موسوعة الشهيد الثاني المجلد 26

هوية الکتاب

موسوعة

الشهيد الثاني

الجزء السَّادِس والعشرون

مَسَالِكُ الأفهام

إلى تنقيح شرائع الإسلام /10

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 10)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق :مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة باقري

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 269

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية،

1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

(Y). ISBN 978-600-195-001-8

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیا

کتابنامه .

مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. -

1. اسلام - مجموعه ها 2. محقق حلّى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقق حلّى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.

شرح. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8مBP4/6/92

297/08

محرر الرقمي: علي رضا حقاني فر

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس والعشرون

مسالك الأفهام

إلى تنقيح

شرائع الإسلام / 10

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء السادس والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 10)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق :مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة باقري

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 269

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية،

1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

(Y). ISBN 978-600-195-001-8

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیا

کتابنامه .

مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. -

1. اسلام - مجموعه ها 2. محقق حلّى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقق حلّى، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.

شرح. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8مBP4/6/92

297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأول = (1) منية المريد

الجزء الثاني - ( 2 - 6) الرسائل / 1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد؛ 5. البداية .6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل 2 : 7.تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛9. العدالة: 10. ماء البئر ؛ 11. تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13. النية ؛ 14. صلاة الجمعة 15. الحثّ على صلاة الجمعة 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة 19. نيّات الحج والعمرة؛ 20. مناسك الحج والعمرة 21. طلاق الغائب 22. ميراث الزوجة : 23. الحبوة 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25. أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26 . أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني: 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي29. أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع = (31 - 43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسملة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية : 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد 34 .وصيّة نافعة : 35 .شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة» 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة : 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه 38 .ترجمة الشهيد بقلمه الشريف 39. حاشية «خلاصة الأقوال» 40. حاشية «رجال ابن داود»: 41. الإجازات 42. الإنهاءات والبلاغات 43. الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد الملية

الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون - الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب الشفعة

تعريف الشفعة ...23

المقصد الأوّل: ما تثبت فيه الشفعة ...25

هل تثبت الشفعة فيما ينقل ؟...25

ثبوت الشفعة في الشجر والنخل والأبنية تبعاً للأرض....27

ثبوت الشفعة في النهر والطريق والحمام...28

لا تثبت الشفعة في الثمرة ...31

ثبوت الشفعة في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الشرب ...31

يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الشقص بالبيع ....35

المقصد الثاني في الشفيع ...37

تعريف الشفيع....37

يشترط في الشفيع الإسلام إذا كان المشتري مسلماً...38

لا تثبت الشفعة بالجوار ولا فيما قسّم وميّز....39

هل تثبت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين؟...40

بطلان الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن وبالمماطلة ...44

ثبوت الشفعة للغائب والسفيه والمجنون والصبي...45

ص: 7

ثبوت الشفعة لولي اليتيم إذا باع شقصه المشترك معه...46

لو ابتاع العامل في القراض شقصاً وصاحب المال شفيعه...48

فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء:...49

الأوّل: لو كان الشفعاء أربعة فباع أحدهم...49

الثاني : لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة ...52

الثالث: إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم ...52

الرابع: لو استغلها الأول، ثمّ حضر الثاني ... 52

الخامس : لو قال الحاضر : لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته....53

السادس: لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه ...54

السابع: لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه ...54

الثامن: لو تعدّد كلّ من البائع والمشتري ....56

التاسع: لو باع أحد الحاضرين ولهما شريكان غائبان ....61

العاشر : لو كانت الدار بين أخوين فمات أحدهما وورثه ابنان فباع أحد الوارثين ....62

المقصد الثالث في كيفية الأخذ....62

متى يستحق الشفيع الأخذ بالشفعة؟ ...62

كيفية أخذ الشفيع حق الشفعة ..... 64

هل تثبت حق الشفعة لو كان الثمن قيميّاً أم لا؟....68

لو ترك الشفيع المطالبة لعذر ....70

تجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم.....72

لو علم بالشفعة مسافراً ....73

لا تسقط الشفعة بتقابل المتبايعين ....74

لو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع....75

إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدم أو تعيب....77

ص: 8

لو غرس المشتري أو بنى فى الشقص المشفوع فطالب الشفيع بحقه ...79

لو حمل النخل بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير....82

لو بان الثمن مستحقاً ....84

لو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً....84

لو ظهر في المبيع عيب ....85

مسائل ست .....85

المقصد الرابع في لواحق الأخذ بالشفعة ....89

إذا اشترى بثمن مؤجل ....89

الشفعة هل تورث أم لا ؟ ....90

الشفعة تورث كالمال ....91

إذا باع الشفيع نصيبه قبل أن يأخذ بالشفعة .....93

لو باع شقصاً في مرض الموت من وارث وحابي فيه ....95

إذا صالح الشفيع على ترك الشفعة ....97

إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو المشتري ....97

إذا ظهر عيب في الشقص بعد الأخذ بالشفعة ....99

إذا باع الشقص بعوض معين لا مثل له ....101

لو باع حصة الغائب من الدار وادعى أن ذلك بإذنه ....104

ومن اللواحق البحث فيما تبطل به الشفعة ....106

هل تبطل الشفعة بترك المطالبة أم لا؟ ...106

لو جهلا الشفيع والمشتري قدر الثمن....110

لو كان المبيع في بلدناء فأخر المطالبة....111

لو بان الثمن مستحقاً...111

حِيَل إسقاط الشفعة ...113

ص: 9

إذا ادعى الشفيع على المشتري الابتياع فصدقه ....114

المقصد الخامس في التنازع ....115

إذا اختلفا في الثمن ولا بيّنة ....115

لو كان الاختلاف بين المتبايعين ولأحدهما بينة....120

إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي....121

إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده فأنكر ....122

إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث وأقاما البينة ....124

لو ادعى الشريك الإيداع ....125

إذا تصادق البائع والمشتري أن الثمن غصب وأنكر الشفيع ...128

كتاب إحياء الموات

مشروعيّة إحياء الموات وفضيلته ....131

الطرف الأول في الأرضين ....132

حكم الأرض العامرة ...132

حكم الأرض الموات....133

إذن الإمام (عليه السلام) شرط في إحياء الموات ....134

حكم الأرض المفتوحة عنوة....135

الأرض التي جرى عليها ملك مسلم....138

الأرض التي لم يكن لها مالك معروف

شرائط التملك بالإحياء خمسة:....145

الأول: أن لا يكون عليها يد مسلم...145

الثاني: أن لا يكون حريماً لعامر كالطريق والشرب و ... 146

حد الطريق ....148

ص: 10

حريم الشرب ...149

حريم البئر ...150

حريم العين ....151

حريم الحائط والدار...152

الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعراً للعبادة ...155

الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ...156

الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير ...156

للنبي أن يحمي لنفسه ولغيره من المصالح...158

الطرف الثاني في كيفية الإحياء....160

صور عمارة الموات ...160

إذا أراد السكني ...160

إذا أراد زريبة للدواب أو حظيرة. ...161

إذا اتخذ الموات مزرعة....162

إذا اتخذ الموات للغرس ...162

الطرف الثالث في المنافع المشتركة....164

فائدة الطرق وأحكامها....164

أحكام السابق إلى مكان من المسجد ...168

أحكام ساكني المدارس والنزال في الربط....171

الطرف الرابع في المعادن الظاهرة ...172

المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء ...172

لو تسابق اثنان إلى المعدن ....174

هل المعادن كالأنفال يختص بالإمام (عليه السلام)؟ ...175

المعادن الباطنة تملك بالإحياء ....176

ص: 11

لو أحيا أرضاً وظهر فيها معدن ...177

كيفية تملك المياه المباحة ...178

ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح...181

إذا استجد جماعة نهراً....182

إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي بسقي جميع الأملاك دفعة ...183

لو أحيا إنسان أرضاً ميتةً على مثل هذا الوادي....186

كتاب اللقطة

تعريف اللقطة ...189

القسم الأوّل: اللقيط...190

المقصد الأوّل في اللقيط ...191

التقاط الطفل والمملوك ....192

المقصد الثاني في المُلْتقِط ....194

شروط الملتقط .....194

هل يراعى إسلام الملتقط وعدالته ؟ ...196

لا ولاء للملتقط على اللقيط....197

حكم النفقة على اللقيط ....198

المقصد الثالث في أحكامه ....199

أخذ اللقيط هل هو واجب على الكفاية أم مستحب؟ ...199

اللقيط يملك كالكبير ....200

لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط ...201

حكم الإنفاق على المنبوذ من ماله ....202

حكم الملقوط في دار الإسلام ودار الكفر ...203

ص: 12

عاقلة اللقيط الإمام ...205

لو جني على اللقيط وهو صغير...205

إذا قذف اللقيط قاذف بالرقية بعد بلوغه ....207

إذا أقرّ اللقيط على نفسه بالرق بعد بلوغه وعقله ...208

إذا ادعى أجنبي بنوته ....210

أحكام النزاع ...212

لو اختلفا في الإنفاق ...212

لو تشاح ملتقيان مع تساويهما في الشرائط ....213

إذا ادعى بنوته اثنان ...215

إذا اختلف كافر ومسلم ... فى دعوى بنوته ...215

القسم الثاني في الملتقط من الحيوان ...216

النظر الأول في المأخوذ ...216

تعريف الحيوان الملتقط ...216

يستحبّ لواجد اللقطة الإشهاد عليها. ...217

حكم لقطة الحيوان...218

حكم أخذ الدابة والبقرة والحمار ...219

حكم الشاة إن وجدت في الفلاة ....221

لا تؤخذ الغزلان واليحامير ...222

لو وجد الضوال في العمران لم يحلّ أخذها ...223

يجوز التقاط كلب الصيد ...225

النظر الثاني في الواجد ....225

شروط ملتقط الحيوان ....225

النظر الثالث في الأحكام ....228

ص: 13

إذا لم يجد الآخذ سلطاناً ينفق على الضالة ...228

إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة ....229

لا تضمن الضالة بعد الحول إلا مع قصد التملك...229

إذا وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً ...230

من وجد عبده في غير مصره ...231

القسم الثالث في اللقطة ....233

الأمر الأوّل: تعريف اللقطة ...233

حكم لقطة الحرم ...233

حكم لقطة غير الحرم...238

التقاط النعلين والإداوة ....241

كراهة أخذ اللقطة واستحباب الإشهاد عليها ...242

ما يوجد في المفاوز أو في خربة هلك أهلها ...244

من أودعه لص مالاً وهو يعلم أنه ليس له ...247

من وجد في داره أو صندوقه مالاً ولا يعرفه ...249

لا تملك اللقطة قبل الحول ...250

متى تضمن اللقطة ؟ ...252

الأمر الثاني: الملتقط ....254

شروط ملتقط المال ...254

للعبد أخذ لقطة الحلّ والحرم ...256

للمكاتب أخذ اللقطة ....258

الأمر الثالث في الأحكام....258

شروط التعريف وكيفيته ....258

إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها . ...261

ص: 14

هل يجب التعريف مطلقاً أو مع نيّة التملك؟....262

اللقطة أمانة في يد الملتقط في مدة الحول...264

إذا ظهر المالك بعد تملّك اللقطة ...266

إذا التقط العبد ولم يعلم المولى ...267

لا تدفع اللقطة إلا بالبينة....269

إذا دفع اللقطة إلى الواصف ثمّ جاء آخر وأقام البينة ....270

لو أقام واحد بينةً بها ... ثم أقام آخر بينةٌ ...271

كتاب الفرائض

تعريف الفرائض ...273

المقدمة الأولى في موجبات الإرث ...276

مراتب النسب ....276

أقسام الوراث...278

أصناف الوارث بالفرض ...279

قاعدة في بيان مستحق التركة بطريق الفرض والقرابة...281

المقدمة الثانية في موانع الإرث ...284

الكفر مانع للكافر من الإرث ...284

يرث المسلم الكافر ...286

لو كان للمسلم ورات كفار ...287

إذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته....288

لو كان الوارث أحد الزوجين وآخر كافراً...289

إذا كان أحد أبوي الطفل مسلماً...291

لو خلف نصراني أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أُخت مسلمين ...292

ص: 15

المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب ...295

حكم تركة المرتد ...296

من الأسباب المانعة للميراث القتل ...298

إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام ....302

الدية في حكم مال المقتول ....303

هل يرث الدية من يتقرب بالأم أم لا ؟ ...304

ومن موانع الإرث الرق....305

إذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك ...307

لواحق أسباب المنع أربعة: ...314

الأوّل: اللعان سبب لسقوط نسب الولد....314

الثاني : ميراث المفقود ...315

الثالث: ميراث الولد حملاً....317

الرابع: إذا مات وعليه دين يستوعب التركة ...319

المقدمة الثالثة في الحجب ...320

كلّ مرتبة من مراتب الإرث تمنع المرتبة التي بعدها من الإرث...320

الحجب عن بعض الفرض ...321

سهم الزوجين إذا كان في الفريضة ولد ...322

سهم الزوجين إذا لم يكن هناك ولد...323

سهم الزوجين إذا لم يكن هناك وارث أصلاً...324

حجب الإخوة للأم عما زاد على السدس ...330

المقدّمة الرابعة في مقادير السهام واجتماعها...336

سهم النصف ...336

سهم الربع والثمن...337

ص: 16

سهم الثلثان والثلث ...338

سهم السدس ...340

صور اجتماع السهام بعضها مع بعض ...341

حكم الميراث بالتعصيب ...345

أدلّة الإمامية على بطلان التعصيب ...347

احتجاج الجمهور على إثبات التعصيب...351

الجواب عن احتجاج الجمهور ...353

العول في الميراث ...356

أدلّة القائلين ببطلان العول في الميراث ...358

أدلّة الجمهور على إثبات العول في الميراث....362

الجواب عن أدلّة الجمهور ...363

المقصد الأول في ميراث الأنساب ...366

المرتبة الأولى: الأبوان والأولاد ...366

أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين ...369

أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين ...374

حبوة الولد الأكبر من تركة أبيه ...375

لا يرث الجد ولا الجدة مع أحد الأبوين...382

المرتبة الثانية: الإخوة والأجداد ...386

إذا اجتمع مع الإخوة للأم جد وجدة...388

الزوج والزوجة يأخذان نصيبهما الأعلى مع الإخوة...389

الجد وإن علا يقاسم الإخوة مع عدم الأدنى ...392

ميراث الأجداد ...393

الأقرب في المرتبة يمنع الأبعد من الميراث. ...395

ص: 17

خاتمة أولاد الإخوة والأخوات يقومون مقام آبائهم ...397

المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال ...399

ميراث الأعمام مع أبناء الأعمام ...400

لو اجتمع الأخوال والأعمام ...405

الكلام في ترتيب الأعمام والأخوال ...410

أولاد العمومة المتفرقين يأخذون نصيب آبائهم ...411

إذا اجتمع للوارث سببان ...411

إذا دخل الزوج أو الزوجة على الخؤولة والخالات. ..413

حكم أولاد الخؤولة مع الزوج والزوجة...414

المقصد الثاني في مسائل من أحكام الأزواج ...416

الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج ...416

سهم الزوجة مع عدم الولد ومعه ...417

إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أُخرى ثم اشتبهت المطلقة...417

إذا زوّج الصبيّة أبوها أو جدها لأبيها ورثها الزوج وورثته....420

البحث في ميراث الزوجة ...422

نكاح المريض مشروط بالدخول...431

المقصد الثالث في الميراث بالولاء ...433

القسم الأوّل: ولاء العتق ...433

يرث الولاء الأبوان والأولاد....440

يشرك الإخوة الأجداد والجدات في إرث الولاء ...441

المنعم لا يرثه المعتق ...442

مسائل ثمان في ميراث المملوك...444

القسم الثاني : ولاء تضمن الجريرة....455

ص: 18

تعریف ولاء تضمّن الجريرة ...455

لا يرث بولاء ضمان الجريرة إلا مع فقد كلّ مناسب ومع فقد المعتق...457

القسم الثالث: ولاء الإمامة ...458

إذا عدم الضامن كان الإمام وارث من لا وارث له ...458

مسائل من أحكام الغنائم ...460

وأما اللواحق فأربعة فصول:...463

الفصل الأول في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى ....463

يرث ولد الملاعنة ولده وأُمّه ...463

هل يرث ولد الملاعنة قرابة أمه؟...465

إذا اعترف الأب بالولد بعد اللعان ....466

مسائل يتعلق بميراث ولد الملاعنة ....467

ميراث ولد الزنى ...469

الفصل الثاني في ميراث الخنثى ...471

كيفية توريث الخنثى ....471

لو اجتمع مع الخنثى ابن وبنت وأحد الزوجين ...477

لو كان مع الخنثى أبوان أو أحدهما ...479

لو كان مع الأبوين خنثيان فصاعداً ...481

يبعد كون الآباء أو الأجداد خنائى ...482

مسائل ثمان ...483

ميراث من ليس له فرج الرجال ولا النساء ...483

من له رأسان أو بدنان على حقو واحد ...485

في إرث الحمل ...486

إذا ترك أبوين أو أحدهما أو زوجاً أو زوجة وترك حملاً. ...488

ص: 19

لو كان للميت ابن موجود وحمل ...488

دية الجنين يرثها المتقرب بالأبوين...489

إذا تعارف اثنان ورث بعضهم من بعض...490

المفقود يتربص بماله....491

الفصل الثالث في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم...493

شروط توارث من أتفق موتهما بالغرق أو الهدم....493

لو ماتا بسبب غير الهدم والغرق ...494

في وجوب تقديم الأضعف في التوريث تردّد ...498

لو كان الوارثان متساويين في الاستحقاق ...500

الفصل الرابع في ميراث المجوس ....501

الأقوال في ميراث المجوس ...501

المسلم لا يرث بالسبب الفاسد ....505

المسلم يرث بالنسب الصحيح والفاسد ...506

خاتمة في حساب الفرائض ...507

المقصد الأول في مخارج الفروض السنة، وطريق الحساب ...507

بيان مخارج الفروض السنّة ....507

القسم الأول: أن تكون الفريضة بقدر السهام....510

إذا انكسرت الفريضة على فريق واحد....510

وإن انكسرت الفريضة على أكثر من فريق....512

إن تداخل العددان ...516

إن توافق العددان ....517

تتمة في بيان أقسام العددين....518

القسم الثاني: أن تكون الفريضة قاصرة عن السهام ...521

ص: 20

القسم الثالث: أن تزيد الفريضة عن السهام ...523

المقصد الثاني في المناسخات ...524

تعريف المناسخات ...524

إن كان ورثة الثاني هم ورثة الأول ...524

لو اختلف الاستحقاق أو الوراث ...525

صور من المناسخات .....527

لو كانت المناسخات أكثر من فريضتين ....529

المقصد الثالث في معرفة سهام الوراث من التركة ...530

طريقة لمعرفة سهام الوراث ...530

طریق آخر لمعرفة سهام الوراث....532

إن كان في التركة كسر ....533

لو كانت المسألة عدداً أصم ....534

ص: 21

ص: 22

كتاب الشفعة

تعریف الشفعة

* وهي استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع.

--------------

كتاب الشفعة

قوله: «وهي استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع».

الشفعة مأخوذة من قولك: شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعاً به، كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً بنصيب صاحبه.

ويقال: أصل الكلمة التقوية والإعانة، ومنه الشفاعة والشفيع؛ لأنّ كلّ واحد من الوترين يتقوّى بالآخر، ومنه شاة شافع للتي معها ولدها، لتقويها به.

وقد عرفها المصنّف بأنّها استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع.

فالاستحقاق بمنزلة الجنس يدخل فيه استحقاق الشخص مال آخر بالإرث، والاستحقاق بالحيازة والإحياء وغيرها.

وبقيد المستحق بكونه أحد الشريكين خرج منه استحقاق من ليس بشريك، ولو بحصة آخر ببيع وغيره.

وخرج بقيد «انتقالها بالبيع» ما إذا استحق أحد الشريكين حصة الآخر بهبة وغيرها.

وينتقض في طرده بما لو باع أحد الشريكين حصته للآخر، فإنّه يصدق عليه أن

ص: 23

--------------

المشتري قد استحق حصة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع. ولا عذر في أن الشريك بعد بيع حصته ليس بشريك؛ لمنع زوال اسم الشريك عنه، بناءً على أنه لا يشترط في صدق المشتق حقيقة بقاء المعنى المشتق منه. ولا مخلص من ذلك إلا بالتزام كونه حينئذ مجازاً كما يقوله بعض الأصوليين(1)، لكن الأصحاب لا يقولون به. وعلى هذا، فتصدق الشركة بعد المقاسمة، ويلزم ثبوت الشفعة لأحد الشريكين المتقاسمين حصة الآخر إذا باعها لغيره، وهم لا يقولون به.

وتصدق مع تكثر(2) الشركاء إذا كانوا ثلاثة فباع أحدهم لأحد الآخرين، فإنّه حينئذٍ يصدق بقاء شريكين قد انتقلت الحصة المستحقة بالبيع إلى أحدهما من شريكه.

إلا أن يقال هنا : إنّ الشريك لم يستحق حصة شريكه، بل بعض حصته وه-ي المنتقلة بالبيع، دون باقي حصته وهي حصة الشريك الآخر، حيث إنّ شريكه يشمل الشريكين، بناءً على أنّ المفرد المضاف يفيد العموم، فلم يتحقق استحقاقه حصة شريكه.

ويؤيّد هذا أنّ الحصّة وإن كانت صادقةً ببعض ما يستحقه الشريك كما يقال: باع حصّةً من نصيبه وإن قلت - إلا أنه بإضافتها إلى الشريك تناولت جميع حصته بناءً على القاعدة المذكورة، وقد أشرنا إليها فيما سبق(3).

ولا مخلص من هذه المضايقات إلا بدعوى كون الشريك بعد انتقال حصته لم يبق شريكاً عرفاً. والاستحقاق بسبب بيع أحد الشريكين الآخر لا يتحقق إلا بعد تمام البيع. ومعه تزول الشركة عرفاً وإن صدقت لغةٌ.

ص: 24


1- راجع البحر المحيط، ج 2، ص 91
2- في بعض النسخ: «كثرة» بدل «تكثر».
3- في حاشية «خ ، و»: «في كتاب الأطعمة، في البحث عن طعام الذين أوتوا الكتاب. (منه رحمه الله)». وقد سبق في ج 9، ص 269 و 273 .

والنظر في ذلك يعتمد خمسة مقاصد:

المقصد الأول : ما تثبت فيه الشفعة

اشارة

*وتثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين إجماعاً.

وهل تثبت فيما ينقل

كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل: نعم؛ دفعاً لكلفة ،القسمة، واستناداً إلى رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله . :وقيل: لا اقتصاراً فى التسلّط على مال المسلم بموضع الإجماع، واستضعافاً للرواية المشار إليها. وهو أشبه.

--------------

قوله: «وتثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين إجماعاً» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في محلّ الشفعة من الأموال - بعد اتفاقهم على ثبوتها في العقار الثابت القابل للقسمة، كالأرض والبساتين - على أقوال كثيرة، منشؤها اختلاف الروايات.

فذهب أكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين - منهم الشيخان(1)والمرتضى(2)وابن الجنيد(3)وأبو الصلاح (4)، وابن إدريس(5)- إلى ثبوتها في كل مبيع، منقولاً كان أم لا، قابلاً للقسمة أم لا. ومال إليه الشهيد في الدروس، ونفى عنه البعد(6).

وقيده آخرون (7)بالقابل للقسمة. وتجاوز آخرون بثبوتها في المقسوم أيضاً، اختاره ابن أبي عقيل(8).

ص: 25


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 618-619؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 424423.
2- الانتصار، ص 448. المسألة 256
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 348. المسألة 324.
4- الكافي في الفقه، ص الفقه، ص 362.
5- السرائر، ج 2، ص 389
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 316 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
7- كالشيخ في النهاية. ص 424: والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 349، المسألة 324.
8- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 352 المسألة 325

--------------

واقتصر أكثر المتأخرين على ما اختاره المصنف (رحمه الله) من اختصاصها بغير المنقول عادةً ممّا يقبل القسمة مستندين إلى أصالة عدم تسلّط المسلم على مال المسلم إلا بطيب نفس منه إلا ما وقع الاتفاق عليه.

ورواية جابر أنّ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط»(1).

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : والشفعة فيما لم يقسّم، فإذا وقعت الحدود وضربت الطرق فلا شفعة.

وظاهره أنه لا شفعة إلا فيما يقع فيه الحدود وتضرب له الطرق.

ورواية سليمان بن خالد عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: «ليس في الحيوان شفعة»(2).

ورواية السكوني عنه قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): لا شفعة في سفينة، ولا في نهر، ولا في طريق»(3).

ورواية طلحة بن زيد عنه (عليه السلام)أن علياً(عليه السلام) قال: «لا شفعة إلا لشريك مقاسم»(4).

والخبر الأوّل نصّ، والباقي يقتضي المنع من بعض ما ادعاه المعمم. وفي الجميع الاشتراك في عدم صحة السند، فإنّ الأوّلين عاميان، ولا يخفى ضعف سند الباقي.

ص: 26


1- أوردها الشيخ بعينها في الخلاف، ج 3، ص 426، المسألة 1؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 351، المسألة 324؛ ووردت بمعناها في سنن الدارمي، ج 2، ص 274، باب الشفعة؛ وصحيح مسلم، ج 3، ص 1229، ح 1608/135: وسنن أبي داود، ج 3، ص 285، ح 3513؛ وسنن النسائي، ج 7، ص 341، ح 4710: وسنن الدار قطني، ج 3، ص 467 ، ح 76/4452 : والسنن الكبرى البيهقي، ج 6، ص 179، ح 11595.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 165، ح 733
3- الكافي، ج 5، ص 282، باب الشفعة، ح 11؛ الفقيه، ج 3، ص 78 ، ح 3377؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166، ح 738؛ الاستبصار، ج 3، ص 118، ح 420.
4- الفقيه، ج 3، ص 78 ، ح 3375؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167 ، ح 741؛ ورواه الكليني بسند آخر في الكافي، ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 6، وفي المصادر: «غير مقاسم».

*أما الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيه الشفعة تبعاً للأرض.

ولو أفرد بالبيع نزل على القولين.

ومن الأصحاب من أوجب الشفعة في العبد، دون غيره من الحيوان.

--------------

واستند المعمّمون إلى ثبوت الشفعة للشريك إذا باع شريكه ما هو بينهما، مع عموم بعض الأخبار كقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الشفعة فيما لم يقسم »(1)فالمخصص لها بشيء دون شيء عليه الدليل.

ويدلّ عليه خصوص رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق(عليه السلام) قال: سألته عن الشفعة لمن هي، وفي أي شيء هي، ولمن تصلح، وهل تكون في الحيوان شفعة؟ فقال: الشفعة جائزة في كلّ شيء من حيوان، أو أرض، أو متاع»(2). الحديث.

وهذه الرواية ضعيفة أيضاً بالإرسال. والإجماع على ثبوتها في الجملة لا حجة فيه، وعلى العموم محلّ النزاع.

قوله: «أما الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيه الشفعة تبعاً للأرض» إلى آخره.

الشجر والأبنية إن بيعت مع الأرض التي هي فيها فلا إشكال في ثبوت الشفعة فيها تبعاً للأرض؛ لدخولها في عموم النص الوارد بثبوتها في الربع والمساكن والدور ونحو ذلك(3).

وإن بيعت منفردةً، أو منضمة إلى أرض أخرى غير ما هي فيها بني ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين، فمن عمّم أثبتها فيها بطريق أولى، ومن خصص موردها بالأرضين والمساكن والبساتين لم يوجبها؛ لأنّها لا تدخل منفردةً في أحدها، فإن المساكن اسم للمجموع المركب من الأرض والبناء، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجرة. ولا ينفعها ضميمتها إلى غير أرضها؛ لعدم التبعية، وكونها جزءاً من مسماها.

ص: 27


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 834، ح 2497؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 285، ح 3514؛ سنن النسائي، ج 7، ص 342. ح 4713.
2- الكافي، ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 8: الفقيه، ج 3، ص 79 ، ح 3380؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164 ح 730: الاستبصار، ج 3، ص 116، ح 413 بتفاوت يسير.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 399 - 400 ، الباب 5 من أبواب كتاب الشفعة.

*وفي ثبوتها في النهر والطريق والحمّام

وما يضرّ قسمته تردّد أشبهه أنّها لا تثبت.

ونعني بالضرر أن لا ينتفع به بعد قسمته، فالمتضرّر لا يجبر على القسمة.

--------------

و مستند القول بثبوتها في العبد دون غيره من الحيوان صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه ويقول صاحبه : أنا أحق به ، أله ذلك ؟ قال : «نعم، إذا كان واحداً»، فقيل له: في الحيوان شفعة؟ فقال: «لا»(1). وهو خيرة العلامة في المختلف (2).

قوله: «وفي ثبوتها في النهر والطريق والحمّام وما يضر قسمته تردّد» إلى آخره.

اشتراط كونه ممّا يقبل القسمة الإجبارية هو المشهور، خصوصاً بين المتأخرين. واحتجوا عليه برواية طلحة بن زيد المتقدمة(3)، وبرواية السكوني(4) أنه لا شفعة في السفينة والنهر والطريق. وليس المراد الواسعين اتفاقاً، فيكون المراد الضيقين.

ولا يخفى عليك ضعف هذه الأدلّة، ومن ثَمَّ ذهب المرتضى(5) وابن إدريس(6)وجماعة(7)إلى عدم اشتراطه؛ لعموم الأدلة الدالة على ثبوتها من غير تخصيص(8) ؛ ولأن المقتضي لثبوت الشفعة - وهو إزالة الضرر عن الشريك - قائم في غير المقسوم، بل هو أقوى؛ لأنّ المقسوم

ص: 28


1- الكافي، ج 5، ص 210 ، باب شراء الرقيق، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166، ح 735؛ الاستبصار، ج 3. ص 116 . ح 415.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 349، المسألة 324.
3- تقدمت في ص 26.
4- تقدمت روايته في ص 26.
5- الانتصار، ص 448 ، المسألة 256.
6- السرائر، ج 2، ص 389
7- منهم المفيد في المقنعة ص:618 والحلبي في الكافي في الفقه، ص 362؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 236؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 255 وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة، ج 5. ص 348 المسألة 324
8- كرواية يونس المتقدم تخريجها في ص 27، الهامش 2.

*ولو كان الحمام أو الطريق أو النهر ممّا لا تبطل منفعته بعد القسمة أُجبر الممتنع، وتثبت الشفعة.

وكذا لو كان مع البئر بياض أرض، بحيث تسلم البئر لأحدهما.

--------------

يمكن التخلّص من ضرر الشريك بالقسمة بخلاف غيره.

وأجيب بأنّه ليس المراد من إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه، بل إزالة ضرر طلب القسمة ومؤونتها، وهو منتف في محل النزاع(1) .

ولا يخفى عليك ضعف هذا، وأيّ مؤونة للقسمة وضرر بذلك يقابل ضرر الشريك الذي لا وسيلة إلى التخلّص منه ؟

إذا تقرّر ذلك فالمراد من الضرر الرافع للإجبار على القسمة عند المصنّف (رحمه الله) هو المبطل لمنفعة المال أصلاً على تقدير القسمة، بأن يخرج عن حد الانتفاع؛ لضيقه أو لقلة النصيب أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها - كالأمثلة المذكورة - إذا كانت بالغة في الصغر هذا الحد، فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما ثبتت الشفعة.

وللضرر تفسير آخر، وهو أن تنقص القسمة قيمة المقسوم نقصاً فاحشاً.

وثالث، وهو أن تبطل منفعته المقصودة منه قبل القسمة وإن بقيت فيه منافع غيرها كالحمام والرحى إذا خرجا بالقسمة عن صلاحيّة الانتفاع بهما في الغسل والطحن على الوجه الذي كان أوّلاً.

وفي الوسط قوة. ومحلّ تحقيقه باب القسمة (2)، وذكره هنا بالعرض.

قوله: «ولو كان الحمّام أو الطريق أو النهر ممّا لا تبطل منفعته إلى آخره.

هذا متفرّع على أنّ المراد بالضرر المانع من ثبوت الشفعة والإجبار على القسمة خروج المقسوم عن حدّ الانتفاع، ويتحقق ذلك بأن يكون أحد المذكورات ضيقاً بحيث لا يمكن الانتفاع بالسهم انتفاعاً معتداً به.

ص: 29


1- جامع المقاصد، ج 6، ص 354.
2- راجع ج 11، ص 206 وما بعدها.

*وفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة إذا بيع مع الأرض تردّد؛ إذ ليس من عادته أن ينقل.

ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء في الشفعة، إلا على القول بعموم الشفعة في المبيعات.

--------------

فلو كان الحمام واسعاً يمكن إفراد حصة كلّ من الشريكين عن صاحبه، بحيث يسلم له من كلّ واحد من المسلخ، وموضع الماء، وبيت النار على وجه لا تنقص منفعته، ثبتت الشفعة.

وكذا لو كانت البئر واسعةً يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين، ولكلّ واحد منهما بياض يقف فيها ويرتفق بها . وكذا القول في الطريق والنهر؛ لانتفاء المانع حينئذ.

وكذا إذا كان مع البئر أرض بحيث تسلم البئر لأحدهما بعد التعديل في مقابلة الأرض، والأرض صالحة للزرع والسكني.

ويلزم مثله فيما لو كان بيت الحمام أو الرحى واسعاً بحيث يمكن جعله موازياً لما فيه المرافق مع سلامتها أو لما فيه الرحى، أو كان موضع الحجر في الرحى واحداً لكن لها بيت يصلح لغرض آخر، وأمكنت القسمة، بأن يجعل موضع الحجر لواحد وذلك البيت لآخر؛

لتحقق الانتفاع بكلّ منهما بعد القسمة على الوجه الذي اعتبره المصنف (رحمه الله).

وعلى تفسيره بأن لا يمكن الانتفاع بكل قسم منه على هذا الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، لا يتم إلا بتقدير عدم احتياج الأرض المجعولة قسمة للبئر إليه في الزراعة، بأن يكون مما يسقى بالمطر أو بماء آخر غيره وكذا الباقي.

قوله: «وفى دخول الدولاب والناعورة في الشفعة» إلى آخره.

منشأ التردّد من أنهما منقولان في أنفسهما ، ومن عدم جريان العادة بنقلهما.

والأقوى دخولهما تبعاً؛ لتناول اسم الدار والحمام والبستان لهما إذا كانا من جملة المرافق، كتناولهما للأبواب المثبتة عادةً مع قبولها للنقل في نفسها.

واحترز بقوله «إذا بيع مع الأرض» عمّا لو بيع منفرداً، فإنّه لا إشكال في عدم ثبوت الشفعة حينئذ، بناءً على عدم ثبوتها فيما ينقل.

ص: 30

*ولا تثبت الشفعة في الثمرة

وإن بيعت على رؤوس النخل أو الشجر منضمّةً إلى الأصل والأرض.

* وتثبت في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الشرب

إذا بيع معها. ولو أُفردت الأرض المقسومة بالبيع لم تثبت الشفعة في الأرض، وتثبت في الطريق أو الشرب إن كان واسعاً يمكن قسمته.

--------------

قوله: «ولا تثبت الشفعة في الثمرة» إلى آخره.

بناءً على ما اختاره من اشتراط كون المشفوع غير منقول؛ لأن الثمرة قد صارت في حكم المنقول: إذ لا يراد دوامها، وإنما لها أمد معين ينتظر؛ ولأنها لا تدخل في مفهوم البستان ونحوه، ومن ثُمَّ لا تدخل في بيع الأصل بعد ظهورها، كما فصل في محله(1) . وفي معناها الزرع النابت.

وقال الشيخ: تثبت الشفعة في الثمار والزروع تبعاً للأصول التي هي فيها (2). والأشهر الأول.

قوله: وتثبت في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق إلى آخره.

مذهب الأصحاب - إلا ابن أبي عقيل(3) - اشتراط الشركة بالفعل في ثبوت الشفعة، فلا تثبت بالجوار ولا فيما قسم؛ لما تقدم (4)من الأخبار وغيرها.

واستثنوا منه صورةً واحدةً، وهى ما إذا اشترك في الطريق أو الشرب، وباع الشريك نصيبه من الأرض ونحوها ذات الطريق أو الشرب، وضتهما أو أحدهما إليها، فإنّ الشفعة تثبت حينئذ في مجموع المبيع وإن كان بعضه غير مشترك.

ولو أفرد الأرض أو الدار ذات الطريق والشرب بالبيع من دون أن يضتهما أو أحدهما إليها فلا شفعة.

ص: 31


1- راجع ج 3، ص 277
2- الخلاف، ج 3، ص 426، المسألة 2: المبسوط، ج 2، ص 531، وفيهما الحكم بنفي الشفعة في الزرع والثمرة فلاحظ : نعم، حكى عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 345 - 346 ثبوت الشفعة فيهما.
3- حكاه عنه في مختلف الشيعة، ج 5، ص 352 المسألة 325 .
4- تقدم في ص 26.

--------------

ولو عكس فباع نصيبه من الطريق أو الشرب خاصةً ثبتت الشفعة فيه إذا كان واسعاً يمكن قسمته منفرداً؛ لأنه حينئذٍ مستقل بنفسه فيعتبر فيه ما يعتبر في الشقص المشفوع بخلاف ما إذا كان منضمّاً إلى غيره.

والأصل في هذا الحكم حسنة منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام)، وقد سأله عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة ،الدار، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة ؟ فقال: «إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير ذلك فلا شفعة لهم، فإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة»(1).

والمراد بقوله إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير ذلك أي غير الطريق المشترك الذي في العرصة، بأن لم يكن البائع قد باع حقه من الطريق المشترك مع داره، بل باع الدار فقط وفتح لها باباً إلى الطريق السالك، فلا شفعة حينئذ ؛ لأن المبيع غير مشترك ولا في حكمه كالاشتراك في الطريق. وإن كان باع الدار مع الطريق المشتركة ثبتت الشفعة.

وفي صحيحة أخرى لمنصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام)في دار بين قوم اقتسموها وأخذ كل واحد منهم قطعةً فبناها، وتركوا بينهم ساحةً فيها ممرهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، أله ذلك؟ قال: «نعم، ولكن يسدّ بابه [...] وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحق به، وإلا فهو طريقه يجيء يجلس على ذلك الباب»(2).

وظاهر هذه أنّ بائع الدار لم يبع نصيبه من الساحة المشتركة، فلذلك أمر أن يسدّ بابه ويفتح له بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ولم يذكر الشفعة حينئذ ؛ لعدم مقتضاها.

ولو فرض بيعه لحصته في العرصة التي هي الممرّ جاز للشركاء أخذها بالشفعة؛ لتحقق الشركة فيها دون الدار؛ لأنه لم يبعها معها.

ص: 32


1- الكافي، ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 165 ، ح 731؛ الاستبصار، ج 3، ص 117، ح 417 بتفاوت في بعض الألفاظ.
2- الكافي، ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 165، ح 732: الاستبصار، ج 3، ص 117 ، ح 418.

--------------

وليس في الروايتين تعرّض لكون الطريق ممّا يقبل القسمة ، لكن المصنّف اشترط (1)ذلك على تقدير بيعها منفردةً؛ نظراً إلى ما أسلفه من اشتراط ذلك في كلّ مشفوع(2).

وأما على تقدير ضمّ الطريق إلى الدار فيكفي قبول أصل الدار القسمة؛ لأنها المبيع حقيقة والطريق ،تابعة فلا يعتبر قبولها القسمة منفردة.

وربما قيل باشتراط قبول الطريق القسمة في الموضعين(3)؛ نظراً إلى أنّها السبب الموجب للشفعة، والدار تابعة لها في ذلك. وليس بجيد.

وإطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق في ثبوت الشفعة بين كون الدور وما في معناها مقسومة، بعد أن كانت مشتركة ومنفردةً من أصلها بل في الثانية تصريح بعدم الاشتراط حيث قال: «فأخذ كلّ واحد منهم قطعةً فبناها». وبهذا صرّح في التذكرة (4)،أيضاً. وهو الظاهر؛ لأنّ هذا مستثنى من اعتبار الشركة فيكتفى فيه بالشركة في الطريق، ولأن زوال الشركة بالقسمة قبل البيع يلحقها بالجوار فلا وجه لاعتبارها.

ويظهر من عبارة المصنّف وجماعة حيث فرضوا الحكم في الأرض المقسومة مع الاشتراك في الطريق(5) اعتبار حصول الشركة في الأصل.

واحتج له بأنّ ضمّ غير المشفوع إلى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقاً. والمبيع الذي لا شركة فيه في الحال ولا في الأصل ليس من متعلقات الشفعة؛ إذ لو بيع وحده لم يثبت فيه شفعة بحال، وإثباتها لا يكون إلا بمحض الجوار، فإذا ضمّ إلى المشترك وجب أن يكون الحكم كذلك.

ص: 33


1- في :«ع»: «شرط» بدل «اشترط».
2- سبق في ص 28
3- الانتصار، ص 448، المسألة 256؛ وراجع الدروس الشرعية، ج 3، ص 317 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 205، المسألة 708
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 558 ، الرقم 6171: اللمعة الدمشقية، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

*ولو باع عرصةٌ مقسومةً وشقصاً من أُخرى صفقة، فالشفعة في الشقص خاصة بحصته من الثمن.

--------------

ولعموم قوله(عليه السلام) : «لا شفعة إلا لشريك مقاسم»(1) ولا شركة هنا لا في الحال ولا في الأصل؛ ولرواية أبي العباس: «الشفعة لا تكون إلا لشريك»(2). وغير ذلك مما في معناه(3).

ولا يخفى عليك ضعف هذا الاحتجاج؛ لأنّ هذه الصورة مستثناة من اشتراط الشركة بالنص والإجماع، فلا يقدح فيها ما دلّ بإطلاقه على اشتراط الشركة، ولا على نفي الشفعة بضميمة غير المشفوع إليه، مع أن المقسوم خرج عن تعلّق الشفعة عندهم، فضميمته كضميمة غيره لو لا الطريق المشتركة.

ولأن مدلول هذه الروايات اعتبار الشركة بالفعل، وهو منتف مع القسمة.

ولو أريد منها ما يعمّ السابقة لزم ثبوتها في المقسوم وإن لم يكن له شركة في الطريق.

وأما معارضة رواية منصور الصحيحة والحسنة(4) ، بتلك الأخبار الدالّة على اعتبار الشركة، وترجيح تلك بالكثرة وموافقتها للأصل، فعجيب؛ لأنّ مدلولها - على تقدير قطع النظر عن سندها - اعتبار الشركة بالفعل كما ذكرناه، ورواية منصور دلّت على الاكتفاء بالشركة في الطريق، فهي خاصة وتلك عامة، فيجمع بينهما بتخصيص العام بما عدا ذلك.

قوله «ولو باع عرصةٌ مقسومةً وشقصاً من أخرى صفقةً» إلى آخره.

وذلك لوجود المقتضي للشفعة في الشقص دون المقسوم، فيعطى كل واحد حكمه.

ولا يقدح في ذلك كونه بيعاً واحداً؛ لصدقه على كلّ واحد بانفراده أيضاً. ولا فرق بين كون غير المشفوع من مصالح المشفوع كبقر الضيعة ، وعدمه، خلافاً لبعض العامة(5)، ومن ثَمَّ

ص: 34


1- تقدم تخريجه في ص 26 ، الهامش 5.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164 ، ح 725
3- راجع وسائل الشيعة، ج ،25، ص 398395، الباب 1 و 3 من كتاب الشفعة.
4- تقدم تخريجهما في ص 32 الهامش 1 و 2.
5- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 281-282

ويشترطفی ثبوت الشفعه انتقال الشقص بالبیع

* ويشترط انتقال الشقص بالبيع، فلو جعله صداقاً أو صدقةً أو هبةً أو صلحاً فلا شفعة .

--------------

مثل المصنّف (رحمه الله) بما لا تعلّق لأحدهما بالآخر.

ومن هذا الباب ما لو باع البستان بثمره أو الأرض بزرعها، فتثبت الشفعة في غير الثمر والزرع بحصته من الثمن، بأن ينسب قيمة المشفوع منفرداً إلى قيمة المجموع، فحصته من الثمن بتلك النسبة.

فإذا قيل: قيمة المجموع مائة، وقيمة ما عدا الثمرة والزرع ثمانون أخذ الشفيع المشفوع بأربعة أخماس الثمن كائناً ما كان، وهكذا.

قوله: «ويشترط انتقال الشقص بالبيع» إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعاً. وليس عليه دليل صريح وإنّما تضمنت الروايات ذكر البيع(1)، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره، ومن ثم خالف ابن الجنيد، فأثبتها بمطلق النقل حتى بالهبة بعوض وغيره(2) ؛ لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص؛ ولاشتراك الجميع في الحكمة الباعثة على إثبات الشفعة، وهو دفع الضرر عن الشريك. ولو خصها بعقود المعاوضات كما يقوله العامة(3) - كان أقعد؛ لأنّ أخذ الشفيع للموهوب بغیر عوض بعید و به خارج عن مقتضى الأخذ.

وتدلّ على عدم ثبوت الشفعة في غير عقود المعاوضات المحضة صحيحة أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له، وله في تلك الدار شركاء قال: «جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها»(4).

ص: 35


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ، ص 398 - 400 الباب 4 و 5 من أبواب كتاب الشفعة.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 359، المسألة 330.
3- الحاوي الكبير، ج 7، ص 232؛ حلية العلماء، ج 5، ص 270؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 467 468. المسألة 4015 روضة الطالبين، ج 4، ص 163.
4- الفقيه، ج 3، ص 83 ، ح 3383؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167، ح 742.

* ولو كانت الدار وقفاً وبعضها طلق فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحداً؛ لأنّه ليس مالكاً للرقبة على الخصوص.

وقال المرتضى (رحمه الله): تثبت الشفعة.

--------------

قوله: «ولو كانت الدار وقفاً وبعضها طلق فبيع الطلق» إلى آخره.

إذا كان متعلّق الشفعة كالدار والأرض - بعضه طلقاً وبعضه وقفاً، فإن بيع الوقف على وجه يصح فلا إشكال في ثبوت الشفعة لصاحب الطلق؛ لوجود المقتضي، وانتفاء المانع.

وإن بيع الطلق، ففي ثبوت الشفعة للموقوف عليه أو ولي الوقف من ناظر أو حاكم أقوال منشؤها: أن ملك الموقوف هل ينتقل إلى الموقوف عليه مطلقاً، أو مع اتحاده، أو لا ينتقل إليه مطلقاً ؟ وقد تقدم تحقيقه في بابه(1).

فإن قلنا بعدم انتقاله إليه فلا شفعة له؛ لأنّها مشروطة بكون الشفيع شريكاً، ولا يتحقق الشركة إلا بالملك.

وإن قلنا بأنه يملك ففي ثبوت الشفعة له وجهان: أحدهما: العدم؛ لأنه ملك ناقص، ولهذا لا ينفذ تصرّفه فيه، ولا يتسلّط على الأخذ.

وبهذا أخذ الشيخ في المبسوط مدعياً عدم الخلاف(2). وتبعه المصنف (رحمه الله) والشهيد في الدروس(3)، مع أنه اختار في الوقف انتقاله إلى الموقوف عليه مطلقاً(4)، فعدم حكمه بالشفعة هنا معلّل بنقص الملك لا بعدمه.

ويضعف بأنّ المعتبر في ثبوتها الشركة المتحققة بالملك في الجملة. ونقصه بالحجر على المالك في التصرّف لا ينافي كونه مالكاً، ومن ثَمَّ تثبت لغيره ممن يحجر عليه في التصرّف.

وقد يعلّل أيضاً بعدم انحصار الملك في الموقوف عليه.

ص: 36


1- تقدّم في ج 5، ص 82 وما بعدها.
2- المبسوط، ج 2، ص 578
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 318 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 222 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

المقصد الثاني في الشفيع

تعریف الشفیع

* وهو كلّ شريك بحصة مشاعة، قادر على الثمن.

--------------

ويضعف بأنّ البحث على تقدير الانحصار، وإن انتشر بعد ذلك كانتشار المملوك بالبيع والموت ونحو ذلك.

وعلى القول بعدم اشتراط اتحاد الشريك يرتفع هذا المانع.

ومن ثُمَّ ذهب المرتضى (رضي الله عنه) إلى ثبوتها للموقوف عليه مطلقاً، حتى جوّز للإمام وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين، أو على المساجد، و مصالح المسلمين، وكذلك كلّ ناظر بحق في وقف من وصيّ وولى له أن يطالب بشفعته(1) .

وفصل ابن إدريس حسناً فقال: إن كان الموقوف عليه واحداً صحت الشفعة له كالطلق(2). ووافقه عليه المتأخرون.

وعلى هذا فالمعتبر باتحاده حال بيع الشريك وإن كان متعدّداً قبل ذلك؛ لأنّ المانع هو كثرة الشركاء لا الوقف هذا إذا قلنا بانتقال الملك إلى الموقوف عليه مطلقاً.

ولو شرطنا فيه انحصاره اشترط كونه منحصراً، ولا يكفي اتحاده في تلك الحالة عنه؛ لجواز كونه غير منحصر في الأصل، كما لو وقف على فقهاء البلد الفلاني ولم يوجد منهم حال البيع إلا واحد، أو على بني فلان غير المنحصرين فاتفق انحصارهم ذلك الوقت، فإنّه لا شفعة؛ لما تقدّم من أنّ الأصح عدم انتقال الملك إلى الموقوف عليه غير المنحصر ابتداء(3).

