موسوعة الشهيد الثاني المجلد 6

هوية الکتاب

موسوعة

الشهيد الثاني

الجزء السَّادِس

الروضة البهية

في شرح اللمعة الدمشقية / 1

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس (الروضة البهية / 1)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلام

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 239

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN .. (دوره)

(1). ISBN 978-600-5570-81-6

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا.

کتابنامه.

مندرجات: ج .6. الروضة البهية / 1. -

1.اسلام - مجموعه ها .2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش .

4اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی. ب .عنوان

م BP4/6/92 297/08

محرر الرقمي: محسن حقاني فر

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس

الروضة البهيّة

في شرح اللمعة الدمشقية / 1

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس (الروضة البهية / 1)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلام

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 239

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN .. (دوره)

(1). ISBN 978-600-5570-81-6

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فييا.

کتابنامه.

مندرجات: ج .6. الروضة البهية / 1. -

1.اسلام - مجموعه ها .2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش .

4اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی. مرکز احیای آثار اسلامی. ب .عنوان

م BP4/6/92 297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني - (2 - 6) الرسائل / 1 : 2. كشف الريبة : 3. التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد؛

5. البداية 6 .الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل/ 2 : 7 تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8 .تقليد الميت؛ . 9.العدالة؛ 10 ماء البئر؛ 11. تيقن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13 . النيّة؛ 14 صلاة الجمعة؛ 15. الحث على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة؛ 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة؛ 21 .طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23 . الحبوة ؛ 24 .أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25. أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27 .أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ .. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع - (31 - 43) الرسائل /3 : 31 تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد 34 .وصيّةً نافعة 35 .شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36 .تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 .مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38 ترجمة الشهيد بقلمه الشريف 39. حاشية خلاصة الأقوال» 40. حاشية «رجال ابن داود» 41. الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43. الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49 ) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية

الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر - (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق...13

اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية ...13

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية ...16

الشروح والحواشي على الروضة البهية ...20

النسخ الخطية للروضة البهية ...34

تصحیح شرح اللمعة ...37

منهجنا في تحقيق الكتاب...41

مسك الختام. ..44

نماذج من مصوّرات النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ...46

شرح الخطبة ...3

كتاب الطهارة ...15

الكلام في الكرّ ...19

الكلام في البئر ...21

أحكام الماء المضاف والأسآر...27

النجاسات ...29

ص: 7

المطهرات ...34

الفصل الأوّل في الوضوء ...37

الفصل الثاني في الغسل ...48

الجنابة ...48

الحيض...52

الاستحاضة...58

النفاس...59

غُسل المس ...61

القول في أحكام الأموات وهي خمسة :63

الحكم الأوّل: الاحتضارُ...63

الحكم الثاني: الغسل...65

الحكم الثالث: الكَفْنُ

الحكم الرابع : الصلاة عليه...72

الحكم الخامس: دفنه ...79

الفصل الثالث في التيمم ...82

كتاب الصلاة...89

الفصل الأوّلُ في أعدادها ...91

الفصل الثاني في شروطها...95

الشرط الأوّل : الوقت ...95

الشرط الثاني: القبلة ...101

الشرط الثالث: سَتر العورة ...106

الشرط الرابع المكان ...110

ص: 8

الشرط الخامس: طهارة البدن من الحدث والخبث...120

الشرط السادس: ترك الكلام في أثناء الصلاة...120

الشرط السابع: الإسلام ...124

الفصل الثالث في كيفية الصلاة...125

الفصل الرابع في باقي مستحبّاتها...149

الفصل الخامس في التروك ...154

الفصل السادس في بقية الصلوات الواجبة ...160

صلاة الجمعة...160

صلاة العيدين ...167

صلاة الآيات...170

الصلاة المنذورة ...175

صلاة النيابة ...175

صلاة الاستسقاء ...175

نافلة شهر رمضان ...176

نافلة الزيارة ...177

الفصل السابع في بيان أحكام الخَلَلِ الواقع في الصلاة الواجبة ...178

مسائل سبع: ...184

الفصل الثامن في القضاء :...193

الفصل التاسع في صلاة الخوف ...204

الفصل العاشر في صلاة المسافر التي يجب قصرها كمّيّةً...208

الفصل الحادي عشر في الجماعة ...213

كتاب الزكاة ...223

الفصل الأوّل في من تجب عليه الزكاة ...225

الروضة البهية / 1

ص: 9

زكاة الأنعام ...225

زكاة النقدين ...232

زكاة الغلات الأربع ...233

الفصل الثاني: زكاة التجارة...236

حكم تأخير دفع الزكاة....236

حكم نقل الزكاة ...237

الفصل الثالث في المستحِق...239

أصناف المستحقين للزكاة ...239

الفصل الرابع في زكاة الفطرة...248

في من تجب عليه زكاة الفطرة ...248

مقدار زكاة الفطرة ...249

كتاب الخمس ...251

ما يجب فيه الخمس. ..253

في ما يعتبر في وجوب الخمس ...258

تقسيم الخمس ...259

الأنفال ...263

كتاب الصوم ...265

المفطرات ...267

القول في شروط الصوم ...274

طرق ثبوت شهر رمضان...278

الاعتكاف ...297

ص: 10

كتاب الحج ...303

الفصل الأول في شرائطه وأسبابه ...305

القول في حجّ الأسباب بالنذرِ وشبهه والنيابة...313

في النيابة ...317

الفصل الثاني في أنواع الحج ...327

الفصل الثالث في المواقيت ...337

الفصل الرابع في أفعال العمرة المطلقة...341

القول في الإحرام ...341

تروك الإحرام...346

القول في الطواف...352

القول في السعي والتقصير...361

الفصل الخامس في أفعال الحج...365

القول في الإحرام والوقوفين ...365

القول في مناسك منى...370

القول في العود إلى مكة للطوافين والسعي ...383

القول في العود إلى منى ...370

الفصل السادس في كفّاراتِ الإحرام...392

البحث الأوّل في كفّارة الصيد...392

البحث الثاني في كفّارة باقي المحرَّمات ...402

الفصل السابع في الإحصار والصدّ ...410

خاتمة ...41

ص: 11

كتاب الجهاد ...417

الفصل الأول فيمن يجب قتاله وكيفية القتال وأحكام الذمة ...423

الفصل الثاني في ترك القتال ...428

الفصل الثالث في الغنيمة ...430

الفصل الرابع في أحكام البغاة...434

الفصل الخامس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...436

ص: 12

مقدمة التحقيق

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية

أشهر مصنّفات الشهيد الأوّل، مختصر لطيف جمع فيه أبواب الفقه ولخص أحكامه، ولم يذكر فيه سوى المهم والمشهور بين الأصحاب.

كتبه الشهيد جواباً لالتماس ورد إليه من السلطان علي بن مؤيد حاكم خراسان الذي طلب منه أن يقدم عليهم بخراسان ليكون مرجعاً للشيعة، ولمّا كانت الأجواء السياسية لا تسمح له بمغادرته

(دمشق) اعتذر له عن مجيئه وعوّضه عن قدومه بكتاب فقهي مختصر يشتمل على أُمهات المسائل الشرعية ليكون مرجعاً للشيعة فيما يعرض لهم من المسائل الفقهية.

قال الشهيد الثاني في شرح قول الشهيد في مقدّمة اللمعة «إجابةً لالتماس بعض الديانين».

وهذا البعض هو شمس الدين محمد الآوي، من أصحاب السلطان علي بن مؤيد ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ... وكان بينه وبين المصنّف (قدّس سرّه) مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ثمّ إلى الشام، وطلب منه أخيراً التوجه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطّف والتعظيم والحثّ للمصنف (رحمه الله) على ذلك فأبى واعتذر إليه وصنّف له هذا الكتاب بدمشق في

ص: 13

سبعة أيام لا غير - على ما نقله عنه ولده المبرور أبوطالب محمد - وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل، ولم يتمكّن أحدٌ من نسخها منه لضنته بها، وإنما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها، وسافر بها قبل المقابلة، فوقع فيها بسبب ذلك خلل، ثمّ أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب المقام، وربما كان مغايراً للأصل بحسب اللفظ، وذلك في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.

ونُقِل عن المصنّف (رحمه الله ) أن مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم، قال: فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليّ أحد منهم فيراه، فما دخل عليّ أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه، وكان ذلك من خفيّ الألطاف. وهو من جملة كراماته (قدس الله روحه ونوّر ضريحه).

لم نستطع الوقوف على تاريخ التأليف تحديداً، ولكن صرّح الشهيد الثاني في مقدمة الشرح أنّه ألّفه عام 782، وأنه أصلحه المؤلّف بعد ذلك، وذكره الشهيد في إجازته لا بن الخازن في ثاني عشر شهر رمضان عام 784 ، الأمر الذي يرشدنا إلى أنّ تأليفه تمّ قبل استشهاده (عام 786) بأربع سنين. ومهما يكن من أمر فقد احتلت اللمعة الدمشقية مكانة مرموقة بين الكتب الفقهية إذ جمعت الوجازة والاختصار إلى روعة التعبير بالإضافة إلى ما لوحظ فيها من التنظيم الفنّي والتنسيق الرائع لأبواب الفقه وأحكامه ومسائله، فقد ساير الشهيد المحقق الحلّي في تنظيم أبواب الفقه، لكنّه زاد عليه بجملة من التحسينات نلمسها فيما نراجع كلّاً من المختصر النافع واللمعة الدمشقية. ومن هنا صار هذا الكتاب محطّاً لأنظار الفقهاء والعلماء وحظي بعناية مَنْ تأخّر عنه من الفقهاء وأصبح من أشهر المتون الفقهيّة التي دار عليها مدار التدريس في الحوزات العلمية ومعاهد الفقه الشيعي.

ص: 14

وتتضح أهمية الكتاب من خلال الشروح والحواشي والتعاليق الكثيرة التي كتبها العلماء على جميع - أو بعض - عباراته ومسائله(1). ومن أهم الشروح وأشهرها الروضة البهية لتاليه في العلم والفضيلة والفوز بسعادة الشهادة الإمام زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي الشهير بالشهيد الثاني.

و ترجمت اللمعة الدمشقية إلى الإنجليزية، وكذلك ترجمت إلى الفارسية عدة مرات، ونظمت بالعربيّة والفارسيّة عدّة مرّات(2).

ويوجد الكثير من مخطوطات اللمعة في إيران، ومن أقدمها:

- مخطوطة مكتبة العلّامة الطباطبائي في كلية الطب بجامعة شيراز، المرقمة 238 . نسخها حسين بن محمد بن الحسن الجوياني عام ،808، كما ذكرها العلّامة المرحوم السيد عبد العزيز الطباطبائي (رحمة الله عليه)(3).

- مخطوطة مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة بمدينة مشهد، المرقمة 2547 ، وقفها ابن خاتون العاملي، نسخت عن نسخة مستنسخة عام 849 على هوامشها ، تعاليق الشهيد الثاني برمز «ز» وفي آخرها إنهاء الشهيد الثاني بخطه في محرّم الحرام 940 .

- أيضاً مخطوطة أخرى في مكتبة الروضة الرضوية المقدسة، المرقمة 18454، جمادى الأولى 861 ، نسخها عليّ بن محمّد بن أحمد الكوناني.

- مخطوطة مكتبة آية الله العظمى المرعشي بقم المقدّسة، المرقمة 10198 ، نسخت في جمادى الآخرة عام 887 .

***

ص: 15


1- راجع الذريعة ، ج 6 ، ص 190: وج 14 ، ص 47 - 51 : مقدمه ای بر فقه شیعه، ص 138 - 139
2- للمزيد راجع الشهيد الأوّل حياته وآثاره، ضمن موسوعة الشهيد الأول (المدخل)، ص 374 - 375.
3- میراث اسلامی ایران، ج 1، ص 440 مقالة «من تراثنا الخالد في شيراز».

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية

كتب الشهيد الثاني أوّلاً حاشية مختصرة على اللمعة الدمشقية خالية عن الاستدلال وعرض الآراء الفقهيّة، اكتفى في بيان فتاواه بكلمة «نعم»، «قوي»، «جيد» ومثل ذلك. وكثيراً ما ينقل جملةً أو مسألةً أو فرعاً عن مؤلفات الأصحاب، خصوصاً من آثار الشهيد الأوّل مثل ذكرى الشيعة والبيان والدروس الشرعية. وبعض آثار العلّامة الحلّي (قدس سره) مثل تحرير الأحكام الشرعية وتذكرة الفقهاء.

وقد طبعت هذه التعليقات لأوّل مرّة في هامش اللمعة الدمشقية ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13.

ثمّ كتب شرحه المسمّى بالروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، وهو شرح مزجي متوسط نصف استدلالي، خطا فيه الشهيد الثاني خُطوة الشهيد الأوّل، والتزم اختصار العبارة وقوتها وسلاستها وحسن التعبير والإشارة في أكثر الأحيان إلى الدليل وبعض الآراء الفقهيّة التي لها أهميتها والردّ على بعض آراء الشهيد الأول، وإبداء آرائه الشخصية.

قال في مقدمته:

وبعد، فهذه تعليقة لطيفة، وفوائد خفيفة إلى المختصر الشريف ... جعلتها جارية مجرى الشرح الفاتح لمغلقه والمقيد لمطلقه ، والمتمّم لفوائده والمهذب لقواعده... تقربت بوضعه إلى ربِّ الأرباب وأجبت به ملتمس بعض فضلاء الأصحاب... اقتصرت فيه على بحث الفوائد وجعلتها ككتاب واحد .

وقد أصبح هذا الكتاب مورد اهتمام فقهاء الإمامية، وحظي بعناية من تأخر عنه من العلماء والفقهاء، أقبلوا على درسه والاعتناء بشأنه منذ حين تأليفه، ولم يزل حتى الآن من الكتب الدراسيه ذات الشأن في الجامعات الشيعية، مما جعله يحتل مكان الصدارة في قائمة أشهر الكتب الفقهية. وقام العديد من الأساتذة

ص: 16

للعلوم الفقهية طوال السنين المتمادية بدراستها وتدريسها معتبرين ذلك جزءاً من مفاخرهم .

وقد وصفه العلّامة الطهراني في ذريعته وقال:

وهو من أمتن الشروح حيث يصعب التمييز بينه وبين المتن، وقد اشتهر وتداول بین العلماء منذ القرن العاشر ... وعليه اعتمادهم وهو من الكتب الدراسية في معاهد العلم الشيعية (1).

والحق في وصفه ما قال ولده الشيخ حسن صاحب المعالم:

لله درك من كتاب أوحد*** عدمت له النظراء والأمثال

و تقاصرت عن نيله فطن الأولى*** سبقوا ونيل اللاحقين محال

هو روضة في الحسن إلّا أنّه*** لیست تحيط بوصفه الأقوال

فعلی مؤلّفه سحائب رحمة***تترى عليه ودقها هطّال(2)

وأنشأ تلميذ الشهيد السيّد عليّ بن الصائغ:

أيّها الطالبون للفقه قصداً ***فعهد الإله بالمدلّلات الجليّة

إن تركتم هوى النفوس ورمتم*** علم دین النبي خير البرية

فعليكم بذا الكتاب لأنّي*** لم أطق نعته لضعف السخية

كيف وصفي لفيض ربّ كريم *** مع قصوري عن الأُمور العلية

ليس يكفي القويم في العقل*** والفهم بأنه الروضة البهية

فما صادقاً ميراً لأنّي*** مسقط للهوى ومير الحمية

ما له في الوجود في الفنّ شبه*** إن تركتم حميّة الجاهلية(3)

ص: 17


1- الذريعة ، ج 13، ص 292
2- فهرس مخطوطات مكتبة الروضة الرضوية المقدسة، ج 5، ص 531 .
3- النسخة الخطية المرقمة 4886 في مجلس الشورى الإسلامي بخط علي بن الصائغ.

ويقول المرحوم العلّامة الشيخ محمد هادي معرفت (قدس سره) في وصف الكتاب بالفارسية ما هذه ترجمته:

إنّ شرح اللمعة - الروضة البهية - كتاب نصف استدلالي، فيه استدلالات أصيلة قلّما يوجد نظيرها في الكتب الفقهيّة المطوّلة ... وهذا الكتاب - في الواقع - مليء بالثمار العلمية والفقهيّة التي يقدمها لقارئه(1) .

***

لم يذكر الشهيد تاريخ الابتداء في التأليف، ولكن ورد في نهاية الجزء الأول من النسخة المرقمة 10710 في المكتبة المركزية بجامعة تهران، الورق (191):

تاريخ الابتداء في تصنيفه بخطه (رحمه الله) مفتتح شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وتسعمائة، فتكون مدة تصنيف هذا المجلد ثلاثة أشهر وستة أيام (ع ل سلّمه الله).

وذكر تاريخ الفراغ من الجزء الأول الذي ينتهي بكتاب المساقات، وقال:

واتفق الفراغ منه ظهر يوم الثلاثاء سادس شهر جمادى الآخرة سنة ستّ وخمسين وتسعمائة.

وذكر تاريخ الفراغ من تأليف الجزء الثاني وقال:

وفرغ من تسويده مؤلّفه :... ليلة السبت وهي الحادية والعشرون من شهر جمادى الأُولى سنة سبع وخمسين وتسعمائة من الهجرة النبوية.

وبعد المقارنة بين تاريخ البدء في التأليف (مفتتح شهر ربيع الأول سنة 956)و تاريخ الفراغ من تأليف الكتاب (الحادية والعشرون من شهر جمادى الأولى سنة 957 )يعلم أنّ المدّة من يوم الشروع إلى الفراغ كانت في حدود خمسة عشر شهراً، أي سنة وشهرين وأحد وعشرين يوماً. ويعلم أيضاً أن تأليفه تم قبل شهادتة عام 965 بثمان سنة.

ص: 18


1- فقه « 4» تصحيح وتلخيص للروضة البهية، المقدمة، ص 20 - 21 .

وكتب ابن العودي وقال:

وكان في منزلي بجزين متخفّياً من الأعداء ليلة الإثنين حادي عشر شهر صفر 956. وقال أيضاً إشارة إلى سنة 955: «وهذا التاريخ كان خاتمة أوقات الأمان والسلامة من الحدثان، ثمّ نزل ما نزل فيعلم أنّ الشهيد حين تأليف الكتاب كان في الجبل إمّا في جبع أو في جزين مختفياً عن السلطة.

كما أشار إلى ذلك في إنهاء الكتاب، وقال: «وفرغ من تسويده مؤلّفه ... على ضيق المجال وتراكم الأهوال الموجبة لتشويش البال».

فما جاء في بعض مصادر ترجمته أو في بعض مقدّمات التحقيق لبعض طبعات الكتاب خلاف ذلك خطاً لا يوافق النصّ والاعتبار، وكذا ما قيل من أنّ كتاب شرح اللمعة آخر تأليف الشهيد حيث إنّ الشهيد كتب بعد الفراغ من تأليف الروضة عدة كتب أُخرى مؤرّخة في نهاياتها مثل: تمهيد القواعد في سنة 958؛ وشرح البداية في سنة 959 ؛ ورسالة ماء البئر 959؛ ورسالة في وجوب صلاة الجمعة في سنة 962؛ والجزء الثالث من مسالك الأفهام في سنة 963؛ والجزء الرابع في أواخر جمادى الآخرة 963 أيضاً ؛ وكتاب النذر في شهر رمضان 963؛ والجزء السادس في ذي الحجة 963؛ والجزء الأخير في ربيع الآخر 964.

ومن الآثار التي كتبها الشهيد الثاني قبل الروضة البهية: تفسير البسملة (940)؛ إجازته للشيخ حسين والد الشيخ البهائي (941)؛ تحقيق الإجماع في زمن الغيبة (941)؛ إجازته للشيخ حسين بن زمعة (948)؛ حاشية الألفية (948)؛ رسالة في جواز تقليد الميت (949)؛ روض الجنان (949)؛ كشف الريبة (949) ؛ المقاصد العلية (950)؛ مناسك الحج والعمرة (950)؛ نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار (950)؛ التنبيهات العلية (951) ؛ طلاق الغائب :(951)؛ الفوائد الملية (951)؛ مسكن الفؤاد (954)؛ منية المريد (954): الحبوة (956)؛ ميراث الزوجة (956).

***

ص: 19

الشروح والحواشي على الروضة البهية

ونظراً لمكانة هذا الكتاب وكثرة تداوله من جهة واختصاره وتعقيده من جهة ثانية فقد قام على شرحه والتعليق عليه وتوضيح ما أبهم من عباراته وكشف غوامضه جماعة كثيرة من العلماء، ذكر الشيخ العلامة الطهراني في ذريعته (ج 1، ص 90 - 98 وج 13، ص 292 - 296؛ وج 14، ص 170 - 171 وغيرها ) ما يتجاوز من مائة حاشيةً وشرحاً. ننقل هنا ما عثرنا عليها في الذريعة وغيره اختصاراً منا وما ننقلها عن غير هذه المواضع وغير الذريعة نشير إلى موضعها فيها وإلى المصادر في الهامش:

1. الحاشية ... للشارح المحقق الشهيد نفسه وهي موجودة في هوامش النسخ الخطّيّة والطبعات الحجرية للكتاب برمز «منه رحمه الله».

2. الحاشية ... للسيد آقا التستري ... رأيتها بخطه على هوامش نسخته.

3. الحاشية ... للميرزا إبراهيم بن سلطان العلماء ... (المتوفّى .1098) خرج منها مجلّد كبير من أوّل الطهارة إلى آخر التيمم مبسوطاً ..

4. الحاشية ... للميرزا إبراهيم حفيد السيد علي خان المدني (م 1255)، اسمها فصل الخطاب. قال (في ج 16، ص 230): الفصل الخطاب الإبراهيمية في شرح عبارات الروضة البهية، شرح مبسوط ... مجلّد كبير منه إلى أواسط النكاح ... أوّله: الحمد لله الذي نور قلوبنا بسراج منير معرفته وصيّر قرّة عيوننا في إصباح الشيعة بمصباح الشريعة .... وسمّى في خطبته المبسوطة كثيراً من الكتب الفقهية ... وأدرج فيه بعض الحواشي عن بعض المحسّين، وتمام حواشي السلطان.....

5. الحاشية ...للميرزا إبراهيم بن المولى صدر الدين محمد الشيرازي، المتوفى بشيراز في (1070)... وله حاشية شرح اللمعة إلى كتاب الزكاة.

6. الحاشية ... للأمير إبراهيم بن الأمير معصوم الحسيني القزويني (م 1149).... .

7. الحاشية ... للأمير أبي طالب سبط الميرفندرسكي ... .

ص: 20

8. الحاشية ... للمولى أحمد بن محمد التوني أخ المولى عبد الله التوني (كان حيّاً 1098 ) صاحب الوافية ... أولها: الحمد لله وحده والصلاة على خيرته من بريته محمّد و عترته المعصومين .

9. الحاشية ... للشيخ إسحاق التربتي المشهدي (م 1237)

10. الحاشية ... للشيخ أسد الله بن إسماعيل الدزفولي الكاظمي (م 1237).

11 . الحاشية ... للسيد الميرزا محمّد باقر بن زين العابدين الموسوي الخوانساري صاحب روضات الجنات.

12. الحاشية ... للسيد الميرزا محمّد باقر الخليفة سلطاني ابن الميرزا حسن بن علاء الدين الملقب بسلطان العلماء.

13. الحاشية ... لبعض المتأخرين بعنوان (قوله قوله ) رأيت مجلّداً منها عند الفاضل الميرزا عليّ أكبر العراقي في النجف.

14 . الحاشية ... للشيخ محمّد تقي بن المولى عبّاس النهاوندي، مؤلّف ترجمة شرائع...

15 . الحاشية ... للمولى محمّد تقي التستري اسمها تحقيق المسائل. قال( في ج 3، ص48): تحقيق المسائل وتطبيق الفتاوى وتدقيق الدلائل شرح ب-«قوله قوله» للروضة البهية ... كبير في ثلاث مجلدات ثالثها شرح كتاب الوصيّة إلى آخر الديات فرغ منه في (24 - 11354) (1).

16 . الحاشية ... للمولى محمد تقي الهروي (م 1299) اسمها الحديقة النجفية . قال (في ج 6، ص 390): الحديقة النجفية. تعليقات على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، وشرح مبسوط له ... رأيت منه المجلد الأول الذي هو في شرح مفتتح الروضة وديباجته مزجاً إلى أوّل كتاب الطهارة .... وصفه هو في أوّل المجلد الثاني

ص: 21


1- الذريعة ، ج 3، ص 485

بقوله: «أنه شرح لطيف حسن جامع لتفاصيل ما يحتاج إليه في أوائل العلوم والمصنّفات» ... وقد فرغ منه في النجف في (1249) ولذا سماه بالحديقة النجفية، والمجلد الثاني شرح لكتاب المتاجر أوّله: «الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ودلّنا على تجارة تنجينا من عذاب أليم، وذكر في أوّله أنّه علّق على كثير من كتب الروضة البهية في النجف ثمّ جدّد النظر فيها وهذب خصوص ما كتبه على المتاجر في هذا المجلّد وفرغ منه في (1252) ... والمجلد الثالث في الإجارة والوكالة والشفعة والإقرار والغصب، صرّح الشارح في كتابه نهاية الآمال أنه تمّم كتاب الغصب أيضاً، ... وفي نسخة منه تاريخ فراغه منه في (1296) فيظهر من تواريخه أنه كان يكتبه متفرّقاً وفي بعض المجلّدات سمّى بالتحفة النجفية.

17 . الحاشية ... للمولى محمد جعفر شريعتمدار الأسترآبادي (م 1263).

مختصرة، يتولّى لحلّ الغوامض وبيان الرموز أولها: الحمد لله الشارح لرياض الصدور بلمعة منوّرة من لوامع النور (فهرست المكتبة المرعشي العامة، ج 1307/8 ، رقم المخطوطة 3082/2 ).

18 . الحاشية ... للشيخ جعفر القاضي بإصفهان (م 1115) .... أولها: «نحمدك يا إلهي ونصلّي على نبيك الهادي وآله الهداة ونستعين بك على الأمور» خرج منها ما يقرب من عشرة آلاف بيت من أوّل كتاب الطهارة إلى كتاب التجارة مرتبةً ؛ ثم الإقرار وسائر الكتب متفرقة، رأيت نسخة منها في كتب شيخنا شيخ الشريعة الإصفهاني وأخرى في مكتبة المولى الخوانساري وعلى هذه النسخة تملك الأمير محمد حسين الخاتون آبادي في سنة (1148). ثمّ قابلها وصححها بأمره تلميذه الشيخ محمد رضا بن محمّد باقر العاملي وكتب الخاتون آبادي شهادة المقابلة بخطه في سنة (1149).

19 . الحاشية ... للمحقق الآقا جمال الدين محمّد بن الآقا حسين الخوانساري (م 1125) طبعت على الحجر بإيران فى مجلّد كبير، سنة (1272).

20 . الحاشية ... للعلّامة العماد السيّد محمّد جواد صاحب مفتاح الكرامة ...

ص: 22

(م 1226) . ... رأيت مجلّداً كبيراً منها بخطه ... من أوّل كتاب المضاربة ... وبعض الطلاق وما يتبعه ....

21 . الحاشية ... للشيخ حسن بن الشيخ سلام بن الحسن الجيلاني التميجاني شيخ الإسلام ببلاد جيلان إلى زمان تأليف رياض العلماء يعنى (1106)..

22. الحاشية ... للشيخ حسن بن الشيخ محمد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن يوسف السبيتي العاملي المتوفّى قبيل الثلاثمائة بعد الألف، ذكر حفيده الشيخ محمّد علي بن محمد بن الشيخ حسن المصنّف أنّها مدوّنة في مجلد.

23. الحاشية ... للشيخ حسن ابن المؤلّف، وهو صاحب المعالم (م 1011) ذكرت في تصانيفه بعنوان التعليقة المبسوطة .

24. الحاشية ... للسيد حسين بن أبي القاسم جعفر بن الحسين الموسوي الخوانساري (م 1191) هو شيخ بحر العلوم وجد صاحب الروضات، ذكره فيه عند ترجمة جدّه بعنوان التعليقات على شرح اللمعة شرح العبارتان مشكلتان في مبحث صلاة الميت ومبحث صلاة الخوف طبع بإصبهان مع النهريّة للسيّد محمّد باقر الخوانساري.

25 . الحاشية ... للمولى حسين بن حسن الجيلاني [الإصفهاني] اللنباني صاحب حاشية الذخيرة، ذكرها في الروضات.

26. الحاشية... للأمير محمد حسين بن الأمير محمد صالح الخاتون آبادي (م 1151). ذكرت في فهرس تصانيفه.

27. الحاشية ... للمولى محمد حسين بن محمد قاسم القو مشهي النجفي (م 1336)، كتب بخطه نسخة من الروضة في (1275) ثم علّق عليها الحواشي بخطه في سنين، رأيت النسخة في كتبه. 28. الحاشية ... لسلطان العلماء الأمير علاء الدين حسين بن رفيع الدين محمد المرعشي الآملي الإصفهاني (م 1064).

ص: 23

29. الحاشية ... للمحقق الخوانساري الحسين بن جمال الدين محمّد (م 1098) ذكرها سيّدنا في التكملة .

30. الحاشية ... للسيد حيدر عليّ الهندي (م 1303) ذكرها السيد علي نقي في مشاهير علماء الهند وفي التجليات عده من تلاميذ السيّد محمّد تقي بن السيد حسين بن دلدار عليّ والمفتي مير عباس، وذكر أنه توفّى (1302).

31 . الحاشية ... للمولى محمّد رفيع بن فرج الجيلاني المشهدي (م حدود 1160) كما ذكره السيد عبد الله في إجازته الكبيرة.

32. الحاشية ... للمولى حسام الدين محمد صالح بن أحمد المازندراني أكبر أصهار المولى محمّد تقي المجلسي (م 1086) ....

33 الحاشية ... للأمير محمد صالح الشهير بميرزا صالح عرب (م 1301)، اسمها صفاء الروضة (1).

34. الحاشية ... للمفتي مير [محمد] عبّاس بن عليّ أكبر الموسوي اللكنهوي (م1306) ، مرّ باسمه التعليقة الأنيقة في ج 4، ص 223. وقال: طبع بالهند.

35. الحاشية ...للسيّد عبد الصمد بن أحمد بن محمد بن الطيب بن محمّد بن نور الدین بن المحدّث الجزائري الموسوي التستري (م 1337) توجد عند حفيده السيد حسن بن السيد مهدي ابن المؤلّف.

36 . الحاشية ... للسيد عبد الله بن نور الدين الجزائري (م 1173) صرّح في إجازته الكبيرة بأنها لم تدوّن.

37. الحاشية ... للمولى محمّد علي بن أحمد القراچه داغي (م 1310) طبعت متفرّقة على هامش الروضة .

38. الحاشية ... .. لآغا محمد علي بن الآغا باقر البهبهاني (م 1216) رأيت المجلد

ص: 24


1- راجع الذريعة ، ج 15 ، ص 43.

الثالث منها المشتمل على كتاب التجارة إلى آخر الديات في بقايا مكتبة (الطهران بكربلاء).

39. الحاشية ... للآقا محمّد عليّ بن الآقا محمّد باقر الهزار جريبي (م 1248)، اسمها مخزن الأسرار. وقال (في ج20، ص 222 ) :حاشية على شرح اللمعة الدمشقية ... من أوله إلى آخره، في ثلاث مجلدات.

40. الحاشية ... للشيخ عليّ بن محمّد السبط (م 1104)، اسمها الزهرات الزوية.

وقال في ج 12، ص 67 - 68 : حاشية وشرح على شرح اللمعة بعنوان (قوله (قوله) مبسوطة في مجلدين .... وقد أكثر في المجلد الثاني من دفع اعتراضات سلطان العلماء على جده.

41 . الحاشية ... للميرزا محمّد عليّ بن السيد صادق الرضوي المشهدي (1239 - 1311) ... .

42. الحاشية ... للأمير السيد علي بن السيد عزيز الله بن عبد المطلب الجزائري ...(م 1149) ذكرها في فهرس كتبه السيد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة.

43. الحاشية ... للميرزا محمد عليّ بن محمّد بن مرتضى المدرسي الطباطبائي اليزدي (م 1240) ذكرت في فهرس تصانيفه. 44 . الحاشية ... للشيخ علي بن نصر الله الليثي تلميذ الشيخ البهائي ... قال الشيخ سليمان الماحوزي في تاريخ علماء البحرين: إنّ هذه الحواشي متفرّقة ومنها الحاشية على مبحث القسم من كتاب النكاح وهي استدراك مليح وقد أجبت عنها في سنة (1089) .

45 .الحاشية ... للميرزا محمّد عليّ بن محمّد نصير گيلاني الجهاردهي المدرّس (م 1334 في النجف) مجلّد كبير بخطه عند حفيده، وقد استخرج منها شرح مبحث الوقت والقبلة المطبوع

مستقلاً ....

46. الحاشية ... للسيد الأمير فخر الدين الموسوي المشهدي الخراساني، والد السيد

ص: 25

الأمير معزّ الدين محمد ... (م 1097) دوّن من أولها مقدار ألف بيت والبواقي بقيت في هوامش النسخة كما في ترجمته في الرياض ... .

47. الحاشية ... للمولى صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) قال في كشف الحجب أنّها دوّنت إلى كتاب الزكاة .

48 .الحاشية ... للميرزا محمد المعروف بالديلماج، يعرف بحاشية الديلماج، ... وقد طبع بعضها في هامش بعض نسخ الروضة .

49. الحاشية ... للشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين الشهيد المعروف بالشيخ محمد السبط (م 1030)، دوّن منها إلى كتاب الصلح في مجلدين، أولها: نحمدك يا من منحنا بفضله روضة بهيّة يقصر عن الإيصال لشرح كمالها مسالك الأفهام .... .

50 . الحاشية ... لآغا رضي الدين محمّد الآغا بن حسين الخوانساري الأصغر من أخيه الآغا جمال الدين والمتوفى قبله بقليل ....

51 . الحاشية ... للميرزا محمد بن سليمان التنكابني، ذكر في قصصه أنها في مجلدات أقول: توجد قطعة من حواشي كتاب النكاح عند السيد شهاب الدين نزيل قم، قال: إنه فرغ منها في سنة (1296).

52 . الحاشية ... للأمير السيّد محمّد بن الأمير صالح الخاتون آبادي الشهيد بآذربايجان في (1148). ذكر الشيخ عبد النبي القزويني في تتميم الأمل أنه تعرض فيها لأكثر ما ذكره المحسّون، وله أبحاث مع شيخه الآغا جمال الدين الخوانساري.

53 . الحاشية ... للمولى محمد بن عبد الفتاح التنكابني السراب (م 1124)، ذكرت في فهرس تصانيفه.

54. الحاشية ... للسيّد محمّد بن علي بن أبي الحسن العاملي صاحب المدارك، أوّلها : الحمد لأهله ... فهذه تعليقات اتفقت منّي على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، جمعتها تذكرة للطالبين .. .

55. الحاشية ... للسيّد الأمير رفيع الدين محمد الصدر بن المير شجاع الدین محمود بن

ص: 26

السيّد عليّ المعروف بخليفة السلطان المرعشي الآملي ...

56 . الحاشية ... للسيّد محمّد بن هبة الله القزويني المولود في (1229) نزيل مشهد خراسان ومؤلّف جغرافیای عالم، ذكر في فهرسه أنها في أنّها في ثلاثة آلاف بيت.

57. الحاشية ... للسيد مصطفى بن السيد هادي بن السيّد دلدار عليّ النقوي اللكهنوي (م 1323) ذكرت في فهرس تصانيفه.

58. الحاشية ... للمولى محمّد بن مؤمن بن شاه قاسم السبزواري الساكن بمشهد خراسان والمعاصر للمحدّث الحرّ كما ذكره فى أمل الآمل.

59. الحاشية ... للميرزا نصر الله الفارسي المدرس بالروضة الرضوية (م جمادى الآخرة 1291) قال في مطلع الشمس أنّها أربع مجلدات وقال في فردوس التاريخ : أنها في مائة وعشرين ألف بيت.

60 . الحاشية ... للمولى محمد نصير بن المولى عبد الله بن المولى محمّد تقيّ المجلسي، قال في الرياض: له تعليقات على أكثر الكتب الفقهية والحديثية وغيرها، منها على شرح اللمعة الدمشقية.

61. الحاشية ... للشيخ ياسين بن صلاح الدين بن علي البحراني، قال في إجازته التي كتبها في (1145) للسيد نصر الله الحائري أنّه قد برزت جملة منها نسأل الله توفيق الإتمام.

62. الحاشية ... للسيد المير محمد يوسف بن المير عبد الفتاح التبريزي (م 1242) كان تلميذ الوحيد البهبهاني، والآغا محمد البيدآبادي.

63. الحاشية ... للميرزا محمود القراچه داغي اسمها حديقة الروضة، طبعت على حاشية الطبعة الحجرية في تبريز.

وقال في الذريعة ، ج 13، ص 292 - 296 عند ذكره لشروح الروضة البهية :

64 . شرح الروضة البهية للسيد إسماعيل بن نجف المرندي الحسيني التبريزي (م 1318) يوجد عند أحفاده في تبريز.

ص: 27

شرح الروضة البهية. للمولى محمّد تقي الهروي الإصفهاني (م) (1299) وهو كبير ثلاث مجلدات وقد سماه ب- التحفة النجفية [ ذكرناه في الحواشي على الروضة، الرقم 16].

65. شرح الروضة البهية . للشيخ جواد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن بن الشيخ مبارك النجفي (م 1311). رأيته عند ولده العلّامة المرحوم الشيخ عبد الحسين مبارك (1301 - 1364).

66 . شرح الروضة البهية. للمولى حسين التربتي نزيل سبزوار (م حدود 1300). أو بعدها بقليل، مجلّد كبير إلى آخر كتاب الصوم، أوّله: «الحمد لله الذي خلق الإنسان من العدم، وعلمه من العلوم ما لا يعلم» إلى آخره. يوجد بخط المؤلّف عند السيد عبد الله البرهان في سبزوار كما حدثني به ....

67. شرح الروضة البهية. للسيد الأمير محمد حسين بن أبي القاسم الخوانساري، أُستاذ ناذ السيد مهدي بحر العلوم (م 1191) ولتلميذه الآخر وهو المحقق القمي تعليقة على هذا الشرح عند حلّه لعبارة في مبحث صلاة الجنائز ذكره في الروضات فعبر عنه بتعليقات شرح اللمعة.

68. شرح الروضة البهية للأمير محمد حسين بن الأمير محمد صالح الخاتون آبادي (م (1151) ذكر في فهرس تصانيفه.

69 . شرح الروضة البهية للسيّد شفيع الجايلقي صاحب الروضة البهية في الإجازة الشفيعية (م 1280) خرج منه شرح كتاب التجارة كما ذكر في ترجمته. شرح الروضة البهية للمولى محمّد تقي التستري اسمه تحقيق المسائل، مرّ في الحواشي [الرقم 15]

70. شرح الروضة البهية. على نحو التعليق (قوله، قوله) للسيّد محمّد طاهر بن السيد إسماعيل بن السيد محمد حسين المعروف بآغا مير ابن المير عبد الباقي الموسوي الدزفولي وهو صهر العلّامة الأنصاري على كريمته ... وهو بخطه في عدة مجلدات فرغ

ص: 28

من آخره أي كتاب الديات في سامراء أوان مجاورته لها في ربيع الأول سنة 1311ه- ... رأيت الشرح في مكتبة حسينية التسترية في النجف ....

71. شرح الروضة البهية للشيخ عباس بن الشيخ حسن كاشف الغطاء النجفي (م في . 28 رجب سنة 1323). خرج منه مجلّدان من أوّل الطهارة إلى أواسط أحكام الحيض، ويظهر منه أنّه ألفه بأمر أستاذه المجدّد الشيرازي في حدود سنة 1293.

* شرح الروضة البهية. للشيخ عليّ بن محمّد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (م 1104). سمّاه الزهرات الزوية . [ مرّ في الحواشي الرقم 40]

72. شرح الروضة البهية. للسيّد عليّ بن السيّد محمّد بن السيد حسن بن السيد محسن الأعرجي الكاظمي ... خرج منه إلى كتاب الحج ثلاثة مجلدات ......

73. شرح الروضة البهية. للآغا محمّد عليّ الكرمانشاهي صاحب المقامع وابن الأستاذ الأكبر الآغا باقر الوحيد البهبهاني، ذكر في فهرس تصانيفه.

74 . شرح الروضة البهية . للآغا محمّد عليّ بن الآغا محمد باقر الهزار جريبي، تلميذ المحقق القمّي المتوفّى بالوباء في قمشة من نواحي إصفهان سنة 1245ه-.

75. شرح الروضة البهية لخصوص مبحث القبلة والوقت منها، لشيخنا الميرزا محمد عليّ بن المولى نصير الجهاردهي الرشتي النجفي (م 1333). طبع سنة 1324ه-.

76. شرح الروضة البهية. للفاضل الهزار جريبي المولى محمد كاظم ابن المولى محمد شفيع الحائري الذي كان ساكناً في محلّة النقيب وتوفّي قرب سنة 1238ه-.

77. شرح الروضة البهية. للمولى محمد كاظم بن محمّد صادق الكاشاني الإصفهاني (1205 - 1273ه-) يوجد عند أحفاده.

78. شرح الروضة البهية. للسيّد محمّد السيوشاني من قرى بیرجند قال المعاصر البيرجندي في بغية الطالب إني رأيته.

79. شرح الروضة البهية للفاضل الهندي المولى بهاء الدين محمد بن تاج الدين الحسن بن محمّد الإصفهاني (1062 - 1137ه-). اسمه المناهج السوية كما يأتي قال

ص: 29

(في ج 22، ص 22): هو في أربع مجلدات. خرج منه شرح كتاب الطهارة مزجاً... وكتاب الصلاة فصلاً ... والزكاة والخمس والصوم نصف الصلاة وختمه بالحج .... وفرغ من الصلاة في مولد النبي يوم الخميس السابع عشر من أوّل الربيعين من السنة الثمانية والثمانين بعد الألف وفرغ من الزكاة ليلة الأضحى سنة 1093... وفرغ من الاعتكاف بعد الصوم في الثاني والعشرين من شعبان سنة 1095.

80 .شرح الروضة البهية. للشيخ محمّد بن الشيخ يوسف بن جعفر بن علي بن الحسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف الجامعي العاملي (م 1218) وهو شرح مزجي ويقال له: شرح اللمعتين أوله الحمد لله الذي فقهنا في الدين ... خرج منه إلى أواسط مبحث الوضوء في مجلد ....

81 .شرح الروضة البهية . للعلّامة الميرزا مسيح بن محمد سعيد الرازي الطهراني (م 1263) . وهو كبير في عدة مجلّدات رأيت مجلّداً منه من أوّل التجارة إلى أواسط

إحياء الموات في مكتبة مدرسة فاضل خان وقفه المؤلّف بنفسه سنة 1262ه-. 82 شرح الروضة البهيئة. للعلّامة السيد مهدي القزويني الحلّي (م 1300). قال شيخنا في حاشية المستدرك: إلّا أنّه لم يتمّ .

83. شرح الروضة البهية للعلّامة الشيخ مهدي ملّا كتاب النجفي، فرغ منه سنة 1227ه-. رأيته في النجف في كتب السيد عبد الرزاق الحلو (م 1337).

84. شرح الروضة البهية. للآغا محمد مهدي بن محمد إبراهيم الكلباسي الإصفهاني ذكره السيد حسن الصدر في التكملة.

85. شرح الروضة البهية (منهاج الأمة). للميرزا محمّد نصير بن المولى أحمد النراقي (1219 - 1273ه-) .. وهو شرح مبسوط، وفي ج 23، 23 ص 157 منهاج الأُمّة ... أوّل المجلد الأول منه في الطهارة ... والمجلد الثاني في الصلاة، والثالث في الزكاة والصوم والرابع في القضاء إلى المساقاة، فرغ من بعضها سنة 1288 ومن بعضها سنة 1290 .

ص: 30

86 .شرح الروضة البهية (رساله) سهله در شرح قبله لعليّ أكبر بن محمّد إسماعيل الشيرازي (1187 - 1263)(1). شرح الخصوص مبحثي الوقت والقبلة. قال (في ج 14،170) : «أوّله: بعد از حمد خالق أكبر و درود حضرت سيّد بشر .... بدأ بمقدمة في بعض المصطلحات الهندسية ومباحث الهيئة، وفرغ منه 26 ربيع الأول 1255....

وقد عثرنا في فهارس المخطوطات على عناوين أُخرى نذكرها هنا.

87. شرح الروضة البهيئة . للمولى محمد صالح بن حسن الشيرازي الداماد (1212- 1303)(2).

88 .حاشية الروضة البهية، لقوام الدین جعفر بن عبد الله بن إبراهيم حويزي کمره اي (م 1115) من كتاب الطهارة إلى كتاب المتاجر (فهرست رضوی، ج 2، ص 134 - 135 ).

89. شرح الروضة البهية. للمولى حسن بن محمّد عليّ العريضي الشيرازي (م 1306)(3).

90 . شرح الروضة البهية لمحمّد بن عبد المهدي الحسيني المرعشي (ق13)(4). مختصر في شرح كتاب الميراث أوّله: «الحمد لله ... إن هذه جملة وافية متعلّقة بأحكام الميراث كتبتها لإيضاح كتاب الميراث من الروضة».

91. شرح الروضة البهية. لعبد الله بن محمّد تقي الهزار جريبي تيلكي (ق 13)(5) .

92 . شرح الروضة البهية. للمولى محمد بن حسين القائني الخراساني(6).

ص: 31


1- فهرست رضوي، 25046، ج 21 (القسم الأول)، ص 873
2- فهرست رضوي 6151 ، ج 20، ص 257.
3- فهرست عکسی مركز إحياء ميراث ،اسلامی ش 2419 ، ج 7، ص 21.
4- فهرست المكتبة المرعشي العامة، ش 4777 ، ج 12، ص 341.
5- قم، مسجد أعظم، ش 85. ف 1206/3، ج 1، ص 304.
6- بيرجند، مكتبة دياني، 118 ف 91

93 . شرح الروضة البهية لغياث الدين تركه (1).

94. سراج الأمة في شرح شرح اللمعة - يعنى الروضة البهية -. عدة مجلدات للشيخ محمد حسن بن صفر علي البارفروشي (م .1345) طبع في حياته، مجلّد في الطهارة ومجلّد في الصلاة، وكان الباقي تحت الطبع في (2)1324.

95 . منهاج النجاح في شرح الروضة البهية، للحاج مولى عليّ بن عبد الله القراجه داغي ديز ماري العلياري (م 1310) طبع في تبريز سنة 1309 و 1324 و (3)1340.

96. الحاشية الرضية في شرح الروضة البهية للسيد أمجد حسين بن منوّر عليّ السونوي الله ،آبادي طبع في هند(4).

وقال في الذريعة ، ج 14، ص 170 - 171 :

97 . شرح الوقت والقبلة . للسيد أحمد بن السيد علي أصغر الشهرستاني النجفي، المولود بها حدود سنة 1318 فرغ منه سنة 1346 ، رأيته عنده بخطه في النجف الأشرف.

98 شرح الوقت والقبلة من الروضة البهيئة للمولى عليّ قلي بن محمد الخلخالي، المتوفّى بإصبهان (حدود 1115)، مرّ بعنوان الحاشية.

99. شرح الوقت والقبلة من الروضة للعلّامة الميرزا محمد علي المدرّس الجهاردهي الرشتي النجفي (م 1333)، طبع في سنة 1324.

100. شرح الوقت والقبلة ... للسيّد محمّد مهدي بن محمّد جعفر الموسوي (كان حيّاً في سنة 1237) ذكره في آخر كتابه ... خلاصة الأخبار.

101 . منهاج النجاة في شرح مبحث الصوم التوأم للصلاة من أبواب الفقه. للحاج

ص: 32


1- کتابخانه ملّی ش 20007 رایانه 2145
2- الذريعة ، ج 12 ، ص 156 .
3- فهرست کتابهای چاپی ،عربی خان بابا مشار، ص 928
4- فهرست کتابهای چاپی ،عربی خان بابا مشار، ص 278

مولى عليّ [بن عبد الله] العلياري (م 1327) مطبوع في سنة 1340، وهو شرح لقول شارح اللمعة في بحث رؤية الأهلة لا عبرة بالجدول والعدد» وذكر ما يناسبها من القواعد والفوائد النجومية»(1).

102 . منهاج الملة في تعيين الوقت والقبلة . شرح مزجي لمبحثي الوقت والقبلة من الروضة البهية وبدأ بالدوائر العظام وبعض مسائل الهيئة وفرغ منه سنة 1303، ولخصه بالاقتصار على ما له دخل في شرح العبادة فقط السيد شهاب الدين التبريزي في سنة 1348 وسماه ب- منتخب المنهاج ....(2)

103. شرح كلام الشهيد في شرح اللمعة في مسألة الصلاة الواحدة على المجتمعة من الأموات . للسيد حسين بن أبي القاسم الموسوي وأظنّه الخوانساري شيخ سينا بحر العلوم.(3)

104 . شرح كلام الشهيد الثاني في الروضة البهية في مسألة ترتيب الفوائت المنسية. للشيخ عبدالغني ... أوّله: «الحمد لله ذي الأفضال والآلاء» يوجد في مكتبة الحسينية التستريّة(4).

105. حاشية الروضة البهية. للسيد مرتضى الحسيني السدهي الأصفهاني، حفيد میرداماد.

***

طبعت الروضة البهية منذ ظهور الطباعة في إيران طبعات مكرّرة، طباعة حجرية قديمة وطباعة حروفية حديثة محققة وغير محققة في إيران ولبنان ومصر والعراق.

وقد يدعى أنه لا يوجد بيت عالم أو طالب علم أو مكتبة خاصة أو عامة إلا وفيها نسخة من هذا الكتاب.

ص: 33


1- راجع الذريعة، ج 23، ص 878
2- راجع الذريعة ، ج 23، ص 176.
3- الذريعة ، ج 14، ص 37.
4- الذريعة ، ج 14 ، ص 38

ومن أحسن الطبعات الحجرية طبعة الخوانساري التي قوبلت مع نسخة السيد علىبن صائغ من تلميذ الشهيد الثاني.

وطبعت محققةً في القاهرة في مجلّد ضخم، بجامعة التقريب بين المذاهب الإسلامية سنة 1379ه- مقدّمة الأمين العام لدار التقريب بين المذاهب الإسلامي المرحوم محمّد تقي القمّي وبتصحيح وتحقيق العلامة المرحوم الشيخ عبد الله السبيتي مع حواشي (منه رحمه الله) و (سلطان العلماء) و

(أحمد) وغيرهم. وطبعت بالأُوفست عن هذه الطبعة في قم وبيروت مكرّرةً.

وقد طبعت محققة ومزيلة بالتعليقات والحواشي التوضيحية وفنية بجامعة النجف الأشرف سنة 1386ه- في عشر مجلدات بإشراف المرحوم السيد محمد كلانتر، ولكن وقع خطأ في ذكر اسم الكتاب على الغلاف ب- اللمعة الدمشقية، وقد طبعت بالأوفست من هذه الطبعة طبعات عديدة في إيران ولبنان.

وطبعت أخيراً في قم المقدّسة في أربعة مجلدات محققة في مجمع الفكر الإسلامي سنة 1424ه- وهي أحسن الطبعات حيث تم تحقيقها على أسلوب جديد مع مقابلتها بالنسخ الخطية وتخريج المصادر.

***

النسخ الخطية للروضة البهية

توجد للروضة البهية نسخ خطّيّة كثيرة في مختلف مكتبات العالم، تم حتى الآن اكتشاف أكثر من ألف وخمسمائة نسخة في مكتبات إيران وعراق، ويمكن أن يدعى أنّه ما من مكتبة عامة أو خاصة إلا وفيها نسخة أو نسخ من الروضة البهية. يوجد في ضمنها نسخ نفيسة تنسب بعضها إلى المصنّف أو بعض تلاميذه أو غيرهم مقروءة على المصنّف ، وعليها إنهاؤه أو استنسخت عن نسخة المصنّف أو استنسخت في حياته وتمّ تصحيحها ومقابلتها على نسخة الأصل أو نسخة معتبرة. وحيث إنا لسنا بصدد استقراء

ص: 34

وذكر جميع النسخ نحيل المحققين الكرام إلى فهارس مخطوطات المكتبات العامة والخاصة وخصوصاً فهرستوارة دستنوشتهای ایران «دنا»، ج ه (فهرست المخطوطات الإيرانية المختصرة) المطبوعة أخيراً في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في إيران ونشير هنا إلى بعض النسخ المختارة:

1. النسخة الأصلية بالأنامل المباركة للشهيد الثاني (قدس سره) نفسه من كتاب الإقرار إلى آخر ،الشرح وهي من ضمن الكتب المهداة من المرحوم السيد المشكاة إلى المكتبة المركزية لجامعة طهران والمحفوظة فيها برقم 709 ورد التعريف بها في فهرست المكتبة المركزية لجامعة طهران، ج 5، ص 1908.

2. النسخة الخطّيّة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي بالرقم 4889، وهى المستنسخة بخط السيد علي بن الصائغ تلميذ المصنّف، وقد كتبها في السنة 958 قرأها على الشهيد الثاني وأنهاها الشهيد بإنهائه المبارك. وكتب في حواشيها كلمات البلاغ بأنامله المباركة ورد التعريف بها في فهرست المكتبة، ج 14، ص 28 - 29.

3. النسخة الخطّيّة المحفوظة في مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة، المرقمة 14856، بخطّ حسن بن أبي الحسن الحسيني العاملي، فرغ من كتابتها 5 شعبان .958 ورد التعريف بها في فهرست المكتبة ، ج 1/21، ص 733 .

4. النسخة الخطّيّة المحفوظة في المدرسة البروجردي في كرمانشاه بالرقم 13. ناسخها حسن بن أبي الحسن الحسيني العاملي 5 شعبان 958 في خدمة المصنّف ورد التعريف بها في فهرست النسخ المصوّرة بمركز إحياء الميراث الإسلامي، ج 5، ص 222.

5. النسخة الخطّيّة في مدرسة غرب همدان بالرقم 1968، بخط محمود بن محمّد اللاهيجاني تلميذ الشهيد في 6 رجب 959 ورد التعريف بها في فهرست المكتبة ص 133.

6. النسخه الخطّيّة المحفوظة في المكتبة المركزية بجامعة طهران بالرقم 2181

ص: 35

(الجزء الثاني)، نسخ 959 في دمشق. ورد التعريف بها في فهرست المكتبة، ج 9، ص 871 .

7.النسخه الخطّيّة المحفوظة في المكتبة العامة في إصفهان بالرقم 2998) (الجزء الثاني) في آخرها صورة إجازة الشهيد .... ورد التعريف بها في فهرست المكتبة ، ج 1، ص 247 .

8. النسخه المحفوظة في مكتبة مدرسة نوّاب مشهد بالرقم 29 نسخها الله وردي بن الله قلي تركمان عام .959 ورد التعريف بها في فهرست دو کتابخانه مشهد ص 457 .

9 و 10 . النسختان المحفوظتان في مكتبة مدرسة فيضيّة بقم المقدسة، بالرقمين 153 و 187، ناسخهما حسين بن كاظم الكاظمي في 1060 عن نسخة مقروءة على المصنف. ورد التعريف بهما في فهرست المكتبة الفيضيّة، ج 1، ص 114 - 115.

11 . النسخه الخطّيّة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران بالرقم 6677 نسخها علي بن سليمان بن علي بن ناصر الحسيني الموسوي الأوالي التوبلي، في 15 ج2 سنة .971 ورد التعريف بها في فهرست المكتبة المركزية بجامعة طهران، ج 16 ،ص 331

12. النسخه الخطية المحفوظة في جامعة طهران أيضاً بالرقم 6679 (ق 10)،منقول عن خط حسين [كذا وظ حسن] بن أبي الحسن العاملي أنّه فرغ منه في يوم السبت 5 شعبان 958 في خدمة الشارح ونقل فيه إنهاء المؤلّف في 4 ج 1 سنة 958 عن نسخة قرئ على المؤلّف ورد التعريف بها في فهرست المكتبة ... ج 16، ص 331.

13 . النسخة المحفوظة في مكتبة العتبة المعصومية في قم المقدّسة، بالرقم 329 نسخها محمد بن بهاء الدين بن علي النباطي في يوم الأحد 16 شوّال سنة 1112 في إصفهان، وقوبلت بنسخة الأصل بخط المؤلّف في 1116، ورد التعريف بها في فهرست المكتبة ( ج 1، ص 321) يشتمل على الجزء الأول والثاني.

ص: 36

14. النسخة الخطّيّة المحفوظة في مكتبة مدرسة البروجردي في كرمانشاه بالرقم 125، نسخها عبد الرحمن بن ناصر بن علي بن أجود الجزائري، يوم الخميس 26 الأوّل سنة 1062) (الجزء الأول)، على حاشيتها علائم التصحيح وسنة 1063 ربیع (نهاية الجزء الثاني) قد درّسها العالم الفقيه السيد نعمة الله الجزائري أربع مرات. المرتبة الثانية بتأريخ ذي القعدة الحرام سنة 1086 والمرتبة الثالثة سنة 1087 كما كتب بخطه في نهاية الجزئين. ورد التعريف بها في فهرست النسخ المصوّرة لمكتبة إحياء الميراث الإسلامي، ج 5، ص122.

15 . النسخة الخطّيّة المحفوظة في مكتبة قمر بني هاشم في دامغان بالرقم 35 نسخ في شوّال سنة 1083، مصححة وعليها علائم البلاغ مع نسخة الأصل ونسخة حفيد المؤلّف الشيخ محمد بن حسن وأيضاً عليها حواشي الشيخ علي بن محمد بن الحسن مؤرّخة سنة .1083 ورد التعريف بها في فهرست النسخ المصوّرة لمركز إحياء التراث الإسلامي، ج 5، ص 444 بالرقم 1994.

16. النسخة الخطّيّة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد شهاب الدين المرعشي (رحمه الله في قم بالرقم 8903، نسخت سنة 1080 ، قوبلت مع نسخة الأصل بخطّ المصنّف في ذي القعدة سنة ،1082 ورد التعريف بها في فهرست المكتبة المرعشيّة ، العامة، ج 23، ص 86 .

تصحيح شرح اللمعة

تم حتى الآن تصحيح شرح اللمعة مرّات عديدة وبأشكال مختلفة، وكتب البعض حواشي مختلفة عليها، مما يستدعي الشكر الجزيل لجميع القائمين بها والدعاء لهم بالأجر والجزاء الأوفى من الله سبحانه وتعالى.

إلا أن الإشكال والإيراد عليها جميعاً - مع الإقرار بتفاوت ذلك بالنسبة إلى كل واحدةٍ منها - هو عدم رعاية أصول وقواعد التحقيق والتصحيح في أي واحدة منها.

ص: 37

بما في ذلك تصحيح طبعة مجمع الفكر الإسلامي التي تعتبر - نسبياً - أحسن تصحيحات شرح اللمعة الموجودة حتى الآن. ومما يؤخذ عليها أنه لم يتم الرجوع إلى نسخة الأصل بخطّ المؤلّف أو نسخة تمّ تصحيحها زمان المؤلّف وعليها إنهاؤه، بل اكتفى بتصحيحها وفقاً لنسخها المتأخّرة .

ومن هنا وقع في هذه الطبعات بعض الأخطاء الفاحشة نكتفي هنا بالإشارة إلى مورد ذكره المحقق الفاضل الشيخ رضا المختاري (حفظه الله ورعاه) في في مقدمته على تصحيح وتلخيص الروضة البهية الذي جعله متناً للدروس الحوزوية.

وردت عبارة في شرح اللمعة بصورةٍ خاطئة، ولم يلتفت جميع شراح شرح اللمعة إليها - على حد علمنا - فأدى ذلك بهم إلى تفسيرها تفسيراً خاطئاً، بل وردت مطبوعةً بصورة خاطئة في مسالك الأفهام أيضاً، وهي عبارةٌ أوردها الشهيد في كتاب المساقاة ذيل عبارة الشرائع «وإطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل بما فيه زيادة النماء من ... إزالة الحشيش المضر بالأصول وتهذيب الجريد والسقي»، فقال:

قوله : « وتهذيب الجريد»، المراد بتهذيبه قطع ما يحتاج إلى قطعه منه كالجزء اليابس ومثله زيادة الكرم وقطع ما يحتاج إلى قطعه من أغصان الشجر المضرّ بقاؤها بالثمرة أو الأصل، سواء كان يابساً أم أخضر، وتعريش الكرم حيث تجري عادته به، ونحو ذلك (1).

أمّا عبارة شرح اللمعة توضيحاً لعبارة كتاب المساقاة من اللمعة الدمشقية «ويلزم العامل مع الإطلاق كلّ عملٍ متكرّر كلّ سنة »(2) فقد جاءت هكذا :

ويلزم العامل مع الإطلاق... كل عمل يتكرّر كلّ سنة ... مما فيه صلاح الثمرة أو زيادته كالحرث والحفر - حيث يحتاج إليه - وما يتوقف عليه من الآلات

ص: 38


1- مسالك الأفهام ، ج 5 ، ص 46 .
2- اللمعة الدمشقية ، ص 191 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

والعوامل ، وتهذيب الجريد بقطع ما يحتاج إلى قطعه منه، ومثله أغصان الشجر المضرّ بقاؤها إلى الثمرة أو الأصل، ومنه زيادة الكرم (1).

ومحلّ الشاهد والقسم الغامض هو هذه الجملة الأخيرة، أي زيادة «الكرم التي وردت مطبوعةً بهذه الصورة الخاطئة في مسالك الأفهام والطبعات المتعدّدة من شرح اللمعة ، وفي طبعة مجمع الفكر في الهامش في نسخة». وفسّرتها شروح شرح اللمعة بصورة خاطئة أيضاً (2).

ولو تم الرجوع إلى كتاب جامع المقاصد الذي كان له تأثيره على كتابي مسالك الأفهام وشرح اللمعة ، أو النصوص الفقهيّة المشابهة من قبيل قواعد العلّامة وما تبعه من شروح - أمثال إيضاح الفوائد ومفتاح الكرامة - لما وقعت تلك الأخطاء.

وللتوضيح نقول : أولاً: أنّ هذه العبارة لم ترد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق أبداً ولا في الطبعة الخوانساري الحجرية لسنة 1301، إلّا في نسخة ذكر في هامش طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

وثانياً: إنّ العبارة الصحيحة هي «زبارة «الكرم بالباء الموحدة والراء، لا «زي--ادة الكرم» بالياء المثناة والدال . وكما بيّنه المحقق الكركي فإنّ كلمة «زبارة» تعني تقليم وقطع أغصان الكرم الزائدة ، ولا علاقة لها ب-«الزيادة » .

ولبيان المقصود نضيف: أنّ أوّل من استعمل هذا التعبير في هذه المسألة - وعلى حد علمنا - هو العلّامة (أعلى الله مقامه) في بحث المساقاة من كتابيه قواعد الأحكام و تحرير الأحكام الشرعية ، فقال :

الرابع : العمل . ويجب على العامل القيام بما شرط عليه منه دون غيره فإن أطلقنا

ص: 39


1- الروضة البهية ، ج 4 ، ص 313 ، طبعة كلانتر ؛ وج 1 ، ص 453 ، طبعة عبد الرحيم .
2- راجع المباحث الفقهيّة في شرح الروضة، ج 14، ص 343: توضیح مشکلات شرح اللمعة، ج 1، ص 553 الزبدة الفقهية، ج 5، ص 371؛ النضيد في شرح روضة الشهيد، ج 15، ص 362: الجواهر الفخرية في شرح الروضة البهية، ج 9، ص 307.

عقد المساقاة، اقتضى الإطلاق قيامه بما فيه صلاح الثمرة وزيادتها كالحرث تحت الشجر ...وإصلاح طرق السقي ... وإزالة الحشيش المضر بالأصول، وتهذيب الجريد من الشوك، وقطع اليابس من الأغصان، وزبارة الكرم، وقطع ما يحتاج إلى قطعه ...(1).

وقال المحقق الكركي في شرح هذه العبارة :

قوله : « وزبارة الكرم »المراد به تقليمه وقطع رؤوس الأغصان المضرّ بقاؤها بالثمرة أو الأصل . وهذا وإن كان مندرجاً في قوله : « وقطع ما يحتاج إلى قطعه»، إلا أنه أراد التصريح بما له اسم يُعرف به(2).

ونضيف هنا أنّ إملاء هذه العبارة قد ورد صحيحاً في كتاب القواعد المطبوع مع إيضاح الفوائد وجامع المقاصد ومفتاح الكرامة ، وكذلك ضمن شرح هذه العبارة في الكتابين المذكورين، رغم أن مصححي إيضاح الفوائد قد أخطأوا في تفسيرهم لعبارة زبارة «الكرم في هامش الكتاب حيث قالوا : «الزبارة بالضمّ : الخوصة حين تخرج من النواة الخوصة ورق الشجر »(3) وهو معنىً يختلف كلّيّاً عن مقصود العلّامة، إذ أنّ زبارة الكرم كما ورد سابقاً في كلام المحقق الكركي - هو «تقليم الكرم» و «قلم الشجرة أي أزال عنها الأغصان اليابسة لتقوى»(4).

وعلى هذا فإنّ «زبارة «الكرم» أصلها «الزبر» الذي يراد منه قطع الأغصان الزائدة للكرم .

وقد وردت هذه العبارة غير مصححة في جواهر الكلام أيضاً من خلال تصحيفها

ص: 40


1- إيضاح الفوائد ، ج 2، ص 293؛ جامع المقاصد، ج 7، ص 360 : مفتاح الكرامة ، ج 7، ص 358؛ وراجع كذلك تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 152 - 153 الرقم 4355 ووردت العبارة في تحرير الأحكام الشرعيه ومتن القواعد المطبوع مع جامع المقاصد بلفظ: «زبار «الكرم من دون التاء المدوّرة «ة » .
2- جامع المقاصد، ج 7، ص 360 و 361 .
3- إيضاح الفوائد ، ج 7، ص 293 .
4- المعجم الوسيط ، ص 756 ، «قلم».

إلى« زياد» بالدال حيث ورد : تهذيب الجريد بقطع ما يحتاج إلى القطع منها ، وكذا زياد الكرم وتهذيب الشجر(1) .

أمّا تحقيقنا الحالي - وهو ما سنوضحه بعد قليل - فقد تم فيه تصحيح شرح اللمعة من خلال الرجوع إلى نسخة بخط الشهيد الثاني نفسه، ونسخة أُخرى بخط تلميذ الشهيد السيّد عليّ بن الصائغ ومقروءة لدى الشهيد نفسه وهذه واحدة من المميزات التي تميّز طبعتنا هذه عن جميع الطبعات السابقة .

وقد عملنا في طبعتنا هذه على رعاية الأساليب الإملائية الصحيحة وضبط الكلمات بالحركات ؛ وذلك من أجل الوقاية والحدّ من إمكانية وقوع بعض الإشكالات والالتباسات.

منهجنا فی تحقیق الکتاب

وهنا نشير إلى منهجنا في تحقيق الكتاب ضمن نقاط:

أ . النسخ المعتمدة في التحقيق

1. النسخة الأصليّة المدوّنة بالأنامل المباركة للشهيد الثاني (قدس سره) نفس، من كتاب الإقرار إلى آخر شرح اللمعة، أي أنّها تشتمل على عشرة كتب . وهي من ضمن الكتب المهداة من المرحوم السيّد محمّد المشكاة إلى المكتبة المركزية لجامعة طهران، والمحفوظة فيها برقم 709 وللاطلاع على توضيحات كافية ووافية عنها يمكن الرجوع إلى فهرست النسخ الخطّيّة للمكتبة المركزية لجامعة طهران ، ج 5، ص 1908. ورمزنا لها ب-«الأصل».

2. نسخة بخطّ السيّد عليّ بن الصائغ تلميذ الشهيد الثاني (رحمهما الله)، تشتمل على المجلد الأوّل من شرح اللمعة ، وقد كتبها في السنة 958ه- وقرأها على الشهيد الثاني الذي سمعها وصححها وأنهاها بإنهائه المبارك الموجود عليها (2) .

ص: 41


1- جواهر الكلام ، ج 27 ، ص 66 .
2- راجع الرسائل ، ج 3، ص 421 (ضمن الموسوعة ج 4)

وكتب الشهيد في الصفحة الأخيرة من هذه النسخة قائلاً :

أنهاء (أحسن الله تعالى توفيقه وتأييده، وأجْزَلَ من كلّ عارفةٍ حظه ومزيده) قراءةً وسَماعاً وفهماً واستشراحاً وتحقيقاً في مجالس آخرها يوم الأحد لثلاثة خَلَتْ من شهر جمادى الأولى، عام ثماني وخمسين وتسعمائة.

وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد حامداً مصلّياً مسلماً .

أمّا كاتب النسخة - أي السيد علي بن الصائغ - فقد كتب في آخرها : وكان الفراغ من نسخِهِ ليلة الأحد قبيل الصبح بقليل، وهي ليلة الخامس عشر من صفر (ختم بالخير والظفر ... بمحمد وآله)، وهي سنة ثمان وخمسين وتسعمائة بخدمة مصنّفه أطال الله بقاه وأعلى بهاه ومَدَّ في عمره وأدام سعده وأهلك عدوّه) و... كشف الكرب عن شيعتهم، إنّه على كلّ شيءٍ قدير، والحمد الله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد وآله .

وهذه النسخة محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران بالرقم 4886، وورد التعريف بها في فهرست المكتبة ( ج 14 ، ص 28 - 29 ) .

ورمزنا لها ب-«س».

3. نسخة مكتبة قمر بني هاشم في دامغان المرقمة 35، والموجود تصويرها في مكتبة مركز إحياء الميراث الإسلامي في قم بالرقم 1994 ، وقد ورد التعريف بها في فهرست النسخ المصوّرة للمركز المذكور (ج) 5 ، ص 447 .

وهذه النسخة كاملة تم استنساخها في العام 1083 ه- ، وقوبلت وصححت على النسخة الأصلية ونسخة حفيد المؤلّف الشيخ علي بن محمد بن الشيخ حسن .

ورمزنا لها ب-«ن».

.4 نسخة مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة، المرقمة 14856. فهرست المكتبة (ج 21 ، ص 733) .

ص: 42

وتشتمل هذه النسخة على المجلد الثاني من شرح اللمعة أولها كتاب الإجارة، وجاء في آخرها :

انتهى ما وجد بخطّ مصنّفه في مسوّدته (أدام الله تعالى أيام إفاداته، بمحمّد وآله النجباء من عترته). وكان الفراغ من هذه المبيضة يوم السبت... لخمس مضين من شهر شعبان المبارك في خدمة مصنّفه من شهور سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ... وكتب العبد الفقير ... حسن بن أبي الحسن الحسيني العاملي.

والحسن بن أبي الحسن هو من تلامذة الشهيد الثاني المبرزين. ومن كلامه هذا يُعلم أنّ انتهاء كتابة نسخته كان في حضور الشهيد في التاريخ المذكور .

ورغم أنه ورد في فهرست المكتبة المذكورة - وعلى غلاف النسخة أيضاً - أن كاتبها هو حسن بن أبي الحسن، إلا أنه يظهر أن النسخة المذكورة ليست بخط يده ، بل إنها كُتبت استنساخاً عن نسخته

ورمزنا لها ب-«ق».

5 . النسخة الخطّيّة المحفوظة في المكتبة المركزية بجامعة طهران بالرقم 710 نسخها محمّد مقيم ابن أبي البقاء الشريف الإصفهاني، يوم الخميس 28 ربيع الآخر عام 1090، قوبلت وصححت مع أصله الأصيل الذي بخطّ مؤلّفه في أواسط شهر جمادى الأولى من من سنة ،1090، وتشتمل هذه النسخة على كلا الجزئين. ورد التعريف بها في فهرست المكتبة المركزية بجامعة طهران، ج 5، ص 1914 - 1916.

ورمزنا لها ب-«م». وقد استفدنا في تصحيحنا - مضافاً إلى هذه النسخة الخطية - من الطبعات المتعدّدة من شرح اللمعة أيضاً، خصوصاً طبعة الخوانساري الحجرية لسنة 1301 ه- .

ب. ثبتنا حواشي المصنّف الموجودة في النسخ الخطية والطبعات الحجرية في هامش الكتاب برمز منه رحمه الله كما ثبتنا حواشي المؤلّف على اللمعة الدمشقية الغير المكرّرة في الشرح برمز «زين» من طبعة موسوعة الشهيد الأول.

ص: 43

ج. تم تخريج مصادر النصوص من آيات وروايات وأقوال و... من مصادرها الأصلية، إلا في موارد نادرة لم نعثر على المصدر الأصل فخرجناها من مصادر قبل الشهيد.

د. وفي المرحلة الرابعة قام محققونا بتقويم نص الكتاب وتصحيحها من خلال مجموع المعلومات وتثبيت ما هو الأنسب والراجح في المتن، كما قدر جنبنا من الإكثار في الإشارة إلى اختلاف النسخ.

ه- .اتبعنا في تنزيل الهوامش أسلوب تصحيح موسوعة الشهيد الأول والثاني، فأشرنا إلى المصادر وراعينا الأقدم فالأقدم.

و . وفي نهاية المطاف تمّ المراجعة النهائية والعلمية للكتاب للتأكد على سلامة سير مراحل العمل، ومن دقة العمل ووحدة السياق كوحدة واحدة.

مسك الختام

وفي الختام فإنّا نتقدّم بجزيل الشكر والثناء إلى جميع المحققين الذين تولوا لتحقيق الكتاب والذين ساعدونا على إنجاز هذا العمل، والذين بذلوا من أجل إخراجه بهذه الهيئة الجميلة جهوداً مباركةً، وقد تحمّل كلّ من المحققين والمساعدين قسطاً من العمل، نخص منهم بالذكر :

- فضيلة الشيخ روح الله ملكيان، حيث تولّى تقويم نص الكتاب ومراجعته نهائياً.

- فضيلة الشيخ علي الأسدي، حيث تولّى للمراجعة النهائية لمصادر الكتاب و تخریج حواشي (منه) وتقويم نصها.

-الأستاذ الفاضل شكري أبو غزالة الذي قام بتصحيح نص الكتاب وضبطه.

- فضيلة الشيخ ولي القرباني، حيث بذل جهداً في متابعة مراحل التحقيق.

- الإخوة الفضلاء الشيخ محمد إبراهيم ،الزارعي والشيخ مهدي رضائي، والشيخ علي رضا هراتي والشيخ غلام حسین دهقان، حيث تولوا جميعاً لتخريج المنابع والمصادر.

ص: 44

الأخوان الفاضلان طه نجفي وكمال هاشم پور؛ لمساعدتهما في مقابلة الكتاب و تصحيح بعض التجارب المطبعية.

- فضيلة الشيخ محسن النوروزي الذي تابع العمل من ابتداء تصفيف الحروف وتقديم المساعدة العلميّة والفنّيّة اللازمة حتى نهاية العمل.

- الأخ الكريم الفاضل رمضان علي القرباني، حيث تولّى لتنضيد الحروف وصفها وإخراج الكتاب بهذه الحلّة القشيبة.

ونتقدم بالشكر إلى كل من ساهم معنا في إنجاز موسوعة الشهيد الثاني، خصوصاً في إنجاز هذا السفر القيم. فلله درّهم وعليه أجرهم، ونسأل الله تعالى لهم التوفيق في أعمالهم ومضاعفة الأجر والثواب لهم.

ومن الله نستمد التوفيق وعليه نتوكل و به نثق وإيَّاه نستعين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمّد وعلى الهداة المعصومين من آله الطاهرين.

قم المقدسة

12 ربيع الآخر 1432

عليّ أوسط الناطقي

ص: 45

نماذج من مصورات النسخ الخطیه المعتمده فی التحقیق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الصورة

ص: 46

الصورة

ص: 47

الصورة

ص: 48

الصورة

ص: 49

الصورة

ص: 50

الصورة

ص: 51

الصورة

ص: 52

الصورة

ص: 53

ص: 54

الصورة

ص: 55

ص: 56

الروضة البهيّة

في شرح اللمعة الدمشقية / 1

ص: 1

ص: 2

شرح الخطبه

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليه نتوكل و به نستعين

الحمد لله الذي شَرَح صدورنا بلمعة من شرائع الإسلام، كافية في بيان الخطاب، ونور قلوبنا من لوامع دروس الأحكام بما فيه تذكرة وذكرى لأُولي الألباب. وكرَّمَنا بقبول منتهى نهاية الإرشاد وغاية المراد في المعاش والمآب.

والصلاة على من أُرسل لتحرير قواعد الدين وتهذيب مدارك الصواب، محمّد الكامل في مقام الفَخَار الجامع من سرائر الاستبصار للعجب العجاب، وعلى آله الأئمة النُجَباء وأصحابه الأجلّة الأتقياء، خير آلٍ وأصحاب .

ونسألك اللهمّ أن تُنوّر قلوبنا بأنوار هدايتك، وتَلْحَظ وجودنا بعين عنايتك؛ إنك أنت الوهاب.

وبعد، فهذه تعليقة لطيفة وفوائد خفيفة، أضفتها إلى المختصر الشريف والمؤلَّفِ المُنيف، المشتمل على أُمهات المطالب الشرعيَّة، الموسوم باللمعة الدمشقية من مصنفات شيخنا وإمامنا المحقق البدل التحرير المدقق، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ومرتبة العمل والشهادة؛ الإمام السعيد أبي عبدالله الشهيد محمد بن مكي (أعلى الله درجته كما شرَّف خاتمته).

جعلتها جاريةً له مجرى الشرح الفاتح لمُغلقه، والمقيد لمطلقه، والمتمم لفوائده، والمهذب لقواعده، ينتفع به المبتدئ، ويستمد منه المتوسط والمنتهي. تَقَرَّبتُ بوضعه إلى

ص: 3

ربِّ الأرباب، وأجبْتُ به مُلتمَسَ بعض فضلاء الأصحاب (أيَّدهم الله تعالى بمعونته، ووفقهم لطاعته). اقتصرتُ فيه على بَحْت الفوائد، وجعلتهما ككتاب واحد، وسميته الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية، سائلاً من الله جلَّ اسمه أن يكتبه في صحائف الحسنات، وأن يجعله وسيلةً إلى رفع الدرجات، ويُقرنه برضاه، ويجعله خالصاً من شوب سواه، فهو حسبي ونعم الوكيل.

قال المصنِّف (قدَّس الله لطيفه وأجزل تشريفه) : (بسم الله الرحمن الرحيم). الباء للملابسة،والظرف مستقر(1)حال من ضمير أَبتَدِئُ الكتاب كما في «دخلت عليه بثياب السفر». أو للاستعانة والظرف لغو كما في «كتبتُ بالقلم». والأوّل أدخل في التعظيم، والثاني لتمام الانقطاع ؛ لإشعاره بأنّ الفعل لا يتم بدون اسمه تعالى.

وإضافة «اسم» إلى «الله» تعالى دون باقي أسمائه ؛ لأنها معانٍ وصفات. وفي التبرك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمّى، فلايدلّ على اتحادهما، بل ربما دلّت الإضافة على تغايرهما.

و «الرحمن الرحيم» اسمان بُنِيا للمبالغة مِن« رَحِمَ» ك- «الغَضبان» من «غَضِبَ» و «العليم» من «عَلِمَ»، والأوّل أبلغ ؛ لأن زيادة اللفظ تدلّ على زيادة المعنى، ومختص به تعالى لا لأنه من الصفات الغالبة ؛ لأنه يقتضى جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع، وليس كذلك، بل لأن معناه المُنعِمُ الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها.

وتعقيبه ب-«الرحيم »من قبيل التتميم ؛ فإنّه لمّا دلّ على جلائل النعم وأصولها ذُكِر«الرحيم» ليتناول ما خرج منها.

(الله أحمد) جمع بين التسمية والتحميد في الابتداء، جرياً على قضيَّة الأمر في كلِّ

ص: 4


1- الظرف المستقر - بفتح القاف - ما كان متعلقه عاماً واجب الحذف كالواقع خبراً، أو صفة أو صلة أو حالاً. سمّي بذلك لاستقرار الضمير فيه، والأصل «مستقر فيه» حذف «فيه» تخفيفاً، أو لتعلقه بالاستقرار العام واللغو ما كان متعلقه خاصاً - سواء ذكر، أم حذف - سمّي بذلك لكونه فارغاً من الضمير فهو لغو: كذا ذكره جماعة من النحاة. وبذلك يظهر الفرق بين جعل الباء للملابسة والاستعانة؛ لأنّ متعلّق الأوّل عام واجب الحذف؛ لكونه حالاً. والثاني خاص غير متعيّن للحالية، كما في مثال الكتابة( منه رحمه الله)

أمر ذي بال(1)؛ فإنّ الابتداء يُعتبر في العرف ممتداً من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود، فتقارنه التسمية والتحميد ونحوهما؛ ولهذا يقدر الفعل المحذوف في أوائل التصانيف «أبتدئ» سواءٌ اعتبر الظرف مستقراً، أم لغواً؛ لأن فيه امتثالاً للحديث(2) لفظاً ومعني، وفي تقدير غيره معنىً فَقط.

وقدم التسمية اقتفاء لما نطق به الكتاب(3) واتفق عليه أولو الألباب.

وابتدأ في اللفظ باسم «الله» لمناسبة مرتبته في الوجود العيني؛ لأنه الأوّل فيه فناسب كون اللفظي ونحوه كذلك. وقدَّم ما هو الأهم وإن كان حقه التأخُرَ باعتبار المعموليَّة؛ للتنبيه على إفادة الحصر على طريقة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ .

ونسب الحمد إليه تعالى باعتبار لفظ «الله»؛ لأنه اسم للذات المقدَّسة بخلاف باقي أسمائه تعالى؛ لأنها صفات كما مرّ - ولهذا تُحمّل عليه، ولا يُحمل على شيء منها. ونسبة الحمد إلى الذات باعتبار وصف تُشعر بعليَّته.

وجعل جملة الحمد فعليّةً؛ لتجدّده حالاً فحالاً بحسب تجدد المحمود عليه وهي خبريَّة لفظاً، إنشائيَّة معنى؛ للثناء على الله تعالى بصفات كماله ونُعوتِ جلاله وما ذُكِر فرد من أفراده.

ولمّا كان المحمود مختاراً مستحقاً للحمد على الإطلاق، اختار الحمد على المدح والشكر.

(استتماماً لنعمته) نُصِب على المفعول له تنبيهاً على كونه من غايات الحمد. والمراد به هنا الشكر؛ لأنه رأسه (4)وأظهر أفراده، وهو ناظر إلى قوله تعالى: ﴿ لئن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾(5) ؛ لأنّ الاستتمام طلب التمام، وهو مستلزم للزيادة، وذلك باعث

ص: 5


1- إشارة إلى الحديث المشهور كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». راجع كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج 2، ص 156 ، ح 1964 : الدر المنثور، ج 1، ص 26 و 32 وفيه: «فهو أقطع».
2- إشارة إلى الحديث المشهور كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». راجع كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج 2، ص 156 ، ح 1964 : الدر المنثور، ج 1، ص 26 و 32 وفيه: «فهو أقطع».
3- من تقديم البسملة في أوائل السور.
4- الجامع الصغير، ص 233، ح :3835:« الحمد رأس الشكر »
5- إبراهيم (14): 7

على رجاء المزيد. وهذه اللفظة مأخوذة من كلام علي(عليه السلام) في بعض خطبه (1). و «النعمة» هي المنفعة الواصلة إلى الغير على جهة الإحسان إليه، وهي موجِبَةٌ للشكرِ المستلزم للمزيد. و وحدَها للتنبيه على أنّ نِعَم الله تعالى أعظم من أن تُستَتَم على عبد، فإنّ فيضه غيرُ متناءٍ كمّاً ولا كيفاً، وفيها يتصوَّر طلب تمام النعمة التي تصل إلى القوابل بحسب استعدادهم.

(والحَمْدُ فَضْلُه)، أشار إلى العجز عن القيام بحق النعمة؛ لأن الحمد إذا كان من جملة فضله فيستحق عليه حمداً وشكراً، فلا ينقضي ما يستحقه من المحامد؛ لعدم تناهي نعمه.

واللام في «الحمد» يجوز كونه للعهد الذكري؛ وهو المحمود به أوّلاً، والذهني؛ الصادر عنه أو عن جميع الحامدين والاستغراق؛ لانتهائه مطلقاً إليه بواسطة أو بدونها، فيكون كلّه قطرةً من قطرات بحار فضله ولَمْحةً من نفحات جوده، والجنس وهو راجع إلى السابق باعتبار.

(وإيّاه أَشكُر) على سبيل ما تقدَّم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه؛ لرجوع النعم كلّها إليه وإن قيل للعبد فعل اختياري؛ لأن آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لابد أن تنتهي إليه، فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر. وأردف الحمد بالشكر -مع أنه لامح له أوّلاً - للتنبيه عليه بالخصوصيَّة، ولمح تمام الآية. (استسلاماً) أي انقياداً (العزَّته) وهى غايةٌ أُخرى للشكر كما مر، فإنّ العبد يستعد بكمال الشكر لمعرفة المشكور، وهي مستلزمة للانقياد لعزّته والخضوع لعظمته. وهو ناظر إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾(2) لما تشتمل عليه الآية من التخويف المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران فقد جمع صدرها وعَجُزها بين رُتْبَتَي الخوف والرجاء. وقدَّم الرجاء؛ لأنه سوط النفس الناطقة، المحرّك لها نحو الطماح،

ص: 6


1- نهج البلاغة، ص 23، الخطبة 2.
2- إبراهيم (14): 7

والخوفُ زمامها العاطفُ بها عن الجماح.

(والشكر طَوْلُه ) أي من جملة فضله الواسع ومنه السابع، فإنّ كلّ ما نتعاطاه من أفعالنا مستند إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا، وهي بأشرها مستندة إلى جُوده ومستفادة من نعمه. وكذلك ما يصدر عنا من الشكر وسائر العبادات نعمة منه، فكيف تُقابل نعمته بنعمته ؟

وقد رُوي أنّ هذا الخاطر خطر الداود(عليه السلام) ، وكذلك لموسى (عليه السلام)، فقال : يا ربِّ كيف أَشكُرُك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك؟» (1)وفي رواية أُخرى: وشكري لك نعمة أخرى توجب عليّ الشكر لك، فأوحى الله تعالى إليه : «إذا عرفت هذا فقد شكرتني(2) وفي خبر آخر : إذا عرفت أنّ النعم منّي فقد رَضِيتُ منك بذلك شكراً»(3).

(حمداً وشكراً كثيراً كما هو أهله) ، يمكن كون الكاف في هذا التركيب زائدةً، مثلُها في ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ؛ لأنّ الغرض حمده بما هو أهله، لا بحمد يشابه الحمد الذي هو أهله، و «ما» موصولةٌ و هو أهله صلتها وعائدها والتقدير «الحمد والشكر الذي هو أهله» مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفةً لهما. أو نكرة موصوفة بدلاً من حمداً وشكراً» لئلا يلزم التكرار. وقد تُجعل «ما» أيضاً زائدة، والتقدير :« حمداً وشكراً هو أهله».

ويمكن كون الكاف حرف تشبيه، اعتباراً بأنّ الحمد الذي هو أهله لا يَقْدِر عليه هذا الحامد ولا غيره ، بل لا يقدر عليه إلا الله تعالى كما أشار إليه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بقوله : «لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». وفي التشبيه حينئذٍ سؤالُ أن يُلحقه الله تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد، تفضّلاً منه تعالى مثله في قولهم: «حمداً وشكراً

ص: 7


1- إحياء علوم الدين، ج 4 ص ،132 كتاب الصبر والشكر الوجه الثاني.
2- الشورى (42): 11
3- مصباح الشريعة ص 43 ، باب الخامس في الذكر.

مِلْءَ السماوات والأرض»(1) ، «وحمداً يَفُوق حمد الحامدين» (2)ونحو ذلك.

و اختار الحمد بهذه الكلمة؛ لما رُوي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم):« من قال: الحمد الله كما هو أهله، شَغَل كُتاب السماء، فيقولون : اللهم إنا لا نعلم الغيب فيقول تعالى : اكتبوها كما قالها عبدي، وعلي ثوابها»(3).

(وأسأله تسهيل ما ) أي الشيء، وهو العلم الذي (يلزم حمله، وتعليم ما لا يسع )أي لا يجوز (جهله) وهو العلم الشرعي الواجب.

(وأستعينه على القيام بما يبقى أجره) على الدوام؛ لأنّ ثوابه في الجنَّةَ ﴿ أُكُلُهَا دَابِمُ وَظِلُّهَا﴾ (4)، (ويَحسُن في الملا الأعلى ذِكرُه). أصل الملا: الأشراف والرؤساء الذين يُرجع إلى قولهم، ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَا مِنْ بَنِي إِسْرَءِيلَ ﴾(5) ؛ قيل لهم ذلك؛ لأنهم ملاءٌ بالرأي والغنى، أو أنهم يملأون العين أو القلب، والمراد بالملا الأعلى الملائكة (ويُرجَى مثوبتُه وذُخرُه). وفي كلّ ذلك إشارة إلى الترغيب فيما هو بصدده من تصنيف العلم الشرعي وتحقيقه، وبذل الجهد في تعليمه.

(وأشهدُ أن لا إله إلا الله ) تصريح بما قد دلّ عليه الحمد السابق بالالتزام من التوحيد. وخصّ هذه الكلمة ؛ لأنها أعلى كلمةٍ، وأشرفُ لفظةٍ نُطق بها في التوحيد، منطبقة على جميع مراتبه.

و «لا» فيها هي النافية للجنس و «إله» اسمها. قيل: والخبر محذوف تقديره «موجود» (6): ويُضَعَّف بأنّه لا ينفي إمكان إله معبود بالحقِّ غيره تعالى ؛ لأنّ الإمكان أعمّ

ص: 8


1- لم نجده بهذا اللفظ : لكنه موجود في الكافي، ج 2، ص 530، باب القول عند الإصباح والإمساء، ح 23: «... فلك الحمد يا إلهي، كثيراً طيباً مباركاً عليه ملء السماوات، وملء الأرض وملء ما شاء ربي ...».
2- مهج الدعوات، ص 338، دعاء العلوي المصري، ولكنّه فيه: «على جميع حمد الحامدين».
3- ثواب الأعمال، ص 34 ثواب من قال: الحمد الله كما هو أهله.
4- الرعد (13): 35
5- البقرة (2): 246
6- تفسير البحر المحيط ، ج 2، ص 7675

من الوجود. وقيل: «ممكن»(1)؛ وفيه أنه لا يقتضي وجوده بالفعل. وقيل: «مستحق للعبادة»(2)، وفيه أنه لا يدلّ على نفي التعدّد مطلقاً.

وذهب المحققون(3)إلى عدم الاحتياج إلى الخبر، وأنّ «إلّا الله» مبتدأ وخبره «لا إله»، إذ كان الأصل «الله إله»، فلمّا أريد الحصرُ زِيدَ «لا» و«إلّا» ومعناه «الله إلة ومعبود بالحقِّ ،لا غيره »أو أنها نُقِلتْ شرعاً إلى نفي الإمكان والوجود عن إله سوى الله مع الدلالة على وجوده تعالى وإن لم تدلّ عليه لغةً.

(وحده لا شريك له) تأكيد لما قد استفيد من التوحيد الخالص، حسن ذكره في هذا المقام المزيد الاهتمام.

(وأشهد أنّ محمداً نبي أرسله ) قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد ؛ لأنها بمنزلة الباب لها، وقد شرَّف الله نبيَّنا (صلی الله علیه وآله وسلم) بكونه لا يُذكر إلا ويُذكر معه.

وذكر الشهادتين في الخطبة لما روي عنه (صلی الله علیه وآله وسلم) من أنّ «كلّ خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء»(4).

و«محمد» علم منقول من اسم مفعول المضعف، وسمّي به نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم) إلهاماً من الله تعالى، وتفاؤلاً بأنه يكثر حمد الخلق له ؛ لكثرة خصاله الحميدة. وقد قيل لجده عبدالمطلب وقد سماه في يوم سابع ولادته لموت أبيه قبلها : «لِمَ سَمَّيتَ ابنك محمّداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟» فقال:

«رجوتُ أن يُحمَد فى السماء والأرض»(5) وقد حقق الله رجاءَه.

و«النبي» بالهمزة من «النبأ» وهو الخبر؛ لأنّ النبيء مخبر عن الله تعالى، وبلا همز

ص: 9


1- راجع مغني اللبيب، ج 2، ص 313
2- راجع مغني اللبيب، ج 2، ص 313
3- نقله عن الزمخشري ابن هشام في مغني اللبيب، ج 2، ص 314.
4- سنن أبي داود، ج 4، ص 261، ح 4841.
5- السيرة الحلبية، ج 1، ص 115، باب تسميته محمداً وأحمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ، ولكنه فيه: «في لفظ: وليس من أسماء آبائك ولا قومك، قال: أردت أن يحمده الله في السماء، وتحمده الناس في الأرض».

- وهو الأكثر - إما تخفيفاً من المهموز بقلب همزته ياءً، أو أن أصله من «النَّبْوَة» - بفتح النون وسكون الباء - أي الرفعة؛ لأنّ النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق.

ونبه بقوله «أرسله» على جَمْعه بين النبوة والرسالة، والأول أعم مطلقاً؛ لأنه إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يُؤْمَر بتبليغه، فإن أُمر بذلك فرسول أيضاً، أو أُمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب أو نَسخُ لبعض شرع من قبله كيوشع(عليه السلام) ، فإن كان له ذلك فرسول أيضاً ، وقيل (1): هما بمعنى، وهو معنى الرسول على الأول.

(وعلى العالمين) جمع «العالم» وهو اسم لما يُعلم به كالخاتم والقالب، غُلّب فيما يُعلم به الصانع، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض، فإنّها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثرٍ واجب لذاته تدلّ على وجوده. وجَمَعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة، وغَلَّب العقلاء منهم فجَمَعه بالياء والنون كسائر أوصافهم.

وقيل(2) : اسم وُضِع لذوي العلم من الملائكة والتقلين، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع وقيل (3): المراد به الناس هاهنا فإنّ كلَّ واحد منهم «عالم أصغر» من حيث إنّه يشتمل على نظائر ما في العالم الأكبر من الجواهر والأعراض التي يُعلم بها الصانع، كما يُعلَّم بما أبدعه في العالم الأكبر.

(اصطفاه) أي اختاره (وفضَّله) عليهم أجمعين.

(صلّى الله عليه ) من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: ﴿ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾(4)، وأصلها الدعاء، لكنَّها منه تعالى مجاز في الرحمة. وغاية السؤال بها عائد إلى المصلي؛ لأنّ الله تعالى قد أعطى نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثر فيه صلاة مصلّ، كما نطقت به الأخبار(5) وصرح به العلماء الأخيار.

ص: 10


1- حكاه عن المعتزلة الفخر الرازي في التفسير الكبير، ج 12 ص 50، ذيل الآية 52 من سورة حج (22).
2- تاج العروس، ج 17، ص 498 - 499 ، «علم» : الكشاف، ج 1، ص 10، ذيل الآية 2 من سورة الحمد (1).
3- حكاه عن قائل الطبرسي في مجمع البيان ج 1، ص 22 ذيل الآية 2 من سورة الفاتحة (1).
4- الأحزاب (33): 056
5- الكافي، ج 2، ص 491 - 495 ، باب الصلاة على النبي .... ح 1 - 21.

وكان ينبغي إتباعها بالسلام، عملاً بظاهر الأمر(1)، وإنما تركه للتنبيه على عدم تحتُم إرادته من الآية ؛ لجواز كون المراد به الانقياد ، بخلاف الصلاة.

(و على آله ) وهم عندنا علي وفاطمة والحسنان، ويُطلق تغليباً على باقي الأئمة (عليهم السلام) .

ونبَّه على اختصاصهم(عليهم السلام) بهذا الاسم بقوله : (الذين) حَفِظوا ما حَمَله - بالتخفيف - من أحكام الدين وعَقَلُوا عنه ما عن جَبرئيل عقله) ولايتوهم مساواتهم له بذلك في الفضيلة ؛ لاختصاصه (عليهم السلام)عنهم بمزايا أخر، تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهم (عليهم السلام) من الرعيَّة إليهم ؛ لأنهم (عليهم السلام) في وقته (عليهم السلام)من جملة رعيَّته.

ثمّ نبّه على ما أوجب فضيلتهم وتخصيصهم بالذكر بعده(عليهم السلام) بقوله : ( حتَّى قَرَنَ) الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)؛ لأنه قرن (بينهم وبين محكم الكتابِ) في قوله(عليهم السلام) : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (2)2 الحديث، ويمكن عوده إلى الله تعالى؛ لأنّ إخبار النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك مستند إلى الوحي الإلهي : لأنه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾(3) وهو الظاهر من قوله :

(وجعلهم قدوة لأولي الألباب ) فإنّ الجاعل ذلك هو الله تعالى، مع جواز أن يراد به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أيضاً، و«الألباب»: العقول، وخَصَّ ذويهم ؛ لأنهم المنتفعون بالعِبَر، المُقتَفُون لسديد الأثر. (صلاةً دائمةً بدوام الأحقاب ).جمع حُقُب بضم الحاء والقاف - وهو الدهر، ومنه قوله تعالى:﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبا﴾(4)؛ أي دائمةً بدوام الدهور. وأما «الحُقب» بضم الحاء وسكون القاف - وهو ثمانون سنة، فجمعه «حِقاب» بالكسر - مثل «قُفٌ» و «قفاف»، نَصَّ عليه الجوهري(5).

ص: 11


1- الأحزاب (33): 56.
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 162، المجلس 6. ح 20/268.
3- النجم (53): 3 - 4
4- الكهف (18) :60.
5- الصحاح، ج 1، ص 114، «حقب».

(أمّا بعد )الحمد والصلاة و «أمّا » كلمة فيها معنى الشرط، ولهذا كانت الفاء لازمةً في جوابها، والتقدير «مهما يكن من شيء بعد الحمد والصلاة فهو كذا فوقعت كلمة «أمّا» موقع اسم هو المبتدأ، وفعل هو الشرط، وتضمنت معناهما، فلزمها لصوقُ الاسم اللازم للمبتدإ للأوّل، إبقاءً له بحسب الإمكان، ولزمها الفاء للثاني. و«بعد» ظرف زماني، وكثيراً ما يحذف منه المضاف إليه ويُنوى معناه، فيُبنى

على الضم.

(فهذه ) إشارة إلى العبارات الذهنية التي يريد كتابتها إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف، أو كَتَبَها إن كان بعده نزّلها منزلة الشخص المشاهد المحسوس، فأشار إليه ب- «هذه الموضوع للمشار إليه المحسوس.

(اللمعة) بضم اللام، وهي لغةً: البُقعةُ من الكلا(1) إذا يَبِست وصار لها بَياضُ. وأصلها من «اللمَعان» وهو الإضاءة والبَرِيقُ ؛ لأنّ البقعة من الأرض ذات الكلا المذكور كأنها تضيء دون سائر البقاع، وعُدِّي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه ؛ لاستنارة الأذهان به ولتميّزه عن سائر الكلام، فكأنه في نفسه ذو ضياء ونور.

(الدِمَشقيَّة) بكسر الدال وفتح الميم نَسَبها إلى دِمَشقَ المدينة المعروفة ؛ لأنه صنفها بها في بعض أوقات إقامته بها (في فقه الإماميَّة) الاثني عشريَّة (أيَّدهم الله تعالى)، (إجابةً) منصوب على المفعول لأجله والعامل محذوف، أي صنفتها إجابةً (لالتماس) وهو طلب المساوي من مثله ولو بالادعاء، كما في أبواب الخطابة، (بعض الديانين) أي المطيعين الله في أمره ونهيه.

وهذا البعض هو شمس الدين محمد الآوي من أصحاب السلطان علي بن مؤيَّد ملك خراسان(2) وما والاها في ذلك الوقت إلى أن استولى على بلاده تيمور لنك، فصار معه قسراً إلى أن تُوُفِّى فى حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة بعد أن استشهد

ص: 12


1- المصباح المنير، ص 253؛ تاج العروس، ج 11، ص 442، «لمع».
2- راجع شهداء الفضيلة، ص 89

المصنف (رحمه الله ) بتسع سنين. وكان بينه وبين المصنّف (رحمه الله) مودَّةٌ ومكاتبة على البعد إلى العراق، ثمّ إلى الشام، وطلب منه أخيراً التوجه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثَرَ فيها من التلطف والتعظيم والحثّ للمصنف (رحمه الله) على ذلك، فأبى واعتذر إليه، وصنّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير، على ما نقله عنه ولده المبرور أبوطالب محمّد، وأخذ شمس الدين الآوي (1)نسخة الأصل ولم يتمكّن أحد من نَسخها منه لضِنَّته بها، وإنّما نسخها بعضُ الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خَلَل، ثمّ أصلحه المصنف بعد ذلك بما يناسب المقام، وربما كان مغايراً للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.

ونُقِل عن المصنّف (رحمه الله: أنّ مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم قال : فلما شرعتُ في تصنيف هذا الكتاب كنتُ أخاف أن يدخُل على أحدٌ منهم فيراه، فما دخل عليَّ أحدٌ منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه، وكان ذلك من خفيّ الألطاف. وهو من جملة كراماته (قدَّس الله روحه ونور ضريحه).

(وحسبنا الله) أي مُحسبنا وكافينا، (ونِعْمَ المعينُ)(2). عطف إما على جملة «حسبنا الله بتقدير المعطوفة خبريةً بتقدير المبتدإ مع ما يوجبه أي «مقول في حقه ذلك»، أو بتقدير المعطوف عليها إنشائية أو على خبر المعطوف عليها خاصّةً فتقع الجملةُ الإنشائية خبر المبتدإ، فيكون عطف مفردٍ متعلقه جملة إنشائية. أو يقال: إنّ الجملة التي لها محلّ من الإعراب لا حرج في عطفها كذلك؛ أو تجعل «الواو معترضة لا ،عاطفة مع أن جماعة من النحاة (3) أجازوا عطف الإنشائية على الخبريَّة وبالعكس، واستشهدوا

ص: 13


1- هو شمس الدين الزابلي (منه رحمه الله)
2- في نسخة من اللمعة «ونعم الوكيل».
3- مغني اللبيب، ج 2، ص 179 - 180 ؛ ونحوه النحو الوافي، ج 3، ص 653 ، عطف الجملة على الجملة ؛ حاشية الصبيان، ج 3، ص 121.

علیه بآيات قرآنية وشواهد شعريَّة (1).

(وهي مبنيَّة) أي مرتبة أو ما هو أعم من الترتيب (على كتب) بضم التاء وسكونها، جمع كتاب، وهو فعال من الكتب - بالفتح - وهو الجمع سمّي به المكتوب المخصوص الجمعه المسائل المتكثّرة، والكتاب أيضاً مصدر مزيد مشتق من المجرد، لموافقته له في حروفه الأصلية ومعناه.

ص: 14


1- الآيات التي استدلوا بها هي قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ في سورة البقرة (2): 25،﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾في سورة الصف (61): 13 ذكر ذلك ابن هشام في مغني اللبيب [ج 2 ، باب عطف الخبر على الإنشاء، ص 179 - 180] ونقله عن ابن عصفور. قال أبو حيان ؛وأجاز سيبويه «جاءني زيد وعمرو العاقلان» على أن يكون العاقلان خبراً، لمحذوف، قال: ويؤيده قوله: وَإِنَّ شفائي عَبْرَةٌ مُهَراقَةً *** وَهَلْ عِنْدَ رَسْمِ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلٍ؟ وقوله: تناغي غزالاً عِنْدَ بَاب ابْنِ عَامِرٍ*** وَكَحْل أَماقِيكَ الحِسَانَ بِإِبْمِدٍ واستدل الصفار أيضاً بقوله: وَقائلَةٍ خَوْلانُ فَانْكِحْ فَتاتَهُمْ ......... فإن تقديره عند سيبويه هذه خَوْلانُ. وأوضح من ذلك دلالة قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فصل لربك وَانْحَرْ ﴾ الكوثر (108): [ 1 و 2]. وناهيك بقوله تعالى: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران (3) : 173] وباب التأويل من الجانبين متسع . (منه رحمه الله)

كتاب الطهارة

اشارة

ص: 15

ص: 16

( كتاب الطهارة)

الطهارة مصدر «طهر» بضم العين وفتحها - والاسمُ «الطُّهر» بالضم (وهي لغةً: النظافة)والنزاهة من الأدناس(1)، (وشرعاً) بناءً على ثبوت الحقائق الشرعية (استعمال طهورٍ مشروط بالنيَّة)؛ فالاستعمال بمنزلة الجنس و«الطهور» مبالغة في «الطاهر» والمراد منه هنا «الطاهر في نفسه المطهر لغيره»، جعل ب-حسب الاستعمال متعدِّياً وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازماً كالأكول.

وخرج بقوله «مشروط بالنيَّة » إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما، فإنّ النية ليست شرطاً في تحققه وإنْ اسْتُرِطَتْ في كماله وترتب الثواب على فعله، وبقيت الطهاراتُ الثلاث مندرجةً في التعريف واجبةً ومندوبةً، مبيحة وغير مبيحة إن أريد بالطهور مطلق الماء والأرض كما هو الظاهر.

وحينئذٍ ففيه اختيار أنّ المراد منها ما هو أعم من المبيح للصلاة وهو خلافُ اصطلاح الأكثرين(2)ومنهم المصنف فى غير الكتاب(3)، أو يَنتَقِصُ في طرده بالغُسل المندوب والوضوء غير الرافع منه والتيمم بدلاً منهما إن قيل به.

ص: 17


1- لسان العرب، ج 4، ص 504 - 505، «طهر»
2- منهم : الشيخ في النهاية، ص 1: المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 4 : العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 7.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 33؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 5 : البيان، ص 35 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 9 و 12).

ويَنتَقِصُ في طرده أيضاً بأبعاض كل واحد من الثلاثة مطلقاً، فإنّه استعمال طهور(1) مشروط بالنيَّة مع أنّه لا يُسمَّى طهارةً، وبما لو نَذَر تطهير الثوب ونحوه من النجاسة ناوياً، فإنّ النذر منعقد لرجحانه.

ومع ذلك فهو من أجود التعريفات لكثرة ما يَرِدُ عليها من النقوض - في هذا الباب.

(والطهورُ)(2) بفتح الطاء هو الماء والتراب. قال الله تعالى : ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾(2) وهو دليل طهوريَّة الماء، والمراد بالسماء هنا جهة العِلو.

(وقال النبي :« جُعِلَتْ لِيَ الأَرضُ مَسْجِداً وطَهُوراً» (3)الخصال، ص 201، باب الأربعة، ح 14، وص 296، باب الخمسة، ح 6. (4) وهو دليل طهورية التراب.

وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما يقتضيه الخبر، خصوصاً على مذهبه من جواز التيمم بغير التراب من أصناف الأرض.

(فالماء) بقول مطلقٍ (مطهِّرُ من الحَدَثِ) وهو الأثر الحاصل للمكلَّف وشبهه عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة، المتوقفُ رفعه على النية، (والخَبَثِ (5)) وهو النجس - بفتح الجيم - مصدر قولك «نجس الشيء - بالكسر - ينجس فهو نجس بالكسر »

(وينجس) الماء مطلقاً (بالتغير بالنجاسة) في أحد أوصافه الثلاثة : اللون والطعمِ

ص: 18


1- في بعض النسخ «للطهور»
2- الفرقان (25): 48
3-
4- هذا الحديث رواه الأكثر كما ذكره المصنف. وعليه لا يطابق ما أسلفه من جعل أحد الطهورين هو التراب ؛ لأنّ الأرض أعم منه : لشمولها الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها. وزاد بعض الرواة فيه وترابها طهوراً. وكان الأولى للمصنّف ذكره كذلك ؛ لتوافق مطلوبه، أو تبديل التراب أوّلاً بالأرض ليطابق ما رواه كما لا يخفى. (منه رحمه الله)
5- يأتي عند قوله «و يجب بالتراب الطاهر أو الحجر»، ص 83. 6 الفرق بين الحدث والخبث أنّ الحدث ما لا يدرك بالحاسة الظاهرة، والخبث ما يدرك بها. ونقض بالبول اليابس على الثوب، وقيل: الخبث مالا يفتقر في رفعه إلى نيّة، والحدث يفتقر في رفعه إليها. التنقيح الرائع[ ج 1، ص 36] (زین رحمه الله )

والريح، دون غيرها من الأوصاف .

واحتَرَز بتغيّره بالنجاسة عمّا لو تغيَّر بالمتنجس خاصَّةً، فإنّه لا ينجس بذلك، كما لو تغيَّر طعمه بالدِبْسِ النجس من غير أن تُؤَثر نَجاستُه فيه.

والمعتبرُ من التغيّرِ الحسّي لا التقديري (1)على الأقوى.

( ويطهر بزواله) أي زوال التغيّر ولو بنفسه أو بعلاج (إن كان) الماء (جارياً) وهو النابع من الأرض مطلقاً غيرُ البئر على المشهور.

الکلام فی الکر

واعتبر المصنف (رحمه الله) في الدروس فيه دوام نبعه (2)، وجَعَلَه العلّامة (3) وجماعة، كغيره في انفعاله بمجرد الملاقاة مع قلته(4) - والدليل النقلي يعضده (5)- وعدم طهره بزوال التغيّر مطلقاً، بل بما نبه عليه بقوله : (أو لاقَى كُرّاً).

والمراد أنّ غير الجاري لابد في طهره مع زوال التغير، من ملاقاته كراً طاهراً بعد زوال التغيّر أو معه، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد وهو طهره مع زوالِ التغيّر وملاقاته الكرَّ كيف اتفق وكذا الجاري على القول الآخر (6).

ولو تغيَّر بعض الماء وكان الباقي كرّاً طَهر المتغير بزواله أيضاً كالجاري عنده. ويمكن دخوله في قوله لاقى كراً» لصدق ملاقاته للباقي.

ونبَّه بقوله « لاقى كرّاً» على أنَّه لا يُشترط في طهره به وقوعه عليه دفعةً - كما هو المشهور بين المتأخرين - بل تكفي ملاقاته له مطلقاً، لصيرورتهما بالملاقاة ماءً واحداً ؛

ص: 19


1- المراد من التغيير التقديري أنه لو وقعت في الكر، أو في الجاري نجاسة مسلوبة الأوصاف وجب اعتبارها مخالفة في الصفات فإن كانت هي بحيث لو قدرت مخالفة الصفات لكانت متغيرة بأحد أوصافه حكم بنجاسة الماء. وإنّما قلناه وجب التقديري حينئذ لأنّ عدم وجوبه يؤدي إلى جواز استعماله - وإن زادت النجاسة على الماء أضعافاً وهو ظاهر البطلان ويحتمل عدم التنجيس على هذا التقدير لعموم النص. (منه رحمه الله) .
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 38 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 17.
4- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 7: الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 39.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 39 - 40، ح 107.
6- أي انفعاله بمجرد الملاقاة. لاحظ غاية المراد، ج 1، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).

ولأن الدفعة لا يَتَحَقَّق لها معنى لتعذرِ الحقيقية وعدم الدليل على العرفية.

وكذا لا يُعتبر ممازَجته له، بل يكفي مطلق الملاقاة؛ لأنّ ممازَجة جميع الأجزاء لا تَتَّفق، واعتبار بعضها دون بعض تحكّم، والاتحاد مع الملاقاة حاصل.

ويشمل إطلاق الملاقاة ما لو تَساوَى سطحاهما واختَلَف مع عُلُوّ المطهر على النجس وعدمه. والمصنف (رحمه الله ) لايَرَى الاجتزاء بالإطلاق في باقي كتبه، بل يعتبر الدفعة والممازجةً وعُلُوّ المطهر أو مساواته (1). واعتبار الأخير ظاهر دون الأولين إلا مع عدم صدق الوحدة عرفاً.

والكر(2) المعتبر في الطهارة وعدم الانفعال بالملاقاة (هو ألفُ (3)ومائتا رِطْلٍ) بكسر الراء على الأفصح وفتحها على قلة (بالعِراقي) وقدْرُه مائة وثلاثون درهماً على المشهور فيهما(4)، وبالمساحة (5)ما بلغ مُكَسَّرُه اثنين وأربعين شِبراً وسَبعة أثمان شبرٍ

ص: 20


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 39؛ البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 9 و 12)
2- للكرّ عند أصحابنا تقديران وزناً ومساحة : أما الأول، فادعى الاتفاق جماعة على ما ذكره المصنف. وإنما الخلاف في المراد من الرطل أهو العراقي أو المدني ؟ والأصل فيه رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه [تهذيب الأحكام، ج 1، ص 41، ح 113]. وحجّة معتبر العراقي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله أن الكر ستمائة رطل [تهذيب الأحكام، ج 1، ص 414 - 415، ح 1308]. والمراد منه رطل مكة للإجماع على عدم إرادة العراقي والمدني من هذا القدر : والمكي رطلان وباقي الأدلة من الطرفين مذكور في محله. وأمّا الثاني، فللأصحاب فيه أقوال ذكر الشيخ (قدس سره) أن المشهور اثنان وأربعون شبراً، وسبعة أثمان شبرٍ [المبسوط ، ج 1، ص 22] كذا استفيد( منه رحمه الله ).
3- في نسخة من اللمعة: «قدره ألف».
4- مقابل المشهور أمران: أحدهما أنه بالمدني، ومائة وخمسة وتسعون، والثاني : أن العراقي مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم وقد اختاره العلّامة في التحرير[ ج 1، ص 374، الرقم 1258]. (منه رحمه الله )
5- وطريقه أن تأخذ الطول ثلاثة أشبار ونصفاً، فتضربها في الثلاثة من العمق تبلغ عشرة ونصفاً ثم تضرب النصف المتخلف من العمق في ثلاثة ونصف يبلغ اثنين إلا ربعاً فتكمّل اثني عشر وربعاً فتضربها في ثلاثة من العرض تبلغ ستة وثلاثين شبراً، وثلاثة أرباع شبر ثم تضرب نصف الباقي من العرض في اثني عشر وربع تبلغ ستة وثمناً فإذا أضفتها إلى المرتفع يبلغ الجميع اثنين وأربعين شبراً، وسبعة أثمان شبر. (منه رحمه الله)

مُستَوِ على المشهورِ والمختار عند المصنف. وفي الاكتفاء بسبعة وعشرين قول (1)قوي.

الکلام فی البئر

(وينجس) الماء (القليل) وهو ما دون الكرّ (والبئرُ ) وهو «مجمع ماءٍ نابع من الأرض لا يتعدّاها غالباً، ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً» (بالملاقاة) على المشهور فيهما، بل كاد يكون إجماعاً.

( ويطهر القليلُ بما ذكر) وهو ملاقاته الكرَّ على الوجه السابق. وكذا يطهر بملاقاة الجاري مساوياً له أو عالياً عليه وإن لم يكن كرّاً عند المصنّف (2) ومن يقول بمقالته فيه(3). و بوقوع الغيث عليه إجماعاً.

(و) يَطهر (البئرُ ) بمطهّر غيره مطلقاً.

و (بنزح جميعه للبعير) وهو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر والأنثى، الصغير والكبير . والمراد من نجاسته المستندة إلى موته.

(و) كذا (الثور)، قيل: هو ذكر البقر(4)، والأولى اعتبار إطلاق اسمه عرفاً مع ذلك. (والخمر) قليله وكثيرُه ، والمُسكِر) المائع بالأصالة، (ودم الحدث) - وهو الدماء الثلاثة - على المشهور (والفقاع) بضم الفاء.

وألحق به المصنِّف في الذكرى العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثلثيه(5)، وهو بعيد.

ولم يذكر هنا المنيَّ ممّا له نفس، والمشهور فيه ذلك، وبه قطع المصنف في المختصرين(6)،

ص: 21


1- قال به الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 5 ذيل الحديث 2.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- كالعلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 65.
4- قال به الجوهري في الصحاح، ج 2، ص 606، «ثور».
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- البيان، ص 94؛ الرسالة الألفية، ص 142 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 و 18).

ونسبه في الذكرى إلى المشهور معترفاً فيه بعدم النص (1)؛ ولعله السبب في تركه هنا، لكن دم الحدث كذلك، فلا وجه لإفراده، وإيجابُ الجميع لما لا نصَّ فيه يشملهما. والظاهر هنا حصرُ المنصوص بالخصوص .

(و) نزح (كرٌ للدابَّة) وهي الفرس والحمار والبقرة)، وزاد في كتبه الثلاثة (2): البغل، والمراد من نجاستها المستندة إلى موتها.

هذا هو المشهور، ر، والمنصوصُ منها مع ضعف طريقه «الحمار والبغل»(3)، وغايته أن ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب، فيبقى إلحاق الدابَّة والبقرة بما لا نصَّ فيه أولى.

(و) نزح (سبعين دلواً معتادةً) على تلك البئر، فإن اختلفت فالأغلب (للإنسان) أي لنجاستِه المستندة إلى موته سواء في ذلك الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لا نص فيه، وإلّا اختَصَّ بالمسلم.

(وخمسين) دلواً (للدم الكثيرِ ) في نفسه عادةً - كدم الشاة المذبوحة - غير الدماء الثلاثة لما تقدَّم. وفي إلحاق دم نجس العين بها وجهُ مُخَرَّج (4).

(والعَذرةِ الرطبة) وهى فَضْلة الإنسان والمروي اعتبارُ ذَوبانها وهو تَفَرُّقُ أجزائها وشيوعُها فى الماء، أما الرطوبة فلا نصَّ على اعتبارها، لكن ذكرها الشيخ(5) وتبعه

ص: 22


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 55 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 55 الدروس الشرعية، ج 1، ص39؛ البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 5 9 و 12).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 702.
4- وجه التخريج أن يلحق بالدماء الثلاثة في تغليظ حكمه حيث لا يعفى عن قليله ولا كثيره في الصلاة، فإذا استثنى الدماء الثلاثة هنا من مطلق الدم لقوّة نجاستها استثنى منها دم نجس العين لما ذكر. وفيه منع كلّ من الحكمين فإنّ الدم في النصّ مطلق، وإخراج الدماء الثلاثة أيضاً في محلّ النظر حيث لا نص. ولو سلم فإلحاق غيرها بها ممنوع. وأيضاً فإنّهم لم يلحقوه بها في نزح الجميع مع وجود العلة، فالأولى أن لا يلحق هنا. والقول بإلحاقه بها ثمة كما قال المصنف في ذكرى الشيعة [ج 1، ص 62 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5] - شك في شك. (منه رحمه الله)
5- المبسوط ، ج 1، ص 30.

المصنّف وجماعة (1). واكتفى في الدروس بكلِّ منهما(2).

وكذلك تعيُّنُ الخمسين والمرويُّ : أربعون أو خمسون» (3)وهو يقتضي التخيير وإن كان اعتبار الأكثر أحوط أو أفضل.

(وأربعين) دلواً (للثعلب والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهر) وشبه ذلك. والمراد من نَجاستِه بالموت كما مر والمستند(4) ، ضعيفٌ والشهرة جابرة على ما زعموا (5).

(و) كذا في (بول) (الرجل)سنداً(6) وشهرةً. وإطلاق الرجل يشمل المسلم والكافِرَ، وتخرج المرأة والخنثى فيُلحق بولهما بما لا نص فيه، وكذا بول الصبية، أما الصبي فسیاتی.

ولو قيل فيما لا نص فيه بنزح ثلاثين أو أربعين، وجب في بول الخنثى أكثرُ الأمرين منه ومن بول الرجل مع احتمال الاجتزاء بالأقل للأصل.

(و) نزح (ثلاثين) دلواً (لماء المطر المُخالط للبول والعَذِرة وخُرْء الكلب) في المشهور، والمستند رواية (7)مجهولة الراوي(8) .

وإيجاب خمسين للعذرة وأربعين لبعض الأبوال والجميع للبعض - كالأخير منفرداً - لا ينافي وجوب ثلاثين له مجتمعاً مخالطاً للماء ؛ لأن مبنى حكم البئر على جمع المختلف وتفريقِ المُتَّفِق(9) ، فجاز إضعاف ماء المطر لحكمه وإن لم تذهب أعيانُ هذه الأشياء.

ص: 23


1- منهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 79؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 24.
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 39 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235، ح 680 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235، ح 680 و 681.
5- لاحظ شرائع الإسلام، ج 4 ص 251 كشف الرموز، ج 2، ص 659 .
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 243، ح 700
7- الفقيه، ج 1، ص 22، ح 35.
8- هو كردويه الديلمي راجع مسالك الأفهام، ج 1، ص 19.
9- كالجمع بين الشاة والخنزير في الحكم مع اختلافهما وتفريق المتفق كالتفريق بين الخنزير والكافر مع اتفاقهما في النجاسة. (منه رحمه الله)

ولو خالط أحدَها كَفَتَ الثلاثون إن لم يكن له مُقَدَّرُ، أو كان وهو أكثر أو مساءٍ، ولو كان أقل اقتصر عليه.

وأطلق المصنف أنّ حكم بعضها كالكل(1)، وغيره بأن الحكم معلق بالجميع(2)، فيجب لغيره مقدّره أو الجميع؛ والتفصيل أجود.

(و) نزح (عشر) دِلاء (ليابس العذرة) وهو غيرُ ذائبها أو رَطبها أو هما على الأقوال(3)؛ (وقليل الدم) كدم الدّجاجةِ المذبوحة في المشهور، والمروي: «دلاء يسيرة»،(4) وفسرت بالعشر(5) ؛ لأنه أكثر عدد يُضاف إلى هذا الجمع، أو لأنه أقل جمع الكثرة (6)، وفيهما نظر.

(و) نزح (سبع) دِلاء (للطَّير) وهو الحمامة فما فوقها، أي لنجاسة موته ؛ (والفَأْرَةِ مع انتفاخها ) في المشهور، والمروي - وإنْ ضَعُفَ - اعتبار تفشخها(7)؛

ص: 24


1- البيان، ص 95 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 6 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 26، المسألة 6.
3- أحدها للشيخ المفيد في المقنعة، ص 67 ؛ والثاني للشيخ الصدوق في الهداية، ص 71؛ والثالث للشيخ الطوسي في النهاية، ص 7.
4- تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 409 ، ح 1288 .
5- فشره الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 245، ذيل الحديث 705 .
6- القائل بأنّ العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع الشيخ في التهذيب فإنه جعله جمع قلة، وحمله على أكثره وهو العشرة وعكس العلّامة في المنتهى، فجعله جمع كثرة وحمله على أقله وهو العشرة، وعليه أشار بقوله: أو لأنه أقل جمع الكثرة. ووجه النظر فيهما أما في الأوّل، فلفساد كونه جمع قلة ؛ لأنّ جمع القلة خمس مشهورة؛ وهذا ليس منها، وعلى تقدير صحته لا يصح حمله على أكثره، بل مع إطلاقه يحمل على أقله لنظائره اتفاقاً خصوصاً مع وصفه باليسيرة. ووجه النظر في الثاني أنّه أصاب في جعله جمع كثرة لكنه أخطأ في جعل أقلّ جمع الكثرة عشرة، بل هو مازاد عن أكثر جمع القلة بواحد فيكون أقله أحد عشر هذا مع أنّ الحق أن لا يفرق فيه بين الأمرين في أمثال هذه الأحكام المبنية على العرف الذي لا يفرق بينهما وهم قد اعترفوا في مواضع كثيرة. وقد تنبه في المختلف لكون أقلّ جمع الكثرة أحد عشر وأنّ هذا جمع كثرة كما هو الحق فيهما لكن حمله على العشرة محتجاً بأصالة البراءة الزائد لا يخفى فساد هذا التعليل أيضاً؛ لأنه لو تم لكان حمله على الثلاثة أوفق بالقواعد الشرعية والبراءة الأصلية كما لا يخفى( منه رحمه الله)
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 239، ح 691

(وبول الصبي(1) ) وهو الذكر الذي زاد سنه عن حولين ولم يبلغ الحلم، وفي حكمه الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه؛ وغُسل الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينيَّة.

ومقتضى النصّ نجاسة الماء بذلك، لا سلبُ الطهوريَّة. وعلى هذا فإن اغتَسَل مرتمِساً طَهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث وإن اغتسل مرتباً ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتصاله به أو وصول الماء إليه، أو توقفه على إكمال الغسل وجهان. ولا يُلحق بالجنب غيرُه ممّن يجب عليه الغُسلُ عملاً بالأصل مع احتماله.

(وخروج الكلب) من ماء البئر (حيّاً) ولا يلحق به الخنزير، بل بما لا نص فيه. (و) نزح (خمس لذرق الدُّجاج مثل الدال في المشهور، ولا نصَّ عليه ظاهراً فيجب تقييده ب-«الجلال» كما صنع المصنف في البيان(2) ليكون نجساً. ويُحتمل حينئذٍ وجوب نزح الجميع إلحاقاً له بما لا نصَّ فيه إن لم يثبت الإجماع على خلافه، وعشر إدخالاً له في العَذِرة، والخمس للإجماع على عدم الزائد إن تم. وفي الدروس صرّح بإرادة العموم كما هنا - وجَعَل التخصيص بالجلال قولاً(3).

(وثلاثِ) دِلاء (للفأْرَة) مع عدم الوصف (والحيَّة) على المشهور، والمأخذُ فيها ضعيف. وعُلَّل بأنّ لها نفساً فتكون مَيْتَتُها نجسةً (4)؛ وفيه - مع الشكٍّ في ذلك - عدمُ استلزامه للمدَّعَى.

(و) أُلحِق بها (الوَزَغة) بالتحريك، ولا شاهد له، كما اعترف به المصنف(5) في غیر

ص: 25


1- بخلاف الأُنثى، فإنه لم يرد بها نص. (زين رحمه الله)
2- البيان، ص 95 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 40 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- كالمحقق في المعتبر، ج 1، ص 75.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 60: الدروس الشرعية، ج 1، ص 40 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

البيان، وقطع بالحكم فيه(1)، كما هنا. وألحق بها العقرب؛ وربما قيل بالاستحباب(2)، لعدم النجاسة، ولعله لدفع وهم السم.

( ودَلْو للعُصفور ) - بضمّ عينه - وهو ما دون الحمامة ، سواء كان مأكول اللحم أم لا . وألحق به المصنف في الثلاثة بولَ الرضيع قبل اغتذائه بالطعام في الحولين(3)، وقيده في البيان (4)؛ بابن المسلم وإنّما تركه هنا ؛ لعدم النصّ مع أنه في الشهرة كغيره مما سبق.

واعلم أنّ أكثر مستَنَدِ هذه المقدَّراتِ ضعيفٌ، لكنّ العمل به مشهور، بل لا قائل بغيره على تقدير القول بالنجاسة، فإنّ اللازم من اطراحه كونه ممّا لا نص فيه.

(ويجب التراوح بأربعة ) رجالٍ كلُّ اثنين منها يُريحان الآخرين (يوماً)(5) كاملاً من أوّل النهار إلى الليل، سواء في ذلك الطويل والقصير، (عند) تَعَذُّرِ نزح الجميع بسبب (الغزارة) المانعة من نزحه ووجوب نزح الجميع) لأحد الأسباب المتقدمة. ولابد من إدخال جزء من الليل متقدّماً ومتأخّراً من باب المقدَّمة وتَهْيِئَةِ الأسباب قبل ذلك.

ولا يُجزئ مقدارُ اليوم من الليل، والملقَّقُ منهما. ويُجزئ ما زاد عن الأربعة دون ما نقص وإنْ نَهَض بعملها.

ويجوز لهم الصلاة جماعةً، لا جميعاً بدونها، ولا الأكل كذلك.

ونبَّه بإلحاق التاء ل-«الأربعة على عدم إجزاء غير الذكور، ولكن لم يدلّ على

ص: 26


1- البيان، ص 95 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 188 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 60 : الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 40 : البيان، ص 95 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9.5 و 12).
4- البيان، ص 95 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- ويجب التراوح بأربعة رجال يوماً، ولا يجزئ الليل، ولا الملفّق منه ومن النهار، ولا النساء، ولا الخنائي. ولا يجزئ مادون من الرجال (زين رحمه الله )

اعتبار الرجال، وقد صرَّح المصنف في غير الكتاب باعتباره(1)، وهو حسن، عملاً بمفهوم «القوم» في النص(2)، خلافاً للمحقق حيث اجتزأ بالنساء والصبيان(3).

(ولو تغير) ماء البئر بوقوع نجاسة لها مقدَّرٌ (جمع بين المقدَّرِ(4) ؛ وزوال التغيّر ) بمعنى وجوب أكثر الأمرين : جمعاً بين المنصوص (5)وزوال التغيّر المعتبر في طهارة ما لا ينفعل كثيره فهنا أولى. ولو لم يكن لها مقدّر ففي الاكتفاء بمزيل التغيّر أو وجوبِ نزح الجميع، والتراوح مع تعذره قولان(6): أجودهما الثاني.

ولو أوجبنا فيه ثلاثين أو أربعين اعتبر أكثرُ الأمرين فيه أيضاً.

احکام الماءالمضاف والاسار

(مسائل:)

[المسألة] :(الأولى): الماءُ (المضافُ ما) أي الشيء الذي( لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه) مع صدقه عليه مع القيد كالمعتصر من الأجسام والممتزج بها مزجاً يسلبه الإطلاق كالأمراق، دون الممتزج على وجه لا يسلبه الاسم وإن تغيّر لونه كالممتزج بالتراب، أو طعمه كالممتزج بالملح وإنْ أُضيف إليهما.

