موسوعة الشهيد الثاني المجلد 7

هوية الكتاب

الرَّوْضَةُ البهية

في شرح اللمعة الدمشقية /2

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السابع (الروضة البهية / 2)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 ؛ التسلسل: 240

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء ( صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب 3858 /37185 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

8 -74- 5570 -600 -978 ISBN-( دوره)

3 -82 -5570 -600 -978 ISBN- (ج7)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا.

كتابنامه

مندرجات ج 7، الروضة البهية / 2.-

1. اسلام - مجموعه ها 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام .3 اسلام و آموزش و پرورش ..4 اخلاق اسلامی. الف .پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مركز احیای آثار اسلامی ب. عنوان

8م 92 ش/ BP4/6 08 /297

محرر الرقمي: هادی میرزائی

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السابع

الروضة البهيّة

في شرح اللمعة الدمشقية / 2

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السابع (الروضة البهية / 2)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 ؛ التسلسل: 240

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء ( صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب 3858 /37185 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

8 -74- 5570 -600 -978 ISBN-( دوره)

3 -82 -5570 -600 -978 ISBN- (ج7)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا.

كتابنامه

مندرجات ج 7، الروضة البهية / 2.-

1. اسلام - مجموعه ها 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام .3 اسلام و آموزش و پرورش ..4 اخلاق اسلامی. الف .پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مركز احیای آثار اسلامی ب. عنوان

8م 92 ش/ BP4/6 08 /297

ص: 4

دلیل موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأول = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2- 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة ؛ 3. التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ 5. البداية؛ 6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل/ 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميّت؛ 9.العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11. تيقّن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13 . النية؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18. أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة؛ 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة؛ 21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23. الحبوة؛ 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25. أجوبة مسائل السيّد ابن طرّاد الحسيني ؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفيّة.

الجزء الرابع = (31- 43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34. وصيّةٌ نافعةٌ ؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة »؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية «خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات ؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس = الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية

الجزء الرابع عشر = (51و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب الكفّارات ...15

كتاب النذر وتوابعه ...29

العهد ...35

اليمين ...35

كتاب القضاء ...39

القول في كيفيّة الحكم...50

القول في اليمين ...59

القول في الشاهد واليمين ...62

القول في التعارض...65

القول في القسمة ...69

كتاب الشهادات ...73

الفصل الأوّل: الشاهد ...75

الفصل الثاني: في تفصيل الحقوق بالنسبة إلى الشهود ...83

الفصل الثالث: في الشهادة على الشهادة...86

الفصل الرابع: في الرجوع عن الشهادة. ..88

ص: 7

كتاب الوقف ...91

المسألة الأولى: نفقةُ العبدِ الموقوف والحَيوانِ الموقوف على الموقوف عليهم... 101

المسألة الثانية: لو وَقَف في سبيل الله انصرَف إلى كلّ قُربة...102

المسألة الثالثة: إذا وقف على أولاده اشتَرك أولادُ البنين والبنات ...102

المسألة الرابعة: إذا وقف مسجداً لم يَنفَكّ وقفُه بخراب القرية ...103

المسألة الخامسة : إذا آجَرَ البطنُ الأوّلُ الوقفَ ثمّ انقرضوا ...105

كتاب العطيّة ...107

الأوّل: الصدقة ...109

الثاني: الهبة...110

الثالث: السُكنَى وتوابعها ...113

الرابع: التحبيس ...114

كتاب المتاجر ...117

الفصل الأول في أقسام التجارة...119

المكاسب المحرّمة ...120

المكاسب المكروهة...126

الفصل الثاني في عقدِ البيع وآدابِه ...128

المسألة الأُولى: يُشترَط كونُ المبيع ممّا يُملَك أي يقبَل المِلكَ شرعاً ...138

المسألة الثانية: يُشترط في المبيع أن يكون مقدوراً على تسليمه...139

المسألة الثالثة: يُشترط في المبيع أن يكون طِلْقاً، فلا يصحّ بيع الوقفِ العامِّ...142

المسألة الرابعة: لو جَنَى العبدُ خطأً لم تَمنَع جنايتُه من بيعه ...145

ص: 8

المسألة الخامسة: يُشترَط عِلْمُ الثمن قَذَراً وجنساً ووصفاً قبل إيقاع عقد البيع ...146

المسألة السادسة : إذا كان العِوَضان من المكيل أو الموزون أو المَعدود ...147

المسألة السابعة : يجوز ابتياع جزءٍ معلومِ النسبة، كالنصف والثلث مُشاعاً...148

المسألة الثامنة: يكفي المشاهَدَةُ عن الوصف ولو غاب وقتَ الابتياع...149

المسألة التاسعة: يُعتبَر ما يراد طعمُه كالدِبْس وريحُه كالمِسْك ...150

المسألة العاشرة: يجوز بيعُ المِسْكِ في فَأره ...152

المسألة الحاديةَ عشرةَ: لا يجوز بيعُ سَمَكِ الآجام مع ضميمة القَصَبِ أو غيره... 153

المسألة الثانيةَ عشرةَ: يجوز بيعُ دُودِ القَزّ...154

المسألة الثالثةَ عشرةَ : إذا كان المبيعُ في ظرفٍ جاز بيعه مع وزنه معه ...154

القول في الآداب ...155

الفصل الثالث: في بیع الحیوان ...163

المسألة الأُولى : لو حَدَث في الحيوان عيبٌ قبل القبض، فللمشتري الردُّ والأرش... 170

المسألة الثانية: لو حَدَث في الحيوان عيب من غير جهة المشتري في زمن الخيار ... 171

المسألة الثالثة: لو ظهرت الأمةُ مستحَقَةً فأُغرِم المشتري الواطئُ العُشْرَ...172

المسألة الرابعة: لو اختلف مولى مأذونٍ وغيرُه في عبدٍ أَعتَقه المأذونُ عن الغير... 174

المسألة الخامسة : لو تنازع المأذونان بعد شِراءِ كلّ منهما صاحبَه في الأسبق ... 176

المسألة السادسة: الأمَةُ المسروقة من أرض الصلح لا يجوز شِراؤُها...177

المسألة السابعة: لا يجوز بيعُ عبدٍ من عبدَين من غير تعيين ...179

الفصل الرابع في الثِمار...183

المسألة الأولى: لا يجوز بيع الثمرة بجنسها على أُصولها ...186

المسألة الثانية: يجوز بيع الزرع قائماً على أُصوله...186

المسألة الثالثة: يجوز أن يَتَقَبَّل أحدُ الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة...188

المسألة الرابعة: يجوز الأكل ممّا يَمُرّ به من ثمر النخل والفواكهِ والزرعِ ...189

ص: 9

الفصل الخامس في الصرف...191

خاتمة ...196

الفصل السادس في السَلَف ...200

الفصل السابع في أقسام البيع ...209

أحدها: المساومة ...209

وثانيها: المرابحة ...209

وثالثها: المواضَعَةُ ...212

ورابعها التولية...212

الفصل الثامن: في الربا ...214

الفصل التاسع: في الخيار...219

القسم الأوّل: خيارُ المجلس ...219

القسم الثاني: خيار الحيوان...220

القسم الثالث: خيار الشرط ...221

القسم الرابع: خيار التأخير ...222

القسم الخامس: خيار ما يَفْسُد ليومه ...223

القسم السادس: خيار الرؤية ...224

القسم السابع: خيار الغبْن ...225

القسم الثامن: خيار العيب ...228

القسم التاسع: خيار التدليس ...232

القسم العاشر: خيار الاشتراط ...234

القسم الحادي عَشَرَ : خيارُ الشركة ...237

القسم الثاني عشرَ: خيارُ تعذُّرِ التسليم...237

القسم الثالثَ عشرَ : خيارُ تبعُّض الصَفْقة ...238

ص: 10

القسم الرابعَ عشرَ: خيارُ التَفليس ...238

الفصل العاشر: في الأحكام ...239

الحكم الأوّل: النقد والنَّسِيئَة ...239

الحكم الثاني في القبض ...243

الحكم الثالث فيما يدخُل في المبيع عند إطلاق لفظه ...247

الحكم الرابع في اختلاف البائع والمشتري ...250

الحكم الخامس: إطلاق الكيلِ والوزنِ والنقدِ ينصرف إلى المعتاد ...252

خاتمة في الإقالة...253

كتاب الدين ...255

القسم الأوّل: القرض، وفضلُه عظيم ...257

القسم الثاني: دين العبد ...269

كتاب الرهن...271

الكلام في الشروط ... 278

الكلام في اللواحق ...285

المسألة الأولى: إذا شَرَط الوِكالةَ في الرهن لم يَملِك عزلَه ...285

المسألة الثانية: يجوز للمرتهن ابتياعُه من نفسه إذا كان وكيلاً في البيع ...286

المسألة الثالثة: لا يجوز لأحدهما التصرّفُ فيه بانتفاعٍ...287

المسألة الرابعة : يجوز للمرتهن الاستقلالُ بالاستيفاء إذا لم يكن وكيلاً ...288

المسألة الخامسة: لو باع أحدُهما بدون الإذن توقَّف على إجازة الآخَر...288

المسألة السادسة: الرهن لازم من جهة الراهن حتّى يخرُج عن الحقّ بأدائه ...290

المسألة السابعة : يدخُل النَماءُ المتجدِّدُ المنفصلُ كالولد والثمرة ...291

ص: 11

المسألة الثامنة : يَنتقِل حقُّ الرهانة بالموت ...291

المسألة التاسعة: لا يَضمَن المرتهنُ الرهنَ إذا تلف في يده إلّا بتَعَدّ أو تفريط ...292

المسألة العاشرة: لو اختَلَفا في قدر الحقِّ المرهون به حَلَف الراهنُ ...293

المسألة الحاديةَ عشرةَ: لو أدَّى ديناً وعيّن به رهناً ...294

المسألة الثانيةَ عشرةَ: لو اختَلَفا فيما يُباع به الرهنُ بِيَع بالنقد الغالب...295

كتاب الحَجْر...297

كتاب الضمان ...305

كتاب الحوالة ...315

كتاب الكفالة ...323

كتاب الصلح ...331

المسألة الأولى : لو كان بيدهما درهمان فادّعاهما أحدُهما وادَّعَى الآخَرُ أحدهما ... 337

المسألة الثانية: يجوز جعلُ السَقْيِ بالماء عِوَضاً للصلح ...339

المسألة الثالثة : لو تَنازَع صاحبُ السُ-ِفْل والعُ-ِلو في جِدار البيت حَلَف...339

المسألة الرابعة : إذا تَنازَع صاحبُ غُرَف الخان وصاحبُ بيوته في المَسلَك ...340

المسألة الخامسة : لو تنازع راكبُ الدابَّة وقابضُ لجامِها فيها حلف الراكب ...342

المسألة السادسة: لو تَداعَيا جداراً غيرَ متَّصل ببِناء أحدِهما، أو متَّصلاً ببنائهما ... 343

كتاب الشركة ...345

كتاب المضاربة ...353

كتاب الوديعة...363

ص: 12

كتاب العارية ...375

شروط العارية ...378

أحكام العاريَة ...378

كتاب المزارعة ...385

كتاب المساقاة ...395

ص: 13

ص: 14

كتاب الكفّارات

ص: 15

ص: 16

(كتاب الكفّارات)

وهي تنقسم إلى معيَّنةٍ كبعض كفّارات الحجّ ولم يذكرها هنا اكتفاءً بما سبق، وإلى مرتّبةٍ، ومخيَّرةٍ، وما جَمَعت الوصفين، وكفّارةِ جمع.

(فالمرتَّبةُ) ثلاثٌ : (كفّارة الظِهارِ، وقتلِ الخطإ، وخصالهما (1) ) المرتَّبةُ (خصال كفّارة الإفطار في) شهر (رمضانَ : العِتْقُ) أوّلاً (فالشهران) مع تعذر العتق (فالستّون) أي إطعام الستّين لو تعذّر الصيام؛ (و) الثالثة (كفّارة من أفطر في قضاء) شهر (رمضانَ بعد الزوال، وهي إطعام عشرة مساكين ثمّ صيام ثلاثة أيام) مع العجز عن الإطعام.

(والمخيَّرةُ كفّارةُ شهر رمضان) في أجود القولين (2) (و) كفّارة (خُلْف النذرِ والعهدِ) إن جعلناهما ككفّارة رمضان كما هو أصحّ الأقوال (3)" روايةً (4)؛

(وفي كفّارة جزاء الصيد) وهو الثلاثُ الأوّلُ من الثلاثة الأُولى ممّا ذكر في الكفّارات، لا مطلق جزائه (خلاف) في أنّه مرتّب أو مخيَّر، والمصنِّف اختار فيما سبق

ص: 17


1- أي خصال كفّارة الظهار وخصال كفّارة قتل الخطأ.
2- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 345؛ والشيخ في النهاية، ص 154: والقول الآخر الترتيب حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 305، المسألة 54 .
3- ذهب إليه المفيد في المقنعة ص 569؛ والشيخ في النهاية، ص 570 ؛ وبالترتيب قال سلار في المراسم ،ص 187 : لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 234. المسألة 68.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 315، ح 1170 .

الترتيبَ (1)، وهو أقوى ومبنى الخلاف على دَلالةِ ظاهر الآية العاطفة للخصال ب-«أو» الدالّ على التخيير(2) ، ودَلالةِ الخبر على أنّ ما في القرآن ب-«أو» فهو على التخيير(3). وعلى ما رُوِيَ نصّاً من أنّها على الترتيب(4)، وهو مقدَّم.

(و) التي جمَعَت الوصفين (كفّارةُ اليمين) وهي (إطعامُ عشرة مساكينَ، أو كسوتُهم، أو تحريرُ رقبة) مخيَّرٌ بين الثلاث (فإن عجز فصيام ثلاثة أيام).

(وكفّارة الجمع لقتل المؤمن عمداً ظلماً، وهي عتق رقبة وصيام شهرين) متتابعَين (وإطعام ستّين مسكيناً (5)) . وقد تقدَّم (6)أنّ الإفطار في شهر رمضان على محرَّم مطلقاً يوجبها أيضاً. فهذه جملة الأقسام.

وبَقِيَ هنا أنواعٌ اختُلِف في كفّارتها أَتبَعها بها فقال: (والحالف بالبراءة من الله ورسوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)والأئمة (علیهم السلام)) على الاجتماع والانفراد (يأثَم) صادقاً كان أم كاذباً، وفي الخبر: أنه يَبرَأ بذلك منهم صادقاً وكاذباً (7). واختلف في وجوب الكفّارة به مطلقاً أو مع الحِنث، فنقل المصنِّف هنا قولين من غير ترجيح، وكذا في الدروس(8)، (و) هو أنه (يُكَفِّر كفّارةَ ظِهارٍ، فإن عجز فكفّارةَ يمينٍ على قول) الشيخِ في النهاية (9) وجماعة (10). ولم نَقِفْ على مستنده وظاهرهم وجوب ذلك مع الحِنثِ وعدمه ومع الصدقِ والكذبِ.

(وفي توقيع العسكري (علیه السلام) ) إلى محمّد بن الحسن الصَفّار الذي رواه محمّد بن

ص: 18


1- تقدّم في ج 1 ، ص 394 وما بعدها، كتاب الحجّ.
2- المائدة .(5) :95 .
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 333، ح 1147.
4- الكافي، ج 4، ص 385، باب كفّارات ما أصاب المحرم...، ح 1 و 2 و 5.
5- فإن عجز عن العتق والإطعام صام ستة أشهر.( زين رحمه الله )
6- تقدّم في ج 1، ص 285 ، كتاب الصوم.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 284، ح 1041.
8- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 128 - 129 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
9- النهاية، ص 570 .
10- منهم القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 421.

يحيى في الصحيح أنّه مع الجِنث (يُطعِم عشَرةَ مساكينَ) لكلّ مسكينٍ مُدٌّ (ويستغفر اللهَ تعالى (1)) . والعمل بمضمونها حسنٌ ؛ لعدم المعارِض مع صحَّة الرواية. وكونُها مكاتبةً ونادرةً لا يقدح مع ما ذكرناه، وهو اختيار العلّامة (رحمه الله) ف--ي المختلف(2). وذهب جماعة إلى عدم وجوب كفّارة مطلقاً (3)؛ لعدم انعقاد اليمين؛ إذ لا حلف إلّا بالله تعالى. واتَّفق الجميعُ على تحريمه مطلقاً.

(وفي جزّ المرأة شَعرَها في المُصاب كفّارةُ ظِهارٍ) على ما اختاره هنا، وقَبْلَه العلّامة في بعض كتبه (4)، وابن إدريس (5)، ولم نقف على المأخذ (وقيل: ) كبيرة (مخيّرة) . ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) في النهاية (6)استناداً إلى رواية ضعيفة (7). وفي الدروس نسب القول الثانيّ إلى الشيخ (8)ولم يذكُر الأوّل. والأقوى عدم الكفّارة مطلقاً؛ لأصالة البراءة؛ نعم، يُستحبّ لصلاحية الرواية لأدلّة السنن ولا فرق في المصاب بين القريب وغيره للإطلاق.

وهل يُفرَق بين الكل والبعض ؟ ظاهر الرواية اعتبارُ الكلّ ؛ لإفادة الجمعِ المعرَّفِ أو المضافِ العمومَ. واستقرب في الدروس عدم الفرق(9)؛ لصدق «جَزّ الشعر» و«شَعْرها» عرفاً بالبعض.

وكذا الإشكال في إلحاق الحلق والإحراق بالجزّ من مساواته له في المعنى واختاره

ص: 19


1- الكافي، ج 7، ص 461، باب النوادر، ح 7.
2- مختلف الشيعة، ج 8، ص 163، المسألة 1.
3- منهم: الشيخ في المبسوط ، ج 4، ص 577 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 40؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 297 .
4- نسبه إلى قيل في قواعد الأحكام، ج 3، ص 297 ؛ وفي إرشاد الأذهان، ج 2، ص 97؛ وإلى قول في تلخيص المرام، ص 263.
5- السرائر، ج 3، ص 76.
6- النهاية. ص 573 .
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325، ح 1207 .
8- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
9- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

في الدروس(1)، ومن عدم النصّ وأصالة البراءة وبطلان القياس، وعدمِ العلم بالحكمةِ الموجبةِ للإلحاق؛ وكذا في إلحاق جزّه في غير المصاب به من عدمِ النص واحتمالِ الأولوية، وهي ممنوعة.

(وفي نتفه) أي نتف شعرها أو (خدْشِ وجهها، أو شقِّ الرجلِ ثوبَه في موت ولده أو زوجته كفّارةُ يمين على قول) الأكثر، ومنهم المصنف في الدروس (2) جازماً به من غير نقل خلاف، وكذلك العلّامة في كثير من كتبه(3).

ونسبته هنا إلى القول يُشعر بتوقُّفه فيه وهو المناسب؛ لأن مستندَه الرواية التي دلّت على الحكم السابق والمصنِّف اعترف بضعفها في الدروس(4)، وليس بين المسألتين فرق إلَّا تحقُّق الخلاف في الأُولى دون هذه. والكلام في نتف بعض الشعر كما سبق. ولا فرق بين الولدِ للصُلب وولدِ الولد وإن نزل ذكراً أو أنثىً لذَكَر. وفي ولد الأنثى قولان(5) أجودُهما عدم اللحوق. ولا في الزوجة بين الدائم والمتمتّع بها. والمُطَلَّقهُ رَجعيّاً زوجةٌ.

ولا يَلحَق بها الأَمَةُ وإنْ كانت سُرِّيَّةً أو أمَّ ولد.

ويُعتبر في الخدشِ الإدماءُ كما صرَّحت به الرواية(6)، وأطلق الأكثر (7)وصرَّح جماعة منهم العلّامة في التحرير بعدم الاشتراط (8). والمعتبر منه مسمّاه، فلا يُشترَط استيعاب الوجه ولا شقُ جميع الجلد ولا يُلحق به خَدْشُ غير الوجه وإن أَدمَى ولا لطمُه مجرّداً.

ويُعتبَر في الثوب مسمّاه عرفاً، ولا فرق فيه بين الملبوس وغيرِه ولا بين شقِّه

ص: 20


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 297؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 97؛ تبصرة المتعلّمين، ص 159.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
5- ذهب إلى اللحوق السيّد المرتضى في رسائل الشريف المرتضى، ج 4، ص 328؛ وابن إدريس في السرائر. ج 3، ص 157 ؛ والقول الآخر للمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 93 .
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325، ح 1207 .
7- كالمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 51؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 97؛ الشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
8- تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 4، ص 369، الرقم 5958.

ملبوساً ومنزوعاً ولا بين استيعابه بالشقّ وعدمِه. ولا كفّارة بشقِّه على غير الولد والزوجة، وأجازه جماعة على الأب والأخ (1) لِما نُقِل من شقّ بعض الأنبياء والأئمة (علیهم السلام) فيهما (2)؛ ولا في شقّ المرأة على الميّت مطلقاً وإن حرُم.

(وقيل : من تَزوَّج امرأةً (3) في عدّتها فارَقَها وكفَّر بخمسة أَصوُعِ دقيقاً)(4)؛ نَسَب ذلك إلى القول متوقّفاً فيه، وجزم به في الدروس (5)ومستنده رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام)(6)، وهي مع تسليم سندها لا تصريح فيها بالوجوب، فالقول بالاستحباب أوجَهُ. وفي الرواية تصريحٌ بالعالم وأطلق الأكثر(7) ، ولا حجّة في لفظ الكفّارة على اختصاصها بالعالم. ولا فرق في العدّة بين الرجعيّةِ والبائنِ وعدّةِ الوفاة وغيرِها، وفي حكمها ذاتُ البعل وهو مصرّح في الرواية، ولا بين المدخول بها وغيرها. والدقيقُ في الرواية والفتوى مطلقٌ، وربما قيل باختصاصه بنوع يجوز إخراجه كفّارةً (8) وهو دقيق الحنطة والشعير.

(ومن نام عن صلاة العشاء حتّى تجاوز نصف الليل أصبح صائماً) ظاهرُه كون ذلك على وجه الوجوب ؛ لأنَّه مقتضى الأمر(9). وفي الدروس نسب القول به إلى الشيخ

ص: 21


1- منهم: سلّار في المراسم، ص 187 وابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 424 ؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 419.
2- يار معرفة الرجال، ص 572 ، الرقم 1085 ؛ راجع وسائل الشيعة، ج 3، ص 273 - 274 ، الباب 84 من ابواب الدفن.
3- فرع: أطلق الأصحاب لفظ «التزويج» ولم يصرّحوا بالعلم أو الجهل، لكن قولهم «كفّر» يدلّ على تقييدهم بالعالم؛ إذ الجاهل لا يتوجّه عليه عقوبة. وإيجاب الحدّ أيضاً دليل عليه. المهذّب البارع [ج 3، ص 563]. (زين رحمه الله )
4- قال به المفيد في المقنعة، ص 572 ؛ والشيخ في النهاية، ص 572 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
6- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 21، ح 62.
7- تقدّمت تخريجها في الهامش 3.
8- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 397 .
9- الكافي، ج 3، ص 295 ، باب من نام عن الصلاة، ح 11.

وجعل الرواية به مقطوعة (1)(2) ، وحينئذٍ فالاستحباب أقوى.

ولا فرق بين النائم كذلك عمداً وسهواً. وفي إلحاق السَكران به قول ضعيف (3)، وكذا من تعمّد تركَها أو نَسِيَه من غير نوم. ولا يَلحَق ناسي غيرِها قطعاً.

ولو أَفطَر ذلك اليوم ففي وجوب الكفّارة من حيثُ تعيّنه على القول بوجوبه، أو لا بِناءً على أنّه كفّارة فلا كفّارة في تركها وجهان، أجودهما الثاني.

ولو سافر فيه مطلقاً أفطره وقضاه، وكذا لو مَرِضَ أو حاضت المرأة أو وافق العيد أو أيام التشريق، مع احتمال سقوطه حينئذ. ولو صادف صوماً متعيّناً تداخَلا، مع احتمال قضائه.

(وكفّارة ضرب العبد فوقَ الحدّ(4)) الذي وجب عليه بسبب ما فَعَله من الذنب، أو مطلقاً (عتقُه مستحبّاً) عند الأكثر. وقيل: وجوباً (5)وتردَّد المصنف في الدروس مقتصراً على نقل الخلاف(6). وقيل: المعتبر تجاوُزُ حدّ الحرّ(7)؛ لأنَّه المتيقَّنُ والمتبادِرُ عند الإطلاق. ولو قتله فكفّارته كغيره

(وكفّارة الإيلاء كفّارةُ اليمين) لأنَّه يمين خاصّ.

(ويتعيَّن العِتقُ في المرتَّبة بوِجدان الرقَبة ملكاً أو تسبيباً) - كما لو مَلَك الثمنَ ووُجِد الباذلُ لها - زيادةً على دارِه وثيابِه اللائقَين بحاله وخادمِه اللائقِ به أو المحتاج إليه، وقُوتِ يومٍ وليلةٍ له ولعِياله الواجبي النفقة، ووفاءِ دَينه وإن لم يُطالَب به. نعم، لو تَكلَّف العادمُ العتقَ أَجزأَه إلَّا مع مطالبة الدُيّان؛ للنهي عن العتق حينئذٍ، وهو عبادة.

ص: 22


1- الحق أنّها مرسلة لا مقطوعة : لأنّ راويها عبد الله بن مغيرة عمّن حدّثه عن الصادق (علیه السلام). (منه رحمه الله)
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10) : النهاية، ص 572 .
3- نسبه إلى قول ضعيف في رياض المسائل، ج 12، ص 435 .
4- أيّ حدّ كان (زين رحمه الله )
5- قال به الشيخ في النهاية، ص 573 : ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 424.
6- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- قال به فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 84.

والعبرةُ بالقدرة عند العتق لا الوجوب.

( ويُشترَط فيها الإسلامُ) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقاً على الأقوى، وهو المراد من الإيمان المطلوبِ في الآية(1)، ولا يُشترط الإيمانُ الخاصّ وهو الولاء على الأظهر.

وطفلُ أحد المسلمين بحكمه، وإسلام الأخرس بالإشارة، وإسلام المَسبيِّ بالغاً بالشهادتين، وقبلَه بانفراد المسلم به عند المصنِّف (2) وجماعة (3)، وولدِ الزنى بهما بعد البلوغ، وبتبعيته السابي على القول.

وفي تحقُّقه بالولادة من المسلم وجهان: من انتفائه شرعاً، وتولُّدِه منه حقيقةً فلا يقصر عن السابي، والأوّل أقوى.

(والسلامةُ من) العيوب الموجبة للعتق وهي (العَمَى والإقعادُ والجُذامُ والتَنكِيلُ) الصادر عن مولاه، وهو أن يَفعَل به فعلاً فظيعاً بأن يَجدَعَ أَنْفَه أو يَقْطَعَ أُذُنَيه ونحوه ؛ لانعتاقه بمجرد حصول هذه الأسباب على المشهور، فلا يُتصور إيقاع العتق عليه ثانياً .

ولا يُشترَط سلامته من غيرها من العيوب، فيجزئ الأَعْورُ والأعرجُ والأقرعُ والخَصِيُّ والأصمُّ ومقطوعُ أحد الأُذُنَين واليدين ولو مع إحدى الرجلين، والمريضُ وإن مات في مرضه، والهَرِمُ والعاجز عن تحصيل كفايته، وكذا من تَشبَّث بالحرّية مع بقائه على المِلك كالمدبَّرِ وأمِّ الولد وإن لم يَجُز بيعُها لجواز تعجيل عتقها.

وفي إجزاء المكاتَب الذي لم يَتحرَّر منه شيءٌ قولان (4)، وإجزاؤه لا يخلو من قوّة. دون

ص: 23


1- النساء (4): 92 .
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 2 ،ص 31 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 560؛ والقاضي ابن البراج في المهذّب، ج 1، ص 318؛ وحكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 434، المسألة 49.
4- القول بالإجزاء للمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 3، ص 54؛ وعدمه للشيخ في الخلاف، ج 4، ص 544، المسألة 29.

المرهونِ إلَّا مع إجازة المُرتَهِن، والمنذورِ عتقُه والصدقةُ به وإن كان معلَّقاً بشرط لم يحصُل بعدُ على قولٍ رجَّحه المصنِّف في الدروس(1).

(والخلوُّ عن العِوَض) فلو أعتقه وشَرَط عليه عِوَضاً لم يقع عن الكفّارة؛ لعدم تمحُّض القربة. وفي انعتاقه بذلك نظر، وقطع المصنِّف في الدروس بوقوعه (2)؛ وكذا لو قال له غيره: «أَعتِقهُ عن كفّارتك ولك عَلَيّ كذا واعترف المصنِّف هنا بعدم وقوع العتق مطلقاً نعم، لو أمره بعتقه عن الآمر بعِوَض أو غيره أجزأ، والنيّةُ هنا من الوكيل. ولابدّ من الحكم بانتقاله إلى ملك الآمر ولو لحظةً؛ لقوله : «لا عتق إلَّا في ملك»(3).

وفي كونه هنا قبل العتق أو عند الشروع فيه، أو بعد وقوع الصيغة ثمّ يعتق، أو بكون العتق كاشفاً عن ملكه بالأمر، أوجُهٌ، والوجه انتقالُه بالأمرِ المقترن بالعتق.

(والنيّةُ) المشتملة على قصد الفعل على وجهه متقرّباً، والمقارِنةُ للصيغة؛ (والتعيينُ) للسبب الذي يُكفِّر عنه، سواءٌ تعدَّدت الكفّارةُ في ذمّته أم لا، وسواءٌ تغايَرَ الجنسُ أم لا، كما يقتضيه الإطلاق وصرَّح به في الدروس(4). ووجهه أنّ الكفّارةَ اسمٌ مشتركٌ بين أفراد مختلفة، والمأمورُ به إنَّما يتخصّص بمميِّزاته عن غيره ممّا يشاركه.

ويُشكل بأنَّه مع اتِّحادها في ذمَّته لا اشتراك فتجزئ نيته عمّا في ذمَّته من الكفّارة؛ لأنّ غيره ليس مأموراً به، بل ولا يتصوَّر وقوعه منه في تلك الحالة شرعاً فلا وجه للاحتراز عنه ، كالقصر والتمام في غير موضع التخيير.

والأقوى أنَّ المتعدّد في ذمَّته مع اتِّحاد نوع سببه كإفطار يومين من شهر رمضان

ص: 24


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 144 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 145 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 773 و 774.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 145 - 146 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وخُلفِ نذرين كذلك، نعم ، لو اختَلَفت أسبابه تَوَجَّه ذلك ليحصل التمييز وإنْ اتَّفق مقدارُ الكفّارة. وقيل: لا يفتقِر إليه مطلقاً (1).

وعلى ما اخترناه لو أطلَق بَرِئت ذمَّته من واحدة لا بعينها، فيتعيَّن في الباقي الإطلاق، سواء كان بعتقٍ أم غيره من الخصال المخيّرة أو المرتَّبة على تقدير العجز. ولو شَكّ في نوع ما في ذمَّته أجزأه الإطلاق عن الكفّارة على القولين كما يجزئه العتق عمّا في ذمته لو شَكّ بين كفّارة ونذر ولا يجزئ ذلك في الأوّل كما لا يجزئ العتق مطلقاً، ولا بنيّة الوجوب.

(ومع العجز) عن العتق في المرتَّبة ( يصوم شهرَين متتابعين) هلاليين وإنْ نَقَصا، إن ابتَدأَ من أوله، ولو ابتدأ من أثنائه أَكمَل ما بقي منه ثلاثين بعد الثاني، وأجزأه الهلِاليُ في الثاني. ولو اقتصر هنا على «شهر ويوم» تعيَّن العددي فيهما. والمراد بالتتابع أن لا يقطعهما ولوْ في «شهر ويوم» بالإفطار اختياراً ولوْ بمسوِّغه كالسفر، ولا يَقْطَعه غيره كالحيض والمرض والسفرِ الضروري والواجبِ، بل يبني على ما مضى عند زوال العذر على الفور.

هذا إذا فَجِئَهُ السفرُ، أمَّا لو علم به قبل الشروع لم يُعذَر؛ للقدرة على التتابع في غيره كما لو علم بدخول العيد، بخلاف الحيض؛ للزومه في الطبيعة عادةً والصبرُ إلى سنّ اليأس تغريرٌ بالواجب وإضرارٌ بالمكلّف.

و تجب فيه النيةُ والتعيينُ كالعتق وما يُعتبر في نيَّته، ولو نَسِيَها ليلاً جدَّدها إلى الزوال فإن استَمرَّ إليه لم يُجْزِ، ولم يقطع التتابعَ على الأقوى.

(ومع العجز) عن الصيام (يُطعِم ستّين مسكيناً) فيما يجب فيه ذلك، ككفّارة شهرِ رمضانَ وقتلِ الخطأ والظهارِ والنذرِ، لا مطلق المرتَّبة ؛ فإنّه في كفّارة إفطار قضاء رمضان وكفّارة اليمين إطعامُ عشَرة، وأطلق الحكم اتّكالاً على ما عُلِم (إمّا إشباعاً) في

ص: 25


1- قال به الشيخ في المبسوط . ج 4 ص 594 .

أَكْلة واحدة (أو) تسليم مُدّ إلى كلّ واحد على أصحّ القولين فتوىً (1)وسنداً، وقيل: مدّان مطلقاً (2)، وقيل : مع القدرة(3).

ويَتساوَى في التسليم الصغير والكبير من حيث القدر وإن كان الواجب في الصغير تسليمَ الوليّ، وكذا في الإشباع إن اجتمعوا، ولو انفرد الصغار احتُسِب الإثنان بواحد ولا يَتوقَّف على إذن الوليّ. ولا فرق بين أكل الصغير كالكبير، ودونه؛ لإطلاقِ النصّ (4)، ونُدورِه.

والظاهر أنّ المراد بالصغير غير البالغ، مع احتمال الرجوع إلى العرف ولو تعذّر العددُ في البلد وجب النقل إلى غيره مع الإمكان، فإن تعذّرَ كرر على الموجودين في الأيّام بحسب المتخلّف.

والمراد بالمسكين هنا من لا يَقدِر على تحصيل قوت سنته فعلاً وقوّةً، فيشمل الفقيرَ، ولا يدخُل الغارمُ وإنْ اسْتَوعَب دَينُه مالَه. ويُعتبَر فيه الإيمانُ وعدمُ وجوبِ نفقته على المعطي، أمّا على غيره، فهو غني مع بذل المُنفِق وإلّا فلا.

وبالطعام مسمّاه كالحِنطة والشعير ودقيقهما وخُبزِهما وما يغلب على قوت البلد، ويجزئ التمرُ والزبيبُ مطلقاً. ويُعتبَر كونه سليماً من العيب والمزج بغيره، فلا يجزئ المَسُوسُ والممتزِجُ بزوانٍ وترابٍ غيرِ معتادَين.

والنية مقارنة للتسليم إلى المستحق أو وكيلِه أو وليِّه، أو بعد وصوله إليه قبل إتلافِه أو نقلِه عن ملكه، أو للشروع في الأكل. ولو اجتَمعوا فيه ففي الاكتفاءِ بشروعٍ واحدٍ أو وجوبِ تعدُّدها مع اختلافهم فيه، وجهان.

(وإذا كَسَى الفقيرَ فثوبٌ) في الأصحِّ (5). والمعتبر مسمّاه من إزارٍ ورداءٍ وسَراوِيلَ

ص: 26


1- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 70؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 246، المسألة 77 .
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 4. ص 560. المسألة 62.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 569؛ والمبسوط، ج 4، ص 202.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297 ، ح 1101 .
5- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 4، ص 597 ؛ وقال بوجوب الثوبين المفيد في المقنعة، ص 568 : وفصّل ثالث بين القدرة اعتبر الثوبين والثوب الواحد عند العجز كالشيخ في النهاية، ص 570 ؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 415.

وقميصٍ (ولو غسيلاً إذا لم يَنخرِقْ) أو يَنسحِقْ جداً بحيث لا يُنتفع به إلَّا قليلاً، وفاقاً للدروس(1). وجنسُه القُطنُ والكتّانُ والصُوفُ والحريرُ الممتزج، والخالصُ للنساء وغيرِ البالغين دون الرجالِ والخُنائى، والفَرْوُ والجِلدُ المعتادُ لُبسُه، والقِ-ُنَّبُ والشعرُ كذلك. ويكفي ما يُسمَّى ثوباً للصغير وإن كانوا منفردين. ولا يتكرَّر على الموجودين لو تعذَّر العدد مطلقاً، لعدم النصّ مع احتماله.

(وكلُّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعَجَز) عن صومهما أجمع (صام ثمانيةَ عشَرَ يوماً) وإنْ قَدر على صومِ أزيدَ منها (فإن عجز) عن صوم الثمانيةَ عشرَ أجمع (تَصدَّق عن كلّ يوم) من الثمانية عشر (بمُدٍّ) من طعام.

وقيل عن الستّين(2)، ويُضعَّف بسقوطِ حكمها قبل ذلك، وكونه خلاف المتبادِر، وعدمِ صحّته في الكفّارة المخيَّرة، لأنّ القادر على إطعام الستّين يجعله أصلاً لا بدلاً، بل لا يجزئه الثمانيةَ عشرَ مع قدرته على إطعام الستّين؛ لأنَّها بدل اضطراري وهو بدل اختياري.

(فإن عَجَز) عن إطعام القدر المذكور وإن قَدَر على بعضه (استَغفَرَ اللهَ تعالى) ولو مرّةً بنيّة الكفّارة.

ص: 27


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- لم نعثر على قائله ولكن حكاه عن بعض في مسالك الأفهام، ج 10، ص 120.

ص: 28

كتاب النذر وتوابعه من العهد واليمين

اشارة

ص: 29

ص: 30

(کتاب النذر)

(كتاب النذر(1) وتوابعه ) من العهد واليمين

(وشرطُ الناذرِ الكمالُ) بالبلوغ والعقل (والاختيارُ والقصدُ) إلى مدلول الصيغة (والإسلامُ والحرّيّةُ). فلا ينعقد نذرُ الصبيِّ والمجنونِ مطلقاً، ولا المُكرَه، ولا غيرِ القاصد كمُوقِع صيغته عابثاً أو لاعباً أو سكرانَ أو غاضباً غضباً يَرفَع قصدَه إليه، ولا الكافرِ مطلقاً؛ لتعذّر القربة على وجهها منه وإنِ اسْتُحِبّ له الوفاءُ به لو أسلم، ولا نذرُ المملوك.

(إلّا أن يُجيزَ المالك) قبل إيقاع صيغته، أو بعده على المختار عند المصنِّف (2)(أو تَزولَ الرِقيَّةُ) قبل الحَلّ؛ لزوال المانع. والأقوى وقوعُه بدون الإذن باطلاً؛ لنفي ماهيّته في الخبر (3) المحمولِ على نفي الصحَّة؛ لأنَّه أقرب المجازات إلى الحقيقة حيث لا يراد نفيها؛ وعمومُ الأمر بالوفاء بالنذر (4) مخصوصٌ بنذر المذكور كما دلّ عليه الخبر، لا بنذره مع النهي.

ص: 31


1- النذر لغةً: وعد بشرط، وشرعاً التزام ما ليس بلازم، أو تأكيد لما هو لازم بصيغة «لله». والعهد لغةٌ ما عاهد عليه غيره، أي عاقده عليه، وشرعاً التزام أمر شرعي فعلاً أو تركاً بصيغة «عاهدت الله» وشبهها. واليمين لغةٌ يقال على الحلف المطلق، وشرعاً تحقيق ما يمكن فيه الخلاف بذكر اسم الله تعالى (زین رحمه الله)
2- غاية المراد، ج 3، ص 309 - 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 285 - 286، ح 1050.
4- الحج (22): 29 : « وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ».

(وإذنُ الزوج كإذن السيّد) في اعتبار توقُّفِه عليها سابقاً، أو لحوقها له قبل الحَلِّ، أو ارتفاعِ الزوجيّة قبله.

ولم يذكُر توقُّفَ نذر الولد على إذن الوالد؛ لعدم النصّ الدالِّ عليه هنا، وإنما ورد في اليمين (1) فيبقى على أصالة الصحَّة. وفي الدروس أَلحقَه بهما(2)؛ لإطلاق اليمين في بعض الأخبار على النذر كقول الكاظم (علیه السلام)لمّا سُئل عن جارية حلف منها بيمين فقال: «لله عليّ أن لا أبيعها» فقال: «فِ لله بنذرك»(3). والإطلاق وإنْ كان من كلام السائل إلَّا أنّ تقرير الإمام له عليه كتلفُّظه به ولتساويهما في المعنى. وعلى هذا لا وجه لاختصاص الحكم بالولد بل يجب (4)في الزوجة مثله؛ لاشتراكهما في الدليل نفياً وإثباتاً، أمّا المملوك؛ فيمكن اختصاصه بسبب الحَجر عليه، والعلّامة اقتصر عليه هنا (5)وهو أنسب، والمحقِّق شرّك بينه وبين الزوجة في الحكم كما هنا، وتَرَك الولد(6)، وليس بوجه.

(والصيغة : «إن كان كذا فللّه عَلَيَّ كذا») هذه صيغة النذرِ المتَّفق عليه بواسطة الشرط. ويُستفاد من الصيغة أنّ القربة المعتبرة فى النذر إجماعاً لا يُشترط كونها غايةً للفعل كغيره من العبادات، بل يكفى تضمُّنُ الصيغة لها وهو هنا موجود بقوله: «لله عَلَيَّ » وإن لم يُثْبِعها بعد ذلك بقوله «قربةً إلى الله» أو «لله» ونحوِه، وبهذا صرَّح في الدروس وجعَلَه أقرب (7)، وهو الأقرب.

ومن لا يكتفى بذلك ينظُر إلى أنّ القربة غاية الفعل فلابدّ من الدَلالةِ عليها، وكونِها شرطاً للصيغة، والشرطُ مغايرٌ للمشروط؛ ويُضعَّف بأنّ القربةَ كافيةٌ بقصد الفعل لله في

ص: 32


1- تقدّم في ص 31، الهامش 3 .
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 119 و 131 - 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 310، ح 1149.
4- في «م)»: «فيجب» بدل «بل يجب».
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 284 : تبصرة المتعلّمين، ص 158 ، إرشاد الأذهان، ج 2، ص 90 .
6- شرائع الإسلام، ج 3، ص 144 .
7- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 119 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

غيره كما أشرنا، وهو هنا حاصل، والتعليل لازمٌ، والمغايرةُ متحقِّقةٌ ؛ لأنّ الصيغة بدونها «إن كان كذا فعَلَيَّ كذا»، فإنّ الأصل في النذرِ الوعدُ بشرطٍ فتكون إضافة «لله» خارجةً.

(وضابطه) أي ضابط النذر ، والمراد منه هنا المنذور وهو الملتزم بصيغة النذر (أن يكون طاعةً) واجباً كان أو مندوباً (أو مباحاً راجحاً) في الدين أو الدنيا، فلو كان متساويَ الطرفين أو مكروهاً أو حراماً التزم فِعْلَهما لم ينعقد. وهو في الأخيرين وِفاقيٌ، وفي المتساوي قولان (1) فظاهره هنا بطلانه، وفي الدروس رجَّح صحَّتَه(2)، وهو أجود.

هذا إذا لم يشتمل على شرط، وإلا فسيأتي اشتراط كونه طاعة لاغير، وفي الدروس ساوى بينهما في صحَّة المباحِ الراجح والمتساوي، والمشهور ما هنا.

(مقدوراً للناذر) بمعنى صلاحيّة تعلُّق قدرته به عادةً في الوقتِ المضروبِ له فعلاً أو قوّةً، فإن كان وقتُه معيّناً اعتُبرِت فيه، وإن كان مطلقاً فالعمر.

واعتبرنا ذلك مع كون المتبادِرِ القدرةَ الفعليّةَ ؛ لأنَّها غيرُ مرادة لهم كما صرّحوا به كثيراً لحكمهم بأنّ من نذَر الحجّ وهو عاجز عنه بالفعل لكنّه يرجو القدرة ينعقد نذرُه ويَتوقَّعُها في الوقت، فإن خرج وهو عاجز بطل. وكذا لو نذَر الصدقة بمال وهو فقير أو نذرت الحائض الصوم مطلقاً أو في وقت يمكن فعله فيه بعد الطهارة وغير ذلك؛ وإنّما أخرجوا بالقيدِ الممتنع عادةً كنذر الصعود إلى السماء، أو عقلاً كالكون في غير حيّزٍ، والجمع بين الضدَّين، أو شرعاً كالاعتكاف جُنُباً مع القدرة على الغسل، وهذا القسم يمكن دخوله فى كونه طاعةً أو مباحاً، فيخرج به أو بهما.

(والأقرب احتياجُه إلى اللفظ (3)) فلا يكفى النيةُ في انعقاده وإن استُحِبّ الوفاءُ به ؛

ص: 33


1- قال بالصحَّة العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 4، ص 346 ، الرقم 5905 ؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 285 ؛ قال بعدم الصحَّة يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 423.
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- يستحبّ الوفاء بالنذر في ثلاثة مواضع: الأوّل: إذا أسلم الكافر بعد نذره. الثاني : إذا تلفّظ به ولم يذكر الله. الثالث: إذا تصوّره ولم يتلفّظ (زين رحمه الله )

لأنَّه من من قبيل الأسباب، والأصل فيها اللفظُ الكاشفُ عمّا في الضمير ؛ ولأنَّه في الأصل «وعدٌ بشرط أو بدونه» والوعد لفظيٌ والأصل عدم النقل.

وذهب جماعة (1)منهم الشيخان(2) إلى عدم اشتراطه ؛ للأصلِ وعموم الأدلَّة، ولقوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «إنّما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلّ امْرِئٍ ما نَوَى» (3)و «إنّما» للحصر و«الباءُ» سببيّة ؛ فدلَّ على حصر السببيّة فيها، واللفظ إنّما اعتُبِر في العقود ليكون دالّاً على الإعلام بما في الضمير، والعقد هنا مع الله العالم بالسرائر. وتردَّد المصنِّفُ في الدروس (4)والعلّامةُ في المختلف (5)، ورجَّح في غيره (6)الأوَّلَ.

(و) كذلك الأقرب (انعقادُ التبرُّع ) به من غير شرط لما مر من الأصل والأدلَّة المتناولة له؛ وقولُ بعض أهل اللغة: «إنّه وعد بشرط » (7)، والأصل عدم النقل معارَضٌ بنقله «أنه بغير شرط» أيضاً (8)، وتوقَّف المصنّف في الدروس(9)، والصحَّة أقوى.

( ولا بد من كون الجزاء (10) طاعةً) إن كان نذْرَ مجازاةٍ بأن يجعَلَه أحد العباداتِ المعلومة، فلو كان مرجوحاً أو مباحاً لم ينعقد؛ لقول الصادق (علیه السلام) في خبر أبي الصباح الكَناني: «ليس النذر بشيء حتّى يسمّي شيئا لله صياماً، أو صدقةً، أو هدْياً، أو حجّاً»(11). إلَّا أنَّ هذا الخبر يشمل المتبرَّعَ به من غير شرط والمصنِّف لا يقول به. وأطلق الأكثر

ص: 34


1- منهم القاضي ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 409؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 483؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 350.
2- المقنعة، ص 562 ؛ النهاية، ص 563.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83، ح 218 ، وج 4، ص 186، ح 519 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1413، ح 4227.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 119 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 217 ، المسألة 51 .
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 285 ؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 96.
7- حكاه عن ثعلب الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 192، المسألة 1.
8- نقله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 518 .
9- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 119 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
10- الجزاء: ما يكون جواباً للشرط. (زين رحمه الله)
11- الكافي، ج 7، ص 455 ، باب النذور، ح 2.

اشتراطَ كونه طاعةً، وفي الدروس استقرب في الشرط والجزاء جوازَ تعلُّقهما بالمباح محتَجّاً بالخبر السابق في بيع الجارية، والبيعُ مباحٌ إلَّا أن يَقترِن بعوارضَ مرجِّحةٍ (1).

(و) كونِ (الشرط) وهو ما عُلِّق الملتزم به عليه (سائغاً) سواء كان راجحاً أم مباحاً (إن قَصَد) بالجزاء (الشكرَ) كقوله : «إن حَجَجْتُ أو رُزِقتُ ولداً أو مَلَكتُ كذا فللّه عليّ كذا من أبواب الطاعة »( وإن قَصَد الزجرَ) عن فعله (اشتُرِط كونُه معصيةً، أو مباحاً راجحاً فيه المنع) كقوله : «إن زَنَيتُ أو بعتُ داري - مع مرجوحيّته - فللّه عليّ كذا». ولو قصد في الأوّلِ الزجرَ وفي الثاني الشكرَ لم ينعقد، والمثال واحد وإنما الفارقُ القصدُ. والمكروه كالمباحِ المرجوحِ وإنْ لم يكنه، فكان عليه أن يذكره. ولو انتَفَى القصدُ في القسمَين لم ينعقد لفقد الشرط.

ثمّ الشرط إن كان من فعل الناذر فاعتبارُ كونه سائغاً واضحٌ، وإن كان من فعل الله كالولد والعافية ففي إطلاق الوصف عليه تجوّزٌ، وفي الدروس اعتَبَر صلاحيّتَه؛ لتعلّق الشكر به (2)وهو حسن.

[العهد]

(والعهد كالنذر) في جميع هذه الشروط والأحكام (وصُورتُه : «عاهدتُ اللهَ» أو «عليّ عهدُ الله» أن أفعل كذا، أو أترُكَه» أو «إن فعلتُ كذا، أو تركتُه، أو رُزِقتُ كذا فعليّ كذا » على الوجه المفصَّل في الأقسام والخلافُ فى انعقاده بالضمير ومجرَّداً عن الشرط مثلُه.

[اليمين]

(واليمين هي الحَلْف بالله) أي بذاته تعالى من غير اعتبار اسم من أسمائه (كقوله :

ص: 35


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10) ؛ والخبر سبق في ص 32، الهامش 3.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 119 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

«ومُقلّبِ القلوب والأبصار» «والذي نفسي بيده» «والذي فَلَق الحَبَّةَ وبَرَأ النَسَمة»؛ لأنّ المُقسَمَ به فيها مدلولُ المعبودِ بالحق إله من في السماوات والأرض من غير أن يُجعَل اسماً لله تعالى (أو) الحلْف (باسمِه) تعالى المُختصِّ به (كقولِه «واللهِ» و «تاللهِ» و «باللهِ» و «أَيْمُن الله» بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها، وكذا ما اقتطع منها للقسم وهو سبع عشرة صيغةً ) (أو «أقسم بالله» أو «بالقديمِ») بالمعنى المتعارَف اصطلاحاً وهو «الذي لا أوّل لوجوده» أو «الأزلي» أو «الذي لا أوّلَ لوجوده»).

وما ذكره هنا تبعاً للعلّامة (1) والمحقِّق (2)؛ قد استضعفه في الدروس بأنّ مرجِعَ القسمِ (3) الأول «إلى أسماءٍ تدلّ على صفات الأفعال ك-«الخالق والرازق» التي هي أبعد من الأسماء الدالَّة على صفات الذات ك- «الرحمن الرحيم» التي هي دون اسم الذات وهو «الله» جَلَّ اسمُه، بل هو الاسم الجامع» وجَعَل الحَلْفَ بالله هو قوله «والله» و «بالله» و «تالله» بالجرّ، و«أيمن الله»، وما اقتُضِب منها»(4).

وفيه: أنّ هذه السماتِ المذكورة في القسم الأوّل لا تتعلَّق بالأسماء المختصَّةِ ولا المشتركةِ ؛ لأنَّها ليست موضوعةُ للعَلَميّة، وإنّما هى دالّة على ذاته بواسطة الأوصاف الخاصَّة به بخلاف غيرها من الأسماء فإنّها موضوعةٌ للاسميّة ابتداءً، فكان ما ذكروه أولى ممّا تعقَّب به. نعم لو قيل بأنّ الجميع حلْفٌ بالله من غير اعتبار اسمٍ؛ جمعاً بين ما ذكرناه - وحقَّقه من «أنّ جلَّ اسمُه هو الاسم الجامع»، ومن ثَم رَجَعت

ص: 36


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 265 - 266.
2- شرائع الإسلام، ج 3، ص 130 - 131 .
3- هي إبدال الهمزة لاماً مكسورة أو مفتوحة مع ضمّ النون وفتحها، وحذفها مع فتح النون وضمّها، و«أيم» بفتح الهمزة وكسرها مع ضمّ الميم وبفتحها خاصّة مع فتح الميم و «أم» بكسر الميم، وضمّها مع كسر الهمزة و «مُن» بضمّهما وفتحهما وكسرهما، و«م »بحركات الميم الثلاث. فهذه سبعة عشرة مضافة إلى ما ذكر في لغات أيمن الأربع وذلك إحدى وعشرون .(منه رحمه الله)
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 128 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الأسماءُ إليه ولم يَرجِع إلى شيء منها، فكان كالذات - كان حسناً، ويراد بأسمائه ما يَنصرِف إطلاقُها إليه من الألفاظ الموضوعة للاسميّة وإنْ أمكن فيها المشاركةُ حقيقةً أو مجازاً؛ كالقديم والأزلي والرحمن والربّ والخالق والبارئ والرازق.

(ولا ينعقد ب- «الموجود» و «القادر» و «العالم» و«الحيّ» و«السميع» و«البصير» وغيرها من الأسماء المشتركة بينه وبين غيره من غير أن تَغلِب عليه وإنْ نَوَى بها الحلفَ، لسقوط حرمتها بالمشاركة، (ولا بأسماء المخلوقات الشريفة) كالنبيّ والأئمّة، والكعبة والقرآن لقوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «من كان حالفاً فلْيَحلف بالله أو يَذَر»(1).

(وإتْباعُ مشيئة الله تعالى) لليمين (يَمنَع الانعقادَ) وإنْ عُلِمت مشيئتُه لمتعلَّقه، كالواجب والمندوب على الأشهر، مع اتّصالِها به عادةً ونطقِه بها، ولا يقدح التنفُّسُ والسعالُ، وقصدِه إليها عند النطق بها وإن انتَفَت عند اليمين دون العكس، ولا فرق بين قصد التبرُّكِ والتعليقِ هنا لإطلاق النصّ (2). وقصَّره العلّامة على ما لا تُعلَم مشيئة الله فيه (3)،كالمباح، دون الواجبِ والندبِ، وتركِ الحرام والمكروه، والنصُّ مطلقٌ والحكمُ نادرٌ. وتوجيهه حسن، لكنّه غير مسموع في مقابلة النصّ.

(والتعليقُ على مشيئة الغير يَحبِسها) ويُوقفها على مشيئته إن علَّق عقدَها عليه كقوله : «لأفعلنّ كذا إن شاء زيدٌ»، فلو جَهِل الشرطَ لم ينعقد، ولو أَوقَف حَلَّها عليه كقوله : «إلّا أن يشاء زيد» انعقدت ما لم يَشَأ حَلَّها، فلا تبطل إلَّا بِعِلْم الشرط، وكذا في جانب النفي كقوله : «لا أَفعلُ إن شاء زيدٌ، أو إلَّا أن يشاء» فيتوقَّف انتفاؤُه على مشيئته في الأوّل، وينتفي بدونها في الثاني فلا يحرُم الفعلُ قبل مشيئته، ولا يَحُلّ قبلها.

(ومتعلَّق اليمين كمتعلَّق النذر) في اعتبار كونه طاعةً أو مباحاً: راجحاً ديناً أو

ص: 37


1- السنن الكبرى، البيهقي ، ج 10 ، ص 52 - 53، ح 19832 ؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 445، ح 168 .
2- الكافي، ج 7، ص 448، باب الاستثناء في اليمين، ح 5 : تهذيب الأحكام ج 8، ص 282 ، ح 1031 .
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 267 - 268 .

دنياً، أو متساوياً، إلَّا أنّه لا إشكال هنا في تعلُّقِها بالمباح ومراعاةِ الأَولى فيهما (1) و ترجيحِ مقتضى اليمين عند التساوي.

وظاهر عبارته هنا عدم انعقاد المتساوي؛ لإخراجه من ضابط النذر مع أنَّه لا خلاف فيه هنا، كما اعترف به في الدروس(2).

والأولوية متبوعةٌ ولوْ طرَأَتْ بعد اليمين، فلو كان البِرُّ أولى في الابتداء ثمّ صارت المخالفةُ أولى اتُّبِعَ ولا كفّارة. وفي عود اليمين بعودها بعد انحلالها وجهان، أمّا لو لم ينعقد ابتداءً للمرجوحيّة، لم تَعُدْ وإنْ تجدَّدت بعد ذلك، مع احتماله.

واعلم أنّ الكفّارة تجب بمخالفة مقتضى الثلاثة عمداً اختياراً، فلو خالف ناسياً أو مُكرَهاً أو جاهلاً فلا حنث ل-«رفع الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه»(3). وحيث تجب الكفّارة تَنحَلُّ.

وهل تنحلّ في الباقي؟ وجهان واستقرب المصنِّف في قواعده الانحلالَ لحصول المخالفة (4)، وهي لا تَتَكَرَّر كما لو تعمَّدَ، وإن افترقا بوجوبِ الكفّارة وعدمِها.

ص: 38


1- أي في الفعل والترك.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الكافي، ج 2، ص 462 - 463، باب ما رفع عن الأمّة، ح 1 - 2 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 659، ح 2043 و 2045.
4- القواعد والفوائد، ص 392، القاعدة 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).

كتاب القضاء

اشارة

ص: 39

ص: 40

إشارة

(كتاب القضاء(1) )أي الحكم بين الناس

(وهو) واجب كفايةً في حقّ الصالحين له، إلَّا أنه مع حضور الإمام (وظيفة الإمام (علیه السلام)، أو نائبِه) فيَلزَمه نصْبَ قاضٍ في الناحية ليقوم به، ويجب على من عيَّنه الإجابةُ، ولو لم يعيِّن وجبت كفايةً، فإن لم يكن أهلاً إلَّا واحدٌ تعيَّنَتْ عليه، ولو لم يعلم به الإمامُ لَزِمه الطلبُ، وفي استحبابه مع التعدُّد عيناً قولان(2)، أجودهما ذلك مع الوثوق من نفسه بالقيام به.

(وفي الغَيبة ينفُذ قضاءُ الفقيهِ الجامع لشرائط الإفتاء) وهي البلوغُ والعقلُ والذكورةُ والإيمانُ والعدالةُ وطهارةُ المولدِ إجماعاً، والكتابةُ والحرِّيّةُ والبصرُ على الأشهر، والنطقُ وغلبةُ الذكْر، والاجتهادُ في الأحكامِ الشرعيَّة وأصولِها. ويتحقَّق

ص: 41


1- القضاء يقال على أربعة أقسام: الأوّل: الإحداث، كقوله تعالى: «سَبْعَ سَمَاوَاتٍ». [فصلت (41): 12]. الثاني: الإعلام، كقوله تعالى: ««وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ». [الإسراء (17): 4]. الثالث: الأمر، كقوله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ».[الإسراء (17): 23] . الرابع: الحكم، كقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ».[غافر (40) : 20). ولغة: يقال على الفراغ من الفعل أو الإتيان به. وشرعاً: ولاية شرعيّة تقتضي نفوذ الحكم على المتداعيين، والتسلّط على المصالح العامة. (زين رحمه الله)
2- قال بالاستحباب عيناً الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 431؛ والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 60 ؛ والمخالف بعض العامّة راجع الحاوي الكبير، ج 16، ص 11؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 11 ص 375 المسألة 8216؛ روضة الطالبين ج 8، ص 80 - 81 .

بمعرفة المقدّماتِ الستّ - وهي الكلامُ والأُصولُ ، والنحوُ والتصريفُ، ولغةُ العرب وشرائطُ الأدلَّة - والأُصولِ الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل.

والمعتبر من الكلام ما يُعرَف به اللهُ تعالى وما يلزمه من صفات الجلال والإكرام، وعدلُه وحكمتُه ونُبُوَّةُ نبيّنا (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)وعصمتُه، وإمامةُ الأئمة (علیهم السلام) كذلك ليحصُلَ الوثوق بخبرهم، ويتحقَّقَ الحجّة به والتصديقُ بما جاء به النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) من أحوال الدنيا والآخرة، كلّ ذلك بالدليل التفصيلي.

ولا يُشترط الزيادة على ذلك بالاطّلاع على ما حقّقه المتكلّمون من أحكام الجواهر والأعراض، وما اشتَمَلت عليه كتبهم من الحكمة والمقدّماتِ والاعتراضاتِ وأجْوِبَةِ الشبهات وإن وجب معرفته كفايةً من جهة أُخرى، ومن ثمّ صرَّح جماعة من المحقِّقين بأن الكلام ليس شرطاً في التفقُّه (1)، فإنّ ما يتوقَّف عليه منه مشترك بين سائر المكلّفين.

ومن الأصول ما يُعرَف به أدلّة الأحكام من الأمر والنهي، والعمومِ والخصوصِ والإطلاقِ والتقييد والإجمالِ والبيانِ، وغيرِها ممّا اشتَمَلت عليه مقاصدُه. ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه، ليحصُل بسببه معرفةُ المراد من الخطاب ولا يُعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التامّ، بل يكفي الوسطُ منه فما دون. ومن اللغة ما يحصُل به فهمُ كلامِ الله ورسولِه ونُوّابِه (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) بالحفظ، أو الرجوع إلى أصلٍ مصحَّحٍ يشتمل على معاني الألفاظ المتداولة في ذلك.

ومن شرائط الأدلَّة معرفة الأشكال الاقترانية والاستثنائية، وما يتوقَّف عليه من المعاني المفرَدة وغيرِها، ولا يُشترط الاستقصاء في ذلك بل يُقتصَر على المجزئ منه، وما زاد عليه فهو مجرّدُ تضييعٍ للعمر وتَرْجِئَةٍ للوقت.

والمعتبر من الكتاب الكريم معرفةُ ما يتعلَّق بالأحكام، وهو نحوٌ من خمسِمائةِ آيةٍ،

ص: 42


1- راجع العدة في أصول الفقه، ج 2، ص 727؛ ومعارج الأصول، ص 200.

إمَّا بحفظِها أو فهمِ مقتضاها لترجع إليها متى شاء، ويتوقَّف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ ولو بالرجوع إلى أصلٍ يَشتمِل عليه.

ومن السنّة جمعُ ما اشتَمَل منها على الأحكام ولؤ في أصلٍ مصحَّحٍ رواه عن عدْلٍ بسندٍ متّصل إلى النبيّ والأئمة، ويَعرِف الصحيحَ منها والحسنَ، والموثقَ والضعيفَ والموقوفَ والمُرسَلَ ، والمتواترَ والآحادَ، وغيرَها من الاصطلاحاتِ التي دُوِّنت في «دراية الحديث»، المفتقر إليها في استنباط الأحكام، وهي أمور اصطلاحية توقيفية لا مباحث علميّة. ويدخُل في أصول الفقه معرفةُ أحوالِها عند التعارض، وكثيرٍ من أحكامها.

و من الإجماع والخلاف أن يَعرِف أنّ ما يُفتِي به لا يخالف الإجماع، إمَّا بوجود موافق من المتقدّمين، أو بغلبة ظنّه على أنه واقعة متجدِّدة لم يبحث عنها السابقون بحيث حصل فيها أحدُ الأمرين، لا معرفة كلّ مسألة أجمعوا عليها أو اختلفوا.

ودَلالةُ العقل من الاستصحاب والبراءة الأصلية وغيرهما، داخلةٌ في الأُصول، وكذا معرفة ما يُحتَجّ به من القياس. بل يشتمل كثيرٌ من مختصرات أُصول الفقه كالتهذيب و مختصر الأصول لابن الحاجب على ما يُحتاج إليه من شرائط الدليل المدوّن في علم الميزان، وكثيرٌ من كتب النحو على ما يُحتاج إليه من التصريف.

نعم، يُشترَط مع ذلك كلِّه أن يكون له قوةٌ يَتَمَكَّن بها من ردّ الفروع إلى أُصولها واستنباطِها منها. وهذه العمدة هي في هذا الباب، وإلّا فتحصيل تلك المقدّمات قد صارت في زماننا سهلةٌ لكَثرة ما حقَّقه العلماء والفقهاء فيها وفي بيان استعمالها، وإنّما تلك القوَّةُ بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده، ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مَدخَلٌ عظيمٌ في تحصيلها: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(1)..

وإذا تحقَّق المفتي بهذا الوصف وجب على الناس الترافعُ إليه وقبولُ قوله والتزامُ

ص: 43


1- العنكبوت (29) 69 .

حكمه ؛ لأنَّه منصوب من الإمام (علیه السلام) على العموم بقوله : «انظُروا إلى رجل منكم قد رَوَى حديثنا، وعَرَف أحكامَنا فاجعَلوه قاضياً، فإنّي قد جعلتُه قاضياً فتَحاكَموا إليه»(1). وفي بعض الأخبار : «فارْضَوا به حَكَماً فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً، فإذا حَكَم بحكمنا فلم يَقبَل منه فإنّما بحكم الله استَخِفّ وعلينا رَدَّ، والرادُّ علينا رادٌّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله عزّ وجلّ» (2)(فمن عدل عنه إلى قُضاة الجور كان عاصياً) فاسقاً؛ لأنّ ذلك كبيرة عندنا، ففي مقبول عُمَرَ بن حَنْظَلَةَ السابق: «مَن تَحاكَمَ إلى طاغوت فحَكَم له فإنّما يأخُذ سُحتاً وإنْ كان حقّه ثابتاً؛ لأنَّه أَخَذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يُكفَر بها»(3)، ومثله كثير (4).

(و تثبت وِلاية القاضي) المنصوب من الإمام (بالشياع) وهو إخبار جماعة به يَغلِب على الظنّ صدقهم، (أو بشهادة عدلين) وإنْ لم تكن بين يدي حاكم، بل يثبُت بهما أمرُه عند كلّ مَن سمِعَهما ، ولا يثبت بالواحد ولا بقوله وإنْ شَهِدتْ له القرائن، ولا بالخطّ مع أمْن التزوير، مع احتماله.

( ولا بدّ) في القاضي المنصوب من الإمام (من الكمالِ) بالبلوغ والعقل وطهارة المولد (والعدالةِ) ويدخُل فيها الإيمان، (وأهليّةِ الإفتاء) بالعلم بالأمور المذكورة (والذكورةِ، والكتابةِ) لعُسْر الضبط بدونها لغير النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)، (والبصَرِ) لافتقاره إلى التمييز بين الخصوم، وتعذّر ذلك مع العَمى في حق غير النبيّ. وقيل: إنّهما ليسا بشرط (5)لانتفاء الأوّل في النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) والثاني في شعيبٍ (علیه السلام) ، ولإمكان الضبط بدونهما بالحفظ والشهود.

ص: 44


1- الكافي، ج 7، ص 412 ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح 4 : تهذيب الأحكام، ج 6، ص 219، ح 514 .
2- الكافي، ج 7، ص 412، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 16 ص 218 ،ح 514.
3- الكافي، ج 7، ص 412، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 16 ص 218 ،ح 514.
4- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 217 وما بعدها، باب القضايا والأحكام.
5- تردّد في اشتراط الكتابة المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 59 ؛ وعبر عن القول بعدم اشتراط البصر بالقيل فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 399.

وبَقِي من الشرائط التي اعتبرها المصنِّفُ وغيرُه، غلبةُ الحفظ وانتفاءُ الخَرَس، والحرّيّةُ على خلافٍ في الأخير(1)، ويمكن دخولُ الأوّل فى شرط الكمال، وعدمُ اعتبار الأخير هنا مع أنّه قطع به في الدروس(2)؛ وليس دخول الثاني في الكمال أَولى من دخول البصرِ والكتابةِ، فكان اللازم ذكرَه، أو إدخال الجميع في الكمال.

وهذه الشرائط كلُّها معتبرةٌ في القاضي مطلقاً (إلَّا في قاضي التحكيم) وهو الذي تَراضَى به الخصمان ليحكم بينهما مع وجود قاضٍ منصوبٍ من قِبَل الإمام (علیه السلام)، وذلك في حال حضوره، فإنّ حكمه ماضٍ عليهما وإنْ لم يَستجمِع جميع هذه الشرائط.

هذا مقتضى العبارة، ولكن ليس المراد أنه يجوز خُلُوُّه منها أجمع، فإنّ استجماعَه لشرائط الفتوى شرطٌ إجماعاً، وكذا بلوغُه وعقلُه وطهارةُ مولدِه وغلبةُ حفظِه وعدالتُه، وإنما يقع الاشتباه في الباقي والمصنف (رحمه الله ) في الدروس قطع بأنّ شروط قاضي التحكيم هي شروط القاضي المنصوب أجمعُ (3) من غير استثناء، وكذلك قطع به المحقِّق في الشرائع (4)، والعلّامة في كتبه (5)، وولده فخر المحقِّقين في الشرح؛ فإنّه قال فيه:

«التحكيمُ الشرعي هو أن يُحَكِّم الخصمان واحداً جامعاً لشرائط الحكم سوى نصِّ من له توليته شرعاً عليه بولاية القضاء (6) .

ويمكن حملُ هذه العبارة على ذلك بجعله استثناءً مِن اعتبار جميع الشرائط كلّها، التي من جملتها توليتُه، المدلول عليه بقوله أوّلاً «أو نائبه» ثمّ قولِه «وتثبت ولاية

ص: 45


1- قال بالاشتراط الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 453 وفيه «وأمّا كمال الأحكام ...»؛ والقاضي في المهذّب، ج 2، ص 598 - 599؛ وذهب إلى عدم الاشتراط المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 60.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 49 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 51 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- شرائع الإسلام، ج 4، ص 60.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 419 ؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 459، المسألة 59 ؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 138 .
6- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 296.

القاضي» إلخ، ثمّ ذَكَر باقي الشرائط فيصير التقدير: «أنّه يُشترَط في القاضي اجتماع ما ذكر إلَّا قاضي التحكيم فلا يُشترَط فيه اجتماعها؛ لصحَّته بدون التولية» وهذا هو الأنسب بفتوى المصنِّف والأصحاب.

ويمكن على بُعدٍ أن يُستثنى مع الشرط المذكور أمرٌ آخَرُ بأن لا يَعتبِر المصنِّف هنا فيه البصرَ والكتابةَ؛ لأنّ حكمه في واقعةٍ أو وقائع خاصّةٍ يمكن ضبطها بدونهما، أو لا يجب عليه ضبطُها لأنَّه قاضي تراضٍ من الخصمين فقد قَدِما على ذلك، ومن أراد منهما ضبْطَ ما يحتاج إليه أشهَد عليه مع أنّ في الشرطين خلافاً في مطلق القاضي، ففيه أولى بالجواز؛ لانتفاء المانع الوارد في العام بكثرة الوقائع وعسر الضبط بدونهما. وأمَّا الذكورية، فلم ينقل أحدٌ فيها خلافاً، ويبعُد اختصاص قاضي التحكيم بعدم اشتراطها وإنْ كان محتملاً ولا ضرورة هنا إلى استثنائها؛ لأنّ الاستثناء هو المجموع لا الأفراد.

واعلم أنّ قاضيَ التحكيم لا يتصوَّر في حال الغيبة مطلقاً؛ لأنَّه إن كان مجتهداً نَفَذَ حكمُه بغير تحكيم وإلّا لم ينفُذ حكمُه مطلقاً إجماعاً، وإنّما يتحقَّق مع جمْعِه للشرائط حال حضوره؟ وعدمِ نصبِه كما بيّنّاه.

وقد تحرَّر من ذلك أنّ الاجتهاد شرط في القاضي في جميع الأزمان والأحوال، وهو موضع وفاق. وهل يُشترَط في نفوذ حكم قاضي التحكيم تراضي الخصمين به بعده؟ قولان (1)، أجودهما العدم، عملاً بإطلاق النصوص(2).

(ويجوز ارتزاقُ القاضى من بيت المال مع الحاجة) إلى الارتزاق لعدم المال، أو الوُصْلةِ إليه، سواء تعيَّن القضاء عليه أم لا ؛ لأنّ بيت المال مُعَدَّ للمصالح وهو من أعظمها. وقيل: لا يجوز مع تعيُّنه عليه لوجوبه (3)، ويُضعَّف بأنّ المنع حينئذٍ من الأجرة لا من الرزق.

ص: 46


1- القول بالاشتراط للشيخ في المبسوط، ج 5، ص 523 - 524 ؛ وعدمه للمحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 60.
2- تقدّمت تخريجها في ص 44، الهامش 2 و 3.
3- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 5، ص 114، الرقم 6421.

(ولا يجوز الجُعْل) ولا الأُجرةُ (من الخُصُوم) ولا من غيرهم؛ لأنَّه في معنى الرشا.

(والمُرتَزِقةُ) من بيت المال (المؤذِّنُ ، والقاسمُ، والكاتبُ) للإمام، أو لضبط بيتِ المال، أو الحُجَجِ ونحوها من المصالح، (ومعلّمُ القرآنِ والآدابِ) كالعربية وعلم الأخلاق الفاضلة ونحوها، وصاحب الديوان الذي بيده ضبط القضاةِ والجُندِ وأرزاقُهم، ونحوُها من المصالح، (ووالي بيت المال) الذي يحفظه ويضبطه ويُعطي ما يُؤمَر به ونحوه. وليس الارتزاق منحصراً فيمن ذُكِر ، بل مصرفه كلُّ مصلحة من مصالح الإسلام ليس لها جهةٌ غيرٌه، أو قصرت جهتُها عنها.

(ويجب على القاضي التسويةُ بين الخصمَين في الكلام) معهما (والسلامِ) عليهما وردِّه إذا سلَّما ( والنظرِ) إليهما (و) غيرها من (أنواع الإكرام) كالإذنِ في الدخول والقيام، والمجلس، وطلاقة الوجه ( والإنصاتِ) لكلامهما (والإنصافِ) لكلّ منهما إذا وقع منه ما يقتضيه . هذا هو المشهور بين الأصحاب، وذهب سلّار(1) والعلّامة فى المختَلَف إلى أنّ التسوية بينهما مستحبّةٌ(2)، عملاً بأصالة البراءة، واستضعافاً لمستند (3) الوجوب (4).

هذا إذا كانا مسلمَين أو كافِرَين (و) لو كان أحدهما مسلماً والآخَرُ كافراً كان (له أن يَرفَع المسلمَ على الكافر في المجلس) رفعاً صوريّاً أو معنويّاً كقُربه إلى القاضي أو على يمينه كما جَلَس عليّ (علیه السلام) بجنب شُرَيح في خصومة له مع يهودي (5)(وأن يُجلِس المسلمَ مع قيام الكافر).

ص: 47


1- المراسم، ص 230 .
2- مختلف الشيعة، ج 8، ص 421، المسألة 22.
3- المستند رواية السكوني عن الصادق (علیه السلام): «أنّ عليّاً ( عليه الصلاة والسلام) قال: من ابتلي بالقضاء فليواس في الإشارة وفي النظر وفي المجلس» [تهذيب الأحكام، ج 6، ص 226، ح 543] ولا يخفى ضعف السند، ولو تمّ فالأصل في الأمر الوجوب، فما قاله في مختلف الشيعة [ج 8، ص 421 المسألة 22]: إن المستند لو تمّ لا يدلّ المتن على الوجوب ليس بجيّد على أصله (منه رحمه الله)
4- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 226، ح 543.
5- الغارات الثقفي، ج 1، ص 124 .

وهل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك ؟ ظاهر العبارة وغيرها ذلك، ويُحتمَل تعدّيه إلى غيره من وجوه الإكرام.

(ولا تجب التسوية) بين الخصمين مطلقاً (في الميل القلبي)؛ إذ لا غَضاضةً فيه على الناقص، ولا إدلال للمتَّصِف؛ لعدم اطّلاعهما ولا غيرِهما عليه. نعم، تُستحبّ التسوية فيه ما أمكن.

(وإذا بَدَر أحد الخصمين بدعوى سَمِع منه) وجوباً تلك الدعوى لا جميعَ ما يريده منها، ولو قال الآخر: «كنتُ أنا المدّعي» لم يلتفت إليه حتى تنتهي تلك الحكومة.

(ولو ابتدرا) معاً (سَمِع من الذي على يمين صاحبه) دعوىً واحدةً، ثمّ سَمِع دعوى الآخر؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام)(1). وقيل : يُقرع بينهما (2)؛ لورودها لكلّ مشكل، وهذا منه(3) .

ومثله ما لو تَزاحَم الطَّلَبَةُ عند مدرّس والمُستَفتُون عند المفتي مع وجوب التعليم والإفتاء، لكن هنا يُقدَّم الأسبق فإن جهل أو جاؤوا معاً أُقرع بينهم، ولو جَمَعهم على درسٍ واحدٍ مع تقارب أفهامهم جاز وإلّا فلا.

(وإذا سكتا) فله أن يسكتَ حتّى يتكلَّما وإن شاء (فليقل (4): «لِيتكَلَّم المدّعي منكما»، أو «تَكَلَّما» أو يأمر من يقول ذلك. (ويُكرَه تخصيصُ أحدهما بالخطاب) لما فيه من الترجيح الذي أقلُّ مراتبِه الكراهةُ.

(وتحرُم الرِشوة) بضمّ الراءِ وكسرِها، وهو أخذه مالاً من أحدهما، أو منهما، أو من غيرهما على الحكمِ، أو الهدايةِ إلى شيء من وجوهه، سواءٌ حَكَم لباذلها بحق أم باطلٍ. وعلى تحريمها إجماعُ المسلمين ، و عن الباقر (علیه السلام) أنّه «الكفر بالله ورسوله»(5).

ص: 48


1- الفقيه، ج 3، ص 14 ، ح 3243.
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 6 ، ص 234، المسألة 32 .
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 593 .
4- مستحبّ. (زين رحمه الله )
5- الكافي، ج 5، ص 126، باب السحت، ح 1.

وكما تحرُم على المرتشي تحرُم على المُعطي لإعانته على «الإثم والعدوان»، إلَّا أن يتوقَّف عليها تحصيل حقّه فتحرُم على المرتشي خاصّة؛ (فتجب إعادتها) مع وجودها، ومع تلفها المثل أو القيمة.

(و تلقينُ أحد الخصمين حجّتَه) أو ما فيه ضرر على خصمه.

وإذا ادَّعى المدَّعي (فإن وضَح الحكمُ لَزِم القضاءُ إذا التمسه المقضيُّ له) فيقول : «حكمتُ» أو «قضيتُ» أو «أنفذتُ» أو «أمضيتُ» أو «ألزمتُ»، ولا يكفي «ثبت عندي»، أو «أنّ دعواك ثابتة». وفي «أخرج إليه من حقِّه» و أمرِه بأخذ العين أو التصرّف فيها قولٌ جزم به العلّامة(1)، وتوقَّف المصنِّف (2).

(ويُستحبّ) له قبل الحكم (ترغيبُهما في الصلح) فإن تعذَّر حَكَم بمقتضى الشرع، فإن اشتَبَه أَرْجَاً حتى يتبيَّن، وعليه الاجتهادُ في تحصيله.

( ويُكرَه أن يَشفَعَ) إلى المستحِق (في إسقاط) حق (أو) إلى المدَّعي في (إبطال) دعوى (أو يتَّخِذَ حاجباً وقت القضاء)؛ لنهي النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)عنه(3) ، (أو يقضيَ مع اشتغال القلب بنُعاسٍ، أو همٍّ) أو غمٍّ (أو غضب، أو جُوعٍ) أو شِبَعٍ مُفرِطَيْن، أو مدافَعةِ الأخبَتَين، أو وَجَعٍ، ولو قَضَى مع وجود أحدها نَفَذَ.

ص: 49


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 434 .
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- سنن أبي داود، ج 3، ص 135، ح 2948 ؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 343، ح 6.

(القول في كيفية الحكم)

(المدّعي هو الذي يُترَك لو تَرَك (1)) الخصومةَ، وهو المعبَّر عنه بأنَّه «الذي يُخَلَّى وسكوتَه» وقيل: هو من يخالف قولُه الأصلَ، أو الظاهرَ (2) (والمُنكِر مقابلُه) في الجميع.

ولا يختلف موجبُها غالباً كما إذا طالب زيدٌ عمراً بدينٍ في ذمّته أو عينٍ في يده فأنكر، فزيدٌ لو سَكَت تُرِك، ويُخالف قولُه الأصلَ، لأصالة براءة ذمَّة عمروٍ من الدَين وعدمِ تعلُّقِ حق زيد بالعين، ويخالف قولُه الظاهرَ من براءة عمرو، وعمروٌ لا يُترَكُ، ويوافق قولُه الأصلَ والظاهرَ؛ فهو «مدّعَى عليه»، وزيد «مدّعٍ» على الجميع.

وقد يختلف كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول، فقال الزوج : «أسلمنا معاً» فالنكاحُ باقٍ، وقالت: «مُرَتَّباً» فلا نكاحَ فهي على الأوّلَين مدَّعية؛ لأنَّها لو تركت الخصومة لتُرِكت واستمرَّ النكاحُ المعلومُ وقوعه والزوجُ لا يُترك لو سكت، لزعْمِها انفساخَ النكاح والأصل عدم التّعاقب، لاستدعائه تقدُّمَ أحد الحادثَين على الآخر، والأصل عدمه؛ وعلى الظاهرِ الزوجُ مدّعٍ، لبُعد التساوُق؛ فعلى الأوَّلَين يَحلِف الزوجُ ويستمرُ النكاحُ، وعلى الثالث تَحلِف المرأةُ ويبطُل. وكذا لو ادَّعَى الزوجُ الإنفاقَ مع اجتماعِهما ويسارِه، وأنكرَتْه، فمعه الظاهرُ ومعها الأصل.

وحيث عُرِف المدّعي فادَّعى دعوىً ملزمةً معلومةً جازمةً، قُبِلتْ اتفاقاً. وإن تخلَّفَ

ص: 50


1- وإنَّما جعل تعريف المدّعي والمُنكِر من مباحث كيفية الحكم ؛ لأنَّها متوقّفة عليه ؛ لأنَّ ترتُّب أحكام كلّ منهما عليه من كون الدعوى مضبوطة جازمة ونحوه، وترتّب أحكام المُنكِر على جوابه ونكوله يتوقّف على معرفتهما. فكان كالمقدّمة لكيفية الحكم.( منه رحمه الله)
2- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 436 .

الأوّلُ - كدعوى هِبَةٍ غيرِ مقبوضة، أو وَقْفٍ كذلك، أو رهن عند مشترطه - لم تُسمَع. وإن تخلَّف الثاني - كدعوى شيءٍ وتُوبٍ وفرسٍ - ففي سماعها قولان:

أحدُهما - وهو الذي جَزَم به المصنف في الدروس (1)-: العدمُ، لعدم فائدتها، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب «المدَّعَى عليه» بنعم، بل لابدّ من ضبط «المِثْلي بصفاته، والقِيمِي بقيمته، والأثمانِ بجنسها ونوعها وقدرها وإنْ كان البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنَّه إيجابٌ في الحال وهو غير مختلِف والدعوى إخبارٌعن الماضي وهو مختلِف».

والثاني - وهو الأقوى- : السماعُ، لإطلاق الأدلَّة الدالّة على وجوب الحكم، وما ذُكِر لا يصلُح للتقييد، لإمكان الحكم بالمجهول فيُحبَس حتى يبيّنه كالإقرار، ولأنّ المدّعي ربما يعلم حقَّه بوجه ما خاصّة، بأن يعلم أنَّ له عنده ثوباً أو فرساً ولا يعلم شخصَها ولا صفتَها فلو لم تُسمع دعواه بطل حقُّه، فالمقتضي له موجود والمانع مفقود.

والفرقُ بين الإقرار والدعوى بأنّ المقرّ لو طُولِب بالتفصيل ربما رجَع، والمدّعي لا يرجع لوجود داعي الحاجة فيه دونه غيرُ كافٍ في ذلك، لما ذكرناه.

وإن تخلَّف الثالثُ، وهو الجزم بأن صرَّح بالظنّ أو الوهم ففي سماعها أوجهٌ: أوجَهُها السماعُ فيما يَعسر الاطّلاع عليه كالقتل والسرقة دون المعاملات، وإن لم يتوجّه على المدّعي هنا الحلفُ بردّ ولا نكولٍ ولا مع شاهد، بل إن حلف المُنكِر أو أقرَّ أو نكل وقضينا به، وإلّا وُقِفتْ الدعوى.

إذا تقرّر ذلك فإذا ادَّعى دعوىً مسموعةً طُولِب المدّعَى عليه بالجواب (وجواب المدّعَى عليه إمّا إقرارٌ ) بالحقّ المدّعى به أجمع (أو إنكارٌ) له أجمع، أو مركّبٌ منهما فيلزمه حكمُهما (أو سكوتٌ) وجعلُ السكوت جواباً مجازٌ شائعٌ في الاستعمال، فكثيراً ما يقال «تركُ الجواب جوابُ المقال».

ص: 51


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(فالإقرار يمضي) على المقرّ (مع الكمال) أي كمال المقرّ على وجه يُسمَع إقرارُه بالبلوغِ والعقلِ مطلقاً، ورفعِ الحجر فيما يمتنع نفوذُه به، وسيأتي تفصيله. فإن التمَسَ المدّعِي حينئذٍ الحكمَ حَكَمَ عليه فيقول : «ألزمتُك ذلك»، أو «قضيتُ عليك به».

(ولو التمس) المدّعي من الحاكم (كتابةَ إقراره كُتِب، وأُشهِد مع معرفتِه، أو شهادةِ عدلين بمعرفته، أو اقتناعِه بحِلْيَته لا بمجرد إقراره وإن صادَقَه المدّعي، حذراً من تواطؤهما على نَسَبٍ لغيرهما ليُلزِما ذا النَسَب بما لا يستحق عليه.

(فإن ادّعى الإعسارَ) وهو عجزه عن أداء الحق لعدم ملكه لما زاد عن داره وثيابه اللائقة بحاله ودابتِّه وخادمِه كذلك، وقوتِ يومٍ وليلةٍ له ولعياله الواجبي النفقة (وثبت صدقُه) فيه (ببيِّنَةٍ مطّلعةٍ على باطن أمره) مراقبةٍ له في خَلَواته، واجدةٍ صبرَه على ما لا يَصبِر عليه واجد المال عادةً حتى ظهر لها قرائن الفقر ومخايل الإضافة، مع شهادتها على نحو ذلك مما يتضمَّن الإثبات، لا على النفي الصرف، (أو بتصديق خصمه) له على الإعسار (أو كان أصل الدعوى لغير مال) بل جنايةٍ أو جبت مالاً أو إتلافاً. فإنّه حينئذٍ يُقبَل قوله فيه؛ لأصالة عدم المال بخلاف ما إذا كان أصل الدعوى مالاً فإن أصالة بقائه تَمنَع من قبول قوله، وإنّما يثبُت إعساره بأحد الأمرين : البيّنة، أو تصديق الغريم.

وظاهره أنّه لا يتوقّف مع البيّنة على اليمين وهو أجود القولين(1)، ولو شهدت البيّنة بالإعسار في القسم الثاني فأَولى بعدم اليمين وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالاً (وحَلَف) على الإعسار (تُرِك) إلى أن يَقدِر، ولا يُكلَّف التكسُّبَ في المشهور وإنْ وجب عليه السعي على وفاء الدين.

( وإلّا) يتّفق ذلك بأن لم يُقِم بيّنةً، ولا صادَقَه الغريم مطلقاً، ولا حلف حيث لا يكون أصلُ الدعوى مالاً (حُبِس) وبُحِث عن باطن أمره (حتى يُعلَم حاله) فإن عُلِم له مالٌ

ص: 52


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14 ، ص 74 - 75 ،المسألة 321؛ القول بخلافه نسبه إلى الأكثر المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 301 .

أُمِر بالوفاء، فإن امتَنَع باشره القاضي ولو ببيعِ مالِه إن كان مخالفاً للحقّ، وإن عُلِم عدمُ المال أو لم يَفِ الموجود بوفاء الجميع، أُطلِق بعد صَرف الموجود.

(وأمَّا الإنكار، فإن كان الحاكم عالماً )بالحق (قَضَى بعلمه )مطلقاً على أصحّ القولين(1)، ولا فرق بين علمه به في حال ولايته ومكانها وغيرهما. وليس له حینئذٍ طلبُ البيّنة من المدّعي مع فقدها قطعاً، ولا مع وجودها على الأقوى وإنْ قَصَد دفعَ التُهمَة، إلَّا مع رضا المدّعي.

والمراد بعلمه هنا العلمُ الخاصّ وهو الاطّلاعُ الجازمُ، لا بمثل وجود خطّه به إذا لم يَذكُر الواقعةَ وإنْ أَمِن التزوير. نعم، لو شَهِد عنده عدلان بحُكمه به، ولم يتذكّر فالأقوى جواز القضاء كما لو شهدا بذلك عند غيره.

ووجه المنع إمكان رجوعه إلى العلم؛ لأنَّه فِعلُه بخلاف شهادتهما عند الحاكم على حكم غيره فإنَّه يكفي الظنّ، تنزيلاً لكلّ باب على الممكن فيه. ولو شهدا عليه بشهادته به، لا بحكمه فالظاهر أنه كذلك.

(وإلّا) يعلم الحاكم بالحق ( طَلَب البيِّنةَ) من المدّعى إن لم يكن عالماً بأنَّه موضع المطالَبة بها، وإلّا جاز للحاكم السكوتُ (فإن قال : « لا بيّنة لي» عرَّفه أنّ له إحلافَه، فإن طَلَبه) أي طلب إحلافَه (حَلَّفه الحاكم).

( ولا يتبرَّع) الحاكمُ ( بإحلافه) لأنَّه حقٌّ للمدّعي فلا يُستَوفَى بدون مطالبته وإنْ كان إيقاعه إلى الحاكم، فلو تبرَّع المُنكِر به أو استحلفه الحاكم من دون التماس المدّعي لغا (و) كذا (لا يَستقِلّ به الغريمُ من دون إذن الحاكم) لما قلناه من أنّ إيقاعَه موقوفٌ على إذنه وإن كان حقاًّ لغيره؛ لأنَّه وظيفته.

(فإن حَلَف) المنكرُ على الوجه المعتبرَ (سقَطت الدعوى عنه ) وإنْ بَقِي الحقُّ في ذمّته، (وحرُم مقاصّتُه) به لو ظَفَر له المدّعي بمال وإنْ كان مماثِلاً لحقّه، إلَّا

ص: 53


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 242، المسألة 41 ؛والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 405، المسألة 11؛ والقول بالعدم حكاه عن ابن الجنيد السيد المرتضى في الانتصار، ص 487 - 488، المسألة 271.

أن يُكَذِّب المنكرُ نفسَه بعد ذلك.

(و) كذا (لا تُسمَع البيِّنةُ) من المدّعي (بعده) أي بعد حلْف المُنكِر على أصحّ الأقوال (1)؛ لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق (علیه السلام): «إذا رَضِي صاحب الحقّ بيمين المُنكِر لحقّه، فاستحلفه فحَلَف أن لا حقّ له قبله، وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامةً فإنّ اليمين قد أبطَلَتْ كلَّ ما ادّعاه»(2)، وغيرها من الأخبار(3).

وقيل: تُسمع بيّنتُه مطلقاً (4)، وقيل : مع عدم علمه بالبيّنة وقتَ تحليفه ولو بنسيانها(5)، والأخبار حجّةٌ عليهما.

(وإن) لم يحلِف المدّعى عليه و (ردّ اليمين) على المدّعي (حلف المدّعي) إن كانت دعواه قطعيةً، وإلّا لم يتوّجه الردُّ عليه كما مرّ، وكذا لو كان المدّعي وليّاً أو وصيّاً فإنّه لا يمين عليه وإنْ عَلِم بالحال، بل يُلزَم المنكرُ بالحلف، فإن أَبَى حُبِس إلى أن يحلِف أو يُقضَى بنكوله؛ (فإن امتنع) المدّعي من الحلف حيث يتوجّه عليه (سقطت دعواه) في هذا المجلس قطعاً، وفي غيره على قول مشهور؛ إلَّا أن يأتي ببيّنة. ولو استَمهَل أمهل بخلاف المُنكِر.

ولو طَلَب إحضار المال قبل حلْفِه ففي إجابته قولان(6)، أجودُهما العدم(7). ومتى حلَف

ص: 54


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 293، المسألة 40؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 414، المسألة 15؛ ذهب إلى القبول المفيد في المقنعة، ص 733؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 213 .
2- الكافي، ج 7، ص 417، باب أن من رضي باليمين .... ح 1.
3- الكافي، ج 7، ص 417، باب أن من رضي باليمين .... ح 1.
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 516 .
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 573.
6- قال به العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 419 المسألة 19؛ وبخلافه قال أبو الصلاح في الكافي في الفقه ، ص447.
7- منشأ الخلاف من أنّه صادر عن المدّعي، فكان كالبيّنة. ومن أنّ سببه النكول وهو من المُنكِر، فكان كالإقرار. وتظهر فائدة الخلاف في مواضع منها ما لو أقام المُنكِر بينة بالأداء أو الإبراء بعد حلف المدّعي، فإن قلنا: إنّ اليمين كالبيّنة سمعت بيّنة المُنكِر، وإن قلنا كالإقرار لم تسمع؛ لأنّ بيّنته مكذبة لإقراره ومنها: أنه هل يحتاج مع اليمين إلى حكم الحاكم؟ فإن قلنا: إنّها كالبيّنة توقّف عليه أو كالإقرار فلا. ومنها ما لو أنكر المفلس فحلف غريمه، فإن قلنا: إنها كالبيّنة شاركه أو كالإقرار ففيه ما سيأتي من الخلاف، ومنها: ما لو أنكر الوكيل في البيع العيب فحلف المشتري عليه بعد نكوله عن اليمين، فإن قلنا: إنه كالبيّنة فللوكيل ردّه على الموكّل، وإن قلنا: كالإقرار فلا. ومنها: لو ادّعى البائع توليةً كثرة الثمن، وأقام بيّنة فإنّها لا تسمع ؛ لأنَّه مكذِّب لها بقوله الأوّل، ولكن له إحلاف المشتري على عدم العلم بذلك، وهل للمشترى ردّ اليمين عليه أم لا ؟ يبنى على القولين، إن قلنا كإقرار المُنكِر فله الردّ ؛ لأن المشتري لو أقرّ نفعه، وإن قلنا إنه كبيّنة المدّعي فلا؛ لأن بيّنته غير مسموعة. (منه رحمه الله )

المدّعي ثبت حقُّه، لكن هل يكون حلفُه كإقرار الغريم أو كالبيّنة؟ قولان(1)، أجودهما الأول.

وتظهر الفائدة في مواضع كثيرةٍ مفرَّقةٍ في أبواب الفقه.

( وإن نكل) المنكِرُ عن اليمين وعن ردّها على المدّعي بأن قال «أنا ناكل» أو قال «لا أَحلِفُ» - عقيب قول الحاكم له : «إحلفْ» - أو «لا أَرُدُّ» (رُدَّت اليمين أيضاً) على المدّعي بعد أن يقول الحاكم للمنكر: «إن حلفتَ وإلّا جعلتُك ناكلاً، ورَددتُ اليمين» مرةً ويُستحبّ ثلاثاً، فإن حلف المدّعي ثبت حقّه، وإن نكل فكما مرَّ.

(وقيل) والقائل به الشيخان (2) والصدوقان(3)، وجماعةٌ(4) : (يُقضَى) على المُنكِر بالحقّ (بنكوله)؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (علیه السلام): «أنّه حَكَى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنّه ألزم أخرسَ بدَين ادُّعِي عليه فأنكر ونكل عن اليمين، فألزمه بالدَين بامتناعه عن اليمين»(5).

(والأوّل أقرب)؛ لأنّ النكول أعمُّ من ثبوت الحقّ، لجواز تركه إجلالاً، ولا دَلالة

ص: 55


1- ذهب إلى الأوّل العلامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 5، ص 181، الرقم 6532؛ وإلى الثاني المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 53 .
2- المقنعة، ص 724 : النهاية، ص 340.
3- المقنع، ص 396؛ وحكاه عن عليّ بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 397، المسألة 10.
4- منهم: سلّار في المراسم، ص 231 ؛وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 445 : والكيذري في إصباح الشيعة ،ص 533 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 879 .

للعامّ على الخاصّ؛ ولما رُوِيَ عن النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) أنّه رَدَّ اليمين على طالب الحقّ(1)، وللأخبار الدالّة على ردّ اليمين على المدّعي من غير تفصيل(2)، ولأنّ الحكم مبنيٌّ على الاحتياط التامّ ولا يحصل إلَّا باليمين؛ وفي هذه الأدلَّة نظرٌ بَيِّنٌ.

(وإن قال) المدّعي مع إنكار غريمه (لي بيّنةٌ، عرّفه) الحاكمُ (أنّ له إحضارَها ولْيَقل «أَحْضِرها إن شئتَ») إن لم يَعلَم ذلك ( فإن ذكر غَيبتَها خيَّره بين إحلاف الغريم والصبر)، وكذا يتخيَّر بين إحلافه وإقامة البيّنة وإن كانت حاضرة - وليس له طلبُ إحلافه ثمّ إقامةُ البيّنة - فإن طلَب إحلاقه ففيه ما مرّ، وإن طلب إحضارَها أمهله إلى أن يُحضر. (وليس له الزامه بكفيل) للغريم (ولا ملازمته)؛ لأنَّه تعجيل عقوبة لم يَثبُت مُوجِبُها ، وقيل له ذلك (3).

(وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة) فيها (حَكَم) بشهادتها بعد التماس المدّعي سؤالَها والحكمَ، ثمّ لا يقول لهما : «اشهَدا» بل: «مَن كان عنده كلام أو شهادة ذَكَر ما عنده إن شاءَ» فإن أجابا بما لا يثبت به حقٌّ طُرِح قولُهما، وإن قَطَعا بالحقّ وطابَقَ الدعوى وعَرَف العدالة حَكَم كما ذكرنا.

(وإن عَرَف الفِسقَ تَرَك)، ولا يطلُبُ التزكية؛ لأنّ الجارح مقدَّمٌ. (وإن جَهِل) حالَها (اسْتَزكَى) أي طَلَب من المدّعي تزكيتها، فإن زكّاها بشاهدَين على كلّ من الشاهدين يَعرِفان العدالة ومزيلَها، أثبتها (ثمّ سَأَل الخصم عن الجرح) فإن اعترف بعدمه حَكَم كما مرّ (وإن استَنظَر أمهله ثلاثة أيام)(4) ، فإن أحضر الجارحَ نَظَر في أمره على حسب ما يراه من تفصيل وإجمال وغيرهما، فإن قَبِلَه قدَّمه على التزكية لعدم المنافاة

ص: 56


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 310، ح 2073.
2- الكافي، ج 7، ص 415 ، باب أنّ البيّنة على المدّعي .... ح 1 و 2.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 339 .
4- هكذا أطلق الأصحاب من غير فرق بين من قال: إنّ شهودي على الجرح في مسافة لا يصلون إلَّا بعد ثلاثة، وغيره. وينبغي لو عيّن مكاناً بعيداً أن يمهل بقدره إذا لم يؤدّ إلى البعد المفرط الموجب لتأخير الحق. (منه رحمه الله )

(فإن لم يَأْتِ بالجارح) مطلقاً، أو بعد المدّة (حَكَم عليه بعد الالتماس) أي التماس المدّعي الحكم.

( وإن ارتاب الحاكمُ بالشهود) مطلقاً (فرَّقَهم) استحباباً (وسألهم عن مشخّصات القضيّة) زماناً ومكاناً وغيرهما من المميّزات (فإن اختلفت أقوالهم سقَطت) شهادتهم. ويُستحب له عند الريبة وَعْظُهم وأمْرُهم بالتثبّتِ والأخذ بالجزم.

(ويُكرَه) له (أن يُعَنِّت الشهودَ) أي يُدخل عليهم العَنَتَ، وهو المشقّة (إذا كانوا من أهل البصيرة، بالتفريق) وغيرِه من التحزيز.

(ويحرُم) عليه (أن يُتَعتِعَ الشاهدَ)، أصل التَعْتَعَة في الكلام: التردُّد فيه (وهو) هنا (أن يُداخِلَه في الشهادة) فيُدخِل معه كلماتٍ تُوقِعُه في التردّدِ أو الغلط؛ بأن يقول الشاهد: «إنّه اشترى كذا» فيقول الحاكم: «بمائة» أو «في المكان الفلاني»، أو يريدَ أن يتلفظ بشيء يَنْفَع فيداخله بغيره ليمنعه من إتمامه، ونحو ذلك (أو يَتَعَقَّبَه) بكلام ليجعله تمامَ ما يَشهد به بحيث لولاه لتَرَدَّد أو أتَى بغيره، بل يَكُفّ عنه حتى ينتهيَ ما عنده وإن لم يُفِد أو تَردَّد، ثم يُرتِّبُ عليه ما يلزمه (أو يُرَغِّبَه في الإقامة) إذا وَجَده متردّداً (أو يُزَهِّده لو توقَّفَ).

(ولا يقف عزمَ الغريم عن الإقرار إلَّا في حقّه تعالى) فيُستحبّ أن يُعرِّض المقرَّ بحدّ الله تعالى بالكفّ عنه والتأويل (لقضيّة ماعز بن مالك عند النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) ). حين أقرَّ عنده بالزنِىٰ في أربعة مواضع والنبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) يردّدُه ويُوقِف عزمَه تعريضاً لرجوعه ويقول له: «لعلّك قبلت أو غَمَزتَ أو نَظَرتَ» قال: لا. قال: «أَفَنِكْتَها؟ لا تُكَنِّي؟ »قال: نعم، قال: «حتّى غاب ذلك منك في ذلك منها؟» قال: نعم. قال: «كما يَغِيب المِروَدُ في المُكْحُلة، والرشاءُ في البئر؟ »قال: نعم. قال: «هل تدري ما الزنىٰ؟» قال: نعم، أتيتُ منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً. فعند ذلك أَمَر برجمه(1).

ص: 57


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 396، ح 16998؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 0551 ح 24.

وكما يُستحبّ تعريضه للإنكار، يُكرَه لمن عَلِمه منه - غير الحاكم - حثُّه على الإقرار؛ لأنّ هَزَّالاً (1) قال لماعِز: «بادِرْ إلى رسول الله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) قبلَ أن يَنزِل فيك قرآنٌ». فقال له النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) لمّا عَلِم به: «إلّا سترتَه بثوبك، كان خيراً لك»(2).

واعلم أنّ المصنِّف ذكر أوّلاً أن جواب المدّعىٰ عليه إمّا إقرارٌ أو إنكارٌ أو سكوتٌ ولم يذكر القسم الثالث ولعله أدرجه في قسم الإنكار على تقدير النكول؛ لأنّ مرجع حكم السكوت على المختار إلى تحليف المدّعي بعد إعلام الساكت بالحال.