قوله - في الشفيع : «وهو كل شريك بحصة مشاعة، قادر على الثمن».

هذا تعريف للشفيع باعتبار قيوده المتفق عليها، ومن ثُمَّ لم يقيده بالمتحد كما فعل غيره(4) .

ص: 37


1- الانتصار، ص 457 المسألة 260
2- السرائر، ج 2، ص 397
3- تقدم في ج 5، ص 84 - 85 .
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 244.

* ويشترط فيه الإسلام إذا كان المشتري مسلماً.

--------------

ولو أراد الشفيع المختار عنده لزاد قيد المتحد.

ويدخل فيه الموقوف عليه مطلقاً، أو مع كونه خاصاً، فإنّه شريك؛ لانتقال الملك إليه. وكأنّه لم يخرجه لما ذكرناه من العذر في عدم إخراج المتعدد.

وينبغي ان يراد بالقادر على الثمن ما يشمل القدرة بالفعل والقوة؛ ليدخل فيه الفقير القادر على دفعه ولو بالاقتراض.

ويراد بالثمن ما يشمل مثله وقيمته. وعلى هذا فلو كان غنياً بعروض خارجة عن مثله وقيمته، ولم يوجد له من يشتريها منه فهو بمنزلة الفقير.

وأما إخراج المماطل والهارب منه بقيد القدرة فلا يخلو من تكلّف؛ لصدق القدرة عليهما بالفعل فضلاً عن القوة. وإرادة لازم القدرة منها وهو دفع الثمن - نظراً إلى أن الغاية المقصودة منها ذلك، فأطلق اسم السبب على المسبب - مجاز لا يحسن استعماله في التعريف وإن كان أصله مشهوراً، لكنّ المراد منه هنا غير مشهور.

وينبغي أن يكون قوله ويشترط فيه الإسلام» إلى آخره من تتمة التعريف؛ ليسلم من الانتقاض بالكافر على بعض الوجوه؛ لدخوله في الكلية، وبقرينة تأخير التفريع بقوله فلا تثبت إلى آخره عنه، ولا يفيد اتصاله بالتعريف مع خروجه عنه.

قوله: «ويشترط فيه الإسلام إذا كان المشتري مسلماً».

إنّما اشترط إسلام الشفيع مع كون المشتري مسلماً؛ لأن الشفيع إنما يأخذ من المشتري ودركه عليه كما سيأتي(1) ، وأخذه منه على وجه القهر سبيل على المسلم، وهو منفي بقوله :تعالى:﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾(2).

ويؤيّده رواية السكوني:« ليس لليهودي والنصراني شفعة»(3) .

ص: 38


1- يأتي في ص 76
2- النساء (4): 141
3- الكافي، ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166، ح 737.

* فلا تثبت الشفعة بالجوار، ولا فيما قسّم وميز

إلا مع الشركة في طريقه أو نهره و تثبت بين شريكين.

--------------

وأراد به على المسلم؛ للإجماع على ثبوتها لهما على غيره. وكأنه موضع وفاق، وإنما خالف فيه جماعة من العامة(1)، فأثبتوها له عليه قياساً على الرد بالعيب(2). والفرق واضح، مع بطلان القياس.

ولا فرق بين كون البائع مسلماً أو كافراً. ولو لم يكن المشتري مسلماً لم يشترط إسلام الشفيع وإن كان البائع مسلماً.

قوله: «ولا تثبت الشفعة بالجوار، ولا فيما قسّم وميّز ، إلا مع الشركة في طريقه أو نهره».

هذا الاستثناء من المعطوف وهو ما قسم إن اعتبرنا في ثبوت الشفعة مع الاشتراك في الطريق والنهر كون المشفوع مما قسم، واستثناء من الأمرين معاً إن لم نشترط ذلك، واكتفينا بالشركة في أحد الأمرين وإن كان الأصل غير مشترك مطلقاً، كما تقدّم تحقيقه(3) .

وظاهر المصنّف هو الأوّل، بقرينة القرب وما سلف(4) .

ونبه بهذا على خلاف ابن أبي عقيل حيث أثبتها في المقسوم مطلقاً(5)، وعلى خلاف بعض العامة حيث أثبتها بالجوار مطلقاً (6).

ص: 39


1- في حاشية «خ . ع»: «وافقنا أحمد على ذلك، وخالفنا غيره. (منه رحمه الله)».
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 551. المسألة 4102، وص 552 المسألة 4103 الحاوي الكبير. ج 7، ص 202 - 303؛ حلية العلماء، ج 5، ص 271 روضة الطالبين، ج 4، ص 159: المجموع شرح المهذب، ج 14، ص 310؛ المهذب، الشيرازي، ج 1، ص 496.
3- تقدم في ص 33.
4- سبق في ص 31.
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 352، المسألة 325
6- الحاوي الكبير، ج 7، ص 227 - 228؛ المبسوط، ج 14، ص 110، وما بعدها حلية العلماء، ج 5، ص 266 - 267: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 461، المسألة 4012؛ المجموع شرح المهذب، ج 14. ص 304 - 305

هل تثبت الشفعه مع زیاده الشرکاءعلی اثنین

*وهل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال:

أحدها: نعم، تثبت مطلقاً على عدد الرؤوس.

والثاني : تثبت في الأرض مع الكثرة، ولا تثبت فى العبد إلا للواحد.

والثالث: لا تثبت في شيء مع الزيادة عن الواحد. وهو أظهر.

--------------

قوله: «وهل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟» إلى آخره.

اختلف علماؤنا في أنّ الشفعة هل تثبت مع زيادة الشركاء على اثنين؟ فمنعه الأكثر ومنهم الشيخان(1) والمرتضى(2)والأتباع(3) . حتّى ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع (4) .

وذهب ابن الجنيد إلى ثبوتها مع الكثرة مطلقاً(5). وقواه في المختلف بعد ذهابه إلى المشهور، وخطأ ابن إدريس في دعوى الإجماع(6).

وذهب الصدوق في الفقيه إلى ثبوتها معها في غير الحيوان(7) ، ووافق في المقنع المشهور ونسب ثبوتها مع الكثرة إلى الرواية(8) .

حجة المشهور الأخبار كصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق قال: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما ، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة»(9).

ورواية يونس المرسلة عنه قال: «إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما فباع

ص: 40


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 618؛ والشيخ الطوسي في النهاية. ص 424.
2- الانتصار، ص 450. المسألة 257
3- الكافي في الفقه، ص 361: المراسم، ص 183؛ المهذب، ج 1، ص 453: فقه القرآن، ج 2، ص 68 - 69: غنية النزوع، ج 1، ص 232 و 234: الوسيلة، ص 258: إصباح الشيعة، ص 254.
4- السرائر، ج 2، ص 387.
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 355، المسألة 327.
6- مختلف الشيعة، ج 5، ص 355 - 356 المسألة 327
7- الفقيه، ج 3، ص 80، ذيل الحديث 3380 .
8- المقنع، ص 405 - 406، والرواية ستأتي لاحقاً
9- الكافي، ج 5، ص 281 باب الشفعة، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164، ح 729؛ الاستبصار، ج 3، ص 116، ح 412.

--------------

أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره، فإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم»(1).

ولأصالة عدم الشفعة وثبوت الملك في غير موضع الوفاق.

واحتج ابن الجنيد بصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله(عليه السلام) في الدار بين قوم اقتسموها وأخذ كل واحد منها قطعةً فبناها الحديث، وقد تقدّم(2).

وحسنة منصور أيضاً، وقد تقدّمت (3)

ورواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قضى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بالشفعة بين

الشركاء»،(4) وأقل الجمع ثلاثة وغيرها من الأخبار(5) .

وأُجيب(6) بأنّ الروايتين دلتا من حيث المفهوم، وأنه يجوز أن يراد الاثنان من لفظ الجمع، أو أنه أراد تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين، لا بالنسبة إلى قضية واحدة يشترك فيها جماعة. وكذا الرواية الأخيرة.

وفيه نظر؛ لظهور صراحة دلالتهما وإرادة الاثنين من لفظ الجمع مجاز على أصح القولين للأصوليين. وكذا حمل اللفظ على إرادة المكلفين في غير القضية المعينة.

وأجاب في الدروس بحملها على التقيّة(7) ؛ لموافقتها لمذهب العامة(8) .

ص: 41


1- الكافي، ج 5، ص 281 باب الشفعة، ح 8: الفقيه، ج 3، ص 79، ح 3380؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164. ح 730؛ الاستبصار، ج 3، ص 116 . ح 413.
2- تقدّم في ص 32.
3- تقدمت أيضاً في ص 32.
4- الكافي، ج 5، ص 280. باب الشفعة، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 76 . ح 3371؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164. ح 727.
5- الفقيه، ج 3، ص 77 ، ح 3373 و 3374؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 16 ، ح 736 .
6- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 356، المسألة 327
7- الدروس الشرعية، ج 3، ص 317 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
8- الحاوي الكبير، ج 7، ص 260؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 523. المسألة 4071؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 182؛ حلية العلماء، ج 5، ص 291؛ المجموع شرح المهذب، ج 14، ص 326

--------------

ويمكن أن يقال: إنه مع تعارض الروايات الصحيحة تتساقط ويرجع إلى حكم الأصل.

وفيه نظر؛ لمنع التعارض؛ لأنّ هذه الروايات أكثر وأوضح دلالة؛ لأن رواية ابن سنان التي هي عمدة الباب لا صراحة فيها، حيث إنّه أثبت الشفعة للشريكين باللام المفيدة للاستحقاق أو ما في معناه، والمطلوب لا يتم إلا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين لا لهما، ولا ينافيه قوله ولا تثبت لثلاثة؛ إذ لا قائل بالفرق بين الاثنين والثلاثة، ولجواز إرادة عدم استحقاق كلّ واحد من الثلاثة بخصوصه دون الآخر.

وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلا أنّ فيه طريقاً للجمع، مع أن رواية منصور أصح طريقاً. ومؤيدة برواية ابن سنان الآتية.

واحتج الصدوق على ثبوتها مع الكثرة في غير الحيوان برواية عبد الله بن سنان قال: سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه، قال: «يبيعه»، قال، قلت: فإنهما كانا اثنين، فأراد أحدهما بيع ،نصيبه، فلما أقدم على البيع قال لشريكه: أعطني، قال: «هو أحق به»، ثم قال (عليه السلام): «لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحداً»(1). ومفهوم هذه الرواية ثبوتها في غيره إذا كان أكثر.

ولا يخفى ضعف دلالة المفهوم، مع تضمّنها ثبوت الشفعة في الحيوان وقد تقدم ما ينافيه(2). ومع ذلك فهي مقطوعة. وصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام)في المملوك بين الشركاء يبيع أحدهم فيقول أحدهم: أنا أحق به أله ذلك؟ قال: «نعم» إذا كان واحداً »(3)أوضح دلالةً وسنداً، إلا أنها لا تدلّ على ثبوتها مع الكثرة في غيره.

ص: 42


1- الفقيه، ج 3، ص 80، ح 3381
2- تقدم في ص 26 - 27 .
3- الكافي، ج 5، ص 210، باب شراء الرقيق، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166، ح 735؛ الاستبصار، ج 3. ص 116 . ح 415.

--------------

واعلم أن المصنّف (رحمه الله) نقل القول المذكور وخصه بالعبد، والذي صرّح به الصدوق كون الحكم مختصاً بالحيوان مطلقاً كما نقلناه عنه؛ لأنه قال في الفقيه - بعد أن روى عن الصادق ال ثبوت الشفعة في كلّ شيء إذا كان الشيء بين الشريكين لا غيرهما فإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم(1)-:

قال مصنف هذا الكتاب - وأراد نفسه - : يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فأما في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين قال: وتصديق ذلك رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن سنان(2).

ثم ذكر الرواية السابقة وفيها تصريح بالحيوان ولا قائل غيره باختصاص الحكم بالعبد وإن كان في الروايتين ذكر المملوك، إلا أنه لا دلالة لهما على اختصاص الحكم به، وفي آخر الرواية التي استدل بها تصريح بثبوت الحكم في الحيوان مطلقاً.

إذا تقرّر ذلك فقد اختلف القائلون بثبوتها مع الكثرة هل هو على عدد الرؤوس، أو على قدر السهام؟ فصرح الصدوق بالأول(3)، ونقله الشيخ عنهم مطلقاً (4).

وقال ابن الجنيد الشفعة على قدر السهام من الشركة، ولو حكم بها على عدد الشفعاء جاز ذلك(5).

ويدلّ على الأوّل رواية طلحة بن زيد أنّ عليّاً(عليه السلام) قال: «الشفعة تثبت على عدد الرجال» (6)؛ ولأنّ مَنْ حصته قليلة لو كان منفرداً لأخذ المال جميعه كصاحب الأكثر،

ص: 43


1- الفقيه، ج 3، ص 79 ، ح 3380
2- الفقيه، ج 3، ص 80. ح 3381
3- راجع الفقيه، ج 3، ص 80 ذيل الحديث 3380؛ وحكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5 ص 357 المسألة 328 .
4- الخلاف، ج 3، ص 435 المسألة 11.
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 357. المسألة 328
6- الفقيه، ج 3، ص 77 ، ح 3374؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 166 ، ح 739، وفيه: عن السكر السكوني.

* وتبطل الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن، وبالمماطلة

وكذا لو هرب.

*ولو ادّعى غيبة الثمن أجل ثلاثة فإن لم يحضره بطلت شفعته. فإن ذكر أنّ المال في بلد آخر، أجل بمقدار وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام، مالم يتضرر المشتري.

--------------

فيتساويان في الاستحقاق؛ إذ المقتضي هو مطلق الشركة.

ويدلّ على الثاني أنّ المقتضي للشفعة الشركة، والمعلول يتزايد بتزايد علته وينتقص بنقصها إذا كانت قابلة للقوة والضعف.

قوله :« وتبطل(1) الشفعة بعجز الشفيع عن الثمن وبالمماطلة. وكذا لو هرب».

يتحقق العجز باعترافه. وفي تحققه بإعساره وجهان ، أجودهما(2)العدم؛ لإمكان تحصيله بقرض ونحوه، فينظر به ثلاثة أيام كمدعي غيبته.

والمراد بالمماطل القادر على الأداء ولا يؤدّي. ولا يشترط فيه مضى الثلاثة؛ لأنها محدودة للعاجز ولا عجز هنا، ويحتمل إلحاقه به لظاهر رواية ابن مهزیار عن الجواد(عليه السلام) بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن(3).

أمّا الهارب فإن كان قبل الأخذ فلا شفعة له؛ لمنافاته الفورية على القول بها. وإن كان بعده فللمشتري الفسخ، ولا يتوقف على الحاكم؛ لعموم لا ضرر ولا إضرار»(4).

قوله: «ولو ادّعى غيبة الثمن أجل ثلاثة إلى آخره .

إذا ادعى غيبة الثمن، فإن ذكر أنه ببلده أجل ثلاثة أيام من وقت حضوره للأخذ.

وإن ذكر أنّه ببلد آخر أجل مقدار ذهابه إليه وأخذه وعوده وثلاثة أيام كما تقتضيه الرواية، والعبارة قاصرة عن تأدية ذلك كغيرها(5) .

ص: 44


1- في «خ . ع . . م»: «تسقط» بدل «تبطل».
2- في بعض النسخ: «أحدهما» بدل «أجودهما».
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167، ح 739 بتفاوت.
4- الكافي، ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح 4 الفقيه، ج 3، ص 76 ، ح 3371؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164، ح 727.
5- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 244

ثبوت الشفعة بعجز الشفیع عن الثمن وبالمماطله

* وتثبت للغائب والسفيه. وكذا للمجنون والصبي. ويتولى الأخذ وليهما مع الغبطة. ولو ترك الوليّ المطالبة فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله الأخذ؛ لأنّ التأخير لعذر. وإذا لم يكن في الأخذ غبطة فأخذ الولى لم يصح.

--------------

هذا إذا لم يتضرّر المشتري بالتأخير - بأن كان البلد الذي نسب الثمن إليه بعيداً جداً. كالعراق من الشام ونحو ذلك - وإلا بطلت.

والمراد ببطلانها - على تقدير عدم إحضاره في المدة المضروبة - سقوطها إن لم يكن أخذ، وتسلّط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ.

ويعتبر الثلاثة ولو ملفّقةً لو وقع الإمهال في خلال اليوم والليالي تابعة للأيام، فإن وقع نهاراً اعتبر إكمال الثالث من اليوم الرابع، ودخلت الليالي تبعاً. وإن وقع ليلاً أُجل ثلاثة أيام تامّةً، وتمام الليلة من الرابعة كذلك.

ويعتبر في الذهاب إلى بلد المال حصول ما يحتاج إليه عادةً من الرفيق وغيره. ولا يجب تحصيله بأجرة، عملاً بالعرف ولا يستثنى له في نفس البلد زيادة عن تحصيل المال بالمعتاد.

قوله: «وتثبت للغائب والسفيه. وكذا للمجنون والصبي» إلى آخره.

لا شبهة في ثبوتها لمن ذكر؛ لعموم الأدلة (1)المتناولة للمولى عليه وغيره. أما الغائب فيتولى هو الأخذ بعد حضوره وإن طال زمان الغيبة. ولو تمكن من المطالبة في الغيبة بنفسه أو وکیله فكالحاضر. ولا عبرة بتمكنه من الإشهاد على المطالبة، فلا يبطل حقه لو لم يشهد بها.

والمريض الذي لا يتمكن من المطالبة كالغائب. وكذا المحبوس ظلماً أو بحق يعجز عنه ولو قدر عليه ولم يطالب بطلت.

وأمّا الصبي والمجنون والسفيه فيطالب لهم الوليّ مع الغبطة. وكان على المصنّف جمع الضمير المضاف إلى الولي ليتناول السفيه؛ لئلا يوهم أنه يتولى الأخذ دون الولي، بقرينة تخصيص الطفل والمجنون بأخذ الولي.

ص: 45


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 395 الباب 1. وص 400 - 401. الباب 6 من كتاب الشفعة.

ثبوت الشفعة لولی الیتیم اذا باع شقصه المشترک معه

*وتثبت الشفعة للكافر على مثله ولا تثبت له على المسلم، ولو اشتراه من ذمّي. وتثبت للمسلم على المسلم والكافر.

*وإذا باع الأب أو الجد عن اليتيم شقصه المشترك معه جاز أن يشفعه، وترتفع التهمة؛ لأنّه لا يزيد عن بيع ماله من نفسه.

وهل ذلك للوصى ؟ قال الشيخ: لا لمكان التهمة. ولو قيل بالجواز كان أشبه كالوكيل.

--------------

ولو ترك الولي الأخذ مع الغبطة لم يسقط حقهم منها، بل لهم الأخذ بعد زوال المانع؛ لأنّ التأخير وقع لعذر.

والأقوى جواز أخذ الولي لهم أيضاً بعد ذلك؛ لبطلان الترك، وتقصيره بالتراخي لا يسقط حق المولّى عليه، وليس الحق متجدداً عند الكمال بل مستمر، وإنما المتجدّد أهلية الأخذ. فأخذ الولي في ذلك الوقت كله صحيح.

ولو لم يكن في أخذ الوليّ للمولّى عليه غبطة -بأن باعه بأكثر من ثمن المثل، أو به ولم يكن للمولى عليه مال،واحتاج إلى بيع عقار هو أجود من المأخوذ، ونحو ذلك - لم يصح الأخذ؛ لأن فعله مقيد بالمصلحة.

قوله: « وتثبت الشفعة للكافر على مثله، ولا تثبت له على المسلم »

قد تقدّم البحث في ذلك(1)، وأن الاعتبار بالمأخوذ منه لا بالبائع، فيأخذ الكافر من مثله وإن كان البائع مسلماً، لا من المسلم وإن كان البائع كافراً؛ لأن السبيل المنفي(2)متحقق في المشتري ؛ لأنه هو الذي يؤخذ منه.

قوله: «وإذا باع الأب أو الجد عن اليتيم شقصه المشترك معه جاز أن يشفعه إلى آخره. لا كلام في جواز بيع ولي اليتيم حصّةً من ماله لمصلحة الإنفاق عليه ونحوه، سواء كان

ص: 46


1- تقدم في ص 38.
2- النساء (4): 141.

*وللمكاتب الأخذ بالشفعة، ولا اعتراض لمولاه.

--------------

الولي أباً أم جداً أم وصيّاً. وإنما الكلام في ثبوت الشفعة للولي لو كان شريكاً له في الشقص. فقيل: لا يصح الأخذ مطلقاً، لرضى الولي بالبيع، فإنه يسقط الشفعة وإن كان قبل العقد. وهو خيرة العلامة في المختلف(1) .

والشيخ (رحمه الله) في المبسوط فصل فأثبت الشفعة للولي إن كان أباً أو جداً، لا إن كان وصيّاً، فارقاً بأن الوصي متهم في تقليل الثمن ليأخذ به، فلو مكن منه لم يؤمن أن يترك النظر والاستقصاء لليتيم، ويسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس، وهذا كما أنه لا يمكن من بيع ماله من نفسه، بخلاف الأب والجد، فإنهما غير متهمين، ولهما أن يشتريا لأنفسهما. وعلى هذا فلو اشترى شقصاً للطفل وهو شريك في العقار جاز له الأخذ؛ لأنه لا تهمة هنا؛ إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به(2).

والمصنّف (رحمه الله) أجاز الشفعة في الموضعين وهو الأصح؛ لأنّ الفرض وقوع البيع على الوجه المعتبر، فلا يرد ما ذكره الشيخ. ولا نسلّم أن الرضى بالبيع قبله يسقط الشفعة؛ لأنّ ذلك تمهيد للأخذ بالشفعة وتحقيق لسببه، فلا يكون الرضى به مسقطاً لها ؛ إذ الرضى بالسبب من حيث هو سبب يقتضى الرضى بالمسبب فكيف يسقطه؟ ولو رفع أمره إلى الحاكم وأوقع البيع بنظره زال الإشكال من حيث التهمة. وقد بينا فساد الإشكال الآخر.

قوله: «وللمكاتب الأخذ بالشفعة، ولا اعتراض لمولاه».

لا فرق في جواز أخذ المكاتب بالشفعة بين كون الأخذ من سيده وغيره؛ سيده وغيره؛ لانقطاع سلطنته عنه، ونفوذ تصرفه فيما فيه غبطة للاكتساب، وقد يتفق ذلك في الشقص المشفوع ولا فرق بين المكاتب بنوعيه.

ص: 47


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 380 المسألة 356
2- المبسوط، ج 2، ص 594

*ولو ابتاع العامل فى القراض شقصاً وصاحب المال شفيعه

فقد ملكه بالشراء لا بالشفعة. ولا اعتراض للعامل إن لم يكن ظهر ربح. وله المطالبة بأجرة عمله.

--------------

قوله: «ولو ابتاع العامل في القراض شقصاً» إلى آخره.

إذا اشترى العامل بمال المضاربة شقصاً لصاحب المال فيه شركة، ملك صاحب المال الشقص بالشراء لا بالشفعة؛ لأنه اشترى بعين ماله فيقع الشراء له وإن استحق العامل التصرف فيه بالبيع وغيره بمقتضى الإذن السابق. ولا يعقل أن يستحق الإنسان أن يملك ملكه بسبب آخر.

هذا إذا لم يكن هناك ربح أو كان وقلنا: إنّ العامل إنّما يملك نصيبه منه بالإنضاض لا بالظهور. ولو قلنا: إنّه يملكه بالظهور صار شريكاً في الشقص لصاحب المال، سواء فسخ المضاربة أم لا.

وليس لصاحب المال أن يأخذ نصيب العامل من الربح بالشفعة أيضاً؛ لأن العامل لم يملكه بالشراء الذي هو شرط ثبوت الشفعة، وإنّما ملكه بظهوره، سواء قارن الشراء أم تأخر، وذلك ليس من أسباب استحقاق الشفعة عند الأصحاب، حيث خصوا موردها بالبيع وليس لصاحب المال قطع تسلّط العامل على الحصة بالفسخ ورده(1) إلى الأجرة، كما قاله ،بعضهم، بل يستقر ملكه عليها إن لم يتجدّد ما يبطله كخسارة المال؛ لأصالة بقاء ملكه عليه إلا بوجه ناقل شرعاً، وهو منتف هنا.

إذا تقرّر ذلك، فحيث لا يظهر ربح إن لم يفسخ صاحب المال المضاربة بقيت بحالها، ولا أجرة للعامل. بل له ما شرط من الربح. ولا يلزم من ملك صاحب المال له الفسخ ؛ لأن جميع مال القراض مملوك له وإن لم يكن في شركته.

وإن فسخ القراض في ذلك الشقص فللعامل حينئذ الأجرة عن عمله فيه، كما لو فسخ جميع القراض.

وحينئذٍ فإطلاق المصنّف مطالبة العامل بالأجرة مع عدم ظهور الربح، وجعله مترتباً على ملك صاحب المال غير جيد، بل هو محمول على ما لو فسخ في القراض.

ص: 48


1- في «ع»: «بالفسخ و رضى ردّه». وفي «م»: «ورضی برده».

*فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء

اشارة

وهي عشرة:

الأوّل:* لو كان الشفعاء أربعة فباع أحدهم

وعفا آخر فللآخرين أخذ المبيع.

ولو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما؛ لأنّ الشفعة لإزالة الضرر، وبأخذ البعض يتأكد.

--------------

ولعله يظهر من قرينة المقام والكلام حيث حكم بكونه شفيعه، ومعناه إرادته أخذه فجعل وجهه أصل الملك لا الشفعة.

وقد أحسن في الدروس في تأدية الحكم بقوله:

وليس للمالك أخذ ما اشتراه العامل بالشفعة، بل له فسخ المضاربة فيه، فإن كان فيه ربح ملك العامل نصيبه، وإلا فله الأجرة .

ومنها يظهر خلاف ما قيل: من أنّ للمالك الفسخ وإن ظهر ربح، وأعطاه المالك الأجرة(1).

واعلم أنه لا خصوصيّة في ذلك لكون الشقص مشفوعاً، بل الحكم ثابت في جميع أقسام المضاربة حيث يريد المالك الاختصاص بشيء من أعيان مالها، وإنّما فرضه في الشقص المشفوع لدفع توهم أن له أخذه بالشفعة. نعم، لو اشترى العامل شقصاً في شركة نفسه جاز له أخذه بالشفعة حيث جوّزنا للوكيل أن يأخذ بها.

قوله: «فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء».

قد جرت عادة الأصحاب أن يفرّعوا على القول بثبوتها مع الكثرة وإن لم يقولوا به لما يترتب على فروعه من الفوائد المهمة وتشحيذ الأذهان بها؛ لأنّها من الفروع الدقيقة والمباحث الشريفة، وقد ينفع على القول باشتراط وحدته على تقدير موت الشفيع قبل الأخذ وتوريثها جماعة. وهي كثيرة لا تتناهى، وقد اختار المصنّف منها عشرة.

قوله: «لو كان الشفعاء أربعة فباع أحدهم وعفا آخر» إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وكثير منهم لم يذكر غيره. ووجهه ما أشار إليه من من أنّ

ص: 49


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 320 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

* ولو كان الشفعاء غيّباً فالشفعة لهم. فإذا حضر واحد وطالب فإما أن يأخذ الجميع أو يترك؛ لأنه لا شفيع الآن غيره. ولو حضر آخر أخذ من الآخر النصف أو ترك. فإن حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك. وإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك.

--------------

تبعض الصفقة يوجب الضرر على المشتري، والشفعة إنّما شُرّعت لإزالة الضرر، فلا تكون سبباً فيه .

وفي المسألة وجه آخر بأن العفو يسقط حق العافي، وليس لصاحبه إلا أن يأخذ قسطه؛ لأنه حق مالى قابل للانقسام. ولأنّ العفو يقتضي استقرار المعفو عنه على ملك المشتري كما لو عفوا جميعاً، وليس للمشتري أن يلزم الآخر أخذ الجميع.

ووجه ثالث بأنه لا يسقط حق واحد منهما ؛ لأنّ الشفعة لا تتبعض، فيغلب جانب الثبوت.

وهذا البحث يأتي مع اتحاد الشريك إذا مات وترك جماعة.

ويزيد هنا احتمال رابع ببطلان حقهم مع عفو البعض، بناءً على أنهم يأخذون الشفعة للمورث ثمّ يتلقون منه، فيكون عفو بعضهم بمثابة عفو المورّث عن بعض حقه .

ولو قلنا بأنّهم يأخذون لأنفسهم فهم كالشركاء المتعدّدين. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى(1).

قوله: «ولو كان الشفعاء غيّباً فالشفعة لهم. فإذا حضر واحد وطالب فإما أن يأخذ الجميع أو يترك» إلى آخره.

إنّما لم يكن لمن يحضر الاقتصار على حصته؛ لأنه ربما لا يأخذ الغائبان فتتفرّق الصفقة على المشتري. وهو المراد بقوله « لأنه لا شفيع الآن غيره»، وإن كان لا يخلو من حزازة؛ لأنّ الغائب أيضاً شفيع كما فرضه في أول المسألة.

ص: 50


1- يأتي في ص 92

--------------

وما ذكر من التعليل يتمّ بالنسبة إلى الأوّل، أمّا مَنْ بعده فاقتصاره على نصيبه لا يضر بالمشتري؛ لأن الشقص قد أخذ منه تاماً على التقديرين، بخلاف اقتصار الأول على حصته، فإنّها تفرّق الصفقة على المشتري.

فيحتمل على هذا تخيّر الثاني بين أن يأخذ النصف أو الثلث. فإذا قدم الثالث ووجدهما قد تساويا في الأخذ أخذ الثلث منهما على السوية. وإن وجد الثاني قد اقتصر على الثلث تخيّر بين أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده وهو تمام حقه، ولا يتعرّض للثاني، وبين أن يأخذ من الثانى ثلث ما في يده لأنه يقول: ما من جزء إلا ولى منه ثلثه، فإن ترك الثاني حقه حيث لم يشاطر(1) الأول فلا يلزمني أن أترك حقى.

ثمّ له أن يقول للأوّل: ضمّ ما معك إلى ما أخذته لنقسّمه نصفين؛ لأنا متساويان في الحق.

وعلى هذا، فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر ؛ لأنا نحتاج إلى عدد له ثلث ولثلثه ثلث، وأقله تسعة، يحصل منها ثلاثة في يد الثاني، وستة في يد الأول. ثم ينزع الثالث من يد الثاني واحداً، ويضمّه إلى الستة التي في يد الأوّل يكون سبعة، فيقتسمانها بينهما.

وهي لا تنقسم على اثنين فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر للثاني منها أربعة مضروب الاثنين اللذين بقيا له في اثنين يبقى أربعة عشر لكلّ واحد من الأول والثالث منها سبعة. وإذا كان ربع الدار ثمانية عشر كانت جملتها اثنين وسبعين.

ويحتمل هنا أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئاً، بل يأخذ نصف ما في يد الأول، فيقسّم المشفوع أثلاثاً، بناءً على أنّ فعل الثاني لا يعدّ عفواً عن السدس، بل اقتصاراً على حقه. وإلا لاتجه بطلان حقه؛ لأنّ العفو عن البعض عفو عن الكلّ على قول، وإنّما أخذ كمال حقه مع أنه قد قال بعضهم بسقوط حقه(2)؛ لكونه قد عفا عن بعضه.

ص: 51


1- كذا في «ع ، و». وفي سائر النسخ والطبعة الحجرية: «لم يشارط» بدل «لم يشاطر ».
2- الحاوي الكبير، ج 7، ص 260 - 261: روضة الطالبين، ج 4، ص 184: المجموع شرح المهذب، ج 14، ص 325.
الثاني:* لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة

وكان للغيب أخذ الجميع.

وكذا لو امتنع ثلاثة أو عفوا كانت الشفعة بأجمعها للرابع إن شاء.

الثالث:* إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم

ثم حضر الآخر فطالب فسخ القسمة وشارك الأوّل.

وكذا لو ردّه الشفيع الأوّل بعيب ثمّ حضر الآخر كان له الأخذ؛ لأن الرد كالعفو.

الرابع: * لو استغلها الأوّل ثمّ حضر الثاني

شاركه في الشقص دون الغلّة.

--------------

قوله: «لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة» إلى آخره.

قد تقدم أنّ فيه وجهاً بسقوط حق العافى من نصيبه(1)، ويأخذ الآخر حصته خاصةً. وما ذكره المصنّف هو الأشهر.

قوله: «إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم» إلى آخره.

إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة فله مقاسمة وكلاء الغائبين؛ لأن الحق الآن مختص به. فإذا قدم الغائب، فإن عفا استقرّت القسمة وإن أخذ فله فسخ القسمة والمشاركة؛ لأنّ حقه شائع في المأخوذ وفي باقي السهام.

ولو أخذ الأوّل الجميع، ثمّ ردّ الشقص بعيب، ثم حضر الآخر فالوجه أن له أخذ الجميع؛ لأنّ الردّ بالعيب أبطل الأخذ من أصله، فكان كما لو عفا عن حقه.

ويحتمل اختصاص أخذ الثاني بحصته، بناءً على أن أخذ الأوّل أسقط حق الثاني ممّا زاد على حصته، وردّه بالعيب أحدث ملكاً جديداً للمشتري بعد أن خرج عنه، فلا يكون كالعفو، بل كعوده إلى المشتري ببيع وهبة.

وهو ضعيف؛ لأنّ الرد أوجب فسخ الأخذ ولم ينشئ سبباً جديداً للملك، فلا يساوي عوده بالعقد.

قوله: «لو استغلها الأوّل ثم حضر الثاني شاركه في الشقص دون الغلّة».

ص: 52


1- تقدّم في ص 50
الخامس: * لو قال الحاضر: لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته

لأنّ التأخير لغرض لا يتضمن الترك. وفيه تردّد.

--------------

المراد باستغلاله لها ظهور الثمرة بعد أخذه وقبل أخذ الثاني على وجه لا تصير تابعة للأصل شرعاً، سواء أخذ غلتها أم لا.

وإنّما لم يشاركه الثاني في الغلة ؛ لأنّ ملكه لم يتحقق إلا بأخذه ، فقبله كان الملك منحصراً في الأوّل، كما أنّ الأوّل لم يملك ما حصل من غلّة الشقص بعد الشراء وقبل أخذه.

وكذا القول في الثالث بالنسبة إلى الأولين؛ ولأن السابق ليس آخذاً بالنيابة عمّن بعده؛ إذ لا وكالة له منه، ولا حكم له عليه. نعم، لو كان وكيلاً فأخذ بحق الوكالة له فلا إشكال في تحقق المشاركة.

وللشافعية وجه بمشاركة الثاني للسابق في الغلة(1). وضعفه ظاهر.

قوله: «لو قال الحاضر : لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته» إلى آخره.

إذا قال أحد الغائبين بعد حضوره أو الحاضر ابتداء: لا أخذ حتى يحضر الشريك الغائب؛ لأسلم من إعطاء جميع الثمن على تقدير المشاركة فإن قلنا: إنّ الشفعة ليست على الفور فلا إشكال في الجواز وإن قلنا: إنّها على الفور ففيه وجهان:

أحدهما لا؛ لتمكنه من الأخذ فكان مقصراً في الأخذ.

والثاني: أنه يجاب إلى ذلك؛ لظهور عذره بتزلزل ملكه، وبذل كل الثمن في مقابلة ما لا يبقى ببقائه.

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ذلك. ومنشأ تردّده مما ذكر، ومن الشكّ في كون مثل ذلك عذراً، فإنّ ضرره لا يدفع بضرر المشتري، والشفعة مبنية على القهر، فينبغي أن يقتصر فيها على موضع اليقين والأقوى الجواز. وهو خيرة الدروس(2).

ص: 53


1- لم نعثر عليه.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
السادس:* لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه

ودفع إليه النصف مما دفع إلى البائع، ثم خرج الشقص مستحقاً كان دركه على المشتري دون الشفيع الأوّل؛ لأنه كالنائب عنه في الأخذ.

السابع: * لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه

استحق الشفعة الثالث دون المشتري؛ لأنه لا يستحق شيئاً على نفسه. وقيل: يكون بينهما، ولعله أقرب.

--------------

قوله: «لو أخذ الحاضر ودفع الثمن ثم حضر الغائب» إلى آخره.

إذا خرج الشقص مستحقاً بعد أخذ الشفعاء مترتبين، فالمشهور أن عهدة الجميع على المشتري؛ لاستحقاقهم الشفعة عليه، فأخذ بعضهم قبل بعض لا يغيّر هذا الحكم؛ لبقاء الاستحقاق، فكان الآخذ أولاً كالنائب عن المتأخر، لاستواء(1) الجميع في الاستحقاق.

ويشكل بأنّ أخذ الثاني ليس مبنياً على أخذ الأول. بل يفتقر إلى أخذ جديد، وصيغة خاصة كالأول. وملك الأول للجميع لا يرتفع من أصله بأخذ من بعده، بل من حين الأخذ، ومن ثمَّ كان مجموع النماء المنفصل له. فكونه كالنائب في محلّ المنع، وخصوصاً عهدة الثمن، فإنّ المشتري لم يتسلّم من غير الأول شيئاً، وإنما الأوّل أخذ من الثاني نصفه، والثالث دفعه إلى الأوّلين، أو إلى الأوّل خاصةً على الاحتمال السابق فرجوعه به على المشتري غير جيد.

وبعضهم خص الحكم بغير الثمن - كالأُجرة - وبالنقص، أما الثمن فكلّ منهم يسترد ما سلّمه ممّن سلّمه إليه بغير إشكال(2)، وهذا حسن .

قوله: «لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه» إلى آخره.

القولان للشيخ في الخلاف(3) ، والثاني قوله في المبسوط (4).

ووجه الأوّل واضح؛ لأن الشفعة للإنسان على نفسه غير معقولة؛ لامتناع أن يستحق

ص: 54


1- في :«م»: «لاشتراك» بدل «لاستواء».
2- روضة الطالبين، ج 4، ص 185 - 186.
3- الخلاف، ج 3، ص 447 - 448، المسألة 26، وص 452. المسألة 35
4- المبسوط، ج 2، ص 553 و 569

--------------

الإنسان تملك ملكه بها.

ووجه الثاني اشتراكهما في العلة الموجبة للاستحقاق. ولا يمنع أن يستحق تملك الشقص بسببين: البيع والشفعة؛ لأنّ علل الشرع وأسبابه معرفات ، فلا يمتنع أن يجتمع اثنان منها على معلول واحد ؛ ولأنّ للشفعة أثراً آخر غير استحقاق الملك، وهو منع الشريك الآخر من تملك مقدار مشفوعه بالشفعة، وهذا الأثر لا مانع منه.

ومن ثَمَّ قرب المصنّف هذا، وكذا(1) العلّامة في المختلف تفريعاً على القول بثبوتها مع الكثرة (2).

وفيه قوة، وإن كان لا يخلو من نظر؛ لأنّ سبب الاستحقاق بالشفعة مترتب على سببه بالشراء ومتفرع عليه، فليسا معلولي علة واحدة حتى يقال: إنّه لا يمتنع تملك الشقص بسببين وإنّ علل الشرع لا يمتنع اجتماعها، بل إنّما مَلَكه أوّلاً بسبب الشراء، وبعد الشراء استحقه بالشفعة، فيعود المحذور من كونه يستحق تملك ملكه. ثمّ على تقدير اجتماع العلتين بعد الشراء فأثرهما مختلف؛ لأنّ الشراء علة في نقل الملك إليه من غيره والاستحقاق بالشفعة أثره قرار ملكه عليه فأحدهما غير الآخر وجوداً وأثراً.

وقوله «إنّ للشفعة أثراً آخر غير استحقاق الملك، وهو منع الشريك فيه: أن استحقاق الملك ومنع الشريك من تملكه معلولا علّة واحدة، وهو استحقاق الشفعة، فيمتنع تخلف أحدهما عن الآخر، وقد امتنع أحدهما من جهة استلزامه المحال، فينبغي أن يمتنع الآخر.

ويتفرّع على القولين أنّ الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع، أو يأخذ الجميع على الأوّل، وعلى الثاني هو بالخيار بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك. فإن قال المشتري خذ الكلّ أو اترك الكلّ وقد تركت أنا حقى لم يلزمه الإجابة، ولم يصح إسقاط المشتري الشفعة،لأن ملكه مستقرّ على النصف بالشراء، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان حاضر وغائب.

ص: 55


1- في «ع»: «كذلك» بدل «كذا».
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 377، المسألة 348
الثامن:لوتعدّد کل من البائع والمشتری

الثامن:* لو باع اثنان من ثلاثة صفقة فللشفيع أخذ الجميع، وأن يأخذ من اثنين ومن واحد؛ لأنّ هذه الصفقة بمنزلة عقود د متعدّدة.

ولو كان البائع واحداً من اثنين كان له أن يأخذ منهما ومن أحدهما.

ولو باع اثنان من اثنين كان ذلك بمنزلة عقود أربعة، فللشفيع أن يأخذ الكلّ، وأن يعفو، وأن يأخذ الربع، أو النصف، أو ثلاثة الأرباع.

--------------

فأخذ الحاضر الجميع ثم عاد الغائب، فإنّ له أن يأخذ نصفه، وليس للحاضر أن يقول: اترك الكلّ ، أو خذ الكلّ وأنا تركت حقي ولا نظر إلى تبعض الصفقة عليه، فإنّه لزم من دخوله في هذا العقد.

قوله: «لو باع اثنان من ثلاثة صفقةً فللشفيع أخذ الجميع» إلى آخره.

الأصل في هذه المسألة أنه ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشتري على ما مرّ في أثناء تلك الفروع. وأشار بما ذكر إلى أن تعدد كلّ من البائع والمشتري يوجب تعدد الصفقة، فللشفيع أن يأخذ نصيب واحد دون الآخر.

فإذا كان الشركاء ثلاثة مثلاً، فباع اثنان منهم نصيبهما من ثلاثة في عقد واحد، فالصفقة وإن كانت بحسب الصورة متحدة إلا أنها بحسب الحقيقة متعدّدة؛ لتعدّد كل من البائع والمشتري فللشفيع - وهو الثالث - أن يأخذ من كل واحد من الثلاثة، وأن يأخذ من اثنين خاصةً ويعفو عن الآخر وأن يأخذ نصيب واحد خاصةً؛ لأنّه لا يفرّق على واحد ملكه. ولو باع أحد الشركاء من اثنين أو أكثر، فالصفقة متعددة أيضاً بتعدد المشتري وإن اتحد البائع، فللشريك الأخذ من الجميع والبعض(1) .

وكذا لو انعكس، بأن باع اثنان من شركاء الدار شقصاً من واحد، فللثالث أن يأخذ من المشتري الجميع وحصة أحد البائعين خاصةً؛ لأنّ تعدّد البائع يوجب تعدد العقد كتعدد المشتري، فصار كما لو ملكه بعقدين.

ص: 56


1- في حاشية «خ. ، ع . م . و»: «لبعض العامة هنا وجه باتحاد الصفقة، من حيث إن المشتري ملك الكل بصفقة واحدة، وهو محتمل ولكن لم يذكره الأصحاب هنا. وفي البيع ذكروا ما يناسبه. (منه رحمه الله)».

* وليس لبعضهم مع الشفيع شفعة؛ لانتقال الملك إليهم دفعةً، فيتساوى الآخذ والمأخوذ منه.

*ولو باع الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة فله أن يأخذ الكلّ، وأن يعفو، وأن يأخذ من البعض. فإن أخذ من الأوّل لم يشاركه الثاني والثالث.

وكذا لو أخذ من الأول والثانى لم يشاركه الثالث.

ولو عفا عن الأوّل وأخذ من الثاني شاركه الأول.

وكذا لو أخذ من الثالث شاركه الأول والثاني؛ لاستقرار ملكهما بالعفو.

--------------

والمصنف (رحمه الله) لم يصرح بهذا القسم، ولكن أشار إليه بقوله في المثال الأخير كان ذلك بمنزلة عقود أربعة.

ولو باع اثنان من شركاء الدار نصيبهما بعقد واحد من رجلين فالصفقة نازلة منزلة أربعة عقود، بناءً على أن تعدّد البائع كتعدد المشتري فللشفيع الخيار بين أن يأخذ الجميع، وبين أن يأخذ ثلاثة أرباع المبيع، وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر، وبين أن يأخذ نصفه، إما بأخذ نصيب أحدهما وترك الآخر، أو بأخذ نصف نصيب كلّ واحد منهما، وبين أن يأخذ ربعه بأخذ نصف نصيب أحدهما لا غير.

ومن هذا يظهر أنّ المصنف يرى تعدد الصفقة بتعدد البائع أيضاً وإن اتحد المشتري.

قوله: «وليس لبعضهم مع الشفيع شفعة» إلى آخره.

لأنّ شرط ثبوت الشفعة لأحد الشريكين على الآخر تقدّم ملك المستحق على ملك المستحق عليه، وهو منتف هنا في المشتريين بعقد واحد.

قوله: «ولو باع الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة فله أن يأخذ الكلّ» إلى آخره.

وجه استحقاقه الأخذ من الجميع ومن البعض تعدد الصفقة، وكونه شريكاً عند كلّ بيع.

فإن أخذ من الأوّل خاصةً لم يشاركه الثاني والثالث؛ لأنهما لم يكونا شريكين في وقت شراء الأوّل، فلا شفعة لهما.

وإن أخذ من الأول والثاني لم يشاركه الثالث؛ لأنّه لم يكن شريكاً عند شرائهما.

ص: 57

--------------

وإن أخذ من الثاني وعفا عن الأوّل شاركه؛ لاستقرار ملكه بالعفو، وكونه شريكاً عند شراء الثاني، فيستحق الشفعة.

وإن عفا عن الأوّل وأخذ من الثالث شاركاه؛ لكونهما شريكين حال شرائه، وقد استقر ملكهما قبل الأخذ.

والمسألة على تقدير الأخذ من الثاني خاصة من أربعة وعشرين؛ لانكسار السدس في مخرج الربع إن قسمنا الشفعة على السهام؛ لأن نصيب الثاني يقسم بين الشفيع والأوّل أرباعاً للأول ربعه؛ لأنّ سهمه سدس، وللشفيع ثلاثة أرباعه؛ لأنّ بيده نصف هو ثلاثة أسداس. فتضرب أربعة مخرج الكسر في أصل الفريضة وهو ستة. وعلى القول بقسمتها

على الرؤوس من اثني عشر؛ لانكسار السدس في مخرج النصف.

وعلى تقدير أخذه من الثالث فالفريضة من ثلاثين؛ لأنّ سدس الثالث ينقسم أخماساً. للشفيع ثلاثة أخماسه، ولكلّ واحد من الأولين خمسه إن قسمناها على السهام. وإن قسمناها على الرؤوس فمن ثمانية عشر؛ لأنّه يقسم أثلاثاً، فتضرب خمسة في أصل الفريضة في الأوّل، وثلاثة فيها في الثاني.

وإن أخذ من الجميع لم يشاركه أحد منهم، سواء أخذ الجميع دفعة أم على الترتيب، حيث لا ينافي الفورية، أو لم نعتبرها؛ لخروجهم عن كونهم شركاء قبل أن يستحقوا الأخذ.

هذا هو الذي اختاره المصنف (رحمه الله) في حكم المسألة.

وفيها وجهان آخران:

أحدهما: عدم مشاركة السابق في شفعة اللاحق وإن عفا عنه؛ لأن ملكه حال شراء الثاني وإن كان حاصلاً قبل شراء اللاحق ومستقراً عند الأخذ إلا أن ملكه حال شراء اللاحق كان مستحقاً لأن يؤخذ بالشفعة، فلا يكون سبباً في استحقاقه إياها.

ويضعف بأن ذلك لا يخرجه عن كونه مالكاً وشريكاً، ومدار ثبوت الشفعة على الشركة حال الشراء لا على استقرار الملك، كما لو كان ملك الشريك مشتملا على خياره لغيره ،

ص: 58

--------------

فإنّه لا يمنع من استحقاقه الشفعة على غيره قبل أن يفسخ ذو الخيار.

والثاني: أنه على تقدير الأخذ من الجميع، يشارك الأول الشفيع في شفعة الثاني ويشاركه الأول والثاني في شفعة الثالث، وإن زال ملكهما قبل أخذهما؛ لأنّه كان ملكاً صحيحاً للأوّل حال شراء الثاني، ولهما حال شراء الثالث، فيستحق به وإن زال، ولهذا يستحق لو عفا عنه، وكذا إذا لم يعف؛ لأنه استحق الشفعة بالملك لا بالعفو، ومثله ما لو باع الشفيع حصته قبل علمه بالشفعة.

وهذا الاحتمال يتجه على القول بأن زوال ملك الشفيع لا يبطل حقه من الشفعة كما يقوله الشيخ (1)، وأما على القول به كما يختاره المصنف(2)- فلا؛ لأنّ الملك أحد جزئي السبب، وتمامه بقاء الملك إلى حين الأخذ، فإذا زال بطل حكم السبب.

وأما ما قيل في جوابه بأن الاستحقاق وإن كان بالملك إلا أن العفو عنه وعدم أخذ الشقص من يده بالشفعة قرّره وأكد سببه، وعدم العفو والأخذ أزال سببه، فلا يستويان.

