكل فلا يجوز الحمل ولا إطعام الغير ولا الإفساد بشهادة الحال.

ولا يَتَعَدَّى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده، ولا إلى تناول غير المأكول، إلا أن يدل عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه والوضوء به، أو يدلَّ عليه بالالتزام كالكون بها حالته.

وهل يجوز دخولها لغيره، أو الكونُ بها بعده وقبله؟ نظر : من تحريم التصرف في مال الغير إلا ما استثني. ومن دَلالة القرائن على تجويز مثل ذلك من المنافع التي لا يَذهَب من المال بسببها شيء حيث جاز إتلافه بما ذُكر.

والمراد ب- «بُيُوتِكُمْ» ما يملكه الآكل؛ لأنّه حقيقة فيه، ويمكن أن تكون النكته فيه - مع ظهور إباحته - الإشارة إلى مساواة ما ذُكِر له في الإباحة، والتنبية على أنّ الأقارب المذكورين والصديق ينبغى جعلهم كالنفس في أن يُحِبُّ لهم ما يحبُّ لها ويكره لهم ما يكره لها كما جُعِل بيوتهم كبيته وقيل هو بيت الأَزواج

ص: 161


1- مسند أحمد، ج 4، ص 546 - 0547 ح 15589.
2- النور (24): 61
3- السرائر، ج 3، ص 124

والعيال(1). وقيل : بيت الأولاد(2)؛ لأنهم لم يُذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى منهم بالمودّةِ والموافقة؛ ولأنّ ولدَ الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه وهو وماله لأبيه فجاز نسبةُ بيته إليه، وفي الحديث: «إنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإنَّ ولده من كسبه»(3).

والمراد ب- «مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ ما يكون عليها وكيلاً أو قيماً بحفظها، وأطلق على ذلك مِلكَ المفاتيح لكونها في يده وحفظه رَوَى ذلك ابن أبي عُمير مرسلاً عن الصادق(عليه السلام)(4). وقيل : هو بيت المملوك (5).

والمَعْنِيُّ في قوله «أَوْ صَدِيقِكُمْ» بيوتُ صديقكم على حذف المضاف، والصديق يكون واحداً وجمعاً فلذلك جَمَع البيوت، ومثله الخليط. والمرجع في الصديق إلى العرف لعدم تحديده شرعاً، وفي صحيحة الحلبي قال: سألتُ أبا عبد الله(عليه السلام) قلت : ما يَعنِي بقوله «أَوْ صَدِيقِكُمْ»؟ قال : «هو واللهِ الرجلُ يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه»(6). وعنه(عليه السلام) : «مِن عِظَمِ حُرمةِ الصديق أن جُعِل له من الأُنسِ والتفقَدِ والانبساطِ وطرح الحِشمة، بمنزلة النفس والأب والأخ والابن»(7).

والمتبادِرُ من المذكورين كونُهم كذلك بالنسب. وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع وجه : من حيث

«إنّ الرضاع لُحْمَةٌ كلحمةِ النسب» ولمساواته له في كثير من الأحكام، ووجه العدم كونُ المتبادِرِ النَّسَبِيَّ منهم. ولم أقف فيه على شيء نفياً وإثباتاً، والاحتياط التمسك بأصالة الحرمة في موضع الشك.

ص: 162


1- قال به الطبرسي في مجمع البیان، ج 7، ص 273، ذيل الآية 61 من النور (24).
2- قال به الزمخشري في الكشاف، ج 3، ص 256، ذيل الآية 61 من النور (24).
3- الجامع الصحيح، ج 3، ص 639 ، ح 1358؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 768 - 769 ، ح 2290؛ عوالي اللآلي ج 2، ص 113، ح 311.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 96 ، ح 416.
5- قال به الطبرسي في مجمع البيان، ج 7، ص 273، ذيل الآية 61 من النور (24).
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 95 ، ح 414
7- نقله الزمخشري في الكشاف، ج 3، ص 257. ذيل الآية 61 من النور (24).

وألحق بعض الأصحاب(1) الشريك في الشجر والزرع والمَباطِخ، فإنّ له الأكل من المشترك بدون إذن شريكه مع عدم علم الكراهة، محتجاً بقوله تعالى: ﴿إلا أن تَكُونَ تِجَرَةٌ عَن تَرَاضٍ مِنكُمْ﴾(2). وفيه نظر؛ لمنع تحقق التراضي مطلقاً، وجعلها صفةً للتجارة يقتضي جواز الأكل من كلّ تجارة وقع فيها التراضي بينهما، وهو معلومُ البطلان .

وألحق المصنِّفُ (3)وغيرُه(4) ، الشُربَ من القَناةِ المملوكة والدالية والدولاب، والوضوء والغسل، عملاً بشاهد الحال، وهو حسن إلا أن يغلب على الظنِّ الكَراهة.

[المسألة] (الثانيةَ عشرَةَ: إذا انقَلَب الخمرُ خَلا حَلَّ)؛ لزوال المعنى المحرَّم وللنص(5)،( سواء كان) انقلابه( بعلاج أو من قِبَلِ نفسه) وسواء كانت عين المعالج به باقيةً فيه أم لا؛ لإطلاق النصّ (6)والفتوى(7)بجواز عِلاجه بغيره، وبطهره يطهر ما فيه من الأعيان وآلتِه، لكن يكره علاجه بغيره؛ للنهي عنه في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)(8)، ولا أعلم لأصحابنا خلافاً في ذلك في الجملة وإن اختلفوا في بعض أفراده(9)، ولولا ذلك أمكن استفادة عدم طهارته بالعلاج من بعض النصوص(10)، كما يقوله بعضُ العامة (11).

ص: 163


1- كابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 4، ص 237.
2- النساء (4): 29
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
4- العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 276 .
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 117، ح 504 - 510.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 117، ح 504 - 510.
7- شرائع الإسلام، ج 3، ص 180؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 331
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 118 ، ح 510.
9- راجع الدروس الشرعية ، ج 3، ص 30 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
10- مثل رواية أبي بصير تقدم تخريجه في الهامش 8.
11- المجموع شرح المهذب، ج 2، ص 594.

وإنّما تُطَهَّر النجاسة الخمرية. فلو كان نجساً بغيرها ولو بعلاجه بنجس كمباشرة الكافر له لم يُظهر بالخَليَّة، وكذا لو أُلقي في الخَلّ خمر حتى استهلكه الخَلُّ أو بالعكس. على الأشهر.

[المسألة] (الثالثة عشرة: لا يحرم شربُ الربوبات وإنْ ثُمَّ منها ريح المسكر كرب التفاح) وربِّ السفرجل والأثرج والسَكَنْجَبينِ (وشبهه؛ لعدم إسكاره) قليله وكثيره ( وأصالة حِلّه). وقد رَوَى الشيخ وغيره عن جعفر بن أحمد المكفوف، قال: كتبتُ إليه - يعني أبا الحسن الأول(عليه السلام) - أسأله عن السكنجبين والجُلّاب وربِّ التوت ورب التفاح وربِّ الرُمّان، فكتب: «حلال»(1).

[المسألة] (الرابعة عشرة: يجوز عند الاضطرار(2) تناول المحرَّم) من الميتة والخمر وغيرِهما (عند خوف التلف) بدون التناول (أو) حدوثِ (المرض) أو زيادته (أو الضعفِ المؤدِّي إلى التخلّف عن الرفقة، مع ظهور أمارة العطب ) على تقدير التخلّف ومقتضى هذا الإطلاقِ عدمُ الفرق بين الخمر وغيره من المحرمات في جواز تناولها عند الاضطرار وهو في غير الخمر موضعُ وفاق.

أمّا فيها، فقد قيل بالمنع مطلقاً(3) وبالجواز(4) مع عدم قيام غيرها مقامَها، وظاهرُ العبارة ومصرَّح الدروس(5) جواز استعمالها للضرورة مطلقاً حتى للدواء، كالترياق والاكتحال؛ لعموم الآيةِ(6) الدالة على جواز تناول المضطر إليه، والأخبارُ كثيرة في المنع

ص: 164


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 127، ح 551
2- ولو خاف طول المرض أو عسر علاجه فالأقرب أنه مضطر( زين رحمه الله)
3- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 4، ص 685.
4- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 183.
5- الدروس الشرعية، ج 3، ص 35 - 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
6- البقرة (2) 173: المائدة (5): 3

من استعمالها مطلقاً(1) حتى الاكتحال، وفي بعضها : «إنّ الله تعالى لم يجعل في شيء مما حَرَّم دواءً ولاشِفاءٌ»(2)، وإنّ «مَن اكتحل بميل من مسكر كَحَله الله بميل من نار»(3). والمصنّف حَمَلها على الاختيار (4)، والعلّامة على طلب الصحة لا طلب السلامة من التلف(5)، وعلى ما سيأتي من وجوب الاقتصار على حفظ الرمق هما متساويان. ولو قام غيرها مقامها وإن كان محرَّماً قدم عليها؛ لإطلاق النهي الكثير عنها في الأخبار(6).

(ولا يُرَخَّص الباغي، وهو الخارج على الإمام) العادل، (وقيل: الذي يبغي الميتة)(7) أى يَرغَب فى أكلها، والأوّل أظهرُ لأنّه معناه شرعاً: (ولا العادي وهو قاطع الطريق، وقيل: الذي يَعدُو شَبَعَه )(8) أي يتجاوزه، والأول هو الأشهر والمروي(9)، لكن بطريق ضعيف مرسل، ويمكن ترجيحه بأن تخصيص آية الاضطرار على خلاف الأصل فيُقتصر فيه على موضع اليقين، وقاطع الطريق عادٍ في المعصية في الجملة فيُخَص به. ونقل الطَّبْرِسي أنه باغي اللذة وعادي سدّ الجوعة، أو عاد بالمعصية، أو باغ في الإفراط وعادٍ في التقصير(10) .

(وإنّما يجوز) من تناول المحرَّم (ما يحفظ الرمق) وهو بقية الروح، والمراد

ص: 165


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 343 - 350، الباب 20 - 21 من أبواب الأشربة المحرمة.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 113 ، ح 488.
3- الكافي، ج 6، ص 414 ، باب من اضطر إلى الخمر ، ح 7.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 358. المسألة 56
6- تقدّم في الهامش 1.
7- حكاهما المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 181؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 334؛ وقال بهما الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 34 - 35 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
8- نفس المصدر.
9- الكافي، ج 6، ص 265 ، باب ذكر الباغي والعادي، ح 1.
10- مجمع البيان، ج 1 ص 476، ذيل الآية 173 من البقرة (2).

وجوب الاقتصار على حفظ النفس من التلف، ولا يجوز التجاوزُ إلى الشبع مع الغِنَى عنه، ولو احتاج إليه للمشي أو العَدْوِ أو التزود منه لوقت آخر جاز، وهو حينئذ من جملة ما يَسُدّ الرَمَقَ. وعلى هذا فيَختصّ خوفُ المرض السابق بما يؤدي إلى التلف ولو ظنّاً لا مطلق المرض، أو يُخَصّ هذا بتناوله للغذاء الضروري لا للمرض، وهو أولى.

(ولو وَجَد ميتةً وطعامَ الغير فطعام الغير أولى إن بَذَلَه )مالكه (بغير عوض، أو بعوض هو ) أي المضطر (قادر عليه) في الحال أو في وقت طلبه، سواء كان بقدرِ ثمن مثله أم أزيد على ما يقتضيه الإطلاق، وهو أحد القولين(1). وقيل(2): لا يجب بذل الزائد عن ثمن مثله وإن اشتراه به گراهةً للفتنة؛ ولأنّه كالمُكرَه على الشراء، بل له قتاله لو امتنع من بذلِه ولو قُتِل أهدر دمه، وكذا لو تعذر عليه الثمنُ والأقوى وجوب دفع الزائد مع القدرة؛ لأنه غير مضطر حينئذ، و«الناس مسلطون على أموالهم»(3).

(وإلّا) يكن كذلك بأن لم يبذله مالكه أصلاً أو بذله بعوض يعجز عنه (أكل الميتة) إن وجدها.

وهل هو على سبيل الحتم أو التخيير بينه وبين أكل طعام الغير، على تقدير قدرته على قهره عليه ؟ ظاهرُ العبارة الأوّلُ ، وقيل بالثاني(4) ؛ لاشتراكهما حينئذ في التحريم. وفي الدروس:

إنه مع قدرته على قهر الغير على طعامه بالثمن، أو بدونه مع تعدّره لا يجوز له أكل الميتة، بل يأكل الطعامَ ويَضمَنه لمالكه، فإن تعذر عليه قهرهُ أَكل الميتة(5).

وهو حسن؛ لأن تحريم مال الغير عَرَضي، بخلاف الميتة، وقد زال بالاضطرار

ص: 166


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 182؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 335.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 684.
3- لم نعثر عليه سوى ما رواه الشيخ مرسلاً في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177، المسألة 290؛ وكذلك في عوالي اللآلي، ج 1، ص 222 ، ح 99.
4- قال به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 237.
5- الدروس الشرعية، ج 3، ص 35 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

فيكون أولى من الميتة. وقيل: إنه حينئذٍ لا يضمن الطعام(1)؛ للإذن في تناوله شرعاً بغير عوض (2). والأوّل أقوى، جمعاً بین الحقين. وحينئذ فاللازم مثله أو قيمته وإن كان يجب بذل أزيد لو سَمَح به المالك، والفرق أنّ ذلك كان على وجه المعاوضة الاختيارية، وهذا على وجه إتلاف مال الغير بغير إذنه وموجبه شرعاً هو المثلُ أو القيمة.

وحيث تباح له الميتة فميتة المأكول أولى من غيره، ومذبوح ما يقع عليه الذكاة أولى منهما، و مذبوح الكافر والناصبِ أولى من الجميع.

[المسألة] (الخامسة عشرة: يُستحَبٌ غَسل اليدين) معاً وإن كان الأكل بإحداهما (قبل الطعام وبعده) ، فعن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «أولُه يَنفي الفقر وآخِرُه يَنفِي الهم»(3). وقال عليّ(عليه السلام) :

«غَسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر، وإماطة للغَمَر عن الثياب ويجلو البصر»(4). وقال الصادق(عليه السلام) :« مَن غَسَل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة، وعُوفِيَ من بلوى جسده»(5).

ص: 167


1- ثمّ إن كان المضطر قادراً على دفع ثمنه لم يجب على المالك بذله مجاناً قطعاً؛ لأن ضرورة الجائع يندفع ببذل الثمن القادر عليه وإن كان عاجزاً عنه، ففي وجوب بذله مجاناً وجهان: أصحهما العدم؛ لعصمة مال الغير كعصمة سه، فيجمع بين الحقين بالعوض وقت القدرة، الثاني: عدم جواز أخذ العوض لوجوب بذله فلا يتعقبه العوض: لأنه لا عوض على فعل الواجب كما إذا خلص مشرفاً على الهلاك لا يجب عليه أجرة المثل، وجوابه منع الكلّيّة كما يجب بذل الطعام في الغلاء على المحتكر، ويجبر عليه مع جواز أخذه العوض إجماعاً والمعلوم وجوب نفس بذل المال أعم من كونه مجاناً أو بعوض وفرّقوا بينه وبين تخليص المشرف على الهلاك بأن هاهنا يلزمه التخليص وإن لم يكن للمشرف على الهلاك مال ولا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة بخلاف ما هنا ولا يخلو هذا الفرق من قصور . وربما فرق بعضهم بين الأمرين حيث يحتمل الحال موافقته على أجرة يبذلها أو يقبلها فلا يلزمه تخليصه حتى يقبل الأجرة كالمضطر، كما أنه لو لم يحتمل الحال مساومة المضطر يجب عليه بذله ولا يلزمه العوض بخلاف ما إذا احتمل وإن لم يكن هنا مال مقدور علیه (زین رحمه الله)
2- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 276 .
3- الكافي، ج 6 ، ص 290 ، باب الوضوء قبل الطعام ، ح 5.
4- الكافي، ج 6، ص 290، باب الوضوء قبل الطعام، ح 1 و 3.
5- الكافي، ج 6، ص 290، باب الوضوء قبل الطعام، ح 1 و 3.

(ومسحهما بالمنديل) ونحوه (في الغسل الثاني) وهو ما بعد الطعام (دون الأوّل) فإنّه لا تزال البركةُ في الطعام ما دامت النداوة في اليد(1)(والتسمية عند الشروع) في الأكل. فعن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «إذا وضعت المائدة حَفَّها أربعةُ آلافِ مَلَكٍ، فإذا قال العبد: بسم الله قالت الملائكة : بارَكَ الله عليكم في طعامكم، ثمّ يقولون للشيطان اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم. فإذا فَرَغوا فقالوا: الحمد الله، قالت الملائكة: قومٌ أَنعم الله عليهم فأدُّوا شكر ربِّهم. وإذا لم يُسَمَّ قالت الملائكة للشيطان: اذن يا فاسق، فكل معهم. فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا الله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنَسُوا ربَّهم»(2).

(و) لو تعدّدت ألوان المائدة سَمَّى (على كلّ لون) منها، رُوي ذلك عن علي(عليه السلام) ، و واقِعَتُه مع ابن الكواء فيه مشهورة(3) ، ورُوِيَ التسمية على كلّ إناء (4)على المائدة وإن اتحدت الألوان. (ولو نَسِيَها) أي التسمية في الابتداء (تَدارَكَها في الأثناء) عند ذكرها، ورُوِيَ أنّ الناسي يقول: «بسم الله على أوله وآخره»(5). (ولو قال) في الابتداء مع تعدد الألوان والأواني: (بسم الله على أوله وآخره)، أجزاً عن التسمية على كل لون وآنيةٍ. ورُوِيَ إجزاء تسمية واحدٍ من الحاضرين على المائدة عن الباقين عن الصادق(عليه السلام)رخصة(6) .

(ويُستحَبّ الأكل باليمين اختياراً)(7) ولا بأس باليسرى مع الاضطرار، فعن

ص: 168


1- كما يدلّ عليه ما في الكافي، ج 6 ، ص 291 ، باب التمندل، ح 1.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 98، ح 427.
3- الكافي، ج 6، ص 295 ، باب التسمية والتحميد، ح 18.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 99، ح 431
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 99، ح 431
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 99، ج 429.
7- وإنما ذكر كراهة الأكل باليسار مع سبق ذكر استحباب الأكل باليمين بناءً على أنه لا يلزم من نفي الاستحباب في الأكل باليسار إثبات الكراهة؛ لأنه أعم فجاز أن يكون مباحاً، فنبه على كونه مكروهاً للنهي عنه بخصوصه على وجه لم يبلغ حدّ المنع من النقيض (زين رحمه الله)

الصادق(عليه السلام): «لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع»(1). وفي رواية أُخرى: «لا يأكل بشماله ولا يشرب بها ولا يتناول بها شيئاً»(2).

(وبَدأَةُ صاحب الطعام) بالأكل لو كان معه غيره (وأن يكونَ آخِرَ مَن يأكل) ليَأنس القوم ويأكلوا رُوِيَ ذلك من فعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)معللاً بذلك(3).

(ويبدأ) صاحب الطعام إذا أراد غَسل أيديهم (في الغسل) الأولِ بنفسه، ثمّ (بمَن على يمينه) دوراً إلى الآخر، وفي الغسل الثاني بعد رفع الطعام يبدأ بمن على يساره ثمّ يَغسِل هو أخيراً، رُوِي ذلك عن الصادق (عليه السلام)معللاً ابتداءَه أوّلاً «لئلا يَحتشِمَه أحد»، وتأخيرَه آخِراً بأنّه «أولى بالصبر على الغَمَر»(4)، وهو بالتحريك ما على اليد من سَهْك الطعام وزُهْمَته. وفي رواية: أنه يبدأ بعد الفراغ بمن على يمين الباب حرّاً كان أو عبداً(5) .

(ويُجمَع غُسالةُ الأيدي في إناءٍ واحدٍ(6))؛ لأنّه يُورث حُسْنَ أخلاق الغاسلين، والمروي عن الصادق(عليه السلام): «اغسلوا أيديكم في إناءٍ واحدٍ تَحسُن أخلاقكم»(7). ويمكن أن يدلّ على ما هو أعمّ من جمع الغُسالة فيه.

(وأن يستلقي بعد الأكل) على ظهره (ويَجعَلَ رِجله اليمنى على رجله اليسرى)

رواه البَزَنْطي عن الرضا(عليه السلام)(8) ، ورواية العامة بخلافه من الخلاف.

(ويُكرَه الأكلُ مُتَّكِناً ولو على كفّه)؛ لأنّ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لم يأكل متكئاً «منذُ بَعَثه الله

ص: 169


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 093 ح 403.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 93، ح 404.
3- الكافي، ج 6 ، ص 85، باب الأكل مع الضيف، ح 1 - 2.
4- الكافي، ج 1، ص 290 - 291، باب صفة الوضوء قبل الطعام، ذيل الحديث 1.
5- الكافي، ج 6 ، ص 290 - 291 ، باب صفة الوضوء قبل الطعام، ح 1.
6- للتبرك ويرشها في جوانب البيت ؛ فإنّه يدر الرزق (زين رحمه الله)
7- الكافي، ج 6 ، ص 290 - 291 ، باب صفة الوضوء قبل الطعام، ح 2.
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 100، ح 435

تعالى إلى أن قَبَضه»، (رُوِيَ ) ذلك عن الصادق(عليه السلام)(1). و روى الفضيل بن يسار عن الصادق (عدم كراهية الاتكاء على اليد في حديث طويلٍ آخِرُه: «لا والله ما نهى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عن هذا قط»(2). يعني الاتكاء على اليد حالة الأكل. وحُمِل على أنه لم يَنْهَ عنه لفظاً(3) وإلا فقد رُوي عنه أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لم يفعله، كما سلف(4)، وحُمِل فعل الصادق علی بیان جوازه(5).

وكذا يُكرَه التربُّعُ حالته بل في جميع الأحوال، قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : «إذا جلس أحدكم على الطعام فلْيَجْلِس جلسة العبد، ولا يَضَعَنَّ أحدكم إحدى رجليه على الأخرى ويَتَرَبَّعْ فإنّها جلسةٌ يَبغضها اللهُ ويَمقت صاحبها»(6).

(و) كذا يُكره (التَمَلِّي من المَأْكل) قال الصادق(عليه السلام): «إنّ البطنَ ليَطْغَى من أكله، وأقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا خَفَّ بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه»(7). (وربما كان الإفراط) في التملي (حراماً) إذا أدى إلى الضرر، فإنّ الأكل على الشبع يُورث البَرَصَ، وامتلاء المعدة رأس الداء.

(والأكل على الشبع(8) وباليسار) اختياراً (مكروهان) وقد تقدم(9). والجمع بين كراهة الامتلاء والشبَعِ تأكيد للنهي عن كلّ منهما بخصوصه في الأخبار(10)، أو يكونُ

ص: 170


1- الكافي، ج 6، ص 270، باب الأكل متكناً، ح 1.
2- الكافي، ج 6 ، ص 271، ح 5.
3- حمله عليه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- سلف في الهامش 1.
5- تقدم تخريجه في الهامش 3.
6- الكافي، ج 1، ص 273، باب الأكل متكئاً، ح 10.
7- الكافي، ج 6، ص 269 ، باب كراهية كثر الأكل، ح 4.
8- يورث البرص (زین رحمه الله )
9- تقدّم في ص 168 - 169.
10- أما النهي عن التملي تقدّم في الهامش ؛ وأما النهي عن الأكل على الشبع ورد في الكافي، ج 6، ص 269 - 270، باب كراهية كثرة الأكل ، ح 7 و 10.

الامتلاءُ أقوى ومِن ثَمَّ أَردَفه بالتحريم - على وجه - دون الشبع، ويمكن أن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه بتحقق الشبع خاصةً بانصراف نفسه وشهوته عن الأكل وإن لم يمتلئ بطنه من الطعام، والامتلاء دونه بأن يمتلئ بطنه ويبقى له شهوة إليه، ويجتمعان فيما إذا امتلاً وانصرفت شهوته عن الطعام حينئذ. هذا إذا كان الأكل صحيحاً. أما المريضُ ونحوُه فيمكن انصراف شهوته عن الطعام ولا يصدق عليه أنّه حينئذٍ

شَبْعَانُ، كما لا يخفى. ويؤيّد ما ذكرناه من الفرق ما يُروى من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن معاوية: «لا أَشبَعَ الله له بطناً» (1)مع أن امتلاء، ممكن، وما رُوي عنه أنه كان يأكل بعد ذلك ما يأكل، ثمّ يقول: «ما شَبِعْتُ ولكن عَیِيْتُ»(2).

( ويحرم الأكل على مائدة يُشرَب عليها شيء من المسكرات) خمراً وغيره (أو الفقاع)؛ لقول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) :«ملعون من جلس على مائدة يُشرب عليها الخمر»(3). وفي خبر آخر: «طائعاً»(4).وباقي المسكرات بحكمه، وفي بعض الأخبار تسميتها خمراً (5)،وكذا الفقاع(6).

( وباقي المحرَّمات) حتّى غِيبة مؤمن على المائدة ونحوها (يمكن إلحاقها بها) كما ذهب إليه العلّامة؛(7) لمشاركتها لها في معصية الله تعالى، ولما في القيام عنها من النهي عن المنكر؛ فإنّه يقتضي الإعراض عن فاعله وهو ضرب من وهو ضرب من النهي الواجب.

وحرَّم ابنُ إدريس الأكل من طعام يُعصَى الله به أو عليه(8)، ولا ريب أنه أحوط.

ص: 171


1- جامع الأصول، ج 10، ص 71، الرقم 6646.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4، ص 55.
3- الكافي، ج 6، ص 268 ، باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر ، ح 1.
4- الكافي، ج 6 ، ص 268 ، باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر، ذيل الحديث 1.
5- الكافي، ج 6، ص 408، باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرم كل مسكر .... ح 5.
6- الكافي، ج 6، ص 42 ، باب الفقاع.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 337
8- السرائر، ج 3، ص 136.

وأما النهي بالقيام، فإنّما يَتم مع تجويزه التأثير به واجتماع باقي الشرائط، ووجوبه حينئذ من هذه الحيثية حسن، إلّا أنّ إثبات الحكم مطلقاً مشكل؛ إذ لا يَتِم وجوب الإنكار مطلقاً، فلا يحرم الأكلُ مطلقاً، وإلحاق غير المنصوص به قياس. ولا فرق بين وضع المحرم أو فعله على المائدة في ابتدائها واستدامتها فمتى عرض المحرم في الأثناء وجب القيام حينئذٍ، كما أنه لو كان ابتداءً حرم الجلوس عليها وابتداء الأكل منها. والأقوى أنّ كلَّ واحد من الأكل منها والجلوس عليها محرَّم برأسه وإنْ انْفَكَ عن الآخر.

ص: 172

كتاب الميراث

اشارة

ص: 173

ص: 174

كتاب الميراث

وهو مفعال مِفعال من الإرث و ياؤُه منقلبة عن «واو»، أو من الموروث. وهو على الأوّل استحقاق إنسان بموتِ آخَرَ بنَسَبٍ أو سببِ شيئاً بالأصالة، وعلى الثاني «ما يستحقه إنسان... إلى آخره، بحذف «الشيء». وهو أعم من الفرائض مطلقاً إن أريد بها المفروض بالتفصيل، وإن أريد بها ما يَعُمّ الإجمال كإرث أولي الأرحام، فهو بمعناه، ومِن ثُمَّ كان التعبير بالميراث أولى.

(وفيه فصول؛)

الفصل الأول: البحث في الموجبات للإرث والموانع منه

(يُوجب الإرثَ) أي يُثبته شيئان : (النسب والسبب).

(فالنسب) هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخَر كالأب والابن أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق إسم النسب عرفاً على الوجه الشرعي. وهو ثلاث مراتب لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحدٍ من المرتبة السابقة خالٍ من الموانع.

ص: 175

فالأولى: (الآباء) دون آبائهم (والأولاد) وإن نزلوا، (ثمّ) الثانية: (الإخوة) والمراد بهم ما يشمل الأخوات للأبوين أو أحدهما، (والأجداد) والمراد بهم ما يشمل الجدات، (فصاعداً، وأولاد الإخوة) والأخوات (فنازِلاً) ذكوراً وإناثاً، وأفردهم عن الإخوة لعدم إطلاق اسم الإخوة عليهم فلا يدخلون ولو قيل «وإن نزلوا» ونحوه، بخلاف الأجداد والأولاد. (ثم) الثالثة: (الأعمام والأخوال) للأبوين أو أحدهما وإنْ عَلَوا، كأعمام الأب والأم وأعمام الأجداد، وأولادهم فنازِلاً، ذكوراً وإناثاً.

(والسبب) هو الاتصال بالزوجيّةِ أو الولاء، وجملته (أربعة : الزوجيّةُ) من الجانبين مع دوام العقد أو شرط الإرث على الخلاف(1)، (و) ولاء (الإعتاق و) ولاء (ضمان الجريرة و) ولاء (الإمامة). والزوجية من هذه الأسباب تجامع جميع الوراث والإعتاق لا يُجامِع النَسَبَ ويُقدَّم على ضمان الجريرة المقدَّم على ولاء الإمامة. فهذه أصول موجبات الإرث.

وأما الموانع فكثيرة. قد سبق بعضُها ويُذكر بعضها في تضاعيف الكتاب وغيره، وقد جَمَعها المصنّف في الدروس إلى عشرين(2)، وذكر منها هنا ستة :

أحدها الكفر، (ويمنع الإرث) للمسلم (الكفرُ) بجميع أصنافه وإن انتحل معه الإسلام، (فلا يَرِثُ الكافر) حربيّاً كان أم ذمّيّاً أم خارجيّاً أم ناصبيّاً أم غالياً (المسلم) وإنْ لم يكن مؤمناً، (والمسلمُ يَرِث الكافر) ويمنع وَرَنَتَه الكفار وإنْ

ص: 176


1- 1. فيه أقوال أربعة: 1. إنه يوجب الإرث كالدائم ذهب إليه القاضي في المهذب، ج 2، ص 240 - 243. 2. إنه لا توارث فيه مطلقاً ذهب إليه أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 298. 3. إنه يوجب الإرث مع الشرط ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 492. 4. إنه يقتضي التوارث مالم يشترط سقوطه نقله عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 235. المسألة 160
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 277 - 298 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

قَرُبُوا وبَعُدَ. وكذا يرث المبتدِعُ من المسلمين لأهل الحق ولمثله، ويَرِثُونه على الأشهر وقيل يَرِثُه المُحِقُ دون العكس(1).

(ولو لم يُخَلِّف المسلم قريباً مسلماً كان ميراثُه للمُعتق، ثمّ ضامنِ الجريرة، ثمّ الإمام، ولا يَرِثُه الكافر بحال)، بخلاف الكافر فإنّ الكفار يرثونه مع فقد الوارث المسلم وإنْ بَعُدَ كضا من الجريرة، ويُقدمون على الإمام.

(وإذا أسلم الكافرُ علی میراث قبل (قسمته بين الورثة حيث يكونون متعدّدين، (شارَكَ) في الإرث بحسب حاله (إن كان مساوياً) لهم في المرتبة كما لو كان الكافر ابناً والورثة إخوته،( وانفرد) بالإرث (إن كان أولى) منهم كما لو كانوا إخوةً مسلماً كان الموروث أم كافراً ونَماء التركة كالأصل. (ولو) أسلم بعد القسمة أو (كان الوارث واحداً فلا مشاركة).

ولو كان الوارث الإمام حيث يكون الموروث مسلماً ففى تنزيله منزلة الوارث الواحد(2)، أو اعتبار نقل التركة إلى بيت المال(3)، أو توريث المسلم مطلقاً(4) ، أقوال، ووجه الأوّل واضح دون الثاني، والأخيرُ مروي(5).

ولو كان الوارث أحد الزوجين فالأقوى أنّ الزوج كالوارثِ المتحدِ والزوجة كالمتعدّد؛ لمشاركة الإمام لها دونه وإن كان غائباً. ولو كان الإسلام بعد قسمة البعض ففي مشاركته في الجميع أو في الباقي أو المنع منهما، أوجه أوسطها الوسط.

ص: 177


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 701.
2- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 662 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 267 .
3- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 290؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 394.
4- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 6.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369 6. أي أعدلها فإنّ الأوسط يطلق على الأعدل كما قال الله تعالى: ﴿قال أَوْسَطُهُمْ﴾ [القلم (68): 38) وهو ترجيح للوسط على وجه لطيف (منه رحمه الله)

(والمرتد عن فطرة) وهو الذي انعقد وأحد أبويه مسلم، لا تقبل توبته ظاهراً وإنْ قبلت باطناً على الأقوى، (وتُقسَم تَرِكته) بين ورثته بعد قضاء ديونه منها إن كان عليه دَينُ (وإنْ لم يُقتل) بأن فات السلطان أو لم تكن يدُ المُستوفي مبسوطة، (ويَرِثُه المسلمون لا غير)؛ لتنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام كقضاء عبادته الفائتة زمن الردّة.

(و) المرتد ( عن غير فطرة) وهو الذي انعقد ولم يكن أحد أبويه مسلماً، لا يُقتل مُعَجَّلاً، بل (يُستَتاب) عن الذنب الذي ارْتَدَّ بسببه (فإن تاب وإِلّا قُتِل) ولا يُقسم ماله حتى يُقتل أو يموت. وسيأتي بقيه حكمه في باب الحدود(1) إن شاء الله.

(والمرأة لا تُقتَل بالارتداد) لقصور عقلها (ولكن تُحبَس وتُضرَب أوقات الصلوات حتّى تتوبَ أو تموت، وكذلك الخنثى) للشك في ذكوريّتِه المُسَلِّطَةِ على قتله، ويُحتمل أن يلحقه حكمُ الرجل؛ لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «مَن بدل دينه فاقتلوه»(2) خرج منه المرأة فيبقى الباقى داخلاً في العموم؛ إذ لا نص على الخنثى بخصوصه. وهذا متجه لولا أن «الحدود تُدرَاً بالشبهات»(3).

(و) ثانيها: (القتل) أي قتلُ الوارثِ - لولاه - الموروث، وهو (مانع) من الإرث (إذا كان عمداً ظلماً)؛ إجماعاً مقابلة له بنقيض مقصوده، ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا ميراث لقاتل»(4). واحترز بالظلم عمّا لو قتله حداً أو قصاصاً ونحوهما من القتل بحق فإنّه لا يُمنع. ( ولو كان) قتله (خطأ) محضاً (مُنع من الدية خاصةً) على أظهر الأقوال(5)؛

ص: 178


1- يأتي في باب الحدود.
2- صحيح البخاري، ج 3، ص 1098 ، ح 2854؛ الجامع الصحيح، ج 4، ص 59. ح 1458.
3- الفقيه، ج 4، ص 74، ح 5149.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 378، ح 1352
5- اختاره السيد في الانتصار، ص 595 المسألة 327؛ والشيخ في المبسوط، ج 3، ص 291؛ وراجع غاية المراد، ج 3، ص 424 - 425 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

لأنه جامع بين النصين(1)(2) و به صريحاً رواية عامية (3).

وقيل: يُمنَع مطلقاً (4)؛ لرواية الفضيل بن يسار عن الصادق(عليه السلام) : «لا يرث الرجلُ الرجل إذا قتله وإن كان خطأ»(5). وقيل: يرث مطلقاً(6)؛ لصحيحة عبد مطلقاً ، الصحيحة عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام)في رجل قتل أُمّه أيرثها؟ قال: «إن كان خطاً وَرِتَها وإن كان عمداً لم يرثها »(7). وتركُ الاستفصال دليلُ العموم فيما تَرَكَتْه مطلقاً ومنه الدية، ورواية الفضيل مرسلة فلا تُعارِض الصحيح.

وفي إلحاق شبه العمد به أو بالخطأ قولان(8)، أجودهما الأوّل؛ لأنّه عامدٌ في الجملة، ووجه العدم كونه خاطئاً كذلك؛ ولأن التعليل بمقابلته بنقيض مقصوده لا يجري فيه. ولا فرق بين الصبي والمجنون وغيرهما لكن في إلحاقهما بالخاطي أو العامدِ نظر، ولعلّ الأوّلَ أوجَهُ ولا بين المباشر والسبب في ظاهر المذهب للعموم(9).

(ويَرِثُ الدية) دية المقتول، سواءٌ وَجَبت أصالةً كالخطأ وشبهه أم صلحاً كالعمد كلُّ مُناسب للمقتول (ومُسابِبٍ) له كغيرها من أمواله؛ لعموم آية ﴿أُولُوا الْأَرْحَامِ ﴾(10) فإنّهم جمع مضافٌ.

ص: 179


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379، ح 1357 - 1359.
2- هنا عبارة في الأصل مشطوباً عليها وهي هكذا: «ولان الدية يجب عليه دفعها إلى الوارث للآية ولا شيء من الموروث للقاتل يُدفَع إليه، والدفع الى نفسه لا يُعقل».
3- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 914 ، ح 2736.
4- نقله عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 82، المسألة 27.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379، ح 1359
6- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 703
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379 ، ح 1358.
8- الإلحاق بالعمد للعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 347: الإلحاق بالخطأ لسلّار في المراسم، ص 220؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 85 المسألة 27.
9- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 30 - 31 ، الباب 7 من أبواب موانع الإرث.
10- الأنفال :(8): 75: الأحزاب (33): 6.

(وفي) إرث (المتقرّب (1)بالأم) لها (قولان)(2) مأخذهما ما سلف. ودَلالة رواية محمّد بن قيس(3) وعبد الله بن سنان(4)، وعُبيد بن زرارة (5)، عن الباقر والصادق(عليهم السلام)بحرمان الإخوة من الأُمّ، والحق غيرهم من المتقرّب بها بهم لمفهوم الموافقة، واستقر به المصنف في الدروس(6) بعد حكمه بقصر المنع على موضع النص.

(ويرثها الزوج والزوجة) في الأشهر(7) ، ورواية السكوني(8) بمنعهما ضعيفة أو محمولة على التقية (ولا يرثان القصاص) اتفاقاً (و) لكن (لو صولح على الدية) في العمد (وَرِثا منها )كغيرها من الأموال وغيرهما من الوراث للعموم.

(و) ثالثها: (الرِقُ) وهو (مانع) من الإرث (في الوارث) وإن كان الموروث مثله، بل يَرِتُه الحرُّ وإنْ كان ضامِنَ جريرةٍ دون الرق وإن كان ولداً. (و) في (الموروث) فلا يرث الرق قريبه الحرُّ وإن قلنا بملكه بل ماله لمولاه بحق الملك لا بالإرث مطلقاً.

(ولو كان للرقيق) ولدِ الميّت (ولدٌ ) حرٌّ (وَرِث جده دون الأب)؛ لوجود المانع فيه دونه ولا يُمنع برق أبيه.( وكذا الكافرُ والقاتلُ لا يَمنَعان) من الإرث (مَن يَتَقَرَّب بهما لانتفاء المانع منه دونهما.

( والمُبَعَّضُ ) أي مَن تَحَرَّر بعضُه وبَقِي بعضُه رِقّاً (يرث بقدرِ ما فيه من الحرية، ويُمنَع من الإرث بقدر الرقيّة)، فلو كان للميت ولد نصفه حرّ وأخ حرّ فالمال بينهما نصفان، ولو كان نصفُ الأخ حرّاً أيضاً فللابن النصفُ وللأخ الربع والباقي للعم الحرّ إن

ص: 180


1- يرث (زين رحمه الله )
2- القول بالإرث للشيخ في الخلاف، ج 4، ص 114، المسألة 127؛ والقول بالعدم للمفيد في المقنعة، ص 702؛ والشيخ في النهاية، ص 673.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 375، ح 1340.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 375، ح 1339.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 376، ح 1343.
6- الدروس الشرعية ، ج 2، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- المبسوط ، ج 5، ص 62؛ الخلاف، ج 4، ص 114، المسألة 127.
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 380 ، ح 1360.

كان، فلو كان نصفه حرّاً فله الثمنُ والباقي لغيره من المراتب المتأخرة عنه، وهكذا.

(ويُورث) المبعَّضُ (كذلك) فإذا كان نصفه حراً فلمولاه نصف تركته ولوارثه الحرّ النصفُ، وهكذا.

(وإذا أُعتِق) الرقُ (على ميراث قبل قسمته فكالإسلام) قبل القسمة يرث إن كان الوارث متعدّداً ولم يقتسموا التركة، ويُمنع مع اتحادِه أو سَبْق القسمة على عنقه، إلى آخر ما ذُكر.

(وإذا لم يكن للميت وارث سوى المملوكِ اسْتُرِي من التركة) ولو قهراً على مولاه، والمتولّي له الحاكم الشرعي، فإن تعذر تولاه غيرُه كِفايةً، وأُعتِقِ وَوَرِثَ) باقي التركة (أباً كان) الرقُ للميّت (أو ولداً أو غيرهما (1)) من الأنساب، على الأشهر(2). أما الأبوان والأولاد فموضع وفاقٍ وبه نصوص كثيرة (3)، وربما قيل بعدم فك الأولاد(4)، والأوّل هو المذهب. وأمّا غيرهما من الأرحام فببعضه نصوص(5) غير نقية السند ولم يَفرُق أحدٌ بينهم فحَكَم الأكثرُ بفك الجميع، وتوقف العلّامة في المختلف(6) لذلك، وله وجه.

وفي شراء الزوجة رواية صحيحة(7) ، وحُمِل عليها الزوج بطريق أولى. ولو قصر المالُ عن قيمته ففى فكه قولان(8) أشهرهما العدم وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق. وهذا يتجه في غير مَن اتَّفق على فكّه، وفيه يتّجه شراء الجزء وإنْ َقلَّ؛

ص: 181


1- يفك كلّ وارث وإن كان زوجاً أو زوجة (زين رحمه الله)
2- المقنع، ص 506: الانتصار، ص 597، المسألة 328؛ المراسم، ص 219.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 49 - 50، الباب 20 من أبواب موانع الإرث ..
4- قال به الديلمي في المراسم، ص 219
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 334، ح 1202 - 1203.
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 80، المسألة 26.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 247، ح 894
8- القول بالعدم للمفيد في المقنعة ص 695 والشيخ في النهاية، ص 668 والقول الآخر نقله الشيخ عن بعض الأصحاب في النهاية، ص 668: ونقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 80، المسألة 26.

عملاً بمقتضى الأمر بحسب الإمكان، ولحصول الغرض به في الجملة.

وعلى المشهور لو تعدد الرقيق وقصر المالُ عن فك الجميع وأمكن أن يُفكَ به البعضُ، ففي فكّه بالقرعة أو التخيير أو عدمه أوجه. وكذا الإشكال لو وَفَتْ حِصّه بعضهم بقيمته وقصر البعض، لكن فكّ المُوفِي هنا أوجَهُ. وظاهرُ النصوص توقف عتقه بعد الشراء على الإعتاق، كما يظهر من العبارة، فيَتَوَلاه مَن يَتَوَلَّى الشراء.

(ولا فرق بين أم الولد والمدبَّرِ والمكاتب المشروط والمطلقِ الذي لم يُؤَدِّ) شيئاً من مال الكتابة (وبين القنّ)؛ لاشتراك الجميع في أصل الرقيّة وانْ تَشَبَّتَ بعضُهم بالحرية، والنهي عن بيع أُمّ الولد(1) مخصوص بغير ما فيه تعجيل لعتقها؛ لأنه زيادة في مصلحتها التي نَشَأ منها المنعُ فيصح بطريق أولى.

ولو كان المطلق قد أدَّى شيئاً وعتق منه بحسابه فُكَ الباقى وإنْ كان يَرتُ بجزئه الحرّ؛ لأنّ ما قابل جزء الرقّ من الإرث بمنزلة ما لا وارث له.

(و) رابعُها: (اللعانُ) وهو (مانع من الإرث) بين الزوجين وبين الزوج والولد المنفي به من جانب الأب والولد (إلّا أن يُكَذِّبَ) الأبُ (نفسَه) في نفيه (فيَرِثُه الولد من غير عكس). وهل يرثه حينئذٍ أقارب الأب مع اعترافهم به أو مطلقاً أو عدمه مطلقاً ؟ أوجُهُ (2)، أشهَرُها الأخير لحكم الشرع بانقطاع النسب فلا يعود، وإنّما وَرِثَه الولد بالتكذيب بدليل خارج. ولو اتفق للولد قرابة من الأبوين وأُخرى من الأُمّ - كالإخوة -اقتسموا بالسوية؛ لسقوط نسب الأب. ولو كان المنفيُّ تَوْأَمَين تَوَارَنا بالأُمُومة.

(و) خامسها: (الحَمْلُ) وهو (مانع من الإرث إلّا أن يَنفصل حيّاً) فلو سَقَط ميتاً لم يرث: لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «السقط لا يَرتُ ولا يُوَرّث»(3). ولا تُشترط حياته عند موت المورث

ص: 182


1- الكافي، ج 1، ص 193، باب أمهات الأولاد، ح 5.
2- القول بعدم إرثه مطلقاً للشيخ في النهاية، ص 679 والقول بإرثه لأبي الصلاح في الكافي في الفقه، ص 375.
3- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 421، ح 12486؛ راجع عوالي اللآلي، ج 3، ص 39، ح 111؛ انظر وسائل الشيعة، ج 26، ص 302 - 305 ، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى.

بل لو كان نطفةٌ وَرِث إذا انفَصَل حيّاً ولا يُشترط استقرار حياته بعد انفصاله ولا استهلاله لجواز كونه أخرسَ، بل مطلق الحياة المعتبرة بالحركة البينة، لا بنحو التقلص الطبيعي كما لو خرج بعضُه حيّاً وبعضه ميتاً.

وكما يُحجَب الحملُ عن الإرث إلى أن ينفصل حيّاً يَحجُب غيره ممّن هو دونه ليستبين أمره، كما لو كان للميت امرأة أو أمةٌ حامل وله إخوة فيُترك الإرث حتَّى تَضَعَ. نعم، لو طلبت الزوجة الإرثَ أُعطيت حِصَّةَ ذاتِ الولد لأنه المتيقن، بخلاف الإخوة. ولو كان هناك أبوان أعطيا الشدسين، أو أولاد أُرْجِئ سهم ذَكَرين لندور الزائد، فإن انكشف الحالُ بخلافه استُدرِك زيادةً ونقصاناً.

ويُعلم وجود الحمل حال موت المورث بأن يُوضع حيّاً لدون ستة أشهرٍ منذ موته أو لأقصى الحمل إن لم تُوطَأ الأم وطءاً يصلح استناده إليه، فلو وطئت ولو بشبهة لم يَرِثْ؛ لاحتمال تجدُّدِه مع أصالة عدم تقدّمه.

وسادسها: الغيبة المنقطعة وهي مانعة من نفوذ الإرث ظاهراً حتى يثبت الموتُ شرعاً، وقد نبه عليه بقوله

(والغائبُ غَيبةً منقطعةً) بحيث لا يُعلم خبره (لا يُوَرّث حتى تمضي) له من حين ولادته (مدّة لا يعيش مثله إليها عادةً)، ولا عبرة بالنادر، وهي في زماننا مائة وعشرون سنة.

ولا يَبعُد الآن الاكتفاء بالمائة لندور التعمير إليها في هذه البلاد، فإذا مَضَتْ للغائب المدة المعتبرةُ حُكم بتوريث من هو موجود حال الحكم. ولو مات له قريب في تلك المدّة عُزِل له نصيبه منه وكان بحكم ماله والحكم بالتربص بميراث الغائب المدّةَ المذكورة هو المشهور بين الأصحاب، وهو مناسب للأصل لكن ليس به رواية صريحة وما ادعي له من النصوص(1) ليس دالاً عليه.

ادُّعِيَ وفي المسألة أقوال أُخَرُ مستندة الى روايات بعضُها صحيح، منها أن يُطلب أربعَ

ص: 183


1- الكافي، ج 7، ص 153 - 155 ، باب ميراث المفقود، ح 1 - 9.

سنين في الأرض فإن لم يُوجَد قسم ماله بين ورثته ذهب إليه المرتضى(1) ، والصدوق(2). وقواه المصنف في الدروس(3)، وجَنَح إليه العلامة(4) ، وهو قوي مروي(5)، ويؤيده الحكم السابق باعتدادِ زوجته عِدَّةَ الوفاة وجواز تزويجها بعدها، ولو لم يُطلب كذلك فالعمل على القول المشهور وقيل يكفي انتظاره عشر سنين مِن غير طلب(6)، وهو مروي(7) أيضاً.

(ويلحق بذلك الحَجْبُ، وهو تارةً عن أصل الإرث كما في حجب القريب) في كلّ مرتبة (البعيد) عنها وإن كان قريباً في الجملة. (فالأبوان والأولاد) وهم أهل المرتبة الأولى ( يَحجُبون الإخوة والأجداد) أهل المرتبة الثانية (ثم الإخوة) وأولادهم (والأجداد) وإنْ عَلَوْا ( يحجبون الأعمام والأخوال، ثمّهم) أي الأعمامُ والأخوالُ

( يحجبون أبناءَهم) ثمّ أبناؤُهم للصلب يحجبون أبناءهم أيضاً، وهكذا.

وكذا الأولاد للصلب والإخوة يحجبون أبناءَهم، فكان ينبغي التعرُّضُ لهم لكن ما ذكره على وجهِ بيان حكمِ الحَجْب لا للحصر. ولو أعيد ضمير «هم» إلى المذكورين فى كلّ مرتبة لدخل الأولاد والإخوة وتَبَيَّنَ أنّهم يحجبون أولادهم، لكن يُشكل بالأجداد فإنّه يَستلزم أن يحجُبوا الآباء والجدُّ البعيد يحجب القريب، وهو فاسد وإنْ صحَ حَجْبُ الأجداد لأولادهم الذين هم الأعمام والأخوال، إلّا أنّه مُستغنى عنهم بالتصريح بذكرهم والضابط أنه متى اجتمع في المرتبة الواحدة طبقات، وَرِثَ الأقرب إلى الميت فيها فالأقرب.

ص: 184


1- الانتصار، ص 595 المسألة 326
2- الفقيه، ج ،4، ص 330، ذيل الحديث 5710
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 111، المسألة 39.
5- الكافي، ج 7، ص 154 - 155 ، باب ميراث المفقود، ح 5 و 9.
6- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 110، المسألة 39 .
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 390، ح 1391

(ثمّ القريبُ) مطلقاً ( يحجب المعتق، والمعتق) ومَن قام مقامه يحجُب (ضامِنَ الجريرة، والضامن) يحجب

(الإمام، والمتقرِّبُ) إلى الميت (بالأبوين) في كل مرتبة من مراتب القرابة ( يحجب المتقرب) إليه (بالأب مع تساوي الدرج) كإخوة من أبوين مع إخوة من أب لا مع اختلاف الدرج كأخ لأب مع ابن أخ لأبِ وأم فإنّ الأقرب أُولى من الأبعد وإنْ مَتَّ الأبعد بالطرفين دونه (إلا في ابن عمّ للأب والأم فإنّه يَمنَع العم للأب) خاصةً (وإنْ كان) العمُّ (أقرب منه، وهي مسألةً إجماعيّةً) منصوصةٌ (1)خَرَجت بذلك عن حكم القاعدة، ولا يتغيَّر الحكم بتعدد أحدهما أو تعدّدِهما ولا بالزوج والزوجة المُجامِعَين لهما؛ لصدق الفرض في ذلك كلّه.

وفي تغيره بالذكورة والأنوثة قولان، أجودهما ذلك(2)؛ لكونه خلاف الفرض المخالف للأصل فيقتصر على محلّه، ووجه العدم اشتراك الذكر والأنثى في الإرث والمرتبةِ والحَجْبِ في الجملة، وهو مذهب الشيخ (رحمه الله)(3) فألحق العمة بالعمّ. وكذا الخلاف في تغيره بمجامعة الخال(4)، فقيل : يتغيَّر فيكون المال بين العم والخال ؛ لأنه أقرب من ابن العم ولا مانع له من الإرث بنص ولا إجماع، فيسقط ابن العم به رأساً ويبقى في الطبقة عم وخال فيشتركان لانتفاء مانع العم حينئذ. ذهب إلى ذلك عماد الدين ابنُ حمزة(5)، وربَّحه المصنف في الدروس(6)، وقبله المحقق في الشرائع(7) . وقال قطبُ الدين الراوندي ومُعينُ الدين المصري: المال للخال وابن العم؛ لأنّ الخالَ لا يَمنَع

ص: 185


1- الفقيه، ج 4، ص 292، باب ميراث ذوي الأرحام.
2- ذهب إلى ذلك ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 241.
3- الاستبصار، ج 4، ص 170 ، ذيل الحديث 643.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 241.
5- نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45. المسألة 4.
6- الدروس الشرعية، ج 2، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- شرائع الإسلام، ج 4 ص 24

العمَّ فلأَنْ لا يَمَنَعَ ابنَ العمّ الذي هو أقرب أولى(1). وقال المحقق الفاضل سديد الدين محمودُ الحِمْصي: «المالُ للخال؛ لأنّ العم محجوب بابن العم وابن العم محجوب بالخال»(2).

ولكلّ واحد من هذه الأقوال وجه وجيه، وإنْ كان أقواها الأوّلَ وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع النصّ والوفاق، فيبقى عموم آية أُولى الأرحام(3)التي استدل بها الجميع على تقديم الأقرب خالياً عن المعارض. وتوقف العلامة في المختلف(4)، وصنف هؤلاء الفضلاء على المسألة رسائل تشتمل على مباحث طويلةٍ وفوائد جليلةٍ.

(وأمّا الحَجْبُ عن بعض الإرث) دون بعض (ففي) موضعين :

أحدُهما: (الولدُ) ذَكَراً وأُنثى فإنّه يحصل به (الحجب) للزوجين (عن نصيب الزوجيّة الأعلى) إلى الأدنى (وإنْ نَزَل) الولدُ. (و) كذا (يحجب) الولدُ (الأبوين عمّا زاد عن السدسَين) و أحدهما عما زاد عن السدس (إلّا) أن يكونا أو أحدهما (مع البنتِ) الواحدة (مطلقاً) أي سواء كان معها الأبوان أم أحدهما فإنهما لا يُحجَبان ولا أحدهما عن الزيادة على السدس، بل يشاركانها فيما زاد عن نصفها وسدسَيْهما بالنسبة (أو (البنات) أي البنتين فصاعداً (مع أحد الأبوين) فإنّهنّ لا يَمْنَعْنَه عمّا زاد أيضاً، بل يُرَدّ عليهنّ وعليه ما بقي من المفروض بالنسبة، كما سيأتي تفصيله. ولو كان معهنّ أبوان استغرقت سهامهم الفريضة فلا ردّ فمِن ثُمَّ أدخلهما في قسم الحجب.

وفي المسألة قول نادر بحجب البنتين فصاعداً أحد الأبوين عمّا زاد على السدس(5)؛ لرواية أبي بصير عن الصادق(عليه السلام) (6)، وهو متروك.

ص: 186


1- نقله عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45، المسألة 4.
2- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45، المسألة 4.
3- الأنفال (8): 75
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 47، المسألة 4.
5- نقله عن الإسكافي العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 118، المسألة 43.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 274، ح 990.

(و) ثانيهما: (الإخوة تحجب الأُمَّ عن الثلث إلى السدس بشروط) خمسة :

الأوّل: (وجود الأب) ليُوَفِّروا عليه ما حجبوها عنه وإن لم يحصل لهم منه شيء، فلو كان معدوماً لم يحجبوها عن الثلث.

(و) الثاني: (كونُهم رجلين) أي ذكرين (فصاعِداً أو أربع نساءٍ أو رجلاً) أي ذَكَراً (وامرأتين) أي أُنيين وإنْ لم يَبلُغا، والخنثى هنا كالأنثى؛ للشك في الذكورية الموجبِ للشكّ في الحَجْب. واستقرب المصنّف في الدروس (1)هنا القرعة.

(و) الثالث: (كونُهم) إخوة (للأب والأم أو للأب) أو بالتفريق، فلا تحجب كلالةُ الأُمّ.

(و) الرابع: (انتفاءُ) موانعِ الإرث من القتل والكفر والرق عنهم وكذا اللعان. ويحجب الغائبُ ما لم يُقْضَ بموته شرعاً.

(و) الخامس: (كونُهم منفصلين) بالولادة (لا حملاً) فلا يحجب الحمل ولو بكونه متمّماً للعددِ المعتبر فيه على المشهور، إما لعدم إطلاق اسم الإخوة عليه حينئذ، أو لكونه لا يُنفق عليه الأب، وهو علة التوفير عليه. وفي الثاني منع ظاهر، والعلة غيرُ متحققة. وفى الدروس(2)جَعَل عدمَ حَجْبِه (قولاً)، مُؤذناً بتمريضه.

ويُشترط سادس وهو كونهم أحياء عند موت الموروث، فلو كان بعضُهم ميتاً أو كلُّهم عنده لم يحجب، وكذا لو اقترن موتاهما أو اشتبه التقدم والتأخّرُ.

وتوقف المصنِّفُ في الدروس لو كانوا غَرقَى من حيث إنّ فرضَ موتِ كلّ واحد منهما يستدعي كونَ الآخر حياً فيتحقق الحجب ومن عدم القطع بوجوده، والإرث حكم شرعي فلا يلزم منه اطرادُ الحكم بالحياة. قال : ولم أَجِدْ في هذا كلاماً لمن سبق(3) . والأقوى عدمُ الحَجْب للشك والوقوفِ فيما خالف الأصل على مورده.

وسابع وهو المغايرة بين الحاجب والمحجوب، فلو كانت الأم أختاً لأب فلا حَجْب كما يتفق في المجوس، أو الشبهة بوطء الرجل ابنته فولدها أخوها لأبيها.

ص: 187


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 290 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 291 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 291 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الفصل الثاني في بيان (السهام) المقدرة و بيان أهلها

اشارة

(وهي في كتاب الله تعالى) ستة:

الأوّل: (النصف) وقد ذُكر في ثلاثة مواضع، قال تعالى : ﴿وَإِن كَانَتْ - يعنى البنت - وَحِدَةٌ فَلَهَا النِّصْفُ﴾(1)، ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَجُكُمْ﴾(2)، ﴿وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ ﴾ (3).

(و) الثاني: نصف النصف و هو (الربع) وهو مذكور فيه في موضعين، أحدهما:

﴿فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ﴾(4) ، وثانيهما:﴿ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾(5).

(و) الثالث: نصفه و هو (الدُّمْن) ذكره الله تعالى مرّةً واحدةً في قوله تعالى: ﴿فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ﴾(6).

(و) الرابع: (الثلثان) ذكره الله تعالى في موضعين، أحدهما في البنات، قال: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءٌ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُنَا مَا تَرَكَ ﴾(7)، وثانيهما في الأخوات، قال تعالى : ﴿فَإِن كَانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الظُّلُتَانِ مِمَّا تَرَكَ ﴾(8).

ص: 188


1- النساء (4) :11
2- النساء (4): 12
3- النساء (4): 176
4- النساء .(4): 12
5- النساء .(4): 12
6- النساء .(4): 12
7- النساء (4):11
8- النساء (4): 176.

(و) الخامس: نصفه وهو (الثلث) وقد ذكره الله تعالى في موضعين أيضاً، قال تعالى: ﴿فَلِأُمِّهِ الثَّلْتُ ﴾(1) وقال : ﴿فَإِن كَانُواْ - أي أولاد الأُمّ - أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾(2) .

(و) السادس نصفُ نصفه وهو (السدس) وقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع فقال : ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾(3) ،﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(4)،، وقال في حق أولاد الأُمّ: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾(5).

وأما أهل هذه السهام، فخمسة عشر:

(فالنصفُ لأربعة : الزوج مع عدم الولد) للزوجة (وإنْ نَزَل)، سواء كان منه أم غيره، (والبنت) الواحدة (والأخت للأبوين، والأُختِ للأب) مع فقد أُخت الأبوين، إذا لم يكن ذَكَرُ في الموضعين.

(والربع لاثنين : الزوج مع الولد) للزوجة وإن نزل، (والزوجة) وإن تعددت (مع عدمه) للزوج.

(والثمن لقبيل واحدٍ) وهو (الزوجة - وإن تعددت - مع الولد) وإن نزل.

(والثلثان لثلاثة : البنتين فصاعداً، والأختين للأبوين فصاعداً، والأختين للأب) مع فقد المتقرّب بالأبوين فصاعداً (كذلك) إذا لم يكن ذكر في الموضعين.

(والثلث لقبيلين : للأم مع عدم مَن يحجبها) من الولد والإخوة (وللأخوين أو الأختين، أو للأخ والأخت فصاعداً من جهتها)، ولو قال: «للاثنين فصاعداً - من ولد الأُمّ - ذكوراً أم إناثاً أم بالتفريق كان أجمع.

(والسدس لثلاثة : للأب مع الولد) ذكراً كان أم أنثى، وإن حصل له مع ذلك زيادة

ص: 189


1- النساء (4): 11
2- النساء (4): 12
3- النساء (4): 11.
4- النساء (4): 11.
5- النساء (4): 12

بالرد فإنّها بالقرابة لا بالفرض ( وللأم معه أي مع الولد وكذا مع الحاجب من الإخوة ( وللواحد) من كلالة الأمّ) أي أولادها؛ سُمِّيَ الإخوة كلالةً من الكلّ وهو النقل لكونها ثقلاً على الرجل لقيامه بمصالحهم مع عدم التولّد الذي يُوجِب مَزِيدَ الإقبال والخفّةِ على النفس أو من الإكليل وهو ما يُزَيَّن بالجوهر شبة العصابة؛ لإحاطتهم بالرجُل كإحاطته بالرأس.

هذا حكم السهام المقدّرة منفردةً وأمّا مُنضَيَّةً بعضها إلى بعض فبعضها يُمكن وبعضُها يمتنع، وصورُ اجتماعها الثنائي مطلقاً إحدى وعشرون حاصلة من ضرب السهام الستة في مثلها ثمّ حذفِ المكرَّر منها وهو خمسة عشر منها(1) ثمانٍ ممتنعة. وهي واحدة من صور اجتماع النصف مع غيره، وهو اجتماعه مع الثلثين؛ لاستلزامه العَوْلَ، وإلا فأصله واقع كزوج مع أختين فصاعداً لأب، لكن يدخل النقص عليهما فلم يتحقق الاجتماع مطلقاً.

واثنتان من صور اجتماع الربع مع غيره، وهما: اجتماعه مع مثله؛ لأنه مثله؛ لأنّه سهم الزوج مع الولد والزوجة لا معه فلا يجتمعان، واجتماعه مع الثمن لأنه نصيبها مع الولد وعدمه معه، أو نصيب الزوج معه.

و اثنتان من صور الثمن مع غيره، وهما هو مع مثله؛ لأنّه نصيبُ الزوجة وإن تعددت خاصةً، وهو مع الثلث؛ لأنه نصيب الزوجة مع الولد والثلث نصيب الأُمّ لا . أو الاثنين من أولادها لا معهما.

وواحدة من صور الثلثين، وهي هما مع مثلهما؛ لعدم اجتماع مستحقهما متعدّداً في مرتبةٍ واحدةٍ مع بطلان العول.

ص: 190


1- ضابط التكرار أن الأوّل يأتي في جميع الفروض، فلا تكرار فيه والثاني هو الرابع يتكرر مع النصف، لدخوله في أقسامه. والثالث وهو الثمن يتكرّر مع السابقين، لدخوله في أقسامهما. والرابع يتكرّر مع الثلاثة السابقة. والخامس مع الأربعة. والسادس مع الخمسة، وذلك خمسة عشر. ثمّ بعض ما تكرّر يمكن فرضه، بعضها ممتنع ويبقى من الممتنع ثمان كما ذكر، والباقي ممكن ولا تكرار . ولهذا يظهر فساد ما ذكره المقداد في التنقيح [الرائع. ج 4، ص 148] في تقسيم هذه السهام وجدوله يخالف ما ذكره في كلامه، فتأمل( منه رحمه الله )

واثنتان من صور الثلث، وهما :اجتماعه مثله وإنْ فُرِض في البنتين والأُختين حيث إنّ لكلّ واحدة ثلثاً، إلّا أنّ السهم هنا هو جملةُ الثلثين لا بعضُهما وهو مع السدس؛ لأنه نصيبُ الأُمّ مع عدم الحاجب، والسدس نصيبها معه بعه أو مع الولد فلا يجامعه.

ويبقى من الصور ثلاث عشرة فرضُها واقع صحيحٌ، قد أشار المصنف منها الى تسع بقوله :

(ويجتمع النصفُ مع مثله )كزوج وأُخت لأب، (ومع الربع) كزوجة وأُخت كذلك، وكزوج وبنت (و) مع (الثمن) كزوجة وبنت، وقد تقدَّم أنّه لا يجتمع مع الثلثين؛ لاستلزامه العَوْلَ. (و) يجتمع (مع الثلث) كزوج وأُمّ، وككلالةِ الأُمّ المتعدّدة مع أُخت لأب (و) مع (السدس) كزوج وواحد من كلالة الأُمّ، وكبنت مع أُمّ، وكأخت لأب مع

واحد من كلالة الأم.

(ويجتمع الربع والثمنُ مع الثلثين) فالأول كزوج وابنتين وكزوجة وأُختين لأب، والثاني كزوجة وابنتين.

(ويجتمع الربع مع (الثلث كزوجة وأم وزوجة مع متعدّد من كلالة الأُم، ومع السدس كزوجة وواحد من كلالة الأم، وكزوج وأحد الأبوين مع ابن.

(ويجتمع الثمن مع السدس )كزوجة وابن وأحَدِ الأبوين.

ويجتمع الثلثان مع الثلث كإخوة لأُمّ مع أختين فصاعداً لأب، ومع السدس كبنتين وأَحَدِ الأبوين، وكأختين لأب مع واحد من كلالة الأم. ويجتمع السدس مع السدس كأبوين مع الولد. فهذه جملة الصور التي يمكن اجتماعها بالفرض ثنائياً وهي ثلاث عشرة.

(وأمّا) صُوَرُ (الاجتماع لا بحسب الفرض) بل بالقرابة اتفاقاً (فلا حصر له)؛ لاختلافه باختلاف الوارث كثرةً وقِلَةٌ. ويمكن معه فرضُ ما امتنع لغير العول فيجتمع الربع مع مثله في بنتين وابن، ومع الثمن في زوجة وبنت وثلاث بنين والثلث مع

ص: 191

السدس في زوج وأبوين، وعلى هذا.

وإذا خَلَّف الميّتُ ذا فرض أَخَذ فرْضَه، فإن تعدد في طبقته أَخَذَ كلُّ فرضَه، فإن فَضَل من التركة شيء عن فُروضهم رُدَّ عليهم على نسبة الفروض مع تساويهم في الوُصلة، عدا الزوج والزوجة والمحجوب عن الزيادة.

(ولا ميراث) عندنا (للعَصَبَة(1)) على تقدير زيادة الفريضة عن السهام( إلا مع عدم القريب ) أي الأقرب منهم؛ لعموم آية أولي الأرحام(2)، وإجماع أهل البيت وتواتر أخبارهم(3) بذلك (فيرد) فاضل الفريضة (على البنت والبنات، والأختِ والأخوات 3 للأب والأم) أو للأب مع فقدهم، وعلى الأُمّ (وعلى كلالة الأُمّ مع عدم وارث في درجتهم) وإلّا اختَصَّ غيرُهم من الإخوة للأبوين أو للأب بالردّ دونهم. (ولا يُرَدّ على الزوج والزوجة إلا مع عدم كلّ وارث عدا الإمام)، بل الفاضل عن نصيبهما لغيرهما من الوُرّاث، ولو ضامن الجريرة.

ولو فُقد من عدا الإمام من الوراث ففي الردّ عليهما مطلقاً (4)، أو عدمه مطلقاً (5)، أو عليه مطلقاً دونها مطلقاً (6)أو عليهما إلا حال حضور الإمام فلا يُرَدّ عليها خاصة(7) ، أقوال؛ مستندها ظواهر الأخبار(8) المختلفة ظاهراً، أو الجمع بينها. والمصنف (رحمه الله) اختار

ص: 192


1- التعصيب: هو إعطاء الفاضل من التركة عن أصحاب الفروض إلى عصبة الميت، وهم المنتسبون إليه من جهة الأب إذا خلف الميت بنتاً واحدة وله أخ أو أخت أو عمّ فإنّ التركة الزائدة عن فرض الأنثى للأخ أو للأخت أو للعم عند المخالف وعندنا يرد على ذات الفرض وذوي الفروض (زين رحمه الله)
2- الأنفال (8): 75
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 85 - 89 ، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث.
4- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 691.
5- ظاهر السلّار في المراسم، ص 224.
6- ذهب إليه السيد في الانتصار، ص 584 المسألة 318
7- ذهب إليه الصدوق في الفقيه، ج 4، ص 192 ، ذيل الحديث 666؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295. ذيل الحديث 1056
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 288، باب ميراث الأزواج.

هنا القول الأخير كما يُستفاد من استثنائه من المنفي المقتضي لإثبات الردّ عليهما دون الإمام مع قوله :

( والأقرب إرثُه) أي الإمام (مع الزوجة إن كان حاضراً) .

أمّا الردُّ على الزوج مطلقاً فهو المشهور، بل ادَّعَى جماعة(1)عليه الإجماع، وبه أخبار كثيرة كصحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام):( أنه قرأ عليه فرائضَ علي(عليه السلام) فإذاً فيها: الزوج يحوز المالَ [كلَّه] إذا لم يكن غيره) (2).

وأما التفصيل في الزوجة، فللجمع بين رواية أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) أنه سأله عن امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره قال: «إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها الربع وما بقى فللإمام»(3). ومثلها رواية محمد بن مروان عن الباقر(عليه السلام) (4)، وبين صحيحة أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) أنه قال له: رجل مات وترك امرأته. قال : «المال لها »(5)بحمل هذه على حالة الغَيبة وذَيْنِك على حالة الحضور حذراً من التناقض.

والمصنّف في الشرح (6)اختار القول الثالث المشتمل على عدم الردّ عليها مطلقاً، محتجاً بما سبق؛ فإنّ ترك الاستفصال دليل العموم، وللأصل الدال على عدم الزيادة على المفروض، وخبرُ الردّ عليها مطلقاً وإن كان صحيحاً، إلّا أنّ في العمل به مطلقاً ا طراحاً لتلك الأخبار والقائلُ به نادر جداً، وتخصيصه بحالة الغيبة بعيد جداً؛ لأنّ السؤال فيه للباقر(عليه السلام) في رجل مات بصيغة الماضي، وأمرهم(عليهم السلام) حينئذ ظاهر، والدفع إليهم ممكن، فحمله على حالة الغَيبة المتأخّرةِ عن زمن السؤال عن ميّتٍ بالفعل بأزيد

ص: 193


1- منهم: السيد المرتضى في الانتصار، ص 584، المسألة :318؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 332؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 284.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294، ح 1052.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294، ح 1055.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296، ح 1060.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 295، ح 1056 فيه: عن أبي عبد الله.
6- غاية المراد، ج 3، ص 401 - 405 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

من مائة وخمسين سنةً أبعد - كما قال ابن إدريس(1) - ممّا بين المشرق والمغرب. وربما حُمِل على كون المرأة قريبة للزوج(2)، وهو بعيد عن الإطلاق، إلا أنه وجه في الجمع.

ومن هذه الأخبار ظهر وجه القول بالردّ عليهما مطلقاً، كما هو ظاهر المفيد(3) .

ورَوَى جميل في الموثق عن الصادق(عليه السلام) : «لا يكون الرد على زوج ولا زوجة»(4). وهو دليل القول الثاني، وأشهرها الثالث.

(ولا عَوْلَ في الفرائض) أي لا زيادة في السهام عليها على وجه يحصل النقص على الجميع بالنسبة وذلك بدخول الزوج والزوجة (بل) على تقدير الزيادة (يدخُل النقصُ ) عندنا ( على الأب والبنت والبنات، والأخوات للأب والأم أو للأب)، خلافاً للجمهور(5) حيث جعلوه مُوَزَّعاً على الجميع بإلحاقِ السهم الزائد للفريضة وقسمتها على الجميع.

سُمِّي هذا القسم عولاً: إما من الميل، ومنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾(6) وسُمِّيت الفريضة عائلةً على أهلها لميلها بالجور عليهم بنقصان سِهامهم، أو مِن «عَالَ الرجلُ، إذا كَثر عِيالُه »لكثرة السهام فيها، أو من «عالَ إذا غَلَب»لغلبة أهل السهام بالنقص، أو من «عالت الناقةُ ذَنَبَها إذا رَفَعَتْه» لارتفاع الفرائض على أصلها بزيادة السهام.

وعلى ما ذكرناه إجماع أهل البيت(عليه السلام) ، وأخبار هم به متظافرة، قال الباقر(عليه السلام) : «كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول : إنّ الذي أَحْصَى رَمْلَ عالج لَيَعلَمُ أنّ السِهامَ لا تَعُول على ستّة،

ص: 194


1- السرائر، ج 3، ص 243
2- حمله على ذلك الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295، ذيل الحديث 1056.
3- المقنعة، ص 691
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296، ح 1061.
5- راجع المغنى المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 32، ذيل المسألة 4843.
6- النساء (4): 3

لو يَبصُرون وجهَها لم تَجُز سنّةً»(1). وكان ابن عبّاس (رضي الله عنه) يقول:من شاء باهَلْتُهُ عند الحجر الأسود، إنّ الله لم يذكر في كتابه نصفين وثلثاً(2). وقال أيضاً: سبحان الله العظيم، أترون أن الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث فقال له زُفَر: يا أبا العبّاس فمَن أوّلُ ما أعال الفرائض ؟ فقال عمر لما التفت الفرائضَ عنده، ودَفَع بعضها بعضاً، قال: والله ما أدري أيكم قدَّم الله وأيكم أخَر وما أَجِدُ شيئاً هو أوسع من أن أُقسم عليكم هذا المال بالحصص. قال ابن عبّاس: وأَيْمُ اللهِ لو قدَّمتم من قدَّم اللهُ وأَخَّرتم مَن أخَّرَ اللهُ ما عَالَتْ الفريضةً. فقال له زُفَر وأتها قدَّم وأتِها أَخَر؟ فقال: كل فريضة لم يُهبطها الله إلا إلى فريضة؛ فهذا ما قدَّم الله، وأما ما أَخَّر فكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخَّر، فأما التي قدَّم فالزوج له النصف فإذا دَخَل عليه ما يُزيله عنه رجع إلى الربع ولا يزيله عنه شيء، ومثله الزوجة والأُمّ(3). وأمّا التى أخر، ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان، فإذا أَزالَتْهُنَّ الفرائضُ عن ذلك لم يكن لهنّ إلا ما بَقِي، فإذا اجتَمَع ما قدَّم الله وما أَخَر بُدِئَ بما قدّم الله وأُعطِي حقه كاملاً، فإن بَقِيَ شيء كان لما أخر الله(4)، الحديث.

وإنما ذكرناه مع طوله لاشتماله على أمور مهمة منها بيان علة حدوث النقص على مَن ذُكِر.

واعلم أنّ الوارث مطلقاً إمّا أن يَرِثَ بالفرض خاصةً وهو مَن سمّى الله تعالى له في كتابه سهماً بخصوصه، وهو الأُمُّ والإخوة من قبلها والزوج والزوجة حيث لا ردّ؛ أو

ص: 195


1- الكافي، ج 7، ص 79، باب في إبطال العول، ح 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 248، ح 962
3- كذا في النسخ وفي التهذيب وغيره :هكذا: «والزوجة لها الربع فإذا زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيءٌ والأمّ لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء. فهذه الفروض التي قدم الله عز وجل ولعل الشارح لحضها بقوله: «ومثله الزوجة والأم».
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 248، ح 963

بالقرابة خاصةً، وهو مَن دَخَل في الإرث بعموم الكتاب، في آية أُولي الأرحام كالأخوال والأعمام؛ أو يَرِثُ بالفرض تارةً وبالقرابة أُخرى، وهو الأبُ والبنتُ وإنْ تعددت، والأُختُ للأب كذلك فالأب مع الولد يرث بالفرض ومع غيره أو منفرداً بالقرابة، والبنات يرثن مع الولد بالقرابة ومع الأبوين بالفرض، والأخوات يرثن مع

يَرِثْنَ الإخوة بالقرابة ومع كلالة الأم بالفرض؛ أو يرث بالفرض والقرابة معاً وهو ذو الفرض على تقدير الردّ عليه. ومن هذا التقسيم يظهر أنّ ذِكْرَ المصنّف الأب مع مَن يَدخُل النقصُ عليهم من ذوي الفروض ليس بجيّد؛ لأنه مع الولد لا ينقص عن السدس، ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ومسألة العول مختصة بهم. وقد تنبه لذلك المصنف في الدروس(1) فترك ذكرَه، وقَبْلَه العلّامة في القواعد(2)، وذكره في غيرها(3)، والمحقق في كتابيه(4) ، والصواب تركه.

(مسائل) :خمش

[المسألة] (الأولى: إذا انفرد كلُّ واحدٍ (من الأبوين) فلم يترك الميت قريباً في مرتبته سواه (فالمال) كلُّه (له، لكن للأُمّ ثُلث) المال (بالتسمية)؛ لأنّه فرضُها حينئذ (والباقي بالردّ) أما الأب فإرثه للجميع بالقرابة إذ لا فرضَ له حينئذ، كما مرّ. (ولو اجتَمَعا فللام الثلث مع عدم الحاجب من الإخوة والسدس مع الحاجب والباقي من التركة عن الثلث أو السدس (للأب).

[المسألة] (الثانية: للابن المنفرِدِ المالُ)، وكذا للزائد عن الواحد من الأبناء

ص: 196


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 357
3- إرشاد الاذهان، ج 2، ص 131؛ تبصرة المتعلمين، ص 175.
4- شرائع الإسلام، ج 4 ص 15: المختصر النافع، ص 266 .

(بينهم بالسوية، وللبنتِ المنفردة النصفُ تسميةً والباقي ردّاً، وللبنتين فصاعداً الثلثان تسميةً والباقي رداً. ولو اجتمع الذكور والإناث فللذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَين. ولو اجتمع مع الولد) ذكراً كان أم أنثى متحداً أم متعدّداً

(الأبوان فلكلّ واحدٍ منهما (السدسُ، والباقي) من المال (للابن) إن كان الولد المفروض ابناً (أو البنين أو الذكور والإناث على ما قلناه) للذكر منهم مثل حظ الأنثيين. (ولهما) أي الأبوين (مع البنتِ الواحدة السدسان ولها النصف، والباقي) وهو السدس (يُرَدّ) على الأبوين والبنتِ (أخماساً) على نسبة الفريضة، فيكون جميع التركة بينهم أخماساً : للبنت ثلاثة أخماس ولكلّ واحد منهما خُمس، والفريضة حينئذٍ من ثلاثين؛ لأنّ أصلها

ستةٌ مَخرَجُ السدسِ والنصف، ثمّ يرتقي بالضرب في مخرج الكسر إلى ذلك.

هذا إذا لم يكن للأم حاجب عن الزيادة على السدس، (ومع الحاجب يُرَدّ) الفاضل ( على البنت والأب) خاصةً (أرباعاً)، والفريضة حينئذ من أربعة وعشرين للأُمّ سدسُها أربعة، وللبنت اثنا عشر بالأصل وثلاثة بالردّ، وللأب أربعة بالأصل وواحد بالرد.

(ولو كان بنتان فصاعداً، مع الأبوين فلا ردّ)؛ لأنّ الفريضة حينئذ بقدر السهام. (و) لو كان البنتان فصاعداً (مع أحد الأبوين) خاصةً (يُرَدّ السدسُ )الفاضل عن سيهامهم عليهم جميعاً (أخماساً) على نسبة السهام.

(ولو كان) مع الأبوين أو أحدهما والبنت أو البنتين فصاعداً (زوج أو زوجةٌ أَخَذ) كلُّ واحد من الزوج والزوجة

(نصيبه الأدنى) وهو الربع أو الثمن، (وللأبوين السدسان) إن كانا، (ولأحدهما السدس) والباقي للأولاد.

(وحيثُ يَفضُل) من الفريضة شيء بأن كان الوارث بنتاً واحدةً وأبوين وزوجةً، أو بنتين وأحَدَ الأبوين وزوجةً، أو بنتاً وأَحَدَهما وزوجاً أو زوجةً (يُرَدّ) على البنت، أو البنتين فصاعداً، وعلى الأبوين أو أحدهما مع عدم الحاجب، أو على الأب خاصةً معه (بالنسبة دون الزوج والزوجة.

ص: 197

(ولو دخل نقص) بأن كان الوارث أبوين وبنتين مع الزوج أو الزوجة، أو بنتاً وأبوين مع الزوج، أو بنتين وأحد الأبوين معه (كان) النقصُ (على البنتين فصاعداً) أو البنتِ (دون الأبوين والزوج) لما تقدم(1).

(ولو كان مع الأبوين) خاصةً (زوج أو زوجةً فله نصيبه الأعلى) لفقد الولد، (وللأُمّ ثلث الأصل) مع عدم الحاجب، وسدسه معه (والباقي للأب).

ولا يصدق اسم النقص عليه هنا لأنه حينئذٍ لا تسمية له. وهذا هو الذي أوجب إدخال الأب فيمن يَنقُص عليه، كما سلف

[المسألة] :(الثالثة: أولاد الأولاد يقومون مقامَ آبائهم عند عدمهم)، سواء كان الأبوان موجودين أم أحدهما أم لا، على أصح القولين، خلافاً للصدوق(2) حيث شرط في توريثهم عدم الأبوين. (ويأخذ كلُّ منهم نصيبَ مَن يَتَقَرَّب به) فلابن البنت ثلث، ولبنت الابن ثلثان، وكذا مع التعدد. هذا هو المشهور ؛ بين الأصحاب روايةً (3)وفتوى (4).

وقال المرتضى(5) وجماعةٌ(6) : يُعتبر أولاد الأولاد بأنفسهم، فللذكر ضعفُ الأُنثى وإنْ كان يَتَقَرَّب بأُمِّه وتَتَقَرَّبُ الأُنثى بأبيها؛ لأنهم أولاد حقيقةً فيدخلون في عموم﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾(7)؛ إذ لا شبهة في كون أولاد الأولاد وإنْ كُنَّ إناثاً أولاداً، ولهذا حُرِّمَت حَلائِلُهم بآية ﴿وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُمُ﴾(8)، وحُرِّمَت

ص: 198


1- تقدم في ص 194، مسألة العول.
2- المقنع، ص 494: الهداية، ص 330 - 331.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 317، ح 1138 - 1141.
4- المقنعة، ص 688؛ النهاية، ص 630 - 631: الكافي في الفقه، ص 368.
5- رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 257 - 265 .
6- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 232 - 240 وحكاه عن ابن أبي عقيل أيضاً ومعين الدين المصري؛ ونقله عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 38، ذيل المسألة 1.
7- النساء (4): 11
8- النساء .(4): 23.

بنات الابن والبنت بقوله تعالى: ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾(1)، وأُحِلّ رؤية زينتهن لأبناء أولادهن مطلقاً بقوله تعالى:﴿ أَوْ أَبْنَابِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾(2)( كذلك، إلى غير ذلك من الأدلة. وهذا كله حقٌّ لولا دلالة الأخبار الصحيحة على خلافه هنا، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق قال: «بَناتُ البنات يَقُمْنَ َمقامَ البنت إذا لم يكن للميت ولد ولا وارتٌ غيرَهنّ»(3)، وصحيحةِ سعد بن أبي خَلَف عن الكاظم قال: «بَناتُ البنت يَقُمْنَ مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهنّ، وبنات الابن يَقُمْنَ مقامَ الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارت غيرهنّ»(4). وغيرهما(5)، وهذا هو المخصص لآية الإرث. فإن قيل: لا دَلالة للروايات على المشهور لأنّ قيامهنّ مقامهم ثابت على كل حال في أصل ،الإرث ولا يلزم منه القيام في كيفيته وإن احتمله ، وإذا قام الاحتمال لم يصلح؛ لمعارضة الآية الدالة بالقطع على أنّ ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ .

قلنا: الظاهرُ من قيام الأولاد مقامَ الآباء والأمهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودین مطلقاً، وذلك يدلّ على المطلوب، مضافاً إلى عمل الأكثر .

(و) لو تعدَّدَ أولاد الأولاد في كلّ مرتبة أو في بعضها فسَهُمُ كل فريق( يقتسمونه بينهم )كما اقتَسَم آباؤُهم (للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانوا) أي الأولاد المتعدّدون (أولادَ بنتٍ) على أصح القولين(6)؛ لعموم قوله تعالى:﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ (7)ولا معارض لها هنا.

وقيل: يقتسم أولاد البنت بالسوية كاقتسام من ينتسب إلى الأُمّ كالخالةِ والإخوةِ

ص: 199


1- النساء (4): 23
2- النور (24) :31
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 316 ، ح 1136.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 316، ح 1137.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 303، باب ميراث من علا من الآباء.
6- اختاره المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 19، والقول الآخر يأتي قريباً.
7- النساء (4): 11

للأُم (1)، ويُعارَض - بحكمهم - باقتسام أولاد الأخت للأب متفاوتين.

[المسألة]( الرابعة: يُحْبَى) أي يُعطَى (الولدُ الأكبر) أي أكبر الذكور إن تعدَّدوا وإلا فالذكر (من تركة أبيه) زيادةً على غيره من الوراث (بثيابه وخاتمه وسيفه ومُصْحَفِه). وهذا الحباء من متفردات ،علمائنا، ومستنده روايات كثيرة عن أئمّة الهُدَى(2). والأظهر أنّه على سبيل الاستحقاق، وقيل: على الاستحباب(3)، وفي الروايات ما يدلّ على الأوّل؛ لأنّه جَعَلَها فيها له ب-«اللام» المفيدة للملك أو الاختصاص أو الاستحقاق والأشهر اختصاصه بها مجاناً؛ لإطلاق النصوص به، وقيل: بالقيمة (4)اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل ونصَّ الكتاب(5) على موضع الوفاق.