وفي بعض نسخ الكتاب نُقِل أنّ المصنِّف ألحق بخطّه قوله : (وأمّا السكوت فإن كان لآفة) من طَرَشِ أو خَرَسٍ (تَوَصَّ)ل الحاكم (إلى) معرفة (الجواب) بالإشارة المفيدة لليقين ولو بمترجمَين عدلَين (وإن كان) السكوت (عناداً حُبِس حتى يُجِيب)؛ على قول الشيخ في النهاية (3) ؛ لأنّ الجواب حقٌّ واجبٌ عليه، فإذا امتَنع منه حبس حتى يُؤدِّيَه (أو يُحكَم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه) بأن يقول له : «إن أجبتَ وإلا جعلتك ناكلاً»، فإن أصرَّ حُكِم بنكوله على قول من يقضي بمجرد النكول(4)، ولو اشترطنا معه إحلاق المدّعي أُحلف بعده. ويظهر من المصنِّف التخيير بين الأمرين. والأولى جعلهما إشارة إلى القولين، وفي الدروس اقتصر على حكايتهما قولين(5). ولم يرجح شيئاً، والأول أقوى.

ص: 58


1- هو أبو نعيم بن ذُبَاب الأَسْلَمي. المصباح المنير، ص 638، «هَزَلَ».
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 397، ح 17001 ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 519، ح 8144 .
3- النهاية، ص 342 .
4- لتوضيح الأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 397، المسألة 10.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(القول في اليمين )

(القول في اليمين(1) )

(لا تنعقد اليمين الموجِبةُ للحقّ) من المدّعي (أو المُسقِطةُ للدعوى) من المُنكِر (إلّا ب- «الله تعالى وأسمائه الخاصّةِ (مُسلِماً كان الحالفُ أو كافراً) ولا يجوز بغير ذلك كالكتبِ المُنزَلة، والأنبياء والأئمةِ ؛ لقول الصادق (علیه السلام): «لا يُحلَفْ بغير الله. وقال : اليهودي والنصراني والمجوسي لا تُحلِفوهم إلَّا بالله»(2). وفي تحريمه بغير الله في غير الدعوى نظر: من ظاهرِ النهي في الخبر(3)، وإمكان حمله على الكراهة. أمَّا بالطلاق والعتاق والكفر والبراءة، فحرام قطعاً.

(ولو أضاف مع الجلالة: «خالق كلّ شيء» في المجوسي كان حسناً) إماطةً لتأويله، ويظهر من الدروس تعيُّنُ إضافة نحو ذلك فيه لذلك(4)، ومثله «خالق النور والظلمة».

(ولو رأى الحاكمُ ردْعَ الذمّي بيمينهم فَعَل ، إلَّا أن يَشتمِل على محرَّم) كما لو اشتمل على الحلف بالأب أو الابن ونحو ذلك، وعليه حُمِل ما روي أن علياً (علیه السلام)استحلف يهوديّاً بالتوراة(5).

وربما أشكل تحليفُ بعض الكفّار بالله تعالى لإنكارهم له فلايرون له حرمةً كالمجوس فإنهم لا يعتقدون وجود إلهٍ خَلَق النور والظلمة، فليس في حلفهم به عليهم

ص: 59


1- فائدة: لا يجوز الحلف لإثبات مال الغير إلَّا أن يكون بيده رهن فيدَّعي آخر رهنيّته. (زين رحمه الله)
2- الكافي، ج 7، ص 51، باب استحلاف أهل الكتاب، ح 5.
3- الكافي، ج 7، ص 51، باب استحلاف أهل الكتاب، ح 5.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- الكافي، ج 7، ص 450، باب استحلاف أهل الكتاب، ح 3.

كُلفةٌ، إلَّا أنّ النصَّ (1) ورد بذلك.

(وينبغي التغليظُ بالقول) مثل «والله الذي لا إله إلَّا هو الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضارّ النافع المُدرِك المهلك، الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانية»، (والزمان) كالجمعة والعيد، وبعد الزوال والعصر (والمكان) كالكعبة والحَطِيم والمقام والمسجد الحرام، والحرم والأقصى تحت الصخرة، والمساجد في المحراب.

واستحباب التغليظ ثابت (في الحقوق كلِّها، إلَّا أن ينقص المال عن نصاب القطع) وهو ربع دينار. ولا يجب على الحالف الإجابة إلى التغليظ ويكفيه قوله : «واللهِ ما له عندي حقٌّ».

(ويُستحَبّ للحاكم وعظ الحالف قبله) وترغيبه في ترك اليمين إجلالاً لله تعالى، أو خوفاً من عقابه على تقدير الكذب، ويتلو عليه ما ورد في ذلك من الأخبار والآثار مثل ما رُوي عن النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) :« مَن أَجلَّ اللهَ أن يَحلِف به أعطاه الله خيراً ممّا ذَهَب منه»(2). وقول الصادق (علیه السلام): «مَن حَلف بالله كاذباً كفر، ومن حلف بالله صادقاً أَثِمَ، إن الله عزّ وجلّ يقول: ولا تجعلوا اللهَ عُرضَةً لأيمانكم» (3) ، وعنه قال: «حدَّثني أبي أنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج فقَضَى لأبي أنّه طلقها، فادّعتْ عليه صداقَها. فجاءت به إلى أمير المدينة تَستَعدِيه فقال له أمير المدينة: يا علي إمّا أن تَحلِفَ أو تُعطِيَها. فقال لي: يا بُنَيَّ قُمْ فأَعْطِها أربعمائة دينار. فقلت: يا أبه - جُعِلتُ فداك - ألستَ مُحِقّاً؟ قال: بَلى؟ ولكنّي أجلَلتُ الله عزّ وجلّ أن أَحلِف به يمينَ صَبْرٍ»(4).

(ويكفي) الحلفُ على (نفي الاستحقاق وإنْ أجاب) في إنكاره (بالأخصّ ) كما إذا ادَّعَى عليه قرضاً فأجاب ب-«أنّى ما اقترضتُ»؛ لأنّ نفيَ الاستحقاق يشمَ-ُل المتنازَعَ

ص: 60


1- الكافي، ج 7، ص 451، باب استحلاف أهل الكتاب، ح 4.
2- الكافي، ج 7، ص 434، باب كراهية اليمين، ح 2.
3- الكافي، ج 7، ص 435، باب كراهية اليمين، ح 4.
4- الكافي، ج 7، ص 435، باب كراهية اليمين، ح 5. والخبر مروي عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) .

وزيادةً، ولأنّ المدّعي قد يكون صادقاً فعَرَض ما يسقط الدعوى، ولو اعتَرَف به وادَّعَى المُسقِطَ طُولِب بالبيّنة، وقد يعجِز عنها فدَعَتْ الحاجة إلى قبول الجواب المطلق.

وقيل : يَلزَمه الحلفُ على وِفْق ما أجاب به (1)؛ لأنَّه بزعمه قادر على الحلف عليه حيث نفاه بخصوصه إن طلبه منه المدّعي؛ ويُضعَّف بما ذكرناه وبإمكان التسامح في الجواب بما لا يُتَسامح في اليمين.

(و) الحالف (يحلِف) أبداً (على القطع في فعلِ نفسه وتركِه، وفعلِ غيره)؛ لأنّ ذلك يتضمَّن الاطَّلاع على الحال الممكن معه القطع، وعلى نفي العلم في نفي فعل غيره كما لو ادَّعَى على مُوَرِّثه مالاً، فيكفيه الحلفُ على أنّه لا يَعلَم به، لأنَّه يَعسُ-َر الوقوف عليه بخلاف إثباته فإنّ الوقوف عليه لا يعسُ-َر.

ص: 61


1- نسبه إلى الشيخ في مسالك الأفهام، ج 13، ص 489 ؛ انظر المبسوط ، ج 8، ص 569 و 573. نسبه إلى قوم من دون ترجيح لأحدهما.

(القول في الشاهد واليمين )

(كلُّ ما يثبُت بشاهد وامرأتين، يثبت بشاهد ،ويمين، وهو كلّ ما كان مالاً أو) كان (المقصودُ منه المالَ كالدَينِ والقرضِ) تخصيصٌ بعد التعميم (والغصب، وعقود المعاوضات كالبيع والصلح) والإجارة والهبة المشروطة بالعِوَض (والجناية الموجبة للدية كالخطأ، وعمدِ الخطأ، وقتلِ الوالدِ ولدَه، وقتل الحرِّ العبدَ) والمسلمِ الكافرَ و(كسر العظام) وإن كان عمداً، (و) كذا (الجائفةُ، والمأمومةُ) والمُنقِّلَةُ، لما في إيجابها القصاصَ على تقدير العمد من التغرير.

( ولا يَثبتُ) بالشاهد واليمين (عيوبُ النساء(1) ) ، وكذا عيوب الرجال لاشتراكهما في عدم تضمّنهما المالَ (ولا الخُلعُ (2)) لأنَّه إزالة قيد النكاح بفدية وهي شرط فيه، لا داخلة في حقيقته، ومن ثَمَّ أطلق المصنِّف والأكثر، وهذا يتمّ مع كون المدّعي هو المرأة، أمَّا لو كان الرجل فدعواه تتضمَّن المالَ. وإن انضَمَّ إليه أمرٌ آخَرُ فينبغي القطع بثبوت المال كما لو اشتملت الدّعوى على الأمرين في غيره كالسرقة، فإنّهم قطعوا بثبوت المال. وهذا قويٌ وبه جزم في الدروس (3)؛ (والطلاقُ) المجرَّدُ عن المال، وهو واضح (والرَجعةُ) لأنّ مضمون الدعوى إثبات الزوجية وليست مالاً وإن لزمها النفقة لخروجها عن حقيقتها.

ص: 62


1- أكثرهم عبّروا لعيوب النساء ومنهم المصنِّف هنا. وفي الدروس الشرعيَّة [ج 2، ص 76، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10] ذكر عيوب الرجل والمرأة، وهو أولى : لاشتراكهما في العلّة. (منه رحمه الله)
2- لو أقام شاهداً على خلعها حلف؛ لأنّ غايته المال، بخلاف ما لو أقامت عليه شاهداً بالخلع، الدروس الشرعيَّة [ج 2، ص 76، ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10]. (زين رحمه الله)
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 76 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(والعتقُ على قولٍ)(1) مشهورٍ؛ لتضمُّنه إثباتَ الحرّيّة وهي ليست مالاً، وقيل: يثبت بهما (2)؛ لتضمُّنه المالَ من حيث إنّ العبد مال للمولى، فهو يدّعي زوالَ المالية؛ (والكتابةُ والتدبيرُ والاستيلادُ) وظاهره عدم الخلاف فيها مع أنّ البحث آتٍ فيها. وفي الدروس ما يدلّ على أنها بحكمه(3)، لكن لم يصرّحوا بالخلاف فلذا أَفردَها. (والنسبُ) وإنْ ترتَّب عليه وجوب الإنفاق، إلَّا أنه خارج عن حقيقته كما مرّ: (والوكالةُ) لأنَّها ولايةٌ على التصرّف وإنْ كان في مال؛ (والوصيّة إليه) كالوكالة (بالشاهد واليمين) متعلّق بالفعل السابق، أي لا تثبت هذه المذكورات بهما.

(وفي النكاح قولان) أحدُهما - وهو المشهور - عدمُ الثبوت مطلقاً (4)؛ لأنّ المقصود الذاتي منه الإحصانُ، وإقامةُ السنّة، وكفُّ النفس عن الحرام، والنسلُ، وأمَّا المهرُ والنفقة، فإنَّهما تابعان؛ والثاني: القبول مطلقاً، نظراً إلى تضمُّنه المالَ، ولا نعلم قائلَه؛ وفي ثالتٍ قبولُه من المرأة دون الرجل؛ لأنَّها تُثبت النفقة والمهر، ذهب إليه العلامة(5). والأقوى المشهور.

(ولو كان المُدَّعُون جماعةً) وأقاموا شاهداً واحداً (فعلى كلّ واحدٍ يمينٌ)؛ لأنّ كلَّ واحد يُثبِت حقّاً لنفسه، ولا يَثبُت مالٌ لأحد بيمينِ غيرِه. (ويُشترَط شهادة الشاهد أوّلاً، وتعديلُه) والحلف بعدهما (ثمّ الحكم يَتِمّ بهما لا بأحدهما، فلو رجع الشاهد غَرِم النصفَ) لأنَّه أحدُ جزءَيْ سببِ فواتِ المال على المدعَى عليه؛ (والمدّعي لو رجع غَرِم الجميعَ) لاعترافه بلزوم المال له مع كونه قد قبضه. ولو فُرِض تسلَّمُ الشاهدِ المالَ ثمّ رجع أمكن ضَمانُه الجميعَ إن شاء المالك؛ لاعترافه بترتُّب يده على المغصوب فيتخيَّر المالك في التضمين.

ص: 63


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 449.
2- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 208؛ وتحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 4، ص 200، الرقم 5649.
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 76 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 5، ص 551
5- ذهب إليه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 449.

(ويُقضَى على الغائب عن مجلس القضاء) سواءٌ بَعُدَ أَم قَرُبَ وإنْ كان في البلد ولم يتعذَّر عليه حضورُ مجلس الحكم على الأقوى؛ لعموم الأدلَّة(1)، ولو كان في المجلس لم يُقضَ عليه إلَّا بعد علمه، ثمّ الغائب على حُجّته لو حضر، فإن ادَّعَى بعده قضاءً أو إبراءً أقام به البيِّنة وإلّا أُحلِف المدّعي ومحلُّه حقوقُ الناس لا حقوق الله تعالى؛ لأنّ القضاء على الغائب احتياطٌ، وحقوق الله تعالى مبنيّة على التخفيف لغَنائه. ولو اشتَمَل على الحقَّين كالسرقة، قُضي بالمال دون القطع.

(و تجب اليمين مع البيِّنة على بقاء الحقِّ) إن كانت الدعوى لنفسه، ولو كانت لموكِّله أو للمُوَلَّى عليه فلا يمين عليه، ويُسَلَّم المال بكفيل إلى أن يحضُرَ المالك، أو يَكمُلَ ويَحلِفَ ما دام المدَّعَى عليه غائباً.

(وكذا تجب) اليمين مع البيّنة (في الشهادة على الميّت والطفل والمجنون) أمَّا على الميّت، فموضع وفاق، وأمَّا على الغائب والطفل والمجنون، فلمشاركتهم له في العلّة المُوْماأِ إليها في النص(2)، وهو أنَّه لا لسان له للجواب، فيستظهر الحاكم بها؛ إذ يُحتمل لو حضر كاملاً أن يُجيب بالإيفاء أو الإبراء فيتوجَّهُ اليمين، وهو من باب اتّحاد طريق المسألتين، لا من باب القياس .

وفيه نظرٌ؛ للفرق مع فقد النصّ، وهو أنّ الميّت لا لسان له مطلقاً في الدنيا، بخلاف المتنازع فيمكن مراجَعتُه إذا حضَر أو كمَل، وترتيبُ حكمٍ على جوابه بخلاف الميّت، فكان أقوى فى إيجاب اليمين، فلا يتّحد الطريق. وإطلاقه يقتضي عدمَ الفرق بين دعوى العَين والدَين. وقيل بالفرقِ، وثبوتِ اليمين فى الدين خاصّةً (3)، لاحتمال الإبراءِ منه وغيرِه، من غير علم الشهود، بخلاف العَين فإنّ مِلكَها إذا ثبت استُصحِب؛ ويُضعَّف بأنَّ احتمال تجدُّد نقل الملك ممكنٌ في الحالتين، والاستظهارُ وعدمُ اللسان آتٍ فيهما.

ص: 64


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 296، ح 827 .
2- الكافي، ج 7، ص 415، باب من ادَّعى على ميِّت، ح 1.
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 441 .

(القول في التعارض) أي تعارض الدعوى في الأموال

(لو تداعَيا ما في أيديهما) فادَّعَى كلُّ منهما المجموع ولا بيّنة (حَلَفا) كلُّ منهما على نفي استحقاق الآخَر (واقتسماه) بالسويّة، وكذا لو نَكَلا عن اليمين، ولو حلف أحدُهما ونكل الآخَرُ فهو للحالف، فإن كانت يمينُه بعد نكول صاحبه حَلَف يميناً واحدةً تَجمَع النفيَ والإثباتَ وإلّا افتقر إلى يمين أُخرَىللإثبات.

(وكذا) يقتسمانِه (إن أقاما بيّنةً، ويُقضَى لكلٍّ منهما بما في يد(1) صاحبه) بِناءً على ترجيح بيّنة الخارج، ولا فرق هنا بين تساوي البيّنتَين عدداً وعَدالةً واختلافِهما (ولو خرجا) فذو اليد مَنْ صدَّقه مَن هي بيده مع اليمين، وعلى المصدِّق اليمينُ للآخَر، فإن امتنع حلَف الآخَر وأغرَم له لحيلولته بينه وبينها بإقراره الأوّل، ولو صدَّقهما فهي لهما بعد حلْفهما أو نكولهما، ولهما إحلافُه إن ادَّعَيا علمَه، ولو أنكرهما قُدِّم قولُه بيمينه ولو كان لأحدهما بيّنةٌ في جميع هذه الصور (فهي لذي البيّنة) مع يمينه .

(ولو أقاماها رُجِّح الأعدلُ) شهوداً، فإن تساؤوا في العدالة (فالأكثرُ) شهوداً، فإن تساوَوا فيهما (فالقرعة)، فمن خرَج اسمُه حَلَف وأُعطِي الجميعَ، فإن نكل أُحلِف الآخَرُ وأَخَذ، فإن امتنعا قُسِمَت نصفين. وكذا يجب اليمين على من رُجِّحَتْ بيّنتُه،

ص: 65


1- اليد هنا حقيقة في التصرّف، كدار هما ساكناها (زین رحمه الله )

وظاهر العبارة عدم اليمين فيهما، والأوّل مختاره في الدروس(1) : في الثاني قطعاً وفي الأول مَيلاً.

(ولو تشبَّث أحدُهما) أي تعلَّق بها بأن كان ذا يد عليها (فاليمين عليه) إن لم يكن للآخَر بيّنةٌ، سواءٌ كان للمتشبِّث بيّنةٌ أم لا. (ولا يكفي بيّنتُهُ عنها) أي عن اليمين؛ لأنَّه منكر فيدخُل في عموم «اليمين على من أنكر»(2) وإن كان له بيّنة، فلو نكل عنها حلف الآخَرُ وأَخَذ، فإن نكل أُقِرَّت في يد المتشبِّت.

(ولو أقاما ) أي المتشبِّتُ والخارجُ (بيّنةً، ففي الحكم لأيّهما خلاف). فقيل: تُقدَّم بينةُ الداخل مطلقاً (3)؛ لما رُوي أَّن عليّاً (علیه السلام) قَضَى بذلك(4)، ولتعارض البيّنتَين فيُرجع إلى تقديم ذي اليد. وقيل: الخارج مطلقاً (5)؛عملاً بظاهر الخبر المستفيض من أنّ «القول قولُ ذي اليد، والبيِّنةُ بيّنة المدّعي »(6) الشاملِ لموضع النزاع. وقيل: تُقدَّم بيّنة الخارج إن شهدتا بالملك المطلق أو المسبَّبِ، أو بيّنتُه خاصّة بالسبب، ولو انفردت به بيّنةُ الداخل قُدِّم (7). وقيل : مع تسبّبهما تُقدَّم بيّنة الداخل أيضاً(8). وتوقَّف المصنِّف هنا وفي الدروس مقتصراً على نقل الخلاف(9)، وهو في موضعه لعدم دليل متين من جميع الجهات، وفي شرح الإرشاد رجَّح القول الثالث(10) ، وهو مذهب الفاضلَين(11)، ولا يخلو من رُجحان.

ص: 66


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 79 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 213، ح 16445؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 523، ح 22.
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 6، ص 342 ،المسألة 15.
4- الكافي، ج 7، ص 419، باب الرجلين يدّعيان فيقيم كلّ واحد ....ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 234، ح 573.
5- ذهب إليه الشيخ الصدوق في المقنع، ص 399؛ وسلّار في المراسم، ص 234 .
6- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 594.
7- قال به الشيخ في النهاية، ص 344؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 237، ذيل الحديث 583.
8- في مسالك الأفهام، ج 14 ، ص 84 ادرج هذا القول في القول الثالث.
9- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 79 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
10- غاية المراد، ج 4، ص 62 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 4).
11- شرائع الإسلام، ج 4، ص 102 ؛ إرشاد لأذهان، ج 2، ص 150.

(ولو تشبَّنا وادَّعَى أحدهما الجميعَ، والآخرُ النصفَ) مُشاعاً (ولا بيّنةَ، اقتَسَماها) نصفين (بعد يمين مدّعي النصف) للآخَر من دون العكس؛ لمصادَقَته إيّاه على استحقاق النصفِ الآخَرِ. ولو كان النصفُ المتنازَع معيَّناً، اقتسماه بالسويّة بعد التحالف، فيثبت لمدّعيه الربعُ. والفرق أنّ كلَّ جزء من العين على تقدير الإشاعة يَدَّعي كلٌّ منهما تعلُّق حقِّه به ولا ترجيح، بخلاف المعيَّن إذ لا نزاع في غيره. ولم يذكروا في هذا الحكم خِلافاً، وإلّا فلا يخلو من نظر.

(ولو أقاما بيّنةً فهي للخارج(1)، على القول بترجيح بيّنته (2)، وهو مدّعي الكلّ) لأنَّ في يد مدّعي النصفِ النصفَ، فمدّعي الكلِّ خارج عنه (وعلى) القول (الآخَر) يُقسَم (بينهما ) (3) نصفين كما لو لم يكن بينةٌ؛ لما ذكرناه من استقلال يد مدّعي النصف عليه، فإذا رُجِّحت بيّنتُه به أخذه. ولو أقام أحدُهما خاصّةً بيّنةً حُكِم بها .

(ولو كانت فى يدِ ثالثٍ وصدَّق أحدهما صار صاحب اليد) فيترتَّب عليه ما فُصِّل (وللآخَر إحلافُهما).

ولو أقاما بيّنةً فللمُستَوعِبِ النصفُ، وتعارضت البيّنتان في الآخَر، فيُحكَم للأعدلِ فالأكثرِ فالقرعةِ، ويُقضَى لمن خَرَج بيمينه، فإن امتنع حَلَف الآخر، فإن نَكَلا قُسِم بينهما، فللمستَوعِب ثلاثةُ أرباعه، وللآخَرِ الربعُ. وقيل: يُقسَم على ثلاثةٍ (4)، فلمدّعي الكلّ اثنان، ولمدّعي النصف واحدٌ؛ لأنّ المنازَعة وقعت في أجزاءٍ غير معيَّنة، فيُقسَم على طريق العَوْل على حسب سِهامهما وهي ثلاثة كضرب الديّان مع قصور مال المُفَلَّس.

ص: 67


1- نعم. يقضى للخارج، إلَّا أن ينفرد بيّنة المتشبّث بالسبب كالنتاج وقديم الملك، وكذا الابتياع. (زين رحمه الله)
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 468 .
3- لم نعثر على قائله.
4- احتمله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 471 .

وكلُّ موضع حكمنا بتكافؤِ البيّنات أو ترجيحها بأحد الأسباب إنّما هو مع إطلاقها أو اتّحاد التاريخ: (ولو كان تاريخُ إحدى البيّنتين أقدمَ قُدِّمت) لثبوت الملك بها سابقاً فيُستصحَب.

هذا إذا شَهِدتا بالملك المطلق أو المسبَّبِ أو بالتفريق، أمَّا لو شهدت إحداهما باليد والأخرى بالمِلك فإن كان المتقدِّم هو اليد رُجّح الملكُ لقوَّتِه وتحقُّقِه الآن، وإن انعَكَس ففي ترجيح أيّهما قولان للشيخ (1)وتوقَّف المصنِّف في الدروس مقتصراً على نقلهما (2).

ص: 68


1- رجّح قديم الملك على اليد في المبسوط، ج 5، ص 649: وعكس في الخلاف، ج 6، ص 342، المسألة 15.
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 79 - 80 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(القول في القسمة )

(وهى تمييز أحد النصيبَين) فصاعِداً (عن الآخر، وليست بيعاً (1)) عندنا (وإن كان فيها ردٌّ)؛ لأنَّها لا تفتقر إلى صيغة، ويدخُلُها الإجبار ويُلزِمها، ويتقدَّر أحدُ النصيبين بقدر الآخر، والبيع ليس فيه شيء من ذلك، واختلافُ اللوازم يدلّ على اختلاف الملزومات.

واشتراكُ كلّ جزء يُفرَض قبلَها بينهما، واختصاصُ كلّ واحد بجزء معيَّن، وإزالةُ ملك الآخَر عنه بعدها بعوض مقدَّر بالتراضي ليس حدّاً لبيع حتّى يدلَّ عليه. وتظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها، وعدم بطلانها بالتفرّق قبل القبض فيما يُعتبَر فيه التقابض في البيع، وعدم خيار المجلس وغير ذلك.

(ويُجبَر الشريك) على القسمة (لو التمس شريكُه) القسمةَ (ولا ضرر) ولا ردَّ. والمراد بالضرر نقصُ قيمة الشِقْص بها عنه منضمّاً، نقصاً فاحشاً على ما اختاره المصنِّف في الدروس(2). وقيل: مطلق نقص القيمة(3)، وقيل: عدم الانتفاع به منفرداً (4)، وقيل عدمه على الوجه الذي كان يَنتفِع به قبل القسمة(5)، والأجود الأول.

(ولو تضمَّنت ردّاً) أي دَفْعَ عِوَضٍ خارجٍ عن المال المشترك من أحد الجانبين

ص: 69


1- فيجوز فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما الفضل. ويجوز الاعتبار هنا بمكيال لا يعرفا قدره (زين رحمه الله)
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 93 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 490؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 462.
4- قال به الشيخ في الخلاف. ج 6، ص 229 ،المسألة 27 .
5- جعله في مسالك الأفهام، ج 14، ص 34 ثالث الأقوال.

(لم يُجبَر ) الممتنعُ منهما ، لاستلزامه المعاوضة على جزء من مقابله صوري أو معنوي، وهو غير لازم (وكذا) لا يُجبر الممتنع (لو كان فيها ضررٌ، كالجواهر والعضائد الضَيِّقة والسيف) والضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعاني، عدا الثالث في السيف فإنّه يُنتَفَع بقسمته غالباً في غيره مع نقص فاحش.

(فلو طلب) أحدُهما (المُهَايأةَ) وهى قسمة المنفعة بالأجزاء أو بالزمان (جاز ولم يجب) إجابتُه، سواءٌ كان ممّا يصحّ قسمته إجباراً أم لا. وعلى تقدير الإجابة لا يلزم الوفاءُ بها، بل يجوز لكلّ منهما فسخُها، فلو استَوفَى أحدهما ففسخ الآخَرُ، أو هو كان عليه أجرةُ حصة الشريك.

(وإذا عُدِّلَت السِهام) بالأجزاء إن كانت في متساويها كيلاً أو وزناً، أو ذرعاً أو عداً بعدد الأَنْصِباء، أو بالقيمةِ إن اختلفت كالأرض والحيوان (واتَّفقا على اختصاص كلّ واحدٍ بسهمٍ، لَزِمَ) من غير قرعة لصدق القسمة مع التراضي، الموجِبةِ لتمييز الحقّ، ولا فرق بين قسمة الردّ وغيرِها. (وإلّا) يتّفقا على الاختصاص (أُقرع) بأن يُكتَبَ أسماءُ الشركاءِ أو السِهامِ كلٌّ في رُقْعةٍ، وتُصانَ ويُؤمَرَ مَنْ لم يَطَّلع على الصورة بإخراج إحداها (1)على اسم أحدِ المتقاسمين أو أحد السهام.

هذا إذا اتَّفقت السهامُ قدراً، ولو اختَلَفت قُسِّم على أقلّ السهام وجُعِل لها أوّلُ يُعيِّنُه المتقاسمون وإلّا الحاكمُ، وتُكتَب أسماؤُهم لا أسماءُ السهام حذراً من التفريق، فمَن خرَج اسمُه أوّلاً أَخَذ من الأوّل وأكمَل نصيبَه منها على الترتيب، ثمّ يخرج الثاني إن كانوا أكثر من اثنين وهكذا، ثمّ إن اشتملت القسمة على ردّ اعتُبِر رضاهما بعدها وإلّا فلا.

(ولو ظهر غلطٌ) في القسمة ببيّنة أو باطّلاع المتقاسمين (بطلت. ولو ادّعاه) أي الغلطَ (أحدُهما ولا بيّنة حَلَف الآخَرُ) لأصالة الصحَّة (فإن حَلَف تمّت) القسمة (وإن

ص: 70


1- في «س، ن»: «إحداهما».

نكل) عن اليمين (حَلَف المدّعي) إن لم يُقضَ بالنكول (ونقضت).

(ولو ظهر) في المقسوم (استحقاق بعض معيَّنٍ بالسويّة) لا يُخِل إخراجه بالتعديل (فلا نقضَ)؛ لأنّ فائدة القسمة باقيةٌ وهو إفراد كلّ حقٍّ على حِدَةٍ، (وإلّا) يكن متساوياً في السهام بالنسبة (نُقِضَت) القسمةُ ؛ لأنّ ما يَبقَى لكلّ واحد لا يكون بقدر حقّه، بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع على الآخَر، وتعود الإشاعة. (وكذا لو كان) المستحَقُّ (مشاعاً)، لأنّ القسمة حينئذٍ لم تقع برضاء جميع الشركاء.

ص: 71

ص: 72

(كتاب الشهادات) (وفصوله أربعة):

اشارة

ص: 73

ص: 74

[الفصل] (الأوّل: الشاهد)

(وشرطه البلوغ إلَّا في) الشهادة على (الجراح) ما لم يبلغ النفس، وقيل: مطلقاً (1)(بشرط بلوغ العشر) سنين (وأن يَجتَمِعوا على مباح (2) وأن لا يتفرَّقوا) بعد الفعلِ المشهودِ به إلى أن يُؤَدُّوا الشهادةَ.

والمراد حينئذٍ أنّ شرط البلوغ يَنتفِي، ويَبقَى ما عداه من الشرائط التي من جملتها العددُ وهو اثنان في ذلك، والذكوريّةُ، ومطابَقةُ الشهادة للدعوى، وبعض الشهود لبعض، وغيرها. ولكن رُوِي هنا الأخذُ بأوّل قولهم لو اختَلَف(3)؛ والتَهَجُّمُ على الدماء في غير محلّ الوفاق ليس بجيّدٍ. وأمَّا العدالة، فالظاهر أنَّها غيرُ متحقِّقة، لعدم التكليفِ الموجِبِ للقيام بوظيفتها من جهة التقوى، والمروءةُ غير كافية، واعتبار صورة الأفعالِ والتروكِ لا دليل عليه، وفي اشتراط اجتماعهم على المباح تنبيه عليه.

(والعقلُ) فلا تُقبَل شهادة المجنون حالَ جنونه، فلو دار جنونُه قُبِلت شهادتُه مُفِيقاً بعد العلم باستكمال فطنته في التحمّل والأداء، وفي حكمه الأبلهُ والمُغَفَّلُ الذي لا يتفطّن لمزايا الأُمور.

(والإسلام) فلا تُقبل شهادة الكافر وإن كان ذمّيّاً (ولوْ كان المشهودُ عليه كافِراً

ص: 75


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 331 .
2- وأن يكونوا ثلاثة فما زاد.( زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 251، ح 445.

على الأصحّ) لاتّصافه بالفسق والظلم المانعين من قبول الشهادة، خِلافاً للشيخ (رحمه الله) حيث قَبِلَ شهادة أهل الذمة لملّتهم، وعليهم(1)، استناداً إلى رِواية ضعيفة(2)، وللصدوق حيث قَبِل شهادتَهم على مثلهم وإنْ خالفهم في الملّة كاليهود على النصارى(3).

ولا تُقبل شهادة غير الذمّي إجماعاً ولا شهادته على المسلم إجماعاً (إلّا في الوصيّة عند عدم) عُدول (المسلمين) فتُقبَل شهادة الذمّى بها

ويمكن أن يريد اشتراطَ فَقْدِ المسلمين مطلقاً، بناءً على تقديم المستورين والفاسقين اللذَين لا يستند فسقُهما إلى الكذب، وهو قول العلّامة في التذكرة (4)، ويُضعَّف باستلزامه التعميمَ في غير محلّ الوفاق.

وفي اشتراط السفر قولان (5)،أظهرُهما العدمُ. وكذا الخلاف في إحلافهما بعد العصر، فأوجبه العلّامة(6)، عملاً بظاهر الآية(7)، والأشهرُ العدمُ؛ فإن قلنا به فَلْيَكُن بصورة الآية، بأن يقولا بعد الحلف بالله « لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ».

(والإيمانُ) وهو هنا الوَلاء، فلا تُقبَل شهادة غير الإمامي مطلقاً، مقلِّداً كان أم مستدِلّاً.

(والعدالةُ) وهى هَيئة نفسانيةٌ راسخةٌ تَبعَث على ملازَمة التقوى والمروءة. (وتزول بالكبيرةِ) مطلقاً، وهي ما تُوُعِّدَ عليها بخصوصها في كتاب أو سنّة، وهي إلى

ص: 76


1- النهاية، ص 334 .
2- الكافي، ج 7، ص 398، باب شهادة أهل الملل، ح 2.
3- الفقيه، ج 3، ص 47، ح 3302 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 522 (الطبعة الحجرية).
5- قال بالاشتراط ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 519، المسألة 87؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 436 : والقول بعدم الاشتراط للمفيد في المقنعة ص 727؛ والشيخ في النهاية ،ص 334 .
6- تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 5، ص 246 ، الرقم 6618.
7- المائدة (5): 106 .

سبعمائةٍ أقربُ منها إلى سبعين وسبعة.

ومنها: القتلُ، والربا، والزني، واللِواطُ والقيادةُ، والدِياثةُ، وشربُ المسكر، والسَرِقةُ، والقذفُ، والفِرارُ من الزحْف وشهادةُ الزور، وعُقوقُ الوالدَين، والأمنُ من مكر الله ،واليأسُ من روح الله، والغصبُ، والغيبةُ والنميمةُ، واليمينُ الفاجرة، وقطيعةُ الرحم، وأكلُ مال اليتيم، وخيانةُ الكيل والوزن، وتأخيرُ الصلاة عن وقتها، والكذبُ خصوصاً على رسول الله(صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) ، وضربُ المسلم بغير حقٍّ، وكِتمانُ الشهادة، والرِشوةُ، والسعايةُ إلى الظالم، ومنعُ الزكاة، وتأخيرُ الحجّ عن عام الوجوب اختياراً، والظهارُ، وأكلُ لحم الخنزير والمَيْتةِ، والمحاربةُ بقطع الطريق، والسحرُ، للتوعُّد على ذلك كلِّه وغيره.

وقيل: الذنوبُ كلُّها كبائرُ (1)ونَسَبه الطبرسي في التفسير إلى أصحابنا(2) مُطلقاً، نظراً إلى اشتراكها في مخالفة أمر الله تعالى ونهيِه وتسمية بعضها صغيراً بالإضافة إلى ما هو أعظمُ منه ؛ كالقُبْلة بالإضافة إلى الزنى وإنْ كانت كبيرةً بالاضافة إلى النظرة وهكذا.

(والإصرارِ على الصغيرة) وهي ما دون الكبيرة من الذنب والإصرار إمّا فعلي كالمواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر؛ أو حكمي وهو العزم على فعلها ثانياً بعد وقوعه وإن لم يفعَل، ولا يَقدَح تركُ السُنَن إلَّا أن يُؤدِّي إلى التهاون بها. وهل هو مع ذلك من الذنوب أم مخالفة المروءة؟ كلٌّ محتمَلٌ، وإنْ كان الثاني أوجَهُ.

(وبترك المروءة) وهي التخلُّق بخُلق أمثاله في زمانه ومكانه. فالأكل في السوق والشربُ فيها لغير سُوقي إلَّا إذا غلَبه العطش، والمشيُ مكشوفَ الرأس بين الناس، وكَثرةُ السُّخرية والحكايات المُضحِكة، ولُبسُ الفقيه لباسَ الجندي، وغيرُه ممّا لا يُعتاد لمثله بحيث يُسخر منه وبالعكس، ونحوُ ذلك يُسقِطها. ويختلف الأمر فيها باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن. ولا يقدح فعلُ السنن وإن استهجنها العامَّةُ وهَجَرها

ص: 77


1- قال به الشيخ المفيد في أوائل المقالات، ص 83 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج 4)؛ وابن إدريس في السرائر. ج 2، ص 118 .
2- مجمع البيان، ج 3، ص 70 ، ذيل الآية 31 من النساء (4).

الناسُ كالكُحل والحِنّاء والحَنَك في بعض البلاد وإنّما العبرة بغير الراجح شرعاً.

(وطهارةُ المُولِد) فتَرَدّ شهادةُ ولد الزنى ولوْ فى اليسير، على الأشهر. وإنما تُردّ شهادته مع تحقّق حاله شرعاً فلا اعتبار بمن تَنالُه الألسُنُ وإنْ كثرَت ما لم يحصُل العلمُ.

(وعدمُ التُهَمة) بضمّ التاء وفتحِ الهاء وهي أن يَجُرَّ إليه بشهادته نفعاً، أو يَدفَعَ عنه بها ضرراً. (فلا تُقبل شهادةُ الشريك لشريكه فى المشترك بينهما) بحيث يقتضي الشهادةُ المشاركةَ (ولا) شهادةُ (الوصيّ في متعلَّق وصيّته) ولا يقدح في ذلك مجرّدُ دعواه الوصايةَ، ولا مع شهادة من لا تثبت بها؛ لأنّ المانع ثبوت الولايةِ الموجبة للتهَمة بإدخال المال تحتها (و) لا شهادة (الغُرَماء للمُفَلَّسِ) والميّتِ (والسيّد لعبده) على القول بمِلْكه للانتفاع بالوِلاية عليه. والشهادة في هذه الفروض جالبة للنفع.

(و) أمَّا ما يَدفَع الضررَ ، فشهادة (العاقلةِ بجرح شهود الجناية) خطأً، وغرماءِ المفَلَّس بفسق شهود دَيْنٍ آخَرَ لأنَّهم يدفعون بها ضررَ المزاحمة، ويمكن اعتباره في النفع وشهادة الوصي والوكيلِ بجرح الشهود على المُوصِي والمُوَكَّل، وشهادةُ الزوج بزنى زوجتِه التي قَذَفها لدفع ضرر الحدّ.

ولا يقدح مطلقُ التهَمة، فإنّ شهادة الصَديق لصَديقه مقبولةٌ، والوارثِ لمورِّثه بدَين وإنْ كان مُشرِفاً على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها، وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللُصوص إذا لم يكونوا مأخوذين ويَتعرَّضوا لِذِكر ما أُخِذ لهم.

(والمعتبرُ في الشروطِ) المعتبرةِ فى الشهادة (وقتُ الأداء لا وقت التحمّل) فلو تحمَّلَها ناقصاً ثمّ كمَل حين الأداء سُمِعت. وفي اشتراط استمرارها إلى حين الحكم قولان (1)، اختار المصنِّف في الدروس ذلك(2)، ويظهر من العبارة عدمه.

(وتمنع العداوةُ الدنيويّةُ) وإن لم تتضمَّن فسقاً، وتتحقَّق (بأن يُعلَم منه السرورُ

ص: 78


1- القول بالاشتراط للشيخ في المبسوط، ج 5، ص 598؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص547 ، المسألة 106؛ والقول بعدم الاشتراط للشيخ في الخلاف، ج 6، ص 320، المسألة 73؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 179.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

بالمساءة، وبالعكس) أو بالتقاذف. ولو كانت العداوة من أحد الجانبين اختُصّ بالقبول الخالي منها، وإلّا لَمَلَكَ كُلُّ غريمٍ ردَّ شهادة العدل عليه بأن يَقذِفَه ويخاصمَه.

(ولو شَهِد) العدوُّ (لعدوّه قُبِل إذا كانت العَداوةُ لا تتضمَّن فسقاً) لانتفاء التهَمة بالشهادة له. واحترز ب- «الدنيويّة» عن الدينيّة فإنّها غيرُ مانعةٍ لقبول شهادة المؤمن على أهل الأديان دون العكس مطلقاً.

(ولا تُقبَل شهادة كثير السهو بحيث لا يَضبُ-ِط المشهودَ به) وإن كان عدلاً، بل ربما كان وليّاً، ومن هنا قيل: «نرجو شفاعة من لا تُقبَلُ شهادتُه»(1)، (ولا) شهادةُ (المُتَبَرِّع بإقامتها) قبل استنطاق الحاكم، سواءٌ كان قبل الدعوى أم بعدها؛ للتهَمة بالحرص على الأداء، ولا يصير بالردّ مجروحاً، فلو شهد بعد ذلك غيرها قُبِلت. وفي إعادتها في غير ذلك المجلس وجهان.

والتبرُّع مانع (إلّا أن يكون فى حقّ الله تعالى) كالصلاة والزكاة والصوم بأن يشهد بتركها، ويُعبَّر عنها ب-«بيّنة الحِسبة »فلا يَمنَع؛ لأنّ الله أَمَر بإقامتها (2)فكان في حكم استنطاق الحاكم قبل الشهادة.

ولو اشترك الحقُّ كالعتقِ والسرقةِ والطلاقِ والخُلعِ والعفوِ عن القصاص ففي ترجيح حقّ الله تعالى أو الآدمي وجهان، أمَّا الوقف العامُّ، فقبولها فيه أقوى بخلاف الخاصّ على الأقوى .

(ولو ظهر للحاكم سَبقُ القادح في الشهادة على حكمه) بأن ثبت كونُهما صبيَّين أو أحدُهما، أو فاسقَين أو غير ذلك (نقض) لتَبَيُّنِ الخطأ فيه.

(ومستند الشهادة العلمُ القطعي) بالمشهود به (أو رؤيتُه فيما يكفي فيه) الرؤيةُ كالأفعال من الغصبِ والسرقةِ والقتلِ والرِضاعِ والولادةِ والزني واللِواطِ، وتقبل فيه شهادة الأصمّ لانتفاء الحاجة إلى السمع في الفعل (أو سَماعاً في) الأقوال (نحوِ

ص: 79


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 497 .
2- آل عمران (3): 104: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».

العقودِ) والإيقاعاتِ والقذفِ (مع الرؤية أيضاً) ليحصُل العلم بالمتلفِّظ إلَّا أن يَعرِف الصوتَ قطعاً، فيكفى على الأقوى.

(ولا يَشهَد إلَّا على من يَعرِفه) بنَسَبِه أو عينِه، فلا يكفي انتسابُه له لجواز التزوير. (ويكفي معرِّفان عدلان) بالنسب، (و) يجوز أن (تُسفِر المرأةُ عن وجهها) ليَعرِفها الشاهدُ عند التحمّل والأداء، إلَّا أن يعرف صوتَها قطعاً.

(ويثبُت بالاستفاضة) وهي استفعال من الفَيض وهو الظهور والكثرة، والمراد بها هنا شياع الخبر إلى حدٍّ يُفيد السامعَ الظَّنَّ الغالب المُقارِبَ للعلم، ولا تنحصر في عدد بل يختلف باختلاف المُخبِرين، نعم، يُعتبَر أن يَزِيدوا عن عدد الشهود المُعَدَّلين ليحصل الفرقُ بين خبرِ العدل وغيره؛ والمشهور أنّه يثبت بها (سبعةٌ : النَسَبُ ، والموتُ، والمِلكُ المطلقُ ، والوقفُ، والنكاحُ، والعتقُ، وِ ولايةُ القاضي) لعُسْر إقامة البيّنة في هذه الأسباب مطلقاً. (ويكفي) في الخبر بهذه الأسباب (متاخَمَةُ العلم) أي مقارَبَته (على قول) قوي، وبه جزم في الدروس(1). وقيل: يُشترَط أن يحصل العلمُ (2)، وقيل: يكفي مطلقُ الظنّ حتّى لو سَمِع من شاهدَين عدلَين صار متحمِّلاً لإفادة قولهما الظنَّ(3). وعلى المختار لا يُشترَط العدالةُ، ولا الحرّيّةُ والذكورةُ، لإمكان استفادته من نقائضها.

واحترز ب- «المِلك المطلقِ» عن المستند إلى سبب كالبيع فلا يثبُت السببُ به، بل المِلكُ الموجود في ضمنه، فلو شَهِد بالمِلك وأَسنَده إلى سببٍ يثبُت بالاستفاضة كالإرث قُبِل، ولو لم يثبُت بها كالبيع قُبِل في أصل الملك لا في السبب. ومتى اجتَمعَ في مِلكٍ استفاضةٌ ويدٌ وتصرُّفٌ بلا منازع فهو منتهى الإمكان، فللشاهد القطعُ بالمِلك. وفي الاكتفاء بكلّ واحدٍ من الثلاثة في الشهادة بالمِلك قولٌ قوي (4).

ص: 80


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 107 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 121؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 5، ص 261، الرقم 6651.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 545 .
4- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 502 ؛ والشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(ويجب التحمُّل) للشهادة (على من له أهليّة الشهادة) إذا دُعِى إليها خصوصاً أو عموماً ( على الكفاية) لقوله تعالى: « وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا»(1) فسَّره الصادق (علیه السلام)بالتحمُّل(2)، ويمكن جعله دليلاً عليه وعلى الإقامة، فيأثَم الجميعُ لو أَخَلُوا به مع القدرة.

(فلو فُقِد سواه) فيما يثبُت به وحده ولو مع اليمين أو كان تمامَ العدد (تعيَّن) الوجوبُ كغيره من فروض الكفاية إذا لم يَقُم به غيرُه.

(ويصحّ تحمُّلُ الأخرس) للشهادة (وأداؤه بعد القطع بمراده) ولو بمترجمَين عدلين، وليسا فرعين عليه ولا يكفي الإشارةُ في شهادة الناطق.

(وكذا يجب الأداء) مع القدرة (على الكفاية) إجماعاً، سواء استدعاه ابتداءً أم لا، على الأشهر (إلّا مع خوف ضررٍ غيرِ مستحقّ) على الشاهد أو بعض المؤمنين. واحترز بغير المستحقّ عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حقٌّ على الشاهد لا يطالبه به ويَنشَأ من شهادته المطالبة ، فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب لأنَّه ضررٌ مستحَقّ.

وإنّما يجب الأداء مع ثبوت الحقّ بشهادته لانضمام مَن يَتمّ به العدد، أو حلْفِ المدّعي إن كان ممّا يثبت بشاهد ويمين. فلو طلب من اثنين يثبُت بهما لَزِمهما وليس لأحدهما الامتناع، بناءً على الاكتفاء بحلف المدّعي مع الآخر؛ لأنّ من مقاصد الإشهادِ التَّوَرُّع عن اليمين ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبُت بهما وجب على اثنين منها كفايةً. ولو لم يكن إلَّا واحدٌ لَزِمه الأداءُ إن كان ممّا يثبت بشاهد ويمين وإلّا فلا. ولو لم يَعلَم صاحبُ الحقّ بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحقّ بدون شهادته.

(ولا يُقيمها) الشاهدُ (إلّا مع العلم) القطعي (ولا يكفي الخطُّ) بها وإنْ حَفِظه بنفسه وأمِنَ التزويرَ (ولوْ شَهِد معه ثِقَةٌ) على أصحّ القولين(3)؛ لقول النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) لمن أراه

ص: 81


1- البقرة (2): 282 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 750 - 751.
3- قال به الشيخ في الاستبصار، ج 3، ص 22، ذيل الحديث 68 ؛ والحلبي في الكافي في الفقيه، ص 436؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 532 المسألة 92 .

الشمسَ: «على مثلها فاشهد أو دَعْ»(1). وقيل : إذا شَهِد معه ثقةٌ وكان المدّعي ثقةً أقامها بما عَرَفه من خطِّه وخاتَمِه (2)؛ استناداً إلى رواية شاذّة (3).

(ومَن نَقَل عن الشيعة جواز الشهادة بقول المدّعي، إذا كان أخاً في الله معهود الصدق(4) ، فقد أَخطَأَ في نقله)؛ لإجماعهم على عدم جواز الشهادة بذلك. (نعم، هو مذهب محمّد بن عليّ الشَلْمَغاني (العَزاقِري) نسبة إلى أبي العَزاقِر بالعين المُهمَلة والزاي والقاف والراء أخيراً (من الغُلاة) لعنه الله.

ووجه الشبهة على مَنْ نسب ذلك إلى الشيعة أنّ هذا الرجل الملعونَ كان منهم أوّلاً. وصنَّف كتاباً سمّاه كتابَ التكليف، وذَكَر فيه هذه المسألةَ، ثمّ غلا وظَهَر منه مقالاتٌ مُنكَرةٌ فتبرَّأت الشيعة منه، وخرج فيه توقيعاتٌ كثيرةٌ من الناحية المقدَّسة على يد أبي القاسم بن روح وكيل الناحية، فأخذه السلطان وقتله، فمن رأى هذا الكتابَ وهو على أساليب الشيعة وأصولهم تَوَهَّم أنّه منهم، وهم بريئون منه (5).

وذكر الشيخ المفيد (رحمه الله) أنَّه ليس في الكتاب ما يخالف سوى هذه المسألة(6).

ص: 82


1- الدر المنثور، ج 8، ص 195، ذيل الآية 2 من الطلاق (65) ؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 528 ، ح 1.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 329 - 330؛ وسلار في المراسم، ص 234.
3- هي رواية عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): الرجل يشهدني على الشهادة فأعرف خطِّي وخاتمي، ولا أذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً قال: فقال لي: إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له [تهذيب الأحكام ج 6، ص 258 - 259، ح 681). وهذا الخبر مع شذوذه في طريقه الحسن بن فضّال على ما حصل من القرائن الحاليّة والمقاليّة للشاهد ما استفاد به العلم، فحينئذٍ شهادته مستندة إلى العلم لا إلى خطِّه؛ والشيخ في النهاية [ص 330] عمل بإطلاق الخبر ولم يقيّده بالخاتم كما ذكر وكان اللازم ذلك وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده مع معارضته بأخبار كثيرة دلّت على عدم الاكتفاء بذلك مطلقاً. (منه رحمه الله)
4- حكاه الشيخ في الفهرست، ص 413 - 414 ، الرقم 628 ؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال، ص 399، الرقم 1604.
5- راجع الغيبة، الشيخ، ص 403.
6- لم نعثر عليه في مصنّفات الشيخ المفيد. راجع قاموس الرجال، ج 9، ص 442 فما بعدها، الرقم 7054.

(الفصل الثاني في تفصيل الحقوق )بالنسبة إلى الشهود

وهي على ما ذكره في الكتاب خمسة أقسام :

(فمنها): ما يثبت (بأربعة رجال وهو الزنى واللِّواطُ والسَحق. ويكفي في) الزني (الموجِبِ للرجم ثلاثة رجال وامرأتان، وللجَلْد رجلان وأربعُ نِسْوَةٍ).

ولو أفرَد هذين عن القسم الأوّل وجَعَل الزنى قِسماً برأسه كما فعل في الدروس (1)كان أنسب، لاختلاف حاله.

(ومنها) ما يثبُت (برجلين) خاصّةً ( وهى الرِدَّةُ والقَذْفُ والشربُ) شربُ الخمر وما في معناه (وحدُّ السرقة) احترز به عن نفس السرقة، فإنّها تثبُت بهما وبشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين بالنسبة إلى ثبوت المال خاصّة (والزكاةُ والخمسُ والنذرُ والكفّارةُ).

وهذه الأربعة أَلحقَها المصنِّف بحقوق الله تعالى وإن كان للآدمي فيها حظٌّ، بل هو المقصود منها ؛ لعدم تعيين المستحِقّ على الخصوص وضابط هذا القسم -على ما ذكره بعض الأصحاب (2) - ما كان من حقوق الآدمي ليس مالاً ولا المقصود منه المالَ، وهذا الضابط لا يُدخِل تلك الحقوقَ الأربعةَ.

(و) منه (الإسلامُ والبلوغُ والولاءُ والتعديلُ والجرحُ والعفوُ عن القِصاص والطلاقُ والخُلعُ) وإن تضمَّن المال لكنه ليس نفسَ حقيقتِه ( والوكالةُ والوصيّةُ إليه)

ص: 83


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 110 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- ذكره ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 115 ؛ والشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

احترز به عن الوصيّة له بمال فإنّه من القسم الثالث (والنَّسَبُ والهِلالُ) وبهذا يَظْهَر أَنَّ الهِلال من حق الآدمي فيثبت فيه الشهادة على الشهادة كما سيأتي.

(ومنها ما يثبُت برجلين ورجل وامرأتين وشاهد ويمين وهو) كلُّ ما كان مالاً أو الغرض منه المال مثل (الديونِ والأموالِ) الثابتةِ من غير أن تَدخُل في اسم الدَين (والجناية الموجِبة للدية) كقتل الخطأ والعمد المشتمل على التغرير بالنفس كالهاشمة والمُنَقِّلة، وما لا قَوَد فيه كقتل الوالدِ ولدَه والمسلمِ الكافرَ والحرِّ العبدَ وقد تقدَّم في باب الشاهد واليمين.

ولم يذكُر ثبوتَ ذلك بامرأتين مع اليمين مع أنّه قَوَّى في الدروس ثبوتَه بهما (1)للرواية(2) ، ومساواتِهما للرجل حالةَ انضمامهما إليه في ثبوته بهما من غير يمين. وبَقِيَ من الأحكام أمورٌ تَجمَع حقَّ الآدمي المالي وغيره كالنكاح والخُلع والسرقة فيثبت بالشاهد واليمين المالُ دون غيره، واستَبعَد المصنِّفُ ثبوتَ المَهر دون النكاح (3)للتنافي.

(ومنها): ما يثبُت (بالرجال والنساء ولوْ منفرداتٍ). وضابطه ما يَعسُ-َر اطّلاعُ الرجال عليه غالباً (كالوِلادةِ والاستهلالِ) وهو ولادة الولد حياً لِيَرِث، سُمّي ذلك استهلالاً للصوت الحاصل عند ولادته ممّن حضر عادةً، كتصويت مَن رَأَى الهِلالَ فاشتُقَ منه (وعيوبِ النساء الباطنةِ) كالقَرَن والرتَق، دون الظاهرة كالجُذام والبَرَص والعَمَى فإنّه من القسم الثاني (والرضاعِ) على الأقوى.

(والوصيّةِ له) أي بالمال؛ احتراز عن الوصية إليه. وهذا الفرد خارج من الضابط ولو أفرده قسماً كما صنع فى الدروس (4)كان حسناً؛ ليُرتِّب عليه باقيَ أحكامه، فإنّه يختصّ بثبوتِ جميع الوصية برجلين وبأربع نسوة وثبوتِ رُبعها بكلّ واحدة، فبالواحدة الربعُ وبالاثنتين النصفُ، وبالثلاث ثلاثةُ الأرباع من غير يمين، وباليمين مع المرأتين ومع الرجل.

ص: 84


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 272، ح 739 .
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وفي ثبوت النصفِ بالرجل أو الربعِ من غير يمين أو سقوطِ شهادته أصلاً أوجُهٌ: من مساواتِه للاثنتين، وعدمِ النصّ وأنّه لا يَقصُر عن المرأة، والأوسط أوسط. وأشكل منه الخنثى، وإلحاقُه بالمرأة قوي. وليس للمرأة تضعيفُ المال ليصير ما أَوصَى به ربعَ ما شَهِدت به للكذب، لكن لو فعَلتْ استَباحَ المُوصَى له الجميعَ مع علمه بالوصيّة لا بدونه، وكذا القول فيما لا يثبُت بشهادته الجميعُ.

(ومنها): ما يثبت (بالنساء مُنْضَمّات) إلى الرجال (خاصّةً) أو إلى اليمين على ما تقدَّم، (وهو الديون والأموال) وهذا القسم داخل في الثالث.

قيل: وإنّما أَفرَد ليُعلِم احتياجَ النساء إلى الرجال فيه صريحاً. وليس بصحيح؛ لأنّ الانضمام يصدق مع اليمين، وفي الأول تصريح بانضمامهنّ إلى الرجل صريحاً، فلو عكس المعتذر كان أولى. ولقد كان إبدالُه ببعض ما أشرنا إليه من الأقسام سابقاً التي أَدرَجها، وإدراجُه هو أولى كما فعل في الدروس(1).

ص: 85


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(الفصل الثالث في الشهادة على الشهادة)

(ومحلُّها حقوقُ الناس كافّةً) بل ضابطُه كلُّ ما لم يكن عقوبةً لله تعالى مختصةً به إجماعاً، أو مشتركةً على الخلاف، (سواءٌ كانت) الحقوقُ (عقوبةً كالقصاص، أو غيرَ عقوبة) مع كونه حقّاً غيرَ مالي (كالطلاقِ والنَسَبِ والعِتقِ، أو مالاً كالقرضِ وعُقودٍ المعاوضات وعيوبِ النساء) هذا وما بعده من أفراد الحقوق التي ليست مالاً؛ رتَّبها مشوَّشةً (والولادةِ والاستهلالِ والوكالةِ والوصيّةِ بقسمَيها) وهما الوصية إليه وله.

(ولا يثبُت في حقّ الله تعالى محضاً كالزنى واللِّواط والسَحق، أو مشترِكاً كالسرقة والقَذْف على خلاف) منشأُه مراعاةُ الحقَّين.

ولم يرجِّح هنا شيئاً وكذا في الدروس(1)، والوقوف على موضع اليقين أولى وهو اختيار الأكثر فيبقى ضابط محلّ الشهادة على الشهادة «ما ليس بحدّ».

(ولو اشتمَل الحقُّ على الأمرين) كالزنى ( يثبت) بالشهادة على الشهادة (حقُّ الناس خاصّةً فيثبُت بالشهادة) على الشهادة (على إقراره بالزنى نَشْرُ الحرمة) لأنَّها من حقوق الآدميّين، (لا الحدُّ) لأنَّه عقوبةُ لله تعالى. وإنّما افتَقَر إلى إضافة «الشهادة» على الشهادة ليصير من أمثِلة المبحث أمَّا لو شَهِد على إقراره بالزنى شاهدان فالحكم كذلك على خلاف، لكنّه من أحكام القسم السابق. ومثله ما لو شَهِد على إقراره بإتيان البهيمة شاهدان يثبُت بالشهادة عليهما تحريمُ البهيمةِ وبيعِها، دون الحدّ .

(ويجب أن يشهد على) كلّ (واحدٍ عدلان) لتثبُت شهادتُه بهما. (ولو شَهِدا على

ص: 86


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 114 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الشاهدين فما زاد) كالأربعة في الزنى والنسوة (جاز) لحصول الغرض، وهو ثبوت شهادة كلّ واحد بعدلَين. بل يجوز أن يكون الأصلُ فرعاً لآخَر، فيثبُت بشهادته مع آخر. وفيما يُقبَل فيه شهادةُ النساء؛ يجوز على كلّ امرأة أربعٌ كالرجال، وقيل: لا يكون النساءُ فرعاً (1)؛ لأنَّ شهادةَ الفرع تُثبِت شهادةَ الأصل لا ما شَهِد به.

(ويُشترَط) في قبول شهادة الفرع (تعذُّرُ ) حضور (شاهد الأصل بموت أو مرض أو سفر) وشبهه (وضابطُه المشقّةُ في حضوره) وإنْ لم يبلغ حد التعذُّر.

واعلم أنّه لا يُشترَط تعديلُ الفرع للأصل، وإنما ذلك فرضُ الحاكم، نعم، يُعتبَر تعيينه فلا تكفي «أشهدَنا عدلان». ثم إن أشهداهما قالا: «أَشْهَدَنا فلان أنّه يَشهَد بكذا». وإن سَمِعاهما يشهدان جازت شهادتُهما عليهما وإن لم تكن شهادةُ الأصل عند حاكم على الأقوى؛ لأن العدل لا يتسامح بذلك، بشرط ذكْر الأصل للسبب وإلّا فلا؛ لاعتياد التسامح عند غير الحاكم به.

وإنّما تجوز شهادة الفرع مرّةً واحدةً (ولا تُقبَل الشهادة الثالثة) على شاهد الفرع (فصاعداً).

ص: 87


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 128 - 129 ؛ والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 129 .

(الفصل الرابع في الرجوع) عن الشهادة

(إذا رجعا ) أي الشاهدان فيما يُعتبَر فيه الشاهدان أو الأكثرُ حيث يُعتبَر (قبل الحكم امتَنَع الحكمُ)؛ لأنَّه تابعٌ للشهادة وقد ارتَفَعت؛ ولأنَّه لا يَدرِي أَ صَدَقوا في الأوّل أو في الثاني فلا يَبقَى ظنُّ الصدق فيها ، (وإن كان) الرجوعُ (بعده لم يُنقَض الحكم) إن كان مالاً (و ضَمِن الشاهدان) ما شَهِدا به من المال (سواءٌ كانت العينُ باقيةً أو تالفةً )على أصحّ القولين (1)، وقيل : تُستَعاد العينُ القائمةُ (2) .

(ولو كانت الشهادةُ على قتل أو رجْم أو قطع) أو جَرحٍ أو حدٍّ، وكان قبلَ استيفائه لم يُستَوفَ؛ لأنَّها تسقُط بالشبهة والرجوعُ شبهةٌ، والمال لا يسقط بها. وهو في الحدّ في معنى النقض.

وفي القصاص قيل : يَنتقل إلى الدية (3)؛ لأنَّها بدلٌ ممكنٌ عند فَوات محلّه، وعليه لا يُنقض . وقيل : تسقُط (4)؛ لأنَّها فرعُه فلا يثبت الفرعُ من دون الأصل، فيكون ذلك في معنى النقض أيضاً. والعبارة تدلّ بإطلاقها على عدمِ النقض مطلقاً، واستيفاءِ متعلَّق الشهادة وإنْ كان حدّاً، والظاهر أنه ليس بمراد. وفى الدروس: «لا ريب أنّ الرجوعَ فيما يوجب الحدَّ قبل استيفائه يُبْطِل الحدَّ، سواء كان لله أو للإنسان؛ لقيام الشبهة الدارئة»(5) ولم يتعرّض للقصاص؛ وعلى هذا فإطلاق العبارة إمّا ليس بجيّد، أو خلافُ المشهور.

ص: 88


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 611 - 613 : وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 146.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 336؛ والقاضي ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 564.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 5، ص 612 .
4- راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 541 - 542 ، المسألة 99 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

ولو كان بعد استيفاء المذكورات واتَّفق موتُه بالحدّ (ثم رجعوا واعترفوا بالتعمّد اقْتُصَّ منهم) أجمعَ إن شاء وليُّه، وردّ على كلّ واحدٍ ما زاد عن جنايته كما لو باشَروا (أو) اقتُصّ (من بعضهم) وردَّ عليه ما زاد عن جنايته (ويَرُدّ الباقون نصيبَهم) من الجناية. (وإن قالوا: أخطأنا فالديةُ عليهم) أجمع مُوَزَّعَةً. ولو تفرَّقوا في العمد والخطأ فعلى كلّ واحدٍ لازمُ قولِه فعلى المعترف بالعمدِ القصاص بعد ردّ ما يفضل من ديته عن جنايته، وعلى المُخْطِئ نصيبُه من الدية.

(ولو شهدا بطلاق ثمّ رجعا قال) الشيخ (في النهاية: تُرَدّ إلى الأوّل ويَغرَمان المَهرَ للثاني(1)، وتَبِعه أبو الصلاح (2)) استناداً إلى رواية حسنة(3) حملت على تزويجها بمجرّد سَماع البيِّنة، لا بحكم الحاكم. (و) قال ( في الخلاف: إن كان بعد الدخول فلا غُرمَ) للأوّل؛ لاستقرار المَهر في ذمّته به فلا تفويت، والبُضْعُ لا يُضمَن بالتفويت وإلا لحُجِر على المريض بالطلاق إلَّا أن يُخرِج البُضْعَ من ثلث ماله، ولأنَّه لا يضمن له لو قَتَلها قاتلٌ، أو قتلتْ نفسَها، أو حرَّمتْ نكاحَها برضاع (وهي زوجة الثاني) لأنَّ الحكم لا يُنقَض بعد وقوعه. (وإن كان قبل الدخول غَرِما) للأوّل (نصفَ المَهر) الذي غرمه؛ لأنَّه وإن كان ثابتاً بالعقد كثبوت الجميع بالدخول إلَّا أنّه كان معرضاً للسقوط برِدَّتِها، أو الفسخِ لعيب بخلافه بعد الدخول لاستقراره مطلقاً (4). وهذا هو الأقوى، وبه قطع في الدروس(5). ونقْلُه هنا قولاً كالآخَر يدلّ على تردُّده فيه، ولعلّه لمعارضة الرواية المعتبرة (6).

واعلم أنّهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن والرجعي، ووجهه

ص: 89


1- النهاية، ص 336.
2- الكافي في الفقه، ص 441.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 260، ح 689 .
4- الخلاف، ج 6، ص 322 - 323، المسألة 77 و 78 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 117 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
6- تهذيب الأحكام، ج 6، ص ص 285 - 286، ح 789 .

حصولُ السببِ المُزيلِ للنكاح في الجملة، خصوصاً بعد انقضاء عدّة الرجعي، فالتفويت حاصل على التقديرين. ولو قيل بالفرقِ واختصاصِ الحكم بالبائن كان حسناً، فلو شَهِدا بالرجعي لم يَضمِنا؛ إذ لم يُفَوِّتا شيئاً؛ لقدرته على إزالة السبب بالرجعة، ولو لم يراجع حتى انقَضَت العدّةُ احتمل إلحاقه بالبائن والغُرمُ، وعدمُه لتقصيره بترك الرجعة.

ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقاً بعدم عروضِ وجهٍ مُزيلٍ للنكاح، فلو شهِدا به ففُرِّق فَرَجَعا، فقامت بيّنةٌ أنَّه كان بينهما رضاعٌ محرّم فلا غُرم؛ إذ لا تفويت.

(ولو ثبت تزويرُ الشهود) بقاطع كعلم الحاكم به لا بإقرارهما ؛ لأنَّه رجوعٌ، ولا بشهادة غيرِهما؛ لأنَّه تعارضٌ؛ (نُقِض الحكمُ) لتبيُّنِ فسادِه (واستُعيد المالُ) إن كان المحكوم به مالاً، (فإن تعذَّر أُغرِموا) وكذا يَلزَمُهم كلُّ ما فات بشهادتهم (وعُزِّروا على كلّ حال) سواءٌ كان ثبوتُه قبل الحكم أم بعده؛ فات شيءٌ أم لا، (وشُهِّروا) في بلدهم وما حولها؛ لتُجتَنَبَ شهادتُهم ويَرتدِعَ غيرُهم. ولا كذلك من تبيَّن غلطُه، أو رُدَّت شهادتُه لمعارضةِ بيّنة أُخرى، أو ظهورِ فسق أو تُهَمةٍ لإمكان كونه صادقاً في نفس الأمر فلم يحصل منه بالشهادة أمرٌ زائدٌ.

ص: 90

كتاب الوقف

اشارة

ص: 91

ص: 92

إشارة

(كتاب الوقف )

(وهوتحبيسُ الأصل) أي جعْلُه على حالةٍ لا يجوز التصرُّفُ فيه شرعاً على وجهٍ ناقلٍ له عن المِلك إلَّا ما استُثنِي (وإطلاقُ المنفعة).

وهذا ليس تعريفاً بل ذِكرُ شيءٍ من خصائصه، أو تعريفٌ لفظيٌ موافَقةً للحديث الوارد عنه (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «حَبِّس الأصلَ وسَبِّل الثمرة»(1) ، وإلّا لانتقض بالسكنى وأُختيها والحبس؛ وهي خارجة عن حقيقته كما سيشير إليه. وفي الدروس عرَّفه بأنَّه الصدقةُ الجاريةُ (2)، تَبَعاً لما وَرَد عنه (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «إذا مات ابنُ آدمَ انقَطَع عملُه إلَّا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ»(3) الحديث.

( ولفظُه الصريحُ) الذي لا يفتقر في دَلالته عليه إلى شيءٍ آخَرَ (وَقَفْتُ) خاصّةً على أصحّ القولين(4) ، ( وأمَّا «حبّستُ» و «سبَّلتُ» و «حرَّمتُ» و «تصدَّقتُ» فمُفتَقِر إلى القرينة) كالتأبيد ونفي البيع والهبة والإرث فيصير بذلك صريحاً.

وقيل: الأوّلان صريحان أيضاً بدون الضميمة(5)، ويُضعَّف باشتراكهما بينه وبين غيره

ص: 93


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 801 ، ح 2397؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 260، ح 14 .
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- راجع للحديث مسند أحمد، ج 3، ص 65 ، ح 8627 : جامع الأخبار، ص 283، ح 757 /4.
4- اختاره الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 111؛ ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 155.
5- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 542 المسألة 8؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 296.

فلا يدلّ على الخاصّ بذاته فلابدّ من انضمام قرينة تُعيِّنُه. ولو قال: «جعلتُه وقفاً» أو صدقةً مؤيَّدةً محرَّمةً »كَفَى، وفاقاً للدروس (1)، لأنَّه كالصريح، ولو نَوَى الوقفَ فيما يَفتقِر إلى القرينة وَقَع باطناً، ودُيِّنَ بنيّته لو ادّعاه أو ادَّعَى غيرَه. ويَظهَر منه عدمُ اشتراط القبولِ مطلقاً ولا القربةِ، أمَّا الثاني فهو أصحّ الوجهين؛ لعدم دليلٍ صالحٍ على اشتراطها وإن توقَّف عليها الثوابُ، وأمَّا الأوّل، فهو أحدُ القولين(2) وظاهرُ الأكثر؛ لأصالة عدم الاشتراط ؛ ولأنَّه إزالة مِلكٍ فيكفي فيه الإيجابُ كالعتق.

وقيل : يُشترَط إن كان الوقف على من يمكن في حقِّه القبولُ(3)، وهو أجود، وبذلك دخل في باب العقود؛ لأنّ إدخال شيء في ملك الغير يتوقَّف على رضاه، وللشكّ في تمام السبب بدونه فيُستصحَب فعلى هذا يُعتَبر فيه ما يُعتبَر في العقود اللازمة من اتّصالِه بالإيجاب عادةً، ووقوعِه بالعربيّة وغيرِها. نعم، لو كان على جهةٍ عامةٍ أو قبيلةٍ كالفقراء لم يُشترط وإنْ أمكن قبول الحاكم له، وهذا هو الذي قَطَع به في الدروس (4). وربما قيل باشتراط قبول الحاكم فيما له وِلايتُه(5). وعلى القولين لا يُعتبَر قبول البطْن الثاني ولا رضاه لتماميّة الوقف قبله فلا ينقطع؛ ولأنّ قبوله لا يتَّصل بالإيجاب فلو اعتُبِر لم يقع له.

(ولا يَلزَم) الوقفُ بعد تمام صيغته (بدون القبض) وإن كان في جهةٍ عامةٍ قَبَضَها الناظرُ فيها ، أو الحاكمُ أو القيّمُ المنصوبُ من قِبَل الواقف لقبضه. ويُعتبَر وقوعه (بإذن الواقف) كغيره؛ لامتناع التصرُّف في مال الغير بغير إذنه، والحال أنَّه لم ينتقل إلى الموقوف عليه بدونه. (فلو مات) الواقفُ (قبله) أي قبل قبضه المستند إلى إذنه (بطل)

ص: 94


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)
2- اختاره المفيد في المقنعة، ص 652 ؛ والشيخ في النهاية، ص 595 .
3- قال به الشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- اختاره العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 388؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 12.

وروايةُ عُبَيد بن زُرارة صريحةٌ فيه(1). ومنه يظهر أنَّه لا تعتبر فوريّتُه. والظاهر أنَّ موت الموقوف عليه كذلك مع احتمال قيام وارثه مقامَه.

ويُفهَم من نفيه اللزومَ بدونه أنَّ العقد صحيحٌ قبله؛ فيَنتقِل الملكُ انتقالاً متزلزلاً يَتِمٌ بالقبض، وصرَّح غيرُه (2)- وهو ظاهره في الدروس (3) - أنَّه شرط الصحَّة، وتظهر الفائدة في النَماء المتخلِّل بينه وبين العقد؛ ويمكن أن يريد هنا باللزومِ الصحّةَ بقرينة حكمه بالبطلان لو مات قبله؛ فإنّ ذلك من مقتضى عدم الصحَّة لا اللزوم، كما صرّح به في هبة الدروس واحتَمَل إرادتَه من كلام بعض الأصحاب فيها(4).

( ويدخُل في وقف الحيوان لبنُه وصُوفُه) وما شاكَلَه (الموجودان حال العقد ما لم يَستثْنِهما) كما يدخل ذلك في البيع ؛ لأنَّهما كالجزء من الموقوف بدَلالة العرف وهو الفارق بينهما وبين الثمرة؛ فإنّها لا تدخل وإنْ كانت طَلْعاً لم يُؤَبَّر.

(وإذا تمَّ) الوقفُ (لم يَجُز الرجوع فيه)؛ لأنَّه من العقود اللازمة.

(وشرطه) مضافاً إلى ما سلف (التنجيزُ) فلو علَّقه على شرطٍ أو صفةٍ بطَل إلَّا أن يكون واقعاً والواقفُ عالمٌ بوقوعه، كقوله «وقفتُ إن كان اليومُ الجمعةَ»، وكذا في غيره من العقود. (والدوامُ) فلو قَرَنه بمدَّة، أو جعَلَه على من يَنقرِض غالباً لم يكن وقفاً، والأقوى صحّته حبساً يبطُل بانقضائها وانقراضه، فيَرجِع إلى الواقف أو وارثه حين انقراض الموقوف عليه كالوَلاء؛ ويُحتمَل إلى وارثه عند موته، ويسترسل فيه إلى أن يُصادِف الانقراض، ويُسمّى هذا مُنقطِعَ الآخِر. ولو انقطع أوّلُه أو وسطُه أو طرفاء فالأقوى بطلان ما بعد القطع، فيبطل الأوّلُ والأخيرُ ويصحّ أوّل الآخر.

ص: 95


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 137، ح 577 .
2- كالمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 171؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 389 .
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 212 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

(والإقباضُ) وهو تسليطُ الواقف للقابض عليه ورفعُ يده عنه له، وقد يغاير الإذنَ في القبض الذي اعتبَره سابقاً بأن يأذن فيه ولا يرفَع يدَه عنه؛ (واخراجُه عن نفسه) فلو وقف على نفسه بطل وإنْ عَقَّبه بما يصحّ الوقف عليه؛ لأنَّه حينئذٍ منقطع الأوّل وكذا لو شَرَط لنفسه الخيارَ في نقضه متى شاء، أو في مدّة معيَّنة.

نعم، لو وقفه على قَبِيلٍ هو منهم ابتداءً أو صار منهم شارَكَ، أو شَرَط عودَه إليه عند الحاجة فالمرويُّ(1) والمشهورُ اتّباع شرطِه، ويُعتبَر حينئذٍ قصور ماله عن مؤونة سنته فيعود عندها، ويورث عنه لو مات وإنْ كان قبلها. ولو شَرَط أكْلَ أهلِه منه صحّ الشرطُ كما فعل النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) بوقفه (2)، وكذلك فاطمةُ(علیها السلام) (3)، ولا يقدح كونُهم واجبي النفقة فتسقُط نَفَقَتُهم إن اكتَفَوا به. ولو وقف على نفسِه وغيرِه صحَّ في نصفه على الأقوى إن اتَّحد، وإن تعدَّد فبحسبه فلو كان جمعاً كالفقراء بطل في رُبعه، ويُحتمَل النصفُ والبطلانُ رأساً.

(وشرط الموقوف أن يكون عَيناً) فلا يصحّ وقف المنفعةِ ولا الدَينِ ولا المُبهم؛ لعدم الانتفاع به مع بقائه وعدم وجوده خارجاً؛ والمقبوض والمعيَّن بعده غيرُه (مملوكةً) إن أُريد بالمملوكية صلاحيّتُها له بالنظر إلى الواقف؛ ليُحترَز عن وقفِ نحوِ الخمر والخنزير من المُسلِم فهو شرط الصحَّة، وإن أُريد به الملكُ الفعلي ليُحترز به عن وقف ما لا يَملِك، وإن صلَح له فهو شرط اللزوم. والأَولى أن يراد به الأعمُّ وإنْ ذَكَر بعضَ تفصيله بعدُ (يُنتفَع بها مع بقائها) فلا يصحُّ وقفُ ما لا يُنتفَع به إلَّا مع ذَهَاب عَينه كالخبز والطعام والفاكهة.

ولا يُعتبر في الانتفاع به كونُه في الحال بل يكفي المتوقَّع كالعبدِ والجَحْشِ الصغيرين، والزمِنِ الذي يُرجَى زوالُ زَمانَتِه. وهل يُعتبَر طول زمان المنفعة ؟ إطلاق

ص: 96


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 146، ح 607.
2- الكافي، ج 7 ، ص 47 - 48، باب صدقات النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) وفاطمة والأئمّة (علیهم السلام) ووصاياهم ، ح 1 .
3- الكافي، ج 7، ص 48 - 49. باب صدقات النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) وفاطمة و..... ح 5 و 6.

العبارةِ والأكثرِ يقتضي عدمَه؛ فيصحّ وقفُ رَيحان يَسرُع فَسادُه، ويُحتمَل اعتبارُه لقلَّةِ المنفعة ومنافاتِها للتأبيد المطلوب من الوقف، وتوقَّف فى الدروس(1)، ولو كان مزروعاً صحَّ، وكذا ما يَطُول نفعُه كَمِسْك وعنبر.

(ويمكن إقباضُها) فلا يصحّ وقفُ الطيرِ فى الهواء ولا السَّمَكِ في ماءٍ لا يمكن قبضه عادةً، ولا الآبقِ والمغصوبِ ونحوِها. ولو وَقَفه على من يمكنه قبضُه فالظاهر الصحّةُ؛ لأنّ الإقباضَ المعتبر من المالك هو الإذنُ في قبضه وتسليطُه عليه، والمعتبرَ من الموقوف عليه تسلُّمُه، وهو ممكن.

(ولو وقف ما لا يملكه وَقَف على إجازة المالك) كغيره من العقود؛ لأنَّه عقدٌ صَدَر من صحيح العبارة قابلٌ للنقل وقد أجاز المالك فيصحّ.

ويُحتمَل عدمُها هنا وإن قيل به في غيره؛ لأن عبارةَ الفضولي لا أثر لها، وتأثيرُ الإجازة غيرُ معلوم؛ لأنّ الوقف فكُّ مِلكٍ في كثير من موارده ولا أثر لعبارة الغير فيه، و توقَّف المصنِّف في الدروس ؛ لأنَّه نَسَب عدم الصحَّة إلى قول (2) ، ولم يُفْتِ بشيء، وكذا في التذكرة (3). وذهب جماعة إلى المنع هنا(4)، ولو اعتَبَرنا فيه التقرُّبَ قَوِيَ المنعُ لعدم صحَّة التقرُّب بمِلك الغير.

(ووقفُ المُشاع جائزٌ كالمقسوم) لحصول الغاية المطلوبة من الوقف و هو «تحبيس الأصل وإطلاق الثمرة به» وقبضُه كقبض المَبيع في توقُّفه على إذن المالكِ والشريكِ عند المصنِّف مطلقاً، والأقوى أنّ ذلك فى المنقول وغيرُه لا يتوَّقف على إذن الشريك، لعدم استلزام التخليةِ التصرُّفَ في ملك الغير.

ص: 97


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 431 (الطبعة الحجرية).
4- منهم فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 389؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 57؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 369 .

ا (وشرطُ الواقفِ الكمالُ) بالبلوغِ والعقلِ والاختيارِ ورفعِ الحَجْر.

(ويجوز أن يَجعَل النظرَ) على الموقوف (لنفسه ولغيره) في متن الصيغة (فإن أطلق) ولم يَشْرطه لأحدٍ (فالنظر فى الوقف العامّ إلى الحاكم الشرعي (وفي غيره) وهو الوقف على معيَّن (إلى الموقوف عليهم) والواقف مع الإطلاق كالأجنبيّ. ويُشترَط في «المشروط له النظر» العدالةُ والاهتداءُ إلى التصرّف. ولو عَرَض له الفسقُ انْعَزَل، فإن عاد عادت إن كان مشروطاً من الواقف ولا يجب على المشروط له القبولُ، ولو قَبِل لم يجب عليه الاستمرارُ؛ لأنَّه في معنى التوكيل. وحيث يبطُل النظر يصير كما لو لم يشرط.

ووظيفة الناظر مع الإطلاق العمارةُ والإجارةُ وتحصيلُ الغَلّة وقسمتُها على مستحِقّها. ولو فَوَّض إليه بعضَها لم يَتعدَّه، ولو جَعَله لاثنين وأَطلَق لم يَستقلّ أحدُهما بالتصرّف. وليس للواقف عزّلُ المشروط في العقد وله عزلُ المنصوب من قِبَله لو شَرَط النظرَ لنفسه فولّاه؛ لأنَّه وكيل. ولو آجَرَ الناظرُ مدّةً فزادت الأُجرةُ في المدّة أو ظهر طالبٌ بالزيادة لم يَنفسِخ العقدُ؛ لأنَّه جَرَى بالغبطة في وقته إلَّا أن يكون في زَمَن خياره فيتعيَّن عليه الفسخ . ثمّ إن شُرِط له شيءٌ عِوَضاً عن عمله لَزِم وليس له غيرُه، وإلّا فله أُجرةُ المثل عن عمله مع قصد الأجرة به.

(وشرطُ الموقوف عليه وجودُه، وصحّةُ تملُّكِه، وإباحةُ الوقف عليه، فلا يصحّ) الوقف (على المعدوم ابتداءً) بأن يبدأ به ويَجعَلَه من الطبقة الأولى فيُوقِف على من يَتجدَّد من وُلْد شخص ثمّ عليه مثلاً (ويصحّ تَبَعاً) بأن يُوقف عليه وعلى من يَتجدَّد من وُلْده. وإنَّما يصحّ تبعيّةُ المعدوم الممكن وجوده عادةً كالولد. أمَّا ما لا يمكن وجوده كذلك كالميِّت لم يصحّ مطلقاً، فإن ابتدأ به بطل الوقف وإن أَخَّره كان منقطعَ الآخِرِ أو الوسطِ، وإن ضمَّه إلى موجود بطل فيما يَخُصّه خاصّةً على الأقوى.

(ولا على) من لا يصحّ تملُّكُه شرعاً مثل (العبد) وإنْ تَشبَّث بالحرّيّة كأمِّ الولد

ص: 98

(وجبريل (علیه السلام)) وغيرِه من الملائكة والجنّ والبهائم ولا يكون وقفاً على سيدِ العبد ومالكِ الدابَّة عندنا .

وينبغي أن يُستثنَى من ذلك العبدُ المُعَدّ لخدمة الكعبةِ والمشهدِ والمسجدِ ونحوِها من المصالح العامَّة، والدابةُ المُعَدّة لنحو ذلك أيضاً؛ لأنَّه كالوقف على تلك المصلحة.

ولمّا كان اشتراط أهليّة الموقوف عليه للملك يُوهِم عدم صحَّته على ما لا يصحّ تملُّكُه من المصالح العامة كالمسجد والمشهد والقَنطَرة نبَّه على صحّته وبيانِ وجهه بقوله : ( والوقف على المساجد والقناطر في الحقيقة) وقفٌ (على المسلمين) وإنْ جُعِل متعلَّقُه بحسب اللفظ غيرَهم (إذ هو مصروف إلى مصالحهم) وإنَّما أفاد تخصيصُه بذلك تخصيصَه ببعض مصالح المسلمين وذلك لا ينافي الصحَّةَ.

ولا يَرِدُ أنّ ذلك يستلزم جوازَ الوقف على البيع والكَنائِس كما يجوز الوقف على أهل الذمَّة؛ لأنّ الوقف على كنائسِهم وشبهِها وقفٌ على مصالحهم، للفرق فإنّ الوقف على المساجد مصلحةٌ للمسلمين وهي مع ذلك طاعةٌ وقربةٌ، فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها بخلاف الكنائس؛ فإنّ الوقفَ عليها وقفٌ على جهة خاصّة من مصالح أهل الذمَّة لكنّها معصيةٌ؛ لأنَّها إعانةٌ لهم على الاجتماع إليها للعباداتِ المحرَّمة والكفرِ بخلاف الوقف عليهم أنفسِهم؛ لعدم استلزامه المعصيةَ بذاته؛ إذ نفعُهم من حيث الحاجة وأنَّهم عبادُ الله ومن جملة بني آدم المُكرَّمين ومَن يجوز أن يَتولّد منهم المسلمون لا معصية فيه، وما يترتَّب عليه من إعانتهم به على المحرَّم كشربِ الخمر وأكلِ لحم الخنزير والذهابِ إلى تلك الجهات المحرَّمة ليس مقصوداً للواقف، حتى لو فُرِض قصده له حكمنا ببطلانه، ومثله الوقف عليهم لكونهم كفاراً، كما لا يصحّ الوقف على فَسَقَة المسلمين من حيث هم فَسَقة.

(ولا على الزُناة والعُصاة) من حيث هم كذلك؛ لأنَّه إعانة على الإثم والعدوان فيكون معصيةً. أمَّا لو وقف على شخص متَّصِف بذلك لا من حيث كون الوصف مَناطَ الوقف صحّ، سواءٌ أَطلَق أم قصد جهةً محلَّلةً.

ص: 99

(والمسلمون من صلّى إلى القبلة) أي اعْتقَد الصلاةَ إليها وإنْ لم يُصَلِّ، لا مستحِلّاً، وقيل: يُشترط الصلاة بالفعل(1)، وقيل: يختص بالمؤمن(2)، وهما ضعيفان؛ (إلَّا الخوارجَ والغُلاة) فلا يدخلون في مفهوم «المسلمين» وإنْ صلُّوا إليها، للحكم بكفرهم.

ولا وجه لتخصيصه بهما، بل كلُّ من أَنكَر ما عُلِم من الدين ضرورةً كذلك عنده، والنواصب كالخوارج فلابدّ من استثنائِهم أيضاً. وأمَّا المُجَسّمة، فقطع المصنِّف بكفرهم في باب الطهارةِ من الدروس وغيرِها(3)، وفي هذا الباب منها نَسَب خروج المُشَبِّهة منهم إلى القيل(4)، مُشعِراً بتوقُّفه فيه، والأقوى خروجه إلَّا أن يكون الواقف من إحدى الفِرَق فيدخل فيه مطلقاً، نظراً إلى قصده. ويدخل الإناث تبعاً، وكذا من بحُكمِهم كالأطفال والمَجانين، و لدَلالة العرف عليه.

(والشيعةُ من شايَعَ عليّاً (علیه السلام)) أي اتَّبعه (وقدَّمه) على غيره في الإمامة وإن لم يُوافق على إمامة باقي الأئمة بعده، فيدخل فيهم الإمامية والجارودية من الزيدية والإسماعيلية غيرُ المَلاحِدة منهم والواقفيةُ والفَطَحِيَّةُ وغيرُهم.

وربما قيل بأنّ ذلك مخصوص بما إذا كان الواقف من غيرهم، أمَّا لو كان منهم صُرِف إلى أهل نِحْلَته خاصّةً، نظراً إلى شاهد حاله وفحوى قوله(5)، وهو حسن مع وجود القرينة وإلّا فحمل اللفظ على عمومه أجود.

(والإماميّةُ : الاثنا عشريّةُ) أي القائلون بإمامة الاثني عشر، المعتقدون لها. وزاد في الدروس اعتقاد عصمتِهم (علیهم السلام)(6)أيضاً؛ لأنَّه لازم المذهب. ولا يُشترَط هنا اجتنابُ

ص: 100


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 654.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 160 - 161 .
3- الدروس الشرعيَّة، ج 1، ص 44 ؛ البيان، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 162 .
6- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الكبائر اتفاقاً وإن قيل به في المؤمنين(1)، وربما أَوهَم كلامُه في الدروس ورودَ الخلاف هنا أيضاً وليس كذلك، ودليل القائل يُرشِد إلى اختصاص الخلاف بالمؤمنين.

(والهاشميةُ مَن وَلَده هاشمٌ بأبيه) أي اتَّصل إليه بالأب وإن علا، دون الأُم على الأقرب ؛ (وكذا كلّ قبيلة) كالعلويّة والحسينيّة يدخُل فيها من اتَّصل بالمنسوب إليه بالأب دون الأُمّ، ويستوي فيه الذُكور والإِناث.

(وإطلاق الوقف) على متعدّدٍ (يقتضي التسويةَ) بين أفراده وإنْ اختلفوا بالذُكورية والأُنوثيّة؛ لاستواء الإطلاقِ والاستحقاقِ بالنسبة إلى الجميع. (ولو فَضَّل) بعضَهم على بعض (لَزِمَ) بحسب ما عيَّن؛ عملاً بمقتضى الشرط.

(وهنا مسائلُ):

[المسألة] (الأُولى:

نفقةُ العبدِ الموقوف والحيوانِ) الموقوف على الموقوف عليهم إن كانوا معيَّنين؛ لانتقال المِلك إليهم وهي تابعةٌ له، ولو كان على غير معيَّنين ففي كسْبه مقدَّمةً على الموقوف عليه، فإن قَصَر الكسبُ ففي بيت المال إن كان، وإلّا وجب كفايةً على المكلَّفين كغيره من المحتاجين إليها.

ولو مات العبدُ فمؤونة تجهيزه كنفقته. ولو كان الموقوفُ عَقاراً فنَفَقَتُه حيث شَرَط الواقف، فإن انتفى الشرطُ ففي غَلَّته، فإن قصَرت لم يجب الإكمال، ولو عدمَت لم تجب عِمارتُه بخلاف الحيوان؛ لوجوب صيانة روحه.

(ولو عَمِيَ العبدُ أو جُذِمَ) أو أُقْعِدَ (انعتَق) كما لو لم يكن موقوفاً، (وبطل الوقف) بالعتق (وسقَطت النفقةُ) من حيث المِلك (2)"؛ لأنَّها كانت تابعةً له، فإذا زال زالت.

ص: 101


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 654 ؛ والشيخ في النهاية، ص 597.
2- قيّده بالحيثية للتنبيه على أنّ نفقة هذا العبد مع عجزه -كما هو الغالب بالنسبة إلى مرضه - يجب على المسلمين كفاية مع عدم بيت المال كثيرة من المضطرّين والموقوف عليهم من الجملة ما يجب عليهم من هذه الحيثية وإن سقطت من حيث الملك. (منه رحمه الله)

[المسألة] (الثانية:

لو وَقَف في سبيل الله انصرَف إلى كلّ قُربة)؛ لأنَّ المراد من السبيلِ الطريق إلى الله، أي إلى ثوابِه ورضوانِه فيدخُل فيه كلُّ ما يُوجِب الثوابَ من نفع المَحاويج وعمارةِ المساجد وإصلاحِ الطرقات وتكفين الموتى. وقيل: يختصّ الجِهاد(1)، وقيل: بإضافة الحج والعمرة إليه (2)، والأوّل أشهر.

(وكذا ) لو وقف في (سبيل الخير وسبيل الثواب)؛ لاشتراك الثلاثة في هذا المعنى. وقيل: سبيلُ الثوابِ الفقراءُ والمساكين (3)ويَبدَأ بأقاربه؛ وسبيلُ الخير الفقراءُ والمساكينُ وابنُ السبيل، والغارمون الذين استدانوا لمصلحتهم، والمكاتَبون. والأوَّل أقوى إلَّا أن يقصد الواقفُ غيرَه.

[المسألة] (الثالثة:

إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات(4)) : لاستعمال الأولاد فيما يشمُ-َل أولادَهم استعمالاً شائعاً لغةً وشرعاً؛ كقوله تعالى: « «يَا بَنِي آدَمَ» (5) « «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ » (6) « «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ »(7) والإجماع على تحريم حَليلة ولد الولد ذَكَراً وأُنثًى من قوله تعالى: « وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ »(8)، وقوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «لا تُزْرِموا ابني» (9)يعني الحسن ، أي لا تَقطَعوا عليه بولَه لمّا بال في حِجْره، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وهذا الاستعمال كما دلّ على دخول أولاد الأولاد في الأولاد دلَّ على دخول أولاد الإِناث أيضاً. وهذا

ص: 102


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 371 .
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 545 المسألة 12.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 115.
4- إنّما يتأتى هذا على تقدير دخول أولاد أولاده في الوقف على أولاده، أو أنَّه لمّا وقف على أولاده كان هناك قرينة دلّت على دخول أولاد الأولاد.( زين رحمه الله)
5- الأعراف (7): 26 - 31 - 35 .
6- البقرة (2): 40 - 47 - 122 .
7- النساء (4): 11 .
8- النساء (4): 23 .
9- معاني الأخبار، ص 211، ج 1: المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 176 ، ح 4882.

أحد القولين(1) في المسألة، وقيل: لا يدخُل أولاد الأولاد مطلقاً في اسم الأولاد؛ لعدم فهمه عند الإطلاق، ولصحَّة السلب فيقال في ولد الولد: «ليس ولدي بل وَلَد ولدي »(2).

وأجاب المصنِّف في الشرح عن الأدلَّة الدالَّة على الدخول بأنه ثَمَّ من دليل خارج، وبأنّ اسم الولد لو كان شاملاً للجميع لَزِم الاشتراك، وإن عُورِض بلزوم المجاز فهو أولى (3)؛ وهذا أظهر.

نعم لو دلّت قرينة على دخولهم كقوله: «الأعلى فالأعلى» اتَّجه دخولُ من دلَّت عليه ومن خالف في دخولهم كالفاضلين فَرَضوا المسألةَ فيما لو وقف على أولاد أولاده(4)، فإنّه حينئذٍ يدخُل أولاد البنين والبنات بغير إشكال. وعلى تقدير دخولهم بوجه فاشتراكهم (بالسويّة)؛ لأنّ ذلك مقتضى الإطلاق، والأصلُ عدم التفاضل (إلّا أن يُفضّل) بالتصريح، أو بقوله «على كتاب الله» ونحوِه(5).

ولو قال «على من انتَسَب إليّ» لم يدخُل أولاد البنات على أشهر القولين(6)؛ عملاً بدَلالة اللغة والعرف والاستعمال.

[المسألة] (الرابعة:

إذا وقف مسجداً لم يَنفَكّ وقفه بخراب القرية (7))؛ للزومِ

ص: 103


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 653 ؛والقاضي ابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 89.
2- حكاه عن الإسكافي العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 267، المسألة 39؛ وقال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 117.
3- غاية المراد، ج 2، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
4- في الدروس لم يذكر هذه المسألة والظاهر أنَّه استضعاف للحكم، وفي شرح الإرشاد [غاية المراد، ج 2، ص 277 - 278] مال إلى عدم دخولهم (منه رحمه الله)
5- انظر مختلف الشيعة، ج 6، ص 267 ،المسألة 39؛ شرائع الإسلام، ج 2، ص 173 .
6- ذهب إليه المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 173؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 397 .
7- وقال بعض العامَّة : يعود طلقاً بخراب القرية ؛ قياساً على عود الكفن إلى الوارث إذا أخذ السيل الميّت. وجوابه - بعد بطلان القياس - رجاء عمارة القرية، أو مرور بعض المسلمين على المسجد، بخلاف الميت. (زين رحمه الله )

الوقف، وعدم صلاحيّة الخراب؛ لزواله بجواز عودها أو انتفاع المارَّة به، وكذا لو خَرِب المسجدُ(1).

خلافاً لبعض العامَّة؛ قياساً على عود الكفن إلى الورثة عند اليأس من الميِّت بجامع استغناء المسجد عن المصلِّين كاستغناء الميِّت عن الكفن(2).

والفرق واضح؛ لأنّ الكفنَ مِلكٌ للوارث وإنْ وجب بذله في التكفين، بخلاف المسجد؛ لخروجه بالوقف على وجه فكّ المِلك كالتحرير، ولإمكان الحاجة إليه بعمارة القرية وصلاةِ المارّ، بخلاف الكفن.

(وإذا وَقَف على الفقراء أو العلويّة انصرف إلى مَن في بلد الواقف منهم ومن حَضَره (3)) بمعنى جواز الاقتصار عليهم من غير أن يَتَتَبَّع غيرهم ممّن يشمله الوصفُ، فلو تَتَبَّع جاز. وكذا لا يجب انتظارُ من غاب منهم عند القسمة.

وهل يجب استيعاب من حَضَر ؟ ظاهر العبارة ذلك؛ بناءً على أنّ الموقوف عليه يَستحِقّ على جهة الاشتراك لا على وجه بيان المصرف، بخلاف الزكاة، وفي الرواية دليل عليه(4). ويُحتمل جواز الاقتصار على بعضهم ؛ نظراً إلى كون الجهةِ المعيَّنةِ مصرفاً. و على القولين (5)لا يجوز الاقتصار على أقلَّ من ثلاثةٍ مراعاةً لصيغة الجمع. نعم. لا تجب التسوية بينهم، خصوصاً مع اختلافهم في المزيّة، بخلاف الوقف على المنحصرين فيجب التسوية بينهم والاستيعاب.

ص: 104


1- نعم، لو كان في الأرض المفتوحة عنوة اتّجه خروجه عن الوقف بالخراب لأنَّ صحَّة الوقف تابعة لأثر المتصرّف. (منه رحمه الله )
2- حكاه عن محمَّد بن الحسن الشيباني ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 251 ؛ والنووي في المجموع شرح المهذّب، ج 15، ص 362.
3- ولا يجب تتبّع من غاب. ولو تتبّع جاز ولم يضمن بخلاف الزكاة. (زين رحمه الله )
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 133، ح 563.
5- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 175؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 454: أمَّا الاكتفاء ببعض من حضر في البلد احتمله المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 100.

واعلم أنّ الموجود في نسخ الكتاب «بلد الواقف»، والذي دلّت عليه الرواية (1)وذكره الأصحاب ومنهم المصنِّف في الدروس اعتبارُ بلد الوقف(2) لا الواقف، وهو أجود.

[المسألة] (الخامسة:

إذا آجَرَ البطنُ الأوّلُ الوقفَ ثمّ انقرضوا تَبَيَّنّا بطلان الإجارة في المدّة الباقية)؛ لانتقال الحقّ إلى غيرهم، وحقهم وإن كان ثابتاً عند الإجارة إلَّا أنَّه مقيّد بحياتهم لا مطلقاً، فكانت الصحَّة في جميع المدّة مراعاةً باستحقاقهم لها، حتّى لو آجَروها مدةً يُقطع فيها بعدم بقائهم إليها عادةً، فالزائد باطل من الابتداء، ولا يُباح لهم أخذ قِسطِه من الأُجرة، وإنّما أُبِيح في الممكن استصحاباً للاستحقاق بحسب الإمكان؛ ولأصالة البقاء.

وحيث تبطُل في بعض المدّة (فيَرجِع المستأجرُ على وَرَثة الآجِرِ) بقسط المدَّة الباقية (إن كان قد قَبَض الأُجرة وخَلَّفَ تَرِكةً)، فلو لم يُخَلِّف مالاً لم يجب على الوارث الوفاءُ من ماله كغيرها من الديون. هذا إذا كان قد آجَرَها لمصلحته، أو لم يكن ناظراً، فلو كان ناظراً وآجَرَها لمصلحة البطون لم تبطُل الإجارة، وكذا لو كان المُجر هو الناظر في الوقف مع كونه غير مستحِقّ.

ص: 105


1- تقدّم في ص 104. الهامش 4.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 220 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10) .

ص: 106

كتاب العطيّة

اشارة

ص: 107

ص: 108

إشارة

(كتاب العطيّة )

(وهي) أي العطيّة باعتبار الجنس ( أربعة:)

(الأوّل: الصدقة)

(وهي عقدٌ يَفتقِر إلى إيجاب وقبول). إطلاق العقد على نفس العطيّة لا يخلو من تساهل، بل في إطلاقه على جميع المفهومات المشهورة من البيع والإجارة وغيرهما وإنّما هو دالّ عليها. ويُعتبَر في إيجاب الصدقة وقبولها ما يُعتبر في غيرها من العقود اللازمة.

(وقبض بإذن المُوجِب) بل بإذن المالك، فإنَّه لو وَكَّل في الإيجاب لم يكن للوكيل الإقباضُ.

(ومن شرطِها القربةُ) فلا تصحّ بدونها وإن حصل الإيجاب والقبول والقبض؛ للروايات الصحيحة الدالّة عليه (1)فلا يجوز الرجوع فيها بعد القبض ؛ لتمام الملك وحصولِ العِوَض وهو القُربة، كما لا يصحُّ الرجوع في الهبة مع التعويض. وفي تفريعه بالفاء إشارة إلى أنّ القربة عِوَض بل العِوَض الأخروي أقوى من العوض الدنيوي.

(ومفروضُها محرَّم على بني هاشم من غيرهم إلَّا مع قصور خُمسهم)؛ لأنّ الله

ص: 109


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 151 ، ح 619 - 620 .

تعالى جعل لهم الخمسَ عِوضاً عنها، وحرَّمها عليهم معللاً ب-«أنّها أوساخُ الناس»(1). والأقوى اختصاص التحريم بالزكاة المفروضةِ دون المنذورةِ، والكفارةِ وغيرِهما، والتعليل بالأوساخ يُرشِد إليه.

(وتجوز الصدقة على الذمّي) رَحِماً كان أم غيرَه، وعلى المخالف للحقّ؛ (لا الحربي) والناصبِ. وقيل بالمنع من غير المؤمن وإن كانت ندباً (2)، وهو بعيد.

(وصدقة السرّ أفضل (3)) إذا كانت مندوبةً؛ للنصّ عليه في الكتاب (4)والسنة (5)(إلا أن يُتَّهَم بالترك) فالإظهار أفضلُ؛ دفعاً لجعل عرضه عُرضَةً للتُّهَم، فإنّ ذلك أمر مطلوب شرعاً حتّى للمعصوم كما ورد في الأخبار (6) . وكذا الأفضل إظهارُها لو قَصَد به متابعةَ الناس له فيها لما فيه من التحريض(7) على نفع الفقراء.

(الثاني: الهبة).

(وتسمّى نِحْلَةً (8)، وعَطيّةً. وتفتقر إلى الإيجابِ) وهو كلّ لفظ دلّ على تمليك العين من غير عِوَض ك-«وهبتُكَ» و «ملَّكتك» و «أعطيتُك» و «نَحَلتُك» و «أَهديتُ إليك» و «هذا لك» مع نيّتها ونحوِ ذلك. (والقبولِ) وهو اللفظ الدالّ على الرضى (والقبضِ بإذن الواهب) إن لم يكن مقبوضاً بيده من قَبْل (ولو وَهَبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديدٍ ولا إذنٍ) فيه (ولا مُضيّ زمانٍ(9)) يمكن فيه قبضه لحصول القبض المشترطِ

ص: 110


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 58. ح 155.
2- حكاه عن ابن عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 86، المسألة 58.
3- المندوبة، أمَّا الواجبة فإظهارها أفضل مطلقاً. (زين رحمه الله)
4- البقرة (2): 271 .
5- الكافي، ج 4 ص 7، باب فضل صدقة السر، ح 1 و 2 و 3.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 104 ، ح 297.
7- في «س ، ن»: «التحريص» بالصاد المهملة.
8- الفرق بين النحلة والهبة أنّ النحلة تشمل المنافع والأعيان والهبة تختص بالأعيان .(زين رحمه الله)
9- وكذا كلّ منقول بعقد معاوضة. (زين رحمه الله)

فأَغْنَى عن قبض آخَرَ وعن مضيّ زمان يَسَعُه؛ إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضاً، وإنّما كان معتبراً مع عدم القبض لضرورة امتناع حصوله بدونه.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كونه بيده بإيداع أو عاريةٍ أو غصبٍ أو غيرِ ذلك والوجه واحد. وقيل بالفرق بين القبض بإذنٍ وغيرِه(1)، وهو حسن؛ إذ لا يدَ للغاصب شرعاً.