(وهو) أي الماء المضاف (طاهر) في ذاته بحسب الأصل (غير مطهّر ) لغيره (مطلقاً) من حدث ولا خَبَتٍ، اختياراً واضطراراً على القول (7)الأصح ومقابله قولُ الصدوق ب-«جواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد» (8)استناداً إلى رواية

ص: 27


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 51: البيان، ص 94 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832
3- المعتبر، ج 1، ص 77
4- يشمل المقدّر العام كما لانص فيه والخاص كالإنسان والتراوح (زين رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 237، ح 686، وص 244، ح 705.
6- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 71؛ المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 1، ص 137؛ وأما الاكتفاء بمزيل التغيّر هو الظاهر من إطلاق الشيخ المفيد في المقنعة، ص 66.
7- ذهب إليه العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 31، المسألة 7.
8- الفقيه، ج 1، ص 6 ، ذيل الحديث 3 الهداية، ص 65

مردودة (1)، وقولُ المرتضى ب- «رفعه مطلقاً الخَبَتَ»(2).

(وينجس) المضاف وإن كثر (بالاتصال بالنجس) إجماعاً؛ (وطهرُه إذا صار) ماءً (مطلقاً) مع اتصاله بالكثير المطلق، لا مطلقاً (على) القول(3) (الأصح). ومقابله طُهره بأغلبيَّةِ الكثير المطلق عليه وزوال أوصافه(4)، وطُهْرُه بمطلق الاتصال به وإن بقي الاسم(5).

ويدفعهما مع أصالة بقاء النجاسة أنّ المطهر لغير الماء شرطه وصول الماء إلى كلِّ جزء من النجس، ومادام مضافاً لا يُتَصَوَّر وصول الماء إلى جميع أجزائه النجسة، وإلا لَمَا بَقِيَ كذلك؛ وسيأتي له تحقيق آخَرُ في باب الأطعمة.

(والسؤر) وهو الماء القليلُ الذي باشره جسم حيوان (تابع للحيوان) الذي باشَرَه في الطهارة والنجاسة والكراهة.

(ويُكره سُؤر الجلّالِ) وهو المُغْتذي لعذرة الإنسان محضاً إلى أن نَبَتَ عليها لحمه واشتدَّ عظمُه، أو سمي في العرف جلالاً قبل أن يُستبراً بما يُزيل الجَلَلَ؛ ( وآكل الجِيَف مع الخُلُوِّ) أي خلو موضع الملاقاة للماء ( عن النجاسة(6)) (و) سؤر (الحائض المتَّهَمَة) بعدم التنزه عن النجاسة. وألحق بها المصنف في البيان كل متّهم بها(7). وهو حسن

(و) سؤرُ ( البَغْل والحمار) وهما داخلان في تبعيته للحيوان في الكراهة وإنما

ص: 28


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 218، ح 627.
2- المسائل الناصريات، ص 105 ، المسألة 22
3- ذهب إليه العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 33، المسألة 9.
4- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 21
5- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 74، المسألة 40.
6- لو أكلت الهرة فأرة، ثمّ شربت من الماء في الحال، وليس على فمها أثر دم، لم ينجس وإن لم تغب عن العين، وكذا سائر الحيوان، فإنه يكفي في الحكم بطهارتها زوال عين النجاسة عنها. المهذب البارع ج 1 ص 124]. (زین رحمه الله )
7- البيان، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

خصهما لتأكد الكراهة فيهما ؛ (و) سوْرُ الفَأْرَة والحيَّة) وكلُّ ما لا يُؤكل لحمه إلّا الهر. (وولد الزنى )قبل بلوغه أو بعده مع إظهاره للإسلام.

[المسألة] :(الثانية: يُستحبّ التباعد بين البئر والبالوعة) التي يُرمَى فيها ماءُ النزح (بخمس أَذْرُعٍ في )الأرض (الصُّلْبة) بضم الصاد فسكون اللام (أو تحتيَّة) قرار (البالوعة) عن قرار البئر ، (وإلّا) يكن كذلك، بأن كانت الأرضُ رَحْوةً، والبالوعة مساويةً للبئر قراراً أو مرتفعةً عنه (فَسَبعُ) أذرُع.

وصور المسألة على هذا التقدير ستُ، يُستحب التباعد في أربع منها بخمس وهي الصلبة مطلقاً والرخوة مع تحتيَّة البالوعة، وبسبع في صورتين وهما مساواتهما أو ارتفاع البالوعة في الأرض الرخوة.

وفي حكم الفوقية المحسوسة، الفوقية بالجهة بأن يكون البئر في جهة الشمال، فيكفي الخمس مع رخاوة الأرض وإن استوى القراران، لِما وَرَد من أنّ «مجاري العيون مع مَهَبُ الشمال»(1).

(ولا) تنجُسُ البئرُ (بها) أي بالبالوعة (وإنْ تَقارَبتا إلّا مع العلم بالاتصال أي اتصال ما بها من النجس بماء البئر ؛ لأصالة الطهارة وعدم الاتصال.

النجاسات

[المسألة] :( الثالثة : النّجاسة) أي جنسها (عشرة: البول والغائط من غير المأكول) لحمه بالأصل أو العارض ( ذي النفس ) أي الدم القوي الذي يخرج من العِرْق عند قطعه؛ (والدم والمنيُّ من ذي النفس ) آدميّاً كان أم غيرَه، بَرِّيّاً أم بحريّاً (وإنْ أُكِل) لحمُه، (والمَيْتَةُ منه) أي من ذي النفس وإنْ أُكل.

(والكلبُ والخنزيرُ) البرِّيَّان وأجزاؤُهما وإنْ لم تَحُلّها الحياةُ، وما تَوَلَّد منهما وإنْ بايَنَهما في الاسم. أما المتولد من أحدهما وطاهرٍ فإنّه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما، فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته وإن حرم لحمه ؛ للأصل فيهما.

ص: 29


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 410. ح 1292.

(والكافِرُ (1)) أصليّاً ومرتداً وإن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته. وضابطه: من أنكر الإلهيّة أو الرسالة أو بعض ما عُلم ثبوته من الدين ضرورة.

(والمسكرُ) المائع بالأصالة؛( والفُقَاعُ) بضم الفاء، والأصل فيه أن يُتَّخذ من ماء الشعير، لكن لما ورد الحكم فيه معلقاً على التسمية ثبت لما أُطلق عليه اسمه مع حصول خاصيته أو اشتباه حاله.

ولم يذكر المصنف هنا من النجاساتِ العصير العنبي إذا غلا واشتدّ ولم يذهب ثلثاه ؛ لعدم وقوفه على دليل يقتضي نَجاسته كما اعترف به في الذكرى والبيان (2) ؛ لكن سيأتي أنّ ذَهاب ثلتَيْه مطهّرٌ(3)، وهو يدلّ على حكمه بتنجيسه، فلا عذر في تركه.

وكونه في حكم المسكر - كما ذكره في بعض كتبه (4)- لا يقتضي دخوله فيه حيث يُطلق، وإن دخل في حكمه حيث يُذكر.

وهذه النجاسات العشْرُ ( يجب إزالتها ) لأجل الصلاة ( عن الثوب والبدن) ومسجدِ الجبهة وعن الأواني؛ لاستعمالها فيما يَتَوَقَّف على طهارتها، وعن المساجد والضرائح المقدَّسة والمصاحف المشرفة.

(وعُفِي) في الثوب والبدن ( عن دم الجروح والقروح مع السيلان )دائماً، أو في وقت لا يسع زَمَنُ فَواتِهِ الصلاةَ؛ أما لو انقطع وقتاً يَسَعُها فقد استقرب المصنف في الذكرى وجوب الإزالة (5):لانتفاء الضرر. والذي يُستفاد من الأخبار(6)، عدم الوجوب مطلقاً حتّى يَبرَأ، وهو قوي.

ص: 30


1- سواء جحد الإسلام، أو انتحله وجحد بعض ضروريّاته، كالخوارج والغلاة والمجسمة بالحقيقة، والمشبهة كذلك. البيان ص 86، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 75 ؛ البيان، ص 86 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
3- يأتي في ص 35.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
6- الكافي، ج 3، ص 58، باب الثوب يصيبه الدم .... ح 1.

(وعن دون الدرهم )البَغْلِي سَعةً، وقُدر بِسَعَة أَخْمَص الراحة، وبعقد الإيهام العليا، وبعقد السبّابة. ولا منافاة؛ لأنّ مثل هذا الاختلاف يتّفق في الدراهم بضرب واحد.

وإنّما يُغتفر هذا المقدارُ (من) الدم (غير) الدماء (الثلاثة). وألحق بها بعضُ الأصحاب(1) دم نجس العين ؛ لِتَضاعُفِ النّجاسة؛ ولا نصَّ فيه، وقضيَّة الأصل تقتضي دخوله في العموم.

والعفو عن هذا المقدار مع اجتماعه موضعُ ،وفاق، ومع تفرّقه أقوال(2)، أجودها إلحاقه بالمجتمع. ويكفي في الزائد عن المعفو عنه إزالة الزائد خاصةً، والثوبُ والبدنُ يُضَمُ بعضُهما إلى بعض على أصح القولين(3).

ولو أصاب الدم وجهي الثوب، فإن تَفَشَّى من جانب إلى آخَرَ ،فواحد، وإلا فائنان.

واعتبر المصنف في الذكرى فى الوحدة مع التفشى رقة الثوب، وإلا تعدّد(4).

ولو أصابه مائع طاهر ففي بقاء العفو وعدمه قولان للمصنّف في الذكرى والبيان(5). أجودُهما الأول؛ نعم يُعتبر التقدير بهما.

وبَقِي ممّا يُعفى عن نجاسته شيئان أحدهما ثوبُ المربية للولد، والثاني: مالايَتِمّ صلاة الرجل فيه وحده لكونه لا يستر عورتيه وسيأتي حكم الأوّل في لباس المصلي(6)، وأمّا الثاني فلم يذكره ؛ لأنه لا يتعلّق ببدن المصلي ولا ثوبه الذي هو شرط في الصلاة، مع مراعاة الاختصار.

ص: 31


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 193.
2- منها: القول بالعفو للشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 61 ؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 178؛ منها القول بعدم العفو لا بن حمزة في الوسيلة، ص 77، والشهيد في البيان، ص 90 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12). منها القول بالتفصيل للمحقق في المعتبر، ج 1، ص 430 - 431.
3- ذهب إليه المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 1، ص 172 ؛ القول بعدم الانضمام لابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 1، ص 242 : والصيمري في غاية المرام، ج 1، ص 104.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 (ضمن موسوعة الشهيد الأول ، ج 5).
5- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ؛ البيان، ص 89 - 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
6- يأتي في ص 107

(ويُغسَل الثوبُ مرتين بينهما عَصْرُ (1))وهو كَبْس الثوب بالمعتاد لإخراج الماء المغسول به وكذا يُعتبر العصرُ بعدَهما ولا وجه لتركه.

والتثنية منصوصة في البول(2)، وحمّل المصنّف غيره عليه من باب مفهوم الموافقة ؛ لأنّ غيره أشدُّ نجاسةً(3)؛ وهو ممنوع، بل هي إما مساوية أو أضعفُ حكماً، ومن ثمّ عفي عن قليل الدم دونه (4)، فالاكتفاء بالمرّة في غير البول أقوى، عملاً بإطلاق الأمر ؛ وهو اختيار المصنف في البيان (5)جزماءً وفي الذكرى والدروس بضرب من التردد (6).

یُستثنی من ذلك بولُ الرضيع، فلا يجب عصره ولا تعدّد غسله. وهما ثابتان في غيره.

(إلا في الكثير والجاري) - بناءً على عدم اعتبار كثرته - فيسقطان فيهما، ويُكتفى بمجرد وضعه فيهما مع إصابة الماء لمحل النجاسة وزوال عينها.

(ويُصَبُّ على البدن مرّتين في غيرهما ) بناءً على اعتبار التعدد مطلقاً، وكذا ما أشبه البدنَ ممّا تنفصل الغسالة عنه بسهولة كالحَجَر والخَشَب؛ (وكذا الإناءُ). ويزيد أنّه يكفى صبُّ الماء فيه بحيث يُصيب النجس، وإفراغه منه ولو بآلة لا تعود إليه ثانياً إلّا ،طاهرة، سواء في ذلك المُثبَت وغيرُه ، وما يَشُقُ قلعه وغيرُه.

(فإن وَلَغَ فيه) أي في الإناء (كلب) بأن شرب ممّا فيه بلسانه (قُدِّم عليهما) أي على الغسلتين بالماء

(مَسْحُه بالترابِ) الطاهر دون غيره مما أشبهه وإِنْ تَعذَّر أو خِيفَ فسادُ المحلّ. وألحق بالوُلوغ لطعُه الإناء دون مباشرته له بسائر أعضائه.

ص: 32


1- ويكفي مسمّاه، وأوجب في المعتبر ج 1، ص 435] العصر مرتين في الثوب. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 249 - 251، ح 716 و 721 - 722.
3- الرسالة الألفية، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 255، ح 739 .
5- البيان، ص 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 84: الدروس الشرعية ، ج 1، ص 45 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

ولو تَكَرَّر الولوغ تَداخَلَ كغيره من النجاسات المجتمعة، وفي الأثناء يُستأنف. ولو غسله في الكثير كفت المرة بعد التعفير.

(ويُستحبّ (1)السبع(2) ) بالماء في الولوغ خروجاً من خلافِ مَنْ أوجبها(3). (وكذا) يُستحبّ السبع (في الفأرة والخنزير) ؛ للأمر بها في بعض الأخبار(4) التي لم تنهض حجَّةً على الوجوب ومقتضى إطلاق العبارة الاجتزاءُ فيهما بالمرتين كغيرهما، والأقوى في ولوغ الخنزير وجوب السبع بالماء؛ لصحة روايته(5)، وعليه المصنف في باقي كتبه(6).

(و) يُستحبّ الثلاث في الباقي من النجاسات ؛ للأمر به في بعض الأخبار(7) .

(والغُسالة) وهي الماء المنفصل عن المحلّ المغسول بنفسه أو بالعصر (كالمحلّ قبلها (8))أي قبل خروج تلك الغسالة، فإن كانت من الغسلة الأولى وجب غسل ما أصابته تمام العدد، أو من الثانية فتَنقُص واحدةً، وهكذا.

وهذا يَتِمُّ فيما يُغسل مرّتين لا لخصوص النجاسة، أما المخصوص كالولوغ فلا ؛ لأنّ الغسالة لاتُسمّى ولوغاً، ومن ثمّ لو وقع لعابه في الإناء بغيره لم يوجب حكمه.

ص: 33


1- يجب (زين رحمه الله )
2- في نسخة من اللمعة زيادة «فيه».
3- حكاه عن ابن الجنيد المحقق الحلّي في المعتبر، ج 1، ص 458.
4- الكافي، ج 3، ص 61 ، باب الكلب يصيب الثوب .... ح 6.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 261، ح 760.
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 85 ؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 45 ؛ البيان، ص 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 905 و 12).
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832 .
8- إن كان طاهراً فالغسالة كذلك، وقيل ببقائها على النجاسة مطلقاً. وهو ظاهر قواعد الأحكام ج 1، ص 186]. وماء الاستنجاء طاهر بشروط ستة: الأول: أن لا يتغير بالنجاسة. الثاني: أن لا يلاقيه نجاسة من خارج الثالث: أن لا يصاحبه نجاسة من باطن. الرابع: أن يسبق بصب الماء قبل وضع يده الخامس: أن لا يرفع يده حتى تنقى. السادس: أن لا ينقص قدر الماء عن قدر الاستنجاء (زين رحمه الله)

وما ذكره المصنف أجود الأقوال في المسألة، وقيل: إن الغسالة كالمحل قبل الغسل مطلقاً(1) ، وقيل : بعده فتكون طاهرة مطلقاً(2)، وقيل: بعدها(3).

ويُستثنى من ذلك ماءُ الاستنجاء فغسالته طاهرة مطلقاً ما لم تتغير بالنجاسة، أو تُصِبْ نجاسةً خارجةً عن حقيقةِ الحدث المُستنجى منه أو محلَّه.

المطهرات

اشارة

[المسألة] الرابعة : المطهّر عشَرة: الماء) وهو مطهّر (مطلقاً) من سائر النجاسات التي تقبل التطهير.

( والأرضُ) تُطَهِّر (باطن النعل) وهو أسفله الملاصِقُ للأرض، (وأسفل القدم مع زوال عين النجاسة عنهما بها بمشي وذلك وغيرهما. والحجرُ والرملُ من أصناف الأرض. ولو لم يكن للنجاسة جرمٌ ولا رطوبةٌ كَفَى مُسمَّى الإمساس ولا فرق في الأرض بين الجافة والرطبة ما لم تخرج عن اسم الأرض.

وهل يُشترط طهارتها وجهان وإطلاق النصّ(4) والفتوى يقتضي عدمه(5).

والمراد بالنعل ما يُجعَل أسفل الرجل للمشى وقايةٌ من الأرض ونحوها، ولو من خشب؛ وخشبة الأقطع كالنعل

(والتراب في الولوغ) فإنّه جزء علة للتطهير فهو مطهر في الجملة، (والجسم الطاهر) غيرُ اللزج ولا الصقيل (في غير المتعدّي من الغائط ).

(والشمس ما جَنّفَته) بإشراقها عليه وزالت عين النجاسة عنه( من الحُصر والبواري) من المنقول (وما لا يُنقل ) عادةً مطلقاً من الأرض وأجزائها، والنبات والأخشاب والأبواب المثبتة والأوتاد الداخلة والأشجار والفواكه الباقية عليها وإن حان أوان قطافها.

ص: 34


1- قال به العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 141.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 138 .
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 179، المسألة 135.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 274 - 275، ح 808 - 809.
5- كالمحقق في المختصر النافع، ص 66 ؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 240 .

ولا يكفي تجفيف الحرارة، لأنها لا تسمى شمساً، ولا الهواء المنفرد بطريقٍ أولى، نعم لا يضر انضمامه إليها .

ويكفي في طهر الباطن الإشراق على الظاهر مع جفاف الجميع، بخلاف المتعدد المتلاصق إذا أشرقت على بعضه.

(والنارُ ما أحالته) رَماداً أو دُخاناً، لا خَزَفاً وآجُرّاً في أصح القولين(1)، وعليه المصنِّف في غير البيان(2)، وفيه قوّى قول الشيخ بالطهارة فيهما(3).

( ونقصُ البئر) بنزح المقدَّر منه، وكما يطهر البئر بذلك فكذا حافاته وآلات النزح والمباشر وما يصحبه حالته.

(وذَهابُ ثلثي العصير) مطهر للثلث الآخر على القول بنجاسته(4)، والآلاتِ والمزاول.

(والاستحالةُ) كالميتة والعذرة تصير تراباً ودُوداً، والنطفة والعلقة تصير حيواناً غير الثلاثة، والماء النجس بولاً لحيوان مأكول ولبناً، ونحو ذلك.

(وانقلابُ الخَمر خَلّاه(5)) وكذا العصير بعد غليانه واشتداده.

(والإسلام) مطهر لبدن المسلم من نجاسة الكفر وما يتصل به من شَعرٍ ونحوه، لا لغيره كثيابه.

(وتطهر العين والأنف والفم باطنُها وكلُّ باطن) كالأُذُن والفرج (بزوال العين).

ولا يطهر بذلك ما فيه من الأجسام الخارجة عنه كالطعام والكُحْل. أما الرطوبة الحادثة فيه - كالريق والدمع - فبحكمه. وطُهر ما يَتَخَلَّفُ في الفم من بقايا الطعام ونحوه،

ص: 35


1- ذهب إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 179؛ القول بالتطهير للشيخ في المبسوط، ج 1، ص 140 : والخلاف، ج 1، ص 499 المسألة 239.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 88 : الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5 و 9).
3- البيان، ص 87( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)، وتقدم قول الشيخ في الهامش 1
4- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 310، المسألة 230.
5- ويطهر الإناء وشدادته لو كان مشدوداً.( زين رحمه الله)

بالمضمضة مرتين على ما اختاره المصنف من العدد ومرّةً في غير نجاسة البول على ما اخترناه (1).

(ثمّ الطهارة) على ما عُلِم من تعريفها (اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم) الرافع للحدث أو المبيح للصلاة على المشهور، أو مطلقاً على ظاهر التقسيم.

(فهنا فصول ثلاثة ):

ص: 36


1- تقدّم في ص 32

الفصل الأوّل في الوضوء

بضم الواو، اسم للمصدر فإنّ مصدره «التَوَضُّو» على وزن «التعلّم»، وأما «الوضوء» بالفتح، فهو الماء الذي يُتَوَضَّأُ به. وأصله من «الوَضاءة» وهي النظافة والنضارة من ظلمة الذنوب.

( و مُوجِبُه : البول والغائط والريحُ ) من الموضع المعتاد أو من غيره مع انسداده .

وإطلاق الموجب على هذه الأسباب باعتبار إيجابها الوضوءَ عند التكليف بما هو شرط فيه، كما يُطلق عليها الناقض باعتبار عروضها للمتطهر . والسبب أعمّ منهما مطلقاً(1)، كما أنّ بينهما عموماً من وجه، فكان التعبير بالسبب أولى.

( والنوم الغالبُ) غَلَبَةً مستهلكة (على السمع (2)والبصر)، بل على مطلق الإحساس؛ ولكنّ الغلبة على السمع تقتضي الغلبة على سائرها، فلذا خصّه. أما البصر، فهو أضعف من كثير منها، فلا من كثير منها، فلا وجه لتخصيصه.

ص: 37


1- فإنّ الموجب أخصّ من السبب مطلقاً ؛ إذ يصدق على الأحداث السببية عند وجودها حال براءة ذمة المكلف من مشروط بالطهارة ؛ ولا يصدق الموجب، بل يصدق السببية مع الصغر والجنون. فإن المسبب قد يتخلّف من السبب بفقد شرط، أو وجود مانع؛ فإذا حصل الشرط وزال المانع عمل السبب عمله ؛ فيجب الوضوء والغسل عند البلوغ : للسبب الحاصل فيه. (منه رحمه الله)
2- بل لابد من زوال الحاستين أصلاً، وإنّما اعتبر زوال الحاستين خاصةً مع أنه يعتبر زوال الإحساس قطعاً؛ لأنّ حاستي السمع والبصر تساوي الحواس فيلزم من زوالهما زوالها (زين رحمه الله)

( ومزيل العقل) من جنون وشكر وإغماء،( والاستحاضة) على وجه يأتي تفصيله(1).

(وواجبه )أي واجب الوضوء: (النيَّة) وهي القصد إلى فعله (مقارنةً لغسل الوجه) المعتبر شرعاً وهو أوّل جزء من أعلاه؛ لأنّ ما دونه لايُسمَّى غَسلاً شرعاً ؛ ولأن المقارَنَة تُعتبر لأوّل أفعال الوضوء، والابتداء بغير الأعلى لا يُعَدُّ فعلاً.

(مشتمِلةً على) قصد (الوجوب) إن كان واجباً بأن كان في وقت عبادة واجبةٍ مشروطةٍ به، وإلّا نَوَى الندب، ولم يذكره ؛ لأنه خارج عن الفرض.

(والتقرب ) به إلى الله تعالى بأن يقصد فعله الله امتثالاً لأمره أو موافَقَةً لطاعته أو طلباً للرفعة عنده فعة عنده بواسطته، تشبيهاً بالقرب المكاني أو مجرَّداً عن ذلك، فإنّه تعالى غاية كلّ مقصد.

(والاستباحة) مطلقاً، أو الرفع حيث يمكن؛ والمراد رفع حكم الحدث، وإلا فالحدث إذا وقع لا يرتفع.

ولا شبهة في إجزاء النية المشتملة على جميع ذلك، وإن كان في وجوب ما عدا القربة نظر ؛ لعدم نهوض دليل عليه. أما القربة فلا شبهة في اعتبارها في كلّ عبادة وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون الفعل مشتركاً، إلا أنه لا اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب والندب ؛ لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجباً، وبدونه يَنتَفِي.

(وجرْيُ الماء) بأن ينتقل كلُّ جزء من الماء عن محله إلى غيره بنفسه أو بمعين (على ما دار عليه الإبهام) بكسر الهمزة (والوسطى) من الوجه (عَرْضاً، وما بين القصاص) مُتَلَّتُ القاف، وهو مُنتهى منبت شعر الرأس (إلى آخر الذقن) بالذال المعجمة والقافِ المفتوحة - منه (طُولاً)، مراعياً في ذلك مستوي الخلقة في الوجه واليدين.

ص: 38


1- يأتي في ص 58 وما بعدها.

ويَدخُل في الحد مواضع التحذيف - وهي ما بين منتهى العِذار والنزعة المتصلة بشعر الرأس - والعِذارُ والعارض، لا النَزَعَتان - بالتحريك - وهما البياضان المكتنفان للناصية.

( وتخليلُ خفيف الشعر) وهو ما تُرَى البَشَرةُ من خلاله في مجلس التخاطب، دون الكثيف وهو خلافه. والمراد بتخليله إدخالُ الماء خِلالَه لغسل البَشَرةِ المستورة به، أمّا الظاهرة خلاله، فلابد من غسلها كما يجب غسل جزءٍ آخَرَ ممّا جاوَرَها من المستورة من باب المقدّمة.

والأقوى عدم وجوب تخليل الشعر مطلقاً، وفاقاً للمصنّف في الذكرى والدروس (1)وللمُعْظَم(2). ويستوي في ذلك شَعرُ اللحية والشارب والخدّ والعِذارِ والحاجبِ والعَنْفَقَةِ والهُدب.

(ثمّ) غسل اليد( اليمنى من المرفق) بكسر الميم وفتح الفاء أو بالعكس، وهو مجمع عظمي الذراع والعَضُد لا نفس المفصل إلى أطراف الأصابع ثم غسل (اليُسرى كذلك) وغسل ما اسْتَمَلَت عليه الحدود من لحم زائدٍ وشَعرٍ ويدٍ وإصبَعٍ، دون ما خرج وإن كان يداً، إلا أن تَشتَبِه الأصلية فتُغسَلان معاً من باب المقدّمة.

(ثمّ مسحُ مقدَّم الرأس ) أو شعره الذي لا يخرج بمده عن حده، واكتفى المصنف بالرأس تغليباً لاسمه على ما نَبَت عليه؛ (بمسمّاه) أي مسمّى المسح ولو بجزء من إصبع، مُمِراً له على الممسوح ليتحقق اسمه لا بمجرد وضعه ولا حد لأكثره، نعم يُكرَه الاستيعابُ إلَّا أن يَعتَقِد شرعيَّتَه فيَحرُم، وإن كان الفضلُ في مقدار ثلاثِ أصابع.

( ثمّ مسحُ) بَشَرة ظهر (الرجل اليمنى من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما قبنا

ص: 39


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 41 ؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 10( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 9).
2- منهم :الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 41 والعلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 24؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 214

القدمين على الأصح، وقيل: إلى أصل الساق(1)، وهو مختاره في الألفية(2).

(ثمّ) مسحُ ظَهر (اليُسرى) كذلك (بمسماه) في جانب العرض( ببقية البَلَلِ) الكائن على أعضاء الوضوء من مائه (فيهما) أي في المسحين.

وفُهم من إطلاقه المسح أنه لا ترتيب فيهما في نفس العضو، فيجوز التكسُ فيه دون الغسل، للدلالة عليه ب-«من» و«إلى» وهو كذلك فيهما على أصح القولين(3). وفي الدروس (4)، رجح منع النكس في الرأس دون الرجلين وفي البيان(5) عَكَس ومثله في الألفية(6).

(مرتِّباً) بين أعضاء الغسل والمسح بأن يبتدئ بغسل الوجه ثمّ باليد اليمنى ثمّ اليُسرى ثمّ بمسح الرأس ثمّ الرجل اليمنى ثمّ اليُسرى، فلو عكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب مع بقاء الموالاة. وأسقط المصنّف في غير الكتاب (7)الترتيب بين الرجلين. (موالياً) في فعله بحيثُ لا يَجُفُّ (السابق) من الأعضاء على العضو الذي هو فيه مطلقاً على أشهر الأقوال(8).

والمعتبر في الجَفافِ الحسي لا التقديري. ولا فرق فيه بين العامد والناسي والجاهل.

(وسُنَتُه السواك) وهو ذلك الأسنان بعُودٍ وخِرقةٍ وإصبع ونحوها. وأفضله الغُصْنُ الأخضر وأكمله الأَراك. ومحله قبل غسل الوضوء الواجب والندب كالمضمضة، ولو أخره عنه أجزاً.

ص: 40


1- قال به الفاضل المقداد في كنز العرفان، ج 1، ص 18 وابن فهد في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 41.
2- الرسالة الألفية، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18)
3- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 14؛ والقول الآخر للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 203
4- انظر الدروس الشرعية، ج 1، ص 11 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (9): لا يستفاد منه ما نسب إليه.
5- البيان، ص 45 - 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
6- الرسالة الألفية، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18)
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 80؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 11 ؛ الرسالة الألفية، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 . 9 و 18).
8- ذهب إليه سلار في المراسم، ص 38.

واعلم أنّ السواكَ سنَّةٌ مطلقاً، ولكنَّه يَتَأكَّد في مواضع منها: الوضوء والصلاة وقراءة القرآن واصفرار الأسنان وغيره (والتسمية وصورتها «بسم الله وبالله». ويُستحبّ إتباعها بقوله: «اللَّهُمَّ اجْعَلْني مِن التَوَّابِين، واجْعَلْني من المُتَطَهِّرِين» (1)ولو اقتَصَر على «بِسْم الله» أَجزَاً. ولو نَسِيَها ابتداءً تَدَارَكها حيث ذكر قبل الفراغ كالأكل، وكذا لو تركها عمداً.

(وغَسلُ اليدين) من الزنْدَين(2)(مرتين (3)) من حدث النوم والبول والغائط لا من مطلق الحدث كالريح على المشهور، وقيل من الأولين مرّةً(4)، وبه قطع في الذكرى(5)، وقيل: مرّةً في الجميع، واختاره المصنف في النفلية(6) ونَسَب التفصيل إلى المشهور وهو الأقوى.

ولو اجتمعت الأسبابُ تَداخَلَت إِن تَساوَتْ، وإلا دخل الأقل تحت الأكثر.

ولْيَكُن الغَسلُ (قبل إدخالهما (الإناءَ الذي يمكن الاغترافُ منه، لدفع النجاسة الوهميَّة أو تعبداً. ولا يُعتبر كون الماء قليلاً؛ لإطلاق النص(7)، خلافاً للعلامة (8)حيث اعتبره.

(والمضمضة)وهي إدخال الماء الفم وإدارته فيه، (والاستنشاق) وهو جذبه إلى داخلالأنف(وتثليثهما) بأن يفعل كلّ واحد منهما ثلاثاً ولو بغُرفةٍ، وبثلاث أفضل. وكذا يُستحب تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق، والعطف بالواو لا يقتضيه.

ص: 41


1- كما في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 25، ح 63.
2- للمصنّف في هذه المسألة ثلاثة أقوال. (منه رحمه الله)
3- من الجنابة من المرفقين ومن البول والغائط من محل التيمم. (زين رحمه الله)
4- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 73، المسألة 20.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 92 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6).
6- الرسالة النفلية، ص 169 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 36 . ح 97
8- منتهى المطلب، ج 1، ص 296 .

وتثنية الغَسَلات الثلاث بعد تمام الغسلة الأولى في المشهور، وأنكرها الصدوق (1).

(والدعاء عند كل فعل ) من الأفعال الواجبة والمستحبة المتقدمة بالمأثور.

(وبَدأَةُ الرجُل) في غسل اليدين (بالظهر وفي) الغسلة (الثانية بالبطن، عكس المرأة) فإنّ السنةَ لها البَدأة بالبطن والختم بالظهر، كذا ذكره الشيخ(2) وتبعه عليه المصنّف هنا وجماعة(3)، والموجود في النصوص بَدأة الرجل بظهر الذراع والمرأةِ بباطنه(4) من غير فرق فيهما بين الغَسلتين وعليه الأكثرُ.

( وتَتَخَيَّر الخنثى فيه ) بين البدأة بالظهر والبطن على المشهور، وبين الوظيفتين على المذكور.

(والشاتُ فيه) أي في الوضوء (في أثنائه (5)يَستأنف). والمراد بالشك فيه نفسه في الأثناء الشك في نيته ؛ لأنه إذا شَكَ فيها فالأصل عدمُها، ومع ذلك لا يُعْتَد بما وقع من الأفعال بدونها؛ وبهذا صَدَق الشكّ فيه في أثنائه، وأمّا الشك في أنه هل تَوضَّاً، أو هل شرع فيه أم لا ؟ فلا يُتَصوَّر تحققه في الأثناء. وقد ذكر المصنف في مختصريه الشك في النيَّة فى أثناء الوضوء وأنه يستأنف(6)، ولم يُعبر بالشك في الوضوء إلا هنا.

(و) الشاتُ فيه بالمعنى المذكور (بعده) أي بعد الفراغ (لا يلتفت) كما لو شك في غيرها من الأفعال.

(و) الشاةُ (في البعض يأتي به أي بذلك البعض المشكوك فيه إذا وقع الشكّ

ص: 42


1- الفقيه، ج 1، ص 46 - 47 ، ذيل الحديث 92؛ الهداية، ص 80
2- المبسوط ، ج 1 ص 41.
3- منهم: ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 61: ابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 101؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 204.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 76 ، ح 193.
5- يمكن أن يريد بالشكّ فيه في أثنائه الشك في حدث أو في النية؛ فإنّه يستأنف حينئذ. (زين رحمه الله)
6- البيان، ص 49 ؛ الرسالة الألفية، ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 و 18).

(على حاله (1)) أي حالِ الوضوء بحيث لم يكن فرغ منه، وإن كان قد تجاوز ذلك البعض، (إلّا مع الجفاف ) للأعضاء السابقة عليه (فيعيد) لفوات الموالاة.

(و) لو شكّ في بعضه بعد انتقاله عنه وفَراغِه منه (لا يلتفت). والحكم منصوص متَّفَقٌ عليه (2).

(والشاكُ في الطهارة) مع تيقن الحدث (محدث) : لأصالة عدم الطهارة.

(والشاله في الحدث ) مع تيقن الطهارة (متطهر) أخذاً بالمتيقن.

(و) الشاك (فيهما) أي في المتأخّر منهما مع تيقن وقوعهما (محدث)؛ لتكافؤ الاحتمالين، إن لم يستفد من الاتحاد والتعاقب حكماً آخر هذا هو الأقوى والمشهور. ولا فرق بين أن يعلم حاله قبلهما بالطهارة أو بالحدث، أو يشكّ.

وربما قيل بأنه يأخذ مع علمه بحاله ضد ما علمه(3)، لأنه إن كان متطهراً فقد عَلم نقض تلك الحالة وشَكّ في ارتفاع الناقض ؛ لجواز تعاقب الطهارتين، وإن كان محدثاً فقد علم انتقاله عنه بالطهارة وشكّ في انتقاضها بالحدث ؛ لجواز تعاقب الأحداث. ويُشكِلُ بأنّ المتيقن حينئذ ارتفاع الحدث السابق، أما اللاحق المتيقن وقوعه فلا، وجواز تعاقبه لمثله مكافى لتأخره عن الطهارة ولا مرجّحَ.

ولو كان المتحقق طهارةً رافعةً وقلنا بأنّ المجدّد لا يَرفَع أو قطع بعدمه توجه الحكمُ بالطهارة في الأوّل، كما أنه لو عَلِم عدم تعاقب الحدثين بحسب عادته أو في هذه الصورة، تحقَّق الحكم بالحدث في الثاني، إلّا أنه خارج عن موضع النزاع، بل ليس من حقيقة الشكِّ في شيء إلا بحسب ابتدائه. وبهذا يظهر ضعف القول باستصحاب الحالة السابقة(4)، بل بطلانه.

ص: 43


1- قوله: «وفي البعض يأتي به على حاله»، فعلاً كان المشكوك فيه أو كيفية. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 100، ح 261 - 262.
3- ذهب إليه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 171.
4- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 211. المسألة 61.

(مسائل)

[المسألة الأولى: ] ( يجب على المتخلّي سَترُ العورة) قبلاً ودُبُراً عن ناظر محترم ؛(وتركُ) استقبال (القبلة) بمقاديم ،بدنه (ودَبْرِها) كذلك في البناء وغيره.

(وغَسلُ البول بالماء ) مرتين كما مرّ.

(و) كذا يجب غسل (الغائط) بالماء (مع التعدِّي) للمخرج بأن تَجَاوَز حواشيه وإنْ لم يَبلُغ الأليةَ، (وإلّا) يتعدَّ الغائط المخرج (فثلاثة أحجارٍ) طاهرةٍ جافَّةٍ قالعةٍ للنجاسة (أبكارٍ) لم يُستنج بها بحيث تنجَّسَت به ،( أو بعد طهارتها) إن لم تكن أبكاراً و تنجست. ولو لم تنجس كالمكملة للعدد بعد نقاء المحلّ، كَفَتْ من غير اعتبار الطهر؛ (فصاعداً) عن الثلاثة إن لم ينق المحلُّ بها أو شبهها) من ثلاث خِرَقٍ أو خَزَفاتٍ أو أعوادٍ ونحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة غير المحترمة.

ويُعتبر العددُ في ظاهر النصّ(1)، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة، فلا يُجزئ ذو الجهات الثلاث وقطع المصنّف في غير الكتاب بإجزائه (2)ويمكن إدخاله على مذهبه في «شبهها».

واعلم أنّ الماء مُجزِ مطلقاً، بل هو أفضل من الأحجار على تقدير إجزائها. وليس عبارته هنا ما يدلّ على إجزاء الماء في غير المتعدِّي، نعم يمكن استفادته من قوله سابقاً «الماء مطلقاً» ولعلّه اجتزأ به.

[المسألة الثانية ] ( ويُستحبّ التباعد ) عن الناس بحيث لا يُرى، تأسياً بالنبي(صلى الله عليه وسلم) فإنّه لم يُرَ قَط على بول ولا غائط (3).

ص: 44


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 46، ح 129 - 130.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 127 ؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 8؛ البيان، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9،5 و 12).
3- كما في الفوائد الملية . ص 33 (ضمن الموسوعة، ج 13).

(والجمع بين المطهرين) الماء والأحجار، مقدماً للأحجار في المتعدي وغيره مبالغةً في التنزيه ولإزالة العين والأثر على تقدير إجزاء الحجر. ويظهر من إطلاق «المطهّر» استحباب عددٍ من الأحجار يُطَهِّرُ ويمكن تأديه بدونه لحصول الغرض.

( وتركُ استقبال ) جرم (النيّرين) الشمس والقمر بالفرج، أما جهتهما، فلا بأس؛ (و) ترك استقبال

(الريح) واستدبارها بالبول والغائط ؛ لإطلاق الخبر(1)، ومن ثُمَّ أطلق المصنف وإنْ قَيَّد فى غيره بالبول(2).

(و تغطية الرأس) إن كان مكشوفاً؛ حذراً من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه، ورُوي التقنّع معها (3)(والدخولُ ب-) الرجل (اليُسرَى) إن كان بيناء وإلا جعلها آخِرَ ما يُقَدِّمه: (والخروج ب-) الرجل (اليُمْنَى) كما وصفناه، عكس المسجد.

(والدعاء في أحواله)التي ورد استحباب الدعاء فيها وهي عند الدخول وعند الفعل ورؤية الماء والاستنجاء وعند مسح بطنه إذا قام من موضعه وعند الخروج بالمأثور(4).

(والاعتماد على) الرجل (اليُسرى)وفتح اليمنى (والاستبراء) وهو طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد الذي هو مسح ما بين المَقْعَدةِ وأصلِ القضيب ثلاثاً ثمّ نَتْرُه ثلاثاً ثمّ عَصْرُ الحشفة ثلاثاً.

(والتَنَحْنُحُ ثلاثاً) حالة الاستبراء، نسبه المصنّف في الذكرى إلى سلار(5) ؛ لعدم وقوفه على مأخذه.

(والاستنجاء باليسار) : لأنها موضوعة للأدنى، كما أنّ اليمين للأعلى كالأكل

ص: 45


1- الكافي، ج 3، ص 15، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط ...ح 3.
2- البيان، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 )
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 24، ح 62.
4- راجع تهذيب الأحكام، ج 1، ص 24 - 25.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 125( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) : المراسم، ص 32

والوضوء؛ ويُكرَه باليمين مع الاختيار؛ لأنه من الجفاء(1).

[المسألة الثالثة: ] (و) يُكره البول (قائماً) حذراً من تخبيل الشيطان؛ (ومُطَمّحاً) به في الهواء للنهي عنه(2): (وفي الماء ) جارياً وراكداً؛ للتعليل في أخبار النهي بأن «للماء أهلاً فلا تؤذهم بذلك»(3).

(و) الحدث في (الشارع) وهو الطريق المسلوك؛ (والمَشْرَع) وهو طريق الماء للواردة (والفناء) بكسر الفاء، وهو ما امتد من جوانب الدار وهو حريمها خارج المملوك منها، (والمَلعَنِ) وهو مَجمَعُ الناس أو منزلهم أو قارعة الطريق أو أبواب الدور. (وتحت ) الشجرة (المُثمرة ) وهى ما من شأنها أن تكون مثمرةً وإن لم تكن كذلك بالفعل. ومحل الكراهة ما يمكن أن تبلغه الثمارُ عادةً وإن لم يكن تحتها. (وفَيْءُ النُزِّال) وهو موضعُ الظلِّ المُعَدُّ لنزولهم، أو ما هو أعم منه كالمحل الذي يرجعون إليه وينزلون به من «فاءَ يَفِيُّ إِذا رجع»؛ (والجِحَرَةِ) بكسر الجيم ففتح الحاء والراء المهملتين، جمع «جُحْر» - بالضمّ فالسكون - وهي بيوت الحشار.

(والسواك) حالته، رُوِيَ: «أنه يُورث البَخَرَ» (4)؛ (والكلام) إلّا بذكر الله تعالى (والأكل والشرب) لما فيه من المهانة وللخبر(5).

(ويجوز حكاية الأذان(6)) إذا سمعه على المشهور، وذكر الله لا يشمله أجمع؛ لخروج الحَيَّعَلات منه، ومن ثمّ حكاه المصنف في الذكرى بقوله: «وقيل»(7).

(و) قراءةُ (آية الكرسيّ)، وكذا مطلق حمد الله وشكره وذكره؛ لأنه حسن على

ص: 46


1- الكافي، ج 3، ص 17، باب القول عند دخول الخلاء، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 352، ح 1044.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 352، ح 1045.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 34 ، ح 90. لم ترد فيه: «فلا تؤذهم بذلك».
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 32، ح 85
5- الفقيه، ج 1، ص 27، ح 49
6- والصلاة على محمد وآله إذا سمع من يصلّي عليه. (زين رحمه الله)
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 123( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

كلِّ حال؛ (وللضرورة) كالتكلّم لحاجة يخاف فوتها لو أخَّره إلى أن يفرغ.

ويُستثنى أيضاً الصلاة على النبي( صلى الله عليه وآله وسلم )عند سماع ذكره، والحَمدَلَةُ عند العطاس منه ومن غيره، وهو من الذكر؛ وربما قيل باستحباب التسميت منه أيضاً(1). ولا يخفى وجوب رد السلام وإن كره السلام عليه؛ وفي كراهة ردّه مع تأدي الواجب برد غيره وجهان.

واعلم أنّ المراد بالجواز في حكاية الأذان وما في معناه معناه الأعم؛ لأنه مستحبّ لا يستوي طرفاه والمراد منه هنا الاستحباب ؛ لأنه عبادة لا تقع إلا راجحةً وإن وقعت مكروهة، فكيف إذا انتفت الكراهة.

ص: 47


1- قال به العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 249

الفصل الثاني في الغسل

اشارة

(وموجبه) سنةٌ : (الجنابةُ) بفتح الجيم (والحَيضُ، والاستحاضة مع غَمْس القُطنة) سواءٌ سال عنها أم لا ؛ لأنه موجب حينئذٍ في الجملة (والنفاس ومس الميّت(1) النجسِ) في حال كونه .(آدميّاً). فخرج الشهيدُ والمعصومُ ومَن تَمَّ غُسله الصحيحُ وإنْ كان متقدِّماً على الموت كمن قَدَّمه ليُقتل، فقُتل بالسبب الذي اغتسل له.

وخرج بالآدمي غيرُه من المَيْتاتِ الحَيوانيّة، فإنّها وإنْ كانت نجسةً إلّا أنّ مسَّها لا يوجب غُسلاً، بل هي كغيرها من النجاسات في أصح القولين(2). وقيل: يجب غسل ما مسَها وإن لم يكن برطوبة (3).

(والموتُ) المعهود شرعاً وهو موت المسلم ومن بحكمه غير الشهيد.

الجنابة

(ومُوجِب الجنابة) شيئان: أحدهما: (الإنزالُ) للمنيِّ يَقْظَةً ونوماً، (و) الثاني: (غَيبوبة الحشفة) وما في حكمها كقدرها من مقطوعها (قبلاً أو دُبُراً) من آدمي وغيره، حيّاً وميتاً فاعلاً وقابلاً، (أُنزِل) الماءُ

(أولا(4)).

ومتى حصلت الجنابة لمكلَّف بأحد الأمرين، تعلَّقت به الأحكام المذكورة،

ص: 48


1- الميت الذي لا يبقى فيه حركة، وإن يكن حارّاً لا يجب الغسل بمسه (زين رحمه الله)
2- ذهب إليه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- قال به العلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 458
4- فلمّا يجب على الصغير المحدث بعد البلوغ الوضوء يجب عليه بعد البلوغ الغسل( زين رحمه الله)

(فيَحرُم عليه قراءة العزائم) الأربع وأبعاضها، حتى البَسْمَلةِ وبعضها إذا قصدها لأحدها.

(واللبْتُ في المساجد) مطلقاً، (والجوازُ في المسجدين) الأعظمين بمكة والمدينة، (ووضعُ شيء فيها ) أي في المساجد مطلقاً، وإنْ لم يستلزم الوضعُ اللَبْتَ، بل لوْ طَرَحه من خارج، ويجوز الأخذ منها.

(ومش خطّ المصحف) وهو كلماته وحروفه المفردة وما قام مقامها كالشَدَّة والهمزة، بجزء من بدنه تَحلُّه الحياة: (أو اسم الله تعالى) مطلقاً (أو) اسم (النبي أو) أحد( الأئمة (عليه السلام))المقصود بالكتابة ولؤ على درهم أو دينار في المشهور.

(ويُكرَه) له (الأكل والشرب حتَّى يَتَمَضْمَضَ ويَسْتَنْشِقَ(1)) أو يَتَوَضَّأ، «فإِن أَكَل قبل ذلك خِيفَ عليه البَرَضُ»، ورُوي: «أنه يُورث الفقر»(2)، ويتعدد بتعدد الأكل والشرب مع التراخي عادةً لا مع الاتصال.

( والنوم إلا بعد الوضوء(3) ) وغايته هنا إيقاع النوم على الوجه الكامل وهو غير مبيح إما لأن غايته الحدث، أو لأن المبيح للجنب هو الغسل خاصةً.

(والخضابُ ) بحِنّاء وغيره. وكذا يُكرَه له أن يُجنب وهو مختضب.

(وقراءة ما زاد على سبع آياتٍ(4) ) في جميع أوقات جنابته. وهل يصدق العدد بالآيةِ المكرَّرة سبعاً؟ وجهان.

(والجَوازُ في المساجد ) غير المسجدين بأن يكون للمسجد بابان فيدخُل من أحدهما ويخرج من الآخر. وفي صدقه بالواحد من غير مكت وجه، نعم ليس له التردّدُ

ص: 49


1- قال ابن بابويه: لو أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص . وروي: «يورث الفقر». [الفقيه، ج 1، ص 83، ذیل الحديث 177 و 178] نهاية الإحكام[ ج 1، ص 104]. (زین رحمه الله)
2- الفقيه، ج 1، ص 83، ح 178 : وج 4 ص 3، ح 4971
3- ويجزئ التيمم مع وجود الماء هنا، ولا يشترط فيه وضع اليدين على التراب بل على أي شيء كان. (زين رحمه الله )
4- ولو كرّرها كان مكروهاً (زين رحمه الله)

في جوانبه بحيث يخرج عن المجتاز.

(و واجبه النيَّةُ) وهى القصد إلى فعله متقرباً. وفي اعتبار الوجوب والاستباحة أو الرفعِ ما مرً(1) (مقارنةً) لجزء من الرأس ومنه الرقبة إن كان مرتباً، ولجزء من البدن إن كان مرتيساً بحيث يُتبعه الباقي بغير مهلة.

(وغَسلُ الرأس والرقبة ) أولاً، ولا ترتيب بينهما ؛ لأنهما فيه عضو واحد، ولا ترتيب في نفس أعضاء الغُسل، بل بينها كأعضاء مسح الوضوء، بخلاف أعضاء غسله فإنّه فيها وبينها.

(ثمّ) غسل الجانب الأيمن ثمّ الأيسر(2)) كما وصفناه، والعورة تابعة للجانبين. ويجب إدخال جزء من حدود كل عضو من باب المقدمة كالوضوء. و تخليلُ مانع وصول الماء إلى البشرة بأن يُدخل الماءَ خِلاله إلى البشرة على وجه الغسل.

(ويُستحبّ الاستبراء) للمُنزِل - لا لمطلق الجنب - بالبول ليُزِيل أثر المني الخارج ثمّ بالاجتهاد بما تقدّم من الاستبراء. وفي استحبابه به للمرأة قول(3) ؛ فتَستبرِئُ عَرْضاً، أمّا بالبول، فلا ؛ لاختلاف المخرجين.

والمضمضة والاستنشاق) كما مر(4) (بعد غسل اليدين ثلاثاً) من الزندين، وعليه المصنّف في الذكرى(5) . وقيل من المَرْفِقين، واختاره في النفلية(6)، وأطلق في غيرهما (7)

ص: 50


1- تقدّم في ص 38.
2- لا مفصل محسوس في الجانبين، فالأولى غسل الحد المشترك معهما. وكذا العورة، ولو غسلها مع أحدهما فالظاهر الإجزاء لعدم المفصل المحسوس وامتناع إيجاب غسلها مرتين. ذكرى الشيعة ج 2 ص 143، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6] (زين رحمه الله)
3- قال به المفيد في المقنعة، ص 54 ؛ والشيخ في النهاية، ص 21
4- تقدم في ص 41.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 153 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
6- الرسالة النفلية، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
7- الدروس الشرعية، ج 1، ص 16 ؛ البيان، ص 52 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).

كما هنا. وكلاهما مُؤَدِّ للسنَّة وإنْ كان الثانى أولى.

(والموالاة) بين الأعضاء بحيث كلَّما فرغ من عضو شرع في الآخر، وفي غسل نفس العضو، لما فيه من المسارعة إلى الخير والتحفّظ من طَرَيان المفسد. ولا تجب في المشهور إلّا لعارض كضيق وقت العبادة المشروطة به، وخوف فجأة الحدث للمستحاضة ونحوها. وقد تجب بالنذر ؛ لأنه راجح.

(ونقضُ المرأةِ الضفائر) ؛ جمع «ضفيرة» وهي العَقِيصةُ المَجْدُولةُ من الشعر.

وخَصَّ المرأةَ : لأنها مورد النص(1)، وإلا فالرجل كذلك ؛ لأنّ الواجب غسل البشرة دون الشعر، وإنّما استُحِبّ النقضُ للاستظهار والنصّ(2).

(وتثليثُ الغَسل) لكلِّ عضو من أعضاء البدن الثلاثة بأن يغسله ثلاث مرات.

(وفعله) أي الغُسل بجميع سُنَنِه الذي من جملته تثليثه (بصاع) لا أزيدَ، وقد رُوِيَ عن النبي أنه قال: «الوضوء بمُدّ والغسل بصاع وسيأتي أقوام [بعدي] يَستَقِلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي، والثابت على سنَّتي معي في حظيرة القدس»(3).

(ولو وجد ) المُجنِبُ بالإنزال (بَلَلاً) مشتبهاً (بعد الاستبراء) بالبول، أو الاجتهاد مع تعذّره (لم يَلتَفِت، وبدونه) أي بدون الاستبراء بأحد الأمرين (يَغتسل). ولو وجده بعد البول من دون الاستبراء بعده، وجب الوضوء خاصةً، أما الاجتهاد مع بدون البول إمكانه فلا حكم له.

(والصلاة السابقة) على خروج البلل المذكور (صحيحة) ؛ لارتفاع حكم السابق. والخارج حدث جديد وإن كان قد خرج عن محله إلى محلّ آخَرَ. وفي حكمه ما لو أحسّ بخروجه فأمسك عليه وصَلَّى ثمّ أطلقه.

(ويَسقُط الترتيب) بين الأعضاء الثلاثة (بالارتماس) وهو غسل البدنِ أجمعَ دفعةً واحدةً عرفيَّةً، وكذا ما أشبهه كالوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين ؛ لأنّ

ص: 51


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 147، ح 418 و 419.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 147، ح 418 و 419.
3- الفقيه، ج 1، ص 34 - 35 ، ح 70.

البدن يصير به عضواً واحداً.

(ويُعاد) غُسل الجنابة (بالحدث ) الأصغر (في أثنائه على الأقوى ) عند المصنف وجماعة(1) ، وقيل : لا أثر له مطلقاً(2)، وفي ثالث يُوجب الوضوء خاصةً(3) وهو الأقرب.

وقد حققنا القول في ذلك برسالةٍ مُفردة(4) .

أمّا غيرُ غُسل الجنابة من الأغسال، فيكفي إتمامه مع الوضوء قطعاً، وربما خرج بعضُهم بطلانه كالجنابة(5)، وهو ضعيف جداً.

الحیض

(وأما الحيض)

(فهو ما ) أي الدمُ الذي( تراه المرأة بعد) إكمال (تسع (6)) سنين هلاليةٍ، (وقبل) إكمال (ستِّين) سنةً (إن كانت) المرأة (قرشيَّةً) وهى المنتسبة بالأب إلى النضر بن كنانة وهي أعم من الهاشمية.

فمن علم انتسابها إلى قريش بالأب لَزِمها حكمُها، وإلا فالأصل عدم كونها منها؛ (أو نَبَطيَّةً (7)) منسوبة إلى النّبط و هم - على ما ذكره الجوهري : قوم ينزلون البطائح بين العراقين(8). والحكم فيها مشهور و مستنده غير معلوم، واعترف المصنف بعدم وقوفه فيها على نصّ(9)، والأصل يقتضي كونها كغيرها.

ص: 52


1- منهم: الصدوق في الهداية، ص 96؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 53 ؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، 40 ؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 210.
2- قال به ابن البراج في جواهر الفقه، ص 12؛ وأبن إدريس في السرائر، ج 1، ص 119.
3- ذهب إليه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 196 : الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 73.
4- رسالة الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة، ص 133 (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل 2).
5- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 96، الرقم 223.
6- لو رأت المرأة ما بعد الإنبات أو نزول المني وقبل التسع وفيه شروط الحيض فهو حيض. (زين رحمه الله)
7- وهي من نسل أعجمي وعربية أو بالعكس. (زين رحمه الله)
8- الصحاح، ج 2، ص 1162، «نبط».
9- انظر ذكرى الشيعة، ج 1، ص 177) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

(وإلّا) يكن كذلك (فالخمسون) سنةً مطلقاً، غاية إمكان حيضها.

(وأقله ثلاثة ) أيامٍ (متوالية (1)) فلا يكفي كونها في جملة عشرة على الأصح ،(وأكثره عشرة )أيام، فما زاد عنها ليس بحيض إجماعاً.

(وهو أسود أو أحمرُ حارٌ له دفع) وقوَّةٌ عند خروجه (غالباً). قيَّد بالغالب ليندرج فيه ما أمكن كونه حيضاً، فإنّه يُحكم به وإن لم يكن كذلك كما نبه عليه بقوله : ( ومتى أمكن كونُه) أي الدم (حيضاً) بحسب حال المرأة بأن تكون بالغةً غيرَ يائسة، ومدَّتِهِ بأن لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، ودوامه كتوالي الثلاثة، ووصفه كالقوي مع التمييز، ومحله كالجانب إن اعتبرناه، ونحو ذلك (حكم به).

وإنّما يُعتبر الإمكان بعد استقراره فيما يتوقف عليه كأيّام الاستظهار، فإنّ الدم فيها يمكن كونه حيضاً، إلّا أنّ الحكم به موقوف على عدم عبور العشرة. ومثله القول في أوّل رؤيته مع انقطاعه قبل الثلاثة.

(ولو تجاوز) الدمُ (العشرة فذات العادةِ الحاصلة باستواء) الدم (مرتين) أخذاً وانقطاعاً، سواء كان في وقت واحد بأن رأت في أول شهرين سبعةً مثلاً، أم في وقتين كأن رأت السبعةَ في أول شهر وآخره، فإنّ السبعة تصير عادة وقتية وعددية في الأوّل، وعدديَّةً في الثاني. فإذا تجاوز عشرة (تأخذُها) أي العادة فتجعلُها حَيضاً.

والفرق بين العادتين الاتفاق على تَحَيُّض الأولى برؤية الدم، والخلافُ في الثانية، فقيل: إنها فيه كالمضطربة : لا تَتَحَيَّضُ إلا بعد ثلاثة(2)، والأقوى أنها كالأُولى.

ولو اعتادت وقتاً خاصةً بأن رأت في أوّل شهر سبعةً وفي أوّل آخَرَ ثمانيةً، فهي مضطربة العدد لا ترجع إليه عند التجاوز وإن أفاد الوقتُ تحيضها برؤيته فيه بعد ذلك كالأُولى إن لم تُجز ذلك للمضطربة.

ص: 53


1- يكفي في التوالي أن يكون من أول رؤية إلى رؤية أخرى ثلاثة أيام تامة، ويكفي فيما بينهما الرؤية في اليوم والليلة.( زين رحمه الله )
2- انظر السرائر، ج 1، ص 149 .

(وذاتُ التمييز) وهي التي ترى الدم نوعين أو أنواعاً (تأخذه) بأن تجعل القوي حيضاً والضعيف استحاضةً( بشرط عدم تجاوز حَدَّيه) قِلَّةً وكثرة، وعدم قصور الضعيف وما يضاف إليه من أيام النقاء عن أقلّ الطُّهر.

وتعتبر القوَّةُ بثلاثة : «اللون»، فالأسودُ قويُّ الأحمر، وهو قوي، الأشقر، وهو قوي الأصفر، وهو قويّ الأكدر ؛ و«الرائحة» فذو الرائحة الكريهة قوي ما لا رائحة له، وما له رائحة أضعف؛ و «القوام» فالثخين قوي الرقيق وذو الثلاث قوي ذي الاثنين وهو قوي ذي الواحدة، وهو قوي العادم.

ولو استوى العدد وإن كان مختلفاً فلا تمييز.

وحُكمُ الرجوع إلى التمييز ثابت (في المبتدِئَة) بكسر الدال وفتحها، وهي من لم يَستَقِرّ لها عادةً، إما لابتدائها، أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً (والمضطربة) وهي من نَسِيَت عادتها وقتاً أو عدداً أو معاً.

وربما أطلقت على ذلك وعلى من تَكرَّر لها الدم مع عدم استقرار العادة(1)، وتختص المبتدئة على هذا بمن رأته أوّل مرة؛ والأوّل أشهر.

وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدئة إلى عادة أهلها وعدمه.

(ومع فَقْدِه) أي فقدِ التمييز بأن اتَّحد الدم المتجاوِزُ لوناً وصفةً، أو اختلف ولم تحصل شروطه (تأخذ المبتدئة عادة أهلها) وأقاربها من الطرفين أو أحدهما، كالأُخت والعمة والخالة وبناتهنّ.

(فإن اختَلَفن )فى العادة وإنْ غَلَب بعضُهن (فأقرانها (2)) و هُنَّ مَنْ قارَبَها في السن عادةً. واعتبر المصنّف في كتبه الثلاثة فيهنّ وفي الأهلِ اتّحاد البلد(3)؛ لاختلاف الأمزجة

ص: 54


1- انظر المعتبر، ج 1، ص 209 : جامع المقاصد، ج 1، ص 295
2- في النسبة فمادون( زين رحمه الله )
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 17؛ البيان، ص 55 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 5، 9 و 12).

باختلافه. واعتبر في الذكرى أيضاً الرجوع إلى الأكثر عند الاختلاف(1)، وهو أجود.

وإنّما اعتبر فى الأقران الفقدان دون الأهل ؛ لإمكانه فيهن دونهنَّ؛ إذ لا أقل من الأم؛ لكن قد يتفق الفقدانُ بموتهنّ وعدم العلم بعادتهنّ، فلذا عبر في غيره بالفقدانِ والاختلافِ فيهما.

(فإن فُقِدنَ) الأقرانُ (أو اختَلَفن فكالمضطربة في) الرجوع إلى الروايات(2) وهي (أخذ عشَرة) أيام (من كلِّ شهر، وثلاثة من آخَرَ) مخيَّرةً في الابتداء بما شاءت منهما (أو سبعةٍ سبعة (3)) من كلّ شهر أو سنّةٍ سنّةٍ مخيَّرةٌ فى ذلك، وإن كان الأفضل لها اختيار ما يوافق مزاجها منها؛ فتأخذ ذات المزاج الحار السبعة، والبارد السنّة، والمتوسط الثلاثة والعشرة. وتتخيّر في وضع ما اختارته حيث شاءت من أيام الدم، وإن كان الأولى الأوّل؛ ولا اعتراض للزوج في ذلك هذا في الشهر الأول، أما ما بعده، فتأخذ ما يوافقه وقتاً.

وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعددَ معاً، أما لو نسيت أحدهما خاصةً، فإن كان الوقت أخذت العدد كالروايات، أو العددَ جَعَلت ما تيقّن من الوقت حيضاً أوّلاً أو آخراً أو ما بينهما وأكملته بإحدى الروايات على وجه يطابق. فإن ذكرتْ أوّلَه أكملته ثلاثةً متيقنةً وأكملته بعدد مرويّ، أو آخِرَه تَحَيَّضت بيومين قبله متيقنةً وقبلهما تمام الرواية، أو وسطه المحفوف بمتساويين ؛ وأنه يوم حفته بيومين واختارت رواية السبعة لتطابق الوسط أو يومان حقتهما بمثلهما فتيقنت أربعةً واختارت رواية الستة فتجعل قبل المتيقن يوماً وبعده يوماً أو الوسط، بمعنى الأثناء مطلقاً، حفته بيومين متيقنة وأكملت

ص: 55


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 1، ص 156، باب حكم الحيض...
3- أو ستة ستة. فرع: لو خرج الدم من غير الرحم - في أدوار الحيض لانسداد الرحم - بشرائط الحيض فالأقرب أنه حيض مع اعتياده كما حكي في زماننا عن امرأة يخرج الدم من فيها. البيان [ص 54، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)

إحدى (1)الروايات متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق ولا فرق هنا بين تَيَقُن يوم و(2)أزيد. ولو ذكرت عدداً في الجملة فهو المتيقَنُ خاصة، وأكملته بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق، ولا احتياط لها بالجمع بين التكليفات عندنا وإن جاز فعله.

(ويحرم عليها ) أي على الحائض مطلقاً (الصلاة) واجبةً ومندوبةً (والصومُ و تقضيه ) دونها، والفارقُ النصّ لا مشقتها بتكررها ولا غير ذلك، (والطوافُ) الواجب والمندوب، وإنْ لم يُشترط فيه الطهارة لتحريم دخول المسجد مطلقاً عليها، (ومسُ) كتابة (القرآن) وفي معناه اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمّة كما تقدّم (3).

(ويُكرَه حمله) ولو بالعلاقة (ولمس هامشه ) وبين سطوره (كالجنب).

(ويَحرُم) عليها (اللبتُ في المساجد) غير الحرمين، وفيهما يحرم الدخول مطلقاً كما مرّ. وكذا يحرم عليها وضعُ شيء فيها كالجنب.

(وقراءة العزائم(4)) وأبعاضها (وطلاقها ) مع حضور الزوج أو حكمه ودخوله بها وكونها حايلاً، وإلّا صح. وإنّما أطلق لتحريمه في الجملة، ومحلُّ التفصيل باب الطلاق وإن اعتيد هنا إجمالاً.

(ووطؤُها قبلاً عالماً عامداً ، فتجب الكفّارة) لو فعل (احتياطاً) - لا وجوباً - على الأقوى، ولا كفارة عليها مطلقاً.

والكفّارة (بدينار) أي مثقال ذهب خالص مضروب (في الثلث الأول، ثمّ نصفه في الثلث الثاني، ثمّ ربعه في الثلث الأخير(5)). ويختلف ذلك باختلاف العادة وما في

ص: 56


1- في «س»: «وأكملته بإحدى».
2- في «م ، ن»: «أو».
3- تقدّم في ص 49.
4- قبل الانقطاع، فلو انقطع دمها جاز لها دخول المساجد وقراءة العزائم (زين رحمه الله)
5- ولو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد طعام. ولو عرض الحيض في أثناء الوطء نزع، فإن استدام عزر وكفر واستغفر ويقتل مستحلّ وطء الحائض قبلاً، ولو اشتبه الحيض فالأحوط الامتناع تغليباً للحرمة، والأقرب أنّ القيمة غير مجزية. البيان ص 59 - 60 ، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. فرع لو وطئها فتنفست أو قارن الوطء النفاس، ثم انقطع عند انتهائه أو في أثنائه أمكن ثلاث كفارات لصدق الوطء في الأحوال الثلاثة. أما لو قصر زمانه عمّا يحتمل الوطء ثلاثاً ،فلا وفيه نظر البيان ص 63 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12]. (زين رحمه الله)

حكمها من التمييز والروايات، فالأولان أوّل لذات الستة، والوسطان وسط، والأخيران آخر وهكذا. ومصرفُها مستحقُ الكفّارة، ولا يُعتبر فيه التعدّد.

(ويُكرَه) لها (قراءة باقي القرآن) غير العزائم من غير استثناء للسبع. (و) كذا يكره له (الاستمتاعُ بغير القبل ممّا بين السُرَّة والرُكْبة، ويُكرَه لها إعانته عليه إلّا أن يطلبه فتَنتَفِى الكراهة عنها ؛ لوجوب الإجابة.

ويظهر من العبارة كراهة الاستمتاع بغير القبل مطلقاً، والمعروف ما ذكرناه.

(ويُستحبّ) لها (الجلوس فى مُصلّاها) إن كان لها محلُّ مُعَدُّ لها، وإلا فحيث شاءت (بعد الوضوء) المنوي به التقرّب دون الاستباحة،( وتذكر الله تعالى(1) بقدر الصلاة ) ؛ لبقاء التمرين على العبادة فإنّ الخيرَ عادة»(2).

( ويُكرَه لها الخضابُ) بالحِنّاء وغيره كالجنب.

( وتَترُك ذاتُ العادة) المستقرَّةِ وقتاً وعدداً، أو وقتاً خاصةً، (العبادة) المشروطة بالطهارة( برؤية الدم ) أمّا ذات العادةِ العدديَّةِ خاصةً فهي كالمضطربة في ذلك كما سلف(3). (وغيرها) من المبتدأة والمضطربة (بعد ثلاثة) أيام احتياطاً.

والأقوى جواز تركهما برؤيته أيضاً، خصوصاً إذا ظنتاه حيضاً، وهو اختياره في الذكرى(4)، واقتصر في الكتابين على الجواز مع ظنّه خاصةً(5).

( ويُكرَه وطؤُها) قُبلاً (بعد الانقطاع قبل الغُسل على الأظهر خلافاً للصدوق

ص: 57


1- مسبحة بالأربع، مستغفرة مصلية على النبي وآله. (زين رحمه الله)
2- تحف العقول، ص 63 في كتابه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)
3- تقدّم في ص 54.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 184 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 17؛ البيان، ص 60 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).

حيث حرمه (1). ومستند القولين(2) الأخبارُ المختلفة ظاهراً، (3)والحمل على الكراهة طريق الجمع، والآية ظاهرة في التحريم (4)قابلة للتأويل .

(و تقضي كلَّ صلاة تمكنت من فعلها قبله ) بأن مَضَى من أول الوقت مقدار فعليها وفعل ما يُعتبر فيها ممّا ليس بحاصل لها طاهرةً،( أو فعل ركعة مع الطهارة) وغيرها من الشرائط المفقودة (بعده(5) ) .

الاستحاضة

(وأما الاستحاضة)

(فهي ما) أي الدمُ الخارج من الرحم الذي ( زاد على العشرة) مطلقاً،( أو العادة مستمِراً) إلى أن تجاوَزَ العشرةَ، فيكون تجاوزها كاشفاً عن كون السابق عليها بعد العادة استحاضةً، (أو بعد اليأس ) ببلوغ الخمسين أو الستين على التفصيل(6)، (أو بعد النفاس ) كالموجود بعد العشرة أو فيها بعد أيام العادة مع تجاوز العشرة، إذا لم يتخلله نَقاءُ أقل الطهر، أو يصادف أيام العادة في الحيض بعد مضي عشرة فصاعداً من أيام النفاس، أو يحصل فيه تمييز بشرائطه.

(ودمُها) أي الاستحاضةِ (أصفرُ باردُ رقيق فاتِرُ) أي يخرج بتَناقُل وفتورٍ لا بدفع (غالباً). ومقابلُ الغالب ما تَجِدُه في الوقت المذكور، فإنّه يُحكم بكونه استحاضةً وإِنْ كان بصفة دم الحيض ؛ لعدم إمكانه.

ثمّ الاستحاضةُ تَنقسم إلى قليلة وكثيرة ومتوسطة ؛ لأنها إمّا أن لاتَغمِس القطنة أجمع ظاهراً وباطناً، أو تغمسها كذلك ولاتسيل عنها بنفسه إلى غيرها، أو تسيل عنها

ص: 58


1- الفقيه، ج 1، ص 95 ذيل الحديث 199 ؛ الهداية، ص 99
2- القول بالكراهة للعلامة أيضاً في مختلف الشيعة، ج 1، ص 189 ، المسألة 134.
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 486، باب الزيادات في فقه النكاح ؛ وج 1، ص 166، باب حكم الحيض...
4- البقرة (2) :222
5- ولو بالتيمم.( زين رحمه الله )
6- تقدّم في ص 52 - 53 .

إلى الخرقة. (فإن لم تغيس القطنة تتوضأ لكل صلاة مع تغييرها ) القطنة ؛ لعدم العفو عن هذا الدم مطلقاً، وغسلِ ما ظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين، وإنما تركه ؛ لأنه إزالةُ خَبَتٍ قد عُلم ممّا سلف.

(وما يغمسها بغير سَيْلِ تَزيدُ ) على ما ذُكر في الحالة الأولى (الغسل للصبح) إن كان الغمس قبلها، ولو كانت صائمة قَدَّمَتْهُ على الفجر واجتزأت به للصلاة، ولو تأخر الغمسُ عن الصلاة فكالأوّل .

(وما يسيلُ) يجب له جميع ما وجب في الحالتين وتزيد عنهما أنها (تغتسل أيضاً للظهرين) تَجمَع بينهما به (ثم العشاءين) كذلك.

(وتُغَيّر الخرقةً فيهما ) أي في الحالتين الوسطى والأخيرة ؛ لأنّ الغَمسَ يوجب رطوبة ما لاصَقَ الخرقة من القطنة وإنْ لم يَسِل إليها، فتَنْجَس، ومع السيلان واضح. وفي حكم تغييرها تطهيرها. وإنما يجب الغُسل في هذه الأحوال مع وجود الدم الموجب له قبل فعل الصلاة وإن كان في غير وقتها إذا لم تكن قد اغتسلت له بعده كما يدلّ عليه خبر الصحاف(1). وربما قيل باعتبار وقت الصلاة (2)ولا شاهد له(3).

النفاس

(وأما النفاس )

بكسر النون (قدم الولادة (4)معها ) بأن يُقارن خروج جزءٍ وإِنْ كان منفصلاً ممّا يُعَدّ

ص: 59


1- راجع الكافي، ج 3، ص 95، باب الحبلى ترى الدم، ح 1؛ وتهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 168 - 169، ح 482.
2- ذهب إليه ابن فهد في الموجز ضمن الرسائل العشر، ص 47.
3- نبه بقوله: «ولا شاهد له على خلاف المصنف في الاستدلال بخبر صحاف فإنه استدل به في الدروس، ج 1، ص 19 [موسوعة الشهيد الأول، ج (9) والذكرى، ج 1، ص 189 (موسوعة الشهيد الأول، ج 5 على اعتبار أوقات الصلاة؛ ونحن اعتبرناه فوجدناه دالاً على عدم اعتبارها صريحاً فتأمل منه (رحمه الله)
4- ويكفي في الولد كونه مضغة أو علقة، أما النطفة فلا البيان ص 63 ، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. وفي الذكرى قال: أما العلقة فلا؛ لعدم اليقين ولو فرض العلم بأنه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل كان نفاساً. ذكرى الشيعة، ج 1، ص 205، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5]. (زين رحمه الله)

آدميّاً أو مبدأ نشوء آدمي، وإنْ كان مُضْغَةً مع اليقين. أمّا العَلَقةُ - وهي القطعة من الدم الغليظ - فإن فُرض العلم بكونها مبدأ نشوء إنسان كان دمُها نفاساً إلّا أنه بعيد.

(أو بعدها (1)) ؛ بأن يخرج الدم بعد خروجه أجمع.

ولو تعدّد الجزء منفصلاً أو الولدُ، فلكلِّ نفاس وإن اتصلا، ويتداخل منه ما اتفقا فيه. واحترز بالقيدين عمّا يخرج قبل الولادة فلايكون نفاساً بل استحاضة، إلا مع إمكان كونه حيضاً .

(وأقله مسمّاه) وهو وجوده في لحظة فيجب الغسل بانقطاعه بعدها، ولو لم تردماً فلا نفاس عندنا.

(وأكثره قدرُ العادة في الحيض ) للمعتادة، على تقدير تجاوزه العشرة، وإلا فالجميع نفاس. وإِنْ تَجَاوَزَها كالحيض ؛ فإن لم تكن لها عادة (فالعشَرة) أكثره على المشهور.

وإنّما يُحكَم به نفاساً في أيام العادة، وفي مجموع العشرة، مع وجوده فيهما أو في طرفيهما. أما لو رأته في أحد الطرفين خاصةً، أو فيه وفي الوسط، فلا نفاس لها في الخالي عنه متقدِّماً ومتأخّراً، بل في وقت الدم أو الدمين فصاعداً وما بينهما. فلو رأت أوّلَه لحظةً وآخِرَ السبعة لمعتادتها فالجميع نفاس ولو رأته آخِرَها خاصةً فهو النفاس.

ومثله رؤية المبتدئة والمضطربة في العشرة بل المعتادة على تقدير انقطاعه عليها.

ولو تجاوز فما وُجد منه في العادة وما قبله(2) إلى أوّل زمان الرؤية نفاس خاصةً؛ كما

ص: 60


1- ولو رأت قبل خروج الولد فهو استحاضة، ويكفي خروج جزء منه. البيان ص 62، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12] (زين رحمه الله)
2- الظاهر أنّ «ما» في العبارة عبارة عن المقدار؛ والضمير في «منه» راجع إلى الدم؛ وقوله: «العادة» مضاف إليه . لمضافين كما في قوله تعالى: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةٌ مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) طه (20): 96] أي من أثر حافر فرس الرسول. و تقدير الكلام في بيان المرام كذلك فالمقدار الذي وجد هذا المقدار عن [الدم] في يوم آخر العادة. وقوله: «وما قبله» يحتمل أن يكون «ما» معطوفاً على السابق، وأن يكون على «في العادة». وضمير «قبله» على التقديرين عائد إلى يوم آخر العادة» و«ما» في ما قبله على التقدير الثاني عبارة عن الزمان. (منه رحمه الله)

لو رأت رابع الولادة مثلاً وسابعها لمعتادتها واستمر إلى أن تجاوز العشرة فنفاسها الأربعةُ الأخيرة من السبعة خاصةً. ولو رأته في السابع خاصةً وتَجاوَزَها، فهو النفاسُ خاصةً. ولو رأته من أوّله والسابع وتجاوَزَ العشرة، سواء كان بعد انقطاعه أم لا، فالعادة خاصةً نفاس. ولو رأته أوّلاً وبعد العادة وتجاوز، فالأوّل خاصةً نفاس وعلى هذا القياس.

(وحكمُها كالحائض) في الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة؛ وتُفارِقُها في الأقل والأكثر والدلالة على البلوغ(1)، فإنّه مختص بالحائض ؛ لسبق دَلالة النفاس بالحمل وانقضاء العدّة بالحيض دون النفاس غالباً(2)، ورجوع الحائض إلى عادتها وعادة نسائها والروايات والتمييز دونها ويختصُّ النفاسُ بعدم اشتراط أقل الطهر بين النفاسين، كالتوأمين، بخلاف الحيضتين.

(ويجب الوضوء مع غُسلهنّ) متقدماً عليه أو متأخراً (ويُستحَبٌ قبله(3))، وتَتَخَيَّرُ فيه بين نية الاستباحة والرفع مطلقاً، على أصح القولين(4)، إذا وقع بعد الانقطاع.

غُسل المسِّ

(وأمّا غُسل المسِّ)

للميّت الآدمي النجس (فبعد البرد وقبل التطهير) بتمام الغُسل، فلا غسل بمسه قبل

ص: 61


1- مفارقته في الأكثر من حيث الإجماع على أن أكثر الحيض عشرة، والخلاف في أكثر النفاس؛ فقيل: هو كذلك. وهو الأشهر؛ وقيل: ثمانية عشر يوماً؛ وهذا القدر كافٍ في الافتراق من حيث الخلاف والوفاق؛ ويجوز أن يريد بالمفارقة في الأكثر أنّ أكثر الحيض للمعتادة في التجاوز عادتها، وللمبتدئة والمضطربة مع فقد التمييز عادة الأهل والأقران والروايات على حسب ما فصل سابقاً بخلاف النفاس؛ لأنّ أكثره مع التجاوز عادة الحيض، ومع عدمها عشرة مطلقاً منه (رحمه الله)
2- قوله «دون النفاس غالباً احترز بالغالب عما لو طلقها بعد الوضع وقبل رؤية الدم؛ فإنّها تجعل النفاس حيضاً، ويترتب عليه انقضاء العدة، وعمّا لو اعتدت بقرأين مثلاً ثم حملت من شبهة، أو زنى؛ فإنه تجعل النفاس بعد الولادة حيضاً فينقضي به العدة السابقة. (منه رحمه الله)
3- إذا توضأت الحائض قبل الغسل يجوز أن ترفع الحدث (زين رحمه الله)
4- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 208. المسألة 150: والقول الثاني لابن إدريس في السرائر. ج 1 ص 151.

البزد وبعد الموت. وفي وجوب غسل العضو اللامس قولان(1) أجودُهما ذلك، خلافاً للمصنّف(2). وكذا لا غُسل بمسه بعد الغسل. وفي وجوبه بمس عضو كمل غسله قولان (3)اختار المصنف عدمه (4)؛

وفي حكم الميت، جزوه المشتمِلُ على عَظْمِ والمُبانُ منه من حي والعظم المجرَّد عند المصنِّف (5)استناداً إلى دَوَران الغُسل معه وجوداً وعدماً، وهو (6)ضعيف.

(ويجب فيه) أي في غُسل المس (الوضوءُ) قبله أو بعده كغيره من أغسال الحي غير الجنابة.

و«في» في قوله: «فيه» للمصاحبة كقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ﴾(7) و ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ﴾(8) ، إن عاد ضميره إلى الغُسل، وإن عاد إلى المس فسببيَّة.

ص: 62


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 63.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة ج 1، ص 151 ، المسألة 101
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 476 ؛ البيان، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 477 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- ضمير «هو» يجوز عوده إلى القول وإلى الدوران؛ لأنه دليل ضعيف - كما حقق في الأصول - ويلزم منه ضعف القول: وهو لطيف منه( رحمه الله )
7- الأعراف (7): 38
8- القصص (28): 79
القول في أحكام الأموات وهي خمسة:
الحكم الأوّل: الاحتضار

وهو السوق (أعاننا الله عليه وثبتنا بالقول الثابت لديه) سُمِّي به ؛ لحضور الموتِ أو الملائكةِ الموكَّلَةِ به أو إخوانه وأهله عنده.

(ويجب) كفايةً (توجيهه) أي المحتضر المدلول عليه بالمصدر، (إلى القبلة) في المشهور بأن يُجعَلَ على ظهره ويُجعَلَ باطن قدميه إليها (بحيث لو جلس استقبل) ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير. ولا يختص الوجوب بوليه، بل بمن عَلِم باحتضاره وإنْ تَأكَّد فيه، وفى الحاضرين.

(ويُستحب نقله إلى مصلاه وهو ما كان أَعَدَّه للصلاة فيه أو عليه، إن تَعَسَّر عليه الموتُ واشتدّ به النزع كما ورد به النص(1)، وقيَّده به المصنف فى غيره(2).

(و تلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام).(3) )والمراد بالتلقين التفهيم، يقال: «غلامٌ لَقِنٌ» أي سريعُ الفهم، فيُعتبر إفهامه ذلك. وينبغي للمريض متابعته باللسان والقلب، فإن تَعَذَّرَ اللسانُ اقتَصَر على القلب،

(وكلماتِ الفرج) وهي لا إله إلا الله الحليم الكريم إلى قوله «وسلامٌ على المرسلين والحمد لله ربِّ

ص: 63


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 427، ح 1356.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 237؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 22؛ البيان، ص 64 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 05 9 و 12).
3- في بعض النسخ: «بالاثني عشر».

العالمين»(1). وينبغي أن يَجعَل خاتمة تلقينه «لا إله إلا الله»، ف-«من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»(2).

(وقراءة القرآن عنده ) قبل خروج روحه وبعده للبركة والاستدفاع، خصوصاً «یس» و «الصافات» قبله لتعجيل راحته.

(والمصباح إن مات ليلاً(3)) في المشهور ولا شاهد له ،بخصوصه، ورُوِيَ ضعيفاً دوام الإسراج (4).

(ولْتُغمَضْ عيناه ) بعد موته معجّلاً؛ لئلا يقبُحَ مَنظَرُه،( ويُطْبَقُ فُوه) كذلك.

وكذا يُستحبّ شَدُّ لَحْيَيْه بعصابة ؛ لئلا يَسترخي، (وتُمَدّ يداه إلى جنبيه) وساقاه إن كانتا منقبضتين ليكون أطوعَ للغُسل وأسهل للدرج فى الكفن ويُغطّى بثوب): للتأسي(5) ولما فيه من الستر والصيانة.

( ويُعجَّل تجهيزه) فإنّه من إكرامه( إلا مع الاشتباه ) فلايجوز التعجيل، فضلاً عن رُجحانه، (فيُصبر عليه ثلاثة أيام ) إلا أن يُعلم قبلها ؛ لتغير وغيره من أمارات الموت كانخسافِ صُدْغَيه وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفه من ذراعه واسترخاء قدميه وتقلص أُنْتَتِيه إلى فوق مع تَدَلِّي الجلدة.

( ويُكرَه حضورُ الجنب والحائض عنده (6)) ؛ لتأذي الملائكة بهما. وغايةُ الكَراهة تحقق الموت وانصراف الملائكة (وطرح حديد على بطنه) في المشهور، ولا شاهد له

ص: 64


1- الفقيه، ج 1 ، ص 131 ، ح 343 .
2- الفقيه، ج 1 ، ص 132 ، ح 345 .
3- ولا يترك وحده. البيان ص 64، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
4- الكافي، ج 3، ص 251، باب النوادر من كتاب الجنائز، ح 5.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 841 . 6 أو يُستبرأ بعلاماته وهي أربعة اعوجاج الأنف، وإندار البطن، وعدم نقص السكر الموضوع في فيه وعدم حركة القطن الموضوع على منخریه (زین رحمه الله)
6- تنفر الملائكة، فهو يصعب طلوع روحه (زین رحمه الله )

من الأخبار. ولا كراهة في وضع غيره للأصل، وقيل: يُكره أيضاً(1).

الحكم الثاني: الغسل

(2) )

(ويجب تغسيل كل)ميِّةٍ (مسلم أو بحكمه)كالطفل و المجنونِ المتولدين من مسلم، ولقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تَوَلُّده منه، والمَسْبِيّ بيد المسلم على القول بتبعيَّته في الإسلام(3) كما هو مختار المصنف(4)، وإن كان المسبيُّ ولد زنىً.

وفي المتخلّق من ماء الزاني المسلم نظر من انتفاء التبعية شرعاً. ومن تَوَلُّده منه حقيقةً وكونه ولداً لغةً فيَتْبَعُه في الإسلام كما يحرُم نكاحه.

ويُستثنى من المسلمِ مَنْ حُكم بكفره من الفِرَق كالخارجي والناصبي والمُجَسم؛ وإنما ترك استثناءه لخروجه عن الإسلام حقيقةً وإن أطلق عليه ظاهراً.

ويدخل في حكم المسلم الطفل (ولو سقطاً إذا كان له أربعة أشهرٍ). ولو كان دونها لُفَ في خرقة ودُفن بغير غسل.

(بالسدر) أي بماء مصاحبِ لشيء من السدر، أقله ما يُطلق عليه اسمه، وأكثره أن لا يخرج به الماء عن الإطلاق، في الغسلة الأولى؛ (ثمّ) بماء مصاحب لشيء من (الكافور) كذلك، (ثمّ) يُغَسَّل ثالثاً بالماء (القراح) وهو المطلق الخالص من الخليط، بمعنى كونه غير معتبر فيه لا أنّ سلبه عنه معتبر، وإنما المعتبر كونه ماءً مطلقاً.

وكلُّ واحد من هذه الأغسال (كالجنابة) يبدأ بغسل رأسه ورقبته أولاً ثمّ بميامنه

ص: 65


1- قال به العلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 216.
2- لا يجوز لمس عورة الميت في الغسل. لو تعذر الماء لأحد الغسلات بدئ بلأوّل فالأول وييتم للباقي. ويجب كون الغاسل بالغاً، فلا يكفي المميز في الأصح، وعاقلاً، البيان ص 64 ، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زین رحمه الله )
3- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 560: والقاضي في المهذب، ج 1، ص 318
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 31 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

ثمّ مياسِرِه، أو يَعْمِسُه في الماء دفعةً واحدةً عرفيّةً؛ مقترناً في أوّله (بالنيَّة) وظاهرُ العبارة - وهو الذي صرّح به في غيره - الاكتفاء بنيّة واحدة للأغسال الثلاثة(1)، والأجودُ التعدّد بتعدّدها.

ثمّ إن اتَّحد الغاسلُ تَوَلَّى هو النيَّةَ ولا تُجزِئ من غيره، وإن تعدد واشتركوا في الصب نَوَوا جميعاً، ولو كان البعض يصُبُّ والآخَرُ يُقَلِّبُ نوى الصاب؛ لأنه الغاسل حقيقةً واستُحِبَّت من الآخر. واكتفى المصنف في الذكرى بها منه أيضاً(2). ولو تَرَتَّبوا بأن غسل كلُّ واحد منهم بعضاً اعتُبِرتْ من كل واحد عند ابتداء فعله.

(والأولى بميراثه أولى بأحكامه ) بمعنى أنّ الوارث أولى ممّن ليس بوارث وإنْ كان قريباً. ثم إن اتحد الوارث اختَصَّ، وإن تعدد فالذكرُ أولى من الأُنثى، والمكلَّف من غيره، والأب من الولد والجد.

(والزوج أولى) بزوجته (مطلقاً) في جميع أحكام الميت، ولا فرق بين الدائم والمنقطع.

(و تجب المساواة) بين الغاسل والميت (في الرجوليَّة والأنوثيَّة)، فإذا كان الوليُّ مخالفاً للميّت أذن للمُماثل، لا أنّ ولايتَه تَسقُطُ ؛ اذ لا منافاة بين الأولويّة وعدمِ المباشَرَة.

وقَيَّد بالرجولية لئلا يخرُجَ تغسيل كلّ من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين وبنته ؛ لانتفاء وصف الرجوليَّة في المُغَسَّلِ الصغير، ومع ذلك لا يخلو من القصور كما لا يخفى.

وإنّما تُعتبر المماثلة (في غير الزوجين) فيجوز لكلّ منهما تغسيل صاحبه اختياراً، فالزوج بالولاية والزوجة معها أو بإذن الولي. والمشهور أنه من وراء الثياب وإن جاز النظر. ويُغتفَرُ العَصر هنا في الثوب كما يُغتفر في الخرقة الساترة للعورة مطلقاً، إجراءً لهما مُجرى ما لا يمكن عصره. ولا فرق في الزوجة بين الحرَّة والأمة والمدخول بها وغيرها.

ص: 66


1- الرسالة الألفية، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

والمطلَّقهُ رِجعيّةً زوجة بخلاف البائن ولا يقدح انقضاء العدة في جواز التغسيل عندنا، بل لو تَزَوَّجت جاز لها تغسيله وإنْ بَعد الفرض.

وكذا يجوز للرجل تغسيل مملوكته غير المزوَّجة وإنْ كانت أُمَّ ولد، دون المكاتبة وإن كانت مشروطةً، دون العكس لزوال ملكه عنها. نعم لو كانت أُمَّ ولد غير منكوحة لغيره عند الموت جاز.

(ومع التعذّر) للمساوي في الذكورة والأنوثة فالمَحْرَم (1)) - وهو من يحرُم نكاحه مؤيَّداً بنَسَبٍ أو رِضاع أو مصاهرة - يُغَسل مَحْرَمَه الذي يَزِيد سِنُّه عن ثلاث سنين (من وراء الثياب ).

(فإن تعذر) المحرم والممائِلُ (فالكافرُ) يُغَسّل المسلم (والكافرة) تُغسل المسلمة(بتعليم المسلم(2)) على المشهور. والمراد هنا صورة الغُسل ولا يُعتبر فيه النيَّةُ.

ويمكن اعتبار نية الكافر كما يُعتبر نيَّته في العتق ونفاه المحقق في المعتبر(3)؛ لضعف المستند(4) ، وكونه ليس بغسل حقيقي ؛ لعدم النيَّة؛ وعذره واضح.

(ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاث سنين مجرَّدةً وكذا المرأة) يجوز لها تغسيل ابنِ ثلاث مجرَّداً وإنْ وُجِد المماثل ومنتهى تحديد السنّ الموتُ، فلا اعتبار بما بعده وإن طال. وبهذا يمكن وقوع الغسل لولد الثلاث تامَّةً من غير زيادة، فلايَرِدُ ما قيل: إنّه يُعتبر نقصانها ليقع الغسل قبل تمامها (5).

(والشهيد) وهو المسلم ومن بحكمه الميتُ في معركة قتال أمر به النبي أو الإمامُ

ص: 67


1- وقيل: مع فقد الرحم يجوز تغسيل الأجانب من وراء الثياب مغمضين الأعين، ولا بأس به. البيان ص 64. [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
2- الذي لا يمكنه المباشرة، ويعاد [الغسل ] لو وجد البيان ص 64، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله )
3- المعتبر، ج 1، ص 326
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 340، ح 997.
5- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 364.

أو نائبهما الخاص وهو في حزبهما بسببه، أو قُتِل في جهادٍ مأمور به حالَ الغَيبة كما لو دَهَمَ على المسلمين مَنْ يُخاف منه على بَيضة الإسلام، فاضطروا إلى جهادهم بدون الإمام أو نائبه على خلافٍ في هذا القسم(1). سُمّي بذلك؛ لأنه مشهود له بالمغفرة والجنَّة، (لا يُغَسَّلُ ولا يُكَفَّنُ(2) بل يُصَلّى عليه) ويُدفن بثيابه ودِمائِه، ويُنزع عنه الفَرْوُ والجُلودُ كالخُفَّين وإن أصابهما الدم. ومن خرج عمّا ذكرناه يجب تغسيله وتكفينه وإنْ أُطلق عليه اسم الشهيد في بعض الأخبار(3)، كالمطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه والنفساء والمقتول دونَ ماله وأهله من قطاع الطريق وغيرهم.

و تجب إزالة النجاسة) العَرَضيَّةِ (عن بدنه أوّلاً) قبل الشروع في غسله.

(ويُستحبٌ فَتْقُ قميصه) مِن الوارث أو مَن يأذن له (ونزعُه من تحته) ؛ لأنه مظنَّة النجاسة. ويجوز غُسله فيه بل هو أفضل عند الأكثر، ويَظْهرُ بطُهره من غير عصر. وعلى تقدير نزعه تُستر عورته وجوباً به، أو بخرقة وهو أمكن للغسل، إلا أن يكون الغاسلُ غير مبصر، أو واثقاً من نفسه بكفّ البصر فيُستحب استظهاراً.

(وتغسيله على ساجة ) وهي لوح من خَشَبٍ مخصوص والمراد وضعه عليها أو على غيرها مما يُؤَدِّي فائدتها، حفظاً لجسده من التلطَّخ، وَلْيَكُن على مرتفع ومكانُ الرِجلين مُنحَدِراً : (مستقبل القبلة). وفي الدروس: يجب الاستقبال به(4)، ومال إليه في الذكرى (5)، واستقرَبَ عدمه فى البيان(6) ، وهو قوي (7)( وتثليثُ الغَسَلاتِ) بأن يَغسِل كلَّ عضو من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً ثلاثاً في كل غسلة.

ص: 68


1- كالمفيد في المقنعة، ص 84؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 256.
2- ويدفن بثيابه وإن كان الوارث طفلاً وإن كثرت قيمتها (زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167، ح 316 و 318.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 22 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 276 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- البيان، ص 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
7- عبارة «وهو قوي» ليست في «م ، ن».

(وغَسلُ يديه) أي يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثاً مع كل غسلة. وكذا يُستحبّ غسل الغاسل يديه (مع كل غسلة) إلى المرفقين.

(ومسحُ بطنه في) الغسلتين (الأوليين) قبلهما، تحفّظاً من خروج شيء بعد الغسل، لعدم القوّة الماسكة، إلا الحامل التي مات ولدها، فإنّها لا تمسح حذراً من الإجهاض؛ (وتنشيفه) بعد الفراغ من الغسل (بثوب) صوناً للكفن من البَلل.

(وإرسال الماء في غير الكنيفِ ) المُعدّ للنجاسة، والأفضل أن يُجْعَل في حفيرة خاصة به.

(وترك ركوبه) بأن يجعله الغاسل بين رجليه، (وإقعادِه وقَلْمِ ظُفره و ترج ترجیلِ شعره) وهو تسريحه، ولو فعل ذلك دَفَن ما ينفصل من شعره وظفره معه وجوباً.

الحكم الثالث: الكَفْنُ

(والواجب) منه ثلاثة أثوابِ : (مِثْزَرُ) بكسر الميم ثم الهمزة الساكنة، يستر ما بين السُرَّة والركبة، ويُستحبّ أن يَستُر ما بين صدره وقدمه؛ (وقميص) يصل إلى نصف الساق، وإلى القدم أفضل ويجزئ مكانه ثوب ساتر لجميع البدن على الأقوى؛ (وإزارُ) بكسر الهمزة، وهو ثوب شامل لجميع البدن.

ويُستحب زيادته على ذلك طولاً بما يمكن شده من قِبَل رأسه ورجليه، وعَرْضاً بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر. ويُراعى في جنسها القصد بحسب حال الميت، فلا يجب الاقتصارُ على الأدون وإنْ ماكَسَ الوارث أو كان غير مكلَّف. ويُعتبَر في كل واحد منها أن يستر البدن بحيث لا يحكي ما تحته، وكونه من جنس ما يُصلِّي فيه الرجلُ، وأفضله القُطْنُ الأبيض.

وفي الجِلد وجه بالمنع مالَ إليه المصنّف في البيان (1)وقطع به في الذكرى(2) ؛ لعدم

ص: 69


1- البيان، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 289 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

فهمه من إطلاق الثوب(1)، ولنّزعه عن الشهيد وفي الدروس اكتفى بجواز الصلاة فيه للرجل(2)، كما ذكرناه

هذا كله (مع القدرة). أما مع العجز فيُجزئ من العدد ما أمكن ولؤ ثوباً واحداً. وفي الجنس يُجزئ كلُّ مُباح، لكن يُقَدَّم الجِلدُ على الحرير، وهو على غير المأكول من وَبَر وشعر وجلد ثمّ النجس. ويُحتمل تقديمه على الحرير وما بعده، وعلى غير المأكول خاصةً، والمنعُ من غير جلد المأكول مطلقاً.

(وتستحب) أن يزاد للميت (الحِبَرَة) بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة، وهو ثوب يَمَني، وكونُها عِبريَّةً - بكسر العين - نسبة إلى بلد باليمن حمراء. ولو تعذرت الأوصافُ أو بعضها سقطت واقتصر على الباقي ولو لِفَافَةٌ بدلها.

(والعِمَامةُ) للرجل، وقَدْرُها ما يُؤَدِّي هَيئتها المطلوبة شرعاً بأن تشتمل على حَنَكِ وذُؤابتين من الجانبين تُلقيان على صدره على خلاف الجانب الذي خرجتا منه، هذا بحسب الطول، وأمّا العرض، فيُعتبر فيه إطلاق اسمها.

(والخامسة) وهي خرقة طولُها ثلاث أذْرُعٍ ونصف في عرض نصف ذراع إلى ذراع يُنفر بها الميت ذكراً أو أنثى ويَلُقُ بالباقي حقويه وفَخِذيه إلى حيث ينتهي، ثمّ يُدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه. سميت خامسةً» نظراً إلى أنها منتهى عددِ الكفن الواجب وهو الثلاث، والندب وهو الحِبَرةُ والخامسة وأمّا العمامة، فلاتُعَدُّ من أجزاء الكفن اصطلاحاً وإنْ اسْتُحِبَّت.

(وللمرأة القناع) يُستَر به رأسها بدلاً (عن العمامة ) و يزاد عنه (النَّمَطُ) وهو ثوب من صُوف فيه خِطَطٌ تُخالف لونه، شامل لجميع البدن فوق الجميع. وكذا تُزاد عنه خرقةٌ أُخرى تُلَقُ بها ثدياها وتُشَدّ إلى ظهرها على المشهور، ولم يذكرها

ص: 70


1- الكافي، ج 3، ص 211 ، باب القتلى، ح 4.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 27 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

المصنّف هنا ولا في البيان، ولعله لضعف المستند، فإنّه خبر(1) مرسل مقطوع وراويه سهل بن زياد.

(ويجبُ إمساسُ مساجده السبعة بالكافور) وأقله مسمّاه على مسمّاها.

( ويُستحب كونه ثلاثة عشَرَ درهماً وثلثاً) ودونه في الفضل أربعة دراهم، ودونه مثقال وثلتُ، ودونه مثقال؛ (ووضع الفاضل) منه عن المساجد (على صدره) ؛ لأنه مسجد في بعض الأحوال.

(وكتابة اسمه(2)وأنّه يشهد الشهادتين وأسماء الأئمة (عليه السلام)) بالتربة الحسينية ثم بالتراب الأبيض ( على العمامة والقميص والإِزارِ والحِبَرةِ).

(والجريدتين) المعمولتين ( من سَعَف النخل) أو من السدر أو من الخلاف أو من الرمّان (أو) من

(شجرٍ رَطْبٍ) مرتباً في الفضل كما ذكر، يُجعل إحداهما من جانبه الأيمن والأُخرى من الأيسر، (فاليمنى عند التَرْقُوة) واحدة التراقي وهي العظام المكتنِفَةُ لتُغْرةِ النخر بين القميص وبَشَرَته، والأخرى بين القميص والإزار من جانبه الأيسر فوق الترقوة. ولتكونا خَضراوَيُنَ ليُستدفَعَ عنه بهما العذابُ مادامتا كذلك. والمشهور أنّ قَدْرَ كلّ واحدةٍ طول عظم ذراع الميت ثمّ قدرُ شبرٍ ثمّ أربع أصابع. واعلم أنّ الوارد في الخبر من الكتابة ما رُوِيَ أنّ الصادق(عليه السلام) كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل:

«إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله»(3). وزاد الأصحاب الباقي كتابة ومكتوباً عليه ومكتوباً به ؛ للتبرك ، ولأنه خيرٌ محض مع ثبوت أصل الشرعيَّة. وبهذا اختَلَفَت عباراتهم فيما يُكتب عليه من أقطاع الكفن. وعلى ما ذكر لا يختص الحكمُ

ص: 71


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 324، ح 944.
2- ولتكن بتربة الحسين (عليه السلام)، فإن فقدت فبالطين والماء، فإن فقدت فبالإصبع البيان ص 67، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842.

بالمذكور ، بل جميع أقطاع الكفن في ذلك سواء، بل هي أولى من الجريدتين لدخولها في إطلاق النصّ(1) بخلافهما.

(ولْيُخَط) الكفَنُ إن احتاج إلى الخياطة (بخيوطه) مستحباً، (ولا تُبَل بالريق) على المشهور فيهما، ولم نقف فيهما على أثر.

(وتُكرَه الأكمام المبتدأَةُ) للقميص، واحترز به عمّا لو كُفّن في قميصه، فإنّه لا كراهة في كمه، بل تُقطَعُ منه الأزرار (وقطع الكفن بالحديد)، قال الشيخ: سمعناه مذاكرةً من الشيوخ وعليه كان عملهم (2) ؛ (وجعل الكافور في سمعه وبصره على الأشهر) خلافاً للصدوق حيث استَحَبَّه(3)استناداً إلى رواية (4)معارضة بأصح منها وأشهر(5).

(ويُستحبّ اغتسالُ الغاسل قبل تكفينه ) غُسل المس إن أراد هو التكفين،( أو الوضوءُ )الذي يجامع غسل المس للصلاة فينوي فيه الاستباحة أو الرفع أو إيقاع التكفين على الوجه الأكمل، فإنّه من جملة الغايات المتوقفة على الطهارة. ولو اضطُرَّ لخوف على الميت أو تعذَّرت الطهارة غسل يديه من المنكبين ثلاثاً ثمّ كفنه. ولو كفَّنه غيرُ الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهّراً لفحوى اغتسال الغاسل أو وضوئه.

الحكم الرابع : الصلاة عليه

( وتجب) الصلاة ( على ) كلّ (من بلغ) أي أكمل (ستاً ممن له حكم الإسلام) من الأقسام المذكورة في غسله، عدا الفِرقِ المحكوم بكفرها من المسلمين.

ص: 72


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ذيل الحديث 861.
3- الفقيه، ج 1، ص 149 ، ذيل الحديث 416.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307، ح 819
5- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 1.

(وواجبها (1): القيام) مع القدرة، فلو عجز عنه صلّى بحسب المكنة كاليومية. وهل يسقط فرضُ الكفاية عن القادر بصلاة العاجز ؟ نظر : مِن صدق الصلاة الصحيحة عليه، ومِن نَقْصِها مع القدرة على الكاملة، وتوقف في الذكرى(2) لذلك.

(و) استقبال المصلّي (القبلة، وجعل رأس الميّت إلى يمين المصلِّي (3)) مُستلقياً على ظهره بين يديه، إلا أن يكون مأموماً فيكفي كونه بين يدي الإمام ومشاهدته له، وتُغتفر الحيلولة بمأموم مثله، وعدم تباعده عنه بالمعتد به عرفاً. وفي اعتبار ستر عورة المصلي وطهارته من الخبث في ثوبه وبدنه وجهان.

(والنيَّةُ) المشتملة على قصد الفعل وهو الصلاة على الميِّتِ المُتَحدِ أو المتعدّدِ وإِنْ لم يعرفه حتى لو جهل ذكوريَّته وأنوثيَّته جاز تذكيرُ الضمير وتأنيتُه مؤوّلاً بالميت والجنازة، متقرّباً.

وفي اعتبار نيّة الوجه من وجوب وندب كغيرها من العبادات قولان للمصنف في الذكرى(4)، مقارنةً للتكبير مستدامة الحكم إلى آخرها.

(وتكبيرات خمس) إحداها تكبيرة الإحرام في غير المخالف ( يَتَشَهدُ الشهادتين عقيب الأولى، ويُصلِّي على النبي وآله(عليهم السلام) عقيب الثانية)، ويُستحب أن يُضيف إليها الصلاة على باقي الأنبياء

(عليهم السلام) ، (ويدعو للمؤمنين والمؤمنات) بأي دعاء اتفق وإنْ كان المنقولُ أفضل (عقيب الثالثة، و) يدعو (للميِّتِ) المكلَّف المؤمنِ (عقيب الرابعة، وفي المستضعف) وهو الذي لا يعرف الحقَّ ولا يُعاند فيه ولا يُوالي أحداً بعينه

ص: 73


1- أركانها سبعة: القيام والنية والتكبيرات الخمس ولو زاد تكبيرة في الأثناء عامداً لم تبطل، ولو نقص تكبيرة ناسياً بطلت ولو شكّ في العدد بنى على الأقل. (زين رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- وكونه مستلقياً على ظهره، ولو تبيّن أنّ الجنازة مقلوبة أعيدت الصلاة مالم تدفن، ولو دفن بغير غسل أو بغير صلاة أو إلى غير القبلة أو بغير كفن لم ينبش، ولو تبين أن رأسه إلى يسار المصلّي أعيدت الصلاة قبل الدفن ولا تعاد بعده (زین رحمه الله )
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

(بدعائه) وهو «اللهم اغفر للذين تابوا واتَّبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم»(1).

(و) يدعو في الصلاة على (الطفل) المتولد من مؤمنَينِ (لأبويه) أو مِنْ مؤمن له، ولو كانا غير مؤمنين دعا عقيبها بما أحبّ. والظاهر حينئذٍ عدم وجوبه أصلاً. والمراد ب-«الطفل غيرُ البالغ وإن وجبت الصلاة عليه.

(والمنافق) وهو هنا المخالف مطلقاً (2)(يقتصِرُ) في الصلاة عليه (على أربع) ،تکبیراتِ، (ويَلعَنه (3)) عقيب الرابعة وفي وجوبه وجهان، وظاهره هنا وفي البيان الوجوبُ(4) ، وربَّح في الذكرى والدروس عدمه(5).

والأركانُ من هذه الواجبات سبعة أو ستَّة : النيَّة والقيام للقادر والتكبيرات.

(ولا يُشترط فيها الطهارة) من الحدث إجماعاً (ولا التسليم) إجماعاً، بل لا يُشرع بخصوصه إلا مع التقيَّة، فيجب لو توقفت عليه.

(ويُستحبّ إعلام المؤمنين به ) أي بموته ليَتَوَفَّروا على تشييعه وتجهيزه، فيُكتب لهم الأجرُ وله المغفرة بدعائهم، وليُجمع فيه بين وظيفتي التعجيل والإعلام فيُعلِمَ منهم من لا ينافي التعجيل عرفاً، ولو استلزم المُثلةَ حَرُم.

(ومشي المُشَيِّع خلفه أو إلى) أحد (جانبيه)، ويُكره أن يتقدمه لغير تقية، (والتربيعُ) وهو حمله بأربعة رجال من جوانب السرير الأربعة كيف اتفق والأفضل التناوبُ، وأفضله أن يبدأ في الحمل بجانب السرير الأيمن وهو الذي يلي يسار الميت فيَحمِله بكتفه الأيمن ثم ينتقل إلى مؤخَّرِه الأيمن فيَحمِله بالأيمن كذلك، ثم ينتقل إلى

ص: 74


1- الفقيه، ج 1، ص 168، ح 489.
2- في «س»: «وهو غير مؤمن» بدل «وهو هنا المخالف مطلقاً».
3- اللهم العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حرّ نارك وأذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك ذكرى الشيعة ج 1، ص 367، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5( زين رحمه الله )
4- البيان، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 368؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 33 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

مؤخَّرِه الأيسر، فيَحمِله بالكتف الأيسر، ثمّ ينتقل إلى مقدَّمه الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر كذلك.

(والدعاء) حالَ الحمل بقوله: «بسم الله اللهم صلّ على محمد وآل محمد، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات»(1)، وعند مشاهدته بقوله: «الله أكبر، هذا ما وَعَدَنا اللهُ ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد الله الذي تَعَزَّزَ بالقدرة وقَهَر العبادَ بالموت»(2)، «الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم»(3)، وهو الهالك من الناس على غير بصيرة أو مطلقاً إشارة إلى الرضى بالواقع كيف كان، والتفويض إلى الله تعالى بحسب الإمكان.

(والطهارة ولو متيمّماً) مع القدرة على المائيَّة (مع خوف الفوت) وكذا بدونه على المشهور.

(والوقوفُ) أي وقوف الإمام أو المصلي وحده (عند وسطِ الرَّجُل وصدر المرأة على الأشهر)، ومقابل المشهور قولُ الشيخ في الخلاف: إنه يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة(4)، وقولُه في الاستبصار: إنّه عند رأسها وصدره. والخنثى هنا كالمرأة.

(والصلاة في المواضع (المعتادة) لها للتبرك بها بكثرة من صَلَّى فيها؛ ولأنّ السامع بموته يقصدها.

(ورفع اليدين بالتكبير كله على الأقوى)، والأكثر على اختصاصه بالأُولى، وكلاهما مروي (5)ولا منافاة ؛ فإنّ المندوب قد يُترك أحياناً، وبذلك يظهر وجه القوة.

ص: 75


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 454 ، ح 1478.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452، ح 1471.
3- الكافي، ج 3، ص 167، باب القول عند رؤية الجنازة، ح 1 و 2.
4- الخلاف، ج 1، ص 731، المسألة 562.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 194 - 195، ح 445 و 447.

(ومن فاته بعضُ التكبير ) مع الإمام (أَتَمّ الباقي) بعد فراغه (ولاءٌ) مِن غير دُعاءِ (ولو على القبر )على تقدير رفعها ووضعها فيه، وإن بعد الفرض. وقد أطلق المصنّف (1)وجماعةٌ (2)جَوازَ الوِلاء حينئذٍ عملاً بإطلاق النصّ، وفي الذكرى : لو دعا كان جائزاً ... إذ هو نفي وجوب... لا نفي جواز(3). وقيَّده بعضُهم بخوف الفوت على تقدير الدعاء، وإلا وجب ما أمكن منه (4)، وهو أجود.

(ويُصلِّي على من لم يُصَلَّ عليه يوماً وليلةً) على أشهر القولين (5)(أو دائماً) على القول الآخر(6)، وهو الأقوى. والأولى قراءة يصلّى» في الفعلين مبنياً للمعلوم، أي يصلّي من أراد الصلاة على الميت، إذا لم يكن هذا المريد قد صلّى عليه ولو بعد الدفن، المدة المذكورة أو دائماً، سواء كان قد صُلِّي على الميت أم لا؛ هذا هو الذي اختاره المصنّف في المسألة(7). ويمكن قراءته مبنياً للمجهول فيكون الحكمُ مختصاً بميّت لم يُصَلَّ عليه، أمّا من صُلِّي عليه، فلاتُشرع الصلاة عليه بعد دفنه، وهو قول لبعض الأصحاب(8)، جمعاً بين الأخبار(9) ومختارُ المصنف أقوى.

(ولو حضرت جنازة في الأثناء )أي في أثناء الصلاة على جنازة أُخرى (أَتَمَّها ثمّ استَأنَفَ) الصلاةَ

(عليها ) أي على الثانية، وهو الأفضل مع عدم الخوف على الثانية.

ص: 76


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 34 ؛ البيان، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 261؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 357؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 130 ، الرقم 378.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 387 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 432.
5- كالمفيد في المقنعة، ص 231؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 261.
6- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 313، المسألة 200.
7- البيان، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
8- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 313، المسألة 200.
9- راجع تهذيب الأحكام، ج 3، ص 200 - 201، باب الزيادات.

وربما قيل بتعينه إذا كانت الثانية مندوبةً (1)؛ لاختلاف الوجه، وليس بالوجه.

وذهب العلّامة(2)وجماعة من المتقدمين(3)والمتأخرين إلى أنه يَتَخيّر بين قطع الصلاة على الأولى واستئنافها عليهما وبين إكمال الأولى وإفراد الثانية بصلاة ثانية (4)، محتجين برواية علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) في قوم كبَّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووُضِعَت معها أخرى قال (عليه السلام):«إن شاؤوا تركوا الأولى حتّى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة، كل ذلك لا بأس به»(5).

قال المصنف في الذكرى:

والرواية قاصرة عن إفادة المدعى، إذ ظاهرها أن ما بقي من تكبير الأُولى حسوب للجنازتين. فإذا فرغ من تكبير الأولى تخيَّروا بين تركها بحالها حتّى يُكملوا التكبير على الأخيرة، وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأُولى بوجه. هذا مع تحريم قطع الصلاة الواجبة. نعم لو خيف على الجنائز قُطعت الصلاة ثم استأنف عليها، لأنه قطع لضرورة(6).

وإلى ما ذكره أشار هنا بقوله (والحديث) الذي رواه عليّ بن جعفر(عليه السلام) ( يدلّ على احتساب ما بقي من التكبير لهما ثم يأتي بالباقي للثانية، وقد حققناه في الذكرى) بما حكيناه عنها.

ثم استشكل بعد ذلك الحديث ب-« عدم تناول النيَّة أوّلاً للثانية فكيف يُصرَف باقي

ص: 77


1- قال به العلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 271
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 232
3- كالصدوق في الفقيه، ج 1، ص 164 - 165 ، ذيل الحديث 470 ؛ والشيخ في النهاية، ص 146؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1 ص 361.
4- كابن فهد في المهذب البارع، ج 1، ص 430 ؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 251.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 327، ح 1020.
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

التكبير إليها مع توقف العمل على النية ؟ وأجاب بإمكان حمله على إحداث نية من الآن لتشريك باقي التكبير على الجنازتين»(1). وهذا الجواب لا مَعْدِلَ عنه وإنْ لم يُصَرَّح بالنيَّة في الرواية؛ لأنها أمر قلبي يكفي فيها مجرَّد القصد إلى الصلاة على الثانية إلى آخر ما يُعتبر فيها.

وقد حقَّق المصنِّف في مواضع أنّ الصدر الأوّل ما كانوا يتعرَّضون للنيَّة لذلك، وإنما أحدث البحث عنها المتأخرون(2)، فيندفع الاشكال. وقد ظهر من ذلك أن لا دليل على جواز القطع، وبدونه يَتَّجِهُ تحريمه.

وما ذكره المصنّف من «جواز القطع على تقدير الخوف على الجنائز » (3)غير واضح ؛ لأنّ الخوف إن كان على الجميع أو على الأولى فالقطع يَزيدُ الضرر على الأُولى ولا يُزِيله ؛ لانهدام ما قد مَضَى من صلاتها الموجب لزيادة مكتها، وإن كان الخوف على الأخيرة، فلابد لها من المكث مقدار الصلاة عليها وهو يحصل مع التشريك الآن، والاستئناف. نعم يمكن فرضه نادراً بالخوف على الثانية بالنظر إلى تعدد الدعاء مع اختلافهما فيه بحيث يَزيد ما يَتَكَرَّرُ منه على ما مضى من الصلاة.

وحيث يختارُ التشريكَ بينهما فيما بَقِيَ، يَنوِي بقلبه على الثانية ويُكَبِّر تكبيراً مشتركاً بينهما كما لو حضرتا ابتداءً، ويدعو لكلّ واحدة بوظيفتها من الدعاء، مخيَّراً في التقديم إلى أن يُكمل الأولى، ثمّ يُكمل ما بقي من الثانية. ومثله ما لو اقتصر على صلاة واحدة على متعدّد؛ فإنّه يُشَرِّك بينهم فيما يَتَّحد لفظه، ويُراعي في المختلف - كالدعاء لو كان فيهم مؤمن ومجهول ومنافق وطفل - وظيفة كلّ واحد. ومع اتحاد الصنف يراعي تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيته، أو يُذكر مطلقاً مُؤَوَّلاً بالميت أو يُؤَنت مؤوّلاً بالجنازة والأوّل أولى.

ص: 78


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 21 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج(6).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
الحكم الخامس: دفنه

(والواجب مواراته في الأرض )على وجه تُخْرَسُ جُنَّتُه عن السباع وتُكتم رائحته عن الانتشار. واحترز ب-«الأرض» عن وضعه في بناء ونحوه وإن حصل الوصفان؛ (مستقبِلَ القبلة ) بوجهه ومقاديم بدنه

(على جانبه الأيمن) مع الإمكان.

(ويُستحبّ) أن يكون (عمقه) أي الدفنِ مجازاً، أو القبر المعلوم بالمقام (نحو قامة )معتدلة، وأقل الفضل إلى الترقوة.

(ووضع الجنازة) عند قربها من القبر بذراعين أو ثلاث عند رجليه (أوّلاً ، ونقلُ الرَجُل) بعد ذلك (في ثلاث دفعات) حتَّى يَتَأهب للقبر، وإنزاله في الثالثة؛ (والسبقُ برأسه) حالة الإنزال (والمرأةُ) تُوضَع ممّا يلي القبلة وتُنقل دفعةً واحدةً وتُنزَل (عرْضاً). هذا هو المشهور، والأخبار(1) خالية عن الدفعات.

(ونزول الأجنبي) معه لا الرحم وإنْ كان ولداً (إلّا فيها (2)) فإنّ نزول الرحم معها أفضل، والزوج أولى بها منه، ومع تعذرهما فامرأة صالحة ثمّ أجنبي صالح.

(وحَلَّ عُقد الأكفان ) من قِبَل رأسه ورجليه، (ووضع خده ) الأيمن (على التراب) خارج الكفن،

(وجعلُ) شيء من (تربة )الحسين (عليه السلام)(معه) تحت خده، أو في مطلق الكفن أو تِلْقاءَ وجهه، ولا يقدح في مصاحبته لها احتمال وصول نجاسته إليها ؛ لأصالة عدمه مع ظهور طهارته الآن.

(وتلقيتُه) الشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام)واحداً بعد واحدٍ ممّن نَزَل معه إن كان ولياً، وإلا استَأْذَنَه، مُدْنِياً فاه إلى أُذنه، قائلاً له «اسمع» ثلاثاً قبله.

(والدعاء له) بقوله: «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، اللهم عبدك نزل بك

ص: 79


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 316، باب تلقين المحتضرين.
2- لا يجوز أن يلحد المرأة إلا المحرم أو الزوج فإن لم يكن فالنساء فإن لم يكن... لها فالأقرب، فإن لم يكن فالشيخ عند الشهيد فإن لم يكن فالأجانب. (زين رحمه الله)

وأنت خير منزول به، اللهمّ افسح له في قبره وألحقه بنبيه، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا»(1).

( والخروج من ) قِبَل (الرِجلين) لأنه باب القبر وفيه احترام للميت (والإهالة) للتراب من الحاضرين غير الرحم( بظهور الأكفٌ مُستَرجعين(2) ) أي قائلين: «إنا لله وإنا إليه راجعون» حالة الإهالة، يقال: «رجع واسترجع إذا قال ذلك.

(ورفع القبر) عن وجه الأرض مقدار (أربع أصابعَ) مُفَرَّجاتٍ إلى شبر لا أزيد ؛ ليُعرَف فيُزار ويحترم. ولو اختَلَفَت سُطوح الأرض اغتُفِر رفعُه عن أعلاها وتَأَدَّت السنةُ بأدناها.

(وتسطيحه) لا يجعل له في ظهره سَنَمٌ ؛ لأنه من شعار الناصبة وبِدَعِهم المحدثة مع اعترافهم بأنه خلاف السنة مُراغَمةً للفرقة المُحِقَّة (3).

(وصَبُّ الماء عليه من قِبَل رأسه) إلى رجليه (دَوْراً) إلى أن ينتهي إليه (و) يُصبُّ (الفاضل على وسطه)، وَلْيَكن الصابٌ مستقبلاً، (ووضع اليد عليه ) بعد نَضْحِه بالماء، مُؤَثَّرةً في التراب مُفَرَّجةَ الأصابع. وظاهر الأخبار أنّ الحكم مختص بهذه الحالة فلايُستحب تأثيرها بعده. رَوَى زُرارَةُ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا حُتِي عليه التراب وسُوِّيَ قبرُه فَضَعْ كَفَّك على قبره عند رأسه ، وفَرّج أصابعك، واغْمِرُ كفَّك عليه بعد ما يُنصح بالماء»(4)؛ والأصل عدم الاستحباب في غيره. وأما تأثير اليد في غير التراب فليس بسنّة مطلقاً، بل اعتقاده سنةً بدعة.

(مُتَرَحِماً) عليه بما شاء من الألفاظ وأفضله: «اللهم جافِ الأرض عن جنبيه. وأَصْعِد إليك روحه، ولَقٌه منك ،رضواناً، وأسكن قبره من رحمتك ما تُغنيه عن رحمة

ص: 80


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313، ح 908 - 909.
2- قائلون: «إنا لله وإنا إليه راجعون» فقوله: «إنا لله» إقراراً بالعبودية، وقوله: «إنا إليه راجعون» بالعود والرجعة. (زین رحمه الله)
3- المجموع شرح المهذب ، ج 5، ص 23
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 457 ، ح 1490.

من سواك»(1)، وكذا يقوله كلما زاره مستقبلاً.

(وتلقين الولى(2)) أو من يأمره بعد الانصراف بصوت عال إلا مع التقية.

(ويتخيَّر) الملقنُ (في الاستقبال والاستدبار) لعدم ورود معين.

(ويُستحبّ التعزيةُ) لأهل المصيبة، وهي تَفعِلةٌ من العزاء وهو الصبر، ومنه «أَحْسَنَ الله عزاك »أي صبْرَك وسلوك، يُمَدِّ ويُقصَر، والمراد بها الحمل على الصبر والتسلية عن المُصاب بإسناد الأمر إلى حكمة الله تعالى وعدله، وتذكيره بما وعد الله الصابرين وما فَعَله الأكابر من المُصابين، ف-«من عزّى مصاباً فله مثل أجره»(3)، و «من عزّى ثَكلى كُسِيَ بُرْداً في الجنّة»(4).

وهي مشروعة (قبل الدفن) إجماعاً (وبعده) عندنا.

(وكلُّ أحكامه) أي أحكام الميت (من فروض الكفاية) إن كانت واجبة (أو ندبها) إن كانت مندوبة. ومعنى الفرض الكفائي: مخاطبةُ الكلِّ به ابتداءً على وجه يقتضي وقوعه من أيّهم كان، وسقوطه بقيام من فيه الكفاية، فمتى تَلَبَّس به من يُمكنه القيام به سقط عن غيره سقوطاً مُراعى بإكماله، ومتى لم يَتَّفِق ذلك أثم الجميع في التأخّر عنه ،سواء في ذلك الوليّ وغيرُه ممّن عَلِم بموته من المكلفين القادرين عليه.

ص: 81


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 927
2- أو مأذونه بعد الانصراف وهو التلقين الثالث [وقيل: ] يلقن أيضاً عند التكفين البيان [ص 75، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
3- الكافي، ج 3، ص 205، باب ثواب من عزّى حزيناً، ح 927.
4- الجامع الصحيح، ج 3، ص 388، ح 1076.

الفصل الثالث في التيمم

(وشرطُه: عدم الماء) بأن لا يُوجد مع طلبه على الوجه المعتبر؛ أو عدم الوصلة إليه مع كونه موجوداً، إما للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبَرٍ أو مرض أو ضعفِ قوَّةٍ ولم يجد معاوناً ولؤ بأجرة مقدورة، أو لضيق الوقت بحيث لا يُدرك منه معه بعد الطهارةِ رَكعةً، أو لكونه في بئر بعيد القعر يَتَعَذَّر الوصول إليه بدون الآلة وهو عاجز عن تحصيلها ولؤ بعِوَض أو شَقّ ثوبِ نفيس أو إعارة أو لكونه موجوداً في محلّ يخاف من السعي إليه على نَفْسٍ أو طَرَفٍ أو مالٍ محترمة أو بُضْعِ أو عِرْضِ أو ذَهَابِ عقل ولؤ بمجرد الجبن، أو لوجوده بعوض يعجز عن بذله لعُدْمٍ أو حاجةٍ ولؤ في وقتٍ مترقَّبٍ.

ولا فرق في المالِ المخوفِ ذَهابُه والواجب بذله عوضاً - حيث يجب حفظ الأوّل وبذلُ الثاني - بين القليل والكثير، والفارقُ النصّ (1)، لا أنّ الحاصل بالأوّل العِوض على الغاصب وهو مُنقَطع وفي الثاني الثواب وهو دائم ؛ لتحقق الثواب فيهما مع بذلهما اختياراً طلباً للعبادة لو أبيحَ ذلك، بل قد يجتمع في الأوّل العوضُ والثواب، بخلاف الثاني.

(أو الخوف من استعماله) لمرض حاصل يُخاف زيادته أو بُطْؤُه أو عُسْرُ عِلاجه أو متوقع، أو بَرْدِ شديدٍ يَشُقُ تحملُه، أو خوف عطش حاصل أو متوقع في زمان لا يحصل

ص: 82


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 184، ح 528 ، هذا الحديث دال على حفظ المال مطلقاً، وأما حديث بذل المال مطلقاً في ص 406. ح 1276 .

فيه الماء عادةً أو بقرائن الأحوال، لنفس محترمة ولوْ حَيَواناً.

(ويجب طلبه) مع فقده في كل جانب (من الجوانب الأربعة غَلْوَةَ سَهْم) بفتح الغين، وهي مقدار رَمْيَةٍ من الرامي بالآلة معتدلين (في) الأرض (الحَزْنة) بسكون الزاء المعجمة - خلافُ السهلة - وهي المشتملة على نحو الأشجارِ والأحجارِ والعُلُوِّ والهبوطِ المانع من رؤية ما خلْفَه، (و) غَلوة ( سهمين في السهلة). ولو اختلفت في الحُزونة والسهولة تُوَزَّعُ بحسبهما.

وإنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده فيها، فلو علم عدمه مطلقاً أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقاً أو فيه؛ كما أنه لو علم وجودَه في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت.

وتجوز الاستنابه فيه بل قد تجب ولو بأجرة مع القدرة. ويُشترط عدالة النائب إن كانت اختياريَّة وإلا فمع إمكانها، ويُحتسب لهما على التقديرين. ويجب طلب التراب كذلك لو تعذر مع وجوبه.

(ويجب) التيمم (بالتراب الطاهر أو الحجر) لأنه من جملة الأرض(1)إجماعاً والصعيد المأمور به (2) هو وجهها ؛ ولأنه تراب اكتسب رطوبةً لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادَتْه استمساكاً.

ولا فرق بين أنواعه من رُخامٍ وبُرامٍ وغيرهما، خلافاً للشيخ حيث اشترط في جواز استعماله فقدَ التراب(3)؛ أما المنع منه مطلقاً فلا قائل به.

ومن جوازه بالحجر يستفاد جوازه بالخَزَف بطريقٍ أولى ؛ لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب، كما لم يخرج الحجر مع أنه أقوى استمساكاً

ص: 83


1- قال المحقق في المعتبر ج 1، ص 376] الإجماع على أنّ الحجر من جملة الأرض. وقال المفسرون التبيان ج 3، ص 207 : ومجمع البيان، ج 2، ص 51 إن الصعيد هو وجه الأرض، فيدخل الحجر، وفسره بعض أهل اللغة [الصحاح، ج 2، ص 498 «صعد» ]: بالتراب فلا يدخل، ولكن المثبت للزيادة مقدم (منه رحمه الله)
2- النساء (4): 43
3- النهاية: ص 49

منه، خلافاً للمحقق في المعتبر(1) محتجاً بخروجه مع اعترافه بجواز السجود عليه، وما يخرج عنها بالاستحالة يُمنع من السجود عليه وإن كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى غيره.

(لا بالمعادن) كالكُحْل والزرنيخ وتراب الحديد ونحوه، (و) لا (النورة) والجص بعد خروجهما عن اسم الأرض بالإحراق أمّا قبله فلا.

( ويُكرَه) التيمم (بالسَبْخَة) بالتحريكِ فتحاً وكسراً والسكون، وهي الأرضُ المالحة النشاشة على أشهر القولين(2) ما لم يَعْلُها مِلْحٌ يمنع إصابة بعض الكفّ للأرض. فلابد من إزالته (والرمْلِ) لشَبَههما بأرض المعدن؛ ووجه الجواز بقاء اسم الأرض.

(ويُستحب من العوالي) وهي ما ارتفع من الأرض للنص(3)، ولبعدها من النجاسة ؛ لأن المهابط تقصد للحدث، ومنه سمّى «الغائط»؛ لأنّ أصله المنخفض سمّى الحال باسمه ؛ لوقوعه فيه كثيراً.

(والواجب) في التيمم (النيَّة) وهي القصد إلى فعله - وسيأتي بقية ما يُعتبر فيها - مقارنةً لأوّل أفعاله (و) هو الضرب على الأرض بيديه)(4) معاً وهو وضعهما بمسمّى الاعتماد، فلايكفي مسمّى الوضع على الظاهر، خلافاً للمصنف في الذكرى، فإنّه جَعَل الظاهر الاكتفاء بالوضع(5).

ومنشأ الاختلاف تعبير النصوص بكلّ منهما(6)، وكذا عبارات الأصحاب؛ فمن

ص: 84


1- المعتبر، ج 1، ص 375
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 57 : وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 32؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 265، المسألة 198 : وذهب ابن الجنيد إلى المنع، حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1 ص 374
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 187 ، ح 538
4- ولو كان له يد زائدة فحكمه حكم الوضوء فيضرب بالثلاثة ويمسح بالزائدة وأحدهما يتم بهما. ((زين رحمه الله)
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207، ح 600 و 601.

جوزهما جعله دالاً على أن المؤدَّى واحد(1) ، ومن عيَّن الضربَ حَمَل المطلق على المقيَّد(2) .

