موسوعة الشهيد الثاني المجلد 8

هوية الکتاب

موسوعة

الشهيد الثاني

الجزء الثامن

الرَّوْضَةُ البهية

في شرح اللمعة الدمشقية /3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثامن (الروضة البهيّة / 3)

النّاشر: المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية

الإعداد والتّحقيق مركز إحياء التّراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 241

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42، التلفون والفاكس: 7832833

التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. پ: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156، وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتّحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية.

1434ق. = 2013م.

30 ج.

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا. کتابنامه

978-600-5570-74-8 ISBN .. (دوره)

(ج 8). ISBN 978-600-5570-83-0

مندرجات: ج .8 الروضة البهية / 3 -

1. اسلام - مجموعه ها. 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش

4. اخلاق اسلامی. الف: پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی.

ب: عنوان

8 م BP4/6/92

297/08

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثامن

الروضة البهيّة

في شرح اللمعة الدمشقية / 3

المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثامن (الروضة البهيّة / 3)

النّاشر: المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية

الإعداد والتّحقيق مركز إحياء التّراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 241

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42، التلفون والفاكس: 7832833

التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. پ: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156، وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتّحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثّقافة الإسلامية.

1434ق. = 2013م.

30 ج.

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا. کتابنامه

978-600-5570-74-8 ISBN .. (دوره)

(ج 8). ISBN 978-600-5570-83-0

مندرجات: ج .8 الروضة البهية / 3 -

1. اسلام - مجموعه ها. 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش

4. اخلاق اسلامی. الف: پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی.

ب: عنوان

8 م BP4/6/92

297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل - الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأول = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل / 1.

2. كشف الريبة ؛ 3. التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ 5. البداية.

6. الرّعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث - (7 - 30) الرسائل 2.

7 . تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛ 9. العدالة؛ 10 ماء البئر؛ 11. تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة ؛ 13. النيّة؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة؛ 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة؛ 21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزّوجة؛ 23. الحبوة؛ 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25. أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني: 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع - (31- 43) الرسائل /3.

31. تفسير آية البسمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينية، 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد 34. وصيّةً نافعة؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة» 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي(رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد.

الجزء السادس = الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة.

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان.

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية.

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية.

الجزء الرابع عشر = (51) و 52 حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع.

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد).

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان.

الجزء السابع عشر = الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام.

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس.

ص: 6

فهرس الموضوعات

کتاب الاجارة...11

كتاب الوكالة ...33

كتاب الشفعة...47

كتاب السَبْق والرِماية...61

كتاب الجُعالة...71

كتاب الوصايا...83

الفصل الأول في الوصّية...85

الفصل الثاني في متعلّق الوصيَّة...97

الفصل الثالث في الأحكام...107

الفصل الرابع في الوِصاية...113

كتاب النكاح...123

الفصل الأوّل في المقدّمات...125

الفصل الثاني في العقد...136

الفصل الثالث في المحرّماتِ وتوابعها...155

ص: 7

الفصل الرابع في نكاح المتعة...194

الفصل الخامس في نكاح الإماء...204

الفصل السادس في المهر...216

الفصل السابع في العيوب والتدليس...231

الفصل الثامن في القسم والنشوز والشقاق...240

النظر الأوّل: الأولاد...249

النظر الثاني في النّفقات...264

كتاب الطلاق...273

الفصل الأوّل في أركانه...275

الفصل الثاني في أقسامه...282

الفصل الثالث في العِدَد...292

الفصل الرابع في الأحكام...299

كتاب الخُلع والمُباراة...303

كتاب الظِّهار...315

كتاب الإيلاء...327

كتاب الِّلعان...339

القول في كيفية اللعان وأحكامِه...347

كتاب العِتق...357

ص: 8

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد...381

النظر الأوّل في التّدبير...383

النظر الثاني في الكتابة...392

النظر الثالث في الاستيلاد للإماء بملك اليمين...403

ص: 9

ص: 10

كتاب الإجارة

ص: 11

ص: 12

كتاب الإجارة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الاجارة، مشتقّة من الاجر وهو العوض(زین رحمه الله).

(وهي العقد على تملك المنفعة المعلومة بعوض معلوم).

فالعقد بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود، وخرج بتعلّقه بالمنفعة البيع وا الصلحُ المتعلّق بالأعيان، وبالعوض الوصيَّةُ بالمنفعة، وبالمعلوم إصداقها؛ إذ ليس في مقابلها عِوَض ،معلوم، وإنّما هو البُضْع، ولكن ينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم، فإنّه ليس إجارةً؛ بناءً على جعله أصلاً.

(وإيجابُها «آجرتُك» أو «أكريتُك» أو «ملّكتُك منفعتَها سنةً». قيَّد التمليك

بالمنفعة؛ ليحترز به عمّا لو عبر بلفظ الإيجار والإكراء، فإنّه لايصح تعلّقه إلا بالعين فلو أوردهما على المنفعة، فقال: «آجرتك منفعة هذه الدار» مثلاً لم يصح بخلاف التمليك؛ لأنّه يفيد نَقْلَ ما تعلَّق به فإن ورد على الأعيان أفاد ملكها، وليس ذلك مورد الإجارة؛ لأنّ العين تَبقَى على ملك المؤجر، فيتعيَّن فيها إضافته إلى المنفعة؛ ليُفيد نقلها إلى المستأجر حيث يُعبر بالتمليك.

(ولو) عبّر بالبيع و(نَوَى بالبيع الإجارة فإن أورده على العين)، فقال : بعتك هذه

ص: 13

الدارَ شهراً - مثلاً - بكذا (بطل) ؛ لإفادته نقل العين، وهو منافٍ للإجارة، وإن قال : بعتُك سُكناها سنةً (مثلاً، ففي الصحة وجهان) مأخذهما أنّ البيعَ موضوع لنقل الأعيان والمنافع تابعة لها، فلا يُثمر الملك لو تجوز به في نقل المنافع منفردةً وإِنْ نَوَى به الإجارة وأنّه يفيد نقلَ المنفعة أيضاً في الجملة ولو بالتبَع، فيقوم مقامَ الإجارة مع قصدها. والأصحّ المنع.

(وهي لازمةٌ من الطّرفين لاتَبطُل) الّا بالتّقابل أو بأحدالأسبابِ المقتضيةِ للفسخ.

وسيأتي بعضها،(1)

(ولو) تَعَقَّبها البيعُ لم تَبطُل) لعدم المنافاة، فإنّ الإجارةَ تتعلق بالمنافع. والبيع بالعين وإنْ تَبِعَثها المنافع حيث يمكن سواء كان المشتري هو المستأجر أو غيره فإن كان هو المستأجر لم تبطل الإجارة على الأقوى، بل يجتمع عليه الأجرةُ والثمنُ، وإن كان غيرَه وهو عالم بها صَبَر إلى انقضاء المدّة، ولم يمنع ذلك من تعجيل الثمن، وإن كان جاهلاً بها تخيَّر بين فسخ البيع وإمضائه مجّاناً مسلوبَ المنفعة إلى انقضاء المدَّة، ثمّ لو تجدّد فسخُ الإجارة عادت المنفعة إلى البائع لا إلى المشتري.

(وعذرُ المستأجر لايُبطِلها) وإن بلغ حداً يتعذّر عليه الانتفاع بها، كما لو استأجر حانوتاً فَيُسْرَق(متاعُه ولايقدر على إبداله؛ لأنّ العينَ تامّةٌ صالحةٌ للانتفاع بها،

فيُستصحَب اللزوم.

و(أمّا لو عمّ العذرُ كالثلْجِ المانعِ من قطْعِ الطريق) الذي استأجر الدابّة لسلوكه مثلاً فالأقرب جواز الفسخ لكلّ منهما)؛ لتعذَّر استيفاء المنفعة المقصودة حسّاً فلو لم يُجبَر بالخيار لَزِم الضررُ المنفي،(2) ومثله ما لو عرض مانع شرعيٌّ كخوفِ

ص: 14


1- یاتی عن قریب.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص، 146 - 147، ح، 651.

الطريق لتحريم السفر حينئذٍ، أو استئجار امرأة لكَنْس المسجد فحاضت والزمانُ معيَّن ينقضي مدَّةَ العذر. ويُحتمل انفساخُ العقد في ذلك كله؛ تنزيلاً للتعذّر منزلة تلف العين.

(ولاتَبطُل) الإجارةُ (بالموت) كما يقتضيه لزوم العقد، سواء في ذلك موتُ المؤجر والمستأجر، (إلّا أن تكون العين موقوفةً) (1) على المؤجر وعلى من بعده من البطون فيؤجرها مدَّةً، ويتَّفق موتُه قبل انقضائها فتبطُل لانتقال الحق إلى غيره، وليس له التصرّفُ فيها إلازَمنَ استحقاقه، ولهذا لايملك نقلها ولاإتلافها.

نعم، لو كان ناظراً وآجَرَها لمصلحة البطون لم تبطل بموته، لكنَّ الصحة حينئذٍ ليست من حيث إنّه موقوف عليه، بل من حيث إنّه ناظر، ومثله الموصى له بمنفعتها مدّة حياته، فيؤجرها كذلك.

ولو شَرَط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضاً.

(وكلّ ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارتُه وإجارتُه، وينعكس في الإجارة كلّياً، (2) دون الإعارة؛ لجواز إعارة المِنْحَة، (3) مع أنّ المقصود منها وهو اللبن

ص: 15


1- نعم، إلا أن يكون المؤجر ناظراً فيؤجر لحق النظر عن البطن الثاني، فلا تبطل بموته. (زين رحمه الله).
2- الغرض من هذا العكس: ضبط مورد الإجارة على وجه يلزم من تحققه صحتها ومن عدمه عدمها ؛ لأنّ ذلك هو المقصود بالذات هنا وذلك لايتم إلا بالعكس المذكور ؛ لأنّ المقدمة التي ذكرها المصنّف من أنّه كلّ ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه يصح إجارته»، إنّما يستلزم حصوله حصولها ولايلزم من رفعه رفعها، ضرورة أن وضع دم يستلزم وضع التالي، ولا يلزم من رفعه رفعه، كما أنّ التالي بالعكس يلزم من رفعه رفع المقدّم، ولا يلزم من ثبوته ثبوته. وأما إذا عكسنا المقدّم، فقلنا: كلّ ما يصح إجارته صح الانتفاع مع بقاء عينه»، فإنّه يستلزم أنّ كلّ ما لا يصح الانتفاع به مع بقاء عينه لاتصح إجارته، فيفيد حينئذ انحصار مورد الإجارة فيما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، وإنما يستلزم ذلك ؛ لأنّ التالي هو المقدّم في مقدمة المصنّف والمقدّم هو التالي فيها فيلزم من ارتفاع ما لا ينتفع به مع بقاء عينه ارتفاع ما تصح إجارته لما أسلفناه من المقدّم، وذلك هو المطلوب. ومن هنا لم تصح مقدمة الإعارة كليّاً؛ إذ لا يلزم من ارتفاع ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه ارتفاع مورد الإعارة؛ لتخلّفه في المنحة منه رحمه الله).
3- المِنْحَةُ: الشاة أو الناقة المستعارة للحلب. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 364، «منح».

لاتبقى عينُه، ولاتصح إجارتها لذلك.

(منفرداً كان) ما يُؤجر (أو مُشاعاً)؛ إذ لامانع من المشاع باعتبار عدم القسمة؛ لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك، ولافرق بين أن يؤجره من شريكه وغيره عندنا.

(ولايَضمَن المستأجرُ العين إلّا بالتعدِّي) فيها (أو التفريط )؛ (1) لأنّها مقبوضة بإذن المالك لحقِّ القابض، ولافرق في ذلك بين مدة الإجارة وبعدها، قبل طلب المالك وبعده إذا لم يُؤخِّر مع طلبها اختياراً.

(ولو شَرَط) في عقد الإجارة (ضمانها) بدونهما (فسد العقد)؛(2) لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع ومقتضى الإجارة.

(ويجوز اشتراط الخيار لهما ولأحدهما مدَّةً مضبوطة؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم»،(3) ولافرق بين المعيَّنة والمطلقة عندنا، (4).

(نعم، ليس للوكيل والوصى فعل ذلك وهو اشتراط الخيار للمستأجر أو للأعم بحيث يَفسَخ إذا أراد إلّا مع الإذن، أو ظهور (الغبطة) في الفسخ، فيفسخ حيث يَشترِطها لنفسه، لابدون الإذن في الوكيل ولا الغبطة في الوصي؛ لعدم اقتضاء إطلاق التوكيل فيها إضافة الخيار المقتضي للتسلّط على إبطالها، وكذا الوصاية، فإن فعل الوصي منوط بالمصلحة.

(ولابد من كمال المتعاقدين، وجواز تصرفهما) فلاتصح إجارة الصبي وإن كان

ص: 16


1- الفرق بين التعدي والتفريط أنّ التعدي أمر وجودي، وهو فعل ما لايجوز فعله، كأن يحمل الدابة فوق المعتاد أو يتجاوز بها المسافة المشترطة، والتفريط أمر عدمي، وهو ترك ما يجب فعله، كحفظ الدابة وعلفها مثلاً. (زين رحمه الله)
2- نعم، وله أجرة المثل وإن زادت عن المسمّى مع الانتفاع. (زين رحمه الله).
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371 ، ح 1503.
4- نبه بالتسوية على خلاف بعض العامة حيث جوّز خيار الشرط في المطلقة - وهو ما كان موردها الذمة - لا المعينة، وهو تحكّم (منه رحمه الله)

مميزاً أو أذن له الوليُّ، ولا المجنون مطلقاً، ولا المحجور بدون إذن الولي أو من في حكمه.

(ومن كون المنفعة) المقصودة من العين (والأُجرة معلومتين)، ويتحقق العلمُ بالمنفعة بمشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلق المنفعة، أو وصفها بما يرفع الجهالة، وتعيين المنفعة إن كانت متعدّدةً في العين ولم يرد الجميع، وفي الأجرة بكيلها أو وزنها أو عدها إن كانت مما يُعتبر بها في البيع، أو مشاهدتها إن لم تكن كذلك.

والأقرب أنّه لاتكفي المشاهدة في الأجرة عن اعتبارها بأحد الأُمور الثلاثة إن كانت ممّا يُعتبر بها؛ لأنّ الإجارة معاوضةٌ لازمة مبنية على المغابنة، فلابدّ فيها من انتفاء الغرر عن العوضين، أما لو كانت الأجرة ممّا يكفي في بيعها المشاهدة - كالعقار - كَفَتْ فيها هنا قطعاً، وهو خارج بقرينة «الاعتبار». (وتُملَك) الأُجرةُ (بالعقد)؛ لاقتضاء صحة المعاوضة انتقال كلّ من العِوَضَين إلى الآخر،لكن لايجب تسليمها قبل العمل، وإنّما تظهر الفائدة في ثبوت أصل الملك فيتبعها النماءُ متصلاً ومنفصلاً.

(ويجب تسليمها بتسليم العين المؤجرة (وإن كانت على عمل فبعده لاقبل ذلك، حتى لو كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً لم يَجُز له التسليم قبله، إلا مع الإذن سريحاً أو بشاهد الحال. ولو فُرِض توقَّفُ الفعل على الأجرة كالحج، وامتنع المستأجرُ من التسليم تَسلَّط الأجيرُ على الفسخ. (ولو ظهر فيها) أي في الأجرة (عيب، فللأجير الفسخ أو الأرشُ مع التعيين) للأجرة في متن العقد؛ لاقتضاء الإطلاق السليمَ، وتعيينه مانع من البدل كالبيع، فيُجبر العيب بالخيار، ومع عدمه) أي عدم التعيين (يُطالب بالبدل)؛ لعدم تعيين المعيب أجرةً، فإن أُجِيب إليه وإلا جاز له الفسخ والرضى بالمعيب فيُطالب بالأرش؛ لتعيين المدفوع عوضاً بتعذر غيره.

ص: 17

(وقيل: له الفسخ) في المطلقة مطلقاً (1)(وهو قريب إن تعذّر الإبدال)، كما ذكرناه لامع بذله؛ لعدم انحصار حقه في المعيب.

(ولو جَعَل أُجرتين على تقديرين؛ كنقل المتاع في يوم بعينه بأجرة وفي) يوم (آخَرَ ب( أُجرة (أُخرى، أو) جَعَل أجرتين إحداهما (في الخياطة الرومية، وهي التي بدَرزَين و الأخرى على الخياطة (الفارسية، وهي التي بواحد، فالأقرب الصحة)

لأن كلا الفعلين معلوم وأجرته معلومة، والواقع لا يخلو منهما؛ ولأصالة الجواز. ويُشكل بمنع معلوميَّته؛ إذ ليس المستأجرُ عليه المجموع ولا كل واحد وإلا لوجبا، فيكون واحداً غير معيَّن، وذلك غَرَرٌ مُبطِلٌ لها، كالبيع بثمنين على تقديرين، ولو تُحمّل مثل هذا الغرر لَزِم مثله في البيع بثمنين؛ لاشتراكهما في العقد اللازم المشتمل على المعاوضة. نعم، لو وقع ذلك جعالة توجهت الصحة؛ لاحتمالها من الجهالة ما

لاتحتمله الإجارة ولو) شَرَط عدم الأجرة على التقدير الآخر لم تصح (2) في مسألة النقل في اليومين، وتثبت أجرة المثل على المشهور. ومستند الحكمين خبران: أحدهما صحيح، (3)

ص: 18


1- انظر شرائع الإسلام، ج 2، ص 142؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 129، الرقم 4292.
2- وثبتت له أجرة المثل إن جاء به في المعين، وإلا فلا شيء(زين رحمه الله).
3- الخبر الصحيح ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر قال: سمعته يقول: «كنت جالساً عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إنّي تكاريت هذا على أن يوافيني السوق يوم كذا وكذا وأنّه لم يفعل. قال: فقال: ليس له كر قال: فدعوته وقلت له: يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه، وقلت للأجير: ليس لك أن تأخذ كل الذي عليه اصطلحا بينكما. وهذا الخبر كما ترى ليس فيه تعرّض لما عدا اليوم المعين بالأجرة ولا بغيرها، وكذلك ليس في كلام الإمام(علیه السلام) أنّ اللازم في غيره اجرة المثل أو غيره، ومعد فما تضمنه الخبر من الحكم لايوافق القواعد الشرعية ؛ لأن اللازم من بقية العمل في اليوم المعين والسكوت من غيره أنه لايستحق في غيره أجرة كما ذلك القاضي إلا أن نفرض اطلاعه(علیه السلام) على ما يوجب بطلان الإجارة، فحكم عليهما بالاصطلاح؛ لأن الثابت حينئذ أُجرة المثل وهي خارجة عن المعين (أي الأجرة المعينة والتذكير باعتبار العوض) كما أشار إليه في كلامه(علیه السلام) لهما. (منه رحمه الله) و تهذيب الأحكام، ج 7، ص 214، ح 941

وليس بصريح في المطلوب، والآخرُ ضعيف أو موثق، (1) فالرجوع فيهما إلى الأصول الشرعيَّة أولى.

وللمصنف (رحمه الله) في الحكم الثاني بحث نبه عليه بقوله (وفي ذلك نظر؛ لأنّ قضيَّةَ كلُّ إجارة المنع من نقيضها، فيمكن أن يُجعَل موردُ الإجارة هنا القسم الذي فُرِض فيه أجرة، والتعرّضُ للقسم الآخر الخالي عنها تعرّضاً في العقد لحكم نقيضه، فإنّ قضيَّة الإجارة بالأجرة المخصوصة في الزمن المعيَّن حيث يُطلق، عدم استحقاق شيء لو لم ينقل أو نقل في غيره، فيكون) على تقدير اشتراط عدم الأجرة لو نقله في غير المعيَّن ( قد شَرَط قضيَّةَ العقد فلم تبطل الإجارة (في مسألة النقل، أو في غيرها ممّا شارَكَها في هذا المعنى، وهو اشتراط عدم الأجرة على تقدير مخالفة مُقتضى الإجارة الخاصة.

غاية ما في الباب أنّه إذا أخل بالمشروط) وهو نقله في اليوم المعيَّن (يكون البطلان منسوباً إلى الأجير ) حيث فوت الزمان المعيَّن ولم يفعل فيه ما شُرِط عليه فلا يستحق شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استُؤجر عليه، ولا يكون البطلان (حاصلاً من جهة العقد)، فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير وإثبات أجرة المثل، بل

ص: 19


1- وجه الترديد بين كون الخبر ضعيفاً أو موثقاً أن في طريقه منصور بن يونس بُزُرج وكان واقفياً إلا أن النجاشي مع ذلك وثقه رجال النجاشي، ص 413، الرقم 1100] وغيره ردّ روايته ؛ والعلّامة (رحمه الل-ه) ق-ال: الوج-ه ( عندي التوقف فيما يرويه خلاصة الأقوال، ص 408، الرقم 1650] فعلى قول النجاشي هو من الموثق، وعلى قول غيره هو من الضعيف، خصوصاً على ما ذكره الكشي من أنّ سبب وقوفه أموال كانت في يده للكاظم فجحد النص للرضا لذلك اختيار معرفة الرجال، ص 468. ح893] هذا من حيث السند، وأما من حيث الدلالة فهي صريحة في حكم المسألتين معاً وهما ما لو جعل للقسم الآخر أجرة وما لو شرط إسقاط ماله رأساً و لفظ الرواية عن الحلبي قال: كنت قاعداً إلى قاض وعنده أبو جعفر فأتاه رجلان فقال أحدهما: إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ؛ لأنها سوق وأتخوّف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت عن الكرى يوم احتبست كذا كذا، وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً. فقال القاضي: هذا شرط فاسد وقد كراه، فلما قام الرجل أقبل إلي أبو جعفر فقال: «هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه». منه رضوان الله عليه وقدّس سرّه) و تهذيب الأحكام، ج 7، ص 214 ، ح 940.

اللازم عدم ثبوت شيء وإنْ نَقَل المتاعَ إلى المكان المعيَّن في غير الزمان؛ لأنّه فَعَلَ ما لم يُوْمَر به ولا استؤجر عليه.

وهذا النظر ممّا لم يتعرض له أحد من الأصحاب ولاذكره المصنف في غير هذا الكتاب. وهو نظر،موجه إلّا أنّه لا يَتِمّ إلّا إذا فُرِض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن المعيَّن، وماخرج عنه خارج عنها، وظاهرُ الرواية، (1) وكلام الأصحاب أنّ مورد الإجارة كلا القسمين، ومِن ثَمّ حكموا بصحتها مع إثبات الأجرة على التقديرين؛ نظراً إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعيَّنةُ المشتملة على الأجرة المعيَّنة وإن تعددت واختلفت؛ لانحصارها وتعينها كما تقدم، وبطلانها على التقدير الآخر. ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصَّةً - وهو النقل في الزمن المعيَّن - لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره أولى؛ لأنّه خلاف قضيَّة الإجارة وخلاف ما تعلقت به، فكان أولى بثبوت أُجرة المثل. وجعلُ القسمين متعلَّقها على تقدير ذكر الأُجرة، والأوّل خاصة على تقدير عدمه

في الثاني مع كونه خلاف الظاهر، موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.

ويمكن الفرق بكون تعيين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها وهو الأُجرة فيهما، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم ، وحينئذٍ فتنزيله على شرط قضيَّة العقد أولى من جعله أجنبياً مفسداً للعقد بتخلّله بين الإيجاب والقبول.

(ولابدّ) في صحة الإجارة على وجه اللزوم(من) كون المنفعة مملوكةً (له أي للمؤجر (أو لمُوَلّاه)، وهو من يدخُل تحت ولايته ببنوةٍ أو وصايةٍ أو حكم (سواء كانت مملوكةً) له (بالأصالة)، كما لو استأجر العين فَمَلك منفعتها بالأصالة لابالتبعية للعين ثمّ آجَرَها، أو أُوحِيَ له بها، (أو بالتبعية) لملكه للعين.

(وللمستأجر أن يُؤجر) العين التي استأجرها إلّا مع شرط) المؤجر الأول عليه

ص: 20


1- تقدم تخريجه في ص 18، الهامش 4.

(استيفاء المنفعة بنفسه، فلايصح له حيثنذٍ أن يؤجر، إلا أن يشترط المستأجرُ الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه فيصح أن يؤجر أيضاً؛ لعدم منافاتها لشرط المؤجر الأوّل، فإنّ استيفاءه المنفعة بنفسه أعم من استيفائها لنفسه.

وعلى تقدير جواز إيجاره لغيره هل يتوقف تسليم العين على إذن مالكها ؟ قيل: نعم؛ (1) إذ لايلزم من استحقاقه استيفاء المنفعة والإذن له في التسلّم جواز تسليمها لغيره، فيَضمَن لو سلَّمها بغير إذن.

وقيل: يجوز تسليمها من غير ضمان؛ (2) لأنّ القبض من ضرورات الإجارة للعين وقد حُكم بجوازها، والإذن في الشيء إذن في لوازمه. وهذا هو الذي رجحه المصنف في بعض حواشيه، (3) وفيه قوة، ويؤيده صحيحة علي بن جعفر عن أخيه في عدم ضمان الدابَّة المستأجرة بالتسليم إلى الغير، (4) وغيرها أولى.

(ولو آجَرَ الفضولي فالأقرب الوقف على الإجازة) كما يقف غيرها من العقود، وخصَّها بالخلاف؛ لعدم النصّ فيها بخصوصه، بخلاف البيع فإنّ قصَّة عروة البارقي مع النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) في شراء، (5) الشاة تدلّ على جواز بيع الفضولي وشرائه، فقد يقال باختصاص الجواز بمورد النص، (6) والأشهر توقفه على الإجازة مطلقاً.

(ولابد من كونها أي المنفعة ( معلومةً إمّا بالزمان) فيما لا يمكن ضبطه إلا به (كالسكنى) والإرضاع)، (وإما به أو بالمسافة) فيما يمكن ضبطهُ بهما (كالركوب)،

ص: 21


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 467؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 287.
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 115، المسألة 12.
3- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 125.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 215، ح 942.
5- المعجم الكبير ، الطبراني ، ج 17 ، ص 160 . ح 421 ؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 578 ، ح 29/2787 30/2788.
6- حيث أمره النبي صلى الله عليه آله وسلم بشراء شاة بدينار فاشترى شاتين به ثم باع إحداهما به ورده مع الأخرى، فأجازه النبي صلی الله علیه وآله وسلم(منه رحمه الله).

فإنّه يمكن ضبطهُ بالزمان کرکوب شهر وبالمسافة كالركوب إلى البلد المعيَّن، وإما به أو بالعمل كاستئجار الآدمي لعمل (كالخياطة)، فإنّه يمكن ضبطه بالزمان كخياطة ،شهر وبالعمل كخياطة هذا الثوب. (ولو) جَمَع بين المدَّة والعمل كخياطة الثوب في هذا اليوم، فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق، (1) بين العمل والزمان بحيث يبتدئ بابتدائه وينتهي بانتهائه؛ لأنّ ذلك ممّا لايتفق غالباً، بل يمكن انتهاء الزمان قبل انتهاء العمل وبالعكس، فإن أمر بالإكمال في الأوّل لَزِم العمل في غير المدَّة المشروطة، وإلا كان تاركاً للعمل الذي وقع عليه العقد، وإن أُمِر في الثاني بالعمل إلى أن تنتهي المدَّةُ، لَزِم الزيادة على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في المدة المشروطة.

ولو قصد مجرَّدَ وقوع الفعل في ذلك الزمان صح مع إمكان وقوعه فيه، ثم إن وقع فيه مَلَك الأجرة لحصول ،الغرض، وإن خرجت المدَّةُ ،قبله، فإن كان قبل الشروع فيه بطلت، وإن خرجت في أثنائه استحق المسمّى لما فعل.

وفي بطلانها في الباقي، أو تخير المستأجر بين الفسخ في الباقي أو الإجازة فيُكمل خارجه ويستحق المسمّى، وجهان. وقيل: يستحق مع الفسخ أجرةً مثل ما عَمِل، لا المسمّى، (2) والأوسط أجود.

(ولا) يَعمَل الأجيرُ (الخاص وهو الذي يُسْتَأْجَرُ للعمل بنفسه مدَّةً معيَّنةً حقيقةً أو حكماً؛ كما إذا استُؤجر لعمل معيَّن أوّلُ زمانه اليوم المعيَّن بحيث لايَتَوانى فيه بعده (لغير المستأجر) (3) إلا بإذنه؛ لانحصار منفعته فيه بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنّهار أما غيره كاللّيل، فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يُؤَدِّ

ص: 22


1- المراد ب-«التطبيق» انتهاء الزمان بانتهاء العمل الواقع فيه، بحيث يكون آخر جزء من الزمان آخر جزء من العمل(زین رحمه الله).
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 86، الرقم 4209.
3- فإن عمل من دون الإذن تخير المستأجر بين الفسخ والمطالبة بأجرة المثل، أو المسمى الثاني له أو لمستأجره. (زین رحمه الله).

إلى ضعف في العمل المستأجر عليه.

وفي جواز عمله لغيره - في المعيَّن - عملاً لاينافي حقه كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقه، وجهان: من التصرف في حق الغير. وشهادة الحال. ومثله عمل مملوكِ غيره كذلك. وباعتبار هذا الانحصار سُمّي خاصاً؛ إذ لايمكنه أن يُشرك غير من استأجره في العمل في الزمان المعهود. فإن عَمِلَ لغيره في الوقت المختص فلايخلو إما أن يكون بعقد إجارة أو جعالة أو تبرّعاً؛ ففى الأوّل يتخيَّر المستأجر بين فسخ عقد نفسه؛ لقوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها، وبين ،إبقائه، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبل أن يَعمَل الأجيرُ

شيئاً فلاشيء عليه، وإن كان بعده تبَعَضت الإجارة، ولَزِمَه من المسمّى بالنسبة. وإن بَقِيَ على الإجارة تخيَّر في فسخ العقد الطارئ وإجازته؛ إذالمنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضولي، فإن فَسَخه رجع إلى أُجرة المثل عن المدة الفائتة؛ لأنها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة وقد أتلف عليه، ويتخيّر في الرجوع بها على الأجير؛ لأنه المباشر للإتلاف، أو المستأجر؛ لأنه المستوفي. وإن أجازه ثبت له المسمّى فيه، فإن كان قبل قبض الأجير له فالمُطالب به المستأجِرُ؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضولي باع مِلْك غيره فأجاز المالك، فإنّ الفضولي لا يُطالب بالثمن، وإن كان بعد القبض وكانت الأجرة معيَّنة، فالمُطالب بها مَن هي في يده، وإن كانت مطلقةً فإن أجاز القبض أيضاً فالمُطالب الأجير وإلّا المستأجر، ثمَّ المستأجر يرجع على الأجير بما قبض مع جهله، أو عليه وبقاء العين. وإن كان عمله بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى و عدمه فيَرجِع باجرة المثل وإن عَمِل تبرعاً وكان العمل ممّا له أجرة في العادة، تخيّر مع عدم فسخ عقده بين مطالبة من شاء منهما بأجرة المثل، وإلا فلاشيء. وفي معناه عمله لنفسه.

ولو حاز شيئاً من المباحات بنيَّة التملك مَلَكَه، وكان حكم الزمانِ المصروفِ في

ذلك ما ذكرناه.

ص: 23

(ويجوز للمطلق) وهو الذي يُستأجر لعمل مجرَّدٍ عن المباشرة مع تعيين المدة كتحصيل الخياطة يوماً، أو عن المدَّة مع تعيين المباشرة، كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّض إلى وقت أو مجرَّدٍ عنهما كخياطة ثوب مجرَّد عن تعيين الزمان. وسُمِّي مطلقاً؛ لعدم انحصار منفعته في شخص معيَّن، فمِن ثُمَّ جاز له أن يعمل لنفسه وغيره. وتسميته بذلك أولى من تسميته مشتركاً،كما صنع غيرها، (1) لأنه في مقابلة المقيَّد وهو الخاص، ويُباين هذا الخاص باعتباراته الثلاثة؛ إذالأوّل مطلق بالنسبة إلى المباشر، والثاني بالنّسبة إلى المدَّة، والثالث فيهما معاً.

وللمصنّف (رحمه الله) قول بأنّ الإطلاق في كل الإجارات يقتضي التعجيل، وأنه تجب المبادرة إلى ذلك الفعل، فإن كان مجرَّداً عن المدَّة خاصةً فبنفسه، وإلا تخيَّر بينه وبين غيره، وحينئذٍ فيقع التنافي بينه وبين عمل آخَرَ في صورة المباشرة. وفرع عليه عدم صحة الإجارة الثانية في صورة التجرّد عن المدَّة مع تعيين المباشرة، كما مُنِع الأجيرُ الخاص، (2) ويُرشد إليه ما تقدَّم في الحج من عدم صحة الإجارة الثانية مع اتحاد زمان الإيقاع نصاً أو حكماً، كما لو أُطلق فيهما، أو عين في إحداهما بالسنة الأولى وأُطلِق فى الأخرى. وما ذكره أحوط، لكن لا دليل عليه إن لم نقل باقتضاء مطلق الأمر الفور. (وإذا تسلَّم) المستأجرُ العين ومضت مدة يمكن فيها الانتفاع بها فيما استأجرها له (استقرّت الأجرة) وإن لم يستعملها. وفي حكم التسليم ما لو بَذَل المؤجر العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدَّة أو مضت مدة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأُجرة.

(ولابدّ من كونها أي المنفعة (مباحةً، فلو استأجره لتعليم كفر أو غناء) ونحوه من المعلومات الباطلة (أو) حمل مسكرٍ بطل العقد. ويُستثنى من حمل المسكر الخمرُ

ص: 24


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 290.
2- حاشية القواعد، ص 362 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

بقصد الإراقةِ أو التخليلِ، فإنّ الإجارةَ لهما جائزة.

(و أن يكون مقدوراً على تسليمها، فلاتصح إجارةُ الآبق): لاشتمالها فيه على الغرر، (وإن ضَمَّ إليه) شيئاً متمولاً (أمكن الجواز) (1)كما يجوز في البيع، لا بالقياس بل لدخولها في الحكم بطريق أولى؛ (2) لاحتمالها من الغرر ما لايحتمله، وبهذا الإمكان أفتى المصنف في بعض فوائده، (3) ووجه المنع فقد النص المجوز هنا، فيُقتصر فيه على مورده وهو البيع، ومنع الأولوية. وعلى الجواز هل يُعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع، أم يكفي كلُّ واحد منهما في كلّ واحد منهما؟ أوجه من حصول المعنى في كل منهما. ومن أنّ الظاهر ضميمةُ كلِّ شيء إلى جنسه، وقوّى المصنِّفُ الثاني، (4)

ولو آجَرَه ممّن يقدر على تحصيله صح من غير ضميمة. ومثله المغصوب لو آجره

الغاصب أو من يتمكن من قبضه. (ولو طرأ (المنع من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما أُوجِرت له، فإن كان المنعُ قبل القبض فله الفسخ ؛ لأنّ العينَ قبل القبض مضمونةٌ على المؤجر فللمستأجر الفسخ عند تعذرها، ومطالبة المؤجر بالمسمّى؛ لقوات المنفعة، وله الرضى بها وانتظار

زوال المانع، أو مطالبة المانع بأجرة المثل لو كان غاصباً، بل يُحتمل مطالبة المؤجر أيضاً؛ لكون العين مضمونةٌ عليه حتى يُقبض، ولا يسقط التخييرُ بزوال المانع في أثناء

المدة؛ لأصالة بقائه. (وإن كان المنع (بعده) أي بعد القبض (فإن كان تلفاً بطلت الإجارة؛ لتعذُر تحصيل المنفعة المستأجر عليها، وإن كان غصباً) لم تبطل لاستقرار العقد بالقبض

ص: 25


1- لا، (زین رحمه الله).
2- أي إذا جاز في البيع الذي يشترط فيه التعيين من جميع الوجوه جاز في الإجارة التي ليس التعيين فيها شرطاً من جميع الوجوه بطريق أولى(منه رحمه الله).
3- حاشية القواعد، ص 358 - 359 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
4- حاشية القواعد، ص 359 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

وبراءة المؤجر، والحال أنّ العين موجودة يمكن تحصيل المنفعة منها، وإنما المانع عارض و (رجع المستأجرُ على الغاصب، (1) بأجرة مثل المنفعة الفائتة في يده، ولافرق حينئذ بين وقوع الغصب في ابتداء المدَّة وخلالها، والظاهر عدم الفرق بين كون الغاصب المؤجر وغيره. (ولو ظهر في المنفعة عيب فله الفسخ، (2) لقوات بعض المالية بسببه فيُجبر

بالخيار؛ ولأن الصبر على العيب ضررٌ منفي، (3) (وفي الأرش) لو اختار البقاء على الإجارة (نظر)؛ من وقوع العقد على هذا المجموع وهو باقٍ، فإما أن يفسخ أو يَرضَى بالجميع. ومن كون الجزء الفائت أو الوصفِ مقصوداً للمستأجر ولم يحصل، وهو يستلزم نقص المنفعة التي هي أحد العوضين فيُجبَر بالأرش، وهو حسن.

وطريق معرفته أن يُنظر إلى أجرةِ مثل العين سليمةٌ ومَعِيبةً، ويُرجَع من المسمّى

بمثل نسبة المعيبة إلى الصحيحة.

وإن اختار الفسخَ وكان قبل مُضيّ شيء من المدَّة فلا شيء عليه، وإلا فعليه من

المسمّى بنسبة ما مضى إلى المجموع.

(ولو طرأ) العيب(بعد العقد فكذلك كانهدام المسكن) وإن كان بعد استيفاء شيء من منفعة، ولايمنع من ذلك كونُ التصرف مُسقِطاً للخيار؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلقت به المعاوضة وهو هنا المنفعة، تَتَجدَّدُ شيئاً وهي فشيئاً، وما لم يَستَوفِه منها لايتحقق فيه التصرُّفُ.

وإنما يتخيَّر مع انهدام المسكن إذا أمكن الانتفاع به وإن قل، أو أمكن إزالة المانع وإلّابطلت.

ولو أعاده المؤجِرُ بسرعة بحيث لايفوت عليه شيءٌ معتدّبه، ففي زوال الخيار نظر : من زوال المانع وثبوتِ الخيار بالانهدام فيستصحب، وهو أقوى.

ص: 26


1- ولايجب على المالك الانتزاع من الغاصب وإن تمكن (زين رحمه الله).
2- مخيّر بين الفسخ والأرش مع فوات بعض المنفعة(زين رحمه الله).
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164 ، ح 727.

(ويُستحبُّ أن يقاطع من يستعمله على الأجرة أولاً)؛ للأمر به في الأخبار، فعن الصادق علیه السلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايستعملن أجيراً حتى يُعلمه ما أَجرُه»، (1) وعن الرضا(علیه السلام) لأنّه ضَرَب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة وقال: «إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على أُجرته إلا ظنّ أنّك قد نَقصته أجرته، وإذا قاطعته ثمّ أُعطيته أجرتَه حَمَدك على الوفاء، فإن زدته حبَّةٌ عَرَف ذلك لك، ورأى أنك قدزدته» (2) (وأن يوفِّيه) أجرته(عقيب فَراغه من العمل، قال الصادق(علیه السلام) في الحمّال والأجير: «لا يَجُفٌ عرقه حتى تُعطيه أجرته»، (3) وعن حنان بن شعيب قال تكارينا لأبي عبد الله قوماً يعملون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر، فلمّا فَرَغوا قال لمُعَتِّب: «أَعْطِهم أجورهم قبل أن يَجُفٌ عرقهم» (4)

(ويُكرَه أن يُضمَّن) أي يُغرَّم عِوَضَ ما تَلِف بيده بناءً على ضمان الصانع ما يتلف بيده، أو مع قيام البينة على تفريطه، أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجه عليه لو قضينا بالنكول (إلّا مع التهمة)، (5)له بتقصيره على وجه يوجب الضمان.

مسائل

المسألة الأولى

من تقبَّل عملاً فله تقبيله غيرَه بأقلِّ) مما تَقَبّله به (على

ص: 27


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 211. ح 931.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 212، ج 932.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 211 ، ح 929.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 211، ح 930. فيه: عن حنان عن شعيب.
5- كأن يشهد شاهدان على تفريطه وهو غير متهم فيكره تضمينه. هذا على مذهب جمال الدين بعدم تضمين الأجراء إلا لتفريط عنده، أما على مذهب كثير من الأصحاب فالأمر ظاهر : لأنّ قضيّة الصُنّاع والملاحين وأشباههم الضمان لما في أيديهم، إلا أن يقوم البينة بما تنفيه، فحينئذ يكره تضمينهم مع التلف إلا مع التهمة. وأما من فسّر باشتراط الضمان في العقد فليس ؛ إذ اشتراط الضمان فاسد قطعاً، سواء كان هناك تهمة أو لا(زين رحمه الله).

الأقرب) لأصالة الجواز، وما ورد من الأخبار دالاً على النهي عنه (1) يُحمل على الكراهة، جمعاً بينها وبين ما يدلّ على الجواز، (2)

هذا إذا لم يُشترط عليه العمل بنفسه، وإلا فلاإشكال في المنع، وإذا لم يُحدِث فيه

حَدَثاً وإنْ قل، (ولو أحدث فيه حدثاً، فلا بحث) في الجواز؛ للاتّفاق عليه حينئذ. وعلى تقدير الجواز، فالمشهور اشتراط إذن المالك في تسليم العين للمتقبل؛ لأنّها مال الغير، فلايصح تسليمه لغيره بغير إذنه، وجواز إجارته لاينافيه، فيستأذن المالك فيه، فإن امتنع رَفَع أمره إلى الحاكم، فإن تعذَّر ففي جوازه بغير إذنه أو تسلّطه على الفسخ وجهان، وجواز التسليم بغير إذنه مطلقاً - خصوصاً إذا كان

المتقبّل ثقةً - قوي.

المسألة الثانية

(لو استأجر عيناً فله إجارتها بأكثر مما استأجرها به) للأصل، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود، (3) وقيل بالمنع إلا أن تكون إجارتُها (بغير جنس الأجرة أو يُحدِثَ فيها صفةً كمال)،(4) استناداً إلى روايتين ظاهرتين في الكراهة، (5)وإلى استلزامه الربا. وهو ضعيف؛ إذ لامعاوضة على الجنس الواحد.

المسألة) الثالثة

إذا فرَّط في العين المستأجرة (ضَمِن قيمتَها يوم التفريط)،

: تعلُّقها بذمته، كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب. هذا قول الأكثر. (والأقرب) ضمان قيمتها (يوم التلف)؛ لأنه يوم الانتقال إلى القيمة لا قبله وإنْ حُكم بالضمان؛ لأنّ المفروض بقاءُ العين فلا ينتقل إلى القيمة. وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة ، أما لو كان بسبب نقص في العين، فلا شبهة في ضمانه.

ص: 28


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 210 - 211 ، ح 923 و 927.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 210 - 211 ، ح 925 و 928.
3- المائدة (5) 1.
4- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 142.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 204، ح 899 و 900.

(ولو اختلفا في القيمة حَلَف الغارم)؛ لأصالة عدم الزيادة؛ ولأنه منكر. وقيل:

القول قول المالك إن كانت دابةً، (1) وهو ضعيف.

المسألة الرابعة

مؤونة العبد أو الدابَّة على المالك لاالمستأجر؛ لأنّها تابعة للملك، وأصالة عدم وجوبها على غير المالك. وقيل: على المستأجر مطلقاً، (2) وهو ضعيف. ثمّ إن كان المالك حاضراً عندها أنفق، وإلا استأذنه المستأجر في الإنفاق ورجع عليه. (ولو أنفق عليه المستأجر بنيَّة الرجوع على المالك (صح مع تعذر إذن المالكِ(أو الحاكم) وإنْ لم يُشهد على الأقوى، ولو أهمل مع غيبة المالك ضَمِن لتفريطه، إلا أن ينهاه المالك.

(ولو استأجر أجيراً ليُنفذه في حوائجه ، فنفقته على المستأجر في المشهور) استناداً إلى رواية سليمان بن سالم عن الرضا(علیه السلام) (3) ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه.

-م-

والأقوى أنّه كغيره لا تجب نفقته إلا مع الشرط، وتُحمّل الرواية مع سلامة سندها - عليه، واستحقاق منافعه لا يَمنَع من وجوب النفقة في ماله الذي من جملته الأجرة. وحيث يُشترط فيه وفي غيره من الحيوان على المستأجر يُعتبر بيان قدرها ووصفها، بخلاف ما لو قيل بوجوبها عليه ابتداءً، فإنّه يكفي القيام بعادة أمثاله.

المسألةالخامسة

لايجوز إسقاط المنفعة المعيَّنة) أي الإبراء منها سواء كان بلفظ الإسقاط أم الإبراء أم غيرهما من الألفاظ الدالة عليه؛ لأنه عبارة عن إسقاط ما في الذمة، فلايتعلّق بالأعيان ولا بالمنافع المتعلقة بها.

ص: 29


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 446.
2- قال به العلامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 425.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 212 ، ح 933.

(ويجوز إسقاط) المنفعة (المطلقة) المتعلقة بالذمة وإن لم يستحق المطالبة بها.

(و) كذا (الأجرة) يصح إسقاطها إن تعلَّقت بالذمة، لا إن كانت عيناً. (وإذا تسلَّم أجيراً) ليعمل له عملاً (فتَلِف لم يَضمن) صغيراً كان أم كبيراً، حراً كان

أم عبداً؛ لأنّه قبضه لاستيفاء منفعة مستحقة لا يمكن تحصيلها إلا بإثبات اليد عليه، فكان أمانةً في يده ولا فرق بين تلفه مدَّةَ الإجارة ،وبعدها، إلا أن يَحبِسه مع

. الطلب بعد انقضاء المدَّة فيصير بمنزلة المغصوب وسيأتي إن شاء الله، (1) أنّ الحر البالغ لايُضمن مطلقاً، وما عليه من الثياب تابع له، ولو كان صغيراً أو عبداً ضَمِنه.

المسألة السادسة

كلّ مايتوقّف عليه تَوفِيةُ المنفعة فعلى المؤجر، كالقَتَب والزمام والحزام والسرج أو البردعة، ورفع المَحمِل والأحمال وشدها وحطها. والقائد والسائق إن شُرط مصاحبته (والمِدادِ في النسخ): لتوقف إيفاء المنفعة الواجبة عليه بالعقد اللازم، فيجب من باب المقدمة.

والأقوى الرجوع فيه إلى العرف فإن انتفى أو اضطَرَب فعلى المستأجر؛ لأنّ الواجب على المؤجر إنّما هو العمل؛ لأنّ ذلك هو المقصود من إجارة العين أمّا الأعيان فلاتدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب إذهابها لأجلها، إلا في مواضع نادرةٍ تثبت على خلاف الأصل، كالرّضاع والاستحمام ومثله الخيوط للخياطة والصّبعُ للصباغة والكُش،(2) للتلقيح.

(و) كذا يجب على المؤجر (المفتاح في الدار)؛ لأنّه تابع للغَلَقِ المثبَتِ الذي يدخُل في الإجارة، بل هو كالجزء منه وإن كان منقولاً، ومن شأن المنقول أن لايدخل في إجارة العقار الثابت وأمّا مفتاح القفل فلايجب تسليمه كما لايجب تسليم القفل؛

لانتفاء التبعية عرفاً.

ص: 30


1- يأتي في ج 4، ص 47 كتاب الغصب.
2- الكُش بالضمّ: ما يلقح به النخل القاموس المحيط، ج 2، ص 418، «کشش».

المسألة السابعة

لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكِرلها، سواء كان هو المالك أم غيره؛ لأصالة عدمها.

ثمّ إن كان النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رَجَع كل مال إلى صاحبه، وإن كان بعد استيفاء شيءٍ منها أو الجميعِ الذي يَزْعُم مَن يَدَّعي وقوع الإجارة أنه متعلَّق العقد وكان المنكرُ المالك، فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف وحلف استحق أجرة المثل وإن زادت عن المسمّى بزعم الآخر، ولو كان المتصرف يَزْعُم تعيّنها في مالٍ مخصوص وكان من جنس النقد الغالب لَزِم المالك قبضه عن أجرة المثل، فإن ساواها أخذه، وإن نقص وجب على المتصرف الإكمال، وإن زاد صار الباقي مجهول المالك لزعم المتصرّف استحقاق المالك له وهو ينكر ، وإن كان مغايراً له ولم يَرْضَ المالك به وجب عليه الدفع من الغالب، وبَقِي ذلك بأجمعه مجهولاً، ويضمن العين بإنكار الإذن، ولو اعتَرَف به فلا ضمان

وإن كان المنكر المتصرف وحلف وجب عليه أجرةُ المثل، فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دفعه؛ لاعترافه باستحقاق المالك له، ووجب عليه دفعه إن لم يكن دَفَعه، وليس للمالك قبضه لاعترافه بأنه لا يستحق أزيد من المسمّى، وإن زاد المسمّى عن أجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه وسَقَط إن لم يكن، والعين ليست مضمونةً عليه هنا لاعتراف المالك بكونها أمانة

بالإجارة.

(و)لو اختلفا (في قدر الشيء المستأجَرِ) - بفتح الجيم - وهو العين المستأجرة، بأن قال «آجرتك البيت بمائة»، فقال بل الدار أجمع بها» (حلف النافي)؛ لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتفقا عليه. وقيل: يتحالفان وتَبطلُ الإجارة؛ (1)لأنّ كلّاً منهما مُدَّعٍ ومنكر.

ص: 31


1- قواه المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 7، ص 297.

(وفي رد العين حلف المالكُ)؛ لأصالة عدمه، والمستأجر قبض لمصلحة نفسه،

فلا يُقبل قوله فيه مع مخالفته للأصل.

(وفي هَلاك المتاع المستأجر عليه حلف الأجيرُ)؛ لأنه أمين، ولإمكان صدقه فيه، فلو لم يُقبل قوله فيه لزم تخليده الحبس ولا فرق بين دعواه تلفه بأمرٍ ظاهر كالفرق أو خفي كالسَرَق.

(وفي كيفية الإذن في الفعل ( كالقباء والقميص) بأن قطعه الخياط قباء، فقال المالك أمرتك بقطعه قميصاً» (حلف المالك)؛ لأنّه منكرٌ لِما يَدَّعيه الخياط من التصرف في ماله، والأصل عدم ما يدَّعيه الخياط من الإذن، ولقبول قول المالك ف--ي أصل الإذن فكذا في صفته؛ لأنّ مرجع هذا النزاع إلى الإذن؛ على وجه مخصوص. وقيل : يَحلف الخياط لدعوى المالك عليه ما يوجب الأرش، والأصل عدمه،(1) وعلى المختار إذا حلف المالكُ ثَبَتَ على الخياط أرشُ الثوب ما بين كونه مقطوعاً قميصاً وقَباءً، ولا أُجرة له على عمله، وليس له فتقه ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك؛ إذ لا عين له يَنزَعُها، والعمل ليس بعين وقد صدر عدواناً ظاهراً. ولو كانت الخيوط للخياط فالأقوى أنّ له نَزْعَها كالمغصوب، ووجه المنع استلزامه

التصرف في مال الغير. ولو طلب المالك أن يَشُدّ فى طرف كلِّ خَيطٍ منها خيطاً لتصير خيوطه في موضع خيوط الخياط إذا سَلَّها لم يجب إجابته؛ لأنه تصرّف في مال الغير يتوقف على إذنه، كما لا يجب عليه القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط.

(وفي قدر الأجرة حلف المستأجر)؛ لأصالة عدم الزائد. وقيل: يتحالفان كما لو اختلفا في قدر المستأجر؛ لأنّ كلا منهما مدع ومنكر،(2) وهو ضعيف؛ لاتفاقهما على وقوع العقد و مقدار العين والمدَّة، وإنّما تخالَفا على القدرِ الزائد عمّا يتفقان عليه، فيحلف منكره.

ص: 32


1- ال به الشيخ في كتاب الوكالة في الخلاف، ج 3، ص 348، المسألة 11.
2- قال به ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 474.

كتاب الوكالة

ص: 33

ص: 34

كتاب الوكالة

بفتح الواو وكسرها (وهي استنابةٌ في التصرّف بالذات؛ لئلا تَرِدَ الاستنابة في نحو القراض والمزارعة والمساقاة. وخرج بقيد الاستنابة الوصيَّةُ بالتصرف، فإنّها إحداث ولاية لا استنابة، وبالتصرف الوديعة، فإنّها استنابة في الحفظ خاصَّةً. وتفتقر إلى إيجاب وقبول؛ لأنها من جملة العقود وإن كانت جائزة. (وإيجابها «وكَلْتُك» أو «اسْتَنَبْتُك» أو ما شاكَلَه من الألفاظ الدالة على الاستنابة في التصرّف وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة في العقود، أو الاستيجاب (1) والإيجاب) كقوله : «وَكَّلْنى فى كذا» فيقول: «وكَّلْتُك» أو الأمرُ بالبيع والشراء)، كما دلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعروة البارقي : «اشترلناشاة» (2)

(وقبولها قولي) ك«قَبِلتُ» و «رَضِيتُ» وما أشبهه(وفعلي) كفعله ما أمره بفعله. (ولا يُشترط فيه) أي فى القبول (الفوريَّةُ)، بل يجوز تراخيه عن الإيجاب وإن طالت المدَّةُ (فإنّ الغائبَ يُوَكَّل) والقبولُ متأخّرٌ. وكأن جواز توكيل الغائب موضعُ، وفاق، فلذا جعله شاهداً على الجواز، وإلّا فهو فرع المدَّعَى. ويُشترط فيها التنجيز)، فلو عُلِّقت على شرطٍ مُتَوقَّع كقدوم المسافر، أو صفةٍ

مُتَرَقِّبة كطلوع الشمس لم يَصح.

ص: 35


1- الاستيجاب هو استدعاء الوكالة أولاً، مثل أن يقول: «وكلني»، فيقول: «نعم». (زین رحمه الله).
2- تقدّم تخريجه في ص 21، الهامش 5.

وفي صحّة التصرّف بعد حصول الشرط أو الصفة بالإذن الضمني قولان،(1) منشؤهما كون الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد، أما الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا، كما لو شَرَط في الوكالة عِوَضاً مجهولاً فقال «بغ كذا على أنّ لك العُشر من ثمنه»، فتفسد الوكالة دون الإذن؛ ولأنّ الوكالة أخصُّ من مطلق الإذن، وعدم الأخصّ أعم من عدم الأعم. وأنّ الوكالة ليست أمراً زائداً على الإذن، وما يزيد عنه من مثل الجُعل أمر زائد عليهما؛ لصحتها بدونه، فلا يُعقل فسادها مع صحته. ( ويصح تعليق التصرّف مع تنجيز الوكالة، بأن يقول وكلتُك في كذا ولا تَتَصَرَّف إلا بعد شهر»؛ لأنه بمعنى اشتراط أمرٍ سائغ زائدٍ على أصلها الجامع لشرائطه التي من جملتها التنجيز وإن كان في معنى التعليق؛ لأنّ العقودَ المُتَلَقَّاةَ من الشارع منوطة بضوابط، فلاتقع بدونها وإن أفاد فائدتها. (وهي جائزة من الطرفين)، فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر وغيبته، لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقاً، ولو عزله الموكَّلُ (اشتُرِط علمُه) بالعزل، فلاينعزل بدونه في أصح الأقوال، (2)

والمراد بالعلم هنا بلوغه الخبرُ بقولِ مَن يُقبَل خبرُه وإنْ كان عدلاً واحداً؛ لصحيحة هشام بن سالم عن الصادق(علیه السلام) (3)، ولاعبرة بخبر غيره وإن تعدَّد، ما لم يحصُل به العلمُ أو الظن المُتاخِمُ له. (ولايكفي في انعزاله (الإشهاد) من الموكَّل على عزله على الأقوى؛ للخبر السابق، خلافاً للشيخ،(4) وجماعة، (5).

ص: 36


1- استقرب الصحة العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 15، ص 15 المسألة 649: وعدمها فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 334.
2- ذهب إليه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 24، الرقم 4054 : واختار الشيخ الانعزال في النهاية، ص318.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 213، ح 503.
4- النهاية. ص 318.
5- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 338؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 283؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 93.

(و) حيث كانت جائزةً (تبطُل بالموت والجنون والإغماء) من كل واحد منهما سواءٌ طال زمانُ الإغماء أم قَصُر، وسواءٌ أطبق الجنون أم كان أدواراً، وسواءٌ عَلِم الموكَّلُ بعروض المبطل أم لم يعلم. وبالحجر على الموكل فيما وَكَّل فيه بالسَفَه والفَلَسِ ؛ لأنّ مَنْعَه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه، وفي حكم الحجْرِ طروءُ الرقّ على الموكل بأن كان حربيّاً ،فاستُرقّ، ولو كان وكيلاً صار بمنزلة

توكيل عبد الغير.

و (لا) تبطل (بالنوم وإنْ تَطاوَل) لبقاء أهليَّة التصرّف (ما لم يُؤَدِّ إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء لا من حيث النوم. ومثله الشكر، إلا أن يُشترط عدالته كوكيل الوكيل والوليّ.

وتبطل بفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة، كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه، وفي

حكمه فعله ما ينافيها كعتقه.

وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل، إلّا بنقصان عنه يُتَسامح بمثله عادةً كدرهم في مائة، وإلّا مع وجود باذل لأزيدمنه، فلايجوز الاقتصار عليه، حتى لو باع بخيار لنفسه فوجد في مدة الخيار باذلاً للزّيادة وجب عليه الفسخ إن تَناوَلت وكالته،له، إلّا أن يُعيّن له قدراً، فلايجب تحصيل الزائد وإنْ بُذل(حالا)، فلايجوز بالمؤجل مطلقاً، بنقد البلد، فإن اتحد تعيَّن، وإن تعدّد باع بالأغلب، فإن تساوت النقود باع بالأنفع للموكل، فإن استوت نفعاً تخيَّرَ.

(وكذا التوكيل (في الشراء) يقتضيه بثمن المثل حالاً بنقد البلد. (ولو خالف) ما اقتضاه الإطلاق أو التنصيص (ففضولي) يتوقف بيعه وشِراؤُه على

إجازة المالك.

(وإنّما تصح الوكالة فيما لايتعلّق غرضُ الشارع بإيقاعه من مُباشر بعينه كالعتقِ، فإنّ غرضَه فيه فكُ الرقبة، سواءٌ أحدثه المالك أم غيره، والطلاق) فإنّ غرضه منه رفعُ الزوجيَّة كذلك، ومثله النكاح ( والبيعُ) وغيرهما من العقود والإيقاعات.

ص: 37

(لا فيما يتعلّق) غرضه بإيقاعه من مُباشر بعينه.

و مرجع معرفة غرضه في ذلك وعدمه إلى النقل ولا قاعدةَ له لا تَنْخَرِم. وقد عُلِم تعلّق غرضه بجملة من العبادات؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلف ما أُمِر به، وانقياده وتذلله بفعل المأمور به، ولايحصل ذلك بدون المباشرة (كالطهارة)، فليس له الاستنابةُ فيها أجمع، وإن جاز في غسل الأعضاء ومسحها، حيث يعجز عن مباشرتها توليه النيَّةَ، ومثل هذا لايُعدّ توكيلاً حقيقياً، ومن ثم يقع ممن لايجوز توكيله كالمجنون، بل استعانة على إيصال المُطهّر إلى العضو كيف اتفق (والصلاة الواجبة في حال (الحياة)، فلايُستَناب فيها مطلقاً إلا ركعتا الطّواف حيث يجوز استنابةُ الحي في الحج الواجب، أو فيها خاصةً على بعض الوجوه.

واحترز ب«الواجبة عن المندوبة، فيصح الاستنابة فيها في الجملة كصلاة الطوافِ المندوب، أو في الحج المندوب وإن وجب، وصلاة الزيارة. وفي جواز الاستنابة في مطلق النوافل وجه.

وبالجملة، فضبط متعلّق غرض الشارع في العبادات وغيرها يحتاج إلى تفصيل ومستند نقلي.

(ولابدّ من كمال المتعاقدين بالبلوغ والعقل، فلايوكل ولايتوكَّل الصبي والمجنون مطلقاً، (وجواز تصرف الموكل) فلايوكل المحجور عليه فيما ليس له مباشرته. وخصّ الموكل؛ لجواز كون المحجور في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر علیه فيه من التصرّف كالسفيه والمفلس مطلقاً، والعبد بإذن سيده.

(و تجوز الوكالة في الطلاق للحاضر) في مجلسه (كالغائب) على أصح القولين،(1) لأنّ الطلاق قابل للنّيابة وإلا لما صح توكيل الغائب. ومنع الشيخ من توكيل الحاضر فيه،(2)

ص: 38


1- للقولين راجع القول الأصح هو قول ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 83 و 95؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 506-507 المسألة 187.
2- النهاية، ص 319.

استناداً إلى رواية (1) ضعيفةِ السند قاصرة الدلالة، (2)

(ولايجوز للوكيل أن يوكل إلا مع الإذن صريحاً) ولو بالتعميم، ك«اصْنَع ما شئتَ»، أو فحوى كاتّساع متعلّقها بحيث تدلّ القرائن على الإذن له فيه، كالزراعة في أماكن متباعدة لاتقوم إلا بمساعد، ومثله عجزه عن مباشرته وإن لم يكن متسعاً مع علم الموكَّل به، وتَرَفع الوكيل عمّا وُكِّل فيه عادةً، فإنّ توكيله حينئذٍ يدلّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم الموكل بترفعه عن مثله، وإلا لم يَجُز؛ لأنه مستفاد من القرائن ومع جهل الموكل بحاله ينتفي. وحيث أذن له في التّوكيل، فإن صرح له بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكَّل، لَزِمَه حكمُ مَن وَكَّله، فينعزل فى الأول بانعزاله؛ لأنّه فرعه، وبعزل كلّ منهما له، وفي الثاني لاينعزل إلا بعزل الموكل أو بما أبطل توكيله. وإن أطلق ففي كونه وكيلاً عنه أو عن الموكل، أو تخير الوكيل في توكيله عن أيهما شاء، أوجه.

وكذا مع استفادته من الفحوى، إلا أن كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أوجَهُ. (ويُستحَبّ أن يكون الوكيل تام البصيرة) فيما وُكِّل فيه ليكون مليّاً، (3) بتحقيق مراد الموكل، (عارفاً باللغة التي يُحاوَر بها) فيما وُكِّل فيه؛ ليحصل الغرض من توكيله.

وقيل: إنّ ذلك واجب،(4) وهو مناسب لمعنى الشرط بالنسبة إلى الأخير.

(ويُستحبّ لذوي المروءات) وهم أهل الشرف والرفعة والمروءة (التوكيل في المنازعات)، ويُكرَه أن يتولوها بأنفسهم؛ لما يتضمَّن من الامتهان والوقوع فيما يُكرَه، رُوِيَ أنّ عليّاً علیه السلام وكَل عقيلاً في خصومة، وقال: «إنّ للخصومة قُحَماً، وأنّ الشيطان

ص: 39


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 39، ح 120.
2- هي رواية جعفر بن سماعة عن زرارة، عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لاتجوز الوكالة في الطلاق». ووجه قصور دلالتها : التضمنها النهي عن طلاق الوكيل مطلقاً، فتقييده بالغائب لا وجه له وأمّا ضعف سندها، فبابن سماعة فإنّه واقفي، وفيه أيضاً مجاهيل. (منه رحمه الله).
3- في «ط ، ق»: «عليماً» بدل «مليّاً».
4- نقله عن ابن البراج العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 512 المسألة ،199، لم نعثر عليه في كتب القاضي.

لَيَحضُرُها، وإنّى لأكره أن أحضُرها» (1) والقُحَم - بالضم - المهلكة،(2) والمراد هنا أنّها تُقحِم بصاحبها إلى ما لايُريده.

(ولاتبطل الوكالة بارتداد الوكيل،(3) من حيث إنه ارتداد وإن كانت قد تبطُل جهة أخرى في بعض الموارد ككونه وكيلاً على مُسلِم، فإنه في ذلك بحكم الكافر. ولافرق بين الفطري وغيره وإنْ حُكم ببطلان تصرفاته لنفسه.

(ولايتوكَّل المسلم للذمي على المسلم على قول) الشيخ (رحمه الله)،(4) والأقوى الجواز على كراهة للأصل، ولا الذمِّي على المسلم المسلم ولالذمي قطعاً) فيهما؛ لاستلزامهما إثبات السبيل للكافر على المسلم المنفي بالآية،(5) وباقي الصور جائزة وهي ثمانٍ بإضافة الصورِ الثلاث المتقدمة إلى باقيه

وتفصيلها: أنّ كلّاً من الموكِّل والوكيل والموكَّل عليه، إما مسلم أو كافر، ومنه تَتَشَعَبُ الثمانِ؛ بضرب قسمي الوكيل في قسمي الموكل، ثم المجتمع في قسمي الموكَّل عليه.

ولا فرق في الكافر بين الذمي وغيره، كما يقتضيه التعليل. (ولا يتجاوز الوكيلُ ما حُدَّ له في طرف الزيادة والنقصان إلّا أن تشهد العادة بدخوله) أي دخول ما تجاوز في الإذن، كالزيادة في ثمن ما وُكُل في بيعه) بثمن معيَّن إن لم يعلم منه الغرض في التخصيص به، والنقيصة في ثمن ما وكل في شرائه) بثمن معيَّن؛ لشهادة الحال غالباً بالرضى بذلك فيهما، لكن قديَتَخَلَّف بأن لايريد الإشطاط، (6)في البيع أو غيره من الأغراض.

ص: 40


1- نقله ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 205، المسألة 3739: والنووي في المجموع شرح المهذب ، ح 14، ص 98؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 8، ص 191.
2- الصحاح ، ج 4، ص 2006، «قحم».
3- متى كان الموكل عليه مسلماً لا يجوز أن يكون الوكيل إلا مسلماً. (زين رحمه الله)
4- النهاية، ص 317.
5- النساء (4): 141.
6- الإشطاط تجاوز الحد. راجع المعجم الوسيط، ص 483، «شطط».

(وتثبت الوكالة بعدلين) كما يثبت بهما غيرها من الحقوق المالية وغيرها(ولاتُقبل فيها شهادةُ النساء منفرداتٍ)؛ لاختصاصها بما يعشر اطلاعُ الرجال عليه، والوصيَّةِ كما سلف في بابه،(1) ولا منضمّاتٍ إلى الرجال؛ لاختصاصها حينئذ بالمال وما في حكمه، والوكالة ولاية على التصرّف وإنْ تَرتّب عليها المالُ، لكنّه غير مقصود.

(ولا تثبت بشاهد ويمين)؛ لما ذُكر، إلا أن يَشتمل على جهتين، كما لو ادعى شخص على آخَرَ وكالةً بجُعْل وأقام شاهداً وامرأتين أو شاهداً وحَلَف معه، فالأقوى ثبوتُ المال لا الوكالة وإنْ تَبَعَّضت الشهادة، كما لو أقام ذلك بالسرقة يثبت المالُ لا القطعُ. نعم، لو كان ذلك قبل العمل لم يثبت شيء.

(ولا بتصديق الغريم) لمدَّعي الوكالة عليها في أخذ حق منه لغيره؛ لأنه تصديق في حق غيره.

هذا إذا كان الحق الذي يَدَّعي الوكالة فيه عيناً، أما لو كان ديناً، ففي وجوب إليه بتصديقه قولان،(2) أجودهما ذلك؛ لأنّه إقرار في حق نفسه خاصَّةً؛ إذ الحق لايتعيَّن إلّابقبض مالكه أو وكيله، فإذا حضر وأنكَر بَقِي دَينه في ذمة الغريم، فلاضرر عليه في ذلك، وإنّما ألزم الغريم بالدّفع؛ لاعترافه بلزومه له، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العين؛ لأنها حقٌّ محض لغيره وفائتها لايُستدرك.

نعم يجوز له تسليمها إليه مع تصديقه له؛ إذ لا منازع له الآن، ويبقى المالك على حجته، فإذا حضر وصدق الوكيلَ بَرِئَ الدافع، وإن كذَّبه فالقول قوله مع يمينه، فإن كانت العين موجودةً أَخَذها، وله مطالبه من شاء منهما بردها؛ لِتَرَتُبِ أيديهما على ماله وللدّافع مطالبة الوكيل بإحضارها لو طولب به دون العكس، وإن تعذر ردُّها بتلفٍ

ص: 41


1- تقدّم في ج 2، ص 84 كتاب الشهادات.
2- القول بوجوب الدفع لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 98؛ وعدمه للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 349 المسألة 13.

وغيره تخيَّر في الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على الوكيل لم يرجع على الغريم مطلقاً لاعترافه ببراءته بدفعها إليه، فإن رجع على الغريم لم يرجع على الوكيل مع تلفها في يده بغير تفريط؛ لأنه بتصديقه له أمين عنده، وإلّا رَجَع عليه. والوكيل أمينُ لايَضمَن إلّا بالتّفريط أو التعدِّي(وهو وفاق). ويجب عليه تسليم ما في يده إلى الموكل إذا طولب به، سواءٌ في ذلك المال الذي وُكِّل في بيعه وثمنه، والمبيعُ الذي اشتراه وثمنه قبل الشراء وغيرها. ونته بقوله : «إذا طولب» على أنه لايجب عليه دفعه إليه قبل طلبه، بل معه ومع إمكان الدفع شرعاً وعرفاً، كالوديعة.

(فلو أخَّر مع الإمكان أي إمكان الدفع شرعاً، بأن لايكون في صلاة واجبة مطلقاً، ولامريداً لها مع تضيّق وقتها، ونحو ذلك من الواجبات المنافية، أو عرفاً، بأن لايكون على حاجة يريد قضاءَها، ولافي حمّام أو أكل طعام ونحوها من الأعذار العرفية، (ضَمِنَ).

(وله أن يمتنع من التسليم (حتى يُشهد) على الموكل بقبض حقه حذراً من

،إنكاره، فيَضمَنَ له ثانياً أو يَلزَمَه اليمينُ.

(وكذا) حكم (كلّ مَن عليه حقٌّ وإنْ كان وديعةً يُقبل قوله في ردّها؛ لافتقاره إلى اليمين، فله دفعها بالإشهاد وإن كان صادقاً. ولافرق في ذلك بين من يكون له على الحقِّ بيِّنة وغيره؛ لما ذكرناه من الوجه. هذا هو أجودالأقوال في المسألة. وفَرّق بعضهم،(1) بين من يُقبل قوله في الردّ وغيرِه،(2) وآخرون بين من عليه بقبض الحقِّ بينة وغيره؛(3) ودفع ضرر اليمين يدفع ذلك كله، خصوصاً في بعض الناس، فإنّ

ص: 42


1- تقدّم في المسألة الرابعة من مسائل الرهن أنّه لايلحق بخوف الجحود احتياجه إلى اليمين في الاستيفاء من الرهن لو اعترف ؛ لعدم التضرّر باليمين الصادقة. وبملاحظة الفرق بين المقامين يندفع توهم المنافات (منه رحمه الله).
2- فرّق بذلك الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 366.
3- قال به يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 323.

ضرر الغرامة عليهم أسهلُ من اليمين.

(والوكيل في الوديعة) لمال شخص عند آخَرَ (لايجب عليه الإشهاد) على المستودع (بخلاف الوكيل في قضاء الدين وتسليم المبيع)، فليس له ذلك حتى يُشهد. والفرق أنّ الوديعة مبنية على الإخفاء بخلاف غيرها؛ ولأنّ الإشهاد على الوَدَعي لا يفيد ضمانه؛ لقبول قوله في الردّ بخلاف غيره، فلو لم يُشهد على غير الوديعة (ضَمِن)؛ لتفريطه إذا لم يكن الأداء بحضرة الموكل وإلا انتفى الضمان؛ لأنّ التفريط حينئذ مستند إليه.

(ويجوز للوكيل تَوَلّى طرفي العقد بإذن الموكل)؛ لانتفاء المانع حينئذ، ومغايرة

الموجب للقابل يكفي فيها الاعتبار.

ولو أطلق له الإذن ففي جواز تولّيهما لنفسه قولان،(1) منشؤهما دخوله في الإطلاق.

ومن ظاهر الروايات الدالة على المنع،(2) وهو أولى.

واعلم أن توليه طرفي العقد أعم من كون البيع أو الشراء لنفسه، وموضعُ الخِلاف مع عدم الإذن توليه لنفسه، أما لغيره، بأن يكون وكيلاً لهما فلا إشكال، إلّا على القول بمنع

كونه موجباً قابلاً، وذلك لا يُفرق فيه بين إذنِ الموكل وعدمه.

(ولو اختلفا في أصل الوكالة حلف المنكر)؛ لأصالة عدمها، سواء كان منكرها الموكَّلَ أم الوكيل. وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطةً في عقدٍ لازم لأمر لايُتلاقَى حين النزاع، فيدعي الموكَّل حصولها ليتم له العقد، وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلَّطَ على الفسخ. (و) لو اختلفا (في الرد حلف الموكل)؛ لأصالة عدمه، سواء كانت الوكالة بجُعْل أم لا.

ص: 43


1- حكاهما العلّامة مختلف الشيعة، ج 5، ص 89 - 90 . المسألة 49 غاية المراد، ج 2، ص 184 - 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 6 - 7، ج 19.

(وقيل:) يَحلف (الوكيل إلّا أن تكون بجُعل فالموكّل، (1) أما الأول، فلأنه أمين وقد قَبَضَ المالَ لمصلحة المالك، فكان محسناً محضاً كالوَدَعي. وأما الثاني، فلما مرّ؛ ولأنه قَبَض لمصلحة نفسه كعامل القراض والمستأجر.

ويُضعف، بأنّ الأمانة لا تستلزم القبول، كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في

الأمانة، وكذلك الإحسان، والسبيل (2) المنفى، (3) مخصوص، فإنّ اليمين سبيل. (و) لو اختلفا (في التلف)، أي تلف المال الذي بيد الوكيل، كالعين الموكَّل في بيعها وشرائها ، أو الثمن أو غيره حلف الوكيل) ؛ لأنّه أمين، وقد يتعذر إقامة البينة على التلف فاقتنع بقوله، وإن كان مخالفاً للأصل، ولا فرق بين دعواه التلف بأمرظاهر، وخفي.

(وكذا يحلف لو اختلفا (في التفريط). والمراد به ما يشمل التعدي؛ لأنه منكر. (و) كذا يحلف لو اختلفا في (القيمة) على تقدير ثبوت الضمان؛ لأصالة عدم الزائد.

(ولو زوجه امرأةً بدعوى(الوكالة منه فأنكر الزوج) الوكالة (حلف)؛ لأصالة عدمها (وعلى الوكيل نصفُ المهر)؛ لرواية عمرَ بنِ حنظلة عن الصادق علیه السلام،(4) ولأنه فسخ قبل الدخول فيجب معه نصفُ المهر كالطلاق ولها التزويج بغيره؛ لبطلان نكاحه بإنكاره الوكالة ويجب على الزوج فيما بينه وبين الله تعالى (الطلاق إن كان وَكَّل في التزويج لأنها حينئذٍ زوجته، فإنكارها وتعريضها للتّزويج بغيره محرَّمٌ، (ويَسوق نصفَ المهر إلى الوكيل) للزومه بالطلاق،

وغُرْمِ الوكيل له بسببه.

ص: 44


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 362.
2- السبيل المنفي في الآية نكرة في سياق النفي فيعم، وتخصيصه في بعض أفراده بإثبات اليمين عليه إجماعاً لا ينفي حجيته في الباقي على المختار عند المحققين، فيبقى دالاً على محل النزاع إلا أن يدعى أن السبيل لايتناول مثل ذلك (منه رحمه الله).
3- التوبه، (9): 91.
4- تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 213 - 214، ح 504.

(وقيل: يبطُل) العقدُ (ظاهراً (1) ولا غُرْمَ على الوكيل)؛ لعدم ثبوت عقد حتَّى يُحكم بالمهر أو نصفه؛ ولأنّه على تقدير ثبوته إنّما يلزم الزوج؛ لأنّه عِوَضُ البُضْع، والوكيل ليس بزوج، والحديث ضعيف السند، وإلا لما كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه، والتعليل بالفسخ فاسد. فالقول الأخير قوي،(2) نعم، لو ضَمِن الوكيل المهر كلَّه أو نصفه،لَزِمه حسب ما ضَمِن.

وإنما يجوز للمرأة التزويج إذا لم تُصَدِّق الوكيل عليها، وإلا لم يَجُز لها التزويج قبل

الطلاق؛ لأنّها بزعمها زوجة، بخلاف ما إذا لم تكن عالمةً بالحال.

ولو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يُجبر عليه؛ لانتفاء النكاح ظاهراً. وحينئذٍ ففي تسلطها على الفسخ - دفعاً للضرر - أو تسلّط الحاكم عليه أو على الطلاق، أو بقائها كذلك حتّى يُطلّق أو يموت، أوجه.

ولو أوقع الطلاق معلقاً على الشرط ك-«إن كانت زوجتي فهي طالق»، صح ولم يكن إقراراً ولاتعليقاً مانعاً؛ لأنّه أمر يعلم حاله، وكذا في نظائره، كقول من يعلم أنّ

اليوم الجمعة: «إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا»، أو غيره من العقود. (ولو اختلفا في تصرّف الوكيل)(3) بأن قال: «بعتُ» أو «قبضتُ» أو «اشتريتُ» (حلف) الوكيلُ؛ لأنّه أمين وقادر على الإنشاء والتصرّف إليه، ومرجع الاختلاف إلى فعله، وهو أعلم به. (وقيل:) يحلف (الموكل)؛ لأصالة عدم التصرف، وبقاء الملك على مالكه،(4)

ص: 45


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 163.
2- في «ط»: «أقوى» بدل «قوي».
3- التقدير: أن الوكيل يقول: «تصرفت - يعني بعت - وقبضت الثمن وتلف في يدي». والموكل ينكر. والفائدة أنّ الموكل يريد أن يثبت العين على ملكه ليرجع بها أو بقيمتها. وإنما كان القول قول الوكيل ؛ لأن المالك يدعي إما تسليمها قبل قبض الثمن فهو ضامن وإما بقاءها على ملكه والوكيل ،أمين فكان القول قوله مع يمينه. ويحتمل تقديم قول الموكل ؛ لأن الأصل عدم التصرّف(زين رحمه الله).
4- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15 ، ص 184 ، المسألة 783.

والأقوى الأول. ولا فرق بين قوله في دعوى التصرّف بعتُ وقبضتُ الثمن وتلف في

يدي» وغيره؛ لاشتراك الجميع في المعنى، ودعوى التلف أمرُ آخَرُ. (وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتُرِيَتْ به السِلْعَةُ)، كأن قال الوكيل: «اشتريته بمائة» والحال أنه يساوي مائةً؛ ليُمكن صحة البيع، فقال الموكل : بل بثمانين» يُقدَّم قولُ الوكيل؛ لأنه أمين،(1) والاختلاف في فعله، ودلالة الظاهر على كون الشيء إنّما يُباع بقيمته، وهو الأقوى. وقيل: قولُ الموكل؛ لأصالة براءت-ه م-ن

الزائد،(2) ولأنّ في ذلك إثبات حقّ للبائع عليه فلا يُسمع.

ص: 46


1- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 385 - 386.
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 525 المسألة 223.

كتاب الشفعة

ص: 47

ص: 48

كتاب الشُفعة

(وهي) فُعلةٌ من قولك شَفَعْتُ كذا بكذا» إذا جعلتَه شَفْعاً به، أي زوجاً، كأنّ الشفيع

يجعل نصيبه شفْعاً بنصيب شريكه، وأصلها التقوية والإعانة، ومنه الشفاعةُ والشفْعُ. وشرعاً (استحقاق الشريكِ الحصَّةَ المَبِيعة في شركته. ولا يحتاج إلى قيد الاتحادِ وغيره ممّا يُعتبر في الاستحقاق لاستلزام الاستحقاق» له، وإنما يفتقر إلى ذكرها في الأحكام.

ولايَرِدُ النقصُ في طرده بشراء الشريك حصة شريكه، فإنّه بعد البيع يصدق استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في شركته؛ إذ ليس في التعريف أنها مبيعة لغيره أو له، وكما يصدق الاستحقاق بالأخذ يصدق بنفس الملك. ووجه دفعه أنّ الاستحقاق المذكور هنا للشريك المقتضي لكونه شريكاً حال شركته، والأمرُ في البيع ليس كذلك؛ لأنّه حال الشركة غير مستحق، وبعد الاستحقاق ليس بشريك؛ إذ المراد بالشريك هنا الشريك بالفعل؛ لأنه المعتبر شرعاً، لا ما كان فيه شريكاً مع ارتفاع الشركة؛ نظراً إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتق منه في المشتق.

نعم، يمكن ورود ذلك مع تعدّد الشركاء إذا اشترى أحده- تعدّد الشركاء إذا اشترى أحدهم نصيبَ بعضهم مع بقاء الشركة في غير الحصّة المبيعة.

ولو قيَّد المبيع بكونه لغير المستحق، أو علَّق الاستحقاق بتملك الحصّة، فقال استحقاق» الشريك تملُّكَ الحصّة المبيعة» إلى آخره، سَلِم من ذلك؛ لأنّ استحقاقَ

ص: 49

التملّلک غیرُ استحقاق الملک.

(ولاتثبُت لغير) الشريك (الواحد على أشهر القولين،(1) وصحيح الأخبار يدل عليه،(2) وذهب بعض الأصحاب إلى ثبوتها مع الكثرة،(3) استناداً إلى رواياتٍ معارضة بأقوى منها،(4) (وموضوعها) وهو المال الذي تثبت فيه على تقدير بيعه (ما لايُنقل كالأرض والشجر إذا بيعَ منضمّاً إلى مَغرِسه لا منفرداً. ومثله البناء، فلو اشتَرَكتْ غرفةٌ بين اثنين دون قرارها، فلاشفعة فيها وإنْ ضُمَّت إلى أرضِ غيره، كالشجر إذا ضُمَّ إلى غير مغرسه.

(وفي اشتراط إمكان قسمته قولان)، (5) أجودُهما اشتراطه؛ لأصالة عدم ثبوتها في محل النزاع، وعليه شواهد من الأخبار،(6) لكن في طريقها ضعف، ومن لم يشترط نَظَرَ إلى عموم أدلّة ثبوتها مع ضعف المخصص.

وعلى الأوّل فلاشفعة في الحمام الصغير، والعضائدِ الضيّقة، والنهر والطريق الضيِّقَين، والرّحى حيث لايمكن قسمةُ أحجارها وبيتها.

وفي حكم الضِيق قلّهُ النصيب بحيث يتضرّر صاحبُ القليل بالقسمة. (ولا تثبت) الشفعة (في المقسوم) بل غير المشترك مطلقاً (إلّا مع الشركة في المَجازِ) وهو الطريق، (والشِرْبِ) إذا ضمهما البائع إلى المقسوم. وهل يُشترط قبولهما القسمة كالأصل؟ إطلاق العبارة يقتضي عدمه، وفي الدروس

ص: 50


1- للقولين راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 354، المسألة 327؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 317 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164 ، باب الشفعة.
3- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 355، المسألة 327.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 165 - 166، باب الشفعة.
5- للقولين راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 353، المسألة 326؛ غاية المراد، ج 2، ص 109 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
6- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166 - 167 ، ح 738 و 741 .

اشتراطه،(1) والأقوى الاكتفاء بقبول المقسوم القسمة. نعم، لو بيعًا منفردين اعتُبِر قبولهما كالأصل

(ويُشترط قدرة الشفيع على الثمن وبذله للمشتري، فلاشفعة للعاجز ولا للممتنع مع قدرته والمُماطل ويُرجَع في العجز إلى اعترافه لا إلى حاله لإمكان استدانته ولايجب على المشتري قبول الرهن والضامن والعوض.

(وإسلامه إذا كان المشتري مسلماً فلاشفعة لكافر مطلقاً على مسلم). ولو ادَّعى غَيبةَ الثمن أُجِّل ثلاثة أيام ولوْ مُلَفّقَةٌ،(2) وفي دخول الليالي وجهان. نعم، لو كان الأخذ عَشِيَّةً دخلت الليلة تبعاً، ولاإشكال في دخول الليلتين المتوسطتين كالاعتكاف. ولو ادعى أنه في بلدٍ آخَرَ أُجل زماناً يسع ذهابه وإيابه، وثلاثةً (ما

لم يتضرَّر المشتري)؛ لبعد البلد عادةً كالعراق من الشام. وفي العبارة: أن تضرُّرَ المشتري يُسقط الإمهال ثلاثة مطلقاً، والموجود في كلامه في الدروس، (3) وكلام غيره اعتبارُه في البلد النائي خاصَّةً،(4)

(وتَثبت) الشفعة (للغائب) وإن طالت غيبته، فإذا قَدِم) من سفره (أخذ) إن لم يتمكن من الأخذ في الغيبة بنفسه أو وكيله ولاعبرة بتمكنه من الإشهاد. وفي حكمه المريضُ والمحبوس ظلماً أو بحقِّ يَعجز عنه، ولو قدر عليه ولم يُطالب بعد مضي زمان يتمكن من التخلّص والمطالبة بطلت. (و) كذا تثبت للصبي والمجنون والسفيه، ويتولى الأخذ لهم (الولي مع الغبطة) لهم في الأخذ كسائر التصرفات. ولافرق بين كون الشريكِ البائع هو الولي

ص: 51


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 316 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الليالي تابعة للأيام، فإن وقع نهاراً اعتبر إكمال الثالث من اليوم الرابع ودخلت الليالي تبعاً، وإن وقع ليلاً أُجّل ثلاثة أيام تامة، وتمام الليلة من الرابعة كذلك. (منه رحمه الله)
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- منهم: الشيخ في النهاية، ص 425 : والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 459.

وغيره. وكما يأخذ لهم يأخذ منهم لو باع عنهم ما هو بشركته، وكذا يأخذ لأحد الموَلَّيين نصيبَ الآخر لو باعه بشركته. فإن تَرَك،(1) في موضع الثبوت فلهم عند الكمال الأخذُ)، لا إن تَرَك لعدم المصلحة.

ولو جُهل الحالُ ففي استحقاقهم الأخذَ؛ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب، أم لا؛

التفاتاً إلى أنه مقيَّد بالمصلحة ولم تُعلّم، وجهان أوجههما الثاني.

أمّا المفلس فتثبت له أيضاً، لكن لايجب على الغُرَماء تمكينه من الثمن، فإن بذلوه أو رَضِيَ المشتري بذمَّته فأخذ تعلَّق بالشقص حقٌّ الغرماء، ولايجب عليه الأخذ لو طلبوه منه مطلقاً.

ويَستحِق) الأخذَ بالشفعة بنفس العقد وإن كان فيه خيار)؛ بناءً على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به فلو أوقفناه على انقضاء الخيار كالشيخ توقف على انقضائه، (2).

(و) على المشهور(لايمنع) الأخذ من التخاير)؛ لأصالة بقاء الخيار (فإن اختار

المشتري أو البائع الفسخ بطلت الشفعة، وإلا استقر الأخذُ. وجعَل بعضُ الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه بالعقد،(3) نظراً إلى الفائدة به قبله؛ إذ ليس له انتزاع العين قبل مُضيّ مدَّة الخيار؛ لعدم استقرار ملكه. والظاهرُ أنّ ذلك جائز لا لازم، بل يجوز قبله وإنْ مُنع من العين. والفائدة تظهر في عدم النماء وغيره. واحتمل المصنّف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ لانتفاء فائدته إذ الغرضُ الثمنُ وقد حصل من الشفيع، كما لو أراد الردَّ بالعيب فأخذ الشفيع،(4) ويُضعَّف

ص: 52


1- أي مع الغبطة. (زين رحمه الله).
2- الخلاف، ج 3، ص 22، المسألة، 29.
3- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 360 ، المسألة 331.
4- الدروس الشرعیه، ج 3، ص 321(ضمن موسوعة الشهید الأول، ج 11).

بأنّ الفائدة ليست منحصرةً في الثمن، فجاز أن يريد دفعَ الدَرْكِ عنه. (وليس للشفيع أخذ البعض، بل يأخذ الجميع أو يَدَعُ)؛ لئلايتضرر المشتري بتبعيض الصفْقَة؛ ولأنّ حقَّه في المجموع من حيث هو المجموع كالخيار، حتى لو قال: أخذتُ نصفه - مثلاً - بطلت الشفعة لمنافاته الفورية حيث تُعتبر.

( ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد) أي بمثله؛ لعدم إمكان الأخذ بعينه، إلا أن يَتمَلَّكه وليس بلازم، ولايلزمه غيرُه من دَلالة أو وكالة) وأجرةِ نقد، ووزنٍ وغيرها؛ لأنّها ليست من الثمن وإن كانت من توابعه. (ثمّ إن كان الثمن (مثليّاً فعليه مثله، وإن كان قيمياً فقيمته). وقيل: لاشفعة هنا؛ لتعذُّر الأخذ بالثّمن،(1)وعملاً برواية،(2) لا تخلو من ضعف وقصورٍ الدلالة،(3) وعلى الأوّل يُعتبر قيمته (يوم العقد)؛ لأنه وقت استحقاق الثمن، فحيث لايمكن الأخذبه تُعتبر قيمته حينئذ. وقيل: أعلى القيم من حينه إلى حين دفعها عن كالغاصب،(4) وهو ضعيف.

(وهي على الفور) في أشهر القولين،(5) اقتصاراً فيما خالف الأصل على محل الوفاق؛ ولما رُوِيَ: «أنّها كَحَلَّ العِقال»،(6) ولأنّها شُرِعَت لدفع الضرر، وربما جاء من

ص: 53


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 432، المسألة.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167 ، ح 740.
3- وهي رواية عليّ بن رئاب عن أبي عبد الله في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبز وجوهر، قال: «ليس لأحد فيها شفعة» [تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167 ، ح 740] وضعف سندها بالحسن بن سماعة وهو واقفي وأمّا قصورها عن الدلالة، فلأنه لم يذكر فيها أنّ فيها شركة لأحد، فجاز أن تكون الشفعة المنفية شفعة الجوار ونحوها. ولو سلّم أنها مشتركة فليس فيها ما يدلّ على أنّ المانع كون الثمن قيميّاً، فجاز كونه غيره كعدم قبولها القسمة وغيره. ونبه بذلك على خلاف العلامة في تحرير الأحكام الشرعية ( ج 4، ص 573، الرقم 6186] وغيره حيث جعل الرواية صحيحة ودالة على عدم ثبوت الشفعة في القيمي، وقد عرفت ضعفها. (منه رحمه الله).
4- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 210.
5- القول بالفور للشيخ في النهاية، ص 424 : والخلاف، ج 3، ص 430، المسألة 4: والقول بعدم الفور للسيد المرتضى في الانتصار، ص 454. المسألة 259.
6- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 835، ح 2500 السنن الكبرى البيهقي، ج 6 ، ص 178 ، ح 11589.

التراخي على المشتري ضررٌ أقوى؛ لأنّه إن تصرف كان معرضاً للنقص، وإن أهمل

انْتَفَتْ فائدة الملك.

وقيل: على التراخي؛(1) استصحاباً لما ثبت وأصالة عدم الفورية، فهو مخرج عن الأصل، والرواية عاميَّة. نعم، رَوَى عليّ بن مهزيار عن الجواد إنظاره بالثمن ثلاثة

أيام،(2) وهو يُؤذن بعدم التراخي مطلقاً، ولا قائل بالفرق، وهذا حسن. وعليه فإذا عَلِم وأَهمَل) عالماً مختاراً (بطلت)، ويُعذَر جاهلُ الفوريَّة كجاهل الشفعة وناسيهما. وتُقبل دعوى الجهل ممّن يمكن في حقه عادةً. وكذا يُعذَر مؤخِّرُ الطلب إلى الصبح لو بلغه ليلاً، وإلى الطهارة والصلاة ولؤ بالأذان والإقامة والسنن المعهودة وانتظار الجماعة لها، والأكل والشرب والخروج من الحمام بعد قضاء وطره

منه، وتش- و تشييع المسافر، وشهودِ الجنازة، وقضاء حاجة طالبها، وعيادة المريض ونحوِ

ذلك؛ لشهادة العرف به إلا أن يكون المشتري حاضراً عنده بحيث لا يمنعه من ولابد من ثبوت البيع عنده بشهادة عدلين أو الشياع، فلا عبرة بخبر الفاسق والمجهول والصبيِّ والمرأةِ مطلقاً. وفي شهادة العدل الواحد وجهُ،

واكتفى به في الدروس مع القرينة،(3) نعم لو صدَّق المخبر كان كثبوته في حقِّه، وكذا لو عَلِم صدقه بأمرٍ خارج.

(ولاتسقط الشفعة بالفسخ المتعقب للبيع بتقايل، أو فسخ بعيب)، أما مع التقايل، فظاهر؛ لأنّه لاحق للعقد، والشفعة تثبت به فتُقدَّم، وأمّا العيب، فلأن استحقاق الفسخ به فرع دخول المعيب في ملكه؛ إذ لايُعقل ردُّ ما كان ملكاً للغير، ودخوله في ملكه إنما يتحقق بوقوع العقد صحيحاً، وفي هذا الوقت تثبت الشفعة فيقترنان، ويُقدَّم حقُّ الشفيع؛ لعموم أدلّة الشفعة للشريك واستصحاب الحال، ولأنّ فيه جمعاً بين الحقين؛ لأنّ

ص: 54


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 388.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167 ، ح 739.
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

العيب إن كان في الثمن المعيَّن فالبائع يرجع إلى قيمة الشقص، وإن كان في الشقص فالمشتري يطلب الثمن، وهو حاصل له من الشفيع، بخلاف ما إذا قدَّمنا البائع في الأوّل

فإنّه يقتضي سقوط حق الشفيع من الشقص عيناً وقيمة، وكذا لو قدَّمنا المشتري. وربما فُرّق بين أخذ الشفيع قبل الفسخ وبعده؛ لتساويهما في الثبوت فيُقدَّم السابق في الأخذ. ويُضعف بما ذكرناه.

وقيل بتقديم حق المتبايعين؛(1) لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد، والشفعة تثبت بعده، فيكون العيبُ أسبقَ.

وفيه نظر؛ لأنّ مجرَّدَ وجود العيب غير كافٍ في السببيَّة بل هو مع العقد، كما أنّ الشركة غيرُ كافية في سببيَّة الشفعة بل هي مع العقد، فهما متساويان من هذا الوجه وإن كان جانب العيب لايخلو من قوة، إلّا أنّها لاتوجب التقديم، فالعمل على ما اختاره المصنف أولى.

ولو اختار البائعُ أَخْذَ أرش الثمن المعيب من المشتري، رجع المشتري به على الشفيع إن كان أخذ بقيمة المعيب أو بمعيبٍ مثله، وإلا فلا.

ولو تَرَك البائع الردَّ والأرش معاً مع أخذ الشفيع له بقيمة المعيب أو مثله فلارجوع له بشيء؛ لأنه كإسقاط بعض الثمن. وكذا لو اختار المشتري أخذ أرش الشقص قبل أخذ الشفيع أَخَذَه الشفيع بما بعد الأرش؛ لأنّه كجزء من الثمن. ولو أخذه بعد أخذ الشفيع رجع الشفيع به. ويُفهم من تقييد الفسخ بالعيب أنه لو كان بغيره بطلت، وقد تقدم ذلك في الفسخ بالخيار،(2) وبَقِيَ تجدُّدُ الفسخ بذاته كما لو تلف الثمن المعيّن قبل القبض، وفي بطلانها به قول،(3) مِن حيث إنّه يُوجِب بطلان العقد. وآخَرُ بعدمه؛(4) لأن البطلان من حين التلف لا

ص: 55


1- راجع مفتاح الكرامة، ج 18، ص 606 ، فيه : أنّه يمكن أن يقال:...
2- تقدّم في ج 2، ص 228 ، فما بعدها.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 564.
4- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 378، المسألة 352.

من أصله فلا يُزيل ما سبق من استحقاقها. وثالثٌ بالفرق بين أخذ الشفيع قبل التلف فتثبُت؛ وبعده فتبطل،(1) والأوسط أوسط.

(و) كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة للبيع، كما لو باع المشتري الشقص (أو وهب أو وقف)؛ لسبق حقٌّ الشفيع على ما تأخَّرَ من العقود(بل) للشفيع إبطال ذلك كله) والأخذُ بالبيع الأول، وله أن يُجيز البيع و(يأخُذَ بالبيع الثاني)؛ لأنّ كلّاً من البيعين سبب تام في ثبوت الشفعة، والثاني صحيح وإنْ تَوَقَّفَ على إجازة الشفيع

فالتعيين إلى اختياره وكذا لو تعدّدت العقود، فإن أخذ من الأخير صحت العقود السابقة، وإن أخذ من

الأوّل بطلت اللاحقة، وإن أخذ من المتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده. ولافرق في بطلان الهبة لو اختاره الشفيع بين اللازمة وغيرها، ولابين المعوَّضِ عنها وغيرها، فيأخذ الواهب الثمن ويُرجَع العوض إلى باذله.

(والشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع؛ لأنّه المالك الآن ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقاً (عليه) فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه المالك. ولافرق في ذلك بين كونه في يد المشتري ويدالبائع بأن لم يكن أقبضه، لكن هنا لايُكلَّف المشتري قبضه منه، بل يُكلَّف الشفيع الأخذَ منه أو الترك؛ لأنّ الشقص هو حق الشفيع فحيث ما وجده أخذه، ويكون قبضه كقبض المشتري، والدرك عليه على التقديرين. (والشفعةُ تُورَث) عن الشفيع كما يورث الخيارُ وحد القذف والقصاصُ في أصح القولين؛(2) لعموم أدلة الإرث،(3) وقيل: لاتورث؛(4) استناداً إلى رواية،(5) ضعيفة السند.

ص: 56


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 256.
2- القول بأنه تورث قول المفيد في المقنعة، ص 619 : والسيد المرتضى في الانتصار، ص 451، المسألة 257.
3- النساء (4): 7 و 11 و 12.
4- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 436 ، المسألة 12؛ والنهاية، ص 425 - 426.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167، ح 741.

وعلى المختار فهي(كالمال) فتُقسَم(بين الورثة) على نسبة سهامهم، لاعلى رؤوسهم، فللزوجة مع الولد التُمْنُ

ولو عفا أحدُ الوُرّاث عن نصيبه لم تسقط؛ لأنّ الحقَّ للجميع، فلايسقط حق واحدٍ بترك غيره. فلو عَفَوا إلا واحداً أَخَذ الجميع أو تَرَك؛ حذراً من تبعض الصفقة على المشتري. ولايقدح هنا تكثر المستحق وإن كانوا شركاء؛ لأنّ أصل الشريك متحد، والاعتبار بالوحدة عند البيع لا الأخذ.

(ويجب تسليم الثمن أوّلاً؛ جبراً لقهر المشتري (ثمّ الأخذُ) أي تسلّم المبيع، لا الأخذُ بالشفعة القولي، فإنه متقدم على تسليم الثمن، مراعاة للفوريَّة، إلا أن يَرضَى الشفيع بكونه أي الثمن (في ذمته) فله أن يتسلَّم المبيع أولاً؛ لأنّ الحق في ذلك للمشتري، فإذا أسقطه برضاه بتأخير الثمن في ذمة الشفيع فله ذلك. والمراد بالشفيع هنا المشتري لما ذكرناه إمّا تجوّزاً لكونه سبباً في إثبات الشفيع أو وقع سهواً.

(ولايصح الأخذ إلا بعد العلم بقدره وجنسه) ووصفه؛ لأنه معاوضة تفتقر إلى العلم بالعِوَضين، فلو أخذ قبله لَغَا، ولو قال: أخذتُه بمهما كان للغرر، ولاتبطل بذلك شفعته. ويُغتفر بعد اجتماعه بالمشتري السؤال عن كمية الثمن والشقص بعد السلام والكلام المعتاد(ولو انتقل الشِقْصُ بهية أو صلح أو صداق فلاشفعة): لما تقدم في تعريفها من

اختصاصها بالبيع، وما ذُكر ليس بيعاً حتى الصلح، بناءً على أصالته.

ولو اشتراه بثمن كثير ثمّ عوّضه عنه بيسير أو أبرأه من الأكثر ولؤ حيلة على تركها(أخَذَ الشفيع بالجميع إن شاء؛ لأنه الثمن، والباقي معاوضة جديدة أو إسقاط لما ثبت.

ومقتضى ذلك أنّ الثمن الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري وجائز للبائع أخذه وإنْ كان بينهما مواطأة على ذلك؛ إذ لايستحق المشتري أن يأخذ من الشفيع إلا ما ثبت في

ص: 57

ذمَّته، ولايثبت في ذمَّته إلا ما يستحق البائع المطالبة به.

وقال في التحرير:

لو خالف أحدهما ما تواطئا عليه فطالب صاحبه بما أظهر له، لَزِمه في ظاهر

الحكم، ويحرم عليه في الباطن؛ لأنّ صاحبَه إنّما رَضِي بالعقد للتواطؤا،(1)

(أو تَرَك) الشفيع الأخذَ؛ لما يلزمه من الغُرْم.

ولو اختلف الشفيع والمشتري في مقدار الثمن حلف المشتري على

المشهور؛ لأنّه أعرفُ بالعقد، ولأنه المالك فلايزال مِلكه إلا بما يدَّعيه. ويُشكل بمنع كون حكم المالك كذلك مطلقاً، وقد تقدم قبول قول المنكر في كثير خصوصاً مع تلف العين. وعموم اليمين على من أنكر»(2) وارد هنا، ومن ثم ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول الشفيع؛ لأنه منكر،(3)

والاعتذار للأوّل بأنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع؛ إذ لايدَّعي شيئاً في ذمته ولاتحت يده، وإنما الشفيع يدَّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يدّعيه والمشتري ينكره، ولايلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدعياً عليه وإن كان خلاف الأصل؛ لأنه لايدَّعي استحقاقه إيَّاه عليه، ولايطلب تغريمه إياه. إنما يتم قبل الأخذ بالشفعة، أما بعده فالمشتري يَدَّعِي الثمن في ذمة الشفيع، ويأتي فيه جميع ما سبق.

لايقال: إنه لايأخذ حتى يستقر أمرُ الثمن لما تقدَّم من اشتراط العلم بقدره، فماداما

متنازعين لايأخذ، ويتجه الاعتذار.

لأنا نقول: المعتبر في أخذه علمه بالقدر بحسب ما عنده، لا على وجه يرفع الاختلاف، فإذا زعم العلم بقدره جاز له الأخذُ ووقع النزاع فيه بعد تملّكه للشقص،

ص: 58


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 592، الرقم 6198.
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 8، ص 213، ح 16445 ؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 523. ح 22.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 366، المسألة 334.

فيكون المشتري هو المدَّعي. ويمكن أيضاً أن يتملك الشقص برضى المشتري قبل دفع الثمن ثمّ يقع التنازع بعده فيصير المشتري مدعياً. وتظهر الفائدة لو أقاما بيّنةً،

فالحكم لبيِّنةِ الشفيع على المشهور، وبينة المشتري على الثاني.

ولو) ادَّعى أن شريكه اشتَرى بعده وأنه يستحق عليه الشفعة فأنكر الشريك التأخّر (حلف الشريك)؛ لأنّه منكر، والأصل عدم الاستحقاق. (ويكفيه الحلفُ على نفي (الشفعة وإن أجاب بنفي التأخّر؛ لأنّ الغرض هو الاستحقاق فيكفي اليمين لنفيه، وربما كان صادقاً في نفي الاستحقاق - وإن كان الشراءُ متأخراً - لسبب من الأسباب المُسقِطة للشفعة، فلا يُكلَّف الحلف على نفيه. ويُحتمل لزوم حلفه على تقدیر نفي التأخر على الجواب به؛ لأنّه ما أجاب به إلا ويمكنه الحلفُ عليه. وقد تقدم مثله في القضاء،(1)

(ولو) تداعيا السبق تحالفا)؛ لأنّ كلَّ واحدٍ منهما مدع ومدعى عليه، فإذا تحالفا استقرَّ مِلكُهما؛ لاندفاع دعوى كلّ منهما بيمين الآخر، (ولاشفعة)؛ لانتفاء السبق.

ص: 59


1- تقدّم في ج 2، ص 59 - 60 ، كتاب القضاء بعد قوله: القول في اليمين ... ويكفي الحلف على نفي الاستحقاق وإن أجاب بالأخص.

ص: 60

كتاب السَبْق والرِماية

ص: 61

ص: 62

كتاب السَبق والرِماية

وهو عقد شُرع لفائدة التَمَرُّن على مباشرةِ النضال والاستعداد لممارسة القِتال والأصل فيه قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا سَبقَ إِلَّا في نَصْل أو خُفٌ أو حافِرِ»(1) وقوله : «إن الملائكة

لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافرِ والخُفِّ والريش والنضل»(2) و(إنّما ينعقد السبق) بسكون الباء من الكاملين بالبلوغ والعقل الخاليين من الحجر)؛ لأنه يقتضي تصرفاً في المال على الخَيْلِ والبِغالِ والحَمِيرِ) وهي داخلة في الحافرِ المثبَتِ في الخبر والإبل والفيلة وهما داخلان في الخُفّ، وعلى السيف والسهم والحِرابِ،(3) وهي داخلة في النضل، ويدخُل السهم في الريش على الرواية الثانية إذا اشتمل عليه؛ تسمية للشيء باسم جزئه، وأطلق السبقَ على ما يَعُمّ الرمي؛ تبعاً للنص، وتغليباً للاسم.

الا بالمصارعةِ والسُّفْنِ والطُّيُورِ والعَدْوِ) ورفع الأحجار ورميها ونحو ذلك؛ لدلالة الحديث السابق على نفي مشروعيَّة ما خرج عن الثلاثة. هذا إذا تضمَّن السبقُ بذلك العِوَضَ، أما لو تجرَّد عنه، ففي تحريمه نظر من دلالة النصّ على عدم مشروعيَّته إن رُوِيَ «السبْقُ» بسكون الباء؛ ليفيد نَفْي المصدر، وإن رُوي بفتحها - كما قيل: إنّه

ص: 63


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 960 ، ح 2878؛ سنن النسائي ، ج 1، ص 227، ح 3584.
2- الفقيه، ج 4، ص 59 ، ح 5097.
3- الحِراب جمع الحَرْبَة كما في القاموس المحيط، ج 1، ص 164، «حرب».

الصحيح رواية،(1) - كان المنفى مشروعيّة العوض عليها، فيبقى الفعل على أصل الإباحة إذ لم يَرِدْ شرعاً ما يدل على تحريم هذه الأشياء خصوصاً مع تعلّق غرض صحيح بها.

ولو قيل بعدم ثبوت رواية الفتح، فاحتمال الأمرين يُسقط دَلالته على المنع. (ولابد فيها من إيجاب وقبول على الأقرب لعموم قوله تعالى: (أَوْفُواْ بالْعُقُودِ»(2) و«المؤمنون عند شروطهم»(3) وكلُّ مَن جَعَله لازماً حَكَم بافتقاره إلى إيجاب وقبول.