(وكذا إذا وهب الوليُ الصبيّ) أو الصبيّةَ (ما في يد الولي كَفَى الإيجاب والقبولُ) من غير تجديدِ القبض؛ لحصوله بيده وهي بمنزلة يده، ولا مضي زمان. وقيل : يُعتبر قصدُ القبض عن الطفل ؛ لأنّ المال المقبوض بيد الوليّ له، فلا ينصرف إلى الطفل إلَّا بصارف وهو القصد(2)، وكلام الأصحاب مطلق.

( ولا يُشترَط في الإبراء) وهو إسقاط ما في ذمّة الغير من الحق (القبولُ) : لأنَّه إسقاط حقٍّ لا نقلُ مِلك. وقيل: يُشترط لاشتماله على المنّة(3)، ولا يُجبر على قبولها كهبة العين، والفرق واضح.

(و) كذا (لا) يُشترَط (في الهبة القُربةُ)؛ للأصل، لكن لا يُثاب عليها بدونها، ومعها تصير عوضاً كالصدقة.

(ويُكرَه تفضيل بعض الوُلْد على بعضٍ) وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة؛ لما فيه من كسْرِ قلب المُفَضَّل عليه وتعريضهم للعَداوة.

ورُوي أنَّ النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) قال لمن أَعطَى بعض أولاده شيئاً: «أكُلَّ وُلدِك أَعطيتَ مثلَه؟» قال: لا. قال: «فاتَّقوا الله واعْدِلوا بين أولادكم». فرجع في تلك العطيّة(4). وفي رواية أُخرى: «لا تُشهِدْني على جور»(5). وحيث يُفعَل يُستحبّ الفسخ مع إمكانه؛

ص: 111


1- قال به يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 366.
2- قال به یحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 365 ؛والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 152.
3- قال به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 301؛ وابن إدريس في السرائر ، ج 3، ص 176 .
4- صحیح مسلم، ج 3، ص 1242، ج 1623/ 13 ؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 6، ص 292، ح 11994.
5- صحیح مسلم، ج 3، ص 1243، ح 1623/ 16 ؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 292 - 293، ح 11995.

للخبر(1). وذهب بعض الأصحاب إلى التحريم(2)، وفي المختلف خصَّ الكَراهة بالمرض أو الإعسار(3)؛ لدَلالة بعض الأخبار عليه(4)، والأقوى الكراهة مطلقاً. واستُثنِىَ من ذلك ما لو اشتَمَل المُفَضَّلُ على معنىً يقتضيه كحاجةٍ زائدة وزَمانةٍ واشتغالٍ بعلم، أو نقصِ المُفَضَّل عليه بسَفَهٍ أو فسقٍ أو بِدعَةٍ ونحوِ ذلك.

(ويصحّ الرجوع في الهبة (5) بعد الإقباض ما لم يتصرَّف) الموهوب تصرُّفاً مُتلِفاً للعين أو ناقلاً للملك أو مانعاً من الردّ كالاستيلاد أو مُغيّراً للعين كقِصارة الثوب ونِجارة الخشب وطَحْنِ الحِنطة على الأقوى في الأخير. وقيل: مطلق التصرّف(6)، وهو ظاهر العبارة.

وفي تنزيل موت المتَّهِب منزلة التصرّف قولان(7): من عدم وقوعه منه فتتناوله الأدلَّة المجوّزةُ للرجوع، ومن انتقال الملك عنه بالموت بفعله تعالى وهو أقوى من نقله بفعله، وهو أقوى وخِيَرةُ المصنِّف في الدروس(8) والشرح (9).

(أو يُعوَّض ) عنها بما يتّفقان عليه أو بمثلها أو قيمتها مع الإطلاق (أو يكن رَحِماً) قريباً وإنْ لم يحرم نكاحُه أو يكن زوجاً أو زوجةً على الأقوى؛ لصحيحة زرارة(10).

(ولو عابت لم يَرجِع بالأرش على الموهوب) وإنْ كان بفعله ؛ لأنَّها غيرَ مضمونة

ص: 112


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 292 - 293، ح 11995.
2- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 240، المسألة 10.
3- مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 240، المسألة 10.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 156، ح 642 و 644.
5- لا يجوز الرجوع في الهبة للرحم، سواء كان محرماً كالخالة والعمّة، أو غير محرم كبنت العمة وبنت الخالة. تحرير الأحكام الشرعيَّة [ج 3، ص 283 ، الرقم 4630]. (زين رحمه الله)
6- قال به الشيخ في النهاية، ص 603 ؛والقاضي ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 95.
7- الأول ليحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 366؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 408.
8- الدروس الشرعيَّة ، ج 2، ص 232 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
9- غاية المراد، ج 2، ص 259 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).
10- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 152 ، ح 624 .

عليه وقد سلَّطه على إتلافها مجاناً فأبعاضُها أولى (ولو زادت زيادةً متَّصلةً) كالسِمَن وإنْ كان بعَلَف المتَّهِب (فللواهب) إن جوَّزنا الرجوع حينئذٍ (والمنفصلةُ) كالولد واللبن (للموهوب له) لأنَّه نَماءٌ حَدَث في مِلكه فيختصّ به، سواء كان الرجوع قبل انفصالها بالولادة والحَلْب أم بعده ؛ لأنَّه منفصل حكماً. هذا إذا تجدَّدت الزيادةُ بعد مِلك المتَّهِب ،بالقبض، فلو كان قبله فهي للواهب.

(ولو وَهَب أو وَقَف أو تصدَّق في مرض موته فهي من الثلث) على أجود القولين (1) (إلّا أن يُجيز الوارثُ) ومثله ما لو فَعَل ذلك في حال الصحَّة وتَأخَّر القبضُ

إلى المرض. ولو شَرَط في الهبة عِوَضاً يُساوِي الموهوب نَفَذَت من الأصل؛ لأنَّها معاوَضةٌ بالمثل كالبيع بثمن المثل .

(الثالث: السُكْنَى) وتوابعُها

وكان الأَولى عَقْدُ الباب للعُمْرَى لأنَّها أعمّ موضوعاً، كما فَعَل في الدروس(2).

(ولا بدَّ فيها من إيجاب وقبولٍ) كغيرها من العقود (وقبضٍ) على تقدير لزومها، أمَّا لو كانت جائزةً كالمُطْلَقة كان الإقباض شرطاً في جواز التسلّط على الانتفاع ولمّا كانت الفائدة بدونه منتفيةً أَطلَق اشتراطَه فيها.

ويُفهَم من إطلاقه عدمُ اشتراط التقرُّب، وبه صرَّح في الدروس(3)، وقيل: يُشترَط(4) ، والأوّل أقوى. نعم، حصول الثواب متوقِّفٌ على نيّته.

(فإن أُقِّتَتْ بأَمَدٍ) مضبوط (أو عمرِ أحدهما) المُسْكِن أو الساكن (لَزِمت) تلك

ص: 113


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 144 ؛ والصدوق في المقنع، ص 481 - 482 : القول الثاني للمفيد في المقنعة، ص 671 ؛ والشيخ في النهاية، ص 620.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 226 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 227 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 380؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 402 .

المدَّةَ ومادام العمر باقياً، (وإلّا) تُوَقَّتْ بأمَدٍ ولا عمرِ أحدهما (جاز الرجوع فيها (1)) متى شاء. (وإن مات أحدُهما) مع الإطلاق (بطلت) وإنْ لم يَرجِع، كما هو شأن العقود الجائزة، بخلاف الأوَّلَين.

( ويُعبَّر عنها) أي عن السكنى (بالعُمْرَى) إن قُرِنَتْ بعمر أحدهما، (والرُقْبَى) إن قُرِنَت بالمدّة، ويفترقان عنها بوقوعهما على ما لا يصلُح للسكنى، فيكونان أعمّ منها من هذا الوجه وإنْ كانت أعمَّ منهما من حيث جواز إطلاقها في المسكون، مع اقترانها بالعمر والمدَّة والإطلاق بخلافهما.

(وكلُّ ما صحَّ وقفُه) من أعيان الأموال (صحَّ إعماره) وإِرقابُه وإنْ لم يكن مَسكَناً، وبهذا ظهر عموم موضوعهما.

(وإطلاقُ السكنی) الشاملُ للثلاثة حيث يتعلَّق بالمَسكَن (يقتضى سكناه بنفسه ومَن جَرَتْ عادتُه) أي عادة الساكن (به) أي بإسكانه معه كالزوجة والولد والخادم والضيف والدابّة إن كان في المسكن مَوضعٌ مُعَدُّ لمثلها، وكذا وضْعُ ما جرت العادةُ بوضعه فيها من الأَمتِعة والغَلّة بحسب حالها.

(وليس له أن يُؤجِرها) ولا يُعِيرَها (ولا أن يُسِكن غيرَه) وغيرَ من جرت عادتُه به (إلّا بإذن المُسكِن). وقيل: يجوزان مطلقاً (2) ، والأوّل أشهر. وحيث تجوز الإجارةُ فالأجرة للساكن.

(الرابع: التحبيس)

(وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد والقبض والتقييد بمدَّة) والإطلاق، ومحلُّه كالوقف .

(وإذا حبَّس عبده أو فرسَه) أو غيرَهما ممّا يصلُح لذلك (في سبيل الله أو على

ص: 114


1- بشرط أن يسكن ولو قليلاً. (زين رحمه الله)
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 169 .

زيد لَزِم ذلك ما دامت العين باقيةً، وكذا لو حبَّس عبدَه أو أمَتَه في خدمة الكعبة أو مسجد أو مشهد).

وإطلاق العبارة يقتضي عدمَ الفرق بين إطلاق العقد وتقييدِه بالدوام، ولكن مع الإطلاق في حبسه على زيد سيأتي ما يخالفه، وفي الدروس أنّ الحبس على هذه القُرَب غير زيد يخرُج عن الملك بالعقد(1). ولم يذكر هو ولا غيرُه حُكمَ ذلك لو قَرَنه بمدَّة، ولا حُكمَ غيرِ المذكورات، وبالجملة فكلامهم في هذا الباب غيرُ منقَّح.

(ولو حبَّس على رجل ولم يُعيِّن وقتاً ومات الحابس كان ميراثاً): بمعنى أنَّه غير لازم كالسكنى فتبطل بالموت ويجوز الرجوع فيه متى شاء، ولو قَرَن فيه بمدَّة لَزِم فيها، ورَجَع إلى مِلكه بعدها.

واعلم أنّ جملةَ أقسام المسألة كالسكنى؛ إمَّا أن يكون على قُربة كالمسجد أو على آدمى، ثمّ إمّا أن يُطلِقَ أو يَقرُنَه بمدّة أو يُصرِّح بالدوام. والمُحَبَّس إمَّا أن يكون عبداً أو فرساً أو غيرَهما من الأموال التي يُمكِن الانتفاع بها في ذلك الوجه. ففي الآدمي يمكن فرض سائر الأموال ليَستَوفِيَ منافعَها، وفي سبيل الله يمكن فرض العبد والفرس والبعير والبغل والحمار وغيرها، وفي خدمة المسجد ونحوه يمكن فرض العبد والأمة والدابّة إذا أحْتيجَ إليها في نقل الماء ونحوه، وغيره من الأملاك ليُستوفَى منفعتُها بالإجارة ويُصرَف على مصالحه. وكلامهم في تحقيق أحكام هذه الصور قاصرٌ جداً فينبغي تأمّلُه.

ص: 115


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 227 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

ص: 116

كتاب المتاجر

اشارة

ص: 117

ص: 118

إشارة

(كتاب المتاجر)

جمعُ مَتْجَرٍ وهو مَفعَل من التجارة؛ إمّا مصدرٌ ميميٌّ بمعناها كالمقتل وهو هنا نفس التكسّب، أو اسمُ مكانٍ لمحلّ التجارة وهي الأعيانُ المُكتَسَبُ بها. والأوّل أليقُ بمقصود العلم؛ فإنّ الفقية يبحث عن فعل المكلّف، والأعيانُ متعلَّقاتُ فعلِه.

وقد أشار المصنِّف إلى الأمرين معاً، فإلى الثاني بتقسيمه الأوّل وإلى الأول بقوله أخيراً: «ثمّ التجارة تنقسم بأقسام الأحكام الخمسة»(1). والمراد بها هنا التكسّب بما هو أعمّ من البيع، فعَقْدُ الباب بعد ذكرِ الأقسام للبيع خاصّةً غيرُ جيد، وكان إفرادها بكتاب ثُمَّ ذِكْرُ البيع في كتاب كغيره ممَّا يحصل به الاكتساب كما صنع في الدروس (2)- أولى.

(وفيه فصول: )

[الفصل] (الأوّل:)

يَنقسم موضوع التجارة وهو ما يُكتسَب به، ويُبحَث فيها عن عوارضه اللاحقة له من حيث الحكم الشرعي (إلى محرَّمٍ ومكروهٍ ومُباحٍ).

ص: 119


1- يأتي في ص 127.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 145 و 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ووجه الحصر في الثلاثة أنَّ المكتَسَب به إمَّا أن يتعلَّق به نهيٌ أوْ لا، والثاني المباحُ. والأوّل إمَّا أن يكون النهي عنه مانعاً من النقيض أو لا، والأوّل الحرام والثانى المكروه. ولم يذكر الحكمين الآخرين وهما الوجوب والاستحباب ؛ لأنَّهما من عوارض التجارة كما سيأتي في أقسامها.

(فالمحرَّمُ الأعيانُ النجسةُ: كالخَمْر) المتَّخَذِ من العنب (والنبيذِ) المتَّخَذِ من التمر، وغيرهما من الأنبذة، كالبِتْع والمِزْر والجِعَة والفَضيخ والنَقيع، وضابطها المسكر وإن لم يكن مائعاً كالحشيشة إن لم يُفرَض لها نفعٌ آخَرُ وقُصِد ببيعها المنفعةُ المحلَّلَةُ. (والفقاعِ) وإنْ لم يكن مسكراً؛ لأنَّه «خمر استصغره الناس»(1).

(والمائعِ النجسِ غير القابل للطهارة) إمَّا لكون نَجاسته ذاتيّةً كأَلياتِ المَيْتَة والمُبانةِ من الحيّ، أو عَرَضيّةً كما لو وقع فيه نَجاسة، وقلنا بعدم قبوله للطهارة - كما هو أصحّ القولين - في غير الماء النجس(2)؛ (إلَّا الدُّهْنَ) بجميع أصنافه (للضَوء تحتَ السماء) لا تحت الظلال في المشهور والنصوصُ مطلقةٌ(3)، فجوازه مطلقاً متّجِه، والاختصاص بالمشهور تعبّدٌ لا لنجاسة دخانه؛ فإنّ دُخانَ النجس عندنا طاهر لاستحالته.

وقد يُعلَّل بتصاعد شيء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يَلقَى الظَّلالَ فتتأثّر بنجاسته(4) ؛ وفيه عدم صَلاحيّته - مع تسليمه - للمنع؛ لأنّ تنجيسَ مالك العين لها غيرُ محرَّم.

والمراد الدهن النجس بالعَرَض كالزَيت تموت فيه الفأرة ونحوُه، لا بالذات كأَليّة

ص: 120


1- الكافي، ج 6، ص 423، باب الفقّاع ، ح 9.
2- ذهب إلى عدم التطهير الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 680 - 681 ؛ ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 127 ؛الشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 29 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (11) ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 183 ؛ وأمَّا قبوله التطهير ذهب إليه العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 88، ذيل المسألة 25.
3- الكافي، ج 6، ص 261 ، باب الفأرة تموت .... ح 1.
4- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 349، المسألة 47.

الميتة فإنّ استعماله محرَّم مطلقاً للنهي عن استعماله كذلك (1).

(والمَيتةِ) وأجزائها التى تَحُلُّها الحياةُ دون ما لا تحلّه، مع طهارة أصله بحسب ذاته. (والدمِ) وإنْ فُرِضَ له نفع حُكمي كالصَبْغ (وأرواثِ وأبوالِ غيرِ المأكول) وإنْ فُرِض لهما نفع، أمَّا هما مما يؤكل لحمه، فيجوز مطلقاً لطهارتهما ونفعهما، وقيل بالمنع مطلقاً إلَّا بول الابل للاستشفاء به(2).

(والخنزير والكلب) البَرّيان مطلقاً (الّا كلبَ الصيد والماشيةِ والزرعِ والحائطِ ) كالبستان، والجَرو القابل للتعليم. ولو خرجت الماشية عن ملكه أو حُصِد الزرعُ أو استُغِلّ الحائطُ لم يحرُم اقتناؤُها رجاءً لغيرها، ما لم يطل الزمانُ بحيث يلحق بالهِراش.

(وآلات اللهو) من الدفّ والمزمار والقَصَب وغيرها. (والصنمُ) المتَّخَذُ لعبادة الكفّار. (والصليب) الذي يَبْتَدِعُه النصارى وآلاتُ القِمار كالنرد بفتح النون (والشِطْرَنج) بكسر ِالشين فسكونِ الطاء ففتحِ الراء.

(والبُقَّيْرَى) بضم الباء الموحدة وتشديد القاف مفتوحةً وسكون الياء المثنّاة من تحت وفتح الراء المهملة، قال الجوهري: هي لُعبة للصبيان وهي كومة من ترابٍ حولها خطوطٌ(3) ، وعن المصنف: «أنها الأربعةَ عشَر»(4).

(وبَيعُ السِلاح) بكسر السين من السَيف والرمح والقَوس والسَهام ونحوِها (لأعداء الدين) مسلمين كانوا أم كفّاراً - ومنهم قطَّاع الطريق - في حال الحرب أو التهَيُّؤِ له لا مطلقاً. ولو أرادوا الاستعانة به على قتال الكفّار لم يحرم. ولا يلحق بالسلاح ما يُعَدُّ جُنَّةً للقتال كالدِرْع والبَيضة وإِنْ كُرِهَ.

(وإجارة المساكن والحَمولة) بفتح الحاء، وهي الحيوان الذي يصلح للحمل

ص: 121


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 78، ح 330 .
2- قال به المفيد في المقنعة، ص 587 ؛ والشيخ في النهاية، ص 364 .
3- الصحاح، ج 2، ص 595، «بقر».
4- لم نعثر عليه.

كالإبلِ والبغالِ والحَمير، والسُّفُنُ داخلةٌ فيه تَبَعاً (للمُحَرَّم) كالخمر وركوبِ الظَّلَمة وإسكانهم لأجله ونحوِه.

( وبيعُ العنبِ والتمرِ ) وغيرهما ممّا يُعمَل منه المُسكِرُ (ليَعمَل مُسكِراً) سواءٌ شَرَطَه في العقد أم حَصَل الاتِّفاق عليه؛ أو الخشبِ ليَصنَع صنماً أو غيره من الآلات المحرَّمة. ويُكرَه بيعُه لمن يعمله من غير أن يبيعه لذلك، إن لم يعلم أنَّه يعمله وإلا فالأجود التحريمُ، وغَلَبَةُ الظَّنّ كالعلم. وقيل: يحرُم ممّن يعمله مطلقاً (1).

(و يَحرُم عمل الصور المجسَّمة) ذواتِ الأرواح. واحترز بالمجسَّمة عن الصورِ المنقوشة على نحو الوِسادة والوَرَق. والأقوى تحريمُه مطلقاً، ويمكن أن يريد ذلك بحمل الصفة على الممَثَّل لا المثال.

(والغِناءُ) بالمدّ، وهو مدّ الصوتِ المشتمل على الترجيع المُطرِب، أو ما يُسَمّى في العرف غِناءً وإنْ لم يُطرِب، سواءٌ كان في شعر أم قرآن أم غيرِهما. واستَثنَى منه المصنِّف (2) وغيرُه الحُداءَ للإبل(3)، وآخَرون (4)- ومنهم المصنف في الدروس - فِعلَه للمرأة في الأعراس إذا لم تَتَكَلَّمْ بباطل ولم تَعمَل بالمَلاهي - ولو بدَفّ فيه صَنج لا بدونه - ولم يسمع صوتها أجانب الرجال(5)، ولا بأس به.

(ومعونة الظالمين بالظلم)كالكتابة لهم وإحضار المظلوم ونحوه، لا معونتهم بالأعمال المحلَّلَة كالخياطة، وإنْ كُره التكسب بمالِه (والنوحُ بالباطل) بأن تصف الميِّتَ بما ليس فيه، ويجوز بالحق إذا لم يَسمعها الأجانبُ؛ (وهِجاءُ المؤمنين) بكسر الهاء والمدّ، وهو ذكر معايبهم بالشعر. ولا فرق في المؤمن بين الفاسق وغيره، ويجوز هجاء غيرهم كما يجوز لعنه.

ص: 122


1- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 53 ،المسألة 18 .
2- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- كالمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 117.
4- مثل الشيخ في النهاية، ص 367؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 8 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 148 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(والغيبةُ) بكسر المعجمة، وهو القول وما في حكمه في المؤمن بما يَسوؤُه لو سَمِعه مع اتِّصافه به. وفي حكم القولِ الإشارةُ باليد وغيرها من الجوارح، والتَحاكي بقول أو فعل كمِشْيَة الأعرج، والتعريضُ كقوله : «أنا لستُ متَّصفاً بكذا»، أو «الحمد لله الذي لم يجعلني كذا) مُعَرِّضاً بمن يفعله. ولو فعل ذلك بحضوره أو قال فيه ما ليس به فهو أغلظ تحريماً وأعظمُ تأثيماً وإنْ لم يكن غيبةً اصطلاحاً.

واستُثنِيَ منها نُصْحُ المُسْتَشير، وجَرحُ الشاهد، والتظلّمُ وسَماعُه، وردُّ من ادَّعَى نَسَباً ليس له، والقدحُ في مقالةٍ أو دعوى باطلةٍ في الدين، والاستعانة على دفع المُنكِر، وردُّ العاصي إلى الصَلاح، وكون المقول فيه مُستَحِقاً للاستخفاف لتظاهره بالفسق، والشهادةُ على فاعل المحرَّم حِسْبةً.

وقد أفردنا لتحقيقها رسالةً شريفة من أراد الاطّلاع على حقائق أحكامها فَلْيَقِف عليها (1).

(وحفظُ كُتُب الضَلال) عن التلف أو عن ظهر القلب (ونَسْخُها ودَرسُها) قراءةً ومطالعةً ومذاكرةً (لغير النقض ) لها (أو الحُجّةِ) على أهلها بما اشتَمَلت عليه ممَّا يصلح دليلاً لإثباتِ الحقّ أو نقضِ الباطل لمن كان من أهلها، (أو التقيةِ) وبدون ذلك يجب إتلافها إن لم يمكن إفراد مواضع الضلال، وإلّا اقتُصِر عليها.

(وتعلّمُ السحر) وهو كلام أو كتابة يحدث بسببه ضررٌ على من عُمِل له في بدنه أو عقله، ومنه عقدُ الرجل عن حَلِيلته وإلقاءُ البَغضاء بينهما، واستخدام الجنّ والملائكة واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المُصاب، وتلبُّسُهم ببدن صبيّ أو امرأةٍ في كشف أمر على لسانه، ونحوُ ذلك، فتعلّم ذلك كلِّه وتعليمُه حرام والتكسُّب به سُحتٌ ويُقتَل مستحِلُّه.

والحقَّ أنّ له أثراً حقيقياً وهو أمر وجداني لا مجرّدُ التخييل كما زَعَم كثيرٌ(2). ولا

ص: 123


1- كشف الريبة (ضمن الموسوعة، ج 2، رسائل / 1).
2- منهم: العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 9؛ حكاه عن الأكثر المصنف في الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

بأس بتعلُّمه ليُتَوقَّى به أو يُدفَعَ سحرُ المُتَنَبِّئ به، وربما وجب على الكفاية لذلك، كما اختاره المصنِّف في الدروس (1).

(والكِهانةُ) بكسر الكاف، وهي عمل يُوجب طاعة بعض الجانّ له فيما يأمره به، وهو قريب من السحر أو أخصّ منه (والقيافةُ) وهي الاستناد إلى علاماتٍ وأَماراتٍ يَترتَّب عليها إلحاق نسب ونحوُه، وإنّما يحرم إذا رُتِّب عليها محرَّم أو جُزِم بها.

(والشَعبَدَةُ) «وهى الأفعال العجيبة المترتِّبةُ على سرعة اليد بالحركة فيَلتَبِس على الحسّ»، كذا عرَّفها المصنِّف (2)؛ (وتعليمُها ) كغيرها من العلوم والصنائع المحرَّمة.

(والقِمارُ) بالآلات المعَدَّة له حتَّى اللعب بالخاتم والجوز والبيض، ولا يُملَك ما يَترتَّب عليه من الكسب. وإن وقع من غير المكلَّف فيجب ردُّه على مالكه، ولو قَبَضه غيرُ مكلّف فالمخاطَبُ بردّه الوليّ، فإن جُهل مالكُه تَصَدَّق به عنه، ولو انحصر في محصورين وجب التخلُّصُ منهم ولو بالصلح.

(والغِشُّ) بكسر الغين (الخَفِيُّ) كشوب اللبن بالماء ووضع الحرير في البرودة ليكتسب ثقلاً؛ ويُكرَه بما لا يَخفَى كَمَزْج الحِنطة بالتراب والتِيْن، وجيِّدها برديئها.

(و تدليسُ الماشطة) بإظهارها في المرأة محاسنَ ليست فيها من تحمير وجهها ووصلِ شَعرها ونحوه. ومثله فعل المرأة له من غير ماشطة، ولو انتفى التدليس كما لو كانت مُزَوَّجةً فلا تحريمَ.

(وتزيين كلّ من الرجل والمرأة بما يحرُم عليه) كلبس الرجلِ السِوارَ والخَلخالَ والثيابَ المختصّةَ بها عادةً ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والأصقاع ومنه تزيينه بالذهبِ وإنْ قلَّ، والحريرِ إلَّا ما استُثنِيَ وكلُبس المرأة ما يختصّ بالرجل كالمِنطَقة

والعِمَامة.

(والأُجرةُ على تغسيل الموتى وتكفينهم وحملهم إلى المُغْتَسَل وإلى القبر وحفرِ

ص: 124


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 150 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 150 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

قبورهم (ودفنِهم والصلاةِ عليهم) وغيرها من الأفعال الواجبة كفايةً. ولو اشتَمَلت هذه الأفعال على مندوب كتغسيلِهم زيادة على الواجب، وتنظيفِهم و وضوئِهم وتكفينِهم بالقِطَع المندوبة، وحَفْرِ القبر زيادةً على الواجبِ الجامعِ لوصفيْ كَتْم الريح وحِراسة الجنّة إلى أن يبلُغَ القامة، وشقّ اللّحْد ونقله إلى ما يُدفن فيه من مكانٍ زائد على ما يمكن دفنه فيه لم يحرم التكسُّب به.

(والأُجرةُ على الأفعال الخالية من غرض حِكْمِي كالعَبَث) مثلُ الذهاب إلى مكان بعيد، أو في الظلمة، أو رفعِ صَخرة ونحو ذلك مما لا يُعتَدّ بفائدته عند العقلاء؛ (والأجرة على الزنى) واللِواط وما شاكَلَهما.

(و رُشا القاضي) بضمّ أوّله وكسره مقصوراً، جمع رُشوة بهما، وقد تقدّم(1).

(والأجرة على الأذان والإقامة) على أشهر القولين(2)، ولا بأس بالرزق من بيت المال. والفرق بينهما أنّ الأُجرة تفتقر إلى تقدير العمل والعِوَض والمدّة والصيغة الخاصّة، والرزقُ مَنوطٌ بنظر الحاكم ولا فرق في تحريم الأجرة بين كونها من معيَّن ومن أهل البلد والمحلّة وبيت المال. ولا يلحق بها أخذ ما أُعِدَّ للمؤذّنين من أوقاف مصالح المسجد وإن كان مقدَّراً وباعثاً على الأذان؛ نعم، لا يُثاب فاعله إلَّا مع تمحُّض الإخلاص به كغيره من العبادات.

(والقضاءِ) بين الناس لوجوبه، سواءٌ احتاج إليها أم لا، وسواءٌ تَعيَّن عليه القضاءُ أم لا، (ويجوز الرزقُ من بيت المال) وقد تقدّم في القضاء أنَّه من جملة المُرتَزِقة منه.

(والأُجرةُ على تعليم الواجب من التكليف) سواءٌ وجب عيناً كالفاتحة والسورة وأحكام العبادات العينيّة، أم كفايةً كالتفقُّه في الدين وما يتوقَّف عليه من المقدّمات علماً وعملاً، وتعليمِ المكلّفين صيغ العقود والإيقاعات ونحو ذلك.

ص: 125


1- تقدّم في ص 48.
2- ذهب إليه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 49 المسألة 12؛ نقل الكراهة عن المصباح للسيّد المرتضى في مختلف الشيعة، ج 2، ص 148، المسألة 81.

(وأمَّا المكروه، فكالصرف) وعُلّل في الأخبار بأنَّه لا يَسلَم فاعلُه من الربا(1) ؛ (وبَيع الأَكفانِ) لأنَّه يَتَمَنَّى كثرة الموت والوباء(2) (والرقيقِ) ف-«شرّ الناس من باع الناس»(3).

(واحتكارِ الطعام) وهو حبسه بتَوَقُّع زيادة السِعر. والأقوى تحريمه مع استغنائِه عنه وحاجة الناس إليه، وهو اختياره في الدروس(4)، وقد قال: «الجالِبُ مرزوق والمحتكرُ ملعون»(5). وسيأتي (6)الكلام في بقية أحكامه.

(والذِباحةِ) لإفضائها إلى قَسْوَة القلب وسلب الرحمة وإنّما تُكره إذا اتّخذها حرفةً وصنعةً لا مجرّدُ فِعلها، كما لو احتاج إلى صرف دينار أو بيع كفن أو ذبح شاة ونحوِ ذلك. والتعليل بما ذكرناه في الأخبار (7)يرشد إليه.

(والنِساجةِ) والمراد بها ما يَعُمُّ الحياكة والأخبارُ متضافرة بالنهي (8)عنها والمبالَغَةِ في ضِعَتها ونُقصانِ فاعلها، حتّى نُهِيَ عن الصلاة خَلْفَه(9). والظاهر اختصاص النساجة والحياكة بالمغزولِ ونحوه فلا يُكرَه عملُ الخُوصِ ونحوِه، بل رُوِيَ: «أنّه من أعمال الأنبياء والأولياء » (10).

( والحجامةِ) مع شرط الأجرة لا بدونها، كما قيّده المصنِّف في غيرِه (11)، وغيرُه (12)،

ص: 126


1- تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 361 - 362، ح 1037 - 1038
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 361 - 362، ح 159.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 361 - 362، ح 159.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 164 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
5- الكافي، ج 5، ص 165، باب الحكرة ، ح 6.
6- يأتي في ص 161 .
7- تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 362 ، ح 1038 .
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 363 ، ح 1042 .
9- نقله الشهيد في الفوائد المليّة، ص 296 نقلاً عن الفقيه ولم نعثر عليه (ضمن الموسوعة، ج 13).
10- بحار الأنوار، ج 14، ص 15 ، ح 25.
11- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 165 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
12- النهاية، ص 366؛ شرائع الإسلام، ج 2، ص 5.

ودلّ عليه الخبر(1)، وظاهره هنا الإطلاقُ.

(وضِرابِ الفَحْل) بأن يأجُره لذلك مع ضبطه بالمرّةِ والمرّاتِ المعيّنةِ أو بالمدّة، ولا كَراهة فيما يُدفَع إليه على جهة الكَرامة لأجله.

(وكسبِ الصبيان) المجهولِ أصلُه؛ لِما يدخُله من الشبهة الناشئة من اجتراء الصبيّ على ما لا يَحِلّ؛ لجهلِه أو علمِه بارتفاع القلم عنه، ولو عُلِم اكتسابُه من محلَّل فلا كَراهة وإنْ أَطلَق الأكثر (2)، كما أنَّه لو عُلِم تحصيلُه أو بعضِه من محرَّم وجب اجتنابه أو اجتناب ما عُلِم منه أو اشتَبَه به. ومحلّ الكَراهة تكسّبُ الوليّ به أو أخذه منه، أو الصبيّ بعد رفع الحجْر عنه.

(و) كذا يُكرَه كسب (من لا يَجتنب المحرَّمَ) في كسبه.

(والمباحُ ما خَلا عن وجهِ رُجحانٍ) من الطرفين بأن لا يكون راجحاً ولا مرجوحاً لتَتَحَقَّق الإباحة.

(ثمّ التجارة) وهي نفس التكسُّب (تنقسم بانقسام (3)الأحكام الخمسة) فالواجب منها ما توقَّف تحصيلُ مؤونتِه ومؤونةِ عياله الواجبي النفقة عليه، ومطلق التجارة التي يَتِمّ بها نظامُ النوع الإنساني فإنّ ذلك من الواجبات الكفائيّة وإن زاد على المؤونة؛ والمستحبّ ما يَحصُل به المستحبُّ وهو التوسعةُ على العِيال ونفعُ المؤمنين ومطلقِ المحاويجِ غير المضطرّين ؛والمباحُ ما يحصل به الزيادةُ في المال من غير الجهات الراجحة والمرجوحة؛ والمكروه والحرام التكسّبُ بالأعيان المكروهة والمحرَّمة، وقد تقدّمت.

ص: 127


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 354، ح 1008.
2- كالمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 5 ؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 6؛ والشهيد في الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 165 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- كذا في النسخ، تقدّم قول الشارح نقلاً عن المصنف في ص 119: «تنقسم بأقسام الأحكام الخمسة».

(الفصل الثاني في عقدِ البيع وآدابِه)

إشارة

(وهو) أي عقد البيع (الإيجاب والقبولُ الدالّان على نقل الملك بعِوَضٍ معلوم). وهذا - كما هو تعريف للعقد - يصلُح تعريفاً للبيع نفسه؛ لأنَّه عند المصنِّف(1) وجماعة عبارةٌ عن «العقد المذكور »(2) ، استناداً إلى أنّ ذلك هو المتبادر من معناه فيكون حقيقةً فيه. ويمكن أن يكون الضمير عائداً إلى البيع نفسه وأن يكون إضافةُ البيع بيانيةً، ويؤيّده أنه في الدروس عرّف البَيعَ بذلك مزيداً قيدَ التراضي(3).

وجعلُ جنس التعريف «الإيجابَ والقبولَ» أولى من جعله «اللفظَ الدالَّ» كما صنع غيرُه(4)، لأنَّهما جنس قريبٌ واللفظ بعيدٌ، وباقي القيود خاصّةٌ مركّبةٌ يخرُج بها من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة والمضاربة والوكالة، وما تَضَمَّن نقلَ الملك بغير عِوَضٍ كالهبة والوصيّة بالمال. ويشمَ-ُل ما كان ملكاً للعاقدِ وغيرِه فدخل بيع الوكيلِ والوليِ - وخرج ب-«العوض المعلومِ» الهبة المشروطُ فيها مطلقُ الثوابِ - وبيعُ المكرَه حيث يقع صحيحاً إذ لم يَعتبِر التراضيَ وهو وارد على تعريفه في الدروس(5)، وبيع الأخرس بالإشارة وشِراؤُه، فإنّه يصدق به الإيجاب والقبول، ويرد على تعريفِ أخذ «اللفظ» جنساً كالشرائع. وبقي فيه دخولُ عقد الإجارة؛ إذ المِلك يشمَل العين والمنفعةَ، والهبةِ

ص: 128


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- منهم: المحقِّق في المختصر النافع، ص 199؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 24.
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 7.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

المشروطِ فيها عوضٌ معيّن، والصلحِ المشتمِل على نقل الملك بعوض معلوم، فإنه ليس بيعاً عند المصنِّف(1) والمتأخرين(2).

وحيث كان البيعُ عبارةً عن الإيجاب والقبول المذكورين (فلا يَكفي المعاطاةُ (3)) وهي إعطاء كلّ واحد من المتبايعين ما يريده من المال عِوَضاً عمّا يأخذه من الآخر باتِّفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص، سواءٌ في ذلك الجليل والحقير على المشهور بين أصحابنا، بل كاد يكون إجماعاً. (نعم، يباح) بالمعاطاة (التصرّفُ) من كلّ منهما فيما صار إليه من العوض لاستلزامِ دفعِ مالِكه له على هذا الوجهِ الإذنَ في التصرف فيه.

وهل هى إباحة أم عقدٌ متزلزلٌ ؟ ظاهر العبارة الأوّلُ؛ لأنَّ الإباحةَ ظاهرة فيها ولا ينافيه قوله : (ويجوز الرجوع ) فيها (مع بقاء العين) لأنّ ذلك لا ينافي الإباحةَ.

وربما ظهر من بعض الأصحاب الثاني، لتعبيره ب-«جواز فسخها»(4)؛ الدالِّ على وقوع أمر يوجبه وتظهر الفائدة في النَماء، فعلى الثاني هو للقابض متى تحقّق اللزوم بعده، وعلى الأوّل يَحتمِله وعدمَه.

ويُفهَم من «جواز الرجوع مع بقاء العين» عدمه مع ذَهابهاوهو كذلك. ويصدق بتلفِ العينين وإحداهما، وبعضِ كلّ واحدة منهما ونقلها عن ملكه، وبتغيُّرها كطَحْن الحنطة فإنّ عينَ المنتقِلِ غيرُ باقية مع احتمال العدم. أمَّا لُبس الثوب مع عدم تغيُّره فلا أثر له، وفي صبغه وقَصْرِه وتفصيله وخياطته ونحو ذلك من التصرفات المُغَيّرة للصفة مع بقاء الحقيقة نظرٌ.

ص: 129


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 293 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 64: والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 99؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 172 .
3- المعاطاة على أربعة أقسام: عين بعين وعين بذمَّة، وذمَّة بعين، وذمّة بذمَّة، فلأقسام الثلاثة صحيحة، والأخيرة باطلة، ولو تلف البعض في المعاطاة لزم بنسبته، وكذا لو مزجها بحيث لا يتميّز، قال بعض الفقهاء: يشترط في المعاطاة يداً بيد. وقال ابن مكي: لا يشترط. وإذا قبض بعض الثمن وأتلفه أو تلف لزمته. (زين رحمه الله)
4- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة ، ج 2، ص 275، الرقم 3067.

وعلى تقدير الرجوع في العين وقد استعملها من انتَقَلَت إليه يأخذُها بغير أُجرة؛ لإذنه في التصرّف مجاناً، ولو نَمَت وتَلِف النماء فلا رجوع به كالأصل، وإلّا فالوجهان. وهل تصير مع ذهاب العين بيعاً أو معاوضةً خاصّةً؟ وجهان: مِن حصرهم المعاوَضات وليست أحدَها (1)، ومن اتِّفاقهم على أنَّها ليست بيعاً بالألفاظ الدالَّة على التراضي فكيف تصير بيعاً بالتلف.

ومقتضى المعاطاة أنّها مفاعلة من الجانبين، فلو وقعت بقبض أحد العوضين خاصّةً مع ضبط الآخر على وجه يرفع الجهالة ففي لحوق أحكامها نظر :من عدمِ تحقّقها وحصولِ التراضي، وهو اختياره في الدروس(2) على تقدير دفع السِلعَة دون الثمن.

(ويُشترَط وقوعُهما) الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي) العربي (ك-«بعْتُ») من البائع (واشتريتُ) من المشتري و «شَرَيْتُ منهما ؛ لأنَّه مشترك بين البيع والشراء (وملَّكتُ) بالتشديد، من البائع؛ والتخفيف من المشتري، و«تملَّكتُ».

(ويكفي الإشارة) الدالّة على الرضى على الوجه المعين (مع العجز) عن النطق لخَرَس وغيره، ولا تكفي مع القدرة. نعم تفيد المعاطاةَ مع الإفهام الصريح.

( ولا يُشترط تقديم الإيجاب على القبول وإنْ كان) تقديمه (أحسنَ) بل قيل بتعيُّنه (3).

ووجه عدم الاشتراط أصالةُ الصحّةِ وظهورُ كونه عقداً فيجب الوفاء به، ولتساويهما في الدلالة على الرضى، وتساوي المالكين في نقل ما يملكه إلى الآخر. ووجه التعيين الشكُّ في ترتُّب الحكم مع تأخّرِه ومخالَفَتِه للأصل، ولدَلالة مفهوم القبول على ترتُّبه على الإيجاب؛ لأنَّه رضىً به. ومنه يظهر وجه الحسن ومحلّ الخلاف ما لو وقع

ص: 130


1- لتوضيح العبارة راجع مسالك الأفهام، ج 3، ص 151.
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 172 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 243 و 249؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 84، المسألة 45.

القبول بلفظ «اشتريتُ» كما ذكره، أو «ابتعتُ» أو «تملّكتُ» إلى آخره، لا ب-«قَبِلتُ» وشبهِه وإن أضاف إليه باقيَ الأركان ؛ لأنَّه صريح في البِناء على أمر لم يقع.

(ويُشترَط في المتعاقدَين الكمالُ) برفع الحجر الجامع للبلوغ والعقل والرشد (والاختيارُ إلَّا أن يَرضى المكرَهُ بعد زوال إكراهه) لأنَّه بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله، وإنّما مَنَع عدمُ الرضى فإذا زال المانع أثّر العقدُ، كعقد الفضولي حيث انتفى القصدُ إليه من مالكه مع تحقُّق القصد إلى اللفظ في الجملة، فلمَّا لَحِقتْه إجازةُ المالك أثّرت ولا تُعتبر مقارَنَتُه للعقد؛ للأصل، بخلاف العقد المسلوب بالأصل كعبارة الصبيّ، فلا تجبره إجازة الوليّ ولا رضاه بعد بلوغه.

(والقصدُ، فلو أوقعه الغافل أو النائم أو الهازلُ لغا(1) ) وإن لحِقَتْه الإجازةُ؛ لعدم القصد إلى اللفظ أصلاً بخلاف المكرَه.

وربما أَشكَل الفرقُ في «الهازل» من ظهور قصدِه إلى اللفظ من حيث كونه عاقلاً مختاراً، وإنّما تَخَلَّف قصدُ مدلوله. وأَلحَق المصنِّف بذلك المكرَهَ على وجه يَرتَفِع قصدُه أصلاً (2) ، فلا يُؤثِّر فيه الرضى المتعقّبُ كالغافل والسَكران؛ وهو حسن مع تحقُّق الإكراه بهذا المعنى فإنّ الظاهر من معناه حمل المكرِه للمكرَه على الفعل خوفاً على نفسه أو ما في حكمها مع حضور عقله و تمييزه .

واعلم أنّ بيع المكرَه إنّما يقع موقوفاً مع وقوعه بغير حقّ ومن ثم جاز بيعه في مواضعَ كثيرةٍ كمن أجبره الحاكم على بيع ماله لوفاء دَينه ونفقةِ واجب النفقة، وتقويمِ العبد على مُعتِق نصيبِه منه، وفكِّه من الرقّ لِيَرِثَ، وإذا أسلم عبد الكافر أو اشتراه وسَوَّغناه، أو اشترى المُ-ِصحَف، وبيع الحيوانِ إذا امتنع مالكه من القيام بحق نفقته، والطعامِ عند المَخْمَصَة يشتِريه خائفُ التلف، والمحتكَرِ مع عدم وجود غيره واحتياجِ الناس إليه، ونحو ذلك.

ص: 131


1- هو اللاعب. (زين رحمه الله)
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 172 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

(ويُشترَط في اللزومِ الملكُ) لكلّ من البائع والمشتري لما ينقله من العوض (أو إجازةُ المالك) فبدونه يقع العقد موقوفاً على إجازة المالك لا باطلاً من أصله، على أشهَر القولين (1).

(وهي) أي الإجازة اللاحقة من المالك (كاشفةٌ عن صحَّة العقد) من حين وقوعه لا ناقلةٌ له من حينها ؛ لأنّ السبب الناقل للمِلك هو العقد المشروطُ بشرائطَ وكلُّها كانت حاصلةً إلَّا رضى المالك، فإذا حصل الشرط عمِل السببُ التامّ عملَه، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(2)، فلو توقَّف العقد على أمرٍ آخَرَ لَزِم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّةً، بل هو مع الآخر؛ ووجه الثاني توقُّف التأثير عليه فكان كجزء السبب.

وتظهر الفائدة في النماء، فإن جعلناها كاشفةً (فالنَماء) المنفصلُ (المتخلّلُ) بین العقد والإجازةِ الحاصلُ من المبيع (للمشتري، ونماء الثمن المعيّن للبائع) ولو جعلناها ناقلةً فهما للمالك المجيز.

ثُمَّ إن اتَّحد العقد فالحكمُ كما ذُكر، وإن ترتّبت العقودُ على الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجميع صحّ أيضاً، وإن أجاز أحدها فإن كان المثمن صحّ في المُجاز وما بعده من العقود، أو الثمن صحّ وما قبله. والفرق أنّ إجازة المبيع تُوجِب انتقالَه عن ملك المالكِ المجيزِ إلى المشتري فتصحّ العقودُ المتأخّرةُ عنه، وتبطل السابقةُ لعدم الإجازة، وإجازةَ الثمن توجب انتقالَه إلى مِلك المجيز فتبطُل التصرّفاتُ المتأخّرةُ عنه حيث لم يُجِزها، وتصحّ السابقة ؛ لأنّ مِلك الثمنِ المتوسِّطِ يتوقَّف على صحَّة العقود السابقة، وإلَّا لم يمكن تملُّك ذلك الثمن.

هذا إذا بيعت الأثمانُ في جميع العقود، أمَّا لو تعلَّقت العقود بالثمن الأولِ مِراراً كان

ص: 132


1- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 606 ؛ والشيخ في النهاية، ص 385. والقول بالبطلان للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 168، المسألة 275 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 274 - 275.
2- المائدة (5): 1.

كالمثمن في صحَّة ما أُجيز وما بعده، وهذا القيد وارد على ما أطلَقه الجميع (1) في هذه المسألة كما فصّلناه أوّلاً مثاله: لو باع مالَ المالكِ بثوب ثم باع الثوبَ بمائة ثم باعه المشتري بمائتين ثم باعه مشتريه بثلاثمائة فأجاز المالكُ العقدَ الأخيرَ فإنّه لا يقتضي إجازةَ ما سبق، بل لا يصحّ سواه، ولو أجاز الوسطَ صحّ وما بعده كالمثمن. نعم، لو كان قد باع الثوبَ بكتاب ثمّ باع الكتابَ بسيف ثمّ باع السيفَ بفرس فإجازة بيعِ السيف بالفرس تقتضي إجازة ما سبقه من العقود ؛ لأنَّه إنّما يملك السيفَ إِذا مَلَكَ العِوَض الذي اشتري به وهو الكتاب ولا يَملِك الكتابَ إلَّا إذا مَلَكَ العِوَضَ الذي اشتري به وهو الثوب، فهنا يصحّ ما ذكروه.

(ولا يكفي في الإجازةِ السكوتُ عند العقد) مع علمه به (أو عند عرضها) أي الإجازة (عليه) لأنّ السكوتَ أعمُّ من الرضى فلا يدلّ عليه، بل لا بدَّ من لفظ صريح فيها كالعقد. (ويكفي أَجَزتُ) العقدَ أو البيع (أو أَنفذتُ، أو أمضيتُ، أو رَضِيتُ، وشبهُه) ك-«أقررتُه» و«أبقيتُه» و«التزمت به».

(فإن لم يُجِزْ انتزَعَه من المشتري)؛ لأنَّه عينُ مالِه. (ولو تَصَرَّف) المشتري (فيه بما لَهُ أجرةٌ) كسُكْنى الدار وركوب الدابّة (رَجَع بها عليه) بل له الرجوعُ بعوض المنافع وإنْ لم يَستَوفِها مع وضعِ يده عليها؛ لأنَّه حينئذٍ كالغاصب وإن كان جاهلاً. (ولو نما كان) النماء (لمالكه) متَّصلاً كان أم منفصلاً ، باقياً كان أم هالكاً، فيرجع عليه بعوضه وإن كان جاهلاً. وكذا يرجع بعوض المبيع نفسه لو هلك في يده ، أو بعضِه مع تلف بعضه بتفريطٍ وغيره. والمعتبر في القِيمي قيمتُه يومَ التلف إن كان التفاوت بسبب السُوق، وبالأعلى إن كان بسبب زيادة عينيّة.

(ويَرجِع المشتري على البائع بالثمن إن كان باقياً، عالما كان أو جاهلاً) لأنَّه مالُه ولم يحصُل منه ما يُوجِب نقلَه عن مِلكه فإنَّه إنَّما دفعه عوضاً عن شيء لم يُسَلَّم له

ص: 133


1- كعبارة إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418؛ والدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 172 - 173 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(وإن تَلِف قيل) والقائل به الأكثر(1) بل ادُّعِيَ عليه في التذكرةِ الإجماعُ(2): (لا رجوع) به (مع العلم) بكونه غير مالك ولا وكيل ؛ لأنَّه سلّطه على إتلافه مع علمه بعدم استحقاقه له فيكون بمنزلة الإباحة، بل ظاهر كلامهم عدم الرجوع به مطلقاً؛ لما ذكرناه من الوجه.

(وهو) مع بقاء العين في غاية البعد ومع تلفه (بعيد مع تَوَقُّع الإجازة)؛ لأنَّه حينئذٍ لم يُبِحْه له مطلقاً، بل دَفَعَه متوقِّعاً لكونه عِوَضاً عن المبيع فيكون مضموناً له، ولتصرّف البائع فيه تصرفاً ممنوعاً منه فيكون مضموناً عليه، وأمَّا مع بقائه، فهو عين مال المشتري، ومع تسليم الإباحة لم يحصل ما يوجب الملك، فيكون القول بجواز الرجوع به مطلقاً قوياً وإنْ كان نادراً. إن لم يثبت الإجماع على خلافه والواقع خلافه فقد ذهب المحقِّق إلى الرجوع به مطلقاً (3). وكيف يجتمع تحريم تصرّف البائع فيه مع عدم رجوع المشتري به في حال؟ فإنّه حينئذٍ لا محالة غاصب آكلٌ للمال بالباطل. ولا فرق في هذا الحكم بين الغاصب محضاً، والبائعِ فضولياً مع عدم إجازة المالك.

) ويَرجِع) المشتري على البائع (بما اغترم) للمالك حتى بزيادة القيمة عن الثمن لو تَلِفَت العينُ، فيرجع بها عليه على الأقوى؛ لدخوله على أن تكون له مجاناً، أمَّا ما قابَلَ الثمن من القيمة فلا يرجع به لرجوع عِوَضه إليه، فلا يُجمع بين العِوَض والمعوَّض.

وقيل: لا يرجع بالقيمة مطلقاً (4)؛ لدخوله على أن تكون العينُ مضمونةً عليه، كما هو شأن البيع الصحيح والفاسد، كما لو تلفت العين وفيه أنّ ضمانه للمثل أو القيمة أمر زائد على فوات العين الذي قَدِم على ضمانه، وهو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن، فالزائد بمنزلة ما رجع عليه ،به وقد حصل له في مقابلته نفع، بل أولى.

هذا إذا كانت الزيادة على الثمن موجودةً حال البيع، أمَّا لو تجدَّدت بعده، فحكمها

ص: 134


1- منهم: العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 19؛ وفخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 77 .
2- تذكرة الفقهاء ، ج 10، ص 18، ذيل المسألة 5.
3- نسبه إلى بعض تحقيقاته في مسالك الأفهام، ج 3، ص 161.
4- حكاه المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 8 .

حكم الثمرة، فيرجع بها أيضاً - كغيرها ممّا حصل له في مقابلته نفع - على الأقوى؛ لغروره، ودخوله على أن يكون ذلك له بغير عوض.

أمَّا ما أنفقه عليه ونحوُه ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع، فيرجع به قطعاً (إن كان جاهلاً) بكونه مالكاً أو مأذوناً، بأن ادَّعَى البائعُ مِلْكَه أو الإذنَ فيه أو سكت، ولم يكن المشتري عالماً بالحال.

(ولو باع غيرَ المملوك مع مِلكه ولم يُجِز المالكُ، صحّ) البيع (في مِلكه)، ووقف فيما لا يملك على إجازة مالكه، فإن أجاز صحَّ البيع ولا خيار، (و) إن ردّ (تخيَّر المشتري مع جهله) بكون بعض المبيع غيرَ مملوك للبائع؛ لتبعُّض الصَفقة أو الشركة (فإن) فسخ رجع كلّ مال إلى مالكه، وإن( رَضِيَ صحّ) البيع (في المملوك) للبائع (بحِصَّتِه من الثمن)، ويُعلم مقدارُ الحصَّة (بعد تقويمهما جميعاً ثم تقويمِ أحدهما) منفرداً، ثمّ نسبة قيمته إلى قيمة المجموع، فيخصّه من الثمن مثل تلك النسبة، فإذا قُوِّما جميعاً بعشرين وأحدهما بعشرة صحَّ في المملوك بنصف الثمن كائناً ما كان.

وإنّما أخذ بنسبة القيمة ولم يخصّه من الثمن قدرُ ما قُوِّم به؛ لاحتمال زيادتها عنه ونقصانِها، فربما جُمِع في بعض الفروض بين الثمن والمثمن على ذلك التقدير، كما لو كان قد اشتَرَى المجموع في المثال بعشرة.

وإنّما تُعتبر قيمتُهما مجتمعَين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كل واحد كثوبين، أمَّا لو استلزم ذلك كمصراعي بابٍ لم يُقَوَّما مجتمعَين، إذ لا يَستحِقّ مالكُ كلّ واحد ماله إلَّا منفرداً، وحينئذٍ فيُقَوَّم كلُّ منهما منفرداً، وتُنسَب قيمةُ أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة. نعم، لو كانا لمالك واحد، فأجاز(1) في أحدهما دون الآخر أمكن فيه ما أطلقوه، مع احتمال ما قيَّدناه.

(وكذا لو باع ما يُمْلَك) مبنيّاً للمجهول (وما لا يُملَك كالعبد مع الحرِّ، والخنزير

ص: 135


1- في «م»: «وأجاز».

مع الشاة)، فإنّه يصحّ في المملوك بنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين من الثمن،( ويُقَوَّم الحرُّ لو كان عبداً )على ما هو عليه من الأوصاف والكيفيّات، (والخنزيرُ عند مستحلّيه) إمّا بإخبار جماعةٍ منهم كثيرةٍ يُؤمَن اجتماعهم على الكذب، ويَحصُل بقولهم العلمُ أو الظنُّ المُتاخِمُ له؛ أو بإخبار عدلَين مسلمَين يطَّلعان على حاله عندهم، لا منهم مطلقاً؛ لاشتراط عدالة المُقَوِّم. هذا مع جهل المشتري بالحال؛ ليَتِمَّ قصدُه إلى شرائهما، ويُعتبر العلم بثمن المجموع لا الأفراد فيُوَزَّع حيث لا يتمّ له.

أمَّا مع علمه بفَساد البيع، فيُشكِل صحَّتُه ؛ لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع: لأنَّه في قوَّة «بعتُك العبد بما يخُصُّه من الألف» إذا وُزِّعَتْ عليه وعلى شيءٍ آخَرَ لا يُعلَم مقدارُه الآن، أمَّا مع جهله، فقصده إلى شراء المجموعِ، ومعرفةُ مقدار ثمنه كافٍ وإنْ لم يَعلَم مقدارَ ما يخُصُّ كلَّ جزء.

ويمكن جريان الإشكال في البائع مع علمه بذلك، ولا بُعد في بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر. هذا إذا لم يكن المشتري قد دَفَع الثمنَ، أو كانت عينُه باقيةً، أو كان جاهلاً، وإلّا جاء فيه مع علمه بالفساد ما تقدّم في الفضولي بالنسبة إلى الرجوع بالثمن.

(وكما يصحّ العقد من المالك يصحّ من القائم مقامه(1)، وهم) أي القائم - جَمَعَه باعتبار معنى الموصول، ويجوز توحيده نظراً إلى لفظه - (ستّةٌ : الأبُ والجدُ)ّ له وإنْ علا، (والوصيُّ) من أحدهما على الطفل والمجنون الأصلي، ومَن طَرَأَ جنونُه قبل البلوغ، (والوكيلُ) عن المالك أو مَن له الولاية حيث يجوز له التوكيل، (والحاكمُ) الشرعيُ حيث تُفْقَد الأربعةُ (وأمينُه) وهو منصوبه لذلك أو ما هو أعمّ منه.

( وبحكم الحاكمِ المقاصُّ)، وهو من يكون له على غيره مال، فيَجحَده أو لا يدفعه إليه مع وجوبه، فله الاستقلال بأخذه من ماله قهراً من جنس حقِّه إن وجدهوإلّا فمِن غيره بالقيمة، مخيَّراً بين بيعه من غيره ومن نفسه.

ص: 136


1- مراده به يجوز الأخذ من المماطل وإن كان من غير الجنس، وحينئذ يبيعه ويستوفي حقّه. فهذا من جملة من يبيع مال غيره ولم يذكره الأصحاب؛ لأنَّه بحكم الحاكم (زين رحمه الله )

ولا يُشترط إذنُ الحاكم وإنْ أمكن؛ لوجوده ووجود البيّنة المقبولة عنده في الأشهر(1).

ولو تَعَذَّر الأخذُ إلَّا بزيادة جاز، فتكون في يده أمانةً في قول(2) إلى أن يَتَمَكَّن من ردِّها، فيجب على الفور.

ولو توقَّف أخذُ الحقِّ على نَقْبِ جدارٍ أو كَسْر ِقفلٍ جاز، ولا ضَمان على الظاهر.

ويُعتبر في المأخوذ كونه زائداً على المستثنى في قضاء الدَين.

ولو تَلِف من المأخوذ شيء قبل تملُّكه، ففي ضَمانه قولان(3).

ويكفي في التملُّك النيَّةُ، سواءٌ كان بالقيمة أم بالمثل.

وفي جواز المُقاصَّة من الوديعة قولان (4)، والمرويّ العدمُ(5)، وحُمِل على الكَراهة(6) .

وفي جواز مقاصَّة الغائب من غير مطالَبة وجهان: أجودهما العدم، إلَّا مع طولها بحيث يؤدّي إلى الضرر، ولو أمكن الرجوع هنا إلى الحاكم، فالأقوى توقّفه عليه.

(ويجوز للجميع) أي جميع من له الولاية ممن تقدّم (تَوَلِّي طَرَفَي العقد) بأن يبيع من نفسه وممّن له الولاية عليه، (إلّا الوكيلَ والمقاصَّ) فلا يجوز تولّيهما طرفيه، بل يبيعان من الغير. والأقوى كونهما كغيرهما، وهو اختياره في الدروس(7)؛ لعموم الأدلَّة (8)،وعدمِ وجود ما يصلُح للتخصيص. (ولو استأذن الوكيلُ جاز)؛ لانتفاء المانع حينئذ.

(ويُشترَط كونُ المشتري مسلماً إذا ابتاع مُصْحَفاً أو مسلماً): لما في مِلكه للأوّل

ص: 137


1- ذهب إليه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 448: وإلى قول الغير الأشهر الفخر في إيضاح الفوائد، ج 4. ص 346.
2- هو قول العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 484 : تحرير الأحكام الشرعيَّة ، ج 5 ص 154، الرقم 6479.
3- قال الشيخ بعدم الضمان في المبسوط، ج 8، ص 682 ؛ قال المحقِّق بالضمان في شرائع الإسلام، ج 4، ص 100.
4- نقل القولين واختار الجواز العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 394، المسألة 10.
5- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 197 ، ح 438 .
6- حمله عليها الشيخ في الاستبصار، ج 3، ص 53، ذيل الحديث 172 .
7- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10 و 11).
8- أي عموم أدلّة الولاية.

من الإهانة، وللثاني من الإذلال وإثباتِ السبيل له عليه، « وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»(1). وقيل: يصحّ ويُؤمر بإزالة مِلكه (2).

وفي حكم المسلمِ وَلَدُه الصغيرُ ،والمجنونُ، ومسبِيُّه المنفرِدُ به إن ألحقناه به فيه ولقيطٌ يُحكَم بإسلامه ظاهراً.

(إلّا) فيمن يَنعتِق عليه، فلا منع؛ لانتفاء السبيل بالعتق. وفي حكمه مشروطُ العتق عليه في البيع، ومن أقرّ بحرِّيَّته، وهو في يد غيره . وضابطه: جواز ُشرائه حيث يَتَعَقَّبُه العتقُ قهراً.

وفي حكم البيع تملّكُه له اختياراً كالهبة، لا بغيره كالإرثِ وإسلامِ عبده، بل يُجبَر على بيعه مِن مسلم على الفور مع الإمكان، وإلّا حِيل بينهما بوضعه على يد مسلم إلى أن يُوجَد راغبٌ.

وفي حكم بيعه منه إجارتُه له الواقعةُ على عينه لا على ذمَّته، كما لو استدان منه.

وفي حكم المُ-ِصحَف أبعاضُه. وفي إلحاق ما يُوجد منه في كتابٍ غيره شاهداً و نحوَه نظر، من الجزئيَّةِ، وعدمِ صدق الاسم؛ وفي إلحاق كتب الحديث النبويَّة به وجهٌ.

(وهنا مسائل: )

[المسألة الأولى]:

(يُشترَط كونُ المبيع ممّا يُملَك) أي يَقبَل المِلكَ شرعاً ( فلا يصحّ بيع الحرّ، وما لا نفع فيه غالباً، كالحَشرات) بفتح الشين كالحيّات والعقارب والفئران والخنافس والنمل ونحوها؛ إذ لا نفع فيها يقابل بالمال وإنْ ذُكِر لها منافعُ في الخواصِّ، وهو الخارج بقوله (غالباً»، (وفَضَلاتِ الإنسان) وإن كانت طاهرة (إلّا لبنَ المرأة)، فيصحّ بيعُه والمعاوَضَةُ عليه مقدَّراً بالمقدار المعلوم أو المدّة؛ لِعِظَم الانتفاع به.

ص: 138


1- النساء (4): 141 .
2- حكاه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 91، المسألة 51 .

(و) لا (المباحات قبل الحِيازَة)؛ لانتفاء المِلك عنها حينئذٍ، والمتبايعان فيها سيّان؛ وكذا بعد الحيازة قبل نيَّة التملُّك إن اعتبرناها فيه، كما هو الأجود.

(ولا الأرضِ المفتوحةِ عَنْوَةً) بفتح العين أي قهراً كأرض العراق والشام؛ لأنَّها للمسلمين قاطبةً لا تُملَك على الخصوص، (إلَّا تبعاً لآثار المتصرّف) من بناءٍ وشجرٍ، فيصحّ في الأقوى، وتَبقَى تابعةً له ما دامت الآثارُ، فإذا زالت رَجَعت إلى أصلها. والمراد منها المُحياةُ وقتَ الفتح، أمَّا المَوات فيملكها المُحْيي، ويصحّ بيعُها كغيرها من الأملاك.

(والأقربُ عدمُ جواز بيع رِباعِ (1) مكَّةَ (2)) أي دُورِها (زادها اللهُ شَرَفاً؛ لنقل الشيخ في الخلاف الإجماعَ) على عدم جوازه (3) (إن قلنا إنّها فُتِحَت عَنْوَةً) ؛ لاستواء الناس فيها حينئذٍ، ولو قلنا إنَّها فُتِحَت صُلحاً جاز.

وفي تقييد المنع ب-«القول بفتحها عَنوةً»، مع تعليله بنقل الإجماع المنقول بخبر الواحد تَنافُرٌ؛ لأنّ الإجماع إن ثَبَت لم يتوقَّف على أمرٍ آخَرَ، وإن لم يَثبُت افْتَقَر إلى التعليل بالفتح عنْوةً وغيرِه.

ويَبقَى فيه أنّه على ما اختاره سابقاً من مِلكه تبعاً للآثار ينبغي الجوازُ؛ للقطع بتجدُّد الآثار في جميع دُورها عمّا كانت عليه عامَ الفتح.

وربما عُلِّل المنع بالرواية عن النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) بالنهي عنه (4)، وبكونها في حكم المسجد؛ لآية الإسراء(5)، مع أنَّه كان من بيت أمّ هانئ . ولكنّ الخبر لم يَثبُت، وحقيقةُ المسجديَّة منتفيةٌ، ومَجازُ المجاوَرةِ والشرفِ والحرمةِ ممكنٌ، والإجماع غيرُ متحقِّق، فالجواز متَّجِهٌ.

[المسألة] (الثانية:

يُشترَط) في المبيع (أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلو

ص: 139


1- جمع رَبْع (زين رحمه الله)
2- وفي الدروس الشرعيَّة [ج 3، ص 180] نقل الخلاف من غير فتوى.( منه رحمه الله)
3- الخلاف، ج 3، ص 190. المسألة 316.
4- سنن الدار قطني، ج 2، ص 660 - 661 ، ح 2991 / 233؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 6، ص 57، ح 11183.
5- الإسراء(17) :1 .

باع الحَمَامَ الطائرَ) أو غيرَه من الطيور المملوكة (لم يصحّ، إلَّا أن تقضِيَ العادةُ بعَوده)، فيصحّ؛ لأنَّه حينئذٍ كالعبدِ المُنْفَذ في الحوائج والدابَّةِ المرسلة.

(ولو باع) المملوكَ (الآبِقَ) المتعذِّرَ تسليمه (صحّ مع الضميمة) إلى ما يصحّ بيعه منفرداً، (فإن وَجَده) المشتري، وقدر على إثبات يده عليه، (وإلّاكان الثمنُ بإزاء الضميمة)، ونُزِّل الآبقُ بالنسبة إلى الثمن منزلةَ المعدوم، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن مِلك المشتري، فيصحّ عِتْقُه عن الكفّارة، وبيعه لغيره مع الضميمة.

(ولا خيار للمشتري مع العلم بإباقه)؛ لقدومه على النقص، أمَّا لو جَهِل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً.

ويُشترَط في بيعه ما يُشترَط في غيره، من كونه معلوماً موجوداً عند العقد، وغيرِ ذلك، سِوى القدرةِ على تسليمه.

فلو ظهر تلفُه حين البيع أو استحقاقُه لغير البائع أو مخالفاً للوصف، بطل البيع فيما يقابله في الأوَّلَين، وتخيَّر المشتري في الأخير على الظاهر.

(ولو قدَر المشتري على تحصيله) دون البائع، (فالأقرب عدم اشتراط الضميمة) في صحَّة البيع؛ لحصول الشرط، وهو القدرة على تسلُّمه. ووجه الاشتراط صدقُ الإباق الموجِبُ للضميمة بالنصّ (1)، وكونُ الشرطِ التسليمَ وهو أمرُ آخَرُ غيرُ التسلّم.

ويُضَعَّف بأنّ الغاية المقصودة من التسليم حصوله بيد المشتري بغير مانع وهي موجودة، والموجبة للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة.

(وعدم لحوق أحكامها لو ضُمَّ (2)). فيُوَزَّع الثمنُ عليهما لو لم يَقدِر على تحصيله، أو

ص: 140


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 124 ، ح 540 - 541 .
2- أحكام الضميمة مثل: ما لو ظهر عدم الآبق أو تجدّد عدمه؛ فإنّ الثمن في مقابلة الضميمة. ومنها: ما لو ظهر في الضميمة عيب والحال هذه فإنّ الأرش منسوب إلى كلّ الثمن ومنها : لو بانت الضميمة مستحقَّةً يرجع بكلّ الثمن، ولا يترك شيء لأجل الآبق (زين رحمه الله)

تَلِف قبل القبض، ولا يتخيَّر لو لم يَعلَم باباقه، ولا يُشترَط في الضميمة صحَّة إفرادها بالبيع؛ لأنَّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض ،وغيرُ ذلك من الأحكام.

ولا يلحَق بالآبِقِ غيرُه ممّا في معناه كالبعيرِ الشاردِ والفرسِ العايرِ على الأقوى، بل المملوكِ المتعذّرِ تسليمه بغير الإباق اقتصاراً فيما خالف الأصلَ على المنصوص.

(أمَّا الضالُّ والمجحود) من غير إباق. (فيصحّ البيعُ، ويُراعَى بإمكان التسليم)، فإن أمكن في وقتٍ قريبٍ لا يفوت به شيءٌ من المنافع يُعتَدّ به، أو رَضِيَ المشتري بالصبر إلى أن يُسلَّم لزِم، (وإن تعذَّر فَسَخ المشتري إن شاء) وإن شاء التزم وبَقِيَ على مِلكه يَنتفِع به بالعتق ونحوِه. ويُحتمَل قويّاً بطلانُ البيع لفقد شرط الصحَّة، وهو إمكان التسليم.

وكما يجوز جعل الآبق مُثمَناً يجوز جعلُه ثمناً، سواءٌ كان في مقابَلته آبِقٌ آخَرُ أم غيرُه؛ لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن.

(وفي احتياج العبدِ الآبقِ المجعولِ ثمناً إلى الضميمة احتمالٌ) لصدق الإباق المقتضي لها، (ولعلّه الأقرب)؛ لاشتراكهما في العلَّة المقتضية لها. (وحينئذٍ يجوز أن يكون أحدهما ثمناً والآخَرُ مُثمَناً مع الضميمتين).

(ولا يكفي) في الضميمة في الثمن والمثمن (ضمُّ آبِقٍ آخَرَ إِليه)؛ لأنّ الغرضَ من الضميمة أن تكون ثمناً إذا تعذَّر تحصيلُه، فتكون جامعة لشرائطه التي من جملتها إمكانُ التسليم، والآبق الآخر ليس كذلك.

(ولو تعدَّدَت العبيد) في الثمن والمثمن ، (كَفَتْ ضميمةٌ واحدةٌ) لصدق الضميمة مع الآبق، ولا يُعتبَر فيها كونُها مُتَمَوَّلةً إذا وُزِّعَتْ على كلّ واحد؛ لأنّ ذلك يصير بمنزلة ضمائمَ، مع أنَّ الواحدةَ كافيةٌ.

وهذه الفروع من خواصِّ هذا الكتاب، ومثلُها في تضاعيفه كثيرٌ، نُنَبِّه عليه إن شاء الله في مواضعه.

ص: 141

[المسألة] :(الثالثة:

يُشترَط) في المبيع (أن يكون طِلْقاً، فلا يصحّ بيع الوقفِ) العامِّ مطلقاً، إلَّا أن يَتَلاشى ويَضمحلَّ بحيث لا يمكن الانتفاعُ به في الجهةِ المقصودةِ مطلقاً، كحصيرٍ يَبلَى ولا يصلُح للانتفاع به في محلّ الوقف، وجِذْعٍ يَنكسِر كذلك، ولا يمكن صرفُهما بأعيانهما في الوقود لمصالحه كآجُرِ المسجد، فيجوز بيعُه حينئذٍ وصرفُه في مصالحه إن لم يمكن الاعتياضُ عنه بوقف.

ولو لم يكن أصله موقوفاً، بل اشتُرِيَ للمسجد - مثلاً - مِن غَلَّتِه، أو بَذَله له باذلٌ صحّ للناظر بيعه مع المصلحة مطلقاً.

(ولو أدّى بقاؤُه إلى خرابه لِخُلْف بين أربابه) في الوقف المحصور، (فالمشهور الجواز) أي جواز بيعه حينئذٍ. وفي الدروس اكتفى في جواز بيعه بخوفِ خرابه، أو خُلفِ أربابه المؤدِّي إلى فَساد(1). وقَلَّ أن يتَّفق في هذه المسألة فتوى واحد، بل في كتاب واحد في باب البيع والوقف، فتأَمَّلْها أو طالِعْ شرحَ المصنِّف للإرشاد (2) تَطَّلِعْ على ذلك.

والأقوى في المسألة ما دلّت عليه صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي جعفرٍ الجواد (علیه السلام)من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خُلفٌ شديد، وعلَّله (علیه السلام) بأنَّه «ربما جاء فيه تلفُ الأموال والنفوس »(3). وظاهرُه أنّ خوف أدائه إليهما أو إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنَّة لذلك.

ومن هذا الحديث اختلفت أفهامُهم في الشرط المسوّغ للبيع، ففَهِمَ المصنِّفُ هنا أنّ المعتبرَ الخُلفُ المؤدي إلى الخراب، نظراً إلى تعليله بتلف المال، فإنّ الظاهر أنَّ المرادَ بالمالِ الوقفُ، إذ لا دخل لغيره في ذلك.

ص: 142


1- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 224 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- غاية المراد، ج 2، ص 26 - 32 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 130، ح 557.

ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إلى بيعه أربابُ الوقف ولم تَكْفِهِم غلَّتُه، أو كان بيعُه أعودَ، أو غيرُ ذلك ممَّا قيل (1)؛ لعدم دليلٍ صالحٍ عليه.

وحيث يجوز بيعه يُشترى بثمنه ما يكون وقفاً على ذلك الوجه إن أمكن مراعياً للأقرب إلى صفته فالأقرب، والمتولّي لذلك الناظرُ إن كان، وإلّا الموقوفُ عليهم إن انحصَروا، وإلّا فالناظرُ العامّ.

(ولا بيعُ) الأَمَةِ (المُستَولَدة) من المولى. ويتحقّق الاستيلادُ المانع من البيع بعُلُوقِها في مِلكه وإنْ لم تَلِجْهُ الروحُ كما سيأتي، فقوله ما دام الولد حيّاً مبني على الأغلب ، أو على التجوُّز؛ لأنَّه قبل ولوج الروح لا يُوصَف بالحياة إلَّا مجازاً. ولو مات صارت كغيرها من إمائه عندنا.

أمَّا مع حياته فلا يجوز بيعها (إلَّا في ثمانية مواضعَ:) وهذا الجمع من خواصِّ هذا الكتاب.

(أحدها: في ثمن رَقَبَتها مع إعسار مولاها، سواء كان حيّاً أو ميتاً) أمَّا مع الموت فموضع وفاق، وأمَّا مع الحياة، فعلى أصحّ القولين(2)؛ لإطلاق النص(3). والمراد بإعساره أن لا يكون له من المال ما يُوفِي ثمنها زائداً على المستثنَيات في وفاء الدَين.

(وثانيها: إذا جَنَتْ على غير مولاها)، فيُدفَع ثمنها في الجناية أو رَقَبَتُها إن رَضِيَ المجنيُّ عليه. ولو كانت الجناية على مولاها لم يَجُز؛ لأنَّه لا يَثبُت له على ماله مالٌ.

( وثالثها: إذا عَجَز) مولاها ( عن نفقتها)، ولو أمكن تأدّيها ببيع بعضِها وجب الاقتصارُ عليه ؛ وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع الضرورة.

(ورابعها إذا مات قريبُها ولا وارثَ له سواها)؛ لتُعتَقَ وتَرِثَه. وهو تعجيلُ عتقٍ

ص: 143


1- راجع مختلف الشيعة، ج 6، ص 250 - 251، المسألة 25؛ غاية المراد، ج 2، ص 26 - 32 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
2- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 151. المسألة 115 ؛ نقل القول بعدم جواز البيع عن السيّد المرتضى ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 21 ، لم ونعثر عليه في كتب السيّد.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 238، ح 862 .

أولى بالحكم من إبقائها لتُعتَق بعد وفاة مولاها.

(وخامسها:إذا كان عُلوقها بعد الارتهان)، فيُقَدَّم حق المُرتَهن لسبقه. وقيل: يُقَدَّم حقُّ الاستيلاد؛ لبِناء العتق على التغليب(1) ؛ ولعموم النهي عن بيعها (2) .

(وسادسها: إذا كان عُلوقها بعد الإفلاس)، أي بعد الحَجْر على المُفلِس، فإنّ مجرَّدَ ظهور الإفلاس لا يُوجب تعلّقَ حقِّ الدُيّان بالمال، والخلاف هنا كالرهن.

(وسابعها :إذا مات مولاها ولم يَخلُف سواها، وعليه دينٌ مستغرِقٌ وإن لم يكن ثمناً لها)؛ لأنَّها إنّما تُعتَق بموت مولاها من نصيب ولدها، ولا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تُعتق، فتُصرف في الدين.

(وثامنها: بيعها على من تَنعتِق عليه، فإنّه في قوَّة العتق)، فيكون تعجيلَ خير يستفاد من مفهوم الموافَقة، حيث إنّ المنعَ من البيع لأجل العتق.

(وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر، أقربه الجوازُ (3))؛ لما ذُكر، فإن لم يَفِ المشتري بالشرط فَسخ البيع وجوباً، فإن لم يَفسَخه المولى احتُمِل انفساحه بنفسه، وفَسْخُ الحاكم إن اتَّفق. وهذا موضعٌ تاسعٌ.

وما عدا الأوّل من هذه المواضع غيرُ منصوص بخصوصه، وللنظر فيه مجالٌ، وقد حكاها في الدروس بلفظ «قيل»، وبعضها جَعَلَه احتمالاً من غير ترجيح لشيء منها (4).

ص: 144


1- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 73 .
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 238، ح 862 .
3- وتاسعها لنفقته وعاشرها: إذا أسلمت عند الكافر على الأظهر. وحادي عشرها: إذا رهنها في غير ثمن رقبتها وجوّزناه، وثاني عشرها: كتابتها عند من يجعله بيعاً. وثالث عشرها: في كفن مولاها إذا لم يخلف سواها. ورابع عشرها: إذا قتلت مولاها على قول. وخامس عشرها : إذا كان ولدها غير وارث كما إذا كان قاتلاً أو كافراً. وسادس عشرها: إذا فسخ البائع بعد إحبال المشتري. وسابع عشرها: إذا عجزت عن الكسب وعن بيت المال ،وعن راغب في التزويج فإنّه يجوز البيع على الأقوى. (زين رحمه الله)
4- الدروس الشرعيَّة، ج 2، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وزاد بعضُهم مواضعَ أَخَر(1):

عاشرها: في كفن سيّدها إذا لم يَخلُف سواها، ولم يمكن بيعُ بعضها فيه، وإلّا اقتُصِر عليه.

وحادي عشرَها: إذا أَسلَمَتْ قبل مولاها الكافر.

وثاني عشرها: إذا كان ولدُها غير وارث؛ لكونه قاتلاً أو كافراً؛ لأنَّها لا تَنعتِق بموت مولاها حينئذٍ؛ إذ لا نصيب لولدها.

وثالثَ عشرها: إذا جَنَتْ على مولاها جنايةً تَستغرِق قيمتَها.

ورابعَ عشَرَها: إذا قتلته خطأ.

وخامسَ عشرَها : إذا حَمَلت في زمن خيار البائع أو المشترك، ثمّ فسخ البائع بخياره .

وسادسَ عشرَها: إذا خرج مولاها عن الذمَّة ومُلِكت أمواله التي هي منها .

وسابعَ عشرَها: إذا لَحِقَتْ هي بدار الحرب ثمّ استُرِقَّت.

وثامِنَ عشرَها: إذا كانت لمكاتَبٍ مشروطٍ ثمّ فُسِخ كتابتُه.

وتاسعَ عشرَها: إذا شَرَط أداءَ الضَمانِ منها قبل الاستيلاد ثم أَولَدَها، فإنّ حقَّ المضمون له أسبقُ من حق الاستيلاد كالرهن والفَلْس السابقَين.

والعشرون: إذا أَسلَم أبوها أو جدُّها وهي مجنونةٌ أو صغيرةٌ، ثمّ استَولَدَها الكافرُ بعد البلوغ قبل أن تَخرُج عن مِلكه، وهذه في حكم إسلامها عنده. وفي كثير من هذه المواضع نظر.

[المسألة] (الرابعة:

لو جَنّى العبدُ خطاً لم تَمنَع) جنايتُه (من بيعه)؛ لأنَّه لم يخرُج عن مِلك مولاه بها. والتخييرُ في فَكِّه للمولى، فإن شاء فَكَّه بأقلِّ الأمرين من

ص: 145


1- راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 151 - 157، المسألة 115 - 121؛ وجامع المقاصد، ج 4، ص 98.

أرشِ الجناية وقيمتِه وإن شاء دَفَعَه إلى المجنيِّ عليه أو وليِّه ليَستَوفي من رقبته ذلك، فإذا باعه بعد الجناية كان التزاماً بالفِداء على أصحِّ القولين(1)، ثمّ إن فَداه، وإلّا جاز للمجنيِّ عليه استرقاقُه، فيَنفسِخ البيعُ إن استَوعَبتْ قيمتَه؛ لأنَّ حقَّه أسبقُ. ولو كان المشتري جاهلاً بعيبه تخيّر أيضاً.

(ولو جَنَى عمداً، فالأقرب أنّه) أي البيع (موقوفٌ على رضى المجنيِّ عليه أو وليِّه)؛ لأنّ التخيير في جناية العمد إليه وإنْ لم يخرج عن مِلك سيّده، فبالثاني يصحّ البيع، وبالأوّل يثبت التخيير، فيُضَعَّف قولُ الشيخ ببطلان البيع فيه (2)؛ نظراً إلى تعلّق حقِّ المجنيِّ عليه قبله ورجوعِ الأمر إليه، فإنّ ذلك لا يقتضي البطلان ولا يقصر عن بيع الفضولي.

ثمّ إن أجاز البيعَ ورَضِيَ بفِدائه بالمال وفَكَّه المولى، لَزِم البيعُ، وإن قتله أو استَرَقَّه بطل. ويتخيَّر المشتري قبل استقرار حاله مع جهله للعيبِ المُعَرِّضِ للفَوات.

ولو كانت الجناية في غير النفس واستوفى، فباقيه مبيعٌ، وللمشتري الخيارُ مع جهله؛ للتبعيض، مضافاً إلى العيب سابقاً.

[المسألة] (الخامسة:

يُشترَط عِلْمُ الثمن قَدْراً وجنساً ووصفاً) (3) قبل إيقاع عقد البيع، (فلا يصحّ البيع بحكم أحد المتعاقدين أو أجنبي) اتفاقاً، وإنْ وَرَد في روايةٍ شاذّةٍ جواز تحكيم المشتري(4)، فيَلزَمه الحكم بالقيمة فما زاد؛ (ولا بثمنٍ مجهولِ القدر

ص: 146


1- اختاره العلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 280، الرقم 3084؛ وأمَّا عدم التزام السيّد بالفداء فقد احتمله في نهاية الإحكام، ج 2، ص 484.
2- المبسوط، ج 2، ص 74؛ الخلاف، ج 3، ص 117 ، المسألة 198 .
3- أي من المشتري والبائع، وكذا المثمن ولو بإخبار البائع كما يدلّ عليه بعض الأخبار، أو الاكتفاء بالوصف ولو في المثمن، فكان المراد بالعلم ما يشمل مثل ذلك، والله أعلم (منه رحمه الله)
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 69، ح 297.

وإِنْ شُوهِد)؛ لبقاءِ الجَهالة، وثبوتِ الغَرَرِ المنفيِّ معها (1). خلافاً للشيخ في الموزون(2)، وللمرتضى في مال السَلَم(3)، ولا بن الجنيد في المجهول مطلقاً (4)، إذا كان المبيعُ صُبْرةً مع اختلافهما جنساً.

(ولا مجهولِ الصفة) كمائة درهم وإنْ كانت مشاهَدَةً لا يُعلَم وصفُها مع تعدّد النقد الموجود؛ (ولا مجهولِ الجنس وإنْ عُلِم قدرُه)؛ لتحقُّق الجهالة في الجميع.

فلو باع كذلك كان فاسداً وإنْ اتَّصل به القبضُ، ولا يكون كالمعاطاة؛ لأنّ شرطَها اجتماعُ شرائط صحَّة البيع سوى العقد الخاصِّ. (فإن قَبَض المشتري المبيعَ والحالُ هذه كان مضموناً عليه)؛ لأنّ «كلّ عقدٍ يُضمَن بصحيحه يُضمَن بفاسده» وبالعكس؛ فيُرجَع به وبزوائده متَّصلةً ومنفصلةً وبمنافعه المستوفاةِ وغيرِها على الأقوى.

ويَضمَنه (إن تَلِف) بقيمته يومَ التلف على الأقوى. وقيل: يومَ القبض(5). وقيل: الأعلى منه إليه(6)، وهو حسن إن كان التفاوتُ بسبب نقصٍ في العين أو زيادةٍ، أمَّا باختلاف السوق، فالأوّل أحسن. ولو كان مثليّاً ضَمِنَه بمثله، فإن تعذَّر فقِيمتَه يومَ الإِعواز على الأقوى.

[المسألة] (السادسة:

إذا كان العِوَضان من المَكِيل أو المَوزون أو المَعدود، فلابدَّ من اعتبارهما بالمعتاد) من الكيل والوزن والعدد، فلا يكفي المِكيالُ المجهول، كقُصْعَةٍ حاضرةٍ وإِنْ تَرَاضَيا به ،ولا الوزنُ المجهولُ كالاعتماد على صَخرةٍ معيَّنةٍ وإِنْ

ص: 147


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 739. ح 2194 و 2195؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 5، ص 552، ح 10846 و 10847.
2- المبسوط، ج 3، ص 24.
3- المسائل الناصريّات، ص 369، المسألة 175 .
4- حكاه عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 266، المسألة 234.
5- قال به سلّار في المراسم، ص 172 ؛والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 17 .
6- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 285.

عَرَفا قدرَها تخميناً، ولا العدُّ المجهولُ بأن عَوَّلا على مِلءِ اليدِ أو آلةٍ يُجهَل ما تشتمل عليه ثم اعتبرا العدَّ به؛ للغرر المنهى عنه(1) في ذلك كلِّه.

(ولو باع المعدودَ وزناً صحّ)؛ لارتفاع الجَهالة به، وربما كان أضبطَ. (ولو باع الموزونَ كَيلاً أو بالعكس أمكن الصحَّةُ فيهما) ؛ للانضباطِ، وروايةِ وَهَب عن الصادق (علیه السلام)(2)، ورجَّحه في سَلَم الدروس(3). (ويُحتمَل صحَّةُ العكسِ) وهو بيع المكيل وزناً (لا الطردِ؛ لأنّ الوزنَ أصلٌ للكيل) وأضبطُ منه، وإنَّما عدل إلى الكَيل تسهيلاً.

(ولو شَقَّ العدُّ) في المعدود ؛ لكثرته أو لضرورة (اعتُبِر مكيالٌ ونُسِب الباقي إليه) واغتُفِر التفاوتُ الحاصل بسببه. وكذا القول في المكيل والموزون حيث يَشُقُّ وزنُهما وكيلُهما.

وعبَّر كثيرٌ من الأصحاب في ذلك ب-«تعذّر العدّ». والاكتفاء بالمشقَّةِ والعُسرِ - كما فعل المصنِّف - أَولى. بل لو قيل بجوازه مطلقاً؛ لزوالِ الغَرَر وحصولِ العلم واغتفارِ التفاوت كان حسناً، وفي بعض الأخبار دَلالةٌ عليه(4).

[المسألة] (السابعة:

يجوز ابتياع جزء معلومِ النسبة)، كالنصف والثلث (مشاعاً، تساوَتْ أجزاؤُه)، كالحبوب والأدهان، (أو اختَلَفَت)، كالجواهر والحَيوان (إذا كان الأصلُ) الذي بِيعَ جزؤُه (معلوماً) بما يُعتبر فيه من كَيلٍ أو وزنٍ أو عدّ أو مشاهَدَةٍ، (فيصحّ بيع نصفِ الصُبرة المعلومةِ) المقدارُ والوصفُ، (و) نصفِ (الشاةِ المعلومةِ) بالمشاهَدَة أو الوصف.

(ولو باع شاةً غير معلومة من قطيع بَطَلَ) وإنْ علم عدد ما اشتَمَل عليه من الشياه

ص: 148


1- صحیح مسلم، ج 3، ص 1153، ح 4 /1513؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 739، ح 2195 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 44 ، ح 192.
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 122، ح 534 .

وتساوَتْ أثمانُها؛ لجهالة عين المبيع.

(ولو باع قفيزاً من صُبرة صحَّ (1) وإنْ لم يَعلَم كمِّيَّةَ الصُبرة) لأنّ المبيعَ مضبوطُ المقدار، وظاهرُه الصحَّةُ وإنْ لم يعلَم اشتمال الصُبرة على القدر المبيع، (فإن نقصت تخيَّر المشتري بين الأخذ) للموجود منها (بالحصَّة)، أي بحصَّته من الثمن (وبين الفسخ)؛ لتبعُّض الصفْقَةِ.

واعتَبَر بعضُهم العلمَ باشتمالها على المبيع أو إخبارَ البائع به، وإلّا لم يصحّ(2)، وهو حسن. نعم، لو قيل بالاكتفاء بالظنّ الغالبِ باشتمالها عليه كان متَّجِهاً، وتَفَرَّع عليه ما ذكره أيضاً.

واعلم أنّ أقسامَ بيع الصُبرة عَشَرَةٌ، ذكر المصنِّف بعضها منطوقاً وبعضَها مفهوماً. وجملتُها: أنّها إمَّا أن تكون معلومةَ المقدار أو مجهولتَه فإن كانت معلومةً صحَّ بيعُها أجمعَ، وبيعُ جزءٍ منها معلومٍ مشاعٍ وبيعُ مقدارٍ - كقفيز - تَشتَمل عليه، وبيعُها كلُّ قفيزٍ بكذا، لا بيعُ كلّ قفيزٍ منها بكذا والمجهولةُ يبطُل بيعها في الأقسام الخمسة إلَّا الثالثَ.

وهل يُنَزَّل القدرُ المعلومُ في الصورتين على الإشاعة، أو يكون المبيعُ ذلك المقدارَ في الجملة؟ وجهان: أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضُها، فعلى الإشاعة يَتلَف من المبيع بالنسبة ،وعلى الثاني يبقى المبيعُ ما بَقِيَ قدرُه.

[المسألة] (الثامنة:

يكفي المشاهَدَةُ عن الوصف ولو غاب وقتَ الابتياع) بشرط أن يكونَ(3)ممَّا لا يَتَغَيَّر عادةً كالأرضِ والأوانى والحديدِ والنُحَاسِ، أو لا تمضِيَ مدَّةٌ يَتغيَّرُ فيها عادةً، ويختلفُ باختلافه زيادةً ونقصاناً، كالفاكهة والطعام والحيوان. فلو

ص: 149


1- وتنزّل على الإشاعة، فلو تلف منه شيء سقط من المبيع بالنسبة إن كان بغير تفريط .(زين رحمه الله)
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 76، المسألة 46؛ يصحّ عندنا... إذا علما اشتمالها على ذلك. قال البحراني في الحدائق الناضرة، ج 18، ص 478؛ يعتبر العلم باشتمالها على المبيع أو إخبار البائع بذلك في ظاهر المشهور.
3- في النسخ: «أن لا يكون»، و ما أثبتناه من المطبوع هو الصحيح.

مضت المدَّة كذلك لم يصحّ؛ لتحقّق الجَهالةِ المترتِّبةِ على تغيّره عن تلك الحالة. نعم، لو احتمَل الأمرين صحَّ؛ عملاً بأصالة البقاء.

(فإن ظهر المخالَفةُ) بزيادتِه أو نقصانِه، فإن كان يسيراً يتسامح بمثله عادةً، فلا خيار، وإلّا (تخيَّر المغبونُ) منهما، وهو البائع إن ظهر زائداً، والمشتري إن ظهر ناقصاً.

(ولو اختَلَفا في التغيُّر قُدِّم قولُ المشتري مع يمينه) إن كان هو المدّعي للتغيّر المُوجِبِ للخيار، والبائعُ يُنكره؛ لأنّ البائع يَدَّعي علمه بهذه الصفة، وهو يُنكره؛ ولأنّ الأصلَ عدم وصول حقِّه إليه، فيكون في معنى المُنكِر؛ ولأصالة بقاء يده على الثمن. وربما قيل بتقديم قول البائع؛ لتحقّقِ الاطّلاعِ المجوِّزِ للبيع، وأَصالةِ عدم التغيّر.

ولو انعكس الفرضُ: بأن ادَّعَى البائعُ تغيُّره في جانب الزيادة وأنكر المشتري، احتُمِل تقديمُ قول المشتري أيضاً، كما يقتضيه إطلاق العبارة ؛ لأصالة عدم التغيُّر، ولزومِ البيع.

والظاهرُ تقديم قول البائع لِعَينِ ما ذُكر في المشتري. وفي تقديم قول المشتري فيهما جمعٌ بين متنافيين مُدّعًى ودليلاً. والمشهور في كلامهم هو القسم الأوّل، فلذا أطلق المصنِّف هنا، لكن نافَرَه تعميمُه الخيارَ للمغبون منهما قبلَه، وعطفُه عليه مطلقاً.

ولو اتَّفقا على تغيّره، لكن اختَلَفا في تقدُّمه على البيع وتأخُّرِه، فإن شهدت القرائن بأحدهما حُكِم به، وإن احتُمِل الأمران فالوجهان وكذا لو وجداه تالفاً وكان ممَّا يكفي في قبضه التخليةُ واختَلَفا في تقدّم التلف عن البيع وتأخُّرِه، أو لم يختلفا، فإنّه يتعارض أصلا عدم تقدّم كلّ منهما، فيتساوقان ويتساقطان. ويتّجه تقديمُ حقِّ المشتري؛ لأصالة بقاءِ يده ومِلكِه للثمن، والعقدُ الناقلُ قد شُكّ في تأثيره؛ لتعارض الأصلين.

[المسألة] (التاسعة :

يُعتبر ما يراد طعمُه) كالديس (وريحُه) كالمشك، أو يُوصَف على الأَولى، (ولو اشتراه) من غير اختبارٍ ولا وصفٍ، (بناءً على الأصل) وهو الصحَّة (جاز) مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوامِ واللونِ وغيرِهما ممَّا يَختلِف

ص: 150

قيمتُه باختلافه. وقيل: لا يصحّ بيعه إلَّا بالاعتبار أو الوصف كغيره (1)؛ للغرر.

والأظهر جَواز البِناء على الأصل: إحالةً على مقتضى الطبع، فإنّه أمر مضبوط عرفاً، لا يَتغيَّر غالباً إلَّا بعيب(2)، فيجوز الاعتماد عليه ؛ لارتفاع الغرر به، كالاكتفاء برؤية ما يدلّ بعضُه على باقيه غالباً، كظاهرِ الصُبرة وأُنموذَجِ المُتماثِل، ويَنجبِر النقصُ بالخيار.

(فإن خرج مَعِيباً تخيَّر المشتري بين الرد والأرش) إن لم يتصرّف فيه تصرُّفاً زائداً على اختباره، ويتعيَّن الأرشُ لو تصرَّفَ فيه كما في غيره من أنواع المبيع، وإنْ كان المشتري المتصرِّفُ (أعمى)؛ لتناول الأدلَّة له، خلافاً لسلّار(3)، حيث خيَّر الأعمى بين الردّ والأرش وإن تصرّف.

(وأبلغ في الجواز) من غير اعتباره (ما يَفسُد باختباره كالبِطِّيخ والجَوْز والبَيْض)؛ لمكان الضرورة والحرج، (فإن) اشتراه، فظهر صحيحاً فذاك، وإن ظهر فاسداً بعد كَسْرِه (رجع بأرشه) وليس له الردُّ؛ للتصرّف إن كان له قيمة، (ولو لم يكن لمكسوره قيمة كالبيض الفاسد رجع بالثمن أجمعَ؛ لبطلان البيع، حيث لا يقابل الثمنَ مالٌ.

(وهل يكون العقد مفسوخاً مِن أصله)؛ نظراً إلى عدم المالية من حين العقد، فيقع باطلاً ابتداءً، أو يَطرَأُ عليه الفسخ بعد الكسر ِوظهورِ الفساد؛ التفاتاً إلى حصول شرط الصحَّة حين العقد، وإنّما تَبيَّن الفسادُ بالكسر ، فيكون هو المفسد؟ (نظرٌ)، ورجحان الأوّل واضح؛ لأنّ ظهورَ الفساد كَشَف عن عدم الماليَّة في نفس الأمر حين البيع، لا أَحدَث عدمَها حينَه، والصحَّة مبنيّةٌ على الظاهر، وفي الدروس جزم بالثاني، وجعل الأوّل احتمالاً، وظاهرَ كلام الجماعة(4).

ص: 151


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 609؛ والشيخ في النهاية، ص 404.
2- في «ن»: «لعيب».
3- المراسم، ص 181 .
4- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(و) تظهر (الفائدةُ في مؤونة نَقْلِه عن الموضع) الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره، فعلى الأوّل على البائع، وعلى الثاني على المشتري لوقوعه في ملكه.

ويُشكل بأنَّه وإنْ كان مِلكاً للبائع حينئذٍ لكن نَقَلَه بغير أمره، فلا يتّجه الرجوعُ عليه بالمؤونة.

وكونُ المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث يرجع بما غرم، إنما يتَّجِه مع الغرور، وهو منفيٌّ (1) هنا لاشتراكهما في الجهل.

ولو أُريد بها مؤونةُ نقله من موضع الكسر لو كان مملوكاً، وطَلَب مالكُه نقلَه أو ما في حكمه، انعكس الحكمُ، واتَّجَه كونُه على البائع مطلقاً؛ لبطلان البيع على التقديرين.

و احتمالُ كونِه على المشتري؛ لكونه من فعله وزوال الماليَّة عنهما مشتركٌ أيضاً بين الوجهين وكيف كان فبِناء حكمها على الوجهين ليس بواضح.

وربما قيل بظهور الفائدة أيضاً فيما لو تبرّأَ البائع من عيبه، فيتّجه كون تلفه من المشتري على الثاني دون الأوّل. ويُشكل صحَّة الشرط على تقدير فساد الجميع؛ لمنافاته لمقتضى العقد، إذ لا شيءَ في مقابلة الثمن، فيكون أكلَ مالٍ بالباطل.

وفيما لو رَضِيَ به المشتري بعد الكسر. وفيه أيضاً نظر؛ لأنّ الرضى بعد الحكم بالبطلان لا أثر له.

[المسألة]( العاشرة:

يجوز بيعُ المِسْكِ في فأره) بالهمز، جمع فَأرَة به أيضاً، كالفأرة في غيره، وهى الجِلْدَة المشتمِلةُ على المِسك (وإنْ لم تُفتَق)، بناءً على أصل السلامة، فإن ظهر بعد فَتْقِه معيباً تَخَيَّر. (وفَتقُه بأن يُدخل فيه خَيْطٌ) بِإِبْرَة ثُمَّ يُخرَج (ويُشَمّ، أحوطُ)؛ لترتفع الجهالةُ رأساً.

ص: 152


1- صحیح مسلم، ج 3، ص 1153 ، ح4/ 1513 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 739 ، ح 2195 .
[المسألة] (الحادية عشرةَ:

لا يجوز بيعُ سَمَكِ الآجام مع ضميمة القَصَبِ أو غيرِه)؛ للجهالة ولوْ في بعض المبيع. (ولا اللبنِ في الضَرْع) بفتح الضاد، وهو الثَديُ لكلّ ذاتِ خُفّ أو ظِلْفٍ (كذلك) أي وإنْ ضَمَّ إليه شيئاً ولوْ لبناً محلوباً؛ لأنّ ضميمة المعلوم إلى المجهول تُصيّر المعلوم مجهولاً. أمَّا عدم الجواز بدون الضميمة، فموضع وفاق، وأمَّا معها، فالمشهور أنَّه كذلك.

وقيل: يصحّ(1)؛ استناداً إلى رواية ضعيفة (2). وبالَغَ الشيخ فجوَّز ضميمة ما في الضرع إلى ما يتجدَّد مدَّةً معلومة(3). والوجه المنع. نعم، لو وقع ذلك بلفظ الصلح اتَّجه الجوازُ.

وفصّل آخرون فحكموا بالصحَّة مع كون المقصود بالذاتِ المعلومَ وكونِ المجهول تابعاً، والبطلانِ مع العكس، وتساويهما في القصد الذاتي(4)، وهو حسن. وكذا القول في كلّ مجهول ضُمَّ إلى معلوم.

(ولا الجلودِ والأصواف) والأشعار (على الأنعام) وإنْ ضمَّ إليها غيره أيضاً؛ لجهالة مقداره، مع كون غير الجلود موزوناً، فلا يباع جُزافاً، (إلَّا أن يكون الصوف) وشبهُه (مُسْتَجِزّاً أو شَرَط جزَّه، فالأقرب الصحَّة)؛ لأن المبيع حينئذٍ مشاهَدٌ، والوزن غير معتبَرٍ مع كونه على ظَهْرها وإنْ اسْتَجَزَّت كالثمرة على الشجرة وإن استَجَزَّت.

وينبغي على هذا عدم اعتبار اشتراط جزّه ؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحَّة، بل غايتُه مع تأخيره أن يَمتزج بمال البائع، وهو لا يقتضي بطلانَ البيع، كما لو امتَزَجَتْ لَقَطَةُ الخُضر بغيرها، فيُرجَع إلى الصلح ولو شَرَط تأخيرَه مدَّةً معلومة وتبعيَّةَ المتجدِّد، بُنِي على القاعدة السالفة، فإن كان المقصود بالذات هو الموجود صحّ، وإلّا فلا.

ص: 153


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 400 - 401 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 246.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 126، ح 550 و 551.
3- النهاية، ص 400 .
4- مختلف الشيعة، ج 5، ص 269، المسألة 238 .
[المسألة] (الثانيةَ عشرةَ:

يجوز بيعُ دُودِ القَزّ)؛ لأنَّه حيوانٌ طاهرٌ يُنتفَع به منفعة مقصودة محلَّلَة، (ونفسِ القَزّ وإنْ كان الدُود فيه؛ لأنَّه كالنَوٰى في التمر). فلا يَمنَع من بيعه.

وربما احتُمِل المنع؛ لأنَّه إن كان حيّاً عُرضَةٌ للفَساد، وإن كان ميِّتاً دخل في عموم النهي عن بيع الميتة(1). وهو ضعيف؛ لأنّ عُرضة الفساد لا يقتضي المنعَ، والدود لا يُقصد بالبيع حتَّى تَمنَع مَيْتَتُه ، وإلى جوابه أشار المصنِّف بقوله: «لأنَّه كالنوى». وقد يقال: إنّ في النوى منفعةً مقصودةً كعلف الدوابّ، بخلاف الدود الميِّت. وكيف كان لا تَمنَع من صحَّة البيع.