والمراد بثيابه ما كان يلبسها أو أَعَدَّها للبس وإنْ لم يكن لَبِسَها؛ لدلالة العرف على كونها ثيابه ولباسه، وثيابُ جِلْده، على ما وَرَد في الأخبار (6).

ولو فُصِّلَتْ ولم تُكمَل خياطتها ففي دخولها وجهان من إضافتها إليه بذلك، ومن عدم صدق كونها ثياباً بالإضافاتِ المذكورة عرفاً. والأقوى أنّ العِمَامَةَ منها وإن تعددت أو لم تُلبس إذا اتَّخَذها له، وكذا السراويل. وفي دخول شدّ الوسط نظر، أما الحِذاء ونحوه ممّا يُتَّخذ للرجل فلا ، وكذا لو كان المتَّخَذُ لشدّ الوسط غير ثوب.

وفي بعض الأخبار إضافة السلاح والدرع والكُتُبِ والرَّحْلِ والراحلة(7)، ولكن الأصحاب أعرضوا عنه وخَصُّوها بالأربعة، مع أنّها لم تُذكر في خبر مجتمعة وإنما

ص: 200


1- اختاره الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 287
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 97 - 100، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
3- قال به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 324.
4- قال به السيد في الانتصار، ص 582 المسألة 316
5- النساء (4): 11
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 276، ح 999
7- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد، ح 4.

اجتمعت في أخبار والرواية(1) الجامعة لهذه الأشياء صحيحة، وظاهرُ الصدوق اختيارها لأنه ذكرها في الفقيه(2)مع التزامه أن لا يَروِيَ فيه إلّا ما يَعمَلُ به(3). ولم يذكر الأصحابُ الدِرْعَ مع أنّه ذُكر في عدة أخبار(4) والاقتصار على ما ذكروه أولى إن لم يُنافِ الأُولوية أمرُ آخَرُ أمّا غيرُ الدرع من آلات الحرب كالبيضة فلا يدخُل قطعاً؛ لعدم دخوله في مفهوم شيء مما ذكر .

وفي دخول القَلَنْسُوَةِ والثوب من اللبد :نظر من عدم دخولهما في مفهوم الشياب وتناول «الكسوة» المذكورة في بعض الأخبار(5) لهما، ويمكن الفرقُ ودخول الثاني دون الأوّل، بمنع كون القَلَنْسُوة من الكسوة ، ومِن ثَمَّ لم يُجْزِ في كفّارة اليمين المُجزئ فيها ما يُعد كسوة.

ولو تعدّدت هذه الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع- كالثياب - تدخل أجمعُ، وما كان بلفظ الوحدة كالسيف والمصحفِ يَتناول واحداً، ويختص ما كان يغلب نسبته إليه. فإن تساوَتْ تَخيَّر الوارث واحداً منها على الأقوى، ويُحتمل القرعة. والعمامة من جملة الثياب فتدخُل المتعدّدةُ. وفي دخول حِليةِ السيف وجِفْنِه وسُيُورِه وبيتِ المصحف وجهان من تبعيتها لهما عرفاً، وانتفائها عنهما حقيقةً، والأقوى دخولها.

ولا يُشترط بلوغ الولد؛ للإطلاق، وعدم ظهور الملازمة بين الحبوة والقضاء. وفي اشتراط انفصاله حال موت أبيه نظر من عدم صدق الولد الذكر حينئذ، ومن تحققه في نفس الأمر وإن لم يكن ظاهراً، ومِن ثَمَّ عُزل له نصيبه من الميراث، ويمكن الفرق بين كونه جنيناً تاماً متحقق الذكورية في الواقع حين الموت، وبين كونه عَلَقَةً أو مُضْغَةً أو غيرهما. والأقوى الأوّلُ، وعدم اشتراط انتفاء قصور نصيب كلّ وارث

ص: 201


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 997
2- الفقيه، ج 4، ص 346. ح 5749.
3- الفقيه، ج 1، ص 3.
4- الكافي، ج 7، ص 85 باب ما يرث الكبير من الولد، ح 1 و 3.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 997

عن قدرها، وزيادتها عن الثلث؛ للعموم.

وفي اشتراط خُلُوِّ الميت عن دين أو عن دين مستغرق للتركة وجهان: من انتفاء الإرث على تقدير الاستغراق، وتوزيع الدين على جميع التركة؛ لعدم الترجيح فيَخُصُّها منه شيء وتبطل بنسبته. ومن إطلاق النصّ(1)، والقول بانتقال التركة إلى الوارث وإِنْ لَزِمَ المَحْبُو ما قابلها من الدين إن أراد فكها.

ويلزم على المنع من مقابل الدين إن لم يَفُكّه المنعُ من مقابل الوصية النافذة إذا لم تكن بعينٍ مخصوصةٍ خارجةٍ عنها، ومِن مقابل الكفنِ الواجب وما في معناه لعين ما ذُكِر، ويُبَعَّدُ ذلك بإطلاق النص(2)والفتوى بثبوتها(3)، مع عدم انفكاك الميت عن ذلك غالباً وعن الكفن حتماً.

والموافق للأُصول الشرعيّة البطلان في مقابلة ذلك كله إن لم يفكه المَحْبُو بما يَخُصُّه؛ لأنّ الحبوة نوع من الإرث واختصاص فيه والدين والوصية والكفن ونحوها تُخرج من جميع التركة ونسبة الورثة إليه على السواء. نعم، لو كانت الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة فلا منع كما لو كانت تلك العين معدومةً.

ولو كانت الوصيّةُ ببعض الحبوة اعتبرت من الثلث كغيرها من ضُروب الإرث إلا أنّها تتوقف على إجازة المحبة خاصةً. ويُفهم من الدروس (4)أن الدين غير المستغرق غيرُ مانع لتخصيصه المنع بالمستغرق، واستقرب ثبوتها حينئذٍ لو قَضَى الورثةُ الدِّينَ من غير التركة لثبوت الإرث حينئذ، ويَلزَم مثله في غير المستغرق بطريق أولى. وكذا الحكم لو تَبَرَّع متبرّع بقضاء الدين أو أبْرَأه المُدِين، مع احتمال انتفائها حينئذ مطلقاً لبطلانها حين الوفاة بسبب الدين وفيه أنه بطلانٌ مُراعى لا مطلقاً.

ص: 202


1- النساء (4) : 11 - 12؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 274 - 275، ح 991 - 992.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275 - 276، ح 995 - 999.
3- المقنعة، ص 484؛ النهاية، ص 633: المهذب، ج 2، ص 132
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 297 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)

(وعليه) أي على المحبة قضاءُ ما فاته أي فات الميت (من صلاة وصيام) وقد تقدَّم تفصيله وشرائطه في بابه(1). (و) المشهور أنه (يُشترط) في المحبة (أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي) أي الاعتقاد بأن يكون مخالفاً للحق. ذكر ذلك ابن إدريس (2)وابن حمزة(3)وتبعهما الجماعة(4) ، ولم نقف له على مستند، وفي الدروس نَسَب الشرط إلى قائله مشعراً بتمريضه(5). وإطلاق النصوص يدفعه، ويمكن إثبات الشرط الثاني خاصةً؛ إلزاماً للمخالف بمعتقده. كما يُلزَم بغيره من الأحكام التي تثبت عنده لا عندنا كأخذ سهم العَصَبة منه، وحِلٌ مطلقته ثلاثاً لنا، وغيرهما، وهو حسن.

وفي المختلف (6)اختار استحباب الحبوة كمذهب ابن الجنيد(7) وجماعة(8)، ومال إلى قول السيد باحتسابها بالقيمة(9)، واختار في غيره(10) الاستحقاق مجاناً.

(و) كذا يُشترط( أن يُخلّف الميّتُ مالاً غيرها) وإن قل؛ لئلا يلزم الإجحاف بالورثة والنصوص خالية عن هذا القيد، إلا أن يُدَّعَى أن الحباء يدلّ بظاهره عليه.

(ولو كان الأكبرُ أُنثى أُعطِي) الحبوة (أكبر الذكور) إن تعددوا، وإلا فالذكر وإنْ

ص: 203


1- تقدّم في ج 1، ص 197 - 198، کتاب الصلاة وص 285، كتاب الصوم.
2- السرائر، ج 3، ص 258.
3- الوسيلة، ص 387
4- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 25؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 509؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 362.
5- الدروس الشرعية، ج 2، ص 296 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 39، المسألة 2.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 39، المسألة 2.
8- منهم : الشيخ في النهاية ، ص 633 : وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 132 : وابن حمزة في الوسيلة ، ص 387
9- الانتصار ص 582 المسألة 316
10- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 17، الرقم 6283؛ تلخيص المرام، ص 280 قواعد الأحكام، ج 3، ص 362.

كان أصغر منها، وهو مصرَّح في صحيحة ربعي عن الصادق(عليه السلام)(1) .

[المسألة] (الخامسة : لا يَرِث الأجداد مع الأبوين) ولا مع أحدهما، ولا مع من هو في مرتبتهما، وهو موضعُ وِفاقٍ إلّا من ابن الجنيد(2) في بعض الموارد، (و) لكن ( يُستحَبّ لهما الطُعْمَةُ) لأبويهما ( حيث يفضل لأحدهما سدش فصاعداً فوق السدس ) المعيّن لهما على تقدير مجامعتهما للولد، فيُستحب لهما إطعام هذا السدس الزائد، ولو زاد نصيبهما عنه فالمستحبُّ إطعام السدس خاصّةً.

(وربّما قيل) والقائل ابنُ الجُنيد: يُستحَبّ أن (يُطعِم حيث يزيد نصيبه عن السدس) وإن لم تبلغ الزيادة سدساً (3)، والأشهر الأول(4).

(وتظهر الفائدة) بين القولين (في اجتماعهما مع البنت أو أحدهما مع البنتين فإنّ الفاضل) من نصيب أحد الأبوين ( يَنقُص عن سدس) الأصل. (فيُستحب )له (الطعمة على القول الثاني) دون الأول؛ لفقد الشرط وهو زيادة نصيبه عن السدس بسدس والمشهور أنّ قذَرَ الطعمة حيث يُستحَبّ سدسُ الأصل(5)، وقيل: سدس ما حَصَل للولد الذي تَقَرَّبَ به(6)، وقيل: يُستحَبّ مع زيادة النصيب عن السدس إطعام أقل الأمرين من سدسِ الأصل والزيادة؛ بناءً على عدم اشتراط بلوغ الزيادة سدساً (7). والأخبارُ (8)ناطقة باستحباب طعمة السدس، وهي تنافي ذلك.

والاستحبابُ مختص بمَن يَزِيد نصيبه كذلك لأبويه، دون أبوي الآخر، فلو كانت

ص: 204


1- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح 4.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 120، المسألة 47.
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 119، المسألة 46.
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 119. المسألة 46.
5- مختلف الشيعة، ج 9، ص 119. المسألة 46.
6- تقدّم تخريجه في الهامش 3.
7- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 361.
8- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 136 - 143، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

الأُمّ محجوبةً بالإخوة فالمستحبّ إطعام الأب خاصةً، ولو كان معهما زوج من غير حاجب فالمستحبُّ لها خاصةً، ولو لم يكن سواهما ولا حاجب استُحِبّ لهما. وإنما يُستحَبّ طعمةُ الأجداد من الأبوين فلا يُستحَبّ للأولاد طعمة الأجداد؛ للأصل. ولو كان أحد الجدين مفقوداً فالطعمة للآخر، فإن وُجدا فهي بينهما بالسوية.

القول في ميراث الأجداد والإخوة

(وفيه مسائل :)

[المسألة] (الأولى للجد) إذا انفرد (وحده المالُ) كلُّه (لأب) كان (أو لأُمّ، وكذا للأخ للأب والأم أو الأب) على تقدير انفراده. (ولو اجتمعا) أي الأخ والجد وكانا معاً (للأب فالمال بينهما نصفان. وللجدّة المنفردة لأب) كانت (أو لأمّ المال. ولو كان جداً أو جدّةً أو كليهما لأب مع جدٍ واحدٍ أو جدة أو كليهما لأُمّ فللمتقرّب) من الأجداد (بالأب الثلثان) اتحد أم تعدَّدَ: (للذكر مثل حظ الأنثيين على تقدير التعدد. (وللمتقرّب بالأم) من الأجداد (الثلث) اتحد أم تعددَ (بالسوية) على تقدير التعدد.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وفي المسألة أقوال نادرة منها قول الصدوق للجدّ من الأُمّ مع الجدّ للأب أو الأخ للأب السدس والباقي للجدّ للأب أو الأخ(1)، ومنها: أنه لو ترك جدّتَه أُمَّ أُمِّه ، وأخته للأبوين فللجدّة السدس(2)، ومنها: أنه لو ترك جدته، أُمَّ أُمه. وجدته أُمَّ أبيه فلأُمّ الأُمّ السدس ولأُمّ الأب النصف، والباقي يُردّ عليهما بالنسبة (3). والأظهر الأول.

ص: 205


1- راجع المقنع، ص 500 - 501، ولكن عبارته لا تويد نسب إليه ؛ وأيضاً حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 42 - 43. المسألة 3.
2- حكاه عن الفضل بن شاذان الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 303 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- نسبه إلى ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 43، المسألة 3.

[المسألة) (الثانية: للأخت للأبوين أو للأب منفردة النصف تسمية والباقي ردّاً، وللأختين فصاعداً الثلثان) تسمية (والباقي رداً) وقد تقدم(1).(وللإخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب)مع عدم المتقرّب بالأبوين(المال) أجمعُ؛ (للذكر الضعف) ضعفُ الأُنثى.

[المسألة] (الثالثة: للواحد من الإخوة أو الأخوات للأم )على تقدير انفراده (السدس) تسمية، (وللأكثر) من واحد (الثلث بالسوية) ذكوراً كانوا أم إناثاً أم متفرقين، (والباقي) عن السدس في الواحد، وعن الثلث في الأزيد يُرَدّ عليهم (ردّاً).

[المسألة] (الرابعة: لو اجتمع الإخوة من الكلالاتِ) الثلاثِ (سَقَط كلالةُ الأب وحده) بكلالة الأبوين، (ولكلالة الأمّ السدسُ إن كان واحداً، والثلث إن كان أكثر بالسويّة) كما مرّ، (ولكلالة الأبوين الباقي) اتحدت أم تعددت (بالتفاوت) للذكر مثل حظ الأنثيين على تقدير التعدّد مختلفاً.

[المسألة) (الخامسة: لو اجتمع أُختُ للأبوين مع واحد من كلالة الأم أو جماعة، أو أختان لأبوين مع واحد من) كلالة (الأم فالمردود) وهو الفاضل عن الفروض ( على قرابة الأبوين) وهو الأُخت أو الأختان على الأشهر.

وتَفَرَّدَ الحسنُ بنُ أبي عقيل(2)والفضل بن شاذان(3)بأن الباقي يُرَدّ على الجميع بالنسبة أرباعاً أو أخماساً.

ص: 206


1- تقدم في ص 189.
2- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 302 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 63، المسألة 12.

[المسألة) (السادسة: الصورة بحالها) بأن اجتمع كلالةُ الأُمّ مع الأخت أو الأُختين(لكن كان الأخت أو الأخوات للأب وحده، ففي الردّ على قرابة الأب هنا) خاصةً أو عليهما (قولان) مشهوران :

أحدهما قول الشيخين(1) وأتباعهما (2): يَختَصّ به كلالةُ الأب؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر في ابن أخت لأب وابن أخت لأم، قال: «لابن الأُخت للأُمّ السدس ولابن الأخت للأب الباقي»(3)وهو يستلزم كونَ الأمّ كذلك؛ لأنّ الولد إنما يرث بواسطتها، ولأنّ النقص يدخُل على قرابة الأب دون الأخرى، و «مَن كان عليه الغُرْم فله الغنم»، (وثبوته) أي ثبوت الردّ على قرابة الأب خاصةً (قوي)؛ للرواية(4)، والاعتبار.

والثاني قول الشيخ(5) أيضاً وابن إدريس(6)، والمحقق(7)، وأحد قولي العلامة : يُرَدّ عليهما لتساويهما في المرتبة (8)وفَقْدِ المخصص: استضعافاً للرواية(9)، فإنّ في طريقها علي بن فَضَال وهو فَطَحِي، ومنع اقتضاء دخول النقص الاختصاص؛ لتخلّفه في البنت مع الأبوين.

وأجاب المصنّف عنهما بأنّ ابن فضال ثقةٌ وإن كان فاسد العقيدة، وتخلُّفُ الحكم في البنت لمانع وهو وجود معارِض يَدخُل النقصُ عليه أعني الأبوين(10).

ص: 207


1- قاله المفيد في المقنعة، ص 690؛ والشيخ في النهاية، ص 638.
2- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 135 - 136: وأبي الصلاح في الكافي في الفقه، ص 371 - 372؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 388
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 322 ، ح 1157.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 322 ، ح 1157.
5- المبسوط ، ج 3، ص 285
6- السرائر، ج 3، ص 260.
7- شرائع الإسلام، ج 4، ص 22: المختصر النافع، ص 270.
8- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 20 - 21، الرقم 6290.
9- المتقدمة آنفاً في الهامش 3.
10- غاية المراد، ج 3، ص 393(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

[المسألة] :(السابعة: تقوم كلالة الأب مقام كلالة الأبوين عند عدمهم في كلّ موضع) انفردت أو جامَعَتْ كلالةَ الأُم أو الأجداد أو هما فلها مع كلالة الأُمّ ما زاد عن السدس أو الثلث، ومع الأجداد ما فُصِّل في كلالة الأبوين من المساواة والتفضيل والاستحقاق بالقرابة، إلا أن تكون إناثاً فتستحق النصف أو الثلثين تسمية والباقي رداً، إلى آخر ما ذُكِر فى كلالة الأبوين.

[المسألة (الثامنة: لو اجتمع الإخوة والأجداد فلقرابة الأم من الإخوة والأجداد الثلث بينهم بالسويّة) ذكوراً كانوا أم إناثاً أم ذكوراً وإناثاً، متعدّدِينَ فى الطرفين أم متحدِينَ ، (ولقرابة الأب من الإخوة والأجداد الثلثان بينهم للذكر ضعف الأنثى) كذلك. فلو كان المجتمعون فيهما جدّاً وجدةً للأم، وأخاً وأُختاً لها، وجدّاً وجدةً للأب، وأخاً وأُختاً له، فلأقرباء الأم التلتُ واحد من ثلاثة أصل الفريضة وسهامهم أربعةً، ولأقرباء الأب اثنان منها وسهامهم ستة، فيُطرح المُتَداخِلُ، والعددان يتوافقان بالنصف فيُضرب الوِفْقُ وهو اثنان في ستة، ثمّ المرتفعُ في أصل الفريضة يبلغ ستة وثلاثين؛ ثلثها لأقرباء الأم الأربعة لكلّ ثلاثة وثلثاها لأقرباء الأب الأربعة بالتفاوت فلكلّ أُنثى أربعة ولكلّ ذَكَرٍ ثمانية. وكذا الحكم لو كان من طرف الأمّ أخ وجد ومثلهما من طرف الأب وإن اختلفت الفريضة.

ولو كان المجتمع من طرف الجدودة للأُمّ جداً واحداً أو جدّةً مع الأجداد والإخوة المتعدّدين من طرف الأب، فللجدّ أو الجدّة للأُمّ الثلث، والباقي للإخوة والأجداد للأب بالسوية مع تساويهم ذكورية وأنوثية، وبالاختلاف مع الاختلاف.

ولو فُرِض جدة لأم وجد لأب وأخ لأب فلكل واحد منهم ثلث، ولو كان بدل الجد للأب جدّةً فلها ثلث الثلثين اثنان من تسعة وكذا لو كان بدل الأخ أختاً فلها ثلثهما .

ص: 208

ولو خَلَّف أخاً أو أختاً لأم مع الأجداد مطلقاً(1) للأب فللأخ أو الأخت السدس والباقي للأجداد، ولو تعدد الإخوة للأُمّ فلهم الثلث، وهذا بخلاف الجد والجدة للأُم، فإن له الثلث وإن أتحد.

ولو خَلَّف الجدين للأُم أو أحدهما مع الإخوة للأُمّ وجداً أو جدّةً للأب، فللمتقرب بالأُمّ من الجُدُودَة والإخوة الثلث وللجدّة للأب الثلثان. وعلى هذا قش ما يَرِدُ عليك.

[المسألة] (التاسعة: الجد وإنْ علا يُقاسِم الإخوة) ولا يَمنَع بُعْدُ الجد الأعلى بالنسبة إلى الجدّ الأسفل المساوي للإخوة؛ لإطلاق النصوص(2)بتساوي الإخوة والأجدادِ الصادق بذلك، (و) كذلك (ابن الأخ وإن نزل يقاسم الأجداد) الدنيا وإن كانوا مُساوِينَ للإخوة المتقدمين رتبةً على أولادهم؛ لما ذُكِر.

(وإنّما يَمنَع الجد) بالرفع (الأدنى) والجدة وإن كانا للأُمّ (الجد) بالنصب (الأعلى) وإن كان للأب، دون أولاد الإخوة مطلقاً، (و) كذا يَمنَع كلُّ طبقة من الأجداد من فوقها، ولا يمنعهم الإخوة. و(يمنع الأخ) وإنْ كان للأُم، ومثله الأُختُ (ابن الأخ) وإن كان للأبوين؛ لأنّهما جهةً واحدة يمنع الأقرب منها الأبعد، (و) كذا (يمنع ابنُ الأخ) مطلقاً (ابنَ ابنِه) مطلقاً. (وعلى هذا) القياسُ يَمنَع كلَّ أقرب بمرتبة وإن كان الأبعد وإن كان للأبوين. خلافاً للفضل بن شاذان من قدمائنا حيث جَعَل للأخ من الأُمّ السدس والباقي لابن الأخ للأبوين كأبيه، وكذا الحكم في الأولاد المترتبين؛ محتجاً باجتماع السببين(3). ويُضعف بتفاوتِ الدرجتين المُسقِطِ لاعتبار السبب.

ص: 209


1- أي ذكوراً كانوا أم إناثاً أم بالتفريق
2- راجع الفقيه، ج 4. ص 284، ح 5642-5646.
3- حكاه عنه الكليني في الكافي، ج 7، ص 107، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد.

[المسألة] (العاشرة: الزوج والزوجة مع الإخوة) وأولادهم، (والأجداد) مطلقاً ( يأخذان نصيبهما الأعلى) وهو النصف والربع. (ولأجدادِ الأُمّ أو الإخوةِ للأُمّ أو القبيلتين ثلث الأصل، والباقي لقرابة الأبوين) الأجداد والإخوة، (أو) لإخوة (الأب مع عدمهم). فلو فرض أن قرابةَ الأُمّ جد وجدّةٌ وأخ وأخت، وقرابة الأب كذلك الزوج، فللزوج النصفُ ثلاثة من ستة أصل الفريضة؛ لأنّها المجتمع من ضرب أحدِ مخرجي النصف والثلث في الآخر، ولقرابة الأمّ الثلث اثنان وعددهم أربعة، ولقرابة الأب واحد وعددهم ستّةٌ، يَنكسر على الفريقين ويدخُل النصيب في السهام وتَتَوَافَقُ فيُضَرَب وفقُ أحدِهما في الآخر، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة تبلغ اثنين وسبعين.

[المسألة] (الحادية عشرة: لو تَرَك) ثمانية أجداد (الأجداد الأربعة لأبيه) أى جد أبيه وجدته لأبيه وجده وجدته لأُمّه (ومثلهم لأمه) وهذه الثمانية أجداد الميت في المرتبة الثانية، فإنّ كلَّ مرتبة تزيد عن السابقة بمثلها، فكما أنّ له في الأُولى أربعةً ففي الثانية ثمانيةً، وفي الثالثة ستة عشر، وهكذا.

(فالمسألة)

يعني أصل مسألة الأجداد الثمانية (من ثلاثة أَشْهُم) هي مخرج ما فيها من الفروض وهو الثلث، وذلك هو ضابط أصل كلّ مسألة في هذا الباب، (سهم) من الثلاثة (لأقرباء (الأم) وهو ثلثها (لا ينقسم على) عددهم وهو (أربعة، وسهمان لأقرباء الأب لا ينقسم على) سهامهم وهى تسعة؛ لأنّ تُلقي الثلثين لجد أبيه وجدته لأبيه بينهما أثلاثاً، وثلثه لجدّ أبيه وجدَّتِه لأُمّه أثلاثاً أيضاً، فتَرتقِي سِهامُ الأربعة إلى تسعة، فقد انكسرت على الفريقين، وبين عدد كل فريق ونصيبه مباينة، وكذا بين العددين، فتطرح النصيبَ وتَضْرِبُ أحد العددين في الآخر (ومضروبهما) أي مضروب الأربعة في التسعة (ست وثلاثون) ثم تضرب المرتفع في أصل الفريضة وهو الثلاثة، (و مضروبها في الأصل مائة وثمانيةً، ثُلثها ) ستة وثلاثون (ينقسم على) أجدادِ أُمّه

ص: 210

لكل سهم

ال-(أربعةِ) بالسويّة؛ لكلِّ واحدٍ تسعة (وثلثاها) اثنان وسبعون (تنقسم على تسعة) ثمانية، فلجدّ الأب وجدّتِه لأبيه ثلثا ذلك: ثمانية وأربعون ثلثه للجدّة سيّةَ عشر، وثلثاه للجدّ اثنان وثلاثون، ولجد الأب وجدّتِه لأُمّه أربعة وعشرون؛ ثلثا ذلك للجدّ ستَّةَ عشرَ ، وثُلثه للجدّة ثمانية. هذا هو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه الشيخ (1)وتبعه الأكثر(2).

وفي المسألة قولان آخران:

أحدهما للشيخ معين الدين المصري(3): أن ثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسوية، وثلثاه لأبوي أبيها بالسوية أيضاً. وثلث الثلثين لأبوي أُمّ الأب بالسوية، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثاً؛ فسِهامُ قرابة الأُم ستة وسهام قرابة الأب ثمانية عشر، فيُجْتَزَأُ بها لدخول الأخرى فيها، وتُضرب في أصل المسألة تبلغ أربعة وخمسين، ثلثها ثمانية عشر لأجداد الأم؛ منها اثنا عشر لأبوي أبيها بالسوية، وستة لأبوي أمها كذلك، وستة وثلاثون لأجداد الأب منها اثنا عشر لأبوى أُمّه بالسوية، وأربعة وعشرون لأبوى أبيه أثلاثاً، وهو ظاهر.

والثاني للشيخ زين الدين محمد بن القاسم البَرْزَهي(4) : أنّ ثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسوية، وثلثيه لأبوي أبيها ، أثلاثاً، وقسمة أجداد الأب كما ذكر الشيخ. وصحتها أيضاً من أربعة وخمسين لكن يختلف وجه الارتفاع؛ فإنّ سِهامَ أقرباء الأم هنا ثمانيةَ عشر، وأقرباء الأب تسعةٌ تُداخِلها، فيُجتَزَاً بضرب الثمانية عشر في الثلاثةِ أصل

الفريضة.

ومنشأ الاختلاف النظرُ إلى أنّ قسمة المنتسب الى الأُمّ بالسوية فمنهم من لاحَظَ الأمومة في جميع أجداد الأُم، ومنهم من أجداد الأُمّ، ومنهم من لاحظ الأصل، ومنهم من لاحَظَ الجهتين.

ص: 211


1- النهاية، ص 649.
2- راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 42 المسألة 3.
3- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

[المسألة]( الثانية عشرة: أولاد الإخوة يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل) واحد من الأولاد (نصيبَ مَن يَتَقَرَّبُ به) فلأولاد الأخت المنفردة للأبوين أو الأب النصفُ تسمية، والباقي ردّاً وإن كانوا ذكوراً، ولأولاد الأخ للأب المنفردِ المال وإن كان أنثى قرابة، ولولد الأخ أو الأخت للأُمّ السدس وإن تعدد الولد. ولأولاد الإخوة المتعددين لها الثلث، والباقي لأولاد المتقرب بالأبوين إن وُجِدوا وإلا فللمتقرّب بالأب، وإلا رُدَّ الباقي على ولد الأخ للأم. وعلى هذا القياس باقي الأقسام.

واقتسام الأولاد مع تعددهم واختلافهم ذُكوريّةً وأُنونية كآبائهم. (فإن كانوا أولادَ كلالة الأُمّ فبالسوية) أي الذكر والأنثى سواء (وإن كانوا أولادكلالة الأبوين أو الأب فبالتفاوت) للذكر مثل حظ الأنثيين.

القول في ميراث الأعمام والأخوال وأولادهم

وهم أولو الأرحام؛ إذ لم يَرِدْ على إرثهم في القرآن نص بخصوصهم، وإنما دخلوا في آية أولي الأرحام(1). وإنما يرثون مع فقد الإخوة وبنيهم، والأجداد فصاعداً على الأشهر. ونُقل عن الفضل أنه لو خَلَّفَ خالاً وجدةً لأم اقتسما المال نصفين(2).

(وفيه مسائل:)

[المسألة ](الأولى: العم) المنفرد ( يرث المال ) أجمع لأب كان أم لأُمّ (وكذا العمّةُ) المنفردة. (وللأعمام) أي العمَّيْن فصاعداً (المال) بينهم (بالسوية، وكذا العمّات) مطلقاً فيهما. (ولو اجتمعوا )الأعمام والعمات (اقتسموه بالسوية إن كانوا)

ص: 212


1- الأنفال :(8): 75: الأحزاب (33): 6
2- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 306 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

جميعاً أعماماً وعمّاتٍ (لأُمّ) أي إخوة أب الميت من أُمّه خاصةً، (وإلّا) يكونوا لأُمّ خاصةً بل للأبوين أو للأب (فبالتفاوت) للذكر مثل حظ الأنثيين.

(والكلام في قرابة الأب وحده) من الأعمام والأخوال (كما سلف في الإخوة) من أنّها لا ترث إلا مع فقد قرابة الأبوين مع تساويهما في الدرجة، واستحقاقِ الفاضل عن حق قرابة الأُمّ من السدس والثلث وغير ذلك.

[المسألة] (الثانية: للعمّ الواحد للأُمّ أو العمّة) الواحدة لها (مع قرابة الأب) أي العمّ أو العمّة للأبِ الشامل للأبوين، وللأب وحده (السدس، وللزائد) عن الواحد مطلقاً (الثلث) بالسوية كما في الإخوة

(والباقي) عن السدس والثلث من المال (لقرابة الأب) والأم، أو الأب مع فقده (وإنْ كان) قرابة الأب (واحداً) ذكراً وأُنثى. ثمّ إن تعدد واختلف بالذكورة والأنوثة فللذكر مثل حظ الأنثيين، كما مرّ.

[المسألة] :(الثالثة للخال أو الخالة أو هما أو الأخوال) أو الخالاتِ (مع الانفراد المالُ بالسويّة) لأب كانوا أم لأمّ أم لهما، (ولو) اجتمعوا و(تفرَّقوا) بأن خَلَّف خالاً لأبيه أي أخا أُمّه لأبيها، وخالاً لأُمّه أي أخاها لأُمّها خاصةً، وخالاً لأبويه أي أخاها لأبويها أو خالاتٍ كذلك أو مجتمعين، (سقط كلالة الأب) وحده بكلالة الأبوين (وكان لكلالة الأمّ السدس إن كان واحداً ، والثلث إن كان أكثر بالسوية) وإن

اختلفوا في الذكورة والأنوثة (ولكلالة الأب الباقي بالسوية) أيضاً على الأظهر؛ لاشتراك الجميع في التقرب بالأم. ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب أنّهم يقتسمونه للذكر ضِعْفُ الأُنثى(1)، وهو نادر.

[المسألة] :(الرابعة لو اجتمع الأعمامُ والأخوال) أي الجنسان ليشمل الواحد

ص: 213


1- الخلاف، ج 4، ص 17، المسألة 6.

منهما والمتعدد (فللأخوال الثلث وإن كان واحداً) لأمّ (على الأصح وللأعمام الثلثان وإنْ كان واحداً)؛ لأنّ الأخوال يَرِثون نصيبَ مَن تَقَرَّبُوا به وهو الأُخت، ونصيبها الثلث، والأعمامَ يَرِثُون نصيبَ مَن يَتَقَرَّبون به وهو الأخ ونصيبه الثلثان. ومنه يظهر عدم الفرق بين اتحادِ الخال وتعدّده وذكوريّته وأنوثيته، والأخبار مع ذلك مُتظافرة به، ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) إن في كتاب علي(عليه السلام): «رجل مات وترك عمَّةً وخالَةً، فقال: «للعمة الثلثان وللخالة الثلث»(1)، وأن فيه أيضاً : «إنّ العمّةَ بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ»، قال: «وكلّ ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يُجَرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيَحجُبه»(2).

ومقابل الأصح قول ابن أبي عقيل:

إن للخال المتحد السدس وللعمّ النصف حيث يجتمع العمُّ والخالُ، والباقي يُرَدّ عليهما بقدر سهامهما، وكذلك لو تَرَك عمّةً وخالةً للعمة النصفُ وللخالة السدس والباقي يُرَدّ عليهما بالنسبة (3).

وهو نادر ومستنده غير واضح.

وقد تقدَّم(4)، ما يدلّ على قدر الاستحقاق وكيفية القسمة لو تعدّدوا، فلو كانوا متفرقين فللأخوال من جهة الأم ثلث الثلث، ومع الاتحاد سدشه، والباقي من الثلث للأخوال من جهة الأب وإنْ كان واحداً، والثلثان للأعمام سدسُهما للمتقرب منهم بالأم إن كان واحداً، وثلثهما إن كان أكثر بالسوية وإن اختلفوا في الذكورية والأنوثية، والباقي للأعمام المتقرّبين بالأب بالتفاوت.

[المسألة) (الخامسة: للزوج والزوجة مع الأعمام والأخوال نصيبه الأعلى)

ص: 214


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 324 ، ح 1162.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 325 - 326، ح 1170.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 50، المسألة 6.
4- تقدم في ص 212 - 213 .

النصفُ أو الربع، (وللأخوال) وإنْ اتحدوا أو كانوا لأُمّ كما مر(1)- (الثلث من الأصل) لا من الباقي، (وللأعمام الباقي) وهو السدس على تقدير الزوج، وهو مع الربع على تقدير الزوجة. ولو تفرَّقَ الأعمامُ والأخوال مع أحد الزوجين أخَذَ نصيبه الأعلى، وللأخوال الثلث، سدسه لمن تقرب بالأم منهم إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر، والباقي من الثلث للأخوال من قبل الأبوين أو الأب، والباقي بعد نصيب أحد الزوجين والأخوال للأعمام ؛ سدسه للمتقرب منهم بالأُم إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر بالسويّة، والباقي للمتقرّب منهم بالأبوين أو بالأب بالتفاوت.

ولو اجتمع الزوجان مع الأعمام خاصةً أو الأخوال فلكل منهما نصيبه الأعلى كذلك، والباقي للأعمام أو للأخوال وإنْ اتَّحدوا، ومع التعدّدِ واتفاق الجهة كالأعمام من الأب خاصةً أو من الأم أو الأخوال كذلك، يقتسمون الباقي كما فُضِّل(2). ولو اختلفت كما لو خَلَّفَتْ زوجاً وخالاً من الأم وخالاً من الأبوين أو الأب، فللزوج النصفُ وللخال من الأُمّ سدسُ الأصل - كما نقله المصنّف في الدروس(3)عن ظاهر كلام الأصحاب - كما لو لم يكن هناك زوج؛ لأنّ الزوج لا يُزاحم المتقرّبَ بالأُمّ، وأشار إليه هنا بقوله: (وقيل: للخال من الأُمّ مع الخال من الأب والزوج ثلث الباقي(4) ، وقيل: سدسه)(5) أي سدس الباقي، وهذا القول نقله المصنّف في الدروس (6)والعلّامة في القواعد والتحرير(7)

ص: 215


1- مر في ص 213 - 214 .
2- تقدّم في ص 213 - 214. المسألة 2 - 4.
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- للشارح هنا عبارات شطب عليها الشارح في نسخته وهي هكذا: «تنزيلاً لخالِ الأُمِّ منزلةَ الخُؤولة حيث تقرّب بالأُمِّ وخالِ الأب منزلةَ العُمومة حيث تقرب به، وهذا القول لم يذكره المصنف في الدروس ولا العلّامة حيث نقل الخلاف».
5- حكاه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 32، الرقم 6311 .
6- الدروس الشرعية، ج 2، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 370 - 371؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 32، الرقم 6311.

عن بعض الأصحاب ولم يُعيّنُوا قائله واختار المصنف في الدروس(1) والعلّامة(2) وولده السعيد أنّ له سدسَ الثلث؛ لأنّ الثلث نصيبُ الخُؤولة فللمتقرّب بالأمّ منهم سدسه مع اتحاده وثلثه مع تعدّده(3).

ويُشكل بأنّ الثلث إنّما يكون نصيبهم مع مجامعة الأعمام، وإلا فجميع المال لهم فإذا زاحَمَهم أحد الزوجين زاحَمَ المتقرب منهم بالأب، وبَقِيَتْ حصّةُ المستقرّب بالأُمّ وهو السدس مع وحدته، والثلث مع تعدّده خالية عن المعارض.

ولو كان مع أحد الزوجين أعمام متفرّقون فلِمَن تَقَرَّب منهم بالأُمّ سدسُ الأصل أو ثلثه بلا خلاف على ما يظهر منهم، والباقي للمتقرّب بالأب. ويُحتمل على ما ذكروه في الحؤولة أن يكون للعمّ للأُم سدسُ الباقى خاصةً أو ثلثه، أو سدس الثلثين خاصةً أو ثلثهما بتقريب ما سبق.

[المسألة] (السادسة: عُمومة الميت وعماتُه) لأب وأم أو لأحدهما (وخؤولتُه وخالاته) كذلك، وأولادهم وإن نزلوا عند عدمهم (أولى من عُمومةِ أبيه وعمّاتِه وخؤوليه وخالاته، ومن عمومةِ أُمّه وعمّاتِها وخؤولتِها وخالاتها)؛ لأنهم أقرب منهم بدرجة (ويقومون) أي عُمومةُ الأب والأمّ وخُؤولتهما (مقامهم عند عدمِهم وعدم أولادهم وإن نزلوا) ويُقدَّم الأقرب منهم إلى الميت وأولاده فالأقربُ ، فابنُ العمّ مطلقاً أولى من عم الأب وابن عمّ الأب أولى من عمّ الجد، وعم الجد أولى من عم أبي الجد، وهكذا. وكذا الخؤولة، وكذلك الخال للأُم أولى من عمّ الأب.

ويُقاسِم كلُّ منهم الآخَرَ مع تساويهم في الدرجة، فلو ترك الميتُ عمَّ أبيه وعمته وخاله وخالته وعمَّ أُمِّه وعمتها وخالها وخالتها وَرِثوا جميعاً لاستواء درجتهم، فالثلث

ص: 216


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 370 - 371
3- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 229 - 230 .

القرابة الأمّ بالسوية على المشهور، والثلثان لقرابة الأب عُمومةً وخؤولة: ثلثهما للخال والخالة بالسوية، وثلثاهما للعم والعمّة أثلاثاً. وصحتها من مائة وثمانية كمسألة الأجدادِ الثمانية، إلّا أنّ الطريق هنا أنّ سهام أقرباء الأب ثمانية عشر توافق سهام أقرباء الأُمّ الأربعة بالنصف، فيُضرب نصفُ أحدهما في الآخر، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة وهو ثلاثة.

وقيل(1): لخالِ الأُمّ وخالتها ثلث الثلث بالسوية، وثلثاه لعتها وعمتها بالسوية، فهي كمسألة الأجداد على مذهب معين الدين المصري(2). وقيل: للأخوال الأربعةِ الثلتُ بالسوية، وللأعمام الثلثان ثلثه لعم الأم وعمتها بالسوية أيضاً، وثلثاه لعم الأب وعمته أثلاثاً، وصحتها من مائة وثمانية كالأوّل(3).

[المسألة] (السابعة: أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامَ آبائِهم وأُمّهاتِهم عند عدمهم، ويأخذ كلَّ منهم نصيبَ مَن يتقرب به) فيأخذ ولد العمّة وإنْ كان أُنثى الثلثين، وولد الخال وإن كان ذكراً الثلث وابنُ العمّة مع بنت العم الثلث كذلك، ويَتَساوَى ابن الخال وابنُ الخالة، ويأخذ أولاد العم للأُمّ السدس إن كان واحداً والثلث إن كان أكثر، والباقي لأولاد العم للأبوين أو للأب.

وكذا القول في أولاد الخؤولة المتفرقين، ولو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخالِ الواحدِ أو الخالة للأُمّ سدس الثلث، ولأولاد الخالين أو الخالتين أو هما ثلث الثلث، وباقيه للمتقرّب منهم بالأب. وكذا القول في أولاد العمومة المتفرقين بالنظر الى الثلثين، وهكذا.

(ويقتسم أولادُ العُمومة من الأبوين) إذا كانوا إخوة مختلفين بالذكورية والأنوثية

ص: 217


1- نسبه إلى المحقق نصير الدين الطوسي فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 230.
2- تقدّم في ص 211.
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 372

(بالتفاوت) للذكر مثل حظ الأنثيين، (وكذا) أولاد العمومة (من الأب) حيث يرثون مع فقد المتقرب بالأبوين. (و) يقتسم (أولاد العمومة من الأُمّ بالتساوي، وكذا أولاد الخؤولة) مطلقاً. ولو جامَعَهم زوج أو زوجةً فكمجامعته لآبائهم، فيأخذ النصف أو الربع، ومَن تقرَّبَ بالأم نصيبه الأصلي من أصل التركة، والباقي لقرابة الأبوين أو الأب.

[المسألة] (الثامنة: لا يَرِث الأبعد مع الأقرب في الأعمام والأخوال) وإن لم يكن من صنفه، فلا يرث ابن الخال ولو للأبوين مع الخال ولو للأُم، ولا مع العمّ مطلقاً، ولا ابن العم مطلقاً مع العمة كذلك، ولا مع الخال مطلقاً. (و) كذا (أولادهم) لا يرث الأبعد منهم عن الميت مع الأقرب إليه، كابن ابن العم مع ابن العم أو ابنِ الخال (إلّا في مسألة ابن العم )للأبوين (والعم) للأب؛ فإنها خارجة من القاعدة بالإجماع، وقد تقدمت(1)، وهذا بخلاف ما تقدَّم(2) في الإخوة والأجداد؛ فإن قريب كل من الصنفين لا يمنع بعيد الآخر. والفرقُ أن ميراث الأعمام والأخوال ثبت بعموم آية أُولي الأرحام(3)، وقاعدتها تقديم الأقرب فالأقرب مطلقاً، بخلاف الإخوة والأجداد فإنّ كلَّ واحد ثبت بخصوصه من غير اعتبار الآخر فيُشارك البعيدُ القريب، مضافاً إلى النصوص الدالّة عليه، فرَوَى سَلمةُ بنُ مُحرز عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال في ابنِ عمّ وخالة: «المال للخالة». وفي ابنِ عمّ وخالٍ: «المالُ للخال»(4). وأما النصوص الدالة على مشاركة الأبعد من أولاد الإخوة للأقرب من الأجداد فكثيرة جداً، ففي صحيحة محمّد بن مسلم، قال: نظرتُ إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر(عليه السلام)، قال : وقرأت فيها مكتوباً: «ابن أخ وجد المالُ بينهما سواء. فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّ من عندنا لا يقضي بهذا القضاء، لا يجعلون

ص: 218


1- تقدم في ص 185.
2- تقدّم في ص 209.
3- الأنفال (8) 75؛ الأحزاب (33): 6.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 328، ح 1179

لابن الأخ مع الجدّ شيئاً! فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «إنه إملاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وخط علي(عليه السلام)»(1). وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : حدثني جابر عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ولم يكن يَكذِب جابرٌ : أنّ ابنَ الأخ يُقاسِم الجدَّ»(2).

المسألة] :(التاسعة: من له سببان) أي موجبان للإرث أعم من السبب السابق فإنّ هذا يشمل النسب

( يرث بهما) إذا تَسَاوَيا في المرتبة (كعم هو خالٌ) كما إذا تزوّج أخوه لأبيه أُختَه لأُمّه، فإنّه يصير عمّاً لولدهما للأب خالاً للأُم، فيرث نصيبهما لو جامعه غيرُه، كعمّ آخَرَ أو خالٍ. وهذا مثال للنسبين، أما السببان بالمعنى الأخص فيتفقان كذلك في زوج هو مُعتِق أو ضامن جريرةٍ.

(ولو كان أحدهما) أي السببان بالمعنى الأعم (يحجب الآخَرَ، وَرِثَ ) مَن جَمَعَهما (من جهة) السبب

(الحاجب) خاصة (كابن عمّ هو أخٌ لأُمّ): فيرث بالأُخُوَّة.

هذا في النسبين وأمّا في السببين اللذَيْنِ يَحجُب أحدهما الآخر، كالإمام إذا مات عتيقه فإنّه يرث بالعتق لا بالإمامة، وكمُعتق هو ضامن جريرة. ويمكن فرضُ أنساب متعدّدةٍ لا يحجب أحدُها الباقي، كابن ابن عمّ لأب هو ابنُ ابنِ خالٍ لأُمّ، هو ابنُ بنتٍ عمة هو ابن بنت خالةٍ. وقد يتعدَّد كذلك مع حَجْبِ بعضها لبعض كأخ لأم هو ابنُ عمّ وابنُ خالٍ.

القول في ميراث الأزواج

والزوجان (يَتَوارَثان) ويُصاحبان جميع الورثة مع خُلُوهما من الموانع (وإن لم يَدخُل) الزوج (إلّا في المريض) الذي يَتَزَوَّج في مرضه فإنّه لا يَرِتُها ولا ترثه (إلّا)

ص: 219


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 308 - 309، ح 1104.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 309، ح 1106.

أن) يَدخُل أو (يَبرَأَ) من مرضه فيتوارثان بعده وإن مات قبل الدخول. ولو كانت المريضةُ هي الزوجة تَوَارَثا وإنْ لم يَدخُل على الأقرب كالصحيحة؛ عملاً بالأصل، وتخلفه في الزوج لدليل خارج لا يُوجب إلحاقها به لأنه قياس.

(والطلاقُ الرَجْعيُّ لا يَمنَع من الإرث) من الطرفين (إذا مات أحدهما في العدّة) الرجعية؛ لأنّ المطلقة رجعيّاً بحكم الزوجة( بخلاف البائن): فإنه لا يقع بعده توارث في عدته (إلّا في المريض) فإنّها ترثه إلى سنة، ولا يرثها هو (على ما سلف) في كتاب الطلاق(1).

ئم الزوجة إن كانت ذاتَ وَلَدٍ من الزوج وَرِثَتْ من جميع ما تركه كغيرها من الورثة على المشهور خصوصاً بين المتأخرين(2)، وكذا يرثها الزوج مطلقاً. (وتُمنَع الزوجة غيرُ ذات الولد من الأرض) مطلقاً (عيناً وقيمةً، و) تُمنَع (من الآلات) أي آلاتِ البناء من الأخشاب والأبواب( والأبنية) من الأحجار والطُّوبِ وغيرها (عيناً لا قيمةً (3)) فيُقَوَّم البناء والدورُ في أرض المتوفَّى خاليةً عن الأرض باقيةً فيها إلى أن تفنى بغير عوض، على الأظهر، وتُعطى من القيمة الربعَ أو الثُمنَ.

ويظهر من العبارة أنها ترث من عين الأشجار المثمرة وغيرها؛ لعدم استثنائها فتَدخُل في عموم الإرث؛ لأنّ كلَّ ما خرج عن المستثنى تَرتُ من عينه كغيرها، وهو أحد الأقوال في المسألة(4)، إلا أن المصنّف لا يُعهد ذلك من مذهبه، وإنما المعروف منه ومن المتأخرين حرمانها من عين الأشجار كالأبنية، دون قيمتها (5)ويمكن حمل

ص: 220


1- تقدّم في ج 3، ص 288
2- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 28؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 509 والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 376.
3- هذه تستحق في قيمة الآلات والأبنية محلولة لا مستحقة للإبقاء ؛ إذ لا حق لها في الأرض. (زين رحمه الله)
4- لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 51 - 52، المسألة 10؛ وغاية المراد، ج 3، ص 401 - 402 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
5- شرائع الإسلام، ج 4، ص 28 - 29: مختلف الشيعة، ج 9، ص 53 - 54، المسألة 10.

الآلات على ما يَشمل الأشجار، كما حَمَل هو وغيره(1) كلام الشيخ في النهاية(2) على ذلك، مع أنّه لم يتعرّض للأشجار، وجعلوا كلامه كقول المتأخرين في حرمانها من عين الأشجار حيث ذكر الآلات وهو حمل بعيد على خلاف الظاهر، ومع ذلك يبقى فرق بینالآلات هنا وبينها في عبارته في الدروس(3) وعبارة المتأخرين حيث ضَمُّوا إليها ذكر الأشجار(4) ؛ فإنّ المراد بالآلات في كلامهم ما هو الظاهر منها وهي آلات البناء والدور.

ولو حُمِل كلام المصنّف هنا وكلامُ الشيخ ومَن تَبِعه على ما يظهر من معنى الآلات، ويُجعل قولاً برأسه في حرمانها من الأرض مطلقاً ومن آلات البناء عيناً لا قيمة وإرثها من الشجر كغيره كان أجود بل النصوص الصحيحة (5)وغيرُها دالّة عليه أكثر من دلالتها على القول المشهور بين المتأخرين.

والظاهر عدم الفرق في الأبنية بين ما اتَّخِذ للسكنى وغيرها من المصالح كالرَّحَى والحمّامِ ومِعْصَرةِ الزيت والسمسم والعنب والاصطبل والمُراحِ وغيرِها؛ لشمول الأبنية لذلك كله وإن لم يدخُل في الرباع المعبر به في كثير من الأخبار(6)؛ لأنّه جمعُ رَبْعٍ وهو الدار.

ولو اجتمع ذاتُ الولد والخالية عنه فالأقوى اختصاص ذات الولد بتمن الأرض أجمع وتُمْنِ ما حُرِمَتْ الأُخرى من عينه واختصاصها بدفع القيمة دون سائر الورثة؛ لأنّ سهم الزوجية منحصر فيهما، فإذا حُرمت إحداهما من بعضه اختَصَّ بالأُخرى؛ وأن

ص: 221


1- كابن فهد الحلّي في المقتصر في شرح المختصر، ص 365؛ والمهذب البارع، ج 4، ص 402.
2- النهاية، ص 642.
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 292 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 376؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 192؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 4، ص 402.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 205 - 212، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 - 299، ح 1067 و 1069.

دفع القيمة على وجه القهر لا الاختيار فهو كالدين لا يُفرق فيه بين بذل الوارث العين وعدمه، ولا بين امتناعه من القيمة ،وعدمه، فيبقى في ذمته إلى أن يُمكن الحاكم إجباره على أدائها أو البيع عليه قهراً كغيره من الممتنعين من أداء الحق. ولو تعذر ذلك كلُّه بَقِي في ذمته إلى أن يمكن الزوجة تخليصه ولوْ مُقاصةً، سواء في ذلك الحصّة وغيرها.

واعلم أنّ النصوص (1)مع كثرتها في هذا الباب خالية عن الفرق بين الزوجتين، بل تدلّ على اشتراكهما في الحِرمان، وعليه جماعة من الأصحاب(2)، والتعليل الوارد فيها له، وهو «الخوف من إدخال المرأة على الورثة من يكرهون»(3)، شامل لهما أيضاً، وإن كان في الخالية من الولد أقوى.

ووجه فرقِ المصنّف وغيره بينهما وروده في رواية ابن أُذينة(4)، وهي مقطوعةٌ تَقصُر عن تخصيص تلك الأخبار الكثيرة وفيها الصحيح(5) والحسن(6)، إلّا أنّ في الفرق تقليلاً لتخصيص آية إرث الزوجة (7)- مع وقوع الشبهة بما ذكر - في عموم الأخبار، فلعله أولى من تقليل تخصيص الأخبار، مضافاً إلى ذهاب الأكثر إليه. وفي المسألة أقوال أُخَرُ ومباحث طويلةً، حققناها في رسالة مفردة (8)تشتمل على فوائد مهمةٍ، فمن أراد تحقيق الحال فلْيَقِفٌ عليها.

(ولو طلق) ذو الأربع (إحدى الأربع، وتزوج) بخامسة (ومات) قبل تعيين

ص: 222


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 - 302، باب ميراث الأزواج.
2- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 687؛ والسيّد المرتضى في الانتصار، ص 585، المسألة 319؛ والشيخ في الاستبصار، ج 4، ص 154 - 155.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 - 299، ح 1068.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 301 ، ح 1076.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298، ح 1065.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 297 - 298، ح 1064.
7- النساء (4): 12
8- ميراث الزوجة (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل /2).

المطلقة أو بعده (ثمّ اشتبهت المطلَّقةُ) من الأربع (فللمعلومة) بالزوجية وهي التي تزوج بها أخيراً (ربعُ النصيب) الثابتِ للزوجات وهو الربع أو الثمن، (وثلاثة أرباعه بين) الأربع (الباقيات) التي اشتبهت المطلقة فيهنَّ بحيث احتمل أن يكون كلُّ واحدة هي المطلقة (بالسويّة).

هذا هو المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً غير ابن إدريس(1)، ومستنده رواية أبي بصير عن الباقر(عليه السلام)(2)، ومحصولها ما ذكرناه. وفي طريق الرواية علي بن فَضّال وحاله مشهور، ومع ذلك في الحكم مخالفة للأصل من توريث مَن يُعلَم عدمُ إرثه؛ للقطع بأنّ إحدى الأربع غيرُ وارثةٍ.

(و) من ثُمَّ (قيل) والقائل ابن إدريس (بالقرعة )(3) : لأنها لكلّ أمرٍ مشتَبِه أو مشتبه في الظاهر مع تعينه في نفس الأمر، وهو هنا كذلك ؛ لأنّ إحدى الأربع في نفس الأمر ليست وارثةً فمَن أَخرَجَتْها القرعةُ بالطلاق مُنِعَت من الإرث وحُكم بالنصيب للباقيات بالسويّة، وسَقَط عنها الاعتداد أيضاً ؛ لأنّ المفروض انقضاء عدتها قبل الموت من حيث إنه قد تزوج بالخامسة.

وعلى المشهور هل يَتَعَدَّى الحكم إلى غير المنصوص، كما لو اشتبهت المطلقة اثنتين أو ثلاث خاصةً أو في جملة الخمس أو كان للمطلق دون أربع زوجات فطلق واحدةً وتزوج بأخرى وحصل الاشتباه بواحدة أو بأكثر، أو لم يتزوج واشتبهت المطلقه بالباقيات أو ببعضهن، أو طلق أزيد من واحدة وتزوج كذلك حتى لو طلق الأربع وتزوج بأربع واسْتَبَهنَ، أو فَسَخ نكاح واحدة لعيب وغيره أو أزيد وتزوج غيرَها أو لم يتزوج؟ وجهان: القرعة - كما ذهب إليه ابن إدريس في المنصوص(4)- لأنّه غيرُ

ص: 223


1- السرائر، ج 3، ص 301
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 93، ح 319
3- لم نعثر عليه في السرائر حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 464؛ والشهيد في غاية المراد ،ج 3، ص 406: والدروس الشرعية، ج 2، ص 294 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3 و 10).
4- لم نعثر عليه في السرائر حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 464؛ والشهيد في غاية المراد ،ج 3، ص 406: والدروس الشرعية، ج 2، ص 294 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3 و 10).

منصوص مع عموم «أنّها لكلّ أمر مشتبه»(1)، وانسحاب الحكم السابق في جميع هذه الفروع؛ لمشاركتها للمنصوص في المقتضي وهو اشتباه المقتضي وهو اشتباه المطلقة بغيرها من الزوجات، وتَساوِي الكلّ في الاستحقاق فلا ترجيح، ولأنه لا خصوصية ظاهرةً في قلة الاشتباه وكثرته، فالنص على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل التنبية على مأخذ الحكم، وإلحاقه بكلّ ما حَصَل فيه الاشتباه فعلى الأوّل إذا استخرجت المطلقة قسم النصيبُ بين الأربع أو ما ألحق بها بالسوية، وعلى الثاني يُقسم نصيب المشتبهة، وهو ربعُ النصيب إن اشتبهت بواحدة ونصفه إن اشتبهت باثنتين بين الاثنتين أو الثلاث بالسوية ويكون للمعيَّنتَين نصفُ ،النصيب، وللثلاث ثلاثة أرباعه، وهكذا.

ولا يخفى أنّ القول بالقرعة في غير موضع النص هو الأقوى، بل فيه إن لم يحصل الإجماع، والصلحُ في الكلّ خيرٌ.

ص: 224


1- الفقيه، ج 3، ص 92 ، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 240، ح 593: وج 9، ص 258، ح 970 6، 970

الفصل الثالث في الولاء

(1)

بفتح الواو، وأصله القُرْبُ والدُنُو، والمراد هنا قُربُ أحدِ شخصين فصاعداً الى آخَرَ على وجه يُوجِب الإرث بغير نسب ولا زوجية. وأقسامه ثلاثة، كما سبق(2): ولاء العنق وضمان الجريرة والإمامة.

و ( يَرِث المعتِقُ عتيقه إذا تبرع) بعثقِه (ولم يَتَبَرَّأ(3) ) المعتق (من ضمان جريرته) عند العتق مقارناً له لا بعده على الأقوى (ولم يُخَلّف العتيق) وارثاً له (مناسباً، فالمعتَقُ في واجب) كالكفّارةِ والنذرِ (سائبةٌ) أي لا عَقْلَ بينه وبين معتقه ولا ميراث.

قال ابن الأثير:

قد تَكَبَّرَ في الحديث ذكر السائبة والسوائب، كان الرجلُ إذا أعتق عبداً، فقال: هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث(4).

وفي إلحاق انعتاق أُمّ الولد بالاستيلاد وانعتاق القرابة وشراء العبد نفسَه - لو أَجَزْناه بالعتق الواجب أو التبرع قولان(5)أجودهما الأول؛ لعدم تحقق الإعتاق الذي هو شرط ثبوتِ الوَلاء.

( وكذا لو تبرّأ ) المعتق تبرّعاً ( من ضمان الجريرة )حالة الإعتاق (وإنْ لم يُشهد )

ص: 225


1- في نسخة الشهيد: «الثاني» وهو سهو من قلمه الشريف.
2- سبق في ص 176.
3- اعتبر ابن إدريس الفورية في التبرّي من ضمان الجريرة، وأكثر الأصحاب أطلقوا ذلك، ويقبل قوله بغير بينة إن كان لم يجن بعد. أما بعد الجناية فلا بد من البينة. (زين رحمه الله)
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 431، «سيب».
5- القول الأول للشيخ في المبسوط، ج 4، ص 441: والقول الثاني لابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 25.

على التبري شاهدين، على أصح القولين(1)؛ للأصل، ولأنّ المراد من الإشهاد الإثبات عند الحاكم لا الثبوتُ في نفسه. وذهب الشيخ(2)وجماعة(3) إلى اشتراطه؛ لصحيحة ابن سنان عن الصادق(عليه السلام) : مَن أعتق رجلاً سائبةً فليس عليه من جريرته شيء، وليس له من الميراث شيء، وليشهد على ذلك»(4). ولا دلالة لها على الاشتراط، وفي رواية(5) أبي الربيع عنه(عليه السلام) ما يُؤذن بالاشتراط، وهو قاصر من حيثُ السند.

(والمُنَكَّلُ) به مِن مولاه (أيضاً سائبةٌ) لا ولاء له عليه؛ لأنه لم يُعتقه وإنّما أعتقه الله تعالى قهراً. ومثله من انعتق بإقعادٍ أو عَمى أو جُذام أو بَرَصٍ عند القائل به(6) لاشتراك الجميع في العلة وهي عدم إعتاق المولى، وقد قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولاء لمن أعتق»(7).

(وللزوج والزوجة) مع المعتق ومن بحكمه (نصيبهما الأعلى) النصفُ أو الربع، والباقي للمُنعِم أو مَن في حكمه، (ومع عدم المُنعِم فالولاء للأولاد) أي أولادِ المُنعِم (الذكور والإناث على المشهور بين الأصحاب) لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولاء لُحْمَةٌ كلحمة النسب»(8)، والذكور والإناتُ يَشتركون في إرث النسب فيكون كذلك في الولاء سواء كان المعتق رجلاً أم امرأةً. وفي جعل المصنّف هذا القول هو المشهور نظر، والذي صرَّح به هو في شرح الإرشاد: أنّ هذا قول المفيد واستحسنه المحقق(9) وفيهما معاً نظر، والحق أنه قول الصدوق خاصةً (10)، وكيف كان فليس بمشهور. وفي المسألة أقوال

ص: 226


1- القول الأول للمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 29؛ والقول الثاني للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 215.
2- النهاية، ص 669
3- منهم: الصدوق في المقنع، ص 461؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 364؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 26.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 256، ح 928.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 256، ح 929
6- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 340.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 249 - 250، ح 0905
8- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 256، ص 255، ح 926.
9- غاية المراد، ج 3، ص 254 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
10- الفقيه، ج 4، ص 305 - 306، باب ميراث الموالي.

كثيرة، أجودها - وهو الذي دَلَّت عليه الروايات الصحيحة (1)ما اختاره الشيخ في النهاية(2)وجماعةُ (3): أنّ المعتق إن كان رجلاً وَرِتَه أولاده الذكور دون الإناث، فإن لم يكن ولدٌ ذُكورٌ وَرِتَه عَصَبَته دون غيرهم، وإن كان امرأةٌ وَرِتَه عَصَبَتُها مطلقاً. والمصنّف في الدروس(4) اختار مذهب الشيخ في الخلاف(5) وهو كقول النهاية(6) إلا أنه جَعَل الوارث للرجل ذكور أولاده وإنائهم؛ استناداً في إدخال الإناث إلى رواية عبد الرحمن بن الحَجّاج عن الصادق : أنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) دَفَع ميراث مولى حمزة إلى ابنته(7)، وإلى قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولاء لحمة كلحمة النسب»(8). والروايتان ضعيفتا السند، الأولى بالحسن بن سماعة، والثانية بالسكوني، مع أنها عمدة القول الذي اختاره هنا وجَعَله المشهور .

والعجب من المصنّف كيف يجعله هنا مشهوراً وفي الدروس قول الصدوق خاصةً (9)وفي الشرح قول المفيد !(10) و(11) وأعجب منه أن ابن إدريس مع اطراحه لخبر الواحد الصحيحِ تَمَسَّك هنا بخبر السكوني؛ محتجاً بالإجماع عليه(12)، مع كثرة

ص: 227


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 250 - 258، باب العتق وأحكامه.
2- النهاية، ص 547 - 548.
3- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 364؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 344 و 397 - 398؛ والمحقق في المختصر النافع، ص 394.
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 173 - 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- الخلاف، ج 4، ص 79 - 80. المسألة 84
6- النهاية، ص 547-548.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 331، ح 1191
8- تقدّم في ص 226 ، الهامش 8
9- الدروس الشرعية، ج 2، ص 173) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10): الفقيه، ج 4، ص 305 ميراث الموالي.
10- تقدم في ص 226، الهامش 9
11- غاية المراد، ج 3، ص 254 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج3).
12- السرائر، ج 3، ص 263.

الخلاف وتباين الأقوال والروايات(1).

ولو اجتمع مع الأولاد الوارثين أب شارَكَهم على الأقوى، وقيل: الابن أولى(2). وكذا يشترك الجد للأب والأخُ من قبله، أمّا الأُمّ فيُبنى إرتها على ما سلف، والأقوى أنّها تُشاركهم أيضاً. ولو عُدِم الأولاد اختَصَّ الإرتُ بالأب.

( ثم) مع عدمهم أجمع يرثه (الإخوة والأخواتُ) مِن قِبَل الأبِ والأُم أو الأب (ولا يرثه المتقرّب بالأم) من الإخوة وغيرهم؛ كالأجداد والجدات والأعمام والعمّاتِ والأخوال والخالات لها. ومستند ذلك كلّه رواية السكوني(3)في اللحمة خُصَّ بما ذكرناه؛ للأخبار الصحيحة(4) فيبقى الباقي. والأقوى أن الإناث منهم - في جميع ما ذُكِر - لا يَرثْنَ لخبر العَصبة(5)، وعلى هذا فيستوى إخوة الأب وإخوة الأبوين لسقوط نسبة الأم؛ إذ لا يرث من يتقرب بها وإنما المقتضي التقرُّبُ بالأب وهو مشترك.

(فإن عُدِم قَرابةُ المولى) أجمعُ (فمولى المولى) هو الوارث إن اتفق، (ثمّ) مع عدمه فالوارث قرابة مولى المولى على ما فُضِّل، فإن عُدِم فمولى مولى المولى ثمّ قرابته (وعلى هذا فإن عُدِموا ) أجمعُ (فضامنُ الجريرة) وهي الجناية (وإنّما يَضمَن سائبةً) كالمعتَقِ في واجب وحُرَّ الأصل حيث لا يُعلَم له قريب، فلو علم له قريب وارتٌ أو كان له معتق أو وارث معتقٍ - كما فُصِّل - لم يصح ضَمانه. ولا يَرِثُ المضمونُ الضامنَ إلَّا أن يَشترِك الضمان بينهما. ولا يُشترط في الضامن عدم الوارث بل في

المضمون. ولو كان للمضمون زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى والباقي للضامن.

وصورة عقد ضمان الجريرة أن يقول المضمون: «عاقَدْتُكَ على أَن تَنصُرَني وتَدْفَعَ عنّي وتَعقِلَ عنِّي وتَرِتَني» فيقول «قبلتُ». ولو اشتَرَك العقد بينهما قال أحدهما: «على

ص: 228


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 331 وما بعدها، باب ميراث الموالي مع ذوي الرحم.
2- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 83، المسألة 37
3- تقدّم في ص 227، الهامش 8.
4- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 253 - 258، باب العتق وأحكامه.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 253 - 254، ح 121 و 923.

أن تنصرني وأنصُرَكَ وتَعقِلَ عنّي وأعقِلَ عنك وتَرتَني وأَرتَكَ» أو ما أدى هذا المعنى فيقبل الآخَرُ. وهو من العقود اللازمة فيُعتبر فيه ما يُعتبر فيها. ولا يتعدى الحكم الضامن وإن كان له وارت.

ولو تجدد للمضمون وارث بعد العقد، ففي بطلانه أو مراعاته بموت المضمون كذلك وجهان: أجودُهما الأول؛ لفقد شرط الصحة، فيقدح طارئاً كما يقدح ابتداءً. (ثمّ) مع فقد الضامن فالوارث (الإمام ) مع حضوره، لا بيت المال على الأصح فيُدفَع إليه يَصنَع به ما شاء. ولو اجتمع معه أحد الزوجين فله نصيبه الأعلى، كما سلف. وما كان يفعله أمير المؤمنين من قسمته في فقراء بلد الميت وضعفاء جيرانه (1)فهو تبرع منه .

(ومع غيبته يُصرف في الفقراء والمساكين من بلد الميت ) ولا شاهد لهذا التخصيص إلا ما رُوِيَ من فعل أمير المؤمنين(2)، وهو مع ضعف سنده لا يدل على ثبوته في غيبته، والمروي صحيحاً عن الباقر و الصادق أن مالَ مَن لا وارث له من الأنفال(3).وهي لا تختص ببلد المال فالقول بجواز صَرْفِها إلى الفقراء والمساكين من المؤمنين مطلقاً - كما اختاره جماعة(4) منهم المصنّف في الدروس(5) - أقوى إن لم نُجِزْ صرفه في غيرهم من مصرف الأنفال. وقيل: يجب حفظه له كمستحقه في الخمس(6)، وهو أحوط.

(ولا) يجوز أن (يُدفَع إلى سلطان الجور مع القدرة) على منعه منه؛ لأنّه غيرُ مستحق له عندنا، فلو دَفَعه إليه دافع اختياراً كان ضامناً له. ولو أمكنه دفعه عنه ببعضه وجب، فإن لم يَفعَل ضَمِن ما كان يُمكنه منعه منه. ولو أخذه الظالم قهراً فلا ضمان على مَن كان بيده .

ص: 229


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 387، ح 1382 - 1383.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 387، ح 1382 - 1383.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 386 - 387، ح 1379 و 1381.
4- منهم: المفيد في المقنعة، ص 706؛ والشيخ في النهاية، ص 671 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 154.
5- الدروس الشرعية، ج 2، ص 310 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
6- قال به الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 23، المسألة 15.

الفصل الرابع في التوابع

(1)

(وفيه مسائل:)

(المسألة) (الأولى:) فى ميراث الخنثى. وهو (مَن له فَرْجُ الرجال والنساء) وحكمه أن (يُوَرَّث على ما ) أي الفرج الذي يبول منه فإن بال منهما فعلى الذي (سبق منه البولُ) بمعنى إلحاقه بلازمه من ذكورية وأنونية، سواءٌ تَقَارَنا في الانقطاع أم اختلفا، وسواء كان الخارج من السابق أكثر من الخارج من المتأخر أم أقل على الأشهر وقيل(2) : يُحكم للأكثر. (ثمّ) مع الخروج منهما دفعةً يُوَرَّث (على ما ينقطع منه )أخيراً، على الأشهر، وقيل(3): أولاً. ومع وجود أحد هذه الأوصافِ يَلحَقه جميعُ أحكام مَن لُحِق به، ويُسمَّى واضحاً .

(ثمّ) مع التساوي في البول - أخذاً وانقطاعاً - يصير مشكلاً، وقد اختلف الأصحاب في حكمه حينئذٍ. فقيل: تُعدّ أَضلاعُه فإن كانت ثماني عشرة فهو أُنثى، وإن كانت سبع عشرة من الجانب الأيمن تسع ومن الأيسر ثمانٍ فهو ذَكَر، وكذا لو تَسَاوَيا وكان في الأيسر ضلع صغير ناقص(4).

و مستند هذا القول ما رُوِيَ من قضاء علي(عليه السلام) به معللاً بأنّ حوّاءَ خُلِقَت من ضلع آدم (عليه السلام)(5)

ص: 230


1- في نسخة الأصل: «الثالث» وهو سهو من قلمه الشريف.
2- قال به الشيخ المفيد في الإعلام، ص 62 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج 9)؛ والسيد المرتضى في الانتصار، ص 594، المسألة 325 .
3- قال به القاضي في المهذب، ج 2، ص 171.
4- نقله عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 95، المسألة 33.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 354 - 355 ، ح 1271.

وإن خالَفَتْ في عدد الأضلاع وانحصارُ أمره في الذكورة والأنوثة بمعنى أنه ليس بطبيعة ثالثة؛ لمفهوم الحصر في قوله تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَنا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ (1). وفي الرواية ضعف، وفي الحصر منع، وجاز خروجه مخرج الأغلب. وقيل: يُورث بالقرعة؛ لأنها لكلّ أمر مشتبه(2).

والمشهور بين الأصحاب أنّه حينئذٍ يُورَّث (نصف النصيبين) نصيب الذكر ونصيب الأنثى؛ لموثقة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام)قال: «قضى علي (عليه السلام)في الخنثى - له ما للرجال، وله ما للنساء - قال: يُوَرَّث من حيث يبول فإن خَرَج منهما جميعاً فمن حيث سبق، فإن خرج سواءً فمِن حيث يَنْبَعِث، فإن كانا سواءٌ وُرّثَ ميراث الرجال والنساء»(3). وليس المراد الجمع بين الفريضتين إجماعاً فهو نصفهما؛ ولأنّ المعهود في الشرع قسمةً ما يقع فيه التنازع بين الخصمين مع تساويهما، وهو هنا كذلك؛ ولاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

(فله مع الذكر خمسةٌ من اثني عشر)؛ لأنّ الفريضة على تقدير ذكوريته من اثنين، وعلى تقدير الأنونية ثلاثة، وهما متباينان فتضرب إحداهما في الأُخرى ثمّ تَضرب المرتفع في اثنين، وهو قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ في مسألة الخُناثى؛ للافتقار إلى تنصيف ك-لّ نصيب، وذلك اثنا عشر له منها على تقدير الذكورية ستة، وعلى تقدير الأنوثية أربعة فله نصفهما خمسة، والباقي للذكر. (ومع الأنثى سبعة) بتقريب ما سبق، إلا أن له على تقدير الذكورية ثمانية وعلى تقدير الأنوثية سنّةً، ونصفهما سبعة

(ومعهما) معاً (ثلاثةَ عشر من أربعين سهماً)؛ لأنّ الفريضةً على تقدير أنوثيته من أربعة، وعلى تقدير الذكورية من خمسة، ومضروب إحداهما في الأخرى عشرون، ومضروب المرتفع في اثنين: أربعون، فله على تقدير فرضه ذكراً ستة عشر، وعلى تقديره أنثى عشرة

ص: 231


1- الشورى (42): 49
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 106، المسألة 116.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 354، ح 1269.

ونصفهما ثلاثة عشر، والباقي بين الذكر والأنثى أثلاثاً.

(والضابط) في مسألة الخنثى (أنّك تعمل المسألةَ تارةً أُنوثيَةً) أي تَفْرِضُه أُنتى (وتارةً ذكوريّةً، وتُعطي كلَّ وارث) منه وممن اجتمع معه (نصف ما اجتمع) له (في المسألتين) مضافاً إلى ضرب المرتفع في اثنين، كما قرَّرناه. فعلى هذا لو كان مع الخنثى أحد الأبوين فالفريضة على تقدير الذكورية سنّة، وعلى تقدير الأنوثية أربعة، وهما متوافقتان بالنصف، فتضرب ثلاثةٌ في أربعة، ثمّ المجتمعَ في اثنين تَبلُغ أربعةً وعشرين، فلأحد الأبوين خمسة، وللخنثى تسعة عشر.

ولو اجتمع معه الأبوان ففريضة الذكورية ستة وفريضةُ الأُنوثية خمسة، وهما متباينتان فتضرب إحداهما في الأخرى ثم المرتفع في اثنين تبلغ ستين، فللأبوين اثنان وعشرون وللخنثى ثمانية وثلاثون.

ولو اجتمع مع خنثى وأنثى أحد الأبوين ضَرَبْتَ خمسة - مسألة الأُنوثة - في ثمانية عشر - مسألة الذكورة - لتباينهما تَبلُغ تسعين، ثمّ تَضرِبُها في الاثنين تبلغ مائةً وثمانين لأحد الأبوين ثلاثة وثلاثون؛ لأنّ له سنّةً وثلاثين تارةً وثلاثين أخرى فله نصفهما، وللأُنثى أحد وستون وللخنثى ستة وثمانون. فقد سَقَط من سهام أحد الأبوين نصفُ الردّ؛ لأنّ المردود على تقدير أنوثيتها ستة، وهي فاضلة على تقدير الذكورية.

ولو اجتمع معه في معه في أحد الفروض أحد الزوجين، ضَرَبتَ مخرج نصيبه في الفريضة، ثم أخذت منها نصيبه وقسمت الباقي، كما سلف، إلّا أنّك هنا تقسمه على ثلاثة. ومَن استَحَق بدون أحد الزوجين من الفريضة شيئاً أخذ قدره ثلاث مرّاتٍ إن كان زوجاً، وسبع مرّاتٍ إن كان زوجةً. وعلى هذا قش ما يَرِدُ عليك من الفروض.

[المسألة] (الثانية: من ليس له فرج) الذكر ولا الأُنثى إما بأن تخرج الفضلة من دُبُره، أو يفقد الدُبُرَ ويكون له تُقْبَةٌ بين المخرجين تخرج منه الفضلتان، أو البول مع وجود الدبر، أو بأن يَتَقَيَّاً ما يأكله، أو بأن يكون له لحمة رابية تخرج منها الفضلتان،

ص: 232

كما نُقِل ذلك كلَّه (1)،(يُوَرَّث بالقرعة) على الأشهر، وعليه شواهد من الأخبار، منها: صحيحة الفضيل بن يسار عن الصادق(عليه السلام) : «عبد الله على سهم وأمة الله على سهم ويُجْعَلُ في سهام مُبْهَمةٍ، وتقول ما رواه الفضيل : اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، فبيّن لنا أمرَ هذا المولود كيف يُوَرَّث ما فرضت له في كتابك، ثمّ تُجِيل السهام، ويُوَرَّث على ما يخرُج»(2). والظاهر أنّ الدعاء مستحب؛ لخلق باقي الأخبار منه، وكذا نظائره مما فيه القرعة.

وفي مرسلة عبد الله بن بُكَير: إذا لم يكن له إلّا تُقب يخرج منه البولُ، فَنَحَّى بوله عند خروجه عن مباله، فهو ذَكَر، وإن كان لا يُنَحّي بوله بل يبول على مباله فهو أُنثى(3). وعَمِل بها ابن الجنيد(4) والأوّل مع شهرته أصح سنداً وأوضحه.

(ومن له رأسان وبدنان على حقو) بفتح الحاء فسكون القاف معقد الإزار عند الخضر (واحدٍ) سواء كان ما تحت الحَقو ذكراً أم غيره؛ لأنّ الكلام هنا في اتحادِ ما فوق الحقو وتعدّدِه؛ ليترتب عليه الإرث. وحكمه أن (يُوَرَّث بحسب الانتباه، فإذا) كانا نائمين و (نُبِّه أحدهما فانتَبَه الآخَرُ ،فواحدٌ ، وإلّا) يَنتَبِهِ الآخَرُ (فائنان) كما قَضَى به عليّ(عليه السلام) (5). وعلى التقديرين يَرِثان إرث ذي الفَرْج الموجود، فيُحكم بكونهما أنثى واحدةً أو أنتيين، أو ذكراً واحداً أو ذكرين. ولو لم يكن له فَرْجٌ أو كانا معاً حُكم لهما

بما سبق.

هذا من جهة الإرث، ومثله الشهادة والحَجْبُ لو كان أخاً، أما في جهة العبادة فائنان مطلقاً، فيجب عليه غَسلُ أعضائه كلّها ومسحُها، فيغسل كلُّ منهما وجهه ويديه ويمسح رأسه ويمسحان معاً على الرجلين.

ص: 233


1- الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 314 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 239 ، ح 588
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 357، ح 1277.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 102، المسألة 34.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 358، ح 1278

ولو لم يتوضأ أحدهما ففي صحة صلاة الآخر نظر، من الشك في ارتفاع حدثه؛ لاحتمال الوحدة فيُستصحب المانعُ إلى أن يَتَطَهَّر الآخَرُ. ولو أمكن الآخَرَ إجبارُ الممتنع أو تَوَلّي طهارته ففي الإجزاء نظر من الشك المذكور المقتضي لعدم الإجزاء. وكذا القول لو امتنع من الصلاة.

والأقوى أنّ لكلّ واحدٍ حكمُ نفسه في ذلك. وكذا القول في الغُسل والتيتُم والصوم. أما في النكاح فهما واحد من حيث الذكورة والأنوثة، أما من جهة العقد ففي توقف صحته على رضاهما معاً نظر، ويقوى توقفه، فلو لم يرضيا معاً لم يقع النكاح. ولو اكتفينا برضى الواحد ففي صحة نكاح الآخر لو كان أنثى إشكال، وكذا يقع الإشكال في الطلاق. وأما العقود كالبيع فهما اثنان، مع احتمال الاتحاد.

ولو جَنّى أحدُهما لم يقتص منه وإن كان عمداً؛ لما يَتَضَمَّنُ من إيلام الآخر أو إتلافه. نعم لو اشتركا في الجناية اقتصَّ منهما، وهل يُحتسبان بواحد أو باثنين؟ نظر. وتظهر الفائدة في توقف قتلهما على ردّ ما فَضَل عن ديةِ واحدٍ.

ولو ارتدّ أحدهما لم يقتل ولم يُحبَس ولم يُضرَب؛ لأدائه إلى ضرر الآخر. نعم، يُحكم بنجاسة العضو المختص بالمرتد دون المختص بغيره، وفي المشترك نظر. فتَبِينُ الزوجة بارتداده مطلقاً. ولو ارتدا معاً لَزِمهما حكمه. وهذه الفروض ليس فيها شيء مُحَرَّرٌ ، وللتوقف فيها مجال وإن كان الفرض نادراً.

[المسألة] :(الثالثة: الحملُ يُوَرَّث إذا انفصل حيّاً) مستقر الحياة (أو تَحَرَّك) بعد خروجه (حركة الأحياء ثم مات) ولا اعتبار بالتقلص الطبيعي، وكذا لو خرج بعضه ميناً، ولا يُشترط الاستهلال لأنه قد يكون أخرس بل تكفي الحركة الدالة على الحياة. وما رُوي (1)من اشتراط سَماع صوته حُمِل على التقية.

ص: 234


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 391 - 392، ح 1397.

واعلم أنّ الاحتمالات الممكنة عادةً بأن يفرض ما لا يزيد عن اثنين عشرة، أكثرُها نصيباً فرضُه ذَكَرَيْن، فإذا طلب الولد الوارث نصيبه من التركة أُعطي منها على ذلك التقدير، وقد تقدَّم الكلام (1)في باقي أحكامه.

[المسألة] (الرابعة: دية الجنين) وهو الولد مادام في البطن، فإذا جَنَى عليه جانٍ فأسقطه فديتُه (يَرِثُها أبواه، ومن يتقرب بهما ) مع عديهما؛ كما لو ماتا معه أو مات أبوه قبله وأنه معه (أو) من يتقرب (بالأب بالنسب) كالإخوة (والسبب) كمعتق الأب.

ويفهم من تخصيص الإرث بالمتقرب بالأب عدم إرث المتقرب بالأُمّ مطلقاً، وقد تقدَّم الخِلافُ فيه، وتَوَقُفُ المصنّف في الحكم.

[المسألة ] (الخامسة: ولد الملاعنة تَرِثُه أُمه) دون أبيه؛ لانتفائه عنه باللعان حيث كان اللعان لنفيه، (و) كذا يرثه (ولده وزوجته على ما سلف) في موانع الإرث من أنّ الأبَ لا يرثه أو في باب اللعان من انتفائه عنه باللعان وعدم إرثه الولد وبالعكس إلّا أن يُكَذِّب الأب نفسه، أمّا حكم إرث أُمه وزوجته وولده فلم يتقدَّم التصريح به ويمكن أن يكون قوله «على ما سلف» إشارة إلى كيفية إرث المذكورين بمعنى أنّ ميراث أُمِّه وولده وزوجته يكون على حدّ ما فُصِّل في ميراث أمثالهم من الأُمهات والأولاد والزوجات.

(ومع عدمهم) أي عدم الأم والولد والزوجة (فلقرابة أُمّه) الذكر والأنثى (بالسوية) كما في إرث غيرهم من المتقرب بها كالخؤولةِ وأولادهم، (ويَترتَّبون) في الإرث على حسب قربهم إلى المورث فيرته

(الأقرب) إليه منهم (فالأقربُ) كغيرهم.

ص: 235


1- تقدم في ص 182 - 183.

(ويرث) هو (أيضاً قرابة أُمّه) لو كان في مرتبة الوارث، دون قرابة أبيه إلا أن يُكَذِّبوا الأب في لعانه، على قول(1) .

[المسألة] :(السادسة ولد الزنى) من الطرفين ( يَرِثه ولده وزوجته، لا أبواه ولا مَن يتقرَّب بهما)؛ لانتفائه عنهما شرعاً فلا يَرِثانه ولا يرتُهما، ولو اختص الزنى بأحد الطرفين انتفى عنه خاصةً ووَرِثه الآخَرُ ومَن يتقرب به (ومع العدم) أي عدم الوارث له من الولد والزوجة ومن بحكمهما على ما ذكرناه (فالضامن) لجريرته، ومع عدمه (فالإمام).

وما رُوي(2) خلاف ذلك من أن ولد الزنى ترته أمه وإخوته منها أو عصبتها، وذهب إليه جماعة كالصدوق(3)والتقي(4)، وابن الجنيد(5) فشاةً، ونسب الشيخ الراوي إلى الوهم بأنه كولد الملاعنة(6).

[المسألة] (السابعة: لا عبرة بالتبرّي من النسب )عند السلطان في المنع من إرث المتبري، على الأشهر؛ للأصل، وعموم القرآن(7) الدال على التوارث مطلقاً.

(وفيه قول شاذ) للشيخ في النهاية (8)وابن البَرَّاج(9): (إنّه) أي المتبرى مِن نَسَبِه ( تَرثُه عصبةُ أُمّه، دون أبيه لو تبراً أبوه من نسبه)؛ استناداً الى رواية أبي بصير عن

ص: 236


1- ذهب إليه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 382
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 345 ، ح 1239
3- المقنع، ص 504 - 505.
4- الكافي في الفقه، ص 377.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 93، المسألة 32.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 345، ذيل الحديث 1239.
7- الأنفال :(8) 75: الأحزاب (33): 6.
8- النهاية، ص 682.
9- المهذب، ج 2، ص 167.

أحدهما(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: سألته عن المخلوع تَبَرَّأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته، لِمَن ميراتُه؟ فقال:«قال عليّ(عليه السلام): هو الأقرب الناس إليه »(1). ولا دلالة لهذه الرواية على ما ذكروه؛ لأنّ أباه أقرب الناس إليه من عصبة أُمه، وقد رجع الشيخ عن هذا القول صريحاً في المسائل الحائرية(2).

[المسألة] (الثامنة في ميراث الغَرْقَى والمهدوم عليهم).

اعلم أنّ من شرط التوارث بين المتوارثين العلمُ بتأخر حياة الوارث عن حياة الموروث وإنْ قَلَّ، فلو ماتا دفعةً أو اشتبه المتقدّمُ منهما بالمتأخر أو اشتبه السبق والاقتران فلا إرث سواء كان الموتُ حَتَّف الأنف أم بسبب، إلا أن يكون السببُ الغَرَقُ أو الهدم على الأشهر، وفيهما يَتَوَارَثُ الغرقى والمهدومُ عليهم (إذا كان بينهم نسب أو سبب) يُوجِبان التوارث (وكان بينهم مال) ليتحقق به الإرث ولؤ من أحد الطرفين، (واشتَبَه المتقدّمُ) منهم (والمتأخّر) فلو عُلم اقترانُ الموت فلا إرث، أو علم المتقدّمُ من المتأخّر وَرِثَ المتأخّرُ المتقدّم دون العكس (وكان بينهم توارث)بحيث يكون كلُّ واحدٍ منهم يَرِثُ من الآخر ولؤ بمشاركةِ غيره، فلو انتفى كما لو غَرِق أَخَوان ولكلِّ منهما ولد أو لأحدهما فلا توارُتَ بينهما. ثمّ إن كان لأحدهم مال دون الآخر صار المال لمن لا مال له ومنه إلى وارثه الحي، ولا شيء لورثة ذي المال.