وقيل: هو جُعالة؛ لوجود بعض خواصّها فيه،(4) وهي أنّ بذلَ العِوَض فيه على ما لايُوثَق بحصوله، وعدم تعيين العامل، فإنّ قولَه من سبق فله كذا غير متعين عند العقد؛ ولأصالة عدم اللزوم، وعدم اشتراط القبول والأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحققه، وهو موضع النزاع. سلّمنا، لكن الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوماً وجوازاً، وإلا لَوَجَب الوفاء بالعقود الجائزة.

وفيه نظر؛ لأنّ وجود بعض الخواص لایقتضي الاتحاد في الحكم مطلقاً، وأصالة عدم اللزوم ارتفعت بما دلّ عليه، والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه دائماً، وخروج العقدِ الجائز تخصيص للعام فيبقى حجَّةً في الباقي. نعم، بقي الشك في كونه عقداً.(وتعيين العِوَض) وهو المالُ الذي يُبذل للسابق منهما قدراً وجنساً ووصفاً. وظاهرُ العبارة - ككثير - أنه شرط في صحة العقد. وفي التذكرة: أنه ليس بشرط، وإنما يُعتبَر تعيينه لو شرط،(5) وهو حسن.

ويجوز كونُه منهما معاً، ومن أحدهما وفائدته حينئذ أنّ الباذل إن كان هو السابق أحرز ،ماله، وإن كان غيره أحرزه، ومن بيت المال؛ لأنّه مُعَدّ للمصالح وهذا

ص: 64


1- نقله عن الخطابي ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 338، «سبق».
2- المائدة (5): 1.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503.
4- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 219، المسألة 177.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 355 (الطبعة الحجرية).

منها؛ لما فيه من البَعْث على التَمَرُّن على العمل المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد، (ومن أجنبي)، سواء كان الإمام أم غيره. وعلى كل تقدير، فيجوز كونُه عَيناً ودَيناً، حالاً ومؤجلاً.

(ولا يُشترط المُحَلِّل)، وهو الذي يدخُل بين المتراهنين بالشرط في عقده فيتسابق معهما من غير عوض يَبذُله؛ ليعتبر السابق منهما. ثمّ إن سَبَقَ أَخَذ العوض، وإن سُبِق لم يغرم، وهو بينهما كالأمين.

العقد بدونه عندهم وإنّما لم يُشترط؛ للأصل، وتَناوُلِ ما دَلّ على الجواز للعقد الخالي منه، وعند بعض

العامة،(1) وبعضِ أصحابنا هو شرط،(2) وبه سُمِّي محللاً؛ لتحريم وحيث شُرِط لَزِم، فيُجرِي دابَّته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق، وإلى ما شُرِط مع التعيين؛ لأنهما بإخراج السبق متنافران فيدخُل بينهما لقطع تنافُرهما.

(ويُشترط في السبق تقديرُ المسافة) التي يستبقان فيها (ابتداءً وغايةً)؛ لئلا يُؤَدِّي إلى التنازع؛ ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً ظاهراً؛ لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عَدْوه دون آخِرِه، فصاحبه يَطلُب قَصْرَ المسافة، ومنها ما هو بالعكس فينعكس الحكم.

(و) تقديرُ (الخَطَر) وهو العوض، إن شرطاء أو مطلقاً.

(وتعيينُ ما يُسابق عليه بالمشاهدة،(3) ولايكفي الإطلاق ولا التعيين بالوصف؛لاختلاف الأغراض بذلك كثيراً.

واحتمالُ السبق في المعيَّتين) بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه(فلو عُلِم قصورُ أحدهما بطل)؛ لانتفاء الفائدة حينئذ ؛ لأنّ الغرض منه استعلام السابق،

ص: 65


1- قال به الشافعي في الأم، ج 4، ص 326.
2- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 220، المسألة 179.
3- لأنّ المقصود من المسابقة امتحان الفرس ليعرف شدّة سير الفرس وتمرينه على العدو وذلك يقتضي التعيين بالمشاهدة (منه رحمه الله).

ولايَقدَحُ رُجحان سبقِ أحدهما إذا أمكن سبقُ الآخر؛ لحصول الغرض معه. (وأن يُجعَل السَبَقُ) بفتح الباء، وهو العوض (لأحدهما) وه-و السابق منهما لامطلقاً (أو للمحلل إن سبق لا لأجنبي ولا للمسبوق منهما ومن المحلل، ولا جعل القسط الأوفر للمتأخّر أو للمُصَلِّي والأقل للسابق؛ لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى من شرعيَّته، وهو الحث على السبق والتمرُّنِ عليه.(ولايُشترط التساوي في المَوقِف للأصل، وحصولِ الغرض مع تعيين المبدأ والغاية. وقيل: يُشترط؛ لانتفاء معرفة جودةِ عَدْوِ الفرس وفُرُوسيّةِ الفارس مع عدم التساوي،(1) لأنّ عدم السبق قد يكون مستنداً إليه، فيُخلّ بمقصوده. ومثله إرسال إحدى الدابَّتَين قبل الأخرى. ( والسابق هو الذى يتقدَّم) على الآخر (بالعُنُق)، ظاهره اعتبار التقدّم بجميعه. وقيل: يكفي بعضُه،(2) وهو حسن ثمّ إن اتفقا في طولِ العُنُق وقِصَرِه، أو سَبَقَ الأقصرُ عنقاً ببعضه فواضح، وإلّا اعتُبر سبق الطويل بأكثر من القدر الزائد، ولو سَبَق بأقل من قدر الزائد، فالقصير هو السابق.

وفي عبارة كثير: أنّ السبق يحصل بالعنق والكيد معاً، وهو - بفتح الفوقانية أشهر من كسرها - مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهْرِ ، وعليه يَسقُط اعتبارُ بعض العنق.

وقد يتَّفِق السبْقُ بالكتد وحده، كما لو قَصُرَ عنق السابق به أو رَفَع أحد الفرسين عنقه بحيث لم يمكن اعتباره به وبالقوائم، فالمتقدم بيديه عند الغاية سابق؛ لأن السبق يحصل بهما والجزي عليهما. والأولى حينئذٍ تعيين السبق بأحد الأربعة، ومع الإطلاق يَتَّجه الاكتفاء بأحدها؛ لدلالة العرف عليه.

ويُطلق على السابق «المُجَلِّي» و«المُصَلِّي» هو الذي يحاذي رأسُه صَلْوَي

ص: 66


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 355 (الطبعة الحجرية).
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 168، الرقم 4384 : والمحقق الكركي في جامع المقاصد ج 8، ص 322.

السابق، وهما العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله). و«التّالي» هو الثالث.

و«البارع» الرابع. و«المُرتاح» الخامس. و«الحَظِي» السادس. و«العاطف» السابع و «المُؤَمِّل» - مبنيّاً للفاعل - الثامن. و«اللّطِيم» - بفتح أوله وكسر ثانيه - التاسع.

و «السُكَيت» - بضم السين ففتح الكاف - العاشر. و«الفُسْكُل» - بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف أو بضمهما كقنفذ - الأخير.

وتظهر الفائدة فيما لو شَرط للمُجَلِّي مالاً، وللمُصَلِّي أقل منه، وهكذا إلى العاشر. (ويُشترط في الرمي معرفةُ الرِشق) بكسر الراء، وهو عدد الرمي الذي يتفقان عليه كعشرين، وعدد الإصابة كعشرة منها، (وصفتها من المارق وهو الذي يخرج من الغرض نافذاً ويقع من ورائه، (والخاسقِ) بالمعجمة والمهملة، وهو الذي يَنقُب الغرضَ ويَقِفُ فيه، والخازق) بالمعجمة والزاي، وهو ما خَدَشه ولم يَثقُبه. وقيل: ثَقَبه. ولم يثبُت فيه،(1) والخاصل) بالخاء المعجمة والصاد المهملة، وهو يُطلق على القارع، وهو ما أصاب الغرض ولم يُؤَثر فيه، وعلى الخازق وعلى الخاسق، وقد عرفتهما، وعلى المصيب له كيف كان (وغيرِها من الأوصاف؛ كالخاصر وهو ما أصاب أحد جانبيه، والخارم وهو الذي يخرم حاشيته، والحابي وهو الواقع دونه ثمّ يَحبُو إليه، مأخوذ من حَبو الصبي، ويقال على ما وقع بين يَدَي الغرض ثمّ وَتَب إليه فأصابه، وهو المُزدَلف، والقارع وهو الذي يُصيبه بلاخَدْش. ومقتضى اشتراطه تعيين الصفة بطلان العقد،بدونه وهو أحد القولين،(2) لاختلافِ النوع الموجب للغَرَر.

وقيل: يُحمل على أخير ما ذكره بمعناه الأخير،(3) وهو الأقوى؛ لأنه القدر المشترك بين الجميع، فيُحمّل الإطلاق عليه؛ ولأصالة البراءة من وجوب التعيين؛ ولأنّ اسمَ

ص: 67


1- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 167، ذيل الرقم 4384.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4 ص 697.
3- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 371 - 372.

الإصابة واقعٌ على الجميع، فيكفي اشتراطه، ولاغرر حيث يُعلم من الإطلاق الدّلالةُ على المشترك.

(وقدرِ المسافة) إمّا بالمشاهدة، أو بالتقدير كمائة ذراع؛ لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد، (و) قدرِ (الغرض) وهو ما يُقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة والضيق. ويُشترط العلم بوضعه من الهدف، وهو ما يُجعَل فيه الغرض من تراب وغيره؛ لاختلافه في الرفعة والانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة. (والسبَقُ) وهو العوض، وتماثل جنس الآلة أي نوعها الخاص كالقوس العربي أو المنسوب إلى وضع خاص لاختلاف الرمي باختلافها(لاشخصها)؛ لعدم الفائدة بعد تعيين النوع؛ ولأدائه إلى التضييق بعروض مانع من المعيَّن يُحوج إلى إبداله، بل قيل: إنه لو عيَّنه لم يتعيَّن وجاز الإيدالُ وفَسَد الشرطُ (1)

وشَمَل إطلاق «الآلة» القوس والسهم وغيرهما.

وقد ذكر جماعة أنّه لايُشترط تعيينُ السهم؛(2) لعدم الاختلافِ الفاحش الموجبِ لاختلاف الرمي بخلاف القوس، وأنه لو لم يُعيَّن جنسُ الآلة انصرف إلى الأغلب عادةً؛

لأنه جارٍ مَجرَى التقييد لفظاً، فإن اضطَرَبَتْ فَسَد العقد؛ للغرر.

( ولا يُشترط) تعيينُ (المبادرة،(3) وهي اشتراط استحقاق العِوَض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيَّنٍ من مقدار رِشْقٍ معيَّنٍ مع تساويهما في الرِشق، كخمسة من عشرين؛ (ولا المحاطّة) وهي اشتراط استحقاقه لمن خَلَص له من الإصابة عددٌ معلومٌ بعد

ص: 68


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 379.
2- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 186؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 379؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 8، ص 355.
3- المراماة على قسمين: مبادرة ومحاطة، والمراد بالأوّل أن يتفقا على رمي عدد معين، كعشرين مثلاً، فمن بادر إلى إصابة عدد معين فيها كخمسة فهو ناضل لمن لم يصب أو أصاب دونه. والمراد من المحاطة بتشديد أن يقابل إصابتهما من العدد أمر مشروط المشترك من الإصابات، فمن زاد فيها بعدد معين كخمسة فناضل فيستحق المال المشروط في العقد. (زين رحمه الله)

مقابلة إصاباتِ أحدِهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتَرَكافيه. (و يُحمّل المطلق على المحاطة)؛ لأنّ اشتراط السبق إنما يكون لإصابةٍ معينةٍ من أصل العددِ المشترَطِ في العقد، وذلك يقتضي إكمالَ العددِ كلَّه؛ لتكون الإصابةُ المعيّنةُ منه، وبالمبادرة قد لايفتقر إلى الإكمال، فإنّهما إذا اشترطا رشق عشرين وإصابة خمسةٍ، فرَمَى كلُّ واحدٍ عشرةً فأصاب أحدهما خمسةً والآخَرُ أربعةً مثلاً فقد نَضَله صاحب الخمسة ولايجب عليه الإكمال، بخلاف ما لو شرطا المحاطة فإنّهما يتحاطان أربعة بأربعة، ويبقى لصاحب الخمسة واحد ويجب الإكمال؛ لاحتمال اختصاص كلِّ واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.

وقيل: يُحمل على المبادرة؛(1) لأنّه المتبادِر من إطلاق «السبق لِمَن أصاب عدداً معيَّناً وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما، فإنّه قدلايجب الإكمال في المحاطة على بعض الوجوه، كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كلّ تقدير بأن رَمَى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها، ورماها الآخَرُ فأصاب خمسةً، فإذا تحاطا خمسةً بخمسة بقي للآخر عشرة، وغاية ما يتفق مع الإكمال أن يُخطئ صاحبُ العشرة الخمسة ويُصيبها الآخَرُ، فيبقى له فضل خمسةٍ وهي الشرط. وما اختاره المصنف أقوى؛ لأنّه المتبادِر، وما ادعِي منه في المبادرة غيرُ متبادِر، ووجوب الإكمال فيها أغلب، فتَكثُر الفائدة التي بسببها شُرِعت المعاملة. ولو عيَّنا أحدهما كان أولى.

(فإذا تمّ النِضالُ) وهو المراماة، وتمامه بتحقق الإصابة المشروطة لأحدهما، سواء أَتمَّ العددَ أجمعَ أم لا ، (مَلَك الناضِلُ) وهو الذي غَلَب الآخَرَ (العِوَضَ)، سواءٌ جعلناه لازماً كالإجارة، أم جعالةً. أما الأوّل، فلأنّ العوض فى الإجارة وإن كان يُملك بالعقد، إلا أنه هنا لما كان

ص: 69


1- نسبه إلى الشافعي ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 3، ص 86.

للغالب - وهو غير معلوم بل يمكن عدمُه أصلاً - تَوقَّف الملك على ظهوره، وجاز كونه لازماً برأسه يخالف الإجارة في هذا المعنى. وأما على الجُعالة، فلأنّ المالَ إنّما يُملك فيها بتمام العمل. وجواز الرهن عليه قبل ذلك وضمانه؛ نظراً إلى وجود السبب المُمَلك العقد. وهذا يَتِمّ في الرهن أمّا في الضمان فيُشكل بأنّ مجرَّدَ السبب غيرُ كافٍ،كيف ويمكن تخلّفه بعدم الإصابة؟ فليس بتام، وهذا مما يُرجح كونه جعالةً. (وإذا فَضَل أحدهما صاحبه) بشيء فصالحه على ترك الفضل لم يصح؛ لأنه مُفَوِّت للغرض من المناضلة أو مخالف لوضعها.

(ولو ظهر استحقاق العِوَضِ المعيَّنِ في العقد (وجب على الباذل مثله أو قيمته)؛

) لأنّهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه من العِوَض الفاسد، كالصداق إذا ظهر فساده. ويُشكل بأنّ استحقاق العوض المعيَّنِ يقتضي فساد المعاملة كنظائره، وذلك يُوجِب الرجوع إلى أجرة المثل للعوض الآخَرِ. نعم، لو زادت أجرةُ المثل عن مثل المعيّن أو قيمته اتَّجَه سقوط الزائد؛ لدخوله على عدمه. وهذا هو الأقوى.

والمراد بأجرة المثل هنا ما يُبذَل لذلك العملِ الواقع من المستحق له عادةً، فإن لم تَستقر العادةُ على شيء رجع إلى الصلح. وربما قيل بأنّه أجرة مثل الزمان الذي وَقَع العملُ فيه؛ نظراً إلى أنّ ذلك أُجرة مثل الحرّ لو غُصِب تلك المدَّة. والأجود الأول.

ص: 70

كتاب الجُعالة

ص: 71

ص: 72

كتاب الجُعالة

اشارة

(1)

(وهي) لغة: مال يُجعَل على فعل؛(2) وشرعاً (صيغة ثمرتها تحصيلُ المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما في العمل والعوض ك«من ردَّ عبدي فله نصفه» مع الجهالة به وبمكانه، وبهذا تَتميَّز عن الإجارة على تحصيل منفعة معيَّنة؛ لأنّ التعيين شرط في الإجارة، وكذا عوضها. أما عدم اشتراط العلم بالعمل هنا فموضع ،وفاق، وأمّا العِوَضُ ففيه

خلاف يأتي تحقيقه،(3)

(ويجوز على كل عمل محلل مقصودِ) للعقلاء غير واجب على العامل فلايصح على الأعمال المحرَّمة كالزنى ولا على ما لا غاية له معتدّاً بها عقلاً كنَزْف ماء البئر، والذهاب ليلاً إلى بعض المواضع الخطرة، ونحوهما ممّا يقصده العابثون. نعم، لو كان الغرضُ به التمرُّنَ على الشجاعة وإضعاف الوهم، ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء صح. وكذا لايصح على الواجب عليه كالصلاة. (ولايفتقر إلى قبول لفظي، بل يكفي فعلُ مقتضى الاستدعاء به، ولا إلى مخاطبة شخص معيَّن، فلو قال:«مَن رَدَّ عبدي أو خاط ثوبي) بصيغة العموم (فله

ص: 73


1- إذا جعل لعامل المزارعة حصّةٌ من الزرع فبلغت النصاب فالزكاة على المالك؛ إذ الأجير المجعول له لايملك الجعل إلا بتمام العمل. (زين رحمه الله)
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 276، «جعل».
3- یأتی فی ص 77 فمابعدها.

كذا صحّ، أو فله مال أو شيء»، ونحوهما من العِوض المجهول (صح إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة، وإنّما هو شرط (في تشخصه وتعينه، فإن أراد ذلك) التعينَ (فليذكر جنسَه وقدره، وإلّا يذكره، أو ذَكَره ولم يُعيِّنه (ثبت بالرد أُجرة المثل). ويُشكل بأنّ ثبوت أُجرة المثل لايقتضي صحة العقد، بل هي ظاهرة في فساده، وإنما أوجبها الأمر بعمل له أجرةً عادةً، كما لو استدعاه ولم يُعين عوضاً، إلا أن يقال: إنّ مثل ذلك يُعَدّ جعالةً أيضاً، فإنّها لاتنحصر في لفظ، ويُرشد إليه اتفاقهم على الحكم من غير تعرُّض للبطلان. وفيه أنّ الجعالة مستلزمة لجعل شيء، فإذا لم يذكره لايتحقق مفهومها وإنْ تَرتب عليها العوض.

وقيل: إن كانت الجهالة لاتمنع من التسليم لزم بالعمل العِوَضُ المعيَّن لاأُجرة المثل؛ كمن ردّ عبدي فله نصفه، فردَّه من لايعرفه،(1) ولابأس به. وعلى هذا فيصح جعله صُبرةً مشاهدةً مجهولة المقدار وحصَّةً من نَماء شجر على عمله، وزرع كذلك ونحوَها.

والفرق بينه وبين الشيء والمالِ مقوليَّتُهما على القليل والكثير المُفْضِي إلى التنازع والتجاذُب، فلم يصح على هذا الوجه، بخلاف مالايمنع من التسليم فإنّه أمرٌ واحد لايقبل الاختلاف، ومسمّاه لتشخُصه لايقبل التعدّدَ، وقبوله للاختلاف قيمة - بالزيادة والنقصان - قد قَدِم عليه العامل كيف كان، ويمكن التبرع به، فإذا قدم على العوض الخاص انتَفَى الغَرَرُ؛ لأنه معيَّن في حد ذاته. ويُشترط في الجاعل الكمالُ بالبلوغ والعقل، وعدم الحجر)؛ لأنه باذل المال فيُعتبر رفعُ الحجر عنه، بخلاف العامل فإنّه يَستحِق الجُمْلَ وإن كان صبيّاً مميّزاً بغير إذن وليه. وفي غير المميز والمجنون و جهان من وقوع العمل المبذول عليه ومن عدم القصد.

ص: 74


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 216؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 163.

(ولو عيّن الجعالةَ لواحد و رَدّ غيرُه فهو متبرع بالعمل (لاشيء له) للتّبرّع، ولا للمعيَّن؛ لعدم الفعل، ولو شارَكَ ،المعيَّن، فإن قصد التبرّعَ عليه فالجميع للمعيَّن)؛ لوقوع الفعل بأجمعه له (وإلّا) يقصد التبرعَ عليه بأن أطلق أو قصد العمل لنفسه أو التبرّعَ على المالك (فالنصف) للمعيَّن خاصَّةً؛ لحصوله بفعلين: أحدهما مجعول له والآخَرُ متبرَّعُ فيستحق النصف؛ بناءً على قسمة العوض على الرؤوس. والأقوى بَسْطُه على عملهما، فيستحق المعيَّنُ بنسبة عمله، قصر عن النصف أم زاد وهو خِيَرة المصنف في الدروس،(1) ومثله ما لو عَمِل معه المالك، ولاشيء للمتبرع). وتجوز الجُعالة من الأجنبي فيلزمه المال دون المالك إن لم يأمره به، ولو جعله من مال المالك بغير إذنه فهو فضولي.

(ويجب عليه) أي على الجاعل مطلقاً (الجُعْلُ مع العمل المشروط) حيث يتعيَّن،

وإلّا فما ذُكِر بدله. (وهي جائزة من طرف العامل مطلقاً) قبل التلبس بالعمل وبعده؛ فله الرجوع متى شاء، ولايستحق شيئاً لما حصل منه من العمل قبل تمامه مطلقاً، وأما الجاعل فجائزة من طرفه (قبل التلبس بالعمل، وأما بعده فجائزة بالنسبة إلى ما بَقِيَ من العمل) فإذا فَسَخ فيه انتقى عنه بنسبته من العوض، أما الماضي فعليه أجرته).

وهذا في الحقيقة لايخرج عن كونها جائزةً من قبله مطلقاً، فإنّ المراد بالعقد الجائز أو الإيقاع مايصح فسخه لمن جاز من طرفه، وثبوت العوض لاينافي جوازه كما أنّها بعد تمام العمل يلزمها جميع العوض مع أنها من العقود الجائزة، وكذا الوكالة بجعل بعد تمام العمل.

واستحقاق الجُعل لايُخرجها عن كونها عقداً جائزاً، فينبغي أن يقال: إنّها جائزة مطلقاً، لكن إن كان الفسخ من المالك ثَبَتَ للعامل بنسبة ما سبق من العمل إلى المسمّى

ص: 75


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 95 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

على الأقوى، وقيل: أجرةً مثله،(1)

وربما أشكل ذلك فيما لو كانت على ردّ ضالة مثلاً ثمّ فسخ وقد صارت بيده، فإنّه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ ؛ إذ لا يجوز له تركها، بل يجب تسليمها إلى المالك أو من يقوم مقامه، فلا يتحقَّق فائدة للفسخ حينئذ. ويمكن دفعه بأنّ فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له على هذا التقدير، بل يَستحق لما سبق بنسبته، ويبقى له فيما بعد ذلك أجرة المثل على ما يَعمَله إلى أن تتسلمه المالك، وهو حفظه عنده ونحوه؛ إذ لايجب عليه حينئذ ردّه على المالك، بل تمكينه منه إن كان قد علم بوصوله إلى يده، وإن لم يعلم وجب إعلامه. (ولو) رجع المالك فيها قبل العمل أو في أثنائه ولم يعلم العامل رجوعه) حتى أكمل العمل (فله) كمال الأجرة؛ ولو عَلِم في الأثناء فله بنسبة ما سلف قبل .العلم. وينبغي أن يراد بالعلم ما يثبت به ذلك شرعاً؛ ليشمل السماعَ من المالك والشياع المفيد للعلم، وخبرَ العدلين لا الواحدِ وإِنْ حُكم به في عزل الوكالة بنص خاص،(2)

(ولو أوقع) المالكُ (صيغتين) للجعالة مختلفتين في مقدار العوض، أو في بعض أوصافها (عمل بالاخيرة إذا سمعهما العامل)؛ لأن الجعالة جائزة، والثانية رجوع عن الأولى سواء زادت أم نَقصت (وإلّا) يَسمَعهما (فالمعتبر م-ا س-م-ع) من الأُولى والأخيرة، ولو سَمِع الثانية بعد الشروع في العمل، فله بعد الشروع في العمل، فله من الأولى بنسبة ما عَمِل إلى

الجميع، ومن الثانية بنسبة الباقي.

(وإنّما يَستحِق الجُعْلَ على الرد بتسليم المردود إلى مالكه مع الإطلاق، أو التصريح بالجُعل على إيصاله إلى يده، فلو جاء به إلى باب منزل المالك فهَرَب فلا شيء للعامل)؛ لعدم إتمامه العمل الذي هو شرط الاستحقاق. ومثله ما لو مات قبل

ص: 76


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 443، المسألة 502.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 213، ح 503.

وصوله إلى يده وإن كان بداره مع احتمال الاستحقاق هنا؛ لأنّ المانع من قبل الله تعالى لا من قبل العامل. ولو كان الجعل على إيصاله إلى البلد أو إلى منزل المالك استحق الجميع بالامتثال

(ولايَستحِق الأجرة إلّا ببذل الجاعل أي استدعائه الرد، سواء كان مع بذل عوض أم لا، فلو رَدَّ بغيره كان متبرّعاً لاعوض له مطلقاً، وكذا لو رَدَّ من لم يَسمَع

الجعالة على قصد التبرع أو بقصد يغاير ما بذله المالك جنساً أو وصفاً. ولو ردَّ بنيّة العوض مطلقاً وكان ممّن يدخل في عموم الصيغة أو إطلاقها، ففي استحقاقه قولان،(1) منشؤهما فعله متعلَّق الجَعْل مطابقاً لصدوره من المالك على وجه يَشمُله، وأنّه عمل محترم لم يقصد به فاعله التبرع، وقد وقع بإذن الجاعل فقد وُجد المقتضي والمانع ليس إلا عدم علمه بصدور الجغل، ومثله يُشَكٍّ في مانعيَّته؛ لعدم الدليل عليه، فيَعمَل المقتضي عمله. ومن أنّه بالنسبة إلى اعتقاده متبرع؛ إذ لاعبرة بقصده من دون جعل المالك، وعدم سماعه في قوّة عدمه عنده. وفصَّل ثالث، ففَرَق

بين من ردَّ كذلك عالماً بأن العمل بدون الجَعْل تبرّع وإنْ قَصَد العامل العوض، وبين غيره؛ لأنّ الأوّل متبرّع محضاً، بخلاف الثاني،(2) واستقرب المصنِّف الأول،(3) والتفصيل متَّجِة.

مسائل

المسألة الأولى

(كلَّما لم يُعيَّن (جُعل) إما لتركه أصلاً بأن استدعى الردَّ وأطلق، أو لذكره مبهماً كما سلف، فأُجرة (المثل لمن عَمِل مقتضاه سامعاً للصيغة غَيرَ متبرِّع

ص: 77


1- القول بالاستحقاق لفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 162 والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (11) والقول بالعدم للعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 441 ، بدون الرقم.
2- هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 6 ، ص 190.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 94 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

بالعمل، إلا أن يُصرّح بالاستدعاء مجاناً فلاشيء، وقيل: لا أجرة مع إطلاق الاستدعاء،(1) والأول أجود. نعم، لو كان العمل ممّا لا أُجرة له عادةً لقلته فلا شيء للعامل، كمن أمر غيره بعمل من غير أن يَذكر أجرة، إلّا في رد الآبق من المصر) الذي فيه مالكه إليه (فدينار، و) في ردّه (من غيره) سواء كان من مصر آخَرَ أم لا (أربعةُ دنانير) في المشهور، ومستندُه،(2) ضعيفٌ. ولو قيل بثبوت أُجرة المثل فيه كغيره كان حسناً.

والمراد بالدينار على القول به الشرعي، وهو المثقال الذي كانت قيمته عشرة دراهم. (و البعير (كذا أي كالآبق في الحكم المذكور، ولانصَّ عليه بخصوصه، وإنما ذكره الشيخان،(3) وتَبِعَهما عليه جماعة،(4)

ويظهر من المفيد أنّ به روايةً؛ لأنّه قال: «بذلك ثبتت السنّة».

وفي إلحاقه - على تقدير ثبوت الحكم في الآبق - إشكال. ويقوى الإشكال لو - قَصَرت قيمتهما عن الدينار والأربعةِ. وينبغي حينئذٍ أن يثبت على المالك أقلُّ الأمرين من قيمته والمقدَّرِ شرعاً، ومبنى الرواية،(5) على الغالب من زيادة قيمته عن ذلك كثيراً.

المسألة الثانية

(ولو بَذَل جُعلاً) لمن ردّه، واحداً كان أم أكثر (فردَّه جماعةٌ

ص: 78


1- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 443، بدون الرقم.
2- والمستند رواية مسمع بن عبدالملك عن أبي عبد الله قال: «إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل في رد الابق ديناراً إذا وجد في مصره، وإن وجد في غيره فأربعة دنانير» (تهذيب الأحكام، ج 1، ص 398، ح 1203] وعمل بها أكثر الأصحاب مع ضعف عظيم في طريق الخبر لجماعة منهم: محمد بن الحسن بن ميمون وهو ضعيف جداً، غال، وضاع ومنهم عبدالله بن عبد الرحمن الأصم وحاله كذلك أو زيادة ومنهم: سهل بن زياد وهو حاله مشهور(منه رحمه الله).
3- المقنعة، ص 648 - 649: النهاية، ص 323.
4- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 570 وابن حمزة في الوسيلة، ص 277؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 109.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 398، ح 1203.

استَحقُّوه بينهم بالسويَّة)،(1) ولو كان العملُ غير الردّ من الأعمال التي يمكن وقوعها

أجمع من كلِّ واحد منهم - كدخول داره مع الغرض الصحيح - فلكلّ ما عَيَّن.

(ولو جَعَل لكلّ من الثلاثة جُعلاً (مغايراً للآخرين؛ كأن جَعَل لأحدهما ديناراً، وللآخر دينارين، وللثالث ثلاثةً (فردوه ، فلكلّ ثُلث ما جَعَل له)، ولو ردَّه أحدهم فله ما عَيَّن له أجمع، ولو ردَّه اثنان منهم فلكل منهما نصفُ ما عَيَّن له، ولو لم يُسَمّ لبعضهم جعلاً مخصوصاً (فله ثلثُ أُجرة المثل)، ولكلِّ واحد من الآخَرَين ثلث ما عَيَّن له، ولو ردَّه من لم يُسمّ له وأحدهما، فله نصفُ أُجرة مثله، وللآخر نصفُ ما سَمّى له وهكذا. (ولو كانوا أزيد من ثلاثة (فبالنسبة) أي لو رَدّوه أجمع فلكلّ واحد بنسبة عمله إلى المجموع من أُجرة المثل أو المسمّى.

المسألة الثالثة

(ولو اختلفا في أصل الجعالة) بأن ادَّعَى العاملُ الجَعْلَ وأنكره المالكُ وادَّعى التبرّع (حلف المالك)؛ لأصالة عدم الجغل، (وكذا يحلف المالك لو اختلفا (في تعيين الآبق مع اتفاقهما على الجعالة؛ بأن قال المالك : إنّ المردود ليس هو المجعول، وادّعاه العامل؛ لأصالة براءة ذمته من المال الذي يدَّعى العامل استحقاقه.

(ولو اختلفا في السعي بأن قال المالك : حَصَل في يدك قبل الجَغل بفتح الجيم، وقال الراد: بل بعده (حلف المالك أيضاً (للأصل) وهو براءة ذمته من حق الجعالة، أو عدم تقدّمِ الجَعل على حصوله في يده، وإن كان الأصل أيضاً عدم تقدّم وصوله إلى يده على الجَعل، إلّا أنّه بتعارض الأصلين لايثبت في ذمة المالك شيء. ومثله ما لو قال المالك: حَصَل في يدك قبل عِلْمِك بالجَعل أو من غير سعي، وإن كان بعد صدوره. (وفي قدر الجُعل كذلك يحلف المالك؛ لأصالة براءته من الزائد؛ ولأنّ العاملَ

ص: 79


1- بناءً على قسمة الرؤوس كما سلف والأقوى قسمته على العمل كما تقدّم وكذا الحكم في نظائره. (منه رحمه الله)

مدّعٍ للزائد، والمالك منكر فيثبُت للعامل) بيمين المالك (أقل الأمرين من أُجرة المثل وممَّا ادّعاه)؛ لأنّ الأقل إن كان الأجرة فقد انتفى ما يدعيه العامل بيمين المالك، وإن كان ما يدعيه العامل فلاعترافه بعدم استحقاق الزائد وبراءة ذمة المالك منه، والحال أنهما معترفان بأنّ عمله بجعل في الجملة، وأنه عمل محترم فتثبت له الأُجرة إن لم يَنتَفِ بعضُها بإنكاره، إلّا أن يزيد ما ادعاه المالك عن أُجرة المثل فتثبت الزيادة؛

لاعترافه باستحقاق العامل إيّاها والعامل لاينكرها. (وقال) الشيخ نجيب الدين بن نما (رحمه الله)(1) إذا حلف المالك على نفي ما ادّعاه العاملُ (ثبت ما ادّعاه هو ؛ لأصالة عدم الزائد، واتفاقهما على العقد المشخص بالعوض المعيَّن وانحصاره في دعواهما، فإذا حلف المالك على نفي ما ادعاه العامل ثبت مدَّعاه؛ لقضيَّة الحصر،(2) ( وهو قوي، كمال الإجارة) إذا اختلفا في قدره. وقيل: يتحالفان؛ لأنّ كلا منهما مدَّعٍ ومدَّعَى عليه فلا ترجيح لأحدهما، فيحلف كلُّ

منهما على نفي ما يدعيه الآخَرُ ويَثبُت الأقل،(3) كما مرّ.

والتّحقيق أنّ اختلافهما في القدر إن كان مجرَّداً عن التسمية بأن قال العامل: «إنّي أَستَحِق مائةً من جهة الجعل الفلاني فأنكر المالك وادعى أنه خمسون، فالقول قولُ المالك؛ لأنّه منكر محض والأصل براءته من الزائد، كما يُقدَّم قوله لو أنكر أصل الجَعل، ولايتوجه اليمين هنا من طرف العامل أصلاً، وإن قال: «جَعَلتَ لي مائةً» فقال المالك: «بل خمسين ففيه الوجهان الماضيان في الإجارة. والأقوى تقديم قول المالك أيضاً؛ لاتفاقهما على صدور الفعل بعوض، واختلافهما في مقداره خاصَّةً، فليس كلُّ منهما

مدَّعياً لما ينفيه الآخَرُ.

ص: 80


1- هو محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما، شيخ المحقق الحلّي، ولم نعثر على كتاب له ولا على من حكاه عنه (زين رحمه الله).
2- حكاه عنه أيضاً الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 96 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- قال به العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 218 4. مضى في ص 31.

وإن كان اختلافهما في جنس المجعول مع اختلافه بالقيمة، فادَّعَى المالك جعل شيءٍ معيَّن يساوي خمسين، وادَّعَى العاملُ جَعل غيره مما يساوي مائتين، فالتحالف هنا متعيّن؛ لأنّ كلّاً منهما يدَّعي ما يُنكره الآخَرُ، إلّا أنّ ذلك نَشَأ من اختلاف الجُعل جنساً أو وصفاً لا من اختلافه قدراً، وإذا فرض اختلاف الجنس فالقول بالتحالف وإن تساويا قيمةً. وإنّما ذكرنا اختلاف الجنس فى هذا القسم؛ لأن جماعة كالمحقق والعلّامة شَرَكوا بينه وبين الاختلاف قدراً في الحكم،(1) وليس بواضح.

ويبقى في القول بالتحالف مطلقاً إشكالٌ آخَرُ، وهو فيما إذا تساوَتْ الأُجرة وما يدَّعيه المالك، أو زاد ما يدَّعيه عنها ، فإنّه لاوجه لتحليف العامل بعد حلف المالك على نفي الزائد الذي يدَّعيه العامل؛ لثبوت ما حُكم به مِن مدَّعَى المالك زائداً عن الأجرة أو مساوياً باعترافه، فتكليف العامل باليمين حينئذٍ لاوجه له لاعتراف المالك به، وإنّما يَتوجّه لو زادت أجرة المثل عمّا يدَّعيه المالك، فيتوقف إثبات الزائد من الأجرة عمّا يدعيه على يمين المدعي، وهو العامل.

ص: 81


1- شرائع الإسلام، ج 3، ص 129 قواعد الأحكام، ج 2، ص 218؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 202.

ص: 82

كتاب الوصايا

(وفيه فصول :)

ص: 83

ص: 84

کتاب الوصایا

الفصل الأول في الوصية

(الوصية) مأخوذة من «وَصَى يَصِي»، أو «أوصَى يُوصِي»، أو «وَصَى يُوَفِّي»، وأصلها الوصل، وسُمِّي هذا التصرّفُ وصيَّةً؛ لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة

به بعد الوفاة، أو وصلة القُربة في تلك الحال بها في الحالة الأُخرى.

وشرعاً: (تمليك عين، أو منفعة، أو تسليط على تصرف بعد الوفاة). فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفاتِ المُمَلّكَةِ من البيع والوقف والهبة، وفي ذكر العين والمنفعة تنبية على متعلَّقي الوصيَّة. ويندرج في العين الموجودة منها بالفعل كالشجرة والقوَّةِ كالثمرة المتجددة، وفي المنفعة المؤيَّدةُ والمؤقتة والمطلقة. ويدخُل في التسليط على التصرّف الوصاية إلى الغير بإنفاذ الوصيَّة، والولاية على من للموصي عليه ولاية. ويخرُج ببعديَّة الموت الهبة وغيرها من التصرفاتِ المُنَجَّرَةِ في الحياة، المتعلقة بإحداهما؛ والوكالة؛ لأنّها تسليط على التصرف في الحياة.

وينتقض في عكسه بالوصيَّةِ بالعتق فإنّه فكُ مِلك، والتدبير فإنه وصيَّة به عند الأكثر، والوصيَّةِ بإبراء المديون وبوقف المسجد فإنّه فكَ مِلك أيضاً، وبالوصيَّة بالمضاربة والمساقاة؛ فإنّهما وإنْ أفادا مِلك العاملِ الحصَّةَ من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما، إلا أنَّ حقيقتهما ليست كذلك، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة، فينتفي التمليك. وإيجابها «أوصيتُ لفلان بكذا» أو «افعَلُوا كذا بعد وفاتي»)، هذا القيد يُحتاج إليه في الصيغة الثانية خاصَّةً؛ لأنها أعم ممّا بعد الوفاة، أما الأولى فمقتضاها كون ذلك

ص: 85

بعد الوفاة، (أو «لفلان بعد وفاتي) كذا»، ونحو ذلك من الألفاظ الدّالة على المعنى المطلوب.

(والقبول الرضى)(1) بما دلّ عليه الإيجاب، سواءٌ وقع باللفظ أم بالفعل الدال عليه كالأخذ والتصرف. وإنّما يُفتقر إليه فيمن يمكن في حقه - كالمحصور - لا غيره كالفقراء والفقهاء وبني هاشم والمسجد والقنطرة، كما سيأتي،(2)

واستُفيد من افتقارها إلى الإيجاب والقبول أنّها من جملة العقود. ومن جواز رجوع الموصي ما دام حيّاً والموصى له كذلك ما لم يقبل بعد الوفاة - كما سيأتي - أنها من العقود الجائزة، وقد تلحق باللازمة على بعض الوجوه، كما يُعلم ذلك من القيود ولمّا كان الغالب عليها حُكْمَ الجواز لم يُشترط فيها القبول اللفظي، ولامقارنته للإيجاب، بل يجوز مطلقاً، سواءٌ (تأخَّر) عن الإيجاب أو قارَنَ). ويمكن أن يريد بتأخّره تأخُرَه عن الحياة ومقارنته للوفاة، والأوّلُ أَوفَقُ بمذهب المصنِّف؛ لأنه يَرَى

جواز تقديم القبول على الوفاة،(3) والثاني للمشهور. ومبنى القولين على أنّ الإيجاب في الوصيَّة إنّما يتعلّق بما بعد الوفاة؛ لأنّها تمليكٌ أو ما في حكمه بعدَ الموت، فلو قَبل قَبْلَه لم يُطابق القبول الإيجاب، وأن المتعلق بالوفاة تمامُ المِلك على تقدير القبول والقبض، لا إحداث سببه، فإنّ الإيجاب جزء السبب فجاز أن يكون القبول كذلك، وبالموت يَتِمّ، أو يُجْعَلُ الموت شرطاً لحصول

ص: 86


1- ولايُشترط القبول لفظاً بل يكفي الفعل الدال عليه، إنّما اعتبر القبول ؛ لأنّ الوصية عقد فلا يتحقق إلا من اثنين عن تراض منهما، والرضى أمر باطني فلابدّ من لفظ يدلّ عليه؛ ولأن الوصية تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعيّن فاعتبر قبوله كالهبة، وإن كانت لغير معيّن كالفقراء مثلاً ممن لايمكن قبولهم أو على مصلحة كقنطرة أو حج - لم يفتقر إلى القبول، ولزمت بالموت ما لم يرجع ؛ لأنّ اعتبار القبول مرجعهم متعذر فيسقط اعتباره أما الآدمي المعين، فيثبت له الملك فيعتبر قبوله، ولايشترط، بل يكفي ما يدلّ عليه من الأفعال، والفعل الدال على الرضى كما في الهبة (زين رحمه الله).
2- يأتي في ص 89.
3- انظر الدروس الشرعية، ج 2، ص 265 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الملك بالعقد، كالبيع على بعض الوجوه. وهذا أقوى. وتعلّقُ الإيجاب بالتمليك بعد الموت لا ينافي قبولَه قبله؛ لأنه قبول بعده أيضاً.

وإنما يصح القبولُ على التقديرين (ما لم يَرُدّ الوصيَّةَ ،قبله، فإن رَدَّ) حينئذٍ لم يؤثر القبولُ : لبطلان الإيجاب برده. نعم، لو ردَّ (في حياة الموصي جاز القبول بعد؛ وفاته)؛ إذ لااعتبار برده السابق حيث إنّ الملك لا يمكن تحققه حال الحياة والمتأخُرُ لم يقع بعد.

وهذا بمذهب من يَعتبِر تأخَّرَ القبول عن الحياة أوفق أما على تقدير جواز تقدّمه في حال الحياة، فينبغي تأثير الرد حالتها أيضاً؛ لقوات أحد رُكني العقد حال اعتباره بل يمكن القول بعدم جواز القبول بعد الردّ مطلقاً؛ لإبطاله الإيجاب السابق، ولم يحصل بعد ذلك ما يقتضيها كما لو رَدّ المتَهبُ الهبةَ.

ولو فُرِق بأنّ المانع هنا انتفاء المقارنة بين القبول والإيجاب، قلنا: مثلُه في ردّ

الوكيل الوكالة فإنّه ليس له التصرّفُ بعد ذلك بالإذن السابق وإن جاز تراخي القبول. وفي الدروس نَسَب الحكم بجواز القبول حينئذٍ بعد الوفاة إلى المشهور؛(1) مُؤذناً بتمريضه، ولعلّ المشهور مبني على حكم المشهور السابق. (وإن ردَّ بعد الوفاة قبل القبول بَطَلَتْ وإِنْ قَبَض اتفاقاً؛ إذ لا أثر للقبض من دون القبول، (وإن ردَّ بعد القبول لم تبطل وإنْ لم يقبض على أجود القولين؛(2) لحصول الملك بالقبول فلا يُبطِلُه الردُّ كرد غيره من العقود المُمَلّكة بعد تحققه، فإنّ زوال الملك بعد ثبوته يتوقف على وجود السبب الناقل ولم يتحقَّق، والأصل عدمه. وقيل: يصح الردُّ؛ بناءً على أنّ القبض شرط في صحة الملك كالهبة فتبطل بالرد قبلَه،(3) ويُضَعَّف ببطلان القياس، وثبوت حكمها بأمر خارج لايقتضي المشارَكةَ

ص: 87


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- أجود القولين وهو قول المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 189 ؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 444.
3- قال به في المبسوط، ج 3، ص 235؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 377.

بمجرّده، وأصالةُ عدم الزوال بذلك واستصحابُ حكم الملك ثابتٌ. (ويَنتقِل حقُّ القبول إلى الوارث لو مات الموصى له قبله، سواء مات في حياة

الموصي أم بعدها على المشهور ومستنده روايةٌ(1) تدل بإطلاقها عليه. وقيل: تبطل الوصيَّةُ بموته،(2) لظاهر صحيحة أبي بصير، ومحمد بن مسلم عن الصادق(علیه السلام)(3) وفصَّل ثالثٌ: فأبطلها بموته في حياته لابعدها،(4) والأقوى البطلانُ مع تعلّق غرضه بالمورث وإلا فلا، وهو مختار المصنف في الدروس، ويمكن الجمع به بين الأخبار لو وجب،(5)

ثمّ إن كان موته قبل موت الموصي لم تدخُل العينُ في ملكه، وإن كان بعده ففي دخولها وجهان مبنيّان على أنّ القبول هل هو كاشف عن سَبْق الملك من حين الموت أم ناقل له من حينه، أم الملك يحصل للموصى له بالوفاة متزلزلاً ويَستقِرّ بالقبول أوجه

تأتي. وتظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميِّتِ لو ملكه. (وتصح) الوصيَّة (مطلقةً) غير مقيَّدة بزمانٍ أو وصف (مثل ما تقدم) من قوله «أوصيت» أو «افعلوا كذا بعد وفاتي» أو «لفلان بعد وفاتي»، ومقيَّدةً مثلَ «افعلوا بعد وفاتي «في سنة كذا» أو في سفر كذا فيَتَخَصَّص) بما خصَّصه من السنة والسفر ونحوهما، فلو مات في غيرها أو غيره بطلت الوصيَّةُ؛ لاختصاصها بمحلِّ القيد فلاوصيّةَ بدونه

ص: 88


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 230، ح 903.
2- قال به الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 296 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 231، ح 906.
4- نقله عن ابن الجنيد ونفى عنه البأس العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 364. المسألة 143.
5- أشار بقوله: «لو وجب» إلى أن في طريق الرواية الأولى محمد بن قيس وهو مشترك بين الثقة وغيره، فلا عبرة بها وإن اشتهرت فلا تعارض الصحيح وما قيل من احتمال الصحيحة لغير المطلوب من الصحة فلا تعارض الأولى مردود، بأن ظاهرها ذلك فلاتعارضها الأولى. تأمل(منه رحمه الله).

وتكفي الإشارةُ الدّالةُ على المراد قطعاً في إيجاب الوصية (مع تعذر اللفظ) لخَرَس واعتقال لسان بمرض ونحوه، وكذا) تكفي (الكتابة) كذلك (مع القرينة) الدالة على قصد الوصية بها، لا مطلقاً؛ لأنّها أعم. ولا تكفيان مع الاختيار وإنْ شُوهِد كاتباً أو علم خطه، أو عَمِل الورثة ببعضها،خلافاً للشيخ في الأخير،(1) أو قال: «إنّه بخطّي وأنا عالم به»، أو «هذه وصيتي فاشهدوا عليَّ بها»، ونحو ذلك، بل لابد من تلفّظه به، أو قراءته عليه واعترافه بعد ذلك؛ لأنّ

الشهادةَ مشروطةٌ بالعلم، وهو منفي هنا، خلافاً لابن الجنيد حيث اكتفى به الشاهد له عنده،(2) والأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفته بما فيه، وأنه موص به، وكذا القول في المقِرِّ.

والوصيَّة) للجهة العامة - مثل الفقراء والفقهاء وبني هاشم (والمساجد والمدارس - لاتحتاج إلى القبول؛ لتعذرِه إن أريد من الجميع، واستلزامه الترجيح من غير مرجّح إن أريد من البعض.

ولايفتقر إلى قبول الحاكم أو منصوبه وإن أمكن كالوقف، وربما قيل فيه بذلك، ولكن لاقائل به هنا ولعلّ مَجالَ الوصيَّة أوسعُ، ومِن ثَمّ لم يُشترط فيها التنجيز ولافوريَّةُ القبول ولاصَراحة الإيجاب ولاوقوعه بالعربية مع القدرة.

(والظاهر أنّ القبول كاشف عن سبق (الملك) للموصى له (بالموت) لاناقل له من حينه؛ إذ لولاه لَزِم بقاءُ المِلك بعد الموت بغير مالك؛ إذ الميّتُ لايملك؛ لخروجه به عن أهليته كالجمادات، وانتقال ماله عنه ولا الوارث؛ لظاهر قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِهَا أَوْ دَيْنِ)،(3) فلو لم ينتقل إلى الموصى له لزم خلوُّه عن المالك؛ إذ لايصلُح لغير من ذُكِر.

ص: 89


1- النهاية. ص 621 - 622.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 367، المسألة 149.
3- النساء (4) 11.

ووجه الثاني: أنّ القبولَ معتبرٌ في حصول الملك، فهو إما جزء السبب أو شرط كقبول البيع، فيمتنع تقدّمُ المِلك عليه. وكونها من جملة العقود يُرشد إلى أنّ القبول جزء السبب الناقل للملك، والآخَرُ الإيجابُ كما يُستفاد من تعريفهم العقود بأنّها الألفاظ الدالة على نقل الملك على الوجه المناسب له، وهو العين في البيع والمنفعة في الإجارة ونحو ذلك، فيكون الموتُ شرطاً في انتقال الملك، كما أنّ الملك للعين والعلم بالعِوَضين شرط فيه، فإن اجتمعت الشرائط قبل تمام العقد بأن كان مالكاً للمبيع تحققت ثمرته به تَخَلَّف بعضُها فقد يحصُل منه بطلانه كالعلم بالعوض، وقد تبقى موقوفةً على ذلك الشرط، فإذا حصل تحقق تأثير السبب الناقل وهو العقد؛ كإجازة المالك في عقد الفضولي، والموتِ في الوصيّة فالانتقال حَصَل بالعقد لكنّه موقوف على الشرط المذكور، فإذا تأخَّر قبولُ الوصيَّة كان الملك موقوفاً عليه، والشرط - وهو الموت - حاصلاً ،قبله، فلا يتحقق الملك قبل القبول.

وإن ويُشكل بأنّ هذا لو تمّ يقتضي أن قبول الوصيَّة لو تقدَّم على الموت حَصَل الملك به حصولاً متوقفاً على الشرط وهو الموت فيكون الموتُ كاشفاً عن حصوله بعد القبول كإجازة المالك بعد العقد، والقائل بالنقل لا يقول بحصول الملك قبل الموت مطلقاً. فتبيَّن أنّ الموتَ شرط فى انتقال الملك، بل حقيقة الوصيَّة التمليك بعده كما عُلِم من تعريفها، فإن تَقدَّم القبولُ توقف الملك على الموت، وإن تأخر عنه فمقتضى حكم العقد عدم تحققه بدون القبول، فيكون تمام الملك موقوفاً على الإيجاب والقبول والموتِ. وبالجملة فالقول بالكشف متوجّه لولا مخالفة ما عُلم من حكم العقد. (ويُشترط في الموصي الكمالُ بالبلوغ والعقل ورفع الحَجْر، (وفي وصيَّة مَن بَلَغ عشراً قولٌ مشهورٌ،(1)) بين الأصحاب مستند إلى رواياتٍ متظافرة بعضها صحيح،(2) إلّا أنّها مخالِفةٌ لأُصولِ المذهب

وسبيل الاحتياط.

ص: 90


1- راجع مختلف الشيعة، ج 1، ص 347 - 348، المسألة 124.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 181 - 182، ح 732.

(أما المجنون والسكران ومَن جَرَح نفسه بالمُهلك، فالوصيَّة) من كلّ منهم (باطلة)، أما الأوّلان فظاهر؛ لانتفاء العقل ورفع القلم، وأما الأخير فمستنده صحيحة أبي ولّاد عن الصادق(علیه السلام) فإن كان أوصى بوصيَّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحةٍ أو قتل لعلّه يموت لم تَجُز وصيَّته»؛(1) ولدَلالة هذا الفعل على سَفَهه، ولأنّه في حكم الميت فلاتَجري عليه الأحكام الجارية على الحي، ومن ثُمَّ لاتقع عليه الذكاة لو كان قابلاً لها.

وقيل: تصح وصيَّتُه مع ثبات عقله كغيره،(2) وهو حسنٌ لولامعارضة النّص المشهور. وأمّا دَلالةُ الفعل على سَفَهه فغير واضح، وأضعف منه كونه في حكم الميت فإنّه غيرُ مانع من التصرف مع تيقن رشده. وموضع الخلاف ما إذا تَعمَّد الجَرْحَ، فلو وقع منه سهواً أو خطأ لم تمتنع وصيَّتُه إجماعاً.

(و) يُشترط (في الموصى له الوجود) حالة الوصيَّة (وصحَّةُ التملك، فلو أوصى للحمْل اعتُبِر) وجوده حال الوصيَّة (بوضعه لدون ستّة أَشْهُرٍ منذ حين الوصيَّة) فيُعلَم بذلك كونه موجوداً حالتها، أو بأقصى) مدَّة (الحمل) فما دون (إذا لم يكن هناك زوج ولا مولى) فإن كان أحدهما لم تصح؛ لعدم العلم بوجوده عندها، وأصالة عدمه؛ لإمكان تجدّده بعدها.

وقيامُ الاحتمال مع عدمهما بإمكان الزنى والشبهة مندفع بأنّ الأصل عدم إقدام المسلم على الزنى كغيره من المحرمات وندور الشبهة. ويُشكل الأوّلُ لو كانت كافِرةً حيث تصح الوصيَّة لحملها. وربما قيل على تقدير وجود الفراش باستحقاقه بين الغايتين؛ عملاً بالعادة الغالبة من الوضع لأقصاهما أو ما قارَبَها. وعلى كل تقدير فيُشترط انفصاله حيّاً، فلو وضعته ميّتاً بطلت، ولو مات بعد انفصاله حيّاً كانت لوارثه. وفي اعتبار قبوله هنا وجه قوي؛ لإمكانه منه، بخلاف الحمل. وقيل:

ص: 91


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 207، ح 820.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 197.

يُعتبر قبولُ وليّه،(1) ثم إن اتحد فهي له، وإن تعدد قسم الموصى به على العدد بالسوية وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثيّة.

(ولو أوصى للعبد لم تصح سواء كان قِناً أم مدبَّراً أم أُمَّ ولد أجاز مولاه أم لا؛ لأنّ العبد لايملك بتمليك سيده فبتمليك غيره أولى؛ ولرواية عبدالرحمن بن الحجاج عن أحدهما علیهمالسلام قال: «لا وصيَّة لمملوك»(2) ولو كان مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يُؤَدِّ شيئاً، ففى جواز الوصية له قولان، (3) من أنه في حكم المملوك حيث لم يتحرَّر منه شيء، ولرواية محمّد بن قيس عن الباقرعلیه السلام،(4) ومن انقطاع سلطنة المولى عنه، ومن ثَمَّ جاز اكتسابه وقبول الوصية نوع منها. والصحة مطلقاً أقوى، والرواية لاحجّة فيها،(5)

(إلّا) أن يكون العبد الموصى له (عبده)، أي عبد الموصي (فتنصرف) الوصية (إلى عنقه) فإن ساواه عتق أجمعُ، وإن نقص عتق بحسابه، (وإن زاد المال عن ثَمَنه فله)(6) الزائد. ولافرق في ذلك بين القِن وغيره، ولابين المال المشاع والمعيَّن على الأقوى. ويُحتمل اختصاصه بالأوّل؛ لشيوعه في جميع المال وهو من جملته فيكون كعتق جزء منه، بخلاف المعين، ولابين أن تَبلغ قيمتُه ضِعْفَ الوصية وعدمه. وقيل: تبطل في

ص: 92


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 211 - 212.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 216، ح 852.
3- قال بالبطلان الشيخ في النهاية، ص 610؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 199؛ ذهب إلى الجواز المفيد في المقنعة، ص 677؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 223، ح 874.
5- إما لاشتراك محمد بن قيس - الذي يروي عن الباقرعلیه السلام، بين الثقة وغيرها؛ أو لأنّها واقعة حال فلا يعم ؛ لأنه يسأله عن مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصية فقال أهل الميراث: لا نجيز وصيّتها إنه مكاتب لم ينعتق ولا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه، ويجوز له من الوصية بحساب ما أُعتق منه»الحديث(منه رحمه الله).
6- وإن نقص عتق منه بالنسبة(زين رحمه الله)

الأوّل،(1) استناداً إلى

رواية ضعيفة.(2).

(وتصح الوصيَّة للمُشَقَّص)، وهو الذي عتق منه شقص - بكسر الشين - وهو الجزء (بالنسبة) أي بنسبة ما فيه من الحرِّيَّة. والمراد به مملوك غير السيد، أمّا هو فتصح في الجميع بطريق أولى،(ولأم الولد) أي أُمّ وَلدِ الموصي؛ لأنّها في حياته من جملة مماليكه، وإنّما خصها ليترتب عليها قوله: فتُعتَق من نصيبه أي نصيب ولدها وتأخُذ الوصيَّةَ الصحيحة أبي عُبيدة عن الصادق(علیه السلام)(3) ولأنّ التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث، فيَستقِرٌ مِلكُ ولدِها على جزء منها فتُعتق عليه وتستحق الوصيَّةَ

والوصيَّة للمملوك وإن لم تتوقف على القبول فينتقل إلى ملك الموصى له بالموت، إلّا أنّ تنفيذها يتوقف على معرفة القيمة ووصولِ التَرِكة إلى الوارث، بخلاف ملك الوارث. وقيل: تعتق من الوصية، فإن ضاقت فالباقي من نصيب ولدها؛(4) لتأخر الإرث عن الوصيَّةِ والدين بمقتضى الآية،(5) ولظاهر الرواية،(6)

والوصيَّة لجماعة تقتضي التسوية بينهم فيها، ذكوراً كانوا أم أناتاً أم مختلفين وسواء كانت الوصية لأعمامه وأخواله أم لغيرهم على الأقوى، إلا مع التفضيل) فيُتَّبع شرطه، سواءٌ جَعَلَ المفضَّلَ الذكر أم الأنثى. ولو قال «علی کتاب «الله»، فللذَّكَرضِعْفُ الأنثى)؛ لأنّ ذلك حكم الكتاب في الإرث، والمتبادِرُ منه هنا ذلك.

والقَرابة من عُرِف بنسبه عادةً؛ لأنّ المرجع في الأحكام إلى العرف حيث لانصَّ وهو دالّ على ذلك، ولايكفي مطلقُ العلم بالنسب كما يتفق ذلك في الهاشميّين

ص: 93


1- . قال به المفيد في المقنعة، ص 676 والشيخ في النهاية، ص 610.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 216، ح 851.
3- . الكافي، ج 7، ص 29 ، باب الوصية لأمهات الأولاد، ح 4.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 197.
5- النساء (4) 11 - 12.
6- أي صحيحة أبي عبيدة المتقدم آنفاً.

ونحوهم ممّن يُعرف نسبه مع بغده الآن مع انتفاء القرابة عرفاً. ولافرق بين الوارث

وغيره، ولابين الغني والفقير، ولابين الصغير والكبير، ولابين الذكر والأنثى. وقيل: ينصرف إلى أنسابه الراجعين إلى آخِرِ أب وأُمّ له في الإسلام، لامطلق الأنساب،(1) استناداً إلى قوله(صلی الله علیه وآله وسلم)« قطع الإسلامُ أرحامَ الجاهليّة»(2) فلايَرتَقي إلى آباء الشرك وإنْ عُرِفوا بالنسب.

وكذا لايُعطَى الكافِرُ وإن انتسب إلى مسلم؛ لقوله تعالى عن ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ،(3) ودَلالتهما على ذلك ممنوعة مع تسليم سند الأول.

(والجيران لمن يلي داره إلى أربعين ذراعاً)(4) من كل جانب على المشهور. والمستند ضعيف. وقيل: إلى أربعين داراً،(5) استناداً إلى رواية عاميَّة،(6) و (7) والأقوى الرجوع فيهم إلى العرف ويستوي مالك الدار ومستأجرُها ومستعيرها وغاصبها على الظاهر. ولو انتقل منها إلى غيرها اعتُبرت الثانيةُ ، ولو غاب لم يخرج عن الحكم ما لم تطل الغَيبةُ بحيث يخرُج عرفاً.

ولو تعدَّدَتْ دُورُ الموصى وتَساوَتْ في الاسم عرفاً استَحَق جيران كلّ واحدة، ولو

ص: 94


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 675؛ والشيخ في النهاية، ص 614.
2- بحار الأنوار، ج 71، ص 109 - 110.
3- هود (11): 46.
4- وهو قول الأكثر ومنهم: الشيخان وأتباعهما وابن إدريس والشهيد (رحمه الله)، ومال إليه العلامة في تحرير الأحكام الشرعية. ومع ذلك لم نقف لهم على مستند خصوصاً مثل ابن إدريس الذي لايعوّل في مثل ذلك على الأخبار الصحيحة ،ونحوها، والعرف لايدلّ عليه ... فيما لا مستند له ولعلّه تعوّل على ما تخيّله من الإجماع عليه، كما اتفق له ذلك مراراً(زين رحمه الله).
5- نقله المحقق الحلّي في شرائع الإسلام، ج 2، ص 169؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 275، المسألة 48:بقوله: وقيل...
6- الجامع الصغير، ج 1، ص 570، ح 3687.
7- قوله: «وقيل إلى أربعين داراً استناداً إلى رواية عاميّة». إلى آخره. روتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الجارإلى أربعين داراً»(منه رحمه الله).

غَلَب أحدُها اختَصّ ولو تعدَّدت دورُ الجار واختلفت في الحكم اعتُبِر إطلاق اسم

الجار عليه عرفاً كالمتحد، ويُحتمل اعتبارُ الأغلب سكنىً فيها.

وعلى اعتبار الأذرع ففي استحقاق ما كان على رأس الغاية وجهان أجودُهما الدخولُ. وعلى اعتبار الدور قيل: يُقسم على عددها لا على عدد سكانها، ثمّ تُقسَم حصَّةُ كلِّ دار على عدد سُكّانها،(1) ويُحتمل القسمةُ على عدد

السكان مطلقاً، وعلى المختار فالقسمة على الرؤوس مطلقاً.

(وللموالي) أي موالي الموصي، واللامُ عِوَض عن المضاف إليه، تحمل على

(العتيق) بمعنى المفعول(والمُعتق) بالبناء للفاعل، على تقدير وجودهما؛ لتناول الا لهما كالإخوة؛ ولأنّ الجمع المضاف يفيد العموم فيما يصلح له، إلّا مع القرينة) الدالّةِ على إرادة أحدهما خاصَّةً، فيَختَصّ به بغير إشكال، كما أنه لو دلّت على إرادتهما معاً

تَناوَلَتْهما بغير إشكال. وكذا لو لم يكن له موالى إلّا من إحدى الجهتين.

(وقيل: تَبطُل) مع عدم قرينة تدلّ على إرادتهما أو أحدهما؛(2) لأنّه لفظٌ مشتركٌ، وحمْلُه على معنييه مجاز؛ لأنّه موضوع لكلّ منهما على سبيل البدل، والجمع تكرير الواحد فلايتناول غير صنفٍ واحدٍ، والمعنى المجازي لايُصار إليه عند الإطلاق. وبذلك يحصل الفرق بينه وبين الإخوة؛ لأنّه لفظ مُتواطِيُّ لامشترك؛ لأنّه موضوع لمعنى يقع على المتقرّب بالأب وبالأُم وبهما، وهذا أقوى.

(و) الوصيَّة (للفقراء تنصرف إلى فقراء ملّة الموصي) لامطلق الفقراء، وإن كان جمعاً معرفاً مفيداً للعموم، والمخصص شاهد الحال الدال على عدم إرادة فقراء غير ملّتِه ونِحْلَتِه

(ويدخُل فيهم المساكين إن جعلناهم مساوِينَ) لهم في الحال بأن جعلنا اللفظَين

ص: 95


1- ذكره وجهاً في كتاب الوقف من مسالك الأفهام، ج 5، ص 346.
2- قال به العلّامة إذا كان اللفظ مفرداً في كتاب الوقف من مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 286 - 287، المسألة 67: وقواعد الأحكام، ج 2، ص 451.

بمعنى واحدٍ، كما ذهب إليه بعضهم،(1) (أو أسوأ) حالاً، كما هو الأقوى، (وإلا فلا) يدخُلون؛ لاختلافِ المعنى، وعدم دلالة دخول الأضعف على دخول الأعلى بخلاف العكس.

وذَكَر جماعةٌ من الأصحاب أنّ الخلاف في الأسوأ والتساوي إنما هو مع اجتماعهما كآية الزكاة،(2) أما مع انفراد أحدهما خاصَّةً، فيشمل الآخَرَ إجماعاً،(3) وكأن المصنف لم تثبت عنده هذه الدعوى. (وكذا) القول في (العكس) بأن أوصى للمساكين، فإنّه يتناول الفقراء على القول بالتساوي، أو كون الفقراء أسوأ حالاً، وإلا فلا. وعلى ما نقلناه عنهم يدخُل كلُّ منهما في الآخَر هنا مطلقاً.

ص: 96


1- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1 ، ص 147.
2- التوبة (9): 60.
3- راجع السرائر، ج 1، ص 456؛ مختلف الشيعة، ج 3، ص 75 - 76 ، المسألة 48 : تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 238 المسألة: 162، في كلها لم يذكر الإجماع.

الفصل الثاني في متعلق الوصيَّة

(وهو كلُّ مقصود) للتّملك عادةً (يَقبَل النقلَ عن الملك من مالكه إلى غيره.

) فلا تصحّ الوصيَّة بما ليس بمقصود كذلك إمّا لحِقارته كفضلة الإنسان، أو لقلَّته كحبة الحنطة وقشر الجوزة، أو لكون جنسه لايقبل الملك كالخمر والخنزير، ولابما لايقبل النقل كالوقف وأُم الولد.

(ولا يُشترط كونه معلوماً) للموصى، ولا للموصى له ولا مطلقاً (ولا موجوداً) بالفعل (حال) الوصيَّة)، بل يكفي صلاحيته للوجود عادةً في المستقبل، فتصح الوصية بالقسط والنصيب وشبهه كالحظ والقليل والكثير والجزيل، (ويتخيَّر الوارث) في تعيين ما شاء إذا لم يعلم من الموصي إرادة قدرٍ معيَّن، أو أزيد ممّا عيَّنه الوارث. (أمّا الجزء: فالعُشْر)؛ الحسنة أبان بن تغلب عن الباقر ؛ مُتَمَثلاً بالجبال العشرة التي جُعِل على كلّ واحد منها جزء من الطيور الأربعة،(1)

(وقيل: السبع)(2) لصحيحة البزنطي عن أبي الحسن ال متمثلاً بقوله تعالى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَبٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ)(3) ورُجّح الأوّل بموافقته للأصل. ولو أَضافه إلى جزءٍ آخَرَ كالثلث، فعُشره؛ الصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق(علیه السلام)(4) وتَمثَّل أيضاً بالجبال، وهو مُرَجِّحٌ آخَرُ.

ص: 97


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 209، ح 826.
2- قال به المفيد في المقنعة، ص 673؛ والشيخ في النهاية، ص 613.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 209 ، ح 828.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 208، ح 824.

(والسهمُ الدُّمْنُ)؛ لحسنة صفوان عن الرضا(علیه السلام)(1) ومثله رَوَى السَكوني عن الصادق(علیه السلام)(2) معللاً بآية أصناف الزكاة الثمانية،(3) وأنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قسمها على ثمانية أسهُمٍ،(4) ولايخفى أنّ هذه التعليلات لاتصلح للعليَّة وإنما ذكروها على وجه التّقريب والتّمثيل.

وقيل: السهم العُشْرُ،(5) استناداً إلى رواية ضعيفة،(6) وقيل: السدس؛(7) لما روي عن النّبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه أعطاه لرجل أُوصِي له بسهم،(8) وقيل: إنّ في كلام العرب أنّ السهمَ سُدسٌ،(9)

ولم يثبت.

(والشيء السدس) ولانعلم فيه خلافاً، وقيل: إنه إجماع،(10) وبه نصوص،(11) غير معللة.

(و) حيث لم يُشترَط في الموصى به كونه موجوداً بالفعل(تصح الوصية بما ستَحمِله الأمَةُ أو الشجرة) إمّا دائماً أو في وقت مخصوص كالسنة المستقبلة(وبالمنفعة) كسكنى الدار مدّةً معيَّنة أو دائماً، ومنفعة العبد كذلك، وشبهه وإن استَوعَبَتْ قيمة العين.

(ولاتصح الوصيَّة بما لايقبَل النقلَ كحقِّ القصاص، وحدّ القذف، والشفعة فإنّ الغرض من الأوّل تَشَفّي الوارث باستيفائه فلايَتِمّ الغرض بنقله إلى غيره، ومثله حدُّ

ص: 98


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 210، ح 833.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 210 ، ح 832 3.
3- التوبة (9): 60.
4- كما في ذيل حديث المذكور في الهامش 1.
5- ولانعلم به قائلاً كما في مسالك الأفهام، ج 6، ص 180 ؛ وفي النهاية، ص 613: وقد روي أنّه سهم من عشرة.
6- رواية طلحة بن زيد راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 211، ح 834.
7- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 8؛ والخلاف، ج 4، ص 140، المسألة 9.
8- بغية الرائد، ج 4، ص 388، ح 7099؛ مجمع الزوائد، ج 4، ص 213.
9- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 496 (الطبعة الحجرية): وحكاه ابن زهرة عن أياس بن معاوية في غنية النزوع، ج 1، ص 308.
10- غنية النزوع، ج 1، ص 308.
11- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 211، باب الوصية المبهمة.

القذف والتعزيرُ للشتم، وأمّا الشفعة فالغرض منها دفع الضرر عن الشريك بالشركة، ولا حظ للموصى له في ذلك. نعم، لو أوصي له بالشقص والخيارِ معاً لم تَبعُد الصحة؛ لأنّ

الوصية بالمال، والخيار تابع ونفعه ظاهر مقصود، وكذا غيرها من الخيار. (وتصح الوصيَّة (بأحد الكلاب الأربعة) والجزوِ،(1) القابل للتعليم؛ لكونها مالاً مقصوداً، (لا بالخنزير وكلبِ الهراش)؛ لانتفاء المالية فيهما. ومثله طبل اللهو الذي لايقبل التغيير عن الصفةِ المحرَّمة مع بقاء المالية.

(ويُشترط في الزائد عن الثلث إجازة الوارث وإلّابطل، وتكفي) الإجازة حال حياة الموصى) وإن لم يكن الوارث مالكاً الآن؛ لتعلق حقه بالمال، وإلا لم يُمنع الموصي من التصرف فيه، ولصحيحة منصور بن حازم،(2) وحسنة محمد بن مسلم عن الصادق(علیه السلام)(3)

:وقيل: لا تُعتبر إلا بعد وفاته لعدم استحقاق الوارث المال حينئذ،(4) وقد عرفت جوابه. ولافرق بين وصيَّة الصحيح والمريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجْر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة، ولو كان التصرّف منجزاً افترقا. ويعتبر في المُجيز جواز التصرف، فلاعبرة بإجازة الصّبي والمجنون والسفيه، أمّا المفلس فإن كانت إجازته حالَ الحياة نَفَذت؛ إذلامِلك له حينئذ وإنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي.

ولو كان بعد الموت ففي صحتها وجهان: مبناهما على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له أم تكون الإجازة كاشفةً عن سَبْقِ مِلكه من حين الموت، فعلى الأوّل لاتنفذ؛ لتعلّق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة. وعلى الثاني يحتمل الأمرين وإنْ كان النفوذ أوجَهَ.

ص: 99


1- الجرو: الصغير من ولد الكلب والأسد والسباع . المعجم الوسيط، ص 119، «جرو».
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 193، ح 775 و 776.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 193، ح 775 و 776.
4- . قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 670؛ والديلمي في المراسم، ص 206.

(والمعتبَرُ بالترِكة) بالنظر إلى مقدارها ليُعتبر ثلثها حين الوفاة)، لاحين الوصية ولامابينهما؛ لأنّه وقت تعلقِ الوصيَّة بالمال (فلو قُتِل فأُخِذت ديتُه حُسِبت) الديةُ من تَرِكته واعتبر ثلثها؛ لثبوتها بالوفاة وإن لم تكن عند الوصية.

وهذا إنّما يَتِم بغير إشكال لو كانت الوصيَّة بمقدار معيَّن كمائة دينار مثلاً، أو كانت

بجزء من التركة مشاع كالثلث - وكانت التركة حين الوصيَّة أزيد منها حين الوفاة. أما لو انعكس أشكل اعتبارُها عند الوفاة مع عدم العلم بإرادة الموصي للزيادة المتجددة؛ لأصالة عدم التعلّق، وشهادةِ الحال بأنّ الموصي لايُريد ثلث المتجدد، حيث لايكون تجدّده متوقعاً غالباً، خصوصاً مع زيادته كثيراً.

وينبغي على ما ذُكر اعتبارُها بعد الموت أيضاً؛ إذ قد يتجدد للميت مال بعد الموت كالدية إذا ثبتت صلحاً، وقد يتجدد تلفُ بعض التركة قبل قبض الوارث فلايكون محسوباً عليه.

والأقوى اعتبار أقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض. (ولو أوصى بما يقع اسمه على المحرَّم والمحلل صُرف إلى المحلل):حملاً لتصرّف المسلم على الصحيح (كالعُودِ)، وله عودُ لهو وعيدان قسيّ وعيدان عصيّ وعيدان السقف والبنيان (والطبل) وله طبل لهو وطبل حرب. ثم إن اتحد المحلل حُمِل عليه، وإن تعدد تخير الوارث في تعيين ماشاء. ولو لم يكن له إلا المحرَّم بطلت الوصيَّة إن لم يمكن إزالة الوصف المحرم مع بقاء ماليَّته، وإلّاصحت وحُوِّل إلى المحلل.

( ويتخير الوارث في المتواطئ وهو المَقُول على معنى يشترك فيه كثير (كالعبد،وفي المشترك وهو المَقُول على معنيين فصاعداً بالوضع الأوّل،(1) من حيث هو كذلك

ص: 100


1- احترز ب«الوضع عن المجاز فإنّ لفظه استعمل لمعنيين فصاعداً لكن لابوضع واحد، بل وضع أولاً للمعنى الحقيقي ثم استعمل في الثاني من غير نقل كالأسد فإنه وضع أولاً للحيوان المفترس ثم استعمل في الرجل الشجاع؛ لعلاقة بينهما وهي الشجاعة وبقيد «الحيثية» عن المتواطئ المتناول للمختلفين لكن لا من حيث الاختلاف، بل باعتبار اتحاد المعنى المتناول لهما(منه رحمه الله).

(كالقوس) ؛ لأنّ الوصيَّة بالمتواطئ وصيَّةٌ بالماهية الصادقة بكل من الأفراد كالعبد لأنّ مدلول اللفظ فيه هو الماهية الكلّيَّة وخصوصيّات الأفراد غير مقصودة إِلَّا تَبَعاً، فيتخيَّر الوارث في تعيين أي فرد شاء؛ لوجود متعلَّق الوصيَّة في جميع الأفراد. وكذا المشترك؛ لأن متعلّق الوصيَّة فيه هو الاسم وهو صادق على ما تحته من المعاني حقيقةً، فتحصل البراءة بكلّ واحد منها.

وربما احتمل هنا القرعة لأنّه أمر مشكل؛ إذ الموصى به ليس كلَّ واحدٍ؛ لأن اللفظ لايصلح له، وإنّما المراد واحدٌ غيرُ معيَّن فيُتوصل إليه بالقرعة. ويُضعف بأنّها لبيان ما هو معيَّن في نفس الأمر مشكل ظاهراً، وليس هنا كذلك؛ فإنّ الإبهام حاصل عند الموصي وعندنا وفي نفس الأمر فيتخير الوارث. وسيأتي في هذا الإشكال بحث،(1) (والجمع يُحمل على الثلاثة) جمع (قِلَّةٍ كان كأَعْبُد، أو كثرة كالعبيد) ؛ لتطابقِ اللغة والعرف العام على اشتراك مطلق الجمع في إطلاقه على الثلاثة فصاعداً. والفرقُ يحمل جمع الكثرة على ما فوق العشرة اصطلاح خاص لايستعمله أهلُ

المحاورات العرفية والاستعمالات العاميَّة فلايُحمّل إطلاقهم عليه. ولافرق في ذلك بين تعيين الموصي قدراً من المال يصلح لعتق العبيد بما يُوافق جمع الكثرة لو اقتصر على الخسيس من ذلك الجنس، وعدمه فيتخير بين شراء النفيس المطابق لأقل الجمع فصاعداً، وشراء الخسيس الزائدِ المطابق لجمع الكثرة حيث يُعبر بها .

(ولو أوصى بمنافع العبد دائماً أو بثمرة البستان دائماً، قُوّمت المنفعة على الموصى له والرقبة على الوارث إن فُرِض لها قيمةٌ) كما يتفق في العبد؛ لصحة عتق الوارث له ولو عن الكفّارة، وفي البستان بانكسار جذع ونحوه فيستحقه الوارث حَطَباً أو خَشَباً؛ لأنّه ليس بثمرة. ولو لم يكن للرقبة نفع ألبتة قومت العين أجمعُ على الموصَى له.

ص: 101


1- يأتي في ص 103.

وطريق خروجها من الثلث - حيث يُعتبر منه - يُستفاد من ذلك، فتقوم العين بمنافعها مطلقاً ثمّ تُقوَّم مسلوبة المنافع الموصى بها فالتفاوت هو الموصى به، فإن لم يكن تفاوت فالمُخرَج من الثلث جميع القيمة. ومنه يعلم حكم ما لو كانت المنفعة مخصوصةً بوقت.

(ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قُدِّم الدين من أصل المال الذي من جملته المملوك، وعُتِق من الفاضل عن الدين من جميع التركة (ثلثه) إن لم يزد على المملوك، فلو لم يملك سواه بطل منه فيما قابل الدين وعتق تُلتُ الفاضل إن لم يُجز الوارث. ولافرق بين كون قيمة العبد ضعف الدين وأقل على أصح القولين،(1) وقيل: تبطل الوصيَّةُ مع نقصان قيمته عن ضعف الدين،(2)

(ولو نَجَّز عِتقَه)(3) في مرضه (فإن كانت قيمتُه ضِعفَ الدَين صح العتقُ) فيه أجمعَ،

وسَعَى في قيمة (نصفه للديان، وفي ثلثه) الذي هو تلنا النصف الباقي عن اللوارث)؛ لأنّ النصف الباقي هو مجموع التركة بعد الدين فيعتق ثلثه، ويكون ثلثاه للورثة وهو ثلث مجموعه، وهذا ممّا لا خلاف فيه. إنما الخلاف فيما لو نَقصت قيمته عن ضعف الدين، فقد ذهب الشيخ،(4) وجماعةٌ إلى بطلان العتق حينئذ؛(5) استناداً إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(علیه السلام)(6) ويُفهَم من المصنِّف هنا الميل إليه حيث شَرَط في صحة العتق كون قيمته ضِعفَ

الدين،

ص: 102


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 199 - 200.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 610.
3- المعتبر بالمنجز عتقه عندالإعتاق، والموصى بعتقه بعد الوفاة، وبالتركة أقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث؛ لأنّ الزائد بعد الوفاة إلى حين القبض للوارث والتالف غير مضمون عليه قبل القبض(زين رحمه الله).
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 610.
5- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 108؛ ونقله عن الشيخ والقاضى - فقط - ابن الفهد في المهذب البارع، ج 3، ص 109.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 217، ح 854.

إلّا أنّه لم يُصرِّح بالشِقِّ الآخَرِ. والأقوى أنّه كالأول، فينعتق منه بمقدار ثلث ما يبقى من قيمته فاضلاً عن الدين ويسعى للديّان بمقدار دينهم وللورثة بضعف ما عَتَق منه مطلقاً، فإذا أداه عَتَقَ أجمعُ والرواية المذكورة مع مخالفتها للأصول معارضة بما يدلّ على المطلوب، وهو حسنة الحلبي عنه(علیه السلام)(1) (ولو أوصى بعتق ثُلث عبيده أو عددٍ منهم مبهم كثلاثة (استُخرِج) الثلث والعدد(بالقرعة) لصلاحية الحكم لكلّ واحد فالقرعة طريق التعيين؛ لأنّها لكل أمرٍ مشكل ولأنّ العتق حقٌّ للمعتق، ولاترجيح لبعضهم لانتفاء التعيين، فوجب استخراجه بالقرعة. وقيل: يتخيَّر الوارث في الثاني؛(2) لأنّ متعلّق الوصيَّة متواطئ فيتخيَّر في تعيينه الوارث كما سبق؛ ولأنّ المتبادِرَ من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أي عدد كان من الجميع فيُحمل عليه، وهو قوي. وفي الفرق بينه وبين الثلث نظر. (ولو أوصى بأمور) متعدّدة (فإن كان فيها واجبٌ قُدِّم) على غيره وإنْ تَأخَّرت الوصيَّةُ به، سواء كان الواجب مالياً أم غيره، وبُدِئَ بعده بالأوّل فالأول. ثم إن كان الواجب مالياً كالدين والحجّ أُخرج من أصل المال والباقي من الثلث، وإن كان بدنياً كالصلاة والصوم قدّم من الثلث، وأكمل من الباقى مرتباً للأوّل فالأول. (وإلّا) يكن فيها واجب (بُدِى بالأول) منها (فالأوّل حتى يستوفي الثلث) ويبطل الباقي إن لم يُجز الوارث. والمراد بالأوّل الذي قدَّمه الموصي في الذكر ولم يُعَقِّبه بما ينافيه، سواءٌ عَطَف عليه التالي ب«ثمّ» أم ب«الفاء» أم ب«الواو»، أم قطعه عنه بأن قال: «أعطوا فلاناً مائةً، أعطوا فلاناً خمسين».

ولو رتّب ثمّ قال: «ابْدَأوا بالأخير أو بغيره» اتَّبع لفظه الأخيرُ. (ولو لم يُرَتِّب) بأن ذكر الجميع دفعةً، فقال: «أعطوا فلاناً وفلاناً وفلاناً مائةً»، أو رتَّب باللفظ ثمّ نَصَّ على

ص: 103


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 218 - 219، ح 857.
2- واستحسنه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 198؛ واختاره العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 462.

عدم التقديم (بسط الثلثُ على الجميع) ، وبَطَل من كلّ وصيَّةٍ بحسابها. ولو عُلِم الترتيب واشتبه الأوّلُ أُقرع، ولو اشتبه الترتيب وعدمه فظاهرُهم إطلاق التقديم بالقرعة كالأوّل. ويُشكل باحتمال كون الواقع عدمه وهي لإخراج المشكل ولم يحصل فينبغي الإخراج على التّرتيب وعدمه؛ لاحتمال أن يكون غير مرتب فتقديم كلّ واحدٍ ظلم.

ولو جامَعَ الوصايا مُنَجَّزٌ يُخرج من الثلث قدّم عليها مطلقاً، وأكمل الثلث منها كما ذُكِر.

(ولو أجاز الورثة) ما زاد على الثلث (فادَّعوا) بعد الإجازة (ظنَّ القلة) أي قلة الموصى به وأنّه ظَهَر أزيد ممّا ظَنُّوه، فإن كان الإيصاء بعين لم يُقبل منهم)؛ لأنّ الإجازة وقعت على معلومٍ لهم، فلا تُسمع دعواهم أنهم ظَنُّوا زيادته مثلاً فظَهَر أزيد؛ أو ظنَّ أنّ المال كثير؛ لأصالة عدم الزيادة في المال، فلا تُعتبر دعواهم ظنَّ خلافه. (وإن كان) الإيصاء (بجزءٍ شائع) في التركة (كالنصف قبل) قولهم (مع

اليمين)(1) لجواز بنائهم على أصالة عدم زيادة المال فظهر خلافه، عكس الأوّل. وقيل: يُقبل قولهم فى الموضعين؛(2) لأنّ الإجازة فى الأول وإن وقعت على معلوم إلا أن كونه بمقدار جزء مخصوص من المال - كالنصف - لايُعلم إلا بعد العلم بمقدار التركة، ولأنه كما احتمل ظنُّهم قِلَّةَ النصف في نفسه يُحتمل ظنُّهم قلة المعيَّن بالإضافة إلى مجموع التركة ظنّاً منهم زيادتها، وأصالة عدمها لادخل لها في قبول قولهم و عدمه؛ لإمكان صدق دعواهم وتعذر إقامة البيِّنة عليها، ولأنّ الأصل عدم العلم بمقدار التركة على التقديرين وهو يقتضي جهالة قَذَر المعيَّن من التركة كالمشاع، ولإمكان ظنّهم أنه لادين على الميت فظهر مع أنّ الأصلَ عدمُه. وهذا القول متَّجِه.

ص: 104


1- ويعطى نصف الذي ظنّوه، والزائد على الذي ظنّوه يعطى ثلثه(زين رحمه الله).
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 342 الرقم 4752؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 2 ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وحيث يَحلِفون على مدَّعاهم يُعطى الموصى له من الوصيَّة ثلث المجموع، وما

ادعوا ظنه من الزائد.

ويدخُل في الوصيَّة بالسيف جَفْنُه بفتح أوله، وهو غنده بكسره، وكذا تدخل حِلْيتُه؛ لشمول اسمه لها عرفاً وإن اختَصَّ لغةٌ بالنضل، ورواية أبي جميلة بدخولها شاهد مع العرف،(1) (وبالصُندوق أثوابُه) الموضوعةُ فيه، وكذا غيرها من الأموال المظروفة.

(وبالسفينة متاعُها الموضوع فيها، عند الأكثر، ومستنده رواية أبي جميلة عن

الرضا(علیه السلام)(2) وغيرُها،(3) ممّا لم يصح سنده، والعرف قديقضي بخلافه في كثير من الموارد وحقيقة الموصى به مخالفة للمظروف، فعدم الدخول أقوى إلا أنّ تدلّ قرينة حالية أو مقالية على دخول الجميع أو بعضه فيثبت ما دلت عليه خاصةً. والمصنّف اختار الدخول (إلّا مع القرينة، فلم يعمل بمدلول الرواية مطلقاً، فكان تقييد الدخول بالقرينة أولى، ويمكن حمل الرواية عليه.

(ولو عقب الوصيَّةَ بِمُضادّها بأن أوصى بعينٍ مخصوصةٍ لزيد، ثمّ أوصى بها

لعمرو (عُمِل بالأخيرة)؛ لأنّها ناقضةٌ للأُولى والوصيّة جائزة من قبله فتبطل الأُولى. (ولو) أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب تحصيل الوصف بحسب الإمكان، فإن لم يجد أعتق من لايُعرَف بنصب على المشهور، ومستنده رواية علي بن أبي حمزةَ عن أبي الحسن(علیه السلام)(4) والمستند ضعيف والأقوى عدم الإجزاء، بل يتوقع المكنة؛ وفاقاً لابن إدريس،(5)

( ولو ظَنَّها مؤمنةً) على وجه يجوز التعويل عليه بإخبارها أو بإخبار من يُعتد به،

ص: 105


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 211 ، ح 837.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 211 ، ح 837.
3- منها رواية عقبة بن خالد راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 212، ح 838.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 220، ح 863
5- السرائر، ج 3، ص 213.

فأعتقها(كفى وإن ظهر خلافه)؛ لإتيانه بالمأمور به على الوجه المأمور به فيَخرُج عن

العهدة؛ إذ لايُعتبر في ذلك اليقين، بل ما ذُكر من وجوه الظنِّ.

(ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معيَّن وجب) تحصيلها به مع الإمكان، ولو) تعذَّر إلّا بأقل اشتَرى وعَتَق ودَفَع إليه ما بَقِي) من المال المعيَّن، على المشهور بين الأصحاب،

وربما قيل: إنه إجماع. ومستنده رواية سماعة عن الصادق(علیه السلام)(1)

ولو لم يُوجَد إلا بأزيدَ تَوَقَّع المُكنةَ، فإن يَئِسَ من أحد الأمرين ففي وجوبِ شراء بعض رقبته فإن تعذَّر صُرِف في وجوه البرّ، أو بطلان الوصية ابتداء، أو مع تعذر بعض الرقبة، أوجه، أوجهها الأول. ويقوى لو كان التعذرُ طارئاً على زمن الوصية أو على الموت؛ لخروج القدر عن ملك الورثة فلايعود إليه.

ص: 106


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 221، ح 868.

الفصل الثالث في الأحكام

(تصحّ الوصيّة للذمّى وإنْ كان أجنبياً)؛ للأصل، والآية،(1) والرواية،(2) (بخلاف الحربي وإن كان رَحِماً)، لا لاستلزامها المُوادَةَ المنهي عنها،(3) لهم؛ لمنع الاستلزام، بل لأنّ صحة الوصيَّة تقتضي ترتيب أثرها الذي من جملته وجوب الوفاء بها، وترتب العقاب على تبديلها ومنعها، وصحتها تقتضي كونها مالاً للحربي، وماله فَيْء للمسلم في الحقيقة ولايجب دفعه إليه، وهو يُنافي صحّتُها بذلك المعنى بخلاف الذمي. وهذا المعنى من الطرفين يَشترك فيه الرحِمُ وغيرُه.

ويمكن أن تُمنَع المنافاة، فإنّ منْعَ الحربي منها من حيث إنها ماله غيرُ منافٍ للوفاء بالوصيَّة من حيث إنّها وصيَّةٌ، بل منعه من تلك الحيثية مترتب على صحة الوصيَّة وعدم تبديلها. وفي المسألة أقوال أُخَرُ،(4)

(وكذا المرتدّ)؛ عطف على الحربي، فلاتصح الوصيّة له؛ لأنّه بحكم الكافر المنهي عن موادته. ويُشكل بما مر. نعم، يتم ذلك في الفطري؛ بناءً على أنه لايملك الكسب المتجدد. وأمّا الملّي والمرأة مطلقاً فلامانع من صحة الوصيَّة له، وهو خِيَرَةُ المصنف في الدروس،(5) (ولو أوصى في سبيل الله فلكلِّ قُربةٍ)؛ لأنّ السبيل هو الطريق، والمراد هنا ما

ص: 107


1- الممتحنة (60): 8 و 9.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 201، ح 804.
3- المجادلة (58) 22.
4- لاحظ تفصيل الأقوال في مختلف الشيعة، ج 6، ص 305 - 306، المسألة 86: كشف الرموز، ج 2، ص 70 - 71: التنقيح الرائع، ج 2، ص 370. .
5- الدروس الشرعية، ج 2، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

كان طريقاً إلى ثوابه فيتناول كلَّ قربة؛ جَرْياً له على عمومه، وقيل: يَختَصّ الغُزاةَ،(1) ولو قال «أعطُوا فلاناً كذا ولم يبيِّن ما يصنع به، دفع إليه يَصنَع به ما شاء)؛ لأنّ الوصيَّةَ بمنزلة التمليك، فتقتضي تسلُّطَ الموصى له تسلط المالك. ولو عيَّن له المصرف تعيَّن.

(وتُستحبّ الوصيَّة لذي القرابة، وارثاً كان أو غيرَه)؛ لقوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَلِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ،(2) ولأنّ فيه صلةً للرّحِم وأقل مراتبه الاستحباب.

(ولو أَوصَى للأقرب) أي أقرب الناس إليه نسباً (نُزِّل على مراتب الإرث)؛ لأنّ كلَّ مرتبةٍ أقرب إليه من التي بعدها، لكن يتساوى المستحق هنا؛ لاستواء نسبتهم إلى سبب الاستحقاق وهو الوصيَّة، والأصلُ عدم التفاضل، فللذكر مثلُ الأُنثى، وللمتقرب بالأب مثل المتقرّب بالأم، ولا يتقدَّم ابن العم من الأبوين على العم للأب وإن قدّم في الميراث، ويتساوى الأخُ من الأم والأخُ من الأبوين. وفي تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب وجه قوي؛ لأن تقدمه عليه في الميراث يقتضي كونه أقرب شرعاً، والرجوع إلى مراتب الإرث يُرشد إليه، ولا يرد مثله في ابن العم للأبوين؛ لاعترافهم بأنّ العم أقرب منه، ولهذا جعلوه مستثنى بالإجماع. ويُحتمل تقديمه هنا؛ لكونه أولى بالميراث. ولو) أوصى بمثل نصيب ابنه، فالنصفُ إن كان له ابن واحد والثلث إن كان له ابنان وعلى هذا). والضابط أنّه يُجعَل كأحد الوراث ويُزاد في عددهم، ولا فرق بين أن يُوصي له بمثل نصيب معيَّن وغيره.

ثمّ إن زاد نصيبه على الثلث توقف الزائد عليه على الإجازة، فلو كان له ابن وبنت وأوصَى لأجنبي بمثل نصيب البنت فللموصى له رُبع التركة؛ وإن أوصى له بمثل نصيب الابن فقد أَوصَى له بخُمسَي التركة، فيتوقَّف الزائدُ عن الثلث - وهو ثُلث خُمسٍ - على

ص: 108


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 613 وابن حمزة في الوسيلة، ص 371.
2- البقرة (2): 180.

إجازتهما، فإن أجازا فالمسألةُ من خَمسةٍ؛ لأن الموصى له بمنزلة ابنِ آخَرَ وسِهام الابنين مع البنت خمسةٌ، وإن ردّا فمِن تسعة؛ لأنّ للموصَى له تُلْتَ التركة وما يَبقَى لهما أثلاثاً، فتضرب ثلاثةً في ثلاثة.

وإن أجاز أحدهما وردّ الآخَرُ ضَربتَ مسألةَ الإجازة في مسألة الردِّ، فمَن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في مسألة الردّ، ومَن ردَّ ضَربت نصيبه من مسألة الرد في مسألة الإجازة، فلها مع إجازتها تسعة من خمسة وأربعين، وله عشرون، وللموصى له سنّةَ عشرَ هي ثلث الفريضة، وثلث الباقي من النصيب على تقدير الإجازة، وله مع إجازته ثمانية عشَرَ ، ولها عشرة، وللموصى له سبعة عشر، وعلى هذا القياس.

(ولو قال «أعطوه (مثل سهم أحدِ وُرّاثِي» أُعطِي مثل سهم الأقل لصدق السهم به وأصالة البراءة من الزائد فلو ترك ابناً وبنتاً فله الربع، ولو ترك ابناً وأربع زَوْجَاتٍ فله سهم من ثلاثة وثلاثين.

(ولو أوصى بضِعف نصيب ولده فمثلاه) على المشهور بين الفقهاء وأهل اللغة،(1) وقيل: مثلُه، وهو قول بعض أهل اللغة،(2) والأصح الأوّل. (وبضِعفَيه ثلاثةُ أمثاله)؛ لأنّ ضِعف الشيء ضمُّ مثله إليه، فإذا قال «ضِعفيه» فكأنّه ضَمَّ مثليه إليه، وقيل: أربعة أمثاله؛(3) لأن الضِعف مثلان كما سبق، فإذا تُنّي كان أربعة ومثله القول في ضعف الضعف. (ولو أوصى بثلثه للفقراء جاز صرف كلّ ثلث إلى فقراء بلد المال) الذي هو فيه، وهو الأفضل لتسلم من خطر النقل، وفي حكمه احتسابه على غائب مع قبض وكيله في البلد. (ولو صُرِف الجميع في فقراء بلد الموصي) أو غيره (جاز)؛ لحصول الغرض من الوصيَّة وهو صرفه إلى الفقراء. واستشكل المصنّف جواز ذلك في بعض الصور: بأنّه إن نُقِل المال من البلاد

ص: 109


1- العين، ج 1، ص 282 : وحكاه قولاً ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 89، «ضعف».
2- الصحاح، ج 4، ص 1390؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 89، «ضعف».
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 203.

المتفرقة إلى بلد الإخراج كان فيه تغرير في المال وتأخير للإخراج، وإن أُخرج قدرُ الثلث من بعض الأموال ففيه خروج عن الوصيَّة؛ إذ مقتضاها الإشاعةُ،(1) والأوسطُ منها متوجّهٌ، فإنّ تأخيرَ إخراج الوصيَّة مع القدرة عليه غير جائز، إلا أن يُفرَض عدم وجوبه إما بعدم المستحق في ذلك الوقت الذي نُقل فيه، أو تعيين الموصي الإخراج في وقتٍ مترقب بحيث يمكن نقله إلى غير البلد قبل حضوره، ونحو ذلك.

وينبغي جوازه أيضاً لغرض صحيح ككثرة الصلحاء، وشدّة الفقر، ووجودِ مَن يُرجَع إليه في أحكام ذلك، كما يجوز نقل الزكاة للغرض. وأما التغرير فغير لازم في جميع أفراد النقل، وأما إخراج الثلث من بعض الأموال فالظاهر أنه لامانع منه؛ إذ ليس الغرضُ الإخراج من جميع أعيان التركة بل المراد إخراج ثلثها بالقيمة، إلا أن يتعلق غرضُ الموصي بذلك أو تتفاوت فيه مصلحة الفقراء.

والمعتبر صرفه إلى الموجودين في البلد ولايجب تتبع الغائب. ويجب الدفع إلى ثلاثة فصاعداً، لافي كل بلد بل المجموع.

(ولو أوصى له بأبيه فقبل وهو مريض ثمّ مات) الموصى له (عَتَقَ) أبوه(من صُلْب ماله؛ لأنّه لم يُتلف على الورثة شيئاً مما هو محسوب مالاً له، وإنّما يُعتبر من الثلث ما يُخرِجه عن ملكه كذلك، وإنّما مَلَكه هنا بالقبول،(2) وانعتق عليه قهراً تَبَعاً لملكه. ومثله ما لو مَلَكه بالإرث أو بالاتهاب على الأقوى.

أمّا لو مَلَكه بالشراء فإنّه ينعتق من الثلث على الأقوى؛ لاستناد العثق إلى حصول الملكِ الناشئ عن الشراء، وهو ملكه في مقابلة عوض، فهو بشرائه ما لايبقى في ملكه مُضَيّع للثمن على الوارث كما لو اشترى ما يقطع بتلفه. ويُحتمل اعتباره من الأصل؛ لأنّه مال متقوم بثمن مثله؛ إذ الفرض ذلك، والعتق أمرٌ قهريٌ طَرَاً بسبب القَرابة. وضعفه

ص: 110


1- نقله عن بعض حواشي الشهيد المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 10، ص 223 - 234.
2- وهنا لم يخرجه المريض كذلك، وإنّما أخرجه الله تعالى عن ملكه بالقبول وانعتق عليه تبعاً لملكه بغير اختياره فلم يكن مفوتاً بغير اختياره وإنما جاء الفوات من قبل الله تعالى (منه رحمه الله).

واضحٌ؛ لأنّ بذلَ الثمن في مقابلة ما قطع بزوال ماليته محض التضييع على الوارث. ولو) قال: «أعْطُوازيداً والفقراء»، فلزيد النصفُ): لأنّ الوصيّة لفريقين فلايُنظر إلى آحادهما، كما لو أوصى لشخصين أو قبيلتين.

(وقيل: الربع)(1) لأنّ أقلّ الفقراء ثلاثة من حيث الجمع وإن كان جمع كثرة؛ لما تقدَّمَ من دَلالة العرفِ واللغةِ على اتحاد الجمعين، فإذا شَرَّك بين زيد وبينهم بالعطف كان كأحدهم،(2) ويُضَعّف بأنّ التشريكَ بين زيد والفقراء، لابينه وبين آحادهم، فيكون زيد فريقاً والفقراء فريقاً آخَرَ. وفي المسألة وجه ثالث، وهو أن يكون زيد كواحد منهم؛ لأنّهم وإن كانوا جمعاً يصدق بالثلاثة لكنّه يقع على ما زاد ولايتعيَّن الدفع إلى ثلاثة، بل يجوز إلى ما زاد أو يتعيَّن حيث يُوجد في البلد، ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم. وهو أمتنُ من السابق، وإن كان الأصح الأول.

(ولو جمع بين) عطيَّةٍ (منجَزَةٍ) في المرض - كهبة ووقف وإبراء - (ومؤخَّرة) إلى بعد الموت (قُدِّمَت المنجزة) من الثلث وإن تأخَّرت في اللفظ فإن بَقِيَ من الثلث شيء يُدِئَ بالأوّل فالأول من المؤخَّرة، كما مرّ. ولافرق فى المؤخَّرة بين أن يكون فيها واجبٌ يُخرج من الثلث وغيره، نعم، لو كان ممّا يُخرج من الأصل قدّم مطلقاً. واعلم أنّ المنجزة تُشارك الوصيَّةَ في الخروج من الثلث في أجود القولين،(3) وأن خروجها من الثلث يُعتبر حال الموت وأنّه يُقدَّم الأسبق منها فالأسبق لو قَصَر الثلتُ عنها؛ وتُفارِقُها في تقدُّمها عليها ولزومها من قبل المعطي، وقبولها كغيرها من العقود وشروطُها شروطه، وأنه لو بَرِىَ من مرضه لَزِمت من الأصل بخلاف الوصيَّة.

ص: 111


1- قواه الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 243.
2- تقدم في ص 101.
3- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 247 - 248؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 368، المسألة 152؛ وقول الآخر وهو الخروج من الأصل للمفيد في المقنعة، ص 671 ؛ وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 420.

(ويصحّ) للموصي (الرجوعُ في الوصيَّة) ما دام حيّاً (قولاً؛ مثل «رَجَعتُ» أو «نَقَضتُ» أو «أبطلتُ» أو «فسخت» أو «هذا لوارثي» أو «ميراثي» أو «حرام على الموصى له» (أو لاتفعلوا كذا) ونحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه.

(وفعلاً؛ مثل بيع العين الموصى بها وإن لم يُقبضها (أو رَهْنِها) مع الإقباض قطعاً،

وبدونه على الأقوى، ومثله ما لو وَهَبها أو أوصى بها لغير من أوصى له أوّلاً. والأقوى أنّ مجرَّد العَرْض على البيع والتوكيل فيه وإيجابه وإيجاب العقود الجائزة المذكورة كافٍ في الفسخ لدلالته عليه، لا تزويج العبد والأمة، وإجارتهما وختانُهما وتعليمهما، ووطه الأمة بدون الإحبال

(أو) فعل ما يُبطِل الاسم ويدلّ على الرجوع، مثل طحن الطعام أو عَجْنِ الدقيق أو غَزْلِ القُطْن أو نَشج مغزوله (أو خَلطه بالأجود) بحيث لايتميز، وإنما قيَّد بالأجود لإفادته الزيادة في الموصى به بخلاف المساوى والأرداً،(1)

وفي الدروس لم يفرق بين خَلطه بالأجودِ وغيره في كونه رجوعاً،(2) وفي التحرير لم يَفرُق كذلك في عدمه،(3) والأنسب عدم الفرق، وتوقفُ كونه رجوعاً على القرائن الخارجة، فإن لم يَحكُم بكونه رجوعاً يكون مع خلطه بالأجود شريكاً بنسبة القيمتين.

ص: 112


1- وجه البطلان في جميع ذلك أن متعلّق الوصية هو المسمّى الخاص وقد زال مضافاً إلى إشعار هذه الأفعال بالرجوع. ولو خلط الشيء بمماثله جنساً فإن كان الغير أجود فظاهرهم القطع بكونه رجوعاً؛ لاشتمال أجوديته على زيادة ولم يحصل منه الرضى ببذلها مع عدم إمكان فصلها وإن خلط بمساو... فمفهوم كلام المصنف أنّه لايكون رجوعاً؛ لبقاء المال وعدم اشتماله على وصف المنع هو ظاهر مع المساواة، ومع الأردأ يكون القدر الناقص من الوصف بمنزلة خلاف الموصى به فيبقى الباقي على الأصل. وأطلق جماعة كون الخلط موجباً للرجوع، وهو حسن مع انضمام القرينة الدالّة عليه. هذا كله مع عدم دلالة القرينة على عدم إرادة الرجوع بهذه الأفعال، كما إذا فعل ذلك لمصلحة العين كدفع الدود عن الحنطة بطحنها وخبز العجين، حذراً من فساده وخلطه كذلك، فإنّ مرجع هذه الأمور إلى القرائن المقترنة بها نفياً وإثباتاً. ولو كان الفصل من غير الموصي بغير إذنه لم يقدح؛ لانتفاء المقتضي(منه رحمه الله).
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 259 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 336، ذيل الرقم 4735.

الفصل الرابع في الوِصاية

بكسر الواو وفتحها، وهي استنابة الموصِي غيرَه بعد موته في التصرف فيما كان له التصرف فيه من إخراج حق أو استيفائه، أو ولاية على طفل أو مجنون يملك الولاية عليه بالأصالة أو بالعرض.

(وإنّما تصحّ الوصيّة على الأطفال بالولاية من الأب والجد له وإنْ علا، أو الوصيّ) لأحدهما (المأذون له من أحدهما في الإيصاء لغيره، فلو نهاه عنه لم تصح إجماعاً، ولو أطلق، قيل: جاز،(1) لظاهر مكاتبة الصفّاراً،(2) ولأنّ الموصي أقامه مقام نفسه فيثبت له مِن الولاية ما تَبَت له ولأنّ الاستنابة من جملة التصرفات المملوكة له بالنص.

وفيه منعُ دَلالة الرواية، وإقامته مقام نفسه في فعله مباشرةً كما هو الظاهر، ونمنع كونَ الاستنابة من جملة التصرفات فإنّ رضاه بنظره مباشرةً لايقتضي رضاه بفعل غیره؛ لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك والأقوى المنع (ويُعتبر في الوصي الكمالُ بالبلوغ والعقل، فلاتصح إلى صبي بحيث يتصرف حالَ صَباه مطلقاً، ولا إلى مجنون كذلك، والإسلام) فلاتصح الوصيَّة إلى كافرٍ وإنْ كان رجماً؛ لأنه ليس من أهل الولاية على المسلمين، ولا من أهل الأمانة وللنهي عن الركون إليه،(3) إلّا أن يُوصي الكافرُ إلى مثله إن لم نَشترِط العدالة في الوصي؛ لعدم

ص: 113


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 162 ، المسألة 43.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 215، ح 850.
3- هود (11): 113.

المانع حينئذ. ولو اشترطناها فهل تكفي عدالته في دينه أم تبطل مطلقاً؟ وجهان: من أنّ الكفر أعظمُ من فسق المُسلِم، ومِن أنّ الغرض صيانة مال الطفل وأداء الأمانة، وهو

يحصل بالعدل منهم. والأقوى المنعُ بالنظر إلى مذهبنا ولو أريد صحتها عندهم وعدمه فلا غرض لنا في ذلك، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم وإلا فاللازم الحكم ببطلانها؛ بناءً على اشتراط العدالة؛ إذ لا وثوق بعد الته في دينه ولا ركون إلى أفعاله؛ لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام. (والعدالة في قول قوي)(1) لأنّ الوصيَّةَ استئمانٌ والفاسق ليس أهلاً له؛ لوجوب التثبت عند خبره ولتضمُّنها الركون إليه، والفاسقُ ظالمٌ منهي عن الركون إليه،(2) ولأنّها استنابةٌ على الغير فيُشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل بل أولى؛ لأنّ تقصيرَ وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكل وتفحصهما على مصلحتهما، بخلاف نائب الميت ورضاه به غير عدل لايقدح في ذلك؛ لأنّ مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت، وحينئذ فترتفع أهليته عن الإذن والولاية، ويصير التصرّف متعلقاً بحق غيرِ المُسْتَنيب من طفلٍ ومجنون وفقير وغيرهم فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.