[المسألة] (الثالثةَ عشرةَ:

إذا كان المبيعُ في ظرفٍ) جاز بيعُه مع وزنه معه، وأُسقِط ما جَرَت العادة به للظرف)، سواءٌ كان ما جرت به زائداً عن وزن الظرف قطعاً، أم ناقصاً. ولو لم تَطَّرِد العادةُ لم يَجُز إسقاطُ ما يَزيد إلَّا مع التراضي ولا فرق بين إسقاطه بغير ثمنٍ أصلاً، وبثمنٍ مغايرٍ للمظروف.

(ولو باعه مع الظرف) من غير وَضْعٍ، جاعلاً مجموع الظرف والمظروف مبيعاً واحداً بوزنٍ واحدٍ (فالأقرب الجوازُ)؛ لحصول معرفةِ الجملة الرافعة للجَهالة، ولا يقدح الجهل بمقدار كلّ منهما منفرداً؛ لأنّ المبيعَ هو الجملة، لا كلُّ فردٍ بخصوصه.

وقيل: لا يصحّ حتّى يُعلم مقدارُ كلّ منهما؛ لأنَّهما في قوَّة مَبيعَين(2)وهو ضعيف.

ص: 154


1- المائدة (5): 3؛ مستطرفات السرائر، ج 3، ص 573 ؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 110، ح 301 .
2- لم نعثر عليه في كتب فقهائنا، نعم، نسبه إلى بعض الشافعيّة والحنابلة العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 90، المسألة 49 .

(القول في الآداب )

إشارة

(القول في الآداب (1))

(وهي أربعة وعشرون)

(الأوّل:

التفقُّه فيما يَتَوَلّاه) من التكسُّب؛ ليَعرِف صحيحَ العقد من فاسده، ويَسلَم من الربا (و) لا يُشترَط معرفةُ الأحكام بالاستدلال، كما يقتضيه ظاهر الأمر بالتفقّه بل (يَكفِي التقليدُ)؛ لأنّ المراد به هنا معرفتها على وجه يصحّ، وقد قال عليّ (علیه السلام) : «مَنْ اتَّجَرَ بِغَير عِلمٍ فَقَد ارْتَطَمَ في الربا ثمّ ارْتَطَم»(2).

(الثاني:

التسويةُ بين المعاملين في الإنصاف)، فلا يَفرِقُ بين المُماكِسِ وغيرِه، ولا بين الشريف والحقير نعم، لو فاوَتَ بينهم بسبب فضيلةٍ ودِينٍ فلا بأس، لكن يُكرَه للآخذ قبولُ ذلك، ولقد كان السَلَفُ يُوَكِّلون في الشراء مِمَّن لا يُعرَف هَرَباً من ذلك.

(الثالث:

إقالةُ النادم) فقد قال الصادق(علیه السلام) : «أيُّما عبدٍ مسلمٍ أقال مُسلِماً في بيع أَقاله اللهُ عَثْرَتَه يومَ القيامة»(3)، وهو مطلق في النادمِ وغيرِه، إلَّا أَنَّ ترتُبَ الغاية مُشعرٌ به.

وإنَّما يفتقر إلى الإقالة (إذا تَفَرَّقا من المجلس، أو شَرَطا عدمَ الخيار)، فلو كان للمشتري خيارٌ، فَسَخَ به، ولم يكن محتاجاً إليها.

(وهل تُشرَع الإقالةُ في زَمَن الخيار ؟ الأقرب نعم)؛ لشمول الأدلَّة له خصوصاً الحديثَ السابق، فإنّه لم يَتَقَيَّد بتوقّف المطلوب عليها.(ولا يَكادُ تَتَحَقَّق الفائدة) في الإقالة حينئذٍ، (إلَّا إذا قلنا هى بيعٌ)، فيترتَّب عليها أحكام البيع من الشُفعة وغيرِها. بخلاف الفسخ، (أو قلنا بأنّ الإقالةَ من ذي الخيار إسقاطٌ للخيار)؛ لدَلالتها على

ص: 155


1- في بعض النسخ زيادة: «المستحبَّة».
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 5. ح 14.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 8، ح 26 .

الالتزام بالبيع، وإسقاطُ الخيار لا يختصّ بلفظ، بل يَحصُل بكلّ ما دَلَّ عليه من قولٍ وفعلٍ. وتظهر الفائدة حينئذٍ فيما لو تبيَّن بطلان الإقالة، فليس له الفسخ بالخيار.

(ويُحتمل سقوط خياره بنفس طلبها مع علمه بالحكم)؛ لما ذكرناه من الوجه، ومن ثُمَّ قيل بسقوط الخيار لمن قال لصاحبه «اخْتَرْ»(1)، وهو مروي أيضاً(2).

والأقوى عدم السقوط في الحالين؛ لعدم دَلالته على الالتزام حتّى بالالتزام، ويجوز أن يكون مطلوبُه من الإقالة تحصيلَ الثواب بها، فلا ينافي إمكانَ فسخه بسببٍ آخَرَ، وهو من أتمّ الفوائد.

(الرابع:

عدمُ تزيين المتاع) لِيَرغَب فيه الجاهلُ، مع عدم غايةٍ أُخرى للزينة، أمَّا تزيينه لغايةٍ أُخرى، كما لو كانت الزينةُ مطلوبةً عادةً، فلا بأس.

(الخامس:

ذِكرُ العَيب) الموجود في مَتاعه (إن كان) فيه عيبٌ، ظاهراً كان أم خَفيّاً ؛ للخبر (3)؛ ولأنّ ذلك من تمام الإيمان والنصيحة.

(السادس:

تركُ الحَلْف على البيع والشراء) ؛ قال (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «ويل للتاجر من لا والله وبلى والله»(4)، وقال(صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «من باع واشترى فَلْيَحفَظ خمسَ خِصالٍ، وإلّا فلا يشتري ولا يبيع: الربا والحلف، وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشترى»(5). وقال الكاظم(علیه السلام) : «ثلاثةٌ لا يَنظُرُ الله إليهم، أحدهم: رجل اتَّخذ الله عزّوجل بضاعةً ،لا يشتري إلَّا بيمين ولا يبيع إلَّا بيمين»(6)، وموضعُ الأدبِ الحلفُ صادقاً، أمَّا الكاذبُ فعليه لعنة الله.

(السابع:

المسامحة فيهما وخصوصاً في شِراء آلاتِ الطاعات)، فإنّ ذلك مُوجِبٌ

ص: 156


1- نسبه إلى قيل المحقِّق في شرائع الاسلام، ج 2، ص 15 والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 94، المسألة 55.
2- صحيح البخاري، ج 2، ص 743، ح 2003.
3- الكافي، ج 5، ص 153 ، باب آداب التجارة، ح 18.
4- الفقيه، ج 3، ص 160 . ح 3587.
5- الكافي، ج 5، ص 150، باب آداب التجارة، ح 2.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 13 . ح 56.

للبركةِ والزيادةِ. وكذا يُستحَبّ في القضاء والاقتضاء للخبر (1).

(الثامن :

تكبير المشتري) ثلاثاً (وتشهُّده الشهادتين بعد الشراء) ولْيَقُل بعدهما: «اللهمّ إنّي اشتريتُه أَلتمسُ فيه من فضلك فاجْعَل لي فيه فضلاً، اللهم إنّي اشتريته ألتمِسُ فيه رزقاً، فاجعل لى فيه رزقاً».

(التاسع:

أن يقبض ناقصاً ويَدفَع راجحاً ؛نُقصاناً ورُجحاناً لا يُؤدِّي إلى الجَهالة) بأن يزيد كثيراً بحيث يُجهَل مقدارُه تقريباً.

ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قُدّم من بيده الميزان والمكيال؛ لأنَّه الفاعل المأمورُ بذلك، زيادةً على كونه معطياً وآخذاً.

(العاشر:

أن لا يَمدَحَ أحدهما سِلْعتَه، ولا يَذُمَّ سِلْعَةَ صاحبِه)؛ للخبر المتقدّم (2) وغيرِه (3). (ولو ذَمَّ سِلْعةَ نفسه بما لا يشتمل على الكذب فلا بأس).

الحادي عشر :

تركُ الربح على المؤمنين)؛ قال الصادق (علیه السلام): «ربحُ المؤمن على المؤمن حرام إلَّا أن يَشتريَ بأكثر من مائة درهم فأَرْبحْ عليه قُوتَ يومِك، أو يشتريَه للتجارة، فأربِحوا عليهم وارْفُقُوا بهم »(4). (إلَّا مع الحاجة، فيأخذ منهم نفقةَ يومٍ) له ولعَياله، (مُوَزَّعَةً على المعامِلِين) في ذلك اليوم مع انضباطهم، وإلا تَرَك الربح على المعامِل (5)بعد تحصيل قُوتِ يومِه. كلّ ذلك مع شرائهم للقُوت، أمَّا للتجارة فلا بأس مع الرِفق، كما دلّ عليه الخبر(6) .

(الثاني عشر :

تركُ الربح على الموعود بالإحسان) بأن يقول له: «هَلُمَّ أُحْسِنْ إليك»، فيَجعَل إحسانَه الموعودَ به تركَ الربح عليه، قال الصادق(علیه السلام) : «إذا قال الرجل

ص: 157


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 18، ح 79 .
2- تقدم في ص 155 ، الهامش 3 .
3- الكافي، ج 5، ص 153، باب آداب التجارة، ح 18.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 7، ح 23. وفيه: «ربح المؤمن على المؤمن رباً».
5- في (س، ن»: «المعاملين».
6- تقدَّم تخريجه في الهامش 3.

للرجل هَلُمَّ أُحْسِنْ بيعَكَ يَحرُم عليه الربحُ»(1)، والمراد به الكراهةُ المؤكَّدةُ.

(الثالث عشَر:

ترك السَبقِ إلى السوق والتأخّرِ فيه)، بل يُبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه؛ لأنَّه مأوى الشياطين، كما أنَّ المسجد مأوى الملائكة، فيكون على العكس. ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره، ولا بين أهل السوق عادةً وغيرِهم.

(الرابع عشَر:

تركُ معاملة الأدنَيْنَ)، وهم الذين يحاسبون على الشيء الدون، أو مَن لا يَسُرُّه الإحسانُ ولا تَسُوءُه الإساءة أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه: (والمحارَفين) بفتح الراء، وهم الذين لا يبارَك لهم في كسبهم. قال الجوهري:

رجل محارَف -بفتح الراء - أي محدودٌ محرومٌ، وهو خلاف قولك: مبارَك، وقد حُورِفَ كسبُ فلانٍ، إذا شُدّد عليه في معاشه كأنّه مِيلَ برزقه عنه(2) .

(والمَؤُوفين) أي ذَوِي الآفة والنقص في أَبدانهم؛ للنهي عنه في الأخبار؛ معللاً ب- « أنّهم أظلمُ شيء»(3)، (والأكرادِ)؛ للحديث عن الصادق (علیه السلام) معللاً ب-«أنَّهم حي من أحياء الجنِّ كشف الله عنهم الغِطاءَ»(4)، ونَهى فيه أيضاً عن مخالطتهم(5)؛ (وأهلِ الذمَّة) للنهى عنه(6)، ولا يتعدّى إلى غيرهم من أصناف الكفّار للأصل، والفارق، (وذوي الشُبهة في المال) كالظَلَمة؛ لسريان شُبَهِهِم إلى ماله.

(الخامس عشَر:

تركُ التعرُّض للكيل أو الوزن إذا لم يُحسِن)؛ حَذَراً من الزيادة والنقصان المؤدِّيَين إلى المُحرَّم . وقيل : يَحرُم حينئذٍ (7)؛ للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم(8)، وحُمِل على الكراهة.

ص: 158


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 7 ، ح 21 .
2- الصحاح ، ج 3، ص 1342، «حرف».
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 10 - 11. ح 35 و 40.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 11، ح 42.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 11، ح 42.
6- الفقيه ، ج 3، ص 164، ح 3607؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 185، ح 815 .
7- في مسالك الأفهام، ج 3، ص 186: «حرمه بعض الأصحاب»؛ وفي مفتاح الكرامة، ج 12، ص 449: «لم نجد القائل... ».
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 12، ح 47.

(السادس عشَر :

تركُ الزيادة في السِلْعة وقتَ النداء) عليها من الدَلّال، بل يصبر حتّى يَسكُت ثمّ يَزيدُ إن أراد؛ لقول عليّ (علیه السلام) : «إذا نادَى المنادي، فليس لك أن تزيد وإنّما يُحرّم الزيادةَ النداءُ ويُحِلُّها السكوتُ»(1).

(السابع عشر:

تركُ السَوم) وهو الاشتغال بالتجارة (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لنهي النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) عنه (2)؛ ولأنَّه وقتُ الدعاءِ ومسألةِ الله تعالى لا وقتُ تجارةٍ، وفي الخبر: «أنّ الدعاءَ فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»(3).

(الثامن عشَر :

تركُ دخول المؤمن في سَوْم أخيه) المؤمن (بيعاً وشراءً) بأن يَطلُبَ ابتياع الذي يريد أن يشتريه ويبذل زيادةً عنه ليُقدِّمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتَّفق هو والبائع عليه ؛ لقول النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «لا يَسُوم الرجل على سَوْم أخيه»(4)، وهو خبر معناه النهي، ومن ثَمّ قيل بالتحريم (5)؛ لأنَّه الأصل في النهي.

وإنّما يُكره أو يَحرُم (بعد التراضي أو قربِه)، فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة ولا تحريم. (ولو كان السوم بين اثنين) سواءٌ دَخَل أحدهما على النهي أم لا، بأن ابتَدَءَا فيه معاً قبل محلّ النهى (لم يَجعَل نفسه بدلاً من أحدهما) لصدق الدخول فى السوم

(ولا كَراهية فيما يكون في الدِلالة)؛ لأنَّها موضوعة عرفاً لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها، فإذا حصل الاتّفاقُ بين الدلّال والغريم تعلَّقت الكراهة؛ لأنَّه لا يكون حينئذٍ في الدِلالة وإن كان بيد الدلّال.

(وفي كراهية طلب المشتري من بعض الطالبين التركَ له نظر) من عدم صدق

ص: 159


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 227، ح 994 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 8، ح 28.
3- الخصال، ص 615 - 616 ، حديث أربعمائة، ح 10.
4- الفقيه، ج 4، ص 5 ، ح 4971؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 587 ، ح 1292؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 565. ح 10897 و 10898 .
5- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 102؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 235.

الدخول في السوم من حيث الطلب منه ومن مساواته له في المعنى حيث أراد أن يَحْرِمَه مطلوبَه. والظاهرُ القطعُ بعدم التحريم على القول به في السوم، وإنما الشكُ في الكراهة.

(ولا كراهية في ترك المُلتَمَس منه) ؛ لأنَّه قضاءُ حاجةٍ لأخيه، وربما استُحِبَّت إجابته لو كان مؤمناً. ويُحتمَل الكراهةُ لو قلنا بكراهة طلبه؛ لإعانته له على فعل المكروه. وهذه الفروع من خواصِّ الكتاب.

(التاسع عشر :

تركُ توكَّلِ حاضر لِبادٍ)، وهو الغريب الجالب للبلد وإن كان قَرَويّاً. قال النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «لا يَتَوكَّلْ حاضر لبادٍ، دَعُوا الناسَ يَرزُق الله بعضَهم من بعض»(1). وحمَل بعضهم النهي على التحريم(2)، وهو حسن لو صحَّ الحديث، وإلّا فالكراهة أوجه للتسامح في دليلها.

وشرطه ابتداءُ الحَضَري به فلو التمسه منه الغريب فلا بأس به، وجهل الغريب بسعر البلد، فلو عَلِم به لم يُكره، بل كانت مساعَدتُه محضَ الخير. ولو باع مع النهي انعقد وإنْ قيل بتحريمه. ولا بأس بشراء البلدي له؛ للأصل.

(العشرون:

ترك التلقِّي) وهو الخروج إلى الركب القاصدِ إلى بلد؛ للبيع عليهم أو الشراءِ منهم، (و حَدُّه أربعةُ فراسخَ) فما دون، فلا يُكره ما زاد؛ لأنَّه سفرٌ للتجارة.

وإنما يُكرَه (إذا قَصَد) الخروجَ لأجله، فلو اتَّفق مصادَفَتُه الرَكْبَ في خروجه لغرض لم يكن به بأس، (ومع جهل البائع أو المشتري) القادمِ (بالسِعر) في البلد، فلو عَلِم به لم يُكرَه، كما يُشعر به تعليله في قوله: «لا يَتَلَقَّ أحدكم تجارةً خارجاً من المصر، والمسلمون يَرزُق الله بعضهم من بعض»(3)، والاعتبار بعلم من يعامله خاصّةً.

(و) كذا ينبغي (تركُ شِراء ما يُتَلَقَّى) ممّن اشتراه من الرَكب بالشرائط، ومن ترتَّبَت يده على يده وإنْ تَرَامَى؛ لقول الصادق(علیه السلام) : «لا تَلَقَّ ولا تشتَرِ ما يُتَلَقَّى ولا تأكلْ

ص: 160


1- الأمالي الطوسي، ص 396 - 397، 879 /27، وفيه: لا يبيع حاضر لبادٍ.
2- الشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 102 - 103 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 236.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 158، ح 697 .

منه»(1). وذهب جماعة إلى التحريم (2)؛ لظاهر النهي في هذه الأخبار.

وعلى القولين يصحّ البيع (ولا خيار) للبائع والمشتري (إلّا مع الغبن) فيتخيَّر المغبون على الفور في الأقوى.

ولا كَراهة في الشراء والبيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد بحيث لا يصدُقُ التلقِّي وإن كان جاهلاً بسعره؛ للأصل، ولا في بيع نحو المأكول والعَلَف عليهم وإنْ تَلَقَّى.

(الحادي والعشرون:

تركُ الحُكرة) بالضمِّ، وهو جمعُ الطعام وحَبْسُه يُتَرَبَّص به الغَلاء. والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه؛ لصحَّة الخبر بالنهي عنه عن النبيّ (3)(صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) وأنَّه «لا يَحتكِر الطعامَ إلَّا خاطئٌ»(4)، وأنّه «ملعون»(5).

وإنّما تَثبُت الحُكرةُ (في) سبعة أشياءَ: (الحِنطةِ والشعيرِ، والتمرِ، والزبيبِ والسَمْنِ والزَيْتِ، والمِلْحِ). وإنَّما تكره إذا وُجد باذل غيره يكتفي به الناسُ، (ولو لم يُوجَد غيره وجب البيع) مع الحاجة ولا يتقيَّد بثلاثة أيام في الغَلاء وأربعين في الرُخْص. وما رُوِيَ من التحديد بذلك(6)محمولٌ على حصول الحاجة في ذلك الوقت؛ لأنَّه مظنَّتُها.

(ويُسَعَّر عليه) حيث يجب عليه البيع (إن أَجْحَف) في الثمن؛ لما فيه من الإضرار المنفيِّ(7)، (وإلّا فلا). ولا يجوز التسعيرُ في الرُخْص مع عدم الحاجة قطعاً. والأقوى أنه مع الإجحاف حيث يُؤمَر به لا يُسَعَّر عليه أيضاً، بل يُؤمَر بالنزول عن المُجْحَف وإِنْ كان في معنى التسعير، إلَّا أنه لا يُحصر في قدرٍ خاصّ.

ص: 161


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 158، ح 696.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 102؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 237 - 238.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 160 ، ح 707؛ المصنف ابن أبي شيبة ج 5، ص 47، باب احتكار الطعام، ح 2.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 159، ح 701.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 159، ح 702.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 159 ، ح 703 .
7- الفقيه ، ج 4، ص 334 ح 5721 .

(الثاني والعشرون:

تركُ الربا في المعدود على الأقوى)؛ للأخبار الصحيحة الدالة على اختصاصه بالمكيل والموزون(1). وقيل: يحرم فيه أيضاً (2)؛ استناداً إلى رواية ظاهرة في الكَراهة (3): (وكذا في النسيئة) في الرَّبَوِي (مع اختلاف الجنس) كالتمر بالزبيب.

وإنَّما كُرِه فيه؛ للأخبار الدالة على النهي عنه(4)، إلَّا أنّها في الكراهة أظهر؛ لقوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) :«إذا اختلف الجنسُ فبِيعُوا كيف شئتم»(5) . وقيل بتحريمه(6)؛ لظاهر النهي كالسابق.

(الثالث والعشرون:

تركُ نسبة الربحِ والوضيعةِ إلى رأس المال)، بأن يقول: «بعتُك بمائة وربح المائة عشرةٌ أو وضیعتُها » للنهي عنه (7)؛ ولأنَّه بصورة الربا. وقيل: يحرم(8)؛ عملاً بظاهر النهي. وترك نسبته كذلك أن يقول: «بعتُك بكذا وربحٍ كذا، أو وضيعته».

(الرابع والعشرون:

ترك بيع ما لا يُقبَض ممّا يُكال أو يُوزن) للنهي عنه في أخبارٍ صحيحةٍ (9)حُملت على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز (10). والأقوى التحريمُ وِفاقاً للشيخ في المبسوط مدّعياً الإجماعَ(11) ، والعلَّامة في التذكرة والإرشاد (12) ؛ لضعف رواياتِ الجواز المقتضية لحمل النهي في الأخبار الصحيحة على غير ظاهره.

ص: 162


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 118، ح 515.
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 605 ؛ وسلّار في المراسم، ص 180.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 120، ح 521.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 93 ، ح 396.
5- صحيح مسلم، ج 3، ص 1211، ح 81/ 1587؛ وسنن أبي داود، ج 3، ص 248 - 249، ح 3350 بتفاوت قليل؛ والمعجم الكبير، الطبراني، ج 1، ص 339، ح 1017 ، وفيه: فإذا اختلف النوعان فلا بأس...
6- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 19.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 54. ح 234 - 236.
8- قال به الشيخ في النهاية، ص 389 .
9- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 37 ، ح 156.
10- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 36 ، ح 151.
11- المبسوط، ج 2، ص 55 .
12- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 122 ، المسألة 66 : إرشاد الأذهان، ج 1، ص 382.

(الفصل الثالث في بيع الحيوان )

إشارة

(الفصل الثالث في بيع الحيوان(1) )

وهو قسمان: أَناسِيٌّ وغيرُه. ولمّا كان البحث عن البيع موقوفاً على المِلك، وكان تملُّكُ الأوّل موقوفاً على شرائطَ، نبّه عليها أولاً ثمّ عقّبه بأحكام البيع. والثاني وإنْ كان كذلك، إلَّا أنّ لذكر ما يَقبَل الملكَ منه محلاً آخرَ بحسب ما اصطَلَحوا عليه، فقال :

(والأناسيُ تُملَك بالسبْي مع الكفر الأصلي)، وكونِهم غيرَ ذمَّة. واحترز بالأصلي عن الارتداد، فلا يجوز السبْيُ وإن كان المرتدُّ بحكم الكافر في جملة من الأحكام.

(و) حيث يُملَكون بالسبي (يَسرِي الرقُ) في أعقابهم (وإنْ أَسلَموا بعد) الأسْر ( ما لم يَعرِض) لهم (سببٌ محرِّرٌ) من عتقٍ أو كتابةٍ أو تنكيلٍ أو رَحِمٍ على وجه.

(والملقوطُ في دار الحرب رِقٌ إذا لم يكن فيها مسلمٌ(2)) صالحٌ لتولُّدِه منه، (بخلاف) لقيط (دار الإسلام) فإنّه حرٌّ ظاهراً، (إلَّا أن يَبْلُغَ) ويَرشَدَ على الأقوى، (ويُقِرَّ على نفسه بالرقِّ)، فيُقبَل منه على أصحّ القولين(3)؛ لأنّ «إقرار العقلاء على

ص: 163


1- فائدة: لو باع حيواناً بحيوان فالثمن ما قرن ب- «الباء»، كقوله: «بعتك هذا بهذا»، فالثاني هو المقرون بها، وليس هو الأول. وقيل: لهما الخيار. وقال السيد المرتضى: يثبت للبائع والمشتري مطلقاً. (زين رحمه الله)
2- صالح للاستيلاد ولو تاجراً أو أسيراً. (زين رحمه الله)
3- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 306 ، المسألة 131؛ وبعدم القبول قال ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 354.

أنفسهم جائز» (1). وقيل : لا يُقبَل؛ لسَبْق الحكم بحرِّيّته شرعاً، فلا يَتَعَقَّبها الرقُ بذلك(2).

وكذا القولُ في لقيط دار الحرب إذا كان فيها مسلم، وكلّ مُقرّ بالرقِّية بعد بلوغه ورُشده وجهالةِ نَسَبه، مسلماً كان أم كافراً، لمسلم أقرّ أم لكافر، وإنْ بِيعَ على الكافر لو كان المُقِرُّ مسلماً.

(والمسبيُّ حالَ الغَيبة يجوز تملُّكُه ولا خمس فيه) للإمام (علیه السلام)ولا لفريقه، وإنْ كان حقُّه أن يكون للإمام (علیه السلام)خاصّةً؛ لكونه مغنوماً بغير إذنه، إلَّا أنهم (علیهم السلام)أَذِنوا لنا في تملّكه كذلك (رخصةً) منهم لنا (3)، وأمَّا غيرُنا، فتُقَرُّ يدُه عليه ويُحكَم له بظاهر المِلك؛ للشبهة، كتملّك الخراج والمُقاسَمة، فلا يُؤخَذ منه بغير رضاه مطلقاً.

(ولا يَستقِرّ للرجل مِلكُ الأصولِ) وهم الأبوان وآباؤهما وإنْ عَلَوْا، (والفروعِ) وهم الأولاد ذكوراً وإناثاً وإنْ سَفَلْنَ، (والإناثِ المَحْرَمات) كالعمَّة والخالة والأُخت؛ (نسباً) إجماعاً، (ورضاعاً) على أصحّ القولين(4)؛ للخبر الصحيح ؛ معلّلاً فيه بأنَّه «يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب»(5)؛ ولأنّ «الرضاع لُحمةٌ كلُحمة النسب»(6).

(ولا) يَستقِرّ (للمرأة مِلكُ العمودَين): الآباءِ وإنْ عَلَوا، والأولادِ وإنْ سَفَلوا. ويَستقِرّ على غيرهما وإنْ حرُم نكاحه، كالأخ والعمِّ والخال وإن استُحِبّ لها اعتاقُ المَحْرَم.

ص: 164


1- لم نجده فيما بين أيدينا من المصادر الحديثية ولكن أورده العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226، وص 370، المسألة 337، وص 543، المسألة 258؛ وتذكرة الفقهاء، ج 4، ص 233، المسألة 431؛ وإيضاح الفوائد، ج 2، ص 428؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2) ؛ وكذلك في عوالي اللآلي، ج 2، ص 257، ح 5.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 354.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 137 - 143، باب الزيادات في الأنفال.
4- قال بعدم الملك الشيخ في النهاية، ص 409؛ والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 236، المسألة 207 ؛ وقال بالملك الشيخ المفيد في المقنعة ص 599؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 343 .
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 326 ، ح 1342.
6- لم نعثر عليه في كتب الرواية ولكن نقله الكركي في جامع المقاصد، ج 4. ص 129.

وفي إلحاق الخنثى هنا بالرجل أو المرأة نظرٌ؛ من الشكِّ في الذكوريَّة التي هي سبب عتق غير العمودَين، فيُوجِب الشكَّ في عتقهم، والتمسّكَ بأصالة بقاء الملك. ومن إمكانها فيُعتَقون لبِنائه على التغليب. وكذا الإشكال لو كان مملوكاً. وإلحاقُه بالأُنثى في الأوّل وبالذكر (1)في الثاني لا يخلو من قوَّة؛ تمسّكاً بالأصل فيهما.

والمراد بعدم استقرار مِلكِ مَنْ ذُكِر أنّه يُملَك ابتداءً بوجود سبب الملك آناً قليلاً لا يَقبَل غيرَ العتق ثمّ يُعتقون؛ إذ لولا الملك لما حصل العتق. ومن عبّر من الأصحاب بأنّهما لا يَملِكان ذلك تَجَوَّز في إطلاقه على المستقِرّ ولا فرق في ذلك كلّه بين الملكِ القهري والاختياري ولا بين الكلّ ،والبعض فيُقَوَّم عليه باقيه إن كان مختاراً على الأقوى .

وقَرابة الشبهة بحكم الصحيح، بخلاف قَرابة الزنى على الأقوى؛ لأنّ الحكمَ الشرعي يَتبَع الشرعَ لا اللغةَ.

ويُفهم من إطلاقه كغيره «الرجلَ» و «المرأةَ» أنّ الصبيَّ والصبيَّةَ لا يُعتَق عليهم ذلك لو مَلَكوه إلى أن يبلغوا، والأخبار مطلقة فى الرجل (2)والمرأة كذلك، ويَعضُده أصالة البراءة وإن كان خطابُ الوضع غير مقصور على المكلّف.

(ولا تَمنَع الزوجيَّةُ من الشراء، فتبطُل) الزوجيَّةُ ويقع المِلكُ، فإن كان المشتري الزوجُ استباحَها بالمِلك، وإن كانت الزوجةُ حرُم عليها وطءُ مملوكها مطلقاً، وهو موضع وفاق. وعُلِّل ذلك بأنَّ التفصيل في حِلّ الوطء يقطع الاشتراك بين الأسباب(3)، وباستلزامه اجتماع علَّتين على معلول واحد. ويُضَعَّف بأنّ عللَ الشرع مُعرِّفات.

ومِلكُ البعض كالكلّ: لأن البضعَ لا يَتبعَّض.

(والحَمْلُ يَدخُل ) فى بيع الحامِل (مع الشرط) أي شرط دخوله، لا بدونه في

ص: 165


1- في «س، ن»: «الذكر».
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 243 - 244، ح 878 و 881.
3- راجع غاية المراد، ج 3، ص 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).

أصحّ القولين(1)؛ للمغايرة، كالثمرة. والقائلُ بدخوله مطلقاً يَنظُر إلى أنَّه كالجزء من الأُمِّ، وفَرَّع عليه عدمَ جواز استثنائه، كما لا يجوز استثناء الجزء المعيَّن من الحيوان.

وعلى المختار لا تمنع جَهالتُه من دخوله مع الشرط؛ لأنَّه تابع، سواء قال «بعتُكَها وحملَها»، أم وشرطتُ لك حملَها». ولو لم يكن معلوماً وأريد إدخاله، فالعبارةُ الثانيةُ ونحوُها لا غير.

ولو لم يَشترِطه واحتُمِل وجودُه عند العقد وعدمُه، فهو للمشتري؛ لأصالة عدم تقدُّمه. فلو اختلفا في وقت العقد قُدِّم قول البائع مع اليمين وعدم البيّنة؛ للأصل.

والبَيضُ تابع مطلقاً، لا كالحمل، كسائر الأجزاء وما يحتويه البطن.

(ولو شرط فسَقَط قبل القبض رَجَع) المشتري من الثمن (بنسبته) لفوات بعض المبيع، (بأن تُقَوَّم حاملاً ومُجهِضاً) أي مسقِطاً، لا حائلاً؛ للاختلافِ، ومطابَقةِ الأوّل للواقع، ويَرجِع بنسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن.

(ويجوز ابتياع جزءٍ مشاع من الحَيوان) كالنصف والثلث (لا معيَّنٍ (2)) كالرأس والجِلد، ولا يكون شريكاً بنسبة قِيمتِه على الأصحّ (3)؛ لضعفِ مُستَنَد الحكم بالشركة(4)، وتحقُّقِ الجهالة، وعدمِ القصد إلى الإشاعة، فيبطُل البيعُ بذلك، إلَّا أن يكون مذبوحاً، أو يُرادُ ذَبحُه، فيَقْوَى صحّةُ الشرط.

(ويجوز النظرُ إلى وجه المملوكة إذا أراد شراءَها وإلى محاسنها) وهي مواضعُ الزينة - كالكَفَّين والرجلين والشَعر - وإنْ لم يَأذن المولى. ولا تجوز الزيادةُ عن ذلك إلَّا بإذنه، ومعه يكون تحليلاً يُتَّبَع ما دَلَّ عليه لفظُه حتى العورة. ويجوز مسّ ما أُبِيح له نظرُه مع الحاجة. وقيل: يُباحُ له النظرُ إلى ما عدا العورة بدون الإذن(5)، وهو بعيد.

ص: 166


1- كما في مختلف الشيعة، ج 5، ص 238 - 239، المسألة 209. وبالعكس قال ابن حمزة في الوسيلة، ص 248.
2- يدخل النعل في بيع الدابّة مع الإطلاق. (زين رحمه الله )
3- القائل بالشركة الشيخ في النهاية، ص 413؛ والمبسوط، ج 2، ص 51 ؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 382.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 79 ، ح 341، ص 81، ح 350.
5- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 338، المسألة 151.

(ويُستحَبُّ تغييرُ اسم المملوك عند شِرائه) أي بعده، وقَوَّى في الدروس اطّرادَه في المِلك الحادث مطلقاً ؛(1)(والصدقةُ عنه بأربعة دراهمَ) شرعيَّةٍ، (وإطعامُه) شيئاً (حُلواً).

( ويُكرَه وطءُ) الأَمَةِ (المولودةِ من الزنى بالملك أو بالعقد)؛ للنهي عنه في الخبر؛ معللاً بأنّ «ولد الزنى لا يُفلح»(2)، وب-«العار»(3). وقيل: يحرم؛ بناءً على كفره (4)،وهو ممنوع .

(والعبدُ لا يَملك) شيئاً مطلقاً على الأقوى، عملاً بظاهر الآية(5)، والأكثر على أنَّه يملك في الجملة، فقيل: فاضلَ الضريبة(6)، وهو مرويّ(7)، وقيل: أرشَ الجناية(8)، وقيل ما ملَّكه مولاه معهما (9)، وقيل : مطلقاً، لكنّه محجور عليه بالرِقّ (10)؛ استناداً إلى أخبار (11) يمكن حملها على إباحة تصرّفه في ذلك بالإذن جمعاً.

وعلى الأوّل، (فلو اشتراه ومعه مالٌ، فللبائع) ؛ لأنّ الجميعَ مالُ المولى، فلا يدخُل في بيع نفسه؛ لعدم دَلالته عليه، (إلّا بالشرط، فيُراعى فيه شروطُ المبيع)، من كونِه معلوماً لهما أو ما في حكمه، وسلامتِه من الربا بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي أو زائداً عليه، وقبضِ مقابل الربوي في المجلس وغيرِها.

ص: 167


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- عوالي اللآلي ، ج 3، ص 534، ح 25؛ مستدرك الوسائل، ج 17 ، ص 432 - 433، كتاب الشهادات الباب 25 ، ذيل الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 477، ح 1917.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2 ص 353.
5- النحل (16): 75 .
6- قال به المحقِّق في المختصر النافع، ص 218 .
7- الكافي، ج 6 ، ص 190، باب المملوك يعتق وله مال، ح 1.
8- قال بهما الشيخ في النهاية، ص 543.
9- قال بهما الشيخ في النهاية، ص 543.
10- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 52.
11- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223، ح 803 و 804 .

( ولو جَعَل العبدُ ) لغيره (جُعْلاً على شرائه لم يَلزَم)؛ لعدم صحَّة تصرُّفه بالحَجرِ وعدمِ المِلك. وقيل: يَلزَم إن كان له مال بناءً على القول بملكه(1) . وهو ضعيف.

(ويجب) على البائع (استبراء الأَمَة قبل بيعها) إن كان قد وَطِئَها وإنْ عَزَل، (بحَيْضَةٍ أو مُضِيّ خمسة وأربعين يوماً فيمن لا تَحِيضُ وهي في سنِّ من تحيض، ويجب على المشتري أيضاً استبراؤُها، إلَّا أن يُخبِرَه الثقةُ بالاستبراء). والمراد بالثقةِ: العدل، وإنّما عبّر به تبعاً للرواية(2)، مع احتمال الاكتفاء بمن تَسكُن النفسُ إلى خبره. وفي حكم إخباره له بالاستبراء إخباره بعدم وطئها.

(أو تكونَ لامرأة) وإنْ أمكن تحليلها لرجل؛ لإطلاق النصّ(3). ولا يلحق بها العِنِّين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقِّه الوطءُ وإنْ شارك فيما ظُنَّ كونُه علَّةً؛ لبطلان القياس .

وقد يُجعل بيعها من امرأة ثمّ شراؤها منها وسيلةً إلى إسقاط الاستبراء، نظراً إلى إطلاقِ النصِّ من غير التفات إلى التعليل بالأمن من وطئها؛ لأنَّها ليست منصوصة، ومنع العلَّة المستنبَطة وإنْ كانت مناسبة.

(أو تكونَ يائسةً) أو صغيرةً أو حائضاً إلَّا زمانَ حيضها وإنْ بَقِى منه لحظةٌ.

(واستبراءُ الحامل بوضع الحمل) مطلقاً؛ لإطلاق النهي عن وطئها في بعض الأخبار «حتى تَضَعَ ولدَها»(4)، واستثنى في الدروس ما لو كان الحمل عن زنیً، فلا حرمة له (5).

والأقوى الاكتفاء بمُضي أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ لحملها، وكراهة وطئها بعدها، إلَّا أن يكون من زنىً، فيجوز مطلقاً على كراهة؛ جمعاً بين الأخبار الدالّ بعضُها على المنع

ص: 168


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 412.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 603.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174، ح 607 - 608.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176 ، ح 617.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 207 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

مطلقاً كالسابق، وبعضٌ على التحديد بهذه الغاية(1)، بحمل الزائد على الكراهة.

(ولا يحرُم في مدَّة الاستبراء غير ُالوطء) قبلاً ودُبُراً من الاستمتاع على الأقوى؛ للخبر الصحيح(2)، وقيل: يحرُم الجميع (3).

ولو وَطِئ في زمن الاستبراء أَثِمَ وعُزّر مع العلم بالتحريم، ولحق به الولد؛ لأنَّه وَطِئَ فِراش كوطئها حائضاً.

وفي سقوط الاستبراء حينئذٍ وجه؛ لانتفاء فائدته حيث قد اختَلَط الماءان؛ والأقوى وجوب الاجتناب بقيَّة المدَّة، لإطلاق النهي فيها.

ولو وَطِئ الحاملَ بعد مدَّة الاستبراء عَزَل، فإن لم يَفعَل كُرِه بيعُ الولد، واستُحِبَّ له عزل قسط «من ماله يعيش به»؛ للخبر معلّلاً ب-«تغذيته بنطفته»(4)، و«أنه شارَك في إتمامه»(5)، وليس في الأخبار تقدير القسط، وفي بعضها أنه «يعتقه ويجعل له شيئاً يعيش به؛ لأنَّه غذاه بنطفته»(6).

وكما يجب الاستبراء في البيع، يجب في كلّ مِلكٍ زائلٍ وحادثٍ بغيره من العقود، وبالسبْي والإرث وقَصْرُه على البيع ضعيف.

ولو باعها من غير استبراء أَثِم وصحّ البيع وغيره، ويتعيَّن حينئذٍ تسليمها إلى المشتري ومن في حكمه إذا طَلَبها؛ لصيرورتها ملكاً له. ولو أمكن إبقاؤها برضاه مدّة الاستبراء ولو بالوضع في يد عدلٍ وَجَب، ولا يجب على المشتري الإجابةُ.

(ويُكرَه التفرقةُ بين الطفل والأُمّ قبل سبع سنين) في الذكر والأنثى. وقيل: يكفي

ص: 169


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 468، ح 1878.
2- تهذيب الأحكام ، ج 8، ص 173، ح 605.
3- قال به الشيخ في المبسوط ح 2، ص 79؛ والعلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 407، الرقم 3488.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 178 ، ح 624.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 179، ح 626.
6- تقدّم في الهامش 4.

في الذكر حولان(1)، وهو أجود؛ لثبوت ذلك في حضانة الحرَّة، ففي الأمة أولى؛ لفقد النصِّ هنا. وقيل: يحرمُ التفريقُ في المدّة(2) ؛ لتظافر الأخبار بالنهي عنه(3)، وقد قال (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم): «من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبّته»(4). (والتحريم أحوط) بل أقوى.

وهل يزول التحريم أو الكراهة برضاهما أو رضى الأُم؟ وجهان: أجودهما ذلك. ولا فرق بين البيع وغيره على الأقوى.

وهل يَتَعَدَّى الحكم إلى غير الأُمِّ من الأرحام المشاركة لها في الاستئناس والشفقة - كالأُخت والعمّة والخالة - ؟ قولان(5): أجودهما ذلك؛ لدلالة بعض الأخبار عليه(6).

ولا يَتَعَدَّى الحكمُ إلى البهيمة؛ للأصل، فيجوز التفرقة بينهما بعد استغنائه عن اللبن مطلقاً وقبله إن كان ممّا يقع عليه الذكاة، أو كان له ما يمونه من غير لبن أمِّه.

و موضع الخلاف بعد سقي الأُمِّ اللبأَ، أمَّا قبله، فلا يجوز مطلقاً؛ لما فيه من التسبب إلى هلاك الولد، فإنّه لا يعيش بدونه على ما صرَّح به جماعة(7).

(وهنا مسائل :)

[المسألة الأولى]:

(لو حَدَث في الحَيوان عيبٌ قبل القبض فللمشتري الردّ والأرشُ)، أمَّا الردّ فموضع وفاق، وأمَّا الأرش فهو أصحّ القولين(8)؛ لأنَّه عِوَضٌ عن

ص: 170


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 503 ؛ ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 651.
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 601 ؛سلّار في المراسم، ص 178 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 73، ح 312 - 314 .
4- سنن الدار قطني، ج 2، ص 671، ح 3014/ 256؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 9، ص 212، ح 18309 و 18310.
5- نقل التحريم عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 249، المسألة 217 .
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 67 - 68، ذيل الحديث 290.
7- منهم: العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 335، المسألة 150 ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 158.
8- قال به الشيخ في النهاية، ص 395 ؛والعلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 83 ،المسألة 269 ؛ واختار عدم الأرش ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 305؛ والمحقِّق في نكت النهاية، ج 2، ص 162 .

جزءٍ فائتٍ، وإذا كانت الجملة مضمونةً على البائع قبل القبض، فكذا أجزاؤها.

(وكذا) لو حدث (في زمن الخيارِ) المختصِّ بالمشتري، أو المشتركِ بينه وبين البائع أو غيرِه؛ لأنّ الجملة فيه مضمونة على البائع أيضاً. أمَّا لو كان الخيارُ مختصاً بالبائع أو مشتركاً بينه وبين أجنبي، فلا خيار للمشتري. هذا إذا كان التعيُّبُ من قِبَل الله تعالى أو من البائع، ولو كان من أجنبيّ فللمشتري عليه الأرشُ خاصّةً. ولو كان بتفريط المشتري فلا شيء.

(وكذا) الحكم في (غير الحيوان) بل في تلف المبيعِ أجمعَ، إلَّا أنّ الرجوع فيه بمجموع القيمة. فإن كان التلفُ من قِبَل الله تعالى والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره، فالتلفُ من البائع، وإلّا فمن المشتري.

وإن كان التلف من البائع أو من أجنبي وللمشتري خيار واختار الفسخَ والرجوعَ بالثمن، وإلَّا رَجَع على المُتْلِف بالمثل أو القيمة. ولو كان الخيار للبائع والمتلف أجنبيٌ أو المشتري تخيَّر ورجع على المُتلِف.

[المسألة] (الثانية:

لو حَدَث) في الحَيوان (عَيبٌ من غير جهة المشتري في زمن الخيار، فله الردّ بأصل الخيار)؛ لأنّ العيب الحادث غيرُ مانع منه هنا؛ لأنّه مضمون على البائع، فلا يكون مؤثراً في رفع الخيار، (والأقرب جواز الردّ بالعيب أيضاً)؛ لكونه مضموناً.

(وتظهر الفائدة لو أسقط الخيار الأصلي والمشترَطَ (1)) فله الردّ بالعيب. وتظهر الفائدة أيضاً في ثبوتِ الخيار بعد انقضاء الثلاثة وعدمه، فعلى اعتبار خيار الحيوان خاصّةً يَسقُط الخيار وعلى ما اختاره المصنف يَبقَى؛ إذ لا يَتَقَيَّد خيارُ العيب بالثلاثة وإنْ اشتُرط حصولُه فى الثلاثة فما قبلها، وغايته ثبوته فيها بسببين،

ص: 171


1- بأن يكون الإسقاط بعد حدوث العيب. (زین رحمه الله )

وهو غير قادح؛ فإنّها معرّفات يمكن اجتماع كثيرٍ منها في وقتٍ واحدٍ، كما في خيار المجلسِ والحيوانِ والشرطِ والغَبْنِ إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرّق.

(وقال الفاضل نجم الدين أبو القاسم) جعفر بن سعيد (رحمه الله) (في الدرس) على ما نُقل عنه: (لا يَرُدُّ إلَّا بالخيار، وهو ينافي حكمَه في الشرائع بأنّ الحدثَ) الموجِبَ لنقص الحيوان (في الثلاثة من مال البائع)، وكذا التلف (مع حكمه) فيها بعد ذلك بلا فصل (بعدم الأرش فيه)(1) ؛ فإنّه إذا كان مضموناً على البائع كالجملة لزمه الحكم بالأرش؛ إذ لا معنى لكون الجزء مضموناً إلَّا ثبوتَ أرشه، لأنّ الأرش عِوَض الجزء الفائت؛ أو التخيير بينه وبين الردِّ، كما أنّ ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها، وهو الثمن.

والأقوى التخيير بين الردِّ والأرش كالمتقدِّم : لاشتراكهما في ضمانِ البائع، وعدمِ المانعيّة من الردّ، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين بن نَما (رحمه الله)(2) .

ولو كان حدوث العيب بعدَ الثلاثة مَنَع الردَّ بالعيب السابق؛ لكونه غيرَ مضمون على البائع، مع تغيّر المبيع، فإنّ ردّه مشروط ببقائه على ما كان فيثبت في السابق الأرشُ خاصّةً.

[المسألة] (الثالثة:

لو ظهرت الأمةُ مستحَقَّةً فأُغرِم) المشتري (الواطئُ العُشْرَ) إن كانت بكراً، (أو نصفَه) إن كانت ثَيِّباً؛ لما تقدَّم من جواز رجوع المالك على المشتري - عالماً كان أم جاهلاً - بالعين ومنافعِها المستوفاةِ وغيرِها، وأنَّ ذلك هو عِوَض بُضْع الأمة؛ للنصّ (3)الدالّ على ذلك؛ (أو مَهرَ المثل)؛ لأنَّه القاعدة الكلِّيّةُ في

ص: 172


1- شرائع الإسلام، ج 2، ص 51 .
2- نقله عنه الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 54 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 349 ، ح 1426.

عِوَض البضع بمنزلة قيمة المثل في غيره، واطراحاً للنصّ الدالِّ على التقدير بالعُشر أو نصفِه (1).

وهذا الترديد توقُّفٌ من المصنف في الحكم، أو إشارة إلى القولين(2)، لا تخييرٌ بين الأمرين، والمشهور منهما الأوّل.

(و) أُغرِم (الأُجرةَ) عمّا استوفاه من منافعها أو فاتت تحت يده؛ (وقيمةَ الولد) يوم ولادته لو كان قد أحبَلها ووَلَدتْه حيّاً، (رجع بها) أي بهذه المذكوراتِ جُمَعَ (على البائع مع جهله) بكونها مستَحَقَّة؛ لما تقدَّم من رجوع المشتري الجاهل بفساد البيع على البائع بجميع ما يَغرَمه.

والغرضُ من ذكر هذه هنا التنبيه على مقدار ما يَرجِع به مالكُ الأمة على مشتريها الواطئ لها مع استيلادها.

ولا فرق في ثبوت العُقْر بالوطء بين علم الأمة بعدم صحَّة البيع وجهلها على أصحّ القولين(3)، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة؛ لأنّ ذلك حقٌّ للمولى «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى »(4)؛ ولا تصير بذلك أمّ ولد؛ لأنَّها فى نفس الأمر ملكُ غير الواطئ.

وفي الدروس: لا يرجع عليه بالمهر إلَّا مع الإكراه (5)استناداً إلى أنّه «لا مَهرَ لِبَغِيّ»(6). ويُضَعَّف بما مرّ، وأنّ المهرَ المنفيَّ مهرُ الحرَّة بظاهر «الاستحقاق»، و«نسبةِ المهر»، ومن ثَمَّ يُطلَق عليها «المَهِيرة».

ولو نَقَصتْ بالولادة ضَمِن نقصَها مضافاً إلى ما تقدّم. ولو ماتت ضَمِن القيمةَ.

ص: 173


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 244، ح 1064.
2- بالعشر ونصفه قال الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 158 ،المسألة 251 ؛وبمهر المثل قال ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 347.
3- راجع القولين في مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 89 ،المسألة 77 .
4- الأنعام (6): 164 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
6- السنن الكبرى البيهقي، ج 6، ص 8 - 9 ، ح 11006؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 730، ح 2159.

وهل يَضمَن مع ما ذكر أرشَ البكارة لو كانت بكراً، أم يُقتصَر على أحد الأمرين؟ وجهان: أجودهما عدم التداخل؛ لأن أحد الأمرين عوض الوطء وأرشُ البكارة عوضُ جناية، فلا يَدخُل أحدُهما في الآخَر.

ولو كان المشتري عالماً باستحقاقها حالَ الانتفاع لم يَرجِع بشيء، ولو علم مع ذلك بالتحريم كان زانياً والولد رِقٌ، وعليه المهر مطلقاً. ولو اختَلَفَتْ حالُه، بأن كان جاهلاً عند البيع ثمّ تجدَّدَ له العلمُ، رَجَع بما غَرِمه حالَ الجهل وسَقَط الباقي.

[المسألة] الرابعة:

لو اختلف مولى مأذونٍ) وغيرُه (في عبدٍ أَعتَقه المأذونُ عن الغير ولا بيّنة) لمولى المأذون ولا للغير، (حَلَف المولى) أي مولى المأذون واستَرَقّ العبدَ المُعْتَقَ؛ لأنّ يده على ما بيد المأذون، فيكون قولُه مقدَّماً على مَن خرج عند عدم البيّنة.

(ولا فرق بين كونه) أي العبد الذي أَعتَقه المأذونُ (أباً للمأذون أو لا) وإنْ كانت الروايةُ تَضمَّنتْ كونَه أباه (1)؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد؛ (ولا بين دعوى مولى الأب شراءهُ من ماله)، بأن يكون قد دفع للمأذون مالاً يتّجر به فاشترى أباه من سيّده بماله (وعدمَه)؛ لأنَّه على التقدير الأوّل يدَّعي فساد البيع، ومدّعي صحَّته مقدَّمٌ، وعلى الثاني خارجٌ؛ لمعارَضة يدِه القديمة يد المأذونِ الحادثةَ، فيُقدَّم، والروايةُ تضمَّنت الأوّلَ: (ولا بين استئجاره على حجّ وعدمِه)؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الترجيح وإن كانت الرواية تضمّنت الأوّل.

والأصل في هذه المسألة رواية عليّ بن أَشيَم عن الباقر (علیه السلام)فيمَن دَفَع إلى مأذونٍ ألفاً ليُعتِقَ عنه نَسَمَةً ويَحُجَّ عنه بالباقي، فأعتَق أباه وأَحَجَّه بعد موت الدافع، فادَّعَى

ص: 174


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 234، ح 1023.

وارثُه ذلك، وزعم كلّ من مولى المأذون ومولى الأب أنَّه اشتراه بماله. فقال(علیه السلام): «إنّ الحَجَّةَ تَمضِي، ويُرَدّ رِقّاً لمولاه حتّى يُقِيمَ الباقون بيِّنةً»(1). وعَمِل بمضمونها الشيخ(2) ومن تَبِعه (3) ومال إليه في الدروس(4).

والمصنِّفُ هنا وجماعةٌ(5) اطَّرحوا الرواية؛ لضعف سندها، ومخالَفتِها لأصول المذهب في ردِّ العبد إلى مولاه مع اعترافه ببیعه ودعواه فسادَه، ومدّعي الصحَّة مقدَّمٌ، وهي مشتركة بين الآخَرَين، إلَّا أنّ مولى المأذون أقوى يداً، فيُقدَّم.

واعتَذَر في الدروس عن ذلك ب- :

أنّ المأذونَ بيده مالٌ لمولى الأب وغيره وبتصادم الدعاوي المتكافئةِ يُرجَع إلى أصالة بقاء المِلك على مالكه، قال ولا تُعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحَّة على الفساد؛ لأنَّها مشتركةٌ بين متقابلَين متكافئَين فتَساقَطا (6).

وفيهما نظرٌ؛ لمنع تكافئها مع كون مَن عدا مولاه خارجاً والداخل مقدَّمٌ، فسَقَطا دونه. ولم يَتِمّ الأصلُ.

ومنه يظهر عدم تكافؤ الدعوَيَين الأُخْرَيَيْن؛ لخروج الأمر وورثتِه عمّا في يد المأذون التي هي بمنزلة يد سيِّده، والخارجةُ لا تُكافئ الداخلة، فتُقَدَّمُ.

وإقرارُ المأذون بما في يده لغير المولى غيرُ مسموع، فلَزِم اطراحُ الرواية؛ ولاشتمالها على مضيّ الحِجَّة، مع أنّ ظاهر الأمر حجّه بنفسه ولم يفعل، ومجامعةِ صحَّة الحجِّ لعوده رقّاً، وقد حجّ بغير إذن سيِّده، فما اختاره هنا أوضح.

ونبَّه بقوله: «ولا بين دعوى مولى الأب شراءَه من ماله وعدمَه» على خلاف الشيخ

ص: 175


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 234، ح 1023.
2- النهاية، ص 414.
3- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 353.
4- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 211 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- كالعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 263، المسألة 230 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 357.
6- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 211 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ومن تَبِعَه(1)، حيث حكموا بما ذُكِر مع اعترافهم بدعوى مولى الأبِ فسادَ البيع، وعلى خلاف العلَّامة(2)، حيث حَمَلها على إنكار مولى الأبِ البيعَ لا فَسادَه هَرَباً من تقديم مدّعي الفساد والتِجاءً إلى تقديم منكرِ بيعِ عبدِه.

وقد عرفت ضعفَ تقديم مدّعي الفساد. ويُضعَّف الثاني بمنافاته لمنطوق الروايةِ الدالّة على دعوى كونه أشتُرِيَ بماله(3).

هذا كلُّه مع عدم البيّنة، ومعها تُقدَّم إن كانت لِواحدٍ، ولو كانت لاثنين أو للجميع بُنيَ على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج عند التعارض؛ فعلى الأوّلِ الحكمُ كما ذُكر، وعلى الثاني يتعارض الخارجان ويَقوَى تقديمُ ورثة الآمر بمرجِّح الصحَّة.

واعلم أنَّ الاختلاف يقتضي تعدُّد المختلفِين، والمصنِّفُ اقتصر على نسبته إلى مولى المأذون، وكان حقّه إضافة «غيره» معه، وكأنَّه اقتصر عليه؛ لدلالة المقام على الغير، أو على ما اشتهر من المتنازعِين في هذه المادَّة.

[المسألة] :(الخامسة :

لو تنازع المأذونان بعد شِراءِ كلّ منهما صاحبَه في الأسبق) منهما؛ ليبطُل بيع المتأخِّر ؛ لبطلان الإذن بزوال الملك، (ولا بيّنة) لهما ولا لأحدهما بالتقدّم، (قيل: يُقرَع(4))، والقائلُ بها مطلقاً غيرُ معلوم، والذي نقله المصنِّف وغيرُه عن الشيخ: القولُ بها مع تساوي الطريقين(5) ؛ عملاً برواية وردت بذلك(6). وقيل بها مع اشتباه السابق أو السبق(7).

ص: 176


1- تقدَّم آنفاً.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 323. المسألة 142 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 234، ح 1023.
4- راجع مفتاح الكرامة، ج 13، ص 384.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 256، المسألة 223؛ الاستبصار، ج 3، ص 83، ذيل الحديث 279 .
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 73، ح 311 .
7- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 257، المسألة 223 .

(وقيل: تُمْسَح الطريقُ) التي سَلَكها كلُّ واحد منهما إلى مولى الآخَر، ويُحكم بالسبق لمن طريقُه أقربُ مع تساويهما في المَشْي، فإن تَساوَيا بطل البيعان(1)؛ لظهور الاقتران .

هذا إذا لم يُجز الموليان، (ولو أجيز عقدُهما، فلا إشكال) في صحَّتهما.

(ولو تقدَّم العقدُ من أحدهما صحَّ خاصّةً) من غير توقُّف على إجازة (إلّا مع إجازة الآخَر) فيصحّ العقدان ولو كانا وكيلين صحّا معاً.

والفرق بين الإذن والوكالة أنّ الإذن ما جُعِلتْ تابعةً للمِلك، والوِكالةُ ما أباحت التصرّفَ المأذونَ فيه مطلقاً. والفارق بينهما مع اشتراكهما في مطلق الإذن، إمَّا تصريح المولى بالخصوصيَّتين، أو دلالة القرائن عليه. ولو تجرَّد اللفظ عن القرينة لأحدهما، فالظاهر حمله على الإذن؛ لدلالة العرف عليه.

واعلم أنّ القولَ بالقرعة مطلقاً لا يَتِمّ في صورة الاقتران؛ لأنَّها لإظهار المشتَبِه، ولا اشتباه حينئذٍ، وأولى بالمنع تخصيصها بهذه الحالة والقولُ بمسح الطريق مستند إلى روايةٍ (2) ليست سليمة الطريق. والحكم للسابق مع علمه لا إشكال فيه، كما أنّ القول بوقوفه مع الاقتران كذلك. الاقتران كذلك. ومع الاشتباه تَتَّجه القرعة، لكن مع اشتباه السابق يُستخرَج برُقْعَتَين لإخراجه، ومع اشتباه السبق والاقتران ينبغي ثلاتُ رُقَعٍ في إحداها الاقترانُ؛ ليُحكَم بالوقوف معه.

هذا إذا كان شراَؤُهما لمولاهما، أمَّا لو كان لأنفسهما، كما يظهر من الرواية(3)، فإن أحَلْنا مِلكَ العبد بَطَلا، وإن أجزناه صحَّ السابقُ، وبطل المُقارِنُ واللاحقُ حتماً؛ إذ لا يُتَصَوَّر مِلكُ العبد لسيِّده.

[المسألة] (السادسة:

الأمةُ المسروقةُ من أرض الصلح لا يجوز شِراؤُها)؛

ص: 177


1- قال به المحقِّق في المختصر النافع، ص 220 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72 ، ح 310 .
3- أي رواية ذرع الطريق تقدّمت آنفاً.

لأنّ مالَ أهلها محترَمٌ به، فلو اشتراها أحدٌ من السارق (جاهلاً) بالسرقةِ أو الحكم (رَدَّها (1)) على بائعها واستعاد ثمنَها) منه، (ولو لم يُوجَد الثمنُ)، بأن أعسَر البائعُ أو امتَنَع من ردّه ولم يمكن إجبارُه، أو بغير ذلك من الأسباب (ضاع) على دافعه.

(وقيل: تَسعَى( الأمةُ (فيه) (2) ، لرواية مسكين السَمّان عن الصادق (علیه السلام)(3). ويُضعَّف بجَهالةِ الراوي ومخالفة الحكم للأصول، حيث إنّها مِلكٌ للغير وسعيُها كذلك، ومالكُها لم يَظْلِمه في الثمن، فكيف يَستَوفِيه من سعيها، مع أنّ ظالِمَه لا يَستحِقُها ولا كسبَها ومِن ثَمَّ نَسَبه المصنِّفُ إلى القول تمريضاً له.

ولكن يُشكِل حكمُه بردِّها إلَّا أن يُحمَل ردّها على مالكها لا على البائع، طرحاً للروايةِ الدالَّةِ (4)على ردّها عليه.

وفي الدروس استَقرَب العمل بالروايةِ المشتملةِ على ردِّها على البائع واستسعائها في ثمنها لو تعذّر على المشتري أخذُه من البائعِ ووارثهِ مع موته، واعتذر عن الردِّ إليه: بأنّه تكليفٌ له ليَرُدَّها إلى أهلها، إما لأنَّه سارقٌ، أو لأنَّه ترتَّبتْ يده عليه، وعن استسعائها بأنّ فيه جمعاً بين حقّ المشتري وحقّ صاحبها، نظراً إلى أنّ مالَ الحربي فيءٌ في الحقيقة، وإنَّما صار محترَماً بالصلح احتراماً عَرَضيّاً، فلا يُعارِضُ ذَهاب مالِ محترمٍ في الحقيقة(5) .

ولا يخفى أنّ مثل ذلك لا يَصلُح لتأسيس مثل هذا الحكم، وتقريبه للنصّ إنّما يَتِمُّ لو كانت الرواية ممَّا تصلُح للحجة، وهي بعيدة عنه، وتكليف البائع بالردِّ لا يقتضي جواز دفعها إليه كما في كلّ غاصب، وقِدَمُ يدِه لا أثر له في هذا الحكم، وإلَّا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الردُّ إليه وهو باطل.

ص: 178


1- بل تدفع إلى الحاكم ولا تسعى، ولو لم يكن حاكم خلّى سبيلها. (زین رحمه الله)
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 414.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 83 ، ح 355 .
4- تقدّمت آنفاً.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

والفرق في المال بين المحترم بالأصلِ والعارضِ، لا مَدخَل له في هذا الترجيح مع اشتراكهما في التحريم، وكونِ المُتلِف للثمن ليس هو مولى الأمة، فكيف يُستَوفَى من ماله. وينتقض بمال أهل الذمَّة، فإنّ تحريمَه عارضٌ، ولا يُرجَّح عليه مالُ المسلم المحترم بالأصل عند التعارض.

والأقوى اطّراحُ الرواية بواسطة مسكين، وشهرتُها لم تبلُغ حدَّ وجوب العمل بها، وإنّما عَمِل بها الشيخ (1)على قاعدته واشتهرت بين أتباعه(2)، وردّها المستنبطون(3)؛ لمخالفتها للأصول.

والأقوى وجوب ردِّ المشتري لها على مالكِها أو وكيلِه أو وارثِه، ومع التعذّر على الحاكم، وأمَّا الثمن، فيطالَب به البائعُ مع بقاء عينه مطلقاً، ومع تلفه إن كان المشتري جاهلاً بسرقتها ولا تُستسعى الأمةُ مطلقاً.

[المسألة] (السابعة:

لا يجوز بيع عبدٍ من عبدَين) من غير تعيين، سواء كانا متساويين في القيمة والصفاتِ أم مختلفين؛ لجهالة المبيع المقتضية للبطلان؛ (ولا عَبيدٍ) كذلك؛ للعلَّة.

وقيل: يصحّ مطلقاً (4)؛ استناداً إلى ظاهر رواية ضعيفة(5). وقيل: يصحّ مع تساويهما من كلّ وجه، كما يصحّ بيعُ قَفيز من صُبرةٍ متساوية الأجزاء(6).

ويُضعَّف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحَق بالمثلي، وضعفُ الصحَّة مطلقاً واضح.

ص: 179


1- النهاية، ص 414 .
2- منهم القاضي ابن البرّاج نقله عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 262، المسألة 229، ولم نعثر عليه في المهذَّب.
3- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 356؛ والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 262، المسألة 229 .
4- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 38 - 39، المسألة 54.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72، ح 308 .
6- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 254، المسألة 221 .

(ويجوز شراؤُه) أي شراء العبد (موصوفاً) على وجةٍ ترتفع الجهالة (سَلَماً)؛ لأنّ ضابط المُسلَمِ فيه ما يمكن ضبطه كذلك، وهو منه، كغيره من الحيوان إلَّا ما يُستثنَى. (والأقرب جوازه) موصوفاً (حالًا) ؛ لتساويهما في المعنى المصِّحح للبيع.

(فلو) باعه عبداً كذلك و (دَفَع إليه عبدين للتخيّر (1)) أي ليتخيَّر ما شاء منهما (فأبَق أحدُهما) من يده، (بُنِي) ضَمانُ الآبق (على ضمان المقبوض بالسَوم(2))، وهو الذي قَبَضه ليشتريه، فتَلِف في يده بغير تفريط، فإن قلنا بضمانه - كما هو المشهور - ضَمِن هنا؛ لأنَّه في معناه؛ إذ الخصوصية ليست لقبض السَوم، بل لعموم قوله: «عَلَى اليدِ ما أَخَذَتْ حتّى تُؤَدِّيَ»(3)، وهو مشترك بينهما، وإن قلنا بعدم ضمانه لكونه مقبوضاً بإذن المالك، والحال أنَّه لا تفريط، فيكون كالوَدَعي لم يَضمن هنا.

بل يمكن عدم الضمان هنا وإن قلنا به ثَمَّ؛ لأنَّ المقبوض بالسوم مبيعٌ بالقوة أو مجازاً بما يَؤُول إليه، وصحيحُ المبيع وفاسدُه مضمون، بخلاف صورة الفرض؛ لأنّ المقبوض ليس كذلك؛ لوقوع البيع سابقاً، وإنَّما هو محض استيفاءِ حقّ.

لكن يَندفِع ذلك بأنّ المبيع لمّا كان أمراً كلّيّاً، وكان كلّ واحد من المدفوع صالحاً لكونه فرداً له، كان في قوَّة المبيع، بل دَفْعُهما للتخيّر حصر له فيهما، فيكون بمنزلة المبيع، حيث إنّه منحصر فيهما ، فالحكم هنا بالضمان أولى منه.

(والمرويُّ) عن الباقر (علیه السلام) بطريق ضعيفٍ(4) ، ولكن عَمِل به الأكثرُ(5) (انحصارُ حقِّه فيهما) على سبيل الإشاعة، لا كون حقِّه أحدَهما في الجملة (وعدم ضَمانه) أي

ص: 180


1- في نسخة «م»: «للتخيير».
2- الفرق بين المعاطاة والمقبوض بالسوم أنَّهما اتَّفقا على المقبوض في المعاطاة بعوض معين من غير عقد ولا عزماً على إيقاع عقد في ثاني الحال. وأمَّا السوم، فقبضه مع تواطؤهما على إيقاع عقد فيما يأتي. (زين رحمه الله)
3- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 802، ح 2400 ؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 566 ، ح 1266.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72 ، ح308 ، وص 82- 83، ح 354.
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 252 - 253، المسألة 221 .

الآبق (على المشتري، فيَنفسِخ نصفُ المبيع)؛ تنزيلاً للآبق منزلة التالف قبل القبض، مع أنّ نصفَه مبيعٌ، (ويَرجِع) المشتري (بنصف الثمن على البائع) وهو عِوَض التالف ، (ويكون) العبدُ (الباقي بينهما) بالنصف، (إلَّا أن يجد الآبق يوماً، فيتخيَّر) في أخذ أيهما شاء(1). وهو مبنيّ على كونهما بالوصف المطابِقِ للمبيع، وتساويهما في القيمة.

ووجهُ انحصارِ حقِّه فيهما كونُه عَيَّنهما للتخيُّر ، كما لو حَصَر الحقَّ في واحد، وعدمِ ضمان الآبق إمَّا لعدم ضمان المقبوض بالسوم، أو كونِ القبض على هذا الوجه يخالف قبضَ السوم؛ للوجه الذي ذكرناه أو غيرِه، أو تنزيلاً لهذا التخيّر منزلةَ الخيار الذي لا يُضمَن الحَيوانُ التالفُ في وقته.

ويُشكِل بانحصارِ الحقِّ الكلّي قبل تعيينه في فردين، ومنع ثبوت الفرق بين حصره في واحد وبقائه كليّاً، وثبوتِ المبيع في نصف الموجود المقتضي للشركة مع عدم الموجب لها، ثمّ الرجوع إلى التخيّر لو وجد الآبق، وأنّ دَفْعَه الاثنين ليس تشخيصاً وإنْ حَصَر الأمر فيهما؛ لأصالة بقاء الحقِّ في الذمَّة إلى أن يَثبُت المُزيلُ شرعاً، كما لو حصره في عشرة وأكثر. هذا مع ضعف الرواية(2) عن إثبات مثل هذه الأحكامِ المخالفةِ للأُصول.

(وفي انسحابه في الزيادة على اثنين إن قلنا به) في الاثنين وعَمِلنا بالرواية (3) (تردُّدٌ)، من صدقِ العبدين في الجملة، وعدمِ ظهور تأثير الزيادة مع كون محلّ التخيير زائداً عن الحقّ، والخروجِ عن المنصوصِ المخالفِ للأصل.

فإن سَحَبنا الحكمَ وكانوا ثلاثةً فأَبِقَ واحدٌ، فات ثُلثُ المبيع، وارتجَعَ ثُلثُ الثمن إلى آخر ما ذُكِر. ويُحتمل بقاء التخيّر وعدم قوات شيء، سواءٌ حَكَمنا بضمان الآبق أم لا لبقاء محلّ التخير الزائد عن الحقِّ.

(وكذا لو كان المبيعُ غيرَ عبد كأمة) فدَفَع إليه أمَتَين أو إِماءً، وقطع في الدروس

ص: 181


1- قدم في ص 179، الهامش 5.
2- قدم في ص 179، الهامش 5.
3- تقدم في ص 179، الهامش 5.

بثبوت الحكم هنا (1)، (بل) في انسحاب الحكم في (أيّ عينٍ كانت) -كثَوب وكتاب إذا دَفَع إليه منه اثنين أو أكثرَ - التردُّدُ :من المشاركة فيما ظُنّ كونُه علَّةَ الحكم. وبطلانِ القياس

والذي ينبغي القطعُ هنا بعدم الانسحاب؛ لأنَّه قياسٌ محضٌ لانقول به.

ولو هَلَك أحدُ العبدين، ففي انسحاب الحكم الوجهان: من أنّ تنزيل الإباق منزلةَ التلف يقتضي الحكم مع التلف بطريقٍ أولى. ومن ضعفه بتنجيز التنصيف من غير رجاء لعود التخيير، بخلاف الإباق والأقوى عدم اللحاق .

هذا كلُّه على تقدير العمل بالرواية؛ نظراً إلى انجبار ضعفها بما زعموه من الشهرة، والذي أَراه مَنْعَ الشهرة في ذلك، وإنّما حكم الشيخ (2) بهذه ونظائرها على قاعدته، والشهرة بين أَتباعه (3) خاصّةً، كما أشرنا إليه في غيرها.

والذي يُناسب الأصلَ أنّ العبدين إن كانا مطابِقَين للمبيع تخيَّر بين اختيار الآبق والباقي، فإن اختار الآبقَ رَدَّ الموجودَ ولا شيء له، وإن اختار الباقي انحصر حقُّه فيه، وبُنِي ضَمَانُ الآبق على ما سبق. ولا فرق حينئذٍ بين العبدين وغيرِهما من الزائد والمخالف. وهذا هو الأقوى.

ص: 182


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- النهاية، ص 411.
3- نقله عن الكامل لابن البراج العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 252، المسألة 221.

(الفصل الرابع في الثمار)

إشارة

(ولا يجوز بيعُ الثمرة قبلَ ظهورها) وهو بُروزُها إلى الوجود وإنْ كانت في طَلْعٍ أو كِمامٍ، (عاماً) واحداً، بمعنى ثمرة ذلك العام وإنْ وُجِدَتْ في شهرٍ أو أقلّ، سواءٌ في ذلك ثمرةُ النخلِ وغيرِها، وهو موضع ،وفاق، وسواءٌ ضَمَّ إليها شيئاً أم لا.

(ولا) بيعُها قبل ظهورها أيضاً (أزيدَ) من عام ( على الأصحِّ)؛ للغَرَر، ولم يخالف فيه إلَّا الصدوقُ(1) ؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (علیه السلام) الدالَّةِ على الجواز (2)، ولا يخلو من قوَّة إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

(ويجوز) بيعها (بعد بُدُوّ صَلاحها) إجماعاً.

(وفي جوازه قبله بعد الظهور) من غير ضميمةٍ ولا زيادة عن عام، ولا مع الأصل، ولا بشرط القطع (خلافٌ، أقر به الكَراهة) ؛ جمعاً بين الأخبار(3)بحمل ما دلّ منها على النهي (4)على الكراهة، والقولُ الآخرُ للأكثرِ المنعُ.

(وتزول) الكراهةُ (بالضميمةِ) إلى ما يصحّ إفرادُه بالبيع (أو شرطِ القطع) وإنْ لم يُقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه، (أو بيعِها مع الأصول) وهو في معنى الضميمة.

(وبُدُوّ الصلاحِ) المسوِّغُ للبيع مطلقاً أو من غير كراهة، هو (احمرار التمر) بالمُثَنَّاة من فوق، مجازاً في ثمرة النخل باعتبار ما يَؤُول إليه؛ (أو اصفِرارُه) فيما يَصْفَرُ: (أو انعقاد ثمرةٍ غيرِه) من شجر الفواكه (وإنْ كانت في كِمام) بكسر الكاف، جمع أَكِمَّةٌ،

ص: 183


1- المقنع، ص 366.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87 و 88، ح 373 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84 - 86، باب بيع الثمار.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84 - 86، باب بيع الثمار.

بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتحِ الميم مشدَّدةً، وهي غِطاء الثمرة والنَورِ(1) كالرُمّان، وكذا لو كانت في كِمامَين كالجوز واللوز. وهذا هو الظهور المجوِّز للبيع أيضاً.

وإنّما يختلف بدوّ الصلاح والظهور في النخل. ويظهر في غيرها عند جَعْلِه تَناثَرُ الزَهْرُ بعد الانعقاد، أو تلوّنِ الثمرة أو صفاءِ لونها، أو الحلاوة وطيب الأكل في مثل التفاح، أو النضج في مثل البِطِّيخ، أو تَناهِي عِظَم بعضِه في مثل القِثّاء، كما زعمه الشيخ في المبسوط .

(ويجوز بيعُ الخُضْر بعد انعقادها) وإنْ لم يَتَناهَ عِظَمُها (لَقْطَةً، ولَقَطَاتٍ معيَّنةً) أي معلومةَ العدد، كما يجوز شِراءُ الثمرةِ الظاهرةِ وما يتجدَّد في تلك السنة وفي غيرها) مع ضبط السنين؛ لأنّ الظاهر منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم، سواءٌ كانت المتجدِّدةُ من جنسِ الخارجة أم غيرِه.

(ويُرجَع في اللَقْطة إلى العرف)، فما دَلَّ على صلاحيته للقطع يُقطَع، وما دَلّ على عدمه لصِغَرِه أو شَكَّ فيه لا يدخل، أمَّا الأوّل ،فواضح وأمَّا المشكوك فيه فلأصالةِ بقائه على مِلك مالكه، وعدم دخوله فيما أُخرج باللَقْط.

(ولو امتَزَجَت الثانيةُ) بالأولى؛ لتأخير المشتري قَطْعَها في أوانه (تخيَّر المشتري بين الفسخ والشركة)؛ للتعيُّب بها؛ ولتعذُّر تسليم المبيع منفرداً، فإن اختار الشركةَ فطريق التخلُّص بالصلح ،(ولو اختار الإمضاء، فهل للبائع الفسخُ؛ لعيب الشركة؟ نظرٌ، أقربه ذلك إذا لم يكن تأخُرُ القطع بسببه ) بأن يكون قد منع المشتري منه.

(وحينئذٍ) أي حين إذ يكون الخيار للبائع (لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكينِ البائع وقبضِ المشتري أَمكَن عدمُ الخيار) للمشتري؛ لأنّ التعيُّبَ جاء من قِبَلِه، فيكون دَرَكُه عليه لا على البائع، كما لو حصل مجموع التلف من قِبَله.

(ولو قيل بأنّ الاختلاطَ إن كان قبل القبض تخيَّر المشتري) مطلقاً لحصول

ص: 184


1- الصحاح، ج 4، ص 2024، «كمم».

النقص مضموناً على البائع، كما يَضمَن الجملةَ كذلك ، ( وإن كان بعده، فلا خيار لأحدهما) لاستقرار البيع بالقبض وبراءة البائع من دَرَكه بعده (كان قويّاً). وهذا القول لم يَذْكُر في الدروس غيرَه جازماً به(1). وهو حسنٌ إن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشتري، وإلّا فعدم الخيار له أحسن؛ لأنّ العيب من جهته فلا يكون مضموناً على البائع.

وحيث يثبت الخيارُ للمشتري بوجه لا يسقط ببذل البائع له ما شاءَ، ولا الجميعَ على الأقوى؛ لأصالة بقاء الخيار وإنْ انتفت العلّةُ الموجِبةُ له، كما لو بَذَل للمغبون التفاوتَ؛ ولِما في قبول المسموح به من المنّة.

(وكذا يجوز بيع ما يُخْرَط) أصل الخَرْط أن يقبض باليد على أعلى القضيب، ثمّ يُمِرّها عليه إلى أسفله ليَأخُذَ عنه الورقَ، ومنه المثل السائر «دُونَه خَرطُ القَتاد»(2)، والمراد هنا ما يُقصد من ثمرته ورقُه ( كالحِنّاء والتوت) بالتاءين المُثَنّاتَين من فوق، (خَرْطةً وخَرطات، وما يُجَزّ كالرَطْبة) بفتح الراء وسكون الطاء، وهي الفِصَّة(3) والقَضْبُ(4)، (والبقلِ) كالنعناع (جَزَّةً وجَزَاتٍ).

(ولا تدخُل الثمرةُ) بعد ظهورها (في بيع الأصول) مطلقاً، ولا غيرِه من العقود (إلّا) في) ثمرة (النخل)، فإنّها تدخُل في بيعه خاصّةً (بشرط عدم التأبير)، ولو نُقِل أصلُ النخل بغير البيع فكغيره من الشجر.

(ويجوز استثناء ثمرة شجرةٍ معينةٍ أو شجراتٍ) معيَّنة (وجزءٍ مُشاعٍ) كالنصف والثلث (وأرطالٍ معلومة. وفي هذين) الفردين وهما: استثناء الجزءِ المشاع والأرطالِ المعلومة (يَسقُط من الثُنْيا ) وهو المستثنى (بحسابه)، أي نسبتِه إلى الأصل

ص: 185


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- القتاد: شجر له شوك، وهو الأعظم، وفي المثل: ومن دونه خَرْط القتاد، الصحاح، ج 2، ص 521، «قتد».
3- الفِصْفِصَةُ – بالكسر- : الرطبة، وأصلها بالفارسية: إسفَسْتِ الصحاح، ج 3، ص 1049، «فصص».
4- القَضْبَةُ والقَضْبُ: الرطبة، وهي الإسْفِسْتُ الصحاح، ج 1، ص 203، «قضب».

(لو خاسَت الثمرةُ) بأمر من الله تعالى (بخلاف المعيَّن) كالشجرة والشجرات، فإنّ استثناءَها كبيع الباقي منفرداً، فلا يسقط منها بتلف شيء من المبيع شيءٌ؛ لامتياز حقِّ كلِّ واحد منهما عن صاحبه، بخلاف الأول؛ لأنَّه حقّ شائع في الجميع، فيُوَزَّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

قال المصنِّف في الدروس: «وقد يُفهم من هذا التوزيع تنزيلُ شراء صاع من الصبرةِ على الإشاعة»(1)، وقد تقدَّم ما يُرجّح عدمَه(2)، ففيه سؤال الفرق.

وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعةِ جعلُ الذاهب عليهما والباقي لهما على نسبة الجزء. وأمَّا في الأرطال المعلومة، فيُعتبَر الجملة بالتَخمِين، ويُنسَب إليها المستثنى، ثمّ يُنظر الذاهبُ فيسقُط منه بتلك النسبة.

(مسائلُ: )

[المسألة الأولى:]

(لا يجوز بيع الثمرة بجنسها) أي نوعها الخاصِّ، كالعنبِ بالعنب والزبيب، والرُطَب بالرُطَب والتمر (على أصولها)، أمَّا بعد جمعها، فيصحّ مع التساوي، (نخلاً كان) المبيعُ ثمرُه (أو غيرَه) من الثِمار، إجماعاً في الأوّل، وعلى المشهور في الثاني؛ تعديةً للعلَّةِ المنصوصة في المنع من بيع الرُطَب بالتمر، وهي: «نقصانه عند الجفاف إن بِيعَتْ بيابس»(3)، وتطرّقِ احتمال الزيادة في كلّ من العِوَضين الربَوِيَّين. ولا فرق في المنع بين كون الثمن منها ومن غيرها، وإن كان الأوّل أظهر منعاً. (ويُسمَّى في النخل مُزابَنَةً) وهي مفاعلةٌ من الزَبْن، وهو الدفع، ومنه الزّبانِيَة، سمّيت بذلك؛ لبِنائها على التخمين المقتضي للغبن، فيريد المغبونُ دفعَه والغابنُ خلافَه، فيتدافعان

ص: 186


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تقدّم في ص 148 - 149.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 94 - 95، ح 398 و 408.

وخُصَّ التعريفُ بالنخل؛ للنصّ عليه بخصوصه، مفسِّراً به المزابنةُ في صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (علیه السلام)(1). وأُلحِقَ به غيرُه؛ لما ذكرناه، وفي إلحاق اليابس وجه، والرَطْبِ نظرٌ.

(ولا) بيعُ (السُنبل بحبّ منه أو من غيره من جنسه، ويسمّى محاقلةً) مأخوذة من الحَقْل، جمعُ حَقْلَة، وهي الساحة التي تُزرَع، سمّيت بذلك؛ لتعلّقها بزرع في حقلة. وخرج بالسنبل بيعه قبل ظهور الحبِّ، فإنّه جائز؛ لأنَّه حينئذٍ غيرُ مطعوم.

(إلّا العَرِيَّة) هذا استثناء من تحريم بيع المزابَنة، والمراد بها النخلة تكون في دارِ الإنسان أو بستانِه فيشتري مالكُهما أو مستأجرُهما أو مستعيرُهما رُطَبَها (بخرصها تمراً من غيرها) مقدَّراً موصوفاً حالاً، وإنْ لم يُقبَض في المجلس، أو بلغت خمسة أوسُقِ، ولا يجوز بتمر منها؛ لئلَّا يتَّحد العوضان ولا يُعتبر مطابقة ثمرتها جاّفةً لثمنها في الواقع، بل تكفي المطابَقَةُ ظنّاً، فلو زادت عند الجَفاف عنه أو نقصت لم يَقدَح في الصحَّة.

ولا عريَّةَ في غير النخل، فإن ألحقناء بالمزابنة، وإلّا لم يَتَقَيَّد بقيودها.

[المسألة]( الثانية:

يجوز بيع الزرع قائماً) على أُصوله، سواءٌ أَحْصَدَ أم لا، قُصِد قَصْلُه أم لا؛ لأنَّه قابل للعلم مملوكٌ فيتناوله الأدلَّة(2)، خلافاً للصدوق حيث شرَط كونه سنبلاً أو القصلَ (3)؛ (وحصيداً)، أي محصوداً وإن لم يُعلَم مقدارُ ما فيه؛ لأنَّه حينئذٍ غيرُ مكيل ولا موزون، بل يكفي في معرفته المشاهدةُ؛ (وقصيلاً) أي مقطوعاً بالقوة، بأن شُرِط قطعُه قبل أن يُحصِد لعلف الدوابّ. فإذا باعه كذلك وجب على المشتري قَصْلُه بحسب الشرط.

ص: 187


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 143 ، ح 633 و 635 .
2- البقرة (2): 275 .
3- المقنع، ص 392 .

(فلو لم يَقِصله المشتري، فللبائع قصلُه) وتفريغ أرضه منه؛ لأنَّه حينئذٍ ظالم، ولا حقَّ لعِرْقِ ظالمٍ (1)؛ ( وله المطالَبةُ بأجرة أرضه) عن المدَّة التي بَقيَ فيها بعد إمكان قَصْله مع الإطلاق، وبعد المدَّة التي شرطا قصلَه فيها مع التعيين.

ولو كان شراؤه قبل أَوان قصله وجب على البائع الصبرُ به إلى أوانه مع الإطلاق كما لو باع الثمرةَ والزرعَ للحصاد.

ومقتضى الإطلاق جوازُ تَوَلّي البائع قطعَه مع امتناع المشتري منه وإنْ قدَر على الحاكم، وكذا أطلق جماعة (2). والأقوى توقّفُه على إذنه حيث يمتنع المشتري مع إمكانه، فإن تعذَّر جاز له حينئذٍ مباشَرَةُ القطع دفعاً للضرر المنفيِّ (3). وله إبقاؤُه والمطالبةُ بأُجرةِ الأرض عن زمن العدوان، وأرشِ الأرض إن نَقَصَت بسببه، إذا كان التأخير بغير رضاه.

[المسألة] (الثالثة:

يجوز أن يَتَقَبَّل أحد الشريكين بحصَّة صاحبه من الثمرة) بخَرْصٍ معلوم وإنْ كان منها، (ولا يكون) ذلك (بيعاً)، ومن ثَمَّ لم يُشترَط فيه شروط البيع، بل معاملةً مستقلَّة. وفي الدروس أنَّه نوع من الصلح(4)، (و) يُشكِل بأنّه (يَلزَم بشرط السلامة)، فلو كان صُلحاً لَلَزِمَ مطلقاً.

وظاهر المصنِّفِ والجماعةِ أنّ الصيغة بلفظ القَبالة(5)، وظاهرُ الأخبار تَأَدِّيه بما دلّ على ما اتَّفقا عليه (6). ويَملِك المقبِّلُ (7)الزائدَ، ويَلزَمه لو نقص.

ص: 188


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 294، ح 819.
2- منهم: العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 365، المسألة 172؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 164.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651.
4- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
5- منهم: العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 408، المسألة 197؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 265.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 88 - 89، ح 376 و 377، و ص 125 . ح 546.
7- في نسختين «المتقبّل»، والمراد من المتقبّل أو المقبّل هنا: الشريك الذي باع حصّته إلى شريكه بخرص معلوم وتقبّل الشريك بذاك المقدار. ولم يعلم وجه تسمية هذا بالمتقبّل أو المقبّل.

وأمَّا الحكمُ بأنّ قراره مشروطٌ بالسلامة، فوجهُه غيرُ واضح، والنصُّ خالٍ عنه. و توجيهه بأنّ المقبِّلَ(1) لمّا رَضِيَ بحصَّة معيَّنة في العين صار بمنزلة الشريك. فيه أنّ العِوَض غيرُ لازمٍ كونُه منها وإنْ جاز ذلك، فالرضى بالقدر لا به مشتركاً إلَّا أن يُنَزَّل على الإشاعة كما تقدّم(2).

ولو كان النقصان لا بآفة، بل لخَلَل في الخَرْص لم يَنقُص شيءٌ، كما لا ينقص لو كان بتفريط المتقبِّل.

وبعضُ الأصحاب سدَّ بابَ هذه المعاملة؛ لمخالفتها للأصول الشرعيَّة (3). والحق أنّ أصلَها ثابتٌ ولزومَها مقتضَى العقد، وباقيَ فروعِها لا دليل عليه.

[المسألة] (الرابعة:

يجوز الأكل ممّا يَمُرّ به من ثمرِ النخل والفواكهِ والزرعِ بشرط عدمِ القصد وعدمِ الإفساد) أمَّا أصل الجواز، فعليه الأكثر(4)، ورواه ابن أبي عمير مُرسلاً عن الصادق (علیه السلام)(5) ، ورواه غيرُه (6) .

وأمَّا اشتراط عدم القصد، فلدلالة ظاهر المرور عليه، والمراد كون الطريق قريبةً منها بحيث يصدق المرور عليها عرفاً، لا أن يكون طريقُه على نفس الشجرة.

وأمَّا الشرط الثاني، فرواه عبد الله بن سنان عن الصادق (علیه السلام): قال: «يَأكُل منها ولا يُفسِد»(7) ، والمراد به أن يأكُل كثيراً بحيث يُؤَثِّر فيها أثراً بيِّناً، ويَصدُق معه الإفسادُ

ص: 189


1- في نسختين «المتقبّل»، والمراد من المتقبّل أو المقبّل هنا: الشريك الذي باع حصّته إلى شريكه بخرص معلوم وتقبّل الشريك بذاك المقدار . ولم يعلم وجه تسمية هذا بالمتقبّل أو المقبّل.
2- تقدم في ص 186 .
3- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 372 .
4- لاحظ مختلف الشيعة، ج 5، ص 55، المسألة 21؛ غاية المراد، ج 2، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2 ).
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 93 ، ح 393 .
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 89، ح 380 .
7- الكافي، ج 3، ص 569، باب نادر من كتاب الزكاة، ح 1.

عرفاً، ويختلف ذلك بكثرة الثمرة والمارّة وقلَّتِهما .

وزاد بعضُهم : عدم علمِ الكَراهة ولا ظنّها. وكونَ الثمرة على الشجرة (1).

(ولا يجوز أن يَحمِل) معه شيئاً منها وإنْ قلَّ؛ للنهي عنه صريحاً في الأخبار(2)، ومثلُه أن يُطعِم أصحابَه، وقوفاً فيما خالَفَ الأصلَ على موضع الرخصة، وهو أكلُه بالشرط.

(وتركُه بالكلِّيَّة أولى)؛ للخلاف فيه؛ ولما رُوِيَ أيضاً من المنع منه (3)، مع اعتضاده ، بنصِّ الكتاب الدالِّ على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل وبغير تراض(4)؛ ولقبح التصرُّف في مال الغير، وباشتمال أخبار النهي على الحَظْر(5)، وهو مقدَّم على ما تَضمَّن الإباحةَ والرخصةَ(6)؛ ولمنع كثير من العمل بخبر الواحد فيما وافق الأصل، فكيف فيما خالفه.

ص: 190


1- انظر المهذّب البارع، ج 2، ص 446؛ والدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 32 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 89، ح 380.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 92، ح 392 .
4- النساء (4): 29 .
5- تقدم في الهامش 4.
6- تقدّم في ص 189، الهامش 13 و في هذه الصفحة، الهامش 1.

(الفصل الخامس في الصرف )

إشارة

(وهو بيع الأثمان) وهي الذهب والفضَّةُ (بمثلها).

(ويُشترَط فيه) زيادةً على غيره من أفراد البيع (التقابُضُ في المجلس) الذي وَقَع فيه العقد، (أو اصطِحابُهما) في المشي عُرفاً وإن فارقاه (إلى) حين (القبض)، ويصدق الاصطحابُ بعدم زيادة المسافة التي بينهما عنها وقتَ العقد، فلو زادت ولو خُطْوَةً بَطَل. (أو رضاه) أي رضى الغريم الذي هو المشتري -كما يدلّ عليه آخِرُ المسألة – (بما في ذمَّته) أي ذمَّة المديون الذي هو البائع (قبضاً) أي مقبوضاً، أقام المصدر مقام المفعول، (بوكالته) إيَّاه (في القبض) ؛ لما في ذمَّته. وذلك فيما إذا اشترى مَن له في ذمَّته نقدٌ (بما في ذمته) من النقد (نقداً آخَرَ)، فإنّ ذلك يصير بمنزلة المقبوض.

مثاله: أن يكون لزيد في ذمَّة عمرو دينار، فيشتري زيد من عمرو بالدينار عشرة دراهم في ذمَّته ويُوَكِّله ذمَّته ويُوَكِّله في قبضها في الذمَّة، بمعنى رضاه بكونها في ذمَّته، فإنّ البيع والقبض صحيحان؛ لأنّ ما في الذمَّة بمنزلة المقبوض بيد مَن هو في ذمَّته، فإذا جَعَله وكيلاً في القبض صار كأنَّه قابض لما في ذمَّته، فصدَقَ التقابض قبل التفرُّق.

والأصل في هذه المسألة ما رُوِيَ فيمن قال لمن في ذمَّته دراهم: «حَوِّلها إلى دنانير»(1) أنّ ذلك يصحّ وإن لم يتقابضا، معلّلاً بأنّ النقدين من واحد(2).

والمصنِّف رحمه الله عَدل عن ظاهر الرواية إلى الشراءِ بدلَ التحويل والتوكيل صريحاً في القبض والرضى فيه بكونه في ذمَّة الوكيلِ القابضِ؛ لاحتياج الرواية إلى

ص: 191


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 102 - 103، ح 441.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 102 - 103، ح 441.

تكلُّف إرادة هذه الشروط بجعل الأمر بالتحويل توكيلاً في تولّى طرفي العقد، وبنائه على صحَّته وصحَّة القبض إذا توقَّف البيع عليه بمجرَّد التوكيل في البيع، نظراً إلى أنّ التوكيل في شيء إذنٌ في لوازمه التي يتوقَّف عليها. ولمّا كان ذلك أمراً خفياً عدل المصنِّف إلى التصريح بالشروط.

(ولو قُبِض البعضُ ) خاصّةً قبل التفرّق (صحَّ فيه ) أي في ذلك البعض المقبوض وبَطَل في الباقي (وتَخيَّرا) معاً في إجازة ما صحَّ فيه وفسخِه؛ لتبعُّض الصَفْقَة (إذا لم يكن من أحدهما تفريطٌ) في تأخير القبض، ولو كان تأخيره بتفريطهما، فلا خيار لهما. ولو اختَصَّ أحدهما به سقط خياره دون الآخَر.

(ولا بدَّ من قبض الوكيل) في القبض عنهما أو عن أحدهما (في مجلس العقد قبل تفرُّق المتعاقدين)، ولا اعتبار بتفرُّق الوكيل وأحدهما أو هما أو الوكيلين. وفي حكم مجلس العقد ما تقدَّم، فكان يُغني قوله «قبل تفرّق المتعاقدَين» عنه؛ لشمول الثاني لِما في حكم المجلس.

هذا إذا كان وكيلاً في القبض دون الصرف (ولو كان وكيلاً في الصرف) سواءٌ كان ذلك وكيلاً في القبض أم لا، (فالمعتبر مفارَقتُه) لمن وقع العقد معه دون المالك.

والضابط أنّ المعتبرَ التقابُضُ قبل تفرُّق المتعاقدين سواءٌ كانا مالكين أم وكيلَين.

(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد)؛ لأنَّه حينئذٍ يجمع حكم الربا والصرف فيُعتبر فيه التقابض في المجلس؛ نظراً إلى الصرف وعدم التفاضل؛ نظراً إلى الربا، سواء اتَّفقا في الجودة والرداءةِ والصَّنْعَةِ أم اختَلَفا، بل (وإنْ كان أحدُهما مكسوراً أو رَدِيئاً) والآخَرُ صحيحاً أو جيِّدَ الجوهر.

(وتراب معدن أحدهما يُباع بالآخَر أو بجنس غيرِهما) لا بجنسه، لاحتمال زيادة أحد العِوَضين عن الآخر، فيدخُل الربا.

ولو عُلِمَ زيادةُ الثمن عمّا في التراب من جنسه، لم يصحّ هنا وإن صحّ في المغشوش بغيره؛ لأنّ التراب لا قيمة له ليصلُحَ في مقابلة الزائد.

ص: 192

(وتراباهما) إذا جمعا أو أُرِيد بيعُهما معاً (يُباعان بهما)، فيَنصرِف كلُّ إلى مخالفه. ويجوز بيعهما بأحدهما مع زيادة الثمن على مجانسه بما يصلُح عِوَضاً في مقابل الآخر، وأولى منهما بيعهما بغيرهما.

(ولا عبرة باليسيرِ من الذهب في النُحاس) بضمّ النون، (واليسيرِ من الفضَّة في الرَصاص) بفتح الراء، (فلا يَمنَع من صحَّة البيع بذلك الجنس) وإن لم يُعلَم زيادةُ الثمن عن ذلك اليسير ولم يُقبض في المجلس ما يساويه؛ لأنَّه مُضمحِلَّ وتاٌبع غيرُ مقصود بالبيع. ومثلُه المنقوشُ منهما على السقوف والجُدْران بحيثُ لا يحصُل منه شيءٌ يُعتدّ به على تقدير نزعه.

ولا فرق في المنع من الزيادة في أحد المتجانسين بين العَينيَّة وهي الزيادة في الوزن، والحُكميَّة كما لو بيع المتساويان وشرط مع أحدهما شرطاً وإن كان صنعةً.

(وقيل: يجوز اشتراط صِياغة خاتَمٍ في شِراء در همٍ بدرهم(1)؛ للرواية) التي رواها أبو الصباح الكناني عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يقول للصائغ صُغ لي هذا الخاتَمَ وأُبدِلُ لك درهماً طازجيّاً بدرهم غِلَّةٍ ، قال (علیه السلام): «لا بأس»(2).

واختلفوا في تنزيل الرواية، فقيل: إنّ حكمَها مستثنىً من الزيادة الممنوعة، فيَجُوز بیع در هم بدرهم مع شرط صياغة الخاتم، ولا يَتَعَدَّى إلى غيره: اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع النصّ(3)، وهو القول الذي حكاه المصنِّف. وقيل: يَتَعَدَّىٰ إلى كلّ شرط؛ لعدم الفرق(4) ؛ وقيل إلى كلِّ شرط حكميٍ(5) .

والأقوالُ كلُّها ضعيفةً؛ لأنّ بناءها على دَلالة الرواية على أصل الحكم (وهي غير

ص: 193


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 381؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 267.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 110، ح 471.
3- تقدّم في الهامش 2.
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 380 - 381.
5- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 267.

صريحة في المطلوب)؛ لأنَّها تَضمَّنت إبدالَ درهمٍ طازَجٍ بدرهمِ غلّةٍ مع شرط الصياغة من جانب الغِلَّة، وقد ذكر أهلُ اللغة أنّ الطازَجَ هو الخالص(1) والغِلَّةَ غيرُه(2).وهو المغشوش، وحينئذٍ، فالزيادة الحكميَّةُ - وهي الصياغة - في مقابلة الغش، وهذا لا مانع منه مطلقاً. وعلى هذا يصحّ الحكمُ ويَتَعَدَّىٰ، لا في مطلق الدرهم كما ذكروه ونقله عنهم المصنِّف؛ (مع مخالَفتها) أي الرواية (للأصل) لو حُمِلت على الإطلاق كما ذكروه؛ لأنّ الأصل المُطَّرِدَ عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين، حكميَّةً كانت أم عينية، فلا يجوز الاستناد فيما خالف الأصل إلى هذه الرواية، مع أنَّ في طريقها من لا يُعلَم حاله.

(والأواني المَصُوغة من النقدين إذا بيعت بهما) معاً (جاز) مطلقاً، (وإن بِيعَت بأحدهما) خاصّةً (اشْتُرِطت زيادته على جنسه)؛ لتكون الزيادةُ في مقابلة الجنسِ الآخَرِ، بحيث تصلُح ثمناً له وإنْ قلَّ. ولا فرق في الحالين بين العلمِ بقدرِ كلِّ واحدٍ منهما وعدمِه، ولا بين إمكانِ تخليص أحدهما عن الآخَر وعدمِه، ولا بين بيعها بالأقلِّ ممّا فيها من النقدين والأكثرِ .

(ويَكفي غلبةُ الظنِّ) في زيادة الثمن على مُجانِسه من الجوهر؛ لعُسْرِ العلم اليقينيِّ بقدره غالباً ومشقَّةِ التخليصِ الموجِبِ له. وفي الدروس اعتبر القطع بزيادة الثمن(3) وهو أجود.

(وحِليةُ السيفِ والمَرْكَبِ يُعتبر فيهما العلمُ إن أريد بيعُها) أي الحلية (بجنسها). والمراد بيعُ الحِلية والمُحَلّى، لكن لمّا كان الغرضُ التخلُّص من الربا والصرفِ خَصَّ الحِلية. ويُعتبَر مع بيعها بجنسها زيادة الثمن عليها؛ لتكون الزيادةُ في مقابلة السيف والمركب إن ضمَّهما إليها.

ص: 194


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 123، «طزج».
2- لسان العرب، ج 10، ص 106 ، «غلل».
3- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(فإن تعذَّر) العلمُ (كفى الظنُّ الغالبُ بزيادة الثمن عليها). والأجودُ اعتبار القطع؛ وفاقاً للدروسِ(1) وظاهرِ الأكثر، فإن تعذَّر بِيعَتْ بغير جنسها، بل يجوز بيعها بغير الجنس مطلقاً كغيرها، وإنّما خَصَّ المصنِّفُ موضعَ الاشتباه.

(ولو باعه بنصف دينار فَشِقٌ) أي نصفٌ كاملٌ مشاعٌ؛ لأنّ النصفَ حقيقةٌ في ذلك، (إلّا أن يراد) نصفٌ (صحيحٌ عُرفاً) بأن يكون هناك نصفٌ مضروبٌ بحيث يَنصرِف الإطلاق إليه، (أو نُطْقاً) بأن يُصرّح بإرادة الصحيح وإنْ لم يكن الإطلاقُ محمولاً عليه، فيَنصرِف إليه. وعلى الأوّل، فلو باعه بنصف دينار آخر تخيَّر بين أن يُعطيَه شِقّي دينارين ويصير شريكاً فيهما، وبين أن يُعطيه ديناراً كاملاً عنهما، وعلى الثاني لا يجب قبولُ الكامل.

(وكذا) القول في (نصفِ درهم) وأجزائِهما غيرِ النصف.

(وحكمُ تراب الذهب والفضَّة عند الصَيّاغة) بفتح الصاد وتشديد الياء، جمعُ صائغ، (حكمُ) تراب (المعدن) في جواز بيعه مع اجتماعهما بهما وبغيرهما، وبأحدهما مع العلم بزيادة الثمن عن مجانسه ومع الانفراد بغير جنسه.

(ويجب) على الصائغ (الصدقةُ به مع جهل أربابه) بكلِّ وجه. ولو عَلِمهم في محصورين وجب التخلُّص منهم ولو بالصلح مع جَهْل حقِّ كلّ واحد بخصوصه. ويتخيَّر مع الجهل بين الصدقة بعينه وقيمته.

(والأقربُ الضَمانُ لو ظَهَروا ولم يَرضَوا بها) أى بالصدقة؛ لعموم الأدلَّة الدالَّة على ضَمان ما أخذت اليد(2)، خرَج منه ما إذا رَضُوا أو استَمَرّ الاشتباه، فيبقى الباقي. ووجهُ العدم إذنُ الشارع له في الصدقة (3)، فلا يَتَعَقَّب الضمانَ ومصرفُ هذه الصدقةِ الفقراءُ والمساكينُ.

ص: 195


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 802، ح 2400 ، باب العارية : الجامع الصحيح، ج 3، ص 566، ح 1266.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 111 ، ح 479.

ويلحَق بها ما شابَهَها من الصنائع الموجبة لتخلُّف أثر المال كالحِدَادة(1) والطَحْن والخِياطة والخِبازة.

(ولو كان بعضُهم معلوماً وجب الخروج من حقِّه)، وعلى هذا يجب التخلُّصُ من كل غريم يَعلَمه، وذلك يَتحقَّق عند الفَراغ من عمل كلِ واحدٍ، فلو أخَّر حتى صار مجهولاً أَثِمَ بالتأخير ولزمه حكمُ ما سبق.

(خاتمة)

(الدراهم والدنانير يتعيَّنان بالتعيين ) عندنا (في الصرفِ وغيره)؛ لعموم الأدلَّة الدالَّة على التعيين والوفاءِ بالعقد(2)؛ ولقيام المقتضي في غيرها.