فمرجعه إلى أن بقاء الملك شرط في تمام السببية في الشفعة، وهو أحد القولين في المسألة، والقائل بذلك الاحتمال لم يبنه (3) عليه ، وإنّما بناه على القول المقابل له، ومن ثمَّ شبهه بما لو باع الشفيع حصته قبل علمه بالشفعة، فانتقض عليه بالقول الآخر في أوّل المسألة، وإنّما ينبغي النزاع في الأصل المبني عليه وتحقيق أمره، وسيأتي إن شاء الله تعالى(4).

إذا تقرر ذلك، فعلى هذا الاحتمال لو كان للشفيع نصف العقار المشفوع، ولشريكه الآخر الذي باع من الثلاثة نصفه فباع من كل واحد منهم سدساً، وقلنا بأن الشفعة منقسمة على

ص: 59


1- المبسوط، ج 2، ص 575
2- راجع ص 93
3- في «ع ، م»: «لم ينبه» بدل «لم يبنه».
4- .4. يأتي في ص 93 - 94.

--------------

حسب السهام، فللشفيع تمام نصيب الأول وهو السدس، وثلاثة أرباع نصيب الثاني، وللأوّل ربعه لأنّ بيد الشفيع نصف بالأصل، وهو ثلاثة أسداس، وشريكه في نصيب الثاني هو الأول وبيده سدس، فترجع سهامهما إلى أربعة بيد الأوّل منها ثلاثة والثاني واحد، فإذا وزّع الشقص المشفوع على السهام كان قسط الشفيع ثلاثة أرباعه، والأوّل ربعه.

وكذا للشفيع ثلاثة أخماس سهم الثالث؛ لأن له فيه شريكين الأول والثاني، وبيد كل واحد منهما سهم، وبيده ثلاثة فالقسمة أخماساً فنصيبه بالتوزيع ثلاثة أخماس، وللأول ربع سهم الثاني وخمس سهم الثالث وللثاني خمس سهم الثالث.

فتصح المسألة من مائة وعشرين؛ لأنّ أصل الفريضة ستة، وقد انكسر السدس تارةً في مخرج الربع وأخرى في مخرج الخمس، وهما متباينان، فتضرب أحد المخرجين في الآخر، ثمّ المرتفع - وهو عشرون - في أصل الفريضة تبلغ مائة وعشرين، للشفيع منها ستون بالشركة، وعشرون سدس الأول، وخمسة عشر ثلاثة أرباع سدس الثاني، واثنا عشر ثلاثة أخماس سدس الثالث، وذلك مائة وسبعة. وللأول خمسة من الثاني، وأربعة من الثالث. وللثاني أربعة من الثالث، وذلك تمام الفريضة.

وعلى القول بأنّ الشفعة على عدد الرؤوس تصح من ستة وثلاثين؛ لأنّ للشفيع سدس الأوّل ونصف سدس الثاني وثلث سدس الثالث وللأوّل نصف سدس الثاني وثلث سدس الثالث، وللثاني ثلث سدس الثالث، فينكسر السدس تارة في مخرج النصف وأُخرى في مخرج الثلث، وهما متباينان، فتضرب اثنين في ثلاثة، ثمّ المرتفع وهو ستة في أصل الفريضة تبلغ ستة وثلاثين للشفيع منها ثمانية عشر بالشركة، وستة نصيب الأوّل، وثلاثة من نصيب الثاني، واثنان من نصيب الثالث وللأوّل ثلاثة واثنان، وللثاني اثنان فللشفيع تسعة وعشرون والباقي كما ذكر.

واعلم أنا متى قلنا بمشاركة الأول والثاني أو أحدهما للشفيع في فرض من الفروض

ص: 60

التاسع: * لو باع أحد الحاضرين ولهما شريكان غائبان

فالحاضر هو الشفيع في الحال؛ إذ ليس غيره. فإذا أخذ وقدم أحد الغائبين شارك فيما أخذ الحاضر بالسوية . ولو قدم الآخر شاركهما فيما أخذا ، فيكون له ثلث ما حصل لكلّ

واحد منهما.

--------------

فبناء الحكم على القول بثبوتها مع كثرة الشفعاء واضح. وإن قلنا بعدم مشاركتهما له كما لو أخذ من الجميع، أو من الأوّل خاصةً، أو منه ومن الثاني قيل: صح أخذه وإن قلنا باشتراط اتحاد الشريك؛ لأنّ الشريك المستحق للشفعة متحد.

وقيل: يختص ذلك بما لو أخذ من الجميع.

ويشكل القولان بأن النصوص مطلقة فى أنّ الشركاء متى كانوا ثلاثةً فليس لواحد منهم شفعة، الشامل لما إذا كان كلّ واحد من الشركاء مستحقاً للشفعة وعدمه، وهو متحقق هنا قبل الأخذ بالشفعة؛ إذ لا شبهة في كون كلّ من المشتريين من الشريك شريكاً وإن لم يكن ملكه مستقراً، فإنّ ذلك ليس بشرط على ما حققناه سابقاً (1).

والبحث آتٍ أيضاً فيما لو باع الشريك من اثنين أو أزيد دفعةً، فإن اعتبرنا في الشريك المانع كونه مستحقاً للشفعة فالشفيع واحد وهو الشريك القديم، سواء أخذ من الجميع أم من البعض؛ إذ لا يستحق بعضهم على بعض شفعةً ؛ لاستوائهم في الملك. وإن اكتفينا في المنع بمطلق الشريك فلا شفعة هنا لأحد أيضاً، أما للحادثين فللاقتران، وأما للقديم فلتكتّر الشركاء قبل الأخذ.

قوله: «لو باع أحد الحاضرين ولهما شريكان غائبان» إلى آخره.

البحث في هذه المسألة كما ذكر في المسألة الأولى على تقدير غيبة الجميع ثم حضور أحدهم ؛ إذ لا يفترق الحال بين حضوره ابتداء أو بعد البيع، فما ذكرناه تَمَّ كلّه آت هنا.

ص: 61


1- سبق في ص 58 وما بعدها.
العاشر : * لو كانت الدار بين أخوين فمات أحدهما وورثه ابنان، فباع أحد الوارثين

كانت الشفعة بين العمّ وابن الأخ لتساويهما في الاستحقاق .

وكذا لو كان وارث الميت جماعة.

المقصد الثالث في كيفية الأخذ

اشارة

*ويستحق الشفيع الأخذ بالعقد وانقضاء الخيار؛ لأنه وقت اللزوم. وقيل: بنفس العقد وإن لم ينقض الخيار، بناءً على أن الانتقال يحصل بالعقد. وهو أشبه.

أما لو كان الخيار للمشترى خاصةً، فإنّه يستحق بنفس العقد؛ لتحقق الانتقال.

--------------

قوله: «لو كانت الدار بين أخوين فمات أحدهما وورثه ابنان» إلى آخره.

وجه اشتراك العمّ وابن أخيه ظاهر؛ لكونهما شريكين وإن اختلف سبب الملك؛ إذ لا مدخل له في استحقاق الشفعة.

ونبه بذلك على خلاف بعض العامة (1)حيث ذهب إلى اختصاص ابن الأخ بالشفعة(2)؛ استناداً إلى أن ملكه أقرب إلى ملك الأخ لأنهما ملكا بسبب واحد، ولهذا لو ظهر دَيْنُ على أبيهما يباع فيه ملكهما دون ملك العم. وإذا كان أقرب ملكاً كان أحق بالشفعة، كالشريك مع الجار. ورد بأنّ النظر إلى ملك المشتري لا إلى سببه؛ لأنّ الضرر المحوج إلى إثبات الشفعة لا يختلف.

وكذا الحكم لو ورث الميت جماعة؛ إذ لا فرق على التقديرين بين الواحد والجماعة.

قوله: «ويستحق الشفيع الأخذ بالعقد وانقضاء الخيار» إلى آخره.

إذا اشتمل بيع المشفوع على خيار، فإن كان للمشتري فلا خلاف في استحقاق الشفيع

ص: 62


1- في حاشية «خ»: «بخطه: هو مالك والشافعي في القول القديم».
2- الحاوي الكبير، ج 7، ص 255 حلية العلماء، ص 299 - 300؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5. ص 524. المسألة 4072؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 183؛ المجموع شرح المهذب، ج 14، ص 326 - 327.

--------------

الشفعة بنفس العقد؛ لأنّ انتقال الملك عن البائع يحصل به، ولا يتوقف على انقضاء الخيار، والشفعة مترتبة على صحة البيع وانتقال الملك إلى المشتري ليؤخذ منه ويكون الدرك عليه. وإن كان الخيار للبائع، أو لهما، أو للبائع مع أجنبي، فإن لم نقل بانتقال المبيع إلى المشتري فلا شفعة إلى أن ينقضي الخيار؛ ليتحقق الانتقال. وإن قلنا بانتقال الملك بالبيع كما هو أشهر القولين وأصحهما(1) - ثبتت الشفعة؛ لحصول المقتضي، وهو البيع الناقل للملك مع وجود الشريك، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا الخيار وهو غير صالح للمانعيّة؛ لأنّ التزلزل لم يثبت كونه مؤثراً.

لكن هل يسقط خيار البائع بالأخذ؟ قيل : نعم (2)؛ لانتقال الملك عن المشتري المانع من فسخ البائع؛ لأنه إنما يأخذه على تقدير الفسخ من المشتري والأصح العدم لأصالة البقاء فإن فسخ البائع أو ذو الخيار بطلت الشفعة، وإن لم يفسخ حتى خرجت المدة ثبتت.

وأما على تقدير كون الخيار للمشتري فظاهرهم سقوط خياره؛ لانتفاء الفائدة من فسخه، بخلاف فسخ البائع؛ لأنّ غرضه على تقدير الفسخ حصول الثمن، وقد حصل من الشفيع.

لكن قال في الدروس: ويلزم على قول الفاضل(3) - وعنی به كون أخذ الشفيع على تقدير خيار البائع مراعى - أن تكون المطالبة على تقدير كون الخيار للمشتري - مراعاة (4)، أيضاً.

واللزوم غير واضح للفرق بين الأمرين بما ذكرناه من حصول الفائدة للبائع لا للمشتري، إلا أن يقال بأنّ المشتري يتعلّق غرضه في الخيار بغير الثمن، كما إذا أراد

ص: 63


1- هو قول ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 386: والقول الصحيح للشيخ في المبسوط، ج 2، ص 550 - 551: والخلاف، ج 3، ص 445 المسألة 21؛ ولا بن الجنيد على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5. ص 360. المسألة 331
2- كما هو ظاهر السرائر، ج 2، ص 386
3- راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 360 - 361. المسألة 331 .
4- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 321 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

کیفیه اخذ الشفیع حق الشفعه

*وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يدع.

--------------

أن يدفع دركه عنه. ويمكن على هذا أن يراعى سقوط خياره باشتراط سقوط الدرك عنه، مع أنهم حكموا بأنّه ليس للمشتري الردّ بالعيب لو رضي الشفيع بالمعيب، مع أن فيه الدرك فليكن هنا كذلك.

واعلم أنّ التفصيل الذي نقلناه عن الشيخ بالفرق بين ما لو كان الخيار للبائع أو للمشتري ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط في باب الشفعة(1) ، وفرّق بما ذكره من انتقال المبيع إلى ملك المشتري على تقدير كون الخيار له، دون ما إذا كان للبائع أو لهما، وسيأتي نقله عنه كذلك في الكتاب (2)، مع أنّه قال في الخلاف في باب الخيار من البيع:

إنه إذا كان للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتّى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول(3).

وعلى هذا فينبغي التسوية في عدم ثبوت الشفعة عنده مع الخيار مطلقاً؛ لعدم انتقال الملك إلى المشتري حينئذ مطلقاً، وثبوت الشفعة متوقف على ملكه ليؤخذ منه، كما اعترف به هو وغيره (4) هنا.

لكنّه لما حكم بثبوت الشفعة هنا لو كان الخيار للمشتري، ورجع عن ذلك القول، ولم يقل غيره بذلك القول، لم يتحقق الخلاف في المسألة زيادة على التفصيل المذكور.

قوله: «وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يدع».

لأن حقه هو المجموع من حيث هو مجموع، ولما في تبعيض الصفقة من الإضرار بالمشتري، ولا يناسب بناء الأخذ الذي شُرّع لدفع الإضرار على الإضرار.

فعلى هذا لو قال أخذت نصف الشقص - مثلاً - بطلت شفعته بناءً على اعتبار الفورية؛

ص: 64


1- الخلاف، ج 3، ص 445 المسألة :21: المبسوط، ج 2، ص 550 - 551.
2- يأتي في ص 94.
3- الخلاف، ج 3، ص 22، المسألة 29
4- كابن البراج في المهذب، ج 1، ص 455.

*ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد وإن كانت قيمة الشقص أكثر أو أقل. ولا يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة أو وكالة، أو غير ذلك من المؤن.

* ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار لم تلحق الزيادة، بل كانت هبةً لا يجب على الشفيع دفعها.

ولو كانت الزيادة في زمان الخيار قال الشيخ: تلحق بالعقد؛ لأنّها بمنزلة ما يفعل في العقد. وهو يشكل على القول بانتقال الملك بالعقد.

وكذا لو حط البائع من الثمن لم يلحق بالعقد.

--------------

لأن المأخوذ لا يستحقه كما تقرّر، وأما الباقي ؛ فلأنه إن ظهر منه إسقاط حقه منه فظاهر وإلا فقد حصل التراخي بأخذه، فتبطل الشفعة في الجميع.

وفيه وجه ضعيف بالصحة في الجميع، بناءً على أنّ أخذ البعض يستلزم أخذ الجميع؛ لعدم صحة أخذه وحده.

وضعفه ظاهر؛ لمنع الاستلزام، وجواز تعلّق الغرض بالبعض خاصةً.

قوله: «ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد» إلى آخره.

المراد بأخذه بالثمن أخذه بمثله؛ لعدم إمكان الأخذ به نفسه غالباً، فإن كان مثليّاً لزمه مثله وإلا فقيمته، كما سيأتي(1).

ولا فرق بين كونه مساوياً لقيمة الشقص ومخالفاً بالزيادة والنقصان؛ لإطلاق النص(2).

ولا يلزمه غيره مما يغرمه المشتري بسببه من دلالة وأجرة ناقد ووزّان وغيرها؛ إذ ليست من الثمن وإن كانت من توابعه .

قوله: «ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار» إلى آخره.

إذا قلنا بانتقال المبيع إلى ملك المشتري بمجرد العقد فلا إشكال في كون الثمن هو

ص: 65


1- يأتي في ص 68 .
2- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 399 الباب 5 من أبواب كتاب الشفعة.

--------------

الواقع فيه، ولا عبرة بما يزاد وينقص بعده.

وأما الشيخ (رحمه الله فقد حكم بإلحاق الزيادة والنقيصة بالثمن في مدة الخيار محتجاً بأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي يستقر العقد(1) عليه ، وهذا هو الذي استقر عليه (العقد)(2) .

والجماعة بنوا مذهبه في ذلك على مذهبه السابق من عدم انتقال الملك إلى المشتري إلا بانقضاء الخيار(3) .

ولا يخلو من نظر؛ لأنه لو كان كذلك لخص الحكم بما إذا كان الخيار للبائع؛ لاعترافه بأنه إذا كان للمشتري وحده ينتقل إليه الملك، كما حكيناه عنه في هذا الباب(4) ،وإن كان قد عمّم الحكم في البيع(5). وتعليله إلحاق الزيادة والنقصان بما حكيناه عنه من أنّه الذي استقرّ عليه العقد لا يدلّ على حكم الانتقال، بل هو أعم منه.

ولو فرض بناؤه هذا على حكم مذهبه في البيع دون ما هنا لزاد الاضطراب، إلا أنه لا ضرورة إليه إلا على التقدير الذي فهموه عنه.

وفي قول المصنّف «وهو يشكل على القول «بالانتقال تنبيه على ما ذكرناه من أنّ بناءه ليس على عدم الانتقال، وإلا لما كان كلامه مشكلاً على تقدير الانتقال بل مردوداً.

وإنّما محصل كلام المصنف (رحمه الله) أن إطلاق الشيخ (رحمه الله) إلحاق الزيادة والنقيصة بالثمن في زمن الخيار لا يتم على تفصيله مطلقاً؛ لأنه يتمشى على تقدير كون الخيار للبائع؛ لعدم الانتقال، أما على تقدير كون الخيار للمشتري فيشكل على مذهبه من

ص: 66


1- المبسوط، ج 2، ص 532
2- ما بين القوسين لم يرد في بعض النسخ.
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 386؛ والعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 569 ، الرقم 6183؛ وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 200؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 321 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- راجع ص 64.
5- الخلاف ج 3، ص 22. المسألة 29.

*ولا يلزم المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد.

*ولو اشترى شقصاً وعرضاً في صفقة أخذ الشقص بحصته من الثمن.

--------------

انتقال الملك إلى المشتري فينبغي أن لا يلحق. وعلى القول بانتقال الملك في الحالتين لا يتم فيهما.

قوله :ولا يلزم المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد».

إنّما اعتبر هنا دفع الثمن أوّلاً ولم يعتبر ذلك في غيره من المعاوضات كالبيع بل اعتبر التسليم معاً؛ لأنّ هذه معاوضة قهرية، أخذ العوض فيها بغير رضى المشتري، فيجبر وَهْن قهره بتسليم الثمن إليه أوّلاً، بخلاف البيع، فإنّ مبناه على الاختيار، فلم يكن أحد من المتبايعين أولى بالبداءة من الآخر.

وهذه في الحقيقة علة مناسبة. لكن لا دلالة في النصوص عليها، وإثباتها بمجرد ذلك لا يخلو من إشكال. نعم، اعتبرها العامة في كتبهم (1)، وهي مناسبة على قواعدهم.

ولو قيل هنا بأنّ المعتبر التقابض معاً كالبيع كان وجهاً.

واعلم أنّ الملك للشفيع يحصل بالأخذ قبل دفع الثمن، كما أن الملك يحصل في البيع بالعقد، ووجوب التسليم حكم آخر بعده.

وهل الحكم هنا كذلك، بمعنى عدم توقف الملك على التقابض، أم لا يتم ملك الشفيع هنا بدون تسليم الثمن؟ ليس في عبارة المصنّف ما يدلّ على زيادة على الأول.

وذهب بعضهم إلى الثاني(2). وليس بذلك البعيد.

ثم على تقديره هل يكون دفع الثمن جزءاً من السبب المملك، أم كاشفاً عن حصول الملك بالأخذ القولي ؟ وجهان أجودهما الثاني. وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بينهما.

قوله: «ولو اشترى شقصاً وعرضاً في صفقة - إلى قوله - في ملك المشتري».

المراد أنه اشترى ما فيه الشفعة وما ليس فيه صفقة بأن اشترى سيفاً أو ثوباً مع شقص

ص: 67


1- حلية العلماء . ج 5 ص 305 روضة الطالبين، ج 4. ص 168.
2- راجع العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 504 وروضة الطالبين، ج 4، ص 168.

هل تثبت حق الشفعه لو کان الثمن قیمیا ام لا؟

ولا يثبت بذلك للمشتري خيار؛ لأنّ استحقاق الشفعة تجدد في ملك المشتري.

*ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليّاً، كالذهب والفضة. وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر قيل: تسقط لتعذر المثلية؛ ولرواية على بن رئاب عن أبي عبد الله(عليه السلام). وقيل : يأخذها بقيمة العرض وقت العقد. وهو أشبه.

--------------

من عقار مشفوع فإنّه تثبت الشفعة في المشفوع دون الآخر وإن تبعضت الصفقة على المشتري ؛ لوجود المقتضي للشفعة في الشقص دون الآخر، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا ضميمة غيره، وهو غير صالح للمانعيّة؛ للأصل.

ولا يثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة؛ لأنّ شرطه وجود سببه حالة العقد وهو منتف هنا؛ لأنّ تبعض الصفقة تجدّد بسبب الأخذ بالشفعة المتجدد في ملك المشتري، أو لدخول المشتري فيها عالماً بالحال. وحينئذ يوزّع(1) الثمن عليهما باعتبار قيمتهما، ويأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن، ويعتبر قيمتهما يوم البيع.

قوله: «ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليّاً» إلى آخره.

لا خلاف في ثبوت الشفعة على تقدير كون الثمن مثليّاً، ولأن الشفيع يأخذ الشقص بالثمن وخصوصيات الشخص غير مرادة غالباً، وإنّما المطلوب المثل؛ لمساواته لما دفعه المشتري في غالب الأوصاف والخواص.

واختلفوا فيما إذا كان الثمن قيمياً، فذهب جماعة(2) - منهم الشيخ في الخلاف مدعياً الإجماع،(3) والعلّامة فى المختلف (4)- إلى عدم ثبوت الشفعة حينئذ ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

ص: 68


1- في «ع»: «فيوزع» بدل «يوزّع».
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 258 : والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 6، ص 405.
3- الخلاف، ج 3، ص 432. المسألة 7.
4- مختلف الشيعة، ج 5، ص 358، المسألة 329

--------------

ولرواية عليّ بن رئاب عن الصادق(عليه السلام) في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبز وجوهر قال: «ليس لأحد فيها شفعة»(1).

وحسنة هارون بن حمزة الغنوي إلى أن قال: «فهو أحق بها من غيره بالثمن»(2).

وإنّما يتحقق ذلك في المثلي؛ لأنّ الحقيقة غير مرادة إجماعاً، فيحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة وهو المثل.

وذهب الأكثر - ومنهم الشيخ في غير الخلاف(3)والعلّامة في غير المختلف(4)- إلى ثبوتها فيه؛ لعموم الأدلّة الدالّة على ثبوت الشفعة (5)، ولأن القيمة بمنزلة العوض المدفوع ولضعف مستند المنع سنداً ودلالةً.

أما الأوّل ففي طريقه الحسن بن سماعة وهو واقفي(6)، والعجب من دعوى العلّامة في التحرير صحته(7) مع ذلك.

ودلالته على موضع النزاع ممنوعة؛ فإنّ نفي الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيميّاً أو غيره؛ إذ لم يذكر أنّ في الدار شريكاً، فجاز نفي الشفعة لذلك عن الجار وغيره، أو لكونها غير قابلة للقسمة، أو لغير ذلك.

وبالجملة فإنّ المانع من الشفعة غير مذكور وأسباب المنع كثيرة، فلا وجه لحمله على المتنازع أصلاً .

ص: 69


1- الفقيه، ج 3، ص 80. ح 3382؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167. ح 740.
2- الكافي، ج 5، ص 281 ، باب الشفعة، ح :5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 164، ح 728
3- المبسوط، ج 2، ص 532
4- تذكرة الفقهاء . ج 12، ص 257، المسألة 745: قواعد الأحكام، ج 2، ص 251؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 386.وفي الأخيرين على رأي
5- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 399 - 400 الباب 5 من كتاب الشفعة.
6- رجال النجاشي، ص 40 - 41 الرقم 84: خلاصة الأقوال، ص 333، الرقم 1315
7- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 573 الرقم 6184.

لو ترك الشفیع المطالبة لعذر

* وإذا علم بالشفعة فله المطالبة في الحال فإن أخر لعذر عن مباشرة الطلب وعن التوكيل فيه لم تبطل شفعته.

وكذا لو ترك لتوهمه كثرة الثمن فبانَ قليلاً، أو لتوهم الثمن ذهباً فبانَ فضةً، أو حيوانا فبانَ قماشاً.

وكذا لو كان محبوساً بحق هو عاجز عنه، وعجز عن الوكالة.

--------------

والعجب مع ذلك من دعوى أنها نص في الباب، مع أنها ليست من الظاهر فضلاً عن النص.

وأمّا الثاني فإنّه وإن كان من الحسن إلا أن الحقيقة فيه غير مرادة كما ذكر، وأقرب المجازات إلى الحقيقة بحسب الحقيقة، فإن كان مثليّاً فالأقرب إليه مثله، وإن كان قيميّاً فالأقرب إليه قيمته، وهذا واضح، أما اختصاصه بالمثلي فلا؛ إذ لو كان الثمن قيمياً فلا بد من اعتبار مجازه حيث لا يراد الحقيقة، وإلا لزم اختصاص الحكم بالحقيقة، فيرد مثله في المثلي؛ لأن المثل ليس بحقيقة.

إذا تقرر ذلك، فعلى القول الأصح من ثبوتها مع كون الثمن قيمياً، فالمعتبر قيمته وقت العقد؛ لأنه وقت استحقاق الثمن والعين متعذرة، فوجب الانتقال إلى القيمة.

وقيل: المعتبر وقت الأخذ (1)؛ لوجوبه حينئذ على الشفيع، فيعتبر قيمته وقت الوجوب حيث يتعذر العين.

وقيل: يعتبر الأعلى من وقت العقد إلى دون الأخذ(2)، كالغاصب. وهو أضعفها.

قوله: «وإذا علم بالشفعة فله المطالبة في الحال» إلى آخره.

لا كلام في أنّ الشفيع إذا علم بالشراء له المطالبة بالشفعة في الحال. إنّما الكلام في أنّ المبادرة مع الإمكان شرط في الاستحقاق فيبطل مع الإخلال بها أم لا؟ والمصنف لم يصرح هنا بذلك، بل اقتصر على أنّ له المطالبة في الحال، وعلى أن التأخير لعذر غير مبطل

ص: 70


1- قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 367: ولم نجد القائل به، ولعله قول مالك.
2- القائل به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 210.

--------------

للشفعة، وكلاهما لا إشكال فيه، ولكنّه سيصرح فيما يأتي باختيار الفورية(1)، ولو صرّح به هنا لكان أجود ، ولذلك تعيّن تأخير البحث عنه إلى ذلك الموضع.

وحيث تعتبر الفورية فلا يقدح فيها تأخيره لعذر يمنع المبادرة إليها مباشرة أو توكيلاً. وقد ذكر من الأعذار ما لو ترك لتوهمه كثرة الثمن لأمارة أوجبته، كإخبار مخبر ثم ظهر كذبه ونحو ذلك، لا بمجرد الاحتمال فإنّ الشفعة باقية إلى حين العلم بحقيقة الحال، فتصير فورية حينئذ على القول بها.

وإنما كان ذلك عذراً؛ لأنّ قلّة الثمن مقصودة في المعاوضة، فربما كان الترك مستنداً إلى الكثرة.

ومثله ما لو اعتقده ذهباً فبان فضةً، أو حيواناً فبان قماشاً، ونحو ذلك؛ لأنّ الغرض قد يتعلق بجنس دون آخر؛ لسهولة تحصيله عليه أو غيرها.

وكذا لو كان محبوساً بحق هو عاجز عن أدائه، بخلاف ما لو كان قادراً؛ لأن التأخير من قِبَله حينئذ ؛ إذ يجب عليه دفع الحق ليخلص من الحبس المانع من تعجيل المطالبة.

واحترز بالحق عما لو كان محبوساً بباطل، فإنّه عذر وإن قدر على أدائه، قليلاً كان أم كثيراً؛ إذ لا يجب عليه دفع ما ليس مستحقاً عليه.

لكن يشترط في هذين عجزه عن الوكالة ليكون الحبس عذراً، فإن قصر في الوكالة بطلت شفعته، كما أنّه لو وكل مع حبسه بحق هو قادر عليه فالشفعة بحالها؛ لقيام الوكيل مقامه، فلا تقصير .

وهل المعتبر في الحق كونه فى الظاهر، أو بحسب اعترافه؟ وجهان كما لو قامت عليه البينة بحق وهو منكر له - من ظهور الحق عليه شرعاً، ومن دعواه الظلم. وفي إلحاقه بالحق قوّة.

ص: 71


1- يأتي في ص 106.

* وتجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم

لكن على ما جرت العادة به غير متجاوز عادته في مشيه.

ولو كان متشاغلاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها، وجاز الصبر حتى يتمها. وكذا لو دخل عليه وقت الصلاة صبر حتى يتطهر ويصلّي متئداً.

--------------

ومن العذر ما لو سمع أن المشتري شخص فبانَ غيره، أو أنّ المشترى قدر فبانَ أزيد منه أو أنقص، ونحو ذلك؛ لاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً بيناً.

قوله :«وتجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم، لكن على ما جرت العادة به غير متجاوز عادته في مشيه» إلى آخره.

المراد بالطلب فى هذا ونظائره الأخذ بالشفعة قولاً أو فعلاً، والطلب كناية عنه، فإنّ حقيقة الطلب هنا منافية للفور المعتبر في الأخذ، ولا مدخل له فيه.

والمراد بالوجوب معناه اللغوي وهو الثبوت، بمعنى أن المبادرة إلى الطلب أمر ثابت. وفيه دلالة على اعتبار الفورية أزيد من السابقة، ومع ذلك ليست صريحةً في المطلوب؛ إذ لا يلزم من ثبوت المبادرة منافاة عدمها لها بحيث تبطل الشفعة بدونها، وإنّما الحوالة بهذا الحكم على ما سيأتي (1).

والمراد بالمبادرة الاشتغال بالأخذ ومقدماته حيث يتوقف عليها على الوجه المعتاد، لا المبادرة بكل وجه ممكن فيكفي مشيه إلى المشتري بالمعتاد وإن قدر على الزيادة، وانتظار الصبح لو علم ليلاً، والصلاة إذا حضر وقتها، ومقدماتها ومتعلقاتها الواجبة والمندوبة التي يعتادها، وانتظار الجماعة، وتحرّي الرفقة حيث يكون الطريق مخوفاً ليصحبهم هو أو وكيله، وزوال الحر والبرد المفرطين، ولبس الخف ونحوه، وغلق الباب، والخروج من الحمام بعد قضاء وطره فيه لو سمع بعد دخوله فيه والسلام على المشتري بعد وصوله إليه وتحيته بالمعتاد، ونحو ذلك.

ص: 72


1- يأتي في ص 106.

*ولو علم بالشفعة مسافراً

فإن قدر على السعى أو التوكيل فأهمل بطلت شفعته. ولو عجز عنهما لم تسقط وإن لم يشهد بالمطالبة.

--------------

هذا كله إذا كان غائباً. أما مع حضور المشتري فلا يعد شيء من هذه عذراً؛ لأن قوله «أخذت بالشفعة» لا ينافي شيئاً من ذلك.

وبالجملة فالمرجع في ذلك كله إلى العرف، فما يعد فيه تقصيراً وتوانياً في الطلب تسقط به الشفعة، وما لا يعد تقصيراً لا يسقطها.

والمراد بقوله «وجاز الصبر حتى يتمها معناه الأعم الشامل للوجوب؛ لأنّ قطع الواجبة لذلك غير جائز، وقطع النافلة مكروه، وجواز الإتمام بالمعنى الأعم يشمل القسمين، من حيث إنه قدر مشترك بينهما، لا من حيث استعمال المشترك في معنييه.

ولو أُريد بالمعنى الثاني جاز أيضاً بطريق المجاز.

والمراد بالمتئد المتثبت من غير عجلة.

قال ابن الأثير في النهاية : يقال : توأد إذا تأنى وتثبت ولم يعجل، واتئد في أمرك أي تثبت(1).

وعلى هذا فيجب كتابة قوله «متئداً» بالتاء المثناة المشدّدة ثم الهمزة، وتكتب بالياء؛ لكونها مكسورة. وفي كثير من النسخ مكتوب بألف بين التاء والياء. وهو غلط.

قوله: «ولو علم بالشفعة مسافراً» إلى آخره.

العذر الذي لا تسقط الشفعة معه بسبب عدم الفورية قسمان:

أحدهما: ما ينتظر زواله عن قرب كالاشتغال بالصلاة والطعام وقضاء الحاجة ونحوها، وهذا لا يجب عليه التوكيل بل ينتظر زوال العذر. وقد تقدّم.

والثاني: ما لا ينتظر زواله عن قرب كالسفر والمرض والحبس على الوجه السابق ،وهذا يجب عليه المبادرة أو التوكيل مع القدرة عليهما، ويتعين أحدهما مع القدرة عليه

ص: 73


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 178، «تند».

*ولا تسقط الشفعة بتقايل المتبايعين

لأنّ الاستحقاق حصل بالعقد، فليس للمتبايعين إسقاطه، والدرك باق على المشتري.

نعم، لو رضي بالبيع ثم تقايلا لم يكن له شفعة؛ لأنّها فسخ وليست بيعاً.

--------------

خاصة، وإلا بطلت شفعته؛ لما فيه من طول المدة وعدم المسامحة في مثله. ولو عجز عن الأمرين معاً لم تسقط شفعته؛ لعدم التقصير.

ولا يجب الإشهاد على المطالبة عندنا وإن تمكن منه، خلافاً لبعض العامة (1)؛للأصل.وعدم دليل على اعتباره. وتجب المبادرة إلى أحدهما بعد زوال العذر في أوّل أوقات إمكانه كما سبق. ولو قصر الوكيل في الأخذ لم يعد تقصيراً من الموكل حيث لا يعلم بحاله.

قوله « ولا تسقط الشفعة بتقابل المتبايعين ؛ لأنّ الاستحقاق حصل بالعقد، فليس للمتبايعين إسقاطه» إلى آخره.

إذا تقايل المتبايعان بعد ثبوت الشفعة فإن عفا الشريك عنها سقطت من جهة الشراء ولم تتجدد بالإقالة عندنا كما لا تتجدد بالرد بعيب. وعند من جعلها بيعاً مطلقاً، أو في حق الشفيع تجدّدت بالإقالة، وأخذ الشقص من البائع. وإن حصل التقايل قبل علم الشفيع بالشفعة لم تسقط بالإقالة: لسبق حق الشفيع على حق البائع من حيث إن الشفعة استحقت بالشراء. فله فسخ الإقالة والأخذ من المشتري على قاعدة الشفعة، ويعود الدرك على المشتري.

ثمّ فسخ الإقالة يرفعها من حين الفسخ ولا يبطلها من أصلها، كما هي قاعدة الفسوخ كنظائرها.

فنماء المبيع المنفصل المتخلّل بين الإقالة وفسخها للبائع، ونماء الثمن للمشتري.

وما قيل هنا خلاف ذلك لا يوافق القواعد الشرعية.

ومن جعلها بيعاً خير الشفيع بين الأخذ بالإقالة وجعل الدرك على البائع، وبين فسخها حتى يعود الشقص إلى المشتري فيأخذ منه.

ص: 74


1- حلية العلماء، ج 5، ص 288 الحاوي الكبير، ج 7، ص 242: روضة الطالبين، ج 4، ص 169 : بدائع الصنائع. ج 05 ص 25.

*ولو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع

والأخذ من المشتري الأول، وله أن يأخذ من الثاني.

وكذا لو وقفه المشتري أو جعله مسجداً، فللشفيع إزالة ذلك كله وأخذه بالشفعة.

--------------

ومن جعلها بيعاً خير الشفيع بين الأخذ بالإقالة وجعل الدرك على البائع، وبين فسخها حتى يعود الشقص إلى المشتري فيأخذ منه.

قوله: «ولو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع» إلى آخره.

تصرفات المشتري في الشقص بالبيع والوقف وغيرهما صحيحة لوقوعها في ملكه ،لكن لا يبطل بذلك حق الشفيع؛ لسبقه فإذا أخذ الشفيع أبطل التصرف المنافي له.

ثم ينظر إن كان التصرف مما تثبت فيه الشفعة كالبيع، تخيّر بين أخذه من المشتري الأوّل والثاني، وكذا من غيره على تقدير تعدّده زيادةً على ذلك؛ لأنّ كلّ واحد من البيوع الواقعة سبب تام في ثبوت الشفعة، فالتعيين إلى اختيار الشفيع، خلافاً لبعض العامة حيث صحح التصرّف وأبطل الشفعة(1) ؛ نظراً إلى وقوعه من مالك فتبطل لمنافاة صحته لبقائها، ثمّ لا تتجدّد؛ لأنّه تصرّف يبطل الشفعة فلا يثبتها. وهما ضعيفان عندهم أيضاً؛ لسبق الحق ووجود المقتضي.

ثم إن أخذ الشفيع بالشراء الأول دفع الثمن الأول، وبطل المتأخر مطلقاً. وإن أخذ بالأخير أخذ بثمنه. وصح السابق مطلقاً؛ لأنّ الرضى به يستلزم الرضى بما سبق عليه. وإن أخذ من المتوسط أخذ بثمنه، وصح ما تقدمه وبطل ما تأخر عنه.

وإن كان التصرف ممّا لا تثبت فيه الشفعة كالوقف والهبة والإجارة، فللشفيع نقضه سه وأخذ الشقص بالشفعة؛ لسبق حقه والثمن للواهب، سواء كانت لازمةً أم جائزة؛ لبطلانها بالأخذ بالشفعة؛ لسبق حق الشفيع.

ص: 75


1- روضة الطالبين، ج 4، ص 178 - 179.

* والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه، ولا يأخذ من البائع، لكن لو طالب والشقص في يد البائع قيل له: خذه من البائع أو دَعْ.

ولا يكلّف المشتري القبض من البائع مع امتناعه وإن التمس ذلك الشفيع. ويقوم قبض الشفيع مقام ،قبضه، ويكون الدرك مع ذلك على المشتري.

--------------

ونبه المصنّف بقوله« وكذا لو وقفه أو جعله مسجداً» إلى آخره، على خلاف بعض العامة؛ حيث حكم بعدم نقض الوقف (1)، وآخرين حيث حكموا ببطلان تصرّف المشتري. وضعف الكلّ ظاهر.

قوله: «والشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه، ولا يأخذ من البائع، لكن لو طالب والشقص في يد البائع إلى آخره.

إنّما كان أخذه من المشتري؛ لأنه يأخذ بالثمن، ويشترط في استحقاقه صحة البيع فتنقطع ملكية البائع له ومتى كان كذلك فدركه على المشتري لو ظهر استحقاق الشقص فيرجع عليه بالثمن وغيره ممّا يغرمه على ما فصل.

ولكن لو كان المشتري لم يقبضه من البائع لم يكلّف أخذه منه ثم إقباضه للشفيع؛ لأنّ الغرض قبضه، وهو حاصل بدون ذلك؛ ولأنّ الشقص حق للشفيع فحيثما وجده أخذه، وقبض الشفيع كقبض المشتري لانتقال الحق إليه، فلا وجه لتكليف المشتري أمراً لا يفوت بعدمه حق الشفيع. وعلى كل حال فيبقى الدرك على المشتري، لما تقرر من أخذه منه.

ونبه بذلك على خلاف بعض العامة؛ حيث أوجب على المشتري قبضه من البائع وإقباضه (2)؛ نظراً إلى أنّ الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري.

وهو ممنوع. وإنّما له أخذ حقه ممن وجده بيده وثبوت دركه على المشتري؛ لانتقال الملك عنه كما ذكر .

ص: 76


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 490، المسألة 4035 روضة الطالبين، ج 4، ص 178.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5 ص 476، المسألة 4020: روضة الطالبين، ج 4، ص 192.

*وليس للشفيع فسخ البيع ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح.

*ولو انهدم المبيع أو عاب، فإن كان بغير فعل المشتري أو بفعله قبل مطالبة الشفيع فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك. والأنقاض للشفيع باقيةً كانت

في المبيع أو منقولةً عنه؛ لأنّ لها نصيباً من الثمن.

وإن كان العيب بفعل المشترى بعد المطالبة ضمنها المشترى. وقيل: لا يضمنها ؛لأنّه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ والأوّل أشبه.

--------------

قوله: «وليس للشفيع فسخ البيع. ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح».

لأنّ العقد لم يقع معه، فلا وجه لتسلّطه على فسخه بغیر سبب ش-رع-ي ي-وجبه، وحقه منحصر في الأخذ من المشتري. وعلى هذا فلو اشتغل بالفسخ بعد علمه بالحال بطلت شفعته لاشتغاله بما ينافي الفورية.

ولو نوى بأخذه بالشفعة الفسخ وأخذه من البائع لم يصح الأخذ؛ لأنه محال شرعاً، فلا تؤثر نيته، كما لو نوى أخذه من الأجنبي، وتبطل الشفعة؛ لمنافاته الفورية أيضاً حيث لا يكون معذوراً في ذلك. وكما لا يصح فسخه من نفسه لا يصح بالاتفاق بينه وبين البائع بالإقالة وغيرها؛ لاشتراكهما في المقتضي.

قوله: «ولو انهدم المبيع أو عاب» إلى آخره.

إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدم أو تعيب

فله أحوال:

أحدها: أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة، ولا يحصل معه تلف شيء من العين، بأن ينشق الجدار أو ينكسر الجذع أو نحو ذلك، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكل الثمن وبين الترك؛ لأنّ المشتري إنّما تصرّف في ملكه تصرفاً سائغاً فلا يكون مضموناً عليه، والفائت لا يقابل بشيء من الثمن فلا يستحق الشفيع في مقابلته شيئاً، كما لو تعيب في يد البائع، فإنّ المشتري يتخيّر بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن هذا هو المشهور.

وربما قيل بضمانه على المشتري؛ لتعلق حق الشفيع به بالبيع، فيضمنه المشتري وإن كان ملكه، كما يضمن الراهن المرتهن إذا جنى عليه.

ص: 77

--------------

وثانيها: أن يكون ذلك بغير فعله، سواء كان قد طالب الشفيع أم لا، فإنّه لا شيء على المشتري، بل يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن والترك؛ لأنه لا تقصير من المشتري، ولا تصرّف حال استحقاق الغير.

ووجه الضمان عليه في السابق آتٍ هنا من حيث تعلّق حق الشفيع، وهو هنا أبعد.

وفي الصورتين لو كانت أجزاؤه قد انفصلت بالانهدام فالأنقاض - وهي آلات البناء من الخشب والحجارة - للشفيع عندنا؛ وإن كانت الآن منقولةٌ ؛ لأنّها جزء من المبيع، وقد كانت مثبتة حال البيع والشفعة متعلقة بها تبعاً فيستصحب. وخالف في ذلك بعض الشافعية فجعلها للمشتري؛ لخروجها عن متعلّق الشفعة. وفي أخذ الباقي بحصته من الثمن أو بجميعه لهم وجهان(1) .

وثالثها: أن يكون ذلك بفعل المشتري بعد مطالبة الشفيع بالشفعة.

وفي ضمان المشتري للنقص - بمعنى سقوط ما قابله من الثمن- قولان، أشهرهما الضمان(2)؛ لأنّ الشفيع استحق بالمطالبة أخذ المبيع كاملاً وتعلّق حقه به، فإذا نقص بفعل المشتري ضمنه له.

وبهذا التعليل استدلّ مَنْ حكم بضمانه في السابقين من حيث إن حق الشفعة حصل بالشراء وإن لم يطالب غايته أن يكون قد تأكد بالمطالبة.

والقول الذي حكاه المصنف بعد الضمان ظاهر كلام الشيخ (رحمه الله) في المبسوط(3)؛ بناءً على أنّ الشفيع لا يملك بالمطالبة بل بالأخذ، فيكون المشتري قد تصرف في ملكه تصرفاً سائغاً فلا يتعقبه الضمان.

وجوابه :قد ظهر مما سبق فإنّ التصرّف في الملك لا ينافي ضمانه كتصرف الراهن،

ص: 78


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 503. المسألة 4051؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 172 - 173.
2- وهو قول العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 254؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 419.
3- المبسوط، ج 2، ص 42.

*ولو غرس المشتري أو بنى فطالب الشفيع بحقه

فإن رضي المشتري بقلع غراسه أو بنائه فله ذلك، ولا يجب إصلاح الأرض وللشفيع أن يأخذ بكلّ الثمن أو يدع.

وإن امتنع المشتري من الإزالة كان الشفيع مخيّراً بين إزالته ودفع الأرش وبين بذل قيمة الغراس والبناء ويكون له مع رضى المشتري، وبين النزول عن الشفعة.

--------------

وهذا منه؛ لاشتراكهما في تعلّق حق الغير.

هذا كله إذا لم يتلف من الشقص شيء يقابل بشيء من الثمن، وإلا ضمنه بحصته مطلقاً على الأقوى، فيأخذ الشفيع الباقي بحصته من الثمن؛ لأنّ إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع ظلم.

وقال الشيخ (رحمه الله) في المبسوط : إن نقص بفعل المشتري أخذ الباقي بالقيمة(1). وهو يحتمل إرادة أخذه بجميع القيمة وبحصته من الثمن، والمختار الثاني، وينبغي أن يكون مراده .

قوله: «ولو غرس المشتري أو بنى فطالب الشفيع بحقه» إلى آخره.

إذا غرس المشتري أو بنى في الشقص المشفوع، ويتصوّر ذلك على وجه لا يكون ظالماً به بأن قسمه من حق الشريك الذي هو الشفيع مع بقاء الشفعة، إما بأن لم يُعلمه بالشراء. وإنّما أظهر كونه وكيلاً عن البائع في القسمة، أو يكون المتولي هو البائع بالوكالة عن المشتري من غير أن يعلم الشفيع بالبيع، أو لإخباره أن البيع بثمن فعفا ثم ظهر أنه أنقص، أو بأن الملك انتقل بغير البيع ثم ظهر به أو بمقاسمة وكيل الشفيع فيما يدخل فيه ذلك من غير أن يعلم، أو مع العلم وظن أن الحظ في ترك الأخذ فظهر أن الحظ في الأخذ، أو بأن يكون الشفيع غائباً وطلب المشتري من الحاكم القسمة، أو نحو ذلك، فيبني ويغرس ثم يعلم الشفيع أو يحضر فيأخذ بالشفعة، فللمشتري حينئذ قلع غرسه وبنائه؛ لأنه ملكه.

ص: 79


1- المبسوط، ج 2، ص 42.

--------------

وليس عليه إصلاح الأرض بطم الحفر وتسويتها؛ لأنّه فَعَل ذلك بحق؛ لكونه حينئذ مالكاً جائز التصرف، وفي القلع مصلحة للشفيع؛ لأنّ فيه تفريغ الشقص لأجله.

وفيه وجه بالوجوب، من حيث إنّه نقص دخل على ملك الشفيع لمصلحة المشتري ؛ لأنّ ذلك يتضمن تخليص ملك المشتري أيضاً من ملك الشفيع.

وآخر بالتفصيل، وهو أنّ القلع إن كان بطلب الشفيع لم يجب التسوية؛ لأنّ طلبه القلع يتضمن الإذن في الحفر، وليس هو كالغاصب؛ لأنه غير عادٍ بفعله.

وإن كان القلع من المشتري ابتداءً وجب؛ لأنّ النقص قد حدث في ملك غيره بفعله لمصلحته من غير إذن المالك، فيجب عليه إصلاحه. وهذا قوي، وهو خيرة المختلف(1).

ثم إن لم تنقص الأرض فلا بحث وإلا ففى أخذ الشفيع لها بكل الثمن أو بما بعد الأرش و جهان أشهرهما - وهو الذي يقتضيه إطلاق المصنّف - الأوّل؛ لأن هذا الناقص ليس له قسط من الثمن، فلا يضمنه المشتري كالنقص بالاستهدام؛ ولأنه تصرف في ملك نفسه فلا يتعقبه الضمان. وقيل: يجب الأرش، خصوصاً إذا كان بعد المطالبة؛ لما ذكر سابقاً.

هذا إذا كان النقص بالغرس. أما لو كان بالقلع فظاهر إطلاق العبارة يقتضي أنه كذلك؛ لحكمه بأنّه يأخذ بكلّ الثمن الشامل لحالة النقص بالغرس والقلع وعدمه. وهو الذي صرّح به الشيخ (رحمه الله)(2) والأكثر ، معللين بأنه تصرف في ملك نفسه.

واختار في المختلف وجوب الأرش إن كان ذلك باختيار المشتري؛ لأنّ النقص حدث على ملك الغير بفعله لتخليص ملكه فيضمنه(3) .

ويُمنع من كونه تصرّفاً في ملكه أو صادف ملكه، وإنما صادف ملك الشفيع؛ إذ الفرض

ص: 80


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 375 المسألة 347
2- المبسوط، ج 2، ص 554
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 375 المسألة 347

--------------

أنه بعد الأخذ بالشفعة. فلو امتنع المشتري من الإزالة تخير الشفيع بين ثلاثة أشياء:

أحدها: القلع؛ لأنّ له تخليص ملكه عن ملك غيره. وهل يلزمه أرش نقص البناء والغرس بالقلع ؟ قولان أشهرهما اللزوم؛ لأنّ النقص على ملك المشتري بفعله لمصلحته، فيجب أن يكون مضموناً عليه، فإنّ عِرْق المشتري غير ظالم.

ووجه العدم أنّ التفريط حصل بفعل المشتري؛ لأنه غرس في أرض مستحقة للغير (1).

وفيه: أنه وإن كان مستحقاً للآخذ إلا أنّه لم يخرج عن ملك المتصرف بذلك، وليس هو بأبعد من غرس المستعير، وهو في كلّ أن يجوز رجوع المعير.

وثانيها: بذل قيمة البناء والغرس، سواء رضى المشتري بذلك أم لا؛ لأنّ فيه جمعاً بين الحقين، ودفعاً للضرر اللازم لكلّ منهما بالقلع.

وقيل: لا يجوز ذلك إلا برضى المشتري (2)؛ لأنّها معاوضة فيتوقف على رضى المتعاوضين، وإلا كان أكل مال بالباطل منهى عنه بالآية(3)والرواية(4) . وهذا أقوى.

وثالثها: نزول الشفيع عن الشفعة، وهو واضح.

إذا تقرر ذلك، فحيث يختار بذل القيمة إما باتفاقهما، أو مطلقاً لم يقوم مستحقاً للبقاء في الأرض مجاناً ولا مقلوعاً مطلقاً؛ لأنه إنّما ملك قلعه مع الأرش فيقوم كذلك، بأن يقوم قائماً غير مستحق للقلع إلا بعد بذل الأرش، أو باقياً في الأرض بأجرة إن رضي المالك. فيدفع قيمته كذلك إلى المشتري. وإن اختار القلع فالأرش هو ما نقص من قيمته كذلك بعد قلعه .