وإنما يُعتبر اليدان معاً مع الاختيار، فلو تعذرت إحداهما - لقطع أو مرض أو ربط -اقتصر على الميسور ومَسَح الجبهة به وسَقَط مسحُ اليد. ويُحتمل قويّاً مسحها بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين، وليس كذلك لو كانتا نجستين، بل يمسح بهما كذلك مع تعذر التطهير إلا أن تكون متعدِّيةً أو حائلةً، فيجب التجفيف وإزالة الحائل مع الإمكان، فإن تعذر ضَرَبَ بالظهر إن خلا منها وإلا ضرب بالجبهة في الأول، وباليد النجسة في الثاني، كما لو كان عليها جبيرة.

والضربُ (مرّةً للوضوء) أي لتيممه الذي هو بدل منه (فيمسح بهما جبهته من قصاص الشعر إلى طَرَف الأنف الأعلى ) بادئاً بالأعلى كما أشعر به «من» و «إلى» وإِنْ احتُمِل غيرُه.

وهذا القدر من الجبهة متَّفَقٌ عليه، وزاد بعضُهم مسح الحاجبين(3)، ونفى عنه المصنف في الذكرى البأس(4)، وآخرون مسح الجبينين (5)وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين.

وفي الثاني قوَّةُ ؛ لوروده في بعض الأخبار الصحيحة(6)، أما الأوّل فما يتوقف عليه منه من باب المقدَّمة لا إشكال فيه وإلا فلا دليل عليه.

(ثمّ) يَمسَح (ظهر يده اليمنى ببطن اليُسرى من الزند) بفتح الزاي، وهو موصل

ص: 85


1- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 489 - 490
2- كابن حمزة في الوسيلة، ص 71.
3- كالشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 104 ، ذيل الحديث 213.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 490 - 491: والشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 104، ذيل الحديث 213.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 211 - 212، ح 613 - 614.

طَرَف الذراع في الكفّ إلى أطراف الأصابع، ثمّ يمسح ظَهرَ (اليُسرى) ببطن اليُمنى (كذلك) مبتدئاً بالزَنْد إلى الآخر، كما أشعر به كلامه ومرّتين للغُسل إحداهما يَمسح بها جبهته والأخرى يديه.

(ويتيمّم غيرُ الجُنب) ممّن عليه «حدث يوجب الغسل» عند تعذر استعمال الماء مطلقاً (مرتين)، إحداهما بدلاً من الغسل بضربتين، والأُخرى بدلاً من الوضوء بضربة. ولو قدر على الوضوء خاصةً وجب، ويَتَيمَّم عن الغسل كالعكس، مع أنه يصدق عليه أنه محدِثٌ غيرُ جُنب فلابد في إخراجه من قيد وكأنه تركه اعتماداً على ظهوره.

(ويجب في النيَّة) قصدُ(البدليَّة) من الوضوء أو الغسل إن كان التيمم بدلاً عن أحدهما كما هو الغالب. فلو كان تيمّمه لصلاة الجنازة أو للنوم على طهارة أو لخروجه جنباً من أحد المسجدين - على القول باختصاص التيمم بذلك(1)، كما هو أحد قولي المصنِّف (2)- لم يكن بدلاً من أحدهما مع احتمال بقاء العموم بجعله فيها بدلاً اختيارياً.

(و) يجب فيه نيّة (الاستباحة) لمشروط بالطهارة ( والوجه ) من وجوب أو ندب والكلام فيهما كالمائيَّة؛ (والقربة) ولا ريب في اعتبارها في كل عبادة مفتقرة إلى نيّة ليتحقق الإخلاص المأمورُ به في كلِّ عبادة.

(و تجب ) فيه (الموالاة) بمعنى المتابعة بين أفعاله بحيث لا يُعَدُّ مُفَرِّقاً عرفاً وظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوبها. وهل يبطل بالإخلال بها أو يَأتم خاصةً؟ وجهان؛ وعلى القول بمراعاة الضيق فيه مطلقاً (3)يظهر قوة الأوّل، وإلا فالأصل يقتضي الصحة.

(ويُستحبٌ نَفْضُ اليدين ) بعد كل ضربة بنفخ ما عليهما من أثر الصعيد أو مسجهما أو ضرب إحداهما بالأُخرى.

ص: 86


1- قال به المحقق في المعتبر، ج 1، ص 189 ؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 78
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 5 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- يأتي تفصيله عن قريب.

(ولْيَكُن) التيمم ( عند آخر الوقت) بحيث يكون قد بقي منه مقدار فعله مع باقي شرائط الصلاة المفقودة والصلاة تامّة الأفعال علماً أو ظنّاً، ولا يؤثر فيه ظهور الخلاف وجوباً، (مع الطمع في الماء(1) ) ورجاء حصوله ولو بالاحتمال البعيد، (وإلّا استحباباً) على أشهر الأقوال بين المتأخرين(2).

والثاني - وهو الذي اختاره المصنف في الذكرى (3)وادّعى عليه المرتضى(4)، والشيخ الإجماع (5)- مراعاة الضيق مطلقاً والثالث: جوازه مع السعة مطلقاً، وهو قول الصدوق(6).

والأخبار بعضها دالّ على اعتبار الضيق مطلقاً(7)، وبعضها غيرُ منافٍ له، فلا وجه للجمع بينها بالتفصيل. هذا في التيمّمِ المبتدإ، أمّا المُستدام كما لو تيمّم لعبادة عند ضيق وقتها ولؤ بنذر ركعتين في وقت معين يتعذر فيه الماء أو عبادة راجحة بالطهارة ولوْ ذِكْراً - جاز فعلُ غيرها به مع السعة.

(ولو تَمَكَّن من) استعمال (الماء انتقضَ) تيمّمه عن الطهارة التي تمكّن منها، فلو تمكَّن مَنْ عليه غيرُ غسل الجنابة من الوضوء خاصة، انتقض تيمّمه خاصةً، وكذا الغسل.

والحكم بانتقاضه بمجرَّد التمكن مبني على الظاهر، وأمّا انتقاضه مطلقاً، فمشروط بمُضِيّ زمانٍ يسع فعل المائية متمكناً منها؛ فلو طرأ بعد التمكن مانع قبله كشف عن

ص: 87


1- هذا قول ابن الجنيد هنا، فإنّه قال: إن كان التيمم لعذر لا يمكن زواله في الوقت كالمرض والجرح جاز له التيمم، وإن كان لعذر يمكن زواله كغور الماء وفقد الآلة والثمن وجب التأخير إلى آخره. وهو المعتمد (زين رحمه الله)
2- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 239؛ فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 70؛ ابن فهد في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 57
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 167 - 168 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- المسائل الناصريات ص 156 . المسألة 51
5- لم نعثر عليه في كتب الشيخ نعم نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 255، المسألة 191.
6- الهداية. ص 87
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 194 - 195 . ح 562 و 0564

عدم انتقاضه، سواء شرع فيها أم لا كوجوب الصلاة بأول الوقت، والحج للمستطيع بسير القافلة مع اشتراط استقرار الوجوب بمضي زمان يسع الفعل : لاستحالة التكليف بعبادة في وقت لايسعها، مع احتمال انتقاضه مطلقاً، كما يقتضيه ظاهرُ الأخبار وكلامُ الأصحاب.

وحيث كان التمكن من الماء ناقضاً، فإن اتفق قبل دخوله في الصلاة انتقض إجماعاً على الوجه المذكور، وإن وجده بعد الفراغ صحت وانتقض بالنسبة إلى غيرها.

( ولو وجده في أثناء الصلاة)ولو بعد التكبير (أتَمَّها) مطلقاً على الأصح)، عملاً بأشهر الروايات (1)وأرججها سنداً واعتضاداً بالنهي الوارد عن قطع الأعمال(2)، ولا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.

وحيث حُكم بالإتمام فهو للوجوب على تقدير وجوبها، فيحرم قطعها والعدولُ بها إلى النافلة ؛ لأن ذلك مشروط بأسبابٍ مُسَوَّعَةٍ، والحملُ على ناسي الأذان قياس، ولو ضاق الوقت فلا إشكال في التحريم.

وهل ينتقض التيمم بالنسبة إلى غير هذه الصلاة على تقدير عدم التمكن منه بعدها؟ الأقرب العدم؛ لما تقدَّم من أنه مشروط بالتمكّن ولم يحصل، والمانع الشرعي كالعقلي.

ومقابل الأصح أقوال: منها: الرجوع ما لم يركع (3). ومنها: الرجوع ما لم يقرأ(4). ومنها: التفصيل بسعة الوقت و ضيقه(5)، والأخيران لا شاهد لهما، والأوّل مستند إلى رواية (6) معارضة بما هو أقوى منها(7).

ص: 88


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 590
2- محمد الله (47): 33
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 48 .
4- قال به سلار في المراسم، ص 54.
5- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 204، ذيل الحديث 590.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 204، ح 593.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 590.

كتاب الصلاة

اشارة

(وفصوله أحد عشر:)

ص: 89

ص: 90

الفصل الأوّلُ في أعدادها

(والواجب سبع) صلواتٍ: (اليوميَّةُ) الخمس الواقعة في اليوم والليلة ؛ نُسبت إلى اليوم تغليباً أو بناءً على إطلاقه على ما يشمل الليل؛ (والجمعةُ والعِيدان والآيات والطواف والأمواتُ والملتزم بنذر وشبهه).

وهذه الأسماء إما غالباً عرفاً، أو بتقدير حذف المضاف فيما عدا الأُولى، والموصوف فيها. وعدها سبعةً أسد ممّا صَنَع مَن قبله(1) حيث عدوها تسعةً بجعل الآيات ثلاثاً بالكسوفين.

وفي إدخال صلاة الأموات اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعية، وهو الذي صرَّح المصنّف باختياره في الذكرى(2)، ونفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها (3)ولا طهور (4)والحكم بتحليلها بالتسليم(5) يُنافي الحقيقة.

وبَقِيَ من أقسام الصلاة الواجبة صلاة الاحتياط والقضاء، فيمكن دخولهما في «الملتزم» وهو الذي استحسنه المصنّف وفي «اليوميّة» لأنّ الأوّلَ مُكَمِّل لما يُحتمل فَواتُه منها والثاني فعلها في غير وقتها، ودخول الأوّل في «الملتزم»

ص: 91


1- كالمحقق في المعتبر، ج 2، ص 10؛ والعلّامة في تذكره الفقهاء، ج 2، ص 259 المسألة 1.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 30( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 146 - 147، ح 573 - 576.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 49 - 50، ح 144.
5- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر ، ح 2.

والثاني في «اليوميّة»، وله وجه وجيه.

(والمندوب) من الصلاة (لا حصر له)، فإنّ «الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر» (1): (وأفضله الرواتب) اليومية التي هي ضعفها(2)، (فللظهر ثمان) ركعات (قبلها، وللعصر ثمانٍ قبلها، وللمغرب أربع بعدها، وللعشاء ركعتان جالساً) أي الجلوس ثابت فيهما بالأصل لا رخصةً ؛ لأنّ الغرض منهما واحدةٌ ؛ ليكمل بها ضِعفُ الفريضة وهو يحصل بالجلوس فيهما ؛ لأنّ الركعتين من جلوس ثوابهما ركعة من قيام.

(ويجوز قائماً) بل هو أفضل على الأقوى؛ للتصريح به في بعض الأخبار(3)، وعدمِ دَلالة ما دلّ على فعلهما جالساً (4)على أفضليته، بل غايته الدلالة على الجواز، مضافاً إلى ما دلّ على أفضليّة القيام في النافلة مطلقاً(5). ومحلُّهما (بعدها) أي بعد العشاء. والأفضل جعلهما بعد التعقيب وبعد كل صلاة يريد فعلها بعدها.

واختلف كلام المصنف في تقديمهما على نافلة شهر رمضان الواقعة بعد العشاء وتأخيرهما عنها، ففي النفلية قطع بالأوّل(6)، وفي الذكرى بالثاني(7)، وظاهره هنا الأوّلُ نظراً إلى «البعديَّة»؛ وكلاهما حسن.

(وثمانِ) ركعاتٍ صلاة (الليل وركعتا الشفع) بعدها (وركعة الوتر، وركعتا الصبح قبلها).

ص: 92


1- معاني الأخبار، ص 333، باب معنى تحية المسجد .... ح 1.
2- المراد فيه استخدام؛ لأنّ ضمير ضعفها يعود إلى اليومية، والمراد بها الفريضة اليومية. وبالأولى المظهرة النافلة اليومية. (منه رحمه الله )
3- تهذيب الاحكام، ج 2، ص 5. ح 8
4- تهذيب الاحكام، ج 2، ص 4 ، ح 2.
5- الفقيه، ج 1، ص 542 ، ضمن الحديث 1510
6- الرسالة النفلية، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 166 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).

هذا هو المشهور روايةً (1)وفتوى. ورُوي ثلاث وثلاثون»(2) بإسقاط الوُثيرة، و«تسع وعشرون» (3)و «سبع وعشرون»(4)بنقص العصرية أربعاً أو سنّاً مع الوتيرة، وحُمِل على المؤكَّد منها لا على انحصار السنة فيها.

(وفي السفر) والخوف الموجبين للقصر(تَنتَصِف الرباعية وتسقط راتبة المقصورة). ولو قال: راتبتها كان أقصر. فالساقط نصف الراتبة سبع عشرَةَ ركعة.

وهو في غير الوتيرة موضع وفاق وفيها على المشهور، بل قيل: إنّه إجماعي أيضاً(5).

ولكن روى الفضل بن شاذان عن الرضا عدم سقوطها، معللاً بأنها «زيادة في الخمسين تَطَوُّعاً لِيَتِمَّ بها بدل كلِّ ركعةٍ من الفريضة ركعتانِ مِن التطوع» (6)قال المصنف في الذكرى : وهذا قوي لأنه خاص ومعلل إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه(7)، ونبه بالاستثناء على دعوى ابن إدريس الإجماع عليه (8)مع أنّ الشيخ في النهاية صرَّح بعدمه (9): فما قوّاه في محلّه.

(ولكلّ ركعتين من النافلة تشهد وتسليم). هذا هو الأغلب، وقد خرج عنه مواضع ذكر المصنّف منها موضعين بقوله : (وللوتر بانفراده) تشهد وتسليم (ولصلاة الأعرابي) من التشهد والتسليم (ترتيب الظهرين بعد الثنائية) فهي عشر ركعات

ص: 93


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 8، ح 14 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 4. ح 4.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 6. ج 11.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 7، ح 12
5- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1 ، ص 194.
6- الفقيه، ج 1 ، ص 454 - 455. ح 1320.
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
8- السرائر، ج 1، ص 194.
9- النهاية، ص 57

بخمس تشهدات وثلاثِ تسليمات كالصبح والظهرين.

وبقي صلوات أُخَرُ، ذكرها الشيخ في المصباح(1) والسيد رضي الدين بن طاوس في تتماته(2) يُفعَل منها بتسليم واحدٍ أزيد من ركعتين؛ تَرَك المصنّف والجماعةُ استثناءها ؛ لعدم اشتهارها وجهالة طريقها. وصلاة الأعرابي تُوافِقُها في الثاني دون الأول.

ص: 94


1- مصباح المتهجد، ص 107 - 118 .
2- راجع فلاح السائل، ص 244 .

الفصل الثاني في شروطها

اشارة

(1))

(وهي سبعة)

الشرط الأوّل: الوقت

والمراد هنا وقت اليومية، مع أن السبعة شروط المطلق الصلاة غير الأموات في الجملة فيجوز عَودُ ضمير «شروطها» إلى المطلق لكن لا يلائمه تخصيص الوقت باليوميَّة، إلا أن يؤخذ كونُ مطلق الوقت شرطاً، وما بعد ذكره مجملاً من التفصيل حكم آخَرُ لليومية.

ولو عاد ضمير «شروطها» إلى اليوميّة لا يحسن ؛ لعدم المميز مع اشتراك الجميع في الشرائط بقول مطلق، إلّا أنّ عوده إلى اليوميّة أوفق لنظم الشروط بقرينة تفصيل الوقت وعدم اشتراطه للطواف والأموات والملتزم إلا بتكلف وتجوّز، وعدم اشتراط الطهارة من الحدث والخبث في صلاة الأموات وهي إحدى السبعة؛ واختصاص اليومية بالضمير مع اشتراكه لكونها الفردَ الأظهر من بينها والأكمل مع انضمام قرائن لفظيّةٍ بعد ذلك.

(فللظهر) من الوقت (زوال الشمس ) عن وسط السماء ومَيلُها عن دائرة

ص: 95


1- فائدة: واجبات الصلاة باعتبار السببية والشرطية والجزئية أقسام سنّة الأوّل: ما هو سبب محض، وهو الوقت. الثاني: ما هو شرط محض كالطهارة ونحوها. الثالث: ماهو جزء محض كالركوع الرابع: ما هو متردد بين الجزء والشرط في الدخول، وهو النية. الخامس: ما هو متردّد بين الجزء والشرط في الخروج، وهو التسليم. السادس: ما هو متردّد بين السببية والشرطية، وهو التمكن من المطهر(زين رحمه الله)

نصف النهار (المعلومُ بزَيْد الظلّ ) أي زيادته؛ مصدران ل-«زاد الشيء» (بعد نقصه)

وذلك في الظلّ المبسوط وهو الحادث من المقاييس القائمة على سطح الأفق، فإنّ الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص قائمٍ على سطح الأرض بحيث يكون عموداً على سطح الأفق، ظلُّ طويل إلى جهة المغرب، ثم لا يزال ينقص كلَّما ارتفعت الشمس حتى تبلغ وسط السماء فينتهي النقصانُ إن كان عَرْض المكان المنصوب فيه المقياس مخالفاً لميل الشمس في المقدار، ويُعدم الظل أصلاً إن كان بقدره، وذلك في كلّ مكان يكون عرضه مساوياً للميل الأعظم للشمس أو أنقص عند ميلها بقدره وموافقته له في الجهة. ويتفق فى أطول أيام السنة تقريباً في مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )وما قاربها في العرض، وفي مكةَ قبل الانتهاء بستة وعشرين يوماً، ثمّ يَحدُث ظلّ جنوبي إلى تمام الميل وبعده إلى ذلك المقدار، ثمّ يُعدّم يوماً آخر.

والضابط أنّ ما كان عرضه زائداً على الميل الأعظم لا يُعدم الظلُّ فيه أصلاً، بل يَبقَى عند زوال الشمس منه بقيّة تختلف زيادةً ونقصاناً ببُعدِ الشمس من مُسامَتَة رؤوس أهله وقُربها، وما كان عرضه مساوياً للميل يُعدّم فيه يوماً وهو أطول أيام السنة، وما كان عرضه أنقص منه - كمكة وصنعاء - يُعدّم فيه يومين عند مُسامتة الشمس لرؤوس أهله صاعدةً وهابطةً؛ كلّ ذلك مع موافقته له في الجهة كما مرّ، أما الميل الجنوبي فلا يُعدم ظله من ذي العرض مطلقاً؛ لا كما قاله المصنف في الذكرى (1)تبعاً للعلامة من كون ذلك بمكة وصنعاء في أطول أيام السنة» (2) فإنّه من أقبح الفساد. وأوّل من وقع فيه الرافعي من الشافعية(3)، ثمّ قلّده فيه جماعة منا (4)ومنهم من

ص: 96


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 333.
3- فتح العزيز، ضمن المجموع شرح المهذب، ج 3، ص 7.
4- منهم الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 167 - 168؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 12.

غير تحقيق للمحلّ. وقد حرّرنا البحث في شرح الإرشاد(1).

وإنّما لم يَذكر المصنّف هنا حكم حدوثه بعد عدمه ؛ لأنه نادر فاقتصر على العلامة الغالبة. ولو عبَّر ب-«ظهور الظلّ في جانب المشرق كما صنع في الرسالة الألفية(2)، لشمَل القسمين بعبارة وجيزة.

(وللعصر الفراغ منها ولو تقديراً) بتقدير أن لا يكون قد صلاها فإنّ وقت العصر يدخل بمُضِيّ مقدارِ فِعله الظهر بحسب حاله من قضر وتمام وخِفَّةٍ وبُطْءٍ وحصولِ الشرائط وفقدها بحيث لو اشتغل بها لأتتها، لا بمعنى جواز فعل العصر حينئذٍ مطلقاً بل تظهر الفائدة لو صلاها ناسياً قبل الظهر، فإنّها تقع صحيحةً إن وقعت بعد دخول وقتها المذكور، وكذا لو دخل قبل أن يُتِمَّها.

(وتأخيرُها) أي العصر (إلى مصير الظلّ) الحادثِ بعد الزوال (مثله) أي مثل ذي الظلّ وهو المقياس

(أفضلُ) من تقديمها على ذلك الوقت، كما أنّ فعل الظهر قبل هذا المقدار أفضلُ، بل قيل بتعينه(3) ، بخلاف تأخير العصر.

(وللمغرب ذَهابُ الحُمْرة المشرقيّة )وهي الكائنة في جهة المشرق، و حَدُّه قِمَّهُ الرأس.

(وللعشاء الفراغ منها ) ولو تقديراً على نحو ما قرّر للظهر، إلا أنه هنا لو شرع في العشاء تماماً تامةَ الأفعال فلابد من دخول المشترك وهو فيها، فتصح مع النسيان بخلاف العصر.

(وتأخيرُها إلى ذَهاب) الحمرة (المغربيّة أفضلُ) - بل قيل بتعينه(4) - كتقديم المغرب عليه، أمّا الشَّفَقُ الأصفر والأبيضُ ، فلا عبرة بهما عندنا.

ص: 97


1- روض الجنان، ج 2، ص 49 وما بعدها (ضمن الموسوعة، ج 11).
2- الرسالة الألفية، ص 144( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18)
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 257، المسألة 4.
4- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 93

(وللصبح طلوع الفجر) الصادق وهو الثاني المعترضُ في الأفق.

(ويمتد وقت الظهرين إلى الغروب ) اختياراً على أشهر القولين(1): لا بمعنى أن الظهر تُشارك العصر في جميع ذلك الوقت، بل يختص العصر من آخره بمقدار أدائها، كما يختص الظهرُ من أوّله به.

وإطلاق امتداد وقتهما باعتبار كونهما لفظاً واحداً إذا امتَدَّ وقت مجموعه (2)من حيث هو مجموع إلى الغروب لم يُنافِ عدم امتداد بعض أجزائه - وهو الظهر - إلى ذلك. كما إذا قيل : يمتدّ وقت العصر إلى الغروب لا ينافي عدم امتداد بعض أجزائها - وهو أوّلها- إليه.

وحينئذٍ فإطلاق الامتداد على وقتهما بهذا المعنى بطريق الحقيقة لا المجاز ؛ إطلاقاً لحكم بعض الأجزاء على الجميع أو نحو ذلك .

(و) وقتُ (العشاءين إلى نصف الليل ) مع اختصاص العشاء من آخره بمقدار أدائها على نحو ما ذكرناه في الظهرين.

(و) يمتد وقت (الصبح حتى تطلع الشمس ) على أُفق مكان المصلِّي وإن لم تظهر للأبصار.

(و) وقت (نافلة الظهر من الزوال إلى أن يصير الفيء) وهو الظل الحادث بعد الزوال. سمّاه في وقت الفريضة ظلاً وهنا فيئاً وهو أجود ؛ لأنه مأخوذ من «فاءَ» إذا رَجَعَ. مقدار (قدمين) أي سُبعَي قامة المقياس؛ لأنها إذا قُسِمَت سبعة أقسام يقال لكلّ قسم: «قدم»، والأصل فيه أنّ قامة الإنسان غالباً سبعة أقدام(3) بقدمه.

( و للعصر أربعة أقدام). فعلى هذا تُقَدَّم نافلة العصر بعد صلاة الظهر أوّل وقتها أو

ص: 98


1- القول غير الأشهر لابن حمزة في الوسيلة، ص 82.
2- اعتذر المصنف في بعض تحقيقاته عن هذا الاعتراض حين أورد عليه بأن إطلاق الامتداد إلى الغروب مجاز. وما ذكرناه أجود في تحقيق المقام. ومثله القول في امتداد العشاء ين إلى نصف الليل. (منه رحمه الله)
3- الأقدام: هي الأسباع واعتبارها بعد الحكم بالزوال، فهي زائد على القدر الذي زالت الشمس عنه. (زين رحمه الله)

في هذا المقدار، وتُؤَخَّر الفريضة إلى وقتها وهو ما بعد المثل. هذا هو المشهور روايةً(1) وفتوىً.

وفي بعض الأخبار ما يدلّ على امتداد وقتهما بامتداد وقت فضيلة الفريضة(2)، وهو زيادة الظلّ بمقدار مثل الشخص للظهر، ومثلَيْه للعصر؛ وفيه قوة. ويناسبه المنقول من فعل النبي(3)( صلى الله عليه وآله وسلم )والأئمة (عليهم السلام)(4)وغيرهم من السلف من صلاة نافلة العصر قبل الفريضة متصلةً بها، وعلى ما ذكروه من الأقدام لا يجتمعان أصلاً لمن أراد صلاة العصر في وقت الفضيلة، والمروي أنّ النبي( صلى الله عليه وآله وسلم )كان يُتبع الظهر بركعتين من سنَّة العصر، ويُؤَخِّر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر(5)، وربما أتبعها بأربع وست وأَخَّر الباقي. وهو السر في اختلاف المسلمين فى أعداد نافلتيهما ؛ ولكن أهل البيت أَدْرَى بما فيه.

ولو أَخَّر المتقدّمة على الفرض عنه لا لعذر ، نقص الفضلُ وبقيت أداءً ما بَقِيَ وقتها بخلاف المتأخّرة فإنّ وقتها لا يدخل بدون فعله.

(وللمغرب إلى ذَهاب) الحمرة (المغربيّة، وللعشاء كوقتها )فتبقى أداءً إلى أن يَنتصِف الليلُ. وليس في النوافل ما يمتد بامتداد وقت الفريضة على المشهور سواها(6). ( وللّيل بعد نصفه) الأوّل (إلى طلوع الفجر) الثاني.

والشفع والوتر من جملة صلاة الليل هنا، وكذا تُشارِكُها في المزاحمة بعد الفجر لو أدرك من الوقت مقدار أربع، كما يُزاحم بنافلة الظهرين لو أدرك من وقتها ركعةً؛ أما المغربية، فلايُزاحم بها مطلقاً، إلا أن يتلبّس منها بركعتين فيُتِمُّهما مطلقاً.

ص: 99


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19 - 20، ح 55
2- الفقيه، ج 1، ص 217، ح 653.
3- راجع الكافي، ج 3، ص 443، باب الصلاة النوافل، ح 5.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 8 ، ح 14.
5- راجع السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 664 - 665.
6- مقابل الأشهر امتداد وقت جميع النوافل الراتبة بامتداد الفريضة، وبه رواية لكنّها معارضة بما هو أصح منها وأشهر. (منه رحمه الله)

(وللصبح حتى تطلع الحمرة ) من قبل المشرق، وهو آخر وقت فضيلة الفريضة، كالمثل والمثلين للظهرين، والحمرة المغربيَّة للمغرب، وهو يناسب رواية المثل(1) لا القدم.

(وتُكرَه النافلةُ المُبْتَدَأَةُ) وهي التي يُحدِثها المصلي تبرّعاً فإنّ «الصلاة قُربانُ كل تقي»(2) . واحترز بها عن ذات السبب كصلاة ،الطوافِ والإحرام، وتحية المسجد عند دخوله والزيارة عند حصولها، والحاجة، والاستخارة، والشكر، وقضاء النوافل مطلقاً في هذه الأوقاتِ الخمسة المتعلّق اثنان منها بالفعل (بعد صلاتي الصبح )إلى أن تطلع الشمسُ

(والعصر) إلى أن تغرب.

(و) ثلاثة بالزمان (عند طلوع الشمس) أي بعده حتّى ترتفع ويستولي شُعاعُها وتذهب الحمرة، وهنا يتصل وقتُ الكراهتين الفعلي والزماني ؛ (و) عند (غروبها) أي ميلها إلى الغروب واصفرارها حتّى يَكمُل بذهاب الحمرة المشرقية وتجتمع هنا الكراهتان في وقت واحد؛ (و) عند( قيامها) في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار تقريباً إلى أن تزول.

(إلّا يومَ الجمعة(3)) فلاتُكره النافلة فيه عند قيامها ؛ لاستحباب صلاة ركعتين من نافلتها حينئذ. وفي الحقيقة هذا الاستثناء منقطع ؛ لأنّ نافلة الجمعة من ذوات الأسباب، إلا أن يقال بعدم كراهة المبتدأة فيه أيضاً، عملاً بإطلاق النص(4)، باستثنائه.

(ولا تُقدَّم) النافلة (الليلية) على الانتصاف (إلّا لعذر) كتَعَبٍ وبَرْدٍ ورطوبة رأس وجَنابِةٍ ولو اختياريةً يَشُقُ معها الغسل، فيجوز تقديمها حينئذ من أوله بعد العشاء بنية التقديم أو الأداء، ومنها: الشفع والوتر؛

(وقضاؤها أفضل) من تقديمها في صورة جوازه.

ص: 100


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 22، ح 62.
2- الكافي، ج 3، ص 265 ، باب فضل الصلاة، ح 6.
3- الاستثناء راجع إلى قيامها حَسْبُ [ما] ذكره المصنف في كتابي ذكرى الشيعة ، ج 2، ص 284؛ والدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 63 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6 و 9]. (زين رحمه الله)
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 44.

(وأوّل الوقت أفضل) من غيره (إلّا) في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين، ذكر أكثرها المصنّف في النفلية(1)، وحرّرناها مع الباقي في شرحها(2)، وقد ذكر منها هنا ثلاثة مواضع :

(لمن يَتَوَقَّعُ زوالَ عذره )بعد أوّله كفاقد الساتر أو وصفه، والقيام وما بعده من المراتب الراجحة على ما هو به إذا رجا القدرة في آخره، والماء على القول بجواز التيمم مع السعة(3)، ولإزالة النجاسة غير المعفو عنها.

( ولصائم يَتَوَقَّع) غيره (فِطْرَه). ومثله من تاقت نفسه إلى الإفطار بحيث يُنافي الإقبال على الصلاة.

(وللعشاءين) للمُفيض من عرفة (إلى المشعر) وإنْ تَتَلَّتَ الليل.

(و يُعوّل في الوقت على الظنِّ ) المستند إلى وِرْدٍ بصنعةٍ أو درس ونحوهما (مع تعذر العلم ) أمّا مع إمكانه فلايجوز الدخول بدونه.

(فإن) صلى بالظنّ حيث يَتَعَذَّر العلم ثم انكشف وقوعها فى الوقت أو( دخل وهو فيها أجزأ) على أصح القولين(4) ، ( وإن تَقَدَّمَتْ ) عليه بأجمعها (أعاده(5)) وهو موضع وفاقٍ.

الشرط الثاني: القبلة

(وهي) عينُ (الكعبة للمُشاهِدِ) لها (أو حكمه(6) ) وهو من يقدر على التوجه إلى عينها بغير مشفّةٍ كثيرةٍ لا تُتَحَمَّل عادةً ولؤ بالصعود إلى جبل أو سطح؛ (وجهتُها) وهي

ص: 101


1- الرسالة النفلية، ص 176 - 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18
2- الفوائد المليّة، ص 122 (ضمن الموسوعة ، ج 13).
3- تقدّم في ص 88.
4- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 114 : وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 72؛ وذهب إلى البطلان السيّد المرتضى راجع رسائل الشريف، ج 2، ص 350.
5- إذا دخل الوقت ولو قبل التسليم صحت الصلاة، وجاز أن يأتي بالثانية ولو كان في الوقت المختص بالأُولى. (زین رحمه الله )
6- قوله: «أو حكمه كمن بينه وبين الكعبة حائل كالمشاهد وكذا فاقد البصر. (زين رحمه الله)

السمت الذي يُحتمل كونها فيه ويُقطع بعدم خروجها عنه لأمارة شرعيّة (لغيره) أي غير المشاهد ومَن بحكمه.

وليست الجهة للبعيد محصّلةً عين الكعبة وإن كان البعد عن الجسم يوجب اتساع جهة محاذاته ؛ لأنّ ذلك لا يقتضي استقبال العين إذ لو أُخرجت خطوط متوازية من مواقف البعيد المتباعدة المتفقة الجهة على وجه يَزِيد على جزم الكعبة لم تتصل الخطوط أجمعُ بالكعبة ضرورةً وإلا لخرجت عن كونها متوازية. وبهذا يظهر الفرق بين العين والجهة ويترتب عليه بطلان صلاة بعض الصف المستطيل زيادةً عن قدر الكعبة لو اعتُبِر مقابلة العين.

والقول بأنّ البعيد فرضُه الجهة أصح القولين (1)في المسألة، خلافاً للأكثر(2) حيث جعلوا المعتبر للخارج عن الحرم استقباله ، استناداً إلى روايات ضعيفة(3).

ثم إن علم البعيدُ بالجهة بمحراب معصوم أو اعتبارٍ رَصَدي، وإلَّا عَوّل على العلامات المنصوبة لمعرفتها نصاً أو استنباطاً.

(وعلامة) أهل (العراق ومن في سمتهم ) كبعض أهل خراسان ممن يُقاربهم في طول بلدهم (جَعْلُ المغرب على الأيمن والمشرقِ على الأيسر والجَدْيِ(4) ) حال غاية ارتفاعه أو انخفاضه (خَلْفَ المَنكِب الأيمن).

وهذه العلامة ورد بها النص(5) خاصةً علامةً للكوفة وما ناسبها؛ وهي موافقة للقواعد المستنبطة من الهيئة وغيرها، فالعمل بها متعين في أوساط العراق - مضافاً إلى الكوفة - كبغداد والمشهدين والحِلَّة.

ص: 102


1- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 204؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 79. المسألة 24.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 98 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (7) ؛ ومنهم المفيد في المقنعة، ص 95؛ الشيخ في النهاية، ص 62 - 63 وسلّار في المراسم، ص 60.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44، باب القبلة.
4- طالعاً. البيان، ص 111[ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 143

وأمّا العلامة الأُولى، فإن أريد فيها بالمغرب والمشرق الاعتداليان، كما صرح به المصنف فى البيان(1)، أو الجهتان اصطلاحاً وهما المقاطعتان لجهتي الجنوب والشمال بخطين بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم، كانت مخالفةً للثانية كثيراً ؛ لأنّ الجَدْي حالَ استقامته يكون على دائرة نصف النهار المارة بنقطتي الجنوب والشمال، فجعل المشرق والمغرب على الوجه السابق على اليمين واليسار يوجب جعلَ الجَدي بين الكتفين، قضيّةً للتقاطع ؛ فإذا اعتُبِر كون الجدي خلف المنكب الأيمن لزم الانحراف بالوجه عن نقطة الجنوب نحو المغرب كثيراً، فينحرف بواسطته الأيمن عن المغرب نحو الشمال والأيسر عن المشرق نحو الجنوب، فلا يصح جعلهما معاً علامةً لجهة واحدة، إلا أن يُدعَى اغتفار هذا التفاوت وهو بعيد، خصوصاً مع مخالفة العلامة للنص(2) والاعتبار، فهي إمّا فاسدة الوضع أو تختص ببعض جهات العراق وهي أطرافه الغربية كالموصل وما والاها، فإنّ التحقيق أنّ جهتهم نقطة الجنوب، وهي موافقة لما ذكر في العلامة. ولو اعتُبِرَت العلامة المذكورة غير مقيّدة بالاعتدال ولا بالمصطلح بل بالجهتين العرفيتين انتشر الفساد كثيراً بسبب الزيادة فيهما والنقصان المُلْحِق لهما تارةً بعلامة الشام وأُخرى بعلامة العراق وثالثةً بزيادة عنهما؛ وتخصيصهما حينئذ بما يوافق الثانية يوجب سقوط فائدة العلامة. وأمّا أطرافُ العراقِ الشرقيّة كالبصرة وما والاها من بلاد خراسان، فيحتاجون إلى زيادة انحراف نحو المغرب عن أوساطها قليلاً. وعلى هذا القياسُ.

(وللشام) من العلامات (جعْلُه) أي الجَدْي في تلك الحالة (خلف الأيسر).

الظاهرُ من العبارة «كونُ «الأيسر » صفةً للمَنْكِب بقرينة ما قبله، وبهذا صرّح في البيان(3)، فعليه يكون انحراف الشامي عن نقطة الجنوب مشرقاً بقدر انحراف العراقي

ص: 103


1- البيان، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
2- الفقيه، ج 1، ص 280 ، ح 860؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45 ، ح 143
3- البيان، ص 111 في الاستقبال (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

عنها مغرباً. والذي صرّح به غيره(1) ووافقه المصنف في الدروس وغيرها(2) أنّ الشامي يجعل الجَدْي خلف الكتف لا المنكب ، وهذا هو الحق الموافق للقواعد ؛ لأنّ انحراف الشامي أقل من انحراف العراقي المتوسّط، وبالتحرير التام ينقص الشامي عنه جزءين من تسعين جزءاً ممّا بين الجنوب والمشرق أو المغرب.

(و) جعلُ (سهيل) أوّلَ طلوعه وهو بروزه عن الأفق (بين العينين)لا مطلق كونه ولا غاية ارتفاعه ؛ لأنه في غاية الارتفاع يكون مسامتاً للجنوب ؛ لأنّ غاية ارتفاع كلّ كوكب يكون على دائرة نصف النهار المسامِتَةِ له كما سلف.

(وللمغرب)والمراد به بعض المغرب كالحبشة والنوبة لا المغرب المشهور (جعل الثريّا والعَيّوقِ) عند طلوعهما (على يمينه وشماله) الثريا على اليمين والعيوقِ على اليسار. وأمّا المغرب المشهور، فقبلته تَقرَّب من نقطة المشرق، وبعضُها يميل عنه نحو الجنوب يسيراً.

واليمن مقابل الشام ولازم المقابلة أنّ أهل اليمن يجعلون سهيلاً طالعاً بين الكتفين مقابل جعل الشامي له بين العينين، وأنهم يجعلون الجدي محاذياً لأُذُنهم اليُمنى بحيث يكون مقابلاً للمنكب الأيسر فإنّ مقابله يكون إلى مقدّم الأيمن.

وهذا مخالف لما صرح به المصنف في كتبه الثلاثة(3)، وغيره (4)من أن اليمني يجعلُ الجَدْيَ بين العينين وسهيلاً غائباً بين الكتفين، فإنّ ذلك يقتضي كون اليمن مقابلاً للعراق لا للشام.

ومع هذا الاختلاف فالعلامتان مختلفتان أيضاً، فإنّ جَعْل الجدي طالعاً بين العينين يقتضي استقبال نقطة الشمال، وحينئذٍ فتكون نقطة الجنوب بين الكتفين وهي موازية

ص: 104


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 251 في القبلة.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 - 103 ؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 80 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 7 و 9).
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 - 103؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 80 البيان، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
4- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 251 - 252.

لسهيل في غاية ارتفاعه كما مر لا غائباً. ومع هذا فالمقابلة للعراقي لا للشامي.

هذا بحسب ما يتعلّق بعباراتهم، وأمّا الموافق للتحقيق، فهو أنّ المقابل للشام مر اليمن هو صنعاء وما ناسبها، وهي لا تناسب شيئاً من هذه العلامات، وإنّما المناسب لها عدن ،وما والاها فتدبّر.

(و) يجوز أن (يُعوّل على قبلة البلد ) من غير أن يجتهد (إلّا مع علم الخطا) فيجب حينئذ الاجتهاد؛ وكذا يجوز الاجتهاد فيها تَيامُناً وتَياسُراً وإنْ لم يعلم الخطأ. والمراد بقبلة البلد محراب مسجده وتوجه قبوره ونحوه، ولا فرق بين الكبير والصغير. والمراد به بلد المسلمين، فلا عبرة بمحراب المجهولة كقبورها ، كما لا عبرة بنحو القبر والقبرين للمسلمين، ولا بالمحراب المنصوب في طريق قليلة المارّة منهم.

(ولو فَقَد الأمارات) الدالة على الجهةِ المذكورة هنا وغيرها (قلد) العدل العارف بها رجلاً كان أم امرأة، حراً أم عبداً. ولا فرق بين فقدها لمانع من رؤيتها كغَيْم، ورؤيته كعمى، وجهل بها كالعامّي مع ضيق الوقت عن التعلّم على أجود الأقوال(1)، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وللمصنّف(2) وغيره(3) في ذلك اختلاف.

ولو فقد التقليد صلّى إلى أربع جهاتٍ متقاطعةٍ على زوايا قوائم مع الإمكان، فإن عجز اكتفى بالممكن.

والحكم بالأربع حينئذٍ مشهور و مستنده ضعيف(4)، واعتباره حسن ؛ لأن الصلاة كذلك تستلزم إمّا القبلة أو الانحراف عنها بما لا يبلغ اليمين واليسار، وهو موجب للصحة مطلقاً، ويبقى الزائد عن الصلاة الواحدة واجباً من باب المقدّمة؛ لتوقف الصلاة إلى القبلة أو ما في حكمها الواجب عليه كوجوب الصلاة الواحدة في الثياب المتعدّدة

ص: 105


1- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 120.
2- هو قوله في البيان، ص 112 في الاستقبال (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 302، المسألة 49
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45. ح 144.

المشتبهة بالنجس لتحصل الصلاة في واحدٍ طاهرٍ ومثل هذا يجب بدون النص، فيبقى النصّ (1) له شاهداً وإن كان مرسلاً. وذهب السيد رضي الدين بن طاوس(2)هنا إلى العمل بالقرعة، استضعافاً لسند الأربع مع ورودها(3)لكلّ أمر مشتبه وهذا منه؛ وهو نادر.

(ولو انكشف الخطأ) بعد الصلاة بالاجتهاد أو التقليد حيث يُسوّغ، أو ناسياً للمراعاة (لم يُعد ما كان بين اليمين واليسار)أي ما كان دونهما إلى جهة القبلة وإن قل (ويعيد ما كان إليهما) محضاً (في وقته) لا خارجه؛ (والمُستدير) وهو الذي صلّى إلى ما يقابل سمت القبلة الذي تجوز الصلاة إليه اختياراً (يعيد ولو خرج الوقت) على المشهور جمعاً بين الأخبار الدال أكثرها على إطلاق الإعادة في الوقت(4) ، وبعضُها على تخصيصه بالمتيامن والمتياسر(5) ، وإعادة المستدبر مطلقاً .

والأقوى الإعادة في الوقت مطلقاً ؛ لضعف مستند التفصيل الموجب لتقييد الصحيح المتناول بإطلاقه موضع النزاع.

وعلى المشهور كلّ ما خرج عن دَبَّر القبلة إلى أن يَصِلَ إلى اليمين واليسار يُلحق بهما، وما خرج عنهما نحو القبلة يُلحق بها .

الشرط الثالث: ستر العورة

وهي (القُبُل والدبر للرجل (6)) والمراد بالقبل القضيبُ والأُنثيان، وبالدبرِ المَخرَجُ لا الأليان في المشهور ،(وجميع البدن عدا الوجه) وهو ما يجب غسله منه

ص: 106


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 144
2- الأمان من أخطار الأسفار والأزمان، ص 94.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 593.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 47 - 48، ح 151 و 155.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 47 - 48 ، ح 157 .
6- لو كان على سطح ترى عورته من أسفل لم تصح صلاته؛ لعدم الستر. وقال الشافعي: تصح؛ لأن الستر إنّما يلزمه من الجهة التي يعتاد النظر منها والنظر من الأسفل لا يعتاد والمقدمتان ممنوعتان تذكرة الفقهاء [ج 2 ص 462 ذيل المسألة .116]. (زين رحمه الله )

في الوضوء أصالة (والكفَّين) ظاهرهما وباطنهما من الزنْدَين (وظاهر القدمين(1)) دون باطنهما، وحدّهما مفصل الساق، وفي الذكرى والدروس (2)ألحق باطنهما بظاهرهما، وفي البيان استقرب ما هنا(3)، وهو الأحوط (للمرأة).

ويجب ستر شيء من الوجه والكفّ والقدم من باب المقدمة، وكذا في عورة الرجل. والمراد بالمرأةِ الأُنثى البالغةُ ؛ لأنها تأنيث «المرء» وهو الرجل، فتدخل فيها الأمةُ البالغة، وسيأتي جواز كشفها رأسها. (4)ويدخل الشعر فيما يجب ستره، وبه قطع المصنف في كتبه(5)، وفي الألفية(6) جعله أولى.

( ويجب كون الساتر طاهراً) فلو كان نجساً لم تصح الصلاة.

(وعُفِيَ عمّا مرّ) من ثوب صاحب القُروح والجُروح بشرطيه، وما نجس بدون الدرهم من الدم، وعن نَجاسة ثوب (المربية للصبيّ) بل لمطلق الولد وهو مورد النص، فكان التعميم أولى( ذاتِ الثوب الواحد) فلو قَدَرَتْ على غيره ولو بشراء أو استئجارٍ أو استعارةٍ لم يُعْفَ عنه. وألحق بها المربي، وبه الولد المتعدّد.

وتُشترط نَجاسته ببوله ،خاصةً، فلا يُعفى عن غيره، كما لا يُعفى عن نجاسة البدن به.

وإنّما أطلق المصنِّف نجاسةَ المربية من غير أن يُقيّد بالثوب ؛ لأن الكلام في الساتر، وأما التقييد بالبول فهو مورد النص(7)، ولكنّ المصنف أطلق النجاسة في كتبه (8)كلّها.

ص: 107


1- هما ما يجب مسحهما في الوضوء( زين رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 35 الدروس الشرعية ج 1 ، ص 68 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 9).
3- البيان، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- يأتي في ص 109.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 361 : الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 69 ؛ البيان، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6، 1 و 12).
6- الرسالة الألفية، ص 143 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719.
8- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 48 ؛ البيان، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 9.5 و 12).

(ويجب غسله كلَّ يوم مرّةً ) وينبغي كونها آخِرَ النهار لتُصلِّي فيه أربع صلوات متقاربةٍ بطهارةٍ أو نجاسةٍ خفيفةٍ.

(و) كذا عُفِي (عما يَتَعَذَّر إزالته فيُصَلِّي فيه للضرورة) ولا يتعين عليه الصلاة عارياً خلافاً للمشهور.

( والأقرب تخييرالمختار) وهو الذي لا يضطر إلى لبسه لبَرْدٍ وغيره (بينه) أي بين أن يُصلِّي فيه صلاةً تامة الأفعال( وبين الصلاة عاريا فيومئ للركوع والسجود) كغيره من العُراة، قائماً مع أَمْنِ المُطَّلِع، وجالساً مع عدمِه.

والأفضل الصلاة فيه مراعاة للتمامية، وتقديماً لفوات الوصف على قوات أصل الستر. ولولا الإجماع على جواز الصلاة فيه عارياً، بل الشهرة بتعينه لكان القول بتعين الصلاة فيه متوجهاً.

أمّا المضطر إلى لبسه فلا شبهة في وجوب صلاته فيه.

( ويجب كونه) أي الساتر (غير مغصوب (1)) مع العلم بالغصب (وغيرَ جِلدٍ وصُوفِ و شَعْرٍ) ووَبَرٍ (من غير المأكول إلّا الخَزَّ) وهو دابّة ذات أربع تصاد من الماء ذكاتها كذكاة السمك، وهي معتبرة في جلده لا وَبَرِه إجماعاً. (والسنجاب) مع تذكيته ؛ لأنه ذو نفس. قال المصنف في الذكرى :

وقد اشتهر بين التجار والمسافرين أنّه غيرُ مُذَكِّى، ولا عبرة بذلك ؛ حملاً لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب(2).

(وغيرَ مَيْتَة) فيما يَقبَل الحياة كالجلد، أما ما لا يقبلها - كالشعر والصوف - فتصح

ص: 108


1- لو نسي المصلّي الغصب فالأشبه الإعادة؛ لتفريطه بالنسيان. ولا فرق بين أن يكون الثوب هو الساتر أو غيره. بل لو كان معه خاتم أو درهم أو غير ذلك مغصوباً وصلّى فيه لم تصح. وكذا لو كان غاصباً لشيء غير مصاحب له، إلا أنه هنا لو صلّى آخر الوقت صحت بخلاف المصاحب والأقوى صحة الصلاة في المبيع فاسداً مع الجهل بالفساد أو الحكم. أمّا العالم، فالوجه البطلان إن لم يعلم البائع الفساد. ويحتمل الصحة ؛ للإذن، فكذا البحث في الإجارة (زين رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 386 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

الصلاة فيه من ميت إذا أخَذه جزاً، أو غَسَل موضع الاتصال.

(وغير الحريرِ ) المحضِ أو المُمتزج على وجه يُستهلك الخليط لقِلَّته (للرجل والخنثى). واستثني منه ما لا يَتِمُّ الصلاة فيه كالتِكَة والقَلَنْسُوَة وما يُجعَل منه في أطراف الثوب ونحوها مما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة. أما الافتراش له، فلا يُعد لبساً كالتدثر به والتَوَسُّدِ والركوب عليه.

(ويسقط ستر الرأس) وهو الرقبة فما فوقها (عن الأمة المحضة) التي لم ينعتق منها شيءٌ وإن كانت مُدَبَّرةً أو مكاتبَةً مشروطةً أو مُطلَقةٌ لم تُؤَدِّ شيئاً أو أم ولد، ولو انعتق منها شيء فكالحرّة (والصبية) التي لم تبلغ ، فتصح صلاتها تمريناً مكشوفة الرأس. (ولا تجوز الصلاة فيما يستُر ظَهْرَ القدم إلّا مع الساق) بحيث يُغَطّي شيئاً منه فوق المَفْصِل على المشهور. ومستند المنع ضعيف جداً (1)والقول بالجواز قوي متين(2).

(وتُستحبّ ) الصلاة (في) النعل (العربية) للتأسي،( وتركُ السواد(3) عدا العمامة والكِساءِ والخُفّ) فلايُكره الصلاة فيها سُوداً وإن كان البياض أفضل مطلقاً؛ (وترك) الثوب(الرقيق)الذي لا يحكي البدن وإلا لم تصح ؛ (واشتمال الصمّاء) والمشهور أنه الالتحافُ بالإِزار وإدخالُ طَرَفَيه تحت يده وجَمْعُهما على مَنكِبٍ واحد.

(ويُكرَه تركُ التحنُّك) وهو إدارة جزء من العمامة تحتَ الحَنّك (مطلقاً) للإمام وغيره بقرينة القيد في الرداء. ويمكن أن يريد بالإطلاق تَرْكَه في أي حال كان وإنْ لم يكن مصلِّياً ؛ لإطلاق النصوص (4)باستحبابه والتحذير من تركه، كقول الصادق(عليه السلام) : « مَن تَعَمَّمَ ولم يتَحَنَّك فأصابه داءً لا دواء له فلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفسَه»(5)، حتى ذهب الصدوق

ص: 109


1- راجع لتوضيح الضعف مسالك الأفهام، ج 1، ص 165 - 166.
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 126.
3- ويتأكد الكراهية في القلنسوة (زين رحمه الله)
4- الكافي، ج 6، ص 460 ، باب العمائم ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215، ح 847
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215، ح 846

إلى عدم جواز تركه في الصلاة(1).

(وتركُ الرداء) وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يُجعَل على المنكبين ثم يُرَدّ ما على الأيسر على الأيمن (للإمام). أما غيره من المصلِّين فيُستحب له الرداء، ولكن لا يُكره ترکه بل يكون خلاف الأولى. (والنقاب للمرأة واللثام لهما) أي للرجل والمرأة، وإنّما يُكرَهان إذا لم يَمنَعا شيئاً من واجبات القراءة، فإن مَنَعا القراءة حَرُما)، وفي حكمها الأذكار الواجبة.

(وتُكره) الصلاة (فى ثوب المتّهم بالنجاسةِ أو الغصب) في لباسه (و في) الثوب (ذي التماثيل) أعم من كونها مثال حيوان وغيره( أو خاتم فيه صورة) .حيوان. ويمكن أن يريد بها ما يَعُمُّ المثال وغايَرَ بينهما تَفَتُناً، والأوّل أوفق للمغايرة؛ أو قَباءِ مشدودٍ في غير الحرب على المشهور. قال الشيخ ذكره علي بن بابويه وسمعناه من الشيوخ ،مذاكرةً، ولم أجد به خبراً مُسنَداً(2) .

قال المصنف في الذكرى بعد حكاية قول الشيخ: قلت: قد روى العامة أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يُصلِّي أحدُكم وهو مُحَزَّم»(3). وهو كناية عن شد الوسط(4). وظاهر استدراكه لذكر الحديث جَعلُه دليلاً على كراهة القباء المشدود وهو بعيد. ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شدّ الوسط(5) . ويمكن الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية.

الشرط الرابع: المكان

الذي يُصَلّى فيه.

والمراد به هنا ما يشغله من الحَيِّز أو يعتمد عليه ولو بواسطة أو وسائط.

ص: 110


1- الفقيه، ج 1، ص 265 - 266 ، ذيل الحديث 817
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232، ذيل الحديث 913
3- السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 340 ، ح 3295 : النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 479: «نهى أن يصلّي الرجل حتى يحتزم».
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 412 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- البيان، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12) : المبسوط، ج 1، ص 126.

( ويجب كونه غيرمغصوب ) للمصلي ولؤ جاهلاً بحكمه الشرعي(1) أو الوضعي لا بأصله أو ناسياً له أو لأصله على ما يقتضيه إطلاق العبارة. وفي الأخيرين للمصنف قولُ آخَرُ بالصحة (2)وثالث بها في خارج الوقت خاصةً(3). ومثله القول في اللباس.

واحترزنا بكون المصلِّي هو الغاصب عمّا لو كان غيره، فإن الصلاة فيه بإذن المالك صحيحة في المشهور كلّ ذلك مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار كالمحبوس فيه فلا مَنْعَ.

(خالياً من نجاسة متعدّية) إلى المصلي أو محموله الذي يُشترط طهارته على وجه يَمنَع من الصلاة، فلو لم تَتَعَدَّ أو تَعَدَّت على وجه يُعفى عنه كقليل الدم أو إلى ما لا يَتِمّ الصلاة فيه لم يضر؛ (طاهرَ المَسْجَد) - بفتح الجيم - وهو القدر المعتبر منه في السجود مطلقاً.

(والأفضلُ المسجِدُ) لغير المرأة أو مطلقاً، بناءً على إطلاق المسجد على بيتها بالنسبة إليها كما يُنَبِّه عليه. (وتَتَفاوَتُ) المساجد (في الفضيلة) بحسب تفاوتها في ذاتها أو عوارضها ككثير الجماعة، ( فالمسجد الحرام بمائة ألفِ صلاةٍ). ومنه الكعبةُ وزوائده الحادثة وإن كان غيرهما أفضل، فإنّ القدر المشترك بينها فضله بذلك العدد وإنْ اختَصّ الأفضلُ بأمرٍ آخَرَ لا تقدير فيه، كما يختص بعض المساجد المشتركة في وصف بفضيلة زائدة عمّا اشترك فيه مع غيره. (والنبوي) بالمدينة (بعشرة آلاف) صلاة، وحكم زيادته الحادثة كما مرّ.

ص: 111


1- قوله:«ولو جاهلاً بحكمه الشرعي». الحكم الشرعي جنس الأحكام الخمسة المشهورة وهي الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة والحكم الوضعي: هو السبب والشرط والمانع والصحة والبطلان ونحوها. فجاهل حكم الغصب الشرعي هنا هو الجاهل بتحريم استعماله، وجاهل الحكم الوضعي هو الجاهل ببطلان الصلاة فيه، والجاهل بأصله ظاهر ومثله القول في جهل النجاسة بمعانيه. ومن هنا يظهر أن جهل الأصل لا يأتي في جميع الأحكام بخلاف جهل الحكم (منه رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 23 - 24 : البيان، ص 126 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 12).
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

(وكلَّ من مسجد الكوفة والأقصى) سُمِّيَ به بالإضافة إلى بعده عن المسجد الحرام (بألف ) صلاة؛

(و) المسجد (الجامع) في البلد للجمعة أو الجماعةِ وإِنْ تَعَدَّد (بمائة، و) مسجد (القبيلة) كالمحلّة في البلد (بخمس وعشرين، و) مسجد (السوق باثنتي عَشْرَة.

(ومسجد المرأة بيتها ) بمعنى أن صلاتها فيه أفضل من خروجها إلى المسجد أو بمعنى كون صلاتها فيه كالمسجد في الفضيلة فلا تفتقر إلى طلبها بالخروج. وهل هو كمسجدٍ مطلقٍ أو كما تريد الخروج إليه ؛ فيختلف بحسبه؟ الظاهر الثاني.

(ويُستحبّ اتخاذ المساجد استحباباً مؤكّداً) ف-«من بنى مسجداً بَنَى الله له بيتاً في الجنّة».(1)

وزِيدَ في بعض الأخبار «كمَفحص قطاة»(2) وهو كمقعد الموضعُ الذي تَكشِفه القطاةُ وتَلِينُه بجُوجُوْها لِتَبِيضَ فيه والتشبيه به مبالغة في الصغر، بناءً على الاكتفاء برسمه حيث يمكن الانتفاع به في أقل مراتبه وإن لم يُعمَل له حائط ونحوه. قال أبو عُبَيدة الحذاء - راوي الحديث - مربي أبو عبد الله في طريق مكة وقد سَوَّيت أحجاراً لمسجد، فقلت: - جُعِلتُ فِداك - نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ فقال: «نعم»(3).

ويُستحب اتخاذها (مكشوفةً) ولو بعضها للاحتياج إلى السقف في أكثر البلاد لدفع الحَرّ والبَرْد؛

(والمِيضاةِ) وهى المِطْهَرة للحدث والخبث على بابها لا في وسطها على تقدير سبق إعدادها على المسجديَّة وإلا حَرُم فى الخبئية مطلقاً، والحدثية إن أضَرَّت بها ؛(والمنارة مع حائطها) لا في وسطها مع تقدّمها على المسجديّة كذلك وإلا حَرُم. ويمكن شمول كونها مع الحائط استحباب أن لا تعلو عليه، فإنّها إذا فارقته بالعُلُو فقد خرجت عن المعيَّة وهو مكروه.

ص: 112


1- الكافي، ج 3، ص 368 ، باب بناء المساجد .... ح 1.
2- الفقيه، ج 1، ص 235 ، ح 703.
3- الكافي، ج 3، ص 368 ، باب بناء المساجد ... ، ح 1.

وتقديم الداخل إليها (يمينه والخارج) منها (يساره) عكس الخَلاء تشريفاً لليمنى فيهما ؛ (وتعاهُدُ نعله) وما يصحبه مِن عصاً وشبهه، وهو استعلام حاله عند باب المسجد احتياطاً للطهارة. و«التعهد» أفصح من «التعاهد» لأنه يكون بين اثنين والمصنف تبع الرواية(1)؛ (والدعاء فيهما) أي الدخول والخروج بالمنقول وغيره.

(وصلاة التحيّة (2) قبل جلوسه) وأقلها ركعتان وتتكرر بتكرر الدخول ولو عن قُربِ، وتَتَأَدَّى بسنةٍ غيرِها وفريضةٍ وإن لم ينوها معها ؛ لأن المقصود بالتحية أن لا تَنهَتِكَ حرمة المسجد بالجلوس بغير صلاة وقد حصل، وإن كان الأفضلُ عدمَ التداخل .

وتُكره إذا دخل والإمام في مكتوبة، أو الصلاة تُقام، أو قرب إقامتها بحيث لا يفرغ منها قبله. فإن لم يكن متطهراً أو كان له عذر مانع عنها فليذكر الله تعالى.

وتحية المسجد الحرام الطواف، كما أن تحية الحرم الإحرام، ومنى الرمي.

( ويحرُم زَخرَفَتُها) وهو نقشها بالزُّخرُف وهو الذهَب أو مطلق النقش كما اختاره المصنف في الذكرى (3). وفي الدروس أطلق الحكم بكراهة الزخرفة والتصوير، ثم جعل تحريمهما قولاً(4)وفي البيان حرَّم النقش والزخرفة والتصوير بما فيه روح (5)وظاهر الزخرفة هنا النقش بالذهب، فيصير أقوال المصنّف بحسب كتبه، وهو غريب منه.

(و) كذا يحرم (نقشها بالصور) ذوات الأرواح دون غيرها، وهو لازم من تحريم النقش مطلقاً لا من غيره، وهو قرينة أُخْرَى على إرادة الزَخْرَفة بالمعنى الأوّل خاصّة.

ص: 113


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 255، ح 709
2- وإن كان عليه فرض (زین رحمه الله)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 62 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
4- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- البيان، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

وهذا هو الأجود، ولا ريب في تحريم تصوير ذي الروح في غير المساجد ففيها أولى، أمّا

تصویر غیر غيره فلا (وتنجيسُها ) وتنجيسُ آلاتها كفرشها لا مطلق إدخال النجاسة إليها في الأقوى؛ (وإخراجُ الحَصَى منها ) إن كانت فرشاً أو جزءاً منها، أما لو كانت قُمامَةً اسْتُحِبَّ إخراجها، ومثلها التراب.

ومتى أخرجت على وجه التحريم ( فتُعاد) وجوباً إليها أو إلى غيرها من المساجد، حيث يجوز نقل آلاتها إليه وما لها : لغناء الأوّل أو أولوية الثاني.

(ويُكرَه تعليتها ) بل تُبنى وسطاً عرفاً؛ (والبصاقُ فيها (1)) والتَنَخُمُ ونحوه، وكفارته دفنه (ورفع الصوتِ) المتجاوز للمعتاد ولو في قراءة القرآن (وقتلُ القَمْل) فيُدفَن لو فُعِل؛ وبَرْيُ النبل و هو داخل في عمل الصنائع (2)) وخصه لتخصيصه في الخبر فتَتَأكَّد كراهته .

(وتمكين المجانين والصبيان) منها مع عدم الوثوق بطهارتهم، أو كونهم غير ،مميّزين، أما الصبيُّ المميّز الموثوق بطهارته المحافظ على أداء الصلوات فلا يكره تمكينه، بل ينبغي تمرينه كما يُمَرَّن على الصلاة.

(وإنفاذ الأحكام (3)) إما مطلقاً وفعلُ عليّ(علیه السلام) له بمسجد الكوفة خارج(4) أو مخصوص بما فيه جدال وخصومة، أو بالدائم لا ما يتفق نادراً، أو بما يكون الجلوس فيه لأجلها لا بما إذا كان لأجل العبادة فاتفقت الدعوى ؛ لما في إنفاذها حينئذٍ من المسارعة المأمور بها. وعلى أحدها يُحمل فعل عليّ (علیه السلام)، ولعله بالأخير أنسب، إلا أنّ دَكَة القضاء به لا تخلو من مُنافَرة للمَحامِل.

ص: 114


1- إلى مكانها أو مسجد آخر فإنّها تسبح تذكرة الفقهاء ج 2، ص 428 المسألة 95]. (زين رحمه الله)
2- فإن فعل غطاه، قال علي (علیه السلام): «البزاق في المسجد خطيئة، وكفارته دفنه». تذكرة الفقهاء [ ج 2، ص 428، المسألة 95 وراجع الرواية في تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 712: والاستبصار، ج 1، ص 442، ح 1704].( زین رحمه الله )
3- إذا كثر. البيان، ص 133 [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
4- الخلاف، ج 6 ، ص 210 - 211، المسألة 3.

(وتعريف الضوال) إنشاداً ونشداناً(1) ، والجمع بين وظيفتي تعريفها في المجامع وكراهتها في المساجد، فعله خارج الباب؛ (وإنشاد الشعر) لنهي النبي (صلى الله عليه وسلم )عنه وأمره بأن يقال للمُنشِد

«فَضَ الله فاه»(2) ؛ ورُوِيَ نفيُ البأس عنه(3)وهو غير منافٍ للكراهة.

قال المصنف في الذكرى:

ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يَقِلُّ منه وتكثر منفعتُه كبيتِ حكمةٍ أو شاهدٍ على لغة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم )وشبهه ؛ لأنه من المعلوم أنّ النبي(صلى الله عليه وسلم )كان يُنشَد بين يديه البيتُ والأبيات من الشعر في المسجد ولم يُنكر ذلك (4).

وألحق به بعضُ الأصحاب ما كان منه موعظةً أو مدحاً للنبي( صلى الله عليه وآله وسلم )والأئمة (علیهم السلام)أو مرثيةً للحسين(علیه السلام)(5) ونحو ذلك ؛ لأنه عبادةٌ لاتُنافي الغرض المقصود من المساجد وليس ببعيد، ونهي النبي(صلى الله عليه وسلم ) محمول على الغالب من أشعار العرب الخارجة عن هذه الأساليب.

(والكلام فيها بأحاديث الدنيا )للنهي عن ذلك(6)، ومنافاته لوضعها فإنّها وُضعت للعبادة.

(وتكره الصلاة في الحمام )وهو البيت المخصوص الذي يُغتسل فيه لا المَسْلَخُ وغيرُه من بيوته وسطحه. نعم تكره في بيت ناره من جهة النار لا من حيث الحمّام؛ عنه(7) ؛ ولأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً يُبال فيه ولو في إناء(8)، فهذا (وبيوتِ الغائط) للنهي

ص: 115


1- نشد الضالة: طلبها وإنشادها: تعريفها النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 53، «نشد».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 259، ح 725
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 249 ، ح 683.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 63 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- راجع جامع المقاصد، ج 2، ص 151.
6- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، ج 1، ص 69 ، باب العتاب.
7- الكافي، ج 3، ص 391، باب الصلاة في الكعبة .... ح 17.
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377 ، ح 1570.

أولى: (و) بيوت (النار) وهي المُعَدَّة لإضرامها فيها كالأتون والفرن، لا ما وُجِد فيه نار مع عدم إعداده لها كالمسكن إذا أوقدَتْ فيه وإن كثر، (و) بيوتِ (المجوس) للخبر (1)ولعدم انفكاكها عن النجاسة، وتزول الكراهة برشه؛ (والمعطن) بكسر الطاء، واحد المعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء للشرب ومجرى الماء وهو المكان المُعَدُّ لجريانه وإنْ لم يكن فيه ماءُ ؛ والسِبَخة) بفتح الباء واحدة السباخ، وهي الشيء الذي يعلو الأرض كالملح، أو بكسرها وهي الأرض ذاتُ السباخ .

(وقُرَى النمل) جمع قرية وهي مجتمع ترابها حولَ جِحَرَتِها؛ (و) في نفس (الثلج اختياراً) مع تمكّن الأعضاء، أما بدونه، فلا مع الاختيار؛ (وبين المقابر) وإليها ولو قبراً (إلّا)بحائل ولو عَنَزَة ) بالتحريك، وهي العصا في أسفلها حديدة، مركوزةً أو معترِضةً،( أو بعد عشر أَذْرُع)، ولو كانت القبور خلفه أو مع أحد جانبيه فلا كراهة.

(وفي الطريق )سواء كانت مشغولة بالمارّة أم فارغةً إن لم يعطّلها وإلّا حرم؛ (و) في(بيت فيه مجوسي) وإن لم يكن البيت له؛ (وإلى نارٍ مُضْرَمة ) أي مُوقَدة ولو سراجاً أو قنديلاً. وفي الرواية كراهة الصلاة إلى المِجْمَرة (2)من غير اعتبار الإضرام، وهو كذلك، وبه عبر المصنف في غير الكتاب(3).

(أو) إلى (تصاوير) ولؤ في الوِسادة، وتزول الكراهة بسترها بثوب ونحوه (أو مصحف أو باب مفتوحين) سواء في ذلك القارئُ وغيره، نعم يُشترط الإبصار، والحق به التوجه إلى كلّ شاغل من نقش وكتابة ولا بأس به.

(أو وجه إنسان ) فى المشهور فيه وفى الباب المفتوح، ولا نص عليهما ظاهراً، وقد

ص: 116


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377 ، ح 1571.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 225، ح 888 .
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 36: الدروس الشرعية، ج 1، ص 76 ؛ البيان، ص 129 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 7، 9 و 12

يُعلَّل بحصول التشاغل به (أو حائطٍ يَنزُّ من بالوعة ) يُبال فيها، ولو نز بالغائط فأولى. وفي إلحاق غيره من النجاسات وجه؛ (وفي مرابض الدواب ) جمع مريض وهو مأواها ومقرها ولو عند الشرب، (إلّا) مرابض (الغَنَم) فلا بأس بها للرواية معلَّلاً ب-«أنها سكينة وبركة»(1).

(ولا بأس بالبيعة والكنيسة مع عدم النجاسة ) نعم يُستحبّ رَشُ موضع صلاته منها وتَرْكُه حتَّى يَجُفٌ.

وهل يُشترط في جواز دخولها إذن أربابها؟ احتمله المصنف في الذكرى تبعاً لغرض الواقف وعملاً بالقرينة (2)، وفيه قوة. ووجه العدم إطلاق الأخبار بالإذن في الصلاة بها(3).

(ويُكرَه تقدُّمُ المرأة على الرجل أو محاذاتها له )في حالة صلاتهما من دون حائل أو يُعدِ عَشْرِ أذرع

(على) القول (الأصح)(4) . والقول الآخر التحريم وبطلانُ صلاتهما مطلقاً (5)أو مع الاقتران(6)، وإلّا المتأخرة عن تكبيرة الإحرام. ولا فرق بين المَحرَم والأجنبية والمقتدية والمنفردة والصلاة الواجبة والمندوبة.

(ويَزُول) المنعُ كَراهةً وتحريماً (بالحائل) المانع من نظر أحدهما الآخَرَ ولو ظلمةً وفقد بصر في قول(7) ، لا تغميض الصحيح عينيه في الأصح (أو) بُعدِ (عشرةِ أَذْرُع) بين موقفهما .

ص: 117


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 630، ح 4358 .
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 38 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 222، ح 874 - 876.
4- ذهب إليه العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 126، المسألة 67.
5- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 152؛ والشيخ في النهاية، ص 100.
6- قال به الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 28 - 29 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 : وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 1، ص 377.
7- ذهب إليه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 210 ، الرقم 683. 7.

(ولو حاذَى سجودُها قدمه فلا منع)، والمروي في الجواز كونها تصلّي خلفه(1) وظاهره تأخّرُها في جميع الأحوال عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءاً منه، وبه عبر بعض الأصحاب(2)، وهو أجود.

(ويُراعى في مسجد الجبهة) - وهو القدر المعتبر منه في السجود لا محلُّ جميع الجبهة - أن يكون من (الأرض أو نباتها غير المأكول والملبوس عادةً ) بالفعل أو بالقوّة القريبة منه بحيث يكون من جنسه فلا يقدح في المنع توقف المأكول على طَحْن وخَبز وطبخ، والملبوس على غَزل ونسج وغيرها ولو خرج عنه بعد أن كان منه كقشر اللوز ارتفع المنع لخروجه عن الجنسيّة. ولو اعتيد أحدهما في بعض البلاد دون بعض فالأقوى عموم التحريم. نعم لا يقدح النادر كأكل المَخْمَصة والعقاقير المتخذة للدواء من نبات لا يغلب أكله.

(ولا يجوز) السجود( على المعادن)، لخروجها عن اسم الأرض بالاستحالة، ومثلها الرماد وإن كان منها.

وأمّا الخَزَف فيُبنَى على خروجه بالاستحالة عنها، فمَن حَكَم بطهره لزمه القول بالمنع من السجود عليه للاتفاق على المنع ممّا خرج عنها بالاستحالة وتعليل من حكم بطهره بها. لكن لما كان القول بالاستحالة بذلك ضعيفاً (3) كان جواز السجود عليه قوياً.

(ويجوز) السجود (على القرطاس) في الجملة إجماعاً؛ للنصّ الصحيح الدال عليه(4)، وبه خرج عن أصله المقتضي لعدم جواز السجود عليه ؛ لأنه مركب من جزءين لا يصح السجود عليهما وهما الثورة وما مازَجَها من القطن والكتان وغيرهما، فلا مجال

ص: 118


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232 ، ح 911
2- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 69 .
3- قال به المحقق في المعتبر، ج 1، ص 375
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 309 ، ح 1250 .

للتوقف فيه في الجملة. والمصنف هنا خصه بالقرطاس (المتَّخَذِ من النبات(1)) كالقطن والكتان والقنّب فلو أتَّخِذ من الحرير لم يصح السجود عليه.

وهذا إنّما يُبنى على القول باشتراط كون هذه الأشياء مما لا يُلبس بالفعل حتى يكون المتَّخَذُ منها غير ممنوع، أو كونه غير مغزول أصلاً إن جوزناه فيما دون المغزول وكلاهما ممّا(2) لا يقول به المصنّف؛ وأما إخراج الحرير ، فظاهر على هذا ؛ لأنه لا يصح السجود عليه بحال.

وهذا الشرط على تقدير جواز السجود على هذه الأشياء ليس بواضح ؛ لأنه تقييد المطلق النص(3) أو تخصيص لعامه من غير فائدة؛ لأن ذلك لا يُزيله عن حكم مخالفة الأصل. فإنّ أجزاء النُورةِ المُنْبَتَّةَ فيه - بحيث لا يتميّز من جوهر الخليط جزء يتم عليه السجود كافية في المنع، فلا يفيده ما يخالطها من الأجزاء التي يصح السجود عليها منفردة.

وفي الذكرى جوز السجود عليه إن اتَّخذ من القنّب واستظهر المنع من المتخذ من الحرير، وبنى المتخذ من القطن والكتان على جواز السجود عليهما(4).

ويُشكل تجويزه القنّبَ على أصله؛ لحكمه فيها بكونه ملبوساً في بعض البلاد(5)، وأنّ ذلك يوجب عموم التحريم.

وقال فيها أيضاً:

في النفس من القرطاس شيء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة - عن اسم الأرض بالإحراق قال - إلّا أن نقول: الغالب جوهر القرطاس أو نقول: جمود النورة يَرُدّ إليها اسم الأرض(6).

ص: 119


1- غير المتخذ من القطن والكتان (زين رحمه الله )
2- أثبتناه من نسخة «خ».
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 234، ح 924.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 3 - 84 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 83 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وهذا الإيراد متجة لولا خروج القرطاس بالنص الصحيح (1)وعمل الأصحاب. وما دَفَع به الإشكال غيرُ ،واضح، فإنّ أغلبية المسوّغ لا يكفي مع امتزاجه بغيره وانبثاتِ أجزائهما بحيث لا يَتَمَيَّز، وكونَ جمود النورة يَرُدّ إليها اسم الأرض في غاية الضعف.

وعلى قوله (رحمه الله): لو شُكٍّ في جنس المتخذ منه - كما هو الأغلب - لم يصح السجود عليه للشكّ في حصول شرط الصحة، وبهذا ينسد باب السجود عليه غالباً، وهو غير مسموع في مقابل النص وعمل الأصحاب.

(ويُكرَه) السجود على (المكتوب) منه مع ملاقاة الجبهة لما يقع عليه اسم السجود خالياً من الكتابة. وبعضُهم لم يعتبر ذلك(2)، بناءً على كون المداد عَرَضاً لا يحول بين الجبهة وجوهر القرطاس، وضعفه ظاهر.

الشرط الخامس: طهارة البدن من الحدث والخبث

(وقد سبق )بيان حكمهما مفصلاً(3).

الشرط السادس: ترك الكلام في أثناء الصلاة

وهو على ما اختاره المصنّف(4) والجماعة (5)ما تَرَكَّبَ من حرفين فصاعداً وإن لم يكن كلاماً لغة ولا اصطلاحاً. وفي حكمه الحرف الواحد المفيد كالأمر من الأفعال المعتلة الطرفين مثل «ق» من الوقاية و«ع» من الوعاية؛ لاشتماله على مقصود الكلام وإن

ص: 120


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 309. ح 1250.
2- راجع مفتاح الكرامة، ج 6، ص 358 - 359.
3- سبق في أحكام النجاسات وأحكام الطهارات الثلاث، ص 30 وما بعدها.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 107 ؛ البیان، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
5- منهم الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 407 المسألة 155؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 82؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 81

أخطأ بحذف هاء السكت. وحرفُ المد، لاشتماله على حرفين فصاعداً.

ويُشكل بأن النصوص خالية عن هذا الإطلاق(1)، فلا أقل من أن يُرجع فيه إلى الكلام لغةً أواصطلاحاً، وحرف المد وإن طال مده بحيث يكون بقدر أحرف لا يَخرُج عن كونه حرفاً واحداً في نفسه، فإنّ المد - على ما حققوه - ليس بحرف ولا حركة(2)، وإنّما هو زيادة في مط الحرف والنَفَسِ به ، وذلك لا يُلْحِقُه بالكلام.

والعجب أنهم جزموا بالحكم الأوّل مطلقاً، وتوقفوا في الحرف المُفهم(3) من حيث كون المبطل الحرفين فصاعداً مع أنه كلام لغة واصطلاحاً.

وفي اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنى وجهان، وقطع المصنف بعدم اعتباره (4). وتظهر الفائدة في الحرفين الحادثين من التَنَحْنُح ونحوه. وقطع العلّامة بكونهما حينئذٍ غير مبطلين، مُحتَجّاً بأنهما ليسا من جنس الكلام(5)، وهو حسن.

واعلم أنّ في جعل هذه التروك من الشرائط تجوّزاً ظاهراً، فإنّ الشرط يُعتبر كونه متقدماً على المشروط ومقارناً له، والأمر هنا ليس كذلك.

(و) تركُ (الفعل الكثير عادةً ) وهو ما يخرُج به فاعله عن كونه مصلّياً عرفاً. ولا عبرة بالعدد، فقد يكون الكثيرُ فيه قليلاً كحركة الأصابع، والقليل فيه كثيراً كالوثبة الفاحشة ويُعتبر فيه التوالي، فلو تفرق بحيث حصلت الكثرة في جميع الصلاة ولم يتحقق الوصف في المجتمع منها لم يضر.

ومن هنا كان النبي (صلى الله عليه وسلم )يَحمِل أُمامة وهي ابنة ابنته ويضعها كلَّما سجد ثمّ يحملها إذا قام(6).

ص: 121


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 200، ج 783، وص 330 ، ح 1356 .
2- راجع جواهر الكلام، ج 11، ص 78؛ مفتاح الكرامة، ج 8، ص 25 - 26 .
3- راجع المعتبر، ج 2، ص 253 - 254: غنية النزوع، ج 1، ص 82 تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 274 ، المسألة 319
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 394؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 107( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 516.
6- سنن النسائي، ج 3، ص 11، ح 1200.

ولا يقدح القليل، كلبس العمامة والرداء ومسح الجبهة، وقتل الحية والعقرب وهما منصوصان(1) .

(وترك السكوت الطويل) المُخرج عن كونه مصلياً (عادة)، ولو خرج به عن كونه قارئاً بطلت القراءة خاصةً.

(وتركُ البكاء) بالمد - وهو ما اشتمل منه على صوتٍ لا مجرَّدُ خروج الدمع، مع احتماله ؛ لأنه البكا مقصوراً، والشكّ في كون الوارد منه في النص(2)مقصوراً أو ممدوداً، وأصالة عدم المدّ معارض بأصالة صحة الصلاة، فيَبْقَى الشكُ في عروض المبطل مقتضياً لبقاء حكم الصحة. وإنّما يُشترط ترك البكاء (الأمور الدنيا (3)) كذَهاب مال وفَقْدِ محبوب وإن وقع على وجه قهري في وجه واحتَرَز بها عن الآخرة فإنّ البكاء له- كذكر الجنّة والنار ودرجات المقربين إلى حضرته ودركاتِ المُبَرَّدين عن رحمته من أفضل الأعمال. ولو خرج منه حينئذٍ حرفان فكما سلف.

(وتركُ القهقهة) وهى الضحك المشتمل على الصوت وإن لم يكن فيه ترجيع ولا شِدّةٌ. ويكفي فيها وفي البكاء مسمّاهما فَمِن ثَمَّةَ أطلق. ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه ففيه وجهان واستقرب المصنّف في الذكرى البطلان(4) (والتطبيق) وهو وضع إحدى الراحتين على الأخرى راكعاً بين رُكْبَتَيه ؛ لِما رُوي من النهي عنه(5)، والمستند

ص: 122


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 330، ح 1357 - 1358.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1295.
3- البكاء لأمور ور الدنيا يبطل الصلاة وإن لم ينطق بحرفين عند علمائنا، وبه قال أبو حنيفة. أما البكاء خوفاً من الله وخشية من عقابه، فإنّه غير مبطل للصلاة وإن نطق فيه بحرفين : لقوله تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَنتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) (مريم (19): 58] وسئل الصادق عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال: «إن كان لذكر جنّة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة، فإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة». تذكرة الفقهاء (ج 3 ص 286 - 287، المسألة 326؛ وراجع الرواية في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1295؛ والاستبصار، ج 1، ص 408 ، ح 1558]. (زین رحمه الله)
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 283 ، ح 783

ضعيف، والمنافاة به من حيث الفعل منتفية، فالقول بالجواز أقوى، وعليه المصنف في الذكرى(1)، (والكتف(2)) وهو وضع إحدى اليدين على الأُخرى بحائل وغيره فوقَ السُرَّة وتحتها بالكفّ عليه وعلى الزند؛ لإطلاق النهي عن التكفير(3)الشامل لجميع ذلك. (إلّا لتقيّة) فيجوز منه ما تأدّت به، بل يجب - وإن كان عندهم سنّة - مع ظنّ الضرر بتركها لكن لا تبطل الصلاة بتركها حينئذ لو خالف؛ لتعلّق النهي بأمر خارج، بخلاف المخالفة في غسل الوضوء بالمسح.

والالتفات إلى ما وراءه إن كان ببدنه أجمع، وكذا بوجهه عند المصنف(4) ، وإن كان الفرض بعيداً. أمّا إلى دون ذلك - كاليمين واليسار - فيُكرَه ،بالوجه ويبطل بالبدن عمداً من حيث الانحراف عن القبلة.

(والأكل والشرب) وإن كان قليلاً كاللقمة إما لمنافاتهما وضع الصلاة، أو لأنّ تناول المأكول والمشروب ووضعه في الفم وازدراده أفعال كثيرة. وكلاهما ضعيف، إذ لا دليل على أصل المنافاة، فالأقوى اعتبار الكثرة فيهما عرفاً، فيرجعان إلى الفعل الكثير وهو اختيار المصنّف في كتبه الثلاثة(5)( إلّا في الوَثر لمريد الصوم ) وهو عطشان (فيَشرَب) إذا لم يَستدع مُنافياً غيرَه وخاف فَجْأَة الصبح قبل إكمال غرضه منه. ولا فرق فيه بين الواجب والندب.

واعلم أنّ هذه المذكوراتِ أجمع إنما تنافي الصلاة مع تعمدها عند المصنف مطلقاً(6). وبعضُها إجماعاً. وإنّما لم يُقيّد هنا اكتفاءً باشتراطه تركها فإن ذلك يقتضي التكليف به المتوقف على الذكر ؛ لأنّ الناسي غير مكلف ابتداءً. ..

ص: 123


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 296 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7. ).
2- كذا في النسخ إلا في النسخة المصححة للكلانتر: «التكتف» وهو الصحيح.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84، ح 310
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 399 - 400 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 389؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 107 ؛ البیان، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
6- الرسالة الألفية، ص 152 - 153 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18)

نَعَم الفعلُ الكثير ربما توقف المصنّف في تقييده بالعمد ؛ لأنه أطلقه في البيان(1)، ونسب التقييد في الذكرى إلى الأصحاب(2)، وفي الدروس إلى المشهور(3)، وفي الرسالة الألفية جعله من قسم المنافي مطلقاً(4). ولا يخلو إطلاقه هنا من دلالة على القيد، إلحاقاً له بالباقي. نعم لو استلزم الفعلُ الكثير ناسياً انمحاءَ صورة الصلاة رأساً تَوَجَّه البطلان أيضاً، لكنّ الأصحاب أطلقوا الحكم.

الشرط السابع: الإسلام

(فلا تصح العبادة) مطلقاً ، فتدخل الصلاة (من الكافر) مطلقاً وإنْ كان مرتدّاً ملّيّاً أو فطرياً، (وإن وجبت عليه) كما هو قول الأكثر ؛ خلافاً لأبي حنيفة (5)حيث زعم أنه غيرُ مكلف بالفروع فلا يعاقب على تركها، وتحقيق المسألة في الأصول(6)، و(التمييز) بأن تكون له قوّةً يُمْكِنُه بها معرفهُ أفعال الصلاة ليميز الشرط من الفعل ويقصد بسببه فعل العبادة ؛ (فلا تصح من المجنون والمُغْمى عليه )و الصبي (غير المميز لأفعالها) بحيث يَفرُق بين ما هو شرط فيها وغير شرط، وما هو واجب وغير واجب إذا نبه عليه.

(ويُمَرَّن الصبيُّ) على الصلاة (لِسِتٍ)، وفي البيان لسبع(7) وكلاهما مروي. ويُضرب عليها لتسع، ورُوي لعشر(8). ويتخيَّر بين نية الوجوب والندب. والمراد بالتمرين التعويد على أفعال المكلفين ليعتادها قبل البلوغ فلايشق عليه بعده.

ص: 124


1- البيان، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 390 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 107 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- الرسالة الألفية، ص 152( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
5- راجع بدائع الصنائع، ج 2، ص 5 - 6.
6- معارج الأصول، ص 76 : أصول السرخسي، ج 1، ص 73 - 76.
7- البيان، ص 253 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 381، ح 1590.

الفصل الثالث في كيفية الصلاة

( ويُستحَبٌ) قبل الشروع في الصلاة (الأذان والإقامة). وإنما جعلهما من الكيفية خلافاً للمشهور للمشهور مِن جعلهما من المقدّمات، نظراً إلى مقارنة الإقامة لها غالباً لبطلانها بالكلام ونحوه بينها وبين الصلاة، وكونها أحد الجزءين فكانا كالجزء المقارن، كما دخلت النية فيها مع أنها خارجة عنها متقدّمة عليها على التحقيق.

وكيفيتهما (بأن يَنوِيَهما )أوّلاً لأنهما ،عبادة فيَفتَقِر في الثواب عليها إلى النية، إلا ما شد. (ويُكبر أربعاً في أوّل الأذان ثمّ التشهدان) بالتوحيد والرسالة (ثمّ الحَيَّعَلاتُ الثلاثُ ثمّ التكبير ثمّ التهليل مَثْنى) مَثْنى. فهذه ثمانية عشَرَ فصلاً.

( والإقامةُ مَثْنى) في جميع فصولها وهي فصول الأذان إلا ما يُخرِجه (ويَزيد بعد «حيَّ على خير العمل» «قد قامت الصلاة» مرّتين، ويُهَلِّل في آخرها مرّةً ) واحدةً. ففصولها سبعةَ عشرَ تَنقُص عن الأذان ثلاثة ويزيد اثنين فهذه جملة الفصول المنقولة شرعاً.

(ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه ) الفصول (في الأذان والإقامة، كالتشهد بالولاية) لعلى(وأنّ محمداً وآله خيرُ البريّة) أو خير البشر (وإن كان الواقع كذلك). فما كلُّ واقع حقاً يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعاً، المحدودة من الله تعالى، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعاً، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهداً ونحو ذلك من العبادات، وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول

الأذان.

ص: 125

قال الصدوق: إنّ إدخال ذلك فيه من وضع المفوضة(1). وهم طائفة من الغُلاة. ولو فَعَل هذه الزيادة أو أحدها بنيّة أنّه منه أثم في اعتقاده ولا يبطل الأذان بفعله، وبدون اعتقاد ذلك لا حرج. وفي المبسوط أطلق عدم الإثم به(2)، ومثله المصنّف في البيان(3).

(واستحبابهما) ثابت (في الخمس ) اليومية خاصةً دون غيرها من الصلوات وإنْ كانت واجبة، بل يقول المؤذن للواجب منها: «الصلاة» ثلاثاً بنصب الأوّلين أو رفعهما أو بالتفريق (أداءً وقضاء للمنفرد والجامع).

(وقيل) والقائل به المرتضى والشيخان: (يجبان في الجماعة)(4) ، لا بمعنى اشتراطهما في الصحة، بل في ثواب الجماعة على ما صرّح به الشيخ في المبسوط(5) ، وكذا فسّره به المصنف في الدروس (6)عنهم مطلقاً.

(ويَتَأَكَّدان في الجهرية وخصوصاً الغَداة والمغرب(7)) ، بل أوجبهما فيهما (8)الحسنُ (9)مطلقاً ؛ والمرتضى فيهما على الرجال، وأضاف إليهما الجمعة(10)، ومثله ابن الجنيد(11)، وأضاف الأوّلُ الإقامة مطلقاً ؛ والثاني هي على الرجال مطلقاً.

ص: 126


1- الفقيه، ج 1، ص 290 - 289 ، ذيل الحديث 897
2- المبسوط، ج 1، ص 148.
3- البيان، ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 29؛ المقنعة، ص 97 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 142.
5- تقدم آنفاً.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 86 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- لأنهما لا يقصران، فلا يقصر مندوبهما. (زین رحمه الله)
8- الإطلاق الأولى لمذهب الحسن بالنسبة إلى الرجال والنساء، وقرينته تقييد المرتضى بعده. والثانية وهي قوله: وأضاف الأول الإقامة مطلقاً بالنسبة إلى جميع الخمس بمعنى أنه أوجب الإقامة في الخمس دون الأذان مضافاً إلى ما أوجبه فيما سبق. والإطلاق الثالثة للمرتضى كذلك في الخمس : لكنه خص الوجوب بالرجال. (منه رحمه الله)
9- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 136 ، المسألة 72.
10- جمل العلم والعمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 29
11- نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 135، المسألة 72.

(ويُستَحبّان للنساء سراً)، ويجوزان جهراً إذا لم يسمع الأجانب من الرجال؛ ويُعتدّ بأذانهن لغيرهن.

(ولو نَسِيَهما) المصلّي ولم يذكر حتى افتتح الصلاةَ (تَدارَ كهما ما لم يَركَع) في الأصح. وقيل: يرجع العامد دون الناسي(1) ؛ ويرجع أيضاً للإقامة لو نسيها لا للأذان وحده.

(ويَسقُطان عن الجماعة الثانية) إذا حضرت لتصلي في مكان فوجدت جماعةً أُخرى قد أَذْنَتْ وأقامت وأتمت الصلاة، (ما لم تتفرّق الأولى(2)) بأن يبقى منها ولو واحداً معقباً، فلو لم يَبْقَ منها أحدٌ كذلك وإن لم تتفرّق بالأبدان لم يسقطا عن الثانية. وكذا يسقطان عن المنفرد بطريق أولى. ولو كان السابق منفرداً لم يسقطا عن الثانية مطلقاً.

ويُشترط اتحاد الصلاتين أو الوقت والمكان عرفاً.

وفي اشتراط كونه مسجداً وجهان ؛ وظاهر الإطلاق عدم الاشتراط، وهو الذي اختاره المصنف في الذكرى(3) .

ويظهر من فحوى الأخبار أنّ الحكمة فى ذلك مراعاة جانب الإمام السابق في عدم تصوير الثانية بصورة الجماعة ومزاياها(4).

ولا يُشترط العلم بأذان الأولى وإقامتها ؛ بل عدم العلم بإهمالها لهما، مع احتمال السقوط عن الثانية مطلقاً ؛ عملاً بإطلاق النص ومراعاة الحكمة.

(ويسقط الأذان في عصري عرفة) لمن كان بها ؛ (والجمعة وعشاء) ليلة (المُزْدَلِفة) وهي المَشْعَر .

ص: 127


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 69.
2- مع اتحاد الفرض لا المسجد. (زین رحمه الله)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 160( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 55، ح 190.

والحكمة فيه مع النص(1) - استحباب الجمع بين الصلاتين والأصل في الأذانِ الإعلام، فمن حضر الأولى صلّى الثانية، فكانتا كالصلاة الواحدة.

وكذا يسقط في الثانية عن كلّ جامع ولو جوازاً. والأذان لصاحبة الوقت، فإن جمع في وقت الأولى أَذَن لها وأقام ثمّ أقام للثانية، وإن جمع في وقت الثانية أذن أوّلاً بنية الثانية، ثم أقام للأُولى ثم للثانية. وهل سقوطه في هذه المواضع رخصة فيجوز الأذان، أم عزيمة فلا يُشرع؟ وجهان: من أنّه عبادة توقيفية ولانص عليه هنا بخصوصه، والعموم مخصص بفعل النبي ،فإنّه جمَعَ بين الظهرين والعشاءين لغير مانع بأذان وإقامتين(2)، وكذا في تلك المواضع، والظاهر أنّه لمكان الجمع لا لخصوصية البقعة. ومن أنّه ذكر الله تعالى فلا وجه لسقوطه أصلاً بل تخفيفاً ورخصة.

ويُشكل بمنع كونه بجميع فصوله ذكراً، وبأنّ الكلام في خصوصية العبادة لا في مطلق الذكر.

وقد صرح جماعة من الأصحاب (3) منهم العلّامة بتحريمه في الثلاثة الأول(4)، وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع (5).واختلف كلام المصنف (رحمه الله)، ففي الذكرى توقف في كراهته في الثلاثة، استناداً إلى عدم وقوفه فيه على نص ولا فتوى، ثمّ حكم بنفي الكراهة وجزم بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغيرها؛ مؤوّلاً الساقط بأنّه أذانُ الإعلام وأن الباقي أذانُ الذكر والإعظام(6). وفي الدروس قريب من

ص: 128


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 282، ح 1122.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 18، ح 66.
3- منهم الشيخ في النهاية، ص 107 ؛ والماتن في البيان، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 223، الرقم 733.
5- منهم: المحقق في المعتبر، ج 2، ص 136 : والعلّامة منتهى المطلب، ج 4، ص 419، وابن فهد في المهذب البارع، ج 1 ، ص 348
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 164 - 165 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

ذلك، فإنّه قال: «ربما قيل بكراهته في الثلاثة، وبالغ من قال بالتحريم»(1). وفي البيان: «الأقرب» أنّ الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيَّته»(2). وتوقف في غيرها(3).

والظاهرُ التحريمُ فيما لا إجماع على استحبابه منها، لما ذكرناه وأمّا تقسيم الأذان إلى القسمين، فأضعف ؛ لأنه عبادة خاصة أصلها الإعلام وبعضها ذكر وبعضها غيرُ ذكر وتَأَدّي وظيفته بإيقاعه سرّاً ينافي اعتبار أصله، والحيعلات تنافي ذكريّته، بل هو قسم ثالث وسنّةٌ متَّبَعة ولم يُوقعها الشارع في هذه المواضع فتكون بدعة. نعم قد يقال: إنّ مطلق البدعة ليس بمحرّم، بل ربما قسمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة(4)، ومع ذلك لا يثبت الجواز.

(ويُستحب رفع الصوت بهما للرجل) بل لمطلق الذكر، أما الأنثى، فتُسِرّ بهما كما تقدم، وكذا الخنثى.

(والترتيل فيه )ببيان حروفه وإطالة وقوفه من غير استعجال؛ (والحَدْرُ) وهو الإسراع (فيها) بتقصير الوقوف على كلّ فصل لا تركه لكراهة إعرابهما حتى لو تَرَك الوقف أصلاً فالتسكين أولى من الإعراب فإنّه لغة عربية والإعراب مرغوب عنه شرعاً، ولو أعرب حينئذٍ تَرَك الأفضل ولم تبطل.

أمّا اللَّحْن، ففي بطلانهما به وجهان ويتجه البطلان لو غير المعنى، كنصب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ؛ لعدم تمامية الجملة به بفوات المشهود به لغةً وإن قصده؛ إذ لا يكفي قصد العبادة اللفظية عن لفظها.

(و) المؤذن (الراتب يقف على مُرتفع ) ليكون أبلغ في رفع الصوت وإبلاغه المصلين، وغيره يقتصر عنه مراعاة لجانبه حتّى يُكره سبقه به ما لم يُفرط بالتأخير.

ص: 129


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- البيان، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- الرسالة النفلية (الرسائل الفقهية)، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
4- القواعد والفوائد، ص 353، القاعدة 175 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15 )

(واستقبال القبلة ) في جميع الفصول خصوصاً الإقامة. ويكره الالتفات ببعض فصوله يميناً وشمالاً وإن كان على المنارة عندنا.

(والفصل بينهما بركعتين) ولو من الراتبة (أو سَجدةٍ أو جَلْسةٍ) والنص ورد بالجلوس(1)، ويمكن دخول السجدة فيه، فإنّها جلوسٌ وزيادة مع اشتمالها على مزيّة زائدة (أو خُطْوَةٍ) ولم يجد بها المصنف في الذكرى حديثاً(2)، لكنّها مشهورة، (أو) سَكْتَةٍ) وهي مروية في المغرب خاصة(3)، ونسبها في الذكرى إلى كلام الأصحاب مع السجدة والخطوة(4). وقد ورد النص بالفصل بتسبيحة(5)، فلو ذكرها كان حسناً.

(ويختص المغرب بالأخيرين) الخطوة والسكتة. أما السكتة، فمروية فيه(6)، وأمّا الخطوة، فكما تقدّم. وروي فيه الجلسة وأنّه «إذا فعلها كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله»(7) فكان ذكرها أولى.

(ويُكرَه الكلامُ في خلالهما ) خصوصاً الإقامة، ولا يعيده به ما لم يخرج به (8)عن الموالاة، ويعيدها به مطلقاً على ما أفتى به المصنّف(9) وغيره(10)، والنص ورد بإعادتها بالكلام بعدها(11).

( ويُستحبّ الطهارة) حالتهما، وفى الإقامة آكد، وليست شرطاً فيهما عندنا من

ص: 130


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64، ح 226 - 227.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64، ح 229
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 146 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 49 ، ح 162
6- تقدّم استخراجه في الهامش 3.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64 - 65 ، ح 231
8- كلمة «به» ليست في «س ، ن».
9- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 145 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9).
10- كالعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 225، الرقم 747.
11- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 55 ، ح 191.

الحدثين؛ نعم لو أوقعه في المسجد بالأكبر لغا للنهي المفسد للعبادة.(1)

( والحكاية لغير المؤذن) إذا سمع كما يقول المؤذن وإن كان في الصلاة ،إلا الحيعلاتِ فيها فيُبدِلها بالحوقلة، ولو حكاها بطلت؛ لأنها ليست ذكراً. وكذا يجوز إبدالها في غيرها. ووقت حكاية الفصل بعد فَراغ المؤذن منه أو معه. وليَقْطَع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآناً، ولو دخل المسجد أخر التحية إلى الفراغ منه.

( ثمّ يجب القيام) حالة النيّة والتكبير والقراءة؛ وإنّما قدَّمه على النية والتكبير - مع أنه لا يجب قبلهما - لكونه شرطاً فيهما، والشرط مقدَّم على المشروط. وقد أخره المصنف عنهما في الذكرى والدروس(2)، نظراً إلى ذلك، وليَتَمَحض جزءاً من الصلاة. وفي الألفية أخره عن القراءة(3)؛ ليجعله واجباً في الثلاثة، ولكلّ وجه.

(مستقلاً) به غير مستند إلى شيء بحيث لو أزيل السناد سقط،(مع المُكنة، ، فإن عجز)عن الاستقلال في الجميع (ففي البعض) ويَستَنِد فيما يعجز عنه؛ (فإن عجز) عن الاستقلال أصلاً (اعتمد على شيء مقدِّماً على القعود، فيجب تحصيل ما يعتمد عليه ولو بأجرة مع الإمكان؛( فإن عجز) عنه ولو بالاعتماد، أو قدر عليه ولكن عجز عن تحصيله (قعد) مستقلاً كما مرّ، فإن عجز اعتمد ؛ (فإن عجز اضطجع) على جانبه الأيمن، فإن عجز فعلى الأيسر. هذا هو الأقوى ومختاره في كتبه الثلاثة(4)، ويُفهم منه هنا التخيير وهو قول(5) .

ويجب الاستقبال حينئذٍ بوجهه، فإن عجز عنهما (استلقى) على ظهره وجَعَل

ص: 131


1- الكافي، ج 3، ص 50 ، باب الجنب يأكل .... ح 4.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 198 ؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 89 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9).
3- الرسالة الألفية، ص 148( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 202 - 302؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 90 ؛ البيان، ص 146 (ضمن موسوعة 4. الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
5- قال به العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 93 - 94، المسألة 194.

باطن قدميه إلى القبلة ووجهه بحيث لو جلس كان مستقبلاً كالمُحتَضَر.

والمراد بالعجز في هذه المراتب حصولُ مَشَقَّة كثيرة لا تُتَحَمَّل عادة، سواءٌ نشأ منها زيادة مرض أو حدوثه أو بُطْءُ بُريَّه، أو مجرَّد المشقة البالغة، لا العجز الكلي.

(ويومئ للركوع والسجود بالرأس) إن عجز عنهما. ويجب تقريب الجبهة إلى ما يصح السجود عليه، أو تقريبه إليها، والاعتماد بها عليه، ووضع باقي المساجد معتمداً، و بدونه لو تعذر الاعتماد وهذه الأحكام آتية في جميع المراتب السابقة. وحيث يومئ لهما برأسه يزيد السجود انخفاضاً مع الإمكان. (فإن عجز) عن الإيماء به غمض عينيه لهما مزيداً للسجود تغميضاً،( وفتحهما) بالفتح - (الرَفْعِهما) وإنْ لم يكن مُبصِراً، مع إمكان الفتح، قاصداً بالأبدال تلك الأفعال، وإلا أَجْرَى الأفعال على قلبه كلَّ واحد في محلّه، والأذكار على لسانه، وإلا أخطرها(1) بالبال ويلحق البدل حكمُ المُبدّل في الركنيّة، زيادةً ونقصاناً مع القصد؛ وقيل: مطلقاً (2).

(والنيّةُ) وهي القصد إلى الصلاة ،المعيَّنة، ولمّا كان القصد متوقفاً على تعيين المقصود بوجه ليمكن توجّه القصد إليه اعتُبر فيها إحضارُ ذاتِ الصلاة وصفاتها المميّزة لها حيث تكون مشتركة والقصد إلى هذا المعيَّن متقرّباً. ويلزم من ذلك كونُها (معيَّنةَ الفرض )(3) من ظهر أو عصر أو غيرهما، (والأداء) إن كان فَعَلَها في وقتها، (أو القضاء) إن كان في غير وقتها (والوجوب).

والظاهر أنّ المراد به المجعول غايةً ؛ لأنّ قصد الفرض يستدعي تميّز الواجب، مع احتمال أن يريد به الواجب المميَّز ويكون «الفرض إشارة إلى نوع الصلاة؛ لأنّ الفرض قد يراد به ذلك، إلا أنه غير مصطلح شرعاً، ولقد كان أولى؛ بناءً على أنّ

ص: 132


1- في نسخة «ن . م»: «أحضرها».
2- راجع مفتاح الكرامة، ج 6 ، ص 587 .
3- لو نوى الفريضة ثم ذهب وهمه إلى النافلة وأتمها بنية النافلة أجزأت للرواية عن الصادق .[ راجع تهذيب الأحكام، ج 2، ص 343، ح 1420]. (زين رحمه الله)

الوجوب الغائيّ لا دليل على وجوبه، كما نبه عليه المصنّف في الذكرى(1) ، ولكنّه مشهوري فجرى عليه هنا.

(أو الندب) إن كان مندوباً إما بالعارض كالمُعادة ؛ لئلا ينا في الفرض الأول : إذ يكفي في إطلاق الفرض عليه حينئذ كونه كذلك بالأصل، أو ما هو أعم بأن يراد بالفرض أوّلاً ما هو أعم من الواجب كما ذكر في الاحتمال، وهذا قرينة أُخرى عليه.

وهذه الأمور كلُّها مميزات للفعل المنوي، لا أجزاء للنية ؛ لأنها أمر واحد بسيط وهو القصد، وإنّما التركيب فى متعلَّقِه ومعروضه وهو الصلاة الواجبة أو المندوبة، المُؤَدّاةُ أو المُقْضاة. وعلى اعتبار الوجوب المعلَّل يكون آخرُ المميّزاتِ ما قبل الواجب، ويكون قصده لوجوبه إشارةً إلى ما يقوله المتكلّمون من أنّه يجب فعل الواجب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما من الشكر أو اللطف أو الأمر أو المركب منها أو من بعضها على اختلاف الآراء(2)؛ ووجوب ذلك أمر مرغوب عنه؛ إذ لم يحققه المحققون فكيف يكلف به غيرهم؟!

(والقربة) وهي غاية الفعل المتعبَّد به قرب الشرف لا الزمان والمكان لتنزّهه تعالى عنهما؛ وآثرها؛ لورودها كثيراً في الكتاب (3)والسنة (4). ولو جعلها الله تعالى كفى. وقد تلخص من ذلك أن المعتبر في النيّة أن يُحضر بباله - مثلاً - صلاة الظهر الواجبة المؤداة، ويقصد فعلها الله تعالى. وهذا أمر سهل وتكليف يسير قل أن ينفك عن ذهن المكلّف عند إرادته الصلاة وكذا غيرها؛ وتجسّمُها زيادةً على ذلك وسواس شيطاني قد أمرنا بالاستعاذة منه والبُعدِ عنه (5).

( وتكبيرة الإحرام) نسبت إليه ؛ لأنّ بها يحصل الدخول في الصلاة ويحرم ما كان

ص: 133


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 - 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
2- راجع كشف المراد، ص 407 - 408
3- البقرة (2): 186: التوبة (9): 99 مريم (19) 52
4- الكافي، ج 2، ص 352، كتاب الإيمان والكفر، ح 7 و 8؛ ومجمع الزوائد، ج 2، ص 247
5- الكافي، ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها ، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 188، ح 747 .

محلّلاً قبلَها من الكلام وغيره .

ويجب التلفظ بها باللفظ المشهور (بالعربيَّة) تأسياً بصاحب الشرع (عليه الصلاة والسلام) حيث فعل كذلك وأمرنا بالتأسى به(1) ؛ (و) كذا تُعتبر العربية في (سائر الأذكار الواجبة). أما المندوبة فتصح بها وبغيرها في أشهر القولين(2).

هذا مع القدرة عليها، أما مع العجز وضيق الوقت عن التعلم فيأتي بها حَسَب ما يعرفه من اللغات، فإن تعدد تخيّر مراعياً ما اشتملت عليه من المعنى ومنه الأفضلية.

(و تجب المقارَنَة للنيَّة ) بحيث يكبّر عند حضور القصد المذكور بالبال من غير أن يتخلَّل بينهما زمان وإنْ قلّ على المشهور والمعتبر حضور القصد عند أول جزء من التكبير، وهو المفهوم من المقارنة بينهما في عبارة ،المصنف، لكنه في غيره اعتبَر استمراره إلى آخره إلا مع العسر(3) والأوّلُ أقوى.

(واستدامة حكمها ) بمعنى أن لا يُحدِث نيَّةٌ تُنافيها ولو في بعض مميزات المنوي (إلى الفراغ ) من الصلاة، فلو نَوَى الخروج منها ولؤ في ثاني الحال قبله، أو فِعْلَ بعض المنافيات كذلك، أو الرياءَ ولو ببعض الأفعال، ونحو ذلك بطلت.

(وقراءة الحمدِ وسورة كاملة(4) ) في أشهر القولين (5)(إلّا مع الضرورة) - كضيقٍ وقت وحاجةٍ يضرّ فوتُها وجهالة لها مع العجز عن التعلّم - فتسقط السورة من غير تعويض عنها.

ص: 134


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 226، ح 605 : السنن الكبرى البيهقي ، ج 2، ص 486 - 487، ح 3856.
2- والقول الآخر عدم الجواز إلا بالعربية نسبه المحقق الكركي إلى سعد بن عبد الله في جامع المقاصد، ج 2، ص 322
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 181 ؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 87 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9).
4- ويجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات، وهو ما تضمنه مصحف علي(عليه السلام) : لأن أكثر الصحابة اتفقوا عليه، وحرق عثمان ماعداء، فلا يجوز أن يقرأ بمصحف ابن مسعود، ولا أبي، ولا غيرهما، تذكرة الفقهاء (ج 3، ص 141، المسألة (227) (زین رحمه الله)
5- إلى خلاف الأشهر ذهب الشيخ في النهاية ص 75؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 173

هذا (في) الركعتين (الأوليين) سواءً لم يكن غيرهما كالثنائية أم كان كغيرها. (ويجزئ في غيرهما من الركعات (الحمد وحدها أو التسبيح بالأربع المشهورة (أربعاً) بأن يقولها مرّة (أو تسعاً) بإسقاط التكبير من الثلاث على ما دلّت عليه رواية حَرِيز(1)، (أو عشراً) بإثباته في الأخيرة،( أو اثني عشر) بتكرير الأربع ثلاثاً. ووجه الاجتزاء بالجميع ورود النص الصحيح بها(2). ولا يقدح إسقاط التكبير في الثاني لذلك ولقيام غيره مقامه وزيادة.

وحيث يُؤَدَّى الواجب بالأربع جاز ترك الزائد فيُحتمل كونه مستحباً نظراً إلى ذلك. وواجباً مخيَّراً التفاتاً إلى أنّه أحد أفراد الواجب، وجواز تركه إلى بدل وهو الأربع وإنْ كان جزءه، كالركعتين والأربع في مواضع التخيير وظاهر النص(3) والفتوى الوجوب، وبه صرَّح المصنف في الذكرى(4)، وهو ظاهر العبارة هنا، وعليه الفتوى.

فلو شَرَع في الزائد عن مرتبةٍ فهل يجب عليه البلوغ إلى أُخرى؟ يحتمله قضيّةً للوجوب وإن جاز تركه قبل الشروع؛ والتخيير ثابت قبل الشروع، فيُوقِعُه على وجهه أو يَترُكُه حذراً من تغيير الهيئة الواجبة و وجه العدم أصالة عدم وجوب الإكمال فينصرف إلى كونه ذكر الله تعالى إن لم يبلغ فرداً آخر.

(والحمد) في غير الأُولَتين (أولى) من التسبيح مطلقاً؛ لرواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن (عليه السلام)(5). ورُوِيَ أفضلية التسبيح مطلقاً(6)، ولغير الإمام (7)وتساويهما(8). وبحسبها

ص: 135


1- رواها ابن إدريس في مستطرفات السرائر، ج 3، ص 585 : والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 189.
2- راجع روض الجنان، ج 2، ص 286 - 287 (ضمن الموسوعة، ج 11).
3- الفقيه، ج 1، ص 392 ، ح 1159.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 243 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98، ح 370
6- الفقيه، ج 1، ص 309، ح 924 .
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 371 .
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98، ح 369

اختلفت الأقوال(1)، واختلف اختيار المصنف، فهنا رجّح القراءة مطلقاً، وفي الدروس للإمام والتسبيح للمنفرد (2)، وفي البيان جعلهما له سواءً(3)، وتردّد في الذكرى(4). والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من تَعَسُّفِ.

(ويجب الجهر) بالقراءة على المشهور (في الصبح وأُولَتِي العشاءين، والإخفاتُ في البواقي) للرجل.

والحقُّ أنّ الجهر والإخفات كيفيتان متضادّتان مطلقاً لا يجتمعان في مادة، فأقل الجهر أن يَسمَعه مَن قَرُب منه صحيحاً مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً، وأكثره أن لا يبلغ العُلُوّ المُفْرِطَ وأقل السرّ أن يُسمِعَ نَفْسَه خاصةً صحيحاً أو تقديراً، وأكثره أن لا يبلغ أقل الجهر.

(ولا جهر على المرأة ) وجوباً، بل تتخيّر بينه وبين السرّ في مَواضِعه إذا لم يَسمَعها من يحرم إسماعه صوتها، والسرّ أفضل لها مطلقاً.

(ويتخيّر الخنثى) بينهما في موضع الجهر إن لم يسمعها الأجنبي وإلا تعيّن الإخفاتُ. وربما قيل بوجوب الجهر عليها مُراعيةً عدم سماع الأجنبي مع الإمكان، وإلا وجب الإخفات وهو أحوط.

ثم الترتيلُ) للقراءة، وهو لغةً: التَرَسُّلُ فيها والتبيين بغير بغي(5)، وشرعاً قال في الذكرى: هو حفظُ الوقوف وأداء الحروف (6)وهو المروي عن ابن عباس(7)، وقريب منه عن على(8)(عليه السلام) إلّا أنّه قال: «وبيان الحروف» بدل «أدائها».

ص: 136


1- للأقوال راجع مختلف الشيعة، ج 2، ص 163 - 164، المسألة 90.
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- البيان، ص 155 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 244 - 245 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- الصحاح، ج 4، ص 1704، «رتل».
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 261 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
7- مجمع البیان، ج 10، ص 377 - 378، ذيل الآية 4 من سورة المزمل (73) ؛ بحار الأنوار، ج 82، ص 8.
8- مجمع البیان، ج 10، ص 377 - 378، ذيل الآية 4 من سورة المزمل (73) ؛ بحار الأنوار، ج 82، ص 8.

(والوقوفُ) على مَواضِعِه ، وهي ما تمّ لفظه ومعناه أو أحدهما والأفضل التام ثمّ الحسن ثمّ الكافي، على ما هو مقرر في محلّه(1). ولقد كان يُغني عنه ذكرُ «الترتيل» على ما فسّره به المصنف(2)، فالجمع بينهما تأكيد. نعم يحسن الجمع بينهما لو فُسِّر الترتيل بأنه «تبيين الحروف من غير مبالغة كما فسره به في المعتبر والمنتهى(3) أو «بيانُ الحروف وإظهارُها من غير مدّ يَشبَه الغِناءَ كما فسّره به فى النهاية(4)، وهو الموافق لتعريف أهل اللغة (5).

(وتعمُّدُ الإعراب) إما بإظهار حركاته وبيانها بياناً شافياً بحيث لا يندمج بعضُها في بعض إلى حد لا يبلغ المنع، أو بأن لا يُكثر الوقوفَ الموجب للسكون خصوصاً في الموضع المرجوح، ومثله حركة البناء.

(وسؤال الرحمةِ والتَعَوُّذُ من النِقْمَة) عند آيَتَيْهما ( مستحب) خبر «الترتيل» وما عُطف عليه. وعطفها ب- «ثم» الدال على التراخي ؛ لما بين الواجب والندب من التغاير.

(وكذا) يُستحب (تطويل السورة في الصبح) ك-«هل أتى» و «عم»، لا مطلقُ التطويل؛ (وتوسُّطها في الظهر والعشاء) ك- «هل أتيك» و«الأعلى» كذلك؛ (وقَصْرُها في العصر والمغرب) بما دون ذلك. وإنّما أطلق ولم يَخُص التفصيل بسور المفصل ؛ لعدم النصّ على تعينه بخصوصه عندنا، وإنّما الوارد في نصوصنا هذه السور وأمثالها(6)، لكن المصنِّفُ(7) وغيرُه قيدوا الأقسام بالمفصل(8)، والمراد به ما بعد «محمد» أو «الفتح» أو «الحجراتِ» أو «الصف» أو «الصافاتِ» إلى آخر القرآن. وفي مبدئه أقوال

ص: 137


1- راجع البرهان في علوم القرآن، ج 1، ص 350
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7).
3- المعتبر ج 2 ص 181؛ منتهى المطلب، ج 5، ص 96
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 476.
5- راجع لسان العرب، ج 15 ، ص 374، «وقف».
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 95، باب كيفية الصلاة وصفتها...
7- الدروس الشرعية، ج 1، ص 95 ؛ البيان، ص 156( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
8- منهم المحقق في المعتبر، ج 2، ص 181.

أَخَرً(1)، أشهرُها الأوّلُ(2). سُمِّيَ مفصَّلاً؛ لكثرة فواصله بالبشملة بالإضافة إلى باقي القرآن، أو لما فيه من الحُكْم المفصل ؛ لعدم المنسوخ منه.

(و) كذا يُستحبُّ قَصْرُ السورة (مع خوف الضيق) بل قد يجب، واختيار (3) «هل أتى» و«هل أتيك» في صبح الاثنين و) صبح (الخميس) ف-«من قرأهما في اليومين وقاه الله شرهما»(4).

(و) سورة (الجمعة والمنافقين في ظهرَيْها وجمعتها ) على طريق الاستخدام. وروي أنّ «من تركهما فيها متعمداً فلا صلاة له »(5)حتى قيل بوجوب قراءتهما في الجمعة وظهرها(6)، لذلك. وحُمِلت الرواية على تأكد الاستحباب جمعاً.

(والجمعة والتوحيدِ في صبحها) وقيل: الجمعة والمنافقين(7)، وهو مروي أيضاً(8)؛ (والجمعة والأعلى في عشاء يها (9)) المغرب والعشاء. وروي في المغرب الجمعة والتوحيد(10)، ولا مُشاحة في ذلك ؛ لأنه مقام استحباب .

(وتَحْرُم) قراءة (العزيمة في الفريضة ) على أشهر القولين(11)، فتبطل بمجرد

ص: 138


1- التبيان، ج 1، ص 20، في المقدمة.
2- راجع القاموس المحيط ، ج 4، ص 42، «فصل».
3- إنما جعل مورد الاستحباب اختيار القراءة، لا القراءة نفسها ؛ لأنه لونوى استحباب قرائتها لم تصح الصلاة. (زین رحمه الله)
4- الفقيه، ج 1، ص 307 - 308 ذيل الحديث 922
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 6، ح 16.
6- قال به الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 415. ذيل الحديث 1226
7- ذهب إليه السيّد المرتضى في الانتصار، ص 166، المسألة 65
8- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 7 ، ح 18
9- وفي المغرب ليلة الجمعة بها وبالأعلى. وقال في مصباح المتهجد [ص 262]: التوحيد بدل الأعلى البيان [ص 156 ، ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12]. (زين رحمه الله )
10- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 7 ، ح 13.
11- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 145 ، المسألة 42 ؛ نقل غير الأشهر عن الإسكافي المحقق في المعتبر ج 2، ص 175

الشروع فيها عمداً؛ للنهي (1). ولو شرع فيها ساهياً عدل عنها وإن تجاوز نصفها ما لم يتجاوز موضع السجود، ومعه ففي العدول أو إكمالها والاجتزاء بها مع قضاء السجود بعدها وجهان، في الثاني منهما قوّةً، ومال المصنّف في الذكرى إلى الأوّل(2).

واحترز ب-«الفريضة» عن النافلة فيجوز قراءتها فيها ويسجد لها في محلّه، وكذا لو استمع فيها إلى قاري أو سمع على أجود القولين(3).

ويَحرُم استماعها في الفريضة، فإن فَعَل أو سمع اتفاقاً - وقلنا بوجوبه له - أَوْمَاً لها وقضاها بعد الصلاة. ولو صلّى مع مخالف تقيّةً فقرأها تابعه في السجود ولم يَعْتَدَّ بها على الأقوى. والقائل بجوازها منا لا يقول بالسجود لها في الصلاة(4)، فلا منع من الاقتداء به من هذه الجهة بل من حيثُ فِعْله ما يعتقد المأمومُ الإبطال به.

( ويُستحَبّ الجهرُ) بالقراءة( في نوافل الليل والسرُّ في) نوافل (النهار). وكذا قيل في غيرها من الفرائض(5) بمعنى استحباب الجهر بالليلية منها، والسر في نظيرها نهاراً كالكسوفين أما ما لا نظير له، فالجهر مطلقاً كالجمعة والعيدين والزلزلة. والأقوى في الكسوفين ذلك ؛ لعدم اختصاص الخسوف بالليل .

(وجاهلُ الحمد يجب عليه التعلَّمُ ) مع إمكانه و سَعَةِ الوقت، فإن ضاق الوقتُ قرأ ما يُحْسِن منها أي من الحمد. هذا إذا سُمِّيَ قرآناً ، فإن لم يُسَمَّ لقلّته فهو كالجاهل بها أجمع. وهل يقتصر عليه أو يُعَوِّض عن الفائت؟ ظاهر العبارة الأوّلُ، والدروس الثاني (6)وهو الأشهر.

ثمّ إن لم يعلم غيرها من القرآن كَرَّر ما يعلمه بقدر الفائت، وإن علم ففي التعويض

ص: 139


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 96، ح 361، وص 292، ح 1174.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 252 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 226: قال بالقول الثاني الشيخ في الخلاف، ج 1 ص 431 المسألة 179.
4- نقله عن ابن الجنيد المحقق في المعتبر، ج 2، ص 175.
5- ذهب إليه العلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 472.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 93 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

منها أو منه قولان (1)مأخذهما كون الأبعاض أقرب إليها، وأن الشيء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً. وعلى التقديرين فيجب مساواته له في الحروف، وقيل في الآيات(2)، والأوّل أشهر.

ويجب مراعاة الترتيب بين البدل والمُبْدَل، فإن علم الأوّلَ أَخَّر البدل، أو الآخِرَ قدّمه، أو الطرفين وَشَطه، أو الوسط حَقَّه به، وهكذا.

ولو أمكنه الائتمامُ قدّم على ذلك ؛ لأنه في حكم القراءة التامة. ومثله ما لو أمكن متابَعَةُ قاري أو القراءة من المُصْحَف بل قيل بإجزائه اختياراً(3)، والأولى اختصاصه بالنافلة. (فإن لم يُحْسِن) شيئاً منها (قرأ من غيرها بقدرها )أي بقدر الحمد حروفاً. وحروفها مائة وخمسة وخمسون حرفاً بالبسملة، إلا لمن قرأ «مالك» فإنّها تزيد حرفاً، ويجوز الاقتصار على الأقل. ثمّ قرأ السورة إن كان يُحسِن سورةً تامّةً ولوْ بتكرارها عنهما، مراعياً في البدل المساواة.

(فإن تعذَّر) ذلك كلُّه ولم يحسن شيئاً من القراءة (ذكر الله بقدرها (4)) أي بقدر الحمد خاصّةً، أمّا السورة، فساقطة كما مرّ.

وهل يُجزئ مطلق الذكر أم يُعتبر الواجب في الأخيرتين؟ قولان اختار ثانيهما المصنف في الذكرى(5)؛ لثبوت بدليَّته عنها في الجملة؛ وقيل: يُجزئ مطلق الذكر وإنْ لم يكن بقدرها (6)، عملاً بمطلق الأمر (7)؛ والأوّل أولى.

ص: 140


1- نسب التعويض إلى التذكرة في جامع المقاصد، ج 2، ص 250 ، ولكن لم نعثر عليه فيها ؛ واختار الثاني العلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 475 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 136، المسألة 224.
3- قال به العلّامة في نهاية الإحكام، ج 1 ، ص 479.
4- التسبيحات الأربع. (زين رحمه الله)
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- ذهب إليه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 169.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 147، ح 575؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 220، ح 832.

ولو لم يحسن الذكر قيل: وقف بقدرها(1)؛ لأنه كان يلزمه عند القدرة على القراءة قيام وقراءة، فإذا فات أحدهما بقي الآخر وهو حسن.

من

(و«الضحى» و«ألم نشرح »سورة) واحدة (و«الفيل» و«الإيلاف» سورة) في المشهور(2)فلو قرأ إحداهما في ركعة وجبت الأخرى على الترتيب والأخبارُ خالية الدلالة على وحدتهما، وإنّما دلت على عدم إجزاء إحداهما(3). وفي بعضها تصريح بالتعدّد مع الحكم المذكور(4) ؛ والحكم من حيث الصلاة واحد، وإنما تظهر الفائدة في غيرها.

( وتجب البسملة بينهما ) على التقديرين في الأصح (5)لثبوتها بينهما تواتراً وكتبها في المصحفِ المجرَّدِ عن غير القرآن حتى النقط والإعراب؛ ولا ينافي ذلك الوحدة لو سُلِّمَتْ كما في سورة النمل.

(ثمّ يجب الركوع منحنياً إلى أن تصل كفاه) معاً (رُكْبَتَيْه) فلا يكفي وصولهما بغير انحناء كالانخناس مع إخراج الركبتين أو بهما . والمراد بوصولهما بلوغهما قدراً لو أراد إيصالهما وصلتا؛ إذ لا يجب الملاصقة. والمعتبر وصول جزء من باطنه لا جميعه، ولا رؤوس الأصابع : (مُطمئناً) فيه بحيث تستقر الأعضاء (بقدر واجب الذكر) مع الإمكان.

(و) الذكر الواجب (هو «سبحان ربي العظيم وبحمده»، أو «سبحان الله» ثلاثاً(6))

ص: 141


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 138، المسألة 224.
2- ليس قوله: «في المشهور» تنبيهاً على خلافه في الاجتزاء بأحدهما في الفريضة، بل على ما نذكره بعد من أنهما سورتان وإن وجبتا معاً فيها. (منه رحمه الله)
3- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 72 . ح 266 .
4- أورده الطبرسي في مجمع البيان، ج 10، ص 544 في فضل سورة الإيلاف.
5- ذهب إليه العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 170، المسألة 92؛ وذهب إلى الثاني الشيخ في التبيان، ج 10. ص 371
6- فائدة: روي عن الصادق في تسبيح الركوع والسجود مرّة [تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76، ح 282]، وفي رواية حمزة بن حمران: «أربعاً أو ثلاثاً ثلاثين مرّة [تهذيب الأحكام، ج 2، ص 300، ح 1210]. وهو حسن للمنفرد مع اجتماع القلب والإمام إن رضي المأموم. وإلا لا يتجاوز الثلاث، ويكره النقصان عنها إلا لضرورة. (زین رحمه الله )

للمختار،( أو مطلق الذكر للمضطر). وقيل: يكفي المطلق مطلقاً (1)وهو أقوى؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه (2).

وما ورد في غيرها معيَّناً(3) غيرُ مناف له ؛ لأنه بعض أفراد الواجب الكلّي تخييراً. وبه يحصل الجمع بينهما، بخلاف ما لو قيدناه. وعلى تقدير تعينه فلفظ «وبحمده» واجب أيضاً تخييراً لا عيناً لخلق كثير من الأخبار عنه (4)؛ ومثله القول في التسبيحة الكبرى مع كون بعضها ذكراً تاماً.

ومعنى«سبحان ربي» تنزيهاً له عن النقائص، وهو منصوب على المَصْدَر بمحذوف من جنسه، ومتعلق الجار في «وبحمده» هو العامل المحذوف، والتقدير «سبحت الله تسبيحاً وسبحاناً وسبحته بحمده»، أو بمعنى والحمد له»، نظير﴿ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ (5)أي والنعمة له.

(ورفع الرأس منه ) فلو هَوَى من غير رفع بطل مع التعمّد، واستدركه مع النسيان، (مطمئناً) ولا حد لها، بل مسمّاها فما زاد بحيث لا يخرج بها عن كونه مصلياً. (ويُستحبّ التثليث في الذكر) الأكبر فصاعداً) إلى ما لا يبلغ السام، فقد عُدَّ على الصادق ستون تسبيحةً كبرى(6)، إلا أن يكون إماماً فلا يزيد على الثلاث، إلا مع حب المأمومين الإطالة.

وفي كون الواجب مع الزيادة على مرة الجميع أو الأولى ما مر في تسبيح الأخيرتين.

وأن يكون العدد (وَتْراً) خمساً أو سبعاً أو ما زاد منه. وعد الستين لا ينافيه ؛ لجواز الزيادة من غير عَدْ أو بيان جواز المُزْدَوج.

ص: 142


1- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 224.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 302، ح 1217 - 1218.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76 ، ح 282 - 283.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 ، ح 288.
5- القلم (68): 2
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 299، ح 1205

(والدعاء أمامه) أي أمام الذكر بالمنقول وهو «اللهم لك ركعت» (1)إلى آخره.

(وتسويةُ الظهر) حتّى لو صُبَّ عليه ماءً لم يزل لاستوائه: (ومدُّ العُنُق) مُسْتَخضِراً فيه «آمنتُ بك ولو ضربت عُنُقي»(2)؛ (والتجنيح) بالعَضُدين والمرفقين بأن يُخرِجَهما عن مُلاصَقَة جَنْبَيه، فاتحاً إبطيه كالجناحين؛ (ووضع اليدين على) عَينَي (الركبتين) حالة الذكر أجمع مالناً كَفَّيه منهما: (والبَدأَةُ) في الوضع (باليمنى) حالة كونهما ( مُفَرَّجَتين) غير مضمومتي الأصابع. (والتكبير له) قائماً قبل الهُوِي رافعاً يَدَيْه إلى حِذاء شَحْمَتَي أُذُنَيه) كغيره من التكبيرات.

(وقولُ «سَمِعَ الله لمن حمده، والحمد لله ربّ العالمين»)(3)إلى آخره (في) حال (رَفْعِه) منه مطمئناً. ومعنى «سمع» هنا «استجاب» تضميناً، ومن ثمّ عدّاه باللام كما عداه ب-«إلى» في قوله تعالى:﴿ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَا الْأَعْلَى﴾(4) لِما ضَمَّنَه معنى «يُصْغُون»، وإلا فأصل السماع متعدٍ بنفسه وهو خبر معناه الدعاء لا ثناء على الحامد. (ويُكرَه أن يَركَع ويداه تحت ثيابه بل تكونان بارِزَتين أو في كُمّيه. نسبه المصنّف في الذكرى إلى الأصحاب(5) ؛ لعدم وقوفه على نص فيه.

(ثمّ تجب سَجْدَتان على الأعضاء السبعة ) الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين. ويكفي من كلّ منها مسمّاه حتى الجبهة على الأقوى. ولابد مع ذلك من الانحناء إلى ما يساوي مَوقِفَه أو يزيد عليه أو ينقص عنه بما لا يزيد عن مقدار أربع أصابع مضمومة.

(قائلاً فيهما : «سبحان ربي الأعلى وبحمده» أو ما مر من الثلاثة الصغرى

ص: 143


1- الكافي، ج 3، ص 319 باب الركوع وما يقال فيه .... ح 1.
2- الفقيه، ج 1، ص 311، ح 927
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 - 78 ، ح 289
4- الصافات (37): 8
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 296 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

اختياراً أو مطلق الذكر اضطراراً أو مطلقاً على المختار (مطمئناً بقدره) اختياراً (ثم رفع رأسه) بحيث يصير جالساً لا مطلق ،رفعه، (مطمئناً) حال الرفع بمسماه.