(فلو ظهر عيبٌ في المعيَّن) ثمناً كان أم مُثمناً (من غير جنسه)، بأن ظهرت الدراهمُ نُحاساً أو رَصاصاً (بطل) البيع (فيه)؛ لأنّ ما وقع عليه العقد غيرُ مقصود بالشراء، والعقدُ تابعٌ له؛ (فإن كان بإزائه مُجانِسُه بطل البيع من أصله) إن ظهر الجميعُ كذلك، وإلا فبالنسبة (كدراهمَ بدراهم ، وإن كان) بإزائه (مخالفاً) في الجنس (صحَّ) البيع (فى السليم وما قابله ويجوز) لكلّ منهما (الفسخ مع الجهل) بالعيب؛ لتبعُّض الصَفْقة.

( ولو كان العيب من الجنس) كخشونةِ الجوهر واضطراب السكَّة (وكان بازائه ،مجانسٌ فله الردُّ بغير أرش(3))؛ لئلَّا يَلزَم زيادةُ جانبِ المَعِيب المُفْضِي إلى الربا؛ لأنّ هذا النقص حكميٌ، فهو في حكم الصحيح.

(وفي المخالف) بإزاء المَعيب (إن كان صرفاً) كما لو باعه ذهباً بفضَّة، فظهر أحدُهما معيباً من الجنس، (فله الأرشُ في المجلس والردُّ)، أمَّا ثبوت الأرش،

ص: 196


1- الحدادة بالكسر اسم لصنعة الحدّادي. المصباح المنير، ص 153، «حدد».
2- المائدة (5): 1.
3- أي الإمساك بغير أرش. (زين رحمه الله)

فللعيب، ولا يضرُّ هنا زيادةُ عِوَضه؛ للاختلاف، واعتُبِر كونه في المجلس للصرف و وجه الردّ ظاهرٌ ؛ لأنَّه مقتضى خيار العيب بشرطه.

(وبعد التفرُّق له الردُّ، ولا يجوز أخذ الأرش من النقدين)؛ لئلَّا يكون صرفاً بعد التفرُّق.

(ولو أَخَذ) الأرضَ (من غيرهما قيل) والقائل العلَّامة: (جاز)(1)؛ لأنَّه حينئذٍ كالمعاوَضة بغير الأثمان، فيكون جملة العقد بمنزلة بيعٍ وصرفٍ، والبيع ما أُخِذ عِوَضُه بعد التفرُّق.

ويُشكِل: بأنّ الأرشَ جزءٌ من الثمن والمعتبرُ فيه النقدُ الغالبُ، فإذا اختار الأرش لَزِم النقدُ حينئذٍ، واتفاقُهما على غيره معاوَضةٌ على النقدِ الثابت في الذمَّة أرشاً لا نفسُ الأرش.

ويمكن دفعُه بأنّ الثابت وإن كان هو النقد، لكن لمَّا لم يَتَعَيَّن إلَّا باختياره الأرش - إذ لو ردَّ لم يكن الأرشُ ثابتاً - كان ابتداءُ تعلُّقه بالذمَّة - الذي هو بمنزلة المعاوضة - اختیارَه، فيُعتبرَ حينئذٍ قبضه قبل التفرّق؛ مراعاةً للصرف؛ وكما يكفي في لزوم معاوضة الصرف دفعُ نفس الأثمان قبل التفرّق، كذا يكفي دفعُ عوضها قبله بل مطلقُ براءة ذمَّة مَن يُطلَب منه منه ، فإذا اتَّفقا على جعله من غير النقدين جاز، وكانت المعاوضةُ كأنّها واقعةٌ به.

وفيه: أنّ ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضاً ولا يقولون به، ولزومُه وإنْ كان موقوفاً على اختياره، إلَّا أنَّ سببه العيب الثابت حالة العقد، فقد صدق التفرُّقُ قبل أخذه وإن لم يكن مستقِرّاً.

والحقُّ أنّا إن اعتبرنا في ثبوت الأرش السببَ، لَزِم بطلانُ البيع فيما قابله بالتفرّق قبل قبضه مطلقاً، وإن اعتبرنا حالةَ اختياره، أو جعلناه تمامَ السبب على وجه النقل، لَزِم جوازُ

ص: 197


1- تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 317، الرقم 3216.

أخذه في مجلسه مطلقاً، وإن جعلنا ذلك كاشفاً عن ثبوته بالعقد، لزم البطلان فيه أيضاً. وعلى كل حال فالمعتبر منه النقد الغالب، وما اتَّفقا على أخذه أمرٌ آخَرُ. والوجه الأخير أوضح، فيتّجه مع اختياره البطلانُ فيما قابله مطلقاً. وإن رَضِيَ بالمدفوع، لَزِم.

فإن قيل: المدفوع أرشاً ليس هو أحد عِوَضي الصرف، وإنما هو عِوَض صفةٍ فائتةٍ في أحد العوضين، ويَترتَّب استحقاقُها على صحَّة العقد، وقد حصل التقابض في كلّ من العِوَضَين فلا مقتضي للبطلان؛ إذ وجوب التقابض إنّما هو في عِوَضَي الصرف، لا فيما وجب بسببهما .

قلنا: الأرشُ وإنْ لم يكن أحد العوضين لكنّه كالجزء من الناقص منهما، ومن ثمَّ حكموا بأنَّه جزء من الثمن نسبتُه إليه كنسبة قيمة الصحيح إلى المعيب، والتقابض الحاصل فى العِوَضَين وقع متزلزلاً؛ إذ يُحتمل ردُّه رأساً وأخذُ أرش النقصان الذي هو كتتمَّة العوض الناقص، فكان بمنزلة بعض العوض. والتخيير بين أخذه والعفو عنه وردِّ المبيع لا ينافي ثبوتَه، غايتُه التخيير بينه وبين أمر آخر، فيكون ثابتاً ثبوتاً تخييرياً بينه وبين ما ذكر.

(ولو كان) العيب الجنسي في (غير صرف) بأن كان العوضُ الآخرُ عَرْضاً، (فلا شكّ في جواز الردِّ والأرش): إعطاءً للمعيب حكمَه شرعاً، ولا مانع منه هنا (مطلقاً) سواءٌ كان قبل التفرّق ام بعده.

(ولو كانا) أي العِوَضان (غير معيَّنين، فله الإبدال) مع ظهور العيب جنسيّاً كان أم خارجيّاً؛ لأنّ العقد وقع على أمر كلِّى، والمقبوضُ غيرُه، فإذا لم يكن مطابقاً لم يَتعيَّن؛ لوجوده في ضمنه، لكنّ الإبدال (ماداما في المجلس في الصرف)، أمَّا بعده، فلا؛ لأنَّه يقتضي عدم الرضى بالمقبوض قبل التفرّق، وأنّ (1)الأمر الكلِّي باقٍ في الذمَّة فيُؤَدِّي إلى فساد الصرف.

ص: 198


1- في نسخة «ن»: «ولأنّ».

هذا إذا كان العيب من الجنس، أمَّا غيرُه، فالمقبوض ليس ما وقع عليه العقد مطلقاً، فيبطُل بالتفرّق؛ لعدم التقابض في المجلس.

ويُحتمَل قويّاً مع كون العيب جنسيّاً جوازُ إبداله بعد التفرّق؛ لصدق التقابض في العِوضَين قبله، والمقبوضُ محسوبٌ عوضاً وإن كان معيباً؛ لكونه من الجنس، فلا يخرج عن حقيقة العِوَض المعيَّن، غايتُه كونُه مُفَوِّتاً لبعض الأوصاف، فاستدراكه ممكن بالخيار، ومِن ثَمّ لو رَضِيَ به استقرَّ مِلكُه عليه، ونماؤُه له على التقديرين، بخلاف غير الجنسي.

وحينئذٍ، فإذا فَسَخ رجع الحقُّ إلى الذمَّة، فيتعيَّن حينئذٍ [كونُه] (1)عِوَضاً صحيحاً، لكن يجب قبضُ البدل في مجلس الردّ؛ بناءً على أنّ الفسخَ رَفْعُ العِوَضِ، فإذا لم يَقدَح الصحَّة سابقاً يَتعيّن القبضُ حينئذٍ؛ ليَتحقَّق التقابضُ. ويُحتمل قويّاً سقوط اعتباره أيضاً لصدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحَّة، وللحكم بصحَّة الصرف بالقبض السابق، فيُستصحب إلى أن يثبت خِلافُه ، وما وقع غيرُ كافٍ في الحكم بوجوب التقابض لأنَّه حكم طارئ بعد ثبوت البيع.

(وفي غيره) أي غير الصرف له الإبدال (وإنْ تَفرَّقا)؛ لانتفاء المانع منه، مع وجود المقتضي له وهو العيب في عَينٍ لم يتعيَّن عِوَضاً.

ص: 199


1- أضفناه لاقتضاء السياق.

(الفصل السادس في السلف)

(الفصل السادس في السلف(1))

وهو بيعُ مضمونٍ في الذمَّة مضبوطٍ بمال معلوم مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم بصيغة خاصّة.

(ويَنعقِد بقوله) أي قول المُسلِم وهو المشتري: (أَسلَمتُ إليك، أو أسلفتُكَ) أو «سلَّفْتُك» بالتضعيف وفى «سلَّمتُك» وجهٌ، (كذا في كذا إلى كذا، ويقبل المخاطب) و هو المُسلَم إليه، وهو البائع بقوله : «قَبِلتُ» وشبهِه . ولو جُعِل الإيجابُ منه جاز بلفظ البيع والتمليك و «استَلَمتُ منك» و«استَلَفتُ» و«تَسَلَّفْتُ» ونحوِه.

(ويُشترَط فيه) شروط البيع بأسرها، و(ذكرُ الجنس)، والمراد به هنا الحقيقة النوعية كالحِنطة والشعير، (والوصف الرافع للجهالة)؛ الفارقُ بين أصناف ذلك النوع، لا مطلق الوصف، بل (الذي يَختلِف لأجله الثمنُ اختلافاً ظاهراً) لا يتسامح بمثله عادةً، فلا يَقدَح الاختلاف اليسير غيرُ المؤدي إليه.

والمَرجِعُ في الأوصاف إلى العرف وربما كان العاميُ أعرفَ بها من الفقيه، وحظُّ الفقيه منها الإجمال. والمعتبر من الوصفِ ما يتناوله الاسم، المزيل لاختلاف أثمان الأفرادِ الداخلة في المعيَّن، (ولا يَبلُغ فيه الغايةَ)، فإن بَلَغها وأفضَى إلى عزَّة الوجود بطل، وإلّا صحّ.

ص: 200


1- مسألة: هل يثبت خيار الحيوان في السلم ؟ لم نقف فيه على نصّ بالخصوص، وهنا احتمالات ثلاثة [الأوّل: ] الثبوت؛ لعموم «من اشترى حيواناً»، والمسلّم مشترٍ. [الثاني:] النفي؛ لأن الاستقراء دلّ على أنَّ الحكمة في خيار الحيوان إمهال المشتري؛ ليطّلع على خفاياه. وهذا في السلم متعذّر؛ إذ ليس هناك حيوان مشار إلى عينه حتّى يكون مجالاً للتروّي. وهو أضعفها. [الثالث: ] أن يثبت بعد تسليمه لتعيينه. ويضعّف؛ لسبق لزوم العقد، ولا ينقلب جائزاً. ولم نقف في هذه المسألة على كلام لأحد سبق (زين رحمه الله)

(و) اشتراطُ (الجيِّد والرديء جائزٌ)؛ لإمكان تحصيلهما بسهولة. والواجب أقلُّ ما يُطلق عليه اسم الجيِّد، فإن زاد عنه زاد خيراً، وما يصدق عليه اسم الرديء وكلَّما قلَّل الوصف، فقد أحسن.

(و) شرطُ (الأجودِ والأردأ ممتنعٌ)؛ لعدم الانضباط؛ إذ ما مِن جيّد إلَّا ويمكن وجودُ أجود منه، وكذا الأردأ.

والحكمُ في الأجود وِفاقٌ، وأمَّا الأردأ، فالأجودُ أنّه كذلك. وربما قيل بصحَّته والاكتفاء بكونه في المرتبة الثانية من الرديء؛ لتَحقُّق الأفضليةُ ثُمَّ إن كان الفرد المدفوع أردأ فهو الحقّ، وإلّا فدفع الجيد عن الرديء جائز وقبوله لازم، فيمكن التخلُّصُ بخلاف الأجود.

ويُشكِل بأنّ ضبْطَ المُسلَم فيه معتبر على وجه يمكن الرجوع إليه عند الحاجة مطلقاً، ومن جملتها ما لو امتنع المسلَمُ إليه من دفعه، فيُؤخذ من ماله بأمر الحاكم قهراً، وذلك غير ممكن هنا؛ لأنّ الجيّد غيرُ متعيِّنٍ عليه، فلايجوز لغيره دفعُه، فيتعذَّر التخلّصُ، فعدم الصحَّة أوضح، وتردَّد المصنِّفُ في الدروس(1).

(وكلُّ ما لا يُضبَط وصفه يمتنع السَلَمُ فيه كاللحم والخُبز والنَّبْلِ المنحوتِ) ويجوز قبله؛ لإمكان ضبطها بالعدد والوزن، وما يَبقَى فيه من الاختلاف غير قادح لعدم اختلاف الثمن بسببه بخلاف المعمول.

(والجلودِ)؛ لتعذَّر ضبطها، وبالوزن لا يُفِيد الوصفَ المعتبر؛ لأنَّ أهمَّ أوصافها السَمْكُ ولا يحصُل به. وقيل: يجوز؛ لإمكان ضبطه بالمشاهدة(2). ورُدَّ بأنّه خروجٌ عن السلَم(3): لأنَّه دَينٌ.

ويمكن الجمعُ بمشاهَدة جملة يَدخُل المُسلَم فيه في ضمنها من غير تعيين، وهو

ص: 201


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 224 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 397.
3- هو المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 56.

غير مُخرِجٍ عن وضعه؛ كاشتراطه من غَلَّة قريةٍ معينةٍ لا تَخِيسُ عادةً، وحينئذٍ فيكفي مشاهدةُ الحَيوان عن الإمعان في الوصف والمشهور المنعُ مطلقاً.

(والجواهر واللآلئ الكبارِ ؛ لتعذّرِ ضبطها) على وجهٍ يُرفع بسببه اختلافُ الثمن، (و تفاوتِ الثمن فيها) تفاوتاً باعتبارات لا تحصُل بدون المشاهَدة.

أمَّا اللآلِئُ الصغارُ التي لا تَشتمل على أوصاف كثيرة تختلف القيمة باختلافها، فيجوز مع ضبط ما يُعتبَر فيها، سواءٌ في ذلك المتَّخَذَةُ للدواء وغيرها. وكذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتاً بَيِّناً كبعض العقيق، وهو خِيَرَةُ الدروس(1).

(ويجوز) السلمُ (في الحُبوبِ والفواكه والخُضْر والشَحْم والطيب والحيوانِ كلّه) ناطقاً وصامتاً (حتّى في شاةٍ لبونٍ) لإمكان ضبطها وكَثرةِ وجود مثلها، وجهالة مقدار اللبن غيرُ مانعة - على تقدير وجوده - لأنَّه تابع (وَيلَزم تسليم شاةٍ يمكن أن تُحلَب في مُقارِب زمانِ التسليم) فلا يكفي الحاملُ وإِنْ قَرُب زمانُ وِلادتها.

(ولا يُشترَط أن يكون اللبنُ حاصلاً بالفعل حينئذٍ، فلو حَلَبها وسَلَّمها أجزأَتْ)؛ الصدق اسم الشاة اللبون عليها بعده.

(أمَّا الجاريةُ الحاملُ أو ذاتُ الولد، أو الشاةُ كذلك، فالأقرب المنع) لاعتبار وصف كلِّ واحدٍ منهما، فيَعِزُّ اجتماعُهما في واحد؛ ولجهالة الحمل، وعدم إمكان وصفه.

وقيل: يجوز في الجميع ؛ لإمكانه من غير عُشر، واغتفار الجهالة في الحمل؛ لأنَّه تابع (2). وفي الدروس جوَّز في الحامل مطلقاً، وفي ذاتِ الولد المقصود بها الخدمةُ دون التَسَرِّي(3). والأجودُ الجواز مطلقاً؛ لأنّ عزّةَ وجود مثل ذلك غيرُ واضح، وعمومَ الأمر بالوفاء بالعقد(4) يقتضيه.

ص: 202


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 224 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- جوّز السلف في جارية الحبلى العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 181، المسألة 135؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 214 - 215 ؛ لم نعثر على غيره.
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 225 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- المائدة (5): 1 .

(ولا بدَّ من قبض الثمن قبل التفرّق أو المحاسبة) به (مِن دَين عليه) أي على المُسْلَم [إليه ] (إذا لم يَشترِط ذلك في العقد)، بأن يَجعَل الثمنَ نفسَ ما في الذمَّة، (ولو شرطه) كذلك (بطل ؛ لأنَّه بيعُ دَينٍ بدينٍ(1))، أمَّا كونُ المسلَم فيه دَيناً فواضح، وأمَّا الثمن الذي في الذمَّة؛ فلأنَّه دَين في ذمَّة المُسْلَم إليه، فإذا جُعِل عِوَضاً للمسلَم فيه صدَق بيع الدين بالدين؛ لأنّ نفس الدين قد قُرن بالباء، فصار ثمناً، بخلاف المحاسبة عليه قبل التفرُّق إذا لم يُشترَط؛ لأنَّه استيفاءُ دَينٍ قبل التفرّق مع عدم ورود العقد عليه، فلا يقصُر عمّا لو أطلقاه ثمَّ أحضره قبل التفرّق.

وإنّما يُفتقَر إلى المحاسبة مع تخالفهما جنساً أو وصفاً، أمَّا لو اتَّفق ما في الذمَّة والثمنُ فيهما وقع التهاتر قهريّاً ولَزِم العقد. ولكنّ المصنِّف في الدروس استشكل على هذا صحَّةَ العقد؛ استناداً إلى أنَّه يَلزَم منه كونُ مَورد العقد دَيناً بدين(2).

ويندفع بأنّ بيع الدين بالدين لا يتحقَّق إلَّا إذا جُعِلا معاً في نفس العقد متقابلين في المعاوضة، قضيَّةً للباء، وهي منتفيةٌ هنا؛ لأنّ الثمن هنا أمرٌ كلّي، وتعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونُه هو الثمن الذي جَرَى عليه العقدُ، ومثلُ هذا التقاصِّ والتحاسُبِ استيفاءٌ لا معاوضةٌ، ولو أثَّر مثلُ ذلك لأثَّر مع إطلاقه ثمَّ دفعِه في المجلس؛ لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداءً. بل قيل بجواز الصورة الثانية أيضاً، وهي ما لو جُعِل الدِّينُ

ص: 203


1- مسألة: قولهم: «ولا يجوز بيع الدَّين بدين» ما صورته: فلو كان له عند زيد شيء على وجه السلم أو الدَين أو القرض، فباعه له أو لغيره هل يصحّ أم لا؟ ولو اشترى منه شيئاً مطلقاً ولم يقبضه هل يصحّ بيعه له أو لغيره أم لا؟ الجواب: بيع الدَين بالدَين له تفسيرات: الأول: بيع دين في ذمَّة زيد بدين للمشتري في ذمَّة عمرو الثاني: بيع شيء في الذمَّة مؤجّل إلى أجل بثمن مؤجّل إلى أجل وهذان باطلان .الثالث: بيع ما في الذمَّة بدين مؤجَّل على الغريم أو على غيره. وفيه خلاف بين الأصحاب. والأرجح المنع. الرابع: بيع ما في الذمَّة بدين حالّ ولم يقبض في المجلس. والظاهر أنه ليس منه. الخامس: بيع مضمون مؤجّل بحالّ لم يقبض في المجلس ثمنه، وهذا هو السلم الباطل. السادس: بيع مضمون حالّ بحالّ ولم يقبض في المجلس، والأولى المنع. السابع: بيع مضمون في الذمَّة حالّ بثمن مؤجّل. والأولى المنع منه أيضاً. وأمَّا من اشترى من غيره موصوفاً في الذمَّة بعقد السلم أو البيع وكان عامّ الوجود عند العقد أو عند. (زين رحمه الله)
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 232 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

تمناً في العقد(1)؛ نظراً إلى أنّ ما في الذمة بمنزلة المقبوض.

(وتقديرِه) أي المسلَم فيه أو ما يعمّ الثمنَ( بالكيلِ أو الوزنِ المعلومين) فيما يُكال أو يُوزَن ، وفيما لا يُضبَط إلَّا به وإنْ جاز بيعه جُزافاً كالحَطَب والحِجارة؛ لأنّ المشاهَدةَ تَرفَع الغرر، بخلاف الدين. واحتزر بالمعلومين عن الإحالة على مكيالٍ وصَنْجَةٍ مجهولَين، فيبطُل .

(أو العددِ) في المعدود (مع قلّة التفاوت) كالصنف الخاصّ من الجوز واللوز، أمَّا مع كثرته كالرُمّان، فلا يجوز بغير الوزن.

والظاهر أنّ البيض مُلحق بالجوز في جوازه مع تعيّن الصنف، وفي الدروس قطع بإلحاقه بالرمان الممتنع به (2).

وفي مثل الثوب يُعتبر ضبطه بالذرع وإن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة كما مرَّ. وكان عليه أن يذكره أيضاً؛ لخروجه عن الاعتبارات المذكورة. ولو جعلت هذه الأشياءُ ثمناً، فإن كان مشاهَداً لَحِقَه حكمُ البيع المطلق، فيكفي مشاهدة ما يكفي مشاهدته فيه، واعتبارُ ما يُعتبَر.

(وتعيين الأجل المحروس من التفاوت) بحيث لا يَحتمِل الزيادةَ والنقصانَ إن أُريد موضوعه، ولو أُريد به مطلق البيع لم يُشترَط وإنْ وقع بلفظ السلَم.

(والأقرب جوازه) أي السلَم (حالّاً مع عموم الوجود) أي وجود المُسلم فيه (عند العقد)، ليكون مقدوراً على تسليمه حيث يكون مستحقّاً.

ووجه القرب أنّ السلَمَ بعضُ جزئيّات البيع، وقد استُعمل لفظه في نقل المِلْك على الوجه المخصوص فجاز استعماله في الجنس؛ لدَلالته عليه حيث يُصرَّح بإرادة المعنى العامّ، وذلك عند قصد الحلول، كما ينعقد البيع ب-«ملّكتُك كذا بكذا». مع أنَّ التمليك

ص: 204


1- قال به العلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 425، الرقم 3536؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز ج 1، ص 524.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

موضوعٌ لمعنى آخَرَ، إلَّا أنّ قرينةَ العِوَض المقابل عَيَّنَتْه للبيع، بل هذا أولى؛ لأنَّه بعض أفراده، بخلاف التمليكِ المستعمَلِ شرعاً في الهبة، بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرُها وإنَّما صَرَفه عنها القيود الخارجيَّةُ. ومثله القولُ فيما لو استَعملا السلَمَ في بيعِ عَينٍ شخصيّةٍ وأولى بالجواز ؛ لأنَّها أبعد عن الغَرَر، والحلولُ أدخلُ في إمكان التسليم من التأجيل.

ومن التعليل يلوح وجه المنع فيهما، حيث إنّ بناءَه على البيع المؤجَّلِ مُثمنُه الثابتُ في الذمَّة، وقد قال النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «مَن أسلَف فَلْيُسلِف في كيلٍ معلومٍ أو وزنٍ معلومٍ [إلى] أَجَلٍ معلومٍ»(1). وأجيب بتسليمه حيث يُقصد السلمُ الخاصّ، والبحث فيما لو قَصَدا به البيعَ الحالَّ.

واعلم أنّ ظاهر عبارة المصنِّف هنا وفي الدروس (2) وكثيرٍ أنّ الخِلاف مع قصد السلَم، وأنّ المختار جوازه مؤجّلاً وحالّاً مع التصريح بالحلول ولو قصْداً، بل مع الإطلاق أيضاً ، ويُحمَل على الحلول والذي يُرشد إليه التعليل والجوابُ أنّ الخِلافَ فيما لو قصد به البيع المطلقُ واستُعمِل السلمُ فيه بالقرائن، أمَّا إذا أريد به السلفُ المطلقُ اشتُرِط ذكرُ الأجل.

(ولا بدّ من كونه عامَّ الوجود عند رأس الأجل إذا شُرِط الأجل) في البلدِ الذي شُرِط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق - على رأي المصنِّف هنا - أو فيما قارَبَه بحيث يُنقل إليه عادةً، ولا يكفي وجوده فيما لا يُعتاد نقله منه إليه إلَّا نادراً كما لا يُشترَط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجّلاً ولا فيما بينهما.

ولو عيَّن غَلَّةَ بلدٍ لم يَكفِ وجوده في غيره وإنْ اعتِيدَ نقلُه إليه، ولو انعَكَس، بأن عيَّن غلَّةَ غيره مع لزوم التسليم به شارطاً نقلَه إليه، فالوجه الصحَّة وإن كان يبطُل مع

ص: 205


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 1226 - 1227، ح 127 /1604 ، باب السلم ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 765، ح 2280، باب السلف.
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الإطلاق. والفرقُ أنّ بلد التسليم حينئذٍ بمنزلة شرطٍ آخَرَ، والمعتبر هو بلد المسلَم فيه.

(والشُّهورُ يُحمّل) إطلاقها على الهِلاليَّة مع إمكانه، كما إذا وقع العقد في أوّل الشهر. ولو وقع في أثنائه، ففي عدّه هلاليّاً بجبره مقدار ما مَضَى منه، أو إكماله ثلاثين أو انكسار الجميع لو كان معه غيره، وعدِّها ثلاثين يوماً أوجُهٌ، أوسطُها الوسط، وقوَّاه في الدروس(1) ، ويظهر من العبارةِ الأوّلُ.

(ولو شَرَط تأجيل بعض الثمن بطل في الجميع) ، أمَّا في المؤجَّل فظاهر؛ لاشتراط قبض الثمن قبل التفرّق المنافي له، وعلى تقدير عدم منافاته لقصر الأجل يمتنع من وجهٍ آخَرَ؛ لأنَّه بيع بالكالئ فقد فسّره أهل اللغة بأنَّه بيعُ مضمون مؤجّل بمثله(2)؛ وأمَّا البطلان في الحالِّ على تقدير بطلان المؤجّل؛ فلجهالة قسطه من الثمن وإنْ جَعَل كلاً منهما قدراً معلوماً، كتأجيل خمسين من مائة؛ لأنّ المعجَّل يقابل من المبيع قسطاً أكثر ممّا يقابله المؤجَّلُ ؛ لتقسيط الثمن على الأجل أيضاً، والنسبة عند العقد غير معلومة.

وربما قيل بالصحَّة؛ للعلم بجملة الثمن، والتقسيط غيرُ مانع، كما لا يمنع لو باع مالَه ومالَ غيره فلم يُجِز المالكُ، بل لو باع الحرَّ والعبدَ بثمن واحدٍ مع كون بيع الحر باطلاً من حين العقد كالمؤجَّل هنا.

(ولو شَرَط موضعَ التسليم لَزِمَ)؛ لوجوب الوفاء بالشرط السائغ (وإلّا) يَشترِط (اقتضى) الإطلاق التسليم في (موضع العقد(3))، كنظائره من المبيع المؤجل.

هذا أحد الأقوال في المسألة، والقول الآخر اشتراط تعيين موضعه مطلقاً، وهو اختياره في الدروس(4) ؛ لاختلاف الأغراض باختلافه الموجِبِ لاختلاف الثمن والرغبة؛ ولجهالة موضع الاستحقاق لابتنائه على موضع الحلول المجهول؛ وبهذا فارَقَ القرضَ

ص: 206


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الصحاح، ج 1، ص 69 ؛ المصباح المنير، ص 540 ، «كلاً».
3- إلَّا أن يكونا في برّيّة أو بلد غربة وقصدهما مفارقته قبل الحلول فيجب تعين المكان. (زين رحمه الله)
4- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 235 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

المحمولَ على موضعه لكونه معلوماً. وأمَّا النسيئة، فخرج بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محلّه .

وفصَّل ثالثٌ باشتراطه إن كان في حمله مؤونةٌ وعدمِه بعدمه(1)، ورابعٌ بكونِهما في مكانٍ قصدُهما مفارَقتُه وعدمِه(2)، وخامسٌ باشتراطه فيهما (3). ووجه الثلاثة مركَّب من الأولين. ولا ريب أنّ التعيين مطلقاً أولى.

(ويجوز اشتراط السائغ في العقد) كاشتراط حمله إلى موضع معيَّن، وتسليمِه كذلك، ورهنٍ، وضمينٍ، وكونِه من غَلَّة أرضٍ أو بلدٍ لا تَخِيس فيهما غالباً، ونحوِ ذلك.

(و) كذا يجوز (بيعه بعد حلوله) وقبل قبضه (على الغريم وغيره على كراهية) ؛ للنهي عن ذلك في قوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «لا تَبِيعَنَّ شيئاً حتّى تَقبِضَه»(4)، ونحوِه (5)المحمول على الكراهة، وخصَّها بعضُهم بالمَكيل والموزون (6)وآخرون بالطعام(7)، وحرَّمه آخرون فيهما (8) و هو الأقوى، حملاً لما ورد صحيحاً من النهي على ظاهره(9)؛ لضعف المعارِض الدالِّ على الجواز (10) الحامل للنهي على الكراهة؛ وحديثُ النهي عن بيع مطلق ما لم يُقبَض لم يَثبُت. وأمَّا بيعُه قبل حلوله، فلا؛ لعدم استحقاقه حينئذٍ؛ نعم، لو صالَحَ عليه، فالأقوى الصحَّة.

(وإذا دفع) المسلَمُ إليه (فوقَ الصفة وجب القبول)؛ لأنَّه خيرٌ وإحسانٌ، فالامتناع منه عِنادٌ؛ ولأنّ الجَودةَ صفةٌ لا يمكن فصْلُها فهي تابعة، بخلاف ما لو دَفَع أزيدَ قدراً

ص: 207


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 118 - 119 ؛ وتبعه ابن حمزة في الوسيلة، ص 241.
2- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 178، المسألة 130.
3- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 343 - 344، المسألة 502.
4- المعجم الكبير، ج 3، ص 196، ح 3107 و 3108 .
5- المعجم الكبير، ج 3، ص 196، ح 3107 و 3108 .
6- قال به المفيد في المقنعة، ص 596 ؛ والشيخ في النهاية، ص 398 .
7- قال به المحقِّق في المختصر النافع، ص 222.
8- قال به ابن أبي عقيل حكاه عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 303، المسألة 279 .
9- تقدم في الهامش 4 و 5.
10- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 36، ح 151، و ص 39، ح 164.

يمكن فصلُه ولو في ثوب. وقيل: لا يجب؛ لما فيه من المنّة(1).

(ودونَها) أي دون الصفةِ المشترَطةِ (لا يجب ) قبولُه وإنْ كان أجود من وجهٍ آخَرَ؛ لأنَّه ليس حقَّه مع تضرُّره به ويجب تسليم الحنطة ونحوها عند الإطلاق نقيَّةً من الزَوان والمَدَر والتراب والقِشر غيرِ المعتاد، وتسليمُ التمرِ والزبيبِ جافَّين، والعنب والرُطَبِ صحيحين، ويُعفى عن اليسيرِ المُحتمَل عادةً (ولو رَضِيَ) المُسلِم (به) أي بالأدون صفةً (لَزِم)؛ لأنَّه أسقط حقَّه من الزائد برضاه، كما يَلزَم لو رَضِيَ بغير جنسه.

(ولو انقطع) المسلَمُ فيه (عند الحلول) حيث يكون مؤجَّلاً ممكن الحصول بعد الأجل عادةً، فاتَّفق عدمُه (تخيَّر) المسلِمُ (بين الفسخ) فيرجع برأس ماله؛ لتعذُّرِ الوصول إلى حقِّه، وانتفاءِ الضرر (و) بين (الصبر ) إلى أن يحصل. وله أن لا يَفسَخ ولا يَصبِرَ بل يَأخُذَ قيمتَه حينئذٍ ؛ لأنّ ذلك هو حقُّه والأقوى أنّ الخيار ليس فوريّاً، فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين ما لم يُصرِّح بإسقاط حقِّه من الخيار.

ولو كان الانقطاع بعد بذله له ورضاه بالتأخير سقط خياره، بخلاف ما لو كان بعدم المطالبة أو بمنع البائع مع إمكانه.

وفي حكم انقطاعه عند الحلول موتُ المسلَم إليه قبل الأجل وقبل وجوده، لا العلمُ قبله بعدمه بعده، بل يتوقَّف الخيار على الحلول على الأقوى؛ لعدم وجود المقتضي له الآن؛ إذ لم يستحِقّ شيئاً حينئذٍ.

ولو قبض البعض تخيَّر أيضاً بين الفسخ في الجميع والصبر، وبين أخذ ما قَبَضه والمطالَبةِ بحصَّةِ غيره من الثمن، أو قيمةِ المُثمَن على القول الآخر.

وفي تخيُّر المسلَم إليه مع الفسخ في البعض وجهٌ قويٌ؛ لتبعُّض الصفْقة عليه، إلَّا أن يكون الانقطاع من تقصيره، فلا خيار له.

ص: 208


1- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 181، المسألة 134.

(الفصل السابع في أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبارِ بالثمن وعدمِه )

إشارة

(وهو أربعة) أقسام؛ لأنَّه إما أن يُخبر به أوْ لا، والثاني المساوَمَة، والأوّل إمَّا أن ببيع معه برأس المال، أو بزيادة عليه، أو نقصان عنه، والأوّل التوليةُ، والثاني المرابَحةُ والثالث المواضَعةُ.

وبَقِيَ قِسمٌ خامسٌ، وهو إعطاء بعضِ المبيع برأس ماله، ولم يذكُره كثيرٌ، وذكره المصنف هنا وفي الدروس(1)، وفي بعض الأخبار دَلالة عليه(2).

وقد تجتمِع الأقسام في عقدٍ واحدٍ؛ بأن اشْتَرَى خمسةٌ ثوباً بالسويَّة، لكن ثمن نصيب أحدِهم عشرون، والآخَرِ خمسةَ عَشَرَ، والثالثِ عَشَرَةٌ، والرابعِ خمسةٌ، والخامس لم يُبَيِّن، ثمّ باع من عدا الرابع نصيبَهم بستّين بعد إخبارهم بالحال، والرابعُ شرَّك في حصَّته، فهو بالنسبة إلى الأوّل مواضعة، والثاني تولية، والثالث مرابحةٌ، والرابعِ تشريك، والخامس مساومة. واجتماع قسمَين وثلاثةٍ وأربعةٍ منها على قياس ذلك.

والأقسام الأربعة:

(أحدها: المساوَمةُ)

وهي البيع بما يتّفقان عليه من غير تعرّض للإخبار بالثمن، سواءٌ عَلِمه المشتري أم لا، وهي أفضل الأقسام.

(وثانيها: المرابحة،

ويُشترَط فيها العلمُ) أي علم كلِّ من البائع والمشتري (بقدر الثمن و) قدرِ (الربح ) والغرامةِ والمُؤَنِ إن ضمَّها.

ص: 209


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 185 ، ح 817، و ص 187، ح 825.

(ويجب على البائع الصدقُ) في الثمن والمُؤَنِ وما طرأ من موجِب النقص والأجل وغيرِه.

فإن لم يُحدِث فيه زيادةً قال : «اشتريتُه» أو «هو عَلَيَّ أو تَقَوَّمَ) بكذا»، (وإن زاد بفعله) من غير غرامةٍ ماليَّةٍ (أخبر) بالواقع؛ بأن يقول: «اشتريتُه بكذا وعمِلتُ فيه عملاً يُساوي كذا». ومثله ما لو عمل فيه متطوِّعٌ.

(و) إن زاد (باستئجاره) عليه (ضَمَّه، فيقول «تَقَوَّم عَلَيّ) بكذا» (لا «اشتريتُ) به» ؛ لأنّ الشراء لا يدخل فيه إلَّا الثمنُ، بخلاف «تَقَوَّم علَيَّ» فإنّه يدخل فيه الثمنُ وما يَلحَقُه من أُجرة الكيّالِ والدلّالِ والحارِس والمَحْرَسِ والقصّارِ والرفّاءِ والصبّاغِ وسائرِ المُؤَنِ المرادةِ للاسترباح، لا ما يُقصد به استبقاءُ المِلك دون الاسترباح كنفقة العبد وكِسْوَتِه وعلْفِ الداَّبة، نعم، العلفُ الزائدُ على المعتاد للتسمين يدخُل. والأُجرةُ وما في معناها لا تُضَمّ إلى «اشتريت بكذا» (إلّا أن يقول : واسْتَأْجَرتُ بكذا) فإنّ الأُجرةَ تَنضَمُّ حينئذٍ إلى الثمن للتصريح بها.

واعلم أنّ دخول المذكورات ليس من جهة الإخبار، بل فائدته إعلام المشتري بذلك؛ ليَدخُل في قوله: «بعتك بما اشتريت أو بما قام عليّ أو بما اشتريت واستأجرتُ وربح كذا».

(وإن طَرَأ عيبٌ وجب ذكرُه) ؛ لنقص المبيع به عمّا كان حين شَرَاه، (وإن أخذ أرشاً) بسببه (أَسقَطه)؛ لأنّ الأرشَ جزء من الثمن، فكأنَّه اشتراه بما عداه وإن كان قوله: «اشتريته بكذا» حقّاً؛ لطروء النقصان الذي هو بمنزلة الجزء.

ولو كان الأرشُ بسبب جناية لم يسقط من الثمن؛ لأنَّها حقٌّ متجدِّدٌ لا يقتضيها العقد، كنتاج الدابَّة، بخلاف العيب وإن كان حادثاً بعد العقد حيث يُضمَن؛ لأنَّه بمقتضى العقد أيضاً، فكان كالموجود حالتَه ويُفهَم من العبارة إسقاطُ مطلق الأرش، وليس كذلك، وبما قيَّدناه صرَّح في الدروس(1) كغيره (2).

ص: 210


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- منهم العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 57 .

(ولا يُقوّم أبعاضَ الجملة) ويُخبِر بما يقتضيه التقسيطُ من الثمن وإن كانت متساويةً أو أخبر بالحال؛ لأنّ المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد وإنْ يُقَسَّط الثمنُ عليها في بعض الموارد، كما لو تلف بعضُها أو ظَهَر مستحَقّاً .

(ولو ظهر كِذّْبُه) في الإخبار بقدرِ الثمن أو ما في حكمه، أو جنسِه أو وصفِه، (أو غلطُه) فيه ببينةٍ أو إقرار (تخيَّر المشتري) بين ردّه وأخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد؛ لغروره.

وقيل له أخذه بِحَطِّ الزيادةِ وربحِها؛ لكذبه مع كون ذلك هو مقتضى المرابحة شرعاً (1). ويُضعَّف بعدم العقد على ذلك، فكيف يثبت مقتضاه.

وهل يُشترَط فى ثبوت خيار المشتري على الأوّل بقاؤُه على ملكه؟ وجهان أجودُهما العدمُ؛ لأصالةِ بقائه مع وجود المقتضي، وعدم صلاحيَّة ذلك؛ للمانع، فمع التلفِ أو انتقالِه عن مِلكه انتقالاً لازماً أو وجودِ مانع من ردِّه - كالاستيلاد - يَرُدّ مثلَه أو قيمتَه إن اختار الفسخ، ويأخذ الثمنَ أو عوضَه مع فقده.

(ولا يجوز الإخبار بما اشتراه من غلامِه) الحرِّ (أو وَلَدِه) أو غيرِهما (حيلةً ؛ لأنَّه خَدِيعةٌ) وتدليسٌ، فلو فعل ذلك أثِمَ وصحّ البيع، لكن يتخيَّر المشتري إذا علم بين ردِّه وأخذِه بالثمن، كما لو ظهر كذبُه في الإخبار .

(نعم، لو اشتراه) من ولده أو غلامه (ابتداءً من غير سابقةِ بيعٍ عليهما) ولا مُواطَاةٍ على الزيادة وإنْ لم يكن سبَقَ منه بيعٌ، (جاز) ؛ لانتفاء المانع حينئذٍ، إذ لا مانع من معاملة مَنْ ذُكر.

(و) كذا (لا) يجوز (الإخبار بما قَوَّم عليه التاجرُ) على أن يكون له الزائد من غير أن يَعْقِدَ معه البيعَ؛ لأنَّه كاذب في إخباره؛ إذ مجرّدُ التقويم لا يوجبه، (والثمنُ) على تقدير بيعه كذلك (له) أي للتاجر، (وللدلّالِ الأجرةُ)؛ لأنَّه عمل عملاً له أجرةٌ عادةً.

ص: 211


1- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 193 ، المسألة 150 .

فإذا فاتَ المُشتَرَطُ رجع إلى الأُجرة.

ولا فرق في ذلك بين ابتداء التاجر له به واستدعاءِ الدلّال ذلك منه، خلافاً للشيخين حيث حَكَما بمِلك الدَّلاِل الزائدَ في الأوّل(1)؛ استناداً إلى أخبار صحيحة (2) يمكن حملها على الجُعالة، بِناءً على أنَّه لا يَقدَح فيها هذا النوع من الجَهالة.

(وثالثها: المواضَعَةُ،

وهي كالمرابَحَة في الأحكام) من الإخبار على الوجوه المذكورة، ( أنّها بنقيصةٍ معلومة)، فيقول: «بعتك بما اشتريته أو تَقَوَّم عَلَيّ و وضيعةِ كذا أو حطِّ كذا».

فلو كان قد اشتراه بمائة فقال: «بعتك بمائة، ووضيعةِ درهمٍ من كلِّ عَشَرة»، فالثمن تسعون، أو «لكلِّ عَشَرة» زاد عشرة أجزاءٍ من أحدَ َعشَرَ جزءاً من الدرهم؛ لأنّ الموضوع في الأوّل من نفس العشرة؛ عملاً بظاهر التبعيض، وفي الثاني من خارجها، فكأنّه قال «من كل أحد عشرَ».

ولو أضاف «الوضيعة» إلى «العشرة» احتمل الأمرين، نظراً إلى احتمال الإضافة ل- « لام» و «منْ». والتحقيق هو الأوّل؛ لأن شرط الإضافة بمعنى «مِن» كونُها تبيينيَّة لا تبعيضيَّة، بمعنى كون المضاف جزئياً من جزئيات المضاف إليه، بحيث يصحّ إطلاقه على المضاف وغيره، والإخبارُ به عنه ك-«خاتم فضَّةٍ»، لا جزءاً من كلّ ك-«بعض القوم» و «يد زيد»، فإنّ كلَّ القوم لا يُطلَق على بعضه ولا زيدٌ على يده، والموضوع هنا بعض العشرة، فلا يُخبَر بها عنه، فتكون بمعنى اللام.

(ورابعها: التولية،

وهي الإعطاء برأس المال)، فيقول بعد علمهما بالثمن وما تبِعَه : «ولّيتُك هذا العقد»، فإذا قَبِل لَزِمه مثلُه جنساً وقدراً وصفةً، ولو قال: «بعتك» أكمله بالثمن أو بما قام عليه ونحوِه ولا يفتقر في الأوّل إلى ذكره. ولو قال: «ولّيتُك

ص: 212


1- المقنعة، ص 605 : النهاية ص 389 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 53 - 54، ح 231 و 232.

السِلْعَةَ» احتمل في الدروس الجواز(1).

(والتشريكُ جائز، وهو) أن يجعل له فيه نصيباً بما يخصّه من الثمن ب- ( أن يقول : ««شركتك) بالتضعيف (بنصفه بنسبة ما اشتريت» مع علمهما) بقدره.

ويجوز تعديته بالهمزة. ولو قال: «أشركتُك بالنصف» كَفَى ولَزِمه نصفُ مثل الثمن، ولو قال: «أشركتك في النصف» كان له الربعُ، إلَّا أن يقول: «بنصف الثمن»، فيتعيَّن النصف، ولو لم يُبيِّن الحصَّةَ كما لو قال: «في شئ منه» أو أَطلَق بطل؛ للجهل بالمبيع. ويُحتمل حملُ الثاني على التنصيف.

(وهو) أي التشريك (في الحقيقة بيعُ الجزءِ المُشاعِ برأس المال)، لكنَّه يختصّ عن مطلق البيع بصحَّته بلفظه.

ص: 213


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(الفصل الثامن في الربا)

بالقصر، وألفه بدلٌ من واو. (ومَورِدُه) أي محلّ وروده (المتجانسان إذا قُدِّرا بالكيل أو الوزن وزاد أحدُهما) عن الآخر قدراً ولو بكونه مؤجّلاً.

وتحريمه مؤكَّدٌ، وهو من أعظم الكبائر (والدرهمُ منه أعظمُ) وزراً (من سبعين زِنْيَةً) - بفتح أوَّله وكسرِه - كلّها بذات مَحرَم. رواه هشام بن سالم عن الصادق (علیه السلام)(1).

(وضابط الجنس) هنا (ما دخل تحت اللفظ الخاصّ) كالتمر والزبيب واللحم (فالتمر جنس) لجميع أصنافه (والزبيب جنس) كذلك (والحنطة والشعير) هنا (جنس) واحد (في المشهور) وإن اختلفا لفظاً واشتملا على أصناف؛ لدلالة الأخبار الصحيحة على اتِّحادهما (2) ، الخاليةِ عن المعارض، وفي بعضها: «إنّ الشعير من الحنطة»(3). فدعوى اختلافِهما نظراً إلى اختلافهما صورةً وشكلاً ولوناً وطعماً وإدراكاً وحسّاً واسماً، غيرُ مسموع. نَعَم هما في غير الربا - كالزكاة - جنسان إجماعاً.

(واللحومُ تابعةٌ للحيوان)، فلحمُ الضَأْنِ والمَعْزِ جنسٌ ؛ لشمول الغنم لهما، والبقر والجاموس جنسٌ؛ والعِراب (4) والبخاتي (5)جنسٌ.

ص: 214


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 14 ، ح 61.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 95-96، ح 409 و 410 و 412.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 95، ح 409 و 410.
4- العراب جمع عربي من الخيل والإبل. المعجم الوسيط، ص 591، «عرب».
5- البخاتي جمع بُخْتي: الإبل الخراسانية. المعجم الوسيط، ص 41، «بخت».

( ولا ربا في المعدود) مطلقاً على أصحّ القولين(1)، نعم، يُكره.

(ولا بين الوالد وولده)، فيجوز لكلّ منهما أخذُ الفضل على الأصحّ والأجودُ اختصاص الحكم بالنَسَبي مع الأب، فلا يَتَعَدّى إليه مع الأُمِّ ولا مع الجدِّ ولو للأب، ولا إلى ولد الرِضاع، اقتصاراً بالرخصة على مورد اليقين، مع احتمال التعدِّي في الأخيرين؛ لإطلاق اسم الولد عليهما شرعاً ؛(ولا بين الزوج وزوجته (2)) دواماً ومُتعَةً على الأظهر.

(ولا بين المسلم والحربي إذا أخذ المسلمُ الفضلَ) وإلّا ثبت. ولا فرق في الحربي بين المعاهدِ وغيرِه، ولا بين كونه في دار الحرب والإسلام.

( ويَثبُت بينه) أي بين المسلم (وبين الذمّيِّ) على الأشهر(3)، وقيل: لا يثبت(4) كالحربي؛ للرواية(5) المخصِّصة له كما خصَّصَتْ غيره وموضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم الفضلَ، أمَّا إعطاؤه إيَّاه فحرام قطعاً.

(ولا في القسمة)؛ لأنَّها ليست بيعاً ولا معاوضةً، بل هي تمييز الحقِّ عن غيره، ومن جَعَلَها بيعاً مطلقاً أو مع اشتمالها على الردِّ أَثبَتَ فيها الربا.

(ولا يَضُرُّ عُقَدُ التِبْنِ والزِوانُ (6)) بضم الزاي وكسرها وبالهمز وعدمه؛ (اليسيرُ) في أحد العِوَضين دون الآخَر أو زيادةً عنه؛ لأنّ ذلك لا يَقدَح في إطلاق المثليَّة والمساواة قدراً. ولو خرجا عن المعتاد ضَرًا. ومثلهما يسيرُ التراب وغيرِه ممَّا لا ينفكّ الصنفُ عنه

ص: 215


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 17؛ والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 114، المسألة 77 ؛ القول بثبوت الربا للمفيد في المقنعة ص 605 ؛ وسلّار في المراسم، ص 179 .
2- في الدائم. (زين رحمه الله )
3- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 376 : وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 252.
4- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 374؛ والسيد المرتضى في الانتصار، ص 442، المسألة 253.
5- الفقيه، ج 3، ص 278، ح 4005.
6- الزوّان: عشب ينبت بين أعواد الحنطة غالباً، حبّه كحبها إلَّا أنَّه أسود وأصغر، وهو يخالط البرّ فيكسبه رداءة.المعجم الوسيط، ص 387 .

غالباً كالدُرْدِي(1)في الدِبْس والزّيْت.

(ويتَخَلَّص منه) أي من الربا إذا أُريد بيعُ أحد المتجانسَين بالآخَر مُتفاضِلاً (بالضميمةِ) إلى الناقص منهما ، أو الضميمة إليهما مع اشتباه الحال، فتكون الضميمة في مقابل الزيادة.

(ويجوز بيعُ مُدِّ عَجْوَةٍ ودرهمٍ بمُدَّين أو درهمين، وبمدّين ودرهمين، وأمداد ودراهم، ويُصرَف كلّ إلى مخالفه) وإنْ لم يَقْصِده، وكذا لو ضَمَّ غيرَ ربوي.

ولا يُشترَط في الضميمة أن تكون ذاتَ وَقْعٍ في مقابل الزيادة، فلو ضَمَّ ديناراً إلى ألف درهم ثمناً لألفي درهم جاز؛ للرواية(2).

وحصولُ التفاوت عند المقابلةِ وتوزيعِ الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه لا يقدح ؛ لحصوله حينئذٍ بالتقسيط لا بالبيع، فإنّه إنَّما وقع على المجموع بالمجموع، فالتقسيط غير معتبر ولا مُفتَقَرٌ إليه.

نعم، لو عَرَض سببٌ يُوجِبه كما لو تلف الدرهم المعيَّن قبل القبض أو ظهر مستحَقّاً وكان في مقابله ما يوجب الزيادةَ المُفضِيةَ إلى الربا احتُمِل بطلان البيع حينئذٍ؛ للزوم التفاوت في الجنس الواحد والبطلان في مخالف التالف خاصّةً ؛ لأنّ كلّاً من الجنسين قد قُوبِل بمخالفه فإذا بطَل بطَل ما قُوبِل به خاصّةً. وهذا هو الأجودُ والموافقُ لأصول المذهب والمصحِّحُ لأصل البيع، وإلَّا كان مقتضى المقابلة لزومَ الربا من رأس.

(و ) يَتَخَلَّص من الربا أيضاً (بأن يبيعه بالمُماثل ويَهَبَه الزائدَ) في عقدٍ واحدٍ أو بعد البيع ( من غير شرطٍ) للهبة في عقد البيع ؛ لأنّ الشرط حينئذٍ زيادةٌ في العِوَضِ المصاحِبِ له، (أو) بأن (يُقرِض كلٌّ منهما صاحبَه ويَتَبارَءا) بعد التقابض الموجِب

ص: 216


1- الدردي: ما يَرْكُد في أسفل كلّ مائع كالأشربة والأدهان. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 112 ،«درد».
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 104، ح 445 .

لمِلكِ كلّ منهما ما اقتَرَضه، وصيرورةِ عِوَضه في الذمَّة. ومثله ما لو وَهَب كلُّ منهما الآخَرَ عِوَضَه.

ولا يقدح في ذلك كلِّه كونُ هذه العقودِ غيرَ مقصودة بالذات مع أنّ العقود تابعةٌ للقصود؛ لأنَّ قصدَ التخلُّص من الربا الذي لا يَتِمّ إلَّا بالقصد إلى بيعٍ صحيح أو قرضٍ أو غيرِهما، كافٍ في القصد إليها؛ لأنّ ذلك غايةٌ مترتِّبةٌ على صحَّة العقد مقصودة، فيكفي جعلُها غايةً؛ إذ لا يُعتبر قصد جميع الغايات المترتِّبة على العقد.

(ولا يجوز بيع الرُّطَب بالتمر ) ؛ للنصِّ المعلّل بكونه يَنقُص إذا جَفَّ (1)، (وكذا كلُّ ما يَنقُص مع الجَفاف)، كالعنب بالزبيب تعديةً للعلّةِ المنصوصةِ إلى ما يُشارِكه فيها. وقيل: يثبت في الأوّل من غير تعدية (2) ردّاً لقياس العلّة.

وقيل بالجواز في الجميع (3) ردّاً لخبر الواحد واستناداً إلى ما يدلّ بظاهره على اعتبار المماثَلة بين الرَطْب واليابس(4). وما اختاره المصنِّف أقوى. وفي الدروس جعل التعديةَ إلى غير المنصوص أولى(5).

(ومع اختلاف الجنس) في العِوَضين (يجوز التفاضُلُ نقداً) إجماعاً (ونسيئةً) على الأقوى للأصل والأخبار (6) . واستند المانع إلى خبر دلّ بظاهره على الكراهة(7)، ونحن نقول بها.

(ولا عبرة بالأجزاء المائيَّة في الخبز والخَلِّ والدقيق) بحيث يُجهل مقداره في كلّ من العِوَضين الموجب لجهالة مقدارهما، وكذا لو كانت مفقودةً من أحدهما كالخبز

ص: 217


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 94 ، ح 398.
2- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 64. المسألة 105.
3- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 258 - 259 : والشيخ في الاستبصار، ج 2، ص 93، ذيل الحديث 316.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 97 ، ح 417.
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 265 - 266 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 93، ح 395 - 396.
7- الفقيه ، ج 3، ص 279، ح 4009 .

اليابس والليِّن؛ لإطلاق الحقيقة عليهما مع كون الرطوبة يسيرةً غيرَ مقصودة، كقليل الزوان والتِبْن في الحنطة؛ (إلَّا أن يظهر ذلك للحسّ ظهوراً بيِّناً) بحيث يظهر التفاوتُ بينهما، فيَمنَع. مع احتمال عدم منعه مطلقاً، كما أطلقه في الدروس(1) وغيره(2) لبقاء الاسم الذي يترتَّب عليه تساوي الجنسين عرفاً.

( ولا يُباع اللحم بالحيوان مع التماثل) كلحم الغنم بالشاة إن كان مذبوحاً؛ لأنَّه في قوَّة اللحم، فلابدَّ من تحقُّق المساواة. ولو كان حيّاً، فالجواز قويّ؛ لأنَّه حينئذٍ غيرُ مقدَّر بالوزن .

(ويجوز) بیعه به (مع الاختلاف (3)) قطعاً ؛ لانتفاء المانع مع وجود المصحِّح.

ص: 218


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 266 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11). لم نعثر في كتب الشهيد.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 62 و 63.
3- يجوز بيع اللبن باللحم، واللحم بالسمن؛ لاختلاف الماهيّة، بخلاف الدبس بالخلّ : للاختلاف بالصفة لا غیر. (زین رحمه الله )

(الفصل التاسع في الخيار )

إشارة

( وهو أربعةَ عشَرَ) قسماً، وجمْعُه بهذا القدر من خواصِّ الكتاب.

(الأوّل: خيارُ المجلس )

أضافه إلى موضع الجلوس مع كونه غير معتبر في ثبوته، وإنَّما المعتبرُ عدم التفرُّق، إمّا تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة، أو حقيقةً عرفيةً.

(وهو مختصٌّ بالبيع) بأنواعه، ولا يثبت في غيره من عقود المعاوضات وإن قام مقامَه كالصلح.

ويثبت للمتبايعين ما لم يفترقا (ولا يزول بالحائل) بينهما غليظاً كان أم رقيقاً، مانعاً من الاجتماع أم غيرَ مانع؛ لصدْقِ عدم التفرُّق معه؛ (ولا بمفارقة) كلِّ واحد منهما (المجلسَ مُصْطَحِبَيْن) وإن طال الزمانُ ما لم يَتباعَد ما بينهما عنه حالة العقد، وأولى بعدم زواله لو تَقارَبا عنه .

(ويَسقُط باشتراط سقوطه في العقد) عنهما، أو عن أحدهما بحسب الشرط، و (بإسقاطه بعده)، بأن يقولا: «أَسقَطْنا الخيارَ» أو «أَوجَبْنا البيعَ» أو «التزمناه» أو «اخترناه» أو ما أدّى ذلك؛ (وبمفارَقة أحدِهما صاحبَه) ولوْ بخُطْوَة اختياراً، فلو أُكرِها أو أحدُهما عليه لم يسقط مع منعهما من التخايُر، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال، ولو لم يُمنَعا من التخاير لزم العقد.

(ولو التزَم به أحدُهما سقط خيارُه خاصّةً)؛ إذ لا ارتباط لحقِّ أحدهما بالآخَر.

(ولو فسخ أحدُهما وأجاز الآخر قُدِّم الفاسخُ) وإن تأخَّرَ عن الإجازة؛ لأنّ إثبات

ص: 219

الخيار إنّما قُصِد به التمكّنُ من الفسخ دون الإجازة؛ لأصالتها؛ (وكذا) يُقَدَّم الفاسخُ على المجيز (في كلّ خيارٍ مشتركٍ)؛ لاشتراك الجميع في العلَّة التي أشرنا إليها.

(ولو خیّره فسكت فخيارهما باقٍ)، أمَّا الساكت فظاهر؛ إذ لم يحصُل منه ما يدلّ على سقوط الخيار، وأمَّا المخيّر؛ فلأنّ تخييره صاحبه أعمّ من اختياره العقد، فلا يدلّ عليه. وقيل: يسقط خياره(1) ؛ استناداً إلى رواية (2) لم تثبت عندنا.

(الثاني: خيار الحيوان )

(وهو ثابت للمشتري خاصّةً) على المشهور ، وقيل لهما (3)، وبه رواية صحيحة(4). ولو كان حيواناً بحيوان قَوِيَ ثبوتُه لهما ، كما يَقوَى ثبوتُه للبائع وحده لو كان الثمنُ خاصّةً - وهو ما قُرن بالباء - حيواناً.

ومدَّة هذا الخيار (ثلاثة أيام مبدأها من حين العقد) على الأقوى، ولا يَقدَح اجتماعُ خيارين فصاعداً. وقيل: من حين التفرّق(5)؛ بناءً على حصول الملك به.

(ويسقُط باشتراط سقوطه) في العقد، (أو إسقاطِه بعد) العقد، كما تقدم(6)، (أو تصرّفِه) أي تصرّف ذي الخيار، سواءٌ كان لازماً كالبيع، أم لم يكن كالهبة قبل القبض، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابَّة ولو في طريق الردّ ونَعْلِها، وحَلْبِ ما يُحَلب، ولُبس الثوب وقَصارته، وسُكْنَى الدار.

ولو قَصَد به الاستخبارَ ولم يتجاوز مقدارَ الحاجة، ففي منعِه من الردِّ وجهان. أمَّا مجرّد سَوق الدابَّة إلى منزله، فإن كان قريباً بحيث لا يُعَدُّ تصرّفاً عرفاً، فلا أثر له، وإن

ص: 220


1- حكاه في شرائع الإسلام، ج 2، ص 21 .
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 442، ذيل الحديث 10434 ؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 273، ح 3455.
3- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 433، المسألة 245.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 23 - 24، ح 99 و 100.
5- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 33، المسألة 44.
6- تقدّم في خيار المجلس.

كان بعيداً مُفرِطاً احتُمِل قويّاً منعه. وبالجملة فكلّ ما يُعَدّ تصرّفاً عرفاً يَمنَع، وإلّا فلا.

(الثالث: خيار الشرط)

(وهو بحسَب الشرط إذا كان الأجل مضبوطاً)، متَّصلاً بالعقد أم منفصلاً، فلو كان منفصلاً صار العقد جائزاً بعد لزومه مع تأخُّره عن المجلس.

(ويجوز اشتراطُه لأحدهما ولكلّ منهما ولأجنبي عنهما أو عن أحدهما)، ولأجنبي مع أحدهما عنه وعن الآخر ومعهما. واشتراطُ الأجنبي تحكيمٌ لا توكيل عمّن جُعِل عنه فلا اختيار له معه.

(واشتراط المؤامَرَة) وهي مفاعَلَة من الأمر، بمعنى اشتراطهما أو أحدِهما استثمار من سَمَّياه والرجوعَ إلى أمره مدَّةً مضبوطةً، فيَلزَمُ العقدُ من جهتهما ويتوقَّف على أمره، فإن أَمَر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخُ . والظاهر أنه لا يتعيّن عليه؛ لأنّ الشرطَ مجرّد استئماره لا التزامُ قولِه وإن أَمَر بالالتزام لم يكن له الفسخ قطعاً وإنْ كان الفسخ أصلحَ؛ عملاً بالشرط؛ ولأنَّه لم يجعل لنفسه خياراً. فالحاصل أنّ الفسخ يتوقّف على أمره؛ لأنَّه خلافُ مُقتَضَى العقد، فيُرجع إلى الشرط، وأمَّا الالتزام بالعقد، فلا يَتوقَّف.

وظاهر معنى المؤامرة وكلام الأصحاب أنّ المُستأمَر - بفتح الميم - ليس له الفسخُ ولا الالتزامُ، وإنّما إليه الأمرُ والرأي خاصّةً، فقول المصنف: (فإن قال المُستأمر «فسختُ» أو «أجزتُ»، فذاك، وإن سكت، فالأقرب اللزومُ، فلا يَلزَم) المُستأمَرَ (الاختيارُ)، إن قُرِئَ المُستأمَر بالفتح مبنيّاً للمجهول أَشكَل بما ذكرناه. وإن قُرئ بالكسر مبنيّاً للفاعل، بمعنى المشروط له المؤامرةُ لغيره، فمعناه: إن قال «فسخت» بعد أمره له بالفسخ، أو «أجزتُ» بعد أمره له بالإجازة، لزم، وإن سكت ولم يَلتزِم ولم يفسخ -سواءٌ فعل ذلك بغير استئمار أم بعده ولم يفعل مقتضاه - لَزِم؛ لِما بيّناه من أنّه لا يجب علیه امتثال الأمر، وإنّما يتوقف فسخُه على موافقة الآمر.

ص: 221

وهذا الاحتمال أنسبُ بالحكم، لكن دلالة ظاهر العبارة على الأوّل أرجحُ، خصوصاً بقرينة قوله «ولا يَلزَم الاختيارُ»، فإنّ اللزومَ المنفيَّ ليس إلَّا عمّن جُعِل له المؤامرةُ، وقوله (وكذا) كلُّ (مَن جُعِل له الخيارُ)، فإنّ المجعولَ له هنا الخيار، هو الأجنبي المستشارُ لا للمشروط له، إلَّا أنّ للمشروط له حظاً من الخيار عند أمر الأجنبي له بالفسخ.

وكيف كان، فالأقوى أنّ المستأمَر - بالفتح - ليس له الفسخ ولا الإجازةُ، وإنّما إليه الأمر. وحكمُ امتثاله ما فصّلناه. وعلى هذا فالفرق بين اشتراط المؤامرة لأجنبي وجعل الخيار له واضحٌ؛ لأنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره، لا جعل الخيار له، بخلاف من جُعِل له الخيار. وعلى الأوّل يُشكِل الفرقُ بين المؤامرة وشرط الخيار.

والمراد بقوله «وكذا كلُّ من جُعل له الخيارُ« أنّه إن فَسَخ أو أجاز نَفَذ، وإن سكت إلى أن انْقَضَتْ مدَّةُ الخيار لَزِم البيع. كما أن المستأمَر هنا لو سكت عن الأمر أو المستأمِر - بالكسر - لو سكت عن الاستئمار لَزِم العقدُ؛ لأنَّ الأصل فيه اللزوم إلَّا بأمر خارج، وهو مُنتَفٍ .

(ويجب اشتراط مدَّة المؤامرة) بوَجْهِ منضَبِطٍ حَذَراً من الغَرَر، خلافاً للشيخ (1)حيث جوَّز الإطلاق.

(الرابع خيار التأخير )

أي تأخير إقباض الثمن والمثمن ( عن ثلاثة أيّام فيمن باع ولا قَبَضَ) الثمن (ولا أَقبَضَ ) المبيعَ (ولا شَرَطَ التأخيرَ)، أي تأخير الإقباض والقبض، فللبائعِ الخيارُ بعد الثلاثة في الفسخ.

(وقبضُ البعض كلا قبضٍ؛ لصدق عدم قبض الثمن وإقباضِ المثمن، مجتمعاً ومنفرداً. ولو قبض الجميعَ أو أقبضه، فلا خيار وإن عاد إليه بعده.

ص: 222


1- المبسوط، ج 2، ص 16؛ الخلاف، ج 3، ص 37 ، المسألة 51 .

وشرط القبضِ المانعِ كونُه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه، وكذا لو ظهر الثمنُ مستحَقّاً أو بعضُه.

ولا يسقُط بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كان قرينة الرضى بالعقد.

ولو بذل المشتري الثمنَ بعدها قبلَ الفسخ، ففي سقوط الخيار وجهان، منشؤهما الاستصحابُ وزوالُ الضرر.

(وتلفُه) أي المبيع (من البائع مطلقاً) في الثلاثة وبعدها؛ لأنَّه غير مقبوض، و«كلُّ مبيعٍ تَلِف قبل قبْضِه فهو من مال بائعه»(1). ونبَّه بالإطلاق على خلاف بعض الأصحاب (2) حيث زعم أنّ تلفَه في الثلاثة من المشتري؛ لانتقال المبيع إليه، وكون التأخير لمصلحته. وهو غيرُ مسموع في مقابلة القاعدة الكلِّيّة الثابتة بالنصّ(3) والإجماع.

(الخامس: خيار ما يَفْسُد ليومه)

(وهو ثابت بعد دخول الليل)، هذا هو الموافق لمدلول الرواية(4)، ولكن يُشكِل بأنّ الخيارَ لدفع الضرر، وإذا توقَّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصُل في يومه، لا يَنْدَفِع الضرر، وإنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد.

وفَرَضَه المصنِّف في الدروس: «خيارَ ما يُفسده المَبِيتُ»(5)، وهو حسن وإنْ كان فيه خروج عن النصِّ؛ لتلافيه بخبر الضرار(6) واستَقْرَبَ تَعْدِيَتَه إلى كلِّ ما يَتَسارع إليه الفساد عند خوفه ولا يَتَقَيَّدُ ،بالليل واكتَفَى فى الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة ،

ص: 223


1- عوالي اللآلي، ج 3، ص 212، ح 59 : المهذّب البارع، ج 2، ص 380 .
2- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 592؛ وسلّار في المراسم، ص 172 ؛ أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 353 .
3- تقدَّم في الهامش 1.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25، ح 108 .
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651.

كما في الخُضْرَواتِ واللحمِ والعِنَبِ وكثيرٍ من الفواكه واستَشكَل فيما لو استلزم التأخيرُ فوات السُوق(1). فعلى هذا لو كان ممّا يَفْسُد في يومين تأخَّرَ الخيارُ عن الليل إلى حين خوفه .

وهذا كلُّه متَّجِهٌ وإنْ خرج عن مدلول النصِّ الدالِّ على هذا الحكم؛ لقصوره عن إفادة الحكم متْناً وسنداً، وخبرُ الضرار المتَّفَقُ عليه يفيده في الجميع.

(السادس: خيار الرؤية )

(وهو ثابت لمن لم يَرَ) إذا باع أو اشتَرَى بالوصف.

ولو اشتَرَى برؤيةٍ قديمةٍ، فكذلك يتخيَّر لو ظهر بخلاف ما رآه، وكذا من طرف البائع، إلَّا أنّه ليس من أفراد هذا القسم بقرينة قوله « ولابد فيه من ذكر الجنس» إلى آخره، فإنّه مقصور على ما لم يُرَ أصلاً؛ إذ لا يُشترَط وصفُ ما سبَقَتْ رؤيتُه.

وإنَّما يثبت الخيارُ فيما لم يُرَ (إذا زاد في طرف البائع أو نَقَصَ في طرف المشتري) ولو وُصِف لهما فزاد ونقص باعتبارين تخيَّرا وقُدِّم الفاسخُ منهما.

وهل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان، أجودهما الأوّل وهو خِيَرَتُه في الدروس(2). ( ولا بدّ فيه أي في بيع ما يترتَّب عليه خيارُ الرؤية، وهو العينُ الشخصيّةُ الغائبة (من ذكر الجنس والوصف) الرافعين للجَهالة (والإشارةِ إلى معيّن(3))، فلو انتفى الوصف بطل، ولو انتفت الإشارة كان المبيع كلّيّاً لا يوجب الخيار لو لم يُطابِق المدفوعَ، بل عليه إبدالُه.

ص: 224


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 248 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- أي أن يقصد إلى معيّن، كالحنطة التي في البيت، وبذلك يخرج السلم؛ فإنَّه وإن وجب فيه ذكر الجنس والوصف إلَّا أنَّه لا يشار به إلى معيّن وإنّما يشار به إلى ما في الذمَّة. والفرق بين السلم والموصوف المعيَّن أنَّه في السلم وشبهه من الموصوفات الكلّيّة متى لم يطابق الموصوف الوصف ردّه وطالب بحقِّه، بخلاف الموصوف المعيَّن. (زین رحمه الله )

(ولو رأى البعضَ ووُصِف الباقي تَخيَّر في الجميع مع عدم المطابَقَة)، وليس له الاقتصار على فسخ ما لم يرَ؛ لأنَّه مبيعٌ واحدٌ.

(السابع: خيار الغبْن)

بسكون الباء، وأصله الخَدِيعة، والمراد هنا البيع أو الشراء بغير القيمة.

(وهو ثابتٌ) في المشهور لكلّ من البائع والمشتري (مع الجَهالة) بالقيمة (إذا كان) الغبنُ، وهو الشراء بزيادة عن القيمة أو البيعُ بنقصان عنها (بما لا يُتَغابَن) أي يُتَسامح (به غالباً)، والمرجع فيه إلى العادة؛ لعدم تقديره شرعاً.

وتُعتبَر القيمة وقت العقد، ويُرجَع فيها إلى البيِّنة عند الاختلاف، وفي الجهالة إليها للمطَّلِع على حاله، والأقوى قبول قوله فيها بيمينه مع إمكانها في حقِّه.

ولا يسقط الخيار ببذل الغابنِ التفاوتَ وإن انتفى مُوجبُه؛ استصحاباً لما ثبت قبله. نعم، لو اتَّفقا على إسقاطه بالعِوَض صحَّ كغيره من الخيار.

(و) كذا (لا يسقط بالتصرّف)، سواء كان المتصرِّفُ الغابنَ أم المغبونَ، وسواءٌ خرج به عن الملك كالبيع، أم منع مانعٌ من ردِّه كالاستيلاد أم لا، (إلَّا أن يكون المغبون المشتريَ، وقد أخرجه عن مِلكه) فيسقط خيارُه؛ إذ لا يُمكِنه ردُّ العين المنتقِلَةِ إليه ليأخُذ الثمنَ. ومثله ما لو عَرَض له ما يمنع من الردّ شرعاً كالاستيلاد وإنْ لم يخرج عن المِلك. هذا هو المشهور، وعليه عمل المصنِّف فى غير الكتاب(1).

(وفيه نظر؛ للضرر) على المشتري مع تصرّفه فيه على وجه يمنع من ردِّه لو قلنا بسقوط خياره به مع الجهل بالغبن أو بالخيار، والضررُ منفيٌّ بالخبر(2)، بل هو مستند خيار الغبن؛ إذ لا نصَّ فيه بخصوصه.

وحينئذٍ ( فيُمكن الفسخُ) مع تصرّفه كذلك، (وإلزامُه بالقيمة) إن كان قيميّاً (أو

ص: 225


1- غاية المراد، ج 2، ص 74 ؛ الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 248 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2 و 11).
2- تقدّم في ص 223 الهامش 6 .

المثلِ) إن كان مثليّاً؛ جمعاً بين الحقَّين (وكذا لو تَلِفت) العينُ (أو استَوْلَدَ الأُمَةَ)، كما يثبت ذلك لو كان المتصرِّفُ المشتريَ والمغبونُ البائعَ، فإنّه إذا فسخ ولم يَجِد العينَ يرجع إلى المثل أو القيمة.

وهذا الاحتمال متوجِّه، لكن لم أَقِف على قائل به. نعم لو عاد إلى ملكه بفسخ أو إقالة أو غيرهما أو موتِ الولد جاز له الفسخ إن لم يُنافِ الفوريَّة. واعلم أنّ التصرّف مع ثبوت الغبن إمَّا أن يكون في المبيع المغبون فيه أو في ثمنه أو فيهما، ثمّ إمّا أن يُخرِج عن المِلك أو يَمنَعَ من الردِّ كالاستيلاد، أو يَرِدَ على المنفعة خاصّة كالإجارة، أو يُوجِبَ تغيُّر العين بالزيادة العينيَّةِ كغَرس الأرض، أو الحُكميَّةِ كقصارة الثوب، أو المَشُوبَةِ كصَبْغه، أو النقصانَ بعيب ونحوه، أو بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي أو الأجود أو الأرداً أو بغيرها أو بهما على وجه الاضمحلال كالزيت يُعمَل صابوناً، أو لا يوجب شيئاً من ذلك؛ ثمّ إمّا أن يَزُولَ المانع من الردّ قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعدَه، أو لا يزول والمغبون إمَّا البائع أو المشتري أو هما. فهذه جملة أقسام المسألة ومضروبُها يَزِيد عن مائتي مسألة، وهي ممّا تَعُمُّ بها البلوى، وحكمُها غيرُ مُستَوفیً في كلامهم .

وجملة الكلام فيه: أنّ المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره بتصرّف المشتري مطلقاً، فإن فَسَخ ووجد العين باقيةً على مِلكه لم تتغيّر تغيراً يُوجب زيادةَ القيمة ولا يَمنَع من ردّها أَخَذَها؛ وإن وَجَدها متغيّرةً بصفةٍ محضة كالطحن والقَصارة ، فللمشتري أجرة عمله ولو زادت قيمة العين بها شاركه في الزيادة بنسبة القيمة، وإن كان صفةً من وجه وعيناً من آخَرَ كالصبغ صار شريكاً بنسبته كما مرّ، وأولى هنا.

ولو كانت الزيادة عيناً محضةً - كالغرس - أَخَذَ المبيعَ وتخيَّر بين قلع الغرس بالأرش وإبقائه بالأُجرة؛ لأنَّه وَضَعَ بحِّق، ولو رَضِيَ ببقائه بها واختار المشتري قلعَه، فالظاهر أنّه لا أرش له، وعليه تسوية الحُفَر حينئذٍ، ولو كان زرعاً وجب إبقاؤه إلى أوان بلوغه بالأُجرة؛ وإن وجدها ناقصةً أخذها مجاناً كذلك إن شاء.

ص: 226

وإن وجدها ممتزجةً بغيرها، فإن كان بمساوٍ أو أرداً صار شريكاً إن شاء، وإن كان بأجود ففي سقوط خياره أو كونه شريكاً بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح أوجه، ولو مَزَجها بغير الجنس بحيث لا يَتَمَيَّز فكالمعدومة؛ وإن وجدها منتقِلة عن مِلكه بعقد لازم كالبيع والعتق رَجَع إلى المثل أو القيمة، وكذا لو وجدها على ملكه مع عدم إمكان ردّها كالمُسْتَولَدة.

ثمّ إن استمرّ المانعُ استمرّ السقوطُ وإن زال قبل الحكم بالعوض، بأن رجعت إلى مِلكه أو مات الولدُ أخَذ العين مع احتمال العدم؛ لبطلان حقِّه بالخروج، فلا يعود؛ ولو كان العود بعد الحكم بالعوض، ففي رجوعه إلى العين وجهان: من بطلانِ حقِّه من العين، وكونِ العوض للحيلولة وقد زالت.

ولو كان الناقل ممّا يمكن إبطالُه كالبيع بخيار اُلزِم بالفسخ ، فإن امتنع فَسَخَه الحاكم، فإن تعذّر فَسَخَه المغبون.

وإن وجدها منقولة المنافع جاز له الفسخُ وانتظارُ انقضاء المدّة وتصير مِلكَه من حينه وليس له فسخُ الإجارة، ولو كان النقل جائزاً - كالسكنى المطلقة - فله الفسخ.

هذا كلُّه إذا لم يكن تَصَرَّفَ في الثمن تصرّفاً يمنع من ردِّه، وإلا سقط خياره، كما لو تصرّف المشتري في العين والاحتمال السابق قائم فيهما، فإن قلنا به دَفَع مثلَه أو قيمتَه.

وإن كان المغبون هو المشتريَ لم يسقط خيارُه بتصرّف البائع في الثمن مطلقاً، فيرجع إلى عين الثمن أو مثله أو قيمته. وأمَّا تصرّفه فيما غُبِن فيه، فإن لم يكن ناقلاً عن المِلك على وجهٍ لازمٍ ولا مانعاً من الردِّ ولا مُنَقِّصاً للعين، فله ردّها، وفي الناقل والمانع ما تقدّم.

ولو كان قد زادها فأولى بجوازه. أو نَقَّصها أو مَزَجها أو آجَرَها ،فوجهان، وظاهر كلامهم أنّه غير مانع، لكن إن كان النقص من قِبَلِه ردّها مع الأرش، وإن كان من قِبَل الله تعالى، فالظاهر أنَّه كذلك، كما لو تَلِفت، ولو كانت الأرضُ مغروسةً فعليه قلْعُه من

ص: 227

غير أرش إن لم يَرْضَ البائعُ بالأُجرة؛ وفي خلطه بالأردأ الأرش، وبالأجود إن بذل له بنسبته فقد أنصفه، وإلَّا فإشكال.

(الثامن: خيار العيب )

(وهو كلَّ ما زاد عن الخِلْقةِ الأصليَّةِ)، وهي خِلقة أكثر النوع الذي يُعتبر فيه ذلك ذاتاً وصفةً، (أو نَقَص) عنها (عيناً كان) الزائدُ والناقصُ ( كالإِصْبَع) زائدةً على الخمس أو ناقصةً منها،( أو صفةً كالحُمَّى ولو يوماً)، بأن يشتريَه فيجدَه محموماً أو يُحَمَّ قبل القبض وإنْ بَرِئَ ليومه.

فإن وَجَد ذلك في المبيع -سواءٌ أَنقَص قيمتَه أم زادها، فضلاً عن المساواة - (فللمشتري الخيار مع الجهل) بالعيب عند الشراء (بين الردِّ والأرش. وهو) جزءٌ من الثمن نسبتُه إليه (مثلُ نسبة التفاوت بين القيمتَين)، فيُؤخَذ ذلك (من الثمن)، بأن يُقَوَّم المبيع صحيحاً ومَعِيباً ويُؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة، لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح؛ لأنَّه قد يحيط بالثمن أو يَزِيد عليه فيلزم أخذُه العِوض والمُعَوَّضَ، كما إذا اشتراه بخمسين وقُوِّم معيباً بها، وصحيحاً بمائةٍ أو أزيد، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة وعشرين، وعلى هذا القياسُ.

(ولو) تعدَّدت القِيَمُ) إمّا لاختلاف المُقَوِّمين، أو لاختلاف قيمة أفرادِ ذلك النوع المساوية للمبيع، فإنّ ذلك قد يتَّفق نادراً، والأكثر ومنهم المصنِّف في الدروس عبَّروا عن ذلك ب- «اختلاف المُقَوِّمين» (أُخِذَت قيمةٌ واحدةٌ متساويةُ النسبة إلى الجميع). أي مُنتزَعةٌ منه نسبتُها إليه بالسويَّة، (فمن القيمتَين) يُؤخَذ (نصفُهما) ومن الثلاث ثُلثُها، (ومن الخَمس خُمسُها) وهكذا (1).

وضابطه: أخذُ قيمةٍ منتزَعةٍ من المجموع نسبتُها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القِيَم، وذلك لانتفاء الترجيح.

ص: 228


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 259 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

وطريقه : أن تُجمَع القِيَمُ الصحيحةُ على حِدَةٍ، والمعيبةُ كذلك، وتُنسَب إحداهما إلى الأخرى ويؤخذ بتلك النسبة. ولا فرق بين اختلاف المقوِّمين في قيمته صحيحاً ومعيباً وفي إحداهما. وقيل: يُنسَب مَعِيبُ كلِّ قيمةٍ إلى صحيحها ويُجمع قدر النسبة، ويؤخذ من المجتمع بنسبتها. وهذا الطريق منسوب إلى المصنِّف(1)، وعبارته هنا وفي الدروس لا تدلّ عليه(2).

وفي الأكثر يتَّحد الطريقان، وقد يختلفان في يسير، كما لو قالت إحدى البيِّنتين: إنّ قيمته اثناعَشَرَ صحيحاً وعَشَرَةٌ مَعيباً، والأخرى ثمانيةٌ صحيحاً وخمسةٌ مَعيباً، فالتفاوت بين القيمتين الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع، فيرجع برُبع الثمن، وهو ثلاثة من اثني عشر لو كان كذلك، وعلى الثاني يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين على قول الأُولى وهو السدس، وعلى قول الثانية ثلاثة أثمان، ومجموع ذلك من الاثني عشر ستّهٌ ونصفٌ يؤخذ نصفُها ثلاثةٌ وربعٌ فظهر التفاوت .

ولو كانت ثلاثاً، فقالت إحداها كالأُولى والثانيةُ: عشرةٌ صحيحاً وثمانيةٌ معيباً، والثالثةُ: ثمانيةٌ صحيحاً وستةٌ معيباً، فالصحيحة ثلاثون والمعيبة أربعة وعشرون والتفاوت ستّةٌ هي الخُمس؛ وعلى الثاني يُجمع سُدْسُ الثَمَن وخُمْسُه ورُبعُه، ويؤخذ ثلث المجموع، وهو يزيد عن الأوّل بثُلتِ خُمسٍ.

ص: 229


1- نسبه إليه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 14، ص 428، لم نعثر على غيره.
2- إنَّما كانت العبارة لا تدلّ عليه، مع أنّ ظاهر الطريق الأوّل لا يقتضي أخذ النصف من القيمتين، ولا الثلث من الثلث بل أخذ نسبة المجموع إلى المجموع؛ لأنَّ ما لهما واحد، فإنّ لك في الطريق المطابق للعبارة على الأوّل أن تجمع القيم الصحيحة. جملة وتأخذ نصفها أو ثلثها كما مرّ، وتجمع المعيبة كذلك وتأخذ منها كذلك، ثم تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الأخرى وتأخذ من الثمن بتلك النسبة فتأخذ في المثال الأول نصف الصحيحتين عشرة ونصف المعيبتين سبعة ونصفاً وتنسبها إلى العشرة وذلك ربع، كما أنَّ نسبة الخمسة عشر إلى العشرين ربع. وفي مثال الثلاثة تأخذ ثلث القيم الصحيحة وهي ثلاثون فثلثها عشرة وثلث القيم المعيبة جملة وهي أربعة وعشرون، فثلثها ثمانية وتأخذ من الثمن بنسبة ما بين الثمانية والعشرة وهو الخمس، كما أنَّك بالطريق الذي ذكرناه تأخذ بنسبة الأربعة والعشرين إلى الثلاثين وهو الخمس كذلك، وبهذا يظهر أنَّ عبارة المصنِّف يحتمل كلّ واحد من الطريقين فلم تدلّ على الثاني بخصوصه (منه رحمه الله)

ولو اتَّفقت على الصحيحة كاثني عشر، دون المعيبة، فقالت إحداهما: عشرةٌ والأخرى ستّة، فطريقه تنصيف المعيبتين ونسبة النصف إلى الصحيحة، أو بجمْعِ المعيبتين مع تضعيف الصحيحة وأخْذِ مثل نسبة المجموع إليه وهو الثلث؛ وعلى الثاني يؤخذ من الأُولى السدس ومن الثانية النصفُ، ويؤخذ نصفه وهو الثلث أيضاً.

ولو انعكس، بأن اتّفقتا على الستّة معيباً، وقالت إحداهما: ثمانيةٌ صحيحاً وأُخرى: عشرةٌ، فإن شئتَ جمعتَهما وأخذتَ التفاوت وهو الثلث أو أخذتَ نصف الصحيحتين، ونسبته إلى المعيبة وهو الثلث أيضاً. وعلى الثاني يكون التفاوت رُبعاً وخُمسَين، فنصفه وهو ثُمن وخُمس يَنقُص عن الثلث بنصفِ خُمسٍ. وعلى هذا القياس.

(ويسقط الردُّ بالتصرّفِ) في المبيع، سواءٌ كان قبلَ علمِه بالعيب أم بعده، وسواءٌ كان التصرّف ناقلاً للملك أم لا، مغيّراً للعين أم لا، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا. وما تقدّم في تصرّف الحيوان آتٍ هنا.

(أو حدوثِ عَيبٍ بعد القبض) مضمونٍ على المشتري، سواء كان حدوثُه من جهته أم لا. واحترزنا بالمضمون عليه عمَّا لو كان حيواناً وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، فإنّه حينئذٍ لا يَمنَع من الردّ ولا الأرشِ؛ لأنَّه مضمون على البائع. ولو رَضِيَ البائع بردِّه مجبوراً بالأرش أوغيرَ مجبورٍ جاز.

وفي حكمه ما لو اشتَرَى صَفْقَةً متعدِّداً وظهر فيه عيب وتَلِف أحدُها، أو اشترى اثنان صفقةً فامتنع أحدهما من الردِّ، فإنّ الآخر يُمنَع منه، وله الأرش وإن أسقطه الآخَرُ، سواءٌ اتّحدت العينُ أم تعدَّدت، اقتسماها أم لا. وأَولى بالمنع من التفرقِ الوارثُ عن واحد؛ لأنّ التعدّد هنا طارئ على العقد. سواءٌ في ذلك خيار العيب وغيره.

وكذا الحكم لو اشتَرَى شيئين فصاعداً، فظهر فى أحدهما عيبٌ، فليس له ردّه، بل ردُّهما أو إمساكُهما وأرش المعيب.

وكذا يسقُطُ الردُّ دون الأرش إذا اشترى من يَنْعَتِق عليه؛ لانعتاقه بنفس المِلك ،ويمكن ردّه إلى التصرّف. وكذا يسقط الردّ بإسقاطه مع اختياره الأرشَ، أو لا معه.

ص: 230

(و) حيث يسقُط الردُّ (يَبقَى الأرشُ).

(ويسقطان) أي الردّ والأرش معاً بالعلم به أي بالعيب (قبل العقد)، فإنّ قدومه عليه عالماً به رضاً بالمعيب؛ (وبالرضی به بعده) غیر مقيَّد بالأرش، وأولى منه إسقاط الخيار (وبالبراءة) أي براءة البائع (من العيوب ولو إجمالاً) كقوله: «بَرِثْتُ من جميع العيوب» على أصحّ القولين(1).

ولا فرق بين علم البائع والمشتري بالعيوب وجهلهما والتفريق، ولا بين الحيوانِ وغيرِه، ولا بين العيوب الباطنة وغيرها، ولا بين الموجودة حالة العقد والمتجدّدة حيث تكون مضمونةً على البائع؛ لأنّ الخيار بها ثابتٌ بأصل العقد وإن كان السبب حينئذٍ غير مضمون.

(والإباقُ) عند البائع ( وعدمُ الحيض) ممّن شأنها الحيض بحسب سنّها (عيبٌ)، ويظهر من العبارة الاكتفاء بوقوع الإباق مرّةً قبل العقد وبه صرّح بعضهم(2)، والأقوى اعتبار اعتياده، وأقلّ ما يتحقَّق بمرّتين.

ولا يُشترَط إباقه عند المشتري، بل متى تحقَّقَ ذلك عند البائع جاز الردّ. ولو تجدّد عند المشتري في الثلاثة من غير تصرّف فهو كما لو وقع عند البائع.

ولا يُعتبر في ثبوت عيب الحيض مُضِيُّ ستة أشهرٍ، كما ذكره جماعة (3)، بل يثبُت بمضيِّ مدَّةٍ تَحِيضُ فيها أسنانها في تلك البلاد.

(وكذا الثُ-َ-ِفْلُ) بضمّ المُثَلَّثة، وهو ما استقرّ تحت المائع من كَدَرَةٍ (في الزيتِ) وشبهه غيرُ المعتاد، أمَّا المعتاد منه فليس بعيب؛ لاقتضاء طبيعة الزيت وشبهِه كونَ

ص: 231


1- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 598 ؛والشيخ في النهاية، ص 392 ؛وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 296 ؛ وذهب إلى عدمه ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 392؛ وحكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 198. المسألة 157 .
2- كالعلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 191 ، المسألة 353.
3- منهم الشيخ في النهاية، ص 395 وابن حمزة في الوسيلة، ص 256 ؛والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، 202، المسألة 161 .

ذلك فيه غالباً. ولا يُشكِل صحَّة البيع مع زيادته عن المعتاد بجهالةِ قدر المبيعِ المقصودِ بالذات، فيُجهل مقدارُ ثمنه ؛ لأنّ مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة، كما تقدّم في نظائره.

(التاسع: خيار التدليس )

وهو تفعيل من الدَلَس مُحَرَّكاً، وهو الظُّلْمة، كأن المُدَلِّس يُظْلِمُ الأمرَ ويُبْهمُه حتّى يُوهمَ غير الواقع، ومنه اشتراط صفة فَتَفُوت، سواءٌ كان من البائع أم من المشتري.

(فلو شَرَط صفة كمال كالبِكارة أو تَوَهَّمَها) المشتري كمالاً ذاتياً (كتحمير الوجه و وَصْلِ الشعر فظهر الخلاف، تخيّر) بين الفسخ والإمضاء بالثمن، (ولا أرش)؛ لاختصاصه بالعيب؛ والواقع ليس بعيب، بل فواتُ أمرٍ زائدٍ.

ويُشكل ذلك في البكارة من حيث إنّها بمقتضى الطبيعةِ، وفواتُها نقصٌ يَحدُث على الأمة، ويُؤثِّر في نقصان القيمة تأثيراً بيِّناً، فيتخيَّر بين الردِّ والأرش، بل يُحتمل ثبوتُهما وإن لم يشترط لما ذكرناه، خصوصاً فى الصغيرة التي ليست محلَّ الوطء، فإنّ أصلَ الخلقة والغالبَ متطابِقان في مثلها على البكارة، فيكون فواتها عيباً.

وهو في الصغيرة قويّ، وفي غيرها متَّجة، إلَّا أنّ الغالب لمّا كان على خلافه في الإماء، كانت الثَيْبوبةُ فيهنّ بمنزلة الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة.

وإنّما يَثبُت الحكم مع العلم بسبق الثَيبوبة على البيع بالبيِّنة أو إقرارِ البائع أو قربِ زمان الاختبار إلى زمان البيع، بحيث لا يُمكِن تجدُّدُ الثيبوبة فيه عادةً، وإلّا فلا خيار؛ لأنَّها قد تَذهَب بالعلّةِ والنَزْوَةِ وغيرِهما. نعم، لو تجدّدت في زمن خيار الحيوان أو خيار الشرط تَرتَّب الحكمُ.

ولو انعكس الفرض بأن يَشترِط الثيبوبةَ، فظهرت بكراً، فالأقوى تخيُّره أيضاً بين الردّ والإمساك بغير أرش؛ لجواز تعلّقِ غرضه بذلك، فلا يقدح فيه كونُ البِكر أتمَّ غالباً.

(وكذا التَصْرِيَةُ)، وهي جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضَرْعِها بتركها بغير

ص: 232

حَلْبٍ ولا رِضاعٍ، فيَظُنُّ الجاهلُ بحالها كثرة ما تَحْلُبُه، فيَرغَبُ في شرائها بزيادة، وهو تدليس محرَّمٌ.

وحكمُه ثابت (للشاة) إجماعاً (والبقرةِ والناقةِ) على المشهور، بل قيل: إنّه إجماعٌ(1)، فإن ثبت فهو الحجَّة، وإلَّا فالمنصوص الشاةُ(2)، وإلحاقُ غيرها بها قياسٌ، إلَّا أن يُعَلَّل بالتدليس العامّ فيُلحقان بها، وهو مُتَّجِهُ وطَرَّد بعض الأصحاب الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي(3). وفي الدروس أنه: «ليس بذلك البعيد؛ للتدليس»(4).

وتثبت التصْرِيَة إن لم يعترف بها البائع ولم تَقُم بها بيِّنةٌ (بعد اختبارها ثلاثة أيام) فإن اتَّفقَتْ فيها الحَلَبَاتُ عادةً أو زادت اللَّاحقة، فليست مُصَرّاةً، وإن اختلفت في الثلاثة فكان بعضُها ناقصاً عن الأولى نُقصاناً خارجاً عن العادة - وإن زاد بعدها في الثلاثة - يثبت الخيارُ بعد الثلاثة بلا فصل على الفور.

ولو ثبتت بالإقرار أو البيّنة جاز الفسخُ من حين الثبوت مدَّة الثلاثة ما لم يتصرّف بغير الاختبار بشرط النقصان، فلو تساوَتْ أو زادَتْ هِبَةً من الله تعالى، فالأقوى زواله. ومثلُه ما لو لم يعلم بالعيب حتى زال.

(ويَرُدّ معها) إن اختار ردَّها (اللبنَ) الذي حَلَبه منها (حتى المتجدِّد) منه بعد العقد، (أو مثلَه لو تَلِف)، أمَّا ردّ الموجود، فظاهر؛ لأنَّه جزء من المبيع، وأمَّا المتجدِّد، فلإطلاق النصِّ(5) بالردِّ الشامل له.

ويُشكِل بأنّه نَماءُ المبيع الذي هو مِلكه، والعقدُ إنّما يَنفسخ من حينه، والأقوى عدم ردِّه، واستشكل في الدروس(6).

ص: 233


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 105 ، المسألة 170 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25، ح 107. 3.
3- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 205، المسألة 164.
4- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25، ح 107 .
6- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 250 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ولو لم يَتلَف اللبنُ ، لكن تغيَّرَ في ذاتِه أو صفته بأن عَمِل جُبْناً أو مَخِيضاً ونحوَهما، ففي رده بالأرش إن نقص، أو مجاناً، أو الانتقال إلى بدله، أوجُهٌ، أجودها الأوّل.

واعلم أنّ الظاهرَ من قوله ب«عد اختبارها ثلاثة» ثبوت الخيار المستَنَدِ إلى الاختبار بعد الثلاثة، كما ذكرناه سابقاً، وبهذا يظهر الفرقُ بين مدَّةِ التصرية وخيارِ الحيوان، فإنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها، وفي ثلاثة التصرية بعدَها.

ولو ثبت التصريةُ بعد البيع بالإقرارِ أو البيِّنةِ، فالخيار ثلاثةٌ، ولا فور فيها فيه(1) على الأقوى، وهو اختياره في الدروس(2). ويُشكِل حينئذٍ الفرقُ، بل ربما قيل بانتفاء فائدة خيار التصرية حينئذٍ؛ لجواز الفسخ في الثلاثة بدونها ويندفع بجواز تعدّد الأسباب. وتظهر الفائدة فيما لو أسقط أحدَهما.

ويَظهَر من الدروس تقيّد خيار التصرية بالثلاثة مطلقاً، ونَقَلَ عن الشيخ أنّها لمكان خيار الحيوان(3). ويُشكِل بإطلاق توقّفه على الاختبار ثلاثةً فلا يجامعها حيث لا تثبت بدونه، والحكمُ بكونه يتخيَّر في آخِر جزءٍ منها يوجب المجازَ في الثلاثة.

(العاشر: خيار الاشتراط )

حيث لا يَسلَم الشرطُ لمشترِطه بائعاً ومشترياً.

(ويصحّ اشتراط سائغ في العقد إذا لم يُؤَدِّ إلى جَهالة في أحد العوضين، أو يَمنَعْ منه الكتابُ والسنةُ)، وجعلُ ذلك شرطاً بعد قيد السائغ تكلُّفٌ: (كما لو شَرَط تأخيرَ المبيعِ) في يد البائع (أو الثمنِ) في يد المشتري (ما شاء) كلُّ واحدٍ منهما. هذا مثالُ ما

ص: 234


1- أي لا فور في الخيار في الثلاثة.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ الخلاف، ج 3، ص 103 - 104، المسألة 168 .

يؤدِّي إلى جهالة في أحدهما، فإنّ الأجلَ له قسط من الثمن، فإذا كان مجهولاً يُجهل الثمن، وكذا القول في جانب المُعَوَّض.

(أو عدمَ وَطء الأمة أو ) شَرَط (وطء البائع إيَّاها) بعد البيع مرّةً أو أزيد أو مطلقاً. هذه أمثلةُ ما يَمنَع منه الكتابُ والسنّةُ.

(وكذا يَبطُل) الشرط (باشتراطِ غيرِ المقدور ) للمشروط عليه (كاشتراط حَمْل الدابَّة فيما بعد أو أنّ الزَرْعَ يَبلُغ السُنبُلَ)، سواءٌ شرط عليه أن يبلُغ ذلك بفعله أم فعل الله لاشتراكهما في عدم المقدوريّة.

(ولو شَرَط تَبْقِيَة الزرع) في الأرض إذا بيعَ أحدُهما دون الآخر (إلى أوان السنبل جاز)؛ لأنّ ذلك مقدورٌ له، ولا يُعتبَر تعيين مدَّة البقاء، بل يُحمَل على المتعارف من البلوغ لأنَّه مُنضبِط.

(ولو شرط غير السائغ بَطَل) الشرط (وأبطل ) العقدَ في أصحّ القولين(1)؛ لامتناع بقائه بدونه؛ لأنَّه غير مقصود بانفراده، وما هو مقصودٌ لم يَسلَم؛ ولأنّ للشرط قسطاً من الثمن، فإذا بطل يُجهَل الثمن.

وقيل: يبطُل الشرط خاصّةً؛ لأنَّه الممتَنِعُ شرعاً دون البيع؛ ولتعلُّق التراضي بكلّ منهما (2). ويُضَعَّف بعدم قصده منفرداً، وهو شرط الصحَّة.

(ولو شَرط عِتْقَ المملوك) الذي باعه منه (جاز) ؛ لأنَّه شرطٌ سائغٌ، بل راجح، سواء شَرَط عتقه عن المشتري أم أطلق ولو شَرَطه عنه ففي صحته قولان(3)، أجودهما المنع؛ إذ لا عتق إلَّا في مِلك.

ص: 235


1- ذهب إليه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 321، المسألة 295 .
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 89؛ وحكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 321 ،المسألة 295 .
3- قال بالصحَّة العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 266 ، المسألة 123؛ وذهب إلى البطلان الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 73 .

(فإن أعتقَه) فذاك، (وإلّا تخيَّر البائعُ) بين فسخ البيع وإمضائه، فإن فَسَخ استَرَدَّه وإن انتقل قبله عن ملك المشتري. وكذا يتخيّر لو مات قبل العتق فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف؛ لأنَّه وقت الانتقال إلى القيمة. وكذا لو انعتق قهراً.

(وكذا كلّ شرط لم يَسلَم لمشتَرِطه، فإنّه يُفيد تخيُّرَه) بين فسخ العقد المشروط فيه وإمضائِه.

(ولا يجب على المشتَرَط عليه فعلُه)؛ لأصالة العدم، (وإنّما فائدته جعل البيع عُرْضَةً للزوال) بالفسخ (عند عدم سلامة الشرط، ولزومُه)، أي البيع (عند الإتيان به). وقيل: يجب الوفاءُ بالشرط(1) ولا يَتَسَلَّط المشروط له على الفسخ، إلَّا مع تعذُّر وصوله إلى شرطه؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد الدالِّ على الوجوب(2)، وقوله:(صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) :«المؤمنون عند شروطهم إلَّا من عصى الله»(3).

فعلى هذا، لو امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجبارُه رُفِع أمره إلى الحاكم؛ لِيُجبِره عليه إن كان مذهبه ذلك، فإن تعذّر فَسَخ حينئذٍ إن شاء.

وللمصنِّف (رحمه الله) في بعض تحقيقاته تفصيل، وهو أنَّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه، ولا يحتاج بعده إلى صيغة، فهو لازم لا يجوز الإخلالُ به كشرط الوكالة في العقد، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يَقلِب العقدَ اللازم جائزاً. وجَعَل السرَّ فيه أنّ اشتراطَ «ما العقد كافٍ في تحقّقه) كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ،واشتراط «ما سيُوجَد» أمرٌ منفصل عن العقد، وقد عُلّق عليه العقد، والمعلَّق على الممكن ممكنٌ، وهو معنى قَلْب اللازم جائزاً.

والأقوى اللزومُ مطلقاً وإن كان تفصيله أجودَ ممّا اختاره هنا.

ص: 236


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 326.
2- المائدة (5): 1.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835. وفيهما بدون الذيل.

(الحادي عَشَرَ: خيارُ الشركة )

(سواءٌ قارَنَتْ العقد، كما لو اشترى شيئاً فظهر بعضه مستحَقّاً، أو تأخَّرت بعده إلى قبل القبض، كما لو امتزج) المبيعُ (بغيره بحيث لا يَتَمَيَّز)، فإنّ المشتري يتخيّر بين الفسخِ؛ لعيب الشركة، والبقاءِ، فيصير شريكاً بالنسبة. وقد يُطلق على الأوّل تبعّضُ الصَفْقَة أيضاً.

(وقد يسمّى هذا عَيباً مجازاً)؛ لمناسبته للعيب في نقص المبيع بسبب الشركة؛ لاشتراكهما في نقصِ وَصْفٍ فيه، وهو هنا منعُ المشتري من التصرّف في المبيع كيف شاء، بل يَتَوَقَّف على إذن الشريك، فالتسلُّط عليه ليس بتامّ، فكان كالعيب بِفَوات وصفٍ فيُجْبَر بالخيار.

وإنَّما كان إطلاق العيب في مثل ذلك على وجه المجاز؛ لعدم خروجه به عن خلقته الأصليّة؛ لأنَّه قابلٌ بحسب ذاته للتملّك منفرداً ومشتَرَكاً، فلا نقص في خلقته، بل في صفته على ذلك الوجه.

(الثاني عشر: خيارُ تعذُّر التسليم )

(فلو اشتَرَى شيئاً ظنّاً إمكانَ تسليمه) بأن كان طائراً يُعتاد عودُه، أو عبداً مُطلَقاً، أو دابَةً مُرسَلةً، (ثمّ عَجَز بعده) بأن أَبَق وشَرَدَتْ ولم يعد الطائرُ ونحوِ ذلك (تخيَّر المشتري)؛ لأنّ المبيعَ قبل القبض مضمونٌ على البائع ولمّا لم يُنَزَّل ذلك مَنزلةَ التلف؛ لإمكان الانتفاع به على بعض الوجوه، جُبِرَ بالتخيير، فإن اختار التزامَ البيع صحَّ.