وقيل في طريق القيمة: أن تقوم الأرض وفيها الغرس ثم تقوم خالية، فالتفاوت قيمة

ص: 81


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 376، المسألة 347.
2- جامع المقاصد، ج 6، ص 423 - 424.
3- النساء (4): 29
4- الكافي، ج 7، ص 273، باب القتل. ح 12: الفقيه، ج 4، ص 92 - 93 . ح 5154.

*وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعاً، كالوديّ المبتاع مع الأرض فيصير نخلةٌ، أو الغرس من الشجر يعظم فالزيادة للشفيع. أما النماء المنفصل، كسكنى الدار وثمرة النخيل فهو للمشتري .

* ولو حمل النخل بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير

قال الشيخ (رحمه الله): الطلع للشفيع؛ لأنه بحكم السعف والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع.

--------------

الغرس فيدفعه الشفيع او يدفع ما نقص منه إن اختار القلع(1) .

ويشكل بأنه قد يكون الضميمة كلّ من الغرس والأرض إلى الآخر باعتبار الهيئة الاجتماعيّة دَخْلٌ في زيادة القيمة، وذلك بتمامه لا يستحقه المشتري، فكيف يكون ما عدا قيمة الأرض خالية من مجموع القيمتين حقاً للمشتري؟! فالوجه هو الأول.

وفي تحقيق هذا الأرش بحث تقدّم في مواضع(2)من هذا الكتاب.

قوله: «وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعاً» إلى آخره.

أما كون النماء المنفصل للمشتري فواضح؛ لأنّه نماء ملكه، لكونه حينئذ مالكاً مستقلاً، و تزلزل ملكه لا ينافي ملك النماء.

وأما المتصل فهو كالجزء من الشجرة، فيتبعها في الحكم.

والودي - بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة، والياء المشدّدة أخيراً - بوزن غنيّ فسيل النخل وزاد بعضهم قبل أن يغرس. ولكنّ المراد هنا المغروس؛ ليكون تابعاً للأرض، أما غير المغروس فلا شبهة في عدم تبعيته للأرض في الشفعة.

قوله: «ولو حمل النخل بعد الابتياع» إلى آخره.

لا خلاف في أنّ الثمرة إذا ظهرت فى ملك المشتري قبل الأخذ بالشفعة تكون للمشتري وإن بقيت على الشجرة؛ لأنها بحكم المنفصل، ومنه ثمرة النخل بعد التأبير. أما قبله فقد تقدّم

ص: 82


1- راجع جامع المقاصد، ج 1، ص 425.
2- منها ما تقدّم في ج 4، ص 391

* ولو باع شقصين من دارين، فإن كان الشفيع واحداً فأخذ منهما أو ترك جاز.

وكذا إن أخذ من إحداهما، وعفا عن شفعته من الأُخرى. وليس كذلك لو عفا عن بعض شفعته من الدار الواحدة.

--------------

في البيع أنّها تتبع الشجرة فتكون للمشتري(1) ، فألحق الشيخ(رحمه الله) هذا الحكم بالشفعة، فحكم بكون الثمرة إذا ظهرت بعد الابتياع فأخذ الشفيع بالشفعة قبل تأبيرها للشفيع(2) : لأنّها تابعة للأصل شرعاً كالسعف وغيره من الأجزاء.

والمصنّف والأكثر خصوا هذا الحكم بالبيع على خلاف الأصل، للنصّ عليه(3)، فإلحاق غيره به قياس وهذا أقوى.

وعلى هذا فلو كان الطلع غير مؤبر وقت الشراء فهو للمشتري، فإن أخذه الشفيع وهو بتلك الحال بقي للمشتري، كما لو أخذه بعد التأبير، ويكون المبيع بمنزلة ما إذا ضمّ غير المشفوع إليه، فيأخذ الشفيع غير الثمرة بحصته من الثمن. وطريقه أن يقوم المجموع ثم تقوم الثمرة، وتنسب قيمتها إلى المجموع، ويسقط من الثمن بتلك النسبة.

قوله: «ولو باع شقصين من دارين» إلى آخره.

الفرق بينهما - مع اشتراكهما في كونهما ملكاً لواحد والمشتري واحد، الموجب لاتحاد الصفقة - أنّ الشركة في أحد الشقصين سبب غير الشركة في الآخر، فلا يكون الشفعة فيهما واحدةً وإن اتحدت الصفقة، بخلاف الدار الواحدة، فإنّ سبب الشركة فيها واحد، وحقه فيها شائع، وحقه في إحدى الدارين غير حقه في الأخرى، فلا ملازمة بينهما في الشفعة.

ص: 83


1- تقدم في ج 3، ص 142 - 143.
2- المبسوط، ج 2، ص 545.
3- وسائل الشيعة، ج 18، ص 92 - 93 الباب 32 من أبواب أحكام العقود.

* ولو بان الثمن مستحقاً

فإن كان الشراء بالعين فلا شفعة؛ لتحقق البطلان وإن كان في الذمة ثبتت الشفعة؛ لثبوت الابتياع.

* ولو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً

لم تبطل شفعته على التقديرين.

--------------

قوله: «ولو بان الثمن مستحقاً، فإن كان الشراء بالعين فلا شفعة» إلى آخره.

الفرق أن استحقاق أحد العوضين المعينين يوجب بطلان البيع؛ لبقاء الآخر بغير عوض في مقابله بخلاف ما في الذمة، فإنّ المدفوع عنه لا يتعيّن ثمناً على تقدير ظهوره مستحقاً، بل الثمن أمر كلّي في الذمة، فلا يبطل البيع، كما لو لم يكن دفعه بعد.

أمركاً

قوله: «ولو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقاً لم تبطل شفعته على التقديرين».

أي على تقدير كون الثمن الذي اشترى به المشتري معيناً ومطلقاً؛ لأن البيع صحيح على التقديرين؛ إذ المستَحَق هو الذي دفعه الشفيع لا المشتري.

ويمكن أن يريد به على تقدير كون ما جعله الشفيع عوضاً معيناً كقوله: أخذت الشقص بهذه الدراهم، ومطلقاً كقوله تملكته بعشرة دراهم، وهي مقدار الثمن.

وإنما لم تبطل الشفعة على التقديرين؛ لأنّ استحقاقه لها ثابت بالبيع، وهو صحيح على التقديرين. وهذا يتم على تقدير جهل الشفيع بكون المدفوع مستحقا؛ لئلا ينافي الفورية.

ولو كان عالماً ففي بطلانها وجهان، مبنيان (1)على أن الملك يحصل بقوله : أخذت أو به وبدفع الثمن. فعلى الأوّل لا يضر ؛ لحصول الملك. وعلى الثاني يحتمل البطلان؛ لمنافاته الفورية، والصحة لأنّ المعتبر فورية الصيغة، والأصل عدم اعتبار غيرها.

وربما فرّق مع العلم بين كون الثمن معيناً ومطلقاً؛ لأنه مع التعيين يلغو الأخذ فينافي الفورية بخلاف المطلق، فإنّ الأخذ صحيح ثم ينفذ الواجب بعد ذلك.

والوجهان آتيان في بطلان الأخذ بالشفعة ويفتقر إلى تمليك جديد، أم يصح والثمن دين عليه، والأظهر الثاني مع الإطلاق.

ص: 84


1- في «ع . م»: «مرتبان» بدل «مبنیان».

*ولو ظهر في المبيع عيب

فأخذ المشتري أرشه أخذه الشفيع بما بعد الأرش. وإن أمسكه المشتري معيباً ولم يطالب بالأرش أخذه الشفيع بالثمن أو ترك.

مسائل ست:

الأولى: * لو قال: اشتريت النصف بمائة فترك، ثمّ بان أنه اشترى الربع بخمسين لم تبطل الشفعة.

وكذا لو قال اشتريت الربع بخمسين فتركه، ثمّ بان أنه اشترى النصف بمائة لم تبطل شفعته؛ لأنه قد لا يكون معه الثمن الزائد، وقد لا يرغب في المبيع الناقص.

--------------

قوله: «ولو ظهر في المبيع عيب» إلى آخره.

إذا ظهر في الشقص المشفوع عيب حال البيع وقبل أخذ الشفيع، فإن اختار المشتري أخذ الأرش، أو كان الحق منحصراً فيه، بأن حدث في المبيع ما يمنع من الردّ، سقط مقدار الأرش من الثمن عن الشفيع؛ لأنه جزء منه، فالثمن هو الباقي بعد الأرش، فيأخذ به الشفيع

ولو لم يأخذه المشتري، بأن عفا عنه أخذه الشفيع بمجموع الثمن إن شاء؛ لأن الثمن هو ما جرى عليه العقد، ولم يتجدد ما يوجب نقصه. وسيأتي بقية تحقيق المسألة (1).

قوله:« لو قال: اشتريت النصف بمائة فترك، ثمّ بان أنه اشترى الربع» إلى آخره.

من جملة الأعذار المسوّغة لتأخير الأخذ - وإن جعلناها فوريّةً - ما لو أخبر بمقدار المبيع فظهر زائداً عما أخبر أو ناقصاً، سواء كان مع زيادة الثمن، أم نقصانه، أم مساواته للواقع حسب ما يقتضيه التقسيط؛ لاختلاف الأغراض للعقلاء في ذلك، فقد يرغب في شراء

ص: 85


1- يأتي في ص 99.

الثانية: * إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة، فإن كان عالماً بالثمن صح، وإن كان جاهلاً لم يصح.

ولو قال: أخذت بالثمن بالغاً ما بلغ لم يصح مع الجهالة تفصياً من الغرر.

الثالثة:* يجب تسليم الثمن أوّلاً، فإن امتنع الشفيع لم يجب على المشتري التسليم حتى يقبض.

--------------

الزائد دون الناقص، وقد ينعكس. فلو أخبره المشتري أنه اشترى النصف بمائة، أو أخبره مخبر بذلك ، فترك الأخذ ثم ظهر أنه اشتراه بدون ذلك لم تبطل شفعته؛ لظهور الغرر، فإنّه قد يرغب في الشقص بالثمن الرخيص دون ما زاد عليه، سواء كان معه الثمن أم لا.

وكذا لو قال المشتري اشتريت الربع بخمسين، فترك الشفيع، ثمّ بان أن المشتري إنما اشترى النصف بمائة، فإنّ شفعته لا تبطل أيضاً؛ لأنه قد لا يرغب في شراء الربع ويرغب في النصف، وبالعكس، فلا يعد تركه تقصيراً.

قوله: «إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة» إلى آخره.

لما كان الأخذ بالشفعة في معنى المعاوضة المحضة؛ لأنه يأخذ الشقص بالثمن الذي بيع به اشترط علمه به حين الأخذ حذراً من الغرر اللازم على تقدير الجهل؛ لأن الثمن يزيد وينقص، والأغراض تختلف فيه قلة وكثرة، وربما زيد حيلةً على زهد الشفيع في الأخذ مع اتفاقهما على إسقاط بعضه، كما سيأتي(1) ، فلا يكفي أخذه بالشفعة مع عدم العلم به جنساً وقدراً ووصفاً وإن رضى بأخذه بهما كان الثمن؛ لأنّ دخوله على تحمّل الغرر لا يرفع حكمه المترتب عليه شرعاً من بطلان المعاوضة مع وجوده، كما لو أقدم المشتري على الشراء بالثمن المجهول و رضي به كيف كان وحيث لا يصح الأخذ لا تبطل شفعته، بل يجدّده إذا علم به.

قوله: «يجب تسليم الثمن أوّلاً ، فإن امتنع الشفيع لم يجب على المشتري التسليم حتى يقبض».

ص: 86


1- يأتي في ص 113.

الرابعة : * لو بلغه أنّ المشتري اثنان فترك فبان واحداً، أو واحداً فبان اثنين، أو بلغه أنه اشترى لنفسه فبان لغيره، أو بالعكس لم تبطل الشفعة؛ لاختلاف الغرض في ذلك.

الخامسة:* إذا كانت الأرض مشغولةً بزرع يجب تبقيته، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد؛ لأنّ له في ذلك غرضاً، وهو الانتفاع بالمال، وتعذّر الانتفاع بالأرض المشغولة.

وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردّد.

--------------

قد تقدم الكلام في هذه المسألة (1)، وأن وجه تقديم حق المشتري هنا بتسليمه الثمن أوّلاً جبر وهنه بالأخذ منه قهراً، بخلاف البيع المبني على التراضي من الجانبين، فلم يكن أحد المتعاوضين أولى من الآخر بالبداءة، فيتقابضان معاً، مع أنه قد قيل فيه أيضاً بوجوب تقديم تسليم البائع أولاً، فيكون هنا أولى.

قوله: «لو بلغه أن المشترى اثنان فترك فبان واحداً» إلى آخره.

المرجع في جميع هذه الفروض ونظائرها إلى كون التأخير لغرض صحيح أو عذر مقبول لا يخل بالفورية المعتبرة، وممّا تختلف الأغراض باختلافه زيادة الشركاء ونقصانهم وخصوصيات الشريك. وذلك أمر واضح.

قوله: «إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال» إلى آخره.

المراد بالزرع الذي يجب تبقيته ما وقع بإذن الشفيع؛ لأنه شريك حيث لا ينافي الأخذ على الفور، أو بعد القسمة على أحد الوجوه التي صوّرناها سابقاً.

وحينئذٍ فالزرع لا يمنع الأخذ عاجلاً وإن لم ينتفع بالأرض، فإنّ ذلك لا يمنع المعاوضة، كما لو اشتراها مشغولة بزرع البائع، وعليه تبقيته مجاناً إلى أوان حصاده؛ لأنه تصرف بحق ،

ص: 87


1- تقدم في ص 67.

السادسة: * إذا سأل البائع الشفيع الإقالة فأقاله لم يصح؛ لأنّها إنما تصح بين المتعاقدين.

--------------

وله أمد ينتظر، بخلاف الغرس والبناء حيث لا يزالان إلا بالأرش.

وهل له تأخير الأخذ إلى أن يحصد الزرع؟ فيه وجهان:

أحدهما - وهو اختيار الشيخ (رحمه الله) (1)، وقواه في الدروس(2)- الجواز؛ لأنّه لا ينتفع الآن بالشقص لو أخذه، فلا يجب عليه بذل الثمن الموجب للانتفاع به بغير مقابل. ويلزم من عدم وجوب بذله جواز تأخير الأخذ؛ لأنّ تعجيله ملزوم لتعجيل الثمن، ولأنّ تأخير بذل العوض الذي لم يحصل فائدة عوضه غرض مطلوب للعقلاء، فيكون ذلك عذراً مسوّغاً

للتأخير.

والثاني: العدم؛ لأنّ الشفعة على الفور، ومثل ذلك لا يُثبت عذراً، كما لو بيعت الأرض في غير وقت الانتفاع، فإنّه لا يجوز تأخير الأخذ إلى وقته إجماعاً.

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في الحكم؛ لما ذكرناه من التوجيهين، والثاني منهما لا يخلو من قوة.

ومثله ما لو كان في الشقص شجر عليه ثمر لا يستحق بالشفعة،وأولى بالعدم هنا؛ لأنّ الثمر لا يمنع الانتفاع بالمأخوذ.

قوله: «إذا سأل البائع الشفيع الإقالة فأقاله لم يصح؛ لأنّها إنما تصح بين المتعاقدين».

سبيل الإقالة أن تقع بين المتبايعين؛ لأنّها فسخ للبيع، ولا يفسخه بالأصالة (3)إلا من ملك العوض، والشفيع قبل الأخذ بالشفعة ليس بمالك، وإنّما ملك به أن يملك، وبعده ليس بمشتر، فلا تصح الإقالة بينه وبين البائع ولا بينه وبين المشتري وهو ظاهر.

ص: 88


1- المبسوط ، ج 2، ص 595
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 323 - 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
3- في :«م»: «بالإقالة» بدل «بالأصالة».

المقصد الرابع في لواحق الأخذ بالشفعة

اشارة

وفيه مسائل:

الأولى:*

إذا اشترى بثمن مؤجل

قال في المبسوط للشفيع أخذه بالثمن عاجلاً، وله التأخير وأخذه بالثمن في محلّه.

وفي النهاية: يأخذه عاجلاً، ويكون الثمن عليه، ويُلزم كفيلاً بالمال إن لم يكن مليّا. وهو اشبه.

--------------

قوله: «إذا اشترى بثمن مؤجل» إلى آخره.

إذا اشترى بثمن مؤجل فالأشهر - وهو الذي اختاره المصنف (رحمه الله) - أنّ الشفيع يأخذ عاجلاً بالثمن المؤجّل؛ لأنه إنّما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد، والعقد إنّما وقع على المؤجل.

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف يتخيّر بين أخذه بالثمن حالاً، وبين التأخير إلى الحلول وأخذه بثمن حال، محتجاً بأنّ الذمم غير متساوية، فيجب إما تعجيل الثمن أو الصبر إلى الحلول ودفعه عند الأخذ(1).

وأجيب بأن عدم تساوي الذمم لا يوجب ذلك؛ لإمكان التخلّص بالكفيل إما مطلقاً كما يظهر من المختلف(2) ، أو مع عدم الملاءة كما صرح به الشيخ(3)وغيره(4) .

وبأنه يستلزم أحد محذورين إما إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها، أو إلزام الشفيع بزيادة لا موجب لها، وكلاهما باطل.

ص: 89


1- المبسوط ، ج 2، ص 537: الخلاف، ج 3، ص 433 - 434 المسألة 9
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 365 المسألة 333 .
3- النهاية، ص 425
4- كالمفيد في المقنعة، ص 620: وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 388؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 323 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الثانية :* قال المفيد ( رحمه الله) والمرتضى (قدس الله روحه): الشفعة تورث. وقال الشيخ رحمه الله: لا تورث؛ تعويلاً على رواية طلحة بن زید وهو بتري. والأوّل أشبه؛ تمسكاً بعموم الآية.

--------------

ووجه الملازمة أنّ تجويز التأخير ينافي الفورية المستلزم لبطلانها، وتعجيل الأخذ بالحال يوجب زيادة صفة في الثمن - وهي كونه معجّلاً - من غير موجب؛ ولأن التأجيل له قسط من الثمن فيلزم زيادة الثمن المأخوذ به على الأصل.

ويتفرع على ذلك أنه لو مات المشتري حلّ عليه الثمن، ولم يتعجل الأخذ على الشفيع، بل هو على خيرته الأولى إن شاء عجّل وإن شاء أخر إلى انقضاء الأجل؛ لأنّه لزمه (1)بالأخذ كذلك فيستصحب، وحلّ على المشتري بعارض موته فلا يلزم ذلك غيره.

وربما احتمل حلوله على الشفيع أيضاً؛ لأنّه مسبب عن تأجيل ما على المشتري.

وهو ضعيف؛ لأنه وإن تسبب ابتداء، لكن ثبت له حكم لم يثبت موجب زواله بخلاف المشتري ولو مات الشفيع فالحكم بحاله.

قوله: «قال المفيد والمرتضى الشفعة تورث» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟ فالأكثر - ومنهم الشيخ (رحمه الله) في الخلاف(2) ، والمفيد(3)، والمرتضى(4) ، وابن الجنيد(5) ، وجملة من المتأخرين(6) - على الأوّل.

ص: 90


1- في بعض النسخ: «لزم» بدل «لزمه».
2- الخلاف، ج 3، ص 27 ، المسألة 36
3- المقنعة، ص 619
4- الانتصار، ص 451. المسألة 257
5- الحاكي عنه هو العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 367، المسألة 335
6- منهم الحلّي في الجامع للشرائع، ص 278؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 398؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 367 المسألة 335 وابن فهد في المقتصر ، ص 348 والسيوري في التنقيح الرائع ج 4، ص 95؛ والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 204 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13)؛ والصيمري في تلخيص الخلاف، ج 2، ص 177 المسألة :11؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 6 ، ص 447 .

الشفعة تورث كالمال

الثالثة : * وهي تورث كالمال . فلو ترك زوجةً وولداً فللزوجة الثمن ، وللولد الباقي.

--------------

وذهب الشيخ (رحمه الله) في النهاية وموضع آخر من الخلاف(1) ، وابن البراج(2)، والطبرسي(3)إلى الثاني.

والمختار هو الأول؛ لعموم آيات الإرث الدالّة على إرث ما ترك (4)، وحق الشفعة مما ترك، كما دخل فيه الخيار الثابت للمورّث بالاتفاق، وكذلك حد القذف، وهي في معنى الخيار تثبت لدفع الضرر، بل أقوى.

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ما ترك الميت من حق فلوارثه»(5) وهو أوضح دلالةً من الآية. واحتج الشيخ برواية طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليه السلام) قال: «لا تورث الشفعة»(6).

وبأن ملك الوارث متجدّد على الشراء، فلا يستحق به شفعةً.

وأُجيب بضعف سند الرواية؛ فإنّ طلحة بتري.

والوارث يأخذ ما استحقه مورثه وحقه سابق، فلا يقدح تجدد ملكه(7) .

قوله: «وهي تورث كالمال فلو ترك زوجةً وولداً فللزوجة الثمن، وللولد الباقي».

أي تورث على حدّ ما يورث المال؛ لأنّها حق مالي فيرث الولد الذكر ضعف الأنثى ،

ص: 91


1- النهاية، ص 425 - 426: الخلاف، ج 3، ص 436 المسألة 12.
2- المهذب، ج 1، ص 459.
3- المؤتلف من المختلف. ج 1، ص 632. المسألة 12.
4- النساء (4): 7 و 11 - 12 .
5- لم نجده بهذا اللفظ في الجوامع الحديثية للعامة والخاصة، نعم ورد في دعائم الإسلام، ج 2، ص 395، ح 1393 بلفظ ماترك الميت من شيءٍ فلورثته»؛ وفي الكافي، ج 7، ص 168، باب من مات وليس له وارث، ح 1: «من مات وترك مالاً فلورثته»؛ وفي الفقيه، ج 4، ص 351، ح 5762: «من ترك مالاً فللوارث».
6- الفقيه، ج 3، ص 78 ، ح 3376: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167، ح 741 ؛ واحتجاج الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 436 ، المسألة 12 بقوله: المنصوص لأصحابنا أن الشفعة لا تورث.
7- جامع المقاصد، ج 1، ص 447 - 448: ولترجمة طلحة بن زيد راجع رجال الطوسي، ص 138، الرقم 1464.

*ولو عفا أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع. وفيه تردّد ضعيف.

--------------

وهكذا. وخص المثال بالزوجة لدفع توهّم أنّها لا ترث من الشفعة، من حيث إنها تحرم في الجملة من بعض المتروكات.

ونبه بذلك على خلاف بعضهم، حيث ذهب إلى أنّها تقسم على رؤوس الورثة لا على سهامهم(1) ، كالشركاء المتكتّرين فيها.

ويظهر من(2)المبسوط أنّ القائل بقسمتها مع الكثرة على الرؤوس يقول بها هنا، ويجعلها بين الزوجة والولد نصفين (3)، فتكون المسألة خلافية هنا أيضاً.

والوجه أنها هنا على قدر الأنصباء وإن لم نقل به في الشركاء. والفرق بين الأمرين واضح، فإنّ آية الإرث تقتضي اعتبار السهام كغيرها من الحقوق، بخلاف الشركاء في أصل الملك، فإنّ كلّ واحد يستحقها باعتبار نفسه، والوارث يستحقها باعتبار مورثه، ومورثه لا يستحق الجميع، وقد انتقل عنه إلى ورثته على حد الإرث لا باعتبار الشركة، ولهذا أثبتها هنا من لم يقل بالشفعة مع الكثرة.

قوله: «ولو عفا أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع. وفيه تردّد ضعيف».

إنّما لم تسقط بعفو البعض؛ لأنّ الحق للجميع فلا يسقط حق واحد بترك غيره. ولمّا لم يجز تبعض الصفقة على المشتري فالمستحق يأخذ الجميع أو يترك.

ويحتمل هنا سقوط حق الآخر بعفو صاحبه وإن لم نقل بذلك في الشريكين؛ لأن الوارث يقوم مقام المورّث فعفوه عن نصيبه كعفو المورّث عن البعض فيسقط الباقي.

ص: 92


1- الحاوي الكبير، ج 7، ص 258 - 259 روضة الطالبين، ج 4، ص 182 - 183.
2- في بعض النسخ زيادة:« الشيخ رحمه الله في».
3- المبسوط، ج 2، ص 538 - 539 .

الرابعة: *

إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة

قال الشيخ: سقطت شفعته؛ لأن الاستحقاق بسبب النصيب.

أما لو باع قبل العلم لم تسقط ؛ لأن الاستحقاق سابق على البيع.

ولو قيل: ليس له الأخذ في الصورتين كان حسناً.

--------------

وهذا هو الوجه الضعيف ، بل لم يذكره كثير.

ووجه ضعفه أنّ الشركاء في الإرث يصيرون بمنزلة الشركاء في أصل الشفعة؛ لأنّها شفعة واحدة بين الشركاء، سواء كان بالإرث أم بالشركة، فلا يسقط عن البعض بعفو البعض، بخلاف عفو المورّث عن بعض نصيبه، فإنّ حقه في المجموع من حيث هو مجموع لا في الأبعاض، فعفوه عن بعض حقه كعفوه عن جميعه.

قوله: «إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة» إلى آخره.

إذا باع الشفيع نصيبه قبل أن يأخذ بالشفعة، فإن كان بيعه بعد العلم بها وحصول شرائط فوريتها - على القول بها - فلا إشكال في بطلان شفعته؛ لأنّ اشتغاله عن الأخذ بالبيع مخلّ بالفورية المعتبرة فيها.

وإن كان قبل ثبوت الفور فيها حينئذ، كما لو لم يكن عالماً بمقدار الثمن، أو جاهلاً بالفورية ونحو ذلك فباع، أو باع غير عالم بالشفعة ففي بقائها مطلقاً، أو زوالها، أو التفصيل أقوال:

أحدها - وهو الذي اختاره المصنف - عدم البطلان مطلقاً؛ لأن الاستحقاق ثبت بالشراء سابقاً على بيعه فيستصحب؛ لأصالة عدم السقوط، ولقيام السبب المقتضي له وهو الشراء، فيجب أن يحصل المسبب.

وثانيها: سقوطه في الموضعين، وهو اختيار العلّامة (1)وجماعة(2)؛ لأن السبب في جواز

ص: 93


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 380 المسألة 355 .
2- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 446 - 447 : ومال إليه الشهيد أيضاً في الدروس الشرعية. ج 3، ص 327 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) : ولمزيد الاطلاع راجع مفتاح الكرامة، ج 1، ص 403.

تفريع على قوله (رحمه الله):

*لو باع الشريك وشرط الخيار للمشتري ثم باع الشفيع نصيبه قال الشيخ :الشفعة للمشترى الأوّل؛ لأن الانتقال تحقق بالعقد.

ولو كان الخيار للبائع أو لهما فالشفعة للبائع الأوّل، بناءً على أن الانتقال لا يحصل إلا بانقضاء الخيار.

--------------

الأخذ ليس هو الشراء وحده، بل هو مع الشركة، وقد زال أحد جزئي السبب فيزول. ولا يكفي وجودها حال الشراء لظاهر قوله(عليه السلام) : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم»(1) ، فلو أثبتنا له الشفعة بعد البيع لأثبتناها لغير شريك مقاسم والجهل مع انتفاء السبب لا أثر له.

وثالثها: التفصيل بالجهل بالشفعة حال البيع والعلم فيثبت في الأوّل دون الثاني، وهو قول الشيخ(2)؛ لأنّ البيع بعد العلم يؤذن بالإعراض عنها، كما إذا بارك أو ضمن الدرك، بخلاف ما إذا لم يعلم؛ فإنه معذور.

وأجيب بأنّ الجهل لا أثر له إذا انتفى السبب؛ لأن خطاب الوضع لا يتفاوت الأمر فيه بالعلم والجهل(3). والقول الوسط لا يخلو من قوة.

قوله: «لو باع الشريك وشرط الخيار للمشتري» إلى آخره.

هذا التفريع مبني على أنّ انتقال المبيع مع اشتمال البيع على خيار هل يحصل للمشتري مطلقاً، أم ينتفي عنه مطلقاً، أم فيه تفصيل؟ وقد تقدم النقل عن الشيخ أن الخيار إن كان للمشتري وحده انتقل إليه الملك زمن الخيار، وإن كان للبائع أو لهما لم ينتقل إليه إلا بانقضاء الخيار(4) .

فيتفرّع عليه أنّ الخيار متى كان للمشتري وحده، فباع الشفيع نصيبه بعد العلم سقطت

ص: 94


1- تقدم تخريجه في ص 26 ، الهامش 5.
2- المبسوط، ج 2، ص 575
3- أجاب به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 6، ص 447.
4- تقدم في ص 64.

الخامسة: *

لو باع شقصاً في مرض الموت من وارث وحابى فيه

فإن خرج من الثلث صح، وكان للشريك آخذه بالشفعة. وإن لم يخرج صح منه ما قابل الثمن، وما يحتمله الثلث من المحاباة إن لم تجز الورثة.

وقيل: يمضي في الجميع من الأصل، ويأخذه الشفيع، بناءً على أن منجزات المريض ماضية من الأصل.

--------------

وثبتت للمشتري الأوّل؛ لانتقال الملك إليه. وإن كان الخيار للبائع، أو لهما فالشفعة للبائع؛ لأن الملك لم ينتقل عنه، فهو الشريك حقيقة.

وعلى قوله الذي حكيناه عنه في الخلاف من أن الخيار إن كان للمشتري وحده ينتقل الملك عن البائع ولا يثبت للمشتري (1)، فلا شفعة لأحدهما؛ لانتفاء(2)الملك عنهما.

لكن هذا قول ضعيف جداً؛ لاستحالة بقاء ملك بغير مالك، وانتفاء مالك آخر غيرهما.

والأصح أنّ الشفعة للمشتري مطلقاً، بناءً على انتقال الملك إليه مطلقاً.

قوله: «لو باع شقصاً في مرض الموت من وارث وحابى فيه» إلى آخره.

إذا باع في مرض موته شقصاً وحابي فيه بأن باعه بدون ثمن المثل، فإن خرجت المحاباة من الثلث أو أجازها الوارث، أو قلنا: إن منجزات المريض من الأصل، فالبيع صحيح، ويأخذ الشفيع بالمسمى.

وإن انتفى جميع ذلك، بأن باع شقصاً يساوي ألفين بألف ولا مال له غيره فردّه الوارث، ثبتت الشفعة فيما خرج منه بالنسبة وفي مقدار ما يصح فيه البيع قولان تقدما في الوصايا(3).

أحدهما - وهو قول الشيخ(4) ، ومختار المصنّف (رحمه الله - أنه يصح في القدر الذي يوازي الثمن، ثمّ في قدر الثلث من الباقي، ويبطل فيما زاد ففي المثال المذكور يصح

ص: 95


1- الخلاف، ج 3، ص 22، المسألة 29
2- في «م»: «لانتقال» بدل «لانتفاء».
3- تقدما في ج 5، ص 469 وما بعدها.
4- المبسوط . ج 3، ص 273

--------------

البيع في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن.

والثاني - وهو الأصح - أن لا يبطل من المبيع شيء إلا ويبطل من الثمن ما يقابله، فتكون المسألة دورية، حيث إنّه لا يعرف قدر ما يصح البيع إلا بعد أن يعرف مقدار التركة؛ لتخرج المحاباة من ثلثها، ولا يعرف مقدار التركة إلا إذا عرف قدر الثمن؛ لأنّه محسوب منها؛ لانتقاله إلى ملك المريض بالبيع.

وطريقه في المثال المذكور أن يقال: صح البيع في شيء من الشقص بنصف شيء، يبقى مع الورثة ألفان إلّا نصف شيء، وذلك يعدل مثلي المحاباة، وهي نصف شيء، فمثلاها شيء، فإذا جبرت وقابلت يكون ألفان معادلين لشيء ونصف، والشيء من شيء ونصف ثلثاه، فعلمنا أن البيع صح في ثلثي الشقص، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، تبلغ الثمن، وهو نصف هذا المبلغ، فتكون المحاباة ستمائة وستة وستين وثلثين، يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن، وهما ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وذلك ضعف المحاباة.

ولا فرق عندنا بين كون المشتري وارثاً وأجنبياً.

ونبه المصنّف بتخصيصه بالوارث على خلاف العامة؛ حيث اختلفوا في المحاباة مع الوارث، فمنهم من حكم بصحة البيع ومنع الشفعة، ومنهم من منعهما، ومنهم من أثبتهما (1)، إلى غير ذلك من اختلافهم.

ولو قال المصنف: من وارث وغيره، لكان أجود من التخصيص بالوارث؛ لئلا يوهم أن غير الوارث حكمه ليس كذلك.

وحيث يتبعض المبيع ينبغي أن يثبت للمشتري الخيار؛ لأنّ جميع المبيع لم يسلم له إذا

ص: 96


1- بدائع الصنائع، ج 5، ص 19: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 472. المسألة 4018: الحاوي الكبير. ج 7، ص 236 - 237: روضة الطالبين. ج 4، ص 165 - 166 .

السادسة: *

إذا صالح الشفيع على ترك الشفعة

صح، وبطلت الشفعة؛ لأنه حق مالي فينفذ فيه الصلح.

السابعة: * إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع لم تسقط بذلك الشفعة. وكذا لو كان وكيلاً لأحدهما. وفيه تردّد؛ لما فيه من أمارة الرضى بالبيع.

--------------

كان جاهلاً بالحال وإن لم يأخذ الشفيع بالشفعة، كما سيأتي في نظيره (1).

قوله:

إذا صالح الشفيع على ترك الشفعة

صح، وبطلت الشفعة» إلى آخره.

ويعتبر في صحة الصلح حينئذٍ أن لا ينافي الفورية ، إما بأن يقصر زمانه ويكون إيقاع صيغته مستثنى كما يستثنى ما جرت به العادة من السلام ونحوه، وإما بأن يصالح المشتري قبل أن يعلم بثمن المبيع مع علمه بأصله، أو بأن يصالح عنها وكيله، فإنّ تراخيه لا يبطل حق الموكل ونحو ذلك.

ولو كان عوض الصلح بعض الشقص ففي صحته وجهان، أصحهما ذلك؛ للعموم(2).

ووجه البطلان كونه في معنى أخذ البعض.

ويضعف بأنّ الصلح ليس أخذاً بالشفعة، بل هو معاملة أخرى على حق الشفعة فلا يقدح فيه تبعض الشقص.

قوله: «إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري» إلى آخره.

هنا مواضع ثلاثة اختلف في كونها مسقطة للشفعة:

الأوّل: أن يضمن الشفيع الدرك - وهو عهدة المبيع - عن البائع، أو الثمن عن المشتري، أو للبائع على تقدير ظهوره مستحقاً.

قيل: تبطل الشفعة؛ لدلالته على الرضى بالبيع. ورجحه في المختلف محتجاً بذلك(3).

ص: 97


1- سيأتي عن قريب.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 18، ص 443، الباب 3 من أبواب كتاب الصلح.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 371 المسألة 340 .

--------------

وقيل: لا تبطل(1) ؛ لأنّ مطلق الرضى بالبيع لا يدلّ على إسقاط الشفعة، فإنّها مترتبة على صحته، فكيف يكون الرضى به إسقاطاً لها؟

والحق أنه إن نافى الفورية حيث نعتبرها، بأن علم بمقدار الثمن فاشتغل بذلك بطلت للتراخي، لا من حيث الرضى بالبيع وإن لم يناف، كما لو ضمن الثمن قبل علمه بمقداره - فإنّ العلم به غير معتبر في صحة الضمان - لم تبطل الشفعة؛ لعدم المقتضي للبطلان.

الثاني: أن يشترط المتبايعان الخيار للشفيع في عقد البيع. والأصح أنه لا تبطل الشفعة؛ لعدم المقتضي له وقيل: تبطل ؛ لدلالته على الرضى بالبيع(2). وقد عرفت ضعفه.

ولو اختار الإمضاء قيل له أن يأخذ بالشفعة، فإن جعلناها متوقفة على لزوم البيع لم تبطل أيضاً؛ لأنّ الرضى يمهد طريق السبب ويحققه، وإن جوزناها في زمن الخيار بطلت؛ للتراخي إن اعتبرنا الفورية.

وقيل: تبطل هنا مطلقاً؛ لتضمّنه الرضى(3)كما مر. وضعفه واضح.

الثالث: أن يكون الشفيع وكيلاً للبائع في الإيجاب أو للمشتري في القبول. وفي سقوطها بذلك قولان أيضا من دلالته على الرضى بالبيع وهو مسقط، واختاره في المختلف(4)، ومن منع كون الرضى بالبيع مطلقاً مسقطاً، فإنّ البيع هو السبب في ثبوت الشفعة، وكلّ من يطلبها راض بوقوع البيع ومريد له، بل يبعد عدم الرضى به مع إرادة الأخذ. والأصح عدم السقوط.

ص: 98


1- المبسوط، ج 2، ص 553: الخلاف، ج 3، ص 447 المسألة 25
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 371. المسألة 340
3- لم نعثر على قائله
4- مختلف الشيعة، ج 5، ص 371، المسألة :339؛ والقول الثاني للشيخ في الخلاف، ج 3، ص 448، المسألة 27؛ والمبسوط، ج 2، ص 554 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 394

الثامنة: * إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على البيع، فإن كان الشفيع والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما.

وإن كانا جاهلين، فإن رده الشفيع كان المشتري بالخيار فى الردّ والأرش. وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ؛ لخروج الشقص عن يده.

قال الشيخ (رحمه الله) وليس للمشتري المطالبة بالأرش ولو قيل له الأرش كان حسناً .

وكذا لو علم الشفيع بالعيب دون المشتري. ولو علم المشتري دون الشفيع كان للشفيع الرد.

--------------

قوله: «إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على البيع» إلى آخره.

إذا ظهر عيب في الشقص بعد الأخذ بالشفعة

فلا يخلو: إما أن يكون المشتري والشفيع عالمين به وقت البيع، أو جاهلين، أو بالتفريق، فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكونا عالمين، فلا خيار لأحدهما ولا أرش، وهو ظاهر.

الثاني: أن يكونا جاهلين، فإن اتفقا على ردّه فلا بحث، وإن اتفقا على أخذه مع الأرش أو بدونه صح، وكان الثمن اللازم للشفيع ما بعد الأرش.

وإن اختلفت إرادتهما، فأراد الشفيع ردّه دون المشتري فلا منافاة أيضاً، فيرجع إلى المشتري، ويتخيّر بين أخذ أرشه وعدمه.

وإن انعكس فأراد الشفيع أخذه والمشتري ردّه قدمت إرادة الشفيع لثبوت حقه وسبقه، فإنّه ثبت بالبيع، وسيأتي ما في هذا التعليل، ولأنّ غرض المشتري استدراك الظلامة وتحصيل الثمن، وهو حاصل بأخذ الشفيع، ولأنا لو قدمنا المشتري بطل حق الشفيع رأساً، وإن قدّمنا الشفيع حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته، فيكون جامعاً بين الحقين.

ويحتمل تقديم المشتري؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ إذا استقر العقد، كما تقدم في البيع

ص: 99

--------------

المشتمل على الخيار(1). وقد تقدّم ضعف المبنيّ عليه(2) .

فعلى المختار لو أراد المشتري طلب الأرش ففي إجابته إليه قولان:

أحدهما - وهو قول الشيخ(3)- لا ؛ لأنه قد استدرك ظلامته برجوع جميع الثمن إليه من الشفيع، فلم يفت منه شيء يطالب به.

والثاني - وهو الذي اختاره المصنف - أنّ له ذلك؛ لأن حقه عند البائع، حيث إنّ الأرش جزء من الثمن عوض جزء فائت من المبيع، فلا يجب عليه أن يقبل عوضه من الشفيع؛ لأنّ الواقع بين البائع والمشتري معاوضة مستقلة مغايرة لما وقع بينه وبين الشفيع، فلا يجب قبول أحد عوضيهما عن الآخر. وبهذا يظهر أنّه ما استدرك ظلامته. وهذا أقوى.

وحينئذ فله الرجوع على البائع بالأرش، فيسقط عن الشفيع من الثمن بقدره؛ لأن الثمن ما يبقى بعد أخذ الأرش.

الثالث: أن يعلم الشفيع بالعيب دون المشتري والحكم فيه كالثاني، فإنّه لا ردّ للشفيع؛ لعلمه، ولا للمشتري؛ مراعاة لحق الشفيع.

وفي ثبوت الأرش للمشتري الوجهان. والأصح أنّ له ذلك، فيسقط عن الشفيع بقدره.

ولا يقدح فيه علمه بالحال؛ لما بيناه من أنه يأخذ بالثمن وهو ما بعد الأرش.

الرابع أن يعلم المشتري خاصةً فللشفيع ردّه بالعيب مع كونه جاهلاً به وليس له الأرش؛ لأنه إنما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد، والمشتري لا أرش له؛ لعلمه بالعيب، واستحقاق الشفيع الأرش فرع أخذ المشتري إيَّاه.

ص: 100


1- تقدّم في ص 64 - 65.
2- تقدّم في ص 64 - 65.
3- لم يذكر الشيخ ذلك في هذه المسألة. وإنما ذكره في مسألة بيع الشقص من الدار والأرض بالبراءة من العيوب، علم المشتري بالعيب أو لم يعلم. راجع المبسوط، ج 2، ص 554.

التاسعة:*

إذا باع الشقص بعوض معيّن لا مثل له

كالعبد، فإن قلنا: لا شفعة فلا بحث. وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع وظهر في الثمن عيب كان للبائع ردّه والمطالبة بقيمة الشقص، إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد. ولا يرتجع الشقص؛ لأنّ الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة.

--------------

قوله: «إذا باع الشقص بعوض معين لا مثل له إلى آخره.

إذا اشترى الشقص بعوض قيمي كالعبد وقلنا بثبوت الشفعة بالقيمة وتقابضا، ثم وجد البائع بالعبد عيباً وأراد ردّده واسترداد الشقص، وقد أخذ الشفيع الشقص أو طلبه، ففي المقدم منهما خلاف أظهره تقديم حق الشفيع؛ لأنّ استحقاق الفسخ فرع دخول المبيع في ملك المشتري المقتضي لصحة العقد، المقتضي لثبوت الشفعة بمجرد العقد.

ولعموم أدلّة الشفعة للشريك(1) ، واستصحاب الحال.

ولأن فيه جمعاً بين الحين؛ لأنّ رجوع البائع في العين يقتضي سقوط حق الشفيع ،بخلاف ما إذا أخذ القيمة. وهذا هو الذي قطع به المصنف (رحمه الله).

وقيل: يقدّم حق البائع(2)؛ لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد، والشفعة تثبت بعده، فيكون العيب أسبق.

ولأنّ الشفيع منزل منزلة المشتري، فرد البائع يتضمن نقض ملكه، كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه.

ويضعف بأن مجرد وجود العيب حالة العقد غير كافٍ في سببية الفسخ، بل هو مع العقد الناقل للملك، كما أنّ الشركة أيضاً غير كافية في سببية الشفعة، بل هي مع العقد، فهما متساويان من هذا الوجه ويبقى مع الشفعة المرجّح بما ذكرناه.

ص: 101


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 395 الباب 1 من أبواب كتاب الشفعة.
2- لم نعثر على القائل به صريحاً ، وراجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 255 - 256: وجامع المقاصد، ج 1، ص 433 -434

* ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف، كالهبة أو الميراث، لم يملك ردّه على البائع. ولو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته.

ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد، هل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردّد، والأشبه لا؛ لأنّه الثمن الذي اقتضاه العقد.

--------------

وربما فرّق بعضهم بين ردّ البائع المعيب قبل أخذ الشفيع وبعده، فقدم البائع في الأوّل والشفيع في الثاني ؛ لتساويهما في ثبوت الحق بالبيع، فيقدم السابق في الأخذ(1).

والوجه ترجيح جانب الشفيع مطلقاً.

قوله: «ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف» إلى آخره.

إنما لم يملك كلّ واحد من البائع والمشتري ردّ العين على تقدير عودها إلى ملك المشتري - مع أن الواجب بالأصالة بعد الفسخ إنّما هو العين، وإنما انتقل إلى قيمتها للتعذر، فكانت بدلاً اضطرارياً، فينبغي أن يلغوا اعتبارها مع وجود العوض الاختياري - لسبق حكم الشارع بوجوب القيمة حين تعذر العين، فإذا دفعها المشتري ملكها البائع عوضاً شرعيّاً عن العين، فبرئت ذمّة المشتري منها ، ولم يكن لأحدهما إبطال ذلك.

إذا تقرّر ذلك، فحيث يكون المعتبر القيمة لا فرق فيها بين كونها بقدر قيمة الشقص أو أزيد أو أنقص، كما لو حدث في الشقص عيب نقص قيمته عن قيمة الثمن. ولا يرجع الشفيع بالتفاوت بين قيمة الشقص والثمن إذا كان قد دفعه؛ لأنّ الشفيع إنما يستحق الشقص بالثمن الذي جرى عليه مثلاً أو قيمةٌ، فلا يتغيّر هذا الحكم بالردّ بالعيب.

وقال الشيخ يرجع(2)؛ لأنّ العقد قد بطل، فلم يعتبر ما وقع عليه، بل ما استقر وجوبه على المشتري.

ص: 102


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 327 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)؛ وراجع أيضاً الحاوي الكبير، ج 7، ص 292 - 293؛ وروضة الطالبين، ج 4، ص 173 - 174 .
2- راجع المبسوط، ج 2، ص 562.

* ولو كان الشقص في يد المشتري فردّ البائع الثمن بالعيب لم يملك منع الشفيع؛ لأنّ حقّه أسبق، ويأخذه بقيمة الثمن؛ لأنّه الذي اقتضاه العقد، وللبائع قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة الثمن.

*ولو حدث عند البائع ما يمنع ردّ الثمن رجع بالأرش على المشتري، ولا يرجع على الشفيع بالأرش إن كان أخذه بقيمة العوض الصحيح.

--------------

ويضعف بأن الفسخ لم يبطل العقد من أصله، بل كان صحيحاً إلى حين الفسخ، فلا يزول مقتضاه بالفسخ الطارئ.

ولا فرق بين أن يكون الشفيع قد دفع الثمن وعدمه، وإن كان المصنف فرض المسألة فيما لو كان قد دفعه، وحكم بعدم رجوعه بالتفاوت ويمكن أن يريد برجوعه به استثناء التفاوت ممّا وجب عليه بالعقد، وسمّاه رجوعاً على تقدير عدم دفعه، نظراً إلى ثبوته عليه أولاً، فيشمل القسمين.

قوله: «ولو كان الشقص في يد المشتري فردّ البائع الثمن بالعيب» إلى آخره.

أشار بهذا إلى عدم الفرق في تقديم حق الشفيع بين أن يكون قد أخذ بالشفعة وعدمه، ولا بين أن يكون الشقص في يد المشتري وعدمه؛ لاشتراك الجميع في المقتضي لترجيح حق الشفيع. وقد تقدم البحث فيه (1).

وحينئذ فيأخذه بقيمة الثمن سليماً، ثم يأخذ البائع من المشتري قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة الثمن؛ لأنّ الواجب هو الثمن المعيّن فإذا فات بالرد فقيمة الشقص حيث تعذر أخذه بحق الشفيع، ولا يرجع المشتري على الشفيع بزيادة قيمة الشقص على الثمن؛ لأنه إنّما يستحق عليه الثمن الذي وقع عليه العقد.

قوله: «ولو حدث عند البائع ما يمنع ردّ الثمن» إلى آخره.

ما تقدّم من الحكم برد البائع الثمن المعين وأخذ قيمة الشقص مختص بما إذا لم يمنع من

ص: 103


1- تقدم في ص 101 .

لو باع حصه الغائب من الدار وادعی ان ذلک بإذنه

العاشرة: * لو كانت دار لحاضر وغائب، وحصة الغائب في يد آخر فباع الحصّة وادعى أن ذلك بإذن الغائب، قال في الخلاف: تثبت الشفعة.

ولعلّ المنع أشبه؛ لأنّ الشفعة تابعة لثبوت البيع.

فلو قضي بها وحضر الغائب، فإن صدقه فلا بحث، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه، وينتزع الشقص.

. وله أجرته من حين قبضه إلى حين ردّه. ويرجع بالأجرة على البائع إن شاء؛

--------------

الرد مانع بأن حدث عنده عيب آخر أو تصرف فيه ، وإلا تعيّن أخذ الأرش لامتناع الرد.

ثمّ ينظر إن كان الشفيع قد أخذ الشقص بقيمة العبد سليماً فلا رجوع عليه. وإن أخذه بقيمته معيباً رجع عليه بباقي قيمة الصحيح؛ لأنّ الشقص استقر عليه بالعقد والأرش ووجوب الأرش من مقتضى العقد لاقتضائه السلامة.

وكذا القول فيما لو رضي به البائع ولم يرده مع عدم المانع من ردّه واختار الأرش.

قوله: «لو كانت دار لحاضر وغائب» إلى آخره.

وجه ثبوت الشفعة بمجرد دعوى ذي اليد الإذن أنه إقرار من ذي اليد بالوكالة فيصدق فيه، ومن ثَمَّ جاز الشراء منه والتصرّف تعويلاً على قوله، وصحة الشراء ملزوم لثبوت الشفعة، وثبوت الملزوم يستدعي ثبوت اللازم.

والمصنف رحمه الله منع من ذلك، نظراً إلى عدم ثبوت البيع.