( ولا يرث الثاني) المفروض موتُه ثانياً ( ممّا وَرِث منه الأوّلُ) للنص(3)، واستلزامه التسلسل والمُحالَ عادةً، وهو فرض الحياة بعد الموت؛ لأنّ التوريث منه يقتضي فرضَ ،موته، فلو وَرِثَ ما انتقل عنه لكان حيّاً بعد انتقال المال عنه وهو ممتنع عادةً.

وأُورد مثله في إرث الأوّل من الثاني(4)، ورُدَّ بأنا نقطع النظر عمّا فُرِض أوّلاً ونَجعَل

ص: 237


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 349، ح 1253.
2- المسائل الحائرية، ضمن الرسائل العشر، ص 288 .
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 361 - 362 ، ح 1288 و 1294.
4- أورده ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 434

الأوّلَ كأنه المتأخّرُ حياةً، بخلاف ما إذا وَرَّثنا الأوّلَ من الثاني ممّا كان قد وَرِثه الثاني منه، فإنّه يَلزَم فرضَ موتِ الأوّل وحياتِه في حالة واحدة(1). وفيه تكلُّفٌ.

والمعتمد النص. رَوَى عبد الرحمن بن الحَجّاج في الصحيح عن الصادق(عليه السلام) في أخوين ماتا لأحدهما مائة ألف درهم والآخرُ ليس له شيء، ركبا في سفينة ففرقا فلم يُدْرَ أيهما مات أوّلاً. قال: «المال لورثة الذي ليس له شيء»(2). وعن علي(عليه السلام) في قوم غَرِقوا جميعاً أهلَ بَيتٍ قال:

« يرث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء ممّا وَرِثوا من هؤلاء»(3). وهذا حجّة على المفيد وسلار حيث ذهبا إلى توريث كلّ ممّا وُرِث منه أيضاً؛ استناداً إلى وجوب تقديم الأضعف في الإرث، ولا فائدة إلا التوريث ممّا وُرِثَ منه(4) ؛ وأجيب بمنع وجوب تقديمه، بل هو على الاستحباب(5).

(و) لو سُلّم فإنّما (يُقدَّم الأضعفُ تعبداً) لا لعلّة معقولة، فإن أكثر علل الشرع والمصالح المعتبرة في نظر الشارع خفيّةٌ عنا تعجز عقولنا عن إدراكها، والواجب اتباع النص من غير نظر إلى العلة ولتخلَّفه مع تساويهما في الاستحقاق كأخوين لأب فينتفي اعتبارُ التقديم ويصير مال كلّ منهما لوارثه الآخر.

وعلى اعتبار تقديم الأضعف وجوباً، كما يظهر من العبارة، وظاهرُ الأخبار يدلّ(6) عليه، ومنها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (صلی الله علیه وآله وسلم)(7)، أو استحباباً على ما اختاره في الدروس:

لو غَرِق الأبُ وولده قدّم موت الابن، فيرث الأب نصيبه منه ثمّ يُفرَض موتُ

ص: 238


1- هو فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 277 - 278.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 360 ، ح 1286.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 362 ، ح 1294.
4- المقنعة ص:699 المراسم، ص 226 - 227.
5- هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 115. المسألة 41.
6- راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 359 - 363، باب ميراث الغرقى.... .
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 362 ، ح 1291

الأب فيرث الابنُ نصيبه منه، ويصيرُ مالُ كلّ إلى ورثة الآخر الأحياء. وإن شارَكَهما مساء انتقل إلى وارثه الحيِّ ما وَرِثَه، ولو لم يكن لهما وارث صار مالهما للإمام(عليه السلام) (1).

وذهب بعضُ الأصحاب إلى تعدي هذا الحكم إلى كلّ سبب يقع معه الاشتباه، كالقتل والحريق؛ لوجود العلة(2)، وهو ضعيف؛ لمنع التعليل الموجب للتعدي، مع كونه على خلاف الأصل فيُقتصر فيه على موضع النص والوفاق(3).

ولو كان الموتُ حتف الأنف فلا تَوَارُث مع الاشتباه إجماعاً.

[المسألة] :(التاسعة: في ميراث المجوس إذا تَرَافَعوا إلى حُكّام الإسلام)، وقد اختلف الأصحاب فيه، فقال يونس بن عبد الرحمن إنّهم يَتَوَارَثون بالنسب والسبب الصحيحين، دون الفاسدين(4)، وتبعه التقيُّ (5)وابن إدريس محتجاً ببطلان ما سواه في شرع الإسلام، فلا يجوز لحاكمهم أن يُرَتِّب عليه أثراً (6).

وقال الشيخ (7)وجماعة(8): يتوارثون بالصحيحين والفاسدين؛ لما رواه السكوني عن علي(عليه السلام) : أنه كان يُوَرّث المجوسي إذا تزوج بأمه وأخته وابنته من جهة أنّها أُمه وأنّها زوجته(9). وقول الصادق(عليه السلام) لمن سب مجوسياً وقال إنه تزوج بأُمِّه: «أما عَلِمتَ أنّ ذلك

ص: 239


1- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 287 - 288 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- ذهب إليه الحلبي في الكافي في الفقه، ص 376؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 400؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 400.
3- أي الغرقى والمهدوم عليه.
4- حكاه عنه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369، ذيل الحديث 1299.
5- الكافي في الفقه، ص 376 - 377
6- السرائر، ج 3، ص 287 - 288.
7- المبسوط، ج 3، ص 334 - 335.
8- منهم :ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 170؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 403؛ وسلار في المراسم، ص 225 - 226.
9- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364 ، ح 1299.

عندهم هو النكاح»(1) بعد أن زبر الساب، وقوله(عليه السلام) : «إنّ كلَّ قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه»(2).

وقال الفضل بن شاذان(3) وجماعة(4) ، منهم المصنّف في هذا المختصر والشرح(5): إنّ (المجوس يتوارثون بالنسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح لا الفاسد)، أما الأوّل فلأنّ المسلمين يتوارثون بهما حيث تقع الشبهة وهي موجودة فيهم، وأما الثاني فلقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾(6)، ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾(7)، ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ﴾(8) ولا شيء من الفاسد ب-«ما أنزل الله» ولا ب-«حق» ولا ب-«قسط». وهذا هو الأقوى. وبهذه الحجّة احتج أيضاً ابن إدريس (9)على نفي الفاسد منهما، وقد عرفت فساده في فاسد النسب. وأما أخبار(10) الشيخ فعمدتها خبر السكوني(11)، وأمره واضح، والباقي لا ينهض على مطلوبه.

وعلى ما اخترناه (فلو نكح) المجوسي (أمه فأولدها وَرِثَتُه بالأمومة ووَرِثَه ولدُها بالنسب الفاسد، ولا ترثه الأم بالزوجيّة) لأنه سبب فاسد (ولو نَكَح المسلم بعض محارمه شبهة وَقَع التوارث ) بينه وبين أولاده (بالنسب أيضاً) وإن كان فاسداً. ويتفرع عليهما فروع كثيرة يظهر حكمُها ممّا تَقَوَّر في قواعد الإرث.

ص: 240


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 365، ح 1300.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 365، ح 1301.
3- حكاه عنه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364، ذيل الحديث 1299.
4- منهم: المحقق في المختصر النافع، ص 276؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 483؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 399.
5- غاية المراد، ج 3، ص 439 - 442 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
6- المائدة (5): 49
7- الكهف (18) :29
8- المائدة (5): 42
9- السرائر، ج 3، ص 288
10- تقدم في ص 239، الهامش 7.
11- تقدم تجزيه في الهامش 1.

فلو أولد المجوسي بالنكاح أو المسلمُ بالشبهة من ابنته ابنتين وَرِثْنَ ماله بالسوية، فلو ماتت إحداهما فقد تَرَكَتْ أُمَّها وأُختها فالمال لأمها، فإن ماتت الأم دونهما ورثتها ابنتاها، فإن ماتت إحداهما وَرِثَتْها الأخرى، ولو أولَدَها بنتاً ثمّ أولَد الثانيةَ بنتاً فماله بينهنّ بالسوية، فإن ماتت العُليا ورثتها الوسطى دون السُفْلَى، وإن ماتت الوسطى فللعليا نصيبُ الأُمُّ وللسفلى نصيب البنت والباقي يُرَدّ أرباعاً، وإن ماتت السفلى ورثتها الوسطى لأنها أُمَّ، دون العليا لأنها جدةً وأخت، وهما محجوبتان بالأم، وقس على هذا.

[المسألة] (العاشرة: مخارج الفروض) أقل عددٍ تخرج منه صحيحةً، وهي (خمسة) للفروض السنّة؛ لدخول مَخرَج الثلث في مخرج الثلثين. فمخرج (النصف من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والسدسُ من ستّة)؛ فإذا كان في الفريضة نصفٌ لا غير كزوج مع المرتبة الثانية، فأصلُ الفريضة اثنان فإن انقسمت على جميع الورثة بغير كسر وإلا عَمِلْتَ - كما سيأتي - إلى أن تُصحِّحَها من عدد ينتهي إليه الحساب، وكذا لو كان في الفريضة نصفان. وإن اشتملت على ثلث أو ثلثين أو هما فهي من ثلاثة، أو على ربع فهي من أربعة، وهكذا.

ولو اجتمع في الفريضة فروض متعدّدة فأصلها أقلُّ عددٍ ينقسم على تلك الفروض صحيحاً، وطريقه أن تَنسِب بعضها إلى بعض فإن تَبايَنَتْ ضَرَبت بعضها في بعض فالفريضة ما ارتفع من ذلك، كما إذا اجتمع في الفريضة نصف وثلث فهي ستة، وإن توافَقَتْ ضَرَبتَ الوِفق من أحدها في الآخر كما لو اتفق فيها ربع وسدش فأصلُها اثنا عشر، وإن تماثَلَتْ اقتَصَرْتَ على أحدها كالسدسين، أو تداخلَتْ فعلى الأكثر كالنصف والربع، وهكذا.

ولو لم يكن في الورثة ذو فرض فأصل المال عدد رؤوسهم مع التساوي كأربعة أولاد ذكور، وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثية فاجْعَلْ لكل ذَكَرٍ سهمين ولكلّ أُنثى سهماً

ص: 241

فما اجتمع فهو أصل المال. ولو كان فيهم ذو فرض وغيره فالعبرة بذي الفرض خاصةً - كما سبق - ويبقى حكم تمامها وانكسارها، كما سيأتي .

وحيث توقَّفَ البحث على معرفة النسبة بين العددين بالتساوي والاختلاف، وتأتي الحاجة إليه أيضاً، فلابد من الإشارة إلى معناها. فالمتماثلان هما المتساويان قدراً والمتباينان هما المختلفان اللذان إذا أُسقط أقلُّهما من الأكثر مرةً أو مراراً بَقِى واحد. ولا يعدّهما سوى الواحد، سواءٌ تَجَاوَزَ أقلُّهما نصف الأكثر كثلاثة وخمسة، أم لا كثلاثة وسبعة، والمتوافقان هما اللذان يَعُدُّهما غيرُ الواحد، ويَلزَمُهما أنّه إذا أُسقِط أقلُّهما من الأكثر مرّةً أو مراراً بَقِى أكثر من واحد وتوافقهما بجزء ما يَعُدُّهما، فإن عدهما الاثنان خاصةً فهما متوافقان بالنصف أو الثلاثة فبالثلث، أو الأربعة فبالربع، وهكذا، ولو تعدد ما يَعُدّهما من الأعداد فالمعتبر أقلهما جزءاً؛ كالأربعة مع الاثنين فالمعتبر الأربعة ثمّ إن كان أقلهما لا يزيد عن نصف الأكثر ونفى الأكثر ولو مراراً كالثلاثة والستة والأربعة والاثني عشر، فهما المتوافقان بالمعنى الأعم والمتداخلان أيضاً، وإن تَجاوَزَه فهما المتوافقان بالمعنى الأخص كالستة والثمانية يعدّهما الاثنان، والتسعة والاثني عشر يَعُدّهما الثلاثةُ، والثمانية والاثني عشر يَعُدّهما الأربعةُ ولك هنا اعتبارُ كلّ من التوافقِ والتداخل وإنْ كان اعتبارُ ما تَقِل معه الفريضة أولى. ويُسمَّى المتوافقان مطلقاً بالمتشاركين؛ لاشتراكهما في جزء الوِفق فيُجتَزَاً عند اجتماعهما بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك العدد المشترك سَمِيٌّ له؛ كالنصف في الستة والثمانية والربع في الثمانية والاثني عشر.

وقد يَتَرامَى إلى الجزء من أحد عشر فصاعداً فيُقتصر عليه؛ كأحد عشر مع اثنين و عشرين، واثنين وعشرين مع ثلاثة وثلاثين، أو ستة وعشرين مع تسعة وثلاثين؛ فالوِفق في الأوّلين جزء من أحد عشر وفي الأخير من ثلاثة عشرة.

[المسألة) (الحادية عشرة: الفريضة إذا كانت بقدر السهام وانقسمت) على

ص: 242

مخارج السهام (بغير كسر فلا بحث، كزوج وأُخت لأبوين أو لأب فالمسألة من سهمين)؛ لأنّ فيها نصفين ومخرجهما اثنان وينقسم على الزوج والأخت بغير كسر. وإن لم تنقسم على السهام بغير كسر مع كونها مساويةً لها، فإما أن تنكسر على فريقٍ واحدٍ أو أكثر، ثمّ إمّا أن يكون بين عدد المنكسر عليه وسهامه وفق - بالمعنى الأعم - أو لا، فالأقسام أربعة.

(فإن انكسرت على فريق واحد ضربت عدده) لا نصيبه (في أصل الفريضة إن عُدم الوفقُ بين العدد والنصيب، كأبوين وخمس بناتٍ) أصل فريضتهم ستة لاشتمالها على السدس ومخرجه ستة، ونصيب الأبوين منها اثنان لا ينكسر عليهما و (نصيب البنات أربعة) تنكسر عليهنّ وتُباين عددهن وهو خمسة؛ لأنك إذا أسقطت أقل العددين من الأكثر بقي واحد، ف- (تَضرب عددهنّ وهو (الخمسة في الستّةِ أصلِ الفريضة) تبلغ ثلاثين، فكلُّ من حصل له شيء من أصل الفريضة أخذه مضروباً في خمسة فهو نصيبه، فنصيبُ البنات منها عشرون لكلّ واحدةٍ أربعة. وإن تَوافَقَ النصيبُ والعددُ كما لو كُن ستاً أو ثمانياً، فالتوافق بالنصفِ في الأول والربع في الثاني، فتضرب نصف عددهنّ أو رُبعه في أصل الفريضة تَبلُغ ثمانية عشر في الأوّل واثني عشر في الثاني، فللبنات اثنا عشر ينقسم عليهنّ بغير كسر أو ثمانية كذلك.

(وإن انكسرتْ على أكثر) من فريق فإما أن يكون بين كل فريق وعدده وفق أو تباين أو بالتفريق، فإن كان الأوّلَ (نسبت الأعداد بالوفق) ورددت كل فريق إلى جزء وفقه، وكذا لو كان لبعضهم وفق دون بعض (أو) كان (غيرَه) أى غير الوفق بأن كان بين كل فريق وعددِه تباين أو بين بعضها كذلك جعلت كل عدد بحاله ثم اعتبرت الأعداد، فإن كانت متماثلةً اقتصرت منها على واحد وضربته في أصل الفريضة، وإن كانت متداخلة اقتصرت على ضرب الأكثر، وإن كانت متوافقةً ضربت وفق أحدِ المتوافقين في عدد الآخر، وإن كانت متباينةً ضربت أحدها في الآخر ثمّ المجتمع في الآخر، وهكذا، (وضربت ما يحصل منها في أصل المسألة)، فالمتباينة (مثلُ زوج

ص: 243

وخمسة إخوة لأُمّ وسبعة لأب، فأصلُها ستة)؛ لأنّ فيها نصفاً وثلثاً ومخرجهما ستة.

مَضروب اثنين مخرج النصف في ثلاثة مخرج الثلث، لتباينهما (للزوج) منها النصفُ (ثلاثةُ، وللإخوة للأمّ) الثلتُ (سهمان) ينكسر عليهم، (ولا وفق) بينهما وبين الخمسة، وللإخوة للأب سهم واحد وهو ما بقي من الفريضة، (ولا وفق) بينه وبين عددهم وهو السبعة، فاعتبر نسبة عدد الفريقين المنكسر عليهما وهو الخمسة والسبعة إلى الآخر تجدهما متباينين؛ إذ لا يَعُدّهما إلّا الواحد، ولأنك إذا أسقطت أقلهما من الأكثر بقي اثنان فإذا أسقطتهما من الخمسة مرتين بقي واحد(فتضرب الخمسة في السبعة يكون) المرتفعُ (خمسةً وثلاثين تضربها في ستة أصل الفريضة يكون) المرتفعُ (مائتين وعشرةً) ومنها تصح. (فمن كان له) من أصل الفريضة (سهم أَخَذَه مضروباً في خمسة وثلاثين، فللزوج ثلاثةٌ )من الأصل يأخذها مضروبةً (فيها) أي في الخمسة والثلاثين يكون (مائةً وخمسةً، ولقرابة الأم) الخمسة (سهمان) من أصلها، تأخذهما مضروبين (فيها) أي فى الخمسة والثلاثين، وذلك (سبعون لكلّ) واحد منهم (أربعةَ عشرَ ) خُمْسُ السبعين،(و لقرابة الأب سهم ) من الأصل ومضروبه (فيها خمسة وثلاثون، لكلّ ) واحد منهم (خمسةٌ) سُبْع المجتمع.

وما ذكره مثال للمنكسر على أكثر من فريق مع التباين، لكنه لم ينكسر على الجميع، ولو أردتَ مثالاً لانكسارها على الجميع أبدلت الزوج بزوجتين ويَصِيرُ أصل الفريضة اثني عشرَ مَخرَجَ الثلث والربع؛ لأنّها المجتمع من ضرب إحداهما في الأخرى التباينهما، فللزوجتين الربع ثلاثة، وللإخوة للأم الثلث أربعة، وللإخوة للأب الباقي وهو خمسة، ولا وفق بين نصيب كلّ وعدده، والأعداد أيضاً متبائنة فتضرب أيّها شئتَ في الآخر ثمّ المرتفِعَ في الباقي ثمّ المجتمع في أصل الفريضة، فتضرب هنا اثنين في خمسة ثمّ المجتمع في سبعة يكون سبعين، ثم تضرب السبعين في اثني عشر تبلغ ثمانمائة وأربعين، فكلُّ مَن كان له سهم من اثني عشر أخَذَه مضروباً في سبعين. ولا يُعتبر هنا توافق مضروب المخارج مع أصل المسألة ولا عدمه، فلا يقال: العشرة توافق الاثني عشر

ص: 244

بالنصف فتَرُدّها إلى نصفها ولا السبعون توافق الاثني عشر بالنصف أيضاً. ولو ك-ان إخوة الأُمّ ثلاثة صع الفرضُ أيضاً لكن هنا تضرب اثنين في ثلاثة ثم في سبعة تبلغ اثنين وأربعين ثمّ في أصل الفريضة تبلغ خمسمائة وأربعةٍ، ومن كان له سهم أَخَذَه مضروباً في اثنين وأربعين ولا يُلتفت إلى توافق الاثني عشر والاثنين والأربعين في السدس.

ومثال المتوافقة مع الانكسار على أكثر من فريق ستُ زَوْجَاتٍ - كما يتفق في المريض يُطلق ثمّ يتزوج ويدخل ثمّ يموت قبل الحول - وثمانية من كلالة الأُمّ وعشرة كلالة الأب. فالفريضة اثنا عشر مَخرَجُ الربع والثلث، للزوجات ثلاثة وتوافق عددهن بالثلث، ولكلالة الأم أربعة وتوافق عددهم بالربع، ولكلالة الأب خمسة توافق عددَهم بالخُمس فتَرُدُّ كلّاً من الزوجاتِ والإخوة من الطرفين إلى اثنين؛ لأنهما تُلتُ الأوّل وربع الثاني وخمسُ الثالث فيتَمَائَلُ الأعداد فتجتزئ باثنين وتضربهما في اثني عشر تَبلُغ أربعةً وعشرين، فمَن كان له سهمُ أَخَذَه مضروباً في اثنين، فللزوجات ستة ولإخوة الأمّ ثمانية، ولإخوة الأب عشرة لكل سهم.

ومثال المتماثلة : ثلاثة إخوةٍ من أب ومثلهم من أمّ، أصلُ الفريضة ثلاثة، والنسبةُ بين النصيب والعددِ متباينة، والعددان متماثلان فيُجتزاً بضرب أحدهما في أصل الفريضة تصير تسعة.

ومثال المتداخلة كما ذكر، إلا أنّ إخوة الأُمّ ستّةٌ فَتَجْتَزِئ بها وتَضْرِبُها في أصل الفريضة تبلغ ثمانية عشر.

وقد لا تكون متداخلة ثم تؤول إليه كأربع زوجات وستة إخوة، أصل الفريضة أربعة مخرجُ الربع ينكسر على الفريقين وعدد الإخوة يوافق نصيبهم بالثلث فتَرُدُّهم إلى اثنين، وعدد الزوجات يباين نصيبَهنَّ فتُبْقِيهِنَّ بحالهنّ، فيدخُل ما بقي من عدد الإخوة في عددهن فتَجتزئ به وتَضرِبُه في الأربعة يكون ستَّةَ عشرَ.

وبما ذكرناه من الأمثلة يظهر حكم ما لو كان لبعضها وفق دون الباقي، أو بعضها متماثل أو متداخل دون بعض.

ص: 245

[المسألة] (الثانية عشرة: أن تَقصُر الفريضةُ عن السهام) وإنّما تَقصُر (بدخول أحد الزوجين)كبنتين وأبوين مع أحد الزوجين، وبنتين وأحد الأبوين مع زوج، وأُختين لأب وأختين لأم مع أحد الزوجين. وهذه مسألة العَوْل (فيدخُل النقص على البنت والبنات ) إن اتَّفَقْنَ ،(و) على( قرابة الأب) من الأخوات لا على الجميع، وقد تقدّم(1). وهذه العبارة أجودُ ممّا سلف، حيث لم يَذكُر الأب فيمن يَدخُل عليه النقص.

[المسألة ] (الثالثة عشرة: أن تَزِيدَ) الفريضة ( على السهام) كما لو خَلَّف بنتاً واحدةً أو بناتٍ أو أُختاً أو أخوات أو بنتاً وأبوين أو أحدهما، أو بناتٍ وأحدهما، (فيُرَدّ الزائد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة، والأمّ مع الإخوة) أمّا مع عدمهم فيُرَدّ عليها: (أو يجتمع ذو سببين) كالأُخت من الأبوين (مع ذي سبب واحد)؛ كالإخوة من الأُم فيَختصّ الردُّ بذي السببين ( كما مرّ) ولا شيء عندنا للعصبة، بل «في فيه التراب»(2).

[المسألة] الرابعة عشرة:) في المناسخات وتتحقق بأن يموت شخص ثمّ يموت أحد ورائه قبل قسمة تركته؛ فإنّه يُعتبر حينئذٍ قسمه الفريضتين من أصل واحدٍ لو طلب ذلك. فإن اتحد الوارث والاستحقاق، كإخوة ثلاثة وأخواتٍ ثلاث لميت فمات بعده أحد الإخوة ثم إحدى الأخوات، وهكذا حتى بَقِيَ أخ وأخت، فمالُ الجميع بينهما أثلاثاً إن تقربوا بالأب، وبالسوية إن تقربوا بالأم. وإن اختلف الوارث خاصةً، كما لو تَرَك الأوّلُ ابنين ثمّ مات أحدهما وتَرَك ابناً، فإنّ جهة الاستحقاق في الفريضتين واحدة

ص: 246


1- تقدم في ص 194.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 267، ح 972

وهي البُنُوَّة لكن الوارث مختلف، أو الاستحقاق خاصةً، كما لو مات رجلٌ وتَرَك ثلاثةَ أولادٍ ثمّ مات أحد الأولاد ولم يترك غير أخويه، فإنّ الوارث فيهما واحد لكن جهة الاستحقاق مختلفة، أو اختلفا معاً فقد تحتاج المسألة إلى عمل آخَرَ غير ما احتاجت إليه الأولى، وقد لا تحتاج.

وتفصيله أن نقول: (لو مات بعضُ الورثة قبل قسمة التركةِ) الأُولى (صححنا الأولى، فإن نَهَض نصيبُ الميّت الثاني بالقسمة على ورثته) من غير كسر (صحت المسألتان من المسألة الأولى)، كزوجة ماتت عن ابن وبنت بعد زوجها وخَلَّف معها ابناً وبنتاً فالفريضة الأولى أربعة وعشرون ونصيب الزوجة منها ثلاثة تصح على ولديها، وهنا الوارث والاستحقاق مختلف. وكزوج مع أربعة إخوة لأب ثمّ يموت الزوج عن ابن وبنتين أو أربعة بنين فتصح المسألتان من الأُولى وهي ثمانية.

(وإن لم ينهض ) نصيب الثاني بفريضته فانْظُرْ النسبة بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته، فإن كان بينهما وفق (فاضْرِب الوفق بين نصيبه وسهام ورثته) من الفريضة لا من النصيب (في المسألة الأولى فما بلغ صحت منه)، مثل أبوين وابن ثمّ يموت الابن ويترك ابنين وبنتين، فالفريضة الأُولى ستة ونصيب الابن منها أربعة وسهام ورثته ستة توافق نصيبهم بالنصف فتضرب ثلاثةً وفق الفريضة الثانية في ستة تبلغ ثمانية عشر، ومنها تصح الفريضتان .

وكأخوين من أُمّ ومثلهما من أب وزوج مات الزوج عن ابن وبنتين، فالفريضة الأولى اثنا عشر مَخرَجُ النصفِ والثلث، ثمّ مضروبه في اثنين؛ لانكسارها على فريقٍ واحدٍ وهو الأخوان للأب، وبين نصيب الزوج منها وبين نصيب الزوج منها وهو سنّة وفريضته وهي أربعة تَوافُق بالنصف، فتضرب الوفق من الفريضة وهو اثنان في اثني عشر تبلغ أربعةً وعشرين، ومنها تصح الفريضتان.

(ولو لم يكن) بين نصيب الثاني وسهامه (وفق ضربت المسألة الثانية في

ص: 247

الأولى) فما ارتفع صحتْ منه المسألتان، كما لو كان ورثة الابن في المثال الأول ابنين وبنتاً، فإنّ سهامهم حينئذٍ خمسةٌ تُبايِنُ نصيب مورّثهم فتَضرب خمسةً في ستة تبلغ ثلاثين.

وكذا لو كان ورثة الزوج في الثاني ابنين وبنتاً فتضرب خمسةً في اثني عشر.

(ولو) كانت المناسخات أكثر من فريضتين بأن( مات بعض ورثة الميت الثاني) قبل القسمة أو بعضُ ورثة الأوّل، فإن انقَسَم نصيب الثالث على ورثته بصحةٍ وإلّا (عَمِلتَ فيه) ك-(ما عَمِلتَ في الأولى، وهكذا ) لو فرض كثرة التناسخ فإنّ العمل واحد.

ص: 248

كتاب الحدود

اشارة

(وفيه فصول :)

ص: 249

ص: 250

الفصل الأول في حد الزنى)

بالقصر لغة حجازية وبالمد تميميّة (وهو) أي الزنى (إيلاج) أي إدخالُ الذَّكَرِ (البالغ العاقل في فرج امرأةٍ ) بل مطلق الأنثى قبلاً أو دُبُراً، (محرَّمةٍ) عليه (من غيرِ عقد) نكاح بينهما، (ولا مِلكِ) من الفاعل للقابل، (ولا شبهةٍ) مُوجِبةٍ لاعتقاد الحِلّ، (قدرَ الحَشَفة ) مفعول المَصْدَرِ المُصَدَّرِ به.

ويَتَحقَّق قدرُها بإيلاجها نفسها أو إيلاج قدرها من مقطوعها، وإن كان تناولها للأوّل لا يخلو من تكلُّف في حالة كون المولج عالماً بالتحريم مختاراً في الفعل.

فهنا قيود :

أحدها: الإيلاج، فلا يتحقق الزنى بدونه كالتفخيذ وغيره وإن كان محرَّماً يُوجِب التعزيز.

وثانيها: كونه من البالغ، فلو أولج الصبي أدب خاصةً.

وثالثها: كونه عاقلاً فلا يُحَدّ المجنون على الأقوى؛ لارتفاع القلم عنه، ويُستفاد من إطلاقه عدم الفرق بين الحر والعبد، وهو كذلك، وإن افترقا في كمّيّة الحد وكيفيته.

ورابعُها :كونُ الإيلاج في فرجها، فلا عبرة بإيلاجه في غيره من المنافذ وإنْ حَصَل به الشهوة والإنزال، والمراد بالفرج العورة، كما نَصَّ عليه الجوهري(1)، فيَشقُل القُبُل

ص: 251


1- الصحاح، ج 1، ص 333، «فرج».

والدير، وإن كان إطلاقه على القُبل أغلب.

وخامسها: كونها امرأةً، وهي البالغة تسع سنين؛ لأنها تأنيث المرء وهو الرجل، ولا فرق فيها بين العاقلة والمجنونة، الحرّة والأمة، الحيّة والميتة، وإن كان في الميتة أغلظ كما سيأتي وخرج بها إيلاجه في دبر الذكر فإنّه لا يُعد زنى وإنْ كان أفحش وأغلظ عقوبةً.

وسادسها :كونها محرَّمةً عليه، فلو كانت حليلته بزوجيّة أو ملك لم يتحقق الزني وشَمَلت المحرَّمة الأجنبية المحصنة والخالية من بعل ومَحارِمَه وزوجته الحائض والمُظاهَرةَ والمُؤلَى منها والمُحْرِمة ،وغيرها وأَمَتَه المزوّجة والمعتدة والحائض ونحوها، وسيَخرُج بعضُ هذه المحرَّماتِ.

وسابعُها: كونها غير معقودٍ عليها ولا مملوكةٍ ولا مأتيةٍ بشبهة؛ وبه يخرُج وطه الزوجة المحرَّمةِ لعارض ممّا ذُكر، وكذا الأمةُ، فلا يترتب عليه الحد وإنْ حَرُم، ولهذا احتيج إلى ذكره بعد المحرَّمة : إذ لولاء لزم كونه زنى يُوجب الحد وإنْ كان بالثاني يُستغنى عن الأوّل إلّا أنّ بذلك لا يُستدرك القيد لتحقق الفائدة مع سبقه .

والمراد بالعقد ما يَشمَل الدائم والمنقطع، وبالملك ما يشمل العين والمنفعة كالتحليل، وبالشبهة ما أوجب ظنَّ الإباحة، لا ما لولا المُحَرَّمِيَّةُ لَحُلَّلَتْ، كما زعمه بعض العامة(1) .

وثامنها: كونُ الإيلاج بقدر الحشفة فما زاد فلو أولج دون ذلك لم يتحقق الزني كما لا يتحقق الوطء لتلازمهما هنا، فإن كانت الحشفة صحيحةً اعتُبِر مجموعها، وإن كانت مقطوعةً أو بعضها اعتبر إيلاج قدرها ولؤ ملفّقاً منها ومن الباقي. وهذا الفرد أظهر في القدريّة منها نفسِها .

وتاسعُها: كونُه ( عالماً) بتحريم الفعل، فلو جهل التحريم ابتداءً لقُرْبِ عهده بالدين

ص: 252


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 152 ، المسألة 7164، و ص 186 - 187 ، المسألة 7201

أو لشبهة -كما لو أحَلَّتْه نفسها فتَوَهَّمَ الحِلَّ مع إمكانه في حقه - لم يكن زانياً. ويمكن الغني عن هذا القيد بما سبق؛ لأنّ مَرجِعَه إلى طُرُوء شبهة، وقد تقدَّم اعتبار نفيها.

والفرق بأنّ الشبهة السابقة تُجامِع العلم بتحريم الزنى كما لو وجد امرأةً على فراشه فاعتقدها زوجته مع علمه بتحريم وطء الأجنبية، وهنا لا يَعلَم أصل تحريم الزني، غيرُ كافٍ في الجمع بينهما مع إمكان إطلاق الشبهة على ما يَعُمّ الجاهل بالتحريم.

وعاشرها: كونه (مختاراً) فلو أكره على الزنى لم يُحَدّ على أصح القولين(1) في الفاعل، وإجماعاً في القابل. ويتحقق الإكراه بتَوَعُد القادر المظنونِ فِعْلُ ما تَوَعَّد به لو لم يَفعَل بما يَتَضَرَّرُ به في نفسه أو من يجري مجراه كما سبق تحقيقه في باب الطلاق(2).

فهذه جملة قيود التعريف، ومع ذلك فيَرِدُ عليه أمور:

[الأمر] الأوّل: إنه لم يُقيّد المولج بكونه ذَكَراً، فيدخُل فيه« إيلاجُ الخنثى قدرَ حشفته» إلى آخره، مع أن الزنى لا يتحقق فيه بذلك لاحتمال زيادته، كما لا يتحقق به الغُسلُ، فلابد من التقييد بالذكر ليَخرُج الخنثى.

[الأمر] الثاني: اعتبار بلوغه وعقله إنما يتم في تحقق زنى الفاعل، أما في زنى المرأة فلا خصوصاً العقل. ولهذا يجب عليها الحد بوطئهما لها، وإن كان في وطء الصبيّ يجب عليها الجَلْد خاصةً لكنّه حد في الجملة، بل هو الحد المنصوص في القرآن الكريم(3).

[الأمر]الثالث: اعتبارُ كون الموطوءة امرأةً، وهي كما عرفت مؤنث الرجل، وهذا إنّما يُعتبر في تحقق ،زناها، أمّا زنى الفاعل فيتحقق بوطء الصغيرة كالكبيرة وإن لم يجب به الرَّجْمُ لو كان محصناً؛ فإنّ ذلك لا ينافي كونه زنى يوجب الحد كالسابق.

ص: 253


1- القول الأوّل للعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 304 الرقم 6732: والصيمري في غاية المرام ج 4، ص 312؛ والقول الثاني لابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 424؛ والكيذري في إصباح الشيعة ص 514 .
2- سبق في باب الطلاق في الروضة البهية، ج 3، ص 279 (ضمن الموسوعة ج 8).
3- النور (24) 2.

[الأمر] الرابع: إيلاج قدر الحشفة أعم من كونه من الذكر وغيره؛ لتحقق المقدار فيهما والمقصود هو الأوّل، فلابد من ذكر ما يدلّ عليه بأن يقول: قدر الحشفة من الذكرِ ونحوه، إلا أن يُدْعَى أنّ التبادر هو ذلك، وهو محلُّ نظر.

[الأمر] الخامس: الجمعُ بين العلم وانتفاء الشبهة غير جيد في التعريف كما سبق إلا أن يُخَصَّصَ العالمُ بنحوه وطء العامل عن الشبهة كالسكران والنائم، لا العالم بالتحريم مع كونه حاضر العقل والذهن(1).

[الأمر] السادس: يخرُج زنى المرأة العالمة بغير العالم، كما لو جلست على فراشه متعمدةً قاصدةً للزنى، مع جهله بالحال، فإنه يتحقق من طرفها وإن انتفى عنه. ومثله ما لو أكرهته.

ولو قيل: إنّ التعريف لزنى الفاعل خاصةً سَلِم من كثير مما ذكر، لكن يبقى فيه الإخلال بما يتحقق به زناها.

وحيث اعتبر في الزنى انتفاء الشبهة (فلو تزوّج الأُمّ) أي أُمَّ المتزوّج (أو المحصنة) المزوّجة بغيره (ظانّا الحِلَّ) لقرب عهده من المجوسية ونحوها من الكفر، أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الدين (فلا حدّ) عليه؛ للشبهة و«الحدودُ تُدْرَأُ بالشبهات»(2).

(ولا يكفي) في تحقق الشبهة الدارِئَةِ للحدّ (العقد) على المحرَّمة (بمجرّده) من غير أن يَظُنَّ الحِلَّ إجماعاً منّا لانتفاء معنى الشبهة حينئذ. ونبه بذلك على خلاف أبي حنيفة(3)حيث اكتفى به في دَرْء الحد، وهو الموجِبُ لتخصيصه البحث عن قيد الشبهة دون غيرها من قيود التعريف.

ص: 254


1- كذا في نسخة الشهيد (رحمه الله ولكن في نسخة «ق» شطب على عبارة بنحو وطء... والذهن.» وجاءت بدلها عبارة: «بفرد خاص كالقاصد ونحوه»، والعبارة في سائر النسخ كما في نسخة «ق».
2- الفقيه ، ج 4 ، ص 74 ، ح 5149 .
3- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 152، المسألة 7164، وص 186، المسألة 7201.

(ويتحقق الإكراه) على الزنى (في الرجل) على أصح القولين(1) (فيُدْرَأُ الحد عنه) به (كما يُدرَاً عن المرأة بالإكراه) لها؛ لاشتراكهما في المعنى الموجِبِ لرفع الحكم، ولاستلزام عدمه في حقه التكليف بما لا يُطاق.

وربما قيل(2)بعدم تحققه في حقه بناءً على أنّ الشهوة غيرُ مقدورة، وأنّ الخوف يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوة. ويُضعف بأنّ القدر الموجب للزنى وهو تغييب الحشفة غير متوقف على ذلك كله غالباً لو سُلّم توقفه على الاختيار، ومنع الخوف منه.

( ويثبت الزنى) في طرف الرجل والمرأةِ (بالإقرار) به (أربعَ مرّاتٍ مع كمال المُقرّ) ببلوغه وعقله (واختياره وحرّيّته، أو تصديق المولى) له فيما أَقَرَّ به؛ لأنّ المانع من نفوذه كونه إقراراً في حق المولى، وفي حكم تصديقه انعتاقه؛ لزوال المانع من نفوذه.

ولا فرق في الصبيّ بين المُراهِق وغيره في نفي الحدّ عنه بالإقرار. نعم، يُؤَدَّب لكذبه أو صدورِ الفعل عنه لامتناع خلوّه منهما. ولا في المجنون بين المُطبق ومن بعْتَورُه أدواراً إذا وقع الإقرار حالة الجنون. نعم، لو أقرَّ حال كماله حكم عليه. ولا فرق في المملوك بين القِن والمدبَّر والمكاتب بقسميه وإنْ تَحَرَّر بعضُه، ومُطْلَقِ المُبَعَّضِ، وأُمّ الولد. وكذا لا فرق في غير المختار بين من الجِيَّ إليه بالتوعد وبين مَن ضُرِب حتّى ارتفع قصده.

ومقتضى إطلاق اشتراط ذلك عدم اشتراط تعدّد مجالس الإقرار بحسب تعدّده وهو أصح القولين(3)؛ للأصل، وقول الصادق(عليه السلام) في خبر جميل: «ولا يُرجم الزاني حتى

ص: 255


1- والقول الأول للشيخ المفيد في المقنعة، ص 784 والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 304 ، الرقم 6733 والقول الثاني لابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 424؛ والكيدري في إصباح الشيعة، ص 514.
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 174، المسألة 29
3- القول الأول للمفيد في المقنعة، ص 774 - 775؛ والشيخ في النهاية، ص 689 والقول الثاني للشيخ في المبسوط، ج 5، ص 337؛ والخلاف، ج 5، ص 377، المسألة 16

يُقر أربع مرات »(1)من غير شرط التعدّد، فلو اشترط تَأخَّرَ البيانُ.

وقيل : يُعتبر كونه في أربعة مجالس(2)؛ لظاهر خبر ماعز بن مالك الأنصاري حيث أتى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في أربعة مواضع والنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) يُرَدِّدُه ويُوقِفُ عَزْمَه بقوله: «العلك قَبَّلْتَ أو غَمَرْتَ أو نَظَرت»(3)الحديث. وفيه أنه لا يدلّ على الاشتراط وإنما وقعت المجالس اتفاقاً، والغرض من تأخيره إتيانه بالعدد المعتبر.

(ويكفي) في الإقرار به (إشارة الأخرس) المُفهمة يقيناً كغيره، ويُعتبر تعدّدُها أربعاً كاللفظ بطريق أولى. ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم، ويكفي اثنان؛ لأنهما شاهدان على إقرار لا على زنى.

(ولو نسب) المُقِرُّ (الزنى إلى امرأةٍ )معيَّنةٍ كأن يقول : زَنَيْتُ بفلانة، (أو نَسَبَتْه) المرأة المقرّة به (إلى رجلٍ) معيّن بأن تقول : زنيتُ بفلانٍ (وجب) على المقر (حد القذف) لمن نسبه إليه (بأوّل مرّةٍ)؛ لأنه قذف صريح، وإيجابه الحد لا يتوقف على تعدده.

(ولا يجب على) المقرّ (حد الزنى) الذي أقرَّ به (إلّا بأربع ) مراتٍ، كما لو لم ينسبه إلى معيَّن. وهذا موضع ،وفاق، إنما الخلافُ في الأوّل، ووجه ثبوته ما ذُكِر، فإنّه قد رَمَى المحصنة أي غير المشهورة بالزنى؛ لأنه المفروض، ومن أنه إنما نسبه إلى نفسه بقوله: زنيت وزناه ليس مستلزماً لزناها لجواز الاشتباء عليها أو الإكراه، كما يُحتمل المطاوعة وعدم الشبهة، والعام لا يستلزم الخاص .

وهذا هو الذي اختاره المصنف في الشرح (4)، وهو متجه إلا أن الأوّل أقوى - إلا أن يَدَّعِي ما يُوجِب انتفاءه عنها كالإكراه والشبهة - عملاً بالعموم(5).

ص: 256


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 8، ح 21 .
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 337؛ والخلاف، ج 5، ص 377 المسألة 16
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 8 ح 22؛ ونقل نصه الشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 143(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
4- غاية المراد، ج 4، ص 144 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
5- النور (24): 4

ومثله القولُ فى المرأة، وقد رُوي عن عليّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إذا سألتُ الفاجرةَ مَن فَجَر بكِ، فقالت: فلانٌ، جَلَدْتُها حدين حداً لفجور، وحداً لفِرْيَتها على الرجل المسلم»(1).

(و) كذا يثبت الزنى (بالبينة، كما سلف) في الشهادات من التفصيل.

(ولو شهد) به (أقل من النصاب) المعتبر فيه، وهو أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتان أو رجلان وأربع نسوة وإن ثبت بالأخير الجَلْد خاصةً، (حُدُّوا) أي مَن شَهِد وإِنْ كان واحداً (للفزية) وهي الكِذْبَة العظيمة؛ لأنّ الله تعالى سَمَّى من قذف ولم يَأْتِ بتمام الشهداء كاذباً(2)، فيلزمه كذبُ مَن نَسَبه وجَزَم به مِن غير أن يكون الشهداء كاملين وإنْ كان صادقاً في نفس الأمر، والمراد أنّهم يُحدّون للقذف.

(ويُشترط) في قبول الشهادة به (ذكرُ المشاهدة) للإيلاج (كالميل في المُكحلة)، فلا يكفي الشهادة بالزنى مطلقاً.

وقد تقدم في حديث ماعز(3)ما ينبه عليه ، ورَوَى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « لا يُرجَم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالمِيل في المُكحلة»(4).

وفي صحيحة الحلبي عنه(عليه السلام) قال: «حد الرجم أن يَشهَد أربعة أنّهم رَأَوْهُ يُدخِلُ ويُخرج» (5).

وكذا لا يكفي دعوى المعاينة حتَّى يَضُمّوا إليها قولهم : «من غير عقد ولا شبهة» إلى آخر ما يُعتبر. نعم، تكفي شهادتهم به (من غير علم سبب التحليل) بناءً على أصالة عدمه.

(فلو لم يذكروا) في شهادتهم (المعاينة) على الوجه المتقدّم (حُدُّوا) للقذف، دون المشهود عليه ، وكذا لو شهدوا بها ولم يُكملوها بقولهم: «ولا نعلم سبب التحليل ونحوه.

ص: 257


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 48، ح 178
2- النور (24): 13.
3- تقدّم في ص 256 ، الهامش 3
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 2، ح 1.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 2 - 3 . ح 4.

(ولابد) مع ذلك كله (من اتفاقهم على الفعل الواحدِ في الزمان الواحد والمكان الواحد، فلو اختلفوا )في أحدها بأن شهد بعضُهم على وجه مخصوص والباقون على غيره، أو شهد بعضُهم بالزنى عُدْوَةً والآخَرون عَشِيَّةً، أو بعضُهم في زاويةٍ مخصوصةٍ أو بيتٍ والآخرون فى غيره (حُدُّوا للقذف).

وظاهر كلام المصنفِ وغيره(1) أنه لابد من ذكر الثلاثة في الشهادة والاتفاق عليها فلو أطلقوا أو بعضُهم حُدُّوا وإنْ لم يتحقق الاختلاف مع احتمال الاكتفاء بالإطلاق لإطلاق الأخبار السابقة وغيرها (2)، واشتراط عدم الاختلاف حيث يُقيدون بأحد الثلاثة.

وكذا يُشترط اجتماعهم حال إقامتها دفعةً، بمعنى أن لا يحصل بين الشهادات تراخ(3) عرفاً، لا بمعنى تلفّظهم بها دفعةً وإن كان جائزاً. ولو أقام بعضُهم الشهادة في غيبة الباقي حُدُّوا ولم يُرتَقَب الإتمام)؛ لأنّه «لا تأخير في حد»، وقد رُوِيَ عن علي في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنى، فقال علي : أين الرابع؟» فقالوا: الآن يجيء. فقال : «حُدُّوهم، فليس في الحدود نَظُرُ ساعةٍ»(4).

وهل يُشترط حضورُهم في مجلس الحكم دفعةً قبل اجتماعهم على الإقامة ؟ ،قولان اختار أوّلَهما العلّامة في القواعد(5) وثانيهما في التحرير(6)وهو الأجود؛ لتحقق الشهادةِ المُتَّفِقَةِ، وعدم ظهور المنافي مع الشكّ في اشتراط الحضور دفعة والنص لا يدلّ على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.

ويتفرع عليهما ما لو تَلاحَقُوا واتصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير، فعلى الأوّل يُحدّون هنا بطريق أولى، وعلى الثاني يُحتمل القبول وعدمه؛ نظراً إلى فَقَدِ شرط

ص: 258


1- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 140 والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 524.
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 2 ومابعدها، باب حدود الزني.
3- في بعض النسخ «تراخي».
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 49، ح 185، وص 51. ح 190.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 525
6- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 309 - 310، الرقم 6747.

الاجتماع حالة الإقامة دفعةً، وانتفاء العلّةِ الموجبة للاجتماع وهي تأخير حدّ القاذف فإنّه لم يتحقق هنا.

وحيث يُحدّ الشاهد أولاً قبل حضور أصحابه إما مطلقاً أو مع التراخي، (فإن جاء الآخرون) بعد ذلك (وشهدوا حُدُّوا أيضاً) لفقد شرط القبول في المتأخر كالسابق.

( ولا يقدح تقادم الزنى) المشهود به (في صحة الشهادة)؛ للأصل، وما رُوِيَ في بعض الأخبار من «أنه متى زاد عن ستة أشهر لا يُسْمَعُ»(1) شاذَّ.

( ولا يَسقُط) الحدُّ ولا الشهادة (بتصديق الزاني الشهود ولا بتكذيبهم)؛ أما مع التصديق فظاهر، وأما مع التكذيب فلأنّ تكذيب المشهود عليه لو أَثَر لَزِم تعطّلُ الأحكام.

(والتوبة قبل قيام البينة )على الزاني (تُسقط الحد) عنه جلداً كان أم رجماً، على المشهور؛ لاشتراكهما في المقتضي للإسقاط ، (لا) إذا تاب (بعدها) فإنّه لا يسقط على المشهور للأصل. وقيل: يتخيَّر الإمام في العفو عنه والإقامة(2).

ولو كانت التوبةُ قبل الإقرار فأولى بالسقوط، وبعده يتخيَّر الإمام في إقامته، وسيأتي.

(ويَسقُط) الحدُّ ( بدعوى الجهالة) بالتحريم (أو الشبهة) بأن قال: ظننتُ أنّها حَلَّتْ بإجارتها نفسها أو تحليلها، أو نحو ذلك، (مع إمكانهما) أي الجهالة والشبهة (في حقه)، فلو كان ممن لا يُحتمل جهله بمثل ذلك لم يُسمع.

(وإذا ثبت الزني على الوجه المذكور وجب الحدُّ) على الزاني (وهو أقسام ثمانية :)

(أحدها: القتل) بالسيف ونحوه (وهو للزاني بالمَحرَم) النسبي من النساء (كالأُمّ والأختِ) والعمّة والخالة وبنت الأخ والأُختِ، أما غيره من المحارم بالمصاهرة كبنتِ

ص: 259


1- لم نعثر عليه في الجوامع الحديثية، ولكن رواه الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 347
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 777؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 407.

الزوجة وأُمِّها، فكغيرهنّ من الأجانب، على ما يظهر من الفتاوى والأخبار(1)خالية من تخصيص النسبي، بل الحكم فيها معلق على ذات المَحرَم مطلقاً. أمّا مَن حُرِّمَت بالملاعنة والطلاقِ وأُختُ المُوقَب وبنته وأُمُّه، فلا وإنْ حَرُمْنَ مَؤبّداً.

وفي إلحاق المحرم للرضاع بالنسب وجه، مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام؛ للخبر(2)، لكن لم نَقِفْ على قائل به، والأخبار تَتَنَاوَلُه.

وفي إلحاق زوجة الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي قولان:(3) من دخولهنّ في ذات المحرم وأصالة العدم، ولا يخفى أن إلحاقهن بالمحرم دون غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة تحكّم. نعم، يمكن أن يقال: دلّت النصوص (4)على ثبوت الحكم في ذات المحرم مطلقاً فيتناولهنّ، وخروجُ غيرهن بدليل آخَرَ كالإجماع لا ينفي الحكم فيهنّ مع ثبوت الخلاف، لكن يبقى الكلام في تحقق الإجماع في غيرهن.

(و) كذا يثبت الحدُّ بالقتل (للذمّي إذا زَنَى بمسلمة) مطاوعة أو مكرهة، عاقداً عليها أم لا نعم لو اعتقده حلالاً بذلك لجهله بحكم الإسلام احتمل قبول عذره؛ لأنّ الحدَّ يُدْرَأُ بالشبهة، وعدمه؛ للعموم (5)ولا يسقط عنه القتل بإسلامه والزاني مكرهاً للمرأة)، والحكم فى الأخبار(6) والفتوى معلق على المرأة، وهي كما سلف - لا تتناول الصغيرة، ففي إلحاقها بها هنا :نظر من فقدِ النصّ وأصالة العدم، ومن أنّ الفعل أفحش والتحريمَ فيها أقوى.

ص: 260


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 23، ح 66 - 71.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 29 - 292، ج 1222 - 1227
3- القول الأول للشيخ في النهاية، ص 693 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 519؛ والقول الثاني للمفيد في المقنعة، ص 781؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 438
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 23، ح 66 - 71.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 38. ح 134 - 135.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 17 - 18، ح 47 - 50.

( ولا يُعتبر الإحصانُ هنا) في المواضع الثلاثة؛ لإطلاق النصوص بقتله، وكذا لا فرق بين الشيخ والشاب ولا بين المسلم والكافر والحرّ والعبد ولا تلحق به المرأة لو أكرهته؛ للأصل مع احتماله .

( ويُجمع له) أي للزاني في هذه الصور (بين الجَلدِ ثم القتل على الأقوى)؛ جمعاً بين الأدلّة، فإنّ الآيةَ (1)دَلَّتْ على جَلد مطلق الزاني والرواياتِ دلت على قتل مَن ذُكِر، ولا منافاة بينهما فيجب الجمع.

وقال ابن إدريس:

إنّ هؤلاء إن كانوا محصنين جُلِدُوا ثمّ رُجِموا، وإن كانوا غير محصنين جُلِدوا ثمّ قتلوا بغير الرجم جمعاً بين الأدلة(2).

وفي تحقق الجمع بذلك مطلقاً نظر؛ لأنّ النصوص دلّت على قتله بالسيف، والرجمُ يُغايره، إلا أن يقال: إنّ الرجمَ أعظمُ عقوبةً والفعل هنا في الثلاثة أفحش فإذا ثبت الأقوى للزاني المحصَنِ بغير مَن ذُكِر، ففيه أولى مع صدق أصل القتل به. وما اختاره المصنّف أوضح في الجمع.

(وثانيها: الرجم ويجب على المحصن) بفتح الصاد (إذا زَنَى ببالغةٍ عاقلةٍ) حرّةً كانت أم أمةً مسلمة أم كافرة.

(والإحصانُ إصابة البالغ العاقل الحرّ فرجاً) أي (قبلاً مملوكاً) له (بالعقدِ الدائم أو الرق) متمكناً بعد ذلك منه بحيث (يَغْدُو عليه ويَرُوح(3) ) أي يتمكن منه أول النهار وآخِرَه (إصابةً معلومةً) بحيث غابت الحشفه أو قدرُها في القُبُل. (فلو أَنكَر) مَن يملك الفرج على الوجه المذكور (وط زوجته صُدِّق) بغير يمين (وإن كان له منها ولدٌ ؛ لأنّ الولد قد يخلق من استرسال المني) بغير وطء.

ص: 261


1- النور (24): 2
2- السرائر، ج 3، ص 438
3- بمعنى إن غدا صار إليه الظهر، وإن راح وصل إليه الغروب. (زين رحمه الله)

فهذه قيود ثمانية:

أحدها: الإصابة، أي الوطء قبلاً على وجه يُوجب الغسل، فلا يكفي مجرّد العقد ولا الخَلوةُ التامة ولا إصابةُ الدُبر ولا ما بين الفَخِذَين ولا في القُبُل على وجه لا يوجب الغسل. ولا يُشترط الإنزالُ ولا سلامةُ الخُصْيَتَيْن فيتحقق من الخَصِيّ ونحوه، لا من المجبوب وإنْ ساحَق.

وثانيها: أن يكون الواطئ بالغاً، فلو أولج الصبي حتّى غُيِّبَ مقدار الحشفة لم يكن محصناً وإن كان مراهقاً.

وثالثها: أن يكون عاقلاً، فلو وَطِئَ مجنوناً وإنْ عَقَد عاقلاً لم يتحقق الإحصانُ، ويتحقق بوطئه عاقلاً وإن تجدد جنونه.

ورابعها: الحرّية، فلو وَطِئَ العبد زوجته حرّةً وأمةً لم يكن محصناً وإنْ عَتَق ما لم يَطَأ بعده ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر والمكاتب بقسميه والمبعض.

وخامسها :أن يكون الوطء لفرج، فلا يكفي الدبر ولا التفخيذ ونحوه، كما سلف. وفي دَلالة الفرج والإصابة على ذلك نظر؛ لما تقدّم من أنّ الفرجَ يُطلق لغةً على ما يَشقُل الدبر، وقد أطلقه عليه، فتخصيصه هنا مع الإطلاق وإن دلّ عليه العرفُ ليس بجيد. وفي بعض نُسَخ الكتاب زيادة قوله «قُبلاً» بعد قوله «فرجاً» وهو تقييد لما أطلق منه، ومعه يُوافِق ما سلف.

وسادسُها :كونه مملوكاً له بالعقدِ الدائم أو مِلكِ اليمين، فلا يتحقق بوطء الزنى ولا الشبهة وإن كانت بعقد فاسد، ولا المتعة. وفي إلحاق التحليل بملك اليمين وجه؛ لدخوله فيه من حيث الحِلّ وإلا لبطل الحصرُ المستفاد من الآية(1). ولم أقف فيه هنا على شيء.

وسابعُها :كونه متمكناً منه غُدُوّاً ورواحاً، فلو كان بعيداً عنه لا يتمكن منه فيهما وإنْ تمكن في أحدهما أو فيما بينهما أو محبوساً لا يتمكن من الوصول إليه لم يكن محصناً وإن كان قد دَخَل قبل ذلك. ولا فرق في البعيد بين كونه دون مسافة القصر وأزيد.

ص: 262


1- النور (24) :5-6

وثامنها: كون الإصابة معلومةً، ويتحقق العلم بإقراره بها أو بالبينة، لا بالخلوة ولا الولد؛ لأنهما أعمُّ كما ذُكِر .

واعلم أنّ الإصابة أعم ممّا يُعتبر منها، وكذا الفرج، كما ذُكر، فلو قال: «تَغَيُّبُ قدرِ حشفة البالغ ... في قبل مملوك له» إلى آخره، كان أوضح. وشمل إطلاق إصابة الفرج ما لو كانت صغيرة وكبيرةً، عاقلة ومجنونة، وليس كذلك، بل يُعتبر بلوغ الموطوءة كالواطئ ولا يتحقق فيهما بدونه.

( وبذلك) المذكور كلّه (تصير المرأة محصنةً) أيضاً.

ومقتضى ذلك صيرورة الأمة والصغيرة محصنةً؛ لتحقق «إصابة البالغ» إلخ فرجاً مملوكاً، وليس كذلك، بل يُعتبر فيها البلوغ والعقل والحرّية كالرجل، وفي الواطئ البلوغ دون العقل؛ فالمحصنة حينئذ «المصابة حرّةً بالغةً عاقلةً من زوج بالغ دائم في القُبل، بما يُوجب الغسل، إصابة معلومة فلو أنكرتْ ذاتُ الولد منه وطءه لم يثبت إحصانها وإن ادعاه، وثبت في حقه كعكسه، وأما التمكن من الوطء فإنّما يُعتبر في حقه خاصةً، فلابد من مراعاته في تعريفها أيضاً.

ويمكن أن يريد بقوله وبذلك تصير المرأة محصنة» أنّ الشروط المعتبرة فيه تُعتبر فيها بحيث تُجعَل بدله بنوع من التكلّف، فتَخرُج الصغيرة والمجنونة والأمة، وإن دخل حينئذٍ ما دخل في تعريفه.

( ولا يُشترط في الإحصانِ الإسلام) فيثبت في حق الكافر والكافرة مطلقاً إذا حصلت الشرائط، فلو وَطِئَ الذمّي زوجته الدائمة تحقق الإحصانُ، وكذا لو وَطِئَ المسلم زوجته الذمّيّة حيث تكون دائمةً، (ولا عدم الطلاق) فلو زَنَى المطلق، أو تزوجت المطلَّقة عالمةً بالتحريم أو زَنَتْ رُجمت (إذا كانت العدة رجعيةً)؛ لأنها في حكم الزوجة وإن لم تَتَمَكَّن هي من الرجعة كما لا يُعتبر تمكنها من الوطء،

(بخلاف البائن) لانقطاع العصمة به، فلابد في تحقق الإحصان بعده من وطء جديد، سواء تجدَّدَ الدوام بعقد جديد أم برجوعه في الطلاق حيث رجعت في البذل، وكذا يُعتبر

ص: 263

وطء المملوك بعد عتقه وإن كان مكاتباً.

(والأقربُ الجمع بين الجلد والرجم في المحصن وإن كان شاباً): جمعاً بين دليل الآية(1) والرواية(2).وقيل: إنّما يُجمع(3) بينهما على المحصن إذا كان شيخاً أو شيخة وغيرهما يُقتصر فيه على الرجم(4)، وربما قيل بالاقتصار على رجمه مطلقاً(5). والأقوى ما اختاره المصنّف؛ لدلالة الأخبار الصحيحة(6) عليه، وفي كلام عليّ (عليه السلام)حين جَمَع للمرأة بينهما : حَدَدْتُها بكتاب الله ورَجَمتُها بسنّة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) »(7). ومستند التفصيل روايةٌ(8) تَقصُر عن ذلك متناً وسنداً.

وحيث يُجمع بينهما(9) (فيبدأ بالجلد) أولاً وجوباً لتتحقق فائدته، ولا يجب الصبر به

ص: 264


1- النور (24): 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 4 ، ح 12-13.
3- والقول بالتفصيل للشيخ أيضاً في النهاية، وكتابي الحديث، وأتباعه، وجماعة؛ لرواية عبد الله بن طلحة وابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن. وإذا زنى الشاب الحديث السنّ جلد ونفي سنة من مصره». والرواية مع ضعف سندها لا تدلّ على حكم الشاب إذا كان محصناً، فلا تنافي غيرها مما دلّ على العموم (زين رحمه الله)
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 693.
5- نقله عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 147، المسألة 8
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 4 - 5 ، ح 13 و 16.
7- سنن الدارقطني ، ج 3، ص 122 - 123، ح 135 - 138؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 0552 ح 28.
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 4 ، ح 10.
9- إذا اجتمع للمكلف حدان فصاعداً، فإن أمكن الجمع بينهما من غير منافات، كما لو زني غير محصن وقذف تخيّر المستوفي في البداءة، وكذا لو سرق معهما وإن تنافت بأن كان فيها قتل أو نفي وجب البداءة بما لا يفوت؛ جمعاً بين الحقوق الواجب تحصيلها، فيبدأ بالجلد قبل الرجم والقتل، وبالقطع قبل القتل وهكذا، وقد دلّ على وجوب مراعاة ذلك روايات كثيرة منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)في رجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل فقال: «كان علي (عليه السلام)يقيم الحدود ثم يقتله، ولا تخالف عليّاً(عليه السلام) ، ومثلها حسنة حماد بن عثمان وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام) . إذا تقرر ذلك، فالواجب من ذلك ما يحصل به الجمع، ولا يجب التأخير زيادة عليه؛ للأصل، ولأنه لا تأخير في حد؛ ولما روي أن علياً(عليه السلام) جلد المرأة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، ولأن القصد الإتلاف، فلا وجه للتأخير، وذهب الشيخان والأتباع إلى وجوب تأخيره إلى أن يبرأ جلده تأكيداً في الزجر، ومنعوا من كون الواجب الإتلاف مطلقاً، بل جاز أن يكون بعض الغرض والبعض قصد التعذيب، ولا يخفى أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للأصل يتوقف على مستند صالح و مجرد ما ذكر غير كافٍ فيه. (زين رحمه الله)

حتَّى يَبرَأَ جِلْدَه على الأقوى؛ للأصل وإن كان التأخير أقوى في الزجر،وقد رُوِيَ أنّ عليّاً(عليه السلام) جَلَد المرأة يوم الخميس ورَجَمها يوم الجمعة(1) .

وكذا القول في كل حدين اجتمعا ويفوت أحدهما بالآخر فإنه يُبدأ بما يمكن معه الجمعُ، ولو استويا تخيَّر.

(ثمّ تُدفَن المرأة إلى صدرها، والرجلُ إلى حَقْوَيْه)، وظاهره - كغيره - أنّ ذلك على وجه الوجوب، وهو في أصل الدفن حسن؛ للتأسي، أما في كيفيته فالأخبار (2)مطلقة، ويمكن جعل ذلك على وجه الاستحباب لتأدي الوظيفة المطلقة بما هو أعمّ. ورَوَى سَماعةً عن الصادق(عليه السلام) قال: «تُدفن المرأة إلى وسطها... ولا يُدفن الرجل إذا رُجِم إلا إلى حَقْوَيْه»(3). ونَفَى في المختلف(4) البأس عن العمل بمضمونها. وفي دخول الغايتين في المغيّا وجوباً واستحباباً نظر، أقربه العدم، فيُخرَج الصدرُ والحَقوان عن الدفن. وينبغي على الوجوب إدخال جزء منهما من باب المقدمة.

(فإن فَرَّا) من الحفيرة بعد وضعهما فيها (أُعِيدا إن ثبت الزنى بالبينة، أو لم تُصِب الحجارة) بدنهما

(على قول) الشيخ (5)وابن البراج(6)، والخلاف في الثاني خاصة، والمشهور عدم اشتراط الإصابة؛ للإطلاق؛ ولأنّ فراره بمنزلة الرجوع عن الإقرار وهو أعلم بنفسه، ولأنّ الحد مبني على التخفيف. وفي هذه الوجوه نظر.

ص: 265


1- تقدّم في ص 264 ، الهامش 7
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 34 ، ح 116؛ الكافي، ج 7، ص 188، باب آخر من صفة الرجم، ح 3.
3- تهذيب الأحكام. ج 10. ص 34 ، ح 113.
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 174 ، المسألة 28
5- النهاية، ص 700.
6- المهذب، ج 2، ص 527.

ومستند التفصيل رواية الحسين بن خالد عن الكاظم(عليه السلام)(1)، وهو مجهول. (وإلّا) يكن ثبوته بالبينة بل بإقرارهما وأصابتهما الحجارة على ذلك القول (لم يُعادا) اتفاقاً.

وفي رواية ماعز أنّه لمّا أَمَرَ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) برجمه هرب من الحفيرة، فرماه الزبير بساق بعير ، فلَحِقَه القومُ فقتلوه، ثم أخبروا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك فقال: «هلا تركتموه إذ هرب يذهب فإنما هو الذي أقرّ على نفسه». وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «أما لو كان عليّ حاضراً لما ضللتم، ووَدَاه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من بيت المال(2)".

وظاهر الحكم بعدم إعادته سقوط الحدّ عنه، فلا يجوز قتله حينئذ بذلك الذنب، فإن قتل عمداً اقتص من القاتل، وخطأ الدية، وفي الرواية إرشاد إليه. ولعلّ إبداءه من بيت المال لوقوعه منهم خطاً، مع كونه (صلی الله علیه وآله وسلم) قد حكمهم فيه فيكون كخطأ الحاكم. ولو فرَّ غيره من المحدودين أعيد مطلقاً.

(و) حيث يثبت الزنى بالبينة (يبدأ) برجمه (الشهود) وجوباً، (وفي) رجم (المقرّ) يبدأ (الإمامُ)، ويكفي في البدءة مسمَّى الضرب.

(وينبغي) على وجه الاستحباب (إعلام الناس) بوقت الرجم ليحضروا ويعتبروا، وينزجِر مَن يشاهد ممّن أتى مثل ذلك أو يريده؛ ولقوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(3)، ولا يجب للأصل. (وقيل) والقائل ابن إدريس(4)، والعلامة (5)وجماعةُ(6) : ( يجب حضور طائفة)؛ عملاً بظاهر الأمر، وهو الأقوى.

(و) اختلف في أقل عدد الطائفة التي يجب حضورُها أو يُستحَبّ، فقال العلامة(7)

ص: 266


1- الكافي، ج 7، ص 185، باب صفة الرجم ، ح 5.
2- الكافي، ج 7، ص 185، باب صفة الرجم ، ح 5.
3- النور (24) :2.
4- السرائر، ج 3، ص 453.
5- مختلف الشيعة، ج 9، ص 170، المسألة .23.
6- منهم: المفيد في المقنعة، ص 780؛ والشيخ في الخلاف، ج 5، ص 347 المسألة 11؛ وابن البراج في المهذب . ج 2، ص 528.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 529 - 530.

والشيخ في النهاية(1) : (أقلها واحد) لأنه أقل الطائفة لغةٌ (2)، فيُحمل الأمرُ المطلق على أقله لأصالة البراءة من الزائد. (وقيل) والقائل ابن إدريس(3): أقلها (ثلاثة) لدلالة العرف عليه فيما إذا قيل : جئنا في طائفة من الناس ولظاهر قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾(4)، فإنّ أقل الجمع فيما دَلَّ عليه الضمير ثلاثةٌ، وليَتَحَقَّقَ بهم الإنذار (وقيل) والقائل الشيخ في الخلاف(5) : (عشرة) ووجهه غيرُ واضح والأجودُ الرجوع إلى العرف ولعلّ دَلالته على الثلاثة فصاعداً أقوى.

(وينبغي كونُ الحِجارة صغاراً لئلا يَسرُعَ تلفه) بالكبار، وليَكُن ممّا يُطلق عليه اسمُ الحَجَر، فلا يُقتصر على الحصى لئلا يَطُول تعذيبه أيضاً.

(وقيل(6) : لا يَرجُم من الله في قِبَله حد) للنهى عنه (7).

وهل هو للتحريم أو الكراهة ؟ وجهان: من أصالة عدم التحريم، ودَلالة ظاهر النهي عليه. وظاهرُ العبارة كونُ القول المحك على وجه التحريم؛ لحكايته قولاً، مُؤذناً بتمريضه؛ إذ لا يتجه توقفه في الكراهة.

وهل يختص الحكمُ بالحدّ الذي أقيم على المحدود، أو مطلق الحدّ ؟ إطلاق العبارة وغيرها - يدلّ على الثاني، وحسنة زرارة عن أحدهما(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «أتي أمير المؤمنين(عليه السلام) برجل قد أقرَّ على نفسه بالفجور، فقال لأصحابه: اغدُوا [ عَلَيَّ] غداً مُتَلَيِّمين. فغَدَوا عليه ،متلثّمين فقال(عليه السلام): مَن فَعَل مثل فعله لا يَرجُمه ولينصرف»(8) تدلّ على الأوّل.

ص: 267


1- النهاية، ص 701.
2- القاموس المحيط ، ج 3، ص 170، «طوف». الطائفة ... الواحد فصاعداً.
3- السرائر، ج 3، ص 454.
4- التوبة (9): 122
5- الخلاف، ج 5، ص 374، المسألة 11.
6- قال به المفيد في المقنعة، ص 781؛ والشيخ في النهاية، ص 701.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 11، ذيل الحديث 23.
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 11، ح 25.

وفي خبرٍ آخَرَ عنه (عليه السلام)في رجم امرأة أنه نادى بأعلى صوته: «يا أيها الناس، إن الله [تبارك وتعالى](1) عهد إلى نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) عهداً عهده محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) إليَّ بأنه لا يُقِم الحدَّ مَن الله عليه حد، فمَن كان الله عليه حد مثلُ ما عليها فلا يقيم عليها الحد»(2). وصدر هذا الخبر يدلّ بإطلاقه على الثاني، وآخِرُه يحتملهما، وهو على الأوّل أدل؛ لأنّ ظاهر المماثلة اتحادهما صنفاً، مع احتمال إرادة ما هو أعمُّ فإنّ مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.

وهل يُفرّق بين ما حَصَلت التوبة منها وغيره؟ ظاهرُ الأخبار(3)والفتوى(4) ؛ ذلك؛ لأنّ ما تاب عنه فاعلُه سَقَط حقُّ الله منه؛ بناءً على وجوب قبول التوبة، فلم يَبْقَ الله عليه حد، ويظهر من الخبر الثاني عدمُ الفرق لأنه قال في آخره: «فانْصَرَفَ الناسُ ما خلا أمير المؤمنين والحسنين(عليهم السلام)» ، ومن البعيد جداً أن يكون جميع أصحابه لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت، إلا أن في طريق الخبر ضعفاً. (وإذا فُرِغ من رجمه) لموته (دفن إن كان قد صُلِّي عليه بعد غسله وتكفينه) حيّاً أو ميتاً أو بالتفريق،

(وإلّا) يكن ذلك (جُهّز) بالغسل والتكفين والصلاة ثم (دفن). والذي دلَّت عليه الأخبار(5) والفتوى(6) أنّه يُؤمَر حياً بالاغتسال والتكفين، ثمّ يُجتزاً به بعده، أما الصلاة فبعد الموت. ولو لم يغتسل غُسل بعد الرجم وكفن وصلي عليه، والعبارة قد تُوهِم خلاف ذلك، أو تقصر عن المقصود منها.

(وثالثها: الجلد خاصةً) مائة سوط (وهو حد البالغ المحصَنِ إذا زَنَى بصبية)

ص: 268


1- هنا وفي غيره أضفنا ما بين المعقوفتين من مصادر الرواية.
2- تقدم في ص 267، الهامش 8.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 28، ص 36 - 38، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود ....
4- كالصدوق في المقنع، ص 431؛ والمفيد في المقنعة، ص 777؛ والشيخ في النهاية، ص 696.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 ، ح 978 - 979
6- كالصدوق في المقنع، ص 63؛ والشيخ في الخلاف، ج 1، ص 713 ، المسألة 521 وابن حمزة في الوسيل ص 411.

لم تَبلُغ التسعَ (أو مجنونة) وإن كانت بالغة، شاباً كان الزاني أم شيخاً، (وحد المرأة إذا زَنَى بها طفل) لم يبلغ (ولو زَنَى بها المجنون) البالغ (فعَلَيها الحدُّ تامّاً) وهو الرجمُ بعد الجلد إن كانت محصنةً؛ لتعليق الحكم برجمها في النصوص(1) على وطء البالغ مطلقاً، فيشمل المجنون، ولأنّ الزنى بالنسبة إليها تام، بخلاف زنى العاقل بالمجنونة فإنّ المشهور عدمُ إيجابه الرجم للنصّ (2)وأصالة البراءة.

وربما قيل بالمساواة(3)؛ اطراحاً للرواية واستناداً إلى العموم.

ولا يجب الحدُّ على المجنونة إجماعاً والأقربُ عدم ثبوته على المجنون لانتفاء التكليف الذي هو مناطُ العقوبة الشديدة على المحرم، وللأصل. ولا فرق فيه بين المُطبِقِ وغيره إذا وقع الفعلُ منه حالته.

وهذا هو الأشهر، وذهب الشيخان (4)وتَبِعَهما ابن البرّاج(5) إلى ثبوت الحدّ عليه كالعاقل من رجم وجلد؛ لرواية أبان بن تغلب عن الصادق صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زني المجنون أو المَعْتُوه جُلِد الحدَّ، فإن كان محصناً رُجِم». قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: «المرأة إنما تُؤتَى والرجل يأتي، وإنّما يأتي إذا عَقل كيف يأتي اللذة، وأنّ المرأةَ إنّما تُستَكرَه ويُفعَل بها وهي لا تعقل ما يُفعَل بها»(6). وهذه الرواية مع عدم سلامة سندها مشعرة بكون المجنون حالة الفعل عاقلاً إما لكون الجنون يعتريه أدواراً أو لغيره، كما يدلّ عليه التعليل، فلا يدلّ على مطلوبهم.

ص: 269


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 20 - 21، ح 60 و 62.
2- الكافي، ج 7، ص 191، باب المجنون والمجنونة يزنيان، ح 2.
3- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 160 ، المسألة 15؛ ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 444.
4- المقنعة، ص 779؛ النهاية، ص 696.
5- المهذب، ج 2، ص 521.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 19، ح 56.

(ويُجلد) الزاني (أشدَّ الجلد)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾(1)ورُوِيَ ضربه متوسطاً(2). (ويُفرَّق) الضرب (على جسده ويُتَّقَى رأسه ووجهه وفرجه) قبله ودبره؛ الرواية زرارة عن الباقر(عليه السلام) : يُتَّقَى الوجه والمذاكير»(3) وروي عنه(عليه السلام) قال: يُفَرَّق الحدُّ على الجسد ويُتَّقَى الفرج والوجه»(4) ، وقد تقدَّم(5) استعمال الفرج فيهما. وأما اتقاء الرأس فلانه مَخُوف على النفس والعين والغرضُ من الجلد ليس هو إتلافه. واقتصر جماعة على الوجه والفرج(6)؛ تبعاً للنص.

(ولْيَكُن) الرجلُ (قائماً) مجرَّداً مستور العورة (والمرأة قاعدة قد ربطت ثيابها) عليها؛ لئلا يبدو جسدها فإنّه عورة، بخلاف الرجل.

ورُوي:« ضربُ الزاني على الحال التي يُوجد عليها، إن وُجد عرياناً ضُرب عرياناً. وإن وُجد وعليه ثيابه ضُرِب وعليه ثيابه»(7). سواء في ذلك الذكرُ والأُنثى، وعَمِل بمضمونها الشيخ(8) وجماعة (9). والأجود الأوّل؛ لما ذكرناه من أنّ بدنَها عورة بخلافه ،والرواية ضعيفة السند.

( ورابعها : الجَلدُ والجَز) للرأس (والتغريبُ. ويجب) الثلاثة (على) الزاني (الذكرِ الحرّ غير المحصن وإن لم يُملِك )أي يتزوج من غير أن يَدخُل؛ لإطلاق الحكم على

ص: 270


1- النور (24): 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 31، ح 105.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 31، ح 104.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 31 ، ح 105.
5- تقدم في ص 252.
6- منهم: الصدوق في المقنع، ص 427 - 428: والشيخ في الخلاف، ج 5، ص 375، المسألة 12؛ والمحقق في المختصر النافع، ص 425.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 32 ، ح 106.
8- النهاية، ص 700
9- منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 428؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 407؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 519.

البكر وهو شامل للقسمين، بل هو على غير المتزوج أظهر؛ ولإطلاق قول الصادق(عليه السلام)في رواية عبد الله بن طلحة : «وإذا زنى الشاب الحَدَثُ السنُ جُلِد وحلق رأسه ونُفِيَ سنةً عن مصره»(1). وهو عام فلا يتخصَّص وإِلّا لَزِم تأخيرُ البيان.

(وقيل) والقائل الشيخ(2)وجماعة(3) : ( يختص التغريب بمن أملك) ولم يدخُل؛ الرواية زرارةً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المُحصَن يُجلد مائةً ولا يُنفى، والتي قد أملكت ولم يُدخل بها تُجلَد مائةً وتُنفَى»(4). ورواية محمّد بن قيس عنه(عليه السلام) قال: «قَضَى أميرُ المؤمنين(عليه السلام) في البكر والبكرة إذا زَنَيَا جَلْدَ مائةٍ ونَفْيَ سنةٍ في غير مصرهما، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها»(5).

وهاتان الروايتان مع سلامة سندهما تشتملان على نفي المرأة، وهو خلاف الإجماع على ما ادّعاه الشيخ(6) ، كيف وفي طريق الأولى موسى بن بكر، وفي الثانية محمّد بن قيس؟ وهو مشترك بين الثقة وغيره حيث يروي عن الباقر (عليه السلام).

فالقول الأوّل أجودُ وإن كان الثاني أحوط من حيث بناء الحدّ على التخفيف.

(والجنُّ حَلْقُ الرأس) أجمع دون غيره كاللحية، سواءٌ في ذلك المُرَبِّي وغيرُه وإن انتفتْ الفائدة فى غيره ظاهراً. (والتغريب نفيه عن مصره) بل مطلق وطنه (إلى آخَرَ) قريباً كان أم بعيداً، بحسب ما يراه الإمام مع صدق اسم الغُربة، فإن كان غريباً غُرَّبَ إلى بلدٍ آخَرَ غير وطنه والبلدِ الذي غُرَّب منه، (عاماً) هلالياً، فإن رجع إلى ما غُرّب منه قبل إكماله أعيد حتى يُكمل بانياً على ما سبق وإن طال الفصل.

ص: 271


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 4 ، ح 10 ليس فيه: «وحلق رأسه».
2- النهاية، ص 694.
3- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 519 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 424؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 514
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 4. ح .12
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 3، ح 9.
6- الخلاف، ج 5، ص 368 المسألة 3

(ولا جز على المرأة ولا تغريب) بل تُجلَد مائةً لا غير؛ لأصالة البراءة، وادعى الشيخ عليه الإجماع (1)وكأنه لم يَعتَدَّ بخلاف ابن أبي عقيل حيث أثبت التغريب عليها (2)؛ للأخبار السابقة(3) . والمشهورُ أولى بحال المرأة وصيانتها ومنعها من الإتيان بمثل ما فَعَلَتْ.

( و خامسها: خمسون جَلْدةٌ وهى حد المملوك والمملوكة) البالغين العاقلين (وإنْ كانا متزوّجين، ولا جز ولا تغريب على أحدهما) إجماعاً؛ لقوله : «إذا زَنَتْ أَمَهُ أحدِكم فلْيَجلِدْها»(4). وكان هذا كلَّ الواجب ولا قائل بالفرق. وربما استدل بذلك على نفي التغريب على المرأة؛ لقوله تعالى: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾(5) فلو ثبت التغريبُ على الحرّة لكان على الأمة نصفه.

(وسادسُها : الحد المبعضُ . وهو حدُّ مَن تَحرَّرَ بعضُه فإنّه يُحَدٌ مِن حدّ الأحرار) الذي لا يبلغ القتل (بقدر ما فيه من الحرّيّة) أي بنسبته إلى الرقية (ومن حدّ العبيد بقدر العبوديّة)؛ فلو كان نصفه حرّاً حُدَّ للزنى خمساً وسبعين جلدة، خمسين لنصيب الحرّية وخمساً وعشرين للرقيّة. ولو اشتمل التقسيط على جزء من سوط كما لو كان ثلثه رقاً فوجب عليه ثلاثة وثمانون وتُلتْ: قُبِض على ثلثي السوط وضرب بثلثه، وعلى هذا الحساب.

(وسابعُها : الضِغْتُ) بالكسر وأصله الحُزْمَة من الشيء، والمراد هنا القبض على جملة من العيدان ونحوها (المشتمِلُ على العددِ )المعتبر في الحد، وضَرْبُه به دفعةً واحدةً مؤلمةً بحيث يَمَسُّه الجميع، أو يَنْكَبِسُ بعضُها على بعض فيناله ألمها، ولو لم تَسَع اليدُ العددَ أجمعَ ضُرِب به مرّتين فصاعداً إلى أن يكمل، ولا يُشترط وصول كلّ واحد من العدد إلى بدنه .

ص: 272


1- الخلاف، ج 5، ص 368، المسألة 3.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 147، المسألة 8.
3- تقدم آنفاً.
4- السنن الكبرى البيهقي ، ج 8، ص 426، ح 17102.
5- النساء (4): 25

(وهو حد المريض مع عدم احتماله الضرب المتكرّر) متتالياً وإن احتمله في الأيام متفرّقاً؛ (واقتضاء المصلحة التعجيل)، ولو احتمَل سِياطاً خفافاً فهى أولى من الضغث ولا يجب إعادته بعد بُزيه مطلقاً. والظاهر الاجتزاء في الضغث بمسمّى «المضروب به» مع حصول الألم به في الجملة، وإن لم يحصل بآحاده، وقد رُوي أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَعَل ذلك في مريض زانٍ بعُرْجُون فيه مائة شمراخ (1)فضَرَبه به ضربةً واحدة(2).

ولو اقتضَتْ المصلحة تأخيره إلى أن يبرأ ثمّ يُقيم عليه الحد تامّاً فَعَل، وعليه يُحمّل ما رُوي من تأخير أمير المؤمنين حد مريض إلى أن يبرأ (3).

(وثامنُها: الجَلْدُ) المقدَّرُ، و معه (عقوبة زائدة، وهو حد الزاني في شهر رمضان ليلاً أو نهاراً) وإن كان النهارُ أغلظ حرمةً، وأقوى في زيادة العقوبة (أو غيره من الأَزْمِنِةِ الشريفة ) كيوم الجمعةِ وعرفة والعيدِ (أو في مكان شريف)، كالمسجد والحرم والمشاهد المشرفة، أو زَنَى بمَيْتَة. ويُرجَع في الزيادة إلى رأي (الحاكم) الذي يُقيم الحدَّ. ولا فرق بين أن يكون مع الجلد رجمٌ وغيره. ولو كان الزني لا جلد فيه بل القتل عُوقِب قبله لمكان المحترم ما يراه، وهذا لا يدخل في العبارة.

(تتمة:)

(لو شَهِد لها أربع) نساء (بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزني) قبلاً (فالأقرب دَرْءُ الحدّ ) أي دَفْعُه (عن الجميع) المرأة والشهود بالزنى لتعارض الشهادات ظاهراً، فإنّه كما يمكن صدقُ النساء في البكارة يمكن صدقُ الرجال في الزنى، وليس أحدهم أولى من الآخر، فتحصل الشبهة الدارئة للحدّ عن المشهود عليه وكذا عن الشهود، ولإمكان عود البكارة.

ص: 273


1- راجع لسان العرب، ج 11، ص 425، «شمرخ».
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 32، ح 197.
3- تهذيب الأحكام. ج 10، ص 33، ح 110 - 111.

وللشيخ قول بحد شهود الزنى للفرية(1)، وهو بعيد نعم لو شَهِدْنَ أنّ المرأة رتقاءُ، أو ثبت أنّ الرجلَ مجبوبٌ حُدَّ الشهود للقذف مع احتمال السقوط في الأول للتعارض ولو لم يُقيَّدوه بالقُبُل فلا تعارُضَ. ( ويقيم الحاكم الحدَّ) مطلقاً (بعلمه) سواءٌ الإمامُ ونائبه، وسواء علم بموجبه في زمن حكمه أم قبله؛ لعموم قوله تعالى :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾(2)، ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾(3)؛ ولأنّ العلم أقوى دلالة من الظنِّ المستند إلى البينة، وإذا جاز الحكم مع الظنّ جاز مع العلم بطريق أولى.

وخالَفَ في ذلك ابن الجنيد(4)؛ وقد سَبَقه الإجماعُ ولَحِقَه، مع ضعف مَتَمَسَّكِه بأنّ حكمه بعلمه تزكية لنفسه وتعريض لها للتهمة وسوء الظنّ به؛ فإنّ التزكية حاصلةٌ بِتَوْلية الحكم والتهمة حاصلة في حكمه بالبينة والإقرار وإن اختلفت بالزيادة والنقصان، ومثل هذا لا يُلتفت إليه.

(وكذا) يحكم بعلمه في حقوق الناس لعينِ ما ذكر: وعدم الفارق (إلّا أنّه بعد مطالبتهم به؛ كما به؛ كما في حكمه لهم بالبينة والإقرار (حداكان) ما يعلم بسببه (أو تعزيراً): لاشتراك الجميع في المقتضي.

(ولو وَجَد مع زوجته رجلاً يَزني بها فله قتلهما) فيما بينه وبين الله تعالى (ولا إثم) عليه بذلك، وإن كان استيفاء الحدّ في غيره منوطاً بالحاكم.