وهل له الرجوع بشيء؟ يحتمله؛ لأنّ فواتَ القبض نقصٌ حَدَثَ على المبيع قبل القبض، فيكون مضموناً على البائع.

ويُضَعَّف: بأنّ الأرش ليس في مقابَلَة مطلق النقص ؛ لأصالة البراءة؛ وعملاً بمقتضى العقد، بل في مقابَلَة العيب المتحقِّق بنقصِ الخلقة، أو زيادتِها كما ذُكِر، وهو هنا منفيّ.

ص: 237

(الثالث عشر: خيارُ تبعُّض الصَفْقة)

(كما لو اشترى سِلْعَتين، فتُسْتَحَقُ إحداهما) فإنَّه يتخيّر بين التزام الأخرى بقسطها من الثمن، والفسخِ فيها ولا فرق في الصفْقة المُتَبَعِّضَة بين كونها متاعاً واحداً فظهر استحقاقُ بعضه، أو أمتعةً - كما مثَّل هنا - لأنّ أصلَ الصفْقةِ البيعُ الواحد، سُمِّي البيعُ بذلك؛ لأنَّهم كانوا يَتَصافَقَون بأيديهم إذا تبايعوا يجعلونه دلالةً على الرضاء به، ومنه قول النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) لعروة البارقي لمَّا اشتَرَى الشاةَ: «بارَكَ الله لك في صَفْقَة يَمِينِك»(1).

وإنَّما خَصَّ تبعُّضَ الصفقة هنا بالسِلعتين؛ لإدخاله الواحدة في خيار الشركة، ولو جَعَلَ موضوعَ تبعّض الصفقة أعمّ - كما هو - كان أجود، وإن اجتَمَع في السِلعةِ الواحدةِ خياران: بالشركةِ وتبعُّضِ الصفقة، فقد يَجتمِع أنواعُ الخيارِ أجمع في مبيعٍ واحدٍ؛ لعدم التنافي .

(الرابعَ عشرَ: خيارُ التَّفليس )

إذا وَجَد غريمُ المُفَلَّس متاعَه، فإنّه يَتخيَّر بين أخذه مقدَّماً على الغُرِماء، وبين الضرب بالثمن معهم. وسيأتي تفصيلُه في كتاب الدَين. ومثلُه غريمُ الميِّت مع و وفاء التركة بالدَين، وقيل: مطلقاً (2). وكان المناسب جعْلَه قِسماً آخَرَ حيث تَحَرَّى الاستقصاءَ هنا لأقسام الخيار بما لم يذكره غيرُه.

ص: 238


1- الجامع الصحيح، ج 3، ص 559، ح 1258؛ سنن الدارقطني ، ج 2، ص 578 ، ح 2787 .
2- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 464، المسألة 120 .

(الفصل العاشر في الأحكام )

إشارة

(وهي خمسة)

(الأوّل: النقد والنَّسِيئَة )

أي البيع الحالّ والمُؤَجَّل . سُمِّي الأوّلُ نقداً باعتبار كون ثمنه مَنقُوداً ولو بالقوة، والثاني مأخوذ من النَّسِيء، وهو تأخير الشيء، تقول: «أَنْسَأْتُ الشَيء إنساءً إذا أَخَّرتَه». والنسيئة اسمٌ وُضِع موضع المصدر.

واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرِهما والتفريق أربعة أقسام: فالأوّل «النقد» والثاني «بيع الكالئ بالكالئ» - بالهمز - اسم فاعل أو مفعولٍ من المراقَبَة؛ لمراقَبَة كلّ من الغريمَين صاحبَه لأجْلِ دَيْنه، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو «النسيئةُ»، وبالعكس «السلفُ». وكلُّها صحيحة عدا الثاني، فقد ورد النهي عنه(1) وانعقد الإجماع على فساده.

(وإطلاق البيع يقتضي كون الثمن حالّاً، وإن شَرَط تعجيلَه) في متن العقد (أكَدَه): لحصوله بدون الشرط. (فإن وَقَّتَ التعجيلَ) بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلاً (تخيَّر) البائعُ (لو لم يحصُل) الثمنُ (في الوقت ) المعيّن، ولو لم يعيِّن له زماناً لم يُفدِ سوى التأكيد في المشهور. ولو قيل بثبوته مع الإطلاق أيضاً لو أَخَلَّ به عن أوّل وقته، كان حسناً؛ للإخلال بالشرط.

(وإن شَرَط التأجيلَ اعْتُبِر ضبطُ الأجل، فلا يُناط) أي لا يُعلَّق (بما يحتمِل

ص: 239


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 189، ح 400؛ الجامع الصغير، السيوطي ، ج 2، ص 698، ح 9470.

الزيادةَ والنقصانَ، كمَقْدَم الحاجِّ) وإدراكِ الغلَّة (ولا بالمشترك) بين أمرين أو أُمورٍ حيث لا مخصِّص لأحدها، (كنَفيرِهم) من منى، فإنّه مشترك بين أمرين، (وشهرِ ربيع) المشتركِ بين شهرين، فيَبطُل العقدُ بذلك. ومثله التأجيل إلى يوم معيَّن من الأسبوع كالخميس.

(وقيل:) يصحّ (ويُحمَل على الأوّل) في الجميع؛ لتعليقه الأَجَلَ على اسم معيَّنٍ. وهو يتحقّق بالأوّل(1)، لكن يُعتبَر علمُهما بذلك قبل العقد؛ لِيَتوجَّهَ قصدُهما إلى أجل مضبوط، فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به. ومع القصد لا إشكال في الصحَّة وإن لم يكن الإطلاق محمولاً عليه. ويُحتمَل الاكتفاءُ في الصحَّة بما يقتضيه الشرع في ذلك، قَصَداه أم لا، نظراً إلى كون الأجلِ الذي عَيَّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً، وإطلاق اللفظ مُنَزَّلٌ على الحقيقة الشرعيَّة.

(ولو جَعَل لِحالّ ثمناً، ولِمُؤَجَلٍ أزيدَ منه، أو فاوَتَ بين أجلين) في الثمن، بأن قال : «بعتُك حالّاً بمائةٍ ومُؤَجّلاً إلى شهرين بمائتين، أو مؤجّلاً إلى شهر بمائةٍ وإلى شهرين بمائتين» (بطل ) ؛ لجهالة الثمن بتردّده بين الأمرين.

وفي المسألة قولٌ ضعيف بلزوم أقلّ الثمنين إلى أبعدِ الأجلين(2)؛ استناداً إلى رواية ضعيفة (3).

(ولو أَجَّل البعضَ المعيَّن) من الثمن وأطلق الباقيَ أو جَعَله حالّاً (صحّ)؛ للانضباط. ومثله ما لو باعه سِلعتين في عقدٍ ثمنُ إحداهما نقدٌ والأُخْرَى نسيئةٌ. وكذا لو جعله أو بعضَه نجوماً معلومة.

(ولو اشتراه البائعُ) في حالة كون بيعه الأولِ (نسيئةً، صحَّ) البيعُ الثاني (قبل

ص: 240


1- لم نعثر عليه كما في مفتاح الكرامة، ج 13، ص 636 ؛ لاحظ أيضاً الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 231 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 387 - 388 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 47، ح 201.

الأجل وبعده بجنس الثمن وغيره بزيادةٍ عن الثمن الأوّل (ونقصانٍ) عنه؛ لانتفاء المانع في ذلك كلّه، مع عموم الأدلَّة على جوازه(1) .

وقيل: لا يجوز بيعه بعد حلوله بزيادةٍ عن ثمنه الأوّل أو نقصانٍ عنه مع اتّفاقهما في الجنس(2) استناداً إلى رواية قاصرة السند والدَلالة(3).

(إلّا أن يَشتَرِط في بيعه) الأوّلِ (ذلك) أي بيعَه من البائع (فيبطُل) البيعُ الأوّل، سواءٌ كان حالّاً أم مؤجّلاً، وسواءٌ شَرَط بيعَه من البائع بعد الأجل أم قبله على المشهور، ومستنده غير واضح. فقد عُلِّل باستلزامه الدورَ؛ لأنّ بيعَه له يتوقّف على ملكيَّتِه له المتوقِّفَةِ على بيعه(4) .

وفيه: أنّ المتوقِّفَ على حصول الشرط هو لزوم البيع لا انتقالُه إلى ملكه، كيف لا واشتراط نقله إلى ملك البائع من المشتري مستلزم لانتقاله إليه، غايتُه أنّ تملُّكَ البائع موقوفٌ على تملّك المشتري، وأمَّا أن تملّكَ المشتري موقوفٌ على تملّك البائع فلا؛ ولأنَّه وارد في باقي الشروط، خصوصاً شَرْطَ بيعه للغير مع صحَّته إجماعاً. وأوضحُ لملك المشتري ما لو جَعَل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل؛ لتخلّل ملك المشتري فيه.

وعُلِّل بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع(5).

ويُضعَّف بأن الفرضَ حصولُ القصد إلى مِلك المشتري وإنّما رَتَّب عليه نقلَه ثانياً، بل شَرْطُ النقل ثانياً يستلزم القصدَ إلى النقل الأوّل؛ لتوقُّفه عليه؛ ولاتّفاقهم على أنَّهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صحَّ وإن كان من قصدهما ردُّه، مع أنَّ العقد يَتبَع القصدَ. والمصحِّح له ما ذكرناه من أنّ قصد ردِّه بعد مِلك المشتري له غيرُ منافٍ لقصد البيع بوجه، وإنَّما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلاً، بحيث لا يَتَرَتَّب عليه حكم الملك.

ص: 241


1- البقرة (2): 275 .
2- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 33، ذيل الحدیث 137.
3- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 33، ذيل الحدیث 137.
4- المعلِّل هو العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 251، المسألة 118.
5- راجع غاية المراد، ج 2، ص 61 - 62 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).

( ويجب قبضُ الثمن لو دفعه إلى البائع) مع الحلول مطلقاً، و(في الأجل) أي بعده (لا قبله)؛ لأنَّه غيرُ مستحِقّ حينئذٍ، وجاز تعلُّقُ غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل، فإنّ الأغراض لا تَنضبِط.

(فلو امتنع) البائع من قبضه حيث يجب (قَبَضَه الحاكم) إن وُجِد، (فإن تعذَّرَ) قبضُ الحاكم ولو بالمشقَّةِ البالغة في الوصول إليه أو امتناعه من القبض، (فهو أمانة في يد المشتري لا يَضْمَنُه لو تَلِف بغير تفريط، وكذا كلُّ من امتنع من قبض حقِّه).

ومقتضى العبارة أنّ المشتري يُبقِيهِ بيده مميّزاً على وجه الأمانة، وينبغي مع ذلك أن لا يجوز له التصرّف فيه، وأن يكون نَماؤُه للبائع تحقيقاً لتعيّنِه له. وربما قيل ببقائه على مِلك المشتري وإنْ كان تَلَفُه من البائع. وفي الدروس: أنّ للمشتري التصرّفَ فيه، فيبقى في ذمَّته (1).

(ولا حَجْرَ في زيادةِ الثمن ونقصانِه) على البائع والمشتري (إذا عَرَف المشتري القيمةَ)، وكذا إذا لم يعرف ؛ لجواز بيع الغبن إجماعاً، وكأنّه أراد نفيَ الحَجر على وجه لا يترتّب عليه خيارٌ، فيجوز بيع المتاع بدون قيمته وأضعافِها؛ (إلَّا أن يؤدِّيَ إلى السَفَه) من البائع أو المشتري فيبطُل البيع. ويَرتَفِع السفهُ بتعلّق غرض صحیحٍ بالزيادة والنقصان، إمَّا لقلَّتهما، أو لترتُّب غرض آخر يقابله، كالصبر بِدَيْنٍ حالٍّ ونحوه.

(ولا يجوز تأجيل الحالّ بزيادة) فيه ولا بدونها، إلَّا أن يُشرَط الأجلُ في عقد لازم، فيَلزَم الوفاءُ به. ويجوز تعجيله بنقصان منه بإبراءٍ أو صلحٍ.

(ويجب) على المشتري إذا باع ما اشتراه مؤجّلاً (ذكرُ الأجل في غير المساوَمة، فيتخيَّر المشتري بدونه) أي بدون ذكره بين الفسخ والرضاء به حالّاً (للتدليس) ورُوِيَ أنَّ للمشتري من الأجل مثلَه (2).

ص: 242


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 47، ج 203.

(الثاني في القبض)

(إطلاقُ العقد) بتجريده عن شرط تأخير أحدِ العِوَضين، أو تأخيرهما إذا كانا عَينَين أو أحدهما ( يقتضي قبضَ العِوَضين، فَيَتَقابَضان معاً لو تَمَانَعا) من التقدم، (سواءٌ كان الثمن عيناً أو دَيناً)، وإنّما لم يكن أحدهما أولى بالتقديم؛ لتساوي الحقَّين في وجوب تسليم كلٍّ منهما إلى مالكه.

وقيل: يُجبَر البائع على الإقباض أوّلاً؛ لأن الثمن تابعٌ للمبيع(1) .

ويُضعَّف باستواء العقد في إفادة المِلك لكلّ منهما. فإن امتنعا أجبرهما الحاكمُ معاً مع إمكانه، كما يُجبَر الممتنع من قبض ماله [فإن تعذّر فكالدَيْن إذا بذله المديون فامتنع من قبوله (2)].

(ويجوز اشتراط تأخير إقباض المبيع مدَّةً معيَّنة) كما يجوز اشتراط تأخير الثمن، (والانتفاعُ به منفَعَةً؛ معيَّنةً)؛ لأنَّه شرطٌ سائغٌ، فيدخل تحت العموم.

(والقبضُ فى المنقول) - كالحيوان والأَقمِشة والمَكيل والمَوزون والمعدود - (نقلُه، وفي غيره التخليةُ) بينه وبينه بعد رفع اليد عنه. وإنَّما كان القبضُ مختلفاً كذلك؛ لأنّ الشارع لم يَحِدَّه، فيُرجَع فيه إلى العرف، وهو دالّ على ما ذُكر.

وفي المسألة أقوالٌ(3)، هذا أجودها:

فمنها ما اختاره في الدروس من أنّه: في غير المنقولِ التخليةُ، وفي الحيوانِ نقلُه وفي المعتبرِ كيلُه أو وزنُه أو عدّه أو نقلُه وفي الثوبِ وضعه في اليد(4). واستند في اعتبار الكيل أو الوزن في المعتبر بهما إلى صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق(علیه السلام)(5) .

ص: 243


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 88 .
2- ما بين معقوفتين لم يرد في النسخ، أثبتناه من المطبوع.
3- للأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 301، المسألة 278 .
4- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35، ح 146.

وفي دَلالتها عليه نظر وإلحاقُ المعدود بهما قياس، والفرقُ بين الحيوانِ وغيرِه ضعيفٌ.

ومنها: الاكتفاءُ بالتخلية مطلقاً، ونَفَى عنه البأسَ في الدروس بالنسبة إلى نقلِ الضَمان لا زوالِ التحريم، أو الكراهة عن البيع قبل القبض(1). والعرفُ يأباه، والأخبارُ تدفعه (2).

وحيث يُكتَفَى بالتخلية فالمراد بها رفعُ المانع للمشتري من القبض بالإذن فيه ورفع يده ويد غيره عنه إن كان ولا يُشترَط مُضِيُّ زمان يمكن وصول المشتري إليه، إلَّا أن يكون في غير بلده بحيث يدلُّ العرفُ على عدم القبض بذلك. والظاهر أنّ اشتغالَه بمِلك البائع غيرُ مانع منه وإن وجب على البائع التفريغُ.

ولو كان مشتركاً، ففي توقُّفه على إذن الشريك قولان(3)، أجودُهما العدمُ لعدم استلزامه التصرّفَ في مال الشريك؛ نعم، لو كان منقولاً توقَّفَ على إذنه؛ لافتقار قبضه إلى التصرّف بالنقل. فإن امتَنَع من الإذن نَصَب الحاكمُ من يَقبِضُه أجمعَ، بعضَه أمانةً وبعضَه لأجل البيع. وقيل: يكفي حينئذٍ التخليةُ وإن لم يُكتَفَ بها قبله (4).

(وبه) أى بالقبض كيف فُرِض ( يَنتقِل الضمانُ إلى المشتري إذا لم يكن له خيارٌ) مختصٌّ به أو مشتركٌ بينه وبين أجنبي، فلو كان الخيار لهما فَتَلَفُه بعد القبض زَمَنَه منه أيضاً.

وإذا كان انتقال الضمان مشروطاً بالقبض، (فلو تَلِف قبله فمن البائع) مطلقاً (مع أنّ النَمَاءَ) المنفصِلَ المتجدِّدَ بین العقد والتلف (للمشتري) ولا بُعْدَ في ذلك؛ لأنّ التلفَ لا يُبْطِل البيعَ من أصله، بل يَفسَخه من حينه، كما لو انفسخ بخيار.

هذا إذا كان تلفُه من الله تعالى، أمَّا لو كان من أجنبي أو من البائع، تخيّر المشتري

ص: 244


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- منها تهذيب الأحكام، ج 7، ص ،21، ح 89، باب عقود البيع، ح 6.
3- القول بالتوقف للشيخ في باب الهبة من المبسوط، ج 3، ص 306؛ والعلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 465. الرقم 3656 ولم نعثر القول بعدم التوقّف.
4- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 244، المسألة 20 في باب الهبة.

بين الرجوع بالثمن - كما لو تلف من الله - وبين مطالَبَة المُتْلِف بالمثل أو القيمة. ولو كان التلف من المشتري فهو بمنزلة القبض.

(وإن تَلِف بعضُه أو تَعَيَّب) من قِبَل الله تعالى أو قِبل البائع (تخيَّر المشتري في الإمساكِ مع الأرش والفسخِ)، ولو كان العيب من قبل أجنبي، فالأرش عليه للمشتري إن التزم، وللبائع إن فسخ.

(ولو غُصِب من يد البائع) قبل إقباضه (وأُسرِع عوده) بحيث لم يَفُتْ من منافعه ما يُعتدّ به عرفاً (أو أمكن) البائعَ (نَزْعُه بسرعة) كذلك (فلا خيار) للمشتري؛ لعدم مُوجبه (وإلّا) يمكن تحصيله بسرعة (تخيَّر المشتري) بين الفسخ والرجوع على البائع بالثمن إن كان دَفَعه، والالتزام بالمبيع وارتقابِ حصوله، فيَنتفِعُ حينئذٍ بما لا يتوقّف على القبض كعتق العبد.

ثمّ إن تَلِفَ في يد الغاصب فهو ممّا تلف قبل قبضه، فيبطل البيع وإن كان قد رَضِيَ بالصبر، مع احتمال كونه قبضاً. وكذا لو رَضِيَ بكونه في يد البائع، وأولى بتحقُّق القبض هنا.

(ولا أُجرة على البائع في تلك المدَّة) التي كانت في يد الغاصب وإن كانت العين مضمونةً عليه؛ لأنّ الأجرةَ بمنزلة النَماءِ المتجدِّدِ، وهو غير مضمون. وقيل: يَضمنها؛ لأنَّها بمنزلة النقص الداخل قبل القبض وكالنَماء المتَّصل(1). والأقوى اختصاصُ الغاصب بها.

(إلّا أن يكون المنعُ منه) فيكون غاصباً إذا كان المنعُ بغير حقّ.

فلو حبسه ليَتَقابَضا أو لِيقبِض الثمن حيث شَرَط تقدّم قبضه، فلا أجرة عليه؛ للإذن في إمساكه شرعاً.

وحيث يكون المنعُ سائغاً، فالنفقة على المشتري؛ لأنَّه مِلكُه، فإن امتَنَع من الإنفاق رَفَع البائعُ أمرَه إلى الحاكم؛ ليُجبره عليه، فإن تعذَّر أنفق بنية الرجوع، ورجع كنظائره.

ص: 245


1- قال به المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 411.

(ولْيَكُن المبيع) عند إقباضه (مُفَرَّغاً) من أَمتِعةِ البائع وغيرِها ممَّا لم يَدخُل في البيع. ولو كان مشغولاً بزرع لم يَبلُغ وجب الصبرُ إلى أوانه إن اختاره البائع. ولو كان فيه ما لا يُخرج إلَّا بِهَدْمٍ وجب أرشه على البائع والتفريغُ وإن كان واجباً إلَّا أنَّ القبض لا يتوقَّف عليه، فلو رَضِيَ المشتري بتسلّمه مشغولاً تمّ القبضُ، يجب التفريغ بعده.

(ويُكرَه بيعُ المكيل والموزون قبل قبضه)؛ للنهي عنه (1)المحمولِ على الكَراهة جمعاً. (وقيل: يَحرُم إن كان طعاماً)،(2) وهو الأقوى، بل يحرم بيع مطلق المكيل والموزون؛ لصحَّة الأخبار الدالَّة على النهي(3)، وعدم مقاومة المعارض لها على وجهٍ يُوجِب حمله على خلاف ظاهره، وقد تقدّم(4).

(ولو ادَّعَى المشتري نُقصانَ المبيع(5) ) بعد قبضه (حَلَف إن لم يكن حَضَر الاعتبارَ)؛ لأصالة عدم وصول حقِّه إليه، (وإلّا) يكن كذلك، بأن حَضَر الاعتبار (أَحلَف البائعَ)؛ عملاً بالظاهر من أنَّ صاحب الحقِّ إذا حضر اعتبارَه يَحتاط لنفسه ويَعتبِر مقدارَ حقِّه.

ويمكن موافقة الأصل للظاهر باعتبارٍ آخَر، وهو أنّ المشتري لمّا قَبَض حقَّه كان في قوَّة المُعترِف بوصول حقِّه إليه كَملاً، فإذا ادَّعَى بعد ذلك نقصانه كان مدّعياً لما يخالف الأصل، ولا يلزم مثله فى الصورة الأولى؛ لأنَّه إذا لم يحضر لا يكون معترفاً بوصول حقِّه؛ لعدم اطِّلاعه عليه، حتى لو فُرِض اعترافه، فهو مبنيٌّ على الظاهر، بخلاف الحاضر.

ص: 246


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35 - 36، ح 147 - 150 .
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 55 ؛ وابن البراج في المهذّب، ج 1، ص 385.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 36 ، ح 149 - 150 .
4- تقدّم في ص 200 ، باب السلف، وكذا في آداب البيع ص128.
5- أي أنَّ المشتري إذا كان محقّاً في النقص فله أن يقول: لم أقبض من المبيع إلَّا كذا وكذا، فإذا ادَّعى البائع إقباض الجميع ولا بيّنة حكم بقول المشتري مع يمينه ولولا تحويل الدعوى بصيغة الإنكار لقبض الجميع لم يستقم له هذا المطلوب. هذا إذا لم يكن قد ادّعى النقص أوّلاً بصيغة النقص، فلو سبق إلى دعوى النقص وكان قد حضر الاعتبار حلف البائع ولا يسمع تحويل الدعوى هنا.( زين رحمه الله)

(ولو حوَّل المشتري الدعوى) حيث لا يُقبَل قوله في النقص (إلى عدم إقباض الجميع) من غير تعرُّض لحضورِ الاعتبار وعدمه أو معه (حَلَف)؛ لأصالة عدم وصول حقِّه إليه، ما لم يكن سَبَق بالدعوى (الأُولى) فلا تُسمع الثانيةُ؛ لتناقض كلامَيْه. وهذه من الحيل التي يَتَرتَّب عليها الحكم الشرعي، كدعوى براءةِ الذمَّة من حقِّ المدّعي لو كان قد دفعه إليه بغيرِ بيِّنةٍ، فإنَّه لو أقرّ بالواقع لَزِمه.

(الثالث: فيما يدخُل في المبيع) عند إطلاق لفظه.

(و) الضابط: أنَّه (يُراعَى فيه اللغةُ والعرفُ) العامّ أو الخاصّ، وكذا يُراعى الشرعُ بطريقٍ أَولى، بل هو مقدَّم عليهما، ولعلَّه أدرجه في العرف؛ لأنَّه عرفٌ خاصّ. ثم إن اتَّفقت وإلّا قدِّم الشرعي، ثم العرفي، ثمّ اللغوي.

(ففي بيع البستان) بلفظه تَدخُل (الأرضُ والشجرُ) قطعاً (والبناءُ) كالجدار وما أَشْبَهَه من الرَكائِز(1) المُثْبَتَةِ فى داخله؛ لحفظ التراب عن الانتقال.

أمَّا البناء المُعَدُّ للسكنى ونحوه، ففي دخوله وجهان، أجودُهما اتباع العادة. ويدخل فيه الطريقُ والشربُ ؛ للعرف.

ولو باعه بلفظ «الكَرْم» تَنَاوَلَ شجرَ العِنَب؛ لأنَّه مدلوله لغةً، وأمَّا الأرضُ والعَرِيشُ والبناء والطريق والشرب فيُرجَع فيها إلى العرف وكذا ما اشتمل عليه من الأشجار غيرِه. وما شُكَ في تناول اللفظ له لا يدخل.

(و) يَدخُل (في الدار الأرضُ والبناء أعلاه وأسفله، إلَّا أن ينفرد الأعلى عادةً). فلا يدخُل إلَّا بالشرطِ أو القرينة ( والأبوابُ) المُثْبَتَةُ. وفي المنفصلة كألواح الدكاكين وجهان، أجودهما الدخول للعرف وانفصالها ؛ للارتفاق، فتكون كالجزء وإن انفصلت ،وإطلاق العبارة يتناولها، وفي الدروس قيَّدها بالمثبتة(2) فيخرج.

ص: 247


1- الركيزة: القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها، جمعها ركاز وركائز المعجم الوسيط، ص 369، «ركز».
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 187 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(والأغلاق المنصوبة) دون المنفصلة كالأقفال، (والأخشاب المُثبَةُ) كالمتَّخِذَة لوضع الأمتعة وغيرها، دون المنفصلة وإن انتفع بها في الدار؛ لأنَّها كالآلات الموضوعة بها (والسُلَّمُ المثبت) في البناء؛ لأنَّه حينئذٍ بمنزلة الدَرَجَة بخلاف غير المثبت؛ لأنَّه كالآلة، وكذا الرَّفُّ. (1) وفي حكمها الخَوابِيُّ (2) المثبتة في الأرض والحيطان (والمفتاح) وإن كان منقولاً؛ لأنَّه بمنزلة الجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها، والمراد غير مفتاح القفل؛ لأنَّه تابع لِغَلَقِه. ولو شهدت القرينةُ بعدم دخوله لم يدخُل.

وكذا يدخُل الحوضُ والبئرُ والحمّام المعروف بها والأوتاد، دون الرَحَى وإن كانت مُثبَتةً؛ لأنَّها لا تُعَدّ منها ، وإثباتها؛ لسهولة الارتفاق بها.

(ولا يدخل الشجرُ) الكائن (بها إلَّا مع الشرط، أو يقول: «بما أُغلق عليه بابها»، أو «ما دار عليه حائطها»)، أو شهادة القرائن بدخوله كالمُساوَمَةِ عليه، وبذل ثمن لا يصلح إلَّا لهما، ونحو ذلك.

(و) يدخل ( في النخلِ الطلعُ (3)إذا لم يُؤَبَّر ) بتشقيقِ طَلْع الإناث و ذَرِّ طَلع الذكور فيه ليجي ثمرُه أصلح، (ولو أبر، فالثمرة للبائع) ولو أبر البعضُ فلكل حكمه على الأقوى والحكم مختص بالبيع، فلو انتقل النخل بغيره لم يدخل الطلع مطلقاً متى ظهر كالثمرة.

(و) حيث لا يدخل في البيع (يجب تَبْقِيتُها إلى أوان أخذها عرفاً) بحسب تلك الشجرة، فإن اضطَرَب العرفُ فالأغلب، ومع التساوي، ففي الحمل على الأقل أو الأكثر، أو اعتبار التعيين؛ وبدونه يبطل، أَوجُهُ.

ص: 248


1- الرف بالفتح: خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يُوَفَّى به ما يوضع عليه، جمعه رُفُوفُ ورفافُ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 245، «رفف».
2- الخابية: وعاء الماء الذي يحفظ فيه، جمعها الخوابي . المعجم الوسيط، ص 213، «خبأ».
3- الطلع - بالفتح : ما يطلع من النخلة ثمّ يصير ثمراً إن كانت أنثى، وإن كانت النخلة ذكراً لم يصر ثمراً بل يؤكل طرياً ويترك على النخلة أياماً معلومة حتّى يصير فيه شيء أبيض مثل الدقيق وله رائحة ذكية فيلقح به الأنثى. المصباح المنير، ص 375 - 376)، «طلع».

(وطلعُ الفَحْل للبائع) متى ظهر، (وكذا باقي الثمار مع الظهور) وهو انعقادها سواء كانت بارزةً أم مستَتِرَةً في كمامٍ أو وردٍ وكذا القول فيما يكون المقصود منه الورد أو الورق، ولو كان وجوده على التعاقب فالظاهرُ منه حال البيع للبائع والمتجدِّدُ للمشتري، ومع الامتزاج يُرجع إلى الصلح.

(ويجوز لكلّ منهما ) أي من البائع الذي بَقِيتُ له الثمرة، والمشتري (السقي) مراعاة لملكه، (إلّا أن يَسْتَضِرًا) معاً فيُمنعان. (ولو تقابلا في الضرر والنفع رَجَّحْنا مصلحة المشتري)؛ لأنّ البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه ببيع الأصل، و تسليط المشتري عليه الذي يلزمه جوازُ سَقْيه.

و توقف فى الدروس حيث جَعَل ذلك احتمالاً ونَسَبه إلى الفاضل، واحتَمَل تقديمَ صاحب الثمرة ؛ لسبق حقِّه(1) . ويُشكل تقديمُ المشتري حيث يوجب نقصاً في الأصل يُحيط بقيمة الثمرة وزيادة فينبغي تقديم مصلحة البائع مع ضمانه لقيمة الثمرة، جمعاً بين الحقين.

(و) يدخل (في القرية البناء) المشتمل على الدور وغيرها (والمَرافِقُ) كالطرق والساحات، لا الأشجار والمزارع إلَّا مع الشرط أو العرف، كما هو الغالب الآن، أو القرينة، وفي حكمها «الضيعة» في عرف الشام.

(و) يدخل (في العبد) والأمةِ (ثيابه الساترة للعورة) دون غيرها، اقتصاراً على المُتَيَقَّنِ دخوله؛ لعدم دخولها في مفهوم العبد لغةً. والأقوى دخول ما دلّ العرف عليه من ثوب وثوبين وزيادة، وما يتناوله بخصوصه من غير الثياب كالحِزامِ والقَلَنْسُوَةِ والخُفِّ .وغيرها. ولو اختلف العرفُ بالحَرِّ والبَرْد دَخَل ما دَلّ عليه حال البيع دون غيره. وما شُكَّ في دخوله لا يدخل؛ للأصل. ومثله الدابةُ فيدخُل فيها النعلُ دون آلاتِها، إلَّا مع الشرط أو العرف.

ص: 249


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 188 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11) ؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 299 ،المسألة 273 .

(الرابع في اختلافهما)

(ففي قدر الثمن يَحلف البائع مع قيام العين والمشتري مع تلفها) على المشهور، بل قيل: إنه إجماع(1). وهو بعيد ومستنده روايةٌ مرسلة (2). وقيل: يُقدَّم قولُ المشتري مطلقاً لأنَّه يَنْفِى الزائد والأصل عدمه، وبراءة ذمته وفيه قوَّة إن لم يثبت الإجماع على خلافه ، مع أنّه خِيَرَةُ التذكرة (3).

وقيل: يتحالفان ويبطل البيع؛ لأنّ كلاً منهما مدَّع ومنكر، لِتَشَخص العقد بكل واحد من الثمنين وهو خِيَرَة المصنفِ في قواعده(4) ، وشيخه فخر الدين في شرحه(5). وفي الدروس نَسَب القولين إلى الندور(6) .

وعلى المشهور لو كانت العين قائمةً لكنّها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً كالبيع والعتق، ففي تنزيله منزلة التلف قولان (7)، أجودهما العدم؛ لصدق القيام عليها وهو البقاء، ومنع مساواته للتلف في العلة الموجبة للحكم.

ولو تَلِفَ بعضُه، ففي تنزيله منزلة تلف الجميع، أو بقاء الجميع، أو إلحاق كلّ جزء بأصله أوجه، أوجَهُها الأوّلُ؛ لصدق عدم قيامها الذي هو مناط تقديم قول البائع.

ولو امتَزَج بغيره، فإن بَقِيَ التمييز وإنْ عَسُر التخليص، فالعين قائمة، وإلا فوجهان وعدمه أوجه ؛ لعدم صدق القيام عرفاً، فإنّ ظاهره أنّه أخص من الوجود.

(و) لو اختلفا (في تعجيله) أي الثمن (وقدرِ الأجل) على تقدير اتفاقهما عليه في

ص: 250


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 147، المسألة 236.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 229 - 230، ح 1001.
3- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 86، ذيل المسألة 600.
4- القواعد والفوائد، ص 190 ، القاعدة 73 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
5- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 520.
6- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 220 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
7- للقولين راجع مسالك الأفهام، ج 3، ص 261؛ ومفتاح الكرامة، ج 14، ص 802 .

الجملة (وشرط رهن أو ضمين عن البائع، يحلف) البائع؛ لأصالة عدم ذلك كله، وهذا مبني على الغالب من أنّ البائع يَدَّعي التعجيل وتقليل الأجل حيث يتفقان على أصل التأجيل، فلو اتَّفق خِلافُه، فادَّعَى هو الأجلَ أو طُولَه لغرض يتعلق بتأخير القبض قُدِّم قول المشتري؛ للأصل.

(وكذا) يُقَدَّم قول البائع لو اختلفا (في قدر المبيع)؛ للأصل. وقد كان ينبغي مثله في قدر الثمن بالنسبة إلى المشتري لولا الرواية (1). ولا فرق بين كونه مطلقاً ومعيّناً ك- «هذا الثوب»، فيقول: «بل هو والآخر».

هذا إذا لم يَتَضَمَن الاختلاف في الثمن ك-«بعتك هذا الثوب بألف»، فقال: «بل هو والآخر بألفين» وإلّا قَوِي التحالف؛ إذ لا مشترك هنا يمكن الأخذ به.

(وفي تعيين المبيع) كما إذا قال: «بعتك هذا الثوبَ»، فقال : «بل هذا» (يتحالفان)؛ لادعاء كلّ منهما ما يَنفِيهِ الآخَرُ بحيث لم يتفقا على أمر ويختلفا فيما زاد، وهو ضابط التحالف، فيحلف كلَّ منهما يميناً واحدةً على نفي ما يدعيه الآخَرُ، لا على إثبات ما يدعيه؛ ولا جامعةً بينهما. فإذا حَلَفا انفَسخ العقد، ورَجَع كل منهما إلى عين ماله أو بدلها. والبادئ منهما باليمين من ادُّعِي عليه أوّلاً، فإن حلف الأوّلُ ونَكَل الثاني وقَضَينا بالنُكُول، ثَبَتَ ما يَدَّعيه الحالفُ، وإلّا حلف يميناً ثانيةً على إثبات ما يدعيه.

ثمّ إذا حَلَف البائع على نفي ما يدّعيه المشتري بَقِيَ على ملكه، فإن كان الثوب في يده وإلا انتَزَعَه من يد المشتري.

وإذا حَلَف المشتري على نَفْي ما يدَّعيه البائع وكان الثوب في يده لم يكن للبائع مطالبته به؛ لأنَّه لا يدَّعيه، وإن كان في يد البائع لم يكن له التصرّف فيه؛ لاعترافه بكونه للمشتري، وله ثمنه في ذمته، فإن كان قد قَبَض الثمن رَدَّه على المشتري، وله أخذُ

ص: 251


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 229، ح 1001.

الثوب قصاصاً، وإن لم يكن قبض الثمن أخذ الثوب قصاصاً أيضاً، فإن زادت قيمته عنه فهو مال لا يدعيه أحد.

وفي بعض نسخ الأصل: (وقال الشيخ والقاضي: يحلف البائع كالاختلاف في الثمن(1) ) وضُرِب عليه في بعض النُسَخ المَقْرُوءَةِ على المصنف (رحمه الله).

(و) حيث يتحالفان ( يبطل العقدُ من حينه) أي حين التحالف (لا من أصله)، فنَماءُ الثمن المنفصلُ المتخلَّلُ بين العقد والتحالف للبائع، وأمَّا المبيع فيُشكل حيث لم يَتَعَيَّن. نعم لو قيل به في مسألة الاختلاف في قدر الثمن تَوَجَّه حكمُ نَماء المبيع.

(و)اختلافهما (في شرط مفسدٍ يُقَدَّم مدّعي الصحَّة)؛ لأنَّها الأصل في تصرّفات المسلم.

(ولو اختلف الورثةُ نُزِّلَ كلُّ وارث منزلةً مُوَرِّثِه) فتَحْلِف وَرَثَةُ البائع لو كان الاختلاف في قدر المبيع والأجل وأصله وقدرِ الثمن مع قيام العين، و وَرَثَةُ المشتري مع تلفها. وقيل: يُقدَّم قولُ ورثة المشتري في قدر الثمن مطلقاً(2) ؛ لأنَّه الأصل، وإنما خَرَج عنه مُوَرِّتُهم بالنصّ (3)، فيُقتَصَر فيه على موردِه المخالف للأصل. وله وجه، غير أنّ قيام الوارث مقام المورّث مطلقاً أجود؛ لأنَّه بمنزلته. ولو قلنا بالتحالف ثبت بين الورثة قطعاً.

(الخامس)

(إطلاق الكيلِ والوزن) والنقدِ (ينصرف إلى المعتاد) في بلد العقد لذلك المبيع إن اتَّحد، (فإن تعدد فالأغلب) استعمالاً وإطلاقاً، فإن اختلفا في ذلك ففي ترجيح أيهما نظر، ويمكن حينئذٍ وجوب التعيين كما لو لم يغلب؛ (فإن تساوت) في الاستعمال في

ص: 252


1- المبسوط، ج 2، ص 86؛ جواهر الفقه، ص 57 المسألة 209.
2- قال به العلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 362، الرقم 3347.
3- تقدم في ص 251، الهامش 1.

المبيع الخاصّ وجب التعيين؛ لاستحالة الترجيح ،بدونه، واختلافِ الأغراض (و) لو (لم يُعَيِّن بطل البيع ) لما ذكر.

(وأُجرة اعتبار المبيع) بالكيل أو الوزن أو النقد (على البائع)؛ لأنَّه لمصلحته، (واعتبار الثمن على المشتري وأجرة الدلال على الآمر)، ولو أمراه فالسابق إن كان مراد كلّ منهما المماكسة معه.

(ولو أمراه بتولّي الطرفين) الإيجاب والقبول (فعليهما) أُجرة واحدة بالتنصيف، سواء اقترنا أم تلاحقا. ولو منعنا من تولي الطرفين من الواحد امتنع أخذُ أُجرتين، لكن لا يَتَّجه حملُ كلام الأصحاب أنّه «لا يَجْمَع بينهما الواحد» عليه؛ لأنَّه قد عبّر به من يرى جوازه(1) ، بل المراد أنه لا يُجمع بينهما لعمل واحدٍ، وإنْ أَمَره البائع بالبيع والمشتري بالشراء، بل له أجرةً واحدة عليهما أو على أحدهما، كما فصلناه.

(ولا يَضمَن) الدلّالُ ما يَتلف بيده من الأمتعة (إلّا بتفريط)، والمراد به ما يَشمل التعدّي مجازاً أو اشتراكاً، (فيحلف على عدمه) لو ادُّعِيَ عليه التفريط؛ لأنَّه أمين فيُقبَل قوله في عدمه.

(فإن ثَبَت) التفريط فى حقه وضَمِن القيمةَ (حَلَف على) مقدار (القيمة لو خالفه البائع). فادَّعَى أنّها أكثرُ ممّا اعترف به؛ لأصالة البراءة من الزائد، ولا ينافيه التفريط وإن أوجب الإثم، كما يُقبل قولُ الغاصب فيها على أصحّ القولين(2).

(خاتمة)

(الإقالة فسخ) لا بيع عندنا، سواءٌ وقعت بلفظ الفسخ أم الإقالة، (في حق المتعاقدين

ص: 253


1- كالمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 9.
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 492 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 490 ؛ وذهب الشيخ المفيد إلى تقديم قول المالك في المقنعة، ص 607؛ وللأقوال راجع غاية المراد، ج 2، ص 410 - 411 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج 2).

والشفيع) وهو الشريك، إذ لا شُفْعة هنا بسبب الإقالة. وحيث كانت فسخاً لا بيعاً ) فلا تَثبت بها شُفعةٌ) للشريك؛ لاختصاصها بالبيع.

ونبه بقوله «في حق المتعاقدين» على خلاف بعض العامة حيث جعلها بيعاً في حقهما (1)، وبقوله «والشفيع» على خلافِ آخرين حيث جعلوها بيعاً في حقه دونهما (2) فيثبت له بها الشفعة.

(ولا تَسقُط أُجرة الدلال) على البيع (بها)؛ لأنَّه استحقها بالبيع السابق فلا يُبْطِله الفسخ اللاحق، وكذا أُجرةُ الوَزّانِ والكيال والناقد بعد صدور هذه الأفعال؛ لوجود سبب الاستحقاق.

(ولا تصح بزيادة في الثمن) الذي وقع عليه البيع سابقاً (ولا نقيصة)؛ لأنَّها فسخ ومعناه رجوع كلِّ عِوَضٍ إلى مالكه، فإذا شُرِط فيها ما يُخالف مقتضاها فَسَد الشرط وفَسَدَتْ بفَساده. ولا فرق بين الزيادة العينيَّة والحكميّة كالإنظار بالثمن.

(ويرجع) بالإقالة (كلّ عِوَض إلى مالكه) إن كان باقياً، ونَماؤُه المتصل تابع له، أمَّا المنفصل فلا رجوع به وإن كان حملاً لم ينفصل؛ (فإن كان تالفاً فمِثلُه) إن كان مثليّاً، (أو قيمته) يومَ التلف إن كان قيميّاً، أو تَعَذَّر المثل ولو وجده معيباً رَجَع بأرشه؛ لأنّ الجزء أو الوصف الفائت بمنزلة التالف.

وألفاظها: «تَفاسَخنا» و «تَقايَلْنا»، معاً أو متلاحقين من غير فصلٍ يُعْتَدُّ به، أو يقول أحدُهما: «أَقَلْتُك» فيَقبَل الآخَرُ وإِنْ لم يسبق التماس. واحتمل المصنف في الدروس الاكتفاء بالقبول الفعلي(3).

ص: 254


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 244 ؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 132.
2- بدائع الصنائع ج 5 ص 455-456.
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 222 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

كتاب الدين

اشارة

ص: 255

ص: 256

إشارة

(كتاب الدين)

(وهوقسمان: )

[القسم] (الأوّل: القرض)

بفتح القاف وكسرها.

وفضله عظيم (والدرهم) منه (بثمانيةَ َعشَرَ درهماً مع أنّ درهم الصدقة بعشرة(1) ). قيل: والسرُّ فيه أنّ الصدقة تقع في يد المحتاجِ وغيره، والقرضُ لا يقع إلَّا في يد المحتاج غالباً، وأنّ درهم القرض يعود فيُقرض، ودرهم الصدقة لا يعود (2).

واعلم أنّ القرضَ لا يتوقف على قصد القربة، ومطلقُ الثواب يتوقف عليها، فليس كلُّ قرضِ يَترتّب عليه الثواب بخلاف الصدقة، فإنّ القربة معتبرة فيها، فإطلاق كونِ درهم القرض بثمانية عشر، إمّا مشروط بقصد القربة، أو تفضّل من الله تعالى من غير اعتبار الثواب بواسطة الوجهين، وقد يقع التفضُلُ على كثير من فاعلي البر من غير اعتبار القربة كالكَرَم.

ويفتقر القرض إلى إيجاب وقبول، (والصيغة «أقرضتُك» أو «انْتَفِعْ به» أو «تَصَرَّف فيه») أو «ملَّكتُك» أو «أسلفتك» أو «خُذ هذا» أو «اصْرِفْهُ» (وعليك عِوَضُه) وما أدّى هذا المعنى؛ لأنَّه من العقود الجائزة، وهي لا تنحصر في لفظ،

ص: 257


1- الكافي، ج 4، ص 33، باب القرض، ح 1.
2- كما في التنقيح الرائع، ج 2، ص 153.

بل تَتَأَدَّى بما أفاد معناها.

وإنما يحتاج إلى ضميمة وعليك عوضه ما عدا الصيغة الأولى، فإنّها صريحةٌ في معناه لا تفتقر إلى انضمام أمر آخر.

(فيقول المُقْتَرِض «قَبِلتُ» وشبهه) مما دلّ على الرضى بالإيجاب.

واستقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض؛ لأنّ مرجعه إلى الإذن في التصرّف(1). وهو حسن من حيثُ إباحة التصرّف. أمَّا إفادته للملكِ المترتب على صحَّة القرض، فلا دليل عليه، وما استَدَلّ به لا يؤدى إليه.

(ولا يجوز اشتراط النفع) للنهي عن قرض يَجُرُّ نفعاً (2)، (فلا يفيد الملك) لو شَرَطه، سواءٌ في ذلك الربوي وغيره، وزيادة العين والمنفعة (حتى) لو شَرَط (الصحاح عِوَض المُكَسَّرة، خلافاً لأبي الصلاح) الحلبي (رحمه الله)(3) وجماعة(4)؛ حيث جوزوا هذا الفرد من النفع؛ استناداً إلى رواية(5) لا تدلّ على مطلوبهم، وظاهرها إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط، ولا خلاف فيه، بل لا يكره، وقد رُوي أنّ النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) اقترض بكراً فردَّ بازلاً رُباعيّاً، وقال: «إنّ خير الناس أحسنهم قضاء»(6).

(وإنّما يصحّ إقراضُ الكامل) على وجه يرتفع عنه الحجرُ في المال، وأراد كمال المتعاقدين معاً بإضافة المصدر إلى الفاعل والقابل.

(وكلُّ ما تَتَساوَى أجزاؤُه) في القيمة والمنفعة، وتتقارب صفاته كالحبوب

ص: 258


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 286 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 573 ، ح 10933؛ الجامع الصغير، ج 2، ص 394، ح 6336 ، فيهما: «كل قرض جرَّ منفعة فهو وجه من وجوه الريا».
3- الكافي في الفقه، ص 331 .
4- منهم الشيخ في النهاية، ص 312؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 273؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 154.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 115، ح 499.
6- سنن أبي داود، ج 3، ص 247 - 248، ح 3346.

والأدهان (يثبت في الذمة مثله، وما لا يَتَساوَى) أجزاؤُه كالحيوان (تثبت قيمته يومَ القبض)؛ لأنَّه وقتُ الملك.

(وبه) أي بالقبض ( يَملك) المقترضُ القرضَ على المشهور لا بالتصرّف. قيل: لأنَّه فرع الملك، فيمتنع كونه شرطاً فيه وإلا دار(1). وفيه منع تبعيته للملك مطلقاً، إذ يكفي فيه إذنُ المالك، وهو هنا حاصل بالعقد، بل بالإيجاب.

وحيث قلنا بملكه بالقبض (فله ردُّ مثله) مع وجود عَينه (وإِنْ كَرِه المُقرِضُ )؛ لأنّ العين حينئذٍ تصير كغيرها من أمواله والحقُّ يتعلَّق بذمته فيتخيَّر في جهة القضاء، ولو قلنا بتوقف الملك على التصرّف وجب دفع العين مع طلب مالكها. ويمكن القول بذلك وإن ملَّكناه بالقبض، بناءً على كون القرض عقداً جائزاً، ومن شأنه رجوعُ كلِّ عِوَضٍ إلى مالكه إذا فُسِخ كالهبة والبيع بخيار.

(ولا يلزم اشتراط الأجل فيه) لا له ولا لغيره(2) ؛ لأنَّه عقد جائز، فلا يلزم ما يُشترَط فيه؛ إلحاقاً لشرطه بجزئه. نعم، لو شُرِط أجلُ القرض في عقد لازمٍ لَزِم على ما سبق.

(ويجب) على المديون (نيَّةُ القضاء) سواءٌ قَدر على أدائه أم لا، بمعنى العزم - وإن عَجَز - على الأداء إذا قدر، وسواء كان صاحب الدين حاضراً أم غائباً؛ لأنّ ذلك من مقتضى الإيمان، كما يجب العزم على أداء كل واجب، وتركِ كلِّ محرَّم. وقد رُوِيَ: «أنّ مَن عَزَم على قضاء دينه أُعِينَ عليه، وأنه يُنقص من معونته بقدر قصور نيَّته»(3).

(وعزله عند وفاته، والإيصاءُ به لو كان صاحبه غائباً) ليَتميّز الحقُّ، ويسلم من تصرُّف الوارث فيه. ويجب كون الوصاية به إلى ثقة؛ لأنَّه تسليط على مال الغير وإن قلنا بجواز الوصاية إلى غيره في الجملة.

(ولو) جَهله و (يَئِس منه تصدَّقَ به عنه) فى المشهور. وقيل: يتعيَّن دفعه إلى

ص: 259


1- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 156.
2- في نسخة :«ن»: «لا لماله ولا لغيره».
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 185 ، ح 384 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

الحاكم؛ لأنَّ الصدقة تصرُّفٌ في مال الغير بغير إذنه(1).

ويُضعف بأنّها إحسان محض إليه؛ لأنَّه إن ظهر ولم يَرْضَ بها ضَمِن له عِوَضَها، وإلّا فهي أنفع من بقاء العين المعزولة المعرَّضة لتلفها بغير تفريط المُسقط لحقِّه. والأقوى التخيير بين الصدقة والدفعِ إلى الحاكم، وإبقائه في يده.

(ولا تصح قسمة الدين) المشترك بين شريكين فصاعداً على المشهور، (بل الحاصلُ) منه (لهما، والتاوي) - بالمُتَناة - وهو الهالك (منهما). وقد يُحتال للقسمة، بأن يُحيل كلُّ منهما صاحبه بحصته التي يريد إعطاءها صاحبه، ويقبل الآخرُ، بِناءً على صحَّة الحوالة من البريء، وكذا لو اصطلحا على ما في الذِمَم بعضاً ببعض، وفاقاً للمصنف في الدروس(2).

(ويصحّ بيعه بحال) وإن لم يُقبض من المديون وغيره، حالاً كان الدين أم مؤجّلاً. ولا يَمنَع تعذُّرُ قبضه حالَ البيع من صحته؛ لأنّ الشرط إمكانه في الجملة لا حالة البيع. ولا فرق في بيعه بالحال بين كونه مُشخّصاً ومضموناً على الأقوى للأصل، وعدم صدق اسم الدين عليه.

(لا) بمؤجّل؛ لأنَّه بيع دين بدين.

وفيه نظر؛ لأنّ الدين الممنوع منه ما كان عِوَضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلُّق الباء به، والمضمون عند العقد ليس بدين، وإنما يصير ديناً بعده، فلم يتحقق بيع الدين به؛ ولأنَّه يلزم مثله في بيعه بحال، والفرقُ غير واضح.

ودعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع؛ أو بعده فمشترك، وإطلاقهم له عليه عرفاً إذا بيعَ به فيقولون باع فلان ماله بالدين مجاز بقصد أن الثمن بَقِيَ في ذمَّته دَيناً بعد البيع، ولو اعتبر هذا الإطلاق جاء مثله في الحال إذا لم يقبضه، خصوصاً إذا أمهَله به من غير تأجيل.

ص: 260


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 37.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 281 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(وبزيادة) عن قدره (ونقيصة، إلَّا أن يكون رَبَويّاً)، فتُعتبر المساواة.

(ولا يَلزَم المديون أن يدفع إلى المشتري إلَّا ما دَفَع) المشتري إلى البائع (على رواية محمّد بن الفضيل(1) عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام)(2))، وقريب منها رواية أبي حمزة عن الباقر (علیه السلام)(3). وإنما اقتصر على الأولى؛ لأنَّها أصرحُ وعَمِل بمضمونها الشيخ (4)وجماعة(5). ويظهر من المصنف الميل إليه، وفي الدروس : لا معارض لها (6).

لكنّ المستند ضعيف، وعموم الأدلَّة تدفعه، وحُمِل على الضمان مجازاً؛ لشبهه للبيع في المعاوضة، أو على فساد البيع؛ للربا وغيره، فيكون الدفع مأذوناً فيه من البائع في مقابلة ما دفع ويَبقَى الباقي لمالكه. والأقوى مع صحَّة البيع لزوم دفع الجميع. ويجب مراعاة شروط الربا والصرف، ولو وقع صلحاً اغتُفِر الثاني خاصّة.

(ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير المديون(7)) ، استناداً إلى دليل قاصر(8)،

ص: 261


1- في النسخ «الفضل» والمثبت من المصدر.
2- الكافي، ج 5، ص 100 باب بيع الدين بالدين، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 191، ح 410.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 189، ج 401 .
4- النهاية، ص 311.
5- منهم: ابن البراج نقله عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 389، المسألة 6، ولم نعثر عليه في كتب ابن البراج : ومنهم المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 63؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 126 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
6- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 281 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
7- السرائر، ج 2، ص 38 .
8- حاصل استدلال ابن إدريس على المنع من بيعه على غير المديون يرجع إلى حصر ادعى صحته، وهو أن المبيع إما عين معيَّنة أو في الذمة، والأوّل إما بيع عين مرئيّة مشاهدة فلا يحتاج إلى وصفها وذكر جنسها وهو بيع خيار الرؤية، وأمَّا الذي في الذمة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعين والوصف الخاصّ، قال: والدين ليس عيناً مشاهدة ولا معيَّنةً موصوفة؛ إذ للمديون التخيير في جهات القضاء وليس بسلم إجماعاً ولا قسم رابع هنا لنا. ثم اعترض على نفسه بأنه خلاف الإجماع، لإنعقاده على صحَّة بيع الدين. ثم أجاب بأن العمومات قد تخصّ والأدلَّة هنا عامة نخصها ببيعه على غير من هو عليه. ثم عقّب ذلك بأنه تحقيق لا يبلغه إلَّا محقق أصول الفقه وضابط فروع المذهب عالم بأحكامه، محكّم لمداره وتقريراته وتقسيماته ثمّ استدل أيضاً بالإجماع على عدم صحَّة جعل الدين مضاربة إلَّا بعد قبضه. ثمّ أطنب في ذلك بما لا محصل له. وأنت خبير بأنّ التقسيم الذي ادعى فيه الحصر لا دليل عليه. وأمَّا ما ادعاه من الإجماع وارد عليه وما اعتذر عنه من التخصيص متوقف على قيام المخصص وهو مفقود والمنع من المضاربة على الدين لا مدخل له في المنع من بيعه أصلاً، وإلا لمنع من بيعه على من هو عليه كما يمنع من مضاربته به. وإنّما المانع عندهم من المضاربة أمر آخر أشرنا إليه في بابه ولا فرق بين البيع للدين والسلم فيه إلَّا بالأجل وهو لا يصير المجهول معلوماً. (منه رحمه الله)

و تقسيم غير حاصر (والمشهور الصحَّة) مطلقاً؛ لعموم الأدلَّة. (ولو باع الذمِّيُ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير (ثمّ قضى منه دَين المسلم صح قبضُه ولؤ شاهَدَه) المسلم؛ لإقرار الشارع له على ذلك، لكن بشرط استتاره به، كما هو مقتضى الشرع، فلو تَظاهَرَ به لم يَجُز، ومن ثَمَّ يُقيَّد بالذمي؛ لأنّ الحربي لا يُقرّ على شيء من ذلك، فلا يجوز تناوله منه.

(ولا تَحِلّ الديون المؤجله بحجر المفلس)؛ عملاً بالأصل، (خلافاً لابن الجنيد رحمه الله) حيث زعم أنّها تَحِلّ قياساً على الميت(1). وهو باطل مع وجود الفارق بتضرُّر الورثة إن مُنعوا من التصرّف إلى أن يَحِلّ، وصاحب الدين إن لم يُمنعوا، بخلاف المفلس ؛ لبقاء ذمَّته.

(وتَحِلّ) الديون المؤجلة (إذا مات المديون)، سواءٌ في ذلك مالُ السَلَم، والجناية المؤجلة، وغيرهما للعموم. وكونُ أجل السلَم يقتضي قسطاً من الثمن، وأجل الجناية بتعيين الشارع وليتحقَّقَ الفرق بين الجنايات لا يُدفَع عموم النص.

( ولا تَحِلّ بموت المالك) دون المديون؛ للأصل، خرج منه موت المديون فيبقى الباقي . وقيل تحِلّ (2)؛ استناداً إلى روايةٍ مرسلة(3) وبالقياس على موت المديون وهو باطل.

(وللمالك انتزاع السلعة) التي نقلها إلى المفلس قبل الحجْر ولم يَستَوفِ عِوَضَها

ص: 262


1- حكاه عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 473، المسألة 135 .
2- قال به الشيخ في النهاية، ص310.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 190، ح 407.

مع وجودها، مقدماً فيها على سائر الديان (في الفَلَس(1) إذا لم تَزِد زيادةً متصلةً) كالسمن والطُّول فإن زادت كذلك لم يكن له أخذها لحصولها على ملك المفلس فيمتنع أخذ العين بدونها ومعها.

(وقيل: يجوز (2)) انتزاعُها (وإن زادت (3)) ؛ لأنّ هذه الزيادة صفة محضة، وليست من فعل المفلس، فلا تُعَدّ مالاً له؛ ولعموم «من وَجَد عَينَ ماله فهو أحقُ بها(4)». وفي قولٍ ثالث يجوز أخذها، لكن يكون المفلس شريكاً بمقدار الزيادة(5).

ولو كانت الزيادة منفصلةً كالولد وإنْ لم يَنفصل، والثمرة وإنْ لم تُقطف لم يُمنع من الانتزاع، وكانت الزيادة للمفلس، ولو كانت بفعله - كما لو غَرَس، أو صَبَغ الثوبَ، أو خاطَه، أو طَحَن الحِنطة - كان شريكاً بنسبة الزيادة.

(وغرماء الميّت سواء في تركته مع القصور) فيُقسم على نسبة الديون، سواء في ذلك صاحب العين وغيره، (ومع الوفاء لصاحب العين أخذها في المشهور) سواءٌ كانت التركةُ بقدر الدين أم أزيد وسواءٌ مات محجوراً عليه أم لا. ومستند المشهور صحيحة أبي ولاد عن الصادق (علیه السلام)(6).

(وقال ابن الجنيد: يَختَصّ بها وإنْ لم يكن وفاءٌ (7))كالمفلس قياساً ، واستناداً إلى روايةٍ مطلقةٍ في جواز الاختصاص(8) ؛ والأوّل باطل، والثاني يجب تقييده بالوفاء جمعاً.

ص: 263


1- ولو كان سلماً فإن كان موجوداً حين الموت حلّ ودفع من التركة، ولو لم يكن موجوداً حينئذٍ... كغلّة السنة الآتية كان الغريم مخيّراً بين الصبر والفسخ وأخذ أرش ماله. (زين رحمه الله)
2- نعم، ويرد قيمة الزائد. (زين رحمه الله)
3- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 466، المسألة 124.
4- سنن الدارقطني ، ج 2 ص 609 ، ح 2862/ 104 ؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 256، باب الديون، ح 2.
5- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 467، المسألة 124.
6- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 193، ح 421.
7- حكاه عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 464، المسألة 120.
8- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 193، ح 420.

وربما قيل باختصاص الحكم بمن مات محجوراً عليه، وإلا فلا اختصاص مطلقاً. وصحيح النصّ(1) يدفعه.

(ولو وجدت العين ناقصةً بفعل المفلس) أخذها إن شاء، و(ضَرَب بالنقص مع الغرماء مع نسبته) أي نسبة النقص (إلى الثمن) بأن تُنسَب قيمة الناقص إلى الصحيحة، ويضرب من الثمن الذي باعه به بتلك النسبة، كما هو مقتضى قاعدة الأرش؛ ولئلا يُجمع بين العِوَض والمُعوَّض في بعض الفروض وفي استفادة ذلك من نسبة النقص إلى الثمن خَفاء.

ولو كان النقصُ بفعل غيره، فإن وَجَب أرشُه ضَرَب به قطعاً، ولو كان مِن قِبَل الله تعالى فالأقوى أنّه كذلك، سواء كان الفائتُ ممّا يُتَقَسَّط عليه الثمن بالنسبة كعبد من عبدين، أم لا كيد العبد؛ لأنّ مقتضى عقد المعاوضة عند فسخه رجوع كلِّ عوض إلى صاحبه، أو بدله .

واعلم أن تخصيص النقص بفعل المفلس لا يظهر له نكتة؛ لأنَّه إما مساو لما يَحدُث من الله تعالى أو الأجنبي على تقدير الفرق، أو حكم الجميع سواء على القول القوي.

(ولا يُقبَل إقراره في حال التفليس بعين؛ لتعلقِ حق الغُرماء) بأعيان ماله قبله. فيكون إقراره بها في قوَّة الإقرار بمال الغير؛ وللحَجْرِ عن التصرّف المالي المانع من نفوذ الإقرار، (ويصحّ) إقراره (بدَين)؛ لأنَّه عاقل مختار فيدخُل في عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2)، والمانعُ في العين مُنتفٍ هنا؛ لأنَّه في العين مُنافٍ لحقِّ

ص: 264


1- ظاهره هو صحيحة أبي ولاد وقد تقدمت آنفاً.
2- أورده العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226، وص 370، المسألة 337. وص 543، المسألة 258؛ وتذكرة الفقهاء، ج 4، ص 233. المسألة 431؛ وإيضاح الفوائد، ج 2، ص 428؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2) راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 184 . الباب 3 من كتاب الاقرار ، ح 2 ؛عوالي اللآلي، ج 3، ص 442، ح 5.

الديان المتعلّق بها (و) هنا ( يتعلّق بذمته، فلا يُشارك المُقَرُّ له(1)) ؛ جمعاً بين الحقين.

(وقوى الشيخ رحمه الله (2)) وتبعه العلَّامة (رحمه الله) في بعض كتبه (المشاركة (3))؛ للخبر(4) ؛ ولعموم الإذن في قسمة ماله بين غرمائه؛ وللفرق بين الإقرار والإنشاء، فإنّ الإقرار إخبار عن حق سابقٍ، والحجرُ إنّما يُبطل إحداث الملك؛ ولأنَّه كالبيّنة ومع قيامها لا إشكال في المشاركة.

ويُشكل بأنّ ردَّ إقراره ليس لنفسه، بل لحقِّ غيره، فلا يُنافيه الخبر(5)، ونحن قد قبلناه على نفسه بإلزامه بالمال بعد الحجر ، ومشاركة المقرّ له للغرماء هو المانع من النفوذ الموجب لمساواة الإقرار للإنشاء في المعنى، وكونه كالبيّنة مطلقاً ممنوع، فما اختاره المصنف (رحمه الله) أقوى.

وموضع الخلاف ما لو أسنده إلى ما قبل الحجر، أمَّا بعده فإنّه لا ينفذ مُعجَّلاً قطعاً، نعم، لو أسنده إلى ما يَلزَم ذمَّتَه كإتلاف مال أو جناية شارك؛ لوقوع السبب بغير اختيار المستحق، فلا تقصير، بخلاف المعامل.

(ويمنع المفلس من التصرّف) المبتدأ (في أعيان أمواله) المنافي لحق الغرماء، لا من مطلق التصرّف. واحترزنا ب-«المبتدأ» عن التصرّف في ماله بمثل الفسخ بخيار؛ لأنَّه ليس بابتداء تصرّف، بل هو أثرُ أمرٍ سابق على الحجر، وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقاً، فله الفسخ به.

وهل يُعتبر في جواز الفسخ الغبطة أم يجوز اقتراحاً؟ الأقوى الثاني؛ نظراً إلى أصل الحكم وإنْ تخلَّفتِ الحكمة. وقيل: تُعتبر الغبطة في الثاني دون الأول(6).

ص: 265


1- نعم، إن أضافه إلى ما قبل الحجر. (زين رحمه الله)
2- المبسوط، ج 2، ص 220 و 236.
3- تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 509، الرقم 3782.
4- أي خبر: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز».
5- أي خبر: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز».
6- قال به العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 145 .

وفَرَق المصنِّفُ (رحمه الله) بينهما بأنّ الخيار ثابت بأصل العقد لا على طريق المصلحة فلا يَتَقَيَّد بها، بخلاف العيب (1).

وفيه نظرٌ بَيِّن؛ لأنّ كلّاً منهما ثابت بأصل العقد على غير جهة المصلحة، وإن كانت الحكمة المسرّعةُ له هي المصلحة، والإجماع على جواز الفسخ بالعيب وإن زاد القيمة، فضلاً عن الغبطة فيه.

وشمَل التصرُّفُ في «أعيان الأموال» ما كان بعوَض وغيره، وما تعلَّق بنقل العين والمنفعة، وخرج به التصرُّفُ في غيره كالنكاح والطلاق واستيفاء القصاص والعفو عنه، وما يُفيد تحصيله كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصيّة وإنْ مُنع منه بعده؛ و ب-«المنافي» عن وصيّته وتدبيره، فإنّهما يُخرَجان من الثلث بعد وفاء الدين، فتصرُّفه في ذلك ونحوه جائز ؛ إذ لا ضرر على الغرماء فيه.

(وتُباع) أعيان أمواله القابلة للبيع، ولو لم تقبل - كالمنفعة - أُوجِرَتْ أو صولح عليها، وأضيف العوضُ إلى أثمانِ ما يُباع (وتُقسم على الغرماء) إن وَفَى، وإلَّا فعلى نسبة أموالهم.

( ولا يُدَّخَر للمؤجّلة) التي لم تَحِلّ حالَ القسمة (شيء). ولو حلَّ بعد قسمة البعض شارَكَ في الباقي، وضَرَب بجميع المال، وضَرَب باقي الغرماء ببقية ديونهم.

(ويُحضَر كلّ متاع في سوقه) وجوباً مع رجاء زيادة القيمة، وإلّا استحباباً؛ لأنّ بيعه فيه أكثر لطلابه وأضبط لقيمته.

(ويُحبَس لو ادَّعى الإعسار حتى يُثبته) باعتراف الغريم، أو بالبيّنة المطَّلِعة على باطن أمره إن شَهِدَتْ بالإعسار مطلقاً أو بتلف المال، حيث لا يكون منحصراً في أعيان مخصوصة، وإلا كفى اطلاعها على تلفها.

ويُعتبر في الأُولى - مع الاطلاع على باطن أمره بكثرة مخالطته وصبره على ما

ص: 266


1- حاشية القواعد، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

لا يصبر عليه ذَوُو اليسار عادةً - أن تشهد بإثبات يتضمَّن النفي، لا بالنفي الصرف بأن يقول: «إنّه مُعسِرٌ لا يَملِك إلَّا قُوتَ يومه وثياب بدنه) ونحو ذلك. وهل يتوقف ثبوته مع البيّنة مطلقاً على اليمين؟ قولان (1).

وإنّما يُحبَس مع دعوى الإعسار قبل إثباته لو كان أصل الدين مالاً كالقرض، أو عِوَضاً عن مال كثمن المبيع، فلو انتفى الأمران كالجناية والإتلاف قُبِل قوله في الإعسار بيمينه؛ لأصالة عدم المال، وإنّما أطلقه المصنِّفُ اتكالاً على مقام الدين في الكتاب.

(فإذا ثبت) إعساره (خُلّي سبيله) ولا يجب عليه التكسب؛ لقوله تعالى: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»(2) وعن عليّ (علیه السلام)) بطريق السكوني أنه «كان يُحبس في الدين» ثمّ يُنظَر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء، فيقول: «اصْنَعوا به ما شئتم (إن شئتُم فَاجِرُوه وإن شئتُم استعمِلوه»(3) ، وهو ، يدلّ على وجوب التكسب) في وفاء الدين (واختاره ابن حمزة (رحمه الله(4) ) والعلَّامة (رحمه الله) في المختلف(5)، (ومَنَعه الشيخ(6) وابن إدريس رحمه الله(7)) ؛ للآية، وأصالة البراءة.

(والأوّل أقربُ) ؛ لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة، والمتكسب قادر، ولهذا تحرُم عليه الزكاة، وحينئذٍ فهو خارج من الآية. وإنّما يجب عليه التكسب فيما

ص: 267


1- القول باحتياج اليمين للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 276، المسألة 23؛ والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2 ص 83. والقول بعدم احتياج إلى اليمين للعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 73 وما بعدها، المسألة 319.
2- البقرة (2): 280 .
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 300، ح 838 .
4- الوسيلة، ص 274 .
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 402 - 403، المسألة 20.
6- الخلاف، ج 3، ص 272 ، المسألة 15 .
7- السرائر، ج 2، ص 196.

يَليق بحاله عادةً ولو بمؤاجرة نفسه، وعليه تُحمَل الرواية.

(وإنّما يُحجَر على المديون إذا قصرت أمواله عن ديونه)، فلو ساوته أو زادت لم يُحجَر عليه إجماعاً وإن ظهرت عليه أماراتُ الفَلَس، لكن لو طُولِب بالدين فامتَنَعَ تخيَّر الحاكم بين حبسه إلى أن يقضي بنفسه، وبين أن يقضي عنه من ماله ولو ببيع ما خالف الحق.

(وطَلَبَ الغرماء الحجرَ)؛ لأنّ الحقَّ لهم، فلا يتبرع الحاكم به عليهم. نعم، لو كانت الديونُ لِمَن له عليه ولاية كان له الحجر؛ أو بعضها مع التماس الباقين. ولو كانت لغائب لم يكن للحاكم ولايتُه ؛ لأنَّه لا يستوفي له، بل يحفظ أعيان أمواله.

ولو التمس بعضُ الغرماء، فإن كان دينهم يفي بماله ويَزِيد جاز الحجرُ وعمَّ، وإلا فلا على الأقوى.

(بشرط حلول الدين)، فلو كان [كله](1) أو بعضُه مؤجّلاً لم يُحجَر؛ لعدم استحقاق المطالبة حينئذٍ، نعم، لو كان بعضها حالّاً، جاز مع قصور المال عنه والتماس أربابه.

(ولا تُباع داره ولا خادمه ولا ثياب تجمُّلِه،) ويُعتبر في الأول والأخير ما يليق بحاله كمّاً وكَيفاً، وفي الوسط ذلك؛ لشرفٍ أو عجز، وكذا دابَّة ركوبه. ولو احتاج إلى المتعدّد استثني كالمتحد ولو زادت عن ذلك في أحد الوصفين وجب الاستبدال أو الاقتصار على ما يليق به.

(وظاهر ابن الجنيد بيعها) في الدین( واستُحِبَّ للغريم تركه(2) . والرواياتمتضافرة بالأوّل (3)) وعليه العمل.

وكذا تجرى عليه نفقه يوم القسمة ونفقه واجبي النفقة، ولو مات قبلها قُدِّم كفنه، ويُقتصَر منه على الواجب وسطاً ممّا يليق به عادةً ومؤونة تجهيزه .

ص: 268


1- أضفناه لاقتضاء السياق.
2- حكاه عنه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 471 - 472 ، المسألة 133.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 186 - 187، ح 387 و 390.

وهذه الأحكام استطردها في كتاب الدين لمناسبته، وإن جرت العادة باختصاص الفَلَس بباب؛ ورعايةً لإدراج الأحكام بسبيل الاختصار.

(القسم الثاني: دين العبد)

خصَّه بناءً على الغالب مِن تَوَلّيه ذلك، دون الأمة، ولو أبدله بالمملوك كما عبّر غيرُه(1) عم.

(لا يجوز له التصرُّفُ فيه) أي في الدين بأن يستدين، لا فيما استدائه وإن كان حكمه كذلك؛ لدخوله في قوله (ولا فيما بيده) من الأموال (إلَّا بإذن السيد)، سواء قلنا بملكه أم أحَلْناه. (فلو استدان بإذنه) أو إجازته (فعلى المولى وإنْ أعتقه)، وقيل: يُتبع به مع العتق (2)؛ استناداً إلى رواية (3) لا تنهض حجَّةً فيما خالَفَ القواعد الشرعيَّة، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل، وإنفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى، فيلزمه كما لو لم يُعتق ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه قولاً واحداً .

(ويقتصر ) المملوك (في التجارة على محل الإذن)، فإن عيَّن له نوعاً أو مكاناً أو زماناً تعيَّن، وإن أطلق تخيَّر (وليس له الاستدانة بالإذن في التجارة)؛ لعدم دلالتها عليها إلَّا أن تكون لضرورتها؛ كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج إليه.

(فتُلزم ذمَّتُه) لو تَعدَّى المأذون نطقاً أو شرعاً (لو تلف، يُتبع به بعد عتقه) ويساره (على الأقوى) وإلّا ضاع. ولو كانت عينه باقيةً رجع إلى مالكه؛ لفساد العقد. (وقيل: يَسعَى فيه) العبدُ مُعجَّلاً (4)؛ استناداً إلى إطلاق رواية أبي بصير(5). وحُمِلت على الاستدانة للتجارة؛ لأنّ الكسب للمولى، فإذا لم يلزمه فعله لا يدفع من ماله.

ص: 269


1- منهم المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 63.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 311 .
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 248، ح 895 .
4- قال به الشيخ في النهاية، ص 311.
5- تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 200، ح 445 .

والأقوى أنّ استدانته لضرورة التجارة إنّما يَلزَم مما في يده، فإن قصَرَ اسْتُسعِي في الباقي، ولا يلزم المولى من غير ما في يده وعليه تُحمَل الرواية.

(ولو أخذ المولى ما اقترضه) المملوك بغير إذنه أو ما في حكمه (تخيَّر المُقرِضُ بين رجوعه على المولى)؛ لترتُبِ يده على ماله مع فساد القرض (وبين إتباع العبد) بعد العتق واليسار؛ لأنَّه كالغاصب أيضاً.

ثم إن رجع على المولى قبل أن يعتق المملوك لم يرجع المولى عليه؛ لأنَّه لا يثبت له في ذمة عبده مال، وإن كان بعده وكان عند أخذه للمال عالماً بأنه قرض، فلا رجوع له على المملوك أيضاً؛ لتفريطه، وإن كان قد غرَّه بأن المال له اتَّجَه رجوعه عليه؛ لمكان الغرور. وإن رجع المُقرِضُ على العبد بعد عتقه ويساره فله الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده، إلَّا أن يكون قد غرّ المولى فلا رجوع له عليه.

ص: 270

كتاب الرهن

اشارة

ص: 271

ص: 272

إشارة

(كتاب الرهن )

(وهو وثيقةٌ للدين). و«الوثيقة» فعيلة بمعنى المفعول، أي «موثوق به لأجل الدين» والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفيّة إلى الاسميَّة كتاء «الحقيقة» لا للتأنيث ، فلا يَرِدُ عدمُ المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. وأتَى ب-«الدين» معرَّفاً من غير نسبة له إلى المُرتَهِن؛ حذَراً من الدور باعتبار أخذه في التعريف. وفي بعض النسخ «لدين المُرتهن» ويمكن تخلُّصُه منه بكشفه بصاحب الدين أو من له الوثيقة من غير أن يُؤخَذ الرهن في تعريفه.

والتخصيص بالدين إما مبني على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضموناً كالغصب. لكن فيه : أنّ المصنِّف قائل بجواز الرهن عليه وعلى ما يمكن تطرُّقُ ضَمانه كالمبيع وثمنه (1)؛ لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما ونقصان ،قدرهما، أو على أنّ الرهن عليها (2) إنما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذَّرِ العين. وفيه تكلُّف، مع أنه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.

وفيه -على تقدير عدم الإضافة إلى المرتهن - إمكانُ الوثيقة بدون الرهن، بل بالوديعة والعارية ومطلق وضع اليد، فيُؤخَذ مُقاصَّةً عند جُحود المديون الدين وهو توثق في الجملة.

ص: 273


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 356 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- أي على الغصب والمبيع وثمنه.

ويفتقر الرهن إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود، (والإيجابُ «رَهَنتُك» أو «وَثَّقتُك») بالتضعيف أو «أرهَنتُك» بالهمزة (أو «هذا رهن عندك» أو «على مالك») أو «وثيقةٌ عندك» أو «خُذْهُ على مالك» أو «بمالك» أو «أَمْسِكْه حتّى أُعْطِيَك مالك» بقصد الرهن (وشبهه) مما أدى المعنى.

وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظ كالعقود اللازمة ولا في الماضي، لأنَّه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه، فغُلّب فيه جانب الجائز مطلقاً، وجوزه المصنِّفُ في الدروس بغير العربيَّة (1)وفاقاً للتذكرة(2).

(وتكفي الإشارة في الأخرس) وإن كان عارضاً (أو الكتابة معها) أي مع الإشارة بما يدلّ على قصده، لا بمجرَّد الكتابة؛ لإمكان العَبَثِ أو إرادة أمرٍ آخَرَ.

(فيقول المرتهن «قَبِلتُ» وشبهه) من الألفاظ الدالة على الرضى بالإيجاب.

وفي اعتبار المُضيّ والمطابقة بين الإيجاب والقبول وجهان. وأولى بالجواز هنا ؛لوقوعه ممّن هو ليس بلازم من طرفه.

ويُشترَط دوامُ الرهن بمعنى عدم توقيته بمدة. ويجوز تعليق الإذن في التصرّف على انقضاء أجلٍ؛ وإطلاقه، فيتسلط عليه من حين القبول والقبض إن اعتبرناه.

(فإن ذكر أجلاً) للتصرّف (اشتُرِط ضبطه) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، أمَّا لو شرطه للرهن بطل العقد. (ويجوز اشتراط الوكالة) في حفظ الرهن وبيعه وصرفه في الدين (للمرتهن وغيره؛ والوصيَّة له ولوارثه) على تقدير موت الراهن قبله.

(وإنّما يَتِم) الرهن بالقبض على الأقوى للآية (3) والرواية(4). ومعنى عدم تماميته

ص: 274


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) .
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 92 ، المسألة 88 .
3- البقرة (2): 283 .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 176 ، ح 779.

بدونه كونه جزء السبب؛ للزومه من قبل الراهن كالقبض في الهبة بالنسبة إلى المتهب. وقيل: يتم بدونه(1) ؛ للأصل، وضعفِ سند الحديث ومفهوم الوصف في الآية. واشتراطه بالسفر فيها وعدم الكاتب يُرشد إلى كونه للإرشاد، ويؤيده كون استدامته ليست بشرط بل قبض المرتهن ؛ لجواز توكيله الراهن فيه، وهذا أقوى.

وعلى اشتراطه (فلو جُنَّ) الراهن (أو مات أو أُغمي عليه أو رَجَع) فيه (قبل إقباضه بطل) الرهن، كما هو شأن العقود الجائزة عند عروض هذه الأشياء.

وقيل: لا يبطل للزومه من قبل الراهن، فكان كاللازم مطلقاً، فيقوم وليه مقامه، لكن يراعي ولي المجنون مصلحته فإن كان الحظ في إلزامه - بأن يكون شرطاً في بيع يتضرر بفسخه - أَقبَضه، وإلّا أبطله(2) .

ويُضعَّف بأنّ لزومه على القول به مشروط بالقبض، فقبله جائز مطلقاً، فيبطُل كالهبة قبله.

ولو عَرَض ذلك للمرتهن فأولى بعدم البطلان لو قيل به ثَمَّ. ولو قيل به في طرف الراهن، فالأقوى عدمه هنا. والفرق تعلُّق حقِّ الورثةِ والغُرَماء بعد موت الراهن بماله، بخلاف موت المرتهن فإنّ الدينَ يَبقَى فتبقى وثيقته؛ لعدم المنافي. وعلى هذا لا يُجبَر الراهن على الإقباض؛ لعدم لزومه بعد، إلَّا أن يكون مشروطاً في عقد لازم، فيُبنى على القولين.

(ولا يُشترَط دوام القبض للأصل بعد تحقق الامتثال به فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس وهو موضع وفاق.

(و يُقبل إقرارُ الراهن بالإقباض) : لعموم «إقرار العقلاء»(3) (إلّا أن يُعلَم كِذبُه) كما لو قال: «رهنتُه اليومَ داري التي بالحجاز» وهما بالشام «وأقبضتُه إياها» فلا يُقبل؛ لأنَّه

ص: 275


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 223، المسألة 5 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 417.
2- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 13 ، ص 201، المسألة 147.
3- تقدّم في ص 264، الهامش 2.

محال عادةً، بناء على اعتبار وصول القابض أو من يقوم مقامه إلى الرهن في تحققه.

(فلو ادَّعَى) بعد الإقرار بالقبض (المواطأة) على الإقرار والإشهادِ عليه إقامةً لرسم الوثيقة حذراً من تعذر ذلك إذا تأخر إلى أن يتحقق القبضُ سُمِعت دعواه؛ لجريان العادة بذلك، (فله إحلاف المرتهن) على عدمها وأنّه وَقَع مَوقِعَه.

هذا إذا شهد الشاهدان على إقراره، أمَّا لو شهدا على نفس الإقباض لم تُسمع دعواه ولم يتوجه اليمين، وكذا لو شهدا على إقراره به فأنكر الإقرار؛ لأنَّه تكذيب للشهود.

ولو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلاً ممكناً، فله إحلاف المرتهن أيضاً، وإلا فلا على الأقوى.

(ولو كان) الرهن (بيد المرتهن فهو قبض)؛ لصدق كونه رهناً مقبوضاً، ولا دليل علی اعتباره مبتدا بعد العقد.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين المقبوض بإذن وغيره كالمغصوب و به صرَّح في الدروس(1)، والوجه واحد وإن كان منهيّاً عن القبض هنا؛ لأنّه في غير العبادة غير مفسد.

وقيل : لا يكفي ذلك؛ لأنَّه على تقدير اعتباره في اللزوم ركن، فلا يُعتدّ بالمنهي عنه منه ، وإنما لا يقتضي الفساد حيث تكمل الأركان، ولهذا لا يعتد به لو ابتَدَأَه بغير إذن الراهن (2).

(و) على الاكتفاء به (لا يفتقر إلى إذنٍ) جديدٍ (في القبض ولا إلى مُضيّ زمان) يمكن فيه تجديده؛ لتحقق القبض قبله، فاعتبارُ أمر آخر تحصيل للحاصل، وللأصل.

وقيل: يُشترَطان في مطلق القبض السابق(3). وقيل في غير الصحيح(4)؛ لأنّ المعتبر

ص: 276


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 340 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع العزيز في شرح الوجيز، ج 4 ص 475، وروضة الطالبین، ج 3، ص 309 - 310.
3- نسبه إلى العلَّامة في التذكرة في مسالك الأفهام، ج 4، ص 16 ؛ انظر تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 193. المسألة 143.
4- قال في مسالك الأفهام، ج 4، ص 16: ربما قيل...

منه ما وقع بعد الرهن وهو لا يتم إلَّا بإذن كالمبتدأ والإذن فيه يستدعي تحصيله ومن ضروراته مُضيّ ،زمان، فهو دالّ عليه بالمطابقة، وعلى الزمان بالالتزام، لكن مدلوله المطابقي منتفٍ؛ لإفضائه إلى تحصيل الحاصل واجتماع الأمثال، فيبقى الالتزامي.

ويُضعَّف بمنع اعتبار المقيَّد بالبعديَّة، بل الأعم وهو حاصل، والزمانُ المدلول عليه التزاماً من توابعه ومقدَّماتِه، فيلزم من عدم اعتباره انتفاؤُه؛ نعم، لو كان قبضه بغير إذن تَوجه اعتبارُهما لما تقدَّم. وعلى تقديره فالضمان باقٍ إلى أن يتحقق ما يُزِيله من قِبَل المالك على الأقوى.

(ولو كان) الرهن (مشاعاً فلابد من إذن الشريك في القبض أو رضاه بعده) سواءٌ كان ممّا يُنقَل أم لا ؛ لاستلزامه التصرُّفَ في مال الشريك، وهو منهي عنه بدون إذنه، فلا يُعتَد به شرعاً.

ويُشكل فيما يكفي فيه مجرَّدُ التخلية، فإنّها لا تستدعي تصرّفاً، بل رفع يد الراهن عنه وتمكينه منه.

وعلى تقدير اعتباره، فلو قبضه بدون إذن الشريك وفَعَل مُحرَّماً، فهل يَتِمّ القبضُ ؟ قولان(1)، مَنْشؤُهما النهي المانع كما لو وقع بدون إذن الراهن، وهو اختيار المصنِّف(2). وأنّ النهي إنّما هو لحقِّ الشريك فقط للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً، وهو أجود. ولو اتفقا على قبض الشريك جاز، فيُعتبَر سَماعُه الإذن فيه.

ص: 277


1- القول بتماميته للعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 356، المسألة 231 .
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 340 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

(والكلام إما في الشروط أو اللواحق )

(الأول) [في الشروط:]

(شرط الرهن أن يكون عيناً مملوكة يمكن قبضُها ويصحّ بيعها).

هذه الشرائط منها ما هو شرط الصحَّة وهو الأكثر ، ومنها ما هو شرط في اللزوم كالمملوكية باعتبار رهن مِلكِ الغير، ولا يضر ذلك؛ لأنَّها شروط في الجملة؛ ولأنّ المملوكيَّةَ تَشتمل على شرط الصحَّة في بعض مُحتَرَزاتها.

(فلا يصحّ رهنُ المنفعة) كسُكنَى الدار وخدمة العبد؛ لعدم إمكان قبضها إذ لا يمكن إلَّا بإتلافها؛ ولتعذر تحصيل المطلوب في الرهن منها وهو استيفاء الدين منه، وهى إنّما تُستوفى شيئاً فشيئاً، وكلما حصل منها شيءٌ عُدِم ما قبله كذا قيل(1). وفيه نظر.

(ولا الدين) بناءً على ما اختاره من اشتراط القبض؛ لأنّ الدين أمرٌ كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضُه، وما يُقبض بعد ذلك ليس نفسه وإن وُجد في ضمنه. ويُحتمَل جوازه على هذا القول ويُكتفى بقبض ما يُعَيِّنه المديون؛ لصدق قبض الدين عليه عرفاً، كهبة ما في الذمة.

وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحَّة رهنه وقد صرَّح العلَّامة في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه فقال: لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض لأنَّه لا يمكن قبضه(2) . لكنه في القواعد جَمَع بين الحكم بعدمِ

ص: 278


1- قال به المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 48 2.
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 127، المسألة 111 .

اشتراط القبض وعدم جواز رهن الدين(1)، فتَعَجَّب منه المصنِّفُ في الدروس(2)، وتعجبه فى موضعه والاعتذار له عن ذلك «بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه واعتبار كونه ممّا يُقبض مثله» مع تصريحه بالبناء المذكور، غير مسموع.

(ورهن المدبَّر إبطال لتدبيره على الأقوى)؛ لأنَّه من الصيغ الجائزة، فإذا تَعَقَّبه ما يُنافيه أبطله، لكونه رجوعاً؛ إذ لا يتم المقصود من الرهن إلَّا بالرجوع.

وقيل: لا يبطل به؛ لأنّ الرهن لا يقتضي نقله عن ملك الراهن ويجوز فكه فلا يتحقَّق التنافي بمجرّده بل بالتصرّف، وحينئذٍ فيكون التدبير مراعىً بفكه فيستقِرّ، أو بأخذه في الدين فيبطل(3)، واستحسنه في الدروس(4) .

(ولا رهن الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلماً أو المرتهن) وإنْ وَضَعهما على يد ذمّي؛ لأنّ يد الوَدَعي كيد المُستَودِع، خلافاً للشيخ حيث أجازه كذلك، محتجاً بأن حقَّ الوفاء إلى الذمي فيصحّ، كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما (5). والفرق واضح.

(ولا رهن الحرّ مطلقا) من مسلم وكافر، عند مسلم وكافر ، إذ لا شبهة في عدم ملكه.

(ولو رَهَن ما لا يَملك (6)) الراهن وهو مملوك لغيره (وقف على الإجازة) من مالكه فإن أجازه صح على أشهر الأقوال من كون عقد الفضولي موقوفاً مطلقاً (7)، وإن رده بطل.

(ولو استعار للرهن صح) ثمّ إن سوّغ له المالك الرهن كيف شاء جاز مطلقاً، وإن

ص: 279


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 109 و 116 .
2- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 343 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 168؛ والخلاف، ج 3، ص 238، المسألة 31.
4- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 346 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- الخلاف، ج 3، ص 284، المسألة 52 .
6- إذا باع شيئاً حالّاً أو مؤجّلاً جاز أن يجعله رهناً على ثمنه. (زين رحمه الله)
7- القول بالجواز مطلقاً مع الإجازة للمحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 67 ؛والقول بالبطلان مطلقاً للشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 388 - 389؛ والقول بالبطلان في البيع وصحته في النكاح لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 274 و 564 .

أطلق ففي جوازه فيتخيَّر، كما لو عمَّم أو المنعِ للغرر قولان(1)، اختار أولهما في الدروس(2)، وعلى الثاني فلابد من ذكر قدر الدين وجنسه ووصفه وحلوله أو تأجيله وقدر الأجل، فإن تخطّى حينئذٍ كان فضولياً إلَّا أن يَرهَن على الأقل فيجوز بطريقٍ أولى.

ويجوز الرجوع في العارية ما لم تُرهَن ؛ عملاً بالأصل (وتلزم بعقد الرهن) فليس للمُعير الرجوعُ فيها بحيث يَفسَخ الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفكِّ عند الحلول، ثم إن فكه وردَّه تامّاً بَرِئَ.

(ويَضمَن الراهنُ لو تلف) وإن كان بغير تفريط (أو بيع) بمثله إن كان مثليّاً، وقيمته يوم التلف إن كان قيميّاً.

هذا إذا كان التلف بعد الرهن، أمَّا قبله فالأقوى أنه كغيره من الأعيانِ المُعارة، وعلى تقدير بيعه فاللازم لمالكه ثمنه إن بيع بثمن المثل، ولو بيع بأزيد فله المطالبة بما بيعَ به.

(ويصحّ رهنُ الأرضِ الخَراجِيَّةِ) كالمفتوحة عَنْوَةً والتي صالح الإمام(علیه السلام) أهلها على أن تكون ملكاً للمسلمين وضَرَب عليهم الخَراج، كما يصحّ بيعُها (تبعاً للأبنية والشجر) لا منفردةً.

(ولا رهن الطيرِ في الهواء)؛ لعدم إمكان قبضه، ولو لم نَشترطه أمكن الجواز؛ لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه (إلَّا إذا اعتيد عوده) كالحمام الأهلي فيصحّ؛ لإمكان قبضه عادة.

(ولا السمكِ فى الماء إلَّا إذا كان محصوراً مشاهداً) بحيث لا يتعذر قبضه عادةً، ويمكن العلم به.

(ولا رهن المصحفِ عند الكافر؛ أو العبد المسلم) لاقتضائه الاستيلاء عليهما، والسبيل على بعض الوجوه ببيع ونحوه (إلّا أن يُوضعا على يد مسلم)؛ لانتفاء السبيل

ص: 280


1- واختار القول الأول العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 122، المسألة 108.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 344 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

بذلك وإنْ لم يُشترَط بيعُه للمسلم؛ لأنَّه حينئذٍ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلَّا ببيع المالكِ أو من يأمره، أو الحاكم مع تعذره، ومثله لا يُعد سبيلاً، لتحققه وإن لم يكن هناك رهن.

(ولا رهن الوقف)؛ لتعذر استيفاء الحقِّ منه بالبيع، وعلى تقدير جواز بیعه بوجه يجب أن يَشتري بثمنه ملكاً يكون وقفاً، فلا يتّجه الاستيفاء منه مطلقاً. نعم، لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه.

( ويصحّ الرهن في زمن الخيار) لثبوت الثمن في الذمة وإن لم يكن مستقراً (وإنْ كان) الخيارُ (للبائع؛ لانتقال المبيع) إلى ملك المشتري (بالعقد على الأقوى)؛ لأنّ صحَّة البيع تقتضى ترتب أثره، ولأنّ سبب الملك هو العقد، فلا يتخلَّف العقد، فلا يتخلف عنه المسبب.

وعلى قول الشيخ بعدم انتقاله إلى ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع، أو لهما (1) لا يصحّ الرهن على الثمن قبل انقضائه.

(و يصحّ رهن العبدِ المرتد ولؤ عن فطرة)؛ لأنَّه لم يخرج بها عن الملك وإن وجب قتله لأنَّه حينئذٍ كرهن المريض المأيوس من برْئِه، ولو كان امرأة أو مليّاً فالأمر أوضح لعدم قتلها مطلقاً وقبول توبته.

(والجاني مطلقاً) عمداً وخطأ؛ لبقاء المالية وإن استحقَّ العامد القتل؛ ولجواز العفو، ثم إن قُتِل بَطَل الرهن وإن فداه مولاه أو عفا الولى بقى رهناً. ولو استرق بعضه بطل الرهن فيه خاصّةً. وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاماً بالفداء وجهان، كالبيع.

(فإن عجز المولى عن فكه قُدّمت الجنايةُ)؛ لسبقها ولتعلق حق المجنى عليه بالرقبة، ومن ثَمَّ لو مات الجاني لم يُلزم السيّد بخلاف المرتهن، فإنّ حقَّه لا ينحصر فيها بل تشتركها ذمّة الراهن.

(ولو رُهِن ما يَتسارع إليه الفساد قبل الأجل) بحيث لا يمكن إصلاحه كتجفيف

ص: 281


1- الخلاف، ج 3، ص 22، المسألة 29؛ المبسوط، ج 2، ص 14.

العنبِ والرُطَبِ (فلْيُشترط بيعُه ورهن ثمنه)، فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه رهناً، فإن امتنع منه رَفَع المرتهن أمره إلى الحاكم ليبيعه أو يأمر به، فإن تعذر جاز له البيع دفعاً للضرر والحرج.

(ولو أُطلق) الرهن ولم يُشترَط بيعه ولا عدمه (حُمِل عليه) جمعاً بين الحقين مع كونه حالة الرهن صالحاً له. وقيل: يبطل لعدم اقتضاء الإطلاقِ البيعَ وعدمِ صلاحيته لكونه رهناً على الدوام، فهو في قوَّة الهالك(1). وهو ضعيفٌ؛ لكونه عند العقد مالاً تاماً، وحكم الشارع ببيعه على تقدير امتناعه منه صيانةً للمال جابرٌ لفَساده.

واحترز بقوله «قبل الأجل» عمّا لو كان لا يفسد إلَّا بعد حلوله بحيث يمكن بيعه قبله فإنّه لا يُمنَع وكذا لو كان الدين حالّاً ؛ لإمكان حصول المقصود منه. ويجب على المرتهن السعي على بيعه بأحد الوجوه، فإن تَرَك مع إمكانه ضَمِن إلَّا أن ينهاه المالك فينتفي الضمانُ. ولو أمكن إصلاحه بدون البيع لم يَجُز بيعه بدون إذنه، ومؤونة إصلاحه على الراهن كنفقة الحيوان.

(وأمَّا المتعاقدان، فيُشترَط فيهما الكمالُ) بالبلوغ والعقل والرشد والاختيار (وجواز التصرّف) برفع الحجر عنهما في التصرّف المالي.

(و يصحّ رهنُ مال الطفل للمصلحة) كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته وإصلاح عقاره ولم يكن بيعُ شيءٍ من ماله أعود أو لم يمكن وتوقفت على الرهن، ويجب كونه على يد ثقة يجوز إيداعه منه.

(و) كذا يصحّ (أخذُ الرهن له كما إذا أُسلِف ماله مع ظهور الغبطة أو خِيفَ على ماله من غَرَقٍ أو نَهْبٍ)، والمراد بالصحَّة هنا الجواز بالمعنى الأعم والمقصود منه الوجوبُ.

ص: 282


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 241، المسألة 38؛ المبسوط، ج 2، ص 170 – 171.

ويُعتبر كونُ الرهن مساوياً للحقِّ أو زائداً عليه ليمكن استيفاؤه منه وكونه بيدِ الولي أو يدِ عدلٍ ليَتِمّ التوثقُ، والإشهاد على الحقِّ لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادةً. فلو أَخَلَّ ببعض هذه ضَمِن مع الإمكان.

(ولو تعذر الرهن هنا) وهو في موضع الخوف على ماله (أُقرِض مِن ثقة عدلٍ (غالباً). هكذا اتفقت النُسَخُ.

والجمع بين العدل والثقة تأكيد أو حَاوَلَ تفسير الثقة بالعدل ؛ لوروده كثيراً في الأخبار وكلامِ الأصحاب محتملاً لما هو أعم منه. ووصف الغلبة للتنبيه على أن العدالة لا تعتبر في نفس الأمر ولا في الدوام؛ لأنّ عُروض الذنب ليس بقادح على بعض الوجوه كما عرفته في باب الشهادات(1)، والمعتبر وجودها غالباً.

(وأمَّا الحقُّ فيُشترَط ثبوتُه في الذمة) أي استحقاقه فيها وإن لم يكن مستقِرّاً (كالقرض وثمن المبيع) ولو في زمن الخيار، (والدية بعد استقرار الجناية) وهو انتهاؤها إلى الحد الذي لا يتغيَّر مُوجَبُها لا قبله؛ لأنّ ما حَصَل بها في مَعرَض الزوال بالانتقال إلى غيره. ثمّ إن كانت حالّةً أو لازمةً للجاني كشبيه العمد جاز الرهن عليها مطلقاً.

(وفي الخطأ) المحض لا يجوز الرهن عليها قبل الحلول؛ لأنّ المستحقَّ عليه غيرُ معلوم؛ إذ المعتبر مَن وُجِد منهم عند حلولها مُستجمعاً للشرائط بخلاف الدين المؤجّل؛ لاستقرار الحق والمستحق عليه، ويجوز الرهن (عند الحلول على قسطه (2)) وهو الثلث بعد حلول كلِّ حولٍ من الثلاثة.

ص: 283


1- تقدّم في ص 78 .
2- يعني إذا حلّ الحول الأوّل أخذ على ثلث الدية رهناً، وإذا حلّ الثاني أخذ على الثلث الثاني وكذا، وكذا الثالث وليس هذا كالدين المؤجّل؛ فإنّه يصحّ الرهن عليه قبل حلوله ؛ لثوبته واستقراره، بخلاف الدية؛ فإنه لاحكم لثبوتها إلَّا بعد الحول. (زين رحمه الله)

(ومال الكتابة وإن كانت مشروطةً على الأقرب)؛ لأنَّها لازمة للمكاتب مطلقاً على الأصح.

والقول الآخر: أنّ المشروطة جائزة من قبل المُكاتب فيجوز له تعجيز نفسه (1)ولا يصحّ الرهن على مالها؛ لانتفاء فائدته ؛ إذ له إسقاطه متى شاء. وهو على تقدير تسليمه غيرُ مانع منه كالرهن على الثمن في مدة الخيار.

وفي قول ثالتٍ أنّ المشروطة جائزة من الطرفين والمُطلقة لازمة من طرف السيد خاصّةً (2)، ويتوجّه عدم صحَّة الرهن أيضاً كالسابق.

(ومالِ الجعالة بعد الرد)؛ لثبوته في الذمة حينئذٍ (لا قبله) وإن شرع فيه؛ لأنّه لا يستحق شيئاً منه إلَّا بتمامه. وقيل: يجوز بعد الشروع؛ لأنَّه يؤول إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار(3). وهو ضعيف، والفرق واضح؛ لأنّ البيعَ يَكفي في لزومه إبقاؤه على حاله فتنقضي المدَّةُ، والأصل عدمُ الفسخ عكس الجعالة.

( ولا بدّ من إمكان استيفاء الحقِّ من الرهن)؛ لتحصل الفائدة المطلوبة من التوثق به ( فلا يصحّ) الرهنُ (على منفعة المُؤجَرِ عينه (4)) مدَّةً معيّنةً؛ لأنّ تلك المنفعة الخاصّة لا يمكن استيفاؤُها إلَّا من العين المخصوصة، حتّى لو تعذر الاستيفاء منها بموتٍ ونحوه بطلت الإجارة. (فلو آجَرَه في الذمة جاز) كما لو استأجره على تحصيل خياطة ثوب بنفسه أو بغيره؛ لإمكان استيفائها حينئذٍ من الرهن فإنّ الواجب تحصيل المنفعة على أي وجه اتفق.

ص: 284


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 149؛ ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 417.
2- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 345 .
3- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 182، المسألة 137.
4- أي لو آجر نفسه للخدمة، فأراد المستأجر أن يأخذ منه رهناً على هذه المنفعة لم يجز؛ لأن فائدة الرهن استيفاء الحق منه عند تعذره، وهو ممتنع هنا؛ لأنَّه عند تعذر عينه تنفسح الإجارة، فلا تبقى المنفعة ثابتة في الذمة حتى تستوفى من الرهن؛ ولهذا لو كانت المنفعة ثابتة في الذمة، كخياطة ثوب في الذمة صح أخذ الرهن عليها؛ لإمكان استيفائها منه. (زين رحمه الله)

و تصح زيادة الدين على الرهن فإذا استوفى الرهن بَقِي الباقي منه متعلقاً بذمته، (وزيادة الرهن على الدين) وفائدته سَعةُ الوثيقة، ومنع الراهن من التصرّف في المجموع، فيكون باعثاً على الوفاء؛ ولإمكان تلفِ بعضه فيبقى الباقي حافظاً للدين.

(وأمَّا اللواحق فمسائلُ:)

[المسألة الأولى:]

(إذا شَرَط الوكالة في الرهن لم يملك عزله(1)) على ما ذكره جماعة(2)، منهم العلَّامة(3)؛ لأنّ الرهن لازم من جهة الراهن وهو الذي شَرَطها على نفسه، فيلزم من جهته.

ويُضعَّف بأنّ المشروط في اللازم يُؤثّر جواز الفسخ لو أُخِلَّ بالشرط لا وجوبَ الشرط (4)) كما تقدَّم من أنّ المشروط في العقد اللازم يقلبه جائزاً عند المصنِّف(5)

ص: 285


1- قول الأصحاب عقد البيع قابل للشروط السائغة، كما لو شرط العتق وحكموا بعدم لزوم الشرط بالنسبة إلى المشتري، ثمّ حكموا بأن المشروط في اللازم لازم، وطريق الجمع بين الحكمين المتناقضين إما اشتراط أمر لا يحتاج العقد إلى صيغة ولا مباشرة بل مجرّد العقد كافٍ في تحققه، هذا هو المراد بالقاعدة الثانية، وكلّ شرط يحتاج في تحققه، وراء ذكره في العقد، هو مناط القاعدة الأولى. وحينئذٍ لو شرط الوكالة في الرهن صارت لازمةً فلو شرط أن يبيعه في عقد الرهن لم يلزم، فالعجب أن اشتراط الجائز في اللازم يجعل الجائز لازماً واشتراط اللازم في اللازم يجعل اللازم جائزاً. والسرّ فيه: أن اشتراط ما العقد كافٍ في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز، واشتراط ما سيوجد أمراً منفصلاً عن العقد و قد علق عليه العقد مع إمكانه، والمعلّق على الممكن ممكن .(زین رحمه الله )
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 172؛ ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 428 ؛ الشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 354 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 114 : تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 481، الرقم 3710.
4- هذا رد على من قال : الراهن ليس له عزله . وتقريره : أن اشتراط الجائز في اللازم يجعل اللازم جائزاً لا بالعكس، كما لو شرط في عقد البيع شرطاً؛ فإنه يصير البيع عرضةً للفسخ إذا أخل بذلك الشرط ولا يفيد ذلك لزوم الشرط. فحينئذٍ إن شرط عليه كونه وكيلاً لم يجب عليه الوفاء، وإذا أخل به فسخ العقد المشروط فإن وفى بذلك فقد وفى بالشرط. والعزل من قضيّة الوكالة، وليس من قضيّة العقد عدم العزل. (زين رحمه الله )
5- تقدم في ص 236.