( ويُستحبّ الطمأنينة) بضم الطاء (عقيب) السجدة (الثانية) وهي المسماة بجَلْسَة الاستراحة استحباباً مؤكداً، بل قيل بوجوبها(1) .

(والزيادة على الذكر (الواجب) بعددٍ وَتر ودونه غيره؛ (والدعاء) أمام الذكر «اللهم لك سجدت» (2)إلى آخره.

(والتكبيرات الأربع) للسجدتين إحداها بعد رفعه من الركوع مطمئناً فيه، وثانيتها بعد رفعه من السجدة الأولى جالساً مطمئناً، وثالثها قبل الهوي إلى الثانية كذلك. ورابعتها بعد رفعه منه معتدلاً.

(والتَّخْوِيَة(3) للرَجُل) بل مطلق الذكر، إمّا في الهويّ إليه بأن يسبق بيديه ثم يَهْوِي بركبتيه، لما روي أنّ عليّاً ، كان إذا سَجَد يَتَخَوَّى كما يَتَخَوَّى البعيرُ الضامِرُ»(4)، يعني بُرُوكَه، أو بمعنى تَجافِي الأعضاء حالة السجود بأن يُجَنّح بمرفقيه ويرفعهما عن الأرض ولا يفترشهما كافتراش الأسد. ويسمّى هذا تخويةً ؛ لأنه إلقاء الخَوَى بين الأعضاء. وكلاهما مستحبّ للرجل دون المرأة، بل تسبق في هويّها برُكبتيها وتبدأ بالقعود وتفترش ذراعيها حالته ؛ لأنه أستر، وكذا الخنثى؛ لأنه أحوط. وفي الذكرى(5) ستاهما تخويةً كما ذكرناه .

(والتَوَرُّلُ بين السجدتين) بأن يجلس على وَرْكه الأيسر ويُخرِجَ رِجليه جميعاً

ص: 144


1- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 150، المسألة 47.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 79، ح 295
3- بأن يسبق بيديه ثمّ يهوي بركبتيه والتجافي في السجود. ويسمّى تخوية أيضاً : لأنه إلقاء الخواء بين الأعضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرج يديه عن جنبيه، وفرّج بين رجليه وجنح بعضديه ذكرى الشيعة ج 3، ص 318، [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7] (زين رحمه الله)
4- الكافي، ج 3، ص 321، باب السجود، ح 2.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 318 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

من تحته، جاعلاً رجله اليسرى إلى الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى ويُفْضِي بمَقعَدَتِه إلى الأرض.

هذا في الذكر، أمّا الأُنثى فترفع رُكبتيها وتَضَعُ باطنَ كفّيها على فَخِذَيها مضمومتي الأصابع.

(ثمّ يجب التشهد عقيب الركعة (الثانية) التي تمامُها القيام من السجدة الثانية، (و) كذا يجب (آخِرَ الصلاة) إذا كانت ثلاثيّةً أو رُباعيّة، وهو «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمّد وآل محمّد وإطلاق التشهد على ما يشمل الصلاة على محمّد وآله إمّا تغليب أو حقيقة شرعية.

وما اختاره من صيغته أكملها وهي مُجزئة بالإجماع، إلا أنه غير متعيّن عند المصنف، بل يجوز عنده حذف «وحده لا شريك له» ولفظة «عبده» مطلقاً، أو مع إضافة «الرسول» إلى المُظْهَر(1). وعلى هذا فما ذكر هنا . وعلى هذا فما ذكر هنا يجب تخييراً كزيادة التسبيح ويمكن أن يريد انحصاره فيه لدلالة النص الصحيح عليه (2). وفي البيان تردّد في وجوب ما حذفناه ثمّ اختار وجوبه تخييراً(3).

ويجب التشهد (جالساً مطمئناً بقدره).

(ويُستحبّ التورّك) حالته كما مرّ، (والزيادة في الثناء والدعاء) قبله وفي أثنائه وبعده بالمنقول (4).

( ثمّ يجب التسليم ) على أجودِ القولين (5)عنده وأحوطهما عندنا (وله عبارتان :«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» و «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته »)

ص: 145


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1298.
3- البيان، ص 168 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 373
5- ذهب إلى الاستحباب الشيخ المفيد في المقنعة، ص 139؛ وذهب إليه الحلبي في الكافي في الفقه، ص 124.

مخيَّراً فيهما، (وبأيهما بَدَأ) كان هو الواجب وخرج به من الصلاة واستُحِبّ الآخر).

أما العبارة الأولى، فعلى الاجتزاء بها والخروج من الصلاة دلّت الأخبار الكثيرة(1).

وأما الثانية، فمُخْرِجة بالإجماع، نقله المصنّف(2) وغيره(3) .

وفي بعض الأخبار تقديم الأوّل مع التسليم المستحبّ والخروج بالثاني(4)، وعليه المصنّف في الذكرى والبيان(5).

وأمّا جعل الثاني مستحبّاً كيف كان كما اختاره المصنف هنا - فليس عليه دليل واضح.

وقد اختلف فيه كلام المصنف فاختاره هنا - وهو من آخر ما صنّفه - وفي الرسالة الألفية (6)وهي من أوّله، وفي البيان أنكره غاية الإنكار، فقال بعد البحث عن الصيغة الأولى:

وأوجبها بعضُ المتأخرين وخيّر بينها وبين السلام عليكم»، وجَعَل الثانية منهما ،مستحبة وارتكب جواز السلام علينا وعلى عباد الله «الصالحين بعد السلام» عليكم، ولم يُذكر ذلك في خبر ولا ،مصنف، بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدّمة عليه(7) .

وفي الذكرى نقل وجوب الصيغتين تخييراً عن بعض المتأخرين، وقال:

إنه قوي متين إلّا أنّه لا قائل به من القدماء. وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقاً؟

ص: 146


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93 - 94 ، ح 349
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- منهم المحقق في المعتبر، ج 2، ص 235.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 99 ، ح 373
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352؛ البيان، ص 170( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
6- الرسالة الألفية، ص 151 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
7- البيان، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)

-ثم قال: -إن الاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جميعاً بادئاً ب-«السلام علينا» لا بالعكس فإنّه لم يأت به خبرٌ منقول ولا مصنفٌ مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق، ويعتقد ندبَ «السلام علينا» ووجوب الصيغة الأخرى(1).

وما جعله احتياطاً قد أبطله في الرسالة الألفية فقال فيها: إنّ من الواجب جعل المُخرِج ما يقدمه من إحدى العبارتين فلو جعله الثانية لم تجزئ (2).

وبعد ذلك كله فالأقوى الاجتزاء في الخروج بكل واحدة منهما والمشهور في الأخبار تقديم «السلام علينا وعلى عباد الله»(3) إلى آخره، مع التسليم المستحبّ، إلا أنه ليس احتياطاً كما ذكره في الذكرى (4)؛ لما قد عرفت مِن حُكمه بخلافه فضلاً عن غيره.

( ويُستحبّ فيه التورّك) كما مرّ ، (وإيماء المنفرد) بالتسليم (إلى القبلة، ثمّ يومئ بمُؤْخِر عينه عن يمينه).

أما الأوّل، فلم نقف على مستنده وإنّما النص(5) والفتوى على كونه إلى القبلة بغير إيماء، وفي الذكرى ادّعى الإجماع على نفي الإيماء إلى القبلة بالصيغتين(6) وقد أثبته هنا وفي الرسالة النفلية(7).

وأمّا الثاني، فذكره الشيخ (8)وتبعه عليه الجماعة(9)، واستدلوا عليه بما لا يفيده.

(والإمام) يومئ (بصفحة وجهه يميناً)بمعنى أنه يبتدئ به إلى القبلة ثمّ يشير بباقيه إلى اليمين بوجهه، والمأموم كذلك أي يومئ إلى يمينه بصفحة وجهه كالإمام

ص: 147


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 : شرائع الإسلام، ج 1، ص 79
2- الرسالة الألفية، ص 151 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93 - 094 ح 349.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- راجع وسائل الشيعة، ج 1، ص 419 - 423، الباب 2 من أبواب التسليم.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 356؛ الرسالة النفلية، ص 189 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 18).
7- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 356؛ الرسالة النفلية، ص 189 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 18).
8- النهاية، ص 72 - 73
9- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 79؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 279 ؛ وابن فهد الحلي في الموجز ضمن الرسائل العشر، ص 83.

مقتصراً على تسليمة واحدة إن لم يكن على يساره أحد، (وإن كان على يساره أحدٌ سلَّم أُخرَى) بصيغة «السلام عليكم» (مومئاً) بوجهه (إلى يساره) أيضاً. وجعل ابنا بابويه الحائط كافياً في استحباب التسليمتين للمأموم (1)والكلام فيه وفي الإيماء بالصفحة كالإيماء بمُؤْخِر العين من عدم الدلالة عليه ظاهراً، لكنه مشهور بين الأصحاب لا راد له.

(وليَقْصِد المصلِّي) بصيغة الخطاب في تسليمه (الأنبياء والملائكة والأئمة والمسلمين من الإنس والجنّ) بأن يُحْضِرَهم بباله ويخاطبهم به، وإلا لكان تسليمه بصيغة الخطاب لغواً وإنْ كان مخرجاً عن العهدة.

(و) يقصد (المأموم) مع ما ذُكِر (الردَّ على الإمام) ؛ لأنه داخل فيمن حياه؛ بل يُستحب للإمام قصد المأمومين به على الخصوص مضافاً إلى غيرهم. ولو كانت وظيفة المأمومِ التسليم مرتين فَلْيَقْصِد بالأُولى الرد على الإمام وبالثانية مقصده.

(ويُستحبّ السلام المشهور ) قبل الواجب وهو «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرائيل وميكائيل والملائكةِ المقرَّبين، السلام على محمّد بن عبدالله خاتم النبيين لا نبي بعده».

ص: 148


1- نقله عنهما الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 354 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 )؛ الفقيه، ج 1، ص 320 ، ذيل الحديث 944

الفصل الرابع في باقي مستحباتها

قد ذكر في تضاعيفها وقبلها جملةً منها وبَقِي جملةً أُخرى(وهي ترتيل التكبير(1)) بتبيين حروفه وإظهارها شافيا.

ورفع اليدين به إلى حِذاء شَحْمَتي أُذُنَيه (كما مر) في تكبير الركوع. ولقد كان بيانه في تكبير الإحرام أولى منه فيه ؛ لأنّه أولها والقول بوجوبه فيه زيادة.

(مستقبِلَ القبلة ببطون اليدين )حالة الرفع (مجموعة الأصابع مبسوطة الإبهامين) على أشهر القولين(2) ؛ وقيل : يَضُمُّهما إليها(3)، مبتدئاً به عند ابتداء الرفع وبالوضع عند انتهائه على أصح الأقوال(4).

(والتوجّه بست تكبيراتٍ ) أوّلَ الصلاة قبل تكبيرة الإحرام وهو الأفضل، أو بعدها، أو بالتفريق، في كلّ صلاةِ فرْضٍ ونَفْل على الأقوى، سرّاً مطلقاً (يُكَبِّر ثلاثاً) منها ( ويدعو) بقوله: «اللهم أنت المَلِكُ الحقُّ لا إله إلا أنت»(5) إلى آخره، (واثنتين ويدعو) بقوله: «لَبَّيكَ وسَعدَيك»(6)إلى آخره، (وواحدةً ويدعو) بقوله: «يا محسن قد

ص: 149


1- وهو حفظ الوقوف، وأداء الحروف (زين رحمه الله)
2- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 16 : وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 216 ، وذهب إلى خلاف المشهور الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 152.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 152؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 156.
4- راجع ولاحظ ذكرى الشيعة، ج 3، ص 192 و 210 - 211 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 67 ، ح 244 .
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 67 ، ح 244 .

أتاك المسيءُ»(1) إلى آخره. ورُوي أنه يجعل هذا الدعاء قبل التكبيرات (2) ولا يدعو بعد السادسة، وعليه المصنف في الذكرى مع نقله ما هنا - والدروس والنفلية(3)، وفي البيان (4)كما هنا، والكلُّ حسن، وروي جعلها ولاءً من غير دعاء بينها(5)، والاقتصار على خمس(6) وثلاث (7).

(ويَتَوَجَّه) أي يدعو بدعاء التوجه وهو: «وجهت وجهي للذي فطر السماواتِ والأرض»(8) إلى آخره (بعد التحريمة) حيثما فعلها؛ (وتَرَبَّع المصلي قاعداً(9)) لعجز أو لكونها نافلةً بأن يجلس على أَليَيْه ويَنْصِبَ ساقيه و وَرْكيه، كما تجلس المرأةُ مُتَشَهدَةً (حالَ قِراءته، وثَنْيُ رِجليه حالَ ركوعه) جالساً بأن يَمُدَّهما ويُخرِجَهما من ورائه، رافعاً أليَيْه عن عَقِبَيْه، مُجافياً فَخِذَيْه عن طِيَّة رُكبتيه، منحنياً قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه؛ (وتورّكُه(10) حالَ تشهده ) بأن يجلس على وَرْكه الأيسر كما تقدّم، فإنّه مشترك بين المصلى قائماً وجالساً. (والنظر قائماً إلى مسجده بغير تحديقٍ، بل خاشعاً به وراكعاً إلى ما بين رجليه، وساجداً إلى طَرَف (أنفه، ومستشهداً إلى حَجْره). كل ذلك

ص: 150


1- مصباح المتهجد، ص 30.
2- رواه السيد ابن طاوس في فلاح السائل، ص 155
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 194 : الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 89؛ الرسالة النفلية، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9 و 18).
4- البيان، ص 152 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 287، ح 1152
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 66 ، ح 239.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 66، ح 239 .
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 67 ، ح 244.
9- كجلوس المرأة في التشهد. (زين رحمه الله)
10- والفرق بين التورّك وثني الرجلين كون التورّك أن يجلس على وركة الأيسر وثني الرجلين أن يكون كالمقعى ولا بد أن يرفع دبره عن عقبيه، ويجافي فخذيه عن طيّة ركبتيه، ويتنحى قدر ما يحاذي وجهه بأقدام ركبتيه و موضع سجوده أفضل المهذب البارع، ج 1، ص 361]. (زين رحمه الله)

مرويّ(1) إلا الأخير فذكره الأصحاب ولم نقف على مستنده. نعم هو مانع من النظر إلى ما يَشغَل القلب ففيه مناسَبَةٌ كغيره.

(ووضع اليدين قائماً على فَخِذَيه بحذاء رُكبتيه، مضمومة الأصابع )ومنها الإبهام( وراكعاً على عيني ركبتيه ؛ الأصابع والإبهام مبسوطةٌ) هنا (جُمَعُ (2)) تأكيد لبسط الإبهام والأصابع، وهي مؤنثة سماعيّة، فلذلك أكدها بما يُؤَكَّد به جمع المؤنث. وذكرُ الإبهام لدفع الإيهام وهو تخصيص بعد التعميم؛ لأنها إحدى الأصابع (وساجداً بحِذاء أذنيه، ومتشهّداً و جالساً) لغيره ( على فخذيه كهيئة القيام) في كونها مضمومة الأصابع بحذاء الركبتين.

(ويُستحَبّ القنوت) استحباباً مؤكداً، بل قيل بوجوبه (3)، (عقيب قراءة الثانية) في اليومية مطلقاً وفي غيرها عدا الجمعة، ففيه قنوتان أحدهما في الأُولى قبل الركوع والآخَرُ في الثانية بعده ، والوَتْرِ ففيه قنوتان قبل الركوع وبعده. وقيل: يجوز فعل القنوت مطلقاً قبل الركوع وبعده (4)، وهو حسن للخبر(5)، وحمله على التقية (6)ضعيف؛ لأنّ العامة لا يقولون بالتخيير.

وَلْيَكُن القنوتُ (بالمرسوم )على الأفضل، ويجوز بغيره،( وأفضله كلمات الفرج) (7)

ص: 151


1- الكافي، ج 3، ص 334 ، باب القيام والقعود ..ح 1
2- قوله: «والايهام مبسوطة» يجوز عوده إلى وضع اليدين في المسألتين ؛ لأنّ حكمهما بسط الإبهام فيهما وإن اختلفتا في ضم الأصابع وتفريجها. ويجوز عوده إلى المسألة الأولى خاصة؛ لدفع وهم من يتوهّم أنّ الإبهام من جملة الأصابع. ويُهمل في الثانية حكم هيئة الإبهام، كما أهمل حكم هيئة الأصابع. قوله: «جُمَع» تأكيد لبسط الإبهام، وهو يؤكد ب- «جُمَع» للتأنيث تقول: جاءت النسوة جُمَع»، وهو معدول عن جمعاوات ولا يتصرف للعدل المذكور والوصفية (زين رحمه الله )
3- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 115
4- قال به المحقق في المعتبر، ج 2، ص 242
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92، ح 343
6- حمله الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92، ذيل الحديث 343.
7- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 18 ، ح 64.

وبعدها «اللهم أغفر لنا وارحمنا وعافنا واعْفُ عنا في الدنيا والآخرة إنك على كلّ شيء قدير»(1) (وأقله «سبحان الله ثلاثاً أو خمساً).

ويُستحب رفع اليدين به موازياً لوجهه، بطونهما إلى السماء، مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين، والجهرُ به للإمام والمنفرد، والسرُّ للمأموم. ويفعله الناسي قبل الركوع بعده وإن قلنا بتعينه قبله اختياراً، فإن لم يذكره حتى تجاوز قضاه بعد الصلاة جالساً، ثمّ في الطريق مستقبلاً؛ ويُتابع المأموم إمامه فيه وإن كان مسبوقاً.

(وَلْيَدْعُ فيه وفي أحوال الصلاة لدينه ودنياه من المباح). والمراد به هنا مطلق الجائز وهو غيرُ الحرام.

(وتبطل )الصلاة (لو سَأَل المُحَرَّمَ ) مع علمه بتحريمه وإنْ جَهل الحكم الوضعي وهو البطلان. أمّا جاهلُ تحريمه ففي عذره وجهان أجودهما العدم، صرّح به في الذكرى(2) ، وهو ظاهر الإطلاق هنا.

(والتعقيب) وهو الاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر، وهو غير منحصر، لكثرة ما ورد منه عن أهل البيت(عليهم السلام)(3)و (أفضله التكبير ثلاثاً، رافعاً) بها يديه إلى حِذاء أُذُنيه، واضعاً لهما على رُكبتيه أو قريباً منهما، مستقبلاً بباطنهما القبلة، (ثمّ التهليل بالمرسوم) وهو «لا إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون»(4) إلى آخره،( ثمّ تسبيح الزهراء(عليها السلام) (5)) . وتعقيبها ب- «ثم» من حيثُ الرتبة لا الفضيلة وإلا فهى أفضله مطلقاً، بل رُوي أنّها أفضل من ألفِ رَكعةٍ لا تسبيح عقبها (6)

ص: 152


1- الفقيه، ج 1، ص 400 ، ح 1190.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 395( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- راجع وسائل الشيعة، ج 6، ص 429 - 494 ، الباب 1 - 34 من أبواب التعقيب.
4- علل الشرائع، ج 2، ص 58 الباب 78 ، ح 1
5- في الحديث أن تسبيحة الزهراء(عليها السلام)تعدل ألف ركعة ولو زاد في أثنائها ساهياً أعاد راجع وسائل الشيعة، ج 6، ص 443 ، باب استحباب اختيار تسبيح الزهراء(عليها السلام) ]. (زين رحمه الله)
6- الكافي، ج 3، ص 343، باب التعقيب بعد الصلاة ... ح 15.

وكيفيتها أن (يُكَبِّر أربعاً وثلاثين) مرّةً، ويَحْمَد ثلاثاً وثلاثين، ويُسبِّح ثلاثاً وثلاثين(1) ثمّ الدعاء بعدها بالمنقول ثمّ (بما سنح).

(ثم سجدتا الشكر ويُعَفِّرُ بينهما) جَبِينَيْه وخَدَّيه الأيمن منهما ثم الأيسر، مفترشاً ذِراعَيْه وصَدْرَه وبَطْنَه، واضعاً جَبْهَتَه مكانها حال الصلاة، قائلاً فيهما: «الحمد الله شكراً شكراً مائة مرّةٍ، وفي كلّ عاشرة: «شكراً للمجيب»، ودونه «شكراً» مائةً، وأقله «شكراً» ثلاثاً. (ويدعو) فيهما وبعدهما

(بالمرسوم).

ص: 153


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 105 . ح .400.

الفصل الخامس في التروك

يمكن أن يريد بها ما يجب تركه، فيكون الالتفات إلى آخر الفصل مذكوراً بالتَّبَع وأن يريد بها ما يُطلب تركه أعم من كون الطلب مانعاً من النقيض (وهي ما سلف في الشرط السادس، والتأمين) في جميع أحوال الصلاة وإن كان عقيب الحمد أو دعاءٍ (إلّا لتقيّة)، فيجوز حينئذ بل قد يجب. (وتبطل الصلاة) بفعله لغيرها؛ للنهي عنه(1) في الأخبار(2) المقتضي للفساد في العبادة ولا تبطل بقوله : «اللهم اسْتَجِب» وإن كان بمعناه، وبالغ من أبطل به (3).

كما ضَعُف قولُ من كَرَّه التأمين بناءً على أنه دعاء باستجابة ما يدعو به وأنّ الفاتحة تشتمل على الدعاء(4)، لا لأنّ قصد الدعاء بها يوجب استعمال المشترك في معنييه على تقدير قصد الدعاء بالقرآن وعدم فائدة التأمين(5) مع انتفاء الأوّل وانتفاء

ص: 154


1- هذا النهي يرجع إلى الأفعال الخارجة عن الصلاة : فيبطل منها ما تضمّن حرفين فصاعداً كما سلف ، وهو المشهور في ضابط الخارج القولي. أما الفعلي فالمعتبر في المفسد منه الكثرة، ومن ثم اختلف في الإبطال بالتكفير ، من حيث إنه من الأفعال، ولا يوصف بالكثرة. هذا هو المراد من قوله: «المقتضي للفساد في العبادة» لا النهي المتعارف المتعلّق بنفس العبادة : فإنّه - وإن دلّ على الفساد - إلّا أنّ هذا ليس منه. وإلى هذا المعنى أشار بقوله فيما يأتي : «والإبطال في الفعل لاشتماله على الكلام المنهي عنه». (منه رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 74 ، ح 275 - 276.
3- كالعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 465 - 466
4- حكاه عن أبي الصلاح الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 156.
5- الأوّل قصد الدعاء، والثاني قصد القرآن. فإذا لم يقصد الدعاء انتفت فائدة التأمين، وإذا لم يقصد القرآن، بل محض الدعاء انتفى القرآن فبطلت الصلاة، هذا خلاصة تقرير علّة البطلان بالتأمين على ما ادعاه الشيخ في التبيان [ ج 1، ص 46]؛ وهي ضعيفة : لما أشار إليه بقوله: «لأنّ قصد الدعاء ...». (منه رحمه الله)

القرآن مع انتفاء الثاني؛ لأنّ قصد الدعاء بالمُنْزَل منه قرآناً لا ينافيه، ولا يوجب الاشتراك؛ لاتحاد المعنى ولاشتماله على طلب الاستجابة لما يدعو ب-ه أعم من الحاضر؛ وإنّما الوجه النهي. ولا تبطل بتركه في موضع التقيّة ؛ لأنه خارج عنها والإبطال في الفعل مع كونه كذلك، لاشتماله على الكلام المنهي عنه.

(وكذا ترك (1)الواجب عمداً) رُكناً كان أم غيره. وفي إطلاق الترك على ترك الترك»(2) - الذي هو فعل الضدّ وهو الواجب - نوع من التجوّز ؛ (أو) تركُ (أحد الأركان الخمس(3)ولو سهواً وهي النية والقيام والتحريمة والركوع والسجدَتان معاً) أمّا إحداهما، فليست ركناً على المشهور مع أنّ الركن بهما يكون مركباً وهو يستدعي فواته بفواتها.

واعتذار المصنف عنه في الذكرى بأنّ الركن مسمّى السجود ولا يتحقق الإخلال به إلا بتركهما معاً (4)، خروج عن المتنازع، لموافقته على كونهما معاً هو الركن وهو يستلزم الفوات بإحداهما، فكيف يَدَّعِي أنه مسمّاه، ومع ذلك يستلزم بطلانها بزيادة واحدة لتحقق المسمّى ولا قائل به .

وبأنّ: انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقاً، وإلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلاً، بل المؤثر انتفاؤها رأساً(5)، فيه ما مر.

والفرقُ بين الأعضاء غير الجبهة وبينها بأنها واجبات خارجة عن حقيقته - كالذكر والطمأنينة - .دونها.

ص: 155


1- الترك ما خوطب المكلّف فيه بعدم الفعل مع المنع من النقيض وهو الحرام، أو لا معه، وهو المكروه. (زين رحمه الله )
2- لما فسّر التروك بما يجب تركه وأدرج هاهنا فيها ترك الواجب ممّا يجب تركه، ولما كان الترك أمراً عدميّاً كان تركه وجوديّاً وهو إيجاد ضده ؛ وهو الفعل الواجب على نحو ما قيل: إن التكليف بالترك يراد به فعل الضد هرباً من تعلّق التكليف بالمعدوم. (منه رحمه الله)
3- ويلحق بالأركان الخمسة مطلقاً ركنان آخران أيضاً ، وهما: المقارنة والترتيب بين الأذكار، فتبطل الصلاة بالإخلال بأحدهما (زين رحمه الله)
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

ولم يذكر المصنِّفُ حكم زيادة الركن مع كون المشهور أنّ زيادته على حدّ نقيصته، تنبيهاً على فساد الكلّيّة في طرف الزيادة؛ لتخلّفه في مواضع كثيرة لا تبطل بزيادته سهواً كالنية فإنّ زيادتها مؤكّدةً، لنيابة الاستدامة الحكميّة عنها تخفيفاً، فإذا حصلت كان أولى، وهي مع التكبير فيما لو تبين للمحتاطِ الحاجة إليه، أو سلّم على نقص وشرع في أخرى قبل فعل المنافي مطلقاً، والقيام إن جعلناه مطلقاً ركناً كما أطلقه، والركوع فيما لو سبق به المأموم إمامه سهواً ثم عاد إلى المتابعة، والسجود فيما لو زاد واحدةً إن جعلنا الركن مسمّاه، وزيادة جملة الأركان غير النية والتحريمة فيما إذا زاد ركعةً آخر الصلاة وقد جلس بقدر واجب التشهد أو أتم المسافر ناسياً إلى أن خرج الوقت.

واعلم أنّ الحكم بركنيّة النية هو أحد الأقوال فيها (1)وإن كان التحقيق يقتضي كونها بالشرط أشبه.

وأما القيام، فهو ركن في الجملة إجماعاً على ما نقله العلّامة(2)، ولولاه لأمكن القدح في ركنيته ؛ لأنّ زيادته ونقصانه لا يُبْطِلان إلا مع اقترانه بالركوع، ومعه يُستغنى عن القيام؛ لأنّ الركوع كافٍ في البطلان وحينئذٍ فالركن منه إما ما اتصل بالركوع ويكون إسناد الإبطال إليه بسبب كونه أحد المعرفين له، أو يُجعل ركناً كيف اتفق وفي موضع لا تبطل بزيادته ونقصانه يكون مستثنى كغيره. وعلى الأوّل ليس مجموع القيام المتصل بالركوع ركناً، بل الأمر الكلي منه، ومن ثُمَّ لو نسي القراءة أو أبعاضها لم تبطل الصلاة، أو يُجعل الركنُ منه ما اشتمل على ركن كالتحريمة، ويُجعل من قبيل المعرفات السابقة. وأما التحريمة - فهي التكبير المنوي به الدخول في الصلاة - فمرجع ركنيتها إلى

ص: 156


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 149؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 68 ؛ القول بشرطية النية ذهب إليه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 149: القول الثالث تردّدها بين الجزئية والشرطية ذهب إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 217
2- منتهى المطلب، ج 5، ص 8

القصد ، لأنها ذِكْرٌ لا تبطل بمجرده.

وأما الركوع، فلا إشكال في ركنيته، ويتحقق بالانحناء إلى حده، وما زاد عليه من الطمأنينة والذكرِ والرفع منه واجبات زائدة عليه. ويَتَفَرَّع عليه بطلانها بزيادته كذلك وإِنْ لم يَصْحَبه غيرُه وفيه بحث. وأما السجود، ففي تحقق ركنيته ما قد عرفته.

(وكذا الحدثُ ) المبطلُ للطهارة من جملة التروك التي يجب اجتنابها. ولا فرق في بطلان الصلاة به بين وقوعه عمداً وسهواً على أشهر القولين (1).

( ويحرُم (قطعُها أي قطع الصلاة الواجبة (اختياراً)، للنهي عن إبطال العمل(2) المقتضي له إلّا ما أخرجه الدليل. واحترز بالاختيار عن قطعها لضرورة كقبض غريم، وحفظ نفس محترمة من تلف أو ضرر، وقتل حيّة يَخافُها على نفس محترمة، وإحراز مال يَخاف ضياعَه، أو لحدثٍ يَخاف ضرر إمساكه ولو بسَرَيان النّجاسة إلى ثوبه أو بدنه، فيجوز القطع في جميع ذلك.

وقد يجب لكثير من هذه الأسباب، ويُباح لبعضها كحفظ المال اليسير الذي لا يَضُرُّ فوتُه وقتل الحية التي لا يخاف أذاها، ويُكره لإحراز يسير المال الذي لايُبالي بفواته، وقد يُستَحَبّ لاستدراك الأذان المنسي وقراءة الجُمعَتين في ظهريها ونحوهما، فهو ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة.

(ويجوز قتل الحية (3)) والعقرب في أثناء الصلاة من غير إبطال إذا لم يستلزم فعلاً كثيراً، للإذن فيه نصاً(4)؛ (وعد الركعات بالحصى) وشبهها، خصوصاً لكثير السهو؛ (والتبسّمُ) وهو ما لا صوت فيه من الضحك على كراهية.

ص: 157


1- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 81؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 280 : والقول الآخر للمفيد في المقنعة ص 61 ؛ والشيخ في النهاية، ص 48.
2- محمّد (47): 33
3- قوله: «ويجوز قتل الحية» التي يخافها على نفسه المرسلة حريز عن الصادق . ذكرى الشيعة ج 3 ص 386، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 (زين رحمه الله )
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 330، ح 1358.

(ويكره الالتفات يميناً وشمالاً) بالبصر أو الوجه، ففي الخبر: «أنّه لا صلاة لملتفت »(1)وحُمِل على نفي الكمال جمعاً(2).

وفي خبر آخر عنه(عليه السلام): «أما يخاف الذي يُحَوِّل وجهه في الصلاة أن يُحَوِّل الله وجهه وجه حمار»(3)، والمراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطلاعه على الأمور العلوية وعدم إكرامه بالكمالات العليَّة.

(والتثاؤبُ) بالهمز، يقال: «تثاءبتُ» ولا يقال «تثاوبتُ» قاله الجوهري(4) (والتمَطَّي) وهو مد اليدين، فعن الصادق(عليه السلام)«أنهما من الشيطان»(5)؛ (والعَبَتُ) بشيء من أعضائه لمنافاته الخشوع المأمور به وقد رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) : رجلاً يَعبَتُ في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»(6) . (والتنخّم) ومثله البُصاق وخصوصاً إلى القبلة واليمين وبين يديه .و(الفَرقَعَةُ) بالأصابع، (والتأؤُه بحرفٍ )واحدٍ، وأصله قولُ «أَوَّه» عند الشكاية والتوجع والمراد هنا النطق به على وجه لايظهر منه حرفان،(والأنينُ به) أي بالحرف الواحد، وهو مثل التأوه وقد يُخَص الأنينُ بالمريض.

(ومدافَعَةُ الأخْبَتَين(7) ) البول والغائط (أو الريح (8)) لما فيه من سلب الخشوع والإقبال بالقلب الذي هو روح العبادة وكذا مدافَعَةُ النوم. وإنّما يُكره إذا وقع ذلك قبل التلبس بها مع سعة الوقت وإلا حَرُم القطع، إلا أن يخاف ضرراً. قال المصنف في البيان :

ص: 158


1- المعجم الأوسط، الطبراني، ج 3، ص 27، ح 2042.
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 295، المسألة 329 .
3- إحياء علوم الدين، ج 1، ص 176 .
4- الصحاح، ج 1، ص 92، «تأب».
5- الكافي، ج 3، ص 301 باب الخشوع في الصلاة .... ح7 .
6- دعائم الإسلام، ج 1، ص 174 : إحياء علوم الدين، ج 1 ، ص 264 .
7- ابتداء، فلو عرضت المدافعة في أثناء الصلاة، فلا كراهة في الإتمام لعدم اختيار المكلف هنا ولو عجز عن المدافعة فله القطع. ذكرى الشيعة ج 3، ص 401، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7]. (زين رحمه الله)
8- ولا تجبره فضيلة الائتمام ولا شرف المسجد، وفي نفي الكراهية باحتياجه إلى التيمم نظر. البيان ص 179، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 (زين رحمه الله)

ولا يَجْبُرُه فضيلةُ الائتمام أو شرفُ البقعة، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمم نظر(1).

(تتمة:)

المرأة كالرجل في جميع ما سلف إلا ما استثني، وتختص عنه أنّه (يُستحبّ للمرأة )حرّةً كانت أم أمَةً (أن تَجمع بين قدميها في القيام، والرجلُ يُفَرِّق بينهما بشبر إلى فِتْر) ودونه قدر ثلاث أصابعَ مفَرَّجاتٍ (وتَضُمّ ثَدْيَيها إلى صدرها) بيديها وتضع يديها فوق ركبتيها راكعةً ظاهره أنها تنحني قدر انحناء الرجل وتُخالفه في الوضع، وظاهر الرواية أنّه يُجْزِئها من الانحناء أن تَبلُغ كفّاها ما فوق ركبتيها ؛ لأنه علله فيها بقوله: «لئلا تَطَأطَاً كثيراً فتَرتَفِعَ عَجِيزتُها»(2) وذلك لا يختلف باختلاف

وضعهما بل باختلاف الانحناء.

(وتَجلِس) حالَ تشهدها وغيره (على ألتيها) بالياء ين من دون تاء بينهما على غير قياس، تثنية «ألية» بفتح الهمزة فيهما والتاء في الواحدة؛ (وتبدأ بالقعود) على تلك الحالة (قبل السجود) ثمّ تَسجُد (فإذا تشهَدَتْ ضمّتْ فَخِذَيها ورَفَعَت رُكبتيها من الأرض وإذا نهَضَت انْسَلَّتْ )انسلالاً معتمدةً على جنبيها بيديها من غير أن تَرفَع عجيزتها. ويتخيّر الخنثى بين هيئة الرجل والمرأة.

ص: 159


1- البيان، ص 179 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12 )
2- الكافي، ج 3، ص 335، باب القيام والقعود في الصلاة ...ح 2.

الفصل السادس في بقية الصلوات الواجبة

اشارة

وما يختاره من المندوبة

صلاه الجمعه

(فمنها: الجمعة(1) ، وهي رَكعَتان كالصبح عِوَضَ الظهر) فلا يُجمع بينهما، فحيث تقعالجمعة صحيحةً تجزئ عنها. وربما استفيد مِنْ حكمه بكونها عوضها مع عدم تعرّضه لوقتها أن وقتها وقت الظهر فضيلةً وإجزاء، وبه قطع في الدروس والبيان(2)، وظاهر النصوص يدلّ عليه(3) .

وذهب جماعة إلى امتداد وقتها إلى المثل خاصة(4)، ومال إليه المصنّف في الألفية(5) ، ولاشاهد له إلّا أن يقال بأنه وقت للظهر أيضاً.

(ويجب فيها تقديمُ الخطبتين (6)المشتملتين على حمدِ الله ) تعالى بصيغة «الحمد اله» (والثناء(7) عليه ) بما سَنَح. وفي وجوب الثناء زيادةً على الحمد نظر، وعبارة كثير

ص: 160


1- فائدة: الأذان الثاني بدعة. وإنّما سمّي «ثانياً» ؛ لأن موقعه بعد الأذان، ولا نسميه بالثاني بالنظر إلى إحداثه ؛ لأنه أحدث بعد شرع أذانين، وهما الأذان والإقامة. وسميت الإقامة أذاناً تغليباً؛ لأحد الاسمين على الآخر، كما قيل: القمران للشمس والقمر. (زین رحمه الله) 2
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 110 ؛ البیان، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12) .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 43 و 46.
4- منهم: المحقق في المعتبر، ج 2، ص 275؛ والعلّامة في منتهى المطلب، ج 5، ص 345؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 91
5- الرسالة الألفية، ص 157(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18)
6- لا يجوز إيقاع خطبتي الجمعة قبل الوقت، ويشترط الطهارة من الحدث فيهما على الأقوى والأولى وجوب الإصغاء، وتحريم الكلام في أثنائهما، لا بعدهما. ووقت الجمعة وقت الظهر بأسره. (زين رحمه الله)
7- المراد من «الحمد لفظه، ومن «الثناء» معنى الحمد ك- «القديم» و«المحسن». (زین رحمه الله)

-ومنهم المصنِّف في الذكرى (1)- خالية عنه؛ نعم هو موجود في الخُطب المنقولة عن النبي وآله (عليه وعليهم السلام)(2)، إلا أنها تشتمل على زيادة على أقلّ الواجب (والصلاة على النبي وآله صلّى الله عليهم) بلفظ الصلاة أيضاً، ويقرنها بما شاء من النِسَب (والوعظِ) من الوصيّة بتقوى الله والحثّ على الطاعة والتحذير من المعصية والاغترار بالدنيا وما شَاكَلَ ذلك. ولا يتعيّن له ،لفظ، ويجزئ مسمّاه، فيكفي «أَطِيعُوا الله» أو «اتَّقُوا الله» ونحوُه. ويُحتمل وجوب الحثّ على الطاعة والزجر عن المعصية للتأسي(3): (وقراءة سورةٍ خفيفة(4)) قصيرة، أو آيةٍ تامة الفائدة بأن تَجمَع معنى مستقلاً يُعْتَد به من وعدٍ أو وعيد أو حكم أو قصة تدخل في مقتضى الحال، فلا يجزئ مثلُ ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾(5) ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ ﴾ (6).

ويجب فيهما النية والعربية والترتيب بين الأجزاء كما ذكر، والموالاة، وقيام الخطيب القدرة، والجلوس بينهما، وإسماعُ العدد المعتبر، والطهارة من الحدثِ والخبثِ في أصح القولين(7) والستر، كلُّ ذلك للاتباع، وإصغاء من يمكن سماعه من المأمومين وترك الكلام مطلقاً .

(ويُستَحَبُّ بَلاغةُ الخطيب (8)) بمعنى جمْعِه بين الفصاحة - التي هي ملكة يقتدر بها

ص: 161


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 52 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
2- راجع مصباح المتهجد، ص 380 و 384 ، أعمال الجمعة خطبة يوم الجمعة : مجمع البيان، ج 10، ص 10، ذیل سورة الجمعة (62).
3- راجع مصباح المتهجد، ص 380 و 384 ، أعمال الجمعة خطبة يوم الجمعة : مجمع البيان، ج 10، ص 10، ذیل سورة الجمعة (62).
4- ويجب الترتيب بين أجزاء الخطبة - أعني الحمد وما بعده - وإيقاعها بالعربية ؛ كلّ ذلك للتأسي فرع لو لم يفهم العدد العربية احتمل قوياً جوازه بالعجمية التي يفهمونها : تحصيلاً للغرض ذكرى الشيعة ج 4، ص 53، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 (زين رحمه الله )
5- الرحمن (55): 64
6- الأعراف (7): 120
7- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 210؛ والقول الآخر لابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 291.
8- ويستحب أن يكون بليغاً، بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد، وبين البلاغة، وهی بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ، والتطويل الممل. ذكرى الشيعة ج 4، ص 54. ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 (زين رحمه الله )

على التعبير عن مقصوده بلفظ فصيح أي خالٍ عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبةً وحشيّةً - وبين البلاغة التي هي مَلَكَةٌ يَقتَدِر بها على التعبير عن الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال بحسب الزمان والمكان والسامع والحال.

(ونَزاهته) عن الرذائلِ الخُلْقِيَّة والذنوب الشرعيَّة بحيث يكون مُؤْتَمِراً بما يَأمُر به مُنْزَجراً عمّا يَنْهي عنه لتَقَعَ موعظته في القلوب، فإنّ «الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب وإذا خرجت من مجرّد اللسان لم تتجاوز الآذان».

(و محافَظَتُه على أوائل الأوقات ) ليكون أوفق لقبول موعظته؛ (والتَعَمُّمُ) شتاءً وصيفاً للتأسي (1)، مُضيفاً إليها الحَنَكَ والرِداءَ ولُبس أفضل الثياب والتطيب؛ (والاعتماد على شيء) حالَ الخطبة من سيف أو قوس أو عصا للاتباع(2).

(ولا تَنْعَقِدُ) الجمعة (إلّا) بالإمام العادل أو نائبه خصوصاً أو عموماً (ولؤ) كان النائب(فقيهاً) جامعاً لشرائط الفتوى (مع إمكان الاجتماع في الغيبة) هذا قيد في الاجتزاء بالفقيه حال الغيبة ؛ لأنه منصوب من الإمام عموماً بقوله : «انظُرُوا إلى رجل قد رَوَى حديثنا »(3)(4). إلى آخره، وغيره(5)

والحاصل أنه مع حضور الإمام لا تنعقد الجمعة إلا به أو بنائبه الخاص وهو المنصوب للجمعة أو لما هو أعم منها وبدونه تسقط، وهو موضعُ وفاق.

ص: 162


1- السنن الكبرى البيهقي ، ج 3، ص 292، ح 5750 - 5752
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 349، ح 5976 - 5979.
3- إشارة إلى مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله ، حيث تضمن السؤال عن مرجع التحاكم قال : «انظروا إلى رجل قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، الراد علينا هو الراد على الله وهو على حد الشرك بالله الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة الكافي، ج 7، ص 412، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح 5 ولا يخفى ما في سنده (منه رحمه الله)
4- الكافي، ج 1، ص 67 باب اختلاف الحديث .... ح 10.
5- کمال الدین ،ص484،ح4.

وأما في حال الغَيبة - كهذا الزمان - فقد اختلف الأصحاب في وجوب الجمعة وتحريمها، فالمصنّف هنا أوجَبَها مع كون الإمام فقيهاً ؛ لِتَحَقُّقِ الشرط وهو إذن الإمام الذي هو شرط في الجملة إجماعاً، وبهذا القول صرَّح في الدروس(1)أيضاً.

وربما قيل بوجوبها حينئذٍ وإنْ لم يَجْمَعُها فقيه (2) ، عملاً بإطلاق الأدلّة، واشتراط الإمام أو من نَصَبَه إن سُلِّمَ فهو مختص بحالة الحضور أو بإمكانه، فمع عدمه يبقى عموم الأدلّة من الكتاب (3)والسنة خالياً عن المعارض(4)، وهو ظاهر الأكثر ومنهم المصنف في البيان(5) فإنّهم يَكْتَفُون بإمكان الاجتماع مع باقي الشرائط.

وربما عبّروا عن حكمها حال الغيبة بالجواز تارةً (6)وبالاستحباب أُخْرَى(7)؛ نظراً إلى إجماعهم على عدم وجوبها حينئذٍ عَيناً، وإنما تجب على تقديره تخييراً بينها وبين الظهر ، لكنّها عندهم أفضل من الظهر وهو معنى الاستحباب بمعنى أنها واجبة تخييراً مستحبّةٌ عَيناً، كما في جميع أفراد الواجب المخيَّر إذا كان بعضُها راجحاً على الباقي وعلى هذا يُنْوَى بها الوجوبُ وتجزئ عن الظهر.

وكثيراً ما يحصل الالتباس في كلامهم بسبب ذلك حيث يشترطون الإمام أو نائبه في الوجوب إجماعاً ثمّ يذكرون حال الغيبة ويختلفون في حكمها فيها، فيُوهِم أنّ الإجماع المذكور يقتضي عدم جوازها حينئذٍ بدون الفقيه، والحال أنها في حال الغيبة لا تجب عندهم عيناً، وذلك شرط الواجب العيني خاصة.

ومن هنا ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم جوازها حال الغيبة؛ لفقد الشرط

ص: 163


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 108 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- قال به الحلبي في الكافي في الفقه، ص 151.
3- الجمعة (62) :9
4- الكافي، ج 3، ص 418 باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب.
5- البيان، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
6- منهم الشيخ في النهاية، ص 302.
7- منهم العلامة في تذكرة الفقهاء ، ج 4، ص 27، المسألة 389

المذكور(1)؛ ويُضَعَّف بمنع عدم حصول الشرط أوّلاً؛ لإمكانه بحضور الفقيه، ومنع اشتراطه ثانياً ؛ لعدم الدليل عليه من جهة النصّ فيما علمناه، وما يظهر من جعل مستنده الإجماع فإنّما هو على تقدير الحضور، أما في حال الغيبة، فهو محل النزاع فلا يجعل دليلاً فيه مع إطلاق القرآن الكريم (2)بالحثّ العظيم المؤكَّد بوجوه كثيرة، مضافاً إلى النصوص المتضافرة على وجوبها بغير الشرط المذكور (3)، بل في بعضها ما يدلّ على عدمه(4). نعم يُعْتَبر اجتماع باقي الشرائط ومنه الصلاة على الأئمة ولو إجمالاً ولا ينافيه ذكر غيرهم. ولولا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوّة، فلا أقل من التخييري مع رجحان الجمعة.

وتعبيرُ المصنفِ وغيره بإمكان الاجتماع يريد به الاجتماع على إمام عدل(5)؛ لأنّ ذلك لم يتفق في زمن ظهور الأئمّة غالباً، وهو السرّ في عدم اجتزائهم بها عن الظهر مع ما نُقِلَ من تمام محافظتهم عليها (6)، ومن ذلك سَرَى الوهم.

(واجتماع خمسة) فصاعداً أحدهم الإمامُ في الأصح. وهذا يشمل شرطين : أحدهما: العدد وهوالخمسة في أصح القولين (7)، لصحة مستنده(8)، وقيل: سبعة(9).

ص: 164


1- منهم السيد المرتضى راجع رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 272 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 303 - 304 : والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 177
2- الجمعة (62): 9
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 20 - 21 ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها.
4- هو صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق ( عليه الصلاة والسلام) قال: «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد والجمعة واجبة على كلّ أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة المرأة، والمملوك، والمسافر، والمريض والصبي». (منه رحمه الله) راجع تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 636.
5- أعم من أن يكون الإمام أو نائبه الخاص أو العام، وكذا الفقيه حال الغيبة. (منه رحمه الله)
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 21
7- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 164.
8- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 636.
9- قال به الشيخ في النهاية، ص 103.

ويُشترط كونهم ذكوراً أحراراً مكلفين مقيمين سالمين عن المرض والبُعْدِ المُسْقِطَيْن، وسيأتي ما يدلّ عليه.

وثانيهما : الجماعةُ بأن يَأْتموا بإمام منهم فلا تصح فرادى. وإنّما يُشتَرَطان في الابتداء لا في الاستدامة، فلو انْفَضَ العدد بعد تحريم(1) الإمام أتمَّ الباقون ولو فرادى مع عدم حضور من ينعقد به الجماعة وقبله تسقط، ومع العود في أثناء الخطبة يُعاد ما فات من أركانها.

(وتسقُط) الجمعة ( عن المرأةِ (2)) والخنثى للشكّ في ذُكوريَّته الذي هو شرط الوجوب. (والعبدِ) وإنْ كان مُبَعضاً واتفقت في نوبته مها ياً، أم مُدَبَّراً، أم مكاتباً لم يؤدِّ جميعَ مال الكتابة : (والمسافرِ) الذي يلزمه القصرُ في سفره، فالعاصي به وكثيره وناوي إقامة عشرة كالمقيم؛ (والهم(3)) وهو الشيخ الكبير الذي يعجز عن حضورها أو يشق عليه مشقةً لا تُتَحَمَّل عادة،( والأعمى) وإن وجد قائداً أو كان قريباً من المسجد، (والأعرج) البالغ عَرَجُه حدَّ الإقعاد، أو الموجبِ لمشقة الحضور كالهم. (وَمَن بَعُدَ(4)) منزله عن موضع تقام فيه الجمعة كالمسجد بأزيد من فرسخين والحال أنه يتعذر عليه إقامتها عنده أو فيما دون فرسخ.

(ولا ينعقد جمعتان في أقل من فرسخ) بل يجب على من يشتمل عليه الفرسخ

ص: 165


1- في «س»: «تحرم».
2- جب عليها مع الحضور، ولا ينعقد بها لو كانت تمام العدد (زین رحمه الله)
3- البالغ حد الإقعاد : للآية [الفتح (48): 17]، وانتفاء الحرج ولو لم يبلغ حدّ الإقعاد وانتفت المشقة وجب الحضور. ولو حصلت فالظاهر السقوط إذا لم يتحمّل مثلها عادة ذكرى الشيعة[ ج 4 ص 39، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8] (زين رحمه الله)
4- تنبيه لو زاد البعد على فرسخين وحصلت عنده الشرائط تخيّر بين فعلها في بلده وبين السعي إلى الجمعة الأخرى، ولا يجوز الإخلال بهما. ولو لم تحصل عنده الشرائط سقط الوجوب ولو بعد بفرسخين إلى فرسخ فإن اجتمعت الشرائط عنده تخيّر وإلا وجب الحضور. ولو نقص عن فرسخ فالحضور ليس إلا. ذكرى الشيعة [ج 4. ص 40، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8]( زين رحمه الله )

الاجتماع على جمعة واحدة كفايةً. ولا يختص الحضور بقوم إلا أن يكون الإمام فيهم(1)، فمتى أَخَلّوا به أتموا جميعاً.

ومحصل هذا الشرط وما قبله أن من بعد عنها بدون فرسخ يتعين عليه الحضور ومن زاد عنه إلى فرسخين يتخيّر بينه وبين إقامتها عنده، ومن زاد عنهما يجب إقامتها عنده أو فيما دون الفرسخ مع الإمكان، وإلا سقطت.

ولو صلّوا أزيد من جمعة فيما دون الفرسخ صحت السابقة خاصة، وتعيد اللاحقة ظهراً، وكذا المشتبهةُ مع العلم به في الجملة. أما لو اشتبه السبقُ والاقترانُ وجب إعادة الجمعة مع بقاء وقتها خاصةً على الأصح مجتمعين أو متفرقين بالمعتبر، والظهر مع خروجه.

(ويحرم السفر) إلى مسافة أو الموجب تفويتها (بعد الزوال على المكلف بها) اختياراً، لتفويته الواجب وإنْ أمكنه إقامتها في طريقه ؛ لأنّ تجويزه على تقديره دوري (2). نعم يكفي ذلك في سفر قصير لا يُقَصَّر فيه، مع احتمال الجواز فيما لا قصر فيه مطلقاً،

". لعدم الفوات. وعلى تقدير المنع في السفر الطويل يكون عاصياً به إلى محل لا يمكنه فيه العود إليها، فتُعتبر المسافة حينئذ. ولو اضطر إليه شرعاً كالحج حيث يفوت الرفقه، أو الجهادِ حيث لا يَحْتَمِل الحالُ تأخيره، أو عقلاً بأداء التخلف إلى فوات غرض يضرّ به فواتُه لم يحرم؛ والتحريم على تقديره مؤكد، وقد روي: «أنّ قوماً سافروا كذلك فخُسِف بهم (3)

ص: 166


1- الأولى أن يراد بالإمام هنا من تجب الجمعة معه عيناً، أو كفاية. هذا إذا اختص الإمام بأحد الأقوام المتفرقين. ووجوب حضور غيرهم حينئذٍ ظاهر : لإمكان إقامة من عندهم الإمام الجمعة دون غيرهم ؛ فيجب على غيرهم الحضور عندهم ؛ لوجوب الجمعة عليهم، ولا يتم إلا به، فيجب من باب المقدمة. ولو تعدّد الإمام مع الجميع وجب الاجتماع عليهم جميعاً كفاية كما ذكر ؛ لإمكان إقامة الجميع الصلاة عندهم من تلك الجمعة ؛ لكن لما لم تنعقد في أقل من الفرسخ إلا واحدة وجب عليهم كفاية السعي على وجه يحصل معه صحة الصلاة، وهو الاجتماع على جمعة واحدة. ولو فرض أنّ الإمام لم يجتمع عنده من يكمل به الجمعة وجب عليه الاجتماع مع من يكمل به كفاية ثم تسقط عنهم، ويجب على غيرهم الاجتماع عيناً. (منه رحمه الله)
2- لأنه إذا جاز السفر مع إمكانها في الطريق صار طاعة، فيجب القصر فتسقط، فيلزم تفويتها به فيحرم، فيجب إتمام صلاته، فلا تفوت فلا يحرم فتقصر فتفوت، وهو دور. (منه رحمه الله)
3- نور اللمعة في خصائص الجمعة، ص 59 ، ح .99 - 100 .

وآخرون اضطَرَم عليهم خباؤُهم من غير أن يَرَوا ناراً»(1) .

( ويُزاد في نافلتها ) عن غيرها من الأيام (أربعُ رَكَعَاتٍ ) مضافةً إلى نافلة الظهرين يصير الجميع عشرين، كلُّها للجمعة فيها، (والأفضل جعلها )أي العشرين (سُداسَ) مفرَّقةً ستّاً ستّاً (في الأوقات الثلاثة) المعهودة وهي انبساط الشمس بمقدار ما يذهب

شعاعها وارتفاعها وقيامها وسط النهار قبل الزوال. (وركعتان) وهما الباقيتان من العشرين عن الأوقات الثلاثة تُفعَل عند الزوال بعده على الأفضل، أو قبله بيسير على رواية (2). ودون بسطها كذلك جعل ست الانبساط بين الفَرْضَيْن ودونه فِعْلُها أجمع يوم الجمعة كيف أتفق.

(والمزاحَم) في الجمعة ( عن السجود ) في الركعة الأولى يسجد بعد قيامهم عنه و(يلتحق) ولو بعد الركوع، (فإن) لم يَتَمَكَّن منه إلى أن سجد الإمام في الثانية و(سجد مع ثانية الإمام نوى بهما) الركعة (الأولى)؛ لأنه لم يسجد لها بعد، أو يُطلق فتنصر فان إلى ما في ذمته، ولو نوى بهما الثانية بطلت الصلاة ؛ لزيادة الركن في غير محله. وكذا لو زوحم عن ركوع الأولى وسجودِها، فإن لم يدركهما مع ثانية الإمام فاتت الجمعة ؛ لاشتراط إدراك ركعة منها معه، واستأنف الظهر، مع احتمال العدول لانعقادها صحيحة والنهي عن قطعها مع إمكان صحتها(3).

صلاة العيدين

(ومنها: صلاة العيدين) واحدُهما عيد، مشتق من العود : لكثرة عوائد الله تعالى فيه على عباده وعودِ السرور والرحمة بعوده. وياؤُه منقلبة عن واو وجمعه على أعياد غير قياس؛ لأنّ الجمعَ يُرَدّ إلى الأصل والتزموه كذلك للزومِ الياء في مفرده وتميزه عن جمع العُود.

(وتجب) صلاة العيدين وجوباً عينياً (بشروط الجمعة) العينية، أما التخييرية،

ص: 167


1- نور اللمعة في خصائص الجمعة، ص 59. ح 99 - 100 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 247، ح 677.
3- راجع السرائر، ج 3، ص 592

فكاختلال الشرائط لعدم إمكان التخيير هنا، والخطبتان بعدها بخلاف الجمعة.

ولم يَذْكُر وقتها وهو ما بين طلوع الشمس والزوال. وهي ركعتان كالجمعة.

(ويجب فيها التكبير زائداً عن المعتاد ) من تكبيرة الإحرام وتكبير الركوع والسجود (خمساً في )الركعة (الأولى وأربعاً في الثانية) بعد القراءة فيهما في المشهور ( والقنوتُ بينها (1)) على وجه التجوّز، وإلّا فهو بعد كلّ تكبير. وهذا التكبير والقنوت جزءان منها، فيجب حيث تجب، ويُسَنُّ حيث تسنّ، فتبطل بالإخلال بهما عمداً على التقديرين.

(ويُستحبّ) القنوت (بالمرسوم) وهو : «اللهم أهل الكبرياء والعظمة ... (2)» إلى آخره، ويجوز بغيره وبما سَنَح.

(ومع اختلال الشروط) الموجِبَةِ (تُصَلَّى جماعةً وفرادى مستحبّاً) ولا يُعتبر حينئذ تباعد العيدين بفرسخ، وقيل: مع استحبابها تصلى فرادى خاصة.(3) وتسقط الخطبة في الفرادى (ولو فاتت ) في وقتها لعذر وغيره (لم تُقضَ) في أشهر القولين للنص(4) (5). وقيل: تُقضى كما فاتت(6)، وقيل: أربعاً مفصولة(7)، وقيل: موصولةً (8)، وهو ضعيف المأخذ.

ص: 168


1- ولا يتحمّل الإمام هذا التكبير ولا القنوت، وإنما يتحمّل القراءة. ويحتمل تحمّل الدعاء، ويكفي عن دعاء المأمومين. وهذا لم أقف فيه على نص. ولو قلنا بالتحمّل فيه فدعا المأموم فلا بأس، سواء كان بدعاء الإمام أو غيره. وعدم تحمّل الإمام القنوت في اليومية يدلّ بطريق أولى على عدم تحمّله هنا ذكرى الشيعة ج 4، ص 95 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8] (زين رحمه الله )
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 139، ح 314.
3- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 194.
4- قوله: «للنص» النص هو صحيح زرارة: «من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه». (منه رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 129، ح 276.
6- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 320
7- نسبه إلى ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 278، المسألة 166.
8- نسبه إلى علي بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 278، المسألة 166.

ويُستحب الإصحار بها ) مع الاختيار للاتباع(1)( إلا بمكة) فمسجدها أفضل (وأن يطعم) - بفتح حرف المضارعة فسكون الطاء ففتح العين - مضارع «طَعِمَ» بكسرها - ك-«علم»، أي يأكُلَ (في) عيد (الفطر قبل خروجه) إلى الصلاة، (وفي الأَضْحَى بعد عوده من أُضْحِيَّته) - بضم الهمزة وتشديد الياء - للاتباع(2)، والفرق لائح.

ولْيَكُن الفَطْرُ في الفِطر على الحُلو؛ للاتباع، وما رُوِيَ شاذاً من الإفطار فيه على التربة المشرفة (3)محمول على العلة جمعاً.

(ويُكرَه التنفّلُ قبلها ) بخصوص القبلية (4)(وبعدها) إلى الزوال بخصوصه للإمام والمأموم (إلّا) بمسجد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ) فإنّه يُستحب أن يقصده الخارج إليها ويصلي به ركعتين قبل خروجه، للاتباع (5)نعم لو صُلِّيَتْ في المساجد لعذر أو غيره استُحِبَّ صلاة التحيّة للداخل وإن كان مسبوقاً والإمام يخطب، لفوات الصلاة المُسْقِط للمتابعة.

(ويُستحب التكبير) في المشهور، وقيل: يجب(6)؛ للأمر(7) به (في الفطر عقيب أربع) صلواتٍ (أوّلها المغرب ليلته، وفي الأضحَى عقيب خمسَ عَشْرَة) صلاةً للناسك (بمنى، و) عقيب (عشْرٍ بغيرها) وبها لغيره ، (أوّلها ظهرُ النَحْر) وآخرها صبح آخر التشريق أو ثانيه ولو فات بعض هذه الصلوات كبر مع قضائها، ولو نَسِيَ التكبير خاصةً أَتَى به حيث ذكر.

(وصورته: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما

ص: 169


1- الفقيه، ج 1، ص 508، ح 1468.
2- الفقيه ، ج 1، ص 508، ح 1466.
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا(عليه السلام) ، ص210.
4- نبه بالخصوص على أن قبلها ربما كره بوجه آخر ككونه بعد الطلوع قبل ذهاب الشعاع، أو بعد الارتفاع، وكذا بعدها ؛ وذلك وجه آخر للكراهة غير ما ذكر هنا (منه رحمه الله )
5- تهذيب الأحكام ، ج 3، ص 138 ، ح 308
6- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 171 - 172، المسألة .72
7- البقرة (2): 185 و 203

هدانا». ويَزِيد في) تكبير (الأضحى) على ذلك («الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»). وروي فيهما غير ذلك بزيادة ونقصان(1). وفي الدروس اختار «الله أكبر» ثلاثاً، لا إله إلا الله والله أكبر، الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا»(2). والكلُّ جائز، وذكر الله حسن على كل حال.

( ولو اتَّفق عيدٌ ،وجمعة، تخيَّر القَرَوى) الذي حضرها في البلد من قريته، قريبةً كانت أم بعيدة (بعد حضور العيد في حضور (الجمعة) فيصليها واجباً، وعدمه فتسقُطُ ويصلي الظهر، فيكون وجوبها عليه تخييرياً.

والأقوى عموم عموم التخيير لغير الإمام، وهو الذي اختاره المصنف في غيره(3)، أما هو فيجب عليه الحضور، فإن تمّت الشرائط صلاها وإلا سقَطَتْ عنه ويُستحب له إعلامُ الناس بذلك في خطبة العيد.

(ومنها :)

صلاة الآيات

جمع آية وهي العلامة، سمّيت بذلك الأسباب المذكورة ؛

لأنها علامات على أهوال الساعة وأخاويفها وزلازلها وتكوير الشمس والقمر. (و) الآيات التي تجب لها الصلاة (هي (الكسوفان) كسوف الشمس وخسوفُ القمر. تناهما باسم أحدهما تغليباً أو لإطلاق الكسوف عليهما حقيقةً كما يُطلق الخسوف على الشمس أيضاً. واللام للعهد الذهني وهو الشائع من كسوف النيرين دون باقي الكواكب أو انكساف الشمس بها.

(والزَلزَلَةُ(4)) وهي رجفة الأرض؛ (والريحُ السوداء أو الصفراء، وكلُّ مُخَوّفٍ سماوي) كالظُّلمةِ السوداء و الصفراء المُنْفَكَّةِ عن الريح، والريح العاصفة زيادة على المعهود وإن انفَكَّتْ عن اللونين أو اتصفت بلون ثالث، وضابطه ما أَخاف مُعْظَمَ الناس.

ص: 170


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 3، ص 138، باب صلاة العيدين.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 96 - 97 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 115 ؛ البيان، ص 197 [ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12].
4- لو علم بعض أهل البلد بالزلزلة ولم يعلم الباقي بها وجبت الصلاة على الجميع. (زين رحمه الله)

ونسبة الأخاويف إلى السماء باعتبار كون بعضها فيها ، أو أراد بالسماء مطلق العلو، أو المنسوبة إلى خالق السماء ونحوه ؛ لإطلاق نسبته إلى الله تعالى كثيراً. ووجه وجوبها للجميع صحيحة زرارة عن الباقر(عليه السلام)(1)المفيدة للكلّ، وبها يُضَعَّف قولُ من خصها بالكسوفين(2)، أو أضاف إليهما شيئاً مخصوصاً كالمصنِّف في الألفية(3).

وهذه الصلاة ركعتان في كلّ ركعة سجدتان وخمس ركوعات وقيامات وقراءات. (وتجب فيها النية والتحريمة وقراءة الحمدِ وسورة، ثمّ الركوع ثمّ يرفع رأسه منه إلى أن يصير قائماً مطمئناً، (ويقرأهما هكذا خمساً، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم إلى الثانية ويصنع كما صنع أوّلاً). هذا هو الأفضل، (ويجوز له) الاقتصار على (قراءة بعض السورة(4) ) ولو آيةً (لكلّ ركوع، ولا يحتاج إلى ) قراءة (الفاتحة إلّا في) القيام (الأول). ومتى اختار التبعيض( فيجب إكمال سورة في كلّ ركعة مع الحمد مرّةً) بأن يقرأ في الأوّل الحمد وآيةً ثمّ يُفرِّق الآياتِ على باقي القيامات بحيث يُكْمِلُها في آخرها.

(ولو أتمَّ مع الحمد في ركعة سورة) أي قرأ في كلّ قيام منها الحمد وسورةً تامّةً (وبعض في) الركعة (الأُخرى) كما ذكر (جاز، بل لو أتم السورة في بعض الركوعات وبَعض في آخَرَ جاز).

والضابط : أنه متى ركع عن سورةٍ تامّةٍ وجب في القيام عنه الحمد، ويتخيَّر بين إكمال سورة معها وتبعيضها، ومتى ركع عن بعض سورة تخيّر في القيام بعده بين القراءة

ص: 171


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 330
2- راجع الكافي في الفقه، ص 155
3- الرسالة الألفية، ص 157 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
4- لو قرأ في القيام الأوّل بعض السورة ثمّ قام إلى الثاني فالأقرب تخييره بين ثلاثة أشياء: بين رفضها وإعادة الحمد، وبين القراءة من موضع القطع، وبين القراءة من أي موضع شاء من السورة. مع احتمال منع هذا الأخير؛ لمخالفة المعهود. وحينئذ لو اقتصر على شيء من هذه السورة في الخمس لم يجز : لما بينا من وجوب إكمال سورة. ذكرى الشيعة [ج 4، ص 110 - 111، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8] (زين رحمه الله)

من موضع القطع ومن غيره من السورة متقدّماً ومتأخّراً ومن غيرها. وتجب إعادة الحمد فيما عدا الأوّل مع احتمال عدم الوجوب في الجميع، ويجب مراعاة سورة فصاعداً في الخمس ومتى سجد وجب إعادة الحمد سواء أكان سجوده عن سورة تامة أم بعض سورة، كما لو كان قد أتمّ سورةً قبلها في الركعة ثم له أن يبنى على ما مَضَى أو يَشرَعَ في غيرها، فإن بني عليها وجبت سورة غيرها كاملة في جملة الخمس.

(ويُستحَبّ القنوتُ عقيب كل زوج) من القيامات تنزيلاً لها منزلة الركعات، فيقنت قبل الركوع الثاني والرابع وهكذا؛ (والتكبير للرفع من الركوع) في الجميع عدا الخامس والعاشر من غير تسميع وهو قرينة كونها غير ركعات، (والتسميع) وهو قول: « سمع الله لمن حمده »(في الخامس والعاشر ) خاصةً تنزيلاً للصلاة منزلة ركعتين. هكذا ورد النص (1) بما يوجب اشتباه حالها، ومن ثُمَّ حصل الاشتباه لو شُكٍّ في عددها نظراً إلى أنها ثنائية أو أزيد.

والأقوى أنها فى ذلك ثنائية وأنّ الركوعات أفعال، فالشك فيها في محلّها يوجب فعلها، وفي عددها يوجب البناء على الأقلّ، وفي عدد الركعات مبطل.

(وقراءة) السور (الطوال) ك-«الأنبياء» و «الكهف» (مع السعة) ويُعلم ذلك بالإرصادِ وإخبارِ مَن يفيد قولَه الظَّنَّ الغالب مِن أهله أو العدلين، وإلا فالتخفيف أولى حذراً من خروج الوقت خصوصاً على القول بأنه الأخذ في الانجلاء(2). نعم لو جعلناه إلى تمامه اتجه التطويلُ، نظراً إلى المحسوس. (والجهر فيها) وإن كانت نهارية على الأصح(3) : (وكذا يَجْهَر فى الجمعة والعيدين) استحباباً إجماعاً.

(ولو جامعت) صلاة الآياتِ (الحاضرة) اليوميّة (قَدَّم ما شاء) منهما مع سعة

ص: 172


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 333
2- ذهب إليه السيّد المرتضى. راجع رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 46 .
3- خلافاً للعلامة باستحباب الإسرار في كسوف الشمس. راجع تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 154 المسألة 237.

وقتهما. (ولو تضيّقت إحداهما) خاصة (قدَّمها ) أي المضيَّقة، جمعاً بين الحقين. (ولو تَضَيَّقَتا) معاً

(فالحاضرة (1)) مقدّمة لأن الوقت لها بالأصالة، ثم إن بقي وقت الآيات صلاها أداءً وإلا سقطت إن لم يكن فرّط في تأخير إحداهما، وإلا فالأقوى وجوب القضاء.

(ولا تُصَلَّى) هذه الصلاة (على الراحلة (2)) وإن كانت معقولة (إلّا لعذر) كمرض وزَمَنِ يَشُق معهما النزول مشقةً لا تُتَحَمَّلُ عادةً فتصلى على الراحلة حينئذ (كغيرها من الفرائض )

(وتُقضَى) هذه الصلاة (مع الفوات وجوباً مع تعمّد الترك أو نسيانه) بعد العلم بالسبب مطلقاً (أو) مع

(استيعاب الاحتراق) للقرص أجمع (مطلقاً(3)) سواء علم به أم لم يعلم حتى خرج الوقت، أما لو لم يعلم به ولا استوعب الاحتراق فلا قضاء وإن ثبت بعد ذلك وقوعه بالبيِّنة أو التواتر في المشهور.

وقيل: يجب القضاء مطلقاً(4)، وقيل: لا يجب مطلقاً وإنْ تَعَمَّدَ ما لم يستوعب(5)، وقيل: لا يقضي الناسي ما لم يستوعب(6) .

ولو قيل بالوجوب مطلقاً فى غير الكسوفين وفيهما مع الاستيعاب كان قوياً، عملاً بالنصّ في الكسوفين(7)، وبالعمومات في غيرهما(8) .

ص: 173


1- فإن فاتت الكسوف ولم يكن فرّط فيها، ولا في تأخير الحاضرة فلا قضاء، وإلا وجب إن فرط فيها. والأقرب وجوبه إذا كان قد فرّط في الحاضرة. البيان ص 203، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
2- وتمسّك ابن الجنيد على جوازه بمكاتبة الرضا. ويحمل على الضرورة. البيان ص 204، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 : وراجع الكافي، ج 2، ص 465 ، باب صلاة الكسوف، ح 7] (زين رحمه الله)
3- سواء كان عامداً أو جاهلاً أو ناسياً.( زين رحمه الله)
4- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 173، المسألة 73
5- ذهب إليه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 3، ص 157، ذيل الحديث 338.
6- قال به الشيخ في النهاية، ص 136 - 137.
7- الكافي، ج 3، ص 465، باب صلاة الكسوف، ح 6.
8- عوالي اللآلي، ج 2، ص 054 ح 143

(ويُستحبّ الغسل) للقضاء ( مع التعمّد والاستيعاب وإنْ تَرَكَها جهلاً، بل قيل بوجوبها(1).

(وكذا يُستحبّ الغسل للجمعة). استطرد هنا ذكر الأغسال المسنونة لمناسبة ما. و وقته ما بين طلوع الفجر يومها إلى الزوال، وأفضله ما قَرُب إلى الآخر. ويُقضَى بعده إلى آخر السبت ، كما يُعَجِّلُه خائف عدم التمكن منه في وقته من الخميس.

(و) يَومَى (العيدين، و) (فرادی) شهر (رمضان) الخمس عشرة وهي العدد الفرد من أوله إلى آخره، (وليلة الفطر ) أوّلها (وليلتي نصف رجب وشعبان ) على المشهورِ في الأوّل والمروي في الثاني(2) : (و) يوم (المبعث) وهو السابع والعشرون من رجب على المشهور ؛ و (الغدير) وهو الثامن عشر من ذي الحِجّة؛ (و) يوم (المباهَلَة)(3) وهو رابع عشري ذي الحِجّة على الأصح، وقيل: خامس عشريه(4) (و) يوم (عرفة) وإن لم يكن بها، (ونَيْروز الفُرْس ) والمشهور الآن أنه يوم نزول الشمس في الحمل وهو الاعتدال الربيعي (والإحرام) للحج أو العمرة، (والطواف ) واجباً كان أم ندباً (وزيارة) أحد (المعصومين)، ولو اجتمعوا في مكان واحد تداخل كما يتداخل باجتماع أسبابه مطلقاً، (والسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة) أيامٍ من صلبه مع الرؤية، سواء في ذلك مصلوبُ الشرع وغيره؛ (والتوبة عن فسق أو كفر) بل عن مطلق الذنب وإن لم يوجب الفسق كالصغيرة النادرة ونبه بالتسوية على خلاف المفيد حيث خصه بالكبائر؛( وصلاة الحاجة ) و صلاة (الاستخارة) لا مطلقهما، بل في موارد مخصوصةٍ من أصنافهما ، فإنّ منهما ما يُفعل بغسل وما يُفعل بغيره على ما فُصِّل في محله .

( ودخول الحرم ) بمكة مطلقاً، (و) لدخول (مكة والمدينة) مطلقاً. وقيّد المفيد

ص: 174


1- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 211
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 117، ح 308
3- الخامس والعشرون من ذي الحجة (زين رحمه الله)
4- قال به المحقق في المعتبر، ج 1، ص 357.

دخول المدينة بأداء فرض أو نَفْلٍ، (و) دخول ( المسجدين) الحرميين، وكذا لدخول الكعبة وإن كانت جزءاً من المسجد إلا أنه يُستحب بخصوص دخولها. وتظهر الفائدة فيما لو لم يَنْوِ دخولها عند الغسل السابق فإنّه لا يدخل فيه، كما لا يدخل غسل المسجد في غسل دخول مكة إلا بنيته عنده وهكذا، ولو جَمَع المقاصد تداخلت.

الصلاة المنذورة

(ومنها:) الصلاة المنذورة(1) وشبهها ) من المعاهد والمحلوف عليه، (وهي تابعة للنذر المشروع ) وشبهه، فمتى نذر هيئة مشروعةً في وقت إيقاعها أو عدداً مشروعاً انعقدت .

واحتَرَز بالمشروع عمّا لو نذرها عند ترك واجب أو فعل محرَّم شكراً، أو عكسه زجراً، أو ركعتين بركوع واحد أو سجدتين ونحو ذلك، ومنه نذر صلاة العيد في غيره ونحوها.

وضابط المشروع ما كان فعله جائزاً قبل النذر في ذلك الوقت، فلو نذر ركعتين جالساً أو ماشياً أو بغير سورة أو إلى غير القبلة ماشياً أو راكباً ونحو ذلك انعقد، ولو أطلق فشرْطُها شرط الواجبة في أجود القولين(2).

صلاة النيابة

(ومنها: صلاة النيابة بإجارةٍ) عن الميت تبرّعاً أو بوصيَّته النافذة، (أو تَحَمُّل) من الوليّ وهو أكبر الولد الذكور ( عن )الأب لما فاته من الصلاة في مرضه أو سهواً أو مطلقاً، وسيأتي تحريره (وهي بحسب ما يَلْتَزِم به )كيفيّةً وكمّيّةً.

صلاة الاستسقاء

(ومن المندوبات صلاة الاستسقاء) وهو طلب السقيا، وهو أنواع أدناه الدعاء بلا صلاة ولا خَلْفَ صلاة، وأوسطه الدعاء خَلْفَ الصلاة، وأفضله الاستسقاء بركعتين وخطبتين.( وهي كالعيدين) في الوقتِ والتكبيرات الزائدة في الركعتين والجهر والقراءة والخروج إلى الصحراء وغير ذلك، إلا أنّ القنوت هنا بطلب الغَيثِ وتَوْفِيرِ المياه والرحمةِ. (ويُحَوِّل) الإمامُ وغيرُه (الرداء يمينا ويسارا) بعد الفراغ من الصلاة فيجعل

ص: 175


1- لو نذر صلاةٌ وفي ذمته صلاة صح، ولا يترتب إحداهما على الأخرى، إلا أن يتعين بزمان. (زين رحمه الله)
2- ذهب إليه العلامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 293

يمينه يساره وبالعكس، للاتباع(1) والتفأول، ولو جعل مع ذلك أعلاه أسفله وظاهره باطنه كان حسناً، ويُترك محوَّلاً حتّى يُنْزَع.

( ولتكن) الصلاة (بعد صوم ثلاثة ) أيام، أطلق بعديّتها عليها تغليباً؛ لأنها تكون في أوّل الثالث (آخرها (الاثنين) وهو منصوص(2) فلذا قدّمه، (أو الجمعة) لأنها وقت لإجابة الدعاء حتّى رُوي: «أنّ العبدَ لَيَسألُ الحاجة فيُؤَخَّرُ قضاؤُها إلى الجمعة»(3)، (و) بعد (التوبة) إلى الله تعالى من الذنوب وتطهير الأخلاق من الرذائل (ورد المظالم) لأنّ ذلك أرجى للإجابة، وقد يكون القحط بسبب هذه كما رُوي(4) . والخروج من المظالم من جملة التوبة جزءاً أو شرطاً، وخصها اهتماماً بشأنها. وليَخرُجوا حُفاةً ونعالهم بأيديهم في ثيابِ بِذْلَةٍ وتَخَشُعٍ، ويُخرِجون الصبيان والشيوخ والبهائم؛ لأنهم مظنة الرحمة على المذنبين، فإن سُقوا، وإلا عادوا ثانياً وثالثاً من غير قُنوطٍ، بانِينَ على الصوم الأول إن لم يُفطروا بعده، وإلا فبصومٍ مستأنف.

نافله شهر رمضان

(ومنها: نافله شهر رمضان وهى) في أشهر الروايات (5)(ألفُ رَكعةٍ) موزّعةٌ على الشهر( غيرُ الرواتب في) الليالي (العشرين) الأول (عشرون كل ليلة ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء(6))، ويجوز العكس، (وفي) كلّ ليلة من (العشر الأخير ثلاثون) ركعةً، ثمانٍ منها بعد المغرب والباقي بعد العشاء، ويجوز اثنتا عشرَةَ بعد المغرب والباقي بعد العشاء، (وفي ليالي الإفراد ) الثلاثِ وهي التاسعة عشرةَ والحادية والعشرون والثالثة والعشرون (كلّ ليلة مائة )مضافةً إلى ما عُيِّن لها سابقاً. وذلك تمام الألف خمسمائة في العشرين وخمسمائة في العشر.

ص: 176


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 150، ح 324.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148 - 149، ح 322.
3- المحاسن، ج 1، ص 131، ح 106/157.
4- الفقيه ، ج 1، ص 524 ، ح 1490.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 66، ح 218.
6- ونافلتها :(زين رحمه الله )

(ويجوز الاقتصارُ عليها فيُفرِّق الثمانين) المتخلفة وهي العشرون في التاسعة عشر والستون في الليلتين بعدها (على الجُمَع) الأربع، فيصلي في يوم كلّ جمعة عشراً بصلاة علي وفاطمة وجعفر(1) . ولو اتفق فيه خامسة تخيّر في الساقطة. ويجوز أن يَجعَل لها قسطاً يتخيّر في كمّيّته؛ وفي ليلة آخر جمعةٍ عشرون بصلاة علي (عليه السلام)وفي ليلة آخِر سَبْتٍ عشرون بصلاة فاطمة (عليها السلام). وأطلق تفريق الثمانين على الجُمَع - مع وقوع عشرين منها ليلة السبت - تغليباً، ولأنها عشيّة جمعة تُنسب إليها في الجملة. ولو نقص الشهرُ سقطت وظيفة ليلة الثلاثين. ولو فات شيء منها استُحِبّ قضاؤُه ولوْ نهاراً وفي غيره، والأفضل قبل خروجه.

نافلة الزيارة

(ومنها: نافلة الزيارة ) للأنبياء والأئمة(عليهم السلام). وأقلها ركعتان تُهدَى للمَزُور، و وقتها بعد الدخول والسلام، ومكانها مشهده وما قارَبَه، وأفضله عند الرأس بحيث يجعل القبر على يساره ولا يستقبل شيئاً منه.

(و) صلاة (الاستخارة) بالرقاع الست وغيرها، (و) صلاة (الشكر) عند تجدّدِ نعمة أو دفع نقمة على ما رُسِم في كتبٍ مُطَوَّلَةٍ أو مختصة به، (وغير ذلك) من الصلوات المسنونة كصلاة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) يوم الجمعة وعلي وفاطمة وجعفر وغيرهم (عليهم السلام).

وأما النوافل المطلقة، فلا حصر لها فإنّها «قربان كلّ تقيّ»(2) و «خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر»(3).

ص: 177


1- (عليهم السلام)
2- الفقيه ، ج 1، ص 210 . ح 637 : نهج البلاغة، ص 494 الحكمة 136
3- الخصال، ص 523، أبواب العشرين وما فوقها، ح 13؛ معاني الأخبار، ص 332 - 333، ح 1.

الفصل السابع في بيان أحكام الخَلَلِ الواقع في الصلاة الواجبة

اشارة

(وهو) أي الخَلَل (إمّا ) أن يكون صادراً ( عن عمدٍ) وقصد إلى الخلل، سواء أكان عالماً بحُكمه أم لا، أو سهو) بعُزُوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه إهمال بعض الأفعال (أو شكّ) وهو تردُّدُ الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما على الآخر. والمراد بالخَلَل الواقع عن عمدٍ وسهوٍ ترك شيء من أفعالها، وبالواقع عن شكّ النقص الحاصل للصلاة بنفس الشك لا أنه كان سبباً لترك كقسيميه.

(ففي العمد تبطل) الصلاة (بالإخلال) أي بسبب الإخلال (بالشرط) كالطهارة والستر (أو الجزء) وإنْ لم يكن ركناً كالقراءة وأجزائها حتى الحرف الواحد ومن الجزء الكيفية ؛ لأنّها جزء صوري (ولؤكان المخلُ (جاهلاً) بالحكم الشرعي كالوجوب أو الوضعي كالبطلان( إلّا الجهر والإخفات ) في مواضعهما فيُعْذَر الجاهل بحكمهما وإنْ عَلِم به في محلّه، كما لو ذكر الناسي.

(وفي السهو تبطل ما سلف (1)) من السهو عن أحد الأركان الخمسة إذا لم يذكره حتّى تَجاوَز محلّه.

(وفي الشكّ) في شيء من ذلك (لا يلتفت(2) إذا تجاوز محله) والمراد بتجاوز محلّ

ص: 178


1- أي الأركان أو الشروط. (زين رحمه الله)
2- ولا فرق بين العالم والجاهل بالحكم؛ لأنه قد ضم جهلاً إلى تقصير ، وقد استثنى الأصحاب الجهر والإخفات. ذكرى الشيعة ج 3 ص 409، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 (زين رحمه الله)

الجزء المشكوك فيه الانتقال إلى جزءٍ آخَرَ بعده، بأن شك في النية بعد أن كبر، أو في التكبير بعد أن قرأ أو شرع فيهما، أو في القراءة وأبعاضها بعد الركوع، أو فيه بعد السجود، أو فيه أو في التشهد بعد القيام. ولو كان الشكّ في السجود بعد التشهد أو في أثنائه ولمّا يَقُمْ ففي العود إليه قولان(1)، أجودهما العدم أمّا مقدّمات الجزء - كالهُوِيِّ والأخذ في القيام قبل الإكمال - فلايعد انتقالاً إلى جزء، وكذا الفعل المندوب كالقنوت.

(ولو كان) الشكّ (فيه) أي في محلّه (أتى به )لأصالة عدم فِعْلِه، (فلو ذكر فعله) سابقاً بعد أن فَعَلَه ثانياً (بطلت) الصلاة (إن كان ركناً) لتحقق زيادة الركن المُبْطِلة وإنْ كان سهواً. ومنه ما لو شَكٍّ في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر فِعله قبل رَفْعِه، في أصح القولين (2)؛ لأنّ ذلك هو الركوع والرفع منه أمر زائد عليه كزيادة الذكر والطمأنينة؛ (وإلّا) يكن ركناً (فلا) إبطال لوقوع الزيادة سهواً.

( ولو نَسِيَ غيرَ الركن) من الأفعال ولم يذكر حتّى تجاوز محله (فلا التفات) بمعنى أنّ الصلاة لا تبطل لذلك، ولكن قد يجب له شيءٌ آخَرُ من سجودٍ أو قضاء أو هما كما سيأتي( ولو لم يتجاوز محله أتى به ). والمراد بمحلّ المَنْسِيِّ ما بينه وبين أن يصير في ركن أو يستلزم العودُ إلى المنسي زيادة ركن، فمحل السجود والتشهد المنسيّين ما لم يركع في الركعة اللاحقة له وإن قام؛ لأن القيام لا يتمخض للركنية إلى أن يركع كما مرّ، وكذا القراءة وأبعاضُها وصفاتها بطريق أولى. وأما ذكر السجود وواجباته غيرُ وَضع الجبهة، فلا يعود إليها متى رفع رأسه وإن لم يدخل في ركن. وواجبات الركوع كذلك : لأنّ المودَ إليها يستلزم زيادة الركن وإن لم يدخُل في ركن.

(وكذا الركنُ) المنسي يأتي به ما لم يدخل في ركن آخَرَ، فيرجع إلى الركوعِ ما لم يَصِرْ ساجداً، وإلى السجودِ ما لم يبلغ حد الراكع. جدة

وأما نسيان التحريمة إلى أن شرع في القراءة، فإنه وإن كان مبطلاً مع أنه لم يدخل

ص: 179


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 179؛ و إلى العود إلى السجود في النهاية، ص 92.
2- ذهب إليه العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 318، المسألة 343؛ وإلى عدم البطلان الشيخ في النهاية، ص 92.

في ركن إلّا أنّ البطلان مستند إلى عدم انعقاد الصلاة من حيث قوات المقارنة بينها وبين النية - ومن ثُمَّ جعل بعض الأصحاب المقارنة ركناً (1)- فلا يحتاج إلى الاحتراز عنه ؛ لأنّ الكلام في الصلاة الصحيحة.

(ويقضي) من الأجزاء المنسيَّة التي فات محلُّها (بعد) إكمال (الصلاةِ السجدة) الواحدة (والتشهد(2)) أجمع، ومنه الصلاة على محمّد وآله ؛(والصلاة على النبي وآله) لو نسيها منفردةً. ومثله ما لو نَسِيَ أحد التشهدين فإنه أولى بإطلاق التشهد عليه.

أما لو نَسِي الصلاة على النبي خاصةً أو على آله خاصةً فالأجود أنه لا يُقضى، كما لا يُقضى غيرُها من أجزاء التشهد على أصح القولين (3)، بل أنكر بعضهم قضاء الصلاة على النبي وآله(4) ، لعدم النصّ، وردّه المصنف في الذكرى بأنّ التشهد يُقضى بالنصّ (5)فكذا أبعاضه تشوية بينهما (6) .

وفيه نظر؛ لمنع كلّية الكبرى وبدونها لا يفيد؛ وسند المنع أن الصلاة مما تُقضى ولا يُقضى أكثرُ أجزائها، وغيرُ الصلاة من أجزاء التشهد لا يقول هو بقضائه مع ورود دليله فيه. نعم قضاء أحد التشهدين قوي؛ لصدق اسم التشهد عليه لا لكونه جزءاً، إلا أن يُحمّل التشهد على المعهود والمراد بقضاء هذه الأجزاء الإتيان بها بعدها من باب﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ ﴾(7) لا القضاء المعهود، إلا مع خروج الوقت قبله.

(ويسجد لهما )كذا في النسخ بتثنية الضمير جَعْلاً للتشهد والصلاة بمنزلة واحدٍ لأنها جزؤه، ولو جمعه كان أجود، (سَجدَتَي السهو ) والأولى تقديم الأجزاء على

ص: 180


1- نقله عن السيد حسن بن السيد جعفر العاملي في مفتاح الكرامة ، ج 9، ص 284
2- ولو أحدث قبله أو قبل [قضاء] السجدة المنسيّة ،فوجهان أقربهما صحة الصلاة، ويتطهر ويأتي بالمنسي. الدروس الشرعية ج 1 ، ص 126، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9. (زين رحمه الله)
3- وأما وجوب القضاء لابن فهد في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 106.
4- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 257.
5- الكافي، ج 3، ص 448 ، باب صلاة النوافل، ح 22 .
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 422 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
7- الجمعة .(62): 10

السجود لها كتقديمها عليه لسبب غيرها وإنْ تقدّم، وتقديمُ سجودها على غيره وإنْ تقدّم سببه أيضاً. وأوجب المصنّف ذلك كله في الذكرى(1) لارتباط الأجزاء بالصلاة وسجودِها بها.

(ويجبان أيضاً) مضافاً إلى ما ذكر(للتكلّم ناسياً وللتسليم في الأوليين ناسياً) بل للتسليم في غير محله مطلقاً. (و) الضابط وجوبهما (للزيادة أو النقيصة غير المبطلة (2) ) للصلاة، لرواية سفيان بن السمط عن الصادق(عليه السلام)(3). ويتناول ذلك زيادة (2) المندوب ناسياً ونقصانه حيث يكون قد عزم على فعله كالقنوت والأجود خروج الثاني؛ إذ لا يسمى ذلك نقصاناً. وفي دخول الأوّل نظر ؛ لأنّ السهو لا يزيد عن العمد.

وفي الدروس : أنّ القول بوجوبهما لكلّ زيادة ونقصان لم نظفر بقائله ولا بمأخذه (4). والمأخذ ما ذكرناه، وهو من جملة القائلين به، وقبله الفاضل (5)، وقبلهما الصدوق(6).

(وللقيام في موضع قعود وعكسه ) ناسياً، وقد كانا داخلين في الزيادة والنقصان وإنّما خصهما تأكيداً؛ لأنه قد قال بوجوبه لهما من لم يقل بوجوبه لهما مطلقاً(7).

(وللشكّ بين الأربع والخمس) حيث تصح معه الصلاة.

( وتجب فيهما النية ) المشتملة على قصدِهما وتعيين السبب إن تعدد، وإلا فلا.

ص: 181


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 465 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
2- نقله الشيخ ولم نظفر بقائله، ولا بمأخذه إلا رواية الحلبي عن الصادق(عليه السلام) : «إذا لم تدر أربعاً صليت أم خمساً، زدت أو نقصت فتشهد وسلّم واسجد سجدتي السهو» تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772: الاستبصار، ج 1، ص 380 ، ح 1441]. وليست صريحة في ذلك؛ لاحتمالها الشك في زيادة الركعات ونقصانها، أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه، وذلك غير المدعى، إلا أن يقال بأولوية المدعى على المنصوص الدروس الشرعية ج 1. ص 127، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 (زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 155، ح 208
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 127 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 1 ، ص 306، الرقم 1046.
6- الفقيه، ج 1، ص 340، ذيل الحديث 993.
7- كابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 113.

واستقرب المصنِّف في الذكرى اعتباره مطلقاً (1)وفي غيرها عدمه مطلقاً(2). واختلف أيضاً اختياره في اعتبار نيّةِ الأداء أو القضاء فيهما وفى الوجه(3)، واعتبارهما أولى. والنية مقارنةً لوضع الجَبْهَة على ما يصح السجود عليه، أو بعد الوضع على الأقوى.

(وما يجب في سجود الصلاة ) من الطهارة وغيرها من الشرائط، ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، والسجودِ على الأعضاء السبعة وغيرهما من الواجبات، والذكر إلّا أنه هنا مخصوص بما رواه الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(4).

(وذكرُهما «بسم الله وبالله، وصلّى الله على محمد وآل محمّد») وفي بعض النسخ: وعلى آل محمّد». وفي الدروس: «اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد» أو «بسم الله وبالله، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»)(5)، أو بحذف واو العطف من«السلام»، والجميع مروي(6) مجزئ . (ثمّ يتشهد) بعد رفع رأسه معتدلاً من (ويسلّم). هذا هو المشهور بين الأصحاب، والرواية الصحيحة دالة عليه(7). وفيه أقوال أُخر(8) ضعيفة المستند.

(والشک في عدد الثنائية أو الثلاثية أو في الأُوليين من الرباعية أو في عددٍ غير محصور) بأن لم يَدْرِكم صلّى ركعةً (أو قبل إكمال السجدتين) المتحقق بإتمام ذكر السجدة الثانية (فيما يتعلّق بالأوليين ) وإنْ أدخل معهما غيرهما، وبه يمتاز عن الثالث( يعيد) الصلاة، لا بمجرّد الشك، بل بعد استقراره بالتروّي عند عُروضه ولم يحصل ظنُّ

ص: 182


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 467 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 128 ؛ البيان، ص 246 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
3- الرسالة الألفية، ص 155 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (18) ولا يجب التعرّض في نيتهما للأداء والقضاء وإن كان أجود : وفي البيان، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12) اعتبرهما.
4- الفقيه، ج 1، ص 342، ح 998
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 128 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- الفقيه، ج 1، ص 342، ح 998؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196 ، ح 772 .
8- راجع مختلف الشيعة، ج 2، ص 428 - 429. المسألة 300.

بطرف من متعلقه، وإلا بنى عليه في الجميع، وكذا في غيره من أقسام الشك.

(وإن أكمل) الركعتين (الأوليين) بما ذكرناه من ذكر الثانية، وإن لم يرفع رأسه منها (وشَكٍّ فى الزائد) بعد التروِّي (فهنا صورٌ خمس) تعمّ بها البلوى أو أنها منصوصة (1)وإلا فصور الشك أزيد من ذلك كما حرره في رسالة الصلاة(2). وسيأتي أنّ الأُولى غيرُ منصوصة.

(الشك بين الاثنتين والثلاث) بعد الإكمال (والشكّ بين الثلاث والأربع) مطلقاً، (ويبني على الأكثر فيهما ثم يحتاط ) بعد التسليم( بركعتين جالساً أو ركعة قائماً).

(والشك بين الاثنتين والثلاث والأربع يبني على الأربع ويحتاط بركعتين قائما ).

(والشك بين الاثنتين والثلاث والأربع يبني على الأربع ويحتاط بركعتين قائماً ثم بركعتين جالساً على المشهور. ورواه ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(3)عاطفاً الركعتي الجلوس ب-«ثمّ» - كما ذكر هنا - فيجب الترتيب بينهما، وفي الدروس جَعَله أولى(4)، وقيل: يجوز إبدال الركعتين جالساً بركعة قائماً؛ لأنها أقرب إلى المحتمل فواته(5)، وهو حسن. (وقيل: يصلي ركعة قائماً وركعتين جالساً، ذكره ) الصدوق (ابن بابويه )(6) وأبوه وابن الجنيد (7)(وهو قريب ) من حيث الاعتبار ؛ لأنهما يَنْضَمان حيث تكون الصلاة اثنتين، ويجتزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثاً، إلّا أنّ الأخبار(8) تدفعه.

(والشك بين الأربع والخمس، وحكمه قبل الركوع كالشك بين الثلاث والأربع)

ص: 183


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185، باب أحكام السهو.
2- الرسالة الألفية، ص 155( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
3- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 6.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 123 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 386، المسألة 273.
6- الفقيه، ج 1 ص 351 ذيل الحديث 1025
7- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 384، المسألة 272.
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187 ، ح 742 .

فيهدِم الركعة ويتشهد ويسلّم ويصير بذلك شاكاً بين الثلاث والأربع، فيلزمه حكمُه، ويزيد عنه سجدتي السهو؛ لِما هَدَمه من القيامِ وصاحبه من الذكر. (وبعده) أي بعد الركوع - سواء كان قد سجد أم لا - تجب (سجدتا السهو)؛ لإطلاق النصّ بأنّ «من لم يَدْرِ أربعاً صلّى أم خمساً يتشهد ويُسَلِّم ويسجد سجدتي السهو»(1).

(وقيل: تبطل الصلاة لو شك ولمّا يُكمل السجود إذا كان قد ركع) لخروجه عن المنصوص(2)، فإنّه لم يُكمِل الركعة حتّى يصدق عليه أنه شك بينهما، وتردده بين محذورين : الإكمال المُعرِّضِ للزيادة، والهدم المُعرّض للنقصان: (والأصح الصحة لقولهم (عليهم السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه). يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها»(3) ولأصالة عدم الزيادة؛ واحتمالها لو أثر لأثر في جميع صورها، والمحذور إنما هو زيادة الركن لا الركنُ المحتمل زيادته.

مسائل سبع:

[المسألة الأولى: ](لو غلب على ظنه ) بعد التروّي (أحد طرَفَى ما شَكٍّ فيه )أو أطرافِه (بَنَى عليه ) أي على الطرف الذي غلب عليه ظنُّه. والمراد أنه غلب ظنّه عليه ثانياً بعد أن شكٍّ فيه أوّلاً؛ لأنّ الشك لا يجامع غلبة الظن؛ لما عرفت من اقتضاء الشكّ تساوي الطرفين، والظنِّ رُجحان أحدهما. ولا فرق في البناء على الطرف الراجح بين الأُولَتين وغيرهما ولا بين الرباعية وغيرها.

ومعنى البناء عليه فرضُه واقعاً والتزام حكمه من صحة وبطلان، وزيادة ونقصان.

فإن كان في الأفعال وغلب الفعلُ بَنى على وقوعه، أو عدمُه فَعَلَه إن كان في محله. وفي عدد الركعات يجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط، فإن غلب الأقلُّ بَنى عليه

ص: 184


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 767
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 347، المسألة 357.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 351، ح 1455 .

وأكمل، وإن غلب الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة - كالأربع - تشهد وسلَّم، وإن كان زيادة كما لو غلب ظنّه على الخمس صار كأنه زاد ركعةً آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد، وهكذا.

(ولو أحدث قبل الاحتياط أو الأجزاء المنسيّة )التي تُتلافى بعد الصلاة (تَطَهَّرَ وأتى بها ) من غير أن تبطل الصلاة (على الأقوى)؛ لأنه صلاة منفردة، ومن ثم وجب فيها النيّة والتحريمة والفاتحة ولا صلاة إلا بها وكونها جبراً لما يُحتمل نقصه من الفريضة - - ومن ثَم وجبت المطابقة بينهما - لا يقتضي الجزئية بل يُحتمل ذلك والبدليّة ؛ إذ لا يقتضي المساواة من كل وجه، ولأصالة الصحة.

وعليه المصنف في مختصراته(1)، واستضعفه في الذكرى(2)بناءً على أن شرعيته ليكون استدراكاً للفائت منها، فهو - على تقدير وجوبه - جزء، فيكون الحدث واقعاً في الصلاة ؛ ولدلالة ظاهر الأخبار عليه(3). وقد عرفت دَلالة البدليّة، والأخبار إنّما دلّت على الفورية ولا نزاع فيها، إنّما الكلام في أنه بمخالفتها هل يأتم خاصةً - كما هو مقتضى كلّ واجب - أم يبطلها؟ وأمّا الأجزاء المنسيّة، فقد خرجت عن كونها جزءاً محضاً، وتلافيها بعد الصلاة فعل آخر، ولو بَقِيَتْ على محض الجزئية كما كانت لبطلت بتخلّل الأركان بين محلّها وتلافيها.

(ولو ذكر ما فَعَل فلا إعادة إلّا أن يكون قد أحدث) أي ذكر نقصان الصلاة بحيث يحتاج إلى إكمالها بمثل ما فَعَل صحت الصلاة وكان الاحتياط متمّماً لها وإنْ اسْتَمَل على زيادة الأركان من النية والتكبير ونقصان بعض كالقيام لو احتاط جالساً وزيادة الركوع والسجود في الركعات المتعدّدة ؛ للامتثال المقتضي للإجزاء.

ص: 185


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 125؛ البيان، ص 249 - 250 : الرسالة الألفية، ص 156 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9، 12 و 18)
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 454 - 455 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185 - 186، ح 738 - 739.

ولو اعتبرت المطابقة محضاً لم يسلم احتياط ذكر فاعله الحاجة إليه، لتحقق الزيادة إن لم تحصل المخالفة. ويشمل ذلك ما لو أوجب الشك احتياطين، وهو ظاهر مع المطابقة كما لو تذكّر أنها اثنتان بعد أن قدَّم ركعتي القيام؛ ولو ذكر أنها ثلاث احتمل كونه كذلك، وهو ظاهر الفتوى لما ذكر وإلحاقه بمن زاد ركعةً آخِرَ الصلاة سهواً. وكذا لو ظهر الأوّل بعد تقديم صلاةِ الجلوس أو الركعةِ قائماً إن جوزناه. ولعله السر في تقديم ركعتي القيام.

وعلى ما اخترناه لا تظهر المخالفة إلا في الفرض الأوّل من فروضها، وأمره سهل مع إطلاق النصّ (1)وتحقق الامتثال الموجب للإجزاء. وكيف كان فهو أسهل (2)من قيام ركعتين من جلوس مقام ركعة من قيام إذا ظهرت الحاجة إليه في جميع الصور.

هذا إذا ذكر بعد تمامه، ولو كان في أثنائه فكذلك مع المطابقة، أو لم يتجاوز القدر المطابِق فيُسَلِّم عليه. ويُشكل مع المخالفة - خصوصاً مع الجلوس - إذا كان قد ركع للأُولى؛ لاختلال نظم الصلاة، أما قبله، فيُكمل الركعة قائماً ويُغتفر ما زاده من النية والتحريمة، كالسابق؛ وظاهرُ الفتوى اغتفارُ الجميع.

أما لو كان قد أحدث أعاد لظهوره في أثناء الصلاة، مع احتمال الصحة. ولو ذكر بعد الفراغ تمام الصلاة فأولى بالصحة، ولكنّ العبارة لا تتناوله وإنْ دَخَل في «ذكر ما فَعَل»، إلّا أنّ استثناء الحدث ينافيه، إذ لا فرق في الصحة بين الحالين ولو ذكر التمام في الأثناء تخير بين قطعه وإتمامه، وهو الأفضل.

[المسألة] (الثانية: حكم الصدوق ) أبو جعفر محمّد (ابن بابويه بالبطلان)

ص: 186


1- تقدّم آنفاً.
2- وجه الأسهلية أن الجلوس في التشهد ليس بركن إجماعاً، وما تحصل به الزيادة في الاحتياط على كل حال من النية والتكبير أعظم من الجلوس فاغتفار الأركان يوجب اغتفار الفعل الذي ليس بركن إجماعاً بطريق أولى. (منه رحمه الله )

أي بطلان الصلاة (في) صورة ( الشكّ بين الاثنتين والأربع)(1) استناداً إلى مقطوعة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل لا يدري أصَلّى ركعتين أم أربعاً. قال: «يعيد الصلاة »(2).

(والرواية مجهولة المسؤول) فيُحتمل كونه غير إمام، مع معارضتها بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)فيمن لايدري أركعتان صلاته أو أربع قال: «يُسَلِّم ويُصَلِّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف»(3). وفي معناها غيرها(4). ويمكن حمل المقطوعة على من شكّ قبل إكمال السجود أو على الشك في غير الرباعية.

[المسألة] (الثالثة: أوجب) الصدوق (أيضاً الاحتياط بركعتين جالساً لو شكّ في المغرب بين الاثنتين والثلاث وذهب وهمه أي ظنّه إلى الثالثة (5)عملاً برواية عمار) بن موسى (الساباطي عن الصادق (عليه السلام)(6)وهو) أي عمّار (فَطَحِي) المذهب المنسوب إلى الفَطَحِيّة(7) وهم القائلون بإمامة عبدالله بن جعفر الأفطح فلايُعتد بروايته، مع كونها شاذة، والقولُ بها نادرُ والحكم ما تقدّم من أنه مع ظنّ أحد الطرفين يبني عليه من غير أن يُلزمه شيء.

(وأوجب) الصدوق (أيضاً ركعتين جلوساً للشاك بين الأربع والخمس(8) ، وهو) قول (متروك)، وإنّما الحقُّ فيه ما سبق من التفصيل من غير احتياط ؛ ولأن الاحتياط جبرٌ لما يُحتمَل نقصُه وهو هنا منفي قطعاً. وربما حُمِل على الشكّ فيهما قبل الركوع

ص: 187


1- المقنع، ص 102.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 186 ، ح 741 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185 ، ح 737
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185، ح 738
5- المقنع، ص 101
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 282 ، ح 727 - 728.
7- الملل و النحل الشهرستاني، ج 1، ص 167.
8- المقنع، ص 103

فإنّه يوجب الاحتياط بهما كما مرّ.

[المسألة] (الرابعة خيّر ابن الجنيد (رحمه الله) الشالاً بين الثلاث والأربع بين البناء على الأقل ولا احتياط، أو على الأكثر ويحتاط بركعة) قائماً (أو ركعتين) جالساً(1). (وهو خِيَرَة الصدوق) ابن بابويه(2)، جمعاً بين الأخبار الدالة على الاحتياط المذكور(3)، ورواية سهل بن اليَسَع عن الرضا أنه قال: «يبني على يقينه ويسجد للسهو»(4)، بحملها على التخيير، ولتساويهما في تحصيل الغرض من فعل ما يحتمل فواته ؛ ولأصالة عدم فعله فيتخيّر بين فعله وبدله.

( وتَرُدّه) هذا القولَ (الروايات المشهورة ) الدالة على البناء على الأكثر إما مطلقاً کرواية عمار عن أبي عبدالله قال: «إذا سَهَوتَ فائِنِ على الأكثر، فإذا فرغت وسلّمت فقُم فصل ما ظننت أنك نقصت؛ فإن كنت أتممت لم يكن عليك شيء وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»(5) وغيرها(6). وإما بخصوص المسألة كرواية عبدالرحمن بن سيابة و أبي العباس عنه (عليه السلام): «إذا لم تَدْرِ ثلاثاً صليت أو أربعاً و وقع رأيك على الثلاث، فابْنِ على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فسَلِّمْ وانْصَرِفْ، وإن اعتَدَل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس»(7)؛ وفي خبر آخر عنه : «هو بالخيار إن شاءَ صلى ركعةً قائماً أو ركعتين جالساً»(8). ورواية(9) ابن اليسع مُطَّرَحة لموافقتها لمذهب العامة، أو محمولة على غلبة الظن بالنقيصة.

ص: 188


1- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 382، المسألة 269.
2- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 382، المسألة 269.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 216 - 218، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
4- الفقيه، ج 1، ص 351، ح 1024.
5- تهذيب الأحكام، ج 2 ص 349 ، ح 1448.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 193، ح 762
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184، ح 733.
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184 - 185، ح 734.
9- في «م ، س»: «فرواية».

[المسألة ](الخامسة: قال عليّ بن بابويه (رحمه الله) في الشكّ بين والثلاث : إن ذهب الوهم) وهو الظنّ (إلى الثالثة أتمها رابعةً ثمّ احتاط بركعة، وإن ذهب الوهم إلى الاثنتين بَنَى عليه وتشهد في كلّ ركعة ) تَبقَى عليه أي بعدها أما على الثانية فظاهر، وأما على الثالثة، فلجواز أن تكون رابعة بأن تكون صلاته عند شكه ثلاثاً، وعلى الرابعة ظاهر، (وسجد للسهو، وإن اعتدل الوهم تخيّر بين البناء على الأقل والتشهد في كلّ ركعة وبين البناء على الأكثر والاحتياط)(1).

وهذا القول مع نُدُوره لم نقف على مستنده، (والشهرة) بين الأصحاب في أنّ حكم هذا الشاكٌ مع اعتدال وهمه البناء على الأكثر والاحتياط المذكور (تدفعه).

والتحقيق أنه لا نص من الجانبين على الخصوص، والعموم(2) يدلّ على المشهور

والشكُ بين الثلاث والأربع منصوص(3)وهو يناسبه. واعلم أنّ هذه المسائل مع السابعة خارجة عن موضوع الكتاب ؛ لالتزامه فيه أن لا يذكر إلا المشهور بين الأصحاب ؛ لأنها من شواذ الأقوال، ولكنّه أعلم بما قال.

[المسألة] (السادسة : لا حكم للسهو مع الكثرة) للنص الصحيح الدال عليه معللاً بأنه «إذا لم يلتفِتْ تَرَكه الشيطانُ : فإنّما يُريد أن يُطاعَ فإذا عُصِيَ لم يُعد»(4). والمرجع في الكثرة إلى العرف وهي تحصل بالتوالي ثلاثاً وإن كان في فرائض والمراد بالسهو ما يشمل الشكَّ، فإنّ كلّاً منهما يُطلق على الآخر استعمالاً شرعياً أو تجوّزاً لتقارب المعنيين.

ومعنى عدم الحكم معها عدم الالتفات إلى ما شَكٍّ فيه من فعل أو رَكعَةٍ، بل يبني

ص: 189


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 383، المسألة 270.
2- أي عموم الأخبار الدالة على البناء على الأكثر والاحتياط بما يحتمل فواته كرواية عمار السابقة. (منه رحمه الله )
3- الكافي، ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 3 و 8.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 188، ح 747 .

على وقوعه وإن كان في محلّه، حتى لو فَعَله بطلت نعم لو كان المتروك ركناً لم تُؤَثر الكثرةُ في عدم البطلان كما أنه لو ذكر تزك الفعل في محله استدركه؛ ويبني على الأكثر في الركعات ما لم يستلزم الزيادة على المطلوب منها فيبني على المصحح: وسقوط سجود السهو لو فَعَل ما يوجبه بعدها أو تَرَك، وإن وجب تلافي المتروك بعد الصلاة تلافاه من غير سجود .

وتتحقق الكثرة في الصلاة الواحدة بتخلّل الذكر، لا بالسهو عن أفعال متعدّدة مع استمرار الغفلة. ومتى ثبت بالثلاث سقط الحكم في الرابع ويستمر إلى أن تخلو من السهو والشكٍّ فرائضُ يتحقق فيها الوصف فيتعلّق به حكم السهو الطارئ، وهكذا.

(ولا للسهو في السهو(1)) أي في موجبه من صلاة وسجود كنسيان ذكر أو قراءة، فإنّه لا سجود عليه . نعم لو كان ممّا يُتلافى تلافاه من غير سجود.

ويمكن أن يريد بالسهو في كلّ منهما الشك، أو ما يشمله على وجه الاشتراك ولو بين حقيقة الشيء ومجازه، فإنّ حكمه هنا صحيح؛ فإن استعمل في الأوّل(2) فالمراد به الشكّ في موجب السهو من فعل أو عدد كركعتي الاحتياط فإنّه يبني على وقوعه إلا أن يستلزم الزيادة كما مرّ، أو في الثاني فالمراد به موجب الشك كما مرّ، وإن استعمل فيهما فالمراد به الشكّ في موجب الشك وقد ذكر أيضاً، أو الشكّ في حصوله. وعلى كلّ حال لا التفات وإن كان إطلاق اللفظ على جميع ذلك يحتاج إلى تكلّف.

(ولا لسهو الإمام) أى شكه وهو قرينة لما تقدّم (مع حفظ المأموم وبالعكس ) فإنّ الشاك من كلّ منهما يرجع إلى حفظ الآخر ولو بالظن، وكذا يرجع الظان إلى المتيقن. ولو اتفقا على الظنّ واختلف محلُّه تعيّن الانفراد. ويكفي في رجوعه تنبيهه

ص: 190


1- قوله: «ولا للسهو في السهو»، أي في الحكم، أما لو شك في الاحتياط في القراءة وهو في محلّه أو التسبيح في سجود السهو كذلك أتى به كاليومية.( زين رحمه الله )
2- أي في السهو الأول، وليس المراد أنه لو استعمل السهو في المعنى الأوّل أي الشك - وإن كان ظاهر العبارة يعطي هذا( منه رحمه الله )

بتسبيح ونحوه ولا تشترط عدالة المأموم. ولا يَتَعَدَّى إلى غيره وإن كان عدلاً، نعم لو أفاده الظنّ رجع إليه لذلك، لا لكونه مخيراً. ولو اشتركا في الشك واتحد لزمهما حكمه(1)، وإن اختلف (2)رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما انفرد كلّ به فإن لم تجمعهما رابطة تعيّن الانفراد، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاثِ والآخَرُ بين الأربع والخمس.

ولو تعدّد المأمومون واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأوّل في رجوع الجميع إلى الرابطة، والانفراد بدونها. ولو اشترك بين الإمام وبعض المأمومين رجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد، وباقي المأمومين إلى الإمام.

ولو استعمِل السهو في معناه أمكن في العكس لا الطردِ(3) ، بناءً على ما اختاره جماعة (4)منهم المصنف في الذكرى(5) من أنه لا حكم لسهو المأموم مع سلامة الإمام عنه، فلايجب عليه سجود السهو لو فعل ما يوجبه لو كان منفرداً، نعم لو ترك ما يُتَلافَى مع السجود سقط السجود خاصةً؛ ولو كان الساهي الإمامَ فلا ريب في الوجوب عليه، إنما الخلاف في وجوب متابعة المأموم له وإن كان أحوط.

[المسألة] :(السابعة أوجب ابنا بابويه )علي وابنه محمّد الصدوقان(رحمهما الله سجدتي السهو على من شَكٍّ بين الثلاث والأربع وظن الأكثر)(6). ولا نص

ص: 191


1- المراد بالطرد: أنه لا حكم لسهو الإمام مع حفظ المأموم، ولا شك أنه ليس بصحيح، نعم، العكس وهو أن لا حكم السهو المأموم مع حفظ الإمام صحيح (منه رحمه الله)
2- في «م ، ن»: «اختلفا».
3- صورة الاتحاد أن يشكا بين الاثنين والثلاث وصورة الاختلاف أن يشك أحدهما بين الثلاث والأربع [والآخر ] بين الاثنين والثلاث فيرجعان إلى الثلاث لعلة طرفيه. (منه رحمه الله)
4- منهم :الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 463، المسألة 206؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 433، المسألة 307؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 490.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 432 - 433 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
6- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 408، المسألة 291؛ المقنع، ص 104.

عليهما في هذا الشك بخصوصه وأخبار الاحتياط (1)خالية منهما والأصل يقتضي العدم. (وفي رواية إسحاق بن عمار عن الصادق : «إذا ذهب وهمك إلى التمام أبداً في كل صلاة فاسجد سجدتي السهو»(2) فتصلح دليلاً لهما لتضمّنها مطلوبهما. (وحملت) هذه الرواية (على الندب).

وفيه نظر؛ لأنّ الأمر حقيقة في الوجوب، وغيرها من الأخبار لم يتعرض لنفي السجود، فلا منافاة بينهما إذا اشتملت على زيادة مع أنها غير منافية لجبر الصلاة لاحتمال النقص فإنّ الظنّ بالتمام لا يمنع النقيض بخلاف ظنّ النقصان فإنّ الحكم بالإكمال جابرٌ. نعم يمكن ردّها من حيث السند.

ص: 192


1- راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 216 - 218 ، الباب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 183، ح 730.

الفصل الثامن في القضاء

(يجب قضاء الفرائض اليومية مع الفوات حال البلوغ والعقل والخلو عن الحيض والنفاس والكفر الأصلي) احترز به عن العارضي بالارتداد، فإنّه لا يُسقطه كما سيأتي. وخرج بالعقل المجنون فلا قضاء عليه، إلا أن يكون سببه بفعله كالسكران مع القصدِ والاختيار وعدم الحاجة. وربما دخل فيه المُغْمى عليه فإن الأشهر عدمُ القضاء عليه وإن كان بتناول الغذاء المُؤَدِّي إليه، مع الجهل بحاله أو الإكراه عليه أو الحاجة إليه، كما قيّده به المصنِّفُ في الذكرى(1) . بخلاف الحائض والنفساء(2)، فإنّهما لا تقضيان مطلقاً وإن كان السبب من قبلهما؛ والفرق أنه فيهما عزيمة وفي غيرهما رخصة، وهي لاتُناط بالمعصية.

والمراد بالكفر الأصلي هنا ما خرج عن فرق المسلمين منه، فالمسلم يقضي ما تركه وإنْ حُكم بكفره كالناصبي وإن استبصر، وكذا ما صلاه فاسداً عنده.

( ويُراعى فيه) أي في القضاء (الترتيب بحسب الفوات) فيُقدَّم الأوّلُ منه فالأوّل مع العلم هذا في اليوميّة، أمّا غيرها، ففي ترتبه في نفسه وعلى اليومية وهي عليه

ص: 193


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 331 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- حاصل هذا أن مطلق الحائض والنفساء لا تقضيان الفائتة من الصلاة لنهيهما عن القضاء، فسقوطه عنهما عزيمة لا يجوز لهما. إن كان السبب من فعلهما فهو معصية لاستلزامه ترك العبادة وغيرها، والعزيمة لا تناط بالمعصية كما هنا بخلاف السكران والمغمى عليه، وإن كان بفعلهما ؛ فإنّه لم يرد فيهما النهي عن القضاء ليكون عزيمة، فيكون سقوطه عنهما رخصة لا يتعلّق بالمعصية بخلاف العزيمة، ولا يرد قضاء الصوم ؛ لأنه وجب بدليل ولولاه لكان تركه رخصة لا تناط بالمعصية ؛ ولهذا لم يرخص العاصي بسفره في الإفطار والقصر( منه رحمه الله )

قولان(1) . ومالَ في الذكرى(2) إلى الترتيب واستقرب في البيان عدمه(3)، وهو أقرب.

(ولا يجب الترتيب بينه وبين الحاضرة)، فيجوز تقديمها عليه سعة وقتها وإن كان الفائت متحداً أو ليومه على الأقوى. (نعم يُستحبّ) ترتيبها عليه مادام وقتها واسعاً، جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضُها على المضايقة(4) وبعضُها على غيرها (5)بحمل الأولى على الاستحباب. ومتى تَضَيَّق وقت الحاضرة قدمت إجماعاً ؛ ولأنّ الوقت لها بالأصالة.

( ولو جَهل الترتيب سَقَط ) في الأجود ؛ لأنّ الناس في سعة ممّا لم يعلموا»(6): و لاستلزام فعله بتكرير الفرائض على وجه يُحَصِّله الحرج والعسر المنفيين في كثير من موارده(7)، وسهولته في بعض يستلزم إيجابه فيه إحداث قول ثالث.

وللمصنّف قول ثانٍ وهو تقديم ما ظنّ سبقه ثمّ السقوط اختاره في الذكرى(8) ؛ وثالث وهو العمل بالظنّ أو الوهم، فإن انتفيا سقط، اختاره في الدروس(9). ولبعض الأصحاب رابع وهو وجوب تكرير الفرائض حتى يُحَصِّلَه (10)، فيصلي من فاته الظهران من يومين ظهراً بين عصرين أو بالعكس؛ لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كلّ واحدة. ولو جامَعَهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها؛ أو عشاء معها فَعَل السبع

ص: 194


1- ذهب إلى سقوط الترتيب العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 359، المسألة 61؛ حكى وجوب الترتيب عن بعض مشايخ الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي - الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 335 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- البيان، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 172 ، ح 684 و 685 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270 - 271. ح 1076 و 1077 و 1079.
6- الكافي، ج 6 ، ص 297 باب نوادر، ح 2 ؛ عوالی اللآلي. ج 1، ص 424، ح 109.
7- 185 البقرة (2): 185 ؛ الحج (22) 78 .
8- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
9- الدروس الشرعية، ج 1، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
10- قال به العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 271

قبلها وبعدها؛ أو صبح معها فَعَل الخمس عشرة قبلها وبعدها وهكذا.

والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات، وهي اثنان في الأوّل وستة في الثاني وأربعة وعشرون في الثالث ومائة وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقاً في عدد الفرائض المطلوبة. ولو أُضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين. وصحته على الأوّل من ثلاث وستين فريضةً، وهكذا.

ويمكن صحتها من دون ذلك بأن يصلِّي الفرائضَ جُمَعَ كيف شاء مكرَّرةً عدداً ينقص عنها بواحد ثم يختمه بما بدأ منها فيصح فيما عدا الأُولَيَيْن من ثلاث عشرةَ في الثالث وإحدى وعشرين في الرابع وإحدى وثلاثين في الخامس، ويمكن فيه بخمسة أيام ولاءً والختم بالفريضة الزائدة.

(ولو جَهل عين الفائتة (1)) من الخمس (صلّى صبحاً ومغرباً) معيَّنين (2)( وأربعاً مطلقة ) بين الرباعيات الثلاث؛ ويتخيَّر فيها بين الجهر والإخفات وفي تقديم ما شاء من الثلاث. ولو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء والقضاء.

(والمسافر يصلّي مغرباً وثنائيّةً مطلقة )بين الثنائيات الأربع مخيراً، كما سبق. ولو اشتبه فيها القصر والتمام فرباعيّة مطلقة ثلاثياً وثنائية مطلقة رباعيّاً ومغرب يُحصل الترتيب عليهما.

(ويقضى المرتد) فطريّاً كان أم مليّاً إذا أسلم (زمانَ ردَّتِه) للأمر بقضاء الفائت(3). خرج عنه الكافرُ الأصلي وما في حكمه فيبقى الباقي. ثم إن قبلت توبته كالمرأة والملِّي قَضَى، وإن لم تُقبل ظاهراً كالفطري على المشهور فإن أُمهل بما يُمكنه القضاءُ قَبْل قتله قَضَى وإلَّا بَقِى فى ذمته؛ والأقوى قبول توبته مطلقاً.

ص: 195


1- أي من الخمس، وإن كان فواتها لوقوع خلل في الوضوء اشترط في الاجتزاء بثلاث فرائض عدم الجمع بين الفريضتين بوضوء واحد (زین رحمه الله )
2- في «ن»: «متعينين».
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162 ، ح 350

(و) كذا يقضي (فاقد) جنس (الطهور) من ماء وتراب عند التمكن على الأقوى)؛ لما مر ولرواية زرارة عن الباقر فيمن صلّى بغير طهور أو نسى صلوات أو نام عنها قال: «يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلاً أو نهاراً»(1)، وغيرها من الأخبار الدالة عليه صريحاً(2).

وقيل: لا يجب(3)؛ لعدم وجوب الأداء وأصالة البراءة وتوقف القضاء على أمرٍ جديد. ودفْعُ الأوّل واضح، لانفكاك كلّ منهما عن الآخر وجوداً وعدماً، والأخيرين بما ذكر.

(وأوجب ابن الجنيد الإعادة على العاري إذا صلّى) كذلك؛ لعدم الساتر (ثم وجد الساتر في الوقت لا في خارجه(4)، محتجاً بفوات شرط الصلاة وهو الستر فتجب الإعادة كالمتيمم.

(وهو بعيد)؛ لوقوع الصلاة مجزئةً بامتثال الأمر فلا يستعقب القضاء، والستر شرط القدرة لا بدونها. نعم روى عمّار عن أبي عبد الله في رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تَحِلّ الصلاة فيه وليس يجد ماءً يغسله كيف يصنع ؟ قال: «يتيمم ويصلي وإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(5). وهو مع ضعف سنده لا يدلّ على مطلوبه ؛ لجواز استناد الحكم إلى التيمم.

(ويُستحبّ قضاء النوافل الراتبة ) اليومية استحباباً مؤكداً. وقد رُوِيَ أنّ من تركه تشاغلاً بالدنيا لَقِيَ الله مُسْتَخِفّاً متهاوناً مُضَيِّعاً لسنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )(6) ، (فإن عجز) عن القضاء (تَصَدَّق) عن كلّ ركعتين بمد، فإن عجز فعن كلّ أربعٍ بمد، فإن عجز فعن صلاة الليل بمُدّ و عن صلاة النهار بمد، فإن عجز فعن كلّ يوم بمد. والقضاء أفضل من الصدقة.

ص: 196


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 266، ح 1059.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 225، ح 768.
3- قال به المحقق في المعتبر، ج 2، ص 405.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 461، المسألة 323.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 407، ح 1279
6- الفقيه ، ج 1، ص 568 - 0569 ح 1575

(ويجب على الوليّ) وهو الولد الذكرُ الأكبرُ، وقيل: كلُّ وارث (1)مع فقده (2)(قضاءُ ما فات أباه ) من الصلاة (في مرضه ) الذي مات فيه. (وقيل) ما فاته (مطلقاً(3) وهو أحوط). وفي الدروس قطع بقضاء مطلق ما فاته(4)، وفي الذكرى نقل عن المحقق وجوب قضائه ما فاته لعذر كالمرض والسفر والحيض، لا ما تركه عمداً مع قدرته عليه، ونَفَى عنه البأسَ ونَقَل عن شيخه عمیدالدین ،نصرته(5)، فصار للمصنِّف في المسألة ثلاثة أقوال والروايات تدل بإطلاقها على الوسط(6)، والموافق للأصل ما اختاره هنا. وفعلُ الصلاة على غير الوجه المُجزئ شرعاً كتركها عمداً، للتفريط.

واحترز المصنّف بالأب عن الأم ونحوها من الأقارب، فلايجب القضاء عنهم على الوارث في المشهور والروايات مختلفة، ففي بعضها ذُكر «الرجل»(7) وفي بعض «الميّتُ»(8)، ويمكن حمل المطلق على المقيَّد خصوصاً في الحكم المخالف للأصل. ونَقَل في الذكرى عن المحقق وجوب القضاء عن المرأة ونفى عنه البأس(9)، أخذاً بظاهر الروايات وحملاً للفظ «الرجل» على التمثيل. ولا فرق على القولين بين الحر والعبد على الأقوى.

ص: 197


1- ذهب جماعة من القدماء، منهم: ابن الجنيد وعلي بن بابويه حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 396. المسألة 118؛ والمفيد في المقنعة، ص 353 : واختاره الشهيد في الدروس [ج 1، ص 204، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]، وبعض المتأخرين إلى وجوب القضاء عند عدم الولد الأكبر الذكر على كلّ وارث حتى المعتق وضامن الجريرة والزوج والزوجة ؛ ويقدم الأكبر من الذكور ثمّ الإناث كذلك. (منه رحمه الله)
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 353
3- نقله عن ابن أبي عقيل الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 446 (ضمن الموسوعة الشهيد الأول، ج (6).
4- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 349( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6) : المعتبر، ج 2، ص 701 6
6- راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 276 - 282 ، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.
7- الكافي، ج 4 ص 123، باب الرجل يموت .... ح 1 - 6.
8- الفقيه، ج 1، ص 185، ح 556-0557
9- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 350 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6) ؛ لاحظ المعتبر، ج 2، ص 703

وهل يُشترط كمالُ الوليّ عند موته؟ قولان(1)، واستقرب في الذكرى اشتراطه(2)، لرفع القلم عن الصبي والمجنون وأصالة البراءة بعد ذلك. ووجه الوجوب عند بلوغه إطلاق النص(3) وكونه في مقابلة الحَبْوَة. ولا يُشترط خُلُوُّ ذمّته من صلاة واجبة، لتغاير السبب فيلزمان معاً.

وهل يجب تقديم ما سبق سببه؟ وجهان، اختار في الذكرى الترتيب(4). وهل له استئجار غيره ؟ يحتمله ؛ لأنّ المطلوب القضاءُ وهي ممّا يقبل النيابة بعد الموت، ومن تعلّقها بحي واستنابته ممتنعة. واختار في الذكرى المنع (5)، وفي صوم الدروس الجواز(6)، وعليه يتفرع تبرُّعُ غيره .به والأقرب اختصاص الحكم بالوليّ، فلا يتحمَّلُها وليه وإنْ تحمَّل ما فاته عن نفسه. ولو أوصى الميِّتُ بقضائها على وجه تَنفُذُ سقطت عن الوليّ، وبالبعض وجب الباقي .

(ولو فات المكلّفَ ) من الصلوات (ما لم يُخصه ) لكثرته (تحرّى) أي اجتهد في تحصیل ظنّ بقدرٍ (وبَنى على ظنّه ) وقضى ذلك القدر، سواء أكان الفائت متعدّداً كأيام كثيرة أم متحداً كفريضة مخصوصة متعدّدة.

ولو اشتَبَه الفائتُ في عددٍ منحصر عادةً وجب قضاء ما تيقن به البراءة كالشك بین عشر وعشرين. وفيه وجه - بالبناء على الأقل - ضعيف.

( و يعدل إلى ) الفريضة (السابقة لو شرع في) قضاء ( اللاحقة) ناسياً مع إمكانه بأن لا يزيد عددُ ما فَعَل عن عدد السابقة أو تجاوزه ولمّا يركع في الزائدة، مراعاة للترتيب حيث يمكن.

والمراد بالعدول أن ينوي بقلبه تحويل هذه الصلاة إلى السابقة إلى آخِر مميّزاتها

ص: 198


1- ذهب إلى عدم اشتراط كمال الوليّ المحقق في شرائع الإسلام، ج 4، ص 19.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 350 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- تقدم النص في ص 197، الهامش 7.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 351 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 351 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 204 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

متقرباً. ويُحتمل عدم اعتبار باقي المميّزات، بل في بعض الأخبار دَلالة عليه (1).

(ولو تجاوز محل العدول) بأن ركع في زائدة عن عدد السابقة (أتمها ثم تَدارَكَ السابقة لا غير)لاغتفار الترتيب مع النسيان وكذا لو شرع في اللاحقة ثمّ علم أنّ عليه فائتةً. ولو عدل إلى السابقة ثم ذكر سابقةً أُخرى عدل إليها، وهكذا.

ولو ذَكَر بعد العدول براءته من المعدول إليها عدل إلى اللاحقة المنويَّةِ أوّلاً أو فيما بعده، فعلى هذا يمكن تَرامِي العدولِ ودَورُه.

وكما يَعدِل من فائتة إلى مثلها فكذا من حاضرة إلى مثلها كالظهرين لمن شرع في الثانية ناسياً، وإلى فائتة استحباباً على ما تقدّم أو وجوباً على القول الآخر(2)، ومن الفائتة إلى الأداء لو ذكر براءته منها ، ومنهما إلى النافلة في موارد، ومن النافلة إلى مثلها لا إلى فريضة. وجملةُ صُوَرِه ستَّ عشْرَةَ، وهي الحاصلة من ضرب صُوَر المعدول عنه وإليه - وهي أربع نفل وفرض، أداءً وقضاء - في الآخر.