هذا هو المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً، وهو مروي(5) أيضاً. ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتَّع بها، ولا بين المدخول بها وغيرها، ولا بين الحرّة والأمة،

ص: 274


1- النهاية، ص 332 - 333.
2- النور (24): 2
3- المائدة (5): 38
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 401، المسألة 11.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 3، ح 5: نقله الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 38 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

ولا في الزاني بين المحصن وغيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك. والظاهر اشتراط المعاينة على حد ما يُعتبر في غيره. ولا يتَعَدَّى إلى غيرها وإنْ كان رَحِماً أو مَحرَماً؛ اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل على محلّ الوفاق.

وهذا الحكم بحسب الواقع كما ذكر (ولكن) في الظاهر (يجب) عليه (القَوَدُ) مع إقراره بقتله أو قيام البينة به، إلّامع) إقامته (البيِّنةَ) على دعواه (أو التصديق) من وليّ المقتول؛ لأصالة عدم استحقاقه القتل وعدم الفعل المدَّعَى. وفي حديث سعد بن عبادة المشهور لمّا قيل له: لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنتَ صانعاً؟ قال : كنتُ أَضرِبُه بالسيف. فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فكيف بالأربعة الشهود؟! إنّ الله تعالى قد جَعَل لكلّ شيء حدّاً، وجَعَل لمن تَعَدَّى ذلك الحدَّ حدّاً»(1).

(ومن تزوج بأمة على حرّةٍ )مسلمةٍ (ووَطِئَها قبل الإذنِ) من الحرّة وإجازتها عقد الأمة (فعليه تُمنُ حد الزاني) اثنا عشر سوطاً ونصف؛ بأن يقبض في النصف على نصفه. وقيل: أن يُضربه ضرباً بين ضربين(2).

(ومن اقْتَضَ بكراً بإصبعه) فأزال بكارتَها ل(َزِمَه مَهرُ نسائها) وإن زاد عن مهر السنّة إن كانت حرّةً صغيرةً كانت أم كبيرةً، مسلمةً أم كافرةً، (ولو كانت أمةً فعليه عُشْرُ قيمتها) لمولاها على الأشهر، وبه رواية(3)في طريقها طلحة بن زيد، ومن ثم قيل بوجوب الأرش(4)، وهو ما بين قيمتها بكراً وتيّباً؛ لأنّه مُوجَبُ الجناية على مال الغير.

وهذا الحكم في الباب عَرَضي، والمناسب فيه الحكم بالتعزير؛ لإقدامه على المحرَّم، وقد اختلف في تقديره، فأطلقه جماعةٌ (5)، وجَعَله بعضُهم من ثلاثين إلى

ص: 275


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 3، ح 5.
2- لم نعثر على قائله.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 49 ، ح 183.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 449.
5- منهم: الصدوق في المقنع ص 432 وابن حمزة في الوسيلة، ص 411 وابن سعيد في الجامع للشرائع ص 554

ثمانين(1)، وآخرون إلى تسعة وتسعين(2)، وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)في امرأة اقْتَضَتْ جاريةً بيدها، قال: «عليها المهر، وتُضرب الحدّ»(3). وفي صحيحته أيضاً: «إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قَضَى بذلك وقال: تُجلَد ثمانين»(4).

(و مَن أَقَرَّ بحدّ ولم يُبَيِّنُه ضُرِب حتَّى يَنهَى عن نفسه أو يَبلُغَ المائة). والأصل فيه رواية محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام)«إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)قضى في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يُسَمِّ أيَّ حدّ هو أن يُجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحد»(5). وبمضمونها عَمِل الشيخ (6)وجماعة (7). وإنّما قيّده المصنِّفُ بكونه لا يتجاوز المائة؛ لأنّها أكبرُ الحدود وهو حد الزني. وزاد ابنُ إدريس قيداً آخَرَ وهو أنّه لا يَنقُص عن ثمانين؛ نظراً إلى أنّ أقل الحدود حد الشرب(8). وفيه نظر؛ إذ حد القوّاد خمسة وسبعون والمصنّف والعلّامة وجماعة(9)لم يَحُدّوه فى جانب القلة كما أطلق فى الرواية (10) الجواز أن يريد بالحد التعزير ولا تقدير له قلة (11).

ص: 276


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 785؛ وسلار في المراسم، ص 257.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 699 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 449؛ والكيدري في إصباح الشيعة، ص 516
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 47 ، ح 172
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 47 ، ح 173
5- تهذيب الأحكام . ج 10، ص 45 ، ح 160 مع اختلاف يسير.
6- النهاية، ص 702-703
7- منهم القاضي في المهذب، ج 2، ص 529 وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 554: والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 171 ، المسألة 24.
8- السرائر، ج 3، ص 455
9- تقدما آنفاً.
10- تقدما آنفاً.
11- كلّ ما له عقوبة مقدر يسمّى حداً وليس كذلك يستى تعزيراً، وتقدير الحد شرعاً واقع في جميع أفراده، كما أشرنا إليه سابقاً، وأما التعزير، فالحاصل فيه عدم التقدير والأغلب في أفراده كذلك، قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده، وذلك في خمسة مواضع: الأوّل: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان مقدرة بخمسة وعشرين سوطاً. الثاني: من تزوّج أمةً على حرّة ودخل بها قبل الإذن ضرب اثني عشر سوطاً ونصفاً، ثمن حد الزاني الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين مقدّر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على قول الرابع من افتض بكراً بإصبعه قال الشيخ يجلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين، وقال المفيد من ثلاثين إلى ثمانين، وقال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة وتسعين قاله المفيد وأطلق الشيخ التعزير، وقال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الجلد. ولقائل أن يقول ليس من هذه مقدر سوى الأولين والباقي يرجع فيما بين الطرفين إلى رأي الحاكم، كما يرجع إليه في تقدير غيره وإن لم يتحدّد في طرفيه بما ذكر (زين رحمه الله)

ومع ضعف المستند في كلّ واحد من الأقوال نظرُ أمّا النقصان عن أقل الحدود فلانه وإنْ حُمِل على التعزير إلّا أنّ تقديره للحاكم لا للمعزّر، فكيف يقتصر على ما بَيَّنه؟! ولو حُمِل على تعزير مقدَّرٍ وجب تقييده بما لو وقف على أحد المقدرات منه، مع أنّ إطلاق الحدّ على التعزير خلافُ الظاهر، واللفظ إنّما يُحمل على ظاهره، ومع ذلك فلو وقف على عدد لا يكون حدّاً - كما بين الثمانين والمائة - أشكل قبوله منه لأنّه خلاف المشروع. وكذا عدم تجاوز المائة، فإنّه يمكن زيادة الحدّ عنها بأن يكون قد زَنَى في مكان شريف أو زمان شريف، ومع ذلك فتقدير الزيادة على هذا التقدير إلى الحاكم لا إليه، ثمّ يُشكل بلوغ الثمانين بالإقرار مرّةً؛ لتوقف حد الثمانين على الإقرار مرتين، وأشكلُ منه بلوغ المائة بالمرّة والمرتين.

(وهذا) - وهو بلوغ المائة - إنما (يصح إذا تَكَرَّر) الإقرارُ (أربعاً) كما هو مقتضى الإقرار بالزني (وإلا فلا يبلغ المائة).

وبالجملة فليس في المسألة فرضٌ يَتِمّ مطلقاً؛ لأنا إن حملنا الحدَّ على ما يَشمل التعزيز لم يَتَّجه الرجوع إليه في المقدار، إلا أن نَخُصَّه بمقدار تعزير من التعزيرات المقدَّرة، وحينئذٍ يَتَّجِه أنّه يُقبل بالمرّة ولا يبلغ الخمسة والسبعين، وإن أقر مرتين لم يتجاوز الثمانين، وإن أقر أربعاً جاز الوصول إلى المائة وأمكن القولُ بالتجاوز لما ذُكِر، مع أنه في الجميع كما يمكن حمل المكرر على التأكيد لحدٍ واحدٍ يمكن حمله على التأسيس، فلا يتعيَّن كونه حدَّ زنى أو غيره، بل يجوز كونه تعزيراتٍ متعدّدةٍ أو

ص: 277

حدوداً كذلك مبهمةً، ومن القواعدِ المشهورة أنّ التأسيس أولى من التأكيد، فالحكم مطلقاً مشكل، والمستند ضعيفٌ.

ولو قيل بأنه مع الإقرار مرّةً لا يبلغ الخمسة والسبعين في طرف الزيادة، وفي طرف النقيصة يقتصر الحاكم على ما يراه كان حسناً.

( وفي التقبيل) المحرَّمِ (والمضاجعة) أي نوم الرجل مع المرأة (في إزار) أي ثوبِ (واحدٍ)، أو تحتَ لِحافٍ واحدٍ (التعزير بما دون الحدّ)؛ لأنّه فِعْل محرَّمٌ لا يَبلُغ حد الزنى. والمرجع في كمّيّة التعزير إلى رأي الحاكم.

والظاهر أنّ المراد بالحدّ الذي لا يبلغه هنا حد الزنى، كما ينبه عليه في بعض الأخبار : إنّهما يُضربان مائةَ سَوطٍ غير سوطٍ (1). (ورَوَى) الحلبي في الصحيح عن الصادق(عليه السلام)(2) - ورواه غيره أيضاً - أنّهما يُجلَدان كلُّ واحد (مائةَ جَلدةٍ) حدَّ الزاني". وحُمِلت على ما إذا انضاف إلى ذلك وقوع الفعل جمعاً بين الأخبار. ( ولو حَمَلتْ) المرأة (ولا بَعْلَ) لها ولا مولى ولم يُعلَم وجهه (لم تُحدّ)؛ لاحتمال كونه بوجه حلال أو شبهةٍ (إلّا أن تُقِرّ أربعاً بالزني)(3) فتحد لذلك لا للحمل.

(وتُؤَخَّر ) الزانيةُ الحامل (حتى تَضَعَ) الحمل وإنْ كان من الزنى وتسقيه اللبا وتُرضِعه إن لم يُوجد له كافل، ثمّ يقيم عليها الحد إن كان رجماً، ولو كان جلداً فبعد أيام النفاس إن أُمن عليها التلف أو وُجد له مرضع وإلا فبعده، ويكفي في تأخيره عنها دعواها الحمل لا مجرّدُ الاحتمال.

(ولو أقر) بما يوجب الحدَّ (ثمّ أَنكَر سَقَط الحد إن كان مما يوجب الرجم ولا يَسقُط غيرُه) وهو الجلد وما يلحقه. هذا إذا لم يُجمَع في موجب الرجم بينه وبين الجلد، وإلا ففي سقوط الحدّ مطلقاً بإنكاره ما يوجب الرجمَ نظر : مِن إطلاق سقوط

ص: 278


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 40 - 41، ح 144 - 145.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 42، ح 148.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 42 ، ح 149 - 151.

الحدّ الشامل للأمرين، ومن أن الجلد لا يسقط بالإنكار لو انفرد فكذا إذا انضم، بل هنا أولى؛ لزيادة الذنب، فلا يناسبه سقوط العقوبة مطلقاً مع ثبوت مثلها في الأخف. والأقوى سقوط الرجم دون غيره.

وفي إلحاق ما يوجب القتل كالزنى بذات مَحرَم، أو كرهاً، قولان(1): من تشاركهما في المقتضي وهو الإنكارُ؛ لما بُني على التخفيف ونظرِ الشارع إلى عصمة الدم وأخذه فيه بالاحتياط، ومن عدم النص عليه وبطلان القياس.

(ولو أقر بحد ثم تاب تخيّر الإمام فى إقامته)عليه والعفو عنه (رجماً كان) الحدُّ (أو غيره) على المشهور لاشتراك الجميع في المقتضي، ولأن التوبة إذا أسقَطَتْ تَحْتُم أشد العقوبتين، فإسقاطها لتَحَتُمِ الأُخرى أولى.

ونبه بالتسوية بينهما على خلاف ابن إدريس(2)حيث خص التخيير بما إذا كان الحد رجماً، وحتّم إقامته لو كان جلداً: محتجاً بأصالة البقاء واستلزام التخيير تعطيل الحد المنهي (3)عنه في غير موضع الوفاق. وينبغي على قول ابن إدريس إلحاق ما يوجب القتل بالرجم؛ لتعليله بأنه يوجب تلف النفس بخلاف الجلد.

ص: 279


1- القول بالإلحاق لفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 473؛ والآخر لابن إدريس في السرائر، ج 4. ص 455
2- السرائر، ج 3، ص 444.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 146، ح 577 - 579 .

الفصل الثاني في اللواط

وهو وطئ الذكر، واشتقاقه من فعل قوم لوط، والسُّحْق) وهو ذلك فرج المرأة بفرج أخرى، (والقيادة)، وسيأتي(1)أنّها الجمع بين فاعلي هذه الفواحش.

أَمّا الأوّل (فمن أقرَّ بإيقاب ذكر) أي إدخال شيء من الذكر في دُبُره ولؤ مقدار الحشفة، وظاهرهم هنا الاتفاق على ذلك وإن اكتفوا ببعضها في تحريم أُمه وأُختِه وبنته، في حالة كون المقرّ (مختاراً) غير مكره على الإقرار (أربع مراتٍ) ولو في مجلس واحدٍ، (أو شَهِد عليه أربعةُ رجالٍ) عُدولٍ (بالمعاينة) للفعل كالميل في المكحلة كالزنى، (وكان) الفاعل المقرُّ أو المشهود عليه (حرّاً بالغاً) عاقلاً (قُتِلَ).

و اعتبارُ بلوغه وعقله واضحٌ ؛ إذ لا عبرة بإقرار الصبي والمجنون، وكذا لا يُقتلان لو شُهد عليهما به لعدم التكليف.

أمّا الحرية فإنّما تُعتبر في قبول الإقرار؛ لأن إقرار العبد به يتعلق بحق سيده فلا يُسمَع ، بخلاف الشهادة عليه فإنه لا فرق فيها بينه وبين الحرّ فيُقتل حيث يُقتل، وكذا لو اطلع عليهما الحاكم، وبالجملة فحكمه حكم الحرّ إلا في الإقرار، وإن كانت العبارة تُوهِم خلاف ذلك.

ويُقتل الفاعلُ (محصناً) كان (أو لا) وقتله (إما بالسيف أو الإحراق) بالنار (أو الرجم) بالحجارة وإن لم يكن بصفة الزاني المستحِقِّ للرجم،( أو بإلقاء جدار عليه، أو بإلقائه من شاهِقٍ) كجدارٍ رفيع يُقتل مثله. (ويجوز الجمع بين اثنين منها )أي من هذه الخمسة بحيث يكون (أحدهما الحريق )والآخَرُ أحد الأربعة، بأن يُقتل بالسيف أو

ص: 280


1- يأتي في ص 285

الرجم أو الرمي به أو عليه ثمّ يُحرق زيادةً في الردع.

(والمفعول به) يُقتل (كذلك إن كان بالغاً عاقلاً مختاراً. ويُعَزّر الصبي) فاعلاً ومفعولاً، ويُؤَدَّب المجنونُ) كذلك. والتأديبُ في معنى التعزير هنا، وإن افترقا من حيث إن التعزيز يتناول المكلَّفَ وغيره بخلاف التأديب.

وقد تَحَرَّر من ذلك أنّ الفاعل والمفعول إن كانا بالغين قُتِلا حرَّيْن كانا أم عبدين أم بالتفريق : مسلمين كانا أم كافرين أم بالتفريق، وإن كانا صبيين أو مجنونين أو بالتفريق أُدبا ، وإن كان أحدهما مكلَّفاً والآخَرُ غير مكلَّف قُتِل المكلَّفُ وأُتِّب غيرُه .

(ولو أقرَّ به دون الأربع لم يُحدّ)كالإقرار بالزني (وعُزّرَ) بالإقرار ولو مرة. ويمكن اعتبار المرتين، كما في موجب كلّ تعزير، وسيأتي(1)، وكذا الزنى ولم يذكره ثُمَّ.

(ولو شهد )عليه به (دون الأربعة) أو اختل بعض الشرائط وإنْ كانوا أربعةً (حُدُّوا للفرية).

(و يحكم الحاكم فيه بعلمه) كغيره من الحدود؛ لأنه أقوى من البينة (ولا فرق) في ويَحكُم الفاعل والمفعول بين العبد والحرّ (هنا) أي في حالة علم الحاكم، وكذا لا فرق بينهما مع البينة كما مرّ. وهذا منه مُؤَكّد لما أفهَمَتْه عبارته سابقاً من تساوي الإقرار والبينة في اعتبار الحرّية .

(ولو ادَّعى العبد الإكراه) من مولاه عليه (دُرِئ عنه الحد) دون المولى؛ لقيام القرينة على ذلك، ولأنّه شبهة محتملة فيُدرَأ الحدُّ بها. ولو ادَّعَى الإكراه من غير مولاه فالظاهر أنّه كغيره، وإن كانت العبارة تَتَناوَلُه بإطلاقها.

(ولا) فرق في ذلك كله (بين المسلم والكافر)؛ لشمول الأدلة لهما.

(وإن لم يكن) الفعل (إيقاباً، كالتفخيذ أو) جعل الذكر (بين الأليين) بفتح الهمزة

ص: 281


1- يأتي في ص 294

والياءين المثنائين من تحت من دون تاء بعدهما(1)، (فحده مائة جلدة) للفاعل والمفعول مع البلوغ والعقل والاختيار، كما مر (حرّاً) كان كلُّ منهما(أو عبداً، مسلماً أو كافراً. محصناً أو غيره) على الأشهر؛ لرواية سليمان بن هلال عن الصادق قال : «إن كان دون الثقب فالحدّ، وإن كان ثَقَبَ أقيم قائماً ثمّ ضُرب بالسيف»(2). والظاهر أنّ المراد بالحد الجلد.

(وقيل: يُرجَم المحصن) ويُجلد غيرُه(3) ؛ جمعاً بين رواية العلاء بن الفضيل(4) عن الصادق أنه قال: «حد اللوطي مثل حدّ الزاني. وقال: - إن كان قد أُحصن رُجِم وإلّا جُلِد»(5). وقريب منها رواية حمّاد بن عثمان، وبين ما رُوي من قتل اللائط مطلقاً(6):وقيل: يُقتل مطلقاً (7)لما ذكر. والأخبار من الطرفين غيرُ نقيّة السند والمتيقن المشهور، والأصل عدمُ أمرٍ آخَرَ.

(ولو تكرّر منه الفعلُ) الذي لا يوجب القتل ابتداءً (مرتين مع تكرار الحدّ )عليه بأن حُدَّ لكل مرة (قُتِل في الثالثة)؛ لأنه كبيرة، وأصحاب الكبائر مطلقاً إذا أُقيم عليهم الحد مرتين قُتِلوا في الثالثة؛ لرواية يونس عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : «أصحابُ الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحد مرتين قُتلوا في الثالثة»(8).

ص: 282


1- كتب الشيخ علي حفيد الشارح في حاشية النسخة التي بيده جده الشارح: «الظاهر بينهما وإن أمكن إرادة الهمزة والياء بتكلف؛ لأنه يكون بعدهما .... ثمّ أضاف هناك: «في نسخة السيّد علي الصائغ المقروءة على المصنف رحمهما الله مضروب على قوله: بفتح الهمزة إلى قوله: بعدهما».
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 52، ح 194.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 704.
4- كذا في المصادر وفي جميع النسخ «الفضل».
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 54، ح 200.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 55، ح 201.
7- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 430؛ ونقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص ،190 المسألة 46
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 37، ح 130

(والأحوط) وهو الذي اختاره المصنّف في الشرح قَتْلُه(في الرابعة)(1) ؛ لرواية أبي بصير قال، قال أبو عبد الله(عليه السلام): «الزاني إذا جُلِد ثلاثاً يُقتل في الرابعة»(2)؛ ولأنّ الحدَّ مبني على التخفيف وللاحتياط في الدماء، وترجيح هذه الرواية بذلك، وبأنّها خاصة وتلك عامةٌ فيُجمع بينهما بتخصيص العام بما عدا الخاص، وهو الأجود. ولو لم يسبق حده مرتين لم يجب سَوَى الجَلد مائةً.

(ولو تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحد؛ قتلاً) كان الحد أو رجماً (أو جلداً) على ما فُصِّل. (ولو تاب بعده لم يسقط )الحدُّ، وكذا لو تاب مع الإقرار (ولكن يتخيَّر الإمام في المقرّ) قبل التوبة (بين العفو والاستيفاء )كالزني

(ويُعزّر مَن قَبَّل غلاماً بشهوة )بما يراه الحاكم؛ لأنه من جملة المعاصي بل الكبائرِ المُتَوَعَّد عليه بخصوصه بالنار، فقد رُوِيَ أَنَّ« مَن قَبَّل غلاماً بشهوة لَعَنَه ملائكةُ السماء وملائكةُ الأرضِينَ وملائكة الرحمة وملائكة الغضب، وأُعِدّ له جهنّم وساءت مصيراً»(3). وفي حديثٍ آخَرَ: «مَن قبل غلاماً بشهوة الجَمَه الله يومَ القيامة بلجام من نار»(4).

( وكذا يُعَزَّر ) الذكران (المجتمعان تحتَ إزار واحدٍ مجرَّدين وليس بينهما رَحِمٌ) أي قرابة (من ثلاثين سوطاً إلى تسعة وتسعين) على المشهور، أما تحديده في جانب الزيادة؛ فلانه ليس بفعل يوجب الحدَّ كَمَلاً فلا يبلغ به، ولقول الصادق(عليه السلام) في المرأتين تنامان في ثوبٍ واحدٍ : «تُضربان». قلت: حداً؟ قال: «لا»(5). وكذا قال في الرجلين(6)، وفي رواية ابن سنان عنه(عليه السلام): «يُجلَدان حداً غيرَ سَوطٍ واحدٍ»(7). وأمّا في

ص: 283


1- غاية المراد، ج 4 ص 163 - 164 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 37، ح 129.
3- فقه الرضا(عليه السلام) ، ص 278 ؛ أورده الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 14، ص 412.
4- الكافي، ج 5، ص 548، باب اللواط، ح 10.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 40، ح 142.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 40، ح 142.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 40، ح 143.

جانب النقيصة، فلرواية سليمان بن هلال عنه (عليه السلام)قال: «يضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً»(1). وطريق الجمع الرجوع فيما بين الحدّين إلى رأي الحاكم والتقييد بنفي الرحم بينهما ذَكَره المصنِّفُ - كغيره(2)- تبعاً للرواية(3)، ويُشكل بأنّ مطلق الرحم لا يُوجِب تجويز ذلك، فالأولى ترك القيد أو التقييد بكون الفعل محرَّماً.

(والسحق يثبت بشهادة أربعة رجالٍ) عُدولٍ، لا بشهادة النساء منفردات ولا منضمّاتٍ (أو الإقرار أربعاً) من البالغة الرشيدة الحرة المختارة كالزني.

(وحده مائة جلدة حرّةً كانت) كلُّ واحدة منهما (أو أمةً، مسلمةً أو كافرةً، محصنةً أو غير محصنة، فاعلةً أو مفعولةً). ولا يَنتصِف هنا في حق الأمة، وتُقبل دعواها إكراة مولاتها كالعبد كلُّ ذلك مع بلوغها وعقلها، فلو ساحَقَتْ المجنونة أو الصغيرة أُذُبَتا خاصّةً، ولو ساحقتهما بالغةٌ حُدَّتْ دونهما. وقيل: تُرجَم مع الإحصان(4)؛ لقول الصادق(عليه السلام) : «حدها حد الزاني»(5). ورُدَّ بأنه أعم من الرجم(6)، فيُحمل على الجلد جمعاً.

( وتُقتَل) المساحقة (في الرابعة لو تكرّر الحد ثلاثاً). وظاهرهم هنا عدم الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائطِ في الثالثة كما اتَّفق في عبارة المصنف، (ولو تابت قبل البينة سقط الحدُّ ، لا) إذا تابت (بعدها، ويتخيّر الإمام لو تابت بعد الإقرار) كالزني واللواط.

(وتُعَزَّر الأجنبيتان إذا تَجرَّدتا تحت إزار) بما لا يبلغ الحدَّ، (فَإِن عُزِّرَتا مع تكرر الفعل مرّتين حُدَّتا في الثالثة)، فإن عادتا عُزّرَتا مرتين ثمّ حُدَّتا في الثالثة، (وعلى

ص: 284


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 41، ح 146.
2- منهم: المفيد في المقنعة، ص 785؛ والشيخ في النهاية، ص 705؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 147.
3- تقدم في الهامش 1.
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 706.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 58، ح 210.
6- راجع غاية المراد، ج 4 ص 166 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

هذا) أبداً. وقيل تُقتَلان في الثالثة(1) ،وقيل في الرابعة (2)، والمستند ضعيف. وقد تقدّم(3)وجه التقييد بالأجنبيتين.

(ولو وَطِئ زوجته فساحَقَتْ بِكراً فحَمَلَتْ)البكر(فالولد للرجل)؛ لأنه مخلوق من مائه ولا موجِبَ لانتفائه عنه، فلا يقدح كونها ليست فراشاً له، ولا يلحق بالزوجة قطعاً ولا بالبكر على الأقوى. (وتُحدّان) المرأتان حدَّ السحق؛ لعدم الفرق فيه بين المحصنة وغيرها، (ويلزمها) أي الموطوءة (ضَمانُ مَهرِ مثل البكر)؛ لأنها سبب في إذهاب عُذْرَتها وديتها مهر نسائها، وليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانيةَ أَذِنَت فى الافتضاض بخلاف هذه.

وقيل: تُرجَم الموطوءة (4)استناداً إلى روايةٍ (5)ضعيفة السند، مخالفة لما دلَّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (6). وابن إدريس(7) نَفَى الأحكام الثلاثةَ؛ أمّا الرجم فلما ذكرناه، وأمّا إلحاق الولد بالرجل فلعدم ولادته على فراشه والولد للفراش، وأمّا المهر فلأن البكرَ بَغِيُّ بالمطاوعة فلا مهر لها، وقد عرفت جوابه.

(والقيادة الجمع بين فاعلي الفاحشة) من الزنى واللواط والسحق، (وتثبت بالإقرار مرّتين من الكامل) بالبلوغ والعقل والحرّية (المختارِ) غيرِ المكرَه، ولو أقرَّ مرَّةً واحدةً عُزّرَ أو بشهادة شاهدين ذكرين عدلين.

(والحد) للقيادة (خمس وسبعون جَلدةً، حرّاكان) القائد (أو عبداً، مسلماً كان أو كافراً، رجلاً كان أو امرأة).

ص: 285


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 467.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 707
3- تقدّم في ص 283.
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 707.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 58 - 59، ج 212.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 57 - 58، ح 208 - 209.
7- السرائر، ج 3، ص 465.

(وقيل) والقائل الشيخ (رحمه الله)(1): يُضاف إلى جلده أن (يُحلق رأسه ويُشْهَر ) في البلد (ويُنفّى) عنه إلى غيره من الأمصار من غير تحديد لمدّةِ نَفْيِه (بأوّلَ مرّةٍ)؛ لرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(2) ، ووافقه المفيد على ذلك إلا أنّه جَعَل النفي في الثانية(3) .

(ولا جز على المرأة ولا شُهرة ولا نفي )؛للأصل، ومنافاة النفي لما يجب مراعاته مِن سَتر المرأة.

(ولا كفالة في حد) بأن يُكفل لمن ثبت عليه الحد إلى وقت متأخرٍ عن وقت ثبوته (ولا تأخير فيه) بل يُستَوفَى متى ثبت ومِن ثَمَّ حُدَّ شهودُ الزنى قبل كمالهم في مجلس الشهادة وإن كان الانتظارُ يُوجب كمال العدد (إلّا مع العذر) المانع من إقامته ذلك الوقت، أو توجه ضررٍ) به فتُشرَع الكفالة والتأخيرُ إلى وقت القدرة.

( ولا شفاعة في إسقاطه)؛ لأنه حقٌّ الله أو مشترك، ولا شفاعة في إسقاط حق الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا كفالة في حدّ»(4). وقال أمير المؤمنين : «لا يَشْفَعَنَّ أَحدٌ(5) في حد»(6). وقال: «ليس في الحدود نَظِرَةُ ساعةٍ»(7).

ص: 286


1- النهاية، ص 710.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 64، ح 235.
3- المقنعة، ص 791
4- تهذيب الأحكام ، ج 10، ص 125 ، ح 499
5- كذا في المصادر وفي النسخ: «أحداً».
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 124، ح 498.
7- الكافي، ج 7، ص 210 ، باب في نحوه، ح 4.

الفصل الثالث في القَذف

(وهو) الرمي بالزنى أو اللواط مثل (قوله : زَنَيْتَ) بالفتح (أو لُطْتَ أو أنت زانٍ وشبهه) من الألفاظ الدالة على القذف (مع الصراحة والمعرفة) أي معرفة القاذف بموضوع اللفظ بأي لغة (كان) وإن لم يعرف المواجَهُ معناه، ولو كان القائل جاهلاً بمدلوله فإن عَرَف أنه يفيد فائدةً يَكرَهُها المواجَهُ عُزّرَ، وإلا فلا.

(أو قال لولده الذي أقرَّ به : لستَ وَلَدي) أو لست لأبيك، أو زَنَتْ بكَ أُمُّك، ولو لم يكن قد أقرَّ به لكنّه لاحق به شرعاً بدون الإقرار فكذلك، لكن له دفع الحد باللعان، بخلاف المقرّ به فإنّه لا ينتفى مطلقاً.

(ولو قال لآخَرَ) غير ولدِه (زَنَى بك أبوك، أو يا ابنَ الزاني، حُدَّ للأب ) خاصّةً؛ لأنه قذف له دون المواجه؛ لأنه لم ينسب إليه فعلاً، لكن يُعَزَّر له - كما سيأتي(1)- لتأذيه .به ولو قال : زَنَتْ بك أُمُّك، أو يا ابن الزانية، حُدَّ للأُم، (ولو قال : يا ابن الزانيين، فلهما، ولو قال : وُلِدتَ من الزنى، فالظاهر القذف للأبوين)؛ لأنّ تولّدَه إنّما يتحقق بهما، وقد نَسَبه إلى الزنى فيقوم بهما ويثبت الحد لهما، ولأنه الظاهرُ عرفاً.

وفي مقابلة الظاهر كونه قذفاً للأُمّ خاصةً؛ لاختصاصها بالولادة ظاهراً(2). ويُضعف بأنّ نسبته إليهما واحدةٌ والاحتمال قائم فيهما بالشبهة فلا يَختَصّ أحدهما به. وربما قيل بانتفائه لهما لقيام الاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد وهو دارى للحد؛ إذ هو شبهةً (3).

ص: 287


1- يأتي في ص 289.
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 794.
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 150.

والأقوى الأوّلُ إلا أن يَدَّعِي الإكراة أو الشبهة في أحد الجانبين فينتفي حده.

(ومن نَسَب الزنى إلى غير المواجه )كالأمثلة السابقة، فالحد للمنسوب إليه ،ويُعزّر للمواجه إن تَضمَّن شتمه وأذاه) كما هو الظاهر في الجميع.

(ولو قال لامرأة : زَنَيْتُ بكِ، احتُمِل الإكراه فلا يكون قذفاً )لها؛ لأنّ المكرَة غيرُ زان و مجرد الاحتمال كافٍ في سقوط الحدّ سواء ادّعاء القاذف أم لا: لأنه شبهةٌ يُدرّاً بها الحد،( ولا يثبت الزنى في حقه إلا ب- ) الإقرار (أربعَ) مرّاتٍ، كما سبق (1).

ويُحتمل كونه قذفاً؛ لدَلالة الظاهر عليه، ولأنّ الزنى فعل واحد يقع بين اثنين ،ونسبةُ أحدِهما إليه بالفاعلية والآخر بالمفعولية.

وفيه: أن اختلاف النسبة يوجب التغاير والمتحقق منه كونه هو الزاني. والأقوى أنه قذفٌ لها لما ذُكر ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) (2).

(و«الديوثُ» و «الكشخانُ» و«القرنانُ» قد تفيد القذف في عرف القائل، فيجب الحدُّ للمنسوب إليه) مدلول هذه الألفاظ من الأفعال، وهو أنه قوّاد على زوجته أو غيرها من أرحامه، وإن لم تُفِد) ذلك في عُرفه نظراً إلى أنها لغة غير موضوعة لذلك ولم يستعملها أهل العرف فيه ( وأفادت شَتْماً)لا يبلغ حد النسبة إلى ما يوجب الحد (عُزّر) القائلُ كما في كلّ شاتم بمحرَّم.

و«الديوث» الذي لا غيرة له، قاله الجوهري (3)، وقيل : الذي يُدخِل الرجال على امرأته(4). قال تغلب: و«القرنان» و«الكشخان» لم أرهما في كلام العرب، ومعناه عند العامة مثل معنى الديوث أو قريب منه(5). وقيل: «القرنان» مَن يُدخل على بناته، و «الکشخان» من يُدخل على أخواته(6).

ص: 288


1- تقدّم في ص 255
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 76، ح 291.
3- الصحاح، ج 1، ص 282، «دیث».
4- نقله ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 206 - 207، المسألة 7224؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 5، ص 71
5- نقله ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 206 - 207، المسألة 7224؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 5، ص 71
6- نقله ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 206 - 207، المسألة 7224؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 5، ص 71

(ولو لم يَعلَم ) القائلُ (فائدتها أصلاً) بأن لم يكن من أهل العرف بوضعها لشيء من ذلك، ولا اطلع على معناها لغةً (فلاشيء) عليه، (وكذا) القول في (كلّ قذفٍ جَرَى على لسان مَن لا يعلم معناه)؛ لعدم قصد شيء من القذف، (ولا) الأذى، وإن أفاد في عرف المقول له.

و(التأذي) أي قول ما يُوجِب أَذَى المقول له من الألفاظ الموجبة الموجبة له مع العلم يكونها مؤذيةً، وليست موضوعةً للقذف عرفاً ولا وضعاً، (والتعريض) بالقذف دون التصريح به (يوجب التعزير)؛ لأنه محرَّم، (لا الحد)؛ لعدم القذف الصريح (مثلُ) قوله : (هو ولد حرام)؛ هذا يصلح مثالاً للأمرين؛ لأنه يوجب الأذى، وفيه تعريض بكونه ولد زنى، لكنه محتمل لغيره بأن يكون وُلد بفعل محرَّم وإن كان بين أبويه بأن استولده حالة الحيض أو الإحرام عالماً، ومثله : لست بولد حلال. وقد يراد به عرفاً أنه ليس بطاهر الأخلاق ولا وَفِيّ بالأماناتِ والوُعودِ، ونحو ذلك، فهو أذى على كل حال، وقد يكون تعريضاً بالقذف.

(أو: أنا لستُ بزان)؛ هذا مثال للتعريض بكون المقول له أو المنبه عليه زانياً، (ولا أمّي زانيةً) تعريض بكون أُمّ المعرَّض به زانيةً. (أو يقول لزوجته : لم أَجِدْكِ عَذْراءَ) أي بكراً فإنّه تعريض بكونها زَنَتْ قبل تزويجه وذَهَبتُ بكارتها به مع احتماله غيره؛ بأن يكون ذَهابُها بالنَزْوَةِ(1) أو الحُرْقُوص(2)فلا يكون حراماً، فمِن ثُمَّ كان تعريضاً، بل يمكن دخوله فيما يُوجب التأذِي مطلقاً، ورَوَى زُرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)في رجل قال لامرأته : لم أجدكِ عذراء، قال: «ليس عليه شيءٌ؛ لأنّ العُذرة تذهب بغير جماع»(3). ويُحمل على أنّ المنفيّ الحد؛ لرواية أبي بصير عن الصادق(عليه السلام) أنه قال : «يُضرب»(4).

ص: 289


1- المعجم الوسيط، ص 916، «نزو». نزو: وثب.
2- المعجم الوسيط، ص 168، «حرقص». الحرُقُوص: دويبة نحو البرغوث.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 196 ، ح 689.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 196 ، ح 690.

(وكذا يُعزّر بكلّ ما )أي قول (يَكرَهُه المواجَهُ) بل المنسوب إليه وإن لم يكن حاضراً؛ لأنّ ضابط التعزير فعلُ المحرَّم، وهو غير مشروط بحضور المشتوم (مثل : الفاسق والشارب الخمر، وهو مستَتِرُ) بفسقه وشربه ، فلو كان متظاهراً بالفسق لم يكن له حرمة. (وكذا :الخنزير والكلب والحقير والوضيع) والكافر والمرتد، وكلُّ كَلِمَةٍ تُفيد الأذى عرفاً أو وضعاً مع علمه بها فإنّها توجب التعزيز، (إلّا مع كون المخاطب مستحقاً للاستخفاف) به لتظاهره بالفسق، فيصح مواجهته بما يكون نسبته إليه حقاً لا بالكذب.

وهل يُشترط مع ذلك جعله على طريق النهي فيُشترط شروطه، أم يجوز الاستخفافُ به مطلقاً؟ ظاهرُ النصّ (1)والفتاوى(2)الثاني، والأول أحوط.

( ويُعتبر في القاذف) الذي يُحَدٌ (الكمال) بالبلوغ والعقل (فيُعزر الصبيُّ) خاصةً (ويُؤدَّب المجنونُ) بما يراه الحاكم فيهما، والأدب في معنى التعزير كما سلف.

(وفي اشتراط الحرّيّة في كمال الحدّ )فيُحدّ العبد والأمة أربعين أو عدم الاشتراط فيُساويان الحرَّ

(قولان)(3)أقواهما وأشهَرُهما الثاني؛ لعموم ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَتِ﴾(4)، ولقول الصادق (عليه السلام)في حسنة الحلبي: «إذا قذف العبد الحرَّ جُلِد ثمانين»(5). وغيرها من الأخبار(6). والقولُ بالتنصيف على المملوك للشيخ في المبسوط (7)؛ لأصالة البراءة من الزائد، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾(8)، ولرواية القاسم بن سليمان عنه (عليه السلام)(9).

ص: 290


1- الأمالي الصدوق، ص 42 المجلس 10، ح 7.
2- المقنعة، ص 796: قواعد الأحكام، ج 3، ص 544.
3- القول الأقوى للشيخ في النهاية، ص 722.
4- النور (24): 4.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 72. ح 270
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 71 وما بعدها.
7- المبسوط، ج 5، ص 350.
8- النساء .(4): 25
9- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 73 ، ح 278

ويُضعف بأن الأصل قد عُدِل عنه للدليل، والمراد بالفاحشة الزني، كما نقله المفسرون(1) ، ويظهر من اقترانهنّ بالمحصنات، والرواية مع ضعف سندها وشذوذها لا تعارض الأخبار الكثيرة (2)بل الإجماع على ما ذكره المصنّف(3)وغيرُه(4) ؛ والعجب أن المصنّف (رحمه الله) في الشرح(5) تعجب من المحقق والعلّامة حيث نقلا فيها قولين ولم يُرَجِّحا أحدهما مع ظهور الترجيح؛ فإنّ القول بالأربعين نادر جداً، ثمّ تَبِعَهم على ما تعجب منه هنا.

(و) يُشترط (في المقذوف الإحصانُ) وهو يطلق على التزويج كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾(6)و﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَفِحَنت ﴾(7) ، وعلى الإسلام ومنه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾(8) قال ابن مسعود: إحصائها إسلامها(9)، وعلى الحرية ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَتِ﴾(10) وقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ﴾ (11)، وعلى اجتماع الأُمورِ الخمسة التي نبه عليها هنا بقوله: و(أعني) بالإحصان هنا (البلوغ والعقل والحرية والإسلام والعفّة، فمن جُمِعَتْ فيه هذه الأوصافُ الخمسة (وجب الحد بقذفه، وإلّا) تجتمع بأن فُقدت أجْمَعُ أو أحدها، بأن قذف صبياً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً 12 بالزنى، فالواجب (التعزيرُ). كذا أطلقه المصنّف والجماعة (12)غيرَ فارِقِينَ بين المتظاهرِ

ص: 291


1- . تفسير القمي، ج 1، ص 144؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 337؛ تفسير العياشي، ج 1، ص 387 - 388 ذيل الآية 25 من النساء (4).
2- تقدم آنفاً.
3- غاية المراد، ج 4، ص 173 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
4- منهم ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 427 - 428.
5- غاية المراد، ج 4، ص 174 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
6- النساء (4): 25
7- النساء (4): 25
8- النساء (4): 25
9- نقله الشيخ في التبيان، ج 1، ص 171
10- النساء (4): 25
11- المائدة (5): 5
12- منهم: ابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 564: والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 545؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 421.

بالزنى وغيره، ووجهه عموم الأدلة وقبحُ القذف مطلقاً، بخلاف مواجهة المتظاهر به بغيره من أنواع الأذى، كما مرّ.

وتردَّدَ المصنِّفُ في بعض تحقيقاته (1)في التعزير بقذف المتظاهر، ويظهر منه الميل إلى عدمه محتجاً بإباحته، استناداً إلى رواية البرقي عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «إذا جاهَرَ الفاسقُ بفسقه فلا حُرمة له، ولا غيبة»(2). وفي مرفوع محمد بن بزيع: «من تمام العبادة الوَقِيعَةُ في أهل الريب»(3). ولو قيل بهذا لكان حسناً.

(ولو قال لكافر أُمه مسلمةٌ : يا ابن الزانية، فالحد لها)؛ لاستجماعها لشرائط وجوبه دون المواجه، (فلو) ماتت أو كانت ميتةً (ووَرِثَها الكافِرُ فلا حدَّ)؛ لأنّ المسلم لا يُحدّ للكافر بالأصالة فكذا بالإرث. ويُتصوّر إرث الكافر للمسلم على تقدير موت المسلم مرتدّاً عند الصدوق(4)، وبعض الأصحاب(5)، أما عند المصنّف فغير واضح ، وقد فَرَض المسألة كذلك في القواعد(6)، لكن بعبارة أقبل من هذه للتأويل.

(ولو تَقاذَفَ المحصنان) بما يوجب الحدَّ (عُزّرا ) ولا حد على أحدهما؛ لصحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : «أُتِيَ أمير المؤمنين (عليه السلام)برجلين قَذَف كلُّ واحدٍ منهما صاحبه بالزنى في بدنه ، فقال : يُدرَاً عنهما الحد، وعَزَّرهما»(7).

(ولو تَعدَّد المقذوفُ تَعدَّد الحدُّ سواء اتّحد القاذف أو تَعدَّد)؛ لأنّ كلَّ واحد سبب تام في وجوب الحد فيتعدد المسبب. (نعم، لو قَذَف) الواحد (جماعةً بلفظ

ص: 292


1- القواعد والفوائد، ص 355(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
2- الأمالي الصدوق، ص 42، المجلس 10، ح 7.
3- أورده ابن إدريس في مستطرفات السرائر، ج 3، ص 644.
4- المقنع، ص 508
5- نقله عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 121، المسألة 50.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 545.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 79 ، ح 307.

واحدٍ) بأن قال أنتم زُنَاةٌ، ونحوه (واجتمعوا في المطالبة) له بالحدّ (فحدُّ واحد، وإن افترقوا) في المطالبة (فلكلّ واحد حد)؛ لصحيحة جميل عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم في رجل افترى على قومٍ جماعةً، فقال: إن أتَوْا به مجتمعِينَ ضُرِب حداً واحداً، وإن أتوا به متفرّقِينَ ضُرِب لكلّ واحد حدّاً »(1).

وإنما حملناه على ما لو كان القذف بلفظ واحدٍ مع أنّه أعم، جمعاً بينه وبين صحيحة الحسن العطار عنه في رجل قَذَف قوماً جميعاً، قال: «بكَلِمَةٍ واحدةٍ؟ قلت : نعم. قال: يضرب حداً واحداً، وإن فَرَّق بينهم في القذف ضُرِب لكلّ واحد منهم حدّداً »(2)بحمل الأولى على ما لو كان القذف بلفظ واحد والثانية على ما لو جاؤوا به مجتمعين.

وابن الجنيد عكس فجعل القذف بلفظ واحدٍ موجِباً لاتحاد الحدّ مطلقاً، وبلفظ متعدّدٍ موجِباً للاتحاد وإن جاؤوا به ،مجتمعين وللتعدُّد إن جاؤوا متفرِّقِينَ(3)، ونَفَى عنه في المختلف البأس؛ محتجاً بدلالة الخبر الأول عليه، وهو أوضح طريقاً(4).

وفيه نظر؛ لأنّ تفصيلَ الأوّل شامل للقذف المتحدِ والمتعدّد، فالعمل به يوجب التفصيل فيهما. والظاهر أنّ قولَه فيه «جماعةً» صفةٌ للقوم؛ لأنّه أقرب وأنسب بالجماعة، لا للقذف، وإنّما يتجه قوله لو جُعِل صفةٌ للقذف المدلول عليه بالفعل، وأريد بالجماعة القذف المتعدّد، وهو بعيد جداً.

(وكذا الكلام في التعزير) فيُعزر قاذف الجماعة بما يوجبه بلفظ متعدّدٍ متعدّداً مطلقاً، وبمتحد إن جاؤوا به متفرّقين، ومتحداً إن جاؤوا به مجتمعين، ولا نص فيه على الخصوص، ومِن ثَمَّ أَنكره ابن إدريس وأوجب التعزيز لكلّ واحد مطلقاً محتجاً بأنه

ص: 293


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 68 - 69 ، ح 254.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 69، ح 256.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ج 9، ص 269، المسألة 121.
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 270، المسألة 121.

قياس(1)، ونحن نقول بموجبه إلا أنه قياس مقبول؛ لأنّ تداخل الأقوى يُوجِب تداخل الأضعف بطريق أولى، ومع ذلك فقول ابن إدريس لا بأس به.

وبَقِيَ في هذا الفصل (مسائلُ:)

[المسألة الأُولى :] ( حد القذف ثمانون (جلدةً) إجماعاً، ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَتِ ﴾ إلى قوله : ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَنِينَ جَلْدَةٌ ﴾(2). ولا فرق في القاذف بين الحر والعبد على أصح القولين(3)، ومن ثُمَّ أطلق. ويُجلد القاذف (بثيابه) المعتادة ولا يُجَرَّد كما يُجرَّد الزاني، ولا يُضرب به ضرباً شديداً بل حداً (متوسطاً دون ضرب الزنى ويُشهر) القاذف (التُجتنب شهادته).

[المسألة الثانية:] (ويثبت )القذف (بشهادة عدلين) ذكرين، لا بشهادة النساء منفرداتٍ ولا منضمّاتٍ وإنْ كَتُرْنَ، (والإقرارِ مرّتين من مكلّف حرّ مختار)، فلا عبرة بإقرار الصبي والمجنون والمملوك مطلقاً والمكره عليه. ولو انتفت البينة والإقرار فلا حد ولا يمين على المنكر.

( وكذا ما يوجب التعزير) لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين عدلين أو الإقرار من المكلّف الحرّ المختار. ومقتضى العبارة اعتباره مرتين مطلقاً، وكذا أطلق غيرُه(4) ، مع أنه قد تقدَّم حكمه بتعزير المقرّ باللواط دون الأربع الشامل للمرّة(5)، إلا أن يُحمّل ذاك على المرتين

ص: 294


1- السرائر، ج 3، ص 535
2- النور (24): 4
3- تقدما في ص 290، الهامش 3.
4- منهم: العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 548؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 407، الرقم 6961.
5- تقدّم في ص 281

فصاعداً. وفي الشرائع نَسَب اعتبار الإقرار به مرّتين إلى «قول» (1)مُشيراً بتمريضه ولم نقف على مستند هذا القول.

المسألة الثالثة ] (وهو) أي حد القذف (موروث) لكلّ مَن يَرِثُ المالَ من ذَكَر وأُنثى لو مات المقذوفُ قبل استيفائه والعفو عنه إلا للزوج والزوجة. وإذا كان الوارث جماعةً) فلكلّ واحد منهم المطالبة به ، فإن اتَّفقوا على استيفائه فلهم حد واحدٌ وإن تفرَّقوا في المطالبة ، ولو عفا بعضُهم (لم يسقط) شيء منه (بعفو البعض) بل للباقِينَ استيفاؤُه كاملاً، على المشهور(2) .

المسألة الرابعة] (ويجوزالعفو) من المستحِق الواحدِ والمتعدِّدِ (بعد الثبوت كما يجوز قبله)، ولا اعتراض للحاكم؛ لأنه حق آدمي يتوقف إقامته على مطالبته ويسقط بعفوه. ولا فرق في ذلك بين قذف الزوج لزوجته وغيره خلافاً للصدوق حيث حَتَّم عليها استيفاءه(3)، وهو شاد.

[المسألة الخامسة: ] (ويُقتل) القاذفُ (في الرابعة لو تكرر الحد ثلاثاً) على المشهور، خلافاً لابن إدريس حيث حكم بقتله في الثالثة كغيره من أصحاب الكبائر(4) .وقد تقدّم الكلام فيه (5)ولا فرق بين اتحادِ المقذوف وتعدّدِه هنا.

ص: 295


1- شرائع الإسلام، ج 4، ص 154
2- نبه بالمشهور على أن مستند الحكم رواية عمار وهي مع ما يعلم من حاله مقطوعة لكن لا نعلم مخالفاً في ذلك. (منه رحمه الله )
3- المقنع، ص 442.
4- السرائر، ج 3، ص 519.
5- تقدم في ص 282 - 283 .

(ولو تكرّر القذفُ ) لواحد (قبل الحدّ فواحدٌ)، ولو تعدّد المقذوف تعدد الحد مطلقاً، إلا مع اتحاد الصيغة، كما مرّ.

[المسألة السادسة :] (ويَسقُط الحدُّ بتصديق المقذوف) على ما نَسَبه إليه من الموجب للحدّ؛ (والبيّنة) على وقوعه منه؛ (والعفو) أي عفو المقذوف عنه، (وبلعان الزوجة) لو كان القذف لها.

وسقوط الحدّ في الأربعة لا كلام فيه، لكن هل يسقط مع ذلك التعزير؟ يحتمله خصوصاً في الأخيرين؛ لأن الواجب هو الحد وقد سقط، والأصل عدم وجوب غيره. ويُحتمل ثبوتُ التعزير في الأوّلين؛ لأنّ قيامَ البيِّنة والإقرار بالموجب لا يُجَوِّز القذف؛ لما تقدَّم من تحريمه مطلقاً، وثبوتِ التعزير به للمتظاهر بالزنى فإذا سَقَط الحدُّ بَقِيَ التعزير على فعل المحرم وفي الجميع؛ لأنّ العفو عن الحد لا يستلزم العفو عن التعزير، وكذا اللعان لأنه بمنزلة إقامة البينة على الزنى.

ولو قُذف المملوك فالتعزير له لا للمولى، فإن عفا لم يكن لمولاه المطالبة، كما أنّه لو طالب فليس لمولاه العفو، (و) لكن (يَرِث المولى تعزير عبده) وأمته (لومات) المقذوف (بعد قذفه)؛ لما تقدَّم من أنّ الحدّ يُورث والمولى وارث مملوكه (1).

[المسألة السابعة: ]( ولا يُعزر الكفّارُ لو تنابزوا بالألقاب(2)) أي تداعوا بألقاب

ص: 296


1- تقدّم في ص 295 .
2- التنابز بالألقاب التداعي بها إذا كانت مشتملة على الذم والقول بعدم تعزيرهم على ذلك مع أن المسلم يستحق التعزير به هو المشهور بين الأصحاب، بل لم يذكر كثير منهم فيه خلافاً، وكأن وجهه تكافؤ السبب والهجاء من الجانبين. كما يسقط الحد عن المسلمين بالتقاذف لذلك، ولجواز الإعراض عنهم في الحدود والأحكام. فهاهنا أولى. نعم، لو خشي وقوع فتنة بينهم بسبب ذلك فله حسمها بما يراه الحاكم من ضربهم أو بعضهم دفعاً للفتنة ولفعلهم المحرّم، ونسب في الشرائع الحكم إلى القيل مؤذناً بعدم قبوله ، ووجهه أنّ ذلك فعل محرم يستحق فاعله التعزير، والأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله، بل يجب على كلّ منهما ما اقتضى فعله، فسقوطه يحتاج إلى دليل كما يسقط الحدّ عن المتقاذفين بالنص.( زين رحمه الله )

الذمّ، (أو عَيَّر بعضُهم بعضاً بالأمراض )من العَوْرِ والعَرّج وغيرهما وإن كان المسلم يستحق بها التعزير، (إلّا مع خوف) وقوع (الفتنة) بترك تعزيرهم على ذلك فيُعزّرون حَسْماً لها بما يراه الحاكم.

( ولا يُزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط(1) ، وكذا المملوك) سواء كان التأديبُ لقذفٍ أم غيره. وهل النهي(2) عن الزائد على وجه التحريم أم الكراهة؟ ظاهره الأول، والأقوى الثاني للأصل، ولأن تقدير التعزير إلى ما يراه الحاكم .

[المسألة الثامنة: ] (ويُعزّر كلَّ مَن تَرَك واجباً أو فَعَل محرَّماً) قبل أن يتوب (بما يراه الحاكم، ففي الحر لا يبلغ حدَّه) أي مطلق حده، فلا يبلغ أقله وهو خمسة وسبعون. نعم، لو كان المحرَّمُ من جنس ما يوجب حداً مخصوصاً كمقدمات الزني فالمعتبر فيه حد الزنى؛ وكالقذف بما لا يُوجب الحد فالمعتبر فيه حد القذف. (وفي) تعزير (العبد لا يبلغ حده) كما ذكرناه.

[المسألة التاسعة:] (وساب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أو أحد الأئمة(عليهم السلام) يُقتل)، ويجوز قتله لكلّ مَن اطَّلَعَ عليه (ولؤ من غير إذن الإمام) أو الحاكم (ما لم يَخَف) القاتل (على نفسه أو ماله، أو على مؤمن) نفساً أو مالاً، فينتفي الجواز للضرر. قال الصادق(عليه السلام) : «أخبرني أبي أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : الناسُ فِي أسوة سواءٌ، مَن سَمِع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يَقتُل مَن شَتَمَني ولا يَرفَع إلى السلطان، والواجب على السلطان إذا

ص: 297


1- وفي رواية حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله(عليه السلام)في أدب الصبي والمملوك قال: «خمسة أو ستة فأرفق» وبمضمونها ... غير الشيخ في النهاية ولم يذكر بلوغ العشرة وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)أن صبيان... الكتاب القوا ألواحهم بين يديه (عليه السلام)ليخبر بينهم فقال: «إنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم أنّ ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه». (منه رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 149 ، ح 597 و 599.

رفع إليه أن يَقتُل مَن نالَ منّي».(1)

وسُئِل (عليه السلام)عمّن سمع يَشتُم عليّاً وبَرِئَ منه ، قال : فقال: «هو والله حلال الدم، وما ألْفُ رجلٍ منهم برجل منكم، دعه»(2). وهو إشارة إلى خوف الضرر على بعض المؤمنين.

وفي الحاق باقي الأنبياء(عليهم السلام) بذلك وجه قوي(3) ؛ لأنّ تعظيمهم وكمالَهم قد عُلِم من دين الإسلام ضرورةً فستهم ارتداد وألحق في التحرير بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أُمَّه وبنته(4) من غير تخصيص بفاطمة (عليها السلام)، ويمكن اختصاص الحكم بها (عليه السلام)؛ للإجماع على طهارتها بآية التطهير(5).

وينبغي تقييد الخوف على المال بالكثيرِ المضرّ فوتُه؛ فلا يَمنَع القليلُ الجواز وإنْ أمكن منعُه الوجوب. وينبغي إلحاق الخوف على العِرْض بالشتم ونحوه على وجه لا يُتَحمَّل عادةً بالمال، بل هو أولى بالحفظ.

[المسألة العاشرة:] (ويُقتل مدّعي النُّبُوَّةِ) بعد نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم)؛ لثبوت ختمِه (صلی الله علیه وآله وسلم)للأنبياء من الدين ضرورةً، فيكون دعواها كفراً. (وكذا) يُقتل (الشاكٌ في نُبُوَّة نبينا محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) أو في صدقه إذا كان على ظاهر الإسلام احترز به عن إنكار الكفّار لها كاليهود

ص: 298


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 84، ح 331
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 86، ح 335.
3- أورد السيد عليّ (رحمه الله) على هذا أن الدليل غير مطابق للدعوى، وأراد به أن سابّ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة يلحق به سابّ الأنبياء والساب الأوّل غير مختص بالمسلم والتعليل مختص بالمسلم. ويمكن الجواب بأن الدليل يقتضي أن الإلحاق للمسلم فقط فإنّ ما علم من دين الإسلام ضرورة لا يستلزم خلافه من الكافر قتله، ودليل ساب نبينا لما كان مطلقاً أبقي على إطلاقه. وبالجملة فالدليل منبه على خصوص الدعوى بساب باقي الأنبياء ، ولا فرق في الساب الأول بين المسلم والكافر البتة؛ لعموم النص. وقد روي عن علي : يهودية كانت تشتم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)وقد تقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) دمها. (زین رحمه الله)
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 410، الرقم 6970.
5- الأحزاب (33): 33

والنصارى فإنّهم لا يُقتلون بذلك، وكذا غيرُهم من فِرَقِ الكفار، وإن جاز قتلهم بأمرٍ آخَرَ.

[المسألة الحادية العشرة:] (ويُقتل الساحرُ) وهو مَن يَعمَل بالسحر وإنْ لم يكن مُستَحِلاً (إن كان مسلماً، ويُعزّر) الساحرُ (الكافر). قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «ساحر المسلمين يُقتل وساحر الكفّار لا يُقتل». قيل: يا رسول الله ولمَ لا يُقتل ساحر الكفّار ؟! فقال: «لأنّ الكفر أعظم من السحر، ولأنّ السحر والشرك مقرونان»(1).

ولو تاب الساحرُ قبل أن يُقام عليه الحدُّ سَقَط عنه القتل، لرواية إسحاق بنِ عمّار عن الصادق(عليه السلام): «أنّ عليّا(عليه السلام) كان يقول : مَن تَعلَّم من السحر شيئاً كان آخر عهده بربّه، وحده القتلُ إلّا أن يتوب»(2). وقد تقدَّم في كتاب البيع تحقيق معنى السحر وما يَحرُم منه.

المسألة الثانية العشرة ] وقاذفُ أُمّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)) مرتد (يُقتل) إن لم يتب، (ولو تاب لم تُقبل توبته (إذا كان ارتداده عن فطرة) كما لا تقبل توبته في غيره على المشهور والأقوى قبولها وإنْ لم يَسقط عنه القتل، ولو كان ارتداده عن ملّة قُبِل إجماعاً. وهذا بخلاف ساب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فإنّ ظاهر النص(3)والفتوى(4) وجوب قتله وإن تاب ومِن ثَمَّ قيَّده هنا خاصةً، وظاهرُهم أنّ سابَ الإمام كذلك.

ص: 299


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 147 ، ح 583.
2- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 147 - 148 ، ح 586.
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 84 - 86، ح 331 - 334.
4- شرائع الإسلام، ج 4، ص 154: قواعد الأحكام، ج 3، ص 548.

الفصل الرابع في الشرب أي شربِ المُسْكِر

ولا يختص عندنا بالخمر، بل يَحرُم جنسُ كلّ مسكر ، ولا يختص التحريمُ بالقَدرِ المسكر منه (فما أسكَر (جنسه أي كان الغالب فيه الإسكار وإن لم يُسكر بعض الناس لإدمانه أو قلة ما تَناوَلَ منه أو خروج مِزاجه عن حد الاعتدال (يحرم) تناولُ (القطرة منه) فما فوقها.

(وكذا) يحرُم (الفقاع) وإن لم يُسكر؛ لأنه عندنا بمنزلة الخمر، وفي بعض الأخبار : هو خمر مجهول» (1)، وفي آخَرَ: «هو خمر استصغره الناس»(2). ولا يختص التحريمُ بتناولهما صرفاً، بل يحرُمان (ولوْ مُزجَا بغيرهما) وإن استهلكا بالمزج.

(و) كذا يحرم عندنا (العصيرُ) العنبيُّ (إذا غلا) بأن صار أسفله أعلاه (واشتدّ) بأن أَخَذ فى القوام وإن قل، ويتحقق ذلك بمسمّى الغليان إذا كان بالنار.

واعلم أنّ النصوص(3)وفَتوَى الأصحاب (4)، ومنهم المصنّف(5) في غير هذه العبارة مصرحة بأن تحريم العصير معلق على غليانه من غير اشتراط اشتداده. نعم، مَن حَكَم بنَجاسته جَعَل النّجاسة مشروطة بالأمرين. والمصنّف هنا جَعَل التحريمَ مشروطاً بهما،

ص: 300


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 125 - 126، ح 544.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 125 ، ح 540 فيه «خميرة ».
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 119 - 120 ، ح 513 - 515.
4- منهم الشيخ في النهاية، ص 591 وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 433؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3. ص 331 و 550
5- تقدّم في ص 154، كتاب الأطعمة والأشربة.

ولعلّه بَناهُ على ما ادعاه في الذكرى(1) مِن تلازم الوصفين، وأنّ الاشتداد مسبب عن مسمّى الغليان فيكون قيد الاشتداد هنا مؤكداً، وفيه نظر.

والحقُّ أنّ تلازمهما مشروط بكون الغليان بالنار كما ذكرناه، أما لو غلا وانقَلَب بنفسه فاشتداده بذلك غير واضح. وكيف كان فلا وجه لاشتراط الاشتداد في التحريم؛ لما ذكرناه من إطلاق النصوص بتعليقه على الغليان(2)، والاشتداد وإنْ سُلّم ملازمته لا دخل له في سببية التحريم. ويمكن أن تكون النكتة في ذكر المصنّف له اتفاق القائل بنجاسته على اشتراطه فيها، مع أنه لا دليل ظاهراً على ذلك مطلقاً كما اعترف به المصنِّفُ في غير هذا الكتاب(3)، إلا أن يجعلوا الحكم بتحريمه دليلاً على نجاسته كما ينجس العصير لما صار خمراً وحَرُم وحينئذٍ فتكون نجاسته مع الاشتداد تقتضي الحكم بتحريمه معه لأنها مرتبة عليه.

وحيث صرحوا باعتبار الاشتداد في النجاسة(4)، وأطلقوا القول بالتحريم(5) بمجرد الغليان لَزِم أحد الأمرين: إما القولُ بعدم ترتب النجاسة على التحريم، أو القولُ بتلازم الاشتداد والغليان، لكن لما لم يظهر للنجاسة دليل سوى التحريم الموجبِ لظنّ كونه كالخمر وغيره من الربوباتِ المُسكِرَة، لَزِم اشتراك التحريم والنجاسة في معنىً واحدٍ وهو الغليان مع الاشتداد ولمّا كانا متلازمين - كما ادعاه - لم يُنافِ تعليق التحريم على الغليان تعليقه على الاشتداد للتلازم لكن في التصريح بتعليقه عليهما تنبية على مأخذ الحكم، وجمع بين ما أطلقوه في التحريم وقيدوه في النجاسة. وهذا حسن لو كان صالحاً لدليل النجاسة، إلا أنّ عدم دَلالته أظهر، ولكن المصنّف في البيان

ص: 301


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 4 - 75 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- تقدم آنفاً .
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 28؛ البيان، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11 و 12).
4- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 44؛ والمعتبر، ج 1، ص 424.
5- منهم الشيخ في النهاية، ص 591؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 177؛ والعلّامة في قواعد الأحكام ج 3، ص 550

اعترف (1)بأنه لا دليل على نجاسته إلّا ما دَلَّ على نجاسة المسكر وإن لم يكن مسكراً ،فرَتَّب بحثه عليه.

(و) إنّما يَحرُم العصير بالغليان إذا (لم يَذهَب ثُلثاه) به (ولا انقَلَب خَلاً) فمتى تحقَّق أحدُهما حَلَّ وتَبِعَثه الطهارة أيضاً. أما الأوّل فهو منطوق النصوص(2)، وأما الثاني فللانقلاب إلى حقيقةٍ أُخرى وهي مُطَهَّرة؛ كما لو انقلب الخمرُ خَلاً مع قوة نجاسته بالإضافة إلى العصير.

ولو صار دبساً قبل ذهاب الثلثين ففي طهره وجهان: أجودهما العدم - مع أنه فرض نادر - عملاً بالاستصحاب مع الشكّ في كون مثل ذلك مطهراً.

(ويجب الحد ثمانون جلدة بتناوله) أي تناول شيء مما ذكر من المسكر والفاع والعصير، وفي إلحاق الحشيشة بها قول حسن(3)، مع بلوغ المتناول وعقله واختياره وعليه (وإنْ كان كافراً إذا تَظاهَرَ) به، أما لو استَتَر أو كان صبياً أو مجنوناً أو مكرهاً أو مضطَراً لِحفْظِ الرَمَق أو جاهلاً بجنسه أو تحريمه فلا حد. وسيأتي التنبيه على بعض القيود. ولا فرق في وجوب الثمانين بين الحر والعبد على الأشهر؛ لرواية أبي بصير(4)، وبُريد بن معاوية(5)، وزرارة(6)، عن الصادق(عليه السلام) .

(وفي العبد قول) للصدوق (بأربعين) جلدةٌ نصف(7)الحرّ، ونفى عنه في المختلف البأس(8)، وقواه المصنّف في بعض تحقيقاته(9)؛ لرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله(عليه السلام)

ص: 302


1- البيان، ص 86 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 120 - 121، ح 516 - 520.
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 322
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 91 ، ح 354.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 90، ح 348.
6- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 90، ح 346 فيه: زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام).
7- المقنع، ص 154 : الفقيه، ج 4، ص 56، ذيل الحديث 5092.
8- مختلف الشيعة، ج 9، ص 211، المسألة 71
9- حاشية القواعد، ص 607 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

في عبد مملوك قَذَف حرّاً، قال: «يُحَدٌ ثمانين، هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله عزّ وجلّ، فإنّه يُضرب نصف الحدّ». قلت: الذي من حقوق الله عزّ وجلّ ما هو ؟ قال: «إذا زَنى أو شرب الخمر، فهذا من الحقوق التي يُضرب فيها نصفُ الحدّ» (1). وحمله الشيخ على التقيّة(2)، ورَوَى يحيى بن أبي العلاء عنه(عليه السلام): «أنّ حدّ المملوك نصفُ حد الحرّ»(3). من غير تفصيل، وخصه بحد الزنى. والتحقيق أنّ الأحاديث من الطرفين غيرُ نقيّة الأسناد، وأنّ خبرَ التنصيف أوضح، وأخبارُ المساواة أشهر.

( ويُضرب الشاربُ) ومَن في معناه (عارياً) مستور العورة (على ظهره وكتفيه) وسائر جسده،(ويُتَقَى وجهه وفرجه ومَقاتِلُه ، ويُفَرَّق الضربُ على جسده) غير ما ذُكِر.

(ولو تكرّر الحدُّ قُتِل في الرابعة)؛ لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً «أنّه يُقتل فى الرابعة »(4): ولأنّ الزنى أعظمُ منه ذنباً وفاعله يُقتل فى الرابعة - كما مَضَى - فهنا أولى. وذهب الأكثر إلى قتله في الثالثة(5): للأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في ذلك بخصوصه(6)، وصحيحة يونس عن الكاظم(عليه السلام): يُقتل أصحاب الكبائر كلّهم في الثالثة إذا أُقيم عليهم الحد مرتين»(7). وهذا أقوى والمرسل غير مقبول مطلقاً، خصوصاً مع معارضة الصحيح، ويُمنَع قتلُ الزاني في الرابعة، وقد تقدّم(8).

(ولو شَرِب مِرارا) ولم يُحَدٌ (فواحدٌ) كغيره مما يوجب الحدَّ.

ص: 303


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 72 - 73، ح 275، وص 92، ح 357.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 92 ، ذيل الحديث 356؛ الاستبصار، ج 4، ص 237، ذيل الحديث 894
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 93 ، ح 358
4- الفقيه، ج 4 ص 56 ذيل الحديث 5092
5- منهم: المفيد في المقنعة، ص 801؛ والشيخ في النهاية، ص 712؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 536.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 94 - 97، ح 361 - 373.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 95-96، ح 369.
8- تقدم في ص 283.

(ويُقتَل مستحِلُّ الخمر إذا كان عن فطرة) ولا يُستتاب؛ لأنّه مرتد من حيث إنكاره ما عُلِم من دين الإسلام ضرورةً (وقيل) والقائل :الشيخان: (يُستتاب) شاريها عن فطرة، فإن تاب وإلا قتل(1). والأقوى الأول. نعم، لو كان عن ملّة استُتِيبَ قطعاً كالارتداد بغيره فإن تاب وإلا قُتِل وتُستتاب المرأة مطلقاً.

(وكذا يستتاب) الرجلُ (لو استَحَلَّ بيعها، فإن امتنع) من التوبة (قتل) كذا أطلقه المصنّف وغيره (2)من غير فرق بين الفطري والملي. ولو باعَها غير مستحِلّ عُزر.

(ولا يُقتَل مستحِلٌ) شرب (غيرها) أي غير الخمر من المسكرات؛ للخلاف فيه بين المسلمين، وهو كافٍ في عدم كفر مستحِله وإنْ أجمعنا على تحريمه. وربما قيل بإلحاقه بالخمر(3)وهو نادر، وأولى بالعدم مستحِلُّ بيعه.

(ولو تاب الشاربُ) للمسكر (قبل قيام البينة) عليه (سَقط الحد) عنه، ( ولا يَسقُط) الحدُّ لو كانت توبته (بعدها) أي بعد قيام البينة؛ لأصالة ،البقاء، وقد تقدَّم مثله. (و) لو تاب (بعد إقراره) بالشرب (يَتخيَّر الإمام) بين إقامته عليه والعفو؛ لأنّ التوبة إذا أَسقَطَتْ تَحْتُمَ أقوى العقوبتين وهو القتل فإسقاطها لأدناهما أولى. وقيل: يختص الحكم بما يوجب القتل(4)، ويَتَحَتَّم هنا استيفاؤه عملاً بالأصل والأول أشهر.

(ويثبت) هذا الفعلُ (بشهادة عدلين أو الإقرارِ مرّتين) مع بلوغ المقر وعقله واختياره وحريته. (ولو شَهِد أحدهما بالشرب والآخَرُ بالقَيء قيل: يُحَدِّ(5)؛ لما رُوي عن عليّ(عليه السلام)) في حق الوليد لما شهد عليه واحد بشربها وآخَرُ بقيتها، فقال(عليه السلام): («ما قاءَها إلا وقد شَرِبها»)(6). قال المصنف (رحمه الله) في الشرح : عليها

ص: 304


1- المقنعة، ص 799؛ النهاية، ص 711 - 712.
2- كالقاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 536: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 157.
3- قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 413.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 479.
5- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4 ص 157
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 280 ، ح 772

فتوى الأصحاب ولم أقف فيه على مخالف(1).

لكن العلّامة جمال الدين بن طاوس قال في الملاذ لا أَضمَنُ دَركَ طريقه(2). وهو مشعر بالتوقف، وكذلك العلّامة استشكل الحكم في القواعد(3) من حيث إنّ القيء وإنْ لم يَحتمل إلا الشربَ إلَّا أنّ مطلق الشرب لا يوجب الحد؛ لجواز الإكراه. ويندفع بأنّ الإكراة خلافُ الأصل، ولأنه لو كان كذلك لادّعاه. ويلزم من قبول الشهادة كذلك قبولها لو شهدا معاً بالقيء؛ نظراً إلى التعليل المذكور.

وقد يُشكل ذلك بأنّ العمدة في الأوّل الإجماع كما ادّعاء ابن إدريس(4)، وهو منفي في الثاني، واحتمال الإكراه يوجب الشبهة وهى تدرأ الحد، وقد عُلم ما فيه. نعم، يُعتبر إمكان مجامعة القيء للشرب المشهود به فلو شهد أحدهما أنّه شَرِبها يومَ الجمعة والآخَرُ أنّه قاءها قبل ذلك أو بعده بأيام لم يُحدّ؛ لاختلاف الفعل ولم يقم على كل فعل شاهدان.

(ولو ادَّعى الإكراه قبل )لاحتماله، فيُدرَاً عنه الحدُّ لقيام الشبهة (إذا لم يُكَذِّبه الشاهد) بأن شَهد ابتداءً بكونه مختاراً أو أطلق الشهادةَ بالشرب أو القيء، ثمّ كذَّبه في الإكراه لما ادعاه.

( ويُحدّ معتقدُ حِلّ النبيذ) المتَّخَذِ من التمر (إذا شَرِبه) ولا يُعذر في الشبهة بالنسبة إلى الحد وإنْ أفادَتْه دَرْءَ القتل؛ لإطلاق النصوص الكثيرة بحد شاربه كالخمر(5)، وأولى بالحدّ لو شَرِبه مُحَرّماً له، ولا يُقتل أيضاً كالمستحِلّ.

( ولا يُحَدّ الجاهلُ بجنس المشروب) فاتَّفق مسكراً ؛(أو بتحريمه لقرب إسلامه) أو نُشوه(6) في بلاد بعيدة عن المسلمين يَستحِلُ أهلها الخمرَ فلم يعلم تحريمه، والضابط

ص: 305


1- غاية المراد، ج 4، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
2- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 553
4- السرائر، ج 3، ص 475
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 93 - 96 ، ح 360 - 372 .
6- كذا في النسخ وهو مهموزاً «النشء» اسم مصدر ومصدره: «النشوء». وفي نسخة كلانتر «أو نشوئه».

إمكانه في حقه،( ولا من اضطَرَّه العطش) أو اضطر (إلى إساغة اللقمة بالخمر) بحيث خاف التلف بدونه.

(ومَن استَحَلّ شيئاً من المحرَّماتِ المُجمع عليها) من المسلمين بحيث علم تحريمها من الدين ضرورةً

(كالميتة والدم والربا ولحم الخنزير) ونكاح المحارم وإباحة الخامسة والمعتدة والمطلقة ثلاثاً، (قُتِل إن وُلِد على الفطرة)؛ لأنه مرتد، وإن كان مليّاً استتيب فإن تاب وإلا قتل. كلُّ ذلك إذا لم يَدَّعِ شبهةً ممكنةٌ في حقه وإلا قبل منه.

ويُفهم من المصنفِ وغيره (1)أنّ الإجماع كافٍ في ارتداد معتقدِ خلافه وإن لم يكن معلوماً ضرورةً، وهو يُشكل في كثير من أفراده على كثير من الناس.

(ومن ارتكبها غير مستحِلّ) لها (عُزّر ) إن لم يجب الحد كالزنى والخمر، وإلا دَخَل التعزيز فيه، وأمثلة المصنّف مستغنيةٌ عن القيد وإن كان العموم مفتقراً إليه.

(ولو أَنفَذَ الحاكم إلى حامل لإقامة حدّ فأَجْهَضَتْ) أي أسقَطَتْ حملها خوفاً (فديته) أي دية الجنين (في بيت المال) : لأنّه من خطأ الحُكّام في الأحكام، وهو محله (وقضى علي(عليه السلام)في مُجْهِضة خَوَّفَها عُمَرُ) حيث أرسل إليها ليقيم عليها «الحدَّ : أنّ دية جنينها (على عاقلته)»(2)أي عاقلة عمر، لا في بيت المال.

(ولا تَنافِيَ بين الفتوى) بكون صدوره عن إنفاذ الحاكم في بيت المال (والرواية) لأنّ عمر لم يكن حاكماً شرعياً، وقد تَسَبَّب بالقتل خطأ فتكون الدية على عاقلته، أو لأنّ عمر لم يُرسل إليها بعد ثبوت ما ذكر عنها، ولعلّ هذا أولى بفعل عليّ(عليه السلام)، لأنه ما كان في وقته يتجاهر بمعنى الأوّل، ولا كان يُقبل ذلك منه خصوصاً بعد فتوى جماعة من

ص: 306


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 713؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 157؛ والعلّامة في قواعد الأحكام. ج 3، ص 553.
2- الإرشاد، المفيد، ج 1، ص 205 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد. ج 11).

الصحابة بخلاف قوله ونسبته(عليه السلام) إياهم إلى الجهل أو الغش، وتعليله بكونه قد قتله خطاً(1).

(ومن قتله الحدُّ أو التعزيز فهَدْرُ) بالسكون، أي لا عِوَض لنفسه سواءٌ كانا الله أم لآدمي؛ لأنه فعل سائغ فلا يَتَعَقَّبه الضمانُ، ولحسنة الحلبي عن الصادق :«أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلادية له»(2). و«أي» من صيغ العموم وكذا«الحد» عند بعض الأصولتين(3).

(وقيل): يُضمَن (في بيت المال)(4)، وهذا القول مجمل قائلاً ومحلاً ومضموناً فيه ،فإنّ المفيد (رحمه الله) قال: يَضمن الإمامُ دية المحدود للناس(5)؛ لما رُوي أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: «مَن ضربناه حدّاً من حدود الله فمات فلادية له علينا، ومن ضربناه حدّاً في شيء من حقوق الناس فمات فإنّ ديته علينا»(6).وهذا القول يدلّ على أن الخلاف في حدّ الناس، وأنّ الضمان في بيت مال الإمام لا بيت مال المسلمين. وفي الاستبصار: الدية في بيت المال جمعاً بين الأحاديث(7). ويظهر من المبسوط أنّ الخلاف في التعزير(8)-وصرح به غيرُه (9)- بناءً على أنّ الحدّ مقدَّرُ والتعزيز اجتهادي، وفيه نظر؛ لأنّ التعزير ربما كان من إمام معصوم لا يفعل بالاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ. والحق أن الخلاف فيهما معاً، وأن عدم الضمان مطلقاً أوجَهُ؛ لضعف مستمسك الضمان(10).

(ولو بانَ فُسوقُ الشهود) بفعل يوجب القتل (بعد القتل ففي بيت المال) - مال المسلمين - دية المقتول؛ لأنه من خطأ الحاكم) ولا ضمان على الحاكم ولا على عاقلته.

ص: 307


1- الإرشاد، المفيد، ج 1، ص 205 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 206، ح 813
3- حكاه عن أبي علي الجبائي السيد المرتضى في الذريعة إلى أُصول الشريعة، ج 1، ص 200.
4- قال به الشيخ في الاستبصار، ج 4 ص 279. ذيل الحديث 56.
5- المقنعة، ص 743
6- الكافي، ج 7، ص 292، باب من لا دية له، ح 10.
7- الاستبصار، ج 4، ص 279 ذیل الحدیث 1 - 2
8- المبسوط، ج 5، ص 405
9- صرّح به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 516.
10- تقدم في الهامش 6.

الفصل الخامس في السَرِقَة

( ويتعلَّق الحكم) وهو هنا القطع (بسرقة البالغ العاقل) المختار(من الحرز بعد هَتْكه) وإزالته (بلا شبهة) موهمةٍ للملك، عارضة للسارق أو للحاكم، كما لو ادَّعَى السارقُ مِلكه مع علمه باطناً بأنه ليس ملكه (رُبعَ دينار) ذَهَب خالص، مضروب بسكة المعاملة (أو) مقدار (قيمته) كذلك (سرّاً) من غير شعور المالك به، مع كون المال المسروق (من غير مالِ وَلدِه) أي ولد السارق (ولا) مالِ (سيده، و) كونه (غير مأكول في عام سَنَتٍ) بالتاء الممدودة، وهو الجذب والمَجاعة، يقال : أَسْنَتَ القومُ إذا أجْدَبُوا.

فهذه عشرة قيود قد أشار إلى تفصيلها بقوله : (فلا قطع على الصبي والمجنونِ) إذا سَرَق(1)كذلك، بل التأديب خاصةً وإِنْ تَكرَّرت منهما السرقة؛ لاشتراط الحد بالتكليف.

وقيل: يُعفا عن الصبي أوّلَ مرّةٍ فإن سَرَق ثانياً أدب، فإن عاد ثالثاً حُكَّت أنامله حتى تَدْمَى، فإن سرق رابعاً قطعت أنامله، فإن سرق خامساً قطع كما يُقطع البالغ(2). ومستند هذا القول أخبارٌ كثيرة صحيحة(3) ، وعليه الأكثر. ولا بُعْدَ في تعيين الشارع نوعاً خاصاً من التأديب؛ لكونه لطفاً وإنْ شارَكَ خطاب التكليف في بعض أفراده.

ص: 308


1- في «م»: «سَرَقا».
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 716؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 418؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 218، المسألة 76
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 118 - 119، ح 472 - 477.

ولو سَرَق المجنون حالَ إفاقته لم يَسقُط عنه الحد بعروض الجنون.

واحترزنا بالاختيار عمّا لو أكره على السرقة فإنّه لا يُقطع. وشَمَل إطلاق الشرطين الذكر والأنثى، والحر والعبد إلا على وجه يأتي، والبصير والأعمى، والمسلم والكافر، المسلم وكافرٍ إذا كان ماله محترماً.

(ولا) قطع (على مَن سرق من غير حِرْزٍ) كالصحراء والطريقِ والرَحا والحمّامِ والمساجد، ونحوها من المواضع المُنْتابة والمأذون في غشيانها، مع عدم مراعاة المالك لماله، (ولا من حرز) في الأصل بعد أن (هَتَكَه غيرُه) بأن فتح قفله أو بابه أو نَقَب جداره فأَخَذ هو فإنّه لا قطع على أحدهما؛ لأنّ المُهَتِّكَ لم يَسرِق والسارق لم يأخُذ من الحرز (ولو تشاركا في الهَتْك بأن نقباء ولو بالتناوب عليه (فَأَخرج أحدهما) المال (قُطِع المُخرِجُ) خاصةً؛ لصدق هَتْكه الحِرْزَ وسرقته منه دون من شارَكَه في الهتك كما لو انفرد به، ولو أخرجاه معاً قطعا إذا بلغ نصيبُ كلّ واحدٍ نِصاباً، وإلا فمَن بلغ نصيبه النصاب؛ وإن بلغ المجموع نصابين فصاعداً، على الأقوى.

وقيل: يكفي بلوغ المجموع نصاباً في قطع الجميع؛ لتحقق سرقة النصاب وقد صدر عن الجميع فيثبت عليهم القطعُ(1) ، وهو ضعيف. ولو اشتَرَكا في الهتك ثمّ أخرج أحدُهما المال إلى قرب الباب فأدخل الآخَرُ يده وأخرجه قطع دون الأوّل، وبالعكس لو أَخرجه الأوّلُ إلى خارجه فحَمَله الآخَرُ.

ولو وضعه في وسط النقب أو الباب فأخَذه الآخَرُ، ففي قطعهما أو عدمه عنهما وجهان أجودُهما الثاني لانتفاء الإخراج من الحرز فيهما، ووجه الأوّل تحققه منهما بالشركة كتحقق الهتك بها.

(ولا مع توهم الملكِ) أو الحِلِّ فظهر غير مالك وغير حلال؛ كما لو تَوَهَّمَه ماله فظهر غيره، أو سرق من مال المديونِ الباذل بقدر ماله معتقداً إباحة الاستقلال

ص: 309


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 804 والسيد المرتضى في الانتصار، ص 531 المسألة 295 والشيخ في النهاية، ص 718 - 719

بالمقاصة، وكذا لو تَوَهُم مِلكه للحرز أو كونهما أو أحدهما لابنه.

(ولو سرق من المال المشترك ما يَظُنُّه قدر نصيبه)وجواز مباشرته القسمة بنفسه (فزاد نِصاباً فلا قطع) للشبهة، كتوهم الملك فظهر عدمه فيه أجمع، بل هنا أولى، ولو عَلِم عدم جواز تَوَلَّي القسمة كذلك قطع إن بلغ نصيبُ الشريك نصاباً، ولا فرق بين قبوله القسمة وعدمه على الأقوى.

(وفي السرقة) أي سرقة بعض الغانمين من مال الغنيمة) حيث يكون له نصيب منها (نظر) منشأه اختلاف الروايات، فروى محمد بن قيس عن الباقر ، عن علي في رجل أخذ بَيضةٌ من المَغْنَم فقال: «إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذ شركة»(1). ورَوَى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق : أنّ أمير المؤمنين قطع في البيضة التي سَرَقها رجلٌ من المَغْنَم»(2)، ورَوَى عبد الله بن سنان عنه أنه قال: «يُنظَر كَم الذي نصيبه، فإذا كان الذي أخذ أقل من نصيبه عُزّر ودفع إليه تمامُ ما لَه، وإن كان الذي أَخَذ مثل الذي له فلا شيء عليه، وإن كان أخذ فضلاً بقدر ربع دينار قطع»(3).

وهذه الرواية أوضح سنداً من الأولين وأوفق بالأصول، فإنّ الأقوى أنّ الغانِمَ يَملك نصيبه بالحيازة فيكون شريكاً، ويلحقه ما تقدَّم من حكم الشريك في توهّمِه حِلَّ ذلك ،وعدمه، وتقييد القطع بكون الزائد بقدر النصاب ولو قلنا بأنّ القسمة كاشفة عن ملکه بالحيازة فكذلك، ولو قلنا إن الملك لا يحصل إلا بالقسمة اتجه القطعُ مطلقاً مع بلوغ المجموع نصاباً، والرواية الثانية تصلح شاهداً له. وفي إلحاق ما للسارق فيه حق كبيتِ

المال ومال الزكاة والخمس نظر. واستقرب العلّامة عدم القطع(4).

(ولا فيما نقص عن ربع دينار ذهباً خالصاً مسكوكاً) بسكة المعاملة عيناً أو قيمة،

ص: 310


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 104 - 105 ، ح 406.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 105، ح 408.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 106، ح 410.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 558.

على الأصح وفي المسألة أقوال نادرة : اعتبار دينار(1)، وخُمسه(2)، ودرهمين(3)، والأخبار الصحيحةُ(4) ؛ دلَّت على الأوّل.

ولا فرق فيه بين عين الذهب وغيره، فلو بلغ العينُ ربع دينارٍ وزناً غير مضروب (5)فلا قطع، ولو انعكس بأن كان شدس دينارٍ مَصُوعَ قيمته ربع قطع على الأقوى.