وجواز الشراء منه لا يقتضي ثبوته شرعاً، ومن ثُمَّ كان الغائب على حجّته.

وإقرار ذي اليد إنما يُسمع حيث لا يكون إقراراً على الغير.

ثمّ على تقدير القضاء بها ظاهراً، تبعاً لقبول دعواه لو حضر الغائب وأنكر الوكالة، فالقول قوله، وانتزع الشقص من يد الشفيع كما ينتزعه من يد المشتري لو لم يؤخذ بالشفعة؛ لأصالة عدم الإذن.

قوله: «وله أجرته من حين قبضه إلى حين رده - إلى قوله -هذا أشبه».

ص: 104

لأنه سبب الإتلاف أو على الشفيع؛ لأنه المباشر للإتلاف. فإن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع، وإن رجع على الشفيع رجع الشفيع على الوكيل؛ لأنه غرّه. وفيه قول آخر، هذا أشبه.

--------------

لا شبهة في جواز رجوع المالك بما فات من منافع الشقص من حين قبض المشتري وبعد قبض الشفيع إلى حين رجوعه إليه، ولا في تخيّره في الرجوع على من شاء ممن فاتت في يده، ومن يدعي الوكالة؛ لاشتراكهما في ترتب اليد على ماله، كما تقدّم(1) في نظائره من الغصب وغيره.

لكن إنّما يرجع على الشفيع بأجرة زمان قبضه وعلى المشتري بما قبل ذلك، وعلى مدعي الوكالة بالجميع إن شاء.

ثم إن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع على أحدهما؛ لاعترافه بأن المنافع حقه، وأنه ظالم له في الرجوع عليه، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه.

وإن رجع على القابض رجع على الوكيل؛ لأنّه غرّه بدعواه الوكالة.

وهذا إنما يتم إذا لم يصدر من القابض ما يقتضي تصديق مدعي الوكالة فيها، وإلا لم يرجع عليه أيضاً؛ لاعترافه بظلم المالك له.

والقول الآخر للشيخ في المبسوط : إنّ مدّعي الوكالة يرجع على الشفيع لو رجع عليه؛ لاستقرار التلف في يده (2).

وهذا أيضاً إنّما يتمّ مع اعتراف القابض بكذب المدعي في دعواه الوكالة، ليكون كالغاصب الذي يستقر عليه الضمان مع التلف في يده فالقولان للشيخ(3)على إطلاقهما لا يتمّان، والتفصيل أجود.

ص: 105


1- تقدّم في ج 9، ص 468 و 511 و 527 .
2- المبسوط، ج 2، ص 579
3- ليس للشيخ قول ثان في المبسوط

*ولو اشترى شقصاً بمائة، ودفع إليه عوضاً يساوي عشرة لزم الشفيع تسليم مائة أو يدع؛ لأنه يأخذ بما تضمنه العقد.

ومن اللواحق البحث فيما تبطل به الشفعة

هل تبطل الشفعه یترک المطالبه ام لا؟

*وتبطل بترك المطالبة مع العلم وعدم العذر. وقيل: لا تبطل إلا أن يصرّح بالإسقاط ولو تطاولت المدة. والأوّل أظهر.

--------------

قوله: «ولو اشترى شقصاً بمائة، ودفع إليه عوضاً يساوي عشرة» إلى آخره.

قد عرفت أنّ الشفيع يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد إن شاء، ودفع المشتري العوض عن المائة معاوضةً جديدةً في حكم الإبراء من البعض، فليس للشفيع الاقتصار عليه. وهذا من جملة الحِيَل على عدم الأخذ بالشفعة. وسيأتي(1) . وقد كان يكتفى بأحدهما عن الآخر.

قوله: «وتبطل - الشفعة - بترك المطالبة مع العلم وعدم العذر» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في حق الشفعة هل هو على الفور أو التراخي؟ فذهب جماعة من المتقدمين(2) - ومنهم الشيخ(3)، وأتباعه(4) ، وأكثر المتأخرين - إلى الأول. وذهب المرتضى(5)وابن الجنيد(6)وعلي بن بابويه(7)وأبو الصلاح(8) وابن إدريس(9)إلى الثاني.

ص: 106


1- يأتي في ص 113
2- كالمفيد في المقنعة، ص 618 - 619: والطبرسي في المؤتلف من المختلف، ج 1، ص 360، المسألة 4.
3- المبسوط ، ج 2، ص 533: الخلاف، ج 3، ص 430، المسألة 4: النهاية، ص 424.
4- المهذب، ج 1، ص 458 - 459: الوسيلة، ص 258
5- الانتصار، ص 454. المسألة 259
6- الحاكي عنهما هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 361. المسألة 332
7- الحاكي عنهما هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 361. المسألة 332
8- الكافي في الفقه، ص 361.
9- السرائر، ج 2، ص 388

--------------

واستند الأولون إلى قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : « الشفعة كحل العقال»(1). وفي خبر آخر: «الشفعة لمن واثبها »(2).

وحسنة علي بن مهزيار عن أبي جعفر(عليه السلام) المتضمنة بطلان الشفعة بعدم إحضار الثمن في الثلاثة(3)؛ إذ لو كانت على التراخي لم تبطل بعد الثلاثة. ولأنّ ثبوتها على خلاف الأصل، من حيث استلزامها التسلّط على مال الغير بغير اختياره، فيقتصر فيها على موضع الوفاق.

ولاستلزام التراخي الإضرار بالمشتري على تقدير أن يغرس ويبني في الزمان المتطاول، ثم يجيء الشفيع وينقض ذلك كله. واحتج الشيخ مع ذلك كله بالإجماع(4) .

واحتج الآخرون بأصالة عدم الفورية، وبأنّ البيع سبب في استحقاق الشفعة، والأصل ثبوت الشيء على ما كان إلى أن يثبت المزيل، وبأنه حق من الحقوق المالية، والأصل فيها أن لا تبطل بالإمساك عن طلبها.

وادعى المرتضى الإجماع على التراخي(5) ، كدعوى الشيخ الإجماع على ضدّه.

وفي الاستدلال من الجانبين نظر ؛ لأنّ الخبرين الأولين عاميان، والثالث كما لا يدل على التراخى لا يدل على الفورية كما لا يخفى.

وثبوتها على خلاف الأصل يوجب المصير إليها حيث يدلّ عليه الدليل، سواء حصل الاتفاق عليه أم لا، والضرر يزول بضمان الشفيع الأرش على تقدير القلع كما سبق(6) .

ص: 107


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 835 . ح 2500 السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 178، ح 11589 .
2- تلخيص الحبير، ج 3، ص 56. ح 1278.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 167، ح 739
4- الخلاف، ج 3، ص 430 المسألة 4
5- الانتصار. ص 454. المسألة 259
6- في ص 79.

* ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع؛ لأنه إسقاط ما لم يثبت. وفيه تردد.

وكذا لو شهد على البيع، أو بارك للمشتري أو للبائع، أو أذن للمشتري في الابتياع فيه التردّد؛ لأنّ ذلك ليس بأبلغ من الإسقاط قبل البيع.

--------------

ودعوى الإجماع من الجانبين تحكّم ظاهر، وهذا مما يرشد(1) بفساد هذه الدعاوي وعدم الوثوق بها في مواضع الاشتباه؛ لكثرة المجازفة الواقعة فيها.

والمراد بالمطالبة في قول المصنف: إنّ الشفعة تبطل بتركها، نفس الأخذ بالشفعة مع اجتماع الشرائط ولا يجب أمر آخر مما يدل على الطلب الاصطلاحي ؛ لأنه إن كان مع اجتماع شرائط الأخذ من العلم بمقدار الثمن وغيره نافي الفورية، وإن كان قبله لم يجب.

قوله:« ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع» إلى آخره.

هنا مواضع اختلف في كونها مسقطة للشفعة، سواء قلنا إنّها على الفور أم على التراخ الأوّل: أن ينزل الشفيع عن الشفعة قبل البيع، بمعنى تركها والعفو عنها. وفي سقوطها بذلك بعد البيع قولان:

أحدهما: السقوط(2)؛ لأن الحق له فإذا أسقطه سقط، كما لو أسقطه بعد البيع ولدلالته على الرضى بالبيع، بل أبلغ منه، وهو مبطل لها.

والثاني: عدمه(3) ؛ لعموم الأدلة(4). ومنع كونه حينئذ حقه، فلا تسقط بإسقاطه، كما لو أسقطه غير المستحق. ومنع بطلانها بما دلّ على الرضى بالبيع. وقد تقدم(5). وهذا أقوى.

ص: 108


1- في «م، ع»: «يوشك» بدل «يرشد».
2- راجع المقنعة ص 619؛ والنهاية، ص 425؛ والوسيلة، ص 258 - 259 .
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 257 جامع المقاصد، ج 6، ص 440.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 399 الباب 5 من أبواب كتاب الشفعة.
5- تقدّم في ص 98 .

*ولو بلغه البيع بما يمكن إثباته به كالتواتر أو شهادة شاهدي عدل، فلم يطالب وقال : لم أصدق بطلت شفعته، ولم يقبل عذره.

ولو أخبره صبي أو فاسق لم تبطل وصدّق.

وكذا لو أخبره واحد عدل لم تبطل شفعته، وقبل عذره؛ لأن الواحد ليس حجةٌ.

--------------

الثاني: أن يشهد على البيع. وقد اختلف فيه أيضاً، فذهب الشيخ في النهاية(1) وجماعة(2)إلى بطلانها؛ لدلالته على الرضى بالبيع. وذهب في المبسوط إلى عدمه(3) : للأصل، ومنع الدلالة وتأثيرها على تقديرها في الإبطال. وهذا أصح.

الثالث: أن يبارك للمشتري أو للبائع في العقد. وفي بطلانها به قولان أيضاً؛ إما لتضمنه الرضى بالبيع، أو لمنافاته الفورية.

والأصح عدم البطلان؛ لمنع الأمرين.

أما الأوّل فواضح.

وأمّا الثاني : فلأنّ المعتبر فيها العرف ونحو السلام والدعاء عند الاجتماع بذلك وأشباهه لا ينافيها عرفاً، بل ربما كانت المبادرة إلى الأخذ بدون الكلام مستهجناً عادةً.

الرابع: أن يأذن للمشتري في الابتياع وفيه أيضاً قولان، من حيث دلالته على الرضى المبطل لها، ومنع الأمرين، مع كونه ليس بأبلغ من إسقاط حقه منها قبل البيع، وهو غير مبطل، فهنا أولى. وهذا أصح.

والحق في جميع هذه المواضع ونظائرها أن الشفعة لا تبطل، إلا مع التصريح بإسقاطها بعد ثبوتها، أو منافاة الفورية على القول باعتبارها.

قوله: «ولو بلغه البيع بما يمكن إثباته به» إلى آخره.

لما كان ثبوت الشفعة متوقفاً على بيع الشقص اعتبر علمه به بالمعاينة، أو باعتراف

ص: 109


1- النهاية، ص 424.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة ص:258 والحلّي في الجامع للشرائع، ص 278
3- لم نعثر عليه في المبسوط صريحاً ولا على من حكاه عنه، ولكن راجع المبسوط، ج 2، ص 574

* ولو جهلا قدر الثمن بطلت الشفعة؛ لتعذر تسليم الثمن.

--------------

المتبايعين، أو بإخبار عدد يبلغ عددهم التواتر بحيث يفيد العلم، أو بإخبار عدلين. فإن أخر المطالبة مع وجود أحد هذه بطلت شفعته، حيث اعتبر فوريتها.

ولو قال: لم أصدق المُخبر من العدلين وعدد التواتر لم يقبل منه؛ لأنّ ذلك مكابرة حيث كان إثباتها شرعاً ممكناً بذلك.

ولو أخبره عدد لا يبلغ التواتر لكن حصل به الاستفاضة، وأفاد الظن الغالب المتاخم للعلم، فإن صدقه بطلت شفعته، وإلا ففي بطلانها وجهان، مبنيان على أن مثل هذا الحق هل يثبت بالاستفاضة أم لا؟ والأقوى كونه عذراً وإن قلنا بثبوته بها؛ للخلاف في ذلك، فكان عذراً.

هذا إذا اعترف بحصول العدد الموجب لها ولم يكن مذهبه ثبوتها بذلك بالاجتهاد أو التقليد، وإلا لم يعذر كالشاهدين. ولو قال: لم يحصل لي بإخبارهم الظنّ الغالب فهو عذر وإن حصل لغيره؛ لأنّ ذلك أمر نفساني لا يمكن معرفته إلا من قبله.

ولو كان المُخبر عدلاً واحداً، فإن صدقه فلم يطالب بطلت أيضاً؛ لأنّ العلم قد يحصل بخبره مع احتفافه بالقرائن وإن لم يصدقه أو سكت لم تبطل ؛ لعدم ثبوت البيع بخبره.

ولو كان واحداً غير عدل أو امرأةً واحدةً، أو صبيّاً ، أو جماعة غير عدول لا يبلغ عددهم حد الاستفاضة لم تبطل بتأخيره؛ لأن خبر هؤلاء لا يفيد العلم ولا الثبوت شرعاً.

ولو صدق الخبر ففي عذره بالتأخير بعده وجهان، من أنّ التصديق لا يستند إلى علم ولا سند شرعي فلا عبرة به ومن إمكان استناده إلى القرائن فإنّ الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم لا ينحصر في العدل. ولعلّ هذا أوجه.

قوله: «ولو جهلا قدر الثمن بطلت الشفعة؛ لتعذر تسليم الثمن».

لما كان الشفيع إنّما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد، ولا يملك أو لا يتم ملكه إلا بتسليمه، اشترط العلم بكمّيّته، وإلا لم يصح الأخذ؛ لفقد الشرط، وهو تسليم الثمن المعين.

ص: 110

* ولو كان المبيع في بلدناءٍ فأخر المطالبة

توقعاً للوصول بطلت الشفعة.

* ولو بان الثمن مستحقاً

بطلت الشفعة؛ لبطلان العقد.

وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري على غصبيّة الثمن، أو أقرّ الشفيع بغصبيته منع من المطالبة.

وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه؛ لتحقق البطلان على تردّد في هذا.

--------------

ومقتضى ذلك أنّه لا فرق بين أن يدفع قدراً يعلم اشتمال الثمن عليه ويتبرع بالزائد - إن اتفق - وعدمه. ويحتمل الاجتزاء بذلك؛ لصدق تسليم الثمن وزيادة.

وضمير جهلا قدره يرجع إلى المشتري والشفيع؛ لأنّ المعاوضة الثانية واقعة بينهما. ويتحقق ذلك مع تصادقهما على الجهالة، أمّا لو ادّعاها المشتري وأنكر الشفيع وادعى عليه العلم فسيأتي البحث فيه(1) .

قوله: «ولو كان المبيع في بلد ناءٍ فأخر المطالبة توقعاً للوصول بطلت الشفعة».

المراد أنّ تأخير الأخذ لقبض الشقص، أو يصل إليه ليس عذراً، بل عليه أن يأخذ ويدفع الثمن، ثمّ يسعى في تحصيل الشقص؛ لما تقدّم من أنّ الشفيع يسلّم الثمن أوّلاً(2).

ولو اعتبرنا التقابض معاً كما في غيره من المعاوضات - احتمل عذره في التأخير ليحصل(3)التقابض معاً.

والوجه العدم؛ لأن الفور المعتبر حينئذ الأخذ القولى، ويبقى تسليم الثمن حكماً آخر، لو سُلّم اعتبار التقابض معاً.

قوله: «ولو بان الثمن مستحقاً بطلت الشفعة لبطلان العقد» إلى آخره.

هنا مواضع أربع من مبطلات الشفعة: الأوّل: أن يظهر الثمن المعين مستحقاً، فإنّ الشفعة تبطل؛ لتبين بطلان البيع. ولم يقيد

ص: 111


1- يأتي في ص 115.
2- تقدم في ص 67 .
3- في «ع . م»: «التحصيل» بدل« ليحصل».

--------------

المصنف الثمن بكونه معيّناً مع أنّه مراد؛ بناءً على أنه لا يتحقق كذلك بدون التعيّن؛ إذ لو كان في الذمة لكان أمراً كلّيّاً، والمدفوع المشخّص ليس هو ذلك الكلي وإن تأدى به، فإذا ظهر كونه مستحقاً وجب على المشتري إبداله؛ لأنّ المستحق ليس هو الثمن، ولا تبطل الشفعة.

الثاني: أن يتصادق المشتري والشفيع على غصبيّة الثمن المعين، فإنّ الشفعة تبطل أيضاً؛ لبطلان الشراء؛ لأنّ ذلك بمنزلة ظهور الثمن مستحقاً.

وهي الصورة الأولى. والكلام مع اعتبار كون الثمن معيناً كما سبق.

والفرق بين الصورتين أن الاستحقاق في الأولى تحقق في نفس الأمر فتبعه البطلان، بخلاف الثانية، فإنّه إنما جاء من قِبَل المتصادقين، وحكم عليهما بمقتضاه مع جواز كذبهما؛ لأن الحق منحصر فيهما.

الثالث: أن يقرّ الشفيع بغصبيّة الثمن المعين وإن لم يصادقه المشتري، ولم يثبت البطلان؛ لأنه يستلزم الاعتراف بعدم استحقاق الشفعة، فيؤاخذ به؛ لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1) ، فلا يتعدى البطلان في حق المتبايعين.

الرابع: أن يتلف الثمن المعين قبل ،قبضه، فإنه يحكم ببطلان البيع، ويتبعه بطلان الشفعة.

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في هذه الصورة من حيث إنه وإن حكم ببطلان البيع إلا أنّ البطلان يحصل من حين التلف لا من أصله، والشفعة تثبت بنفس البيع قبل الحكم ببطلانه فيكون حقها أسبق. وهذا أقوى.

وفصل ثالث فقال: إن أخذ الشفيع قبل تلف الثمن لم تبطل الشفعة، وإن تلف قبل أخذه بطلت؛ لأنّها تابعة للبيع، فإذا بطل بطلت (2).

ص: 112


1- أورد في مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226. وص 370. المسألة 337. وص 543، المسألة 258: وتذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 233 ، المسألة 431 : وإيضاح الفوائد، ج 4، ص 428 : وجامع المقاصد، ج 5 ص 233.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 256.

جيل الإسقاط الشفعة

*ومن جيل الإسقاط أن يبيع بزيادة عن الثمن، ويدفع بالثمن عوضاً قليلاً، فإن أخذ الشفيع لزمه الثمن الذي تضمنه العقد.

وكذا لو باع بثمن زائد فقبض بعضاً وأبرأه من الباقي.

وكذا لو نقل الشقص بغير البيع كالهبة أو الصلح.

--------------

ويضعف بأنّ البطلان طار على استحقاقها فتكون مقدّمةً، كما لو تقابل المتبايعان، أو باعه المشتري من ثالث.

قوله: «ومن حيل الإسقاط أن يبيع بزيادة عن الثمن» إلى آخره.

تجوز الحيلة على إسقاط الشفعة من غير كراهية؛ للأصل، ولأنه ليس فيها دفع حق عن الغير، فإنّه إنّما يثبت بعد البيع. وربما احتمل الكراهة؛ لما فيها من إبقاء الضرر.

ثمّ للحيلة صُوَر ذكر المصنف منها ثلاثة :

منها: أن يبيع الشقص المشفوع بزيادة عن الثمن أضعافاً كثيرة، ويأخذ عرضاً (1)قيمته مثل الثمن الذي تراضيا عليه عوضاً عن القدر المجعول(2)ثمناً، فإن أخذ الشفيع بالشفعة لزمه الثمن الذي تضمنه العقد لا قيمة العرض(3)؛ لأنّ ذلك معاوضة أخرى بين المشتري والبائع وحينئذ فقد لا يرغب الشفيع في دفع الزائد.

ومنها: أن يبيعه بثمن زائد ويقبض بعضه ويبرئه من الباقي بعد انقضاء الخيار إجماعاً، أو فيه على أصح القولين، فيلزم الشفيع على تقدير الأخذ دفع جميع الثمن.

وجعل الحيلة في هذين مسقطة تجوز؛ لأنّ الشفعة لا تسقط بذلك، لكنّه أقام إعراض الشفيع عنها غالباً مقام سقوطها.

ومنها: أن ينقل الشقص بغير البيع كالهبة وإن شرط العوض، أو الصلح، على الأشهر من

ص: 113


1- في بعض النسخ: «عوضاً» بدل «عرضاً».
2- في «م ، ع»: «المجهول» بدل «المجعول».
3- في بعض النسخ: «العوض» بدل «العرض».

* ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه وقال أنسيت الثمن، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلّفه بطلت الشفعة. أما لو قال: لم أعلم كمّيّة الثمن، لم يكن جواباً صحيحاً، وكُلف جواباً غيره. وقال الشيخ تردّ اليمين على الشفيع.

--------------

اختصاصها بالبيع. وسقوط الشفعة هنا حقيقة (1)؛ لفقد الشرط المقتضي لثبوتها وهو انتقال الشقص بالبيع.

ومنها: أن يبيع جزءاً من الشقص بثمن كله، ويهب له الباقي.

ومنها: أن يوكل البائع شريكه بالبيع، فباع على أحد الوجهين.

ومنها: أن يبيع عُشر الشقص - مثلاً - بتسعة أعشار ،الثمن، ثم يبيع تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكن الشريك الأوّل من الشفعة لزيادة القيمة في الأوّل، وكثرة الشركاء في الثاني: لأن المشتري صار شريكاً حالة الشراء الثاني.

ومنها: أن يبيعه بثمن قيمي كثوب ويقبضه البائع، ويبادر إلى إتلافه قبل العلم بقيمته، أو يخلطه بغيره بحيث لا يتميّز، فتندفع الشفعة؛ للجهل بالثمن، إلى غير ذلك من الصور.

قوله: «ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه» إلى آخره.

إذا ادعى الشفيع على المشتري الابتياع فصدقه

فيه ولكن أنكر العلم بمقدار الثمن، فإن كان جوابه أنه كان عرضاً قيميّاً، وأخذه البائع وتلف في يده ولا نعلم قيمته، فالقول قوله مع يمينه؛ لأصالة عدم العلم، وكون ذلك أمراً ممكناً فلو لم يصدق فيه لزم الإشطاط(2) به وحينئذ فتبطل الشفعة.

وإن قال: كنت أعلم قدره ولكن نسيته، فقد أطلق المصنّف وجماعة(3)قبول قوله أيضاً؛ لأنّ ذلك أمر لا يُعلم إلا من قِبله، فلو لم يُقبل قوله فيه لزم تخليده الحبس على تقدير صدقه.

ص: 114


1- في بعض النسخ: «حقيقية» بدل «حقيقة».
2- أشَطّ: جار لسان العرب، ج 7، ص 334، «شطط».
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 261؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 326 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11): جامع المقاصد، ج 6، ص 465

المقصد الخامس في التنازع

اشارة

وفيه مسائل:

الأولى: *

إذا اختلفا في الثمن ولا بيّنة

فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه الذي ينتزع الشيء من يده. وإن أقام أحدهما بينةً قضي له.

--------------

ثمّ إن حلف على ذلك اندفعت عنه الدعوى وسقطت الشفعة، وإن لم يحلف وقضينا بالنكول، فإن كان الشفيع يدعي العلم بقدر معين ثبت وأخذ بالشفعة به، وإن لم نقض بالنكول ردّت اليمين على الشفيع وحلف على ما يدعيه، وثبت البيع به وإن كان لا يدعي العلم به وإنّما يدعي علم المشتري احتمل عدم سماع الدعوى بعد ذلك؛ لعدم إمكان الحكم

بشيء، وإحلاف الشفيع على أن المشتري يعلم، وحبس المشتري حتى يبين قدره.

وإن كان جواب المشتري ابتداء: لا أعلم كمّيّة الثمن لم يكن جواباً صحيحاً وكُلّف جواباً غيره؛ لأنه مشترك بين أن يكون لا يعلمه ابتداءً من حين الشراء، وهو غير مسموع؛ لاقتضائه بطلان البيع وأن يكون على أحد الوجهين السابقين، فلا بد من تفصيله، وحينئذ فيلزم بجواب مسموع، فإن أصر حبس حتى يجيب.

وقال الشيخ: تردّ حينئذ اليمين على الشفيع، ويقضى على المشتري بما يحلف عليه(1).

وهذا يتم مع دعوى الشفيع العلم بالقدر، أما بدونه فلا؛ لعدم إمكان حلفه.

ولو فرض دعوى الشفيع هنا عدم علمه، لكن ادعى علم المشتري حلف على ذلك، وألزم المشتري البيان كما مر. ثم إن بين قدراً وطابقه عليه الشفيع حكم بمقتضاه، وإلا فإشكال.

قوله: «إذا اختلفا في الثمن ولا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه» إلى آخره.

إذا اتفق الشفيع والمشتري على وقوع الشراء ولكن اختلفا في مقدار الثمن، بأن قال

ص: 115


1- لم نعثر على قوله هذا، نعم ذكر في المبسوط، ج 2، ص 585 - 586 وجهين وحكم بصحة الوجه الأول، وهو أنّ القول قول المشتري مع يمينه وتسقط الشفعة : وراجع أيضاً جواهر الكلام ، ج 37، ص 443، حيث إنه اعترف بعدم تحققه من قول الشيخ.

--------------

المشتري اشتريت بألف فقال الشفيع بل بخمسمائة، فالمشهور أنّ القول قول المشتري (مع يمينه)(1) .

وعللوه بأنه أعلم بعقده.

وبأنه ينتزع الشيء من يده فلا يرفع يده عنه إلا بما يدعيه.

وبأنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع؛ إذ لا يدعي شيئاً في ذمته ولا تحت يده، وإنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع، والمشتري ينكره. ولا يلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدعياً عليه وإن كان خلاف الأصل؛ لأنه لا يدعي استحقاقه إيَّاه عليه، ولا يطلب تغريمه إيّاه، ولأنّ الذي لو ترك الخصومة لترك هو الشفيع؛ إذ لا يطلبه المشتري للأخذ بالشفعة بما يدعيه.

وفي الكل نظر :

أمّا الأوّل؛ فلأنّ النزاع ليس في العقد؛ لا تفاقهما معاً على وقوعه صحيحاً واستحقاق الشفعة به وإنّما نزاعهما في القدر الواجب على الشفيع دفعه إلى المشتري من الثمن فالمشتري يدّعي زيادته عمّا يدعيه الشفيع، والشفيع ينكره فيكون المشتري هو المدعي والشفيع هو المنكر ، فيدخل في عموم اليمين على من أنكر» (2).

ولا يقال: العقد لمّا لم يتشخّص بدون الثمن المعيّن فيكون الاختلاف فيه في قوة الاختلاف في العقد؛ لأنّ المتشخص منه بالألف غير المتشخص بخمسمائة، فيرجع الأمر إلى الاختلاف في العقد، والمشتري أعلم به؛ لأنه من فعله دون الشفيع.

ص: 116


1- مابين القوسين أثبتناه من بعض النسخ.
2- سنن الدارقطني، ج 3، ص 37، ح 98/3151 و 99/3152، وص 460 ، ح 4427 و 4428: السنن الكبرى. البيهقي ، ج 8، ص 213، ح 16445؛ وج 10، ص 427، ح 21201؛ وورد ذلك بتفاوت في الكافي، ج 7، س 415، باب أن البينة على المدعي .... ح 1 و 2: والفقيه، ج 3، ص 32، ح 3270؛ وتهذيب الأحكام، ج 6. ص 229، ح 554.

--------------

لأنا نقول: القدر من العقد الواقع على الشقص مع كون الخمسمائة لازمة أمر متفق عليه بينهما، وإنّما النزاع فيما زاد على ذلك، وهو يرجع إلى دعوى المشتري وإنكار الشفيع على أنّ هذا لو تم لزم تقديم قول من يدعي زيادة العوض في كلّ معاوضة، كالبيع والإجارة والصلح، سواء كانت العين قائمة أم لا، وأنتم لا تقولون به.

لا يقال: عقد البيع وغيره إنما يقوم بالمتبايعين فليس أحدهما أولى به من الآخر، فلذا لم يقدم قول مدعي الزيادة مطلقاً، بخلاف الشفيع بالنسبة إلى المشتري؛ لأنّ عقد البيع لم يقم بالشفيع، وإنّما هو خارج يريد انتزاع العين بما يدعيه، فلذا قدم قول المشتري؛ لأنه أعرف بعقده.

لأنا نقول: قد يفرض وقوع العقد مع غير البائع والمشتري، كوكيلهما ووكيل أحدهما، ثمّ ينازعهما من دون حضور الوكيل فيلزم تقديم قول من وقع العقد معه، وأنتم لا تقولون به.

وبالجملة فمرجع تقديم قول أحد المتنازعين إلى كونه منكراً، وكون الآخر مدعياً، نظراً إلى الخبر، أما غيره من الاعتبارات فلا التفات إليها من الشارع، وإنما هي مناسبات لا تفيد العلية.

وأمّا الثاني فيمنع كون المالك لا تزال يده عن ملكه إلا بما يدعيه، فقد يقدّم قول المنكر في كثير في البيع وغيره، خصوصاً مع تلف العين. وتخصيص هذا بما إذا كانت العين باقية؛ ليكون كتقديم قول البائع في الثمن مع بقاء العين فيه - مع كونه تخصيصاً لمدعي القائل بغير رضاه - أن تقديم قول البائع حينئذ ليس لهذه العلة، بل لرواية وردت في ذلك(1) كما تقرر في بابه(2) ، ومن ثُمَّ خالف فيه جماعة (3)اطرحوا الرواية، إما لضعف سندها؛ أو لمخالفتها للأصول.

ص: 117


1- الكافي، ج 5، ص 174، باب إذا اختلف البائع والمشتري، ح 1 و 2 : الفقيه، ج 3، ص 269 - 270، ح 3978؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 26، ح 109، وص 229 - 230، ح 1001.
2- راجع ج 3، ص 169 وما بعدها.
3- لم نعثر على قول الجماعة إلا عن ابن الجنيد، وسيأتي عن قريب

--------------

وقدموا قول المشتري مطلقاً، أو حكموا بالتحالف إلى غير ذلك من الاختلاف. وتعدية الرواية إلى موضع النزاع - مع تسليمها في موردها - قياس لا يقولون به.

وأمّا الثالث ففيه - مع منافاته لظاهر الخبر - أنّه لا يتمّ بعد أخذ الشفيع بالشفعة، إمّا برضى المشتري بتأخير الثمن في ذمته، أو مطلقاً بناءً على أن أخذه المعتبر في التملك بذله للثمن المتفق على لزومه لذمته لا ما يدعيه المشتري، فإذا أخذ الشفيع بما يعترف به ملك الشقص، وبقي النزاع بينه وبين المشتري في القدر الزائد ولو كان ملكه متوقفاً على إعطاء المشتري ما يدعيه لزم إمكان دفعه عن التملك بسهولة، كدعوى قدر كثير لا يسمح به الشفيع من غير أن يثبته المشتري.

وعموم الأدلّة تنفيه، ومن ثَمَّ ذهب ابن الجنيد (رحمه الله) إلى تقديم قول الشفيع في قدر الثمن مطلقاً(1) ؛ لعموم الخبر(2). وهو في غاية الوضوح، لكنّه خلاف المشهور.

إذا تقرر ذلك فنقول: ما ذكرنا من تقديم قول أيهما إنما هو مع عدم البينة، أما معها فإن كانت من الشفيع على ما يدعيه قبلت، بناءً على أنه خارج، وقد يقدم قول المشتري فتكون البينة بينة الآخر.

وإن كانت من المشتري قيل: أفادت اندفاع اليمين عنه، وإن كان في دفع اليمين عن المنكر بالبينة في غير هذه الصورة تردّد.

والفرق أنّه يدعي دعوى محضة، وقد أقام بها بيّنةً، فتكون مسموعة.

ويشكل بأنّ جعله مدعياً دعوى محضة يوجب عدم قبول قوله، وإنما توجّه قبوله يتكلف كونه منكراً ، فلا يخرج عن حكم المنكر.

ولو أقاما بيّنةً بُني على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج عند التعارض، فعلى الأوّل تقدّم

ص: 118


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 366 المسألة 334؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3. ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع ص 116 ، الهامش 2

*ولا تُقبل شهادة البائع لأحدهما.

--------------

بيئة المشتري، وعلى الثاني بينة الشفيع على ما يلزم من الحكم بتقديم قول المشتري.

وقوى في المختلف ترجيح بينة المشتري، لا من حيث إنه داخل، بل لأن تقديم قوله قوى جانبها، فكان مرجحاً. قال:

وهذا بخلاف الداخل والخارج؛ لأنّ بيّنة الداخل يمكن أن تستند إلى اليد، فلهذا قدمنا بينة الخارج، وفي صورة النزاع على نفس العقد كشهادة بيّنة الشفيع (1).

ويشكل بأن تقديم بينة الخارج عند القائل به ليس لذلك، بل لقوله(عليه السلام) : «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»(2)، والخارج مدع فتكون بينته مرجحة.

قوله :«ولا تقبل شهادة البائع لأحدهما».

لأنّ شهادته لكلّ منهما قد تجرّ نفعاً لنفسه؛ لأنّ شهادته بكثرة الثمن تتضمن استحقاقه إياه، وكون الزائد لو خرج مستحقاً استحق بدله وإن كان قد قبضه، وبنقصانه يتضمن دفع درك الزائد لو خرج مستحقاً .

وفي المسألة وجه بقبول شهادته على الشفيع مع القبض وله بدونه؛ لأنها مع القبض لا تجرّ لنفسه نفعاً، وإنّما تفيد تحمّل درك الزائد وبدون القبض شهادة على نفسه بنقصان (حقه)(3)، ومحذور الدرك مستحقر (4)في ضمن الاعتراف بعدم استحقاق الزيادة.

والأظهر عدم القبول مطلقاً؛ لأنه ربما حاول بالنقيصة(5) إسقاط خيار الغبن وقلة الأرش إذا ظهر المبيع معيباً، وربما كان عالماً بالعيب ويتوقع المطالبة بأرشه، وربما كان له غرض بعود المبيع إليه بفسخ المشتري إذا علم بالعيب أو الغبن ويخشى بأخذ الشفيع فوات ذلك

ص: 119


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 366 - 367 المسألة 334 .
2- تقدم تخريجه في ص 116 ، الهامش 2.
3- ما بين القوسين أثبتناه من بعض النسخ.
4- في .«م»: «مستقر» بدل «مستحقر».
5- كذا في هامش بعض النسخ ولعله الصحيح، وفي «م ، ع»: «بالزيادة».

* ولو أقام كلّ منهما بيّنةً حُكم ببينة المشتري. وفيه احتمال للقضاء ببينة الشفيع؛ لأنّه الخارج.

*ولو كان الاختلاف بين المتبايعين ولأحدهما بيئة

حكم بها.

ولو كان لكل منهما بيّنة، قال الشيخ الحكم فيها القرعة.

وفيه إشكال؛ لاختصاص القرعة بموضع اشتباه الحكم ولا اشتباه مع الفتوى بأن القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فتكون البينة بيّنة المشتري.

وإذا قضي بالثمن تخيّر الشفيع في الأخذ بذلك وفي الترك.

--------------

فيزيد في الثمن ليدفعه عن الأخذ. وربما خاف ردّ المشتري له بالعيب دون الشفيع فقلل الثمن ،لذلك فالاحتمال قائم على التقديرين وجهة التهمة غير منضبطة.

قوله: «ولو أقام كلُّ منهما حكم ببينة المشتري» إلى آخره.

ما اختاره من تقديم بيّنة المشتري عند التعارض قول الشيخ في الخلاف والمبسوط،معللاً بأنّه داخل وبأن بينته تثبت زيادة الثمن والشفيع ينكره (1).

والقول بتقديم بينة الشفيع لابن إدريس(2)وجماعة(3)منهم العلامة(4) ، بناءً على تقديم بينة الخارج عملاً بظاهر الخبر الصحيح (5). وقد تقدم البحث في ذلك(6)، وإنّما قدمناه لمناسبة ذكر باقي الأقسام.

قوله: «ولو كان الاختلاف بين المتبايعين ولأحدهما بينة حكم بها» إلى آخره.

قد تقدّم في البيع(7) أنّ المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن يقدم قول البائع مع بقاء السلعة

ص: 120


1- الخلاف، ج 3، ص 431، المسألة 6 ؛ المبسوط، ج 2، ص 535.
2- السرائر، ج 2، ص 291 - 392
3- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 461.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 261؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4. ص 586 ، الرقم 6194.
5- راجع ص 116 الهامش 2
6- تقدّم في ص 118 - 119 .
7- تقدم في ج 3، ص 169 وما بعدها.

الثانية: * قال في الخلاف

إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي

قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار.

وفيه تردّد من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع. ولعلّ الأوّل أشبه.

--------------

والمشتري مع تلفها، إذا لم يكن بينة والمفروض هنا قيامها ليأخذها الشفيع، فيكون قول البائع مقدماً على ذلك القول المشهور.

فإن لم يكن هناك بينة أخذ الشفيع بما حلف عليه البائع؛ لأنه الثمن الثابت شرعاً للمبيع.

وقيل: بل يأخذ بما يدعيه المشتري ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ منه ويدفع إليه الثمن، وهو يزعم أنّ البائع ظالم بأخذ الزائد، فلا يظلم هو الشفيع فيه.

وهذا أقوى. وإن أقاما بيّنةً، قال الشيخ فى المبسوط : يقرع بينهما ، فمن أخرجته القرعة قدمت بينته (1)؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل(2) .

والمصنف (رحمه الله) استشكل ذلك بأنه لا إشكال مع اعتراف الشيخ بتقديم قول البائع مع بقاء السلعة وعدم البينة(3) ، فمع قيامها تكون البينة بينة الآخر، عملاً بالخبر. وهذا حسن.

ثم فرع المصنّف عليه بأنّه إذا قضي بالثمن لمن قدمت بينته، فالشفيع يأخذ بذلك الثمن؛ لأنه الثابت شرعاً، ولأنّ الزائد بزعمه غير مستحق وبيّنة البائع كاذبة فيه، فلا يظلم هو الشفيع فيه.

ولو قدمنا بينة البائع بالقرعة، أو لكونه الداخل جاء في أخذ الشفيع بالثمن الثابت شرعاً ما تقدّم من الإشكال.

والأقوى أنّه يأخذ بما يدعيه المشتري لا غير؛ لما ذكر من التعليل.

قوله: «قال في الخلاف(4) : إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي» إلى آخره.

وجه ما اختاره الشيخ من ثبوت الشفعة إقرار ذي اليد بها فيُحكم عليه؛ لعموم: «إقرار

ص: 121


1- المبسوط، ج 3، ص 310.
2- الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593، وفيهما: «كل مجهول ففيه القرعة».
3- الخلاف، ج 3، ص 147 . المسألة 236، وص 451 ، المسألة 34
4- الخلاف، ج 3، ص 147 . المسألة 236، وص 451 ، المسألة 34

الثالثة: *

إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده فأنكر

فالقول قول المنكر مع يمينه. فإن حلف أنه لا يستحق عليه شفعة جاز، ولا يكلّف اليمين أنه لم يشتر بعده.

--------------

العقلاء على أنفسهم جائز»(1). ومحصل إقراره أنّ ما بيده مستحق الأخذ بالشفعة للمقر له، فلا مانع من نفوذه.

ونفاها ابن إدريس(2)؛ لما ذكره في منشأ التردّد من توقفها على ثبوت البيع، ولم يحصل.

ويضعف بمنع توقف ثبوتها على ثبوت البيع على هذا الوجه؛ لاعتراف المالك باستحقاق الشفيع مع عدم المعارض، حتى لو كان الشقص بيد شخص وادّعى شراءه، حكم عليه بالشفعة وإن لم يصادق البائع على ذلك؛ عملاً بنفوذ إقرار ذي اليد، ويبقى النزاع بينه وبين من ادعى الشراء منه، وهو أمر آخر.

وعلى هذا إن أقرّ البائع بقبض الثمن دفعه الشفيع إلى الحاكم؛ لأنّه مستحق عليه ولا يدعيه أحد، وإلا كان للبائع أخذه قصاصاً.

ولا يثبت الدرك على المشتري؛ لعدم ثبوت البيع بالنسبة إليه، بل يبقى على البائع.

وللشفيع إحلاف المشتري؛ لأنّ له عليه حق الدرك على تقدير كونه مشترياً.

وكذا للبائع إحلافه على الأقوى، سواء كان قد قبض الثمن أم لا.

أما على تقدير عدم قبضه فظاهر؛ لأنه يدعي عليه الثمن وينفي دركه عنه.

وأما على تقدير قبضه؛ فلأنّ الذي يأخذه من الشفيع ليس هو عين حقه، وإنّما يأخذه قصاصاً عن حقه، كما ذكرناه، فله الإحلاف لأجله؛ ولدفع الدرك

قوله: «إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده فأنكر» إلى آخره .

إنّما قدّم قوله لأصالة عدم استحقاقه عليه الشفعة، وعدم تقدم شرائه وإن كان موافقاً للأصل، إلا أنّه لا يستلزم استحقاق الشفعة؛ لأنّ الأصل أيضاً عدم تقدم شراء الشريك

ص: 122


1- تقدم تخريجه في ص 112، الهامش 1
2- السرائر، ج 2، ص 394

*ولو قال كلّ منهما: أنا أسبق فلي الشفعة، فكلّ منهما مدع، ومع عدم البينة يحلف كلّ منهما لصاحبه، وتثبت الدار بينهما.

ولو كان لأحدهما بينة بالشراء مطلقاً لم يحكم بها؛ إذ لا فائدة فيها، ولو شهدت لأحدهما بالتقدّم على صاحبه قضي بها.

ولو كان لهما بينتان بالابتياع مطلقاً أو في تاريخ واحد فلا ترجيح.

ولو شهدت بيّنة كلّ واحد منهما بالتقدّم قيل : تستعمل القرعة، وقيل: سقطتا وبقي الملك على الشركة.

--------------

الآخر، فإذا تعارض الأصلان فلا شفعة؛ لاحتمال الاقتران.

وأما الاكتفاء بحلف المنكر على الأعم - وهو عدم استحقاق شريكه عليه الشفعة - وإن ادعى عليه بالأخص - وهو تأخر شرائه - فهو مع جوازه غير مختص بهذه المسألة، بل يأتى في جميع الدعاوي لحصول الغرض من الجواب، فإنّ غاية هذه الدعاوي استحقاق الشفعة، فحلفه على نفيه يفيد المطلوب، وربما كان الشراء متأخراً مع عدم استحقاقه الشفعة بسبب من الأسباب المسقطة.

وفي المسألة وجهان آخران:

أحدهما تحتم الحلف على الأخص على طبق الدعوى.

والثاني: أنّه إن أجاب بنفي الأخصّ لزمه الحلف عليه؛ لأنه لم يجب به إلا ويمكنه

الحلف عليه، وإن أجاب بالأعمّ ابتداءً لم يكلّف غيره. وسيأتي البحث فيه في القضاء(1).

قوله: «ولو قال كلّ منهما: أنا أسبق فلي الشفعة» إلى آخره.

إذا ادعى كلّ منهما السبق على الآخر في الشراء؛ ليأخذ منه بالشفعة، فإن لم يكن لأحدهما بيّنة حلف كلّ منهما للآخر، وانتفت الشفعة من الجانبين؛ لأصالة عدم تقدّم كلّ منهما على الآخر، وعدم ثبوت الشفعة للآخر عليه.

ص: 123


1- يأتي في ج 11، ص 153 - 154

الرابعة: *

إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث وأقاما البينة

قال الشيخ: يقرع بينهما؛ لتحقق التعارض.

--------------

وإن كان لأحدهما بيّنة، فإن كانت مطلقةً فلا عبرة بها؛ لأنّ المطلقة إنّما تثبت مطلق الشراء، وهو لا يوجب الشفعة، وإن كانت مؤرّخة بتاريخ يقتضي تقدم من شهدت له به حكم بمقتضاها، وتثبت له الشفعة؛ لعدم المعارض.

وكذا لو أقاما بينتين إحداهما مطلقة، والأخرى مؤرّخة كذلك. ولو كانتا مطلقتين فهما بمنزلة عدم البينة.

وإن كانتا مؤرّختين على وجه يحصل بهما التعارض بأن تشهد بينة كل واحد له بالسبق فقيه أوجه:

أحدها: استعمال القرعة؛ لاتفاقهما في الشهادة على استحقاق أحدهما على الآخر الشفعة، مع أنّ إحداهما كاذبة قطعاً، فيكون السابق مشتبهاً، فيستخرج بالقرعة؛ لأنها لكلّ أمر مشتبه.

والثاني: تساقطهما؛ لتكافئهما، ويبقى الملك على أصل الشركة من غير يمين ولا نسلّم أن الثابت سبق أحدهما في نفس الأمر؛ لأنه كما يجوز كذب أحدهما خاصةً يجوز كذبهما. فلا يكون أحدهما سابقاً في نفس الأمر. وتكافؤهما أوجب اطراح قولهما معاً؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

والثالث: التساقط والتحالف.

أمّا الأوّل فلاستحالة الترجيح.

وأما الثاني فلبقاء الدعويين بعد اطراح البينتين بمنزلة ما لو لم يكن هناك بينة. وليس الحكم باليمين مع سقوط البينة ببعيد، كما هو مع إقامتها.

وهذا لا يخلو من قوة.

قوله: «إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث وأقاما البينة» إلى آخره.

إذا ادعى أحد الشريكين على شريكه الذي تأخر ملكه عن ملك المدعي أنه انتقل إليه

ص: 124

ولو ادعى الشريك الإيداع

قدّمت بيّتة الشفيع؛ لأنّ الإيداع لا ينافي الابتياع.

--------------

الملك بالابتياع ليثبت عليه الشفعة، وادعى الشريك أنه انتقل إليه بالإرث فلا شفعة، وأقام كلّ منهما بيّنةً بما ادعاه، قال الشيخ: «يقرع بينهما»(1) ، فمن أخرجته القرعة حكم ببينته؛ لتحقق التعارض بين البينتين فلا ترجيح، فيشتبه الحال في صدق أيهما فيسترجع بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشتبه.

ويضعف بأنه لا اشتباه هنا في الحكم ولا تعارض؛ لأنّ الشفيع خارج، وهو مدّعِ حقيقة ؛ لأنه يطلب انتزاع ملك الشريك الذي الأصل بقاؤه، ويخلّي وسكوته، ويترك لو ترك. فتكون بينته أرجح لعموم البينة على المدعي»(2).

ولأنه ربما لم يكن بين البينتين تعارض؛ إذ ربما عوّلت بيّنة الإرث على أصالة بقاء الملك إلى حين الموت فانتقل بالإرث؛ لعدم علمها بصدور البيع، وبينة الشراء اطلعت على أمر زائد. وهذا هو الأقوى.

قوله: «ولو ادعى الشريك الإيداع قدمت بينة الشفيع؛ لأنّ الإيداع لا ينافي الابتياع».

أي لو ادعى الشريك في شقص على مَنْ هو في يده أنه ابتاعه؛ ليأخذه بالشفعة، وادعى من هو في يده أنّه عنده وديعة من مالكه.

وسمّى مدعي الإيداع شريكاً مجازاً، من حيث دعوى الشريك الآخر عليه الشركة وإن لم تثبت أو من حيث اليد الدالّة ظاهراً على الملك، ولو كان شريكاً حقيقةً لكانت دعواه الاستيداع غير مقبولة.

وحينئذ فإن لم يكن لهما بينة فالقول قول مدّعي الوديعة؛ لأصالة عدم الشفعة، واعترافه بعدم الملك، وإن أقام الشريك بيّنةً فلا إشكال في قبولها؛ لأنه خارج .

وإن أقاما معاً بيّنةً، بأن أقام المدعي بيّنة بالشراء، والمدعى عليه بينة بالإيداع، فلا يخلو إما أن تكونا مطلقتين، أو مؤرّختين أو إحداهما مطلقة والأُخرى مؤرّخة، إما بيّنة الإيداع

ص: 125


1- المبسوط، ج 2، ص 559
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 427. ح 21201؛ تلخيص الحبير، ج 4، ص 167 ، ح 2037.

--------------

أو بيئة الابتياع، فالصور أربع، وعلى تقدير تاريخهما إما أن يتحدا في وقت واحد، أو يتقدّم تاريخ الابتياع، أو تاريخ الإبداع، فصارت الصُوَر سنّاً.

ثم على جميع التقادير إما أن يتعرض كلّ واحد من البينتين إلى الملك للبائع والمودع. بأن تقول بينة الشفيع: إنّ البائع باع ما هو ملكه، وبينة الإيداع: إنه أودع ما هو ملكه، أو لا يذكرا ذلك، أو تذكر إحداهما دون الأخرى.

فالصُوّر أربع أيضاً، مضروبة في الست السابقة، والمرتفع - وهو أربع وعشرون صورة - هي أقسام المسألة.

وقد أشار المصنف إلى حكمها إجمالاً، ونحن نشير إليها تفصيلاً. فقول المصنف «قدمت بيِّنة الشفيع لأنّ الإيداع لا ينافي الابتياع» يقتضي بإطلاقه تقديم بينة الابتياع في جميع الصور؛ لتعرّضه للقيود وعدم استثنائه منها إلا صورة واحدة ذكرها بلفظ قيل(1) مؤذناً بعدم ترجيحه.

ووجه تقديم بيّنة الشفيع مع الإطلاق واضح؛ لأنه ربما أودعه ثم باعه، فيقضى بالشفعة. وكذا مع تقدم تاريخ بينة الإيداع وإن سبق تاريخ البيع فلا منافاة أيضاً؛ لاحتمال أن البائع قبضه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع، فاعتمده الشهود.