(مسائل:)

المسألة الأولى: (ذهب المرتضى وابن الجنيد وسلار إلى وجوب تأخير أولي الأعذار إلى آخر الوقت)(3) محتجين بإمكان إيقاع الصلاة تامة بزوال العذر فيجب كما يُؤَخِّر المتيمم بالنص(4) - والإجماع على ما ادعاه المرتضى (5)(وجوزه الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله )أوّل الوقت(6)) وإن كان التأخير أفضل،

ص: 199


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 343 ، ح 1420.
2- تقدّم في ص 194 وما بعدها.
3- الانتصار، ص 122، المسألة 23؛ نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 459، المسألة 320: المراسم، ص 76.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 588
5- الانتصار، ص 122 ، المسألة 23
6- . انظر النهاية، ص 47 و 58.

(وهو الأقرب) لمخاطَبَتِهم بالصلاة من أوّل الوقت بإطلاق الأمر(1)، فتكون مجزئةً للامتثال .

وما ذكروه من الإمكان معارض بالأمر(2)واستحباب المبادرة إليها في أول الوقت. ومجرّدُ الاحتمال لا يوجب القدرة على الشرط، ويمكن فواتها بموت وغيره فضلاً عنه؛ والتيمّمُ خرج بالنصّ(3) وإلا لكان من جملتها؛ نعم يُستحبّ التأخير مع الرجاء، خروجاً من خلافهم، ولولاه لكان فيه نظر.

[المسألة] (الثانية: المروي في المبطون)، وهو من به داء البطن - بالتحريك - من ريح أو غائط على وجه لا يمكنه منعه مقدار الصلاة : الوضوء لكل صلاة و(البناء) على ما مضى منها (إذا فَجَأَه الحدث (4)) في أثنائها بعد الوضوء(5)، واغتفارُ هذا الفعل وإنْ كتُرَ، وعليه جماعة من المتقدمين(6). وأنكره بعض الأصحاب المتأخرين(7) ، وحكموا باغتفار ما يتجدّد من الحدث بعد الوضوء سواء وقع في الصلاة أم قبلها - إن لم يتمكّن حفظ نفسه مقدار الصلاة وإلّا استأنفها - محتجين بأنّ الحدث المتجدِّدَ لو نقض

من الطهارة لأبطل الصلاة؛ لأن المشروط عَدَمُ عند عدم شرطه، وبالأخبار الدالة على أنّ الحدث يقطع الصلاةَ(8) .

ص: 200


1- الإسراء (17) :78
2- المائدة (5): 48
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 588 - 589.
4- التفصيل حسن وهو أنه إن كان يعلم أنه يتأخر عنه بقدر الطهارة والصلاة استأنف، وإلا بني. (زين رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 350 - 351، ح 1036.
6- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 189؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 114؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 350
7- منهم: العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 206، المسألة 58؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 234 - 235
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 331 ، ح 1362.

(والأقرب الأوّل(1) ، لتوثيق رجال الخبر ) الدال على البناء على ما مضى من الصلاة بعد الطهارة ( عن الباقر (عليه السلام)) . والمراد توثيق رجاله على وجه يستلزم صحة الخبر فإنّ التوثيق أعم منه عندنا، والحال أنّ الخبر الوارد في ذلك صحيح(2)باعتراف الخصم(3)، فيتعيّن العمل به لذلك وشهرته بين الأصحاب خصوصاً المتقدمين .

ومن خالف حكمه أَوَّلَه بأنّ المراد بالبناء الاستئنافُ. وفيه أنّ البناء على الشيء يستلزم سبق شيء منه يُبنى عليه ليكون الماضي بمنزلة الأساس لغةً وعرفاً، مع أنهم لا يوجبون الاستئناف، فلا وجه لحملهم (4)عليه. والاحتجاج بالاستلزام مصادرة وكيف يتحقق التلازم مع ورود النص الصحيح (5)بخلافه؟! والأخبار الدالة على قطع مطلق الحدث (6)لها مخصوصة بالمستحاضة والسلس اتفاقاً، وهذا الفرد يشاركهما بالنصّ الصحيح (7)ومصير جمع إليه(8)، وهو كافٍ في التخصيص. نعم، هو غريب لكنّه ليس بعادم للنظير، فقد ورد صحيحاً قطع الصلاة والبناء عليها في غيره(9)، مع أن الاستبعاد غير مسموع.

[المسألة) (الثالثة: يُستحب تعجيل القضاء) استحباباً مؤكداً، سواء الفرضُ والنفل بل الأكثر على فورية قضاء الفرض، وأنه لا يجوز الاشتغال عنه بغير الضروري من أكل ما يُمسك الرَمَقَ، ونوم يُضطر إليه، وشغل يتوقف عليه، ونحو ذلك. وأفرده بالتصنيف جماعة (10).

ص: 201


1- نعم، ولا يضرّ الفعل الكثير (زين رحمه الله )
2- تقدّم في ص 200 ، الهامش 5 .
3- كالعلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 145، المسألة 98
4- في «س»: «الحمله».
5- تقدم في ص 200 ، الهامش 5
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 354 ، ح 1467.
7- تقدّم في ص 200 ، الهامش 5 و 6.
8- تقدّم في ص 200 ، الهامش 5 و 6.
9- الفقيه، ج 1، ص 366 ، ح 1057.
10- منهم: محمد بن إدريس (المتوفّى 598ه-)؛ أبو الحسين ورّام بن أبي فراس (المتوفى 605ه-)؛ السيد بن طاوس (المتوفى 664ه-). راجع الذريعة، ج 2، ص 395؛ وج 23، ص 222 - 223.

وفي كثير من الأخبار دَلالة عليه(1) إلا أنّ حملها على الاستحباب المؤكد طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على التوسعة.

(ولو كان) الفائت (نافلةً لم ينتظر بقضائها مثل زمان فواتها )من ليل أو نهار، بل يقضى نافلة الليل نهاراً وبالعكس؛ لأنّ الله تعالى جعل كلاً منهما خِلْفَةً للآخر ؛ وللأمر بالمسارعة إلى أسباب المغفرة (2)؛ وللأخبار(3).

وذهب جماعة من الأصحاب إلى استحباب المماثلة (4)استناداً إلى رواية إسماعيل الجعفي عن الباقر

(عليه السلام) : «أفضل قضاء النوافل قضاءُ صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار» (5)وغيرها(6). وجُمع بينهما بالحمل على الأفضل والفضيلة، إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعة إلى الخير وهو فضل؛ كذا أجاب في الذكرى(7)وهو يُؤْذِن بأفضليّة المماثلة، إذ لم يُذكَر الأفضلُ إلّا فى دليلها؛ وأطلق فى باقى كتبه استحباب التعجيل(8)، والأخبارُ به كثيرة(9) إلا أنها خالية عن الأفضلية.

(وفي جواز النافلة لمن عليه فريضة قولان(10) ، أقربهما الجواز (11)): للأخبار ؛

ص: 202


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 266، ح 1059، وص 171 ، ح 681 : وج 3، ص 162 ، ح 351.
2- آل عمران (3): 133.
3- الفقيه، ج 1، ص 496 - 497، ح 1427 - 1428.
4- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 455 المسألة 316؛ ونقله عن الشيخ المفيد في الأركان الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 342 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- الكافي، ج 3، ص 452 ، باب تقديم النوافل . ح 5.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ح 637 و 645.
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 342 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج6).
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 67 : البيان، ص 251 : الرسالة النفلية، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول ج 9، 12 و 18).
9- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 265 - 266، ح 1056 - 1057 و 1059.
10- ذهب إلى الجواز المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 24 ، وإلى عدمه العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 359، ذيل المسألة 61.
11- والأقرب جواز ما لا يضر بالقضاء. البيان ص 253، (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12. (زين رحمه الله)

الكثيرة الدالّة عليه (1)(وقد بيّنا مأخذه في كتاب الذكرى(2)) بإيراد ما ورد فيه من الأخبار، وحرّرنا نحن ما فيه في شرح الإرشاد(3).

واستند المانع أيضاً إلى أخبار دلّت على النهي(4)، وحمله على الكراهة طريق الجمع؛ نعم يُعتبر عدم إضرارها بالفريضة ولا فرق بين ذوات الأسباب وغيرها.

ص: 203


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 264 - 265، ح 1051 - 1052 و 1057.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 305 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- روض الجنان، ج 2، ص 67 - 70 (ضمن الموسوعة، ج 11).
4- الكافي، ج 3، ص 293، باب الصلاة، ح 3.

الفصل التاسع في صلاة الخوف

(وهي مقصورة سفراً ) إجماعاً (وحضراً) على الأصح للنص(1)، وحجّةُ مُشْتَرِط السفر(2) بظاهر الآية(3)حيث اقتضت الجمعَ مندفعة بالقصر للسفر المجرّد عن الخوف، والنص مُحَكَّم فيهما؛ (جماعةً) إجماعاً، (وفرادى) على الأشهر لإطلاق النص. واستناد مشترطها إلى فعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لها جماعةً (4)؛ لا يدلّ على الشرطية، فيبقى ما دلّ على الإطلاق سالماً .

وهي أنواع كثيرة تبلغ العشرة أشهرُها صلاة ذات الرقاع، فلذا لم يذكر غيرها.

ولها شروط أشار إليها بقوله: (ومع إمكان الافتراق فرقتين(5))؛ لكثرة المسلمين أو قوّتِهم بحيث يُقاوِم كلُّ فرقة العدوّ حالة اشتغال الأخرى بالصلاة وإنْ لم يَتَساوَيا عدداً.

(و) كونِ (العدوّ في خلاف ) جهة (القبلة) إما في دبرها أو عن أحد جانبيها بحيث لا يمكنهم القتالُ مصلِّين إلا بالانحراف عنها، أو في جهتها مع وجود حائل يمنع من قتالهم .

ص: 204


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 302، ح 921
2- حكاه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 231
3- النساء (4): 101
4- الفقيه، ج 1، ص 460 ، ح 1336.
5- وقوّة العدوّ بحيث يخاف هجومه عليهم في الصلاة، وعدم احتياجهم إلى الزيادة على الشطرين. البيان [ص 263 ، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12].( زين رحمه الله )

واشتُرِط ثالث (1)وهو كون العدوّ ذا قوَّة يُخاف هجومه عليهم حال الصلاة، فلو أمن صلّوا بغير تغيير يُذكر هنا، وتَرَكه اختصاراً وإشعاراً به من الخوف؛ ورابع(2) وهو عدم الاحتياج إلى الزيادة على فرقتين؛ لاختصاص هذه الكيفية بإدراك كلّ فرقةٍ ركعةً ويمكن الغِنَى عنه في المغرب.

ومع اجتماع الشروط ( يصلون صلاة ذات الرقاع) سُمِّيت بذلك ؛ لأن القتال كان في سَفح جبل فيه جُدَدٌ حُمْرٌ وصُفْرٌ وسُودٌ كالرقاع، أو لأنّ الصحابة كانوا حفاةً فلفوا على أرجلهم الرقاع من جُلودٍ وخِرَقٍ لشدَّة الحَرِّ؛ أو لأنّ الرقاع كانت في الوِيَتِهم؛ أو لمرور قوم به حفاةٍ فَتَشَقَّقَت أرجلهم فكانوا يلفون عليها الخِرَقَ؛ أو لأنها اسم شجرة كانت في موضع الغزوة. وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر المدينة عند بئر أروما :وقيل موضع من نَجْدٍ(3) وهي أرضُ غَطَفَانَ.

(بأن يصلِّي الإمامُ بفرقةٍ ركعةً) في مكان لا تبلغهم سهام العدوّ ثم ينفردون بعد قيامه (ثمّ يُتِمّون) ركعةً أُخرى مخفّفةً ويُسَلِّمون ويأخذون موقف الفرقة المقاتلة، (ثمّ تأتي الفرقة (الأخرى) والإمام في قراءة الثانية، (فيصلي بهم ركعةً) إلى أن يرفعوا من سجود الثانية فينفردون ويُتمّون صلاتهم،(ثمّ يَنتظرهم) الإمامُ (حتى يُتِمّوا ويسلم بهم(4) ).

وإنّما حكمنا بانفرادهم - مع أنّ العبارة لا تقتضيه بل ربما دلّ سلامه بهم على بقاء القُدْوَة - تبعاً للمصنّف حيث ذهب في كتبه إلى انفرادهم(5). وظاهر الأصحاب - وبه صرّح كثير منهم (6)- بقاءُ القدوة، ويتفرع عليه تحمّلُ الإمام أوهامهم على القول

ص: 205


1- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 119؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 319 .
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 119؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 319 .
3- راجع معجم البلدان، ج 3، ص 56
4- لو سلّم قبل جلوس الفرقة من الركعة الثانية فالأقرب الصحة (زين رحمه الله)
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 226 : الدروس الشرعية ، ج 1، ص 134 ؛ البيان، ص 263 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12).
6- راجع روض الجنان، ج 2، ص 650 (ضمن الموسوعة، ج 11).

به(1) ؛ وما اختاره المصنّف لا يخلو من قوّة.

(وفي المغرب يصلي بإحداهما ركعتين) وبالأخرى ركعة مخيراً في ذلك. والأفضل تخصيص الأولى بالأولى، والثانية بالباقي تأسياً بعلي ليلة الهرير(2). و لِيَتَقارَبا في إدراك الأركان والقراءة المتعيّنة(3).

وتكليفُ الثانية بالجلوس للتشهد الأوّل مع بنائها على التخفيف يندفع باستدعائه زماناً على التقديرين فلا يحصل بإيثار الأولى تخفيف، ولتكليف الثانية بالجلوس للتشهد الأوّل على التقدير الآخر.

(ويجب) على المصلين (أخذُ السلاح) للأمر به(4) المقتضي له، وهو آلة القتال والدفع من السيف والسكين والرمح وغيرها وإن كان نجساً، إلا أن يمنع شيئاً من الواجبات أو يُؤذى غيره فلا يجوز اختياراً.

(ومع الشدّةِ) المانعة من الافتراق كذلك، والصلاةِ جميعاً بأحد الوجوه المقررة في هذا الباب (يصلّون بحسَب المُكْنة ) رُكْباناً ومُشاةً، جماعةً وفرادى. ويُغتفر اختلافُ الجهة هنا بخلاف المختلفين في الاجتهاد ؛ لأنّ الجهات قبلة في حقهم هنا؛ نعم يُشترط عدم تقدّم المأموم على الإمام نحو مقصده. والأفعالُ الكثيرة المُفْتقر إليها مغتفرة هنا. ويُومؤون (إيماءً مع تعذر) الركوع (والسجود) ولو على القَرْبُوس بالرأس ثمّ العينين فتحاً وغَمْضاً كما مرّ. ويجب الاستقبال بما أمكن ولو بالتحريمة، فإن عجز سقط.

(ومع عدم الإمكان) أي إمكان الصلاة بالقراءة والإيماء للركوع والسجود (يُجزِتُهم عن كلّ ركعة) بدل القراءة والركوع والسجود و واجباتهما (سبحان الله

ص: 206


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 234.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173 ، ح 384 .
3- في «م»: «المعيّنة».
4- النساء (4): 102

والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) مقدّماً عليها النيّة والتكبير، خاتماً بالتشهد والتسليم. قيل: وهكذا صلّى عليّ وأصحابه ليلة الهرير الظهرين والعشاء ین(1).

ولا فرق في الخوفِ المُوجِب لقصر الكمّيّة وتغيير الكيفية بين كونه من عدوّ ولُصّ وسَبع، لا من وَحَلٍ وغَرَقٍ بالنسبة إلى الكمّيّة؛ أما الكيفية فجائزة حيث لا يمكن غيرُها مطلقاً. وجوّز في الذكرى لهما قصر الكمّيّة مع خوف التلف بدونه، ورجاء السلامة به، وضيق الوقت(2)، وهو يقتضي جواز الترك لو تَوَقَّف عليه، أما سقوط القضاء بذلك فلا؛ العدم الدليل.

ص: 207


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173 - 174 ، ح 384.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 235 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).

الفصل العاشر في صلاة المسافر التي يجب قصرها كمّيّةً

(وشروطها: قصد) المسافة، وهي ثمانية فراسخ كلُّ فرسخ ثلاثة أميال، كلُّ مِيل أربع آلاف ذراع، فتكون المسافة (ستةً وتسعين ألف ذراع(1)). حاصلةً من ضرب ثلاثة في ثمانية ثمّ المرتفع في أربعة، وكلُّ ذراع أربع وعشرون إصبعاً، كلُّ إصبع سبع شَعِيراتٍ مُتلاصِقاتٍ بالسطح الأكبر، وقيل ستّ(2)، عرض كلّ شعيرة سبع شعرات من شَعْر البِرْذَون. ويجمعها مسيرُ يوم معتدل الوقت والمكان والسير لأثقال الإبل، ومبدأ التقدير من آخِر خِطَّة البلد المعتدل وآخر محلّته في المتَّسع عرفاً.

(أو نصفها لمُريد الرجوع ليومه ) أو ليلته أو المُلَفّق منهما مع اتصال السير عرفاً، دون الذهابِ في أوّل أحدهما والعود في آخر الآخر ونحوه في المشهور. وفي الأخبار الصحيحة الاكتفاء به مطلقاً (3)وعليه جماعةً مخيّرين في القصر والإتمام (4)جمعاً، وآخرون في الصلاة خاصةً(5)، وحمَلَها الأكثرُ على مُريد الرجوع ليومه فيَتَحتَّم القصرُ أو

ص: 208


1- ومبدأ المسافة من منتهى عمارة البلد المتوسط، ولو تعاظم فمبدأها منتهى محلّته. البيان [ص 255، ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12]. فائدة لوجهل الإنسان المسافة ولم يصل حتى فاته الوقت قضى تماماً وإن تبين أنها مسافة. وإذا أفطر مع جهل المسافة لزمه القضاء والكفّارة وإن ظهر أنها مسافة (زين رحمه الله)
2- قال به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 1، ص 480.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 224، ح 657 - 658.
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 349؛ وسلار في المراسم ص 75 وابنا بابويه حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 526، المسألة 390.
5- كالشيخ في النهاية، ص 161 وابن حمزة في الوسيلة، ص 108.

يتخيَّر، وعليه المصنف في الذكرى(1). وفي الأخبار ما يدفع هذا الجمع بمعنييه(2).

وخرج بقصد المقدَّرِ السفر إلى المسافة بغيره كطالب حاجة يرجع متى وجدها - إلا أن يَعلَم عادةً توقفه على المسافة، وفي إلحاق الظنّ القوي به وجه قوي. - وتابع مُتَغَلِّبِ يُفارقه متى قَدَر مع إمكانه عادةً. ومثله الزوجة والعبدُ يُجَوِّزان الطلاق والعتق مع ظهور أمارتهما(3). ولو ظنّ التابعُ بقاءَ الصُحبة قَصَّرَ مع قصد المسافة ولو تبعاً، وحيث يبلغ المسافة يُقَصِّر في الرجوع مطلقاً، ولا يَضُمُّ إليه ما بَقِيَ من الذهاب بعد القصد متصلاً به ممّا يقصر عن المسافة.

(وأن لا يقطع السفر بمروره على منزله (4)) وهو ملكه من العقار الذي قد استوطنه، أو بَلَدِه الذي لا يخرج عن حدودها الشرعية ستة أشهر فصاعداً بنيّة الإقامة الموجبة للإتمام متواليةً أو متفرّقةً، أو منوي الإقامة على الدوام مع استيطانه المدة وإن لم يكن له به ملك ولو خرج الملك عنه أو رجع عن نية الإقامة ساوى غيره.

(أو نيّة مقام عشرة(5) ) أيام تامةً بلياليها متتالية ولؤ بتعليق السفر على ما لا يحصل عادةً في أقل منها. (أو مُضِيّ ثلاثين يوماً ) بغير نية الإقامة وإنْ جَزَم بالسفر (في مصر) أي في مكان

ص: 209


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 208 و 210، ح 499 و 507.
3- في «م»: «أماراتهما».
4- استوطنه ستة أشهر، وحكم الضيعة بل النخلة كذلك، ويكفي المتفرقة. والأقرب اشتراط كون صلاته فيه تماماً في هذه المدة، وكون التمام مع نية الإقامة فلا يحسب التمام بعد الشهر على إشكال، وكذا الأيام التي أتم فيها رخصة لفضيلة البقعة أو لكون السفر لا يقصر فيه. ولا يكفي الاستيطان قبل التملك، ولا استيطان الوقوف العامة. كالمدارس، وأولى منه المساجد. ولو خرج عنه الملك عاد إلى ما كان قبله، والمقيم ببلد اتخذه وطناً على الدوام يلحق بالملك على الظاهر، وفي اشتراط إقامة ستة أشهر أو العشرة أو لا إشكال. ولو استوطنه تبعاً لحاجة، كطلب علم أو متجر، أو استيطاناً محدوداً فلا حكم له وإن طالت المدة. البيان ص 256 - 257، ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12] (زين رحمه الله)
5- والظاهر أنّ العشرة ملفّقة، فلا يحسب بعض اليوم بيوم كامل البيان ص 256، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زین رحمه الله)

معين، أما المصر بمعنى المدينة أو البلد فليس بشرط. ومتى كَمَلَت الثلاثون أَتمَّ بعدها ما يصليه قبل السفر ولو فريضةً.

ومتى انقطع السفرُ بأحد هذه افتقر العود إلى القصر إلى قصد مسافة جديدة، فلو خرج بعدها بَقِيَ على التمام إلى أن يقصد المسافة، سواء عزم على العود إلى موضع الإقامة أم لا . ولو نَوَى الإقامة في عدة مواطن في ابتداء السفر أو كان له منازل، اعتُبرت المسافة بين كلّ منزلين وبين الأخير وغاية السفر، فيُقَصِّر فيما بلغه ويُتِمّ في الباقي وإنْ تَمادَى السفر.

( وأن لا يَكثُر سفره) بأن يسافر ثلاث سفرات إلى مسافة ولا يقيم بين سَفَرَتَين منها عشرة أيام في بلده أو مع النية(1)، أو يصدق عليه اسم المُكارِي وإخوته، وحينئذٍ فيُتِمّ في الثالثة، ومع صدق الاسم يستمرٌ مُنِعاً إلى أن يزول الاسم أو يقيم عشرة أيام متوالية أو مفصولة بغير مسافة في بلده أو مع نية الإقامة، أو يمضي عليه أربعون يوماً متردّداً فى الإقامة أو جازماً بالسفر من دونه.

ومن يَكثر سفره (كالمُكاري) بضم الميم وتخفيف الياء وهو من يُكرِي دابته لغيره ويذهب معها فلا يقيم ببلده غالباً لإعداده نفسه لذلك، (والملاح) وهو صاحب السفينة، (والأجير) الذي يُؤجر نفسه للأسفار ( والبريد) المُعِد نفسَه للرسالة أو أمينِ البَيْدَر أو الاشتقان. وضابطه من يسافر إلى المسافة ولا يقيم العشرة كما مرّ.

(وألّا يكونَ) سفره (معصيةً) بأن تكون غايته معصية أو مشتركة بينها وبين الطاعة، أو مستلزمةً لها كالتاجر في المحرَّم، والآبق والناشز والساعي على ضرر محترم، وسالك طريقٍ يغلب فيه العَطَبُ ولؤ على المال. وأُلحق به تارك كلّ واجب به بحيث ينافيه وهي مانعة ابتداءً واستدامةً، فلو عَرَض قصدُها في أثنائه انقطع الترخّصُ

ص: 210


1- كذا في «ن ، س»، وفي طبعة الخوانساري الحجرية: «لا في بلده أو غيره مع النية»، وفي حجرية عبدالرحيم: «في بلده أو غيره مع النية».

حينئذ وبالعكس. ويُشترط حينئذ كون الباقي مسافة ولو بالعود، لا بضم باقي الذهاب إليه.

( و أن يَتَوارَى عن جُدران بلده بالضرب فى الأرض لا مطلق المواراة أو يخفى عليه أذانه) ولؤ تقديراً كالبلد المنخفض والمرتفع ومختلف الأرض وعادم الجدار والأذان والسمع والبصر والمعتبرُ آخِرُ البلد المتوسط فما دون ومحلته في المتسع، وصورة الجدارِ والصوتُ لا الشبح والكلام والاكتفاء بأحد الأمرين مذهب جماعة(1) . والأقوى اعتبارُ خَفائهما معاً ذهاباً وعوداً، وعليه المصنّف في سائر كتبه (2).

ومع اجتماع الشرائط (فيتعيّن القصرُ) بحذف أخيرتي الرباعية (إلّا في) أربعة مواطن: (مسجدي مكة والمدينة) المعهودين (ومسجد الكوفة والحائر) الحسيني على مشرّفه السلام وهو ما دار عليه سُورُ حضرته الشريفة، فيتخيّر) فيها بين الإتمام والقصر، والإتمام أفضل(3)). ومستند الحكم أخبار كثيرة(4)، وفي بعضها «أنه من مخزون علم الله»(5).

(ومنعه) أي التخيير (أبو جعفر ) محمّد بن بابويه وحتم القصر فيها كغيرها (6)، والأخبار الصحيحة حجّة عليه(7) .

(وطرَّد المرتضى وابن الجنيد الحكم في مشاهد الأئمة (عليهم السلام)(8)) ولم نقف على

ص: 211


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 197 : ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 106؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 124 .
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 202؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 130 ؛ البيان، (ص 259 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 و 9 و 12).
3- نعم. (زین رحمه الله)
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 430، ح 1491 و 1493 - 1494.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 430، ح 1494
6- الفقيه، ج 1، ص 442 ذيل الحديث 1285.
7- تقدم في الهامش 4 - 5.
8- جمل العلم والعمل ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 47 ؛ حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج ص 555. المسألة 400 .

مأخذه. وطرد آخرون الحكم في البلدان الأربع(1)، وثالث في بلدي المسجدين الحرميَّيْنِ دون الآخرين(2) ، ورابع في البلدان الثلاثة غير الحائر(3) ومال إليه المصنف في الذكرى(4) والاقتصار عليها موضع اليقين فيما خَالَفَ الأصل.

(ولو دخل عليه الوقت حاضراً) بحيث مَضَى منه قدرُ الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدين (أو أدركه بعد )انتهاء (سفره) بحيث أدرك منه ركعةً فصاعداً (أتمّ) الصلاةَ فيهما ( على الأقوى (5)) عملاً بالأصل ؛ ولدلالة بعض الأخبار عليه(6). والقول الآخر القصر فيهما،(7) وفي ثالث التخيير(8)، ورابع القصر في الأولِ والإتمام في الثاني(9)، والأخبار متعارضة(10)، والمحصل ما اختاره هنا.

( ويُستحبّ جَبْرُ كلِّ مقصورة (11))، وقيل: كلّ صلاة تصلّى سفراً (بالتسبيحات الأربع ثلاثين مرّة ) عَقيبها(12). والمرويّ التقييد (13))، وقد رُوِي استحبابُ فِعْلها عقيبَ كلّ فريضة في جملة التعقيب(14)، فاستحبابها عقيب المقصورة يكون آكد.

وهل يتداخل الجبر والتعقيب أم يُستحب تكرارُها؟ وجهان أجودهما الأول لتحقق الامتثال فيهما.

ص: 212


1- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 204؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 93.
2- ذهب إليه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 432، ذيل الحديث 1500.
3- ذهب إليه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 432، ذيل الحديث 1500.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 178 - 179 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
5- نعم (زین رحمه الله )
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 224، ح 562 .
7- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 332 و 334.
8- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 577 - 579، المسألة 332 - 334.
9- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 211
10- راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 512 - 517 الباب 21 من أبواب صلاة المسافر.
11- في النهاية كل فريضة. (زين رحمه الله)
12- كالشيخ في النهاية، ص 125.
13- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 230، ح 594.
14- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 107 ، ح 405

الفصل الحادي عشَرَ في الجماعة

(وهي مستحبّةٌ في الفريضة) مطلقاً، (متأكدة في اليوميّة ) حتى أن الصلاة الواحدة منها تَعدِل خمساً أو سبعاً وعشرين صلاةً (1)مع غير العالم ومعه ألفاً. ولو وقعت في مسجدٍ تَضَاعَف بمضروب عدده في عددها؛ ففي الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمائة ومعه مائة ألف(2). ورُوِيَ أنّ ذلك مع اتحاد المأموم(3)، فلو تعدّد تَضاعَف في كلّ واحد بقدر المجموع في سابقه إلى العشرة ، ثمّ لا يُحْصِيه إلا الله تعالى.

و(واجبة في الجمعة والعيدين) مع وجوبهما، و(بدعة في النافلة) مطلقاً (إلّا في الاستسقاء والعيدين المندوبة، والغدير) في قول لم يَجزِم به المصنِّفُ إلا هنا ونسبه في غيره إلى التقي(4). ولعلّ مأخذه شرعيّتُها في صلاة العيد وأنه عيد؛ (والإعادة(5)) من الإمام أو المأموم أو هما وإنْ تَرَامَتْ على الأقوى.

(ويُدركها) أي الركعة( بإدراك الركوع) بأن يجتمعا في حد الراكع ولو قبل ذكر

ص: 213


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 24، ح 82، وفيه: «بخمسة وعشرين...» ؛ وفي صحيح مسلم، ج 1، ص 450، ح 249650: «بسبع وعشرين....».
2- حكاهما كلّها عن شرح اللمعة الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج 8، ص 289 - 290 الباب 1، من أبواب صلاة الجماعة، ح 16 - 17.
3- حكاهما كلّها عن شرح اللمعة الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج 8، ص 289 - 290 الباب 1، من أبواب صلاة الجماعة، ح 16 - 17.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 242 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 137: البیان، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12) ؛ وراجع الكافي في الفقه، ص 160.
5- إذا كان في المأمومين ،مفترض أما لو صلّى اثنان فصاعداً فرادى أو جماعة ففي استحباب إعادة الصلاة لهم جماعة نظر، من شرعيّة الجماعة، ومن أنه لم يعهد مثله، والنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله ذكرى الشيعة [ج 4، ص 248، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8]. (زين رحمه الله)

المأموم أما إدراك الجماعة، فسيأتي أنه يحصل بدون الركوع. ولو شَكٍّ في إدراك حدّ الإجزاء لم يحتسب ركعةً ؛ لأصالة عدمه فيَتَّبِعُه في السجود ثمّ يَستأنف.

(ويُشترط بلوغ الإمام) إلّا أن يَؤُم مثله. أو في نافلة عند المصنف في الدروس(1)، وهو يتم مع كون صلاته شرعيّةً لا تمرينية.

(وعقله) حالة الإمامة، وإنْ عَرَض له الجنون في غيرها كذي الأدوار على كراهة.

( وعدالته) وهي مَلَكة نفسانية باعثةٌ على ملازمة التقوى التي هي القيام بالواجبات وتركُ المَنهيّاتِ الكبيرة مطلقاً، والصغيرة مع الإصرار عليها، وملازَمَةِ المُرُوءَة التي هي اتِّباعُ محاسن العادات واجتنابُ مَساوِئها، وما يُنفَرُ عنه من المباحات ويُؤْذِن بخسّةِ النفس ودِناءَةِ الهمة. وتُعلَم بالاختبار المُستفاد من التكرار المُطلع على الخُلقِ من التَخَلُق، والطبع من التكلف غالباً؛ وبشهادة عدلين بها، وشياعها واقتداء العدلين به في الصلاة بحيث يُعلَم ركونُهما إليه تزكيةً ولا يَقدَح المخالفة في الفروع، إلا أن تكون صلاته باطلة عند المأموم.

وكان عليه أن يُذكر اشتراط طهارة مولد الإمام، فإنّه شرط إجماعاً كما ادعاه في الذكرى(2) ، فلا تصح إمامة ولد الزنى وإن كان عادلاً. أما وَلَدُ الشبهة ومن تَنالُه الأَلسُنُ من غیر تحقیق فلا.

(وذُكوريَّتُه) إن كان المأموم ذكراً أو خنثى. (وتَؤُمُّ المرأة مثلها) و(لا) توم (ذكراً ولا خنثى)؛ لاحتمال ذكوريّته. (ولاتؤُم الخنثى غير المرأة)؛ لاحتمال أنونيته وذكورية المأموم لو كان خنثى.

(ولا تصح مع ) جسم (حائل بين الإمام والمأموم) يمنع المشاهدة أجمع في سائر الأحوال للإمام أو من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط منهم، فلو شاهد بعضه في

ص: 214


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 138 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 22 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).

بعضها كفى، كما لا تمنع حيلولة الظلمة والعمى (إلّا في المرأة خلف الرجل ) فلا يمنع الحائل مطلقاً مع علمها بأفعاله التى يجب فيها المتابعة، ولا مع كون الإمام أعلى من المأموم (بالمعتد) به عرفاً في المشهور، وقدره في الدروس بما لا يُتَخَطَّى(1)، وقيل بشبر(2). ولا يضر عُلُوُّ المأموم مطلقاً ما لم يُؤَدِّ إلى البعد المُفْرِط. ولو كانت الأرض منحدرة اغتفر فيهما.

ولم يذكر اشتراط عدم تقدّم المأموم ولابد منه، والمعتبر فيه العقب قائماً والمقعد - وهو الألية - جالساً والجَنْب نائماً.

( وتكره القراءة) من المأموم (خلفه في الجهرية (3)) التي يسمعها ولو همهمة (لا في السرِّيَّة. ولو لم يَسمَع ولو همهمة) وهي الصوت الخفي من غير تفصيل الحروف (في الجهرية قرأ) المأموم الحمد سراً (مستحبّاً(4)) هذا هو أحد الأقوال في المسألة(5).

أما ترك القراءة في الجهرية المسموعة فعليه الكلّ لكن على وجه الكراهة عند الأكثر، والتحريم عند بعض(6)، للأمر بالإنصات لسامع القرآن(7)؛ وأمّا مع عدم سماعها وإن قل، فالمشهور الاستحباب فى أُولَيئها، والأجود إلحاق أُخْرَيَيْها بهما، وقيل: تلحقان بالسريّة(8). وأمّا السرّية، فالمشهور كراهة القراءة فيها، وهو اختيار المصنف في سائر كتبه(9)، ولكنه هنا ذهب إلى عدم الكراهة والأجود المشهور.

ص: 215


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 140 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- حكاه ابن فهد في المهذب البارع، ج 1، ص 463.
3- والقراءة أفضل من التسبيح إلا مع التهمة بعدم الاقتداء. (زين رحمه الله)
4- نعم الحمد والسورة (زين رحمه الله )
5- راجع مختلف الشيعة، ج 2، ص 501 ، المسألة 360.
6- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 225.
7- الأعراف (7): 204
8- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 222.
9- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 315: الدروس الشرعية، ج 1، ص 141 ؛ البيان، ص 221 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12).

ومن الأصحاب من أسقط القراءة وجوباً (1)، أو استحباباً مطلقاً (2)وهو أحوط وقد روى زرارة في الصحيح عن الباقر قال: «كان أمير المؤمنين يقول : من قرأ خلف إمام يَأتَمّم به بُعِثَ على غير الفطرة»(3).

(و تجب) على المأموم (نية الائتمام ب-) الإمام (المعيّن) بالاسم أو الصفة أو القصدِ الذهني، فلو أخلّ بها أو اقتدى بأحد هذين أو بهما وإن اتفقا فعلاً لم يصح. ولو أخطأ تعيينه بطلت وإن كانا أهلاً لها. أما الإمام، فلا تجب عليه نية الإمامة إلا أن تجب الجماعة كالجمعة في قول(4) ، نعم يُستحبّ. ولو حضر المأموم في أثناء صلاته نواها بقلبه متقرّباً.

(ويقطع النافلة) إذا أحرم الإمام بالفريضة وفي بعض الأخبار قطعها متى أقيمت الجماعة ولمّا يُكمِلْها ليفوز بفضيلتها أجمع(5) . و(قيل: و) يقطع (الفريضة(6)) أيضاً (لو خاف الفوت )(7) أي فوات الجماعة في مجموع الصلاة وهو قوي، واختاره المصنف في غير الكتاب(8)، وفي البيان جعلها كالنافلة(9)، (وإتمامها) ركعتين ندباً (حسن) ليجمع بين فضيلة الجماعة وتركِ إبطال العمل، هذا إذا لم يخف الفوت وإلا قطعها بعد النقل إلى النفل . ولو كان قد تجاوز ركعتين من الفريضة ففي الاستمرار أو العدول إلى النفل خصوصاً قبل ركوع الثالثة وجهان، وفي القطع قوة. نعم يقطعها) أي الفريضة (الإمام الأصل) مطلقاً استحباباً في الجميع.

ص: 216


1- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 284.
2- كسلار في المراسم، ص 87
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 269، ح 770
4- ذهب إليه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 283 ؛ والدروس الشرعية، ج 1، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 و 9).
5- الفقه المنسوب للإمام الرضاء ، ص 145
6- الركعة الأولى. (زين رحمه الله)
7- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 224.
8- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 318 - 319: الدروس الشرعية، ج 1، ص 142( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 و 9).
9- البيان، ص 222 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

(ولو أدركه بعد الركوع) بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حده (سجد) معه بغير ركوع إن لم يكن ركع، أو ركع طلباً لإدراكه فلم يدركه (ثم استأنف النيّةَ (1)) مؤتماً إن بقي للإمام ركعةٌ أُخرى، ومنفرداً بعد تسليم الإمام إن أدركه في الأخيرة (بخلاف إدراكه بعد السجود) فإنّه يجلس معه ويتشهد مستحبّاً إن كان يتشهد، ويُكمِل صلاته (فإنّها تجزئه ويُدرِك فضيلة الجماعة) في الجملة (في الموضعين) وهما إدراكه بعد الركوع وبعد السجود؛ للأمر بها(2)وليس إلا لإدراكها، وأما كونها كفضيلة من أدركها من أوّلها، فغيرُ معلوم.

ولو استمر في الصورتين قائماً إلى أن فرغ الإمام، أو قام أو جلس معه ولم يسجد صح أيضاً من غير استئناف والضابط أنّه يدخل معه في سائر الأحوال، فإن زاد معه ركناً استأنف النيّة، وإلا فلا. وفي زيادة سجدة واحدة وجهان، أحوطهما الاستئناف. وليس لمن لم يُدرك الركعة قطع الصلاة بغير المتابعة اختياراً.

(وتجب) على المأموم (المتابعةُ) الإمامه في الأفعال إجماعاً، بمعنى أن لا يتقدمه فيها، بل إمّا أن يتأخر عنه وهو الأفضل، أو يقارِنَه، لكن مع المقارنة تفوت فضيلة الجماعة وإن صحت الصلاة، وإنما فضلها مع المتابعة. أما الأقوال، فقد قطع المصنف بوجوب المتابعة فيها أيضاً في غيره(3)، وأطلق هنا بما يشمله. وعدم الوجوب أوضحُ إلا في تكبيرة الإحرام فيُعتبر تأخّرُه بها، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد. وكيف تجب المتابعة فيما لا يجب سماعه ولا إسماعه إجماعاً مع إيجابهم عِلمه بأفعاله وما ذاك إلا لوجوب المتابعة فيها.

(فلو تقدّم ) المأموم على الإمام فيما يجب فيه المتابعة (ناسياً تَدارَك) ما فعل مع الإمام (وعامداً) يأثم و(يستمر(4)) على حاله حتّى يلحقه الإمام، والنهى لاحق لترك

ص: 217


1- ولا فرق بين الركعة الأولى والأخيرة وغيرهما في الاستحباب. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 272 ، ح 788
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 141 ؛ البيان، ص 232 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
4- وكذا لو تعمّد الناسي ترك الرجوع (زين رحمه الله)

المتابعة لا لذات الصلاة أو جزئها (1)ومن ثمّ لم تبطل، ولو عاد بطلت للزيادة. وفي بطلان صلاة الناسي لو لم يعد قولان(2)، أجودهما العدم والظان كالناسي، والجاهل عامد.

(ويُستحبّ إسماعُ الإمام من خلفه) أذكارَه، ليتابعه فيها وإن كان مسبوقاً ما لم يُؤَدِّ إلى العُلُوّ المُفرِط فيَسقُط الإسماعُ المُؤَدِّي إليه. (ويُكرَه العكس(3))، بل يُستحبّ للمأموم ، ترك إسماع الإمام مطلقاً عدا تكبيرة الإحرام لو كان الإمام منتظراً له في الركوع ونحوه وما يفتح به على الإمام، والقنوتِ على قول.

(وأن يَأْتَمَّ كُلَّ من الحاضر والمسافر بصاحبه مطلقاً، وقيل: في فريضة مقصورة، وهو مذهبه في البيان(4)، (بل) ب-(المساوي) في الحضر والسفر، أو في الفريضة غير المقصورة. (وأن يؤم الأجذم والأبرصُ الصحيح للنهي عنه وعما قبله في الأخبار(5) المحمول على الكراهة جمعاً والمحدود بعد توبته للنهى كذلك (6)وسقوط محله من القلوب؛ (والأعرابي) وهو المنسوب إلى الأعراب وهم سكان البادية (بالمهاجر) وهو المدنى المقابل للأعرابي أو المهاجرُ حقيقةً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .

ووجه الكراهة في الأوّل مع النص(7) بُعْده عن مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم المستفادة من الحَضَر. وحرم بعضُ الأصحاب إمامة الأعرابي(8) عملاً بظاهر النهي(9). ويمكن أن يريد به من لا يعرف محاسنَ الإسلام وتفاصيل الأحكام، منهم

ص: 218


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 47، ح 164.
2- قال بعدم البطلان العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 345 المسألة 603؛ وأما قول الآخر لم نعثر عليه على من تقدم على الشهيد الثاني نعم قال به السيد السند في مدارك الأحكام، ج 4، ص 329.
3- أذكار الإمام جهر مطلقاً، إلا دعاء التوجه والتعوّذ في أوّل ركعة. وأذكار المأموم إخفات مطلقاً، إلا تكبيرة الإحرام إذا خاف فوت الركوع وأذكار المنفرد تابع للصلاة، إلا القنوت والتشهد فجهر مطلقاً. (زين رحمه الله)
4- البيان، ص 226 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- الفقيه، ج 1، ص 378 ، ح 1105.
6- الفقيه، ج 1، ص 378 ، ح 1105.
7- الفقيه، ج 1، ص 378 ، ح 1105.
8- كالشيخ الصدوق في المقنع، ص 117
9- تقدم تخريجه في الهامش 5.

المعنى بقوله تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ﴾، أو على من عرف ذلك وترك المهاجرة مع وجوبها عليه فإنّه حينئذٍ تمتنع إمامته؛ لإخلاله بالواجب من التعلم والمهاجرة.

(والمتيمم بالمتطهر بالماء)؛ للنهي ونقصه(1)، لا بمثله.

( وأن يُستَنابَ المسبوق) بركعة أو مطلقاً إذا عرض للإمام مانع من الإتمام بل ينبغي استنابةُ من شَهِد الإقامة. ومتى بطلت صلاة الإمام فإن بَقِيَ مكلّفاً فالاستنابة له وإلّا فللمأمومين. وفي الثاني يفتقرون إلى نيّة الائتمام بالثاني، ولا يُعتبر فيها سوى القصد إلى ذلك. والأقوى في الأوّل ذلك، وقيل: لا(2)، لأنه خليفة الإمام فيكون بحكمه. ثمّ إن حصل قبل القراءة قَرَأَ المُستخلف أو المنفرد، وإن كان في أثنائها ففي البناء على ما وقع من الأوّل أو الاستئناف أو الاكتفاء بإعادة السورة التي فارق فيها أوجه؛ أجودها الأخير. ولو كان بعدها ففي إعادتها وجهان، أجودهما العدم.

(ولو) تبيّن للمأموم (عدم (الأهلية من الإمام للإمامة بحدث أو فسق أو كفر (في الأثناء انفرد حين العلم، والقولُ فى القراءة كما تقدّم: (وبعد الفراغ لا إعادة) على الأصح مطلقاً للامتثال. وقيل: يعيد في الوقت لفوات الشرط(3)، وهو ممنوع مع عدم إفضائه إلى المدّعى.

( ولو عَرَض للإمام مُخرِجٌ )من الصلاة لا يَخرُج عن الأهلية كالحدث (استناب) ،هو وكذا لو تبين كونه خارجاً ابتداءً لعدم الطهارة. ويمكن شمولُ المُخرج في العبارة لهما.

(ويُكرَه الكلام) للمأموم والإمام (بعد) قول المؤذن (قد قامت الصلاة (4)) لما رُوي أنهم بعدها كالمصلين(5) .

والمصلِّي خلف من لا يُقتدى به لكونه مخالفاً (يؤذن لنفسه ويقيم) إن لم يكن

ص: 219


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 166 ، ح 361 - 362.
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 33، المسألة 391.
3- نقله عن المرتضى و ابن الجنيد من غير تقييد بالوقت العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 497، المسألة 357.
4- [و] يكره وقوف المأموم وحده لئلا يعبث به الشيطان. (زین رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 54 - 55. ح 185 و 189.

وقع منهما ما يُجزئ عن فعله كالأذان للبلد إذا سمعه، أو مطلقاً. (فإن تعذر) الأذان لخوف فوت واجب القراءة (اقتصر على) قوله (قد قامت )الصلاة مرتين (إلى آخر الإقامة ) ثمّ يدخل في الصلاة منفرداً بصورة الاقتداء، فإن سبقه الإمام بقراءة السورة سقطت، وإن سبقه بالفاتحة أو بعضها قرأ إلى حدّ الراكع وسقط عنه ما بقي، وإن سَبَقَ الإمامَ سَبَّح الله استحباباً إلى أن يركع، فإذا فعل ذلك غُفِر له بعدد من خالَفَه وخرج ،بحسناتهم، رُوِي ذلك عن الصادق(عليه السلام)(1).

( ولا يؤم القاعدُ القائم) وكذا جميع المراتب لا يؤم الناقصُ فيها الكامل، للنهي(2)والنقص. ولو عَرَض العَجْزُ في الأثناء انفرد المأمومُ الكامل حينئذ إن لم يمكن استخلافُ بعضهم؛ (ولا الأمّي) وهو من لا يُحسِن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما ولؤ حرفاً أو تشديداً أو صفةً واجبة (القارئ) وهو من يُحسن ذلك كله، ويجوز بمثله مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان المأموم، وعجزهما عن التعلم لضيق الوقت وعن الائتمام بقاري أو أتمَّ منهما. ولو اختلفا فيه لم يجز وإن نقص قدر مجهول الإمام إلّا أن يقتدي جاهلُ الأوّل بجاهل الآخر، ثمّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه كاقتداء مُحْسِن السورة خاصة بجاهلها، ولا يتعاكسان .

(ولا المَرُّوفُ اللسان(3)) كالألثغ بالمثلثة، وهو الذي يُبَدِّل حرفاً بغيره، وبالمثناة من تخت، وهو الذي لا يبين الكلام والتمتام والفأفاء وهو الذي لا يُحسِن تأدية الحرفين (بالصحيح). أما من لا تَبْلُغ آفته إسقاط الحرف ولا إبداله أو يكرره فتكره إمامته بالمُتَّقِن خاصةً.

ص: 220


1- الفقيه ، ج 1، ص 407 ، ح 1211، وليس فيه: «غفر له بعدد من خالفه».
2- الكافي، ج 3، ص 375 باب من تكره الصلاة خلفه .... ح 2.
3- من لا يُحْسِ قراءة الفاتحة والسورة، فلو أمّ مثله جاز إذا عجزا عن التعلم. ولو عجز الإمام دون المأموم لم يصح اقتداؤه. ولو أحسن أحدهما الفاتحة والآخر السورة جاز إيتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس؛ للإجماع على وجوبها في الصلاة بخلاف السورة ذكرى الشيعة [ج 4، ص 258 - 259، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8] (زين رحمه الله)

( ويُقدَّم الأقرأُ(1)) من الأئمّة لو تَشاحُوا أو تَشَاحَ المأمومون وهو الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ومعرفة أحكامها ومحاسنها وإن كان أقل حفظاً، فإن تساووا فالأحفظ، فإن تساووا فيهما (فالأفقه) في أحكام الصلاة، فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها. وأسقط المصنف في الذكرى اعتبار الزائد؛ لخروجه عن كمال الصلاة(2)؛ وفيه أنّ المرجح لا ينحصر فيها، بل كثير منها كمال في نفسه، وهذا منها مع شمول النص له(3).

فإن تساووا في الفقه والقراءة (فالأقدم هجرة) من دار الحرب إلى دار الإسلام، هذا هو الأصل، وفي زماننا قيل هو السَبْقُ إلى طلب العلم(4)، وقيل: إلى سكنى الأمصار(5) مجازاً عن الهجرة الحقيقية ؛ لأنها مظنه الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والكمالاتِ النفسيّة، بخلاف القُرى والبادية، وقد قيل: إنّ الجفاء والقسوة في الفدادِين(6) بالتشديد أو حذف المضاف - وقيل يقدَّم أولاد من تقدَّمت هجرتُه على غيره(7) ؛ فإن تساووا في ذلك (فالأسنُ) مطلقاً، أو في الإسلام، كما قيده في غيره(8)؛ فإن تساووا فيه (فالأصبحُ)(9) وجهاً ؛ لدلالته على مزيد عناية الله تعالى، أو ذكراً بين الناس ؛ لأنه

ص: 221


1- وهو الأبلغ في الترتيل ومعرفة المخارج فيما يحتاج إليه الصلاة. (زين رحمه الله)
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 276 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 56، ح 194.
4- نقله عن الشيخ نجيب الدين يحيى الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج ).
5- قال به الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 277 - 278 )ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
6- قال الهروي ناقلاً عن أبي عمرو : هو الفدادُونَ مخفّفة، واحدها فدان مشدّدة وهي البقرة التي يحرث بها، وأهلها أهل الجفاء : البعدهم عن الأمصار وأراد أصحاب الفدادين كما قال الله تعالى: «.. وَسْتَلِ الْقَرْيَةَ ...» وحكى الأصمعي فيه التشديد ؛ وهم الذين يعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم من أهل القرى والبوادي. يقال: فدّ الرجل يفد فديداً إذا اشتدّ صوته. غريب الحديث، [ج 1، ص 125 - 126، «فدد» ] (منه رحمه الله)
7- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 308، المسألة 583 .
8- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 276 - 277 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 139؛ البيان، ص 227 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12).
9- وجهاً، ثمّ الأحسن ذكراً. ذكرى الشيعة ج 4، ص 279، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8] (زين رحمه الله )

يُستدَلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسنة عباده.

ولم يَذكُر هنا ترجيح الهاشمي ؛ لعدم دليل صالح لترجيحه، وجَعَله في الدروس بعد الأفقه(1) . وزاد بعضُهم في المرجّحات بعد ذلك: الأتقى والأورع ثم القرعة(2). وفي الدروس جَعَل القرعة بعد الأصبح(3) .. وبعضُ هذه المرجّحات ضعيف المستند، لكنّه مشهور. (و) الإمامُ (الراتب) في مسجدٍ مخصوص (أولى من الجميع) لو اجتمعوا. (وكذا صاحب المنزل) أولى منهم (و) من الراتب، و صاحب (الإمارة) في إمارته أولى من جميع من ذكر أيضاً. وأولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية لا فضيلة ذاتية، فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة. ولا تتوقف أولوية الراتب على حضوره ، بل يُنتَظَر لو تأخَّر ويُراجع إلى أن يَضِيق وقتُ الفضيلة فيسقُط اعتباره.

ولا فرق في صاحب المنزل بين المالكِ للعين والمنفعة وغيره كالمستعير ولو اجتمعا فالمالك أولى. ولو اجتمع مالك الأصل والمنفعة فالثاني أولى.

(ويُكره إمامة الأبرص والأجذم والأعمى بغيرهم ) ممن لا يتصف بصفتهم، للنهي عنه (4)المحمول على الكراهة جمعاً، وقد تقدّم(5).

ص: 222


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 310، المسألة 585 .
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- الفقيه ، ج 1، ص 378، ح 1105 - 1106.
5- تقدم في ص 218 ، الهامش 5

كتاب الزكاة

اشارة

(وفيه فصول أربعة)

ص: 223

ص: 224

الفصل الأوّل: فی من تجب علیه الزکاه

اشارة

تجب زكاة المال على البالغ العاقل) فلا زكاةَ على الصبي والمجنون في النقدين إجماعاً، ولا في غيرهما على أصح القولين(1)، نعم يُستحب، وكذا لو اتَّجَر الوليُّ أو مأذونُه للطفل واجتمعت شرائط التجارة. (الحرِّ) فلا تجب على العبد لو قلنا بملكه، لعدم تمكنه من التصرف بالحجر عليه وإنْ أذن له المولى؛ لتزلزله ولا فرق بين القِنّ والمُدَبَّر وأمّ الولد والمُكاتب الذي لم يَتَحَرَّر منه شيء. أما من تبعضَت رَقَبَتُه، فيجب في نصيب الحرية بشرطه.

(المتمكن من التصرّف ) في أصل المال، فلا زكاة على الممنوع منه شرعاً كالراهن غير المتمكن من فكه ولو ببيعه، وناذر الصدقة بعينه مطلقاً أو مشروطاً وإنْ لم يحصل شرطه على قول(2)، والموقوفِ عليه بالنسبة إلى الأصل، أما النتاج، فيُزَكَّى بشرطه، أو قهراً كالمغصوب والمسروق والمجحود إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه فيجب فيما زاد على الفداء، أو بالاستعانة ولو بظالم، أو لغيبته بضَلالٍ أو إرثٍ لم يُقبض ولو بوكيله.

زکاه الانعام

(في الأنعام) الجارّ يتعلق بالفعل السابق أي تجب الزكاة بشرطها في الأنعام (الثلاثة) : الإبل والبقر والغنم بأنواعها من عِرابِ وبَخاتي، وبقر وجاموس، ومَعْزِ

ص: 225


1- ذهب إليه سلّار في المراسم ص 128؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 429 ؛ قال بالوجوب الشيخ المفيد في المقنعة، ص 238 والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 272
2- قال به العلّامة في نهاية الإحكام ج 2 ص 305

وضأن، وبدأ بها بالابل للبدأة بها في الحديث (1)ولأنّ الإبل أكثرُ أموال العرب.

(والغلاتِ الأربع) : الحِنْطَةِ بأنواعها - ومنها العَلَس - والشعير - ومنه السلت - والتمر والزبيب

(والنقدين): الذهب والفضة.

(وتُستحبّ) الزكاة (فيما تُنبِتُ الأرضُ من المكيل والموزون)، واستثنى المصنّف فى غيره الخُضْرَ(2) وهو حسن، ورُوِيَ استثناء الثمار أيضاً(3).

(وفي مال التجارة )على الأشهر روايةً(4) ، وفَتوى: (وأو جبها ابن بابويه فيه (5)) استناداً إلى رواية (6)حمْلُها على الاستحباب طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على السقوط.( وفي إناث الخيل السائمة ) غير المعلوفة من مال المالك عرفاً، ومقدار زكاتها (ديناران) كلّ واحدٍ مثقال من الذهب الخالص، أو قِيمَتُه وإن زادت عن عشرة دراهم (عن العتيق) وهو الكريم من الطرفين، (ودينار عن غيره(7)) سواء كان رَدِيءَ الطرفين وهو البرذون بكسر الباء - أم طرف الأم وهو الهجين، أم طرف الأب وهو المُقْرِف، وقد يُطلَق على الثلاثة اسم البردون.

ويُشترط مع السوم أن لا تكون عوامل، وأن يَخْلُص للواحد رأس كامل ولو بالشركة کنصف اثنين؛ وفيهما خلاف، والمصنف على الاشتراط في غيره(8)، فتَرْكُه هنا يجوز كونه اختصاراً و اختياراً.

ص: 226


1- الخصال، ص 422، باب التسعة، ح 20.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 146 ؛ البيان، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
3- الكافي، ج 3، ص 512، باب ما لا يجب فيه الزكاة .... ح 6.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 69، ح 187.
5- الفقيه، ج 2، ص 20 ذيل الحديث 1604 : المقنع، ص 168.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 68 ، ح 186 .
7- لو اشترى نصاباً وحال عليه الحول، ثمّ بان فيه عيب، فإن أخرج من غير العين كان له الرد، وإن أخرج من العين امتنع الردّ : للتصرّف. ولو أراد الردّ قبل دفع الزكاة لم تسقط لأنّ الفسخ مسقط للعقد من حينه لا من أصله. (زين رحمه الله)
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 157 : البيان، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).

( ولا يُستحب في الرقيق والبغال والحمير) إجماعاً. ويُشترط بلوغ النصاب، وهو المقدار الذي يُشترط بلوغه في وجوبها أو وجوب قدر مخصوص منها.

(فنصب الإبل اثناعشر) نصاباً (خمسةٌ) منها (كلُّ واحدٍ خمس) من الإبل، (في كلّ واحد )من النُصُب الخمسة (شاة) بمعنى أنه لا يجب فيما دون خمس، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة، ثمّ لا تجب في الزائد إلى أن تبلغ عشراً ففيها شاتان، ثمّ لا يجب شيء في الزائد إلى أن يبلغ خمسَ عشْرَةَ ففيها ثلاثُ شِياءٍ، ثمّ في عشرين أربع، ثمّ في خمس وعشرين خمس ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى، وتأنيتُها هنا تبعاً للنص(1) بتأويل الدابة، ومثلها الغنم بتأويل الشاة.

(ثمّ ستّ وعشرون) بزيادة واحدة، ففيها (بنتُ مَخاض) - بفتح الميم - أي بنتُ ما من شأنها أن تكون ما خضاً - أي حاملاً - وهي ما دخلت في السنة الثانية.

(ثمّ ست وثلاثون) وفيها (بنتُ لَبون) - بفتح اللام - أي بنتُ ذاتِ لَبَنٍ ولو بالصلاحية، وستها سنتان إلى ثلاث.

(ثمّ ستُ وأربعون) وفيها (حقةٌ) - بكسر الحاء - سنّها ثلاث سنين إلى أربع فاستَحَقَّت الحمل أو الفَحْل.

(ثمّ إحدى وستون فجَذَعَةٌ) - بفتح الجيم والذال - سنّها أربع سنين إلى خمس

قيل: سمّيت بذلك ؛ لأنها تَجذَعُ مُقَدّمَ أسنانها (2)أي تُسْقِطه.

(ثمّ ستّ وسبعون فبنتا لبون، ثمّ إحدى وتسعون) وفيها (حقتان، ثمّ) إذا بلغت مائةً وإحدى وعشرين ففى (كلّ خمسين حِقَّةٌ، وكلّ أربعين بنت لبون).

وفي إطلاق المصنّف الحكم بذلك بعد الإحدى وتسعين نظر؛ لشموله ما دون ذلك، ولم يقل أحدٌ بالتخيير قبل ما ذكرناه من النصاب فإنّ من جملته ما لو كانت مائةً

ص: 227


1- الفقيه، ج 2، ص 23 ، ح 1606.
2- قال به المحقق في المعتبر، ج 2، ص 513.

وعشرين، فعلى إطلاق العبارة فيها ثلاث بنات لبون وإن لم تزد الواحدة، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب، والمصنّف قد نقل في الدروس و البيان أقوالاً نادرة (1)وليس من جملتها ذلك، بل اتفق الكلّ على أنّ النصاب بعد الإحدى وتسعين لا يكون أقل من مائةٍ وإحدى وعشرين، وإنما الخلاف فيما زاد.

والحامل له على الإطلاق أن الزائد على النصاب الحادي عشرَ لا يُحسب إلا بخمسين كالمائة وما زاد عليها، ومع ذلك فيه حقتان وهو صحيح؛ وإنما يتخلّف في المائة وعشرين، والمصنّف توقف في البيان (2)في كون الواحدة الزائدة جزءاً من الواجب أو شرطاً من حيث اعتبارها في العدد نصاً (3)وفتوى، ومن أنّ إيجاب بنت اللبون في كل أربعين يُخرجها فيكون شرطاً لا جزءاً، وهو الأقوى، فتَجَوَّزَ هنا وأطلق عده بأحدهما.

واعلم أنّ التخيير في عده بأحد العددين إنّما يَتِمّ مع مطابقته بهما كالمائتين، وإلّا تَعَيَّن المطابَقُ كالمائة وإحدى وعشرين بالأربعين والمائة والخمسين بالخمسين، والمائة وثلاثين بهما. ولو لم يُطابق أحدهما تَحَرّى أقلهما عفواً مع احتمال التخيير مطلقاً.

(وفي البقر نصابان ثلاثون فتبيع) وهو ابن سنة إلى سنتين (أو تبيعة) مخيَّر في ذلك. سمّي بذلك؛ لأنه تبع قَرْتُه أُذُنَه أو تبع أمه في المَرْعَى: (وأربعون فمُسِنّة) أُنثى سنّها ما بين سنتين إلى ثلاث، ولا يجزئ المُسِنُّ. وهكذا أبداً يُعتبَر بالمطابق من العددين، وبهما مع مطابقتهما كالستين بالثلاثين والسبعين بهما، والثمانين بالأربعين، ويتخيّر في المائة وعشرين.

(وللغنم خمسةُ) نُصُبِ : (أربعون فشاةٌ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثمّ

ص: 228


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 151 - 152 : البيان، ص 280 - 281 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
2- البيان، ص 281 - 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 20 - 21، ح 52 و 54.

مائتان وواحدة فثلاث، ثمّ ثلاثمائة وواحدة فأربع على الأقوى). وقيل: ثلاث (1)نظراً إلى أنّه آخر النصب، وأنّ في كل مائة حينئذ شاةً بالغاً ما بلغت ومنشأ الخلاف اختلافُ الروايات ظاهراً، وأصحها سنداً ما دلّ على الثاني(2)، وأشهرها بين الأصحاب ما دلّ على الأول(3). (ثمّ) إذا بلغت أربعمائة فصاعداً (في كل مائة شاة).

وفيه إجمال كما سبق في آخِر نُصُب الإبل؛ لشموله ما زاد عن الثلاثمائة وواحدة ولم تبلغ الأربعمائة، فإنه يستلزم وجوبَ ثلاثِ شياءِ خاصةً، ولكنه اكتفى بالنصاب المشهور؛ إذ لا قائل بالواسطة .

(وكلُّ ما نقص عن النصاب) في الثلاثة، وهو ما بين النصابين، وما دون الأول (فعفو) كالأربع من الإبل بين النصب الخمسة وقبلها، والتسع بين نصابي البقر، والتسع عشَرَ بعدهما، والثمانين بين نصابي الغنم. ومعنى كونها عفواً عدم تعلّق الوجوب بها، فلا يسقط بتلفها بعد الحول شيء، بخلاف تلف بعض النصاب بغير تفريط فإنه يسقط من الواجب بحسابه.

ومنه تظهر فائدة النصابين الأخيرين من الغنم على القولين، فإنّ وجوب الأربع في الأزيد والأنقص يختلف حكمه مع تلف بعض النصاب كذلك، فيسقط من الواجب بنسبة ما اعتُبِر من النصاب فبالواحدة من الثلاثمائة وواحدة، جزء من ثلاثمائة جزءٍ وجزء من أربع شياه، ومن الأربعمائة جزء من أربعمائة جزء منها.

( ويُشترط فيها ) أي في الأنعام مطلقاً (السوم) وأصله الرغي، والمراد هنا الرعي من غير المملوكِ، والمَرجِعُ فيه إلى العرف فلا عبرة بعَلفها يوماً في السنة ولا في الشهر. ويتحقق العَلْفُ بإطعامها المملوك ولو بالرعي كما لو زَرَع له-ا فَصيلاً، لا ما استأجره من الأرض لتُرعَى فيها أو دَفَعَه إلى الظالم عن الكلا، وفاقاً

ص: 229


1- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 238
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 25، ح 59.
3- تهذيب الأحكام، ج 4 ص 25 . ح 58

للدروس (1). ولا فرق بين وقوعه لعذر وغيره.

وفي تحققه بعلف غير المالك لها على وجه لا يستلزم غرامة المالك وجهان من انتفاء السوم والحكمة؛ وأجودُهما التحقق؛ لتعليق الحكم على الاسم لا على الحكمة وإن كانت مناسبة.

وكذا يُشترط فيها أن لا تكون عوامل عرفاً ولؤ في بعض الحول وإن كانت سائمة. وكان عليه أن يُذكره.

(والحولُ) ويحصل هنا بمُضي أحد عشر شهراً هلالية) فيجب بدخول الثاني عشر وإنْ لم يَكمُل.

وهل يستقر الوجوب بذلك أم يتوقف على تمامه ؟ قولان (2): أجودهما الثاني، فيكون الثاني عشر من الأوّل، فله استرجاع العين لو اختلت الشرائط فيه مع بقائها، أو علم عِلْمٍ القابض بالحال، كما في كلّ دفع متزلزل أو معجَلٍ أو غيرِ مُصاحَب للنيّة.

(وللسخال) وهي الأولاد (حول بانفرادها )إن كانت نصاباً مستقلاً بعد نصاب الأمهات، كما لو وَلَدت خمس من الإبل خمساً، أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين؛ أما لو كان غير مستقل ففي ابتداء حوله مطلقاً أو مع إكماله النصاب الذي بعده أو عدم ابتدائه حتى يَكمُل الأوّلُ فيجزئ الثاني لهما، أوجهُ أجودها الأخير، فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شيء، وعلى الأوّل فشاة عند تمام حولها، أو ثمانون فولدت اثنين وأربعين فشاة للأولى خاصةً، ثمّ يُستأنف حول الجميع بعد تمام الأوّل، وعلى الأوّلين تجب أخرى عند تمام حول الثانية.

وابتداء حول السخال (بعد غنائها بالرعى)؛ لأنها زمن الرضاع معلوفة من مال المالك وإنْ رَعَتْ معه.

ص: 230


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- ذهب إليه العلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 312؛ والقول الآخر مختار فخر المحققين في إيضاح الفوائد ج 1، ص 172 - 173

وقيده المصنف في البيان بكون اللبن عن معلوفة وإلا فمِن حين النتاج(1)، نظراً إلى العَلْف الحكمة في وهو الكُلْفَة على المالك، وقد عرفت ضعفه، واللبن مملوك على التقديرين. وفي قول ثالث إن مبدأه النّتاجُ مطلقاً(2)، وهو المروي صحيحاً(3) فالعمل به متعيّن .

(ولو تُلِمَ النصاب) قبل تمام (الحول) ولؤ بلحظة (فلا شيء) لفقد الشرط، (ولؤ فرَّ به ) من الزكاة على الأقوى، وما فاته به من الخير أعظم ممّا أحرزه من المال كما ورد في الخبر(4) .

(ويجزئ ) في الشاة الواجبة في الإبل والغنم (الجَذَعُ من الضأن ) وهو ما كَمَل سنه سبعة أشهرٍ،

(والتَنيُّ من المعز) وهو ما كمل سنه سنةً، والفرق أن ولد الضأن يَنْزُو حينئذ، والمعز لا ينزو إلا بعد سَنَة، وقيل: إنّما يُجْذع كذلك إذا كان أبواه شابين وإلا لم يُجْذع إلى ثمانية أشهرٍ(5).

( ولا تؤخذ الرُبَّى) بضم الراء وتشديد الباء، وهي الوالدة من الأنعام عن قرب إلى خمسةً عشَرَ يوماً ؛ لأنها نفساءُ، فلا تجزئ وإنْ رَضِيَ المالك؛ نعم لو كانت جُمَعُ رُبَّى لم يُكلف غيرُها؛ (ولا ذاتُ العوار) - بفتح العين وضتها - مطلق العيب، (ولا المريضةُ) كيف كان (ولا الهرمة) المُسِنّة عرفاً.

(ولا تُعَدّ الأكولةُ) بفتح الهمزة، وهي المُعَدَّة للأكل، وتؤخذ مع بذل المالك لها

ص: 231


1- البيان، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12 )
2- حكاه عن الشيخ وابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 43، المسألة 12.
3- رواها زرارة عن الباقر في الصحيح بطريق الكافي، والضعيف بطريق كتابي الشيخ، وردّها في مختلف الشيعة : لضعفها، وهو مردود بما ذكرناه (منه رحمه الله). الكافي، ج 3، ص 533، ح 3 : تهذيب الأحكام، ج 4. ص 41 ، ح 104 : الاستبصار، ج 3، ص 24 ، ح 66 : نقل ذلك عنه في الروضة البهيّة، ج 1، ص 339 الهامش 4 طبع مجمع الفكر الإسلامي، ولم نجده في الحواشي.
4- الكافي، ج 3، ص 559 ، باب من فرّ بماله من الزكاة، ح 1.
5- حكاه عن ابن الأعرابي الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 283 - 284 : راجع المصباح المنير، ص 94، «جذع».

لا بدونه؛ (ولا فحل الضراب(1) ) وهو المحتاج إليه لضَرْب الماشية عادةً، فلو زاد كان كغيره في العد. أما الإخراج، فلا مطلقاً، وفي البيان أوجب عدها البيان أوجب عدها مع تساوي الذكور والإناث، أو زيادة الذكور دون ما نَقَص وأَطلَق(2).

(و تجزئ القيمة )عن العين مطلقاً، (و) الإخراج (من العين أفضل) وإن كانت القيمة أنفع.

( ولو كانت الغنم) أو غيرُها من النعم (مَرضى) جُمَعَ (فمنها) مع اتحاد نوع المرض، وإلا لم يُجز الأدونُ ولو ماكس المالك قسط وأُخرج وسط يقتضيه، أو القيمة كذلك. وكذا لو كانت كلها من جنس لايُخرج كالرُبَّى والهَرِم والمَعِيب.

( ولا يُجمع بين متفرّق في الملك) وإن كان مشتركاً أو مختلط، متحدَ المَسْرَحِ والمُراحِ والمَشْرَعِ والفحل والحالبِ والمَحْلَبِ، بل يُعتبر النصابُ في كلّ ملك على حِدَتِه. ( ولا يُفَرَّق بين مجتمع فيه ) أي في الملك الواحد وإنْ تَباعَدَ بأن كان له بكلّ بلد شاة.

زکاه النقدین

(وأما النقدان، فيُشترط فيهما النصابُ والسكَةُ) وهي النقش الموضوع للدلالة على المعاملة الخاصة بكتابة وغيرها وإنْ هُجِرَتْ، فلا زكاة في السَبائِكِ والممسوح وإنْ تُعُومِلَ به، والحُلِيِّ، وزكاتُه إعارته استحباباً. ولو اتخذ المضروب بالسكّة آلةً للزينة وغيرها لم يتغيَّر الحكم وإن زاده أو نقصه ما دامت المعامله به على وجهه ممكنةً؛ (والحولُ) وقد تقدّم(3).

( فنصابُ الذهب) الأوّلُ (عشرون ديناراً) كلُّ واحدٍ مثقال، وهو درهم وثلاثةُ أسباع درهم (ثم أربعة دنانير) فلا شيء فيما دون العشرين ولا فيما دون أربعة بعدها،

ص: 232


1- قال أبو الصلاح: لا يعد في شيء من الأنعام فحل الضراب الكافي في الفقه، ص 167]، وقال ابن إدريس : يعد . [السرائر، ج 1، ص 437]. وهو الأقوى. لنا : عموم قوله : «في كل خمسين حقة»، وقوله : «يعد صغيرها وكبيرها». نعم لا يؤخذ، وعدم الأخذ يستلزم عدم العد. مختلف الشيعة ج 3، ص 55 المسألة 22].(زین رحمه الله )
2- البيان، ص 284 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- تقدم في ص 230.

بل يُعتبر الزائد أربعة أربعة أبداً.

زکاه الغلات الاربع

( ونصابُ الفضّة) الأوّلُ (مائتا درهم) والدرهم نصفُ المثقال وخُمْسُه، أو ثمانية وأربعون حبة شعيرٍ متوسطة هي ستة دوانيق (ثمّ أربعون درهماً ) بالغاً ما بَلَغَ، فلا زكاة فيما نَقَص عنهما .

(والمُخْرَجُ) في النقدين (رُبْعُ العُشْر ) فمِن عشرين مثقالاً نصف مثقال، ومن الأربعة قيراطان، ومن المائتين خمسة دراهم، ومن الأربعين درهم. ولو أَخرَج رُبعَ العشر من جملة ما عنده من غير أن يعتبر مقداره مع العلم باشتماله على النصاب الأوّل أَجزَاً، وربما زاد خيراً.

والواجب الإخراج من العين وتجزئ (القيمةُ كغيرهما.

(وأمّا الغَلّاتُ) الأربع،( فيُشترط فيها التملك بالزراعة) إن كان ممّا يُزرع، (أو الانتقالُ) أي انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردةً إلى ملكه (قبل انعقاد الثمرة) في الكَرْم، وبُدُوِّ الصلاح وهو الاحمرار أو الاصفرار في النخل (و) انعقاد (الحبّ) في الزرع، فتجب الزكاة حينئذٍ على المنتقل إليه وإن لم يكن زارعاً. وربما أُطلقت الزراعةُ على مِلك الحبّ والثمرة على هذا الوجه.

وكان عليه أن يَذكُر بدو الصلاح في النخل ؛ لئلا يدخل في الانعقاد، مع أنه لا قائل بتعلّق الوجوب فيه به ، وإن كان الحكم بكون الانتقال قبل الانعقاد مطلقاً يوجب الزكاةَ على المنتقل إليه صحيحاً، إلّا أنّه في النخل خالٍ عن الفائدة، إذ هو كغيره من الحالات السابقة.

وقد استفيد من فحوى الشرط أنّ تعلّق الوجوب بالغلات عند انعقاد الحبّ والثمرة وبدو صلاح النخل، وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وذهب بعضُهم إلى أنّ الوجوب لا يتعلّق بها إلى أن يصير أحد الأربعة حقيقةً (1)وهو بلوغها حدَّ اليُبْسِ الموجِبِ للاسم.

ص: 233


1- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 182 ؛ وسلار في المراسم، ص 128.

وظاهرُ النصوص دال عليه (1).

( ونصابها) الذي لا تجب فيها بدون بلوغه، واكتفى عن اعتباره شرطاً بذكر مقداره تجوّزاً (ألفان وسبعمائة رطل بالعِراقي) أصله خمسة أوسُقٍ، ومقدار الوشق ستون صاعاً، والصاح تسعة أرطال بالعراقي، ومضروب ستين في خمسة ثمّ في تسعة تبلغ ذلك. (وتجب) الزكاة (في الزائد) عن النصاب (مطلقاً) وإنْ قل، بمعنى أن ليس له إلّا نصاب واحد ولا عفو فيه.

(والمُخْرَجُ) من النصاب وما زادَ (العُشْرُ إن سُقِيَ سَيْحاً) بالماء الجاري على وجه الأرض سواء كان قبل الزرع كالنيل - أم بعده (أو بَعْلاً) وهو شُرْبُه بعروقه القريبة من الماء، (أو عِذْياً) بكسر العين، وهو أن يُسْقَى بالمطر؛ ونصفُ العُشر بغيره) بأن سُقِى بالدلو والناضح والدالية ونحوها.

(ولو سُقِى بهما فالأغلب(2)) عدداً مع تساويهما في النفع، أو نفعاً ونُمُواً لو اختلفا وفاقاً للمصنّف(3) ، ويُحتمل اعتبارُ العدد والزمان مطلقاً (ومع التساوي) فيما اعتُبِر التفاضل فيه فالواجب(ثلاثة أرباع العُشر) لأنّ الواجب حينئذٍ في نصفه العُشرُ وفي نصفه نصفه، وذلك ثلاثة أرباعه من الجميع ولو أشكل الأغلب احتُمِل وجوبُ الأقل؛ للأصل، والعُشر للاحتياط، وإلحاقه بتساويهما لتحقق تأثيرهما والأصل عدم التفاضل وهو الأقوى.

ص: 234


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 3، باب ما تجب فيه الزكاة.
2- إما في عدد السقي، وإما في مدة العيش، فإن تساوى العدد والزمان أخذ منه ثلاثة أرباع العشر، ولو تقابل العدد والزمان فإشكال، كما لو سقى بالنضح مرّةً واحدةً في أربعة أشهر وبالسيح ثلاثاً في ثلاثة أشهر، فإن اعتبر العدد فالعشر، وإلا فنصفه. ويحتمل اعتبار الأنفع بحسب ظنّ الخُبراء، ولا ينظر إلى العدد والزمان، فعلى هذا لو استويا في النفع فالتقسيط ولو أشكل الأغلب فالأقرب أنّه كالاستواء. ويحتمل العُشر؛ ترجيحاً للاحتياط، ونصفه؛ ترجيحاً للأصل. ولا يلتفت إلى سقية يقطع بأنه لا نفع لها أو بأنها ضارّة البيان [ص 290، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله )
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 154؛ البيان، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).

واعلم أنّ إطلاقه الحكم بوجوب المقدَّر فيما ذُكِر يُؤذن بعدم اعتبار استثناء المؤونة، وهو قول الشيخ محتجاً بالإجماع عليه منا ومن العامة(1)، ولكن المشهور بعد الشيخ استثناؤُها، وعليه المصنّف في سائر كتبه وفتاواه(2)، والنصوص خالية من استثنائها مطلقاً ؛ نعم وَرَد استثناءُ حِصّة السلطان(3) وهو أمر خارج عن المؤونة وإنْ ذُكِرت منها في بعض العبارات تجوّزاً(4).

والمراد بالمَؤونة ما يَعْرَمه المالك على الغلة من ابتداء العمل لأجلها وإن تقدم على عامها إلى تمام التصفية ويُبْسِ الثمرة ؛ ومنها البذر ، ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.

ويُعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على تعلّق الوجوب، وما تأخّر عنه يُستثنى ولؤ من نفسه ويزكّى الباقى وإنْ َقلَّ، وحصّةُ السلطان كالثاني. ولو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المؤونة، ولو اشتراها مع الأصل وُزّع الثمنُ عليهما، كما يُوَزِّع المؤونة على الزكوي وغيره لو جَمَعهما. ويُعتبر ما غرمه بعده ويسقط ما قبله كما يسقط اعتبارُ المتبرع وإنْ كان غلامه أو ولده.

ص: 235


1- انظر المبسوط، ج 1، ص 300؛ والخلاف، ج 2، ص 67، المسألة 78
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 154 : البيان، ص 287 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 36، ح93.
4- كما في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 283

الفصل الثاني:زكاة التجارة

اشارة

(إنّما تُستحبّ مع) مُضِيّ (الحول) السابق (وقيام رأس المال فصاعداً) طول الحول، فلو طلب المتاع بأنقص منه، وإنْ قل في بعض الحول فلا زكاة، (ونصابِ الماليّة) وهي النقدان بأيهما بلغ إن كان أصله عُروضاً، وإلا فنصاب أصله وإن نقص بالآخر.

وفهم من الحصر أنّ قصد الاكتساب عند التملك ليس بشرط وهو قوي، وبه صرَّح في الدروس(1) ، وإن كان المشهور خلافه، وهو خِيَرَة البيان(2). ولو كانت التجارة بيد عامل فنصيب المالك من الربح يُضَمّ إلى المال، ويُعتبر بلوغ حصة العامل نصاباً في ثبوتها عليه.

وحيث تجتمع الشرائط (فيُخرَج رُبْعُ عُشْرِ القيمة (3)) كالنقدين.

حکم تاخیر دفع الزکاه

(وحكمُ) باقي أجناس الزرع الذي يُستحب فيه الزكاة (حكم الواجب) في اعتبار النصاب، والزراعة وما في حكمها، وقدر الواجب، وغيرها.

(ولا يجوز تأخير الدفع) للزكاة (عن وقت الوجوب) إن جعلنا وقته ووقت

ص: 236


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 155( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- البيان، ص 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- فيقوم بما اشترى به، ولو اشتراه بعرض اعتبرت قيمة العرض بالنقد الغالب، فإن تساوى النقدان وبلغ بأحدهما زكي، وإن بلغ بكلّ واحد منهما قوم بما يشاء، ولا يجب التقويم بالأنفع للمستحق. ولو اشترى بالنقدين قسط وقوم بالنسبة، كما لو اشترى بمائتي درهم وعشرين ديناراً وكان قيمة العشرين أربعمائة، فيقوم ثلثاه بالذهب وثلثه بالفضة. البيان ص 301، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12. (زين رحمه الله )

الإخراج واحداً، وهو التسمية بأحد الأربعة، وعلى المشهور فوقت الوجوب مغاير لوقت الإخراج ؛ لأنه بعد التصفية ويُبس الثمرة.

حکم نقل الزکاه

ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج لا وجوب الزكاة ليناسب مذهبه، إذ يجوز على التفصيل تأخيره عن أوّل وقت الوجوب إجماعاً إلى وقت الإخراج، أما بعده، فلا (مع الإمكان) فلو تعذر لعدم التمكن من المال أو الخوف من المتغلّب أو عدم المستحق جاز التأخيرُ إلى زوال العذر؛(فيَضمَن) بالتأخير لا لعذر وإنْ تَلف المالُ بغير تفريط (ويأثَم) للإخلال بالفورية الواجبة وكذا الوكيل والوصي بالتفرقة لها ولغيرها.

وجوز المصنف في الدروس تأخيرها لانتظار الأفضل أو التعميم(1)، وفي البيان كذلك، وزاد: تأخيرها لمعتاد الطلب منه بما لا يُؤَدِّي إلى الإهمال(2)، وآخَرون شهراً وشهرين مطلقاً(3)، خصوصاً مع المزيّة وهو قويّ.

( ولا يُقَدَّم على وقت الوجوب) على أشهر القولين (4)(إلّا قرضاً، فتُحتَسَب) بالنية (عند الوجوب، بشرط بقاء القابض على الصفةِ )المُوجِبةِ للاستحقاق، فلو خرج عنها ولو باستغنائه بنمائها لا بأصلها ولا بهما أخرجت على غيره.

(ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلا مع إعواز المستحق) فيه فيجوز إخراجها إلى غيره مقدماً للأقرب إليه فالأقرب إلا أن يَختَصَّ الأبعدُ بالأمن. وأُجرةُ النقل حينئذٍ على المالك (فيَضمَن ) لو نقلها إلى غير البلد (لا معه) أي لا مع الإعواز. (وفي الإثم قولان)(5) أجودُهما - وهو خِيَرَة الدروس(6) - العدم؛ لصحيحة هشام عن الصادق (عليه السلام)(7)

ص: 237


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 163 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- البيان، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- منهم :الشيخ في النهاية، ص 183 ؛ والشهيد في البيان، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- ذهب إلى جواز التقديم سلّار في المراسم، ص128.
5- ذهب إلى عدم الإثم الشيخ في الاقتصاد، ص 279؛ وإلى الإثم في الخلاف، ج 2، ص 28، المسألة 26.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 164 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- الكافي، ج 3، ص 554 . باب الزكاة تبعث من بلد .... ح 7.

(ويجزئ) لو نقلها وأخرجها في غيره على القولين مع احتمال العدم ؛ للنهي(1) على القول به.

وإنما يتحقق نقل الواجب مع عزله قبله ،بالنيّة، وإلا فالذاهب من ماله ؛ لعدم تعيينه وإِنْ عُدِم المستحِقُ. ثمّ إن كان المستحِق معدوماً فى البلد جاز العزل قطعاً وإلا ففيه نظر ؛ من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الإمكان، واستقرب في الدروس صحة العزل بالنية مطلقاً(2)، وعليه تبتني المسألة هنا. وأما نقل قدر الحق بدون النية فهو كنقل شيء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقاً.

فإذا صار في بلدٍ آخَرَ ففي جواز احتسابه على مستحقيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع(3) نظر ؛ من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال، وجواز كون الحكمة نفْعَ المستحقين بالبلد، وعليه يتفرّع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.

ص: 238


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 108، ح 309.
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 165( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- كالشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 337

الفصل الثالث في المستحِق

اشارة

اللام للجنس أو الاستغراق فإنّ المستحقين لها ثمانية أصناف (وهم الفقراء والمساكين، ويشملهما من لا يملك مؤونَةَ سنةٍ) فعلاً وقوّةً له ولعياله الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف وما دونه.

واختلف في أيهما أسوء حالاً (1)مع اشتراكهما فيما ذكر، ولا ثمرة مهمّةً في تحقيق ذلك للإجماع على إرادة كلّ منهما من الآخر حيث يُفرد وعلى استحقاقهما من الزكاة، ولم يقعا مجتمعين إلا فيها، وإنما تظهر الفائدة في أمور نادرة (والمروي) في صحيحة أبي بصير عن الصادق (أنّ المسكين أسوأ حالاً (2))؛ لأنه قال: «الفقير الذي لايسأل الناس والمسكين أجهدُ منه(3)وهو موافق لنص أهل اللغة أيضاً(4).

(والدارُ والخادم) اللإئقان بحال مالكهما كمّيّةً وكيفيّةً (من المؤونة). ومثلُهما ثياب التجمّل وفرسُ الركوب وكتب العلم وثمنها لفاقدها. ويتحقق مناسبة الحال في الخادم بالعادة أو الحاجة ولو إلى أزيد من واحد ولو زاد أحدها في إحداهما تعيّن الاقتصارُ على اللائق.

ص: 239


1- قال الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 338 - 339؛ والخلاف، ج 4، ص 229، المسألة 10: الفقير أسوأ حالاً، وبه قال ابن حمزة في الوسيلة، ص 128؛ وقال في النهاية، ص 184 : المسكين أسوأ، و به قال سلار في المراسم ص 132.
2- ونعني بالأسو! حالاً الذي لا يملك شيئاً يعتد به والآخر من يملك مالاً يقوم بكفايته. البيان [ص 305، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12] (زين رحمه الله)
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 104، ح 297 .
4- راجع الصحاح، ج 2، ص 782؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 158، «فقر».

(ويُمنَع ذو الصنعة) اللائقة بحاله (والضيعة) ونحوها من العقار( إذا نهضت بحاجته) والمعتبر في الضيعة نَماؤُها لا أصلُها في المشهور، وقيل يُعتبر الأصل(1) ومستند المشهور ضعيف، وكذا الصنعة بالنسبة إلى الآلات .

ولو اشتغل عن الكسب بطلب علم ديني جاز له تناولها وإنْ قَدر عليه لو تَرَك. نعم لو أمكن الجمع بما لا ينافيه تعين.

( وإلّا) تَنهَضا بحاجته (تَناول التتمّةَ) لمؤونة السنة (لا غيرُ) إِن أَخَذَها دفعةً أو دفعات، أما لو أُعطِي ما يَزِيد دفعةً صح كغير المُكتسب. وقيل بالفرق(2)واستحسنه المصنف في البيان(3)، وهو ظاهر إطلاقه هنا وتردّد في الدروس(4).

ومن تجب نَفَقَتُه على غيره غنيٌّ مع بذل المُنفق، لا بدونه مع عجزه .

(والعاملون )عليها (وهم السُعاةُ في تحصيلها ) وتحصينها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة وغيرها. ولا يُشترط فقرُهم ؛ لأنهم قسيمهم. ثمّ إن عُيِّن لهم قدرُ بجُعالةٍ أو إجارةٍ تَعَيَّن، وإنْ قَصَر ما حصلوه عنه، فيُكمل لهم من بيت المال، وإلّا أعطوا بحسب ما يراه الإمام.

( والمُؤَلَّفَةُ قلوبهم، وهم كفّار يُستَمالُون إلى الجهاد) بالإسهام لهم منها. (قيل) والقائل المفيد والفاضلان (ومسلمون أيضاً (5))وهم أربعُ فِرق: قوم لهم نظراءُ من المشركين إذا أعطي المسلمون رَغِب نظراؤهم في الإسلام، وقوم نياتهم ضعيفة في الدين يُرْجَى بإعطائهم قوة نيتهم، وقوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أُعطوا مَنَعوا الكفّارَ من

ص: 240


1- نقله عن هامش البيان عن فخر الدين العاملي في مفتاح الكرامة، ج 11، ص 448.
2- حكاه العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة ، ج 1، ص 403، الرقم 1366.
3- البيان، ص 306(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 158 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- الإشراف، ص 39 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ج 9) : المعتبر، ج 2، ص 573 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 348

الدخول أو رَغَبوهم في الإسلام، وقومٌ جاوَرُوا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا أُعطوا منها جَبَوْها منهم وأَعْنَوا عن عامل. ونَسَبه المصنّف إلى القيل ؛ لعدم اقتضاء ذلك الاسم، إذ يمكن ردُّ ما عدا الأخير إلى سبيل الله، والأخير إلى العُمالة. وحيث لاتوجب البسط، ويُجعَل الآية لبيان المصرف - كما هو المنصور - تَقِلُّ فائدة الخلاف : لجواز إعطاء الجميع من الزكاة في الجملة.

(وفي الرقاب) جعل الرقاب ظرفاً للاستحقاق تبعاً للآية(1)، وتنبيهاً على أن استحقاقهم ليس على وجه الملك أو الاختصاص كغيرهم، إذ يتعين عليهم صرفها في الوجه الخاص بخلاف غيرهم، ومثلهم سبيل الله»، والمناسب لبيان المستحق التعبير ب-«الرقاب» و «سبيل الله» بغير حرف الجر. (وهم المكاتبون) مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة،( والعبيد تحت الشدّة )عند مولاهم أو مَن سَلّطه عليهم، والمرجع فيها إلى العرف، فيُشْتَرُون منها ويُعتَقُون بعد الشراء، ونيّة الزكاة مقارنة لدفع الثمن إلى البائع أو للعتق(2). ويجوز شراء العبد وإن لم يكن في شدّة مع تعذر المستحق مطلقاً على الأقوى، ومعه ومعه من سهم سبيل الله إن جعلناه كلَّ قُربَةٍ.

(والغارمون، وهم المَدِينُون في غير معصية )ولا يتمكنون من القضاء، فلو استدانوا وأنفقوه في معصيةٍ مُنعوا من سهم الغارمين وجاز من سهم الفقراء إن كانوا منهم بعد التوبة إن اشترطناها، أو من سهم سبيل الله.

(والمروي) عن الرضا مرسلاً (أنّه لا يُعطى مجهول الحال) فيما أنفق هل هو في طاعة أو معصية ؟ (3) وللشكّ في الشرط. وأجازه جماعة(4)؛ حملاً لتصرف المسلم على الجائز، وهو قوي.

ص: 241


1- التوبة (9): 60
2- في «خ»: «المعتق».
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 185، ح 385
4- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 34؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 576 : والعلّامة في منتهى المطلب، ج 1 ص 521.

(ويُقاصُّ الفقيرُ بها) بأن يَحتسبها صاحب الدين عليه إن كانت عليه، ويأخذها مُقاصَةً من دينه وإنْ لم يقبضها المديون ولم يُوَكَّل في قبضها. وكذا يجوز لمن هي عليه دفعُها إلى رَبِّ الدين كذلك (وإن مات (1)) المديون مع قصور تركته عن الوفاء، أو جَهْلِ الوارث بالدين، أو جُحُودِه، وعدم إمكان إثباته شرعاً والأخذِ منه مُقاصَةً. وقيل: يجوز مطلقاً(2) بناءً على انتقال التركة إلى الوارث، فيصير فقيراً، وهو ضعيف؛ لتوقف تمكنه منها على قضاء الدين لو قيل به.

(أو كان واجب النفقة )أي كان الدين على من تجب نفقته على ربّ الدين، فإنّه يجوز مقاصته به منها ولا يمنع منها وجوب نفقته ؛ لأنّ الواجب هو المؤونة لا وفاءُ الدين. وكذا يجوز له الدفع إليه منها ليقضيه إذا كان لغيره، كما يجوز إعطاؤه غيره ممّا لا يجب بذله كنفقة الزوجة.

(وفي سبيل الله، وهو القُرَبُ كلُّها )على أصح القولين(3)؛ لأنّ سبيل الله لغة: الطريق إليه(4) ، والمراد هنا الطريق إلى رضوانه وثوابه ؛ لاستحالة التحيّز عليه، فيدخل فيه ما كان وُصْلةً إلى ذلك، كعمارة المساجد ومَعُونة المحتاجين وإصلاح ذات البين وإقامة نظام العلم والدين وينبغي تقييده بما لا يكون فيه معونة لغنيّ لا يدخل في الأصناف. وقيل: يختص بالجهاد السائغ(5) ، والمروي الأول(6).

(وابن السبيل، وهو المُنْقَطَع به ) في غير بلده، (ولا يَمنَع غِناه في بلده مع عدم

ص: 242


1- وهل يشترط قصور تركته عن دينه ؟ صرّح به ابن الجنيد والشيخ في المبسوط، ونفاه الفاضل: للعموم، ولانتقال التركة إلى الوارث، فيصير عاجزاً. وفي الأخير منع ظاهر لتأخر الإرث عن الدين. نعم لو أتلف الوارث المال وتعذر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب والقضاء البيان ص 309، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 88 المسألة 61.
3- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 345.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 338، «سبل».
5- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 241.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 49. ح 129

تمكنه من الاعتياض عنه) ببيع أو اقتراض أو غيرهما، وحينئذٍ فيُعطى ما يليق بحاله من المأكول والملبوس و المركوب إلى أن يَصِلَ إلى بلده بعد قضاء الوطر أو إلى محلّ يُمكنه الاعتياضُ فيه فيُمنَع حينئذٍ، ويجب ردُّ الموجود منه - وإن كان مأكولاً - على مالكه أو وكيله، فإن تعذر فإلى الحاكم، فإن تعذَر صَرَفَه بنفسه إلى مستحق الزكاة.

ومُنْشِئُ السفر مع حاجته إليه ولا يقدر على مال يبلغه ابن سبيل على الأقوى.

(ومنه) أي من ابن السبيل (الضَيفُ) بل قيل بانحصاره فيه إذا كان نائياً عن بلده -وإن كان غنياً فيها - مع حاجته إلى الضيافة(1). والنيّة عند شروعه في الأكل، ولا يُحتسب عليه إلّا ما أَكَل وإنْ كان مجهولاً.

(ويُشترط العدالة فيمن عدا المؤلّفة ) قلوبهم من أصناف المستحقين، أما المؤلّفة فلا ؛ لأنّ كفرهم مانع من العدالة، والغرض منهم يحصل بدونها. أما اعتبار عدالة العامل، فموضعُ ،وفاق، وأما غيرُه، فاشتراط عدالته أحد الأقوال في المسألة(2)، بل ادَّعَى المرتضى فيه الإجماع(3). ( ولو كان السفر) من ابن السبيل (معصيةً مُنع) كما يُمنَع الفاسق في غيره.

(و) لا تُعتبر العدالة في الطفل لعدم إمكانها فيه، بل يُعطى الطفلُ ولو كان أبواه (فاسقين) اتفاقاً .

(وقيل: المعتبر) في المستحِق غير من استثني باشتراط العدالة أو بعدمها (تَجَنُّبُ الكبائر) (4)، دون غيرها من الذنوب وإنْ أوجَبَت فسقاً ؛ لأنّ النص ورد على مَنْع شارب الخمر(5) وهو من الكبائر، ولم يدلّ على منع الفاسق مطلقاً، وألحق به غيره من الكبائر

ص: 243


1- انظر المقنعة، ص 241
2- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 224، المسألة :3؛ ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 169 ؛ قال بعدم الاشتراط المحقق في المعتبر، ج 2، ص 580.
3- الانتصار، ص 218، المسألة 106
4- نقله عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 83، المسألة 57.
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 52، ح 138.

للمساواة. وفيه نظر؛ لمنع المساواة وبطلان القياس.

والصغائرُ إِن أَصَرَّ عليها لَحِقَت بالكبائر وإلا لم تُوجب الفسق.

والمُرُوءَةُ غيرُ معتبرة في العدالة هنا على ما صرح به المصنف في شرح الإرشاد(1)، فلزم من اشتراط تجنّب الكبائر اشتراط العدالة. ومع ذلك لا دليل على اعتبارها والإجماع ممنوع، والمصنف لم يُرَبِّح اعتبارها إلا في هذا الكتاب، ولو اعتبرت لزم منع الطفل لتعذّرها منه، وتعذَّرُ الشرط غير كافٍ في سقوطه، وخروجه بالإجماع(2) موضع تأمل.

( ويُعيد المخالف الزكاة لو أعطاها مثله ) بل غير المستحق مطلقاً، (ولا يُعيد باقي العبادات)التي أوقَعَها على وجهها بحسب مُعتقده. والفرقُ أن الزكاةَ دَين وقد دفعه إلى غير مستحقه، والعبادات حقٌّ الله تعالى وقد أَسقَطَها عنه رحمةً كما أسقطها عن الكافر إذا أسلم، ولو كان المخالف قد تركها أو فَعَلها على غير الوجه قضاها. والفرق بينه وبين الكافر قدومه على المعصية بذلك والمخالفة لله، بخلاف ما لو فعلها على الوجه كالكافر إذا تركها.

(ويُشترط) في المستحق (أن لا يكون واجب النفقة على المُعطِي) من حيث الفقر، أمّا من جهة الغُرْمِ والعُمولة وابن السبيل ونحوه إذا اتَّصَف بموجبه فلا، فيُدفَع إليه ما يُوفِي دَينَه، والزائد عن نفقة الحضر. والضابط أن واجب النفقة إنّما يُمنَع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقراً في وطنه.

(ولا هاشمياً إلا من قبيله) وهو هاشمي مثله وإن خالفه في النسب (أو تَعذَّر) كفايته من (الخمس) فيجوز تناول قدر الكفاية منها حينئذ. ويتخير بين زكاة مثله والخمس مع وجودهما، والأفضل(3) الخمس ؛ لأنّ الزكاة أوساخ في الجملة وقيل:

ص: 244


1- غاية المراد، ج 1، ص 184 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- كما ادعاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 86، المسألة 57.
3- في «ن»: «الأجود».

لا يَتَجاوز من زكاة غير قبيله قُوتَ يوم وليلة إلا مع عدم اندفاع الضرورة به(1)، كأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفعها به. هذا كله في الواجبة، أما المندوبة، فلايُمنع منها، وكذا غيرها من الواجبات على الأقوى.

( ويجب دفعها إلى الإمام مع الطلب بنفسه أو بساعِيه) لوجوب طاعته مطلقاً (قيل و) كذا يجب دفعها إلى (الفقيه) الشرعي (في) حال (الغيبة) لو طلبها بنفسه أو وكيله (2)؛ لأنه نائب للإمام كالساعي بل أقوى. ولو خالف المالكُ وفَرَّقَها بنفسه لم يُجْزِ؛ للنهي المفسد للعبادة(3)، وللمالك استعادة العين مع بقائها أو علم القابض.

(ودَفْعُها إليهم ابتداءً) من غير طلب (أفضلُ) من تفريقها بنفسه؛ لأنهم أبصرُ بمواقعها وأخبرُ بمواضعها. (وقيل) والقائل المفيد والتقيّ : (يجب) دفعُها ابتداءً إلى الإمام أو نائبه ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون(4)، وألحق التقيُّ الخمس، محتجين بقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَلِهِمْ صَدَقَةٌ﴾ (5)، والإيجابُ عليه يستلزم الإيجاب عليهم، والنائب كالمنوب والأشهرُ الاستحباب.

( ويُصَدَّق المالكُ في الإخراج بغير يمين)؛ لأنّ ذلك حق له كما هو عليه ولا يُعلم إلَّا مِن قِبله، وجاز احتسابُها من دَين وغيره مما يَتَعذَّر الإشهاد عليه. وكذا تُقبل دعواه عدم الحول وتلف المال وما يَنقُص النصاب ما لم يُعلَم كِذبُه، ولا تُقبَل الشهادة عليه في ذلك إلا مع الحصر؛ لأنه نفي.

(ويُستحَبّ قسمتُها على الأصناف ) الثمانية ؛ لما فيه من فضيلة التسوية بين المستحقين، وعملاً بظاهر الاشتراك؛ (وإعطاء جماعة من كلّ صنف ) اعتباراً بصيغة الجمع، ولا يجب التسوية بينهم، بل الأفضل التفضيل بالمرجح.

ص: 245


1- قال به المحقق الكركي في حاشية الإرشاد، ص 148 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9).
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 252.
3- راجع غاية المراد، ج 1، ص 190 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
4- المقنعة، ص 252 ؛ الكافي في الفقه، ص 172 .
5- التوبة .(9) 103

(ويجوز) الدفع إلى الصنفِ الواحد والفرد الواحد منه ؛ لما ذكرناه من كونه لبيان المصرف فلا يجب التشريك.

(و) يجوز (الإغناء) وهو الإعطاء فوقَ الكفاية (إذا كان دفعة) واحدة لاستحقاقه حال الدفع، والغناء متأخر عن الملك فلا ينافيه. ولو أعطاه دفعات امتنعت المتأخرة عن الكفاية.

اصناف المستحقین للزکاه

(وأقلُّ ما يُعطَى) المستحِقُّ (استحباباً ما يجب في أوّل) نصب (النقدين) إن كان المدفوع منهما و أمكن بلوغ القدر، فلو تعذر كما لو أعطى ما في الأوّل لواحد سَقَط الاستحباب في الثاني إذا لم يجتمع منه نُصُبُ كثيرة تبلغ الأوّل.

ولو كان المدفوع من غير النقدين ففي تقديره بأحدهما مع الإمكان وجهان، ومع تعذره كما لو وجب عليه شاةٌ واحدة لا تبلغه يسقط قطعاً. وقيل: إنّ ذلك على سبيل الوجوب مع إمكانه(1)، وهو ضعيف.

(ويُستحبّ دعاء الإمام أو نائبه للمالك) عند قبضها منه ؛ للأمر به في قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ (2) بعد أَمْرِه بأخذها منهم، والنائب كالمنوب. وقيل: يجب لدلالة الأم عليه (3)، وهو قويّ، وبه قطع المصنف في الدروس(4). ويجوز بصيغة «الصلاة» للاتباع(5) ودَلالة الأمر، وبغيرها ؛ لأنه معناها لغةً (6)والأصل هنا عدم النقل. وقيل: يتعين لفظ «الصلاة» لذلك(7). والمراد بالنائب هنا ما يشمل الساعي والفقية، فيجب عليهما أو يُستحبّ، أمّا المستحق فيُستحبّ له بغير خلاف.

ص: 246


1- قاله به السيّد المرتضى في الانتصار، ص 218، المسألة 107
2- التوبة .(9): 103
3- قال به الشيخ في الخلاف، ج 2، ص 125، المسألة 155
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 164 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- سنن أبي داود، ج 2، ص 106، ح 1590.
6- الصحاح، ج 4، ص 2402؛ ترتيب العين، ص 456، «صلو».
7- احتمله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 329

(ومع الغيبة لا ساعي ولا مؤلَّفة إلا لمن يحتاج إليه) وهو الفقيه إذا تمكن من نصب الساعي وجبايتها. وإذا وجب الجهاد في حال الغيبة واحتيج إلى التأليف فيجوز بالفقيه وغيره. وكذا سهم سبيل الله لو قصرناه على الجهاد. وأسقط الشيخ سهم المؤلّفة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم البطلان التأليف بعده(1)، وهو ضعيف.

( ولْيُخَصّ زكاة النَّعَمِ المُتَجَمِّل) وزكاة النقدين والغلات غيرهم، رواه عبدالله سنان عن الصادق ، معللاً بأنّ أهلَ التجمّل يَستَحْيُون من الناس فيُدفَع إليهم أجلَّ الأمرين عند الناس»(2). (وإيصالها إلى المُسْتَحيي من قبولها هَدِيَّةٌ(3)) واحتسائها عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله، مع بقاء عينها.

ص: 247


1- الخلاف، ج 4، ص 233، المسألة 16.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 101، ح 286
3- والنية ما دامت العين باقية( زين رحمه الله)

الفصل الرابع في زكاة الفطرة

فی من تجب علیه زکاه الفطره

وتُطلق على الخِلْقة وعلى الإسلام والمراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل المال، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام ومن ثَم وجبت على من أسلم قبل الهلال. و تجب على البالغ العاقل الحر لا على الصبي والمجنون والعبد، بل على من يَعُولُهم إن كان من أهلها. ولا فرق في العبد بين القِنّ والمُدَبَّر والمُكاتب إلَّا إذا تَحَرَّر بعض المطلق فيجب عليه بحسابه، وفي جزئه الرقّ والمشروط قولان : أشهرهما وجوبها على المولى ما لم يَعُله غيرُه (1).

(المالكِ قُوتَ سَنتِه (2)) فعلاً أو قوّةً، فلا تجب على الفقير وهو من يَستَحِق الزكاة لفقره، ولا يُشترط في مالك قُوتِ السنة أن يفضل عنه أصواعٌ بعدد من يُخرج عنه .

فيُخرجها (عنه وعن عِياله ) من وَلَدٍ وزوجةٍ وضَيف (ولو تبرُّعاً) والمعتبر في الضيف وشبهه صدقُ اسمه قبل الهلال ولؤ بلحظة. ومع وجوبها عليه تسقط عنهم وإن لم يُخرجها، حتى لو أخرجوها تبرعاً بغير إذنه لم يبرأ من وجبت عليه، وتسقط عنه لو كان بإذنه.

ولا يُشترط في وجوب فطرة الزوجة والعبدِ القيلولة، بل تجب مطلقاً ما لم يعلهما

ص: 248


1- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 2، ص 142، المسألة 176؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 145، المسألة 110 ؛ نقل قول الآخر عن الكامل لابن البرّاج.
2- السنة المستقبلة، بشرط أن يفضل يوم العيد قدر الواجب. المكتسب لا يجب عليه زكاة الفطرة إلا إذا فضل عنده يوم العيد عن قدر كفايته بقدر الواجب عنه وعمن يعول، فلو فضل أقل من ذلك القدر لم تجب. (زين رحمه الله )

غيرُه ممن تجب عليه، نعم يُشترط كون الزوجة واجبة النفقة، فلا فطرة للناشز والصغيرة.

( وتجب) الفطرة (على الكافر) كما يجب عليه زكاة المال، (ولا تصح منه) حال كفره مع أنّه لو أسلم بعد الهلال سَقَطت عنه وإنْ اسْتُحِبَّت قبل الزوال، كما تسقط المالية لو أسلم بعد وجوبها. وإنّما تظهر الفائدة في عقابه على تركها لو مات كافراً كغيرها من العبادات.

(والاعتبار بالشروط عند الهلال(1)) فلو أعتق العبد بعده أو استغنَى الفقيرُ أو أَسلَم الكافرُ أو أطاعت الزوجة لم تجب. (وتُستحبّ الزكاة لو تجدد السبب) الموجِبُ (ما بين الهلال) وهو الغروب ليلة العيد (إلى الزوال) من يومه.

مقدار زکاه الفطره

(وقدْرُها صاع) عن كلّ إنسان (من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز) منزوع القشر الأعلى (أو الأقط) وهو لبن جافٌ (أو اللبن) وهذه الأصول مُجزئة وإن لم تكن قوتاً غالباً، أما غيرُها ، فإنّما يجزئ مع غلبته في قوت المُخْرِج.

(وأفضلُها التمرُ ) ؛ لأنه أسرع منفعةً وأقلُّ كُلفةً؛ لاشتماله على القوت والإدام، (ثمّ الزبيب) القُربه من التمر فى أوصافه، ( ثمّ ما يَغلب على قوته ) من الأجناس وغيرها.

(والصاع تسعة أرطال ولؤ من اللبن في الأقوى) هذا غاية لوجوب الصاع لا لتقديره، فإنّ مقابل الأقوى إجزاء ستة أرطال منه أو أربعة(2)، لا أنّ الصاع منه قدر آخَرُ. (ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت) من غير انحصار في درهم عن الصاع أو ثلثي درهم وما ورد منها مقدَّراً(3)، مُنَزَّل على سعر ذلك الوقت. (و تجب النيّة فيها وفي المالية ) من المالكِ أو وكيله عند الدفع إلى المستحق أو وكيله عموماً كالإمام ونائبه عاماً أو خاصاً، أو خصوصاً كوكيله، ولو لم ينو المالك عند

ص: 249


1- وفى الضيف أن يكون قبله بليلة. (زين رحمه الله)
2- السرائر، ج 1 ، ص 469 : لاحظ مختلف الشيعة، ج 3، ص 160 - 161. المسألة 129.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 86، ح 251 - 252 : راجع المقنعة، ص 251

دفعها إلى غير المستحق و وكيله الخاص فنوى القابض عند دفعها إليه أَجْزَاً.

( ومَن عَزَل إحداهما ) بأن عيّنها في مال خاص بقدرها بالنية (العذر) مانع من تعجيل إخراجها (ثمّ تَلِفت) بعد العزل بغير تفريط (لم يَضمَن)؛ لأنه بعد ذلك بمنزلة الوكيل في حفظها. ولو كان لا لعذر ضَمِنَ مطلقاً إن جوزنا العزل معه. وتظهر فائدة العزل في انحصارها في المعزول فلايجوز التصرف فيه، ونماؤُه تابع، وضمانه كما ذُكِر.

(ومصرفها مصرف المالية ) وهو الأصناف الثمانية.( ويُستحبّ أن لا يَقْصُ العطاء) للواحد (عن صاع )على الأقوى، والمشهورُ أنّ ذلك على وجه الوجوب ومال إليه في البيان(1)، ولا فرق بين صاع نفسه ومن يعوله، (إلّا مع الاجتماع) أي اجتماع المستحقين (وضيق المال) فيسقط الوجوب أو الاستحباب بل يبسط الموجود عليهم ،بحسبه ولا تجب التسوية وإنْ اسْتُحِبَّت مع عدم المرجّح. (ويُستحب أن يُخَصَّ بها المستحقُّ من القرابة والجار) بعده، وتخصيص أهل الفضل بالعلم والزهد وغيرهما،

و ترجيحهم في سائر المراتب.

(ولو بانَ الآخِذُ غير مستحِيّ ارتجعَت )عيناً أو بدلاً مع الإمكان، ومع التع-ذر تجزئ إن اجتهد الدافع بالبحث عن حاله على وجه لو كان بخلافه لظهر عادةً، لا بدونه بأن اعتمد على دعواه الاستحقاق مع قدرته على البحث (إلّا أن يكون) المدفوع إليه (عبده) فلا يجزئ مطلقاً ؛ لأنه لم يخرج عن ملك المالك.

وفي الاستثناء نظر ؛ لأنّ العلة في نفس الأمر مشتركة، فإنّ القابض مع عدم استحقاقه لا يملك مطلقاً وإنْ بَرِئَ الدافع، بل يبقى المال مضموناً عليه، وتعدُّرُ الارتجاع مشتركٌ، والنصّ مطلق(2).

ص: 250


1- البيان، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 102، ح 290.

كتاب الخمس

ص: 251

ص: 252

كتاب الخمس

اشارة

(ويجب في) سبعة أشياء:

فی ما یجب فیه الخمس

أ: (الغنيمة (1)) وهي ما يَحُوزه المسلمون بإذن النبي أو الإمام (عليه السلام) من أموال أهل الحرب بغير سرقةٍ ولا غِيلةٍ من منقول وغيره، ومن مال البغاة إذا حواها العسكر عند الأكثر ومنهم المصنِّف في خُمس الدروس(2)، وخالفه في الجهاد(3) وفي هذا الكتاب.

ومن الغنيمة فداء المشركين وما صُولِحُوا عليه. وما أخرجناه من الغنيمة بغير إذن الإمام والسرقة والغيلة من أموالهم فيه الخمس أيضاً لكنّه لا يدخل في اسم الغنيمة بالمعنى المشهور ؛ لأنّ الأوّلَ للإمام خاصّةً والثاني لآخذه، نعم هو غنيمة بقول مطلقٍ فيصح إخراجه منها.

وإنّما يجب الخمس في الغنيمة (بعد إخراج المُؤَن) وهي ما أُنفق ما أُنفق عليها بعد تحصيلها بحفظ وحَملٍ ورغي ونحوها، وكذا يقدم عليه الجَعائِلُ على الأقوى.

ب: والمعدن (4)) بكسر الدال وهو ما استُخرج من الأرض ممّا كانت أصله ثم

ص: 253


1- لا يشترط في وجوب الخمس قبض العسكر، بل يجب فيما لم يحوه من الأرض والأموال البعيدة البيان [ص 336، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 175 : وج 2، ص 34 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 10).
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 175 : وج 2، ص 34 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 10).
4- لا يشترط في المعدن الإخراج دفعة، بل يضم بعضه إلى بعض، وشرط الفاضل أن لا يتخلل بين المرات إعراض، فلو أهمله معرضاً ثمّ أخرج لم يضمّ. وفي اشتراط اتحاد المعدن في النوع نظر، فإن قلنا به لم يضم الذهب إلى الحديد وإلا ضمّ، وهو قوله ( رحمه الله). البيان [ص 337، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله)

اشتمل على خصوصيّةٍ يعظم الانتفاع بها كالملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والجواهر من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها.

ج :(والغَوصُ(1) ) أي ما أُخرج به من اللؤلؤ والمرجان والذهب والفضة التي ليس عليها سكّة الإسلام والعنبر. والمفهوم منه الإخراج من داخل الماء، فلو أخذ شيء من ذلك من الساحل أو عن وجه الماء لم يكن غوصاً، وفاقاً للمصنف في الدروس(2) وخلافاً للبيان(3). وحيث لا يُلحق به يكون من المكاسب، وتظهر الفائدة في الشرائط. وفي إلحاق صيد البحر بالغوص أو المكاسب وجهان، والتفصيل حسن إلحاقاً لكلّ بحقيقته.

د : (وأرباح المكاسب ) من تجارةٍ وزراعةٍ وغرس وغيرها مما يُكتسب من غير الأنواع المذكورة قسيمها، ولو بنَماء وتولّدٍ وارتفاع قيمة وغيرها، خلافاً للتحرير(4)، حيث نفاه في الارتفاع.

ه- : (والحلال المختلط بالحرام ولا يَتَمَيَّز ولا يُعلم صاحبه ولا قدرُه بوجه، فإنّ إخراج خمسه حينئذٍ يُطَهِّر المال من الحرام، فلو تَمَيَّز كان للحرام حكم المال المجهول المالك حيثُ لا يُعلم.

ص: 254


1- كلّ ما يخرج من البحر حتى الذهب والفضة التي ليس عليها سكة الإسلام، فلو كان عليها سكة ففي اعتبارها عندي نظر. ولو أخرج دفعة أو دفعات فالأقرب ضمّ الجميع. واعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن، ولو أخذ منه شيء من غير غوص فالظاهر أنه بحكمه، ولو كان مما ألقاه الماء على الساحل. أما العنبر فالنص عن أبي الحسن : «أن فيه الخمس». ولكن هل هو من المعادن أو من الغوص ؟ فصل بعض الأصحاب، فقال: إن كان أخرج من قعر البحر فهو من الغوص، وإن جني من الساحل أو من وجه الماء فمعدن، وهل هو نابت في الماء أو في عين في البحر ؟ قال الشيخ بالأوّل، وقال أهل الطب هو جماجم تخرج من عين في البحر، أكبرها وزنه ألف مثقال فرع الحيوان المصيد في البحر من باب الأرباح. البيان ص 339 - 340، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (12). (زین رحمه الله)
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- البيان، ص 339 - 340 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 439 ، الرقم 1524.

ولو علم صاحبه ولو في جملة قوم منحصرين فلابد من التخلّص منه ولو بصلح ولا خمس، فإن أبى قال في التذكرة : دَفَع إليه خمسه(1) إن لم يَعلَم زيادته أو ما يَغلب على ظنّه إن عَلِم زيادته أو نقصانه. ولو علم قدره كالربع والثلث وجب إخراجه أجمع صدقةً لا خمساً. ولو علم قدرَه جملةً لا تفصيلاً فإن علم أنّه يَزيد عن الخُمس خَمَّسَه وتَصَدَّق بالزائد ولو ظنّاً، ويُحتمل قويّاً كونُ الجميع صدقةً.

ولو علم نقصانه عنه اقتصر على ما يَتَيَقَّن به البراءة صدقةً على الظاهر وخُمساً في وجه، وهو أحوط. ولو كان الحلالُ الخليط ممّا يجب فيه الخمس خَمَّسَه بعد ذلك بحسبه .

ولو تبيَّن المالك بعد إخراج الخمس ففي الضمان له وجهان ؛ أجودهما ذلك.

و :(والكنز(2)) وهو المال المذخور تحت الأرض قصداً فى دار الحرب مطلقاً أو دار الإسلام ولا أثر له عليه، ولو كان عليه أثره فلُقَطَةٌ على الأقوى.

هذا إذا لم يكن في مِلكِ لغيره ولؤ في وقت سابق، فلو كان كذلك عَرَّفه المالك فإن اعترف به فهو له بقوله مجرّداً، وإلّا عرّفه مَن قَبْله من بائع وغيره فإن اعترف به وإلّا فمَن قبله ممّن يمكن، فإن تعدَّدَت الطبقة وادَّعَوه أجمعُ قُسّم عليهم بحسب السبب، ولو ادعاه بعضُهم خاصةً فإن ذكر سبباً يقتضي التشريكَ سُلِّمَت إليه حِصَّتُه خاصةً وإلّا الجميع، وحصة الباقي كما لو نفوه أجمع فيكون للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام وإلا فلقطة.

ومثله الموجود في جوف دابة ولو سمَكَةً مملوكةً بغير الحيازة، أمّا بها فلواجده؛ لعدم قصد المُحِيز إلى تملك ما في بطنها ولا يعلمه وهو شرط الملك على الأقوى.

ص: 255


1- تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 422، المسألة 314.
2- وهو المال المدفون في الأرض، وشرطه أن يكون في دار الحرب، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، أو دار الإسلام إذا خلا من أثره ونعني بأثر الإسلام اسم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو أحد ولاة الإسلام. ولو وجده في دار الإسلام وعليه أثره فالأقرب أنّه لقطة. ولو وجده في ملك الغير عرّفه فإن عرفه فله، وإلا فللواجد ويخمسه. البيان ص 338 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. ((زين رحمه الله)

وإنّما يجب في الكنز (إن بلغ عشرين ديناراً)عيناً أو قيمةً. والمراد بالدينار المثقال كغيره. وفي الاكتفاء بمائتي درهم وجه احتمله المصنف في البيان(1) مع قطعه بالاكتفاء بها في المعدن، وينبغي القطعُ بالاكتفاء بها هنا ؛ لأنّ صحيح البَزَنْطِي عن الرضا (عليه السلام) تضمَّن أنّ «ما يجب الزكاة منه في مثله ففيه الخمس »(2).

قيل: والمعدن كذلك (3)) يُشترط بلوغه عشرين ديناراً، ونسبته إلى القول تدلّ على توقفه فيه مع جزمه به في غيره(4)، وصحيحُ البَزَنْطي دال عليه فالعمل به متعين. وفي حكمها بلوغه مائتي درهم كما مر عند المصنف، مع أن الرواية هنا لا تدلّ عليه.

(وقال الشيخ في الخلاف : لا نصاب له)(5) بل يجب في مسمّاه وهو ظاهر الأكثر نظراً إلى الاسم والرواية حجة عليهم. واعتبر أبو الصلاح) التقى الحلبي (فيه ديناراً كالغَوص(6)) استناداً إلى رواية قاصرة (7): نعم يعتبر الدينار أو قيمته في الغوص قطعاً. واكتفى المصنِّفُ عن اشتراطه فيه بالتشبيه هنا.

ويُعتبر النصاب في الثلاثة بعد المُؤنة التي يَعْرِمها على تحصيله من حَفْرٍ وسَبكِ في المعدن، وآلة غوص أو أرشها وأجرةِ الغوّاص في الغوص، وأجرة الحفر ونحوه في الكنز، ويُعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب. ولا يُعتبر اتحاد الإخراج في الثلاثة، بل يُضَمُّ بعضُ الحاصل إلى بعض وإن طال الزمان أو نَوَى الإعراض، وفاقاً للمصنّف(8)، واعتبر العلّامةُ عدم نيّة الإعراض(9) .

ص: 256


1- البيان، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- الفقيه، ج 2، ص 40، ح 1649 .
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 197.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 177 ؛ البيان، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
5- الخلاف، ج 2، ص 119 ، المسألة 142
6- الكافي في الفقه، ص 170.
7- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 124، ح 356.
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 177 ؛ البيان، ص 338 - 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
9- تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 428 المسألة .318

وفي اعتبار اتحاد النوع وجهان أجودُهما اعتباره في الكنز والمعدن دون الغوص ،وفاقاً للعلامة(1). ولو اشترك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ نصاباً بعد مؤونته.

ز: (وأرضُ الذمّي المنتقِلَة إليه من مسلم ) سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره وإنْ تضمَّن بعضُ الأخبار لفظ الشراء(2) ، وسواء كانت ممّا فيه الخمس كالمفتوحة عَنْوَةً حيث يصح بيعها أم لا، وسواءٌ أُعِدَّت للزراعة أم لغيرها، حتّى لو اشتَرَى بستاناً أو داراً أُخِذ منه خمس الأرض عملاً بالإطلاق، وخصها في المعتبر بالأُولى(3).

وعلى ما اخترناه فطريق معرفة الخمس أن تُقَوَّم مشغولةً بما فيها بأجرة للمالك. ويتخير الحاكم بين أخذ خمس العين والارتفاع. ولا حول هنا ولا نصاب ولا نية؛ ويُحتمل وجوبُها عن الآخِذ لا عنه، وعليه المصنف في الدروس(4) والأوّل في البيان(5). ولا يسقط ببيع الذمي لها قبل الإخراج وإن كان لمسلم، ولا بإقالة المسلم له في البيع الأوّل، مع احتماله هنا، بناءً على أنها ،فسخ، لكن لمّا كان من حينه ضَعُف.

(و) هذه الأرض (لم يذكرها كثير) من الأصحاب كابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلّار والتقي. والمتأخّرون أجمعُ، والشيخ من المتقدمين على وجوبه فيها(6)، ورواه أبو عبيدة الحذاء في الموثق عن الباقر(عليه السلام) (7).

(وأوجبه أبو الصلاح في الميراث و الصدقة والهبة )، محتجاً بأنه نوع اكتساب

ص: 257


1- منتهى المطلب، ج 8، ص 551 - 552
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 139، ح 393.
3- المعتبر، ج 2، ص 624 .
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- البيان، ص 341 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
6- النهاية، ص 197 : المبسوط، ج 1، ص 327. . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 139، ح 393. .. ولو نما ذلك بنفسه أو باكتساب الحق بالأرباح. البيان ص 343، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12]. (زين رحمه الله )
7- الكافي في الفقه، ص 170.

وفائدة فيدخل تحت العموم، (وأنكره ابن إدريس ) والعلامة (1)للأصل والشكٍّ في السبب والأوّل (حسن) لظهور كونها غنيمةً بالمعنى الأعم فتلحق بالمكاسب إذ لا يُشترط فيها حصوله اختياراً فيكون الميراث منه.

وأما العقود المتوقفة على القبول، فأظهر ؛ لأنّ قبولها نوع من الاكتساب ومن ثم يجب حيث يجب كالاكتساب للنفقة، وينتفي حيث يَنتَفِي كالاكتساب للحج، وكثيراً ما يذكر الأصحابُ أن قبول الهبة ونحوها اكتساب، وفي صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني ما يُرشد إلى الوجوب فيها (2). والمصنف لم يُرَجّح هذا القول إلا هنا، بل اقتصر في الكتابين على مجرّد نقل الخلاف(3) ، وهو يُشعِر بالتوقف.

(واعتبر المفيد في الغنيمة والغوص والعنبر) ذكره بعد الغوص تخصيص بعد التعميم، أو لكونه أعم منه من وجه لإمكان تحصيله من الساحل أو عن وجه الماء، فلا يكون غوصاً كما سلف: (عشرين ديناراً عيناً أو قيمةً)(4)

(والمشهور أنّه لا نصاب للغنيمة)؛ لعموم الأدلة، ولم نَقِفْ على ما أوجب إخراجه لها منه فإنه ذكرها مجرّدةً عن حجّة، وأمّا الغوص فقد عرفت أن نصابه دينار، للرواية عن الكاظم(عليه السلام) (5). وأما العنبر، فإن دخل فيه فبحكمه وإلا فبحكم المكاسب؛ وكذا كلّ ما انتَفى فيه الخمسُ من هذه المذكورات لفقد شرط ولو بالنقصان عن النصاب.

في ما يُعتبَر فی وجوب الخمس

(ويُعتبَر) في وجوب الخمس (في الأرباح )إخراج (مؤنته ومؤونة عياله) الواجبي النفقة وغيرهم حتى الضيف (مقتصداً) فيها أي متوسطاً بحسب اللائق بحاله عادةً، فإن أَسْرَفَ حُسِب عليه ما زاد وإن قَتَر حُسِب له ما نقص.

ومن المؤونة هنا الهَدِيّة والصلة اللائقان بحاله، وما يُؤخذ منه في السنة قهراً، أو

ص: 258


1- السرائر، ج 1، ص 490 : مختلف الشيعة، ج 3، ص 186، المسألة 142
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 141 ، ح 398.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 175 : البيان، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
4- نقله عن الرسالة العزّيّة العلامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 191، المسألة 148
5- الفقيه، ج 2، ص 39، ح 1646.

يُصانع به الظالم اختياراً، والحقوق اللازمة له بنذرٍ وكفّارةٍ ومؤونة تزويج ودابّةٍ وأَمَةٍ وحج واجب إن استطاع عام الاكتساب، وإلا وجب في الفضلات السابقة على عام الاستطاعة والظاهرُ أنّ الحجّ المندوب والزيارة وسفر الطاعة كذلك. والدّينُ المتقدّمُ والمقارن لحول الاكتساب من المؤونة. ولا يُجبر التالف من المال بالربح وإن كان في عامه. وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه قطع به المصنِّفُ في الدروس (1).

ولو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي أخذ المؤونة منه أو من الكسب أو منهما بالنسبة أوجه، وفي الأوّل احتياط وفي الأخير عدل وفي الأوسط قوّة. ولو زاد بعد تخميسه زيادةً متصلة أو منفصلة وجب خمس الزائد، كما يجب خمسه ممّا لا خمس في أصله، سواءٌ أخرج الخمس أولاً من العين أم القيمة.

والمراد بالمؤونة هنا مؤونة السنة، ومبدأها ظهور الربح. ويتخيّر بين تعجيل إخراج ما يَعلَم زيادته عليها، والصبرِ به إلى تمام الحول، لا لأنّ الحول معتبر فيه، بل لاحتمال زيادة المؤونة ونقصانها، فإنّها مع تعجيله تخمينيّة. ولو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر لكل خارج حول بانفراده؛ نعم تُوزع المؤونة في المدة المشتركة بينه وبين ما سبق عليهما ويختص بالباقي، وهكذا. وكما لا يُعتبر الحول هنا لا يُعتبر النصاب بل يُخَمَّس الفاضل وإن قلّ، وكذا غيرُ ما ذُكِر له ،نصابٌ أمّا الحول، فمنفي عن الجميع. والوجوبُ في غير الأرباح مُضَيَّقُ.

ويُقَسَّم الخمسُ

(ستة أقسام) على المشهور ؛ عملاً بظاهر الآية(2) وصريح الرواية (3)، (ثلاثة) منها (للإمام(عليه السلام) ) وهي سهم الله ورسوله وذي القربى وهذا السهم وهو نصف الخمس يُصرَف إليه (عليه السلام)) إن كان (حاضراً، وإلى نُوّابه) وهم الفقهاء

ص: 259


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 176 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الأنفال (8): 41
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 125 ، ح 360.

العدولُ الإماميون الجامعون لشرائط الفتوى ؛ لأنهم وكلاؤُه.

ثمّ يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم، فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف على سبيل الرَّتِمَّة - كما هو المشهور بين المتأخرين منهم - يصرفه على حسب ما يراه من بسط وغيره، ومن لايَرَى ذلك يجب عليه أن يَستَودِعه له إلى ظهوره، فإذا حَضَرَتْه الوفاة أودعه مِن ثِقَةٍ، وهكذا ما دام (غائباً، أو يُحفظ) أي يحفظه من يجب عليه بطريق الاستيداع كما ذكرناه في النائب، وليس له أن يتولّى إخراجه بنفسه إلى الأصناف مطلقاً، ولا لغير الحاكم الشرعي، فإن تولاه غيرُه ضَمِنَ.

ويظهر من إطلاقه صَرْفَ حقه إلى نُوّابه أنّه لا يَحِلّ منه حالَ الغَيبة شيء لغير فريقه، والمشهور بين الأصحاب ومنهم المصنف في باقي كتبه(1) وفتاواه - استثناءُ المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك، فتباحُ هذه الثلاثة مطلقاً.

والمراد من الأوّلِ الأَمَةُ المَسْبيَّة حالَ الغيبة وثمنها ومهرُ الزوجة من الأرباح، ومن الثاني ثمَنُ المسكن منها أيضاً، ومن الثالث الشراء ممّن لا يعتقد الخمس، أو ممّن لا يُخَمِّس ونحو ذلك. وتَرَكَه هنا إما اختصاراً أو اختياراً ؛ لأنه قول لجماعة من الأصحاب(2).

والظاهر الأوّل ؛ لأنه ادَّعَى في البيان إطباق الإمامية عليه(3) نظراً إلى شذوذ المخالف.

(وثلاثة) أقسام وهي بقيّة الستة (لليتامى) وهم الأطفال الذين لا أبَ لهم، (والمساكين) والمراد بهم هنا ما يشمل الفقراء كما في كل موضع يُذكرون منفردين، (وأبناء السبيل) على الوجه المذكور في الزكاة من الهاشميين المُنتسبين إلى هاشم (بالأب) دون الأُمّ ودون المنتسبين إلى المطلب أخي هاشم على أشهر القولين(4).

ويدلّ على الأوّل استعمالُ أهل اللغة، وما خالَفَه يُحمل على المجاز ؛ لأنه خير من

ص: 260


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 180 ؛ البيان، ص 346 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
2- منهم: أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 174؛ وابن الجنيد نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 212. المسألة 165
3- البيان، ص 346 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- مقابل الأشهر قول السيد المرتضى يأتي في الصفحة 261، الهامش 4.

الاشتراك، وفي الرواية عن الكاظم(عليه السلام) ما يدلّ عليه(1) ؛ وعلى الثاني أصالة عدم الاستحقاق، مضافاً إلى ما دلّ على عدمه من الأخبار(2)، واستضعافاً لما استَدَلَّ به القائل منها(3)، وقصوره عن الدلالة.