وكذا لا فرق بين عليه بقيمته أو شخصه وعدمه، فلو ظنَّ المسروق فَلْساً فظهر ديناراً، أو سرق ثوباً قيمته أقل من النصاب فظهر مشتمِلاً على ما يبلغه ولو معه قطع على الأقوى لتحقق الشرط، ولا يقدح عدم القصد إليه؛ لتحققه في السرقة إجمالاً وهو كافٍ، ولشهادة الحال بأنه لو عَلِمه لقصده. وشمل إطلاق العبارة إخراج النصاب دفعةً ومتعدّداً، وهو كذلك إلا مع تراخي الدفعات بحيث لا يُعد سرقة واحدةً، اطلاع المالك بينها فينفصل ما بعده، وسيأتي حكايته لهذا المفهوم (قولاً) مؤذناً بعدم اختياره .

ويُعتبر اتحاد الحرز، فلو أخرج النصابَ من حِرْزَين لم يُقطع، إلا أن يَسْمُلهما ثالث فيكونان في حكم الواحد، وقيل: لا عبرة بذلك؛ للعموم.(6)

(ولا في الهاتك) للحرز (قهراً) أي هتكاً ظاهراً؛ لأنه لا يُعد سارقاً بل غاصباً أو مُسْتَلِباً،(وكذا المُسْتَأْمَن) بالإيداع والإعارة والضيافة وغيرها (لو خان لم يُقطع) لعدم تحقق الهتك ، (ولا من سرق من مال ولده) وإن نزل. وبالعكس) وهو ما لو سرق الولد مال والده وإنْ علا، (أو) سرقت (الأم) مال ولدها (يُقطع) كلُّ منهما؛ لعموم الآية. خرج منه الوالد فيبقى الباقي.

ص: 311


1- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 227، المسألة 83.
2- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 444.
3- حكاه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 227، المسألة 83.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 99 - 102، ح 384 - 394.
5- في بعض النسخ إضافة ففي «ق ، م»: «ولم يبلغ قيمة المضروب» وفي «ن»: «ولم يبلغ قيمته الضروب».
6- قال به القاضي في المهذب، ج 2، ص 541.

وقال أبو الصلاح: لا تُقطع الأُمُّ بسرقة مال ولدها كالأب؛ لأنها أحد الوالدين، ولاشتراكهما في وجوب الإعظام (1)، ونفى عنه في المختلف البأس(2). والأصح المشهور. والجدّ للأُم كالأُمّ.

(وكذا) لا يقطع (من سرق المأكول المذكور) في عام المجاعة (وإن استَوفَى) باقي (الشرائط)؛ لقول الصادق

(عليه السلام): لا يُقطع السارق في عامِ سَنَتٍ، يعني في عام مجاعة»(3). وفي خبر آخَرَ : كان أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يقطع السارق في أيام المجاعة»(4).

وعن الصادق(عليه السلام) قال: «لا يُقطع السارقُ في سَنَتِ المَحْل في شيء يُؤكل مثلِ الخُبْز واللَّحْم وأشباهه»(5)تهذيب الأحكام، ج 10، ص 112، ح 443.(6). والمطلقُ في الأولين مقيَّد بهذا الخبر. وفي الطريق ضعف وإرسال، لكن العمل به مشهورٌ لا راد له.

وأطلق المصنِّفُ وغيره (7)الحكم كذلك من غير تقييد بكون السارق مضطراً إليه ،وعدمه، تبعاً لإطلاق النص. وربما قيَّده بعضُهم بكونه مضطراً وإلا قطع؛ إذ لا دخل للمجاعة مع غِنى السارق (8)، ولا بأس به. نعم لو اشتبه حاله اتَّجه عدمُ القطع أيضاً عملاً بالعموم. وبهذا يندفع ما قيل: إن المضطر يجوز له أخذه قهراً، في عام المجاعة وغيره؛ لأنّ المشتبِة حاله لا يَدخُل في الحكم، مع أنا نَمنَع من جواز أخذ المضطر له قهراً مطلقاً، بل مع عدم إمكان إرضاء مالكه بعوضه كما سبق. وهنا الثابت الحكم بكونه لا يُقطَّع إذا كان مضطراً مطلقاً وإنْ حَرُم عليه أخذه، فالفرق واضح والمراد بالمأكول: قوّةً

ص: 312


1- الكافي في الفقه، ص 411.
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 245 المسألة 96
3- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 112 ، ح 442
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 112 - 113. ح 444.
5-
6-
7- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 545: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 165؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 561.
8- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 371.

أو فعلاً، كما ينبه عليه المثال في الخبر.

( وكذا) لا يقطع (العبد) لو سَرَق مال سيده وإن انتَفَتْ عنه الشبهة، بل يُؤدَّب ، أما لو سرق مال غيره فكالحرّ، (ولو كان العبد من الغنيمة فسرق منها لم يُقطَع)؛ لأن فيه زيادة إضرار. نعم، يُؤدَّب بما يحسم جرأته.

(وهنا مسائل:)

[المسألة]( الأولى: لا فرق بين إخراج) السارق (المتاع بنفسه أو بسببه مثل أن يَشُدَّه بحبل ) ثمّ يَجُرّ به من خارج الحرز، (أو يَضَعَه على دابة) في الحرز ويُخرِجها ،به أو يأمُرَ غيرَ مميّز؛ من صبي أو مجنون (بإخراجه)؛ فإنّ القطع يتوجه على الآمر لا على الصبي والمجنون؛ لضعف المباشر في جنب السبب لأنهما كالآلة.

[المسألة] (الثانية: يُقطع الضيفُ والأجيرُ) إذا سرقا مالَ المُضِيف أو المستأجر مع الإحراز من (دونه أي دون كلّ منهما على الأشهر. وقيل: لا يُقطعان مطلقاً (1)؛ استناداً إلى أخبار (2)ظاهرة في كون المال غير محرز عنهما، فالتفصيل حسن.

نعم، لو أضاف الضيف ضيفاً بغير إذن صاحب المنزل فسرق الثاني قطع؛ لأنه بمنزلة الخارج. (وكذا) يُقطع

(الزوجان) أي كلَّ منهما بسرقة مال الآخر مع الإحراز عنه، وإلا فلا.

(ولو ادَّعى السارقُ الهبة أو الإذن) له من المالك في الأخذ (أو الملكَ حَلَف المالكُ ولا قطع) ؛ لتحقق الشبهة بذلك على الحاكم، وإن انتفت عن السارق في نفس الأمر.

ص: 313


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 717؛ والصدوق في المقنع، ص 447؛ وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 219، المسألة 77
2- راجع وسائل الشيعة، ج 28، ص 271 - 273 و 275 الباب 14 و 17 من أبواب حد السرقة .

[المسألة] (الثالثة: الحرزُ) لا تحديد له شرعاً فيُرجع فيه إلى العرف، وضابطه (ما كان ممنوعاً بغَلَقٍ أو قُفْلٍ) وما في معناه، (أو دَفْنِ في العُمران، أو كان مُراعي) بالنظر ( على قول)(1)؛ لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك. وحكايته قولاً يُشعر بتمريضه، كما ذهب إليه جماعة(2)؛ لقول عليّ :« لا يُقطَع إِلَّا مَن نَقَب نقباً أو كَسَر قفلاً »(3). وفي طريقه ،ضعف، ويمكن أن يقال: لا يتحقق الحرز بالمراعاة إلّا مع النظر إليه، ومع ذلك لا تتحقق السرقة؛ لما تقدَّم من أنّها لا تكون إلا سراً، ومع غفلته عنه ولؤ نادراً لا يكون مراعياً له فلا يتحقق إحرازه بها، فظهر أنّ السرقة لا تتحقق مع المراعاة وإن جعلناها حرزاً.

وللشيخ قول بأن الحرز كلُّ موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول إليه إلا بإذنه(4) ، ويَنتقِض بالدارِ المُفَتَّحَةِ الأبواب في العُمران وصاحبها ليس فيها. وقيل: ما يكون سارقه على خطر خوفاً من الاطلاع عليه(5)، وينتقض بذلك أيضاً. وعلى الأوّل تخرج المراعاة دون الثاني.

والأولى الرجوع فيه إلى العرف وهو يختلف باختلاف الأموال، فحرز الأثمان والجواهر الصناديقُ المُقْفَلةُ والأغلاق الوثيقةُ في العُمران، وحرزُ الثياب وما خَفَّ من المتاعِ وآلاتِ النُحاس الدكاكين والبيوتُ المُقفلة في العُمران، أو خِزانتها المُقفلة وإنْ كانت هي مفتوحةً، والاصطبل حرز للدواب مع الغلق، وحرزُ الماشية في المَرْعَى عينُ الراعي على ما تَقرَّر، ومثله متاع البائع في الأسواق والطرقات.

ص: 314


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 360 و 382.
2- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 483؛ والمحقق في المختصر النافع، ص 436؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 222، المسألة 77
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 109، ح 423.
4- النهاية، ص 417
5- قال به العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 560

واحترز بالدفن في العُمران عما لو وقع خارجه فإنّه لا يُعد حرزاً وإن كان في داخل بيتٍ مُغْلَقٍ؛ لعدم الخطر على سارقه، وعدم قضاء العرف به.

(والجَيْبُ والكُمُ الباطنان حرز ، لا الظاهران). والمراد بالجَيْبِ الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى، والباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقاً، أما الكُمُ الظاهر فقيل: المراد به ما كان معقوداً في خارجه؛ لسهولة قطع السارق له، فيسقط ما في داخله ولو في وقتٍ آخَرَ، وبالباطن ما كان معقوداً من داخل كُمّ الثوب الأعلى أو في الثوب الذي تحته مطلقاً(1).

وقال الشيخ في الخلاف المراد بالجيب الباطن ما كان فوقه قميص آخَرُ، وكذا الكُمّ، سواءٌ شدَّه في الكُمّ من داخل أو(2)من خارج(3)، وفي المبسوط اختار في الكم عكس ما ذكرناه فنقل عن قوم أنه إن جعلها في جوف الكُمّ وشَدَّها من خارج فعليه القطع، وإن جعلها من خارج وشدَّها من داخل فلا قطع، قال: وهو الذي يقتضيه مذهبنا(4) والأخبار(5)في ذلك مطلقة في اعتبار الثوب الأعلى والأسفل، فيُقطع في الثاني دون الأوّل، وهو موافق للخلاف، ومال إليه في المختلف وجَعَله المشهور(6). وهو في الكُمّ حسن، أما في الجَيْب فلا ينحصر الباطنُ منه فيما كان فوقه ثوبُ آخَرُ، بل يصدق به وبما كان في باطن الثوب الأعلى، كما قلناه.

[المسألة] :(الرابعة: لا قطع في) سرقة (الثمر على شجرة) وإن كان محرزاً بحائط وغَلَق ؛ لإطلاق النصوص الكثيرة بعدم القطع بسرقته مطلقاً(7) .

ص: 315


1- انظر الوسيلة، ص 419؛ ومختلف الشيعة، ج 9، ص 247، المسألة 99
2- كذا في المصدر وأكثر النسخ «أم».
3- الخلاف، ج 5، ص 451 ، المسألة 51
4- المبسوط ، ج 5، ص 383
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 115، ح 456.
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 247. المسألة 99
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 110، 130، ح 430 و 521.

(وقال العلّامة )جمال الدين (ابنُ المُطَهَّر رحمه الله) وتبعه ولده فخر المحققين: (إن كانت الشجرة داخل حرزِ فهَتَكه وسَرَق الثمرة قطع(1))؛ لعموم الأدلة الدالة على قطعِ مَن سرق مِن حرز، فيُخَص رواياتُ الثمرة(2) بما كان منها في غير حرز بناءً على الغالب من كون الأشجار في غير حرز كالبساتين والصحاري.

وهذا حسن مع أنه يمكن القدح في الأخبار الدالة على عدم القطع بسرقة الثمر؛ إذ ليس فيها خبر صحيح لكنّها كثيرة، والعمل بها مشهور، وكيف كان فهو غير كافٍ في تخصيص ما عليه الإجماع، فضلاً عن النصوص الصحيحة. ولو كانت مراعاة بنظر المالك فكالمحرزة إن ألحقناه بالحرز.

[المسألة] :(الخامسة: لا يُقطع سارقُ الحرّ وإن كان صغيراً)؛ لأنه لا يُعد مالاً. (فإن باعه قيل) والقائل الشيخ (3)وتبعه العلامة (4): (قطع) كما يُقطع السارق، لكن لا من حيث إنه سارق بل (لفساده في الأرض) وجزاء المفسد القطع (لا حدّاً)بسبب السرقة. ويُشكل بأنّه إن كان مفسداً فاللازم تخيرُ الحاكم بين قتله وقطع يده ورجله من خلاف، إلى غير ذلك من أحكامه، لا تعينُ القطع خاصة.

وما قيل(5) من أنّ وجوب القطع في سرقة المال إنما جاء لحراسته وحراسة النفس أولى فوجوب القطع فيه أولى، لا يتم أيضاً؛ لأنّ الحكم معلّق على مال خاص يُسرَق على وجه خاص ومثله لا يتم في الحرّ، ومطلق صيانته غير مقصود في هذا الباب كما يظهر من الشرائط، وحمل النفس عليه مطلقاً لا يتمّ. وشرائطه لا تنتظم في خصوصية سرقة الصغير وبيعه دون غيره من تفويته وإذهاب أجزائه، فإثباتُ الحكم بمثل ذلك

ص: 316


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 561: إيضاح الفوائد، ج 4، ص 531
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 108 - 110، ح 422 - 423 و 429.
3- النهاية، ص 722
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 249، المسألة 102
5- نسبه إلى المشهور العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 249، المسألة 102.

غير جيد، ومِن ثَمَّ حكاه المصنّف قولاً.

وعلى القولين لو لم يبغه لم يُقطع وإن كان عليه ثيابٌ أو حُلِيٌّ تَبلُغ النصاب؛ لثبوت يده عليها، فلم تَتَحقَّق سرقتها. نعم، لو كان صغيراً على وجه لا تتحقق له اليدُ اتَّجه القطع بالمال. ومثله سرقة الكبير بمتاعه وهو نائم أو سكران أو مُغمى عليه أو مجنون.

( ويُقطَع سارقُ المملوك الصغير) حدّاً إذا بلغت قيمته النصاب، وإنّما أطلقه كغيره بناءً على الغالب. واحترز بالصغير عمّا لو كان كبيراً مميزاً فإنّه لا يُقطع بسرقته إلا أن يكون نائماً أو في حكمه، أو أعجميّاً لا يعرف سيّده من غيره لأنه حينئذ كالصغير. ولا فرق بين الفن والمدبَّر وأُمّ الولد دون المكاتب لأن ملكه غير تام إلا أن يكون مشروطاً فيَتَّجه إلحاقه بالقِنّ، بل يُحتمل في المطلق أيضاً إذا بقي منه ما يُساوي النصابَ؛ لأنه في حكم المملوك ي كثير من الأحكام.

[المسألة] :(السادسةُ : يُقطَع سارقُ الكفن) من الحرز، ومنه القبر بالنسبة إليه؛ لقول أمير المؤمنين : يُقطع سارقُ الموتى كما يُقطع سارق الأحياء»(1). وفي صحيحة حفص بن البختري عن الصادق : «حد النباش حد السارق»(2).

وهل يُعتبر بلوغ قيمة الكفن النصاب ؟ قولان(3)؛ مأخذهما إطلاق الأخبار(4) هنا، واشتراط مقدار النصاب في مطلق السرقة فيُحمّل هذا المطلق عليه، أو يُحمل على إطلاقها تغليظاً عليه لشناعة فعله.

وقوله (والأولى اشتراط بلوغ النصاب) يدلّ على ميله إلى عدم الاشتراط لما

ص: 317


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 115 ، ح 458.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 115 ، ح 457.
3- القول الأول للمفيد في المقنعة، ص 804 وسلار في المراسم ، ص 260؛ والقول الثاني للشيخ في النهاية ص 722 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 514 - 515.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 115 - 118، باب الحدّ في السرقة والخيانة....

ذكرناه، ولظاهر الخبر الصحيح المتقدّم فإنّه جَعَل حده حدَّ السارق، وهو أعم من أخذه النصاب وعدمه، بل من عدم أخذه شيئاً، إلّا أنّه مخصوص بالأخذ إجماعاً فيبقى الباقي على العموم. وفيه نظر؛ لأنّ تخصيصه بذلك مراعاة للجمع يقتضي تخصيصه بالنصاب، والخبرُ الأوّلُ أوضحُ دَلالة؛ لأنه جعل قطعه كقطعه وجعله سارقاً فيُعتبر فيه شروطه، وكذا قول عليّ : «إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(1). وقيل: يُعتبر النصاب في المرّة الأولى خاصةً(2)؛ لأنّه بعدها مفسد، والأظهر اشتراطه مطلقاً.

( ويُعزّر النبّاشُ) سواءٌ أَخَذ أم لم يَأخُذ؛ لأنّه فَعَل محرَّماً فيستحق التعزيز. (ولو تكرّر) منه النبش (وفات الحاكم جاز قتله) لِمَن قدر عليه من حيث إفساده، وقد رُوِي أنّ عليّاً أَمَر بوطء نباش بالأَرْجُل حتى مات(3).

ولو سَرَق من القبر غير الكفن فلا قطع؛ لأنه ليس بحرز له والعمامة من جملة الكفن المستحبّ فتُعتبر معه في القيمة على الأقوى، لا كغيره كما ذهب إليه العلّامة (4)استناداً إلى ما ورد فى بعض الأخبار(5) من أنّها ليست من الكفن؛ لأن الظاهر أنه يريد أنّها ليست من الكفنِ الواجب بقرينة ذكرِ الخِرْقَةِ الخامسة معها، مع الإجماع على أنها منه.

ثمّ الخصم للنباش الوارث إن كان الكفنُ منه، والأجنبي إن كان منه، ولو كان من بيت المال فخصمه الحاكم، ومِن ثُمَّ لو ذهب الميِّتُ بسيل ونحوه وبقي الكفنُ رَجَع إلى أصله.

[المسألة] (السابعة: تَثبت السرقةُ بشهادة عدلين) مُفَصِّلين لها بذكر ما يُعتبَر

ص: 318


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 116 - 117 ، ح 464.
2- قال به في أول كلامه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 512.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 118 ، ح 470.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 364، الرقم 6861.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 854

في القطع من الشرائط (أو الإقرار مرّتين(1) مع كمال المقرّ) بالبلوغ والعقل، ورفع الحجر بالسفه بالنسبة إلى ثبوت المال والفلس بالنسبة إلى تنجيزه (وحريته واختياره) .

فلا ينفذ إقرار الصبي وإن كان مراهقاً، ولا المجنون مطلقاً، ولا السفيه في المال ولكن يُقطع، وكذا المُفلس لكن يُتبع بالمال بعد زوال الحجر، ولا العبد بدون موافقة المولى؛ لتعلقه بمال الغير أمّا لو صدقه فالأقرب القطعُ وثبوت المال، وبدونه يُتبع بالمال إذا أعتق وأيسر، ولا المكره فيهما.

(ولو رَدَّ المكرَهُ) على الإقرار (السرقة بعينها لم يقطع) على الأقوى؛ لأنّ وجودَ العين في يده لا يدلّ على السرقة والإقرار وقع كُرهاً فلا يُعتد به.

وقيل(2): يُقطَع لأنّ ردَّها قرينة السرقة كدلالة قيء الخمر على شربها، ولحسنة سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام)في رجل سرق سرقةً فكابَرَ عنها فضُرِب فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع ؟ قال: «نعم، ولكن إذا اعترف ولم يجئ بالسرقة لم تُقطع

ص: 319


1- هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومستندهم عليه رواية جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهم السلام) قال: «لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين»، فإن رجع ضمن السرقة. ولم يقطع إذا لم يكن شهود؛ لأنه لا يستوفى بالإقرار مرّة كغيره من الحدود لبناء الحدّ على التخفيف ولا يخفى ضعف الأخيرين فإن توقف إثبات الحدود مطلقاً على المرتين يحتاج إلى دليل، وإلا فعموم الأدلّة يقتضي الاكتفاء بالإقرار مرة مطلقاً، ولا ما أخرجه الدليل، وبناء الحدود على التخفيف لا يدلّ بمجرّده على اشتراط تعدّد الإقرار والرواية ضعيفة السند بالإرسال، ومن ثمّة ذهب الصدوقان إلى الاكتفاء بالإقرار مرّة، لصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «إذا أقرّ الحرّ على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الإمام قطع». وفي صحيحة أخرى للفضيل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: «مَن أقرّ على نفسه عند الإمام بحق حدّ من حدود الله تعالى مرّة واحدة. حرّاً كان أو عبداً، حرّة أو أمةً ، فعلى الإمام أن يقيم الحد الذي أقر به على نفسه كائناً من كان إلا الزاني المحصن». الحديث. وإطلاق كثير من الروايات يقطعه مع إقراره بالسرقة من غير تفصيل، وهو يتحقق بالمرة. وأُجيب بحمل الرواية على التقية لموافقتها لمذهب العامة. وفيه نظر لضعف المعارض الحامل على حملها على خلاف الظاهر (زين رحمه الله)
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 718 وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 561.

يده؛ لأنه اعترف على العذاب»(1) .

ولا يخفى ضعفُ العمل بالقرينة في هذا الباب والفرقُ بين القيء والمجيء بالسرقة فإنّ القيء يستلزم الشربَ، بخلاف المتنازع فإنّه أعم منه ، وأما الخبر، فظاهِرُ الدلالة، إلا أنّ إثبات الحكم به مجرّداً مشكل.

(ولو رجع) عن الإقرار بالسرقة اختياراً (بعد الإقرار مرّتين لم يسقط الحد)؛ لثبوته بالإقرار السابق، فلا يقدح فيه الإنكار كغيره من الحدود.

(ويكفي في الغُرْم) للمال المسروق الإقرار به (مرّةً) واحدةً؛ لأنه إقرار بحق مالي فلا يُشترط فيه تعدّد الإقرار؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2)، وإنما خرج الحد بدليل خارج كقول الصادق(عليه السلام) في رواية جميل: «لا يُقطع السارق حتّى يُقرّ بالسرقة مرتين»(3).

[المسألة] (الثامنة: يجب على السارق (إعادة العين) مع وجودها وإمكانِ إعادتها، (أو) ردُّ (مثلها) إن كانت مثليّةً (أو قيمتها) إن كانت قيمية (مع تلفها) أو تعذرِ ردّها. ولو عابت ضَمِن أرشها، ولو كانت ذاتَ أجرة لزمه مع ذلك أجرتها.

( ولا يُغنى القطع عن إعادتها)؛ لأنهما حكمان متغايران: الإعادة لأخذ مال الغير عدواناً، والقطع حدّاً عقوبة على الذنب.

[المسألة] :(التاسعةُ: لا قطع) على السارق (إلّا بمرافعة الغريم) له، وطلب ذلك من الحاكم، (ولؤ قامت) عليه

(البينةُ) بالسرقة أو أقرَّ مرّتين (فلو تَرَكه) المالك (أو

ص: 320


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 106، ح 411.
2- لم نعثر عليه في الكتب الحديثية ولكن نقله عن جماعة من علمائنا في كتبهم الاستدلالية الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج 16، ص 133، باب صحة الإقرار ) ، منهم العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 370 المسألة 337؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 129، ح 515

وَهَبه المالَ سَقَط) القطعُ؛ لسقوط موجبه قبل تَحَتُمِه. (وليس له العفو) عن القطع (بعد المرافعة) وإن كان قبل حكم الحاكم به؛ لقول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)لصفوان بن أُمَيَّةَ حين شرق رداؤه فقبض السارق وقَدَّمه إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ثمّ وَهَبه : «ألا كان ذلك قبل أن تنتهي به إليّ»(1). وقال الصادق(عليه السلام): «إنّما الهبة قبل أن يَرفَع إلى الإمام، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ﴿وَ الْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ ﴾(2)، فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه»(3).

(وكذا لو ملك السارق (المال) المسروق (بعد المرافعة لم يَسقُط) القطع، (ويَسقُط بملكه) له (قبله) لما ذُكِر .

[المسألة ] (العاشرة: لو أحدَث) السارقُ (في النصاب قبل الإخراج) من الحرز (ما يَنقُص قيمته) عن النصاب بأن خَرق الثوبَ أو ذَبح الشاةَ (فلا قطع)؛ لعدم تحقق الشرط وهو إخراج النصاب من الحرز، ولا كذا لو نقصت قيمته بعد الإخراج وإن كان قبل المرافعة.

ولو ابتلع النصابَ كالدينار واللؤلؤة قبل الخروج، فإن تعذر إخراجه فلا حد؛ لأنه كالتالف وإنْ اتَّفق خروجه بعد ذلك، وإن لم يتعذَّر خروجه عادةً قُطع؛ لأنّه يَجرِي مَجرَى إيداعه في وعاءٍ ويَضمَن المال على التقديرين وأرش النقصان.

(ولو أخرجَه) أي أخرج النصاب من الحرز الواحدِ (مِراراً) بأن أخرج كلَّ مرّةٍ دون النصاب واجتمع من الجميع نصاب (قيل: وجب القطع)، ذهب إلى ذلك القاضي ابنُ البراج(4)، والعلّامة في الإرشاد(5)؛ لصدق سرقة النصاب من الحرز فيتناوله عموم أدلّة

ص: 321


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 124، ح 495.
2- التوبة (9): 112
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 123، ح 493
4- المهذب، ج 2، ص 541.
5- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 183.

القطع(1)، ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «مَن سرق ربع دينار فعليه القطع»(2). وهو متحقق هنا. وقيل: لا قطع مطلقاً (3)ما لم يتحد الأخذُ؛ لأصالة البراءة، ولأنّه لمّا هَتَك الحرز وأخرج أقل من النصاب لم يثبت عليه القطع، فلما عاد ثانياً لم يُخرج من حرز لأنه كان منبوذاً قبله، فلا قطع سواء اجتَمَع منهما معاً نصاب أم كان الثاني وحده نصاباً من غير ضميمة. وفرق العلّامة في القواعد(4) بين قصر زمان العود وعدمه، فجعل الأول بمنزلة المتحد دون الثاني، وفصل في التحرير فأوجب الحد إن لم يَتَخَلَّل الاعُ المالك، ولم يَطُل الزمانُ بحيث لا يُسمَّى سرقةً واحدةً عرفاً(5). وهذا أقوى لدلالة العرف على اتحاد السرقة مع فقد الشرطين وإن تعدد الإخراج، وتعددِها بأحدهما.

[المسألة] (الحادية عشرة: الواجب) في هذا الحدّ أوّلَ مَرَّةٍ (قطع الأصابع الأربع وهي ما عدا الإيهام من اليد اليمنى، وتُترك له الراحة والإبهام). هذا إذا كان له خمس أصابع، أما لو كانت ناقصةً اقتصر على الموجود من الأصابع وإن كان واحدةً عدا الإبهام لصحيحة الحلبي عن الصادق قال : قلت له : من أين يجب القطعُ ؟ فبَسَط أصابعه وقال: «من هاهنا»(6). يعني من مفصل الكفّ. وقوله في رواية أبي بصير : «القطع من وسط الكفّ، ولا يُقطع الإبهام»(7). ولا فرق بين كون المفقود خلقةً وبعارض.

ولو كان له إصبع زائدةٌ لم يَجُز قطعها حملاً على المعهود فلو توقف تركها على

ص: 322


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 100 - 128، باب الحد في السرقة والخيانة...
2- لم نعثر عليه، نعم، في سنن ابن ماجة، ج 2، ص 862، ح 2585: «لا قطع إلا في ربع دينار».
3- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 417 - 418.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 556
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 372 - 373، الرقم 6880.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 102، ح 397
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 102، ح 398

إبقاء إصبع أخرى وجب، ولو كان على المعصم كفّان قُطِعَت أصابعُ الأصلية إن تَميَّزت، وإلا فإشكال.

(ولو سرق ثانياً) بعد قطع يده (قُطِعَتْ رِجْلُه اليسرى من مفصل القدم، وتُرِك العَقِبُ) يَعتمد عليه حالة المشي والصلاة؛ لقول الكاظم(عليه السلام): تقطع يد السارق ويُترك إبهامه وصدرُ راحتِه، وتُقطع رجلُه ويُترك عقبه يمشي عليها»(1). والظاهر أنه لا التفات إلى زيادة الإصبع هنا؛ لأن الحكم مطلق في القطع من المفصل من غير نظر إلى الأصابع، مع احتماله ولو كان له قدمان على ساق واحدٍ فكالكفّ.

(وفي) السرقة (الثالثة) بعد قطع اليد والرجل (يُحبَس أبداً) إلى أن يموت ولا يُقطع من باقي أعضائه، (وفي الرابعة) بأن سَرَق من الحبس، أو من خارجه لو اتَّفق خروجه لحاجةٍ، أو هَرَبَ به (يُقتل).

(ولو ذَهَبَتْ يمينُه بعد السرقة لم تُقطع اليسار)؛ لتعلّق الحكم بقطع اليمين وقد فاتت أما لو ذهبت اليمين قبل السرقة بغيرها، ففي قطع اليد اليسرى أو الرجل قولان(2).

ولو لم يكن له يسارٌ قطعت رجله اليسرى قطع به العلامة(3)وقَبْلَه الشيخ(4) ، كما أنه لو لم يكن له رِجلٌ حُبِس. ويُحتمل سقوط قطع غير المنصوص مرتباً؛ وقوفاً في التجري على الدم المحترم على موضع اليقين، ولأنه تَخَطّ عن موضع النص من غير دليل، ولظاهر قول عليّ (عليه السلام) : «إنِّي لأَسْتَحي من ربّي أن لا أدَعَ له يداً يَستنجي بها أو رِجلاً يمشي عليها»(5). وسأل عبد الله بن هلال أبا عبد الله(عليه السلام)« عن علة قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، فقال: «ما أَحْسَنَ ما سألت إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سَقَط على

ص: 323


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 102 - 103، ح 399.
2- القول الأول للشيخ في النهاية، ص 717؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 420؛ والقول الثاني للشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 376 - 377.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 566.
4- النهاية، ص 717
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 108، ح 421.

جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستَوَى قائماً»(1).

(ويُستحَبٌ) بعد قطعه (حَسْمُه بالزَيْتِ المَغْلِيّ) إبقاء له وليس بواجب، للأصل، ومؤونته عليه إن لم يتبرع به أحد، أو يُخرجه الحاكم من بيت المال.

[المسألة) (الثانية عشرة : لو تكرَّرت السرقةُ ) ولم يُرافع بينها (فالقطع واحد): لأنه حد فتتداخل أسبابه لو اجتمعت كالزنى وشرب الخمر. وهل هو بالأولى أو الأخيرة؟ قولان(2)، وتظهر الفائدة فيما لو عَفَا مَن حُكم بالقطع له. والحق أنّه يُقطع على كل حال حتى لو عَفَا الأوّلُ قُطِع بالثاني وبالعكس. هذا إذا أقرَّ بها دفعةً أو شَهِدَتْ البيناتُ بها كذلك.

(ولو شهدا عليه بسرقة ثمّ شَهدا عليه بأخرى قبل القطع فالأقرب عدم تعدّد القطع) كالسابق لاشتراكهما في الوجه وهو كونه حداً، فلا يَتَكرَّر بتَكرُّرِ سببه إلى أن يسرق بعد القطع.

وقيل: تُقطع يده ورجله؛ لأنّ كلَّ واحدةٍ تُوجِب القطع، فتقطع اليد للأولى والرجلُ للثانية، والأصلُ عدم التداخل(3). ولو أمسكت البينة الثانية حتّى قُطِعت يده ثمّ شَهدت ففي قطع رجله قولان(4) أيضاً، وأولى بالقطع هنا لو قيل به ثُمَّ. والأقوى عدم القطع أيضاً: لما ذكر وأصالة البراءة وقيام الشبهة الموجبة لدرء الحد. ومستند القطع رواية بكير بن أعين عن الباقر(عليه السلام)(5)، وفي الطريق ضعف.

ص: 324


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 103، ح 401.
2- القول الأول للصدوق في المقنع، ص 446؛ والقول الثاني للشيخ في النهاية، ص 719؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 494
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 441، المسألة 36
4- القول بالقطع للشيخ في النهاية، ص 719؛ والقول بعدم القطع لابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 494
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 107 ، ح 418.

الفصل السادس في المحاربة

(وهي تجريد السلاح بَرَّاً أو بحراً، ليلاً أو نهاراً، لإخافة الناس، في مصر وغيره، من ذكر أو أنثى، قوي أو ضعيف) من أهل الريبة أم لا، قصد الإخافة أم لا، على أصح الأقوال(1)، لعموم الآية(2) المتناول لجميع من ذُكِر.

وخالَفَ ابنُ الجنيد(3)فخصَّ الحكم بالرجال، بناءً على أنّ الضمير في الآية للذكور، ودخول الإناث فيهم مجاز. وفيه - مع تسليمه - : أنّ في صحيحة محمّد بن مسلم: «مَن شَهَرالسلاحَ»(4) و «مَنْ» عامّةٌ حقيقة للذكور والإناث؛ والشيخان حيث شرطا كونه من أهل الريبة(5)، وعموم النصّ يدفعه.

وأخذُ «تجريد السلاح» تُبع فيه الخبرُ، وإلا فالأجود عدم اعتباره، فلو اقتصر على الحجر والعصا والأخذ بالقوة فهو مُحارِبٌ لعموم الآية. وشمل إطلاقه كغيره الصغير والكبير ، لعموم الأدلّة. ويُشكل في الصغير بأنّ الحد مشروط بالتكليف خصوصاً القتل. وشَرَط ابنُ الجُنيد(6) فيه البلوغ، وربَّحه المصنّف في الشرح (7)، وهو حسن .

ص: 325


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 568؛ ومختلف الشيعة، ج 9، ص 256 - 258، المسألة 110.
2- المائدة (5): 33
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 259 - 260، المسألة 111.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 132 ، ح 524.
5- المقنعة ص 804: النهاية، ص 720 .
6- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
7- غاية المراد، ج 4، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

(لا الطليع) للمحارب، وهو الذي يَرقُب له مَن يَمُرّ بالطريق، فيُعلمه به، أو يرقب له مَن يخاف عليه منه فيَحذِّره منه (والرِدْءُ) بكسر الراء فسكون الدال فالهمز، وهو المُعِين له في ما يحتاج إليه من غير أن يُباشر متعلّق المحاربة ممّا فيه أذَى الناس، وإلا كان محارباً.

(ولا يُشترط) في تحقق المحاربة (أخذُ النصاب) ولا الحرزُ، بل ولا أخذ شيء؛ للعموم.

(وتَثبت) المحارَبةُ (بشهادة) ذكرين (عدلين، وبالإقرار) بها (ولؤ مرّةً) واحدةً ،لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1) خرج منه ما اشترط فيه التكرارُ بدليل خارج، فيَبقَى غيرُه على العموم، مع كمال المقرّ وحرّيّتِه واختياره. (ولا تُقبل شهادة بعض المأخوذين لبعض) للتهمة. نعم، لو شهد اثنان على بعض اللصوص أنّهم أخذوا غيرهما وشهد ذلك الغيرُ على بعض آخَرَ غير الأوّل أنّه أَخَذ الشاهدين حكم بالجميع؛ لعدم التهمة، وكذا لو قال الشاهدان : عَرَضوا لنا جميعاً وأَخَذوا هؤلاء خاصةً.

(والحدُّ ) للمحارب (القتل أو الصلب، أو قطع يده اليمنى ورجله اليسرى)؛(2)للآية الدالّة ب-«أو» على التخيير وإن احتملت غيرَه ؛ لما رُوي صحيحاً أنّ «أو» في القرآن للتخيير حيث وقع(3)، ولحسنة جميل بن دَرّاج عن الصادق(عليه السلام) حيث سأله عن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾(4)، الآية، وقال: أي شيء عليه من هذه الحدود التي سمَّى الله ؟ قال: «ذاك إلى الإمام إن شاء قطع وإن شاء صَلب، وإن شاء نَفَى وإن شاء قَتَل». قلتُ : يُنفَى إلى أين؟ قال: «يُنفى من مصر إلى مصرٍ آخَرَ».

ص: 326


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226؛ تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 233، المسألة 431 : إيضاح الفوائد. ج 2، ص 428.
2- المائدة (5): 33
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 299 ، ح 1107
4- المائدة (5): 33

وقال : «إنّ عليّاً (عليه السلام)نَفَى رجلين من الكوفة إلى البصرة»(1). ومثله حسنةُ بُريد أو صحيحته عنه(عليه السلام) (2).

ولم يذكر المصنّف هنا النفي ولابد منه؛ لأنّه أحد أفراد الواجب المخيَّرِ في الآية والرواية، وليس في المسألة قول ثالث يشتمل على تركه، ولعلّ تَرْكَه سهو. ،نعم، لو قتل المحاربُ تَعيَّن قتله، ولم يُكتف بغيره من الحدود سواءٌ قَتَل مكافئاً أم لا وسواءٌ عَفَا الوليُّ أم لا على ما ذكره جماعة من الأصحاب(3)، وفي بعض أفراده نظر.

(وقيل) والقائل الشيخ(4) ، وجماعة(5) : إنّ ذلك لا على جهة التخيير، بل (يُقتل - إن قتل - قَوَداً) إن طلب الولى قتله (أو حدّاً) إن عَفا عنه أو لم يطلب، (وإن قتل وأَخَذ المال قُطِع مخالفاً، ثمّ قُتِل وصُلب) مقتولاً ، وإن أخذ المالَ لا غيرُ قليلاً كان أم كثيراً، من حرز وغيره (قُطِع مخالفاً ونُفِيَ) ولا يُقتل.

(ولو جَرَح ولم يَأخُذ مالاً )ولا قتل نفساً ولو بسرايةِ جراحتِه (اقتص منه )بمقدار الجُرح ونُفِيَ، ولو اقتصر على شَهْرِ السلاح والإخافة) فلم يأخُذ مالاً ولم يقتل ولم يَجرَح (نُفِيَ لا غير).

ومستند هذا التفصيل روايات (6)لا تخلو من ضعفٍ في سند، وجهالة واختلاف في متن تقصُر بسببه عن إفادة ما يُوجب الاعتماد عليه، ومع ذلك لم يجتمع جميعُ ما ذُكر

ص: 327


1- الكافي، ج 7، ص 245 - 246، باب حد المحارب، ح 3.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 133 - 134 ، ح 529.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 805؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 505؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 259، المسألة 110
4- النهاية، ص 720؛ الخلاف، ج 5، ص 458 المسألة 2.
5- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 506؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 381، الرقم 6896: والصيمري في غاية المرام ، ج 4، ص 350.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 131 - 134، ح 523 - 529.

من الأحكام في رواية منها، وإنّما يَتَلَفَّق كثير منه من الجميع، وبعضُه لم نقف عليه في رواية. وبسبب ذلك اختلف كلام الشيخ أيضاً، ففي النهاية (1)ذكر قريباً ممّا ذُكر هنا، وفي الخلاف(2)أسقط القطع على تقدير قتله وأخذه المال، ولم يذكر حكم ما لو جَرَح، ولكن يمكن استفادة حكمه من خارج فإنّ الجارح عمداً يُقتص منه مطلقاً، فالمحارب أولى ومجرّد المحاربة يُجوز النفي وهي حاصلة معه.

لكن فيه أنّ القصاص حينئذٍ ليس حداً فلا وجه لإدخاله في بابه، ولو لوحِظ جميعُ ما يجب عليه لَقِيل مع أخذه المالَ: إنّه يؤخذ منه عينه أو مثله أو قيمته، مضافاً إلى ما يجب عليه، وهو خروج عن الفرض أو قصور في الاستيفاء.

وفي هذا التقسيم - مع ذلك - تجاوز لما يوجد في الروايات، وليس بحاصِرٍ للأقسام، فإنّ منها أن يجمع بين الأمور كلها فيقتل ويجرح آخَرَ ويأخُذ المال، وحكمه - مضافاً إلى ما سبق - أن يُقتص منه للجرح قبل القتل، ولو كان في اليد أو الرجل فقبل القطع أيضاً، ومنها ما لو أخذ المال وجرح، ومنها ما لو قتل وجرح ولم يأخُذ المال، وحكمهما الاقتصاص للجرح والقطعُ في الأولى والقتل في الثانية.

(ولو تاب) المحارب (قبل القدرة عليه سَقط الحد) من القتل والقطع والفي،( دون حق الآدمي) من القصاص في النفس والجُرح والمال. (وتوبته بعد الظفر) أي ظفر الحاكم به (لا أثر لها في) إسقاط (حدٍ أو غُرْمٍ) لمال (أو قصاص) في نَفْسٍ أو طَرَفٍ أو جُرْحٍ، بل يُستَوفَى منه جميعُ ما تقرّر.

(وصلبه) على تقدير اختياره، أو وجود مرتبته فى حالة كونه (حيّاً أو مقتولاً على اختلاف القولين)(3)فعلى الأوّل الأوّلُ، وعلى الثاني الثاني (ولا يُترك)

ص: 328


1- النهاية، ص 720
2- الخلاف، ج 5، ص 458، المسألة 2
3- راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 260، المسألة 112؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 381، الرقم 6896.

على خشبته حياً أو ميتاً أو بالتفريق أزيد من ثلاثة أيام من حين صلبه ولؤ ملفقهٌ.

والظاهرُ أنّ الليالي غير معتبرة. نعم، تدخل الليلتان المتوسطتان تبعاً للأيام لتوقفها عليهما، فلو صُلب أوّلَ النهار وجب إنزالُه عَشِيَّةَ الثالث، مع احتمال اعتبار ثلاث ليال مع الأيام، بناءً على دخولها في مفهومها.

(ويُنزَل) بعد الثلاثة أو قبلها ( ويُجَهَّز ) بالغُسل والحُنوط والتكفين إن صُلب ميّتاً أو اتَّفق موتُه في الثلاثة، وإلّا جهز عليه قبل تجهيزه. (ولو تَقدَّم غُسْلَه وكَفْنَه) وحنوطه قبل موته (صلّي عليه) بعد إنزاله (ودُفن).

(ويُنفى) على تقدير اختيار نفيه أو وجودِ مرتبته (عن بلده )الذي هو بها إلى غيرها (1)(ويُكتب إلى كلّ بلدٍ يَصِلُ إليه بالمنع من مجالسته ومؤاكلته ومبايعته) وغيرها من المعاملات(2) إلى أن يتوب، فإن لم يتب استَمَرَّ النفي إلى أن يموت. ويُمنَع من دخول (بلاد الشرك، فإن مَكَّنُوه من الدخول (قُوتِلوا حتَّى يُخرجوه(3)) وإنْ كانوا أهلَ ذمّةٍ أو صلحٍ.

ص: 329


1- في «ق ، م ، ن»: «غيره».
2- لينتقل عنه إلى أخرى، ونفيه من الأرض كناية عن ذلك، ولا يخرج عن مجموع الأرض ولكن لما لم يقرّ على أرض كان في معنى النفي من الأرض مطلقاً، وظاهر المصنف والأكثر عدم تحديده بمدة، بل ينبغي دائماً إلى أن يتوب. وقد تقدّم في الرواية كونه سنة، وحملت على التوبة في الأثناء، وهو بعيد، وبعض العامة فسَّر النفي من الأرض بالحبس؛ لإطلاقه على الخروج من الدنيا في العرف، كما قال بعض المسجونين: خرجنا من... ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى ... جاء هذا من الدنيا . ولا يخفى أنه مجاز خفي، وما ذكرناه قريب مع موافقته للمروي قولاً وفعلاً. (زين رحمه الله )
3- وأما الحكم بمقاتلة أهل الشرك لو دخل إليهم، فتركوه فهو مروي في خبر عبد الله المدائني عن الرضا . وقد عرفت حال المستند وتحريره على قواعد أحكام الكفّار مشكل : لأنّهم إن كانوا أهل حرب فقتالهم لا يتوقف على ذلك، وإن كانوا أهل ذمة أو ذمته، فلا يقدح ذلك بمجرده في عهدهم إلا مع شرطه، وإثباته من مجرد هذا الخبر لا يتم، خصوصاً عند المصنف وغيره ممن لم يعتبر أصل الخبر، نظراً إلى ما تقدم. (زين رحمه الله )

(واللصُّ محارب(1)) بمعنى أنه بحكم المحارب في أنه (يجوز دفعه) ولو بالقتال، (ولو لم يندفع إلا بالقتل كان) دمُه (هَدْراً)، أما لو تَمَكَّن الحاكمُ منه لم يَحدّه حدَّ المحارب ،مطلقاً، وإنّما أطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص(2). نعم، لو تَظاهَرَ بذلك فهو محارب مطلقاً، وبذلك قيَّده المصنّف في الدروس(3)، وهو حسن.

(ولو طلب) اللصُّ (النفس وجب) على المطلوب نفسُه (دفعه إن أمكن) مقتصراً فيما يندفع به على الأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بقتله فهَدْرُ، (وإلّا) يمكن دفعه (وجب الهَرَبُ)؛ لأنّه أحد أفراد ما يُدفع به عن النفس الواجب حفظها. وفي حكم طلبه النفس طلبه الفساد بالحريم في وجوب دفعه مع الإمكان. ويُفهم منه أنه لو اقتصر على طلب المال لم يجب دفعه وإن جاز، وسيأتي البحث في ذلك كله.

( ولا يُقطَع المُخْتَلِسُ) وهو الذي يأخُذ المالَ خُفْيَةً من غير الحرز، (ولا المُسْتَلِبُ) وهو الذي يأخُذه جهراً ويَهرُب مع كونه غير محارب (ولا المُحتال على)أخذ (الأموال بالرسائل الكاذبة) ونحوها ،( بل يُعَزَّر ) كلُّ واحد منهم بما يراه الحاكم؛ لأنه فعل محرّم لم يَنْصَ الشارع على حدّه، وقد روى أبو بصير عن أحدهما(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : لا أَقطَعُ في الدغارةِ المُعلَنةِ وهي الخَلْسة، ولكن أُعَزِّرُه»(4)، وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قُطِع مَن أخذ المال بالرسالة الكاذبة وإنْ حَمَلَتْه

ص: 330


1- اللص إن شهر سلاحاً وما في معناها فهو محارب حقيقة، وإن لم يكن معه سلاح بل يريد اختلاس المال والهرب فهو في معنى المحارب في جواز دفعه ولو بالقتل إذا توقف الدفع عليه، وأطلق عليه اسم المحارب مطلقاً لكونه محارباً إلى ما ذكرناه من التفصيل، لقصورها سنداً عن إفادة الحكم مطلقاً، فيرجع إلى القواعد المقررة ثم إن كان غرضه أخذ المال جاز دفعه. وينبغي تقييد ذلك بما يضره ،فوته، وإلّا اتجه الوجوب مع عدم التعزير بالنفس، وإن طلب العرض وجب دفعه مع عدم ظنّ العطب، وإن طلب النفس وجب دفعه مطلقاً؛ لوجوب حفظ النفس وغايته العطب وهو غاية عمل المفسد فيكون الدفاع أرجح، نعم، لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب حفظ النفس، فيجب عيناً إن توقف أو تخييراً إن أمكنت به و بعيره. (زین رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 135 - 136، ح 536 و 538
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الكافي، ج 7، ص 225 - 226، باب ما يجب على الطرّار والمختلس من الحد، ح 1.

عليه الحاجة»(1). وحَمَلها الشيخ (رحمه الله) على قطعه؛ حداً لإفساده لا لأنه سارق(2). مع أنّ الرواية صريحة في قطعه للسرقة.

(ولو بَنَّجَ) غيره، أي أطعمه البَنْجَ حتى ذَهَب عقله عَبْناً أو لغرض، (أو سَقَى مُرْقِداً وجَنَى) على المتناول بسببه (شيئاً ضَمِن) ما جناه (وعُزّرَ) على فعله المحرَّمِ. ويُستثنى من ذلك ما لو استعمله للدواء فإنّه جائز حيث يتوقف عليه؛ لمكان الضرر، أو يكون قدراً لا يَضُرّ بالمزاج.

ص: 331


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 109، ح 426.
2- الاستبصار، ج 4، ص 243، ذيل الحديث 919.

الفصل السابع في عقوباتٍ متفرّقةٍ

(فمنها: إتيانُ البهيمة) وهي ذاتُ الأربع من حيوان البر والبحر. وقال الزجاج: هي ذاتُ الروح التي لا تُميّز ؛ سُمِّيَتْ بذلك لذلك(1). وعلى الأوّل فالحكم مختصّ بها فلا يتعلّق الحكم بالطير والسمك ونحوهما وإنْ حَرُمَ الفعل، وعلى الثاني يَدخُل . والأصل يقتضى الاقتصار على ما تحقق دخوله خاصةً، والعرفُ يَشهَد له.

(إذا وَطِئ البالغ العاقل بهيمةً عُزّر) بما يراه الحاكم (وأُغرم ثمنها) وهو قيمتها حين الوطء لمالكها إن لم تكن ملكاً للفاعل، (وحرم أكلها إن كانت مأكولةً) أي مقصودةً بالأكل عادةً كالنِعم الثلاثة ( ونسلها) المتجدد بعد الوطء، لا الموجود حالته وإن كان حملاً على الأقوى، وفي حكمه ما يتجدد من الشعر والصوف واللين والبَيْض ، (ووَجَب ذَبْحُها وإحراقها) لا لكونه عقوبةً لها، بل إمّا لحكمةٍ خَفِيّةٍ أو مبالغةٌ في إخفائها لتجتنب؛ إذ يُحتمل اشتباه لحمها بغيره لولا الإحراق فيحِلّ على بعض الوجوه .

(وإن كانت غير مأكولةٍ) أصلاً أو عادةً، والغرضُ الأهم غيره كالفيل والخيل والبِغَال والحَمِير (لم تُذبَح ) وإنْ حَرُم لحمها على الأقوى، (بل تُخرج من بلد الواقعة) إلى غيره قريباً كان أم بعيداً على الفور. وقيل: يُشترط بُعْدُ البلد بحيث لا يظهر فيه خبرها عادةً (2)، وظاهرُ التعليل يدلّ عليه. ولو عادَتْ بعد الإخراج إلى بلد الفعل لم يجب

ص: 332


1- حكاه عنه ابن منظور في لسان العرب، ج 12، ص 56، «بهم».
2- قال به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 5، ص 131.

إخراجها لتحققِ الامتثال. (وتُباع) بعد إخراجها أو قبله إن لم يُنافِ الفورية، إما تعبداً أو لئلا يُعيَّر فاعلها بها أو مالكها.

(وفي الصدقة به)أي بالثمن الذي بِيعَتْ به -المدلول عليه بالبيع - عن المالك إن كان هو الفاعل، وإلّا عن الفاعل، (أو إعادته على الغارم) وهو المالك لكونه غارماً البهيمة، أو الفاعلُ لكونه غارماً للثمن (وجهان) بل قولان(1) . ووجه الأوّل كون ذلك عقوبةً على الجناية فلو أعيد إليه الثمن لم تحصل العقوبة، ولتكون الصدقةُ مُكَفِّرةً لذنبه. وفيه نظر؛ لأنّ العقوبة بذلك غير متحققة بل الظاهرُ خلافها؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا تُعرَف فيه «كيلا يُعيَّر بها»(2)، وعقوبة الفاعل حاصلة بالتعزير، وتكفير الذنب متوقف على التوبة وهي كافية.

ووجه الثاني أصالة بقاء الملك على مالكه والبراءة من وجوب الصدقة، والأخبار(3)خالية عن تعيين ما يُصنع به، وكذا عبارة جماعة من الأصحاب(4).

ثمّ إن كان الفاعل هو المالك فالأصل في محلّه، وإن كان غيره فالظاهر أن تغريمه القيمةَ يُوجِب مِلكَه لها، وإلّا لَبَقِيَ المِلكُ بغير مالك أو جُمع للمالك بين العوض والمُعَوَّض وهو غير جائز. وفي بعض الروايات « ثمنها »(5) كما عبر المصنِّفُ، وهو عِوَض المُثْمَن المقتضي لثبوت معاوضة، وهو السر في تخصيص المصنّف لهذه العبارة، وفي بعض الروايات «قيمتها»(6) وهي أيضاً عوض. وهذا هو الأجود.

ثمّ إن كان بقدر ما غَرِمه للمالك أو أنقص فالحكم واضح، ولو كان أزيد فمقتضى

ص: 333


1- القول بالصدقة للمفيد في المقنعة، ص 790؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 415 والقول بالإعادة إلى الغارم لابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 468.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61، ح 220.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61، ح 220.
4- كسلار في المراسم، ص 257؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 556: والعلّامة في تلخيص المرام ص 332
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 60. ح 218
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61 ، ح 220

المعاوضة أنّ الزيادة له؛ لاستلزامها انتقال الملك إلى الغارم كما يكون النقصان عليه. ويُحتمل دفعها إلى المالك لأنّ الحيوانَ مِلكه وإنّما أُعطِي عوضه للحيلولة، فإذا زادت قيمته كانت له لعدم تحقق الناقل للملك؛ ولأنّ إثبات الزيادة للفاعل إكرام ونفع لا يليقان بحاله .

وفي المسألة احتمال ثالث، وهو الصدقة بالزائد عمّا غَرِم وإنْ لم نُوجِبها في الأصل: لانتقالها عن ملك المالك بأخذ العوض، وعدم انتقالها إلى ملك الفاعل لعدم وجود سبب الانتقال، وردُّ ما غَرِم إليه لا يقتضي ملك الزيادة فتَتَعيَّن الصدقة، ويدل على عدم ملكهما عدم اعتبار إذنهما في البيع.

ويُضعف باستلزامه بقاء ملك بلا مالك، وأصالة عدم انتقاله بعد تحققه في الجملة وإن لم يَتَعَيَّن وعدم استئذانهما بحكم الشارع لا يُنافي الملك، كما في كثير من موارد المعاوضات الإجبارية.

وعلى تقدير انتقالها إلى الفاعل ففي وقت الانتقال وجهان: أحدهما أنّه بمجرد الفعل؛ لأنّه السبب التام في الغُرم فيكون هو الناقل، ولاعتبار قيمتها عنده، والثاني كونه وقت دفع العوض، ليتحقق به المعاوضةُ الإجبارية. وتظهر الفائدة فيما لو تلفَتْ قبل دفع العوض، فعلى الأوّل يكون من مال الفاعل وعلى الثاني من المالك، وفيما لو جني عليها قبله فالأرش للفاعل على الأوّل وللمالك على الثاني.

أما مؤونتها بعد دفع العوض إلى زمن البيع في غير البلد، وأرتُها ونَماؤُها فللفاعل وكذا تلفها قبل البيع فإنه عليه على كل حال.

واحترز بالبالغ العاقل عن الطفل والمجنون فلا يتعلق بهما جميع هذه الأحكام وإن تعلَّق بهما بعضُها، أما التحريم فالظاهر تعلقه بمطلق الذكر كما سلف، وأما الحد فينتفي عن غير المكلَّف وإنْ أُدب. ويلزم من تحريمها وجوب إتلافها لئلا تشتبه كما هو الحكمة فيه فيستوي فيه الجميع أيضاً.

وبقي بيعُ ما لا يقصد لحمه وإخراجه وهو منفي في فعل الصغير؛ لأنّ الحكم معلق

ص: 334

في النصوص(1)على فعل «الرجل»، وظاهرُ الفتوى(2)يوافقه. وأما المجنون فإنّ الرجل يتناوله والتقييد بالبالغ العاقل يُخرِجه، ولعلّ اقتران الحكم في النصوص المعبَّر فيها بالرجل بالحد قرينة إرادة المكلّف، فيَخرُج المجنون. وهذا أجود؛ وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين.

أمّا وطئ الخنثى فلا يتعلَّق به حكم، وهو وارد على تعبير المصنّف - فيما سبق- الحكم بالتحريم على وطء الإنسان ولا فرق في الموطوء بين الذكر والأنثى، ولا بين وطء القبل والدبر.

ولو انعكس الحكم بأن كان الآدمي هو الموطوء فلا تحريم للفاعل، ولا غيره من الأحكام للأصل.

وحيث يُحكم بتحريم موطوء الطفل أو المجنون يلزمهما قيمته؛ لأنه بمنزلة الإتلاف وحكمُه غيرُ مختص بالمكلّف، فإن كان لهما مال وإلّا أتبعا به بعد اليسار. ولو كان المقصود منه الظهْرَ فلا شيء عليهما إلّا أن يُوجِب نقص القيمة لتحريم لحمه أو لغيره فيلزمهما الأرسُ.

ولو كان الواطئ بالغاً وبيع في غير البلد لغير العالم بالحال فعَلم احتُمِل قويّاً جواز الفسخ مع استلزامه نقص القيمة بالنسبة إلى العالم؛ لأنه حينئذٍ عيب.

(والتعزيرُ) الثابت على الفاعل ( موكول إلى ) نظر (الإمام) أو من قام مقامه كما في كلّ تعزير لا تقدير له شرعاً، وقد ورد مطلقاً في كثير من الأخبار(3). (وقيل) والقائل الشيخ: إِنَّ قَدْرَه (خمسة وعشرون سوطاً)(4)؛ لحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام)(5).

ص: 335


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 60 ، ح 218.
2- راجع شرائع الإسلام، ج 4، ص 174؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 541؛ وغاية المراد، ج 4، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61 ، ح 221 - 222.
4- النهاية، ص 731
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 60، ح 218.

ورواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم(عليه السلام) (1)، والحسن بن خالد عن الرضا(عليه السلام)(2).

(وقيل) : يُحَدٌ ( كمال الحد) مائة جلدة حدَّ الزاني(3)؛ لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)في رجل أتى بهيمة فأولَج، قال: «عليه الحد»(4). وفي أُخرى: «حدّ الزاني»(5).

(وقيل: القتل(6))؛ لصحيحة جميل بن دَرّاج عن أبي عبد الله

(عليه السلام)في رجل أَتَى بهيمة، قال: «يُقتل»(7). وجمع الشيخ في الاستبصار بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل دون الإيلاج، والحد إذا أولج حد الزاني وهو الرجم، أو القتل إن كان محصناً، والحد إن لم يكن محصناً، أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرر منه الفعلُ ثلاثاً مع تخلُّلِ التعزير؛ لما روي من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا أقيم عليهم الحد مرّتين (8)والتعزيرُ يُطلَق عليه الحد. لكن يبقى على الثاني خبرُ الحدّ منافياً للتعزير بما دونه.

(ويثبت) هذا الفعل (بشهادة عدلين، وبالإقرار مرّةً) في جميع الأحكام (إن كانت الدابةُ له)؛ لعموم«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(9) خَرَج منه ما افتقر إلى التعدّد بنصٌ خا فيَبقَى غيرُه،

(وإلّا) تكن الدابة له (ف-) الثابتُ بالإقرار مطلقاً (التعزيرُ) خاصةً، دون غيره من الأحكام المذكورة؛ لأنّه إقرار في حق الغير فلا يُسمع (إلّا أن يُصَدِّقَه المالك) فيثبت باقي الأحكام؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذ.

هذا بحسب الظاهر، أمّا في نفس الأمر فإن كانت له هل يجب عليه فعلُ ما ذُكر من الذبحِ والإحراق؟ الظاهرُ ذلك؛ لقولهم(عليهم السلام) في الرواية السابقة: «إن كانت البهيمة للفاعل

ص: 336


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 60، ح 218.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 60، ح 218.
3- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 10، ص 62 ، ذيل الحديث 227؛ والاستبصار، ج 4، ص 224، ذيل الحديث 840
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61 ، ح 224.
5- تهذيب الأحكام ، ج 10، ص 61 - 62، ح 225.
6- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 437
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 61، ح 223.
8- الاستبصار، ج 4 ص 224 - 225 ، ذيل الحديث 840.
9- تقدم في ص 326، الهامش 1.

ذُبحت، فإذا ماتت أُحرقت بالنار ولم يُنتفع بها»(1). ولو لم تكن مأكولة ففي وجوب بيعها خارج البلد وجهان: أجودُهما العدم؛ للأصل، وعدم دَلالة النصوص عليه، وللتعليل بأنّ بيعها خارجه ليَخفَى خبرها، وهو مخفي هنا.

ولو كانت لغيره فهل يثبت عليه الغُرْمُ ويجب عليه التوصل إلى إتلاف المأكولة بإذن المالك ولؤ بالشراء منه ؟ الظاهرُ العدم. نعم، لو صارت مِلكه بوجه من الوجوه وجب عليه إتلاف المأكولة؛ لتحريمها في نفس الأمر.

وفي وجوب كونه بالذبح ثمّ الإحراق وجه قوي. ولو لم تنتقل إلى ملكه لكن ذبحها المالكُ أو غيرُه لم يَحِلّ للفاعل الأكل من لحمها؛ لعلمه بتحريمه، وكذا القول في نسلها ولبنها ونحوه.

(ومنها: وطئ الأموات) زنئ ولواطاً. (وحكمه حكم الأحياء) في الحد والشرائط (و) يَزِيد هنا أنه (تُغَلَّظ) عليه

(العقوبةُ) بما يراه الحاكم (إلّا أن تكون )الموطوءة (زوجته) أو أمته المحلَّلة له (فيُعَزَّر) خاصةً؛ لتحريم وطئها، ولا يُحد؛ لعدم الزنى إذ لم تخرج بالموت عن الزوجية ومِن ثَمَّ جاز له تغسيلها.

(ويثبت) هذا الفعل ( بأربعة )شهودٍ ذُكورٍ (على الأقوى) كالزني واللواط؛ لأنه زنئ ولواط في الجملة بل أفحش فيتناوله عموم أدلّةِ توقف ثبوته على الأربعة(2). وقيل: يثبت بشهادة عدلين(3)؛ لأنه شهادة على فعل واحدٍ يوجب حداً واحداً كوطء البهيمة، بخلاف الزنى واللواط بالحيّ فإنّه يُوجِب حدين فاعتُبِر فيه الأربعة؛ لأنّها شهادة على اثنين. وفيه نظر؛ لانتقاضه بالوطء الإكراهي والزنى بالمجنونة فإنه كذلك اشتراط الأربعة إجماعاً. والمتحقق اعتبارُ الأربعة من غير تعليل بل في كثير من النصوص(4) ما

ص: 337


1- تقدّم في ص 336، الهامش 1 و 2.
2- النور (24): 4 و 13؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 2، باب حدود الزني.
3- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 790؛ والشيخ في النهاية، ص 708.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 28، ص 94 - 97، الباب 12 من أبواب حد الزنى.

ينا في تعليله، وأن توقف الزنى على الأربعة والقتل على الاثنين مع أنه أعظم دليل على بطلان القياس.

والإقرار فرع الشهادة، فحيث اعتبرنا الأربعة يثبت بها (أو إقرار أربع) مراتٍ بشرائطها السابقة، ومَن اكتفى بالشاهدين اكتفى بالإقرار مرّتين. وحيث ألحقنا الميت بالحيّ فما يثبت بشهادة النساء في الزنى بالحيّة يثبت هنا على الأقوى؛ للعموم(1)، مع احتمال العدم لقيام الشبهة الدارئة للحدّ وما تقدّم.

(ومنها: الاستمناء) وهو استدعاء إخراج المني (باليد) أي يدِ استدعاء إخراج المني (باليد) أي يدِ المُستمني. (و) هو حرام (يُوجب التعزير) بما يراه الحاكم، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ﴾ إلى قوله : ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾(2)وهذا الفعل مما وراء ذلك، وعن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه لَعَن الناكح كفّه(3) .

وفي معنى اليد إخراجه بغيرها من جوارحه وغيرها ممّا عدا الزوجة والمملوكة. وفي تحريمه بيد زوجته ومملوكتِه المحلَّلة له وجهان: من وجود المقتضي للتحريم وهو إخراج المني وتضييعه بغير الجماع و به قطع العلامة في التذكرة (4)، ومِن منع كون ذلك هو المقتضي، وعدم تناول الآية والخبر له؛ إذ لم يُخَص حفظ الفرج في الزوجة وملك اليمين بالجماع فيتناول محل النزاع.

وفي تعدّي التحريم إلى غير أيديهما من بدنهما غير الجماع احتمال وأولى بالجواز هنا لو قيل به ثُمَّ؛ لأنه ضرب من الاستمتاع.

(وروي) بسند ضعيف عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليهم السلام): (أنّ عليّاً(عليه السلام) ضَرَب يدَه)أي يد رجل استمنى بيده(5) ، وفي الأخرى: «عَبَث بذكره إلى أن أنزل» (حتى احْمَرَّتْ)

ص: 338


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 264 - 267 ، باب البينات.
2- المؤمنون (23) 5-7
3- عوالي اللآلي، ج 1، ص 260، ح 38.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 577 (الطبعة الحجرية).
5- تهذيب الأحكام ، ج 10، ص 63 ، ح 232

يده من الضرب (وزوَّجه من بيت المال(1)). وهو مع ما في سنده حكم في واقعةٍ مخصوصة بما رآه، لا أن ذلك تعزيره مطلقاً.

(ويثبت) ذلك( بشهادة عدلين، والإقرار مرّةً) واحدةً؛ لعموم الخبر(2)إِلَّا ما أَخرجه الدليل من اعتبار العدد وهو هنا منفي. وقال ابن إدريس؛ يثبت بالإقرار مرّتين(3). وظاهره أنّه لا يثبت بدونه، فإن أراد ذلك فهو ضعيف؛ لما ذكرناه.

(ومنها: الارتداد، وهو الكفر بعد الإسلام، أعاذنا الله ممّا يُوبِق الأديان). والكفر يكون بنية، وبقول كفر، وفعلٍ مُكفّر. فالأول العزم على الكفر ولؤ في وقتٍ مُتَرَقَّبٍ، وفي حكمه التردُّدُ فيه. والثاني كنفي الصانع لفظاً أو الرُّسُل، وتكذيب رسول، وتحليل محرم بالإجماع كالزنى وعكسه كالنكاح، ونفي وجوبِ مُجْمَعِ عليه كرَكعَةٍ من الصلوات الخمس، وعكسه كوجوب صلاةٍ سادسة يوميّةٍ. والضابط إنكار ما علم من الدين ضرورةً. ولا فرق في القول بين وقوعه عناداً واعتقاداً واستهزاء؛ حملاً على الظاهر. ويمكن ردُّ هذه الأمثلةِ إلى الأوّل حيث يعتقدها من غير لفظ. والثالث: ما تَعَمَّدَه استهزاءً صريحاً بالدين، أو جحوداً له كإلقاء مصحف أو بعضه بقاذورة قصداً، وسجود لصنّم.

ويُعتبر فيما خالَفَ الإجماع كونه ممّا ثبت حكمه في دين الإسلام ضرورةً - كما ذكر - لخفاء كثير من الإجماعيات على الآحاد وكون الإجماع من أهل الحل والعقد من المسلمين، فلا يكفر المخالف فى مسألة خلافية وإن كان نادراً. وقد اختلفت عبارات الأصحاب وغيرهم في هذا الشرط، فاقتصر بعضُهم على اعتبار مطلق الإجماع(4)، وآخرون على إضافة ما ذكرناه(5)، وهو الأجود. وقد يتفق للشيخ (رحمه الله) الحكم بكفر

ص: 339


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 64 ، ح 233 .
2- تقدّم في ص 336 الهامش 9
3- السرائر، ج 3، ص 471.
4- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 553.
5- كابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 476 والشهيد الأوّل في غاية المراد، ج 4، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4) والسيوري في التنقيح الرائع، ج 4، ص 371.

مستحِلّ ما خالَفَ إجماعَنا خاصّةً (1)، كما تقدَّم نقله عنه في باب الأطعمة(2)، وهو نادر.

وفي حكم الصنم ما يُقصد به العبادة للمسجود له فلو كان لمجرد التعظيم مع اعتقاد عدم استحقاقه العبادة لم يكن كفراً بل بدعةٌ قبيحةً، وإنْ اسْتَحَق التعظيمَ بغير هذا النوع؛ لأنّ الله تعالى لم ينصب السجود تعظيماً لغيره.

( ويُقتل) المرتد (إن كان) إرتداده عن فطرة الإسلام؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «مَن بدل دينه فاقتُلُوه»(3). وصحيحةِ محمّد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام): مَن رَغِب عن الإسلام وكَفَر بما انزل على محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانَتْ منه ،امرأتُه ويُقسم ما تَرَك على ولده»(4). ورَوَى عمّار عن الصادق قال: «كل مسلم بین مسلمین ارْتَدَّ عن الإسلام وجَحَد محمّداً(صلی الله علیه وآله وسلم) نُبُوَّتَه وكَذَّبه، فإنّ دَمَه مُباحٌ لكلّ مَن سَمِع ذلك منه وامرأته بائنة منه يو منه يوم ارتدَّ فلا تقربه، ويُقسم ماله على وَرَثَتِهِ، وتَعتَد امرأتُه عدّة المتوَفَّى عنها زوجها. وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (5)»(6).

( ولا تُقبل توبته )ظاهراً؛ لما ذكرناه وللإجماع، فيتعيَّن قتله مطلقاً. وفي قبولها باطناً قول قوي(7) ؛ حذراً من تكليف ما لا يُطاق لو كان مكلفاً بالإسلام، أو خروجه عن التكليف مادام حيّاً كاملَ العقل وهو باطل بالإجماع. وحينئذ فلو لم يَطَّلع عليه أحدٌ أو لم يقدر على قتله أو تَأخَّر قتله بوجه وتاب، قبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى، وصَحتْ عباداته ومعاملاته، وطَهر بدنه، ولا يعود ماله

ص: 340


1- النهاية، ص 713
2- تقدم في ص 137.
3- صحيح البخاري، ج 3، ص 1098 ، ح 2854: الجامع الصحيح، ج 4، ص 59، ح 1458؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 126، ح 4351.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 136، ح 540.
5- في النسخ: لا يستبقيه». وما اثبتناه من المصدر.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 136 - 137، ح 541.
7- القول للشهيد الأوّل في الدروس الشرعية، ج 2، ص 40 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وزوجته إليه بذلك؛ عملاً بالاستصحاب، ولكن يصح له تجديد العقد عليها بعد العدة، وفي جوازه فيها وجه كما يجوز للزوج العقد على المعتدة منه بائناً. وبالجملة فيقتصر من الأحكام بعد توبته على الأمور الثلاثة في حقه وحقٌّ غيره، وهذا أمرُ آخَرُ وراءَ القبول باطناً.

(و تَبِينُ منه زوجتُه وتَعتَد للوفاة) وإنْ لم يَدخُل على الأصح؛ لما تقدم، (وتُورَث أمواله) الموجودة حالة الردّة بعد قضاء ديونه السابقة عليها (وإن كان) حياً (باقياً) ؛لأنه في حكم الميت في ذلك.

وهل يلحقه باقي أحكامه، من إنفاذ وصاياه السابقة على الردّة، وعدم قبوله التملك بعدها؟ نظر : من مساواته له في الأحكام، وكونه حيّاً لا يلزم من مساواته الميت في جملة من الأحكام الحاقه به مطلقاً. ولو أدخلنا المتجدد أدخلنا المتجدد في ملكه كالاحتطاب والاحتشاش صار إرثاً، وعلى هذا لا ينقطع إرتُه مادام حيّاً، وه-و ب-عيد، ومعه ففي اختصاص وارثه عند ارتداده به أو عند التكسب وجهان.

ويُعتبر في تحقق الارتداد البلوغ والعقل والاختيارُ (ولا حكم لارتداد الصبي والمجنون والمكرَه لكن يُؤدَّب الأولان والسكرانُ في حكم المجنون فلا يرتد بتلفّظه حالته بكلمة الكفر أو فعله ما يوجبه، كما لا يُحكم بإسلامه بكلمة الإسلام لو كان كافراً، وإلحاقه بالصاحي في وجوب قضاء العبادات لا يوجب إلحاقه به مطلقاً العلم بزوال عقله الرافع للخطاب. وكذا لا حكم لردّة الغالط والغافلِ والساهي والنائم، ومَن رَفَع الغضبُ قصده. وتُقبل دعوى ذلك كله، وكذا الإكراه مع القرينة كالأسر. وفي قبول دعوى عدم القصد إلى مدلول اللفظ مع تحقق الكمال نظر : من الشبهة الدارئة للحدّ، وكونه خلاف الظاهر.

(ويستتاب) المرتد (إن كان) إرتداده ( عن كفر ) أصلي، (فإن تاب وإلا قتل، ومدة الاستتابة ثلاثة أيام في المروي) عن الصادق(عليه السلام)(1)بطريق ضعيف. والأقوى تحديدها

ص: 341


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 138 ، ح 546.

بما يُؤَمَّل معه عوده، ويُقتل بعد اليأس منه وإن كان من ساعته، ولعلّ الصبر عليه ثلاثة أولى رجاءً لعوده، وحملاً للخبر على الاستحباب.

(و) المرتد عن ملة (لا يزول ملكه عن أمواله إلّا بموته) ولو بقتله، لكن يُحجَر عليه بنفس الردّة عن التصرف فيها، ويدخُل في ملكه ما يتجدد، ويتعلق به الحجرُ ويُنفق عليه منه مادام حيّاً. (و) كذا (لا) تزول(عصمة نكاحه إلّا ببقائه على الكفر بعد خروج العدّة) التي تَعتَدّها زوجته من حين رِدَّته (وهي عدة الطلاق) فإن خرجت ولما يرجع بانت منه. (وتُؤَدَّى نفقةُ واجب النفقة) عليه من والد وولد وزوجةٍ ومملوك (من ماله) إلى أن يموت.

(ووارثهما) أي المرتدَّيْن فطرياً ومليّاً وَرَثَتُهما (المسلمون لا بيت المال) عندنا لما تقدم، (ولو لم يكن) لهما

(وارث) مسلم (فللإمام)، ولا يرتُهما الكافر مطلقاً لأنّهما مرتبةً فوق الكافر ودون المسلم.

(والمرأة لا تُقتَل وإنْ كانت) ردّتُها (عن فطرة، بل تُحبَس دائماً وتُضرَب أوقات الصلوات) بحسب ما يراه الحاكم (وتُستعمل) في الحبس (في أسوأ الأعمال وتُلبَس أخشنَ الثيابِ) المتَّخَذِةِ لِلَّبس عادةً (وتُطعَم أَجْشَبَ الطعام) وهو ما غَلُظ منه وخَشُنَ، قاله ابن الأثير(1). ويُعتبر فيه عادتها؛ فقد يكون الجَشِبُ حقيقةً في عادتها صالحاً .وبالعكس. يُفعل بها ذلك كله (إلى أن تتوب أو تموت)؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (2) وغيرها في المرتدّة عن الإسلام، قال: «لا تُقتَل وتُستخدم خدمةً شديدةً وتُمنَع من الطعام والشراب إلا ما يُمسك نفسها، وتُلبَس خَشِنَ الثياب وتُضرَب على الصلوات»(3). وفي خبر آخَرَ عنه : «المرأةُ تُستتاب، فإن تابت وإلا حُبِست في السّجن وأضِرَّ بها»(4)؛ ولا فرق فيها بين الفطريّةِ والملّيّةِ.

ص: 342


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 272، «جشب».
2- الفقيه، ج 3، ص 150، ح 3551.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 143، ح 565.
4- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 144 ، ح 569.

وفي إلحاق الخنثى بالرجل أو المرأة وجهان تَقَدَّما في الإرث، وأن الأظهر الحاقه بالمرأة.

(ولو تكرّر الارتداد) والاستتابةُ من الملّيّ( قُتِل في الرابعة) أو الثالثة على الخلاف السابق؛ لأنّ الكفر بالله تعالى أكبر الكبائر، وقد عرفت أن أصحاب الكبائر يُقتلون في الثالثة(1)، ولا نصَّ هنا بالخصوص، والاحتياط في الدماء يقتضي قتله في الرابعة.

(وتوبتُه الإقرار بما أنكره)، فإن كان الإنكار الله أو للرسول فإسلامه بالشهادتين، ولا يُشترط التبري من غير الإسلام وإن كان آكد، وإن كان مقراً بهما منكراً عموم نبوته(صلی الله علیه وآله وسلم) لم تَكْفِ الشهادتان، بل لابد من الإقرار بعمومها، وإن كان بجَحْدِ فريضةٍ عُلِم ثبوتها من الدين ضرورةً فتوبته الإقرار بثبوتها على وجهها، ولو كان باستحلال محرَّمِ فاعتقاد تحريمه مع إظهاره إن كان أَظهَرَ الاستحلال، وهكذا.

(ولا تكفي (الصلاة) في إسلام الكافر مطلقاً(2)وإنْ كان بجحدها؛ لأن فعلها أعم من اعتقاد وجوبها فلا يدلّ عليه، وإن كان كفره بجحد الإلهيّة أو الرسالة وسُمِع تشهده فيها؛ لأنه لم يُوضع شرعاً ثُمَّ للإسلام، بل ليكون جزءاً من الصلاة وهي لا توجبه، فكذا جزؤُها، بخلاف قولها منفردةً لأنها موضوعة شرعاً له.

(ولو جُنَّ بعد رِدّته) عن ملة (لم يُقتل) مادام مجنوناً؛ لأن قتله مشروط بامتناعه من التوبة ولا حكم لامتناع المجنون أما لو كان عن فطرة قُتِل مطلقاً.

(ولا يصح له تزويج ابنته) المُوَلَّى عليها بل مطلق ولده؛ لأنه محجورٌ عليه في نفسه فلا تثبت ولا يته على غيره، ولأنه كافر وولاية الكافر مسلوبة عن المسلم. (قيل: ولا أمتِه) مسلمةً كانت الأمة أم كافِرةً(3) ؛ لما ذُكر في البنت، واستقرب في التحرير بقاءَ

ص: 343


1- تقدّم في ص 283.
2- إنّما لم تكن الصلاة إسلاماً لإمكان فعلها تقيّة أو إراءة، وهذا يتمّ مع عدم سماع لفظ الشهادتين أو مع كون الارتداد بإنكار غير الصلاة من فروض الإسلام، أمّا مع سماع لفظهما أو كون المطلوب من إسلامه ذلك. فالمشهور أنّ الأمر فيه كذلك. (زين رحمه الله)
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 578

ولايته عليها مطلقاً(1) مع جزمه في القواعد بزوالها كالولد(2). وحكايته هنا «قولاً» يُشعر بتمريضه؛ نظراً إلى الأصل، وقوة الولاية المالكية مع الشك في المُزيل وثبوت الحجر يَرفَع ذلك كله.

(ومنها (3): الدفاع عن النفس والمال والحريم (4)) وهو جائز في الجميع مع عدم ظنّ العَطَب، وواجبٌ في الأوّل والأخير (بحسب القدرة) ومع العجز يجب الهَرَبُ مع الإمكان، أما الدفاع عن المال فلا يجب إلا مع اضطراره إليه، وكذا يجوز الدفع عن غير مَن ذُكِر مع القدرة، والأقرب وجوبه مع أمن الضرر وظن السلامة، (مُعتَمِداً) في الدفاع مطلقاً (على الأسهل) فالأسهل، كالصياح ثمّ الخصام ثم الضرب ثمّ الجَرح ثمّ التعطيل ثم التدفيف.

ودم المدفوع هدر حيث يتوقف الدفاع على قتله، وكذا ما يتلف من ماله إذا لم يمكن بدونه، (ولو قُتِل ) الدافع (كان كالشهيد(5)) في الأجر، أما في باقي الأحكام من التغسيل والتكفين فكغيره.

ص: 344


1- تحرير الأحكام الشرعية ج 5 ص 392 - 393، الرقم 6926.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 578
3- يعني ومن العقوبات المتفرّقة. ولا يخفى عدم ملائمة العطف إلا بتأويل. (زين رحمه الله)
4- لا إشكال في أصل الجواز مع القدرة وعدم لحوق ضرر، وقد روي عن عليّ (عليه السلام)فسأله رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن لصاً دخل على امرأة فسرق حليتها، فقال علي(عليه السلام): «أما إنه لو دخل على أهل ضيعة ما رضي بذلك حتى عمّمه بالسيف». وعن الباقر(عليه السلام): «إن الله ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل». وعن الصادق(عليه السلام)عن أبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «إذا دخل عليك رجل يريد أهلك فابدره بالصربة إن استعف، فإنّ اللصّ محارب الله ورسوله، فما تبعك منه شيء فهو عليّ». والأقوى وجوب الدفع عن النفس والحريم مع الإمكان، ولا يجوز الاستسلام فإن عجز ورجا بالسلامة بالكفّ والهرب وجب. أما المدافعة عن المال، فإن كان مصطرّاً إليه وغلب على ظنه بالسلامة وجب وإلا فلا. (زين رحمه الله)
5- إنّما جعله كالشهيد ولم يجعله شهيداً مطلقاً؛ لأنّ أحكام الشهيد من ترك غسله وتكفينه لا يلحق إلا من قتل في جهاد بين يدي إمام عادل كما سبق في محله. أما من قتل دون ماله ونحوه فهو كالشهيد في الثواب لا في باقي الأحكام، وقد روي عن الصادق(عليه السلام)«أنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: من قتل دون عقال فهو شهيد» والمراد به ذلك جمعاً بين الأخبار (زين رحمه الله)

ولا يبدأ إلا مع العلم أو الظن بقصده، ولو كَفَّ كَفَّ عنه، فإن عاد عاد، فلو قطع يده مقبلاً ورِجْلَه مُديراً ضَمِن الرجل، فإن سَرَتَا ضَمِن النصف قصاصاً أو ديةً، ولو أقبل بعد ذلك فقطع عضواً ثالثاً رجع الضمانُ إلى الثلث. (ولو وَجَد مع زوجته أو مملوكتِه أو غلامه) أو ولدِه مَن يَنال دون الجماع فله دفعه بما يرجو معه الاندفاع، كما مر (فإن أتَى الدفع عليه) وأفضَى إلى قتله حيث لم يمكن دفعه بدونه (فهو هَدْرٌ. ولو قتله في منزله فادَّعى) القاتل (إرادة) المقتول (نفسه أو ماله) أو ما يجوز مدافعته عنه، وأنه لم يندفع إلا بالقتل (فعليه البينة أن الداخلَ كان معه سيفٌ مشهورٌ مُقبلاً على رَبِّ المنزل) وإن لم تشهد بقصده القتل؛ لتعذر العلم به فيكتفى بذلك؛ لدلالة القرائن عليه المرحة لصدق المدَّعِي.

(ولو اطلع على) عورة (قوم(1)) ولو إلى وجه امرأة ليست بمحرم للمطَّلع (فلهم زَجْرُه، فإن امتنع )وأصرَّ على النظر جاز لهم رَمْيُه بما يندفع به، فإن فعلوا (فرَمَوْه

بحصاةٍ ونحوها فجُنِي عليه كان هدْراً) ولو بَدَرُوه من غير زجرٍ ضَمِنُوه.

(والرحِمُ) الذي يجوز نظره للمطَّلع عليهم (يُرْجَر لا غير، إلا أن يكون) المنظور امرأةً (مجرّدةً فيجوز رميه بعد زجره) كالأجنبي؛ لمساواته له في تحريم نظر العورة.

ويجب التدرُّجُ في «المَرمِيّ به من الأسهل إلى الأقوى على وجه ينزجر به، فإن لم يندفع إلا برميه بما يقتله فهذرٌ. ولا فرق بين المطلع من ملكِ المنظور وغيرِه حتّى

ص: 345


1- كما يدافع عن الحريم بالفعل المحرم فكذا مع النظر المحرم لاشتراكهما في انتهاك العرض، وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «أيما رجل اطلع على قوم في دارهم فينظر إلى عوراتهم فرموه بحصاة ففقأوا عينه أو جرحوه فلادية له» وقال: «من بدأ فاعتدى عليه بمثل ما اعتدى عليه فلا قود له» وروى العلاء بن فضيل عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلل شيء لهم، فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقأوا عينه، فليس عليهم غرم» وقال: «إنّ رجلاً اطلع من خلل حجرة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فجاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق فقال (صلی الله علیه وآله وسلم)... أما والله لو عمت لفقأت عينك». ولا فرق بين الرحم وغيره حيث يحرم على الرحم ذلك النظر ، كما لو كانت المرأة مجرّدة. أما مع عدمه فيفرق بين الرحم وغيره حيث يجوز نظره شرعاً، وحيث يجوز الزجر لو توقف على الضرب فجنى عليه لم يضمن لأنه من ضروب الدفاع الذي لا يترتب عليه ضمان (زین رحمه الله )

الطريق وملك الناظر، ولو كان المنظور في الطريق لم يكن له رمي مَن ينظر إليه لتفريطه. نعم، له زَجْرُه لتحريم نظره مطلقاً.

( ويجوز دفعُ الدابّة الصائلة عن نفسه، فلو تَلِفَتْ بالدفع) حيث يتوقف عليه (فلا ضَمان)، ولو لم تندفع إلا بالقتل جاز قتلها ابتداءاً، ولا ضمان.

(ولو أدَّب الصبيَّ) بل مطلق الولد الصغير (وليه، أو الزوجة زوجها(1) فماتا ضَمِن ديتهما في ماله على قولٍ) جَزَم به في الدروس(2)؛ لاشتراط التأديب بالسلامة ويُحتمل عدم الضمان للإذن فيه، فلا يَتَعَقَّبُه ضَمان حيث لا تفريط كتأديب الحاكم، وكذا معلم الصبية.

(ولو عَضَّ على يد غيره فانتزعها فنَدَرَتْ أسنانه) - بالنون - أي سَقَطَتْ (فهدرٌ) لتعديه (وله) أي للمعضوض

(التخلص) منه (باللكم والجرح، ثمّ السكّينِ والخنجرِ) ونحوها (متدرّجاً) في دفعه (إلى الأيسر فالأيسر)، فإن انتقل إلى الصعب مع إمكان ما دونه ضَمِن، ولو لم يندفع إلا بالقتل فَعَل ولا ضمان.

ص: 346


1- وإن كان الزوج فإن كان على سبيل الحدّ والتعزير الجائز فعله للزوج فلا ضمان، وإن كان تأديباً على فعل مكروه أو مستحبّ فعليه الضمان (زين رحمه الله)
2- الدروس الشرعية ، ج 2، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

كتاب القصاص

اشارة

ص: 347

ص: 348

(كتاب القصاص)

بالكسر، وهو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو جَرحٍ، وأصله اقتفاء الأثر، يقال: «قَصَّ أثَرَه إذا تَبعه»، فكأن المقتَصَّ يَتبع أثر الجاني فيَفعَل مِثْلَ فعله.