وهذا وإن كان خلاف الظاهر والمعروف من معنى ،الإيداع، إلا أنّ بناء ملك الإيداع على ظاهر الأمر وعقده على التساهل، ومن ثُمَّ اكتفي فيه بالفعل، فسهل الخطب فيه.

ولو اتحد التاريخان، فإن أمكن الجمع بين البيع والوديعة، كما لو شهدت إحداهما بالبيع يوم الجمعة والأخرى بالوديعة فيه فلا منافاة أيضاً. وإن انحصر أول الوقت بحيث لا يمكن فيه وقوع الفعلين كما لو قال: إنّه بعد الزوال بغير فصل أودعه، وقال الآخر: إنّه ذلك الوقت باعه، فمقتضى إطلاق المصنّف والجماعة(2)تقديم بيّنة الابتياع أيضاً.

ص: 126


1- ستأتي في الصفحة التالية بلفظ: «قال».
2- منهم العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 262؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 6، ص 472: وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 226

* ولو شهدت بالابتياع مطلقاً وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ متأخر ، قال الشيخ: قدمت بينة الإيداع؛ لأنّها انفردت بالملك ويكاتب المودع، فإن صدق قضى ببيئته وسقطت الشفعة، وإن أنكر قضى ببينة الشفيع.

--------------

ولا يخلو من إشكال والتعليل بعدم التنافي لا يتم.

ولا فرق في هذه الصورة بين أن تُطلق كلّ واحدة من البينتين، فلا تقيد بكون المودع أو المبيع ملكاً للدافع، أو تذكر كلّ منهما ذلك، أو تذكر إحداهما دون الأخرى، مع تأخر تاريخ المتعرضة للملك وتقدّمه.

وفي بعض هذه خلاف نبه عليه المصنف بخصوصه وإن لم يترجح عنده.

والمراد بقوله قدّمت بيّنة الشفيع، أنه يعمل بمقتضاها وتثبت الشفعة، وإلا فحيث لا تنافي يعمل بالبينتين معاً؛ لعدم التعارض.

قوله: «ولو شهدت بالابتياع مطلقاً »إلى آخره.

هذه هي الصورة التي أخرجها المصنف (رحمه الله) من الحكم بتقديم بينة الشفيع على وجه الاتفاق(1) : لمخالفة الشيخ في حكمها.

وحاصلها: أنّ بيّنة الابتياع إذا لم تتعرّض لكون البائع قد باع ما هو ملكه، بل شهدت بالبيع فقط، وشهدت بيّنة الإيداع بكونه قد أودع ما هو ملكه في تاريخ متأخر عن تاريخ البيع، فقد قال الشيخ في المبسوط : تقدم بيّنة الإيداع هنا؛ لانفرادها بذكر الملك(2) فكانت أقوى؛ إذ لا يحتمل كون المودع غير مملوك، بخلاف المبيع، فجاز أن يكون غير مملوك، فلذلك كان إطلاقه أضعف.

وخصه بما إذا تأخر تاريخ الإيداع ليستصحب حكم الوديعة؛ إذ لو تقدم على البيع لم ينافه؛ لجواز أن يودعه ملكه ثمّ يبيعه إياه.

ص: 127


1- في :«م»: «الإيقاع» بدل .«الاتفاق»
2- المبسوط، ج 2، ص 559

*ولو شهدت بينة الشفيع أنّ البائع باع وهو ملكه، وشهدت بينة الإيداع مطلقاً قضي ببينة الشفيع، ولم يراسل المودع؛ لأنّه لا معنى للمراسلة هنا.

إذا تصادق البائع والمشتري أن الثمن غصب، وأنكر الشفيع

فالقول قوله، ولا يمين عليه إلا أن يُدعى عليه العلم.

--------------

ونسبة المصنّف إلى القيل يؤذن بضعفه(1) .

ووجه الضعف أنّ البينة بإيداع الملك لا تنفي البيع؛ لأنّ الشهادة بالملك يكفي فيها الاستناد إلى العلم بالملك في زمان متقدّم مع عدم العلم بالمزيل الطارئ، وعدم العلم به لا يدلّ على عدمه، فحينئذٍ بينة الابتياع تشهد بأمر زائد لا تعارضها الأخرى فيه وإن لم تصرح بالملك.

قوله: «ولو شهدت بيّنة الشفيع أنّ البائع باع وهو ملكه» إلى آخره.

هذه عكس الأولى، وحكمها داخل في العموم السابق(2) بتقديم بينة الشفيع، وإنما خصها للمقابلة بينها وبين السابقة في الحكم بالتقديم، وفي مراسلة المدعى كونه مودعاً وعدمه.

وإنّما لم يعتبر المراسلة هنا لانتفاء فائدتها؛ فإنّه لو صدّق بيّنته لم يلتيح بينة الابتياع من حيث عدم المنافاة بين الإيداع مطلقاً وبيع العين(3)المودعة من مالكها كما مرّ.

وقوله هنا «قضي ببينة الشفيع» أجود من قوله سابقاً «قدمت بيّنة الشفيع»؛ لعدم التعارض، إلا أنّ غرض مدّعي الوداعة لما كان نفي الشفعة، وغرض بينة الابتياع إثباتها و حكم بها كان في معنى التقديم.

قوله: «إذا تصادق البائع والمشتري أن الثمن غصب» إلى آخره.

إنّما قدّم قوله لاتفاق الجميع على وقوع البيع، ثمّ المتبايعان يزعمان فساده، فلا يقبل في

ص: 128


1- بل نقله عن الشيخ في المبسوط
2- سبق في ص 125 .
3- في «م»: «وبين العين» بدل «وبيع العين».

--------------

حق الشفيع استصحاباً لما ثبت له من الحق بالبيع، ولأن إقرارهما إنّما يُسمع في حقهما لا في حق غيرهما، كما في نظائره من الأقارير.

وحينئذ فيترتب على نفوذه في حق أنفسهما وجوب ردّ الثمن على المقر له، وعدم ملك المشتري لنماء الشقص المتخلّل بين الشراء والأخذ بالشفعة، وعلى عدم نفوذه في حق الشفيع جواز أخذه بالشفعة، وكون الدرك على المشتري. ولا يمين لهما على الشفيع، إلا أن يُدعى عليه العلم، فيحلف على نفيه؛ لأنّه حلف على نفي فعل الغير.

ويبقى حكم الثمن الذي يعترف به الشفيع، فإنّ المشتري يزعم أنه لا يستحقه؛ لفساد الشراء، وكذلك البائع، فطريق التخلص منه أن يأخذه المشتري ويدفعه إلى البائع؛ ليأخذه مقاصةً عن قيمة الشقص؛ لزعمهما أنه غير مستحق لأخذه، فإن بقي من الثمن بقية عن القيمة فهي مال لا يدعيه أحد، ومحلها الحاكم.

ص: 129

ص: 130

كتاب إحياء الموات

اشارة

والنظر في أطراف أربعة:

مشروعه احیاء الموات وفضیلته

--------------

كتاب إحياء الموات

الأصل في إحياء الموات قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): «من أحيا أرضاً ميتةً فهي له»(1). وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من أحاط حائطاً على أرض فهى له»(2).

وروي أنه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «عادي الأرض الله ولرسوله، ثمّ هي لكم منّي»(3).

وروي: «موتان الأرض الله ولرسوله، ثم هي لكم مني أيها المسلمون»(4).

والمَوَتان بفتح الميم والواو. وفيه لغة أخرى بفتح الميم وسكون الواو. فأما موتان بضمّ الميم وسكون الواو فهو الموت الذريع.

وقد دلّت هذه الأخبار وغيرها (5)على حصول الملك بالإحياء وعلى جوازه.

ص: 131


1- الكافي، ج 5، ص 280، باب في إحياء أرض الموات، ح 6: الفقيه، ج 3، ص 240، ح 3880؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 151 . ح 670: الاستبصار، ج 3، ص 107، ح 379
2- مسند أحمد، ج 5، ص 638. ح 1920؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 179، ح 3077.
3- السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 237 ، ح 11783 و 11785 مع اختلاف تلخيص الحبير، ج 3، ص 62. ح 1293.
4- السنن الكبرى البيهقي ، ج 6 . ص 237، ح 11786 مع اختلاف؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 62، ح 1293.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 411، الباب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات.

الطرف الأوّل* في الأرضين

حکم الارض العامره

*وهي إما عامرة، وإما موات.

فالعامر ملك لمالكه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه. وكذا ما به صلاح العامر، كالطريق والشرب والقناة.

ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد الشرك، غير أنّ ما في بلاد الإسلام لا يُغنم، وما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه.

--------------

ويدلّ على استحبابه رواية جابر أنه (صلی الله علیه وآله وسلم)قال: «من أحيا أرضاً ميتة فله فيه أجر، وما أكله العوافي منها فهي صدقة »(1).

مضافاً إلى تضمنه السعي في تحصيل الرزق المأمور به، ومن إخراج العاطل من حيز العطلة المشتملة على تضييع المال إلى حيّز العمارة.

ولأن الله تعالى خلق الأرض للانتفاع بها وبما يشتمل عليه من المعادن وغيرها، فترك إحيائها صرف لها في غير ما خلقت له غالباً.

قوله: «في الأرضين».

هو - بفتح الراء - جمع تكسير الأرض على غير قياس وربما جمعها بعضهم على أراضى(2). وغلط في ذلك.

قوله: «وهي إما عامرة وإما موات فالعامر ملك لمالكه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه. وكذا ما به صلاح العامر» إلى آخره.

لا إشكال في كون المعمور من الأرض ملكاً لمالكه، مسلماً كان أم كافراً، مباح المال كالحربي أم لا كالذمي؛ لأنّ أصل الملك لا ينافي جواز أخذه منه قهراً، بل يجامعه. وإثبات

ص: 132


1- مسند أحمد، ج 4، ص 238، ح 13859: السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 244، ح 11814 بتفاوت فيهما.
2- الصحاح، ج 2، ص 1064: لسان العرب، ج 7، ص 112؛ المصباح المنير، ص 12، «أرض».

حکم الارض الموات

* وأما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته؛ إما لانقطاع الماء عنه، أو لاستيلاء الماء عليه، أو لاستيجامه، أو غير ذلك من موانع الانتفاع، فهو للإمام (عليه السلام)، لا يملكه أحد وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام.

--------------

أصل هذا الحكم لا ينافي ما يُذكر في تقسيم الأرض إلى أرض الإسلام وأرض الكفر و تقسيم أرض الكفر إلى المفتوحة عنوةً ،وغيرها والحكم على المفتوحة عنوة بأنها للمسلمين؛ لأنّ هذا حكم طار على كونها ملكاً للكفّار، بل مترتب عليه.

لكن قول المصنف (رحمه الله) «لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه»، لا يتم على إطلاقه مع قوله بعد ذلك ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد الشرك» إلى آخره؛ لأنّ ما كان منها من بلاد الشرك يجوز التصرّف فيه بغير إذن مالكه في الجملة.

وكان الأولى ترك ذلك، أو تقييده بكونه ملكاً لمسلم أو مسالم.

قوله: «وأما الموات فهو الذي لا ينتفع به العطلته إلى آخره.

المراد بعدم الانتفاع بها على الوجه المذكور تعدّره إلا بعمل ومؤونة غالباً، بحيث يعدّ مواتاً عرفاً. فلا يكفي مطلق استيلاء الماء عليها المانع من الانتفاع، ولا انقطاعه عنها كذلك؛ لأن ذلك يتفق فى الأرض العامرة بالفعل كثيراً كما لا يخفى.

وكون الأرض الموات مطلقاً للإمام عندنا موضع وفاق؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه» (1).

وقول الباقر (عليه السلام)في صحيحة أبي خالد الكابلي: «وجدنا في كتاب علي(عليه السلام) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون، والأرض كلّها لنا»(2). الحديث.

ص: 133


1- لم نجده في الجوامع الحديثية. وراجع المحلى، ج 8، ص 234: والحاوي الكبير، ج 7، ص 479.
2- الكافي، ج 5، ص 279، باب في إحياء أرض الموات، ح : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 152، ح 674: الاستبصار، ج 3، ص 108، ح 383

اذن الامام(عليه السلام) شرط فی احیاءالموت

* وإذنه شرط، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلماً ولا يملكه الكافر.

ولو قيل: يملكه مع إذن الإمام(عليه السلام) كان حسناً.

--------------

وإنما يتوقف إحياؤها على إذن الإمام مع حضوره، أما حال غيبته فيملكه من أحياه مطلقاً؛ لعموم «من أحيا أرضاً ميتةً فهي له»(1).

وقول الباقر (عليه السلام)في صحيحة محمد بن مسلم: «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحق بها، وهي لهم »(2).

ولا يمنع من ذلك كونها للإمام على تقدير ظهوره؛ لأنّ ذلك لا يزيد عن حقه من غيرها كالخمس والمغنوم بغير إذنه، فإنّه محكوم بملكه لمن هو بيده من المسلم والكافر في حال الغيبة، وإن كان له مع ظهوره حكم آخر.

وقيل: يختص جواز الإحياء بالمسلم (3): لخصوص قوله(عليه السلام) : «موتان الأرض لله ولرسوله، ثمّ هى لكم منّى أيّها المسلمون»(4).

وفي كتاب علي(عليه السلام) السابق: «فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام»(5) الحديث.

لكن هذا ظاهر في حال ظهوره ولا نزاع فيه.

قوله: «وإذنه شرط فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلماً» إلى آخره.

إذا كان الإمام حاضراً فلا شبهة في اشتراط إذنه في إحياء الموات، فلا يملك بدونه اتفاقاً، ومن أذن له في الإحياء ملك، لكن هل إذنه مختص بالمسلم، أم يجوز له الإذن

ص: 134


1- تقدم تخريجه في ص 131 ، الهامش 1
2- الفقيه، ج 3، ص 239 - 240، ح 3879؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 148، ح 655، وص 149، ح 659: الاستبصار، ج 3، ص 110، ح 390.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 266: جامع المقاصد، ج 7، ص 10.
4- تقدم تخريجه في ص 131، الهامش 4.
5- سبق تخريجه في ص 133 الهامش 2

حکم الرض المفتوحه عنوه

*والأرض المفتوحة عنوة للمسلمين قاطبةً، لا يملك أحد رقبتها.

--------------

للمسلم والكافر؟ قولان(1) ، من أنّ الحق له فله الإذن فيه لمن شاء، كما يجوز له هبة أرضه وبيعها ممّن شاء من المسلم والكافر، ومن دلالة ظاهر الأخبار السابقة على أن الكافر ليس أهلاً لتملك هذه الأرض بالإحياء.

وبالجملة، فإن أذن له الإمام على وجه التملك فلا إشكال عندنا في ملكه؛ لعصمته، وإلا لم يصح.

فالخلاف عندنا قليل الفائدة، بخلافه عند الجمهور، فإنّ النزاع عندهم يبقى وإن أذن؛ لجواز الخطا عليه عندهم.

قوله: «والأرض المفتوحة عنوةً للمسلمين قاطبةً لا يملك أحد رقبتها».

العنوة - بفتح العين وسكون النون - الخضوع والذلة، يقال: عنى إذا خضع، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾(2).

والمراد بالأرض المفتوحة عنوةً ما ملكت بالقهر والغلبة، كمكة والشام وأكثر بلاد الإسلام. والمراد العامر منها دون الموات، كما ينبه عليه قوله بعد ذلك «وما كان منها مواتاً فهو للإمام»(3).

والمعتبر في ذلك العامر منها وقت الفتح، ويُعلم ذلك بنقل من يوثق به ودلالة القرائن الكثيرة المفيدة للعلم أو الظنّ المتاخم له بذلك.

والمراد بكونها للمسلمين أنّ الإمام يأخذ ارتفاعها ويصرفه على مصالحهم، لا أن مَنْ شاء من المسلمين التسلّط عليها أو على بعضها له ذلك. وفي صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) قال: «وما أخذ بالسيف فذاك للإمام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بخیبر»(4).

ص: 135


1- الجواز ظاهر كلام العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 361. المسألة 1146؛ وأما عدم الجواز فهو للمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 10.
2- طه (20): 111
3- راجع ص 137.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 119 . ح .342

*ولا يصح بيعها ولا رهنها .

--------------

هذا مع حضوره.

أما مع غيبته، فإن أمكن أخذها من نوابه - ولو على العموم - وصرف ما يخرج منها على المصالح صح، وإلا فإن أخذه حاكم الجور المعتقد لاستحقاقه برئت الذمة منه؛ لورود الروايات بحلّ المقاسمة والخراج، وأصلهما من هذه الأرض(1)، وبغير هذين الوجهين لا يصح التصرف فيه من المتصرّف في الأرض ولا من غيره.

قوله:« ولا يصح بيعها ولا رهنها».

أي لا يصح بيع رقبة الأرض المذكورة ولا رهنها ولا غيرهما من التصرفات الناقلة للملك عيناً ومنفعةً؛ لتوقف ذلك على ملك المتصرّف، وقد قلنا: إنّها لا تملك بالخصوص وإنّها لجميع المسلمين.

وفي صحيحة الحلبي عن الصادق(عليه السلام) أنه سئل عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يُخلق بعد»، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال: «لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها»، قلنا: فإذا أخذها منه؟ قال: «يؤدي إليهم رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل»(2).

نعم، لو كان للمتصرف فيها بناء أو شجر أو زرع جاز بيعه؛ لأنه مملوك، وكونه في أرض الغير لا يمنع من التصرف في ملكه.

وقد روى أبو بردة بن رجاء عن الصادق(عليه السلام) وسأله كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: «ومَنْ يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ قال قلت يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثم قال: «لا بأس، اشتر حقه منها، ويحوّل حق المسلمين

ص: 136


1- راجع وسائل الشيعة، ج 15، ص 155 - 157 ، الباب 71 من أبواب كتاب جهاد العدو؛ وج 17، ص 218 - 220. الباب 52 من أبواب ما يكتسب به.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 147، ح 652.

*ولو ماتت لم يصح إحياؤها؛ لأن المالك لها معروف، وهو المسلمون قاطبةً.

*وما كان منها مواتاً وقت الفتح فهو للإمام(عليه السلام) .

* وكذا كلّ أرض لم يجر عليها ملك لمسلم.

--------------

عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها، وأملى بخراجهم منه» (1).

وجوز جماعة من المتأخرين بيعها تبعاً للآثار المذكورة لا منفردة(2) .

ولا يخلو من إشكال.

وفي قوله في هذه الرواية «اشتر حقه منها ما يؤذن بالاقتصار على أثره منها؛ لأنه حقه منها، أما نفسها فلا حق له فيها ، بخصوصه، بل ولا تصرف كما تقرر .

قوله: «ولو ماتت لم يصح إحياؤها؛ لأن المالك لها معروف وهو المسلمون قاطبةً».

المراد بعدم صحة إحيائها عدم ترتب أثره عليه وهو ملكها به ووجهه ما أشار إليه المصنّف من أنّ مالكها معروف وهم المسلمون وما كان مالكه معروفاً من الموات لا يخرج عن ملك مالكه كما سيأتي؛ استصحاباً للملك السابق، وعموم النهي عن التصرف في ملك الغير بغير إذن مالكه(3) .

قوله: «وما كان منها مواتاً وقت الفتح فهو للإمام» .

يُعلم كونها مواتاً حينئذ بالنقل والقرائن وبوجودها ميتة الآن مع الشك في كونها عامرة وقت الفتح لأصالة عدم العمارة أصلاً، بخلاف ما لو علم كونه قبل الفتح معموراً، ثم خرب، وشك في وقت خرابه، فإنه يُحكم بعمارته وقته؛ استصحاباً لحكم الموجود وعدم تقدّم الحادث.

قوله: «وكذا كلّ أرض لم يجر عليها ملك لمسلم».

يعني أنها تكون للإمام ؛ لعموم الخبر الصحيح السابق (4). ولا فرق في هذه الأرض بين

ص: 137


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 146، ح 406: الاستبصار، ج 3، ص 109، ح 387.
2- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 23؛ والدروس الشرعية، ج 3، ص 160 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) :وفيه ربما قيل.... : وجامع المقاصد، ج 4 ص 97
3- النساء (4): 29: الكافي، ج 7، ص 273. باب القتل. ح 12؛ الفقيه، ج 4، ص 12 - 93، ح 5154.
4- سبق تخريجه في ص 133 الهامش 2

الارض التی جری علیها ملک مسلم

*وكلّ أرض جرى عليها ملك المسلم فهي له أو لورثته بعده.

--------------

الموات والقابلة للانتفاع بغير إحياء، وإن كان مثل هذه لا يعد مواتاً اصطلاحاً، كما عُلم من تفسيره.

قوله: «وكلّ أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعد» .

إذا جرى على الأرض ملك مسلم معروف ومن في حكمه، فما دامت عامرةً فهي له أو لورثته بعده وإن ترك الانتفاع بها أصلاً إجماعاً.

وإن خربت فإن كان انتقالها إليه بالقهر كالمفتوحة عنوةً بالنسبة إلى المسلمين - أو بالشراء والعطية ونحوهما لم يزل ملكه عنها أيضاً إجماعاً، على ما نقله في التذكرة عن جميع أهل العلم (1).

وإن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى عادت مواتاً فعند المصنّف وقبله الشيخ(2)وجماعة(3)أن الحكم كذلك؛ لعموم قوله : « من أحيا أرضاً ميتةً فهي له»(4).

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ليس لعرق ظالم حقٌّ»(5). وقد قيل في تفسير العرق الظالم: أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها(6).

ولرواية سليمان بن خالد، أنه سأل الصادق(عليه السلام) عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال: «الصدقة»، قلت: فإن كان

ص: 138


1- تذكرة الفقهاء ، ج 19، ص 362. المسألة 1148 ، وفيه : قال ابن عبد البر أجمع العلماء.
2- المبسوط، ج 3، ص 269 .
3- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 28؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 374؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 483 ، الرقم 6094: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 17-18
4- تقدم تخريجه في ص 131 الهامش 1
5- سنن أبي داود، ج 3، ص 178، ح 3073؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 235 و 236، ح 11772 و 11774 11778
6- حكاه الهروي عن هشام بن عروة في غريب الحديث، ج 1، ص 178، «عرق».

--------------

يعرف صاحبها، قال: «فليؤد إليه حقه»(1).

ولأصالة بقاء الملك على ما كان عليه.

ولأنها أرض يُعرف مالكها فلا تملك بالإحياء، كالتي ملكت بشراء أو بعطية.

ولأنّ أسباب الملك مضبوطة وليس منها الخراب، فيبقى الملك بحاله إلى أن يثبت المزيل .

وفي كل واحد من هذه الأدلة نظر:

أمّا الأوّل فنقول بموجبه لكنّه كما دلّ على ملك الأوّل لها بالإحياء دلّ على ملك الثاني أيضاً، بل دلالته أقوى؛ لأنّه سبب طار مملك بمقتضى الحديث، وإذا طرأ سبب مملك على سبب سابق كان التأثير للثاني، مع أنه مصرّح بما ذكرناه من رجحانه في أخبار صحيحة سيأتي ذكرها(2).

وأما الثاني فكون هذا المحيي ظالماً عين المتنازع فلا يجعل دليلاً. وتفسيره بما ذكر منقول عن هشام بن عروة(3) ، وقوله ليس بحجة.

ومن الواضح أن العرق الظالم أعمّ ممّا فسره به.

ولو سلمناه لم يضرنا؛ لأنّه فسّره بأن يأتى الأرض الميتة لغيره، والخصم لا يسلّم أنها بعد الموت تبقى للغير.

وظاهر هذا أنه محمول على موات لا يخرج عن الملك به، كالأقسام الأول السابقة، أو على موات لم يبلغ حداً يفتقر إلى الإحياء، ولذلك لم يخرج عن الملك، وصدق عليها أنّها للغير، وأن المتصرف فيها ظالم.

وأما الثالث ففيه - مع ضعف السند - عدم الدلالة، فإن أمره بأداء حق صاحبها أعم من

ص: 139


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 148 - 149 ، ح 658.
2- يأتي في ص 140 وما بعدها.
3- حكاه عنه الهروي في غريب الحديث، ج 1، ص 178، «عرق».

--------------

كونه الأرض أو أجرتها أو غيرهما من الحقوق الخارجة عنها ولا دلالة أيضاً في لفظ«صاحبها»؛ لأنّ الصاحب يصدق بنسبتها إليه سابقاً وإن زال ملكه.

وأمّا أصالة بقاء الملك فمنقطعة بما سنذكره من الأخبار الصحيحة الدالة على أنّ إحياءها بعد خرابها من أسباب الملك للثاني.

وبها يحصل الجواب عن الأخير أيضاً.

ويحصل الفرق بين ما ملكت بالشراء وشبهه وبالإحياء؛ لأن خروج ذلك بالإجماع على تقدير تسليمه ينفي دلالتها على موضع النزاع.

وذهب جماعة من أصحابنا(1)- منهم العلّامة في بعض فتاواه(2)، ومال إليه في التذكرة(3) - إلى صحة إحيائها، وكون الثاني أحق بها من الأوّل: لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «من أحيا أرضاً ميتةً فهى له»(4)؛

وقريب منه صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) قال: «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحق بها، وهي لهم»(5).

وحسنة زرارة، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير، وجماعة من الفضلاء، عن الباقر والصادق(عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): من أحيا مواتاً فهو له»(6). وقد تقدم وجه الدلالة.

وخصوص صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب

ص: 140


1- لم نعثر على القائل أو القائلين غير العلّامة، وإن نسبه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 17 إلى المشهور
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 267.
3- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 363، المسألة 1148.
4- تقدم تخريجه في ص 131، الهامش 1.
5- تقدم تخريجها في ص 134 الهامش 2.
6- الكافي، ج 5، ص 279 باب في إحياء أرض الموات، ح4 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 152، ح 673؛ الاستبصار، ج 3، ص 108 ، ح 82

--------------

على(عليه السلام) أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليود خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا، فيقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(1).

وصحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: «أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها، وكرى أنهارها وعمرها، فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها، ثم جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله ولمن عمرها»(2).

ولأنّ هذه الأرض أصلها مباح فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحةً، كما لو أخذ ماء من دجلة ثمّ ردّه إليها.

ولأنّ العلة في تملك هذه الأرض الإحياء والعمارة، فإذا زالت العلة زال المعلول وهو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئاً ثم سقط من يده وضاع عنه فالتقطه غيره، فإنّ الثاني يكون أحق به.

وهذا القول قوي لدلالة الروايات (3)الصحيحة عليه، وتفصيل المصنّف الآتي قريب منه. واعلم أنّ القائلين بعدم خروجها عن ملك الأوّل اختلفوا، فذهب بعضهم إلى عدم جواز إحيائها، ولا التصرف فيها مطلقاً إلا بإذن الأوّل كغيرها من الأملاك(4) .

ص: 141


1- تقدّم تخريجها في ص 133 ، الهامش 2.
2- الكافي، ج 5، ص 279 ، باب في إحياء أرض الموات، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 152. ح .672.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 411 - 413، الباب 1 من كتاب إحياء الموات.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 267؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 483، الرقم 6094.

الارض التی لم یکن لها مالک معروف

*وإن لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام. ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه، فلو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه لم يملك.

--------------

وذهب الشيخ (رحمه الله) في المبسوط(1)والمصنف في كتاب الجهاد (2)والأكثر(3)إلى جواز إحيائها، وصيرورة الثاني أحق بها، لكن لا يملكها بذلك، بل عليه أن يؤدي طسقها إلى الأوّل أو وارثه. ولم يفرّقوا في ذلك بین المنتقلة بالإحياء وغيره من الأسباب المملكة حيث يعرض لها الخراب وتصير مواتاً.

وذهب الشهيد في الدروس إلى وجوب استئذان المحيي للمالك أوّلاً، فإن امتنع فالحاكم، وله الإذن فيه، فإن تعذر الأمران جاز الإحياء، وعلى المحيي طسقها للمالك(4).

وحاولوا في هذين القولين الجمع بين الأخبار، بحمل أحقية الثاني في الأخبار الصحيحة على أحقية الانتفاع بها بسبب الإحياء وإن لم يكن مالكاً، ووجوب الطسق من خبر سليمان بن خالد في قوله:«إذا كان يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه» (5) فإنّ الحق وإن كان أعم من أجرة الرقبة، إلا أن الجمع بين الأخبار يقتضي حمله على الأجرة خاصةً.

وفي قيود الشهيد (رحمه الله )مراعاة لحق الملك وحق الإحياء.

وأما القول الأول ففيه اطراح الأخبار الصحيحة جملة، فكان ساقطاً. ولو كان خبر سليمان بن خالد في قوة تلك الأخبار المعتبرة لكان الجمع حسناً، لكن قد عرفت ما فيه.

قوله: «وإن لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام - إلى قوله - يكون له رفع يده عنها». ما تقدم حكم الأرض التى لها مالك معروف، سواء كانت حيّةً أم ميتةً، وهذا حكم ما إذا لم يكن لها مالك معروف، بأن جهل مالكها لموت وغيره، لكن الحكم هنا مقيد بما لو كانت

ص: 142


1- راجع المبسوط، ج 3، ص 82؛ والنهاية، ص 420.
2- راجع ج 2، ص 470 (في المتن).
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 267؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)؛ جامع المقاصد، ج 7، ص 18
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 60 - 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- تهذيب الأحكام ، ج 7، ص 148 - 149 ، ح 658 .

وإن كان الإمام(عليه السلام) غائباً كان المحيي أحق بها ما دام قائماً بعمارتها، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها. ومع ظهور الإمام(عليه السلام) يكون له رفع يده عنها.

--------------

ميتةً؛ إذ لو كانت حيّةً فهي مال مجهول المالك، وحكمه خارج عن ملكيّة الإمام له بالخصوص.

فأما إذا كانت ميتةً والحال أنها كانت في الأصل مملوكةً، ثم جهل مالكها فهي للإمام(عليه السلام) .

ثم إن كان حاضراً لم يصح إحياؤها إلا بإذنه كغيرها من الموات المتقدّم. فإن أذن له فى إحيائها فأحياها ملكها، وصار حكمها بعد موتها كالسابقة؛ لأن مالكها حينئذ معروف.

وإن كان غائباً لم يملكها المحيي ملكاً تاماً؛ لأنّ للإمام بعد ظهوره رفع يده عنها، ولو ملكها ملكاً تاماً لم يكن له ذلك، لكنّه يكون في حال الغيبة أحق بها من غيره ما دام قائماً بعمارتها، فإن تركها فماتت فأحياها غيره ملكها ملكاً غير تام كما تقدّم، فإذا ظهر كان له رفع يده عنها، سواء وجدها في يد المحيي الأوّل أم الثاني.

هكذا أطلق المصنّف ومستنده على هذا التفصيل الأخبار السابقة، مع أنّها قاصرة عن إفادته؛ لأن الرواية الصحيحة التي رويت عن كتاب علي(عليه السلام)(1) دلت على أن الثاني أحق كما ذكر، لكنّها ظاهرة في حال وجود الإمام (عليه السلام)؛ لأنه أمره أن يؤدي خراجها إلى الإمام، وكان ما وقع من عليّ(عليه السلام) إذناً للمحيي في ذلك، وإلا فليس فيها توقف على إذن خاصة في الإحياء.

ويظهر منها أن القائم(عليه السلام) يتركها في أيدي الشيعة إذا قاموا له بالمقاطعة. والمصنف (رحمه الله) لم يشرط ذلك، ولكن في التحرير شرطه، فقال: إنّ للإمام رفع يده عنها إذا لم يتقبلها بما يتقبلها غيره(2).

ويمكن أن يقال على الأوّل: إن الحكم بملك الثاني لها حال حضور الإمام يستلزم ملكه لها حال الغيبة بطريق أولى. وظاهر النصّ والفتوى أنّ حكم الإمام مع المحيي في إخراجه وإقرار يده، وليس فيها

ص: 143


1- تقدّم تخريجها في ص 133 الهامش 2
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 483، الرقم 6094.

* وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً للعامر ، ولا حريماً.

--------------

تعرّض لغيره ممن ترتبت يده على يده كالمشتري منه ونحوه، بل الوارث، فيمكن إلحاقه به في الحكم؛ لاشتراكهما في المقتضي، وهو التصرف في ملك الغير وهو الإمام، فالمشيئة إليه.

ويمكن الفرق واختصاص الحكم بالمحيى ، والرجوع في غيره إلى عموم ما دلّ على ملكه من الأخبار(1). ولا ينافيه كونه ملك الإمام .

وكذا يقع الإشكال فيما لو باعها المحيي ثم أخربها(2)المشتري. وظاهرهم هنا عدم خروجها عن ملك المشتري. ويشكل الفرق بين الأمرين. إلا أن تجعل رقبة الأرض في مقابلة بذل الثمن، فينتقض بما لو وهبها أو خرجت عنه بالإرث.

وبالجملة، فحكم هذه المسائل كلّها لا يخلو من إشكال. وصحيحة معاوية بن وهب(3) تدلّ على خروج الأرض بالموت عن ملك من هي في يده مطلقاً، وكونها ملكاً للمحيي الثاني، فينبغي العمل بها في كل ما لا إجماع على خلافه.

قوله: «وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً للعامر ولا حريماً».

قد استفيد من الأدلة السابقة عدم الفرق في إحياء الموات بين القريب من العامر والبعيد عنه إذا كان صالحاً للإحياء.

وخالف في ذلك بعض العامة، ففرّق بين القريب من العامر والبعيد، فجوّز إحياء الثاني مطلقاً دون الأوّل؛ لاحتمال تعلّق مصلحة العامر به(4) وضعفه ظاهر.

ص: 144


1- راجع ص 141
2- في أكثر النسخ: «أخبر بها» بدل «أخربها».
3- تقدم تخريج صحيحته في ص 141، الهامش 2.
4- الحاوي الكبير، ج 7، ص 480: بدائع الصنائع، ج 6، ص 294: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 168 - 169. المسألة 4334

شرائط التملك بالإحياء خمسة:

اشارة

*ويشترط في التملك بالإحياء شروط خمسة

الأوّل: * أن لا يكون عليها يد المسلم

فإنّ ذلك يمنع من مباشرة الإحياء لغير المتصرّف.

--------------

قوله: «ويشترط في التملك بالإحياء شروط خمسة».

قد اختلف الفقهاء في عد شرائط الإحياء، فالمصنف (رحمه الله )جعلها خمسة أحدها انتفاء اليد، ولم يذكر الحمى، مع أن عدمه (1)من الشرائط قطعاً كالمقطع، لكنه أشار إلى اشتراطه أخيراً(2)وإن لم يذكره في العدد.

ومنهم من جعلها سنّةً بإضافة الحمى(3). وهو واضح.

ومنهم من لم يذكر انتفاء اليد منها؛ لأنّ اليد إن لم ترجع إلى أحد هذه الأمور فلا معنى لها. ولهذا وجه. لكن تظهر فائدته مع اشتباه الحال.

وفي الدروس جعل الشرائط تسعةً، فأضاف إلى الستة المشهورة إذن الإمام ، وقصد التملك، ووجود ما يخرجها عن الموات(4) ؛ والمصنّف قد أشار إلى الثلاثة أيضاً.

فالأول ذكره في أوّل الكتاب (5).

والثاني يستفاد من اشتراطه الأمور المذكورة في التملك، فإنه يستلزم القصد؛ لأنّ التملك إرادة الملك، ولم يجعلها شرطاً فى الملك لعدم استلزامه القصد. وأما الثالث فيستفاد من كيفية الإحياء المملك، وسيأتي(6).

قوله: «أن لا يكون عليها يد لمسلم، فإنّ ذلك يمنع من مباشرة الإحياء لغير المتصرّف».

وفي حكم يد المسلم يد المسالم والضابط اليد المحترمة ولا يشترط في الحكم لليد

ص: 145


1- كذا في «ع ، و»، وفي «م»: «مع أنّ عده».
2- راجع ص 158
3- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 485 وما بعدها، الرقم6097.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 59 و 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
5- تقدّم في ص 133.
6- يأتي في ص 160.
الثاني:* أن لا يكون حريماً لعامر، كالطريق، والشرب، و...
اشارة

حريم البئر، والعين.

--------------

العلم بالسبب الموجب لها، بل يكفي عدم العلم بكونها ليست عن سبب مملك. ولو اشترط العلم بالسبب لاستغني عن هذا الشرط؛ لأنّ أسباب الاختصاص ترجع إلى باقي الشرائط.

ولو علم إثبات اليد بغير سبب مملك، ولا موجب أولوية فلا عبرة بها، كما لو استندت إلى مجرّد تغلب على الأرض، أو بسبب اصطلاح أهل القرية على قسمة بعض المباحات الأصلية، كما يتفق ذلك كثيراً، أو لكونه محيباً لها في الأصل وقد زالت آثاره إذا قلنا بزوال ملكه، ونحو ذلك.

قوله: «أن لا يكون حريماً لعامر، كالطريق، والشرب، وحريم البئر، والعين».

فإن حريم المعمور كنفسه، من حيث إنه استحق باستحقاقه المواضع التي هي من مرافقه كالطريق، فلا يجوز لأحد أخذ طريق يسلك فيه المالك إلى عمارته؛ لما فيه من التضرّر المنفي بالإجماع.

وكذا الشرب، وحريم العين، وما شابه ذلك من مسيل ماء العامر، ومطرح قمامته، وملقى ترابه وآلاته وكلّ ما يتعلق بمصالحه، وهذا مما لا خلاف فيه.

وإنما الخلاف في أن مالك العامر هل يملك الحريم المذكور تبعاً للعامر، أم يكون أولى وأحق به من غيره وليس بملك حقيقة؟ فالأشهر أنه يملك كما يملك العامر؛ لأنّه مكان استحقه بالإحياء فملك كالمحيى.

ولأن معنى الملك موجود فيه؛ لأنه يدخل مع المعمور في بيعه، وليس لغيره إحياؤه ولا التصرف فيه بغير إذن المحيي.

ولأنّ الشفعة تثبت بالشركة في الطريق المشترك، وهو يدلّ على الملك.

وقال بعضهم: إنّه غير مملوك، وإنّما هو حقٌّ من حقوقه؛ لأنّ الملك يحصل بالإحياء ولم يوجد فيها إحياء(1) .

ص: 146


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير ج 6 ، ص 168، المسألة 4334: روضة الطالبين، ج 4، ص 348.
حد الطريق

*وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع ،وقيل: سبع أذرع، فالثانى يتباعد هذا المقدار.

--------------

وأجيب بمنع المقدمتين، بأنه لا يشترط في تحقق الإحياء مباشرة كل جزء من المحكوم بإحيائه ألا ترى أنّ عرصة الدار تملك ببناء الدار وإن لم يوجد في نفس العرصة إحياء، وإنما الإحياء تارة يكون بجعله معموراً، وتارة بجعله تبعاً للمعمور.

وتظهر فائدة القولين في بيع الحريم منفرداً، فعلى الأول يجوز دون الثاني.

قوله: «وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة» إلى آخره.

يظهر من قوله «حد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه أنّ هذا حد طريق خاص، وهي طريق الأملاك. وتقدير العبارة أنّ حدّ الطريق الثابتة لمن ابتكر شيئاً يحتاج إلى طريق في أرض مباحة مقدار خمس أذرع أو سبع، بمعنى أنه على المحيي بعده أن يتباعد هذا المقدار .

وبعضهم(1) جعله حد الطريق مطلقاً. وهو أولى.

وفي الإرشاد حد الطريق المبتكر خمس أذرع(2)، فجعل الابتكار صفة للطريق لا لشيء يحتاج إلى الطريق.

وليس بجيد أيضاً؛ إذ لا يشترط في الطريق أن يكون مبتكراً، بل لو كان هناك طريق في أرض متسعة فعلى من يريد إحياء ما حوله من الأول والثاني استثناء ذلك المقدار.

ومستند الخمس رواية أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إذا تشاح قوم في طريق، فقال بعضهم: سبع أذرع، وقال بعضهم: أربع أذرع ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام) : «لا بل خمس أذرع»(3). ولأصالة البراءة من الزائد.

ص: 147


1- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 22
2- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 349
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 130، ح 570

--------------

والقول بالسبع للشيخ (رحمه الله) في النهاية (1)، وأتباعه(2)؛ لرواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «الطريق إذا تشاح عليه أهله فحده سبع أذرع»(3).

ومثله رواية السكونى(4) .

ورواه العامة عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال: «إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع»(5).

واختاره العلّامة في المختلف(6) والشهيد في الدروس واستضعف الأول(7). وهذا أولى.

ويمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف الطرق، فإنّ منها ما يكفي فيه الخمس كطريق(8) الأملاك والتي لا تمرّ عليها القوافل ونحوها غالباً، ومنها ما يحتاج إلى السبع، وقد يفرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع كالطريق التي يمر عليها الحاج بالكنائس ونحوها، فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدّر أمّا النقصان عنه فلا.

وحيث يقتصر به عن المقدار ألزم المحيي ثانياً به(9) فإن كان هناك حاكم فهو وظيفته، وإلا وجب على المكلّفين كفاية(10) من باب الحسبة. ولو تساوى المحيون من الجانبين ألزموا به.

ص: 148


1- النهاية، ص 418
2- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 374؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 174، المسألة 114؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 486 - 487، الرقم 6099 والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 64 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
3- الكافي، ج 5، ص 295 ، باب جامع في حريم الحقوق، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 144 - 145، ح 642 .
4- الكافي، ج 5، ص 296 ، باب جامع في حريم الحقوق، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 145 ، ح 643 .
5- مسند أحمد، ج 1، ص 521، ح 2907؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1232، ح 1613/143؛ سنن ابن ماجة، ج 2، 7 ص 784. ح 2339؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 637 ، ح 1356: السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 255 ح 11861 مع اختلاف يسير.
6- مختلف الشيعة، ج 6. ص 174، المسألة 114.
7- الدروس الشرعية، ج 3، ص 64 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
8- في «ع»: «کطرق» بدل «کطريق».
9- . في بعض النسخ: «بإثباته» بدل «ثانياً به».
10- في «م»: «كافة» بدل «كفاية».

حريم الشرب

*وحريم الشرب بمقدار مطرح ترابه والمجاز على حافتيه .

* ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له مع يمينه؛ لأنّه يدّعي ما يشهد به الظاهر وفيه تردّد.

--------------

ولو زادوها على السبع واستطرقت صار الجميع طريقاً، فلا يجوز إحداث ما يمنع المارة في الزائد. ولا تزول حرمة الطريق باستيجامها وانقطاع المرور عليها؛ لأنّه ممّا يتوقع عوده. ولو استطرق الناس غيرها وأدى ذلك إلى الإعراض عن الأولى رأساً - لكون الثانية أسهل وأخصر - فالظاهر لحوق حكم الموات للأُولى، مع شهادة القرائن على استمرار الأولى على الهجران.

قوله: «وحريم الشرب بمقدار مطرح ترابه والمجاز على حافتيه».

المراد بالشرب هنا النهر والقناة ونحوهما ممّا يجري فيه الماء، فإن حريمه مقدار ما يطرح فيه ترابه إذا احتيج إلى إخراجه منه ومشي مالكه على حافتيه للانتفاع به ولإصلاحه، إما فوق التراب المرفوع أو بدونه على قدر ما يحتاج إليه الحال عادة.

قوله: «ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له مع يمينه» إلى آخره.

منشأ التردّد ممّا ذكر من شهادة الظاهر لصاحب النهر بالحريم، ومن أن يد الغير على ملكه الذي من جملته موضع الحريم، وهو مانع من إثباته، ومن ثُمَّ لم يثبت الحريم للأملاك المتجاورة - كما سيأتي(1) - لتعارض الحقين.

وعلى هذا فيحتمل تقديم صاحب النهر لشهادة الظاهر فيحلف على إثباته، وصاحب الملك بيمينه؛ لأنّه الداخل، وتساويهما في الدعوى، فيتحالفان ويشرك(2) بينهما في مقداره، وتقديم صاحب الأرض لا يخلو من قوة.

ص: 149


1- يأتي في ص 153.
2- كذا في «ع» وفي بعض النسخ: «يشترك» بدل «يشرك».
حريم بئر

*وحريم بئر المعطن أربعون ذراعاً، وبئر الناضح ستون.

--------------

قوله: «وحريم بئر المعطن أربعون ذراعاً، وبئر الناضح ستون».

«المعطن» - بكسر الطاء - واحد المعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب، قاله الجوهري(1).

والمراد التي يستقى منها لشرب الإبل يكون حريمها أربعين ذراعاً من كل جانب، بمعنى عدم جواز إحيائه بحفر بئر أخرى ولا غيرها. والناضح هو البعير الذي يستقى عليه للزرع وغيره.

ومستند التقدير في هذين رواية عبد الله بن مغفّل أنّ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال: «من احتفر بئراً فله أربعون ذراعاً حولها لمعطن ماشيته» (2).

ورواية مسمع بن عبد الملك عن الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعاً، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعاً»(3).

ومثله رواية السكوني - في الموثق - عن الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(4) .

وليس في الباب خبر صحيح، لكن العمل بما ذكره مشهور بين الأصحاب.

والمروي في صحيحة حمّاد بن عثمان قال سمعت الصادق(عليه السلام) يقول: «حريم البئر العادية أربعون ذراعاً حولها»(5).

وفي رواية: «خمسون ذراعاً، إلا أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق، فيكون أقل من خمسة وعشرين ذراعاً»(6).

ص: 150


1- الصحاح، ج 4، ص 2165، «عطن».
2- سنن الدارمي ، ج 2، ص 273، باب في حريم البئر : سنن ابن ماجة، ج 2، ص 831، ح 2486 بتفاوت.
3- الكافي، ج 5، ص 295 باب جامع في حريم الحقوق، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 144 - 145 . ح 642.
4- الكافي، ج 5، ص 296. باب جامع في حريم الحقوق، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 145. ح 643.
5- الكافي، ج 5، ص 295 - 296 ، باب جامع في حريم الحقوق ، ح : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 145، ح 645 .
6- الكافي، ج 5، ص 295 - 296 ، باب جامع في حريم الحقوق ، ذيل الحديث 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 . ح 646.
حريم العين

*والعين ألف ذراع في الأرض الرخوة، وفي الصلبة خمسمائة ذراع. وقيل: حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأوّل والأوّل أشهر.

--------------

ونسبة البئر إلى العادية إشارة إلى إحداث الموات؛ لأنّ ما كان من زمن عاد وما شابهه فهو موات غالباً.

وخص عاداً بالذكر لأنّها في الزمن الأوّل كان لها آبار في الأرض، ونسب إليها كلّ قديم.

وبسبب اختلاف الروايات وعدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها، وموضع وقوف النازح والدولاب ومتردّد البهائم، ومصب الماء، والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض وغيره، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة (1).

وقال ابن الجنيد: حريم الناضح قدر عمقها ممراً للناضح. وحمل الرواية بالستين على أن عمق البئر ذلك(2).

قوله: «والعين ألف ذراع في الأرض الرخوة، وفي الصلبة خمسمائة ذراع» إلى آخره.

فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين أخرى في ذلك المقدار؛ لئلا ينتقل ماء العين الأولى إلى الثانية، ومن ثُمَّ اختلف باختلاف الأرض بالرخاوة والصلابة، بخلاف حريم البئر المتقدم، فإنّ فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقاً حتى الزرع والشجر ؛ لأن الغرض منه الانتفاع بالبئر فيما أعدت له وما يحتاج إليه عادة كما مرّ.

ويبقى الكلام في إحياء ما استثني للعين بغير حفر عين أُخرى، فإنّه لا منع منه، لكن يستثنى لها قدر ما يحتاج إليه للانتفاع بها فيما أُعدت له عرفاً من غير تحديد.

ص: 151


1- روضة الطالبين، ج 4، ص 349 - 350.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1، ص 171 ، المسألة 110
حريم الحائط والدار

*وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه ، نظراً إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم.

--------------

مستند التحديد المذكور في العين رواية مسمع بن عبد الملك عن الصادق قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع»(1).

ورواية السكونى عنه (عليه السلام)أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال: «ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعاً، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعاً، وما بين العين إلى العين يعني القناة - خمسمائةذراع» (2) .

ودلّ على التفصيل رواية عقبة بن خالد عن الصادق(عليه السلام) قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضاً صلبةً خمسمائة ذراع، وإن كانت أرضاً رخوة فألف ذراع»(3).

وهذه الأخبار - مع ضعف سندها - مختلفة التقدير، ومقتضية لعدم الفرق بين البئر والعين، وأن البئر يمنع فيها من إحداث أُخرى في ذلك المقدار كالعين، لا كما أطلقه الفقهاء.

ولضعف المستند حده ابن الجنيد بما ينتفي معه الضرر(4) ، ومال إليه في المختلف، جمعاً بين ما دلّ على نفي الإضرار وعلى جواز الإحياء من غير تحديد(5) .

وهذا أظهر، وإن كان الأوّل أشهر.

قوله: «وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه، نظراً إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم».

خص التراب بالذكر نظراً إلى كون الحائط يكون منه غالباً، وإلا فالمعتبر مطرح آلاته من حجر وتراب وغيرهما.

ص: 152


1- تقدّم تخريجها في ص 150، الهامش 3.
2- تقدّم تخريجها في ص 150، الهامش 4.
3- الكافي، ج 5، ص 296 ، باب جامع في حريم الحقوق ، ح 6: الفقيه، ج 3، ص 102 - 103، ح 3425: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 145، ح 644.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6 ، ص 171 - 172، المسألة 111.
5- مختلف الشيعة، ج 1، ص 172 ، المسألة 111

*وقيل: للدار مقدار مطرح ترابها، ومصب مياهها ، ومسلك الدخول والخروج.