وجماعةٍ(1)، فحينئذٍ إنّما يُفيد إخلال الراهن بالوكالة تسلط المرتهن على فسخ العقد وذلك لا يَتِمّ في عقد الرهن؛ لأنَّه دفع ضررٍ بضرر أقوى.

وإنما تظهر الفائدة فيما لو كان قد شَرَطها في عقد لازم كبيع، (فحينئذٍ لو فَسَخ) الراهنُ (الوِكالةَ فَسَخ المرتهن البيع المشروط بالرهن) والوكالة (إن كان) هناك بيع مشروط فيه ذلك، وإلّا فات الشرط على المرتهن بغير فائدة.

ويُشكل بما تقدَّم من وجوب الوفاء بالشرط (2)؛ عملاً بمقتضى الأمر، خصوصاً فيما يكون العقد المشروط فيه كافياً في تحققه كالوكالة على ما حقَّقه المصنف (رحمه الله)(3) مِن أنّه يصير كجزءٍ من الإيجاب والقبول يَلزَم حيث يَلزَمان.

ولمّا كان الرهن لازماً من جهة الراهن فالشرطُ من قبله كذلك خصوصاً هنا، فإنّ فسْخ المشروط فيه - وهو الرهن - إذا لم يكن في بيع لا يتوجه؛ لأنَّه يَزِيده ضرراً فلا يُؤثِّر فسخُه لها وإنْ كانت جائزةً بحسب أصلها؛ لأنَّها قد صارت لازمةً بشرطها في اللازم على ذلك الوجه.

[المسألة] (الثانية:

يجوز للمرتهن ابتياعُه) من نفسه إذا كان وكيلاً في البيع ، ويَتَولَّى طرفي العقد ؛ لأن الغرض بيعه بثمن المثل وهو حاصل، وخصوصيَّة المشتري مُلغاة حيث لم يَتَعرَّض لها . وربما قيل بالمنع(4) ؛ لأنّ ظاهر الوكالة لا يتناوله.

وكذا يجوز بيعه على ولده بطريق أولى، وقيل: لا (5).

ص: 286


1- منهم: عميد الدين الأعرجي في كنز الفوائد، ج 1، ص 473 ؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 71؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 91 .
2- تقدم في ص 236.
3- نقله عنه أيضاً في مسالك الأفهام، ج 3، ص 274.
4- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 373 .
5- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 446، المسألة 89 .

(وهو مقدم به على الغرماء) حيّاً كان الراهن أم ميَّتاً، مفلساً كان أم لا ؛ لسبق تعلَّقِ حقه.

(ولو أعوَز) الرهن ولم يَفِ بالدين (ضُرِب بالباقي) مع الغُرَماء على نسبته.

[المسألة] (الثالثة:

لا يجوز لأحدهما التصرّف فيه) بانتفاع ولا نقل ملك ولا غيرهما إذا لم يكن المرتهن وكيلاً، وإلا جاز له التصرّف بالبيع والاستيفاء خاصّةً كما مر .

( ولو كان له نفع) كالدابَّة والدار (أُوجر) باتفاقهما وإلا آجره الحاكم. وفي كون الأجرة رهناً كالأصل قولان(1)، كما في النماء المتجدد مطلقاً.

(ولو احتاج إلى مؤونة) كما إذا كان حيواناً (فعلى الراهن) مؤونته؛ لأنَّه المالك، فإن كان في يد المرتهن وبذلها الراهن أو أمره بها أَنفَق ورَجَع بما غَرِم، وإِلَّا اسْتَأْذَنه، فإن امتنع أو تَعذَّرَ استئذانه لغَيبةٍ ونحوها رَفَع أمْرَه إلى الحاكم، فإن تَعذَّر أَنفَق هو بنيَّة الرجوع وأشهد عليه ليثبت استحقاقه بغير يمين ورَجَع، فإن لم يُشهد فالأقوى قبولُ قوله في قدْر المعروف منه بيمينه ورجوعه به.

(ولو انتفع المرتهن) به بإذنه على وجه العوض، أو بدونه مع الإثم لَزِمه الأُجرة أو عِوَضُ المأخوذ كاللبن و (تقاصّا) ورَجَع ذو الفضل بفضله.

وقيل: تكون النفقةُ في مقابلة الركوبِ واللبن مطلقاً (2)، استناداً إلى رواية (3) حُمِلت على الإذن فى التصرفِ والإنفاق مع تساوي الحقين. ورجح في الدروس جواز الانتفاع

ص: 287


1- القول بأنّها للراهن للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 251 ، المسألة 58؛ والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 424، المسألة 45؛ القول بأنّها يدخل في الرهن للشيخ المفيد في المقنعة، ص 623 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 424.
2- قال به الشيخ في النهاية، ص 435؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 334 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 176 ، ح 778 .

بما يخاف فوته على المالك عند تعذر استئذانه واستئذان الحاكم(1) . وهو حسن .

[المسألة] (الرابعة:

يجوز للمرتهن الاستقلال بالاستيفاء) إذا لم يكن وكيلاً (لو خاف جُحود الوارث) ولا بيّنة له على الحقِّ؛ (إذ القولُ قولُ الوارث مع يمينه في عدمِ الدين وعدم الرهن) لو ادَّعى المرتهن الدين والرهن. والمرجع في الخوف إلى القرائنِ المُوجِبةِ للظن الغالب بجُحُوده.

وكذا يجوز له ذلك لو خاف جُحود الراهن ولم يكن وكيلاً.

ولو كان له بينةٌ مقبولة عند الحاكم لم يَجُز له الاستقلال بدون إذنه.

ولا يلحق بخوف الجحود احتياجه إلى اليمين لو اعترف؛ لعدم التضرُّر باليمين الصادق وإن كان تركه تعظيماً لله أولى.

[المسألة] (الخامسة:

لو باع أحدهما) بدون الإذن (توقف على إجازة الآخر) فإن كان البائع الراهن بإذن المرتهن أو إجازته بطل الرهن من العين والثمن، إلَّا أن يَشترِط كونَ الثمن رهناً - سواء كان الدين حالّاً أم مؤجلاً - فيلزم الشرطُ، وإن كان البائع المرتهن كذلك بَقِي الثمنُ رهناً وليس له التصرّفُ فيه إذا كان حقه مؤجّلاً إلى أن يَحِلّ، ثمّ إن وافقه جنساً ووصفاً صح وإلا كان كالرهن.

(وكذا عتق الراهن) يتوقف على إجازة المرتهن فيبطل برده، ويلزم بإجازته أو سكوته إلى أن فُكَّ الرهن بأحد أسبابه. وقيل: يقع العتق باطلاً بدون الإذن السابق (2) نظراً إلى كونه لا يقع موقوفاً.

(لا) إذا أَعتَق (المرتهن)، فإنّ العتق يقع باطلاً قطعاً متى لم يسبق الإذن؛ إذ «لا عتق

ص: 288


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 350 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 152 ؛ وسلّار في المراسم، ص 192 .

إلّا في ملك»(1). ولو سَبَق وكان العتق عن الراهن أو مطلقاً صح، ولو كان عن المرتهن صح أيضاً، ويَنتقِل مِلكُه إلى المُعتق قبل إيقاع الصيغة المقترنة بالإذن كغيره من المأذونين فيه.

(ولو وَطِئها الراهنُ) بإذن المرتهن أو بدونه وإن فعل محرَّماً (صارت مُستَولَدةً مع الإحبال)؛ لأنَّها لم تخرج عن ملكه بالرهن وإنْ مُنع من التصرّف فيها، (وقد سبق)(2) في شرائط المبيع (جواز بيعها) حينئذٍ ؛ لسَبق حق المرتهن على الاستيلادِ المانع منه.

وقيل: يمتنع مطلقاً(3) للنهي عن بيع أُمهات الأولاد (4)المُتناول بإطلاقه هذا الفردَ. وفصَّل ثالث بإعسار الراهن فتُباع ويساره فتلزمه القيمة تكون رهناً، جمعاً بين الحقين (5).وللمصنف في بعض تحقيقاته تفصيل رابع، وهو بيعها مع وطئه بغير إذن المرتهن، ومنعه مع وقوعه بإذنه(6).

وكيف كان فلا تخرج عن الرهن بالوطء ولا بالحبل، بل يمتنع البيعُ مادام الولد؛ لأنَّه مانع طارئ، فإن مات بيعت للرهن لزوال المانع.

(ولو وطئها المرتهن فهو زان)؛ لأنَّه وطئ أمة الغير بغير إذنه. (فإن أكرهها فعليه العُشْرُ إن كانت بكراً وإلّا ) تكن بكراً (فنصفه) للرواية(7) والشهرة (وقيل: مهر

ص: 289


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 258، ح 2190؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 773 – 774؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 299 . ح .4 .
2- سبق في ص 144 - 145 .
3- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 73؛ والعلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 488، الرقم 3732 .
4- راجع الكافي، ج 1، ص 191 - 193، باب أمهات الأولاد، ج 1 - 6.
5- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 229، المسألة 19.
6- نسبه إلى بعض حواشيه في مسالك الأفهام، ج 4، ص 50.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 244، ح 1064.

المثل)؛ لأنَّه عِوَض الوطء شرعاً(1). وللمصنف (رحمه الله) في بعض حواشيه قول بتخيّر المالك بين الأمرين(2).

ويجب مع ذلك أرشُ البكارة، ولا يَدخُل في المهر ولا العُشر؛ لأنَّه حق جناية وعِوَضُ جزءٍ فائتٍ؛ والمَهرُ على التقديرين عِوَضُ الوطء. ولا يُشكل بأنّ البكارة إذا أخذ أرشُها صارت ثَيِّباً فينبغي أن يجب مهرُ الثيب؛ لأنَّه قد صَدَق وطؤُها بكراً وفَوَّت منها جزءاً، فيجب عوض كلّ منهما؛ لأنّ أحدهما عوض جزء، والآخَرَ عوض منفعة.

(وإن طاوَعَتْ (3) فلا شيء)؛ لأنَّها بغي و«لا مَهرَ لبَغي»(4). وفيه أن الأمة لا تستحق المهر ولا تملكه، فلا يُنافي ثبوته لسيّدها مع كون التصرّف في مِلكه بغير إذنه «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(5). فالقول بثبوته عليه مطلقاً أقوى، مضافاً إلى أرش البكارة كما مرّ. وقد تقدّم مثله (6).

[المسألة] (السادسة:

الرهن لازم من جهة الراهن حتى يخرج عن الحق) بأدائه ولو من متبرع غيره. وفي حكمه ضمانُ الغير له مع قبول المرتهن، والحواله به وإبراء المرتهن له منه. وفي حكمه الإقالة المُسقِطة للثمن المرهون به أو المثمنِ المُسلم فيه المرهون به والضابط بَراءة ذمة الراهن من جميع الدين.

ولو خرج من بعضه، ففي خروج الرهن أجمع أو بقائه كذلك أو بالنسبة أوجه ويظهر من العبارة بقاؤه أجمع، وبه صرَّح في الدروس(7).

ص: 290


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 162 ؛ والعلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 239، المسألة 168.
2- حكاه أيضاً في مسالك الأفهام، ج 4، ص 42.
3- في بعض النسخ: «طاوعته».
4- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 730 ، ح 2159؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1198، ح 1567 /39.
5- الأنعام (6): 164 .
6- تقدّم في ص 172.
7- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 357 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ولو شرط كونه رهناً على المجموع خاصّةً تعيَّن الأول، كما أنه لو جَعَله رهناً على كل جزء منه، فالثاني. وحيث يُحكم بخروجه عن الرهانة (فيبقى أمانةً في يد المرتهن) مالكيَّةً لا يجب تسليمه إلَّا مع المطالبة؛ لأنَّه مقبوض بإذنه وقد كان وثيقةً وأمانةً، فإذا انتفى الأوّل بَقِيَ الثاني. ولو كان الخروج من الحقِّ بإبراء المرتهن من غير علم الراهن وجب عليه إعلامه به أو رَدُّ الرهن، بخلاف ما إذا علم.

(ولو شَرَط كونَه مبيعاً عند الأجل بطلا) الرهن والبيعُ؛ لأنّ الرهنَ لا يُؤَقَّت والبيعَ لا يُعلق.

(و) لو قبضه كذلك (ضَمِنه بعد الأجل)؛ لأنَّه حينئذٍ مبيع فاسد، وصحيحه مضمون ففاسده كذلك (لا قبله)؛ لأنَّه حينئذٍ رهن فاسد وصحيحه غير مضمون ففاسده كذلك، قاعدة مطّردة. ولا فرق في ذلك بين علمِهما بالفساد وجهلهما، والتفريق.

[المسألة] (السابعة:

يدخُل النماء المتجدِّدُ) المنفصلُ كالولد والثمرة (في الرهن على الأقرب) بل قيل: إنه إجماع(1)، ولأن من شأن النماء تبعيَّة الأصل، (إلَّا مع شرط عدم الدخول) فلا إشكال حينئذٍ في عدم دخوله؛ عملاً بالشرط، كما أنّه لو شَرَط دخوله ارتَفَع الإشكال. وقيل: لا يدخُل بدونه(2)؛ للأصل ومنع الإجماع والتبعيَّةُ في الملك لا في مطلق الحكم؛ وهو أظهر. ولو كان متصلاً - كالطول والسِمَن - دخل إجماعاً.

[المسألة] (الثامنة:

ينتقل حقُّ الرِهانة بالموت)؛ لأنَّه مقتضى لزومِ العقد من طرف الراهن؛ ولأنَّه وثيقةٌ على الدين فيبقى ما بَقِيَ ما لم يُسقطه المرتهن : (لا الوكالة

ص: 291


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 424 .
2- قال به العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 124 .

والوصيَّةِ)؛ لأنَّهما إذن في التصرّف يُقتصر بهما على من أذن له، فإذا مات بطل، كنظائره من الأعمال المشروطة بمُباشِرٍ معيَّن؛ (إلَّا مع الشرط) بأن يكون للوارث بعده أو لغيره، فيلزم؛ عملاً بالشرط.

(وللراهن الامتناع من استئمان الوارث) وإنْ شُرِط له وكالة البيع والاستيفاء؛ لأنّ الرضى بتسليم المُوَرِّث لا يقتضيه، ولاختلاف الأشخاص فيه، (وبالعكس) للوارث الامتناع من استئمان الراهن عليه (فليتفقا على أمين) يضعانه تحت يده وإن لم يكن عدلاً؛ لأنّ الحقَّ لا يعدوهما فيتقيَّد برضاهما ، (وإلّا) يتّفقا (فالحاكم) يُعيِّن له عدلاً يقبضه لهما.

وكذا لو مات الراهن، فلورثته الامتناع من إبقائه في يد المرتهن؛ لأنَّه في القبض بمنزلة الوكيل تبطل بموت الموكل وإن كانت مشروطةً في عقد لازم، إلَّا أن يُشرط استمرار الوضع بعد موته، فيكون بمنزلة الوصي في الحفظ.

[المسألة] (التاسعة:

لا يَضمَن المرتهن) الرهن إذا تَلِف في يده (إلَّا بتَعَدّ أو تفريط)، ولا يَسقُط بتلفه شيءٌ من حقِّ المرتهن فإن تَعدَّى فيه أو فَرَّط ضَمِنه (فتَلزَم قيمته يومَ تَلَفِه) إن كان قيميّاً (على الأصحّ (1)) ؛ لأنَّه وقت الانتقال إلى القيمة، والحق قبله كان منحصراً في العين وإن كانت مضمونة.

ومقابل الأصحّ اعتبار قيمته يوم القبض(2)، أو أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف(3)، أو من حين التلف إلى حين الحكم عليه بالقيمة(4) ، كالغاصب. ويُضعف بأنه قبل

ص: 292


1- نعم؛ لأنَّه قبل الأجل مقبوض بالرهن الفاسد، والرهن الفاسد غير مضمون وبعد الأجل مقبوض بالبيع الفاسد. وهو مضمون. (زین رحمه الله )
2- شرائع الإسلام، ج 2، ص 75 .
3- نسبه إلى الشيخ في المبسوط السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 174 ؛ والشهيد في مسالك الأفهام، ج 4. ص 73 ؛ولم نعثر عليه في المبسوط.
4- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 419 - 420، المسألة 39.

التفريط غير مضمون، فكيف تُعتبر قيمته فيه، وبأنّ المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمي.

هذا إذا كان الاختلاف بسبب السُوقِ أو نقص في العين غير مضمون، أمَّا لو نَقصت العين بعد التفريط بِهزال ونحوه ثمّ تَلِف اعتُبِر أعلى القِيمِ المنسوبة إلى العين من حين التفريط إلى التلف.

ولو كان مثليّاً ضَمِنه بمثله إن وُجِد، وإلا فقيمة المثل عند الأداء على الأقوى؛ لأنّ الواجب عنده إنّما كان المثل وإن كان متعذِّراً، وانتقاله إلى القيمة بالمطالبة بخلاف القيمي؛ لاستقرارها في الذمة من حين التلف مطلقاً.

(ولو اختلفا فى القيمة حَلَف المرتهن)؛ لأنَّه المُنكِر، والأصل براءته من الزائد. :وقيل: الراهن، نظراً إلى كون المرتهن صار خائناً بتفريطه، فلا يُقبل قوله(1). ويُضعف بأنّ قبول قوله من جهة إنكاره لا من حيثُ كونه أميناً أو خائناً.

[المسألة] (العاشرة:

لو اختلفا في) قدر (الحقِّ المرهون به حَلَف الراهن على الأقرب)؛ لأصالة عدم الزيادة وبراءة ذمته منها، ولأنَّه منكر، وللرواية(2). وقيل: قول المرتهن(3) ، استناداً إلى رواية ضعيفة (4).

(ولو اختلفا في الرهن والوديعة بأن قال المالك : هو وديعة، وقال المُمسك : هو ،رهن (حَلَف المالك)؛ لأصالة عدم الرهن ولأنَّه منكر، وللرواية الصحيحة(5).

وقيل : يَحلف المُمْسِكُ (6)، استناداً إلى رواية ضعيفة (7). وقيل : الممسك إن اعترف له

ص: 293


1- قال به المفيد في المقنعة، ص 623 ؛ الشيخ في النهاية، ص 431 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174، ح 769 - 770.
3- حكاه عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 420. المسألة 40.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 175، ح 774 .
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174، ح 771 .
6- قال به الصدوق في المقنع ، ص 384 - 385 ؛ الشيخ في الاستبصار ، ج 3، ص 122 - 123، ذيل الحديث 436.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 176 . ح 776.

المالك بالدين، والمالك إن أنكره(1)، جمعاً بين الأخبار؛ وللقرينة. وضَعْفُ المقابل يمنع من تخصيص الآخر.

(ولو اختلفا في عين الرهن) فقال : رهنتك العبد، فقال : بل الجارية (حَلَف الراهن) خاصَّةً (وبطلا)؛ لانتفاء ما يدَّعيه الراهن بإنكار المرتهن؛ لأنَّه جائز من قِبله، فيبطل بإنكاره لو كان حقاً، وانتفاء ما يدَّعيه المرتهن بحلف الراهن.

(ولو كان) الرهن (مشروطاً في عقد لازم تحالفا)؛ لأنّ إنكار المرتهن هنا يتعلق بحقِّ الراهن، حيث إنّه يَدَّعي عدم الوفاء بالشرط الذي هو ركن من أركان ذلك العقدِ اللازم، فيَرجِع الاختلافُ إلى تعيين الثمن؛ لأنّ شرط الرهن من مُكمّلاته، فكلُّ يدعي ثمناً غير ما يدعيه الآخَرُ، فإذا تحالفا بطل الرهن وفَسَخ المرتهن العقد المشروط فيه إن شاء، ولم يمكن استدراكه كما لو مَضَى الوقت المحدود له. وقيل: يُقدَّم قول الراهن (2) كالأوّل.

[المسألة] (الحادية عشرة:

لو أدَّى ديناً وعيَّن به رهناً) بأن كان عليه ديون وعلى كلِّ واحد رهن خاصّ، فقصد بالمؤدَّى أحد الديون بخصوصه ليَفُكَ رهنه (فذاك) هو المتعيّن؛ لأنّ مرجع التعيين إلى قصد المؤدي.

(وإن أطلق) ولم يُسَمَّ أحدها لفظاً لكن قصده (فتَخالفا في القصد) فادَّعَى كلُّ منهما قصد الدافع ديناً غير الآخر (حَلَف الدافع) على ما ادَّعَى قصده؛ لأن الاعتبار بقصده، وهو أعلم به. وإنّما احْتِيجَ إلى اليمين مع أنّ مرجع النزاع إلى قصد الدافع و دعوى الغريم العلم به غير معقول ؛ لإمكان إطلاعه عليه بإقرار القاصد ولو تخالفا فيما تلفظ بإرادته فكذلك. ويمكن ردُّه إلى ما ذكره من التخالف في القصد؛ إذ العبرة به واللفظ كاشف عنه.

ص: 294


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 266.
2- قال به العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 127 .

(وكذا لو كان عليه دين خال) عن الرهن وآخَرُ به رهن (فادعى الدفع عن المرهون به) ليَفُكَ الرهن، وادَّعى الغريم الدفع عن الخالي ليَبقَى الرهن، فالقول قول الدافع مع يمينه؛ لأنّ الاختلاف يرجع إلى قصده الذي لا يُعلم إلَّا من قِبله كالأول.

[المسألة] (الثانية عشرة:

لو اختلفا فيما يُباع به الرهن)، فأراد المرتهن بيعه بنقد، والراهن بغيره (بيعَ بالنقد الغالب) سواءٌ وافَقَ مراد أحدهما أم خالَفَهما. والبائع المرتهن إن كان وكيلاً، والغالب موافق لمراده، أو رجع إلى الحقِّ، وإلا فالحاكم.

(فإن غَلَب نقدان بيعَ بمُشابه الحقِّ) منهما إن اتَّفق (فإن بايَنَهما عيَّن الحاكم) إن امتنعا من التعيين وإطلاق الحكم بالرجوع إلى تعيين الحاكم يشمل ما لو كان أحدهما أقرب إلى الصرف إلى الحقِّ وعدمه. وفي الدروس: لو كان أحدهما - وعنى به المتباينين - أسهل صرفاً إلى الحقِّ تعيَّن(1). وهو حسن. وفي التحرير: لو بايناه بيع بأوفرهما حظاً(2)، وهو أحسن، فإنه ربما كان عُسْر الصرف أصلح للمالك. وحيث يُباع بغير مراده ينبغي مراعاة الحظّ له كغيره ممّن يلي عليه الحاكم.

ص: 295


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 355 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 484، الرقم 3717، وفيه: فإن تساويا بيع بأوفرهما حظاً.

ص: 296

كتاب الحجر

ص: 297

ص: 298

(كتاب الحَجْر)

(وأسبابه ستة ):

بحسب ما جرت العادة بذكره في هذا الباب وإلا فهي أزيد من ذلك مُفرَّقةً في تضاعيف الكتاب؛ كالحجر على الراهن في المرهون، وعلى المشتري فيما اشتراه قبل دفع الثمن، وعلى البائع في الثمن المعيَّن قبل تسليم المبيع، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة، وعلى المرتد الذي يمكن عوده إلى الإسلام.

والستة المذكورة هنا هي (الصِغَرُ ، والجنون، والرقُ والفَلَسُ والسَفَهُ، والمرضُ) المتّصل بالموت.

(ويمتد حجرُ الصغير حتى يَبلُغَ) بأحد الأمور المذكورة في كتاب الصوم (ويَرشُدَ بأن يُصلح ماله) بحيث يكون له مَلَكة نفسانية تقتضي إصلاحه، وتمنع إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء، لا مطلق الإصلاح؛ فإذا تحققت الملكة المذكورة مع البلوغ ارتفع عنه الحجرُ (وإن كان فاسقاً) على المشهور؛ لإطلاق الأمر بدفع أموال اليتامى إليهم بإيناس الرشد(1)، من غير اعتبار أمر آخر معه، والمفهوم من الرشد عرفاً هو إصلاح المال على الوجه المذكور وإن كان فاسقاً.

وقيل : يُعتبر مع ذلك العدالة، فلو كان مُصلِحاً لماله غير عدل في دينه لم يرتفع عنه

ص: 299


1- النساء (4): 6 .

الحجرُ(1)؛ للنهي عن إيتاء السفهاء المال(2)، وما روي أنّ شارب الخمر سفيه(3)، ولا قائل بالفرق، وعن ابن عبّاس: أنّ الرشدَ هو الوَقار والحِلم والعقل (4). وإنّما يُعتبر على القول بها في الابتداء لا في الاستدامة، فلو عَرَض الفسقُ بعد العدالة قال الشيخ: الأحوط أن يُحجَر عليه(5)، مع أنّه شَرَطها ابتداءً، ويتوجه على ذلك أنّها لو كانت شرطاً في الابتداء لاعتبرت بعده لوجود المقتضي.

(ويُختبر) من يُراد معرفةُ رشده (بملائمه) من التصرّفاتِ والأعمالِ ليَظهر اتصافه بالملكة وعدمه، فمن كان من أولاد التجار فُوِّض إليه البيع والشراء، بمعنى مماكَستِه فيهما على وجههما، ويُراعى إلى أن يَتِمّ مساومتُه ثم يتولاه الولي إن شاء، فإذا تَكرَّر منه ذلك وسَلم من الغَبْنِ والتضييع في غير وجهه فهو رشيد.

وإن كان من أولاد من يُصان عن ذلك اختبِر بما يُناسب حالَ أهله، إما بأن يُسلَّم إليه نفقةُ مدَّةٍ ليُنفِقَها في مصالحه أو مواضعها التي عُيّنت له، أو بأن يَستَوفِي الحساب على مُعامليهم أو نحو ذلك، فإن وَفَى بالأفعال الملائمة فهو رشيد. ومن تضييعه إنفاقه في المحرَّماتِ والأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله بحسب وقته وبلده، وشرفه وضعته، والأمتعة واللباسِ كذلك. وأمَّا صرفه في وجوه الخير من الصدقات وبناء المساجد وإقراء الضيف، فالأقوى أنّه غير قادح مطلقاً؛ إذ «لا سرَف في الخير كما لا خير في السَرَف»(6).

وإن كان أُنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال كالغزل والخياطة وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالها بغير غبن، وحفظ ما يحصل في يدها من ذلك، والمحافظة على أُجرة

ص: 300


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 283 - 284، المسألة 3؛ المبسوط، ج 2، ص 251.
2- النساء (4): 5 .
3- تفسير العياشي، ج 1، ص 220، ح 22.
4- الدر المنثور، ج 2، ص 121؛ المجموع شرح المهذب، ج 13، ص 368.
5- الخلاف، ج 3، ص 289، المسألة 8 .
6- عوالي اللآلي ، ج 1، ص 291، ح 154 ؛ لاحظ غاية المراد، ج 2، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).

مثلها إن عَمِلت للغير، وحفظ ما تليه من أسباب البيت ووضعه على وجهه، وصونِ أطعمته التي تحت يدها عن مثل الهرَّة والفأر ونحو ذلك، فإذا تكرر ذلك على وجه الملكة ثبت الرشدُ وإلّا فلا ولا يَقدَح فيها وقوع ما يُنافيها نادراً من الغلط والانخداع في بعض الأحيان؛ لوقوعه كثيراً من الكاملين. ووقت الاختبار قبل البلوغ؛ عملاً بظاهر الآية'(1).

(ويثبت الرشدُ) لمن لم يُختبر (بشهادة النساء في النساء لا غير)؛ لسهولة اطلاعهنّ عليهن غالباً عكس الرجال، وبشهادة الرجال مطلقاً ذكراً كان المشهودُ عليه أم أُنثى؛ لأنّ شهادة الرجال غير مقيَّدة والمعتبر في شهادة الرجال اثنان، وفي النساء أربع، ويثبت رشدُ الأُنثى بشهادة رجل وامرأتين أيضاً وبشهادة أربع خناثى .

(ولا يصحّ إقرار السفيه بمال (2)) ويصحّ بغيره كالنسب وإن أوجب النفقة، وفي الإنفاق عليه من ماله أو بيت المال قولان (3) أجودُهما الثاني، وكالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفساً.

(ولا تصرّفه في المال) وإنْ ناسَبَ أفعال العقلاء. ويصحّ تصرّفه فيما لا يتضمَّن إخراج المال كالطلاق والظهار والخُلْع. (ولا يُسَلَّم عِوَضُ الخُلْع إليه)؛ لأنَّه تصرُّفٌ مالي ممنوع منه.

(ويجوز أن يتوكَّل لغيره في سائر العقود) أي جميعها. وإن كان قد ضعف إطلاقه عليه بعض أهل العربية (4)حتى عده في دُرة الغواص من أوهام الخواص(5)، وجَعَله مختصاً ب- «الباقي» أخذاً له من السؤر وهو البقية، وعليه جاء قول النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)لابن غيلان

ص: 301


1- النساء (4): 6 .
2- لو أقرّ بمن يجب من يجب نفقته نفق من بيت المال إلَّا الزوجة فالنفقة عليها من ماله. (زین رحمه الله)
3- القول بالإنفاق من بيت المال للشيخ المبسوط، ج 2، ص 255 ؛والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 138 .وأمَّا القول بأنه من ماله حكاه عن حواشي الشهيد في جامع المقاصد، ج 5، ص 201.
4- منهم: الفيروز آبادي في القاموس المحيط، ج 2، ص 63؛ وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ،ج 2، ص 327، «ستر».
5- نقله عنه الزبيدي في تاج العروس، ج 6، ص 489، ستر».

لمّا أَسلَم على عشرِ نِسوَةٍ: «أمسك عليك أربعاً وفارِقْ سائرهنّ»(1). لكن قد أجازه بعضُهم(2). وإنّما جاز توكيل غيره له؛ لأنّ عبارته ليست مسلوبة مطلقاً، بل مما يقتضي التصرّف في ماله.

(ويَمتَدٌ حجر المجنون) في التصرّفات الماليَّةِ وغيرها (حتى يُفيق) ويَكمُل عقله.

(والولاية في مالهما) أي الصغير والمجنون (للأب والجد) له وإن علا. فيَشتركان في الولاية لو اجتمعا فإن اتفقا على أمرٍ نَفَذ، وإن تَعارَضا قدّم عقد السابق، فإن اتفقا ففي بطلانه أو ترجيح الأب أو الجد أوجه.

( ثمّ الوصيّ )لأحدهما مع فقدِهما (ثمّ الحاكم) مع فقد الوصيِّ.

(والولاية في مال السفيه الذي لم يسبق رشده، كذلك) للأب والجد إلى آخِرِ ما ذُكِر؛ عملاً بالاستصحاب. ( فإن سبق) رشده وارتَفَع الحجرُ عنه بالبلوغ معه ثمَّ لَحِقَه السفه (فللحاكم) الولاية دونهم لارتفاع الولاية عنه بالرشد، فلا تعود إليهم إلَّا بدليل وهو منتفٍ، والحاكم ولي عام لا يحتاج إلى دليل وإنْ تَخَلَّف في بعض الموارد.

وقيل : الولاية في ماله للحاكم مطلقاً؛ لظهور توقف الحجر عليه ورفعه على حكمه في كون النظر إليه (3).

(والعبد ممنوع) من التصرّف (مطلقاً) في المالِ وغيره، سواءٌ أَحَلْنا مِلكه أم قلنا به، عدا الطلاق فإنّ له إيقاعه وإِنْ كَرِه المولى.

(والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث) إذا تبرع به، أمَّا لو عاوَضَ عليه بثمن مثله نَفَذ، (وإنْ نَجَّز) ما تبرع به في مرضه بأن وَهَبه أو وقفه أو تَصدَّق به أو حابىٰ به في بيع وإجارة (على الأقوى)؛ للأخبار الكثيرة الدالة عليه منطوقاً ومفهوماً(4). وقيل: يمضي

ص: 302


1- السنن الكبرى، البيهقي ، ج 7، ص 294، ح 14014.
2- نقله عن جماعة الزبيدي في تاج العروس، ج 6، ص 489، «ستر».
3- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 254 .
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 194 - 242، باب الوصيّة بالثلث وأقل منه وأكثر.

من الأصل(1)؛ للأصل، وعليه شواهد من الأخبار (2).

( ويثبت الحجر على السفيه بظهور سَفَهه وإن لم يحكم الحاكم به)؛ لأن المقتضي له هو السفه، فيجب تحققه بتحققه؛ ولظاهر قوله تعالى: «فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا»(3) حيث أثبت عليه الولاية بمجرَّده.

(ولا يزول) الحجرُ عنه (إلّا بحكمه)؛ لأنّ زوال السفه يفتقر إلى الاجتهاد وقيام الأمارات لأنَّه أمرٌ خفي فيُناط بنظر الحاكم.

وقيل: يتوقفان على حكمه لذلك(4) . وقيل : لا فيهما (5)، وهو الأقوى؛ لأنّ المقتضي للحجر هو السفه، فيجب أن يثبت بثبوته ويزول بزواله؛ ولظاهر قوله تعالى: « فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ »(6) حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد. فلا يتوقف على أمر آخر.

(ولو عامله العالم بحاله استعاد ماله) مع وجوده؛ لبطلان المعاملة، (فإن تلف فلا ضَمان)؛ لأنّ المُعامِل قد ضيّع ماله بيده، حيث سلَّمه إلى من نَهى الله تعالى عن إيتائه(7). ولو كان جاهلاً بحاله فله الرجوع مطلقاً؛ لعدم تقصيره.

وقيل: لا ضمان مع التلف مطلقاً؛ لتقصير من عامَلَه قبل اختباره(8) وفصَّل ثالث فحَكَم بذلك مع قبض السفيه المال بإذن مالكه(9)، ولو كان بغير إذنه ضَمِنه مطلقاً؛ لأنّ المعاملة الفاسدة لا يترتب عليها حكم، فيكون قابضاً للمال بغير إذن، فيضمنه، كما لو

ص: 303


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 671؛ والشيخ في النهاية، ص 620.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 187 - 190، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ وأكثر.
3- البقرة (2): 282 .
4- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 254.
5- قال به المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 196.
6- النساء (4): 6 .
7- النساء (4): 5 .
8- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 253.
9- كالعلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 2، ص 538، الرقم 3873 .

أتلف مالاً أو غَصَبه بغير إذن مالكه وهو حسن

(وفي إيداعه أو إعارته أو إجارته فيتلف العين نظر)؛ من تفريطه بتسليمه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ»(1)، فيكون بمنزلة من أَلقَى ماله في البحر. ومن عدم تسليطه على الإتلاف؛ لأنّ المال في هذه المواضع أمانة يجب حفظه، والإتلافُ حصَل من السفيه بغير إذن فيضمنه كالغصب، والحال أنّه بالغ عاقل وهذا هو الأقوى.

(ولا يرتفع الحجرُ عنه ببلوغه خمساً وعشرين سنةً) إجماعاً منا؛ لوجود المقتضي للحجر وعدم صلاحيّة هذا السن لرفعه. ونبَّه بذلك على خلاف بعض العامة حيث زَعَم أنه متى بَلَغ خمساً وعشرين سنةً يُفَك حجرُه وإن كان سفيهاً (2).

( ولا يُمنع من الحج الواجب مطلقاً)، سواء زادت نفقته عن نفقة الحضر أم لا، وسواءٌ وجب بالأصل أم بالعارض كالمنذور قبل السفه، لتعينه عليه، ولكن لا يُسَلَّم النفقةُ بل يتولاها الولي أو وكيله.

(ولا من) الحج (المندوب إذا اسْتَوَتْ نفقته) حَضَراً وسَفَراً، وفي حكم استواء النفقة ما لو تَمَكَّن في السفر من كسب يَجبُر الزائد بحيث لا يمكن فعله في الحَضَر.

(وتنعقد يمينُه) لو حَلَف (ويُكفِّر بالصوم) لو حَنِتَ؛ لِمَنعِه من التصرّف المالي، ومثله العهد والنذر.

وإنّما ينعقد ذلك حيث لا يكون متعلَّقه المالَ ليُمكن الحكم بالصحَّة، فلو حَلَف أو نَذَر أن يتصدَّق بمال لم ينعقد نذرُه ؛ لأنَّه تصرّف مالي. هذا مع تعينه، أمَّا لو كان مطلقاً لم يَبعُد أن يُراعى فى إنفاذه الرشد.

(وله العفو عن القصاص )؛ لأنَّه ليس بمال (لا الدية)؛ لأنَّه تصرّف مالي وله الصلحُ عن القصاص على مال، لكن لا يُسلَّم إليه.

ص: 304


1- النساء (4): 5 .
2- قال به أبو حنيفة، راجع الفتاوى الهندية، ج 5 ص 56.

كتاب الضمان

ص: 305

ص: 306

(كتاب الضمان )

والمراد به الضمانُ بالمعنى الأخص قسيم الحوالة والكفالة، لا الأعمُّ الشامل لهما (1).

(وهو التعهد بالمال ) أي الالتزام (به من البريء (2)) من مالٍ مُماثل لما ضَمِنه للمضمون عنه. وبقيد «المال» خرجت الكفالة، فإنّها تعهد بالنفس وب-«البريء» الحوالة، بناءً على اشتراطها بشغل ذمَّة المُحالِ عليه للمحيل بما أحال به.

(ويُشترَط كمالُه) أي كمال الضامنِ المدلول عليه بالمصدر أو اسم الفاعل أو المقام، (وحرِّيَّتُه) فلا يصحّ ضمانُ العبد في المشهور؛ « لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ »وقيل: يصحّ ويُتبع به بعد العتق(3) . (إلَّا أن يَأْذَن المولى فيثبت) المال (في ذمة العبد) لا في مال المولى: لأنّ إطلاق الضمان أعم من كلّ منهما، فلا يدل على الخاصّ. وقيل: يتعلق بكسبه (4)حملاً على المعهود من الضمان الذى يستعقب الأداء. وربما قيل بتعلّقه بمال المولى مطلقاً كما لو أمره بالاستدانة(5) وهو متجه.

(إلّا أن يَشترِط) كونَه (من مال المولى) فيلزم بحسب ما شَرَط، ويكون حينئذٍ

ص: 307


1- في «س ، ن»: «لها».
2- لو شرط الخيار في الضمان بطل. (زين رحمه الله)
3- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 487، المسألة 157 .
4- نقله عن قائل الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 318 .
5- نقله عن ابن الجنيد العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 488، المسألة 159.

كالوكيل. ولو شرطه من كسبه فهو كما لو شرط من مال المولى؛ لأنَّه من جملته. ثم إن وفى الكسب بالحقِّ المضمون، وإلّا ضاع ما قَصَر. ولو أعتق العبد قبل إمكان تجدّد شيء من الكسب ففي بطلان الضمان أو بقاء التعلّق به وجهان.

) ولا يُشترَط علمه بالمستحِق) للمال المضمون - وهو المضمون له - بنَسَبِه ووصفه؛ لأنّ الغرض إيفاؤه الدين وهو لا يتوقف على ذلك.

وكذا لا يُشترَط معرفةُ قَدْر الحقِّ المضمون، ولم يذكره المصنِّفُ، ويمكن إرادته من العبارة بجعل «المستحَق» مبنيّاً للمجهول. فلو ضَمِن ما في ذمته صح على أصحّ القولين(1) ؛ للأصل، وإطلاق النصّ(2)؛ وأنّ الضمان لا ينافيه الغَرَرُ؛ لأنَّه ليس معاوضةً: لجوازه من المتبرع.

هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك كالمثال، فلو لم يمكن ك-«ضمِنتُ لك شيئاً ممّا في ذمَّته» لم يصحّ قطعاً. وعلى تقدير الصحَّة يلزمه ما تَقُوم به البيِّنةُ أنّه كان لازماً للمضمون عنه وقت الضمان لا ما يتجدد، أو يُوجد في دفتر، أو يُقرّ به المضمون عنه، أو يحلف عليه المضمون له برد اليمين من المضمون عنه؛ لعدم دخول الأوّل في الضمان، وعدم ثبوت الثاني وعدم نفوذ الإقرار في الثالث على الغير. وكون الخصومة حينئذٍ مع الضامن والمضمون عنه، فلا يلزمه ما يثبت بمنازعة غيره كما لا يَثبُت ما يُقِرُّ به في الرابع؛ نعم، لو كان الحلف برد الضامن ثبت ما حَلَف عليه.

(و) كذا (لا) يُشترَط علمُه ب- (الغريم) وهو المضمون عنه؛ لأنَّه وفاء دين عنه، وهو جائز عن كلِّ مديون. ويمكن أن يريد به الأعم منه ومن المضمون له ويريد بالعلم به الإحاطة بمعرفة حاله من نَسَبٍ أو وصفٍ بسهولة الاقتضاء وما شاكله؛ لأنّ الغرض إيفاؤُه الدين، وذلك لا يَتوقَّف على معرفته كذلك، (بل تميّزهما) أي المستحَق والغريم؛

ص: 308


1- قال بالصحَّة الشيخ المفيد في المقنعة، ص 815؛ وسلّار في المراسم، ص 200؛ القول بالبطلان للشيخ في المبسوط، ج 2، ص 318؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 72 .
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 211، ح 494.

ليمكن توجّه القصد إليهما، أمَّا الحقُّ فلِيُمكن أداؤُه، وأمَّا المضمون له فليمكن إيفاؤُه، وأمَّا المضمون عنه فليمكن القصد إليه.

ويُشكل بأنّ المعتبر القصد إلى الضمان، وهو التزام المال الذي يذكره المضمون له، وذلك غيرُ متوقف على معرفة من عليه الدين، فلو قال شخص: «إِنِّي أَسْتَحِق في ذمة آخَرَ مائة درهم» مثلاً، فقال آخَرُ: «ضَمِنتُها لك» كان قاصداً إلى عقد الضمان عمّن كان عليه الدين مطلقاً، ولا دليل على اعتبار العلم بخصوصيّته.

ولا بدّ له من إيجاب وقبول مخصوصين؛ لأنَّه من العقود اللازمة الناقلة للمال من ذمَّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن (والإيجاب «ضَمِنتُ» و«تَكفَّلتُ») ويَتميّز عن مطلق الكفالة بجعل متعلّقها المال. (و «تقبَّلتُ» وشبهه(1) ) من الألفاظ الدالّة عليه صريحاً.

ولو قال: «مالك عندي أو عليّ» أو «ما عليه علي» فليس بصريح)؛ لجواز إرادته أنّ للغريم تحت يده مالاً، أو أنه قادر على تخليصه، أو أنّ عليه السعي أو المساعدة ونحوه. وقيل: إنّ «عَلَيَّ» ضمان لاقتضاء «علي» الالتزام(2)، ومثله «في ذمَّتي». وهو متَّجه، أمَّا «ضَمانه عليَّ »فكافٍ لانتفاء الاحتمال مع تصريحه بالمال .

(فيَقبَل المستحِق) وهو المضمون له. (وقيل: يكفي رضاه) بالضمان وإن لم يصرح بالقبول(3)؛ لأن حقه يتحوّل من ذمَّةٍ إلى أخرى، والناسُ يختلفون في حسنِ المعاملة وسهولة القضاء، فلابدّ من رضاه به، ولكن لا يُعتبر القبول؛ للأصل؛ لأنَّه وفاء دين.

والأقوى الأوّلُ؛ لأنَّه عقد لازم فلابد له من إيجاب وقبول لفظين صريحينِ متطابقين عربيَّين. فعلى ما اختاره من اشتراطه يُعتبر فيه ما يُعتبر في العقود اللازمة،

ص: 309


1- ك- «أنا به ضمین»( زین رحمه الله )
2- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 14، ص 283 - 284، المسألة 474.
3- قال به فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 84.

وعلى القول الآخَرِ (فلا يُشترَط فوريَّةُ القبول) للأصل، وحصول الغرض.

وقيل: لا يُشترَط رضاه مطلقاً(1) : لما رُوِيَ من ضمان علي(علیه السلام) دين الميت الذي امتنع النبيّ (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) من الصلاة عليه لمكان دينه(2).

( ولا عبرة بالغريم) وهو المضمون عنه، لما ذكرناه من أنه وفاء عنه، وه-و غير متوقف على إذنه. (نعم، لا يرجع عليه مع عدم إذنه) في الضمان وإن أذن في الأداء؛ لأنَّه متبرّع، والضمانُ هو الناقل للمال من الذمة.

(ولو أذن) له في الضمان (رَجَع) عليه (بأقل الأمرين ممّا أدّاه، ومن الحقِّ) فإن أدى أزيد منه كان متبرّعاً بالزائد، وإن أدَّى أقل لم يرجع بغيره، سواءٌ أَسقَط الزائد عنه بصلح أم إبراء. ولو وَهَبه - بعد ما أدَّى الجميع - البعض أو الجميع جاز رجوعه به. ولو أدّى عَرضاً رجع بأقل الأمرين من قيمته ومن الحقِّ، سواءٌ رَضِيَ المضمون له به عن الحقِّ من غير عقد، أو بصلح.

(ويُشترَط فيه (3)) أي في الضامن (المَلاءةُ) بأن يكون مالكاً لما يُوفي به الحقَّ المضمون فاضلاً عن المستثنيات في وفاء الدين، (أو علم المستحِق بإعساره) حين الضمان، فلو لم يَعلَم به حتّى ضَمِن تخيَّر المضمون له في الفسخ.

وإنّما تُعتبر الملاءة في الابتداء لا الاستدامة، فلو تجدد إعساره بعد الضمان لم يكن له الفسخ؛ لتحقق الشرط حالته. وكما لا يقدح تجدّدُ إعساره، فكذا تعذر الاستيفاء منه بوجه آخر.

(ويجوز الضمانُ حالّاً ومؤجلاً عن حالّ ومؤجل(4))، سواءٌ تَساوَى المؤجلان في

ص: 310


1- قال به في الخلاف، ج 3، ص 313، المسألة 2.
2- السنن الكبرى، البيهقى، ج 6، ص 121، ح 11399.
3- في اللزوم لا في الصحَّة (زين رحمه الله)
4- يتخيّر المضمون له في الرجوع على من شاء من الضامن والمضمون عنه في أربعة مواضع: إذا ضمن العين المغصوبة أو المستعارة وقلنا بالجواز. وإذا تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب. وإذا ضمن عهدة الثمن حال وجوده. وإذا اقترن الضمان من اثنين وقلنا بالصحَّة .(زين رحمه الله )

الأجل أم تفاوتا؛ للأصل. ثم إن كان الدين حالّاً رَجَع مع الأداء مطلقاً، وإن كان مؤجلاً فلا رجوع عليه إلَّا بعد حلوله وأدائه مطلقاً.

(والمالُ المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه) وهو المال الثابت في الذمة وإن كان متزلزلاً.

(ولو ضَمِن للمشتري عُهدة الثمن) أي دَرَكه على تقدير الاحتياج إلى ردّه (لَزِمه) ضمانه (في كلِّ موضع يبطل فيه البيع من رأس، كالاستحقاق) للمبيع المعيَّن ولم يُجز المالك البيع، أو أجازه ولم يُجِز قبضَ البائع الثمن.

ومثله تبيُّن خَلَلٍ في البيع اقتضى فساده من رأس، كتخلفِ شرط أو اقتران شرط فاسد، لا ما تجدد فيه البطلانُ كالفسخ بالتقايل والمجلس والحيوان والشرط، وتلفِ المبيع قبل القبض لعدم اشتغال ذمة المضمون عنه حين الضمان على تقدير طروء الانفساخ بخلاف الباطل من أصله ولوْ في نفس الأمر.

(ولو ضَمِن له) أي للمشتري ضامن عن البائع (دَرَك ما يُحدِثه) المشتري في الأرض (من بناء أو غَرْس) على تقدير ظهورها مستحقةً لغير البائع وقلعه لها، أو أخذه أُجرةَ الأرض (فالأقوى جوازه)؛ لوجود سبب الضمان حالة العقد، وهو كون الأرض مستحَقةً للغير.

وقيل: لا يصحّ الضمان هنا؛ لأنَّه ضَمانُ ما لم يجب(1)؛ لعدم استحقاق المشتري الأرضَ على البائع حينئذٍ، وإنّما استَحَقَّه بعد القلع. وقيل: إنّما يصحّ هذا الضمان من البائع؛ لأنَّه ثابت عليه بنفس العقد(2)وإنْ لم يَضمَن، فيكون ضمانه تأكيداً.

وهو ضعيف؛ لأنَّه لا يلزم من ضمانه لكونه بائعاً مسلّطاً على الانتفاع مجّاناً، ضمانه بعقده مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتاً حالَ الضمان. وتظهر الفائدة فيما لو أسقط المشتري عنه حق الرجوع بسبب البيع، فيبقى له الرجوع بسبب الضمان لو قلنا بصحته، كما لو كان له خياران فأسقَط أحدهما.

ص: 311


1- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 92 .
2- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 92 .

ونظيرُ ضمانِ غيرِ البائع دَرَكَ الغرس ضمانُه عُهدة المبيع لو ظهر معيباً فطالَبَ المشتري بالأرش؛ لأنَّه جزء من الثمن ثابت وقت الضمان، ووجه العدم هنا أنّ الاستحقاق له إنّما حَصَل بعد العلم بالعيب واختيار أخذ الأرش، والموجود من العيب حالة العقد ما كان يلزمه تعيُّنُ الأرش، بل التخييرُ بينه وبين الرد، فلم يتعيَّن الأرسُ إلَّا بعد الضمان

والحق أنّه أحد الفردين الثابتين تخييراً حالة البيع، فيُوصف بالثبوت قبل اختياره؛ كأفراد الواجب المخيّر.

(ولو أَنكَر المستحِقُ القبضَ ) من الضامن (فشَهِد عليه الغريم) وهو المضمون عنه (قبل)؛ لأنَّه إن كان آمراً بالضمان فشهادته عليه شهادة على نفسه باستحقاق الرجوع عليه، وشهادة لغيره فتُسمع، وإن كان الضامن متبرعاً عنه فهو أجنبي، فلا مانع من قبولها؛ لبراءته من الدين أدَّى أم لم يُؤَدِّ.

لكن إنّما تُقبَل ( مع عدم التهمة(1) ) بأن تُفِيدَه الشهادة فائدةً زائدةً على ما يَغرَمه لو لم يثبت الأداء، فتُردّ. وللتهمة صور:

منها: أن يكون الضامنُ مُعسِراً ولم يعلم المضمون له بإعساره، فإنّ له الفسخ حيث لا يثبت الأداء، ويَرجِع على المضمون عنه، فيدفَعُ بشهادته عود الحقِّ إلى ذمته.

ومنها: أن يكون الضامن قد تجدّد عليه الحجرُ للفَلَس، وللمضمون عنه عليه دين، فإنّه يُوَفِّر بشهادته مالَ المُفلس فيزداد ما يُضرب به.

ولا فرق في هاتين بين كون الضامن متبرعاً، وبسؤال؛ لأنّ فسخ الضمان يوجب العود على المديون على التقديرين ومع الإفلاس ظاهر.

ص: 312


1- كما لو صالح على أقل من الحق فيشهد له ليرجع عليه به . وفيه نظر؛ إذ الأقوى أنه مع عدم الشهادة يرجع بالأقل من الأول والثاني فلا تهمة. منها: أن يكون الضامن معسراً وصاحب الحق جاهلاً فيشهد الأصيل بالدفع : لئلا يفسخ المضمون له ويرجع عليه. ومنها: أن يحجر على الضامن للمفلّس ويكون للأصيل عليه مال فيشهد له بأداء الحق ليتوفّر مال الضامن عليه .(زين رحمه الله )

وجعَل بعضُهم من صور التهمة أن يكون الضامن قد صالح على أقل من الحقِّ، فيكون رجوعه على تقدير كونه بسؤال إنّما هو بالمدفوع، فتَجُرّ شهادة المضمون عنه تهمةً بتخفيف الدين عنه(1) .

وفيه نظر؛ لأنَّه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك فلا يرجع به وإن لم يثبته فتندفع التهمةُ وتُقبل الشهادة كما نبه عليه المصنِّف بقوله: (ومع عدم قبول قوله) للتهمة أو لعدم العدالة (لو غرم الضامنُ رَجَع) على المضمون عنه (في موضع الرجوع) وهو ما لو كان ضامناً بإذنه (بما أدّاه أوّلاً) (2)؛ لتصادقهما على كونه هو المستحق في ذمة المضمون عنه، واعترافه بأن المضمون له ظالم بالأخذ ثانياً.

هذا مع مساواة الأوّل للحقِّ أو قصوره، وإلّا رجع عليه بأقل الأمرين منه ومن الحقِّ؛ لأنَّه لا يستحق الرجوع بالزائد عليه. ومثله ما لو صدقه على الدفع وإنْ لم يَشهَد ويمكن دخوله في «عدم قبول قوله».

(ولو لم يُصدِّقه على الدفع) الذي ادّعاه (رجع) عليه (بالأقل) ممَّا ادَّعى أداءه أوّلاً وأداءه أخيراً؛ لأنّ الأقل إن كان هو الأوّل، فهو يعترف بأنه لا يستحق سواه، وأنّ المضمونَ له ظلمه في الثاني، وإن كان الثاني فلم يثبت ظاهراً سواه، وعلى ما بيّناه يرجع بالأقل منهما ومن الحقِّ.

ص: 313


1- نقله الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
2- إنّما قيد بموضع الرجوع ليخرج به الضامن المتبرع، وإنما رجع بما أداه أولاً مع الشهادة ؛ لأنَّه المبرئ للذمة باتفاقهما، وإذا لم يشهد يرجع بأقل الأمرين ؛ لأنَّه إن كان الأقل الأوّل فباعتراف الضامن، وإن كان الأقل الأخير فللعمل بالمبرئ للذمة ظاهراً. (زين رحمه الله)

ص: 314

كتاب الحوالة

ص: 315

ص: 316

(كتاب الحوالة)

(وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله) للمحيل.

هذا هو القدرُ المتَّفَقُ عليه من الحوالة، وإلّا فالأقوى جوازها على البريء؛ للأصل، لكنّه يكون أشبه بالضمان؛ لاقتضائه نقل المال من ذمَّةٍ مشغولةٍ إلى ذمَّةٍ بريئةٍ، فكأنّ المحالَ عليه بقبوله لها ضامن لدين المحتال على المحيل، ولكنّها لا تخرج بهذا الشَبَهِ عن أصل الحوالة، فتلحقها أحكامها .

(ويُشترَط فيها رضى الثلاثة) أمَّا رِضَى المُحيل والمُحتال فموضعُ وفاق؛ ولأنّ مَن عليه الحق مخيَّرٌ في جهات القضاء من ماله ودينه المُحال به من جملتها. والمحتال حقه ثابتٌ في ذمة المحيل، فلا يلزمه نقله إلى ذمَّةٍ أُخرى بغير رضاه. وأمَّا المحال عليه فاشتراط رضاه هو المشهور، ولأنَّه أحد أركان الحوالة؛ ولاختلاف الناس في الاقتضاء سهولة وصعوبة

وفيه نظر؛ لأنّ المُحيل قد أقام المحتالَ مقام نفسه في القبض بالحوالة، فلا وجه للافتقار إلى رِضَى مَن عليه الحق، كما لو وَكَّله في القبض منه. واختلافُ الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحِق ومَن نَصَبه، خصوصاً مع اتفاق الحقين جنساً ووصفاً، فعدم اعتباره أقوى.

نعم لو كانا مختلفين وكان الغرضُ استيفاء مثل حقٌّ المحتال توجه اعتبارُ رضی المحال عليه؛ لأنّ ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة، فلابد من رضى المتعاوضين. ولو

ص: 317

رَضِيَ المحتالُ بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذورُ أيضاً.

وعلى تقدیر اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما؛ لأنّ الحوالة عقد لازم لا يَتِمّ إلَّا بإيجاب وقبول فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال، ويُعتبر فيهما ما يُعتبر في غيرهما من اللفظ العربي والمطابقة وغيرهما. وأمَّا رِضَى المحال عليه فيكفي كيف اتَّفق متقدماً ومتأخُراً ومقارناً. ولو جوزنا الحوالة على البريء ، اعتبر رضاه قطعاً.

ويُستثنى من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرع المحال عليه بالوفاء، فلا يُعتبر رضى المحيل قطعاً؛ لأنَّه وفاء دينه بغير إذنه، والعبارة عنه حينئذٍ أن يقول المحال عليه للمحتال: «أَحَلتُك بالدين الذي لك على فلان على نفسي» فيقبل، فيقومان بركن العقد.

وحيث تَتِمّ الحوالةُ تَلزَم (فيتحوَّل فيها المالُ) من ذمَّة المحيل إلى ذمة المحال عليه (كالضّمان) عندنا، ويَبرأ المحيلُ من حق المحتال بمجردها وإنْ لم يُبرئه المحتالُ؛ لدلالة التحوّل عليه في المشهور.

(ولا يجب) على المحتال (قبولها على المليء)؛ لأنّ الواجب أداء الدين، والحوالة ليست أداءً، وإنّما هى نقل له من ذمَّة إلى أخرى، فلا يجب قبولها عندنا، وما ورد من الأمر بقبولها على المليء(1) على تقدير صحته محمول على الاستحباب.

( ولو ظَهَر إعساره) حالَ الحوالة بعدها (فسخ المحتال) إن شاء، سواءٌ شَرَط يساره أم لا. وسواء تجدَّدَ له اليسار قبل الفسخ أم لا وإن زال الضرر؛ عملاً بالاستصحاب ولو انعكس بأن كان مُوسِراً حالتها فتجدَّد إعساره فلا خيار؛ لوجود الشرط.

( ويصحّ تَرامِي الحوالة) بأن يُحيل المحال عليه المحتال على آخر، ثمّ يُحِيل الآخَرُ محتاله على ثالث وهكذا ويبرأ المحالُ عليه في كلِّ مرتبة كالأول؛ (ودَورُها) بأن يُحِيل المحال عليه في بعض المراتب على المحيل الأول. وفي الصورتين المحتال

ص: 318


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 116، ح 11389 .

متحد وإنما تعدد المحال عليه.

(وكذا الضمانُ) يصحّ تراميه بأن يَضمَن الضامن آخَرُ، ثم يضمن الآخَرَ ثالث وهكذا، ودوره بأن يَضمَن المضمون عنه الضامن في بعض المراتب.

ومنعه الشيخ (رحمه الله)؛ لاستلزامه جعْل الفرع أصلاً، ولعدم الفائدة(1). ويُضعف بأنّ الاختلاف فيهما غيرُ مانع. وقد تظهر الفائدة في ضمان الحالِّ مؤجلاً وبالعكس، وفي الضمان بإذن وعدمه، فكلّ ضامن يرجع مع الإذن على مضمونه لا على الأصيل، وإنّما يرجع عليه الضامنُ الأوّلُ إِن ضَمِن بإذنه.

وأمَّا الكفالة فيصحّ تراميها دون دورها؛ لأن حضور المكفولِ الأوّلِ يُبطل ما تأخر منها.

(و) كذا تصح (الحوالة بغير جنس الحقِّ) الذي للمحتال على المحيل، بأن يكون له عليه دراهم فيُحيله على آخر بدنانير، سواء جعلنا الحوالة استيفاء أم اعتياضاً؛ لأنّ إيفاء الدين بغير جنسه جائز مع التراضي وكذا المعاوضة على الدراهم بالدنانير.

ولو انعكس فأحاله بحقه على من عليه مخالف صحَّ أيضاً، بناءً على اشتراط رِضَى المحال عليه، سواء جعلناها استيفاء أم اعتياضاً، بتقريب التقرير. ولا يُعتبر التقابض في المجلس حيث تكون صرفاً؛ لأنّ المعاوضة على هذا الوجه ليست بيعاً. ولو لم يعتبر رضى المحال عليه صح الأوّل دون الثاني؛ إذ لا يجب على المديون الأداء من غير جنس ما عليه .

وخالَفَ الشيخ (2) وجماعة (3) فيهما فاشترطوا تساوي المال به وعليه جنساً ووصفاً، استناداً إلى أنّ الحوالة تحويل ما في ذمَّة المحيل إلى ذمَّة المحال عليه، فإذا كان على

ص: 319


1- المبسوط، ج 2، ص 324.
2- المبسوط، ج 2، ص 289 .
3- منهم: ابن حمزة في الوسيلة، ص 282؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 258؛ والعلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 454 - 455. المسألة 614 .

المحيل دراهم مثلاً، وله على المحال عليه دنانير، كيف يصير حقُّ المحتال على المحال عليه دراهم ولم يقع عقد يوجب ذلك؟! لأنّا إن جعلناها استيفاء كان المحتال بمنزلة من استوفى دينَه وأَقرَضه المحال عليه، وحقه الدراهم لا الدنانير، وإن كانت معاوضةً فليست على حقيقة المعاوضات التي يُقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مال أو زيادةِ قَدْر أو صفةٍ، وإنّما هي معاوضه إرفاق ومسامحة؛ للحاجة، فاعتبر فيها التجانس والتساوي وجوابه يظهر ممَّا ذكرناه .

(و) كذا تصحّ (الحوالة بدين عليه لواحد على دين للمحيل على اثنين متكافلين) أي قد ضَمِن كلُّ منهما ما في ذمة صاحبه دفعةً واحدة أو متلاحقين مع إرادة الثاني ضمانَ ما فى ذمّة الأوّل في الأصل، لا مطلقاً؛ لئلّا يصير المالان في ذمة الثاني. ووجه جواز الحوالة عليهما ظاهر؛ لوجود المقتضي للصحَّة، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلَّا كونهما متكافلين وذلك لا يصلح مانعاً.

ونبه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله) حيث منع منه، محتجاً باستلزامها زيادة الارتفاق(1)، وهو ممتنع في الحوالة؛ لوجوب موافقة الحقِّ المحالِ به للمحال عليه من غير زيادة ولا نقصان قَدْراً ووصفاً.

وهذا التعليل إنّما يَتوجّه على مذهب من يجعل الضمان ضمَّ دَمَّةٍ إلى ذمَّةٍ فيَتخيَّر حينئذٍ في مطالبة كلّ منهما بمجموع الحقِّ، أمَّا على مذهب أصحابنا من أنه ناقل للمال من ذمَّة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا ارتفاق، بل غايته انتقالُ ما على كلّ منهما إلى ذمَّة صاحبه، فيبقى الأمر كما كان؛ ومع تسليمه لا يصلح للمانعيَّة؛ لأنّ مطلق الارتفاق بها غيرُ مانع إجماعاً كما لو أحاله على أملى منه وأحسن وفاء.

(ولو أدّى المحالُ عليه فطلب الرجوع) بما أدّاه على المحيل (لإنكاره الدين) وزعمه أن الحوالة على البريء ، بناءً على جواز الحوالة عليه ( وادعاه المحيلُ، تَعارَض

ص: 320


1- المبسوط ، ج 2، ص 295 .

الأصلُ) وهو براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل (والظاهرُ) وهو كونه مشغول الذمَّة؛ إذ الظاهرُ أنّه لولا اشتغال ذمَّته لما أُحيل عليه.

(والأوّل) وهو الأصل (أرجح) من الثاني، حيث يتعارضان غالباً، وإِنَّما يَتَخَلَّف في مواضع نادرةٍ، (فيَحلف) المحالُ عليه على أنه بريء من دين المحيل (ويرجع) عليه بما غَرِم (سواء كان) العقد الواقع بينهما (بلفظ الحوالة أو الضمان)؛ لأنّ الحوالة على البريء أشبه بالضمان فتصح بلفظه، وأيضاً فهو يُطلَق على ما يَشْمُلهما بالمعنى الأعمّ فيصحّ التعبير به عنها. ويُحتمل الفرق بين الصيغتين فيقبل مع التعبير بالضمان دون الحوالة؛ عملاً بالظاهر.

ولو اشترطنا في الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بمثل الحقِّ تَعارَض أصلُ الصحّةِ والبراءة فيتساقطان، ويبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل بإذنه، فيرجع عليه، ولا يمنع وقوع الإذن في ضمن الحوالة الباطلة المقتضي بطلانها لبطلان تابعها لاتفاقهما على الإذن، وإنّما اختَلَفا في أمرٍ آخَرَ، فإذا لم يثبت يَبقَى ما اتفقا عليه من الإذن في الوفاء المقتضى للرجوع. ويُحتمل عدم الرجوع ترجيحاً للصحَّة المستلزمة لشغل الذمة.

ص: 321

ص: 322

كتاب الكفالة

ص: 323

ص: 324

(كتاب الكَفالة)

(وهي التعهدُ بالنفس أي التزام إحضار المكفول متى طلبه المكفول له.

وشرطها رِضَى الكفيل والمكفول له دون المكفول؛ لوجوب الحضور عليه متى طلبه صاحبُ الحقِّ ولو بالدعوى بنفسه أو وكيله، والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره به.

ويفتقر إلى إيجاب وقبول بين الأولين، صادرين على الوجه المعتبر في العقد اللازم.

(و تصح حالةً ومؤجلةً)، أمَّا الثاني فموضعُ ،وفاق، وأمَّا الأول فأصحّ القولين(1)؛ لأنّ الحضور حقٌّ شرعي لا ينافيه الحلول. وقيل: لا تصح إلَّا مؤجّلةً (إلى أجل معلوم)(2) لا يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال المشترطة.

(ويبرأ الكفيل بتسليمه) تسليماً (تاماً) بأن لا يكون هناك مانع من تسلُّمه؛ كمُتَغَلِّب، وحبس ظالم، وكونه في مكان لا يتمكن من وضع يده عليه؛ لقوَّةِ المكفول وضعفِ المكفول له، وفي المكان المعيَّن إن بَيَّنَّاه في العقد، وبلد العقد مع الإطلاق و (عند الأجل) أي بعده إن كانت مؤجّلةً (أو في الحلول) متى شاء إن كانت حالّةً، ونحو ذلك. فإذا سلمه كذلك بَرِئَ، فإن امتنع سلّمه إلى الحاكم وبَرِئَ أيضاً، فإن لم يمكن أَشهَد عدلين بإحضارهِ إلى المكفول له وامتناعه من قبضه.

ص: 325


1- منعه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 815؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 281؛ وجوزه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 77 .
2- قال به المفيد في المقنعة، ص 815؛ والشيخ في النهاية، ص 315 .

(ولو امتنع) الكفيل من تسليمه ألزمه الحاكم به فإن أبَى (فللمستحِق) طلب (حبسه) من الحاكم (حتى يُحضِرَه أو يُؤَدِّيَ ما عليه) إن أمكن أداؤه عنه كالدين، فلو لم يمكن - كالقصاص، والزوجية، والدعوى بعقوبة توجب حداً أو تعزيراً - الزم بإحضاره حتماً مع الإمكان، وله عقوبته عليه كما في كل ممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه، فإن لم يمكنه الإحضار وكان له بدل -كالدية في القتل وإنْ كان عمداً، ومهر مثل الزوجة - وجب عليه البدل.

وقيل: يتعين إلزامه بإحضاره إذا طلبه المستحِقُ مطلقاً؛ لعدم انحصار الأغراض في أداء الحق(1)؛ وهو قوي.

ثم على تقدير كون الحقِّ مالاً وأدّاه الكفيل، فإن كان قد أدَّى بإذنه رَجَع عليه، وكذا إن أدَّى بغير إذنه مع كفالته بإذنه وتعدّرِ إحضاره، وإلا فلا رجوع.

والفرق بين الكفالة والضمان في رجوع من أدَّى بالإذن هنا وإن كفل بغير الإذن، بخلاف الضمان: أن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات، وحكم الكفيل بالنسبة إليه حكم الأجنبي، فإذا أداء بإذن المديون فله الرجوع، بخلاف الضامن لانتقال المال إلى ذمَّته بالضمان فلا يَنفَعُه بعده الإذنُ في الأداء؛ لأنَّه كإذن البريء للمديون في أداء دينه. وأمَّا إذنه في الكفالة إذا تعذر إحضاره واستئذانه في الأداء، فذلك من لوازم الكفالة والإذن فيها إذن في لوازمها.

(ولو علّق الكفالة) بشرطٍ مُتَوَقَّع أو صفةٍ مُتَرقَبَةٍ (بطلت) الكفالة (وكذا الضمان والحوالة) كغيرها من العقود اللازمة. (نعم، لو قال «إن لم أحضِرْه إلى كذا كان عَليّ كذا» صحت الكفالة أبداً ولا يلزمه المالُ المشروط، ولو قال «عَلَيَّ كذا إن أُحضره» لَزِمَه ما شَرَط من المال إن لم يُحضره) على المشهور.

ومستند الحكمين روايةُ داودَ بنِ الحُصَين عن أبي العبّاس عن الصادق(علیه السلام)(2) .

ص: 326


1- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 411، المسألة 577 ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 392 - 393.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 209، ح 488.

وفي الفرق بين الصيغتين من حيث التركيب العربي نظر ، ولكن المصنِّف والجماعة(1) عملوا بمضمون الرواية جامدين على النص مع ضعف سنده. وربما تكلَّف متكلّف للفرق بما لا يُسمِن ولا يُغنِي من جوع (2)وإن أردت الوقوف على تحقيق الحال فراجع ما حررناه في ذلك بشرح الشرائع وغيره(3).

(وتحصل الكفالة) أي حكمُ الكفالة (بإطلاق الغريم من المستحِق قهراً) فيلزمه إحضاره أو أداءُ ما عليه إن أمكن، وعلى ما اخترناه مع تعذر إحضاره، لكن هنا حيث يؤخذ منه المالُ لا رجوع له على الغريم إذا لم يأمره بدفعه؛ إذ لم يحصل من الإطلاق ما يقتضي الرجوع.

(فلوكان) الغريم (قاتلاً) عمداً كان أم شبهه (لَزِمه إحضاره، أو الديةُ) ولا يُقتَصّ منه في العمد؛ لأنَّه لا يجب على غير المباشر.

ثمّ إن استمرَّ القاتل هارباً ذهب المال على المُخَلِّص، وإن تَمَكَّن الولي منه في العمد وجب عليه ردُّ الدية إلى الغارم وإن لم يقتص من القاتل؛ لأنَّها وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت وعدم القتل الآن مستند إلى اختيار المستحِق.

ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله وتعذر استيفاء الحقِّ من قصاص أو مال، وأُخِذ الحقُّ من الكفيل كان له الرجوع على الذي خلصه كتخليصه من يد المستحق.

(ولو غاب المكفولُ) غَيبةً يُعرَف موضعه (أنظر ) الكفيل بعد مطالبة المكفول له بإحضاره و بعد (الحلول) إن كانت مؤجلة (بمقدار الذهاب) إليه (والإياب)، فإن مَضَتْ ولم يُحضره حُبِس والزِم ما تقدَّم. ولو لم يُعرف موضعه لم يُكلَّف إحضاره؛ لعدم إمكانه ولا شيء عليه ؛ لأنَّه لم يكفل المال ولم يُقَصِّر في الإحضار.

ص: 327


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 315؛ والمحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 96؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام ج 2، ص 169 .
2- كابن الفهد في المهذب البارع، ج 2، ص 532 ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 393.
3- مسالك الأفهام، ج 4، ص 237 - 239 ؛ حاشية إرشاد الأذهان، ص 209 - 210.

(وينصرف الإطلاق إلى التسليم في موضع العقد)؛ لأنَّه المفهوم عند الإطلاق. ويُشكل لو كانا في برّيَّة، وبلدِ غُربةٍ قصدُهما مفارقته سريعاً، لكنّهم لم يذكروا هنا خلافاً كالسلم، والإشكال يندفع بالتعيين.

(ولو عُيِّن غيرُه) أي غير موضع العقد (لَزِم) ما شُرِط.

وحيث يُعيَّن أو يُطلَق ويُحضره في غير ما عُيِّن شرعاً لا يجب تسلّمُه وإن انتفى الضرر.

(ولو قال الكفيل « لا حقٌّ لك) على المكفول حالة الكفالة فلا يَلزَمُني إحضاره»، فالقول قول المكفول له؛ لرجوع الدعوى إلى صحَّة الكفالة وفسادها، فيُقدَّم قول مدّعي الصحَّة، و(حَلَف المستحِق) وهو المكفول له، ولزمه إحضاره، فإن تعذر لم يثبت الحقُّ بحلفه السابق؛ لأنَّه لإثبات حق يُصحِّحُ الكفالة ويكفي فيه توجه الدعوى؛ نعم، لو أقام بيِّنةً بالحقِّ وأثبته عند الحاكم الزِمَ به كما مرّ، ولا يرجع به على المكفول؛ لاعترافه ببراءة ذمَّته وزعمِه أنّه مظلوم.

(وكذا لو قال) الكفيل للمكفول له : («أَبْرَأتَه) من الحقِّ» أو «أوفاكه»؛ لأصالة بقائه. ثمّ إن حَلَف المكفول له على بقاء الحقِّ بَرِئ من دعوى الكفيل ولزمه إحضاره، فإن جاء بالمكفول فادَّعى البراءة أيضاً لم يُكتف باليمين التي حَلفها للكفيل ؛ لأنَّها كانت لإثبات الكفالة، وهذه دعوى أخرى وإنْ لَزِمَت تلك بالعرض. (فلو) لم يَحلف و (رد اليمين عليه) أي على الكفيل فَحَلَفَ (بَرِئَ من الكفالة، والمالُ بحاله) لا يَبراً المكفولُ منه لاختلاف الدعويين كما مرّ؛ ولأنَّه لا يبرأ بيمين غيرِه.

نعم، لو حلف المكفولُ اليمين المردودة على البراءة برئا معاً؛ لسقوط الكفالة بسقوط الحق، كما لو أدّاه. وكذا لو نكل المكفول له عن يمين المكفول فحَلَفَ، بَرئا معاً.

(ولو تَكَفَّل اثنان بواحدٍ كفى تسليم أحدهما) إيّاه تاماً؛ لحصول الغرض كما لو سلَّم نفسه أو سلَّمه أجنبي. وهل يُشترَط تسليمه عنه وعن شريكه أم يكفي الإطلاق؟ قولان(1)

ص: 328


1- القول بعدم كفاية الإطلاق للشيخ في المبسوط، ج 2، ص 323؛ القول بالكفاية للعلامة في قواعد الأحكام ،ج 2، ص 169 ؛ وفخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 101.

أجودهما الثاني، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وكذا القول في تسليم نفسه وتسليم الأجنبي له. وقيل: لا يبرأ مطلقاً؛ لتغاير الحقين(1). وضعفه ظاهر. وتظهر الفائدة لو هَرَب بعد تسليم الأول.

(ولو تكفَّل بواحد لاثنين، فلابد من تسليمه إليهما) معاً؛ لأنّ العقد الواحد هنا بمنزلة عقدين، كما لو تكفّل لكلِّ واحدٍ على انفراده، أو ضَمِن دَينَين لشخصين فأدَّى دين أحدهما فإنّه لا يبرأ من دين الآخَرِ، بخلاف السابق، فإنّ الغرض من كفالتهما للواحد إحضاره وقد حصل.

( ويصحّ التعبيرُ) في عقد الكفالة (بالبدن والرأس والوجه)، فيقول: «كَفَلتُ لك بدن فلان أو رأسه أو وجهَه » لأنَّه يُعبَّر بذلك عن الجملة بل عن الذات عرفاً. وأُلحِقَ به الكَبِدُ والقلبُ وغيرُهما من الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها (2)، والجزء الشائع فيه كثُلْته ورُبْعِه، استناداً إلى أنه لا يمكن إحضار المكفول إلَّا بإحضاره أجمع.

وفي غير البدن نظر، أمَّا الوجه والرأس فإنّهما وإنْ أُطلِقا على الجملة، لكن يُطلقان على أنفسهما إطلاقاً شائعاً متعارفاً إن لم يكن أشهر من إطلاقهما على الجملة، وحمل اللفظ المحتمل للمعنيين على الوجه المصحح - مع الشك في حصوله، وأصالة البراءة من مقتضى العقد - غير جيد. نعم، لو صرّح بإرادة الجملة من الجزءين اتجهت الصحَّة كإرادة أحد معنيي المشترك، كما أنّه لو قصد الجزء بعينه فكقصد الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه.

وأمَّا ما لا تبقى الحياة بدونه مع عدم إطلاق اسم الجملة عليه حقيقةً، فغايته أنّ إطلاقه عليها مجاز؛ وهو غير كافٍ في إثبات الأحكام الشرعيَّة ويَلزَم مثله في كلِّ جزء من البدن. فالمنع في الجميع أوجَه، أو إلحاق الرأس والوجه مع قصد الجملة بهما.

(دون اليد والرجل ) وإن قصدها بهما مجازاً (3)؛ لأنّ المطلوب شرعاً كفالة المجموع

ص: 329


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 323؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 281.
2- في «س، ن»: «بدونه».
3- فيه نظر واضح؛ إذ ليس كلّ جزء يصحّ إطلاق اسمه على الكلّ مجازاً، كما حقق في محله، وذلك هو المقتضي للفرق بين الأجزاء الثلاثة الأول وبين الآخرين. لاكون الأول حقيقة والآخرين مجازاً، وأي مانع من استعمال المجاز في مثله مع القرينة؟ فتأمل. (منه رحمه الله)

باللفظ الصريح الصحيح كغيره من العقود اللازمة.

والتعليلُ بعدم إمكان إحضار الجزء المكفول بدون الجملة فكان في قوَّة كفالة الجملة، ضعيفٌ؛ لأنّ المطلوب لمّا كان كفالة المجموع لم يكن البعضُ كافياً في صحته وإنْ توقَّفَ إحضارُه عليه؛ لأنّ الكلام ليس في مجرّد الإحضار، بل على وجه الكفالة الصحيحة، وهو مُنتفٍ.

(ولو مات المكفول) قبل إحضاره (بطلت) الكفالة؛ لفَوات متعلقها وهو النفس، وفوات الغرض لو أريد البدن. ويمكن الفرق بين التعبير ب- «كَفَلتُ فلاناً» و«كفلتُ بدنه»، فيجب إحضاره مع طلبه في الثاني دون الأوّل، بناءً على ما اختاره المحقِّقون من أنّ الإنسان ليس هو الهَيْكَلُ المحسوسُ (1) .

ويُضعف بأنّ مثل ذلك مُنَزَّل على المتعارف لا على المحقِّق عند الأقلّ. فلا يجب على التقديرين.

(إلَّا في الشهادة على عينه ) ليُحكم عليه (بإتلافه(2)، أو المعاملة) له إذا كان قد شهد عليه من لا يعرف نسبه، بل شهد على صورته فيجب إحضارُه مَيِّتاً حيث يمكن الشهادة عليه، بأن لا يكون قد تَغيَّر بحيث لا يُعرَف ولا فرق حينئذٍ بين كونه قد دفن وعدمه؛ لأنّ ذلك مُستثنى من تحريم نبشه.

ص: 330


1- لتوضيح المطلب راجع مسالك الأفهام، ج 4، ص 250.
2- تصويرها لو أتلف شخص مالاً أو غيره وقد شاهده من يعرف صورته ولا يعرف نسبه، ثم ادعى ذلك الغير عليه الإتلاف فأنكر وكان الشهود غُيَّباً فكفله كافل ليُحضره لإقامة الشهادة على عينه فمات المكفول، فإنّ الكفالة لا تبطل ؛ لأنّ غرض الإشهاد قائماً بعد لم يتغيّر بموته، وكذا الكلام لو باع على شخص متاعاً أو اشترى منه أو غير ذلك من المعاملات فأنكر وكان شهود هناك على عينه لا غير فكفله كافل ليُحضر فإن موته أيضاً لا يبطل الكفالة. فرع: هذا الحكم إنّما يثبت ما لم يدفن فلو دفن وعلم تغيّر صورته بطلت الكفالة إجماعاً، لتحريم نبشه، فلو لم يتغير ففي بطلان الكفالة وجهان: مبنيان على جواز نبشه، فإن جوّزناه فهي باقية وإلا بطلت. (زين رحمه الله)

كتاب الصلح

اشارة

ص: 331

ص: 332

إشارة

(كتاب الصلح)

(وهو جائز مع الإقرار والإنكار) عندنا، مع سبق نزاع ولا معه.

ثمّ إن كان المدّعي مُحِقاً استباح ما دَفَع إليه المُنكِرُ صُلحاً، وإلا فهو حرام باطناً، عيناً كان أم دَيناً، حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام، ولا يُستثنى له منها مقدارُ ما دَفَع من العِوَض؛ لفساد المعاوضة في نفس الأمر. نعم، لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وَجَد بخط مُوَرِّثه أنّ له حقاً على أحد، فأنكر وصالحه على إسقاطها بمال فالمتَّجه صحَّة الصلح. ومثله ما لو تَوَجَّهت الدعوى بالتهمة؛ لأن اليمينَ حقٌّ يصحّ الصلحُ على إسقاطه.

(إلّا ما أَحَلَّ حراماً، أو حرَّم حلالاً)، كذا ورد في الحديث النبوي(صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم)(1)، وفسر تحليل الحرام بالصلح على استرقاق حرّ، أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره، أو ليشرَبَ الخمر، ونحوه. وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما خليلته، أو لا ينتفع بماله(2)، ونحوه. والصلح على مثل هذه باطل باطناً وظاهراً.

وفُسِّر بصلح المُنكِر على بعض المدَّعَى، أو منفعته، أو بدله مع كون أحدهما عالماً ببطلان الدعوى(3)، لكنه هنا صحيح ظاهراً وإن فسد باطناً، وهو صالح للأمرين معاً؛ لأنَّه

ص: 333


1- الفقيه، ج 3، ص 32، ح 3370؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 788 ، ح 2353.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 172 ؛ التنقيح الرائع، ج 2، ص 201 - 202.
3- كشف الرموز، ج 2، ص 4 .

محلل للحرام بالنسبة إلى الكاذب ومحرّم للحلال بالنسبة إلى المُحِقِّ.

وحيث كان عقداً جائزاً في الجملة (فيلزَم بالإيجاب والقبول الصادرين من الكامل) بالبلوغ والرشد (الجائز التصرّف) برفع الحجر. وتصح وظيفة كلّ من الإيجاب والقبول من كلّ منهما بلفظ «صالَحْتُ» و «قَبِلتُ».

وتفريع اللزوم على ما تَقدَّم غيرُ حسن؛ لأنَّه أعم منه، ولو عطفه بالواو كان أوضح، ويُمكن التفاتُه إلى أنّه عقد، والأصل في العقود اللزوم إلَّا ما أخرجه الدليل للأمر بالوفاء بها في الآية(1) المقتضي له.

(وهو أصل في نفسه) على أصحّ القولين (2) وأشهرهما؛ لأصالة عدم الفرعية، لا فرعُ البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء، كما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) فجعَله فرْعَ البيع إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم، وفرْع الإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم، وفرع العارية إذا تَضمَّن إباحة منفعةٍ بغير عوض، وفرْعَ الهبة إذا تَضمَّن مِلكَ العين بغير عوض، وفرع الإبراء إذا تَضمَّن إسقاط دين؛ استناداً إلى إفادته فائدتها حيث يقع على ذلك الوجه، فيلحقه حكمُ ما لَحِقَ به(3) .

وفيه : أنّ إفادة عقدٍ فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد كما لا تقتضي الهبة بعوض معيَّن البيع.

(ولا يكون طلبه إقراراً) لصحته مع الإقرار والإنكار. ونبه به على خلاف بعض العامة(4) ، الذاهبِ إلى عدم صحته مع الإنكار حيث فرَّع عليه أن طلبه إقرار؛ لأنّ إطلاقه ينصرف إلى الصحيح، وإنّما يصحّ مع الإقرار، فيكون مستلزماً له.

(ولو اصطلح الشريكان على أخذ أحدهما رأس المال والباقي للآخر - ربح أو

ص: 334


1- المائدة (5): 1.
2- ذهب إليه المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 121؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 172؛ والشهيد في الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 294 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
3- المبسوط، ج 2، ص 258 - 259 .
4- هو الشافعي في الأم، ج 3، ص 221 ؛ و ج 7، ص 112 .

خَسِرَ - صح عند انقضاء الشركة) وإرادة فسخها لتكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة والخسرانُ على مَن هو عليه بمنزلة الإبراء.

(ولو شرطا بقاءهما على ذلك) بحيث يكون ما يتجدد من الربح والخسران لأحدهما دون الآخر (ففيه نظر(1) )؛ من مخالفته لوضع الشركة حيث إنّها تقتضي كونهما على حسب رأس المال. ومن إطلاق الرواية بجوازه بعد ظهور الربح(2) من غير تقييد بإرادة القسمة صريحاً، فيجوز مع ظهوره أو ظهورِ الخَسارة مطلقاً.

ويمكن أن يكون نظره في جواز الشرط مطلقاً وإن كان في ابتداء الشركة، كما ذهب إليه الشيخ (3) وجماعةٌ(4)، زاعمين أن إطلاق الرواية يدلّ عليه؛ ولعموم «المسلمون عند شروطهم»(5). والأقوى المنع، وهو مختاره في الدروس(6).

(ويصحّ الصلح على كلّ من العين والمنفعة بمثله وجنسه ومخالفه)؛ لأنَّه بإفادته فائدة البيع صح على العين، وبإفادته فائدة الإجارة صح على المنفعة، والحكم في المُماثِلِ والمُجانِسِ والمخالفِ فرع ذلك، والأصل والعموم يقتضيان صحَّة الجميع، بل ما هو أعم منها كالصلح على حق الشفعة والخيار وأولوية التحجير والسوق والمسجدِ بعين ومنفعة وحق آخَرَ للعموم.

(ولو ظهر استحقاق العوض المعيَّنِ (7)) من أحد الجانبين (بطل الصلح) كالبيع، ولو

ص: 335


1- لا يصحّ. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 207، ح 476.
3- انظر النهاية، ص 313؛ مفتاح الكرامة، ج 17، ص 52 - 55 .
4- راجع مفتاح الكرامة، ج 17 ، ص 54.
5- الكافي، ج 5، ص 169 ، باب الشروط والخيار في البيع، ح1، وص 404، باب الشرط في النكاح، ح 8 و 9؛ الفقيه، ج 3، ص 202، ح 3768؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 22، ج 93 و 94، وص 467 ، ح 1882.
6- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 298 - 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
7- إذا ظهر أحد العوضين مستحقاً - أيهما كان - ولم يجز المالك بطل البيع، وكذا الصلح. أمَّا الهبة المعوّض عنها فإذا ظهر العوض مستحقاً تخيّر الواهب في فسخها وإمضائها، ولا يبطل من الأصل ؛ لأنّ العوض ليس شرطاً في الهبة بل تابع ؛ لكونه ملكاً لمن دفع العوض غير ممنوع من التصرّف فيه ؛ كان شرطاً في لزوم الهبة لا في الصحَّة، فإذا ظهر مستحقاً ظهر عدم لزومها مع عدم إجازة المالك. وأمَّا إذا ظهر الموهوب مستحقاً فإنّه يُبْطِل العوض إن لم يُجز المالك ؛ لأنّ العوض تابع للأصل، فإذا بطل بطل التابع.( زين رحمه الله)

كان مطلقاً رجع ببدله. ولو ظهر في المعيَّن عيب فله الفسخ، وفي تخييره بينه وبين الأرش وجه قوي.

ولو ظهر غبن لا يُتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار كالبيع وجه قوي، دفعاً للضرر المنفي (1) الذي ثَبَت بمثله الخيارُ في البيع.

(ولا يُعتبر في الصلح على النقدين القبضُ في المجلس)؛ لاختصاص الصرف بالبيع وأصالة الصلح ويجيء على قول الشيخ اعتباره (2) . وأمَّا من حيث الربا كما لو كانا من جنس واحدٍ، فإنّ الأقوى ثبوته فيه بل في كلِّ معاوضة؛ لإطلاق التحريم في الآية (3) والخبر (4).

(ولو أتلف عليه ثوباً يُساوي در همين، فصالَحَ على أكثر أو أقل فالمشهور الصحَّةُ)؛ لأنّ مورد الصلح الثوبُ لا الدرهمان.

وهذا إنّما يَتِمَّ على القول بضمان القيمي بمثله(5)؛ ليكون الثابت في الذمة ثوباً فيكون هو متعلّق الصلح، أمَّا على القول الأصحّ من ضمانه بقيمته(6)، فاللازم لذمته إنما هو الدرهمان، فلا يصحّ الصلحُ عليهما بزيادة عنهما ولا نقصانٍ مع اتفاق الجنس، ولو قلنا باختصاص الربا بالبيع تَوَجَّه الجواز أيضاً، لكنَّ المجوز لا يقول به.

ص: 336


1- الكافي ج 5، ص 280 ، باب الشفعة، ح4، وص 292 - 293 ، باب الضرار، ح 2 ، وص 294 ، باب الضرار، ح 6 و 8 ؛ الفقيه، ج 3، ص 76، ح 3371، وص 233، ح 3862: وج 4، ص 334، ح 5721؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 -147 ،ح 651 ، وص 164، ح 727 .
2- تقدّم في ص 334، الهامش 3.
3- البقرة (2): 275 .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 15 - 20، باب فضل التجارة....
5- حكاه عن ابن الجنيد فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 174 - 175.
6- غاية المراد، ج 2، ص 398 - 399 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).

(ولو صالح منكرُ الدار على سكنى المدّعي سنة فيها صح)؛ للأصل ويكون هنا مفيداً فائدة العارية، (ولو أقرَّ بها ثمّ صالحه على سكنى المُقرّ صح) أيضاً. (ولا رجوع) في الصورتين، لما تقدَّم من أنّه عقد لازم وليس فرعاً على غيره. (وعلى القول بفرعيَّة العارية(1) له الرجوع) في الصورتين؛ لأنّ متعلقه المنفعة بغير عوض فيهما، والعينُ الخارجة من يد المُقرّ ليست عوضاً عن المنفعة الراجعة إليه، لثبوتها للمُقَرّ له بالإقرار قبل أن يقع الصلحُ، فلا يكون في مقابلة المنفعة عوض، فيكون عاريةً يُلزمه حكمها من جواز الرجوع فيه عند القائل بها.

[مسائل]:

إشارة

(ولما كان الصلح مشروعاً لقطع التجاذب) والتنازع بين المتخاصمين بحسب أصله وإن صار بعد ذلك أصلاً مستقلاً بنفسه، لا يتوقف على سبقِ خصومةٍ (ذُكِر فيه أحكام من التنازع) بحسب ما اعتاده المصنِّفون (ولْنُشِرْ) في هذا المختصر (إلى بعضها في مسائل ) :

[المسألة الأولى:]

(لو كان بيدهما در همان فادّعاهما أحدُهما وادَّعَى الآخَرُ أحدهما) خاصّةً (فللثاني نصف درهم)؛ لاعترافه باختصاص غريمه بأحدهما ووقوع النزاع في الآخر مع تساويهما فيه يداً، فيُقسم بينهما بعد حلْفِ كلّ منهما لصاحبه على استحقاق النصف، ومَن نَكل منهما قُضِيَ به للآخر، ولو نكلا معاً أو حَلَها قُسِّم بينهما نصفين (وللأوّل الباقي).

قال المصنف في الدروس: ويُشكل إذا ادَّعَى الثاني النصف مشاعاً، فإنّه تَقوَى القسمة نصفين ويحلف الثاني للأوّل وكذا في كل مشاع. وذكر فيها أنّ الأصحاب لم يذكروا هنا يميناً، وذكروا المسألة في باب الصلح فجاز أن يكون الصلحُ قهريّاً، وجاز

ص: 337


1- وهو قول الشيخ المتقدم في ص 334، الهامش 3.

أن يكون اختيارياً، فإن امتنعا فاليمين(1). وما حكيناه نحن من اليمين ذكره في التذكرة (2) أيضاً، فلعل المصنِّف يريد أنّ الكثير لم يذكره.

(وكذا لو أودَعه رجل در همین و آخَرُ درهماً وامتزجا لا بتفريط وتلف أحدهما) فإنّه يَختصّ ذو الدرهمين بواحد ويُقسم الآخَرُ بينهما. هذا هو المشهور بين المشهور بين الأصحاب، ورواه السكوني عن الصادق(علیه السلام)(3).

ويُشكل هنا - مع ضعف المستند - بأنّ التالف لا يُحتمل كونه لهما، بل من أحدهما خاصّةً؛ لامتناع الإشاعة هنا، فكيف يُقسَّم الدرهم بينهما مع أنّه مختص بأحدهما قطعاً؟ والذي يقتضيه النظرُ وتَشهَد له الأصول الشرعيَّة القولُ بالقرعة في أخذ (4)الدرهمين ومال إليه المصنف في الدروس(5) ، لكنّه لم يَجسُر على مخالفة الأصحاب.

والقولُ في اليمين كما مرّ من عدم تعرّض الأصحاب له، وربما امتنع هنا إذا لم يعلم الحالفُ عينَ حقه.

و احترز بالتلف لا عن تفريط عمّا لو كان بتفريط، فإنّ الوَدَعِيَّ يَضمَن التالفَ فَيُضَمّ إليهما ويقتسمانها من غير كسر، وقد يقع مع ذلك التعاسُرُ على عينٍ فيَتَّجه القرعةُ.

ولو كان بدل الدراهم مالاً يمتزج أجزاؤُه بحيث لا يتميَّز وهو متساويها كالحنطة والشعير - وكان لأحدهما قفيزان مثلاً وللآخر قفيرٌ وتَلِف قفيزٌ بعد امتزاجهما بغير تفريط، فالتالف على نسبة المالين، وكذا الباقي، فيكون لصاحب القفيزين قفيز و ثُلثٌ وللآخر ثُلُثا قفيز. والفرق أنّ الذاهب هنا عليهما معاً، بخلاف الدراهم؛ لأنه مختص بأحدهما قطعاً.

ص: 338


1- الدروس الشرعيَّة ، ج 3، ص 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 195 (الطبعة الحجرية).
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 208، ح 483.
4- بالمعجمتين مصدر لا بالمهملتين كما يوجد محرّفاً في بعض النسخ. والمراد أن القرعة إن ظهرت لصاحب الدرهمين أخذهما أو لصاحب الدرهم أخذه أو لكل واحد أخذهما والوجه يظهر مما أفاده «الشيخ عليّ».
5- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

[المسألة] (الثانية:

يجوز جعلُ السَقْي بالماء عوضاً للصلح) بأن يكون مورده أمراً آخرَ من عَين أو منفعة، (و) كذا يجوز كونه (مورداً له) وعوضه أمراً آخَرَ كذلك، وكذا لو كان أحدهما عوضاً والآخر مورداً. كلُّ ذلك مع ضبطه بمدةٍ معلومة. ولو تعلق بسقي شيء مضبوط دائماً، أو بالسقي بالماء أجمع دائماً، وإن جهل المَسقَى لم يَبعُد الصحَّة.

وخالف الشيخ (رحمه الله) في الجميع محتجاً بجهالة الماء(1)، مع أنّه جوّز بيعَ ماء العين والبئر وبيع جزءٍ مشاعٍ منه ، وجَعْلَهُ عِوَضاً للصلح(2). ويمكن تخصيصه المنع هنا بغير المضبوط كما اتَّفق مطلقاً في عبارة كثيرٍ.

(وكذا) يصحّ الصلح على (إجراء الماء على سطحه أو ساحتِه) جاعلاً له عِوَضاً ومورداً (بعد العلم بالموضع الذي يجري منه الماء (3))، بأن يُقدَّر مجراه طولاً وعرْضاً؛ لترتفع الجهالة عن المحل المصالح عليه ولا يُعتبر تعيين العمق؛ لأنّ «مَن مَلَك شيئاً مَلَك قراره مطلقاً»، لكن ينبغي مشاهَدةُ الماء أو وصفه؛ لاختلاف الحال بقلَّتِه وكثرته. ولو كان ماءَ مطر اختلف أيضاً بكبر ما يقع عليه وصغره، فمعرفتُه تحصل بمعرفة محله.

ولو سقط السطح بعد الصلح أو احتاجت الساقية إلى إصلاح فعلى مالكهما؛ لتوقف الحق عليه، وليس على المُصالح مساعدته.

[المسألة] (الثالثة:

لو تَنازَع صاحبُ السِّفْل والعُلو في جدار البيت حَلَف صاحبُ السُفْل)؛ لأنّ جُدران البيت كالجزء منه، فيُحكم بها لصاحب الجملة. وقيل: تكون بينهما؛ لأنّ حاجتهما إليه واحدة(4). والأشهر الأول.

ص: 339


1- المبسوط، ج 2، ص 284.
2- المبسوط، ج 2، ص 284.
3- بخط المصنف: المورد هو ماء عليه يقع الصلح، أي المعوّض والمسألة الأولى هي جعل الماء عوضاً لمورد الصلح. والحاصل أنه يجوز جعل ذلك عوضاً ومعوّضاً. (زين رحمه الله)
4- حكاه عن ابن الجنيد وارتضاه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 190، المسألة 140 .

(و) لو تَنازَعا (في جدران الغُرْفة يحلف صاحبها)؛ لما ذكرناه من الجزئية، ولا إشكال هنا؛ لأنّ صاحب البيت لا تَعلَّقَ له به إلَّا كونه موضوعاً على ملكه، وذلك لا يقتضي الملكيّة مع معارضة اليد. (وكذا) يُقدَّم قولُ صاحب الغرفة لو تنازعا (في سقفها) الذي هو فوقها؛ لاختصاص صاحبها بالانتفاع به كالجدار وأولى.

ولو تنازعا في سقف البيت المتوسط بينهما، الحامل للغرفة (أقرع بينهما )؛لاستوائهما في الحاجة إليه والانتفاع به، والقرعة لكلّ أمرٍ مشتبه.

ويُشكل بأنّ موردَ القرعةِ المحلَّ الذي لا يُحتمل اشتراكه بين المتنازعين، بل هو حقٌّ لأحدهما مشتبه، وهنا ليس كذلك؛ لأنَّه كما يجوز كونه لأحدهما يجوز كونه لهما معاً لاستوائهما فيه؛ لأنَّه سقف لصاحب البيت وأرض لصاحب الغرفة فكان كالجزء من كلّ منهما. وفي الدروس قوَّى اشتراكهما فيه مع حلفهما أو نكولهما، وإلّا أختَصَّ بالحالف(1)؛ لما ذُكر من الوجه.

وقيل: يُقضَى به لصاحب الغرفة؛ لأنَّها لا تتحقق بدونه لكونه أرضها والبيتُ يتحقق بدون السقف، وهما متصادقان على أنّ هنا غرفةً فلابد من تحققها؛ ولأن تصرّفه فيه أغلب من تصرُّف الآخر(2)؛ وليس ببعيد.

وموضع الخلاف السقف الذي يمكن إحداثه بعد بناء البيت، أمَّا ما لا يمكن - كالأَزَج الذي لا يُعقل إحداثه بعد بناء الجدار الأسفل؛ لاحتياجه إلى إخراج بعض الأجزاء عن سمت وجه الجدار قبل انتهائه؛ ليكون حاملاً للعُقد فيحصل به الترصيفُ بین السقف والجدران - فهو لصاحب السُفل بيمينه ؛ لدلالة ذلك على جزئيته منه.

[المسألة] (الرابعة :

إذا تَنازَع صاحبُ غُرَف الخان وصاحب بيوته في المسلك)، والمراد به هنا مجموع الصحن بدليل قوله (حَلَفَ صاحبُ الغُرَف في قَدَر ما

ص: 340


1- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 312 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 185، المسألة 128 .

يَسلُكه، وحَلَف الآخر على الزائد)؛ لأنّ النزاع لو وقع على مسلك في الجملة، أو معيَّن لا يَزِيد عن القدر لم يكن على الآخر حلفٌ؛ لعدم منازعته له في الزائد.

ووجه الحكم للأعلى بقدر المسلك كونه من ضرورة الانتفاع بالغُرف وله عليه يد في جملة الصحن، وأمَّا الزائد عنه فاختصاص صاحب البيوت به أقوى؛ لأنَّه دار لبيوته، فيُقدَّم قولُ كلّ منهما فيما يظهر اختصاصه به.

وفي الدروس رجّح كونَ المسلك بينهما واختصاص الأسفل بالباقي -وعليه جماعة(1) - لأن صاحب السفل يشاركه في التصرّف فيه وينفرد بالباقي، فيكون قدرُ المسلك بينهما، واحتمل الاشتراك في العرصة أجمع «لأنّ صاحبَ الأعلى لا يُكلَّف المرور على خط مستو، ولا يُمنع من وضع شيء فيها، ولا من الجلوس قليلاً»(2)، فله يد على الجميع في الجملة كالأسفل.

ثمّ إن كان المرقى في صدر الصحن تَشارَكا في المَمَرِّ إليه أو اختَصّ به الأعلى، وإن كان المرقى في دهليزه خارجاً لم يُشارك الأسفل في شيء من الصحن؛ إذ لا يد له على شيء منها، ولو كان المَرقَى في ظهره اختَصّ صاحبُ السُفْل بالصحن والدهليز أجمع.

(و) لو تنازعا (في الدرجة يحلف العُلويّ)؛ لاختصاصه بالتصرّف فيها بالسلوك وإن كانت موضوعةً في أرض صاحب السفل، وكما يُحكم بها للأعلى يُحكم بمحلها.

(وفي الخزانة تحتَها يُقرَع) بينهما؛ لاستوائهما فيها بكونها متّصلةً بملك الأسفل، بل من جملة بيوته، وكونها هواءً لملك الأعلى وهو كالقرار، فيُقرَع.

ويُشكل بما مرّ في السقف، ويقوى استواؤُهما فيها حلف كلّ لصاحبه، وهو اختياره في الدروس(3). ولا عبرة بوضع الأسفل آلاته تحتها.

ص: 341


1- منهم المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 104؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 179 ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 452 - 453.
2- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 312 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- الدروس الشرعيَّة، ج 3، ص 313 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

ويُشكل أيضاً الحكمُ في الدرجة مع اختلافهما في الخِزانة؛ لأنَّه إذا قُضِيَ بالخِزانة لهما أو حُكم بها للأسفل بوجه، تكون الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل لعين ما ذُكر، خصوصاً مع الحكم بها للأسفل وحده، فينبغي حينئذٍ أن يَجرِي فيها الخلافُ السابق ومرجحه. ولو قضينا بالسقف للأعلى زال الإشكال هنا، وإنّما يأتي على مذهب المصنف هنا وفي الدروس؛ فإنّه لا يجامع اختصاص العلوي بها مطلقاً.