وقال المرتضى (رضي الله عنه): يستحق المنتسب إلى هاشم (و) لو (بالأم)(4). استناداً إلى قوله (عليه السلام)عن الحسنين (عليهم السلام): «هذان ابناي إمامان»(5) والأصل في الإطلاقِ الحقيقة. وهو ممنوع، بل هو أعم منها ومن المجاز، خصوصاً مع وجود المعارض.

وقال المفيد وابنُ الجُنّيد: يَستَحِق المطلبي أيضاً(6)، وقد بيّناه.

( ويُشترط فقر شركاء الإمام(عليه السلام)) أما المساكين فظاهر، وأمّا اليتامى فالمشهور اعتبار فقرهم ؛ لأنّ الخمسَ عِوَضُ الزكاة ومصرفها الفقراء في غير مَن نُصَّ على عدم اعتبار فقره فكذا العِوَض ؛ ولأن الإمام (عليه السلام) يقسمه بينهم على قدر حاجتهم والفاضل له والمُعْوِزُ عليه، فإذا انتفت الحاجة انتفى النصيبُ.

وفيه نظر بين؛ ومن ثَم ذهب جماعة إلى عدم اعتباره فيهم(7)؛ لأنّ اليتيم قسيم للمسكين في الآية (8)وهو يقتضي المغايرة، ولو سُلَّمَ عدمه نظراً إلى أنها لا تقتضي المباينة، فعند عدم المخصص يبقى العموم وتوقف المصنف في الدروس(9).

ص: 261


1- الكافي، ج 1، ص 539، باب الفيء والأنفال ... . ح 4.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 126، ح 362 و 363.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 59 ، ح 159.
4- رسائل الشريف المرتضى، ج 4، ص 328. مسائل شتى.
5- المناقب لابن شهر آشوب، ج 3، ص 367 : إعلام الورى، ص 209 ؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 129 - 130. ح 14 .
6- حكاه عنهما المحقق في المعتبر، ج 2، ص 631.
7- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 357؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 496 ؛ يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 150.
8- الأنفال (8) :41
9- الدروس الشرعية، ج 1، ص 178) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

(ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم ) وإن كان غنياً في بلده بشرط أن يتعذَّر وصوله إلى المال على الوجه الذي قررناه في الزكاة. وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه، وإلا كان دليل اليتيم آتياً فيه.

(ولا تُعتبر العدالة )لإطلاق الأدلة. (ويُعتبر الإيمان) لاعتباره في المُعَوَّض بغير خلاف مع وجوده؛ ولأنه صِلَةٌ ومُوادّة والمخالف بعيد عنهما؛ وفيهما نظر، ولا ريب أن اعتباره أولى .

ص: 262

الأنفال

وأمّا الأنفال

فهي المال الزائد للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)والإمام(عليه السلام) بعده على قبيلهما، وقد كانت الرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في حياته بالآية الشريفة(1)، وهي بعده للإمام القائم مقامه، وقد أشار إليها بقوله : (ونَفَلُ الإمام(عليه السلام) ) الذي يزيد به عن قبيله ومنه سمّي نَفَلاً (أرضٌ انجَلَى عنها) أهلها وتركوها (أو سُلَّمَت) للمسلمين (طوعاً) من غير قتال كبلاد البحرين (أو باد أهلها )أى هلكوا مسلمين كانوا أم كفّاراً، وكذا مطلق الأرض القوات التي لا يُعرف

لها مالك .

(والآجامُ) بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ جمع أجمة بالتحريك المفتوح - وهي الأرض المملوءة من القصب ونحوه في غير الأرض المملوكة (ورؤوس الجبال وبُطُونُ الأَوْدِية) والمرجع فيهما إلى العرف؛ (وما يكون بها ) من شجرٍ ومعدِنٍ وغيرهما، وذلك في غير أرضه المختصة به.

( وصوافي مُلوكِ الحرب )وقطائِعُهم. وضابطه كلّ ما اصطفاه مَلِكُ الكفّار لنفسه واختَصَّ به من الأموال المنقولة وغيرها، غير المغصوبة من مسلمٍ أو مُسالم.

(وميراثُ فاقد الوارثِ ) الخاص وهو مَن عدا الإمام وإلا فهو (2)وارث من يكون كذلك: (والغنيمة بغير إذنه)غائباً كان أم حاضراً على المشهور و به روايةٌ مُرسَلة(3) إلا أنّه لا قائل بخلافها ظاهراً .

والمشهورُ أنّ هذه الأنفال مباحة حالَ الغَيبة، فيصح التصرّفُ في الأرض المذكورة

ص: 263


1- الأنفال (8) : 1
2- (عليه السلام)
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 135، ح 378.

بالإحياء وأخْذِ ما فيها من شجرٍ وغيره. نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت وجيرانه، للرواية.(1) وقيل بالفقراء مطلقاً (2)؛ لضعف المخصص، وهو قوي. وقيل: مطلقاً كغيره(3).

و (أمّا المعادنُ) الظاهرة والباطنة في غير أرضه (فالناس فيها شَرَع) على الأصح ؛ لأصالة عدم الاختصاص. وقيل: هي من الأنفال أيضاً(4).

أمّا الأرضُ المختصّةُ به فما فيها من معدن تابع لها ؛ لأنه من جملتها. وأطلق جماعة كون المعادن للناس من غير تفصيل(5)، والتفصيل حسن .

هذا كله فى غير المعادن المملوكة تبعاً للأرض أو بالإحياء، فإنّها مختصة بمالكها.

ص: 264


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 387، ح 1382 - 1383.
2- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 705-706؛ وسلّار في المراسم، ص 224.
3- ذهب إليه الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 4، ص 333، ذيل الحديث 5718
4- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 278
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 89؛ ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 383؛ الشهيد في الدروس الشرعية ، ج 1، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

كتاب الصوم

اشارة

ص: 265

ص: 266

(كتاب الصوم)

المفطرات

(وهو الكفُّ) نهاراً- كما سيأتي(1) التنبيه عليه -( عن الأكل والشرب مطلقاً) المعتادِ منهما وغيره،

(والجماع كله ) قبلاً ودُبُراً لآدمي وغيره على أصح القولين(2). والاستمناء) وهو طلب الإمناء بغير الجماع؛ مع حصوله لا مطلق طلبه وإن كان محرَّماً أيضاً، إلا أن الأحكام الآتية لا تجري فيه. وفى حكمه النظر والاستمتاع بغير الجماع والتخيلُ لمعتاده معه كما سيأتي.

(وإيصال الغُبار المتعدِّي) إلى الحلق غليظاً كان أم لا، بمُحَلَّل كدقيق وغيره كتراب. وتقييده بالغليظ في بعض العبارات ومنها الدروس(3)لا وجه له. وحدّ الحلق مخرج الخاء المعجمة.

(والبقاء على الجنابة ) مع علمه بها ليلاً، سواءٌ نَوَى الغسل أم لا ومعاودة النوم جنباً بعد انتباهتين متأخّرتين عن العلم بالجنابة وإنْ نَوَى الغسل إذا طلع الفجرُ عليه جنباً لا بمجرد النوم كذلك.

(فيُكَفِّر) من لم يَكُفّ عن أحد هذه السبعة اختياراً في صوم واجب متعيّن، أو في

ص: 267


1- يأتي في ص 280.
2- ذهب إليه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 654: ذهب ابن إدريس إلى عدم الإفساد في السرائر، ج 1، ص 380.
3- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 369؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 654؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

شهر رمضان مع وجوبه بقرينة المقام. (ويقضي) الصوم مع الكفّارة (لو تعمَّدَ الإخلال) بالكفّ، المؤدّي إلى فِعْل أحدها. والحكم في السنة السابقة قطعي، وفي السابع مشهوري ومستنده غير صالح (1).

ودخل في التعمُّدِ الجاهل بتحريمها وإفسادها. وفي وجوب الكفّارة عليه خلاف، والذي قوّاه المصنّف في الدروس عدمه (2)وهو المروي(3). وخرج الناسي فلا قضاء عليه ولا كفّارة، والمكرَهُ عليه ولؤ بالتخويف فباشَرَ بنفسه على الأقوى.

واعلم أنّ ظاهر العبارة كونُ ما ذُكر تعريفاً للصوم كما هو عادتهم، ولكنّه غير تام؛ إذ ليس مطلقُ الكفّ عن هذه الأشياء صوماً كما لا يخفى، ويمكن أن يكون تجوَّزَ فيه ببيان أحكامه، ويؤيده أنه لم يُعرف غيره من العبادات ولا غيرها في الكتاب غالباً. وأما دَخْلُه من حيث جَعَلَه كفّاً وهو أمر عدميّ فقابل للتأويل بإرادة العزم على الضد أو توطين النفس عليه، وبه يتحقق معنى الإخلال به، إذ لا يقع الإخلال إلا بفعل فلابد من ردّه إلى فعل القلب، وإنّما اقتصر على الكفّ مراعاةً لمعناه اللغوي.

( ويقضي) خاصةً من غير كفّارة (لو عاد )الجنب إلى النوم ناوياً للغسل ليلاً (بعد انتباهةٍ )واحدةٍ فأصبح جنباً، ولابد مع ذلك من احتماله للانتباه عادة، فلو لم يكن من عادته ذلك ولا احتمله كان من أوّل نومه كمتعمّد البقاء عليها، وأمّا النّومةُ الأُولى، فلا شيء فيها وإن طلع الفجر بشرطيه.

(أو احتقن بالمائع) في قول(4)، والأقوى عدم القضاء بها وإنْ حَرُمت؛ أما بالجامد كالفتائل، فلا على الأقوى (أو ارتمس ) بأن غَمَس رأسه أجمع في الماء دفعة واحدة عرفية وإنْ بَقِي البدنُ (متعمداً). والأقوى تحريمه من دون إفساد أيضاً، وفي الدروس

ص: 268


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 212، ح 616- 617.
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 188 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 208، ح 603.
4- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 371

أَوجَبَ به القضاء والكفّارة(1). وحيث يكون الارتماس في غُسل مشروع يقع فاسداً مع التعمّد؛ للنهي(2)، ولو نَسِيَ صح.

(أو تَناوَلَ) المفطَّرَ (مِن دون مراعاة ممكنة) للفجر أو الليل، ظاناً حصوله (فأخطأ) بأن ظهر تَناوُلُه نهاراً ( سواء كان مُسْتَصْحِبَ الليل) بأن تَناوَلَ آخِرَ الليل من غير مراعاة، بناءً على أصالة عدم طلوع الفجر ، (أو النهار (3)) بأن أكل آخر النهار ظنّاً أن الليل دخل فظهر عدمه.

واكتفى عن قيد ظنّ الليل بظهور الخطأ، فإنّه يقتضي اعتقاد خلافه. واحترز بالمراعاة الممكنة عمّن تناول كذلك، مع عدم إمكان المراعاة لغَيْمٍ أو حَبسٍ أو عَمَّى حيث لا يجد من يقلّده، فإنّه لا يقضي ؛ لأنه متعبد بظنّه. ويُفهم من ذلك أنه لو رَاعَى فظنَّ فلا قضاء فيهما وإن أخطأ ظنُّه، وفي الدروس استقرب القضاء في الثاني دون الأوّل، فارقاً بينهما باعتضاد ظنّه بالأصل في الأوّل، وبخلافه في الثاني(4).

(وقيل) والقائل الشيخ والفاضلان: (لو أفطر لظُّلمَةٍ مُوهِمَةٍ) أي موجبةٍ لظنّ دخول الليل (ظانّاً) دخوله من غير ،مراعاة بل استناداً إلى مجرّد الظلمةِ المُثيرة للظنّ (فلا قضاء) (5)استناداً إلى أخبار تقصُر عن الدلالة (6)مع تقصيره في المراعاة، فلذلك نَسَبه إلى القيل واقتضى حكمه السابق وجوب القضاء مع عدم المراعاة وإنْ ظَنَّ، وبه صرَّح في الدروس(7).

ص: 269


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 188 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 262، ح 785 .
3- ولو استمر الإشكال ولم يتبيّن الخطأ من الصواب فالأقرب وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار؛ لأصالة البقاء وإن اتفق في أوّله فلا قضاء؛ لأصالة بقاء الليل. تذكرة الفقهاء (ج 6، ص 7574 زین رحمه الله )
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 189) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- النهاية ص 155 شرائع الإسلام، ج 1، ص 173 : إرشاد الأذهان، ج 1، ص 297
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 270 - 271 ، ح 816 - 817؛ الاستبصار، ج 2، ص 115، ح 374 - 375.
7- الدروس الشرعية، ج 1، ص 189 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

وظاهر القائلين أنّه لا كفّارة مطلقاً؛ ويُشكل عدمُ الكفّارة مع إمكان المراعاة والقدرة على تحصيل العلم في القسم الثاني، لتحريم التناول على هذا الوجه، ووقوعه في نهارٍ يجب صومه ؛ عمداً، وذلك يقتضي بحسب الأصول الشرعيّة وجوب الكفّارة، بل ينبغي وجوبُها وإنْ لم يَظهر الخطأ، بل استمر الاشتباه؛ لأصالة عدم الدخول مع النهي عن الإفطار(1).

وأمّا في القسم الأوّل، فوجوبُ القضاء خاصةً مع ظهور الخطأ متوجه، لتَبَيُّن إفطاره في النهار، وللأخبار(2)، لكن لا كفارة عليه؛ لجواز تناوله حينئذٍ بناءً على أصالة عدم الدخول. ولولا النصّ على القضاء لأمكن القولُ بعدمه؛ للإذن المذكور وأما وجوب الكفّارة على القول المحكيّ(3)، فأوضح. وقد اتفق لكثير من الأصحاب في هذه المسألة عبارات قاصرة عن تحقيق الحال جدّاً، فتأمّلها. وعبارة المصنف هنا جيّدة لولا إطلاق عدم الكفّارة.

واعلم أنّ المصنف نقل القول المذكور جامعاً بين توهم الدخول بالظلمة وظنّه، مع أنّ المشهور لغةً واصطلاحاً أن الوهم اعتقاد مرجوح (4)، وراجحه الظن، وعباراتهم وقعت أنّه «لو أفطّر للظلمة المُوهمة وجب القضاءُ، ولو ظنَّ لم يُفطِر» أي لم يُفسد صومه فجعلوا الظَّنَّ قسيماً للوهم. فجَمْعُه هنا بين الوهم والظنِّ في نقل كلامهم إشارة إلى أنّ المراد من الوهم في كلامهم أيضاً الظنُّ؛ إذ لا يجوز الإفطار مع ظنّ عدم الدخول قطعاً، واللازم منه وجوبُ الكفّارة، وإنما يقتصر على القضاء لو حصل الظن ثمّ ظهرت المخالفة. وإطلاق الوهم على الظنِّ صحيح أيضاً ؛ لأنه أحد معانيه لغةً(5)؛ لكن يَبْقَى في كلامهم سؤالُ الفرق بين المسألتين، حيث حكموا مع الظن بأنه لا إفساد، إلا أن يُفَرَّق بين مراتب

ص: 270


1- الفقيه، ج 2، ص 73 ، ح 1766 .
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 269، ح 812؛ الاستبصار، ج 2، ص 116 ، ح 379.
3- تقدم في ص 269.
4- لسان العرب، ج 15، ص 417؛ تاج العروس، ج 17، ص 736، «وهم».
5- راجع الصحاح، ج 4، ص 2054، «وهم»: توهمْتُ أي ظننتُ.

الظَّنِّ فيراد من الوهم أول مراتبه، ومن الظنّ قوة الرجحان، وبهذا المعنى صرّح بعضهم(1).

وفي بعض تحقيقات المصنف على كلامهم: أنّ المراد من الوهم ترجيح أحد الطرفين لأمارة غير شرعيّة، ومن الظنِّ الترجيح لأمارة شرعية(2)، فشرك بينهما في الرجحان، وفَرَّق بما ذكره.

وهو - مع غرابته - لا يَتِم ؛ لأنّ الظَّنَّ المجوّز للإفطار لا يُفرّق فيه بين الأسباب المُثيرة له.

وإنما ذكرنا ذلك للتنبيه على فائدة جَمْعِه هنا بين الوهم والظنّ، تفسيراً لقولهم.

واعلم أنّ قوله «سواء كان مستصحب الليل أو النهار» جرى فيه على قول الجوهري: «سواءٌ عليّ قمتَ أو قعدت»(3)، وقد عده جماعة من النحاة منهم ابن هشام في المغني - من الأغاليط (4)، وأن الصواب العطف بعد «سواء» ب-«أم» بعد همزة التسوية:« سواء أكان كذا أم كذا» كما قال تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ وَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾(5)، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾(6)، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَمِتُونَ ﴾(7) ، وقش عليه ما يأتي من نظائره في الكتاب وغيره وهو كثير.

(أو تَعَمَّد القَيْءَ) مع عدم رجوع شيء منه إلى حلقه اختياراً، وإلا وجبت الكفّارة أيضاً. واحترز بالتعمد عمّا لو سَبَقه بغير اختياره، فإنه لا قضاء مع تحفظه كذلك.

(أو أُخْبِر بدخول الليل فأفطر(8)) تعويلاً على قوله. ويُشكل بأنه إن كان قادراً على المراعاة ينبغي وجوبُ الكفّارة كما سبق، لتقصيره وإفطاره حيث ينهى عنه، وإن كان مع

ص: 271


1- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 377 - 378
2- حكاه عنه أيضاً في مسالك الأفهام، ج 2، ص 30.
3- الصحاح، ج 4، ص 2386، «سوا».
4- مغني اللبيب، ج 1، ص 43 ؛ شرح الرضي على الكافية، ج 4، ص 413 ؛ حاشية الصبيان، ج 3 - 4، ص 99
5- البقرة (2): 6.
6- إبراهيم (14) : 21
7- الأعراف (7): 193
8- سواء كان المخبر عدلاً أو فاسقاً، أما لو أخبره ،عدلان، فالوجه وجوب الكفّارة. تحرير الأحكام الشرعية [ج 1، ص 477 . الرقم 1654]. (زین رحمه الله)

عدمه فينبغي عدم القضاء أيضاً إن كان ممن يسوغ تقليده له كالعدل، وإلا فكالأول. والذي صرّح به جماعة أن المراد هو الأول (1).(أو) أُخير (ببقائه) أي بقاء الليل (فتناول) تعويلاً على الخبر، ( ويظهر الخلافُ) حال من الأمرين، ووجوب القضاء خاصةً هنا متجه مطلقاً، لاستناده إلى الأصل بخلاف السابق.

وربما فُرِّق في الثاني بين كون المخبر بعدم الطلوع حجّةً شرعية كعدلين وغيره، فلا يجب القضاء معهما لحجيّة قولهما شرعاً ويُفهم من القيد أنه لو لم يظهر الخلاف فيهما لا قضاء، وهو يتم في الثاني دون الأوّل، للنهي(2)؛ والذي يناسب الأصل فيه وجوبُ القضاء والكفّارة ما لم تظهر الموافقة فالإثم خاصةً. نعم لو كان في هذه الصور جاهلاً بجواز التعويل على ذلك، جاء فيه الخلاف في تكفير الجاهل، وهو حكم آخر.

(أو نَظَر إلى امرأةٍ) محرَّمةٍ بقرينة قوله (أو غلام فأَمْنَى) مع عدم قصدِه الإمناء ولا اعتياده (ولو قصد فالأقربُ الكفّارة، وخصوصاً مع الاعتياد إذ لا ينقص عن الاستمناء بيده أو ملاعبته وما قرَّبه ،حسن لكن يُفهم منه أن الاعتياد بغير قصد الإمناء غير كافٍ والأقوى الاكتفاء به، وهو ظاهره في الدروس(3). وإنما وجب القضاء النظر إلى المحرّم - مع عدم الوصفين - للنهي(4) عنه، فأقل مراتبه الفساد، كغيره من المنهيات في الصوم من الارتماس والحُقْنة وغيرهما. والأقوى عدم القضاء بدونهما، كغيره من المنهيات وإنْ أثِم. إذ لا دلالة للتحريم على الفساد ؛ لأنه أعم، فلا يفسد إلا مع النصّ عليه كالتناول والجماع ونظائرهما. ولا فرق حينئذ بين المحللة والمحرمة إلا في الإثم وعدمه.

(وتَتَكَرَّرُ الكفّارة) مع فِعْل مُوجِبها (بتَكَرُّر الوطء) مطلقاً ولو في اليوم الواحد،

ص: 272


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 370؛ والمحقق في المختصر النافع، ص 129؛ والعلامة في منتهى المطلب، ج 9، ص 158
2- تقدّم في ص 269 ، الهامش 6.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 188) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- الكافي، ج 4، ص 103، باب من أفطر متعمداً .... ح7 .

ويتحقَّق تكرُّرُه بالعود بعد النزع (أو تغايُرِ (الجنس) بأن وَطِئَ وأكل، والأكل والشرب غَيّران: (أو تخلُّل التكفير بين الفعلين وإن اتحد الجنس والوقتُ (أو اختلافِ الأيام) وإن اتحد الجنس أيضاً.

(وإلّا) يكن كذلك بأن اتحد الجنسُ في غير الجماع والوقت ولم يتخلل التكفير (فواحدة) على المشهور ، وفي الدروس قطعاً(1) وفي المهذب إجماعاً(2). وقيل: تتكرّر مطلقاً (3)وهو متجه إن لم يثبت الإجماع على خلافه، لتعدّد السببِ المُوجِبِ لتعدّد المسبب، إلا ما نُص فيه على التداخل، وهو منفي هنا. ولو لوحظ زوال الصوم بفساده بالسبب الأوّل لَزِم عدمُ تكرّرها في اليوم الواحد مطلقاً، وله وجه، والواسطة ضعيفة.

ويتحقق تعدُّدُ الأكل والشرب بالازدراد وإنْ قل، ويتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله وإن طال للعرف.

(ويَتَحَمَّل عن الزوجةِ المُكرَهَةِ) على الجماع (الكفّارة والتعزير) المقدر على الوطء (بخمسة وعشرين سوطاً ، فيُعَزَّر خمسين)، ولا تحمّل في غير ذلك، كإكراه الأمة والأجنبية والأجنبي لهما والزوجة له والإكراه على غير الجماع ولو للزوجة، وقوفاً مع النص(4) ؛ وكونُ الحكم في الأجنبية أفحش لا يفيد أولوية التحمّل ؛ لأنّ الكفّارة مخفّفة للذنب، فقد لا تثبت في الأقوى كتكرار الصيد عمداً؛ نعم لا فرق في الزوجة بين الدائم والمستَمْتَعِ بها. وقد يجتمع في حالة واحدة الإكراه والمطاوعة، ابتداءً واستدامة، فيَلزَمُه حكمُه ويَلزَمُها حكمها. ولا فرق في الإكراه بين المجبورة والمضروبة ضرباً مُضِراً حتّى مَكَّنَتْ، على الأقوى. وكما تَنتَفى عنها الكفّارةُ، يَنتَفِي القضاء مطلقاً. (ولو طاوَعَتْه فعليها ) الكفّارة والتعزيرُ مثله.

ص: 273


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 191 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- المهذب البارع، ج 2، ص 46.
3- قال به المحقق الكركي في حاشية الشرائع، ص 310 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 10).
4- الكافي، ج 4، ص 103، باب من أفطر متعمداً .... ح 9.

القول في شروطه الصوم

أي شروط وجوب الصوم وشروط صحته.

( ويُعتبر في الوجوبِ البلوغ والعقلُ) فلا يجب على الصبي والمجنون والمغمى عليه وأمّا السكران، فبحكم العاقل في الوجوب، لا الصحة؛( والخلو من الحيض والنفاسِ والسفرِ) الموجِبِ للقصر، فيجب على كثيره، والعاصي به ونحوهما، وأمّا ناوي الإقامة عَشْراً، ومَن مَضَى عليه ثلاثون يوماً متردّداً، ففي معنى المقيم.

(و) يُعتبر (في الصحة التمييز) وإنْ لم يكن مكلفاً. ويُعلم منه أن صوم المميّز صحيح فيكون شرعيّاً، وبه صرَّح في الدروس(1). ويمكن الفرق بأنّ الصحة من أحكام الوضع فلايقتضي الشرعيّة. والأولى كونه تمرينيّاً لا شرعيّاً، ويمكن معه الوصف بالصحة كما ذكرناه، خلافاً لبعضهم حيث نفى الأمرين(2). أما المجنون، فينتفيان في حقه لانتفاء التمييز، والتمرين فرعُه ؛ ويُشكل ذلك في بعض المجانين لوجود التمييز فيهم.

( والخُلُو منهما ) من الحيض والنفاس، وكذا يُعتبر فيهما الغسلُ بعده عند المصنف(3). فكان عليه أن يذكره؛ إذ الخلو منهما لا يقتضيه، كما لم يَقْتَضِه في شرط الوجوب؛ إذ المراد بهما فيه نفس الدم؛ لوجوبه على المنقطعة وإن لم تغتسل ومن الكفر) فإنّ الكافر يجب عليه الصوم كغيره، ولكن لا يصح منه معه.

(ويصح من المستحاضة إذا فعلت الواجب من الغسل ) النهاري، وإن كان واحداً

ص: 274


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 183 - 184( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- كالمحقق الكركي في حاشية الشرائع، ص 314 (ضمن حياة المحقق الكركي و آثاره، ج 10).
3- الدروس الشرعية، ج 1 ، ص 186 : البيان، ص 58 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).

بالنسبة إلى الصوم الحاضر، أو مطلق الغسل بالنسبة إلى المُقبل، ويمكن أن يريد كونه مطلقاً شرطاً فيه مطلقاً، نظراً إلى إطلاق النصّ(1)، والأوّل أجود ؛ لأن غسل العشاء بن لا يجب إلا بعد انقضاء اليوم، فلا يكون شرطاً في صحته؛ نعم هو شرط في اليوم الآتي ويدخل في غسل الصبح لو اجتمعا .

(ومن المسافر في دم المُتعة ) بالنسبة إلى الثلاثة لا السبعة، (وبدلِ البَدَنة) وهو ثمانية عشر يوماً للمُفيض من عرفاتٍ قبل الغروب عامداً، (والنذر المقيَّدِ به) أي بالسفر، إما بأن نَذَرَه سفراً، أو سفراً وحضراً وإن كان النذر في حال السفر ، لا إذا أطلق وإن كان الإطلاق يتناول السفر، إلّا أنّه لابد من تخصيصه بالقصد منفرداً أو منضمّاً. خلافاً للمرتضى حيث اكتفى بالإطلاق لذلك(2)، وللمفيد حيث جوز صومَ الواجب مطلقاً عدا شهر رمضان(3).

(قيل) والقائل ابنا بابويه: (وجزاء الصيد) (4)، وهو ضعيف ؛ لعموم النهي(5) وعدم ما يصلُح للتخصيص.

( ويُمَرَّن الصبيُّ ) وكذا الصبية على الصوم (السبع) ليَعْتادَه فلا يَنقُل عليه عند البلوغ .وأطلق جماعة تمرينه قبل السبع وجعلوه بعد السبع مُشَدَّداً(6).

(وقال ابنا بابويه والشيخ في النهاية) يُمَرَّن (التسع ) (7)والأوّل أجود، ولكن يُشَدَّد للتسع. ولو أطاق بعض النهار خاصةً فعل. ويتخيّر بين نية الوجوب والندب ؛ لأنّ

ص: 275


1- الفقيه، ج 2، ص 144 - 145 ، ح 1991.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 328 المسألة 74: انظر الانتصار، ص 192، المسألة 87
3- المقنعة، ص 361
4- حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 328، المسألة 74: المقنع، ص 199.
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 230، ح 677.
6- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 179 ؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 383؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 84
7- حكاه عن ابني بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 351، المسألة 87 الفقيه، ج 2، ص 122، ذيل الحديث 1909 : النهاية ص 149

الغرضَ التمرين على فعل الواجب، ذكره المصنف(1) وغيره(2)، وإن كان الندب أولى.

( والمريضُ يَتْبَعُ ظَنَّه) فإن ظنَّ الضرر به أفطر وإلا صام. وإنّما يتبع ظنّه في الإفطار أما الصومُ فيكفي فيه اشتباه الحال والمرجع في الظن إلى ما يجده ولؤ بالتجربة في مثله سابقاً، أو بقول من يُفيد قوله الظنَّ ولو كان كافراً، ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة المرض وشدّة الألم بحيث لا يُتَحَمَّلُ عادةً، وبُطْءٍ بُزنه.

وحيث يحصل الضرر ولو بالظنّ لا يصح الصوم للنهي عنه(3)، (فلو تكلفه مع ظن الضرر قَضَى).

(و تجب فيه النية) وهي القصد إلى فعله المشتملة على الوجه من وجوب أو ندب، (والقربة) أما القربة، فلا شبهة في وجوبها، وأما الوجه، ففيه ما مرّ، خصوصاً في شهر رمضان لعدم وقوعه على وجهين.

وتُعتبر النية (لكلّ ليلة) أي فيها (والمقارنة ) بها لطلوع الفجر (مجزئة) على الأقوى إن اتفقت ؛ لأنّ الأصل في النية مقارنتها للعبادة المنوية، وإنّما اغتُفِرَت هنا للعُسر.

وظاهرُ جماعةٍ تَحَتُمُ إيقاعها ليلاً(4)، ولعلّه لتعذر المقارنة، فإن الطلوع لا يُعلم إلا بعد الوقوع، فتقع النية بعده وذلك غيرُ المقارنة المعتبرة فيها وظاهر الأصحاب أنّ النيّة للفعل المُسْتَغرِقِ للزمان المعيَّن يكون بعد تحققه لا قبله لتعذره، كما ذكرناه؛ وممّن صرَّح به المصنِّفُ في الدروس في نيات أعمال الحجّ كالوقوف بعرفة(5)، فإنّه جَعَلَها

ص: 276


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 34: الدروس الشرعية، ج 1، ص 184: البيان، ص 144 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 ، 9 و 12).
2- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 84
3- البقرة :(2): 184 ؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 256، ح 759
4- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 302؛ المحقق في المختصر النافع، ص 127 ؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 350.
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 333 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

مقارنةً لما بعد الزوال فيكون هنا كذلك، وإن كان الأحوطُ جَعْلَها ليلاً للاتفاق على جوازها فيه.

(والناسي) لها ليلاً (يُجَدِّدها إلى الزوال ) بمعنى أن وقتها يمتد إليه، ولكن يجب الفورُ بها عند ذكرها، فلو أخرها عنه عامداً بطل الصوم. هذا في شهر رمضانَ والصومِ المعيّن أمّا غيره كالقضاء والكفّارة والنذرِ المطلق - فيجوز تجديدها قبل الزوال وإنْ تركها قبله عمداً، بل ولو نَوَى الإفطار، وأما صومُ النافلة، فالمشهور أنه كذلك، وقيل بامتدادها فيه إلى الغروب(1)، وهو حسن وخِيَرةُ المصنف في الدروس(2).

(والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنيّة واحدة للشهر) شهر رمضان، (وادعى المرتضى في ) المسائل

( الرسمية فيه الإجماع) (3)، وكذا ادّعاه الشيخ(4)، ووافقهم من المتأخرين المحقِّقُ في المعتبر(5)، والعلّامة في المختلف(6)، استناداً إلى أنه عبادة واحدة. (والأوّلُ) وهو إيقاعها لكلّ ليلة (أولى)، وهذا يدلّ على اختياره الاجتزاء بالواحدة، وبه صرَّح أيضاً في شرح الإرشاد(7)، وفي الكتابين اختار التعدد(8).

وفي أولوية تعددِها عند المجتزئ بالواحدة نظر ؛ لأنّ جعله عبادةً واحدةً يقتضي عدم جواز تفريق النية على أجزائها، خصوصاً عند المصنّف، فإنّه قطع بعدم جواز تفريقها على أعضاء الوضوء وإنْ نَوَى الاستباحة المطلقة، فضلاً عن نيتها لذلك العضو(9).

نعم من فَرَق بين العبادات وجَعَل بعضها ممّا يقبل الاتحاد والتعدّدَ - كَمُجَوِّز تفريقها في

ص: 277


1- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 140 .
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- المسائل الرسيّة، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 2، ص 355
4- الخلاف، ج 2، ص 163 - 164، المسألة 3.
5- المعتبر، ج 2، ص 649.
6- مختلف الشيعة، ج 3، ص 243، المسألة ،11 ، لكنه فيه خلاف ما نسب إليه حيث قال: الأقرب المنع.
7- غاية المراد، ج 1، ص 230 - 231 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 182 ؛ البيان، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
9- البيان، ص 43 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

الوضوء - يأتي عنده هنا الجواز من غير أولوية ؛ لأنها تناسب الاحتياط وهو منفي، وإنما الاحتياط هنا الجمعُ بين نية المجموع والنية لكلّ يوم. ومثله يأتي عند المصنف في غسل الأموات، حيث اجتزأ في الثلاثة بنية لو أراد الاحتياط بتعدّدها لكلّ غسل فإنّه لا يتم إلا بجمعها ابتداءً ثمّ النية للآخرين.

(ويُشترط فيما عدا ) شهر (رمضان التعيين) لصلاحية الزمان ولو بحسب الأصل له ولغيره، بخلاف شهر رمضان لتعيّنه شرعاً للصوم فلا اشتراك فيه حتَّى يُمَيَّز بتعيينه. وشَمَل ما عداه النذر المعيَّن، ووجه دخوله ما أشرنا إليه من عدم تعينه بحسب الأصل.

والأقوى إلحاقه بشهر رمضان الحاقاً للتعيّن العَرَضى بالأصلى لاشتراكهما في حكم الشارع به،ورجحه في البيان، وألحق به الندب المعيَّن كأيّام البيض(1)، وفي بعض تحقيقاته مطلق المندوب لتعينه شرعاً في جميع الأيام إلا ما استثني، فيكفي نية القربة(2). وهو حسن .

وإنّما يُكتَفَى في شهر رمضانَ بعدم تعيينه بشرط ألا يُعَيِّن غيرَه وإِلّا بطل فيهما على الأقوى ؛ لعدم نية المطلوب شرعاً وعدم وقوع غيره فيه. هذا مع العلم، أما مع الجهل به كصوم آخِرِ شعبان بنية الندب، أو النسيان - فيقع عن شهر رمضان.

طرق ثبوت شهر رمضان

(ويُعلَم) شهرُ رمضان( برؤية الهلال) فيجب على من رآه وإنْ لم يثبت في حق غيره (أو شهادة عدلين (3)) برؤيته مطلقاً (أو شياع(4) ) برؤيته، وهو إخبار جماعة بها تَأْمَن النفسُ من تَواطُئِهم على الكذب، ويحصل بخبرهم الظنُّ المُتاخِمُ للعلم، ولا ينحصر في عددٍ ؛ نعم يُشترط زيادتهم عن اثنين ليُفرّق بين العدل وغيره. ولا فرق بين الكبير والصغير والذكر والأنثى، والمسلم والكافر، ولا بين هلال رمضان وغيره.

ص: 278


1- البيان، ص 353 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- لم نعثر عليه إلا في رياض المسائل، ج 5، ص 285
3- وتصح الشهادة على الشهادة (زين رحمه الله)
4- ويكفي شياع النساء والمخالفين والكفّار (زين رحمه الله)

ولا يُشترط حكم الحاكم في حق من علم به أو سَمِع الشاهدين(1) (أو مُضِيّ ثلاثين) يوماً (من شعبان. لا ب-) الشاهد (الواحد في أوّله). خلافاً لسلّار حيث اكتفى به فيه بالنسبة إلى الصوم خاصةً(2)، فلا يثبت لو كان منتهى أجل دينٍ أو عِدّةٍ أو مُدّةِ ظهار ونحوه. نعم يَثبُت هِلالُ شوّال بمُضيّ ثلاثين منه تبعاً وإن لم يثبت أصالةً بشهادته.

(ولا يُشترط الخمسون مع الصحو) كما ذهب إليه بعضهم(3)، استناداً إلى رواية (4)حُمِلت على عدم العلم بعدالتهم (5)وتوقفِ الشياع عليهم للتهمة كما يظهر من الرواية؛ لأنّ الواحد مع الصحو إذا رآه رآه جماعة غالباً.

(ولا عبرة بالجدول) وهو حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر، ومرجعه إلى تاماً وشهرٍ ناقصاً في جميع السنة مبتدئاً بالتام من المحرَّم؛ لعدم ثبوته شرعاً، بل ثبوتِ ما ينافيه، ومخالفته مع الشرع للحساب أيضاً، لاحتياج تقييده بغير السنة الكبيسيّة، أمّا فيها فيكون ذو الحِجّة تامّاً .

(والعددِ) وهو عد شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تاماً أبداً، وبه فسره في الدروس(6). ويُطلق على عدّ خمسةٍ من هلال الماضي وجَعَلِ الخامس أوّل الحاضر، وعلى عد کل شهرٍ تاماً وآخَرَ ناقصاً مطلقاً، وعلى عد تسعة وخمسين من هلال رجب، وعلى عدّ كلّ شهرٍ ثلاثين والكلُّ لا عبرة به.

نعم اعتبره بالمعنى الثاني جماعة (7) منهم: المصنف في الدروس (8)مع غُمَّة الشهور كلّها

ص: 279


1- في نسخة :«ن»: «سمع من الشاهدين».
2- المراسم. ص 96 .
3- ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 365 - 366.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 160 ، ح 451.
5- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 357، المسألة 88
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- منهم الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 366؛ والعلّامة مختلف الشيعة، ج 3، ص 362، المسألة 91؛ وابن فهد في المهذب البارع، ج 2، ص 61.
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

مقيّداً بِعَد ستةٍ في الكبيسيّة، وهو موافق للعادة وبه روايات(1)، ولا بأس به. أما لو غُمَّ شهر وشهران خاصةً فعدُّهما ثلاثين أقوى، وفيما زاد نظر؛ من تعارض الأصل والظاهر، وظاهرُ الأصول ترجيحُ الأصل.

(والعُلُو) وإنْ تأخّرت غيبوبته إلى بعد العشاء (والانتفاخ) وهو عِظم جرمه المستنير حتى رُئي بسببه قبل الزوال، أو رُؤيَ رأسُ الظل فيه ليلة رؤيته. (والتطوُّقِ) بظهور النور في حرمه مستديراً، خلافاً لبعض حيث حكم في ذلك بكونه الليلة الماضية(2): (والخفاء ليلتين) في الحكم به بعدهما خلافاً لِما رُوِيَ في شواذ الأخبار من اعتبار ذلك كلّه (3).

(والمحبوش) بحيث غُمَّت عليه الشهورُ ( يَتَوَخَّى) أي يتحرى شهراً يغلب على ظنّه أنه هو فيجب عليه صومه (فإن) وافق أو ظَهَر متأخّراً أو استمر الاشتباه أجزاً، وإن (ظهر التقدُّمُ أعادَ). ويلحق ما ظَنَّه حكم الشهر في وجوب الكفارة في إفسادِ يوم منه، ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين لو لم يَرَ الهلال وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة. ولو لم يَظُنّ شهراً تخيَّر في كلِّ سنة شهراً، مراعياً للمطابقة بين الشهرين.

(والكفُّ) عن الأمور السابقة، وقته (من طلوع الفجر الثاني إلى ذَهاب) الحمرة (المشرقيّة(4)) في الأشهر.

(ولو قَدِمَ المسافرُ) بلده أو ما نوى فيه الإقامة عشراً سابقةً على الدخول أو مقارنةً أو لاحقةً قبل الزوال. ويتحقق قدومه برؤية الجدار، أو سماع الأذان في بلده وما نوى فيه الإقامة قبله، أما لو نوى بعده، فمن حين النية. (أو برِئ المريضُ قبل الزوال)

ص: 280


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 162 - 163، ح 458 و 440 و 475.
2- قال به الشيخ في كتابي الأخبار إذا كان في السماء علة. راجع تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178 - 179، ذيل الحديث 495 : الاستبصار، ج 2، ص 75 ذيل الحديث 229
3- راجع تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 494 و 495.
4- يجب إدخال جزء من الليل في الطرفين. (زين رحمه الله)

- ظرف للقدوم والبزء - (ولم يتناولا) شيئاً من مفسد الصوم (أجزأهما الصوم) بل وجب عليهما.

(بخلاف الصبي) إذا بلغ بعد الفجر (والكافر) إذا أسلم بعده (والحائض والنفساء) إذا طَهُرَتا (والمجنونِ والمُغْمَى عليه، فإنّه يُعتبر زوال العذر) في الجميع (قبل الفجر) في صحته ووجوبه وإنْ اسْتُحِبَّ لهم الإمساك بعده، إلّا أنّه لا يُسمَّى صوماً.

( ويقضيه) أي صوم شهر رمضان (كلُّ تارك له عمداً أو سهواً أو لعذر) من سفر و مرض وغيرهما، (إلّا الصبيَّ والمجنون) إجماعاً (والمُغمى عليه) في الأصح(1).

(والكافر الأصلي) أما العارضي - كالمرتد - فيدخل في الكلية. ولابد من تقييدها بعدم قيام غير القضاء مقامه ليَخرُج الشيخ والشيخة وذو العطاش ومن استمرَّ به المرضُ إلى رمضان ،آخَرَ، فإنّ الفِدْيَة تقوم مقام القضاء.

( و تُستحبّ المتابعةُ في القضاء ) الصحيحة عبدالله بن سنان(2)،(ورواية عمار عن الصادق (عليه السلام)(3) تتضمن استحباب التفريق ) وعَمِل بها بعض الأصحاب(4)، لكنّها تَقصُ عن مقاومة تلك ؛ فكان القول الأوّلُ(5) أقوى.

وكما لا تجب المتابعه لا يجب الترتيب، فلو قدَّم آخِرَه أجزأ وإنْ كان أفضل. وكذا لا ترتيب بين القضاء والكفّارة وإن كانت صوماً.

(مسائل:)

[المسألة الأولى: ] ( من نَسِيَ غُسل الجنابة قَضَى الصلاة والصوم في الأشهر) : أمّا

ص: 281


1- والقول الآخر هو وجوب القضاء ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 352؛ وسلّار في المراسم، ص 96
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 274، ح 829
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 275، ح 831
4- نسبه إلى بعض الأصحاب ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 405 : الظاهر من الشيخ المفيد في المقنعة. ص 360.
5- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 388؛ أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 184.

الصلاة، فموضعُ ،وفاق، وإنما الخلاف في الصوم من حيث عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم، ومِن ثُمَّ لو نام جنباً أوّلاً فأصبح يصح صومه، وإنْ تعمَّدَ تركه طول النهار فهنا اولى.

ووجه القضاء فيه صحيحةُ الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1)وغيرها(2) .

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اليوم والأيام وجميع الشهر. وفي حكم الجنابة الحيضُ والنفاسُ لو نسيت غسلهما بعد الانقطاع. وفي حكم رمضان المنذور المعين. ويُشكل الفرقُ على هذا بينه وبين ما ذُكر من عدم قضاء ما نام فيه وأصبح وربما جُمِع بينهما بحمل هذا على الناسي وتخصيص ذاك بالنائم عالماً عازماً فضُعَفَ حكمه بالعزم ، أو بحمله على ما عدا اليوم الأوّل، ولكن لا يدفع إطلاقهم، وإنما هو جمع بحكم آخر، والأوّل أوفق، بل لا تخصيص فيه لأحد النصَّين ؛ لتصريح ذاك بالنوم

عامداً عازماً، وهذا بالناسي.

ويمكن الجمعُ أيضاً بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر، فيفرق بين اليوم والجميع عملاً بمنطوقهما، إلّا أنّه يشكل بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض ؛ لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى. ونَسَب المصنِّفُ القول إلى الشهرة دون القوّة وما في معناها إيذاناً بذلك، فقد ردّه ابن إدريس (3)والمحقق(4) ، لهذا أو لغيره.

(ويتخيّر قاضي) شهر (رمضان) بين البقاء عليه والإفطار (ما بينه) ؛ الضمير يعود إلى الزمان الذي هو ظرف المكلف المخيّر، و «ما» ظرفيّة زمانية، أي يتخير في المدة التي بينه حال حكمنا عليه بالتخيير ( وبين الزوال) حتى لو لم يكن هناك بينية بأن كان

ص: 282


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 311، ح 938
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 332، ح 1043 .
3- السرائر، ج 1، ص 407.
4- شرائع الإسلام، ج 1، ص 185

فيه أو بعده فلا تخيير إذ لا مدة؛ ويمكن عوده إلى الفجر بدلالة الظاهر بمعنى تخييره ما بين الفجر والزوال.

هذا مع سعة وقت القضاء. أما لو تضيَّق بدخول شهر رمضان المُقْبِلِ لم يَجُز الإفطار وكذا لو ظنَّ الوفاة قبل فعله، كما في كلّ واجب موسع لكن لا كفارة هنا بسبب الإفطار وإن وجبت الفدية مع تأخيره عن رمضانَ المُقْبِلِ. واحترز ب-«قضاء رمضان» عن غيره، كقضاء النذر المعيَّن حيث أخل به في وقته فلا تحريم فيه، وكذا كلّ واجب غير معيَّن كالنذر المطلق والكفّارة، إلا قضاء رمضان، ولو تَعيَّن لم يجز الخروج منه مطلقاً، وقيل: يحرُم قطعُ كلّ واجب(1)، عملاً بعموم النهي عن إبطال العمل(2).

ومتى زالت الشمس حَرُم قطعُ قضائه (فإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين) كلّ مسكينٍ مُداً أو إشباعه (فإن عجز) عن الإطعام (صام ثلاثة أيام). ويجب المُضي(3) فيه مع إفساده، والظاهرُ تكرُرُها بتكرر السبب كأصله.

[المسألة) (الثانية: الكفّارة فى شهر رمضان والنذرِ المعيَّن والعهدِ) في أصح الأقوال (4)(عِتقُ رَقَبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً) وقيل: هي مُرَتَّبَةٌ بين الخصال الثلاث(5)، والأوّل أشهر.

(ولو أفطر على محرَّم) أي أفسد صومه به (مطلقاً) أصلياً كان تحريمه كالزني والاستمناء وتناول مالِ الغير بغير إذنه وغُبارِ ما لا يجوز تناوله ونُخامة الرأس إذا صارت في الفم، أم عارضيّاً كوطء الزوجة في الحيض وماله النجس (فثلاثُ) كفارات وهي

ص: 283


1- قال به أبو الصلاح الحلبي الكافي في الفقه، ص 184 .
2- محمد (47): 33: «لَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ »
3- أي البقاء على إمساكه في الصوم بعد الأفطار ويحتمل معنى آخر مناسب وهو أنه إذا صام يومين تلك الثلاثة الأيام وأفسد اليوم الثالث يجب عليه إتمامها بأن يصوم اليوم الثالث بدون الاستئناف (منه رحمه الله)
4- راجع لتوضيح الأقوال مختلف الشيعة، ج 8، ص 234، المسألة 68.
5- حكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 305، المسألة 54.

أفراد المخيَّرةِ سابقاً مجتمعةً على أجود القولين(1)، للرواية الصحيحة عن الرضا (عليه السلام). (2)وقيل: واحدة كغيره(3)، استناداً إلى إطلاق كثير من النصوص(4)، وتقييدها بغيره طريق الجمع.

[المسألة] :(الثالثة لو استمرّ المرضُ ) الذي أفطر معه في شهر رمضان (إلى رمضان آخرَ فلا قضاء) لما أفطره (ويَفْدِي عن كلّ يوم بمد) من طعام في المشهورِ والمروي (5)، وقيل : القضاء لا غير(6) ، وقيل بالجمع(7) ، وهما نادران. وعلى المشهور لا تتكرر الفدية بتكرر السنين، ولا فرق بين رمضان واحدٍ وأكثر. ومحلُّ الفدية مستحِق الزكاة لحاجته وإنْ اتّحد، وكذا كلُّ فدية. وفي تعدّي الحكم إلى غير المرض كالسفر المستَمِرٌ وجهان: أجودُهما وجوبُ الكفّارة مع التأخير لا لعذر، ووجوب القضاء مع دوامه.

(ولو برئ) بينهما (وتَهَاوَنَ) في القضاء بأن لم يَعزِم عليه في ذلك الوقت، أو عزَم في السعة فلما ضاق الوقتُ عزم على عدمه (فَدَى وقَضَى، ولو لم يتهاون) بأن عزم على القضاء في السعة وأَخَّر اعتماداً عليها فلمّا ضاق الوقتُ عَرَض له مانع عنه (قَضَى لا غير) في المشهور. والأقوى ما دلّت عليه النصوص الصحيحة من وجوب الفدية مع القضاء على من قَدَر عليه ولم يفعل حتى دخل الثاني(8)، سواءٌ عَزَم عليه أم لا، واختاره المصنف في الدروس(9) ، واكتفى ابن إدريس بالقضاء مطلقاً(10) ، عملاً

ص: 284


1- ذهب إليه الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 118 ذیل الحدیث 1892؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 146.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 209، ح 605.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 153 - 154؛ سلار في المراسم، ص 190 : ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 378. ص378.
4- راجع تهذيب الأحكام، ج 4 ، ص 205 و 206، باب الكفّارة في اعتماد إفطار يوم من شهر رمضان.
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 205، ح 743.
6- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 382 - 383، المسألة 111.
7- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 386، المسألة 113
8- راجع تهذيب الأحكام، ج 4، ص 250 - 251 ، باب من أسلم في شهر رمضان وحكم من بلغ الحلم فيه.
9- الدروس الشرعية، ج 1، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
10- السرائر، ج 1، ص 397

بالآية (1)، وطَرْحاً للرواية على أصله، وهو ضعيف.

[المسألة] (الرابعة: إذا تمكن من القضاء ثم مات، قَضَى عنه أكبرُ وُلْدِه الذكور) وهو من ليس له أكبرُ منه، وإن لم يكن له ولد متعدّدون، مع بلوغه عند موته ؛ فلو كان صغيراً ففي الوجوب عليه بعد بلوغه قولان(2)، ولو تعدّدوا وتساؤوا في السنّ اشتركوا فيه على الأقوى، فيُقَسَّط عليهم بالسويَّة، فإن انكسر منه شيء فكفرض الكفاية، ولو اختَصَّ أحدهم بالبلوغ والآخَرُ بكبر السن فالأقرب تقديم البالغ. ولو لم يكن له ولد بالوصف لم يجب القضاء على باقي الأولياء وإن كانوا أولاداً، اقتصاراً فيما خالَفَ الأَصل على محلّ الوِفاق ؛ وللتعليل بأنه في مقابل الحَبْوَة.

(وقيل): يجب القضاء على (الوليّ مطلقا )من مراتب الإرث حتى الزوجين والمُعتقِ وضامن الجريرة. ويقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثم الإناث(3)، واختاره في الدروس(4)، ولا ريب أنه أحوط ولو مات المريضُ قبل التمكن من القضاء سقط.

(وفي القضاء عن المسافر) لما فاته منه بسبب السفر (خلافٌ، أقربه مراعاة تمكَّنه من من المُقامِ والقضاء) ولو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض. وقيل: يُقضَى عنه مطلقاً (5)لإطلاق النصّ(6)، وتمكنه من الأداء بخلاف المريض؛ وهو ممنوع لجواز كونه ضرورياً كالسفر الواجب، فالتفصيل أجود.

ص: 285


1- البقرة (2): 184
2- ذهب إلى الوجوب المحقق الكركي في حاشية الإرشاد، ص 179) (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9) ؛ وإلى عدمه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 350 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6) ؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 237
3- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 201 ؛ والشيخ المفيد في المقنعة، ص 353.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 204 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 4، ص 249، ذيل الحديث 739 : ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 163.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 249 ، ح 741 .

( ويُقضَى عن المرأة والعبد) ما فاتهما على الوجه السابق كالحرّ ؛ لإطلاق النصّ (1)ومساواتهما للرجل الحرّ في كثير من الأحكام. وقيل: لا(2)، لأصالة البراءة وانتفاء النص الصريح، والأوّل في المرأة أولى، وفي العبد أقوى. والولي فيهما كما تقدّم.

(والأنثى) من الأولاد على ما اختاره (لاتقضي) لأصالة البراءة. وعلى القول الآخَر تَقضي مع فقده.

(و) حيث لا يكون هناك وليُّ، أو لم يجب عليه القضاء (يُتَصَدَّق من التركة عن اليوم بمد) في المشهور. هذا إذا لم يُوصِ الميِّتُ بقضائه وإلا سقطت الصدقة حيث يُقضَى عنه.

(ويجوز في الشهرين المتتابعين صوم شهر والصدقة عن آخر ) من مال الميت على المشهور.

وهذا الحكم تخفيفُ عن الولي بالاقتصار على قضاء الشهر، ومستند (التخيير) رواية (3)في سندها ضعف، فوجوب قضاء الشهرين أقوى. وعلى القول به فالصدقة عن الشهر الأول، والقضاء للثاني ؛ لأنه مدلول الرواية. ولا فرق في الشهرين بين كونهما واجبَيْن تعييناً كالمنذورين، وتخييراً ككفّارة رمضان، ولا يُتَعَدَّى إلى غير الشهرين وقوفاً مع النصّ لو عُمِل به.

[المسألة] :(الخامسة : لو صام المسافر )حيث يجب عليه القصر (عالماً أعاد) قضاء، للنهي(4) ، المفسد للعبادة، ولو كان جاهلاً) بوجوب القصر (فلا) إعادة، وهذا أحد المواضع التي يُعْذَر فيها جاهلُ الحكم.

(والناسي) للحكم أو للقصر (يُلحق بالعامد) لتقصيره في التحفظ. ولم يتعرَّض له

ص: 286


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 249، ح 741.
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 398 - 399 .
3- تهذيب الأحكام، ج 4 ص 249، ح 742
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 216 - 217، ح 627 و 629.

الأكثر مع ذكرهم له في قصر الصلاة بالإعادة في الوقت خاصّةً، للنصّ (1).

والذي يُناسب حكمها فيه عدم الإعادة لفواتِ وقته ومنع تقصير الناسي ولرفع الحكم عنه، وإن كان ما ذكره أولى.

ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا قطعاً.

(وكلَّما قُصِرت الصلاةُ قُصر الصومُ ) للرواية(2)، وفرْقُ بعض الأصحاب بينهما في بعض الموارد(3) ضعيف، إلّا أنّه يُشترط) في قصر الصومِ (الخروج قبل الزوال) بحيث يتجاوز الحدين قبله، وإلا أَتَمَّ وإنْ قَصَّر الصلاة على أصح الأقوال(4)، لدلالة النص الصحيح عليه(5)، ولا اعتبار بتبييت نية السفر ليلاً.

[المسألة] :(السادسة: الشيخان) ذكراً و أنثى (إذا عجزا ) عن الصوم أصلاً أو مع مشقة شديدة (فَدَيا) عن كلّ يوم (بمد ولا قضاء) عليهما التعذره. وهذا مبنى على الغالب من أنّ عجزهما عنه لا يُرجى زواله ؛ لأنهما في نقصان، وإلا فلو فرض قدرتهما على القضاء وجب.

وهل يجب حينئذٍ الفدية معه؟ قطع به في الدروس(6). والأقوى أنهما إن عجزا عن الصوم أصلاً فلا فدية ولا قضاء، وإن أطاقاء بمشقة شديدة لا يُتَحمَّل مثلها عادةً فعليهما الفدية، ثمّ إن قَدَرا على القضاء وجب، والأجود حينئذٍ ما اختاره في الدروس من وجوبها معه ؛ لأنّها وجبت بالإفطار أوّلاً بالنص الصحيح (7)والقضاء وجب بتجدد القدرة،

ص: 287


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 169، ح 373.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 328، ح 1021.
3- منهم: قول الشيخ باعتبار تبييت نية السفر من الليل وعدمه راجع النهاية، ص 161 - 162 . وآخر: إذا كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد من يومه أوجب عليه الصوم تخييره في قصر الصلاة راجع النهاية. ص 122 ؛ والمبسوط، ج 1، ص 384 - 385.
4- راجع لتفصيل الأقوال مختلف الشيعة، ج 3، ص 330 و 334، المسألة 75 و 77.
5- تهذيب الأحكام، ج 4. ص 229، ح 672 .
6- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 237، ح 694.

والأصل بقاء الفدية لإمكان الجمع، ولجواز أن تكون عوضاً عن الإفطار لا بدلاً عن القضاء.

(وذو العُطاش) بضم أوّله، وهو داء لا يروى صاحبه ولا يَتَمَكَّن من ترك شرب الماء طول النهار (المأيوس من برئه كذلك ) يسقط عنه القضاءُ ويجب عليه الفدية عن كلّ يوم بمُد، ولو بَرِيَّ قَضَى) وإنما ذكره هنا لإمكانه حيث إن المرض ممّا يمكن زواله عادةً بخلاف الهرم.

وهل يجب مع القضاء الفدية الماضية؟ الأقوى ذلك، بتقريب ما تقدّم وبه قطع في الدروس(1)، ويُحتمل أن يريد هنا القضاء من غير فدية كما هو مذهب المرتضى(2). واحترز ب- «المأيوس من بَرْئِه» عمّن يمكن برُؤُه عادةً، فإنّه يُفطِر ويجب القضاء حيث يمكن كالمريض من غير فدية والأقوى أنّ حكمه كالشيخين يَسقُطان عنه مع العجز رأساً، وتجب الفدية مع المشقة.

[المسألة] :(السابعة: الحاملُ المُقْربُ والمُرضِعةُ القليلة اللبن) إذا خافتا على الولد ( يُفطِران ويَفْدِيان(3) ) بما تقدم، وتقضيان مع زوال العذر، وإنما لم يذكر القضاء مع القطع بوجوبه لظهوره، حيث إنّ عذرهما آئل إلى الزوال فلاتزيدان عن المريض.

وفي بعض النسخ «وتُعيدان» بدل« وتفديان»، وفيه تصريح بالقضاء وإخلال بالفدية، وعكسه أوضح ؛ لأنّ الفدية لاتستفاد من استنباط اللفظ، بخلاف القضاء. ولو كان خوفهما على أنفسهما فكالمريض تُفطِران وتقضيان من غير فدية، وكذا كلُّ مَن خاف على نفسه ولا فرق في ذلك بين الخوف لجوع وعطش، ولا في المرتضع بين كونه ولداً من النسب والرضاع، ولا بين المستأجرة والمتبرعة. نعم لو قام غيرُها مقامها متبرعاً أو آخذاً مثلها أو أنقص امتنع الإفطار والفدية من مالهما وإن كان لهما زوج والولد له. والحكم بإفطارهما خبرٌ معناه الأمر، لدفعه الضرر.

ص: 288


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- جمل العلم والعمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 56 .
3- في«س»: «يفطران ويفديان بما تقدم ويقضيان ولعلّ تذكير الأفعال باعتبار لفظ«الحامل».

(ولا يجب صومُ النافلة بشروعه فيه) لأصالة عدم الوجوب، والنهي عن قطع العمل (1)مخصوص ببعض الواجب.(نعم يُكرَه نقضه بعد الزوال) للرواية المُصَرِّحةِ بوجوبه (2) حينئذٍ المحمولة على تأكد الاستحباب لقصورها عن الإيجاب سنداً وإنْ صرَّحت به متناً، (إلّا لِمَن يُدْعَى إلى طعام ) فلا يُكرَه له قطعه مطلقاً، بل يُكره المُضي عليه، وروي أنّه أفضل من الصيام بسبعين ضعفاً(3).

ولا فرق بين من هَيَّاً له طعاماً ،وغيره، ولا بين من يَشُق عليه المخالفه وغيره ؛ نعم يُشترط كونه مؤمناً. والحكمة ليست من حيث الأكل، بل إجابة دعاء المؤمن وعدم ردّ قوله. وإنّما يتحقق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك ونحوه لا بمجرده ؛ لأنه عبادة يتوقف ثوابها على النيَّة.

[المسألة) (الثامنة: يجب تتابع الصوم) الواجب (إلّا أربعةُ : النذر المطلق) حيث لا يضيق وقته بظنّ الوفاة أو طُروءِ العذر المانع من الصوم، (وما في معناه ) من العهد واليمين؛ (وقضاء) الصوم (الواجب) مطلقاً كرمضانَ والنذر المعيّن، وإن كان الأصل متتابعاً كما يقتضيه إطلاق العبارة وهو قول قوي(4)، واستقرب في الدروس وجوب متابعته(5) كالأصل؛ (وجزاء الصيد) وإن كان بدل النعامة على الأشهر؛ (والسبعةَ في بدل الهدي) على الأقوى، وقيل: يُشترط فيها المتابعة كالثلاثة(6) وبه رواية حسنة(7) .

(وكلَّما أخلَّ بالمتابعة) حيث تجب (لعذر) كحيض ومرض وسفر ضروري (بنى)

ص: 289


1- محمد (47): 33
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 281، ح 850.
3- الكافي، ج 4، ص 151، باب إفطار الرجل عند أخيه .... ح 6.
4- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 362؛ أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 186 .
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 211 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 373، المسألة 102
7- تهذيب الأحكام، ج 4 ص 315 ح 957

عند زواله، إلا أن يكون الصومُ ثلاثةً فيجب استئنافها مطلقاً، كصوم كفارة اليمين، وكفارة قضاء رمضان، وثلاثة الاعتكاف، وثلاثة المتعة حيث لا يكون الفاصل العيد بعد اليومين.

(ولا له) أي لا لعذر (يَستَأنف إلا في ) ثلاثة مواضع (الشهرين المتتابعين) كفّارةً ونذراً وما في معناه (بعد) صوم (شهرٍ ويوم من الثاني(1) ، وفي الشهر) الواجب متتابعاً بنذرٍ أو كفارة على عبد بظهارٍ أو قتل خطأ (بعد) صوم (خمسة عشر يوماً، وفي ثلاثة المتعة ) الواجبة في الحج بدلاً عن الدم (بعد) صوم

(يومين ثالثهما العيد) سواءٌ علم ابتداءً بوقوعه بعدهما أم لا، فإنّ التتابع يسقط في باقي الأولين مطلقاً، وفي الثالث إلى انقضاء أيام التشريق.

[المسألة] :(التاسعة: لا يَفسُد الصيامُ بمَصٌ الخاتم ) وشبهه، أمّا مصُّ النّواة فمكروه، (و زَقّ الطائر، ومَضْغ الطعام) وذوقِ المَرَق وكلّ ما لا يَتَعَدّى إلى الحلق.

(ويُكرَه مباشَرَةُ النساء ) بغير الجماع، إلا لمن لا يُحرك ذلك شهوته، (والاكتحال بما فيه مِسْكُ) أو صبر (وإخراج الدم المُضْعِفُ، ودخولُ الحمّام) المُضْعِفُ (وشَمُّ الرياحين وخصوصاً النرجس) - بفتح النون فسكون الراء فكسر الجيم - ولا يكره الطِيبُ، بل رُوِيَ استحبابه للصائم وأنّه تُحَفَتُه(2) .

( والاحتقانُ بالجامد) في المشهور ، وقيل : يحرُم ويجب به القضاء(3)، (وجلوس المرأة والخنثى في الماء)، وقيل: يجب القضاء عليهما به(4)، وهو نادر؛ (والظاهرُ أنّ الخَصِيَّ الممسوح(5) كذلك) لمساواته لهما في قُرب المَنْفَذ إلى الجوف.

(وبل الثوب على الجسد) دون بلّ الجسدِ بالماء وجلوس الرجُل فيه وإن كان

ص: 290


1- ولو أصبح جنباً أمسك وصام بدله فيكون المجزئ هنا شهراً ويومين. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 4. ص 265، ح 799
3- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 281 - 282 ، المسألة 31
4- قال به أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 183 ؛ وسلار في المراسم، ص 96.
5- مطوع الذكر( زين رحمه الله )

أقوى تبريداً (والهَذَرُ) وهو الكلام بغير فائدة دينيَّة، وكذا استماعه، بل ينبغي أن يَصمَّ سمعه وبصره وجوارحه بصومه إلا بطاعة الله تعالى من تلاوة القرآن أو ذكر أو دعاء.

[المسألة]( العاشرة : يُستحَبّ من الصوم) على الخصوص (أوّلُ خميس من الشهر وآخِرُ خميس منه، وأوّلُ أربعاء من العشر الأوسط) فالمواظبة عليها تعدِل صوم الدهر وتذهب بوَحَر الصدر(1) وهو وَسوَستُه ويَختَصُّ باستحباب قضائها لمن فاتته، فإن قضاها في مثلها أحرَزَ فضيلتهما.

(وأيّام البيض) بحذف الموصوف، أي أيّام الليالي البيض وهي الثالث عشر، والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر، سُمِّيت بذلك لبياض لياليها جُمَعَ بضوء القمر. هذا بحسَب اللغة، ورُوِيَ عن النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ): أنّ آدم لما أصابته الخطيئةُ اسْوَدّ لونه فالهم صومُ هذه الأيام فابْيَضَّ بكل يوم ثلثه فسُمِّيت بيضاً لذلك»(2)، وعلى هذا فالكلام جارٍ على ظاهره من غير حذف.

(ومولد النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو سابع عشر شهر ربيع الأول على المشهور ومبعثه، ويومُ

( الغديرِ والدَحْوِ) للأرض أي بشطها من تحت الكعبة وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة؛ وعرفةَ لمن لا يُضْعِفه عن الدعاء) الذي هو عازم عليه في ذلك اليوم ذلك اليوم كمّيّة وكيفيّةً. ويستفاد منه أنّ الدعاء ذلك اليوم أفضل من الصوم (مع تحقق الهلال) فلو حصل في أوّله التباس لغَيمِ أو غيره كُرِهَ صومُه لئلايقع في صوم العيد.

(والمباهلة والخميس والجمعة) في كلّ أسبوع، (وستة أيام بعد عيد الفطر) بغير فصل متواليةً، فمن صامها مع شهر رمضانَ عَدلت صيام السنة، وفي الخبر أنّ المواظبة عليها تعدل صوم الدهر(3)، وعُلِّل في بعض الأخبار بأنّ الصدقة بعشر أمثالها(4)، فيكون

ص: 291


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 302 ، ح 913
2- راجع علل الشرائع، ج 2، ص 80 الباب 111، ح1
3- السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 483، ح 8431.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 547. ح 1715.

رمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين وذلك تمام السنة فدوام فعلها كذلك يَعدِل دهر الصائم. والتعليل وإن اقتضى عدم الفرق بين فِعْلها متواليةً ومتفرّقةً بعده بغير فصل ومتأخّرةً، إلّا أنّ في بعض الأخبار اعتبار القيد(1)، فيكون فضيلةً زائدةً على القدر، وهو إما تخفيف للتمرين السابق أو عود إلى العبادة للرغبة ودفع احتمال السأم (وأوّلُ ذي الحجة) وهو مولد إبراهيم الخليل وباقي العشر غير المستثنى ؛ (ورجب كله وشعبان كلّه).

[المسألة] (الحادية عشر: يُستحبّ الإمساك ) بالنية ؛ لأنه عبادة (في المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول) وإن كان قبل الزوال (أو بعد الزوال) وإن كان قبل التناول. ويجوز للمسافر التناولُ قبل بلوغ محلّ الترخص، وإنْ عَلِم بوصوله قبله، فيكون إيجابُ الصوم منوطاً باختياره، كما يتخيّر بين نيّةِ المُقام المُسَوِّعَةِ للصوم وعدمها.

(و) كذا يُستحب الإمساك لكلّ (مَن سَلَف من ذوي الأعذار التي تزول في أثناء النهار) مطلقاً كذاتِ الدم والصبي والمجنون والمغمى عليه والكافرِ يُسلم.

[المسألة]( الثانيةَ عشْرَةَ : لا يصوم الضيفُ بدون إذن مُضيفه) وإنْ جاء نهاراً ما لم تزل الشمس مع احتماله مطلقاً عملاً بإطلاق النص(2)، (وقيل بالعكس)(3) وهو مروي(4) أيضاً، لكن قلَّ مَن ذَكَره: (ولا المرأةُ(5) والعبد) بل مطلق المملوك (بدون إذن

ص: 292


1- تقدّم تخريجه في ص 291 ، الهامش 2.
2- الفقيه، ج 2، ص 154 - 155، ح 2015.
3- قال به العلّامة في منتهى المطلب ج 9، ص 387
4- تقدّم في الهامش 2
5- إذا نذرت الزوجة ثمّ طلّقها الزوج ولم يحلّه، ثم تزوجها لم يكن له حله بعد ذلك؛ للزومه بزوال المانع. (زين رحمه الله )

الزوج والمالك، ولا الولد) وإن نزل (بدون إذن الوالد ) وإن علا، ويُحتمل اختصاصه بالأدنى؛ فإن صام أحدهم بدون إذن كُرِهَ ( والأولى عدم انعقاده مع النهي ) لما رُوِيَ من أنّ الضيف يكون جاهلاً والولد عاقاً والزوجة عاصيةً والعبد آبقاً(1).

وجعله أولى يُؤذن بانعقاده، وفي الدروس استقرب اشتراط إذن الوالد والزوج والمولى في صحته (2). والأقوى الكراهة بدون الإذن مطلقاً في غير الزوجة والمملوك، استضعافاً لمستنَدِ الشرطية ومأخذ التحريم أمّا فيهما ، فيُشترط الإذن فلا ينعقد بدونه. ولا فرق بين كون الزوج والمولى حاضرين و غائبين، ولا بين أن يُضعفه عن حق مولاه وعدمه.

[المسألة] (الثالثة عشرة: يحرم صوم العيدين) مطلقاً (وأيام التشريق) وهي الثلاثة بعد العيد (لمن كان بمِنَى)ناسكاً أو غير ناسك (وقيَّده بعضُ الأصحاب) وهو العلّامة (رحمه الله) (بالناسك) بحج أو عمرة(3)، والنص مطلق(4)، فتقييده يحتاج إلى دليل. ولا يحرم صومُها على من ليس بمنى إجماعاً وإنْ أُطلق تحريمها في بعض العبارات كالمصنف في الدروس(5) فهو مرادُ مَن قَيَّدَ، وربما لحَظَ المُطْلِقُ أَنّ جمعَها كافٍ عن تقييد كونها بمنى؛ لأنّ أقل الجمع ثلاثة وأيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى، فإنّها في غيرها يومان لا غير وهو لطيف.

(وصوم يوم الشكّ) وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تَحَدَّث الناسُ برؤية الهلال أو شهد به من لا يثبت بقوله: (بنية الفرض) المعهود وهو رمضان وإن ظهر كونه منه للنهي (6)؛

ص: 293


1- الفقيه، ج 2، ص 155 ، ح 2016.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 383
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 297، ح 897.
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 198(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 183، ح 509.

أما لو نواه واجباً عن غيره كالقضاء والنذر - لم يحرُم وأما بنية النفل، فمستحبّ عندنا وإنْ لم يَصُمْ قبله؛ (ولو صامه بنيّة النفل أجزأ إن ظهر كونه من رمضانَ)، وكذا كلُّ واجب معيّن فَعَل بنية الندب مع عدم علمه، وفاقاً للمصنف في الدروس(1) .

( ولو ردَّدَ) نيته يومَ الشكّ بل يوم الثلاثين مطلقاً بين الوجوب إن كان من رمضان والندب إن لم يكن (فقولان(2)أقربهما الإجزاء). الحصول النية المطابقة للواقع، وضميمة الآخر غيرُ قادحةٍ ؛ لأنها غيرُ منافية ؛ ولأنه لو جزم بالندب أجزاً عن رمضان إجماعاً، فالضميمة المتردَّدُ فيها أدخل في المطلوب.

ووجه العدم اشتراط الجزم في النية حيث يمكن، وهو هنا كذلك بنية الندب، ومنعُ كون نية الوجوب أدخل على تقدير الجهل، ومِن ثَمَّ لم يُجْزِ لو جَزَم بالوجوب فظهر مطابقاً.

ويُشكل بأنّ التردُّد ليس فى النية : للجزم بها على التقديرين وإنما هو في الوجه وهو على تقدير اعتباره أمرُ آخَر ؛ ولأنه مجزوم به على كلّ واحد من التقديرين اللازمين على وجه منع الخلو؛ والفرق بين الجزمِ بالوجوب والترديد فيه النهي (3)عن الأوّل شرعاً المقتضي للفساد بخلاف الثاني.

( ويحرم نذرُ المعصية) بجعل الجزاء شكراً على ترك الواجب أو فعل المحرم، وزجراً على العكس،

(وصومه) الذي هو الجزاء، لفسادِ الغاية وعدم التقرُّب به (و) صومُ (الصَمْتِ) بأن يَنوِيَ الصوم ساكتاً فإنّه محرَّم في شرعنا، لا الصوم ساكتاً بدون جغله وصفاً للصوم بالنية، (والوصال) بأن ينوي صوم يومين فصاعداً لا يفصل بينهما بفَطْرٍ،

ص: 294


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 183(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- ذهب إلى الإجزاء الشيخ في الخلاف، ج 2، ص 179، المسألة 21؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 140؛ وعدم الإجزاء قول الشيخ في النهاية، ص 151 ؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 384
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 164 ، ح 463.

أو صوم يومٍ إلى وقتٍ مُتَراخِ عن الغروب، ومنه أن يَجعَل عَشَاءَه سَحورَه بالنية، لا إذا أخر الإفطار بغيرها أو تركه ليلاً، (وصومُ الواجب سفراً) على وجه موجب للقصر.( سوى ما مرّ) من المنذور المقيَّد به وثلاثةِ الهدي وبدل البدنة وجزاء الصيد على القول.

وفهم من تقييده بالواجب جواز المندوب، وهو الذي اختاره في غيره على كراهية(1) ، و به روايتان(2) يمكن إثبات السنّة بهما ، وقيل : يحرُم(3) ؛ لإطلاق النهي في غيرهما(4)، ومع ذلك يُستثنى ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة المشرفة، قيل: والمشاهده (5).

[المسألة]( الرابعة عشَرَةَ يُعَذِّر من أفطر في شهر رمضان عامداً عالماً) بالتحريم (لا) إن أفطر (لعذر) كسلامةٍ من غَرَق وإنقاذ غريق وللتقيّة قبل الغروب، وآخِرَ رمضان وأوله مع الاقتصار على ما يَتَأَدَّى به الضرورة، ولو زاد فكمن لا عذر له؛ (فإن عاد ) إلى الإفطار ثانياً بالقيدين (عُزّر ) أيضاً، فإن عاد إليه ثالثاً بهما (قتل).

ونَسَب في الدروس قتله في الثالثة إلى مقطوعة سماعة(6)، وقيل: يُقتل في الرابعة (7)وهو أحوط وإنّما يُقتل فيهما مع تخلّل التعزير مرتين أو ثلاثاً لا بدونه.

(ولو كان مُستَحِلّاً) للإفطار، أي معتقداً كونه حلالاً، ويتحقق بالإقرار به (قُتِل(8)) بأوّل مرة (إن كان وُلد على الفطرة الإسلامية بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه ،

ص: 295


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 236، ح 692 و 693.
3- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 199 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 393.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 216، ح 627.
5- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 350.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 191 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 ) ؛تهذيب الأحكام، ج 4، ص 207 ،ح 598
7- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 188 .
8- من غير أن يستتاب. ولو نشأ في برية ولم يعرف قواعد الإسلام، ولا ما يوجب الإفطار عرف، وعومل بعد ذلك بما يعامل به المولود على الفطرة. تذكرة الفقهاء [ج 6 ، ص 87، المسألة 49] (زين رحمه الله )

(واستُتِيبَ إن كان عن غيرها) فإن تاب وإلا قُتِل. هذا إذا كان ذكراً، أمّا الأُنثى، فلا تقتل مطلقاً، بل تُحبَس وتُضرب أوقات الصلوات إلى أن تتوبَ أو تموت.

وإِنَّما يُكَفِّر مستحِلُّ الإفطار بمُجْمَعٍ على إفساده الصوم بين المسلمين بحيث صار ضرورياً كالجماع والأكل والشرب المعتادين، أما غيره، فلا على الأشهر. وفيه لو ادَّعَى الشبهة الممكنة في حقه قبل منه ومن هنا يُعلم أنّ إطلاقه الحكم ليس بجيد.

[المسألة] (الخامسة عشرة: البلوغ الذي يجب معه العبادة الاحتلام ) وهو خروج المني مِن قبله مطلقاً في الذكر والأنثى، ومن فرجَيْه في الخنثى (أو الإنباتُ) للشعر الخشن على العانة مطلقاً، (أو بلوغ) أي إكمال (خمس عشرة سنةً) هِلالية (في الذكر (1)) والخنثى، (و) إكمالُ (تسع في الأنثى)على المشهور. (وقال) الشيخ (في المبسوط وتبعه ابن حمزة : بلوغها) أي المرأة (بعشر(2)، قال ابن إدريس : الإجماع) واقع (على التسع)(3) ولا يُعْتَدُّ بخلافهما ؛ لشذوذه والعلم بنسبهما، وتقدمه عليهما وتأخره عنهما. وأما الحيضُ والحمل للمرأة، فدليلان على سبقه. وفي إلحاق اخضرار الشارب ونباتِ اللحية بالعانة قول قوي(4).

ويُعلم السن بالبينة والشياع لا بدعواه، والإنباتُ بهما وبالاختبار، فإنّه جائز مع الاضطرار إن جعلنا محلّه من العورة، أو بدونه على المشهور والاحتلام بهما وبقوله وفي قبول قول الأبوين أو الأب في السن وجه.

ص: 296


1- ولا يكفي الطعن في الخامسة عشر أو التاسعة. وهذا هو مرادهم ببلوغها. وفي بعض الأخبار: «إكمال خمسة عشر» [والخبر: «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه وأخذت منه الحدود». ذكره الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 283، ذيل المسألة 2: وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 251؛ وراجع أيضاً السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 93، ذيل الحديث 11306؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 557 - 558، المسألة 3471. وهو الأحسن( زين رحمه الله )
2- المبسوط ، ج 1، ص 365 الوسيلة، ص 137
3- السرائر، ج 1 ، ص 367.
4- راجع المبسوط، ج 2، ص 251؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 535 الرقم 3860.

الاعتكاف

( ويُلحق بذلك الاعتكافُ(1) )، وإنّما جَعَله من لواحقه ؛ لاشتراطه به واستحبابه مؤكّداً في شهر رمضان ؛ وقلّة مباحثه في هذا المختصر عمّا يليق بالكتاب المُفرد.

(وهو مستحبّ) استحباباً مؤكداً (خصوصاً في العشر الأواخر من شهر رمضان(2)) تأسياً بالنبي(3)(صلى الله عليه وسلم) " فقد كان يُواظب عليه فيها، تُضرب له قبةٌ بالمسجد من شَعْر ويُطوَى ،فراشه وفاته عام بدرِ بسببها فقضاها في القابل فكان يقول : «إنّ اعتكافَها يَعدِل حِجَّتَين وعمرتين»(4).

( ويُشترط) في صحته (الصوم) وإن لم يكن لأجله (فلا يصح إلا من مكلّف يصح منه الصوم في زمان يصح صومه ) واشتراط التكليف فيه مبني على أنّ عبادة الصبي تمريناً ليست صحيحةً ولا شرعيّةً، وقد تقدَّم ما يدلّ على صحة صومه، وفي الدروس صرَّح بشرعيّته(5) ، فلْيَكُن الاعتكافُ كذلك، أمّا فِعْلُه من المميز تمريناً، فلا شبهة في صحته كغيره. (وأقله ثلاثة أيام) بينها ليلتان، فمحلُّ نيته قبل طلوع الفجر. وقيل: يُعتبَر الليالي(6)، فيكون قبل الغروب أو بعده على ما تقدّم.

ص: 297


1- لو نذر أن يعتكف هذا رجب متتابعاً وأفطر في الأثناء فإنه يتم ويكفّر ويستأنف شهراً غيره (زين رحمه الله)
2- لطلب ليلة القدر. (زين رحمه الله )
3- الفقيه، ج 2، ص 184، ح 2089
4- الفقيه، ج 2، ص 188، ح 2103.
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 183 - 184 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 447، المسألة 166.

(والمسجد الجامع) وهو ما يجتمع فيه أهل البلد وإنْ لم يكن أعظم، لا نحوُ مسجدِ القبيلة.

(والحصرُ في الأربعة): الحرمين وجامع الكوفة والبصرة(1) أو المدائن بدله(2)، (أو الخمسة) المذكورة (3)؛ بناءً على اشتراط صلاة نبي أو إمامٍ فيه (ضعيف) ؛ لعدم ما يدلّ على الحصر وإنْ ذهب إليه الأكثرُ .

(والإقامةُ بمُعْتَكَفِه، فيبطل ) الاعتكاف (بخروجه ) منه وإنْ قَصُر الوقتُ (إلّا) لضرورة كتحصيل مأكول ومشروب، وفعل الأوّل في غيره لمن عليه فيه غضاضة، وقضاء حاجة واغتسال واجب لا يمكن فعله فيه، ونحو ذلك مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد. ولا يَتَقَدَّر معها بقدر إلا زوالها، نعم لو خرج عن كونه معتكفاً بَطَل مطلقاً، وكذا لو خرج ناسياً فطال وإلّا رجع حيث ذكر فإن أخَّر بطل.

(أو طاعةٍ كعِيادة مريض) مطلقاً، ويلبث عنده بحسب العادة لا أزيد ؛ (أو شهادة) تحمُّلاً وإقامةً إن لم يمكن بدون الخروج، سواء تعيَّنت عليه أم لا أو تشييع (مؤمن) وهو توديعه إذا أراد سفراً إلى ما يُعتاد عرفاً، وقيَّده ب-«المؤمن» تبعاً للنص(4)، بخلاف المريض لإطلاقه (5).

(ثم لا يجلس لو خرج، ولا يمشي تحت ظل اختياراً) قيد فيهما أو في الأخير ؛ لأنّ الاضطرار فيه أظهر بأن لا يجد طريقاً إلى مطلبه إلا تحت ظل. ولو وجد طريقين إحداهما لا ظلَّ فيها سَلَكَها وإنْ بَعُدت ولو وجد فيهما قدَّمَ أقلهما ظلّاً، ولو اتفقا قدراً فالأقرب. والموجود في النصوص هو الجلوس تحت الظلال(6)، أما المشي فلا، وهو

ص: 298


1- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 393؛ وسلار في المراسم ص 99؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه. ص 186.
2- نقله عن علي بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 439، المسألة 161.
3- قال به الشيخ الصدوق في المقنع، ص 209.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 288، ح 871 .6
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 288، ح 871 .6
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 287 - 288 ، ح 870.

الأقوى وإن كان ما ذكره أحوط. فعلى ما اخترناه لو تَعارَضَ المشي في الظلّ بطريق قصير وفي غيره بطويل قدم القصير، وأولى منه لو كان القصيرُ أطولهما ظلّاً.

(ولا يصلي إلا بمعتكفه ) فيرجع الخارج لضرورة إليه وإن كان في مسجدٍ آخَرَ أفضل منه، إلا مع الضرورة - كضيق الوقت - فيصليها حيث أمكن، مقدماً للمسجد مع الإمكان، ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره إقامة الجمعة فيه دونه فيخرج إليها. وبدون الضرورة لا تصح الصلاة أيضاً؛ للنهي(1) (إلّا في مكَّةَ) فيصلي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء، ولا يختص بالمسجد.

(ويجب ) الاعتكاف (بالنذرِ وشبهه ) من عهد ويمين، ونيابة عن الأب إن وجبت، واستئجار عليه. ويُشترط في النذر وأخويه إطلاقه فيُحمل على ثلاثة، أو تقييده بثلاثة فصاعداً، أو بما لا ينافي الثلاثة كنذر يوم لا أزيد، وأمّا الأخيران، فبحسب الملزم فإن قصر عنها اشتُرِطَ إكمالها في صحته ولو عن نفسه (وبمضي يومين) ولو مندوبين فيجب الثالثُ (على الأشهر)؛ لدَلالة الأخبار عليه(2) . (وفي المبسوط : يجب بالشروع )مطلقاً(3). وعلى الأشهر يتَعَدَّى إلى كلّ ثالث على الأقوى كالسادس والتاسع لو اعتكف خمسة وثمانية.

وقيل: يَختصّ بالأوّل خاصةً(4)، وقيل: في المندوب دون ما لو نذر خمسة فلايجب السادس(5)، ومال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته؛ والفرق أنّ اليومين في المندوب منفصلان عن الثالث شرعاً، ولمّا كان أقله ثلاثةً كان الثالث هو المتمم للمشروع، بخلاف الواجب، فإنّ الخمسة فعل واحد واجب متصل شرعاً. وإنّما نَسَب الحكم إلى

ص: 299


1- تهذيب الأحكام، ج 4 ص 293. ح 892
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 288 - 289 ، ح 872 و 879
3- المبسوط، ج 1، ص 394
4- حكاه في مسالك الأفهام، ج 2، ص 96 عن الشهيد الأول عن شيخه عميد الدين.
5- نسبه الفاضل المقداد إلى ظاهر الشريف المرتضى ومال إليه في التنقيح الرائع، ج 1، ص 404.

الشهرة ؛ لأنّ مستنده من الأخبار غير نقي السند(1)، ومن ثم ذهب جمع إلى عدم وجوب النفل مطلقاً(2) .

(ويُستحبّ) للمعتكف (الاشتراط) في ابتدائه للرجوع فيه عند العارض (كالمُحرِم) فيرجع عنده وإنْ مَضَى يومان. وقيل: يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً فيرجع متى شاء وإن لم يكن لعارض(3)، واختاره في الدروس(4) والأجود الأوّل، وظاهر العبارة يُرشد إليه ؛ لأنّ المحرم يختص شرطه بالعارض، إلا أن يُجعَل التشبيه في أصل الاشتراط. ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره، لكن محله في الواجب وقتُ النذر وأخويه لا وقتُ الشروع، وفائدة الشرط في المندوب سقوط الثالث لو عَرَض بعد وجوبه ما يُجَوِّز الرجوع، وإبطال الواجب مطلقاً.

(فإن شَرَط وخَرَج فلا قضاء ) فى المندوب مطلقاً، وكذا الواجب المعين، أما المطلق فقيل: هو كذلك (5)، وهو ظاهر الكتاب، وتوقف في الدروس(6)، وقطع المحقق بالقضاء (7)وهو أجود. ولو لم يُشترط ومضى يومان في المندوب (أَتَمَّ) الثالث وجوباً، وكذا إذا أَتَمَّ الخامس وجب السادس، وهكذا كما مرّ.

(ويحرم عليه نهاراً ما يحرم على الصائم ) حيث يكون الاعتكاف واجباً، وإلا فلا وإن فسد في بعضها : (وليلاً ونهاراً الجِماعُ )قُبُلاً ودُبُراً ، (وشم الطَّيب) والرّياحِين على الأقوى؛ لورودها معه في الخبر(8)، وهو مختاره في

ص: 300


1- تقدم تخريجه في ص 299، الهامش 2، وهو وقوع ابن فضال في طريقهما.
2- منهم: السيد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 300 ، المسألة 135؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 422 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 444 - 445، المسألة 163.
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 388
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 216 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 462، المسألة 190.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 216 - 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج9)
7- المعتبر، ج 2، ص 740
8- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 288 ، ح 872

الدروس(1)؛و( والاستمتاع بالنساء) لَمْساً وتقبيلاً وغيرهما، ولكن لا يفسد به الاعتكاف على الأقوى بخلاف الجماع.

( ويُفسده ما يُفسد الصوم) من حيثُ فوات الصوم الذي هو شرط الاعتكاف .

(ويُكفِّر (2)) للاعتكاف زيادةً على ما يجب للصوم إن أفسد الثالث) مطلقاً (أو كان واجباً ) وإنْ لم يكن ثالثاً.

( ويجب بالجماع في الواجب (3) نهاراً كفّارتان إن كان في شهر رمضان) إحداهما عن الصوم والأخرى عن الاعتكاف (وقيل): تجب الكفارتان بالجماع في الواجب (مطلقاً)،(4) وهو ضعيف. نعم لو كان وجوبه متعيّناً بنذر وشبهه وجب بإفساده كفارة سببه، وهو أمرُ آخَرُ.وفي الدروس الحَق المعيَّنَ برمضان مطلقاً.(5)

(و) في الجماع (ليلاً) كفّارة (واحدة) في رمضان وغيره، إلا أن يتعيَّن بنذر وشبهه فيجب كفّارة بسببه أيضاً لإفساده. ولو كان إفساده بباقي مُفسِدات الصوم غيرِ الجماع وجب نهاراً كفارة واحدة - ولا شيء ليلاً - إلّا أن يكون متعيّناً بنذر وشبهه فيجب كفّارتُه أيضاً. ولو فَعَل غير ذلك من المحرمات على المعتكف كالتطيب والبيع والمماراة ولا كفارة. ولو كان بالخروج في واجب متعيّن بالنذر وشبهه وجبت كفارته، وفي ثالث المندوب الإثم والقضاءُ لا غير، وكذا لو أفسده بغير الجماع.

وكفّارة الاعتكاف ككفّارةِ رمضان في قول(6) ، وكفّارة ظهار في آخرَ (7)، والأوّل

ص: 301


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 215 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- كبيرة مخيّرة إن وجب بنذر أو عهد أو بمضي يومين، وإن وجب باليمين فالظاهر أنها كفارة يمين الدروس الشرعية [ج 1، ص 217، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)
3- تجب الكفارة بالجماع في الواجب مطلقاً، وفي الثالث مطلقاً، وعدم وجود شيء أصلاً في اليومين المندوبين. (زین رحمه الله )
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 425 - 426.
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 218 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- ذهب إليه المفيد في المقنعة ص 363 و 345 ؛ والشيخ في النهاية، ص 154 و 172.
7- ذهب إليه الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 188 ، ح 2104.

أشهر، والثاني أصح رواية (1).

(فإن أكرَة المعتكِفَةً) عليه نهاراً في شهر رمضان مع وجوب الاعتكاف (فأربع) اثنتان عنه واثنتان يَتَحَمَّلُهما عنها على الأقوى بل قال في الدروس: إنّه لا نعلم فيه مخالفاً سوى صاحب المعتبر(2)، وفي المختلف أنّ القول بذلك لم يظهر له مخالف(3). ومثل هذا هو الحجّة وإلا فالأصل يقتضي عدم التحمّل فيما لا نصَّ عليه، وحينئذٍ فيجب عليه ثلاث كفّارات اثنتان عنه للاعتكاف والصوم، وواحدة عنها للصوم؛ ؛ لأنه منصوص التحمّل(4). ولو كان الجماع ليلاً فكفّارتان عليه على القول بالتحمّل (5).

ص: 302


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 291، ح 886
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 218 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9) : المعتبر، ج 2، ص 742.
3- مختلف الشيعة، ج 3، ص 459 المسألة 183.
4- الكافي، ج 4، ص 103، باب من أفطر متعمداً .... ح 9.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 400.

كتاب الحج

اشارة

(وفيه فصول :)

ص: 303

ص: 304

الفصل الأول في شرائطه وأسبابه

اشارة

(يجب الحج على المستطيع ) بما سيأتي (من الرجال والنساء والخناثي على الفور) بإجماع الفرقة المُحِقَّة، وتأخيره كبيرةٌ مُويقةٌ. والمراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أوّل عام الاستطاعة مع الإمكان وإلّا ففيما يليه، وهكذا.

ولو تَوَقَّف على مقدمات من سفرٍ وغيره وجب الفورُ بها على وجه يُدركه كذلك. ولو تعددت الرفقة في العام الواحد وجب السير مع أولاها، فإن أخر عنها وأدركه مع التالية، وإلا كان كمُؤَخَّره عمداً في استقراره.

(مرّةً) واحدة (بأصل الشرع، وقد يجب بالنذر وشبهه) من العهد واليمين ( والاستئجارِ والإفسادِ) فيَتَعدَّد بحسب وجود السبب.

(ويُستحبّ تَكرارُه) لمن أداه واجباً (ولفاقد الشرائط) متكلّفاً، (ولا يجزئ) ما فعله مع فقد الشرائط عن حجّة الإسلام بعد حصولها،( كالفقير) يحج ثم يستطيع (والعبد) يَحُجّ بإذن(مولاه) ثمّ يُعتق ويستطيع؛ فيجب الحج ثانياً.

(وشرط وجوبه البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة) بما يناسبه قوةً وضعفاً لا شَرَفاً وضِعَةً، فيما يفتقر إلى قطع المسافة وإن سهل المشي وكان معتاداً له أو للسؤال. ويُستَثنَى له من جملة مالِه داره وثيابه وخادمه ودابته وكتب عليه اللائقة ،بحاله، كماً وكيفاً، عيناً أو قيمةً.

(والتمكن من المسير) بالصحة وتخلية الطريق وسعة الوقت.

ص: 305

(وشرط صحته الإسلام )فلا يصح من الكافر وإن وجب عليه (وشرطُ مباشرته مع الإسلام) وما في حكمه (التمييز) فيُباشِرُ أفعاله المميز بإذن الولي.

(ويُحرم الوليُّ عن غير المميز )إن أراد الحج به (ندباً) طفلاً كان أم مجنوناً. مُحرِماً كان الوليّ أم مُحِلّاً ؛ لأنه يجعلهما مُحرِمين بفعله لا نائباً عنهما، فيقول: «اللهم إنِّي أَحرَمتُ بهذا...» إلى آخر النية. ويكون المُوَلَّى عليه حاضراً مواجهاً له ويأمره بالتلبية إن أحَسَنَها وإلا لَبَّى عنه ويُلبسه ثوبي الإحرام ويُجَنِّبه تروكه، وإذا طاف به أوقَعَ به صورةَ الوضوء، وحَمَله ولو على المشي أو ساق به أو قاد به أو استناب فيه، ويصلّي عنه رَكَعَتَيْه إن نقص سنه عن ست، ولو أمره بصورة الصلاة فحسن. وكذا القول في سائر الأفعال، فإذا فَعَل به ذلك فله أجرُ حجّةٍ.

(وشرط صحته من العبد إذن المولى) وإنْ تَشَبَّت بالحرّية كالمُدَبَّر والمُبَعض، فلو فعله بدون إذنه لغا. ولو أذِنَ له فله الرجوع قبل التلبس لا بعده.

(وشرط صحة الندب من المرأة إذنُ الزوج ) أمّا الواجب فلا. ويظهر من إطلاقه أنّ الولد لا يتوقف حجه مندوباً على إذن الأب أو الأبوين، وهو قول الشيخ (رحمه الله )(1)ومال إليه المصنف في الدروس(2) وهو حسن إن لم يستلزم السفر المشتمل على الخطر وإلا فاشتراط إذنهما أحسنُ.

(ولو أعتق العبد) المتلبس بالحجّ بإذن المولى (أو بلغ الصبيُّ أو أفاق المجنونُ) بعد تلبسهما به صحيحاً (قبل أحد الموقفين صح (3) وأجزاً عن حجة الإسلام) على المشهور، ويجدّدان نية الوجوب بعد ذلك أمّا العبد المكلّفُ فبتلبسه به يَنوِي الوجوب

ص: 306


1- الخلاف، ج 2، ص 432 المسألة 227
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 242 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- بشرط الاستطاعة من البلد، وتجدّد نية حجة الإسلام. ولو لم يعلم العبد بالعتق صح حجه، ويشترط فيه الاستطاعة من موضعه (زین رحمه الله )

بباقي أفعاله ؛ فالإجزاء فيه أوضح.

ويُشترط استطاعتهم له سابقاً ولاحقاً ؛ لأنّ الكمال الحاصل أحد الشرائط ؛ فالإجزاء من جهته. ويُشكل ذلك في العبد إن أحَلْنا مِلكه، وربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق أمّا اللاحقة، فيُعتبر قطعاً. (ويكفي البذلُ) للزاد والراحلة (في تحقق الوجوب)على المبذول له (ولا يشترط صيغة خاصة ) للبذل من هبة وغيرها من الأمور اللازمة، بل يكفي مجرّده بأي صيغة اتفقت، سواءٌ وَثِقَ بالباذل أم لا، لإطلاق النصّ (1).

ولزوم تعليق الواجب بالجائز يندفع بأنّ الممتنع منه إنما هو الواجب المطلق لا المشروط، كما لو ذهب المال قبل الإكمال أو منع من السير، ونحوه من الأُمورِ الجائزة المُسقِطة للوجوب الثابتِ إجماعاً. واشترط في الدروس التمليك أو الوثوق به (2). وآخرون التمليك أو وجوب بذله بنذر وشبهه، والإطلاق يدفعه.

نعم يُشترط بذلُ عين الزاد والراحلة، فلو بذل له أثمانهما لم يجب القبولُ ؛ وقوفاً فيما خالَفَ الأصلَ على موضع اليقين. ولا يمنع الدين وعدم المستثنيات الوجوب بالبذل. نعم لو بُذل له ما يُكمِل الاستطاعة اشتُرِط زيادة الجميع عن ذلك، وكذا لو وُهِب مالاً مطلقاً، أمّا لو شُرِط الحج به فكالمبذول فيجب عليه القبول إن كان عين الزاد والراحلة، خلافاً للدروس(3)، ولا يجب لو كان مالاً غيرهما ؛ لأنّ قبول الهبة اكتساب وهو غير واجب له. وبذلك يظهر الفرق بين البذل والهبة فإنّه إباحة يكفي فيها الإيقاع ولا فرق بين بذل الواجب ليَحُجَّ بنفسه أو ليصحبه فيه فيُنفق عليه.

(فلو حج به بعضُ إخوانه أجزأه عن الفرض) لتحقق شرط الوجوب.

(ويُشترط) مع ذلك كلّه (وجودُ ما يَمُون به عياله الواجبي النفقة إلى حين

ص: 307


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3. ح . 4.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 225 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تقدم آنفاً.

رجوعه). والمراد بها هنا ما يَعُمّ الكُسْوَةَ ونحوها حيث يحتاجون إليها، ويُعتبر فيها القصدُ بحسب حالهم.

(وفي) وجوب (استنابة الممنوع) من مباشرته بنفسه (بكبر أو مرض أو عدوّ قولان(1) ، والمروي) صحيحاً (عن علي ذلك)، حيث أمر شيخاً لم يحُجّ ولم يُطِقه مِن كِبَره «أن يُجَهِّزَ رجلاً فيَحُجَّ عنه»(2)، وغيرُه من الأخبار(3).

والقول الآخر عدم الوجوب(4) ؛ لفقد شرطه الذي هو الاستطاعة؛ وهو ممنوع وموضع الخلاف ما إذا عَرَض المانع قبل استقرار الوجوب، وإلا وجبت قولاً واحداً.

وهل يُشترط في وجوب الاستنابة اليأس من البرء أم يجب مطلقاً وإن لم يكن مع عدم اليأس فوريّاً؟ ظاهر الدروس الثاني(5)، وفي الأوّل قوة، فيجب الفورية كالأصل حيث يجب .

تم إن استمر العذر أجزأ (ولو زال العذر) وأمكنه الحج بنفسه (حج ثانياً) وإن كان قد يئس منه، لتحقق الاستطاعة حينئذ، وما وقع نيابةً إنّما وجب للنص(6)، وإلا لم يجب لوقوعه قبل شرط الوجوب.

(ولا يُشترط) في الوجوب بالاستطاعة زيادةً على ما تقدّم (الرجوع إلى كفاية) من صناعةٍ أو حرفةٍ أو بضاعةٍ أو ضيعةٍ ونحوها (على الأقوى) عملاً بعموم النص(7).

ص: 308


1- ذهب إلى وجوب الاستنابة الشيخ في الخلاف، ج 2، ص 248، المسألة 6؛ وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 267 ؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 219
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 14، ح 38.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 14، ح 39 و 40.
4- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 442 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 516: والعلامة في مختلف الشيعة، ج 4 ص 39 المسألة 4
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 227 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- تقدّم استخراجه في الهامش 2 و 3.
7- آل عمران (3):97؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 1 - 4. ح 1 - 4.

وقيل: يُشترط(1) ، وهو المشهور بين المتقدمين لرواية أبي الربيع الشامي(2)؛ وهي لا تدلّ على مطلوبهم وإنّما تدلّ على اعتبار المؤونة ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله كذلك، ولا شبهة فيه.

(و) كذا (لا) يُشترط (في المرأة) مصاحَبةُ (المَحْرَم(3) ) وهو هنا الزوج أو مَن يحرُم نكاحه عليها مؤيَّداً بنسبٍ أو رضاع أو مصاهرة وإن لم يكن مسلماً إن لم يَستَحِلَّ المحارم كالمجوسي.

(ويكفي ظنُّ السلامة) بل عدم الخوف على البُضْعِ أو العِرضِ بتركه وإن لم يحصل الظنّ بها، عملاً بظاهر النص(4)، ووفاقاً للمصنف في الدروس. ومع الحاجة إليه يُشترط في الوجوب عليها سفره معها، ولا يجب عليه إجابتها إليه تبرعاً ولا بأجرة، وله طلبها فتكون جزءاً من استطاعتها.

ولو ادعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرته عُمِل بشاهد الحال مع انتفاء البيّنة، ومع فقدهما يُقدَّم قولها. وفي اليمين :نظر من أنها لو اعترفَتْ نَفَعَه. وقرَّب في الدروس عدمه(5)؛ وله حينئذٍ منعُها باطناً ؛ لأنه محقِّ عند نفسه، والحكم مبني على الظاهر.

(والمستطيع يجزئه الحج مُتَسَكِّعاً) أي متكلّفاً له بغير زاد ولا راحلةٍ لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة، بخلاف ما لو تكلفه غيرُ المستطيع.

(والحج) ماشياً أفضل منه ركوباً (إلّا) مع الضعف عن العبادة(6) فالركوب أفضل،

ص: 309


1- ذهب إليه المفيد إليه المفيد في المقنعة، ص 384؛ والشيخ في الخلاف، ج 2، ص 245 ، المسألة .2.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 2 - 3 ، ح 1.
3- الدروس الشرعية ج 1، ص 229 - 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9، قال: «ولو ادعى الزوج الخوف على الزوجة فأنكرت عمل بشاهد الحال أو البينة، فإن انتفيا قدم قولها. والأقرب أنه لا يمين عليها. وهل يملك الزوج منعها محقاً باطناً ؟ نظر».
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 400، ح 1393.
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
6- بمكة (زين رحمه الله)

فقد حجّ الحسن(عليه السلام) ماشياً مراراً، قيل: إنّها خمس وعشرون حجة)(1)، وقيل: عشرون، رواه الشيخ في التهذيب(2)ولم يذكر في الدروس غيره(3)،( والمَحامِل تُساقُ بين يديه) وهو أعلم بسنّة جده (عليه السلام) من غيره ؛ ولأنه أكثر مشقةً و«أفضل الأعمال أحمزها»(4).

وقيل: الركوب أفضلُ مطلقاً، تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقد حجّ راكبا(5) نسبه إلى بعض العلماء ميثم البحراني في شرحه على نهج البلاغة، ج 1، ص 225.(6)الكافي، ج 4، ص 308 باب من يوصي بحج .... ح 1 - 4.


1- المناقب، ابن شهر آشوب، ج 4، ص 18.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 12، ح 33.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 231 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 440؛ وأورده أيضاً العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 260، المسألة 214؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 8، ص 171، المسألة 524.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 478، ح 1691. §ً، قلنا فقد طاف راكباً ولا تقولون بأفضليته كذلك فبَقِيَ أنّ فعله (صلی الله علیه وآله وسلم)وقع لبيان الجواز لا الأفضلية. والأقوى التفصيلُ الجامع بين الأدلة بالضعفِ عن العبادة من الدعاء والقراءة ووصفها من الخشوع وعدمه. وألحق بعضُهم بالضعف كون الحامل له على المشي توفير المال ؛ لأنّ دفع رذيلة الشُّح عن النفس من أفضل الطاعات
6- ، وهو حسن ولا فرق بين حجة الإسلام وغيرها. (ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن الحج، سواء مات في الحلّ أم الحرمِ، مُحرِماً أم مُحِلّاً ؛ كما لو مات بين الإحرامين في إحرام الحج أم العمرة. ولا يكفي مجرّد الإحرام على الأقوى. وحيث أجزأ لا يجب الاستنابة في إكماله، وقبله تجب من الميقات إن كان مستقراً وإلا سقط، سواء تلبس أم لا. (ولو مات قبل ذلك وكان )الحجّ (قد استقر في ذمته ) بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومَضَى عليه بعده مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحج فلم يفعل (قُضِيَ عنه) الحج (من بلده في ظاهر الرواية )

أربع روايات في الكافي أظهرُها دَلالةً رواية أحمد بن أبي نصر عن محمد بن عبدالله قال : سألت أبا الحسن الرضا عن الرجل يموت فيوصي بالحج، مِن أين يُحَج عنه؟ قال: «على قدر ماله إن وسعه ماله فمن منزله، وإن لم يَسَعُه ماله من منزله فمن الكوفة فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة»(1). وإنّما جَعَله ظاهر الرواية ؛ لإمكان أن يراد ب-«ماله» ما عيَّنه أجرةً للحج بالوصيّة، فإنّه يتعيَّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن أجرته من الميقات من الثلث إجماعاً، وإنما الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة أو عُلم أنّ عليه حجّةَ الإسلام ولم يُوصِ بها.

والأقوى القضاء عنه من الميقات خاصةً ؛ لأصالة البراءة من الزائد، ولأن الواجب الحج عنه والطريقُ لا دخل لها في حقيقته، ووجوب سلوكها من باب المقدمة؛ وتوقفه على مؤونة فيجب قضاؤها عنه ؛ يَندَفِع بأنّ مقدّمة الواجب إذا لم تكن مقصودةً بالذات لا تجب وهو هنا كذلك، ومن ثمّ لو سافر إلى الحجّ لا بنيته، أو بنية غيره ثم بدا له بعد الوصول إلى الميقاتِ الحج أجزاً، وكذا لو سافر ذاهلاً أو مجنوناً ثمّ كَمُل قبل الإحرام أو آجر نفسه في الطريق لغيره، أو حج متسكّعاً بدون الغرامة أو في نفقة غيره، أو غير ذلك من الصوارف عن جعل الطريق مقدّمة للواجب. وكثير من الأخبار ورد مطلقاً الحج عنه (2)وهو لا يقتضي زيادةً على أفعاله المخصوصة. والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيَّن قدراً، ويمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر(3) ، مع ضعف سندها واشتراك محمّد بن عبدالله في سند هذا الخبر بين الثقة والضعيف والمجهول. ومن أعجب العجب هنا أنّ ابن إدريس ادعى تواتر الأخبار بوجوبه من البلد(4)، وردَّه في المختلف بأنّه لم يقف على خبر واحدٍ فضلاً عن

ص: 311


1- وجوب
2- الكافي، ج 4، ص 308 ، باب مَن يوصي بحج .... ح 3. 2. كرواية ضريس وعامر بن عميرة راجع الكافي، ج 4، ص 276 و 277، باب ما يجزئ من حجة الإسلام، ح 10 و 13.
3- أي خبر أحمد بن أبي نصر تقدم استخراجه أنفاً، الهامش 1.
4- السرائر، ج 1، ص 515

المتواتر(1)، وهنا جعله ظاهر الرواية، والموجود منها أربع، فتأمل.

ولو صح هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى؛ لأنّ «ماله» المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه، وإنّما حملناه لمعارضته للأدلة الدالة على خلافه مع عدم صحة سنده. ونسبة الحكم هنا إلى ظاهر الرواية فيه نوع ترجيح مع توقف، ولكنه قطع به في الدروس(2).

وعلى القول به (فلو ضاقت التركةُ ) عن الأجرة من بلده (فمن حيث بلغت) إن أمكن الاستئجار من الطريق ولو) من الميقات إن لم تَحتَمِل سواه، وكذا لو لم يمكن بعد فوات البلد أو ما يسع منه إلّا من الميقات. ولو عيَّن كونها من البلد فأولى بالتعيين من تعيين مال يسعه منه، ومثله ما لو دلّت القرائن على إرادته.

ويُعتبر الزائد من الثلث مع عدم إجازة الوارث إن لم نوجبه من البلد ابتداء، وإلا فمن الأصل.

وحيث يتعذَّر من الميقات يجب من الأزيد ولو من البلد حيث يتعذر من أقرب منه من باب مقدمة الواجب حينئذٍ لا الواجب في الأصل.

(ولو حج) مسلماً (ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام (لم يُعِد) حجه السابق (على الأقرب ) للأصل والآية(3) والخبر (4).

وقيل: يعيد : لآية الإحباط (5)أو لأن المسلم لا يكفر : ويندفع باشتراطه بالموافاة عليه كما اشتُرِط في ثواب الإيمان ذلك، ومنع عدم كفره ؛ للآية المثبتة للكفر بعد الإيمان وعكسه(6).

ص: 312


1- مختلف الشيعة، ج 4، ص 41، المسألة 6.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 231 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- الكهف (18) 30 : الزلزلة (99): 7
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 459، ح 1597.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 416 ؛ المائدة (5): 5: «وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ و وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ ».
6- النساء (4): 137 : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ اَزْدَادُوا كُفْرًا »

وكما لا يبطل مجموع الحج، كذا بعضه مما لا يعتبر استدامته حكماً كالإحرام، فيبني عليه لو ارتدّ بعده.

(ولو حج مخالفاً ثم استبصر لم يُعِد إلّا أن يُخلَّ بركن) عندنا، لا عنده على ما قيده المصنف في الدروس(1) ، مع أنه عكس في الصلاة فجعل الاعتبار بفعلها صحيحةً عنده لا عندنا(2)، والنصوص خالية من القيد(3).

ولا فرق بين من حُكم بكفره مِن فِرَق المخالفين وغيره في ظاهر النص. ومن الإخلال بالركن حَجه قراناً بمعناه عنده، لا المخالفة في نوع الواجب المعتبر عندنا.

وهل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها بناءً على عدم اشتراط الإيمان فيها، أم إسقاطاً للواجب في الذمة كإسلام الكافر؟ قولان(4) ، وفي النصوص ما يدل على الثاني(5) .

(نعم يُستحبّ الإعادة) للنصّ(6). وقيل: يجب(7)بناءً على اشتراط الإيمان المقتضي لفساد المشروط بدونه، وبأخبار(8) حَمْلُها على الاستحباب طريقُ الجمع.

القول في حج الأسباب بالنذرِ وشبهه والنيابة

(لو نذر الحج وأطلق كَفَت المرّة ) مخيَّراً في النوع والوصف، إلا أن يُعيّن أحدهما فيتعيَّن الأوّل مطلقاً، والثاني إن كان مشروعاً كالمشي والركوب لا الجفاء ونحوه.

ص: 313


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- راجع ذكرى الشيعة، ج 2، ص 333 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9 و 10، ح 23 و 25.
4- ذهب إلى الأوّل المحقق في المعتبر، ج 2، ص 765 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 47، المسألة 11؛ والقول الآخر يأتي عن الإسكافي والقاضي.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9 - 10 ، ح 22 و 24.
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9 - 10، ح 23 و 25.
7- حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 46. المسألة 11: ذهب إليه ابن البراج في المهذب ج 1، ص 268.
8- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9 - 10، ح 22 و 24.

(ولا يجزئ ) المنذورُ ( عن حجة الإسلام) سواءٌ وقع حال وجوبها أم لا، وسواءٌ نَوَى به حجّةَ الإسلام أم النذر أم هما ؛ لاختلاف السبب المقتضي لتعدّد المسبب.

(وقيل) والقائل الشيخ ومن تبعه: (إن نوى حجّةَ النذر أجزأت ) عن النذرِ وحجّةِ الإسلام(1) على تقدير وجوبها حينئذ (وإلّا فلا9 استناداً إلى رواية (2)حُمِلت على نذر حجة الإسلام.

(ولو قيَّد نذره بحجة الإسلام فهي واحدة) وهي حجة الإسلام، وتَتَأكَّد بالنذر بناءً على جواز نذر الواجب. وتظهر الفائدة في وجوب الكفّارة مع تأخيرها عن العام المعين، أو موته قبل فعلها مع الإطلاق متهاوناً.

هذا إذا كان عليه حجة الإسلام حال النذر ، وإلا كان مراعى بالاستطاعة، فإن حصلت وجب بالنذر أيضاً، ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى. ولو قيَّده بمدة معينة فتَخَلَّفت الاستطاعة عنها بطل النذر.

(ولو قيَّد غيرها) أي غير حجّة الإسلام فهما اثنتان قطعاً.

ثمّ إن كان مستطيعاً حال النذر وكانت حجّة النذر مطلقةً، أو مقيَّدة بزمان متأخر عن السنة الأولى قَدَّم حجّةَ الإسلام، وإن قيَّده بسنة الاستطاعة كان انعقاده مراعي بزوالها قبل خروج القافلة فإن بقيت بطل لعدم القدرة على المنذور شرعاً، وإن زالت انعقد.

ولو تَقدّم النذرُ على الاستطاعة ثم حصلت قبل فعله قدمت حجّةُ الإسلام إن كان النذر مطلقاً، أو مقيَّداً بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها، وإِلّا قُدِّم النذرُ ورُوعي في وجوب حجة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى الثانية.

واعتبر المصنف في الدروس في حجّ النذرِ الاستطاعة الشرعية(3)، وحينئذٍ فتقَدَّم

ص: 314


1- النهاية، ص 205 : لم نعثر على من تبع الشيخ نعم نسبه إلى جماعة في مسالك الأفهام، ج 2، ص 158
2- هي رواية رفاعة راجع تهذيب الأحكام، ج 5، ص 406 - 407، ح 1415.
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

حجّة النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن كان مطلقاً، ويُراعى في وجوب حجة الإسلام الاستطاعة بعدها وظاهرُ النصّ (1)والفتوى كون استطاعة النذر عقليّةً فيَتفرّع عليه ما سبق.

ولو أَهمَل حجّةَ النذر في العام الأول، قال المصنف فيها تفريعاً على مذهبه : وجبت حجة الإسلام أيضاً (2)؛ ويُشكل بصيرورته حينئذٍ كالدين فيكون من المؤونة. (وكذا) حكم (العهد واليمين).

(ولو نذر الحجّ ماشياً وجب) مع إمكانه، سواءٌ جعلناه أرجح من الركوب أم لا، على الأقوى، وكذا لو نذره راكباً. وقيل: لا ينعقد غير الراجح منهما(3).

ومبدأه بلد الناذر على الأقوى، عملاً بالعرف، إلا أن يدلّ على غيره فيُتَّبَع. ويُحتمل أوّلُ الأفعال لدلالة الحال عليه وآخِرُه منتهى أفعاله الواجبة وهي رَمْيُ الحِمار ؛ لأنّ المشي وصفٌ في الحج المركب من الأفعال الواجبة فلايَتِم إلا بآخِرها، والمشهور وهو الذي قطع به المصنّف في الدروس(4) ، أنّ آخِرَه طواف النساء(5) .

(ويقوم في المعبر) لو اضطر إلى عبوره، وجوباً على ما يظهر من العبارة وبه صرَّح

ص: 315


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 304 ، ح 1130 - 1131.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 291
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- قد روى في الكافي[ ج 4 ص 457، باب الحج ماشياً و.... ح 7] صحيحاً عن إسماعيل بن همام عن الرضا (عليه الصلاة والسلام) قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام)في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمي الجمار زار البيت راكباً وليس عليه شيء». وهو يحتمل أمرين: أحدهما: إرادة زيارة البيت لطواف الحج، لأنه هو المعروف بطواف الزيارة وهذا يخالف القولين معاً فيلزم إطراحها على القولين والثاني: أن يحمل رمي الجمار على الجميع فيكون كما قلنا ويؤيده أنّ الجمار إن أريد بها موضع الرمى فالجمع لا يصدق إلا بإتمامها لأنّ زيارة البيت لطواف الحج لا يكون إلا بعد رمي جمرة العقبة خاصة وإن أريد بها الحصى المرمية فقد وقعت جمعاً معرفاً فيفيد العموم فلا يصدق الإتمام ويحمل زيارة البيت على معناه اللغوي أو على طواف الوداع ونحوه وهذا هو الأظهر فيكون الخبر الصحيح دليلاً على ما اخترناه (منه رحمه الله)

جماعة(1)، استناداً إلى رواية (2) تَقصُر لضعف سندها عنه، وفي الدروس جَعَلَه أولى(3)، وهو أولى، خروجاً من خلاف من أوجبه، وتساهلاً في أدلّة الاستحباب .

وتوجيهه بأنّ الماشي يجب عليه القيام وحركة الرجلين، فإذا تعذر أحدهما لانتفاء فائدته بَقِىَ الآخر، مشترَكٌ ؛ لانتفاء الفائدة فيهما وإمكان فعلهما بغير الفائدة.

(فلو رَكِب طريقه) أجمع (أو بعضه قَضَى ماشياً) للإخلال بالصفة فلم يُجْز. ثم إن كانت السنةُ معيَّنةً فالقضاء بمعناه المتعارف ويلزمه مع ذلك كفارة بسببه، وإن كانت مطلقةً فالقضاء بمعنى الفعل ثانياً ولا كفارة. وفي الدروس:

لو رَكِب بعضه قضى مُلَفَّقاً، فيمشي ما رَكِب ويتخيَّر فيما مشى منه، ولو اشتبهت الأماكن احتاط بالمشي في كلّ ما يجوز فيه أن يكون قد ركب.

وما اختاره هنا أجود.

( ولو عجز عن المشي رَكِب) مع تعيين السنة أو الإطلاق، واليأس من القدرة ولو بضيق وقته لظنّ الوفاة، وإلَّا تَوَقَّع المُكْنَة.

(و) حيث جاز الركوب (ساقَ بَدَنَةً )جَبراً للوصف الفائت، وجوباً على ظاهر العبارة ومذهب جماعة(4)، واستحباباً على الأقوى جمعاً بين الأدلة(5)، وتردّد في الدروس(6).

هذا كله مع إطلاق نذر الحجّ ماشياً، أو نذرِهما لا على معنى جعل المشي قيداً لازماً في الحج بحيث لا يريد إلا جمعهما، وإلا سقط الحج أيضاً مع العجز عن المشي.

ص: 316


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 413 - 414: ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 175 : والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 422.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 478 ، ح 1693
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 234 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- منهم الشيخ في النهاية ص 205 وابن حمزة في الوسيلة، ص 156.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 13، ح 36 تدلّ على الوجوب ورواية عنبسة في مستطرفات السرائر، ج 3، ص 560 تدلّ على الاستحباب
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 234 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

في النيابة

(ويُشترط في النائب) في الحج (البلوغ والعقل والخلو) أي خلق ذمته (من حج واجب) في ذلك العام

( مع التمكن منه ولو مشيا ) حيث لا يُشترط فيه الاستطاعة كالمستقرّ من حجّ الإسلام ثمّ يذهب المال؛ فلا تصح نيابة الصبي ولا المجنون مطلقاً، ولا مشغول الذمة به في عام النيابة للتنافي، ولو كان في عام بعده كمن نَذَره كذلك أو استُؤجِر له صَعَّت نيابته ،قبله وكذا المعيَّن حيث يعجز عنه ولو مشياً لسقوط الوجوب في ذلك العام للعجز وإن كان باقياً في الذمة، لكن يُراعى في جواز استنابته ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة عادة. فلو استؤجر كذلك ثم اتفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم يَنفَسخ، كما لو تجددت الاستطاعة لحج الإسلام بعدها، فيقدم حج النيابة، ويُراعى في وجوب حج الإسلام بقاؤها إلى القابل.

(والإسلام) إن صححنا عبادة المخالف وإلا اعتبر الإيمان أيضاً، وهو الأقوى. وفي الدروس حَكَى صحة نيابة غير المؤمن عنه قولاً (1)مشعراً بتعريضه ولم يُرَجِّح شيئاً.

(وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحقَّ )فلا يصح الحج عن المخالف مطلقاً، إلا أن يكون أبا النائب وإنْ علا للأب لا للأم، فيصح وإن كان ناصبياً. واستقرب في الدروس«اختصاص المنع بالناصب ويُستثنى منه الأب»(2).

والأجود الأول للرواية(3) والشهرة. ومنعه بعضُ الأصحاب مطلقاً(4). وفي الحاق باقي العبادات به وجه، خصوصاً إذا لم يكن ناصبيّاً.

( ويُشترط نيّة النيابة) بأن يقصد كونَه نائباً؛ ولما كان ذلك أعم من تعيين من ينوب

ص: 317


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 234( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 234( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- انظر تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1441.
4- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 632؛ وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 269.

عنه، نبه على اعتباره أيضاً بقوله : (وتعيين المنوب عنه قصداً) في نية كل فعل يَفتَقِر إليها. ولو اقتصر في النية على تعيين المنوب بأن يَنوِي أنه عن فلان أجزاً ؛ لأنّ ذلك يستلزم النيابة عنه ولا يُستحبّ التلفظ بمدلول هذا القصد.

(و) إنما (يُستحب) تعيينه (لفظاً عند) باقي (الأفعال) وفي المواطن كلّها بقوله : «اللهم ما أصابني من تَعَبِ أو لُغُوبٍ أو نَصَبٍ فَأْجُرْ فلان بن فلان، وأُجُرْنِي في نيابتي عنه»(1). وهذا أمر خارج عن النية، متقدم عليها أو بعدها.

(وتَبرَأُذمِّتُه) أي ذمّة النائب من الحجّ وكذلك ذمّة المنوب عنه إن كانت مشغولة (لو مات) النائب

( مُحرِماً بعد دخول الحرم) ظرف للموت لا للإحرام، (وإن خرج منه ) من الحرم (بعد) دخوله، ومثله ما لو خرج من الإحرام أيضاً كما لو مات بين الإحرامين، إلّا أنّه لا يدخل في العبارة لفرضه الموتَ في حالة كونه محرماً، ولو قال: بعد الإحرام ودخول الحرم» شملهما ؛ لصدق البعدية بعدهما؛ وأولوية الموت بعده منه حالته ممنوعة.

(ولو مات قبل ذلك) سواء كان قد أحرم أم لا، لم يصح الحج عنهما. وإن كان النائب أجيراً وقد قَبَض الأجرة استُعِيدَ من الأجرة بالنسبة) أي بنسبة ما بقي من العمل المستأجَرِ عليه، فإن كان الاستئجار على فعل الحجّ خاصةً أو مطلقاً، وكان موتُه بعد الإحرام استَحَقَّ بنسبته إلى بقية أفعال الحجّ، وإن كان عليه وعلى الذهاب استَحَقَّ أجرة الذهاب والإحرام واستعيد الباقي، وإن كان عليهما وعلى العود فبنسبته إلى الجميع. وإن كان موتُه قبل الإحرام، ففي الأولين لا يَستَحِقُّ شيئاً، وفي الأخيرين بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بَقِيَ من المستأجر عليه.

وأمّا القول بأنه يستحق مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحج والعود كما ذهب إليه جماعة(2)، ففي غاية الضعف ؛ لأنّ مفهوم الحجّ

ص: 318


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 418، ح 1452.
2- منهم: المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 208 : والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 312.

لا يتناول غير المجموع المركب من أفعاله الخاصةِ دون الذهاب إليه وإن جعلناه مقدّمةً للواجب، والعودِ الذي لا مدخل له في الحقيقة، ولا ما يتوقف عليها بوجه.

(ويجب) على الأجير (الإتيانُ بما شُرِط عليه ) من نوع الحج ووصفه (حتى الطريق مع الغرض) قَيدُ في تعين الطريق بالتعيين بمعنى أنه لا يتعين به إلا مع الغرض المقتضي لتخصيصه، كمشقتِه وبُعدِه حيث يكون داخلاً في الإجارة لاستلزامهما زيادة الثواب، أو بعد مسافة الإحرام.

ويمكن كونه قيداً في وجوب الوفاء بما شُرِط مطلقاً، فلا يتعيَّن النوع كذلك، إلّا مع الغرض كتعيين الأفضل أو تعينه على المنوب عنه، فمع انتفائه كالمندوب والواجب المخيَّر كنذرٍ مطلق، أو تساوي منزلي المنوب في الإقامة، يجوز العدول عن المعيَّن إلى الأفضل كالعدول من الإفراد إلى القرآن ومنهما إلى التمتّع لا منه إليهما ولا من القرآن إلى الإفراد.

لكن يُشكل ذلك في الميقات، فإنّ المصنِّفَ وغيره أطلقوا تعينه بالتعيين(1) من غير تفصيل بالعدول إلى الأفضل وغيره، وإنّما جوزوا ذلك في الطريق والنوع بالنص(2). ولمّا انتفى في الميقات أطلقوا تعينه ،به وإن كان التفصيل فيه متوجهاً أيضاً، إلّا أنّه لا قائل به

وحيث يعدل إلى غير المعيَّن مع جوازه يستحق جميع الأجرة، ولا معه لا يستحق في النوع شيئاً، وفي الطريق يستحق بنسبة الحج إلى المسمّى للجميع، وتسقط أجرة ما تركه من الطريق، ولا يُوَزَّع للطريق المسلوكة ؛ لأنه غيرُ ما استُؤجر عليه. وأطلق المصنّف وجماعة الرجوع عليه بالتفاوت بينهما.(3) وكذا القول في الميقات. ويقع الحجّ

ص: 319


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 140. المسألة 106.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415، ح 1445.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 )؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 770؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 429.

عن المنوب عنه في الجميع وإنْ لم يَستحق فى الأوّل أُجرةً.

(وليس له الاستنابةُ إِلَّا مع الإذن) له فيها( صريحاً) ممن يجوز له الإذن فيها كالمستأجر عن نفسه أو الوصي، لا الوكيل إلا مع إذن الموكل له في ذلك (أو إيقاع العقد مقيَّداً بالإطلاق) لا إيقاعه مطلقاً فإنّه يقتضى المباشرة بنفسه. والمراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليَحُجّ مطلقاً بنفسه أو بغيره، أو بما يدل عليه كأن يستأجره ل-«تحصيل الحج عن المنوب؛ وبإيقاعه مطلقاً أن يستأجره ليَحُجّ عنه، فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته لا استنابته فيه. وحيث يجوز له الاستنابة يُشترط في نائبه العدالة وإن لم يكن هو عدلاً .

(ولا يَحُجّ عن اثنين في عام ) واحدٍ ؛ لأنّ الحجّ وإن تعددت أفعاله عبادة واحدة فلا يقع عن اثنين. هذا إذا كان الحج واجباً على كلّ واحد منهما، أو أُريدَ إيقاعه عن كل منهما، أما لو كان مندوباً وأريد إيقاعه عنهما ليشتركا في ثوابه، أو واجباً عليهما كذلك بأن يَنْذُرا الاشتراك في حجّ يَستَنيبان فيه كذلك فالظاهرُ الصحة، فيقع في العام الواحد عنهما، وفاقاً للمصنّف في الدروس(1). وعلى تقدير المنع لو فعله عنهما لم يقع عنهما ولا عنه. أما استئجاره لعمرتين، أو حجّةٍ مفردة وعمرةٍ مفردَةٍ فجائز ؛ لعدم المنافاة.

(ولو استأجراه لعام) واحدٍ (فَسَبَق أحدهما ) بالإجارة (صح) السابق وبطل اللاحق، وإن اقتَرَنا بأن أوجباه معاً فقَبِلَهما، أو وَكَّل أحدهما الآخَرَ، أو وكُلا ثالثاً فأوقع صيغةً واحدة عنهما (بطلا) لاستحالة الترجيح من غير مربح. ومثله ما لو استأجراه مطلقاً لاقتضائه التعجيل، أما لو اختلف زمانُ الإيقاع صح وإنْ اتَّفق العقدان، إلا مع فوريّةِ المتأخّر وإمكان استنابة من يُعَجِّله فيبطل.

(و تجوز النيابة في أبعاض الحج) التي تقبل النيابة (كالطوافِ) وركعتيه (والسعي والرمي) لا الإحرامِ والوُقوفِ والحلق والمبيت بمنى (مع العجز) عن مباشرتها بنفسه

ص: 320


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 237 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

لغَيبةٍ أو مرض يعجُز معه ولؤ عن أن يُطافَ أو يُسعَى به. وفي إلحاق الحيض به فيما يفتقر إلى الطهارة وجة، وحكم الأكثر بعدولها إلى غير النوع لو تعذر إكماله لذلك.

(ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وَجَب) مقدَّماً على الاستنابة (ويُحتسب لهما (1)) لو نوياه إلّا أن يستأجره للحمل لا في طوافه، أو مطلقاً، فلا يُحتسب للحامل ؛ لأنّ الحركة مع الإطلاق قد صارت مستحقةً عليه لغيره فلايجوز صرفها إلى نفسه. واقتصر في الدروس على الشرط الأوّل(2)".

(وكفّارة الإحرام) اللازمة بسبب فعل الأجير مُوجِبَها (في مال الأجير) لا المستنيب؛ لأنه فاعل السبب، وهي كفّارة للذنب اللاحق به.