*وكلّ ذلك إنّما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات، أما ما يعمل في الأملاك المعمورة فلا.

--------------

وقيّد الحريم بكونه في المباح للاحتراز من الحيطان الكائنة في الأملاك المتجاورة، فلا حريم لها. وسيأتي الحكم به كليّاً(1) ، فلا وجه لتخصيصه بالحائط.

قوله: «وقيل: للدار مقدار مطرح ترابها، ومصب مياهها ، ومسلك الدخول والخروج».

هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، بل كثير منهم لم يذكر فيه خلافاً؛ لأنّ ذلك ممّا تحتاج إليه الدار عادة.

ونسبة المصنّف إلى القيل لعدم دليل خاص به، ومن ثَمَّ منع بعضهم من إثبات حريم للدار؛ لعدم الدليل(2)، بل لو أراد محى أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن بنائها. نعم، له منع ما يضر بالحيطان كحفر بئر بقربها.

وفعل الناس في سائر البلدان يدلّ على ذلك؛ إذ يبعد اتفاقهم على الإحياء دفعة. والأشهر هو الأول.

وفي معنى التراب والماء مطرح القمامة والرماد والثلج ونحو ذلك.

والمراد بمسلك الدخول والخروج الطريق في الصوب الذي يفتح فيه الباب، لا بمعنى امتداد الممرّ في قبالة الباب على امتداد الموات بل إيصاله إلى الطريق السالك ولو بازورار وانعطاف؛ لأنّ الحاجة تمس إلى ذلك.

قوله: «وكلّ ذلك إنما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات، أما ما يعمل في الأملاك المعمورة فلا.

أشار بذلك إلى جميع ما ذكر من الحريم في البئر والعين والحائط والدار وغيرها، فإنّ الحكم فيه مخصوص بما إذا كان الإحياء في الموات أو مجاوراً له من بعض الجوانب،

ص: 153


1- سيأتي عن قريب.
2- حكاه النووي عن ابن الصباغ في روضة الطالبين، ج 4، ص 349.

فرع : * لو أحيا أرضاً وغرس في جانبها غرساً تبرز أغصانه إلى المباح، أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤه. ولو حاول الإحياء كان للغارس منعه.

--------------

فيختصّ الحريم بالموات عاماً أو خاصاً.

أما إذا كانت الأرض محفوفة بالأملاك فلا حريم لها؛ لأنّ الأملاك متعارضة، وليس جعل موضع حريماً لدار أو غيرها أولى من جعله حريماً لأخرى. وكل واحد من الملاك له التصرف في ملكه كيف شاء، فله أن يحفر بئراً في ملكه وإن كان لجاره بئر قريبة منها وإن نقص ماء الأولى.

والفرق أنّ الحفر فى الموات ابتداء تملك فلا يمكن منه إذا تضرّر الغير، بل يقدّم السابق بالتملك، وفي الأملاك كلّ واحد يتصرّف في ملكه فلا يمنع منه، حتى لو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بها بئر الجار لم يمنع منه، ولا ضمان عليه بسببه، ولكنه يكون قد فعل مكروهاً.

ومثله ما لو أعد داره المحفوفة بالمساكن حماماً، أو خاناً، أو طاحونة، أو حانوته في صف(1) العطارين حانوت حداد، أو قصار، على خلاف العادة؛ لأنه مالك له التصرف في ملكه كيف شاء.

نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو بيروز أصلها إليه، والضرب المؤدي إلى ضرر الحائط، ونحو ذلك.

قوله: «لو أحيا أرضاً وغرس في جانبها غرساً» إلى آخره.

هذا أيضاً من جملة الحريم التابع للأملاك، فإذا أحيا أرضاً وغرس في جانبها غرساً تبعه من الموات المجاور له كلّ ما تبرز إليه أغصانه، أو تسري إليه عروقه ولو بعد حين.

والمرجع فيه إلى العادة على تقدير بقاء الغرس، ويقدر كذلك باقياً؛ لأصالته فيه، فيمنع مَنْ أراد إحياء ذلك المباح من مقدار حريم الغرس المذكور.

ص: 154


1- في الحجريتين: «جنب» بدل «صف».
الثالث:*أن لا يسمّيه الشرع مشعراً للعبادة

كعرفة ومنى والمشعر، فإنّ الشرع دلّ على اختصاصها موطناً للعبادة، فالتعرّض لتملكها تفويت لتلك المصلحة.

أما لو عمر فيها ما لا يضر ، ولا يؤدّي إلى ضيقها عما يحتاج إليه المتعبدون- كاليسير- لم أمنع منه.

--------------

ومثله ما لو باع البستان واستثنى شجرةً منه، فإنّها تستتبع مدى أغصانها في الهواء وعروقها في الأرض.

قوله: «أن لا يسميه الشرع مشعراً للعبادة» إلى آخره.

من موانع الإحياء كون الأرض الميتة قد جعلها الشارع مشعراً للعبادة، كعرفة ومنى والمشعر؛ لما في تسويغ إحيائها من تفويت هذا الغرض ومنافاة هذه البغية في ذلك المكان.

والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في المنع من إحياء ذلك بين القليل منه والكثير، ولا بين ما يحتاج إليه الناسك وغيره؛ لاشتراك جميع أجزاء المواقف المذكورة في استحقاق الخلق الوقوف بها، فكانت في ذلك كالمساجد المانعة من الإحياء وإن اتسعت عن المتعبدين.

واستثنى المصنف (رحمه الله) من ذلك اليسير الذي لا يؤدّي إلى الضيق على الناسكين ولا يحتاج إليه غالباً؛ لعدم الإضرار، ولا تفوت معه المصلحة المطلوبة منها، ولا هو ملك لأحد، ولا موقوف.

وبهذا يحصل الفرق بينها وبين المساجد وغيرها من الأرض الموقوفة على مصالح خاصة، وليس ببعيد وإن كان الأشهر المنع مطلقاً.

وعلى ما اختاره المصنّف ففى بقاء حق الوقوف فيما يملكه المحيي . يفرّق في ثالثها بين أن يضيق الموقف فيمنع أو لا يضيق فلا والحكم بالملك يأبى القول بالجواز، إلا أن يجعله مراعى بعدم الإضرار فيتجه التفصيل.

ص: 155

الرابع: *أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل

ولو كان مواتاً خالياً من تحجير، كما أقطع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) الدور، وأرضاً بحضرموت وحضر فرس الزبير، فإنه يفيد اختصاصاً مانعاً من المزاحمة، فلا يصح دفع هذا الاختصاص بالإحياء.

الخامس :* أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير

فإنّ التحجير يفيد أولوية لا ملكاً للرقبة وإن ملك به التصرف، حتى لو تهجم عليه من يروم الإحياء كان له منعه ولو قاهره فأحياها لم يملك.

والتحجير هو أن ينصب عليها المروز، أو يحوطها بحائط .

--------------

قوله: «أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل» إلى آخره.

لإقطاع الإمام مدخل في الموات يمنع غير المقطع من إحيائه، ويصير المقطع أولى به وأحق كالتحجير، ويمنع الغير من المزاحمة له، سواء شرع في إحيائه أم تركه.

وقد أقطع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)عبد الله بن مسعود الدور، وهي اسم موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار(1) .

ويقال: المعنى أنه أقطعه تلك البقعة ليتخذها دوراً.

وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت(2). وأقطع الزبير حضر فرسه - وهو بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة: مقدار عدوه ما جرى إلى أن يقف - فأجرى الزبير فرسه فلما قام الفرس رمى بسوطه طلباً للزيادة ، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «أعطوه من حيث بلغ السوط»(3).

والإقطاع المذكور لا يفيد الملك، بل الاختصاص المانع لغيره من الإحياء.

قوله: «أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير» إلى آخره.

ص: 156


1- تلخيص الحبير، ج 3، ص 63 ، ح 1299.
2- سنن أبي داود، ج 3، ص 173، ح 3058؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 665، ح 1381؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 238 ، ح 11788 .
3- مسند أحمد، ج 2، ص 334، ح 6422: سنن أبي داود، ج 3، ص 177 - 178، ح 3072؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 6، ص 238 - 239، ح 11790

*ولو اقتصر على التحجير وأهمل العمارة أجبره الإمام على أحد الأمرين: إمّا الإحياء، وإما التخلية بينها وبين غيره ولو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطّلها.

ولو بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع السلطان يده، أو يأذن في الإحياء.

--------------

التحجير هو الشروع في الإحياء قبل إتمامه.

وكذا لو علم عليه علامة للعمارة، من نصب أحجار، أو غرز خشبات أو قصبات، أو جمع تراب، أو خط خطوط .

وذلك كله لا يفيد الملك، ولكن يجعله أحق به من غيره.

أمّا أنّه لا يفيد الملك؛ فلأنّ سببية الإحياء بشروطه ولم توجد.

وأما أنه يفيد الأحقية؛ فلأن الإحياء إذا أفاد الملك وجب أن يفيد الشروع فيه الأحقية. كالاستيام مع الشراء، وليأ من مَنْ يقصد الإحياء بالشروع في العمارة.

وحيث أفاد التحجير منع الغير من الإحياء فلو بادر غيره وقاهره وأحياها لم يملكها؛ لتعلّق حق غيره بها.

وفي بعض ألفاظ الحديث النبوي : «من أحيا أرضاً ميتةً في غير حق مسلم فهو أحق بها»(1) .

قوله: «ولو اقتصر على التحجير وأهمل العمارة» إلى آخره.

ينبغي في التحجير الاقتصار على قدر كفايته؛ لئلا يضيق على الناس بتحجير ما لا يمكنه القيام بعمارته. وأن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير، فإن طالت المدة ولم يعمر أمره الإمام أو القائم مقامه بأحد الأمرين: إما العمارة، أو رفع يده؛ ليتصرف غيره فيها، فإنّ عمارتها منفعة للإسلام.

فإن ذكر عذراً في التأخير، كإصلاح آلته أو غيبة العمال، أو إباق العبد ونحوه أمهله بمقدار ما يزول معه العذر.

ص: 157


1- السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 236، ح 11777 مع اختلاف؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 62 ، ح 1295.

*وللنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يحمي لنفسه ولغيره من المصالح، كالحمى لنعم الصدقة. وكذا عندنا لإمام الأصل.

وليس لغيرهما من المسلمين أن يحمي، فلو أحياه محي لم يملكه ما دام الحمى مستمراً.

--------------

وإن لم يذكر عذراً ألزمه بأحد الأمرين، وله إمهاله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة بحسب ما يراه، ولا يتقدر عندنا بقدر، فإذا مضت مدة الإمهال ولم يشتغل بالعمارة رفع الإمام يده، أو أذن للناس في عمارتها.

وليس لأحد أن يشتغل(1) بإحيائها قبل أحد الأمرين؛ استصحاباً لحرمة اليد السابقة. فلو أحياها محي قبل ذلك لم يملك؛ لأنه أحيا ما هو باق في حق غيره، كما لو أحيا قبل طلب الإمام منه أحد الأمرين.

ولبعض العامة هنا قول بالملك(2)؛ لبطلان حق المحجر بالامتناع من أحد الأمرين وإن كان غيره ممنوعاً، كما إذا دخل في سوم غيره واشترى.

قوله:

وللنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أن يحمي لنفسه ولغيره من المصالح

إلى آخره.

المراد بالحمى أن يحمي بقعةً من الموات لمواش بعينها، ويمنع سائر الناس من الرعي فيها.

وكان يجوز ذلك لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الخاصة نفسه؛ لأنَّه أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ(3). ولكنّه لم يفعل، وإنّما حمى النقيع - بالنون - لابل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين في سبيل الله.

وكذا يجوز الحمى عندنا للإمام(عليه السلام) .

ص: 158


1- في بعض النسخ: « يستقل» بدل «يشتغل».
2- روضة الطالبين، ج 4، ص 353.
3- مأخوذ من الآية 6 من الأحزاب (33).

* وما حماه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام(عليه السلام)المصلحة فزالت جاز نقضه. وقيل: ما يحميه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) خاصةً لا يجوز نقضه؛ لأنّ حماه كالنص.

--------------

ونبه بقوله «عندنا» على خلاف بعض العامة؛ حيث منع من الحمى لغير النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)و مطلقاً (1). لما روي أنه(عليه السلام)قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله»(2).

ولا يجوز الحمى لغيرهما من المسلمين إجماعاً.

وأجابوا عن الخبر بأنه إنما قصد منع العامة من الحمى؛ وذلك لأن العزيز من العرب كان إذا انتجع بلداً مخصباً وافى بكلب على جبل إن كان به أو على نشز، واستعوى الكلب ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعوي، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه فنهى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) عن ذلك؛ لما فيه من التضييق على الناس(3).

إذا تقرر ذلك، فلو بادر أحد إلى الحمى وأحياه بدون إذن الإمام لم يملكه؛ لتعلّق حق المسلمين به، ولما فيه من الاعتراض على تصرف النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام)وحكمه ما دام الحمى مستمراً.

قوله: «وما حماه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أو الإمام(عليه السلام)لمصلحة فزالت جاز نقضه» إلى آخره.

حيث كان الحمى منوطاً بالمصلحة الخاصة ،فزالت بأن فرّق الماشية على المستحقين، وأخذ خيل المجاهدين أهلها وعزموا على الجهاد بها أو ربطوها للعلف، جاز نقض الحمى ورده إلى ما كان عليه من الإباحة؛ لأنّه كان نظراً للمسلمين برعاية مصلحة حالية، وقد يقتضي النظر ردّه إلى ما كان فيرجع إلى نظره انتهاء كما رجع إليه ابتداء.

ص: 159


1- روضة الطالبين، ج 4، ص 357: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 185، المسألة 4351؛ الحاوي الكبير، ج 7، ص 483.
2- مسند أحمد، ج 4، ص 624 ، ح 15987: صحيح البخاري، ج 2، ص 835، ح 2241؛ وج 3، ص 1097، ح 2850؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 180، ح 3083؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 6 ، ص 241 - 242، ح 11805.
3- راجع الحاوي الكبير ، ج 7، ص 484 : والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 6 ، ص 185 - 186 ، المسألة 4351

الطرف الثاني في كيفية الإحياء

صور عماره الموات:

اشارة

*والمرجع فيه إلى العرف؛ لعدم التنصيص شرعاً ولغة. وقد عرف أنه إذا قصد سكنى أرض، فأحاط ولو بخشب أو قصب وسقف ممّا يمكن سكناه، سمّي إحياء.

وكذا لو قصد الحظيرة فاقتصر على الحائط من دون السقف وليس تعليق الباب شرطاً.

ولو قصد الزراعة كفى فى تملكها التحجير بمرز أو مسناة، وسوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها.

--------------

وهو في حمى الإمام موضع وفاق. وفي حمى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وجهان:

أحدهما أنّه كذلك للاشتراك في المقتضي.

والآخر: المنع مطلقاً؛ لأنّ حماه إنما كان لمصلحة مقطوعة، فكان كالنص لا يجوز تغييره. وهذا عند أصحابنا لا يوجب الفرق؛ لأنّ الإمام عندهم لا يحمي بالاجتهاد، فكلاهما يكون نصاً.

وعلى الأظهر من جواز نقضه هل ينتقض بزوال المصلحة التي جعل لأجلها، أم يتوقف على حكم الحاكم ؟ فيه وجهان من تعيينه لتلك الجهة كالمسجد والمقبرة - فلا يتغيّر، ومن شروعه لمصلحة وعلة خاصة، فإذا زالت العلة زال المعلول، والملك قد زال في المسجد ونحوه، بخلاف الحمى.

قوله - في كيفية الإحياء : «والمرجع فيه إلى العرف - إلى قوله - وهيأها للعمارة».

أصل الباب أنّ الإحياء ورد في الشرع مطلقاً، فينزل على ما يعد إحياء في العرف ،كالقبض والحرز ويختلف ذلك باختلاف ما يقصده من عمارة الموات. وتفصيله بصور:

إذا أراد السكنى

إحداها: إذا أراد السكنى اعتبر في الملك أمران:

أحدهما: تحويطه إما بالآجر أو اللبن أو الطين أو الخشب أو القصب بحسب العادة.

ص: 160

ولا يشترط حراثتها ولا زراعتها؛ لأن ذلك انتفاع كالسكني.

ولو غرس أرضاً فنبت فيها الغرس وساق إليها الماء تحقق الإحياء وكذا لو كانت مستأجمةً فعضد شجرها وأصلحها وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة وهيّأها للعمارة، فإنّ العادة قاضية بتسمية ذلك كله إحياء؛ لأنّه أخرجها بذلك إلى الانتفاع الذي هو ضد الموات.

--------------

اذا اراد زریبه للدواب او حظیرهً

والثاني: تسقيفه ولو بعضه، ليتهيأ للسكنى، وليقع عليه اسم المسكن عرفاً.

ولا يشترط نصب الباب عندنا؛ لأنّ نصب الباب للحفظ والسكنى لا يتوقف عليه اسم المسكن عرفاً.

واعتبره بعض العامة؛ لأنّ العادة فى المنازل أن تكون لها أبواب، وما لا باب له لا يتخذ مسكناً (1).

وبعضهم لم يعتبر السقف(2)؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «من أحاط حائطاً على أرض فهي له».(3)

ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء، كما لو جعلها حظيرة للغنم؛ لأنّ القصد لا اعتبار به فإنه لو أرادها حظيرة فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتاً فإنّه يملكها وإن كان هذا العمل لا يعمل للغنم مثله.

ولأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها داراً من غير اشتراط تسقيف.

وفي التذكرة نفى عن هذا القول البأس (4). ووجهه واضح.

الثانية: إذا أراد زريبةً للدواب أو حظيرة تجفّف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش اعتبر التحويط ولا يكفى نصب سعف وأحجار من غير بناء؛ لأن المتملك لذلك

ص: 161


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 199 - 200، المسألة 4360؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 354.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 197، المسألة 4360.
3- مسند أحمد، ج 5، ص 638 ، ح 19620؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 179، ح 3077
4- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 453. المسألة 1193.

--------------

لا يقتصر عليه في العادة، وإنّما يفعله المجتاز المرتفق ولا يشترط التسقيف هنا إجماعاً؛ قضاءً للعرف. وفى تعليق الباب هنا كما سلف.

اذا التخذ الموات مزرعه

الثالثة: أن يتخذ الموات مزرعة، فيعتبر في إحيائه جمع التراب حواليه لينفصل المحيا عن غيره، ويسمّى بالمرز بكسر الميم، أو تميّزه بمسنّاة بضم الميم، وهو مثل المرز وربما كان أزيد منه تراباً. ومثله نصب القصب والشوك حولها. وقد يجعل أحد هذين المسناة، ويخص التراب بالمرز. وجعل الحجر حولها كجعل التراب.

واكتفى المصنف رحمه الله في الإحياء للزرع بذلك أو سوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها إن احتاجت إلى السقي ولم يكتف بماء السماء، وإلا فلا حاجة إليه.

وبعضهم اعتبر فيه الأمرين(1). وهو حسن.

وهذا إذا لم تكن مستأجمةً بنحو الشجر، وإلا اعتبر عضد شجرها كما يعتبر ذلك للغرس. وبقي في العبارة أنه اعتبر سوق الماء إليها حيث يفتقر إليه. والحق الاكتفاء بترتيب الماء لها، بأن يحفر له المجرى ويهيئه للوصول وإن لم يسقه إليها بالفعل، كما لا يشترط سقيها وزرعها بالفعل؛ لأنّ الإحياء يتحقق بالتهيئة لا بالانتفاع بالفعل.

ولا يشترط حراثتها ولا زرعها؛ لأنّ الزراعة استيفاء منفعة الأرض، واستيفاء المنفعة خارج عن حد الإحياء، كما أنّه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها. واعتبره بعض العامة؛ لأنّ الدار والزريبة لا تصير محياةً إلا إذا حصل فيها عين المال (2) ، فكذا المزرعة. والأصل ممنوع.

اذا التخذ الموات للغرس

الرابعة: أن يتخذه للغرس. وقد اختلفت عبارات الفقهاء فيما يتحقق به الإحياء لهذه المنفعة، فالمصنف(رحمه الله) اعتبر فيها أحد أُمور إما غرسها بالفعل مع نبات الغرس وسوق الماء إليها، وإما عضد شجرها وإصلاحها بإزالة الأصول وتسوية الأرض إن كانت

ص: 162


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 277 وانظر الحاوي الكبير، ج 7، ص 486: وروضة الطالبين، ج 4، ص 354 - 355.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 487.

* و من فقهائنا الآن من يسمّى التحجير إحياء. وهو بعيد.

--------------

مستأجمة، أو بقطع المياه الغالبة عليها وتهيئتها للعمارة.

وظاهره أنّ كلّ واحد من هذه الثلاثة كافٍ في الإحياء، محتجاً بدلالة العرف عليه.

وإنما اعتبر غرس الأشجار ونباتها؛ لأنّ اسم البستان لا يقع على الأرض المهيأة له قبل الغرس، بخلاف المزرعة، فإنّها تقع على الأرض قبل الزراعة، ولأن الغرس يدوم فألحق ببناء الدار والزرع بخلافه.

ويشكل بأنّ قصد الغرس أعمّ من جعله بستاناً، ولا يلزم من توقف اسم البستان على الشجر توقف غيره .

والأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقاً، وعدم الاكتفاء بكلّ واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها أجمع بأن كانت الأرض مستأجمةً والماء غالباً عليها، بل لا بدّ حينئذ من الجمع بين قطع الشجر ودفع الماء.

وإن وجد أحدهما خاصةً اكتفي بزواله.

وإن خلت عنهما واحتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي، كما ذكرناه في الزرع.

ولو خلت عن الجميع، بأن كانت غير محتاجة إلى السقي ولا مستأجمة ولا مشغولة بالماء، اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه. وفي الاكتفاء حينئذ بغرسها مع نبات الغرس وجه.

وفي كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر من ذلك، والمحصل ما ذكرناه.

قوله: «ومن فقهائنا الآن من يسمّي التحجير إحياء. وهو بعيد».

أشار بذلك إلى شيخه الفقيه نجيب الدین ابن نما (رحمه الله)، فجعل مطلق التحجير إحياء مفيداً للملك(1) ، وهو قول لبعض الشافعية(2)؛ لخروجه بالشروع في إحيائه عن الموات، ومن ثَمَّ أفاد به حقاً في الجملة إجماعاً.

ص: 163


1- كما في الدروس الشرعية، ج 3، ص 60 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 489؛ وروضة الطالبين، ج 4، ص 352.

الطرف الثالث في المنافع المشتركة

فائده الطرق واحکامها

*وهي الطرق والمساجد، والوقوف المطلقة، كالمدارس والمساكن.

أما الطرق ففائدتها الاستطراق والناس فيها شرع، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق، كالجلوس غير المضر بالمارة، وإذا قام بطل حقه. ولو عاد بعد أن سبق إلى مقعده لم يكن له الدفع، أما لو قام قبل استيفاء غرضه لحاجة ينوي معها العود قيل: كان أحق بمكانه.

--------------

والإحياء كما تقدّم(1) غير منضبط شرعاً ولا عرفاً.

وقد وافق الجماعة على أنّ الأرض إذا كانت غير مستأجمة، ولا مشتملة على مانع، ولا مفتقرة إلى السقي بالماء المجتلب، يكفي تمييز المحيا عن غيره بتراب ونحوه في تحقق الإحياء، وهذا من أضعف أفراد التحجير.

والمصنّف (رحمه الله) استبعد هذا القول، من حيث إنّ الملك في النصوص معلّق على الإحياء، وظاهر أنه لا يتحقق بمطلق التحجير وإن كان بعض أفراده قريباً منه.

وفي الدروس حمل كلام ابن نما على أرض ليس فيها استيجام ولا ماء غالب وتسقيها الغيوث غالباً، فإنّ فعل ذلك يعد إحياء وخصوصاً عند من لا يشترط الحرث ولا الزرع؛ لأنّهما انتفاع، وهو معلول الملك، فلا يكون علة له (2).

وحيث كان المحكم في الإحياء العرف ، فإن وافق التحجير في بعض الموارد كفى وإلا فلا.

قوله في المنافع المشتركة : وهى الطرق، والمساجد، والوقوف المطلقة» إلى آخره. بقاع الأرض إما مملوكة، أو محبوسة على الحقوق العامة، كالشوارع والمساجد والمقابر

ص: 164


1- تقدم في ص 160.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 60 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

--------------

والرباطات، أو منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة، وهي الموات.

أما المملوكة فمنافعها تتبع رقابها، وقد تقدم الكلام على الموات بالنسبة إلى إحيائه.

والمقصود هنا الكلام في الانتفاع بالبقاع المحبوسة على الحقوق العامة، ويقرب منه الانتفاع بالموات من غير إحياء.

أما الشوارع فمنفعتها الأصلية التطرّق، ويجوز الوقوف فيها والجلوس لغرض الاستراحة والمعاملة ونحوهما، بشرط عدم التضيق على المارّة؛ لاتفاق الناس عليه في الأعصار.

وله أن يظلّل عليه موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة، من ثوب وبارية ونحوهما، لا ببناء دكة، إلا مع سعة الطريق بحيث لا يتضرّر المارة به أصلاً، فيتجه الجواز.

ولو سبق اثنان إلى موضع أُقرع بينهما.

وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان أصحهما ذلك لثبوت حق الاستطراق لهم فيتبعه غيره.

إذا تقرر ذلك، فلو أنّه جلس في موضع ثمّ قام عنه نظر إن كان جلوسه للاستراحة وما أشبهها بطل حقه؛ لأنّه كان متعلقاً بكونه فيه وقد زال.

وإن كان قعوده لغرض فقام قبل استيفائه لا بنية العود فالحكم كذلك.

وإن كان بنيته قيل: لا يبطل حقه؛ لأنه بنية العود وعدم استيفاء الغرض بمنزلة من لم يفارق، من حيث بقاء الحاجة إلى المكان.

وفي نسبته إلى القيل ساكتاً عليه إشعار بضعفه؛ لثبوت الاشتراك في الجملة، وزوال ما يقتضي بقاء الأولوية وهو الكون، مع الشك في كون غيره موجباً للاستحقاق.

ولا فرق على التقديرين بين طول الزمان وقصره.

ولو بقي رحله فوجهان، من عدم النص عليه بخصوصه، ومن قول أمير المؤمنين(عليه السلام) :

ص: 165

*ولو جلس للبيع أو الشراء فالوجه المنع، إلا في المواضع المتسعة كالرحاب؛ نظراً إلى العادة، ولو كان كذلك فقام ورحله باق فهو أحق به.

ولو رفعه ناوياً للعود فعاد قيل: كان أحق به؛ لئلا يتفرّق معاملوه فيستضر. وقيل: يبطل حقه؛ إذ لا سبب للاختصاص وهو أولى.

--------------

سوق المسلمين كمسجدهم »(1)والطريق على هذا الوجه بمنزلة السوق، وقد ثبت حكم الرحل في المسجد فيكون هنا كذلك. وبه قطع جماعة(2)منهم الشهيد في الدروس(3).

ولا يخفى ما في دليله. ولو طال زمان المفارقة فلا إشكال في زوال حقه لاستناد الضرر إليه.

قوله: «ولو جلس للبيع أو الشراء فالوجه المنع، إلا في المواضع المتسعة كالرحاب نظراً إلى العادة» إلى آخره.

الأصل في وضع الطريق أن يكون للاستطراق، ولكن جوزوا الجلوس فيه للراحة ونحوها مما لا يضر بالمارة: لما أشرنا إليه من العلة .

واختلفوا في جواز الجلوس فيه لعمل الحرفة والبيع والشراء، فمنعه بعضهم مطلقاً؛ لأنّه انتفاع بالبقعة في غير ما أُعدت له، فكان كالانتفاع بالمسجد ونحوه من الموقوفات الخاصة في غير ما عيّن له من الجهة(4) .

والأشهر التفصيل، وهو المنع من ذلك في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن تأذي المارة به غالباً، وجوازه في الرحاب المتسعة في خلاله، بحيث يؤمن تأذي المارة به، نظراً إلى اطّراد

ص: 166


1- الكافي، ج 5، ص 155، باب السبق إلى السوق، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 199، ح 3755؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 9. ح 31
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 91؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 270؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 34
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 72 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
4- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 180 - 181، المسألة 4347.

--------------

العادة بذلك في الأعصار، وذلك هو المسوّغ لغيره من وجوه الانتفاع كما سلف.

وحيث قلنا بالجواز فقام من ذلك الموضع، فإن كان رحله باقياً فهو أحق به من غيره مطلقاً، وإلا فإن كان قيامه على وجه الإعراض عنه بطل حقه.

وإن كان بنية العود ففي بطلان حقه وجهان من أن سبب الاختصاص كان سبقه إلي-ه والمقام فيه، وقد زال فيزول الاستحقاق؛ لزوال المعنى المقتضي له، ومن أن الغرض من تعيين الموضع للمعاملة أن يعرف فيعامل، فإبطال حقه بذلك يؤدي إلى ضرره بتفرقهم عنه.

وعلى هذا فتتقدر الغيبة بما لا يبلغ من الزمان ما ينقطع فيه الذين ألفوا معاملته؛ لتحصل الفائدة المطلوبة فيه.

ولا يبطل حقه لو كان رجوعه إلى بيته ليلاً للمبيت وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني، وهكذا.

وكذلك الأسواق التي تقام في كلّ أسبوع، أو في كلّ شهر مرّةً، إذا اتخذ فيها مقعداً كان أحق به في النوبة الثانية وإن تخللت بينهما أيام.

وفي التذكرة رجّح بقاء حقه إلى الليل خاصةً(1) ؛ عملاً بما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه قال: «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل»(2)وهذا في معنى السوق.

وفيه - مع قطع النظر عن إسناد الخبر - نظر.

ثمّ على تقدير اختصاصه بموضع الجلوس على وجه يختص ممّا حوله بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه، أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والإعطاء.

وهذا كله في المستوطن، أما الجوال الذي يقعد كلّ يوم في موضع من السوق فلا إشكال

ص: 167


1- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 395، المسألة 1168
2- تقدم تخريجها في ص 166 الهامش 1

احکام السابق الی مکان من المسجد

*وليس للسلطان أن يقطع ذلك، كما لا يجوز إحياؤه ولا تحجيره.

*وأمّا المسجد فمن سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالساً، فلو قام مفارقاً بطل حقه ولو عاد وإن قام ناوياً للعود، فإن كان رحله باقياً فيه فهو أحق به، وإلا كان مع غيره سواء. وقيل: إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة وما أشبهه لم يبطل حقه.

ولو استبق اثنان فتوافيا، فإن أمكن الاجتماع جاز، وإن تعاسرا أقرع بينهما.

--------------

في بطلان حقه إذا فارق المكان، بل هذا خارج بنية المفارقة، فلا يدخل في قسم ناوي العود ولا يفتقر إلى استثناء.

قوله: «وليس للسلطان أن يقطع ذلك، كما لا يجوز إحياؤه ولا تحجيره».

المشهور بين الأصحاب أنّ هذه المرافق في الطرق والأسواق والمساجد لا يجوز للإمام إقطاعها لأحد ،بخصوصه بأن يعطيه موضعاً يجلس فيه من الطريق الواسعة ورحاب الجوامع ومقاعد الأسواق؛ لأنّ ذلك معدّ لمرافق المسلمين على العموم، ولا مدخل للملك فيه فلا معنى لإقطاعه كالمعادن الظاهرة، بخلاف الموات.

وجوّزه بعض العامة؛ لأن للإمام يداً وتصرفاً، فله الإقطاع إذا رآه صلاحاً، كما له إزعاج الجالس فيها إذا رأى جلوسه مضراً (1).

قوله: «وأما المسجد فمن سبق إلى مكان منه» إلى آخره.

لا إشكال في استحقاق السابق إلى مكان من المسجد وأولويته من غيره، سواء كان جلوسه لأجل الصلاة، أم لمطلق العبادة، أم لتدريس العلم والإفتاء ونحو ذلك، ولا في زوال ولايته مع انتقاله عنه بنية المفارقة له.

أما مع خروجه عنه بنية العود إليه، فإن كان رحله - وهو شيء من أمتعته وإن قل -

ص: 168


1- روضة الطالبين ، ج 4 ص 359 المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6 ، ص 182، المسألة 4348.

--------------

باقياً فهو أحق به للنص على ذلك هنا(1).

وقيده في الذكرى بأن لا يطول زمان المفارقة وإلا بطل حقه أيضاً(2).

ولا بأس به، خصوصاً مع حضور الجماعة واستلزام تجنّب موضعه وجود فرجة في الصف؛ للنهي عن ذلك(3).

بل استثنى بعضهم ذلك مطلقاً، وحكم بسقوط حقه حينئذ. ولا بأس به.

ثمّ على تقدير سقوط حقه يجوز رفع رحله إن استلزم شغل موضعه التصرف فيه وتوقف تسوية الصفّ عليه. ويضمنه الرافع له إلى أن يوصله إلى صاحبه جمعاً بين الحقين مع احتمال عدم الضمان للإذن فيه شرعاً.

وإن لم يكن رحله باقياً ، فإن كان قيامه لغير ضرورة سقط حقه مطلقاً في المشهور.

و فرّقوا بينه وبين مقاعد الأسواق بأن غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد، والصلاة في بقاع المسجد لا يختلف.

وفيه نظر؛ لمنع عدم اختلاف بقاع المسجد في الفضيلة؛ لأن ثواب الصلاة في الصف الأوّل أكثر، وقد يألف الإنسان بقعةً من المسجد، ويتضرر بفواتها كتضرره بفوات المعاملين.

وظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين من يألف بقعةً ليقرأ عليه القرآن ويتعلّم منه الفقه ونحو ذلك وغيره؛ لعموم قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ الْعَكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾(4) .

ص: 169


1- مسند أحمد، ج 2، ص 552، ح 7751؛ صحیح مسلم، ج 4، ص 1715 ، ح 2179/31؛ السنن الكبرى. البيهقي ، ج 6، ص 249، ح 11839؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 64، ح 1302؛ ورواه الشيخ أيضاً مرسلاً عن الأئمة في المبسوط، ج 3، ص 276.
2- لم نجده في ذكرى الشيعة. وراجع الدروس الشرعية، ج 3، ص 71 - 72 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
3- راجع وسائل الشيعة، ج 8، ص 422 - 425 ، الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة.
4- الحج (22) 25

--------------

وفرّق بعضهم، فأوجب أولوية المذكورين كمقاعد الأسواق، خصوصاً في الجوامع الكبيرة؛ لأنّ له غرضاً في ذلك الموضع ليألفه الناس(1).

وإن كان قيامه لضرورة كتجديد طهارة، وإزالة نجاسة، وقضاء حاجة، ففي بطلان حقه وجهان:

أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف (حمه الله) - عدم البطلان؛ لمكان الضرورة.

واحتج له في التذكرة بقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه».

وقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل»(2).

ويشكل مع قطع النظر عن السند (3)، فإنّه أعم من المدعى وأنتم لا تقولون به على العموم ،والمخصص لهما مع عدم الضرورة مخصص معها.

والوجه الثاني: بطلان اختصاصه الحصول المفارقة.

ولا فرق على التقديرين بين أن يطرأ العذر قبل الشروع في الصلاة وبعده.

وفرّق في الدروس بين المفارق في أثنائها اضطراراً وغيره، فحكم ببقاء أولوية الأوّل، إلا أن يجد مكاناً مساوياً للأوّل أو أولى منه؛ محتجاً بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها(4) . وفيه نظر.

ص: 170


1- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 397 المسألة 1169؛ الوجيز، ج 1، ص 422 الحاوي الكبير، ج 7، ص 496؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 361.
2- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 398، المسألة 1169؛ وللرواية الأولى راجع مسند أحمد، ج 2، ص 552، ح 7751؛ وصحيح مسلم، ج 4، ص 1715 . ح 2179/31؛ والسنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 249، ح 11839، بتفاوت يسير : وتقدمت مصادر الرواية الثانية في ص 166 الهامش 1.
3- راجع رجال النجاشي، ص 207 ، الرقم 550
4- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 71 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

احکام ساکنی المدارس والنزال فی الربط

*وأما المدارس والربط فمن سكن بيتاً ممّن له السكنى فهو أحق به وإن تطاولت المدة ما لم يشترط الواقف أمداً، فيلزمه الخروج عند انقضائه.

ولو اشترط مع السكنى التشاغل بالعلم فأهمل ألزم الخروج وإن استمر على الشرط لم يجز إزعاجه. وله أن يمنع من يساكنه ما دام متصفاً بما به يستحق السكني.

ولو فارق لعذر قيل: هو أولى عند العود. وفيه تردّد. ولعلّ الأقرب سقوط الأولوية.

--------------

ولو استبق اثنان إلى محل مخصوص فإن أمكن الجمع بينهما بأن كان متسعاً لهما جاز، وإن لم يمكن أقرع بينهما، وصار من أخرجته القرعة بمنزلة السابق.

قوله: «وأمّا المدارس والربط فمن سكن بيتاً ممن له السكنى» إلى آخره.

المدارس بالنسبة إلى مستحق السكنى بها - بأن يكون طالباً للعلم، جامعاً لشرط(1)الواقف، إن كان مخصصاً لها بعلم خاص أو مذهب خاص - بمنزلة المساجد، من سبق إلى سكنى بيت منها أو إلى الإقامة ببقعة منها فهو أحق به وكذلك الرباطات الموقوفة على النزال والغرباء وأشباههم.

ويزيد هنا أنّه لا يبطل حقه بالخروج لحاجة - كشراء مأكول ومشروب وثوب وقضاء حاجة - قطعاً، ولا يلزمه تخليف أحد مكانه، ولا أن يترك رحله فيه. ولا يفرق هنا بين طول المدة وقصرها، ما لم يشترط الواقف أمداً كثلاثة أيام فيلزمه الخروج بعده بلا فصل وإن لم يؤمر به. وكذا لو شرط الواقف اتصافه بوصف كطلب العلم فأهمله.

ويرجع في الاختصاص ببيت وبقعة خاصة إلى شرط الواقف، فلو كان البيت الواحد معداً لجماعة لم يجز لأحد منع غيره إلا أن يبلغ العدد النصاب، فلهم منع الزائد، ولو كانت العادة أو الشرط يقتضي انفراد الواحد فله منع الزائد مطلقاً.

ص: 171


1- في بعض النسخ: «الشرائط» بدل «الشرط».

المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء

الطرف الرابع في المعادن الظاهرة

*وهي التي لا تفتقر إلى إظهار كالملح والنفط والقار. لا تملك بالإحياء ولا يختص بها المحجر.

وفي جواز إقطاع السلطان المعادن والمياه تردّد وكذا في اختصاص المقطع بها. ومن سبق إليها فله أخذ حاجته.

--------------

ولو فارق المكان لغير عذر بطل حقه، سواء بقي رحله أم لا، وسواء طالت مدة المفارقة أم قصرت لصدق المفارقة المسقطة للأولوية.

وإن كانت لعذر ففي سقوط حقه أوجه استقرب المصنّف منها سقوط أولويته مطلقاً؛ لزوال ما يقتضى الاختصاص.

وفيه وجه آخر بالبقاء مطلقاً؛ لأنّه باستيلائه جرى مجرى المالك، بخلاف المسجد، فإنّه لم يوضع للإقامة الطويلة.

وثالث بالفرق بين الطويلة والقصيرة، فيبطل في الأول دون الثاني واختاره في التذكرة (1). وهو حسن مع بقاء رحله، أو عدم خروجه عن الإقامة عرفاً.

واستقرب في الدروس تفويض الأمر إلى ما يراه الناظر صلاحاً(2).

ويشكل بأن الناظر ليس له إخراج المستحق اقتراحاً، فرأيه فرع الاستحقاق وعدمه.

قوله - في المعادن الظاهرة : «وهي التي لا تفتقر إلى إظهار إلى قوله - وكذا في اختصاص المقطع بها».

المعادن هي البقاع التي أودعها الله تعالى شيئاً من الجواهر المطلوبة. وهي تنقسم إلى ظاهرة وباطنة، فالباطنة تأتى (3)

ص: 172


1- تذكرة الفقهاء ، ج 19، ص 398، المسألة 1169.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
3- سيأتي في ص 176.

--------------

فالظاهرة هي التي يبدو جوهرها من غير عمل وإنّما السعي والعمل لتحصيله. ثمّ تحصيله قد يسهل، وقد يلحقه تعب، وذلك كالنفط وأحجار الرحى والبرمة والكبريت والقار وأشباهها.

وهذه لا تملك بالإحياء والعمارة وإن ازداد بها النيل ولا يختص بها بالتحجير؛ لأنّ التحجير شروع في الإحياء، وهو منتفٍ هنا.

وهل للإمام إقطاعها ؟ فيه قولان أظهرهما العدم (1)؛ لأنّ الناس فيها شرع. ووجه الجواز عموم ولايته وتصرفه وإناطة المصلحة برأيه.

وقد روي أن حيان المازني قال: استقطعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)معدناً من الملح بمازن فأقطعنيه، فقلت: يا رسول الله إنه بمنزلة الماء العدّ بمعنى أنها لا تنقطع ولا تحتاج إلى ،عمل فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «فلا إذا »(2) .

وهذه الرواية على تقدير صحتها محتملة للقولين، لكنّها قد تشكل على أصول أصحابنا: لتغيّر رأيه في الحكم بسبب اختلاف النظر في حال المعدن. وهي نظير ما روي عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) «لو بلغني هذه الأبيات قبل قتله لما قتلته»(3). يعني النضر بن الحارث، لما بلغه(صلی الله علیه وآله وسلم) أبيات أخته ترثيه بها. والجواب عنهما واحد (4).

ص: 173


1- القول بعدم الجواز للشيخ في المبسوط، ج 3، ص 89 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 383؛ وابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 375: والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 271؛ والقول بالجواز للعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 396، المسألة 1168.
2- سنن الدارمي، ج 2، ص 268 ، باب في القطائع: سنن ابن ماجة، ج 2، ص 827، ح 2475؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 174 - 175 ، ح 3064: الجامع الصحيح، ج 3، ص 664. ح 1380؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 6 ، ص 247 ح 11828 و 11829؛ وأورده الشيخ الطوسي في المبسوط، ج 3، ص 89. والصحيح كما في المصادر: أبيض بن حمال المأربي ... بمأرب مع تفاوت في بعض الألفاظ: وللمزيد راجع تنقيح المقال، ج 5، ص 139 - 142، الرقم .258/666
3- السيرة النبوية ابن هشام، ج 2، ص 387 مع اختلاف في العبارة.
4- في حاشية «خ»: «بخطه: وهو أن الحكم يفوّض إليه من الله تعالى على وجه التخيير بين الأمرين».

لو تسابق اثنان إلى المعدن

*ولو تسابق اثنان فالسابق أولى ولو توافيا وأمكن أن يأخذ كلّ منهما بغيته فلا بحث، وإلا أُقرع بينهما مع التعاسر. وقيل: يقسم. وهو حسن.

--------------

قوله: «ولو تسابق اثنان فالسابق أولى» إلى آخره.

قد تقرر أنّ الناس في هذه المعادن شرع، فمن سبق إليها فله أخذ حاجته منها. ولو ازدحم اثنان فصاعداً فالسابق إليها أولى. وبأي قدر يستحق التقدم؟ الأظهر أنه يأخذ قدر بغيته كما لو انفرد.

وقيل: يأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله.

وعلى الثاني، فلو أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق ففي إجابته وجهان، من تحقق الأولوية بالسبق، ومن أنّ عكوف غيره يفيد أولوية في الجملة . والأصح الأول.

ولو جاءا معاً، فإن أمكن اجتماعهما وأن يأخذ كلّ منهما مطلوبه جمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع أقرع بينهما؛ لاستوائهما في الأولوية، وعدم إمكان الاشتراك، واستحالة الترجيح، فأشكل المستحق فعين بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل، فمن أخرجته قدّم بأخذ حاجته.

وقيل: ينصب الحاكم من يقسمه بينهما (1)؛ لاستوائهما في الاستحقاق، وانتفاء المرجّح بالتقديم، واستحسنه المصنف.

وهو جيد مع قبوله للقسمة، أما مع عدمه فالقرعة أحسن.

ولو كان يؤدّي حاجتهما وزيادة، لكن ضاق المكان عن أخذهما منه دفعةً، فالقرعة أيضاً وإن أمكن القسمة. وفائدتها تقديم من أخرجته في أخذ بغيته. ومثله ما لو ازدحم اثنان على نهر ونحوه ولم يمكن الجمع، لكن لو تغلب أحدهما هنا أثم وملك، بخلاف تغلبه على أولوية التحجير.

والفرق أنّ الملك هنا لا يتحقق، للزيادة عن مطلوبهما بخلاف المحجر.

ص: 174


1- لم نتحقق القائل.

*ومن فقهائنا من يخص المعادن بالإمام (عليه السلام)، فهي عنده من الأنفال. وعلى هذا لا يملك ما ظهر منها ولا ما بطن. ولو صح تملكها بالإحياء لزم من قوله اشتراط إذن الإمام. وكلّ ذلك لم يثبت.

--------------

قوله: «ومن فقهائنا من يخص المعادن بالإمام(عليه السلام)» إلى آخره.

القائل باختصاص المعادن ظاهرة وباطنة بالإمام المفيد(1) وسلار(2)

(رحمهما الله) فتتوقف الإصابة منها على إذنه مع حضوره لا مع غيبته.

وقيل: يختص بما كان في أرضه كالموات لا ما كان في المحيا؛ لأنه يلزم من ملكه لها ملك ما فيها (3).

وأكثر الأصحاب على أنّ المعادن مطلقاً للناس شرع، عملاً بالأصل مع ضعف المخرج عنه. وهذا قوي.

وعلى القول الأوّل ما كان منها ظاهراً لا يتوقف على الإحياء يجوز في حال الغيبة أخذه، كالأنفال، وما يتوقف على الإحياء، فإن كان الإمام ظاهراً فلا إشكال في عدم ملکه بدون إذنه، ومع غيبته يحتمل كونه كذلك؛ عملاً بالأصل وإن جاز الأخذ منه كغيره من الأنفال؛ لأنّ ملك مال الغير متوقف على إذنه وهو مفقود، وإنما الموجود الإذن

في أخذه.

وهذا هو الذي أشار إليه المصنّف بقوله لزم من قوله اشتراط إذن الإمام».

ويحتمل ملكه حال الغيبة بالإحياء كإحياء الأرض وإن كان للإمام رفع يده بعد ظهوره؛ لأنّه من توابع الأرض فيلزمه حكمها، ومن ثُمَّ ملكه محيى الأرض لو ظهر فيها. كما سيأتي(4).

ص: 175


1- المقنعة ، ص 278
2- المراسم، ص 140.
3- السرائر، ج 1، ص 497
4- يأتي في ص 177

*ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق إليها الماء صار ملحاً صح ملكها بالإحياء، واختص بها المحجر. ولو أقطعها الإمام صح.

المعادن الباطنة تملك بالإحياء

*والمعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والنحاس، فهي تملك بالإحياء.

ويجوز للإمام إقطاعها قبل أن تُملك. وحقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها.

ولو حجرها - وهو أن يعمل فيها عملاً لا يبلغ به نيلها كان أحق بها ولم يملكها. ولو أهمل أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنها. ولو ذكر عذراً أنظره السلطان بقدر زواله، ثمّ ألزمه أحد الأمرين.

--------------

قوله: «ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات »إلى آخره.

إذا كان بقرب المملحة أرض موات لو حُفرت وسيق إليها الماء صار ملحاً فليست من المعادن الظاهرة؛ لأنّ المقصود منها لا يظهر إلا بالعمل، فلها حكم(1) الأرض الموات، فمن أحياها وحفرها وساق إليها الماء فظهر الملح ملكها، كما لو أحيا مواتاً، وللإمام إقطاعها ميتة، كما له أن يقطع الأرض الموات، وهذا مما لا خلاف فيه.

قوله :« والمعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل» إلى آخره.

القسم الثاني من المعادن الباطنة، وهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل والمعالجة كالذهب والفضة والفيروزج والياقوت والرصاص والنحاس والحديد وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض سواء كانت موجودة في ظاهر الأرض بحيث لا يتوقف الشروع فيها على حفر شيء من الأرض خارج عنها، أم في باطنها، لكن القسم الأوّل منها في حكم المعادن الظاهرة بقول مطلق، وتملك بالحيازة.

وكذا لو ظهر بعض الجواهر الباطنة كقطعة ذهب أو حجر فيروزج بالسيل ونحوه، فإنّه يلحق بالظاهرة. والأول منها يُملك بالإحياء، وهو الحفر والعمل فيه بقصد التملك إلى أن يبلغ

ص: 176


1- في الحجريّتين: «فإنها في حكم بدل «فلها حكم».

فرع :*

لو أحيا أرضاً وظهر فيها معدن

ملكه تبعاً لها؛ لأنه من أجزائها.

--------------

نيله. وقبل ظهوره يكون العمل تحجيراً يفيد أولوية لا ملكاً، كما لو حفر بئراً في الموات على قصد التملك، فإنّه إذا وصل إلى الماء ملكه، وإلا فلا.

وإذا اتسع الحفر ولم يوجد المطلوب إلا في بعض جهاته لم يقتصر الملك على محلّه، بل كما يملكه يملك ما حواليه ممّا يليق بحريمه، وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب، ومن جاوز ذلك وحفر لم يمنع وإن وصل إلى العرق.