وبذلك يظهر ضعفُ ما احتَجَّ به نافي اشتراطها من أنّها في معنى الوكالة، ووكاله الفاسق جائزة إجماعاً وكذا استيداعُه؛(3) لما عرفتَ من الفرق بينها وبين الوكالةِ والاستيداعِ، فإنّهما متعلقان بحق الموكل والمودع، وهو مسلّط على إتلاف ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه، والموصي إنّما سَلّطه على حق الغير؛ لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً مع أنا نمنع أنّ مطلق الوكيل والمُستَودَع لايُشترَط فيهما العَدالةُ.

ص: 114


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 668؛ والشيخ في النهاية، ص 605.
2- هود (11): 113.
3- احتج به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 189.

واعلم أنّ هذا الشرط إنّما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي. ويُقبل خبره به كما يُستفاد ذلك من دليله، لا في صحة الفعل في نفسه، فلو أوصى لمن ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففَعَل مقتضى الوصيَّة، فالظاهرُ نفوذُ فعله وخروجه عن العهدة، ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو أَوصَى إليه فيما بينه وبينه وفَعَل ،مقتضاه، بل لو فعله ظاهراً كذلك لم تبعد الصحة، وإنْ حُكم ظاهراً بعدم وقوعه وضَمَانِه ما ادَّعَى فِعْلَه. وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصيَّة باطلاع عدلين أو باطلاع الحاكم، إلّا أنّ ظاهر اشتراط العدالة ينافي ذلك كله. ومثله يأتي في نيابة الفاسق عن غيره في الحج ونحوه، وقد ذكر المصنِّفُ،(1) وغيرُه أنّ عدالة النائب شرط في صحة الاستنابة لا في صحة النيابة،(2)

(و) كذا يُشترط في الوصيِّ (الحرِّيَّةُ) فلاتصح وصاية المملوك؛ لاستلزامها التصرف في مال الغير بغير إذنه كما لاتصح وكالته، إلا أن يَأْذَن المولى فتصح لزوال المانع، وحينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي، ويصح قبله كما إذا قَبِلَ الحرُّ.

(وتصحّ الوصيَّةُ إلى الصبيّ مُنْضَمّاً إلى (كامل) لكن لايتصرف الصبي حتى يَكمُل، فينفرد الكامل قبله ثمّ يشتركان فيها مجتمعين. نعم، لو شَرَط عدم تصرّف الكامل إلى أن يبلغ الصبيُّ اتَّبع شرطه وحيث يجوز تصرّف الكامل قبل بلوغه لايختص بالضروري بل له كمال التصرف وإنّما يقع الاشتراك في المُتَخَلِّف، ولااعتراض للصبيِّ بعد بلوغه في نقض ما وقع من فعل الكامل موافقاً للمشروع. (وإلى المرأة والخنثى) عندنا مع اجتماع الشرائط لانتفاء المانع، وقياس الوصيّة

على القضاء واضح الفساد.

ص: 115


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 235 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- منهم: فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 277؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 410؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 14.

( ويصح تعدّدُ الوصيّ فيجتمعان،(1) لو كانا اثنين في التصرف، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما ، إلا أن يشترط لهما الانفراد) فيجوز حينئذ لكلّ منهما التصرف بمقتضى نظره. (فإن تَعاسَرا) فأراد أحدهما نوعاً من التصرف ومنعه الآخَرُ (صح) تصرفهما (فيما لابدّ منه، كمؤونة اليتيم) والدابة وإصلاح العقار، ووقف غيرُه على اتفاقهما. (وللحاكم الشرعي (إجبارهما على الاجتماع من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان؛ إذ لا ولاية له فيما فيه وصيّ، فإن تعذر عليه جمعهما (استبدل بهما)؛ تنزيلاً لهم بالتعذّر منزلة المعدوم لاشتراكهما في الغاية. كذا أطلق الأصحاب، وهو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصي، أمّا معه فلا؛ لأنهما بتعاسُرِهما يَفسُقان لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصيَّة مع الإمكان فيَخرُجان بالفسق عن الوصاية ويستبدل بهما الحاكم فلا يُتصوَّر إجبارُهما على هذا التقدير وكذا لو لم نَشْرُطها وكانا عدلين لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور. نعم، لو لم نَشْرُطها ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ.

وليس لهما قسمة (المال)؛ لأنه خلاف مقتضى الوصيَّة من الاجتماع في التصرّف. ولو شرط لهما الانفراد، ففي جواز الاجتماع نظر)، من أنّه خلاف الشرط فلايصح. ومن أن الاتفاق على الاجتماع يقتضي صدوره عن رأي كل واحد منهما، وشرط الانفراد اقتضى الرضى برأي كلّ واحد وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد. والظاهر أنّ شرط الانفراد رُخصةً لهما لاتضييق. نعم، لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد تَوجَّهَ المنعُ؛ لجواز كون المُصيب هو حالة الانفراد ، ولم يَرْضَ الموصي إلّا به. ولو نهاهما عن الاجتماع (اتُّبع قطعاً عملاً بمقتضى الشرطِ الدال صريحاً على

ص: 116


1- ليس المراد به من اجتماعهما تلفظهما بصيغة العقود معاً، بل المراد صدوره عن رأيهما، ثم لافرق بين أن يباشره أحدهما أو غيرهما بإذنهما . تذكرة الفقهاء ج 2 ص 509، الطبعة الحجرية(زين رحمه الله).

النهي عن الاجتماع فيمتنع. (ولو جوز لهما الأمرين) الاجتماع والانفراد (أُمْضِي) ما جوزه، وتصرف كلّ منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد. (فلو اقتسما المال) في هذه الحالة (جاز) بالتنصيف والتفاوتِ حيث لايحصل بالقسمة ضررٌ؛ لأنّ مرجعَ القسمة حينئذٍ إلى تصرّف كلّ منهما في البعض وهو جائز بدونها، ثمّ بعد القسمة لكلّ منهما التصرّفُ في قسمة الآخر وإنْ كانت في يد صاحبه؛ لأنه وصيّ في المجموع فلاتُزيل القسمة ولايته فيه.

(ولو ظهر من الوصيّ) المتَّحدِ أو المتعددِ على وجه يفيد الاجتماع (عَجْزُ ضَمَّ الحاكم إليه مُعِيناً؛ لأنه بعجزه خرج عن الاستقلال المانع من ولاية الحاكم، وبقدرته على المباشرة في الجملة لم يخرج عن الوصاية بحيث يَستقِل الحاكم فيُجمع بينهما بالضم، ومثله ما لو مات أحد الوصيَّين على الاجتماع. أمّا المأذونُ لهما في الانفراد فليس للحاكم الضم إلى أحدهما بعجز الآخر لبقاء وصي كامل.

وبَقِي قسم آخَرُ، وهو ما لو شَرَط لأحدهما الاجتماع وسوغ للآخر الانفراد، فيجب اتباع شرطه فيتصرف المستقل بالاستقلال والآخَرُ مع الاجتماع خاصةً. وقريب منه ما لو شَرَط لهما الاجتماع موجودين وانفراد الباقي بعد موتِ الآخر أو عجزه فيُتَّبَع شرطه.

وكذا يصحّ شرطُ مُشْرِف على أحدهما بحيث لايكون للمُشرف شيءٌ من التصرفات وإنّما يصدر عن رأيه، فليس للوصي التصرّفُ بدون إذنه مع الإمكان، فإن تعذر ولؤ بامتناعه ضَمَّ الحاكم إلى الوصيّ مُعِيناً كالمشروط له الاجتماع على الأقوى لأنه في معناه حيث لم يَرضَ الموصي برأيه منفرداً. وكذا يجوز اشتراط تصرّف أحدهما في نوع خاص والآخر في الجميع؛ منفردين ومجتمعين على

ما اشتَرَكا فيه. ولو (خان) الوصى المتَّحدُ أو أحد المجتمعين أو فَسَق بغير الخيانة (عزله) الحاكم

ص: 117

بل الأجودُ انعزاله بذلك من غير توقف على عزل الحاكم لخروجه عن شرط الوصاية. (وأقام) الحاكمُ (مكانَه) وصيّاً مستقلاً إن كان المعزول واحداً، أو مُنْضَماً إلى الباقي إن كان أكثر .

(ويجوز للوصي استيفاءُ دَينه ممّا في يده من غير توقف على حكم الحاكم بثبوته ولا على حلفه على بقائه؛ لأنّ ذلك للاستظهار ببقائه لجواز إبراء صاحب الدين أو استيفائه، والمعلوم هنا خلافه والمكلف بالاستظهار هو الوصي.

(و) كذا يجوز له (قضاء ديون الميت التي يعلم بقاءَها) إلى حين القضاء. ويتحقق العلمُ بسماعه إقرار الموصي بها قبل الموت بزمان لا يمكنه بعده القضاء، ويكون المستحِقُّ ممّا لايمكن فى حقه الإسقاط كالطفل والمسجد. أما ما كان أربابها مكلَّفين يمكنهم إسقاطها فلابد من إحلافهم على بقائها وإنْ عَلم بها سابقاً، ولا يكفي إحلافه إيَّاهم إلا إذا كان مُسْتَجْمِعاً لشرائط الحكم، وليس للحاكم أن يأذن له في التحليف استناداً إلى علمه بالدين بل لابدّ من ثبوته عنده؛ لأنّه تحكيم لايجوز لغير أهله. نعم، له بعد ثبوته عنده بالبيّنة توكيله في الإحلاف. وله ردُّ ما يَعلَم كونَه وديعةً أو عاريةً أو غصباً، أو نحو ذلك من الأعيان التي لايحتمل انتقالها عن ملك مالكها إلى الموصي أو وارثه في ذلك الوقت.

(ولا يُوصِي) الوصي إلى غيره عمّن أوصى إليه إلا بإذن) منه له في الإيصاء، على أصح القولين،(1) وقد تقدّم،(2) وإنّما أعادها لفائدة التعميم؛ إذ السابقة مختصة بالوصي على الطفل ومن بحكمه من أبيه وجده، وهنا شاملة لسائر الأوصياء. وحيث يَأذَن له في يقتصر على مدلول الإذن، فإن خصه بشخص أو وصف اختَصّ، وإن عمَّم أَوصَى إلى مُستجمع الشرائط، ويتعدى الحكمُ

إلى وصيِّ الوصيِّ أبداً مع الإذن فيه لا بدونه.

ص: 118


1- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 675 - 676: وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 185؛ وبجواز الإيصاء. ذهب الشيخ في النهاية، ص 607: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 117.
2- تقدّم في ص 113.

(و) حيث لايُصرِّح له بالإذن في الإيصاء يكون النظرُ بعده في وصيّة الأوّل إلى الحاكم لأنّه وصيُّ مَن لا وصيّ له(وكذا حكم كل من مات ولاوصيَّ ومع تعذّر الحاكم) لفَقْدِه أو بُعدِه بحيث يَشُق الوصول إليه عادةً، يَتوَلَّى إنفاذ الوصيَّة(بعضُ عُدول المؤمنين)(1) من باب الحِسبةِ والمعاونة على البر والتقوى المأمور بها،(2)

و اشتراط العدالة يَدفَع محذورَ إتلافِ مال الطفل وشبهه والتصرف فيه بدون إذن شرعي فإنّ ما ذكرناه هو الإذن. وينبغي الاقتصارُ على القدر الضروري الذي يُضْطَرَ إلى تقديمه قبل مراجعة الحاكم، وتأخيرُ غيره إلى حين التمكن من إذنه، ولو لم يمكن لفقده لم يَختَصّ. وحيث يجوز ذلك يجب؛ لأنه من فروض الكفاية. وربما مَنَع ذلك كله بعض الأصحاب؛(3) لعدم النص. وما ذُكر من العمومات كافٍ في ذلك، وفي بعض الأخبار ما يُرشد إليه،(4)

(والصفاتُ المعتبرةُ في الوصيّ) من البلوغ والعقل والإسلام على وجه، والحرية والحرِّيَّةِ والعدالةِ يُشترط حصولها حال الإيصاء)؛ لأنه وقتُ إنشاء العقد، فإذا لم تكن مجتمعةً لم يقع صحيحاً كغيره من العقود، ولأنّه وقت الوصيَّة ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات.

وقيل: يكفي حصولها حال الوفاة حتى لو أوصى إلى من ليس بأهل فاتَّفق حصول صفات الأهلية له قبل الموت صح؛ لأنّ المقصود بالتصرف هو ما بعد الموت وهو محلّ الولاية، ولاحاجة إليها قبله،(5) ويُضعَّف بما مرّ.

ص: 119


1- لو قال: «أوصيت إليك فإذا حضرتك الوفاة فوصييّ فلان» أو «إذا بلغ ابني فلان فهو الوصي جاز للأصل، فإذا مات الوصي الأول كان الثاني وصياً للأب لا للوصي الأول: لأنّه وصى إليه بشرط، وهو جائز،(زين رحمه الله).
2- المائدة (5): 3.
3- كابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 193 - 194.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 239 ، ح 927.
5- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628.

(وقيل: ) يُعتبَر (من حين الإيصاء إلى حين الوفاة،(1) جمعاً بين الدليلين والأقوى اعتبارها من حين الإيصاء، واستمراره ما دام وصيّاً.

(وللوصي أجرة المثل عن نظره في مال الموصى عليهم مع الحاجة)(2) وهي الفقر، كما نبه عليه تعالى بقوله : (وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ،(3) ولا يجوز مع الغناء؛ لقوله تعالى : (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ)(4)

وقيل: يجوز أخذ الأجرة مطلقاً؛(5) لأنّها عِوَضُ عمل محترم. وقيل: يأخذ قدر الكفاية،(6) لظاهر قوله تعالى: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)(7) فإنّ المعروف ما لا إسراف فيه ولاتقتير من القُوت. وقيل: أقل الأمرين؛(8) لأنّ الأقل إن كان أُجرة المثل فلا عوض لعمله شرعاً سواها، وإن كان الأقل الكفاية، فلأنّها هي القدر المأذون فيه بظاهر الآية،(9) والأقوى جواز أخذ أقلهما مع فقره خاصةً؛ لما ذكر، ولأن حصول قدر الكفاية

يوجب الغناء فيجب الاستعفاف عن الزائد وإن كان من جملة أجرة المثل. (ويصح ) للوصي (الردُّ ) للوصيَّة (ما دام) الموصي (حيا) مع بلوغه الردُّ، (فلورد ولمّا يَبلُغ) الموصى (الردُّ بطل الردُّ،(10) ولو لم يعلم بالوصيّة إلا بعد وفاة الموصي

ص: 120


1- حكاه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 203 بقوله: وقيل.
2- واعلم أنّ هذا كله مع نية أخذ العوض لعمله، أما لو نوى التبرع لم يكن له أخذ شيء مطلقاً. ولو زهل عن القصد فالظاهر جواز الأخذ؛ لأنه مأمور بالعمل من الشارع فيستحق عوضه ما لم ينو التبرع؛ لأنّه عمل محترم كما لو أمره مكلف بعمل له أجرة في العادة، فإنه يستحق عليه أجرة المثل ما لم ينو التبرع كما ذكروه في بابه خصوصاً إذا قلنا بجواز أخذه الكفايه للإذن فيها من الله تعالى من غير قيد فيشمل ما إذا نوى العوض أو لم ينو. (زین رحمه الله).
3- النساء (4): 6.
4- النساء (4): 6.
5- قال به الشيخ في النهاية، ص 362.
6- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 211.
7- النساء (4): 6.
8- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 179، المسألة 295.
9- تقدم آنفاً.
10- وكذا إذا لم يمكنه الإيصاء بعد بلوغه (زین رحمه الله).

لَزِمه القيام بها وإنْ لم يكن قد سَبَق قبول، (إلا مع العجز) عن القيام بها فيسقط وجوب القيام عن المعجوز عنه قطعاً للحرج، وظاهرُ العبارة أنّه يَسقط غيره أيضاً، وليس بجيد، بل يجب القيام بما أمكن منها؛ لعموم الأدلّة.

ومستند هذا الحكم المخالف للأصل من إثباتِ حق على الموصى إليه على وجه قهري وتسليط الموصي على إثبات وصيَّته على من شاء، أخبار كثيرة،(1) تدل بظاهرها عليه.

وذهب جماعة،(2) منهم العلّامة في المختلف والتحرير إلى أنّ له الردّ ما لم يقبل،(3) لما ذُكر، ولاستلزامه الحرجَ العظيم والضررَ في أكثر مواردها، وهما منفيان بالآية،(4) والخبر،(5) والأخبار ليست صريحةَ الدلالة على المطلوب، ويمكن حملُها على شدَّة الاستحباب، وأما حملها على سبقِ قبول الوصيَّة فهو مُنافٍ لظاهرها. والمشهورُ بين الأصحاب هو الوجوبُ مطلقاً.

وينبغي أن يُستثنى من ذلك ما يَستلزِم الضررَ والحرجَ دون غيره، وأمّا

استثناء المعجوز عنه فواضح.

ص: 121


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 205 - 206، باب قبول الوصية.
2- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 239؛ والخلاف، ج 4، ص 148، المسألة 21: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 11، ص 283 - 285 .
3- مختلف الشيعة، ج 6، ص 299، المسألة 82؛ تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 379 - 380، الرقم 4841.
4- الحج (22) 78.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651.

ص: 122

كتاب النكاح

وفيه (فصول

ص: 123

ص: 124

کتاب النّکاح، فیه فصول

الفصل الأوّل في المقدّمات

(النكاح،(1) مستحبّ مؤكّدٌ،(2) لمن يمكنه فعله، ولايخاف الوقوع بتركه في محرَّم وإلا وجب. قال الله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ)(3) (وَأَنكِحُوا الأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَابِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(4) وأقل مراتب الأمر الاستحباب وقال : «مَن رَغِب عن سنتي فليس منّى»،(5) «وإن من سنتى النكاح»(6)

وفضلُه مشهور) بين المسلمين (محقّقٌ) في شرعهم(حتّى أنّ المتزوِّج يُحرِز نصف دينِه)، رواه في الكافي بإسناده إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَن تزوَّج أحرز نصف دينِه فَلْيَتَّقِ الله في النصف الآخرِ - أو - الباقي»(7) ورُوِيَ: «ثُلُثا دينِه»(8).

ص: 125


1- النكاح لغة: التقابل، يقال: تناكح الجبلان إذا تقابلا، وفي الاصطلاح يطلق على العقد المخصوص والدخول أيضاً، واختلفوا فيه فقيل: حقيقة في الدخول ومجاز في العقد، وقيل: بالعكس، وهو الوجه ؛ لأنّ السلب عن الحقيقة غير ممكن. ويمكن أن يقال: هذا نكاح وليس بنكاح (منه رحمه الله).
2- قيل: من تزوج نادى شيطانه: ويلة ويلة أحرز ثلثي دينه(زين رحمه الله).
3- النّساء (4): 3.
4- النور (24) 32.
5- الكافي، ج 5 ، ص 496 ، باب كراهة الرهبانية .... ح 5.
6- الكافي، ج 5 ص 496 باب كراهية الرهبانية وترك الباء، ح6: السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 124. ح 13451.
7- الكافي، ج 5، ص 328، باب كراهية العزبة، ح 2.
8- الجعفريّات المطبوع ضمن قرب الإسناد، ص 153 ، ح 575 : دعائم الإسلام، ج 2، ص 190، ح 686.

(وهو من أعظم الفوائد بعد الإسلام فقد رُوي عن النّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بطريق أهل البيت(عليهم الصلاة والسلام) أنّه قال: «ما استفاد امرءٌ مسلم فائدةً بعد الإسلام أفضلَ مِن زوجة مسلمة تَسُرُّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»،(1) وقال: «قال الله (عز وجل): إذا أردتُ أن أجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة جعلتُ له قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، وزوجة مؤمنة تشره إذا نظر إليها وتحفظه إذا غاب عنها في

نفسها وماله»(2)

(ولْيَتَخَيَّرُ البِكر) قال النبي : «تَزوَّجوا الأبكار فإنّهنّ أطيبُ شيء أفواها، وأَنشفه أرحاماً، وأدرّ شيء أخلافاً، وأفتح شيء أرحاماً»(3) (العفيفةَ) عن الزنى (الولودَ) أي ما من شأنها ذلك بأن لاتكون يائسةً ولاصغيرةً ولا عقيماً، قال:صلی الله علیه وآله وسلم «تَزوَّجوا بكراً ولوداً ولاتزوجوا حسناء جميلة عاقراً فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط.

يَظَلّ مُحْبَنْطِئاً على باب الجنّة، فيقول الله (عزّ وجلّ) : أدخل الجنَّةَ. فيقول: لاحتى يدخل أبواي قبلي. فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة: اثْتِني بأبويه، فيأمر لِمَلَكِ بهما إلى الجنّة فيقول: هذا بفضل رحمتي لك»(4) (الكريمة (الأصل بأن يكون أبواها صالحين أو مؤمنين. قال: «انكحوا الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لِنُطَفِكم»(5)

(ولايقتصر على الجمال أو الثروة) من دون مراعاة الأصل والعفّة. قال:صلی الله علیه وآله وسلم «إياكم وخضراءَ الدِمَن، قيل يا رسول الله وما خضراء الدِمَن؟ قال: المرأة الحسناء في مَنبَت

ص: 126


1- الكافي، ج 5، ص 327 باب من وفّق له الزوجة الصالحة، ح 1.
2- الكافي، ج 5، ص 327 باب مَن وفّق له الزوجة الصالحة، ح 2.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 400، ح .1598.
4- لم نعثر عليها في رواية بل صدرها في رواية والذيل في رواية أخرى. الكافي، ج 5، ص 333، باب كراهية تزويج العاقر ، ح 2 ، وص 334، باب فضل الأبكار، ذيل الحديث1.
5- الكافي، ج 5، ص 332، باب اختيار الزوجة، ح 3.

السوء»(1) وعن أبي عبدالله:«إذا تزوج الرجلُ المرأة لجمالها أو مالها وكل إلى ذلك، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال .

(ويُستحَبٌ) لمن أراد التزويج قبل تعيين المرأة (صلاة ركعتين والاستخارة وهو أن يَطلب من الله تعالى الخَيْرة له في ذلك، والدعاء بعدهما بالخَيْرَة) بقوله «اللهم إنّي أريد أن أتزوّج فقدر لي من النساء أعفهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي، وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهن بركة، وقدر لى ولداً طيباً تجعله خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي»،(2) أو غيره من الدعاء، وركعتي الحاجة)؛ لأنّها من مهام الحوائج (والدعاء) بعدهما بالمأثور،(3) أو بما سنح؛ والإشهاد على العقد؛ (والإعلان) إذا كان دائماً (والخُطبة) بضم الخاء (أمام العقد)؛ للتأسي،(4) وأقلها «الحمدلله» (وإيقاعه ليلاً)، قال الرضا(علیه السلام)«من السنّة التزويج بالليل؛ لأنّ الله جعل الليلَ سَكَناً، والنساءُ إنما هنّ سَكَن،(5)

(وليَجتنِب إيقاعه والقمرُ في برج العقرب)؛ لقول الصادق(علیه السلام): «من تزوج والقمرُ

في العقرب لم يَرَ الحُسنى»(6) والتزويج حقيقة في العقد. (فإذا أراد الدخول) بالزوجة (صلّى ركعتين) قبله (ودَعا) بعدهما بعد أن يُمَجِّدالله ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «اللهم ارزقني إلفَها ووُدَّها ورضاها، وأَرضني بها، واجمع بيننا بأحسنِ اجتماع وآنس ائتلاف فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام»(7) أو غيرِه

ص: 127


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 403، ح 1608. .2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 403، ح 1609.
2- تهذيب الأحكام، ج 7،ص 407،ح 1627.
3- تقدم في الهامش 7.
4- الكافي،ج 5،ص 369، باب خطب النكاح، ح 1.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 418، ح 1675.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 461، ح 1844.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 409 و 410، ح 1636.

الدعاء، (و) تفعل (المرأةُ كذلك) فتصلي ركعتين بعد الطهارة وتدعو الله تعالى بمعنى ما دَعا.

(ولْيَكُن) الدخولُ (ليلاً) كالعقد، قال الصادق(علیه السلام): «زُقُوا نساءكم ليلاً وأَطْعِموا ضُحى»(1) ويضع يده على ناصيتها وهي ما بين نَزْعَتَيها مِن مُقدَّم رأسها عند دخولها عليه ولْيَقُل: «اللهم على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك اسْتَحْلَلْتُ فرجها، فإن قضيتَ لي في رَحِمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً ولاتجعله شرْك شيطان»(2) (ويُسَمِّي) الله تعالى (عند الجماع دائماً عند الدخول بها وبعده ليتباعد عنه الشيطانُ ويَسلَّم من شركه ويسأل الله الولد الذكر السويّ الصالح).

قال عبد الرحمن بن كثير: كنتُ عند أبي عبدالله فذَكَر شِرْكَ الشيطان فعظَّمه حتَّى أَفزعني.

فقلتُ: جُعِلتُ فداك، فما المخرج من ذلك؟ فقال: «إذا أردت الجماع فقل: بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات والأرض، اللهم إن قضيتَ منّي في هذه الليلة خليفةٌ فلاتجعل للشيطان فيه شركاً ولانصيباً ولاحظاً، واجعله مؤمناً مخلصاً صفيّاً من الشيطانِ ورِجْزِه جلّ ثناؤك»(3)

(ولْيُولِم) عند الزفاف (يوماً أو يومين)(4) تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقد أولَم على جملة من نسائه، وقال(: «إنّ مِن سُنَن المرسلين الإطعام عند التزويج»،(5) وقال:(صلی الله علیه وآله وسلم)«الوليمةُ أوّلَ یومٍ حقٌّ، والثاني معروفٌ، ومازاد رياءً وسُمْعَةٌ»(6) ويدعو المؤمنين إليها وأفضلهم الفقراء، ويُكرَه أن يكونوا كلُّهم أغنياء، ولابأس بالشركة، (ويُستحب) لهم (الإجابةُ)

ص: 128


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 418، ح 1676.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 407، ح 1627.
3- الكافي، ج 5، ص 503 ، باب القول عند الباه .... ح 4.
4- قيل: إنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد أولَم بتَمْر وسويق. [سنن ابن ماجة، ج 1، ص 615، ح 1907؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 424، ح 14506،( زين رحمه الله).
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 409. ح 1633.
6- الكافي، ج 5، ص 368 ، باب الإطعام عند التزويج، ح 4.

استحباباً مؤكداً، ومن كان صائماً ندباً فالأفضل له الإفطار، خصوصاً إذا شَقَ بصاحب

الدعوة صيامه.

(ويجوز أكل نِثار العُرس وأخذُه بشاهد الحال أي مع شهادة الحال بالإذن في أخذه، لا أنّ الحال يشهد بأخذه دائماً، وعلى تقدير أخذه به فهل يملك بالأخذ أم هو مجرد إباحة؟ قولان،(1) أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة في جواز الرجوع فيه مادامت عينه باقيةً. (ويُكرَه الجِماعُ) مطلقاً عندالزّوال إلا يوم الخميس، فقد رُوِيَ «أنّ الشيطان لايقرب الولد الذي يَتولَّد حينئذٍ حتَّى يَشيب»،(2) (و) بعد الغروب حتى يذهب الشفق) الأحمر، ومثله ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لوروده معه في الخبر،(3)

(وعارياً)؛ للنهي عنه، رواه الصدوق عن أبي عبدالله،(4) (وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوءِ) قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «يُكره أن يغشَى الرجلُ المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل ذلك وخرج الولد مجنوناً فلايلومَنَّ إلا نفسَه»،(5) ولا يُكرَه معاوَدةُ الجماع بغير غسل؛ للأصل.

والجماع عند ناظر إليه بحيث لايرى العورةَ، قال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم): «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غَشِيَ امرأتَه وفي البيت مُستيقِظٌ يراهما ويَسمَع كلامهما ونَفَسَهما ما أَفَلَح أبداً؛ إن كان غلاماً كان زانياً وإن كانت جاريةً كانت زانية»(6) وعن الصادق(علیه السلام) قال: لايجامع الرجل امرأته ولاجاريته وفي البيت صبيِّ، فإنّ ذلك ممّا يُورِث الزنى»(7)

ص: 129


1- ذهب إلى الملك الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 591 والقول بعدم الملك للعلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 109، المسألة 49.
2- الفقيه ، ج 3، ص 553 - 0554 ح 4902.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 411، ح 1642.
4- علل الشرائع، ج 2، ص 233 - 234 ، باب علل نوادر النكاح ح 8.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412. ح 1646.
6- الكافي، ج 5، ص 500 باب كراهية أن يواقع الرجل أهله وفي البيت صبي، ح 2.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 414، ح 1655.

وهل يعتبر كونُه مميّزاً؟ وجه يُشعر به الخبرُ الأول، أما الثاني فمطلق.

(والنظر إلى الفرج حال الجماع وغيرِه) وحالَ الجماعِ أشدّ كراهة، وإلى باطن الفرج أقوى شدّةً، وحرّمه بعض الأصحاب،(1) وقد رُوي «أنّه يُورِث العَمَى في الولد»؛(2)

(والجماعُ مُستقبل القبلة ومستدبرها)؛ للنهي عنه،(3)

(والكلام) من كلّ منهما (عند التقاء الختانين إلابذكرالله تعالى)، قال الصادق(علیه السلام) «اتقوا الكلام عند مُلتَقَى الخِتانَين فإنّه يُورث الخَرَس»،(4) ومن الرجل آكد ففي وصية النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «يا عليّ لاتتكلّم عند الجماع كثيراً فإنه إن قُضِيَ بينكما ولد لايُؤمَن أن يكون أخرس»(5)

(وليلةَ الخسوف، ويومَ الكسوف، وعند هُبوب الريح الصفراء أو السوداء، أو الزلزلة) فعن الباقر(علیه السلام) أنه قال: والذي بعث محمّداً(صلی الله علیه وآله وسلم) بالنّبوة واختصه بالرّسالة واصطفاه بالكرامة لايجامع أحدٌ منكم في وقت من هذه الأوقات فيُرزَق ذرِّيَّةً فيَرَى فيها قرةَ عين»(6)

(و أوّلَ ليلة من كلّ شهر إلّا شهر رمضان، ونصفَه) عطف على «أوّل» لا على المستثنى، ففي الوصيّة: «يا عليّ لاتجامع امرأتك في أوّلِ الشهر ووسطِه وآخِرِه فإنّ الجنونَ والجُذامَ والخَبَلَ يَسرُع إليها وإلى ولدها»(7) وعن الصادق(علیه السلام): «يُكره للرجل أن يجامع في أوّل ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره فإنه من فعل ذلك خرج الولد مجنوناً، ألا ترى أنّ المجنون أكثر ما يُصرَع في أوّل الشهر ووسطه وآخره»(8) وروى

ص: 130


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 314.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 414، ح 1656.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412 ، ح 1646.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 413، ح 1653.
5- الفقيه، ج 3، ص 0552 ح 4902.
6- دعائم الإسلام، ج 2، ص 213، ح 785.
7- الفقيه، ج 3، ص 0552 ح 4902.
8- علل الشرائع، ج 2، ص 229 - 230 باب علل نوادرالنكاح، ح، 4.

الصدوق عن عليّ(علیه السلام) أنه قال: «يُستحَبّ للرجل أن يأتي أهلَه أوّلَ ليلة من شهر رمضان؛ لقول الله (عزّ وجلّ): أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَتُ إِلَى نِسَآبِكُمْ)(1). (وفي السفر مع عدم الماء)؛ للنهي عنه عن الكاظم مستثنياً منه خوفه على نفسه،(2)

(ويجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها، بل يُستحب له النظرُ ليَرتفِع عنه الغررُ فإنّه مُستامٌ يأخذ بأغلى ثمن، كما ورد في الخبر،(3) (ويختص الجواز بالوجه والكفَّين) ظاهرهما وباطنهما إلى الزَّنْدين وينظرُها قائمةً وماشيةً).

وكذايجوز للمرأة نظره كذلك. (ورَوَى) عبدالله بن الفضل مرسلاً عن الصادق(علیه السلام)(جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وهي مواضع الزينة «إذا لم يكن متلذِّذاً»،(4) وهي مردودة بالإرسال وغيره.

ويُشترط العلمُ بصَلاحيتها للتزويج بخلوّها من البعل والعدّةِ والتحريم وتجويز إجابتها، ومباشَرةُ المريد بنفسه فلايجوز الاستنابة فيه وإن كان أعمى، وأن لايكون برِيبةٍ ولاتلذُّذه،(5). وشَرَط بعضُهم أن يستفيد بالنظر فائدةً فلو كان عالماً بحالها قبله لم يصح،(6) وهو حسن لكن النص مطلق؛ وأن يكون الباعث على النظر إرادة التزويج دون العكس، وليس بجيّد؛ لأنّ المعتبر قصد التزويج قبل النظر كيف كان الباعث. (ويجوز النظر إلى وجه الأمة) أي أمة الغير ويديها، (و) كذا (الذمية) وغيرها من

ص: 131


1- الفقيه، ج 3، ص 473. ح 4656: البقرة (2): 187.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 418، ح 1677.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 435، ح 1734 و 1735.
4- الكافي، ج 5، ص 365 ، باب النظر لمن أراد التزويج، ح، 5.
5- ينبغي أن يكون المراد بها خوف الوقوع معها في محرّم وهو المعبر بخوف الفتنة. وفي التذكرة اشترط في الجواز أن لا يكون لتلذذ ولا ريبة ولا خوف افتنان ويظهر من ذلك أنّ الريبة غير خوف الفتنة. وفي القواعد وغيرها اقتصر منهما على عدم الريبة كما في الكتاب وهو أجود(زين رحمه الله).
6- انظر تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية).

الكفّار بطريق أولى (لا لشهوة)؛ قَيدٌ فيهما.

(و) يجوز أن (ينظر الرجل إلى مثله ما عدا العورتين (وإنْ كان) المنظورُ (شاباً حسن الصورة، لا لريبة وهو خوف الفتنة (ولا) تلذّذٍ). وكذا تنظر المرأة إلى مثلها كذلك. (والنظر إلى جسد الزوجة باطناً وظاهراً)، وكذا أمته غير المزوَّجةِ والمعتدّةِ وبالعكس، ويُكره إلى العورة فيهما.

(وإلى المحارم) وهنّ مَن يحرُم نكاحُهنّ مؤيَّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة (خلا العورة) وهي هنا القُبلُ والدُّبرُ. وقيل: تختص الإباحة بالمحاسن،(1) جمعاً بين قوله: (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَرِهِمْ)(2) وقوله: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)(3) إلى آخره.

(ولاينظر الرجل (إلى) المرأة (الأجنبية) وهي غيرُ المَحرَم والزوجة والأمة (إلّا) (مرّةً واحدةً)من غير معاوَدةٍ) في الوقت الواحد عرفاً إلا لضرورة كالمعاملة والشهادةِ) عليها إذا دُعِيَ إليها، أو لتحقيق الوطء في الزنى وإنْ لم يُدْعَ، (والعِلاج) من الطبيب وشبهه.

(وكذا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي أو تسمع صوته إلا لضرورة) كالمعاملة والطبّ (وإن كان) الرجلُ (أعمى)؛ لتناول النهي له، ولقول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لأُمّ سلمة وميمونة لما أمرهما بالاحتجاب من ابن أم مكتوم وقولهما إنّه أعمى: «أَعَمْياوان أنتما ؟ ألستُما تُبصِرانِه؟» (4)

(وفي جواز نظر المرأة إلى الخَصِي المملوك لها أو بالعكس خلاف) منشأه ظاهر قوله تعالى: «أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُنَّ»(5) المتناول بعمومه لموضع النزاع. وما قيل من

ص: 132


1- انظر إيضاح الفوائد، ج 3، ص 9: التنقيح الرائع، ج 3، ص 22.
2- النور (24): 30.
3- النور (24) 31.
4- السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 148، ح 13525 ؛ مكارم الأخلاق، ج 1، ص 498، ح25/1728.
5- النور (24): 31.

اختصاصه بالإماء،(1) جمعاً بينه وبين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج مطلقاً، ولايَرِد دخولهنّ في «نسائهنّ»؛ لاختصاصهن بالمسلمات وعمومٍ ملك اليمين للكافرات.

ولايخفى أنّ هذا كله خلافُ ظاهر الآية من غير وجهٍ للتخصيص ظاهراً. (ويجوز استمتاع الزوج بما شاء من الزوجة إلّا القُبُلَ في الحيض والنفاس) وكذا الأمة. (والوطء في دُبُرها مكروه كراهةً مُغَلّظة،(2) (من غير تحريم على أشهر القولين،(3) والروايتين وظاهر آية الحرث،(4) وفى رواية) سُدير عن الصادق(علیه السلام) (يحرُم)؛ لأنه رُوِيَ عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «مَحاشُ النساء على أُمتي حرام»(5) وهو سلامة سنده محمول على شدّة الكراهة جمعاً بينه وبين صحيحة ابن أبي يعفور،(6) الدالة على الجواز صريحاً. والمحاش جمع مَحَشّة وهو الدُّبُر، ويقال أيضا

بالسين المهملة؛(7) كنّى بالمحاشّ عن الأدبار كما كُنّي بالحُشوش عن مواضع الغائط؛ فإنّ أصلَها الحَشُ - بفتح الحاء المهملة - وهو الكنيف. وأصله البستان «لأنّهم كانوا كثيراً ما يتغوَّطون في البساتين»؛ كذا في نهاية ابن الأثير،(8) (ولايجوز العزل عن الحرّة بغير شرط) ذلك حالَ العقد؛ لمنافاته لحكمة النكاح وهی الاستيلاد فيكون مُنافياً لغرض الشارع والأشهَرُ الكراهة؛ لصحيحة محمد بن

ص: 133


1- قال به الصيمري في غاية المرام، ج 3، ص 13.
2- اختلف العلماء في وطء المرأة في دبرها فقال أكثر الأصحاب كالشيخين والمرتضى وجميع المتأخرين: إنّه جائز لكنّه مكروه كراهية شديدة، وهو مذهب مالك بن أنس من الفقهاء الأربعة. وذهب جماعة من علمائنا منهم: القميون وابن حمزة - إلى أنه حرام، وهو اختيار أكثر العامة. وقد اختلف الرواية فيه من طريق الخاصة وأشهرها ما دلّ على الجواز، واختلف من طريق العامة وأشهرها عندهم ما دلّ على المنع(زين رحمه الله).
3- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 336، المسألة 117؛ والقول بالحرمة لابن حمزة في الوسيلة، ص 313؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 497.
4- البقرة (2): 223.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 416 ، ح 1664.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 414، ح 1657.
7- الصحاح، ج 3، ص 1001، «حشش».
8- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 390، «حشش».

مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) أنه سأله عن العزل فقال: «أمّا الأمة فلابأس، وأما الحرّة فإنّي

أكره ذلك إلا أن يَشترط عليها حين يَتَزَوَّجُها»،(1) والكراهة ظاهرة في المرجوح الذي لايمنع من النقيض، بل حقيقة فيه، فلاتصلح حجّةً للمنع من حيث إطلاقها على التحريم فى بعض مواردها، فإنّ ذلك على وجه المَجاز. وعلى تقدير الحقيقة فاشتراكها يَمنَع من دَلالة التحريم فيُرجع إلى أصل الإباحة. وحيث يُحكم بالتحريم فيجب ديةُ

النطفة (لها أي للمرأة خاصةً (عشرة دنانير) ولو كَرِهناه فهي على الاستحباب. واحتَرَز بالحرّة عن الأمة فلايحرم العزل عنها إجماعاً وإنْ كانت زوجة. ويُشترط في الحرّةِ الدوام فلاتحريم في المتعة، وعدم الإذن فلو أذِنَتْ انتفى أيضاً، وكذا يكره لها العزل بدون إذنه. وهل يحرُم لو قلنا به منه ؟ مقتضى الدليل الأول ذلك، والأخبار،(2) خالية عنه. ومثله القول في دية النطفة له.

(ولايجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر)، والمعتبر في الوجوب مسمّاه

وهو الموجِبُ للغسل، ولايُشترط الإنزال، ولايكفي الدبر. (و) كذا (لا)يجوز (الدخولُ قبل) إكمالها (تسعَ) سنينَ هِلاليّةٍ (فتَحْرُم) عليه مؤيَّداً (لو أفضاها) بالوطء بأن صيَّر مسلك البول والحيض واحداً، أو مسلك الحيض والغائط. وهل تخرج بذلك من حَباله؟ قولان،(3) أظهرهما العدم. وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتّى يموت أحدهما. وعلى ما اخترناه يحرم عليه أختها والخامسة. وهل يحرم عليه وطؤُها في الدبر والاستمتاع بغير الوطء؟ وجهان، أجودُهما ذلك. ويجوز له طلاقها ولاتَسقُط به النفقة وإن كان بائناً. ولو تزوجت بغيره ففي سقوطها وجهان، فإن طلقها الثانى بائناً ،عادت وكذا لو تعذر إنفاقه عليها لغيبةٍ أو فقرٍ،

مع

ص: 134


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 417، ح 1671.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 417. ح 1672 و 1669.
3- القول بالخروج لابن حمزة في الوسيلة، ص 292؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 78؛ والقول بعدم الخروج لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 530 - 531.

احتمال وجوبها على المُفضي مطلقاً؛ لإطلاق النصّ،(1) ولا فرق في الحكم بين الدائم والمُتَمتَّع بها. وهل يثبت الحكم في الأجنبية؟ قولان،(2) أقربهما ذلك في التحريم المؤبد دون النفقة. وفي الأمة الوجهان وأولى بالتحريم، ويقوى الإشكال في الإنفاق لو أعتقها. ولو أفضى الزوجة بعد التسع ففى تحريمها وجهان أجودُهما العدمُ؛ وأولى بالعدم إفضاءُ الأجنبي كذلك. وفي تعدّي الحكم إلى الإفضاء بغير الوطء وجهان ، أجودُهما العدمُ؛ وقوفاً فيما خالَفَ الأصلَ على مورد النص وإن وجبت الدية في الجميع.

(ويُكره للمسافر أن يَطرُق أهله أي يدخُلَ إليهم من سفره (ليلاً)، وقيَّده بعض بعدم إعلامهم بالحال وإلا لم يُكره،(3) والنص مطلق، رَوَى عبدالله بن سنان عن الصادق(علیه السلام) أنه قال: «يُكرَه للرجل إذا قدم من سفره أن يَطرُق أهله ليلاً حتّى يُصبح»(4) وفي تعلّق الحكم بمجموع الليل أو اختصاصه بما بعد المبيت وغَلَقِ الأبواب نظر؛ منشأه دَلالة كلام أهل اللغة على الأمرين، ففي الصحاح: أتانا فلان طروقاً إذا جاء بليل،(5) وهو شامل لجميعه، وفي نهاية ابن الأثير : قيل: أصل الطروق من الطرق وهو الدق وسمّي الآتي بالليل طارقاً؛ لاحتياجه إلى دق الباب،(6) وهو مشعر بالثاني، ولعلّه أجود والظاهر عدم الفرق بين كون الأهل زوجةً وغيرها؛ عملاً بإطلاق اللفظ وإن كان الحكم فيها آكَدُ، وهو بباب النكاح أنسب.

ص: 135


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 249، ح 985.
2- القول بالتحريم المؤبد للعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 33؛ وولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 78؛ وأما القول بالعدم لم نعثر عليه.
3- كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 453.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412، ح 1645.
5- الصحاح، ج 4، ص 1515، «طرق».
6- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 121، «طرق».

الفصل الثانی فی العقد

اشارة

ويُعتبر اشتمالُه على الإيجاب والقبول اللفظیّين كغيره من العقود اللازمة،

(فالإيجاب) «زوجتُكَ» و«أنكحتُكَ» و«متعتُكَ» لا غير.

أمّا الأوّلان فموضع ،وفاق، وقد ورد بهما القرآن في قوله تعالى: (زَوَّجْنَكَهَا،(1)(وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ)(2) وأمّا الأخير فاكتَفَى به المصنّفُ وجماعةٌ،(3) لأنه من ألفاظ النكاح لكونه حقيقةً في المنقطع وإن توقف معه على الأجل كما لو عبر بأحدهما فيه وميَّزه به، فأصل اللفظ صالح للنوعين فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما، ويتميّزان بذكرِ الأجل وعدمه؛ ولحكم الأصحاب تبعاً للرواية،(4) بأنه لو تَزوَّج مُتعةً ونَسِيَ ذِكرَ الأجل انقلب دائماً وذلك فرع

صلاحيّة الصيغة له. وذهب الأكثر إلى المنع منه؛ لأنّه حقيقة في المنقطع شرعاً فيكون مجازاً في الدائم حَذَراً من الاشتراك ولايكفي مايدلّ بالمجاز حذراً من عدم الانحصار، والقول المحكي ممنوع، والرواية مردودة بما سيأتي وهذا أولى. (والقبول «قبلتُ التزويج أو النكاح» أو «تزوَّجتُ» أو «قبلتُ» مُقتصراً) عليه من غير أن يُذكر المفعول.

(كلاهما) أي الإيجاب والقبول بلفظ المُضِيّ) فلايكفي قوله «أَتَزَوَّجُك» بلفظ

ص: 136


1- الأحزاب (33) 37.
2- النساء (4): 22.
3- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 9؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 217؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز،ج2،ص،96-97.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 262، ح 1134.

المستقبل مُنشئاً على الأقوى؛ وقوفاً على موضع اليقين. وما رُوِيَ من جواز مثله في المتعة،(1) ليس صريحاً فيه مع مخالفته للقواعد.

( ولايُشترط تقديمُ (الإيجاب على القبول؛ لأنّ العقد هو الإيجاب والقبول، والترتيب كيف اتَّفق غيرُ مُخِلّ بالمقصود ويزيدالنكاحُ على غيره من العقود أنّ الإيجاب من المرأة وهي تستحي غالباً من الابتداء به فاغتفر هنا وإنْ خُولف في غيره، ومن ثَمَّ ادَّعَى بعضُهم الإجماع على جواز تقديم القبول هنا،(2) مع احتمال عدم الصحة كغيره؛ لأنّ القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وُجد قبله لم يكن قبولاً. وحيث يَتَقدَّم يُعتبر كونه بغير لفظ «قبلت» ك«تَزوَّجتُ» و«نَكَحتُ» وهو حينئذ في معنى الإيجاب. (و) كذا (لا)يُشترط (القبول بلفظه أي بلفظ الإيجاب بأن يقول «زوجتك» فيقول «قبلت التزويج»، أو «أنكحتك» فيقول «قبلتُ النكاح» (فلو قال «زوجتك» فقال

قبلتُ النكاح صح): لصراحة اللفظ واشتراكِ الجميع في الدلالة على المعنى. (ولا يجوز) العقد إيجاباً وقبولاً (بغير العربية مع القدرة عليها؛ لأنّ ذلك هو المعهود من صاحب الشرع(صلی الله علیه وآله وسلم) كغيره من العقود اللازمة بل أولى. وقيل: إنّ ذلك مستحب لاواجب؛ لأنّ غير العربية من اللغات من قبيل المترادف يصح أن يُقام مقامه، ولأنّ الغرض إيصال المعاني المقصودة إلى فهم المتعاقدين فيتأدَّى بأي لفظ اتَّفق،(3) وهما ممنوعان. واعتبر ثالث كونه بالعربية الصحيحة فلاينعقد بالملحونِ والمحرَّفِ مع القدرة على الصحيح؛ نظراً إلى الواقع من صاحب الشرع،(4) ولاريب أنه أولى.

ويسقط مع العجز عنه، والمراد به ما يَشمَلُ المشقّةَ الكثيرةَ في التعلّم أو فواتَ بعض الأغراض المقصودة. ولو عَجَز أحدُهما اختَصّ بالرُّخصة ونَطَق القادرُ بالعربية بشرط

ص: 137


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 265، ح 1145.
2- كالشيخ في المبسوط، ج 3، ص 430.
3- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 291.
4- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 75.

أن يَفهَم كلُّ منهما كلام الآخر ولو بمترجمين عدلين، وفي الاكتفاء بالواحد وجهٌ.

ولايجب على العاجز التوكيلُ وإن قَدَر عليه؛ للأصل.

(والأخرس) يعقد إيجاباً وقبولاً (بالإشارة) المُفهمة للمراد.

(ويُعتبر فى العاقد الكمال، فالسكران باطل عقدُه ولو أجاز بعده). وخصه بالذكر تنبيهاً على ردّ ما رُوِيَ من أنّ السكرى لو زوَّجت نفسَها ثم أفاقت فرَضِيَتْ، أو دُخِل بها فأفاقت وأقرَّتْه كان ماضياً،(1) والرواية صحيحة إلّا أنّها مخالفة للأصول الشرعية فاطرحها الأصحابُ إلَّا الشيخ في النهاية،(2) (ويجوز تولي المرأة العقد عنها وعن غيرها إيجاباً وقبولاً) بغير خلاف عندنا، وإنما نبه على خلاف بعض العامة المانع منه،(3)

(ولايُشترط الشاهدان) في النكاح الدائم مطلقاً (ولا الوليُّ في نكاح الرشيدة وإن كانا أفضل) على الأشهر، خلافاً لابن أبي عقيل حيث اشترطهما فيه،(4) استناداً إلى رواية ضعيفة،(5) تصلح سنداً للاستحباب لا للشرطية.

(ويُشترط تعيينُ الزوجة والزوج) بالإشارة أو بالاسم أو الوصف الرافعين للاشتراك (فلو كان له بنات وزوجه واحدةً ولم يُسَمِّها، فإن أَبْهَم ولم يُعيِّن شيئاً في نفسه بطل العقد؛ لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معيّن، (وإن عيّن) في نفسه من غير أن يُسمّيها لفظاً(فاختلفا في المعقود عليها حلف الأبُ إذا كان الزوج رآهن وإلّا بطل العقد). ومستند الحكم رواية أبي عبيدة عن الباقر(علیه السلام) وفيها على تقدير قبول قول الأب «أنّ عليه فيما بينه وبين الله تعالى أن يَدفَع إلى الزوج الجارية التي نَوَى

ص: 138


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 392 ، ح 1571.
2- النهاية، ص 468.
3- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج7،ص،337 و 408: مغني المحتاج،ج3،ص،147.
4- حكاه عنه الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 261، المسألة 13.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 255، ح 1101.

أن يزوجها إياه عند عُقْدة النكاح»(1) ويُشكل بأنه إذا لم

يُسمِّ للزوج واحدةً منهنّ فالعقد باطل سواءٌ رآهنّ أم لا: لما تقدّم، وأنّ رؤية الزوجة غير شرط في صحة النكاح فلا مدخل لها في الصحة والبطلان ونزَّلها الفاضلان على أنّ الزوج إذا كان قد رآهن فقد رَضِيَ بما يعقد عليه الأب منهنّ ووَكَل الأمر إليه فكان ،كوكيله، وقد نَوَى الأب واحدةً معينة فصُرف العقد إليها، وإن لم يكن راهنّ بطل؛ لعدم رضى الزوج بما يُسمّيه الأب،(2)

ويُشكل بأنّ رؤيته لهنّ أعمُّ من تفويض التعيين إلى الأب، وعدمها أعم من عدمه، والرواية مطلقة، والرؤية غير شرط في الصحة فتخصيصها بما ذُكر والحكم به لادليل عليه، فالعمل بإطلاق الرواية كما صنع جماعة،(3) أو ردُّها مطلقاً نظراً إلى مخالفتها الأصول المذهب - كما صنع ابن إدريس،(4) وهو الأولى - أولى.

ولو فُرِض تفويضه إليه التعيين ينبغي الحكم بالصحة وقبول قول الأب مطلقاً؛ نظراً إلى أنّ الاختلاف في فعله، وأنّ نظر الزوجة ليس بشرط في صحة النكاح، وإن لم يُفوِّض إليه التعيين بطل مطلقاً. (ولاولاية في النكاح لغير الأب والجد له وإن علا (والمولى والحاكم، والوصيّ) لأحد الأولين (فولاية القرابة للأولين ثابتة (على الصغيرة أو المجنونة أو البالغة سفيهةً، وكذا الذكرِ المتصف بأحد الأوصاف الثلاثة، (لا على) البكر البالغة الرشيدة في الأصح)؛ للآية،(5) والأخبار،(6) والأصل. وما ورد من الأخبار الدّالة على أنّها

ص: 139


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 393، ح 1574.
2- شرائع الإسلام، ج 2، ص 218 - 219؛ مختلف الشيعة، ج 7، ص 134، المسألة 66.
3- منهم: الشيخ في النهاية، ص 468؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 196؛ ويحيى بن سعيد للشرائع، ص 436.
4- السرائر، ج 2، ص 573.
5- البقرة (2) 232 - 234.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 377 - 378، ح 1525 و 1530.

لاتتزوج إلا بإذن الوليّ،(1) محمولةٌ على كراهة الاستبداد جمعاً؛ إذ لو عُمِل بها لزم اطراح ما دلّ على انتفاء الولاية، ومنهم من جمع بينهما بالتشريك بينهما في الولاية،(2) ومنهم من جَمَع بحمل إحداهما على المتعة والأخرى على الدوام،(3) وهو تحكّم. (ولو عَضَلها الوليُّ وهو أن لا يُزوجها بالكفؤ مع وجودِه ورغبتها (فلابحث في سقوط ولا يته وجواز استقلالها ،به ولا فرق حينئذٍ بين كون النكاح بمهر المثل وغيره، ولو مَنَع من غير الكُفؤ لم يكن عَضْلاً.

وللمولى تزويج رقيقه ذكراً كان أم أنثى، رشيداً كان أم غير رشيد، ولا خيار له ،معه، وله إجباره عليه مطلقاً. ولو تَحرَّر بعضُه لم يملك إجباره حينئذٍ كما لا يصح نكاحه

إلا بإذنه. (والحاكم والوصيُّ يُزَوّجان مَن بَلَغَ فاسدَ العقل أو سفيهاً (مع كون النكاح صلاحاً له وخُلُوّه من الأب والجدّ ولا ولاية لهما على الصغير مطلقاً في المشهور، ولاعلى من بلغ رشيداً. ويزيد الحاكم الولاية على من بلغ ورَشُدَ ثم تجدد له جنون.

وفي ثبوت ولاية الوصيّ على الصغيرين مع المصلحة مطلقاً أو مع تصريحه له في الوصيّة بالنكاح أقوال، اختار المصنّف هنا انتفاءَها مطلقاً. وفي شرح الإرشاد اختار الجواز مع التنصيص أو مطلقاً،(4) وقَبْلَه العلّامة في المختلف،(5)

وهو حسن؛ لأنّ تصرّفاتِ الوصي منوطةٌ بالغبطة وقدتتحقق في نكاح الصغير،

ص: 140


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 379، ح 1531.
2- لقائل بالتشريك المفيد في المقنعة، ص 511)، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 292]، والذي فصل فأجاز تفردها بالمتعة دون الدوام الشيخ في كتابي الأخبار [تهذيب الأحكام، ج 7، ص 381، ذيل الحديث 1538: والاستبصار، ج 3، ص 145، ذيل الحديث 527] وعكس آخر ولايعلم بعينه(منه رحمه الله).
3- کالشیخ فی تهذیب الاحکام، ج 7، ص 254، ذیل الحدیث 1094، و ص، 380، ذیل الحدیث 1538.
4- غاية المراد، ج 3، ص 51 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 142 المسألة 75.

ولعموم (فَمَن بَدَّلَهُ)(1) ولرواية أبي بصير عن الصادق قال: «الذي بيده عُقدة النكاح

) هو الأب والأخ والرجلُ يُوصَى إليه»(2) وذكر الأخ غيرُ منافٍ؛ لإمكان حمله على كونه وصيّاً أيضاً، ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك؛ لتعذَّرِ تحصيل الكفؤ حيث يُراد، خصوصاً مع التصريح بالولاية فيه.

مسائل

المسألة الأولى

(يصح اشتراط الخيار في الصداق)؛ لأنّ ذكره في العقد غيرُ شرط في صحته فيجوز إخلاؤُه عنه واشتراط ،عدمه، فاشتراط الخيار فيه غيرُ منافٍ لمقتضى العقد فيندرج في عموم «المؤمنون عند شروطهم»،(3) فإن فَسَخه ذو الخيار ثبت مهر المثل مع الدخول، ولو اتفقا على غيره قبله صح.

(ولايجوز) اشتراطه (في العقد)؛ لأنه ملحق بضُروب العبادات لا المعاوضات، (فيَبطُل) العقدُ باشتراط الخيار فيه؛ لأنّ التراضي إنّما وقع بالشرط الفاسد ولم يحصل. وقيل: يبطل الشرط خاصةً؛(4) لأن الواقع شيئان فإذا بطل أحدهما بَقِيَ الآخَرُ. ويُضعف بأنّ الواقع شيء واحد وهو العقد على وجه الاشتراط فلايتبعض. ويمكن إرادة القول الثاني من العبارة. (ويصح توكيل كلّ من الزوجين في النكاح)؛ لأنه مما يقبل النيابة، ولايختص غرضُ الشارع بإيقاعه من مُباشِرٍ معين، فلْيَقُل الوليُّ) ولي المرأة لوكيل الزوج «زَوَّجتُ من موكلك فلانٍ» ولايقل «منك») بخلاف البيع ونحوه من العقود. والفرق أنّ الزوجين في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ولابدّ من

ص: 141


1- البقرة (2) 181.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 393، ح 1573.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 575.

تسميتهما في البيع فكذا الزوجان في النكاح ؛ ولأنّ البيع يَرِدُ على المال وهو يقبل النقل من شخص إلى آخرَ فلا يمتنع أن يُخاطب به الوكيل وإنْ لم يَذكُر الموكَّلَ، والنكاحُ يَرِدُ على البضع وهو لا يقبل النقل أصلاً فلا يُخاطب به الوكيل إلا مع ذكر المنقول إليه ابتداءً، ومن ثم لو قَبِل النكاح وكالة عن غيره فأنكر الموكَّلُ الوكالة بطل ولم يقع للوكيل بخلاف البيع فإنّه يقع مع الإنكار للوكيل؛ ولأن الغرض في الأموال متعلّق بحصول الأعواض المالية ولا نظر غالباً إلى خصوص الأشخاص، بخلاف النكاح فإنّه متعلق بالأشخاص فيعتبر التصريح بالزوج؛ ولأن البيع يتعلق بالمخاطب دون م--ن له العقد، والنكاح بالعكس ومن ثَمّ لو قال «زوَّجتها من زيد فقيل له وكيله صح، ولو حلف أن لا ينكح فقَبِلَ له وكيله حَيْتَ، ولو حَلَفَ أن لا يَشتَرِيَ فاشتَرَى له وكيله لم يَحنَث. وفي بعض هذه الوجوه نظر.

(ولْيَقل) الوكيل «قَبِلتُ لفلان» كما ذُكِر في الإيجاب، ولو اقتصر على «قبلت» ناوياً موكله فالأقوى الصحة؛ لأن القبول عبارةٌ عن الرضى بالإيجاب السابق، فإذا وقع بعد إيجاب النكاح للموكل صريحاً كان القبولُ الواقع بعده رضى به فيكون للموكل. ووجه عدم الاكتفاء به أنّ النكاح نسبة فلا يتحقق إلا بتخصيصه بمعين كالإيجاب وضعفه يُعلَم ممّا سبق فإنّه لمّا كان رضي بالإيجاب السابق اقتضى التخصيص بمن وقع له.

(ولايُزوّجها الوكيل من نفسه إلّا إذا أَذِنَتْ) فيه (عموماً) ك«زَوِّجني ممن شئتَ»

أو «ولو مِن نفسك» (أو خصوصاً) فيصح حينئذٍ على الأقوى.

أما الأوّل فلأنّ المفهوم من إطلاق الإذن تزويجها من غيره؛ لأنّ المتبادر أنّ الوكيل غيرُ الزوجين، وأما الثاني، فلأنّ العام ناص على جزئياته بخلاف المطلق، وفيه نظر، وأمّا الثالث، فلانتفاء المانع مع النصّ. ومنعُ بعضِ الأصحاب،(1) استناداً إلى روايةٍ عمّار

ص: 142


1- حكاه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 33؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص، 147.

الدالّة على المنع،(1) وأنه يَصير موجِباً قابلاً مردود بضعف الرواية وجواز تولي الطرفين اكتفاء بالمغايرة الاعتبارية. وله تزويجها مع الإطلاق من والده وولده

وإن كان مولى عليه.

المسألة الثانية

لو ادَّعَى زوجيّةَ امرأةٍ فصدَّقَتْه حُكم بالعقد ظاهراً لانحصارِ الحق فيهما وعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2) (وتَوارَثا) بالزوجية لأنّ ذلك من لوازم ثبوتها ولا فرق بين كونهما غريبين أو بلديَّين.

(ولو اعترف أحدهما ) خاصةً قُضِی علیه به دون صاحبه سواءٌ حلف المنكرُ أم لا، فيُمنع من التزويج إن كان امرأةً، ومن أختها وأُمها وبنتِ أخويها بدون إذنها، ويثبت عليه ما أقرَّ به من المهر وليس لها مطالبته به ويجب عليه التوصل إلى تخليص ذمّته إن كان صادقاً، ولا نفقة عليه لعدم التمكين. ولو أقام المدعى بيّنةً أو خلف اليمين المردودة مع تكول الآخر ثبتت الزوجية ظاهراً، وعليهما فيما بينهما وبين الله تعالى العمل بمقتضى الواقع. ولو انتفت البينة ثبت

على المنكر اليمين.

وهل له التزويج الممتنع على تقدير الاعتراف قبل الحلف؟ نظر: من تعلّق حق الزوجية في الجملة، وكون تزويجها يمنع من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها؛ لأنه إقرار في حق الزوج الثاني؛ ومن عدم ثبوته، وهو الأقوى فيتوجه اليمين متى طلبه المدّعِي، كما يصح تصرّفُ المنكر في كلّ ما يدعيه عليه غيره قبل ثبوته؛ استصحاباً للحكم السابق المحكوم به ظاهراً، ولاستلزام المنع منه الحرج في بعض الموارد كما إذا غاب المدّعِي أو أخَّر الإحلافَ.

ص: 143


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 378، ح 1529.
2- لم نعثر عليه في كتب الحديث رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج 23، ص 184، الباب 3 من أبواب كتاب الإقرار،ح، 2، والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 370، المسألة 337.

ثمّ إن استمرّت الزوجةُ على الإنكار فواضح، وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها بغيره لم يُسمع بالنسبة إلى حقوق الزوجية الثابتة عليها، وفي سماعه بالنسبة إلى حقوقها قوة؛ إذ لا مانع منه فيدخُل في عموم جواز إقرار العقلاء على أنفسهم»(1) وعلى هذا فإن ادَّعَتْ أنها كانت عالمةً بالعقد حال دخول الثاني بها فلا مهر لها عليه ظاهراً لأنّها بزعمها بَغِيّ، وإن ادَّعَتْ الذكر بعده فلها مهر المثل للشبهة، ويَرِتُها الزوج ولا تَرِتُه .هي. وفي إرث الأوّل ممّا يَبقَى من تَرِكتها بعد نصيب الثاني نظر: من نفوذ الإقرار على نفسها وهو غير منافٍ، ومن عدم ثبوته ظاهراً مع أنه إقرار في حق الوارث.

المسألة الثالثة

(لو ادَّعَى زوجيَّةَ امرأةٍ وادَّعَتْ أُختُها عليه الزوجيّةَ حَلَف) على نفي زوجية المدعية لأنه منكر، ودعواه زوجيّة الأُختِ متعلّق بها وهو أمرٌ آخَرُ. ويُشكل تقديمُ قوله مع دخوله بالمدعية؛ للنصّ على أن الدخول بها مرجّح لها،(2) فيما سيأتي. ويمكن أن يقال هنا: تَعارَض الأصل والظاهرُ فيُرجح الأصل، وخلافه خرج بالنصّ، وهو منفي هنا. هذا إذا لم تُقِم بيّنةً (فإن أقامت بيّنةً فالعقد لها، وإن أقام بيّنةً ولم تقم هي

(فالعقد) على الأُخت (له (3)).

ويُشكِل أيضاً مع معارضة دخوله بالمدعية؛ لما سيأتي من أنه مرجِّحٌ على البينة.

ص: 144


1- تقدم آنفاً.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 433 ، ح 1729.
3- قال ابن فهد: في هذه المسألة حكمان على خلاف الأصل: الأوّل: تقديم بيّنته مع التعارض والخلو من المرجّحات المذكورة ؛ لأن الأصل هو تقديم بيّنتها ؛ لأنها المدعيّة وهو منكر ؛ ولهذا كان القول قوله مع عدم البينة. الثاني: ترجيحها مع دخوله بها، وذلك ليس موجباً للتزويج في نفس الأمر : لجواز إيثاره هواه بدخوله بها. وإلغاء بينته وإن كانت سابقة فيعضد ضعفها بانضمام اليمين منه في الصورة الأولى، ومنها في الثانية، ولا يقضى لمن ينكل عن اليمين (زین رحمه الله).

و مع ذلك فهو مُكذِّب بفعله لبيّنته إلا أن يقال كما سبق: إنّ ذلك على خلاف الأصل،

ويُمنَع كونه تكذيباً بل هو أعم منه فيُقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النص،(1)

(والأقرب تَوجُّهُ «اليمين على الآخر» وهو ذو البينة (في الموضعين وهما إقامته البيّنة فيحلف معها وإقامتها فتحلف معها. ولايخفى منافرة لفظ «الآخر» لذلك. وفي بعض النسخ «الآخِذ بالذال المعجمة والمراد به آخِذُ الحقّ المدَّعَى به وهو من حكم له ببينته، وهو قريب من «الآخر» في الغرابة.

وإنّما حُكِمَ باليمين مع البينة؛ لجواز صدق البينة الشاهدة لها بالعقد مع تقدُّم عقده على من ادعاها والبينة لم تَطَّلع عليه فلابد من تحليفها لينتفي الاحتمال، وليس حلفها على إثبات عقدها تأكيداً للبيّنة؛ لأن ذلك لا يدفع الاحتمال وإنّما حلفها على نفي عقد أُختها. وهل تحلف على البتّ أو على نفى العلم به؟ مقتضى التعليل الأوّلُ؛ لأنّ بدونه لا يزول الاحتمال. ويُشكل بجواز وقوعه مع عدم اطلاعها فلا يُمكنها القطعُ بعدمه، وبأنّ اليمين هنا ترجع إلى نفي فعل الغير فيكفي فيه حلفها على نفي علمها بوقوع عقد أُختها سابقاً على عقدها؛ عملاً بالقاعدة.

(و) وجه حلفه مع بينته على نفي عقده على المدّعية جواز (صدق بينته) بالعقد على الأخت (مع تقدم عقده على من ادَّعته)، والبينة لا تعلم بالحال فيحلف على نفيه لرفع الاحتمال والحلف هنا على القطع لأنه حلفٌ على نفي فعله. واليمين في هذين الموضعين لم يُنَبِّه عليها أحدٌ من الأصحاب والنصّ خالِ عنها، فيُحتمل عدم ثبوتها لذلك ولئلا يَلزَمَ تأخيرُ البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة. (ولو أقاما بيّنةً) فإما أن تكونا مطلقتين أو مؤرّختين أو إحداهما مطلقةً والأخرى مؤرّخةً، وعلى تقدير كونهما مؤرّختين إما أن يتفق التأريخان أو يتقدَّم تأريخ بينته أو

ص: 145


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 433، ح 1729.

تأريخ بيّنتها، وعلى التقادير الستة إما أن يكون قد دخل بالمدعية أو لا، فالصور اثنتا

عشرة،(1) مُضافةً إلى ستّةٍ سابقة.

وفي جميع هذه الصور الاثنتي عشرة (فالحكم لبينته إلّا أن يكون معها) أي مع الأخت المدعية (مرجح) لبيّنتها ( من دخول) بها، أو تقدم تأريخ) بينتها على تأريخ بينته حيث تكونان مؤرّختين، فيُقدَّم قولُها في سبع صُوَرٍ من الاثنتي عشرةَ وهي الستَّةُ المجامعةُ للدخول مطلقاً، وواحدة من الستَّةِ الخالية عنه وهي ما لو تَقدَّم تأريخها، وقولُه في الخمسة الباقية.

وهل يفتقر مَنْ قُدِّمت بيّنته بغير سبق التأريخ إلى اليمين ؟ وجهان ، منشأهما الحكم بتساقط البينتين حيث تكونان متفقتين فيحتاج من قدم قوله إلى اليمين خصوصاً المرأة؛ لأنّها مدّعية محضةً، وخصوصاً إذا كان المرجّح لها الدخول فإنه بمجرده لا يدل على الزوجية، بل الاحتمال باقٍ معه، ومن إطلاق النص،(2) بتقديم بينته مع عدم الأمرين، فلو توقف على اليمين لَزِم تأخيرُ البيان عن وقت الحاجة.

والأقوى الأوّلُ، وإطلاق النص غيرُ منافٍ لثبوت اليمين بدليل آخَرَ، خصوصاً مع جريان الحكم على خلاف الأصل في موضعين: أحدهما تقديم بيّنته مع أنّه

مدعى [عليه]، والثاني ترجيحها بالدخول وهو غيرُ مرجّح. وموردُ النص،(3) الأختان كما ذكر، وفي تعديه إلى مثل الأم والبنتِ وجهان: من عدم النص وكونه خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده و من اشتراك المقتضي. والأول أقوى فتُقدَّم بيّنتها مع انفرادها أو إطلاقهما أو سبق تأريخها، ومع عدمها يحلف هو لأنه منكر.

المسألة الرابعة

لو اشتَرَى العبد زوجته لسيّده فالنكاح باقٍ فإنّ شراءها

ص: 146


1- في النسخ: «اثنى عشر» والقياس ما أثبتناه وهكذا في الموضعين الآتيين.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 433 ، ح 1729.
3- تقدم آنفاً.

لسيده ليس مانعاً منه، وإن اشتراها العبد لنفسه بإذنه أو ملكه إيَّاها بعد شرائها له (فإن قلنا بعدم ملكه فكالأول)؛ لبطلان الشراء والتمليكِ فبَقِيَت كما كانت أولاً على ملك البائع أو السيد، وإن حكمنا بملكه بطل العقد كما لو اشترى الحرُّ زوجته الأمةَ واستباح بُضْعَها بالملك. أمّا المُبَعَّض فإنّه بشرائه لنفسه أو تملكه يبطل العقد قطعاً)؛ لأنّه بِجُزئه الحرّ قابل للتملك، ومتى مَلَك ولو بعضها بطل العقد.

المسألة الخامسة

(لايُزوّج الوليُّ ولا الوكيلُ بدون مَهر المثل، ولابالمجنون ولابالخَصِي) ولا بغيره ممّن به أحد العيوب المجوّزة للفسخ، (و) كذا ( لايُزوّج) الوليُّ (الطفل بذات العيب فيتخيَّر كلُّ منهما (بعد الكمال) لو زُوِّج بمن لايقتضيه الإذنُ الشرعي، لكن في الأوّل إن وقع العقد بدون مهر المثل على خلاف المصلحة تخيَّرت في المهر على أصح القولين،(1) وفي تخيرها في أصل العقد قولان: أحدهما التخيّر؛(2) لأنّ العقد الذي جَرَى عليه التراضي هو المشتمل على المسمّى فمتى لم يكن ماضياً كان لها فسخه من أصله، والثاني عدمُه؛(3) لعدم مدخليّة المهر في صحة العقد وفساده. وقيل: ليس لها خيار مطلقاً لأنّ ما دون مهر المثل أولى من العفو وهو جائز للذي بيده عُقدة النكاح، وإذا لم يكن لها خيار في المهر ففي العقد أولى. وعلى القول بتخيّرها في المهر يثبت لها مهر المثل، وفي توقف ثبوته على الدخول أم يَثبُت بمجرد العقد قولان،(4)

وفي تخيّر الزوج لو فَسَخت المسمَّى وجهان من التزامه بحكم العقد وهذا من

جملة أحكامه، ومن دخوله على المهر القليل فلا يلزم منه الرضى بالزائد جبراً.

ص: 147


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 222؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 15؛ وقال في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 16: أن لها مهر المثل.
2- ذهب إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 149.
3- قال به الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 105(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- لم نعثر عليهما.

ولو كان العقد عليها بدون مهر المثل على وجه المصلحة بأن كان هذا الزوج بهذا القدر أصلح وأكمل من غيره بأضعافه، أو لاضطرارها إلى الزوج ولم يوجد إلا هذا بهذا القدر أو غير ذلك ففي تخيّرها قولان،(1) والمتّجِه هنا عدم الخيار كما أنّ المتّجِه هناك ثبوته.

وأمّا تزويجها بغيرِ الكُفؤ أو المَعِيبِ فلا شبهة في ثبوت خيارها في أصل العقد. وكذا القول في جانب الطفل. ولو اشتمل على الأمرين ثبت التخيّر فيهما. وعبارة الكتاب في إثبات أصل التخيّر مجملة تجري على جميع الأقوال.

المسألة السادسة

عقد النكاح لو وقع فضولاً من أحد الجانبين أو منهما(يقف على الإجازة من المعقود عليه) إن كان كاملاً (أو وليه) الذي له مباشرة العقد إن لم يكن (ولا يبطل من أصله على الأقرب لما رُوي من أنّ جاريةٌ بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أنّ أباها زوجها وهي كارهة فخيَّرها النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)(2) ورَوَى محمد بن مسلم أنه سأل الباقر عن رجل زوَّجَتْه أُمُّه وهو غائب. قال: «النكاح جائز؛ إن شاء الزوج قَبِل وإن شاء تَرَك»،(3) وحملُ القبول على تجديد العقد خلافُ الظاهر. ورَوَى أبو عُبَيدة الحذاء في الصحيح أنه سأل الباقر(علیه السلام) عن غلام وجارية زوَّجَهما وليان لهما وهما غيرُ مُدرِكَين. فقال: «النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيارُ،(4) وحُمِل الوليُّ هنا على غير الأب والجد بقرينة التخيّر، وغيرها من الأخبار،(5) وهي دالة على صحة النكاح موقوفاً، وإن لم نقل به في غيره من العقود.

ص: 148


1- القول بعدم التخيير للعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 16: والقول بالتخيير للمحقق في شرائع الإسلام، ج 2. ص، 222.
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 189، ح 13669؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 232، ح 2096.
3- الكافي، ج 5، ص 562، باب بدون العنوان، ح 24.
4- تهذیب الاحکام، ج 7، ص، 388، ح، 1555.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 383، ح 1367.

ويدلّ على جواز البيع أيضاً حديث عروة البارقي في شِراء الشاة،(1) ولاقائل باختصاص الحكم بهما، فإذا ثبت فيهما ثبت في سائر العقود. نعم، قيل باختصاصه بالنكاح،(2) وله وجه لو نُوقش في حديث عروة. وقيل

ببطلان عقد الفضولي مطلقاً،(3) استناداً إلى أنّ العقدَ سببٌ للإباحة، فلايصح صدوره من غير معقود عنه أو وليه لئلايلزم من صحته عدم سببيته بنفسه، وأنّ رضى المعقودِ عنه أو وليه شرط والشرط متقدّم، وما رُوِيَ من بطلان النكاح بدون إذن الوليّ،(4) وأنّ العقودَ الشرعيةَ تحتاج إلى الأدلة وهي منفية، والأول عين المتنازع [فيه]. والثاني ممنوع والرواية عامية. والدليل موجود.

المسألة السابعة

لايجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها وإن كان المالك (امرأةً، في الدائم والمتعة)؛ لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، ولقوله تعالى: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)(5) و رواية سيف بن عُمَيرة عن عليّ بن المغيرة قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يتمتَّع بأمة المرأة من غير إذنها فقال: «لا بأس»(6) (منافيةٌ للأصل)(7) وهو تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلاً وشرعاً، فلايُعمَل بها وإن كانت صحيحة، فلذلك اطَّرَحَها الأصحابُ غيرُ الشيخ في النهاية،(8) جَرْياً على قاعدته.

ص: 149


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 603 . ح 1875 ؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 256، ح 3384.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 564 - 0565
3- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 27 - 28.
4- سنن أبي داود، ج 2، ص 228 ، ح 2083؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 407 - 408، ح 1102.
5- النساء (4) 25.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 257، ح 1113.
7- في المتعة(زين رحمه الله).
8- النهاية، ص 490.

وإذا أذن المولى لعبده في التزويج فإن عيَّن له مهراً تَعيَّن وليس له تخطيه، وإن أطلق انصرف إلى مهر المثل. ولو زاد العبد المأذون) في المعيَّن في الأوّل وعلى مهر المثل) في الثاني (صح)؛ للإذن في أصل النكاح وهو يقتضي مهر المثل على المولى أو ما عينه، وكان الزائد في ذمته يُتبع به بعد عتقه ومهر المثل) أو المعينُ (على المولى) وكذا النفقة. وقيل: يجب ذلك في كسبه،(1)

والأقوى الأوّل؛ لأنّ الإذن في النكاح يقتضي الإذن في توابعه والمهر والنفقة من جملتها، والعبد لا يملك شيئاً فلايجب عليه شيء؛ لامتناع التكليف بما لايُطاق، فيكون على المولى كسائر ديونه وأما الزوجة، فإن أطلقها تخيّر مايليق به، وإن عيَّن تَعَيَّنت، فلو تَخَطَّاها كان فضولياً

يقف على إجازة المولى. (ومن تَحَرَّر بعضُه ليس للمولى إجباره على النكاح) مراعاة لجانب الحرية، (ولا للمُبَعَّض الاستقلال) مراعاة لجانب الرقية، بل يتوقف نكاحه على رضاه وإذن المولى جمعاً بين الحقين.

المسألة الثامنة

لو زوَّج الفضولي الصغيرين فبَلَغ أحدهما وأجاز) العقدَ لَزِم من جهته، وبَقِيَ لزومه من جهة الآخر موقوفاً على بلوغه وإجازته، فلو أجاز الأول (لّم) مات قبل بلوغ الآخر عُزل للصغير قسطه من ميراثه على تقدير إجازته (و) إذا بلغ الآخر) بعد بعد ذلك وفسخ فلا مهر ولا ميراث؛ لبطلان العقد بالردّ، (و) إن أجاز حَلَف على عدم سببية الإرث في الإجازة بمعنى أن الباعث على الإجازة ليس هو الإرث بل لو كان حيّاً لرَضِيَ بتزويجه (و وَرِثَ حين يحلف كذلك. ومستند هذا التفصيل صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر(علیه السلام)(2) وموردها الصغيران كما ذكر.

ص: 150


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 395 - 396.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص، 388،ح، 1555.

ولو زوّج أحدَ الصغيرين الولي، أو كان أحدهما بالغاً رشيداً وزوَّج الآخَرَ الفضولي فمات الأوّل عُزِل للثاني نصيبه وأحلف بعد بلوغه كذلك، وإن مات قبل ذلك بطل العقد. وهذا الحكم وإن لم يكن مورد النص إلا أنه ثابت فيه بطريق أولى؛ للزوم العقد هنا من الطرف الآخر فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين.

نعم، لو كانا كبيرين وزوجهما الفضولي ففي تعدّي الحكم إليهما نظر؛ من مساواته

للمنصوص،(1) في كونه فضولياً من الجانبين ولامدخل للصغر والكبر في ذلك، ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف الأصل من حيث توقف الإرث على اليمين، وظهور التهمة في الإجازة ، فنحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحدُ،(2) المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر.

ويمكن إثبات الأولوية في البالغين بوجهِ آخَرَ وهو أن عقد الفضولي متى كان له مُجِيزٌ في الحال فلا إشكال عند القائل بصحته في صحته، بخلاف ما إذا لم يكن له مُجِيرٌ كذلك فإنّ فيه خلافاً عند من يُجَوِّز عقد الفضولي، فإذا ثبت الحكم في العقد الضعيف الذي لايُجيز له في الحال - وهو عقد الصغيرين - فتعديه إلى الأقوى أولى.

ولو عَرَض للمُجيز الثاني مانع عن اليمين كالجنون والسفر الضروري عُزِل نصيبه إلى أن يحلف ولو نكل عن اليمين فالأقوى أنّه لايرث؛ لأنّ ثبوته بالنّص والفتوى موقوف على الإجازة واليمين معاً، فينتفي بدون أحدهما.

وهل يثبُت عليه المهرُ لو كان هو الزوج بمجرد الإجازة من دون اليمين؟ وجهان: أنه مترتب على ثبوت النكاح ولم يَثبُت بدونها، ومن أنّ إجازته كالإقرار في حق نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به كالمهر، وإنما يتوقف الإرث على اليمين لقيام التهمة وعودِ النفع إليه محضاً، فيثبت ما يعود عليه دون ما له، ولابُعْدَ في تبعّض

ص: 151


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388 ، ح 1555.
2- يعني صحيحة أبي عبيدة المتقدمة في الهامش 1.

الحكم وإنْ تَنافَى الأصلان، وله نظائر كثيرة وقد تقدم،(1) منه ما لو اختلفا في حصول النكاح فإنّ مدّعيه يُحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر ولا يثبت النكاح ظاهراً، وإطلاق النصّ بتوقف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر، وهذا مُتَّجِه.

واعلم أنّ التهمة بطمعه في الميراث لا تأتي في جميع الموارد؛ إذ لو كان المتأخّرُ هو الزوج والمهر بقدر الميراث أو أزيد انتفت التهمة، وينبغي ه-ن-ا ع-دم اليمين إن لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة بحيث يَتَربَّح على ما يثبت عليه من الدين، أو يُخاف امتناعُه من أدائه أو هَرَبُه ونحو ذلك ممّا يُوجِب التهمة، ومع ذلك فالموجود في الرواية موتُ الزوج وإجازة الزوجة وأنّها تحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا الرضى بالتزويج»،(2) فهي غيرُ منافية لما ذكرناه، ولكن فتوى الأصحاب مطلقةٌ في إثبات اليمين.

المسألة التاسعة

لو زوجها الأبوان الأب والجدُّ (برجلين، واقترنا) في العقد بأن اتحد زمانُ القبول (قُدِّم عقد الجدّ) لا نعلم فيه خلافاً، وتدلّ عليه من الأخبار رواية عُبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله : الجارية يريد أبوها أن يُزوّجها من رجل ويريد جدها أن يزوّجها من رجل. فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مُضارّاً إن لم يكن الأبُ زوّجها قبله»(3)

وعُلِّل مع ذلك بأنّ ولاية الجدّ أقوى؛ لثبوت ولايته على الأب على تقدير نقصه بجنون ونحوه بخلاف العكس. وهذه العلة لو تمّت لَزِم تعدي الحكم إلى غير النكاح ولايقولون به، والأجود قصره على محلّ الوفاق؛ لأنه على خلاف الأصل حيث إنّهما

ص: 152


1- تقدم في ص 143 وما بعدها.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388،ح، 1555.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 390 ، ح 1560.

مشتركان في الولاية، ومثل هذه القوّة لاتصلح مرجحاً. وفي تعدّي الحكم إلى الجد مع جد الأب وهكذا صاعداً وجه؛ نظراً إلى العلة. والأقوى العدم؛ لخروجه عن موضع النص واستوائهما في إطلاق الجدّ حقيقة، والأب كذلك أو مجازاً.

(وإن سَبَق عقدُ (أحدهِما صحّ عقدُه) ؛ لما ذكر من الخبر وغيره، ولأنهما مشتركان

في الولاية فإذا سبق أحدهما وقع صحيحاً فامتنع الآخَرُ.

(ولو زوجها الأخوان برجلين فالعقد للسابق منهما إن كانا) أي الأخوان (وكيلين) لما ذُكر في عقد الأبوين (وإلّا) يكونا وكيلين (فلْتَخْتَر) المرأة (ما شاءت) منهما كما لو عقد غيرهما فضولاً. (ويُستحب لها (إجازة عقد الأخ الأكبر) مع تساوي مختارهما في الكمال أو رجحان مختار الأكبر، ولو انعكس فالأولى ترجيح الأكمل. (فإن اقترنا) في العقد قبولاً (بطلا) لاستحالة الترجيح والجمع (إن كان كل منهما وكيلاً)، والقول بتقديم عقد الأكبر هنا،(1) ضعيف؛ لضعف مستنده،(2) (وإلّا) يكونا وكيلين (صح عقد الوكيل منهما البطلان عقد الفضولي بمعارضة العقد الصحيح. (ولو كانا فضوليين) والحال أنّ عقديهما اقترنا (تخيَّرتْ) في إجازة ما شاءت منهما وإبطالِ الآخر أو إيطالهما.

المسألة العاشرة

لاولاية (للأم على الولد مطلقاً (فلو زوَّجته أو زوَّجتها اعتُبر (رضاهما بعد الكمال كالفضولي (فلو ادعت الوكالة عن الابن الكامل (وأنكر) بطل العقد و(غَرمَتْ) للزوجة (نصف المهر)؛ لتفويتها عليها البُضْعَ وغرورها بدعوى الوكالة مع أنّ الفُرقة قبل الدخول.

:وقيل: يلزمها جميعُ المهر،(3) لما ذكر، وإنما يَنتصِف بالطلاق ولم يقع، ولرواية

ص: 153


1- القول للشيخ في النهاية، ص 466.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 387،ح، 1553.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 468.

محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام)(1) ويُشكل بأنّ البضع إنّما يُضمَن بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقاً، والعقد لم يثبت فلم يثبت مُوجَبُه .

والأقوى أنّه لاشيء على الوكيل مطلقاً إلا مع الضمان فيلزمه ما ضَمِن، ويمكن حمل الرواية - لو سُلّم سندها - عليه، وعلى هذا يتعدى الحكم إلى غير الأُمّ. وبالَغَ القائل بلزوم المهر،(2) فحكم به على الأم وإنْ لم تدَّع الوكالة استناداً إلى ظاهر الرواية. وهو بعيد، وقريب منه حملها على دعواها الوكالة فإنّ مجرّدَ ذلك لا يصلح لثبوت المهر في ذمة الوكيل.

ص: 154


1- الكافي، ج 5، ص 401، باب الرجل يهوى امرأة ويهوى أبواه غيرها، ح، 2.
2- تقدّم في ص، 153، الهامش 3.

الفصل الثالث في المحرّماتِ بالنَّسَبِ والرِضاع و غیرِهما من الاسباب و توابعِها

اشارة

(يحرُم) على الذكر (بالنسب) تسعة أصناف من الإناث: (الأُمُّ وإن علت) وهي كل امرأة وَلَدَتْه أو انتهى نسبه إليها من العلو بالولادة لأب كانت أم لأم، والبنتُ وبنتها) وإن نزلت؛ (وبنتُ الابن فنازلاً وضابطهما من ينتهي إليه نسبه بالتولّد ولو بوسائط والأُختُ وبنتها فنازلاً) وهي كل امرأة وَلَدَها أبواه أو أحدهما، أو انتهى نسبها إليهما أو إلى أحدهما بالتولد؛ (وبنتُ الأخ) وإن نزلت (كذلك) لأب كان أم لأُمّ أم لهما، (والعمّةُ) وهي كلّ أُنثى هي أُختُ ذَكَرٍ وَلَدَه بواسطةٍ أو غيرها من جهة الأب أو الأُمّ أو منهما. (والخالة فصاعداً فيهما، وهي كلّ أُنثى هي أُخت أُنثى وَلَدَتْه بواسطة أو بغير واسطة، وقد يكون من جهة الأب كأخت أُمّ الأب. والمراد بالصاعد فيهما عمّةُ الأب والأم وخالتهما، وعمّة الجد والجدة وخالتهما وهكذا، لاعمة العمة وخالة الخالة فإنّهما قد لاتكونان محرَّمتين. ويحرم على المرأة مايحرم على الرجل بالقياس. وضابط المحرمات الجامع لها أنّه يحرم على الإنسان كلُّ قريبٍ عدا أولاد

العمومة والحؤولة.

(و يحرُم بالرضاع مايحرُم بالنسب) فأُمُّك من الرّضاعة هي كلُّ امرأةٍ أَرْضَعَتْكَ أو رَجَع نسبُ مَن أَرْضَعَتك أو صاحب اللبن إليها، أو أَرْضَعَتْ مَن يَرجِع نسبُك إليه من ذكَرٍ أو أنثى وإنْ علا، كمرضعة أحد أبويك أو أجدادك أو جداتك، وأُختها خالتك من الرضاعة وأخوها خالك وأبوها جدك، كما أنّ ابنَ مُرضِعَتِك أخ وبنتها أُختُ إلى آخر

ص: 155

أحكام النسب. والبنتُ من الرضاع كلُّ أنثى رَضَعَتْ من لبنك أو لبن مَن وَلَدْتَه، أو أَرضَعَتْها امرأةٌ وَلَدْتَها، وكذا بناتها من النسب والرضاع والعمات والخالات أخواتُ الفَحْلِ والمُرضِعةِ، وأخواتُ من ولدهما من النسب والرضاع، وكذا كل امرأةٍ أرضعتها واحدةٌ من جدّاتك أو أُرْضِعَتْ بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع. وبنات الأخ وبناتُ الأُخت بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب، وكذا كلّ أنثى أرضعتها أُختك، وبنتُ أخيك، وبناتُ كل ذكر أرضعته أُمُّك أو ارتضع بلبن أبيك.

وإنّما يُحَرِّم الرضاع (بشرط كونه عن نكاح) دواماً ومُتعةً وملك يمين وشبهةً على أصح القولين،(1) مع ثبوتها من الطرفين وإلّا ثبت الحكم في حق مَن ثَبَت له النسب. ولا فرق في اللبن الخالي عن النكاح بين كونه من صغيرة وكبيرة بِكرٍ وتَيِّب، ذاتِ بَعْل وخَلِيَّة.

ويُعتبَر مع صحة النكاح صدورُ اللبن عن ذات حمل أو ولد بالنكاح المذكور، فلاعبرة بلبن الخالية منهما وإن كانت منكوحةً نكاحاً صحيحاً، حتى لو طلق الزوج وهي حامل منه أو مُرضِعٌ فأرضعت ولداً نشر الحرمة - كما لو كانت في حباله - وإن تزوجت بغيره. والأقوى اعتبارُ حياة المرضعة، فلو ماتت في أثناء الرضاع فأكمل النصابُ مَيْتَةً لم يَنشُر وإنْ تَناوله إطلاق العبارة وصَدَق عليه اسم الرضاع؛ حملاً على المعهود المتعارفِ وهو إرضاع الحيّة، ودلالة الأدلّة اللفظية على الإرضاع بالاختيار كقوله تعالى: (وَأُمَّهَنتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)،(2) واستصحاباً لبقاء الحِلّ. ( وأن يُنبتَ اللحم أو يَشُدَّ العظمَ والمَرجع فيهما إلى قول أهل الخبرة، ويُشترط العدد والعدالة ليثبت به حكم التحريم، بخلاف خبرهم في مثل المرضِ المُبيحِ للفِطرِ

ص: 156


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 226؛ وذهب إلى قول الآخر على تردد ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص،552.
2- النساء (4): 23.

والتيمّمِ فإنّ المرجعَ في ذلك إلى الظنّ وهو يحصل بالواحد والموجود في النصوص،(1) والفتاوى اعتبارُ الوصفين،(2) معاً، وهنا اكتفى بأحدهما ولعله للتلازم عادةً، والأقوى اعتبار تحققهما معاً.

(أو يُتِمَّ يوماً وليلةً) بحيث يَرْضِعُ كلَّما تقاضاه أو احتاج إليه عادةً وإِنْ لم يَتِمّ العددُ ولم يحصل الوصفُ السابق. ولافرق بين اليوم الطويل وغيره لانجباره بالليلة أبداً. وهل يكفي المُلَفّق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ نظر؛ من الشك في صدق الشرط، وتحقق المعنى. (أو خمسَ عشرةَ رَضْعةً تامّةً متوالية لرواية زياد بن سوقة، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): هل للرضاع حد يُؤخذ به؟ فقال: «لا يُحَرِّم الرضاعُ أقل من يوم وليلة، أو خمس عشرة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحدٍ، لم يُفصل بينها برَضْعَةِ امرأةٍ غيرها»(3) وفي معناها أخبارٌ أُخَرُ،(4)

والأقرب النشرُ بالعَشر) وعليه المُعْظَم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَتْكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(5) ونظائره من العمومات المخصصة بما دون العشر قطعاً فيبقى الباقي. والصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر : لايحرم من الرضاع إلا المجبور»، قال، قلت: وما المجبور؟ قال: «أُمُّ تُرَبِّي، أو ظئرٌ تُستأجر، أو أمةٌ تُشتَرى ثم تُرضِع عشرَ رَضَعَات يَروَى الصبيُّ وينام،(6) ولأن العشر تُنبت اللحم الصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق(علیه البسلام) إلى أن قال: قلت: وما الذي يُنبت اللحم والدم؟ فقال: «كان يقال عشر رضعات»(7).

ص: 157


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 313،ح 1298.
2- راجع شرائع الإسلام، ج 2، ص 226؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 22.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 315 ، ح 1304.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 314. ح 1302 - 1303.
5- النساء (4): 23.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 324 ، ح 1334، وص 315، ح 1305.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 313 ، ح 1296.

والأخبار المصرحة بالخمسَ عشرةَ(1) ضعيفةُ السند أو قريبةٌ منه،(2) وفيه نظر؛ لمنع صحة الخبر الدال على العشر؛ فإنّ في طريقه محمّد بن سنان وهو ضعيف على أصح القولين،(3) وأشهَرِهما، وأما صحيح عُبيد فَنَسَب العَشْرَ إلى غيره مُشعِراً بعدم اختياره، وفي آخره مايدل على ذلك؛ فإنّ السائل لما فهم منه عدم إرادته قال له: فهل تُحَرِّم عشرُ رَضَعَات؟ فقال: «دَعْ ذا». وقال: «مايَحرُم من النسب فهو يَحرُم من الرضاع،(4) فلو كان حكم العشر حقاً لما نسبه إلى غيره بل كان يحكم به من غير نسبة، فإعراضه ثانياً عن الجواب إلى غيره مُشعِرٌ بالتقية وعدم التحريم بالعشر فسَقَط الاحتجاج من الجانبين.

وبقي صحيحة عبد الله بن رئاب عن الصادق ، قال : قلت ما يُحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبَت اللحم وشدَّ العظم». قلت: فتُحرِّم عشر رضعات؟ قال: «لا؛ لأنها لاتنبت اللحم، ولاتَشُدّ العظمَ عشر رضعات،(5) فانتفت العشر بهذا الخبر، فلم يَبْقَ إلا القولُ

بالخمسَ عشرةَ وإن لم يُذكر؛ إذ لاواسطة بينهما، وبهذا يُخَصّ عموم الأدلّة أيضاً. ويُضعف قولُ ابن الجنيد بالاكتفاء بما وقع عليه اسم الرَضْعَة؛(6) نظراً إلى العموم حيث اطَّرح الأخبار من الجانبين، وما أوردناه من الخبر الصحيح حجّة عليه، وتبقى الأخبارُ المثبتة للخمس عشرة والنافية للعشر من غيره شاهدة وعاضدة له وهي كثيرة. (وأن يكون المُرتَضِعُ في الحولين فلا عبرة برضاعه بعدهما وإن كان جائزاً

ص: 158


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 315، ح 1306.
2- إشارة بالضعيف إلى الأوّل [أي رواية زياد بن سوقة وبالقريب منه إلى غيره فإنّ فيه خبرين آخرين من الموثق(منه رحمه الله).
3- ذهب إليه النجاشي في رجاله، ص 328 الرقم 888؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال، ص 394، الرقم 1591: وحكى توثيقه عن الشيخ المفيد ورجح العمل بروايته في مختلف الشيعة، ج 7، ص 31، المسألة 1.
4- تقدّم في ص 157 الهامش 7.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 313، ح 1298.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 30. المسألة 1.

كالشهر والشهرين معهما. والحولان معتبران في المرتضع دون ولد المرضعة، فلو كمَل حَوْلاً ولدِها ثم أَرْضَعَتْ بلبنه غيره نَشَر في أصح القولين،(1) ولافرق بين أن يُفطَم المرتضعُ قبل الرضاع في الحولين وعدمه. والمعتبر في الحولين الهلالية. ولو انكسر الشهرُ الأوّلُ أُكمِل بعد الأخير ثلاثين كغيره من الآجال. (وأن لايُفصل بين الرضعات في الأحوال الثلاثة (برضاع أُخرى) وإن لم يكن رضعةً كاملة. ولاعبرة بتخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وشرب اللبن من غير الثدي ونحوه، وإنما يقطع اتصال الرضعات إرضاعُ غيرها من الثدي. وصرّح العلّامة في القواعد بالاكتفاء في الفصل بأقل من رضعة كاملة من غير تردّداً،(2) وفي التذكرة بأنّ الفصل لايتحقق إلا برضعة تامة، وأن الناقصة بحكم المأكول وغيره؛(3) والرواية مطلقةُ فى اعتبار كونها من امرأة واحدة قال الباقر(علیه السلام): «لايُحرِّم الرضاعُ أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمسَ عشرةَ رضعةً متوالياتٍ من امرأة واحدة من لبن فحل واحد،(4) ولعلّ دلالتها على الاكتفاء بفصل مسمى الرضاع أكثرُ.

(وأن يكون اللبن لفحْل واحدٍ، فلو أرضعت المرأة جماعةً) ذكوراً وإناثاً (بلبن فحلين) فصاعداً بحيث لم يجتمع ذكرٌ وأُنثى منهم على رضاع لبن فحل واحد بأن أرضعت جماعةً ذكوراً بلبن واحدٍ ثمّ جماعةً إناثاً بلبن فحل آخَرَ أو أرضعت صبيّاً بلين فحل ثم أُنثى بلبن فحل آخَرَ ثم ذكراً بلبن ثالث ثمّ أُنثى بلبن رابع وهكذا(لم يُحَرَّم بعضُهم على بعض). ولو اتَّحد فحلُ اثنين منهم تحقق التحريم فيهما دون الباقين، كما لو أرضعت ذكراً وأنتى بلبن فحل ثم ذكراً آخَرَ وأنثى بلين فحل آخَرَ

ص: 159


1- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 519: والقول باشتراط الحولين في ولد المرضعة أيضاً لابن حمزة في الوسيلة، ص 301 راجع لتفصيل الأقوال مختلف الشيعة، ج 7، ص 36، المسألة 4.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 23.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 620 (الطبعة الحجرية).
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 315 ، ح 1304.

وهكذا، فإنّه يَحْرُم كلُّ أُنثى رَضَعَتْ مع ذكرها من لبن واحدٍ عليه، ولا يَحْرُم على الذكر الآخر. والعبارة لا تفي بذلك ولكن المراد منها حاصل ولافرق مع اتحاد الفحل بين أن تتحد المرضعة - كما ذكر - أو تتعدد بحيث يرتضع أحدهما من إحداهما كمال النصاب والآخر من الأخرى كذلك، وإنْ تعدَّدنَ فبلغن مائة كالمنكوحات بالمتعة أو بملك اليمين. وعلى اعتبار اتحاد الفحل مُعظَمُ الأصحاب وجملة من الأخبار، وقد تقدم بعضها.

(وقال أبو عليّ الطَّبْرِسي صاحبُ التفسير رحمة الله عليه فيه: لا يُشترط اتحاد الفحل بل يكفي اتحاد المرضعة؛ لأنه (يكون بينهم) مع اتحادها (أُخُوَّةُ الأُمّ) وإن تعدد الفحل (وهي تُحرِّم التناكح) بالنسب، والرضاع يحرم منه ما يحرُم بالنسب،(1) وهو متجه لولا ورود النصوص عن أهل البيت(علیهم السلام) بخلافه،(2) وهي مخصِّصة لما دلّ بعمومه على اتحاد الرضاع والنسب في حكم التحريم.

ويُستحَبٌ) في الاسترضاع (اختيارُ ) المرضعةِ (العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة الحسنة (اللرضاع؛ لأنّ الرضاع مؤثر في الطباع والأخلاق والصورة؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا أفصحُ العرب بَيدَ أنّي من قريش ونَشَأْتُ في بني سعد، وارتَضَعتُ من ، بني زُهرة»(3) وكانت هذه القبائلُ أفصح العرب فافتخر(صلی الله علیه وآله وسلم) بالرضاع كما افتخر بالنسب. وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): انظروا مَن يُرضع أولادكم فإنّ الوَلَد(4) يَشبّ عليه»(5) وقال الباقر(علیه السلام): «عليكم بالوضاء من الظؤرة فإنّ اللبن يُعدي»(6) وقال(علیه السلام) لمحمّدبن مروان:

ص: 160


1- مجمع البیان، ج 3، ص 28 - 29، ذيل الآية 23 من النساء، (4).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 319 - 321، ح 1323 و 1318.
3- غريب الحديث الهروي، ج 1، ص 89؛ الفائق في غريب الحديث، ج 1، ص 126 : تلخيص الحبير، ج 4، ص 6، ح 1658 بتفاوت.
4- كذا في المصدر ، وفي النسخ «اللبن».
5- الكافي، ج 6، ص 44 ، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 10.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 110، ح 377.

استَرضِع لولدك بلبن الحِسان، وإياك والقباحَ فإنّ اللبن قد يُعدي»(1) ( ويجوز استرضاعُ الذمّيّة عند الضرورة من غير كراهة ويُكرَه بدونها، ويظهر من العبارة كعبارة كثير التحريمُ من دونها والأخبارُ دالّة على الأوّل)(2) (ويَمنَعها) زَمَن الرضاعة (من أكل الخنزير وشرب الخمر) على وجه الاستحقاق إن كانت أمته أو مستأجرته، وشرط عليها ذلك وإلا تَوَصَّل إليه بالرفق. ويُكره تسليم الولد إليها لتحمله إلى منزلها لأنّها ليست مأمونةً عليه.

(والمجوسيّةُ أشدُّ كَراهةً أن تُسترضَع للنهى عنها في بعض الأخبار المحمول على الكراهة جمعاً، قال عبدالله بن هلال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) له عن مُظائَرة المجوس، فقال: «لاولكن أهل الكتاب»(3)

(ويُكرَه أن تُستَرضَع من (ولادتها التي يصدر عنها اللبنُ (عن زني) قال الباقر(علیه السلام): «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إلي من ولد الزنى والمراد به ما ذكرناه؛ لأنه قال بعد ذلك: «وكان لايرى بأساً بولد الزنى إذا جعل مولى الجارية الذي فَجَر بالمرأة في حلّ»(4)

وكذا يُكرَه استرضاع ذات البدعة في دينها والتشويه في خَلْقها، والحمقاء، قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لاتسترضعوا الحمقاء فإنّ الولد يَشِبّ عليه،(5) وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «لاتسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يغلب الطباع»(6)

(وإذا كملت الشرائط) المعتبرة في التحريم (صارت المرضعة أُمّاً) للرضيع (والفحل) صاحب اللبن أباً وإخوتهما أعماماً وأخوالاً، وأولادهما إخوَةً، وآباؤُهما أجداداً، فلا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً ورضاعاً)؛ لأنهم صاروا

ص: 161


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 110، ح 376.
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109، ح 372 و 373.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109، ح 372.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109، ح 371.
5- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 9.
6- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لا يكره، ح 9.

إخوةَ وَلَدِه وإخوةُ الوَلَد محرَّمون على الأب، ولذلك عَطَف المصنّف التحريم بالفاء ليكون تفريعاً على ما ذكر، والأخبار الصحيحة مصرحة بالتحريم هنا وأنهم بمنزلة ولده،(1) وقيل: لايَحرُمنَ عليه مطلقاً؛(2) لأنّ أُخت الابن من النسب إذا لم تكن بنتاً إنما حَرُمَتْ ؛ لأنّها بنت الزوجة المدخول بها فتحريمها بسبب الدخول بأمها وهو منتف هنا، ولأن النص إنّما ورد بأنه «يحرم من الرضاع ما يحرُم من النسب،(3) لامايحرم من المصاهرة، وأُخت الولد إذا لم تكن ولداً إنّما تحرم بالمصاهرة. وهو حسن لولا معارضة النصوص الصحيحة، فالقول بالتحريم أحسن.

بن

(و) كذا (لا) ينكح أبو المرتضع ( في أولاد المرضعة ولادة)؛ لصحيحة عبد الله جعفر قال : كتبت إلى أبي محمد : أنّ امرأة أرضَعَتْ ولداً لرجل، هل يَحِلّ لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع: «لا تَحِلّ له»(4) ومثلها صحيحة أيوب بن نوح وفيها: «لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك،(5)

ويترتب على ذلك تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدته لأمه سواء كان بلبن جده أم غيره؛ لأنّ الزوجة حينئذٍ من جملة أولاد صاحب اللبن إن كان جداً، ومن جملة أولاد المرضعة نسباً إن لم يكن، فلايجوز لأبي المرتضع نكاحها لاحقاً كما لايجوز سابقاً بمعنى أنه يمنعه سابقاً ويُبطله لاحقاً. وكذا لو أرضعت الولد بعض نساء جده لأمه بلبنه وإن لم تكن جدّةً للرضيع؛ لأنّ زوجة أب الرضيع حينئذ من جملة أولاد صاحب اللبن. (و) كذا (لا)يجوز له نكاحُ أولادها (رضاعاً على قول الطَبْرِسي)؛ لأنّهم بمنزلة

ص: 162


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 320 - 323 2.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 348.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 291، ح 1223.
4- الكافي، ج 5 ص 447 ، باب نوادر في الرضاع، ح 18.
5- 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 321 ، ح 1324.

إخوة أولاده من الأُمّ. وقد تقدَّم ضعفه؛(1) لما عرفت من أن التحريم مشروط باتحاد

الفحل وهو منفيٌّ هنا.

(وينكح إخوة المرتضع نسباً في إخوته رضاعاً)؛ إذ لا أُخُوّة بينهم وإنما هم إخوة أخيهم وإخوة الأخ إذا لم يكونوا إخوةً لايَحرُمون على إخوته، كالأخ من الأب إذا كان

له أخت من الأُمّ فإنّها لاتحرم على أخيه لانتفاء القرابة بينهما.

(وقيل) والقائل الشيخ: (بالمنع) ؛ لدلالة تعليل التحريم على أب المرتضع في المسألة السابقة بأنّهنّ بمنزلة ولده عليه،(2) ولأن أختَ الأخ من النسب محرمةٌ فكذا من الرضاع،(3) ويُضعّف بمنع وجود العلة هنا؛ لأنّ كونهنّ بمنزلة أولاد أب المرتضع غيرُ موجود هنا وإنْ وُجد ما يجري مجراها، وقد عرفت فساد الأخير. (ولو لَحِق الرضاعُ العقدَ حَرَّم كالسابق) فلو أرضعت أمه أو مَن يحرم النكاحُ بإرضاعه كأخته وزوجة أبيه وابنه وأخيه بلبنهم زوجته فسد النكاح. ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حَرُمَتا أبداً مع الدخول بالكبيرة، وإلّا الكبيرة، ويَنفسخ نكاحُ الجميع مطلقاً.