[المسألة] (الخامسة:

لو تنازع راكب الدابَّة وقابض لجامها) فيها (حلف الراكب) لقوَّةِ يده وشدَّةِ تصرّفه بالنسبة إلى القابض. وقيل: يستويان في الدعوى؛ لاشتراكهما في اليد، وقوتها لا مدخل له في الترجيح، ولهذا لم تُؤثر في ثوبِ بيد أحدهما أكثره كما سيأتي، وما مع الراكب من زيادة نوع التصرّف لم يثبت شرعاً كونه مرجحاً، وتعريفُ المدّعي والمُنكِر منطبق عليهما (1)؛ وهو قوي، فيحلف كلُّ منهما لصاحبه إن لم يكن بيّنة.

وأمَّا اللجام فيُقضَى به لمن هو في يده والسرج لراكبه.

(ولو تنازعا ثوباً في يد أحدهما أكثره فهما سواء)؛ لاشتراكهما في اليد ولا ترجيح لقوتها، والتصرّف هنا وإن اختلف كثرةً وقلةً لكنّه من وادٍ واحدٍ بخلاف الركوب و قبض اللجام. نعم لو كان أحدهما مُمسكاً له والآخَرُ لابساً، فكمسألة الراكب والقابض؛ لزيادة تصرّف اللابس على اليد المشتركة.

(وكذا) لو تنازعا (في العبد وعليه ثياب لأحدهما) ويدهما عليه، فلا يُرجح صاحبُ الثياب كما يُرَجَّح الراكب بزيادة ذلك على يده؛ إذ لا دخل للبس في الملك بخلاف الركوب، فإنّه قد يلبسها بغير إذن مالكها أو بقوله أو بالعارية، ولا يَرِدُ مثله في

ص: 342


1- قال به الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 155 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2) ؛ والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 440.

الركوب؛ لأنّ الراكب ذو يد بخلاف العبد، فإنّ اليد للمدّعي لا له. ويتفرع عليه ما لو كان لأحدهما عليه يد وللآخر ثيابٌ خاصّةً، فالعبرة بصاحب اليد.

(ويُرَجَّح صاحبُ الحِمْل في دعوى البهيمة الحاملة) وإن كان للآخر عليها يد أيضاً بقبض زمام ونحوه؛ لدَلالة الحِمْل على كمال استيلاء مالكه عليها، فيُرجح.

(و) كذا يُرجح (صاحب البيت في) دعوى (الغرفة) الكائنة (عليه وإنْ كان بابها مفتوحاً إلى) المدّعي (الآخَرِ)؛ لأنَّها موضوعة في ملكه وهو هواء بيته، ومجرَّدُ فتح الباب إلى الغير لا يُفيد اليد.

هذا إذا لم يكن من إليه البابُ متصرّفاً فيها بسُكنیً وغيرها وإلا قدم؛ لأنّ يده عليها بالذات لاقتضاء التصرّف له، ويد مالك الهواء بالتبعية، والذاتية أقوى، مع احتمال التساوي؛ لثبوتِ اليد من الجانبين في الجملة، وعدم تأثير قوَّة اليد.

[المسألة] (السادسة:

لو تداعيا جداراً غير متّصل ببناء أحدهما، أو متّصلاً ببنائهما) معاً اتصال ترصيف -وهو تداخل الأحجار ونحوها على وجه يَبعُد كونه مُحدَثاً بعد وضع الحائط المتصل به – (فإن حَلَفا أو نَكَلا فهو لهما، وإلّا) بأن حلف أحدهما ونكل الآخَرُ (فهو للحالف، ولو اتصل بأحدهما) خاصّةً (حَلَف) وقُضِيَ له به.

ومثله ما لو كان لأحدهما عليه قُبَّةٌ أو غرفة أو سترةً؛ لصيرورته بجميع ذلك ذا يد، فعليه اليمين مع فقد البيّنة.

(وكذا لو كان) لأحدهما خاصّةً ( عليه جِذْعُ) فإنّه يُقضَى له به بيمينه، أو لهما فلهما. ولو اتصل بأحدهما وكان للآخر عليه جذع تَساوَيا على الأقوى، وكذا لو كان لأحدهما واحدةً من المرجحات ومع الآخر الباقية؛ إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف.

(أمَّا الخوارج) من أحد الجانبين أو منهما من نقش ووَتِدٍ ورَفّ ونحوها، (والروازن) كالطاقات (فلا ترجيح بها) لإمكان إحداثها من جهة واضعها من غير شعور الآخر.

ص: 343

(إلّا مَعاقِدُ القِمْط ) بالكسر وهو الحبل الذي يُشَدَّ به الخُصُّ، وبالضمّ جمعُ قِماط وهي شِدادُ الخُص من ليفٍ وخُوصٍ وغيرِها (1)، فإنّه يُقضَى بها فيُرجح مَن إليه مَعاقدُ القُمط لو تنازعا (في الخُص) بالضم، وهو البيت الذي يُعمَل من القَصَبِ (2)ونحوه، على المشهور بين الأصحاب، ومنهم من جعل حكمَ الخُصَّ كالجدار بين الملكين(3)، وهو الموافق للأصل.

ص: 344


1- راجع النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 108، «قمط».
2- راجع النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 108، «قمط».
3- منهم فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 112 ؛ وابن فهد في المهذب البارع، ج 4. ص 488.

كتاب الشركة

ص: 345

ص: 346

(كتاب الشركة)

يفتح الشين فكسر الراء، وحُكي فيها كسر الشين فسكون الراء (1).

(وسببها قد يكون إرثاً) لعين أو منفعة أو حق؛ بأن يَرِثا مالاً أو منفعة دارٍ استأجرها مورتُهم، أو حقَّ شُفعةٍ وخيارٍ.

(وعقداً) بأن يشتريا داراً بعقدٍ واحدٍ أو يشتري كلُّ واحد منهما جزءاً مشاعاً منها ولو على التعاقب، أو يستأجراها أو يشتريا بخيار لهما.

(وحيازة) لبعض المُباحات (دفعةً) بأن يشتركا في نصب حِبالةٍ ورَمْي سَهمٍ مُثبَتٍ فيشتركا في ملك المصيد. ولو حاز كلُّ واحد شيئاً من المباح منفرداً عن صاحبه اختَصَّ كلّ بما حازه إن لم يكن عَمِل كلّ واحدٍ بنيَّة الوِكالة عن صاحبه في تملك نصف ما يحوزه، وإلّا اشتركا أيضاً على الأقوى، فالحيازة قد تُوجب الاشتراك مع التعاقب وقد لا توجبه في الدفعة.

(ومزجاً) لأحد ماليهما بالآخر بحيث ( لا يَتَميَّز) كلٌّ منهما عن الآخر بأن يكونا متفقين جنساً ووصفاً. فلو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإنْ عَسُرَ - كالحِنطة بالشعير، أو الحمراء من الحنطة بغيرها، أو الكبيرة الحب بالصغيرة ونحو ذلك - فلا اشتراك. ولا فرق هنا بين وقوعه اختياراً واتفاقاً.

ص: 347


1- المعجم الوسيط، ص 480، «شرك».

(والشركة قد تكون عيناً) أي في عين، كما لو أتَّفق الاشتراك بأحد الوجوه السابقة في شيء من أعيان الأموال، (ومنفعةً) كالاشتراك في منفعة دار استأجراها، أو عبدٍ أُوصِي لهما بخدمته، (وحقاً) كشفعة وخيار و رهن.

وهذه الثلاثة تجري في الأولين، وأمَّا الأخيران، فلا يتحققان إلَّا في العين. ويمكن فرض الامتزاج في المنفعة بأن يستأجر كلٌّ منهما دراهم للتزين بها - حيث نُجوِّزه - متميّزةً، ثمّ امتزجت بحيث لا تتميز.

(والمعتبر) من الشركة شرعاً عندنا (شركةُ العِنان) بكسر العين وهي شركة الأموال. نُسبت إلى العِنان وهو سَيْر اللجام الذي تُمسَك به الدابة؛ لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرّف، واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان، أو تساوي الفارسين فيه إذا تساويا في السير، أو لأنّ كلَّ واحدٍ منهما يمنع الآخَرَ من التصرّف حيث يشاء كما يمنع العنانُ الدابة، أو لأن الآخِذَ بعنانها يحبس إحدى يديه عليه ويُطلق الأخرى، كالشريك يحبس يده عن التصرّف في المشترك مع انطلاق يده في سائر ماله.

وقيل: مِن «عَنَّ» إذا ظَهَر(1) ، لظهور مالِ كلّ من الشريكين لصاحبه، أو لأنَّها أظهرُ أنواع الشركة. وقيل: من «المُعانة» وهي المعارضة(2)؛ لمعارضة كلّ منهما بما أخرجه الآخَرُ.

(لا شركةُ الأعمال) بأن يتعاقدا على أن يَعمَل كلُّ منهما بنفسه ويشتركا في الحاصل، سواءٌ اتفق عملهما قَدراً ونوعاً أم اختلف فيهما أم في أحدهما، وسواءٌ عَمِلا في مالٍ مملوك أم في تحصيل مباح؛ لأنّ كلَّ واحد متميز ببدنه وعمله فيختص بفوائده كما لو اشتركا في مالين وهما مُتميّزان.

(و) لا شركة (المفاوضة) وهي أن يشترك شخصان فصاعداً بعقد لفظي على أن

ص: 348


1- حكاهما المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 8، ص 10 .
2- حكاهما المحقِّق الكركي في جامع المقاصد، ج 8، ص 10 .

يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غُرْم ويحصل لهما من غُنْم. فيلتزم كلَّ منهما للآخر مثل ما يلتزمه مِن أرشِ جناية وضمان غصبٍ وقيمةِ مُتلف وغرامةِ ضَمانٍ وكفالة، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث أو يجده من ركاز ولُقَطَةٍ، ويكتسبه في تجارة ونحو ذلك. ولا يستثنيان من ذلك إلَّا قُوتَ اليوم وثياب البدن وجاريةً يَتَسَرّى بها، فإنّ الآخر لا يشارك فيها. وكذا يُستثنى في هذه الشركة من الغُرم الجناية على الحرّ، وبَذلُ الخُلْع والصداق إذا لزم أحدهما.

(و) لا شركة (الوجوه) وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا الذمة على أنّ ما يَبتاعه كلُّ منهما يكون بينهما، فيبيعان ويُؤدِّيان الأثمانَ وما فَضَل فهو بينهما؛ أو أن يبتاع وجيه في الذمة ويُفوّض بيعه إلى خاملٍ على أن يكون الربح بينهما؛ أو أن يشترك وجية لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمالُ من الخامل ويكون المال في يده لا يُسَلّمه إلى الوجيه والربح بينهما؛ أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضُه له.

وهذه الثلاثة بمعانيها عندنا باطلة.

(و) المشتركان شركة العنان (يتساويان في الربح والخسران مع تساوي المالين، ولو اختلفا) في مقدار المال (اختلف) الربح بحسَبه والضابط: أنّ الربح بينهما على نسبة المال متساوياً ومتفاوتاً. فلو عبر به لكان أخصر وأدلَّ على المقصود؛ إذ لا يَلزَم من اختلاف الربح مع اختلاف المالين كونه على النسبة.

(ولو شَرَطا غيرَهما) أي غير التساوي في الربح على تقدير تساوي المالين بأن شرطا فيه تفاوتاً حينئذٍ، أو غير اختلاف استحقاقهما في الربح مع اختلاف المالين كمِّيَّةً (فالأظهر البطلان) أي بطلان الشرط ويتبعه بطلان الشركة، بمعنى الإذن في التصرّف، فإن عَمِلا كذلك فالربح تابع للمال وإن خالف الشرط، ويكون لكلّ منهما أجرة عمله بعد وضع ما قابَلَ عمله في ماله.

ووجه البطلان بهذا الشرط أن الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها

ص: 349

عِوَض ، ولا وقع اشتراطها في عقدِ معاوضةٍ لتُضَمّ إلى أحد العوضين، ولا اقتضى تملكها عقد هبة، والأسبابُ المُثمرة للملك معدودةٌ وليس هذا أحدَها، فيبطل الشرط ويتبعه العقد المتضمِّنُ للإذن في التصرّف؛ لعدم تراضيهما إلَّا على ذلك التقدير ولم يحصل.

وينبغي تقييده بعدم زيادة عمل ممّن شُرِطت له الزيادة وإلَّا اتَّجه الجواز.

وقيل: يجوز مطلقاً (1)؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(2)، و«المؤمنون عند شروطهم» (3)، وأصالة الإباحة، وبناء الشركة على الإرفاق ومنه موضع النزاع.

(وليس لأحد الشركاء التصرّفُ) في المال المشترك (إلَّا بإذن الجميع)؛ لقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه عقلاً وشرعاً، (ويقتصر من التصرّف على المأذون) على تقدير حصول الإذن (فإن تَعدَّى) المأذونُ (ضَمِن).

واعلم أنّ الشركة كما تُطلق على اجتماع حقوق المُلّاك في المال الواحد على أحد الوجوه السابقة، كذلك تُطلق على العقدِ المُثْمِرِ جواز تصرّف المُلّاك في المال المشترك، وبهذا المعنى اندَرَجَت الشركة في قسم العقود، وقَبِلَت الحكم بالصحَّة والفساد لا بالمعنى الأوَّل. والمصنِّف (رحمه الله) أشار إلى المعنى الأول بما افتتح به من الأقسام، وإلى الثاني بالإذن المبحوث عنه هنا.

(ولكلّ) من الشركاء (المطالبة بالقِسمة ، عَرْضاً) بالسكون، وهو ما عدا النقدين (كان المال أو نقداً).

(والشريك أمين) على ما تحتَ يده من المال المشترك المأذون له في وضع يده عليه (لا يَضمَن إلَّا بِتَعَدّ) وهو فعل ما لا يجوز فعله في المال (أو تفريط) وهو التقصير في حفظه وما يَتِمّ به صَلاحُه.

ص: 350


1- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 470 - 471، المسألة 265؛ والعلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 196. المسألة 146 .
2- المائدة (5) : 1 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503.

(ويُقبل يمينه في التلف) لو ادعاه بتفريط وغيره (وإن كان السبب ظاهراً) كالحزق والغَرَق. وإنّما خصَّه لإمكان إقامة البيِّنة عليه، فربما احتُمِل عدم قبول قوله فيه كما ذهب إليه بعض العامة(1)، أمَّا دعوى تلفه بأمرٍ خفي كالسرق فمقبول إجماعاً.

(ويُكرَه مشارَكةُ الذمي وإبضاعُه) وهو أن يدفع إليه مالاً يَتَّجِر فيه، والربحُ لصاحب المال خاصّةً، (وإيداعه) لقول الصادق(علیه السلام) : لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمِّي، ولا يُبضعه بضاعةً، ولا يُودِعه وديعةً، ولا يُصافِيه المودَّةَ»(2).

(ولو باع الشريكان سِلْعَةً صَفْقةً ، وقَبَض أحدهما من ثمنها شيئاً، شارَكَه الآخَرُ فيه) على المشهور ، وبه أخبار كثيرة (3)؛ ولأنّ كلَّ جزء من الثمن مشترك بينهما، فكلّ ما حَصَل منه بينهما كذلك.

وقيل: لا يشارك؛ لجواز أن يُبرئَ الغريمَ مِن حقه، ويُصالحه عليه من غير أن يسري إلى الآخر، فكذا الاستيفاء؛ ولأنّ متعلَّق الشركة هو العين وقد ذهبت والعِوَضُ أمرٌ كلّيّ لا يتعيَّن إلَّا بقبض المالكِ أو وكيله، ولم يتحقق هنا بالنسبة إلى الآخر؛ لأنَّه إنّما قبضه لنفسه(4).

وعلى المشهور لا يتعيَّن على الشريكِ غير القابض مشاركته، بل يتخيَّر بينها وبين مطالبة الغريم بحقه، ويكون قَدْرُ حصَّة الشريك في يد القابض كقبض الفضول إن أجازه مَلَكَه وتَبِعَه النَماءُ، وإن ردَّه مَلَكَه القابض، ويكون مضموناً عليه على التقديرين.

ولو أراد الاختصاص بالمقبوض بغير إشكال فَلْيَبع حقَّه للمديون على وجه يَسلَم من الربا بثمن معيَّنٍ فيَختَصّ به، وأولى منه الصلحُ عليه، أو يُبرِئه من حقه ويَستَوهِب عِوَضَه، أو يُحِيل به على المديون، أو يضمنه له ضامن.

ص: 351


1- منهم: النووي في المجموع شرح المهذب، ج 14، ص 80 - 81: مغني المحتاج، ج 2، ص 216.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 185، ح 815 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 186، باب الشركة والمضاربة.
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 402 - 403.

وموضع الخلاف مع حلول الحقين، فلو كان أحدهما مؤجلاً لم يُشارك فيما قبضه الآخَرُ قبل حلول الأجل.

واحترز ببيعهما صفقَةً عمّا لو باع كلُّ واحدٍ نصيبه بعقد وإن كان لواحد. كما لا فرق في الصفقة بين كون المشتري واحداً ومتعدّداً؛ لأنّ الموجب للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك. وفي حكم الصفقة ما اتَّحد سبب شركته كالميراث والإتلاف والاقتراض من المشترك.

(ولو ادعى المشتري) من المشتركين المأذونين (شراء شيء لنفسه أوْ لَهُما حَلَف) وقُبِل بيمينه؛ لأنّ مرجع ذلك إلى قصده وهو أعلم به، والاشتراك لا يُعين التصرّف بدون القصد، وإنّما لَزِمه الحَلفُ - مع أنّ القصد من الأمور الباطنة التي لا تُعلم إلَّا من قبله - لإمكان الاطلاع عليه بإقراره.

ص: 352

كتاب المضاربة

ص: 353

ص: 354

(كتاب المضاربة)

(وهي أن يَدفَع مالاً إلى غيره ليعمل فيه بحِصَّةٍ معينة من ربحه).

مأخوذةٌ من «الضرب في الأرض»؛ لأنّ العاملَ يَضرب فيها للسعي على التجارة، وابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكأنّ الضرب مسبّب عنهما، فتحققت المفاعلة لذلك، أو من ضَرْبِ كلّ منهما في الربح بسهم، أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه.

وأهلُ الحجاز يُسمونها قراضاً من «القَرْض» وهو القطع، كأن صاحب المال اقْتَطَع منه قطعة وسلَّمها إلى العامل، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله، أو من «المقارضة» وهي المساواة. ومنه: «قارِضِ الناسَ ما قارَضُوك فإن تركتَهم لم يَترُكوك»(1).

ووجه التساوي هنا أن المال من جهة والعملَ مِن أُخرى والربح في مقابلهما، فقد تَساوَيا في قوام العقد أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كمِّيَّته.

(وهى جائزة من الطرفين) سواءٌ نَضَ المالُ أم كان به عُروض، يجوز لكلّ منهما فسخها. ومن لوازم جوازها منهما وقوع العقد بكل لفظ يدلّ عليه.

و في اشتراط وقوع قبوله لفظياً أو جوازه بالفعل أيضاً قولان(2)، لا يخلو ثانيهما من قوة.

ص: 355


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 41 ؛ الغريبين، ج 5، ص 528، «قرض».
2- القول بعدم اشتراط اللفظ للعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 11 - 12؛ والمحقِّق الثاني في جامع المقاصد ج 8، ص 53 ؛ والقول بالاشتراط للعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 331؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ج 2، ص 215.

(ولا يصحّ اشتراط اللزوم أو الأجلِ فيها) بمعنى أنه لا يجب الوفاء بالشرط ولا تصير لازمةً بذلك، ولا في الأجل، بل يجوز فسخها فيه عملاً بالأصل. و(لكن) اشتراط الأجل (يُثمِر المنع من التصرّف بعد الأجل إلَّا بإذنٍ جديد)؛ لأنَّ التصرّف تابع للإذن ولا إذن بعده، وكذا لو أجَّل بعض التصرّفات كالبيع أو الشراء خاصّةً أو نوعاً خاصّاً.

ويُفهم من تشريكه بين اشتراط اللزوم والأجل تساويهما في الصحَّة وعدم لزوم الشرط، والمشهورُ أنّ اشتراط اللزوم مُبطل؛ لأنَّه مُنافٍ لمقتضى العقد، فإذا فَسَد الشرط تَبِعه العقد بخلاف شرط الأجل فإنّ مرجعه إلى تقييد التصرّف بوقتِ خاصّ وهو غيرُ منافٍ. ويمكن أن يريد المصنِّف ذلك، وإنّما شَرَّك بينهما في عدم صحَّة الشرط مطلقاً وإِنْ افْتَرَقا في أمرٍ آخَرَ.

(ويقتصر ) العامل (من التصرّف على ما أذن المالكُ له) من نوع التجارة ومكانها وزمانها ومَن يشتري منه ويبيع عليه وغير ذلك، فإن خالَفَ ما عَيَّن له ضَمِن المال، لكن لو ربح كان بينهما بمقتضى الشرط؛ للأخبار الصحيحة(1)، ولولاها لكان التصرّف باطلاً أو موقوفاً على الإجازة.

(ولو أطلق) له الإذن (تصرَّفَ بالاسترباح) في كلِّ ما يَظُنّ فيه حصول الربح من غير أن يتقيَّد بنوع أو زمان أو مكان. ويتولى أيضاً بالإطلاق ما يتولاه المالك في التجارة بنفسه من عَرضِ القُماش على المشتري ونشره وطيِّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه، ولا أُجرة له على مثل ذلك، حملاً للإطلاق على المتعارف. وله الاستئجار على ما جرت العادة به كالدلالةِ ووزنِ الأمْتِعَةِ الثقيلة التي لم تَجْرِ عادته بمباشرة مثلها.

(ويُنفق في السفر كمال نفقته من أصل المال)، والمراد بالنفقة ما يحتاج فيه إليه من مأكول وملبوس ومشروب ومركوب، وآلاتِ ذلك، وأجرة المسكن ونحوها.

ص: 356


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 189، باب الشركة والمضاربة.

ويُراعِي فيها ما يليق به عادةً مُقتصداً، فإن أَسرَف حُسِب عليه، وإن قتر لم يُحسب له. وإذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها - ولو من الزاد - يجب ردُّه إلى التجارة، أو تركه إلى أن يسافر إن كان ممن يعود إليه قبل فساده.

ولو شَرَط عدمَها لَزِم، ولو أذن له بعده فهو تبرع محض. ولو شرطها فهو تأكيد، ويُشترَط حينئذٍ تعيينها لئلّا يَتَجَهَّل الشرط، بخلاف ما ثبت بأصل الشرع. ولا يُعتبر في ثبوتها حصول ربح، بل يُنفق ولوْ من الأصل إن لم يَرْبَح وإلّا كانت منه. ومؤونة المرض في السفر على العامل، وكذا سفرٌ لم يُؤذَن فيه وإنْ اسْتَحَقَّ الحصَّةَ.

والمراد بالسفر العرفي لا الشرعي، وهو ما اشتمل على المسافة، فيُنفق وإن كان قصيراً أو أتمَّ الصلاة، إلَّا أن يخرُجَ عن اسم المسافر أو يَزيدَ عمّا تحتاج التجارة إليه، فيُنفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.

واحترز ب- «كمال النفقة» عن القدر الزائد عن نفقة الحضر فقد قيل: إنّه لا يُنفِق فيه سواه(1)، ونبه ب- «أصل المال» على أنه لا يُشترَط حصول ربح كما مر.

(ولْيَشتَرِ نقداً بنقد البلد بثمن المثل فما دون) فلو اشترى نسيئة أو بغير نقد البلد أو بأزيد من ثمن المثل كان فضوليّاً، فإن أجازه المالك صح وإلَّا بطل؛ لما في النسيئة من احتمال الضرر بتلف رأس المال، فتبقى عهدة الثمن متعلّقةً بالمالك، وقد لا يقدر عليه أو لا يكون له غرض في غير ما دَفَع وحملاً في الأخيرين على المتعارف وما فيه الغبطة كالوكيل.

(ولْيبع كذلك) بنقد البلد نقداً (بثمن المثل فما فوقه)؛ لما في النسيئة من التغرير بمال المالك، وحملاً للإطلاق على المتعارف وهو نقد البلد، كالوكالة.

وقيل: يجوز بغيره وبالعَرْض مع كونه مظنَّةً للربح؛ لأنّ الغرض الأقصى منها ذلك بخلاف الوكالة (2). وفيه قوَّةً.

ص: 357


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 613.
2- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 26 ، المسألة 228 .

ولو أذن المالك في شيء من ذلك خصوصاً أو عموماً ك- «تَصَرَّفْ برأيك أو كيف شئت» جاز بالعَرْض قطعاً، أمَّا النقد وثمن المثل، فلا يخالفهما إلَّا مع التصريح. نعم. يُستثنى من ثمن المثل نقصانٌ يُتسامح به عادة.

(ولْيَشْتَرِ بعين المال) لا بالذمة (إلّا مع الإذن في الذمة) ولو بالإجازة، فإن اشتَرَى فيها بدونه ولم يذكر المالك لفظاً ولا نية وقع له، ولو ذكره لفظاً فهو فضولي، ونيَّةً خاصّةً يقع للعامل ظاهراً، وموقوفاً باطناً، فيجب التخلص من حق البائع.

(ولو تجاوز ما حَدَّ له المالكُ) من الزمان والمكان والصنف (ضمن، والربح على الشرط) كما مرّ أمَّا لو تجاوز بالعين والمثل والنقدِ وقف على الإجازة، فإن لم يُجز بطل.

(وإنّما تجوز) المضاربة (بالدراهم والدنانير) إجماعاً، وليس ثمَّةَ علةٌ مُقنعة غيره، فلا تصح بالعُروض ولا الفلوس ولا الدين وغيرها. ولا فرق بين المعين والمشاع(1).

(وتَلزَم الحصَّةُ بالشرط) دون الأجرة؛ لأنَّها معاملة صحيحةً فيلزم مقتضاها وهو ما شُرِط للعامل من الحصّة وفي قول نادر أنّ اللازم أجرة المثل وأنّ المعاملة فاسدةٌ؛ لجهالة العِوَض(2) . والنصوص الصحيحة على صحتها (3) بل إجماع المسلمين يدفعه.

(والعامل أمينٌ لا يَضمَن إلَّا بتَعَدّ أو تفريط)، ومعهما يَبقَى العقدُ ويَستحِق ما شُرط له وإنْ ضَمِن المال.

(ولو فسخ المالك فللعامل أُجرة مثله إلى ذلك الوقت) الذي فسخ فيه (إن

ص: 358


1- لأن المشاع معين في نفسه وجامع الباقي الشرائط فيصحّ القراض به ولا فرق بين أن يكون عقده واقعاً مع الشريك وغيره. (منه رحمه الله )
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 633؛ والشيخ في النهاية، ص 428؛ وسلار في المراسم، ص 182؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 344.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 188 - 190، باب الشركة والمضاربة.

لم يكن) ظهر (ربحٌ) وإلا فله حصَّتُه من الربح.

وربما أشكل الحكم بالأجرة على تقدير عدم الربح(1) بأن مقتضى العقد استحقاق الحِصَّةِ إن حصلت لا غيرها، وتسلُّط المالك على الفسخ من مقتضياتها، فالعامل قادم على ذلك، فلا شيء له سوى ما عُيِّن.

ولو كان المالُ عُروضاً عند الفسخ فإن كان به ربح فللعامل بيعه إن لم يَدفَع المالك إليه حقَّه منه، وإلا لم يَجُز إلَّا بإذن المالك وإنْ رَجا الربح حيث لا يكون بالفعل.

ولو طلب المالك إنضاضه ففي إجبار العامل عليه قولان(2): أجودهما العدم.

ولو انفسخ العقد من غير المالك، إمّا بعارض يُفسد العقد الجائز أو من قِبَل العامل ،فلا أُجرة له بل الحصّة إن ظهر ربح. وقيل: له الأجرة أيضاً(3) .

(والقولُ قول العامل في قدر رأس المال)؛ لأنَّه منكر للزائد والأصل معه، (و) في (قدر الربح)؛ لأنَّه أمين فيُقبل قوله فيه.

(وينبغي أن يكون رأس المال معلوماً عند العقد) لترتفع الجهالة عنه، ولا يُكتفى بمشاهدته. وقيل: تكفي المشاهَدةُ، وهو ظاهر اختياره هنا، وهو مذهب الشيخ(4) والعلَّامة في المختلف(5)؛ لزوال مُعظَم الغَرَر بالمشاهدة؛ وللأصل، وقوله (صلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وسَلَّم) : «المؤمنون عند شروطهم»(6). فإن قلنا به فاختَلَفا في قدره فالقول قول العامل كما تقدّم - للأصل؛ والأقوى المنع.

ص: 359


1- العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 345 .
2- القول بالإجبار للشيخ في المبسوط، ج 2، ص 620؛ والقول بالعدم للمحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 115 .
3- قال به العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 133، المسألة 285.
4- لم نعثر عليه في كلام الشيخ صريحاً، نعم، نسبه إليه العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص217، المسألة 174 من غير تقييد بالمشاهدة ونسبه أيضاً الشهيد في مسالك الأفهام، ج 4، ص 357 إلى مبسوطه راجع المبسوط، ج 2، ص 643 .
5- مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 217، المسألة 174.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371 . ح 1503.

(وليس للعامل أن يشتري ما فيه ضرر على المالك كمَن يَنعتِق عليه) أي على المالك؛ لأنَّه تخسيرٌ محض، والغرض من هذه المعاملة الاسترباح. فإن اشتراه بدون إذنه كان فضولياً مع علمه بالنَسَبِ والحكم، أمَّا مع جهله بهما أو بأحدهما، ففي صحتِه وعتقه عن المالك، وإلحاقه بالعالم وجهان مأخذهما انصراف الإذن إلى ما يمكن بيعه والاسترباح به فلا يدخل هذا فيه مطلقاً، ومن كون الشرط بحسب الظاهر؛ لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل كما لو اشترى مَعِيباً لا يعلم بعيبه فتلف به.

(و) كذا (لا يَشتري من ربِّ المال شيئاً)؛ لأن المال له ولا يُشترى مالُ الإنسان بماله. (ولو أذن في شراء أبيه) وغيره ممن ينعتق عليه (صح وانعتق)، كما لو اشتراه بنفسه أو وكيله، وبطلت المضاربة في ثمنه؛ لأنَّه بمنزلة التالف، وصار الباقي رأس المال إن كان، (وللعامل الأجرة) سواء ظهر فيه ربح أم لا، أمَّا مع عدمه فظاهر، إلَّا على الاحتمال السابق فيما لو فسخ المالك بنفسه، وأمَّا مع ظهوره؛ فلبطلان المضاربة بهذا الشراء. لعدم كونه من متعلق الإذن؛ لأن متعلقه ما فيه ربح ولو بالمظنَّة وهو منفي هنا؛ لكونه مُستعقِباً للعتق، فإذا صُرِف الثمنُ فيه بطلت. ويُحتمل ثبوت الحصة إن قلنا بملكها بالظهور؛ لتحقَّقه، ولا يقدح عتقه القهري؛ لصدوره بإذن المالك، كما لو استردَّ طائفةً من المال بعد ظهوره، وحينئذٍ فيَسري على العامل مع يسار المالك إن قلنا بالسراية في العتق القهري أو مع اختيار الشريك السبب.

(ولو اشترى) العاملُ (أبا نفسه) وغيره ممّن ينعتِق عليه (صح)؛ إذ لا ضرر على المالك، (فإن ظهر فيه ربح) حال الشراء أو بعده (انعتق نصيبه) أي نصيب العامل؛ لاختياره السببَ المُفْضِي إليه، كما لو اشتراه بماله (ويسعى المُعتَق) وهو الأب (في الباقي) وإنْ كان الولدُ مُوسِراً؛ لصحيحة محمّد بن أبي عُمير عن الصادق (علیه السلام)الحاكمة باستسعائه من غير استفصال(1).

ص: 360


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 190، ح 841.

وقيل : يَسرِي على العامل مع يساره(1)؛ لاختياره السبب، وهو مُوجِبٌ لها كما سيأتي (2) (إن شاء الله تعالى) وحُمِلت الرواية على إعساره جمعاً بين الأدلَّة.

وربما فُرِّق بين ظهورِ الربح حالة الشراء وتجدّدِه، فيسري في الأوّل دون الثاني ،ويمكن حمل الرواية عليه أيضاً.

وفي وجهٍ ثالث: بطلانُ البيع؛ لأنَّه مُنافٍ لمقصود القِراض؛ إذ الغرض هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح، والشراءُ المُتعقب للعتق ينافيه.

والوسط قوي لولا معارضة إطلاق النص الصحيح(3) .

ص: 361


1- قال به يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 315.
2- يأتي في كتاب العتق.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 190، ح 841 .

ص: 362

كتاب الوديعة

ص: 363

ص: 364

(كتاب الوديعة )

(وهي استنابة في الحفظ) أي استنابة فيه بالذات، فلا يَرِدُ مثل الوكالة في بيع شيء أو شرائه مع إثبات اليد عليه، فإنّها تستلزم الاستنابةَ فيه إلَّا أنّها بالعرض، والقصدُ بالذات الإذنُ فيما وُكِّل فيه.

ثمّ الاستنابة إنما تكون من المودع، والوديعة لا تتم إلَّا بالمتعاقدين، فلا تكون الوديعة هي الاستنابة، بل هي وقبولها وإن اكتفينا بالقبول الفعلي. وكأن التعريف لما كان لعقدها - كما عُلِم من مذهب المصنِّف - وكان المعتبرُ منه الإيجابَ، تَسامح في إطلاقها عليه، أو لأنّ الاستنابةَ تستلزم قبولها، فإنّها لو تجرَّدت عنه لم تُؤَثر.

(و تفتقر إلى إيجاب وقبول) كغيرها من العقود، (ولا حصر فى الألفاظ الدالّة عليها)، كما هو شأن العقود الجائزة من الطرفين فيكفي كل لفظ دلّ عليها بل التلويحُ والإشارة المفهمة لمعناها اختياراً.

(ويكفي في القبولِ الفعل)؛ لأنّ الغرض منه الرضى بها. وربما كان الفعل - وهو قبضها - أقوى من القول باعتبار دخولها في ضمانه والتزامه بحفظها بواسطة القبض - وإنْ لم يحصل الإيجاب - فبِه أولى، إلَّا أنّ فيه خروجاً عن باب العقود التي لا تتم إلَّا بصيغة من الطرفين، ومن ثَمَّ قيل: إنّها إذن مجرَّدٌ لا عقد(1) وكيف كان لا تجب مقارنة

ص: 365


1- لم نعثر عليه نعم، حكاه في مسالك الأفهام، ج 5، ص 78 - 79 .

القبول للإيجاب قوليّاً كان أم فعلياً.

(ولو طَرَحها عنده) ولم يحصل منه ما يدلّ على الرضى ولا قَبَضَها (أو أكرهه على قبضها لم تَصِرْ وديعةً )؛ لانتفاء القبول الشرعي فيهما. وأمَّا الإيجاب، فقد يحصل بالطرح بأن يَضُمّ إليه قولاً أو ما في حكمه يُفيده، وقد لا يحصل؛ بأن يقتصر على مجرَّد الطرح، وفي الثاني لا تصير وديعةً وإن قبل قولاً أو فعلاً، لكن في الثاني يجب عليه الحفظ لليد لا للوديعة، وفي الأوّل تَتِم بالقبول بهما، فيجب عليه الحفظ.

وحيث لا يجب لعدم القبول قد يجب لأمر آخر، كما لو غاب المالكُ وتَرَكها وخِيفَ عليها الذهاب، فيجب من باب المعاونة على البِرِّ كفايةً، لكن لا ضمان بتركه.

وأمَّا مع الإكراه (فلا يجب حفظها) مطلقاً بل يجوز تركها وإن قبضها به في حضور المالك وغيبته، إلَّا أن يكون المُكرِه مضطراً إلى الإيداع فيجب إعانته عليه كالسابق. فقوله «فلا يجب حفظها» مطلق في الثاني من حيث الوديعة، ومع عدم القبول أو القبض في الأوّل على ما فُضِّل.

(ولو قبل) الوديعة قولاً أو فعلاً (وجب) عليه (الحفظ ) ما دام مُستَودَعاً، وكذا بعده إلى أن يُؤدّي إلى المالك أو من في حكمه. وبذلك يظهر عدم المنافاة بين وجوب الحفظ وعدمِ وجوب البقاء على الوديعة من حيث إنها عقد جائز.

(ولا ضمان عليه) لو تَلِفتْ أو عابَتْ (إلَّا بالتعدي) فيها، بأن رَكِب الدابَّةَ أو لَبِس الثوبَ أو فَتَح الكيس المختوم أو المشدود، )أو التفريط) بأن قَصَّر في الحفظ عادةً، (فلو أُخِذت منه قهراً فلا ضمان) إن لم يكن سبباً في الأخذ القهري، بأن سَعَى بها إلى الظالم أو أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنته، ومثله ما لو أخبر بها اللصَّ فسرقها ولا فرق بين أخْذِ القاهر لها بيده ، وأمْرِه له بدفعها إليه كَرْهاً؛ لانتفاء التفريط فيهما فينحصر الرجوع على الظالم فيهما على الأقوى. وقيل: يجوز له الرجوع على المستودع في الثاني وإن استقرَّ الضمانُ على الظالم(1).

ص: 366


1- قال به الحلبي في الكافي في الفقه ص 230.

(ولو تمكَّن) المستودَعُ (من (الدفع) عنها بالوسائل الموجبة لسلامتها (وجب ما لم يُؤَدِّ إلى تحمل الضرر الكثير كالجرح وأخذ المال)، فيجوز تسليمها حينئذٍ وإنْ قَدَر على تحمله. والمَرجِع في الكَثرةِ والقِلَّةِ إلى حال المُكرَه، فقد تُعَدّ الكلمة اليسيرةُ من الأَذَى كثيراً في حقه؛ لكونه جليلاً لا يليق بحاله ذلك، ومنهم من لا يعتد بمثله.

وأمَّا أخذ المال، فإن كان مال المستودع لم يجب بذله مطلقاً، وإن كان من الوديعة فإن لم يَستَوعِبْها وجب الدفع عنها ببعضها ما أمكن، فلو تَرَك مع القدرة على سلامة البعض فأخذ الجميعُ ضَمِن ما يمكن سلامته، وإن لم يمكن إلَّا بأخذها أجمع فلا تقصير. ولو أمكن الدفع عنها بشيء من ماله لا يستوعب قيمتها جاز ورَجَع مع نيَّته ولو أمكن حفظها عنه بالاستتار منه وجب فيضمن بتركه.

(نعم، يجب عليه اليمين لو قَنَع بها الظالم، فيُوَرِّي) بما يُخرجه عن الكذب بأن يَحلِفَ أنّه ما استودع من فلان، ويَخُصَّه بوقت أو جنس أو مكانٍ أو نحوها مغاير لما استُودِع وإنّما تجب التورية عليه مع علمه بها وإلّا سقطت؛ لأنَّه كذبٌ مستثنى للضرورة، ترجيحاً لأخفِّ القبيحين حيث تَعارَضا.

(وتبطل) الوديعة (بموت كلّ منهما) المودع والمستودع كغيرها من العقود الجائزة، وجنونه وإغمائه وإنْ قَصُر وقتهما (فتَبقَى) فى يد المستودع على تقدير عُروض ذلك للمُودِع، أو يدِ وارثه أو وليه أو يده بعد صحته على تقدير عروضه له، (أمانةً شرعيّةً) أي مأذوناً في حفظها من قبل الشارع لا المالكِ؛ لبطلان إذنه بذلك، ومِن حُكمِ الأمانة الشرعيَّة وجوبُ المبادرة إلى ردها وإن لم يطلبها المالك.

و(لا يُقبل قولُ الوَدَعي) وغيره ممن هي (في يده في ردها إلَّا ببيّنة)، بخلاف الأمانة المستندة إلى المالك، فإنّه لا يجب ردُّها بدون الطلب أو ما في حكمه كانقضاء المدَّةِ المأذون فيها، وقد يُقبل قوله في ردّها كالوديعة، وقد لا يُقبل كما إذا قبضها لمصلحته كالعارية والمضاربة.

ص: 367

ومن الأمانة الشرعيَّة: ما بطل من الأمانة المالكيَّة كالشركة والمضاربة بموت ونحوه، وما تُطيره الريحُ إلى دار الغير من الأمتعة، وما يُنزع من الغاصب بطريق الحِسْبة، وما يُؤخَذ من الصبي والمجنون من مال الغير وإنْ كان كَسْباً من قِمار كالجوز والبَيْض، وما يُؤخَذ من مالهما وديعةً عند خوف تلفه بأيديهما، وما يَتَسَلَّمه منهما نسياناً، وما يُوجَد فيما يُشترَى من الأمتعة - كالصندوق - من مال لا يدخل في المبيع، واللُقَطَةُ فى يد المُلْتَقِط مع ظهور المالك. وضابطه ما أُذن في الاستيلاء عليه شرعاً ولم يَأْذَن فيه المالك.

(ولو عيَّن) المُودِع (موضعاً للحفظ اقتَصَر) المستودَعُ (عليه) فلا يجوز نقلها إلى غيره وإن كان أحفظ، عملاً بمقتضى التعيين؛ ولاختلاف الأغراض في ذلك. وقيل: يجوز إلى الأحفظ؛ لدلالته عليه بطريق أولى(1)، وهو ممنوع. وجوَّز آخَرون التخطَّيَ إلى المساوي(2)، وهو قياس باطل.

وحينئذٍ فيَضمَن بنقلها عن المعيَّن مطلقاً، إلَّا أن يخاف تلفها فيه فيَنقُلها عنه إلى الأحفظ أو المساوي مع الإمكان، فإن تعذَّر فالأدون، (ولا ضمان) حينئذٍ؛ للإذن فيه شرعاً. وإنما جاز المساوي هنا؛ لسقوط حكم المعيَّن بتعذره، فينتقل إلى ما في حكمه وهو المساوي أو ما فوقه.

ويمكن شمول كلامه للأدون عند الخوف وإن وُجد المساوي، كما يشمل المنعُ من الأعلى عند عدمه. ويشمل أيضاً فيهما ما لو نهاه عن غير المعيَّن وعدمه، وهو كذلك.

( ويحفظ الوديعة بما جَرَتْ العادةُ به) في مكان الوديعة وزمانها؛ لأنّ الشارع لم يحدّ لها حداً، فيُرجع إلى العادة (كالثوب والنقد في الصندوقِ) المُقْفَل أو الموضوع في بيت مُحرز عن الغير: (والدابَّة في الاصطبل ) المضبوط بالغَلَق ؛ (والشاة

ص: 368


1- قال به ابن البرّاج في جواهر الفقه، ص 104، المسألة 380؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 186.
2- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 359 .

في المُراح (1)) كذلك أو المحفوظ بنظر المستودع.

هذه الثلاثة ممّا جرت العادة بكونها حرزاً لما ذكر، وقد يفتقر إلى أمرٍ آخَرَ أو يقوم غيرُها مقامها عادةً. ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه وغيرِه ولا بين من يُعلم أنه لا حرز له وغيره.

(ولو استودع من طفلٍ أو مجنونٍ ضَمِنَ(2))؛ لأنَّهما ليسا أهلاً للإذن، فيكون وضعُ يده على مالهما بغير إذنٍ شرعي فيضمن إلَّا أن يَخاف تلفها في أيديهما فيقبضها بنيَّة الحِسبة، فالأقوى عدمُ الضمان، لكن يجب مراجعة الولي ما أمكن. ولا فرق بين كون المال لهما ولغيرهما وإنْ ادَّعَيا إذنه لهما في الإيداع.

(و) حيث يقبض الوديعة منهما مع جوازه أو لا معه (يَبرَأ بالرد إلى وليّهما) الخاصّ، أو العام مع تعذره، لا إليهما.

( ويجب إعادة الوديعة على المودع مع المطالبة فى أول وقت الإمكان، بمعنى رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها، فلو كانت في صُندوقٍ مُقفَلٍ ففَتْحُه عليه أو بيتٍ مُحرَزِ فكذلك لا نقلها إلى المالك زيادةً على ذلك.

والعذر الشرعي كإكمال الصلاة وإن كانت نفلاً على الأقوى ما لم يتضرر المالك بالتأخير، والعادي كانتظارِ انقطاع المطر ونحوه، كالعقلي. وفي إكمال الطعام والحمّامِ وجهان. والمعتبر في السعي القصد وإن قدر على الزيادة.

والحكم ثابت كذلك (وإنْ كان) المُودِع (كافِراً) مُباحَ المال كالحربي؛ للأمر بأداء الأمانة إلى أهلها (3) من غير قيد. ورَوَى الفُضَيلُ عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن رجل استَودَع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة والرجلُ الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن لا يُعطيه شيئاً، والمُودِعُ رجل خارجي شيطان، فلم أَدَعْ شيئاً. فقال (علیه السلام): «قل له يَرُدّ

ص: 369


1- ضابط كلّ ما استعار من الحيوان فنفقته على مستعيره ولا يرجع وإن نوى الرجوع. (زين رحمه الله)
2- إلَّا أن يخاف تلفه فيسقط. (زين رحمه الله )
3- النساء (4): 58 .

عليه، فإنّه اثْتَمَنَه عليه بأمانة الله»(1)؛ وعن الصادق(علیه السلام) : «أَدُّوا الأماناتِ إلى أهلها وإنْ كانوا مجوساً»(2).

(ويَضمَن لو أَهمَل) الردَّ (بعد المطالبة) وإمكان الرد على الوجه السابق؛ لأنَّه من أسباب التقصير، ولو كان التأخير لعذر وجب في أوّل أوقات إمكانه؛ (أو أودعها) لغيره ولو لزوجته أو ثقة (من غير ضرورة) إلى الإيداع فلو اضْطُرَّ إليه بأن خاف عليها من حَرْقٍ أو سَرَقٍ أو نَهْب لو بقيت في يده، وتعذَّر ردُّها إلى المالك والحاكم أودعها العدل.

وفى حكم إيداعها اختياراً إشراك الغير في اليد ولو زوجةً وولداً، ووضعها في محلّ مشترك في التصرّف بحيث لا يلاحظها في سائر الأوقات.

(أو سافَرَ بها كذلك) أي من غير ضرورة إلى استصحابها في السفر، بأن أمكنه عند إرادة السفر إيصالها إلى المالكِ أو وكيله عاماً أو خاصّاً، أو إيداعُها العدل، فتَرَك وأَخَذها معه فيَضمَن .

أمَّا مع الضرورة بأن تعذَّر جميعُ ما تقدَّم وخاف عليها في البلد، أو اضطر إلى السفر، فلا ضمان بل قد يجب؛ لأنَّه من ضُروب الحفظ. والمعتبرُ في تعذر التوصل إلى المالك ومَن بحكمه المشقَّةُ الكثيرة عرفاً؛ وفي السفر العرفي أيضاً، فما قصر عنه كالتردّد إلى حدود البلد وقُریً لا يُطلق على الذهاب إليها السفر، يجوز فيه مصاحبتها مع أمْنِ الطريق، ولا يجوز إيداعها في مثله مع إمكان استصحابها. واستثني منه ما لو أودعه مسافراً أو كان المستودع مُنتَجِعاً(3)، فإنّه يُسافر بها من غير ضمان؛ لقدوم المالك عليه.

(أو طَرَحَها في موضع تَتَعَفَّن فيه) وإن كان حرزاً لمثلها؛ لما عرفت من أن الحرز مشروط بأمورٍ أُخَرَ هذا منها. وفي حكم العفن الموضع المفيد كالندى للكتب. وضابطه ما لا يصلح لتلك الوديعة عرفاً بحسب مدة إقامتها فيه.

ص: 370


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 181 ح 795 .
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 351 ، ح 993 .
3- التنجع والانتجاع والنجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 22، «نجع».

(أو تَرَك سقي الدابَّة أو علفها ما لا تصبر عليه عادةً) ومثلها المملوك. والمعتبر السقي والعلفُ بحسب المعتاد لأمثالها، فالنقصان عنه تفريط، وهو المعبر عنه بعدم صبرها عليه، فيضمنها حينئذٍ وإن ماتت بغيره. ولا فرق في ذلك بین أن يَأمُرَه بهما، ويُطلق، وينهاه؛ لوجوب حفظ المال عن التلف. هذا هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة وهو أحد القولين في المسألة(1).

والأقوى أنّه مع النهي لا يضمن بالترك؛ لأنّ حفظ المال إنما يجب على مالكه لا على غيره، نعم، يجب في الحيوان مطلقاً؛ لأنَّه ذو روح، لكن لا يضمن بتركه كغيره.

واعلم أن مستودَعَ الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أَنْفَق ورَجَع عليه بما غَرِم، وإن أطلق توصَّل إلى استئذانه، فإن تعذَّرَ رَفَع أمره إلى الحاكم، فإن تعذَّرَ أَنفَق هو وأَشهَد عليه ورجع به، ولو تعذر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع إن أراده، وقبل قوله فيها، وفي القَدَر بالمعروف. وكذا القول مع نهي المالك له عنه.

وفي حكم النفقة ما تفتقر إليه من الدواء وغيره. وفي حكم الحيوان الشجرُ المفتقِرُ إلى الحَرْث والسقي وغيرهما.

(أو تَرَكَ نَشْرَ الثوب) الذي يُفسِده طولُ مَكثه كالصوف والإبريسم (للريح) حتى لو لم يندفع بنشره وجب لبسه بمقدار ما يندفع الضرورة عنه، وكذا عَرْضُه على البرْد.

ومثله توقف نقل الدابة إلى الحرز أو العَلفِ أو السقي على الركوب، والكتاب على تقليبه والنظر فيه، فيجب ذلك كله ويحرم بدونه.

(أو انتفع بها) لا لذلك (أو مَزَجها) بماله أو بمال غيره بحيث لا يتميَّز، سواءٌ مَزَجها بأجود أم ما دونه، بل لو مزج إحدى الوديعتين بالأخرى ضَمِنهما معاً وإنْ كانا لواحدٍ، ومثله خَلْطُها بمالٍ لمالكها غيرِ مُودَعٍ عنده؛ للتعدي في الجميع.

ص: 371


1- قال بالضمان الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 357؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 186 ؛ راجع مفتاح الكرامة، ج 17، ص 267 - 268.

( ولْيَرُدّ) الوديعة حيث يُؤمَر به، أو يريده هو (إلى المالك أو وكيله) المتناول وكالته مثل ذلك، مخيَّرٌ فيهما ، (فإن تعذر) المالك و وكيله (فالحاكم) الشرعي (عند الضرورة إلى ردّها (1)) لا بدونه؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على مَن له وكيل، والوَدَعي بمنزلته. وإنما جاز الدفع إليه عند الضرورة، دفعاً للحرج والإضرار وتنزيلاً له حينئذٍ منزلة من لا وكيل له.

وتَتَحقَّق الضرورة بالعجز عن الحفظ، وعُروض خوف يفتقر معه إلى التستُّر المنافي لرعايتها، أو الخوفِ على أخذ المُتَغَلِّب لها تبعاً لماله أو استقلالاً، أو الخوف عليها من السَرَق أو الحَرْق أو النهب ونحو ذلك. فإن تعذر الحاكم حينئذٍ أودعها الثقة. ولو دفعها إلى الحاكم مع القدرة على المالك ضَمِن كما يَضمَن لو دَفَعها إلى الثقة القدرة على الحاكم أو المالك.

(ولو أَنكَر الوديعة حَلَف)؛ لأصالة البراءة، (ولو أقام) المالك (بها بيِّنةً قَبْل حلفِه ضَمِن)؛ لأنَّه متعدّ بجحوده لها (إلَّا أن يكون جوابه «لا يَستَحِقٌ عندي شيئاً» وشبهه) كقوله : «ليس لك عندي وديعةٌ يَلزَمُني ردُّها ولا عوضها» فلا يضمن بالإنكار، بل يكون كمدّعي التلف يُقبل قوله بيمينه أيضاً؛ لإمكان تلفها بغير تفريط فلا تكون مستحقةً عنده، ولا يُناقض قوله البيِّنة. ولو أظهر لإنكاره الأوَّلِ تأويلاً كقوله : «ليس لك عندي وديعةٌ يَلزَمُني ردُّها أو ضمانها» ونحو ذلك فالأقوى القبول أيضاً، واختاره المصنف (رحمه الله) في بعض تحقيقاته(2).

(والقولُ قولُ الودعي في القيمة لو فَرَّط)؛ لأصالة عدم الزيادة عمّا يعترف به. :وقيل: قولُ المالك؛ لخروجه بالتفريط عن الأمانة(3). ويُضعف بأنه ليس مأخذ القبول.

ص: 372


1- مسألة: لو كان عند إنسان وديعة أو عارية لم يجز التوكيل في إيصالها إلى المالك، فإن فعل من غير ضرورة فتلفت ضمن.( زین رحمه الله )
2- حاشية القواعد، ص 300 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
3- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 624 ؛ والشيخ في النهاية، ص 437 .

(وإذا مات المُودِعُ سَلَّمها) المستودَعُ (إلى وارثه) إن اتَّحد (أو إلى من يقوم مقامه) من وكيل وولي، فإن تعدد سلّمها إلى الجميع إن اتفقوا في الأهلية، وإلا فإلى الأهلِ وولي الناقص.

(ولو سلمها إلى البعض) من دون إذن الباقين (ضمن للباقي) بنسبة حصتهم؛ لتَعَدِّيه فيها بتسليمها إلى غير المالك. وتجب المبادرة إلى ردها إليهم حينئذٍ كما سلف، سواءٌ عَلِم الوارث بها أم لا.

(ولا يَبرَأ) المستودَعُ ( بإعادتها إلى الحِرز لو تَعَدَّى) فأخرجها منه (أو فرّط) بتركه غيرَ مُقْفَل ثمّ قَفَله ونحوه؛ لأنَّه صار بمنزلة الغاصب، فيُستصحب حكم الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله برده عليه، ثمّ يُجدِّد له الوديعة، أو يُجدِّد له الاستئمانَ بغير ردّ كأن يقول له «أودَعتُكَها» أو «استأمنتك عليها» ونحوه على الأقوى وقيل: لا يعود بذلك(1)، كما لا يزول الضمان عن الغاصب بإيداعه، أو يُبرئه من الضمان على قول قوي(2).

(ويُقبل قوله بيمينه في الرد) وإن كان مدّعياً بكل وجه على المشهور؛ لأنَّه محسن وقابضُ لِمحض مصلحة المالك، والأصل براءة ذمته.

هذا إذا ادَّعى ردَّها على من ائْتَمَنه، أمَّا لو ادّعاه على غيره كوارثه، فكغيره من الأمناء؛ لأصالة عدمه، وهو لم يأتمنه فلا يُكلَّف تصديقه. ودعوى ردها على الوكيل كدعواه على الموكل؛ لأنّ يده كيده.

ص: 373


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 275.
2- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 133 .

ص: 374

كتاب العارية

ص: 375

ص: 376

(كتاب العارية)

بتشديد الياء، وتُخفَّف، نسبةٌ إلى «العار» ؛ لأنّ طلبها عارً(1)، أو إلى «العارَة» مصدرٌ ثانٍ لأَعَرْتُه إعارة ك-«الجابة» للإجابة، أو من «عار» إذا جاء وذَهَب، لتحولها من يد إلى أخرى، أو من «التعاوُر» وهو التداول.

وهي من العقود الجائزة تُثمِر جواز التصرّف في العين بالانتفاع مع بقاء الأصل غالباً.

(ولا حصر أيضاً) أي عوداً إلى ما ذكر في الوديعة (في ألفاظها) إيجاباً وقبولاً، بل كلُّ ما دلّ على الإذن من طرف المُعِير فهو إيجاب، ويكفي الفعلُ في القبول، بل لو استفيد رضاه من غير الألفاظ - كالكتابة والإشارة - ولو مع القدرة على النطق كَفَى.

ومثله ما لو دَفَع إليه ثوباً حيث وجده عارياً أو محتاجاً إلى لبسه، أو فَرَش لضيفه فَراشاً أو أَلقَى إليه وسادةً أو مِخَدَّة. واكتفى في التذكرة بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه(2). وينبغي تقييده بكون منفعته ممّا يتناوله الإذن الوارد في الآية (3) بجواز الأكل من بيته بمفهوم الموافقة، وتَعَدِّيه إلى مَن تناولته من الأرحام لا مطلق حسن الظن؛ لعدم الدليل، إذ المساوي قياس، والأضعف ممتنع بطريقٍ أَولى.

ص: 377


1- ذكر الجوهري في الصحاح، ج 2، ص 761 ؛ وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 320 «عور».
2- تذكرة الفقهاء، ج 16، ص 246، المسألة 91.
3- النور (24): 61.

(ويُشترَط كونُ المُعير كاملاً جائز التصرّف. ويجوز إعارة الصبي بإذن الولي) لمال نفسه ووليه؛ لأنّ المعتبر إذن الولي، وهو كافٍ في تحقق هذا العقد.

هذا إذا علم المستعير بإذن الولي، وإلّا لم يُقبل قولُ الصبي في حقه، إلَّا أن تَنضَم إليه قرائنُ تُفيد الظنَّ المتاخم للعلم به، كما إذا طلبها من الوليّ فجاء بها الصبيُّ وأخبر أنه أرسله بها ونحو ذلك. كما يُقبل قوله في الهَديَّةِ، والإذن في دخول الدار بالقرائن.

ولا بدّ مع إذن الولي له في إعارة ماله من وجود المصلحة بها، بأن تكون يدُ المستعير أحفظ من يد الوليّ في ذلك الوقت، أو لانتفاع الصبي بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله، أو لكون العين ينفعها الاستعمال ويضرها الإهمال ونحو ذلك.

(وكونُ العين ممّا يصحّ الانتفاع بها مع بقائها) فلا يصحّ إعارة ما لا يتم الانتفاع به إلّا بذهاب عينه كالأطعمة.

ويُستثنى من ذلك «المِنْحَةُ» وهي الشاةُ المستعارة للحلب، للنص(1). وفي تعدِّيه إلى غيرها من الحيوان المتَّخَذ للحلب وجهان، والاقتصارُ فيما خالَفَ الأصلَ على موضع اليقين أجود.

(وللمالك الرجوع فيها متى شاء)؛ لاقتضاء جواز العقد ذلك (إلَّا في الإعارة للدفن) أي دفن الميت المسلم ومن بحكمه، فلا يجوز الرجوع فيه (بعد الطمِّ)؛ لتحريم نبشه وهتك حرمته إلى أن تندرس عِظامُه. ولو رَجَع قبله جاز وإن كان الميت قد وُضِع على الأقوى للأصل. فمؤونة الحفر لازمة لولى الميت لقدومه على ذلك إلَّا أن يتعذر عليه غيرُه ممّا لا يزيد عِوَضُه عنه، فيقوى كونه من مال الميت؛ لعدم التقصير. ولا يَلزَم وليَّه طقه للإذن فيه.

ويُستثنى آخران أيضاً:

أحدهما: إذا حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يُستدرك، كما لو أعاره لوحاً

ص: 378


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 127، ح 554-556.

رقع به سفينته ولجَّجَ في البحر، فلا رجوع للمعير إلى أن يمكنه الخروج إلى الشاطئ أو إصلاحها مع نَزْعِه من غير ضرر، ولو رجع قبل دخول السفينة أو بعد خروجها فلا إشكال في الجواز، مع احتمال الجواز مطلقاً وإن وجب الصبر بقبضه إلى أن يزول الضرر.

والثاني: الاستعارة للرهن بعد وقوعه، وقد تقدَّم(1).

(وهي أمانة) في يد المستعير (لا يضمن إلَّا بالتعدي أو التفريط (2)) إلَّا ما سَيُسْتَثنى.

(وإذا استعار أرضاً) صالحة للزرع والغَرْسِ والبِناءِ عادةً (غَرَس أَو زَرَع أو بَنَى)، مخيَّرٌ فيها مع الإطلاقِ أو التصريح بالتعميم، وله الجمع بينها بحسب الإمكان؛ لأنّ ذلك كله انتفاع بتلك العين يدخل في الإطلاق أو التعميم. ومثله ما لو استعار دابَّةً صالحةً للركوب والحمل.

( ولو عيَّن له جهةً لم يَتَجاوَزْها) ولوْ إلى المساوي والأدون؛ عملاً بمقتضى التعيين، واقتصاراً على المأذون. وقيل: يجوز التخطي إلى المساوي والأقل ضرراً (3). وهو ضعيف. ودخول الأدون بطريق أولى ممنوع؛ لاختلاف الغرض في ذلك، نعم، لو عُلم انتفاء الغرض بالمعيَّن اتَّجه جواز التخطي إلى الأقل، أمَّا المساوي، فلا مطلقاً، كما أنه مع النهي عن التخطّى يحرم مطلقاً.

وحيث يتعيَّن المعيَّنُ فتَعدَّى إلى غيره ضَمِن الأَرضَ ولَزِمه الأجرة لمجموع ما فَعَل من غير أن يَسقُط منه ما قابَلَ المأذونَ على الأقوى؛ لكونه تصرّفاً بغير إذن المالك فيوجب الأجرة، والقدر المأذونُ فيه لم يفعله فلا معنى لإسقاط قدره.

ص: 379


1- تقدّم في كتاب الرهن، ص 279 وما بعدها.
2- لو تلفت بالاستعمال ضمن آخر حالات التقويم على خلاف، وقيل: لا يضمن ؛ لأنّ التلف مستند إلى استعمال مأذون فيه. ووجه الأوّل أنّ الإذن إنما تتناول غالباً استعمال غیر متلف. (زین رحمه الله)
3- قال به العلَّامة في تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 3، ص 212، الرقم 4468.

نعم، لو كان المأذون فيه داخلاً في ضمن المنهي عنه، كما لو أذن له في تحميل الدابَّة قَدَراً معيناً فتَجاوَزَه أو في ركوبها بنفسه فأردف غيره تعيَّن إسقاط قَدر المأذون؛ لأنَّه بعضُ ما استُوفِيَ من المنفعة وإنْ ضَمِن الدابَّةَ أجمع.

(ويجوز له بيعُ غُروسِه وأبنيته ولو على غير المالك) على المشهور؛ لأنَّه مالك غيرُ ممنوع من التصرّف فيه، فيبيعه ممّن شاء. وقيل: لا يجوز بيعه على غير المُعِير؛ لعدم استقرار ملكه برجوع المعير(1)؛ وهو غيرُ مانع من البيع، كما يُباع المُشرِفُ على التلف، ومُستَحِقُّ القتل قصاصاً. ثم إن كان المشتري جاهلاً بحاله فله الفسخ؛ للعيب، لا إن كان عالماً بل يُنَزَّل منزلة المستعير.

ولو اتَّفقا على بيع ملكهما معاً بثمن واحدٍ صح، ووُزِّع الثمنُ عليهما، فيُقسَّط على أرض مشغولة به على وجه الإعارة مستحِق القلع بالأرش، أو الإبقاء بالأجرة، أو التملكِ بالقيمة مع التراضي، وعلى ما فيها مستحِقَّ القلع على أحد الوجوه، فلكل قسط ما يملكه.

(ولو نقصت) العينُ المُعارَةُ (بالاستعمال لم يَضمن) المستعير النقص؛ لاستناد التلف إلى فعل مأذون فيه ولو من جهة الإطلاق.

وتقييده بالنقص قد يُفهم أنّها لو تلفت به ضَمِنها وهو أحد القولين(2) في المسألة؛ لعدم تناول الإذن للاستعمالِ المُتْلِفِ عرفاً وإن دخل في الإطلاق، فيَضمَنها آخِرَ حالات التقويم. وقيل: لا يَضمن أيضاً كالنقص (3)؛ لما ذُكر من الوجه، وهو الوجه.

(ويَضمَن العارية باشتراط الضمان) عملاً بالشرط المأمور بالكون معه، سواءٌ شرط ضمان العين أم الأجزاء أم هما، فيُتَّبَع شرطه.

ص: 380


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 466.
2- نسبه إلى التقي الطباطبائي في رياض المسائل، ج 9، ص 445 : انظر الكافي في الفقه، ص 329، لم نعثر على غيره ؛ راجع جامع المقاصد، ج 1، ص 82 .
3- قال به العلَّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 44، المسألة 24.

(وبكونها ذهباً أو فضَّةً) سواء كانا دنانير ودراهم أم لا على أصحّ القولين(1)؛ لأنّ فيه جمعاً بين النصوص المختلفة(2) .

وقيل: يختص بالنقدين(3)، استناداً إلى الجمع أيضاً، وإلى الحكمةِ الباعثة على الحكم وهي ضَعفُ المنفعة المطلوبة منهما بدون الإنفاق فكانت عاريتهما موجبةً بالذات لما يوجب التلف فيُضمنان بها.

ويُضعف بأنّ الشرط الانتفاع بهما مع بقائهما، وضَعْفُ المنفعة حينئذٍ لا مدخل له في اختلاف الحكم، وتقديرُ منفعة الإنفاق حكم بغير الواقع.

(ولو ادَّعى) المستعير (التلفَ حَلَفَ)؛ لأنَّه أمين فيُقبل قوله فيه كغيره، سواءٌ ادعاه بأمر ظاهر أم خفي؛ ولإمكان صدقه، فلو لم يُقبل قوله لَزِم تخليدُه الحبسَ.

(ولو ادَّعَى الردَّ حَلَف المالك)؛ لأصالة عدمه وقد قبضه لمصلحة نفسه فلا يُقبل قولُه فيه، بخلاف الوَدَعي. ومعنى عدم قبول قوله فيه: الحكم بضمانه للمثل أو القيمة حيث يتعذَّر العين، لا الحكم بالعين مطلقاً؛ لما تقدَّم في دعوى التلف.

(وللمستعير الاستظلالُ بالشجر) الذي غَرَسه في الأرضِ المُعارةِ للغرس وإنْ استلزم التصرّف في الأرض بغير الغرس؛ لقضاء العادة به، كما يجوز له الدخول إليها لسقيه وحرثِه وحراسته وغيرها، وليس له الدخول لغير غرض يتعلق بالشجر كالتفرُّج.

(وكذا) يجوز (للمعير) الاستظلال بالشجرِ المذكور وإن كان ملكاً لغيره؛ لأنّه جالس في ملكه، كما لو جلس فى غيره من أملاكه فاتَّفق له التظلُّل بشجر غيره، أو في المباح كذلك، وكذا يجوز له الانتفاع بكلِّ ما لا يستلزم التصرّف في الشجر.

(ولا يجوز) للمستعير (إعارة العين المستعارة إلَّا بإذن المالك)؛ لأنّ الإعارة إنّما

ص: 381


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 459؛ وإلى عدم الضمان ذهب فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 129 - 130 ؛ لاحظ جامع المقاصد، ج 6، ص 78 - 79 .
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 183 - 184، باب العارية.
3- قال به فخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 130.

تناولت الإذن له خاصّةً. نعم، يجوز له استيفاء المنفعة بنفسه ووكيله، لكن لا يُعد ذلك إعارةً؛ لعود المنفعة إليه لا إلى الوكيل.

وحيث يُعِير يَضمَن العين والمنفعة، ويرجع المالك على مَن شاء منهما، فإن رجع على المستعير الأول لم يَرجِع على الثاني الجاهل، إلَّا أن تكون العارية مضمونةً فيَرجِع عليه ببدل العين خاصّةً، ولو كان عالماً استقر الضمان عليه كالغاصب، وإن رجع على الثاني رجع على الأوّل بما لا يرجع عليه به لو رجع عليه؛ لغروره.

(ولو شرط سقوط الضمان في الذهب والفضة صحّ)؛ عملاً بالشرط.

(ولو شرط سقوطه مع التعدي أو التفريط، احتمل الجواز)؛ لأنَّه في قوَّة الإذن له في الإتلاف، فلا يستعقب الضمان (كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر). ويُحتمل عدمُ صحَّة الشرط؛ لأنَّهما من أسباب الضمان، فلا يُعقل إسقاطه قبل وقوعه، لأنَّه كالبراءة ممّا لم يجب. والأوّل أقوى.

(ولو قال الراكب «أَعَرْتَنِيها»، وقال المالك «آجَرتُكَها» حَلَف الراكب)؛ لاتفاقهما على أنّ تلف المنافع وقع على ملك المستعير، وإنما يختلفان في الأجرة، والأصل براءة ذمته منها.

(وقيل:) يحلف (المالك (1))؛ لأنّ المنافع أموال كالأعيان، فهي بالأصالة لمالك العين؛ فادعاء الراكب ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل، وأصالة براءة ذمته إنّما تصح من خصوص ما ادعاه المالك، لا من مطلق الحقِّ بعد استيفائه منفعة ملك غيره (2)؛ (وهو أقوى (3)).

ص: 382


1- القول للشيخ في الخلاف، ووجهه أنهما متفقان على أن تلف المنافع وقع على ملك المستعير؛ لأن المالك يزعم أنه ملكها بالإجارة والمستعير يزعم أنه ملكها بالاستيفاء المستند إلى الإعارة لأنّ المستعير يملك ذلك الاستيفاء فيده شرعيّة على القولين. ثمّ المالك يدّعي عليه عوض ما استوفاه من ملكه وهو ينكر استحقاقه والأصل يقتضي عدم وجوبه وبرائة ذمّة الراكب منه فيكون القول قوله. (زین رحمه الله)
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 431، شرائع الإسلام، ج 2، ص 138 - 139: تحرير الأحكام الشرعيَّة، ج 3، ص 219 ، الرقم 4485.
3- نعم، لو انتفع جميع المدّة أو بعضها، ولو كان في الابتداء حلف الراكب. (زين رحمه الله)

(ولكن) لا يُقبل قوله فيما يدعيه من الأجرة؛ لأنَّه فيها مدع، كما أن الراكب بالنسبة إلى العارية مدع، بل يحلف على نفي العارية (وتثبت له أُجرة المثل)؛ لثبوت أن الراكب تصرّف في ملك غيره بغير تبرع منه (إلَّا أن تَزيد) أُجرة المثل (على ما ادعاه) المالك (من المسمّى) فيثبت المسمّى؛ لاعترافه بعدم استحقاقه سواه.

ويُشكل بأنّ المالك يدَّعي الزائد من الأجرة على تقدير زيادة ما يدعيه عن أُجرة المثل، والراكبَ يَنفيه، فلابد من وجه شرعي يقتضي نفيه، وحلفه على نفي الإعارة لم يدلّ على نفي الإجارة، كما لم يدل على إثباتها، وإثبات أقل الأمرين باليمين مسلَّم، لكن يبقى النزاع في الزائد على تقديره؛ لا يندفع إلَّا بحلف الراكب على نفي الإجارة، أو نكوله، فيحلف المالك عليها ويأخذ الزيادة.

فالأقوى حينئذٍ أنّهما يتحالفان لأنّ كلّاً منهما مدَّع ومدَّعَى عليه، فيحلف المالك على نفي الإعارة، والراكب على نفي الإجارة، ويثبت أقلُّ الأمرين؛ لانتفاء الزائدِ من المسمّى بيمين المستعير والزائد من أجرة المثل باعتراف المالك. وهذا هو الذي اختاره المصنف في بعض تحقيقاته(1).

هذا إذا وقع الاختلاف بعد انقضاء مدَّةٍ لها أُجرة عادةً، أو ما يدعي كونَها مدَّةَ الإجارة، أمَّا قبله فالقول قول الراكب في نفي الإجارة، ويَسْتَرِدّ العينُ.

مدَّةَ

ص: 383


1- لم نعثر عليه في حاشية القواعد المطبوعة جديداً، ذهب إليه الشهيد في الحواشي كما في مفتاح الكرامة، ج 17، ص 476 .

ص: 384

كتاب المزارعة

ص: 385

ص: 386

(كتاب المزارعة)

(وهي) لغةً مفاعلةٌ من «الزرع»(1)، وهي تقتضي وقوعه منهما معاً، لكنّها في الشرع صارت (معاملةً على الأرض بحصّة من حاصلها إلى أجل معلوم) ونُسِب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر، فكأنّه لذلك فاعل، كالمضاربة. وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة، فإنّها بالذات على الأصول، وبالحصّة إجارة الأرض للزراعة، أو الأعمِّ؛ إذ لا تصح بحصة من الحاصل.

وقيدُ «الأجل» لبيان الواقع أو تخصيص للصحيحة، أو استطراد لبعض الشرائط التي يحصل بها الكشف عن الماهيّة وإن لم يكن ذكرها من وظائف التعريف.

(وعبارتها «زارَعتُك» أو «عامَلتُك» أو «سلَّمتُها إليك» وشبهه) ك-«قبلتك هذه الأرضَ» ونحوه من صيغ الماضي الدالة على إنشاء العقد صريحاً.

والمشهور جوازها بصيغة «ازْرَعْ هذه الأرض»، استناداً إلى روايةٍ (2) قاصرةِ الدَلالة عن إخراج هذا العقد اللازم عن نظائره، فالمنع أوجَهُ.

(فيقبل) الزارع (لفظاً) على الأقوى كغيره.

ص: 387


1- راجع المعجم الوسيط، ص 392، «زرع».
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 194 ، ح 857.

(وعقدها لازم)؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(1) إلَّا ما أخرجه الدليل، وليس هذا منه إجماعاً.

( ويصحّ التقایلُ) فيه؛ لأنَّه معاوضةٌ محضة فيقبلها كالبيع.

(ولا تبطل بموت أحدهما) ؛ لأنّ ذلك من مقتضى اللزوم.

ثم إن كان الميِّتُ العامل قام وارثه مقامه في العمل، وإلا استأجر الحاكم عليه من ماله أو على ما يخرج من حصَّته، وإن كان المالك بقيت بحالها وعلى العامل القيام بتمام العمل. واستثني من الأوّل ما لو شرط عليه العمل بنفسه فمات قبله. ويُشكل لو مات بعده، خصوصاً بعد ظهور الثمرة وقبل تمام العمل؛ لأنّه قد مَلَك الحصّة.

(ولا بدّ من كون النماء مُشاعاً) بينهما (تَساوَيا فيه أو تَفاضَلا)، فلو شُرط لأحدهما شيءٌ معيَّن وإن كان البذر وللآخر الباقي أو لهما بطل، سواء كان الغالب أن يخرُج منها ما يزيد على المشروط، وعدمه.

(ولو شَرَط أحدهما على الآخر شيئاً يَضمنه مضافاً إلى الحصة) من ذهب أو فضَّة أو غيرِهما (صح) على المشهور ، ويكون قراره مشروطاً بالسلامة، كاستثناء أرطالٍ معلومةٍ من الثمرة في البيع، ولو تلف البعضُ سقط من الشرط بحسابه؛ لأنَّه كالشريك وإنْ كانت حصَّتُه معيَّنةً مع احتمال أن لا يَسقُط شيء بذلك، عملاً بإطلاق الشرط.

(ولو مَضَت المدَّة والزرع باق فعلى العامل الأجرة) لما بقي من المدة (وللمالك قلعه): إذ لا حق للزارع بعدها، فيتخيَّر المالك بين القلع والإبقاء بالأجرة إن رَضِيَ العامل بها (2)، وإلّا

ص: 388


1- المائدة (5): 1 .
2- لأنّ الحق لا يعدوهما ولا يجبر أحدهما عليه خلافاً لظاهر القواعد حيث جعل التخيير في قلعه بالأرش وإبقائه بالأجرة إلى المالك، ويشكل بأنّ إيجاب عوض في ذمة الزارع لا يعقل بدون رضاه ثم على تقدير القلع فالمقلوع لهما بناء على أنّ الزارع يملك الحصة وإن لم ينعقد الحبّ خلافاً لابن زهرة (منه رحمه الله)

قلع ولا أُجرة للمالك على ما مَضَى من المدَّة لو لم ينتفع بالمقلوع؛ لأنّ مقتضى العقد قصْرُ الحقِّ على الحصّة، مع احتمال وجوبها على الزارع لو كان التأخير بتفريطه؛ لتضييعه منفعة الأرض بتأخيره. ولا فرق في كون المقلوع بينهما بين كون البذر من مالك الأرض والزارع .

وهل يستحق المالك قلعه بالأرش أو مجاناً؟ قولان (1)وظاهر العبارة -ككثير - عدمه. وعلى القول به، فطريق معرفته أن يُقوم الزرعُ قائماً بالأجرة إلى أوان حصاده، ومقلوعاً.

(ولا بدّ من إمكان الانتفاع بالأرض) في الزراعة المقصودة منها، أو في نوع منها مع الإطلاق، (بأن يكون لها ماء من نهرٍ أو بئرٍ أو مصنع، أو تَسقِيها الغُيوثُ غالباً)، أو الزيادة كالنيل. والضابط: إمكانُ الانتفاع بزرعها المقصودِ عادةً، فإن لم يمكن بطلت المزارعةُ وإن رَضِيَ العامل.

(ولو انقطع) الماء (في جميع المدَّة) مع كونه معتاداً لها قبل ذلك (انفسخت) المزارعةُ (وفي الأثناء يتخيَّر العامل)؛ لطروء العيب ولا يبطل العقد؛ لسبق الحكم بصحته فيُستصحب، والضرر يندفع بالخيار.

(فإن فسخ فعليه) من الأجرة (بنسبة ما سلف) من المدَّة؛ لانتفاعه بأرض الغير بعوض لم يَسلَم له، وزواله باختياره الفسخ.

ويُشكل بأنّ فسخه لعدم إمكان الإكمال، وعمله الماضي مشروط بالحصة لا بالأجرة، فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شيءٌ آخر، نعم، لو كان قد استأجرها للزراعة توجَّه ذلك.

(وإذا أطلق المزارعةَ زَرَع) العامل ( ما شاء) إن كان البذر منه كما هو الغالب، أو بذل المالك ما شاء إن شُرِط عليه. وإنما تخيّر مع الإطلاق ؛ لدلالة المطلق على الماهية

ص: 389


1- القول بالأرش للعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص312؛ والقول بالعدم للمحقق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 119.

من حيث هي، وكلُّ فرد من أفراد الزرع يصلح أن يُوجد المطلقُ في ضمنه، وأولى منه لو عمَّم الإذن؛ لدلالته على كل فرد فرد.

وربما فُرّق بين الإطلاق والتعميم، بناءً على أنّ الإطلاق إنما يقتضي تجويز القدر المشترك بين الأفراد، ولا يلزم من الرضى بالقدر المشترك الرضى بالأقوى، بخلاف التعميم (1). ومما ذكرناه يظهر ضعفه.

(ولو عيَّن) شيئاً من الزرع (لم يتجاوز) ما عَيَّن له، سواء كان المعيَّن شخصياً ك-« هذا الحبّ» أم صنفيّاً ك- «الحنطة الفلانيَّة» أم نوعيّاً، أم غيره؛ لاختلاف الأغراض باختلافه، فيتعيَّن ما تَعلَّق به.

(فلو) خالف و (زَرَع الأضرَّ قيل: تخيَّر المالك بين الفسخ فله أجرة المثل) عمّا زرعه (وبين الإبقاء، فله المسمّى مع الأرش)(2) . ووجه التخيير أنّ مقدار المنفعة المعقود عليها قد استُوفِيَ بزيادة في ضمن زرع الأضر، فيتخيّر بين الفسخ لذلك، فيأخذ الأجرةَ لِما زُرع؛ لوقوعه أجمعَ بغير إذنه؛ لأنه غير المعقود عليه، وبين أخذِ المسمّى في مقابلة مقدار المنفعة المعيَّنة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجِبِ للضرر.

ويُشكل بأنّ الحصَّةَ المسماة إنّما وقعت في مقابلة الزرع المعين ولم يحصل، والذي زُرع لم يتناوله العقد ولا الإذن، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصَّةَ، ومِن ثَمَّ نَسَبه إلى القيل تنبيهاً على تمريضه. والأقوى وجوب أُجرة المثل خاصّةً.

( ولو كان) المزروع (أقل ضرراً) من المعيَّن (جاز)، فيستحق ما سماه من الحصة، ولا أرش ولا خيار لعدم الضرر.

ويُشكل بأنّه غيرُ معقودٍ عليه أيضاً، فكيف يستحق فيه شيئاً مع أنّه نَماءُ بذرِ

ص: 390


1- هو العلَّامة في تذكرة الفقهاء، ج 18، ص 406 - 407، المسألة 798 .
2- قال به المحقِّق في شرائع الإسلام، ج 2، ص 120؛ والعلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 313.

العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه ؟! والأقوى ثبوت أجرة المثل أيضاً كالسابق.

(ويجوز أن يكون من أحدهما الأرضُ حَسْبُ، ومن الآخر البذرُ والعمل والعوامل)، وهذا هو الأصل في المزارعة، ويجوز جعل اثنين من أحدهما والباقي من الآخر؛ وكذا واحدٍ وبعض الآخر. ويتشعب من الأركان الأربعةِ صُوَرٌ كثيرة لا حصر لها بحسب شرط بعضها من أحدهما، والباقي من الآخر.

(وكل واحدة من الصور الممكنة جائزة) متى كان من أحدهما بعضُها ولو جزءاً من الأربعة، ومن الآخر الباقى مع ضبط ما على كلّ واحد.

(و لو اختَلَفا في المدَّة حَلَفَ منكِرُ الزيادة)؛ لأصالة عدمها، فإن بقي الزرع بعد ما ثبت منها فكما سبق.

(و) لو اختلفا (في الحصَّة) حَلَف (صاحبُ البذر ) ؛ لأنّ النماء تابع له، فيُقدَّم قولُ مالكه في حصّة الآخر؛ لأصالة عدم خروج ما زاد عن ملكه، وعدم استحقاق الآخر له، واتفاقهما على عقدٍ تَضَمَّن حصَّةً إنّما نَقَل عنه في أصل الحصّة لا في الحصّةِ المعيَّنة، فيبقى حكم إنكار الزائد بحاله لم يخرج عن الأصل.

(ولو أقاما بيّنةً قُدِّمت بيّنة الآخر) في المسألتين، وهو العامل في الأُولى؛ لأنّ مالكَ الأرض يَدَّعي تقليل المدَّة، فيكون القول قوله والبيِّنة بيّنة غريمه العامل، ومَن ليس له بذر في الثانية من العامل ومالك الأرض؛ لأنَّه الخارج بالنظر إلى الباذر حيث قدم قوله مع عدم البيّنة.

(وقيل: يُقرع)؛ لأنَّها لكلّ أمرٍ مشكل(1). ويُشكل بأنه لا إشكال هنا، فإنّ من كان القولُ قوله فالبيّنة بيّنة صاحبه، فالقول بتقديم بيّنة المدّعي فيهما أقوى.

(وللمُزارع أن يُزارِعَ غيرَه أو يشارِكَ غيرَه) ؛ لأنَّه يملك منفعة الأرض بالعقدِ

ص: 391


1- قال به الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 521، المسألة 10.

اللازم، فيجوز له نقلها ومشاركة غيره عليها؛ لأنّ «الناس مسلطون على أموالهم(1)». نعم. لا يجوز له تسليم الأرض إلَّا بإذن مالكها.

وربما اشترط كونُ البذر منه ؛ ليكون تمليك الحصّة منوطاً به، وبه يُفْرَقُ بينه وبين عامل المساقاة، حيث لم يَجُز له أن يُساقِيَ غيره؛ وهو يَتم في مزارعة غيره لا في مشاركته. ويمكن الفرق بينهما بأنّ عمل الأصول في المساقاة مقصود بالذات كالثمرة، فلا يتسلَّط عليه من لا يُسلّطه المالك، بخلاف الأرض في المزارعة، فإنّ الغرض فيها ليس إلَّا الحصَّةَ، فلمالكها أن ينقلها إلى من شاء.

(إلّا أن يَشترط عليه المالك الزرع بنفسه) فلا يجوز له إدخال غيره مطلقاً، عملاً بمقتضى الشرط.

(والخراج على المالك)؛ لأنَّه موضوع على الأرض ابتداءً لا على الزرع (إلَّا مع الشرط)، فيُتّبع شرطه في جميعه وبعضه مع العلم بقدره، أو شُرِطَ قدر معيَّن منه. ولو شُرِط الخراجُ على العامل فزاد السلطان فيه زيادةً، فهي على صاحب الأرض؛ لأنّ الشرط لم يتناولها.

(وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب البذر، وعليه الأجرة (2)) للباقي، فإن كان البذرُ من صاحب الأرض فعليه أجرة مثل العامل والعوامل، ولو كان من الزارع فعليه لصاحب الأرض أُجرةُ مثلها؛ ولِما شُرِط عليه من الآخرين، ولو كان البذر منهما فالحاصل بينهما، ولكلّ منهما على الآخر أُجرة مثل ما يخصه من الأرض وباقي الأعمال.

(ويجوز لصاحب الأرض الخَرْصُ على الزارع)، بأن يُقدِّرَ ما يَخُصه من الحصة تخميناً ويُقَبِّلَه به بحبّ ولو منه بما خَرَصه به (مع الرضىٰ)، وهذه معاملة خاصّة

ص: 392


1- أرسله الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 – 177، المسألة 290؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 138، ح 383.
2- وإن زادت عن المسمّى. (زين رحمه الله)

مستثناة من المُحاقلة(1) إن كانت بيعاً أو صلحاً.

(فيَستقِرّ) ما اتَّفقا عليه (بالسلامة، فلو تلف) الزرعُ أجمعُ من قبل الله تعالى (فلا شيء) على الزارع، ولو تلف البعضُ سقط منه بالنسبة ولو أتلفه مُتلِفٌ ضامن لم تَتَغَيَّر المعاملة، وطالب المتقبِّل المُتلِفَ بالعِوض. ولو زاد فالزائد للمتقبل، ولو نَقَص بسبب الخَرْص لم يسقط بسببه شيء.

هذا إذا وقعت المعاملة بالتقبيل، ولو وقعت بلفظ البيع اشترط فيه شرائطه مع احتمال كونه كذلك. ولو وقع بلفظ الصلح، فالظاهر أنه كالبيع، وقوفاً فيما خالَفَ الأصل على موضع اليقين. وقد تقدَّم الكلام على هذه القبالة في البيع(2).

ص: 393


1- المحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة وهي الساحة سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقلة. (منه رحمه الله)
2- تقدّم في البيع، ص 188 وما بعدها.

ص: 394

كتاب المساقاة

ص: 395

ص: 396

كتاب المساقاة

(وهى) لغةً: مفاعلةٌ من السقي(1)، واشتق منه دون باقي أعمالها؛ لأنَّه أنفعها وأظهرها في أصل الشرعيَّة، وهو نخل الحجاز الذي يُسقَى من الآبار، مع كثرة مؤونته.

وشرعاً: (معاملة على الأصول بحصة من ثمرها)، فخرجت ب-«الأصول» المزارعةُ، وب-«الحصّة» الإجارة المتعلقة بها، فإنّها لا تقع بالحصّة.

والمراد بالثمرة معناها المتعارف؛ لتردُّده في المعاملة على ما يُقصد وَرَقُه ووَرْدُه، ولو لوحِظَ إدخاله أريد بالثمرة نماء الشجر؛ ليَدخُل فيه الورق المقصود والورد. ولم يُقيَّد الأصول بكونها ثابتةً كما فَعَل غيرُه (2)؛ لأنّ ذلك شرط لها، وذكره في التعريف غيرُ لازم أو معيب، ومَن قيَّد به جعَله وصفاً للشجر مخصصاً لموضع البحث لا شرطاً.

(وهي لازمة من الطرفين) لا تنفسخ اختياراً إلَّا بالتقایل.

(وإيجابها «ساقيتُك» أو «عامَلتُك» أو «سلَّمتُ إليك» أو ما أَشَبَهَه) من الألفاظ الدالّة على إنشاء هذا العقد صريحاً ك-« قبلتك عمل كذا» أو «عقدتُ معك عقد المساقاة»، ونحوه من الألفاظ الواقعة بلفظ الماضي.

ص: 397


1- راجع المعجم الوسيط، ص 437، «سقي».
2- كما في الجامع للشرائع، ص 299 ؛ وقواعد الأحكام، ج 2، ص 316.

وزاد في التذكرة: «تَعَهَّد نخلي» أو «اعْمَل فيه»(1)؛ وإخراج هذا العقد عن نظائره من العقود اللازمة بوقوعه بصيغة الأمر من غير نص مخصص مشكل، وقد نُوقِش في أمر المزارعة (2) مع النص عليه، فكيف هذا ؟!

(والقبولُ الرضى به) وظاهره الاكتفاء بالقبول الفعلي كما مرّ في المزارعة (3)؛ إذ الرضى يحصل بدون القول والأجود الاقتصار على اللفظ الدال عليه؛ لأنّ الرضى أمرٌ باطني لا يُعلم إلَّا بالقول الكاشف عنه، وهو السرُّ في اعتبار الألفاظ الصريحة الدالة على الرضى بالعقود مع أنّ المعتبر هو الرضى، لكنّه أمر باطني لا يُعلَم إلَّا به؛ ويمكن أن يريد هنا ذلك.

(وتصح) المساقاة (إذا بقي للعامل عمل تزيد به الثمرة) سواءٌ (ظهرت) قبل العقد (أولا).

والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث والسقي، ورفع أغصان الكرم على الخشب، وتأبير ثمرة النخل. واحترز به عن نحو الجذاذ والحفظ والنقل وقطع الحطب الذي يُعمَل به الدِبْس من الأعمال التي لا يُستزاد بها الثمرة، فإنّ المساقاة لا تصح بها إجماعاً . نعم، تصح الإجارة حينئذٍ على بقيّة الأعمال بجزء من الثمرة؛ والجعالة والصلحُ.

( ولا بد) في صحَّة المساقاة ( من كون الشجر ) المساقى عليه (نابتاً) بالنون، أو بالثاء المثلثة، ويخرج على الأوّل المساقاة على الوَدِي غير المغروس، أو المغروس الذي لم يعلق بالأرض؛ والمغارَسةُ، وبالثانى ذلك وما لا يبقى غالباً كالخضراوات ،ويمكن خروجها بالشجر، فيتّحد المعنيان.

ص: 398


1- تذكرة الفقهاء، ج 18، ص 423، المسألة 815 .
2- ناقش فيه العلَّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 311.
3- مر في ص 387. فيه: «فيقبل الزارع لفظاً».

(ينتفع بثمرته مع بقاء عينه) بقاءً يزيد عن سنة غالباً. واحترز به عن نحو البطيخ والباذنجانِ والقُطْنِ وقَصَبِ السُكَّر، فإنّها ليست كذلك، وإن تعددت اللقطات مع بقاء عينه ذلك الوقت، وبَقِيَ القُطْنُ أزيد من سنة؛ لأنَّه خلاف الغالب.

(وفيما له وَرَق) لا يُقصد من عمله بالذات إلَّا ورقه (كالحِنّاء نظر)؛ من أنّه في معنى الثمرة فيكون مقصود المساقاة حاصلاً به ومن أن هذه المعاملة على خلاف الأصل ؛ لاشتمالها على جهالة العِوَض فيُقتصر بها على موضع الوفاق ومثله ما يُقصد وَرْدُه. وأمَّا التوت، فمنه ما يُقصد ورقه وحكمه كالحِنّاء، ومنه ما يُقصد ثمره، ولا شبهة في إلحاقه بغيره من شجر الثمر. والقولُ بالجواز في الجميع متجة.

(ويُشترَط تعيينُ المدَّة) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، ولا حد لها في جانب الزيادة، وفي جانب النقصان أن يغلب فيها حصول الثمرة.

(ويَلزَم العامل مع الإطلاق) أي إطلاق المساقاة، بأن قال: «ساقيتُك على البستان الفلاني سنةً بنصف حاصله» فقبِلَ «كلُّ عملٍ يَتكرَّر كلَّ سنةٍ) ممّا فيه صَلاحُ الثمرة أو زيادتها كالحرثِ والحفر حيث يحتاج إليه، وما يتوقف عليه من الآلات والعوامل وتهذيب الجريد بقطع ما يحتاج إلى قطعه منه، ومثله أغصان الشجر المضرُّ بقاؤها بالثمرة أو الأصل(1)، السقي ومقدماته المتكرّرة كالدلو والرشا، وإصلاح طريق الماء واستقائه، وإدارة الدولاب، وفتح رأس الساقية وسدّها عند الفراغ، وتعديل الثمرة بإزالة

ص: 399


1- في بعض النسخ والطبعة الحجرية زيادة:« ومنه زيارة الكرم». قال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام ذيل قول المحقِّق «وتهذيب الجريد»: المراد بتهذيبه قطع ما يحتاج إلى قطعه منه كالجزء اليابس ومثله زيادة [صح: زبارة] الكُرم، وقطع ما يحتاج إلى قطعه من أغصان الشجر المضرّ بقاؤها بالثمرة أو الأصل. راجع مسالك الأفهام، ج ،5 ص 46؛ وفي جامع المقاصد، ج 7، ص 360 و 361 قوله «وزبار [ة ] الكرم»: المراد به تقليمه، وقطع رؤوس الأغصان المضرّ بقاؤها بالثمرة أو الأصل. وهذا وإن كان مندرجاً في قوله «وقطع ما يحتاج إلى قطعه» إلَّا أنه أراد التصريح بماله اسم يعرف به.

ما يَضُرّها من الأغصان والورق لِيَصِلَ إليها الهواءُ وما يحتاج إليه من الشمس وليتيسّر قطعها عند الإدراك، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صوناً لها عن الشمس المُضِرَّة بها، ورفعها عن الأرض حيث يَضُرّها، ولقاطِها بمجرى العادة بحسب نوعها، فما يُؤخذ للزبيب يُقطع في الوقت الصالح له، وما يُعمَل دِبْساً فكذلك، وهكذا، وإصلاح موضع التشميس ونقل الثمرة إليه وتقليبها ووضعها على الوجه المعتبر، وغير ذلك من الأعمال.

(ولو شَرَط بعضه على المالك صح) بعد أن يكون مضبوطاً (لا جميعه)؛ لأنّ الحصّة لا يَستحِقها العاملُ إلَّا بالعمل، فلابد أن يبقى عليه منه شيء فيه مستزاد الثمرة وإنْ قل.

(وتعيين الحصّة بالجزء المشاع كالنصف والثلث (لا المعيَّن) كمائة رطل، والباقي للآخر أو بينهما.

(ويجوز اختلاف الحصّة في الأنواع) كالنصف من العنب، والثلث من الرطب، أو النوع الفلاني (إذا علماها ) أي الأنواع، حذراً من وقوع أقل الجزءين لأكثر الجنسين مع الجهل بهما، فيحصل الغررُ .

(ويُكره أن يشترط ربُّ المال على العامل) مع الحصة (ذهباً أو فضَّةً) ولا يُكره غيرهما؛ للأصل.

(فلو شَرَط) أحدَهما (وجب) ما شرطه (بشرط سلامة الثمرة)، فلو تلفت أجمعُ أو لم تَخرُج لم يَلزَم ؛ لأنَّه حينئذٍ أكل مال بالباطل ، فإنّ العامل لم يحصل له عِوَضُ ما عَمِل، فكيف يخسر مع عمله الفائتِ شيئاً آخَرَ ؟ ! ولو تلف البعضُ ، فالأقوى عدم سقوط شيءٍ؛ عملاً بالشرط، كما لا يسقط من العمل شيء بتلف بعض الثمرة.

(وكلَّما فسَدَ العقد فالثمرة للمالك)؛ لأنَّها تابعة لأصلها (وعليه أُجرة مثل

ص: 400

العامل)؛ لأنَّه لم يتبرع بعمله، ولم يحصل له العِوَضُ المشروط فيرجع إلى الأجرة.

هذا إذا لم يكن عالماً بالفساد ولم يكن الفساد بشرط عدم الحصّة للعامل، وإلّا فلا شيء له؛ لدخوله على ذلك.

(ولو شرط عقد مساقاة في عقد مساقاة فالأقربُ الصحَّة)؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع، أمَّا الأوّل فهو اشتراط عقد سائغ في عقد سائغ لازم، فيدخُل في عموم «المؤمنون عند شروطهم»(1)، وأمَّا الثانى، فلأنّ المانع لا يُتَخيَّل إلَّا كونه لم يَرْضَ أن يُعطِيَه من هذه الحصّة إلَّا بأن يَرضَى منه من الآخر بالحصّة الأخرى، ومثل هذا لا يصلح للمنع، كغيره من الشروط السائغة الواقعة في العقود.

والقول بالمنع للشيخ (رحمه الله) (2)استناداً إلى وجهِ ضعيف (3)، يظهر - مع ضعفه - ممّا ذُكر في وجه الصحَّة.

(ولو تَنازَعا في خيانة العامل حَلَف) العامل؛ لأنَّه أمين فيُقبل قوله بيمينه في عدمها؛ ولأصالته.

(وليس للعامل أن يُساقِيَ غيره)؛ لأنّ في المساقاة تسليطاً على أُصول الغير وعملها، والناسُ يختلفون في ذلك اختلافاً كثيراً، فليس لمن رَضِيَ المالك بعمله وأمانته أن يُوَلِّيَ من لم يَرْضَه المالك له، بخلاف المزارعة، فإنّ عمل الأرض غير مقصود وحصَّةَ المالك محفوظة على التقديرين.

وأمَّا الفرق بأنّ النماء تابع للأصل، وهو من مالك الأصول في المساقاة، ومن الزارع

ص: 401


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503 .
2- المبسوط، ج 3، ص 10.
3- القول بالبطلان للشيخ محتجاً عليه بأنه بيعتان في بيعة فإنه ما رضي أن يعطيه من هذه الحصة إلَّا بأن يرضى منه من الآخر بالحصة الأخرى، وهكذا في البيع إذ قلت: بعتك عبدي بألف على أن تبيعني عبدك إنّما هو وعد لا يلزم الوفاء به والحال أنه قد نقص الثمن لأجله فإذا بطل ذلك رددنا إلى الثمن ما نقص منه وهو مجهول فيجهل الثمن. (منه رحمه الله )

في المزارعة، فلمالك الأصل تسليط من شاء دون غيره، فإنّما يَتِمَّ مع كون البذر من العامل، والمسألة مفروضةٌ في كلامهم أعم منه، ومع ذلك فإنّ العقد اللازم يوجب الحصّة المخصوصة لكلّ منهما، فله نقلها إلى من شاء وإن لم يكن البذر منه، وكونها غير موجودة حين المزارعةِ الثانية غيرُ مانع؛ لأنّ المعاملة ليست على نفس الحصة، بل على الأرضِ والعمل والعوامل والبذر بالحصّة، فمن استَحَق بالعقد اللازم شيئاً تَسلَّطَ على نقله مع انتفاء المانع.

(والخَراجُ على المالك) ؛ لأنَّه موضوع على الأرضِ والشجر، فيكون على مالكهما (إلّا مع الشرط) بأن يكون على العامل، أو بعضُه فيصحّ مع ضبط المشروط.

(وتُملَك الفائدة بظهور الثمرة) عملاً بالشرط، فإنّ العقد اقتضى أن يكون بينهما، فمتى تحققت مُلِكَت كذلك.

(و تجب الزكاة على كلِّ من بَلغ نصيبه النصابَ) من المالك والعامل؛ لوجود شرط الوجوب وهو تعلق الوجوب بها على ملكه.

( ولو كانت المساقاة بعد تعلّق الزكاة وجوزناها) بأن بقي من العمل ما فيه مستزادُ الثمرة حيث جوزناها مع ذلك (فالزكاة على المالك)؛ لتعلّق الوجوب بها على ملكه.

(وأثبت السيّد) أبو المكارم حمزة (بن زهرة الزكاة على المالك في المزارعة والمساقاة دون العامل) مطلقاً، مُحتَجّاً بأن حصَّتَه كالأُجرة(1). وهو ضعيف؛ لأنّ الأجرة إذا كانت ثمرةً أو زرعاً قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على الأجير، كما لو ملكها كذلك بأي وجه كان، وإن أراد كالأجرة بعد ذلك فليس محلَّ النزاع، إلَّا أن يذهب إلى أنّ الحصّة لا يملكها العامل بالظهور، بل بعد بدو الصلاح

ص: 402


1- غنية النزوع، ج 1، ص 291 .

وتعلقِ الزكاة، لكنّه خِلافُ الإجماع، ومعه لا يتم التعليلُ بالأُجرة، بل بتأخُرِ مِلكه عن الوجوب.

(والمغارسة باطلة) وهي أن يَدفَع أرضاً إلى غيره ليغرسها على أنّ الغرس بينهما، (ولصاحب الأرض قلعه وله الأجرة) عن الأرض (الطول بقائه) فيها.

(ولو نقص بالقلع ضَمِن أرشَه) وهو تفاوت ما بين قيمته مقلوعاً، وباقياً الأرض بالأجرة . ولو كان الغرسُ من مالك الأرض وقد شَرَط على العامل غرسه وعمله بالحصة فهو لمالكه ، وعليه أجرة الغارس وما عمل فيه من الأعمال.

(و) على تقدير كونه من العامل (لو طلب كلُّ منهما ما لصاحبه) فطلب الغارسُ الأرض بالأجرة على أن يبقى الغرس فيها، أو أن تكون ملكه (بعوض)؛ أو طلب صاحب الأرض الغرس بقيمته (لم يجب على الآخر إجابته)؛ لأنّ كلّاً منهما مسلَّطٌ على ماله.

وحيث يقلعه الغارسُ يجب عليه طَمُّ الحُفَر وأرشُ الأرض لو نَقصت به، وقلعُ العروقِ المتخلفة عن المقلوع في الأرض.

ولم يَفرُق المصنِّف - كالأكثر - في إطلاق كلامه بين العالم بالفساد والجاهل في استحقاق الأرش وثبوتِ أُجرته لو كان الغرس لمالك الأرض، وليس ببعيد الفرق؛ لتبرع العالم بالعمل ووضعه الغرس بغير حق، وبه فارَقَ المستعير للغرس؛ لأنَّه موضوع بحق وإذنٍ صحيحةٍ شرعاً، بخلاف هذا الغرس.

(ولو اختلفا في الحصَّة حَلَف المالكُ)؛ لأنّ النماء تابع للأصل، فيُرجع إلى مالكه في مقدار ما أخرجه منه عن ملكه مع أصالة بقاء غيره وعدم انتقاله وملك الغير له. (وفي المدَّة يحلف المُنكِر) ؛ لأصالة عدم ما يدعيه الآخرُ من الزيادة.

ص: 403

تمّ الجزء الأوّل من الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ويتلوه في الثاني كتاب الإجارة، على يد مصنِّفها العبدِ الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي (عامله الله بلطفه وعفا عنه وعنهم بمنه وكرمه).

واتفق الفراغ منه يوم الثلاثاء سادس شهر جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وتسعمائة، حامداً لله تعالى مصلياً على رسوله وآله، مسلّماً مستغفراً. اللهم وفق لإكماله واجعله خالصاً لوجهك الكريم بمحمّد وآله.

***

تم الجزء الثاني - بحسب تجزئتنا - ويتلوه في الجزء الثالث كتاب الإجارة والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 404

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.