(ولو أفسد حجّه قَضَى في)العام (القابل) لوجوبه بسبب الإفساد وإن كانت معينة بذلك العام.(والأقربُ الإجزاء) عن فرضه المستأجر عليه، بناءً على أن الأولى فرضه، والقضاء عقوبة : (ويملك الأجرة حينئذٍ لعدم الإخلال بالمعين، والتأخير في المطلق. ووجه عدم الإجزاء في المعيَّنة بناءً على أنّ الثانية فرضه ظاهر؛ للإخلال بالمشروط، وكذا في المطلق على ما اختاره المصنف في الدروس من أنّ تأخيرها عن

ص: 321


1- إلا أن يستأجره بحمله لا في طوافه. الدروس الشرعية (ج 1، ص 237، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زین رحمه الله )
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 237 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9). . إنما بنى هذا الحكم على أن الأولى فرضه والثانية عقوبة؛ لأنه أطلق الحكم في الأجير المفسد وأنه تستحق الأجرة مع قضائه وهو شامل بإطلاقه الأجير المعيّن بسنة مخصوصة والمطلق وهذا الحكم لا يتم في المعيّن إلا بالتعليل المذكور؛ لأنا إذا جعلنا الأولى هي العقوبة لا يستحق لها الأجرة قطعاً ولا للقضاء لعدم كونها المستأجر عليها بخلاف المطلق فإنّه يمكن تعليله لكون الثانية هي فرضه ويستحق لها الأجرة خلاف ما حكيناه عن الدروس ج 1، ص 237] إما بناءً على منع اقتضاء الإطلاق الفورية أو على أنه وإن دلّ عليها لكن التأخير إنما أوجب الإثم خاصة والإجارة صحيحة ومن ثم وجب الحج عليه ثانياً حتى عند المصنف في الدروس مع إيجابه عدم استحقاقه الأجرة حينئذ، والأجود في هذه المسألة على تقدير رد الرواية أن يحكم بكون الثانية فرضه وأنه مع التعيين لا يستحق الأجرة وإن وجب عليه القضاء لأنها غير المستأجر عليه ومع الإطلاق يجب عليه القضاء وتكون الثانية فرضه وتستحق الأجرة عليها لا على الأولى؛ لأنّ الفاسد غير مستأجر عليه والإجارة لم تبطل فيبرأ بالثانية وتستحق الأجرة (منه رحمه الله)

السنة الأولى لا لعذر يُوجب عدم الأجرة(1)، بناءً على أن الإطلاق يقتضي التعجيل فيكون كالمعيَّنة، فإذا جعلنا الثانية فرْضَه كان كتأخير المطلق، فلا يجزئ ولا يستحق أُجرةً. والمروي في حسنة زرارة أنّ الأولى فرضه والثانية عقوبة(2)، وتسميتها حينئذ فاسدةً ،مجاز، وهو الذي مال إليه المصنّف؛ لكن الرواية مقطوعة ولو لم نعتبرها لكان القولُ بأنّ الثانية فرضُه أوضح، كما ذهب إليه ابن إدريس(3). وفصل العلّامة في القواعد غريباً، فأوجب فى المُطلَقة قضاء الفاسدة في السنة الثانية، والحج عن النيابة بعد ذلك(4)؛ وهو خارج عن الاعتبارين؛ لأنّ غايته أن تكون العقوبةُ هي الأولى، فتكونُ الثانية فرضه، فلا وجه للثالثة. ولكنّه بنى على أنّ الإفساد يوجب الحج ثانياً فهو سبب فيه كالاستئجار، فإذا جعلنا الأولى هي الفاسدة لم تقع عن المنوب، والثانية وجبت بسبب الإفساد، وهو خارج عن الإجارة فتجب الثالثة. فعلى هذا ينوي الثانية عن نفسه، وعلى جعلها الفرض ينويها عن المنوب، وعلى الرواية ينبغي أن يكون عنه، مع احتمال كونها عن المنوب أيضاً.

(ويُستحب) للأجير (إعادة فاضل الأجرة) عمّا أنفقه في الحج ذهاباً وعوداً، (والإتمام له ) من المستأجر عن نفسه، أو من الوصي مع النص لا بدونه (لو أعوَز) .

وهل يُستحب لكلّ منهما إجابةُ الآخر إلى ذلك؟ تنظر المصنف في الدروس(5): من أصالة البراءة، ومن أنّه معاونةٌ على البر والتقوى.

(وتركُ نيابة المرأةِ الضرورة ) وهي التي لم تحج؛ للنهي عنه في أخبار(6)، حتى

ص: 322


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 237 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الكافي، ج 4، ص 373، باب المحرم يواقع امرأته .... ح 1.
3- السرائر، ج 1، ص 432.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 414.
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1435 - 1436.

ذهب بعضهم إلى المنع لذلك(1)، وحمْلُها على الكراهة طريق الجمع بينها وبين ما دل على الجواز(2): (و) كذا (الخنثى الصرورة) إلحاقاً لها بالأنثى للشك في الذكورية ،ويُحتمل عدم الكراهة لعدم تناول المرأة التي هي مورد النهي لها.

(ويُشترط علم الأجير بالمناسك) ولو إجمالاً، ليتمكن من تعلمها تفصيلاً، ولوحج مع مُرشد عدل أجزاً؛ (وقدرته عليها) على الوجه الذي عُيّن، فلو كان عاجزاً عن الطواف بنفسه واستُؤجر على المباشرة لم يصح، وكذا لو كان لا يستطيع القيام في صلاة الطواف. نعم لو رَضِيَ المستأجِرُ بذلك حيث يصح منه الرضى جاز.

( وعدالته (3)) حيث تكون الإجارة عن ميّت أو من يجب عليه الحج،( فلا يُستَأجَر فاسق) ، أما لو استأجره ليَحُجّ عنه تبرُّعاً لم تُعتبر العدالة ؛ لصحة حجّ الفاسق، وإنما المانع عدمُ قبول خبره.

(ولو حج) الفاسقُ عن غيره (أجزاً) عن المنوب عنه في نفس الأمر وإن وجب عليه استنابه غيره لو كان واجباً؛ وكذا القول في غيره من العبادات كالصلاة والصوم والزيارة المتوقفة على النية.

(والوصيّةُ بالحج(4) ) مطلقاً من غير تعيين مال (تنصرف إلى أجرة المثل) وهو ما يُبذل غالباً للفعل المخصوص لمن استجمع شرائط النيابة في أقل مراتبها، ويُحتمل اعتبارُ الأوسط؛ هذا إذا لم يُوجد من يأخذ أقل منها، وإلّا اقتصر عليه، ولا يجب تكلّفُ تحصيله، ويُعتبر ذلك من البلدِ أو الميقات على الخلاف.

(ويكفي) مع الإطلاق (المرّة إلّا مع إرادة التكرار) فيُكرر حسب ما دلّ عليه

ص: 323


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 442: وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 269.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1437 - 1438.
3- العدالة شرط في الاستنابة عن الميت وليست شرطاً في صحة النيابة، فلو حجّ الفاسق عن غيره أجزاً. وفي قبول إخباره تردّد، أقر به القبول لظاهر حال المسلم، ومن عموم قوله تعالى: (فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات (49): 6] الدروس الشرعية ج 1، ص 235، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 (زين رحمه الله )
4- ثمّ إن علم أنّ عليه واجب فذاك، وإلا حمل على الندب (زين رحمه الله)

اللفظ، فإن زاد عن الثلث اقتصر عليه إن لم يُجز الوارث، ولو كان بعضه أو جميعُه واجباً فمن الأصل.

(ولو عَيَّن القدر والنائب تَعَيَّنا) إن لم يزد القدرُ عن الثلث في المندوب، وعن أُجرة المثل في الواجب، وإلّا اعتُبرت الزيادة من الثلث مع عدم إجازة الوارث.

ولا يجب على النائب القبول، فإن امتنع طلباً للزيادة لم يجب إجابته، ثم يُستأجر غيره بالقدر إن لم يُعلَمْ إرادة تخصيصه به، وإلا فبأجرة المثل إن لم يزد عنه، ،، أو يُعلَمْ إرادته خاصةً فيسقط بامتناعه بالقدر، أو مطلقاً. ولو عَيَّن النائب خاصةً أُعطِى أجرة مثلِ مَن يَحُجّ مُجزِئاً، ويُحتمل أجرةً مثله. فإن امتنع منه، أو مطلقاً استُؤجر غيره إن لم يُعلم إرادة التخصيص، وإلا سقط .

(ولو عيّن لكلّ سنة قدراً )مفصلاً كألف، أو مجملاً كغلّة بستان، وقصر كُمِّل من (الثانية) فإن لم تَسَع الثانية (فالثالثة) فصاعداً ما يُتمّم أُجرة المثل ولو بجزء، وصُرِف الباقي مع ما بعده كذلك. ولو كانت السنون معيَّنةً ففَضَل منها فَضْلةٌ لا تفي بالحجّ أصلاً، ففي عودِها إلى الورثة أو صرفها في وجوه البر وجهان، أجودُهما الأوّل إن كان القصور ابتداءً، والثاني إن كان طارئاً. والوجهان آتيان فيما لو قصر المعيَّن لحَجّة واحدة، أو قَصَر ماله أجمعُ عن الحَجّة الواجبة. ولو أمكن استثماؤُه أو رُجِيَ إخراجه في وقت آخر وجب مقدَّماً على الأمرين.

(ولو زاد )المعيَّنُ للسنة عن أُجرة حَجَةٍ ولم يكن مُقيَّداً بواحدة (حج) عنه به (مرتين) فصاعداً إن وسع (في عام) واحدٍ (من اثنين) فصاعداً، ولا يضرُّ اجتماعهما معاً فی الفعل في وقت واحد لعدم وجوب الترتيب هنا كالصوم، بخلاف الصلاة ولو فَضَل عن واحدة جزء أضيف إلى ما بعده إن كان وإلّا ففيه ما مرّ.

(والوَدَعِيُّ ) لمال إنسانٍ العالم) بامتناع (الوارث من إخراج الحج الواجب عليه عنه ( يَستأجر عنه من يَحُجّ أو) يَحُجّ عنه هو (بنفسه)، وغير الوديعة من الحقوق الماليّة حتّى الغصب بحكمها.

ص: 324

وحُكم غيره من الحقوق التي تُخرج من أصل المال - كالزكاة والخمس والكفّارة والنذرِ - حُكمُه. والخبر هنا معناه الأمر، فإنّ ذلك واجب عليه، حتى لو دفعه إلى الوارث اختياراً ضَمِن.

ولو عَلِم أنّ البعض يؤدّي فإن كان نصيبه يفي به بحيث يحصل الغرض منه وجب الدفع إليهم، وإلّا استَأذَن مَنْ يؤدّي مع الإمكان وإلا سَقط. والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظنَّ الغالب المستند إلى القرائن وفي اعتبار الحج من البلد أو الميقاتِ ما مرّ.

(ولو كان عليه حجّتان إحداهما نذر فكذلك ) يجب إخراجهما فما زاد( إذ الأصحَ أنهما من الأصل)؛ لاشتراكهما في كونهما حقاً واجباً مالياً.

ومقابل الأصح إخراج المنذورة من الثلث استناداً إلى رواية (1)محمولة على نذر غير لازم كالواقع في المرض ولو قَصَر المالُ عنهما تحاصَّتا فيه، فإن قصرت الحصّةُ عن إخراج الحجّة بأقل ما يمكن ووسع الحجّ خاصةً أو العمرة صُرِف فيه(2)، فإن قصر عنهما ووسع أحدهما، ففي تركهما والرجوع إلى الوارث، أو البرّ على ما تقدم، أو تقديم حجّة الإسلام أو القرعة أوجُه. ولو وسع الحجّ خاصةً أو العمرة فكذلك ، ولو لم يسع أحدهما فالقولان(3). والتفصيل آتٍ فيما لو أقرّ بالحَجّتين أو عَلِم الوارث أو الوصيُّ كونهما عليه. (ولو تَعَدَّدوا) من عنده الوديعة أو الحقُّ، وعلموا بالحق، وبعضُهم ببعض (وُزّعت)

أجرةُ الحجّة وما في حكمها عليهم بنسبة ما بأيديهم من المال.

ولو أخرجها بعضُهم بإذن الباقين، فالظاهر الإجزاء : لاشتراكهم في كونه مال الميت الذي يُقدَّم إخراج ذلك منه على الإرث. ولو لم يعلم بعضهم بالحق تعيَّن على العالم بالتفصيل.

ص: 325


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 406، ح 1413.
2- المراد بقوله: «ووسع الحجّ خاصة أو العمرة» أنّ الحصّة وسعت أحدهما من كلّ منهما. وقوله: «فإن قصر عنهما ووسع أحدهما» أي قصرت الحصة الحاصلة من التحاص عن إخراج حجّة أو عمرة لكل منهما ولكن وسع المجموع لإخراج حجة كاملة مشتملة على العمرة لإحداهما خاصة ففيه الأوجه. وقوله: «ولو وسع الحجّ خاصةً أو العمرة» أي وسع المجموع لإحدى الحجّتين خاصةً أو إحدى العمرتين خاصةً ففيه الأوجه. (منه رحمه الله)
3- لم نعثر عليهما، راجع مسالك الأفهام، ج 2، ص 190.

ولو علموا به ولم يعلم بعضُهم ببعض فأخرجوا جميعاً، أو حَجُّوا فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى، ولا معه ضَمِنوا ما زاد على الواحدة. ولو علموا في الأثناء سقط من وديعة كلّ منهم ما يخُصُّه من الأجرة، وتَحَلَّلوا ما عدا واحد بالقرعة إن كان بعد الإحرام.

ولو حَجُّوا عالمين بعضُهم ببعض ، صح السابق خاصة وضَمِن اللاحق، فإن أحرموا دفعةً وقع الجميع عن المنوب وسقط من وديعة كلّ واحد ما يخُصُّه من الأجرة الموزّعة، وغَرَم الباقي.

وهل يتوقف تصرُّفُهم على إذن الحاكم؟ الأقوى ذلك مع القدرة على إثبات الحق عنده ؛ لأنّ ولاية إخراج ذلك قهراً على الوارث إليه، ولو لم يمكن فالعدم أقوى، حذراً من تعطيل الحق الذي يَعلَم من بيده المال ،ثبوته وإطلاق النص(1) إذن له. (وقيل: يفتقر إلى إذن الحاكم ) مطلقاً(2)، بناءً على ما سبق (وهو بعيد) لإطلاق النص، وإفضائه إلى مخالفته حيث يَتَعَذَّر.

ص: 326


1- الكافي، ج 4، ص 306. باب الرجل يموت صرورة .... ح 6.
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 106. المسألة 74 .

الفصل الثاني في أنواع الحجّ

(وهي ثلاثة :)

(تمتُّع) وأصله التلذذ ؛ سُمِّي هذا النوع به لِما يَتَخَلَّل بين عمرته وحجه من التحلُّل الموجب لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنهما كالشيء الواحد شرعاً، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج.

(وهو فرضُ مَن نَأَى) أي بعد ( عن مكةَ بثمانية وأربعين ميلاً من كل جانب على الأصح): للأخبار الصحيحة الدالة عليه(1). والقول المقابل للأصحَ اعتبارُ بُعْدِه باتَني عَشَرَ ميلاً(2)، حملاً للثمانية والأربعين على كونها مُوَزَّعةٌ على الجهات الأربع، فيُخَصُّ كلُّ واحدة اثني عشر.

ومبدا التقدير منتهى عمارة مكةَ إلى منزله ويُحتَمَل إلى بلده مع عدم سعتها جدّاً وإلا فمحلَّته.

(و) يمتاز هذا النوع عن قسيميه أنه( يُقدَّم عمرته على حجه ناوياً بها التمتع) بخلاف عمرتهما فإنّها مفردة بنيته.

(وقِرانُ وإفراد) ويشتركان في تأخير العمرة عن الحج وجملة الأفعال. وينفرد القرآنُ بالتخيير في عقد إحرامه بين الهَدْي والتلبية، والإفراد بها. وقيل: القرآن أن يقرن

ص: 327


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32 - 33، ح 96 و 98.
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 417 ؛ ابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 519 : والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 398.

بين الحج والعمرة بنية واحدة فلايحل إلا بتمام أفعالهما مع سوق الهدي(1) ، والمشهور الأوّل.

(وهو) أي كلّ واحد منهما (فرضُ مَن نقص عن ذلك) المقدار من المسافة، مخيَّراً بين النوعين والقرآنُ أفضل.

(ولو أطلق الناذرُ) وشبه للحجّ (تخيَّر في الثلاثة) مكيّاً كان أم أُفقياً (وكذا يتخيَّر من حجّ ندباً) والتمتع أفضل مطلقاً، وإنْ حجّ ألفاً وألفاً.

(وليس لمن تعيَّن عليه نوع بالأصالة أو العارض (العدول إلى غيره، على الأصح ) عملاً بظاهر الآية (2) وصريح الرواية(3)، وعليه الأكثر. والقول الآخر جواز التمتع للمكى(4)؛، و به روايات (5)حَمْلُها على الضرورة طريق الجمع.

أما النائي فلايجزئه غيرُ التمتع اتفاقاً (إلّا لضرورة) استثناء من عدم جواز العدول مطلقاً. ويتحقَّق ضرورةُ المتمتع بخوف الحيض المتقدم على طواف العمرة بحيث يفوت اختياري عرفة قبل إتمامها، أو التخلف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إليها، وخوفه من دخول مكة قبل الوقوف لا بعده ونحوه؛ وضرورة المكِّي بخوف الحيض المتأخّر عن النفْر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر وخوفِ عدوّ بعده، وفوتِ الصحبة كذلك.

(ولايقع) وفي نسخة «لا يصح» (الإحرام بالحج) بجميع أنواعه (وعمرة التمتع إلا في أشهر الحجّ (شوّال وذي القعدة وذي الحِجّة (6))على وجهِ يُدرك باقي المناسك فى وقتها.

ص: 328


1- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 51، المسألة 14.
2- البقرة (2): 196:«وذلك لِمَنْ لَمْ يكن أهله حاضرى المسجد الحرام».
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 96 .
4- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 418 : والخلاف، ج 2، ص 272 المسألة 42.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 29، ح 88 - 89، وص 33، ح 100 .
6- أما المبتولة، فيجوز في جميع أيام السنة. (زين رحمه الله)

ومن ثم ذهب بعضهم إلى أنّ أشهر الحجّ الشهران وتسع من ذي الحجة(1)؛ لفوات اختياري عرفة اختياراً بعدها؛ وقيل: عشر(2) ؛ لإمكان إدراك الحج في العاشر بإدراك المشعر وحده، حيث لا يكون فواتُ عرفة اختيارياً. ومن جعلها الثلاثةَ نَظَر إلى كونها ظرفاً زمانياً لوقوع أفعاله في الجملة، وفي جعل الحج أشهراً بصيغة الجمع في الآية(3) إرشاد إلى ترجيحه. وبذلك يظهر أنّ النزاع لفظي. وبقي العمرة المفردة، ووقتها مجموع أيام السنة.

(ويُشترط في التمتّع جمعُ الحج والعمرة لعام واحد) فلو أخَّر الحج عن سنتها صارت مفردةً، فيُتبِعُها بطواف النساء. أمّا قسيماه، فلا يُشترط إيقاعُهما في سنة في المشهور، خلافاً للشيخ حيث اعتبرها في القرآن(4) كالتمتع.

(والإحرام بالحج له) أي للتمتع (من مكَّةَ) من أي موضع شاء منها (وأفضلها المسجد) الحرام (ثمّ) الأفضل منه (المقام أو تحت الميزاب) مخيَّراً بينهما، وظاهره تساويهما في الفضل وفي الدروس:

«الأقرب أنّ فعله في المقام أفضل من الحِجر تحت الميزاب، وكلاهما مروي»(5).

( ولو أحرم) المتمتع بحجّه (بغيرها) أي غير مكة (لم يُجْزِ إِلّا مع التعذُّرِ) المتحقِّقِ بتعذر الوصول إليها ابتداءً، أو تعذر العود إليها مع تركه بها نسياناً أو جهلاً، لا عمداً، ولا فرق بين مروره على أحد المواقيت وعدمه.

(ولو) تلبس بعمرة التمتع (وضاق الوقتُ عن إتمام العمرة) قبل الإكمال وإدراك الحج (بحيض أو نفاس أو عذرٍ) مانع عن الإكمال بنحو ما مر (عدل) بالنية من العمرة

ص: 329


1- ذهب إليه الشيخ في الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 226 ؛ وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 213.
2- قال به سلّار في المراسم، ص 104 : وحكاه عن الحسن العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 54، المسألة 16.
3- البقرة (2): 197: «(الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَتْ».
4- انظر المبسوط، ج 1، ص 419
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 330 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 ): للحديث راجع تهذيب الأحكام، ج 5. ص 167. ح 557.

المتمتع بها (إلى) حج (الإفراد) وأكمل الحج بانياً على ذلك الإحرام (وأتى بالعمرة) المفردة (من بعد )إكمال الحج، وأجزأه عن فرضه كما يجزئ لو انتقل ابتداءً للعذر. وكذا يَعدِل من الإفرادِ وقسيمه إلى التمتع للضرورة، أما اختياراً، فسيأتي الكلام فيه.

ونيّة العدول عند إرادته قصد الانتقال إلى النُسُكِ المخصوص متقرباً.

(ويُشترط في) حج الإفرادِ (النيّةُ) والمراد بها نية الإحرام بالنسك المخصوص.

وعلى هذا يمكن الغنى عنها بذكر الإحرام، كما يُستغنى عن باقي النيات بأفعالها.

ووجه تخصيصه أنه الركنُ الأعظمُ باستمراره ومصاحَبتِه لأكثر الأفعال وكثرة أحكامه؛ بل هو في الحقيقة عبارة عن النية ؛ لأنّ توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها؛ إذ لا يُعتبر استدامته. ويمكن أن يريد به نيّة الحجّ جملةً، ونيّة الخروج من المنزل كما ذكره بعض الأصحاب(1). وفى وجوبهما نظر، أقربه العدم، والذي اختاره المصنّف في الدروس الأوّلُ(2).

(وإحرامه) به (من الميقات) وهو أحد الستة الآتية وما في حكمها(أو مِن دُوَيْرة أهله إن كانت أقرب ) من الميقات (إلى عرفات).

اعتبر القربَ إلى عرفات ؛ لأنّ الحجّ بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلّق الغرضُ فيه بغير عرفات، بخلاف العمرة فإنّ مقصدها بعد الإحرام مكة، فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكة، ولكن لم يذكره هنا، وفي الدروس أطلق القرب(3)، وكذا أطلق جماعة(4) والمصرَّحُ به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكة مطلقاً(5)، فالعمل به

ص: 330


1- نسبه إلى ظاهر سلار الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 253 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) : راجع المراسم، ص 104.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 253 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- انظر الدروس الشرعية، ج 1، ص 255 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- منهم: سلار في المراسم، ص 106 - 107؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 160 ؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 216 .
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59 ، ح 183 - 187.

متعيّن وإن كان ما ذكره هنا متوجهاً.

وعلى ما اعتبره المصنّف من مراعاة القرب إلى عرفات فأهل مكة يُحرمون من منزلهم ؛ لأنّ دُوَيرتهم أقرب من الميقات إليها. وعلى اعتبار مكة فالحكم كذلك، إلّا أنّ الأقربية لا تَتِم لاقتضائها المغايرة بينهما.

ولو كان المنزل مساوياً للميقات أحرم منه، ولو كان مجاوراً بمكة قبل مُضِيّ سنتين خرج إلى أحد المواقيت، وبعدها يُساوي أهلها.

(و) يُشترط (في القِرآن ذلك) المذكورُ في حج الإفراد (و) يزيد (عقده) لإحرامه (بسِياقِ الهَدْي، وإشعارِه) بشَقّ سَنامه من الجانب الأيمن ولَطْخِه بدمه (إن كان بدنةً، و تقليده إن كان) الهدي(غيرها) غير البدنة (بأن يُعَلِّق في رقبته نعلاً قد صلَّى) السائقُ (فيه ولو نافلةٌ، ولو قلّد الابل) بدل إشعارها(جاز).

(مسائلُ:)

[المسألة الأولى: ] (يجوز لمن حجّ ندباً مفرداً العدولُ إلى) عمرة (التمتّع) اختياراً، وهذه هي المُتعة التي أنكرها الثاني (لكن لا يُلبى بعد طوافه وسعيه)؛ لأنهما محللان من العمرة في الجملة، والتلبية عاقدة للإحرام فيتنافيان ؛ ولأن عمرة التمتع لا تلبية فيها بعد دخول مكة.

(فلو لبّى) بعدهما (بطلت مُتعتُه ) التي نَقَل إليها (وبَقِي على حجه ) السابق ؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق(عليه السلام)(1)؛ ولأن العدول كان مشروطاً بعدم التلبية، ولا ينافي ذلك الطواف والسعى ؛ لجواز تقديمهما للمفرد على الوقوف والحكم بذلك هو المشهور وإن كان مستنده لا يخلو من شيء.

(وقيل) والقائل ابن إدريس: (لا اعتبار إلّا بالنية) (2)اطّراحاً للرواية، وعملاً بالحكم

ص: 331


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 90، ح 295
2- السرائر، ج 1، ص 536.

الثابت من جواز النقل بالنية، والتلبية ذكر لا أثر له في المنع.

(ولا يجوز العدول للقارن) تأسياً بالنبي( صلى الله عليه وآله وسلم )حيث بقي على حجه لكونه قارناً، وأَمر مَن لم يَسُق الهدي بالعدول (1).

(وقيل: ) لايختص جواز العدول بالإفراد المندوب، بل (يجوز العدول عن الحج الواجب أيضاً (2)) سواء كان متعيّناً أم مخيَّراً بينه وبين غيره كالناذر مطلقاً، وذي المنزلين المتساويين لعموم الأخبار الدالة على الجواز(3) (كما أمر به النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) من لم يشق من الصحابة (4)) من غير تقييد بكون المعدول عنه مندوباً أو غير مندوب، (وهو قويّ).

لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعيَّن اختياراً، وعدم جوازه ابتداء، بل ربما كان الابتداء أولى للأمر بإتمام الحج والعمرة الله(5) ؛ ومِن ثَمّ خصّه بعض الأصحاب بما إذا لم يتعين عليه الإفراد وقسيمه كالمندوب والواجب المخيَّر(6)، جمعاً بين ما دل على الجواز مطلقاً (7)وما دلّ على اختصاص كلّ قوم بنوع(8)، وهو أولى إن لم نقل بجواز العدول عن الإفراد إلى التمتع ابتداءً.

[المسألة] (الثانية: يجوز للقارن والمُفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي) للنصّ على جوازه مطلقاً(9) (إمّا الواجبُ أو الندبُ) يمكن كون ذلك على وجه التخيير للإطلاق، والترديد ؛ لمنع بعضهم من تقديم الواجب(10)، والأوّل مختاره في

ص: 332


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 454 ، ح 1588.
2- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1 ، ص 442 - 443 .
3- راجع وسائل الشيعة، ج 11، ص 254 - 258 ، الباب 5 من أبواب أقسام الحج.
4- تقدم تخريجه في الهامش 1.
5- البقرة (2): 196): «وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لله ».
6- نسبه إلى العلّامة وتلاميذه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ج 1 ، ص 444.
7- الكافي، ج 4، ص 298 ، باب الإفراد. ح .1.
8- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 96.
9- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 477، ح 1685 - 1686 .
10- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 575.

الدروس (1)، وعليه فالحكم مختص بطواف الحج دون طواف النساء، فلايجوز تقديمه إلّا لضرورة كخوف الحيض المتأخّر. وكذا يجوز لهما تقديم صلاة طواف يجوز تقديمه كما يدلّ عليه قوله :

(لكن يجددان التلبية عقيب صلاة الطواف ) يعقدان بها الإحرام لئلا يُحِلّا.

(فلو تركاها أَحَلّا على الأشهر)؛ للنصوص الدالة عليه(2)، وقيل: لا يُحِلّان إلا بالنية(3)، وفي الدروس جعَلَها أَولى(4) . وعلى المشهور ينبغي الفورية بها عقيبها.

ولا يفتقر إلى إعادة نية الإحرام، بناءً على ما ذكره المصنّف من أنّ التلبية كتكبيرة الإحرام لا تُعتبر بدونها (5)؛ لعدم الدليل على ذلك، بل إطلاق هذا دليل على ضعف ذاك. ولو أَخَلّا بالتلبية صار حجهما عمرةً وانقلب تمتعاً ولا يجزئ عن فرضهما ؛ لأنه عدول

اختياري. واحترز بهما عن المتمتع، فلايجوز له تقديمهما على الوقوف اختياراً، ويجوز مع الاضطرار كخوف الحيض المتأخّر، وحينئذٍ فيجب عليه التلبية لإطلاق النص(6)، وفي جواز طوافه ندباً وجهان، فإن فَعَل جدَّد التلبية كغيره.

[المسألة) (الثالثة : لو بَعد المكي) عن الميقات (ثمّ حج على ميقاتٍ أحرم منه وجوباً؛) لأنه قد صار ميقاته بسبب مروره كغيره من أهل المواقيت إذا مر بغير ميقاته وإن كان ميقاتُه دُوَيرة أهله. (ولو) كان له منزلان بمكة أو ما في حكمها وبالآفاقِ المُوجِبةِ للتمتع و(غَلَبت إقامتُه في الآفاق تمتَّعَ)، وإن غلبت بمكة و ما في حكمها قرن، أو أفرد،( ولو تَساوَيا) فى الإقامة (تخَيَّر) في الأنواع الثلاثة.

ص: 333


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 246 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 44 - 45. ح 134 - 135 و 137.
3- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 536 ؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 215
4- الدروس الشرعية ، ج 1 ، ص 246 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- غاية المراد، ج 1، ص 281؛ المنسك الكبير، ص 245 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1 و 18)
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 44، ح 132

هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكة ما يوجب انتقال حكمه كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين وبمكة سنتين متواليتين وحصلت الاستطاعة فيها، فإنه حينئذٍ يَلزَمه حكمُ مكة وإن كانت إقامته في الآفاقي أكثر، لما سيأتي.

ولا فرق في الإقامة بين ما وقع منها حال التكليف وغيره، ولا بين ما أتم الصلاةَ فيها وغيره، ولا بين الاختيارية والاضطرارية، ولا بين المنزلِ المملوكِ عيناً ومنفعةً والمغصوب، ولا بين أن يكون بين المنزلين مسافة القصر وعدمه ؛ لإطلاق النص (1)في ذلك كلّه. ومسافة السفر إلى كلّ منهما لا يُحتسب عليهما.

ومتى حُكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه ولو اشتبه الأغلب تمتَّعَ.

(والمجاور بمكة) بنيّة الإقامة على الدوام، أو لا معها من أهل الآفاق سنتين (يَنتقِل) فرضُه (في الثالثة إلى الإفراد والقرآن، وقبلها) أي قبل الثالثة (يتمتّع).

هذا إذا تجدّدت الاستطاعة في زمن الإقامة، وإلا لم ينتقل ما وجب من الفرض. والاستطاعةُ تابعة للفرض فيهما إن كانت الإقامة بنية الدوام، وإلّا اعتُبِرَت من بلده؛ ولو انعكس الفرض بأن أقام المكّي في الآفاق اعتُبِرَت نيّة الدوام وعدمه في الفرض والاستطاعة إن لم تسبق الاستطاعة بمكة كما مرّ، كما يُعتبر ذلك في الآفاقي لو انتقل من بلد إلى آخَرَ يشاركه في الفرض ولا فرق أيضاً بين الإقامة زَمَنَ التكليف وغيره ولا بين الاختيارية والاضطرارية للإطلاق(2).

(ولا يجب الهدي على غير المتمتع وإن كان قارناً ؛ لأنّ هدي القران غيرُ واجب ابتداءً وإنْ تعيَّن بعد الإشعارِ أو التقليد للذبح.

(وهو) أي هدي التمتع (نُسُكُ) كغيره من مناسك الحج، وهي أجزاؤه من الطواف والسعي وغيرهما (لا جبران) لما فات من الإحرام له من الميقات على المشهور بين

ص: 334


1- تهذيب الأحكام، ج 5 ص 34 - 35 باب ضروب الحج.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 35، ح 103.

أصحابنا، وللشيخ (رحمه الله) قول بأنه جبران(1)؛ وجعله تعالى من الشعائر وأمره بالأكل منه(2)يدلّ على الأوّل.

وتظهر الفائدة فيما لو أحرم به من الميقات أو مرّ به بعد أن أحرم من مكة، فيسقط الهدي على الجبران : الحصول الغرض ويبقى على النسك، أما لو أحرم من مكة وخرج إلى عرفات من غير أن يمرّ بالميقات وجب الهدي على القولين وهو موضع وفاق.

[المسألة] (الرابعة: لا يجوز الجمع بين النسكين) الحج والعمرة (بنية واحدة) سواء في ذلك القران وغيرُه على المشهور (فيبطل) كلُّ منهما للنهي المُفْسِدِ للعبادة (3)كما لو نَوَى صلاتين، خلافاً للخلاف حيث قال : ينعقد الحج خاصة(4)، وللحسن حيث جوز ذلك وجعله تفسيراً للقرآن مع سياق الهدي(5).

(ولا إدخال أحدهما على الآخر) بأن يَنوِي الثاني (قبل) كمال( تحلَّله من الأول) وهو الفراغ منه، لا مطلق التحلّل، (فيبطل الثاني إن كان عمرة مطلقاً حتى لو أوقعها قبل المبيت بمنى ليالي التشريق ( أو ) كان الداخل (حجا) على العمرة (قبل السعي) لها.

(ولو كان) بعده و( قبل التقصير وتعمد ذلك فالمرويّ)(6) صحيحاً عن أبي بصيرعن أبي عبدالله (عليه السلام)( أنه يبقى على حجّةٍ مفردة )(7)) بمعنى بطلان عمرة التمتع وصيرورتها بالإحرام قبل إكمالها حجّةً مفردةً، فيُكْمِلُها ثمّ يعتمر بعدها عمرة مفردة.

ص: 335


1- المبسوط، ج 1، ص 419.
2- الحج (22): 36.
3- مسند أحمد، ج 5، ص 54. ح 16391: السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 28، ح 8869.
4- الخلاف، ج 2، ص 264، المسألة 30
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 51، المسألة 14.
6- نعم، ولا يجزئه عن حجة الإسلام، ولو كان حجه نيابة لم يجزئ عن المنوب أيضاً، ولم يستحق أُجرة والحال هذه (زين رحمه الله )
7- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 159 ، ح 529

ونسبته إلى المروي يُشعر بتوقفه في حكمه من حيث النهي عن الإحرام الثاني، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره، فبطلان الإحرام أنسب مع أنّ الرواية ليست صريحةً في ذلك ؛ لأنه قال: «المتمتع إذا طاف وسعى ثمّ لبّى قبل أن يُقصِّر فليس له أن يقصر وليس له متعة»(1). قال المصنف في الدروس: «يمكن حملها على متمتع عَدَل عن الإفراد ثمّ لبّى بعد السعي؛ لأنه رُوِي التصريح بذلك في رواية أخرى»(2). والشيخ (رحمه الله) حملها على المتعمّد(3)، جمعاً بينها وبين حسنة عمّار المتضمنة أنّ من دخل في الحج قبل التقصير ناسياً لا شيء عليه(4)، وحيث حكمنا بصحّةِ الثاني وانقلابه مفرداً لا يجزئ عن فرضه؛ لأنه عدول اختياري ولم يأتِ بالمأمور به على وجهه. والجاهل عامد.

(ولو كان ناسياً صح إحرامه الثاني) وحجه، ولا يلزمه قضاءُ التقصير؛ لأنه ليس جزءاً بل محلَّلاً.

(ويُستحبّ جَبره بشاة) للرواية (5) المحمولة على الاستحباب جمعاً. ولو كان الإحرام قبل إكمال السعى بطل ووجب إكمال العمرة.

وأعلم أنّه لا يحتاج إلى استثناء من تعذر عليه إتمام نسكه، فإنه يجوز له الانتقال إلى الآخر قبل إكماله ؛ لأنّ ذلك لا يُسمّى إدخالاً ، بل انتقالاً، وإن كان المصنّف قد استثناه في الدروس(6) .

ص: 336


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 159، ح 529.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) ؛ راجع للرواية تهذيب الأحكام، ج 5. ص 159 . ح 529.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 159، ذيل الحديث 529.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 159 - 160، ح 531.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 158 - 159، ح 527.
6- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 247 - 248 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

الفصل الثالث في المواقيت

واحِدُها ميقات. وهو لغةً: الوقتُ المضروب للفعل، والموضع المعيَّن له(1) ، والمراد هنا الثاني.

(لا يصح الإحرام قبل الميقات إلّا بالنذر وشبهه) من العهد واليمين (إذا وقع الإحرام في أشهر الحجّ) هذا شرط لِما يُشترط وقوعه فيها وهو الحجّ مطلقاً، وعمرة التمتع، (ولو كان عمرةً مفردةً لم يُشترط) وقوع إحرامها في أشهره لجوازها في مطلق السنة فيصح تقديمه على الميقات بالنذر مطلقاً. والقولُ بجواز تقديمه بالنذر وشبهه أصح القولين(2)وأشهَرُهما، وبه أخبارٌ(3)بعضُها صحيح(4)، فلا يسمع إنكارُ بعض الأصحاب له استضعافاً لمستنده(5).

(ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تَقَضَّيَه جاز له الإحرام قبل الميقات (6)) أيضاً، ليُدرِك فضيلة الاعتمار في رجب الذي يلي الحج في الفضل وتحصل بالإهلال فيه وإن وقعت الأفعال في غيره، وليكن الإحرام في آخر جزء من رجب تقريباً لا تحقيقاً.

ص: 337


1- راجع النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 212، «وقت».
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1 ، ص 424: وسلّار في المراسم، ص 108.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 54 ، ح 164.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53. ح 162.
5- كابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 526 - 527 : والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 68 - 69 المسألة 27.
6- والأقرب أنها لا تجزئ ويشكل بالنهي عن الإحرام، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع، وعدم صلاحيّة الزمان إن أدخل غيره، فالبطلان أنسب الدروس الشرعية [ج 1 ص 247، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)

( ولا يجب إعادته فيه ) في الموضعين في أصح القولين(1)؛ للامتثال المقتضي للإجزاء، نعم يُستحبّ خروجاً من خلاف من أوجبها(2).

(ولا) يجوز لمكلَّف أن ( يتجاوز الميقات بغير إحرام) عدا ما استُثنِي مِن المتكرّر و من دخلها لقتال، ومن ليس بقاصدٍ مكَّةَ عند مروره على الميقات. ومتى تجاوَزَه غيرُ هؤلاء بغير إحرام (فيجب الرجوع إليه ) مع الإمكان (فلو تعذَّر بطل) نُسكه (إن تعمَّدَه) أي تجاوَزَه بغير إحرام عالماً بوجوبه، ووجب عليه قضاؤه وإن لم يكن ،مستطيعاً بل كان سببه إرادة الدخول فإنّ ذلك موجب له كالمنذور؛ نعم لو رجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه وإنْ أَيْمَ بتأخير الإحرام. (

وإلّا) يكن متعمداً، بل نَسِي أو جهل أو لم يكن قاصداً مكة ثم بدا له قصدها (أحرم من حيث أمكن).

(ولو دخل مكة) معذوراً ثمّ زال عذره بذكره وعليه ونحوهما (خرج إلى أدنى الحِلّ) وهو ما خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت (فإن تعذَّر) الخروج إلى أدنى الحِلّ (فمن موضعه) بمكة، (ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب)؛ لأنه الواجب بالأصالة، وإنّما قام غيره مقامه للضرورة، ومع إمكان الرجوع إليه لا ضرورة. ولو كَمَل غير المكلف بالبلوغ والعقل والعتق بعد تجاوز الميقات فكمن لا يريد النسك.

(والمواقيتُ) التي وقتها رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) لأهل الآفاق ثم قال : «هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنّ»(3)(ستة : ذو الحليفة) - بضم الحاء وفتح اللام والتاء بعد الفاء بغير فصل(4) - تصغيرُ الحَلَفَةِ - بفتح الحاء واللام واحد - الحلفاء وهو النبات المعروف، قاله

ص: 338


1- ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة، ص 159؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 161.
2- ذهب إليه سلّار في المراسم، ص 108؛ حكاه عن الراوندي الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 255. (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9)
3- السنن الكبرى، البيهقي، ج 5 ، ص 43، باب 46، ح 8921: صحیح مسلم، ج 2، ص 839، ح 11/1181.
4- في «ن» والطبعة الحجرية والفاء بعد الياء، وفي مسالك الأفهام: بالهاء بعد الفاء.

الجوهري(1)، أو تصغيرُ الحِلْفة وهي اليمين لتحالف قوم من العرب به. وهو ماء على ستة أميال من المدينة، والمراد الموضع الذي فيه الماء وبه مسجدُ الشَجَرة، والإحرام منه أفضلُ وأحوطُ للتأسي(2). وقيل: بل يتعيَّن منه(3)؛ لتفسير ذي الحليفة به في بعض الأخبار(4)، وهو جامع بينها (للمدينة).

(والجُحْفَةُ) وهي في الأصل مدينة أجحَفَ بها السيل على ثلاث مراحل من مكة (الشام) وهى الآن لأهل مصر.

(ويَلَمْلَمُ) ويقال: «أَلَمْلَمُ» وهو جبل من جبال تهامة (لليمن، وقرن المنازل) - بفتح القاف فسكون الراء- وفي الصحاح : بفتحهما - وأنّ أويساً منها(5): وخَطَّاوه فيهما، فإنّ أويساً يمني منسوب إلى قَرَنٍ - بالتحريك - بَطْن من مراد، و«قَرْنُ» جبل صغير ميقات (للطائف).

(والعقيق) وهو وادٍ طويل يَزِيد على بريدين (للعراق وأفضله المَسلَخُ) وهو أوّله من جهة العراق. ورُوِي أنّ أوّله دونه بستة أميال(6). وليس في ضبط المسلخ شيءٌ يُعتمد عليه، وقد قيل: إنه بالسين والحاء المُهمَلَتين واحد المسالح وهو المواضع العالية(7)، وبالخاء المعجمة لنزع الثياب به، (ثمّ ) يليه في الفضل (غَمْرَةٌ) وهي في وسط الوادي (ثمّ ذاتُ عِرْق) وهي آخِرُه إلى جهة المغرب. وبُعْدُها عن مكة مرحلتان قاصدتان كبُعد يلملم وقرنٍ عنها.

(وميقات حج التمتع مكة) كما مر . (وحج الإفراد منزله)؛ لأنه أقرب إلى عرفات

ص: 339


1- الصحاح، ج 3، ص 1347، «حلف».
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 454، ح 1588.
3- قال به المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 216: والعلامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 416.
4- الكافي، ج 4، ص 319 باب مواقيت الإحرام، ح 2.
5- الصحاح، ج 4، ص 2181، «قرن».
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57 ، ح 175
7- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 446.

من الميقات مطلقاً لما عرفت من أنّ أقرب المواقيت إلى مكة مرحلتان هي ثمانية وأربعون ميلاً، وهي منتهى مسافة حاضري مكة( كما سبق) مِن أنّ مَن كان منزله أقرب إلى عرفات فميقاته منزله؛ ويُشكل بإمكان زيادة منزله بالنسبة إلى عرفة والمساواة، فيتعيَّن الميقات فيهما، وإن لم يتفق ذلك بمكة.

(وكلّ من حجّ على ميقات )كالشامي يمرّ بذي الحليفة (فهو له) وإن لم يكن من أهله ولو تعدّدت المواقيت في الطريق الواحد - كذي الحليفة والجحفة والعقيق بطريق المدني - أحرم من أولها مع الاختيار، ومن ثانيها مع الاضطرار كمرض يشق معه التجريد وكشفُ الرأس أو ضعفٍ أو حَرٌ أو بَرْدٍ بحيث لا يُتَحَمَّل ذلك عادة. ولو عدل عنه جاز التأخير إلى الآخر اختياراً. ولو أخر إلى الآخر عمداً أثم وأجزأ على الأقوى.

(ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة) للميقات وهي مسامتته بالإضافة إلى قاصد مكّةَ عرفاً إن اتفقت ولو لم يُحاذِ) ميقاتاً (أحرم من قدرٍ تَشتَرِك فيه المواقيت)وهو قدرُ بُعدِ أقرب المواقيت من مكة وهو مرحلتان كما سبق، علماً أو ظنّاً، في برّ أو بحرٍ والعبارة أعم مما اعتبرناه ؛ لأنّ المشترك بينها يصدق باليسير، وكأنه أراد تمام المشترك.

ثمّ إن تبيَّنت الموافقةُ أو استمرَّ الاشتباه أجزأ، ولو تبيَّن تقدمه قبل تجاوزه أعاده، وبعده أو تبيَّن تأخُرُه وجهان : من المخالفة، وتعبده بظنّه المقتضي للإجزاء.

ص: 340

الفصل الرابع في أفعال العمرة المطلقة

اشارة

(وهي الإحرام والطواف والسعي والتقصير) وهذه الأربعةُ تَشترك فيها عمرة الإفرادِ والتمتع (ويزيد في عمرة الإفراد بعد التقصير طواف النساء) وركعتيه. والثلاثة الأوّل منها أركان دون الباقى. ولم يُذكر التلبية من الأفعال كما ذكرها في الدروس (1)، إلحاقاً لها بواجبات الإحرام كلبس ثوبيه.

(ويجوز فيها) أي في العمرة المفردة (الحلق) مخيراً بينه وبين التقصير (لا في عمرة التمتّع) بل يتعيَّن التقصير ليتوَفَّر الشعرُ في إحرام حجه المرتبط بها.

القول في الإحرام

اشارة

(يُستحبّ توفيرُ شَعر الرأس لمن أراد (الحجّ )تمتّعاً وغيرَه (من أوّل ذي القعدة وآكَدُ منه) توفيره عند (هلال ذي الحِجّة). وقيل: يجب التوفير وبالإخلال به دم شاة(2)، ولمن أراد العمرة توفيره شهراً.

(واستكمال التنظيف) عند إرادة الإحرام( بقص الأظفار وأخذ الشارب والإطلاءِ) لما تحت رَقَبَته من بدنه وإن قرب العهد به (ولو سبق) الإطلاءُ على يوم الإحرام (أجزأ) في أصل السنة وإن كانت الإعادة أفضلُ (ما لم يَمْضِ خمسةَ عَشَرَ يوماً) فيعاد.

ص: 341


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 243 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- قال به المفيد في المقنعة، ص391؛ والشيخ في النهاية، ص 206.

(والغسلُ) بل قيل بوجوبه(1). ومكانه الميقات إن أمكن فيه، ولو كان مسجداً فقُرْبه عرفاً، ووقته يومُ الإحرام بحيث لا يَتَخَلَّل بينهما حَدَتْ أو أكل أو طيب أو لبس لا يَحِلّ للمُحرم - ولو خاف عَوْزَ الماء فيه قدَّمه في أقرب أوقات إمكانه إليه - فيلبس ثوبيه بعده. وفي التيمم لفاقد الماء بدله قول للشيخ (2) لا بأس به وإن جهل مأخذه .

(وصلاة سنّة الإحرام) وهى ست ركعات، ثمّ أربع، ثم ركعتان قبل الفريضة إن جمعهما (والإحرام عقيب) فريضة (الظهر، أو فريضة (3)) إن لم يتفق الظهر، ولو مقضيّةً إن لم يتفق وقت فريضةٍ مؤدّاةٍ، (ويكفي النافلة ) المذكورة (عند عدم وقت الفريضة) وليكن ذلك كله بعد الغسل ولبس الثوبين ليُحرم عقيب الصلاة بغير فصل.

(ويجب فيه النية المشتملة على مشخّصاته) من كونه إحرام حج أو عمرة، تمتَّع أو غيره، إسلامي أو منذورٍ أو غيرهما، كلُّ ذلك (مع القربة) التي هي غاية الفعلِ المتعبَّد به ويقارن بها قوله : ( «لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمةَ والمُلكَ لك، لا شريك لك لبيك»).

وقد أَوجَب المصنِّفُ وغيرُه النيّة للتلبية أيضاً(4) وجعلوها متقدّمةً على التقرُّب بنية الإحرام بحيث يَجمَع النيّتين جملة، لتتحقَّقَ المقارنة بينهما كتكبيرة الإحرام لنية الصلاة. وإنّما وجبت النية للتلبية دون التحريمة ؛ لأن أفعال الصلاة متصلة حسّاً وشرعاً فيكفى نيّةٌ واحدةٌ للجملة كغير التحريمة من الأجزاء بخلاف التلبية فإنّها من جملة أفعال الحجّ، وهي منفصلة شرعاً وحسّاً، فلابد لكلّ واحدٍ مِن نية.

وعلى هذا فكان إفراد التلبية عن الإحرام وجعلها من جملة الأفعال أولى كما صنع

ص: 342


1- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 76، المسألة 37.
2- المبسوط، ج 1، ص 427.
3- ولو لم يكن وقت فريضة فالظاهر أنّ الإحرام عقيب فريضة مقضيّة أفضل الدروس الشرعية ج 1، ص 258، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9] . (زين رحمه الله)
4- المنسك الكبير، ص 243 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18) ؛ السرائر، ج 1، ص 536

في غيره(1). وبعضُ الأصحاب جعل نيّة التلبية بعد نية الإحرام وإن حصل بها فصل(2)،وكثير منهم لم يعتبروا المقارنة بينهما مطلقاً، والنصوص خالية عن اعتبار المقارنة بل بعضُها صريح في عدمها(3).

و «لبيك» نصب على المصدر، وأصله «لباً لكَ» أي إقامةً أو إخلاصاً من «لَبَّ بالمكان إذا أقام به»، أو من «لب الشيء وهو خالصه». وتُنّي تأكيداً، أي إقامة بعد إقامة وإخلاصاً بعد إخلاص هذا بحسب الأصل، وقد صار موضوعاً للإجابة وهي هنا عن النداء الذي أمر الله تعالى به إبراهيم بأن يُؤَذِّن في الناس بالحج (4)، فَفَعَل. ويجوز كسر (إنّ) على الاستئناف، وفتحها بنزع الخافض وهو لام التعليل، وفي الأوّل تعميم فكان أولى.

( ولُبس ثوبي الإحرام (5)) الكائنين (من جنس ما يصلّي فيه) المُحرم، فلا يجوزان من جلدِ وصُوفِ وشَعْرِ ووَبَرِ ما لا يؤكل لحمه، ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية، ولا في الحرير للرجال، ولا في الشافّ مطلقاً، ولا في النجس غير المعفو منها في الصلاة. ويُعتبركونهما غير مخيطين ولا ما أشبه المخيط كالمُحيطِ من الكبد، والدرعِ المنسوج كذلك، والمعقود. واكتفى المصنف عن هذا الشرط بمفهوم جوازه للنساء(6).

يَأْتَزِر بأحدهما ويَرتَدِي بالآخر بأن يُغَطِّي به منكبيه، أو يَتَوشَحُ به بأن يغطّي أحدهما. وتجوز الزيادة عليهما لا النقصان والأقوى أن لبسهما واجبٌ لا شرط في صحته، فلو أخلَّ به اختياراً أَثِم وصح الإحرام.

ص: 343


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 243 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 459 ؛ والشهيد في المنسك الكبير، ص 245 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 77، ح 253.
4- الحج (22): 27
5- يستحبّ فيه النيّة وإن كان فعله واجباً. (زين رحمه الله)
6- يأتي عن قريب

(والقارنُ يَعقد إحرامه بالتلبية (1)) بعد نية الإحرام (أو بالإشعار، أو التقليد) المتقدمين، وبأتِهما بدأ استُحِبَّ الآخَرُ. ومعنى عقدِه بهما على تقدير المقارنة واضح، فبدونهما لا يقع أصلاً، وعلى المشهور يقع ولكن لا يحرُم به محرَّماتُ الإحرام بدون أحدهما .

(ويجوز) الإحرام في (الحريرِ والمَخيط للنساء) في أصح القولين(2) على كراهية ،دون الرجال والخُنائى.

(ويجزئ ) لُبسُ (القباء) أو القميص (مقلوباً) بجعل ذيله على الكتفين، أو باطنه ظاهره من غير أن يُخرج يديه من كُمَّيه، والأوّل أولى وفاقاً للدروس(3)، والجمع أكمل. وإنما يجوز لبس القباء كذلك (لو) فقد الرداء) ليكون بدلاً منه. ولو أخل بالقلب، أو أدخل يده في كُمّه فكلُبس المخيط.

(و) كذا يجزئ (السراويل لو فقد الإزار) من غير اعتبار قلبه. ولا فدية في الموضعين .

(ويُستحَبّ للرجل) بل لمطلق الذكر (رفع الصوت بالتلبية ) حيث يُحرم إن كان راجلاً بطريق المدينة أو مطلقاً بغيرها، وإذا عَلَت راحلته البيداء راكباً بطريق المدينة، وإذا أشرف على الأبطح متمتعاً. وتُسرُّ المرأة والخنثى، ويجوز الجهر حيث لا يسمع الأجنبي. وهذه التلبية غيرُ ما يعقد به الإحرام إن اعتبرنا المقارنة، وإلا جاز العقد بها وهو ظاهر الأخبار(4) .

(ولْيُجَدِّد عند مختلف الأحوال) بركوب ونزول، وعُلق وهبوط، وملاقاة أحد،

ص: 344


1- الأعجمي لو تعذر عليه التلبية يترجم بها مع تلبية آخر عنه. (زين رحمه الله)
2- ذهب إليه المفيد في أحكام النساء، ص 35 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ج 9) ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 531 : ذهب إلى المنع الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 75 ، ذيل الحديث 246: والصدوق في المقنع، ص 229
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 259 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- راجع وسائل الشيعة، ج 12، ص 369 - 373 الباب 34 و 35 من أبواب الإحرام.

ويقظة، وخصوصاً بالأسحار وأدبار الصلوات (ويضاف إليها التلبيات المستحبة) وهي« لبيك ذا المعارج لبيك» إلخ.

(ويقطعُها المتمتّعُ إذا شاهَدَ بيوت مكة ) و حَدُّها عَقَبةُ المدنيين إن دخلها من أعلاها، وعقبةُ ذي طُوَى من أسفلها، (والحاج إلى زوال عرفة، والمعتمر مفردةً إذا دخل الحرم) إن كان أحرم بها من أحد المواقيت وإن كان قد خرج لها من مكة إلى خارج الحرم فإذا شاهَدَ بيوت مكة؛ إذ لا يكون حينئذٍ بين أوّل الحرم وموضع الإحرام مسافة.

(والاشتراط) قبل نية الإحرام متصلاً بها بأن يَحُلَّه حيث حَبَسه. ولفظه المروي: «اللهمّ إنّي أُريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنة نبيك فإن عَرَض لي شيء يحيسني فحُلَّني حيث حَبَسْتَني لقدَرك الذي قدرت عليَّ، اللهم إن لم تكن حجّةً فعمرة، لك شعري وبَشَري ولحمي ودمي وعظامي ومُخّي وعَصَبي من النساء والثيابِ والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة»(1).

( ويُكره الإحرام في) الثياب (السُّودِ) بل مطلق الملونة بغير البياض كالحمراء ( والمُعَصْفَرةِ وشبهها) وقيَّدها في الدروس بالمُشْبِعة(2) فلايُكره بغيره، والفضلُ في البيض من القطن؛ (والنوم عليها )أي نومُ المحرم على الفُرش المصبوغة بالسوادِ والمعصْفَر وشبهه من الألوان.

(والوَسِخة) إذا كان الوَسَخ ،ابتداءً، أمّا لو عَرَض في أثناء الإحرام كُرِه غَسلها إلا لنَجاسة؛ (والمُعلَمةِ) بالبِناء للمجهول، وهي المشتملة على لونٍ آخَرَ يخالف لونها حالَ عملها، كالثوب المحوك من لونين، أو بعده بالطرز والصبغ (ودخول الحمام) حالة الإحرام.

(وتلبية المنادي) بأن يقول له «لبيك» لأنه في مقام التلبية الله فلايُشرِك غيره فيها،

ص: 345


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 77، ج 253.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 260 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

بل يُجِيبُه بغيرها من الألفاظ، كقوله: «يا سعد» أو «يا سعديك».

تروک الاحرام

(وأما التروك المحرمة فثلاثون:)

(صيد البر) وضابطه الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة ؛ ومن المحرَّمِ التَعلَبُ والأَرنب والضَبُ واليَربُوعُ والقنفذ والقُمْل والزنبور والعظاءة، فلا يحرم قتل الأنعام وإنْ توحشت، ولا صيد الضبع والنَّمِر والصفر وشبهها من حيوان البرّ، ولا الفَأْرةِ والحيّة ونحوهما.

ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها بل يحرم الإعانة عليه (ولو دَلالةً)عليها (وإشارةً) إليها بأحد الأعضاء، وهي أخصُّ من الدلالة ولا فرق في تحريمها على المحرم بين كون المدلول محرماً ومُحِلّاً، ولا بين الخَفِيّة والواضحة، نعم لو كان المدلولُ عالماً به بحيث لم يُفده زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها. وإنّما أطلق المصنِّفُ صيد البرّ مع كونه مخصوصاً بما ذكر تبعاً للآية(1)، واعتماداً على ما اشتهر من التخصيص.

(ولا يحرم صيد البحر، وهو ما يبيض ويُفرِخ) معاً (فيه) لا إذا تخلَّف أحدهما وإنْ لازم الماء كالبط. والمتولد بين الصيد وغيره يتبع الاسم، فإن انتفيا عنه وكان ممتنعاً فهو صيد إن لحق بأحد أفراده.

(والنساءُ بكلّ استمتاع) من الجماع ومقدّماتِه (حتى العقد) والشهادة عليه وإقامتها وإنْ تحمَّلَها مُحِلّاً، أو كان العقد بين مُحِلَّين؛ (والاستمناء) وهو استدعاء المنيّ بغير الجماع؛ (ولبسُ المَخيط) وإن قلت الخياطة، (وشبهه) مما أحاط كالدرع المنسوج، واللَبَدِ المعمول كذلك (وعقد الرداء) وتخليلُه وزَره ونحو ذلك، دون عقدِ الإزار ونحوه فإنّه جائز، ويُستثنى منه الهميان فيُعفى عن خياطته.

(ومطلقُ الطيب) وهو الجسم ذو الريح الطيبة المتَّخَذُ للشمّ غالباً غيرَ الرَياحِين،

ص: 346


1- المائدة (5): 96

كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد.

وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يُطلب منه الأكل، أو التداوي غالباً كالقَرَنْقُل والدارصيني وسائر الأبازير الطيبة فلا يحرم شمه، وكذا ما لا ينبت للطيب كالفُوتَنج والحِنّاء والعُصفُر. وأما ما يُقصد شمُّه من النبات الرطب كالورد والياسمين فهو ريحان والأقوى تحريمُ شمّه أيضاً وعليه المصنف في الدروس(1) ، وظاهره هنا عدم التحريم. واستثني منه الشيحُ والخَزامى والإِذْخِرُ والقَيصُومُ إن سمّيت ريحاناً.

ونبه بالإطلاق على خلاف الشيخ حيث خصّه بأربعة: المسك والعنبر والزعفران والوَرْسِ(2)، وفي قول آخَرَ له بستة بإضافة العُود والكافور إليها(3). ويُستثنى من الطيب خَلوقُ الكعبة والعِطرُ في المسعى (4).

(والقبضُ من كريه الرائحة) لكن لو فَعَل فلا شيء عليه غير الإثم، بخلاف الطيب ( والاكتحالُ بالسَوادِ والمُطَيَّب) لكن لا فِذية فى الأوّل، والثاني من أفراد الطيب (والادهان) بمُطَيَّب وغيره اختياراً، ولا كفارة في غير المطيب منه، بل الإثم.

(ويجوز أكل الدهنِ غيرِ المطيَّب) إجماعاً.

(والجدال، وهو قول « لا والله» و «بَلَى والله ») وقيل: مطلق اليمين(5)، وهو خيرة الدروس(6). وإنما يحرم مع عدم الحاجة إليه فلو اضطر إليه لإثباتِ حق أو نفي باطل فالأقوى جوازه، ولا كفارة.

(والفسوقُ ، وهو الكذب )مطلقاً؛ (والسبابُ) للمسلم، وتحريمهما ثابت في

ص: 347


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 288 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 299، ذيل الحديث 1012.
3- قال به في الخلاف، ج 2، ص 302، المسألة 88؛ والنهاية، ص 219
4- جواز العطر في المسعى. رواه هشام بن الحكم في الصحيح [تهذيب الأحكام، ج 4، ص 300، ح 1018] ولم يذكره كثير( منه رحمه الله)
5- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 184.
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 301 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

الإحرام وغيره، ولكنّه فيه آكد كالصوم والاعتكاف، ولا كفارة فيه سوى الاستغفار .

(والنظرُ في المرآة) بكسر الميم وبعد الهمزة ألف ولا فدية له (وإخراج الدم اختياراً) ولو بحَكٌ الجسد والسواك، والأقوى أنّه لا فدية له. واحترز بالاختيار عن إخراجه لضرورة كبَطّ جرح، وشَقٌ دُمّل، وحِجامةٍ، وفَضدِ عند الحاجة إليها فيجوز إجماعاً.

(وقلع الضرس )والرواية(1) به مجهولةٌ مقطوعةً، ومِن ثُمَّ أباحه جماعةٌ خصوصاً مع الحاجة (2). نعم يحرم من جهة إخراج الدم ولكن لا فدية له. وفي روايته أن فيه شاة.

(وقَصُّ الظُّفْر) بل مطلقُ إزالته أو بعضه اختياراً، فلو انكسر فله إزالته والأقوى أنّ فيه الفدية كغيره للرواية(3).

(وإزالة الشعر) بحلق ونتف وغيرهما مع الاختيار، فلو اضطر كما لو نَبَت في عينه جاز إزالته ولا شيء عليه. ولو كان التأذي بكثرته لحرّ أو قتل جاز أيضاً، لكن يجب الفداء ؛ لأنه محلُّ المؤذي لا نفسه. والمعتبر إزالته بنفسه، فلو كَشَطَ جِلدَةً عليها شَعرٌ فلا شيء في الشعر ؛ لأنه غير مقصود بالإبانة.

(وتغطية الرأس للرجل) بثوب وغيره، حتى بالطين والحنّاء والارتماس، وحمل متاع يستره أو بعضه. نعم يُستثنى عصام القربة، وعصابةُ الصُداع، وما يُستَر منه بالوسادة. وفي صدقه باليد وجهان، وقطع في التذكرة بجوازه(4)، وفي الدروس جَعَل

ص: 348


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 385 ، ح 1344.
2- منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 234؛ وحكاه عن ابن الجنيد وقال به أيضاً العلامة في مختلف الشيعة. ج 4، ص 193. المسألة 150.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 332، ح 1141 - 1142.
4- تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 331. المسألة 251.

تركه أولى(1)، والأقوى الجواز؛ لصحيحة معاوية بن عمار(2). والمراد بالرأس هنا مَنابِتُ الشعر حقيقةً أو حكماً، فالأذنان ليستا منه، خلافاً للتحرير(3).

(و) تغطية (الوجه) أو بعضه (للمرأة(4) )، ولا تصدق باليد كالرأس، ولا بالنوم عليه. ويُستثنى من الوجه ما يتم به ستر الرأس ؛ لأن مراعاة الستر أقوى، وحقَّ الصلاة أسبق.

(ويجوز لها سَدْل القناع إلى طَرَف أَنفِها (5)بغير إصابة وجهها )على المشهور، والنصُّ (6)خالٍ من اعتبار عدم الإصابة، ومعه لا يختص بالأنف، بل يجوز الزيادة. ويتخيّر الخنثى بين وظيفة الرجل والمرأة فتُغَطَّى الرأس أو الوجة، ولو جمَعَتْ بينهما كفّرتْ.

(والنقاب) للمرأة، وخصه مع دخوله في تحريم تغطية الوجه تبعاً للرواية(7)، وإلا فهو كالمستغنى عنه؛ (والحِنّاء للزينة) لا للسنّة، سواء الرجل والمرأة، والمرجع فيهما إلى القصد؛ وكذا يحرُم قبل الإحرام إذا بَقِيَ أثره إليه والمشهور فيه الكراهة وإن كان التحريم(8) أولى؛ (والتختُم للزينة) لا للسنة، والمرجع فيهما إلى القصد أيضاً.

(ولُبسُ المرأة ما لم تَعْتَدُهُ من الحُليّ(9)، وإظهار المعتاد) منه (للزوج) وغيره من .المحارم. وكذا يحرم عليها لبسه للزينة مطلقاً. والقول بالتحريم كذلك هو المشهور. ولا فدية له سوى الاستغفار

ص: 349


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 294 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 305، ح 1055.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 31، الرقم 2321.
4- والخنثى تغطّي ماشاءت من الوجه أو الرأس، ولو جمعت بينهما كفّرت الدروس الشرعية [ج 1 ، ص 295. ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9] . (زين رحمه الله)
5- الأعلى (زين رحمه الله)
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 73 ، ح 243.
7- تقدم آنفاً.
8- في الدروس الشرعية ج 1، ص 300، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 رجّح الكراهة ونسب التحريم إلى قول( منه رحمه الله )
9- لو لبسته وجب عليها شاة.( زين رحمه الله)

(ولُبس الخُفَّين للرجل وما يَستُر ظَهْرَ قدميه(1)) مع تسميته لبساً. والظاهر أنّ بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين.

(والتظليل للرجل الصحيح سائراً ) فلا يحرم نازلاً إجماعاً، ولا ماشياً إذا مر تحت المَحْمِل ونحوه. والمعتبر منه ما كان فوق رأسه، فلا يحرم الكونُ في ظلّ المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه واحترز بالرجل عن المرأة والصبي فيجوز لهما الظلُّ اتفاقاً، وبالصحيح عن العليل ومن لا يَتَحَمَّل الحرَّ والبَرْدَ بحيث يَشُق عليه بما لا يُتَحَمَّل عادةً، فيجوز له الظل لكن تجب الفدية.

(ولبس السلاح (2)اختياراً) في المشهور وإنْ ضَعُف دليله، ومع الحاجة إليه يُباحُ قطعاً، ولا فدية فيه مطلقاً.

( وقطع شجرِ الحرم وحشيشه) الأخضرين (إلّا الإِذْخِرَ وما يَنبُت في ملكه وعُودَي(3)المَحالة)- بالفتح - وهي البَكْرة الكبيرة التي يستقى بها على الإبل، قاله الجوهري(4). وفي تعدّي الحكم إلى مطلق البكرة نظر من ورودها لغةً مخصوصة، وكون الحكم على خلاف الأصل.

(وشجر الفواكه)، ويحرُم ذلك (5)على المُحلّ أيضاً، ولذا لم يذكره في الدروس (6)من محرمات الإحرام.

ص: 350


1- ويجوز للمرأة (زين رحمه الله)
2- كلّ آلة حديد تفري( زين رحمه الله )
3- الخشبتان اللتان يعلّق عليهما. (زين رحمه الله)
4- الصحاح، ج 3، ص 1817، «محل».
5- جواب عن سؤال يرد على الحكم بالصدقة بجميع القيمة مع أنها لو كانت موجودة فالمستحبّ التصدق بثلثها وإهداء ثلث أو بأكثر على قول فكيف يستحب هنا الصدقة بالجميع؟ والجواب أنه لا بعد في قيام مجموع القيمة فقام بعض العين للاختلاف وعلى استحباب الصدقة بالعين أجمع لا إشكال في الصدقة بالقيمة (منه رحمه الله)
6- راجع الدروس الشرعية، ج 1، ص 266 وبعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

(وقتلُ هوام الجسد) بالتشديد - جمع هامة وهى دوابه كالقُمَّل والقُراد. وفى إلحاق البرغوث بها قولان(1)، أجودهما العدم. ولا فرق بين قتله مباشرةً وتسبيباً كوضع دواء يقتله.

(ويجوز نقله ) من مكان إلى آخَرَ من جسده، وظاهرُ النصّ (2)والفتوى عدمُ اختصاص المنقول إليه بكونه مساوياً للأوّل، أو أحرز ؛ نعم لا يكفي ما يكون مَعرَضاً لسقوطه قطعاً، أو غالباً.

ص: 351


1- ذهب إلى الإلحاق الشيخ في النهاية، ص 229؛ وابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 184 ؛ وقال بعدم الإلحاق الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 458.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 336 ، ح 1161.

القول في الطواف

(ويُشترط فيه رفعُ الحدث). مقتضاه عدم صحته من المستحاضةِ والمتيمم ؛ لعدم إمكان رفعه في حقهما وإن استباحا العبادة بالطهارة. وفي الدروس أنّ الأصح الاجتزاء بطهارة «المستحاضة والمتيمّم مع تعذر المائية»(1) وهو المعتمد. والحكم مختص بالواجب، أمّا المندوب، فالأقوى عدم اشتراطه بالطهارة وإن كان أكمل وبه صرّح المصنّف في غير الكتاب(2).

(و) رفع (الخبث (3)) . واطلاقه أيضاً يقتضي عدم الفرق بين ما يُعفى عنه في الصلاة وغيره ، وهو يَتِمّ على قول مَن مَنَع من إدخال مطلق النجاسةِ المسجد(4) ؛ ليكون منهياً عن العبادة به ومختار المصنف تحريم المُلوّثة خاصة (5)فلْيَكُن هنا كذلك ؛ وظاهرُ الدروس القطعُ به(6)، وهو حسن، بل قيل بالعفو عن النجاسة هنا مطلقاً (7).

(والختان في الرجل )مع إمكانه فلو تعذر وضاق وقته سقط . ولا يُعتبر في المرأة، وأمّا الخنثى، فظاهر العبارة عدم اشتراطه في حقه واعتباره قوي لعموم

ص: 352


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 308 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 308 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- وإن عفي عنه في الصلاة. لو طاف في الواجب مع نجاسة الثوب فإن كان جاهلاً فلا إعادة، ولو كان ناسياً وعلم بعد فراغه أعاد الصلاة خاصة (زين رحمه الله)
4- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 482، المسألة 128.
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة، ص 173؛ حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 213، المسألة 166.

النصّ(1) إلا ما أجمع على خروجه، وكذا القولُ في الصبي وإن لم يكن مكلفاً كالطهارة بالنسبة إلى صلاته.

(وستر العورة )التي يجب سَترُها في الصلاة، ويختلف بحسب حال الطائف في الذكورة والأُنوثة.

(و)واجبه النيّةُ) المشتملة على قصده في النسك المعين من حج أو عمرة، إسلامي أو غيره، تمتع أو أحد قسيميه والوجه على ما مرّ، والقربة والمقارنة للحركة في الجزء الأوّل من الشوط.

(والبَدأَةُ بالحجر الأسود) بأن يكون أوّل جزء من بدنه بإزاء أول جزء منه حتى يَمُرَّ عليه كله ولو ظنّاً، والأفضل استقباله حال النية ظنّاً، والأفضل استقباله حال النية بوجهه للتأسي(2)، ثم يأخذ في الحركة على اليسار عقيب النية. ولو جعله على يساره ابتداءً جاز مع عدم التقية، وإلا فلا. والنصوص مصرّحة باستحباب الاستقبال(3)، وكذا جمع من الأصحاب(4)

(والختم به) بأن يحاذيه في آخر شوط كما ابتدأ أولاً ليَكمُلَ الشوط من غير زيادة ولا نقصان .

(وجعلُ البيت على يساره) حال الطواف فلو استقبله بوجهه أو ظهره أو جَعَله على يمينه ولو في خُطوة منه بطل.

(والطوافُ بينه وبين المقام ) حيث هو الآن مراعياً لتلك النسبة من جميع الجهات، فلو خرج عنها ولو قليلاً بطل. وتُحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن جعلناه خارجاً من البيت والظاهر أنّ المراد بالمقام نفس الصخرة لا ما عليه من

ص: 353


1- تهذيب الأحكام، ج 5. ص 126، ح 414.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 101، ح 329.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 101 - 102، ح 329 - 330.
4- منهم :الشيخ المفيد في المقنعة، ص 400 : الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 313 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9) : والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 190.

البناء، ترجيحاً للاستعمال الشرعي على العرفي لو ثبت.

(وإدخالُ الحِجر ) في الطواف للتأسي(1) والأمر به(2)لا لكونه من البيت، بل قد رُوِيَ أنّه ليس منه (3) أو أنّ بعضَه منه (4)، وأما الخروج عن شيءٍ آخَرَ خارج الحجر، فلا يُعتبَر إجماعاً.

(وخروجه بجميع بدنه عن البيت) فلو أدخل يده في بابه حالته أو مَشَى على شاذَرْوانِه ولوْ خُطوة أو مش حائطه من جهته ماشياً بطل، فلو أراد مسه وقف حالته لئلا يقطع جزءاً من الطواف غير خارج عنه.

(وإكمال السبع) من الحجر إليه شوط. (وعدم الزيادة عليها فيبطل إن تعمَّده) ولو خُطوة، ولو زاد سهواً فإن لم يُكمل الشوط الثامن تعيَّن القطع، فإن زاد فكالمتعمد، وإن بلغه تخير بين القطع وإكمال أسبوعين، فيكون الثاني مستحبّاً، ويقدّم صلاة الفريضة على السعي ويؤخّر صلاة النافلة.

(والركعتان خلف المقام (5)) حيث هو الآن أو إلى أحد جانبيه، وإنما أطلق فعلهما خلفه تبعاً لبعض الأخبار(6). وقد اختلفت عبارته في ذلك فاعتبر هنا خلفه، وأضاف إليه أحد جانبيه» في الألفية(7) ، وفي الدروس فعلهما في المقام «ولو منعه زَحام أو غيره صلى خلفه أو إلى جانبيه»(8)، والأوسط أوسط.

ويُعتبر في نيتهما قصد الصلاة للطواف المعيَّن متقرّباً، والأولى إضافة الأداء. ويجوز فعل صلاة الطواف المندوب حيث شاء من المسجد والمقام أفضل.

ص: 354


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 5، ص 146 ، ح 9319.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 469 ، ح 1643.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 469 ، ح 1643.
4- السنن الكبرى البيهقي ، ج 5، ص 145 ، ح 9317
5- يجب نيّة الأداء في ركعتي الطواف قبل تمام السعي وبعده. (زين رحمه الله)
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 137، ح 451.
7- الرسالة الألفية، ص 158 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 311 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

(وتواصل أربعة أشواط، فلو قطع) الطواف (الدونها بطل) مطلقاً (وإن كان الضرورة، أو دخول البيت) أو صلاة فريضة ضاق وقتها، وبعد الأربعة يباح القطع لضرورةٍ وصلاة فريضة ونافلةٍ يَخاف فوتها وقضاء حاجة مؤمن، لا مطلقاً.

وحيث يقطَعُه يجب أن يحفظ موضعه ليكمل منه بعد العود حذراً من الزيادة أو النقصان، ولو شكٍّ أخَذ بالاحتياط. هذا في طواف الفريضة، أما النافلة، فيبني فيها لعذر مطلقاً، ويستأنف قبل بلوغ الأربعة لا له مطلقا وفي الدروس أطلق البناء فيها مطلقاً(1).

(ولو ذَكَر) نُقصان الطواف (في أثناء السعي تَرتَّبَت صحته وبطلانه على الطواف) فإن كان نقصان الطواف قبل إكمال أربع استأنفهما، وإن كان بعده بنى عليهما وإن لم يتجاوز نصف السعي، فإنّه تابع للطواف في البناء والاستئناف.

(ولو شَكٍّ في العدد) أي عدد الأشواط (بعده) أي بعد فراغه منه (لم يلتفت) مطلقاً: (وفي الأثناء يبطل إن شكّ في النقيصة) كأن شك بين كونه تاماً أو ناقصاً، أو في عدد الأشواط مع تحققه عدم الإكمال.

(ويبني على الأقل إن شكّ في الزيادة على السبع(2)) إذا تحقق إكمالها إن كان على الركن، ولو كان قبله بطل أيضاً مطلقاً كالنقصان، لتردّده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمداً، والقطع المحتمل للنقيصة. وإنّما اقتصر عليه بدون القيد لرجوعه إلى الشك في النقصان.

(وأمّا نفلُ الطواف، فيبني) فيه ( على الأقلّ مطلقاً) سواءٌ شَكٍّ في الزيادة أم النقصان، وسواء بلغ الركن أم لا. هذا هو الأفضل، ولو بَنَى على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة جاز أيضاً كالصلاة.

(وسُنَتُه الغُسل) قبل دخول مكة (من بئر ميمون) بالأبطح (أو) بئر (فخ) على

ص: 355


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 311 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- مع محاذاته الحجر عند الشك، وإلا بطل. (زين رحمه الله)

فرسخ من مكة بطريق المدينة،( أو غيرهما، ومَضعُ الإذخر) بكسر الهمزة والخاء، ( ودخول مكة من أعلاها ) من عقبة المدنيين؛ للتأسي(1)، سواءٌ في ذلك المدني وغيره (حافياً) ونعله بيده (بسكينة) وهو الاعتدال في الحركة (ووَقار) وهو الطمأنينة في النفس وإحضار البال والخشوع.

(والدخولُ من باب بني شيبة) ليطأ هُبَلَ، وهو الآن في داخل المسجد بسبتوسعته بإزاء باب السلام عند الأساطين (بعد الدعاء بالمأثور ) (2)عند الباب.

(والوقوف عند الحجر) الأسود (والدعاء فيه) أي في حالة الوقوف مستقبلاً رافعاً يديه، (وفي حالات الطواف) بالمنقول(3)، (وقراءة القدر(4)، وذكر الله تعالى والسكينة في المشي) بمعنى الاقتصاد فيه مطلقاً في المشهور.

(والرَمَلُ) بفتح الميم، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطى دون الوثوب والعدو (ثلاثاً) وهي الأول، والمشي أربعاً) بقية الطواف (على قول) الشيخ في المبسوط في طواف القدوم خاصة(5)، وإنّما أطلقه لأن كلامه الآن فيه.

وإنّما يُستحبّ على القول به للرجل الصحيح دون المرأة والخنثى والعليل، بشرط أن لا يُؤذِي غيره ولا يَتَأذَى به ولو كان راكباً حرَّك دابته ولا فرق بين الركنين اليمانيين وغيرهما. ولو تركه في الأشواط أو بعضها لم يقضه.

(واستلام الحَجَر) بما أمكن من بدنه و «الاستلام» بغير همز المَسُّ من السلام- بالكسر - وهي الحجارة بمعنى مش ،السلام أو من السّلام وهو التحيّة، وقيل: بالهمز

ص: 356


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 454، ح 1588.
2- الكافي، ج 4، ص 401 ، باب دخول الحرم ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 102، ح 330
4- والقراءة في الطواف أفضل من الذكر فإن مرّ بسجدة وهو يطوف أو ما برأسه إلى الكعبة، لرواية الكليني [ الكافي، ج 4، ص 427 ، باب نوادر الطواف، ح 3 ]عن الصادق (عليه السلام). الدروس الشرعية [ج 1، ص 323، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9.]( زين رحمه الله )
5- المبسوط ، ج 1 ص 479

من اللأمة وهى الدرع (1)، كأنه اتخذه جُنَّةٌ وسلاحاً؛ (وتقبيله) مع الإمكان وإلّا استلمه بيده ثمّ قبلها: (أو الإشارة إليه) إن تعذرا، وليكن ذلك في كلّ شوط وأقله الفتح والختم.

(واستلام الأركان) كلّها كلما مر بها خصوصاً اليماني والعراقي، وتقبيلهما للتأسي(2): (و) استلام

(المُستجار في الشوط (السابع) وهو بحذاء الباب دون الركن اليماني بقليل.

(وإلصاق البطن) ببَشَرَته به في هذا الطواف لإمكانه، وتَتَأَدَّى السنة في غيره من طوافٍ مُجامِعِ للبس المخيط ولؤ من داخل الثياب؛ (و) إلصاق بشرة (الخدّ به) أيضاً (والدعاء وعد ذنوبه عنده مفصلةً ، فليس من مؤمن يُقِرّ لربه بذنوبه فيه إلا غفرها له إن شاء الله رواه معاوية بن عمار عن الصادق(عليه السلام) (3)، ومتى استلمَ حَفِظَ موضعَه بأن يُثبت رجليه فيه ولا يتقدم بهما حالته حذراً من الزيادة في الطواف أو النقصان.

(والتداني من البيت) وإن قلت الخُطى، فجاز اشتمال القليلة على مزيةٍ وثواب زائد عن الكثيرة وإن كان قد ورد في كلّ خطوة من الطواف سبعون ألف حسنة(4)، ويمكن الجمع بين تكثيرها والتداني بتكثير الطواف.

(ويُكرَه الكلام في أثنائه بغير الذكر والقرآن ) والدعاء والصلاة على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم). وما ذكرناه يمكن دخوله في «الذكر».

(مسائل)

[المسألة الأولى :] ( كلُّ طوافٍ) واجب (ركنُ) يبطل النسك بتركه عمداً كغيره من الأركان(إلّا طواف النساء) والجاهل عامد ولا يبطل بتركه نسياناً لكن يجب تداركه 6

ص: 357


1- حكاه عن ثعلب ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 570 : والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 8، ص 106 المسألة 470.
2- الكافي، ج 4، ص 404 ، باب المزاحمة على الحجر الأسود، ح 2.
3- الكافي، ج 4، ص 411، باب المزاحمة على الحجر الأسود، ح 5.
4- الكافي، ج 4، ص 412، باب فضل الطواف، ح 3.

(فيعود) إليه (وجوبا مع المُكنة) ولؤ من بلده.

(ومع التعذّر) والظاهر أنّ المراد به المشقة الكثيرة وفاقاً للدروس(1) ويُحتمل إرادة العجز عنه مطلقاً (يَستنيب) فيه.

ويتحقق البطلان بتركه عمداً وجهلاً بخروج ذي الحجة قبل فعله إن كان طواف الحجّ مطلقاً، وفي عمرة التمتع بضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله، وفي المفردةِ المُجامِعةِ للحج والمفردة عنه إشكال ويمكن اعتبار نية الإعراض عنه.

(ولو نَسِيَ طواف النساء) حتى خرج من مكة (جازت الاستنابة) فيه (اختياراً) وإنْ أمكن العود، لكن لو اتَّفق عوده لم يجز الاستنابة، أما لو تركه عمداً وجب العود إليه مع الإمكان. ولا تَحِلّ النساء بدونه مطلقاً حتى العقد، ولو كان امرأةً حرم عليها تمكين الزوج على الأصح، والجاهل عامدٌ كما مرّ.

ولو كان المنسى بعضاً من غير طواف النساء بعد إكمال الأربع جازت الاستنابة فيه. كطواف النساء.

[المسألة] :(الثانية: يجوز تقديم طوافِ الحجّ وسعيه للمفرد) وكذا القارن(على الوقوف) بعرفة اختياراً لكن يجدّدان التلبية عقيب صلاة كلّ طواف كما مرّ.

(و) كذا يجوز تقديمهما (للمتمتع عند الضرورة)، كخوف الحيض والنفاس المتأخرين، وعليه تجديد التلبية أيضاً، وطواف النساء لا يقدّم لهما ولا للقارن (إلّا الضرورة).

(وهو) أي طواف النساء (واجب في كلّ نُسك) حجّاً كان أم عمرةً (على كلّ فاعل للنسك (إلّا عمرة التمتع فلايجب فيها،( وأوجبه فيها بعض الأصحاب)(2) وهو ضعيف فيشمل قوله كل فاعل الذكر والأنثى، الصغير والكبير، ومَن يَقدِر على

ص: 358


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- لم نعثر عليه كما اعترف به في جواهر الکلام، ج 19، ص 407

الجماع وغيره، وهو كذلك إلّا أنّ إطلاق الوجوب على غير المكلف مجاز، والمراد أنه ثابت عليهم حتى لو تركه الصبي حرم عليه النساءُ بعد البلوغ حتى يفعله أو يُفعَل عنه.

(وهو متأخّرٌ عن السعي)، فلو قدَّمه عليه عامداً أعاده بعده، وناسياً يجزئ، والجاهل عامد.

[المسألة] (الثالثة: يحرُم) لُبس (البُرْطُلَّة) - بضم الباء والطاء وإسكان الراء وتشديد اللام المفتوحة - وهي قَلَنْسُوةٌ طويلة كانت تُلبس قديماً (في الطواف؛ لما رُوِيَ من النهي عنها معللا ب-«أنها من زيّ اليهود»(1). (وقيل) والقائل ابن إدريس(2). واستقربه في الدروس: (يختصّ) التحريمُ (بموضع تحريم ستر الرأس (3)) كطواف العمرة، لضعف مستند التحريم؛ وهو الأقوى. ويمكن حمل النهي على الكراهة بشاهد التعليل. وعلى تقدير التحريم لا يقدح في صحة الطواف؛ لأنّ النهي عن وصف خارج عنه، وكذا لو طاف لابساً للمخيط.

[المسألة] (الرابعة: رُوي عن عليّ ) بسند ضعيف (في امرأة نذَرَتْ الطواف على أربع )يدَيْها ورجلَيْها

(أنّ عليها طوافين) بالمعهود(4)، وعَمِل بمضمونه الشيخ (رحمه الله) (5)(وقيل) والقائل المحقق: (يُقتصر ) بالحكم (على المرأة) وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع النص، ويبطل في الرجل)؛ لأنّ هذه الهيئة غيرُ متعبَّدٍ بها شرعاً فلا ينعقد في غير موضع النص(6). (وقيل) والقائل ابن إدريس (رحمه الله):

ص: 359


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 134 ، ح 443.
2- السرائر، ج 1، ص 576
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 322 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 135، ح 446.
5- النهاية. ص 242 : المبسوط، ج 1، ص 483.
6- المختصر النافع، ص 168

( يبطل فيهما ) ؛ لما ذكر، واستضعافاً للرواية(1).

(والأقربُ الصحة فيهما) للنصّ، وضعف السند منجير بالشهرة، وإذا ثبت في المرأة ففي الرجل بطريق أولى والأقوى ما اختاره ابن إدريس من البطلان مطلقاً. وربما قيل: ينعقد النذرُ دون الوصف(2) ؛ ويُضعف بعدم قصد المطلق.

[المسألة] :(الخامسة: يُستحَبّ إكثارُ الطواف) لكلّ حاضر بمكة (ما استطاع وهو أفضل من الصلاة) تطوُّعاً (للوارد) مطلقاً، وللمجاور في السنة الأولى، وفي الثانية يَتَساوَيان فيُشَرِّك بينهما، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم.

(ولْيَكُن) الطوافُ (ثلاثمائة وستين طوافاً، فإن عجز ) عنها (جَعَلها أشواطاً ) فتكون أحداً وخمسين طوافاً ويبقى ثلاثة أشواط تُلحق بالطواف الأخير، وهو مستثنى من كراهة القران في النافلة بالنص(3). واستَحبَّ بعض الأصحاب إلحاقه بأربعةٍ أُخرى (4)؛ التصير مع الزيادة طوافاً كاملاً حذراً من القرآن واستحباب ذلك لا ينافي الزيادة، وأصل القرآن في العبادة مع صحتها لا ينافي الاستحباب؛ وهو حسن وإن استُحِبَّ الأمران.

[المسألة] :(السادسة: القِرآنُ) بين أسبوعين بحيث لا يجعل بينهما تراخياً، وقد يُطلق على الزيادة عن العدد مطلقاً (مبطل في طواف الفريضة ولا بأس به في النافلة وإن كان تركه أفضل، ونبه بأفضليّة تركه على بقاء فضل معه، كما هو شأن كلّ عبادة مكروهة.

وهل تتعلَّق الكراهة بمجموع الطواف أم بالزيادة؟ الأجود الثاني إن عَرَض قصدها بعد الإكمال وإلا فالأول. وعلى التقديرين فالزيادة يُستَحَق عليها ثواب في الجملة وإن قلّ.

ص: 360


1- السرائر، ج 1، ص 576
2- لم نعثر عليه، فراجع جواهر الکلام، ج 19، ص 401.
3- الكافي، ج 4، ص 429، باب نوادر الطواف، ح 14.
4- قال به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 170.

القول في السعي والتقصير

(ومقدّماتُه) كلّها مسنونة: (استلام الحجر) عند إرادة الخروج إليه، (والشرب من ،زمزم، وصبُّ الماء منه عليه) من الدلو المقابل للحَجَر وإلا فمن غيره. والأفضل استقاؤه بنفسه. ويقول عند الشرب والصبّ: «اللهم اجعله علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً وشفاء من كلّ داءٍ وسُقْمِ».

(والطهارة) من الحدث على أصح القولين(1)، وقيل: يُشترط(2) ومن الخبث أيضاً.

(والخروج من باب الصفا ) وهو الآن داخل في المسجد، كباب بني شيبة، إلا أنه مُعْلَم بأسطوانتين فلْيَخرُج من بينهما. وفي الدروس: الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما(3)أيضاً.

(والوقوف على الصفا ) بعد الصعود إليه حتّى يَرَى البيت من بابه (مستقبل الكعبة، والدعاء والذكرُ) قبل الشروع بقدر قراءة البقرة مترسلاً؛ للتأسي(4)؛ وليَكُن الذكرُ مائة تكبيرة وتسبيحةٍ وتحميدة وتهليلةٍ ثم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) مائةً.

( و واجبه النيّةُ ) المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرباً مقارنةً للحركة وللصفا بأن يَصعَدَ عليه فيجزئ من أي جزء كان منه، أو يُلصِقَ عَقِبَه به إن لم يصعد، فإذا وصل إلى المروة الصَقَ أصابع رجليه بها إن لم يدخلها ليستوعب سلوك

ص: 361


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 486 : وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 196.
2- حكاه عن ابن أبي عقيل العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 225، المسألة 181.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 145، ح 481.

المسافة التي بينهما في كلّ شوط.

(والبَدأة بالصفا والختم بالمروة ، فهذا شوط وعوده) من المروة إلى الصفا (آخَرُ، فالسابع) يَتِمّ (على المروة).

(وترك الزيادة على السبعة فيبطل) لو زاد (عمداً) ولو خُطوَةً، (والنقيصة فيأتي بها )وإن طال الزمان ؛ إذ لا تجب الموالاة فيه ، أو كان دون الأربع بل يبني ولو على شوط.

(وإن زاد سهواً تخيَّر بين الإهدار) للزائد و (تكميل أسبوعين) إن لم يذكر حتى أَكمَل الثامن، وإلا تعيّن إهداره ( كالطواف). وهذا القيد يمكن استفادته من التشبيه ،وأطلق في الدروس الحكم(1) وجماعة(2)، والأقوى تقييده بما ذُكر. وحينئذٍ فمع الإكمال يكون الثاني مستحبّاً. ولم يُشرع استحباب السعي إلّا هنا ولا يُشرع ابتداءً مطلقاً.

(وهو) أي السعى (ركن يبطل) النسك( بتعمد تركه) وإن جهل الحكم، لا بنسيانه بل يأتي به مع الإمكان، ومع التعذر يستنيب كالطواف، ولا يَحِلّ له ما يتوقف عليه من المحرمات حتى يأتي به كَمَلاً أو نائبه.

(ولو ظنَّ فِعله فواقع ) بعد أن أحلَّ بالتقصير (أو قلَّمَ) ظُفْرَه (فتبيَّن الخطأ) وأنّه لم يُتِمّ السعيّ (أتمَّه وكفّر ببقرة (3)) في المشهور استناداً إلى روايات دلت على

ص: 362


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 326 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- منهم: ابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 202؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 595، الرقم 2055.
3- اعلم أنّ المراد ب- «السعي» هنا سعي عمرة التمتع على ما تضمنته رواية سعيد [تهذيب الأحكام، ج 5، ص 153. ح 504]؛ إذ الحج لا يتأتى فيه ذلك؛ لحلقه فيه قبل السعي والعمرة المفردة لم يرد النص فيها، فاختصت عمرة التمتع على وجوب البقرة، فقد خالفت الأصول الممهدة من أربعة أوجه الأوّل: عدم إعذار الناسي، وهو خلاف الحديث. الثاني: وجوب البقرة في تقليم الأظفار والواجب شاة في مجموع الأظفار مع أن قوله: «فقلم أظفاره» صادق على ثلاثة أظفار، وفيها ثلاثة أمداد بالإجماع، وفي صورة النزاع تجب بقرة؛ لشمول النص. ويحتمل قوياً عدم تعلّق الحكم إلا بتقليم الأظفار أجمع. نعم يكفي أظفار اليدين عن أظفار الرجلين وبالعكس. الثالث: أنّ مع الجماع تجب البقرة، مع أنا إن اعتبرنا حكم النسيان لم يكن عليه شيء وإن الحقناه بالعامد كان الواجب بدنة. الرابع: مساواة الجماع في الكفّارة لتقليم الأظفار. والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيت (عليهم السلام). المهذب البارع [ج 2، ص 214 - 215]. (زین رحمه الله)

الحكم(1)، وموردها ظن إكمال السعى بعد أن سَعَى ستةَ أشواط.

والحكم مخالف للأصول الشرعيّة من وجوه كثيرة وجوب الكفّارة على الناسي في غير الصيد، والبقرة في تقليم الظفر أو الأظفار، ووجوبها بالجماع مطلقاً، ومساواته للقَلْم. ومن ثَمَّ أسقط وجوبها بعضُهم وحَمَلَها على الاستحباب(2)، وبعضُهم أوجبها للظنّ وإن لم تجب على الناسي(3)، وآخرون تَلَقَّوها بالقبول مطلقاً.

ويمكن توجيهه بتقصيره هنا في ظنّ الإكمال، فإنّ مَن سَعَى ستةً يكون على الصفا، فظنُّ الإكمال مع اعتبار كونه على المروة تقصير بل تفريط واضح؛ لكن المصنف وجماعة(4) فرضوها قبل إتمام السعي مطلقاً، فيشمل ما يتحقق فيه العذرُ كالخمسة. وكيف كان فالإشكال واقع.

(ويجوز قطعه لحاجة وغيرها) قبل بلوغ الأربعة وبعدها على المشهور، وقيل كالطواف (5)(والاستراحة في أثنائه )وإن لم يكن على رأس الشوط، مع حفظ موضعه حذراً من الزيادة والنقصان.

(ويجب التقصير) وهو إبانةُ الشَعرِ أو الظُّفْرِ بحديدٍ ونَتْفٍ وقَرضِ وغيرها (بعده) أي بعد السعي

(بمسماه) وهو ما يصدق عليه أنّه أخذ من شعر أو ظفر. وإنّما يجب التقصير متعيّناً (إذا كان سعي العمرة، ) أما في غيرها فيتخير بينه وبين الحلق (من الشعر) متعلّق بالتقصير. ولا فرق فيه بين شعر الرأس واللحية وغيرهما (أو الظفر) من اليد أو الرجل، ولو حَلَق بعض الشعر أجزأ وإنّما يحرم حلق جميع الرأس أو ما يصدق

ص: 363


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 153، ح 504 - 505.
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 456؛ والمحقق الحلّي في ترددات الشرائع، ج 1، ص 204.
3- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 551 والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 383.
4- كالمحقق الحلي في شرائع الإسلام، ج 1، ص 249؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، الرقم 2054.
5- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 441: وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 195؛ وسلار في المراسم. ص 123

عليه عرفاً.( وبه يتحلَّل من إحرامها) فيحل له جميعُ ما حُرّم بالإحرام حتى الوقاع.

(ولو حلق )جميع رأسه عامداً عالماً (فشاةٌ)، ولا يجزئ عن التقصير؛ للنهي(1)، وقيل: يجزئ لحصوله بالشروع(2) والمحرَّمُ متأخّرٌ وهو متجة مع تجدد القصد وناسياً أو جاهلاً لا شيء عليه. ويحرم الحلق ولو بعد التقصير.

(ولو جامع قبل التقصير عمداً فبدنةٌ للمُوسِر(3)، وبقرة للمتوسط، وشاةٌ للمُغسِر) والمرجع في الثلاثة إلى العرف بحسب حالهم ومحلّهم ولو كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.

(ويُستحبّ التشبه بالمُحرِمين بعده) أي بعد التقصير بترك لبس المخيط وغيرِه كما يقتضيه إطلاق النصّ(4) والعبارة، وفي الدروس اقتصر على التشبه بترك المخيط (5)؛ (وكذا) يُستحبّ ذلك( لأهل مكة في الموسم) أجمع، أي موسم الحج، أوله وصول الوفود إليهم محرمين، وآخِرُه العيد عند إحلالهم.

ص: 364


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 158 ، ح 525.
2- قال به العلّامة في منتهى المطلب، ج 10، ص 445
3- ولا يجزئ لو تعمد (زین رحمه الله)
4- الكافي، ج 4، ص 441، باب المتمتع ينسى أن يقصر .... ح 8
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

الفصل الخامس في أفعال الحج

اشارة

(وهي الإحرام والوقوفان، ومناسك منى، وطوافُ الحجّ وسعيه، وطوافُ النساء، ورمي الجمرات والمبيت بمنى ) والأركان منها خمسة : الثلاثة الأول، والطوافُ الأوَّل، والسعى.

القول في الإحرام والوقوفين

( يجب بعد التقصيرِ الإحرام بالحج على المتمتع) وجوباً موسعاً إلى أن يبقى للوقوف مقدار ما يمكن إدراكه بعد الإحرام من محله.

(ويُستحب) إيقاعه (يوم التَرْوِية) وهو الثامن من ذي الحجة، سُمِّي بذلك ؛ لأنّ الحاج كان يَتَروَّى الماءَ لعرفة من مكة؛ إذ لم يكن بها ماء كاليوم، فكان بعضهم يقول لبعض: «تَرَوَّيْتُم لِتَخرُجوا ؟ »(1) : (بعد صلاة الظهر) وفي الدروس: بعد الظهرين المُتَعَقِّبَين لسنة الإحرام الماضية(2)، والحكم مختص بغير الإمام والمضطر، وسيأتي استثناؤُهما.

(وصفته كما مر) في الواجبات والمندوبات والمكروهات.

(ثم الوقوفُ) بمعنى الكون (بعرفة من زوال التاسع إلى غروب الشمس(3)مقروناً بالنيّة )المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً بعد تحقق الزوال بغير فصل.

ص: 365


1- راجع لسان العرب، ج 5، ص 381، «روي».
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- والركن فيه مسماه الدروس الشرعية[ ج 1، ص 334، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9] (زين رحمه الله)

والركنُ من ذلك أمر كلّي وهو جزء من مجموع الوقت بعد النية ولو سائراً، والواجبُ الكلَّ .

(وحَدُّ عرفةَ من بَطْن عُرَنَة) بضم العين المهملة وفتح الراء والنون، (وثَوِيّة) بفتح المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المُتَناةِ من تحت المفتوحة، (ونَمِرَة) بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء، وهي بطن عُرَنَة فكان يَستَغني عن التحديد بها( إلى الأراك) بفتح الهمزة (إلى ذي المَجاز). وهذه المذكورات حدود لا محدود فلايصح الوقوف بها.

(ولو أفاض) من عرفة (قبل الغروب عامداً ولم يَعُدْ فبَدَنةٌ، فإن عجز صام ثمانيةً عشَرَ يوماً) سفراً أو حضراً، متتابعةً وغير متتابعة في أصح القولين(1)، وفي الدروس أوجب فيها المتابعة هنا وجَعَلَها في الصوم أحوط(2)، وهو أولى.

ولو عاد قبل الغروب فالأقوى سقوطها وإنْ أثِمَ. ولو كان ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه إن لم يعلم بالحكم قبل الغروب، وإلا وجب العود مع الإمكان، فإن أخلَّ به فهو عامد؛ وأمّا العود بعد الغروب، فلا أثر له. (ويُكرَه الوقوف على الجبل) بل في أسفله بالسفح (وقاعداً) أي الكون بها قاعداً (وراكباً)، بل واقفاً وهو الأصل في إطلاق الوقوف على الكون، إطلاقاً لأفضل أفراده عليه .

(والمستحبُّ المَبيتُ بمنى ليلة التاسع إلى الفجر). احترز بالغاية عن توهم سقوط الوظيفة بعد نصف الليل كمبيتها ليالي التشريق؛ (ولا يقطع محسّراً) بكسر السين، وهو حدّ منى إلى جهة عرفة (حتى تطلع الشمس).

(والإمام يخرج) من مكة( إلى منى قبل الصلاتين) الظهرين يوم التروية ليصليهما بمنى؛ وهذا كالتقييد لما أطلقه سابقاً من استحباب إيقاع الإحرام بعد الصلاة، المستلزم لتأخُر الخروج عنها،( وكذا ذو العذر ) كالهم والعليل والمرأةِ وخائف الزحام، ولا يتقيَّد

ص: 366


1- ذهب إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 222
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 211 و 334 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

خروجه بمقدار الإمام كما سلف، بل له التقدُّمُ بيومين وثلاثة.

(والدعاء عند الخروج إليها) أي إلى منى في ابتدائه (و) عند الخروج (منها) إلى عرفة ( وفيها) بالمأثور، (1)(والدعاء بعرفة ) بالأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام)(2)، خصوصاً دعاء الحسين (3)وولده زين العابدين(عليه السلام)(4)( وإكثار الذكر) الله تعالى بها. (وليذكُرُ إخوانه بالدعاء، وأقلهم أربعون).

روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت عبدالله بن جندب بالموقف فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه. مازال ماداً يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتّى تَبلُغ الأرضَ. فلما انصرف الناس قلت يا أبا محمّد! ما رأيتُ موقفاً قطّ أحسن من موقفك! قال: والله ما دَعَوتُ فيه إلّا لإخواني، وذلك ؛ لأنّ أبا الحسن موسى (عليه السلام)أخبرني أنّه مَن دَعَا لأخيه بظهر الغيب نُودِيَ من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله وكرهت أن أدع مائة ألف ضعف لواحدة لا أدري تستجاب أم لا(5).

وعن عبدالله بن جندب: قال: كنتُ في الموقف فلمّا أفضتُ أتيتُ إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه وكان مُصاباً بإحدى عينيه وإذا عينه الصحيحة حمراء كأَنها عَلَقةُ دمٍ. فقلت له: قد أُصِبتَ بإحدى عينيك وأنا والله مُشفِقٌ على الأُخرى، فلو قَصَرتَ من البكاء قليلاً. قال: لا والله يا أبا محمد! ما دعوتُ لنفسي اليوم دعوةً. قلت: فلِمَن دعوت؟ قال: دعوتُ لإخواني ؛ لأني سمعت أباعبدالله(عليه السلام) يقول: «من دَعَا لأخيه بظهر الغيب وكَّل الله به مَلَكاً يقول : ولَك مثلاه فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني والملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي ولستُ في شك من دعاء المَلَك لي(6).

ص: 367


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 177 ، ح 595.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 182 ، ح 611 .
3- إقبال الأعمال، ج 2، ص 74 : البلد الأمين، ص 251.
4- الصحيفة السجادية، ص 461 - 472، الدعاء 48.
5- الكافي، ج 4، ص 465، باب الحج ، ح 7.
6- الكافي، ج 4، ص 465، باب الحج ، ح 9.

(ثمّ يُفيض) أي ينصرف، وأصله الاندفاع بكثرة، أُطلق على الخروج من عرفة لما يتَّفق فيه من اندفاع الجمع الكثير منه كإفاضة الماء، وهو متعد لا لازم؛ أي يُفيض نفسَه (بعد غروب الشمس ) المعلوم بذهاب المشرقية بحيث لا يقطع حدود عرفة حتى تغرُبَ (إلى المشعر) الحرام (مقتصداً) متوسطاً (في سيره، داعياً إذا بلغ الكثيب الأحمر) عن يمين الطريق بقوله : «اللهم ارحم موقفي ، وزِدْ في عملي، وسلم لي ديني، وتقبَّل مناسكي(1)، اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبداً ما أبقيتَني»(2)

(ثمّ يقف به )أي يكون بالمشعر(ليلاً إلى طلوع الشمس. والواجب الكون )واقفاً كان أم نائماً أم غيرهما من الأحوال (بالنية) عند وصوله. والأولى تجديدها بعد طلوع الفجر لتغاير الواجبين، فإنّ الواجب الركني منه اختياراً المسمى فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والباقي واجب لا غير كالوقوف بعرفة.

(ويُستحبّ إحياء تلك الليلة) بالعبادة (والدعاء والذكرُ والقِراءَة)، فمن أحياها لم يَمُت قلبه يوم تموت القلوب.

(ووطءُ الصّرورة المَشعر برجله ) ولو في نعل أو ببعيره. قال المصنف في الدروس والظاهر أنه المسجد الموجود الآن(3)؛ (والصعود على قُزَح) بضم القاف وفتح الزاى المعجمة - قال الشيخ (رحمه الله) هو المشعر الحرام، وهو جبل هناك يُستحب الصعود عليه(4) ؛ (وذكر الله عليه) و «جَمْع» أعم منه.

(مسائل:)

(كلُّ من الموقفين ركن) وهو مسمّى الوقوف في كلّ منهما ( يبطل الحج بتركه عمداً ولا يبطل) بتركه (سهواً) كما هو حكم أركان الحج أجمع. (نعم لو سها عنهما معاً

ص: 368


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 187، ح 623.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 187 ، ح 622.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 337 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- المبسوط، ج 1 ، ص 493

(بطل). وهذا الحكم مختصّ بالوقوفين، وفواتُهما أو أحدهما لعذر كالفوات سهواً.

ولكلّ من الموقفين اختياري واضطراري، فاختياري عرفة ما بين الزوال والغروب واختياري المشعر ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، (واضطراري عرفة ليلة النحر) من الغروب إلى الفجر (واضطراري المشعر) من طلوع شمسه (إلى زواله).

وله اضطراري آخَرُ أقوى منه ؛ لأنه مشوب بالاختياري، وهو اضطراري عرفة ليلة النحر. ووجه شويه اجتزاء المرأة به اختياراً، والمضطر والمتعمّد مطلقاً مع جبره بشاة والاضطراري المحضُ ليس كذلك. والواجب من الوقوف الاختياري الكل، ومن الاضطراري الكلّى كالركن من الاختياري.

وأقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية أربعة مفردة وهي كلّ واحد من الاختياريين والاضطراريين وأربعة مركبة وهي الاختياريان والاضطراريان واختياري عرفة مع اضطراري المشعر وعكشه.

(وكلُّ أقسامه يجزئ ) فى الجملة لا مطلقاً فإنّ العامد يبطل حجه بفوات كل واحد من الاختياريين (إلّا الاضطراري الواحد(1) ) فإنّه لا يجزئ مطلقاً على المشهور، والأقوى إجزاء اضطراري المشعر وحده؛ لصحيحة عبدالله بن مسكان عن الكاظم (عليه السلام)(2).

أمّا اضطراريه السابق فمُجْز مطلقاً كما عرفت ولم يَستثْنِه هنا ؛ لأنه جعله من قسم الاختياري حيث خَصَّ الاضطراري بما بعد طلوع الشمس، ونبه على حكمه أيضاً بقوله:

(ولو)أفاض قبل الفجر عامداً فشاة ) وناسياً لا شيء عليه. وفي إلحاق الجاهل

ص: 369


1- أقسام الوقوف ثمانية: الأول: اختياري عرفة. الثاني: اختياري المشعر الثالث اختياريهما. الرابع: اضطراريهما. الخامس: اختياري عرفة واضطراري المشعر السادس: عكسه. وهذه الستة مجزئة إجماعاً، إلا الاضطراريين: فإنّهما على الأقوى اضطراري عرفة، واضطراري المشعر. وهذان غير مجزء بن على المشهور (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 291، ح 989. فيه: عبد الله بن المغيرة بدل عبدالله مسكان لتوضيح السند راجع مدارك الأحكام، ج 7، ص 408.

بالعامد كما في نظائره أو الناسى قولان(1)، وكذا في ترك أحد الوقوفين(2).

(ويجوز) الإفاضة قبل الفجر (للمرأة والخائف) بل كلّ مضطر كالراعي والمريض والصبي مطلقاً ورفيق المرأة (من غير جبر)، ولا يخفى أنّ ذلك مع نية الوقوف ليلاً كما نبه عليه بإيجابه النية له عند وصوله.

(وحد المشعر ما بين الحِياض والمَأْزِمين) - بالهمز الساكن ثم كسر الزاي المعجمة - وهو الطريق الضيق بين الجبلين ووادي محسّر) وهو طرَفُ منى كما سبق، فلا واسطة بين المشعر ومنى.

( ويُستحبّ التقاط حَصَى الجمار منه لأنّ الرمي تحيّة لموضعه كما مرّ، فينبغي التقاطه من المشعر لئلا يشتغل عند قدومه بغيره، (وهو سبعون) حَصاةٌ. ذَكَّر الضمير لعوده على الملقوطِ المدلول عليه بالالتقاط. ولو التقط أزيد منها احتياطاً حذراً من سقوط بعضها أو عدم إصابته فلا بأس.

(والهَروَلةُ) وهي الإسراع فوق المشي ودون العدو كالرَمَل (في وادي محسّر ) للماشي، والراكب فيحرّك دابته ؛ وقدرُها مائة ذراع أو مائهُ خُطوَةٍ. واستحبابها مؤكَّد حتى لو نسيها رجع إليها وإن وصل إلى مكة (داعياً) حالة الهرولة (بالمرسوم) وهو: «اللهم سّلّم عهدي، واقبل توبتي، وأجب دعوتي، واخلفني فيمن تركتُ بعدي»(3).

القول في مناسك مِنى

جمع منسك، وأصله موضع النسك وهو العبادة ثمّ أُطلق اسم المحلّ على الحال. ولو عبَّر بالنُسُك كان هو الحقيقة . ومنى - بكسر الميم والقصر : اسم مذكّر منصرف

ص: 370


1- قال الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 494 : النهاية، ص 252: لا بأس به : راجع منتهى المطلب، ج 11، ص 91
2- راجع مختلف الشيعة، ج 4، ص 264، المسألة 218.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 192، ح 637.

قاله الجوهري(1)، وجوَّز غيره تأنيته (2)، سُمِّي به المكان المخصوص؛ لقول جبرئيل فيه لإبراهيم : «تَمَنَّ على ربِّك ما شئت»(3) .

ومناسكها (يوم النحر) ثلاثةٌ (وهي رمي جَمْرَةِ العقبة) التي هي أقرب الجَمَرات الثلاثِ إلى مكة، وهي حدُّها من تلك الجهة،(ثمّ الذبحُ، ثمّ الحلقُ ) مرتباً كما ذُكِر ،(فلو عكس عمداً أَثِمَ وأجزأ).

(و تجب النية في الرمي) المشتملة على تعيينه، وكونه في حج الإسلام أو غيره، والقربة، والمقارنة لأوّله. والأولى التعرُّضُ للأداء والعدد. ولو تداركه بعد وقته نَوَى القضاء.

(وإكمال السبع)، فلا يجزئ ما دونها، ولو اقتصر عليه استأنف إن أخلَّ بالموالاة عرفاً ولم يبلغ الأربع، ولو كان قد بلغها قبل القطع كفاه الإتمام. (مصيبةً للجَمْرة) وهي البناء المخصوص أو موضعُه وما حوله ممّا يجتمع من الحصى، كذا عرَّفها المصنّف في الدروس(4). وقيل: هي مَجمَع الحصى دون السائل(5). وقيل: هي الأرض(6). ولو لم يُصِبْ لم يُحتَسَب. ولو شكٍّ في الإصابة أعاد لأصالة العدم.

ويُعتبر كون الإصابة (بفعله)، فلا يجزئ الاستنابة فيه اختياراً، وكذا لو حصلت الإصابة بمعونة غيره ولو حصاةً أُخرى. ولو وثبت حصاة بها فأصابت لم يحتسب الواثبه، بل المرميّة إن أصابت. ولو وقعت على ما هو أعلى من الجَمْرة ثم وقعت فأصابت كفى، وكذا لو وقعت على غير أرض الجَمْرة ثم وثبت إليها بواسطة صدم الأرض وشبهها.

ص: 371


1- الصحاح، ج 4، ص 2498، «منى».
2- كالفيومي في المصباح المنير، ص 283، «منى».
3- علل الشرائع، ج 2، ص 142 ، الباب 172، ح 1 - 2.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- حكاه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 ): راجع لسان العرب ،ج 2، ص 350 و 351، «جمر».
6- نسبه إلى عليّ بن بابويه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) : لاحظ لسان العرب، ج 2، ص 350 ، «جمر».

واشتراط كون الرمى بفعله أعم من مباشرته بيده وقد اقتصر هنا وفي الدروس عليه (1)، وفي رسالة الحج اعتبر كونه مع ذلك باليد(2) وهو أجود.

(بما يُسمَّى رمياً). فلو وضعها أو طرحها من غير رمى لم يُجزئ : لأن الواجب صدقُ اسمِه، وفي الدروس نَسَب ذلك إلى قول (3)وهو يدلّ على تمريضه، (بما يُسمَّى حجراً)، فلا يجزئ الرمي بغيره ولو بخروجه عنه بالاستحالة. ولا فرق فيه بين الصغير والكبير ولا بين الطاهر والنجس، ولا بين المتصل بغيره - كفص الخاتم لو كان حجراً حرمياً - وغيره، (حرميّاً)، فلا يجزئ من غيره، ويُعتبر فيه أن لا يكون مسجداً، لتحريم إخراج الحصى منه المقتضي للفساد في العبادة.

(بكْراً) غير مرمي بها رمياً صحيحاً، فلو رُمي بها بغير نية أو لم يُصِب لم يخرج عن كونها بكراً. ويُعتبر مع ذلك كله تلاحق الرمي، فلا يجزئ الدفعة وإن تلاحقت الإصابة، بل يُحتسب منها واحدةٌ، ولا يُعتبر تلاحق الإصابة.

(ويُستحبّ البُرْشُ) المشتملة على ألوان مختلفة بينها وفي كل واحدة منها، ومن ثُمّ اجتزأ بها عن المُنقَطَة، لا كما فَعَل في غيره(4) ، وغيرُه (5)؛ ومَن جمع بين الوصفين أراد بالبرش المعنى الأوّل، وبالمنقطة الثاني: (المُلتَقَطَةُ) بأن يكون كل واحدة منها مأخوذةً من الأرض منفصلةً، واحترز بها عن المُكَسَّرة من حَجَر، وفي الخبر: التقط الحصى ولا تَكسِرَنَّ منه شيئاً»(6) (بقدر الأنملة) بفتح الهمزة وضم الميم رأس الإصبع .

(والطهارة) من الحدث حالة الرمي في المشهور جمعاً بين صحيحة محمد بن مسلم

ص: 372


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- المنسك الكبير، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 343 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 494 ؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 616، الرقم 2109.
6- الكافي، ج 4، ص 477، باب حصى الجمار من أين يؤخذ ، ح 4.

الدالّة على النهي عنه بدونها(1) ورواية أبي غَسَانَ بجوازه على غير طهر(2)، كذا علله المصنف (3)وغيره(4)، وفيه نظر؛ لأنّ المجوّزة مجهولة الراوي فكيف يُؤوَّل الصحيحُ لأجلها؛ ومن ثَمَّ ذهب جماعة من الأصحاب منهم المفيد والمرتضى إلى اشتراطها (5)والدليل معهم. ويمكن أن يريد طهارة الحَصى فإنّه مستحب أيضاً على المشهور، وقيل بوجوبه(6). وإنّما كان الأوّلُ أرجح ؛ لأنّ سياق أوصاف الحصى أن يقول: «الطاهرة» ليَنتظِمَ مع ما سبق منها. ولو أريد الأعم منهما كان أولى.

(والدعاء) حالة الرمي وقبله وهي بيده بالمأثور(7) (والتكبير مع كل حصاة) ويمكن كون الظرف للتكبير والدعاء معاً (وتباعد) الرامي عن الجَمْرة (نحو خمس عشرة ذراعاً) إلى عشر؛ (ورميها خَذْفاً) والمشهور في تفسيره أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى ويدفعها بظفر السبّابة(8)، وأوجبه جماعة منهم ابن إدريس بهذا المعنى والمرتضى (9) ، لكنّه جَعَل الدفع بظفر الوسطى.

وفي الصحاح الخذفُ بالحصى الرمي بها بالأصابع(10)وهو غيرُ منافٍ للمروي الذي فسروه به بالمعنى الأوّل ؛ لأنه قال في رواية البزنطي عن الكاظم : «تَحْذِفُهنَّ خَذْفاً وتضعها على الإبهام، وتدفعها بظفر السبابة»(11). وظاهر العطف أنّ ذلك أمر زائد

ص: 373


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 197 - 198، ح 659 .
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 198، ح 660.
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 345 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 273 - 274، المسألة 224.
5- المقنعة، ص 417 : الجمل العلم والعمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 68 .
6- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 181.
7- الكافي، ج 4، ص 478، باب يوم النحر ومبتدأ الرمي .... ح 1.
8- كما في مختلف الشيعة، ج 4، ص 272، المسألة 223؛ و مسالك الأفهام، ج 2، ص 294
9- السرائر، ج 1، ص 590 ؛ الانتصار، ص 260. المسألة 144
10- الصحاح، ج 3، ص 1347، «خذف».
11- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 197، ح 656.

على الخذف، فيكون فيه سنتان إحداهما: رميها خذفاً بالأصابع لا بغيرها وإن كان باليد، والأُخرى: جعله بالهيئة المذكورة، وحينئذٍ فتَتَأَدَّى سنة الخذف برميها بالأصابع كيف اتفق، وفيه مناسبة أُخرى للتباعد بالقدر المذكور، فإنّ الجمع بينه وبين الخذف بالمعنيين السابقين بعيد. وينبغي مع التعارض ترجيح الخذف، خروجاً من خلاف مُوجِبه.

( واستقبالُ الجَمْرة هنا ) أي في جمرة العقبة، والمراد باستقبالها كونه مقابلاً لها لا عالياً عليها، كما يظهر من الرواية: «ازمها من قِبَل وجهها ولاتريها من أعلاها»(1) وإلا فليس لها وجه خاص يتحقق به الاستقبال وليكن مع ذلك مستدبراً للقبلة (وفي الجمرتين الأخرَيَين يَستقبل القبلة).

(والرمي ماشياً (2)) إليه من منزله لا راكباً. وقيل: الأفضل الرمي راكباً، تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) (3): ويُضعف بأنه (صلی الله علیه وآله وسلم)رَمَى ماشياً أيضاً، رواه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)(4).

(ويجب في الذبح) لهدي التمتّع (جَذَعٌ من الضأن) قد كمل سنه سبعة أشهر، وقيل: ستة(5) (أو ثَنِيُّ من غيره) وهو من البقر والمغز ما دخل في الثانية، ومن الإبل في 5 السادسة (تام الخلقة)، فلا يجزئ الأَعورُ - ولؤ ببياض على عينه - والأعرجُ والأجربُ، ومكسورُ القَرْنِ الداخل، ومقطوع شيء من الأُذُن، والخَصِيُّ والأبتر، وساقط الأسنان لكبَرٍ وغيره، والمريضُ، أمّا شَقُ الأذن من غير أن يَذهَب منها شيء، وتَقْبه ووَسْمُها، وكسر القرن الظاهر، وفَقْدُ القرنِ والأذن خِلقَةٌ، ورَضُ الخُصْيَّتين، فليس بنقص وإن كره الأخير.

(غيرُ مهزول) بأن يكون ذا شَحْمٍ على الكليتين وإنْ قل.

ص: 374


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 198، ح 661.
2- ويجوز أن يرميها راكباً وماشياً. والركوب أفضل؛ لأن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) رماها راكباً. (زين رحمه الله)
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 495 ؛ ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 591
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 267، ح 912
5- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 624 ، الرقم 2136.

(ويكفي فيه الظنُّ) المستند إلى نظر أهل الخبرة؛ لتعذَّر العلم به غالباً، فمتى ظنَّه كذلك أجزاً وإن ظهر مهزولاً لتعبده بظنّه (بخلاف ما لو ظهر ناقصاً، فإنّه لا يجزئ)؛ لأنّ تمام الخلقة أمرٌ ظاهر فتبيُّنُ خلافه مستند إلى تقصيره.

وظاهر العبارة أنّ المراد ظهورُ المخالفة فيهما بعد الذبح؛ إذ لو ظهر التمامُ قبله أجزاً قطعاً. ولو ظهر الهزال قبله مع ظنّ سِمَنِه عند الشراء؛ ففي إجزائه قولان(1)، أجودُهما الإجزاء، للنصّ(2) وإن كان عدمه أحوط.

ولو اشتراه من غير اعتبار، أو مع ظنّ نقصه أو هزالِه لم يُجزِ، إلّا أن تظهر الموافقةُ قبل الذبح. ويُحتمل قوياً الإجزاء لو ظهر سميناً بعده؛ لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق(عليه السلام) (3).

(ويُستحبّ أن يكون ممّا عُرّف به ) أي حضر عرفات وقت الوقوف، ويكفي قول بائعه فيه (سمينا) زيادةً على ما يُعتبر فيه (يَنظُر ويمشي ويَبرُك في سواد)؛ الجار متعلّق بالثلاثة على وجه التنازع، وفي رواية: ويبعر في سواد»(4)، إما بكون هذه المواضع وهي العينُ والقوائم والبطنُ والمِبْعَر - سوداً، أو بكونه ذا ظلّ عظيم لسِمَنِه وعِظَمِ جُنَّتِه بحيث ينظر فيه ويبرك ويمشي مجازاً في السِمَن، أو بكونه رَعَى ومَشَى ونَظَر وبَرَك وبَعَر في السواد وهو الخُضْرة والمَرعَى زماناً طويلاً فسَمنَ لذلك. قيل: والتفسيرات الثلاثة مروية عن أهل البيت (عليهم السلام)(5).

( إناثاً من الإبل والبقر ، ذكراناً من الغنم) وأفضله الكبش والتيس من الضَان والمَعْز.

ص: 375


1- ذهب إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 241
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 211، ح 712.
3- الكافي، ج 4، ص 491، باب ما يستحب من الهدي .... ح 15.
4- دعائم الإسلام، ج 1، ص 326.
5- حكاه عن الراوندي الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 353 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) ؛ للأحاديث راجع تهذيب الأحكام، ج 5، ص 205، ح 684 - 686.

(و تجب النيّةُ) قبل الذبح مقارنةً له. ولو تعذر الجمع بينها وبين الذكر في أوله قدمها عليه مقتصراً منه على أقله، جمعاً بين الحقين (ويتولاها الذابح ) سواء كان هو الحاج أم غيرُه؛ إذ يجوز الاستنابة فيهما اختياراً، ويُستحب نيتهما، ولا يكفي نية المالك وحده. (ويُستحَبّ جعْلُ يده) أي الناسك (معه) مع الذابح لو تغايرا.

(و) يجب (قسمته بين الإهداء) إلى مؤمن (والصدقة) عليه مع فقره (والأكل(1)). ولا ترتيب بينها، ولا يجب التسوية، بل يكفي من الأكل مسماه، ويُعتبر فيهما أن لا ينقص كلُّ منهما عن ثلثه وتجب النية لكلّ منها مقارنة للتناول أو التسليم إلى المستحق أو وكيله. ولو أخلَّ بالصدقةِ ضَمِن الثلث، وكذا الإهداء إلّا أن يجعله صدقةً، وبالأكل يَأْثَم خاصة.

(ويستحبّ نحر الإبل قائمةً قد رُبطَت ) يداها مجتمعتين (بين الخُفّ والركبة)؛ ليَمنَع من الاضطراب، أو تُعقل يدُها اليُسرى من الخُفُّ إلى الركبة ويُوقِفُها على اليمنى، وكلاهما مروي(2) :( وطَعنُها من )الجانب (الأيمن) بأن يقف الذابح على ذلك الجانب ويطعنها في موضع النحر فإنّه متحد؛ (والدعاء عنده) بالمأثور(3).

(ولو عجز عن السمين فالأقرب إجزاء المهزول، وكذا الناقص) لو عجز عن التام، للأمر بالإتيان بالمستطاع(4) المقتضي امتثاله للإجزاء؛ ولحسنة معاوية بن عمار : «إن لم تجد فما تَيَسَّر لك»(5). وقيل: ينتقل إلى الصوم (6)؛ لأن المأمور به هو الكامل فإذا تعذر انتقل إلى بدله وهو الصوم.

ص: 376


1- اختلف علماؤنا في وجوب الذكر أو استحبابه. وعلى الوجوب لا يضمن بتركه، بل بترك الصدقة؛ لأنه المطلوب الأصلي من الهدي، ولو أخل بالإهداء فإن كان بسبب أكله ضمن وإن كان بسبب الصدقة فلا. (زين رحمه الله)
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 220 - 221، ح 743 - 745.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 221، ح 745 - 746.
4- صحيح مسلم، ج 2، ص 975، ح 412/1337 : سنن ابن ماجة، ج 1، ص 3، ح 2 : عوالي اللآلي، ج 4، ص 58، ح 206.
5- الكافي، ج 4، ص 490 ، باب ما يستحب من الهدى، ح 9.
6- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 241

(ولو وجد الثمن دونه) مطلقاً (خلَّفه عند من يشتريه ويُهدِيه ) عنه من الثقات إن لم يُقِم بمكة (طول ذي الحِجّة). فإن تعذَّر فيه فمن القابل فيه ويسقط هنا الأكلُ فيصرِف الثلثين في وجههما ويتخيَّر في الثلث الآخر بين الأمرين، مع احتمال قيام النائب مقامه فيه. ولم يتعرَّضوا لهذا الحكم.

( ولو عجز(1)) عن تحصيل الثقة أو (عن الثمن) في محلّه ولو بالاستدانة على ما في بلده والاكتساب اللائق بحاله وبيع ما عدا المستثنيات ما عدا المستثنيات في الدين (صام) بدله عشرةَ :أيام (ثلاثةَ) أيام (فى الحج متوالية (2)) إلا ما استثني (بعد التلبس بالحج) ولو من أوّل ذي الحجة، ويُستحب السابع وتالياه، وآخِرُ وقتها آخِرُ ذي الحجة؛ (وسبعةً إذا رجع إلى أهله) حقيقةً، أو حكماً كمن لم يرجع فينتظر مدةً لو ذهب لَوَصَل أهله عادةً، أو مُضيَّ شهرٍ ويُفهم من تقييد الثلاثة بالموالاة دون السبعة عدم اعتبارها فيها وهو أجود القولين، وقد تقدم.(3)

(ويتخيَّر مولى) المملوكِ (المأذون) له في الحجّ ( بين الإهداء عنه وبين أمره بالصوم ) ؛ لأنه عاجز عنه ففرضُه الصومُ ، لكن لو تبرع المولى بالإخراج أجزاء كما يجزئ عن غيره لو تبرع عليه متبرّع والنصّ ورد بهذا التخيير(4). وهو دليل أنه لا يملك شيئاً وإلّا اتَّجه وجوبُ الهدي مع قدرته عليه ، والحَجْرُ عليه غيرُ مانع منه كالسفيه.

( ولا يجزئ) الهدي ( الواحد إلّا عن واحد ولو عند الضرورة ) على أصح الأقوال(5) .

ص: 377


1- المعتبر بالقدرة على الثمن في موضعه لا في بلده. نعم، لو عم تمكن من الاستدانة على ما في بلده فالأشبه الوجوب الدروس الشرعية (ج 1، ص 356، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)
2- ولو نسي صيام الثلاثة في الحج صامها في أهله متوالية، ولو تعمد تأخيرها أثم وجاز صومها حضراً إن كان في ذي الحجة (زين رحمه الله)
3- تقدّم في ص 289 ، كتاب الصوم المسألة الثامنة.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200، ح 666-667
5- ذهب إليه المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 234 - 235.

وقيل: يجزئ عن سبعة وعن سبعين أولي خوانٍ واحد(1)قال به سلّار في المراسم، ص 113 - 114. (2)تهذيب الأحكام، ج 5، ص 208 - 209، باب الذبح.(3)تقدّم في ص 285 ، كتاب الصوم. (4) قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 592-593. (5) الكافي، ج 4، ص 123، باب الرجل يموت و عليه من صيام شهر رمضان ..... ح1 .(6)قال به الشيخ في النهاية، ص 255. (7) قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 232


1- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 498 ؛ النهاية، ص 258. §ٍ، وقيل: مطلقاً
2- ، وبه روايات
3- محمولة على المندوب جمعاً، كهدي القرآن قبل تعينه، والأضحية فإنّه يُطلق عليها الهدي؛ أما الواجب ولو بالشروع في الحج المندوب، فلا يجزئ إلا عن واحد، فينتقل مع العجز ولو بتعذره إلى الصوم. (ولو مات) من وجب عليه الهدي قبل إخراجه (أُخرج) عنه (من) (من صلب المال) أي من أصله وإنْ لم يُوصِ به كغيره من الحقوق المالية الواجبة. (ولو مات) فاقده (قبل الصوم صام الوليُّ) وقد تقدَّم بيانه في الصوم
4- ، (عنه العشرة على قول
5- ) ؛ لعموم الأدلة بوجوب قضائه ما فاته من الصوم
6- . (ويقوى مراعاة تمكنه منها) في الوجوب، فلو لم يتمكّن لم يجب كغيره من الصوم الواجب. ويتحقق التمكُن في الثلاثة بإمكان فعلها في الحج وفي السبعة بوصوله إلى أهله أو مُضي المدة المشترطَةِ إن أقام بغيره ومُضيّ مدّةٍ يُمكنه فيها الصوم، ولو تمكن من البعض قضاه خاصّة. والقولُ الآخر وجوبُ قضاء الثلاثة خاصةً
7- ، وهو ضعيف. (ومحلُّ الذَبح) لهدي التمتُّع (والحلقِ منى، وحدها من العقبة) وهي خارجة عنها (إلى وادي محسّر ) . ويظهر من جعله حدّاً خروجه عنها أيضاً، والظاهر من كثير أنه منها

سائقه بذلك وإنْ تعيَّن ذَبحه فله ركوبه وشُرب لبنه ما لم يَضُرّ به أو بولده. وليس له إبداله بعد سياقه المتحقق بأحد الأمرين.

(ولو هلك) قبل ذَبحِه أو نحره بغير تفريط (لم يجب) إقامة (بدله)، ولو فرّط فيه ضَمِنه. (ولو عجز) عن الوصول إلى محلّه الذي يجب ذَبحُه فيه (ذَبَحَه) أو نَحَرَه وصَرَفه في وجوهه في موضع عجزه؛

(و) لو لم يُوجد فيه مستحِقُ( أَعلَمَه علامةَ الصدقة) بأن يغمس نعله في دمه ويضرب بها صفحةَ سَنامِه، أو يَكتُبَ رُقْعَةً ويضعها عنده يُؤذِن بأنه هدي. ويجوز التعويل عليها هنا في الحكم بالتذكية وإباحة الأكل؛ للنص(1). وتسقط النيّةُ المقارنة لتناول المستحِق ولا تجب الإقامة عنده إلى أن يُوجد وإن أمكنت .