(ولا تُقبَل الشهادةُ به إلّا مُفصَّلةً فلاتكفي الشهادة بحصول الرضاع المحرمِ مطلقاً؛ للاختلاف في شرائطه كَيفيّةً ،وكمّيّةً، فجاز أن يكون مذهب الشاهد مخالفاً المذهب الحاكم فيشهد بتحريم مالايُحَرِّمه. ولو علم موافقةُ رأي الشاهد لرأي الحاكم في جميع الشرائط فالمتجه الاكتفاء بالإطلاق، إلّا أنّ الأصحاب أطلقوا القول بعدم صحتها إلا مفصلةً، فيَشهَدُ الشاهدان بأنّ فلاناً ارتَضَع مِن فلانة من التَدْي من لبن الولادة خمسَ عشرةَ رَضْعَةً تامّاتٍ في

ص: 163


1- تقدّم في ص 160.
2- هذا القول اختاره المصنف في بعض تحقيقاته، واحتج له بما ذكرناه من فحوى الرواية السابقة [أي صحيحة أيوب بن نوح فإنّها تدلّ على أنهم صاروا أولاد أبيهم، وذلك يمنع من كونهم إخوة الأخ بل أخوه، وقد عرفت جوابه(منه رحمه الله).
3- النهاية، ص 462.

الحولين من غير أن يُفصل بينها برضاع امرأةٍ أُخرى. وبالجملة فلابدّ من التعرض

الجميع الشرائط ولايُشترط التعرّضُ لوصول اللبن إلى الجوف على الأقوى. ويُشترط في صحة شهادته به أن يعرف المرأة في تلك الحال ذاتَ لبن، وأن يُشاهد الولد قد التقم التَّدْيَ وأن يكون مكشوفاً؛ لئلا يلتقم غيرَ الحَلَمَة، وأن يُشاهِد امتصاصه له وتحريك شفتيه والتجرُّعَ وحركة الحلق على وجه يحصل له القطع به ولايكفي حكاية القرائن وإن كانت هي السبب في علمه، كأن يقول: «رأيتُه قد التقم الثدي وحلقه يَتحرَّك» إلى آخِرِه ؛ لأنّ حكاية ذلك لاتُعَدّ شهادةً وإن كان علمه مترتباً عليها، بل لابدّ التلفظ بما يقتضيه عند الحاكم. ولو كانت الشهادة على الإقرار به قُبِلَت مطلقةً؛ العموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،(1) وإنْ أمكن استنادُ المُقِرّ إلى ما لايحصل به التحريم عند الحاكم بخلاف الشهادة على عينه.

(وتحرُم بالمصاهرة) وهي علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كلّ منهما بسبب النكاح تُوجب الحرمة، ويلحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص. هذا هو المعروف من معناها لغةً وعرفاً فلا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة والشبهة والزني ونحوه إليها وإنْ أوجب حرمةً على بعض الوجوه؛ إذ ذاك ليس من حيث المصاهرة بل من جهة ذلك الوطء وإن جرت العادة بالحاقه بها في بابها. (زوجه كل من الأب فصاعداً كالجد وإنْ علا من الطرفين والابن فنازلاً وإن كان للبنت وأطلق عليه الابنُ مجازاً (على الآخر) وإن لم يدخل بها الزوج؛ لعموم وَلَاتَنكِحُوا مَا نَكَحَ اباؤُكُم،(2) وقوله تعالى: (وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُمُ)(3) والنكاح حقيقة في العقد على الأقوى

والحليلة حقيقة في المعقود عليها للابن قطعاً. وأُمُّ الموطوءة)(4) حلالاً أو حراماً، (و) أُمُّ المعقود عليها) وإنْ لم يدخل بها

ص: 164


1- تقدم تخريجه في ص 143 ، الهامش 2.
2- النساء (4): 22 - 23.
3- النّساء (4): 22 - 23.
4- بالملك مثلاً(زين رحمه الله).

(فصاعداً) وهي جدتُها من الطرفين وإنْ عَلَتْ وابنة الموطوءة) مطلقاً (فنازلاً) أي ابنه ابنها وابنتها وإنْ لم يُطلق عليها ابنة حقيقةً (لاابنة المعقود عليها من غير دخول فلو فارقها قبل الدخول حلَّ له تزويج ابنتها. وهو موضع ،وفاق، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم. وأمّا تحريم الأم وإن لم يدخل بالبنت فعليه المُعظم، بل كاد يكون إجماعاً. وإطلاق قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُ نِسَآبِكُمْ»(1) يدلّ عليه، والوصف بعده بقوله تعالى: (مِّن نِّسَايِكُمُ الَّتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ)(2) لاحجّة فيه إما لوجوب عوده إلى الجملة الأخيرة كالاستثناء، أو لتعذر حمله عليهما من جهة أنّ «من» تكون مع الأولى بيانية ومع الثانية ابتدائية والمشترك لايُستعمل في معنييه معاً؛ وبه مع ذلك نصوص،(3) إلّا أنّها معارضة بمثلها،(4) ومِن ثَم ذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها(5) كالعكس والمذهب هو الأوّل. (أمّا الأُخت) للزوجة (فتحرُم جمعاً) بينها وبينها، فمتى فارَقَ الأُولى بموت أو فسخ أو طلاق بائن أو انقضت عدتها حلَّت الأخرى لا عينا). (والعمّةُ والخالة) وإنْ عَلَتَا (يُجمع بينها وبين ابنة أخيها أو أُختِها وإنْ نَزَلَتا (برضى العمّة والخالة لابدونه بإجماع أصحابنا، وأخبارنا متظافرةٌ به،(6) ثمّ إن تقدَّم عقدُ العمّة والخالة توقف العقد الثاني على إذنهما، فإن بادَرَ بدونه ففي بطلانه أو وقوفه على رضاهما، فإن فَسَخَتاه بطل، أو تخيّرهما فيه وفي عقدهما أوجه، أوسطها الأوسط. وإن تقدم عقد بنت الأخ والأخت وعلمت العمّة والخالة بالحال فرضاهما بعقدهما رضئ بالجمع، وإلا ففي تخيّرهما في فسخ عقد أنفسهما، أو فيه وفي عقد السابقة، أو

ص: 165


1- النساء (4): 22 - 23.
2- النساء (4): 22 - 23.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 273، ح 1165 و 1166.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 274 - 275، ح 1169 - 1170.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 48، المسألة 13.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 332 باب نكاح المرأة وعمتها وخالتها وما يحرم من ذلك.

بطلان عقدهما أوجه، أجودها الأوّلُ.

وهل يلحق الجمعُ بينهما بالوطء في ملك اليمين بذلك؟ وجهان، وكذا لو مَلَك

إحداهما وعقد على الأخرى. ويمكن شمول العبارة؛ لاتحاد الحكم في الجميع. (وحكم) وطء (الشبهة والزنى السابق على العقد حكم الصحيح في المصاهرة) فتحرم الموطوءة بهما على أبيه وابنه، وعليه أُمُّها وبنتها، إلى غير ذلك من أحكام المصاهرة، ولو تأخَّر الوطء فيهما عن العقدِ أو المِلكِ لم تحرم المعقود عليها والمملوكة. هذا هو الأصح فيهما، وبه يُجمع بين الأخبار الدالة على المنع مطلقاً،(1) وعلى عدمه كذلك،(2)

(وتُكرَه ملموسةُ الابن ومنظورتُه على وجه لاتَحِلّ لغير مالك الوطء بعقد أو مِلكِ (على الأب، وبالعكس) وهو منظورةُ الأب وملموستُه (تَحرُم)(3) على ابنه أما الأوّل فلأنّ فيه جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضُها على التحريم كصحيحة محمد بن يَزِيع،(4) وغيرها،(5) وبعضُها على الإباحة كموثقة عليّ بن يقطين عن الكاظم(علیه السلام) بنفي البأس عن(6) ذلك بحمل النهي على الكراهة. وأمّا الثاني وهو تحريم منظورة الأب وملموستُه على الابن فلصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا جرَّد الرجلُ الجاريةَ ووَضَع يده عليها فلاتحلّ لابنه)(7)

ومفهومها الحلُّ لأبيه، فإن عُمِل بالمفهوم وإلا فبدلالة الأصل وما سبق. وفيه نظر؛ لأنّ صحيحة ابن بزيع دلّت على التحريم فيهما ورواية ابن يقطين دلّت

ص: 166


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 3229 - 330 ، ح 1352 و 1356.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 326 و 329، ح 1343 و 1355.
3- بل يكره(زين رحمه الله).
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 281، ح 1192.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 212، ح 758.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،209،ح 741.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 282،ح 1193.

على نفيه فيهما، فإن وجب الجمع بينهما بالكراهة فالحكم في صحيحة محمد بن مسلم كذلك، وهذا هو الذي اختاره المصنّف في شرح الإرشاد(1) وجماعةٌ،(2) أو يُعمَل بالأُولى؛ ترجيحاً للصحيح على الموثق حيث يتعارضان أو مطلقاً، وتكون صحيحة محمد بن

مسلم مؤيّدةٌ لأحد الطرفين وهو الأظهر، فتحرُم فيهما، فالتفصيل غيرُ متوجه. وقَيَّدْنا النظر واللمس بكونهما لايَحِلّان لغيره؛ للاحتراز عن نظر مثل الوجه والكفين بغير شهوة فإنّه لايحرم اتفاقاً، وأمّا اللمس فظاهرُ الأصحاب - وصرَّح به جماعة منهم _(3) تحريمهُ فيهما مطلقاً،(4) فيتعلّق به الحكم مطلقاً (5) نعم، يُشترط كونُهما بشهوة كما ورد في الأخبار،(6) وصرّح به الأصحابُ فلاعبرة بالنظر المتَّفَق ولمس الطبيب ونحوهما وإنْ كانت العبارة مطلقةً.

هذا حكم المنظورة والملموسة بالنسبة إليهما، وهل يتعدَّى التحريمُ إلى أمها وابنتها في حق الفاعل ؟ قولان،(7) مأخذُهما أصالةُ الحلّ واشتراط تحريم البنت بالدخول بالأم

ص: 167


1- غاية المراد، ج 3، ص 158 - 161(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
2- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 528: المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 233 ؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 30.
3- وممّن صرّح به العلّامة في التذكرة(ج 2، ص 575] فإنّه قال فيها: لا يجوز مسّ وجه الأمة وإن جوزنا النظر إليه و تصافحها من وراء ثياب ويظهر من القواعد [ ج 3، ص 30] والتحرير ج 3، ص 462] جواز لمس كتفها بغير شهوة والمنع أقوى، والفرق بين اللمس والنظر واضح. وقد صرّح المجوزون للنظر إلى وجه الأجنبية وكفيها بعدم جواز لمسها وادعى فخر المحققين في الشرح أي إيضاح الفوائد، ج 3، ص 9 عليه الإجماع، ولأنه أقوى في التلذذ والاستمتاع من النظر. وأغرب المقداد في التنقيح ج 3، ص 73] فخص موضع النزاع بنظر الفرج ولمسه خاصة. والنصوص والفتوى مصرحة بالعموم. وحينئذ فيحرّر لهم في المسألة ثلاث عبارات يترتب عليها ثلاثة أقوال: الأول: عموم النظر واللمس مع استثناء ما وقع منهما في الكفّين ونحوهما. الثاني: كذلك مع استثناء النظر خاصة. الثالث: تخصيصها بالفرج منه رحمه الله).
4- منهم الشيخ في النهاية، ص 451 وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 182 وابن حمزة في الوسيلة، ص 293.
5- من غير تقييد بكونه على وجه لايحلّ لغير المالك(منه رحمه الله).
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 281، ح 1192.
7- القول بالتحريم للشيخ في الخلاف، ج 4، ص 308 المسألة 81؛ القول بالعدم للعلّامة في مختلف الشيعة ن، ج 7،ص 67 - 68، المسألة 22.

في الآية ولاقائل بالفرق، وصحيحةُ محمّدبن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) الدالة على التحريم. ويمكن الجمعُ بحمل النهي على الكراهة وهو أولى.

واعلم أنّ الحكم مختص بنظر المملوكة على ذلك الوجه، وما ذكرناه من الروايات دال عليها. أمّا الحرّة، فإن كانت زوجةً حُرّمت على الأب والابن بمجرد العقد، وإن كانت أجنبيةً ففي تحريمها قولان،(1) ويظهر من العبارة الجزم به لأنّه فَرَضَها مطلقةً، والأدلة لا تُساعد عليه.

مسائل عشرون

المسألة الأولى

(لو تزوج الأم وابنتها في عقد) واحد (بطلا)؛ للنهي عن العقد الجامع بينهما،(2) واستحالة الترجيح؛ لاتحاد نسبته إليهما. (ولو جمع بين الأُختَين فكذلك)؛ لاشتراكهما في ذلك. (وقيل) والقائل الشيخ،(3) وجماعة منهم العلّامة

في المختلف،(4): (يَتخيَّر) واحدةً منهما؛ لمُرسَلة جميل بن دَرّاج عن أحدهما(علیهماالسلام) في رجل تزوّج أختين في عقدٍ واحد قال: «هو بالخيار أن يُمسك أيتهما شاء ويُخَلِّيَ سبيلَ الأُخرى»(5) وهي مع إرسالها غير صريحة في ذلك؛ لإمكان إمساك إحداهما بعقد جديد ومثله ما لو جَمَع بين خَمس في عقد أو بين اثنتين عنده ثلاث أو بالعكس ونحوه. ويجوز الجمع بين الاختين في الأُختين في الملك، وكذا بين الأُم وابنتها فيه، وإنما يحرم الجمعُ بينهما في النكاح وتوابعه من الاستمتاع.

ص: 168


1- القول بالعدم لفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 66؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 75 وأما القول بالتحريم حكاه الشهيد في مسالك الأفهام، ج 7، ص 309.
2- الفقیه، ص،451،ح، 4562.
3- النهاية، ص 454.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 69 ، المسألة 23.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 285، ح 1203.

ولو وطئ إحدى الأختين المملوكتين حُرّمت الأخرى حتى تخرج الأولى عن أو هبة أو غيرهما. وهل يكفي مطلق العقدِ الناقل للملك، أم يُشترط لزومه ملکه ببيعٍ فلايكفي البيعُ بخيار والهبة التي يجوز الرجوع فيها؟ وجهان: من إطلاق النص،(1) اشتراط خروج الأولى عن ملكه وهو حاصل بمطلقه، ومن أنها مع تسلّطه على فسخه بحكم المملوكة.

ويُضعف بأنّ غاية التحريم إذا عُلِّقت على مطلق الخروج لم يُشترط معها أمرُ آخَرُ؛ لئلا يَلزَم جعلُ ما جعله الشارع غايةً ليس بغاية، وقدرته على ردّها إلى ملكه لاتصلح للمنع؛ لأنه بعد الإخراج اللازم متمكن منه دائماً على بعض الوجوه بالشراء والاتهاب وغيرهما من العقود، فالاكتفاء بمطلق الناقل أجودُ. وفي الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه كالتزويج والرهن والكتابة وجهان منشأهما حصول الغرض وهو تحريم الوطء، وانتفاء النقل الذي هو مورد النص،(2) وهو الأقوى. ولافرق في تحريم الثانية بين وطء الأُولى في القُبُل والدُّبُر. وفي مقدماته من اللمس والقبلة والنظر بشهوة نظر: من قيامها مقامَ الوطء كما سلف، وعدم صدق الوطء بها. (فلو وطئ الثانية فعل حراماً مع علمه بالتحريم (ولم تحرم الأولى)؛ لأن الحرام لايُحرم الحلال،(3) والتحريمُ إنّما تعلَّق بوطء الثانية فيُستصحب، ولأصالة الإباحة، وعلى هذا فمتى أخرج إحداهما عن ملكه حلّت الأُخرى سواء أخرجها للعود إليها أم لا. وإن لم يُخرج إحداهما فالثانية محرمة دون الأولى. وقيل: متى وَطِئَ الثانية عالماً بالتحريم حُرّمت عليه الأولى أيضاً إلى أن تموت الثانية أو يُخرجها عن ملكه لا لغرض العود إلى الأولى، فإن اتفق إخراجها لالذلك حلت له الأولى، وإن أخرجها لترجع إلى الأولى فالتحريم باقٍ، وإن وَطِئَ الثانية جاهلاً

ص: 169


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 288، ج 1212.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 288، ج 1212.
3- سنن ابن ماجة ، ج 1، ص 649، ح 2015؛ سنن الدارقطني،ج 3، ص، 197 - 198، ح،18/3622 - 090/3624

بالتحريم لم تحرم عليه الأولى،(1) ومستند هذا التفصيل روايات بعضها صريح فيه،(2)

وخالية عن المعارض، فالقول به متعيّن، وبه ينتفي ما علَّلوه في الأول. ولو مَلَكَ أُمّاً وبنتها ووَطِئَ إحداهما حُرِّمت الأخرى مؤيَّداً، فإن وَطِئَ المحرمة عالماً حُدَّ ولم تحرم الأولى، وإن كان جاهلاً قيل: حُرّمت الأولى أيضاً مؤيَّداً،(3) ويُشكل بأنّه حينئذ لايخرج عن وطء الشبهة أو الزنى وكلاهما لايُحرم لاحقاً كما مر، وخروجُ الأُخت عن الحكم للنص،(4) وإلا كان اللازم منه عدم تحريم الأولى مطلقاً كما اختاره هنا.

المسألة الثانية

لايجوز أن يتزوَّج أَمَةً على حرّة إلابإذنها وهو موضع وفاق،(فلو فعل) بدون إذنها (وقف) العقد ( على إجازتها) ولايقع باطلاً؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد،(5) وليس المانع هنا إلا عدم رضاها وهو مجبور بإيقافه على إجازتها كعقد الفضولي ، ولرواية سماعة عن الصادق(علیه السلام)(6)

وقيل:يبطل،(7) الحسنة الحلبي عنه(علیه السلام)«من تزوّج أمَةً على حرّة فنكاحه باطل»(8)

ونحوَه رَوَى حُذَيفةُ بن منصور عنه،علیه السلام، وزاد فيها: «أنّه يُعزّر اثني عشر سوطاً ونصفاً،

الله تُمْنَ حد الزاني وهو صاغر»(9) وتأويل البطلان بأنه آيل إليه على تقدير اعتراض الحرّة،

ص: 170


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 455. قيد الشيخ ومن تبعه عدم تحريم الأولى في صورة الجهالة بما إذا أخرج الثانية عن ملكه والأخبار مطلقة في حلها. فلهذا أطلقنا هنا الحكم بعدم تحريم الأولى(منه رحمه الله).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 290، ح 1217.
3- نسبه إلى الشافعية العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 637 (الطبعة الحجرية).
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 285، ح 1203.
5- المائدة (5) : 1.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 345، ح 1412.
7- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 545.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 344 ، ح 1408.
9- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 344 - 345، ح 1411.

خلاف ظاهره، وروايةً سماعة قاصرة عن معارضته. وعلى البطلان يُنَزَّل عقد الأمة منزلة المعدوم، وعلى إيقافه قيل: للحرّة فسخ عقدها أيضاً كالعمة والخالة،(1) وهو ضعف في ضعف.

لغةً:

وجواز تزويج الأمة بإذن الحرّة،(2)المستفادُ من الاستثناء مختصُّ بالعبد أو بمن يعجز عن وطء الحرّة دون الأمة ويَخشَى العَنَتَ أو مبنيٌّ على القول بجواز تزويج الأمة بدون الشرطين وإن كان الأقوى خلافه كما نبه عليه بقوله: (و) كذا (لا)يجوز للحرّ (أن يتزوَّج الأمةَ مع قدرته على تزويج الحرّة) بأن يَجِدَ الحرّةَ ويَقدِرَ على مَهرِها ونفقتها ويمكنه وطؤُها وهو المعبّر عنه بالطول، أو مع عجزه إذا لم يَخْشَ العَنَتَ وهو المشقةُ الشديدةُ،(3) وشرعاً: الضررُ الشديدُ بتركه بحيث يخاف الوقوع في الزنى لغلبة الشهوة وضعف التقوى. وينبغي أن يكون الضرر الشديد وحده كافياً وإنْ قَوِيَت التقوى؛ للحرج،(4) والضرر المنفيّين،(5) وأصالةِ عدمِ النقل. وعلى اعتبار الشرطين ظاهر الآية،(6) وبمعناها رواية محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام)،(7) ودلالتهما بمفهوم الشرط وهو حجّة عندالمحقّقين.

(وقيل: يجوز) العقد على الأمة مع القدرة على الحرّة على كراهة،(8) للأصل، وعموماتِ الكتاب مثل:«إِلَّا عَلَى أَزْوَجهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ »(9) و﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ

ص: 171


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 459.
2- قيده في تحرير الأحكام الشرعية ( ج 3، ص 522، الرقم 5116] بالدوام، فلايحرم التمتع بالأمة على الحرّة حملاً للآية على الفرد الظاهر وإن كان عموم المنع متوجهاً نظراً إلى عموم الآية(منه رحمه الله).
3- راجع الصحاح، ج 1، ص 258 - 259؛ ولسان العرب، ج 2، ص 62، «عنت».
4- الحج (22): 78.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651.
6- النساء (4) 25.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 334، ح 1371.
8- قال به الشيخ في النهاية، ص 460.
9- المؤمنون (23): 6.

خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ»(1) و «وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾(2) و﴿وَأَنكِحُوا الْأَيْمَى مِنكُمْ " وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَا ءِكُمْ»(3) ولرواية ابن بُكَير المرسلة ع-ن الصادق(علیه السلام): «لاينبغي»،(4) وهو ظاهر في الكراهة.

ويُضعف بأنَّ الاشتراط المذكور مخصص لما ذكر من العمومات والرواية مع إرسالها

ضعيفة، وضعف مطلق المفهوم ممنوع، وتنزيل الشرط على الأغلب خلافُ الظاهر. (وهو) أي القول بالجواز (مشهور) بين الأصحاب إلا أن دليله غيرُ ناهض عليه،

فلذا نسبه إلى الشهرة.

(فعلى) القول الأول (لايُباح) نكاحُ الأمة (إلّا بعدم الطول) وهو لغة: الزيادة والفضل،(5) والمراد به هنا الزيادةُ في المال وسعته بحيث يتمكَّن معها من نكاح الحرّة فيقوم بما لابدّ منه من مهرها ونفقتها، ويكفي للنفقة وجوده بالقوة كفَلّة الملك وكسب ذي الحرفة:(وخوفِ العَنّت بالفتح، وأصله انكسارُ العظم بعد الخبر فاستعير لكل مشقة وضرر ولاضرر أعظم من مواقعة المأثم والصبر عنها مع الشرطين أفضل؛ لقوله

تعالى: (وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَكُمْ)(6)

و تكفي الأمة الواحدة)؛ لاندفاع العنت بها وهو أحد الشرطين في الجواز.

(وعلى الثاني) وهو الجواز مطلقاً تُباح (اثنتان) لا أزيد كما سيأتي،(7)

المسألة الثالثة

(من تزوّج امرأةً في عدتها، بائنةً كانت أو رجعيّةً) أو عدةَ

ص: 172


1- البقرة (2) 22.
2- النساء (4): 24.
3- النور (24) 32.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 334 ، ح 1372.
5- المعجم الوسيط، ص 572، «طول».
6- النساء (4): 25.
7- يأتي في ص 176 وما بعدها.

وفاة أو عدّة شبهة، ولعله غلب عليهما اسم البائنة(عالماً بالعدة والتحريم بطل العقد وحُرِّمَت) عليه (أبداً)، ولافرق بين العقد الدائم والمنقطع فيهما؛ لإطلاقِ النصوصِ،(1) الشامل لجميع ما ذكر. (وإن جهل أحدهما العدة أو التحريم (أو) جَهِلَهما حُرِّمَت إن دخل بها قبلاً أو دُبُراً وإلا فلا.

ولو اختَصّ العلم بأحدهما دون الآخر اختَصّ به حكمه وإنْ حَرُم على الآخر التزوّجُ به من حيثُ المساعدة على الإثم والعدوان ويمكن سلامته من ذلك بجهله التحريم أو بأن يَخفَى عليه عين الشخص المحرَّمِ مع علم الآخر ونحو ذلك، وفي الحكم بصحة العقد على هذا التقدير نظر. ويَتَعدَّى التحريمُ - على تقدير الدخول - إلى أبيه وابنه كالموطوءة بشبهة مع الجهل، والمزني بها مع العلم.

وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدّة فتحرم بوطئها فيها وجهان، أجودهما العدم؛ للأصل. وكذا الوجهان في العقد عليها مع الوفاة المجهولة ظاهراً قبل العدّة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر أو الدخول مع الجهل والأقوى عدم التحريم؛ لانتفاء المقتضي له وهو كونُها معتدّةً أو مُزَوَّجةً، سواء كانت المدّةُ المُتَخَلَّلة بين الوفاة والعدّة بقدرها أم أزيد أم أنقص، وسواء وقع العقد أو الدخول في المدة الزائدة عنها أم لا؛ لأنّ العدة إنما تكون بعد العلم بالوفاة أو ما في معناه وإن طال الزمانُ. وفي إلحاق ذات البَعْل بالمعتدة وجهان من أنّ علاقة الزوجيّة فيها أقوى، وانتفاء النص. والأقوى أنه مع الجهل وعدم الدخول لاتحرم، كما أنه لو دخل بها عالماً حُرِّمَت لأنه زانٍ بذات البعل والإشكال فيهما واءٍ، وإنّما يقع الاشتباه مع الجهل والدخول أو العلم مع عدمه، ووجه الإشكال من عدم النص عليه بخصوصه، وكون الحكم بالتحريم هنا أولى؛ للعلاقة، ولعله أقوى. وحيث لايُحكم بالتحريم يُجدِّد العقد بعد العدة إن شاء. ويلحق الولد مع الدخول

ص: 173


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 306 - 307، باب فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب...

والجهل بالجاهل منهما إن وُلد في وقتِ إمكانه منه. ولها مهر المثل مع جهلها بالتحريم، وتعتد منه بعد إكمال الأُولى.

المسألة الرابعة

لاتحرُم المزني بها على الزاني إلا أن تكون ذات بعل دواماً ومتعة والمعتدة رجعية بحكمها دون البائن والحكم موضع وفاق. وفي إلحاق الموطوءة بالملك بذات البعل وجهان، مأخذهما مساواتها لها في كثير من الأحكام خصوصاً المصاهرة، واشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط، وأنّ ذلك كله لايوجب اللحاق مطلقاً، وهو الأقوى. (ولاتحرم الزانية) على الزاني ولاعلى غيره (ولكن يُكره تزويجها) مطلقاً (على الأصح)، خلافاً لجماعة حيث حرموه على الزاني ما لم تَظهر منها التوبة،(1) ووجه الجواز الأصل، وصحيحةُ الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «أيما رجل فَجَر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً فإذا أوّله سفاح وآخره نكاح، فمَثَله كمثل النخلة أصاب الرجلُ من ثمرها حراماً ثمّ اشتراها فكانت له حلالاً»(2) ولكن تكره؛ للنهي عن تزويجها مطلقاً في عدة أخبار،(3) المحمول على الكراهة جمعاً. واحتج المانع،(4) برواية أبي بصير قال: سألته عن رجل فَجَر بامرأة ثم أراد بَعْد أن، يتزوجها، فقال: «إذا تابت حلَّ له نكاحُها»، قلت: كيف يعرف توبتها؟ قال: «يدعوها إلى ما كانت عليه من الحرام فإن امتنعتْ واستغفرتْ ربَّها عَرِف توبتها. وقريب منه ما

ص: 174


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 504: الشيخ في النهاية، ص 458؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 2. ص، 188.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 327 ، ح 1345.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 327 ، ح 1347 ، وص 406، ح 1625.
4- المانع هو الشيخ في النهاية [ص458] وابن البرّاج وأبو الصلاح إلا أنه أطلق تحريم تزويج الزانية وغيره وأخبار النهى مطلقة أيضاً ولم يذكروه قولاً(منه رحمه الله).

روى عمار عن الصادق(علیه السلام)(1) والسند فيهما ضعيف، وفي الأُولى قطع، ولو صحتا لوجب حملهما على الكراهة جمعاً.

(ولو زَنَت امرأته لم تَخرُم عليه ( على الأصح وإِنْ أَصَرَّتْ) على الزني؛ للأصل والنص،(2) خلافاً للمفيد وسلّار حيث ذهبا إلى تحريمها مع الإصرار استناداً إلى فوات أعظم فوائد النكاح وهو التناسل معه؛ لاختلاط النسب حينئذ، والغرضُ من شرعيّة الحد والرجم للزاني حفظه عن ذلك،(3) ويُضعف بأنّ الزاني لا نسب له ولا حرمة.

المسألة الخامسة

(من أوقَب غلاماً أو رجلاً)(4) بأن أدخل به بعض الحَشَفَة وإن لم يجب الغسلُ (حُرِّمَت على المُوقِب أُمُّ الموطوء) وإنْ علت (وأُختُه) دون بناتها (وبنتُه) وإن نزلت من ذكر وأنثى من النسب اتفاقاً، ومن الرضاع على الأقوى. ولافرق في المفعول بين الحي والميت على الأقوى؛ عملاً بالإطلاق،(5)

وإنّما تَحْرُم المذكوراتُ مع سبقه على العقد عليهن. (ولو سَبَق العقد) على الفعل (لم يَحرُم) ؛ للأصل، ولقولهم(علیهم السلام): لايُحرّم الحرام الحلال»(6) والظاهر عدم الفرق بين مفارَقةِ مَن سَبَق سَبَق عقدُها بعد الفعل وعدمه فيجوز له تجديد نكاحها بعده، مع احتمال عدمه لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد ولافرق فيهما بين الصغير والكبير على الأقوى؛ للعموم، فيتعلَّق التحريم قبل البلوغ بالولي وبعده به.

ولايَحرُم على المفعول بسببه شيء عندنا؛(7) للأصل، وربما نُقل عن بعض الأصحاب

ص: 175


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 328، ح 1349.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 331 ، ح 1362.
3- المقنعة، ص، 504: المراسم،ص،151.
4- سواء كان لشبهة أو إكراه: لأنّه من باب الأسباب(زين رحمه الله).
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310 ، ح 1286.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 471، ح 1889.
7- نبه بقوله «عندنا» على خلاف أحمد الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 7، ص 482 - 483] حيث حرم على الغلام أُمّ اللائط وبنته(منه رحمه الله).

تعلّق التحريم به كالفاعل،(1) وفي كثير من الأخبار،(2) إطلاق التحريم بحيث يمكن تعلقه بكلّ منهما، ولكنّ المذهب الأوّلُ.

المسألة السادسة

(لو عقد المُحْرِمُ) بفرض أو نفل بحج أو عمرة، بعد إفساده وقبله على أنثى عالماً بالتحريم حُرّمت أبداً بالعقد) وإن لم يدخل، وإن جَهل) التحريم الم تَحْرُم وإن دخل بها لكن يقع عقده فاسداً، فله العود إليه بعد الإحلال. هذا هو المشهور، ومستنده رواية زرارة عن أبي عبدالله(علیه السلام)(3) الدالة بمنطوقها على حكم العلم، وبمفهومها على غيره، وهو معتضد بالأصل فلايَضُرّ ضعفُ دَلالته. ولاتحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقاً.

المسألة السابعة

(لايجوز للحرّ أن يجمع زيادةً على أربع حرائر، أو حرَّتين ،وأمتين أو ثلاث حرائر وأمةٍ). بناءً على جواز نكاح الأمة بالعقد بدون الشرطين، وإلا لم تَجُز الزيادة على الواحدة لانتفاء العَنَتِ معها، وقد تقدَّم من المصنّف اختيارُ المنع،(4) ويَبعُد فرضُ بقاء الحاجة إلى الزائد عن الواحدة. ولافرق في الأمة الأمة بين القنّةِ والمدبَّرة والمكاتبة بقسميها حيث لم تُؤَدُّ شيئاً، وأُم الولد. (ولاللعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرّتين أو حرّةٍ وأمتين، ولايباح له

ص: 176


1- وهذا القول نقله السيد الفاخر عن بعض الأصحاب ولم يعينه، قال المصنف وهو الظاهر من كلام الراوندي في شرح النهاية محتجاً بشمول الرواية والأخبار المطلقة، منها: حسنة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله في الرجل يعبث بالغلام قال : «إذا أوقب حرمت عليه ابنته وأخته وقريب منها رواية إبراهيم بن عمير وموسى بن سعدان عنه . منه رحمه الله) [الكافي، ج 5، ص 417 ، باب الرجل يفسق بالغلام..... ح 1 و 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310، ح 1287].
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310، ح 1285 و 1286.
3- الكافي، ج 5، ص 426، باب المرأة التي تحرم على الرجل،ح، 1.
4- تقدّم في ص 171.

ثلاث إماء وحرّة). والحكم في الجميع إجماعي. والمُعتَقُ بعضُه كالحر في حق الإماء وكالعبد في حق الحرائر؛ والمُعتَقُ بعضُها كالحرّة في حق العبد وكالأمة في حق الحرّ. (كلّ ذلك بالدوام، أمّا المتعة فلاحصر له على الأصح)؛ للأصل، وصحيحةِ زرارةً قال: قلت: ما يَحِلّ: من المتعة؟ قال: «كم شئتَ»(1) وسأل أبو بصير أبا عبدالله(علیه السلام)شئتَ»، الله عن المتعة أهي من الأربع؟ قال: لا ولا من السبعين»،(2) وعن زرارة، عن الصادق(علیه السلام) قال: ذكر المتعة أهي من الأربع؟ قال: «تزوج منهنّ ألفاً فإنّهنّ مُستأجرات»(3)

وفيه نظر؛ لأنّ الأصل قد عُدِل عنه بالدليل الآتي والأخبار المذكورةَ وغيرَها،(4) في هذا الباب ضعيفةً أو مجهولة السند أو مقطوعة،(5) فإثباتُ مثل هذا الحكم المخالفِ للآية(6) الشريفة وإجماع باقي علماء الإسلام مشكل، لكنّه مشهور حتّى أنّ كثيراً من الأصحاب لم يَنقُل فيه خلافاً، فإن ثبت إجماع كما ادعاه ابن إدريس،(7) وإلا فالأمر

كما ترى.

ونبه بالأصح على خلاف ابن البراج حيث مَنَع في كتابيه من الزيادة فيها على الأربع،(8) محتجاً بعموم الآية، وبصحيحة أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن[الرضا]علیه السلام، قال: سألته عن الرجل تكون عنده المرأة أيَحِلّ له أن يتزوج بأختها متعة.

ص: 177


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258، ح 1117.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258، ح، 1118.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258 - 259، ح، 1119.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259 و 260، ح 1122 و 1124.
5- صحيح زرارة الأول مقطوع، وخبر أبي بصير في طريقه جهالة بالحسين بن محمد وضعيف بالمعلى بن محمد. وخبر زرارة الثاني فيه جهالة بالحسين وسعدان بن مسلم بقي فيه خبر محمّد بن مسلم، وفيه جهالة بالقاسم بن عروة وخبر بكيربن محمد الأزدي، وفيه جهالة بالحسين، وفي بكر نظر، تأمل(منه رحمه الله).
6- النساء (4): 3.
7- السرائر، ج 2، ص 624.
8- المهذب، ج 2، ص 243؛ حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 238 و 239، المسألة 162.

قال: «لا»، قلتُ حَكى زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام): «إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء». قال: «لا»، هنّ من الأربع»(1) ورَوَى عمّار عن أبي عبد الله له في المتعة قال: «هي إحدى الأربع»(2)

وأجيب بأنّه محمول على الأفضل والأحوط؛(3) جمعاً بينهما وبين ما سبق ولصحيحة أحمد بن أبي نصر عن الرضا(علیه السلام) قال: قال أبو جعفر(علیه السلام): اجعلوهن من ال الأربع. فقال له صفوان بن يحيى على الاحتياط؟ قال: نعم»(4)

واعلم أنّ هذا الحمل يحسُن لو صح شيء من أخبار الجواز لا مع عدمه، والخبر الأخير ليس بصريح في جواز مخالفة الاحتياط. وفي المختلف اقتَصَر مِن نقل الحكم

على مجرّد الشهرة،(5) ولم يُصرّح بالفتوى، ولعله لما ذكرناه. (وكذا )لاحصرللعدد(بملك اليمين إجماعاً) والأصل فيه قوله تعالى: (إِلَّا عَلَى

أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ)(6) هذا في ملك العين، أما ملك المنفعة كالتحليل ففي 6 إلحاقه به نظر، من الشكٍّ في إطلاق اسم ملك اليمين عليه، والشك في كونه عقداً أو إباحة، والأقوى إلحاقه به وبه جزم في التحرير،(7)

المسألة الثامنة

(إذا طلَّق ذو النصاب الذي لايجوز تجاوزُهُ واحدةً أو أكثر طلاقاً (رَجْعيّاً لم يَجُز له التزويج دائماً حتى تخرُج) المطلَّقةُ من (العدّة)؛ لأنّ المطلقة رجعيّاً بمنزلة الزوجة، فالنكاح الدائم زمن العدّة بمنزلة الجمع زائداً على النصاب.

ص: 178


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1122.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1121.
3- كالشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ذيل الحديث 1123.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1123.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 238 ، المسألة 162.
6- المؤمنون (23): 6.
7- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 514 ، الرقم 5091.

(وكذا) لايجوز له تزويج (الأُخت) أي أُخت المطلقة رجعياً (دائماً ومتعةً) وإن كانت المطلَّقة واحدةً؛ لأنه يكون جامعاً بين الأختين.

(ولو كان) الطلاق(بائناً جاز) تزويج الزائدة عن النصاب، والأُختِ؛ لانقطاع العصمة بالبائن وصيرورتها كالأجنبية لكن على كراهية شديدة)؛ لتَحَرُّمِها بحرمة الزوجية، وللنهي عن تزويجها مطلقاً في صحيحة زرارة عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا جَمَع الرجلُ أربعاً فطلق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التى طُلِّقَتْ. - وقال : - لايجمع ماءَه في خمس،(1) وحُمِل النهيُ على الكراهة،(2) جمعاً.

المسألة التاسعة

لاتَحِلّ الحرّة على المطلق(ثلاثاً) يَتَخَلَّلُها رجعتان أيَّ أنواع الطلاق كان إلّا بالمُحَلَّل وإن كان المطلق عبداً)؛ لأن الاعتبار في عدد الطلقات عندنا بالزوجة. ولا تَحِلَّ الأمَةُ المطلَّقَةُ (اثنتين) كذلك (إلّا) بالمحلل ولو كان المطلق حرا)؛ للآية(3) والرواية،(4) (أمّا المطلَّقةُ تسعاً للعدة) والمراد به أن يُطَلِّقها على الشرائط ثمّ يُراجع في العدّة ويَطَأ ثمّ يُطلق في طهرٍ آخَرَ ثمّ يُراجِع في العدّة ويَطَاً، ثمّ يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخَرُ ثمّ يفارقها بعد أن يَطَأها فيتزوجها الأوّلُ بعد العدة ويفعل كما فعل

ص: 179


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 294، ح 1233.
2- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج،12، ص، 375.
3- البقرة .(2): 230.
4- فيه لفٌ ونشر ،مرتّب، أي دليل اعتبار الثلاث في الحرّة إطلاق الآية المتناول للزوج الحر والعبد. ولكن طلاق المطلقة مقيّد بالحرّة: الرواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) ودليل اعتبار الطلقتين في الأمة مع مطلق الزوج روايتا محمد بن مسلم والحلبي عن الباقر والصادق قال: «طلاق الحرّة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحرّ تطليقات». والعامة جعلوا الاعتبار بالزوج، فإن كان حر، اعتبر الطلاق ثلاثاً وإن كانت الزوجة أمة، وإن كان عبداً ثبت التحريم بعد طلقتين وإن كانت الزوجة حرّة(منه رحمه الله).تهذيب الأحكام، ج 8، ص 83، ح 283.

أوّلاً إلى أن يُكمِل لها تسعاً كذلك(ينكحها رجلان) بعد الثالثة والسادسة، فإنّها تَحْرُم أبداً). وإطلاق التسع للعدة مجاز؛ لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث ليست للعدّة، فإطلاقه عليها إما إطلاقاً لاسم الأكثر على الأقل، أو باعتبار المجاورة.

وحيثُ كانت النصوص،(1) والفتاوى مطلقةً في اعتبار التسع للعدة في التحريم المؤبد كان أعم من كونها متواليةً ومتفرّقةً، فلو اتَّفق في كلّ ثلاث واحدةٌ للعدّة اعتُبِر فيه إكمال التسع كذلك. لكن هل يُغتفر منها الثالثة من كلّ ثلاث؛ لاغتفارها لو جامعت الاثنتين للعدّة فيكفي وقوع الست للعدّة، أو يُعتبر إكمال التسع للعدة حقيقةً؟ يُحتمل الأوّلُ؛ لأنّه المعتبرُ عند التوالي، ولأنّ الثالثة لم يتحقَّق اعتبارُ كونها للعدّة، وإنما استفيد من النصّ،(2) التحريمُ بالست الواقعة لها فيُستصحب الحكم مع عدم التوالي.

والثاني؛ لأنّ اغتفار الثالثة ثبت مع التوالي على خلاف الأصل، فإذا لم يحصل اعتُبرت الحقيقة خصوصاً مع كون طلقة العدّة هي الأولى خاصةً، فإنّ علاقتي المجاز منتفيتان عن الثالثة؛ إذ لا مجاورة لها للعِدّيّة ولا أكثرية لها، بخلاف ما لو كانت العدّيّة الثانية فإنّ علاقة المجاورة موجودة. والثاني أقوى. فإن كانت العديّة هي الأولى تعلّق التحريم بالخامسة والعشرين،

وإن كانت الثانية فبالسادسة والعشرين.

ويَبقَى فيه إشكالٌ آخَرُ وهو أن طلاق العدّة حينئذٍ لايتحقق إلا بالرجعة بعده والوطء، فإذا توقف التحريم على تحقق التسع كذلك لزم تحريمها بعد الدخول في الأخيرة بغير طلاق وهو بعيد، ولو توقف على طلاقٍ آخَرَ بعده ولم يكن ثالثاً لَزِم جعْلُ ما ليس بمُحَرِّم محرّماً، والحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل، وكلاهما بعيد، وليس في المسألة شيء يُعتمد عليه، فللتوقف فيما خالَفَ النصَّ مجال. هذا كله حكم الحرّة، أمّا الأمة فقد عرفت أنّها تحرم بعد كل طلقتين فلايجتمِع لها طلاقُ تسعٍ للعدّة مع نكاح رجلين وهما معتبران في التحريم نصاً وفتوى،فيُحتمَل

ص: 180


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 305، ح 1272، وص 311، ح 1290.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 33، ح 98.

تحريمُها بستّ؛ لأنّها قائمةٌ مقام التسع للحرّة وينكحها بينها رجلان ويُحتمل اعتبارُ التسع كالحرّة؛ استصحاباً للحل إلى أن يثبت المُحَرِّم. ولا يَقدَح نكاحُ أزيد من رجلين؛ لصدقهما مع الزائد. وعلى التقديرين فيُحتمل اعتبارُ العددِ كله للعدّة اقتصاراً في المجاز على المتحقق، والاكتفاء في كلّ اثنتين بواحدة للعدّة وهي الأولى؛ لقيامها مقام الاثنتين، ولصدق المجاز في إطلاق العدّيّة على الجميع بعلاقة المجاورة؛ فعلى الأوّل يُعتبر اثنتا عشرةَ تطليقةً إذا وقعت الأولى من كل اثنتين للعدّة، وعلى التسع فثماني عشر، ويبقى الكلامُ الثانية عشرة والثامنة عشرة كما مرّ. وعلى الثاني يُكتفى بالست أو التسعِ. ويُحتمل الأمة عدم تحريمها مؤيَّداً مطلقاً؛ لأنّ ظاهر النصّ،(1) أنّ مورده الحرّةُ بقرينة نكاح الرجلين مع التسع فيُتَمَسَّك في الأمة بأصالة بقاء الحلّ، ولعدم اجتماع الشرطين فيها؛ للتوقف مجال.

المسألة العاشرة

تَحْرُمُ الملاعنة أبداً وسيأتي الكلام في تحقيق حكمها وشرائطها،(2) (وكذا) تَحْرُمُ (الصمّاءُ والخَرساءُ إذا قَذَفها زوجها بما يُوجب اللعان) لولا الآفة، بأن يرميها بالزنى مع دعوى المشاهدة وعدم البيِّنة، فلو لم يَدَّعِ المشاهدة حُدَّ ولم تحرم. ولو أقام بيّنةً بما قَذَفها به سَقَط الحد عنه والتحريم كما يَسقُط اللعان؛ لأنّ ذلك هو مقتضى حكم القذف في إيجاب اللعان وعدمه. ولا يَسقُط الحدُّ بتحريمها عليه، بل يُجمع بينهما إن ثبت القذف عند الحاكم،(3) وإلا حُرمت فيما بينه وبين الله تعالى وبَقِيَ الحدُّ في ذمّته؛ على ما دَلَّت عليه روايةُ

ص: 181


1- تقدم آنفاً.
2- يأتي في ص 341 وبعدها.
3- لعدم المنافات وإن سقط باللعان من حيث إقامته مقام الشهود المسقط للحد عنه، والرواية مصرّحة بثبوته مع التحريم وبأنها تحرم عليه بذلك فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يترافعه إلى الحاكم أو لم يسمعه أحد ويبقى الحدّ في ذمته كذلك(منه رحمه الله).

أبي بصير،(1) التي هي الأصل في الحكم وإن كان المستند الآن الإجماع عليه كما ادعاه الشيخ رحمه الله)(2)

ودلَّت الرواية،(3) أيضاً على اعتبار الصمم والخَرَس معاً،(4) فلو اتصفت بأحدهما خاصة فمقتضى الرواية ودليل الأصل عدم التحريم، ولكن أكثر الأصحاب(5) عطفوا أحد الوصفين على الآخر ب«أو» المقتضي للاكتفاء بأحدهما، والمصنف عطف ب«الواو» وهو يدلّ عليه أيضاً، ولكن وَرَد الخَرَسُ وحده في روايتين،(6) فالاكتفاء به وحده حَسَنُ، أمّا الصَّمَمُ وحده فلا نصّ عليه بخصوصه يُعْتَد به. وفي التحرير،(7) استشكل حكم الصمّاء خاصة بعد أن استقرَب التحريم.

ولو نَفَى ولدها على وجه يثبت اللعانُ به لو كانت غير مؤوفة، ففي ثبوتِ اللعان أو تحریمها به کالقذف و جهان من مساواته للقذف في التحريم المؤبد باللعان فيساويه في المعلول الآخر، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على أنّه لا لعان للصمّاء والخَرْساء،(8) ومن عمومِ الآية،(9) المُتناول لكل زوجة خَرَج منه قذفهما بالنص أو الإجماعِ

ص: 182


1- رواية أبي بصير رواها الشيخ في الموثق وفي الكافي في الصحيح. الكافي، ج 6، ص، 166، باب اللعان، ح 18: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310 - 311، ح 1288.
2- الخلاف، ج 5، ص 13، المسألة 9.
3- روى الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله عن رجل قد قذف امرأته بالزنى وهي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال فقال : إن كان لها بينة تشهد له عند الإمام جلد بحد وفرق بينهما،ثم لاتحل له أبداً، وإن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها»(منه رحمه الله).
4- وبذلك عبر جماعة، واكتفى أكثر الأصحاب بأحد الأمرين وهو موجود في هذه الرواية في التهذيب بلفظ «أو» في النسخة التي عندنا، وفي الكافي بحذفها كما ذكرناه(منه رحمه الله).
5- منهم: الشيخ في المبسوط ، ج 4 ، ص 216 : والقاضي في المهذب، ج 2، ص 183 وسلار في المراسم ص، 165.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 193، ح 673 و 676.
7- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 471، الرقم 5007.
8- الخلاف، ج 5، ص 13، المسألة .9.
9- النور (24): 6-9.

فيبقى الباقي داخلاً في عموم الحكم باللعان وتوقف التحريم عليه، ولا يلزم من مساواة النفي القذف في حكم مساواته في غيره؛ لأنّ الأسباب متوقفة على النص، والإجماع إنّما نُقل على عدم لعانهما مع القذف كما صرح به الشيخ فلا يلحق به غيره. والظاهر أنه لا فرق هنا مع القذف بين دخوله بهما وعدمه؛ عملاً بالإطلاق، أما نفي الولد فاشتراطه حسن ومتى حُرِّمَت قبل الدخول فالأجود ثبوت جميع المهر؛ لثبوته بالعقد فيُستصحب، وتنصُّفُه في بعض الموارد لا يوجب التعدّي. وألحق الصدوق (رحمه الله) في الفقيه بذلك قذف المرأةِ زوجها الأصم،(1) فحَكَم بتحريمها عليه مؤيَّداً؛ حملاً على قذفه لها، وهو مع غَرابته قياس لانقول به.

المسألة الحادية عشَرَ

تَحرُم الكافرة غيرُ الكتابية وهي اليهوديّة أو النصرانية أو المجوسية (على المسلم إجماعاً، و تحرُم (الكتابية) عليه (دواماً لامتعةً ومِلك يمين) على أشهر الأقوال، والقول الآخر الجواز مطلقاً،(2) والثالث المنع مطلقاً،(3) وإنّما جعلنا المجوسية من أقسام الكتابية مع أنّها مغايرة لها وإنْ لَحِقَتْ بها في الحكم؛ لدعواه الإجماع على تحريم نكاح من عداها مع وقوع الخلاف في المجوسية، فلولا تغليبه الاسم عليها لدَخَلت في المُجمَع على تحريمه. ووجه إطلاقه عليها أنّ لها شُبهة كتاب صح بسببه التجوّز ، والمشهور بين المتأخرين أن حكمها حكمها فناسب الإطلاق. وإنّما يُمنَع من نكاح الكتابية ابتداءً لا استدامةً؛ لما سيأتي من أنّه لو أسلم زوج الكتابية فالنكاح بحاله.

(ولو ارْتَدَّ،(4) أحدُ الزوجين) عن الإسلام قبل الدخول بطل النكاح سواء كان

ص: 183


1- الفقيه، ج ،4 ص 50 ذيل الحديث 5075.
2- حكاه عن العزّية للشيخ المفيد الشهيد في غاية المراد،ج 3، ص،72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
3- كالسيد المرتضى في الانتصار، ص 279، المسألة 155؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 527.
4- الردّة هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام قطعاً أو اعتقاداً أو شكاً(زين رحمه الله).

الارتدادُ فطريّاً أم مليّاً، ( ويجب) على الزوج (نصفُ المهر إن كان الارتداد من الزوج)؛ لأنّ الفسخ جاء من جهته فأشبه الطلاق. ثمّ إن كانت التسمية صحيحةً فنصف المسمّى، وإلا فنصف مهر المثل. وقيل: يجب جميع المهر؛ لوجوبه بالعقد ولم يثبت تشطيره إلا بالطلاق،(1) وهو أقوى ولو كان الارتداد منها فلامهر لها؛ لأنّ الفسح جاء من قبلها قبل الدخول،(2)

(ولو كان الارتداد (بعده) أي بعد الدخول(وقف) انفساخ النكاح (على انقضاء العدّة) إن كان الارتداد من الزوجة مطلقاً، أو من الزوج عن غير فطرة، فإن رجع المرتد قبل انقضائها ثبت النكاح وإلا انفسخ (ولايسقط شيء من المهر؛ لاستقراره بالدخول.

(ولو كان) ارتداده (عن فطرة بانت الزوجة (في الحال)؛ إذ لا تقبل توبته(3) بل يُقتل، وتَخرُج عنه أمواله بنفس الارتداد، وتبين منه زوجته وتَعْتَدّ عدة الوفاة. (ولو أسلم زوج الكتابية دونها (فالنكاح بحاله قبل الدخول وبعده دائماً ومنقطعاً، كتابياً كان الزوج أم وَتَنِيّاً، جوّزنا نكاحها للمسلم ابتداءً أم لا.

ولو أسلمت دونه بعد الدخول (وقف) الفسخ (على) انقضاء (العدّة) وهي عدة الطلاق من حين إسلامها، فإن انقضت ولم يُسلِم تَبيَّن أنّها بانت منه حين إسلامها، وإن أسلم قبل انقضائها تَبيَّن بقاءُ النكاح هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه الفتوى، وللشيخ (رحمه الله) قول بأن النكاح لا ينفسخ بانقضاء العدة إذا كان الزوج ذمّيّاً لكن لا يُمَكِّن من الدخول عليها ليلاً ولا من

ص: 184


1- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 410.
2- أشار بذلك إلى ضابط كلّي وهو أنه متى كان انفسخ منها قبل الدخول، فلاشيء لها ولا يستثنى عن ذلك إلا شيء واحد وهو ما لو فسخت الزوجة قبله بعنة فإنّ لها نصف المهر (منه رحمه الله).
3- ظاهر هذا ينافي ما قدمه في قضاء الصلاة من قبول توبة الفطري مطلقاً وما سيأتي في الميراث من القبول باطناً لا ظاهراً وقريب منه في الحدود(منه رحمه الله).

الخلوة بها، ولا من إخراجها إلى دار الحرب ما دام قائماً بشرائط الذمة؛(1) استناداً إلى روايات ضعيفة مرسلة،(2) أو معارضة بما هو أقوى،(3) منها.

(وإن كان الإسلام قبل الدخول وأسلَمَتْ الزوجة بطل العقد ولا مهر لها؛ لأنّ الفرقة جاءت من قبلها، وإن أسلم الزوج بَقِيَ النكاحُ كما مر ولو أسلما معاً ثبت النكاح؛ لانتفاء المقتضي للفسخ.

المسألة الثانية عشر

لو أسلم أحدُ الزوجين (الوَثَنِيَّيْن) المنسوبين إلى عبادة الوَثَن وهو الصَّنَم، وكذا من بحكمهما من الكفّار غيرِ الفِرَقِ الثلاثة، وكان الإسلام قبل الدخول بطل النكاحُ مطلقاً؛ لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة غير الكتابية؛ لتحريمه ابتداءً واستدامة، وإن كان الزوجة فأظهر. ويجب (النصف أي نصف المهر (بإسلام الزوج) وعلى ما تقدَّم(4) فالجميع، ويسقط بإسلامها لما ذكر.

(وبعده) أي بعد الدخول( يقف) الفسخ (على) انقضاء (العدّة) فإن انقضت ولم يُسلم الآخَرُ تبيَّن انفساخه من حين الإسلام وإن أسلم فيها استمر النكاح. وعلى الزوج نفقةُ العدّة مع الدخول إن كانت هي المسلمة، وكذا في السابق، ولو كان المسلم هو فلانفقة لها عن زَمَن الكفر مطلقاً؛ لأنّ المانع منها مع قدرتها على زواله. ولو أسلما معاً فالنكاح بحاله)؛ لعدم المقتضي للفسخ والمعتبرُ في ترتّب الإسلام ومعيّته بآخر كلمة الإسلام لا بأولها. ولو كانا صغيرين قد أنكحهما الوليُّ فالمعتبرُ إسلام أحد الأبوين في إسلام ولده ولا اعتبار بمجلس الإسلام عندنا.

ص: 185


1- قال به في النهاية، ص 457.
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 302، ح 1259.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 300 ، ح 1155.
4- تقدم في ص 184.

(ولو أسلم الوَثَنِی) ومن في حكمه أو الكتابي على أكثر من أربع نسوة بالعقد الدائم فأَسْلَمْنَ أوكُنَّ كتابياتٍ) وإن لم يُسلِمْنَ (تخيَّر أربعاً) منهنّ وفارَقَ سائرَهن إن كان حرّاً وهنّ حرائر، وإلّا اختار ما عُيِّن له سابقاً من حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وأمة، والعبد يختار حرتين أو أربع إماء أو حرّةً وأمتين، ثم تتخيَّر الحرّة في فسخ عقد الأمة وإجازته كما مر،(1).

ولو شَرَطنا في نكاح الأمة الشرطين توجه انفساخُ نكاحها هنا إذا جامعت حرة؛ لقدرته عليها المنافية لنكاح الأمة. ولو تعدّدت الحرائر اعتبِر رضاهنّ جُمَعَ ما لم يَزِدْنَ على أربع فيُعتبر رضى من يختارهنّ من النصاب ولا فرق في التخيير بين مَن تَرتَّب عقدهن واقترن، ولا بين اختيار الأوائل والأواخر، ولا بين من دَخَل بهنّ وغيرِهنّ. ولو أسلم معه أربعٌ وبَقِيَ أربع كتابيات فالأقوى بقاء التخيير.

المسألةالثالثة عشر

لايُحكّم بفسخ نكاح العبد باباقه وإن لم يَعُدْ في العدّة على الأقوى)؛ لأصالة بقاء الزوجية، (ورواية عمار) الساباطي عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن رجل أَذِنَ لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ثمّ إنّ العبد أَبَق. فقال: «ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته، وهو بمنزلة المرتد عن الإسلام» قلت: فإن رجع إلى مواليه ترجع امرأته إليه؟ قال: «إن كانت قد انقضت عدتُها ثمّ تزوّجت غيره فلاسبيل له عليها وإن لم تَتَزَوَّج ولم تَنقَضِ العدّة فهي امرأته على النكاح الأول»(2)(ضعيفة) السند فإنّ عمّاراً وإن كان ثقة إلا أنه فطحي لا يُعتمد على ما ينفرد به.

ونيَّه بالأقوى، على خلاف الشيخ في النهاية،(3) حيث عَمِل بمضمونها، وتَبِعه

ص: 186


1- تقدّم في ص 170 وما بعدها.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص،207،ح،731.
3- النهاية، ص 498.

ابن حمزةَ،(1) إلّا أنّه خصَّ الحكم بكون العبد زوجاً لأمة غير سيّده قد تزوجها بإذن السيّدين. والحق المنعُ مطلقاً، ووجوب النفقة على السيّد، ولا تبين المرأة إلا بالطلاق.

المسألة الرابعة عشر

الكفاءة بالفتح والمد وهي تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان إلا أن يكون المؤمنُ هو الزوج والزوجة مسلمة من غير الفِرَقِ المحكوم بكفرها مطلقاً،(2) أو كتابيةً في غير الدائم. وقيل: يُعتبر مع ذلك يسار الزوج

" بالنفقة قوّةً أو فعلاً،(3) وقيل: يُكتفى بالإسلام،(4) والأشهر الأول، وكيف فُسِّرَت فهي (معتبرة في النكاح فلايجوز للمسلمة) مطلقاً التزوّج بالكافر) وهو موضع وفاق، (ولايجوز للناصب التزوّج بالمؤمنة)؛ لأنّ الناصبي شر من اليهودي والنصراني على ما رُوِيَ في أخبار أهل البيت(علیهم السلام)،(5) وكذا العكس سواء الدائمُ والمتعةُ. (ويجوز للمسلم التزويج متعةً أو استدامةً) للنكاح على تقدير إسلامه (كما مر بالكافرة) الكتابية ومنها المجوسية، وكان عليه أن يُقيَّدها ولعلّه اكتفى بالتشبيه بما مرّ. (وهل يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف) من أيّ فِرَقِ الإسلام كان ولو من الشيعة غير الإمامية؟ (قولان) أحدهما - وعليه المُعْظَم - المنعُ؛(6) لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمنون بعضُهم أَكْفاءُ بعض»،(7) دَلّ بمفهومه على أنّ غير المؤمن لايكون كُفُواً للمؤمنة، وقوله : «إذا جاءكم من ترضون خُلْقَه ودينه فزَوِّجُوه، إن لاتفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(8) والمؤمن لا يَرضَى دين غيره، وقول الصادق(علیه السلام): «إن العارفةَ

ص: 187


1- الوسيلة، ص 307.
2- كالخوارج والنواصب والمجسّمة والغلاة ومن خرج عن الإسلام بقول أو فعل(منه رحمه الله).
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 410.
4- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 512.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 223، ح 639 .
6- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 409 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 557.
7- تهذيب الأحكام،ج، 7، ص 397،ح، 1588.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص،396،ح،1586.

لا تُوضع إلا عند عارف»(1) وفي معناها أخبار(2) كثيرة،(3) واضحة الدلالة على المنع لو صح سندها، وفى بعضها تعليل ذلك بأنّ «المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه»(4)

والثاني: الجواز على كراهية، اختاره المفيد والمحقق ابن سعيد،(5) إما لأن الإيمان هو الإسلام، أو لضعف الدليل الدال على اشتراط الإيمان فإنّ الأخبار بين مرسل وضعيف ومجهول.

ولا شك أن الاحتياط المطلوب في النكاح المترتب عليه مهام الدين مع تظافر الأخبار بالنهي(6) وذَهَابِ المُعظَم إليه حتى ادَّعَى بعضُهم الإجماع عليه(7) يُرجّح القول الأوّلَ.

واقتصار المصنّف على حكاية القولين مشعر بما نبهنا عليه. (أمّا العكس فجائز) قطعاً؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها فيقودها إلى الإيمان والإذن فيه من الأخبار كثيرٌ(8)

المسألةالخامسة عشرَ

ليس التمكن من النفقة) قوةً أو فعلاً (شرطاً في صحة العقد)؛ لقوله تعالى: (وَأَنكِحُواْ الْأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَابِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)(9) وللخبرين السالفين،(10) ثم إن كانت

ص: 188


1- لكافي، ج 5، ص 350، باب مناكحة النصاب والشكاك، ح، 11.
2- في صحيحة علي بن مهزيار قال كتب عليّ بن أسباط إلى أبي جعفر في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وأنك لاتجد أحداً مثلك، فلاتنظر في ذلك رحمك الله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال .... (منه رحمه الله).
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 302 و 304 ، ح 1260 و 1266.
4- الكافي، ج 5، ص 349، باب مناكحة النصاب والشكاك ، ح 5.
5- انظر المقنعة ص 512 الجامع للشرائع، ص، 432.
6- تقدم آنفاً.
7- كالشيخ في الخلاف، ج 4، ص 271، المسألة 27؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 557.
8- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 304 و 305، ح 1166 و 1269.
9- النور (24) 32.
10- تقدّم في ص 187، الهامش 7 و 8.

عالمةً بفقره لزم العقد وإلا ففي تسلطها على الفسخ إذا علمت قولان،(1) مأخذُهما لزومُ التضرّر ببقائها معه كذلك المنفي بالآية(2) والرواية،(3) وأنّ النكاحَ عقدٌ لازمٌ والأصل البقاء ولقوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)(4) وهو عامٌ، وهو الأجود.

والوجهان آتيان فيما إذا تجدَّدَ عجزه. وقيل: هو شرط في صحة النكاح كالإسلام، وأن الكفاءة مركبة منهما أو منهما ومن الإيمان،(5).

والأقوى عدم شرطيّته مطلقاً. (نعم)، هو شرط في وجوب الإجابة) منها أو من ولیّها،(6) لأنّ الصبرَ على الفقر ضررٌ عظيم في الجملة، فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته وإن جازت أو رُجحت مع تمام خُلْقه وكمال دينه كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إنكاح جويبر(7) وغيره، وملاحظة المال مع تمام الدين ليس مَحَطَّ نظرِ ذوي الهمم الموالي.

المسألة السادسة عشر

(يُكره تزويج الفاسق، خصوصاً شارب الخمر) قال الصادق(علیه السلام): «مَن زَوَّج كريمتَه مِن شارب خمرٍ فقد قَطَع رَحِمَها»(8) وذهب بعض العامة

ص: 189


1- القول بالاشتراط للمفيد في المقنعة ص:512؛ والشيخ في المبسوط، ج 3، ص،410: القول بالعدم للقاضي ابن البراج في المهذب، ج، 2، ص، 179؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 290.
2- البقرة (2): 185: الحج (22): 78.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147 ، ح 651.
4- البقرة (2) 280.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 410.
6- وإن كانت أخفض نسباً وامتنع الولي كان عاصياً إنما تجب الإجابة مع قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة وإنما يكون عاصيّاً مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئاً وإن كان أدون منه وإلا جاز العدول إليه وكان وجوب الإجابة تخييرياً فلايكون الولي عاصيّاً بذلك وإنما يتعلق الحكم بالولي على القول بأنّ له الولاية على البكر البالغ وإلا فالتكليف يتعلّق بها بالولي، وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة أم يجب على الوليّ الإجابة لمن ذكر وإن كانت صغيرة؟ وجهان من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة(زين رحمه الله).
7- الكافي، ج 5، ص 339 باب أن المؤمن كفو المؤمنة،ح،1.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص،398،ح،1590.

إلى عدم جواز تزويج الفاسق مطلقاً إلا لمثله؛(1) لقوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّايَسْتَوُنَ)(2)

المسألة السابعة عشر

(لايجوزُ التعريضُ بالعقد لذات البعل) اتفاقاً، ولما فيه من الفَساد (ولا للمُعتدّة رجعيّةً)؛ لأنّها في حكم المزوجة.

والمراد بالتعريض الإتيانُ بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها مع ظهور إرادتها مثل: رُبّ راغب فيكِ وحريص عليكِ، أو: إني راغب فيكِ، أو أنتِ عليّ كريمة أو عزيزة أو: إن الله لسائق إليكِ خيراً أو رزقاً، ونحو ذلك. وإذا حرم التعريض لهما فالتصريح أولى.

(ويجوزُ في المعتدة باتنا كالمختلفة التعريض من الزوج وإنْ لم تَحِلّ له في الحال (وغيره، والتصريح منه) وهو الإتيان بلفظ لا يحتمل غير إرادة النكاح (إن حَلّت له في الحال بأن تكون على طلقة أو طلقتين وإن توقف الحِلّ على رجوعها في ال البدل.

(ويَحرُم) التصريح منه (إن) توقف حِلُّها له (على المحلل، وكذا يحرم التصريح) في العدّة (من غيره مطلقاً)، سواء توقف حِلُّها للزوج على محلّل أم لا.

وكذا منه بعد العدة.

(ويحرُمُ التعريض للمطَلّقة تسعاً) للعدّة (من الزوج)؛ لامتناع نكاحه لها، ومثلها الملاعنة ونحوها من المحرمات على التأبيد. (ويجوز) التعريض لها (من غيره) كغيرها من المطلقات بائناً. واعلم أنّ الإجابة تابعة للخطبة في الجواز والتحريم، ولو فَعَل الممنوع تصريحاً أو تعريضاً لم تحرم بذلك فيجوز له بعد انقضاء العدّة تزويجها، كما لو نَظَر إليها في وقت تحريمه ثمّ أراد نكاحها.

ص: 190


1- انظر الشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج،7، ص،374 - 375؛ ومغني المحتاج، ج،3، ص 166.
2- السّجدة (32): 18.
المسألة الثامنة عشر

(تَحرُم الخِطبة بعد إجابة الغير) منها(1) أو من وكيلها أو وليّها ؛ لقوله(صلی الله علیه واله وسلم): «لايخطب أحدكم على خِطبة أخيه»(2) فإنّ النهيَ ظاهرٌ في التحريم ولما فيه من إيذاء المؤمن وإثارة الشحناء المحرَّم فيحرُم ماكان وسيلةٌ إليه. ولو رُدَّ لم تحرم إجماعاً، ولو انتفى الأمران فظاهر الحديث التحريم أيضاً، لكن لم نَقِفْ على قائل به. (ولو) خالَفَ وخَطَب و (عَقَد صحَ) وإِنْ فَعَل محرَّماً؛ إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة وصحة العقد.

(وقيل: تُكرَه الخِطبة) بعد إجابة الغير من غير تحريم؛(3) لأصالة الإباحة، وعدم صيرورتها بالإجابة زوجةً، ولعدم ثبوت الحديث كحديث النهي عن الدخول في سَومه(4) وهذا أقوى وإن كان الاجتناب طريق الاحتياط. هذا كله في الخاطبِ المُسْلِمِ،

؛ أما الذمّى إذا خَطَب الذمّيّة لم تحرم خِطبة المسلم لها قطعاً للأصل، وعدم دخوله في النهي ؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «على خطبة أخيه»(5)

المسألة التاسعةَ عشَرَ

(يُكرَه العقد على القابلة المربّية)؛ للنهي عنه في عدّة أخبارٍ(6) المحمولة على الكَراهة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ صريحاً على الحِلّ(7) وقيل:

ص: 191


1- المراد بإجابتها إظهار قبولها له بأن تقول: أجبتك إلى ذلك أن يأذن لوليّها أو وكيلها في التزويج إن كانت ثيباً أو تسكت إذا استأذنها فيه إن كانت بكراً وجعلنا لها الولاية، وفي حكم إجابتها إجابة وليها حيث يكون له الولاية ولو أجابت بما يؤذن بالرضى من غير تصريح به مثل لارغبة فيك، ففي التحريم وجهان، وكذا لو لم يوجد إجابة ولا ردّ(منه رحمه الله).
2- السنن الكبرى البيهقي،ج،7،ص،291،ح، 14029.
3- قال به المحقق في المختصر النافع، ص 287؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 114.
4- الفقيه، ج 4، ص 5، ح 4971.
5- تقدّم في الهامش 2.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 455 ، ح 1822 و 1823.
7- تهذيب الأحكام، ج،7،ص،455،ح،1821.

تحرُم(1) عملاً بظاهر النهى ولو قَبِلَتْ ولم تُرَبِّ أو بالعكس لم تحرم ولم يُكره قطعاً. والمعتبر في التربية مسمّاها؛ عملاً بالإطلاق. وكذا يُكره العقد على بنتها؛ لأنّها بمنزلة أخته كما أنّ القابلة بمنزلة أُمّه لورودها معها في بعض الأخبار(2) وكان عليه أن يذكرها إلا أنه لا قائل هنا بالمنع. (و) كذا يُكرَه أن يُزوِّج ابنه بنت زوجته المولودة بعد (مفارقته لأمها، وكذا ابنة أمته كذلك؛ للنهي عنه عن الباقر(علیه السلام) معللاً بأن أباء لها بمنزلة الأب(3) وكذا يكره تزويج ابنته لابنها كذلك، والرواية شاملة لهما؛ لأنه فَرَضَها في تزويج ولده لولدها، فلو فَرَضها المصنّف كذلك كان أشمل . (أمّا ) لو وَلَدَتْها قبل تزويجه فلا كراهة)، لعدم النهي وانتفاء العلة.

(وأن يتزوج بِضَرَّة الأُمّ مع غير الأب لو فارقها الزوج)؛ لرواية زرارة عن الباقر(علیه السلام): «قال ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضَرَّةً كانت لأُمّه مع غير أبيه»،(4) وهو شامل لما إذا كان تزوج ذلك الغير قبل أبيه وبعده.

المسألة العشرون

نكاح الشِغار بالكسر ، وقيل بالفتح أيضاً(5) (باطل) إجماعاً (وهو أن يزوج كلُّ من الوليين الآخَرَ على أن يكون بُضْعُ كلّ واحدةٍ مهراً للأخرى). وهو نكاح كان في الجاهلية؛ مأخوذ من الشعر وهو رفع إحدى الرجلين؛ إما لأنّ النكاحَ يُفضي إلى ذلك ومنه قولهم: «أَ شَغْراً وفَخراً؟!»(6) أو لأنّه يتضمَّن رفعَ

ص: 192


1- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص،326.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص،455،ح،1822.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،453،ح،1812.
4- تهذيب الأحكام،ج7،ص472،ح،1895.
5- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص580.
6- في مجالس السيد المرتضى (رحمه الله) [ ج 1، ص80: أن من الشعر الذي هو رفع الرجلين قول زياد لابنة معاوية وكانت عند ابنه فافتخرت يوماً عليه وتطاولت فشكاها إلى أبيه زياد فدخل عليها بالدرة يضربها ويقول: أشغراً وفخراً(منه رحمه الله).

المهر، أو من قبيل شَغْر البلد إذا خلا من القاضي والسلطان؛ لخلوه من المهر.. والأصل في تحريمه ما رُوِيَ من النهي عنه عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(1) ولو خلا المهرُ من أحد الجانبين بطل خاصةً. ولو شَرَط كلُّ منهما تُزوّجَ الأُخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمّى؛ لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم، والنكاح لايقبل الخيار فيثبُتُ مهرُ المثل. وكذا لو زوّجه بمهر وشَرَط أن يزوجه ولم يَذكُر مهراً.

ص: 193


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص،355،ح،1445.

الفصل الرابع في نكاح المتعة

وهو النکاح المنقطع.

(ولا خلاف بين الإمامية (في شرعيته مستمراً إلى الآن، أو لا خلاف بين المسلمين قاطبةً في أصل شرعيّته وإن اختلفوا بعد ذلك في نسخه. (والقرآن الكريم (مُصرِّحٌ به) في قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَتَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(1)

اتفق جمهورُ المفسّرين على أنّ المراد به نكاح المتعة وأجمع أهل البيت على ذلك، ورُوِيَ عن جماعة من الصحابة منهم: أبَيُّ بن كعب وابنُ عبّاس وابن مسعود أنّهم قرأوا : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى»(2)

(ودعوى نَسْخِه) أي نسخ جوازه من الجمهور (لم) تَثبت لتناقض رواياتهم بنسخه فإنهم رَوَوْا عن عليّ : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نَهى عن متعة النساء يوم خَيبر»(3) ورَوَوْا عن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه أنّه قال : شَكَونا العُرْبَةَ في حجة الوداع فقال : (اسْتَمتعُوا من هذه «النساء» فتزوجت امرأة ثمّ غَدَوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول: «إني كنت قد أَذِنْتُ لكم في الاستمتاع، ألا وإنّ الله قد حرَّمها إلى يوم القيامة»(4)

ومن المعلوم ضرورةً من مذهب عليّ وأولاده(علیهم السلام) حِلُّها وإنكارُ تحريمها بالغاية،

ص: 194


1- النّساء (4): 24.
2- مجمع البیان، ج 3، ص 32 ، ذيل الآية 24 من النساء.
3- صحيح البخاري، ج 5، ص 1966 ، ح 4825 : السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،327،ح 14146.
4- السنن الكبرى البيهقي،ج،7، ص،331،ح،14155.

فالرواية عن علي(علیه السلام) بخلافه باطلة.

ثمّ اللازم من الروايتين أن تكون قد نُسِخَت مرّتين؛ لأنّ إباحتها في حجة الوداع أوّلاً ناسخة لتحريمها يوم خيبر ولا قائل به. ومع ذلك فيتوجه إلى خبر سَبرَةَ الطعنُ سنده، واختلافُ ألفاظه ومعارضته لغيره.

ورَوَوْا عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبدالله بن عبّاس وابنُ

: مسعود، وسَلَمةُ بن الأكوع، وعِمران بن حصين، وأنس بن مالك أنّها لم تُنسَخ(1) وفي صحيح مسلم بإسناده إلى عطاء قال: قَدِم جابر بن عبد الله مُعتمِراً فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأبي بكر وعمر(2) وهو صريح في بقاء شرعيتها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير نسخ. (وتحريم بعض الصحابة) وهو عمر(3) (إيّاه تشريعٌ) من عنده (مردود عليه؛ لأنّه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النص إجماعاً، وإن كان بطريق الرواية فكيف خَفِي ذلك على الصحابة أجمعَ في بقية زمن النبي وجميع خلافة أبي بكر وبعض خلافة المُحَرِّم ؟! ثمّ يدلّ على أن تحريمه من عنده، لابطريق الرواية، قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلالاً أنا أَنهَى عنهما وأُعاقب عليهما(4) ولو كان النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قد نهى عنهما في وقت من الأوقات لكان إسناده إليه أولى وأدخل في الزجر.

ورَوَى شُعبةُ عن الحَكَم بن عُتَيْبَةَ وهو من أكابرهم، قال: سألته عن هذه الآية: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ)(5) أمنسوخة هي؟ قال : لا ثم قال الحَكَم : قال علي بن أبي

ص: 195


1- انظر المحلّى، ج 9، ص 129؛ ونيل الأوطار، ج 6، ص 135.
2- صحیح مسلم، ج 2، ص 1023، ذيل الحديث 1405/15.
3- الدرّ المنثور،ج2،ص487،ذيل الآية 24 من النساء (4).
4- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص 335،ح،14170.
5- النساء(4): 24.

طالب: «لولا أنّ عمر نهى عن عمر نهى عن المتعة ما زَنَى إلّا شفيُّ»(1) وفي صحيح الترمذي : أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء، فقال: هي حلال. فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيتَ إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنترك السنةَ ونَتَّبِع قولَ أبي؟!(2)

وأما الأخبار بشرعيته من طريق أهل البيت(علیهم السلام) فبالغةً أو كادت أن تَبلُغ حدَّالتواتر(3) لكثرتها، حتّى أنّه مع كثرة اختلاف أخبارنا الذي أكثره بسبب التقية وكثرة مخالفينا فيه لم يُوجد خبرٌ واحدٌ منها يدلّ على منعه وذلك عجيب.

(وإيجابه كالدائم) بأحد الألفاظ الثلاثة، ولاإشكال هنا في «متعتك»، وقبوله كذلك. ويزيد) هنا ذكرُ (الأجلِ) المضبوط المحروس عن الزيادة والنقصان (وذكرُ المهر) المضبوط كذلك بالكيل أو الوزن أو العددِ مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، ولو أَخلَّ به بطل العقد بخلاف الدائم.

(وحكمه كالدائم في جميع ما سلف من الأحكام شرطاً وولايةً وتحريماً بنوعيه

إلَّا ما استثني)(4) من أنّ المتعة لاتنحصر في عددٍ، وأنها تصح بالكتابية ابتداء. (ولا) تقدير في المهر قلةً ولاكثرةً) بل ما تراضيا عليه مما يتمول ولو بكفِّ مِن بُر وقدَّره الصدوق بدرهم(5) (وكذا) لاتقدير فى (الأجل) قلةً وكثرةً، وشذَّ قولُ بعض الأصحاب بتقديره قلّةً بما بين طلوع الشمس والزوال(6).

ص: 196


1- تفسير الطبري،ج4،ص 15 ذيل الآية. في بعض النسخ الخطية والمطبوعة «شقي»بدل«شفي».
2- الجامع الصحيح،ج3،ص 185،ح، 824، ولكنه في متعة الحج.
3- راجع تهذيب الأحكام،ج 7، ص،250،باب تفصيل أحكام النكاح ...
4- يعني في تحريم المصاهرة وأن يستمتع بأمة وعنده حرّة على الدوام أو متعة على الأقرب إلا بإذنها، ويحرم إدخال بنت الأخ أو بنت الأخت عليها إلا برضى العمّة أو الخالة له؛ فإنّ فعل كان موقوفاً أو باطلاً، قوله:«إلا ما يعني من عدم القسمة، وعدم النفقة، وعدم السكني، وأنه لاحصر، فيجوز أن يستمتع بأكثر من أربع، خلافاً لابن البرّاج المهذب (ج 1، ص 243](زين رحمه الله).
5- المقنع، ص 339.
6- قال به ابن حمزة في الوسيلة،ص،310

(ولو وهبها المدّةَ قبل الدخول فعليه نصفُ المسمّى)(1) كما لو طلَّق في الدوام قبله. وفي إلحاق هبة بعض المدة قبله بالجميع نظر، والأصل يقتضي عدم السقوط. ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع أو البعض لم يسقط منه شيء قطعاً؛ لاستقراره بالدخول. والظاهر أنّ هذه الهبة إسقاط بمنزلة الإبراء فلايفتقر إلى القبول.

(ولو أَخَلَّتْ بشيء من المدة اختياراً قبل الدخول أو بعده (قاصها) من المهر بنسبة ما أخلَّتْ به من المدة بأن يَبسُط المهر على جميع المدة ويُسقط منه بحسابه حتى لو أخلت بها أجمعَ سَقَط عنه المهرُ. ولو كان المنع لعذر كالحيض والمرض والخوف من ظالم لم يَسقُط باعتباره شيء، ويُحتمل ضعيفاً السقوط بالنسبة كالاختياري؛ نظراً إلى أنه في مقابلة الاستمتاع بقرينة المنع الاختياري، وهو مشترك بين الاختياري والاضطراري. وضعفه ظاهر. وفي رواية عمرَ بنِ حنظلةَ عن الصّادق(علیه السلام)(2) ما يدل على الحكمين.

وإطلاق المُقاصَّة على ذلك الوجه مجاز؛ لأنّ مجرّد إخلالها بالمدّة يُوجِب سقوط مقابلها من العوض الآخر ومثل هذا لايُعدّ مقاصة. ولو ماتت في أثناء المدّة أو قبل الدخول فأولى بعدم سقوط شيء كالدائم.

(ولو أخلَّ بالأجل في متن العقد انقلب دائماً أو بطل على خلاف) في ذلك

منشأه من صلاحية أصل العقد لكلّ منهما، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل. وللدّوام بعدمه، فإذا انتفى الأوّلُ ثبت الثاني؛ لأنّ الأصل في العقدِ الصحة، وموثقة ابن بكير عن الصّادق(علیه السلام) قال: «إن سُمِّيَ الأجلُ فهو متعة وإن لم يُسَمَّ الأجل فهو نكاح باق»،(3) وعلى هذا عَمِل الشيخ(4) والأكثرُ ومنهم المصنّف في شرح الإرشاد،(5) ومن أنّ

ص: 197


1- ولاعدّة (زين رحمه الله).
2- الفقيه،ج،3،ص،461.ح، 4599.
3- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،262،ح،1133.
4- النهاية، ص 489.
5- غاية المراد،ج3،ص،77 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج،3).

المتعةَ شرطها الأجلُ إجماعاً والمشروط عدم عند عدم شرطه، ولصحيحة زرارة عنه(علیه السلام): لاتكون متعةً إلا بأمرين: بأجل مسمّى وأجرٍ مسمّى»(1) وأنّ الدوام لم يُقصَد والعقودُ تابعةُ للقصود، وصلاحية الإيجاب لهما لايوجب حمل المشترك على أحد معنييه مع إرادة المعنى الآخر المبايِنِ له. وهذا هو الأقوى، والرواية ليس فيها تصريح بأنهما أرادا المتعة وأخلا بالأجل، بل مضمونها أنّ النكاح مع الأجل متعة وبدونه دائم.

ولا نزاع فيه. وأما القول بأن العقد إن وقع بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً، أو بلفظ التمتُّع بطل(2) أو بأنّ تَرْكَ الأجل إن كان جهلاً منهما أو من أحدهما أو نسياناً كذلك بطل، وإن كان عمداً انقلب دائماً(3) فقد ظهر ضعفه ممّا ذكرناه، فالقول بالبطلان مطلقاً مع قصد التمتّع الذي هو موضع النزاع أوجَهُ.

(ولو تبيَّن فساد العقد) إما بظهور زوج أو عدّةٍ أو كونها محرَّمةً عليه جمعاً أو عيناً، أو غير ذلك المفسدات (فمهر المثل مع (الدخول) وجهلها حالة الوطء؛ لأنّه وَطءٌ محترم فلابدّ له من عِوَض وقد بطل المسمّى فيثبت مهرُ مثلها في المتعة المخصوصة. وقيل: تأخذ ما قَبَضَتْه ولايُسَلّم الباقيَ(4) استناداً إلى رواية(5) حملها على كون المقبوض بقدر مهر المثل أولى من إطلاقها المخالف للأصل، وقبل الدخول لاشيء لها؛ البطلان العقد المقتضي لبطلان المسمّى، فإن كانت قد قَبَضَتْه اسْتَعادَه وإِن تَلِف في يدها ضَمِنَتْه مطلقاً، وكذا لو دخل وهي عالمة بالفساد؛ لأنها بغي ولامهر لبغيّ».

(ويجوز العزل عنها وإنْ لم يَشترِط ذلك في متن العقد، وهو هنا موضع وفاق،

ص: 198


1- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،262،ح،1132.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج2،ص،620.
3- لم نعثر علیه نعم، حکاه ایضاً فی مسالک الافهام، ج،7،ص،448.
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 491.
5- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،261،ح، 1128.

وهو منصوص(1) بخصوصه؛ ولأنّ الغرض الأصليَّ منه الاستمتاع دون النسل بخلاف الدوام، (و) لكن (يلحق به الولد على تقدير ولادتها بعد وطئه بحيث يمكن كونه منه (وإنْ عَزَل)؛ لأنّها فراش و «الولد للفراش»(2) وهو مروي أيضاً،(3) لكن لو نفاه انتفى ظاهراً بغير لعان، بخلاف ولد الدوام.

(ويجوز اشتراط السائغ في العقد كاشتراط الإتيان ليلاً أو نهاراً)؛ لأنّه شرط لا ينافي مقتضى العقد؛ لجواز تعلّق الغرض بالاستمتاع فى وقت دون آخر، إما طلباً للاستبداد أو توفيراً لما سواه على غيره من المطالب (أو) شرط إتيانها (مرّةً أو مراراً) مضبوطة (في الزمان المعين) لما ذكر، ولو لم يُعيّن الوقت بل أطلق المرةَ والمراتِ بطل للجهالة.

(ولايقع بها طلاق بل تَبِينُ بانقضاء المدّة أو بهبته إياها، وفي رواية محمّد بن إسماعيل عن الرضا(علیه السلام) قلت: وتبين بغير طلاق؟ قال:«نعم»(4) ولا إيلاء) على أصحّ القولين؛(5) لقوله تعالى في قصة الإيلاء: (وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَقَ)(6) وليس في المتعة طلاقُ، ولأنّ من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتفٍ في المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم. وللمرتضى(رحمه الله) قولُ بوقوعه بها؛(7) لعموم لفظ النساء،(8) ودُفِع بقوله تعالى: (وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَقَ)(9) فإنّ عود الضمير إلى بعض العام يُخَصِّصه.

ص: 199


1- الكافي، ج 5، ص،504، باب العزل، ح 3.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،168،ح،587.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،269،ح،1157.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،266،ح،1147.
5- ذهب إليه الشيخ في النهاية،ص،528.
6- البقرة (2) 227.
7- لم نعثر عليه في كتبه، نقله عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج،3،ص،131.
8- البقرة (2): 226.
9- البقرة (2) 227.

(ولا لِعان إلّا في القذف بالزني على قول) المرتضى والمفيد(1) استناداً إلى أنها زوجةً فيقع بها اللعان؛ لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَجَهُمْ)(2) فإنّ الجمع المضاف يَعُمّ. وأجيب بأنّه مخصوص بالسنّة؛(3) لصحيحة ابن سنان عن الصادق(علیه السلام): لايُلاعِن الحرُّ الأَمَةَ ولا الذمّيّة ولا التي يُتَمَتَّع بها»(4) ومثله رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى،(5) ولاقائل بالفرق بين الحر والعبد، فالقول بعدم وقوعه مطلقاً ،قوي وأمّا لعانها لنفي الولد فمنفي إجماعاً؛ ولانتفائه بدونه.

(ولاتَوارُثَ) بينهما (إلا مع شرطه) في العقد فيثبُتُ على حسب ما يشترطانه، أما انتفاؤه بدون الشرط فللأصل، ولأن الإرث حكم شرعى فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبُت هنا، بل الثابت خلافه كقول الصادق(علیه السلام): من حدودها - يعني المتعة - أن لا تَرِثَكَ ولاتَرِثَها»(6) وأما ثبوته معه فلعموم «المؤمنون عند شروطهم»(7) وقول الصادق له في صحيحة محمد بن مسلم: إن اشترطت الميراث فهما على شَرْطِهما»(8) وقول الرضا(علیه السلام) له في حسنة البَزَنْطِي: «إن اشترطت الميراث كان وإن لم تشترط لم يكن»(9)

وفي المسألة أقوالٌ أُخَرُ مأخذها أخبار أو إطلاقُ لا تُقاوِم هذه أحدُها التوارث

ص: 200


1- لانتصار،ص،276،المسألة 153؛ خلاصة الإيجار،ص،37(ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 6)؛ لمزيد الاطلاع راجع غاية المراد،ج،3،ص،79 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،3).
2- النور(24): 6.
3- المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج،13،ص،36.
4- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،188،ح،653.
5- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،189،ح، 658.
6- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،265،ح،1143.
7- تهذيب الأحكام،ج 8،ص371،ح،1503.
8- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،264،ح،1141.
9- تهذيب الأحكام،ج7،ص،264،ح،1139.

مطلقاً(1) وثانيها عدمه مطلقاً(2) وثالثها ثبوته مع عدمِ شرطِ عدمِه(3) والأظهر مختار المصنّف. ثمّ إن شرطاه لهما فعلى ما شرطاه، أو لأحدهما خاصةً احتُمِل كونه كذلك؛ عملاً بالشرط، وبطلانه لمخالفته مقتضاه؛ لأنّ الزوجيّة إن اقتضت الإرث وانتفت موانعه ثبت من الجانبين، وإلّا انتفى منهما.

(ويَقع بها الظِهارُ) على أصح القولين(4) لعموم الآية(5) فإنَّ المُستَمتَع بها زوجةٌ ولم تُخَصّ بخلاف ما سبق وذهب جماعة إلى عدم وقوعه بها(6) لقول الصادق(علیه السلام): «الظهار مثلُ الطلاق»(7) والمتبادِرُ من المماثَلة أن يكون في جميع الأحكام، ولأنّ المُظاهِرِ يُلزم بالفئةِ أو الطلاق وهو هنا متعذّر، والإلزام بالفئة وحدها بعيد، وبهبة المدّة بدل الطلاق أبعد. ويُضعف بضعفِ الرواية وإرسالها والمماثلة لا تقتضي العموم، والإلزام بأحد الأمرين

جاز أن يختص بالدائم، ويكون أثر الظهار هنا وجوب اعتزالها كالمملوكة ( وعِدْتُها) مع الدخول إذا انقضت مدتها أو وَهَبَها (حيضتان) إن كانت ممّن تحيض؛ لرواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن(علیه السلام) الماضي قال: «طلاق الأمة تطليقتان وعِدْتُها حيضتان»(8) ورَوَى زُرارة في الصحيح عن الباقر(علیه السلام): «أنّ على المتمتّعة ما على الأمة»(9)

ص: 201


1- ذهب إليه القاضي ابن البرّاج في المهذب،ج2،ص،240 و 243.
2- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،624.
3- هب إليه السيّد المرتضى في الانتصار،ص،275،المسألة 153.
4- ذهب إليه السيد المرتضى في الانتصار،ص 276، ضمن المسألة، 153.
5- المجادلة (58) 3.
6- منهم: الشيخ الصدوق في الهداية،ص،274؛ وابن الجنيد حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة،ج7،ص408. المسألة 65 وابن إدريس في السرائر،ج2،ص،624.
7- تهذيب الأحكام،ج 8، ص13،ح، 44.
8- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،135،ح،467.
9- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،157،ح،545.

وقيل: عدتُها قُزءان(1) وهما طهران؛ لحسنة زرارة عن الباقر(علیه السلام): «وإن كان حر تحته أمةٌ فطلاقها تطليقتان وعدتُها قُزءان»(2) مضافةً(3) إلى صحيحة زرارة والأوّل أحوط. وعليه لو انقضت أيامُها أو وَهَبها في أثناء الحيض لم يُحسَب ما بَقِيَ منه؛ لأنّ الحيضة لاتصدق على بعضها وإن احتسب ما بَقِىَ من الطُهر طُهراً.

(ولو اسْتَرابَت بأن لم تَحِضُ وهي في سنّ مَن تحيض (فخمسة وأربعون يوماً)

وهو موضع وفاق. ولافرق فيهما بين الحرّة والأمة.

(و) تعتد ( من الوفاة بشهرين وخمسة أيام إن كانت أمَةً، وبضعْفِها إن كانت حرّة) و مستند ذلك الأخبارُ الكثيرة الدالة على أنّ عدّة الأمة من وفاة زوجها شهران وخمسة أيام(4) والحرّةِ ضعفها(5) من غير فرق بين الدوام والمتعة. وتزيد الأمة هنا بخصوصها

مرسلة عليّ بن أبي شعبة الحلبي عن أبي عبدالله في رجل تزوج امرأةً متعةً ثمّ

مات عنها ما عدتُها؟ قال: «خمسة وستون يوماً»(6) بحملها على الأمة جمعاً.

وقيل: إنّ عدّتها أربعةُ أشهُرٍ وعشرُ مطلقاً(7) لصحيحة زرارة عن الباقر قال: سألته ما عدّة المتمتعة إذا مات عنها الذي تمتَّع بها؟ قال: «أربعة أشهر وعشراً». ثمّ قال: يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّةً كانت أو أمةً، وعلى أي وجه كان

النكاح منه منه متعةً أو تزويجاً أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشراً(8) وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن الصادق ، قال: سألته عن المرأة يتزوجها الرجلُ متعةً ثمّ

ص: 202


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 536؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص،312.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 134 ، ح 466.
3- في النسخ: «مضافاً».
4- راجع تهذيب الأحكام،ج 8، ص 154،باب عدد النساء.
5- راجع الكافي، ج 6، ص 117، باب المتوفّي عنها زوجها...
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 158 ، ح 547.
7- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 625.
8- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،157،ح،545.

يُتَوَفَّى عنها هل عليها العدّة؟ فقال: «تعتدّ أربعة أشهرٍ وعشرة أيام»(1) ويُشكل بأنّ هذه مطلقةً فيمكن حملها على الحرّة جمعاً، وصحيحة زرارة تضمَّنتْ أنّ عدّة الأمة في الدوام كالحرّة، ولا قائل به، ومع ذلك معارضة بمطلق الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ عدّة الأمة فى الوفاة على نصف الحرّة، وبأن كونها على النصف في الدوام يقتضي أولويته في المتعة؛ لأنّ عدّتها أضعف في كثير من أفرادها، ونكاحها أضعفُ فلا يناسبها أن تكون أقوى، وهذه مخالفةٌ أُخرى في صحيحة زرارة للأصول، وإن كان العمل بها أحوط. (ولو كانت حاملاً فبأبعدِ (الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أو شهرين وخمسة ومن وضع الحمل (فيهما) أي في الحرّة والأمة. أما إذا كانت الأشهرُ أبعد فظاهر؛ للتحديد بها في الآية(2) والرواية(3) وأما إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج من العدّة مع

بقاء الحمل.

ص: 203


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 157، ح 544.
2- البقرة (2): 234.
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،150،ح،518.

الفصل الخامس في نكاح الإماء

بكسرة الهمزة مع المدّ؛ جمع «أمّة» بفتحها.

(لايجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلا بإذن المولى)؛ لأنهما ملك له. فلا يتصرفان في ملكه بغير إذنه لقبحه (أو إجازته) لعقدهما لو وقع بغير إذنه، على أشهر القولين(1) : الحسنة زرارة عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيّده. قال: «ذاك إلى السيد إن شاء أجاز وإن شاء فَرَّق بينهما»(2) وعلى هذا فتكون

الإجازة كاشفةً عن صحته من حين إيقاعه كغيره من العقود الفضولية. وقيل: بل يكون كالعقد المُستأنف(3)

وقيل: يقع باطلاً؛ إمّا بِناءً على بطلان عقد الفضولي مطلقاً(4) أو بطلان نكاح الفضولي(5) أو بطلان هذا بخصوصه نظراً إلى أنّه منهي عنه(6) لقبح التصرف في ملك الغير فيكون فاسداً، ولما رُوِيَ عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم): «أيّما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل»(7) وكلّيّة الكبرى والسند ممنوعان. وقيل: تختص الإجازة بعقد العبد دون الأمة(8)

ص: 204


1- ذهب إليه يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 445.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص351،ح،1432.
3- اختاره القاضي ابن البراج في المهذب،ج2،ص216.
4- اختاره فخرالمحققین فی ایضاح الفواید،ج،1،ص، 417؛ج3، ص،27.
5- ذهب إليه الشيخ في الخلاف،ج4،ص،257 - 258، المسألة 11.
6- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،596.
7- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص، 205،ح،13729 و 13730 مع تفاوت.
8- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 300.

عملاً بظاهر النص السابق، ورجوعاً في غيره إلى النهي المفيد للبطلان. وكلاهما ممنوعان فإنّ المملوك يصلح لهما، والنهي لا يقتضيه هنا.

وحيث يأذن المولى أو يُجيز عقد العبد فالمهرُ ونفقة الزوجة عليه، سواء في ذلك

كسب العبد وغيره من سائر أمواله، على أصح القولين(1) وله مهر أمته. (وإذا كانا) أي الأبوان رقاً فالولد رقّ لأنّه فرعُهما وتابع لهما، ويملكه المولى إن اتحد، وإن كان كلُّ منهما لمالك(يملكه الموليان إن أذنا) لهما في النكاح (أو لم يَأْذَن أحدهما أي كلُّ واحد منهما؛ لأنّه نَماء ملكهما فلامزيّة لأحدهما على الآخر، والنسبُ لاحِقُ بهما، بخلاف باقي الحيوانات فإن النسب غير معتبر، والنُّمُو والتبعية فيه لاحق بالأمّ خاصةً، والنصُّ(2) دال عليه أيضاً ، والفرق به أو به أوضح. (ولو أذن أحدهما خاصةً فالولد لمن لم يَأْذَن) سواء كان مولى الأب أم مولى الأُمّ، وعُدّل مع النصّ بأنّ الآذِنَ قد أقدم على فوات الولد منه فإنه قد يتزوج من ليس بِرِقٌ فينعقد الولدُ حرّاً، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصةً(3) ويُشكل الفرق فيما لو انحصر إذنُ الآذن في وطء المملوكة فإنّه لم يُضَيِّع الولد حينئذ.

ويُشكل الحكمُ فيما لو اشتَرَك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص وأحد المشتركين دون الآخر، أو تعدد مولى كلّ منهما فإنّه خارج عن موضع النص والفتوى فيُحتمل كونه كذلك، فيختص الولد بمن لم يأذن اتّحد أم تعدّد واشتراكه بين الجميع على الأصل حيث لانص. ولو شرط أحد الموليين انفراده بالولد أو بأكثره صحّ الشرطُ(4) لعموم

ص: 205


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام،ج 2،ص 253؛ خلافاً لأحد قولي الشيخ فعلقهما بكسب العبد. راجع المبسوط،ج 3، ص 395.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 349،ح 1425.
3- علله المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 13، ص 86.
4- ولايسقط بالإسقاط بعده(زین رحمه الله).

المؤمنون عند شروطهم(1) ولأنه شرط لايُنافي النكاح. ولو كان أحد الزوجين حرّاً فالولد (حر)؛ للأخبار الكثيرة الدالة عليه(2) سواءٌ في ذلك الأبُ والأُمُّ، ولأنّه نَماء الحرّ في الجملة وحق الحرية مقدَّم لأنها أقوى، ولهذا بني العتق على التغليب والسراية. وقول ابن الجنيد بأنه لسيّد المملوك منهما إلا مع اشتراط حريته؛ تغليباً لحق الآدمى على حق الله تعالى ضعيف(3)

(ولو شَرَط) مولى الرق منهما رِقّيتَه (جاز) وصار رقاً (على قول مشهورٍ)(4) بين الأصحاب (ضعيف المأخذ)؛ لأنه روايةُ مقطوعةً دَلَّت على أن ولد الحرّ من مملوكة

مملوك(5) حملوها على ما إذا شرط المولى الرقيّة، ومثل هذه الرواية لاتصلح مؤسسةً لهذا الحكم المخالف للأصل، فإنّ الولد إذا كان مع الإطلاق ينعقد حراً فلاتأثير في رقيته للشرط؛ لأنه ليس ملكاً لأبيه حتى يؤثر شرطه، كما لايصح اشتراط رقيّةِ مَن وُلِدَ حُرّاً سيما مع ورود الأخبار الكثيرة بحرية من أحد أبويه حرا(6) وفي بعضها «لايُملك ولد حر»(7) ثمّ على تقدير اشتراط رقيّته في العقدِ أو التحليل وقلنا بعدم صحة الشرط، هل يُحكم بفساد العقد لعدم وقوع التراضي بدون الشرط الفاسد، كما في غيره من العقودِ المشتملة على شرط فاسد، أم يصح ويبطل الشرط خاصةً؟ يُحتمل الأوّلُ ؛ لأنّ العقد يَتبَع القصد ولم يحصل إلا بالشرط والشرط لم يحصل، والثاني؛ لأنّ عقد النكاح كثيراً ما يصح بدون الشرط الفاسد وإنْ لم يصح غيرُه من العقود. وفي الأوّل قوّةً، وصحته في

ص: 206


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص371،ح 1503.
2- راجع تهذيب الأحكام،ج 7،ص 335 - 336،باب العقود على الإماء...
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 268، المسألة 187.
4- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 268، المسألة 187.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 336،ح 1378.
6- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 335 - 336.
7- تهذيب الأحكام،ج7، ص،350،ح 1429.

بعض الموارد لدليل خارج لايقتضي عمومه في جميع موارده، وأولى بعدم الصحة لو كان تحليلاً؛ لأنه متردِّدُ بين العقدِ والإذن كما سيأتى - ولا يلزم من ثبوت الحكم في العقد ثبوتُه في الإذن المجرد، بل يبقى على الأصل.

وعلى هذا لو دخل مع فساد الشرط وحكمنا بفساد العقد كان زانياً مع علمه بالفساد، وانعقد الولدُ رِقّاً كنظائره. نعم، لو جَهل الفساد كان حراً للشبهة. وإن قلنا بصحته لَزِم بالشرط ولم يَسقُط بالإسقاط بعد العقد؛ لأنّ ذلك مقتضى الوفاء به مع احتماله؛ تغليباً للحرّيّة وكما لو أسقط حق التحجير ونحوه.

(ويُستحب إذا زوَّج عبده أمته أن يُعطيها شيئاً من ماله ليكون بصورة المهر جبراً لقلبها، ورفعاً لمنزلة العبد عندها، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال: «يُجزئه أن يقول: قد أنكحتك فلانةً ويُعطيها شيئاً من قبله أو من مولاه، ولابدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك»(1) وقيل بوجوب الإعطاء(2) عملاً بظاهر الأمر، ولئلا يلزم خُلُو النكاح عن المهر في العقدِ والدخول معاً.

ويُضعّف بأنّ المهر يستحقه المولى؛ إذ هو عِوَض البُضْعِ المملوك له ولايُعقل استحقاقه شيئاً على نفسه وإن كان الدفع من العبد كما تضمَّنَتْه الرواية(3) لأنّ ما بيده مِلكُ للمولى؛ أما الاستحباب فلاحرج فيه؛ لما ذُكِر وإنْ لم يخرج عن ملكه، ويكفي فيه كونه إباحةَ بعض ماله للأمة تنتفع به بإذنه. والفرق بين النفقة اللازمة للمولى والمهر أنّه في مقابلة شيءٍ هو ملك المولى، بخلافها فإنها مجرد نفع ودفع ضرورة لامعاوضةٌ. واعلم أنه يكفي في إنكاح عبده لأمته مجرّدُ اللفظ الدال على الإذن فيه كما يظهر من الرواية، ولايُشترط قبولُ العبد ولا المولى لفظاً، ولايقدح تسميته فيها نكاحاً - وهو

ص: 207


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص 345،ح 1415.
2- قال به المفيد في المقنعة، ص 507؛ والشيخ في النهاية، ص 478.
3- تقدّم في الهامش 1.

متوقّف على العقد - وإيجابه إعطاء شيء، وهو يُنافي الإباحة؛ لأنّ قولَه «يجزئه» ظاهر في الاكتفاء بالإيجاب والإعطاء على وجه الاستحباب، ولأن رفعه بيد المولى والنكاح الحقيقي ليس كذلك، ولأنّ العبد ليس له أهلية الملك فلا وجه لقبوله، والمولى بيده الإيجاب والجهتان ،ملكه، فلا ثمرة لتعليقه ملكاً بملك. نعم، يُعتبر رضاه بالفعل وهو يحصل بالإباحةِ الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية. وقيل: يُعتبر القبول من العبد(1) إما لأنّه عقد أو لأنّ الإباحة منحصرة في العقد أو التمليك، وكلاهما يتوقف على القبول. وربما قيل: يُعتبر قبول المولى(2) لأنه الولي كما يُعتبر منه الإيجاب. (ويجوز تزويج الأمة بين الشريكين لأجنبي باتفاقهما)؛ لانحصار الحق فيهما واتحادِ سبب الحِلّ، ولو عقد أحدهما وحللها الآخر لم يصح لتبعض البضع، مع احتمال الجواز لو جعلنا التحليل عقداً. ثم إن اتحد العقد منهما فلا إشكال في الصحة، وإن أوقع كلُّ منهما عقداً على المجموع صح أيضاً، وإن أوقعه على ملكه لم يصحٌ. (ولايجوز تزويجها لأحدهما)؛ لاستلزامه تبعضَ البضع من حيث استباحته بالملكِ والعقدِ والبضعُ لايتبعض، ولأنّ الحِلَّ منحصر في الأزواج وملك الأيمان والمستباح بهما خارج عن القسمة؛ لأنّ التفصيل يقطع الاشتراك. ودَوَران الحكم(3) بين منعِ الخلوّ ومنعِ الجمع يوجب الشك في الإباحة فيُرجع إلى أصل المنع. (ولو) حلَّل أحدهما لصاحبه حصّته (فالوجه الجواز)؛ لأنّ الإباحة بمنزلة الملك؛ لأنّها تمليك للمنفعة فيكون حِلَّ جميعها بالملك، ولرواية محمّد بن مسلم عن

ص: 208


1- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 146.
2- انظر نكت النهاية، ج 2، ص 346.
3- جواب عن مقدر تقريره أن الآية الحاصرة للحلّ في الأزواج أو ملك الأيمان كما يحتمل إرادة منع الجمع الذي ادعيتموه يحتمل إرادة منع الخلو منهما، فلايدل على منع الجمع فإذا استباح بهما صح، وتقرير الجواب أنّ المنفصلة تحتمل إرادة منع الجمع والخلق ومنع كلّ واحد منهما على انفراده، ومع قيام الاحتمال يتحقق الجواز مع وجود أحدهما خاصة ويحصل الشكّ في اجتماعهما فيستصحب حكم المنع الثابت قبل ذلك وإن أمكن إرادة منع الخلوّ ؛ لأن مجرد احتماله غير كافٍ في رفع الحظر(منه رحمه الله).

الباقر(علیه السلام) في جارية بين رَجُلين دَبَّراها جميعاً ثمّ أحلّ أحدُهما فرجَها لصاحبه، قال:

هو له حلال»(1)

وقيل بالمنع أيضاً بناء على تبعُّض السبب(2) حيث إن بعضها مُستباح بالملك، والبعض بالتحليل، وهو مغاير لملك الرقبة في الجملة، أو لأنّه عقد أو إباحة، والكلّ مغاير لملكه كمغايرة الإباحة بالعقد لها بالملك مع اشتراكهما في أصل الإباحة، والرواية ضعيفة السند. وأمّا تعليل الجواز بأنّها قبل التحليل محرّمة وإنّما حَلَّتْ به فالسبب واحد، ففيه أنه حينئذٍ يكون تمام السبب لا السبب التام في الإباحة ضرورة أنّ التحليل مختص بحصة الشريك لا بالجميع، وتحقق المسبب عند تمام السبب لا يوجب كونَ الجزء الأخير منه سبباً تاماً.