(وفيه فصول ؛)

الفصل الأوّل في قصاص النفس

اشارة

(وموجِبُه إزهاق النفسِ ) أي إخراجها. قال الجوهري : زَهَقَتْ نفسُه... زُهوقاً أي خَرَجَتْ (1)وهو هنا مَجاز في إخراجها عن التعلّق بالبدن؛ إذ ليست داخلةً فيه حقيقةً كما حقق في محله(2)(المعصومة) التي لا يجوز إتلافها، مأخوذ من «العضم» وهو المنع (المكافِيَّةِ) لنفس المُزْهِق لها في الإسلام والحرية وغيرهما من الاعتبارات الآتية، (عمداً) قيد في الإزهاق أي إزهاقها في حالة العمد، وسيأتي (3) تفسيره، (عُدواناً) احتَرَز به عن نحو المقتول قصاصاً فإنّه يصدق عليه التعريف لكن لا عدوان فيه فخرج به.

ص: 349


1- الصحاح، ج 3، ص 1493، «زهق».
2- راجع شرحي الإشارات، ج 2، ص 56 و 57، النمط السابع. لخواجة نصير الدين الطوسي وفخر الدين الرازي.
3- يأتي عن قريب.

ويمكن إخراجه بقيد «المعصومة» فإنّ غير المعصوم أعم من كونه بالأصل كالحربي والعارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص، ولكنه أراد بالمعصومة ما لا يُباحُ إزهاقها للكلّ، وبالقيد الأخير إخراج ما يُباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخَرَ؛ فإنّ القاتل معصوم بالنسبة إلى غير ولي القصاص.

ويمكن أن يريد بالعدوان إخراج فعل الصبي والمجنونِ؛ فإن قتلهما للنفس المعصومة المكافئة لا يوجب عليهما القصاص لأنه لا يُعَدّ عدواناً؛ لعدم التكليف وإن استحقا التأديب حَسْماً للجرأة فإن العدوان هنا بمعنى الظلم المحرم وهو منفي عنهما.

ومَن لاحَظَ في العدوان المعنى السابق، احتاج في إخراجهما إلى قيدٍ آخَرَ، فقال: «هو إزهاق البالغ العاقل النفس المعصومة إلى آخره. ويمكن إخراجهما بقيد العمد؛ لما سيأتي من تفسيره بأنه قصد البالغ(1) إلى آخره، وهو أوفق بالعبارة.

( فلا قَوَد بقتل المرتدّ) ونحوه من الكفّار الذين لا عصمة لنفوسهم. والقود - بفتح الواو - القِصاص، سُمِّيَ قَوَداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل وغيره، قاله الأزهري(2). ( ولا بقتل غيرِ المكافئ )كالعبد بالنسبة إلى الحرّ.

وإزهاق نفس الدابة المحترمة بغير إذن المالك وإن كان محرَّماً، إلّا أنّه يمكن إخراجه بالمعصومة حيث يُراد بها ما لا يجوز إتلافه مطلقاً، ولو أريد بها ما لا يجوز إتلافه لشخص دون آخر - كما تقدّم - خرجت بالمكافئة. وخرج بقيد العمد القتل خطأ وشبهه فإنّه لا قصاص فيهما.

(والعمد يحصل بقصد البالغ إلى القتل بما يقتل غالباً) وينبغي قيد «العاقل» أيضاً؛ لأن عمد المجنون خطأ كالصبي، بل هو أولى بعدم القصد من الصبي المميز. وبعضُ الأصحاب جَعَلَ العمد هو القصد إلى القتل(3)إلى آخره، من غير اعتبار القيدين؛ نظراً إلى

ص: 350


1- يأتي بُعَيْدَ هذا.
2- تهذيب اللغة، ج 9، ص 247 - 248، «قود».
3- كالمحقق في المختصر النافع، ص 443 ؛ وشرائع الإسلام، ج 4، ص 180.

إمكان قصدهما الفعل، فاحتاج إلى تقييدِ ما يُوجب القصاص بإزهاق البالغ العاقل، كما .من (قيل: أو) يَقتُل

(نادراً) إذا اتَّفق به القتلُ؛ نظراً إلى أن العمد يتحقق بقصد القتل(1)من غير نظر إلى الآلة فيدخُل في عموم أدلّة(2)العمد، وهذا أقوى.

(وإذا لم يقصد القتل بالنادر) أي بما يقع القتل به نادراً، (فلا قود وإنْ اتَّفَق الموتُ كالضرب بالعُودِ الخفيف أو العصا )الخفيفة في غير مقتل بغير قصد القتل؛ لانتفاء القصد إلى القتل وانتفاء القتل بذلك عادةً فيكون القتل شبية الخطاء وللشيخ (رحمه الله قول(3)بأنه هنا عمد ؛ استناداً إلى روايات (4)ضعيفة أو مرسَلة لا تُعتَمَد في الدِماءِ المعصومة.

(أمّا لو كرَّر ضَرْبَه بما لا يَحتمله مثله بالنسبة إلى بدنِه) لصِغَره أو مرضه، (وزمانه) لشدّة الحرّ أو البَرْد (فهو عمد)؛ لأنه حينئذٍ يكون الضرب بحسب العوارض بما يقتل غالباً. (وكذا لو ضربه دون ذلك) من غير أن يقصد قتله (فأعقبه مرضاً ومات)؛ لأنّ الضربَ مع المرض ممّا يحصل معه التلف، والمرضُ مسبّب عنه وإن كان لا يوجبه منفرداً.

ويُشكل بتخلف الأمرين معاً، وهما القصد إلى القتل وكونُ الفعل ممّا يَقتُل غالباً، والسببية غير كافية في العمدية كما إذا اتَّفق الموتُ بالضرب بالعُودِ الخفيف، ولو اعتبر هنا القصد لم يُشترط أن يَتَعَقَّبَه المرضُ.

(أو رماه بسهم أو بحجرٍ غامز) أي كابس على البدن لثقله (أو خَنقه بحبل ولم يُرْخ عنه حتى مات أو بَقِي) المخنوق (ضَمِناً(5)) بفتح الضاد فكسر الميم، أي مُؤْمِناً (ومات) بذلك: (أو طَرَحه في النار) فمات منها( إلا أن يُعلم قدرته على

ص: 351


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 180.
2- النساء (4): 93؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 155 - 162 ، باب القضايا في الديات والقصاص.
3- المبسوط، ج 5، ص 19.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 155 - 156، ح 622 - 626.
5- أي بقي معه بقية نفس حتى مات (زين رحمه الله)

الخروج) لقلّتها، أو كونه في طرفها يُمكنه الخروج بأدنى حركة فيترك؛ لأنه حينئذ قاتل نفسه، (أو) طرحه (في اللُجَّة) فمات منها ولم يقدر على الخروج أيضاً(1).

وربما فُرِق بينهما وأوجب ضمانُ الدية في الأول دون الثاني؛ لأنّ الماء لا يُحدِث به ضرراً بمجرد دخوله بخلاف النار. ويَتَّجِه وجوبُها مع عدم العلم باستناد الترك إلى تقصيره؛ لأنّ النارَ قد تَدهَتُه وتَشْنَج أعضاؤه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المَخْلَص. ولو لم يمكنه الخروج من الماء إلا إلى مَعْرَقٍ آخَرَ فكعدمه، وكذا من أحدهما إلى الآخر أو ما في حكمه(2). ويُرجع في القدرة وعديها إلى إقراره بها أو قرائن الأحوال.

(أو جَرَحه عمداً فسَرَى) الجُرحُ عليه (ومات) وإنْ أمكنه المداواة؛ لأنّ السراية مع تركها من الجُرح المضمون، بخلاف المُلقى في النار مع القدرة على الخروج فتَرَكَه تخاذلاً؛ لأنّ التلف حينئذٍ مستند إلى الاحتراق المتجدّدِ ولولا المكث لما حصل، وأولى منه ما لو غُرِق بالماء. ومثله ما لو فَصَده فتَرَك المفصودُ شَدَّه؛ لأن خروج الدم هو المهلك والفاصد سببُه، ويُحتمل كونه كالنار؛ لأنّ التلف مستند إلى خروج الدم المتجدّدِ الممكن قطعه بالشدّ.

(أو أَلقَى نفسَه مِن عُلْوِ على إنسان ) فقتله قصداً، أو كان مثله يقتل غالباً، ولو كان المُلقِي له غيره بقصد قتل الأسفل قيد به مطلقاً، وبالواقع إن كان الوقوع ممّا يَقتُل غالباً وإلا ضَمِنَ ديته، ولو انعكس انعكس (أو ألقاه من مكانٍ شاهِقٍ )يَقتُل غالباً أو مع قصد قتله.

(أو قَدَّم إليه طعاماً مسموماً )يقتل مثله كميةً وكيفية (ولم يعلمه) بحاله، (أو جَعَلَه) أي الطعام المسموم ( في منزله ولم يُعلمه) به، ولو كان السم مما يقتل كثيره خاصةً فقَدَّم إليه قليله بقصد القتل فكالكثير، وإلا فلا.

ويختلف باختلاف الأمزجة والخليط، أما لو وضعه في طعام نفسه أو في ملكه

ص: 352


1- في «ق ، م ، ن» أضيف: «... هنا».
2- فرق العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 585

فأكله غيره بغير إذنه فلا ضمان، سواء قصد بوضعه قتل الآكل كما لو عَلِم دخول الغير داره كاللص أم لا، وكذا لو دَخَل بإذنه وأكله بغير إذنه.

(أو حفر بئراً بعيدة) القَعْرِ (في طريق) أو في بيته بحيث يقتل وقوعُها غالباً، أو قَصَدَه (ودَعَا غيره) إلى المرور عليها (مع جهالته) بها (فوقع فمات)، أما لو دخل بغير إذنه فوقع فيها فلا ضمان وإنْ وَضَعها لأجل وقوعه كما لو وضعها للصّ.

( أو ألقاه في البحر فالتقمه الحُوتُ إذا قصد إلقامَ الحوت)، أو كان وجوده والتقامه غالباً في ذلك الماء، (وإن لم يقصد) القامه ولا كان غالباً فاتَّفَق ذلك ضَمِنَه أيضاً (على قول(1)) ؛ لأنّ الإلقاء كافٍ في الضمان، وفعل الحوت أمر زائد عليه كنَصْلٍ منصوب في عمق البئر الذي يقتل غالباً، ولأنّ البحر مَظِنّة الحوت فيكون قصد إلقائه في البحر كقصد القامه الحوت. ووجه العدم أنّ السبب الذي قصده لم يُقتل به والذي قُتِل به غيرُ مقصود فلا يكون عمداً وإنْ أوجب الدية. وحكاية المصنّف له «قولاً» يُشعر بتمريضه، وقد قطع به العلّامة(2)، وهو حسن؛ لأنّ الفرضَ كونُ الإلقاء موجباً للضمان كما ظَهَر من التعليل. وكذا الخلاف(3)لو التقمه الحوت قبل وصوله إلى الماء من حيث إنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة. وعدم قصد إتلافه بهذا النوع، والأول أقوى.

(أو أغرَى به كلباً عقوراً فقتله ولا يُمكنه التخلّص) منه، فلو أمكن بالهَرَب أو قتله أو الصياح به ونحوه فلا قود؛ لأنه أعان على نفسه بالتفريط. ثم إن كان التخلّص الممكنُ من مطلق أذاه فكإلقائه في الماء فيموت مع قدرته على الخروج، وإن لم يمكن إلا بعد عَضَّة لا يَقتُل مثلُها فكإلقائه في النار كذلك فيَضمَن جنايةً لا يمكنه دفعُها. (أو ألقاه إلى أسد بحيث لا يمكنه الفرارُ) منه فقتله سواء كان في مَضِيقٍ أم بريةٍ.

ص: 353


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 162 ، المسألة 21.
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 469 المسألة 160.
3- القول بالقود للشيخ في الخلاف، ج 5، ص 162 ، المسألة :22؛ والمبسوط، ج 5، ص 22؛ والقول بعدم القود للمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 183.

(أو أَنْهَشه حيّةً قاتلةً) فمات، (أو طَرَحها عليه فنَهَشَتْه) فهَلَك، أو جَمَع بينه وبينها في مضيق؛ لأنه مما يقتل غالباً. (أو دَفَعه في بئرٍ حَفَرها الغيرُ) متعدّياً بحفرها أم غير متعد، في حالة كون الدافع (عالماً بالبئر)؛ لأنه مباشر للقتل فيُقدم على السبب لو كان، ( ولو جَهل) الدافع بالبئر ( فلا قصاص عليه)؛ لعدم القصد إلى القتل لكن عليه الدية لأنه شبيه عمدٍ( أو شَهِد عليه زُوراً بموجب القصاص فاقتص منه)؛ لضعف المباشر بإباحة الفعل بالنسبة إليه فيُرجح السبب (إلّا أن يعلم الوليُّ التزويرَ ويُباشِرَ) القتل (فالقصاص عليه)؛ لأنّه حينئذ قاتل عمداً بغير حق.

(وهنا مسائل؛)

[المسألة ] (الأُولى: لو أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر) ؛ لأنّه القاتل عمداً ظلماً؛ إذ لا يتحقَّق حكم الإكراه في القتل عندنا ولو وَجَبَت الدية، كما لو كان المقتول غير مكافئ فالدية على المباشر أيضاً (دون الأمر) فلا قصاص عليه ولا دية، (و)لكن (يُحبَس الآمِرُ) دائماً (حتى يموت). ويدلّ عليه مع الإجماع صحيحة زرارة عن الباقر فى رجل أَمَر رجلاً بقتل رجل فقتله، فقال: «يُقتل به الذي قتله، ويُحبَس الآمِرُ بقتله في الحبس حتى يموت»(1).

هذا إذا كان المقهورُ بالغاً عاقلاً، (ولو أكره الصبيَّ غير المميز أو المجنون فالقصاص على مُكرِههما)؛ لأنّ المباشر حينئذٍ كالآلة، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد.

(ويمكن الإكراه فيما دون النفس) عملاً بالأصل في غير موضع النص، كالجرح وقطع اليد فيسقط القصاص عن المباشر،( ويكون القصاص على المكره) بالكسر. على الأقوى؛ لقوة السبب بضعف المباشر بالإكراه، خصوصاً لو بلغ الإكراه حد الإلجاء.

ص: 354


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 219، ح 864

ويُحتمل عدم الاقتصاص منه؛ لعدم المباشرة فتجب الدية، ويُضعف بأنّ المباشرة أخصُّ من سببية القصاص فعدمُها أعم من عدمه.

[المسألة] (الثانية: لو اشترك في قتله جماعةٌ) بأن القَوْه من شاهق أو في بحر، أو جَرَحوه جراحاتٍ مجتمعةً أو متفرّقةً ولؤ مختلفةً كمّيّة وكيفية فمات بها، (قُتِلوا به) جميعاً إن شاء الوليُّ (بعد أن يَرُدّ عليهم ما فَضَل عن ديته)، فيأخُذ كلُّ واحد ما فَضَل من ديته عن جنايته،( وله قتل البعض فيرد الباقون) من الدية (بحسب جنايتهم، فإن فَضَل للمقتولين فضل) عمّا ردّه شركاؤُهم (قام به الوليُّ).

فلو اشترك ثلاثة في قتل واحدٍ واختار وليه قتلهم أَدَّى إليهم ديتيْن يَقتسمونها بينهم بالسوية، فنصيب كلِّ واحدٍ منهم ثلثا ديةٍ، ويَسقُط ما يَخُصه من الجناية وهو الثلث الباقي. ولو قتل اثنين أَدَّى الثالثُ ثُلث الدية عِوَضَ ما يَخُصه من الجناية، ويُضيف الوليُّ إليه ديةً كاملةً ليصير لكلّ واحدٍ من المقتولين ثلثا دية وهو فاضل ديته عن جنايته؛ ولأنّ الوليَّ اسْتَوفَى نفسين بنفس فيَرُدّ ديةَ نفس. ولو قتل واحداً أَدَّى الباقيان إلى ورثته تُلتَي الديةِ ولا شيء على الوليّ. ولو طَلَب الدية كانت عليهم بالسوية إن اتَّفقوا على أدائها، وإلا فالواجب تسليم نفس القاتل.

هذا كله مع اتحادِ وليّ المقتول أو اتفاق المتعدّد على الفعل الواحد، ولو اختلفوا فطَلَب بعضُهم القصاص وبعض الدية قُدّم مختارُ القصاص بعد ردّ نصيب طالب الدية منها وكذا لو عَفَا البعضُ، إلّا أنّ الرد هنا على القاتل، وستأتى الإشارة إليه(1).

[المسألة) (الثالثة لو اشترك في قتله) أي قتل الذكر (امرأتان قُتِلَتا به ولارد) إذ لا فاضل لهما عن ديته، وله قتل واحدةٍ وتَرُدّ الأخرى ما قابل جنايتها وهو ديتها

ص: 355


1- يأتي في ص 388: ولو صالحه بعض الأولياء.

على الولي، ولا شيء للمقتولة.

(ولو اشترك) في قتله (خُنْثَيانِ) مشكلانِ (قُتِلا) به إن شاء الوليُّ، كما يُقتل الرجلان والمرأتان المشتركان، (ويَرُدّ عليهما نصف دية الرجل بينهما نصفان)؛ لأنّ دية كلّ واحد نصف دية رجلٍ ونصفُ دية امرأةٍ، وذلك ثلاثة أرباع دية الرجل، فالفاضل لكلّ واحد من نفسه عن جنايته ربع دية الرجل. ولو اختار قتل أحدهما رَدَّ عليه ربع ديةٍ هي ثلث ،ديته، ودَفَع الباقي نصف دية الرجل فيفضل للولي ربع ديته.

(ولو اشترك) في قتل الرجل (نساء قُتِلْنَ) جُمَعُ إن شاء الوليُّ (ورَدَّ عليهن ما فَضَل عن ديته)، فلو كُنّ ثلاثاً فقَتَلَهُنَّ رَدَّ عليهنّ دية امرأةٍ بينهنّ بالسوية أو أربعاً فدية امرأتين كذلك، وهكذا. ولو اختار في الثلاث قتل اثنتين رَدَّت الباقيةُ تُلتَ ديته بين المقتولتين بالسوية؛ لأنّ ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما وهو ثلث ديتهما؛ أو قتل واحدة رَدَّ(1) الباقيتان على المقتولة ثُلث ديتها وعلى الوليّ نصف دية الرجل، وكذا قياسُ الباقي.

(ولو اشترك) في قتل الرجل (رجل وامرأةٌ) واختار الولي قتلهما (فلارد للمرأة): إذ لا فاضل لها من ديتها عمّا يَخُصّ جنايتَها، (ويَرُدّ على الرجل نصف ديته )لأنّه الفاضل من ديته عن جنايته، والردُّ (من الوليّ) إن قَتَلَهما، (أو من المرأة لو لم تُقتَل) لأنه مقدار جنايتها. (ولو قُتِلَت المرأة) خاصةً فلا شيء لها، و (رَدَّ الرجلُ على الولي نصف الدية) مقابل جنايته.

هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه العمل، وللمفيد (رحمه الله) قول بأن المردود على تقدير قتلهما يُقسم بينهما أثلاثاً، للمرأة تُلثه بناءً على أن جنايةَ الرجل ضِعْفُ جناية المرأة؛ لأنّ الجاني نفس ونصفُ نفسٍ جَنَتْ على نفس فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك(2). وضعفه ظاهر، وإنما هما نفسان جنتا على نفس فكان على كلّ

ص: 356


1- في «م»: «ردت».
2- المقنعة ص 752

واحدة نصف، ومع قتلهما فالفاضل للرجل خاصةً؛ لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمةً من جنايته بقدرِ ضعفه، والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها فلا شيء لها، كما مرّ، وكذا على تقدير قتله خاصةً.

[المسألة] (الرابعة: لو اشتَرَك عَبيدٌ في قتله )أي قتل الذكر الحر فللولي قتلُ الجميع والبعض. فإن قَتَلَهم أجمع (رَدَّ عليهم ما فَضَل من قيمتهم عن ديته إن كان) هناك فضل. (ثمّ) على تقدير الفضل لا يَرُدّ على الجميع كيف كان، بل (كلَّ عبد نَقَصَتْ قيمته عن جنايته أو ساوَتْ) قيمته جنايته (فلارد) له (وإنّما الردّ لمن زادت قيمته عن جنايته ) ما لم تتجاوز دية الحرّ فيُرَدّ إليها. فلو كان العبيد ثلاثةً قيمتهم عشرة آلاف درهم فما دون بالسوية وقتلهم الوليُّ فلا ردّ، وإن زادت قيمتهم عن ذلك فعلى كلّ واحد تُلتُ دية الحرّ، فمن زادت قيمته عن الثلث رَدَّ على مولاه الزائد، ومَن لا فلا.

[المسألة] (الخامسة: لو اشتَرَك حرٌّ وعبد في قتله فله) أي لوليه (قتلهما) معاً(ويَرُدّ على الحرّ نصف ديته ) لأنّها الفاضل عن جنايته، (وعلى مولى العبد ما فَضَل من قيمته عن نصف الدية إن كان )له فضل ما لم يَتَجاوز دية الحرّ فيُرَدّ إليها.

( وإن قتل أحدهما فالرد على الحرّ من مولى العبد أقل الأمرين من جنايته وقيمة عبده)إن اختار قتل الحرّ؛ لأنّ الأقل إن كان هو الجناية وهي نصف دية المقتول فلا يلزم الجاني سواها، وإن كان هو قيمة العبد ف- «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»(1) ولا يلزم مولاه الزائد. ثمّ إن كان الأقل هو قيمة العبد فعلى الولي إكمال نصف الدية لأولياء الحرّ. (والرد على مولى العبد من) شريكه (الحرّ إن) اختار الوليُّ قَتْلَ العبد (وكان له فاضل) من قيمته عن جنايته بأن تجاوَزَتْ قيمته نصف دية الحرّ. ثم إن استوعبتْ قيمته الدية فله جميع المردود من الحرّ، وإن كانت أقل فالزائد من المردود

ص: 357


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 182، ح 712

عن قيمته بعد حطّ مقابل جنايته لوليّ المقتول. (وإلّا) يكن له فضل بأن كانت قيمه العبد نصف دية الحرّ أو أنقص (رَدَّ) الحرُّ عِوَض جنايته وهو نصف الدية (على الولي) إن شاء. هذا هو المحصل في المسألة، وفيها أقوال أُخَرُ(1) مدخولةٌ.

(ومنه يُعرَف حكمُ اشتراك العبد والمرأة )في قتل الحرّ، (وغير ذلك) من الفروض كاشتراك كلّ من الحر والعبد والمرأة مع الخنثى، واجتماع الثلاثة وغيرها. وضابطه اعتبارُ ديةِ المقتول إن كان حراً، فإن زادت عن جنايته دفع إليه الزائد، وإن ساوَتْ أو نَقَصَتْ اقتُصِر على قتله، وقيمة العبد كذلك ما لم تزد عن دية الحرّ، ورَدَّ الشريك الذي لا يُقتل ما قابل جنايته من دية المقتول على الشريك إن استوعب فاضل ديته، أو قيمته للمردود، وإلَّا رَدَّ الفاضل إلى الوليّ . وكذا القول لو كان الاشتراك في قتل امرأة أو خنثى. ويجب تقديم الردّ على الاستيفاء في جميع الفروض.

القول في شرائط القصاص

وهي خمسة :

(فمنها: التساوي في الحريّة أو الرق فيُقتل الحر بالحر)، سواء كان القاتل ناقص الأطراف عادِمَ الحواس والمقتول صحيح أم بالعكس؛ لعموم الآية(2)، وسواءُ تَساوَيا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغَر أم تفاوتا، وإِنْ أَشرف المريضُ على الهَلاك أو كان الطفل مولوداً فى الحال.

(و) الحرُّ ( بالحرّة مع ردّ ) وليها عليه (نصف ديته) لأنّ ديته ضِعْفُ ديتها، وبالخنثى مع ردّ رُبع الدية، والخنثى بالمرأة مع ردّ الربع عليه كذلك، (والحرّة بالحرّة) ولا ردَّ إجماعاً (والحرِّ ولا يَرُدّ) أولياؤُها على الحر (شيئاً على الأقوى)؛ لعموم﴿ النَّفْسَ

ص: 358


1- لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 322 - 324، المسألة 28
2- البقرة :(2): 178 ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ .﴾.

بِالنَّفْسِ﴾(1) وخصوص صحيحتي(2)الحلبي وعبدالله بن سنان عن الصادق(عليه السلام)الدالّتين على ذلك صريحاً، وأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.

ومقابل الأقوى رواية أبي مريم الأنصاري عن الباقر(عليه السلام)في امرأة قتلت رجلاً، قال: «تُقتَل ويُؤدّي وليُّها بقيّة المال»(3). وهي مع شذوذها لا قائل بمضمونها من الأصحاب، قال المصنف في الشرح : «وليس ببعيد دعوى الإجماع على هذه المسألة»(4). وأولى منه قتل المرأة بالخنثى ولا ردّ، وقتل الخنثى بالرجل كذلك.

(ويقتص للمرأة من الرجل في الطَّرَف من غير ردّ حتّى تبلغ) دية الطرف (ثُلثَ دية الحرّ) فصاعداً (فتصير على النصف)، وكذا البحث في الجراح يتساويان فيها ديةً وقصاصاً، ما لم تبلغ ثلث الدية، فإذا بَلَغَتْه رُدَّتْ المرأةُ إلى النصف.

ومستند التفصيل أخبار كثيرة منها : صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : قلت له : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: «عشر من الابل». قلت: قطع اثنتين. قال : «عشرون» قلت: قطع ثلاثاً. قال: «ثلاثون» قلت : قطع أربعاً. قال: «عشرون» قلت: سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون؟؟ إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعِراق فنَبرَأُ ممّن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان فقال: «مَهْلاً يا أبان هذا حكم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، إن المرأةَ تُعاقِل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك أخَذْتَنى بالقياس والسنة إذا قيسَتْ مُحق الدين»(5).

ورَوَى تفصيلَ الجراح جميلُ بنُ دَرّاج عنه قال(عليه السلام): «بينها وبين الرجل قصاص في الجراحات حتّى تَبْلُغَ الثلث سواء، فإذا بلغت القُلتَ سواءً ارتَفَعَ الرجلُ وسَفَلَتْ

ص: 359


1- المائدة (5): 45
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 180 - 181، ح 704 و 707.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 183، ح 717.
4- غاية المراد، ج 4، ص 271( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 184 ، ح 719

المرأة»(1). وقال الشيخ (رحمه الله) : ما لم تتجاوز الثلث(2) والأخبار الصحيحة(3)حجّة المشهور.

إذا تَقَرَّر ذلك فلو قطع منها ثلاث أصابع استوفت مثلها منه قصاصاً من غير ردّ، ولو قطع أربعاً لم يُقطع منه الأربعُ إلا بعد ردّ دية إصبعين. وهل لها القصاص في إصبعين من دون ردّ؟ وجهان: منشأهما وجود المقتضي لجوازه كذلك وانتفاء المانع، أما الأول فلان قطع إصبعين منها يوجب ذلك فالزائد أولى، وأما الثاني فلأن قطع الزائد زيادة في الجناية فلا يكون سبباً في منع ما ثبت أوّلاً؛ ومن النص(4)الدال على أنه ليس لها الاقتصاصُ في الجناية الخاصة إلا بعد الردّ. ويقوى الإشكال لو طَلَبَتْ القصاص في ثلاث والعفو في الرابعة، وعدم إجابتها هنا أقوى.

وعلى الأوّل تتخيَّر بين قطع إصبعين من غير ردّ وبين قطع أربع مع ردّ دية إصبعين. ولو طلبت الدية فليس لها أكثر من دية إصبعين. هذا إذا كان القطع بضربة واحدة، ولو كان بأزيدَ ثَبَتَ لها دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير ردّ؛ لثبوت حكم السابق فيُستصَحب، وكذا حكم الباقي.

( ويُقتل العبدُ بالحرّ والحرّةِ) وإن زادت قيمته عن الدية، ولا يُرَدّ على مولاه الزائد لو فرض كما لا يلزمه الإكمال لو نَقص، (وبالعبد وبالأمة) سواء كانا لمالك واحدٍ أم مالكين، وسواء تساوَتْ قيمتهما أم اختلفت.

(و) تُقتَل (الأمةُ بالحرّ والحرّة وبالعبد والأمة) مطلقاً. (وفي اعتبار القيمة هنا) أي فى قتل المملوكِ مثله (قول) (5)فلا يُقتل الكامل بالناقص إلا مع ردّ التفاوت على سيّد الكامل؛ لأنّ ضمان المملوك يُراعى فيه المالية فلا يُستوفى الزائد بالناقص بل

ص: 360


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 184 ، ح 720
2- النهاية، ص 748 و 773.
3- الكافي، ج 7، ص 300 ، باب الرجل يقتل المرأة .... 7-
4- الكافي، ج 7، ص 299، باب الرجل يقتل المرأة .... 3-6.
5- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 596.

بالمساوي. ويُحتمل جواز القصاص مطلقاً من غير ردّ؛ لقوله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾(1) وقوله: ﴿اَلْحُرُ(2)بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾(3). أما قتل الناقص بالكامل فلا شبهة فيه، ولا يَلزَم مولاه الزائد عن نفسه مطلقاً.

(ولا يُقتل الحرُّ بالعبد) إجماعاً، وعملاً بظاهر الآية، وصحيحة الحلبي وغيره(4) ؛ عن الصادق(عليه السلام): «لا يُقتل الحرُّ بالعبد»(5)، ورواه العامة عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(6)، وادَّعَى في الخلاف إجماع الصحابة عليه(7). وهذا الحكم ثابت وإن اعتاد قتل العبيد؛ عملاً بعموم الأدلة وإطلاقها.

(وقيل) والقائل الشيخ (8)وجماعة(9): (إن اعتاد قتلهم قُتِل حَسْماً) لجرأتِه وفساده، واستناداً إلى روايات(10) لا تَنهَضُ في مخالفة ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار وفتوى أكثر الأصحاب. وعلى هذا القول، فالمرجع في الاعتياد إلى العرف.

وهل يُرَدّ على أولياء الحرّ ما فَضَل من ديته عن قيمة المقتول الذي تَحَقَّقَتْ به العادة؟ قيل(11): نعم، نظراً إلى زيادته عنه كما لو قتل امرأةً، والأخبار خالية من ذلك ،والتعليلُ بقتله لإفساده لا يقتضيه.

(ولو قتل المولى عبده) أو أمَتَه (كَفَّر ) كفّارة القتل (وعُزّرَ)، ولا يلزمه شيء غيرُ

ص: 361


1- المائدة (5): 45
2- في نسخة الشهيد: «والحرّ».
3- البقرة (2): 178
4- كرواية سماعة في تهذيب الأحكام، ج 10، ص 191، ح 753 .
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 191، ح 751.
6- سنن الدارقطني ، ج 3، ص 56 . ح 158/3211؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 8، ص 63. ح 15938 - 15939.
7- الخلاف، ج 5، ص 148، المسألة 4.
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 192، ذيل الحديث 757
9- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 384؛ وسلار في المراسم، ص 236: وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 407.
10- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 192، ح 758 - 759.
11- قال به سلّار في المراسم ص:238 وابن حمزة في الوسيلة، ص 431.

ذلك على الأقوى. وقيل: تجب الصدقة بقيمته(1)؛ استناداً إلى رواية ضعيفة(2)، ويمكن حملها على الاستحباب ((وقيل: إن اعتاد ذلك قُتِل) كما لو اعتاد قتل غير مملوكه(3)؛ للأخبار السابقة(4)، وهي مدخوله السند، فالقول بعدم قتله مطلقاً أقوى.

(وإذا غَرِم الحرُّ قيمة العبد) أو الأمة بأن كانا لغيره (لم يتجاوز بقيمة العبد ديةً الحرّ ، ولا بقيمة المملوكة دية الحرّة)؛ لرواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : «إذا قتل الحرُّ العبدَ غُرّم قيمته وأُدب». قيل: فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال: « لا يُجاوَز بقيمة عبدٍ دية الأحرار»(5).

(ولا يضمن المولى جناية عبده)على غيره؛ لأنّ المولى لا يعقل عبداً، وله الخيار إن كانت الجنايةُ) صَدَرتْ عن المملوك (خطاً بين فكه بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمته) لأنّ الأقلَّ إن كان هو الأرش فظاهر، وإن كان القيمة فهي بدل من العين فيقوم مقامها وإلا لم تكن بدلاً، ولا سبيل إلى الزائد لعدم عقل المولى. وقيل بأرش الجناية مطلقاً(6)، والأوّل أقوى؛ (وبين تسليمه) إلى المَجْنِي عليه أو وليه ليَسْتَرِقَّه أو يسترق منه ما قابل جنايته. (وفي العمد التخيير) في الاقتصاص منه أو استرقاقه (للمجني عليه أو وليه).

(والمدبَّرُ) في جميع ذلك (كالقِنّ) فيُقتل إن قتل عمداً حراً أو عبداً، أو يُدفَع إلى وليّ المقتول يَسترِقه أو يَفدِيه مولاه بالأقلّ، كما مرّ، ثمّ إن فَدَاه أو بَقِيَ منه شيء بعد أرش الجناية بَقِيَ على تدبيره وإلّا بطل. ولو مات مولاه قبل استرقاقه وفكه فالأقوى انعتاقه؛ لأنّه لم يخرج عن ملكه بالجناية فعلاً، وحينئذٍ فيسعى في فك رقبته من

ص: 362


1- قال به المفيد في المقنعة ص 749 والشيخ في النهاية، ص 752
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 235، ح 933
3- قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 384: وسلار في المراسم، ص 236.
4- تقدم في ص 361، الهامش 10.
5- الكافي، ج 7، ص 305 ، باب الرجل الحرّ يقتل مملوك غيره ..... ح 11.
6- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 149 المسألة 5

الجناية إن لم تُوجب قتله حراً.

(وكذا المكاتبُ المشروط والمطلق الذي لم يُؤَدِّ شيئاً)، ولو أدَّى شيئاً تَحَرَّر منه ،بحسابه، فإذا قَتَل حرّاً عمداً قُتِل به وإن قتل مملوكاً فلا قَوَد وتَعَلَّقَتْ الجنايةُ بما فيه من الرقية مُبَعضةً، فيسعى في نصيب الحرّية ويُستوفى الباقي منه أو يُباع فيه. ولو كان القتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرية، والمولى بالخيار في الباقي كما مرّ، سواء أَدَّى نصف ما عليه فصاعداً أم لا(1). وكذا القول في كلّ مُبَعَّض. ولا يُقتل المبعض مطلقاً بِمَن انعتق منه أقل مما انعتق من الجاني كما لا يُقتل بالقِنِّ، ويُقتل بمَن تَحَرَّر منه مثله أو أزيد كما يُقتل بالحرّ.

(ولو قتل حرّ حرّين فصاعداً فليس لهم) أي لأوليائهم (إلا قتله)؛ لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا يَجْنِي الجاني على أكثر من نفسه»(2). ولا فرق بين قتله لهم جميعاً ومرتباً. ولو عفا بعضُهم فللباقي القصاص.

وهل لبعضهم المطالبة بالدية ولبعض القصاص ؟ وجهان : من ظاهر الخبر وتعدّدِ المستحق. وكذا في جواز قتله بواحد : إمّا الأوّل أو بالقرعة أو تخييراً، وأخذ الدية من ماله للباقين. نعم، لو بدر واحدٌ منهم فقتله عن حقه استوفاه، وكان للباقين الدية لفوات محلّ القصاص إن قلنا بوجوبها حيث يفوت، وسيأتي(3). وظاهرُ العبارة منعُ ذلك كله لتخصيصه حقهم بقتله.

(ولو قطع) الحرُّ ( يمين اثنين) حزين (قُطعت يمينه بالأوّل ويُسراه بالثاني)؛ لتساوي اليدين في الحقيقة وإنْ تَغَايَرا من وجه يُغتفر عند تعذر المماثلة من كل وجه، ولصحيحة حبيب السجستاني عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل قطع يدين لرجلين اليمينين،

ص: 363


1- نبه بالتسوية على خلاف الشيخ في الاستبصار ج 4، ص 277، ذيل الحديث 11048] حيث جعل المؤدى نصف ما عليه بمنزلة الحرّ استناداً إلى رواية علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) ، وهو ضعيف. (منه رحمه الله)
2- لم نعثر عليه في النبوي. رواه عن أبي عبد الله(عليه السلام) الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 10، ص 182، ح 712
3- سيأتي في ص 390

فقال: «تُقطع يمينه للرجل الذي قطع يمينه أولاً، وتُقطَع يَسارُه للرجل الذي قطع يمينه أخيراً؛ لأنه إنّما قطع يد الرجُل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول»(1).

ولو قطع يد ثالث قيل: قُطعت رِجْلُه(2) ؛ لقوله في هذه الرواية : «والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع .يدان. فقلت له : أما تُوجَب عليه الدية وتُترك رجله؟ فقال: «إنّما تُوجب عليه الدية إذا قطع يدَ رَجُل وليس للقاطع يدان ولا رجلان فتَمَّ تُوجب عليه الدية لأنه ليس له جارحةً فيُقاصٌ منها»(3)؛ ولأن المساواة الحقيقية لو اعتبرت لم يَجُز التخطي من اليمني إلى اليسرى.

وقيل: ينتقل هنا إلى الدية (4)؛ لفقد المُماثل الذي يدلّ قوله تعالى:﴿ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾(5)إلى آخره عليه والخبرُ يَدفَع فقد التماثل، ويدل على مماثلة الرجل لليد شرعاً وإن انتفت لغةً وعرفاً.

نعم، يبقى الكلام في صحته، فإنّ الأصحابَ وَصَفُوه بالصحة مع أنّهم لم ينصّوا على توثيق حبيب، ولعلّهم أرادوا بصحته فيما عداه، فإنّهم كثيراً ما يُطلقون ذلك، وحينئذ فوجوب الدية أجود وأولى منه لو قطع يد رابع وبعدها فالدية قطعاً.

(ولو قتل العبد حرّين فهو لأولياء الثاني إن كان القتل) أي قتله للثاني (بعد الحكم به للأوّل )بأن اختار الأوّلُ استرقاقه قبل جنايته على الثاني وإن لم يحكم به حاكم؛ لبراءته من الجناية الأولى باسترقاقه لها، (وإلّا) تكن جنايته على الثاني بعد الحكم به للأوّل (فهو بينهما)؛ لتعلّق حقهما معاً به وهو على ملك مالكه، ولصحيحة زرارة عن الباقر(عليه السلام)في عبد جرح ،رجلين قال: «هو بينهما إن كانت الجناية محيطةً بقيمته». قيل له: فإن جَرَح رجلاً في أوّل النهار وجَرَح آخَرَ في آخِر النهار؟ قال: «هو

ص: 364


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 259، ح 1022.
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 193، المسألة 59؛ والنهاية، ص 771
3- تقدم آنفاً .
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 397
5- المائدة (5): 45

بينهما ما لم يَحكُم الوالي في المجروح الأول - قال: - فإن جَنَى بعد ذلك جنايةً فإنّ جنايته على الأخير» (1).

وقيل: يكون للثاني(2)؛ لصيرورته لأولياء الأوّل بالجناية الأُولى فإذا قتل الثاني انتقل إلى أوليائه، ولرواية علي بن عُقبة عن الصادق(عليه السلام)في عبد قتل أربعة أحرار واحداً بعد واحد، قال: «هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استَرَقُوه؛ لأنه إذا قتل الأوّلَ اسْتَحَقَّه أولياؤُه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني...»(3). وهكذا.

وهذا الخبر مع ضعف سنده يمكن حمله على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته على اللاحق، جمعاً بينه وبين ما سبق. وكذا الحكم لو تعدد مقتوله.

(وكذا لو قتل عبدين ) لمالكين يستوعب كلُّ منهما قيمته (أو) قتل (حرّاً وعبداً) كذلك، فإنّ موليي العبدين يشتركان فيه ما لم يسبق مولى الأوّل إلى استرقاقه قبل جنايته على الثاني فيكون لمولى الثاني، وكذا وليُّ الحرّ ومولى العبد. ولو اختار الأوّلُ المالَ ورَضِيَ به المولى تعلَّق حقٌّ الثاني برقبته. وقيل: يُقدَّم الأول لأن حقه أسبق، ويَسقُط الثاني لقوات محل استحقاقه(4)، والأول أقوى.

(ومنها: التساوي في الدين، فلا يُقتل مسلم بكافر حربياً كان الكافرُ أم ذمّيّاً. ومُعاهَداً كان الحربي أم لا، (ولكن يُعزّر ) القاتل (بقتل الذمّي والمُعاهَدِ) لتحريم قتلهما (ويغرَم ديةَ الذمّي). ويُستفاد من ذلك جواز قتل الحربي بغير إذن الإمام وإن توقَّفَ جوازُ جِهادِه عليه، ويُفرّق بين قتله وقتاله جهاداً.

وهو كذلك؛ لأن الجهادَ من وظائف الإمام، وهذا يتم في أهل الكتاب؛ لأنّ

ص: 365


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 195 ، ح 775
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 752.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 195، ح 774 .
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 10.

جهادَهم يترتب عليه أحكام غير القتل تتوقف على الحاكم، أما غيرهم فليس في جهاده إلا القتل أو الإسلام وكلاهما لا يتوقف تحقيقه على الحاكم، لكن قد يترتب على القتل أحكام أُخَرُ مثلُ أحكام ما يُغنَم منهم ونحوه وتلك وظيفة الإمام أيضاً.

(وقيل) - والقائل جماعات من الأصحاب، منهم الشيخان(1) والمرتضى (2)والمحقق(3). والعلامة (4)في أحد قوليه، والمصنّف في الشرح (5)مدعياً الإجماع، فإن المخالف ابنُ إدريس (6)وقد سَبَقَه الإجماع - : إنه إن اعتاد قتل أهل الذمة اقتُصَّ منه بعد ردّ فاضل ديته). ومستند هذا القول - مع الإجماع المذكور - رواية إسماعيل بن الفضل عن الصادق(عليه السلام)، قال: سألته عن دِماء اليهود والنصارى والمجوس هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غَشُوا المسلمين وأظهروا لهم العداوة؟ قال: «لا إلا أن يكون مستعوّداً لقتلهم». قال: وسألته عن المسلم هل يُقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: «لا إلا أن يكون معتاداً لذلك لا يَدَعُ قتلهم فيُقتل وهو صاغر»(7). وأنه مفسد في الأرض بارتكابه قتل مَن حرَّم الله قتله. والعجبُ أنّ ابن إدريس(8) احتج على مذهبه بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر، وهو استدلال في مقابلة الإجماع.

قال المصنّف في الشرح:

والحقُّ أنّ هذه المسألة إجماعيّة، فإنّه لم يُخالف فيها أحد سوى ابن إدريس وقد

ص: 366


1- المقنعة، ص 739: النهاية، ص 749
2- الانتصار، ص 542 المسألة 302.
3- المختصر النافع، ص 448
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 335 المسألة .32
5- غاية المراد، ج 4 ص 257 - 258 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
6- السرائر، ج 3، ص 352
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 189، ح 744 .
8- تقدّم آنفاً.

سَبَقَه الإجماع، ولو كان هذا الخلاف مؤثراً في الإجماع لم يُوجد إجماع أصلاً، والإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر يختص بغير المعتاد(1).

وأعجب من ذلك نقل المصنّف ذلك قولاً مُشعِراً بضعفه، بعد ما قرَّره من الإجماع عليه، مع أنّ تصنيفه لهذا الكتاب بعد الشرح.

واحتَجَّ في المختلف (2)لابن إدريس برواية محمّد بن قيس عن الباقر(عليه السلام) قال: لا يُقاد مسلم بذمّي»(3). وأجاب بأنه مطلق فيُحمل على المفصل. وفيه: أنّه نَكِرةٌ في سياق النفي فيَعُمّ، ومعه يُخَص العامُ بالمخصّص المفصَّلِ، والمناقشة لفظية، والأقوى المشهور.

ثم اختلف القائلون بقتله، فمنهم مَن جَعَلَه قَوْداً كالشيخ(4)، ومَن تَبِعَه (5)فأوجبوا ردَّ الفاضل من ديته، ومنهم مَن جَعَلَه حداً لفَساده، وهو العلّامة في المختلف(6)وقَبْلَه ابنُ الجنيد(7) وأبو الصلاح(8)، ويمكن الجمع بين الحكمين فيُقتَل لقتله وإفسادِه ويُرَدّ الورثة الفاضل. وتظهر فائدة القولين في سقوطِ القَود بعفو الوليّ، وتوقفه على طلبه على الأوّل دون الثاني.

وعلى الأوّل ففي توقفه على طلب جميع أولياء المقتولين أو الأخير خاصةً وجهان: منشأ هما كونُ قتل الأوّل جزءاً من السبب أو شرطاً فيه، فعلى الأوّل الأول وعلى الثانى الثاني، ولعله أقوى.

ص: 367


1- غاية المراد، ج 4، ص 258 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 336، المسألة 32
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 188، ح 740.
4- النهاية، ص 749
5- منهم سلّار الديلمي في المراسم، ص 236 - 2337؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 433؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 572.
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 335 المسألة 32
7- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 335، المسألة 32.
8- الكافي في الفقه، ص 384.

ويَتفرع عليه أنّ المردود عليه هو الفاضل عن دِيَات جميع المقتولين أوعن دية الأخير، فعلى الأوّل الأوّلُ أيضاً، وعلى الثاني الثاني والمرجع في الاعتياد إلى العرف وربما تَحَقَّقَ بالثانية؛ لأنه مشتق من العود فيُقتل فيها، أو في الثالثة وهو الأجود؛ لأنّ الاعتياد شرط في القصاص فلابد من تقدمه على استحقاقه.

( ويُقتل الذمّى بالذمّي) وإن اختلفت ملّتهما كاليهودي والنصراني، (وبالذمية مع الردّ) أي ردّ أوليائها عليه فاضل ديته عن دية الذمية وهو نصف ديته، (وبالعكس) تقتل الذمية بالذمّي مطلقاً (وليس عليها غُرْمٌ) كالمسلمة إذا قُتِلَت بالمسلم؛ لأنّ «الجاني لا يجني على أكثر من نفسه»(1).

( ويُقتل الذمّي بالمسلم، ويُدفَع ماله) الموجود على ملكه حالة القتل (وولده الصغارُ) غيرُ المكلَّفين إلى أولياء المسلم على وجه الملك (على قول) الشيخ المفيد(2)وجماعة(3) ، وربما نُسب إلى الشيخ (4)أيضاً، ولكن قال المصنّف في الشرح (5): إنه لم يجده في كتبه وإنّما نَسَب الحكم إلى القول لعدم ظهور دَلالةٍ عليه، فإنّ رِوايةَ ضَرِيس(6) التي هي مستند الحكم خالية عن حكم أولاده وأصالة حريتهم لانعقادهم عليها، وعموم ﴿ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (7)يَنفيه، ومِن ثُمَّ ردَّه ابن إدريس، وجماعة(8) .

ووُجه القولُ بأن الطفل يتبع أباه، فإذا ثبت له الاسترقاق شارَكَه فيه، وبأنّ المقتضي

ص: 368


1- تقدّم في ص 357، الهامش 1.
2- المقنعة، ص 740 و 753
3- منهم: سلار في المراسم، ص 238 وابن حمزة في الوسيلة، ص 434 - 435.
4- نسبه إليه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 5، ص 455 ، الرقم 7041.
5- غاية المراد، ج 4، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 190، ح 750.
7- الأنعام (6): 164 السرائر، ج 3، ص 351.
8- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 196؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 333 - 334، المسألة 31؛ والشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

لِحَقْنِ دَمه واحترامِ ماله وولده هو التزامه بالذمة، وقد خَرَقَها بالقتل فيجري عليه أحكامُ أهل الحرب(1). وفيه إنّ ذلك يوجب اشتراك المسلمين فيهم لأنهم فَيْء، أو اختصاص الإمام (عليه السلام)بهم، لا اختصاص أولياء المقتول.

والأجود الاقتصار على ما اتَّفق عليه الأصحابُ ووَرَدَتْ به النصوص من جواز قتله والعفو والاسترقاق له وأخذ ماله وللولي استرقاقه إلا أن يُسلم) قبله (فالقتل لا غيرُ)؛ لامتناع استرقاق المسلم ،ابتداء، وأخذ ماله باقٍ على التقديرين.

(ولو قتل الكافِرُ مثلَه ثمّ أَسلَم القاتلُ فالدية) عليه( لا غير، إن كان المقتول ذِمّيّاً)؛ لامتناع قتل المسلم بالكافر في غير ما استثني. ولو كان المقتول الكافرُ غير ذِمّي فلا قتل على قاتله مطلقاً، ولا دية.

(وولد الزنى إذا) بَلَغ وعَقَل (وأظهر الإسلامَ مُسلِمٌ يُقتَل به ولد الرشدة) - بفتح الراء وكسرها ، خلاف ولد الزنى - وإن كان لشبهة لتساويهما في الإسلام، ولو قتله قبل البلوغ لم يُقتل به. وكذا لا يُقتل به المسلم مطلقاً عند مَن يَرَى أنّه كافرٌ وإِنْ أظهر الإسلام (2).

( ويُقتل الذمّى بالمرتد) فطريّاً كان أم مليّاً؛ لأنه محقون الدم بالنسبة إليه لبقاء علقة الإسلام، وكذا العكس على الأقوى؛ لتساويهما في أصل الكفر كما يُقتل اليهودي بالنصراني. أما لو رَجَع الملّي إلى الإسلام فلا قود، وعليه ديه الذمّي.( ولا يُقتل به المسلم) وإنْ أَساءَ بقتله؛ لأنّ أمره إلى الإمام والأقرب أن لا دية للمرتدّ مطلقاً بقتل المسلم له أيضاً؛ لأنّه بمنزلة الكافر الذي لا دية له وإن كان قبل استتابة الملي؛ لأنّ مفارقته للكافر بذلك لا يُخرجه عن الكفر ولأنّ الدية مقدَّرٌ شرعي فيَقِفُ ثبوتها على الدليل الشرعي وهو مُنتَفٍ.

ويُحتمل وجوب دية الذمي؛ لأنه أقرب منه إلى الإسلام فلا أقل من كون ديته

ص: 369


1- التوجيه من الشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
2- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 357.

كديته مع أصالة البراءة من الزائد، وهو ضعيف.

(ومنها: انتفاء الأبُوَّة فلا يُقتل الوالد وإنْ علا بابنه) وإن نزل؛ لقوله(عليه السلام) : «لا يُقادُ للابن من أبيه»(1). والبنتُ كالابن إجماعاً أو بطريقٍ أولى، وفي بعض الأخبار عن الصادق (عليه السلام): «لا يُقتل والد بولده، ويُقتل الولد بوالده»(2)، وهو شامل للأُنثى . وعُدّل أيضاً بأن الأبَ كان سبباً في وجود الولد فلا يكون الولد سبباً في عدمه(3)، وهو لا يتم في الأُمّ.

(ويُعزّر ) الوالد بقتل الولد (ويُكفّر، وتجب الدية) لغيره من الوراث. (ويُقتل باقي الأقارب بعضُهم ببعض كالولد بوالده والأم بابنها والأجداد من قبلها وإن كانت لأب والجدّاتِ مطلقاً، والإخوة والأعمام والأخوال وغيرهم.

ولا فرق في الوالد بين المساوي لولده في الدين والحرّيّة والمخالف، فلا يُقتل الأب الكافر بولده المسلم، ولا الأب العبد بولده الحر؛ للعموم(4)، ولأنّ المانعَ شَرَفُ الأبوَّة. نعم، لا يُقتل الولد المسلم بالأب الكافر، ولا الحرُّ بالعبد لعدم التكافؤ.

(ومنها: كمال العقل، فلا يُقتل المجنون بعاقل ولا مجنون سواء كان الجنونُ دائماً أم أدواراً إذا قتل حال ،جنونه (والدية) ثابتةٌ (على عاقلته)؛ لعدم قصده القتل فيكون كخطأ العاقل؛ ولصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام)يَجعَل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً»(5). وكما يُعتبر العقل في طرف القاتل كذا يُعتبر في طرف المقتول فلو قتل العاقل مجنوناً لم يُقتل به، بل الدية إن كان القتل عمداً أو شبهه وإلّا فعلى العاقلة. نعم، لو صال المجنون عليه ولم يُمكنه دفعه إلا بقتله فهَدْرُ.

ص: 370


1- مسند أحمد، ج 1، ص 30، ح 99، و ص 39، ح 149 ؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 63، ح 182/3235 باختلاف يسير.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 237، ح 946 .
3- لم نعثر على من علله ولكن حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 15، ص 156.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 234 و ما بعدها باب قتل السيد عبده..
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 233 ، ح 919

(ولا يقتل الصبيُّ ببالغ ولا صبي(1)) بل تثبت الدية على عاقلته بجعل عمده خطأ محضاً، إلى أن يَبلُغ وإن مَيَّزَ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : «عمدُ الصبي وخطأه واحدٌ»(2). وعنه(عليه السلام) : «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأً تَحَملُه على العاقلة»(3). واعتبر في التحرير(4) مع البلوغ الرشد، وليس بواضح.

(ويقتل البالغ بالصبي) على أصح القولين(5)؛ لعموم: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾(6). وأوجب أبو الصلاح(7) في قتل البالغ له الدية كالمجنون؛ لاشتراكهما في نقصان العقل. ويُضعف بأن المجنون خرج بدليل خارج وإلا كانت الآية متناولة له، بخلاف الصبي، مع أن الفرق بينهما متحقق.

( ولو قتل العاقل) مَن يثبت عليه بقتله القصاص (ثمّ جُنَّ اقتُصَّ منه) ولوْ حالةَ الجنون؛ لثبوت الحق في ذمته عاقلاً فيُستصحب كغيره من الحقوق.

(ومنها: أن يكون المقتول محقونَ الدم) أي غيرَ مُباحِ القتل شرعاً،( فمن أباحَ

ص: 371


1- قتل البالغ بالصبي مذهب أكثر الأصحاب، بل هو المذهب لعموم الأدلة المتناولة. وخالف في ذلك أبو الصلاح . فألحقه بالمجنون في إثبات الدية بقتله عمداً مطلقاً لاشتراكهما في نقصان العقل، وأجيب ببطلان القياس مع وجود الفارق، والمجنون خرج بنص خاص، وهو صحيحة أبي بصير عن الصادق(عليه السلام) قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن رجل قتل رجلاً مجنوناً فقال: «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله، فلا شيء عليه من قود، ولا دية، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين». قال: «وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده، فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في مالها يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر الله عزّ وجلّ، ويتوب إليه» وقريب منه ما روى أبو الورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ويمكن الاحتجاج لأبي الصلاح بقوله (عليه السلام) في الخبر الأول: «لا قود لمن لا يقاد منه» فإنّ «من» عامة تشمل الصبي والمجنون حيث إنه لا يقاد منهما، فلا يقاد لهما من العاقل فلا يكون قياساً على المجنون بل كلاهما داخل في عموم النصّ، وإن كان كلّ المجنون منصوصاً على حكمه بالخصوص أيضاً. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 233 ، ح 920
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 233، ح 921 وفيه: «تحمله العاقلة».
4- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 464 ، الرقم 7059
5- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 5، ص 464، الرقم 7062.
6- المائدة (5): 45
7- الكافي في الفقه، ص 385.

الشرعُ قَتْلَه لزنئ أو لِواطٍ أو كُفرٍ (لم يُقتل به قاتله وإن كان بغير إذن الإمام؛ لأنه مباح الدم في الجملة، وإنْ تَوَقَّفَتْ المباشرة على إذن الحاكم، فيَأْتَمُ بدونه خاصةً. والظاهرُ عدمُ الفرق بين استيفائه بنوع القتل الذي عَيَّنَه الشارع كالرجم والسيف - وغيره لاشتراك الجميع في الأمر المطلوب شرعاً وهو إزهاق الروح. (ولو قتل من وجب عليه قصاص غيرُ الوليّ قُتِل به؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.

القول فيما يثبت به القتل

(وهو ثلاثة : الإقرار) به، (والبينة) عليه، (والقَسَامة) بفتح القاف، وهي الأيمان تُقسم على أولياء الدم، قاله الجوهري(1).

(فالإقرار يكفي فيه المرّة)؛ لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2) وهو يتحقق بالمرّة حيث لا دليل على اعتبار التعدّد. وقيل: تُعتبر المرتان(3) ، وهو ضعيف.

(ويُشترط أهليّة المقرّ) بالبلوغ والعقل، (واختياره وحريته )فلا عبرة بإقرار الصبي والمجنونِ والمكرَهِ والعبدِ ما دام رِقّاً ولو بعضه إلّا أن يُصَدِّقَه مولاه فالأقرب القبول؛ لأنّ سَلْبَ عبارته هنا إنما كان لحق المولى حيث كان له نصيب في نفسه فإذا وافَقَه زال المانع، مع وجود المقتضي وهو قبولُ إقرار العقلاء على أنفسهم ووجه عدم القبول مطلقاً كونه مسلوب أهلية الإقرار كالصبي والمجنون؛ لأن العبودية صفة مانعة منه كالصبا ولأنّ المولى ليس له تعلّق بدم العبد، وليس له جرحه ولا قطع شيء من أعضائه فلا يُقبل(4)، مطلقاً. ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبَّر وأُمّ الولد والمكاتب وإنْ

ص: 372


1- الصحاح ، ج 4، ص 2010، «قسم».
2- تقدّم في ص 326، الهامش 1.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 742
4- في «ق ، م»: «فلا يُقتل»

انعَتَق بعضُه كمطلق المُبَعَّض . نعم، لو أقرَّ بقتل يُوجب عليه الديةَ لَزِمَه منها بنسبة ما فيه من الحرّيّة. ولو أقرَّ بالعمد ثمّ كَمَل عِتقه اقتص منه لزوال المانع.

(ويُقبل إقرارُ السفيه والمُفَلَّسِ بالعمد)؛ لأنّ موجَبَه القَوَدُ، وإنّما حُجِر عليهما في المال فيُستوفى منهما القصاصُ في الحال. ولو أقرا بالخطاء الموجب للمال على الجاني لم يُقبل من السفيه مطلقاً، ويُقبل من المُفلس، لكن لا يُشارك المُقر له الغرماء على الأقوى، وقد تقدّم (1)في بابه.

(ولو أقر واحد بقتله عمداً وآخَرُ بقتله خطأ تخيَّر الوليُّ) في تصديقِ مَن شاء منهما وإلزامه بموجب جنايته؛ لأنّ كلَّ واحد من الإقرارين سبب مستقل في إيجاب مقتضاه على المُقرّ به، ولمّا لم يمكن الجمعُ تَخيَّر الوليُّ وإنْ جَهل الحال كغيره، وليس له على الآخر سبيلٌ.

( ولو أقرَّ بقتله عمداً فأقرّ آخَرُ ببراءة المقرّ) ممّا أقرَّ به من قتله (وأنه هو القاتل ورَجَع الأوّلُ) عن إقراره (وُدِيَ المقتول من بيت المال) إن كان موجوداً، (ودُرِيَّ) أي دُفعَ ( عنهما القصاص كما قَضَى به الحسن(عليه السلام) في حياة أبيه )على(عليه السلام) معللاً بأن الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾(2). وقد عَمِل بالرواية أكثر الأصحاب مع أنها مرسلة مخالفة للأصل. والأقوى تخيرُ الولي في تصديق أيهما شاء، والاستيفاء منه كما سبق. وعلى المشهور، لو لم يكن بيتُ مالِ كهذا الزمان أشكل دَرْءُ القصاص عنهما وإذهاب حق المقر له، مع أن مقتضى التعليل ذلك. ولو لم يرجع الأوّلُ عن إقراره فمقتضى التعليل بقاء الحكم أيضاً، والمختار التخيير مطلقاً .

(وأما البيّنةُ، فعدلان ذَكَران) ولا عبرة بشهادة النساء منفردات ولا منضمات، ولا بالواحد مع اليمين؛ لأنّ متعلَّقهما المال وإنْ عفا المستحِقُ على مال. وقيل: تثبت

ص: 373


1- تقدّم في كتاب الإقرار، ص 17
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 173 - 174 ، ح 679 ، والآية في المائدة (5): 32.

بالشاهد والمرأتين الدية(1)، وهو شاذ.

(ولْتَكُن الشهادة صافيةً عن الاحتمال، فلو قال جَرَحه» لم يَكْفِ حتّى يقول «مات مِن جَرحِه»): لأنّ الجرح لا يستلزم الموت مطلقاً. (ولو قال «أَسَالَ دَمَه» تثبت الدامية) خاصةً؛ لأنّها المتيقَنُ من إطلاق اللفظ ثمّ يبقى الكلام في تعيين «الدامية» فإنّ استيفاءَها مشروط بتعين محلّها فلا يصح بدونه.

(ولابد من توافقهما على الوصف الواحد) الموجبِ لاتحاد الفعل، (فلو اختلفا زماناً) بأن شهد أحدهما أنه قتله عُدْوَةً والآخَرُ عَشِيّةً (أو مكاناً)؛ بأن شهد أحدهما أنه قتله في الدار والآخَرُ في السوق،( أو آلةً ) بأن شهد أحدهما أنه قتله بالسكين والآخَرُ بالسَيف (بطلت الشهادة)؛ لأنّها شهادة على فعلين ولم يقم على كلّ واحد إلا شاهد واحد. ولا يثبت بذلك لَوْتُ على الأقوى للتكاذب. نعم، لو شَهد أحدُهما بإقراره والآخَرُ بالمشاهدة لم يثبت وكان لوثاً؛ لإمكان صدقهما وتحقق الظن به.

(وأما القسامة فتثبت مع اللوث، ومع عدمه يحلف المنكر يميناً واحدةً) على نفي الفعل، (فإن نكل) عن اليمين (حَلَف المدّعِي يميناً واحدةً) بناءً على عدم القضاء بالنكول، (وثبت الحق) على المنكر بيمين المدعي، ولو قضينا بالنكول قُضِيَ عليه به بمجرده .

(واللوثُ أَمارةٌ يُظَنّ بها صدقُ المدّعِي) فيما ادعاه من القتل (كوجود ذي سلاح مُلَطَّخ بالدم عند قتيل في دمه)، أما لو لم يُوجد القتيلُ مُهرَقَ الدم لم يكن وجود الدم مع ذي السلاح لوثاً. (أو) وُجِد القتيل (في دارِ قوم أو قريتهم) حيث لا يطرقها غيرُهم، (أو بين قريتين) لا يَطرُقهما غير أهلهما، (وقربهما) إليه (سواء) ولو كان إلى إحداهما أقربُ اختَصَّتْ باللوث. ولو طَرَق القرية غيرُ أهلها اعتُبر في ثبوت اللوث مع ذلك ثبوت العداوة بينهم وبينه. (وكشهادة العدل )الواحدِ بقتل المدعى عليه به (لا الصبي ولا الفاسق) والكافر وإن كان مأموناً في مذهبه.

ص: 374


1- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 533 - 534

(أمّا جماعةُ النساء والفُسّاق فتُفيد اللوثَ (1)مع الظنّ) بصدقهم ويُفهم منه أن جماعة الصبيان لا يثبت بهم اللوتُ، وهو كذلك إلا أن يبلغوا حد التواتر، وكذا الكفّار، فالمشهورُ حينئذٍ ثبوتُه بهم. ويُشكل بأنّ التواتر يُثبت القتل؛ لأنه أقوى من البينة واللوتُ يكفي فيه الظنُّ وهو قد يحصل بدون تواترهم.

(ومَن وُجِد قتيلاً في جامع عظيم أو شارع) يَطرُقه غيرُ منحصرٍ، (أو) في (فَلاة، أو في زحام على قَنْطَرَةٍ أو خَسْرٍ أو بئرٍ أو مَصنّع) غير مختص بمنحصر (فديته على بيت المال).

(وقدرُها) أي قدرُ القَسَامة (خمسون يميناً) بالله تعالى (في العمد) إجماعاً (والخطأ) على الأشهر، وقيل: خمسة وعشرون(2)؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (3)، والأوّل أحوط وأنسب بمراعاة النفس. يحلفها المدعي مع اللوث إن لم يكن له قوم، فإن كان للمدعي (قوم) والمراد بهم هنا أقاربه وإن لم يكونوا وارثين (حَلَف كلُّ واحد منهم ( يميناً) إن كانوا خمسين ولو زادوا عنها اقتصر على حلف خمسين - والمدعِي مِن جملتهم - ويتخيَّرون في تعيين الحالف منهم (ولو نقصوا عن الخمسين كُرّرَتْ عليهم) أو على بعضهم حَسْبَما يقتضيه العدد إلى أن يبلغ الخمسين، وكذا لو امتنع بعضُهم كُرّرت على الباذل متساوياً ومتفاوتاً، وكذا لو امتنع البعض من تكرير اليمين.

( و تثبت القسامة في الأعضاء بالنسبة )أي بنسبتها إلى النفس في الدية، فما فيه منها الدية فقسامتُه خمسون كالنفس، وما فيه النصفُ فنصفُها وهكذا. وقيل: قَسامه الأعضاء الموجبة للدية ستُ أيمان، وما نقص عنها فبالنسبة (4)والأقوى الأول.

ص: 375


1- اللوث - بفتح اللام وتسكين الواو - وهو التهمة الظاهرة ؛ لأن اللوث القوة. يقال: ناقة ذات لوث، أي قوية، فكأنه قوة الظن. راجع الصحاح، ج 1، ص 291 «لوث». (زین رحمه الله)
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 740؛ والخلاف، ج 5، ص 308، المسألة
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 168 - 169 ، ح 667.
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 741 والخلاف، ج 5، ص 313، المسألة 12.

( ولو لم يكن له قَسامةً) أي قوم يُقسمون فإنّ القسامةَ تُطلق على الأيمان وعلى المُقْسِم، وعدم القسامة إما لعدم القوم أو وجودِهم مع عدم علمهم بالواقعة؛ فإنّ الحلف لا يصح إلا مع علمهم بالحال أو لامتناعهم عنها تَشَهياً؛ فإن ذلك غيرُ واجب عليهم مطلقاً، (أو امتنع) المدعي ( من اليمين) وإنْ بَذَلها قومه أو بعضهم (أحلف المنكر وقومه خمسين يميناً) ببراءته، (فإن امتنع) المنكِرُ من الحلفِ أو بعضه (أُلْزِم الدعوى) وإِنْ بَذَلَها قومُه بِناءً على القضاء بالنكول، أو بخصوص هذه المادة من حيث إنّ أصل اليمين هنا على المدّعي وإنّما انتَقَلَتْ إلى المنكر بنكوله فلا تعود إليه، كما لا تعود من المدعي إلى المنكر بعد ردّها عليه.

(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط : له رد اليمين على المدعي كغيره من المنكرين (فيكفي) حينئذ اليمين (الواحدة) كغيره(1)، وهو ضعيفٌ لما ذُكر.

(ويُستحب للحاكم العِظَةُ) للحالف (قبل الأيمان) كغيره، بل هنا أولى.

(ورَوَى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنّ النبيَّ(صلی الله علیه وآله وسلم) كان يَحبِس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء الأولياء بينة (وإلّا خَلَّى سَبيله»(2))، وعَمِل بمضمونها الشيخ (رحمه الله)(3). والرواية ضعيفة، والحبس تعجيل عقوبة لم يثبت موجِبُها فعدم جوازه أجود.

ص: 376


1- المبسوط ، ج 5، ص 253
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 174 - 175 ، ح 683 وفيه: «بثَبَتٍ» بدل «ببينة».
3- النهاية، ص 744.

الفصل الثاني في قصاص الطَّرَف

والمراد به ما دون النفس وإن لم يتعلق بالأطراف المشهورة.

(وموجبه) بكسر الجيم أي سبه( إتلافُ العضو) وما في حكمه (بالمتلف غالباً) وإن لم يُقصد الإتلافُ، (أو بغيره) أي غيرِ المُتلف غالباً( مع القصد إلى الإتلاف )كالجناية على النفس.

( وشروطه شروط قصاص النفس) من التساوي في الإسلام والحريّة أو كونِ المُقْتَصِ منه أخفض، وانتفاء الأبوة، إلى آخِرِ ما فُضِّل سابقاً. (و) يَزِيد هنا على شروط النفس اشتراط (التساوي) أي تساوي العضوين المُقتَصّ به ومنه (في السلامة) أو عديها، أو كون المقتص منه أخفض (فلا تُقطع) اليدُ (الصحيحة بالشلاء) وهي الفاسدة (ولوْ بَذَلها) أي بَذَل اليد الصحيحة (الجاني)؛ لأنّ بذله لا يُسَوِّغُ قطعَ ما مَنَع الشارع من قطعه كما لو بَذَل قطعها بغير قصاص. (وتُقطع) اليد (الشلاءُ بالصحيحة) لأنها دون حق المُستوفي (إلّا إذا خِيفَ) من قطعها (السراية) إلى النفس؛ لعدم انحسامها فتثبت الدية حينئذٍ وحيث يُقطع الشلاءُ يُقتصر عليها ولا يُضَمّ إليها أرشُ التفاوت.

و تُقطع اليمين باليمين لا باليُسرى ولا بالعكس، كما لا تُقطع السبابة بالوُسْطَى ونحوها ولا بالعكس فإن لم تكن (له أي لقاطع اليمين (يمين فاليُسرى، فإن لم تكن (له يُسرى فالرجلُ) اليمنى، فإن فُقِدَت فاليُسرى

(على الرواية) التي رواها حبيب السجستاني عن الباقر(عليه السلام)(1).

ص: 377


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 259، ح 1022.

وإنّما أَسنَد الحكم إليها لمخالفته للأصل من حيث عدم المماثلة بين الأطراف خصوصاً بين الرجل واليد، إلا أن الأصحابَ تَلَقَّوها بالقبول، وكثير منهم لم يتوقف في حكمها هنا. وما ذكرناه من ترتب الرجلين مشهور، والرواية خالية عنه بل مطلقة في قطع الرجل لليد حيث لا يكون للجاني يد.

وعلى الرواية لو قطع أيدي جماعةٍ قطعت يداه ورجلاه للأوّل فالأول ثمّ تُؤخَذ الدية للمتخلف. ولا يتعدى هذا الحكم إلى غير اليدين ممّا له يمين ويسار كالعينين والأُذُنين؛ وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين وهو الأخذ بالمماثل، وكذا ما ينقسم إلى أعلى وأسفل كالجَفْنَين والشَّفَتَين لا يُؤخَذ الأعلى بالأسفل ولا بالعكس. (ويثبُت) القصاص (في الحارصة ) من الشجَاج (والباضعةِ والسِمْحاقِ والمُوضحة) وسيأتي(1) تفسيرُها (ويُراعى) في الاستيفاء (الشَجّةُ) العادية (طولاً وعرضاً) فيُستوفى بقدرها في البُعْدَين،( ولا يُعتبر قدرُ النزول مع صدق الاسم )أي اسمِ الشَجّةِ المخصوصة؛ من حارصةٍ وباضعةٍ وغيرها؛ لتفاوت الأعضاء بالسمن والهزال. ولا عبرة باستلزام مراعاة الطول والعرض استيعاب رأس الجاني، لصغره دون المجني عليه، وبالعكس. نعم، لا يُكمل الزائد عنه من القفا ولا من الجَبْهَة؛ لخروجهما عن موضع الاستيفاء، بل يُقتصر على ما يحتمله العضو، ويُؤخَذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية، فيُستوفى بقدر ما يحتمله الرأس من الشجّة، ويُنسب الباقي إلى الجميع، ويُؤخذ للفائت بنسبته؛ فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة، وهكذا.

( ولا يثبت) القصاص (فى الهاشمة) للعظم (والمنقلة) له (ولا في كسر العظام؛ لتحقق التغرير) بنفس المُقتص منه، ولعدم إمكان استيفاء نحو الهاشمة والمنقلة من غير زيادة ولا نقصان.

(ويجوز) القصاص (قبل الاندمال) أي اندمال جناية الجاني؛ لثبوت أصل

ص: 378


1- يأتي في ص 443 وما بعدها، الفصل الثالث في الشجاج.

الاستحقاق (وإن كان الصبر ) إلى الاندمال (أولى)؛ حذراً من السرايةِ الموجبة لتغيّر الحكم. وقيل: لا يجوز؛ لجواز السراية الموجبة للدخول (1).

(ولا قصاص إلّا بالحديد) : لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا قَوَد إلا بحديد»(2) (فيقاس الجُرح) طولاً وعرضاً بخَيطٍ وشبهه (ويُعلَّم طرفاه) في موضع الاقتصاص، ثم يُشَقِّ من إحدى العلامتين إلى الأخرى ولا تجوز الزيادة، فإن اتَّفَقَتْ عمداً اقتص من المستوفى أو خطأ فالدية ويُرجع إلى قوله فيهما بيمينه، أو لاضطراب المستوفى منه فلا شيء لاستنادها إلى تفريطه. وينبغي رَبْطُه على خَشَبة ونحوها لئلا يضطرب حالة الاستيفاء.

(ويُؤخَّر قصاص الطرف) من الحرّ والبَرْد (إلى اعتدال النهار) حذراً من السراية.

( ويثبت القصاص في العين)؛ للآية(3) ( ولو كان الجاني بعين واحدةٍ )والمجنيَّ عليه باثنتين (قُلِعَت) عين الجاني وإنْ استلزم عَمَاه؛ فإنَّ «الحقَّ أعماه»(4)، ولإطلاق قوله تعالى: ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾(5) ولا ردّ (ولو) انعكس بأن (قلع عينه)أي عين ذي العين الواحدة(صحيحُ العينين) فأذهَبَ بصرَه( اقتُصّ له بعين واحدةٍ )لأنّ ذلك هو المماثل للجناية.

(قيل) والقائل ابن الجنيد(6)والشيخ(7) في أحد قوليه، وجماعة(8) : (وله مع القصاص)

ص: 379


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 86
2- السنن الكبرى البيهقي ، ج 8، ص 110 ، ح 16088.
3- المائدة (5): 45
4- هذا لفظ الحديث عن الباقر . قال محمد بن قيس قلت له: أعور فقأ عين صحيح متعمداً، فقال: «تفقاً عينه» قلت: فيكون أعمى قال: «الحق أعماه». [تهذيب الأحكام، ج 10، ص 276، ح 1078] (منه رحمه الله)
5- المائدة (5): 45
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 376. المسألة 60.
7- القول الأول في المبسوط، ج 5، ص 167؛ والنهاية، ص 765 - 766؛ والقول الآخر في الخلاف، ج 5، ص 251، المسألة 57
8- منهم سلّار في المراسم، ص 246؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 446 - 447؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 376 المسألة 59

على ذي العينين (نصفُ الدية)؛ لأنه أذهَب بصره أجمع وفيه الدية، وقد استوفى ما فيه نصفُ الدية وهو العين الواحدة فيبقى له النصفُ ولرواية محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل أعورَ أُصِيبَت عينه الصحيحةُ فَفُقِئَت أن تُفقَاً إحدى عيني صاحبِه ويَعقِلَ له نصف الدية، وإن شاء أَخَذ ديةً كاملةً ويَعفُو عن صاحبه»(1).

ومثلُها رواية عبد الله بن الحكم عن الصادق(عليه السلام)(2) .

ونسبة المصنّف الحكم إلى القيل مُشعرة برده أو توقفه، ومنشأه قوله تعالى:﴿ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ﴾ فلو وجب معها شيء آخَرُ لم يتحقق ذلك خصوصاً على القول بأن الزيادة على النص نسخ(3)، وأصالة البراءة من الزائد.

وإليه ذهب جماعة من الأصحاب، منهم المحقق في الشرائع(4)، والعلّامة في التحرير(5) مع موافقته في المختلف (6)للأول، وتردّده في باقي كتبه(7)، وللتوقف وجه وإن كان الأول لا يخلو من قوة، وهو اختيار المصنف في الشرح(8) . وأُجيب عن الآية بأنّ العينَ مفرد مُحَلّى فلا يَعُمّ، والأصلَ يُعدل عنه للدليل(9).

وما قيل من أنّ الآيةَ حكاية عن التوراة فلا يلزمنا(10)مندفع بإقرارها في شرعنا؛ الرواية زرارة عن أحدهما

(عليهم السلام): أنها مُحكمة (11) وبقوله تعالى بعدها: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا

ص: 380


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 269، ح 1057.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 269، ح 1058.
3- قال به الشيخ في العدة في أصول الفقه، ج 2، ص 527 - 528.
4- شرائع الإسلام، ج 4، ص 221 و 245 .
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 511 ، الرقم 7151
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 377، المسألة 60.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 639؛ وإرشاد الأذهان، ج 2، ص 210.
8- غاية المراد، ج 4، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
9- غاية المراد، ج 4، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
10- قال به الفاضل المقداد في كنز العرفان، ج 2، ص 355
11- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 183 - 184 ، ح 718.

أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ﴾(1) و «من» للعموم، والظلم حرام فتركه واجب، وهو لا يتم إلا بالحكم بها. وقد ينقدِح الشكُ في الثاني باحتمال كونه معطوفاً على اسم «أنّ» فلا يدلّ على بقائه عندنا لولا النصّ على كونها محكمةً.

(ولو ذهب ضَوْءُ العين مع سلامة الحدقة، قيل) (2)في طريق الاقتصاص منه بإذهاب بصرها مع بقاء حدقته: (طرح على الأجفان) أجفان الجاني (قُطن مبلول ويُقابل بمرآةٍ مُحماةٍ مواجهة الشمس) بأن يفتح عينه ويُكلف النظر إليها (حتى يذهب الضوء) من عينه (وتبقى الحدقةُ). والقول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بينالأصحاب ومستنده رواية رفاعةً عن أبي عبد الله أن علياً فعل ذلك فيمن لطم عين غيره فأنزل فيها الماء وأذهَب بصرها(3). وإنما حكاه قولاً للتنبيه على عدم دليل يفيد انحصار الاستيفاء فيه، بل يجوز بما يُحصل الغرض من إذهاب البصر وإبقاء الحدقة بأي وجهِ اتَّفق مع أنّ في طريق الرواية ضعفاً وجهالةً يمنع من تعين ما دلّت عليه وإن كان جائزاً.

( ويثبُت) القصاص (في الشعر إن أمكن) الاستيفاء المماثل للجناية؛ بأن يُستوفى ما يَنبُت على وجه يَنبُت وما لا ينبت كذلك على وجه لا يتعدى إلى فساد البشرة ولا الشعرِ زيادةً عن الجناية، وهذا أمر بعيد، ومن ثَمَّ مَنَعَه جماعةٌ (4)، وتَوَقَّف آخَرون(5)، منهم العلامة في القواعد(6).

( ويُقطَع ذَكَرُ الشاب بذكر الشيخ و)ذَكَرُ (المختون بالأغلف)، والفَحْلُ بمسلول

ص: 381


1- المائدة (5): 45
2- قال به العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 639 وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 511 - 512، الرقم 7151؛ وتلخيص المرام، ص 346
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 276، ح 1081.
4- منهم: ابن حمزة في الوسيلة، ص 444 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 416.
5- راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 369 ، المسألة 54.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 639.

الخُصْيَتَين؛ لثبوتِ أصل المماثلة، وعدم اعتبار زيادة المنفعة ونقصانها، كما تُقطع ي-د القوي بيد الضعيف وعين الصحيح بالأعشى، ولسانُ الفصيح بغيره. نعم، لا يُقطع الصحيح بالعِنّين، ويثبت في العكس.

(وفي الخُصْيَتَين وفي إحداهما القصاص إن لم يُخف) بقطع الواحدة (ذَهابُ منفعة الأخرى) فإن خِيفَ فالديه ولا فرق في جواز الاقتصاص فيهما بين كون الذكر صحيحاً وعدمه؛ لثبوت أصل المماثلة.

(و تُقطع الأُذُنُ الصحيحةُ بالصَّمّاء)؛ لأنّ السمع منفعة أُخرى خارجة عن نفس الأُذُن. فليس الأمر كالذكر الصحيح والعِنّينِ، حتّى لو قطع أذنه فأزال سمعه فهما جنايتان. نعم، لا تُؤخَذ الصحيحة بالمخرومة، بل يُقتَص إلى حدّ الخَرْم ويؤخذ حكومة الباقي، أما الثقب فليس بمانع.

(والأَنْفُ الشام بالأخْشَم) بالمعجمتين، وهو الذي لا يسم؛ لأن منفعة الشمّ خارجة عن الأنف، والخَلَلَ حينئذ في الدماغ لا فيه. وكذا يستوي الأقنى والأفطس والكبير والصغيرُ. ( وأَحَدُ المَنْخَرَين بصاحبه) المماثل له في اليمين واليسار، كما يُعتبر ذلك في نحوهما من الأُذُنين واليدين.

وكما يثبت في جميعه فكذا في بعضه، لكن يُنسب المقطوع إلى أصله ويُؤخذ من الجاني بحسابه؛ لئلا يُستَوعَبَ بالبعض أَنْفُ الصغير، فالنصفُ بالنصف والثلث بالثلث، وهكذا.

(وتُقلَع السن بالسن) المماثلة كالثنية بالثنية والرباعية بها والضرس به. وإنما يُقتَص إذا لم تَعُد المَجْنيُّ عليها أو يَقْضِ أهلُ الخُبرة بعودها، (ولو عادت السن فلا قصاص) كما أنه لو قُضي بعودها أُخر إلى أن تمضي مدة القضاء، فإن لم تَعُدْ اقتص وإنْ عادت بعده لأنها حينئذٍ هبة جديدة، وعلى هذا فيُقتَصٌ وإن عادت على هذا الوجه؛ لأنها ليست بدلاً عادةً، بخلاف ما تقضي العادة بعودها. ولو انعكس الفرضُ بأن عادت س الجاني بخلاف العادة لم يكن للمجنى عليه إزالتها؛ لما ذُكِر. (فإن عادت) السنُ

ص: 382

المقضي بعودها عادةً (متغيّرةً فالحكومة) وهو الأرش؛ لتفاوت ما بينها صحيحةً ومتغيرة كما هي.

(ويُنتظر بسنّ الصبي) الذي لم تسقط سنه ويَنْبُت بدلُها؛ لقضاء العادة بعودها (فإن لم تعد على خلاف العادة ففيها القصاص، وإلّا فالحكومة) وهو أرش ما بين كونه فاقد السنّ زَمَن ذَهابها و واجدها. ولو عادت متغيّرةً أو مائلةً فعليه الحكومة الأولى ونقصُ الثانية. (ولو مات) الصبيُّ (قبل اليأس من عودها فالأرشُ).

( ولا تُقلع سن بضرس)، ولا تَنيَّةٌ برباعية ولا بناب، (ولا بالعكس) وكذا يُعتبر العِلْوُ والسَّفْلُ واليمين واليسار وغيرها من الاعتبارات المماثلة. (ولا أصلية بزائدة ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ)، بل الحكومة فيهما، ولو اتحد المحلُّ قُلِعَتْ.

(وكل عضو وجب القصاص فيه لو فُقد انتقل إلى الدية) لأنها قيمة العضو حيث لا يمكن استيفاؤه.

(ولو قطع إصبع رجلٍ ويدَ آخَرَ) مناسِبةً لذات الإصبع (اقتص لصاحب الإصبع إن سَبَق) في الجناية لسبْقِ استحقاقه إصبع الجاني، قبل تعلّق حق الثاني باليدِ المشتملة عليها، (ثمّ) يُستوفى (الصاحب اليد) الباقي من اليد ويُؤخَذ دية الإصبع؛ لعدم استيفاء تمام حقه فيدخُل فيما تقدّم من القاعدة؛ لوجوب الدية لكل عضو مفقود (ولو بدأ) الجاني (بقطع اليد قطعت يده) للجناية الأولى (وألزمه الثاني دية إصبع لفوات محلّ القصاص ).

ص: 383

الفصل الثالث في اللواحق

(الواجب في قتل العمد القصاص، لا أحد الأمرين من الدية والقصاص) كما زعمه بعض العامة (1)؛ لقوله تعالى : ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (2)وقوله : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾(3)الآية وصحيحة الحلبي وعبد الله بن سنان عن الصادق قال : «مَن قَتَل مؤمناً متعمّداً قِيدَ به إلّا أن يَرضَى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رَضُوا بالدية وأحَبَّ ذلك القاتلُ فالدية»(4)، إلى آخره.

(نعم، لو اصطلحا على الدية جاز)؛ للخبر(5)، ولأنّ القصاص حقٌّ فيجوز الصلحُ على إسقاطه بمال. (وتجوز الزيادة عنها) أي عن الدية (والنقيصة مع التراضي) أي تراضي الجاني والولى لأن الصلح إليهما فلا يُتَقَدَّر إلا برضاهما.

(وفي وجوبها) أي الدية (على الجاني بطلب الوليّ وجه) بل قول لابن الجنيد(6)؛ (لوجوب حفظ نفسه الموقوفِ على بذل الدية) فيجب مع القدرة؛ ولرواية الفضيل عن الصادق قال: «والعمد هو القودُ أو رضى ولى المقتول»(7). ولا بأس به، وعلى التعليل لا يُتَقَدَّر بالدية بل لو طلب منه أزيدَ وتَمَكَّن منه وجب.

(ولو جَنّى على الطَّرَف ومات واشتبه استناد الموت إلى الجناية فلا قصاص في

ص: 384


1- بداية المجتهد، ج 2، ص 401 و 402.
2- المائدة (5): 45
3- البقرة (2): 178
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 159 ، ح 638 .
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 159 ، ح 638 .
6- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 286، المسألة 2.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 158، ح 634، وص 247، ح 977.

النفس)؛ للشكّ في سببه بل في الطرف خاصة.

(ويُستحبّ إحضار شاهدين عند الاستيفاء احتياطاً) في إيقاعه على الوجه المعتبر،( وللمنع من حصول الاختلاف في الاستيفاء)، فيُنكره الوليُّ فيُدفَع بالبينة.

(وتُعتبر الآله) أي تُختبر بوجه يظهر حالها (حذراً من) أن يكون قد وضَع المستوفي فيها (السم، وخصوصاً في الطرف)؛ لأنّ البقاء معه مطلوب والسم ينافيه غالباً، (فلو حصل منها )أي من الآلة المقتص بها في الطرف

(جناية بالسمّ ضَمِن المقتصُّ) إن عَلِمَ به، ولو كان القصاص في النفس أساءَ واستوفى ولا شيء عليه.