( ويجوز بيعه لو انكسر) كسراً يمنع وصوله، (والصدقةُ بِثَمَنه) ووجوبُ ذَبحه في محله مشروط بإمكانه وقد تعذَّر فيسقط والفارق بين عجزه وكسره في وجوبِ ذَبحه وبيعه النص(2) .

(ولو ضلَّ فَذَبحه الواجدُ) عن صاحبه في محلّه (أجزأ) عنه؛ للنص(3)؛ أما لو ذبحه في غيره أو عن غيره أو لا بنيته لم يُجْزِئ (ولا يجزئ ذَبَحُ هدي التمتُّع ) من غير صاحبه لو ضلَّ (لعدم التعيين) للذبح إذ يجوز لصاحبه إبداله قبل الذبح، بخلاف هدي القرآن فإنّه يتعيَّن ذَبحه بالإشعار أو التقليد، هذا هو المشهور.

والأقوى - وهو الذي اختاره في الدروس(4) - الإجزاء؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه(5). وحينئذٍ فيسقط الأكل منه ويُصرَف في الجهتين الأخريين. ويُستحَبّ لواحده تعريفه قبل الذبح وبعده مادام وقتُ الذبح باقياً، ليدفع عن صاحبه غرامة الإبدال.

ص: 379


1- الفقيه، ج 2، ص 500، ح 3074.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 217، ح 730 - 731
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 217 و 219، ح 731 و 739.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 359 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 217 و 219، ح 731 و 739

(ومحله) أي محلُّ ذَبح هدي القران( مكة إن قرنه ب- ) إحرام (العمرة، ومنى إن قرنه بالحج).

ويجب فيه ما يجب في هدي التمتّع على الأقوى. وقيل: الواجبُ ذَبحه خاصةً إن

لم يكن منذور الصدقة(1)، وجزم به المصنّف في الدروس (2)ثمّ جَعَل الأَوَّلَ قريباً، وعبارته هنا تشعر بالثاني : لأنه جَعَل الواجب الذبح وأطلق.

( و يجزئ الهدي الواجبُ عن الأضحيّة) - بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء المفتوحة فيهما - وهي ما يُذبَح يوم عيد الأضحَى تبرُّعاً، وهي مستحبة استحباباً مؤكداً، بل قيل بوجوبها على القادر(3) ، ورُوي استحباب الاقتراض لها و«أنّه دين مقضي»(4). فإن وجب على المكلف هدي أجزاً عنها، (والجمع) بينهما (أفضل) وشرائطها وسُنَنُها كالهدي .

(ويُستحبّ التضحِيَةُ بما يشتريه) وما في حكمه،( ويُكرَه بما يُرَبِّيه)، للنهي عنه (5)؛ ولأنه يُورث القسوة.

(وأيَّامُها) أي أيَّام الأضحية (بمعنى أربعة أوّلُها النحر، وبالأمصار) وإن كان بمكة (ثلاثةُ) أوّلُها النحرُ كذلك. وأوّلُ وقتها من يوم النحر طلوع الشمس ومُضي قدر صلاة العيد والخطبتين بعده. ولو فاتت لم تُقضَ إلا أن تكون واجبةً بنذر وشبهه.

(ولو تعذَّرت تَصَدَّق بثمنها ) إن اتَّفَقَ في الأثمان ما يجزئ منها أو ما يريد إخراجه. (فإن اختلفت فثمنٌ مُوَزَّعٌ عليها ) بمعنى إخراج قيمةٍ منسوبة إلى القِيَمِ المختلفة بالسوية، فمن الاثنين ،النصفُ، ومن الثلاث الثلث وهكذا. فلو كان قيمةُ بعضها

ص: 380


1- راجع مختلف الشيعة، ج 4، ص 300، المسألة 253: وجامع المقاصد، ج 3، ص 247 ؛ نسبه إلى الأكثر في مسالك الأفهام، ج 2، ص 313
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 359 - 360 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 299، المسألة 25
4- الفقيه، ج 2، ص 213، ح 2193
5- الكافي، ج 4، ص 544، باب النوادر، ح 20.

مائةً وبعضها مائةً وخمسين تَصَدَّق بمائة وخمسة وعشرين، ولو كانت ثالثة بخمسين تصدَّقَ بمائة. ولا يبعد قيام مجموع القيمة مقام بعضها لو كانت موجودة، ورُوي استحباب الصدقة بأكثرها (1). وقيل : الصدقة بالجميع أفضل(2)، فلا إشكال حينئذٍ في القيمة.

(ويُكرَه أخذ شيء من جلودها وإعطاؤُها الجزار) أجرةً، أما صدقةً إِذا اتّصف بها فلا بأس؛ وكذا حكم جلالها وقلائدها تأسياً بالنبي (3)، وكذا يُكرَه بيعها وشبهه (بل يَتَصَدَّق بها) ورُوِي جعله «مصلّى يُنتفع به في البيت»(4).

(وأمّا الحلقُ ، فيتخيَّر بينه وبين التقصير، والحلقُ أفضلُ ) الفردين الواجبين تخييراً (خصوصاً للمُلَبِّدِ) شَعرَه، وتلبيده هو أن يأخُذَ عسلاً وصَمْعاً ويجعله في رأسه لئلا يعْمَلَ أو يَتَّسِخَ: ( والضرورة ) وقيل: لا يجزتُهما إلا الحلق(5)؛ للأخبار الدالة عليه(6)، وحُمِلت على الندب جمعاً.

( ويتعين على المرأة التقصيرُ) فلا يجزئها الحلق، حتّى لو نذرته لغا، كما لا يجزئ الرجل في عمرة التمتع وإن نذره.

(ويجب فيه النية المشتملة على قصد التحلُّل من النسك المخصوص متقرباً، ويجزئ مستاه كما مر.( ولو تعذَّر) فعله (في منى) في وقته (فَعَل بغيرها) وجوباً (وبعث بالشعر إليها ليُدفن فيها (مستحبّاً) فيهما من غير تلازم، فلو اقتصر على أحدهما تأدَّت سنّته خاصةً.

(ويُمِرٌ فاقد الشعر المُوسَى على رأسه ) مستحباً إن وجد ما يُقصر منه غيره، وإلا وجوباً، ولا يجزئ الإمرار مع إمكان التقصير ؛ لأنه بدل عن الحلق اضطراري، والتقصير

ص: 381


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 238، ح 805.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 529
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 227، ح 770
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 228 ، ح 771
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 504 ؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 386.
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 484 ، ح 1724 - 1727.

قسيم اختياري، ولا يُعقل إجزاء الاضطراري مع القدرة على الاختياري. وربما قيل بوجوب الإمرار على من حَلَق في إحرام العمرة وإن وجب عليه التقصير من غيره لتقصيره بفعل المحرَّم(1) .

(ويجب تقديم مناسكِ منى) الثلاثة (على طواف الحج، فلو أخَّرها )عنه (عامداً فشاة، ولا شيء على الناسي، ويعيد الطواف )كلُّ منهما : العامد اتفاقاً والناسي على الأقوى. وفي إلحاق الجاهل بالعامد والناسي قولان أجودهما الثاني في نفي الكفّارة ووجوب الإعادة(2) وإنْ فارَقَه في التقصير ولو قدَّم السعي أعاده أيضاً على الأقوى، ولو قدَّم الطواف أو هما على التقصير فكذلك ولو قدَّمه على الذبح أو الرمي ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير خاصةً وجهان، أجودهما ذلك. هذا كله في غير ما استُثني سابقاً من تقديم المتمتع لهما اضطراراً، وقسيميه مطلقاً.

(وبالحلق) بعد الرمي والذبح (يتحلَّل) من كلّ ما حرمه الإحرام (إلّا) من النساء والطيب والصيدِ)، ولو قدَّمه عليهما أو وسطه بينهما ففي تحلله به أو توقفه على الثلاثة قولان، أجودهما الثاني(3)، فإذا طاف طواف الحج (وسَعَى) سعيه (حلَّ الطيب). وقيل: يَحِلّ بالطواف خاصة(4)، والأول أقوى؛ للخبر الصحيح(5).

هذا إذا أخَّر الطواف والسعي عن الوقوفين، أما لو قدمهما على أحد الوجهين ففي حله من حين فعلهما أو توقفه على أفعال منى وجهان ؛ وقطع المصنف في الدروس بالثاني(6).

ص: 382


1- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 256 ، و نسبه إلى القول الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 368 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- مال إلى عدم الإعادة الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 369 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- ذهب إليه العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 8، ص 339، المسألة 663 ؛ أما القول بتحلله به، فقد ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 2، ص 345، المسألة 168
4- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 255، المسألة 138 : والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 504.
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 245، ح 829
6- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 370 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

وبَقِي من المحرَّماتِ النساء والصيد، (فإذا طاف للنساء حلَلْنَ له ) إن كان رجلاً، ولو كان صبياً فالظاهر أنّه كذلك من حيث الخطاب الوضعي وإن لم يحرُمْنَ عليه حينئذ، فيحرُ منَ بعد البلوغ بدونه إلى أن يأتي به. وأما المرأة، فلا إشكال في تحريم الرجال عليها بالإحرام وإنّما الشكّ في المحلّل، والأقوى أنها كالرجل.

ولو قدم طواف النساء على الوقوفين ففي حِلِّهنّ به أو توقفه على بقية المناسك الوجهان، ولا يتوقف المحلّل على صلاة الطواف عملاً بالإطلاق(1).

وبَقِيَ حكمُ الصيد غير معلوم من العبارة وكثيرٍ من غيرها، والأقوى حِلَّ الإحرامي منه بطواف النساء.

( ويُكرَه له لُبسُ المَخيط قبل طواف الزيارة) وهو طوافُ الحجّ، وقبل السع- أيضاً، وكذا يُكرَه تغطية الرأس ( والطيب حتى يطوف للنساء).

القول في العود إلى مكة للطوافين والسعي

(يُستحب تعجيل العود من يوم النحر) متى فرغ من مناسك منى (إلى مكة) ليومه (ويجوز تأخيره إلى الغد، ثمّ يَأْثَم المتمتِّعُ) إن أخَّره (بعده) في المشهور، أمّا القارِنُ والمُفرد، فيجوز لهما تأخيرهما طول ذي الحجّة لا عنه. (وقيل: لا إثم) على المتمتع في تأخيره عن الغد، (ويجزئ طول ذي الحجة (2)) كقسيميه، وهو الأقوى؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه(3)، واختاره المصنف في الدروس(4). وعلى القول بالمنع لا يقدح التأخير فى الصحة وإنْ أَثِم.

( وكيفية الجميع كما مرّ) في الواجبات والمندوبات، حتى في سنن دخول مكة من

ص: 383


1- مستطرفات ضمن السرائر، ج 3، ص 561
2- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 602.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 250 - 251، ح 845 و 847 و 853
4- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 372 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

الغسل والدعاء وغير ذلك. ويجزئ الغُسل بمنى بل غسلُ النهار ليومه والليل لليلته ما لم يُحدِث فيعيده؛ غير أنّه ) هنا ينوي بها ) أي بهذه المناسك (الحج) أي كونها مناسكه فينوي طواف حج الإسلام، حج التمتع أو غيرهما من الأفراد، مراعياً للترتيب، فيبدأ بطواف الحج ثمّ بركعتيه، ثمّ السعي، ثمّ طواف النساء ثم ركعتيه.

القول في العود إلى منى

(ويجب بعد قضاء مناسكه بمنى العود إليها ) هكذا الموجود في النسخ، والظاهر أن يقال : «بعد قضاء مناسكه بمكة العود إلى منى»، لأنّ مناسك مكة متخلله بين مناسك منى أوّلاً وآخراً، ولا يحسن تخصيص مناسك منى مع أنّ بعدها ما هو أقوى، وما ذكرناه عبارة الدروس(1) وغيرها(2)، والأمر سهل .وكيف كان فيجب العود إلى منى إن كان خرج منها للمبيت بها ليلاً) ليلتين أو ثلاثاً كما سيأتي تفصيله، مقروناً بالنية المشتملة على قصده في النسك المعيَّن بالقربة بعد تحقق الغروب.

ولو تركها ففي كونه كمن لم يبث أو يَأْتَمُ خاصةً مع التعمّد وجهان من تعليق وجوب الشاة على من لم يَبت وهو حاصل بدون النية، ومن عدم الاعتداد به شرعاً بدونها؛ (ورمي الجمرات الثلاث نهاراً) في كل يوم يجب مبيت ليلته.

(ولو بات بغيرها فعن كلّ ليلة شاة ) ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المختار والمضطرّ في وجوب الفدية وهو ظاهر الفتوى(3) والنص(4)، وإن جاز خروج المضطر

ص: 384


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 372 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
2- ومن الغير المحقق الحلّي في شرائع الإسلام، ج 1، ص 240؛ والعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 7 ، الرقم 2223
3- راجع مختلف الشيعة، ج 4، ص 313. المسألة 263.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 257، ح 871 و 873

منها لمانع خاص أو عام أو حاجةٍ أو حفظ مال أو تمريض مريض ويُحتمل سقوط الفدية عنه.

وربما بُنِي الوجهان على أنّ الشاةَ هل هي كفّارة أو فِديةٌ وجبران، فتسقط على الأول دون الثاني. أمّا الرُّعاةُ وأهلُ سِقاية العباس فقد رُخص لهم في ترك المبيت من غير فدية (1).

ولا فرق في وجوبها بين مبيته بغيرها لعبادة وغيرها (إلّا أن يَبِيتَ بمكّة مشتغلاً بالعبادة ) الواجبة أو المندوبة مع استيعابه الليلة بها إلا ما يضطر إليه من أكل وشرب وقضاء حاجة ونوم يغلب عليه، ومن أهم العبادة الاشتغال بالطواف والسعي، لكن لو فَرّغ منهما قبل الفجر وجب عليه إكمالها بما شاء من العبادة.

وفي جواز رجوعه بعده إلى منى ليلاً نظر من استلزامه فوات جزء من الليل بغير أحد الوصفين أعني المبيت بمنى وبمكة متعبداً، ومن أنّه تشاغل بالواجب، ويظهر من الدروس جوازه(2) وإنْ عَلِم أنّه لا يُدرك منى إلّا بعد انتصاف الليل. ويُشكل بأنّ مطلق التشاغل بالواجب غيرُ مجوّز.

(ويكفي) في وجوب المبيت بمنى أن يتجاوز) الكون بها (نصف الليل) فله الخروج بعده منها ولو إلى مكة(3) .

(ويجب في الرمي الترتيب) بين الجمرات الثلاث (يبدأ بالأولى) وهي أقربها إلى المشعر تلي مسجدَ الخَيْف، ثمّ الوسطى، (ثمّ جَمْرة العقبة، ولو نَكَس ) فقدَّم مؤخَّراً (عامداً) كان (أو ناسياً، بطل) رميه أي مجموعه من حيث هو مجموع، وأمّا رَمي الأولى، فإنّه صحيح وإن تأخرت الصيرورتها أولاً فيعيد على ما يحصل معه

ص: 385


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 375 - 376 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 374 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- نبه بقوله: «ولو إلى مكة على خلاف الشيخ حيث جوّز الخروج بعد الانتصاف [النهاية، ص 265] وأطلق ومنع من الخروج إلى مكة إلى الفجر وضعفه ظاهر ومستنده غير واضح. (منه رحمه الله)

الترتيب. فإن كان النّكْسُ محضاً - كما هو الظاهر - أعاد على الوسطى وجمرة العقبة، وهكذا.

(و يحصل الترتيب بأربع حصيات) بمعنى أنه إذا رَمَى الجمرة بأربع وانتقل إلى ما بعدها صح وأكمل الناقصة بعد ذلك، وإن كان أقل من أربع استأنف التالية. وفي الناقصة وجهان، أجودهما الاستئنافُ أيضاً، وكذا لو رمى الأخيرة دون أربع ثمّ قطعه لوجوب الولاء.

هذا كله مع الجهل أو النسيان، أما مع العمد، فيجب إعادة ما بعد التي لم تكمل مطلقاً، للنهى عن الاشتغال بغيرها قبل إكمالها، وإعادتها إن لم تبلغ الأربعَ (1)، وإلا بَنَى عليها واستأنف الباقي. ويظهر من العبارة عدم الفرق بين العامد وغيره، وبالتفصيل قطع في الدروس(2).

(ولو نَسِي) رمى (جمْرةٍ أعاد على الجميع إن لم تستعين)؛ لجواز كونها الأولى فتبطل الأخيرتان. (ولو نسي حصاةً ) واحدةً واشتبه الناقص من الجمرات (رماها على الجميع ) لحصول الترتيب بإكمال الأربع، وكذا لو نسي اثنتين وثلاثاً، ولا يجب الترتيب هنا ؛ لأنّ الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدّمة، كوجوب ثلاث فرائضَ عن واحدةٍ مشتبهةٍ من الخمس نعم لو فاته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب، لتعدُّد المرمي بالأصالة. ولو فاته ما دون أربع وشَكٍّ في كونه من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وجب رمي ما يحصل معه يقينُ البراءة مرتباً لجواز التعدّد، ولو شَكٍّ في أربع كذلك استأنف الجميع.

(ويستحب رمي) الجمرة ( الأولى عن يمينه) أي يمين الرامي ويسارها بالإضافة إلى المستقبل

(والدعاء ) حالة الرمي وقبله بالمأثور (3)( والوقوف عندها) بعد الفراغ

ص: 386


1- انظر تهذيب الأحكام، ج 5، ص 265 - 266، ح 904.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 344 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 261، ح 888

من الرمي، مستقبل القبلة حامداً مصلياً داعياً سائلاً القبول؛ (وكذا الثانية) يُستحب رميها عن يمينه ويسارها، واقفاً بعده كذلك، ولا يقف عند الثالثة) وهي جمرة العقبة مستحبّاً، ولو وقف لغرض فلا بأس.

(وإذا بات بمنى ليلتين جاز له النفر في الثاني عشر بعد الزوال) لا قبله (إن كان قد اتَّقى الصيد والنساءَ) في إحرام الحج قطعاً، وإحرام العمرة أيضاً إن كان الحج تمتعاً على الأقوى. والمراد باتقاء الصيد عدم قتله، وباتقاء النساء عدم جماعهنّ. وفي إلحاق مقدّماته وباقي المحرَّمات المتعلقة بهنّ كالعقد وجه.

وهل يُفرَق فيه بين العامدِ وغيره ؟ أوجُه ثالثها الفرقُ بين الصيد والنساء؛ لثبوت الكفّارة فيه مطلقاً دون غيره (ولم تغرب عليه الشمس ليلة الثالث عشر بمنى، وإلّا) يجتمع الأمران : الانقاء وعدم الغروب، سواءٌ انتفيا أم أحدهما، (وجب المبيت ليلةَ الثالثَ َعشَرَ بمنى(1) ) .

ولا فرق مع غروبها عليه بين من تأهب للخروج قبله فغربت عليه قبل أن يخرج وغيره، ولا بين من خرج ولم يتجاوز حدودها حتى غربت وغيره. نعم لو خرج منها قبله ثم رجع بعده لغرض كأخذ شيء نَسِيَه لم يجب المبيت، وكذا لو عاد لتدارك واجب بها. ولو رجع قبل الغروب لذلك فغربت عليه بها ففي وجوب المبيت قولان(2) ، أجودُهما ذلك.

(و) حيث وجب مبيت ليلة الثالث عشر وجب (رمي الجمرات) الثلاث (فيه ثمّ يَنفِر في الثالث عشر، ويجوز قبل الزوال بعد الرمي).

(ووقته) أي وقت الرمى ( من طلوع الشمس إلى غروبها ) في المشهور، وقيل(3):

ص: 387


1- ولو لم يتق الصيد والنساء، ولم يتمكن من المبيت ليلة الثالث؛ لعدم الرفيق وجب عليه شاة. (زين رحمه الله)
2- وإلى عدمه ذهب العلّامة في منتهى المطلب، ج 11، ص 415 والشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 376 - 377 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- قال به ابن حمزة في الوسيلة، ص 188؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 605.

أوّلُه الفجر وأفضله عند الزوال. (ويرمي المعذور) كالخائف والمريض والمرأةِ والراعي (ليلاً).

(ويقضي الرمي لو فات ) في بعض الأيام (مقدِّماً على الأداء(1)) في تاليه حتى لوفاته رمي يومين قدَّم الأوّلَ على الثاني وخَتَم بالأداء. وفي اعتبار وقت الرمي في القضاء قولان(2) : أجودهما ذلك. وتجب نيّة القضاء فيه والأولى الأداء فيه في وقته؛ والفرقُ وقوع ما في ذمّته أولاً على وجهين دون الثاني.

(ولو رحل ) من منى (قبله) أي قبل الرمي أداءً وقضاء (رجع له) في أيامه (فإن تعذَّر ) عليه العودُ

(استناب فيه) في وقته، فإن فات استناب (في القابل(3)) وجوباً إن لم يحضر ، وإلا وجبت المباشرة. (ويُستحبّ النفْرُ فى الأخير ) لمن لم يجب عليه ( والعود إلى مكة لطواف الوداع) استحباباً مؤكّداً وليس واجباً عندنا. ووقته عند إرادة الخروج بحيث لا يمكُتُ بعده إلّا مشغولاً بأسبابه، فلو زاد عنه أعاده. ولو نَسِيَه حتى خرج استُحِبَّ العودُ له وإن بلغ المسافة من غير إحرام إلا أن يمضي له شهرٌ ولا وداع للمجاور.

ويُستحبّ الغسل لدخولها، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء كما مر (ودخول الكعبة)، فقد رُوي أنّ دخولها دخول في رحمة الله والخروج منها خروج من الذنوب وعصمة فيما بقى من العمر وغفران لما سلف من الذنوب»(4)، (خصوصاً

ص: 388


1- ولا يرمي الأداء إلا بعد فراغه من رمي الثلاث. الدروس الشرعية [ج 1، ص 348، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)
2- قال به العلّامة في منتهى المطلب، ج 11، ص 398 - 399؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 348 1، (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 ): احتمل الثاني الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 2، ص 368.
3- ولا يحرم عليه شيء من محرمات الإحرام في الأظهر. الدروس الشرعية[ ج 1، ص 349، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9] (زين رحمه الله )
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 275، ح 444.

الصرورة) وليدخُلْها بالسكينة والوقار، آخذاً بحلقتي الباب عند الدخول.

(والصلاة بين الأسطوانتين) اللتين تَلِيانِ الباب (على الرخامة الحمراء) ويُستحبّ أن يقرأ في أولى الركعتين «الحمد» و «حم السجدة»، وفي الثانية بعدد آيها (1)وهي ثلاث أو أربع وخمسون.

(و) الصلاة (في زواياها ) الأربع كل زاوية ركعتين تأسياً بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(2)(واستلامها) أي الزوايا، والدعاءُ والقيام بين ركني الغربي واليماني، رافعاً يديه، مُلصقاً به، ثمّ كذلك في الركن اليماني ثمّ الغربي ثمّ الركنين الآخرين، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء، ويُطيل الدعاء ويُبالغ في الخشوع وحضور القلب.

(والدعاء عند الحَطِيم)، سُمّي به ؛ لازدحام الناس عنده للدعاء واستلام الحجر، فيحطم بعضُهم بعضاً، أو لانحطام الذنوب عنده فهو فعيل بمعنى فاعل، أو لتوبة الله فيه على آدم فانحطمت ذنوبه؛ (وهو أشرف البقاع ) على وجه الأرض على ما ورد في الخبر عن زين العابدين وولده الباقر(عليهم السلام) ، (3)وهو (ما بين الباب والحَجَر الأسود) ويلي الحطيم في الفضل عند المقام، ثمّ الحجرُ، ثمّ ما دنا من البيت.

(واستلام الأركان) كلّها (والمستجار ، وإتيان زمزم والشرب منها ) والامتلاء فقد قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «ماء زمزم لما شُرِبَ له»(4)، فينبغي شربه للمهمات الدينية والدنيوية، فقد فعله جماعة من الأعاظم لمطالب مهمّةٍ فنالوها وأهتُها طلب رضى الله والقرب منه والزُلفى لديه. ويُستحب مع ذلك حمله وإهداؤه.

(والخروج من باب الحنّاطين)، سُمّي بذلك لبيع الحِنْطةِ عنده أو الحنوط. وهو

ص: 389


1- أي بقدر آيات «حم سجدة».
2- الكافي، ج 4، ص 527 ، باب دخول الكعبة، ح 8
3- الفقيه، ج 2، ص 245، ح 2315 : أما الحديث عن الباقر في ثواب الأعمال، ص 245، ح 3.
4- السنن الكبرى البيهقى، ج 5، ص 241. الرقم 9660.

بابُ بَني جُمَح (1)، بإزاء الركن الشامي داخل في المسجد كغيره، ويخرج من الباب المُسامِتِ له مارّاً من عند الأساطين إليه على الاستقامة ليظفر به.

(والصدقة بتمر يشتريه بدرهم ) شرعي ويجعلها قبضةً قبضةً بالمعجمة، وعُلّل في الأخبار بكونه

«كفّارةً لما لعله دَخَل عليه في حجّه من حكّ أو قُمْلةٍ سقطتْ أو نحوِ ذلك» (2)ثمّ إن استمر الاشتباه فهي صدقة مطلقة، وإن ظهر له موجِبٌ يَتَأدَّى بالصدقة 2 فالأقوى إجزاؤها، لظاهر التعليل كما في نظائره، ولا يقدح اختلاف الوجه لابتنائه على الظاهر، مع أنا لا نعتبره.

( والعزم على العود) إلى الحجّ فإنّه من أعظم الطاعات، وروي أنّه من المنسئات فى العمر كما أنّ العزم على تركه مُقَرّب للأجل والعذاب(3). ويُستحب أن يَضُمّ إلى العزم سؤال الله تعالى ذلك عند الانصراف.

(ويُستحبّ الإكثار من الصلاة بمسجدِ الخَيْفِ ) لمن كان بمنى، فقد رُوِي أَنَّ «من صلّى به مائة ركعة عدَلتْ عبادة سبعين عاماً، ومن سبَّح الله فيه مائة تسبيحة كتب له أجرُ عِنقِ رقبة، ومن هلَّل الله فيه مائة عدّلت إحياء نَسَمة، ومن حمد الله فيه مائة عدلت خَراجَ العِراقَين يُنفِق في سبيل الله»(4). وإنّما سمّي خَيْفاً لأنه مرتفع عن الوادي وكلُّ ما ارتَفَع عنه سمّي خَيْفاً،(5) (وخصوصاً عند المنارة) التي في وسطه (وفوقها إلى القبلة بنحو من ثلاثين ذراعاً) وكذا عن يمينها ويسارها وخَلْفها، رَوَى تحديده بذلك معاوية بن عمار عن الصادق(عليه السلام) وأن ذلك مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وأنه صلّى فيه ألفُ نبي (6). والمصنِّف اقتصر على الجهة الواحدة، وفي الدروس أضاف يمينها ويسارها

ص: 390


1- جُمح كزُفَر : بضم المعجمة وفتح الميم مع سكون المهملة قبيلة من قريش( منه رحمه الله)
2- الكافي، ج 4، ص 533 ، باب ما يستحب من الصدقة .... ح 1 و 2.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 444، ح 1545.
4- الفقيه، ج 1، ص 230، ح 689 .
5- الكافي، ج 4 ص ،519 ، باب الصلاة في مسجد منى .... ح 4.
6- الكافي، ج 4 ص ،519 ، باب الصلاة في مسجد منى .... ح 4.

كذلك(1)، ولا وجه للتخصيص. وممّا يختص به من الصلوات صلاة ست ركعات في أصل الصومعة.

(و يحرُم إخراجُ مَن التَجَأَ إلى الحرم بعد الجناية) بما يُوجب حداً أو تعزيراً أو قصاصاً، وكذا لايقام عليه فيه.

(نَعَم يُضَيَّق عليه في المَطعَم والمَشرَب) بأن لا يُزاد منهما على ما يَسُدّ الرَمَقَ ببيع ولا غيره، ولا يُمَكِّن من ماله زيادةً على ذلك ( حتّى يخرُج) فيُستَوفَى منه.

فلو جنّى في الحرم قوبل بمقتضى جنايته (فيه)؛ لانتهاكه حُرمة الحرم فلا حرمة له وألحق بعضُهم به مسجد النبي ومشاهد الأئمة(عليهم السلام) (2)، وهو ضعيف المستند.

ص: 391


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 377 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- نسبه إلى بعض الأصحاب في مسالك الأفهام، ج 2، ص 371 - 372.

الفصل السادس في كفّاراتِ الإحرام

اشارة

اللاحقة بفعل شيء من محرماته

(وفيه بحثان :)

البحث الأوّل في كفارة الصيد

(ففي النعامة بَدَنَةٌ). وهي من الإبل الأنثى التي كمل سنها خمس سنين، سواءٌ في ذلك كبير النعامة وصغيرها، ذكرها وأنثاها؛ والأولى المماثلةُ بينهما في ذلك (ثمّ الفَضُّ) أي فَضٌ ثمن البدنة لو تعذَّرت ( على البر، وإطعام ستين) مسكيناً، (والفاضل) من قيمتها عن ذلك (له، ولا يلزمه الإتمام لو أعوَز) ولو فَضَل منه ما لا يبلغ مداً أو مُدَّين وجب دَفْعُه إلى مسكينٍ آخَر وإنْ قلَّ: (ثمّ صيام ستّين يوماً) إن لم يقدر على الفض لعدمه أو فقره.

وظاهره عدم الفرق بين بلوغ القيمة على تقدير إمكان الفض الستين وعدمه، وفي الدروس نَسَب ذلك إلى «قول» (1)مُشعراً بتمريضه والأقوى جواز الاقتصار على صيام قدرِ ما وسعت من الإطعام ولو زاد ما لا يبلغ القدر صام عنه يوماً كاملاً.

(ثمّ صيام ثمانية عشر يوماً) لو عجز عن صوم الستين وما في معناها وإن قدر على صومِ أزيد من الثمانية عشَرَ؛ نعم لو عجز عن صومها وجب المقدور.

ص: 392


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 268 - 269 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

والفرقُ ورود النص بوجوب الثمانية عشر لمن عجز عن الستين(1) الشامل لمن قدر على الأزيد فلا يجب، وأما المقدور من الثمانية عشر، فيدخل في عموم «فأتُوا منه ما استطعتم »(2)؛ لعدم المعارض .

ولو شرع في صوم الستين قادراً عليها فتَجدَّد عجزه بعد تجاوز الثمانية عشر اقتصر على ما فعل وإن كان شهراً، مع احتمال وجوب تسعةٍ حينئذ؛ لأنها بدل عن الشهر المعجوز عنه.

(والمدفوع إلى المسكين) على تقدير الفضّ (نصف صاع) مُدان في المشهور، وقيل: مُد وفيه قوة (3).

(وفي بقرة الوحش وحماره بقرة أهليّة) مُسِنَّةٌ فصاعداً، إلا أن ينقص سنُ المقتول عن سنّها فيكفي مماثله فيه: (ثمّ الفض) للقيمة على البر لو تعذر،(ونصفُ ما مَضَى) في الإطعام والصيام مع باقي الأحكام فيُطعِم ثلاثين ثمّ يصوم ثلاثين، ومع العجز تسعةً.

(وفي الظبي والتَعلَبِ والأَرنَبِ شاة، ثمّ الفض) المذكورُ لو تعذَّرت الشاة (وسُدْسُ ما مضى) فيُطعِم عشرةً، ثمّ يصوم عشرة، ثمّ ثلاثةً ومقتضى تساويها في الفض والصوم أنَّ قيمتها لو نقصتْ عن عشرة لم يجب الإكمالُ ويَتبَعُها الصوم. وهذا يَتِمّ في الظبي خاصة، للنص (4)، أما الآخران، فألحقهما به جماعة (5)تبعاً للشيخ(6)، ولا سند له ظاهراً. نعم وَرَد فيهما شاة (7)، فمع العجز عنها يُرجع إلى الرواية العامة بإطعام عشرة

ص: 393


1- الكافي، ج 4، ص 386 ، باب كفارات ما أصاب المحرم ..ح5.
2- صحيح مسلم، ج 2، ص 975، ح 1337 / 412 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 3، ح 2 : عوالي اللآلي، ج 4، ص 58 ح 206.
3- حكاه عن ابن بابويه وابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 116 ، المسألة 80.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 342 - 343، ح 1186.
5- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 167؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 557 : وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 189
6- المبسوط . ج 1 ، ص 459 - 460.
7- الكافي، ج 4، ص 286، باب كفارات ما أصاب... ح 7.

مساكين لمن عجز عنها ثمّ صيام ثلاثة(1)، وهذا هو الأقوى؛ وفي الدروس نَسَب مشاركتهما له إلى الثلاثة(2)، وهو مُشعِر بالضعف. وتظهر فائدة القولين في وجوب إكمال إطعام العشرة وإن لم تبلغها القيمة على الثاني والاقتصار في الإطعام على مد.

(وفي كشر بيض النعام لكلّ بَيضة بَكْرةٌ من الإبل) وهي الفَتِيَّة منها؛ بنتُ المخاض فصاعداً مع صدق اسم الفتى. والأقوى إجزاء البكر ؛ لأنّ مورد النص(3) البكارة وهي جمع لبكر وبكرة (إن تحرَّك الفَرْخُ (4)) في البَيضة (وإلّا) يتحرَّك (أَرسَل فُحولةَ الإبل في إناث) منها (بعدد البيض فالناتج هدي (5)) بالغ الكعبة لا كغيره من الكفّارات. ويُعتبر في الأنتى صلاحية الحمل، ومشاهدة الطَّرْق، وكفايةُ الفَحْل للإناث عادة.

ولا فرق بين كسر البيضة بنفسه ودابته ولو ظهرت فاسدةً، أو الفرخُ مَيْتاً فلا شيء. ولا يجب تربية الناتج بل يجوز صَرفه من حينه، ويتخيَّر بين صرفه في مصالح الكعبة، ومعونة الحاج كغيره من مال الكعبة.

(فإن عجز) عن الإرسال (فشاةٌ عن البيضة ) الصحيحة (ثمّ) مع العجز عن الشاة (إطعام عشرة مساكين) لكلّ مسكين مُدُّ. وإنّما أطلق؛ لأنّ ذلك ضابطه حيث لا نصَّ على الزائد ومصرف الشاة والصدقة كغيرهما لا كالمُبدّل (ثمّ صيام ثلاثة) أيام لو عجز عن الإطعام.

(وفي كشر كلّ بَيضة من القطا والقَبْجِ) - بسكون الباء - وهو الحَجَل، (والدرّاج من صغار الغنم إن تحرَّك الفَرْجُ ) في البَيضة. كذا أطلق المصنف هنا وجماعة(6)، وفي

ص: 394


1- تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 343، ح 1187.
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 269 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 355 ، ح 1233
4- فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش لم يكن عليه شيء، ولومات كان فيه ما في صغير الأنعام. تذكرة الفقهاء ج 7، ص 413 - 414]. (زين رحمه الله)
5- يصرف في مصالح البيت ويسلّم إلى القيم إن كان، وإلا إلى ثقة. (زين رحمه الله)
6- منهم: ابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 192؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 261؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 459.

الدروس جعل في الأولين «مخاضاً من الغنم أي من شأنها الحمل»(1) ولم يذكر الثالث.

والنصوص خالية عن ذكر الصغير، والموجود في الصحيح منها أنّ «في بيض القطاة بكارة من الغنم» (2) ، وأما المخاض، فمذكور في مقطوعة (3)، والعمل على الصحيح. وقد تقدم أن المراد بالبكر الفتى، وسيأتي أن في قتل القطا والقبح والدرّاج حَمَل ،مفطوم، والفتى أعظم منه فيلزم وجوبُ الفِداء للبيض أزيد ممّا يجب في الأصل إلّا أن يُحمّل الفتى على الحَمّل فصاعداً، وغايته حينئذ تساويهما في الفداء، وهو سهل.

وأما بيض القبج والدرّاج، فخالٍ عن النصّ، ومن ثُمَّ اختلفت العبارات فيها، ففي بعضها اختصاص موضع النصّ وهو بَيض القطاء(4)، وفي بعض ومنها الدروس إلحاق القبح(5)، وفي ثالث إلحاق الدرّاج بهما(6). ويمكن إلحاق القبج بالحمام في البيض؛ لأنه صنف منه .

(وإلّا) يتحرَّك الفرْخُ (أرسل في الغنم بالعدد) كما تقدم في النعام، (فإن عجز) عن الإرسال (فكبَيض النعام) كذا أطلق الشيخ (7)تبعاً لظاهر الرواية(8) وتبعه الجماعة (9)، وظاهره أنّ في كلّ بَيضةٍ شاةٌ، فإن عجز أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

ويُشكل بأنّ الشاة لا تجب في البيضة ابتداءً بل إنّما يجب نتاجها حين تَوَلَّد على

ص: 395


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 270 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- الكافي، ج 4 ص ،389 باب كفارات ما أصاب المحرم .... ح 5.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 356، ح 1239.
4- كعبارة الصدوقين على ما حكاها العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 136، المسألة 93.
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- كعبارة ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 565 .
7- المبسوط، ج 1 ، ص 465
8- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 357، ح 1240.
9- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 261: والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 42، الرقم 2361.

تقدير حصوله، وهو أقلّ من الشاة بكثير فكيف يجب مع العجز؟! وفسره جماعة من المتأخرين(1)، منهم المصنّف بأنّ المراد وجوب الأمرين الأخيرين دون الشاة(2).

وهذا الحكم هو الأجود لا؛ لما ذكروه لمنع كون الشاة أشق من الإرسال، بل هي أسهل على أكثر الناس؛ لتوقفه على تحصيل الإناث والذكور، وتحرّي زَمَن الحمل. ومراجعتها إلى حين النتاج وصرفه هَدْياً للكعبة، وهذه أمور تعسر على الحاج غالباً أضعاف الشاة، بل لأنّ الشاة يجب أن تكون مجزئةً هنا بطريق أولى ؛ لأنها أعلى قيمةٌ وأكثرُ منفعةً من النتاج فيكون كبعض أفراد الواجب، والإرسال أقله. ومتى تعذَّر الواجب انتقل إلى بدله وهو هنا الأمران الأخيران من حيث البدل العام لا الخاص : القصوره عن الدلالة ؛ لأنّ بدليتهما عن الشاة يقتضي بدليّتهما عما هو دونها قيمةً بطريق أولى.

( وفي الحمامة وهي المُطَوَّقة، أو ما تَعُبُّ الماءَ) بالمهملة، أي تشربه من غير مص كما تعب الدواب ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير.

و«أو» هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كلّ واحد من النوعين حماماً، وكونه للترديد لاختلاف الفقهاء وأهل اللغة(3) في اختيار كلّ منهما، والمصنّف في الدروس اختار الأوّل خاصةً(4)، واختار المحقق (5)والعلامة الثاني(6) خاصة، والظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو مُنتَفٍ، وهو يصلح لجعل المصنّف كلاً منهما معرفاً. وعلى كل تقدير فلابد من إخراج القطا والحَجَل من التعريف لأن لهما كفّارةً معيَّنةً غيرَ كفَّارة الحمام مع

ص: 396


1- منهم: العلامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 415 المسألة 333؛ والصيمري في غاية المرام، ج 1، ص 479؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 309
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- راجع لسان العرب، ج 12، ص 159، «حمم».
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 270 - 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- شرائع الإسلام، ج 1 ص 261 .
6- تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 416، المسألة 334.

مشاركتهما له في التعريف كما صرح به جماعة (1).

وكفارة الحمام بأي معنى اعتُبِر (شاةٌ على المُحرِم في الحِلّ، ودرهم على المُحِلّ في الحرم) على المشهور، ورُوِيَ أنّ عليه فيه القيمة(2) ، وربما قيل بوجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة(3)، أما الدرهم، فللنصّ(4)، وأما القيمة، فله، أو لأنها تجب للمملوك في غير الحرم ففيه أولى.

والأقوى وجوب الدرهم مطلقاً فى غير الحمام المملوك، وفيه الأمران معاً: الدرهم لله والقيمة للمالك، وكذا القول في كلّ مملوك بالنسبة إلى فدائه وقيمته.

(ويجتمعان) الشاة والدرهم على المحرم في الحرم) ؛ الأول لكونه محرماً والثاني لكونه في الحرم، والأصلُ عدم التداخل خصوصاً مع اختلاف حقيقة الواجب.

(وفي فَرْخها حَمَلْ) بالتحريك - من أولاد الضأن ما سنُّه أربعة أشهرٍ فصاعداً ونصفُ درهم عليه أي على المحرم فى الحرم ويَتَوَزَّعان على أحدهما) فيجب الأوّلُ على المحرم في الحِلّ، والثاني على المُحِلّ في الحرم بقرينة ما تقدم ترتيباً وواجباً.

(وفي بَيضها درهم وربع) على المحرم في الحرم؛( ويتوزعان على أحدهما) وفي بعض النسخ « إحداهما» فيهما أي الفاعلين أو الحالتين. فيجب درهم على المحرم في الحِلّ ورُبع على المحِلّ في الحرم. ولم يَفرُق في البيض بين كونه قبل تحرك الفرخ وبعده، والظاهر أنّ مراده الأوّلُ، أمّا الثاني، فحكمه حكمُ الفرخ كما صرح به في الدروس(5) ، وإن كان إلحاقه به مع الإطلاق لا يخلو من بعد.

وكذلك لم يَفرُق بين الحمام المملوك وغيره، ولا بين الحرمي وغيره؛ والحق ثبوت

ص: 397


1- منهم: العلّامة في منتهى المطلب، ج 12، ص 330؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 310.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 347، ح 1203.
3- قال به العلامة في منتهى المطلب، ج 12، ص 323
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 345، ح 1198.
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 270 - 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

الفرق كما صرح به في الدروس (1)وغيره (2)، فغير المملوك حكمه ذلك والحرمي منه يَشتري بقيمته الشاملة للفداء عَلَفاً لحمامه وليَكُن قَمْحاً للرواية(3)، والمملوك كذلك إذن المالك أو كونه المتلف وإلا وجب ما ذُكر الله والقيمة السوقية للمالك.

(وفي كلّ واحد من القطا والحَجَل والدرّاج حَمَل مفطومٌ يَرْعَى) قد كمَل سنه أربعة أشهر، وهو قريب من صغير الغنم في فرخها، ولا بُعد في تساوي فداء الصغير والكبير كما ذكرناه(4). وهو أولى من حمل المصنّف المخاض الذي اختاره ثُمّ على بنت المخاض، أو على أنّ فيها هنا مخاضاً بطريق أولى؛ للإجماع على انتفاء الأمرين؛ وكذا ممّا قيل من أنّ مبنى شرعِنا على اختلافِ المتفقات واتفاق المختلفات(5)، فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير. والوجه ما ذكرناه، لعدم التنافي بوجه.

هذا على تقدير اختيار صغير الغنم في الصغير كما اختاره المصنف، أو على وجوبِ الفتى كما اخترناه وحمْلِه على الحَمَل وإِلّا بَقِي الإشكال.

(وفي كلّ من القُنْفُذ والضَبّ والتربوعِ جَدْيّ) على المشهور، وقيل: حَمَل فطيم(6)، والمروي الأوّلُ(7) وإنْ كان الثاني مجزئاً بطريق أولى. ولعلّ القائل فسّر به الجَدْي.

(وفي كلّ من القُبَّرة بالقاف المضمومة ثمّ الباء المشددة بغير نون بينهما، (والصَعْوَة) وهي عُصفور صغير له ذَنَب طويل يرمح به، (والعصفور) بضم العين، وهو ما دون الحمامة فيشمل الآخرين وإنّما جمَعَها تبعاً للنصّ(8)، ويمكن أن يريد به العصفور الأهلي - كما سيأتي تفسيره به في الأطعمة فيغايرهما (مد) من (طعام) وهو هنا

ص: 398


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 271 - 272 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- لم نعثر عليه إلا ما نقله عن داود العلّامة في منتهى المطلب، ج 12، ص 328.
3- الكافي، ج 4، ص 390 ، باب كفّارة ما أصاب المحرم.... ح 10.
4- تقدم في ص 395.
5- جامع المقاصد، ج 3، ص 312
6- قال به الحلبي في الكافي في الفقه، ص 206.
7- تهذيب الأحكام ج 5 ، ص 344، ح 1192.
8- الكافي، ج 4 ، ص 390، باب كفارة ما أصاب..... ح 8.

ما يؤكل من الحبوب وفروعها، والتمر والزبيب وشبهها.

(وفي الجرادة تمرة) « وتمرة خيرٌ من جرادة»(1). (وقيل: كف من طعام (2)) وهو مروي(3) أيضاً، فيتخير بينهما جمعاً، واختاره في الدروس(4) ؛ (وفي كثير الجراد شاة) والمرجع في الكثرة إلى العرف ويُحتمل اللغة فيكون الثلاثةُ كثيراً. ويجب لما دونه في كلّ واحدةٍ تمرة أو كفٌ.

( ولو لم يمكن التحرُّزُ) من قتله بأن كان على طريقه بحيث لا يمكن التحرز منه إلا بمشقة كثيرة لا تُتَحَمَّل عادةً لا الإمكان الحقيقي (فلا شيء).

(وفي القملة) يُلقيها عن ثوبه أو بدنه وما أشبههما، أو يقتلها (كفٌ) من (طعام). ولا شيء فى البرغوث وإن منعنا قتله.

وجميع ما ذكر حكمُ المحرم في الحِلّ، أمّا المحِلّ في الحرم فعليه القيمة فيما لم يُنَصِّ على غيرها، ويجتمعان على المحرم في الحرم. ولو لم يكن له قيمة فكفارته الاستغفار .

(ولو نفّر حمام الحرم وعاد) إلى محلّه (فشاةٌ) عن الجميع (وإلّا) يَعُدْ (فعن كلّ واحدةٍ شاة ) على المشهور، ومستنده غير معلوم.

وإطلاق الحكم يشمل مطلق التنفير وإن لم يخرج من الحرم، وقيَّده المصنف في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم (5)وظاهرُهم أنّ هذا حكم المحرم في الحرم، فلو كان مُحِلّاً فمقتضى القواعد وجوب القيمة إن لم يعد تنزيلاً له منزلة الإتلاف؛ ويُشكِل حكمه مع العود، وكذا حكم المحرم لو فعل ذلك في الحِلّ.

ولو كان المُنَفَّرُ واحدةً ففي وجوب الشاة مع عودِها وعدمه تساوي الحالتين، وهو

ص: 399


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 363 ، ح 1264.
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 438 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 163.
3- الكافي، ج 4، ص 393، باب فصل ما بين صيد البر.... ح3.
4- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- حكاه عنه الشهيد في مسالك الأفهام، ج 2، ص 452.

بعيد. ويمكن عدم وجوب شيء مع العود وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين، وهو الحمام إن لم نجعله اسم جنس يقع على الواحدة وكذا الإشكال لو عاد البعض خاصةً وكان كلّ من الذاهب والعائد واحدةً. بل الإشكال في العائد وإن كثر، لعدم صدق عود الجميع الموجب للشاة.

ولو كان المُنَفِّرُ جماعةً ففي تعددِ الفداء عليهم أو اشتراكهم فيه خصوصاً مع كون فعل كلّ واحد لا يوجب النفور، وجهان. وكذا في إلحاق غير الحمام به، وحيث لا نص ظاهراً ينبغي القطعُ بعدم اللحوق، فلو عاد فلا شيء، ولو لم يعد ففي إلحاقه بالإتلاف نظر، لاختلاف الحقيقتين. ولو شَكٍّ في العدد بنى على الأقل، وفي العود على عدمه، عملاً بالأصل فيهما.

(ولو أغلق على حمام وفراخ وبَيض فكالإتلاف مع جهل الحال أو علم التلف) فيضمن المحرم في الحِلّ كلَّ حمامةٍ بشاة والفرْخَ بحمّل والبيضةَ بدرهم، والمُحِلُّ الحرم الحمامة بدرهم والفَرْخَ بنصفه والبيضة بربعه. ويجتمعان على من جمع الوصفين. ولا فرق بين حمام الحرم وغيره إلا على الوجه السابق.

(ولو باشَرَ الإتلاف جماعة أو تَسَبَّبوا) أو باشَرَ بعض وتَسَبَّب الباقون (فعلى كلّ فداءٌ )لأنّ كلَّ واحد من الفعلين مُوجِبٌ له وكذا لو باشر واحدٌ أُموراً متعدّدة يجب لكلّ منها الفداء، كما لو اصطاد وذَبَح وأكل، أو كسر البيض وأكل، أو دلَّ على الصيد وأكل. ولا فرق بين كونهم محرمين ومحلّين في الحرم والتفريق، فيلزم كلّاً حكمُه، فيجتمع على المحرم منهم في الحرم الأمران.

(وفي كسْرِ قَرْنَي الغزال نصف قيمته، وفي عينيه أو يديه أو رجليه القيمة، والواحدِ بالحساب ) ففيه نصف القيمة. ولو جمع بينه وبين آخر من اثنين فتمام القيمة، وهكذا. هذا هو المشهور ومستنده (1)ضعيف، وزعموا أنّ ضعفه منجبِرٌ بالشهرة، وفي

ص: 400


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 387، ح 1354.

الدروس جزم بالحكم في العينين و نسبه في اليدين والرجلين إلى القيل(1) . والأقوى وجوب الأرش في الجميع؛ لأنه نقصُ حَدَثَ على الصيد فيجب أرشُه حيث لا معين يُعتمد عليه.

(ولا يدخُل الصيد فى ملك المحرم بحيازة ولا عقد ولا إرث) ولا غيرها من الأسباب المُمَلّكة كنذره له هذا إذا كان عنده أما النائي فالأقوى دخوله في ملكه ابتداءً اختياراً كالشراء وغيره كالإرث، وعدم خروجه بالإحرام، والمرجع فيه إلى العرف.

(ومن نتف ريشةً من حمام الحرم فعليه صدقة بتلك اليد) الجانية.

وليس في العبارة أنه نتفها باليد حتى يُشير إليها بل هي أعم، لجواز نتفها بغيرها، والرواية وردت بأنه يَتَصَدَّق باليد الجانية (2)وهي سالمة من الإيراد. ولو اتفق النتْفُ بغير اليد جازت الصدقة كيف شاء، ويجزئ مسمّاها. ولا تسقط بنبات الريش ولا تجزئ بغير اليد الجانية.

ولو تتف أكثر من ريشة ففي الرجوع إلى الأرش عملاً بالقاعدة، أو تعدد الصدقة بتعدده وجهان اختار ثانيهما المصنِّفُ في الدروس(3)، وهو حسن إن وقع النتف على التعاقب وإلا فالأول أحسن إن أوجب أرشاً وإلَّا تَصَدَّق بشيء لثبوته بطريق أولى. ولو نتف غير الحمامة أو غير الريش فالأرش. ولو أحدث ما لا يُوجب الأرضَ نقصاً ضَمِن أرشه، ولا يجب تسليمه باليد الجانية للأصل.

(وجزاؤه)أي جزاء الصيد مطلقاً يجب إخراجه(بمنى) إن وقع(في إحرام الحج، وبمكة في إحرام العمرة). ولو افتقر إلى الذبح وجب فيهما أيضاً كالصدقة، ولا تجزئ الصدقة قبل الذبح ومستحقه الفقراء والمساكين بالحرم فعلاً أو قوّةً كوكيلهم فيه.

ولا يجوز الأكل منه إلا بعد انتقاله إلى المستحق بإذنه. ويجوز في الإطعام التمليك والأكل.

ص: 401


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 273 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 348، ح 1210.
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 278( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

البحث الثاني في كفارة باقي المحرمات

(في الوطء) عامداً عالماً بالتحريم (قبلاً أو دُبُراً قبل المشعر وإن وقف بعرفة) على أصح القولين (بدنةٌ ويُتِمُّ حجه ويأتي به من قابل(1)) فورياً إن كان الأصل كذلك (وإن كان الحج نفلاً). ولا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبية، ولا بين الحرّة والأمة. ووطءُ الغلام كذلك في أصح القولين(2)، دون الدابة في الأشهر.

وهل الأولى فرضُه والثانيه عقوبة أو بالعكس؟ قولان(3)، والمروي الأول(4)، إلا أن الرواية مقطوعة، وقد تقدّم. وتظهر الفائدة في الأجير لتلك السنة أو مطلقاً، وفي كفّارة خُلْف النذرِ وشبهه لو عيَّنه بتلك السنة، وفي المُفسِد المصدودِ إذا تحَلَّلَ ثمّ قدر على الحج لسنته أو غيرها (5).

(وعليها مطاوعةً مثله) كفارةً وقضاء.

واحترزنا ب-«العامد العالم» عن الناسي - ولؤ للحكم - والجاهل فلا شيء عليهما. وكان عليه تقييده وإن أمكن إخراج الناسي من حيث عدم كونه محرَّماً في حقه، أمّا الجاهل، فآثم.

(ويفترقان إذا بلغا موضع الخطيئة بمصاحبة ثالث) محترم (في) حج (القضاء)

ص: 402


1- القول الأول للشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 455 والقول الآخر للشيخ المفيد في المقنعة، ص 433.
2- ذهب إليه العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 468 : والقول الآخر لم نعثر عليه.
3- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 230 ؛ وإلى قول الثاني ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 550 .
4- الكافي، ج 4، ص 373، باب المحرم يواقع امرأته.... ح 1.
5- فإن جعلنا الأولى عقوبة وصدّ عن إكمالها متحلّل سقطت عنه العقوبة فإن زال العذر وتمكن من الحج في تلك السنة وجب وأجزاً عن فرضه وهو حجّ يقضى لسنته وإن لم يتمكن قضاء في القابل وسقطت العقوبة أيضاً وإن جعلنا الأولى فرضه وصدّ عن الإكمال لم يسقط الفرض بل يجب قضاؤه في تلك السنة أو بعدها. ثم يحج للعقوبة بعد ذلك هذا إذا قلنا إن حجّ العقوبة إذا صدّ عنه لا يقضى كما هو الظاهر ولو قلنا يقضى فلا فرق بين القولين في وجوب حجة أُخرى لكن هنا يجب تقديم حجة الإسلام على العقوبة وإن قلنا إنّ الأولى عقوبة حيث يصدّ عنها وإن أمكن القضاء في سنة الصدّ فيقدّم حجة الإسلام( منه رحمه الله)

إلى آخر المناسك. (وقيل): يفترقان في الفاسد أيضاً(1)) من موضع الخطيئة إلى تمام مناسكه(2)، وهو قوي مروي(3)، وبه قطع المصنف في الدروس(4).

ولو حجّا في القابل على غير تلك الطريق فلا تفريق وإن وصل(5) إلى موضع يَتَّفِق فيه الطريقان كعرفة، مع احتمال وجوب التفريق في المتَّفق منه. ولو توقفت مصاحَبةُ الثالث على أجرةٍ أو نفقةٍ وجبت عليهما.

( ولو كان مكرهاً لها تَحمَّل) عنها (البدنةَ لا غير) أي لا يجب عليه القضاء عنها؛ لعدم فساد حجّها بالإكراه، كما لا يفسد حجه لو أكرهَتْه . وفي تحملها عنه البدنةَ وتحمُّل الأجنبي لو أكرههما وجهان، أقربهما العدم؛ للأصل.

ولو تكرر الجماع بعد الإفساد تكرّرت البدنة لا غير، سواء كفّر عن الأوّل أم لا. نعم لو جامع في القضاء لَزِمه ما لَزِمه أوّلاً، سواءٌ جعلناها فرضَه أم عقوبةً، وكذا القول في

قضاء القضاء.

(وتجب البدنة) من دون الإفساد بالجماع (بعد المشعر إلى أربعة أشواط من طواف النساء، والأولى) بل الأقوى (بعد خمسة(6)) أي إلى تمام الخمسة، أما بعدها فلا خلاف في عدم وجوب البدنة.

وجعْلُه الحكم أولى يدلّ على اكتفائه بالأربعة في سقوطها، وفي الدروس قطع باعتبار الخمسة(7) ونَسَب اعتبار الأربعة إلى الشيخ (8)والرواية(9)، وهي ضعيفة. نعم يكفي

ص: 403


1- استحسنه في تحرير الأحكام الشرعية ( ج 2، ص 57، الرقم 2418]. (زين رحمه الله)
2- حكاه عن علي بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 168، المسألة 127.
3- الكافي، ج 4، ص 373 ، باب المحرم يواقع امرأته .... ح 1.
4- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 284 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- أي وصل الطريق.
6- نعم. ويكفي في البناء مجاوزة النصف لا في سقوط الكفّارة (زين رحمه الله)
7- الدروس الشرعية، ج 1، ص 285 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
8- المبسوط ، ج 1، ص 456: النهاية، ص 231.
9- الفقيه، ج 2، ص 391، ح 2791

الأربعةُ في البناء عليه وإن وجبت الكفّارة، ولو كان قبل إكمال الأربعة فلا خلاف في وجوبها.

(ولكن لو كان قبل طواف الزيارة) أي قبل إكماله وإنْ بَقِيَ منه خُطوةً (وعجز عن البدنة تخيَّر بينها وبين بقرةٍ أو شاةٍ)؛ لا وجه للتخيير بين البدنة وغيرها بعد العجز عنها ، فكان الأولى أنه« مع العجز عنها يجب بقرة أو شاة».

وفي الدروس أوجب فيه بدنةً فإن عجز فبقرة فإن عجز فشاة(1)، وغيره خير بين البقرة والشاة (2)والنصوص خالية عن هذا التفصيل لكنّه مشهور في الجملة على اختلاف ترتيبه، وإنّما أُطلِق في بعضها الجَزُور(3)وفي بعضها الشاة (4).

(ولو جامع أمتَه المحرمة بإذنه محِلّاً فعليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاةٌ أو صيام ثلاثة(5)) أيام. هكذا وردت الرواية(6) وأفتى بها الأصحاب، وهي شاملة بإطلاقها ما لو أكرهها وطاوعته، لكن مع مطاوعتها يجب عليها الكفّارة أيضاً ،بدنةً، وصامت عِوَها ثمانية عشر يوماً مع علمها بالتحريم وإلا فلا شيء عليها. والمراد بإعساره الموجب للشاة أو الصيام إعساره عن البدنة والبقرة. ولم يقيَّد في الرواية والفتوى الجماع بوقت، فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فَسَدَ حجها مع المطاوعة والعلم.

واحترز بالمُحرِمة بإذنه عمّا لو فعلته بغيره فإنّه يلغو فلا شيء عليهما. ولا يُلحق بها

ص: 404


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 285 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 269.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 321، ح 1104.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 321 ، ح 1106.
5- تخييرين، وترتيب الأوّل في الثلاثة المذكورة أوّلاً، والثاني بين الشاة والصيام، والترتيب هو أنه لا ينتقل إلى الصيام إلا بعد العجز عن البدنة والبقرة (زين رحمه الله)
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 320، ح 1102.

الغلامُ المحرِمُ بإذنه وإن كان أفحش؛ لعدم النصّ وجواز اختصاص الفاحش بعدم الكفّارة عقوبةً كسقوطها عن معاود الصيد عمداً للانتقام.

(ولو نظر إلى أجنبية فأَمْنَى) من غير قصدٍ له ولا عادةٍ (فبدنةٌ للمُوسِر) أي عليه، ( وبقرة للمتوسط، وشاةٌ للمُغْسِر) والمرجع في المفهومات الثلاثة إلى العرف. وقيل: يُنَزَّل ذلك على الترتيب، فتجب البدنة على القادر عليها فإن عجز عنها فالبقرة فإن عجز عنها فالشاة(1)، وبه قطع في الدروس(2). والرواية تدلّ على الأوّل(3)، وفيها أن الكفّارة للنظر لا للإمناء، ولو قصده أو كان من عادته فكالمُستَمني وسيأتي.

(ولو نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى فبدنةٌ(4)) وفي الدروس: جَزُورٌ (5)والظاهر إجزاؤُهما؛ وبغير شهوة لا شيء وإن أمنى ما لم يقصده أو يَعتَده. (ولو مَسَّها فشاةٌ إن كان بشهوة وإن لم يُمْن، وبغير شهوة لاشيء) وإن أمنى، ما لم يحصل أحد الوصفين. (وفي تقبيلها بشهوة جَزُور) أَنْزَل أم لا. ولو طاوعته فعليها مثله؛ (وبغيرها) أي بغير شهوة (شاةٌ) أَنْزَل أم لا، مع عدم الوصفين.

(ولو أمنى بالاستمناء أو بغيره من الأسباب التي تصدر عنه فبدنةٌ) وهل يفسد به الحج مع تعمُّدِه والعلم بتحريمه؟ قيل: نعم(6)، وهو المروي (7)من غير مُعارِض. وينبغي تقييده بموضع يُفسده الجِماعُ. ويُستثنى من الأسباب التي عممها ما تقدم من المواضع التي لا توجب البدنة بالإمناء وهي كثيرة.

(ولو) عقد المحرم أو المحِلَّ لمحرم على امرأة فدخل فعلى كلّ منهما أي من

ص: 405


1- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 391، المسألة 310
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 286 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 325 ، ح 1115.
4- [ الجزور ] الثني فصاعداً ذكراً أو أنثى والبدنة الأنثى خاصة، وهي من الثنية فصاعداً. والثني ماله خمس ودخل في السادسة (زين رحمه الله)
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 457 ؛ النهاية، ص 231
7- الكافي، ج 4، ص 376، باب المحرم يقبل امرأته .... ح 6.

العاقد والمحرم المعقود له (بدنه). والحكم بذلك مشهور، بل كثير منهم لا ينقل فيه خلافاً، ومستنده رواية سماعة (1)، وموضع الشكّ وجوبُها على العاقد المُحِلّ. وتضمَّنت أيضاً وجوب الكفّارة على المرأة المجلّة مع علمها بإحرام الزوج؛ وفيه إشكال، لكن هنا قطع المصنف في الدروس بعدم الوجوب عليها(2). وفي الفرق نظر.

وذهب جماعة إلى عدم وجوب شيء على المحِلّ فيهما سوى الإثم(3)، استناداً إلى الأصلِ وضعفِ مستند الوجوب أو بحمله على الاستحباب؛ والعمل بالمشهور أحوط، نعم لو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع ولو كان العاقد والمرأة محرمين خاصةً وجبت الكفّارة على المرأة مع الدخول والعلم بسببه، لا بسبب العقد، وفي وجوبها على العاقد الإشكال، وكذا الزوج.

(والعمرة المفردة إذا أفسدها) بالجماع قبل إكمال سعيها أو غيره (قضاها في الشهر الداخل، بناءً على أنّه الزمانُ بين العمرتين )ولو جعلناه عشرة أيام اعتُبِر بعدها. وعلى الأقوى من عدم تحديد وقت بينهما يجوز قضاؤها معجَّلاً بعد إتمامها وإنْ كان الأفضلُ التأخير، وسيأتى ترجيح المصنف عدم التحديد(4).

(وفى لبس المخيط) وما في حكمه (شاةٌ) وإن اضطر، (وكذا) تجب الشاة في (لُبس الخُفَّين) أو أحدهما (أو الشُّمِشْك) بضم الشين وكسر الميم (أو الطيب، أو حلْقِ الشعر) وإن قلّ، مع صدق اسمه، وكذا إزالته بنتفٍ ونورةٍ وغيرهما (أو قص الأظفار(5) ) أي أظفار يديه ورجليه جميعاً في مجلس ، أو يديه) خاصةً في مجلس (أو رِجليه)

ص: 406


1- الكافي، ج 4، ص 372، باب المحرم يتزوج أو يزوج، ح 5 .
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 348؛ ونجم الدين الحلي في تردّدات الشرائع، ص 332
4- يأتي في ص 414.
5- ولو كان الإصبع زائدة أو يد زائدة فالظاهر أنها كالأصلية. والأقرب التساوي بين قص بعض الظفر وكله، نعم لو قصه في دفعات فالظاهر عدم التعدّد مع اتحاد الوقت فلو تغاير احتمل التعدد الدروس الشرعية ج 1، ص 296، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)

كذلك، (وإلا فعن كلّ ظُفْرٍ مُد). ولو كفَّر لما لا يبلغ الشاة ثم أكمل اليدين أو الرجلين لم تجب الشاة، كما أنه لو كفّر بشاة لأحدهما ثمّ أكمل الباقي في المجلس تعددت.

والظاهر أن بعض الظفر كالكل إلا أن يَقُصه في دفعات مع اتحاد الوقت عرفاً فلا تتعدد فديَتُه.

(أو قلع شجرة من الحرم صغيرة )غير ما استثني. ولا فرق هنا بين المحرم والمحلّ. وفى معنى قلْعِها قطعها من أصلها والمرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف. والحكم بوجوب شيء للشجرة مطلقاً هو المشهور، ومستنده رواية مرسلة (1).

(أو ادَّهَنَ بمُطَيَّب) ولؤ لضرورة، أمّا غير المطَيَّب فلا شيء فيه وإنْ أثِمَ (أو قَلَع ضِرْسَه (2)) مع عدم الحاجة إليه في المشهور، والرواية به مقطوعة(3). وفي إلحاق السن به وجه بعيد. وعلى القول بالوجوب لو قلع متعدّداً فعن كلّ واحدٍ شاة وإن اتحد المجلس.

(أو نتف إِبْطَيه(4)) أو حَلَقهما، (وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين) أما لو نف بعض كلّ منهما فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب شيء، وهو مستثنى من عموم إزالة الشعر الموجب للشاة، لعدم وجوبها لمجموعه، فالبعض أولى.

(أو أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي. والظاهر أنّه لا يُشترط كون المفتي مخرماً ) لإطلاق النص (5)، ولا كونه مجتهداً، نعم يُشترط صلاحيّتُه للإفتاء بزعم المستفتى ليَتَحقَّق الوصفُ ظاهراً. ولو تعمَّد المستفتي الإدماء فلا شيء على المفتي وفي قبول قوله في حقه نظر وقرَّب المصنّف في الدروس القبول(6). ولا شيء على المفتي في غير ذلك، للأصل مع احتماله.

ص: 407


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 381 ح 1331
2- وفي العانة شاة. زين رحمه الله .
3- تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 385، ح 1344.
4- وكذا حلقهما، ولا فرق في حلق الرأس بين بعضه وكلّه. ولو لم يسم حلقاً تصدّق بشيء. ولو اختلف الوقت في الحلق تعدّدت الكفّارة، ولو قصه في أوقات ثمّ حلقه احتمل التعدّد الدروس الشرعية [ج 1، ص 297، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)
5- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 333 ، ح 1146.
6- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

(أو جادَلَ ) بأن حلف بإحدى الصيغتين أو مطلقاً (ثلاثاً صادقاً) من غير ضرورة إليه كإثباتِ حق أو دفع باطل يتوقف عليه، ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم يتخلل التكفير فواحدة عن الجميع، ومع تخلله فلكلّ ثلاث شاة،( أو واحدة كاذباً، وفي اثنتين كاذباً بقرة، وفي الثلاث) فصاعداً (بدنةٌ) إن لم يُكفّر عن السابق، فلو كفّر عن كل واحدة ،فالشاةُ أو اثنتين فالبقرة. والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء، أو بعد التكفير فللواحدة شاة، وللاثنتين بقرة، وللثلاث بدنة.

(وفي الشجرة الكبيرة) عرفاً (بقرة) في المشهور. ويكفي فيها وفي الصغيرة كونُ شيءٍ منها في الحرم سواء كان أصلها أم فرعها. ولا كفّارة في قلع الحشيش وإن أثم في غير الإذخر وما أنبته الآدمي. ومحلُّ التحريم فيهما الأخضر، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقاً، لا قلعُه إن كان أصله ثابتاً.

(ولو عَجَز عن شاة في كفّارة الصيد ) التي لا نصّ على بدلها (فعليه إطعام عشرة مساكين) لكلّ مسكين مُد، (فإن عجز صام ثلاثة أيام) وليس في الرواية التي هي مستند الحكم تقييد بالصيد(1) فتدخل الشاة الواجبة بغيره من المحرمات.

(ويتخيَّر بين شاة الحلق لأذىً أو غيره، وبين إطعام عشرة ) مساكين (لكلّ واحدٍ مد، أو صيام ثلاثة) أيام. أما غيرُها فلا ينتقل إليهما إلا مع العجز عنها، إلا في شاة وطئ الأمة فيتخيَّر بينها وبين الصيام كما مرّ.

(وفي شَعرٍ سَقَط من لحيته أو رأسه) قل أم كثر (بمسه كف طعام، ولو كان في الوضوء) واجباً أم مندوباً (فلا شيء). وألحق به المصنِّفُ في الدروس الغُسل(2) وهو خارج عن مورد النص(3). والتعليل بأنه فعل واجب فلا يَتَعَقَّبه فديةٌ، يُوجب إلحاق التيمم وإزالة النجاسة بهما، ولا يقول به

ص: 408


1- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 353 ، ح 1227
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 297 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 339، ح 1172

(وتَتَكَرَّر الكفّارة بتكرر الصيد عمداً أو سهواً) أما السهو فموضع وفاق، وأما تكرره عمداً، فوجهه صدقُ اسمه الموجب له، والانتقام منه غيرُ منافٍ لها لإمكان الجمع بينهما. والأقوى ،عدمه، واختاره المصنّف في الشرح(1)، للنص عليه صريحاً في صحيحة ابن أبي عُمَير(2) مفسّراً به الآية(3)، وإن كان القول بالتكرار أحوط وموضع الخلافِ العمد بعد العمد، أما بعد الخطأ أو بالعكس، فيتكرر قطعاً. ويُعتبر كونه في إحرام واحد أو في التمتع مطلقاً، أما لو تعدد في غيره تكرّرت.

( وبتكرر اللبس) للمخيط (في مجالس)، فلو اتحد المجلس لم يتكرر اتحد جنس الملبوس أم اختلف، لَبَسها دفعةً أم على التعاقب طال المجلس أم قصر؛ (و) بتكرر (الحلق في أوقاتٍ ) مُتَكَذِّرةٍ عرفاً وإنْ اتَّحد المجلس (وإلّا فلا) يتكرر.

وفي الدروس جَعَل ضابط تكرُّرِها في الحلق واللبس والطيب والقُبْلَة تعدد الوقت(4) ، ونقل ما هنا عن المحقق (5)ولم يتعرَّض لتكرُّر سَتْر ظَهْرِ القدم والرأس والأقوى في ذلك كلّه تكرُرُها بتكرره مطلقاً مع تعاقب الاستعمال لُبساً وطيباً وسَتراً وحلقاً وتغطيةً وإِنْ اتَّحد الوقتُ والمجلس، وعدمه مع إيقاعها دفعةً بأن جَمَع من الثياب جملةً ووضَعَها على بدنه وإن اختلفت أصنافها.

(ولا كفّارة على الجاهل والناسي في غير الصيد) أما فيه فتجب مطلقاً حتى على غير المكلّف؛ بمعنى اللزوم في ماله أو على الولي.

(ويجوز تخلية الإبل ) وغيرها من الدواب (للرغى في الحرم ) ؛وإنّما يحرُم مباشرة قطعه على المكلّف محرماً وغيره.

ص: 409


1- غاية المراد، ج 1، ص 297 - 298 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 372، ح 1298
3- المائدة (5): 95 : «وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» .
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 306 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
5- شرائع الإسلام، ج 1، ص 272

الفصل السابع في الإحصار والصدّ

أصل الحصر المنع، والمراد به هنا منع الناسك بالمرض عن نُسكِ يفوت الحج أو العمرة بفواته مطلقاً كالمَوقِفين، أو عن النسكِ المحلّل على تفصيل يأتي، والصدُّ بالعدوّ وما في معناه مع قدرة الناسك بحسب ذاته على الإكمال وهما يشتركان في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة، ويفترقان في عموم التحلّل ؛ فإنّ المصدود يحِلُّ له بالمحلّل كلُّ ما حرَّمه الإحرام والمُحصَر ما عدا النساء، وفي مكان ذبح هدي التحلُّل ؛ فالمصدود يَذبَحه أو ينحره حيث وُجد المانع، والمُحصَر يبعثه إلى مَحِلّه بمكة ومنى، وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلُّل للمُحصَر دون المصدود، لجوازه بدون الشرط.

وقد يجتمعان على المكلف بأن يمرض ويَصُدّه العدو فيتخيَّر في أخذ حكم ما شاء منهما،وأخذِ الأخفّ من أحكامهما لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم، سواء عَرَضا دفعةً أم متعاقبين.

و(متى أُحصر) الحاج (بالمرض عن الموقفين) معاً، أو عن أحدهما مع فوات الآخر، أو عن المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصة دون العكس، وبالجملة متى أحصر عمّا يَفُوت بفواته الحج (أو) أحصر المعتمرُ عن (مكة) أو عن الأفعال بها وإنْ دخلها، (بَعَث) كلٌّ منهما (ما ساقه) إن كان قد ساق هدياً

(أو) بعث (هدياً، أو ثمنه) إن لم يكن ساق. والاجتزاء بالمَسُوق مطلقاً هو المشهور ؛ لأنه هدي مُستَيسِرٌ.

والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجباً ولو بالإشعار أو التقليد ؛ لاختلاف الأسباب المقتضيةِ لتعدُّد المسبّب، نعم لو لم يتعيَّن ذَبحه كفى، إلّا أنّ إطلاق هدي السياق حينئذٍ عليه مجاز.

ص: 410

في مردف

وإذا بعث واعد نائبه وقتاً معيناً لذبحه أو نحره (فإذا بلغ) الهدي (مَحِلَّه وهي منى إن كان حاجاً، ومكة إن كان معتمراً) ووقت المُواعدة (حلق أو قصر وتحلَّل) بنيته (إلّا من النساء حتّى يَحُجَّ ) في القابل أو يَعتمِرَ مطلقاً (إن كان النسك الذي دخل فيه (واجباً) مستقِرّاً، (أو يُطافَ عنه للنساء) مع وجوب طوافهنّ في ذلك النسك (إن كان نَدْباً) أو واجباً، غير مستقر بأن استطاع له في عامه.

(ولا يسقُط الهدي) الذي يتحلَّل به (بالاشتراط) وقت الإحرام أن يَحُلَّه حيث حَبَسه كما سلف (نعم له تعجيل التحلّل ) مع الاشتراط من غير انتظار بلوغ الهدي مَحِلّه. وهذه فائدة الاشتراط فيه.

وأما فائدته في المصدود فمنتفية؛ لجواز تعجيله التحلُّل بدون الشرط. وقيل: إنّها سقوط الهدي(1)، وقيل: سقوط القضاء على تقدير وجوبه بدونه(2)؛ والأقوى أنّه تعبد شرعي ودعاء مندوب؛ إذ لا دليل على ما ذكروه من الفوائد.

(ولا يبطل تحلُّله) الذي أوقعه بالمواعدة (لو ظهر عدمُ ذَبح الهدي) وقت المواعدة ولا بعده؛ لامتثاله المأمور المقتضي لوقوعه مجزئاً يترتب عليه أثرُه ويَبْعَثه في القابل لفوات وقته في عام الحصر.

(ولا يجب الإمساك عند بعثه ) عمّا يُمسكه المحرم إلى أن يبلغ مَحِلّه (على الأقوى)؛ لزوال الإحرام بالتحلّل السابق، والإمساك تابع له والمشهور وجوبه لصحيحة معاوية بن عمار : يبعث من قابل ويُمسك أيضاً»(3). وفي الدروس اقتصر على المشهور(4) ؛ . ويمكن حمل الرواية على الاستحباب كإمساك باعث هديه من الآفاق تبرّعاً.

(ولو زال عذرُه التحق) وجوباً وإنْ بَعَث هديه (فإن أدْرَك وإلّا تحلَّلَ بعمرة) وإنْ

ص: 411


1- قال به السيد المرتضى في الانتصار، ص 258، المسألة 142
2- قال به الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 295، ذيل الحديث 1000.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1465.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 393 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

ذُبح أو نُحِر هديه على الأقوى ؛ لأن التحلُّل بالهدي مشروط بعدم التمكن من العمرة، فإذا حصل انحصر فيه. ووجه العدم الحكم بكونه محللاً قبل التمكن، وامتثال الأمر المقتضي له.

(و من صُدَّ(1) بالعدوّ عمّا ذكرناه) من الموقفين ومكة (ولا طريق غيرُه) أي غير المصدود عنه (أو) له طريق آخَرُ ولكن (لا نفقة) له تبلغه، ولم يَرجُ زوال المانع قبل خروج الوقت (ذَبَح هديه) المسوق أو غيره كما تَقرَّر (وقصر أو حلق وتحلَّل حيثُ صُدَّ حتّى من النساء )من غير تربص ولا انتظار طوافهنّ. (ولو أحصر عن عمرة التمتع فتحلَّل فالظاهر حِلُّ النساء أيضاً)؛ إذ لا طواف لهنّ بها حتى يتوقف حِلُّهنّ عليه، ووجه التوقف عليه إطلاق الأخبار بتوقف حِلّهنّ عليه من غير تفصيل(2) .

واعلم أنّ المصنّف وغيره أطلقوا القول بتحقق الصدّ والحصر بفوات الموقفين ومكة في الحج والعمرة (3)، وأطبقوا على عدم تحققه بالمنع عن المبيت بمنى ورمي الجمار، بل يَستنيب في الرمي في وقته إن أمكن وإلا قضاه في القابل.

وبقي أمور:

منها: منع الحاج عن مناسك منى يوم النحر إذا لم يمكنه الاستنابة في الرمي والذبح؛ وفي تحققهما به نظر من إطلاق النص(4)، وأصالة البقاء(5). أما لو أمكنه الاستنابة فيهما

ص: 412


1- ويتحقق الصدّ بالمنع عن مكة في إحرام العمرة، وبالمنع عن الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر في إحرام الحج، ولا يتحقق بالمنع عن مناسك منى، وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله نظر، أقربه عدم تحققه في الأوّل، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد لا غير، حتى يأتي بالمناسك، ويتحقق في الثاني، فيتحلّل ويعيد الحجّ من قابل الدروس الشرعية [ج 1، ص 395، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9]. (زين رحمه الله)
2- راجع وسائل الشيعة، ج 13، ص 177 - 180، الباب 1 من أبواب الإحصار والصد.
3- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) ؛ جامع المقاصد، ج 3، ص 281
4- الكافي، ج 4، ص 368 - 369 ، باب المحصور والمصدود....
5- في نسخة «ن»: «وأصالة البقاء على الحج».

فَعَل وحَلَق أو قصر مكانه وتحلَّل وأَتَمَّ باقي الأفعال.

ومنها: المنع عن مكة وأفعال منى معاً، وأولى بالجواز هنا لو قيل به ثُمَّ. والأقوى تحققه هنا للعموم. ومنها: المنع عن مكة خاصة بعد التحلّل بمنى والأقوى عدم تحققه فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الصيد والطيب والنساء إلى أن يأتي ببقية الأفعال، أو يستنيب فيها حيث يجوز، ويُحتمل مع خروج ذي الحجّة التحلّل بالهدي لما في التأخير إلى القابل من الحرج.

ومنها: منع المعتمر عن أفعال مكة أفعال مكة بعد دخولها. وقد أسلفنا أن حكمه حكم المنع عن

مكة، لانتفاء الغاية بمجرد الدخول.

ومنها: الصدّ عن الطواف خاصةً فيها وفي الحجّ، والظاهر أنه يستنيب فيه كالمريض مع الإمكان، وإلا بقي على إحرامه بالنسبة إلى ما يُحلله إلى أن يقدر عليه أو على الاستنابة .

ومنها: الصدّ عن السعي خاصة، فإنّه محلّل في العمرة مطلقاً، وفي الحج على بعض الوجوه وقد تقدَّم، وحكمه كالطواف. واحتمل في الدروس التحلّلَ منه في العمرة(1)، لعدم إفادة الطواف شيئاً، وكذا القول في عمرة الإفراد لو صُدَّ عن طواف النساء. والاستنابة فيه أقوى من التحلّل.

وهذه الفروض تمكن في الحصر مطلقاً، وفي الصدّ إذا كان خاصاً، إذ لا فرق فيه بين العام والخاص بالنسبة إلى المصدود، كما لو حبس بعض الحاج ولؤ بحق يعجز عنه، أو اتَّفق له في تلك المشاعر من يخافه. ولو قيل بجواز الاستنابة في كل فعل يقبل النيابةَ حينئذ كالطواف والسعي والرمي والذبح والصلاة كان حسناً، لكن يُستثنى منه ما اتَّفقوا على تحقق الصدّ والحصر به كهذه الأفعال للمعتمر.

ص: 413


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 396 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

خاتمة

(تجب العمرة) على المستطيع إليها سبيلاً (بشروط الحج ) وإن استطاع إليها خاصةً، إلا أن تكون عمرة تمتع، فيُشترط في وجوبها الاستطاعة لهما معاً، لارتباط كلّ منهما بالآخر. وتجب أيضاً بأسبابه الموجبة له لو اتفقت لها كالنذر وشبهه، والاستئجار والإفساد، وتزيد عنه بفوات الحجّ بعد الإحرام ويشتركان أيضاً في وجوب أحدهما تخييراً لدخول مكة لغير المتكرّر، والداخل لقتال، والداخل عقيب إحلال من إحرام ولمّا يَمْضِ شهرٌ منذ الإحلال، لا الإهلال.

(ويؤخِّرها القارنُ والمفرِدُ ) عن الحج مبادِراً بها على الفور وجوباً كالحج. وفي الدروس جوز تأخيرها إلى استقبال المُحَرَّم(1)، وليس منافياً للفور .

(ولا تتعيَّن) العمرة بالأصالة (بزمان مخصوص) واجبةً ومندوبةً وإن وجب الفورُ بالواجبة على بعض الوجوه إلّا أنّ ذلك ليس تعييناً للزمان. وقد يتعيَّن زمانها بنذر وشبهه .

(وهي مستحبّةُ مع قضاء الفريضة في كلّ شهر) على أصح الروايات(2).

(وقيل: لا حدَّ) للمدّة بين العمرتين(3) (وهو حسن) لأنّ فيه جمعاً بين الأخبار الدال

ص: 414


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 251 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 434 - 435، ح 1506 و 1509 - 1510.
3- قال به السيد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 307 - 308، المسألة 139؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 540-541

بعضُها على الشهر(1)، وبعض على السنة(2)، وبعض على عشرة أيام (3)بتنزيل ذلك على مراتب الاستحباب؛ فالأفضلُ الفصل بينهما بعشرة أيام، وأكمل منه بشهر، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما السنةُ.

وفي التقييد بقضاء الفريضة إشارة إلى عدم جوازها ندباً مع تعلقها بذمته وجوباً؛ لأن الاستطاعة للمفردة ندباً يقتضي الاستطاعة وجوباً غالباً، ومع ذلك يمكن تخلفه لمتكلّفها حيث يفتقر إلى مؤونة لقطع المسافة وهي مفقودة، وكذا لو استطاع إليها وإلى حجها ولم تدخُل أشهرُ الحجّ فإنّه لا يخاطب حينئذٍ بالواجب فكيف يُمنع من المندوب؛ إذ لا يمكن فعلها واجباً إلا بعد فعل الحج. وهذا البحث كله في المفردة.

ص: 415


1- راجع وسائل الشيعة، ج 14، ص 307 - 310 ، الباب 6 من أبواب العمرة.
2- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 435 ، ح 1511.
3- الفقيه، ج 2، ص 458. ح 2967 .

ص: 416

كتاب الجهاد

اشارة

ص: 417

ص: 418

(كتاب الجهاد)

وهو أقسام جهاد المشركين ابتداءً لدعائهم إلى الإسلام؛ وجهادُ من يَذْهَمُ على المسلمين من الكفّار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم، أو أخْذَ مالهم وما أَشبَهَه وإنْ قل؛ وجِهادُ من يريد قتل نفس محترمةٍ، أو أخْذَ مال، أو سَبْيَ حريم مطلقا، ومنه جهاد الأسير بين المشركين للمسلمين دافعاً عن نفسه، وربما أُطلق على هذا القسم الدفاع لا الجهاد وهو أولى؛ وجهادُ البغاة على الإمام والبحث هنا عن الأول، واستطرد ذِكرَ الثاني من غير استيفاء، وذكر الرابع في آخر الكتاب، والثالث في كتاب الحدود.

(ويجب على الكفاية(1) ) بمعنى وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من فيه الكفاية، فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل الغرضُ المطلوب به شرعاً. وقد يتعيَّن بأمر الإمام لأحد على الخصوص وإن قام به من فيه كفاية.

وتختلف الكفاية (بحسب الحاجة ) بسبب كثرة المشركين وقلّتِهم وضعفهم وقوّتِهم. (وأقله مرّة في كل عام لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ (2)

ص: 419


1- لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [التوبة (9): 5] أوجب بعد انسلاخ الأشهر الجهاد، والأصل عدم التكرار، ولأنّ الجزية تجب على أهل الذمة في كلّ عام. كل عام، وهي بدل عن النصرة، فكذلك مبدلها ، وهو الجهاد، ولأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم وتسلّطهم، فيجب في كلّ عام. تذكرة الفقهاء[ ج 9، ص 13 المسألة 6.] (زين رحمه الله)
2- التوبة :(9) 5

أَوجَب بعد انسلاخها الجهادَ وجَعَله شرطاً فيجب كلَّما وُجِد الشرط، و لا يتكرر بعد ذلك بقيّة العام لعدم إفادة مطلق الأمر التكرار؛ وفيه نظر يظهر من التعليل.

هذا مع عدم الحاجة إلى الزيادة عليها في السنة وإلا وجب بحسبها، وعدم العجز عنها فيها، أو رؤية الإمام عدمه صلاحاً، وإلا جاز التأخير بحسبه.

وإنما يجب الجهاد (بشرط الإمام ) العادل( أو نائبه ) الخاص وهو المنصوب للجهاد، أو لما هو أعمّ أمّا العام كالفقيه، فلا يجوز له تَوَلّيه حالَ الغَيبة بالمعنى الأول، و لا يُشترط في جوازه بغيره من المعاني. (أو هجوم عدوّ) على المسلمين (يُخشَى منه على بَيضة الإسلام) وهي أصلُه ومُجتَمَعُه، فيجب حينئذٍ بغير إذن الإمام و نائبه.

ويُفهم من القيد كونه كافراً إذ لا يخشى من المسلم على الإسلام نفسه وإن كان مُبدِعاً، نعم لو خافوا على أنفسهم وجب عليهم الدفاع. ولو خِيفَ على بعض المسلمين وجب عليه، فإن عجز وجب على من يليه مساعدته، فإن عجز الجميع وجب على من بَعُد. ويَتَأَكَّدُ على الأقرب فالأقرب كفايةً.

(ويُشترط ) فيمن يجب عليه الجهاد بالمعنى الأول (البلوغ والعقل والحرّيّة والبَصَرُ والسلامة من المرضِ المانع من الركوب والعدو، (والعرج) البالغ حد الإقعاد، أو الموجبِ لمشقة في السعي لا تُتَحَمَّلُ عادةً، وفي حكمه الشيخوخة المانعة من القيام به، (والفقر) الموجب للعجز عن نفقته ونفقة عياله وطريقه وثمن سلاحه؛ فلا يجب على الصبي والمجنون مطلقاً، ولا على العبد وإن كان مُبَعضاً، ولا على الأعمى وإن وجد قائداً ومَطِيّة، وكذا الأعرج. وكان عليه أن يذكر الذكورية فإنّها شرط فلا يجب على المرأة.

هذا في الجهاد بالمعنى الأوّل، أما الثاني فيجب الدفعُ على القادر، سواء الذكرُ والأُنثى والسليم والأعمى والمريضُ والعبد وغيرهم.

(و يحرُم المُقامُ في بلد الشرك لمن لا يتمكن من إظهار شعار الإسلام ) من الأذانِ والصلاة والصوم وغيرها. سُمّي ذلك شعاراً ؛ لأنه علامة عليه أو من الشعار الذي هو

ص: 420

الثوبُ المُلاصِقُ للبدن فاستُعِير للأحكام اللاصقة اللازمة للدين.

واحتَرَز بغير المتمكّن ممّن يُمكنه إقامتها لقوّةٍ أو عشيرة تمنعه فلاتجب عليه الهجرة: نعم تُستحَبّ لئلا يكثُرَ سَوادُهم. وإنّما يحرم المقام مع القدرة عليها، فلو تعذَّرَت المرض أو فقر ونحوه فلا حرج.

وألحق المصنِّفُ فيما نُقِل عنه ببلاد الشرك بلادَ الخِلاف التي لا يتمكَّن فيها المؤمنُ من إقامة شعار الإيمان مع إمكان انتقاله إلى بلد يتمكَّن فيه منها (1).

( وللأبوين منع الولد) من الجهاد بالمعنى الأول (مع عدم التعين) عليه بأمر الإمام له، أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه؛ إذ يجب عليه حينئذٍ عَيناً فلايتوقف على إذنهما كغيره من الواجبات العينية.

وفي إلحاق الأجداد بهما قول قوي(2)، فلو اجتمعوا توقَّف على إذن الجميع. ولا يُشترط حريّتُهما على الأقوى. وفي اشتراط إسلامهما قولان(3)، وظاهر المصنف عدمه.

وكما يُعتبر إذنُهما فيه يُعتبر في سائر الأسفارِ المُباحةِ والمندوبة والواجبة كفايةً مع عدم تعينه عليه؛ لعدم من فيه الكفاية. ومنه السفر لطلب العلم، فإن كان واجبا عيناً أو كفايةً - كتحصيل الفقه ومقدّماتِه مع عدم قيام من فيه الكفاية، وعدم إمكان تحصيله في بلدهما وما قارَبَه ممّا لا يُعَدّ سفراً على الوجه الذي يُحَصِل مسافراً - لم يتوقف على إذنهما، وإلا توقف.

( والمُدِين)- بضمّ أوّله - وهو مستحق الدين (يمنع) المديونَ (المُوسِرَ) القادر على الوفاء (مع الحلول) حال الخروج إلى الجهاد، فلو كان معسراً، أو كان الدين مُؤجَّلاً وإنْ

ص: 421


1- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 3، ص 374.
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 31 ذيل المسألة 12
3- قال باشتراط الإسلام الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 539 ؛ أما القول بعدم الاشتراط يفهم من إطلاق كلامهم كالشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 22 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)؛ وابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع، ص 234.

حل قبل رجوعه عادةً لم يكن له المنع، مع احتماله في الأخير.

(والرباط) وهو الإرصاد في أطراف بلاد الإسلام للإعلام بأحوال المشركين على تقدير هجومهم

(مستحب) استحباباً مؤكّداً (دائماً) مع حضور الإمام وغيبته. ولو وَطَّن ساكنُ التَغر نفسَه على الإعلام والمحافظة فهو مُرابط.

(وأقله ثلاثة أيّام) فلا يستحق ثوابه ولا يدخل في النذرِ والوقف والوصية للمُرابطين بإقامة دونَ ثلاثة. ولو نذره وأطلق وجب ثلاثة بليلتين بينهما (1)كالاعتكاف. (وأكثره أربعون يوماً) فإن زاد الحق بالجهاد في الثواب لا أنه يخرج عن وصف الرباط.

( ولو أعان بفرسه أو غلامِه) لينتفع بهما مَن يُرابط (أثيب) لإعانته على البرّ، وهو في معنى الإباحة لهما على هذا الوجه.

(ولو نذرها) أى نذر المرابطة التى هى الرباط المذكور في العبارة (أو نذر صرف مال إلى أهلها وجب) الوفاء بالنذر (وإن كان الإمام غائباً ) لأنها لا تتضمن جهاداً فلا يُشترط فيها حضوره. وقيل: يجوز صرفُ المنذور للمرابطين في البرّ حالَ الغَيبة إن لم يَخَفْ السُّنْعَةَ بتركه؛ لعلم المخالف بالنذر ونحوه(2)؛ وهو ضعيف.

(و هنا فصول :)

ص: 422


1- كذا في النسخ والصحيح «بينها» أي بين الأيام الثلاثة.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1 ، ص 542

الفصل الأوّل فيمن يجب قتاله وكيفية القتال، وأحكام الذمة

(يجب قتال الحربي) وهو غيرُ الكتابي من أصناف الكفّار الذين لا ينتسبون إلى الإسلام، فالكتابي لا يُطلق عليه اسم الحربي وإن كان بحكمه على بعض الوجوه، وكذا فِرَقُ المسلمين وإنْ حُكم بكفرهم كالخوارج، إلا أن يَبغُوا على الإمام فيُقاتلون من حيثُ البَغْي وسيأتي حكمه، أو على غيره فيدافعون كغيرهم.

وإنما يجب قتال الحربي (بعد الدعاء إلى الإسلام ) بإظهار الشهادتين والتزام جميع أحكام الإسلام والداعي هو الإمام أو نائبه. ويسقط اعتبارُه في حق من عَرَفه بسَبْق دعائه في قتال آخَرَ أو بغيره، ومن ثُمَّ غزا النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم) بني المصطلق من غير إعلام واستأصلهم(1): نعم يُستحَبّ الدعاء حينئذ كما فعل علي (عليه السلام) بعمرو وغيره(2) مع علمهم بالحال؛ ( وامتناعه) من قبوله فلو أظهر قبوله ولو باللسان كُفَّ عنه. ويجب قتال هذا القسم ( حتّى يُسلِم أو يُقتل) ولا يُقبل منه غيرُه.

(والكتابي ) و هو اليهودي والنصراني والمجوسي (كذلك) يُقاتل حتى يُسلم أو يُقتل (إلّا أن يلتزم بشرائط الذمة) فيُقبل منه، (وهي بذلُ الجِزْيَة، والتزامُ أحكامنا ، وترك التعرّض للمسلمات بالنكاح) وفي حكمهن الصبيان (وللمسلمين) مطلقاً ذكوراً وإناثاً (بالفتنة) عن دينهم (وقطع الطريق) عليهم وسرقة أموالهم

ص: 423


1- راجع السيرة النبوية ابن كثير، ج 3، ص 298 و تاريخ الطبري، ج 2، ص 604.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 138، ح 232 : تاريخ الطبري، ج 2، ص 574 .

(وإيواء عين المشركين) وجاسوسهم،( والدلالة على عورة المسلمين) وهو ما فيه ضرر عليهم كطريق أخذهم وغيلتهم ولو بالمكاتبة: (وإظهارِ المُنكرات) في شريعة الإسلام كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر، وأكل الربا، ونكاح المحارم (في دار الإسلام ).

فية في

والأوّلان لابد منهما في عقد الذمة ويَخرُجون بمخالفتهما عنها مطلقاً، وأما باقي الشروط، فظاهر العبارة أنها كذلك، وبه صرّح في الدروس(1)، وقيل: لا يخرجون بمخالفتها إلا مع اشتراطها عليهم(2) ، وهو أظهر.

(وتقديرُ الجزية إلى الإمام ) ويتخيَّر بين وضعها على رؤوسهم وأَرَضيهم وعليهما على الأقوى، ولا تتقدر بما قدره على ( عليه الصلاة والسلام)(3)، فإنه مُنَزَّلُ على اقتضاء المصلحة في ذلك الوقت.

( وليَكُن) التقديرُ ( يوم الجباية) لا قبله لأنه أنسب بالصغار.( ويُؤخذ منه صاغراً ).

فيه إشارة إلى أنّ الصغار أمرُ آخَرُ غيرُ إبهام قدرها عليه، فقيل: هو عدم تقديرها حال القبض أيضاً بل يؤخذ منه إلى أن ينتهى إلى ما يراه صلاحاً(4)، وقيل: التزام أحكامنا عليهم مع ذلك(5) أو بدونه(6)، وقيل: أخذها منه قائماً والمسلمُ جالس(7) ، وزاد في التذكرة :

أن يُخرج الذمِّيُ يده من جيبه، ويُحَنِّي ظَهرَه ويُطَاطِئ رأسَه ويَصُبَّ ما معه في

ص: 424


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 25 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)
2- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 455، المسألة 71
3- تهذيب الإحكام، ج 4، ص 119، ح 343.
4- قال به المفيد في المقنعة، ص 272؛ الشيخ في النهاية، ص 193.
5- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 473 - 475 .
6- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 583 - 584 .
7- نسبه إلى بعض الناس الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 584.

كفّة الميزان ويأخُذ المستوفي بلحيته ويضربه في لِهْزِمَتَيه، وهما مجتمع اللحم بين الماضِيعُ والأُذُن(1).

(ويُبدأ بقتال الأقرب) إلى الإمام أو من نصبه( إلّا مع الخطر) في البعيد، فيبدأ به كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالحارث بن أبي ضرار لما بلغه أنه يجمع له وكان بينه وبينه عدو أقرب(2)، وكذا فعل بخالد بن سفيان الهزلي(3). ومثله ما لو كان القريب مهادناً.

( ولا يجوز الفِرارُ) من الحرب (إذا كان العدوُّ ضِعْفاً) للمسلم المأمور بالثبات أى قدره مرَّتين (أو أقلَّ إِلَّا لمُتَحَرِّفٍ لقتال) أي مُنتقِل إلى حالة أمكن من حالته التي هو عليها كاستدبار الشمس، وتسوية اللأمة وطلب السعةِ، ومَوردِ الماء (أو مُتَحَيّز) أي مُنضمّ (إلى فئة) يَستنجد بها في المعونة على القتال، قليلةً كانت أم كثيرةً مع صلاحيّتِها له وكونها غير بعيدة على وجه يخرج عن كونه مقاتلاً عادةً. هذا كله للمختار، أمّا المضطر - كمن عرَض له مرض أو نَفَد سِلاحَه - فإنّه يجوز له الانصراف.

(ويجوز المحارَبةُ بطرق الفتح كهَدْمِ الحُصون والمنجنيق وقطع الشجر) حيث يَتوقَّف عليه (وإنْ كُرِه) قطع الشجر وقد قطع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )أشجار الطائف(4)، وحرق على بني النضير وخرَّب ديارهم(5).

(وكذا يُكرَه بإرسال الماء ) عليهم ومنعه عنهم (و) إرسال (النار وإلقاء السم) على الأقوى، إلا أن يُؤَدِّيَ إلى قتل نفس محترمةٍ فيحرم إن أمكن بدونه، أو يتوقف عليه الفتح فيجب. ورجح المصنّف في الدروس تحريم إلقائه مطلقاً(6)؛ لنهي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم ) عنه (7)،

ص: 425


1- تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 327، المسألة 190.
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 9، ص 65، ح 17881.
3- السنن الكبرى البيهقي ، ج 9، ص 65 ، ح 17883 .
4- السنن الكبرى البيهقي ، ج 9، ص 141، ح 18110
5- السنن الكبرى البيهقي، ج 9، ص 141 - 142، ح 18111 - 18112 و، ص 144، ح 18119 - 18120.
6- الدروس الشرعية، ج 2، ص 24( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- الكافي، ج 5، ص 28 ، باب وصيّة رسول الله.... ح 2.

والرواية ضعيفة السند بالسكوني.

(ولا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء وإنْ عاونوا إلا مع الضرورة) بأن تترسوا بهم وتوقف الفتحُ على قتلهم.

(و) كذا (لا) يجوز قتل( الشيخ الفاني) إلا أن يُعاون برأي أو قتال؛ (و) لا (الخنثى المشكل) لأنه بحكم المرأة في ذلك.

(ويُقتل الراهب والكبير ) وهو دون الشيخ الفاني أو هو، واستدرك الجواز بالقيد وهو قوله : ( إن كان ذا رأي أو قتال) وكان يُغني أحدهما عن الآخر.

(و) كذا يجوز قتل (التُرس ممن لا يُقتل) كالنساء والصبيان.

(ولو تترسوا بالمسلمين كُفَّ ) عنهم (ما أمكن، ومع التعدّر) بأن لا يمكن التوصل إلى المشركين إلا بقتل المسلمين (فلا قود ولا ديةً) للإذن في قتلهم حينئذٍ شرعاً(1)، (نعم تجب الكفارة).

وهل هي كفّارة الخطأ أو العمد؟ وجهان، مأخذهما كونه في الأصل غير قاصد للمسلم وإنّما مطلوبه قتلُ الكافر، والنظرُ إلى صورة الواقع فإنّه متعمّد لقتله، وهو أوجَهُ.

وينبغي أن تكون من بيت المال ؛ لأنه للمصالح وهذه من أهمها ؛ ولأنّ في إيجابها على المسلم إضراراً يوجِبُ التخاذل عن الحرب لكثير .

(ويُكرَه التبييتُ) وهو النزول عليهم ليلاً، (والقتالُ قبل الزوال) بل بعده؛ لأنّ أبواب السماء تُفتح عنده وينزل النصر، وتُقبل الرحمة(2). وينبغي أن يكون بعد صلاة الظهرين؛ ولو أضطر إلى الأمرين زالت.

( وأن يُعَرْقِب) المسلمُ (الدابَّةَ) ولؤ وقَفَتْ به أو أشرف على القتل، ولو رَأَى ذلك صلاحاً زالت كما فعل جعفر بمؤتة(3)، وذَبحها أجود وأمّا دابة الكافر، فلا كراهة في

ص: 426


1- الكافي، ج 5، ص 28 ، باب وصيَّة رسول الله .... ح 6.
2- الكافي، ج 5، ص 28 ، باب وصيَّة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) .. ح 3 و 5
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 140 - 141، المجلس 5، ح 43/230.

قتلها كما في كلّ فعل يؤدّي إلى ضعفه والظفَرِ .به.

(والمبارَزة) بين الصفّين (من دون إذن الإمام ) على أصح القولين، وقيل: تحرُم (1)؛ (وتحرم إن منع )الإمام منها، (و تجب) عيناً (إن ألزم) بها شخصاً معيناً، وكفايةً إن أمر بها جماعةً ليقوم بها واحد منهم ، وتُستحبّ إذا ندب إليها من غير أمر جازم.

( و تجب مواراة المسلم) المقتول في المعركة دون الكافر، (فإن اشتبه) بالكافر (فلْيُوارَ كَمِيشُ الذَّكَر ) أي صغيره، لما رُوي من فعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ذلك في قتلى بدر وقال: «لا يكون ذلك إلا في كرام الناس»(2). وقيل: يجب دفن الجميع احتياطاً(3)، وهو حسن. وللقرعة وجه (4).

وأما الصلاة عليه فقيل: تابعة للدفن(5)، وقيل: يُصَلَّى على الجميع ويُفرد المسلمُ بالنية(6)، وهو حسن.

ص: 427


1- قال به الشيخ في النهاية، ص 293؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 8.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 172، ح 336
3- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 589 .
4- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 20.
5- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 258.
6- قال به ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 20.

الفصل الثاني في ترك القتال

(ويُترَك) القتال وجوباً (الأمور :)

(أحدها الأمان) وهو وهو الكلام وما في حكمه الدال على سلامة الكافر نفساً ومالاً. إجابةً لسؤاله ذلك، ومحله من يجب جهاده، وفاعله البالغ العاقل المختارُ، وعقده ما دَلَّ عليه من لفظ وكتابة وإشارة مفهمة.

ولا يُشترط كونُه من الإمام، بل يجوز( ولؤ من آحاد المسلمين(1) الآحاد الكفّار ) والمراد بالآحاد العدد اليسير، وهو هنا العشرة فما دون (أو من الإمام أو نائبه) عاماً، أو في الجهة التي أذمَّ فيها (للبلد) وما هو أعم منه، وللآحاد بطريق أولى.

(وشرطه) أي شرط جوازه (أن يكون قبل الأشر) إذا وقع من الآحاد، أما من الإمام، فيجوز ،بعده، كما يجوز له المن عليه، وعدم المفسدة وقيل: وجود المصلحة(2)كاستمالة الكافر ليرغب في الإسلام، وترفيه (3)الجند وترتيب أُمورهم، وقلّتهم، ولينتقل الأمر منه إلى دخولنا دارهم فنَطَّلع على عورتهم. ولا يجوز مع المفسدة (كما لو أمَّنَ(4) الجاسوس فإنّه لا يَنْفُذُ). وكذا من فيه مَضَرَّةٌ. وحيث تَحْتَلّ شروط الصحة يُردّ الكافر إلى مأمنه، كما لو دخل بشُبهة الأمان مثلُ

ص: 428


1- ذمام البالغ جائز، وذمام الطفل لا يجوز، لكنه يرد إلى مأمنه والفرق أنّ ذمام البالغ استقر وإن عاد إلى مأمنه، بخلاف ذمام الطفل لا يستقر (زين رحمه الله )
2- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 86، المسألة 44.
3- في نسخة «م»: «ترقية».
4- في بعض النسخ: «أمن» والصحيح ما أُثبت.

أن يَسمَعَ لفظاً فيعتقده أماناً، أو يَصحَبَ رفقةً فيظنّها كافية، أو يقال له «لانُذِمّك» فيتوهَّمَ الإثبات، ومثله الداخل بسفارة، أو ليسمع كلام الله.

(وثانيها: النزولُ على حكم الإمام أو من يختاره ) الإمام. ولم يذكر شرائط المختار اتكالاً على عصمته المقتضية لاختيار جامع الشرائط وإنما يفتقر إليها من لا يشترط في الإمام ذلك( فينفذ حكمه) . كما أقر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بني قريظة حين طلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل الرجال وسَ- مُعاذ فحكم فيهم بقتل الرجال وسَبْيِ الذراري وغنيمة المال،فقال له النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) : لقد حكمت بما حكم الله تعالى به من فوق سبعة أرقعة»(1).

وإنّما يَنفذ حكمه (ما لم يخالف الشرع) بأن يحكم بما لا حظ فيه للمسلمين أو ما ينافي حكم الذمة لأهلها.

[الثالث والرابع: الإسلام وبذلُ الجِزْيَة) فمتى أسلم الكافر حرم قتاله مطلقاً حتّى لو كان بعد الأَسْرِ الموجب للتخيير بين قتله وغيره، أو بعد تحكيم الحاكم عليه فحكم بعده بالقتل. ولو كان بعد حكم الحاكم بقتله وأخذ ماله وسَبْى ذَراريه سقط القتلُ وبَقِى الباقي. وكذا إذا بذل الكتابي ومن في حكمه الجزية وما يُعتبر معها من شرائط الذمة. ويمكن دخوله في الجزية ؛ لأن عقدها لا يتم إلا به فلا يتحقق بدونه .

(الخامس: المهادنة) وهي وهي المعاقدة من الإمام(عليه السلام) أو مَن نَصَبه لذلك مع من يجوز قتاله (على ترك الحرب مدّةً معيّنةً ) بعِوَض وغيره بحسب ما يراه الإمام قِلّةً؛ و (أكثرُها عشر سنين) فلا تجوز الزيادة عنها مطلقاً، كما يجوز أقل من أربعة أشهر إجماعاً، والمختارُ جواز ما بينهما على حسب المصلحة.

(وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين) لقلّتهم، أو رجاء إسلامهم مع الصبر أو ما يحصل به الاستظهار. ثمّ مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها، وقد تباح المجرَّد المصلحة التي لا تبلغ حدَّ الحاجة، ولو انتفت انتفت الصحة.

ص: 429


1- المغازي، الواقدي، ج 1، ص 512 ؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 10، ص 538 ، ذيل المسألة 7618.

الفصل الثالث في الغنيمة

وأصلها المال المكتسب، والمراد هنا ما أخذَتْه الفِئَةُ المجاهدة على سبيل الغلبة، لا باختلاس وسرقة فإنه لآخذه، ولا بانجلاء أهله عنه بغير قتال فإنّه للإمام.

وتُملَك النساء والأطفالُ بالسَبى وإنْ كانت الحرب قائمةً (والذكورُ البالغون يُقتلون حتماً إن أُخِذوا والحرب قائمةٌ، إلا أن يُسلموا) فيسقط قتلهم ويتخير الإمام حينئذٍ بين استرقاقهم والمن عليهم والفداء.

وقيل: يتعيَّن المن عليهم هنا ؛ لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر، فمع الإسلام أولى(1) ؛ وفيه أنّ عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة ومصير إلى ما هو أعظمُ لا إكرام، فلا يلزم مثله بعد الإسلام؛ ولأنّ الإسلام لا ينافي الاسترقاق.

وحيث يجوز قتلهم يتخيَّر الإمام تخير شهوة بين ضرب رقابهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم حتى يموتوا إن اتَّفق وإلّا أجهز عليهم.

(وإن أُخِذوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها) أي أثقالها من السلاح وغيره، وهو كناية عن تَقَضِّيها (لم يُقتلوا، ويتخيَّر الإمام فيهم) تخير نظرٍ ومصلحة (بين المن) عليهم (والفِداء) لأنفسهم بمال حسب ما يراه من المصلحة (والاسترقاق) حرباً كانوا أم كتابيِّينَ.

وحيث تُعتبر المصلحة لا يتحقق التخيرُ إلا مع اشتراك الثلاثة فيها على السواء، وإلّا تعيَّن الراجح واحداً كان أم أكثر.

ص: 430


1- قال به المحقق الكركي في حاشية الشرائع، ص 76 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 11).

وحيث يختار الفداء أو الاسترقاق (فيدخُل ذلك في الغنيمة) كما دخل من استُرِقَ ابتداءً فيها من النساء والأطفال.

(ولو عجز الأسير) الذي يجوز للإمام قتله (عن المشي لم يجز قتله) لأنه لا يُدرَى ما حُكْمُ الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل؛ ولأنّ قتله إلى الإمام وإنْ كان مُباحَ الدم في الجملة كالزاني المحصن، وحينئذٍ فإن أمكن حمله وإلا تُرِك للخبر(1). ولو بَدَر مسلمٌ فقتله فلا قصاص ولا دية ولا كفارة وإن أثم، وكذا لو قتله من غير عجز.

(ويُعتبر البلوغ بالإنبات) لتعذر العلم بغيره من العلامات غالباً وإلا فلو اتَّفق العلم به بها كفى، وكذا يُقبل إقراره بالاحتلام كغيره. ولو ادَّعى الأسير استعجال نباته بالدواء، فالأقرب القبول للشبهة الدارِيَّةِ للقتل.

(وما لا يُنقل و) لا ( يُحَوَّل ) من أموال المشركين كالأرض والمساكن والشجر (لجميع المسلمين) سواءٌ في ذلك المجاهدون وغيرهم.

(والمنقولُ) منها (بعد الجَمائِلِ) التي يجعلها الإمام للمصالح كالدليل على طريق أو عورةٍ، وما يلحق الغنيمة من مؤونة حفظ ونقل وغيرهما؛ (والرَضْخِ) والمراد به هنا العطاء الذي لا يبلغ سهم من يُعطاه لو كان مستحقاً للسهم كالمرأة والخنثى والعبد والكافر إذا عاونوا، فإنّ الإمام (عليه السلام) يعطيهم من الغنيمة بحسب ما يراه من المصلحة بحسب حالهم.

(والخمسِ) ومقتضى الترتيب الذكري أنّ الرّضْخَ مقدَّم عليه، وهو أحد الأقوال في المسألة(2). والأقوى أنّ الخمس بعد الجعائل وقبل الرضخ وهو اختياره في الدروس(3)، وعطفه هنا بالواو لا ينافيه بناءً على أنها لاتدلّ على الترتيب.

(والنفل) - بالتحريك - وأصله الزيادة، والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على

ص: 431


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 153 ، ح 267.
2- قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1 ، ص 584 .
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 27 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

نصيبه شيئاً من الغنيمة لمصلحة كدلالةٍ وإمارةٍ وسَرِيّةٍ، وتهجم على قِرْنٍ أو حِصْنٍ، وتجسس حال وغيرها مما فيه نكاية الكفّار .

(وما يصطفيه الإمام لنفسه من فرس فارهِ وجارية وسيف ونحوها بحسب ما يختاره.

والتقييد بعدم الإجحاف ساقط عندنا. وبَقِيَ عليه تقديمُ السَلَبِ المشروط للقاتل وهو ثيابُ القتيل والخُفُّ وآلاتُ الحرب كدِرْعِ وسلاح ومركوب وسَرْج ولجام وسوارٍ ومنطقة وخاتم ونفقة معه وجَنِيبةٍ (1)تُقاد معه، لا حَقِيبةً مشدودة على الفرس بما فيها من الأمتعة والدراهم.

فإذا أُخْرِجَ جميعُ ذلك ( يُقَسَّم) الفاضل( بين المقاتلة ومن حَضَر) القتالَ ليُقاتِل وإنْ لم يقاتِل ( حتّى الطفل) الذكر من أولاد المقاتلين، دون غيرهم ممن حضر لصنعة أو حرفة كالبيطار والنعال والسائس والحافظ إذا لم يقاتلوا؛ (المولود بعد الحيازة وقبل القسمة (2)؛ وكذا المَدَدُ الواصل إليهم ) ليقاتِل معهم فلم يُدرك القتال (حينئذٍ) أي حين إذ يكون وصوله بعد الحيازة وقبل القسمة.

(للفارس سهمان) في المشهور، وقيل: ثلاثة(3)، (وللراجل) وهو من ليس معه ،فرش سواء كان راجلاً أم راكباً غير الفرس (سهم، ولذي الأفراس) وإنْ كثرتْ (ثلاثة) أنهم (ولو قاتَلُوا في السُّفُن) ولم يحتاجوا إلى أفراسهم؛ لصدق الاسم وحصولِ الكُلْفة عليهم بها.

(ولا يُسْهم للمُخَدِّل) وهو الذي يُجَبِّن عن القتال ويُخَوِّف من لقاء الأبطال ولؤ بالشُبُهاتِ الواضحة والقرائن اللائحة، فإنّ مثل ذلك ينبغي إلقاؤه إلى الإمام أو الأمير إن كان فيه صلاح لا إظهاره على الناس؛ (و) لا (المُرجِف) وهو الذي يذكر قوّةَ

ص: 432


1- الجَنِيبَة: الفرس تقاد ولا تركب المصباح المنير، ص 111، «جنب».
2- بشرط كونهم ذكوراً، وأن يكونوا من أبناء المقاتلة. (زين رحمه الله) .
3- حكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 418، المسألة 32.

المشركين وكثرتهم بحيث يُؤدّي إلى الخذلان والظاهر أنّه أخصُّ من المُخَزّل، وإذا لم يُسهم له فأولى أن لا يُسهم لفرسه.

(ولا للقخم) بفتح القاف وسكون الحاء، وهو الكبير الهرم (والضَرَع) بفتح الضاد المعجمة والراء، وهو الصغير الذي لا يصلح للركوب، أو الضعيف، (والحَطِمِ)، بفتح الحاء وكسر الطاء، وهو الذي ينكس من الهزال (والرازح) بالراء المهملة ثمّ الزاي بعد الألف ثمّ الحاءِ المهملة، قال الجوهري: هو «الهالك هُزالاً»(1)، وفي مجمل ابن فارس: «رَزَح: أعْيا »(2). والمراد هنا الذي لا يقوى بصاحبه على القتال لهُزال على الأوّل أو إعياء على الثاني : الكائن في الأربعة من الخيل . وقيل : يُسهم للجميع لصدق الاسم(3)، وليس ببعيد.

ص: 433


1- الصحاح، ج 1، ص 365، «رزح».
2- مجمل اللغة، ص 375، «رزح».
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 626 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 10.

الفصل الرابع في أحكام البغاة

(من خرج على المعصوم من الأئمة(عليهم السلام) فهو باغ) واحداً كان - كابن ملجم (لعنه الله) - أو أكثر كأهل الجمل وصفّين، (يجب قتاله) إذا ندب إليه الإمام (حتَّى يَفِيء) أي يرجع إلى طاعة الإمام (أو يُقتل) وقتاله (كقتال الكفار) في وجوبه على الكفاية، ووجوبِ الثبات له، وباقي الأحكام السالفة (فذو) (الفئة كأصحاب الجمل ومعاوية (يُجهز على جريحهم، ويُتبع مديرهم، ويُقتل أسيرهم).

(وغيرهم) كالخوارج ( يُفرَّقون) من غير أن يُتبع لهم مدير أو يُقتل لهم أسير أو يُجهز على جريح. ولا تُسبى نساء الفريقين ولا ذراريهم في المشهور، ولا تملك أموالهم التي لم يخوها العسكر إجماعاً وإنْ كانت مما يُنقَل ويُحوّل، ولا ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام. وإنّما الخلاف في قسمة أموالهم التي حواها العسكر مع إصرارهم والأصح عدم قسمة أموالهم مطلقاً(1)) عملاً بسيرة علي (عليه السلام)في أهل البصرة، فإنه أمر بردّ أموالهم فأُخِذتْ حتى القدر كَفَأَها صاحبها لما عرفها ولم يصبر على أربابها(2). والأكثر - ومنهم المصنّف في خمس الدروس(3)- على قسمته كقسمة الغنيمة، عملاً بسيرة علي(عليه السلام) المذكورة، فإنّه قَسَمها أولاً بين المقاتلين ثمّ أَمَر بردّها (4)، ولولا جوازه

ص: 434


1- سواء كان ممّا يُنقل ويحوّل أولا، والأصح أن ما ينقل ويحوّل يؤخذ. (زين رحمه الله)
2- راجع تاريخ الطبري، ج 4، ص 541 مروج الذهب، ج 2، ص 561.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 175 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- كالشيخ في النهاية، ص 297؛ وحكاه عن ابن الجنيد العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 424، المسألة 251.

لما فَعَله أوّلاً. وظاهر الحال وفحوى الأخبار أنّ ردّها على طريق المن لا الاستحقاق كما من النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) على كثير من المشركين(1)، بل ذهب بعض الأصحاب إلى جواز استرقاقهم(2) لمفهوم قوله: «مننتُ على أهل البصرة كما من النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)على أهل مكة»(3). وقد كان له (صلی الله علیه وآله وسلم) أَن يَسبي فكذا الإمام، وهو شاذ.

ص: 435


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 6، ص 148 - 151، ح 261، وص 155، ح 274.
2- نسبه إلى بعض الشيعة العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 464، المسألة 78.
3- الاحتجاج، الطبرسي، ج 1، ص 445، ح 102.

الفصل الخامس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(في الأمر بالمعروف) وهو الحمل على الطاعة قولاً أو فعلاً، (والنهي عن المنكر) وهو المنع من فعل المعاصى قولاً أو فعلاً.

(وهما واجبان عقلاً(1)) في أصح القولين (2)( ونقلاً) إجماعاً، أما الأول: فلانهما لطف. وهو واجب على مقتضى قواعد العدل. ولا يلزم من ذلك وجوبهما على الله تعالى اللازم منه خلافُ الواقع إن قام به أو الإخلال بحكمته تعالى إن لم يقم؛ لاستلزام القيام به على هذا الوجه الإلجاء الممتنع في التكليف، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محاله خصوصاً مع ظهور المانع، فيكون الواجب في حقه تعالى الإنذار والتخويف بالمخالفة ؛ لئلا يبطل التكليف، وقد فعل.

وأما الثاني: فكثير في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةً يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾(3) ، وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليُسَلِّطَنّ الله شراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم»(4)، ومن طرق أهل البيت(عليهم السلام) فيه ما يقصم الظهور فليقف عليه من أراده في الكافي (5) وغيره(6).

ص: 436


1- نعم لأنهما لطف وكلّ لطف واجب عقلاً. (زين رحمه الله)
2- ذهب إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 471 - 472، المسألة 83؛ وذهب إلى القول الآخر ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 21 - 22: والحلبي في الكافي في الفقه، ص 264.
3- آل عمران (3): 140
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 176، ح 352.
5- راجع الكافي، ج 5، ص 55 - 60 ، باب الأمر بالمعروف.... ح 1 - 14.
6- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 176 - 182، باب الأمر بالمعروف..

و وجوبُهما (على الكفاية ) في أجود القولين(1) للآية السابقة ؛ ولأنّ الغرض شرعاً وقوع المعروف وارتفاع المنكر من غير اعتبار مباشرٍ معين، فإذا حصلا ارتفع، وهو معنى الكفائي. والاستدلال على كونه عينيّاً بالعمومات غير كافٍ للتوفيق، ولأنّ الواجب الكفائي يُخاطب به جميع المكلّفين كالعيني وإنّما يسقط عن البعض بقيام البعض فجاز خطاب الجميع به، ولا شبهة على القولين في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب لفقد شرطه الذي منه إصرار العاصي. وإنّما تختلف فائدة القولين في وجوبِ قیام الکل به قبل حصول الغرض وإن قام به من فيه الكفاية، وعدمه.

(ويُستحَبّ الأمرُ بالمندوب والنهي عن المكروه )ولا يدخلان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهما واجبان في الجملة إجماعاً وهذان غير واجبين، فلذا أفردهما عنهما وإنْ أَمكَن تكلُّف دخول المندوب في المعروف، لكونه الفعل الحسن المشتمل على وصف زائدٍ على حُسنه من غير اعتبار المنع من النقيض. أمّا النهي عن المكروه فلايدخل فى أحدهما، أما المعروف فظاهر وأمّا المنكر، فلانه الفعل القبيحُ الذي عَرَف فاعله قبحه أو دلَّ عليه، والمكروه ليس بقبيح.

(وإنما يجبان مع علم) الآمر والناهي (المعروف والمنكر) شرعاً لئلا يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف. والمراد العلم هنا بالمعنى الأعم ليشمل الدليل الظنّي المنصوب عليه شرعاً: (وإصرار الفاعل أو التارك) فلو علم منه الإقلاع والندم سقط الوجوب بل حرم، واكتفى المصنف في الدروس(2) وجماعة في السقوط بظهور أمارة الندم(3).

(والأمن من الضرر ) على المباشر، أو على بعض المؤمنين نفساً أو مالاً أو عرضاً فبدونه يحرُم أيضاً على الأقوى (وتجويز التأثير) بأن لا يكون التأثير عنده ممتنعاً، بل ممكناً بحسب ما يظهر له من حاله. وهذا يقتضي الوجوب ما لم يَعلَم عدم التأثير

ص: 437


1- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 22؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 267 : والقول الآخر للشيخ في الاقتصاد، ص 147 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 207.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- منهم المحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 311؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 241، الرقم 2971.

وإنْ ظَنَّ عدمه ؛ لأنّ التجويز قائم مع الظنّ وهو حسن؛ إذ لا يترتب على فعله ضرر، فإن نجع وإلا فقد أدَّى فرضه، إذ الفرض انتفاء الضرر.

واكتفى بعض الأصحاب في سقوطه بظنّ العدم(1)، وليس بجيد. وهذا بخلاف الشرط السابق فإنّه يكفى فى سقوطه ظنُّه ؛ لأنّ الضرر المسوغ للتحرز منه يكفي فيه ظنه، ومع ذلك فالمرتفع مع فقد هذا الشرط الوجوب دون الجواز، بخلاف السابق.

(ثمّ يَتَدرَّج) المباشر (في الإنكار) فيبتدئ (بإظهار الكراهة )والإعراض عن المرتكب متدرّجاً فيه أيضاً فإنّ مراتبه كثيرة، (ثمّ القولِ الليِّن) إن لم ينجع الإعراضُ، ( ثمّ الغليظِ) إن لم يؤثر اللين متدرّجاً في الغليظ أيضاً (ثم الضرب (2)) إن لم يؤثر الكلامُ الغليظ مطلقاً، ويتدرّج في الضرب أيضاً على حسب ما تقتضيه المصلحة ويناسب مقام الفعل بحيث يكون الغرضُ تحصيل الفرض.

(وفي) التدرّج إلى (الجرح والقتل ) حيث لا يؤثر الضرب ولا غيره من المراتب (قولان) أحدهما الجواز : ذهب إليه المرتضى(3)وتبعه العلّامة في كثير من كتبه (4)؛ لعموم الأوامر أو إطلاقها. وهو يَتِمّ في الجرح دون القتل لفوات معنى الأمر والنهي معه؛ إذ الغرضُ ارتكابُ المأمور وترك المنهي، وشرطه تجويز التأثير، وهما منتفيان معه. واستقرب في الدروس تفويضهما إلى الإمام(5)، وهو حسن في القتل خاصة.

(ويجب الإنكار بالقلب ) وهو أن يُوجد فيه إرادة المعروف وكراهة المنكر على كلّ حال سواءٌ اجتمعت الشرائط أم لا، وسواءٌ أمر أو نَهَى بغيره من المراتب أم لا؛ لأنّ الإنكار القلبي بهذا المعنى من مقتضى الإيمان ولا تلحقه مفسدة. ومع ذلك لا يدخل في

ص: 438


1- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 311
2- غير المبرح، ثمّ المبرح الدروس الشرعية [ج 2، ص 37، ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10] (زين رحمه الله) .
3- حكاه عنه الشيخ في الاقتصاد، ص 241؛ واختاره في التبيان، ج 2، ص 549 ذيل الآية 104 من آل عمران (3). وص 566 ذيل الآية 114 من آل عمران (3) والقول الآخر للشيخ في الاقتصاد، ص 241؛ وسلار في المراسم، ص 260 .
4- مختلف الشيعة، ج 4، ص 476، المسألة 86؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 241، الرقم 2972 : منتهى المطلب، ج 15، ص 243
5- الدروس الشرعية، ج 2، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

قسمي الأمر والنهي، وإنّما هو حكم يختص بمن اطّلع على ما يخالف الشرع بإيجاد الواجب عليه من الاعتقاد في ذلك، وقد تجوز كثير من الأصحاب في جعلهم هذا القسم من مراتب الأمر والنهي (1).

(ويجوز للفقهاء حالَ الغَيبة إقامة الحدود مع الأمن) من الضرر على أنفسهم وغيرهم من المؤمنين.

(و) كذا يجوز لهم (الحكم بين الناس ) وإثباتُ الحقوق بالبيّنة واليمين وغيرهما (مع اتصافهم بصفات المفتي وهي الإيمان والعدالة ومعرفة الأحكام )الشرعيّة الفرعية (بالدليل) التفصيلي (والقدرة على ردّ الفروع )من الأحكام إلى الأصول والقواعدِ الكلّيّة التي هي أدلة الأحكام.

ومعرفة الحكم بالدليل يُغني عن هذا لاستلزامه له، وذكره تأكيد. والمراد بالأحكام العموم بمعنى التهيؤ لمعرفتها بالدليل إن لم نجوز تجزو الاجتهاد، أو الأحكام المتعلقة بما يحتاج إليه من الفتوى والحكم إن جوّزناه، ومذهب المصنف جوازه(2)، وهو قوي.

(ويجب) على الناس (الترافع إليهم) فيما يحتاجون إليه من الأحكام، فيعصى مُؤثِرُ المخالف ويفسق، ويجب عليهم أيضاً ذلك مع الأمن (ويأثَم الراد عليهم)؛ لأنه كالراد على نبتهم وأئمتهم و على الله تعالى، وهو على حد الكفر بالله، على ما ورد في الخبر(3).

وقد فهم من تجويز ذلك للفقهاء المستدلين عدم جوازه لغيرهم من المقلدين، وبهذا المفهوم صرّح المصنّف (4)، وغيره (5)قاطعين به من غير نقل خلاف في ذلك، سواء قلد حيّاً أم ميتاً. نعم يجوز لمقلّد الفقيه الحيّ نقل الأحكام إلى غيره، وذلك لا يُعَدّ إفتاء، أما الحكم، فيمتنع مطلقاً ؛للإجماع على اشتراط أهلية الفتوى في الحاكم حال حضورِ الإمام وغيبته.

ص: 439


1- منهم الشيخ في النهاية، ص299؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 311؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 241 ، الرقم 2972
2- الدروس الشرعية ، ج 2، ص 49 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الكافي، ج 1، ص 67 كتاب فضل العلم، ح 10.
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 49 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 4. ص 60؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 421.

(ويجوز للزوج إقامة الحد على زوجته) دواماً ومُتعةً، مدخولاً بها وغيره، حزين أو عبدين، أو بالتفريق، (والوالد على ولده )وإنْ نَزَل، (والسيد على عبده) بل رقيقه مطلقاً، فيجتمع فيجتمع على الأَمَةِ ذاتِ الأب المزوَّجة ولاية الثلاثة. سواءٌ في ذلك الجلد والرجمُ والقطع . كلّ ذلك مع العلم بموجبه مشاهدةً أو إقراراً من أهله، لا بالبينة فإنّها من وظائف الحاكم. وقيل: يكفي كونها ممّا يثبت بها ذلك عند الحاكم.

وهذا الحكم في المولى مشهور بين الأصحاب لم يخالف فيه إلّا الشاذ(1)، وأمّا الآخران، فذكره (2)الشيخ (رحمه الله)(3) وتبعه جماعة، منهم المصنف(4)، ودليله غير واضح، وأصالة المنع تقتضي العدم. نعم لو كان المتولي فقيهاً فلا شبهة في الجواز، ويظهر من المختلف أنّ موضع النزاع نّ موضع النزاع معه، لا بدونه (5).

(ولو اضطره السلطانُ إلى إقامة حدّ أو قصاص ظلماً أو) اضطره (لحكم) مخالف للمشروع (جاز) لمكان الضرورة (إلّا القتل فلا تقيّة فيه) ويدخُل في الجواز الجرحُ : لأنّ المرويّ أنّه لا تقيّة في قتل النفوس(6)، فهو خارج، وألحقه الشيخ بالقتل مدعياً أنه لا تقيّة في الدماء(7). وفيه نظر.

***

تمّ الجزء الأول - حسب تجزئتنا - ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الكفارات والحمد لله رب العالمين.

ص: 440


1- المخالف هو سلّار في المراسم، ص 261.
2- كذا في النسخ والأنسب: «فذكرهما».
3- النهاية، ص 301
4- منهم: المصنف في الدروس الشرعية، ج 2، ص 38 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10) ؛ وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 342؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 477 - 478، المسألة 87.
5- مختلف الشيعة، ج 4، ص 477 - 478، المسألة 87.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 172 ، ح 335
7- تمهيد الأصول، ص 308

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.