( ولو أعتقت المملوكة) التي قد زوجها مولاها قبل العتق فلها الفسخ الخبر بَرِيرة(3) وغيرِه(4) ولما فيه من حدوث الكمال وزوال الإجبار. ولافرق بين حدوث العتق قبل الدخول وبعده. والفسخ على الفور) اقتصاراً في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين، والضرورة تندفع به، وتُعذَر مع جهلها بالعتق وفوريّة الخيار وأصله على الأقوى (وإنْ كانت الأمة تحت حرّ؛ لعموم صحيحة الكناني عن الصادق(علیه السلام): «أیُّما امرأةٍ أُعتقت فأمرُها بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقته»(5)

وغيرها(6) وقيل يختص الخيارُ بزوجة العبد(7) لما رُوي من أنّ بَرِيرة كانت تحت عبد وهو مغيث(8)،

ص: 209


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 203، ح 717.
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7،ص 267، المسألة :185؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص149.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 341 - 342،ح،1396.
4- تهذيب الأحكام،ج7،ص،341 - 342،ح،1400 - 1401.
5- تهذيب الأحكام،ج7،ص،341،ح،1394.
6- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،343،ح،1402.
7- قال به الشيخ في المبسوط،ج 3، ص 507 - 508.
8- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،362،ح، 14269.

ولا دَلالة فيه على التخصيص لو تمّ.

(بخلاف العبد فإنّه لاخيار له بالعتق) للأصل ولانجبار كماله بكون الطلاق بيده

وكذا لاخيار لسيده ولا لزوجته حرّةً كانت أم أمةً؛ للأصل. (ويجوز جعلُ عِتْقِ أمتِه صَداقَها فيقول: تزوّجتك وأعتقتُكِ وجعلتُ مَهرَكِ عتقكِ». (ويُقدّم) في اللفظ (ما شاء من العتق والتزويج ؛ لأن الصيغة أجمع جملة واحدة لاتتم إلا بآخرها فلا فرق بين المتقدم منها والمتأخر. وقيل: يَتعيَّن تقديمُ العتق(1) لأنّ تزويج المولى أمنه باطلٌ، ويُضعف بما مرّ، وبأنه يستلزم عدم جواز جعل العتق مهراً؛ لأنه لو حُكم بوقوعه بأوّل الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المتعقَّبِ. وقيل: بل يُقَدِّم التزويج(2) لئلا تُعتَقَ فلاتَصلُح لجعل عتقها مهراً، ولأنّها تملك أمرها فلايصح تزويجها بدون رضاها ولرواية عليّ بن جعفر(علیه السلام) عن أخيه، قال: سألته عن رجل قال لأمته: أعتقتُكِ وجعلت مهرَكِ عتقَكِ. فقال: «عَتَقَتْ وهي بالخيار إن شاءت تزوَّجَتْه وإن شاءت فلا، فإن تزوَّجَتْه فَلْيُعطِها شيئاً»(3) ونحوه رُوِيَ عن الرضا(علیه السلام)(4) وفيه نظر؛ لما ذُكر، ولأنّ المانع في الخبر عدم التصريح بلفظ التزويج لا تقديم العتق، وهو غير المتنازع والحق أنهما صيغة واحدة لايترتب شيء من مقتضاها إلا بتمامها، فيقع مدلولها وهو العتق وكونه مهراً وكونها زوجة.

ويجب قبولُها على قول)(5) لاشتمال الصيغة على عقد النكاح وهو مركب شرعاً من الإيجاب والقبول ولايمنع منه كونها حال الصيغة رقيقةً؛ لأنّها بمنزلة الحرّة حيث تصير حرّةً بتمامه، فرقيّتُها غير مستقرة، ولولا ذلك امتنع تزويجها. ووجه عدم الوجوب

ص: 210


1- قال به الشيخ في الخلاف،ج 4، ص 268،المسألة 22: والعلّامة في مختلف الشيعة،ج، 7، ص 287، المسألة 204.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 497 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 638.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201 ، ح 710.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 709.
5- راجع كنز الفوائد، ج 2،ص420 - 430: واحتمله فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 154.

أنّ مستندَ شرعيّةِ هذه الصيغة هو النقل المستفيضُ عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)(1) والأئمة(علیهم السلام)(2) وليس في شيء منه ما يدلّ على اعتبار القبول ولو وَقَعَ لَنُقِلَ لأنه ممّا تَعُمّ به البلوى وأنّ حِلَّ الوطء مملوك له فهو بمنزلة التزويج، فإذا أعتقها على هذا الوجه كان في معنى استثناء بقاء الحِلّ من مقتضيات العتق ولأنّ القبول إنّما يُعتبر من الزوج لا من المرأة وإنّما وظيفتها الإيجاب ولم يقع منها. وبذلك يظهر أنّ عدم اعتبار قبولها أقوى وإن كان القول به أحوط. ويظهر أيضاً جواب ما قيل إنه كيف يتزوج جاريته؟ وكيف يتحقق الإيجاب والقبول وهي مملوكة؟(3) وما قيل من أنّ المهر يجب أن يكون متحققاً قبل العقد ومع تقديم التزويج لا يكون متحققاً، وأنّه يَلُوح منه الدورُ فإنّ العقد لايتحقق إلا بالمهر الذي هو العتق والعتق لا يتحقق إلّا بعد العقد(4) مُندِفعٌ بمنع اعتبار تقدّمه بل يكفي مقارنته للعقد وهو هنا وبمنع توقف العقد على المهر وإنْ ،استلزمه، وإذا جاز العقد على الأمة - وهي صالحة لأن تكون مهراً لغيرها - جاز جعلها أو جعل فكٌّ ملكها مهراً لنفسها، مع أنّ ذلك كله في مقابلة النصّ الصحيح المستفيض(5) فلا يُسمَع.

(ولو بِيعَ أحدُ الزوجين فللمشتري والبائع (الخيارُ) في فسخ النكاح وإمضائه، سواء دخل أم لا، وسواء كان الآخَرُ حرّاً أم لا، وسواء كانا لمالك أم كلُّ واحد لمالك.

وهذا الخيار على الفور كخيار العتق ويُعذر جاهله وجاهلُ الفورية على الظاهر. (وكذا) يتخيّر كلُّ من انتقل إليه الملك بأي سبب كان من هبة وصلحٍ وصَداقٍ وغيره. ولو اختلف الموليان في الفسخ والالتزامِ قُدّم الفاسخُ كغيره من الخيار المشترك. (ولو بيع الزوجان معاً على واحد تخيّر)؛ لقيام المقتضي. ولو بيع كل منهما على

ص: 211


1- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،93،ح،13366 - 13367.
2- راجع تهذيب الأحكام،ج 8، ص،201 - 202، باب السراري وملك الأيمان.
3- وهو المحقق في نكت النهاية، ج 2، ص 394 - 395.
4- وهو المحقق في نكت النهاية، ج 2، ص 394 - 395.
5- تقدم آنفاً.

واحد تخيَّرا لما ذُكر، وكذا لو باعهما المالك من اثنين على جهة الاشتراك. (وليس للعبد طلاقُ أمة سيّده لو كان متزوجاً بها بعقد يلزمه جواز الطلاق (إلّا)

برضاه) كما أن تزويجه بيده، وهو موضع نص(1) وإجماع(2) (ويجوز) للعبد (طلاق غيرها) أي غير أمةٍ سيّده وإن كان قد زوجه بها مولاه (أمةً كانت الزوجة (أو حرّةً، أذن المولى في طلاقها (أولا) على المشهور؛ لعموم قوله(علیه السلام): «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(3) ورَوَى ليث المرادي عن الصادق(علیه السلام) وقد سأله عن جواز طلاق العبد، فقال: «إن كانت أمَتَك فلا إنّ الله تعالى يقول: عَبْدًا مَّمْلُوكًا(4) وإن كانت أمة قوم آخرين جاز طلاقه»(5)

وقيل: ليس له الاستبداد به كالأول(6) استناداً إلى أخبار مطلقة(7)

حملها على كون الزوجة أمة المولى طريق الجمع. وفي ثالث: يجوز للسيد إجباره على الطلاق كما له

إجباره على النكاح(8) والرواية مطلقة يتعيَّن حملها على أمته كما مرّ.

(وللسيد أن يُفَرِّق بين رقيقيه متى شاء بلفظ الطلاق وبغيره من الفسخ والأمر بالاعتزال ونحوهما. هذا إذا زوجهما بعقد النكاح، أما إذا جعله إباحةً فلا طلاق إلا أن يُجعَل دالاً على التفريق من غير أن يلحقه أحكامه. ولو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقداً فظاهر الأصحاب لحوق أحكامه واشتراطه بشرائطه: عملاً بالعموم، مع احتمال العدم بناءً على أنه إباحة وإن وقع بعقد.

ص: 212


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 340، ح 1392.
2- غنية النزوع، ج 1، ص 352.
3- سنن ابن ماجة،ج 1،ص672 ،ح2081؛ مجمع الزوائد،ج4،ص324،باب لاطلاق قبل النكاح.
4- النحل .(16) 75.
5- الكافي، ج 6، ص 168 ، باب طلاق العبد... ح 2.
6- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 371، المسألة 21.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 347، ح 1420 و 1421.
8- قال به الحلبي في الكافي في الفقه، ص 297.

(وتُباحُ الأمةُ) لغير مالكها (بالتحليل)(1) من المالك لمن يجوز له التزويج بها، وقد تقدَّمت شرائطه(2) التي من جملتها كونه مؤمناً في المؤمنة، ومسلماً في المسلمة، وكونُها كتابية لو كانت كافرةً، وغيرُ ذلك من أحكام النَسَبِ والمصاهرة وغيرها. وحِلّ الأمة بذلك هو المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعاً، وأخبارهم الصحيحة به

مستفيضة(3)

ولابدّ له من صيغة دالة عليه (مثل «أحللتُ لك وَطأها» أو «جعلتُك في حِلّ مِن وطئها») وهاتان الصيغتان كافيتان فيه اتفاقاً (وفي صحته بلفظ (الإباحة قولان) أحدُهما إلحاقها به(4) لمشاركتها له في المعنى فيكون كالمرادف الذي يجوز إقامته مقام رديفه، والأكثر على منعه(5) وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين، وتمسّكاً بالأصل، ومراعاة للاحتياط في الفروج المبنية عليه، وهو الأقوى. وتُمنع المرادفة أولاً ثم الاكتفاء بالمرادف مطلقاً، فإن كثيراً من أحكام النكاح توقيفية وفيه شائبة العبادة والاحتياط فيه مهم. فإن جوّزناه بلفظ الإباحة كَفَى «أَذِنْتُ» وسوَّعْتُ» و«ملكتُ» و«وَهَبتُ» ونحوُها.

والأشبهُ أنّه ملك يمين لاعقد نكاح؛ لانحصار العقد في الدائم والمتعة وكلاهما منتفيان عنه؛ لتوقفِ رفع الأوّل على الطلاق في غير الفسخ بأمور محصورة ليس هذا منها، ولزومِ المهر فيه بالدخول وغير ذلك من لوازمه وانتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم، ولتوقف الثاني على المهر والأجل وهما منتفيان هنا أيضاً فينتفي؛ ولأنّ عقد النكاح لازم ولاشيء من التحليل بلازم. وإذا انتفى كونه عقداً ثبت الملك؛ لانحصار

ص: 213


1- قال الشيخ في المبسوط راجع ج 3، ص 493]: لابدّ مع الإباحة من ضبط المدة، وفيه نظر. (زين رحمه الله).
2- تقدمت في ص 187 وما بعدها.
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 241 و 242 ، باب ضروب النكاح.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 633؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 280، المسألة 200.
5- منهم الشيخ في النهاية، ص 494؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 516، الرقم 5096؛ وولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 166.

حِلّ النكاح فيهما بمقتضى الآية(1) وعلى القولين(2) لابد من القبول؛ لتوقف الملك عليه أيضاً

وقيل: إن الفائدة تظهر فيما لو أباحَ أمته لعبده(3) فإن قلنا إنه عقد أو تمليك وإن العبد يَملِك حَلَّتْ، وإلا فلا. وفيه نظر؛ لأنّ الملك فيه ليس على حد الملك المحض بحيث لايكون العبد أهلاً ،له بل المراد به الاستحقاق كما يقال «يَملِك زيد إحضار مجلس الحكم ونحوه، ومثل هذا يستوي فيه الحر والعبد، فصحة التحليل في حقه - ع-ل-ى القول به - متجهة. ( ويجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ وما يشهد الحال بدخوله فيه) فإن أحله بعض مقدَّمات الوطء كالتقبيل والنظر لم يَحِلّ له الآخَرُ ولا الوطء، وكذا لو أحلَّه بعضها في عضو مخصوص اختص به. وإن أحلَّه الوطءَ حَلَّت المقدَّماتُ بشهادة الحال؛ ولأنّه لا ينفك عنها غالباً ولا موقع له بدونها، ولأنّ تحليل الأقوى يدلّ على الأضعف بطريقٍ أولى بخلاف المساوي والعكس.

وهل يدخُل اللمسُ بشهوة في تحليل القبلة؟ نظر مِن الاستلزام المذكور في الجملة فيدخُل، ومِن أنّ اللازم دخول لمس ما استَلْزَمَتْهُ القُبلة لا مطلقاً فلا يدخُل إلا ما توقفت عليه خاصةً، وهو الأقوى. (والولد) الحاصل من الأمة المحلَّلةِ (حرُّ) مع اشتراط حريته أو الإطلاق، ولو شَرَط رقيّته ففيه ما مرّ. ويظهر من العبارة عدم صحة الشرط حيث أطلق الحرية، وهو الوجه. ولا يخفى أنّ ذلك مبني على الغالب من حرّيّة الأب أو على القول باختصاصه بالحرّ، فلو كان مملوكاً وسوَّغناه كما سلف فهو رِقٌ.

(و) حيث يُحكَم بحرّيّته (لا قيمة على الأب مع اشتراط حريته إجماعاً، ومع

ص: 214


1- المؤمنون (23): 6 و 7.
2- راجع مختلف الشيعة،ج 7،ص 275،المسألة 197.
3- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 188.

الإطلاق على أصح القولين(1) وبه أخبار كثيرة(2) ولأنّ الحرّية مبنية على التغليب ولهذا يسري العتق بأقل جزءٍ يُتَصوَّر، ولا شبهة في كون الولد متكوّناً من نطفة الرجل والمرأةِ فيغلب جانب الحرّية والحرُّ لا قيمة له. وفي قول آخَرَ: إنه يكون رقاً لمولى الجارية، ويفكه أبوه إن كان له مال وإِلَّا اسْتُسْعِي في ثمنه(3) والأول أشهر. ولا بأس بوطء الأمة وفي البيت آخَرُ) مميّز، أما غيرُه فلا يُكرَه مطلقاً، وأن يَنام بين أمَتَيْن. ويُكرَه ذلك) المذكورُ في الموضعين (في الحرّة. و) كذا (يُكره وطء الأمة الفاجرة كالحرّة الفاجرة؛ لما فيه من العار وخوفِ اختلاط الماءَين، ووطء من وُلِدَت من الزنى بالعقد، و لا بأس به ب(الملك) لكن لا يتخذها أُمَّ ولد، بل يعزل عنها حذراً من الحَمْل رَوَى ذلك محمّد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام)(4).

ص: 215


1- قال به ابن إدريس في السرائر ، ج 2، ص 598: والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 268 - 269. المسألة 187.
2- تهذيب الأحكام،ج 7،ص247،ح،1071 و 1072.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص،494.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 207، ج 733.

الفصل السادس في المَهر

اشارة

المَهر(كلُّ ما صحّ أن يُملك) وإن قل بعد أن يكون مُتَعَوَّلاً (عيناً كان أو منفعةً) وإنْ كانت منفعةً حرّ ولو أنّه الزوج كتعليم صنعةٍ أو سورةٍ، أو علم غير واجب، أو شيءٍ من الحكم والآداب أو شعر، أو غيرها من الأعمال المحلة المقصودة (يصح إمهارُه). ولاخلاف في ذلك كله سوى العقد على منفعة الزوج فقد منع منه الشيخ (رحمه الله) في أحد قوليه(1) استناداً إلى رواية(2) لاتَنهَض دليلاً متناً وسنداً. (ولو) عقد الذميان على ما لايُملك في شرعنا كالخمر والخنزير (صح)؛ لأنهما يملكانه (فإن أسلما) أو أسلم أحدهما قبل التقابض (انتقل إلى القيمة) عند مُسْتَحِلّيه؛ لخروجه عن ملك المسلم سواء كان عيناً أم مضموناً؛ لأنّ المسمّى لم يفسد، ولهذا لو كان قد أقبضها إياه قبل الإسلام بَرِئَ، وإنّما تَعذَّر الحكم به فوجب المصير إلى قيمته؛ لأنّها أقرب شيء إليه، كما لو جَرَى العقد على عَينٍ وتعذَّر تسليمها. ومثله ما لو جعلاه ثمناً لمبيع أو عوضاً لصلح أو غيرهما. وقيل: يجب مَهرُ المثل(3) تنزيلاً لتعذر تسليم المعيّن منزلة الفساد، ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان وهو هنا ممكن، وإنّما عَرَض عدم صلاحيته للتملّك لهما.

ويُضعف بمنع الفساد كما تقدم، والتعذَّرُ الشرعي مُنَزَّل منزلة الحسّي أو أقوى، ومهر

ص: 216


1- النهاية، ص 469.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،366،ح،1483.
3- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،546،الرقم 5174.

المثل قد يكون أزيد من المسمّى فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد، أو أنقص فيعترف هو باستحقاق الزائد حيث لم يقع المسمّى فاسداً فكيف يُرجع إلى غيره بعد استقراره؟ ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه سَقط بقدر المقبوض ووجب قيمة الباقي، وعلى الآخر يجب بنسبته من مهر المثل

(ولاتقدير في المهر) قِلّةً ما لم يقصُرْ عن التقويم كحبة حنطة (ولا كثرة) على

المشهور؛ لقوله تعالى: (وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَنَهُنَّ قِنطَارًا)(1) وهو المال العظيم. وفي القاموس القنطار - بالكسر: - وزن أربعين أوقِيَّةً من ذهب أو فضة، أو ألف دينار، أو ألفٌ ومائنا أوقية، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف درهم، أو مائة رطل من ذهب أو فضة، أو مِلْءُ مَسْكِ ثَورٍ ذهباً أو فضة(2)

وفي صحيحة الوشّاء عن الرضا : «لو أنّ رجلاً تزوج امرأةٌ وجَعَل مَهرَها

عشرين ألفاً ولأبيها عَشَرة آلافٍ، كان المهرُ جائزاً والذي جعله لأبيها فاسداً»(3)

(ويُكره أن يتجاوز ) مهر (السنة) وهو ما أصدقه النبي لأزواجه جُمَعَ(4) (وهو صلى الله عليه وآله وسلم جُمَعَ

خمسمائة درهم قيمتها خمسون ديناراً.

ومنع المرتضى من الزيادة عليها وحكم بردّ من زاد عنها إليها محتجاً بالإجماع(5) و به خبر ضعيف(6) لايصلح حجّةً، والإجماعُ ممنوعٌ، وجميع التفسيرات السابقة للقنطار

تَرِدُ عليه، والخبرُ الصحيح(7) حجّةٌ بينةٌ. نعم، يُستحب الاقتصارُ عليه لذلك. (ويكفي فيه المشاهدة عن اعتباره بالكيل أو الوزن أو العدد؛ كقطعة من ذهب

ص: 217


1- النساء (4): 20.
2- القاموس المحيط،ج2،ص،173، «قنطر».
3- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،361،ح،1465.
4- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،356،ح،1449.
5- الانتصار،ص،292،المسألة 164.
6- تهذيب الأحكام،ج،7،ص،361،ح،1464.
7- تهذيب الأحكام،ج7،ص354،ح،1440.

مشاهَدةٍ لايُعلم وزنها، وقيّةٍ من طعام لايُعلَم كَيلها؛ لارتفاع معظم الغَرر بالمشاهدة. واغتفار الباقي في النكاح؛ لأنّه ليس معاوضةً محضةً بحيث ينافيه ما زاد منه. ويُشكل الحال لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلقها قبل الدخول. ولو لم يُشاهد اعتبر التعيين قدراً ووصفاً إن كان ممّا يعتبر به، أو وصفاً خاصةً إن اكتفي به كالعبد. (ولو تزوجها على كتاب الله وسنّة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) فهو خمسمائة درهم)؛ للنص(1) والإجماع، وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جَرَتْ به السنّةُ منه وبقبوله الغَرَرَ كما تَقَرَّر .

(ويجوز جعلُ تعليم القرآن مهراً لرواية سهل الساعدي(2) المشهورة، فيُعتبر تقديره بسورةٍ معينة أو آياتٍ خاصّة. ويجب حينئذٍ أن يعلمها القراءة الجائزة شرعاً، ولايجب تعيين قراءة شخص بعينه وإنْ تَفاوَتَتْ في السهولة والصعوبة. ولو تشاحًا في التعيين قدم مختارُه ؛ لأن الواجب في ذمته منها أمرٌ كلّي فتعيينه إليه كالدين. وحَدُّ التعليم أن تستقل بالتلاوة ولايكفي تَتَبَّعُها نُطْقَه، والمرجع في قدر المستقل به

إلى العرف فلايكفى الاستقلالُ بنحو الكلمة والكلمتين بنحو الكلمة والكلمتين ومتى صَدَق التعليمُ عرفاً

لايقدح فيه نسيانها ما عَلِمَتْه وإنْ لم تكن قد أكمَلَتْ جميع ما شُرِط لتحققِ البراءة. ولو تعذر تعلّمُها لبلادتها أو موتها أو موتِ الزوج حيث يُشترط التعليم منه، أو تَعلَّمت من غيره فعليه أجرةُ المثل؛ لأنّها عِوَضُه حيث يتعذر.

ولو افتقرت إلى مشقةٍ عظيمةٍ زائدة على عادة أمثالها لم يبعد إلحاقه بالتعذر وكذا القول في تعليم الصنعة. ( ويصح العقد الدائم من غير ذكر (المهر) وهو المعبر عنه ب«تفويض البضع» بأن تقول «زوجتك نفسي» فيقول «قَبِلتُ»، سواءٌ أَهمَلا ذكره أم نَفَياه صريحاً، وحينئذٍ فلايجب المهر بمجرد العقد، فإن دخل بها فمهر المثل) والمراد به ما يُرغب به في مثلها نَسَباً وسنّاً وعقلاً ويساراً وبكارة وأضدادها وغيرها مما تختلف به الأغراض.

ص: 218


1- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،363،ح، 1470.
2- السنن الكبرى البيهقي،ج،7،ص، 395، ح، 14398و 14399؛ عوالي اللآلي،ج2،ص،263، ح،8.

(وإن طلّق قبل الدخول) وقبل اتفاقهما على فرض مهر (فلها المتعة) المدلول عليها بقوله تعالى: ﴿لاجُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)،(1) (حرّةً كانت) الزوجة المفوّضةُ (أو أمَةً).

والمعتبر في المتعة بحال الزوج في السعةِ والإقتار (فالغنى) يُمَتِّع(2) (بالدّابة) وهى الفرس؛ لأنّه الشائع في معناها عرفاً، والمعتبر منها مايقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة، برذوناً كانت أم عتيقاً، قارَبَتْ قيمته الثوبَ والعشرةَ الدنانير أم لا، أو الثوبِ المرتفع عادةً، ناسَبَتْ قيمته قسيميْه أم لا، أو عشرة دنانير) وهي المثاقيل الشرعية. (والمتوسط) في الفقر والغناء يُمَتِّع(3) (بخمسة دنانير، والفقير بدينار وخاتم ذهب أو فضة معتدّ به عادةً وشبهه من الأموال المناسبة لما ذكر في كلّ مرتبة. والمرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.

(ولا متعة لغير هذه الزوجة وهي المفوضة لبضعها، المطلَّقَةُ قبل الدخول والفرضِ، لكن يُستحبُّ لو فارقها بغير الطلاق من لعانٍ وفسخ، بل قيل بوجوبه حينئذ؛ لأنه في معنى الطلاق والأوّل أقوى؛ لأنه مدلول الآية، وأصالة البراءة في غيره تقتضي العدم. والحق بهذه مَن فُرِض لها مهر فاسد فإنّه في قوّة التفويض، ومَن فَسَخَتْ في المهر قبل الدخول بوجه مجوز.

(ولو تَراضَيا بعد العقد بفرض المهر جاز وصار لازما)(4) لأنّ الحق فيه لهما زاد عن مهر المثل أم ساواه أم قصر. فإن اختلفا قيل للحاكم فرضُه بمهر المثل(5) كما يُعَيِّن النفقة للزوجة على الغائب ومَن جرى مجراه. ويُحتمل إبقاء الحال إلى أن يحصل أحد الأمور الموجبة للقدر أو المُسقِطة للحق؛ لأنّ ذلك لازم التفويض الذي قد قدما عليه.

ص: 219


1- البقرة (2): 236.
2- في النسخ:«يَتَمَتَّع».
3- في النسخ: «يَتَمَتَّع».
4- قال به العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،191،المسألة 121.
5- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة،ج3،ص،565، الرقم 5212.

(ولو فوَّضا) في العقد(تقدير المهر إلى أحدهما صح) وهو المعبر عنه ب«تفويض المهر» بأن تقول زوجتك على أن تَفرُضَ من المهر ما شئتُ أو ما شئت». وفي جواز تفويضه إلى غيرهما أو إليهما معاً وجهان من عدم النص و أنه كالنائب عنهما، والوقوف مع النصّ طريق اليقين. ولزم) ما حَكَم به الزوج ممّا يتموّل) وإن قل، (وما حكمت به الزوجة إذا لم يتجاوز ) مهر (السنّة) وهو خمسمائة درهم، وكذا الأجنبي لو قيل به؛ لرواية زرارةً عن الباقر(علیه السلام)(1) وعلله بأنه إذا حَكَمها لم يكن لها أن تَتَجاوز ما سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتَزَوَّجَ عليه نساءَه وإذا حَكَّمَتْه فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً. ولو طلق قبل الدخول فنصفُ ما يحكم به الحاكم؛ لأن ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق، سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده. وكذا لو طلقها بعد الدخول لَزِم الحاكم الفرضُ واستقر في ذمّة الزوج.

(ولومات الحاكم قبل الدخول) والحكم (فالمرويّ) في صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) في رجل تزوج امرأةً على حكمها أو حكمه فمات أو ماتت قبل الدخول أنّ «لها (المتعة) والميراث، ولامهر لها»(2) ويؤيده أن مهر المثل لايجب إلا مع الدخول ولم يحصل، ولامسمّى، ولايجوز إخلاء النكاح عن مهر فتجب المتعة إذ لارابع وقيل: يثبت لها مهرُ المثل(3) لأنّه قيمة المعوّض حيث لم يتعيَّن غيره، ولأن المهر مذكورٌ غايته أنه مجهول فإذا تعذرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل. وهو غيرُ مسموع في مقابلة النص الصحيح(4) ولا فرق مع موت الحاكم بين موتِ المحكوم عليه معه وعدمه؛ عملاً بإطلاق النص.

ولو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم؛ إذ لايُشترط حضورُ المحكوم عليه

ص: 220


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص،365،ح، 1480.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،365،ح،1481.
3- قال به العلامة في قواعد الأحكام،ج،3،ص،82.
4- تقدم في الهامش 1 و 2.

عنده، والتفويض إليه قد لَزِم بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه، ولأصالة بقائه

والنص لايعارضه. وربما قيل بأنه مع موت الحاكم لا شيء(1) وهو ضعيف. ولو مات أحد الزوجين مع تفويض البضع قبل الدخول فلا شيء)؛ لرضاهما بغير مهر ولصحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول: «إن كان فرض لها مهراً فلها... وإن لم يكن فرض لها مهراً فلامهر لها»(2) وهذا ممّا لاخلاف فيه ظاهراً.

مسائل عشر

المسألة الأولى

(الصَّداق يُملك) بأجمعه للزوجة (بالعقد) ملكاً متزلزلاً ، ويَستقِرّ بأحد أمورٍ أربعة : الدخول إجماعاً، وردّةِ الزوج عن فطرة، وموته، وموتها في الأشهر. (ولها التصرف فيه قبل القبض)؛ إذ لا مدخليّة للقبض هنا في الملك، سواء طلقها قبل الدخول أم لا وإنْ رَجَع إليه نصفه بالطلاق، (فلو نما) بعد العقد (كان) الن-م-اء (له-ا) خاصةً؛ لرواية عُبيد بن زرارة عن الصادق في زوج ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً فولدت عندها وطلقها قبل أن يدخل، فقال: «إن كُنَّ حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها، وإن كُنَّ حملن عندها فلا شيء له من الأولاد(3)

(فإن تَعقَّبَه طلاق قبل الدخول ملك الزوج النصف حينئذٍ ولا شيء له في النماء.

ثم إن وجده باقياً على ملكها أجمع أخذ نصفه، وإن وجده تالفاً أو منتقلاً عن ملكها فنصف مثله أو قيمته، ثمّ إن اتَّفقت القيمة وإلّا فله الأقل من حين العقد إلى حين التسليم؛ لأنّ الزيادة حَدَثَت في ملكها. وإن وجده معيباً رجع في نصف العين مع الأرش.

ولو نَقصت القيمة للسُّوق فله نصف العين خاصة، وكذا لو زادت وهي

ص: 221


1- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،587.
2- تهذیب الاحکام، ج 8، ص،146،ح،505.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،368،ح،1491.

ولو زاد زيادةً متصلةً كالسِمَن تخيّرت بين دفع نصف العين الزائدة ونصف القيمة من دونها، وكذا لو تغيرت في يدها بما أوجب زيادة القيمة كصياغة الفضّة وخياطة الثوب، ويُجبر على العين لو بذلتها في الأوّل دون الثاني؛ لقبول الفضّة لما يريده منها دون الثوب، إلا أن يكون مفصلاً على ذلك الوجه قبل دفعه إليها. ( ويُستحب لها العفو عن الجميع؛ لقوله تعالى: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(1) . والمراد بالعفو إسقاط المهر بالهبة إن كان عيناً، والإبراء وما في معناه من العفو والإسقاط إن كان دَيناً وربما قيل بصحته بلفظ العفو مطلقاً(2) عملاً بظاهر الآية، وردُّه إلى القوانين الشرعيّة أولى، والآية لاتدل على أزيد منه.

(ولوليّها الإجباري الذي بيده عُقدة النكاح أصالة، وهو الأب والجدّ له بالنسبة إلى الصغيرة (العفو عن البعض ) أي بعض النصف الذي تستحقه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنّ عفو الولى مشروط بكون الطلاق قبل الدخول (لا) الجميع) واحترز بالإجباري عن وكيل الرشيدة فليس له العفو مع الإطلاق في أصح القولين(3) نعم، لو وَكَّلَتْهُ في العفو جاز قطعاً، وكذا وكيل الزوج في النصف الذي يستحقه بالطلاق.

المسألة الثانية

(لو دخل قبل دفع المهر كان دَيناً عليه وإن طالت المدة)؛ للأصل والأخبار(4) وما رُوي من أن الدخول يهدم العاجل، أو أن طول المدة يُسقطه(5)

شاةٌ لا يُلتفت إليه، أو مُؤَوَّلٌ بقبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا. (والدخولُ) الموجب للمهر تامّاً (هو الوطء) المتحقق بغَيْبُوبة الحَشَفَةِ أو قدرِها

ص: 222


1- البقرة (2) 237.
2- حكاه فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص 225.
3- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 398، المسألة 34 وابن إدريس في السرائر،ج2، ص 571: والقول الآخر للشيخ في النهاية، ص 468؛ والقاضي ابن البراج في المهذب،ج2، ص 196.
4- تهذيب الأحكام،ج 7،ص 357 و 358، باب المهور والأجور...
5- تهذيب الأحكام،ج7،ص 359 - 360،ح،1461 - 1462.

من مقطوعها، وضابطُه ما أوجَب الغسل (قبلاً أو دُبُراً، لا مجرّدُ الخَلْوةِ بالمرأة وإرخاءِ

الستر على وجه ينتفي معه المانع من الوطء على أصح القولين(1)

والأخبار في ذلك مختلفة، ففي بعضها أن وجوبه أجمع متوقف على الدخول(2) وفي آخر بالخلوة(3) والآية(4) ظاهرة في الأوّل، ومعه مع ذلك الشهرة بين الأصحاب، وكثرة الأخبار.

المسألة الثالثة

لو أَبْرَأَتْه من الصَّداق ثمّ طلقها قبل الدخول رَجَع عليها (بنصفه)؛ لأنها حين الإبراء كانت مالكةً لجميع المهر ملكاً تاماً، وما يرجع إليه بالطلاق مِلك جديد، ولهذا كان نماؤُه لها فإذا طلقها رَجَع عليها بنصفه، كما لو صادَفَها قد أَتْلَفَتْه فإنّ تصرفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف فيرجع بنصفه، وكذا لو كان عيناً ووَهَبَتْه إيَّاها ثم طلقها فإنّه يرجع عليها بنصف القيمة.

ويُحتمل ضعيفاً عدم الرجوع فى صورة الإبراء؛ لأنّها لم تَأخُذ منه مالاً ولا نَقَلَتْ إليه الصداق؛ لأنّ الإبراء إسقاط لا تمليك ولا أتلفته عليه، كما لو رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء وكان قد أبْرَأ المشهود عليه فإنه لا يرجع على الشاهدين بشيء، ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغَرِما له. والفرق واضحٌ فإنّ حقَّ المهر ثابت حالَ الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً فإسقاط الحق بعد ثبوته متحقق، بخلاف مسألة الشاهد فإن الحق لم يكن ثابتاً كذلك، فلم تصادف البراءة حقاً يُسقط بالإبراء. (وكذا) يرجع عليها بنصفه لو خلعها به أجمع) قبل الدخول؛ لاستحقاقه له ببذلها

ص: 223


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 272؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 157، المسألة 82؛ وأما الخلوة وإرخاء الستر ففيهما أقوال راجع إيضاح الفوائد،ج3،ص،199.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464 ، ح 1859 و 1860.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،467،ح،1870.
4- البقرة (2) 237.

عِوَضاً مع الطلاق؛ فكان انتقاله عنها سابقاً على استحقاقه النصف بالطلاق فيُنزَّل منزلة المنتقل عنها حين استحقاقه النصف فيرجع عليها بنصفه ديناً أو عيناً.

المسألة) (الرابعة: يجوز اشتراط ما يُوافق الشرع في عقد النكاح) سواء كان من مقتضى عقد النكاح كأن تشترط عليه العدل في القسمة والنفقة أو يشترط عليها أن يتزوج عليها متى شاء أو يتسرى، أو خارجاً عنه كشرط تأجيل المهر أو بعضه إلى أجل معيّن (فلو شُرِط ما يخالفه لَغَا الشرط) وصح العقد والم-ه-رُ (كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يطأ أو يُطلق كما في نكاح المحلل. أما فساد الشرط حينئذ فواضح المخالفته المشروع، وأما صحة العقد فالظاهر إطباق الأصحاب عليه وإلا كان للنظر فيه مجال كما عُلم من غيره من العقودِ المشتملة على الشرط الفاسد. وربما قيل بفساد المهر خاصةً(1) لأنّ الشرط كالعِوَض المضاف إلى الصداق فهو في

حكم المال، والرجوع إلى قيمته متعذر للجهالة فيُجهل الصداق فيُرجع إلى مهر المثل. (ولو شُرِط إبقاؤها في بلدها لَزِم؛ لأنّه شرط لا يخالف المشروع، فإنّ خصوصيات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والأنس وغيرها فجاز شرطه؛ توصلاً إلى الغرض المباح ولصحيحة أبي العبّاس عن الصادق(علیه السلام) في الرجل يتزوج امرأةً ويَشْرِط لها أن لا يُخرجها من بلدها، قال(علیه السلام): «يفي لها بذلك». أو قال(علیه السلام): يلزمه ذلك»(2) ولعموم (المؤمنون عند شروطهم»(3) (وكذا) لو شُرِط إبقاؤها (في منزلها وإن لم يكن منصوصاً؛ لاتحاد الطريق. وقيل: يَبطُل الشرط فيهما(4) لأنّ الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حقُ

ص: 224


1- جعله وجهاً العلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،77.
2- تهذیب الاحکام،ح7،ص372،ح،1506.
3- تهذیب الاحکام،ح7،ص371،ح،1503.
4- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،590؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3، ص 209.

االزوج بأصل الشرع، وكذا السلطنةُ له عليها، فإذا شُرِط ما يخالفه كان باطلاً، وحَمَلوا الروايةَ

على الاستحباب ويُشكل بأنّ ذلك وارد في سائر الشروط السائغة التي ليست لمقتضى العقد كتأجيل المهر، فإنّ استحقاقها المطالبة به في كل زمان ومكان ثابت بأصل الشرع أيضاً، فالتزام عدم ذلك في مدة الأجل يكون مخالفاً، وكذا القول في كلّ تأجيل ونحوه من الشروط السائغة.

والحقُّ أنّ مثل ذلك لا يُمنَع، خصوصاً مع ورود النص الصحيح(1) بجوازه، وأما حمل الأمر المستفاد من الخبر الذي بمعناه على الاستحباب فلاريب أنه خلاف الحقيقة، فلايُصار إليه مع إمكان الحمل عليها وهو ممكن، فالقول بالجواز أوجه في مسألة النص. وأمّا المَنزِلُ فيمكن القول بالمنع فيه وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع النصّ. وفي التعدي إليه قوة؛ لعموم الأدلة واتحادِ طريق المسألتين، وحكم المحلة والموضع المخصوص حكم المنزل. ومتى حَكَمْنا بصحته لم يصح إسقاطه بوجه؛ لأنه حقٌّ يَتجدد في كلّ آن، فلايُعقل إسقاط ما لم يُوجد حكمُه وإنْ وُجِد سبيه.

المسألة الخامسة

لو أصدَقَها تعليم صناعة ثمّ طلقها قبل الدخول كان لها نصفُ أُجرة (التعليم)؛ لعدم إمكان تعليمها نصف الصنعة وهو الواجب له-ا بالطلاق خاصةً. ولو كان قد علّمها الصنعة (رَجَع بنصف الأجرة)؛ لعدم إمكان ارتجاع نفس الواجب فيرجع إلى عِوَضه (ولو كان) الصَّداقُ (تعليم سورة) ونحوها (فكذلك)؛ لأنه وإن أمكن تعليم نصفها عقلاً إلا أنه ممتنع شرعاً؛ لأنها صارت أجنبية. (وقيل: يُعلمها النصف من وراء حجاب(2) كما يُعلمها الواجب (وهو قريب)(3) لأن تحريمَ سَماع

ص: 225


1- تقدم أنفاً.
2- قال به الشيخ في المبسوط،ج3، ص 532.
3- نعم، إلا مع خوف الفتنة فلها نصف الأجرة(زين رحمه الله).

صوتها مشروط بحالة الاختيار (والسَّماعُ هنا من باب الضرورة.

المسألة السادسة

لو اعتاضت عن المهر بدونه أو أزيد منه أو بمغايره جنساً أو وصفاً (ثمّ طلَّقها رَجَع بنصف المسمّى)؛ لأنه الواجب بالطلاق (لا) بنصف (العوض)؛ لأنه معاوضةٌ جديدةٌ لاتَعَلَّقَ له بها.

المسألة السابعة

(لو وَهَبَتْه نصف مهرها مشاعاً قبل الدخول فله الباقي)؛ لأنه بقدر حقه فينحصر فيه، ولأنه لاينتقل مستحقُ العين إلى بدلها إلا بالتراضي أو تعذر الرجوع لمانع أو تلفٍ والكلُّ منتفٍ. ويُحتمل الرجوع إلى نصف النصف الموجود وبدل نصف الموهوب؛ لأنّ الهبة وَرَدَتْ على مطلق النصف فيشِيعُ، فيكون حقه في الباقي والتالف فيرجع بنصفه وببدل الذاهب ويكون هذا هو المانع، وهو أحد الثلاثة المسوِّعة للانتقال إلى البدل. ورُدَّ بأنه يؤدّي إلى الضرر بتبعيض حقه، فيلزم ثبوت احتمال آخَرَ وهو تخيرُه بين أخذ النصف الموجود وبين التشطير المذكور(1) (ولو كان) الموهوب معيّناً فله نصفُ الباقي ونصفُ ما وَهَبَتْهُ مِثلاً أو قيمةٌ)؛ لأنّ حقَّهُ مُشاعٌ في جميع العين وقد ذهب نصفها معيَّناً فيرجع إلى بدله، بخلاف الموهوب على الإشاعة. ونبه بقوله «وَهَبَتْه» على أنّ المهر عين، فلو كان ديناً وأَبْرَأَتْهُ من نصفه بَرى من الكل وجهاً واحداً. (وكذا لو تزوجها بعبدين فمات أحدهما أو باعته فللزوج نصف الباقي ونصف قيمة التالف)؛ لأنه تلف على ملكها واستحقاقه لنصفه تجدَّدَ بالطلاق من غير اعتبار

الموجودِ وغيره، والتقريبُ ما تقدم.

المسألة الثامنة

(للزوجة الامتناعُ قبل الدخول حتى تَقبِضُ مهرَها إن كان)

ص: 226


1- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،233.

المهر(حالاً)، مُوسِراً كان الزوج أم مُعسِراً، عيناً كان المهر أم منفعة، متعيّناً كان أم في

الذمة؛ لأنّ النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضةً، ومِن حكمها أنّ لكلّ المتعاوِضين الامتناع من التسليم إلى أن يُسَلّم إليه الآخر، فيجبرهما الحاكم على التقابض معاً؛ لعدم الأولوية بوضع الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها، ويَأْمُرُها بالتمكين. وهذا الحكم لايختلف على تلك التقديرات وربما قيل بأنّه إذا كان معسراً ليس لها الامتناع لمنع مطالبته(1) ويُضعف بأن منع المطالبة لايقتضي وجوب التسليم قبل قبض العوض.

واحترز ب«الحالّ عمّا لو كان مؤجّلاً فإنّ تمكينها لايتوقف على قبضه؛ إذلايجب لها حينئذٍ شيء فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض. ولو أَقدَمَتْ على فعل المحرَّم وامتنعت إلى أن حَلَّ الأجل، ففي جواز امتناعها حينئذٍ إلى أن تقبضه تنزيلاً له منزلة الحال ابتداءً، وعدمه بناءً على وجوب تمكينها قبل حلوله فيُستصحب؛ ولأنّها لما رَضِيتُ بالتأجيل بَنَتْ أمرها على أن لاحق لها في الامتناع فلايثبت بعد ذلك؛ لانتفاء المقتضي وجهان أجودُهما الثاني ولو كان بعضُه حالاً وبعضُه مؤجّلاً كان لكلّ منهما حكم مماثله. وإنما يجب تسليمه إذا كانت مُهَيَّأَةً للاستمتاع، فلو كانت ممنوعةٌ بعُذر وإن كان شرعيّاً كالإحرام لم يلزم؛ لأنّ الواجب التسليم من الجانبين فإذا تعذَّر من أحدهما لم يجب من الآخر. نعم، لو كانت صغيرة يحرُم وطوها فالأقوى وجوب تسليم مهرِها إذا طَلَبه الوليُّ؛ لأنه حقٌّ ثابتٌ حال طَلَبَه مَن له حقُّ الطلب فيجب دفعه كغيره من الحقوق، وعدم قبض العوض الآخَرِ جاء من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجِباً على نفسه عِوَضاً حالاً ورَضِيَ بتأخير قبض المُعوّض إلى محلّه، وهذا بخلاف النفقة؛ لأنّ سبب وجوبها التمكين التام دون العقد. ووجه عدم الوجوب قد علم ممّا سلف مع جوابه.

ص: 227


1- كابن فهد في المهذب البارع،ج3،ص،417.

(وليس لها بعد الدخول الامتناعُ في أصح القولين(1) لاستقرار المهر بالوطء، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقها في المطالبة دون الامتناع، ولأن النكاح معاوضة ومتى سَلَّم أحدُ المتعاوِضَين العِوَضَ الذي مِن قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليَتَسَلَّم العوض الآخر، ولأنّ مَنْعَها قبل الدخول ثابت بالإجماع ولادليل عليه بعده فينتفي بالأصل، فإنّ التسليم حقٌّ عليها والمهر حقٌّ عليه، والأصل عدم تعلّق أحدهما بالآخر فيُتَمسك به إلى أن يثبت الناقلُ.

:وقيل لها الامتناع كقَبْلِ الدخول(2)؛ لأنّ المقصود بعقد النكاح منافع البضع فيكون

المهر في مقابلها، ويكون تعلّق الوطء الأول به كتعلّق غيره والأقوى الأوّلُ. هذا كلُّه إذا سلَّمَتْ نفسها اختياراً، فلو دَخَل بها كُرْهاً فحق الامتناع بحاله؛ لأنه قبض فاسد فلايترتب عليه أثر الصحيح، ولأصالة البقاء إلى أن يثبت المُزيل، مع احتمال عدمه لصدق القبض.

المسألةالتاسعة

(إذا زوَّج الأبُ ولدَه الصغيرَ) الذي لم يَبْلُغْ ويَرْشُدُ (وللولد مالٌ) يفي بالمهر (ففي ماله المهرُ ، وإلّا يكن له مال أصلاً (ففي مال الأب) ولو مَلِك مقدار بعضه فهو في ماله والباقي على الأب. هذا هو المشهور بين الأصحاب، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا(3) وهو يُشعر بالاتفاق عليه، ثم اختار أنّ ذلك مع عدم شرط كونه على الولد مطلقاً أو كونه عليه مطلقاً، وإلا كان على الولد في الأوّل وعليه في الثاني مطلقاً.

(ولو) بَلَغ الصبيُّ فطلق قبل الدخول كان النصفُ المُستَعادُ للولد) لا للأب؛ لأن

ص: 228


1- ذهب إليه السيد المرتضى في الانتصار،ص 287، المسألة 160: والشيخ في الخلاف،ج، 4،ص،393،المسألة 39.
2- قال به المفيد في المقنعة، ص 510؛ والشيخ في النهاية، ص 475.
3- تذكرة الفقهاء،ج2،ص،608 و 609 (الطبعة الحجرية).

دَفْعَ الأب له كالهبة للابن، وملك الابن له بالطلاق ملك جديد لا إبطال لملك المرأة السابق لترجع إلى مالكه وكذا لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه؛ لأن المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه وقطع في القواعد(1) هنا بسقوط النصف عن الأب وأنّ الابن لايستحق مطالبته بشيء، والفرقُ غير واضح.

ولو دَفَع الأبُ عن الولد الكبير المهر تبرعاً أو عن أجنبي ثم طلق قبل الدخول، ففي عود النصف إلى الدافع أو الزوج قولان(2): من ملك المرأة له - كالأول - فيرجع إلى الزوج، ومن أنّ الكبير لايملك بغير اختياره، وإنّما أسقط عنه الحق فإذا سَقَط نصفه رَجَع النصفُ إلى الدافع واختلف كلام العلّامة هنا، ففي التذكرة(3) قطع برجوعه إلى الزوج كالصغير، وفي التحرير(4) قَوَّى عدمَه، واستشكل في القواعد(5) بعد حكمه بإلحاقه بالصغير، والأقوى الأول.

المسألةالعاشرة

لو اختلفا في التسمية فادّعاها أحدهما وادَّعَى الآخَرُ التفويض(حلف المنكِرُ) لها لأصالة عدمها فيثبت مقتضى عدمها من المتعة أو مهر المثل أو غيرهما. (ولو اختلفا في القدر قُدِّم) قولُ (الزوج)؛ لأصالة البراءة من الزائد على ما يعترف به.

واحتمل العلّامة في القواعد(6) تقديمَ قولِ مَن يدَّعِي مهرَ المثل؛ عملاً بالظاهر من عدم العقد على ما دونه، وأنه الأصل في عوض الوطء المجرَّدِ عنه كالشبهة. وفيه أنّ

ص: 229


1- قواعد الأحكام،ج3،ص 88.
2- القول بكونه للدافع للعلامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 575 ، الرقم 5228؛ والقول بكونه للزوج للشيخ في المبسوط،ج3،ص،554.
3- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 609 (الطبعة الحجرية).
4- تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص 575، الرقم 5229.
5- قواعد الأحكام،ج3، ص 87.
6- قواعد الأحكام،ج3، ص 88.

الأصلَ مقدَّمُ على الظاهر عند التعارض إلا فيما ندر، وإنما يكون عِوَضاً عن وطء مجرَّدٍ عن العقد أو في مواضع خاصةٍ. ولو كان النزاع قبل الدخول فلا اشتباه في

تقديم قوله.

ولو قيل بقبول قولها في مهر المثل فما دون مع الدخول لتطابق الأصل والظاهر عليه إذ الأصلُ عدم التسمية وهو موجب له حينئذٍ والظاهر تسميته، وعدم قبوله قبله لأصالة البراءة وعدم التسمية - كان حسناً. نعم، لو كان اختلافهما في القدر بعد اتفاقهما على التسمية قدم قولُ الزوج مطلقاً. ومثله ما لو اختلفا في أصل المهر، أو ادَّعَتْ الزوجة مهراً ولم يُمكن الجواب من قبل الزوج أو وارثه لصغرٍ أو غيبة ونحوها.

(وكذا) لو اختلفا (في الصفة) كالجيد والرديء والصحيح والمُكَسَّر، فإنّ القول قول الزوج مع اليمين، سواء كان النزاع قبل الدخول أم بعده، وسواءٌ وافَقَ أحدهما مهر المثل أم لا؛ لأنّه الغارم فيُقبل قوله فيه كما يُقبل في القدر. (وفي التسليم يُقدَّم قولُها)؛ لأصالة عدمه ها الأصالة عدمه واستصحاب اشتغال ذمته. هذا هو المشهور، وفي قول للشيخ إنّه بعد تسليم نفسها يقدم قولُه(1) استناداً إلى رواية(2) وهو شاذٌّ.

(وفي المواقعة لو أنكرها)؛ ليندفع عنه نصفُ المهر بالطلاق يُقدَّم (قوله)؛ لأصالة عدمها. (وقيل: قولُها مع الخلوةِ التامة التي لامانع معها من الوطء شرعاً ولا عقلاً ولاعرفاً(3) (وهو قريب)(4) عملاً بالظاهر من حال الصحيح إذا خلا بالحليلة، وللأخبار الدالّة على وجوب المهر بالخلوة التامة(5) بحملها على كونه دَخَل بشهادة الظاهر. والأشهَرُ الأوّل ترجيحاً للأصل.

وحكمُ اختلاف ورثتَهما أو أحدهما مع الآخر، حكمه.

ص: 230


1- النهاية، ص 470.
2- تهذيب الأحكام،ج 7،ص376،ح،1521.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 471.
4- نعم، إذا كانت ثيباً أو بكراً وقد ذهبت بكارتها أو لم تذهب وادعت الوطء دبراً(زين رحمه الله).
5- راجع تهذيب الأحكام،ج7،ص،464،باب الزيادات في فقه النكاح.

الفصل السابع في العيوب والتدليس)

فی العیوب(1) والتدلیس

(وهي) أي العيوبُ المجوّزةُ لفسخ النكاح على الوجه الذي يأتي (في الرجل) بل الزوج مطلقاً (خمسةٌ : الجنون والخصاء) بكسر الخاء مع المد وهو سَلُّ الأُنثيين وإن أمكن الوطءُ، (والجُبُّ) وهو قطع مجموع الذكر أو ما لايبقى معه قدر الحشفة، (والعَنَنُ) وهو مرض يعجُز معه عن الإيلاج؛ لضعف الذكر عن الانتشار. (والجُذام) بضم الجيم، وهو مرض يظهر معه يُبْسُ الأعضاء وتَناتُرُ اللحم (على) (قول القاضي وابن الجنيد(2) واستحسنه في المختلف(3) وقواه المحقق الشيخ علي(4) لعموم قول الصادق(علیه السلام) في صحيحة الحلبي: «إنّما يُرَدّ النكاح من البَرَص والجُذام والجنون والعَفَل»(5) فإنّه عام في الرجل والمرأة إلا ما أخرجه الدليل، ولأدائه إلى الضرر المنفيّ(6) فإنّه من الأمراضِ المُعدِّيّةِ باتفاق الأطباء، وقد رُوِيَ أنّه(علیه السلام) قال: «فِرَّ من المجذوم فِرارَك من الأسد»(7) فلابد من طريق إلى التخلّص ولا طريق للمرأة إلا الخيار

بمقتضى

ص: 231


1- فائدة في العيوب المتخلّلة بين العقد والدخول الظاهر أنّها إن كانت بالمرأة لم يكن للرجل الفسخ؛ تمسكاً العقد: لقدرته عليه بالمفارقة بالطلاق. وإن كان بالرجل كان لها الفسخ ؛ لعدم قدرتها على الفراق إلا بالفسخ، فلو لم يشرع لها لحصل عليها ضرر، وهو منفي بالخبر، وإن كان بعد الدخول فليس لأحدهما الفسخ إلابجنون الرجل دون المرأة(زين رحمه الله).
2- المهذب،ج2،ص،231؛ حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،195 - 19، المسألة 124.
3- مختلف الشيعة،ج 7، ص 196،المسألة 124.
4- جامع المقاصد،ج13، ص،269.
5- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 424،ح1693.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651.
7- الفقيه،ج 4،ص،357،ح،5765.

والنصُّ(1) والفتوى(2) الدالان على كونه عيباً في المرأة - مع وجود وسيلة الرجل إلى الفرقة بالطلاق - قد يقتضيه في الرجل بطريق أولى.

وذهب الأكثر إلى عدم ثبوت الخيار لها به؛ تمسكاً بالأصل، ورواية غياث الضبي عن أبي عبدالله(علیه السلام): «الرجلُ لايُرَدّ من عيب»(3) فإنه يتناول محل النزاع. ولا يخفى قوّة القول الأوّل ورجحان روايته؛ لصحتها وشهرتها مع ما ضُمَّ إليها، وهي ناقلة عن حكم الأصل. واعلم أنّ القائل بكونه عيباً في الرجل الحق به البرصَ؛ لوجوده معه في النص الصحيح(4) ومشارَكتِه له في الضرر والإضرار والعَدْوَى فكان ينبغي ذكرُه معه.

ولافرق بين الجنونِ (المُطْبِقِ المُستَوعِب لجميع أوقاته (وغيره) وهو الذي ينوب أدواراً، (ولا) بين الحاصل (قبل العقد وبعده) سواءٌ وَطِئ أو لا لإطلاق النصّ(5) بكونه عيباً الصادق لجميع ما ذُكر؛ لأنّ الجنون فنون والجامع لها فساد العقل على أي وجه يكون. وفي بعض الأخبار(6) تصريح بجواز فسخها بالحادث منه بعد العقد. وقيل : يُشترط فيه كونه بحيث لايَعقِل أوقات الصلاة(7) وليس عليه دليل واضح.

(وفي معنى الخصاء الوجاءُ) بكسر أوّله والمد، وهو رَضُ الخُصْيَتَيْن بحيث تبطل قوتُهما، بل قيل : إنّه من أفراد الخَصْي(8) فيتناوله نصُّه أو يشاركه في العلة المقتضية للحكم.

ص: 232


1- تهذيب الأحكام،ج7، ص 424،ح،1694.
2- راجع مختلف الشيعة،ج7،ص،195،المسألة 124.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،430،ح،1714.
4- تقدم في ص،231،الهامش 5.
5- تقدم في ص،231،الهامش 5.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 428، ح 1708.
7- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 500 - 501؛ والخلاف،ج4،ص،349، المسألة 127.
8- حكاه المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج13،ص،226.

(وشرطُ الجُبِّ أن لايبقَى قدر الحشفة، فلو بقي قدرها فلاخيار لإمكان الوطء

(وشرطُ العُنّة) بالضم (أن يعجز عن الوطء في القبل والدبر منها ومن غيرها، فلو وَطِنَها في ذلك النكاح ولو مرّةً أو وَطِئَ غيرها فليس بعنين، وكذا لو عَجَز عن الوطء قبلاً وقَدَر عليه دُبُراً عند من يُجَوِّزُه ؛ لتحقق القدرةِ المنافية للعنة.

ومع تحققِ العجز عن ذلك أجمع فإنّما تَفسَخ (بعد) رفع أمرها إلى الحاكم و(إنظاره سَنَةً) من حين المرافعة، فإذا مَضَتْ أجمعُ وهو عاجز عن الوطء في الفصول الأربعة جاز لها الفسخُ حينئذٍ، ولو لم تَرفَع أمرها إليه وإن كان حياءً فلا خيار لها. وإنما احتيج إلى مُضي السنة هنا دون غيره من العيوب؛ لجواز كون تعذرِ الجماع لعارض حرارة فيَزُول في الشتاء، أو بُرودةٍ فيزول في الصيف، أو رطوبة فيزول في الخريف، أو يُبوسة فيزول في الربيع. (وشرطُ الجذام تحققه بظهوره على البدن أو شهادة عدلين أو تصادقهما عليه، لا مجرّدِ ظهور أماراته مِن تَعَجَّر الوجه واحمراره أو اسوداده واستدارة العين وكُمودَتِها

إلى حُمْرة وضيق النفس وبُحّةِ الصوت ونَتْنِ العَرَق وتساقط الشعر؛ فإنّ ذلك قد يَعرِض من غيره. نعم، مجموع هذه العلاماتِ قد يُفيد أهل الخبرة به ،حصوله، والعمدة على تحققه كيف كان. (ولو تجددت هذه العيوب غيرُ الجنون (بعد العقد فلا فشخ)؛ تمسكاً بأصالة لزوم العقد، واستصحاباً لحكمه مع عدم دليل صالح على ثبوت الفسخ. وقيل: يُفسَخ بها مطلقاً(1) نظراً إلى إطلاق الأخبار(2) بكونها عيوباً الشامل لموضع النزاع، وما ورد منها(3)

ص: 233


1- قال به القاضي ابن البراج في المهذب،ج2،ص،234 و 235.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،432،ح،1721 - 1722.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،425،ح،1699.

ممّا يدلّ على عدم الفسخ بعد العقد غير مقاوم لها دَلالةً وسنداً، ولمشاركة ما بعد العقد لما قبله في الضرر المنفي(1).

وفصل آخرون فحكموا بالفسخ قبل الدخول لابعده(2) استناداً إلى خبرين(3) لايَنهَضان حجّةً. وتوقف في المختلف(4) وله وجه.

(وقيل) والقائل :الشيخ: (لو بان الزوج (خنثى فلها الفسخ)(5)، وكذا العكس. (ويُضعف بأنّه إن كان مشكلاً فالنكاح باطل لايحتاج رفعه إلى الفسخ؛ (وإن كان محكوماً بذكوريته) بإحدى العلامات الموجبة لها فلاوجه للفسخ؛ لأنّه كزيادة عضو في الرجُل)، وكذا لو كان هو الزوجة وحُكم بأنوثيتها؛ لأنه حينئذ كالزيادة في المرأة، وهي غيرُ مجوزة للفسخ على التقديرين. وربما قيل: إنّ موضعَ الخلاف ما لو كان محكوماً عليه بأحد القسمين، ووجه الخيار حينئذ أن العلامة الدالة عليه ظنيّةٌ لا تدفع النفرة والعار عن الآخر، وهما ضرران منفيان. وفيه أنّ مجرّدَ ذلك غيرُ كافٍ في رفع ما حكم بصحته واستصحابه من غير نص، وربما منع من الأمرين معاً؛ لأنّ الزائد هنا بمنزلة السلعة والتَّقْبة، وهما لايُوجِبان الخيار. والظاهر أنّ الشيخَ فَرَضه على تقدير الاشتباه لا الوضوح؛ لأنّه حَكَم في الميراث بأنّ الخنثى المشكل لو كان زوجاً أو زوجةً أعطِيَ نصف النصيبين(6) لكنّه ضعيف جداً فالمبني عليه أولى بالضعف.

( وعيوبُ المرأةُ تسعةُ: الجنونُ والجذامُ والبَرَصُ والعَمَى والإقعادُ والقَرْن) بسكون الراء وفتحِها (عظماً) كما هو أحد تفسيريه كالسِّنّ يكون في الفرج يمنع الوطء

ص: 234


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص 146 و 147،ح،651.
2- كالشيخ في المبسوط،ج3،ص،515: النهاية، ص 487.
3- ي خبري إسحاق بن عمّار وغياث الضبي. راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 430 ، ح 1714 و 1715.
4- مختلف الشيعة،ج7،ص،206، المسألة 131.
5- المبسوط،ج4،ص،263 و 266.
6- المبسوط،ج4،ص،117.

فلو كان لحماً فهو العَفَل، وقد يُطلَق عليه القَرْنُ أيضاً وسيأتي حكمه، والإفضاءُ) وقدتقدم(1) تفسيره.

(والعَفَل) بالتحريك، وهو شيءٌ يخرج من قُبُل النساء شبيهُ الأُدْرة للرجل، (والرَتَق) بالتحريك، وهو أن يكون الفرج مُلتَحِماً ليس فيه مدخل للذكر (على خلاف فيهما أي في العَفَل والرتق ومنشأ الخلاف من عدم النص، ومساواتهما للقرن المنصوص في المعنى المقتضي لثبوت الخيار وهو المنع من الوطء، وفيه قوة. وفي بعض كلام أهل اللغة أنّ العَفَل هو القرن(2) فيكون منصوصاً، وفي كلام آخرين أنّ الألفاظ الثلاثة مترادفة في كونها لحماً ينبت في الفرج يمنع الوطء(3)

(ولاخيار) للزوج (لو) تجدّدت هذه العيوبُ(بعد العقد) وإن كان قبل الوطء في المشهور تمسكاً بأصالة اللزوم، واستصحاباً لحكم العقد، واستضعافاً لدليل الخيار وقيل: يُفسَخ بالمتجدّد مطلقاً(4) عملاً بإطلاق بعض النصوص(5) وقيَّد ثالث بكونه قبل الدخول(6) والأشهر الأول.

(أو كان يمكن وطءُ الرَتْقاء أو القَرْناء أو العَفْلاء؛ لانتفاء الضرر مع إمكانه، (أو) كان الوطء غير ممكن لكن كان يمكن علاجه) بفتق الموضع أو قطع المانع (إلّا أن تمتنع) المرأةُ من عِلاجه ولا يجب عليها الإجابة؛ لما فيها من تحمُّل الضرر والمشقة، كما أنها لو أرادَتْه لم يكن له المنعُ؛ لأنّه تَداوِ لا تعلّق له به.

(وخيارُ العيب على الفور) عندنا اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل على موضع الضرورة،

ص: 235


1- تقدم في ص 134.
2- لسان العرب، ج 9، ص 293، «عفل».
3- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،534، الرقم 5145.
4- قال به الشيخ في المبسوط،ج3،ص،501.
5- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 427، ح 1703 و 1704.
6- كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 463.

فلو أخّر مَن إليه الفسخ مختاراً مع علمه بها بطل خياره سواء الرجل والمرأة. ولو جَهل الخيار أو الفورية فالأقوى أنّه عُذِرَ فيختار بعد العلم على الفور، وكذا لو نَسِيَهما. ولو منع منه بالقبض على فيه أو التهديد على وجه يُعدّ إكراها فالخيار بحاله إلى أن يزول المانع، ثمّ تُعتبر الفورية حينئذ.

(ولا يُشترط فيه الحاكم)؛ لأنّه حقٌّ ثَبَتَ فلايتوقف عليه كسائر الحقوق، خلافاً لابن الجنيد(1) (وليس) الفسخ (بطلاق) فلا يُعتبَر فيه ما يُعتبر في الطلاق، ولايُعد في الثلاث، ولايُطرَد معه تنصيفُ المهر وإن ثبت في بعض موارده.

ويُشترط الحاكم في ضرب أجل (العُنّة لا في فسخها بعده بل تستقل به حينئذ.

(ويُقدَّم قولُ منكرِ العَيب مع عدم البينة لأصالة عدمه فيكون مدعيه هو المدعي فعليه البينة وعلى منكره اليمين.

ولايخفى أنّ ذلك فيما لايمكن الوقوف عليه كالجُبّ والخصاء، وإلّا تَوَصَّل الحاكم إلى معرفته. ومع قيام البينة به إن كان ظاهراً كالعيبين المذكورين كفى في الشاهدين العدالة، وإن كان خَفِيّاً يتوقف العلم به على الخُبرة كالجذام والبَرَص اشْتَرِط فيهما مع ذلك الخُبرة بحيث يقطعان بوجوده، وإن كان لا يعلمه غالباً غيرُ صاحبه ولا يَطَّلع عليه إلَّا مِن قِبَلِه كالعُنّة، فطريقُ ثبوته إقراره أو البينة على إقراره أو اليمين المردودة من المنكر، أو من الحاكم مع نكول المنكر عن اليمين بناءً على عدم القضاء بمجرده. وأمّا اختبارُها بجلوسه في الماء البارد فإن اسْتَرْخَى ذَكَرُه فهو عنِّين وإن تَشَنَّج فليس به كما ذهب إليه بعض(2) - فليس بمعتبر في الأصح. وفي العيوب الباطنة للنساء بإقرارها وشهادةِ أربع منهنّ، ولاتُسمع في عيوب الرجال وإن أمكن اطّلاعُهنّ كأربع زوجات طلَّقهنَّ بِعُنَّته.

ص: 236


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،216، المسألة 145.
2- كالشيخ الصدوق في المقنع، ص 322.

(و) حيث يَثبُتُ العيبُ ويحصُل الفسخُ (لا مهر ) للزوجة (إن كان الفسخ قبل الدخول) في جميع العيوب (إلّا في العُنّة فنصفه على أصح القولين،(1) وإنما خرجت العُنْةُ بالنص(2) الموافق للحكمة من إشرافه عليها وعلى محارمها فناسَبَ أن لايخلو من عِوَض، ولم يجب الجميع لانتفاء الدخول، وقيل: يجب جميع المهر وإن لم يُولج(3) (وإن كان الفسخ (بعد الدخول فالمسمّى)؛ لاستقراره به (ويرجع) الزوج (به على المُدَلِّس) إن كان وإلا فلا ،رجوع، ولو كانت هي المدلسة رَجَع عليها إلا بأقل ما يمكن أن يكون مهراً، وهو أقلُّ مُتَمَوَّل على المشهور. وفي الفرق بين تدليسها وتدليس غيرها في ذلك نظر. ولو تَوَلَّى ذلك جماعةٌ وُزّعَ عليهم بالسوية ذكوراً كانوا أم إناثاً أم بالتفريق.

والمراد بالتدليس السكوت عن العيب الخارج عن الخلقة مع العلم به أو

دعوى صفة كمال مع عدمها. ولو) تزوّج امرأةً على أنّها حرّة أي شَرَط ذلك في متن العقد (فظهرت أمةً) أو مُبَعَّضةٌ (فله الفسخ وإن دخل؛ لأن ذلك فائدة الشرط. هذا إذا كان الزوج ممن يجوز له نكاحُ الأمة ووقع بإذنِ مولاها أو مباشرته، وإلا بطل في الأول ووقع موقوفاً على إجازته في الثاني على أصح القولين.

ولو لم يشترط الحرية فى نفس العقد بل تزوجها على أنّها حرّةً أو أخبرته بها قبله أو أخبره مخبر، ففي إلحاقه بما لو شَرَط نظر، من ظهور التدليس، وعدم الاعتبار بما تقدم من الشروط على العقد.

وعبارة المصنفِ والأكثرِ محتملة للأمرين. (وكذا تَفسَخ) هى لو تزوَّجَتْه على أنّه حرّ فظهر عبداً بتقريب ما سبق. (ولا) مهر) في الصورتين بالفسخ قبل الدخول؛ لأنّ الفاسخ إن كان هي فقد جاء

ص: 237


1- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 487.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429، ح 1709 .
3- قال به ابن الجنيد حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،207. المسألة 133.

من قِبلها وهو ضابظُ عدم وجوبه لها قبل الدخول، وان کان هو فبسببها.(ویجب) جميع المهر(بعده)؛

لاستقراره به.

ولو) شَرَط كونَها بنتَ مَهِيرةٍ) بفتح الميم وكسر الهاء؛ فَعِيلة بمعنى مفعولة، أي بنتَ حرّةٍ تُنكَح بمهر وإن كانت مُعتقةً في أظهر الوجهين، خلاف الأمة فإنها قد تُوطَاً بالملك فظهرت بنتَ أمةٍ فله الفسخ): قضيّةً للشرط. فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها؛ لما تقدّم، وإن كان بعده وجب المهر ويرجع به على المدلس لغروره ولو لم يَشرِط ذلك بل ذكر قبل العقد فلا حكم له مع احتماله كما سلف. (فإن كانت هي) المدلّسة (رَجَع عليها بالمسمّى (إلّا) بأقلّ مَهرٍ) وهو ما يتموّل؛ لأنّ الوطء المحترم لا يخلو عن مهر، وحيث ورد النصُّ(1) برجوعه على المدلس يقتصر فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين وهو ما ذكر. وفي المسألة وجهان آخران أو قولان، أحدُهما(2) أنّ المستثنى أقل مهر أمثالها؛ لأنه قد استوفى منفعة البضع فوجب عوضُ مثله، والثاني(3) عدم استثناء شيء؛ عملاً بظاهر النصوص والمشهور الأول. وكذا يرجع بالمهر على المدلس لو ظهرت أمةً، ويمكن شمول هذه العبارة له بتكلُّفٍ. وتَختَصّ الأمةُ بأنها لو كانت هي المدرّسة فإنّما يرجع عليها على تقدير عتقها، ولو كان المدلّسُ مولاها اعتُبر عدم تلفّظه بما يقتضي العتق، وإلا حكم بحريتها ظاهراً وصح العقد.

(ولو شرطها بِكراً فظهرت ثيّباً فله الفسخ) بمقتضى الشرط (إذا ثبت سَبْقُه) أي سبق الثُيُوبةُ (على العقد) وإلا فقد يمكن تجدّدُه بين العقد والدخول بنحو الخُطوة والحُرْقُوص. ثمّ إن فَسَخَ قبل الدخول فلا مهر وبعده فيجب لها المسمّى، ويَرجِع به.

ص: 238


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 423 ، ح 1691.
2- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،215 - 216، المسألة 144.
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج2،ص،266.

على المدلّس وهو العاقدُ كذلك العالم بحالها، وإلا فعليها مع استثناء أقل ما يكون مهراً كما سبق.

(وقيل) والقائل ابن إدريس: لافسخ ولكن ينقص من مهرها بنسبة ما بين مهر البكر والثيّب(1) فإذا كان المسمّى مائةٌ ومهرُ مثلها بكراً مائةً وثيّباً خمسون نَقص منه النصفُ، ولو كان مهرُها بكراً مائتين وثيباً مائةً نَقص من المسمّى خمسون؛ لأنّها نسبةُ ما بينهما لامجموع تفاوتِ ما بينهما؛ لئلا يَسقُط جميع المسمّى كما قُرّر في الأرش. ووجه هذا القول أنّ الرضى بالمهر المعيّن إنّما حَصَل على تقدير اتصافها بالبكارة ولم تحصل إلا خاليةً عن الوصف فيلزم التفاوت كارش ما بين كون المبيع صحيحاً ومعيباً.

واعلم أنّ الموجود في الرواية أنّ صَداقَها يَنقُص(2) فحكم الشيخ (رحمه الله) بنقص شيء من غير تعيين(3) لإطلاق الرواية، فأغرب القطب الراوندي فأن الناقص هو السُدس(4) بِناءً على أنّ الشيء سدس كما ورد في الوصية به(5) وهو قياس على ما لايَطَّرد، مع أنّ «الشيء» من كلام الشيخ قصداً للإبهام تبعاً للرواية المتضمنة للنقص مطلقاً. وربما قيل: يرجع إلى نظر الحاكم(6)؛ لعدم تفسيره لغةً ولاشرعاً ولاعرفاً.

ص: 239


1- السرائر، ج 2، ص 615.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،363،ح،1472.
3- النهاية، ص 486.
4- حكاه عنه المحقق في نكت النهاية،ج2،ص،361.
5- تهذيب الأحكام،ج 9، ص،211، ح 835.
6- قال به المحقق في نكت النهاية،ج2،ص،362.

الفصل الثامن في القَسْمِ والنشوز والشقاق

اشارة

و القَسْم هو بفتح القاف مصدرُ قَسَمْتُ الشيء»، أما بالكسر فهو الحظ والنصيب. (والنشوز) وهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة الآخر، (والشقاق) وهو خروج كلّ

منهما عن طاعته أما القسم فهو حق لكلّ منهما ؛ لاشتراك ثمرته وهو العِشرة بالمعروف المأمورُ بها(1) (ويجب للزوجة الواحدة ليلةٌ من أربع وله ثلاث ليالٍ يَبِيتُها

حيث شاء، وللزوجتين ليلتان من الأربع وله ليلتان، وعلى هذا فإذا تمت الأربع فلافاضل له) لاستغراقهنّ النصاب.

ومقتضى العبارة أنّ القسمة تجب ابتداءً وإن لم يبتدئ بها، وهو أشهر القولين(2) لورود الأمر بها مطلقاً. وللشيخ (رحمه الله قول بأنها لاتجب إلا إذا ابتدأ بها(3) واختاره

المحققُ فى الشرائع(4) والعلّامة في التحرير(5)، وهو متجه، والأوامر المُدعاة لا تُنافيه. ثم إن كانت واحدةً فلا قسمة وكذا لو كُنَّ أكثر وأعرَضَ عنهن، وإن بات عند واحدة

ص: 240


1- النساء (4): 19: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ).
2- کما في مختلف الشيعة، ج 7،ص317، المسألة 226؛ وغاية المراد، ج 3، ص 154 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،3).
3- المبسوط، ج 3، ص 596.
4- شرائع الإسلام،ج2،ص،279.
5- تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،589، الرقم 5253.

منهنّ ليلة لَزِمه للباقيات مثلُها، وعلى المشهور يجب مطلقاً، وحينئذٍ فإن تعددنَ ابتدأ بالقرعة ثم إن كانتا اثنتين، وإلا افتقر إلى قرعة أُخرى للثانية وهكذا لثلايُرَبِّح بغير

مرجح. وقيل: يتخيَّر(1)، وعلى قول الشيخ يتخير من غير قرعة.

ولاتجوز الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهنّ، وهو أحد القولين(2) لأنّه الأصل، وللتأسي بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(3) فقد كان يقسم كذلك، ولئلا يلحق بعضهن ضرر مع الزيادة بعروض ما يقطعه عن القسم للمتأخرة. والآخَرُ جوازها مطلقاً(4) للأصل.

ولو قيل بتقييده بالضرر كما لو كن في أماكن متباعِدَةٍ يَشُق عليه الكون كلَّ ليلة مع واحدة كان حسناً، وحينئذ فيتقيد بما يندفع به الضرر ويتوقف ما زاد على رضاهنّ. وكذا لايجوز أقل من ليلة؛ للضرر.

(ولافرق في وجوب القسم(بين الحر والعبد والخَصِيّ والعَنِين وغيرهم)؛

لإطلاقِ الأمر(5) وكونِ الغرض منه الإيناس بالمضاجعة لا المواقعة. (وتَسقُط القِسمةُ بالنشوز) إلى أن ترجع إلى الطاعة، والسفر) أي سفره مطلقاً مع استصحابه لإحداهن أو على القول بوجوبه مطلقاً فإنه لا يقضي للمتخلفات وإنْ لم يُقرع للخارجة، وقيل: مع القرعة(6) وإلا قَضَى.

أما سفرها فإن كان لواجب أو جائز بإذنه وجب القضاء، ولو كان لغرضها ففي القضاء قولان للعلّامة في القواعد والتحرير(7)، والمتجه وجوبه.

وإن كان في غير واجب بغير إذنه ولا ضرورة إليه فهي ناشزة.

ص: 241


1- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج2،ص، 279.
2- ذهب إليه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،591، الرقم 5262.
3- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،484،ح،14732 و 14733.
4- اختاره الشيخ في المبسوط،ج3،ص،599.
5- الكافي،ج 5، ص 565، باب النوادر من كتاب النكاح، ح،40.
6- قال به الشيخ في الخلاف،ج4،ص، 415، المسألة 7.
7- قواعد الأحكام،ج3،ص90؛ تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،595، الرقم 5272.

(ويختص الوجوبُ بالليل وأمّا النهار فلمعاشه إن كان له معاش (إلّا في نحو (الحارس) ومَن لايَتم عمله إلا بالليل (فتنعكس) قسمتُه فتجب نهاراً دون الليل وقيل تجب الإقامة صَبِيحةُ كل ليلة مع صاحبتها(1) لرواية إبراهيم الكَرْخي عن الصادق(علیه السلام)(2) وهي محمولة مع تسليم سندها على الاستحباب والظاهر أنّ المراد ب-«الصبيحة» أوّلُ النهار بحيث يُسمَّى صبيحة عرفاً، لا مجموع اليوم. هذا كلّه في المقيم. أما المسافر الذي معه زَوْجاته فعماد القسمة في حقه وقتُ

النزول، ليلاً كان أم نهاراً، كثيراً كان أم قليلاً.

(وللأمة) المعقود عليها دواماً حيث يُسوَّغ (نصفُ القِسم)؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: «إذا كان تحته أمةٌ مملوكة فتزوج عليها حرَّةً قَسَم للحرّة مِثلَي ما يَقسِم للمملوكة»(3) وحيث لاتكون القسمة فى أقل من ليلة فللأمة ليلةٌ من ثمان وللحرّة ليلتان وله خمس. ويجب تفريق ليلتي الحرّة؛ لِتَقَعَ من كل أربع واحدة إن لم تَرْضَ بغيره. وإنما تستحق الأمةُ القسم إذا استَحَقَّتْ النفقة بأن كانت مُسَلَّمةً للزوج ليلاً ونهاراً كالحرّة. (وكذا الكتابية الحرّة) حيث يجوز نكاحها دواماً على المشهور، وعُلِّل بنقصها بسبب الكفر فلاتُساوِي المُسْلِمةَ الحرّةَ (وللكتابية الأمة رُبع القِسم)؛ لئلا تُساوِيَ الأمةَ المسلمة فتصير القسمة من ستّ عشرة ليلةً) للأمة الكتابية منها ليلةٌ، وللحرّة المسلمة أربع، كما سلف، وللأمة المسلمة ليلتان لو اتفقت، وكذا الكتابية. ومن هنا يتفرَّع باقي صُوَرِ اجتماع الزوجات المتفرِّقاتِ في القسمة وهي أربعون صورةً تَبلُغ مع الصور المتفقة اثنتين وخمسين تُعرف مع أحكامها بالتأمّل. وتستحق القسم مريضةٌ ورَتْقاءُ وقَرْناءُ وحائضٌ ونُفَساءُ؛ لأن المقصود منه الأنس

لا الوطءُ.

ص: 242


1- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،317،المسألة 225.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 422،ح،1689.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،421،ح،1686.

(ولاقسمةً للصغيرة) التي لم تبلغ النسعَ (ولا للمجنونة المطبقة إذا خاف أذاها مع مضاجعتها؛ لأنّ القسمة مشروطة بالتمكين وهو منتف فيهما، ولو لم يخف من المجنونة وجب، وكذا غيرُ المُطبقة.

(ويقسم الولي بالمجنون) بأن يَطُوف به على أزواجه بالعدل، أو يَستَدعِيَهُنَّ إليه أو بالتفريق، ولو خَصَّ به بعضَهنّ فقد جار وعليه القضاء، فإن أفاق المجنونُ قَضَى ما جار فيه الوليُّ ، وفي وجوبه عليه نظر؛ لعدم جوره. و تختص البكر عند الدخول بسبع ليال ولاءً، ولو فَرَّقَه لم يُحتَسَب واستأنف وقَضَى المفرَّقَ للأخريات، ويُحتمل الاحتساب مع الإثم، (والثيب بثلاث) ولاء، والظاهر أنّ ذلك على وجه الوجوب، ولا فرق بين كون الزوجة حرّةً وأمةً، مسلمةً وكتابيّةً إن جوزنا تزويجها دواماً عملاً بالإطلاق. واستقرب في التحرير تخصيص الأمة بنصف ما تَختَصّ به لو كانت حرّةً(1) وفي القواعد المساواة(2)

وعلى التنصيف يجب عليه الخروج من عندها بعد انتصاف الليل إلى مكان خارج عن الأزواج، كما يجب ذلك لو بات عند واحدة نصف ليلة ثمّ مُنع من الإكمال فإنّه يبيت عند الباقيات مثلها مع المساواة أو بحسابه.

(وليس للزوجة أن تهب ليلتها للضَّرّة إلا برضى الزوج)؛ لأنّ القسم حقٌّ مشترك بينهما أو مختص به على القول بعدم وجوبه ابتداءً، فإن رَضِيَ بالهبة ووَهبَتْ لمعيّنة منهنّ بات عندها ليلتهما كلَّ ليلة في وقتها، متصلتين كانتا أم منفصلتين. وقيل: يجوز وصلهما تسهيلاً عليه، والمقدارُ لا يختلف. ويُضعف بأنّ فيه تأخير حقٌّ من بين ليلتين، وبأنّ الواهبة قد ترجع بينهما، والموالاة تُفَوِّت حق الرجوع. وإن وَهَبَتْها لهنّ سوّى بينهنّ فيَجعَل الواهبة كالمعدومة. ولو وهبتها له فله تخصيص نوبتها بمن

شاء، ويأتي في الاتصال والانفصال ما سبق.

ص: 243


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،595، ذيل الرقم 5271.
2- قواعد الأحكام،ج3،ص،90.

(ولها الرجوع قبل تمام المبيت)؛ لأنّ ذلك بمنزلة البذل لاهبة حقيقية لايُشترط رضى الموهوبة (لا) بعده؛ لذهاب حقها من الليلة فلايمكن الرجوع فيها ولايجب قضاؤُها لها.

(ولو رجعت في أثناء الليلة تَحوّل إليها)؛ لبطلان الهبة لما بقي من الزمان.

(ولو رجعت ولما يعلم فلاشيء عليه لاستحالة تكليف الغافل، ولها أن ترجع في

المستقبل دون الماضي، ويثبت حقها من حين علمه به ولو في بعض الليل. (ولايصح الاعتياض عن القسم بشيء من المال؛ لأن المعوض كون الرجل عندها وهو لايُقابل بالعوض؛ لأنه ليس بعين ولامنفعة. كذا ذكره الشيخ(1) وتبعه عليه الجماعةُ،(2) وفي وفي التحرير نَسَب القول إليه(3) ساكتاً عليه، مشعراً بتوقفه فيه أو تمريضه. وله جه؛ لأنّ المعاوضة غيرُ منحصرة فيما ذكر، ولقد كان ينبغي جواز الصلح عليه كما

يجوز الصلح على حق الشفعة والتحجير ونحوهما من الحقوق. وحيث لا تجوز المعاوضة (فيجب) عليها (ردُّ العِوَض) إن كانت قَبَضَتُه، ويجب عليه القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت لأنه لم يسلم لها العوض هذا مع جهلهما بالفساد أو عليهما وبقاء العين وإلّا أشكل الرجوع لتسليطه على إتلافه ب-غي-ر ع-وض حيث يعلم أنه لا يُسلم له. وقد تقدَّم البحث فيه في البيع الفاسد وأنّ المصنّف مال إلى الرجوع مطلقاً كما هنا، خلافاً للأكثر .

(ولايزور الزوجُ الضَرَّة في ليلة ضَرَّتها؛ لما فيه من تفويت حقها زمن الزيارة، وكذا لايدخُل إليها فيها لغير الزيارة إلا لضرورة فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه ما لم يقصُر جداً بحيث لايُعَدّ إقامةً عرفاً فيَأتَم خاصة. وقيل: لايجب القضاء إلا مع

ص: 244


1- المبسوط،ج3،ص،596.
2- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب،ج2،ص،228؛ والعلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص 94؛ والصيمري في غاية المرام،ج3،ص،165.
3- تحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص،591، الرقم 5261.

استيعاب الليلة والقولان للفاضل في القواعد والتحرير(1). وتجوز عيادتها في مرضها، لكن يقضي لو استَوعَب الليلةَ عند المَزُورة ؛ لعدم إيصالها حقها، وقيل(2): لا كما لو زار أجنبيّاً.

وهل تُحسَب الليلة على المَزُورة؟ الظاهر لا؛ لأنّها ليست حقها ولو لم يستوعب الليلة فلا قضاء هنا.

(والواجب) في المبيت (المضاجَعَةُ) وهي أن ينام معها قريباً منها عادةً مُعطِياً لها وجهه دائماً أو أكثريّاً بحيث لايُعد ها جراً وإنْ لم يتلاصق الجسمان، (لا المواقعةُ) فإنّها لاتجب إلا في كلّ أربعة أشهر مرةً كما سلف.

(ولو جار في القسمة قَضَى واجباً لمن أخل بليلتها، فلو قسم لكل واحدة من الأربع عَشراً فوَفَّى ثلاثاً ثم عاد عليهن دون الرابعة بعشر قضى لها ثلاث عشرة ليلةً وثلثاً، ولو باتها منفرداً قضى لها عشراً خاصةً. ولو طلقها قبل القضاء أو بعد حضور ليلتها قبل إيفائها بَقِيَ حقها في ذمّته، فإن تزوجها أو راجَعَها وجب عليه التخلص منها وإِلّا استَقَرَّت المَظْلَمَةُ في ذمّته. وكذا لو فارَقَ المظلوم بها وجدد غيرها؛ لأن قضاء الظلم يستلزم الظلم للجديدة. ولو كان الظلمُ بعض ليلة وجب عليه إيفاؤُها قدر حقها وإكمال باقى الليلة خارجاً عن الزوجات. ولو شكٍّ في القدر بنى على المتيقن.

(والنشوزُ) وأصله الارتفاع و(هو) هنا (الخروج عن الطاعة أي خروجُ أحدِ الزوجين عمّا يجب عليه من حق الآخر وطاعته؛ لأنه بالخروج يَتَعالَى عمّا أوجب الله عليه من الطاعة. فإذا ظهرت أمارته للزوج بتقطيبها في وجهه والتبرم) أي الضجر والسأم (بحوائجه) التي يجب عليها فعلها من مقدمات الاستمتاع بأن تمتنع أو تتناقل إذا دعاها إليه، لامطلق حوائجه؛ إذ لايجب عليها قضاء حاجته التي لاتتعلق

ص: 245


1- قال بعدم القضاء في قواعد الأحكام،ج3،ص،91؛ وبالقضاء في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 591، 1.الرقم 5261.
2- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج2،ص،281.

بالاستمتاع (أو تَغيّرِ عادتها في أدبها) معه قولاً كَأن تُجِيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، أو غيرَ مُقبلة بوجهها بعد أن كانت تُقبل أو فعلاً كأن يجد إعراضاً وعُبُوساً بعد لطف وطلاقة ونحو ذلك (وَعَظَها)(1) أوّلاً بلا هَجْرٍ ولا ضرب فلعلها تُبدِي عُذراً أو تتوب عمّا جَرَى منها من غير عذر. والوعظ كأن يقول «اتَّقِي الله في الحق الواجب لي عليكِ واحذري «العقوبة ويُبيِّنَ لها ما يترتب على ذلك من عذاب الله تعالى في الآخرة وسقوط النفقة والقسم في الدنيا؛ ثمّ حوَّل ظَهْرَه إليها في المضجع - بكسر الجيم - إن لم يَنجَع الوعظ ، ثمّ اعتزلها ناحيةً في غير (فراشها، ولايجوز (ضربها إن رَجَا

رجوعها بدونه.

(فإذا امتنعت من طاعته فيما يجب له ولم يَنجَع ذلك كلُّه (ضَرَبها مقتصراً على ما يُؤَمِّل به رجوعها فلا تجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلَّا تَدَرَّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مُدْمِياً ولا مُبَرِّحاً) أي شديداً كثيراً، قال الله تعالى: (وَأَلَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَأَهجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)(2) والمراد: فعظوهنّ إذا وجدتم أمارات النشوز واهجروهن إن نَشَزْنَ، واضربوهن إن أَضْرَرْنَ عليه وأَفهَم قوله تعالى (فِي الْمَضَاجِعِ أنه لايَهجُرُها في الكلام، وهذا فيما زاد على ثلاثة أيام؛ لقوله:«لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث(3) ويجوز في الثلاثة إن رَجَا به رجوعها ولو حَصَل بالضرب تَلَفٌ أو إدماءٌ ضَمِنَ. (ولو نشز الزوج (بمنع حقوقها) الواجبة لها عليه من قسم ونفقة (فلها المطالبة) بها ( وللحاكم إلزامه بها، فإن أساءَ خُلْقَه وآذاها بضرب وغيره بلا سبب صحيح نهاه ذلك، فإن عاد إليه عزّره بما يراه. وإن قال كلّ منهما «إنّ صاحبَه مُتَعَدٍ» تَعَرَّف

عن

ص: 246


1- بأن يقول: أنا أُوثر البقاء معكِ وفي خلافك على قطع الألفة وغضب الربّ(سبحانه وتعالى). ولو كان هو الناشز فوعظها بقولها: أنا أوثر المقام معك فلاتشمت بي عدوّي، واتق الله في أمري، وما أشبهه، وليس لها ضربه(زين رحمه الله).
2- النساء .(4): 34.
3- الأمالي، الشيخ الطوسي،ص،391،المجلس،14،ح،8/860.

الحاكم الحالَ بثقة في جوارهما يَختبِرُهما، ومنع الظالم منهما. (ولو تركت الزوجة (بعض حقوقها من قسمة ونفقة (اسْتِمالةً له، حَلَّ) له (قبوله) وليس له منعُ بعض حقوقها لتبذل له مالاً ليَخلَعَها؛ فإِن فَعَل فَبَذَلَتْ أَيْمَ، وصحَّ قبوله ولم يكن إكراها نعم لو قَهَرها عليه بخصوصه لم يَحِلّ.

(والشقاق) هو (أن يكون النشوز (منهما كأن كان كلّ واحد منهما قد صار في شِيّ غير الآخر وتُخشَى الفُرقة أو الاستمرار على ذلك (فيبعث الحاكم الحكمين من أهل الزوجين أي أحدهما من أهله والآخر من أهلها كما تَضَمَّنَتْه الآية(1) ليَنظُرا في أمرهما بعد اختلاء حَكَمِه به وحَكَمِها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك. وهل بَعْتُهما

واجب أو مستحب؟ وجهان، أوجَهُهُما الوجوب؛ عملاً بظاهر الأمر في الآية(2). أو من غيرهما الحصول الغرض به ولأنّ القرابة غيرُ معتبرة في الحكم ولا في التوكيل، وكونُهما من الأهل في الآية للإرشاد إلى ما هو الأصلح. وقيل: يتعين كونهما من أهلهما(3) عملاً بظاهر الآية، ولأن الأهل أعرفُ بالمصلحة من الأجانب. ولو تعذر الأهلُ فلا كلام في جواز الأجانب.. وبعثهما يكون (تحكيماً) لا توكيلاً؛ لأنّ الله خاطب بالبعث الحُكّام وجَعَلَهما حكمين، ولو كان توكيلاً لخاطب به الزوجين، ولأنهما إن رَأْيَا الإصلاحَ فَعَلاه من غير استئذان، وإن رأيا التفريق تَوَقَّف على الإذن، ولو كان توكيلاً لكان تابعاً لما دَلّ عليه لفظهما. وبذلك يُضعف قول القاضي بكونه توكيلاً(4) استناداً إلى أن البضعَ حق للزوج والمال حقٌّ للمرأة وليس لأحد التصرف فيهما إلا بإذنهما لعدم الحجر عليهما؛ لأنّ إذن الشارع قد يَجرِي على غير المحجور كالمُماطل.

ص: 247


1- النساء .(4): 35.
2- النساء .(4): 35.
3- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،730.
4- المهذب،ج2،ص،266.

وحيثُ كان تحكيماً فإن اتفقا على الإصلاح بينهما (فعلاه) من غير مراجعة، وإن اتفقا على التفريق لم يصح إلا بإذن الزوج في الطلاق و إذن (الزوجة في البذل إن كان خُلْعاً؛ لأنّ ذلك هو مقتضى التحكم (وكل ما شرطاه) أي الحكمان على الزوجين (يَلزَم إذا كان سائغاً شرعاً وإنْ لم يَرْضَ به الزوجان، ولو لم يكن سائغاً كاشتراط ترك بعض النفقة أو القسمة أو أن لايُسافِرَ بها لم يلزم الوفاء به. ويُشترط في الحَكَمين البلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداءُ إلى ما هو المقصود من بعثهما دون الاجتهاد.

ص: 248

ويلحق بذلك نظران

النظر الأول الأولاد

(ويلحق الولد بالزوج الدائم) نكاحه (بالدخول) بالزوجة (ومُضيّ ستَّةِ أَشْهُرٍ) هلالية (مِن حين الوطء). والمراد به على ما يظهر من إطلاقهم، وصرح به المصنف في قواعده(1) غيبوبة الحشفة قبلاً أو دُبُراً وإنْ لم يُنزِل ولا يخلو ذلك من إشكال إن لم يكن مُجمعاً عليه للقطع بانتفاء التولد عنه عادةً في كثير من موارده، ولم أقف على شيء ينافي ما نقلناه يُعتمد عليه.

(وعدم تجاوز أقصى الحمل) وقد اختلف الأصحابُ في تحديده فقيل: تسعةُ

أشهر(2) وقيل: عشرة(3) (وغاية ما قيل) فيه (عندنا سَنَةٌ)(4)

ومُستنَدُ الكلّ مفهومُ الروايات(5) وعدل المصنّف عن ترجیح قول؛ لعدم دليل قوي على الترجيح. ويمكن حمل الروايات على اختلاف عادات النساء فإنّ بعضهن تَلِدُ لتسعة وبعضهن لعشرة وقد يتفق نادراً بلوغ سنةٍ. واتفق الأصحاب على أنّه لايَزِيد عن السنة، مع أنّهم رَوَوْا أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حَمَلت به أُمُّه أيام التشريق(6) واتفقوا على أنّه وُلِدَ في شهر ربيع الأول(7) فأقل ما يكون لَبْته في بطن أُمه سنة وثلاثة أشهرٍ، وما نَقَل

ص: 249


1- القواعد والفوائد،ص،104 - 106، ذيل القاعدة 16(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
2- قال به الشيخ في النهاية. ص 505؛ والقاضي ابن البراج في المهذب،ج2،ص،341.
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج2،ص 284؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،98 4.
4- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 345 المسألة 193؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 314.
5- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 380 باب لحوق الأولاد بالآباء .
6- الكافي،ج1،ص،439، باب مولد النبي و وفاته،ح1.
7- الكافي،ج1،ص،439، باب مولد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)و وفاته،ح،1.

أحدٌ من العلماء أنّ ذلك من خصائصه(علیه السلام) .

(هذا في الولد(التام الذي وَلَجَتْه الروح، وفي غيره) ممّا تُسقطه المرأة (يُرجَع) في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إلى الإلحاق ليجب عليه تكفينه ومؤونة تجهيزه ونحوُ ذلك من الأحكام التي لاتَتَرتَّب على حياته(إلى المعتاد) لمثله (من الأيام والأشهر وإِنْ نَقَصت عن السيّةِ الأشهر) فإن أمكن عادةً كونه منه لَحِقه حكمه، وإن علم عادةً انتفاؤه عنه لغَيبته عنها مدةً تزيد عن تخلّقه عادةً انتَفَى عنه.

(ولو فَجَربها) أي بالزوجة الدائمة فاجرٌ (فالولد للزوج) وللعاهر الحجر، (ولايجوز له نفيه لذلك)؛ للحكم بلحوقه بالفراش شرعاً وإِنْ أَشبَه الزاني خِلْقَةٌ. (ولو نفاه لم يَنْتَفِ عنه إلّا باللعان) لأمه فإن لم يُلاعِن حُدَّ به(1) .

(ولو اختلفا في الدخول فادَّعَتُه وأَنكَره هو (أو في ولادته بأن أنكر كونها وَلَدَتْهُ(حلف الزوج)؛ لأصالة عدمهما، ولأنّ النزاع في الأوّل في فعله، ويمكنها إقامة البينة على الولادة في الثاني فلايُقبل قولُها فيها بغير بينة.

(ولو) اتفقا عليهما واختلفا في المدّة فادَّعَى ولادته لدون ستة أو لأزيد من أقصى الحمل (حلفت) هي تغليباً للفراش، ولأصالة عدم زيادة المدّة في الثاني. أمّا الأوّل فالأصل معه فيُحتمل قبول قوله فيه عملاً بالأصل، ولأنّ ماله إلى النزاع في الدخول فإنّه إذا قال لم تَنْقَضِ ستّة أشهر من حين الوطء» فمعناه أنّه لم يطأ منذ ستة أشهرٍ وإنّما وقع الوطء فيما دونها. وربما فسر بعضُهم النزاع في المدة بالمعنى الثاني خاصّةً(2) ليوافق الأصلَ، وليس ببعيد إن تحقَّقَ في ذلك خلافٌ، إلّا أنّ كلام الأصحاب مطلق. (وولد المملوكة إذا حصلت الشروط الثلاثة، وهي الدخول وولادته لستة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز الأقصى ( يلحق به ، وكذلك ) ولد (المتعة)، ولايجوز له نفيه

ص: 250


1- لم ترد كلمة«به» في نسخة «ق،م،ن».
2- لم نعثر عليه.

لمكان الشبهة فيهما (لكن لو نفاه انتفى ظاهراً بغير لعان فيهما وإن فعل حراماً) حيث نَفَى ما حَكَم الشارع ظاهراً بلحوقه به. أما ولد الأمة، فموضع وفاق، ولتعليق اللعان على رمي الزوجة في الآية(1) وأمّا ولد المتعة فانتفاؤه بذلك هو المشهور، ومستنده غلبه إطلاق الزوجة على الدائمة ومن ثَمَّ حُمِلت عليها في آية الإرث(2) وغيرِه(3) وذهب المرتضى(4) وجماعة إلى إلحاقها بالدائمة هنا(5) لأنها زوجة حقيقةً وإلّا لَحَرُمَتْ بقوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْعَادُونَ)(6)

فلو عاد واعترف به صح ولَحِقَ به بخلاف ما لو اعترف به أولاً ثم نفاه فإنّه

لاينتفي عنه والحق به. (ولايجوز نفي الولد مطلقاً لمكان العزل عن أُمه؛ لإطلاق النص(7) والفتوى بلحوق الولد لفراش الواطئ وهو صادق مع العزل ويمكن سَبْقُ الماء قَبْلَه، وعلى م ذكرناه سابقاً(8) لا اعتبار بالإنزال في إلحاق الولد مطلقاً فمع العزل بالماء أولى. وقيَّد العلّامة هنا الوطء مع العزل بكونه قُبُلاً(9) والمصنّف صرَّح في القواعد باستواء القُبُل والدُبُر في ذلك(10) وفي باب العِدَد صرَّحوا بعدم الفرق بينهما في اعتبار العِدَّة(11).

ص: 251


1- النور (24): 6.
2- كالعلامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،235، المسألة 160.
3- انظر جامع المقاصد،ج13،ص،36.
4- الانتصار،ص،276،ذيل المسألة 153.
5- منهم الشيخ المفيد في خلاصة الإيجار، ص 37 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج (6)؛ حكاه عن الشيخ الصدوق الشهيد في غاية المراد،ج3،ص،78(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3): الجامع للشرائع،ص،452.
6- المؤمنون (23): 7.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 183،ح،640.
8- في أول أحكام الأولاد.
9- تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص،17، الرقم 5305.
10- القواعد والفوائد، ص 104-106،ذيل القاعدة 16(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
11- قواعد الأحكام،ج3،ص، 138؛ المختصر النافع، ص،200.

(وولدُالشبهة يلحق بالواطئ بالشروط) الثلاثة (وعدم الزوج الحاضر) الداخل بها بحيث يمكن إلحاقه به والمولى في ذلك بحكم الزوج، لكن لو انتفى عن المولى ولَحِق بالواطئ أغرم قيمةَ الولد يومَ سَقَط حيّاً لمولاها.

(ويجب) كفاية (استبدادُ النساء) أي انفرادهن بالمرأة عند الولادة، أو الزوج، فإن تعذَّر فالرجالُ المَحارِمُ، فإن تعذَّروا فغيرُهم. وقدَّم في القواعد الرجال الأقارِبَ غير المحارم على الأجانب(1) وهنا أطلق الرجال. هذا جملة ما ذكروه فيه، ولايخلو من نظر، بل ذلك مقيّد بما يستلزم اطلاعه على العورة، أما ما لايستلزمه من مساعدتها فتحريمه على الرجال غير واضح. وينبغي فيما يستلزم الاطلاع على العورة تقديمُ الزوج مع إمكانه، ومع عدمه يجوز غيره للضرورة كنظر الطبيب، وأما الفرق بين أقارب الرجال من غير المحارم والأجانب فلا أصل له في قواعد الشرع. (ويُستحَبٌ غُسْلُ المولود حين يُولد والأذانُ في أُذُنه اليمنى والإقامة في اليُسرى) ولْيَكُن ذلك قبل قطعِ سُرَّتِه فلايُصيبه لَمَمٌ ولاتابعةٌ ولايَفزَع ولاتُصيبه الصبيان، رُوي ذلك عن أبي عبدالله(علیه السلام) عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «من وُلِد له مولودٌ فَلْيُؤَذِّن في

أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقِم في أذنه اليسرى فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم»(2) (وتحنيكُه بتربة الحسين وماء (الفرات وهو النهر المعروف (أو ماء فراتٍ أي عَذْبِ (ولو بِخَلْطه بالتمر أو بالعسل) ليعذِّبَ إن لم يكن عَذْباً. وظاهر العبارة التخيير بين الثلاثة، والأجودُ الترتيب بينها فيُقدَّم ماءُ الفرات مع إمكانها، ثم الماء الفرات بالأصالة، ثمّ بإصلاح مالِحِه بالحُلُو. وفي بعض الأخبار: «حَنَّكُوا أولادكم بماء الفرات وتربة الحسين، فإن لم يكن فبماء السماء»(3) والمراد بالتحنيك إدخالُ ذلك إلى حنّكه وهو أغلى داخل الفم.

ص: 252


1- قواعد الأحكام،ج3،ص،97.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،437،ج،1742.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،436،ح،1740.

وكذا يُستحَبّ تحنيكُه بالتمر بأن يَمضُغَ التمرةَ ويَجْعَلَها في فيه ويُوصِلَها إِلى حَنّكه بسبابته حتى يَتَحَلَّلَ في حلقه، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): حنّكوا أولادَكم بالتمر فكذا فَعَل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين»(علیهماالسلام)(1) قال الهَرَوي: يقال: حَنَكَه وحَنَّكَه بتخفيف النون وتشديدها(2)

(وتسميتهُ محمّداً) إن كان ذكراً إلى اليوم السابع فإن غَيَّر) بعد ذلك (جاز)، قال الصادق(علیه السلام): «لا يُولَدُلنا وَلدٌ إلاسمّيناه محمّداً، فإذا مَضَى سبعة أيام فإن شِتْنا غَيَّرنا وإلاتَرَكنا»(3) وأصدقُ الأسماء ما عُبّدالله) أي اسْتَمَل على عبوديّته تعالى كعبدالله وعبدالرحمن والرحيم وغيره من أسمائه تعالى (وأفضلها) أي الأسماء مطلقاً (اسم محمد وعليّ وأسماء الأنبياء والأئمة(علیهم السلام) قال الباقر(علیه السلام): «أصدقُ الأسماء ما سُمِّيَ بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء»(4) وعن الصادق(علیه السلام): «إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم» قال: من وُلِد له أربعة أولاد ولم يُسَمٌ أحدهم باسمي فقد جفاني»(5) وعنه(صلی الله علیه وآله وسلم): «ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد إلا وهي تُقدَّس كلَّ يوم(6) وعن الحسين في حديث طويل: «لو وُلِد لي مائة لأختبتُ أن لا أُسمّي أحداً منهم إلا عليّاً»(7) وقال الرضا(علیه السلام): «لايدخُل الفقرُ بيتاً فيه اسمُ محمّدٍ أو أحمدَ أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبدالله، أو فاطمةَ من النّساء»(8)

ص: 253


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص،436 - 437،ح،1741.
2- غريب الحديث،الهروي،ج،1،ص،171.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،437،ح،1746.
4- تهذيب الأحكام،ج7،ص،437،ح،1747.
5- الكافي،ج6،ص،19، باب الأسماء والكنى ...، ح،6.
6- الكافي،ج6،ص،39، باب النوادر،ح،2.
7- الكافي،ج،6،ص،19، باب الأسماء والكنى ...،ح 7.
8- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،438،ح، 1748.

(وتكنيته) ب«أبي «فلان إن كان ذكراً و «أُم فلان» إن كان أنثى، قال الباقر(علیه السلام): «إنا لَنُكَنّى أولادنا في صِغَرهم مخافة النبز أن يلحَق بهم»(1) (ويجوز (اللقب) وهو ما أشعر من الأعلام بمدح أو ذمّ، والمراد هنا الأوّل خاصة.

(ويكره الجمع بين كُنيته) بضم الكاف (بأبي القاسم وتسميته محمّداً قال الصادق(علیه السلام): «إنّ النبيَّ(صلی الله علیه وآله وسلم)نهى عن أربعٍ كُنى: عن أبي عيسى وعن أبي الحكم وعن أبي مالك وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّداً(2)

(وأن يُسمّى حَكَماً أو حَكِيماً أو خالداً أو حارثاً أو ضراراً أو مالكاً) قال الباقر(علیه السلام): أبغض الأسماء إلى الله تعالى حارثٌ ومالكٌ وخالدٌ(3) وعن الصادق(علیه السلام) قال: «إن رسول الله دَعَا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يُتَسَمَّى بها فقُبِضَ ولم يُسمها، منها الحَكَمُ وحَكيمٌ وخالد ومالك، وذكر أنّها ستة أو سبعة ممّا لا يجوز أن يَتَسَمَّى بها»(4)

وأحكام الأولاد أمور:

منها: العقيقةُ والحلقُ والخِتانُ(5) وثُقْبُ الأُذُنِ اليُمنى في شَحْمَتها واليُسرى في،أعلاها، كلّ ذلك (في اليوم السابع) من يوم ولد ولو في آخر جزء من النهار، قال الصادق(علیه السلام): «العقيقة واجبة»(6) وكلّ مولود مُرتَهَنَّ بعقيقته»(7) وعنه(علیه السلام): «عُقَّ عنه

ص: 254


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص،438،ح،1750.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،439،ح،1752.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،439،ح،1753.
4- تهذيب الأحكام،ج7،ص،439،ح،1751.
5- والأصل في سببه أن إبراهيم(علیه السلام) أمر بقتال العمالقة، فقتل من الفريقين خلق كثير ولم يعرف إبراهيم أصحابه ليدفنهم، فأمر بالختان من أجل ذلك ليكون علامة لأهل الإسلام، فاختتن على رأس مائة وعشرين سنةً، وأمر بالختان. وأما خفض النساء فالأصل فيه أن سارة لما غارت من هاجر حلفت أن يُغلي يدها من دمها، فقال إبراهيم : اخفضيها فاختنيها لتكون سنةٌ من بعدي، وتخلصي من يمينك»، ففعلت، فهاجر أول من اختتن من النساء، وهي مكرمة فيهنّ(زين رحمه الله).
6- تهذيب الأحكام،ج7،ص،441،ح،1761.
7- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،441.ح،1762.