(ولا يقتص إلّا بالسيف فيُضرَب العنق لا غير) إن كان الجاني أبانه، وإلا ففي جوازه نظر من صدقِ استيفاء النفس بالنفس، وزيادة الاستيفاء، وبقاء حرمة الآدمي بعد موته واستقرب في القواعد المنع(1).

(ولا يجوز التمثيل به) أي بالجاني بأن يُقطع بعض أعضائه (ولؤ كانت جنايته تمثيلاً، أو) وَقَعَتْ (بالتغريق والتحريق والمُثْقِل)، بل يُستوفى في جميع ذلك بالسيف. وقال ابن الجنيد: يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها (2)؛ لقوله تعالى : ﴿بِمِثْلِ مَا أعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾(3) وهو متجه لولا الاتفاق على خلافه.

(نعم، قد قيل) والقائل الشيخ فى النهاية(4) ، وأكثر المتأخرين(5) : إنه مع جمع الجاني بين التمثيل بقطع شيء من أعضائه وقتله ( يَقتَص) الوليُّ منه (في الطرف ثمّ يقتص في النفس إن كان الجاني فَعَلَ ذلك بضرباتٍ) متعدّدةٍ؛ لأنّ ذلك بمنزلة جناياتٍ متعدّدة، وقد وجب القصاصُ بالجناية الأولى فيُستصحب، ولرواية محمد بن قيس عن

ص: 385


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 628.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 453. المسألة 132.
3- البقرة (2): 194.
4- النهاية، ص 771
5- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 223؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 216؛ والصيمري في غاية المرام ج 4 ص 369

أحدهما(عليهم السلام) (1). ولو فَعَل ذلك بضربة واحدة لم يكن عليه أكثر من القتل.

وقيل: يدخُل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً ذهب إليه الشيخ في المبسوط(2)والخلاف(3)ورواه أبو عبد الله عن الباقر(عليه السلام)(4) ، والأقرب الأول.

( ولا يُقتَصّ بالآلة الكالّة) التى لا تقطع، أو لا تقتل إلا بمبالغة كثيرة؛ لئلا يَتَعَذَّبَ المقتص منه سواءٌ في ذلك النفس والطرفُ، (فيَأْثَمُ) المقتص (لو فعل) ولا شيء عليه سواه.

(ولا يضمن المقتصُّ سراية القصاص)؛ لأنه فعل سائغ فلا يَتَعَقَّبه ضمان؛ ولقول الصادق(عليه السلام) في حسنة الحلبي : «أيما رجل قَتَلَه الحد والقصاص فلا دية له»(5) وغيرها(6) وقيل: ديته في بيت المال(7)استناداً إلى خبر(8) ضعيف. ما لم يَتَعَدَّ) حقَّه فيَضمَن حينئذٍ الزائد قصاصاً أو ديةً.

(وأُجرة المقتص من بيت المال)؛ لأنه من جملة المصالح، (فإن فقد) بيت المال (أو كان هناك ما هو أهم منه) كسدٌ تَغْرٍ ودفع عدةٍ، ولم يَسَعُ لهما (فعلى الجاني)؛ لأن الحق لازم له فيكون مؤونته عليه، وقيل: على المجني عليه (9)لأنه لمصلحته.

(ويَرِثُه) أي القصاص (وارث (المال) مطلقاً (إلّا الزوجين)؛ لعموم آيةِ أُولى الأرحام(10)، خرج منه الزوجان بالإجماع فيبقى الباقي.

ص: 386


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 252، ح 1000
2- المبسوط، ج 5، ص 25
3- الخلاف، ج 5، ص 163، المسألة 23.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 253، ح 1003 فيه: «عن أبي عبيدة الحذاء».
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 206، ح 813.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 279، ح 1091.
7- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 405: والاستبصار، ج 4، ص 279، ذيل الحديث 1056.
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 208، ج 822
9- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 214.
10- الأنفال (8) :75

(وقيل:) يَرِتُه (العَصَبَةُ)(1) وهم الأبُ ومَن تَقَرَّب به، (لا غيرُ) دون الإخوةِ والأخوات من الأُمِّ ومَن يتقرب بها من الخُؤُولة وأولادهم. وفي ثالث يَختَصّ المنعُ بالنساء (2)؛ لرواية أبي العبّاس عن الصادق(عليه السلام) (3)، والأول أقوى.

(ويجوز للولي الواحد المبادرة) إلى الاقتصاص من الجاني (من غير إذن الإمام)؛ لقوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ، سُلْطَنًا ﴾(4)، لأنه حقه والأصل براءة الذمة من توقف استيفاء الحق على استئذان غير المستحق، (وإن كان استئذانه أولى) لخطره واحتياجه إلى النظر (وخصوصاً في قصاص الطرف)؛ لأن الغرض معه بقاء النفس، ولموضع الاستيفاء حدودٌ لا يُؤمَن مِن تَخَطَّيها لغيره. وذهب جماعة(5) إلى وجوب استئذانه مطلقاً فيُعزر لو استقل واعتد به( وإن كانوا جماعةً تَوَقَّف) الاستيفاء (على إذنهم أجمعَ) سواء كانوا حاضرين أم لا؛ لتساويهم في السلطان، ولاشتراك الحق فلا يستوفيه ،بعضُهم، ولأن القصاص موضوع للتشفّي ولا يحصل بفعل البعض.

(وقيل) والقائل به جماعة، منهم الشيخ(6) والمرتضى(7) مدَّعيَيْنِ الإجماع: (للحاضر) من الأولياء (الاستيفاء) من غير ارتقاب حضور الغائب ولا استئذانه (ويَضمَن) المستوفي (حصص الباقين من الدية)؛ لتحقق الولاية للحاضر فيتناوله العموم، ولبناء القصاص على التغليب، ومِن ثَمّ لا يسقط بعفو البعض على مال أو مطلقاً، بل للباقين الاقتصاص مع أن القاتل قد أَحرَزَ بعض نفسه فهنا أولى. وتظهر الفائدة في تعزير

ص: 387


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 673 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 330.
2- قال به الشيخ في الاستبصار، ج 4، ص 263، ذيل الحديث 991
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 397، ح 1418.
4- الإسراء (17) : 33
5- منهم المفيد في المقنعة ص 760؛ والشيخ في المبسوط، ج 5، ص 113 - 114: والخلاف، ج 5، ص 205 المسألة 80؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 662
6- المبسوط، ج 5، ص 62 و 82: والخلاف، ج 5، ص 179، المسألة 42.
7- الانتصار، ص 533 - 534. المسألة 298

المبادر إليه ،وعدمه، أما قتله فلا؛ لأنه مُهْدَرُ بالنسبة إليه.

(ولو كان الولي صغيراً وله أب أو جد لم يكن له) أي لوليه من الأب والجد (الاستيفاء إلى بلوغه)؛ لأنّ الحق له ولا يُعلم ما يريده حينئذ، ولأن الغرض التشفّي ولا يتحقق بتعجيله قبله، وحينئذٍ فيُحبَس القاتل حتى يَبلُغ

(وقيل) والقائل الشيخ(1) وأكثرُ المتأخرين(2)(تُراعَى المصلحةُ) فإن اقْتَضَتْ تعجيله جاز؛ لأنّ مصالح الطفل منوطة بنظر الولي، ولأنّ التأخير ربما استلزم تفويت القصاص وهو أجود. وفي حكمه المجنون.

(ولو صالحه بعضُ) الأولياء (على الدية لم يَسقُط القَودُ عنه للباقين على الأشهر) بل لا نعلم فيه خلافاً، وقد تقدَّم ما يدلّ عليه (3)، ورواه الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام)في رجل قتل وله أبٌ وأُم وابن. فقال الابن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي، وقال الأب: أنا أَعْفُو، وقالت الأم : أنا أخُذُ الدية! قال: «فَلْيُعْطِ الابنُ لأُمّ المقتول السدس من الدية، ويُعطي ورثة القاتل السدس الآخَرَ حَقَّ الأب الذي عَفَا عنه ولْيَقتُله»(4). وكثير من الأصحاب لم يتوقف في الحكم، وإنما نسبه المصنف إلى الشهرة لورود روايات(5) بسقوط القَوَد وثبوتِ الدية؛ كرواية زرارة عن الباقر(عليه السلام)(6) .

(و) على المشهور (يَرُدّون) أي من يريد القود عليه، أي على المقتول (نصيب المُصالح) من الدية وإن كان قد صالح على أقل من نصيبه؛ لأنه قد مَلَك من نفسه بمقدار النصيب فيستحق ديته.

ص: 388


1- لم نعثر عليه على ما بأيدينا من كتب الشيخ كما في جواهر الکلام، ج 42، ص 303.
2- منهم العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 199؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 623 - 624 والشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 240 - 241 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
3- تقدم آنفاً.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 175 ، ح 686 .
5- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 176، ح 688.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 175 - 176 ، ح 687.

(ولو اشتَرَك الأب والأجنبيُّ في قتل الولد اقتُصَّ من الأجنبي، ورَدَّ الأبُ نصف الدية عليه)، وكذا لو اشترك المسلمُ والكافرُ في قتل الذمّي فيُقتَل الكافر إن شاء الوليُّ ويَرُدّ المسلم نصف ديته.

(وكذا الكلام في) اشتراك (العامدِ والخاطئ) فإنّه يجوز قتل العامد بعد أن يُردّ عليه نصف ديته، (والراد هنا العاقله )عاقله الخاطئ لو كان الخطأ محضاً، ولو كان شبية عمدٍ فالخاطئ.

(ويجوز للمحجور عليه) للسّفَهِ والفَلَس (استيفاء القصاص إذا كان بالغاً عاقلاً) لأن القصاص ليس بمال فلا يتعلق به الحجرُ فيهما؛ ولأنه موضوع للتشفّي وهو أهل له. ويجوز له العفو أيضاً عنه والصلحُ على مال لكن لا يُدفَع إليه.

(وفي جواز استيفاء) وليّ المقتول مديوناً (القصاص من دون ضمان الدين على الميت قولان)(1) أصحهما الجواز؛ لأنّ موجَبَ العمد القصاص، وأخذُ الدية اكتساب وهو غيرُ واجب على الوارث في دَينِ مُوَرِّتِه، ولعموم الآية(2).

وذهب الشيخ(3)وجماعة(4) ، إلى المنع؛ استناداً إلى روايات(5) - مع سلامة سندها - لا تدلّ على مطلوبهم.

(ويجوز التوكيل في استيفائه) لأنه من الأفعال التي تدخلها النيابة؛ إذ لا تعلق لغرض الشارع فيه بشخص معين (فلو عزله) الموكَّلُ (واقتَصَّ) الوكيل (ولما يَعلَم) بالعزل (فلاشيء) عليه من قصاص ولا دية؛ لأن الوكيل لا ينعزل إلا مع علمه بالعزل

ص: 389


1- القول الأول لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 48 - 49: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 215 - 216: والقول الثاني للشيخ في النهاية، ص 309
2- الإسراء (17): 33
3- النهاية، ص 309؛ المبسوط، ج 5 ص 64.
4- منهم: أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 332؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 241؛ الكيدري في إصباح الشيعة، ص 285
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 180، ح 703، وص 314 ، ح 1170: وج 6، ص 192، ح 416.

كما تقدّم، فوقع استيفاؤُه مَوقِعَه. أما لو عَفَا الموكَّلُ فاستوفى الوكيل بعده قبل العلم، فلا قصاص أيضاً لكن عليه الدية لمباشرته، وبطلان وكالته بالعفو، كما لو اتفق الاستيفاء بعد موت الموكل أو خروجه عن أهليّة الوكالة ويرجع بها على الموكل ؛ لغروره بعدم إعلامه بالعفو. وهذا يتم مع تمكنه من الإعلام وإلا فلا غرور ويُحتمل حينئذٍ عدم وجوبها على الوكيل؛ لحصول العفو بعد وجود سبب الهلاك كما لو عفا بعد رمي السهم.

(ولا يقتص من الحامل حتَّى تَضَعَ) وتُرضِعَه اللَّبَأُ مراعاة لحق الولد، (ويُقبل قولُها في الحمل وإنْ لم تَشهَد القوابل) به؛ لأنّ له أمارات قد تخفى على غيرها وتَجِدُها من نفسها فتُنتظَر المُخَيَّلَةُ إلى أن تستبين الحال.

وقيل: لا يُقبل قولها مع عدم شهادتهن(1) لأصالة عدمه، ولأن فيه دفعاً للولي عن السلطانِ الثابتِ له بمجرد الاحتمال والأوّل أجودُ. ولا يجب الصبر بعد ذلك إلا أن يَتَوَقَّف حياة الولد على إرضاعها فيُنتظَر مقدار ما تندفع حاجته.

(ولو هَلَك قاتلُ العمد فالمروى(2)) عن الباقر والصادق(عليهم السلام) (3)( أخذ الدية من ماله وإلّا) يكن له مال (فمن الأقرب) إليه (فالأقرب)(4). وإنّما نَسَب الحكم إلى الرواية؛ لقصورها عنه من حيث السند، فإنّهما روايتان في إحداهما ضعف وفي الأخرى إرسال، لكن عَمِل بهما جماعةٌ(5) ، بل قيل: إنّه إجماع(6)، ويؤيده قوله(عليه السلام) : «لا يُطَلُ دمُ امْرِئ مسلم»(7). وذهب ابن إدريس إلى سقوط القصاص لا إلى بدل؛ لفوات محله،

ص: 390


1- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5 ، ص 67 .
2- يحمل على أنه ترك في أيديهم مالاً، وإلا فلا ضمان. (زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 170، ح 671 - 672.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 170، ح 671 - 672.
5- منهم الشيخ في النهاية، ص 736؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 457 والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 298، المسألة 9
6- غنية النزوع، ج 1، ص 405.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 167، ح 663.

بل ادَّعَى عليه الإجماع(1)، وهو غريب.

واعلم أنّ الروايتين دلتا على وجوب الدية على تقدير هَرَب القاتل إلى أن مات والمصنّف جعل متعلّق المروي هلاكه مطلقاً، وليس كذلك، مع أنه في الشرح أجاب عن حجّة المختلف(2) بوجوب الدية من حيث إنّه فَوَّت العِوَض مع مباشرة إتلاف العوض فيضمن البدل بأنه:

لو مات فَجْأَةً، أو لم يمتنع من القصاص ولم يَهرُب حتى مات لم يتحقق منه تفويت -قال: -اللهم إلا أن تُخَصَّص الدعوى بالهارب فيموت، وبه نَطَقتْ الروايات وأكثر كلام الأصحاب(3).

وهذا مخالف لما أطلقه هنا، كما لا يخفى.

ص: 391


1- السرائر، ج 3، ص 330
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 298، المسألة .9.
3- غاية المراد، ج 4، ص 236 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

ص: 392

كتاب الديات

اشارة

ص: 393

ص: 394

(كتاب الدِيَات(1) )

جمعُ دِيَةٍ، والهاءُ عِوَضٌ من واو فاء الكلمة، يقال: وَدَيْتُ القتيل: أعطيتُ دِيَتَه.

(وفيه فصول) أربعة:

الفصل الأوّل في مَوْرِد الدية

بفتح الميم، وهو موضع ورودِها مجازاً، والمراد بيان ما تجب فيه الدية من أنواع القتل. إنّما تثبت الدية بالأصالة في الخطأ) المحض (وشبهه)، وهو العمد الذي يُشبه الخطأ. واحترز بالأصالة عمّا لو وَجَبَتْ صلحاً فإنّها تقع حينئذٍ عن العمد. (فالأوّل) وهو الخطأ المحض (مثل أن يرمي حيواناً فيُصِيب إنساناً أو إنساناً معيناً فيصيب

ص: 395


1- الدية مال مخصوص ؛ يؤدى من الجاني أو عاقلته إلى المجني عليه أو وارثه عوضاً عن نفسه أو طرفه. [الديات] هي جمع دية بتخفيف «الياء»، ولا يجوز تشديدها، وسمّيت دية ؛ لأنها تؤدى عوضاً عن النفس. وقد تسمّى لغةً عقلاً ؛ لمنعها من التجري على الدماء ؛ فإنّ من معاني العقل المنع وكان في التوراة شرع القصاص لا غير، وفي الإنجيل الدية لا غير، فجاء الأمران في هذا الشرع الشريف توسعةٌ ووضعاً للأوزار - أي الأثقال - و ثبوت الدية بالكتاب قال الله تعالى: ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ [النساء (4): 92] وبالسنة قال في كتابه إلى أهل اليمن: «وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل». (سنن النسائي، ج 8، ص 59 - 60 ، ح 4863] وبالإجماع من الأمة. (زين رحمه الله)

غيره). ومرجعه إلى عدم قصد الإنسان أو الشخص، والثاني لازم للأول.

(والثاني) وهو الخطأ الشبيه بالعمد وبالعكس أن يقصدهما بما لا يقتل غالباً وإنْ لم يكن عدواناً (مثل أن يضرِبَ للتأديب) ضرباً لا يقتل عادةً (فيموت) المضروب.

(والضابط) في العمد وقَسِيمَيْه (أنّ العمد) هو (أن يَتَعَمَّدَ الفعل والقصد) بمعنى أن يقصد قتل الشخص المعيَّن، وفي حكمه تعمّد الفعل دون القصد إذا كان الفعل ممّا يقتل غالباً، كما سبق.( والخطأ المحض أن لا يَتَعمَّد فعلاً ولا قصداً) بالمجنى عليه وإن قصد الفعل في غيره. (و) الخطأ (الشبيه) بالعمد( أن يَتَعَمَّد الفعل) ويقصد إيقاعه بالشخص المعيَّنِ (ويُخْطِئ في القصد) إلى القتل أي لا يقصده مع أنّ الفعل لا يقتل غالباً.

(فالطبيبُ يَضمَن في ماله ما يَتلَف بعلاجه) نفساً وطَرَفاً؛ لحصول التلف المستند إلى فعله و«لا يُطَلُّ دمُ امْرِئ مسلم»(1)، ولأنه قاصد إلى الفعل مُخْطِئُ في القصد، فكان فعله شبية عمدٍ (وإنْ احتاط واجتهد وأذن المريضُ)؛ لأنّ ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا؛ لتحقق الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى وإن اختلف الضامن. وقال ابنُ إدريس: «لا يَضمَن مع العلم والاجتهاد؛ للأصل، ولسقوطه بإذنه، ولأنه فعل سائغ شرعاً فلايستعقب ضماناً»(2). وفيه: أن أصالة البراءة تنقطع بدليل الشغل، والإذنُ في العِلاج لا في الإتلاف، ولا منافاة بين الجواز والضمان كالضارب للتأديب، وقد رُوي أنّ أمير المؤمنين ضَمَّنَ خَنّاناً قَطَع حشفة غلام(3). والأولى الاعتماد على الإجماع، فقد نقله المصنِّفُ في الشرح(4) ، وجماعة(5) ، لا على الرواية؛ لضعف سندها بالسكوني.

ص: 396


1- تقدّم في ص 390، الهامش 7.
2- السرائر، ج 3، ص 373.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 234، ح 928
4- غاية المراد، ج 4 ص 335 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
5- منهم: ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 410 - 411: والمحقق في نكت النهاية، ج 3، ص 421.

(ولو أَبرَأه) المعالج من الجناية قبل وقوعها (فالأقرب الصحة)؛ لمسيس الحاجة إلى مثل ذلك؛ إذ لا غنى عن العلاج، وإذا عَرَف الطبيب أنّه لا مَخْلَص له عن الضمان تَوَقَّف عن العمل مع الضرورة إليه، فوجب في الحكمة شرع الإبراء دفعاً للضرورة؛ ولرواية السكوني عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين : مَن تَطَبَّبَ أو تَبَيْطَر فليأخُذ البراءة من وليه، وإلّا فهو ضامن»(1). وإنما ذكر الوليَّ؛ لأنه هو المُطالِبُ على تقدير التلف، فلمّا شُرع الإبراء قبل الاستقرار صُرِف إلى مَن يَتَوَلَّى المطالبة.

وظاهر العبارة أنّ المُبرِئَ المريضُ وحكمه كذلك للعلة الأولى، ويمكن تكلّف إدخاله في الوليّ، أو لأنّ المجني عليه إذا أذن في الجناية سَقَط ضمانها فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله.

ولا يخفى عليك ضعفُ هذه الأدلّةِ، فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعيّة الحكم بمجردها مع قيام الأدلة على خلافه، والخبرُ سكوني، مع أن البراءة حقيقة لا تكون إلا بعد ثبوت الحق؛ لأنّها إسقاط ما في الذمة من الحق، ويُنيه عليه أيضاً أخذُها من الولي إذ لا حق له قبل الجناية، وقد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها القتل إذا أدت إلى الأذى. ومِن ثَمَّ ذهب ابنُ إدريس(2)إلى عدم صحتها قَبْلَه، وهو حسن.

(والنائمُ يَضمَن) ما يَجْنِيه (في مال العاقلة)؛ لأنه مخطئ في فعله وقصده فيكون خطأ محضاً. (وقيل) والقائل الشيخ (رحمه الله): إنّه يَضمنه (في ماله)؛ جعلاً له من باب الأسباب لا الجنايات(3). والأقوى الأوّل اطّراداً للقاعدة.

(وحامل المتاع يضمن لو أصاب به إنساناً في ماله)أما أصلُ الضمان فلاستناد تلفه إلى فعله وأما كونه في ماله فلقصده الفعل الذي هو سبب الجناية. ويُشكل إذا

ص: 397


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 234 ، ح 925
2- السرائر، ج 3، ص 373
3- النهاية، ص 758

لم يقصد الفعل بالمجني عليه فإنه حينئذ يكون خطاً محضاً كما من، إلا أنهم أطلقوا الحكم هنا(1).

(وكذا) يَضمَن (المُعْنِفُ بزوجته جماعاً) قبلاً أو دُبُراً (أو ضَمّاً فيَجنِي) عليها في ماله أيضاً، وهو واضح لقصده الفعل وإنما أخطأ في القصد. وكذا القول في الزوجة لو أَعْنَفَتْ .به وللشيخ قول بأنّهما إن كانا مأمونين فلا شيء عليهما، وإن كانا متهمين فالدية (2)؛ استناداً إلى روايةٍ مرسلة(3). والأقوى الأول؛ لرواية سليمان بن خالد عن الصادق(عليه السلام)(4)، ولتحقق الجناية وليست بخطأ محض، ونفي التهمة ينفي العمد لا أصل القتل.

(والصائح بالطفل أو المجنون أو المريض) مطلقاً (أو الصحيح على حين غفلة) يضمن في ماله أيضاً لأنه خطاً مقصود.

(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط : إنّ الضامن ( عاقلته)؛ جعلاً له من قبيل الأسباب(5)، وهو ضعيف؛ ولأنّ ضمان الغير جنايةَ غيره على خلاف الأصل فلا يُصار إليه بمثل ذلك. ولو كان الصياح بالصحيح الكامل على غير غفلة فلا ضمان؛ لأنه ليس من أسباب الإتلاف بل هو اتفاقي، لا بسبب الصيحة، إلا أن يُعلم استناده إليها فالدية.

(والصادم) لغيره يَضمَن في ماله دية المصدوم)؛ لاستناد التلف إليه مع قصده الفعل، ولو مات الصادمُ فَهَدْرُ)؛ لموته بفعل نفسه إن كان المصدومُ في ملكه أو مباح أو طريقٍ واسع.

(ولو وقف المصدوم في موضع ليس له الوقوفُ) فيه فمات الصادم بصدمه

ص: 398


1- مستند الإطلاق رواية [ عليّ بن رئاب. الكافي، ج 7، ص 353 ، باب ضمان ما يصيب الدواب .... ح 10 في طريقها سهل بن زياد فهي مطرحة ويرجع في الحكم إلى القواعد المقررة (منه رحمه الله)
2- النهاية، ص 758
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 209 - 210، ح 827
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 210 ، ح 828
5- المبسوط، ج 5، ص 181

( ضَمِن ) المصدومُ (الصادم)؛ لتعديه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه إذا لم يكن) للصادم (مندوحةً) في العدول عنه كالطريقِ الضَيِّقِ.

(ولو تَصادَمَ حران فماتا فلورثة كلّ) واحد منهما (نصفُ ديته ويَسقُط النصفُ ): لاستناد موت كلّ منهما إلى سببين أحدهما من فعله والآخر من غيره فيسقُط ما قابَلَ فِعْلَه فعله وهو النصف. (ولو كانا فارِسَين) بل مطلق الراكبين (كان على كلّ منهما) مضافاً إلى نصف الدية (نصفُ قيمة فرس الآخر) إن تَلِفَتْ بالتصادم. (ويقع التقاص) في الدية والقيمة ويرجع صاحب الفضل.

هذا إذا استند الصَدْمُ إلى اختيارهما، أمّا لو غَلَبَتْهما الدابّتان احتُمِل كونه كذلك إحالة على ركوبهما ،مختارين فكان السبب من فعلهما وإهدار الهالك إحالةً على فعل الدايتين. ولو كان أحدهما فارساً والآخَرُ راجلاً ضَمِن الراجل نصف دية الفارس ونصف قيمة فرسه والفارسُ نصف دية الراجل. ولو كانا صبيين والركوب منهما فنصفُ دية كلّ على عاقلة الآخر؛ لأن فعلهما خطأ مطلقاً، وكذا لو أركبهما وليُّهما. ولو أركبهما أجنبي ضَمِن ديتهما معاً.

( ولو كانا عبدَين بالغين فهَدْرُ) ؛ لأنّ نصيب كلّ منهما هدر وما على صاحبه فات بموته لا يضمنه المولى. ولو مات أحدهما خاصةً تعلّقت قيمته برقبة الحي، فإن هلك قبل استيفائها منه فاتت لفوات محلّها.

ولو كان أحدهما حرّاً والآخَرُ عبداً فماتا تعلَّقت نصفُ دية الحرّ برقبة العبد وتعلقت نصف قيمة العبد بتركة الحرّ فيتقاصان. ولو مات أحدهما خاصةً تعلّقت جنايته بالآخر، كما مرّ.

(ولو قال الرامي : «حَذَارِ»). بفتح الحاء وكسرِ آخِرِه مبنياً عليه، هذا هو الأصل في الكلمة، لكن ينبغي أن يراد هنا ما دلّ على معناها (فلا ضمان) مع سماع المجني عليه لما رُوِيَ مِن حُكم أمير المؤمنين(عليه السلام) فيه، وقال: «قد أَعْذَرَ مَن حَذَرَ»(1). ولو لم يَقُل

ص: 399


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 207 - 208، ح 819

«حَذارِ». أو قالها في وقت لا يتمكَّن المَرْمِيُّ من الحذر، أو لم يسمع فالدية على عاقلة الرامي.

(ولو وقع من عُلْوِ على غيره) قاصداً للوقوع عليه (ولم يقصد القتل فقُتِل فهو شبيه عمد )يلزمه الدية في ماله (إذا كان الوقوع لا يقتل غالباً) وإلا فهو عامد. (وإن وقع مضطراً) إلى الوقوع (أو قصد الوقوع على غيره) أو لغير ذلك، (فعلى العاقلة) دية جنايته؛ لأنه خطاً محض حيث لم يقصد الفعل الخاص المتعلّق بالمجني عليه وإنْ قصد غيره. (أمّا لو ألْقَتْه الريحُ أو زَلَقَ) فوقع بغير اختياره (فهدر جنايته) على غيره (ونفسه). وقيل: تؤخذ دية المجني عليه من بيت المال(1).

(ولو دفع) الواقع من إنسانٍ غيرُه ضَمِنَه الدافع وما يجنيه) لكونه سبباً في الجنايتين. وقيل: دية الأسفل على الواقع ويرجع بها على الدافع (2)؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام)(3) ، والأوّل أشهر.

(وهنا مسائلُ:)

المسألة] :(الأولى من دعا غيره(4) ليلاً فأخرجه من منزله) بغير سؤاله (فهو ضامن له إن وُجد مقتولاً بالدية على الأقرب أمّا ضَمانه في الجملة فهو موضع وفاق، ورواه عبد اللهِ بنُ مَيمون عن الصادق(عليه السلام) ، قال : «إذا دعا الرجلُ أخاه بالليل فهو ضامن له حتّى يرجع إلى بيته»(5) . ورواه عبد الله بن المقدام عنه(عليه السلام) في حديث طويل، وفيه قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : كلُّ مَن طَرَق رجلاً آناء الليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن، إلّا

ص: 400


1- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 535، الرقم 7177
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 758
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 211، ح 836
4- من دعا غيره من منزله فإن كان بإذنه أو في واجب أو خيرة فلا ضمان، وإلا ضمن ويتعلق الحكم بمطلق المنزل. (زین رحمه الله )
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 222، ح 869

أن يُقيم البيِّنةَ أنّه ردّه إلى منزله»(1). وأمّا ضمانه بالدية فللشك في موجب القصاص فينتفي للشبهة، والضمان المذكورُ في الأخبار يتحقق بضمان الدية؛ لأنّها بدلُ النفس. وأمّا تخصيصه الضمانَ بما لو وُجِدَ مقتولاً فلأصالة البراءة من الضمان ديةً ونفساً حتى يتحقق سببه، وهو في غير حالة القتل مشكوك فيه.

(ولو وُجد ميتا ففي الضمان نظر) من إطلاق الأخبار(2) وفتوى الأصحاب ضمانه الشامل لحالة الموت، بل للشك فيه. ومن أصالة البراءة، والاقتصار في الحكم المخالفِ للأصل على موضع اليقين وهو القتل، ولأنّه مع الموت لم يُوجد أثرُ القتل ولا لوث ولا تهمة، وعلى تقديرها فحكمه حكم اللوث لا أنه يوجب الضمان مطلقاً.

وإلى الضمان ذهب الأكثر بل حكموا به مع اشتباه حاله، ثم اختلفوا في أنّ ضمانه مطلقاً هل هو بالقود أو بالدية، فذهب الشيخ(3) وجماعة(4) ، إلى ضمانه بالقَوَدِ إِن وُجِد مقتولاً، إلا أن يُقيم البيِّنةَ على قتل غيره له والديةِ إن لم يُعلَم قتله. واختلف كلام المحقق فحكم في الشرائع بضمانه بالدية إن وُجد مقتولاً وعدم الضمان لو وُجد ميتاً (5)، وفي النافع بضمانه بالدية فيهما (6)، وكذلك العلّامة فحكم في التحرير بضمان الدية مع فقده أو قتله حيث لا يقيم البينة به على غيره، وبعدمها لو وُجد ميتاً(7)، وفي المختلف بالدية مع فقده، وبالقود إن وُجد مقتولاً مع التهمةِ والقَسَامَةِ، إلّا أن يُقيم البيِّنةَ على غيره، وبالدية إن وُجد ميتاً مع دعواه موتَه حَتْفَ أَنْفِه، ووجود اللوث وقسامة الوارث(8)،

ص: 401


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 221، ح 868
2- تقدم آنفاً.
3- النهاية، ص 756-757
4- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 746؛ وسلار في المراسم، ص 242 - 243؛ وابن حمزة في الوسيلة ص 454
5- شرائع الإسلام، ج 4، ص 235
6- المختصر النافع، ص 461.
7- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 536 - 537، الرقم 7179.
8- مختلف الشيعة، ج 9، ص 355، المسألة 44.

وتوقف في القواعد والإرشاد في الضمان مع الموت(1).

والأجودُ في هذه المسألة الاقتصارُ بالضمان على موضع الوفاق لضعف أدلّته؛ فإنّ في سند الخبرين مَن لا تَثبت عدالته والمشترك بين الضعيف والثقة، وأصالة البراءة تدلّ على عدم الضمان في موضع الشكّ مخالفة حكم المسألة للأصل من ضمان الحرّ بإثبات اليد عليه. واللازم من ذلك ضمانه بالدية إن وُجد مقتولاً ولا لوثَ هناك، وإلا فبموجب ما أَقسَم عليه الوليُّ من عمدٍ أو خطأ، ومع عدم قسامته يُقسم المُخرِجُ وعدمُ ضمانه إن وُجد ميتاً؛ للشك مع احتمال موته حَتْفَ أنفه. ومَن يَعتمد الأخبارَ يَلزَمه الحكم بضمانه مطلقاً إلى أن يرجع لدلالتها على ذلك. ثمّ يُحتمل كونه القَوَدَ مطلقاً؟ لظاهر الرواية(2)، والدية؛ لما مرّ، والتفصيل.

ولا فرق في الداعي بين الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والحر والعبد؛ للعموم(3)أو الإطلاق (4)، ولا بين أن يُعلَم سببُ الدعاء وعدمه، ولا بين أن يُقتل بسبب الدعاء وعدمه، ولا في المنزل بين البيت وغيره. ويَختصّ الحكم بالليل فلا يَضمَن المُخرِج نهاراً. وغايةُ الضمان وصوله إلى منزله وإن خرج بعد ذلك. ولو ناداه وأعْرَض(5) عليه الخروج مخيّراً له من غير دعاء، ففي إلحاقه بالإخراج نظر، وأصالة البراءة تقتضي العدمَ مع أنّ الإخراج والدعاء لا يتحقق بمثل ذلك.

( ولو كان إخراجه بالتماسه الدعاء فلا ضمان )لزوال التهمة حينئذٍ وأصالة البراءة، ويُحتمل الضمانُ؛ لعموم النص(6) والفتوى.

وتوقَّفَ المصنّف في الشرح(7) هنا، وجَعَل السقوط احتمالاً. وللتوقف مجال حيث 7 يُعمَل بالنص وإلا فعدم الضمان أقوى؛ نعم، لا ينسحب الحكم لو دعا غيره فخرج هو

ص: 402


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 653: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 224.
2- تقدم في ص 400 - 401.
3- تقدم في ص 400 - 401.
4- تقدم في ص 400 - 401.
5- كذا في النسخ.
6- تقدم آنفاً.
7- غاية المراد، ج 4، ص 344 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

قطعاً؛ لعدم تناول النصّ والفتوى له ولو تعدَّد الداعي اشتركوا في الضمان حيث يثبت قصاصاً وديةً كما لو اشتركوا في الجناية. ولو كان المَدْعُو جماعةً ضَمِن الداعي مطلقاً كلَّ واحدٍ منهم باستقلاله على الوجه الذي فصل.

[المسألة] (الثانية: لو انقَلَبت الظفْرُ) بكسر الظاءِ المُشالة فالهمز ساكناً: المرضعة غير ولدها(فقَتَلَتْ الولد) بانقلابها نائمةً (ضَمِنَتْه في مالها إن كان) فعلها المظائرة وقع (للفخر) به، (وإن كان للحاجة) والضرورة إلى الأجرة والبِرِّ (فهو) أي الضمان لديته (على عاقلتها)ومستند التفصيل رواية عبد الرحمن بن سالم عن الباقر(عليه السلام) قال: «أيُّما ظِفْرِ قومٍ قَتَلَتْ صبياً لهم وهي نائمة فانقَلَبَتْ عليه فقَتَلَتْه فإنّما عليها الدية في مالها خاصّةً إن كانت إنّما ظاءرت طلب العزّ والفخر، وإن كانت إنّما ظاءرت من الفقر فإنّما الدية على عاقلتها»(1). وفي سند الرواية ضعف أو جَهالةٌ يَمنَع من العمل بها وإن كانت مشهورةً، مع مخالفتها للأصول من أنّ قتل النائم خطأ على العاقلة أو في ماله على ما تقدّم(2). والأقوى أن ديته على العاقلة مطلقاً.

(ولو أعادت الولد فأنكره أهله صُدِّقَتْ)؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام)(3). ولأنّها أمينة، (إلا مع كذبها) يقيناً (فيلزمها الدية حتى تُحضِرَه أو مَن يَحتمله)؛ لأنّها لا تَدَّعِي موته وقد تَسَلَّمَتْه فيكون في ضمانها، ولو ادَّعَتْ الموتَ فلا ضمان، وحيث تُحضر من يحتمله يُقبل وإنْ كَذَبَتْ سابقاً؛ لأنّها أمينة لم يُعلَم كذبُها ثانياً .

[المسألة) (الثالثة: لو رَكِبَتْ جاريةٌ أُخرى فنَخَسَتْها ثالثةٌ فَقَمَصَت المركوبةُ)

ص: 403


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 222 - 223 ، ح 873.
2- تقدّم في ص 397
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 222، ح 870

أي نَفَرَتْ ورَفَعَتْ يديها وطَرَحَتْهما(فصُرِعَت الراكبة فماتت فالمروي)عن أمير المؤمنين بطريق ضعيف( وجوب ديتها على الناخسة والقامصة نصفين)(1). وعَمِل بمضمونها الشيخ (2)وجماعة(3)، وضعفُ سندها يَمنَعه.

(وقيل) وقائله المفيد، ونَسَبه إلى الرواية(4)، وتبعه جماعة منهم المحقق(5) والعلّامة في أحد قوليهما (6): ( عليهما ) أي الناخسةِ والقامصةِ (الثلثان) ويَسقُط ثلث الدية لركوبها عَبَناً، وكونِ القتل مستنداً إلى فعل الثلاثة. وخرج ابن إدريس ثالثاً، وهو وجوب الدية بأجمعها على الناخسة إن كانت مُلْجِئَةٌ للمركوبة إلى القُموص، وإلا فعلى القامصة(7)، أمّا الأوّل فلأنّ فعل المكره مستند إلى مكرهه فيكون توسُّطُ المكره كالآلة فيتعلَّق الحكم بالمكره، وأما الثاني فلاستناد القتل إلى القامصة وَحْدَها حيث فعلت ذلك مختارةً. وهذا هو الأقوى، ولا يُشكل بما أورده المصنّف في الشرح(8) من أن الإكراه على القتل لا يُسقِط الضمان، وأنّ القَمْصَ في الحالة الثانية ربما كان يقتل غالباً فيجب القصاص؛ لأنّ الإكراه الذي لا يُسقط الضمان ما كان معه قصد المكره إلى الفعل، وبالإلجاء يسقط ذلك فيكون كالآلة، ومِن ثَمَّ وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ الإلجاء، والقمص لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته فضلاً عن كونه ممّا يقتل غالباً، فيكون من باب الأسباب لا الجنايات. نعم، لو فُرِض استلزامه له قطعاً وقَصَدَتْه تَوجَّه القصاص، إلا أنه خلافُ الظاهر.

ص: 404


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 241، ح 960
2- النهاية، ص 763 .
3- منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 531؛ والقاضي في المهذب، ج 2، ص 499؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 394.
4- المقنعة، ص750.
5- المختصر النافع، ص 460
6- مختلف الشيعة، ج 9، ص 348، المسألة 41.
7- السرائر، ج 3، ص 374.
8- غاية المراد، ج 4 ص 341 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).

[المسألة] :(الرابعة : رَوَى عبد الله بن طلحةَ عن أبي عبد الله(عليه السلام) في لص جَمَع ثياباً ووَطِئ امرأةً وقَتَل ولدها فقَتَلَتْه) المرأةُ: (إنّه هَدْرٌ) أي دمه باطل لا عوض له، (وفي ماله أربعة آلاف درهم) عِوَضاً عن البضع (ويَضمن مواليه) وورثته (ديةً الغلام) الذي قتله(1). ووجه الأوّل أنّه محارِبُ يُقتل إذا لم يندفع إلا به، ويُحْمَل المقدَّر من الدراهم على أنّه مهرُ أمثالها بناءً على أنّه لا يتقدر بالسُنّة؛ لأنّه جناية يغلب فيه جانب الماليّة؛ كما يضمن الغاصب قيمة العبدِ المغصوب وإن تجاوَزَت دية الحرّ. ووجه ضمان دية الغلام مع أنه مقتول عمداً فواتُ محلّ القصاص، وقد تقدَّم. وبهذا التنزيل لا تُنا في الرواية الأصول، لكن لا يتعيَّن ما قدر فيها من عوض البضع. ولو فُرِض قتلُ المرأة له قصاصاً عن ولدها سَقَط غُرْمُ الأولياء، أو أسقطنا الحقَّ بفوات محلّ القصاص فلا دية، وإنْ قَتَلَتْه دفاعاً أو قتلته لا لذلك قيدَتْ به.

(وعنه(عليه السلام)) بالطريق السابق (في صديق عروس قَتَلَه الزوجُ) لمّا وَجَده عندها في الحَجَلَة ليلةَ العُرْس (فقَتَلَت) المرأةُ (الزوج): أنّها تُقتَل به أي بالزوج، (وتضمن) دية (الصديق)(2)بناءً على أنها سبب تلفه بغرورها إياه. (والأقرب أنّه) أي الصديق (هَدْرٌ إِن عَلِم) بالحال؛ لأنّ للزوج قتل من يجد في داره للزنى، فسَقَط القَودُ عن الزوج. ويُشكل بأنّ دخوله أعم من قصد الزنى ولو سُلّم مَنَعنا الحكم بجواز قتلِ مُريدِه مطلقاً. والحكم المذكور في الرواية مع ضعف سندها ضعف سندها في واقعة، مخالفاً للأُصول فلا يَتَعَدَّى، فلعله(عليه السلام) عَلم بموجب ذلك.

(ورَوَى محمدُ بنُ قيس) عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) (في أربعة شكارَى فجُرِح اثنان) منهم (وقُتِل اثنان) ولم يُعلم القاتل والجارحُ: (يَضمنهما

ص: 405


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 208 - 209 ، ح 823
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 209، ح 824

الجارحان بعد وضع جراحاتهما )من الدية.(1) وفي الرواية - مع اشتراك محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر(عليه السلام) ، بين الثقة وغيره - عدم استلزام الاجتماع المذكور والاقتتال كونَ القاتل هو المجروح وبالعكس فيختص حكمُها بواقعتها؛ لجواز علمه(عليه السلام) بما أَوجَبه . نعم ، يمكن الحكم بكون ذلك لوثاً، يثبت الفعلُ بالقسامة من عمدٍ أو خطأ وقتل وجرح. وأما ما استشكله المصنف في الشرح على الرواية من أنّه إذا حُكم بأنّ المجروحين قاتلان فلِمَ لا يُستعدّى منهما، وأن إطلاق الحكم بأخذ دية الجُرح وإهدار الدية لو ماتا لا يتم أيضاً، وكذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما؛ لأنّ موجَبَ العمد القصاص(2). فيمكن دفعه بكون القتل وقع منهما حالة السكر، فلا يُوجِب إِلَّا الدية على أصح القولين(3)، وفرض الجرح غير قاتل كما هو ظاهر الرواية. ووجوب دية الجرح لوقوعه أيضاً من السكران كالقتل، أو لفوات محلّ القصاص والحق الاقتصارُ على الحكم باللوث وإثباتِ ما يوجبه فيهما.

(وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) عن علي(عليه السلام) في ستة غلمان بالفرات فغَرِقَ) منهم (واحد) وبَقِيَ خمسةٌ (فشَهِد اثنان) منهم ( على ثلاثة) أنهم غَرَّقوه، (وبالعكس) شهد الثلاثة على الاثنين أنهم غَرَّقوه(4) ، فحكم (عليه السلام)(أنّ الدية أخماس )على كلّ واحد منهم خُمس )بنسبة الشهادة.(5) وهي) أيضاً مع ضعف سندها (قضيّةً في واقعة) مخالفة لأُصول المذهب فلا يتعدى.

ص: 406


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 240، ح 956.
2- غاية المراد، ج 4، ص 348 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
3- القول بالدية للعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 465، الرقم 7063؛ والشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 251 - 252 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 4)؛ والقول بالقصاص لابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 374: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 236.
4- كذا في النسخ وفي المصادر: «أنهما غرقاه».
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 240، ح 954.

والموافق لها من الحكم أن شهادة السابقين إن كانت مع استدعاء الولي وعدالتهم قُبِلَتْ، ثمّ لا تقبل شهادة الآخرين للتهمة، وإن كانت الدعوى على الجميع أو حَصَلَتْ التهمةُ عليهم لم تُقبل شهادة أحدهم مطلقاً، ويكون ذلك لوثاً يمكن إثباته بالقسامة.

واعلم أنّ عادة الأصحاب جَرَتْ بحكاية هذه الأحكام هنا بلفظ الرواية، نظراً إلى مخالفتها للأصل واحتياجها أو بعضها في ردّها إليه إلى التأويل أو التقييد، أو للتنبيه على مأخذ الحكم المخالف للأصل. وقد يَزِيد بعضُهم التنبية على ضعف المستند تحقيقاً لعذر اطراحها.(1)

[المسألة) (الخامسة: يَضمن معلّمُ السباحة) المتعلم (الصغير) غير البالغ لو جني عليه بها (في ماله)؛ لأنّه شبيه عمدٍ، سواءٌ فَرَّط أم لا على ما يقتضيه إطلاق العبارة، ويؤيّده ما رُوي من ضمان الصانع وإن اجتهد(2).

وفي القواعد علَّل الضمان بالتفريط(3)، ومقتضاه أنه لو لم يُفرّط فلا ضمان، وتوقف في التحرير في الضمان على تقدير عدمه(4). هذا إذا كان قد دَفَعه إليه وليه ومَن بحكمه، وإلَّا ضَمِن الصغير مطلقاً قطعاً، وفي حكمه المجنون. (بخلاف البالغ الرشيد) فإنّه لا يضمنه وإنْ فَرَّط لأنه في يد نفسه.

(ولو بنى مسجداً في الطريق ضَمِن؛ للعدوان بوضعه فيما لا يصح الانتفاع فيه بما ينافي الاستطراق (إلّا أن يكون الطريق (واسعاً) زائداً عن القدر المحتاج إليه للاستطراق؛ كزاوية في الطريق أو كونه زائداً عن المقدَّر شرعاً. واعلم أن الطريق

ص: 407


1- راجع التنقيح الرائع، ج 4، ص 484 - 485.
2- دعائم الإسلام، ج 2، ص 80، ح 235
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 653.
4- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 545، الرقم 7190.

مؤنّتُ سَماعي فكان ينبغي إلحاق التاء في خبره. ويأذن الإمام) له في عمارته فلا ضمان حينئذ، وهذا يدلّ على عدم جواز إحياء الزائد من الطريق عن المقدر بدون إذن الإمام.

وفي الدروس أطلق جواز إحياء الزائد وغَرْسِه والبناء فيه(1)، وكذا أطلق في التحرير جواز وضع المسجد في القدر الزائد(2). وهو حسن مع عدم الحاجة إليه بحسب العادة في تلك الطريق، وإلا فالمنع أحسن.

(ويَضمَن واضع الحجر في مِلكِ غيره)مطلقاً إذا حصل بسببه جناية، (أو طريقٍ مباح) عبثاً أو لمصلحة نفسه أو ليتضرر به المارّة، أما لو وضعه لمصلحة عامة كوضعه فى الطين ليطا الناسُ عليه، أو سَقَفَ به ساقيةً فيها ونحوه فلا ضمان؛ لأنه محسن، وبه قطع في التحرير(3).

[المسألة] (السادسة: لو وقع حائطه) المائل (بعد علمه بميله) إلى الطريق أو ملك الغير (وتمكنه من إصلاحه) بعد العلم وقبل الوقوع (أو بناه مائلاً إلى الطريق) ابتداءً، ومثله ما لو بناه على غير أساس مثلِه، (ضَمِن) ما يتلف بسببه من نفس ومال، (وإلّا) يتفق ذلك بقيوده أجمع بأن لم يعلم بفساده حتى وقع، مع كونه مؤسساً على الوجه المعتبر في مثله، أو علم ولكن لم يتمكن من إصلاحه حتى وقع، أو كان ميله إلى ملكه أو ملكٍ أُذن فيه ولو بعد الميل (فلا) ضمان؛ لعدم العدوان، إلا أن يَعلَم على تقدير علمه بفساده كميله إلى ملكه - بوقوع أطرافِ الخُشُب والآلاتِ إلى الطريق فيكون كميله إلى الطريق. ولو كان الحائط لمُوَلَّى عليه فإصلاحه وضمان حدثِه متعلّق بالولي.

ص: 408


1- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 64 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 540، الرقم 7184.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 540، الرقم 7184.

(ولو وَضَع عليه إناءً) ونحوه( فسقط فأتلف فلا ضمان إذا كان) الموضوع (مستقراً) على الحائط (على العادة)؛ لأنّ له التصرف في ملكه كيف شاء فلا يكون عادياً، ولو لم يكن مستقراً استقرار مثله ضَمِن؛ للعدوان بتعريضه للوقوع على المارّةِ والجار. ومثله ما لو وضعه على سطحه أو شجرته الموضوعة في ملكه أو مباح.

( ولو وقع الميزابُ) المنصوبُ إلى الطريق (ولا تفريط ) بأن كان مُثبتاً على عادة أمثاله (فالأقرب عدم الضمان)؛ للإذن في وضع الميازيب شرعاً كذلك فلا يَتَعَقَّبه الضمان، ولأصالة البراءة.

وقيل : يَضمَن وإن جاز وضعه(1)؛ لأنه سبب الإتلاف وإنْ أُبيح السبب كالطبيب والبيطار والمؤدب؛ ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق(عليه السلام) : «مَن أضَرَّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن(2). ولرواية السكوني عن الصادق (عليه السلام): «أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو [أوتَدَ](3)وَتِداً أو أوثق دابَّةٌ أو حَفَر بئراً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعَطِبَ فهو له ضامن»(4). وهو نص في الباب لو صح طريقه. وفَصَّل آخَرون فحكموا بالضمان مطلقاً إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط(5)؛ لأنّ وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار كالروشن والساباط، وبضمان النصف إن كان الساقط الجميع لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزاء الحائط، وقد تقدَّم أنّها لا توجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها.

ص: 409


1- قال به الشيخ في الخلاف ، ج 5، ص 290 - 291 ، المسألة 119 ؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع ص 585 .
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 230، ح 905
3- ما بين المعقوفين لم يرد في النسخ وأضفناه من مصادره.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 230 ، ح 908
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 213 - 214؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 655؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 665 - 666.

( وكذا) القول في (الجناح والروشن) لا يَضمن ما يَتلَف بسببهما إلا مع التفريط لما ذكر. وعلى التفصيل لو كانت خَشَبَةً موضوعةً في حائطه ضَمِن النصف إن سقطت أجمعُ، وإن انقَصَفَتْ وسَقَط الخارج عنه أو كانت موضوعةً على غير ملكه ضَمِن الجميع.

هذا كلُّه في الطريق النافذة. أما المرفوعة فلا يجوز فعل ذلك فيها إلا بإذن أربابها أجمعَ؛ لأنّها ملك لهم، وإن كان الواضح أحدهم فبدون الإذن يَضمن مطلقاً، إلا القدر الداخل في ملكه لأنه سائغ لا يتعقبه ضمان.

[المسألة] :(السابعة لو أجج ناراً في ملكه) ولؤ للمنفعة (في ريح معتدلة أو ساكنةٍ ، ولم تَزد ) النارُ( عن قدر الحاجة) التي أضرمها لأجلها (فلا ضمان): لأن له التصرف في ملكه كيف شاء (وإنْ عَصَفَت ) الريح بعد إضرامها (بغتةً) : لعدم التفريط، (وإلّا) يفعل كذلك بأن كانت الريحُ عاصفة حالة الإضرام على وجه يُوجِب ظنَّ التعدّي إلى ملك الغير، أو زاد عن قدر الحاجة وإن كانت ساكنةً (ضَمِن) سرايتها إلى ملكِ غيره، فالضمان على هذا مشروط بأحد الأمرين : الزيادة أو عَصْفِ الريح.

وقيل : يُشترط اجتماعهما معاً(1) ، وقيل :يكفي ظنُّ التعدّي إلى ملك الغير مطلقاً (2). ومثله القول في إرسال الماء. وقد تقدَّم الكلام في ذلك كله في باب الغصب(3)، ولا وجه لذكرها في هذا المختصر مرّتين.

(ولو أجج في موضع ليس له ذلك فيه) كملك غيره (ضَمِن الأَنْفُسَ والأموال) مع تعذر التخلّص في ماله. ولو قصد الإتلاف فهو عامد يُقاد في النفس مع ضمان المال.

ص: 410


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 181 - 182.
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 525 ، الرقم 6144.
3- تقدم في كتاب الغصب، ص 48 - 49.

ولو أججها في المباح فالظاهر أنه كالملك؛ لجواز التصرف فيه.

[المسألة] (الثامنة: لو فرَّط في) حفظ (دابته فدَخَلَتْ على أُخرى فجَنَتْ )عليها (ضَمِن) جنايتها؛ لتفريطه،( ولو جني عليها) أي جَنَّتْ المدخول عليها على دابته (فهذرٌ ) ولو لم يُفرّط في حفظ دابته؛ بأن انفلَتَتْ من الاصطبل الموثق، أو حَلَّها غيرُه، فلا ضمان عليه لأصالة البراءة.

وأطلق الشيخ (رحمه الله)(1) وجماعة(2)ضمان صاحب الداخلة ما تجنيه ؛ لقضيّة عليّ في زمن النبي (3)، والرواية ضعيفة ،السند، فاعتبار التفريط وعدمه متجة.

(ويجب حفظ البعير المُعْتَلِم) أي الهائج لشهوة الضراب (والكلبِ العَقُورِ) وشبههما على مالكه، (فيضمَن) ما يجنيه (بدونه إذا عَلم )بحاله وأَهمَل حِفْظه، ولو جهل حاله أو عَلِم ولم يُفرّط فلا ضمان.

وفي إلحاق الهرَّةِ الضارية بهما قولان(4) : من استناد التلف إلى تفريطه في حفظها، وعدم جريان العادة بربطها، والأجود الأول؛ نعم، يجوز قتلها.

(ولو دافعها عنه إنسانُ فأَدَّى الدفع إلى تلفها أو تعيبها فلا ضمان)؛ لجواز دفعها عن نفسه فلا يَتعَقَّبه ضمان، لكن يجب الاقتصار على ما تندفع به فإن زاد عنه ضَمِن وكذا لو جَنَى عليها لا للدفع.

(وإذا أذن له قومٌ في دخول دارِ فعقره كلبُها ضَمِنُوه) وإنْ لم يعلموا أن الكلب فيها

ص: 411


1- النهاية، ص 762
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 748 وسلار في المراسم، ص 243: والقاضي في المهذب، ج 2، ص 497 .
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 229، ح 901
4- القول بالإلحاق للشيخ في المبسوط، ج 5، ص 427 وابن حمزة في الوسيلة، ص 427؛ والقول بعدم الإلحاق للمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 239

حين دخوله أو دخل بعده؛ لإطلاق النص (1)والفتوى(2). وإن دخلها بغير إذن المالك لم يضمن.

ولو أَذِن بعضُ مَن في الدار دون بعض، فإن كان ممّن يجوز الدخول مع إذنه اختَصَّ الضمان ،به وإلا فكما لو لم يأذن ولو اختلفا في الإذن قدم المنكر.

[المسألة] :(التاسعة: يَضمَن راكب الدابّة ما تجنيه بيديها ورأسها) دون رِجليها، (والقائد) لها(كذلك)يضمن جناية يديها ورأسها خاصة، والسائق يضمنها مطلقاً . وكذا يُضمَن جنايتها مطلقاً (لو وقف بها الراكب أو القائد)، ومستند التفصيل أخبار كثيرة (3) نُبِّه في بعضها على الفرق بأنّ الراكب والقائد يملكان يديها ورأسها ويُوَجِهانِها كيف شاءا، ولا يملكان رِجْلَيها لأنهما خَلْفَهما، والسائق يملك الجميع(4).

( ولو رَكِبَها اثنان تَساوَيَا) في الضمان؛ لاشتراكهما في اليد والسببية، إلا أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغَرٍ أو مرض فيختص الضمانُ بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.

(ولو كان صاحبها معها) مراعياً لها (فلا ضمان على الراكب)، ويَبْقَى في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً، ولو لم يكن المالك مراعياً لها بل تَوَلَّى أمرها الراكب ضَمِن دون المالك (ويضمنه مالكها) الراكب أيضاً (لونَفَرَها فأَلْقَتْه )،لا إن ألقته بغير سببه.

ولو اجتمع للدابة سائق وقائد أو أحدهما وراكب أو الثلاثة اشتركوا في ضمان المشترك، واختَصَّ السائق بجناية الرجلين ولو كان المقود أو المَسُوقُ قطاراً ففي إلحاق الجميع بالواحد حكماً وجهان: من صدق السوق والقَوْد للجميع، ومن فقد علّة

ص: 412


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 228 ، ح 897 - 898
2- راجع النهاية، ص 762 والسرائر، ج 3، ص 372؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 657.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 224 - 227، باب ضمان النفوس وغيرها.
4- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 226 ، ح 889

الضمان وهي القدرة على حفظ ما ضمن جنايته ، فإنّ القائد لا يَقدِر على حفظ يدَيْ ما تَأَخَّر عن الأوّل غالباً، وكذا السائق بالنسبة إلى غير التأخّر(1). وهذا أقوى. نعم، لو رَكِب واحداً وقاد الباقي تَعلَّق به حكم المركوب وأوّل المقطور، وكذا لو ساق مع ذلك واحداً وأكثر.

[المسألة] :(العاشرةُ: يَضمَن المباشر لو جامَعَه السبب دونه؛ لأنّه أقوى وأقربُ. هذا مع علم المباشر بالسبب، ولو جَهل المباشر ضمن السبب فالسبب (کالحافر) للبئر في غير ملكه، (و) المباشر ك- (الدافع) فيها فالضمان على الدافع دون الحافر، إلا أن تكون البئرُ مُغَطَّاةً ولا يَعلَم بها الدافع، فالضمان على الحافر لضعف المباشرة بالجهل.

( ويضمن أسبق السببين) لو اجتمعا (كواضع الحجر وحافر البئر فيعير بالحجر فيَقَعُ فى البئر، فيَضمَن واضع الحجر)؛ لأنّه أسبق السببين فعلاً وإن تأخر الوضع عن الحفر. ولو تقدم الحافرُ؛ كما لو نَصَب إنسان سكيناً في قعر البئر فوقع فيها إنسان من غير عِنَارٍ فأصابته السكينُ فمات، فالضمان على الحافر. هذا إذا كانا متعديين، (فلو كان فعل أحدهما في ملكه فالضمان على الآخر)؛ لاختصاصه بالعدوان.

[المسألة)] (الحادية عشرة: لو وقع واحدٌ في الزبيَّة) بضم الزاي المُعْجَمةِ، وهي الحفيرة تُحفّر للأسد، سُمّيت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عالٍ، وأصلها الرابية التي لا يعلوها الماء، وفي المثل: «بلغ السيل الزبى»(2)، (فتعلق) الواقع (بثان والثاني بثالث والثالثُ برابع) فوقعوا جميعاً (فافترسهم الأسد، ففي رواية محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام) عن عليّ(عليه السلام)) أنه قضى في ذلك أنّ الأوّلَ فَرِيسةُ الأسد لا يلزم أحداً (و يَعْرَم أهلُه ثلث الدية للثاني، ويَعْرَم الثاني للثالث ثُلتَي الدية، ويَعْرَم الثالث

ص: 413


1- كذا في نسخة الشهيد وفي سائر النسخ: «غير المتأخر».
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 295، «زبى».

للرابع الدية كاملة)(1) ، وعَمِل بها أكثر الأصحاب، لكن توجيهها على الأصول مشكل ومحمد بن قيس كما عرفت - مشترك، وتخصيص حكيها بواقعتها ممكن فترك العمل بمضمونها مطلقاً متوجه.

وتوجيهها بأنّ الأوّلَ لم يقتله أحد، والثاني قَتَلَه الأوّلُ، وقتل هو الثالث والرابع فقُسْطَت الديةُ على الثلاثة فاستَحَقَّ منها بحسب ما جُنِيَ عليه، والثالثَ قَتَله اثنان وقتل هو واحداً فاستَحَق ثلثين كذلك، والرابع قتله الثلاثة فاستَحَق تمام الدية، تعليل بموضع النزاع؛ إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شيء من ديته عن قاتله .وربما قيل بأنّ دية الرابع على الثلاثة بالسوية؛ لاشتراكهم جميعاً في سببية قتله، وإنّما نَسَبها إلى الثالث لأنّ الثاني استَحَق على الأوّل ثلث الدية، فيُضيف إليه ثلثاً آخَرَ ويَدفَعُه إلى الثالث فيُضيف إلى ذلك ثلثاً آخَرَ ويَدفعه إلى الرابع(2). وهذا مع مخالفته لظاهر الرواية لا يتم في الآخرين لاستلزامه كون دية الثالث على الأولين ودية الثاني على الأوّل؛ إذ لا مدخل لقتله مَنْ بعده في إسقاط حقه كما مرّ، إلا أن يُفرَض كونُ الواقع عليه سبباً في افتراس الأسد له فيَقرُب، إلّا أنّه خلاف الظاهر.

(وفي رواية أخرى) رواها سهل بن زيادٍ عن ابن شَمِّون، عن عبد الله الأصم، عن مسمع، عن أبي عبد الله (عليه السلام)أن علياً(عليه السلام) قال: (اللأوّل ربع الدية، وللثاني ثلث وللثالث نصفٌ، وللرابع الدية ) كاملة»(3). (و) جَعَل ذلك (كلَّه على عاقلة المُزْدَحِمِينَ) ووجهت(4)، يكون البئرِ حُفِرَت عُدواناً، والافتراس مستنداً إلى الازدحام المانع من التخلّص، فالأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الثلاثة فوقه، إلا أنه بسببه وهو ثلاثة أرباع السبب، فيبقى الربع على الحافر، والثاني مات بسبب جذب الأول وهو

ص: 414


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 239 ، ح 951
2- حكاه عن ابن أبي عقيل المحقق في نكت النهاية، ج 3، ص 426.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 239، ح 952
4- التوجيه للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 661.

ثلث السبب، ووقوع الباقيين فوقه وهو ثلثاه، ووقوعهما عليه من فعله فيبقى له ثلث، والثالث مات من جذبِ الثاني ووقوع الرابع وكلُّ منهما نصف السبب، لكن الرابع من فعله فيبقى له نصف والرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال الدية.

والحق أنّ ضعف سندها يمنع من تكلّف تنزيلها؛ فإنّ سهلاً عامّي، وابنَ سَمّون غالٍ والأصم ضعيفٌ، فردها مطلقاً متجة. وردّها المصنّف أيضاً بأن الجناية إما عمد أو بيهه، وكلاهما يمنع تعلَّق العاقلة به، وأنّ في الرواية: «فازدَحَم الناسُ عليها يَنظُرون إلى الأسد» وذلك يُنافي ضمان حافر البئر(1). وحيث يُطْرَح الخبران فالمتجه ضمانُ كلّ ديةً من أمسكه أجمع لاستقلاله بإتلافه، وهو خِيَرةُ العلّامة في التحرير(2).

ص: 415


1- غاية المراد، ج 4، ص 356 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
2- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 555، الرقم 7208.

الفصل الثاني في التقديرات

اشارة

(وفيه مسائلُ:)

[المسألة] (الأولى في) النفس

(دية العمد أحدُ أُمورِ سيّة:) يتخيَّر الجاني في دفع ما شاء منها وهي (مائةٌ مِن مَسَانٌ الإبل) وهي الثنايا فصاعداً، وفي بعض كلام المصنف (رحمه الله) أنّ المُسِنَّةَ من التَنِيّة إلى بازل عامها(1)، (أو مائتا بقرةٍ) وهي ما يُطلق عليه اسمها، (أو مائتا حُلّة) بالضم (كلَّ حُلّةٍ ثوبان من برود اليمن) هذا القيد للتوضيح، فإنّ الحلّة لا تكون أقل من ثوبين قال الجوهري : الحُلّة إزار ورداء، لا تُسمَّى حلّة حتى تكون ثوبين(2)، والمعتبر اسم الثوب.

(أو ألفُ شاةٍ) وهي ما يُطلق عليها اسمها، (أو ألف دينار) أي مثقال ذهب خالص (أو عشرة آلاف درهم)، وتُستَأدَى دية العمد (في سنةٍ واحدةٍ) لا يجوز تأخّرُها عنها بغير رِضَى المستحِق، ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة، وهي (من مال الجاني) حيث يطلبها الولي.

(ودية الشبيه) للعمد مائة من الإبل أيضاً إلّا أنّها دونها في السن؛ لأنّها (أربع وثلاثون ثَنِيَّةً) سنّها خمس سنين فصاعداً، (طَرَوقة الفحل) حوامل، وثلاث وثلاثون بنت لبون ستُها سَنَتان فصاعداً، (وثلاث وثلاثون حِقَّةً) سنها ثلاث سنين فصاعداً، (أو أحد الأمور الخمسة) المتقدمة. (وتُستَأْدَى في سنتين) يجب آخِرَ كلِّ

ص: 416


1- . نقله عن حواشي الشهيد النجفي في جواهر الکلام، ج 43، ص 5.
2- الصحاح، ج 3، ص 1673، «حل».

حول نصفها (من مال الجاني) أيضاً.

وتحديد أسنان المائة بما ذكر أحد الأقوال(1) في المسألة، ومستنده روايتا أبي بصير(2)والعلاء بن الفضيل عن الصادق(3) ، واشتملت الأولى على كون الثنية طروقة الفحل، والثانية على كونها خَلِفَةٌ - بفتح الخاء فكسر اللام - وهي الحامل، فمِن ثُمَّ فسرناها بها وإن كانت بحسب اللفظ أعم. لكن في سند الروايتين ضعف. وأمّا تَأدِيَتُها في سنتين، فذكره المفيد (رحمه الله)(4) وتبعه الجماعة(5)، ولم نقف على مستنده، وإنما الموجود في رواية أبي ولاد تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، وتُستأدى دية العمد في سنة»(6).

(وفيها) أي في دية شبيه العمد (روايةٌ أُخْرَى) وهي صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «قال أمير المؤمنين في الخطا شبيه العمد أن يقتل بالسوط أو العصا أو الحجر، إنّ دية ذلك تُغَلَّظ مائة من الإبل، منها أربعون خَلِفة وهي من ثنية إلى بازلِ عامِها وثلاثون حقةً، وثلاثون بنت لبون»(7). وهذه هي المعتمد ؛ لصحة طريقها، وعليها العلّامة في المختلف والتحرير(8)، وهو في غيرهما (9)على الأوّل.

والمراد ببازل عامها ما فَطَر نابها أي انشَقَّ في سنته، وذلك في السنة التاسعة، وربما بَزَلَ في الثامنة، ولمّا كانت الثنية ما دخلت في السنة السادسة كان المعتبر من الخلفة ما

ص: 417


1- لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 291 - 292، المسألة 5.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 158 ، ح 633.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 247، ح 977
4- المقنعة، ص 736
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 132 وسلار في المراسم، ص 241؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 413.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 162 ، ح 646.
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 158 - 159، ح 635.
8- مختلف الشيعة، ج 9، ص 291 ، المسألة 5: تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 563 ،الرقم7213
9- قواعد الأحكام، ج 3، ص 667: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 233؛ تبصرة المتعلمين، ص 209.

بین ذلك. ويُرجَع في معرفة الحامل إلى أهل الخبرة فإن ظهر الغلط وجب البدل، وكذا لو أسقَطَتْ قبل التسليم وإن أحضَرَها قبله.

(ودية الخطأ )المحضِ (عشرون بنتَ مَخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنتَ لبون، وثلاثون حِقّةً). وعلى ذلك دلّت صحيحة ابن سنان السابقة(1). (وفيه رواية أخرى) وهي رواية العلاء بن الفضيل عنه قال: «في قتل الخطأ مائة من الإبل: خمس وعشرون بنتَ مَخاضِ، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقةً، وخمس وعشرون جَذَعَةً»(2). وقد عرفت أنّ الأولى صحيحة الطريق دون الثانية، ولَيْته (رحمه الله) عَمِل بالصحيحة في الموضعين، مع أنها أشهر روايةً وفتوى.

(وتُستأدَى) دية الخطأ ( في ثلاث سنين) كلّ سنة ثلث؛ لما تقدم. ومبدأ السنة من حين وجوبها لا من حين حكم الحاكم ( من مال العاقلة). (أو أحد الأمور الخمسة) ولا يشترط تساويها قيمةً، بل يجوز دفعُ أقلها على الأقوى.

وكذا لا يُعتبر قيمة الإبل بل ما صدق عليه الوصفُ، وما رُوي من اعتبار قيمة كلّ بعير بمائة وعشرين درهماً (3)، محمول على الأغلب أو الأفضل، وكذا القول في البقر والغنم والحُلل.

(ولو قتل في الشهر الحرام) وهو أحد الأربعة : ذوالقعدة(4)؛ وذو الحجة والمحرّمُ ورَجَب، (أو في الحرم )الشريف المكّي ( زِيدَ عليه ثلث دية) من أي الأجناس كان لمستحِق الأصل (تغليظاً) عليه؛ لانتهاكه حرمتهما.

أمّا تغليظُها بالقتل في أشهر الحُرُم فإجماعي، وبه نصوص(5) كثيرة، وأما الحرم

ص: 418


1- تقدم في ص 416، الهامش 7.
2- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 158، ح 634 .
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 158 - 159، ح 635.
4- يدل عن «هو أحد المقدّر الراجع إلى أحد الأربعة، لا إلى الأربعة فلذلك رُفِعَت كلمة «ذو». وفي بعض النسخ «ذي» وهو الصحيح.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 29، ص 203 - 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس .

فألحقه الشيخان(1) وتَبِعَهما جماعة(2) ، لاشتراكهما في الحرمة، وتغليظ قتل الصيد فيه المناسب لتغليظ غيره. وفيه نظر بَيِّن. وألحق به بعضُهم ما لو رمى في الحِلّ فأصاب في الحرم أو بالعكس(3). وهو ضعف في ضعف. والتغليظ مختص بدية النفس فلا يثبت في الطرف وإنْ أوجب الديةَ؛ للأصل.

(والخيار إلى الجاني في السنّة في العمد والشبيه) لا إلى ولي الدم، وهو ظاهر في الشبيه؛ لأنّ لازمه الدية، أما في العمد، فلمّا كان الواجب القصاص وإنّما تثبت الديةُ برضاه - كما مر(4) - لم يتقيَّد الحكم بالستة، بل لو رَضِيَ بالأقل أو طَلَب الأكثر وجب الدفع مع القدرة؛ لما ذكر من العلة، فلا يتحقق التخييرُ حينئذ، وإنما يتحقق على تقدير تعيّنها عليه مطلقةً.

ويمكن فرضه فيما لو صالحه على الدية ،وأطلق، أو عفا عليها، أو مات القاتل أو هَرَب فلم يُقدر عليه وقلنا بأخذ الدية من ماله أو بادَرَ بعض الشركاء إلى الاقتصاص بغير إذن الباقين، أو قتل في الشهر الحرام وما في حكمه، فإنّه يلزمه ثلث ديةٍ زيادةً على القصاص، أو قتل الأب ولده، أو قتل العاقل مجنوناً، أو جماعةً على التعاقب فقتله الأوّل، وقلنا بوجوب الدية حيث يفوت المحلّ.

(و) التخير بين الستة إلى (العاقلة في الخطأ) وثبوت التخير في الموضعين هو المشهور، وظاهرُ النصوص(5) يدلّ عليه، وربما قيل بعدمه(6)، بل يَتَعيَّن الذهب والفضة على أهلهما والأنعام على أهلها والحُلَلُ على أهل البز، والأقوى الأول.

ص: 419


1- المقنعة، ص 743؛ النهاية، ص 756
2- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 516؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 414؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 667.
3- ألحقه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 681.
4- تقدم في ص 384.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 29، ص 193 - 198، الباب 1 من أبواب ديات النفس.
6- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 226 ، المسألة 10.

(ودية المرأة النصفُ من ذلك كله، والخنثى) المشكل (ثلاثة أرباعه) في الأحوال الثلاث، وكذا الجراحات والأطراف على النصف ما لم يقصر عن ثلث الدية فيتساويان. وفي إلحاق الحكم بالخنثى نظر، والمتجه العدم؛ للأصل.

(و)دية (الذمّي) يهودياً كان أم نصرانياً أم مجوسياً (ثمانمائة درهم) على الأشهر رواية (1)وفتوى(2). ورُوي صحيحاً «أنّ ديته كدية المسلم»(3)وأنها «أربعة ألاف درهم»(4). والعمل بهما نادرٌ ، وحَمَلهما الشيخ على مَن يَعتادُ قتلهم(5) فللإمام أن يُكلّفه ما شاء منهما كما له قتله. (و) دية (الذمّيّة نصفُها )أربعمائة درهم. ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاتِه من ديته. وفي التغليظ بما يُغَلَّظ به على المسلم نظر : من عموم الأخبار وكون التغليظ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق. ولعلّ الأوّلَ أقوى. وكذا تتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تَبلُغ ثلث ث الدية فتنتصف كالمسلم. ولا دية لغير الثلاثة من أصناف الكفّار مطلقاً.

(و) دية (العبدِ قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ، فتُرَدِّ إليها إن تجاوَزَتْها، وتؤخذ من الجاني إن كان عمداً أو شبية عمدٍ، ومن عاقلته إن كان خطأ. ودية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة. ثمّ الاعتبار بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً وإن كان مولاه ذمّيّاً على الأقوى، وبدية الذمّي إن كان المملوك ذمّيّاً ولو كان مولاه مسلماً. ويُستتَنَى من ذلك ما لو كان الجاني هو الغاصب فيلزمه القيمة وإن زادت عن دية الحرّ.

(ودية أعضائه وجراحاته بنسبة دية الحرّ) فيما له مقدر منها، (والحرُّ أصل له في المقدر)؛ ففي قطع يده نصف قيمة. وهكذا، (وينعكس في غيره) فيصير العبد أصلاً

ص: 420


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 186 - 187 ، ح 728 و 733 - 734.
2- راجع المقنعة، ص 739؛ والانتصار، ص 545 المسألة 306؛ والخلاف، ج 5، ص 263، المسألة 77
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 187 ، ح 735 .
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 187، ح 737
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 187، ذيل الحديث 737؛ الاستبصار، ج 4، ص 269 - 270، ذيل الحديث 1019.

للحرّ فيما لا تقدير لديته من الحرّ، فيُفرَض الحرُّ عبداً سليماً من الجناية ويُنظر كم قيمته حينئذٍ ؟ ويُفرَض عبداً فيه تلك الجناية ويُنظَر قيمته، وتُنسب إحدى القيمتين إلى الأُخرى، ويؤخذ له من الدية بتلك النسبة.

(ولو جُنِي عليه) أي على المملوك (بما فيه قيمته) كقطع اللسان والأنف والذكر (تخيّر مولاه في أخذ قيمته ودفعه إلى الجاني وبين الرضى به) بغير عوض لئلا يُجمع بين العِوَض والمعوَّض. هذا إذا كانت الجناية عمداً أو شبهه، فلو كانت خطأ لم يُدفَع إلى الجاني؛ لأنّه لم يغرم شيئاً، بل إلى عاقلته على الظاهر، إن قلنا إنّ العاقلة تعقله. ويُستثنى من ذلك أيضاً الغاصبُ لو جَنَى على المغصوب بما فيه قيمته؛ فإنّه يؤخذ منه القيمة والمملوك على أصح القولين(1)؛ لأنّ جانب المالية فيه ملحوظ. والجمعُ بين العِوَض والمعوض مندفع مطلقاً؛ لأنّ القيمةَ عِوَضُ الجزء الفائتِ لا الباقي، ولولا الاتفاق عليه هنا اتَّجَه الجمعُ مطلقاً فيُقتصر في دفعه على محلّ الوفاق.

[المسألة] (الثانية : في شَعْرِ الرأس) أجمع (الديةُ) إن لم ينبت، لرجل كان أم لغيره؛ لرواية سليمان بن خالد(2)وغيرها(3)، (وكذا في شعر اللخية) للرجل، أما لحية المرأة ففيها الأرش مطلقاً، وكذا الخنثى المشكل . (ولو) (بتا) شعر الرأس واللحية بعد الجناية عليهما (فالأرش) إن لم يكن شعر الرأس لامرأة، ولو نَبَت شعر رأس المرأة ففيه مهرُ نسائها) وفى الشعرين أقوال (4)، هذا أجودها(5).

ص: 421


1- القول الأول لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 497 والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2: والقول الثاني في الخلاف، ج 3، ص 400 - 401، المسألة 9؛ والمبسوط، ج 2، ص 477.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 250، ح 992
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 262، ح 1035.
4- لتفصيل الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 367 - 368، المسألة 54.
5- هي أنّ في شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت عشر الدية وهو قول المفيد وأنه مائة دينار وهو قول الصدوق وفي شعر اللحية إذا نبت ثلث الدية وهو قول الشيخ في النهاية (منه رحمه الله)

(وفي شعر الحاجبين خمسمائة دينار) هي نصف الدية، وفي كل واحد منهما نصفُ ذلك. هذا هو المشهور، بل قيل: إنه إجماع (1). وقيل : فيهما الدية(2)كغيرهما مما في الإنسان منه اثنان ولو عاد شَعرُهما فالأرش على الأظهر.

(وفي بعضه) أي بعض كلّ واحد من الشعور المذكورة (بالحساب) أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محلّ الشعر المجني عليه إلى محل الجميع وإن اختلف كثافةً وخِفَةً. والمرجِعُ في نبات الشعر وعدمه إلى أهل الخبرة، فإن اشتبه فالمروي أنّه يُنتظر سنةٌ ثم تؤخذ الدية إن لم يعد(3) ، ولو طَلَب الأرش قبلها دفع إليه: لأنه إما الحقُّ أو بعضُه، فإن مَضَتْ ولم يعد أُكمِل له على الدية.

(وفي الأهداب بالمعجمة والمهملة جمع هذبِ - بضمّ الهاء فسكون الدال - وهو شَعْرُ الأَجفان: (الأرشُ على قول ابن إدريس(4)، والعلامة في أكثر كتبه(5)، كشعر الساعدين وغيره؛ لأصالة البراءة من الزائد حيث لا يثبت له مقدَّر، (والدية على) قول (آخَرَ) للشيخ (6)والأكثر منهم العلامة في القواعد(7) : للحديث العام (8)الدال على أن كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية، أو اثنان ففيهما. وفيها قول ثالث للقاضي: أن فيهما نصف الدية كالحاجبين(9)، والأوّل أقوى.

[المسألة] (الثالثة: في العينين الدية، وفي كل واحدة النصفُ، صحيحةً) كانت

ص: 422


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 378
2- قال به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 417 .
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 262، ح 1035.
4- السرائر، ج 3، ص 378 - 379
5- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 236؛ تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 600، الرقم 7252؛ مختلف الشيعة، ج 9، ص 371. المسألة 56.
6- راجع المبسوط، ج 5، ص 149؛ والخلاف، ج 5، ص 197 ، المسألة 67.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 670 .
8- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1020.
9- المهذب، ج 2، ص 670 .

العين (أو حَولاءَ أو عَمْشاءَ) وهي ضعيفةُ البَصَر مع سَيَلان دَمْعِها في أكثر أوقاتها؛ (أو جاحظةً (1)) وهي عظيمة المُقْلة، أو غير ذلك كالجهراء والرَّمْدَى وغيرها. أما لو كان عليها بَياضُ، فإن بَقِيَ البصر معه تامّاً فكذلك، ولو نَقص نقص من الدية بحسبه، ويُرجع فيه إلى رأي الحاكم.

(وفي الأجفان الأربعة (الدية، وفي كلّ واحدٍ الربع)؛ للخبر العام(2). وقيل: في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل الثلث(3)، وقيل: في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصفُ (4)فيَنقُص دية المجموع سدس الدية؛ استناداً إلى خبر ظريف(5)، وعليه الأكثر، لكن في طريقه ضعف وجهالة. وربما قيل بأنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين، أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأولى وإلا وجب دية كاملة إجماعاً(6) ، وهذا هو الظاهر من الرواية، لكن فتوى الأصحاب مطلقة. ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتى الأعمى، ولا بين ما عليه هَدْبٌ وغيره.

(ولا تَتَداخَلُ) دية الأجفان (مع العينين لو قَلَعهما معاً، بل تجب عليه الديتان؛ لأصالة عدم التداخل.

(وفي عين ذي الواحدة كمال الدية إذا كان) العَوَرُ (خلقةً أو بآفة من الله سبحانه) أو من غيره حيث لا يستحق عليه أرشاً، كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون (ولو استحق ديتها) وإنْ لم يأخذها أو ذَهَبَتْ في قصاص (فالنصف في الصحيحة) أما الأول فهو موضع وفاق على ما ذكره جماعة(7) ، وأما الثاني فهو مقتضى الأصل في دية العين الواحدة.

ص: 423


1- النائية. (زين رحمه الله )
2- تقدم في ص 421، الهامش 8
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 236، المسألة 24.
4- قال به المفيد في المقنعة ص 755 والشيخ في النهاية، ص 764.
5- الكافي، ج 7، ص 330 باب آخر ، ح 2.
6- قال به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 5، ص 309.
7- راجع الخلاف، ج 5، ص 235 - 236، المسألة 22؛ وغنية النزوع، ج 1، ص 416؛ والتنقيح الرائع، ج 4، ص 495.

وذهب ابن إدريس إلى أن فيها هنا ثلث الدية خاصة، وجَعَلَه الأظهر في المذهب(1)، وهو وَهُمْ. (وفي خَسْف) العين (العوراء) وهي هنا الفاسدة(2) (ثلث ديتها) حالة كونها (صحيحةً) على الأشهر، ورُوي ربعُها(3)، والأول أصح طريقاً سواء كان العَوَرُ من الله تعالى أم من جنايةِ جانٍ، وسواءٌ أَخَذ الأرضَ أم لا. ووَهَمَ ابْنُ إدريس هنا أيضاً ففَرق هنا كالسابق، وجَعَل في الأوّل النصف وفي الثاني الثلث(4).

[المسألة] (الرابعة :في الأذنين الدية، وفي كلّ واحدة النصفُ )سميعةً كانت أم صَمَاءَ؛ لأنّ الصَمَمَ عيبٌ في غيرها. (وفي) قطع (البعض) منهما (بحسابه) بأن تُعتبر مِساحةُ المجموع من أصل الأذن، ويُنسَب المقطوع إليه، ويؤخذ له من الدية بنسبته إليه، فإن كان المقطوع النصف فالنصفُ أو الثلث فالثلث، وهكذا. وتُعتبر الشَحْمَة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة. (وفي شحمتها ثلث ديتها )على المشهور، وبه رواية (5)ضعيفة. (وفي خَرَّمِها ثلث ديتها) على ما ذكره الشيخ (رحمه الله)(6)، وتبعه عليه جماعة (7). وفسّره ابن إدريس بخزم الشحمة (8)وثلث دية الشحمة مع احتماله إرادة الأذن أو ما هو أعم، ولا سند لذلك يُرجع إليه.

ص: 424


1- السرائر، ج 3، ص 380 - 381.
2- نبه بقوله: «هنا» على أن العوراء كثيراً ما تطلق على الصحيحة التي يقابلها فاسدة، بمعنى أنها لا أُخت لها ومن هنا نشأوهم ابن [إدريس السرائر، ج 3، ص 380] في كلام الشيخ [المبسوط، ج 5، ص 167؛ والنهاية. ص 765].( منه رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 270، ح 1061.
4- السرائر، ج 3، ص 381 - 382
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 256، ح 1013.
6- النهاية، ص 766؛ والخلاف، ج 5، ص 234، المسألة 19.
7- منهم: ابن حمزة في الوسيلة، ص 446: والمحقق في المختصر النافع، ص 465: والعلّامة في قواعد الأحكام. ج 3، ص 673 .
8- السرائر، ج 3، ص 382

[المسألة] (الخامسة: في الأنف الدية )سواء قطع (مستأصلاً أو) قطع (مارِنُه) خاصةً، وهو ما لانَ منه في طرفه الأسفل يشتمل على طرفين وحاجز. وقيل: إنّ الدية في مارنه خاصةً دون القصبة، حتى لو قطع المارنَ والقصبة معاً فعليه دية وحكومة للزائد(1)، وهو أقوى. ولو قطع بعضه فبحسابه من المارن.

( وكذا لو كُسِر ففَسَد، ولو جُبر على صحة فمائة دينار)، وعلى غير صحة مائة وزيادة حكومة. (وفي شَلَلِه) وهو فساده (ثلثا ديته) صحيحاً، وفي قطعه أشلَّ الثلث. (وفي رؤتيه) بفتح الراء، وهي الحاجز بين المِنْخَرَيْن (الثلث، وفي كلّ مِنخَر ثلث) الدية على الأشهر؛ لأنّ الأنف الموجِبَ للدية يشتمل على حاجز ومنخَرَين، ولرواية غياث عن الصادق(عليه السلام) : «أن علياً(عليه السلام) قضى به»(2).

وقيل: النصفُ (3)لأنّه ذَهَب بنصفِ المنفعة ونصف الجمال، واستضعافاً لرواية غياث به، لكنّه أشهرُ موافقاً لأصالة البراءة من الزائد.

[المسألة](السادسة: في كلّ من الشَّفَتَين نصفُ الدية) للخبر العام(4) وهو صحيح لكنّه مقطوع، ويَعضُده روايةُ سماعة عن الصادق(عليه السلام) قال: «الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية»(5).

(وقيل: في السفلى الثلثان)(6)؛ لإمساكها الطعام والشرابَ وردّها اللعاب، وحينئذٍ ففي العليا الثلث، وقيل: النصفُ(7)، وفيه: مع نُدوره اشتماله على زيادة لا معنى لها.

ص: 425


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 150.
2- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 261، ح 1034.
3- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 150
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1020.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 246، ح 975
6- قال به المفيد في المقنعة، ص 755 والشيخ في المبسوط، ج 5، ص 151.
7- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 379 - 380، المسألة 62.

وفيهما قول رابع ذهب إليه جماعة(1) منهم العلّامة في المختلف(2)، وهو أنّ في العُليا أربعمائة دينار، وفي السفلى ستَّمائةٍ؛ لما ذُكر، ولرواية أبانِ بنِ تَغْلِبَ عن الصادق(عليه السلام) (3)لكن في طريقها ضعف.

(وفي بعضهما بالنسبة) مساحةً، ففي نصفها النصفُ وفي ثلثها الثلث وهكذا. وحد الشفة السفلى ما تَجافَى عن اللثة مع طول الفم، والعليا كذلك، متصلاً بالمنخرين مع طول الفم، دون حاشية الشدقين.