واخْلِق رأسه يوم السابع»(1) وعنه علیه السلام: «اختِنُوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهرُ وأسرع لنبات اللحم وإنّ الأرضَ لتَكرَه بول الأغلف»(2) (3) وعنه علیه السلام: «إنّ ثَقْبَ أُذُنِ الغلام من السنّة وختانَه لسبعة أيام من السنة»(4) وفي خبر آخر عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الأرض تَنجَّسُ من بول الأغلف أربعين صباحاً»(5) وفي آخر: «إنّ الأرضَ تَضِجّ إلى الله تعالى من بول الأغلف»(6)

(وليَكُن الحلق) لرأسه (قبل) ذَبح (العقيقة، ويَتَصَدَّق بوزن شَعره ذهباً أو فضَةً) قال إسحاق بن عمار للصادق : بأيّها نبدأ؟ فقال: «تحلق رأسَه وتَعُقُ عنه وتَصَدَّقُ بوزن شعره فضةً، يكون ذلك في مكان واحد»(7) وفي خبر آخر: «أو ذهباً»(8)

(ويُكرَه القَنازِع) وهو أن يَحلِقَ من الرأس موضعاً ويَترُكَ موضعاً في أي جانب كان، رُوِيَ ذلك عن أمير المؤمنين(علیه السلام)(9) وفي خبر آخَرَ عن الصادق(علیه السلام): «أنّه كُرِه: القزَع في رؤوس الصبيان، وذكر أن القَزَع أن يُحلق الرأس إلا قليلاً وسط الرأس تُسمَّى الفُزَّعَة»(10) وعنه قال: «أتي النبي بصبي يدعو له وله قنازع فأبى أن يدعو له أمر أن يُحلق رأسُه»(11) (ويجب) على الصبي(الختانُ عند البلوغ أي بعده بلافصل لو تَرَك وليه ختانه.

وهل يجب على الوليّ ذلك قبله ؟ وجهان : من عدم التكليف حينئذ، واستلزام تأخيره

ص: 255


1- تهذيب الأحكام،ج7،ص،442،ح،1766.
2- تهذيب الأحكام،ج7،ص،444،ح،1777.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 444،ح، 1777.
4- الكافي،ج 1، ص 35،باب التطهير،ح،1.
5- تهذيب الأحكام،ج7،ص، 445.ح، 1778.
6- الكافي،ج،6. ص، 35، باب التطهير،ح، 3.
7- تهذيب الأحكام،ج7،ص،442،ح، 1767.
8- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،442،ح، 1768.
9- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،447،ح،1790.
10- الكافي،ج 6،ص،40،باب كراهية القنازع،ح،2 و 3.
11- الكافي،ج،6، ص،40، باب كراهية القنازع،ح،2 و 3.

إلى البلوغ تأخير الواجب المضيَّقِ(1) وفي التحرير: لايجوز تأخيره إلى البلوغ(2) وهو دالُّ على الثاني، ودليلُه غيرُ واضح.

(ويُستحَبٌ خَفْضُ النساء وإنْ بَلَغْنَ قال الصادق(علیه السلام): «خَفْصُ النساء مَكْرُمَةٌ ...

وأيُّ شيء أفضل من المكرمة؟»(3)

(والعقيقة شاةُ) أو جَزُورُ (تجتمع فيها شروطُ الأضحِيَّة) وهي السلامة من العيوب والسمَنُ، والسنُّ على الأفضل، ويُجزئ فيها مطلق الشاة، قال الصادق(علیه السلام): «إنّما هي شاةُ لحم ليست بمنزلة الأضحية، يجزئ منها كلُّ شيء(4) وخيرُها أَسمَنُها»(5)

(ويُستحب مساواتها الولد في الذكورة والأنوثة) ولو خالَفَتْه أَجزأتْ (والدعاء عند ذَبْحِها بالمأثور) وهو: «بسم الله وبالله اللهم هذه عقيقة عن فلانٍ، لحمها بلحمه ودمُها بدمه وعَظْمُها بعظمه، اللهمّ اجْعَله وقاءً لآل محمّد (صلّى الله عليه وعليهم»(6) رواه الكَرْخي عن أبي عبدالله(علیه السلام) وعن الباقر(علیه السلام) قال: «إذا ذَبَحْتَ فقل: بسم الله وبالله والحمدلله والله أكبر إيماناً بالله، وثناء على رسول الله، والعظمة لأمره، والشكرَ لرزقه، والمعرفةَ بفضله علينا أهلَ البيت، فإن كان ذكراً فقل: اللهم إنك وهبتَ لنا ذَكَراً وأنت أعلم بما وهبتَ، ومِنْكَ ما أعطيتَ وكلُّ ما صنعنا فتَقَبَّله منا على سنتك وسنّة نبيّك ورسولك واخْسَأ عنا الشيطان الرجيم، لك سُفِكَت الدماء لاشريك لك والحمدلله رب العالمين»(7) وعن الصادق(علیه السلام) مثلُه وزاد فيه: «اللهم لحمُها بلحمه ودمُها بدمه وعظمُها بعظمه وشعرُها بشعره وجِلدُها بجلده، اللهمّ اجْعَلها وقاءٌ لفلان بن

ص: 256


1- في «ق» زيادة: «في أول وقته»
2- تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص 8، الرقم 5279.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 445،ح،1782.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 443،ح،1773.
5- الكافي، ج 6، ص 30، باب أن العقيقة ليست بمنزلة الأضحية ...،ح، 2.
6- الكافي،ج6،ص،30،باب أن العقيقة ليست بمنزلة الأضحية ...،ح،1.
7- تهذيب الأحكام،ج 7،ص،443 - 444،ح،1774.

فلان،(1) وعنه: «إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت: يا قوم إنّي بريء مما تشركون، إنّي وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مُسلِماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر وتُسمي المولود باسمه ثمّ تَذبَح»(2) وعنه(علیه السلام): يقال عند العقيقة: اللهم منك ولك ما وهبتَ وأنت أعطيتَ اللهم، فتَقَبَّلْه منّا على سنّة نبيّك، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتُسمِّي وتَذبَح وتقول: لك سُفِكَت الدماء لاشريك لك والحمدالله ربّ العالمين، اللهمّ اخْسَأ الشيطان الرجيم»(3)

فهذه جملةُ ما وَقَفتُ عليه من الدعاء المأثور. وسؤال الله تعالى أن يجعلَها فِديَةً له لحماً بلحم وعظماً بعظم وجلداً بجلد). هذا داخل في المأثور فكان يُستغنى عن تخصيصه، ولعلّه لمزيد الاهتمام به أو التنبيه عليه حيث لايتفق الدعاء بالمأثور.

(ولاتَكفي الصدقةُ بثمنها) وإنْ تعذَّرَتْ بل ينتظر الوجدان بخلاف الأضحية، قيل للصادق(علیه السلام): إنا طلبنا العقيقةَ فلم نجدها، فما ترى نَتَصَدَّق بثمنها ؟ فقال: «لا، إنّ الله تعالى يحبّ إطعام الطعام وإراقة الدماء»(4)

(ولْتُخَصّ القابلة بالرجل والوَرْكِ) وفي بعض الأخبار أنّ لها ربع العقيقة(5) وفي بعضها ثلثها(6) ولو لم تكن قابلةٌ تَصَدَّقَتْ به الأم) بمعنى أن حصة القابلة تكون لها وإن كان الذابحُ الأب، ثم هي تَتَصدَّق بها؛ لأنه يُكرَه لها الأكلُ كما سيأتي.

ولاتختصّ

ص: 257


1- الكافي، ج 6، ص،31، باب القول على العقيقة،ح،3.
2- الكافي، ج 6، ص 31، باب القول على العقيقة،ح 4.
3- الكافي،ج،1،ص،31،باب القول على العقيقة،ح،5.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،441،ح،1764.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص،442،ح، 1768.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 444،ح، 1775.

صدقتَها بالفقراء بل تُعطي مَن شاءت كما ورد في الخبر(1) (ولو) بلغ الولد ولمّا يُعَقِّ عنه استُحِبّ له العقيقةُ عن نفسه، وإن شلَّ الولد هل عُقَ عنه أم لا (فَلْيَعُقَ) هو (إذ الأصلُ عدم عقيقة أبيه)، ولرواية عبدالله بن سنان عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إني والله ما أدري كان أبي عَقَ عنّي أم لا: قال: فأمرني أبو عبدالله فعَقَقْتُ عن نفسي وأنا شيخ. وقال عمر: سمعت أبا عبد الله يقول: «كل امرئ مرتهن بعقيقته، والعقيقة أوجب من الأضحية»(2)

(ولو مات الصبيُّ يومَ السابع بعد الزوال لم تسقط، وقبله تَسقُط رَوَى ذلك

إدريس بن عبد الله عن أبي عبدالله(علیه السلام)(3)

(ويُكره للوالدين أن يأكلا منها شيئاً، وكذا من في عيالهما وإن كانت القابلة منهم؛ لقول الصادق(علیه السلام): «لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة»، وقال : «القابلة ثلث العقيقة فإن كانت القابلة أُمَّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شيء»، وتَتَأكَّد الكراهة فى الأم؛ لقوله في هذا الحديث: «يأكل العقيقة كلُّ أحد إلا الأُم»(4) (وأن تُكسَر عِظامُها بل يُفَصَّل أعضاء)؛ لقوله في هذا الخبر: «ويُجعَل أعضاءً

ثم يطبَخُها»(5)

ويُستحب أن يُدعَى لها المؤمنون، وأقلهم عشرة) قال الصادق(علیه السلام): «يُطعَم منه عشرةُ من المسلمين فإن زاد فهو أفضل»(6) وفي الخبر السابق: «لا يُعطيها إلا لأه-ل الولاية». وأن يُطبخ طبخاً دون أن تُفَرَّقَ لحماً أو تُشوَى على النار؛ لما تقدّم من الأمر بطبخها، والمعتبر مسماه (و) أقله أن يُطبخ بالماء والملح)، ولو أُضيف إليهما غيرُهما

ص: 258


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 443، ح .1771.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 441،ح 1763.
3- تهذیب الاحکام، ج،7 ص،447، ح، 1788.
4- راجع ص 258، الهامش 6.
5- راجع ص 258، الهامش 6.
6- الكافي، ج 6، ص،28، باب أنه يعق يوم السابع للمولود ...،ضمن الحديث 9.

فلا بأس؛ لإطلاقِ الأمر الصادق به بل ربما كان أكمل، وما ذكره المصنّف للتنبيه على أقلّ ما يَتَأَدَّى به الطبخ لا للحصر؛ إذ لم يَرِدْ نص بكون الطبخ بالماء والملح خاصةً بل به مطلقاً.

(ومنها: الرّضاعُ فيجب على الأم إرضاع اللّبَأ) بكسر اللام، وهو أول اللبن في النتاج، قاله الجوهري(1) وفي نهاية ابن الأثير : هو أوّل ما يحلب عند الولادة(2) ولم أَقِفْ على تحديد مقدار مايجب منه وربما قيَّده بعض بثلاثة أيام، وظاهر ما نقلناه عن أهل اللغة أنه حَلْبَةٌ واحدةٌ. وإنّما وجب عليها ذلك؛ لأنّ الولدَ لايعيش بدونه، ومع ذلك لايجب عليها التبرُّعُ به بل بأجرة على الأب إن لم يكن للولد (مال وإلا ففي ماله جمعاً بين الحقين، ولا

منافاة بين وجوبِ الفعل واستحقاقِ عِوَضه كبذل المال في المخمصة للمحتاج وبذلك يظهر ضعفُ ما قيل بعدم استحقاقها الأجرة عليه لوجوبه؛(3) لما عُلِم من عدم جواز أخذ الأجرة على العمل الواجب والفرق أنّ الممنوع من أخذ أجرته هو نفس العمل لاعين المال الذي يجب بذله واللبأ من قبيل الثاني لا الأوّل، نعم، يجيء على هذا أنّها لاتستحِق أجرةً على إيصاله إلى فمه لأنّه عمل واجب. وربما منع من كونه لايعيش بدونه فينقدح حينئذٍ عدمُ الوجوب والعلّامة قطع في القواعد بكونه لايعيش بدونه(4)، وقيَّده بعضُهم بالغالب، وهو أولى.

(ويُستحَبٌ) للأُمّ (أن تُرضِعَه طول المدّةِ المعتبرة في الرضاع وهي حولان کاملان لمن أراد أن يُتِمّ الرّضاعة، فإن أراد الاقتصار على أقل المجزئ فأحد وعشرون شهراً ولايجوز نقصانه عنها، ويجوز الزيادةُ على الحولين شهراً وشهرين خاصةً، لكن

ص: 259


1- الصحاح،ج 1، ص 70، «لبأ».
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 221. «لباً».
3- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 267.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص، 101.

لاتَستحِقُ المرضعة على الزائد أجرةً. وإنما كان إرضاعُ الأُمّ مستحبّاً؛ لأنّ لبنها أوفق بمزاجه لِتَغذِّيه به في الرحم دماً.

والأجرة كما قلناه من كونها في مال الولد إن كان له مال، وإلا فعلى الأب وإن

علا - كما سيأتي - مع يساره وإلا فلا أجرة لها بل يجب عليها كما يجب عليها الإنفاق عليه لو كان الأب مُغسِراً.

(ولها إرضاعُه) حيث يستأجرها الأبُ بنفسها ، وبغيرها) إذا لم يشترط عليها إرضاعه بنفسها كما في كلّ أجير مطلق، (وهي أولى بإرضاعه ولو بالأجرة إذا قَنِعَتْ بما يقنع به الغيرُ) أو أنقص، أو تبرعت بطريق أولى فيهما. (ولو طلبت زيادة) عن غيرها (جاز للأب انتزاعه منها وتسليمه إلى الغير) الذي يَأخُذ أنقص أو يَتبرّع.

ويُفهم من قوله انتزاعه وتسليمه» سقوط حضانتها أيضاً، وهو أحد القولين(1) ووجهه لزوم الحرج بالجمع بين كونه في يدها وتَوَلّي غيرها إرضاعه، ولظاهر رواية داود بن الحصين عن الصادق : إن وجد الأبُ مَن يُرضِعه بأربعةِ دراهم وقالت الأُمّ لا أُرضِعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها»(2)

والأقوى بقاءُ حق الحضانة لها؛ لعدم تلازمهما، وحينئذٍ فتأتي المرضعة وتُرضِعه عندها مع الإمكان، فإن تعذَّر حُمِل الصبي إلى المرضعة وقت الإرضاع خاصة، فإن تعذَّر جميعُ ذلك اتَّجَه سقوط حقها من الحضانة للحرج والضرر.

(وللمولى إجبارُ أمته على الإرضاع لولدها وغيره)؛ لأنّ منافعها مملوكة له فله التصرّفُ فيها كيف شاء، بخلاف الزوجة حرّةً كانت أم مملوكةً لغيره، معتادةً لإرضاع أولادها أم غير معتادة؛ لأنه لا يستحق بالزوجية منافعها وإنّما استَحَقِّ الاستمتاعَ.

ص: 260


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام،ج2،ص،289؛ والقول الآخر عدم السقوط اختاره ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،652.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،104،ح،352.

(ومنها: الحَضانةُ) بالفتح، وهي ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وم-ا يَتعلّق بها من مصلحته من حفظه وجعله في سَرِيره ورَفْعِه وكَحْلِه ودَهنِه وتنظيفه وغسلِ خِرَقِه وثيابه ونحوه، وهي بالأنثى أليق منها بالرجل.

فالأم أحقُّ بالولد مدة الرضاع وإنْ كان الولدُ (ذكراً، إذا كانت الأُمُّ (حرّةً مُسلِمةً) عاقلةً (أو كانا) أي الأبوان معاً رقيقين أو كافرين) فإنه يسقط اعتبارُ الحرّية في الأول والإسلام في الثاني؛ لعدم الترجيح، ولو كانت الأُمُّ خاصةً حرّةً مسلمةً فهي أحقُ بالولد مطلقاً من الأب الرقّ أو الكافر إلى أن يَبلُغ وإنْ تزوَّجَتْ. (فإذا فصل)

عن الرضا(علیه السلام) (فالأم أحقُّ بالأنثى إلى سبع سنين. وقيل: إلى تسع(1)، وقيل: ما لم تَتَزوّج الأم(2) وقيل: إلى سبع فيهما(3) والأوّلُ مع شهرته جامع بين الأخبارالمطلقة(4) (والأبُ أحقُّ بالذكرَ) بعد فصاله (إلى البلوغ، و) أحق بالأنثى بعد السبع). والأقوى أنّ الخنثى المشكل هنا كالأنثى؛ استصحاباً لولاية الأُمّ الثابتة عليه ابتداءً إلى أن يثبت المُزيل، ولا ثبوت له قبل السبع؛ لعدم العلم بالذكورية التي هي مناط زوال ولايتها عنه بعد الحولين وأصالة عدم استحقاقه الولاية قبلهاهذا كله إذا كان الأبوان موجودين فإن مات أحدهما كان الآخَرُ أحقُّ بالولد مطلقاً من جميع الأقارب إلى أن يبلغ. (و) كذلك (الأُمّ أحقُّ من الوصيّ) أي وصي الأب (بالابن) وكذا بالبنت بعد السبع، كما هي أحق من الأقارب وإنْ تزوَّجَتْ. فإن فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب؛ لأنّه أب في الجملة فيكون أولى من غيره من الأقارب، ولأنّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة. وبهذا جزم في القواعد(5)

ص: 261


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 531.
2- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص،360.
3- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4،ص 407: والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 12 و 13. الرقم 5289.
4- راجع تهذيب الأحكام،ج 8، ص 104، باب الحكم في أولاد المطلقات...
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 102.

فقدَّم الجدَّ للأب على غيره من الأقارب.

ويُشكل بأنّ ذلك لو كان موجباً لتقديمه لاقتضى تقديمَ أُمّ الأُمّ عليه؛ لأنّها بمنزلة الأُمّ وهي مقدَّمةً على الأب على ما فُصِّل وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة وإلا لكان الأب أولى من الأُمّ وكذا الجد له، وليس كذلك إجماعاً. والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب وإنّما استفيد حكمهم من آية أُولي الأرحام(1) وهي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته، وبهذا جزم في المختلف(2) وهو أجود. (فإن فُقِد) أبو الأب أو لم تُرَبِّحْه (فللأقارب الأقرب منهم إلى الولد (فالأقرب) على المشهور؛ لآية أولي الأرحام، فالجدّة لأم كانت أم لأب وإنْ عَلَتْ أولى من العمة والخالة، كما أنّهما أولى من بنات العمومة و الخُؤُولة، وكذلك الجدّةُ الدنيا والخالة والعمّةُ أولى من العُليا منهنّ، وكذا ذكورُ كلِّ مرتبة. ثمّ إن اتحد الأقرب فالحضانة مختصة به، وإن تعدد أقرع بينهم؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد. ولو اجتمع ذكر وأُنثى ففي تقديم الأُنثى قول(3) مأخذه تقديمُ الأُمّ على الأب وكونُ الأُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه سيما الصغير والأنثى، وإطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب وقليله، ومن يَمُتْ بالأبوين وبالأم خاصةً لاشتراك الجميع في الإرث. وقيل: إنّ الأخت من الأبوين أو الأب أولى من الأخت من الأُم(4)، وكذا أُمُّ الأب أولى من أُمّ الأُمّ والجدّة أولى من الأخوات والعمّة أولى من الخالة؛ نظراً إلى زيادةِ القُرب أو كثرة النصيب، وفيه نظر بين؛ لأنّ المستند وهو الآية مشترك ومجرَّدُ ما ذكر لا يصلح دليلاً. وقيل: لا حضانة لغير الأبوين(5) اقتصاراً على موضع النص، وعموم الآية يدفعه.

ص: 262


1- الأنفال (8) 75.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 308، المسألة 217.
3- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 15، الرقم 5297.
4- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 410.
5- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 654.

(ولو تزوّجَت الأمُّ) بغير الأب مع وجوده كاملاً (سقطت حضانتها)؛ للنص(1) والإجماع، فإن طلقت عادت الحضانة على المشهور؛ لزوال المانع منها وه-و تزويجها واشتغالها بحقوق الزوج التي هي أقوى من حق الحضانة. وقيل: لا تعود(2) لخروجها عن الاستحقاق بالنكاح فيُستصحب ويحتاج عوده إليها إلى دليل آخَرَ وهو مفقود، وله وجه وجيه لكن الأشهر الأول. وإنّما تعود بمجرد الطلاق إذا كان بائناً وإلا فبعد العدة إن بقي لها شيء من المدّة. ولو لم يكن الأب موجوداً لم تَسقُط حضانتها بالتزويج مطلقاً كما مرّ.

(وإذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه؛ لأنّها ولاية والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد، سواء في ذلك الذكرُ والأُنثى، البكر والتيبُ، لكن يُستحَبّ له أن لا يُفارِقَ أُمَّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج. واعلم أنه لا شبهة في كون الحضانة حقاً لمن ذكر، ولكن هل تجب عليه مع ذلك أم له إسقاط حقه منها ؟ الأصل يقتضي ذلك، وهو الذي صرّح به المصنف في قواعده فقال: لو امتنعت الأُمُّ من الحضانة صار الأب أولى به - قال: - ولو امتنعا معاً فالظاهرُ إجبارُ الأب(3). ونُقِل عن بعض الأصحاب،وجوبُها(4) وهو حسن، حيث يستلزم تركها تضييع الولد، إلّا أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفايةً كغيره من المضطرين. وفي اختصاص الوجوب بذي الحق نظر، وليس في الأخبار(5) ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق.

ص: 263


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 105، ح 354.
2- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،651.
3- القواعد والفوائد، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 15).
4- لم نعثر عليه.
5- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 104، باب الحكم في أولاد المطلقات...
النظر الثاني في النفقات

(وأسبابُها) ثلاثة:(الزوجيّةُ،والقرابة) البعضيّة، (والملك).

(فالأوّل: تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم دون المنقطع، سواء في ذلك الحرّة والأمة المسلمة والكافرة بشرط التمكين الكامل وهو أن تُخَلّي بينه وبين نفسها قولاً وفعلاً (في كلّ زمان ومكان يَسُوعَ فيه الاستمتاع)، فلو بَذَلَتْ في زمانٍ دون زمان أو مكان كذلك يصلحان للاستمتاع فلا نفقة لها. وحيث كان مشروطاً بالتمكين (فلا نفقة للصغيرة) التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين(1)؛ لفقْدِ الشرط وهو التمكين من الاستمتاع. وقال ابنُ إدريس تجب النفقة على الصغيرة؛ لعموم وجوبها على الزوجة، فتخصيصُه بالكبيرةِ المُمَكِّنة يحتاج إلى دليل(2) وسيأتي الكلام على هذا الشرط. ولو انعكس بأن كانت كبيرةً ممكنةً والزوج صغيراً وجبت النفقة؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع؛ لأنّ الصِغَر لايصلُح [للمنع](3) كما في نفقة الأقارب فإنّها تجب على الصغير والكبير، خلافاً للشيخ(4) محتجاً بأصالة البراءة، وهي مندفعة بما دلّ على وجوب نفقة الزوجة المُمَكِّنة أو مطلقاً. ولو قيل: إنّ الوجوب من باب خطاب الشرع المختص بالمكلفين، أمكن جوابه بكون التكليف هنا متعلقاً بالولى أن يُؤَدِّيَ من مال الطفل كما يُكلَّف بأداءِ

ص: 264


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط،ج4،ص،378.
2- السرائر،ج2،ص،655.
3- لم يرد في النسخ.
4- المبسوط،ج،4،ص،378.

أعواض متلَفاته التي لاخلاف في ضَمانها، وقضاء ديونه وغَراماته. (ولا للناشز) الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا إذن ومنع لمسٍ بلا عذر (ولا للساكتة بعد العقد (ما) أي مدةً لم تَعرِض التمكين عليه بأن تقول : سلَّمتُ نفسي إليكَ في أي مكان شئتَ ونحوه، وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب.

ومقتضى ذلك أن التمكين الفعلي خاصةً غير كافٍ، وأنه لافرق في ذلك بین الجاهلیهِ بالحال والعالمةِ، ولابين مَن طَلب منها التمكين وطالبته بالتسليم وغيره. وهذا هو المشهور بين الأصحاب، واستدلوا عليه بأنّ الأصل براءة الذمة من وجوب النفقة، خَرَجَ منه حالة التمكين بالإجماع(1) فيَبقَى الباقي على الأصل. وفيه نظر؛ لأنّ النصوص(2) عامة أو مطلقة فهي قاطعة للأصل إلى أن يُوجد المخصص والمقيد، إلا أنَّ الخلاف غيرُ متحقق فالقول بما عليه الأصحاب متعيّن.

وتظهر الفائدة فيما ذُكر وفيما إذا اختلفا في التمكين وفي وجوب النفقة الماضية، فعلى المشهور القولُ قوله في عدمهما عملاً بالأصل فيهما، وعلى الاحتمال قولُها؛ لأنّ

الأصل بقاءُ ما وجب، كما يُقدَّم قولها لو اختلفا في دفعها مع اتفاقهما على الوجوب. (والواجب) على الزوج (القيام بما تحتاج إليه المرأة) التي تجب نفقتها (من إطعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام و آلِةِ الدَهْنِ) والتنظيف من المشط والدهن والصابون، دون الكحل والطَّيب والحمّام إلّا مع الحاجة إليه لتزد ونحوه (تبعاً لعادة أمثالها من بلدها المقيمة بها؛ لأنّ الله تعالى قال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(3) ومن العِشرة به الإنفاق عليها بما يليق بها عادةً. (و) لا يتقدَّر الإطعامُ بمُدّ ولابمُدَّين ولاغيرهما بل (المرجِعُ في الإطعام إلى سد الخَلَّة) بفتح الخاء وهي الحاجة. (ويجب الخادم إذا كانت من أهله في بيت أبيها، دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت

ص: 265


1- كما في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 268.
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 462، باب الزيادات في فقه النكاح.
3- النساء (4): 19.

زوجها،(أو كانت مريضةً) أو زَمِنةً تحتاج إلى الخادم. ويتخير بين إخدامها بحرة أو أمةٍ ولو بأجرة. ولو كان معها خادمٌ تَخيَّر بين إبقائها ويُنفق عليها وبين إبدالها وإن كانت مألوفةً لها؛ لأنّ حقّ التعيين له لا لها حتى لو أراد أن يخدمها بنفسه أجزا. ولو خَدَمَتْ نفسها لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم. وجنس المأدوم والملبوس والمسكن يتبع عادة أمثالها) في بلد السكني لا في بيت أهلها. ولو تعدد القُوْت في البلد اعتبر الغالب، فإن اختلف الغالب فيها أو قُوْتُها من

غیر غالب وجب اللائق به.

ولها المنع من مشاركة غير الزوج في المسكن بأن تنفرد ببيتٍ صالح لها ولو

في دار - لا بدار - لما في مشاركة غيره من الضرر.

(ويَزِيد) كسوتها (في الشتاء المَحْشُوَّةَ) بالقُطن (الليقظة، واللحاف للنوم) إن اعتيد ذلك في البلد. ولو كان في بلد يُعتاد فيه الفَرْوُ للنساء وجب على الزوج بذله، (ويرجع في جنسه) من حرير أو كتان أو قطن أو في جنس الفَرْو من غنم وسنجاب وغيرهما إلى عادة أمثالها في البلد. ويُعتبر في مراتب الجنس المعتاد حاله ف-ي يساره وغيره. وقيل: لاتجب الزيادة على القطن لأنّ غيرَه رُعُونةٌ وهو ضعيف؛ لاقتضاء المعاشرة بالمعروف ذلك.

(وكذا لو احتيج إلى تعدد اللحاف لشدة البرد أو لاختلاف الفصول فيه، لكن هنا لا يجب إبقاء المستغنى عنه في الوقت الآخر عندها وتُزادُ المتجمّلةُ ثياب التجمُّل

(بحسب العادة) لأمثالها في تلك البلد. ولو دخل بها واستمرّت تأكل معه على العادة فليس لها مطالبته بمدة مؤاكلته)؛ لحصولِ الغرض وإطباق الناس عليه في سائر الأعصار ويُحتمل جواز مطالبتها بالنفقة؛ لأنه لم يُؤَدِّ عين الواجب وتَطَوَّع بغيره.

واعلم أنّ المعتبر من المسكن الإمتاعُ اتفاقاً، ومن المؤونة التمليك في صبيحة كلّ يوم - لا أزيد - بشرط بقائها مُمَكِّنةٌ إلى آخره، فلو نَشَزَتْ في أثنائه استَحَقَّتْ بالنسبة .

ص: 266

وفي الكسوة قولان(1) أجودُهما أنّها إمتاع فليس لها بيعها ولا التصرف فيها بغير اللبس من أنواع التصرفات ولا لبسها زيادة على المعتاد كَيفيّةٌ وكَمّيّةً، فإن فَعَلَتْ فأبلتها قبل المدة التي تُبْلَى فيها عادةً لم يجب عليه إبدالها. وكذا لو أبقتها زيادة على المدّة. وله إبدالها بغيرها مطلقاً، وتحصيلها بالإعارة والاستئجار وغيرهما. ولو طلقها أو ماتت أو مات أو نَشَرَتْ اسْتَحَقَّ ما يجده منها مطلقاً. وما تحتاج إليه من الفرش والآلات في حكم الكسوة.

الثاني: القرابةُ

البعضيّة دون مطلق النسبية و تجب النفقة على الأبوين فصاعداً وهم آباء الأب وأمهاته وإنْ عَلَوا، وآباءُ الأُمّ وأُمهاتها وإنْ علوا، والأولادِ فنازلاً) ذكوراً كانوا أم إناثاً لابن المُنفِق أم لبنته.

(ويُستحَبٌ) النفقة (على باقي (الأقارب من الإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والأخوال ذكوراً وإناثاً وأولادهم، (ويَتَأكَّد) الاستحباب (في الوارث منهم) في أصح القولين(2) وقيل: تجب النفقة على الوارث(3)؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)(4) بعد قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(5) وإذا وجب على الوارث والعلة هى الإرث ثَبَت من الطرفين؛ لتساويهما فيه، ولا فرق في المُنفِق بين الذكر والأنثى ولا بين الصغير والكبير؛ عملاً بالعموم(6)

(وإنّما يجب الإنفاق على الفقير العاجز عن التكشب)، فلو كان مالكاً مؤونة سَنَةٍ

ص: 267


1- ذهب إلى التمليك الشيخ في المبسوط،ج4،ص 418؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،350؛ والقول بالإمتاع للعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 33، الرقم 5338.
2- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 296.
3- نسبه إلى الشيخ الفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 283؛ ولم نعثر عليه في كتبه، نعم، احتمله في الخلاف، ج 5، ص 127 و 128، المسألة 31؛ لتوضيح المطلب راجع مسالك الأفهام، ج 8، ص 484.
4- البقرة (2): 233.
5- البقرة (2): 233.
6- الطلاق (65): 7.

أو قادراً على تحصيلها بالكسب تدريجاً لم يجب الإنفاق عليه. ولايُشترَط عَدالتُه ولا إسلامه، بل يجب (وإن كان فاسقاً أو كافراً)؛ للعموم(1) ويجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم، فلو كان حربيّاً لم يجب؛ لجواز إتلافه، فترك الإنفاق لا يزيد عنه. وأمّا الحرّية فهي شرط؛ لأن المملوك نفقته على مولاه. نعم، لو امتنع منها أو كان مُعسِراً أمكن وجوبه على القريب عملاً بالعموم، وقيل: لايجب مطلقاً(2) بل يُلزم بيعه أو الإنفاق عليه، كما سيأتي، وهو حسن(ويُشترط فى المُنفِق أن يَفضُل ماله عن قُوتِه وقُوت زوجته) ليومه الحاضر وليلته لتصرف إلى مَن ذُكِر، فإن لم يفضل شيء فلا شيء عليه؛ لأنّها مواساة وهو ليس من أهلها.

(والواجب) منها (قدَّرُ الكِفاية) للمنفق عليه من الإطعام والكسوة والمسكن

بحسب زمانه ومكانه.

(ولايجب إعفافُ واجب النفقة أي تزويجه ليصير ذا عفّةٍ وإن كان أباً، ولا النفقة على زوجته؛ للأصل. نعم، يُستحب تزويجُ الأب، وعليه يُحمل ما ورد من الأمر به(3)

وكذا لايجب إخدامه ولا النفقة على خادمه إلا مع الزمانةِ المُحوِجةِ إليه.(ويقضى نفقة الزوجة)؛ لأنّها حق مالي وَجَب في مقابلة الاستمتاع فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة. (لا نفقة الأقارب)؛ لأنّها وجبت على طريق المواساة وسد الخَلّة لا التمليك، فلا تستقر في الذمة وإنّما يَأتم بتركها، ولو قدَّرها الحاكم)؛ لأن التقدير لا يفيد الاستقرار. (نعم، لو أذِنَ) الحاكم للقريب (في الاستدانة) لغَيبته أو

مدافعتِه بها، (أو أَمَرَه) الحاكم بالإنفاق (قَضَى)؛ لأنها تصير ديناً في الذمة بذلك. (والأب مقدَّم) على الأُمّ وغيرها (في الإنفاق على الولد مع وجوده ويسارِه

ص: 268


1- راجع تهذيب الأحكام،ج1،ص،293، باب الزيادات في القضايا والأحكام ولقمان (31): 15: وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً).
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 45، الرقم 5372.
3- لم نعثرعلیه.

(ومع عدمِه أو فقره فعلى أب الأب فصاعداً) يُقدَّم الأقرب منهم فالأقربُ. (فإن عُدِمت الآباء) أو كانوا مُعسرين (فعلى (الأم) مع وجودِها ويسارها (ثمّ على أبويها بالسوية) لا على جهة الإرث. وأُمّم الأب بحكم أُمّ الأُم وأبيها، وكذا أُمّ الجدّ للأب مع أبوَي الجد والجدة للأُمّ وهكذا.

(والأقرب إلى المنفق عليه (في كلّ مرتبة) من المراتب (مقدَّم على الأبعد) وإنّما يَنتقل إلى الأبعد مع عدمه أو فقره، فالولد مقدَّم في الإنفاق على أبيه وأمه وإنْ عَلَوْا على ابنه وهكذا. ومتى تعدّد مَن يجب عليه الإنفاق تَساوَوا فيه وإن اختلفوا في الذكورية والأنوثية، وكذا يتساوى الغنى فعلاً وقوةً على الأقوى فيهما.

(وأمّا) ترتيب المنفق عليهم فالأبوان والأولاد سواء)؛ لأن نسبتهم إلى المنفق واحدةٌ بحسب الدرجة وإنّما اختلفَتْ بكونها في أحدهما عُلْيَا وفي الآخَر دُنْيا، فلو كان له أب وابن أو أبوان أو أولاد معهما أو مع أحدهما وجب قسمة الميسور على الجميع بالسوية، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم ذكوراً وإناثاً، ثمّ إن كفاهم أو نَفَع كلَّ واحد نصيبه نفعاً معتداً به اقتسموه، وإن لم ينتفع به أحدهم لقلّته وكثرتهم فالأجود القرعةُ؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّح والتشريك يُنافي الغرض.

ولو كان نصيبُ بعضهم يكفيه لِصِغَرِه

ونحوه، ونصيبُ الباقين لا ينفعهم منقسماً اعتُبرت القرعةُ فيمن عدا المنتفع. (وهم) يعني الآباء والأولاد أولى من آبائهم وأولادهم) لزيادة القرب (و) هكذا كل طبقة أولى من التي بعدها ويتساوى الأعلى والأدنى مع تساوي الدرجة كالأجداد وأولاد الأولاد، وهكذا كلّ ذلك مع القصور)، أما مع سعة ماله للإنفاق على الجميع فيجب التعميم. (ولو) كان للعاجز أب وابن قادران فعليهما نفقته بالسوية)؛ لتساويهما في المرتبة بالنسبة إليه، والبنتُ كالابن. أمّا الأُمّ ففي مساواتها للأب في مشاركة الولد أو تقديمه عليها وجهان، مأخذهما اتحاد الرتبة، وكون الولد مقدَّماً على الجد المقدَّمِ عليها فيكون أولى بالتقديم؛ فإن اجتمعوا فعلى الأب والولدين خاصةً بالسوية؛ لما تقدَّم من

ص: 269

أنّ الأبَ مقدّم على الأُمّ، وأمّا الأولاد فعلى أصل الوجوب من غير ترجيح مع احتمال تقديم الذكور؛ نظراً إلى الخطاب في الأمر بها بصيغة المذكر(1)

ويُجبر الحاكم الممتنع عن الإنفاق مع وجوبه عليه، وإن كان له مال) يجب صرفه في الدين (باعه الحاكم) إن شاء (وأنفق منه).

وفي كيفية بيعه وجهان: أحدهما أن يبيع كلَّ يوم جزءاً بقدر الحاجة، والثاني لا يفعل ذلك لأنه يشق، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له. والأقوى جواز الأمرين. ولو تعذَّرا فلم يُوجد راغب في شراء الجزء اليسير ولا مُقرِضُ ولا بيت مال يقترض منه، جاز بيع أقل ما يمكن بيعه وإن زاد عن قدر نفقة اليوم؛ لتوقف الواجب عليه.

الثالث: الملك

و تجب النفقةُ على الرقيقِ ذَكَراً وأُنثى (والبهيمة) بالعَلْفِ والسقي حيث تفتقر إليهما، والمكان من مُراح واصطبل يليق بحالها وإن كانت غير منتفع بها أو مُشرِفةٌ على التلف - ومنها دُوْدُ القَزّ - فيَأثَم بالتقصير في إيصاله قدر كفايته ووضعه في مكان يقصر عن صلاحيته له بحسب الزمان. ومثله ما تحتاج إليه البهيمة مطلقاً من الآلاتِ حيث يَستعمِلُها أو الجُلِّ لدفع البرد وغيره حيث يحتاج إليه. (ولو كان للرقيق كسب جاز للمولى أن يَكِله إليه، فإن كفاه الكسب بجميع ما يحتاج إليه من النفقة اقتصر عليه (وإلّا) يكفيه (أَتَمَّ له) قدرَ كفايته وجوباً. (ويُرجَع في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال السيّد من أهل(بلده) بحسب شرفه و ضِعَتِه وإعساره ويساره، ولايكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا وإن اكتفي به في بلاد الرقيق. ولافرق بين كون نفقة السيد على نفسه دون الغالب في نفقة الرقيق عادةً - تقتيراً وبخلاً أو رياضة - وفوقه فليس له الاقتصار به على نفسه في الأول. ولاعبرة في الكمّيّة بالغالب بل تجب الكفاية لو كان الغالب أقل منها، كما لايجب الزائد

ص: 270


1- الطلاق (65): 7.

لو كان فوقَها وإنّما تُعتبَر فيه الكيفيةُ.

(ويُجبَر) السيدُ(على الإنفاق أو البيع) مع إمكانهما وإلا أُجبر على الممكن منهما خاصةً، وفي حكم البيع الإجارة مع شرط النفقة على المستأجر والعتق، فإن لم يفعل باعه الحاكم أو آجَرَه. وهل يبيعه شيئاً فشيئاً أو يستدين عليه إلى أن يجتمع شيء فيبيع ما يفى به؟ الوجهان (ولا فرق) في الرقيق (بين القِنِّ) وأصله الذي مُلِكَ هو وأبواه، والمراد هنا المملوك الخالص غير المتشبث بالحرية بتدبير ولا كتابة ولا استيلاد (والمُدَبَّرِ وأُمّ الولد)؛ لاشتراك الجميع في المملوكية وإن تشبث الأخيران بالحرية، أما المكاتب فنفقته في كسبه وإن كان مشروطاً أو لم يُؤَدِّ شيئاً.

(وكذا يُجبَر على الإنفاق على البهيمة المملوكة إلّا أن تجتزئ بالرغى) وتَرِدُ الماءَ بنفسها فيُجتزى به، فيسقطان عنه ما دام ذلك ممكناً، فإن امتنع أجير على الإنفاق) عليها (أو البيع أو الذبح إن كانت البهيمة (مقصودة بالذبح) وإلا أُجبر على البيع أو الإنفاق صوناً لها عن التلف، فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه وتقتضيه الحال. وإنما يتخيَّر مع إمكان الأفراد، وإلّا تَعيَّن الممكن منها. (وإن كان لها ولدٌ وَفَّرَ عليه من لبنها ما يكفيه وجوباً، وحَلَب ما يفضل منه

خاصةً (إلّا أن يقوم بكفايته من غير لبن حيث يكتفي به. وبقي من المملوك ما لا روح فيه كالزرع والشجر ممّا يُتلف بترك العمل. وقد اختلف في وجوب ،عمله، ففي التحرير قرب الوجوب من حيث إنه تضييع للمال فلا يُقرّ عليه(1) وفي القواعد قطع بعدمه؛ لأنّه تنمية للمال فلاتجب كما لايجب تملُّكُه. ويُشكل بأنّ ترك التملكِ لايقتضي الإضاعة بخلاف التنمية التي يُوجِب تركها فواته رأساً(2) أما عِمارة العقار فلاتجب، لكن يُكرَه تركه إذا أَدَّى إلى الخراب.

ص: 271


1- تحرير الأحكام الشرعيّة،ج4،ص،46،ذيل الرقم 5373.
2- قواعد الأحكام،ج3،ص 118.

ص: 272

كتاب الطلاق

ص: 273

ص: 274

كتاب الطلاق

اشارة

وهو إزالة قيدِ النكاح بغير عوضٍ بصيغة طالق.

وفيه فصولٌ

الفصل الأوّل في أركانه

(وهي) أربعة: (الصيغةُ والمُطَلِّقُ والمُطَلَّقَةُ والإشهاد) على الصيغة. (و) اللفظ (الصريح) من الصيغة «أنتِ أو هذه أو فلانة ويذكر اسمها أو ما يفيد التعيين أو زوجتي - مثلاً - طالق». وينحصر عندنا في هذه اللفظة (فلايكفي أنتِ (طَلاق») وإن صح إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده فصار بمعنى «طالق»؛ وقوفاً على موضع النصّ(1) والإجماع، واستصحاباً للزوجيّة، ولأن المصادر إنما تُستعمل في غير موضوعها مجازاً وإنْ كان في اسم الفاعل شهيراً وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق.

ولا من المطلقات» ولا «مطلقة» ولا «طلَّقتُ فلانةً» على قول مشهور(2) لأنّه

ص: 275


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 37، ح،110.
2- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،676: والقول بالوقوع للمحقق في شرائع الإسلام، ج3،ص، 8.

ليس بصريح فيه، ولأنّه إخبار ونقله إلى الإنشاء على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق وهو صيغ العقود، فاطّراده في الطلاق قياس والنص دلَّ فيه على «طالق) ولم يدلّ على غيره فيقتصر عليه. ومنه يظهر جوابُ ما احتج به القائل بالوقوع، وهو الشيخ (رحمه الله) في أحد قولَيْه(1) استناداً إلى كون صيغة الماضي في غيره منقولة إلى الإنشاء، ونسبة المصنف البطلان إلى القول يُشعِرُ بميله إلى الصحة.

(ولاعبرة) عندنا بالسَرَاح والفِرَاق) وإنْ عَبَّر عن الطلاق بهما في القرآن الكريم بقوله:

(أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَنِ)(2) (أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)(3) لأنهما عند الإطلاق) لا يُطلقان عليه فكانا كناية عنه لاصراحةً فيهما، والتعبير بهما لايدلّ على جوازإيقاعه بهما.

(و) كذا (الخَلِيَّةُ والبَرِيّةُ) وغيرهما من الكنايات ك«البتة» و«البَتْلَة» و«حرام» و «بائن» و«اعْتَدي» (وإن قصد الطلاق)؛ لأصالة بقاء النكاح إلى أن يثبت شرعاً ما يُزيله.

وطلاق الأخرس بالإشارةِ المُفهمة له وإلقاء القناع على رأسها ليكون قرينةً على وجوب سترها منه والموجود في كلام الأصحاب الإشارة خاصةً وفي الرواية إلقاء(4) القِناع، فجَمَع المصنّف بينهما وهو أقوى دلالة والظاهر أنّ إلقاء القناع من جملة الإشارات، ويكفي منها ما دَلّ على قصده الطلاق كما يقع غيره من العقود والإيقاعات والدعاوي والأقارير.

(ولايقع الطلاق) (بالكتب) بفتح الكاف مصدرُ كَتَب» كالكتابة من دون تلفظ

ص: 276


1- النهاية، ص 511.
2- البقرة (2) 229.
3- الطلاق (65): 2.
4- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،74،ح، 249.

ممَّن يُحسِنه، (حاضراًكان) الكاتب (أو غائباً) على أشهر القولين(1) لأصالة بقاء النكاح، ولحسنة محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام): «إنّما الطلاق أن يقول... أنتِ طالق(2) الخبر، وحسنةِ زرارة عنه(علیه السلام) في رجل كتب بطلاق امرأته قال: «ليس ذلك بطلاق»(3) وللشيخ قول بوقوعه به للغائب دون الحاضر(4) لصحيحة أبي حمزة الثمالي عن الصادق(علیه السلام): فى الغائب لايكون طلاق حتى يَنطِق به بلسانه أو يَخُطَّه بيده وهو يريد به الطلاق(5) وحُمِل على حالة الاضطرار جمعاً(6)

ثمّ على تقدير وقوعه للضرورة أو مطلقاً على وجه يُعتبر رؤية الشاهدين لكتابته حالتها؛ لأنّ ذلك بمنزلة النطق بالطلاق فلا يتم إلا بالشاهدين، وكذا يُعتبر رؤيتهما إشارة العاجز.

(ولا بالتخيير) للزوجة بين الطلاق والبقاء بقصد الطلاق(وإن اختارَتْ نفسَها في الحال على أصح القولين(7) لما مرّ، وقول الصادق(علیه السلام): «ما للناس والخيار إنّما هذا شيء خَصَّ الله به رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم»(8) وذهب ابن الجنيد إلى وقوعه به(9) لصحيحة حُمران عن الباقر(علیه السلام): «المُخَيَّرةُ تَبِين من ساعتها من غير طلاق(10) وحُمِلت على تسخيرها بسبب غير الطلاق(11) كتدليس وعيب جمعاً.

ص: 277


1- ذهب إليه الشيخ في الخلاف،ج4،ص،469، المسألة :29؛ وابن إدريس في السرائر،ج 2، ص 677: القول بالوقوع من الأخرس والغائب لابن حمزة في الوسيلة، ص 323.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 36، ح 108.
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،38،ح،113.
4- النهاية، ص 511.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،38،ح،114.
6- كالعلّامة في مختلف الشيعة،ج 7،ص،348، المسألة 8.
7- ذهب إليه الشيخ في المبسوط،ج4،ص،36؛ والعلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص،340، المسألة 4.
8- تهذيب الأحكام،ج 8، ص، 88 ح،300.
9- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،340، المسألة 4.
10- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 90، ح، 307.
11- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3،ص،309.

(ولا معلّقاً على شرط) وهو ما أمكَن وقوعُه وعدمُه، كقدوم المسافر ودخولها الدار (أو صفة) وهو ما قطع بحصوله عادة كطلوع الشمس وزوالها، وهو موضع وفاق منا، إلا أن يكون الشرطُ معلوم الوقوع له حال الصيغة كما لو قال «أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بكِ» وهو يعلم وقوعه على الأقوى؛ لأنه حينئذٍ غيرُ معلَّق. ومن الشرط تعليقه على مشيئة الله تعالى.

(ولو فَسَّرَ الطَلْقَةَ بأزيد من الواحدة كقوله أنتِ طالق ثلاثاً» (لغا التفسيرُ) ووقع واحدةً؛ لوجود المقتضي وهو قوله «أنتِ طالق»، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا الضميمة وهي تُؤكده لاتنافيه، ولصحيحة جميل(1) وغيرها(2) في الذي يُطَلِّق في مجلس ثلاثاً : قال : هي واحدة».

:وقيل: يَبطُل الجميع(3) لأنه بدعة؛ لقول الصادق(علیه السلام): «مَن طلق ثلاثاً في مجلس فليس بشيء، مَن خالَفَ كتاب الله رُدَّ إلى كتاب الله(4)، وحُمِل على إرادة عدم وقوع الثلاث التي أرادها. (ويُعتبر في المطلّق البلوغ) فلا يصح طلاق الصبي وإنْ أَذِن له الوليُّ أو بَلَعَ عَشْراً، على أصح القولين(5) ( والعقلُ) فلا يصح طلاق المجنونِ(6) المُطْبِقِ مطلقاً ولا غيره حالَ جنونه(ويُطلق) الوليُّ) وهو الأبُ والجدُّ له مع اتصال جنونه بصِغَرِه، والحاكم عند عدمهما أو مع عدمه(عن المجنونِ ) المُطْبِقِ مع المصلحة (لا عن الصّبيِّ)؛ لأنّ له أَمَداً يُرتَقَب ويَزُول نقصه فيه، وكذا المجنون ذو الأدوار. ولو بلغ الصبي فاسد العقل طلق عنه الوليُّ حينئذ.

ص: 278


1- تهذيب الأحكام، ج 8،ص52،ح، 168.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،53،ح،171.
3- قال به السيد المرتضى في الانتصار،ص،308، المسألة 172.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص،54،ح،177 4.
5- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر،ج 2،ص،664 والقول بالصحة للشيخ في النهاية، ص 518.
6- المطبق، لا من يعتوره الجنون أدواراً(زين) رحمه الله).

وأطلق جماعةٌ من الأصحاب جواز طلاق الوليّ عن المجنون من غير فرق بين المُطبِقِ وغيره(1) وفي بعض الأخبار دَلالة عليه(2) والتفصيل متوجه، وبه قطع في القواعد(3) واعلم أنّ الأخبار غير صريحة في جوازه من وليه، ولكن فخر المحققين ادَّعَى الإجماع على جوازه(4) فكان أقوى في حجيّته منها، والعجب أن الشيخ في الخلاف ادَّعَى الإجماع على عدمه(5) (و) كذا (لا) يطلق الوليُّ عن (السكران) وكذا المُغْمى عليه وشاربُ المُرْقِد كالنائم؛ لأنّ عذرهم متوقع الزوال.

(والاختيار، فلايقع طلاقُ المُكْرَه) كما لايقع شيءٌ من تصرفاته عدا ما استثني. ويتحقَّق الإكراه بتوعُدِه بما يكون مضراً به في نفسه أو من يجري مجراه - بحسب حاله - مع قدرة المتوعد على فعل ما تَوَعَدَ به والعلم أو الظنّ أنّه يفعله به لو لم يفعل. ولا فرق بين كون المتوعد به قتلاً وجَرْحاً، وأخْذَ مالٍ وإنْ قل، وشتماً وضرباً وحبساً. ويستوي في الثلاثة الأول جميع الناس، أما الثلاثة الأخيرة فتختلف باختلاف الناس، فقد يُؤَثر قليلها في الوجيه الذي يُنقصُه ذلك، وقد يحتمل بعض الناس شيئاً منها لا يؤتُر في قدره، والمرجع في ذلك إلى العرف.

ولو خيَّره المكرِهُ بين الطلاقِ ودفعِ مالٍ غير مستحق فهو إكراه، بخلاف ما لو خيره بينه وبين فعلٍ يَستحِقه الآمِرُ - من مالٍ وغيره - وإنْ حَتَّم أحدهما عليه، كما لا إكراه لو ألزمه بالطلاق ففَعَله قاصداً إليه، أو على طلاق معيَّنة فطلَّق غيرها، أو على طَلْقَة فطلق أزيد. ولو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين فطلَّق معيَّنةً فالأقوى أنّه إكراه؛ إذ

ص: 279


1- منهم: الشيخ في النهاية، ص 509؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 3؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص،42.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص، 75،ح،253.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 121 و 122.
4- ايضاح الفوائد،ج 3، ص،292.
5- الخلاف، ج 4 ص 442. المسألة 29.

لايتحقّق فعلُ مقتضى أمره بدون إحداهما وكذا القولُ في غيره من العقود والإيقاع.

ولا يُشترط التَّورِيةُ بأن يَنوِي غيرَها وإِنْ أَمْكَنَتْ.

والقصد، فلا عبرة بعبارة الساهي والنائم والغالط)، والفرق بين الأول والأخير

أن الأول لا قصد له مطلقاً، والثاني له قصد إلى غير مَن طَلَّقَهَا فَغَلِطَ وتَلَفَّظَ بها. ومثله ما لو ظَنَّ زوجته أجنبيةً بأن كانت في ظلمة، أو أنكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم. ويُصَدَّق في ظنّه ظاهراً وفي عدم القصد لو ادعاه ما لم تخرج العدّةُ الرجعية، ولا يُقبل في غيرها إلا مع اتصال الدعوى بالصيغة، وأطلق جماعة من الأصحاب قبول قوله في العدّة من غير تفصيل(1)

(ويجوز توكيل الزوجة في طلاق نفسها وغيرها) كما يجوز تَوَلّيها غيره من العقود؛ لأنّها كاملة فلا وجه لسلب عبارتها فيه ولا يقدح كونُها بمنزلة موجِبةٍ قابلةٍ على تقدير طلاق نفسها؛ لأنّ المغايرة الاعتبارية كافية، وهو ممّا يَقبل النيابة فلا خصوصية للنائب، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الطلاق بيد مَن َأخَذ بالساق»(2) لا ينافيه؛ لأنّ يدَها مستفادة من يده مع أنّ دَلالته على الحصر ضعيفة.

(ويُعتبر في المطلقة الزوجيّةُ) فلايقع بالأجنبية وإن علقه على النكاح، ولا بالأمة (والدوام) فلايقع بالمُتَمَتَّع بها والطُّهَرُ من الحيض والنفاس إذا كانت المطلقة ( مدخولاً بها، حائلاً حاضراً زوجها معها)، فلو اختَلَّتْ أحد الشروط الثلاثة بأن كانت غير مدخول بها، أو حاملاً - إن قلنا بجواز حيضها - أو زوجها غائب عنها صح طلاقها وإن كانت حائضاً أو نُفَساءَ، لكن ليس مطلقُ الغَيبة كافياً في صحة طلاقها بل الغيبة على وجه مخصوص. وقد اختلف في حدّ الغَيبة المجوّزة له على أقوال(3) أجودُها

ص: 280


1- منهم الشيخ في المبسوط،ج4،ص،30؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج،3، ص،4؛ والعلامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج 4،ص،51، الرقم 5378.
2- الجامع الصغير،ج1،ص،330،ح، 5349: المعجم الكبير، الطبراني،ج،17، ص،179.
3- لاحظ مختلف الشيعة،ج7،ص،352 - 354، المسألة 11.

مُضِيُّ مدّةٍ يَعلَم أو يَظُنّ انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى غيره، ويختلف ذلك باختلاف عادتها فمن ثَمَّ اختلفت الأخبار في تقديرها(1) واختلفت بسببها الأقوال. فإذا حصل الظن بذلك جاز طلاقها وإنْ اتَّفق كونها حائضاً حال الطلاق إذا لم يعلم بحيضها حينئذٍ ولو بخبرٍ مَن يُعتمد على خبره شرعاً، وإلا بطل. وفي حكم عليه بحيضها علمه بكونها في طهر المواقعة على الأقوى. وفي المسألة بحث عريض قد حققناه في رسالة مفردة(2) من أراد تحقيق الحال فَلْيَقِف عليها. وفي حكم الغائب من لايمكنه معرفة حالها لحبس ونحوه مع حضوره، كما أنَّ الغائب الذي يمكنه معرفة حالها أو قبل انقضاء المدة المعتبرة في حكم الحاضر. ويتحقَّق ظنُّ انقضاء نفاسها بمُضيّ زمانٍ تَلِدُ فيه عادةً وأكثر النفاس بعدها أو عادتها فيه، ولو لم يعلم ذلك كله ولم يَظُنّه تَرَبَّص ثلاثة أشهر كالمُستَرابة.

(والتعيين) أي تعيين المطلقة لفظاً أو تيّةً، فلو طلَّق إحدى زوجتيه لابعينها بَطَلَ (على الأقوى)؛ لأصالة بقاء النكاح فلايَزُول إلا بسبب محقق السببية، ولأن الطلاق أمرٌ معين فلابدّ، له من محل معين وحيث لا محل فلا طلاق، ولأن الأحكام من قبيل الأعراض فلابدّ لها من محلّ تَقُوم به، ولأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لابد لها من محلّ معيَّنٍ. وقيل: لا يُشترط ويستخرج المطلقة بالقرعة أو يُعَيِّنُ مَن شاء؛ لعموم مشروعية الطلاق ومحلُّ المبهم جاز أن يكون مبهماً(3) ولأن إحداهما زوجةً وكلُّ زوجةٍ يصح طلاقها ؛ وقواه المصنف في شرح الإرشاد(4) ويتفرع على ذلك العدة، فقيل: ابتداؤُها من حين الإيقاع(5) وقيل: من حين التعيين(6) ويَتَفرّع عليه أيضاً فروع كثيرةٌ ليس هذا موضع ذكرها.

ص: 281


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 60 - 63، باب أحكام الطلاق.
2- أي رسالة طلاق الغائب. راجع الرسائل،ج2،ص410(ضمن الموسوعة، ج 3).
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 6.
4- غاية المراد،ج3،ص،172 - 173(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
5- قال به الشيخ في المبسوط،ج4،ص،88.
6- قال به العلامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص،57، الرقم 5387.

الفصل الثاني في أقسامه

وهو ينقسم أربعة أقسام: (وهي) ما عدا المباح، وهو متساوي الطرفين من الأحكام الخمسة، فإنّه لايكون كذلك بل إمّا راجح أو مرجوح مع المنع من النقيض وتعينه أم لا. وتفصيلها أنّه إما(حرام وهو طلاق الحائض لا مع المصحح له)(1) وهو أحد الأمور الثلاثة السابقة أعني عدم الدخول أو الحمل أو الغيبة، وكذا النفساء، وفي طُهْرٍ جامَعَها فيه وهي غيرُ صغيرة ولايائسة ولاحامل مع علمه بحالها أو مطلقاً؛ نظراً إلى أنه لايُستثنى للغائب إلا كونها حائضاً عملاً بظاهر النص(2)

(والثلاثِ من غير رجعة) والتحريم هنا يرجع إلى المجموع من حيث هو مجموع وذلك لاينافي تحليل بعض أفراده وهو الطَّلْقَة الأولى؛ إذ لامنع منها إذا جَمَعَت الشرائط.

(وكلُّه) أي الطلاق المحرَّمُ بجميع أقسامه (لا يقع) بل يبطل، لكن يقع في) الطَّلَقات (الثلاثِ) من غير رجعةٍ (واحدةٌ) وهى الأولى أو الثانية على تقدير وقوع خَلَلٍ في الأُولى، أو الثالثة على تقدير فساد الأوليين.

(وإما مكروه، وهو الطلاق مع التئام الأخلاق أي أخلاق الزوجين فإنّه «ما من شيء ممّا أَحلَّه الله تعالى أبغض إليه من الطلاق»(3) وذلك حيث لا مُوجِبَ له.

ص: 282


1- المصحح هو أن يكون حاملاً أو لم يدخل بها أو دخل بها وغاب عنها غيبةٌ يعلم انتقالها من طهر إلى آخر، أو كان حاضراً ولايمكنه تعرف حالها(زين رحمه الله).
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 62،ح،201.
3- الکافی،ج6، ص،54،باب کراهیة طلاق الزوجه الموافقة، ح،2.

(وإما واجبٌ، وهو طلاق المُؤْلِي والمُظاهِر ) فإنّه يجب عليه أحد الأمرين: الفئةُ أو الطلاق - كما سيأتي - فكل واحد منهما يُوصَف بالوجوب التخييري، وهو واجب بقول مطلق.

(وإمّا سنّةُ، وهو الطلاق مع الشقاق بينهما وعدم رجاء الاجتماع والوفاق (والخوف من الوقوع في المعصية) يمكن أن يكون هذا من تتمة شرائط سنيته على تقدير الشقاق. ويمكن كونه فرداً برأسه، وهو الأظهر، فإن خوف الوقوع في المعصية قديُجامِع اتفاقهما فيُسَنُّ تخلصاً من الخوف المذكور إن لم يجب كما وجب النكاح له. ويُطلق الطلاقُ السُنّي) المنسوب إلى السنة (على كلّ طلاق جائز شرعاً . والمراد به الجائز بالمعنى الأعم (وهو ما قابَلَ الحرام) ويقال له: طلاق السنة بالمعنى الأعم، ويقابله البِدْعِي وهو الحرام. ويُطلَق السُنّي على معنى أخصّ من الأول وهو أن يُطَلَّقَ على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدّة ويعقد عليها ثانياً، ويقال له: طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ، وسيأتي ما يختلف من حكمهما.

(وهو) أي الطلاق السنّى بالمعنى الأعم (ثلاثة أقسام: (باین) لايمكن للمطلق الرجوع فيه ابتداءً (وهو ستة : طلاق غير المدخول بها) دخولاً يُوجِب الغُسل في قُبل أو دُبُرٍ، (واليائسة) من المحيض ومثلها لاتحيض والصغيرة)؛ إذ لا عدة لهذه الثلاث ولارجوع إلا في عدة، (و) طلاق (المُخْتَلِعة والمباراة ما لم يرجعا(1) في البذل) فإذا رجعا صار رَجْعِيّاً. (والمطلَّقة ثالثة) ثلاثة (بعد رجعتين) كل واحدةٍ عقيب طلقة إن كانت حرّةً، وثانية بينها وبين الأولى رجعةٌ إن كانت أَمَةً. (ورَجْعِي، وهو ما للمُطَلِّق فيه الرجعةُ) سواء (رَجَع أو لا) فإطلاق الرَجْعِي عليه بسبب جوازها فيه كإطلاق الكاتب على مطلق الإنسان من حيثُ صَلاحيّته لها . (و) الثالث: (طلاق العدة وهو أن يُطلق على الشرائط ثمَّ يَرجِعَ في العدة ويَطَأَ ثمّ

ص: 283


1- أي مالم يرجع الزوجان الزوج والمختلفة أو المباراة، أسند الرجوع إلى الزوج أيضاً مسامحة.

يُطَلَّقَ في طُهْرٍ آخر وإطلاق العِدّي عليه من حيث الرجوع فيه في العدة، وجعله قسيماً للأولين يقتضي مغايرته لهما مع أنه أخص من الثاني؛ فإنه من جملة أفراده بل أظهرها حيث رجع في العدّة، فلو جَعَلَه قسمين ثمّ قَسَم الرجعي إليه وإلى غيره كان أجود.

(وهذه) أعني المطلقة للعدّة (تَحْرُم في التاسعة أبداً) إذا كانت حرة، وقد تقدم أنها تَحْرُم في كلّ ثالثة حتّى تنكح غيره، وأنّ المعتبر طلاقها للعدة مرتين من كل ثلاثة؛ لأنّ الثالث لا يكون عِدّيّاً حيث لا رجوع فيها فيه، وما عداه من أقسام الطلاق الصحيح وهو ما إذا رَجَع فيها وتَجَرَّد عن الوطء أو بعدها بعقد جديد، وإنْ وَطِئَ تحرم المطلقة (في كلّ ثالثة للحرّة)؛ وفي كل ثانية للأمة.

وفي إلحاق طلاق المُخْتَلِعِةِ إذا رجع في العدّة بعد رجوعها في البذل، والمعقود عليها العدّة الرجعية به قولان(1)، منشأهما من أنّ الأوّل(2) من أقسام البائن، والعِدّي من أقسام الرجعي وأنّ شرطه الرجوع في العدّة والعقد الجديد لا يُعد رجوعاً؛ ومن أن رجوعها في البذل صيَّره رجعيّاً وأنّ العقد في الرجعي بمعنى الرجعة. والأقوى إلحاق

الأوّل به دون الثاني؛ لاختلال الشرط ومنع إلحاق المساوي بمثله. و الأفضل في الطلاق أن يطلق على الشرائط المعتبرة في صحته (ثم يتركها حتّى تخرج من العدة ثمّ يتزوّجها إن شاء، وعلى هذا هو طلاق السنة بالمعنى الأخص ولا تحرم المطلَّقة به مؤبداً أبداً، وإنّما كان أفضل للأخبار الدالّة عليه(3) وإنّما يكون أفضل حيث تشترك أفراده فى أصل الأفضلية وجوباً أو ندباً لاقتضاء أفعل

التفضيل الاشتراك في أصل المصدر وما يكون مكروهاً أو حراماً لافضيلة فيه.

ص: 284


1- القول بإلحاق المختلعة وعدم إلحاق المعقود عليها للعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 67، ذيل الرقم 5403 ؛ وأما القول بعدم إلحاقهما لم نعثر عليه.
2- في «ق،ن»: «الأولى».
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 25 - 27 باب أحكام الطلاق.

(وقد قال بعض الأصحاب) وهو عبدالله بن بكير: (إنّ هذا الطلاقَ(1) لايحتاج إلى محلّل بعد الثلاث) بل استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم(2) استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام)يقول: «الطلاق» الذي يُحِبّه الله تعالى والذي يُطلق الفقيه، وهو العدل، بين المرأة والرجل، أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادةٍ من القلب ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروءٍ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخِرُ القُرْء؛ لأنّ الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها فإن شاءت تزوَّجَتْه وحلت له [ بلا زواج ] ، فإن فعل هذا بها مائة مرّةٍ هَدَم ما قبله وحَلَّت بلا زوج»(3) الحديث. وإنما كان ذلك قول عبد الله؛ لأنه قال حين سُئِل عنه: «هذا مما رزق الله من الرأي»(4) ومع ذلك رواه بسند صحيح، وقد قال الشيخ(رحمه الله): إن العصابة أجمَعَتْ على تصحيح ما يصح عن عبدالله بن بكير وأَقَرُّوا له بالفقه والثقة(5)

وفيه نظر؛ لأنه فَطَحِيُّ المذهب، ولو كان ما رواه حقاً لما جعله رأياً له، ومع ذلك قد اختلف سند الرواية عنه فتارةً أَسنَدها إلى رفاعةً(6) وأُخرى إلى زرارةَ ومع ذلك نسبه إلى فسه، والعجب من الشيخ مع دعواه الإجماع المذكور أنه قال: إن إسناده إلى زرارة وقع نُصرةً لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أنّ أصحابه لايقبلون ما يقوله برأيه - قال: - وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق إلى الفَطَحيّة ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظمُ من الغلط في إسنادِ فتياً يعتقد صحته لشبهة دَخَلَتْ عليه إلى بعض أصحاب الأئمة(علیهم السلام)(7)

ص: 285


1- هذا للسنّة بالمعنى الأخص(زين رحمه الله).
2- حكاه عنه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 30، ضمن الحدیث 88.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 35، ح 107.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 30،ح 88.
5- اختيار معرفة الرجال، ص 375 ، ح 705.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،30،ح،88 7.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 36، ذيل الحديث 107.

(والأصح احتياجُه إليه) أي إلى المحلل للأخبار الصحيحة الدالة عليه(1) وعموم القرآن الكريم(2) بل لا يكاد يتحقق في ذلك خلاف؛ لأنه لم يذهب إلى القول الأول أحد من الأصحاب على ما ذكره جماعة(3) وعبد الله بن بكير ليس من أصحابنا الإمامية، ونسبة المصنّف له إلى أصحابنا التفاتاً إلى أنّه من الشيعة في الجملة بل من فقهائهم على ما نقلناه عن الشيخ وإن لم يكن إماميّاً. ولقد كان ترك حكاية قوله في هذا المختصر أولى.

(ويجوز طلاق الحامل أزيد من مرّة) مطلقاً على الأقوى ويكون طلاق عدة إن وَطِئ) بعد الرجعة ثمّ طلَّق (وإلّا) يطأ بعدها (فسنّةٌ بمعناه الأعم، وأما طلاق السنة بالمعنى الأخص فلايقع بها؛ لأنّه مشروط بانقضاء العدة ثم تزويجها ثانياً كما سبق وعدة الحامل لا تنقضي إلّا بالوضع، وبه تخرج عن كونها حاملاً فلايصدق أنها طلقت طلاق السنّة بالمعنى الأخص ما دامت حاملاً، إلا أن يُجعَل وضعها قبل الرجعة كاشفاً عن كون طلاقها السابق طلاق سنّة بذلك المعنى. والأقوال هنا مختلفة(4) كالأخبار(5)والمحصل ما ذكرناه

(والأولى تفريق الطلقات على الأطهار) بأن يُوقع كلَّ طَلْقة في طهرٍ غير طهر الطلقة السابقة (لمن أراد أن يُطَلِّق ويُراجع أزيد من مرة، وهذه الأولوية بالإضافة إلى ما ياتي بعده وإلا فهو موضع الخلاف وإن كان أصح الروايتين(6) صحتهَ، وإنما الأولى المُخْرِج من الخلاف أن يراجعَ ويَطَاً ثمّ يُطلَّقَ في طهر آخَرَ فإنّ الطلاق هنا يقع إجماعاً.

ص: 286


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 65 - 66 ، باب أحكام الطلاق.
2- البقرة (2) 230.
3- منهم: الفاضل المقداد في التنقيح الرائع،ج3،ص،320؛ وابن فهد في المهذب البارع،ج3، ص،465.
4- راجع النهاية،ص 516 و 517؛ والمقنع، ص 346؛ ومختلف الشيعة،ج 7، ص 357 - 358. المسألة 13.
5- راجع تهذيب الأحكام،ج 8، ص 70 - 72، باب أحكام الطلاق.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 45.ح، 139 و 140.

(ولو طلّق مرّاتٍ في طهر واحد) بأن يطلق ويُراجع ثم يطلّق ويراجع وهكذا ثلاثاً (فخلافٌ(1) أقربه الوقوع مع تخلل الرجعة بين كل طلاقين؛ لعموم القرآن(2) والأخبار ) الصحيحة(3) بصحة الطلاق لمن أراده في الجملة إلا ما أخرجه الدليل، وروى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: قلت له : رجل طلق امرأته ثمّ راجَعَها بشهود ثمّ طلَّقها بشهود [ثم راجَعَها بشهود ثمّ طلقها بشهود](4) تَبِينُ منه؟ قال: «نعم». قلت: كلّ ذلك في طهر واحد قال: «تَبِين منه»(5) وهذه الرواية من الموثق ولا معارِضَ لها إلّا رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن الصادق(علیه السلام) في الرجل يُطلق امرأته له أن يراجعها. قال: لايُطلق الطَلْقَةَ الأُخرى حتى يَمَسَّها»(6) وهي لاتدلّ على بطلانه نظراً إلى أنّ النهي في غير العبادة لايُفسد.

واعلم أنّ الرَّجعة بعد الطلقة تجعلها بمنزلة المعدومة بالنسبة إلى اعتبار حالها قبل الطلاق وإنْ بَقِيَ لها أثر في الجملة كعدها من الثلاث، فيبقى حكم الزوجة بعدها كما كان قبلها، فإذا كانت مدخولاً بها قبل الطلاق ثمّ طلقها وراجَعَ ثمّ طلّق يكون طلاقه طلاق مدخول بها لاطلاق غير مدخول بها، نظراً إلى أنّ الرجعة بمنزلة التزويج الجديد فيكون طلاقها بعده واقعاً على غير مدخول بها؛ لما عرفت من أنّ الرجعة أسقَطَتْ حكم الطلاق، ولولا ذلك لم يمكن الطلاق ثلاثاً وإنْ فَرَّق الطلقات على الأطهار - من - من غير دخول والرواياتُ الصحيحةَ(7) ناطقةُ بصحّتها حينئذ، وكذا فَتْوَى الأصحاب إِلَّا مَن شَذَّ(8)

ص: 287


1- راجع للخلاف مختلف الشيعة،ج 7، ص 372، المسألة 23.
2- البقرة (2) 295.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 46، ح 142.
4- ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 92 ح 317 6.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،44،ح،134.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 45، ح 139 و 140.
8- حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة،ج 7،ص،372، المسألة 23.

وحينئذٍ فيكون الطلاق الثاني رجعيّاً لا بائناً وإن وقع بغير مدخول بها بالنسبة إلى ما بعد الرجعة فإنّها مدخول بها قبلها وهو كافٍ.

(وتحتاج) المطلقة مطلقاً (مع كمال) الطلقات (الثلاث إلى المحلل)؛ للنص(1)

والإجماع، ومخالفةُ مَن سَبَق ذكره في بعض موارده(2) غيرُ قادح فيه بوجه. ( ولايلزم الطلاقُ بالشكّ فيه لتندفع الشبهة الناشئة من احتمال وقوعه، بل تبقى على حكم الزوجية؛ لأصالة عدمه وبقاء النكاح، لكن لايخفى الوَرَعُ في ذلك فيراجع إن كان الشك في طلاق رجعي ليكون على يقين مِن الحِلّ، أو في البائن بدون ثلاث جدَّد النكاح، أو بثلاثٍ أَمسَك عنها وطلَّقها ثلاثاً لتَحِلّ بغيره(3) يقيناً، وكذا يبني على الأقل لو شَكٍّ في عدده والورعُ الأكثرُ. (ويُكرَه للمريض (الطلاق)؛ للنهي عنه في الأخبار(4) المحمول على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على وقوعه صريحاً(5) (فإن فَعَلَ تَوَارَثا في) العدّة (الرجعية) من الجانبين كغيره، وتَرِثُه) هي (في البائن والرجعي إلى سَنَةٍ) من حين الطلاق؛ للنص(6) والإجماع. وربما عُلَّل بالتهمة بإرادة إسقاط إرثها فيؤاخذ بنقيض مطلوبه(7) وهو لايَتِمّ حيث تسأله الطلاق أو تُخالِعه أو تُبارئه. والأقوى عموم الحكم؛ لإطلاق النصوص (ما) لم تَتَزَوَّج) بغيره (أو يبرأ من مرضه) فينتفي إرثها بعد العدة الرجعية وإن مات في أثناء السنة.

ص: 288


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 33، ح 98.
2- هو عبدالله بن بكير تقدّم في ص 285، الهامش 2.
3- في النسخ: «لغيره» ولكن قال الشيخ علي في حاشيته واعلم أنّ بغيره في خطه (طاب ثراه) بالباء... مع أن تحتها نقطة وبالباء يستقيم المعنى أنه إذا شك هل أوقع بها ثلاث طلقات أو لم يوقع بها شيئاً أمسك عنها وطلقها ثلاثاً لتحل له بنكاح غيره يقيناً.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 77، ح 258 و 261.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 79 ، ح .268 6.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 78،ح،267.
7- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 335، المسألة 2.

وعلى هذا لو طلق أربعاً في مرضه ثم تزوج أربعاً ودخل بهنّ ومات في السنة مريضاً قبل أن تتزوج المطلقاتُ وَرِثَ الثمانُ التَّمْنَ أو الربع بالسوية، ولا يرث أزيد من

أربع زَوْجاتٍ اتفاقاً إلا هنا ولا يلحق الفسخ في المرض بالطلاق عملاً بالأصل. (والرجعةُ تكون بالقول مثل «رَجَعْتُ» و «ارْتَجَعْتُ» متصلاً بضميرها فيقول «رجعتُكِ» و «ارتجعتُكِ» ومثلُه راجعتُكِ». وهذه الثلاثة صريحة، وينبغي إضافة «إلي» أو إلى نكاحي». وفى معناها «رَدَدْتُكِ» و«أَمْسَكْتُكِ» لورودهما في القرآن، قال تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ برَدّهِنَّ فِي ذَلِكَ»(1) «فَإِمْسَاهُ بِمَعْرُوفٍ»(2) ولايفتقر إلى نية الرجعة الصراحة الألفاظ، وقيل: يفتقر إليها في الأخيرين(3) لاحتمالهما غيرها كالإمساك باليد أو في البيت ونحوه، وهو حسن. (وبالفعل كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة؛ لدّلالته على الرجعة كالقول وربما كان أقوى منه، ولا تتوقف إباحته على تقدُّمِ رَجعةٍ لأنها زوجة. وينبغي تقييده بقصد الرجوع به أو بعدم قصد غيره؛ لأنه أعم خصوصاً لو وقع منه سهواً، والأجود اعتبار الأول.

(وإنكارُ الطلاق رجعةٌ)؛ لدَلالته على ارتفاعه فى الأزمنة الثلاثة، ودَلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي فيكون أقوى، أو دَلالته عليها ضمناً. ولايقدح فيه كونُ الرجعة من توابع الطلاق فتنتفي حيث ينتفي المتبوع؛ لأنّ غايتها التزام ثبوت النكاح والإنكار يدلّ عليه فيحصل المطلوب منها وإنْ أَنكَر سبب شرعيتها. (ولو طلَّق الذمية جاز مراجعتها ولو مَنَعْنَا من ابتداء نكاحها دواماً لما تقدم(4) من أنّ الرجعة تَرفَع حكم الطلاق فيُستصحب حكم الزوجية السابقة، لا أنّها تُحدث

ص: 289


1- البقرة (2) 228.
2- البقرة (2) 229.
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،135.
4- تقدّم في ص 287.

حكم نكاح جديد، ومِن ثَمَّ أمكن طلاقها ثلاثاً قبل الدخول بعدها استصحاباً لحكم الدخول السابق، ولأنّ الرجعيّة زوجة ولهذا يثبت لها أحكام الزوجية، ولجواز وطئه ابتداءً من غير تلفظ بشيء.

وربما يُخيَّل(1) المنعُ هنا من حيث إن الطلاق إزالة قيد النكاح والرجعة تقتضي ثبوته، فإما أن يثبت بالرجعة عينُ النكاح الأوّل أو غيره، والأوّل مُحال لاستحالة إعادة المعدوم، والثاني يكون ابتداءً لا استدامة، ويُضعف بمنع زوال النكاح أصلاً بل إنّما يزول بالطلاق وانقضاء العدة، ولم يحصل.

(ولو أنكرَتْ الدخول عقيب الطلاق) لِتَمنَعه من الرجعة قدم قولها و(حَلَفت)؛

الأصالة عدم الدخول، كما يُقدَّم قوله لو أنكره ليسقط عنه نصف المهر. ثمّ مع دعواه الدخول يكون مُقرّاً بالمهر، وهي مقرّة على نفسها بسقوط نصفه، فإن كانت قَبَضَتُهُ فلا رجوع له بشيء؛ عملاً بإقراره وإلا فلا تطالبه إلا بنصفه عملاً بإنكارها. ولو رَجَعَتْ إلى الإقرار بالدخول لتأخُذَ النصف ففي ثبوته لها أو توقفه على إقرارٍ جديد

منه وجهان. وأولى بالعدم لو كان رجوعها بعد انقضاء العدة على تقدير الدخول. (ورَجعةُ الأخرس بالإشارة) المُفهمة لها (وأخذ القناع عن رأسها؛ لما تقدَّم من أنّ وَضْعَه عليه إشارة إلى الطلاق(2) وضد العلامة علامة الضدّ. ولانصّ هنا عليه بخصوصه فلايجب الجمع بينهما بل يكفي الإشارة مطلقاً. ويُقبل قولُها في انقضاء العدّة في الزمانِ المحتمل) لانقضائها فيه (وأقله ستّةٌ وعشرون يوماً ولحظتان) إن كانت معتدّةً بالأقراء، وذلك بأن يُطلق وقد بقي من الطهر لحظةٌ ثمّ تحيض أقل الحيض ثلاثة أيام ثم تظهر أقل الطهر عشرة ثم تحيض وتطهر تمّ كذلك ثم تطعن في الحيض لحظة (و) هذه اللحظة الأخيرة دَلالة على الخروج من العدّة أو من الطهر الثالث لاستبانَتِه ،بها (لا جزء من العدّة؛ لأنّها ثلاثة قروءٍ وقد

ص: 290


1- في «م)»: «يحتمل».
2- تقدم،ج2،ص،169 في ص 276.

انْقَضَتْ قبلها فلا تصح الرّجعة فيها ويصح العقد. وقيل: هي منها(1) لأنّ الحكم بانقضائها موقوف على تحققها، وهو لايدلّ على المدَّعَى.

هذا إذا كانت حرّة، ولو كانت أمةً فأقلُّ عدّتِها ثلاثة عشر يوماً ولحظتان. وقد يتفق نادراً انقضاؤُها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاثِ لحظاتٍ وفي الأمة بعشرة وثلاث بأن يُطلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ثم تراه لحظةً ثم تطهر عشرةً ثمّ تحيض ثلاثةً ثمّ تطهر عشرةً ثمّ ترى الحيض لحظةً، والنفاس معدود بحيضةٍ، ومنه يُعلم حكم الأمة. ولو ادَّعَتْ ولادة تامّ فإمكانه بستة أشهر ولحظتين من وقت النكاح لحظةً للوطء ولحظةً للولادة وإنِ ادَّعَتْها بعد الطلاق بلحظة. ولو ادعت ولادة سُقط مصوَّر أو مُضغةٍ أو علقةٍ اعتبر إمكانه عادة، وربما قيل: إنه مائة وعشرون يوماً ولحظتان في الأوّل، وثمانون يوماً ولحظتان في الثاني، وأربعون كذلك في الثالث، ولا

بأس به

(وظاهرُ الروايات(2) أنّه لا يُقبل منها غير المعتاد إلّا بشهادة أربع من النساء المطَّلِعات على باطن أمرها، وهو قريب عملاً بالأصل والظاهر واستصحاباً لحكم العدة، ولإمكان إقامتها البيّنة عليه. ووجه المشهور أنّ النساءَ مُؤْتَمَناتٌ على أرحامهنّ، ولا يُعرَف إلّا من جهتهنّ غالباً، وإقامة البينة عَسِرَةٌ على ذلك غالباً، ورَوَى زُرارةُ في الحسن عن الباقر(علیه السلام) قال: «العدّةُ والحيضُ للنساء إذا ادَّعَتْ صُدِّقَتْ»(3)والأقوى المشهور.

ص: 291


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 272.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 166 ، ح 576.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 165،ح، 575.

الفصل الثالث في العِدَد

جمع عِدّة، وهي مدّةٌ تَتَرَبَّصُ فيها المرأة لتعرف براءة رحمها من الحمل، أو تعبداً. و (لا عدّة على من لم يَدخُل بها الزوج من الطلاق والفسخ (إلّا في الوفاة فيجب) على الزوجة مطلقاً الاعتداد أربعة أشهرٍ وعشرة أيام إن كانت حرّةً) وإنْ كان زوجها .عبداً. (ونصفها) شهران وخمسة أيام إن كانت أمةً) وإنْ كان زوجها حراً، على الأشهر(1) ومستنده صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق(علیه السلام) قال: «الأمة إذا تُوُفِّي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام(2) وقيل كالحرّة(3) استناداً إلى عموم الآية(4) وبعض الروايات(5) وتخصيصهما بغيرها طريق الجمع، سواءٌ دَخَل بها أو لا) صغيرةً كانت أم كبيرةً ولو يائسةً دائماً كان النكاح أم منقطعاً.

(وفي باقي الأسباب الموجبة للفرقة (تَعْتَدُّ ذاتُ الأقراء) جمع قَرْءٍ بالفتح والضمّ - وهو الطُهْرُ أو الحيض (المستقيمة الحيض) بأن يكون لها فيه عادةً مضبوطة وقتاً، سواءٌ انضَبَط عدداً أم لا (مع الدخول بها. المتحقق بإيلاج الحَشَفَةِ أو قدرِها من مقطوعها قبلاً و دُبُراً، على المشهور، وإن لم يُنزل بثلاثة أطهار) أحدها ما بقي من طهر الطلاق بعده وإنْ قل،. وغير مستقيمة الحيض ترجع إلى التميز ثم إلى عادة نسائها إن كانت مُبتَدَأَةً ثمّ تَعتَدٌ بالشهور.

ص: 292


1- في «ق»: «المشهور».
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،154،ح،536.
3- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 743.
4- البقرة (2): 234.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 153، ح 529.

(وذاتُ الشهور - وهي التي لايحصُل لها الحيضُ المعتاد وهي في سنّ الحيض) سواء كانت مُسْتَرابة كما عبر به كثير أم انقطع عنها الحيض لعارض من مرض وحَمْلٍ ورضاع وغيرها - تعتد (بثلاثة أشهرٍ ) هلالية إن طلقها عند الهلال، وإلا أَكْمَلَتْ المنكسر ثلاثين بعد الهلالين على الأقوى.

(والأمة) تعتدّ (بطُهرين) إن كانت مستقيمة الحيض (أو خمسة وأربعين يوماً) إن لم تكن.

(ولو رَأَتْ) الحرّة (الدم) فى الأشهر الثلاثة (مرّةً أو مرتين) ثمّ احتَبَس إلى أن انْقَضَتْ الأشهُرُ انتَظَرت تمامَ الأقراء)؛ لأنها قد استرابت بالحمل غالباً (فإن تمّت) الأقراء قبل أقصى الحمل انقَضَتْ عدتُها (وإلّا صَبَرَتْ تسعة أشهرٍ) على أشهر القولين(1) (أو سنةً) على قول(2) (فإن وَضَعَتْ ولداً أو اجتمعت الأقراءُ) الثلاثةُ (فذاك) هو المطلوب في انقضاء العدّة (وإلّا) يَتَّفِق أحدُ الأمرين (اعتَدَّت بعدها) أي بعد التسعة أو السنة (بثلاثة أشهرٍ إلا أن يتمّ الأقراء قبلها، فتكتفي بها. وقيل: لابد من وقوع الثلاثة الأقراء بعد أقصى الحمل كالثلاثة الأشهر(3) والأوّلُ أقوى. وإطلاقُ النصّ(4) والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحمل وعدمه في وجوب التربص تسعةً أو سنةً ثمّ الاعتداد بعدها، حتى لو كان زوجها غائباً عنها فحكمُها كذلك وإن كان ظاهرُ الحكمة يقتضى اختصاصه بالمسترابة. واحتمل المصنّف في بعض تحقيقاته الاكتفاء

بالتسعة لزوجة الغائب(5) محتَجّاً بحصول مسمّى العدة، والدليل في محلّ النزاع. وهذه أطولُ عدّةٍ تُفرَض والضابط أنّ المعتدة المذكورة إن مَضَى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقَضَتْ عدتها بها، وإن مَضَى عليها ثلاثة أشهر لم تَرَ فيها دمَ حيضٍ انقضت

ص: 293


1- السرائر،ج2،ص،740؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 139.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 533.
3- قال به الشيخ في المبسوط،ج4،ص،274.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 119،ح،410 و 411.
5- لم نعثر عليه.

عدّتُها بها وإن كان لها عادةٌ مستقيمةٌ فيما زاد عليها بأن كانت تَرَى الدمَ في كلّ أربعةِ أشهر مرّةً، أو ما زاد أو ما نقص بحيث يزيد عن ثلاثة ولو بلحظة. ومتى رأت في الثلاثة دماً ولو قبل انقضائها بلحظة فحكمُها ما فُصِّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين من تمامِ الأقراء ووضع الولد، فإن انتفيًا اعتَدَّتْ بعد تسعة أشهرٍ بثلاثة أشهر إلا أن يَتِمّ لها ثلاثة أقراء قبلها ولو مَبنيّةً على ما سبق ولا فرق بين أن يتجدد لها دمّ آخَرُ في الثلاثة أو قبلها وعدمه.

(وعدة الحامل وضعُ الحمل أجمعَ كيف وقع إذا عُلم أنه نشوء آدمي (وإن كان علقةً) ووَضَعَتْه بعد الطلاق بلحظة ولا عبرة بالنطفة (في غير الوفاة، وفيها بأبعد الأجلين مِن وضعه ومِن الأشهُرِ الأربعة والعشرة الأيام في الحرّة، والشهرين والخمسة الأيام في الأمة.

(ويجب الحِدَادُ على) الزوجة المتوفى عنها زوجها في جميع مدة العدّة (وهو ترك الزينة من الثياب والادهانِ والطِيبِ والكُحْل الأسود). والحِنَّاءِ وخَضْبِ الحاجبين بالسواد واستعمال الإسفيداج في الوجه وغير ذلك ممّا يُعَدّ زينةً عرفاً. ولايختص المنعُ بلونٍ خاص من الثياب، بل يختلف ذلك باختلاف البلادِ والأزمانِ والعادات، فكلُّ لونٍ يُعد زينةٌ عرفاً يحرُم لبس الثوب المصبوغ به. ولو احتاجت إلى الاكتحال بالسواد لعلّةٍ جاز، فإن تَأدَّت الضرورة باستعماله ليلاً ومسحه نهاراً وجب، وإلّا اقتَصَرت على ما تَتَأدَّى به الضرورة.

ولايحرم عليها التنظيف ولادخول الحمام ولاتسريح الشعر، ولا السواك ولا قَلْمُ الأظفار، ولا السكنى فى المساكن العالية ولا استعمال الفرش الفاخرة، ولاتزيين أولادها وخَدَمِها.

ولافرق بين الزوجة الكبيرة والصغيرة الحامل والحائل إذا كانت حرّة. (وفي الأمة قولان(1) المروي) صحيحاً عن الباقر(علیه السلام) (أنها لاتَحِدٌ)؛ لأنه قال: «إنّ

ص: 294


1- القول بعدم الحداد للشيخ في النهاية، ص 537؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 27. القول بالحداد للشيخ في المبسوط،ج،4،ص،303؛ وابن إدريس في السرائر،ج 2، ص 745.

الحرّةَ والأمةَ كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلّا أنّ الحرّةَ تَحِدّ والأمةَ لا تَحِدّ»(1) وهذا هو الأقوى. وذهب الشيخ في أحد قوليه(2) وجماعة إلى وجوب الحداد عليها(3) لعموم قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهُرٍ وعشراً»(4) وفيه مع سلامة السند أنه عام وذاك خاص فيجب التوفيق بينهما بتخصيص العام. ولاحِدَادَ على غير الزوج مطلقاً، وفي الحديث دَلالة عليه بل مقتضاه أنّه محرَّم، والأولى حمله على المبالغة في النفى أو الكراهة.

(والمفقودُ إذا جُهِل خبره) وكان لزوجته مَن يُنفِق عليها وجب عليها التربُّصُ إلى أن يَحضُر، أو تَثبُتَ ،وفاتُه أو ما يقوم مقامها، (و) إن لم يكن له ولى يُنفق عليها ولامتبرع فإن صَبَرَتْ فلا كلام، وإن رَفَعَتْ أمرها إلى الحاكم بحث عن أمره و(طلب أربعَ سنين)(5) من حين رفع أمرها إليه في الجهة التي فُقد فيها إن كانت معيّنةً، وإلا ففي الجهات الأربع حيث يُحتمل الأربع (ثمّ يُطلقها الحاكم بنفسه أو يأمر الولى به.

والأجود (بعدها) أي بعد المدّةِ ورجوعِ الرُّسُل أو ما في حكمه، (وتَعْتَد) بعده.

جود تقديم أمر الولي به فإن امتنع طلَّق الحاكم؛ لأنّه مدلول الأخبار الصحيحة(6)

(والمشهور) بين الأصحاب (أنّها تعتدّ عدّة الوفاة)(7) وفي خبر سماعة دَلالة عليه؛ لأنه لم يذكر الطلاق وقال: «بعد مضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعةَ أشهُرٍ

ص: 295


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 153، ح 529.
2- المبسوط، ج 4، ص 303.
3- منهم: ابن إدريس في السرائر،ج 2، ص 745 وابن حمزة في الوسيلة، ص 329؛ والعلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص،478 المسألة 123.
4- صحيح مسلم،ج 2، ص،1124،ح، 1487؛ سنن أبي داود،ج 2، ص،290،ح، 2299.
5- ولو بقي في بلد لم يحصل له السؤال عنه في هذه المدّة فلابدّ من السؤال بعد ذلك(زين رحمه الله).
6- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،478 و 479.ح،1921 و 1922.
7- نعم، ولانفقة لها في العدة(زين رحمه الله).

وعشراً»(1) وباقي الأخبار(2) مُطلَقةٌ إلَّا أنّ ظاهرها أنّ العدةَ عدّةُ الطلاق حيث حُكم فيها بأنه يُطلّقها ثمّ تعتد، وفي حسنة بُريد دَلالة عليه؛ لأنّه قال فيها : «فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتُها فبدا له أن يُراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدة قبل أن يجىء أو يراجع فقد حلَّتْ للأزواج، ولا سبيل للأول عليها»(3) وفي الرواية دلالة على أنه إذا جاء في العدّة لايصير أحق بها إلا مع الرجعة فلو لم يرجع بانت منه، ووجهه أنّ ذلك لازم حكم الطلاقِ الصحيح. وإنّما نسب المصنف القول إلى الشهرة لضعف مستنده. وتظهر الفائدة في المقدارِ والحِدادِ والنفقة.

(وتُباح) بعد العدّة (للأزواج)؛ لدّلالة الأخبار عليه(4) ولأن ذلك هو فائدة الطلاق

(فإن جاء) المفقودُ (في العدّة فهو أملك بها) وإنْ حُكم بكونها عدة وفاةٍ بائنة؛ للنص(5) (وإلّا) يجئ في العدّة(فلاسبيل له عليها) سواءٌ وَجَدَها قد (تزوَّجت) بغيره (أولا). أمّا مع تزويجها فموضع ،وفاق، وأما بدونه فهو أصح القولين(6) وفي الرواية السابقة دلالة عليه(7) ولأنّ حُكمَ الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق فكيف مع الطلاق، والحكم بالتسلّط بعد قطع السلطنة يحتاج إلى دليل وهو منفي. ووجه الجواز بطلان ظنّ وفاته فيبطل ما ترتب عليه، وهو يتجه إن لم نُوجِب طلاقها بعد البحث أمّا معه فلا. (وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال طول المدة) أي مدة الغيبة إن صبرت ومدة البحث إن لم تصبر. هذا إذا لم يكن له مال وإلّا أنفق الحاكم منه مقدماً على

بيت المال.

ص: 296


1- هذيب الأحكام، ج 7، ص 479 ، ح 1923.
2- تقدم في ص 295، الهامش 6.
3- تقدم في ص 295، الهامش 6.
4- الكافي،ج 6، ص،147 - 148، باب،المفقود،ح،2 و 4.
5- تقدم في الهامش 1.
6- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 4 ص 317؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 737؛ والقول الآخر للمفيد في المقنعة، ص 537 ؛ والشيخ في النهاية، ص 538.
7- تقدم في ص 295 الهامش 6.

(ولو أُعتِقَت الأمةُ في أثناء العدّة أكملت عدة الحرّة إن كان الطلاق رجعياً أو عدة وفاة) أما الأوّل فلانها في حكم الزوجة وقد أُعتقت، وأما الثاني فلرواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام)(1) ولو كان بائناً أتمّت عدّة الأمة للحكم بها ابتداء، وصيرورتها بعد العتق أجنبيّةً منه فلا يقدح عتقها في العدة.

(والذمّيّة كالحرّة في الطلاق والوفاة على الأشهر) بل لا نعلم القائل بخلافه نعم رَوَى زرارة في الصحيح عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلَّقها هل عليها عدّة مثلُ عدّة المسلمة ؟ فقال:«لا». إلى قوله قلت : فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: «عدتُها عدّة الأمة حيضتان أو خمسة وأربعون يوماً(2)

الحديث، والعمل على المشهور وإنما تظهر فائدة الخلاف لو جعلنا عدّة الأمة في الوفاة نصف عدّة الحرّة كما

سلف ولو جعلناها كالحرّة فلا إشكال هنا في عدّة الوفاة للذميّة، ويبقى الكلام مع الطلاق.

(وتعتد أُمُّ الولد من وفاة زوجها لو كان مولاها قد زوجها من غيره بعد أن صارت أُمَّ ولده (أو) من وفاة(سيدها) لو لم يكن حين وفاته مزوجاً لها (عدة الحرّة)؛ الرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم في الأمة يموت سيدها قال: «تعتد عدّة المتوفّى عنها زوجها»(3)

وقيل: لاعدّة عليها من وفاة سيدها؛ لأنها ليست زوجة كغيرها من إمائِه الموطوءاتِ من غير ولد فإنّ عدّتهنَّ من وفاة المولى الواطئ قرءٌ واحدٌ(4) وهذا القول ليس ببعيد لمن لم يَعمَل بالخبر الموثق فإنّ خبر إسحاق كذلك، والأجود الأول. ولو مات سيدها وهي مزوّجة من غيره فلاعدّةَ عليها قطعاً ولا استبراء، وكذا لو

ص: 297


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،156. ح 541.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 478، ح 1918.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 155،ح،539.
4- قال به ابن إدريس في السرائر،ج 2، ص،35.

مات سيّدُها قبل انقضاء عدتها، أما لو مات بعدها وقبل دخوله ففي اعتدادها منه أو استبراءها نظر من إطلاق النصّ(1) باعتداد أم الولد من موت سيّدها، وانتفاء حكمة العدّةِ والاستبراء لعدم الدخول، وسقوط حكم السابق بتوسط التزويج. (ولو أَعتَق السيد أمته الموطوءة سواء كانت أُمَّ ولد أم لا (فثلاثة أقراء) لوطنه إن كانت من ذوات الحيض، وإلا فثلاثة أشهر.

(ويجب الاستبراءُ) للأمة(بحدوثِ المِلك) على المتملك (وزواله) على الناقل بأي وجه كان من وجوه الملك

إن كان قد وطئ، بحيضة) واحدة (إن كانت تحيض أو بخمسة وأربعين يوماً إذا كانت لاتحيض وهي في سن من تحيض) والمرادُ بالاستبراء تركُ وطئها قُبُلاً ودُبُراً في المدّة المذكورة دون غيره من وجوه الاستمتاع. وقد تقدّم البحث في ذلك مُستَوفى، وما يَسقُط معه الاستبراء في باب البيع(2) فلاحاجة إلى الإعادة في الإفادة.

ص: 298


1- تقدم في ص 297، الهامش 3.
2- تقدّم في،ج2، ص،169 كتاب المتاجر، الفصل الثالث في بيع الحيوان.

الفصل الرابع في الأحكام

(يجب الإنفاق) على الزوجة (في العدّة الرّجعيّة(1) كما كان في صُلب النكاح) شروطاً وكمّيّةً وكيفيّةً ( ويحرم عليها الخروج من منزل (الطلاق وهو المنزل الذي وهي فيه إذا كان مسكن أمثالها وإن لم يكن مسكنها الأول، فإن كان دونَ حقها فلها طلب المناسب أو فوقه فله ذلك. وإنما يحرم الخروج مع الاختيار.

ولافرق بين منزل الحَضَرِيّة والبدوية البرية والبحرية. ولو اضطرت إليه لحاجة خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر مع تَأَدِّيها بذلك، وإلا خرجت بحسب الضرورة. ولا فرق في تحريم الخروج بين اتفاقهما عليه وعدمه على الأقوى؛ لأنّ ذلك حق الله تعالى وقد قال تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ

وَلَا يَخْرُجْنَ)(2) بخلاف زَمَنِ الزوجيّة فإنّ الحق لهما. واستَقْرَب في التحرير جوازه بإذنه(3) وهو بعيد. ولو لم تكن حالَ الطلاق في مسكن وجب العودُ إليه على الفور، إلا أن تكون في واجب كحج فتتِمُّه كما يجوز لها ابتداءه.

ولو كانت في سفرٍ مباح أو مندوب ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها جزءاً من العدّة أو مطلقاً، أو تَتَخَيَّر بينه وبين الاعتداد في السفر أوجه من إطلاق النهي(4) عن الخروج من بيتها فيجب عليها تحصيل الكون به، ومن عدم صدق النهي هنا؛ لأنها غيرُ

ص: 299


1- في «ق» إضافة من الشرح مع عدم نشوزها قبل الطلاق وفي زمن العدّة».
2- الطلاق .(65) 1.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 179، الرقم 5604.
4- تقدم في الهامش،2.

مُستَوطِنةٍ، وللمشقة في العود، وانتفاء الفائدة حيث لاتُدرك جزءاً من العدة. كلّ ذلك مع إمكان الرجوع وعدم الضرورة إلى عدمه.

(و) كما يحرم عليها الخروجُ(يحرم عليه الإخراج)؛ لتعلّق النهي بهما في الآية (إلّا) أن تأتي بفاحشة) مُبَيِّنَةٍ (يجب بها الحد، أو تُؤذِي أَهلَه بالقول أو الفعل فتخرج في الأول لإقامته ثمّ تُرَدّ إليه عاجلاً، وفي الثاني تُخرج إلى مسكن آخَرَ يُناسب حالها من غیر عود إن لم تتب، وإلا فوجهان أجودُهما جواز إبقائها في الثاني للإذن في الإخراج معها مطلقاً، ولعدم الوثوق بتوبتها، لنقصان عقلها ودينها. نعم، يجوز الردُّ فإن استمرَّت عليها وإلّا أخرجت، وهكذا. واعلم أنّ تفسير الفاحشة في العبارة بالأوّل هو ظاهر الآية(1) ومدلولها لغةً مع ما هو أعمّ منه(2) وأمّا الثاني ففيه روايتان مرسَلَتان(3) والآيةُ غير ظاهرة فيه، لكنّه مشهور بين الأصحاب، وتَرَدَّد فى المختلف(4) لما ذكرناه، وله وجه. ( ويجب الإنفاق في العدّة (الرجعيّة على الأمة كما يجب على الحرّة (إذا أَرسلَها مولاها ليلاً ونهاراً) ليتحقق به تمام التمكين كما يُشترط ذلك في وجوب الإنفاق عليها قبل الطلاق، فلو مَنَعها ليلاً أو نهاراً أو بعض واحدٍ منهما فلا نفقة لها ولا سكني، لكن لا يحرم عليه إمساكها نهاراً للخدمة وإن توقَّفَتْ عليه النفقةُ وإنّما يجب عليه إرسالها ليلاً، وكذا الحكم قبل الطلاق.

(ولا نفقة للبائن) طلاقها (إلّا أن تكون حاملاً فتجب لها النفقة والسكنى حتى تَضَعَ؛ لقوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(5) ولاشُبهة في كون النفقة بسبب الحمل لكن هل هي له أو لها؟ قولان، أشهرهما

ص: 300


1- الطلاق (65) 1.
2- راجع النهاية في غريب الحديث والأثر،ج 3، ص 415،«فحش»:كلّ خصلة قبيحة فهي فاحشة...
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،131 و 132،ح، 455 و 456.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 474، المسألة 119. 4.
5- الطلاق (65): 6.

الأول(1) للدوَران وجوداً وعدماً كالزوجية. ووجه الثاني أنها لو كانت للولد لسَقَطَتْ عن الأب بيساره، كما لو وَرِثَ أخاه لأبيه وأبوه قاتل لايرث ولا وارث غير الحمل؛ ولَوَجَبَتْ على الجد مع فقر الأب، لكن التالي فيهما باطل فالمقدَّم مثله. وأُجِيب بمنع

بطلانه فيهما(2)

وتظهر فائدة القولين في مواضعَ منها : إذا تزوّج الحرُّ أمةً شَرَط مولاها رقّ الولد وجوزناه، وفي العبد إذا تزوّج أمةً أو حرّةً وشَرَط مولاه الانفراد برق الولد، فإن جعلناها للحمل فلا نفقة على الزوج؛ أما في الأوّل فلانه ملك لغيره، وأما في الثاني فلأنّ العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه؛ وإن جعلناها للحامل وجبت، وهو في الأوّل ظاهر، وفي الآخر في كسب العبد أو ذمّة مولاه على الخلاف.

وتظهر الفائدة أيضاً فيما لو كان النكاح فاسداً والزوج حرّاً فمَن جَعَل النفقة لها نَفَاها هنا؛ إذ لا نفقة للمعتدة عن غير نكاح له حرمة، ومَن جَعَلها للحمل فعليه لأنّها نفقة ولده. (ولو انهدم المسكنُ) الذي طلقت فيه (أو كان مُستعاراً فرجع مالكه في العارية أو مستأجراً انقضت مدتُه أَخرَجَها إلى مسكن يناسبها) ويجب تَحَرِّي الأقرب إلى المنتقل عنه فالأقرب اقتصاراً على موضع الضرورة. وظاهره كغيره(3) أنّه لايجب تجديد استئجاره ثانياً وإن أمكن، وليس ببعيد وجوبه إمكانه تحصيلاً للواجب بحسب الإمكان، وقد قطع في التحرير بوجوب تحرِّي الأقرب(4) وهو الظاهر، فتحصيل نفسه أولى.

(وكذا لو طلقت في مسكن لايناسبها أخرَجَها إلى مسكن مناسبٍ مُتَحَرِّياً للأقرب فالأقرب كما ذُكِر .

ص: 301


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 396؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 348؛ والقول الآخر لابن زهرة في غنية النزوع،ج 1،ص،385.
2- أجاب عنه الشيخ في المبسوط،ج 4،ص،396.
3- كالعلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،152.
4- تحرير الأحكام الشرعية،ج4 ص،179 و 180، الرقم 5609.

(ولو مات فوَرِثَ المسكنَ جماعةٌ لم يكن لهم قسمتُه) حيث ينافي القسمةُ سكناها؛ لسبْقِ حقها إلا مع انقضاء عدتها. هذا إذا كانت حاملاً وقلنا لها السكني) مع ،موته، كما هو أحد القولين(1) في المسألة، وأشهر الروايتين(2) أنه لانفقة للمتوفى عنها ولاسكنى مطلقاً فيبطل حقها من المسكن. وجمع في المختلف بين الأخبار بوجوب نفقتها من مال الولد لا من مال المتوفّى(3)

(وإلّا تكن حاملاً أو قلنا لاسكنى للحامل المتوفى عنها(جازت القسمة)؛ لعدم المانع منها حينئذ.

(وتعتد زوجة الحاضر من حين السبب الموجب للعدّة من طلاق أو فسخ وإن ) لم تعلم به، وزوجة الغائب في الوفاة من حين بلوغ الخبر) بموته وإن لم يثبت شرعاً،

لكن لايجوز لها التزويج إلا بعد ثبوته (وفي الطلاق من حين الطلاق). والفرق مع النص(4) ثبوت الحداد على المتوفى عنها ولا يتم إلا مع بلوغها الخبر بموته بخلاف الطلاق. فعلى هذا لو لم يبلغها الطلاق إلا بعد مضي مقدار العدّة جاز لها التزويج بعد ثبوته، بخلاف المتوفى عنها. وقيل: تشتركان في الاعتداد من حين بلوغ الخبر(5) وبه روايات(6) والأشهر الأول. ولو لم نُوجِب الحِداد على الأمة فهى كالمطلقة عملاً بالعلة المنصوصة(7)

ص: 302


1- ذهب إليه الشيخ في النهاية،ص 537؛ وذهب إلى القول بالعدم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 738.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،151، ح،522 و 524.
3- مختلف الشیعه، ج7،ص، 475 و 476، المسألة 120.
4- تهذيب الأحكام. ج 8،ص،163،ح،567 و 568.
5- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 479 المسألة 124.
6- راجع تهذيب الأحكام،ج8،ص،164 و 165، باب عدد النساء.
7- تقدم في الهامش2.

كتاب الخُلع والمُباراة

ص: 303

ص: 304

كتاب الخُلع والمُباراة

الخلغُ(1) والمُباراة(2)

وهو طلاقٌ بِعوَضٍ مقصودٍ، لازم لجهة الزوج، ويفترقان بأمورٍ تأتي.

وهو والخُلع بالضمّ اسمٌ لذلك، مأخوذ منه بالفتح استعارةً من خلع الثوب، وهو نزعه؛

لقوله تعالى:(هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ)(3)

(وصيغةُ الخُلع أن يقول) الزوج (خَلَعْتُكِ على كذا أو أنتِ مختلِعةٌ) على كذا أو «خَلَعتُ فلانةً، أو هي مختلعة على كذا» (ثمّ يُتبِعُه بالطلاق) على الفور فيقول بعد ذلك فأنتِ طالق (في القول الأقوى)(4) لرواية موسى بن بكر عن الكاظم(علیه السلام) قال :

«المختلعة يُتبعها بالطلاق ما دامت في عدّتها»(5)

وقيل: يقع بمجرده من غير إتباعه به ذهب إليه المرتضى وابن الجنيد(6) وتَبِعَهما العلامة في المختلف والتحرير(7) والمصنّف في شرح الإرشاد(8) لصحيحة محمدبن

ص: 305


1- هو إزالة قيد النكاح بعوض من الزوجة الكارهة(زين رحمه الله).
2- هي طلاق بعوض مترتب على كراهية الزوجين(زين رحمه الله).
3- البقرة (2): 187.
4- ذهب إليه الشيخ في المبسوط،ج 3،ص،620: وابن البراج في المهذب،ج2،ص،267؛ و ابن إدريس في السرائر،ج 2، ص،726.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،97،ح،329.
6- المسائل الناصريات،ص،351 المسألة 165؛ نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،383 - 384، المسألة، 39.
7- مختلف الشيعة،ج7،ص،384، المسألة 39.تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 86، الرقم 5441.
8- غاية المراد،ج3،ص،189(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

إسماعيل بن بَزِيع أنّه قال للرضا(علیه السلام) في حديث: قد رُوِيَ أنّها لاتَبِين حتَّى يُتبعَ بالطلاق. قال : «ليس ذلك إذا خلع». فقلت : تبين منه؟ قال: «نعم»(1) وغيرها من الأخبار(2) والخبرُ السابق ضعيفُ السند مع إمكان حمله على الأفضلية، ومخالفته لمذهب العامة فيكون أبعد عن التقيّة مع تسليمه لا يكفي في المصير إليه وترك الأخبار الصحيحة(3) وهو على ما وصفناه، فالقول الثاني أصح. ثمّ إن اعتبرنا إتباعه بالطلاق فلا شبهة في عده طلاقاً، وعلى القول الآخر هل يكون فسخاً أو طلاقاً؟ قولان أصحُّهما الثاني(4) لدّلالة الأخبار الكثيرة(5) عليه فيُعدُّ فيها ويفتقر إلى المحلل بعد الثلاث.

وعلى القولين لابدّ من قبول المرأة عقيبه بلافصل مُعتدبه، أو تقدم سؤالها له قبله كذلك.

ولو أتى بالطلاق مع العِوَض فقال «أنتِ طالق على كذا مع سبق سؤالها له أو مع قبولها بعده كذلك (أغنى عن لفظ الخلع) وأفاد فائدته، ولم يفتقر إلى ما يفتقر إليه الخلعُ من كراهتها له خاصّةً؛ لأنه طلاق بعوض لاخلع. (وكلُّ ما صح أن يكون مهراً) من المال المعلوم والمنفعة والتعليم وغيرها(صح أن يكون فِدْيةً)(6) في الخلع، ولاتقدير فيه) أي في المجعول فدية في طرف الزيادة والنقصان بعد أن يكون مُتَمَوَّلاً (فيجوز على أزيد ممّا وَصَل إليها منه من مهر وغيره؛ لأنّ الكراهة منها فلايَتَقَدَّر عليها في جانب الزيادة.

ص: 306


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،98 - 99،ح،332.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 95 - 96،باب الخلع والمبارات.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 95-96، ح،324 - 326.
4- ذهب إليه السيّد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 352، ذيل المسألة 165 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة.ج7،ص،387، المسألة 40: والقول الآخر للشيخ في الخلاف، ج 4، ص 424، المسألة 3.
5- تقدّم في الهامش 2 و 3.
6- من حيث إنه عوض فلايجوز. وقيل: ليس بعوض بل فدية فيصح والأولى المنع(زين رحمه الله). كتاب الخلع والمباراة.

(ويصحّ بذلُ الفدية منها ومن وكيلها الباذل له من مالها (وممّن يَضمَنه) في ذمته (بإذنها ) فيقول للزوج «طَلّق زوجتك على مائةٍ وعَلَيَّ ضَمانها». والفرق بينه وبين الوكيل أنّ الوكيل يبذل من مالها بإذنها وهذا من ماله بإذنها(1)

وقد يُشكل هذا بأنّه ضَمانُ ما لم يجب، لكن قد وقع مثله صحيحاً فيما لو قال راكب البحر لِذِي المتاع ألقِ متاعَك في البحر وعَلَيّ ضَمانُه»، وفي ضمان ما يُحدِثه المشتري من بناء أو غرس على قول(2) وفي أخذ الطبيب البراءةَ قبل الفعل(3) (وفي) صحته من (المتبرع) بالبذل من ماله (قولان، أقربهما المنع)(4) لأن الخلع من عقود المعاوضات فلا يجوز لزومُ العِوَض لغير صاحب المُعَوَّض كالبيع، ولأنه تعالى أضاف الفدية إليها في قوله : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)(5) وبذل الوكيل والضامن بإذنها كبذلها فيبقى المتبرّعُ على أصل المنع، ولأصالة بقاء النكاح إلى أن يثبت المُزيل، ولو قلنا بمفهوم الخطاب فالمنع أوضح، وحينئذٍ فلايملك الزوجُ البَذْلَ ولايقع الطلاق إن لم يُتبع به، فإن أتبع به كان رجعيّاً. ووجه الصحة أنه افتداء وهو جائز من الأجنبي كما تقع الجعالة منه على الفعل لغيره وإن كان طلاقاً. والفرق بين الجعالة والبذل تبرعاً أن المقصود من البذل جعل الواقع خُلعاً ليترتب عليه أحكامه المخصوصة، لامجرّد بذل المال في مقابلة الفعل، بخلاف الجعالة فإنّ غرضه وقوعُ الطلاق بأن يقول: «طلقها وعَلَيَّ ألفٌ ولامانع من صحته حتى لايُشترط في إجابته الفورية والمقارنة لسؤاله، بخلاف الخلع. ولو قلنا بصحته من الأجنبي فهو خلع لفظاً وحكماً، فللأجنبي أن يرجع في البذل

ص: 307


1- لو بذل المهر قبل الدخول جاهلاً بحكم المسألة ضمنت ولم ينفعها الجهلزين رحمه الله).
2- راجع مختلف الشيعة،ج 5،ص،483 - 484، المسألة 149.
3- قال به الشيخ في النهاية،ص،762: راجع غاية المراد،ج4،ص،335 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج4).
4- ذهب إليه الشيخ في المبسوط ،ج 3، ص 648 - 649: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 38؛ ونقل القول بالجواز الشهيد في غاية المراد،ج3، ص،191 - 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
5- البقرة (2) 229.

ما دامت في العدّة فللزوج حينئذٍ أن يرجع في الطلاق، وليس للزوجة هنا رجوع في البذل؛ لأنّها لاتملكه فلا معنى لرجوعها فيه. ويُحتمل عدم جواز الرجوع هنا مطلقاً اقتصاراً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين وهو رجوع الزوجة فيما بَذَلَتْه خاصةً.

وفي معنى التبرع ما لو قال «طَلّقها على ألفٍ من مالها وعَلَيّ ضَمانُها» أو «على عبدها

هذا كذلك» فلايقع الخلع ولايَضمَن؛ لأنّه ضمانُ ما لم يجب وإن جاز «أَلْقِ متاعَك البحر وعَلَيَّ ضمانُه»؛ لِمَسِيس الحاجة بحفظ النفس ثُمَّ دون هذا، أو للاتفاق على ذلك على خلاف الأصل، فيُقتصر عليه. ( ولو تَلِفَ العِوَضُ ) المعيَّنُ المبذولُ (قبل القبض فعليها ضَمانُه مِثلاً) أي بمثله إن كان مثليّاً (أو قيمةً) إن كان قيميّاً. سواءٌ أَتْلَفَتْه باختيارها أم تلف بآفة من الله تعالى أم أتلفه أجنبي، لكن في الثالث يتخيَّر الزوج بين الرجوع عليها وعلى الأجنبي، وترجع هي على الأجنبي لو رَجَع عليها إن أتلفه بغير إذنها ولو عاب فله أرشُه.

(وكذا) تَضمَن مِثلَه أو قيمته (لو ظَهَر استحقاقه) لغيرها، ولايبطل الخلعُ؛ لأصالة الصحة، والمعاوضة هنا ليست حقيقيّةً كما في البيع فلايؤثر بطلانُ العِوَض المعيِّنِ في بطلانه، بل ينجبر بضمانها المثل أو القيمة. ويُشكل مع علمه باستحقاقه حالة الخلع؛ لقدومه على معاوضةٍ فاسدة إن لم يُتبعه بالطلاق، ومُطلقاً من حيث إن العوض لازم لماهيته وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم. والمتجه البطلان مطلقاً إن لم يُتبعه بالطلاق وإلا وقع رجعياً.

(ويصح البذل من الأمة بإذن المولى) فإن أذن في عين من أعيان ماله تَعَيَّنَتْ، فإن زادت عنها شيئاً من ماله وقف على إجازته، فإن رَدَّ بطل فيه، وفي صحةِ الخُلع ويلزمها مثله أو قيمته تُتبع به بعد العتق أو بطلانه الوجهان. وكذا لو بذلت شيئاً من ماله ولم يُجزه، ولو أجاز فكالإذنِ المُبْتَدَاً. وإن أذن في بذلها في الذمة أو من ماله من غير تعيين (فإن عيَّن قدراً) تَعيَّن وكان الحكم مع تَخَطّيه ما سبق، (وإلّا) يُعيّن قدراً (انصَرَف) إطلاق الإذن (إلى) بذل (مهر

ص: 308

المثل) كما ينصرف الإذنُ في البيع إلى ثمن المثل؛ نظراً إلى أنه في معنى المعاوضة وإن

لم تكن حقيقيّةً، ومهر المثل عوضُ البضع فيُحمل الإطلاق عليه.

( ولو لم يَأْذَن لها في البذل مطلقاً صح الخلع في ذمتها دون كسبها وتُبعَتْ به بعد العتق كما لو عامَلَها بإقراض وغيره. ولاإشكال هنا وإنْ عَلم بالحال؛ لأن العوض صحيح متعلّق بذمتها وإن امتنع قبضه حالاً، خصوصاً مع علمه بالحكم؛ لقدومه عليه وثبوتِ العوض في الجملة بخلاف بذل العين حيث لايصح؛ لخلق الخلع عن العوض. ولو بَذَلَتْ مع الإطلاق أزيد من مهر المثل فالزائد كالمبتدأ بغير إذن.

(والمكاتبةُ المشروطةً كالقِنّ فيتعلَّق البذلُ بما في يدها مع الإذن وبذمتها مع عدمه إن كان مطلقاً، وإن كان معيّناً ولم يُجز المولى بطل. وفي صحة الخلع ولزوم المثل أو القيمة تتبع به الوجهان. (وأمّا) المكاتبةُ (المطلقة فلا اعتراض عليها) للمولى مطلقاً. هكذا أطلق

الأصحابُ تبعاً للشيخ (رحمه الله)(1)

وفي الفرق نظر، لما اتفقوا عليه في باب الكتابة من أن المكاتب مطلقاً ممنوع من التصرّف المنافي للاكتساب، ومسوغ فيه من غير فرق بينهما، فالفدية إن كانت غير اکتساب - كما هو الظاهر؛ لأنّ العائد إليها البضعُ وهو غيرُ مال - لم يصح فيهما، وإن اعتبر كونه معاوضةً وأنّه كالمال من وجه وجب الحكم بالصحة فيهما. والأصحاب لم يَنقُلوا في ذلك خلافاً، لكن الشيخ في المبسوط حَكَى في المسألة أقوالاً: الصحة مطلقاً، والمنع مطلقاً، واختار التفصيل وجَعَله الموافق لأصولنا(2) وتبعه الجماعةُ(3) والظاهر أنّ الأقوال التي نقلها للعامة كما هي عادته فإن لم تكن المسألة إجماعيّة فالمتجه عدم الصحة فيهما إلا بإذن المولى.

ص: 309


1- المبسوط،ج3،ص،650.
2- المبسوط،ج3،ص،650.
3- منهم: المحقق في شرائع الإسلام،ج3، ص،40: والقاضي ابن البراج في المهذب،ج 2، ص 272؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،160.

(ولايصحّ الخلع إلا مع كراهتها) له (فلو) طلقها والأخلاق مُلْتَئِمَةٌ و الم تكرَه بَطَل البذل ووقع الطلاقُ رَجعيّاً) من حيث البذل. وقد يكون بائناً من جهة أخرى ككونها غير مدخول بها أو كون الطلقة ثالثة. (ولو) أَكرَهَها على الفدية فَعَل حراماً)؛ للإكراه بغير حق (ولم يملكها بالبذل)؛ لبطلان تصرف المكره إلا ما استثني، وطلاقها رجعي) من هذه الجهة؛ لبطلان الفدية، فلا ينافي كونه بائناً من جهة أُخرى إن اتفقت.

(نعم)، لو أَتَتْ بفاحشة مبينةٍ وهى الزنى، وقيل: ما يُوجب الحد مطلقاً(1) وقيل: كلُّ معصية)(2) (جاز عَضْلُها) وهو منعها بعض حقوقها أو جميعها من غير أن يفارقها التَفتَدِيَ نفسَها)؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضٍ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)(3) والاستثناء من النهى إباحة، ولأنّها إذا زَنَتْ لم يَأمَن أن تلحق به ولداً من غيره، وتُفسِد فراشه فلا تُقيم حدود الله تعالى في حقه فيَدخُل في قول الله تعالى :

فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا أَفْتَدَتْ بِهِ)(4)

وقيل: لايصح ذلك ولايَستبيح المبذول مع العضل؛ لأنه في معنى الإكراه، ولقوله تعالى: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيّئاً)(5)، والمشروط عدم عند عدم شرطه(6) وقيل: إن الآيةَ الأولى منسوخة بآية الحدّ(7) ولم يثبت؛ إذ لامنافاة بينهما، والأصلُ عدمُ النسخ.

ص: 310


1- قال به المحقق في المختصر النافع، ص 314.
2- قال به الشيخ في التبيان،ج3، ص،150؛ والطبرسي في مجمع البيان،ج3،ص،24، ذيل الآية 19 من النساء (4).
3- النساء (4): 19.
4- البقرة (2) 229.
5- النساء (4) 4.
6- انظر المبسوط،ج3،ص،619؛ و الشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج،8،ص،178.
7- حكاه الشيخ في المبسوط،ج3،ص،630: والطبرسي في مجمع البيان،ج3،ص،24،ذيل الآية 19 من النساء (4).

وعلى الأوّل هل يتقيَّد جوازُ العضل ببذل ما وصل إليها منه من مهر وغيره فلا يجوز

الزيادة عليه، أم لا يتقيَّد إلا برضاء؟ اختار المصنِّفُ الأوّلَ؛ حذراً من الضرر العظيم(1) واستناداً إلى قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) الجميلة بنت عبدالله بن أُبَي لمّا كَرِهَتْ زوجها ثابت بن قيس وقال لها: «أَتَرُدِّينَ عليه حديقته؟» قالت: وأَزِيدُه: «لا، حديقته فقط»(2) و وجه الثاني إطلاق الاستثناء، الشامل للزائد، وعَدُّ الأصحاب مثل هذا خلعاً وهو غير مقيد.

وفيه نظر؛ لأنّ المستثنى منه إذهاب بعض ما أعطاها فالمستثنى هو ذلك البعضُ فيبقى المساوي والزائد على أصل المنع، فإن خرج المساوي بدليل آخَرَ بَقِيَ الزائد وإطلاق الخلع عليه محلُّ نظر؛ لأنّها ليست كارهةً أو الكراهة غير مختصة بها الظاهر، وذكرُها في باب الخُلع لايدلّ على كونها منه. (وإذا تمّ الخلع فلارجعة للزوج قبل رجوعها في البذل (وللزوجة الرجوع في البذل ما دامت في العدّة)(3) إن كانت ذات عدّة فلو خَرَجَتْ عدتُها أو لم يكن لها عدة كغير المدخول بها والصغيرة واليائسة فلا رجوع لها مطلقاً. (فإذا رجعت) هي حيث يجوز لها الرجوع صار الطلاق رجعياً يترتب عليه أحكامه من النفقة وتحريم الأُختِ والرابعة، ورجع هو إن شاء ما دامت العدةُ باقيةً، ولم يَمنَع من رجوعه مانع كما لو تزوج بأختِها أو رابعة قبل رجوعها إن جوزناه. نعم، لو طلقها بائناً في العدة جاز له الرجوع حينئذٍ فيها لزوال المانع. ولو كان الطلاق بائناً مع وجود العدّة - كالطلقة الثالثة - ففي جواز رجوعها في العدة وجهان: من إطلاق الإذن فيه المتناول له، ومن أن جواز رجوعها في البذل مشروط

ص: 311


1- نقله عن بعض تحقيقات الشهيد في مسالك الأفهام،ج9،ص،422.
2- صحيح البخاري،ج 5، ص،2021 - 2022،ح،4971 - 4973: السنن الكبرى البيهقي،ج7، ص 512 و 514،ح،14842 و 14848 بتفاوت.
3- قال المصنف: والأجود أنّ الرجوع مشروط بإعلام الزوج(زين رحمه الله).

بإمكان رجوعه في النكاح بالنظر إلى الخلع لابسبب أمر خارجي يمكن زواله كتزويجه بأختها، ولأنه برجوعها يصير الطلاق رجعياً وهذا لايمكن أن يكون رجعياً.

ولايخفى أنّ هذين مصادرة على المطلوب، لكن المشهور المنع.

والوجهان آتيان فيما لو رجعت ولمّا يَعلَم حتى خرجت العدة حيث يمكنه الرجوع لو عَلِم من إطلاق الإذن لها في الرجوع، ولزوم الإضرار به. والأقوى الجواز هنا للإطلاق، ولأن جواز رجوعه مشروط بتقدم رجوعها فلا يكون شرطاً فيه وإلا دار، والإضرار حصل باختياره حيث أقدم على ذلك مع أنّ له طريقاً إلى الرجعة في الأوقات المحتملة إلى آخِرِ جزءٍ من العدّة.

(ولو) تَنَازَعا في القدر) أي قدر الفدية (حَلَفَتْ)؛ لأصالة عدم زيادتها عما تعترف به منها، (وكذا) يُقدَّم قولُها مع اليمين (لو تنازعا في الجنس) مع اتفاقهما على القدر بأن اتفقا على أنّها مائة لكن ادَّعَى أنّها دنانيرُ وادَّعَتْ أنّها دراهم؛ لأصالة عدم استحقاق مايدعيه، ولأنه مُدَّع فعليه البينة فتحلف يميناً جامعة بين نفي ما يدعيه وإثباتِ ماتدعيه فينتفي مدّعاه. وليس له أخذ ما تدعيه لاعترافه بأنّه لايستحقه، وينبغي جواز أخذه مُقاصَّةً لا أصلاً. ويُحتمل تحالفهما؛ لأنّ كلّاً منهما منكر لما يدعيه صاحبه وهي قاعدة التحالف، وحينئذٍ فيَسقُط ما تَدَاعَيَاه بالفسخ أو الإنفساخ ويثبت مهر المثل، إلا أن أصحابنا أعرضوا عن هذا الاحتمال رأساً

ومخالفونا جَزَموا به(1)

(أو الإرادة) مع اتفاقهما عليها بأن اتفقا على ذكر القدر وعدم ذكر الجنس لفظاً وعلى إرادة جنس معيَّن لكن اختلفا في الجنس المراد وإنما كان القول قولها فيها؛ لأنّ الاختلاف في إرادتها ولا يطّلع عليها إلّا مِن قِبَلِها فيُقدَّم قولُها فيها. ويُشكل بأنّ المعتبر إرادتهما معاً للجنس المعين ولا تكفي إرادتها خاصةً، وإرادة كلّ

ص: 312


1- راجع المجموع شرح المهذب،ج17،ص،53؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج8، ص 230. كتاب الخلع والمباراة.

منهما لايطَّلع عليها إلا من قبله. ولو عُلّل بأن الإرادة إذا كانت كافية عن ذكر الجنس المعين كان الاختلاف فيها اختلافاً في الجنس المعين فتقديم قولها من هذه الحيثية لا من جهة تخصيص الإرادة. وقال الشيخ يبطل الخُلع هنا(1) مع موافقته على السابق.

وللقول بالتحالف هنا وجه كالسابق.

ولو كان اختلافهما فى أصل الإرادة مع اتفاقهما على عدم ذكر الجنس فقال أحدهما أردنا جنساً معيناً»، وقال الآخر «إنا لم نرذ بل أطلقنا» رجع النزاع إلى دعوى الصحة والفساد ومقتضى القاعدة تقديم مدّعيها منهما مع يمينه ويُحتمل تقديمُ منكرها والبطلان؛ لأصالة عدمها،وهو ظاهر القواعد(2) وتقديمُ قول المرأة؛ لرجوع النزاع إلى إرادتها كما مر وهو ظاهر التحرير(3) وفيه ما ذكر.

ولو قال «خَلَعْتُكِ على ألف في ذمّتكِ» فقالت بل في ذمّة زيد» حَلَفت على

الأقوى)؛ لأنه مدع وهي منكرة لثبوت شيء في ذمتها فكانت اليمين عليها. وقال ابن البراج عليه اليمين(4) لأنّ الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمتها، فإذا ادعت كونَه في ذمّة غيرها لم تُسمّع؛ لأصالة عدم انتقاله عن ذمّتها. وعلى الأوّل لاعوض عليها ولا على زيد إلّا باعترافه وتبين منه بمقتضى دعواه. ومثله ما لو قالت بل خالَعَك فلانٌ والعوضُ عليه؛ لرجوعه إلى إنكارها الخلع من قبلها، أما لو قالت خالَعْتُك على ألفٍ ضَمِنَها فلانٌ عنّي أو دَفَعْتُها أو أبرأتني» ونحو ذلك، فعليها المال مع عدم البينة.

(والمباراة) وأصلها المفارقة. قال الجوهري: تقول: بارَأْتُ شريكي إذا فارَقْتَه، وبارَأ

ص: 313


1- المبسوط،ج3،ص،627 - 628.
2- قواعد الأحكام،ج3،ص،166.
3- تحرير الأحكام الشريعة،ج4،ص،89 الرقم 5447.
4- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7،ص،393؛ انظر المهذب،ج2،ص،269، وفيه: كان عليه البينة وعليها اليمين.

الرجلُ امرأتَه(1) وهي (كالخلع) في الشرائط و الأحكام (إلّا أنّها تُفارقه في أمور : منها: أنّها (تَتَرَتَبُ) على كراهية كلّ من (الزوجين لصاحبه، فلو كانت الكراهة من أحدهما خاصة أو خاليةً عنهما لم تصح بلفظ المباراة. وحيث كانت الكراهة منهما (فلاتجوز له الزيادة في الفدية (على ما أعطاها من المهر، بخلاف الخلع حيث كانت الكراهة منها فجازت الزيادة ونبَّه ب«الفاء» على كون هذا الحكم مرتباً على الكراهة منهما وإن كان حكماً آخَرَ يحصل به الفرق بينها وبين الخلع. (و) منها: أنّه لابدّ فيها من الإتباع بالطلاق على المشهور بل لانعلم فيه مخالفاً، وادَّعَى جماعةٌ أنه إجماع(2) (ولو قلنا في الخلع لايجب) إتْباعَه بالطلاق. ورُوِيَ أنّها لاتفتقر أيضاً إلى الإتباع " وربما كان به قائل؛ لأنّ الشيخ نسب في كتابي الحديث القول بلزوم إتباعها بالطلاق إلى المحصلين من أصحابنا(3) وهو يدلّ بمفهومه على مخالف منهم غيرِ محصِّلٍ، والمحقق في النافع نسبه إلى الشهرة(4) وكيف كان فالعمل به متعين. وصيغتها «بارَأْتُكِ - بالهمزة - على كذا فأنتِ طالق». ومنها: أنّ صيغتها لاتنحصر في لفظها بل تقع بالكنايات الدالة عليها ك-«فاسَخْتُكِ على كذا» و «أَبَنْتُكِ» و «بَتَتَّكِ»؛ لأنّ البينونة تحصل بالطلاق وهو صريح، بخلاف الخلع على القول المختار فيه، وينبغي على القول بافتقاره إلى الطلاق أن يكون كالمباراة. (ويُشترط في الخلع والمباراة شروط (الطلاق) من كمال الزوج وقصده واختياره وكون المرأة طاهراً طُهراً لم يَقْرَبُها فيه بجماع إن كانت مدخولاً بها، حائلاً غير يائسة، والزوج حاضراً أو في حكمه، وغيرها من الشروط.

ص: 314


1- الصحاح،ج1،ص،36، «برأ».
2- منهم الشيخ في المبسوط،ج 3، ص 658 ؛ وابن إدريس في السرائر،ج2،ص،723؛ وابن زهرة في غنية النزوع،ج1،ص،375؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،168.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 102، ذيل الحديث 346؛ الاستبصار،ج 3، ص،319،ذيل الحدیث 1137.
4- المختصر النافع، ص 318.

كتاب الظهار

ص: 315

ص: 316

كتاب الظِهار

الظهار(1)

وهو و فِعال من الظهر، اختَصَّ به الاشتقاق لأنه محلّ الركوب في المركوب، والمراد به هنا تشبيه المكلَّف من يملك نكاحها بظَهْرِ محرَّمةٍ عليه أبداً بنَسَبٍ أو رضاع، قيل: أو مصاهرة(2)

وهو محرَّم وإنْ تَرتَّبتْ عليه الأحكام؛ لقوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا)(3) لكن قيل: إنّه لاعِقاب فيه لتَعَقُّبِه بالعفو(4) ويُضعَّف بأنه وصف مطلق فلايتعيَّن كونه عن هذا الذنب المعيَّن.

(وصيغته: هي) أو أنتِ أو هذه أو فلانةٌ عَلَيَّ، ونحوه، أو محذوف الصلة (كَظَهْرِ أُمّي أو أُختي أو ابنتي) أو غيرهنّ من المُحَرَّمات (ولو من الرضاع، على الأشهر) في رين وهما: وقوعه بتعليقه بغير الأم من المَحارِمِ النَسَبيّات، ومحرَّماتِ الرضاع مطلقاً. ومستند عموم الحكم في الأوّل - مع أنّ ظاهر الآية وسبب الحكم تعلقه بالأم - صحيحتا زُرارةَ وجَميلٍ عن الباقر(علیه السلام) والصادق(علیه السلام) الدالتان عليه صريحاً(5) ولاشاهدَ

ص: 317


1- الظهار تحريم الزوجة المنكوحة أو الأمة بلفظ «الظهر» منسوباً إلى الأم أو باقي المحرمات على التأبيد نسباً حتى يكفر(زين رحمه الله).
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 405، ذيل المسألة 61.
3- المجادلة (58) 2.
4- قال به الفاضل المقداد في كنز العرفان،ج2،ص،290.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،9،ح،26 و 28.

للمخصص بالأُمِّ النسبية في قوله تعالى:(مَّا هُنَّ أُمَّهَتِهِمْ)(1) لأنّه لاينفي غيرَ الأُمّ. ونحن تُثبت غيرها بالأخبار الصحيحة لا بالآية ولا في صحيحة سيف التمار عن الصادق(علیه السلام) قال: قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أختي أو عمتي أو خالتي، فقال: «إنّما ذكر الله عزّ و جلّ الأُمهات وإنّ هذا الحرام»(2) لأن عدم ذكره لغير هن لايدلّ على الاختصاص، ولا يلزم تأخيرُ البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب؛ لأنّه أجاب بالتحريم ولعلّ السائل استفاد مقصوده منه؛ إذ ليس في السؤال ما يدلّ على موضع حاجته

ومستندُ عمومه في الثاني قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3) وقول الباقر(علیه السلام) في صحيحة زرارة: «هو مِن كلّ ذي مَحرَم أُمّاً أو أختاً أو عمّةً أو خالةً(4) الحديث، و«كلُّ» من ألفاظ العموم يشمل المحرَّمة رضاعاً، و«من» في الخبر تعليلية، مثلها في قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئَتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا)(5) وقوله: «ويُغْضَى مِن مهابته»(6) أو بمعنى الباء، مثلها في قوله تعالى: (يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيّ)(7) والتقدير يحرُم لأجل الرضاع - أو بسببه - ما يحرُم لأجل النسب أو بسببه». والتحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعاً فيثبت بسبب الرضاع كذلك. وحينئذٍ فيندفع ما قيل من «أنّ الظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب، فلا يلزم من كون التشبيه بالنسب سبباً في التحريم كون التشبيه بالرضاع سبباً فيه(8) لما قد عرفت من الملازمة.

ص: 318


1- المجادلة .(58): 2.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،10،ح،30.
3- الفقيه،ج3،ص،475، ذيل الحديث 4668.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،9،ح،26.
5- نوح (71) 25.
6- الإرشاد،ج2،ص،151(ضمن مصنّفات الشيخ المفيد،ج،11).
7- الشورى (32): 45.
8- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،409.

ويمكن أن يُنبّه بالأشهر على ثالث، وهو اختصاص التشبيه بمن ذُكِر، وهو محرمات النسب والرضاع دون غيرهنّ؛ لتخرج المحرّمات مؤبداً بالمصاهرة، فقد قيل بوقوعه بالتشبيه بهنّ؛ للاشتراك في العلة(1) وهي التحريم المؤبد، ولعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم «هو من كلّ ذي محرم»، ولاينافيه قوله بعد ذلك «أُمّاً أو أُختاً أو عمّةً»؛ لأنّ ذكرهنَّ للمثال لا للحصر إذ المحرم النسبي أيضاً غيرُ منحصر فيهنّ، ولم يقل أحد باختصاص الحكم بالثلاثة، لكن المشهور عدم وقوعه متعلقاً بهنّ. (ولا اعتبارَ بغير لفظ الظَهْر من أجزاء البدن كقوله «أنتِ علي كبطن أُمّي، أو يدها، أو رجلها، أو فرجها»؛ لأصالة الإباحة وعدم التحريم بشيء من الأقوال إلا ما أخرجه الدليل، ولدلالة الآية(2) والرواية(3) على الظهر، ولأنّه مشتق منه فلايصدُق بدونه. وقيل: يقع بجميع ذلك(4) استناداً إلى رواية ضعيفة(5) ولو علّقه بما يشمل الظَهر كالبدن والجسم فالوجهان وأولى بالوقوع.

(ولا التشبيه بالأب وإنْ عيَّن ظَهرَه، (أو الأجنبيّة) وإنْ شاركا في التحريم، أو الزوجة) لأنّ تحريمها غيرُ مؤبَّدٍ.

ويُفهم من تخصيصها بالذكر من بين المحرمات بالمصاهرة الميل إلى التحريم بهنّ، وإلا لكان التمثيل بمن حرم منهنّ مؤبداً أولى أو مظاهرتها منه؛ لأصالة عدم التحريم في ذلك كله، وكون التحريم حكماً شرعياً يقف

علی مورده.

(ولايقع إلا مُنَجَّزاً) غير معلَّق على شرط ولاصفة كقدوم زيد وطلوع الشمس،

ص: 319


1- قال به العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص،405، ذيل المسألة 61؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3.ص،409.
2- المجادلة (58) 3.
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،9، ح،26 - 28.
4- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4،ص،169 - 170؛ والخلاف،ج4،ص،530، المسألة 9، وابن البراج في المهذب،ج2، ص 298.
5- تهذيب الأحكام،ج8،ص،10.ح،29.

كما لايقع الطلاق معلقاً إجماعاً، وإنما كان مثله لقول الصادق(علیه السلام): «لايكون الظهارُ إلا على مثل موقع الطلاق(1) ولرواية القاسم بن محمد قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام): إنِّي ظاهَرْتُ من امرأتي، فقال لي: «كيف قلت؟» قال: قلتُ: أنت عليَّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا. فقال: «لاشيء عليك ولا تَعُذ»(2) ومثله روى ابن بكير عن أبي الحسن(علیه السلام)(3)

(وقيل) والقائل الشيخ(4) وجماعةٌ(5) (يصحّ تعليقه على الشرط) وهو ما يجوز وقوعه في الحال وعدمه كدخول الدار،(لا) على (الصفة) وهي ما لايقع في الحال

قطعاً بل في المستقبل كانقضاء الشهر. (وهو قويّ)؛ لصحيحة حريز عن الصادق :قال: «الظهار ظهاران، فأحدهما أن يقول: أنتِ عليّ كظهر أُمّي ثم يسكت، فذلك الذي يُكَفِّر قبل أن يُواقِعَ، فإذا قال: أنتِ عليَّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا، ففعل وجبت عليه الكفّارةُ حين يَحنَث»(6) وقريب منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عنه(علیه السلام)(7) فخرج الشرطُ عن المنع بهما وبقي غيرُه على أصل المنع.

وأما أخبار المنع(8) من التعليق مطلقاً فضعيفة جداً لا تُعارِض الصحيح، مع إمكان حملها على اختلال بعض الشروط غير الصيغة كسَماع الشاهدين، فإنّه لو لم يكن ظاهراً لَوَجب جمعاً بينها لو اعتُبِرَتْ. والأقرب صحة توقيته بمدة كأن يقول «أنتِ عليَّ كظهر أُمّي إلى شهرٍ أو سنةٍ»

ص: 320


1- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،13.ح،44.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،13،ح،42.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 13،ح،43.
4- المبسوط،ج 4، ص 171 - 172: النهاية، ص 525 الخلاف، ج 4، ص 535 - 536، المسألة 20.
5- منهم الشيخ الصدوق في المقنع، ص 323؛ وابن حمزة في الوسيلة،ص،334؛ والعلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 406. المسألة 63.
6- تهذیب الاحکام،ج8،ص،12،ح، 39.
7- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،12،ح،40.
8- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،13،ح،42 - 44.

مثلاً؛ لعموم الآيات(1) والروايات(2) ولأنّ الظهار كاليمين القابلة للاقتران بالمدّة، وللأصل، ولحديث سَلَمَةَ بنِ صَخْر أنّه ظاهر من امرأته إلى سَلْخ رمضانَ وأقرَّه النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) علیه،

وأمره بالتكفير للمواقعة قبله(3) وإقراره(صلی الله علیه وآله وسلم) حجّة كفعله وقوله. وقيل: لايقع مطلقاً(4) لأنه تعالى علَّق حِلَّ الوطء في كلّ المُظاهِرِين بالتكفير ولو وقع مؤقتاً أفضى إلى الحِلّ بغيره واللازم كالملزوم في البطلان وربما فُرق بين المدّةِ الزائدة على ثلاثة أشهر وغيرها؛ لعدم المطالبة بالوطء قبلها وهي من لوازم وقوعه(5) وهو غير كافٍ في تخصيص العموم.

(ولابدّ من حضورِ عدلين يَسمَعان الصيغة كالطلاق فلو ظاهَرَ ولم يَسمَعه الشاهدان وقع لاغياً، وكونها طاهراً من الحيض والنفاس مع حضور الزوج أو حكمه، وعدمِ الحَبَل كالطلاق، وكان عليه أن يُنبه عليه، ولعلّه أهمله لظهور أنّ هذه شرائط الطلاق، وأن لايكون قد قَرَبَها في ذلك الطهر) مع حضوره أيضاً كما سبق فلو غاب وظنَّ انتقالها منه إلى غيره وقع مطلقاً.

(وأن يكون المُظاهِر كاملاً بالبلوغ والعقل قاصداً)، فلا يقع ظهارُ الصبي والمجنون وفاقدِ القصد بالإكراه والشكر والإغماء، والغضب إن اتَّفق. (ويصح من الكافر) على أصح القولين (6)للأصل، والعموم، وعدم المانع إذ ليس عبادةً يمتنع وقوعها منه ومنعه الشيخ؛ لأنه لا يُقرّ بالشرع والظهار حكم شرعي، ولأنه

ص: 321


1- المجادلة (58) 2-3.
2- تقدّم في ص 320، الهامش 6 و 7.
3- السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 640،ح،15277؛ سنن ابن ماجة،ج،1،ص 665،ح،2062.
4- قال به الشيخ في المبسوط ،ج4،ص،179؛ والقاضي في المهذب،ج2،ص،301؛ وابن إدريس في السرائر،ج2،ص،709.
5- احتمله العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 433، المسألة 86.
6- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 708؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 170: والقول بعدم الصحة للشيخ في المبسوط،ج4،ص،166؛ والخلاف،ج 4 ص 525 المسألة 2.

لاتصحّ منه الكفّارة لاشتراط نية القربة فيها فيمتنع منه الفئة وهي من لوازم وقوعه. ويُضعف بأنّه من قبيل الأسباب وهي لاتتوقَّف على اعتقادها، والتمكنُ من التكفير متحقق بتقديمه الإسلام لأنّه قادر عليه، ولو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا، وإنما تقع منه باطلةً لفَقْدِ شرط مقدورٍ.

(والأقربُ صحّتُه بمِلك اليمين) ولو مدبَّرةً أو أُمَّ ولد؛ لدخولها في عموم (وَ الَّذِينَ يُظهِرُونَ مِن نِّسَآبِهِمْ)(1) كدخولها في قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُ نِسَآبِكُمْ)(2) فحُرِّمَت أُمُّ الموطوءة بالملك، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیمها السلام) قال: وسألته عن الظِهار على الحرّة والأمة. فقال: «نعم»(3) وهي تشمل الموطوءة بالملكِ والزوجيّةِ. وذهب جماعة(4) إلى عدم وقوعه على ما لايقع عليه الطلاق؛ لأنّ المفهومَ من النساء الزوجة، ولورود السبب فيها ، ورواية حمزة بن حُمران عن الصادق(علیه السلام) فيمن يُظاهر من أمته قال: «يأتيها وليس عليه شيء»(5) ولأنّ الظهار كان في الجاهلية طلاقاً وهو لايقع بها، وللأصل.

ويُضعَّف بمنع الحمل على الزوجة وقد سلف، والسببُ لا يُخَصِّص وقد حُقِّق في الأصول(6) والروايةُ ضعيفةُ السند، وفعلُ الجاهلية لا حجّة فيه وقد نُقِل إنّهم كانوا يُظاهرون من الأمة أيضاً(7) والأصل قد اندَفَع بالدليل.

وهل يُشترَط كونُها مدخولاً بها؟ قيل: لا(8) للأصل والعموم. (والمرويُّ) صحيحاً

ص: 322


1- المجادلة (58) 3.
2- النساء .(4): 23.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،17،ح،53.
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 524: والقاضي في المهذب،ج2،ص،298؛ والحلبي في الكافي في الفقه. ص 304.
5- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،24،ح،78.
6- الذريعة إلى أصول الشريعة،ج1،ص،307؛ العدة في أصول الفقه،ج1،ص،368 - 369.
7- انظر غاية المراد،ج،3،ص،205(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،3).
8- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 524؛ وسلار في المراسم، ص 160.

(اشتراط ُالدخول)، فروى محمدبن مسلم في الصحيح عن أحدهما(علیماالسلام) قال: «لايكون ظهارٌ ولا إيلاءٌ حتّى يَدخُلَ بها»(1) وفي صحيحة الفُضَيل بن يسار أن الصادق(علیه السلام) قال: لايكون ظهار ولا إيلاء حتّى يَدخُل بها»(2) وهذا هو الأصحّ، وهو مخصص للعموم بناءً على أن خبر الواحد حجّةٌ ويُخصص عموم الكتاب. ويكفي الدبر)؛ لصدق الوطء به كالقُبُل.

(ويقع الظهار بالرَتْقاء والقَرْناء والمريضة التي لا تُوطَأ). كذا ذكره المصنف(رحمه الله) والجماعة(3) وهو يَتِمّ على عدم اشتراط الدخول، أمّا عليه فلا؛ لإطلاق النص باشتراطه من غير فرق بين من يُمكن ذلك في حقه بالنظر إليه وإليها وغيره، ولكن ذكر ذلك مَن اشتَرَط الدخولَ(4) كالمصنّف(5) ومَن توقَّف كالعلّامة(6) والمحقق(7) ويمكن أن يكون قول المصنّف هنا من هذا القبيل. وكيف كان فبناءُ الحكم على اشتراط الدخول غيرُ واضح، والقولُ بأنّه إنما يُشترَط حيث يمكن تحكم، ومثله حكمُهم(8) بوقوعه من الخَصِيّ والمجبوبِ حيث يمتنع الوطء منهما.

و تجب الكفارة بالعود، وهي)، أنتَ الضمير لتوسطه بين مذكر ومؤنث أحدهما مفسِّر للآخر، قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ، أي المراد من العود إرادة الوطء)، لا بمعنى وجوبِها

ص: 323


1- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،21،ح، 65 .
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21، ح 66.
3- منهم: المحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 48؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص،171.
4- قد جعل المصنف في شرح الإرشاد اشتراط الدخول أصح وهذا هو التصريح بالاشتراط أما نسبته إلى المروي فلايخلو من شائبة التوقف(منه رحمه الله).
5- غاية المراد،ج 3، ص،204(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
6- إرشاد الأذهان،ج 2، ص 55.
7- شرائع الإسلام،ج 3، ص 48.
8- كالمحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 47؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 100، الرقم 5461: فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 405.

مُستقرّاً بإرادته، بل(بمعنى تحريم وطئها حتّى يُكفّر) فلو عَزَم ولم يَفعَل ولم يُكفِّر ثمّ بدا له في ذلك فطلّقها سَقَطَتْ عنه الكفّارةُ.

ورجّح في التحرير(1) استقرارها به محتجاً بدَلالة الآية - وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(2) عليه. وفي الدلالة عليه نظر، وإنّما ظاهرها وجوبُها بالعود قبل أن يَتَماسًا لا مطلقاً. وإنّما يحرم الوطء عليه به لاعليها إلا أن تكون معاونةً له على الإثم فيُحَرَّم لذلك لا للظهار، فلو تَشَبَّهت عليه على وجه لايحرُم عليه أو استَدْخَلَتْه وهو نائم لم يحرم عليها؛ لثبوت الحلّ لها قبله والأصل بقاؤُه.

ويُفهَم من قوله «بمعنى تحريم وطئها حتى يُكفّر» أنّ غير الوطء من ضروب الاستمتاع لايحرم عليه، وهو أحد القولين في المسألة(3) لظاهر قوله تعالى: (مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسًا)(4) إذ الظاهر منها الوطء كما في قوله تعالى:(مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)(5) وَإِنْ كان بحسب اللغة أعم منه حذراً من الاشتراك ولايَرِدُ استلزامه النقل والاشتراك خير منه؛ لأنا نجعله متواطئاً على معنى يشترك فيه كثير، وهو تلاقي الأبدان مطلقاً، وإطلاقه على الوطء استعمال اللفظ في بعض أفراده، وهو أولى منهما ومن المجاز أيضاً. ومنه يظهر جوابُ ما احتج به الشيخ على تحريم الجميع استناداً إلى إطلاق المسيس(6) وأمّا الاستناد إلى تنزيلها منزلة المحرمة مؤيَّداً(7) فهو مصادَرةُ.

ص: 324


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص،107، الرقم 5472.
2- المجادلة (58) 3.
3- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر،ج2، ص 711 والقول بتحريم الجميع للشيخ في المبسوط،ج 4، ص 177؛ والخلاف،ج 4، ص 539، المسألة 22.
4- المجادلة (58): 3.
5- البقرة (2) 237: الأحزاب (33): 49.
6- الخلاف،ج4،ص،539، المسألة 22.
7- استند إليه فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 415.

هذا كلُّه إذا كان الظهارُ مطلقاً، أما لو كان مشروطاً لم يحرُم حتى يقع الشرطُ سواء كان الشرط الوطء أم غيره. ثمّ إن كان هو الوطء تَحَقَّق بالنزع فتحرُم المعاودة قبلها، ولاتجب قبله وإن طالت مدته، على أصح القولين(1) حملاً على المتعارف.

ولو وطئ قبل التكفير) عامداً حيث يتحقق التحريم (فكفارتان) إحداها للوطء

وَطِئَ والأخرى للظهار، وهي الواجبة بالعزم. ولا شيء على الناسي. وفي الجاهل وجهان: من أنّه عامد، وعذره في كثير من نظائره.

(ولو كرَّر) الوطء قبل التكفير عن الظهار وإن كان قد كفّر عن الأوّل (تكرّرت الواحدة وهي التي وَجَبت للوطء دون كفّارة الظهار، فيجب عليه ثلاث للوطء الثاني وأربع للثالث وهكذا. ويتحقق تكراره بالعود بعد النزع التام. (وكفّارة الظهار بحالها) لا تَتَكرَّر بتَكَرُّر الوطء. (ولو طلقها) طلاقاً (بائناً أو رجعيّاً وانقضت العدّة حلت له من غير تكفير)؛ لرواية بُريد العِجْلي(2) وغيره(3) ولصيرورته بذلك كالأجنبي، واستباحته الوطء ليس بالعقد الذي لَحِقَه التحريمُ. ورُوِيَ أنّ ذلك لا يُسقِطها(4) وحُمِلت على الاستحباب(5) ولو راجع في الرجعية عاد التحريم قطعاً.

(وكذا لو ظاهَرَ مِن أمة) هى زوجته (ثمّ اشتراها من مولاها؛ لاستباحتِها حينئذٍ بالملك، وبطلان حكم العقد كما بَطَل حكمُ السابق في السابق.

وكذا يسقط حكم الظهار لو اشتراها غيرُه وفَسَخ العقد ثم تزوجها المُظاهِرُ بعقدٍ جديد.

ص: 325


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،49؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،173. وللقول الآخر راجع النهاية،ص،525 .ولتوضيح المطلب راجع كشف اللثام، ج 8، ص 252.
2- الفقيه،ج3،ص،529،ح،4834.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17،ح،53.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17، ح 52.
5- حمله على الاستحباب الفاضل المقداد في التنقيح الرائع،ج3،ص،376 .

(ويجب تقديم الكفّارة على المسيس)؛ لقوله تعالى: (مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسًا)(1) (ولو ماطل) بالعود أو التكفير (رافَعَتْه إلى الحاكم فيُنظِرُه ثلاثةَ أشهر) من حين المرافعة (حتى يُكفِّرَ ويَفِيءَ) أي يَرجِعَ عن الظهار مقدماً للرجعة على الكفارة كما مرّ، أو يُطَلِّقَ ويُجبره على ذلك بعدها) أي بعد المدّة (لو امتنع)، فإن لم يختر أحدهما ضَيَّق عليه في المَطعَم والمَشرَب حتى يختار أحدهما، ولايُجبِره على أحدهما عيناً،

ولايُطلق عنه، كما لايَعترِضه لو صَبَرَتْ.

1

ص: 326


1- المجادلة (58) 3.

كتاب الإيلاء

ص: 327

ص: 328

كتاب الإيلاء

(و) هو مصدرُ «آلى يُؤلي» إذا حَلَف مطلقاً، وشرعاً هو الحلف على ترك وطء الزوجةِ الدائمة) المدخول بها قبلاً أو مطلقاً، أبداً أو مطلقاً) من غير تقييد بزمان (أو زيادةً على أربعة أشهر للإضرار بها فهو جزئي من جزئيات الإيلاء الكلّي أُطلِق عليه.

والحلف فيه كالجنس يشمل الإيلاء الشرعي وغيره، والمراد الحلف بالله تعالى كما سيأتي، وتقييده بترك وطء الزوجة يُخرج اليمين على غيره فإنّه لا يلحقه أحكامُ الإيلاء الخاصة به بل حكم مطلق اليمين. وإطلاق الزوجة يشمل الحرّةَ والأمةَ، المسلمة والكافرة، وخرج بها الحلفُ على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك. وبتقييدها بالدائمة المتمتَّع بها، فإنّ الحلف على وطئهما(1) لايُعَدّ إيلاءً بل يميناً مطلقاً فيُتَّبع الأولى في الدين أو الدنيا فإن تَساوَيا انعقد يميناً يلزمه حكمه، وكذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدّةً لاتزيد عن أربعة أشهر.

وزِدْنا في التعريف قيد «المدخول بها لما هو المشهور بين الأصحاب من اشتراطه من غير نقل خلاف فيه، وقد اعترف المصنّف في بعض تحقيقاته بعدم وقوفه على خلاف فيه، والأخبار الصحيحة مصرحة باشتراطه فيه وفي الظهار(2) وقد تقدّم

ص: 329


1- في «ق، ن»:«وطنها».
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،21،ح، 65 - 66.

بعضُها(1) وقيد «القُبُلَ أو مطلقاً» احترازاً عمّا لو حَلَف على ترك وطئها دبراً فإنه لاينعقد إيلاءُ كما لاتحصل الفئةُ به.

واعلم أنّ كلَّ موضع لاينعقد إيلاءٌ مع اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً، والفرقُ بين اليمين والإيلاء - مع اشتراكهما في أصل الحلف والكفّارةِ الخاصة - جواز مخالفة اليمين في الإيلاء، بل وجوبُها على وجه مع الكفّارة دون اليمين المطلقة؛ وعدمُ اشتراط انعقاده - تعلقه بالمباح - بأولويته ديناً أو دنياً أو تساوي طرفيه بخلاف اليمين؛ واشتراطه بالإضرار بالزوجة كما عُلم من تعريفه، فلو حَلَف على ترك وطئها لمصلحتها كإصلاح لبنها أو كونها مريضةً كان يميناً لا إيلاء، واشتراطه بدوام عقد الزوجة دون مطلق اليمين؛ وانحلال ،اليمين، على ترك وطئها بالوطء دُبُراً مع الكفارة دون الإيلاء، إلى غير ذلك من الأحكام المختصة بالإيلاء المذكورة في بابه.

(ولاينعقد) الإيلاءُ كمطلق اليمين (إلّا) باسم الله تعالى) المختَصّ به أو الغالب، كما سبق(2) تحقيقه في اليمين، لابغيره من الأسماء وإن كانت مُعَظَّمةً؛ لأنه حلفٌ خاص وقد قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «مَن كان حالفاً فَلْيَحلف بالله أو فَلْيَصْمُت»(3) ولاتكفي نيته بل يُعتبر كونه (متلفّظاً به) ، ولايختص بلغة بل ينعقد بالعربية وغيرها) لصدقه عرفاً بأيّ لسان اتَّفَق.

(ولابدّ) في المحلوف عليه وهو الجماع في القُبُل (من) اللفظ (الصريح) الدالّ عليه (كإدخال الفرج في الفرج) أو تغييب الحشفة فيه (أو اللفظة المختصة بذلك) لغةً وعرفاً وهي مشهورة (ولو) تلفظ بالجماع والوطء وأراد الإيلاء صح وإلا فلا لاحتمالهما إرادة غيره فإنّهما وُضِعا لغةً لغيره، وإنّما كُنّي بهما عنه عُدولاً عمّا يُسْتَهجَن إلى بعض لوازمه ثمّ اشتهر فيه عرفاً فوقع به مع قصده.

ص: 330


1- تقدم في ص 323.
2- سبق في ج 2، ص 31 وما بعدها، كتاب النذر وتوابعه.
3- السنن الكبرى البيهقي،ج 10، ص،50،ح،19824؛ سنن أبي داود،ج3،ص،222،ح،3249.

والتحقيق أنّ القصدَ معتبر في جميع الألفاظ وإن كانت صريحةً فلاوجه لتخصيص اللفظين به واشتراكهما أو إطلاقُهما لغةً على غيره لايضر مع إطباق العرف على انصرافهما إليه، وقد روى أبو بصير في الصحيح عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن الإيلاء ما هو فقال: «هو أن يقول الرجل لامرأته والله لا أجامِعُكِ كذا وكذا»(1) الحديث ولم يُقيده بالقصد فإنه معتبر مطلقاً، بل أجاب به في جواب «ما هو المحمول على نفس الماهية، فيكون حقيقة الإيلاء، ودخول غيره من الألفاظ الصريحة حينئذٍ بطريقٍ أولى، فلاينافيه خروجها عن الماهيّة المُجاب بها. نعم، يُستفاد منه أنه لايقع بمثل المباضعة والملامسة والمباشرة التي يُعبَّر بها عنه كثيراً وإنْ قَصَدَه؛ لاشتهار اشتراكها خلافاً لجماعة حيث حكموا بوقوعه بها(2) نعم، لو تَحقَّق في العرف انصرافها أو بعضها إليه وقع به.

ويمكن أن تكون فائدةُ تقييده بالإرادة أنّه لايقع عليه ظاهراً بمجرد سماعه مُوقِعاً للصيغة بهما، بل يُرجع إليه في قصده، فإن اعترف بإرادته حكم عليه به، وإن ادَّعَى عدمه قُبِل، بخلاف ما لو سُمِع منه الصيغة الصريحةُ، فإنّه لايُقبل منه دعوى عدم القصد؛ عملاً بالظاهر من حال العاقل المختار، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فترجع إلى نيته. ولو كنى بقوله «لاجَمَع رأسي ورأسَكِ مِخَدَّةٌ» أو «لاساقَفْتُكِ») بمعنى جَمَعَني وإياكِ سقف وقصد الإيلاء) أي الحلف على ترك وطئها (حكم الشيخ) والعلّامة في المختلف (بالوقوع)(3)؛ لأنّه لفظ استعمل عرفاً فيما نواه فيُحمل عليه كغيره من الألفاظ، ولدلالة ظاهر الأخبار عليه حيث دلّت على وقوعه بقوله «لأُغِيظَنَّكِ»(4) فهذه أولى، وفي حسنة بُريد عن الصادق[علیه السلام) أنه قال: «إذا الى أن لايَقرَب امرأته ولايَمَسَّها

ص: 331


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 3،ح 4.
2- منهم الشيخ في المبسوط،ج 4، ص 133 وابن إدريس في السرائر،ج 2، ص 722؛ والعلامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 175 - 176.
3- المبسوط،ج 5، ص 116؛ مختلف الشيعة،ج 7، ص437،المسألة 88.
4- تهذيب الأحكام،ج8، ص،2 - 3،ح،2.

ولايَجمَعَ رأسه ورأسَها فهو في سعةٍ ما لم تمض أربعةُ أشهُرُ»(1) والأشهَر عدم الوقوع؛ لأصالة الحِلّ، واحتمال الألفاظ لغيره احتمالاً ظاهراً، فلايزول الحِلُّ المتحقق بالمحتمل، والروايات(2) ليست صريحةً فيه، ويمكن كون الواو في الأخيرة للجمع فيتعلَّق الإيلاء بالجميع ولا يلزم تعلقه بكلّ واحد.

واعلم أن اليمين في جميع هذه المواضع تقع على وفق ما قصده من مدلولاتها؛ لأنّ اليمين تتعيَّن بالنية حيث تقع الألفاظ محتملةً، فإن قصد بقوله: «لاجَمَع رأسي ورأسَكِ مِخَدّةٌ» نومهَما مجتمعَين عليها انعقدت كذلك، حيث لا أولويّة في خلافها، وإن قصد الجماع انعقد [ت] كذلك، وكذا غيره من الألفاظ حيث لايقع الإيلاءُ به.

(ولابدّ من تجريده عن الشرط والصفة على أشهر القولين(3) لأصالة عدم الوقوع في غير المتَّفق عليه وهو المجرّد عنهما. وقال الشيخ في المبسوط والعلّامة في المختلف: يقع معلّقاً عليهما(4) لعموم القرآن(5) السالم عن المعارض والسلامة عزيزة. (ولايقع لو جعله يميناً) كأن يقول إن فَعَلتِ كذا فوالله لاجامعْتُكِ» قاصداً تحقيق الفعل على تقدير المخالفة زجراً لها عمّا علقه عليه، وبهذا يمتاز عن الشرط مع اشتراكهما في مطلق التعليق فإنّه لايريد من الشرط إلّا مجرّد التعليق لا الالتزام في المعلَّق عليه. ويَتميّزان أيضاً بأنّ الشرط أعم من فعلهما واليمين لاتكون متعلّقةً إلّا بفعلِها أو فعلِه(6) وعدمُ وقوعه يميناً بعد اعتبار تجريده عن الشرط واختصاص الحلف بالله تعالى واضحٌ.

ص: 332


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص3،ح،3.
2- تقدم آنفاً.
3- ذهب إليه الشيخ في الخلاف،ج 4، ص 517 المسألة 12؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 335.
4- المبسوط،ج 4 ص 134؛ مختلف الشيعة،ج 7، ص 437، المسألة 89.
5- البقرة (2): 226.
6- المراد بجعله يميناً جعله جزاءً على فعل أو ترك قصد الزجر عنه والبعث على فعل سواء تعلق به أو بها كقوله: إن كلمت فلاناً أو تركت الصلاة فوالله لا جامعتك وإنما لم يقع للنهي عن اليمين بغير الله تعالى، وهو مشارك للشرط في الصورة مفارق له في المعنى؛ لأنّ المراد من الشرط مجرّد التعليق وفي اليمين ما ذكرناه من الزجر أو البعث(منه رحمه الله).

(أو حلف بالطَلاق أو العَتاق) بأن قال «إن وَطِنْتُكِ ففلانةٌ - إحدى زوجاته -

طالقٌ، أو عبدُه حرُّ» لأنّه يمين بغير الله تعالى.

ويُشترط في المُؤلي الكمالُ بالبلوغ والعقل والاختيار والقصد) إلى مدلول لفظه فلا يقع من الصبي والمجنون والمكره والساهي والعابتِ به ونحوهم ممن لايقصد الإيلاء.

(ويجوز من العبد بدون إذن مولاه اتفاقاً حرّةً كانت زوجته أم أمةً؛ إذ لاحق لسيده في وطئه لها بل له الامتناع منه وإنْ أمره به (و) من الكافر (الذمي)؛ لإمكان وقوعه منه حيث يُقرّ بالله تعالى ولايُنافيه وجوبُ الكفّارةِ المتعذِّرة منه حال كفره لإمكانها في الجملة كما تقدَّم في الظهار(1)

وكان ينبغي أن يكون فيه خلافٌ مثله؛ للاشتراك في العلة لكن لم ينقل هنا.

ولاوجه للتقييد بالذمّي بل الضابط الكافرُ المُقرّ بالله تعالى ليمكن حلفه به.

(وإذا تم الإيلاء) بشرائطه (فللزوجة المرافعةُ) إلى الحاكم (مع امتناعه عن الوطء فيُنْظِرُه الحاكم أربعة أشهرٍ ثمّ يُجبره بعدها على الفِيَّة) وهي وطؤُها قبلاً ولو بمسماه بأن تَغِيبَ الحشفة - وإن لم يُنزِل - مع القدرة، أو إظهار العزم عليه أوّل أوقات الإمكان مع العجز أو الطلاق)، فإن فعل أحدهما وإن كان الطلاق رجعياً خرج من حقها، وإن امتنع منهما ضَيَّقَ عليه في المَطعَم والمَشرَب ولو بالحبس حتى يَفعَلَ أحدهما، ورُوِيَ أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) كان يحبسه في حَظِيرةٍ من قَصَب ويُعطِيهِ رُبْعَ قُوتِه حَتَّى يُطَلِّق(2) ولا يجبره) الحاكمُ ( على أحدهما عيناً) ولايُطلق عنه عندنا بل يُخَيَّرُه بينهما. (ولو آلى مدَّةً معيّنةً) تَزيد عن الأربعة (ودافَعَ) فلم يفعل أحد الأمرين(حتى انْقَضَت) المدّة (سقط حكمُ الإيلاء)؛ لانحلال اليمين بانقضاء مدته، ولم تلزمه الكفّارةُ مع الوطء وإنْ أَثِمَ بالمدافعة.

ص: 333


1- تقدم في ص 321 وما بعدها.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 6،ح،13.

(ولو اختلفا في انقضاء المدّةِ) المضروبة (قُدِّم قولُ مدَّعِي البقاء مع يمينه لأصالة عدم الانقضاء، (ولو اختلفا في زمان إيقاع الإيلاء حَلَفَ مَن يَدَّعِي تأخُرَه) عدم التقدّم. والمدّعي للانقضاء في الأوّل هو الزوجة لتطالبه بأحد الأمرين ولا يتوجه كونها منه، أما الثاني فيمكن وقوعها من كلّ منهما فتَدَّعي هي تأخُرَ زمانه إذا كان مقدَّراً بمدة لم تَمْضِ قبل المدة المضروبة فتُرافِعُه ليُلزم بأحدهما، ويَدَّعي تقدُّمه على وجه تنقضي مدته قبل المدة المضروبة ليَسلَّمَ من الإلزام بأحدهما، وقد يَدَّعي تأخُرَه على وجه لاتَتِمّ الأربعةُ المضروبة لئلا يلزم إذا جعلنا مبدأها من حين الإيلاء وتَدَّعي هي تقدمه لتيم.

(ويصح الإيلاء من الخصى والمجبوب) إذا بقِىَ منه قدر يمكن معه الوطئ (و إجماعاً. ولو لم يَبْقَ ذلك فكذلك عند المصنّف وجماعةٍ(1) لعموم الآيات(2) وإطلاق الروايات(3) والأقوى عدم الوقوع؛ لأنّ متعلق اليمين ممتنع كما لو حَلَفَ أَلَّا يَصعَد إلى السماء، ولأنّ شرطه الإضرار بها وهو غير متصور هنا (وفِئَتُه) على تقدير وقوعه منه العزم على الوطء مُظهراً له أي للعزم عليه (معتذراً من عجزه، وكذا) فِئَةُ الصحيح (لو انقضت المدة وله مانع من الوطء) عقلى كالمرض، أو شرعي كالحيض، أو عادي كالتعب والجوع والشَبَع. ( ومتى وَطِئ) المولي الزِمَتُه الكفّارةُ، سواء كان فى مدّةِ التربّص أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة (أو بعدها) لتحقُّقِ الحِنْت في الجميع. وهو في غير الأخير موضع وفاق، ونفاها فيه الشيخ في المبسوط(4) الأصالة البراءة وأمره به المنافي للتحريم الموجب للكفّارة. والأصح أنه كغيره؛ لما ذكر،

ولقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ كَفَّرَةٌ أَيْمَنِكُمْ إِذَا

ص: 334


1- منهم الشيخ في المبسوط،ج 4،ص 162؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3، ص 63: والعلامة في قواعدالأحكام،ج 3، ص 175.
2- البقرة (2): 226.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،2 - 4، باب حكم الإيلاء.
4- المبسوط،ج 4، ص 153.

حَلَفْتُمْ)(1) ولم يفصل، ولقول الصادق(علیه السلام) فيمن آلى من امرأته فمضت أربعةُ أشهُرٍ «يُوقف فإن عزم الطلاق بانت منه.... وإلا كفَّر يمينه وأمسكها»(2)

(ومدة الإيلاء من حين الترافُع) في المشهور كالظهار؛ لأنّ ضَرْبَ المدّة إلى الحاكم فلايُحكم بها قبلها، ولأنّه حقها فيتوقف على مطالبتها، ولأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبس وغيره قبل تحقق السبب.

وقيل: من حين الإيلاء(3) عملاً بظاهر الآية حيث رتّب التربُّص عليه من غير تعرُّضِ للمرافعة، وكذا الأخبار، وقدتقدَّم في الخبر السابق(4) ما يدلّ عليه، وفي حسنة بريد عن الصادق(علیه السلام)قال: «لايكون إيلاء ما لم يَمْضِ أربعةُ أشهر ، فإذا مضت وُقِف فإما أن يَفِيَّ وإما أن يعزم على الطلاق»(5) فعلى هذا لو لم تُرافِعه حتى انقضت المدّة أمره بأحد الأمرين مُنَجَّزاً.

ويزول حكمُ الإيلاء بالطلاق البائن لخروجها عن حكم الزوجيّة. والظاهرُ أنّ هذا الحكم ثابت وإن عقد عليها ثانياً في العدّة؛ لأنّ العقدَ لم يَرفَع حكمَ الطلاق بل أحدث نكاحاً جديداً كما لو وقع بعد العدة، بخلاف الرجعة في الرجعي. ولو كان الطلاق رجعيّاً خرج من حقها لكن لايزول حكم الإيلاء إلّا بانقضاء العدّة، فلو راجَعَ فيها بَقِيَ التحريم.

وهل يُلزَم حينئذٍ بأحد الأمرين بناءً على المدّة السابقة أم يُضرب له مدّة ثانيةٌ ثمّ يُوقف بعد انقضائها؟ وجهان: من بطلان حكم الطلاق وعودِ النكاح الأوّل بعينه، ومن ثَمَّ جاز طلاقها قبل الدخول وكان الطلاق رجعيّاً بناءً على عود النكاح الأول وأنها في

ص: 335


1- المائدة (5): 151.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 8،ح،21.
3- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،423؛ وحكاه عن القديمين العلّامة في مختلف الشيعة،ج7، ص 438. المسألة 90.
4- تقدّم آنفاً.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص3،ح،3.

حكم الزوجة؛ ومن سقوط الحكم عنه بالطلاق فيفتقر إلى حكم جديد استصحاباً لما قد ثبت، وبهذا جزم في التحرير(1). ثمّ إن طلق وفى وإن راجَعَ ضُربت له مدّةٌ أُخرى وهكذا. (و) كذا يُزِيل حكمَ الإيلاء شراء الأمة ثمّ عتقها ) وتزويجها بعده؛ لبطلان العقد الأوّل بشرائها وتزويجها بعد العتق حكم جديد كتزويجها بعد الطلاق البائن بل أبعد. ولا فرق بين تزويجها بعد العتق وتزويجها به جاعلاً له مهراً؛ لاتحاد العلّة. وهل يزول بمجرد شرائها من غير عتق ؟ الظاهر ذلك لبطلان العقد بالشراء واستباحتها حينئذٍ

بالملك، وهو حكم جديدٌ غيرُ الأوّل، لكن الأصحاب فرضوا المسألة كما هنا. نعم لو انعكس الفرضُ بأن كان المُؤلي عبداً فاشترته الزوجة توقف حِلُّها له على عتقه وتزويجه ثانياً. والظاهر بطلان الإيلاء هنا أيضاً بالشراء وإن توقف حِلُّها على الأمرين، كما بطل بالطلاق البائن وإنْ لم يَتَزَوَّجها. وتظهر الفائدة فيما لو وَطِئَها بعد ذلك بشبهة أو حراماً فإنّه لا كفارة إن أبطلناه بمجرد المِلكِ والطلاق.

(ولا تَتَكَرَّر الكفّارة بتكرراليمين) سواءٌ (قَصَد التأكيدَ) وهو تقويةُ الحكم السابق (أو التأسيسَ)(2) وهو إحداث حكم آخَرَ، أو أطلق (إلا مع تغاير الزمان) أي زمانَ الإيلاء، وهو الوقت المحلوفُ على ترك الوطء فيه، لا زمان الصيغة بأن يقول والله لاوَطِئَتُكِ ستة أشهر فإذا انقضت فوالله لاوَطِئَتُكِ سنة» فيتعدّد الإيلاء إن قلنا بوقوعه معلَّقاً على الصفة، وحينئذٍ فلها المرافعة لكلّ منهما، فلو ماطل في الأوّل حتى انقضت مدته انْحَلَّ ودَخَل الآخَرُ، وعلى ما اختاره المصنف سابقاً(3) من اشتراط تجريده عن الشرط والصفة يبطُل الثاني، ولايتحقَّق تعدّدُ الكفارة بتعدّده ولا يقع الاستثناءُ موقِعَه.

ص: 336


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 120، الرقم 5492.
2- أن يقصد بالثاني تأكيد الأول. والتأسيس أن يقصد بالثاني ابتداء تحريم. وبعبارة أخرى التأسيس إحداث حكم لم يكن من قبل، والتأكيد تقويته(زين رحمه الله).
3- تقدم في ص،332.

(وفي الظهارِ خلافٌ(1) أقربُه التَكرارُ) بتكرُّر الصيغة، سواءٌ فَرَّق الظهار أم تابعه في مجلس واحد، وسواء قصد التأسيس أم لم يَقصِد ما لم يقصِد التأكيد؛ لصحيحة محمدبن مسلم عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمسَ مرّاتٍ أو أكثرَ، قال: قال عليّ(علیه السلام): مكانَ كلّ مرّة كفّارةٌ»(2) وغيرها من الأخبار(3) وقال ابن الجنيد: لا تتكرر إلا مع تغاير المشبه بها أو تخلُّل التكفير(4) استناداً إلى خبر(5) لا دلالة فيه على مطلوبه(6)

(وإذا وَطِئ المؤلى ساهياً أو مجنوناً أو لشبهة) لم تلزمه كفارة لعدم الحنت و (بطل حكم الإيلاء عند الشيخ)(7) لتحقق الإصابة ومخالفة مقتضى اليمين، كما يبطُل لو وَطِئَ متعمداً لذلك وإن وجبتْ الكفّارة، وتَبِعَه على هذا القول جماعةٌ(8) ونسبةُ المصنّف القولَ إليه يُشعِر بتمريضه، ووجهه أصالة البقاء واغتفارُ الفعل بالأعذار وكونُ الإيلاء يميناً وهي في النفي تقتضي الدوام، والنسيان والجهل لم يَدخُلا تحت مقتضاها؛ لأنّ الغرض من البعث والزجر في اليمين إنما يكون عند ذكرها وذُكر المحلوف عليه حتى يكون تركه لأجل اليمين مع أنّه في قواعده استقرَب انحلال اليمين مطلقاً بمخالَفة مقتضاها نسياناً وجهلاً وإكراهاً مع عدم الحِنث، محتجاً بأن المخالَفةَ قد حَصَلت وهي لاتَتَكرَّر، وبحكم الأصحاب ببطلان الإيلاء بالوطء

ص: 337


1- راجع للخلاف مختلف الشيعة،ج 7، ص 419، المسألة 75.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،22،ح،70.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،22،ح،69، ص 17 - 18،ح،53 و 59.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 419، المسألة 75.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 23، ح 73.
6- هو صحيحة عبدالرّحمن بن الحجاج عن الصادق(علیه السلام) في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات في مجلس واحد: قال عليه كفارة واحدة». وحمل على إرادة التأكيد أو اتحاد جنس الكفّارة، فلاتمتنع لتعدد أفرادها. وكيف كان فلا دلالة على التفصيل(منه رحمه الله).
7- المبسوط،ج4، ص 158 - 159، وفيه: «الجنون» فقط.
8- منهم العلّامة في قواعد الأحكام،ج 3، ص 180: راجع شرائع الإسلام،ج3،ص،66.

ساهياً مع أنّها يمين(1) فنَسَب الحكم المذكور هنا إلى الأصحاب لا إلى الشيخ وحده.

وللتوقف وجه.

(ولو) تَرافَعَ الذميان إلينا) في حكم الإيلاء تخيّر (الإمام أو الحاكم المترافَعُ إليه (بين الحكم بينهم بما يحكُم على المؤلي المسلم، وبين ردّهم إلى أهل ملّتهم). جَمَع الضمير للاسم المثنّى تجوّزاً أو بناءً على وقوع الجمع عليه حقيقةً، كما هو أحد القولين(2)

(ولو آلَى ثمّ ارتَدَّ) عن ملّة (حُسِب عليه من المدّة) التي تُضرب له (زمانُ الرّدّة على الأقوى؛ لتمكنه من الوطء بالرجوع عن الردّة فلا يكون عذراً لانتفاء معناه. وقال الشيخ: لايُحتسب عليه مدة الرّدّة؛ لأنّ المنعَ بسبب الارتداد لابسببِ الإيلاء، كما لايُحتسَب مدةُ الطلاق منها لو راجَعَ وإن كان يمكنه المراجعة في كل وقت(3) وأجيب بالفرق بينهما بأنَّ المرتد إذا عاد إلى الإسلام تَبَيَّنَ أن النكاح لم يرتفع، بخلاف الطلاق فإنّه لاينهدم بالرَجعة(4) وإن عاد حكم النكاح السابق كما سبق(5) ولهذا لو راجَعَ المطلقةَ تَبقَى معه على طَلْقَتَيْن. ولو كان ارتداده عن فطرة فهو بمنزلة الموت يَبطُل معها التربُّصُ، وإنّما أطلقه لظهور حكم الارتدادَيْن.

ص: 338


1- القواعد والفوائد، ص 392 - 393، القاعدة 192(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 15).
2- راجع الكافي في النحو،ج 2، ص 7؛ وكتاب سيبويه،ج2، ص 237.
3- المبسوط،ج 4، ص 157.
4- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،434.
5- تقدم في ص 335.

كتاب اللعان

ص: 339

ص: 340

كتاب الِلعان

اشارة

وهو لغةً المباهَلةُ المطلقةُ(1) أو فعال من اللعن، أو جمع له، وهو الطَّرْدُ والإبعاد من الخير، والاسمُ اللَّعْنةُ(2) وشرعاً: المباهلة بين الزوجين في إزالة حدّ أو نفي ولد بلفظ مخصوص عند الحاكم.

اسباب لعان

أحدُهما: رَمْيُ الزوجة المحصَنة

احدُهما رَمیُ الزوجة المحصنةبفتح الصاد وكسرها (المدخول بها) دخولاً يُوجب تمام المهر، وسيأتي الخلاف في اشتراطه(3) (بالزني قُبُلاً أو دُبُراً، مع دعوى المشاهدة للزنى وسلامتها من الصَمَم والخَرَس. ولو انتفى أحد الشرائط ثبت الحد من غير لعان، إلا مع عدم الإحصان فالتعزير كما سيأتي(4).

والمطلَّقهُ رجعيّةً زوجةُ، بخلاف البائن.

وشمَل إطلاقُ رَمْيها ما إذا ادَّعَى وقوعه زمن الزوجية وقبله، وهو في الأوّل موضع ،وفاق،

وفي الثاني قولان(5) أجودُهما ذلك اعتباراً بحال القذف.

ص: 341


1- الصحاح،ج4،ص،2196،«لعن».
2- يأتي في ص 346.
3- يأتي في ص 346.
4- يأتي في ص 342.
5- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 70؛ والشهيد في غاية المراد،ج3، ص 20 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج (3) والقول الآخر للشيخ في الخلاف، ج 5، ص 16 - 17، المسألة 15.

و (قيل) والقائل الشيخ والمحقق والعلّامة(1) وجماعة(2) : (و) يُشترَط زيادةً على ما تقدّم (عدمُ البيّنة) على الزنى على وجه يثبُت بها، فلو كان له بينةٌ لم يُشرع اللعانُ؛ لاشتراطه في الآية(3) بعدم الشهداء والمشروط عدم عند عدم شرطه، ولأنّ اللعانَ حجّةٌ ضعيفة لأنه إمّا شهادةً لنفسه أو يمين، فلايُعمَل به مع الحجّةِ القوية وهي البيّنة، ولأنّ حد الزنى مبني على التخفيف(4) فناسَبَ نفي اليمين فيه.

ونسبته إلى القول يُؤذن بتوقفه فيه، ووجهه أصالة عدم الاشتراط، والحكم في الآية وقع مقيَّداً بالوصف وهو لا يدل على نفيه عما عداه وجاز خروجُه مَخرَجَ الأغلب، وقد

رُويَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لاعَنَ بين عُوَيْمِرِ العَجْلاني وزوجته ولم يسألهما عن البينة(5) (والمعنِيُ بالمحصِنة (العفيفة عن وطءٍ محرَّم لا يُصادف ملكاً وإن اشتمل على عقد، لا ما صادَفَه وإِنْ حَرُم كوقت الحيض والإحرام والظهار، فلاتخرج به عن الإحصان، وكذا وطئ الشبهة ومقدمات الوطء مطلقاً، فلو رَمَى المشهورة بالزنى) ولو مرّةً (فلاحدَّ ولا لعان) بل يُعَزَّر.

(ولايجوز القذفُ إلا مع المعاينة) للزنى (كالميل في المُكْحُلة) ليترتب عليه اللعان؛ إذ هو شهادة أو في معناها (لا بالشياع أو غلبة الظن) بالفعل، فإن ذلك لايجوز الاعتماد عليه في ثبوت الزنى.

ص: 342


1- المبسوط،ج4، ص 211؛ شرائع الإسلام،ج 3، ص 69 قواعد الأحكام،ج3، ص 181 - 182.
2- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3، ص 436؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص480؛ ونسبه إلى الأكثر في التنقيح الرائع،ج3، ص416.
3- النور (24): 6.
4- المراد أنّ من جملة بناء الحدود على التخفيف أنّها لاتثبت بيمين المدعي، ولايتوجه بها على المنكر يمين. فلو ثبت اللعان هنا مع إمكان البيّنة وهو في معنى اليمين لثبت الحدّ عليها ،بلعانه، وهو في معنى ثبوته عليها بيمينه وبناء الحدّ على التخفيف ينافي ذلك ، فلايشرع مع إمكان إقامته بالبينة. فإنّه مما يثبت بها مطلقاً. ولاينافي ذلك ثبوته باليمين في اللعان حيث يشرع؛ لأن ذلك ثبت بالإجماع فبقي المختلف فيه معرضاً للشبهة المذكورة(منه رحمه الله).
5- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،654،ح،15310 و 15312.

هذا إذا لم يُشترَط في الشياع حصولُ العلم بالخبر فإنه حينئذٍ يكون كالبيّنة، وهي لا تُجَوِّز القذف أيضاً. أما لو اشترطنا فيه العلم لم يَبعُد الجواز به؛ لأنّه حينئذٍ كالمشاهدة.

الثاني: إنكارُ مَن وُلِد على فراشه

(الثانی انکارُ مَن وُلِدَ علی فِراشه بالشرائط السابقةِ) المعتبرة في إلحاق الولد به، وهي وضعُه لستّة أشهر فصاعداً من حين وطئه ولم يَتَجاوز حملها أقصى مدته وكونها موطوءة بالعقد الدائم، وإنْ سَكَت حالَ الولادة فلم يُنْفِه على الأقوى)؛ لأنّ السكوت أعم من الاعتراف به فلا يدلّ عليه.

وقال الشيخ (رحمه الله):

ليس له إنكارُه حينئذٍ لحكم الشارع بإلحاقه به بمجرّد الولادة العاري عن النفي؛ إذ اللحوق لا يحتاج إلى غير الفراش فيمتنع أن يُزيل إنكاره حكم الشارع، ولأدائه إلى عدم استقرار الأنساب(1).

وفيه أنّ حكم الشارع بالالتحاق مبني على أصالة عدم النفي أو على الظاهر وقد

ظَهَر خِلافُه ولو لم يمكنه النفي حالة الولادة إما لعدم قدرته عليه لمرض أو حبس أو اشتغال بحفظ ماله مِن حَرَق أو غَرَق أو لُص ولم يمكنه الإشهاد ونحو ذلك، أو لعدم علمه بأنّ له النفي لقُرْبِ عَهْده بالإسلام أو بُعْدِه عن الأحكام فلا إشكال في قبوله عند زوال المانع. ولو ادَّعَى عدم العلم قبل مع إمكانه في حقه.

وإنما يجوزله نفيه باللعان على أي وجه كان (ما لم يَسِبق الاعترافُ) منه (به صريحاً أو فحوى)، فالأوّل ظاهر، والثاني أن يُجيب المبشِّرَ بما يدلّ على الرضى به والاعتراف (مثل أن يقال له «بارَكَ الله لك في هذا الولد» فَيُؤَمِّنَ أو يقول «إن شاء الله»، بخلاف قوله في الجواب «بارَكَ الله فيك» وشبهه) ك«أحسن الله إليك

ص: 343


1- المبسوط، ج 4، ص 262.

ورَزَقك اللهُ مِثلَه» فإنه لايقتضي الإقرار؛ لاحتماله غيره احتمالاً ظاهراً.

(ولو قَذَفها) بالزنى (ونَفَى الولدَ وأقام بيّنةً) بزناها (سقط الحدُّ) عنه لأجل القذف بالبيّنة (ولم يَنْتَفِ عنه الولدُ إلّا باللعان)؛ لأنه لاحق بالفراش وإنْ زَنَتْ أُمُّه كما مر.

ولو لمْ يُقِم بيّنةً كان له اللعانُ للأمرين معاً. وهل يُكتفى بلعانٍ واحدٍ أم يَتعدّد؟ وجهان من أنّه كالشهادة أو اليمين وهما كافيان على ما سبق عليهما من الدعوى، ومن تعدّدِ السبب الموجب لتعدّد المسبب إلّا ما أخرجه الدليل.

(ولابدّ من كون المُلاعِن كاملاً) بالبلوغ والعقل، ولايُشترَط العدالة ولا الحرّيّةُ ولا انتفاء الحد قذف ولا الإسلام، بل يُلاعِن ولو كان كافراً أو مملوكاً أو فاسقاً عن العموم الآية(1) ودَلالة الروايات(2) عليه.

:وقيل: لايُلاعِن الكافرُ ولا المملوك(3) بناءً على أنّه شهادات كما يظهر من قوله تعالى: (فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمْ)(4) وهما ليسا من أهلها وهو ممنوع لجواز كونه أيماناً؛ لافتقاره إلى ذكر اسم الله تعالى واليمين يستوي فيه العدل والفاسق والحر والعبد والمسلمُ والكافرُ والذَّكَرُ والأُنثَى، وما ذَكَروه معارض بوقوعه من الفاسق إجماعاً.

(ويصح لعانُ الأخرس بالإشارة المعقولة إن أمكن معرفتُه) للعان، كما يصح منه إقامة الشهادة والأيمان والإقرار وغيرها من الأحكام، ولعموم الآية. وقيل بالمنع والفرق(5) لأنّه مشروط بالألفاظ الخاصة، دون الإقرار والشهادة فإنّهما يقعان بأيّ عبارة اتفقت، ولأصالة عدم ثبوته إلا مع تيقنه وهو منتفٍ هنا. وأجيب(6) بأنّ الألفاظ الخاصة إنّما تُعتبَر مع الإمكان وإشارتُه قائمةٌ مقامَها كما

ص: 344


1- النور (24): 6.
2- تهذيب الأحكام،ج8،ص،184 - 186، باب اللعان.
3- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 542 وسلّار في المراسم، ص 164.
4- النور (24): 6.
5- قال به ابن إدريس في السرائر،ج2،ص،701.
6- أجاب عنه المحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،72.

قامت في الطلاقِ وغيره من الأحكام المعتبرة بألفاظ خاصة. نعم، استبعاد فهمه له موجه لكنه غيرُ مانع لأنّ الحكم مبني عليه.

(ويجب) على ذي الفراش مطلقاً (نفي الولد المولود على فراشه (إذا عرف اختلالَ شروط (الإلحاق فيُلاعِن وجوباً لأنه لا ينتفي بدونه، (ويحرم) ع-ل-ي-ه ن-ف-يه (بدونه ) أي بدون علمه باختلال شروط الإلحاق وإنْ ظنّ انتفاءه عنه) بزنى أُمّه أو

(أي غيره أو خَالَفَتْ صفاته صفاته)؛ لأنّ ذلك لا مَدْخَلَ له في الإلحاق والخالق على كلّ

شيء قدير، والحكم مبني على الظاهر ويلحق الولد بالفراش دون غيره. ولو لم يجد مَن عَلِم انتفاءَه مَن يُلاعِن بينهما لم يُفِذه نفيه مطلقاً. وفي جواز التصريح

به نظر؛ لانتفاء الفائدة مع التعريض بالقذف إن لم يحصل التصريح.

( ويُعتبر في الملاعنة الكمالُ والسلامة من الصمم والخَرَس). فلو قذف الصغيرة فلا لعان بل يُحدّ إن كانت في محلّ الوطء كبنت الثماني، وإلَّا عُزِّرَ حَاصَةٌ للسَّبِّ لتيقُنِ كِذْبِه. ولو قَذَف المجنونة بزنئ أضافه إلى حالة الجنون عُزّر أو حالة الصحة فالحدّ، وله إسقاطه باللعان بعد إفاقتها، وكذا لو نَفَى ولدها.

ولو قَذَف الصمّاءَ أو الخرساءَ حُرِّمَتا عليه أبداً ولا لعان. وفي لعانهما لنفي الولد وجهان: من عدم النص فيُرجع إلى الأصل، ومساواته للقذف في الحكم، والأوجه الأوّلُ؛ لعموم النص ومنع المساواة مطلقاً، وقد تقدَّم البحثُ(1) في ذلك. (والدوام) فلا يثبت بالمتمتَّع بها؛ لأنّ ولدها ينتفي بنفيه من غير لعان، إلّا أن يكون اللعان لنفي الحد بسبب القذف فيثبت لعدم المانع مع عموم النص. وهذا جزم من المصنّف بعد التردّد؛ لأنه فيما سلف نَسَب الحكم به إلى قول، وتقدّم أنّ الأقوى عدم ثبوت اللعان بالمتمتّع بها مطلقاً، وأن المخصص للآية صحيحة ابن سنان عن الصادق(علیه السلام)(2).

ص: 345


1- تقدّم في ص 182.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 188،ح،653. 2.

(وفي) اشتراط (الدخول) بالزوجة في لعانها (قولان)(1) مأخذهما عموم الآية(2) فإنّ أزواجهم فيها جمعٌ مضافٌ فيَعُمّ المدخولَ بها وغيرَها، وتخصيصُها برواية محمدبن مصادف قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): ما تقول في رجل لاعَنَ امرأته قبل أن يَدخُلَ بها؟ قال: «لا يكون ملاعناً حتّى يَدخُلَ بها، يُضرب حدّاً وهي امرأته»(3) والمسند إليه ضعيف أو متوقَّفٌ فيه فالتخصيص غيرُ متحقق.

ولكن يُشكل ثبوته مطلقاً؛ لأن ولد غير المدخول بها لايلحق بالزوج فكيف يتوقف نفيه على اللعان.

نعم، ذلك يَتِمّ في القذف بالزنى، فالتفصيل كما ذهب إليه ابن إدريس(4) حسنٌ، لكنّه حَمَل اختلاف الأصحاب عليه، وهو صلح من غير تراضي الخصمين؛ لأنّ

النزاع معنوي لا لفظي بين الفريقين، بل النزاع لايتحقق إلا في القذف؛ للإجماع على انتفاء الولد عند

عدم اجتماع شروط اللحوق بغير لعان، وإن كان كلامهم هنا مطلقاً. ويثبت اللعانُ بين الحرّ و زوجته المملوكة لنفي الولد أونفي(التعزير) يقذفها؛ للعموم وصحيحةِ محمدبن مسلم عن الباقر(علیه السلام) قال: سألتُه عن الحرّ يُلاعِن المملوكةَ. قال: «نعم، إذا كان مولاها زوجه إيَّاها لاعَنَها»(5) وغيره(6). وقيل: لا لعان بينهما مطلقاً(7) استناداً إلى أخبار دلّت على نفيه بين الحرّ والمملوكة(8) وحملها على كونها مملوكةً للقاذف طريقُ الجمع بينها وبين ما ذكرناه من وقوعه بالزوجة المملوكة صريحاً.

وفصل ابن إدريس هنا غير جيد فأثبته مع نفي الولد دون القذف نظراً إلى عدم

ص: 346


1- القول بالاشتراط للشيخ في الخلاف،ج 5، ص 49. المسألة 69 والقول بعدم الاشتراط للعلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص 183.
2- النور (24): 6.
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 197،ج،692.
4- السرائر،ج 2، ص 698 .
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 188،ح 654.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 188،ح 651 و 652.
7- قال به الشيخ المفيد في المقنع، ص 542؛ وسلار في المراسم، ص 165.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 476، ح 1912؛ و ج 8، ص 189،ح، 658.

الحدُّ به لها، ولكن دفع التعزير به كافٍ مضافاً إلى ما دلّ عليه مطلقاً(1) ووافَقَه عليه فخرُ المحقّقين محتَجّاً بأنه جامع بين الأخبار(2) والجمع بينها بما ذكرناه أولى. (ولايلحَق ولدُ المملوكة) بمالكها إلّا) بالإقرار به، على أشهر القولين(3) والروايتين(4) ولو اعترف بوطئها، ولو نفاه انتفى بغير (لعان) إجماعاً، وإنما الخلاف في أنه هل يلحق به بمجرد إمكان كونه منه وإن لم يُقرّ به أم لابدّ من العلم بوطئه وإمكانِ لحوقه به أو إقراره به فعلى ما اختاره المصنّف والأكثر لايلحق به إلا بإقراره أو وطئِه وإمكان لحوقه به، وعلى القول الآخر لا ينتفي إلا بنفيه أو العلم بانتفائه عنه. ويظهر من العبارة وغيرها من عبارات المحقق والعلّامة أنّه لايلحق به إلا بإقراره(5) فلو سَكَت ولم يَنْفِه ولم يُقِرّ به لم يلحق به، وجعلوا ذلك فائدة عدم كون الأمة فراشاً بالوطء.

والذي حقَّقه جماعةً أنّه يلحق به بإقراره أو العلم بوطئه وإمكان لحوقه به وإنْ لم يُقِرّبه(6) وجعلوا الفرق بين الفراش وغيره أن الفراش يلحق به الولد وإن لم يُعلم وطوه مع إمكانه. إلا مع النفي واللعان، وغيره من الأمة والمتمتع بها يلحق به الولد إلا مع النفي، وحملوا ع-دم لحوقه إلا بالإقرار على اللحوق اللازم؛ لأنه بدون الإقرار ينتفي بنفيه من غير لعان ولو أقرَّ به استقر ولم يكن له نفيه بعده. وهذا هو الظاهر، وقد سبق(7) في أحكام الأولاد ما يُنبِّه عليه، ولولا هذا المعنى لَنافى ما ذكر وه هنا ما حكموا به فيما سبق من لحوقه به بشرطه.

ص: 347


1- السرائر، ج 2، ص 697.
2- إيضاح الفوائد،ج3،ص 445.
3- ذهب إليه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 187؛ والقول الآخر للشيخ في الاستبصار،ج3،ص 365؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 479.
4- والأشهر هي صحيحة ابن سنان وغيرها راجع تهذيب الأحكام،ج 8، ص 179،ح،628 وغيرها، ص 179 - 180 ، ح 627 و 629 ؛ وأما غير الأشهر وهو صحيح سعيد الأعرج تهذيب الأحكام، ج 8، ص 168 - 169،ح، 587 و 588.
5- شرائع الإسلام،ج 2، ص 286؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 187.
6- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،446.
7- سبق في أحكام الأولاد كتاب النكاح، ص 250 ومابعدها.

القول في كيفية اللعان وأحكامه

(يجب كونُه عند الحاكم) وهو هنا الإمام (أو مَن نَصبه) للحكم أو للّعان بخصوصه، (ويجوز التحكيمُ فيه) من الزوجين (للعالم المجتهد) وإن كان الإمامُ ومَن نَصَبه موجودين، كما يجوز التحكيم في غيره من الأحكام.

وربما أطلَق بعضُ الأصحاب على المُحَكَّم هنا كونَه عاميّاً(1) نظراً إلى أنّه غيرُ منصوب بخصوصه فعامّيّتُه إضافية، لا أنّ المسألة خلافية بل الإجماع على اشتراط اجتهاد الحاكم مطلقاً. نعم، منع بعض الأصحاب من التحكيم هنا(2) لأنّ أحكام اللعان لا تختص بالمتلاعنين فإنّ نفي الولد يتعلّق بحقه، ومِن ثَمَّ لو تَصادَقا على نفيه لم يَنتَفِ بدون اللعان، خصوصاً عند مَن يَشترط تَراضِيَهما بحكمه بعده(3) والأشهر الأول. هذا كله في حال حضور الإمام؛ لما تقدَّم في باب القضاء(4) من أنّ قاضي التحكيم لا يتحقق إلا مع حضوره أمّا مع غَيبته فيَتَوَلَّى ذلك الفقيه المجتهد لأنه منصوب من قبل الإمام عموماً كما يَتولَّى غيره من الأحكام، ولا يتوقف على تراضيهما بعده بحكمه لاختصاص ذلك على القول به بقاضي التحكيم والأقوى عدم اعتباره مطلقاً وإذا حَضَرا بين يَدَي الحاكم فليبدأ الرجلُ بعد تلقين الحاكم له الشهادة (فيَشهَد

ص: 348


1- كالمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،73؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،188.
2- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 449.
3- كالشيخ في المبسوط،ج 5، ص 523 - 524.
4- تقدّم في ج 2 ص 45 - 46، كتاب القضاء.

الرجلُ أربعَ مرّاتٍ) بالله (أنه لمن الصادقين فيما رماها به) متلفّظاً بما رَمَى به فيقول له: «قل: أَشهَدُ بالله أنّى لَمِن الصادقين فيما رَمَيتُها به من الزنى» فيَتَّبِعُه فيه؛ لأن اللعان يمين فلا يُعتد بها قبل استخلاف الحاكم وإن كان فيها شائبة الشهادة أو شهادةً فهى لا تُؤَدَّى إلا بإذنه أيضاً، وإن نَفَى الولد زاد «وأنّ هذا الولد من زنى وليس منّي». كذا عبَّر في التحرير، وزاد: أنه لو اقتصر على أحدهما لم يَجُز(1)

ويُشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد خاصةً من غير قذف فإنّه لا يلزم إستناده(2) إلى الزنى: لجواز الشبهة، فينبغي أن يكتفي بقوله: «إنّه لمن الصادقين» في نفي الولدالمعين.

(ثمّ يقول) بعد شهادته أربعاً كذلك : (إنّ لعنة الله عليه) جاعلاً المجرور ب-«على» ياء المتكلم (إن كان من الكاذبين) فيما رماها به من الزنى أو نفي الولد كما ذكر في

الشهادات.

(ثمّ تَشهَد المرأةُ) بعد فراغه من الشهادةِ واللعنة (أربع شهاداتٍ :) باللهِ (إنّه لَمِن الكاذبين فيما رماها به فتقول: «أَشْهَدُ باللهِ إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى» (ثمّ تقول: «إنّ غضبَ الله عليها إن كان من الصادقين» فيه مقتصرةً على ذلك فيهما.

(ولابدّ من التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور) فلو أبدَلَها بمعناها ك«أُقسِمُ» أو «أحلِفُ» أو «شهدتُ»، أو أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه تعالى أو أبدل اللعن والغضب والصدق والكذب بمرادفها ، أو حَذَف لام التأكيد أو عَلَّقه على غير «من» كقوله «إنّي لصادق»، ونحو ذلك من التعبيرات لم يصح. (وأن يكون الرجلُ قائماً عند إيراده الشهادة واللعن وإن كانت المرأة حينئذ جالسةً (وكذا تكون (المرأة) قائمةً عند إيرادها الشهادة والغضب وإن كان الرجل

ص: 349


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 135 - 136، الرقم 5519.
2- في «ق»: «إسناده».

حينئذٍ جالساً، (وقيل: يكونان معاً قائمين في الإيرادين)(1) ومنشأ القولين اختلاف الروايات(2) وأشهرها وأصحها ما دلّ على الثاني.

(وأن يَتَقَدَّم الرجلُ أوّلاً) فلو تقدَّمت المرأة لم يصح؛ عملاً بالمنقول من فعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(3) وظاهر الآية، ولأنّ لعانها لإسقاط الحدّ الذي وَجَب عليها بلعان الزوج. (وأن يُميّز الزوجة عن غيرها تمييزاً يمنع المشاركة إما بأن يَذكر اسمها ويَرفَعَ نسبها بما يُميّزُها ، أو يَصِفَها بما يميزها عن غيرها، أو يُشير إليها إن كانت حاضرةً.

(وأن يكون الإيراد بجميع ما ذكر باللفظ العربي الصحيح إلا مع التعذّر) فيجتزئ بمقدورهما منه، فإن تعذَّرَ تلفّظهما بالعربية أصلاً أَجزَاً غيرُها من اللغات من غیر ترجیح.

(فيفتقر الحاكم إلى مترجمين عدلين يُلقيان عليهما الصيغة بما يُحسِنانه من اللغة (إن لم يَعرِف) الحاكم (تلك اللغة) وإلّا باشَرَها بنفسه، ولا يكفي أقل من عدلين حيث يفتقر إلى الترجمة ولا يحتاج إلى الأزيد.

و تجب البَدْأَةُ) من الرجل (بالشهادة ثم اللعن) كما ذكر (وفي المرأة بالشهادة ثمّ الغضب). وكما يجب الترتيب المذكورُ تجب الموالاة بين كلماتهما، فلو تَرَاخَى بما يُعد فصلاً أو تَكَلَّم خلاله بغيره بطل.

ويُستحبّ أن يجلس الحاكم مُستدبِرَ القبلة ليكون وجههما إليها (وأن يَقِفَ الرجلُ عن يمينه والمرأة عن يمين الرجل، وأن يَحضُر ) من الناس (مَن يسمع اللعانَ ولو أربعةً عدد شهودِ الزنى، وأن يَعِظَه الحاكم قبل كلمة اللعنة) ويُخَوِّفَه الله تعالى

ص: 350


1- قال به المفيد في المقنعة،ص،540؛ والشيخ في النهاية،ص،520.
2- حديث قيامهما معاً صحيح محمد بن مسلم في الكافي، ج 1، ص 165، باب اللعان، ح 10؛ وتهذيب الأحكام،ج 8، ص 184، 644: وأما حديث قيامها بعده في الفقيه، ج 3، ص 536، ح 4856.
3- السنن الكبرى البيهقي،ج7،ص،665،ح،15342.

ويقول له «إنّ عذابَ الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا ويقرأ عليه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً)(1) الآية، وأن لَعْنَه لنفسه يُوجب اللعنة إن كان كاذباً، ونحو ذلك ، ويَعِظَها قبل كلمة الغضب) بنحو ذلك. (وأن يُغَلِّظَ بالقول) وهو تكرار الشهادات أربع مرات، وهو واجب، لكنه أطلق الاستحباب نظراً إلى التغليظ بمجموع الأمور الثلاثة من حيث هو مجموع، وبما قرّرناه صرّح في التحرير(2) وأمّا حمله على زيادة لفظ في الشهادة أو الغضب على نحو ما يُذكر في اليمين المطلقة ك«أشهد بالله الطالب الغالبِ المُهلِكِ» ونحو ذلك فإنه وإن كان ممكناً لو نُصَّ عليه إلّا أنّه يُشكل بإخلاله بالموالاة المعتبرة في اللفظ المنصوص مع عدم الإذن في تخلل المذكور

بالخصوص.

(والمكان) بأن يُلاعِن بينهما في موضع شريف (كبين الركن) الذي فيه الحجر الأسود (والمقام) مقام إبراهيم ، وهو المسمّى بالخطيم (بمكة، وفي الروضة) وهي ما بين القبر الشريف والمنبر (بالمدينة، وتحتَ الصخرة في المسجد الأقصى، وفي المساجد بالأمصار) غير ما ذُكر عند المنبر (أو المشاهد الشريفة للأئمة أو الأنبياء إن اتفق.

ولو كانت المرأة حائضاً فبباب المسجد فيخرج الحاكم إليها أو يبعث نائباً، أو كانا ذمّيَّيْن فَبِبِيعَةٍ أو كَنيسة، أو مجوسيين فبيت نار، لابيت صنمٍ لوَتَنِي؛ إذ لاحرمة له واعتقادهم غيرُ مَرْعِيّ. (وإذا لاعَنَ الرجلُ سَقَط عنه الحدُّ ووجب على المرأة)؛ لأن لعانه حجّة كالبينة (فإذا أَقرَّت) بالزنى (أو) لم تُقِرّ ولكن (نَكَلت) عن اللعان (وجب) عليها (الحد، وإن لاعَنَتْ سَقَط ) عنها.

(ويتعلَّق بلعانهما معاً (أحكام أربعة) في الجملة لا في كل لعان(سقوط

ص: 351


1- آل عمران (3) 77.
2- تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص،134، الرقم 5515.

الحدّين عنهما، وزوالُ الفِراش) وهذان ثابتان في كلّ لعان، (ونفي الولد عن الرجل) لا عن المرأة إن كان اللعان لنفيه (والتحريمُ المؤيَّد) وهو ثابت مطلقاً كالأولين. ولاينتفي عنه الحد إلا بمجموع لعانه وكذا المرأة، ولا تثبت الأحكامُ أجمعُ إلَّا بمجموع لعانهما.

(و) على هذا (لو) أكذب نفسه في أثناء اللعان وجب عليه حد القذف) ولم يثبت شيء من الأحكام، (و) لو أكذب نفسه (بعد لعانه) وقبل لعانها ففي وجوب الحدّ عليه(قولان)(1) منشأهما مِن سقوط الحدّ عنه بلعانه ولم يتجدَّد منه قذف بعده فلاوجه لوجوبه؛ ومن أنه قد أَكَّدَ القذف السابق باللعان لتكراره إياه فيه والسقوط إنما يكون مع علم صدقه أو اشتباه حاله واعترافه بكذبه ينفيهما فيكون لعانه قذفاً محضاً فكيف يكون مُسقِطاً.

(وكذا) القولان(2) لو أكذب نفسه (بعد لعانهما) لعين ما ذكر في الجانبين. والأقوى ثبوتُه فيهما لما ذكر، ولرواية محمّدبن الفضيل(3) عن الكاظم(علیه السلام) أنه سأله عن رجل لاعَنَ امرأته وانتفَى مِن وَلَدِها ثمّ أكذب نفسه هل يُرَدّ عليه ولدها؟ قال: «إذا أكذب نفسه جُلِد الحدَّ ورُدَّ عليه ابنه ولا ترجع إليه امرأته أبداً»(4)

(لكن) لو كان رجوعه بعد لعانهما (لا يعود الحِلّ) للرواية، وللحكم بالتحريم شرعاً، واعترافه لايصلح لإزالته، ولا يَرِثُ الولد لما ذكر (وإنْ وَرِثه الولد)؛ لأنّ اعترافه إقرارٌ في حق نفسه بإرثه منه ودعوى ولادته قد انتفت شرعاً فيثبت إقراره على نفسه ولاتثبت دعواه على غيره. وكذا لا يرث الولد أقرباء الأب ولايَرِثُونه إلامع

ص: 352


1- القول بسقوط الحد للشيخ في النهاية، ص 521 والمحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 75؛ والقول بثبوت الحد للمفيد في المقنعة، ص 542؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 191؛ والشهيد في غاية المراد،ج 3، ص 226 - 227 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
2- القول بسقوط الحد للشيخ في النهاية، ص 521 والمحقق في شرائع الإسلام،ج3، ص 75؛ والقول بثبوت الحد للمفيد في المقنعة، ص 542؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 191؛ والشهيد في غاية المراد،ج3، ص 226 - 227(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
3- كذا في المصدر، وفي النسخ: «الفضل».
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 194،ح،681.

تصديقهم على نَسَبِه في قول(1) لأنّ الإقرار لايَتعدّى المُقِرَّ. (ولو أكذبت المرأةُ (نفسَها بعد لعانها فكذلك لايعود الفراش ولايزول التحريم(ولاحدّ عليها) بمجرد إكذابها نفسها؛ لأنّه إقرار بالزنى وهو لايثبُت إلّا أن تُقِرٌ أربعاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى(2) فإن أقرَّت أربعاً حُدَّتْ (على خلافٍ) في ذلك(3) منشأه ما ذكرناه مِن أنّ الإقرار بالزنى أربعاً من الكامل الحرّ المختارِ يُثبت حده؛ ومن سقوطه بلعانها لقوله تعالى: ﴿وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَدَتِ بِاللَّهِ)(4) الآية،فلايعود.

ولو (قَذَفها الزوج (برجل) معيّن (وجب عليه حدّان أحدهما لها والآخَرُ للرجل؛

(لأنه قَذْفٌ لاثنين، وله إسقاط حدها باللعان) دون حدّ الرجل، ولو أقام بينةً بذلك (سقط الحدّان) كما يَسقُط كلّ حد قذف بإقامة البينة بالفعل المقذوف به. وكذا يسقط الحدُّ لو عَفا مستحِقُه أو صَدَّق على الفعل، لكن إن كانت هي المصدقة وهناك نسب لم يَنتَفِ بتصديقها؛ لأنه إقرار في حق الغير. وهل له أن يُلاعِن لنفيه؟ قولان(5) من عموم ثبوته لنفي الولد، وكونه غير متصوّر هنا؛ إذ لايمكن الزوجة أن تشهد بالله إنه لمن الكاذبين بعد تصديقها إياه. نعم، لو صادَقَتْه على أصل الزنى دون كون الولد منه توجه اللعان منها؛ لإمكان شهادتها بكذبه في نفيه وإن ثبت زناها.

(ولو قَذَفها فماتت قبل اللعان سَقط اللعان لتعذره بموتها (ووَرِثَها) لبقاء

ص: 353


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،382.
2- يأتي في الحدود.
3- القول بوجوب الحد للشيخ في النهاية، ص 521 - 522: وابن إدريس في السرائر،ج 2، ص 701؛ والقول بعدم الوجوب للمحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 75.
4- النور (24) 8.
5- القول باللعان للشيخ في المبسوط،ج 4، ص 232؛ القول بعدم اللعان للشهيد في غاية المراد،ج 3، ص،230(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).

الزوجيّة، (وعليه الحدُّ للوارث) بسبب القذف لعدم تقدم مُسقِطه، وله أن يلاعِن لسقوطه وإن لم يكن بحضور الوارث؛ لأنّه إمّا شَهادات أو أيمان وكلاهما لا يتوقف على حياة المشهود عليه والمحلوف لأجله، ولعموم الآية. وقد تقدَّم أنّ لعانَه يُسقط عنه الحدَّ ويُوجب الحد عليها، ولعانهما يوجب الأحكام الأربعة فإذا انتفى الثاني بموتها بقي الأوّلُ خاصةً فيُسقِط الحدَّ.

(ولاينتفي الإرث بلعانه بعد الموت) كما لاتنتفي الزوجية بلعانه قبله (إلّا على (رواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: إن قام رجل من أهلها فلاعَنَه فلاميراث له وإن أبى أحدٌ منهم فله الميراثُ»(1) ومثله رَوَى عمرو بن خالد عن زيد عن آبائه(علیهم السلام)(2) وبمضمونها عَمِل جماعةٌ(3)

والروايتان - مع إرسال الأولى وضعفِ سند الثانية - مخالفتان للأصل من حيث إنّ اللعانَ شُرع بين الزوجين فلا يتعدى، وإن لعان الوارث متعذر؛ لأنه إن أريد مجرد حضوره فليس بلعان حقيقي، وإن أريد إيقاع الصيغ المعهودة من الزوجة فبعيد؛ لتعذر القطع من الوارث على نفي فِعْلِ غيره غالباً وإيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعاً؛ ولأنّ الإرث قد استقر بالموت فلاوجه لإسقاط اللعان المتجدد له. (ولو كان الزوج أحد الأربعة) الشهودِ بالزنى (فالأقرب حدُّها)؛ لأن شهادة الزوج مقبولةٌ على زوجته إن لم تَحْتَلّ الشرائط) المعتبرة فى الشهادة، بخلاف ما إذا سَبَقَ الزوج بالقذف فإنّ شهادته تُرَدّ لذلك وهو من جملة اختلال الشرائط، أو اختل غيره من الشرائط كاختلافِ كلامهم في الشهادة أو أدائهم الشهادة مختلفي المجلس، أو عداوة أحدهم لها، أو فسقه أو غير ذلك (فإنّها) حينئذٍ (لاتُحَدّ) لعدم اجتماع شرائط

ص: 354


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 190 - 191، ح 664.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 194،ح، 679.
3- منهم: الشيخ في النهاية،ص،523 ؛ والقاضي في المهذب،ج 2، ص،310؛ وابن حمزة في الوسيلة،ص 337 - 338.