( ولو استَرَخَتَا فثلثا الدية)؛ لأنّ ذلك بمنزلة الشكل، فلو قُطِعَتا بعد ذلك فالثلث. (ولو تَقَلَّصَتَا) أي انزَوَنَا على وجه لا ينطبقان على الأسنان ضدُّ الاسترخاء (فالحكومة)، لعدم ثبوت مقدَّرٍ لذلك فيُرجع إليها.

وقيل(4) : الدية؛ لزوال المنفعة المخلوقة لأجلها، والجمال، فيجري وجودُها مَجرَى عدمها. ويُضعف بأنّ ذلك لا يَزِيد على الشكل، وهو لا يُوجِب زيادةً على الثلثين، مع أصالة البراءة من الزائد على الحكومة.

[المسألة (السابعة: في استئصال اللسان) بالقطع بأن لا يبقى شيءٌ منه (الدية، وكذا فيما أي في قطع ما يَذهَب به الحروفُ أجمعُ، وهي ثمانية وعشرون حرفاً. (وفي) إذهاب (البعض بحساب) الذاهب من (الحروف) بأن تبسط الدية عليها أجمع، فيؤخذ للذاهب من الدية بحسابه.

ويَستوي في ذلك اللسنية وغيرُها والخفيفة والثقيلة؛ لإطلاق النص(5). ولا اعتبار هنا بمساحة اللسان، فلو قطع نصفه فذهب ربعُ الحروف فربع الدية خاصةً، وبالعكس.

ص: 426


1- منهم الصدوق في المقنع، ص 511؛ والشيخ في النهاية، ص 766؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 443.
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 381، المسألة 62.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 246، ح 974
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 151 - 152.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 263، ح 1042.

وقيل : يُعتبر هنا أكثر الأمرين(1) من الذاهب من اللسان ومن الحروف؛ لأنّ اللسان عضو متحد في الإنسان ففيه الدية، وفي بعضه بحسابه، والنطقُ منفعة توجب الدية كذلك، وهذا أقوى.

(وفي لسان الأخرس ثلث الدية) تنزيلاً له منزلة الأشل؛ لاشتراكهما في فساد العضو المؤدّي إلى زوال المنفعة المقصودة منه، (وفي بعضه بحسابه) مساحةً.

(ولو ادَّعَى الصحيحُ ذَهَابَ نطقه بالجناية) التي يُحتمل ذَهابُه بها (صُدِّق بالقسامة) :خمسين يميناً بالإشارة؛ لتعذر إقامة البيّنة على ذلك، وحصول الظن المستند إلى الأمارة بصدقه فيكون لَوْتاً.

(وقيل: يُضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود، صُدِّق) من غير يمين، على ما يظهر من الرواية (وإن خرج أحمرَ كُذَّبَ)(2). والمستند رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (3)، وفي طريقها ضعف (4)، وإرسال.

[المسألة] (الثامنة: في الأسنان) بفتح الهمزة (الدية، وهي ثمان وعشرون) سنّاً، تُوزّع الدية عليها متفاوتة كما يذكر منها (في المقاديم الاثني عشر)وهي التنيتان والرباعينان والنابان من أعلى، ومثلها من أسفل (ستمائة دينار) في كلّ واحد خمسون ( وفي المآخير) السنّةَ عشرَ - أربعة من كل جانب من الجوانب الأربعة ضاحك، وثلاثة أضراس -: (أربعمائة) في كل واحد خمسة وعشرون .

(ويستوي) في ذلك (البيضاء والسوداء والصفراءُ خِلقةً)؛ بأن كانت قبل أن تَتَّغِرَ

ص: 427


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 153.
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 242، المسألة 37
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 268، ح 1053.
4- في طريقها محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات عن الأصبغ. ومحمد بن وليد فطحي وابن الفرات ضعيف جداً غال لم يدرك الأصبغ (منه رحمه الله)

متغيّرةً ثمّ نَبَتَتْ كذلك، أما لو كانت بيضاء قبل أن تَتَّغِرَ ثم نبتت سوداءَ رُجع إلى العارفين، فإن حكموا بكونه لِعِلَّةٍ فالحكومة وإلا فالدية.

وتثبت ديةٌ السنّ بقلعها مع سِنْخها إجماعاً، وبدونه مع استيعاب ما بَرَز عن اللثة، على الأقوى.

(وفي الزائدة) عن العددِ المذكورِ (ثلث الأصلية) بحسب ما تقرر لها، بمعنى أنها إن كانت في الأضراس فثلتُ الخمسة والعشرين، أو في المقاديم فثلتُ الخمسين. هذا (إن قُلِعَت منفردةً) عن الأصليّة المتصلة بها، ولا شيء فيها) لو قلعت (منضمّةً) إليها، كما لو قُطِع العضو المقدَّرُ ديتُه المشتمل على غيره. وقيل: فيها حكومة لو انقَلَعَت منفردةً (1)، بناءً على أنه لا تقدير لها شرعاً، والأشهر الأوّلُ.

(ولو اسوَدَّت السِنُ بالجناية ولمّا تسقط فثلثا ديتها) لدلالته على فسادها (وكذا) يجب الثلثان (في انصداعها) وهو تَقَلْقُلُها؛ لأنّه في حكم الشلل، وللرواية(2)لكنها ضعيفة.

(وقيل) في انصداعها (الحكومة)(3)؛ لعدم دليل صالح على التقدير، وإلحاقه بالشلل بعيد؛ لبقاء القوّة في الجملة، والمشهور الأول. ولو قلعها قالع بعد الاسوداد أو الانصداع فثلث ديتها.

(وسن الصبي) الذي لم تُبدّل أسنانه (يُنتظر بها)مدةً يمكن أن تعود فيها عادةً (فإن نَبَتَتْ فالأرش) لمدة ذهابه، (وإلّا) تَعُدْ (فديةُ المُثّغِر) - بالتاء المشدّدة مثناةً ومثلثةً والأصلُ «المُثْتَغِر» بهما فقُلبت التاء ثاءً ثمّ أُدغمت. ويقال المُثْغَر بسكون المثلثة وفتح الثالثة المعجمة - وهو الذي سقطت أسنانه التواضع التي من شأنها السقوط، وتبت بدلُها . ودية سنّ المُنْغَر ما تقدَّم من التفصيل في مطلق السنّ.

ص: 428


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 756.
2- تهذيب الأحكام ، ج 10، ص 255، ح 1008.
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 249.

(وقيل) والقائل الشيخ(1) وجماعة (2) منهم العلّامة في المختلف(3): (فيها بعير) مطلقاً؛ لما رُوي من أنّ أمير المؤمنين قَضَى بذلك(4)، والطريق ضعيف فالقول به كذلك.

[المسألة] (التاسعة: في اللحيين) بفتح اللام وهما العظمان اللذان ينبت على بشرتهما اللحية، ويقال لمُلْتَقاهما الذَقَنُ؛ بالتحريك المفتوح، ويتصل كلُّ واحد منهما بالأذن، وعليهما نبات الأسنان السُّفْلَى إذا قُلِعا منفردين عن الأسنان كلحْيَي الطفل والشيخ الذي تَسَاقَطَتْ أسنانه - (الدية، و) فيهما (مع الأسنان ديتان) وفي كلّ واحد منهما نصفُ الدية منفرداً، ومع الأسنان بحسابها.

[المسألة] (العاشرة: في العُنُق إذا كُسِر فصار أَصوَرَ(5)) أي مائلاً (الديةُ، وكذا لو منع الازدراد، ولو زال) الفسادُ ورَجع إلى الصلاح (فالأرش) لما بين المدَّتين، ولو لم يبلغ الأذى ذلك بل صار الازدراد أو الالتفات عليه عسراً فالحكومة.

[المسألة] (الحادية عشرة: في كلّ من اليدين نصفُ الدية) سواءً اليمين والشمالُ (وحَدُّها المِعْصَم) بكسر الميم فسكون العين ففتح الصاد، وهو المفصل الذي بین الكف والذراع. وتدخُل دية الأصابع في ديتها حيث يجتمعان.

(وفي الأصابع) حيث تُقطع (وحدَها ديتها) وهى دية اليد، فلو قطع آخَرُ بقيّة اليد فالحكومة خاصةً.

(ولو قطع معها) أي مع اليد (شيء من الزَنْد )بفتح الزاي، والمراد شيء من الذراع؛

ص: 429


1- المبسوط، ج 5، ص 158
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 448 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 418: والحلبي في الكافي في الفقه، ص 398
3- مختلف الشيعة، ج 9، ص 389 المسألة 67.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 256، ح 1010.
5- لا يمكنه الالتفات يميناً وشمالاً. (زين رحمه الله)

لأنّ الزَنْدَ - على ما ذكره الجوهري - هو «مَوْصِل طَرَف الذراع بالكفّ»(1) (فحكومةٌ زائدة) على دية اليد لما قطع من الزند، أمّا لو قطعت من المرفق أو المنكب فدية اليد خاصة.

والفرقُ تَناوُلُ اليد لذلك حقيقةً، وانفصاله بمفصل محسوس كأصل اليد، بخلاف ما إذا قُطِع شيء من الزند فإنّ اليد إنّما صَدَقَتْ عليها من الزند، والزند من جناية لا تقدير فيها فيكون فيها الحكومة. كذا فَرَق المصنِّفُ وغيرُه(2) ، وفيه نظر. ومثله ما لو قطعت من بعض العَضُد.

(وفي العَضُدَين الديةُ)؛ للخبر العام(3) بثبوتها للاثنين فيما في البدن منه اثنان، (وكذا في الذراعين) هذا إذا قطعا منفردين عن اليد واحِدُهما عن الآخر، أما لو قطعت اليد من المرفق أو الكيف فالمشهور أنّ فيه دية اليد، كما تقدم.

ويُحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك حتى لو قطعها من الكتف وَجَب ثلاث دياتٍ لعموم الخبر فإنّه قول في المسألة، ووجوب دية اليد، وحكومة في الزائد، فإنه قول ثالث(4) وكلام الأصحاب هنا لا يخلو من إجمالٍ أو اختلاف أو إخلال، وكذلك الحكم لا يخلو من إشكال.

(وفي اليدِ الزائدة الحكومة) وتتميز عن الأصلية بفقد البطش أو ضعفه وميلها عن السمت الطبيعي ونقصانِ خلقتها ولؤ في إصبع، ولو تَساوَتا فيها فإحداهما زائدة لا بعينها، ففيهما جميعاً دية وحكومة. وقيل: في الزائدة ثلث دية الأصلية، ففيهما هنا ديةٌ وثلث (5). ولو قطعت إحداهما خاصةً احتُمِل ثبوت نصفِ دية يد وحكومة؛ لأنها نصف المجموع، وحكومةٍ خاصة للأصل.

ص: 430


1- الصحاح، ج 2، ص 481 «زند».
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 4. ص 250.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1020.
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 163.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 165.

(وفي الأصبع) مثلث الهمزة والباء(عُشْرُ الدية) ليد كانت أم لرجل إبهاماً كانت أم غيرها، على الأقوى؛لصحيحة عبد الله بن سنان (1)وغيرها(2). وقيل: في الإبهام ثلث دية العضو، وباقي الثلثين يُقسم على سائر الأصابع(3). (وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الأصلية. وفي شكلها) أي شلل الإصبع مطلقاً (ثلثا ديتها، وفي) قطع (الشلّاء الثلث) الباقي من ديتها، سواء كان الشلل خِلقةً أم بجناية جانٍ.

(وفي الظُّفُر ) بضم الظاءِ المُشالَةِ والفاء (إذا لم ينبت أو نَبَت أسودَ عشرة دنانير، ولو نَبَت أبيضَ فخمسة) دنانير على المشهور، والمستند رواية (4)ضعيفة. وفي صحيحة عبد الله بن سنان: «في الظفر خمسة دنانير»(5). وحُمِلت على ما لو عاد أبيض(6)، جمعاً، وهو غريب.

وفي المسألة(7) قول آخَرُ(8)، وهو وجوب عشرة دنانير متى قلع ولم يخرج، ومتى خرج أسودَ فثلثا ديته؛ لأنه في معنى الشلل، ولأصالة براءة الذمة من وجوب الزائد، مع ضعفِ المأخذ وبُعْدِ مساواة عوده؛ لعدمه أصلاً، وهو حسن.

[المسألة] (الثانية عشرة: في الظهر إذا كسر الدية)؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق في الرجل يُكسر ظهره، فقال: فيه «الدية كاملةً»(9)، (وكذا لو احْدَوْدَبَ) أو صار بحيث لا يقدر على القعود (ولو صَلَح فثلث الدية) هذا هو المشهور، وفي رواية

ص: 431


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 257، ح 1016.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 257، ح 1015.
3- قال به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 418 وابن حمزة في الوسيلة، ص 452.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 256، ح 1012.
5- تقدّم في الهامش .
6- حمله السيوري في التنقيح الرائع، ج 4، ص 502.
7- هذا القول لابن إدريس، ورجحه العلامة في المختلف، وولده في الشرح (منه رحمه الله)
8- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 388
9- . تهذيب الأحكام، ج 10، ص 245، ح 970.

ظريف: «إذا كُسِر الصُّلْبُ فجُبر على غير عيب فمائة دينار، وإن عَيثّمَ(1) فألف دينار»(2).

(ولو كُسِر فشَلَّتْ الرجلان فدية له )أي لكسره (وثلثا دية للرجلين)؛ لأنّهما دية شلل كل عضو بحسبه، ولو كُسِر الصُّلْبُ) وهو الظهر (فذهب مَشْيُه وجماعُه فديتان): إحداهما للكسر والأخرى لفوات منفعة الجماع. ذكر ذلك الشيخ في الخلاف(3) ، وتَبِعه عليه الجماعةُ (4)،واقتصر المحقق والعلّامة في الشرائع(5) والتحرير(6) على حكايته عنه قولاً إشعاراً بتمريضه وعليه لو عادت إحدى المنفعتين وجبت دية واحدة، ولو عادت ناقصةً فدية وحكومةٌ عن نقص العائدة إلا أن يكون العود بصلاح الصلب فالثلتُ - كما مر - مضافاً إلى ذلك.

[المسألة] (الثالثة عشرة: في النُّخاع) - وهو الخَيطُ الأَبيضُ في وسط فقر الظهر - إذا قُطع (الدية) كاملة؛ لأنه واحد في الإنسان ومع ذلك لا قوام له بدونه.

[المسألة] الرابعة: عشرةَ الثَدْيَان) وهما للرجل والمرأة، ولكن ذكر هنا حكمهما لها خاصةً، وهو أن في كلّ واحد منهما (نصف دية المرأة) سواءٌ اليمين واليسار، وهو موضع وفاق. (وفي انقطاع اللبن) عنهما (الحكومة، وكذا لو تعذر نزوله)؛ لأنه حينئذٍ بمنزلة المنقطع.

(وفي الحَلَمَتّين) وهما اللتان في رأسهما كالزَرّ، يَلْتَقِمُهما الطفل (الديةُ) لو قطعنا منفردتين عند الشيخ رحمه الله)(7)) ؛ لأنّهما ممّا في الإنسان منه اثنان فيدخُلان في

ص: 432


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 183، «عثم». عثمت يده فعثمت: إذا جبرتها على غير استواء.
2- الكافي، ج 7، ص 338، کتاب الديات، ح 11.
3- الخلاف، ج 5، ص 253، المسألة 60.
4- منهم: العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 680؛ وإرشاد الأذهان، ج 2، ص 339
5- شرائع الإسلام، ج 4، ص 251.
6- تحرير الأحكام الشرعيّة ، ج 5، ص 582 ، الرقم 7233
7- المبسوط، ج 5، ص 170.

الخبر العام(1). ونَسَبه إلى الشيخ مؤذناً برده؛ لأنهما كالجزء من الثديين اللذين فيهما جميعاً الدية، ففيهما الحكومة خاصّةً؛ لأصالة البراءة من الزائد.

(وكذا حَلَمتا الرجل )فيهما الدية عند الشيخ في المبسوط والخلاف(2)؛ لما ذكر. (وقيل) والقائل ابن بابويه(3)وابن حمزة : (في حَلَمَتَي الرجل الربع) ربع الدية، (وفي كل واحدة الثمنُ )(4)، استناداً إلى كتاب ظريف(5) . وقيل : فيهما الحكومة خاصةً(6) ؛ للأصل ، واستضعافاً لمستند غيرها.

[المسألة] (الخامسة عشرة: في الذكر مستأصلاً أو الحشفة )فما زاد (الديةُ) لشيخ كان أم لشاب أم لطفل صغير قادرٍ على الجماع أم عاجز (ولو كان مسلول الخُضيتين)؛ لأنه ممّا في الإنسان منه واحد فثبتت فيه الدية مطلقاً. وفي بعض الحشفة بحسابه) أي حساب ذلك البعض منسوباً إلى مجموعها خاصّةً.

(وفي) ذكر (العنين ثلث الدية)؛ لأنه عضو أشلُّ وديته ذلك، كما أنّ في الجناية عليه صحيحاً حتى صار أشلَّ تُلتَي ديته. ولو قطع بعضُ ذكر العنين اعتبر بحسابه من المجموع لا من الحشفة. والفرق بينه وبين الصحيح أنّ الحشفة في الصحيح هي الركنُ الأعظمُ في لَذة الجماع بخلافها في العنين؛ لاستواء الجميع في عدم المنفعة مع كونه عضواً واحداً فيُنسَب بعضُه إلى مجموعه على الأصل.

[المسألة) (السادسة عشرةَ: في الخُصْيتين) معاً (الدية، وفي كلّ) واحدة

ص: 433


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1020.
2- المبسوط، ج 5، ص 170؛ الخلاف، ج 5، ص 257، المسألة 65.
3- الفقيه، ج 4، ص 91 ، ذيل الحديث 5153
4- الوسيلة، ص 450.
5- الكافي، ج 7، ص 338، كتاب الديات، ح .11.
6- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 699.

(نصفُ)؛ للخبر العام(1). (وقيل) والقائل به جماعة، منهم الشيخ في الخلاف(2)، وأتباعه(3)، والعلّامة في المختلف(4): (في اليُسْرَى الثلثان) وفي اليمنى الثلث؛ لحسنة عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام)(5)، وغيرها، ولما رُوي من أنّ الولد يُكَوَّن من اليسرى(6)، ولتفاوتهما في المنفعة المناسب لتفاوت الدية. ويُعارض باليد القوية الباطشة والضعيفة، والعين كذلك، وتَخَلُّقُ الولد منها لم يثبت، وخبره مرسل، وقد أنكره بعض الأطباء (7).

(وفي أُدْرَتهما) بضم الهمزة فسكون الدال ففتح الراء، وهي انتفاخهما (أربعمائة دينار، فإن فَحِجَ) بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم أي تَبَاعَدَتْ رِجلاه أعقاباً مع تقارب صدور قَدَمَيه (فلم يقدر على المشي) قيد زائد على الفَحْج؛ لأنّ مطلقه يمكن معه المشي، قال الجوهري: الفحج بالتسكين مشية الأفحج... وتَفَجَّج في مِشْيَتِه مثله.(8) وفي حكمه ما إذا مَشَى مَشْياً لا ينتفع به (فثمانمائة دينار) على المشهور، ومستنده کتاب ظريف(9).

[المسألة] (السابعة عشرة: في السُّفْرَين) بضم الشين وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم (الديةُ)، وفى كلّ واحد النصفُ (من السليمةِ والرَّثقاء)

ص: 434


1- تقدم في ص 421، الهامش 8.
2- الخلاف، ج 5، ص 259، المسألة 69.
3- منهم سلّار في المراسم ، ص 246 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 451؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع . ص 589 - 590.
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 399، المسألة 75.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 250 ، ح 989
6- الفقيه ، ج 4، ص 152، ح 5340.
7- حكاه الشهيد في غاية المراد، ج 4، ص 401 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
8- الصحاح، ج 1، ص 333، «حج».
9- الكافي، ج 7، ص 342 كتاب الديات، ح 12

والبكر والتيب والكبيرة والصغيرة (وفي الركب) بالفتح محرَّكاً، وهو من المرأة مثل موضع العانة من الرجل

(الحكومة).

[المسألة] (الثامنة عشرة: في الإفضاء الدية، وهو تصيير مَسلكِ البول والحيض واحداً )وقيل : مسلك الحيض والغائط(1)، وهو أقوى في تحققه، فتجب الدية بأيهما كان؛ لذهاب منفعة الجماع معهما ولا فرق بين الزوج وغيره إذا كان قبل بلوغها، وتختص بغيره بعده.

(وتَسقُط عن الزوج إذا كان بعد البلوغ )؛ لأنه فعل مأذون فيه شرعاً إذا لم يكن بتفريط، وإلا فالمتجه ضمانُ الدية كالضعيفة التي يغلب الظن بإفضائها، (ولو كان قبله ضَمِنَ مع المهر ديتها) إن وقع بالجماع ؛ لتحقق الدخول الموجب لاستقراره، ولو وقع بغيره بني استقراره على عدم عروض موجب التنصيف. (وأنفق) الزوج (عليها حتّى يموت أحدهما) وقد تقدَّم(2) في النكاح أنّها تُحرَّم عليه مؤبداً مضافاً إلى ذلك، وإن لم تخرج عن حباله بدون الطلاق، وكذا لا تسقط عنه النفقة وإن طلقها؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «عليه الإجراء عليها ما دامت حيّةً»(3).

وفي سقوطها بتزويجها بغيره وجهان من إطلاق النص بثبوتها إلى أن يموت أحدهما، ومِن حصولِ الغرض بوجوبها على غيره وزوال الموجب لها ، وأنّ العلة عدمُ صلاحيتها لغيره بذلك، وتعطلها عن الأزواج وقد زال فيزول الحكم.

وفيه منع انحصار الغرض في ذلك، ومنع العلّيّة المؤثرة، وزوالُ الزوجية لو كان كافياً لسَقَطَتْ بدون التزويج وهو باطل اتفاقاً.

[المسألة](التاسعة عشرة: في الألتين) وهما اللحم الناتي بين الظهر والفَخِذَين

ص: 435


1- قال به المحقق في المختصر النافع، ص 468؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 462.
2- تقدّم في ج 3، ص 134 .
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 249، ح 985

الدية، وفي كلّ واحدة (النصفُ) إذا أُخِذَت إلى العظم الذي تحتها، وفي ذهاب بعضهما بقدره. فإن جهل المقدار، قال في التحرير: وجبت حكومة(1). ويُشكل بما لو قطع بزيادة مقداره عن الحكومة أو نقصانها مع الجهل بمجموع المقدار، فينبغي الحكم بثبوت المحقق منه كيف كان.

المسألة (العشرون: الرجلان) فيهما (الديةُ، وفي كلّ واحدة النصفُ وحدهما مفصل الساق) وإن اشتملت على الأصابع. (وفي الأصابع منفردة الدية وفي كلّ واحدة عُشر)، سواءٌ الإبهام وغيرها، والخلاف هنا كما سبق

(ودية كلّ إصبع مقسومةٌ على ثلاث أنامل) بالسوية (و) دية (الإبهام) مقسومة (على اثنين) بالسوية أيضاً.

(وفي الساقين) وحَدُّهما الركبة (الدية، وكذا في الفَخِذَين)؛ لأنّ كلّ واحد منهما ممّا في الإنسان منه اثنان. هذا إذا قطعا منفردين عن الرجل، وقطع الفخذُ منفرداً عن الساق، أما لو جمع بينهما أو بينها ففيه ما مرّ في اليدين، من احتمال ديةٍ واحدة إذا قطع من المفصل ودية وحكومة وتعددِ الدية بتعدد موجبه والكلام في الإصبع الزائدة والرجل ما تقدم.

[المسألة] (الحادية والعشرون: في التَرْقُوَة) بفتح التاء فسكون الراء فضمّ القاف، وهي العظمُ الذي بين تُغرةِ النَّحْر والعاتِقِ (إذا كسرت فجُبرت على غير عيب أربعون ديناراً) رُوِيَ ذلك في كتاب ظريف(2). ولو جبرت على عيب احتمل استصحاب الدية كما لو لم تُجبَر، والحكومة رجوعاً إلى القاعدة. ويُشكل لو نَقَصَتْ عن الأربعين؛ لوجوبها فيما لو عُدِم العيب فكيف لا تجب معه؟ ولو قيل بوجوب أكثر

ص: 436


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 597، الرقم 7247.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 300 ، ح 1148.

الأمرين كان حسناً، وترقوة المرأة كالرجل في وجوب الأربعين؛ عملاً بالعموم، ولو كان ذمّيّاً فنسبتها إلى دية المسلم من ديته.

( وفي كسر عظم من عضو خُمس دية) ذلك (العضو، فإن صَلَح على صحة فأربعةُ أخماس ديةِ كَسْرِه، وفي مُوضِحَته ربع دية كسره، وفي رَضِه ثلث دية) ذلك (العضو). وفي بعض نسخ الكتاب ثلثا ديته بألف التثنية، والظاهر أنّه سهر؛ لأنّ الثلتَ هو المشهور والمروي (1).

(فإن صلح) المرضوض (على صحة فأربعة أخماس دية رضه)، ولو صلح بغير صحة فالظاهر استصحاب ديته. (وفي فكه بحيث يتعطل العضو ثلثا ديته)؛ لأنّ ذلك بمنزلة الشلَّل (فإن صلح على صحة فأربعة أخماس دية فكّه)، ولو لم يَتعطّل فالحكومة. هذا هو المشهور، والأكثر لم يتوقفوا في حكمه، إلّا المحقِّقُ في النافع فنَسَبه إلى الشيخين(2). والمستند كتاب ظريف(3) مع اختلاف يسير، فلعله نسبه إليهما لذلك.

[المسألة] (الثانية والعشرون: في كلّ ضلع ممّا يلي القلب أي من الجانب الذي فيه القلب (إذا كسرت خمسة وعشرون ديناراً، وإذا كسرت) تلك الضلع (ممّا يَلِي العَضُدَ عشرة دنانير)، ويستوي في ذلك جميع الأضلاع، والمستند كتاب ظريف(4).

(ولو كُسِر عُصْعُصُه) بضمّ عينيه، وهو عَجْبُ الذَنَب بفتح عينه - وهو عَظْمُه يقال: إنه أوّلُ ما يُخلَق وآخِرُ ما يَبلى، (فلم يَملك) حيث كُسِر (غائطه) ولم يقدر على إمساكه ففيه الدية)؛ لصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله(عليه السلام) في رجل كُسِر بعْصُوصُه فلم يَملِكِ اسْتَه فقال: «فيه الدية كاملةً»(5). والبعصوص هو العُصْعُص لكن

ص: 437


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 301 - 302، ح 1148.
2- المختصر النافع، ص 468 المقنعة ص 766؛ النهاية، ص 776.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 303 ، ح 1148.
4- الكافي، ج 7، ص 338 كتاب الديات، ح 11
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 248، ح 980.

لم يذكره أهلُ اللغة، فمِن ثُمَّ عَدَل المصنّف عنه إلى العصعص المعروف لغة. وقال الراوندي: البغصوص عظم رقيق حول الدُبُر (1).

(ولو ضُرِب عجانه) بكسر العين، وهو ما بين الخُصْية والفَقْحَة (فلم يَملِك غائطه ولا بوله ففيه الدية) أيضاً (في رواية) إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله(عليه السلام)(2) . ونَسَبه إلى الرواية؛ لأنّ إسحاق فَطَحِي وإن كان ثقةً، والعمل بروايته مشهور كالسابق، وكثير من الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً.

(ومن اقْتَضَ بِكراً بإصبعه فخَرَق مَثَانَتَها )بفتح الميم وهو مجمع البول (فلم تملك بولَها فدِيتُها) لخرق المثانة (ومَهرُ مثل نسائها للافتضاض على الأشهر؛ لتفويت تلك المنفعة الواحدة في البدن؛ ولرواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن(عليه السلام)(3)لكن الطريق ضعيف. (وقيل: ثلث ديتها (4))؛ لرواية ظريف أنّ عليّاً(عليه السلام) قَضَى بذلك(5)، وهي أشهر، لكن الأولى أولى لما ذكرناه، وإن اشتركتا في عدم صحة السند.

( ومَن داسَ بَطْنَ إنسان حتى أحدَث) بريح أو بول أو غائط (ديس بطنه) حتَّى يُحدِث كذلك،( أو يفتدِي) ذلك بثلث الدية على رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)«أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قضى بذلك»(6). وعَمِل بمضمونها الأكثرُ ونَسَبه المصنِّفُ إلى الرواية لضعفها، ومن ثَمَّ أوجب جماعة الحكومة(7)، لأنّه المتيقن، وهو قوي.

ص: 438


1- حكاه عنه الشهيد في الحاشية النجارية ذيل قوله : البعصوص حاشية القواعد، ص 631 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 14).
2- تهذيب الأحكام، ج 10 ، ص 248، ح 981
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 308، ذيل الحديث 1148.
4- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 452.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 308، ذيل الحديث 1148.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 251، ح 993، وص 279، ح 1089.
7- منهم: العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 401، المسألة 77؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 700؛ وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 5، ص 353.

القول في دية المنافع

(وهي ثمانية) أشياء:

(الأوّل: في ذهاب (العقل الديةُ) كاملة (وفي) ذَهاب (بعضه بحسابه) أي حساب الذاهب من المجموع (بحسب نظر الحاكم)؛ إذ لا يمكن ضبط الناقص على اليقين. وقيل: يُقدَّر بالزمان فإن جُنَّ يوماً وأَفاقَ يوماً فالذاهب النصفُ، أو يوماً وأفاق يومين فالثلث، وهكذا (1).

(ولو شجّه فذهب عقله لم تتداخل) ديةُ الشَجّة ودية العقل، بل تجب الديتان وإن كان بضربةٍ واحدةٍ، وكذا لو قطع له عضواً غيرَ الشَجّة فذهب عقله (ولو عاد العقل بعد ذهابه) وأخذ ديته (لم تُسْتَعْدِ الديةُ)؛ لأنه هبة من الله تعالى مجدَّدةٌ (إن حَكَم أهلُ الخُبرة بذهابه بالكلّيّة)، أمّا مع الشك في ذهابه فالحكومة.

(الثاني: السمع وفيه الدية) إذا ذَهَب من الأُذنين معاً (مع اليأس من عوده، (ولو رُجِيّ) عوده من أهل الخُبَرة ولؤ بعد مدة( انتظر فإن لم يعد فالدية) كاملة (وإن عاد فالأرش)؛ لنقصه زمن فواته.

(ولو تَنَازَعا في ذهابه )فادّعاه المجني عليه وأَنكَره الجاني، أو قال: «لا أعلمُ صدقه وحصل الشكُ في ذهابه (اعتُبر حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي والصيحة عند غَفلته، فإن تحقق) الأمرُ بالذهاب وعدمِه حُكم بموجبه (وإلّا حَلَف القسامة) وحُكم له. والكلام في ذهابه بشَجّةٍ وقطع أُذُن، كما تقدم، من عدم التداخل.

(وفي) ذَهاب (سمع إحدى الأذنين أجمع النصفُ (نصفُ) الدية. (ولو نقص سمعُها) من غير أن يَذهَب أجمعُ (قيس إلى الأخرى) بأن تُسَدَّ الناقصة

ص: 439


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 144 - 145: وابن حمزة في الوسيلة، ص 443؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 684.

وتُطلَقَ الصحيحةُ ثمّ يُصاح به بصوت لا يختلف كمّيّةً - كصوت الجرس - حتى يقول لا أسمع، ثمّ يُعاد عليه ثانياً من جهة أخرى فإن تَساوَتْ المسافتان صُدّق، ولو فُعِلَ به كذلك في الجهات الأربع كان أولى، ثمّ تُسَدّ الصحيحة وتُطلق الناقصة، وتعتبر بالصوت كذلك حتى يقول لا أسمع ، ثمّ يُكرّر عليه الاعتبارُ - كما مر - ويُنظر التفاوت بين الصحيح والناقص، ويؤخذ من الدية بحَسَبه. وليَكُن القياس في وقت سكون الهواء في موضع معتدل.

(ولو نَقصا) معاً (قِيسَ إلى أبناء سنّه) من الجهات المختلفة، بأن يُجلس قِرْنُه بجنبه ويُصاحَ بهما بالصوتِ المنضَبِطِ من مسافة بعيدة لا يَسمَعه واحدٌ منهما، ثمّ يَقرُب المنادي شيئاً فشيئاً إلى أن يقول القِرْنُ سمعتُ فيُعَرَّف الموضعُ، ثمّ يُدام الصوتُ ويَقرُب إلى أن يقول المجني عليه سمعت فيُضبَط ما بينهما من التفاوت ويُكرَّر كذلك، ويؤخذ بنسبته من الدية حيث لا يختلف، ويجوز الابتداء من قُرْب، كما ذُكِر.

(الثالث: في) ذَهاب (الإبصار) من العينين معاً (الديةُ) وفي ضوء كلّ عين نصفُها، سواءٌ فَقَأَ الحدقة أم أبقاها ، بخلاف إزالة الأذن وإبطال السمع منها، وسواءٌ صحيح البصر والأعمش والأخفش، ومن في حدقته بياض لا يمنع أصل البصر.

وإنّما يُحكم بذهابه( إذا شهد به شاهدان) عدلان، (أو صَدَّقه الجاني. ويكفي) في إثباته (شاهد وامرأتان إن كان) ذهابه عن غير عمد)؛ لأنّه حينئذ يوجب المال، وشهادتهما مقبولةٌ فيه هذا كله مع بقاء الحدقة وإلا لم يفتقر إلى ذلك. (ولو عُدِم الشهود) حيث يفتقر إليهما وكان الضرب ممّا يُحتمل زوالُ النظر معه (حلف) المجنى عليه (القسامةً إذا كانت العين قائمةً) وقُضِيَ له.

وقيل: يُقابل بالشمس فإن بقينا مفتوحتين صُدِّق وإلا كُذَّب(1)؛ لرواية الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)، وفي الطريق ضعف.

ص: 440


1- قال به سلّار في المراسم، ص 247؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 396؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 416.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 268، ح 1053.

(ولو ادَّعَى نقصان) بصر (إحداهما قيست إلى الأخرى)؛ كما ذُكِر في السمع. وأجودُ ما يُعتبر به ما رُوِيَ صحيحاً عن الصادق(عليه السلام) أن تُربَط عينه الصحيحةُ ويَأخُذَ رجلٌ بَيضَةً ويَبعُد حتى يقول المجني عليه : ما بَقِيتُ أبْصِرُها، فيُعلم عنده، عنده، ثمّ تُشَدّ المُصابةُ وتُطلق الصحيحة وتُعتبر كذلك، ثم تعتبر في جهة أُخرى أو في الجهات الأربع فإن تساوت صُدّق وإِلّا كُذَّب(1)، ثمّ يُنظَر - مع صدقه - ما بين المسافتين ويُؤخذ من

الدية بنسبة النقصان.

(أو) ادَّعى (نقصانَهما قيستا إلى أبناء سنّه) بأن يُوقف معه ويُنظَر ما يَبلُغه نظره، ثم يُعتبر ما يبلغه نظرُ المجني عليه ويُعَلَّم نسبةُ ما بينهما (فإن استوت المسافات الأربعُ صُدِّق وإلّاكُذِّب)، وحينئذٍ فيحلف الجاني على عدم النقصان إن ادعاه، وإن قال: لا أدري لم يتوجه عليه يمين ولا يُقاس النظرُ في يومٍ غَيْمٍ ولا في أرض مختلفة الجهات لئلا يحصل الاختلاف بالعارض.

( الرابع: في) إبطال (الشم) من المِنْخَرَين معاً (الديةُ)، ومن أحدهما خاصةً نصفها. (ولو ادَّعَى ذَهَابَه) وكَذَّبه الجاني عقيب جناية يمكن زواله بها (اعتُبِر بالروائح الطيِّبة والخبيثة )والروائح الحادّة، فإن تَبَيَّنَ حاله حكم به، ( ثم) أحلف (القسامة) إن لم يظهر بالامتحان وقضى له.

(ورُوِي) عن أمير المؤمنين بالطريق السابق(2)في البصر (تقريبُ الحُرَاق) بضم الحاء وتخفيف الراء، وتشديده من لَحْن العامة، قاله الجوهري، وهو ما يقع فيه النارُ عند القَدْح(3)أي يُقَرَّب بعد عُلوق النار به (منه، فإن دَمَعَتْ عيناه ونَحَّى أَنْفَه فكاذبٌ، وإلّا فصادق). وضعفُ طريق الرواية بمحمّد بن الفرات يمنع من العمل بها وإثباتِ الدية بذلك، مع أصالة البراءة.

ص: 441


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 265 - 266، ح 1046.
2- تقدم تخريجه في ص 440، الهامش 2.
3- الصحاح، ج 3، ص 1458، «حرق».

(ولو ادعى نقصه قيل: يحلف، ويُوجب له الحاكم شيئاً بحسب اجتهاده)؛ إذ لا طريق إلى البينة ولا إلى الامتحان(1). وإنّما نَسَبه إلى القول لعدم دليل عليه مع أصالة البراءة، وكونِ حلف المدَّعي خلاف الأصل، وإنّما مقتضاه حلف المدعى عليه على البراءة.

(ولو قُطِع الأنفُ فذهب الشمُّ فديتان) إحداهما للأنف والأُخرى للشم؛ لأنّ الأنف ليس محلَّ القوّةِ الشامةِ فإنّها مُنْبتة في زائدَتي مقدَّم الدِماغ المشبهتين بحَلَمَتَي الثدي تُدرك ما يلاقيها من الروائح والأنف طريق للهواء الواصل إليها، ومثله قوة السمع فإنّها مُودَعةٌ فى العصب المفروش في مُقَمَّر الصماخ يُدرك ما يؤدّي إليها الهواء، فلا تدخل دية إحداهما في الأُخرى.

(الخامس الذوق، قيل )والقائل العلّامة(2)قاطعاً به، وجماعة (3)(فيه الدية) كغيره من الحواس، ولدخوله في عموم قولهم : «كلّ ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية»(4). ونَسَبه إلى «القيل» لعدم دليل عليه بخصوصه، والشك في الدليل العام فإنّه كما تقدَّم مقطوع.

( ويُرجع فيه عقيب الجناية) التي يُحتمل إتلافها له (إلى دعواه مع الأيمان) البالغةِ مقدار القسامة؛ لتعذر إقامة البينة عليه وامتحانه. وفي التحرير : يُجرَّب بالأشياء المُرّةِ المَقِرَةِ (5)(6)، ثمّ يُرجَع مع الاشتباه إلى الأيمان(7). ومع دعواه النقصان يقضي الحاكم بعد تحليفه بما يراه من الحكومة تقريباً على القول السابق.

ص: 442


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 688؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 612، الرقم 7261.
2- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 688؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 612، الرقم 7262؛ وإرشاد الأذهان، ج 2، ص 243.
3- منهم الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 152 وابن حمزة في الوسيلة ص 442 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 383 - 384
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1020.
5- المقر : الصبر وهو هذا الدواء المرّ المعروف. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 347، «مقر».
6- في «ع»: «مفزة».
7- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 5، ص 612، الرقم 7262

(السادس: في تعذر الإنزال للمني حالة الجماع (الدية)؛ لفوات الماء المقصودِ للنسل. وفي معناه تعذر الإحبال والحَبَل وإنْ نَزَل المني لقوات النسل، لكن في تعذر الحبل دية المرأة إذا ثبت استناد ذلك إلى الجناية. وأُلحِق به إبطال الالتذاذ بالجماع لو فُرِض مع بقاء الإمناء والإحبال(1)، وهو بعيد، ولو فرض فالمرجع إليه فيه مع وقوع جناية تحتمِله مع القسامة؛ لتعذر الاطلاع عليه من غيره.

(السابع: في سَلَس البول(2)) وهو نزوله مُتَرَشّحاً لضعف القوة الماسكة له (الديةُ) على المشهور، والمستند رواية غياث بن إبراهيم(3)، وهو ضعيف، لكنّها مناسبة لما يستلزمه من فوات المنفعة المتحدة. ولو انقطع فالحكومة.

(وقيل: إن دام إلى الليل ففيه الدية، و إن دام( إلى الزوال) ففيه (الثلثان، وإلى ارتفاع النهار) ففيه (ثلث الدية)(4) ، ومستند التفصيل رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السلام)(5)، معللاً الأوّل بمنعه المعيشة، وهو يُؤذن بأنّ المراد معاودته كذلك في كلّ ،يوم، كما فَهمه منه العلّامة (6)، لكن في الطريق إسحاق وهو فَطَحِي، وصالِحَ بن عُقْبَة وهو كذَّابٌ غال، فلا التفات إلى التفصيل. نعم، يثبت الأرشُ في جميع الصور حيث لا دوام.

(الثامن: في) إذهاب (الصوت) مع بقاء اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد (الدية)؛ لأنه من المنافع المتحدة في الإنسان، ولو أُذهِب معه حركة اللسان فديةٌ وثلثان؛ لأنّه في معنى شَلَله. وتدخُل دية النطق بالحروف في الصوت؛ لأنّ منفعة الصوت أهمُّها النطقُ ، مع احتمال عدمه للمغايرة.

ص: 443


1- ألحقه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 689.
2- في نسخة الشهيد: «البول»، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 251، ح 995
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 769؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 450 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 391
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 251، ح 994.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 689

الفصل الثالث في الشِجَاج

بكسر الشين، جمع شَجَّة بفتحها، وهي الجُرحُ المختص بالرأس والوجه، ويُسمَّى في غيرهما جُرحاً بقول مطلق، (وتوابعها) ممّا خرج عن الأقسام الثمانية من الأحكام.

(وهي) أي الشجَاج (ثمانٍ :)

(الحارصة، وهي القاشرة للجلد وفيها بعير؛ والدامية، وهي التي) تقطع الجلد و(تأخُذ في اللحم يسيراً، وفيها بعيران؛ والباضعة، وهي الآخذة كثيراً في اللحم) ولا يبلغ سنحاق العظم (وفيها ثلاثة) أبعِرةٍ (وهي المتلاحمة) على الأشهر.

وقيل: إنّ الدامية هي الحارصة(1) ، وأنّ الباضعة مغايرة للمتلاحمة، فتكون الباضعة هي الدامية بالمعنى السابق واتَّفق القائلان على أنّ الأربعة الألفاظ موضوعة لثلاثة معانٍ، وأن واحداً منها مرادف. والأخبار مختلفة أيضاً، ففي رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله(عليه السلام)في الحارصة - وهي الخدش - بعير ، وفي الدامية بعيران(2). وفي رواية مسمع عنه(عليه السلام) في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة(3). والأُولى تدلّ على الأوّل والثانية على الثاني، والنزاع لفظي.

ص: 444


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 775؛ وابن حمزة في الوسيلة ص 444؛وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 419.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 293، ح 1138.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 290، ح 1126.

(والسمحاق) بكسر السين المهملة وإسكان الميم (وهي التي تبلغ) السمحاقة وهي (الجِلدة) الرقيقةُ المُغَشِيةُ للعظم) ولا تَقشُرُها ( وفيها أربعةُ أَبْعِرَةٍ؛ والموضحة وهي التي تكشف عن ) وَضَحِ (العظم) وهو بَياضُه، وتقشر السنحافة (وفيها خمسة) أَبعِرةٍ.

(والهاشمة وهي التي تهشم العظم) أي تكسره وإن لم تسبق بجرح، (وفيها عشرة أبعرة أرباعاً) على نسبة ما يُوَزّع في الدية الكاملة من بنات المخاض واللبون والحقَّق وأولاد اللبون فالعشرة هنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بناتِ لبون وثلاثُ حِقَقٍ (إن كان خطأ، وأثلاثاً) على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة (إن كان شبيهاً) بالخطأ، فيكون ثلاث حقي وثلاث بنات لبون وأربعَ خَلِفٍ حوامل، بناءً على ما دلّت عليه صحيحة ابن سنان(1) من التوزيع، وأما على ما اختاره المصنّف فلا يتحقق بالتحرير، ولكن ما ذكرناه منه مُبرى أيضاً؛ لأنّه أزيد سنّاً

في بعضه.

(والمُنَقِّلة) بتشديد القاف مكسورةً (وهي التي تُحوج إلى نقل العظم) إما بأن ينتقل عن محلّه إلى آخَرَ أو يَسقُط.

قال المبرد: المنقلة ما يخرُج منها عِظامٌ صِغارٌ ، وأَخَذَه من النقل - بالتحريك - وهي الحجارة الصغارُ. وقال الجوهري: هي التي تنقل العظم، أي تكسره حتّى يخرج منها فَراشُ العِظام(2). بفتح الفاء، قال: وهي عِظامٌ رِقاق تَلِي القِحْف(3)، (وفيها خمسة عشر بعيراً).

والمأمومةُ، وهي التي تبلغ أُمَّ الرأس، أعني الخريطة التي تجمع الدماغ) بكسر

ص: 445


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 158 - 159، ح 635.
2- الصحاح، ج 3، ص 1835، «نقل».
3- الصحاح، ج 2، ص 1015، «فرش».

الدال ولا تفتقها (وفيها ثلاثة وثلاثون بعيراً) على ما دلّت عليه صحيحة الحلبي(1) وغيره(2) ، وفي كثير من الأخبار(3)ومنها صحيحة معاوية بن وهب فيها ثلث الدية (4)، فيزيد ثلث بعير. وربما جُمِع(5) بينها بأن المراد بالثلث ما أُسقِط منه الثلث(6). ولو دَفَعها من غير الإبل لَزِمَه إكمالُ الثلث محرَّراً. والأقوى وجوب الثلث.

(وأمّا الدامغة وهي التي تفتق الخريطة) الجامعة للدماغ (وتَبعُد معها السلامةُ) من الموت (فإن) مات بها فالدية، وإن (فُرِضَ) أنه سلم (قيل: زِيدَت حكومة (7)على المأمومة)؛ لوجوب الثلث بالأمة، فلابد لقطع الخريطة من حيّ آخَرَ وهو غير مقدَّرٍ فالحكومة، وهو حسن.

فهذه جملة الجراحات الثمانية المختصة بالرأس، المشتملة على تسعة أسماء.

(و) من التوابع (الجائفةُ، وهي الواصلة إلى الجَوْف) من أي الجهات كان (ولوْ مِن ثغرة النحر، وفيها ثلث الدية) بإضافة ثلث البعير هنا اتفاقاً. (وفي النافذة في الأنف) بحيث ثَقَبَت المِنخَرَين معاً ولا تَنْسَد ثلث الدية، فإن صلحت وانسَدَّتْ (فخُمس

ص: 446


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 290، ح 1125.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 290، ح 1124.
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 10، ص 247، ح 977، وص 290 - 291 ، ح 1126 و 1129.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 291، ح 1130.
5- الجامع هو المحقق في شرائع الإسلام [ ج 4 ص 260] وقبله ابن إدريس [السرائر، ج 3، ص 407] فإنّه قال: في المأمومة ثلث دية النفس ثلاثة وثلاثون بعيراً فحسب بلا زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل، ولم يلزمه من أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمّل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس؛ لأن رواياتهم هكذا مطلقة، وكذا تصنيفاتهم، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء؛ لأنّ ذلك يتحدّد فيه الثلث ولا يتحدّد في الإبل. انتهى. وفيه نظر لمنع الإجماع وعدم إمكان التحديد، وقد صرّح جماعة بوجوب الثلث أيضاً، وعليه دلّ الخبر الصحيح. انتهى (منه رحمه الله)
6- جمعه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 407.
7- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 690.

الدية. و) في النافذة (في أحد المنخرين) خاصةً (عشر الدية) إن صلحت وإلا فسُدس الدية؛ لأنّها على النصف فيهما. والمستند كتاب ظريف(1)، لكنه أطلق العُسْرَ في أحدهما كما هنا، والتفصيل فيه كالسابق للعلّامة(2).

(وفي شق الشفتين حتى تبدو الأسنانُ ثلث ديتهما) سواء استوعبهما الشقُ أم لا. (ولو بَرِئَت) الجراحةُ (فخُمس ديتهما) وفي شَقّ إحداهما ثلث ديتها إن لم تبراً، فإن بَرِئَتْ فخُمسها؛ استناداً إلى كتاب ظريف(3).

(وفي احمرار الوجه بالجناية) من لطمةٍ وشبهها (دينار ونصف، وفي اخضراره ثلاثة دنانير، وفي اسوداده ستة)؛ لرواية إسحاق بن عمار(4) و المشهور أنّ هذه الجناياتِ الثلاث (في البدن على النصف والرواية خالية عنه. وظاهرُها أنّ ذلك يَثبُت بوجود أثر اللطمة ونحوها فى الوجه وإنْ لم تَستوعبه ولم تدم فيه. وربما قيل باشتراط الدوام وإلا فالأرش. ولو قيل بالأرش مطلقاً لضعف المستند إن لم يكن إجماع كان حسناً.

وفي تعدي حكم المرويّ إلى غيره من الأعضاء التي ديته أقل كاليد والرجل بل الإصبع وجهان. وعلى تقديره فهل يجب فيه بنسبة ديته إلى دية الوجه أم بنسبة ما جب في البدن إلى الوجه ؟ وجهان. ولمّا ضَعُف مأخذ الأصل كان إثبات مثل هذه الأحكام أضعف وإطلاق الحكم يشمل الذكر والأنثى فيتساويان في ذلك، وسيأتي التنبيه عليه أيضاً.

(ودية الشجاج) المتقدمة (في الوجه والرأس سواء)؛ لما تقرر من أنها لا تُطلق إلا

ص: 447


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 298، ح 1148.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 572، الرقم 7228.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 258، ح 1019، وص 295، ح 1148.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 277 ، ح 1084 .

عليها. (وفي البدن بنسبة دية العضو إلى الرأس) ففي حارصة اليد نصفُ بعير، وفيها في أَنْمُلة إبهامها نصفُ عُشْرِه، وهكذا. (وفي النافذة في شيء من أطراف الرَجُل مائة دينار) على قول الشيخ (1)وجماعة(2)، ولم نقف على مستنده.

وهو مع ذلك يُشكل بما لو كانت دية الطرف تَقصُر عن المائة كالأنملة؛ إذ يَلزَم زيادة دية النافذة فيها على ديتها، بل على دية أنْمُلتين حيث تشتمل الإصبع على ثلاث وربما خَصَّها بعضُهم بعضو فيه كمال الدية(3)، ولا بأس به إن تَعيَّن العمل بأصله، ويعضده أنّ الموجود فى كتاب ظريف ليس مطلقاً كما ذكروه، بل قال: «إنّ في الخدّ إذا كانت فيه نافذةً ويُرَى منها جوفُ الفم فديتها مائة دينار»(4).

وتخصيصهم الحكم بالرّجُل يقتضي أنّ المرأة ليست كذلك، فيُحتمل الرجوع فيها إلى الأصل من الأرش، أو حكم الشجاج بالنسبة وثبوتِ خمسين ديناراً على النصف كالدية. وفي بعض فتاوي المصنّف أنّ الأُنثى كالذكر في ذلك، ففي نافذتها مائة دينار أيضاً (5).

(وكلُّ ما ذُكر من الدينار فهو منسوب إلى صاحب الدية التامة، والمرأة الكاملة، وفي العبد والذمّي بنسبتها إلى النفس).

كتب المصنف (رحمه الله) على الكتاب(6) في تفسير ذلك:

إنّ ما ذُكِر فيه لفظ «الدينار» من الأبعاض؛ كالنافذة والاحمرار والاخضرار، فهو

ص: 448


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 308، ذيل الحديث 1148.
2- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 4 ص 260؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 601.
3- حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 15، ص 465.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 299، ح 1148.
5- قال به الشهيد في حاشية القواعد ذيل قوله: سواء كان الجاني رجلاً أو امرأة. حاشية القواعد، ص 635 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
6- كتاب اللمعة الدمشقية.

واجب للرجل الكامل والمرأة الكاملة، فإذا اتَّفق في ذمّي أو عبد أُخِذ بالنسبة مثلاً: النافذة فيها مائة دينار ففي الذمّي ثمانية دنانير، وفي العبد عُشر قيمته، وكذا الباقي.

(ومعنى الحكومة والأرش) فيما لا تقدير لديته واحد، وهو (أن يُقَوَّم) المجني عليه (مملوكاً) وإنْ كان حرّاً

( تقديراً صحيحاً) على الوصف المشتمل عليه حالة الجناية (وبالجناية)، وتُنسب إحدى القيمتين إلى الأخرى (ويُؤخَذ من الدية) أي دية المجني عليه كيف اتفقت (بنسبته). فلو قَوَّمَ عبداً صحيحاً بعشرة ومعيباً بتسعة وجب للجناية عُشر دية الحرّ، ويُجعَل العبد أصلاً للحرّ في ذلك، كما أنّ الحرّ أصل له في المقدَّر.

ولو كان المجني عليه مملوكاً استَحَق مولاه التفاوت بين القيمتين، ولو لم يَنقُص بالجناية كقطع السلع والذَّكَرِ ولحْيَةِ المرأة فلا شيء إلا أن يَنقُص حين الجناية بسبب الألم فيجب ما لم يَستَوعِب القيمة، ففيه ما مر(1). ولو كان المجني عليه قتلاً أو جرحاً خنثى مشكلاً، ففيه نصف دية ذكر ونصف دية أنثى، ويُحتمل ديةٌ أُنثى؛ لأنه المتيقن، وجَرحُه فيما لا يبلغ ثلث الدية كجرح الذكر كالأُنثى، وفيما بلغه ثلاثة أرباع دية الذكر بحسبه.

(ومن لا وليَّ له فالحاكم وليه يقتص له مِن المتعمّد) ويأخذ الدية في الخطأ والشبيه. (وقيل) والقائل الشيخ(2) وأتباعه(3)، والمحقق (4)، والعلامة(5)، بل كاد يكون إجماعاً:

ص: 449


1- مر في ص 420.
2- النهاية، ص 739
3- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 460؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 408.
4- شرائع الإسلام، ج 4، ص 263.
5- إرشاد الأذهان، ج 3، ص 246؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 692.

(ليس له العفو عن القصاص ولا الدية)؛ لصحيحة أبي ولاد عن الصادق(عليه السلام) في الرجل يُقتل وليس له وليٌّ إلا الإمامُ: «أنّه ليس للإمام أن يَعفُو، وله أن يقتل ويأخذَ الدية»!. وهو يتناول العمد والخطأ. وذهب ابن إدريس إلى جواز عفوه عن القصاص والديةِ كغيره من الأولياء، بل هو أولى بالحكم(1)، ويظهر من المصنّف الميل إليه حيث جَعَل المنع قولاً، وحيث كانت الرواية صحيحةً وقد عَمِل بها الأكثر فلا وجه للعدول عنها.

ص: 450


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 178 ، ح 696. 2. السرائر، ج 3، ص 336.

الفصل الرابع في التوابع

اشارة

(1)

(وهي أربعة:)

الأوّل: دية الجَنِين

وهو الحمل في بطن أمه، سُمّى به لاستتاره فيه من «الاجتنان» وهو الستر فهو بمعنى المفعول.

( في النطفة إذا استقرَّتْ في الرحم) واستعدت للنُّشُوء (عشرون ديناراً، ويكفي)في ثبوت العشرين(مجرّد الإلقاء في الرحم) مع تحقق الاستقرار. (ولو أفزعه) أي أفزع المُجامِعَ - المدلول عليه بالمقام - مفزع وإن كان هو المرأة (فعَزَل فعشرة دنانير) بين الزوجين أثلاثاً، ولو كان المُفزع المرأة فلا شيء لها، ولو انعكس انعكس إن قلنا بوجوب الدية عليه مع العزل اختياراً، لكن الأقوى عدمه وجواز الفعل، وقد تقدَّم(2).

(وفي العلقة) وهي القطعة من الدم تَتَحَوَّل إليها النطفة (أربعون ديناراً. وفي المُضْغَة) وهي القِطعة من اللحم بقدر ما يُمْضَغ (ستون) ديناراً. (وفي العظم) أي ابتداء تَخَلُّقِه من المضغة (ثمانون) ديناراً. (وفي التام الخلقة قبل ولوج الروح) فيه (مائةُ دينار ذكراكان) الجنين (أو أُنثى)، ومستند التفصيل أخبار كثيرة، منها صحيحة محمد بن

ص: 451


1- التوابع : جمع تابع، وهي كلّ مسألة غير مقصودة بالذات، ولكنها لاحقة بالمقصود بالذات، وهي بإزاء المقدمات. (زین رحمه الله)
2- تقدم في ج 3، ص 133 - 134، كتاب النكاح.

مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)(1). وقيل : متى لم تتم خلقته ففيه غُرّةً عبد أو أمةٍ صحيحاً لا يبلغ الشيخوخةً ولا يَنقُص سنه عن سبع سنين(2)؛ لرواية أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3). والأوّل أشهَرُ فتوى وأصح رواية.

(ولو كان) الجنينُ (ذمّيّاً) أي متولداً عن ذمّي مُلحقاً به (فثمانون درهماً) عُشرُ دية أبيه، كما أن المائةَ عُشْرُ دية المسلم، ورُوي ضعيفاً عُشر دية أُمّه(4) .

(ولو كان مملوكاً فعُشر قيمة الأُمِّ المملوكة) ذكراً كان أم أُنثى، مسلماً كان أم كافراً اعتباراً بالمالية. ولو تعدَّدَ ففى كلّ واحد عُشر قيمتها كما تَتَعَدَّدُ ديته لو كان حراً. (ولا كفّارة هنا )أي في قتل الجنين في جميع أحواله؛ لأن وجوبها مشروط بحياة القتيل.

(ولو وَلَجَتْه الروحُ فديةٌ كاملة للذكر ونصف للأُنثى) وإنْ خَرَج ميتاً مع تيقُنِ حياته في بطنها، فلو احتمل كون الحركة لريح وشبهه لم يُحكم بها. (ومع الاشتباه) أي اشتباه حاله هل هو ذكر أو أنثى فعلى الجاني (نصفُ الديتين) دية الذكر وديةِ الأُنثى؛ الصحيحة عبد الله ابن سنان (5)وغيرها(6) .

وقيل: يُقرَع لأنّها لكلّ أمرٍ مشكل(7) ، ويُضعف بأنّه لا إشكال مع ورودِ النص الصحيح بذلك، وعمل الأصحاب، حتى قيل: إنه إجماع(8) .

ويتحقق الاشتباه (بأن تموتَ المرأة ويموت) الولدُ (معها) ولم يخرج (مع العلم بسبق الحياة) أي حياة الجنين على موته، أمّا سبق موته على موت أُمّه وعدمه فلا أثر له.

ص: 452


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 283، ح 1103.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 220؛ والخلاف، ج 4، ص 113، المسألة 126.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 286، ح 287
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 288، ح 1122.
5- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 281 ، ح 1099 وفيه: عن عبد الله بن مسكان.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 285، ح 1107.
7- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 417.
8- ادعاه الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 294، المسألة 125

(و تجب الكفّارة) بقتل الجنين حيث تلجه الروح كالمولود، وقيل: مطلقاً (1)(مع المباشرة) لقتله لا مع التسبيب كغيره.

(وفي أعضائه وجراحاته بالنسبة) إلى ديته؛ ففي قطع يده خمسون ديناراً، وفي حارصته دينار، وهكذا. ولو لم يكن للجناية مقدَّرُ فالأرش، وهو تفاوت ما بين قيمته صحيحاً ومجنيّاً عليه بتلك الجناية من ديته.

(ويَرِثُه وارثُ المال الأقرب فالأقرب. وتُعتبر قيمةُ الأُمّ) لو كانت أَمَةً (عند الجناية)؛ لأنّها وقتُ تعلّق الضمان (لا) وقت (الإجهاض) وهو الإسقاط.

(وهي) أي دية الجنين (في مال الجاني إن كان) القتل (عمداً) حيث لا يُقتل به، (أو شبيهاً ) بالعمد، (وإلّا ففي مال العاقلة )كالمولود، وحكمها في التقسيط والتأجيل كغيره.

(وفي قطع رأس الميت المسلم الحرِّ مائة دينار) سواءٌ في ذلك الرجل والمرأة والصغير والكبير للإطلاق. والمستند أخبار كثيرة منها حسنة سليمان بن خالد عن أبي الحسن وفيها : أنّ «ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن تَنْشَأ فيه الروح»(2)، وقد عرفت أن الذكر والأنثى فيه سواء. وفي خبرٍ آخر رواه الكليني مرسلاً عن الصادق(عليه السلام)أنه أفتى بذلك للمنصور حيث قطع بعض مواليه رأس آخَرَ بعد موته، وعَلَّل وجوبَ المائة بأنّ «في النطفة النطفة عشرين ديناراً، وفي العلقة العلقة عشرين وفي المضغة عشرين، وفي العظم عشرين قال: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَهُ خَلْقًا ءَاخَرَ﴾(3) وهذا هو ميت بمنزلته قبل أن تُنفخ فيه الروح في بطن أمه جنيناً»(4).

(وفي شجاجه وجراحه بنسبته)؛ ففي قطع يده خمسون ديناراً، وفي قطع إصبعه

ص: 453


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 635.
2- الكافي، ج 7، ص 349، باب الرجل يقطع رأس الميت .... ح 4.
3- المؤمنون (23): 14.
4- الكافي، ج 7، ص 347 - 348 ، باب الرجل يقطع رأس ميت .... ح 1.

عَشرة دنانير، وفي حارصته دينار، وهكذا.

(و) هذه الدية ليست لورثته ، بل (تُصرف في وجوه القُرَب) عن الميّت للأخبار المذكورة فارقاً فيها بينه وبين الجنين حيث تكون ديته لورثته ب-«أنّ الجنين مستقبل مَرْجُو نفعه - قابل للحياة عادة بخلاف الميّت فإنّه - قد مَضَى وذَهَبت منفعته، فلمّا مُثْلَ به بعد موته صارت ديته بتلك المُثلة له لا لغيره، يُحَجّ بها عنه ويُفعَل بها أبواب البر والخير من الصدقة وغيرها»(1).

وقال المرتضى تكون لبيت المال(2)، والعمل على ما دلّت عليه الأخبار. ولو لم يكن للجناية مقدَّرُ أُخِذ الأرسُ لو كان حيّاً، منسوباً إلى الدية.

ولو لم يُبَنْ الرأسُ بل قطع ما لو كان حيّاً لم يعش مثله، فالظاهر وجوب مائة دينار أيضاً عملاً بظاهر الأخبار وهل يُفرّق هنا بين العمدِ والخطأ كغيره حتى الجنين؟ يحتمله؛ لإطلاق التفصيل في الجناية على الآدمي وإن لم يكن حياً كالجنين. وعدمه، بل يجب على الجاني مطلقاً وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين، مؤيَّداً بإطلاق الأخبار والفتوى بأنّ الدية على الجاني، مع تركِ الاستفصال في واقعة الحال السابقة الدالّ على العموم.

وهل يجوز قضاءُ دَينه من هذه الدية؟ وجهان من عدم دخوله في إطلاق الصدقة و وجوه البرّ، وكون قضاء الدين ملازماً للإرث؛ لظاهر الآية(3)، ومن أنّ نفعه لقضاء دينه أقوى، ونمنع عدم دخوله في البر بل هو من أعظمها، ولأنّ من جملتها قضاءَ دَينِ الغارم وهو من جملة أفراده، وهذا أقوى.

ولو كان الميّت ذمّيّاً فعُشرُ ديته أو عبداً فعُشر قيمته، ويُتصدَّق بها عنه كالحرّ؛ للعموم(4).

ص: 454


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 274، ح 1073.
2- الانتصار، ص 542 المسألة 301.
3- النساء (4): 11
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 270 - 271، ح 1065.

الثاني في العاقلة التي تَحمِل ديةَ الخطأ

سُمّيت بذلك إما من العقل وهو الشَدّ، ومنه سُمّي الحبلُ عِقالاً؛ لأنّها تَعقِل الإبلَ بفِناء ولي المقتول المستحِقِّ للدية أو لتحمُّلهم العقل وهو الدية، وسُمّيت الدية بذلك لأنها تَعقِل لسان وليّ المقتول، أو من العقل وهو المنع؛ لأنّ العشيرة كانت تمنع القاتل بالسيف في الجاهليّة، ثمّ مَنَعَتْ عنه في الإسلام بالمال.

(وهم مَن تَقَرَّب) إلى القاتل (بالأب) كالإخوة والأعمام وأولادهما (وإن لم يكونوا وارثين في الحال).

وقيل: من يرث دية القاتل لو قُتِل، ولا يلزم من لا يرث مِن ديته شيئاً مطلقاً (1)، وقيل: هم المستحقون لميراث القاتل من الرجالِ العقلاء من قِبَل أبيه أو أمه، فإن تساوت القرابتان - كإخوة الأب وإخوة الأُمّ كان على إخوة الأب الثلثان وعلى إخوة الأُمّ الثلث(2). وما اختاره المصنّف هو الأشهر بين المتأخرين، ومستند الأقوال غيرُ نَقِي. ( ولا تَعقِل المرأة والصبى والمجنون والفقيرُ عند) استحقاق (المطالبة) وهو حلول أجل الدية وإن كان غنيّاً، أو عاقلاً وقت الجناية، وإنْ وَرِثوا جميعاً من الدية. ( ويدخُل) في العقل (العمودان) الآباء والأولاد وإنْ عَلَوْا أو سَفَلُوا؛ لأنّهم أخصُّ القوم وأقربهم، ولرواية سَلَمَةَ بن كُهَيل عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في القاتل الموصلي حيث كتب إلى عامله يَسأل عن قرابة فلان من المسلمين: «فإن كان ثُمَّ رجل يرثه بسهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحدٌ من قرابته فألزمه الدية [وخُذْه بها نجوماً] في ثلاث سنين»(3). الحديث.

ص: 455


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 737.
2- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 301، المسألة 12.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 171 - 172، ح 675 . ما بين المعقوفتين ليس في النسخ وأضفناه من مصادر الرواية.

وفي سَلَمةَ ضعفٌ، والأولوية هنا ممنوعة؛ لأنه حكم مخالف للأصل والمشهور عدم دخولهم فيه؛ لأصالة البراءة، وقد رُوي أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فَرَض دية امرأة قَتَلَتْها أُخرى على عاقلتها، وبَرَّأَ الزوج والولد(1).

(ومع عَدَم القرابة) الذي يُحكم بدخوله (فالمُعْتِقُ) للجاني، فإن لم يكن فعصابته ثمّ معتق المعتق ثمّ عصابته، ثمّ معتق أبي المعتق ثم عصابته، كترتيب الميراث ولا يدخُل ابنُ المعتق وأبوه وإن علا أو سَفَل، على الخلاف(2). ولو تعدد المعتق اشتركوا في العقل كالإرث. (ثمّ) مع عدمهم أجمع فعلى (ضامن الجريرة) إن كان هناك ضامن (ثمّ) مع عدمه أو فقره فالضامن (الإمام) من بيت المال.

(ولا تَعقِل العاقله عمداً ) محضاً ولا شبيهاً به، وإنما تعقل الخطأ المحض، (و) كذا (لا) تَعقِل (بهيمةً) إذا جنّت على إنسان وإن كانت جنايتها مضمونة على المالك، على تقدير تفريطه، وكذا لا تَعقِل العَصَبَةُ قتل البهيمة، بل هي كسائر ما يُتلفه من الأموال.

(ولا جناية العبد) بمعنى أن العبد لو قتل إنساناً خطأ أو جَنّى عليه لا تعقل عاقلته جنايته، بل تتعلق برقبته كما سلف(3)، (وتعقل الجناية عليه) أي تَعقِل عاقلة الحرّ الجاني على العبد خطأ جنايته عليه كما تعقل جنايته على الحرّ؛ لعموم ضمان العاقلة الجناية على الآدمي. وقيل: لا تضمن العاقلة الجناية عليه أيضاً بل إنّما تَعقِل الدياتِ، والمأخوذ عن العبيد قيمةٌ لا دية كسائر قيم الأموالِ المُتلفة(4)، وبه قطع في التحرير في باب العاقلة(5) وجَعَله تفسيراً لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : لا تعقل العاقله عبداً(6). والأجود الأوّل وعليه

ص: 456


1- سنن النسائي ، ج 8، ص 49 ، ح 4827؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1309، ح 1681/35
2- قال بدخولهما العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 708
3- سلف في أوائل كتاب القصاص في ص 362.
4- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 450، المسألة 127.
5- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5، ص 641 - 642، الرقم 7334.
6- راجع السنن الكبرى البيهقي، ج 8، ص 181 - 182 ، ح 16360 - 16361.

نزل الحديث، وبه جَزَم في أوّل الديات منه (1)أيضاً كغيره من كتبه(2). وبالجملة فإنّما تعقل العاقلة إتلاف الحر للآدمي مطلقاً إن كان المُتلِفُ صغيراً أو مجنوناً أو خطأ إن كان مكلَّفاً، لا غيره من الأموال وإن كان حيواناً.

وشَمَل إطلاق المصنّف ضمان العاقلة دية الموضحة فما فوقها وما دونها، وهو في الأوّل محلُّ وِفاق، وفي الثاني خلافٌ، منشأه عموم الأدلة على تحملها للدية من غير تفصيل، وخصوص قول الباقر(عليه السلام) في موثقة أبي مريم الأنصاري،قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه لا يُحمل على العاقلة إلّا الموضحة فصاعداً»(3)مؤيَّداً بأصالة البراءة من الحكم المخالف للأصل، وهذا هو الأشهر.

وعاقلة الذمّي نفسه دون عَصَبته وإن كانوا كفاراً، (ومع عجزه) عن الدية (فالإمام) عاقلتُه ؛ لأنّه يؤدّي الجِزْيَةَ إليه كما يؤدّي المملوك الضريبة إلى مولاه، فكان بمنزلته وإن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته؛ لأنّه ليس مملوكاً محضاً. كذا عللوه، وفيه نظر.

(وتُقَسَّط ) الدية على العاقلة (بحسب ما يراه الإمام )من حالتهم في الغنى والفقرِ؛ لعدم ثبوت تقديره شرعاً فيُرجع إلى نظره(عليه السلام) .

(وقيل) والقائل الشيخ في أحد قوليه (4)، وجماعةٌ (5): (على الغنى نصف دينار و) على (الفقير رُبعه)؛ لأصالة براءة الذمة من الزائد على ذلك، والمرجع فيهما إلى العرف؛ لعدم تحديدهما شرعاً، والأوّل أجود.

(والأقربُ الترتيب في التوزيع) فيأخُذ من أقرب الطبقات أولاً، فإن لم يحتمل

ص: 457


1- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 5 ، ص 569، الرقم 7224
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 711
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 170، ح 669.
4- قال به في المبسوط ، ج 5، ص 202 - 203؛ والخلاف، ج 5، ص 279، المسألة 100.
5- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 504 وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 332؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 711.

تَخَطَّى إلى البعيدة ثمّ الأبعد، وهكذا ينتقل - مع الحاجة - إلى المولى، ثمّ إلى عَصَبته، ثمّ إلى مولى المولى، ثمّ إلى الإمام.

ويُحتمل بسطها على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب؛ لعموم الأدلة(1). وعلى القول بالتقدير لو لم تسع الطبقة القريبة الدية بالنصف والربع انتقل إلى الثانية، وهكذا إلى الإمام، حتى لو لم يكن له إلّا أخ غنيٌّ أُخِذ منه نصف دينار والباقي

على الإمام. (ولو قتل الأب ولده عمداً فالدية لوارث الابن إن اتفق، ولا نصيب للأب منها، (فإن لم يكن له وارتْ (سوى الأب فالإمام، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة، ولا يرث الأبُ منها شيئاً على الأقوى؛ لأنّ العاقلة تَتَحَمَّلُ عنه جنايته فلا يُعقل تحمّلُها له، ولقُبح أن يطالب الجاني غيره بجناية جناها. ولولا الإجماع على ثبوتها على العاقلة لغيره لكان العقل يَأْبَى ثبوتها عليهم مطلقاً.

وقيل: يَرِث منها نصيبه (2)إن قلنا بإرث القاتل خطأ هنا؛ لعموم وجوب الدية على العاقلة، وانتقالها إلى الوارث، وحيث لا يمنع هذا النوع من القتل الإرث يرث الأب لها أجمع، أو نصيبه عملاً بالعموم (3)، ولو قلنا إن القاتل خطأ لا يرث مطلقاً أو من الدية فلا بحث. وكذا القول لو قتل الابن أباه خطاً.

الثالث فى الكفّارة اللازمة للقاتل بسبب القتل مطلقاً

( وقد تقدَّمت )فى كتابها(4) ، وأنّها كبيرةً مرتبة في الخطأ وشبيهه، وكفّارةً جمع في العمد. (ولا تجب مع التسبيب؛ كمن طَرَح حجراً) فعَتر به إنسان فمات، (أو نَصَب

ص: 458


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 171 - 172 ، ح 675 - 676.
2- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 275.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 375، ح 1338 - 1340.
4- تقدّم في ج 2، ص 17، كتاب الكفارات.

سكيناً في غير ملكه فهَلَك بها آدمي) وإن وجبت الدية، وإنما تجب مع المباشرة. و تجب بقتل الصبي والمجنون) ممّن هو بحكم المسلم كما تجب بقتل المكلّف ويستوي فيها الذكر والأنثى والحر والعبد مملوكاً للقاتل ولغيره. (لا بقتل الكافر) وإنْ كان ذمّيّاً أو معاهداً.

(وعلى المشتركين )في القتل وإنْ كَثُرُوا (كلّ واحدٍ كفَّارةٌ) كَمَلاً.

(ولو قُتِل) القاتل (قبل التكفير في العمد) أو مات قبل التكفير (أُخرجت الكفّاراتُ) الثلاتُ ( من أصل ماله إن كان) له مال؛ لأنه حق مالي فيُخرج من الأصل وإن لم يُوصِ به كالدين، وكذا كلُّ من عليه كفّارةً مالية فمات قبل إخراجها. وغَلَّبوا عليها هنا جانب المالية وإن كان بعضها بدنياً كالصوم؛ لأنّها في معنى عبادة واحدةٍ فيُرجح بها حكم المال كالحج. وإنّما قيَّد بالعمد لأنّ كفّارة الخطأ وشبهه مرتبة، والواجب قد يكون مالياً كالعتق والإطعام، وبدنياً كالصيام، والحقوق البدنية لا تُخرج من المال إلا مع الوصيّة بها، ومع ذلك تُخرج من الثلث كالصلاة، وحينئذ فالقاتل خطأ إن كان قادراً على العتق أو عاجزاً عنه وعن الصوم أُخرجت الكفّارة من ماله كالعامد، وإن كان فرضُه الصوم لم تُخرج إلا مع الوصيّة، فلذا قيد لافتقار غير العمد إلى التفصيل.

الرابع في الجناية على الحيوان الصامتِ

(من أتلف ما تَقَع عليه الذكاة )سواء كان مأكولاً كالإبل والبقر والغنم، أم لا كالأسد والنَّمِر والفهد (بها) أي بالتذكية بغير إذن مالكه (فعليه أرشُه) وهو تفاوت ما بين قيمته حيّاً ومُذَكَّى مع تحقق النقصان لا قيمته لأنّ التذكية لا تُعد إتلافاً محضاً؛ لبقاء المالية غالباً، ولو فرض عدم القيمة أصلاً كذبحه في بريّة لا يرغب أحد في شرائه لزمه القيمة؛ لأنها حينئذٍ مقدار النقص.

(وليس للمالك مطالبته بالقيمة) كَمَلاً (ودفعه إليه على الأقرب)؛ لأصالة براءة

ص: 459

ذمّة الجاني ممّا زاد على الأرش، ولأنّه باقٍ على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلا بالتراضي من الجانبين.

وخالَفَ فى ذلك الشيخان(1) وجماعة (2)، فخيَّروا المالك بين إلزامه بالقيمة يوم الإتلاف وتسليمه إليه، وبينمطالبته بالأرش؛ نظراً إلى كونه مُفَوِّتاً لمُعْظَم منافعه فصار كالتالف. وضعفه ظاهر.

(ولو أَتْلَفه لا بها فعليه قيمته يوم تلفه إن لم يكن غاصباً)؛ لأنه يوم تفويت ماليته الموجب للضمان، (ويُوضع منها ما له قيمةٌ من الميتة كالشعر) والصوف والوبر والريش، وفي الحقيقة ما وجب هنا عين الأرش، لكن لمّا كان المضمون أكثر القيمة اعتبرها . ولو كان المُتلِفُ غاصباً فقيل هو كذلك(3) وقيل: يَلزَمه أعلى القِيَم(4) مِن حين الغصب إلى حين الإتلاف، وهو أقوى، وقد تقدَّم (5)فمِن ثَمَّ أَهمله.

(ولو تَعَيَّب بفعله) من دون أن يتلف كأن قطع بعض أعضائه أو جَرَحه أو كَسَر شيئاً من عظامه (فلمالكه الأرشُ) إن كانت حياته مستقرةً، وإلا فالقيمةُ على ما فُضِّل، وكذا لو تَلِف بعد ذلك بالجناية.

(وأمّا) لو أتلف (ما لا تقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهماً )على الأشهر روايةً (6)وفتوىً(7) ، وقيل قيمته كغيره من الحيوان القيمي(8)، إما لعدم ثبوت المقدار، أو لرواية السكوني عن الصادق(عليه السلام) أن أمير المؤمنين(عليه السلام) حكم فيه بالقيمة(9).

ص: 460


1- المقنعة، ص 769؛ النهاية، ص 780
2- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 512؛ وسلار في المراسم، ص 245؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 604.
3- قال به القاضي في المهذب، ج 2، ص 436؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 96، المسألة 84.
4- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 488 و 492 وابن حمزة في الوسيلة، ص 276.
5- تقدّم في 49 - 50 كتاب الغصب.
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 309 - 310 ، ح 1154 - 1155.
7- المقنعة، ص 769؛ النهاية، ص 780؛ المهذب، ج 2، ص 512.
8- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 431 المسألة 100 واستحسنه
9- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 310، ح 1156.

وبين التعليلين بَوْن بعيد . وخصّه الشيخ بالسلوقي(1)؛ نظراً إلى وصفه في الرواية(2)، وهو نسبة إلى سلوق، قريةٍ باليمن أكثرُ كِلابِها مُعَلَّمةٌ، والباقون حملوه على المعلَّم مطلقاً، للمشابهة.

( وفي كلب الغَنَم كَبْش) وهو ما يُطلق عليه اسمه؛ لعدم تحديد سنّه شرعاً ولا لغةً؛ لرواية أبي بصير عن أحدهما(عليهم السلام) (3).

(وقيل) والقائل الشيخان(4) ، وابن إدريس(5) وجماعة (6): في قتله (عشرون درهما)؛ لرواية ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ، وهي أبي عبد الله(عليه السلام) (7)، وهي ضعيفة مرسَلة. والعجب من ابن إدريس المانع من خبر الواحد مطلقاً كيف يذهب هنا إلى ذلك، لكن لعله استند إلى ما تَوَهَّمه من الإجماع لا إلى الرواية. وفي قول ثالث: إن الواجب فيه القيمة(8)، كما مرّ.

(وفي كلب الحائط) وهو البستان وما في معناه (عشرون درهما) على المشهور، ولم نَقِف على مستنده، فالقول بالقيمة أجودُ.

( وفي كلب الزرع قَفيز) من طعام، وهو في رواية أبي بصير المتقدمة(9)، وخصه بعضُ الأصحاب بالحنطة(10)، وهو حسن.

(ولا تقدير لما عداها، ولا ضَمان على قاتلها )وشَمَل إطلاقه كلبَ الدار وهو

ص: 461


1- النهاية، ص 780
2- تقدم في ص 460، الهامش 6.
3- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 310 ، ح 1155.
4- المقنعة، ص 769 النهاية. ص 780
5- السرائر، ج 3، ص 421.
6- منهم: الصدوق في المقنع، ص 534 والقاضي في المهذب، ج 2، ص 512؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 428.
7- الفقيه . ج 4، ص 170، ح 5394.
8- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 431، المسألة 100.
9- تقدّم في الهامش 3 وفيها: جريب من بر.
10- كالقاضي في المهذب، ج 2، ص 512.

أشهرُ القولين(1) فيه، وفي رواية أبي بصير عن بصير عن أحدهما(عليهم السلام) أن في كلب الأهل قفيزاً من تراب(2)، واختاره بعض الأصحاب(3).

(أمّا الخنزير فيُضمن) للذمّي (مع الاستتار) به (بقيمته عند مُسْتَحِلّيه) إن أتلفه، وبأرشه كذلك إن أعابه (وكذا لو أتلف المسلم عليه) أي على الذمّي المستَتِرِ، وتَرَك التصريح بالذمّي لظهوره، ولعلّ التصريح كان أظهر،

(خمراً أو آلة لهو مع استتاره) بذلك، فلو أظهر شيئاً منها فلا ضمان على المُتلف مسلماً كان أم كافراً فيهما.

(ويَضمَن الغاصب قيمة الكلب السوقية)؛ لأنه مؤاخذ بأشق الأحوال، وجانب المالية معتبر في حقه مطلقاً

(بخلاف الجاني)؛ فإنه لا يَضمَن إِلَّا المقدَّرَ الشرعي. وإنّما يَضمن الغاصب القيمة (ما لم تَنقُص عن المقدَّر الشرعي) فيضمن المقدَّرَ، وبالجملة فيَضمَن الغاصبُ أكثر الأمرين من القيمة والمقدّر الشرعي.

(ويَضمَن صاحب الماشية جنايتها ليلاً، لا نهاراً) على المشهور والمستند رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)عن أبيه قال: «كان عليّ(عليه السلام) لا يُضَمِّنُ ما أَفسَدت البهائم نهاراً، ويقول: على صاحب الزرع حفظه، وكان يُضَمن ما أفسدته ليلاً»(4) ، ورُوي ذلك عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)(5).

(ومنهم) وهم جُلّة المتأخرين كابن إدريس(6) وابني سعيد(7)والعلامة (8)(مَن اعتَبَر التفريط) في الضمان (مطلقا) ليلاً ونهاراً؛ إما استضعافاً للرواية، أو حملاً لها على ذلك.

ص: 462


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 269
2- تقدم في ص 461 الهامش 3.
3- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 431، المسألة 100.
4- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 310 ، ح 1159.
5- سنن الدارقطني ، ج 3، ص 74 ، ح 216/3269؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 382، ح 9.
6- السرائر، ج 3، ص 424 - 425.
7- هما: المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 269؛ والمختصر النافع، ص 337؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 604-605.
8- قواعد الأحكام، ج 3، ص 702.

قال المصنف( رحمه الله) :

والحق أن العمل ليس على هذه الرواية، بل إجماع الأصحاب، ولما كان الغالب حفظ الدابة ليلاً وحفظ الزرع نهاراً خَرَج الحكم عليه، وليس في حكم المتأخرين رد لقول القدماء.... فلا ينبغي أن يكون الاختلاف هنا إلا في مجرّد العبارة عن الضابط، أمّا المعنى فلا خلاف فيه(1). انتهى.

ولا يخفى ما فيه. وكيف كان فالأقوى اعتبار التفريط وعدمه.

(ورَوَى) محمدُ بنُ قيس عن أبي جعفر(عليه السلام)(في بعير بين أربعة عَقَلَه أحدهم فوَقَع في بئر فانكسر: «أنّ على الشركاء) ضمان (حصّته؛ لأنَّه حَفِظَ وَضَيَّعوا)» رَوَى ذلك أبو جعفر(عليه السلام)( عن أمير المؤمنين (عليه السلام))(2) . وهو مشكل على إطلاقه؛ فإنّ مجرد وقوعه أعم من تفريطهم فيه بل من تفريط العاقل، ومِن ثَمَّ أَوردها المصنّف كغيره(3) بلفظ الرواية. ويمكن حملها على ما لو عَقله وسَلَّمه إليهم ففَرَّطوا، أو نحوِ ذلك. والأقوى ضَمانُ المفرّط منهم دون غيره، والرواية حكايةٌ في واقعةٍ محتمِلَةٌ للتأويل.

( ولْيَكُن هذا آخِرَ اللمعة، ولم نذكر فيها سوى المهم) من الأحكام (وهو مشهور بين الأصحاب )هذا بحسب الغالب، وإلا فقد عرفت أنه ذكر أقوالاً نادرةً غير مشهورة، وفروعاً غير مذكورة.

(والباعث عليه) أي على المذكور المدلول عليه بالفعل أو على تصنيف الكتاب، وإن كان اسمه مؤنّئاً: (اقتضاءُ) أي طلب (بعض الطلاب)، وقد تقدم بيانه(4). (نَفَعَه الله تعالى وإيانا به )وجميع المؤمنين، ونَفَع بشرحه كما نَفَع بأصله بحق الحقِّ وأهله.

ص: 463


1- غاية المراد، ج 4، ص 388 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4) باختلاف في بعض العبارات.
2- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 231 ، ح 910
3- كالشيخ في النهاية، ص 781؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 4 ص 269 والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3. ص 702
4- تقدّم في ج 1، ص 12، في شرح مقدّمة المصنّف.

(والحمد لله وحده، وصلاته على سيدنا محمّد النبي وعترته المعصومين، الذين أَذهَب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً). آخِرُ كلام المصنّف (قَدَّس الله روحه).

ونحن نحمد الله تعالى على توفيقه وتسهيله لتأليف هذا التعليق، ونسأله من فضله وكرمه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، موجباً لثوابه الجسيم، وأن يغفر لنا ما قصرنا فيه من اجتهاد، أو وَقَع فيه من خَلَلٍ في إيراد، إنه هو الغفور الرحيم.

***

وفَرَغ من تسويده مؤلّفه الفقير إلى عفو الله تعالى ورحمته زين الدين بن عليّ بن أحمد الشامي العاملي، عامله الله تعالى بفضله ونعمه، وعفا عن سيئاته وزلاته بجوده وكرمه، على ضيق المجال وتراكم الأهوالِ، الموجبة لتشويش البال، خاتمة ليلة السبت، وهي الحادية والعشرون من شهر جُمادَى الأُولى، سنةَ سبع وخمسين وتسعمائة من الهجرة النبوية ،حامداً مصلياً مسلماً

اللهم صل على محمّد وآل محمد واختم بخير ياكريم.

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.