ثبوت الزنى،(ويلا عن الزوجُ) لإسقاط الحدّ عنه بالقذف (وإلّا) يلاعن (حُدَّ) ويُحدّ باقي الشهود للفِرية.

واعلم أنّ الأخبار وكلامَ الأصحاب اختلف في هذه المسألة، فرَوَى إبراهيمُ بنُ نُعَيم عن الصادق(علیه السلام) جواز شهادة الأربعة الذين أحدهم الزوج(1) ولامعنى للجواز هنا إلا الصحة التي يترتب عليها أثرها وهو حد المرأة، وعَمِل بها جماعةٌ(2) ويؤيدها قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ)(3) فإنّ ظاهرها أنه إذا كان غيره فلا لعان، وقوله تعالى: (وَالَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآبِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةٌ مِّنكُمْ)(4)

فإنّ الظاهر كونُ الخطاب للحاكم لأنه المرجِعُ في الشهادة فيشمل الزوج وغيره. ورَوَى زُرارةُ عن أحدهما(علیهماالسلام) في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوجها، قال: «يُلاعِن ويُجلَد الآخرون»(5) وعَمِل بها الصدوق(6) وجماعة(7) ويؤيدها قوله تعالى: (لَّوْلَا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)(8) والمختارُ القبولُ، ويمكن الجمع بين الروايتين - مع تسليم أسنادهما - بحمل الثانية على اختلال شرائط الشهادة كسبق الزوج بالقذف أو غيره، كما نبه عليه المصنّف (رحمه الله بقوله إن لم تختل الشرائط» إلى آخره.

وأما تعليلها بكون الزوج خصماً لها فلاتُقبل شهادته عليها(9) فهو في حيّز المنع.

ص: 355


1- تهذيب الأحكام،ج1،ص،282، ح 776.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص،690؛ وابن إدريس في السرائر،ج3،ص،430؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،77.
3- النور (24): 6.
4- النساء (4): 15.
5- تهذيب الأحكام،ج 1،ص،282،ح،777.
6- المقنع، ص 440.
7- منهم: القاضي في المهذب، ج 2، ص 525؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 415: والعلامة في قواعدالأحكام،ج3،ص،192.
8- النور (24): 13.
9- علّلها القاضي في المهذب،ج2،ص،525.

ص: 356

كتاب العِتق

ص: 357

ص: 358

كتاب العِتق

اشارة

(1)

العتق، لغةً: الخلوص(2) ومنه سُمِّيت جيادُ الخَيل عِتاقاً، والبيتُ الشريفُ عَتِيقاً.

وشرعاً وهو خلوص المملوكِ الآدمي أو بعضه من الرّق. وبالنسبة إلى عتق المباشرة المقصودِ بالذات من الكتاب تخلُّص المملوكِ الآدمي أو بعضه من الرق منجزاً بصيغة مخصوصة. (وفيه أجر عظيم) قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): من أعتق مؤمناً أعتق الله العزيز الجبارُ بكل عضو عضواً له من النار، فإن كان أنتى أعتَق الله العزيز الجبارُ بكل عضوين منها عضواً من النار؛ لأنّ المرأة نصف الرجل»(3)، وقال: (مَن أعتق رقبةً مؤمنةً كانت فِداءَه من النار»(4) ولما فيه من تخليص الآدمي من ضرر الرق وتملكه منافعه وتكمل أحكامه. ويحصل العتق باختيار سببه وغيره، فالأوّل بالصيغة المنجزة والتدبير والكتابة

ص: 359


1- فيه أجر عظيم وثواب جزيل فقد روي: «أنّ مَن أعتق مؤمناً أعتق الله بكل عضو عضواً من النار» [راجع صحيح البخاري،ج2،ص،891،ح،2381. هذه رواية متفق على نقلها، رواها من طريقنا إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه قال قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «مَن أعتق مؤمناً أعتق الله العزيز الجبار بكلّ عضو له عضواً من النار، فإن كانت أثنى أعتق الله العزيز الجبار بكلّ عضو منها نصف عضو له من النار ؛ لأنّ المرأة نصفُ الرجل الكافي ج 6، ص 180، باب ثواب العتق.... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216 . ح 770]. ورواية زرارة [الكافي ج 6، ص 180، باب ثواب العتق... ح،2:تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216، ح 769] مثلها في الرجل. (زين رحمه الله).
2- انظر الصحاح،ج3، ص،1520 - 1521: والقاموس المحيط،ج3،ص،269 - 270، «عتق».
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216، ح 770.
4- سنن أبي داود،ج4، ص،30،ح،3966.

والاستيلادِ، وشِراءِ الذَكَر أحد العمودَين أو المحارَم من النساء والأُنثى أحد العمودَين، وإسلام المملوك في دار الحرب قبل مولاه مع خروجه منها قبله وتنكيل المولى به؛ والثاني بالجذامِ والعَمَى والإقعادِ وموتِ المورّث وكون أحد الأبوين حراً، إلا أن يُشترَط رِقُه، على الخلاف(1)

وهذه الأسبابُ منها تامة في العتق كالإعتاق بالصيغة وشراء القريب والتنكيل والجذام والإقعادِ، ومنها ناقصة تتوقف على أمرٍ آخر كالاستيلاد لتوقفه على موتِ المولى وأُمورٍ أَخَرَ، والكتابة لتوقفها على أداء المال، والتدبير لتوقفه على موت المولى ونفوذه من ثلث ماله وموت المورّث لتوقفه على دفع القيمة إلى مالكه وغيره ممّا يُفصل في محلّه إن شاء الله تعالى.

ويفتقر الأول إلى صيغة مخصوصة وعبارته الصريحةُ التحرير مثل «أنت مثلاً) أو هذا أو فلانُ (حرّ»). ووقوعه بلفظ التحرير موضعُ ،وفاق، وصراحته فيه واضحةً، قال تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَنًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)(2) (وفي قوله «أنت عتيق أو «معتَقٌ خلافٌ(3) منشأه الشكُ فى كونه مرادفاً للتحرير فيدلّ عليه صريحاً أو كناية عنه فلايقع به، والأقربُ وقوعه به لغلبة استعماله فيه في اللغة والحديث والعرف وقد تقدَّم بعضُه، واتَّفق الأصحابُ على صحته في قول السيد لأمته «أعتقتُكِ وتزوجتك»... إلى آخره.

(ولاعبرة بغير ذلك من الألفاظ التي لم تُوضَع له شرعاً صريحاً كان) في إزالة الرق مثل «أَزَلْتُ عنك الرقّ» أو «فَكَكْتُ رقبتك»، أو كناية) عنه تحتمل غير العتق (مثل «أنتَ) بفتح التاء (سائبةٌ» أو «لاملك لي عليك أو لاسلطان أو لاسبيل» أو

ص: 360


1- راجع مختلف الشيعة،ج7،ص،268، المسألة 187.
2- النساء (4): 92.
3- والقول بوقوع العتق بهما للعلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،201؛ وقال بعدم الوقوع الشيخ في الخلاف،ج1، ص 372، المسألة 14؛ راجع مختلف الشيعة،ج 8، ص 69، المسألة 28.

أنت) (مولاي». ويدخل في غير ذلك ما دلّ على الإعتاق بلفظ الماضي الذي يقع . غيرُه ك «أعتقتُك بل الصريحُ محضاً ك«حَرَّرْتُك»، وظاهرُهم عدم وقوعه بهما، ولعله لبُعدِ الماضي عن الإنشاء وقيامه مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل فيُقتصر فيه على محلّه، مع احتمال الوقوع به هنا لظهوره فيه.

(وكذا لاعبرة بالنداء مثل «یا حرُّ» و «يا عتيقُ» و«يا معتَقُ» (وإنْ قَصَد التحريرَ بذلك) المذكور من اللفظ غير المنقول شرعاً ومنه الكناية والنداء (كله) اقتصاراً في الحكم بالحرّيّة على موضع اليقين ولبعد النداء عن الإنشاء. وربما احتُمِل(1) الوقوعُ به من حيث إنّ حرف الإشارة إلى المملوك لم يعتبره الشارع بخصوصه وإنما الاعتبار بالتحرير والإعتاق، واستعمالُ «يا » بمعنى «أنت» أو «فلان» مع القصد جائز. ويُضعف بأنّ غاية ذلك أن يكون كنايةٌ لاصريحاً فلايقعُ به ولايخرج الملك المعلوم عن أصله.

وحيث لايكون اللفظ مؤثّراً شرعاً في الحكم لا ينفعه ضم القصد إليه، ونبه بالغاية على خلاف من اكتفى بغير الصريح إذا انضم إلى النية من العامة(2) ويَقوَى الإشكالُ لو كان اسمُها حرّةً فقال «أنتِ حرّةً وسُكَ في قصده؛ لمطابقة اللفظ للمتفق على التحرير به واحتماله الإخبار بالاسم والأقوى عدم الوقوع. نعم، لو صرّح بقصد الإنشاء صح كما أنه لو صرّح بقصد الإخبار قبل ولم يُعتق. (وفي اعتبار (التعيين للمعتق (نظر) منشأه النظرُ إلى عموم الأدلّة الدالّة(3) على وقوعهِ بالصيغة الخاصة وأصالة عدم التعيين، وعدم مانعية الإبهام في العتق شرعاً من حيث وقع لمريض أعتق عبيداً يزيدون عن ثلث ماله ولم يُجز الورثة، والالتفات إلى أن العتق أمرٌ معيّن فلابد له من محلّ معيّن، وقد تقدَّم(4) مثلُه في الطلاق. والمصنّف رجَّح

ص: 361


1- راجع شرائع الإسلام،ج3،ص،79.
2- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج12،ص،234 - 235،المسألة 8568.
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،228 - 229، باب العتق...
4- تقدّم في كتاب الطلاق، ص 281.

في شرح الإرشاد الوقوعَ(1) وهنا توقف، وله وجه إن لم يترجح اعتباره. فإن لم يُعتبر التعيين فقال أحدُ عَبيدي حرّ صحٌ وعَيَّن مَن شاء. وفي وجوب الإنفاق عليهم قبله والمنع من استخدام أحدهم وبيعه وجهان: من ثبوت النفقة قبل العتق ولم يتحقَّق بالنسبة إلى كلّ واحد فيُستصحب، واشتباه الحرّ منهم بالرق مع انحصارهم فيَحرُم استخدامهم وبيعُهم؛ ومن استلزام ذلك الإنفاق على الحرّ بسب المِلك والمنع من استعمال المملوك؛ والأقوى الأوّل.

واحتمل المصنِّفُ استخراج المعتق بالقرعة وقطع بها لو مات قبل التعيين(2) ويُشكل كلُّ منهما بأنّ القرعة لاستخراج ما هو معيَّن في نفسه غير متعين ظاهراً لا لتحصيل التعيين، فالأقوى الرجوع إليه فيه أو إلى وارثه بعده. ولو عَدَل المعين عمّن عيَّنه لم يُقبل ولم ينعتِق الثاني إذ لم يَبْقَ للعتق محل، بخلاف ما لو أعتق معيّناً واسْتَبَه ثمّ عَدَل فإنهما

ينعتقان.

ويُشترَط بلوغُ المولَى) المعتِقِ واختياره ورشده وقصدُه) إلى العتق (والتقرُّبُ) به (إلى الله تعالى لأنه عبادة، ولقولهم: «لا عتق إلا ما أُريد به وجه الله تعالى(3) (وكونُه غير محجور عليه بفَلْسٍ أو مرض فيما زاد على الثلث) فلا يقع من الصبي وإن بلغ عشراً، ولا من المجنون المُطبِقِ ولا غيره في غير وقت كماله، ولا المكرَهِ ولا السفيه ولا الناسي والغافل والسكران ولا من غير المتقرب به إلى الله تعالى سواء قصد الرياءَ أم لم يقصد شيئاً، ولا من المُفلس بعد الحَجْر عليه أمّا قبله فيجوز وإنْ استَوعَب دَينُه ماله، ولا من المريض إذا استغرَق دَينُه تَرِكَتَه، أو زاد المعتَقُ عن ثُلث ماله بعد الدين إن كان إلا مع إجازة الغُرَماء والورثة.

وفي الاكتفاء بإجازة الغرماء في الصورة الأولى وجهان: من أنّ المنع من العتق

ص: 362


1- غاية المراد،ج3،ص 238(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج3).
2- الدروس الشرعية،ج2،ص،158(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،217،ح،772.

لحَقّهم، ومن اختصاص الوارث بعين الترِكة، والأقوى التوقُّفُ على إجازة الجميع. (والأقرب صحّةُ مباشَرة الكافِر) للعتق لإطلاقِ الأدلة(1) أو عمومها، ولأن العتق إزالة ملك، وملك الكافر أضعفُ من ملك المسلم فهو أولى بقبول الزوال، واشتراطه بنية القربة لا يُنافيه؛ لأنّ ظاهر الخبر السالف أنّ المراد منها إرادة وجه الله تعالى سواء حَصَل الثوابُ أم لم يحصل، وهذا القدر ممكن ممّن يُقرّ بالله تعالى. نعم، لو كان الكفر بجَحْد الإلهيّة مطلقاً تَوجّه إليه المنعُ. وكونه عبادةً مطلقاً ممنوع بل هو عبادةً خاصةً يغلب فيها فَكُ المِلك فلا يُمنع من الكافر مطلقاً.

وقيل: لايقع من الكافر(2) نظراً إلى أنه عبادة تتوقف على القربة، وأن المعتبر من القربة ترتب أثرها من الثواب لامطلق طلبها كما يُنبِّه عليه حكمهم ببطلان صلاته وصومه(3) لتَعذّر القربة منه، فإنّ القدر المتعذِّرَ هو هذا المعنى لا ما ادَّعوه أوّلاً، ولأنّ العتق شرعاً ملزوم للولاء ولايثبت وَلاءُ الكافر على المسلم؛ لأنه سبيل منفي عنه(4) وانتفاءُ اللازم يستلزم انتفاء الملزوم. وفي الأوّل ما مرّ، وفي الثاني أنّ الكفر مانع من الإرث كالقتل كما هو مانع في النسب.

والحق أنّ اتفاقهم على بطلان عبادته من الصلاة ونحوها، واختلافهم في عتقه وصدقته ووقفه عند من يعتبر نية القربة فيه يدلّ على أنّ لهذا النوع من التصرف المالي حكماً ناقصاً عن مطلق العبادة من حيث المالية، وكون الغرض منها نفع الغير فجانب المالية فيها أغلب من جانب العبادة فمن ثَمَّ وقع الخلاف فيها دون غيرها من العبادة.

والقول بصحّة عتقه(5) متجه مع تحقق قصده إلى القربة وإن لم يحصل لازمها . (وكونه) بالجرّ عطفاً على مباشرة «الكافر أي والأقربُ صحة كون الكافر (محلاً)

ص: 363


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،216 - 217،باب العتق.
2- قال به ابن إدريس في السرائر،ج3،ص،4 و 20.
3- راجع غاية المراد،ج3،ص،239 - 240(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
4- النساء (4): 141.
5- قال به الشيخ في المبسوط،ج4،ص،441؛ والخلاف،ج،1،ص،371، المسألة 12.

للعتق بأن يكون العبد المعتَقُ كافراً لكن (بالنذر لاغيرُ) بأن يَنذِرَ عتقَ مملوكٍ بعينه وهو كافرٌ.

أمّا المنعُ من عتقه مطلقاً فلانه خبيث وعتقه إنفاق له في سبيل الله وقد نَهَى الله عنه بقوله: (وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ)(1) ولاشتراط القربة فيه كما مرّ ولا قربةً في الكافر، ولرواية سَيفِ بنِ عَمِيرة عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته أيجوز للمسلم أن يُعتق مملوكاً مشركاً؟ قال: «لا»(2) وأما جوازُه بالنذر فللجمع بين ذلك وبين ما رُوِيَ «أنّ عليّاً(علیه السلام) أعتق عبداً نصرانياً فأسلم حين أعتَقه»(3) بحمله على النذر والأولى على عدمه. وفيهما معاً نظر؛ لأنّ ظاهر الآية وقول المفسرين أنّ الخبيث هو الرديء من المال

يُعطى الفقيرُ(4) وربما كانت المالية في الكافر خيراً من العبد المسلم والإنفاق لماليته لا لمُعتَقَدِه الخبيث، ومع ذلك فالنهي مخصوص بالصدقة الواجبة؛ لعدم تحريم الصدقة المندوبة بما قَلَّ ورَدُو حتى بشق تمرة إجماعاً، والقربة يمكن تحققها في عتق المولى الكافرِ المُقِرِّ بالله تعالى الموافق له في الاعتقاد، فإنّه يقصد به وجه الله تعالى كما مرّ وإنْ لم يحصل الثواب، وفي المسلم إذا ظنَّ القربة بالإحسانِ إليه وفَكِّ رقبته من الرق وترغيبه في الإسلام كما رُوِي مِن فعل عليّ(علیه السلام) وخبرُ سيف مع ضعف سنده أخصُّ من المدَّعَى ولا ضرورة إلى الجمع حينئذٍ بما لا يدلّ عليه اللفظ أصلاً، فالقول بالصحة مطلقاً مع تحقق القربة متجه، وهو مختار المصنّف في الشرح(5).

(ولايَقِفُ العتق على إجازة) المالك لو وَقَع من غيره بل يبطل عتق الفضولي) من رأس إجماعاً ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا عتق إلا في ملك»(6) ووقوعُه من غيره بالسراية

خروجُ

ص: 364


1- البقرة (2) 267.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 218،ح،782.
3- الكافي،ج 6، ص،182،باب عتق والد الزنى،ح،1.
4- التبيان،ج2،ص،344 - 345: مجمع البیان،ج،1،ص،381، ذيل الآية 267 من البقرة (2).
5- غاية المراد،ج 3،ص،242(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
6- الكافي،ج 1،ص 179، باب لا عتق إلا بعد الملك،ح 1 - 2.

عن المتنازَع واستثناؤُه إما منقطع أو نظراً إلى مطلق الانعتاق. ولو علَّق غير المالك العتق بالملك لغا إلا أن يجعله نذراً أو ما في معناه ك«الله عليّ إعتاقُه إن مَلَكتُه» فيجب عند حصول الشرط، ويَفتقِر إلى صيغة العتق وإنْ قال «لله عليَّ أنّه حرَّ إن ملكته على الأقوى. وربما قيل بالاكتفاء هنا بالصيغة الأُولى(1) اكتفاء بالملك الضمني كملك القريب آناً ثم يعتق.

(ولا يجوز تعليقه على شرط) كقوله «أنت حرّ إن فعلت كذا أو إذا طَلَعَتْ الشمس» (إلّا في التدبير) فإنّه يجوز أن (يُعلّق بالموت) كما سيأتي(2) (لا بغيره)، وإلا في النذر حيث لايفتقر إلى صيغة إن قلنابه. (نعم، لو نَذَر عتق عبده عند شرط) سائغ على ما فُصِّل (انعقد) النذر ، وانعتق مع وجود الشرط إن كانت الصيغة أنّه «إن كان كذا من الشروط السائغة فعبدي حرّ»، ووجب عتقه إن قال «فلله عليّ أن أُعتقه»، والمطابق للعبارة الأوّلُ لأنّه العتق المعلَّق، لا الثاني فإنّه الإعتاق. ومثله القول فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقةً أو لزيد أو أن يَتصدَّق به أو يُعطيه لزيد فإنّه ينتقل عن ملكه بحصول الشرط في الأوّل، ويصير ملكاً لزيد قهريّاً، بخلاف الأخير فإنّه لا يزول ملكه به وإنّما يجب أن يَتصدَّقَ أو يُعطي زيداً فإن لم يَفعَل بَقِيَ على مِلكه وإِنْ حَنِتَ. ويتفرع على ذلك إبراؤُه منه قبل القبض فيصح في الأول دون الثاني.

( ولو شَرَط عليه) في صيغة العتق (خدمته) مدةً مضبوطةً متصلةً بالعتق أو منفصلةً أو متفرّقةً مع الضبط (صح) الشرط والعتق ؛ لعموم (المؤمنون عند شروطهم»(3) ولأنّ منافعه المتجدّدة ورَقَبَتَه مِلكُ للمولى فإذا أعتقه بالشرط فقد فَكَ رَقَبَتَه وغير المشترَطِ من المنافع،

وأبقى المشترط على ملكه فيبقى استصحاباً للملك ووفاء بالشرط. وهل يُشترط قبولُ العبد؟ الأقوى العدم، وهو ظاهرُ إطلاق العبارة لما ذكرناه، ووجه

ص: 365


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص،340.
2- يأتي في كتاب التدبير، ص 383.
3- تهذيب الأحكام،ج7،ص،371،ح،1503.

اشتراط قبوله أن الإعتاقَ يقتضي التحريرَ والمنافع تابعةُ فلايصحّ شرطُ شيء منها إلا بقبوله.

وهل تجب على المولى نفقته في المدّةِ المشترَطةِ؟ قيل: نعم(1) لقطعه بها عن التكسب. ويُشكل بأنّه لايستلزم وجوب النفقة كالأجير والموصى بخدمته. والمناسب للأصل ثبوتها من بيت المال أو من الصدقات؛ لأنّ أسباب النفقة مضبوطة شرعاً وليس هذا منها، وللأصل.

وكما يصحّ اشتراطُ الخدمة يصحّ اشتراطُ شيءٍ معيّنٍ من المال للعموم، لكن الأقوى هنا اشتراط قبوله لأنّ المولى لايملك إثبات مال في ذمة العبد ولصحيحة حَرِيزٍ عن الصادق(علیه السلام)(2) وقيل: لايُشترط كالخدمة(3) لاستحقاقه عليه رقاً السعي في الكسب كما يستحق الخدمة فإذا شَرَط عليه مالاً فقد استثنى من منافعه بعضها. وضعفه ظاهر وحيث يُشترط الخدمة لا يتوقف انعتاقه على استيفائها، فإن وَفَى بها في وقتها وإلا استَقَرَّت أجرةُ مثلها في ذمّته؛ لأنّها مُستَحَقَّةٌ عليه وقد فاتت فيُرجع إلى أجرتها، ولا فرق بين المعتق ووارثه في ذلك.

ولو شرط عوده في الرق إن خالَفَ شرطاً شرطه عليه في صيغة العتق فالأقرب بطلان العتق لتضمن الشرط عودَ مَن تَثبت حريته رقاً وهو غير جائز، ولايَرِدُ مثله في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن الرقية وإن تشبث بالحرية بوجه ضعيف، بخلاف المعتق بشرط، وقولُ سيّد المكاتب «فأنتَ رَدُّ في الرقّ» يريد به الرقّ المحض لامطلق الرق.

ص: 366


1- حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة،ج 8،ص،49، المسألة 9.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 224،ح 806؛ الاستبصار،ج4،ص،11،ح33، وفيهما: عن أبي جرير؛ أوردها عن حريز فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،478.
3- وهو ظاهر ابن البراج في المهذب،ج2،ص،359؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،81.

وقيل: يصحّ الشرط ويَرجِع بالإخلال(1) للعموم، ورواية إسحاق بن عمار عن الصادق(علیه السلام) أنه سأله عن الرجل يُعيق مملوكه ويزوِّجُه ابنتَه ويَشرِط عليه إن أغارها أن يَرُدَّه في الرق. قال: «له شرطه»(2) وطريق الرواية ضعيفٌ، ومتنها مُنافٍ للأصول، فالقول بالبطلان أقوى وذهب بعض الأصحاب(3) إلى صحة العتق وبطلان الشرط لبنائه على التغليب، ويُضعف بعدم القصد إليه مجرداً عن الشرط، وهو شرط الصحة كغيره من

الشروط.

(ويُستحَبّ عتقُ) المملوكِ (المؤمنِ) ذَكَراً كان أم أنثى (إذا أَتَى عليه) في ملك المولى المندوب إلى عتقه (سبع سنين) ؛ لقول الصادق(علیه السلام): «من كان مؤمناً فقد عَتَق سبع أعتقه صاحبه أم لم يُعتقه، ولا تَحِلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سنين سنين(4) وهو محمول على تأكد استحباب عتقه؛ للإجماع على أنه لايُعتق بدون الإعتاق(بل يُستحبّ) العتق (مطلقاً) خصوصاً للمؤمن(ويُكرَه عتق العاجز عن الاكتساب إلّا أن يُعِينَه بالإنفاق، قال الرضا(علیه السلام):

«مَن أعتق مملوكاً لاحيلةَ له فإنّ عليه أن يَعُوله حتى يستغني عنه، وكذلك كان عليّ(علیه السلام) يفعل إذا اعتق الصغار ومَن لاحيلة له»(5) (و) كذا يُكرَه ( عتق المخالف للحق في الاعتقاد؛ للنهي عنه في الأخبار المحمول على الكراهة جمعاً، قال الصادق(علیه السلام) الا ما أغنى الله عن عتق أحدِكم تُعتقون اليوم يكون علينا غداً؟! لايجوز لكم أن تُعتقوا إلا عارفاً»(6)

و (لا) يُكره عتق (المستضعف الذي لا يعرف الحق ولا يُعاند فيه ولا يُوالي أحداً

ص: 367


1- قال به الشيخ في النهاية،ص،542 وابن البراج في المهذب،ج2،ص،359.
2- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،222،ح، 795.
3- كابن إدريس في السرائر،ج3،ص،11؛ فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،479.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 230، ح 831.
5- الكافي،ج1، ص،181،باب عتق الصغير والشيخ،ح،1.
6- الكافي،ج 6، ص 196،باب النوادر،ح، 9.

بعينه؛ لرواية الحلبي عن الصادق(علیه السلام) قال: قلت له: الرقبة تُعتق من المستضعفين ؟

قال: «نعم»(1) (ومن خواص العتق السرايةُ وهو انعتاق باقي المملوك إذا أُعتق بعضُه بشرائطَ خاصة،(فمن أَعتَقِ شِقْصاً) بكسر الشين، أي جزءاً من عبدِه) أو أَمَتِه - وإنْ قلَّ الجزء - سَرَى العتق فيه أجمعَ و عَتَق كله وإن لم يملك سواء، إلّا أن يكون المعتق (مريضاً ولم يبرأ) من مرضه الذي أعتق فيه ولم يُخرج) المملوك (من الثلث) أي ( ثلث مالِ المعتق،

فلايُعتَق حينئذٍ أجمعُ بل ما يَسَعُه الثلث (إلّا مع الإجازة) من الوارث فيُعتق أجمعُ إن أجازه وإلا فبحسب ما أجازه هذا هو المشهور بين الأصحاب وربما كان إجماعاً، ومستندُه من الأخبار(2) ضعيفٌ، ومِن ثَمَّ ذهب السيد جمال الدين بن طاووس إلى عدم السراية بعتق البعض مطلقاً(3) استضعافاً للدليل المُخرج عن حكم الأصل، ولموافقته لمذهب العامة(4) مع أنه قد رَوَى حمزة بن حُمران عن أحدهما(علیهاالسلام) قال: سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته ثمّ قَذَفها بالزنى. قال: فقال: «أَرَى أنّ عليه خمسين جَلْدَةً ويَستغفر ربَّه»(5) الحديث، وفي معناه

خبران آخران(6)، وحملها الشيخ على أنه لا يملك نصفها الآخر مع إعساره(7)

(ولو كان له فيه) أي في المملوك الذي أعتق بعضه (شريكَ قُومَ عليه نصيبه) وعَتَق أجمعُ (مع يساره) أي يسار المعتق بأن يملك حال العتق - زيادةً عمّا يُستثنى في الدَين من دارِه وخادمِه ودابتِه وثيابِه اللائقة بحاله كمّيّةً وكيفيّةً، وقوتِ يومه له

ص: 368


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 218،ح،781.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 228 - 229،ح،824 - 827.
3- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية،ج2،ص،169(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 10).
4- الشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج 12، ص 248 - 249؛ المجموع شرح المهذب،ج16، ص 6- 7.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 228، ح 826.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 228،ح،824 و 825 7.
7- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 229، ذيل الحديث 826.

ولعياله - ما يَسَعُ قيمة نصيب الشريك فيدفَع إليه ويعتق ولو كان مديوناً يستغرق دَينُه ماله الذي يصرف فيه ففى كونه مُوسِراً أو مُعيراً قولان(1) أوجههما الأوّل: لبقاء الملك معه.

وهل تنعتِق حِصّةُ الشريك بعتق المالك حصته أو بأداء قيمتها إليه أو بالعتق مُراعي بالأداء؟ أقوال(2) وفي الأخبار(3) ما يدلّ على الأولين والأخير طريق الجمع. وتظهر الفائدة فيما لو أعتق الشريك حصته قبل الأداء فيصح على الثاني دون الأول. وفي اعتبار القيمة فعلى الأوّل يوم العتق وعلى الثاني يوم الأداء، والظاهر أنّ الثالث كالأوّل، وفيما لو مات قبل الأداء فيموت حرّاً على الأوّل ويَرِثُه وارثه دون الثاني ويُعتبر الأداء في ظهور حرّيته على الثالث، وفيما لو وَجَب عليه حد قبله فكالحرّ على الأوّل، والمُبَعَضِ على الثاني، وفي الحكم على الثالث نظر ، وفيما لو أيسر المباشر بعد العتق وقبل الأداء، فعلى الأوّل لا يجب عليه الفكُ، وعلى الثاني يجب، وفي الثالث نظر، وإلحاقه بالأوّل مطلقاً حسن.

(وسَعَى العبد) في باقي قيمته بجميع سعيه لا بنصيب الحرّية خاصةً (مع إعساره) عنه أجمع، فإذا أدَّى عُتِق كالمكاتب المطلق، ولو أيسر بالبعض سرى عليه بقدره على الأقوى وسَعَى العبد في الباقي ولا فرق في عتق الشريك بين وقوعه للإضرار بالشريك وعدمِه مع تحقق القربة المشترطة، خلافاً للشيخ حيث شَرَط في السراية مع اليسار قصد الإضرار، وأبطل العتق بالإعسار معه العبد مطلقاً

وحَكَم بسعي مع قصد القربة(4)

ص: 369


1- أما القول بالإعسار للعلامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 205؛ واستشكله في تحرير الأحكام الشرعية،ج 4. ص 195، الرقم 5637 : راجع غاية المراد،ج3، ص 247 - 248(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
2- الأوّل لابن إدريس في السرائر،ج3، ص 15 - 16: والثاني للمفيد في المقنعة، ص 550؛ والثالث للشيخ في المبسوط ،ج4.ص،421: راجع غاية المراد،ج3، ص،250 - 251(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،3).
3- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 228، ح،824، وص 220 - 221،ح،790 و 793.
4- النهاية، ص 542.

استناداً إلى أخبارٍ(1) تأويلها بما يدفع المنافاة بينها وبين ما دلّ على المشهور طريق الجمع.

(ولو عجز العبدُ) عن السعي أو امتنع منه ولم يُمكن إجباره، أو مطلقاً في ظاهر كلامهم (فالمُهايَأَة) بالهمز (في كسبه) بمعنى أنهما يقتسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه ويكون كسبه في كل وقت لِمَن ظهر له بالقسمة وتَتَناوَلُ) المهايَأةُ (المعتاد) من الكسب كالاحتطاب (والنادر) كالالتقاط، وربما قيل لا تتناول النادرَ؛ لأنّها معاوضةٌ فلو تَنَاوَلَتْه تَجَهَّلَتْ ، والمذهب خِلافُه، والأدلة عامة والنفقة والفطرة عليهما بالنسبة ولو مَلَك بجزئه الحرّ مالاً كالإرث والوصية لم يُشاركه المولى فيه وإنْ اتَّفق في نوبته. ولو امتنعا أو أحدهما من المهايَأة لم يُجبر الممتنع وكان على المولى نصفُ أُجرةِ عمله الذي يَأْمُرُه به،

وعلى المُبَعَّض نصفُ أجرة ما يغصبه من المدة ويُفَوِّته اختياراً.

(ولو اختلفا في القيمة حَلَف الشريك؛ لأنّه يُنتزع من يده) فلا يُنتزع إلا بما يقوله؛ لأصالة عدم استحقاق مِلكه إلا بعوض يختاره، كما يحلف المشتري لو نازَعَه الشفيع فيها للعلّة. وقيل: يَحلف المُعتِق لأنه غارمٌ(2)

وربما بُنِيَ الخلافُ على عتقه بالأداء أو الإعتاق، فعلى الأوّل الأوّلُ وعلى الثاني الثاني، وعليه المصنّف في الدروس(3)، لكن قدَّم على الحلف عَرْضَه على المقومين مع الإمكان. والأقوى تقديم قول المعتق للأصل، ولأنّه مُتلف فلا يقصر عن الغاصب

المُتلف.

(وقد يحصُل العتقُ بالعَمَى) أي عَمَى المملوك بحيث لايُبصر أصلاً؛ لقول الصادق(علیه السلام) في حسنة حماد: «إذا عمي المملوك فقد أُعتِق»(4) وروى السكوني عن

ص: 370


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 219 - 220،ج،784 - 787.
2- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج3، ص 85؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 207.
3- الدروس الشرعية،ج 2،ص،170(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 222،ح،799.

أبي عبدالله(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إذا عَمِيَ المملوكُ فلارِقّ عليه، والعبدُ إذا جُدِمَ فلا رِقّ عليه»(1) وفي معناهما أخبارٌ كثيرة(2) والجذام) وكأنه إجماع ومِن ثمَّ لم يُنكِره ابنُ إدريس(3) وإلا فالمستند ضعيف، وألحق به ابنُ حمزة البَرَصَ(4) ولم يثبت. (والإقعادِ) ذَكَره الأصحابُ ولم نَقِف على مستنده، وفي النافع نَسَبه إلى الأصحاب(5) مشعراً بتمريضه إن لم تكن إشارة إلى أنّه إجماع، وكونه المستند (وإسلام المملوك في دار الحرب سابقاً على مولاه خارجاً منها قبله على أصح القولين(6) للخبر(7) ولأنّ إسلام المملوك لاينافي ملك الكافر له، غايته أنه يُجبر على بيعه، وإنّما يَملك نفسه بالقهر لسيده ولايتحقق ثُمَّ إلّا بالخروج إلينا قبله. ولو أسلم بعده لم يُعتق وإن خرج إلينا قبله ومتى مَلَك نفسه أمكن بعد ذلك أن يسترق مولاه إذا قَهَره فتنعكس المولويّة.

(ودفع قيمة) المملوكِ (الوارثِ) إلى سيّده ليُعتَقَ ويَرِثَ. ويظهر من العبارة انعتاقه بمجرد دفع القيمة حيث جَعَله سببَ العتق وكذا يظهر منها الاكتفاء في عتقه بدفع القيمة من غير عقد، وسيأتي(8) في الميراث أنّه يُشترى ويُعتق، ويُمكن أن يريد كون دفع القيمة من جملة أسباب العتق وإنْ تَوقَّف على أمرٍ آخَرَ كسبية التدبير والكتابة والاستيلاد.

(وتنكيل المولى بعبده) في المشهور، و به روايتان إحداهما مرسلةً(9) وفي بعض

ص: 371


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،222،ح،798.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،222 - 223،ح،800.
3- السرائر،ج3، ص 8.
4- الوسيلة، ص 340.
5- المختصر النافع،ص،336.
6- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 295؛ والعلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص 204؛ أما القول بالعدم نسبه إلى الأكثر ابن فهد في المهذب البارع،ج4،ص، 65.
7- تهذيب الأحكام،ج6،ص،152،ح،264.
8- سيأتي في كتاب الإرث.
9- الكافي،ج 1، ص 189،باب المملوك إذا عمى،ح1.

سند الأُخرى(1) جهالة، ومن ثَمَّ أنكره ابن إدريس(2) وأصل التنكيل فعل الأمر الفظيع بالغير، يقال «نَكّل به تنكيلاً إذا جَعَلَه نَكالاً وعِبرة لغيره مثل أن يقطع أنفه أو لسانه أو أُذُنَيه أو شَفَتَيه»، وليس في كلام الأصحاب هنا شيء محرر بل اقتصروا على مجرد اللفظ فيُرجع فيه إلى العرف فما يُعَدّ تنكيلاً عرفاً يترتب عليه حكمه. والأمة في ذلك كالعبد، ومورد الرواية المملوك فلو عبر به المصنّف كان أولى.

(و) قد يحصل العتق (بالملك) فيما إذا مَلَك الذَّكَرُ أحد العمودين أو إحدى المُحَرَّمات نسباً أو رضاعاً، والمرأة أحد العمودين، وقد سبق) تحقيقه في كتاب البيع(3)

ويلحق بذلك مسائلُ

المسألة الأولى

(لو قيل لمن أعتَق بعضَ عبيده «أأعتقتهم؟») أي عبيدَك بصيغة العموم من غير تخصيص بمن أعتَقه، فقال «نعم» لم يُعتَق سِوَى مَن أعتقهم؛ لأنّ هذه الصيغةَ لاتكفي في العتق وإنّما حُكم بعتق من أعتقه بالصيغة السابقة. هذا بحسب نفس الأمر، أمّا في الظاهر فإنّ قوله «نعم» عَقِيبَ الاستفهام عن عتق عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم عند المحققين يُفيد الإقرار بعتق جميعِ عَبِيدِه مَن أوقع عليه وغيره عملاً بظاهر إقرار المُسلِم فإنّ الإقرار وإن كان إخباراً عما سبق لايصدق إلا مع مطابقته لأمر واقع في الخارج سابق عليه، إلا أنه لايُشترط العلم بوقوع السبب الخارجي، بل يكفي إمكانه وهو هنا حاصل فيَلزَم الحكم عليه ظاهراً بعتق الجميع لكلّ مَن لم يَعلَم بفساد ذلك.

ولكنّ الأصحاب أطلقوا القول بأنه لايُعتَق إلا من أعتَقه، من غير فرق بين الظاهر

ص: 372


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص223،ح،802.
2- السرائر،ج 3، ص 8 - 9.
3- سبق في ج 2، ص 164، كتاب المتاجر، الفصل الثالث في بيع الحيوان.

ونفس الأمر؛ تَبعاً للرواية(1) وهي ضعيفة مقطوعة فيها ما ذُكر. ويقوى الإشكال لو كان من أعتقه سابقاً لا يبلغ الجمعَ فإنّ إقراره ينافيه من حيث الجمع والعموم، بل هو في الحقيقة جمعُ كثرةٍ لايُطلَق حقيقةٌ إلا على ما فوق العشرة، فكيف يُحمل على الواحد بحسب مدلول اللفظ لو لم يكن أعتق غيره في نفس الأمر؟! نعم، هذا يتم بحسب ما يعرفه المعتق ويدين به لابحسب إقراره، لكن الأمر في جمع الكثرة سَهْل؛ لأنّ العرف لايفرّق بينه وبين جمع القلة وهو المُحَكَّم في هذا الباب.

واشتَرَط بعضُهم في المحكوم بعتقه ظاهراً الكثرة(2) نظراً إلى مدلول لفظ الجمع فيَلزَم عتق ما يصدق عليه الجمعُ حقيقةً ويكون في غير من أعتقه كالمشتَبِه، واعتذر لهم عمّا ذكرناه بأنه:

إذا أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق عليه هؤلاء مماليكي حقيقةً، فإذا قيل له «أ أعتقتَ مماليكك؟» فقال «نَعَمْ» وهي تقتضي إعادة السؤال وتقريره، فيكون إقراراً بعتق المماليك الذين انعتقوا دون غيرهم؛ لأصالة البراءة، والإقرار إنّما يُحمّل على المتيقن لا على ما فيه احتمال(3)

وممّا قرَّرناه يُعلَم فسادُ الاعتذار للفرق بين قوله «أعتقتُ مماليكي» المقتضي للعموم، وبين قوله لثلاثة «هؤلاء مماليكي»؛ لأنه حينئذٍ يُفيد عموم المذكور دون غيره، بخلاف المطلق فإنّه يُفيده في جميع من يملكه بطريق الحقيقة وهذا لا احتمال فيه من جهة مدلول اللفظ، فكيف يَتَخَصَّصُ بما لادليل عليه ظاهراً؟! نعم، لو كان الإقرار في محلّ اضطرار كما لو مَرَّ بعاشرٍ فأخبر بعتقهم ليسلم منه اتَّجه القولُ بأنه لا يُعتق إلا ما أعتقه عملاً بقرينة الحال في الإقرار وبه وردت الرواية(4)

ص: 373


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 226،ح 813.
2- كالعلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،202 - 203؛ وولده في إيضاح الفوائد،ج3،ص،482.
3- المعتذر هو فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد،ج3،ص،481.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 227،ح 815.

المسألة الثانية

( ولو نَذَر عتق أوّلِ ما تَلِدُه فوَلَدت توأمين أي ولدين في بطن، واحدُهما «تَوْأَمْ» على فَوْعَل (عُتقا) معاً إن ولدتهما دفعةً واحدةً؛ لأنّ «ما» من صيغ العموم فيشملهما، ولو ولدتهما متعاقبين عُيّق الأوّل خاصة، والشيخ لم يُقيّد بالدفعة(1) تبعاً للرواية(2) وتبعه جماعةٌ(3) منهم المصنّف هنا، وحُمِلَتْ على إرادة أوّل حمل. هذا إن ولدته حيّاً وإلا عُتِق الثاني؛ لأنّ الميّت لايصلح للعتق، ونذره صحيحاً يدلّ على حياته التزاماً، وقيل: يَبطُل لفوات متعلّقه(4) ولو ولدته حراً أو مستحقاً للعتق لعارض فوجهان (وكذا لو نَذَر عتق أوّل ما يملكه فمَلَك جماعةً دفعةً واحدةً بأن قبل شراء هم أو تملكهم في عقدٍ واحدٍ أو وَرتَهم من واحد (عُتقوا) أجمع؛ لما ذكرناه من العموم. (ولو قال «أوّل مملوك أَملِكُه فمَلَك جماعةً أعْتَق أحدهم بالقرعة؛ لأنّ «مملوكاً» نَكِرةٌ واقعةٌ في الإثبات فلا تَعُمّ بل تصدُق بواحد فلاتتناول غيره؛ لأصالة البراءة.

(وكذا لو قال «أوَّل مولودٍ تَلِدُه فلافرق حينئذٍ بين نَذْرِ ما تَلِدُه ويملكه فيهما، نظراً إلى مدلول الصيغة في العموم ،وعدمه، ومَن خَصَّ إحداهما بإحدى العبارتين والأخرى بالأخرى فقد مَتَّل

هذا غايةُ ما بينهما من الفرق، وفيه بحث؛ لأنّ «ما» هنا تحتمل المصدرية والنكرة المثبتةَ تَحتمِل الجنسيّة، فيلحق الأوّلُ بالثاني والثاني بالأول. ولاشبهة فيه عند قصده إنّما الشكّ مع إطلاقه لأنّه حينئذٍ مشترك فلا يُخَص بأحد معانيه بدون القرينة، إلا أن يُدعَى وجودها فيما ادَّعوه من الأفراد، وغير بعيد ظهورُ الفرد المدَّعَى وإن احتُمِل

ص: 374


1- النهاية، ص 544.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 231،ح 834.
3- منهم: القاضي في المهذب،ج2، ص،360؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،81؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص،403.
4- قال به العلامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج4،ص،203، الرقم 5655.

خِلافُه، وهو مرجّحٌ، مع أنّ في دلالة الجنسيّة على تقدير إرادتِها أو دَلالتِها على العموم

نظراً لأنه صالح للقليل والكثير.

ثمّ على تقدير التعدّدِ والحمل على الواحد يُستخرج المعتَقُ بالقرعة كما ذُكِر؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) في رجل قال: أوّل مملوكٍ أَملِكُه فهو حرّ، فوَرِثَ سبعةً جميعاً، قال: «يُقرع بينهم ويُعتق الذي خَرَج اسمه»(1) والآخَرُ محمول عليه لأنه بمعناه.

وقد يُشكل ذلك في غير مورد النص بأنّ القرعة لإخراج ما هو معلوم في نفس الأمر مشتبه ظاهراً، وهنا الاشتباه واقع مطلقاً فلاتَتَوَجَّه القرعة في غير موضع النص إلا أن يُمنَع تخصيصها بما ذكر، نظراً إلى عموم قولهم(علیهم السلام): «إنها لكلّ أمرٍ مشتبه»(2) لكن خصوصيّة هذه العبارةِ لم تَصِلْ إلينا مستندةً على وجه يُعتمد وإن كانت مشهورة. وقيل: يَتخيَّر في تعيين من شاء(3) لرواية الحسن الصيْقَل عنه(علیه السلام)(4) في المسألة بعينها، لكنّ الرواية ضعيفةُ السند، ولولا ذلك لكان القولُ بالتخيير وحملُ القرعة على الاستحباب طريقَ الجمع بين الأخبار والمصنّف(رحمه الله) في الشرح اختار التخييرَ جمعاً مع اعترافه بضعف الرواية(5)

وربما قيل ببطلان النذر(6) لإفادة الصيغة وحدة المعتق ولم تُوجَد. وربما احتُمِل عتقُ الجميع؛ لوجود الأولوية في كلّ واحد كما لو قال: «مَن سَبَق فله كذا فسَبَقَ جماعةٌ،

والفرق واضح.

ص: 375


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 226، ح 811.
2- لم نعثر عليه بلفظه راجع تهذيب الأحكام،ج1، ص،240،ح،593: الخلاف،ج1، ص 338، المسألة 10: کنز العرفان،ج2،ص20 - 29.
3- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج 8، ص 50، المسألة 10.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 226،ح،812.
5- غاية المراد،ج3، ص 244 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج3).
6- قال به ابن إدريس في السرائر،ج3،ص،12.

المسألة الثالثة

(ولو نَذَر عِنقَ أمته إن وَطِئَها فأخرَجَها عن مِلكه) قبل الوطء (ثمّ أعادها) إلى ملكه (لم تعد اليمين) ؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) قال: سألته عن الرجل تكون له الأمة فيقول: يوم يأتيها فهي حرّة ثمّ يبيعُها من رجل ثمّ يشتريها بعد ذلك. قال: «لا بأس بأن يأتيها قد خَرَجَتْ عن مِلكه»(1) وحُمِل ما أُطلِق فيها من التعليق على النذر(2) ليوافق الأصول، ويشهد له أيضاً تعليله الإتيان بخروجها عن ملكه، ولو لم يكن منذوراً لم يتوقف ذلك على الخروج كما لا يخفى. ولو عمَّم النذر بما يشمل الملك العائد فلا إشكال في بقاء الحكم. وفي تعديته إلى غير الوطء من الأفعال وإلى غير الأمة وجهان من كونه قياساً

وإيماء النص إلى العلة وهي مشتركة والمتجه التعدي نظراً إلى العلة. ويتفرع على ذلك أيضاً جواز التصرف في المنذور المعلَّقِ على شرط لم يُوجَد، وهي مسألة إشكالية. والعلّامة اختار في التحرير عتق العبد لو نَذَر إن فَعَل كذا فهو حرّ، فباعه قبل الفعل ثمّ اشتراه ثمّ فَعَل(3) وولدُه استقرب عدمَ جوازِ التصرّف في المنذورِ المعلَّقِ على الشرط قبل حصوله(4) وهذا الخبرُ حجّة عليهما.

المسألة الرابعة

(ولو نَذَر عتق كلِّ مملوك قديم انصرف) النذرُ (إلى من مَضَى عليه في ملكه ستّةُ أشهُر) فصاعداً، على المشهور. وربما قيل: إنه إجماع و مستندُه روايةٌ(5) ضعيفةُ السند، واعتمادهم الآن على الإجماع(6)

واختلفوا في تعديته إلى نذرِ الصدقة بالمال القديم ونحوه من حيث إنّ القديم ق-د صار حقيقةً شرعيّةً فى ذلك فيُتَعدَّى، ويُؤيّده تعليله فى الرواية بقوله تعالى: (حَتَّى عَادَ

ص: 376


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 226،ح 814.
2- راجع مختلف الشيعة،ج 8، ص 53, المسألة 11.
3- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 210، ذيل الرقم 5663.
4- إيضاح الفوائد،ج3،ص،484.
5- وهي رواية أبي سعيد المكاري تهذيب الأحكام،ج 8، ص 231،ح 835.
6- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 483.

كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(1) فإنّه يقتضي ثبوت القِدَمِ بالمدّة المذكورة مطلقاً(2) ومِن معارَضة اللغة والعرف ومَنْعِ تحققه شرعاً لضعف المستند(3) والإجماع إن ثبت اختصّ بمورده. والأقوى الرجوع في غير المنصوص إلى العرف وفيه لو قصر الكلُّ عن ستة ففي عتق أوّلهم تملكاً اتَّحَدّ أم تعدَّدَ، أو بطلان النذر وجهان، وعلى الأول لو اتفق ملك الجميع دفعةً ففي انعتاق الجميع أو البطلان لفقد الوصف الوجهان. والأقوى البطلان فيهما؛ لدَلالةِ اللغة والعرف على خلافه وفَقْدِ النص.

واعلم أنّ ظاهر العبارة كون موضع الوفاق نذر عتق المملوك، سواءٌ فيه الذَّكَرُ والأنثى، وهو الظاهر؛ لأنّ مستند الحكم عبر فيه بالمملوك. والعلامة جعل مورده العبد، واستشكل الحكم في الأمة كغيرها من المال(4) واعتذر له ولده بأنّ مورد الإجماع العبد وإن كان النصُّ أعمَّ لضَعْفِه(5) وإثبات موضع الإجماع في ذلك لو تمَّ لا يخلو مِن عُسْرٍ.

المسألة الخامسة

(ولو اشتَرَى أمةً نسيئةً وأعتقها وتَزوَّجها وجَعَل عِتْقَها مَهْرَها) كما هو مورد الرواية(6).

(أو تَزوَّجها ) بعد العتق (بمهر) أو مفوّضةٌ لاشتراك الجميع في الوجه، ثمّ مات ولم يُخَلِّف شيئاً ليُوفَى منه ثمنها (نَفَذَ العتقُ)؛ لوقوعه من أصله صحيحاً (ولاتعود رقاً)؛ لأنّ الحرّ لاتطرأ عليه الرقية في غير الكافر (ولا) يعود (ولدُها) منه رقاً أيضاً؛ لانعقاده حراً كما ذُكر على ما تقتضيه الأصول الشرعيّةُ؛

فإنّ العتقَ والنكاحَ صادَفَا مِلكاً صحيحاً، والولد انعَقَد حراً، فلاوجه لبطلان ذلك. (وفي رواية هشام بن سالم الصحيحة عن أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام): «رقُّها

ص: 377


1- يس (36) 39.
2- انظر السرائر،ج 3، ص 13.
3- منهم: العلامة في قواعد الأحكام،ج3،ص،203 والشهيد الأول في الدروس الشرعية،ج2، ص 164(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- قواعد الأحكام،ج3، ص 203.
5- إيضاح الفوائد،ج3،ص،483.
6- تأتي عن قريب.

ورِقُّ ولدِها لمولاها الأول) الذي باعها ولم يقبِض ثمنَها . ولفظُ الرواية: قال أبو بصير: سئل أبو عبدالله(علیه السلام) وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جاريةً بكراً إلى سَنَةٍ فلمّا قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها وجَعَل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك بشهر. فقال أبو عبدالله(علیه السلام): «إن كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عُقدةٌ تُحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإنّ عِتقه ونكاحه جائز، وإن لم يملك مالاً أو عقدةً تُحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإنّ عتقه ونكاحه باطل ؛ لأنه أعتق ما لا يملك وأَرَى أنّها رِقٌ لمولاها الأول». قيل له: فإن كانت قد عَلِقَتْ مِن الذي أعتقها وتَزوَّجها ما حال ما في بطنها؟ فقال: «الذي في بطنها مع أُمّه كهيئتها»(1)

وهذه الرواية منافية للأصول بظاهرها؛ للإجماع على أنّ المُعسِر يَملك ما اشتراه في الذمة، ويصح عتقه ويصير ولده حراً. فالحكم بكون عتقه ونكاحه باطلين وأنه أعتق ما لا يملك، لا يطابق الأصول، ومقتضاها أنه متى قَصَر ماله عن مجموع ثمنها يكون الحكمُ كذلك وإن قلّ. لكن عَمِل بمضمونها الشيخ(2) وجماعة(3) لصحتها، وجواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول لعلّةٍ غير معقولة.

وعلى هذا لافرق بين من جُعِل عِتقُها مَهرَها وغيرها كما نبه عليه المصنّف بقوله «أو تزوّجها بمهر»، ولايتقيَّد الأجلُ بالسنة ولافرق بين البكر والثيب، مع احتمال اختصاص الحكم بما قُيِّد في الرواية(4)

ولو كان بدلُها عبداً قد اشتراه نسيئةً وأعتقه ففي إلحاقه بها وجهُ؛ لاتّحاد الطريق، وكذا في تعدّي الحكم إلى الشراء نقداً، أو بعضَه ولم يَدفَع المالَ. ومضمونُ الرواية موتُه قبل الولادة فلو تَقدَّمَتْ على موته فأقوى إشكالاً في عوده رقاً؛ للحكم بحريته حين ولادته، بخلاف الحمل لإمكان توهم كون الحكم لتبعية الحمل للحامل.

ص: 378


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 202،ح،714.
2- النهاية، ص 497 - 498.
3- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب،ج2،ص،248؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 403.
4- تقدّم في الهامش .1.

ومَن خالَفَ ظاهر الرواية - وهم الأكثر(1) - اختلفوا في تنزيلها، فحَمَلها العلّامة على كون المشتري مريضاً وصادَفَ عتقه ونكاحه وشِراؤُه مرض الوفاة، فيكون الحكمُ ما ذُكر فيها(2) لأنّه حينئذٍ يكون العتق مُراعى فإذا مات مُعسِراً كذلك ظَهَر بطلانه، ورَدَّه المصنِّفُ (رحمه الله) بأنّ ذلك لا يَتِمّ في الولد(3) لانعقاده حال الحكم بحريّة أمه والحرُّ المسلمُ لايَصير رِقّاً، وهو لا يقصُر عمَّن تَوَلَّد مِن وطء أَمَة الغير بشبهةٍ أو شراء فاسد مع جهله. وحَمَلَهَا آخَرون على فساد البيع(4) ويُنافيه قوله في الرواية «إن كان له مال فعتقه «جائز». وحُمِلت على أنّه فَعَلَ ذلك مُضارَةً، والعتق يُشترط فيه القربة، وهذا الحمل نقله المصنّف (رحمه الله) عن الشيخ طُومان بن أحمد العاملي المناري (رحمه الله)، ورَدَّه بأنّه لا يَتِمّ أيضاً في الولد(5) وردَّها ابن إدريس لذلك مطلقاً(6) وهو الأنسب.

. وعِتقُ الحامل لا يتناول الحمل كما لا يتناوله البيع وغيره للمغايرة، فلايدخل أحدهما في مفهوم الآخر، سواءٌ استثناه أم لا وسواءٌ عَلِمَ به أم لا، إلّا) على (رواية) السكوني عن أبي عبدالله(علیه السلام) عن أبيه، في رجل أعتق أَمَةٌ وهي حُبلى فاستثنى ما في بطنها. قال: «الأمة حرّة وما في بطنها حرّ لأنّ ما في بطنها منها»(7) وعَمِل بمضمونها الشيخُ(8) وجماعة(9)، وضعفُ سندِها يَمنَع من العمل بها مع أنّها ظاهرة في التقيّة.

ص: 379


1- راجع غاية المراد،ج 3، ص 89 90(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).
2- مختلف الشيعة،ج 7، ص 291، ذيل المسألة 204.
3- الدروس الشرعية،ج2، ص 159(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
4- حكاه الشهيد في غاية المراد،ج3،ص،90(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،3).
5- الدروس الشرعية،ج2، ص 159(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج10)، وفيه: حملت... راجع ترجمة الشيخ طومان المناري في أعيان الشيعة،ج 7، ص 402: ومعجم رجال الحديث، ج،10، ص 184 الرقم 6030.
6- السرائر،ج3، ص،14: و ج،2 ص 639.
7- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،236،ح،851.
8- النهاية، ص 545.
9- منهم: القاضي بن البراج في المهذب،ج2،ص،361؛ وابن حمزة في الوسيلة،ص،342؛ حكاه عن ابن الجنيدالعلامة في مختلف الشيعة،ج،8،ص،59، المسألة 17.

ص: 380

(كتاب) التدبير والمكاتبة والاستيلاد)

ص: 381

ص: 382

کتاب التدبیر والمکاتبة والاستیلاد

النظر الأول في التدبير

(التدبير تعليقُ عتقِ عبدِه) أو أمتِه(بوفاته)، تفعيلُ من الدُبُر فإنّ الوفاةَ دُبُرُ الحياة، (أو تعليقُه على وفاةِ زوجِ المملوكة) التي دَبَّرَها فعلَّق عنقها على وفاة زوجها، (أو) وفاة (مخدوم العبد أو الأمة أيضاً لجواز إعارتها للخدمة، بل هي المنصوصة

كما سيأتي(1) وصحته في الأوّل إجماعي وفي الآخِرَيْن (على قولٍ مشهورٍ)(2) ؛ لأن العتقَ لما قَبِل التأخير - كقبوله للتنجيز ، ولا تفاوت بين الأشخاص - جاز تعليقه بوفاة غير المالك ممّن له ملابسة كزوجيّة وخدمة، وللأصل، ولصحيحة يعقوب بن شعيب، أنه سأل الصادق(علیه السلام) عن الرجل يكون له الخادم فقال: هي لفلان تَخدِمُه ما عاش فإذا مات فهي حرّة فتَابَقُ الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّ سنين ثمّ يَجِدها وَرَثْتُه أَلَهم أن يستخدموها بعد ما أبقت. فقال: «لا، إذا مات الرجل فقد عَتَقَتْ»(3) وحُمِل عليه الزوجيّةُ لشدّة المشابهة، ولا يتَعَدَّى إلى غيرهما لبعده عن النص. وربما قيل بالتعدّي مطلقاً من غير اعتبار الملابسة(4) لمفهوم الدليل الأول.

ص: 383


1- يأتي عن قريب.
2- منهم: ابن البراج في المهذب،ج2، ص 373؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 345؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص،88.
3- تهذيب الأحكام،ج 8،ص،264،ح،965.
4- حكاه عن ابن الجنيد الشهيد في الدروس الشرعية،ج2،ص181(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وفي مقابلة المشهور قولُ ابن إدريس باختصاصه بوفاة المولى(1) عملاً بالمتيقن، ودعوى أنّه شرعاً كذلك، ولبطلانه ،بالاباق، والروايةُ تَضَمَّنَتْ خلافه. والنصُّ الصحيح يدفع الاقتصار، والثاني مصادرة، والملازمة بين إباقه من المالك ومن المخدوم ممنوعة؛ للفرق بمقابلته نعمة السيد بالكفران فقُوبل بنقيضه كقاتل العمد في الإرث، بخلاف الأجنبي.

واعلم أنّ القولَ المشهورُ هو تَعدِيَتُه من موت المالك إلى المخدوم كما هو المنصوص، وأما إلحاق الزوج فليس بمشهور، كما اعترف به المصنّف في الشرح(2) فالشهرة المحكية هنا إن عادت إلى الأخير لَزِمَ القطعُ بالأول دونه، وهو خلاف الظاهر، بل ينبغي العكس، وإن عادت إليهما لم تتم الشهرة في الزوج إلّا أن يُجعَل له مع الزوجية الخدمة، والوقوفُ على موضع النص والوفاق حسن. (والوفاة) المعلّق عليها (قد تكون مطلقةً) غير مقيَّدة بوقت ولا مكانٍ ولا صفةٍ (وقد تكون مقيَّدةً) بأحدها ك- «هذه السنة» أو «في هذه البلد» أو «المرض». والتعليق عليهما جائز فلا يَتَحَرَّر في المقيد بدون القيد (كما تقدّم في الوصية) من جوازها بعد الوفاة مطلقاً ومقيّداً. (والصيغة) في التدبير (أنت حر أو عتيق أو مُعتق بعد وفاتي) في المطلق، أو بعد وفاة فلان الزوج أو المخدوم، أو «بعد وفاتي هذه السنة»، أو «في هذا المرض»، أو في سفري هذا ونحو ذلك في المقيد.

ويُستفاد من حصر الصيغة فيما ذُكر أنّه لا ينعقد بقوله «أنت مُدَبَّر» مقتصراً عليه وهو أحد القولين في المسألة(3) لأنّ التدبيرَ عتقٌ معلَّقٌ على الوفاة كما استُفِيد من

ص: 384


1- السرائر،ج3، ص 30-31.
2- غاية المراد،ج 3، ص 261 - 262 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
3- ذهب إليه الشيخ في الخلاف،ج 6،ص 409 المسألة 2؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 88 والقول بالانعقاد للعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 223؛ وولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 543.

تعريفه فينحصِر في صيغة تُفيده. ووجه الوقوع بذلك أنّ التدبير حقيقة شرعيّة في العتقِ المخصوص فيكون بمنزلة الصيغة الصريحة فيه، وفي الدروس اقتصر على مجرد نقل الخلاف(1) والوجهُ عدمُ الوقوع.

ولايقع باللفظ مجرَّداً بل(مع القصد إلى ذلك المدلول، فلاعِبرةَ بصيغة الغافل والساهي والنائم والمكره ولايُشترط) في صحته نيّة(التقرب به إلى الله تعالى وإن تَوقَّف عليه حصول الثواب على الأقوى؛ للأصل، ولأنه وصيّةٌ لاعتق بصفة. وقيل: يُشترط(2) بناءً على أنّه عتق، وإلا لافتقر إلى صيغة بعد الوفاة، وشرطه القربة. ويتفرّع عليهما صحة تدبير الكافر مطلقاً أو الكافر مطلقاً أو مع إنكاره الله تعالى كما سلف(3) (وشرطها) أي شرط صيغة التدبير (التنجيز) فلو علقها بشرط أو صفة ك«إن فعلت كذا أو طَلَعَت الشمس فأنت حر بعد وفاتي بطل، (وأن يُعلّق بعد الوفاة بلافصل فلو قال «أنت حرّ بعد وفاتي بسنة») مثلاً (بطل). وقيل: يصح فيهما، ويكون في الثاني وصيّةً بعتقه(4) وهو شاذ. (وشرط المباشر الكمال) بالبلوغ والعقل والاختيار وجواز التصرف) فلايصح من الصبي وإن بلغ عشراً، ولا المجنونِ المُطبق مطلقاً ولا ذي الأدوار فيه ولا المكرَةِ ولا المحجور عليه لسفه مطلقاً على الأقوى. وقيل: لا(5) لانتفاء معنى الحجر بعد الموت، ويُضعف بأنّ الحجر عليه حيّاً يمنع العبارة الواقعة حالتها فلاتؤثر بعد الموت. أما المحجورُ عليه لفلس فلايُمنَع منه؛ إذ لاضرر على الغُرَماء فإنّه إنّما يُخرج بعد الموت من ثلث ماله بعد وفاء الدين. ومثله مطلق وصيّته المتبرع بها. وينبغي التنبيه على خروجه من اشتراط جواز التصرّف، إلّا أن يُدّعَى أنّ المفلس جائز التصرف

ص: 385


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 182) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- قال به ابن إدريس في السرائر،ج3، ص 30.
3- سلف في ص 363.
4- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة،ج8،ص،102، المسألة 51.
5- قال به الشيخ في المبسوط،ج4،ص،563.

بالنسبة إلى التدبير وإن كان ممنوعاً منه في غيره، لكن لايخلو من تكلّف. (ولايُشترط) في المدبّر (الإسلام) كما لايُشترط في مطلق الوصية فتصح مباشرة الكافر) التدبير (وإن كان حربيّاً) أو جاحداً للربوبية؛ لما تقدم من عدم اشتراط القربة، وللأصل.

(فإن دَبَّرَ) الحربي حربيّاً(مثله واستُرِق أحدُهما) بعد التدبير (أو كلاهما، بطل التدبير)، أمّا مع استرقاق المملوك فظاهر؛ لبطلان ملك الحربي له المنافي للتدبير، وأمّا مع استرقاق المباشر فلخروجه عن أهلية الملك وهو يقتضي بطلان كلّ عقدٍ وإيقاعِ جائزَيْن.

(ولو أسلَم) المملوك (المدبَّرُ) من كافر (بيع على الكافر) قهراً وبطل تدبيره)؛ لانتفاء السبيل له على المُسلِم بالآية(1) ولقوله : «الإسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى عليه»(2)

وطاعة المولى عُلُوّ منه والتدبير لم يُخرجه عن الاستيلاء عليه بالاستخدام وغيره. :وقيل: يتخيَّر المولى بين الرجوع في التدبير فيُباع عليه، وبين الحيلولة بينه وبينه وكسبه للمولى، وبين استسعائه في قيمته(3) وهو ضعيف لا دليل عليه. نعم، لو مات المولى قبل البيع عتق من ثلثه ولو قَصَرَ ولم يُجِزِ الوارث فالباقي رِقٌ، فإن كان الوارث مسلماً فله وإلّا بيعَ عليه من مسلم.

(ولو حَمَلت المدبَّرةُ من مملوك) بزنئ أو شبهةٍ أو عقد على وجه يملكه السيد (فولدها مدبَّر) كأُمه. ويُشكل في الزنى مع علمها لعدم لحوقه بها شرعاً، لكن الشيخ(4) وجماعة أطلَقوا الحكمَ(5) والمصنف في الدروس قيَّده بكونه من مملوك المدبر فلو كان

ص: 386


1- النساء (4) 141.
2- الفقيه، ج 4، ص 334،ح،5722؛ السنن الكبرى البيهقي،ج6،ص،338،ح، 12155.
3- قال به ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 371.
4- المبسوط،ج،4،ص،555؛ النهاية،ص،552.
5- منهم: ابن البراج في المهذب،ج2،ص 367؛ والمحقق في شرائع الإسلام،ج3،ص 88؛ والعلّامة في قواعدالأحكام،ج3، ص،226.

من غيره لم يكن مدبَّراً، واستشكل حكمَ الزنى(1) والأخبارُ(2) مطلقةٌ فى لحوق أولادها بها في التدبير حيث يكونون أرقاء، فالقول بالإطلاق أوجَهُ. نعم، اشتراطُ إلحاقهم بها في النسب حسن ليتحقَّق النَسَبُ.

واعلم أنّ «الولد» بفتح الواو واللام وبضمها فسكونها، يُطلق على الواحد والجمع.

وقد يكون الثاني جمعاً لوَلَد كأسَد وأُشد.

ويجوز وطءُ المدبَّرة ولايكون رجوعاً، (ولو حملت من سيّدها صارت أُمَّ ولدٍ) ولم يبطل التدبيرُ ( فتُعتَق) بعد موته من الثلث) بسبب التدبير، (فإن فَضَلَتْ) قيمتُها عن الثلث فمن نصيب الولد يُعتق الباقي. (ولو رجع) المولى في تدبيرها ولها ولد لم يكن) رجوعه في تدبيرها (رجوعاً في تدبير وَلَدِها لعدم الملازمة بينهما وتحقق الانفكاك وعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات.

(ولو صرَّح بالرجوع في تدبيره أي تدبير الولد فقولان: أحدهما: الجواز(3) كما يجوز الرجوع في تدبيرها لكون التدبير جائزاً فيصح الرجوع فيه والفرع لايزيد على أصله.

والثاني: - و هو الذي اختاره الشيخ مدعياً الإجماعَ(4)، وجماعةٌ(5) منهم المصنف في الدروس(6) وهو (المروي) صحيحاً عن أبان بن تَغْلِبَ عن الصادق(علیه السلام)(7) - المنعُ):

ص: 387


1- الدروس الشرعية،ج 2، ص 186(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 259 - 260، ح 141 و 946 و 948.
3- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر،ج3، ص 32 - 33؛ والعلامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 226 وولده في إيضاح الفوائد،ج3،ص،549.
4- الخلاف،ج 6، ص 416، المسألة 14.
5- منهم القاضي في المهذب،ج2،ص،367؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 346؛ والمحقق في المختصر النافع،ص 335.
6- الدروس الشرعية،ج2، ص 183 - 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج،10).
7- الكافي،ج6،ص،184،باب المدبر،ح، 6.

ولأنّه لم يُباشِر تدبيرَه وإنّما حُكِم به شرعاً فلايُباشر ردَّه في الرق، وبهذا يحصُل الفرق بين الأصل والفرع.

(ودخولُ الحمل في التدبير للأُمّ مرويٌّ) في الصحيح عن الحسن بن علي الوشّا عن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عن رجل دبَّر جاريةٌ وهي حُبلى. فقال: «إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فما في بطنها رقّ»(1) والروايةُ كما تَرَى دالّة على اشتراط دخوله بالعلم به لا مطلقاً، فكان على المصنف أن يُقيَّدَه حيث نَسَبه إلى الرواية. نعم، ذهب بعضُ الأصحاب إلى دخوله في تدبيرها مطلقاً(2) كما يدخُل لو تجدَّدَ إلّا أنّه غيرُ مروي، وبمضمون الرواية أفتى الشيخُ في النهاية(3) وجماعةٌ(4) (كعتق الحامل فإنّه يَتْبَعُها الحمل على الرواية السابقة.

والأظهر عدمُ دخوله فيها مطلقاً، وحُمِلت(5) هذه الروايةُ على ما إذا قصد تدبير الحمل مع الأم، وأُطلق العلم على القصد مجازاً؛ لأنه مسبب عنه، وقد رَوَى الشيخ أيضاً في الموثق عن الكاظم(علیه السلام) عدمَ دخوله مطلقاً(6) فالحمل طريق الجمع.

(ويتحرّر المدبَّر) بعد الموت (من الثلث) كالوصية، (ولو جامع الوصايا) كان كأحدها و(قُدِّم الأوّل فالأوّلُ) إن لم يكن فيها واجب. ( ولو كان على الميّت دينٌ قُدِّم الدينُ) من الأصل، سواء كان متقدماً على التدبير أم متأخراً، ومنه الوصية بواجب مالي، (فإن فَضَل) من التركة (شيءٌ) ولم يكن هناك وصيّةٌ تُقَدَّم عليه عُتِق(من المدبَّر ثلث ما بَقِي) إن لم يَزِدْ عن قيمته كغيره من الوصايا المتبرَّعِ بها، حتى لو لم يَفضُ سواه

ص: 388


1- الكافي،ج1، ص 184، باب المدبر،ح 4: تهذيب الأحكام، ج 8، ص،260،ح 946 في المصادر: جاريته.
2- كابن البراج في المهذب،ج 2، ص 367.
3- النهاية، ص 552.
4- منهم: ابن حمزه في الوسيلة، ص 346؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 408؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة،ج2، ص 183 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- كالعلّامة في مختلف الشيعة،ج 8، ص 96، المسألة 45.
6- تهذيب الأحكام،ج 8، ص،260،ح، 947.

عَتَق ثلتُه ، فإن لم يَفضُل عن الدين شيء بطل التدبير. ولو تعدَّدَ المدبَّرُ والتدبيرُ بُدِئَ بالأوّلِ فالأوّلِ وبَطَل ما زاد عن الثلث إن لم يُجز الوارتُ، وإن جهل الترتيب أو دبرهم بلفظ واحد استخرج الثلث بالقرعة، وبالجملة فحكمه حكم الوصية. هذا كله إذا كان التدبير متبرعاً به وعُلّق على وفاة المولى ليكون كالوصية، فلو كان واجباً بنذرٍ وشبهه حال الصحة أو معلقاً على وفاة غيره فمات في حياة المولى فهو من الأصل، ولو مات بعد المولى فهو من الثلث أيضاً.

هذا إذا كان النذرُ مثلاً الله عليَّ عتق عبدي بعد وفاتي» ونحوَه. أما لو قال: «لله عليَّ أن أُدَبِّرَ عبدي» ففي إلحاقه به في خروجه من الأصل نظر؛ لأن الواجب بمقتضى

الصيغة هو إيقاع التدبير عليه، فإذا فعله وَفَى بنذره وصار التدبير كغيره لدخوله في مطلق التدبير، ومثله ما لو نذر أن يُوصِي بشيء ثمّ أَوصَى به، أما لو نَذَر جَعْلَه صدقةً بعد وفاته أو في وجه سائغ فكنذر العتق.

ونقل المصنّفُ عن ظاهر كلام الأصحاب تساوِي القسمين في الخروج من الأصل؛ لأنّ الغرضَ التزامُ الحرّية بعد الوفاة لامجرّدُ الصيغة، ونقل عن ابن نما (رحمه الله) الفرقَ(1) بما حَكَيناه وهو متجه.

وعلى التقديرين لايخرُج بالنذر عن الملك فيجوز له استخدامه ووطوه إن كانت جاريةٌ. نعم، لايجوز نقله عن ملكه، فلو فعل صح ولَزِمَتْه الكفّارة مع العلم، ولو نقله عن ملكه ناسياً فالظاهر الصحة ولا كفارة لعدم الحِنت وفي الجاهل وجهان، وإلحاقه بالناسي قوي. ولو وقع النذرُ في مرض الموت فهو من الثلث مطلقاً. (و يصح الرجوع في التدبير المتبرع به ما دام حيّاً كما يجوز الرجوع في الوصية. وفي جواز الرجوع في الواجب بنذر وشبهه ما تقدَّمَ(2) من عدم الجواز إن كانت

ص: 389


1- الدروس الشرعية،ج2، ص 184(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
2- تقدّم آنفاً.

صيغتُه «الله عليَّ عتقه بعد وفاتي»، ومجيءِ الوجهين لو كان متعلَّق النذر هو التدبير من خروجه عن عهدة النذر بإيقاع الصيغة كما حققناه، ومن أنّه تدبير واجب وقد أطلَقوا لزومَه(1).

والرجوعُ يصحّ (قولاً مثل «رَجَعتُ في تدبيره») و«أبطلتُه» و«نَقَضتُه» ونحوِه، (وفعلاً كأن يَهَبَ) المدبَّرَ وإنْ لم يُقبض، أو يبيع أو يُوصي) به وإِنْ لم يَفسَخُه قبل ذلك أو يقصد به الرجوع، على أصح القولين(2) ولا فرق بين قبول الموصى له الوصية

وردّها؛ لأنّ فَسْخَه جاء من قِبَل إيجاب المالك ولا يعود التدبير بعوده مطلقاً. (وإنكاره ليس برجوع) وإنْ حلف المولى لعدم الملازمة، ولاختلاف اللوازم فإنّ الرجوعَ يَستلزم الاعتراف به وإنكاره يستلزم ،عدمه، واختلاف اللوازم يقتضي اختلاف الملزومات، ويُحتمل كونه رجوعاً لاستلزامه رَفْعَه مطلقاً، وهو أبلغ مِن رفعه في بعض الأزمان. وفي الدروس قطع بكونه ليس برجوع إن جعلناه عتقاً، وتوقف فيما لو جعلناه وصيّةً، ونَسَب القول بكونه رجوعاً إلى الشيخ(3) وقد تقدم اختياره أنّ إنكار الطلاق رَجعةٌ(4). والعلّامة حَكَم بأنّ إنكار سائر العقود الجائزة ليس برجوع إلّا الطلاق(5) والفرقُ بينه وبين غيره غير واضح.

(ويبطُل التدبيرُ بالإباق من مولاه سواء في ذلك الذكرُ والأُنثى، لا بالإباق من عند مخدومه المعلَّقِ عتقه على موته، وقد تقدم ما يدلّ عليه. (فلو وُلِد له حالَ الإباق) أولادٌ من أمةٍ لسيّدِه أو غيره حيث يلحق به الولد، أو حرّةٍ عالمة بتحريم نكاحه (كانوا رقاً) مثله، (و) أولاده (قبله على التدبير) وإن بطل في حقه؛ استصحاباً للحكم السابق فيهم مع عدم المعارض.

ص: 390


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4،ص،221، الرقم 5694.
2- راجع للقولين مختلف الشيعة،ج 8، ص 89-93، المسألة 44.
3- الدروس الشرعية،ج2، ص،185(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج (10) النهاية ص 552.
4- تقدّم في ص 289.
5- قواعد الأحكام،ج3،ص،228 - 229.

(ولايبطُل) التدبيرُ (بارتداد السيّد) عن غير فطرة فيُعتق لو مات على رِدَّته، أمّا لو كان عن فطرة ففي بطلانه نظر من انتقال ماله عنه في حياته، ومن تنزيلها منزلة الموت فيُعتَق بها. والأقوى الأول، ولا يلزم من تنزيلها منزلة الموت في بعض الأحكام ثبوته مطلقاً(1) وإطلاق العبارة يقتضي الثاني، وقد استشكل الحكم في الدروس(2) لما ذكرناه.

(و) كذا (لا) يبطل (بارتداد العبد إلا أن يلحق بدار الحرب) قبل الموت؛ لأنه إباق، ولو التحق بعده تَحَرَّرَ من الثلث والفارق بين الارتداد والإباق - مع أنّ طاعة الله أقوى، فالخروج عنها أبلغ من الإباق - النص(3) وقد يُقَرَّب بغناء الله تعالى عن طاعته له، بخلاف المولى مع أنّ الإباقَ يَجمَع معصية الله تعالى والمولى، بخلاف الارتداد فقوة الارتداد ممنوعة.

(وكسبُ المدبَّر في الحياة) أي حياة المولى (للمولى؛ لأنّه رِقٌ) لم يخرج بالتدبير عنها. (ولو استفاده بعد الوفاة فله جميعُ كسبِه إن خرج من الثلث، وإلا فبنسبة ما عُتِق منه والباقي) من كسبه (للوارث).

هذا إذا كان تدبيره معلقاً على وفاة المولى فلو كان معلقاً على وفاة غيره وتأخَّرت عن وفاة المولى فكسبه بعد وفاة مولاه ككسبه قبلها لبقائه على الرقية. ولو ادَّعَى بعد الموت تأخُرَ الكسب وأَنكَره الوارثُ حَلَف المدبَّرُ ؛ لأصالة عدم التقدّم.

ص: 391


1- راجع غاية المراد،ج3،ص،263 - 264(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
2- الدروس الشرعية،ج2، ص،183(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
3- الكافي،ج 1، ص 200، باب الإباق،ح،4.

النظر الثاني في الكتابة

واشتقاقُها من الكَتْب وهو الجمع لانضمام بعض النجوم إلى بعض، ومنه «كتبتُ الحروف»، وهو مبني على الغالبِ أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة، وإلا فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجلَ.

(وهي مستحبّةُ مع الأمانةِ) وهي الديانة (والتكسّبِ)؛ للأمر بها في الآية مع الخير(1) وأقلُّ مراتبه الاستحباب. وفُسِّر الخيرُ بهما(2) لإطلاقه على الأوّل في مثل قوله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ)(3) (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)(4) وعلى الثاني في مثل قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(5) (و إِن تَرَكَ خَيْرًا)(6) فَحُمِل عليهما بناءً على جواز حمل المشترك على كلا معنييه إما مطلقاً أو مع القرينة وهي موجودة؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (إِنْ عَلِمْتُمْ عزّوجلّ فِيهِمْ خَيْرًا)(7) قال: «إن عَلِمتُم لهم دِيناً ومالاً»(8) رواه الكليني بسند صحيح، وحينئذ

يندفع ما قيل: إنّ استعمال المشترك في معنييه مرجوح أو مَجازٌ لايُصارإليه(9) نعم،

ص: 392


1- النور (24): 33:(فكاتِبوهّم إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً).
2- راجع التبيان،ج 7، ص 383؛ ومجمع البيان،ج7،ص،140، ذيل الآية.
3- البقرة (2) 197.
4- الزلزلة (99): 7.
5- العاديات (100): 8.
6- البقرة (2) 180.
7- النور (24): 33.
8- الكافي،ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 10.
9- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع،ج 3، ص 469.

رُوِيَ في التهذيب عن الحلبي صحيحاً عنه في الآية قال: «إن عَلِمتُم لهم مالاً»(1) بغير ذكر الدين، والمُثبِِتُ مقدَّم.

(ومتأكدة) الاستحباب (بالتماس العبد مع جمعه للوصفَين، أما مع عدمِهما أو أحدِهما فلا، في ظاهر كلام الأصحاب، وفي النافع أنها تَتَأكَّد بسؤال المملوك... ولو كان عاجزاً(2) فجعل الاستحباب مع عدم سؤاله مشروطاً بالشرطين ومعه يُكتفى بالأوّل خاصة. (ولو عُدمَ الأمران) الصادقُ بعدمِ أحدهما وعدمِهما معاً (فهي مباحة) على المشهور، وقيل: مكروهة(3)

(وهي معامَلةٌ) بين المولى والمملوك (مستقلة) بنفسها على الأشهر، وتختص بوقوعها بين المالك ومملوكه وأنّ العِوَض والمُعَوَّضَ مِلكُ السيّد، وأن المكاتب على درجة بين الاستقلال وعدمه، وأنه يملك من بين العبيد ويثبت له أرشُ الجناية على سيّده، وعليه الأرشُ للسيّدِ المَجْني عليه. وتُفارِق البيع باعتبار الأجل في المشهور وسقوط خيار المجلس والحيوان وعدم قبولها لخيار الشرط. وليست بيعاً للعبد من نفسه وإنْ أَشبَهَتْه فى اعتبارِ العِوَض المعلوم، والأجل المضبوط على تقدير ذكره في البيع؛ لمخالفتها له في الأحكام، ولبعد ملك الإنسان نفسه، فلو باعه نفسه بثمن مؤجل لم يصح. (ولا عتقاً بصفة) وهي شرط عوض معلومٍ على المملوك في أجل مضبوط، وهو وفاق، خلافاً لبعض العامة.

ويُشترط في المتعاقدين الكمالُ بالبلوغ والعقل فلايقع من الصبي وإن بلغ عشراً وجوزنا عتقه، ولا من المجنونِ المُطبِقِ ولا الدائرِ جنونه في غير وقت الإفاقة. وهذان مشتركان بين المولى والمكاتب، وقد يُتَخَيَّلُ عدم اشتراطهما في المكاتب لأنّ المولى وليُّه فيمكن قبولُه عنه، وكذا الأب والجدُّ والحاكمُ مع الغِبطة، وله وجهٌ وإنْ

ص: 393


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 268، ح 975.
2- المختصر النافع، ص 338.
3- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4، ص 446.

استبعده المصنِّفُ في الدروس(1) غير مبيِّنٍ وجه البعد. وجواز تصرف (المولى) فلايقع من السفيه بدون إذن الولي ولا المفلس بدون إذن الغرماء ومن المريض فيما زاد منه عن الثلث بدون إجازة الوارث وإن كان العوض بقدر قيمته؛ لأنهما ملك المولى فليست معاوضةً حقيقيةً بل في معنى التبرع ترجع إلى معاملة المولى على ماله بماله. ويُستفاد من تخصيص الشرط بالمولى جواز كتابة المملوكِ السفيهِ؛ إذ لا مال له يُمنَع من التصرّف فيه. نعم، يُمنَع من المعاملة المالية ومن قبض المال لو ملكه بعد تحقق الكتابة.

(ولابدّ) في الكتابة(من العقدِ المشتمل على الإيجاب مثل كاتبتك على أن تُؤَدِّيَ إليَّ كذا في وقتٍ كذا إن اتحد الأجل، أو أوقاتٍ كذا) إن تعدَّدَ، «فإذا أَدَّيْتَ فأنت حر». وقيل: لايفتقر إلى إضافة قوله «فإذا أديت» إلى آخِرِه بل يكفي قصده؛ لأنّ التحرير غاية الكتابة فهي دالة عليه فلا يجب ذكره، كما لا يجب ذكرُ غاية البيع وغيره خصوصاً لو جعلناها بيعاً للعبد من نفسه(2) ويُضعف بأنّ القصد إليه إذا كان معتبراً لَزِمَ اعتبارُ التلفظ بما يدل عليه؛ لأنّ هذا هو الدليلُ الدال على اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيَّيْن في كلّ عقد، ولايكفي قصد مدلوله. نعم، لو قيل بعدم اعتبار قصده أيضاً كما في غيره من غايات العقود اتَّجه، لكن لايظهر به قائلٌ.

(والقبولِ مثل «قَبِلتُ» و«رَضِيتُ». وتوقُّفُ هذه المعاملة على الإيجاب والقبول يُلحقها بقسم العقود، فذِكْرُها في باب الإيقاعات التي يكفي فيها الصيغة من واحد بالعَرَض تَبَعاً للعتق، ولو فصلوها ووضعوها في باب العقود كان أجود. (فإن قال) المولى في الإيجاب مضافاً إلى ذلك فإن عجزت فأنت رَدُّ) بفتح الراء وتشديدِالدال

ص: 394


1- الدروس الشرعية،ج2، ص 191(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
2- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4،ص،447؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 224، الرقم 5698.

مصدرٌ بمعنى المفعول أي مردود (في الرقّ» فهي مشروطة، وإلّا) يَقُل ذلك بل اقتصر على الإيجاب السابق (فهي مطلقة)، ومن القيد يظهر وجه التسمية. ويشترك القسمان في جميع الشرائط وأكثر الأحكام، ويفترقان في أن المكاتب في المطلقة ينعتق منه بقدرِ ما يُؤَدِّي من مال الكتابة، والمشروط لا ينعتق منه شيء حتى يؤدي الجميع، والإجماع على لزوم المطلقة، وفي المشروطة خلافٌ، وسيأتى(1)

(والأقربُ اشتراطُ الأجل) في الكتابة مطلقاً، بناءً على أن العبد لايملك شيئاً. فعجزُه حالةَ العقد عن العِوَض حاصل ووقتُ الحصول متوقع مجهول، فلابد من تأجيله بوقت يمكن فيه حصوله عادةً.

وفيه نظر؛ لإمكان التملك عاجلاً ولو بالاقتراض كثيراء مَن لا يَملك شيئاً من الأحرار، خصوصاً لو فُرِضَ حضور شخص يُوعِده بدفع المال عنه بوجه في المجلس. ويندفع ذلك كله بأن العجز حالة العقد حاصل وهو المانع. نعم، لو كان بعضه حرّاً وبيده مال فكاتبه على قدره فما دُونَ حالاً فالمتجه الصحة؛ لأنّه كالسعاية ولو كان واقفاً على معدِنٍ مُباحٍ يمكنه تحصيل العوض منه في الحال فعلى التعليل بجهالة وقتِ الحصول يصح وبالعجز حالة العقد يمتنع. وقيل: لا يُشترط الأجلُ مطلقاً(2) للأصل؛ وإطلاق الأمر بها خصوصاً على القول بكونها بيعاً(3) ويُمنَع اعتبار القدرة على العوض حالة العقد بل غايته إمكانها بعده وهو حاصل هنا.

وحيث يُعتبَر أو يُراد يُشترط ضبطه كأجل النسيئة بما لايحتمل الزيادة والنقصان، ولايُشترط زيادته عن أجل عندنا لحصول الغرض ولو قصر الأجل بحيث يتعذَّر

ص: 395


1- يأتي في ص 396 وما بعدها.
2- قال به الشيخ في الخلاف،ج1، ص،383، المسألة ه: وابن إدريس في السرائر،ج3، ص 30؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 409.
3- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 318.

حصولُ المال فيه عادةً بطل إن عُلل بالجهالة وصحّ إن عُلّل بالعجز. وفي اشتراط اتصاله بالعقد قولان(1)، أجودُهما العدم للأصل.

(وحد العجز المسوغ للفسخ في المشروطة بمخالفة شرطه، فإن شرط عليه التعجيز عند تأخير نجم عن محله أو إلى نجم آخَرَ أو إلى مدة مضبوطة اتُّبع شرطه وإن أطلق فحده أن يؤخِّرَ نجماً عن محلّه). والمراد بالحدّ هنا العلامة أو السبب الدال على العجز لا الحد المصطَلَحُ، وبالنجم المالُ المؤدَّى في المدة المخصوصة ويُطلق على نفس المدة، وبتأخيره عن محله عدم أدائه في أوّل وقت حلوله، وتحديده بذلك ه-و الوارد في الأخبار الصحيحة(2) وفي المسألة أقوال أخَرُ(3) مستندة إلى أخبار ضعيفة(4) أو اعتبار غير تام.

وأمّا المطلقه فإذا نَفَذَ بعض النجوم ولم يُؤَدِّ قسطه فُكَ من سهم الرقاب، فإن تعذر استُرِق إن لم يكن أدَّى شيئاً وإلا فبحسب ما عجز عنه، فحد العجز المذكور يصلح له بوجه.

(ويُستحَبّ) للمولى (الصبرُ عليه عند العجز للأمر بإنظاره سنةً وسنتين وثلاثاً(5)

المحمول على الاستحباب جمعاً.

والأقربُ) لزوم الكتابة من الطرفين طرف السيد والمكاتب (في المطلقة والمشروطة) بمعنى أنه ليس لأحدهما فسخها إلا بالتقابل مع قدرة المكاتب على الأداء ووجوب السعي عليه في أداء المال؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(6) والكتابة منها

ص: 396


1- القول بالاشتراط للشيخ في المبسوط،ج4، ص 447 والقول بالعدم للعلامة في قواعد الأحكام، ج 3،ص 234.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 265 - 266،ح 968 و 971.
3- راجع للأقوال مختلف الشيعة،ج 8، ص 113 - 114،المسألة 68.
4- .تهذيب الأحكام،ج 8، ص 2656 - 267، ح 968 - 974.
5- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 266 - 267،ح 172 و 973.
6- المائدة (5) 1.

والجمعُ المُحَلَّى مفيد للعموم وخروجُ نحو الوديعة والعارية بنص، ويبقى الباقي على الأصل.

وذهب الشيخ وابنُ إدريس(1) إلى جواز المشروطة من جهة العبد، بمعنى أن له الامتناع من أداء ما عليه فيتخيّر السيّد بين الفسخ والبقاء، ولزومها من طرف السيد إلا على الوجه المذكور. وذهب ابن حمزة إلى جواز المشروطة مطلقاً والمطلقة من طرف السيد خاصةً(2) وهو غريب. ومن خواص العقود اللازمة أنّها لا تبطل بموت المتعاقدين، وهو هنا كذلك بالنسبة إلى المولى، أما موت المكاتب فإنّه يُبطلها من حيث العجز عن الاكتساب (ويصح فيها التقايلُ ) كغيرها من عقود المعاوضات. (ولا يُشترط الإسلامُ في السيّد ولا في العبد) بناءً على أنّها معاملة مستقلة والأصل يقتضي جوازها كذلك، ولو جعلناها عتقاً بُني على ما سَلَف(3) في عتق الكافر

فاعلاً وقابلاً.

هذا إذا لم يكن المولى كافراً والعبدُ مسلماً، وإلّا أشكل جواز المكاتبة من حيثُ عدمِ استلزامها رفعَ سَلْطَنَتِه عنه خصوصاً المشروطة، والأقوى عدم جوازها لعدم الاكتفاء بها في رفع يد الكافر عن المسلم؛ لأنها لا ترفع أصل السبيل، وهو بمنزلة الرق في كثير من الأحكام، بل هو رقٌ. ولو كان كفرُ المولى بالارتداد فإن كان عن فطرة فعدم صحة كتابته واضح لانتقال ماله عنه، وإن كان عن ملّة ففي صحتها مطلقاً أو مراعاةً بعوده

إلى الإسلام أو البطلان أوجه، أوجَهُها الجواز ما لم يكن العبد مسلماً بتقريب ما سلف. وقيل: يُشترط إسلامُ العبد مطلقاً(4) نظراً إلى أنّ الدِّينَ داخل في مفهوم الخير الذي هو شرطها، ولأنّ المكاتب يُؤتَى من الزكاة ويَتعذَّر هنا ويُضعف بأنّ الخير شرط في الأمر

ص: 397


1- المبسوط،ج 4، ص 465 السرائر،ج3، ص،29.
2- الوسيلة، ص 345.
3- سلف في ص 363.
4- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 381، المسألة 224؛ والشيخ في المبسوط، ج 4، ص 507؛ وابن إدريس في السرائر،ج 3، ص 29.

بها(1) لا في أصل شرعيتها، والإيتاء من الزكاة مشروط باستحقاقه لها، وهو منفي مع الكفر كما ينتفي مع عدم حاجته إليها.

(ويجوز لولي اليتيم أن يكاتِبَ رقيقه مع الغبطة) لليتيم في المكاتبة كما يصح بيعه وعتقه معها، ولصحيحة معاوية بن وهب عن الصادق(علیه السلام) في مكاتبة جارية الأيتام(2) وقيل بالمنع؛ لأن الكتابة شبيهة بالتبرع من حيث إنها معاملةُ على ماله بماله(3) والخبرُ حجّةٌ عليه.

(ويجوز تنجيمها) نجوماً متعدّدةً بأن يُؤَدِّيَ في كل نجم قدراً من مالها (بشرط العلم بالقدر) في كلّ أجل (والأجل) حذراً من الغَرَر، سواءٌ تَساوَتِ النجومُ أجلاً ومالاً أم اختلفت للأصل. وهذا هو الأصل فيها وليس موضع الاشتباه حتى يُخَصّ بالذكر،

وإنّما موضعه النجم الواحد ولا يجوز حمل مطلقه عليه؛ للعلم به من اشتراط الأجل. (ولا تصح الكتابة (مع جهالة العوض) ، بل يُعتبر ضبطه كالنسيئة وإن كان عَرْضاً فكالسَلَم، ويمتنع فيما يمتنع فيه؛ ولا على عين؛ لأنّها إن كانت للسيد فلا معاوضة

وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن المبيع من مال غير المشتري. ولو أَذِنَ الغيرُ في الكتابة على عين يملكها فهي في قوة بيع العبد بها، فإن جعلناها بيعاً صح وإلا فوجهان؛ من الأصل، وكونه خلاف المعهود شرعاً كما علم من اشتراط

الأجل. (ويُستحبّ أن لا يتجاوَزَ) مالُ الكتابة (قيمة العبد) يوم المكاتبة.

(ويجب) على مولاه (الإيتاء) للمكاتب من الزكاة إن وجبت الزكاة (على المولى)؛ للأمر به في قوله تعالى: ﴿وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى ءَاتَٰكُمْ)(4) ولْيَكُنْ من

ص: 398


1- النور (24): 33.
2- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 265، ح 968.
3- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4، ص 470.
4- النور (24): 33.

سهم الرّقاب إن أوجبنا البسطَ. (وإلّا) تجب عليه الزكاة (استُحِبّ) له الإيتاء، وهو إعطاؤه شيئاً. (ولا حد له) أي للمؤتَى قلةٌ بل يكفي ما يُطلق عليه اسم المال. ويكفي من النجوم عنه لأنه في معناه. ويجب على العبد القبول إن آتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه لا من غيره. ولو أُعتق قبل الإيتاء ففي وجوب القضاء وكونه ديناً على المولى، وجه رجّحه المصنِّفُ في الدروس وجَعَله كالدَين(1).

ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطاً فعَجزه، ففي وجوب إخراج الزكاة لغيره أو ردها إلى دافعها لو كان غيره قول(2) ويُحتمل ذلك لو كان من الغير تبرّعاً، وعدمه فيهما؛ لملكه له وقت الدفع وبراءة ذمة الدافع، وعوده إلى المولى إحداث لا إبطال ما سلف ومِن ثُمَّ بقيت المعاملة السابقة بحالها وإنْ لم يَرْضَ بها المولى. (ولو مات) المكاتب (المشروط قبل كمال الأداء ) لمال الكتابة (بطلت) ومَلَك المولى ما وصل إليه من المال وما تركه المكاتب ولو مات المطلق ولم يُؤَدِّ شيئاً فكذلك، وإن أَدَّى تَحَرَّر منه بقدر (المؤدَّى أي بنسبته من الجميع وبطل منه بنسبة المتخلف وكان ميراثه بين السيّدِ ووارثه بالنسبة فإن كان الوارث حرّاً فلاشيء عليه (ويؤدِّي الوارثُ التابع له في الكتابة)؛ كولده من أمته (باقي مالِ الكتابة) لأنه قد تَحَرَّر منه بنسبة أبيه وبَقِي الباقي لازماً له، وللمولى إجباره على الأداء للباقي (كما له إجبار المورّث)؛ لأنّه دَين فكان له إجباره على أدائه، وقيل: لا(3) لعدم وقوع المعامَلة معه، وفي صحيح ابن سنان وجميل بن دَرّاج عن أبي عبدالله(علیه السلام): «يُقضَى مالُ الكتابة من الأصل ويَرِثُ وارثُه ما بَقِي»(4) واختاره بعضُ الأصحاب(5) والمشهورُ الأوّلُ.

ص: 399


1- الدروس الشرعية،ج 2، ص 197(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج،10).
2- حكاه عن ابن الجنيد فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 597.
3- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 266، الرقم 5781. فيه في إجبار الأداء إشكال.
4- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 272،ح،991 - 992.
5- حكاه عن ابن الجنيد فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 600.

و تصح الوصيَّةُ للمكاتبِ المطلق بحساب ما تحرر منه)؛ لرواية محمد بن قيس عن الباقر في مكاتب كان تحته امرأةٌ حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة... «فقضى أنه يَرِثُ بحساب ما أُعتِق منه(1) ولو لم يَتَحَرَّر منه شيء أو كان مشروطاً لم تصح الوصيّةُ له مطلقاً على المشهور واستقرب المصنّف في الدروس جواز الوصية للمكاتب مطلقاً(2) لأنّ قبولَها نوع اكتساب وهو أهل له، وفيه قوّةً. هذا إذا كان الموصي غير المولى، أما هو فتصح وصيّته مطلقاً ويُعتق منه بقدر الوصيّة، فإن كانت بقدر النجوم عتق أجمعُ وإن زادت فالزائد له، ولا فرق بين كون قیمته بقدر مال الكتابة وأقلَّ؛ لأن الواجب الآن هو المالُ، مع احتمال اعتبار القيمة لو نقصت فيُعتق من الوصية وله الزائد وإنْ لم تَفِ بمال الكتابة؛ لأنّ ذلك حكم القن والمكاتب لايقصر عنه.

وكلُّ ما يُشترط في عقد الكتابة ممّا لا يُخالف المشروع لازم)؛ لأن الشرط في العقد يصير كالجزء منه فالأمر بالوفاء(3) به يتناوله ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم»(4) ولو خالف المشروع كشرط أن يطأ المكاتبة أو أمة المكاتب مطلقاً أو يَترُكَ التكسب أو رد المطلق في الرق حيث شاء ونحوه بطل الشرط، ويَتبَعُه بطلانُ العقد على الأقوى.

(وليس له) أي للمكاتَب بنوعيه التصرّفُ في ماله ببيع) يُنافي الاكتساب كالبيع نسيئةً بغير رهن ولاضمينٍ أو محاباةً أو بغبن، لامطلق البيع فإنّ له التصرف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التي لاخَطر فيها ولاتبرع (ولا هبة) لاتستلزم عِوَضاً زائداً عن الموهوب، وإلا فلامنع للغبطة. وفي صحة العوض المساوي وجهٌ؛ إذ

ص: 400


1- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 275، ح 1000.
2- الدروس الشرعية،ج 2، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- المائدة (5) 1.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،371،ح،1503.

لاضرر حينئذ كالبيع بثمن المثل والشراء به؛ ولا عتق؛ لأنه تبرّغ محض ومنه شِراءُ مَن يَنعتِق عليه، وله قبولُ هبته مع عدم الضرر بأن يكون مُكتَسِباً قدرَ مؤونته فصاعداً (ولا إقراضٍ) مع عدم الغبطة، فلو كان في طريق خطر يكون الإقراض فيه أغبطَ من بقاء المال، أو خاف تلفه قبل دفعه أو بيعه ونحو ذلك فالمتجه الصحةُ. ولكنّهم أطلقوا المنعَ فيما ذُكر(1) إلا بإذن المولى) فلو أذِنَ في ذلك كله جاز لأنّ الحق لهما. وحيث يُعتق بإذنه فالولاء له إن عَتَق وإلّا فللمولى، ولو اشتَرَى مَن يَنعتق عليه لم يُعتق في الحال، فإن عَتَقَ تَبِعَه وإلّا استَرَقَّهما المولى، ولو مات العتيق في زمن الكتابة وَقَف ميراتُه توقُّعاً لعتق المكاتب وحيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه ولم يُبطله حتى عَتَق المكاتب نَفَذ لزوال المانع كالفضولي، وقيل: لا؛ لوقوعه على غير الوجه المشروع(2) وهو ممنوع.

(ولا يتصرّفُ المولى في ماله أيضاً) بما ينافي الاكتساب إلا بما يتعلق بالاستيفاء مطلقةً كانت أم مشروطةٌ. (ويحرُم عليه وطئ) الأمةِ (المكاتبة عقداً وملكاً) بإذنها وغيره، فلو وَطِئَها فعليه المهرُ وإنْ طَاوَعَتْه ؛ لأنها لم تستقل بملكه ليسقط ببغيها. وفي تكرر المهر بتكرّر الوطء أوجُه ثالثها تكرُّرُه مع تخلّل الأداء بين الوطنين وإلا فلا. وتصير أُمَّ ولد لو وَلَدَتْ منه، فإن مات وعليها شيء من مال الكتابة عَتَقَ باقيها من نصيب ولدها، فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتباً.

(وله تزويجُها) من غيره (بإذنها)، والفرق بينه وبين المولى أنّ الملكَ له غيرُ تامّ لتشبيها بالحريّة، والعقد كذلك لعدم استقلالها والبُضْعُ لا يَتَبعض، أما الأجنبي فلمّا كان الحقُّ منحصراً فيهما وعقد له بإذنها فقد أباحه بوجه واحد. (ويجوز بيع مال الكتابة) بعد حلوله ونقله بسائر وجوه النقل

فيجب على

ص: 401


1- راجع المبسوط،ج4 ص 499 والسرائر،ج3، ص 27؛ وقواعد الأحكام،ج3، ص 247.
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة،ج4،ص،237، الرقم 5729.

المكاتَب تسليمُه إلى مَن صار إليه، خلافاً للمبسوط(1) استناداً إلى النهي عن بيع ما لم يُقبَض(2) وإطلاقُه ممنوعٌ(3) لتقييده بانتقاله إلى البايع بالبيع، فإذا أداه) المكاتب (إلى المشتري عُتِق لأنّ قبضَه كقبض المولى. ولو قيل بالفساد ففي عتقه بقبض المشتري مع إذنه له في القبض وجهان من أنّه كالوكيل، وقَبْضِه لنفسه وهو غيرُ مُستحِق ففَارَقَ الوكيل بذلك، والوجهان اختارهما العلّامةُ في التحرير(4)

(ولو اختلفا في قدر مال الكتابة أو في) قدر النجوم) وهي الآجال، إما في قدر كلّ أجل مع اتفاقهما على عددها، أو في عددها مع اتفاقهما على مقدار كلّ أجل (قُدِّم المنكر) وهو المكاتب في الأوّل، والمولى في الثاني (مع يمينه)؛ لأصالة البراءة من الزائد. وقيل: يُقدَّم قولُ السيّد مطلقاً(5) لأصالة عدم العتق إلا بما يَتَّفقان عليه.

ص: 402


1- المبسوط،ج 4، ص 503.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 35.ح،146: الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 399 - 400، ح 39/891.
3- حاصل المنع يرجع إلى أنّ النهي مشروط بشرطين: أحدهما انتقاله إليه بالبيع والثاني نقله بالبيع، وهنا الشرح الأوّل مفقود فلا يحرم كما لايحرم نقل ما اشتراه بغير البيع من عقود المعاوضات(منه رحمه الله).
4- تحرير الأحكام الشرعية،ج 4، ص 273 - 274، الرقم 5796.
5- قال به المحقق في شرائع الإسلام،ج 3، ص 101 والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 238.

النظر الثالث في الاستيلاد للإماء بمِلك اليمين

ويَترتَّب عليه أحكام خاصةً كإبطالِ كلّ تصرّفٍ ناقل للملك عنه إلى غيره غير مُستلزم للعتق أو مستلزم للنقل كالرهن وعتقها بموت المولى قبلها مع خلو ذمته من ثمن رقبتها، أو وفاء التركة، وحياة الولد، وغير ذلك.

(وهو يحصُل بعُلوق أَمَتِه منه في مِلكه) بما يكون مبدأ نُشوء آدمي ولو مُضغَةً، لابعلوق الزوجة الأمة، ولا الموطوءة بشبهة وإنْ وَلَدَتْه حرّاً أو مَلَكَهما بعد على الأشهر. ولايُشترَط الوطء بل يكفي مطلق العلوق منه، ولا حل الوطء إذا كان التحريم عارضاً كالصوم والحيض والرهن، أما الأصلي بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا؛ لعدم لحوق النسب. ويُشترَط مع ذلك الحكم بحرّيّة الولد فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه فلو عجز استَرَق المولى الجميع. نعم، لو عتق صارت أُم ولد، وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه لتشبيها بالحرية؛ ولا بوطء العبد أمته التي ملَّكه إياها مولاه لو قلنا بملكه (وهي مملوكة) يجوز استخدامها ووطوها بالملك، وتزويجها بغير رضاها وإجارتها وعتقها، ولاتَتَحَرَّرُ بموت (المولى أي بمجرد موته كما يتحرَّر المدبر لو خرج من ثلث ماله أو أجازه الوارث (بل) تتحرَّرُ (من نصيب ولدها من ميراثه من أبيه فإن عجز النصيب عن قيمتها كما لو لم يخلف سواها وخَلَف وارثاً سواه (سَعَتْ هي في المتخلف) من قيمتها عن نصيبه، ولا اعتبار بملك ولده-ا م-ن غير الإرث؛ لأنّ عتقها عليه قهري فلايسري عليه في المشهور، وقيل: يقوم عليه

ص: 403

الباقي بناءً على السراية بمطلق الملك(1).

(ولايجوز بيعها ما دام ولدها حياً إلا فيما استثني) في كتاب البيع(2) فإذا مات أو وَلَدَتْه سُقطاً زال حكمُ الاستيلاد رأساً وفائدة الحكم به بوضع العَلَقة والمُضْغَة وما فوقهما إبطال التصرفات السابقة الواقعة حالة الحمل وإن جاز تجديدها حينئذ.

(وإذا جنت) أُمُّ الولد خطأ تعلَّقت الجناية برقبتها على المشهور، و (فكها) المولى (بأقل الأمرين من قيمتها وأرشِ الجناية على الأقوى؛ لأن الأقل إن كان هو الأرش فظاهر وإن كان القيمة فهي بدل من العين فتقوم مقامها، وإلا لم تكن بدلاً ولاسبيل إلى الزائد؛ لأنّ المولى لايعقل مملوكاً، وهذا الحكمُ لايختص بأم الولد بل بكل مملوك. وقيل: بل يفكّها بأرش الجناية مطلقاً(3) لتعلّقها برقبتها. ولايتعيَّن عليه ذلك، بل يفكها (إن شاء، وإلّا) يَفُكّها (سَلَّمَها) إلى المجني عليه أو وارثه ليتَملَّكها فيبطل حكم الاستيلاد وله حينئذٍ بيعها والتصرّفُ فيها كيف شاء إن استَغْرَقَتْ الجنايةُ قيمتها، أو يُسَلِّم ما قابَلَ الجناية) إن لم تستغرق قيمتها.

تم الجزء الثالث - حسب تجزئتنا - ويتلوه الجزء الرابع كتاب الإقرار.

والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 404


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 547.
2- تقدّم في ج 2 ص 143، كتاب المتاجر، الفصل الثاني في عقد البيع.
3- قال به الشيخ في المبسوط،ج 4، ص 569.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.