ويجوز للإمام إقطاع هذا النوع من المعدن كالموات؛ لأنه في معناه، ولعموم ولايته.

ولو قلنا: إنّه يملكه فأولى بالجواز؛ لما تقدّم من أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أراد إقطاع ملح مازن، أو أقطعه، فلما قيل له: إنّه كالماء العد امتنع منه(1) ، فدل على أن الباطن يجوز إقطاعه.

وحيث لا يبلغ العامل في هذا المعدن حدّ الإحياء فقد قلنا: إنه يفيد التحجير ومنع الغير من العمل، فإن استمر عليه فذاك، وإن أهمل لم يسقط حقه لكن يخيّره الإمام بين الإكمال ورفع يده عنه، فإن طلب منه الإمهال أجله بحسب ما يقتضيه رأيه، ثمّ ألزمه أحد الأمرين حتماً.

قوله: «لو أحيا أرضاً وظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها؛ لأنّه من أجزائها».

المراد بالمعدن الظاهر هنا هو الباطن بمعنييه، كما يرشد إليه التعليل بكونه من أجزائها، فيملك بإحياتها، كما يملك جميع أجزائها به ولتوقفه على الإحياء كالأرض ولا فرق بين أن يعلم به حين إحيائها وعدمه.

وهذا بخلاف ما لو أحيا أرضاً فوجد فيها كنزاً، فإنّه لا يملكه بإحياء الأرض كالمعدن الظاهر؛ لأنه مودع فيها لا يتوقف على الإحياء، لكن إن كان ركازاً لا أثر للإسلام عليه جاز تملكه كما يتملك المعادن الظاهرة بالحيازة بعد إخراج خمسه، وإلا كان لقطة.

ص: 177


1- تقدم تخريجه في ص 173. الهامش 2.

کیفیه تملک المیاه المباحه

*وأما الماء فمن حفر بئراً في ملكه أو مباح ليملكها فقد اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ الماء فقد ملك البئر والماء، ولم يجز لغيره التخطى إليه، ولو أخذ منه أعاده.

ويجوز بيعه كيلاً ووزناً، ولا يجوز بيعه أجمع؛ لتعذر تسليمه، لاختلاطه بما يستخلف .

ولو حفرها لا للتملك، بل للانتفاع فهو أحق بها مدة مقامه عليها. وقيل: يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته. وكذا قيل في ماء العين والنهر. ولو قيل: لا يجب كان حسناً. وإذا فارق فمن سبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها.

وأما مياه العيون والآبار والغيوث فالناس فيها سواء، ومن اغترف منها شيئاً بإناء، أو حازه في حوضه أو مصنعه فقد ملكه.

--------------

قوله: «وأمّا الماء فمن حفر بئراً في ملكه أو مباح ليملكها فقد اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ الماء فقد ملك البئر والماء» إلى آخره.

الماء أصله الإباحة، لكن يعرض له الملك. ويتحقق بأمرين متفق عليه على وجه العموم، ومختلف فيه كذلك.

فالأوّل: ما أحرز من المباح في آنية أو مصنع ونحوهما، وهذا مختص بمحرزه إجماعاً، وليس لأحد التصرف فيه إلا بإذنه ويجوز له التصرف بأنواع التصرفات من حبس وبيع وغيرهما، كغيره من الأملاك .

والثاني: قسمان:

أحدهما: ما يخرجه من نهر مباح، وفي ملكه خلاف يأتي.

والثاني: ما يستنبطه ويخرجه من الأرض من بئر وعين بنية التملك. ومذهب الأصحاب أنه يملك بذلك، كما يملك السابق على العموم.

لكنّ الشيخ( رحمه الله )فى المبسوط أوجب على مالكه بذل الفاضل عن حاجته لشربه وشرب ماشيته وزرعه إلى غيره بغير عوض إذا احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من

ص: 178

--------------

السابلة وغيرهم، لا لسقي الزرع والشجر مستنداً إلى ما رواه ابن عباس أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال:«الناس شركاء في ثلاث الماء والنار، والكلا »(1).

ورواية جابر عنه أنه نهى عن بيع فضل الماء(2).

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «من منع فضل الماء ليمنع به الكلاً منعه الله فضل رحمته يوم القيامة»(3).

والمراد أنّ الماشية إنّما ترعى بقرب الماء، فإذا منع من الماء فقد منع من الكلاً وحازه لنفسه.

والفرق بين سقي الحيوان والزرع - حيث منع من منعه للأول دون الثاني - أن الحيوان محترم لروحه بخلاف الزرع.

وهذه الأخبار كلّها عاميّة، وهي مع ذلك أعم من المدعى، ومدلولها من النهي عن منع فضله مطلقاً لا يقول به بل ولا غيره ممن يعتمد هذه الأحاديث، وهي ظاهرة في إرادة الماء المباح الذي لم يعرض له وجه مملك كمياه الأنهار العامة، والعيون (4)، الخارجة في الموات والسابقة على إحياء الأرض الموات ومياه العيون(5) والآبار المباحة، فإن الناس في هذه شرع، حتى لو دخل منه شيء في أملاك الناس لم يملكوه إلا بنية الحيازة، كما لو نزل مطر واجتمع في ملكهم، لكن ليس لأحد أن يدخل الملك لأخذه، من حيث التصرف في الملك، لا من حيث الماء، ولو فرض دخوله أساء(6) وملك ما أخذه من الماء.

ص: 179


1- المبسوط، ج 3، ص 97؛ وللرواية راجع مسند أحمد، ج 1، ص 500، ح 22573؛ وسنن أبي داود، ج 3، ص 278، ح 3477: وسنن ابن ماجة، ج 2، ص 826، ح 2472.
2- مسند أحمد، ج 4. ص 326، ح 14428 ، وفيه: «نهى عن بيع الماء»؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 828 ح 2477 سنن أبي داود، ج 3، ص 278. ح 3478: الجامع الصحيح، ج 3، ص 571 ، ح 1271، وفيه : «عن بيع الماء» ؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 25 - 26، ح 11059.
3- مسند أحمد، ج 2، ص 381، ح 6683 بتفاوت يسير.
4- في «ع ، م»: «الغيوث» بدل «العيون».
5- في «ع ، م»: «الغيوث» بدل «العيون».
6- في «م»: «أثم» وفي بعض النسخ: «أثم وأساء».

--------------

ولو وجد المياه في الملك واشتبه تقدّمه لإحيائه وتأخره عنه فالأصل التأخر، فيحكم بملكه وعملاً بظاهر اليد.

ويمكن حمل النهي في هذه الأخبار فيما يتناول الماء المملوك على الكراهة، بل هو أولى(1) بدلالته.

واحترز المصنّف في البئر المحفورة بقوله «ليملكها عمّا لو حفرها في بعض المنازل لينتفع بها ، أو لعموم الانتفاع بها للمارة، أو مع الخلوّ عن القصد مطلقاً فإنّه لا يملكها بذلك.

لكن في الأول يصير الحافر أولى بها إلى أن يرتحل. وليس له منع ما فضل عنه عمن يحتاج إليه عند الشيخ (رحمه الله)؛ لعموم الأخبار(2) .

ويُفهم من قيد التملك الاحتياج إليه في ملكه وفي المباح؛ لجعله علة لهما، وهو يتمّ في المباح.

وأما المملوك فالأظهر أنّ ما يخرج منه من الماء مملوك تبعاً له، كما تملك الثمرة الخارجة منه.

وربما قيل بعدم ملكه وإن كان أولى به ومثله القول في الكلأ النابت فيه بغير قصد.

إذا تقرّر ذلك، فما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلاً ووزناً؛ لانضباطهما.

وكذا يجوز مشاهدة إذا كان محصوراً.

وأما بيع ماء البئر والعين أجمع فالأشهر منعه؛ لكونه مجهولاً، وكونه يزيد شيئاً فشيئاً. ويختلط المبيع بغير المبيع فيتعذر التسليم.

وفي الدروس جوز بيعه على الدوام(3) ، سواء كان منفرداً أم تابعاً للأرض.

وينبغي جواز الصلح عليه كذلك؛ لأنّ دائرة الصلح أوسع من دائرة البيع.

ص: 180


1- في حاشية بعض النسخ:« من حيث السند (منه قدس سره)».
2- المبسوط، ج 3، ص 97.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 69 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

وهنا مسائل :

الأولى: *

ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح

قال الشيخ: لا يملكه الحافر، كما إذا جرى السيل إلى أرض مملوكة، بل الحافر أولى بمائه من غيره؛ لأن يده عليه.

فإذا كان فيه جماعة، فإن وسعهم أو تراضوا فيه فلا ،بحث وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة الضياع. ولو قيل: يقسم على قدر أنصبائهم من النهر كان حسناً.

--------------

قوله: «ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح، قال الشيخ لا يملكه الحافر، كما إذا جرى السيل إلى أرض مملوكة» إلى آخره.

هذا هو القسم الأول من الماء الذي اختلف في تملكه، وهو ما إذا حفر نهراً وأوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء .

ولا خلاف في أولوية الحافر بالماء المذكور، وأنه ليس لأحد مزاحمته فيه للسقي ولا غيره، ولا في ملكية نفس النهر أعني الأرض المحفورة، بمعنى جواز بيعه، والمعاوضة عليه، وترتب أولوية الماء الداخل فيه.

وإنما الخلاف في ملكية الماء الذي يدخل فيه، فالمشهور بين الأصحاب - خصوصاً المتأخرين - أنه يملك أيضاً، كما يملك الماء الخارج بحفر البئر والعين؛ لاشتراكهما في المقتضي، وهو الإخراج والكلفة عليه كإخراج المعدن.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم ملك الماء بذلك(1) ؛ لأنه مباح دخل في ملكه فيبقى على أصل الإباحة؛ وللأخبار السابقة(2). وإنّما يكون الحافر أولى به؛ لأنّ يده عليه، كما إذا جرى الفيض إلى ملك رجل واجتمع فيه، فإنّه لا يملكه.

ص: 181


1- المبسوط، ج 3، ص 101
2- سبقت في ص 179.

الثانية:*

إذا استجد جماعة نهراً

فبالحفر يصيرون أولى به، فإذا وصلوا منتزع الماء ملكوه، وكان بينهم على قدر النفقة على عمله.

--------------

وفرّع عليه ما إذا كان الحافر للنهر جماعة، ولم يسع سقيهم دفعة ولا تراضوا على المهاياة فيه، فإنّه يقسّم عليهم على قدر أرضهم لا على قدر عملهم ولا نفقاتهم على النهر محتجاً بأنّ الانتفاع به والأولوية لأجل الملك، فيكون الحق تابعاً لمقداره. فلو كان لبعضهم مائة جريب من الأرض ولآخرين ألف جريب جعل للأوّل جزء من أحد عشر وللباقين عشرة أجزاء (1).

وفي كل واحد من المبني والمبني عليه منع ظاهر والأظهر أن الماء يُملك على نسبة العمل: لأنّ الإحياء تابع له لا للأرض.

وفي المسألة قول ثالث لابن الجنيد، وهو أنّ حافر النهر إنما يملك ماءه إذا عمل له ما يصلح لسده وفتحه من المباح (2) وكأنه جعل الحيازة سبب الملك، وهي من فعل المكلف، فلابد أن يكون مقدوراً عليها كما يقدر على تركها، وإنما يتحقق بذلك.

والأشهر أنّه يملك الماء؛ لأنه صار آلةً لتحصيل الماء المباح(3) كالشبكة للصيد.

قوله: «إذا استجد جماعة نهراً فبالحفر يصيرون أولى به» إلى آخره.

لا خلاف في ملكية النهر بالحفر كما ذكرناه سابقاً - إذا بلغ الحافر حدّ الإحياء، ويتحقق بوصوله إلى مشرع(4) الماء حيث يمكن جريانه فيه بسهولة، سواء جرى الماء أم لا؛ لأنّ حصول المنفعة بالفعل غير شرط في الإحياء، وإنّما المعتبر منه التهيئة للانتفاع.

ثمّ إن كان الحافر واحداً اختص به. وإن كان(5) أكثر اشتركوا فيه على قدر عملهم ونفقتهم؛

ص: 182


1- المبسوط، ج 3، ص 102.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 169. المسألة 107.
3- في .«م»: «التحصيل المباح» بدل«التحصيل الماء المباح».
4- في إحدى الحجريتين: «منتزع بدل مشرع».
5- في «م ، ع»: «كانوا» بدل «كان».

الثالثة:*

إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعةٌ

بُدئ بالأوّل، وهو الذي يلى فوهته فأطلق إليه للزرع إلى الشراك، وللشجر إلى القدم وللنخل إلى الساق، ثمّ يرسل إلى من دونه، ولا يجب إرساله قبل ذلك ولو أدّى إلى تلف الأخير.

--------------

لأنّه إنّما يُملك بالعمارة والعمارة بالنفقة. هذا إذا كان العمل على نسبة النفقة، وإلا فالمعتبر العمل.

والمراد بوصولهم إلى مشرع الماء وصولهم إلى مجراه، بحيث يسيل منه في النهر الجديد، أو يبقى متوقفاً على عمل يسير لا يعتد به عادةً، ويتحقق معه الإحياء عرفاً، ولو لم يبلغوا ذلك كان الفعل تحجيراً يفيد الأولوية، كغيره من ضروب التحجير.

قوله: «إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي بسقى ما عليه دفعةً» إلى آخره.

إذا اجتمعت أملاك متعدّدة على ماء واحد، فإن كان الماء ملكاً لهم، فقد عرفت أنّه يقسّم بينهم على قدر أنصبائهم فيه، إما بقسمة نفس الماء أو بالمهاياة عليه. وإن كان مباحاً ولم يف بالجميع في وقت واحد، ووقع في التقدم والتأخر تشاح بُدئ بالأوّل من الملاك، وهو الذي يلي فوهة النهر - بضم الفاء وتشديد الواو وهو أصله - فيسقي أرضه، فإذا فرغ من قضاء حاجته أرسله إلى الثاني، وهو الذي يلي ملكه وهكذا، سواء استضرّ الثاني بحبس الأوّل أم لا، حتى لو لم يفضل عن الأوّل شيء أو عن الثاني أو عمّن يليه فلا شيء للباقين؛ لأنه ليس لهم إلا ما فضل منهم.

والأصل في هذه المسألة قبل الإجماع ما روي أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن يسقي قبل الأسفل، ثمّ يرسله إلى الأسفل(1).

ومن طريق الأصحاب روى غياث بن إبراهيم عن الصادق(عليه السلام) قال: «قضى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في سيل وادي مهزور الزرع إلى الشراك، والنخل إلى الكعب، ثمّ يرسل الماء إلى أسفل من ذلك».

ص: 183


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 830، ج 2483: السنن الكبرى البيهقي ، ج 6، ص 254 - 255، ح 11859.

--------------

قال ابن أبي عمير والمهزور موضع الوادي(1).

والمشهور في الرواية أنه بتقديم الزاي المعجمة على الواو، ثمّ الراء المهملة أخيراً.

ونقل ابن بابويه عن شيخه ابن الوليد بالعكس، وذكر أنها كلمة فارسية من هرز الماء إذا زاد على المقدار الذي يحتاج إليه(2).

والمشهور في مقدار السقي ما ذكره المصنّف من حبس الماء على الملك إلى أن يبلغ الماء الشراك لسقي الزرع، وإلى القدم لسقي الشجر، وإلى أن يبلغ الساق لسقي النخل. والمستند ما تقدم.

ولا يخفى ضعف السند، وعدم تعرّضه للشجر غير النخل، لكنّ العمل به مشهور.

وأطبق العامة على جعل الحق إلى الكعبين مطلقاً(3) ؛ لما روي أنه(صلی الله علیه وآله وسلم) قضى في السيل أن يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين، ثمّ يرسل الأعلى إلى الأسفل(4).

وروي أنّ رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرّة التي يسقون بها، فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك»، فغضب الأنصاري وقال أن كان ابن عمتك ؟ فتلوّن وجه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ثم قال: «يا زبیر اسقٍ واحبس الماء حتى يصل إلى الجدر، ثم أرسله»(5).

ص: 184


1- الكافي، ج 5، ص 278 ، باب بيع الماء ومنع فضول الماء .... ح 3 بتفاوت يسير؛ الفقيه، ج 3، ص 99، ح 3413: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 140 ، ح 619.
2- الفقيه، ج 3، ص 99، ذيل الحديث 3414
3- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 510: والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 188 - 189، المسألة 4353؛ وروضة الطالبين، ج 4، ص 369.
4- سنن أبي داود، ج 3، ص 316، ح 3638 و 3639؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 254، ح 11858؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 830 ، ح 2482 .
5- مسند أحمد، ج 4، ص 569 - 570. ح 15684 : صحيح البخاري، ج 2، ص 832، ح 2231 و 2232؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 315 - 316. ح 3637؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 829، ح 2480؛ السنن الكبرى، البيهقي. ج 6. ص 254، ح 11855 بتفاوت.

--------------

والشراج: جمع شرج، وهو النهر الصغير. والحرّة: الأرض التي أُلبست الحجارة السود. والجدر الجدار.

واختلف في تنزيل الخبر، فقيل: إن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أمره باستيفاء زيادة على القدر المستحق، تغليظاً على الأنصاري؛ حيث اتهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، ولعله سقط حقه بذلك؛ لكون ذلك ارتداداً. وقيل - وهو الأصح - إنه (صلی الله علیه وآله وسلم)كان قد استنزل الزبير عن بعض حقه، فلما أساء الأنصاري الأدب قال له: استوف حقك؛ لأنه إذا بلغ الماء الكعب بلغ أصل الجدار(1) ، فلا مخالفة بين التقديرين.

إذا تقرر ذلك، فتمام البحث يتم بأمور:

الأوّل: إنّما يقدّم الذي يلي فوهة النهر إذا كان سابقاً في الإحياء، أو اشتبه المتقدم فيه، أما لو عُلم المتقدّم في الإحياء بُدئ به أولاً وإن كان أبعد الجميع عن الفوهة، ثمّ الذي يليه في الإحياء، وهكذا؛ لأنّ حق السابق بالإحياء سابق في الماء أيضاً، وإطلاق النصوص بتقديم الأقرب منزل على ذلك، بل الأظهر تنزيله على حالة الاشتباه.

الثاني : إطلاق النصوص والفتاوى سقي الزرع والشجر ذلك المقدار محمول على الغالب في أرض الحجاز، من استوائها وإمكان سقيها جمع كذلك، فلو كانت مختلفة في الارتفاع

والانخفاض، بحيث لو سقيت أجمع كذلك زاد الماء في المنخفضة عن الحد المشروع، . افرد كلّ واحد بالسقى بما هو طريقه، توصلاً إلى متابعة النص بحسب الإمكان، ولو كانت كلها منحدرة لا يقف الماء فيها كذلك، سقيت بما تقتضيه العادة، وسقط اعتبار التقدير الشرعي؛ لتعذره.

الثالث إذا تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان عن يمين النهر وشماله فالوجه القرعة؛ لاستوائهما في الاستحقاق .

ص: 185


1- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 509 - 510

الرابعة:* لو أحيا إنسان أرضاً ميتةً على مثل هذا الوادي لم يشارك السابقين، وقسم له ممّا يفضل عن كفايتهم. وفيه تردّد.

--------------

هذا إذا لم يمكن قسمته بينهما بحيث يمكن سقي كلّ منهما بحصته، وإلا قدم طالب القسمة. والفرق بينهما وبين الأول والثاني استواؤهما في الاستحقاق دفعةً، فكانا كالشريكين في النهر ، بخلاف المتقدم والمتأخر، فإنّه لا حق للمتأخر مع حاجة المتقدم.

ثمّ إن اتفقت أرضهما في القدر، وإلا قسم الماء على حسب الأرض كالشريكين. ولو تهايا كانت النوبة على النسبة كذلك، ويعتبر في قرب الأرض من الماء جزء منها وإن قلّ، حتى لو اتسعت إحداهما على جانب النهر وضاقت الأخرى وامتدت إلى خارج فهما مستویان: لصدق القرب بذلك.

الرابع: لو أراد أحد بناء رحى على هذا النهر، فإن عارض الأملاك أو بعضها بحيث لا يرجع الماء إليه إلا بكلفة، أو نقصان عمّا كانت في الابتداء لم يصح إلا برضى المعارض، سواء بناها في ملكه أم في الموات. وإن لم يعارض أحداً جاز وإن كانت أعلى من الجميع؛ لأنّ لهم حق الانتفاع لا حق الملك، فلا يتوقف على إذنهم ما لا ينافي الانتفاع.

ولو كان على النهر أرجية متعارضة قدّم السابق منها في الإحياء، فإن اشتبه قدم ما يلي الفوهة كالأملاك

لو أحيا إنسان أرضاً ميتةً على مثل هذا الوادي

قوله: «لو أحيا إنسان أرضاً ميتةً على مثل هذا الوادي» إلى آخره.

إذا أراد إنسان إحياء موات وسقيه من هذا النهر بعد اجتماع الأملاك عليه، فإن لم يكن فيه تضيق(1) فلا منع وإن كان فيه تضيّق(2)منع من السقى منه؛ لأنّ الأولين بإحياء أرضهم استحقوا مرافقها، وهذا الماء من أعظم مرافقها، فلا يستحق إلا بعد استغناء الأولين.

وعلى هذا فلو لم يفضل عن كفايتهم شيء بأن احتاج الأوّل إلى السقي عند فراغ المتأخر رجع الحق إليه، وهكذا، ولا شيء لهذا المحيي أخيراً.

ص: 186


1- في بعض النسخ: «تضييق» بدل «تضيّق».
2- في بعض النسخ: «تضييق» بدل «تضيّق».

--------------

ولا فرق بين كون الأرض التي أحياها أبعد من فوهة النهر أم أقرب إليه؛ لما عرفت من أن المعتبر بالسابق في الإحياء، بل من هذا يُعلم تقدم السابق في الإحياء، وأن الحكم بتقديم الأقرب إلى الفوهة مخصوص بحالة الاشتباه.

والمصنف (رحمه الله) تردّد في الحكم المذكور. وتردّده يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون الاحتمال الآخر مشاركة هذا المحيي للسابقين، بمعنى استحقاقه توبة بعد نوبتهم كالذي قبله وإن احتاج السابق قبل أخذه بالنوبة؛ لأن النهر مباح بالأصل، وإنّما استحقه من سبق بسبب الإحياء، وقد شاركهم المتأخر في ذلك، كما يشارك من قبله السابق عليه.

وهذا الاحتمال يتوجه إذا قلنا بأنّ الأعلى يجب عليه الإرسال لمن بعده بعد سقيه وإن احتاج إليه مرّةً أُخرى. وهو وجه في المسألة.

أما إذا قلنا بأنّه أولى من اللاحق مطلقاً، ولا حق للاحق إلا مع استغنائه، فلا يظهر للاحتمال المذكور وجه؛ لأنّ مع غناء السابقين لا إشكال في استحقاقه، ومع حاجتهم يقدمون عليه.

وفي التذكرة نقل الخلاف فيما لو احتاج الأعلى بعد استيفاء حقه إلى السقي مرّةً أُخرى هل يمكن أم لا ؟ ثمّ قوّى عدم التمكين، وأنه يجب عليه الإرسال لمن بعده(1) ؛ محتجاً بقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في خبر عبادة بن الصامت: «ويرسل الماء إلى الأسفل حتى تنتهي الأراضي»(2).

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم)في رواية الصادق (عليه السلام): «ثم يرسل الماء إلى الأسفل»(3).

وغيرهما من الأحاديث (4).

ص: 187


1- تذكرة الفقهاء، ج 19 ، ص 408 - 409، المسألة 1175.
2- تقدم تخريجه في ص 183، الهامش 1.
3- تقدم تخريجها في ص 183 - 184، الهامش 1.
4- راجع ص 184.

--------------

والاحتمال الثاني : أنه لا يصح لهذا المتأخر مع ضيق الماء الإحياء، إلا بإذن السابقين؛ لئلا يصير ذريعة إلى منع حقهم من النهر على طول الأزمنة واشتباه الحال، خصوصاً إذا كان أقرب إلى فوهته من غيره.

ونظير هذا منع المجاور للدرب المرفوع من إحداث باب فيها، حذراً من تطرّق الاستحقاق على طول الزمان

وهذا وجه في المسألة نقله في التذكرة عن بعض العامة، واستوجه عدم المنع؛ لأن حقهم في النهر لا في الموات(1) . وهذا الاحتمال وإن كان ممكناً في نفسه إلا أنه بعيد عن تأدية العبارة، والأول أنسب.

ولم يشر إلى هذا التردّد غيره، حتى الشيخ في المبسوط(2)نقل الحكم المذكور في الكتاب من غير احتمال آخر مع كثرة ما ينقل من الوجوه عن المخالفين في مثل ذلك.

ص: 188


1- تذكرة الفقهاء، ج 19، ص 409 - 410، المسألة 1175؛ ولقول العامة راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير ج 6 ، ص 190. المسألة 4353
2- المبسوط، ج 3، ص 101.

كتاب اللقطة

اشارة

--------------

كتاب اللقطة

تعریف اللقطة

اللقطة - بفتح القاف وسكونها - اسم للمال الملقوط، على ما ذكره جماعة من أهل اللغة ،منهم الأصمعي(1) ، وابن الأعرابي(2)والفراء(3)وأبو عبيد(4).

وقال الخليل: هي بالتسكين لا غير(5) ، وأما بفتح القاف فهي اسم للمُلْتَقِط؛ لأنّ ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل، كهمزة ولمزة وهزأة.

وكيف كان فهي مختصة لغةً بالمال، لكنّ الفقهاء تجوّزوا في إطلاقها على ما يشمل الآدمي، فعنونوا أنواع الملتقطات الثلاثة باسم اللقطة. وبعضهم جرى على المعنى اللغوي، وأفرد الإنسان الضائع بكتاب آخر، وعنونه باللقيط(6).

والأصل فيها - بعد الإجماع على مشروعيتها في الجملة - ما رواه زيد بن خالد الجهني قال: جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) يسأله عن اللقطة، فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»، قال: فضالة الغنم؟ قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»، قال: فضالة الإبل؟ قال: «ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها،

ص: 189


1- راجع لسان العرب، ج 7، ص 392، «القط».
2- راجع لسان العرب، ج 7، ص 392، «القط».
3- راجع لسان العرب، ج 7، ص 392، «القط».
4- راجع لسان العرب، ج 7، ص 392، «القط».
5- كتاب العين، ج 5، ص 100، «القط».
6- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 346. المسألة 4491، وص 403، المسألة 4556؛ وروضة الطالبين، ج 4، ص 483 والمجموع شرح المهذب، ج 4، ص 249 و 284.

* الملقوط إمّا إنسان أو حيوان أو غيرهما.

القسم الأوّل:اللقيط

اشارة

فالقسم الأوّل يسمّى لقيطاً وملقوطاً ومنبوذاً.

--------------

ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»(1).

وروى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق(عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال: يا رسول الله إنّي وجدت شاةً، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: إنّي وجدت بعيراً، فقال : خُفّه حذاؤه، وكرشه سقاؤه، فلا تهجه»(2) .

والعفاص الوعاء الذي يكون فيه النفقة، من جلد أو خرقة وغير ذلك. والأصل فيه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة. والوكاء: الخيط الذي يشدّ به المال.

وحذاؤها يعني خُفّها، أطلق عليه الحذاء لقوته وصلابته، فأجراه مجراه. وسقاؤها بطنها؛ لأنّها تأخذ فيه ماءً كثيراً، فيبقى معها ما يمنعها العطش، كما يجتمع الماء في السقاء، وهو ظرف الماء من الجلد.

قوله: «الملقوط إمّا إنسان أو حيوان أو غيرهما، فالقسم الأوّل يسمّى لقيطاً وملقوطاً ومنبوذاً».

جعل الأقسام ثلاثة باعتبار اختلاف أحكامها، فإنّ لكلّ واحد من هذه الأقسام الثلاثة حكماً يخصه كما سيأتي(3).

واللقيط: فعيل بمعنى مفعول كطريح وجريح، فهما بمعنى والمنبوذ المطروح.

ص: 190


1- مسند أحمد، ج 5، ص 94 - 95، ح 16612؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1346 - 1348 ، ح 1722/1: صحيح البخاري، ج 1، ص 46 - 47 ، ح 91؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 836، ح 2540؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 135، ح 1704 : الجامع الصحيح، ج 2، ص 655 - 656 ، ح 1372.
2- الكافي، ج 5، ص 140، باب اللقطة والضالة، ح 12: وفيه: عن هشام بن سالم؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394، ح 1184.
3- يأتي القسم الثاني في ص 216 والقسم الثالث في ص 233.

وينحصر النظر فيه في ثلاثة مقاصد:

المقصد الأوّل في* اللقيط

اشارة

وهو كلّ صبي ضائع لا كافل له.

ولا ريب في تعلّق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز، وسقوطه في طرف البالغ العاقل.

--------------

فمرجع الأسماء الثلاثة إلى أمرين باعتبار حالتيه، فإنه ينبذ أولاً ثمّ يلقط.

قوله: «اللقيط وهو كلّ صبي ضائع لا كافل له».

احترز ب_ «الصبي» عن البالغ، فإنه مستغن عن الحضانة والتعهد، فلا معنى لالتقاطه. نعم، لو وقع في معرض هلاك وجب تخليصه(1) كفاية.

و ب_«الضائع» عن غير المنبوذ وإن لم يكن له كافل، فإنّه لا يصدق عليه اسم اللقيط وإن كانت كفالته واجبة كفاية كالضائع، إلا أنه لا يسمّى لقيطاً.

وبقوله «لا كافل له عن الضائع المعروف النسب، فإنّ أباه وجده ومن يجب عليه حضانته مختصون بحكمه، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعاً. نعم، يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من تجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة.

ويجوز الاحتراز بقوله «لا كافل له عن الصبي الملقوط، فإنّه في يد الملتقط يصدق أنّ له كافلاً، ومع ذلك لا يخرج به عن اسم الضائع بالنسبة إلى أهله.

واعلم أنه لا وجه للتقييد بالصبي، فإنّ غيره من الصبية والخنثى غير البالغ كذلك، وكذا المجنون .

والضابط الإنسان الضائع غير المستقل بنفسه الذي لا كافل له.

ص: 191


1- في «م ، ع» وإحدى الحجريتين: «تخلّصه» بدل «تخليصه».

*وفي الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه؛ لصغره وعجزه عن دفع ضرورته.

*ولو كان له أب أو جد أو أُمّ أُجبر الموجود منهم على أخذه.

وكذا لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر الزم الأوّل أخذه.

التقاط الطفل والمملوک

*ولو التقط مملوكاً - ذكراً أو أنثى - لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه.

--------------

قوله: «وفي الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه؛ لصغره وعجزه عن دفع ضرورته».

منشأ التردّد من أنّه مستقل ممتنع خصوصاً إذا كان مراهقاً، فلا يتولى أمره إلا الحاكم. ومن حاجته إلى التعهد والتربية وإن كان محفوظاً في نفسه. وهذا أقوى، لكن يستثنى منه المراهق فإنّه مستغن عن الأمرين معاً غالباً.

قوله: «ولو كان له أب أو جد أو أُمّ أُجبر الموجود منهم» إلى آخره.

قد عرفت أنّ من يُعرف أبوه أو جده أو غيرهما ممن تجب عليه الحضانة خارج عن حكم اللقيط من حيث وجود الكافل وكذا الملقوط ممن يتعلّق به حكم اللقيط، فإنّ الحكم يتعلّق به فلا يجوز له نبذه بعد ذلك، حتى لو فعل لم يسقط عنه الحكم؛ لتعلق الوجوب به فيستصحب.

قوله: «ولو التقط مملوكاً - ذكراً أو أُنثى - لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه».

مقتضى إطلاقه عدم الفرق في المملوك بين الصغير والكبير، وهو أحد القولين في المسألة(1)لأنّه مطلقاً مال ضائع يخشى تلفه، خصوصاً إن كان مخوف التلف كما لو كان آبقاً. وبهذا يحصل الفرق بين الحرّ والمملوك، حيث اشترط الصغر في الحرّ دونه؛ لأنه لا يخرج بالبلوغ عن المالية، والحرّ إنّما يحفظ عن التلف، والقصد من لقطته حضانته وحفظه فيختص بالصغير.

وقيل : يختص حكم المملوك بالصغير الذي لا يتحفّظ بنفسه(2)؛ لأن المميز المراهق كالضالة الممتنعة بنفسها.

وهو حسن إن لم يخف تلفه، وإلا فالجواز أحسن.

ص: 192


1- راجع الدروس الشرعية ، ج 3، ص 74 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع تحرير الأحكام الشرعية ج 4، ص 447، الرقم 6042.

*ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن. ولو كان بتفريط ضمن، ولو اختلفا في التفريط ولا بيّنة فالقول قول الملتقط مع يمينه.

*ولو أنفق عليه باعه في النفقة إذا تعذر استيفاؤها.

--------------

ونبه بقوله «وإيصاله إلى صاحبه» على أنه لا يجوز تملكه، وهو أحد القولين في المسألة(1) ؛ لأصالة بقائه على ملك مالكه، وخروج التملك لغيره من الأموال عن حكم الأصل بنص خاص(2)، فيبقى غيره على الأصل.

واختلف كلام العلّامة، ففي القواعد قطع بجواز تملك الصغير بعد التعريف حولاً(3)، وهوقول الشيخ(4) ؛ لأنه مال ضائع يخشى تلفه.

وفي التحرير أطلق المنع من تملكه، محتجاً بأنّ العبد يتحفّظ بنفسه كالإبل(5). وهذا التعليل لا يتم في الصغير، فالتفصيل لا يخلو من قوة.

ويُعلم كون اللقيط مملوكاً مع الجهل بمالكه برؤيته قبل أن يضيع يباع مرةً بعد أخرى ولا يُعلم مالكه ولا تكفى القرائن واللون؛ لأصالة الحرية.

قوله: «ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن» إلى آخره.

يد الملتقط على اللقيط مطلقاً - حيث تكون جائزة - يد أمانة شرعيّة؛ للإذن له فيه من قِبَل الشارع، فلا يكون مضموناً عليه لو تلف أو عاب في يده إلا مع تعد أو تفريط، وعليه أيضاً يتفرّع تقديم قول الملتقط لو اختلفا فيه ولا بيّنة؛ لأنّ الأمين قوله مقبول في عدم التفريط.

قوله: «ولو أنفق عليه باعه في النفقة إذا تعذر استيفاؤها».

إذا التقط العبد ولم يوجد له من ينفق عليه تبرّعاً رفع أمره إلى الحاكم؛ لينفق عليه، أو

ص: 193


1- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 201؛ وتحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 447، الرقم 6044؛ والدروس الشرعية، ج 3، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445، الباب 2 من كتاب اللقطة.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 201.
4- المبسوط، ج 3، ص 163.
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 448، الرقم 6044.

المقصد الثاني في المُلتقط

شروط الملتقط

*ويراعى فيه البلوغ والعقل والحرية. فلا حكم لالتقاط الصبي ولا المجنون ولا العبد؛ لأنّه مشغول باستيلاء المولى على منافعه ولو أذن له المولى صح، كما لو أخذه المولى ودفعه إليه.

--------------

يبيع شيئاً منه فيها، أو يأمره بها ليرجع، فإن تعذر أنفق عليه الملتقط بنية الرجوع إلى أن يستغرق قيمته ثم باعه فيها.

ولو أمكن أن يبيعه تدريجاً وجب مقدماً على بيعه جملة، وحينئذ فيتعذر بيعه أجمع في النفقة؛ لأنّ الجزء الأخير لا يمكن إنفاق ثمنه عليه؛ لصيرورته حينئذ ملكاً للغير، فلا ينفق عليه الثمن الذي هو ملك الأوّل، بل يحفظ ثمنه لصاحبه كالأصل.

قوله - في الملتقط : « ويراعى فيه البلوغ والعقل والحرية» إلى آخره.

لا إشكال في اشتراط بلوغ الملتقط وعقله؛ لاستلزام اللقطة الولاية والحضانة وهما ليسا من أهلهما، فإذا فرض التقاط الصبي والمجنون - بمعنى أخذهما اللقيط(1) - فحكمه باقٍ على ما كان عليه قبل اليد.

ويفهم من الاقتصار على الأمرين عدم اشتراط ،رشده، فيصح من السفيه، وهو أحد القولين في المسألة؛ لأنّ حضانة اللقيط ليست مالاً، وإنما يحجر على السفيه للمال، وكونه مولّى عليه في الجملة غير مانع.

وقيل: يشترط رشده؛ لأنّ الشارع لم يأتمن السفيه على ماله، فعلى الطفل وماله أولى، ولأن الالتقاط ائتمان والشرع لم يأتمنه (2).

وفيه نظر؛ لأنّ الشارع إنما لم يأتمنه على المال لا على غيره، بل جوّز تصرفه في غيره

ص: 194


1- في «ع»: «للقيط» بدل «اللقيط».
2- تذكرة الفقهاء، ج 17 ، ص 315 - 316 ، المسألة 411.

--------------

مطلقاً، وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين الحكمين الشرعيين - وهما عدم استئمان السفيه على المال واستئمانه على غيره - بأن يؤخذ المال منه.

اللهم إلا أن يقال: إن صحة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه عليه، وهو ممتنع من السفيه؛ لأنه تصرف مالي، وجعل التصرف فيه لغيره يؤدّي إلى الإضرار بالطفل بتوزيع أموره. وهذا حسن إن تحقق الضرر بذلك، وإلا فالقول بالجواز أحسن .

وأما اشتراط حريته؛ فلأنّ الحضانة تبرّع وليس للعبد أهلية التبرع؛ لأنّ منافعه لغيره، وحق المولى مضيق فلا يتفرّغ لها. ولو أذن المولى له فيه ابتداء وأقره عليه جاز، وكان المولى في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه فيلحقه أحكامه(1) دون العبد، ثم لا يجوز للمولى الرجوع به.

ولا فرق في ذلك بين القنّ والمكاتب والمدبّر ومن تحرّر بعضه وأمّ الولد؛ لعدم جواز تبرع واحد منهم بماله ولا منافعه إلا بإذن المولى، ولا يدفع ذلك مهاياة المبعض ولو في زمانه المختص بالحضانة؛ لعدم لزوم المهاياة، فجاز تطرّق المانع كل وقت.

نعم، لو لم يوجد للقيط كافل غير العبد، وخيف عليه التلف بالإبقاء، فقد قال في التذكرة : إنّه يجوز للعبد التقاطه؛ لأنه تخليص له من الهلاك فجاز ، كما لو أراد التخليص من الغرق(2).

وفي الدروس يجب عليه التقاطه حينئذ(3) .

وجواز الأخذ أو وجوبه لا إشكال فيه حينئذ، وإنما الكلام في لحوق أحكام الالتقاط له، والدليل المذكور لا يفضي إليه. فإذا وجد من له أهلية الالتقاط ينبغي أن يجب عليه انتزاعه منه، وسيّده(4) من الجملة لانتفاء أهليّة العبد له وإن كان له أهلية الاستنقاذ من الهلاك.

ص: 195


1- في «ع»: «أحكامها» بدل «أحكامه».
2- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 312، المسألة 407.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 75 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- في «م»: «و من يده» وفي الحجريتين: «وتنفيذه» بدل «وسيده».
وهل يراعى إسلام الملتقط وعدالته؟

*وهل يراعى الإسلام؟ قيل: نعم؛ لأنّه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهراً؛ ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين.

* ولو كان الملتقط فاسقاً قيل: ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه إلى عدل؛ لأن حضانته استئمان ولا أمانة للفاسق والأشبه أنّه لا ينتزع.

--------------

قوله: «وهل يراعى الإسلام؟» إلى آخره.

القول للشيخ في المبسوط، محتجاً بما أشار إليه من استلزامه إثبات السبيل للكافر على المسلم(1) ، وهو منفي بقوله تعالى :﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾(2). وبأنه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ويعلّمه الكفر، بل الظاهر أنّه يربّيه على دينه وينشأ على ذلك ،کولده، فلا يقرّ عليه، بل ينزع من يده إن فرض التقاطه له.

واقتصار المصنّف (رحمه الله على نقل القول يشعر بتردّده فيه. ووجهه ممّا ذكر، ومن أصالة الجواز، ومنع إثبات السبيل له عليه؛ إذ لا سلطنة له عليه. والأول أقوى.

ومحل الخلاف ما إذا كان اللقيط محكوماً بإسلامه، بأن التقط في دار الإسلام، أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولّده منه، أما لو كان محكوماً بكفره فلا إشكال في جواز التقاط الكافر له؛ للأصل وانتفاء المانع وعموم ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾(3) .

قوله: «ولو كان الملتقط فاسقاً» إلى آخره.

القول باشتراط العدالة للشيخ في المبسوط (4)، أيضاً، وتبعه عليه العلّامة في غير التحرير(5)؛ لما تقرّر من أنّ الحضانة استثمان ولا أمانة للفاسق ولأنه ربما استرقه وأخذ ماله.

والمصنف (رحمه الله) والأكثر لم يشترطوا ذلك؛ للأصل؛ ولأن المسلم محلّ الأمانة مع أنّه ليس استئماناً حقيقياً، ولا نتقاضه بالتقاط الكافر مثله، لجوازه بغير خلاف. وهذا أقوى.

ص: 196


1- المبسوط، ج 3، ص 178.
2- النساء (4): 141.
3- الأنفال (8): 73
4- المبسوط، ج 3، ص 178
5- قواعد الأحكام، ج 2، ص 201؛ تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 312، المسألة 407.

*ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه، أو حضري يريد السفر به قيل: ينتزع من يده؛ لما لا يؤمن من ضياع نسبه، فإنّه إنما يطلب في موضع التقاطه. والوجه الجواز. * ولا ولاء للملتقط عليه، بل هو سائبة يتولّى من شاء.

--------------

نعم، لو كان له مال اتجه اشتراطها؛ لأنّ الخيانة في المال أمر راجح الوقوع. ويشكل بإمكان الجمع بانتزاع الحاكم له منه كالمبذر. وأولى بالجواز التقاط المستور؛ لعدم الحكم عليه بالفسق.

ومن اشترط عدالته فرّق بينه وبين ملتقط المال - حيث أقرّ في يده وإن كان فاسقاً - بأن في اللقطة معنى التكسب والفاسق من أهله، وها هنا لا كسب، بل هو مجرد الولاية.

وبأنّ المال يتملكه الملتقط بعد التعريف فلا وجه لانتزاعه منه بخلاف اللقيط.

وبأنّ المقصود في اللقطة حفظ المال، ويمكن الاحتياط عليه بالاستظهار عليه وإن لم ينزعه، والمقصود هنا حفظ الحرّية والنسب، ولا سبيل إلى الاستظهار عليه؛ لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان وبعض الأحوال، وفي هذه الفروق نظر لا يخفى.

قوله: «ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه» إلى آخره.

القول بنزعه من يد البدوي ومريد السفر للشيخ في المبسوط أيضاً، محتجاً عليه بما ذكره المصنف من أنه يؤدّي إلى ضياع نسبه في بلد الغربة (1): حيث إنه إنما يطلب غالباً فى محل الالتقاط.

وما استوجهه المصنّف من جواز التقاطهما وجيه؛ عملاً بالأصل وعدم صلاحية ما ذكر للمانعية؛ لعدم انضباط الحال في ذلك، فقد يؤدي السفر به إلى ظهور نسبه، بأن كان أصله من مكان بعيد عن محلّ الالتقاط ويوافقه المسافر اتفاقاً، ونحو ذلك.

لا ولاء للملتقط علي القیط

قوله: «ولا ولاء للملتقط عليه، بل هو سائبة يتولّى من شاء».

هذا مذهب الأصحاب وأكثر أهل العلم لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنّما الولاء لمن أعتق»(2)، و«إنما»

ص: 197


1- المبسوط، ج 3، ص 178، وقد حكى في البدوي وجهين من دون ترجيح لأحدهما.
2- مسند أحمد، ج 7، ص 52، ج 23533: صحیح مسلم، ج 2، ص 1141، ج 1504/5؛ سنن أبي داود، ج 4 ص 21، ح 3929: الجامع الصحيح، ج 4، ص 436. ح 2124. وراجع الكافي، ج 1، ص 197 - 198، باب الولاء لمن اعتق، ح 1 و 3 و 4 وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 249 - 250، ح 1905 و 906 و 907. وليس في الكافي والتهذيب كلمة «إنّما».
حکم النفقه علی اللقیط

*وإذا وجد الملتقط سلطاناً ينفق عليه استعان به وإلّا استعان بالمسلمين وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية؛ لأنه دفع ضرورة مع التمكن. وفيه تردّد.

فإن تعذر الأمران أنفق عليه الملتقط، ورجع بما أنفق إذا أيسر إذا نوى الرجوع، ولو أنفق مع إمكان الاستعانة بغيره أو تبرع لم يرجع.

--------------

للحصر، إلا ما أثبته دليل من خارج .

وقول الصادق(عليه السلام): «المنبوذ إن شاء جعل ولاءه للذين ربوه، وإن شاء لغيرهم»(1).

ولأنه حرّ الأصل لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب.

وخالف في ذلك بعض العامة فأثبتوا ولاءه للملتقط(2)؛ استناداً إلى خبر(3)لم يثبت.

قوله: «وإذا وجد الملتقط سلطاناً ينفق عليه استعان به إلى آخره.

الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف، وهو تعهده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره.

ولا يجب الإنفاق عليه من ماله ابتداءً، بل من مال اللقيط إن اتفق كالموجود معه والموقوف على أمثاله بإذن الحاكم مع إمكانه، وإلّا أنفق بنفسه، ومع عدمه يرفع أمره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال؛ لأنه للمصالح وهذا منها، أو من الزكاة مطلقاً، أو من سهم الفقراء والمساكين، أو سهم سبيل الله.

فإن تعذر ذلك كله ووجد من ينفق عليه من الزكاة جاز أيضاً، وإلا استعان بالمسلمين،

ص: 198


1- الفقيه، ج 3، ص 145 . ح 3534؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 227 ، ح 820
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 6، ص 411. المسألة 453.
3- مسند أحمد، ج 4، ص 544، ح 15574؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 916 ، ح 2742؛ الجامع الصحيح، ج 4، ص 429، ح 2115 : السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 394 . ح 12383.

المقصد الثالث في أحكامه

اشارة

وهي مسائل :

الأولى:* قال الشيخ (رحمه الله):

أخذ اللقيط هل هو واجب على الكفاية ام مستحب؟

لأنّه تعاون على البرّ، ولأنه دفع لضرورة المضطر. والوجه الاستحباب.

--------------

ويجب عليهم بذل النفقة كفايةً، والملتقط منهم.

وإنما جاز الاستعانة بهم مع كونه كأحدهم؛ لرجاء أن يوجد فيهم متبرع؛ إذ لا يجب عليه التبرع، فإن اتفق المتبرع وإلا كان الملتقط وغيره سواء في الوجوب؛ لأنه من باب إعانة المضطر الواجبة كفاية في جميع الأبواب.

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ذلك، مع كون الحكم به هو المشهور، وعليه الفتوى.

ووجه التردّد ممّا ذكر ، وأصالة عدم الوجوب؛ لإمكان تأديه بالاقتراض عليه والرجوع به بعد قدرته. وفي المبسوط نقل القولين(1) ولم يرجح أحدهما.

والأشهر وجوبها(2)على المسلمين كفاية كما ذكر.

فإن تعذر جميع ذلك أنفق الملتقط عليه، ورجع عليه به إذا نواه بعد يساره، ولو لم ينو كان متبرعاً، كما لا رجوع له لو وجد المعين المتبرع فلم يستعن به. ولو أنفق غير الملتقط عليه حينئذ بنية الرجوع فكذلك على الأقوى؛ لاشتراك الجميع في المقتضي.

والأقوى عدم اشتراط الإشهاد في جواز الرجوع وإن توقف ثبوته عليه بدون اليمين. واعتبره في التذكرة محتجاً بأنه مع عدم الحاكم قائم مقام إذنه(3). وهو ممنوع.

قوله: «قال الشيخ: أخذ اللقيط واجب على الكفاية» إلى آخره.

أكثر الأصحاب على أنّ أخذ اللقيط واجب على الكفاية؛ لما فيه من إعانة المضطر، بل

ص: 199


1- المبسوط ، ج 3، ص 176.
2- في بعض النسخ «وجوبهما» بدل «وجوبها».
3- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 335 المسألة 427

الثانية: *

اللقيط يملك كالكبير

ويده دالّة على الملك كيد البالغ؛ لأنّ له أهلية التملك، فإذا وجد عليه ثوب قضي به له. وكذا ما يوجد تحته أو فوقه. وكذا ما يكون مشدوداً في ثيابه.

ولو كان على دابة أو جمل، أو وجد في خيمة أو فسطاط قضي له بذلك وبما في الخيمة والفسطاط. وكذا لو وجد في دار لا مالك لها.

--------------

إحياء النفس وصيانتها عن الهلاك في كثير من أفراده، وقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾(1)﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (2).

والمصنف( رحمه الله) ذهب إلى استحبابه عملاً بالأصل. وهو إنما يتصوّر مع عدم الخوف عليه من الضرر، وإلا لم يكن له وجه، مع أن الأصل في مشروعيته والأمر به إنما هو إزالة الضرر، ومن ثَمَّ اختصّ بمن لا يستقل بحفظ نفسه.

فالقول بالوجوب - كما عليه معظم الأصحاب - قوي، والتفصيل بالوجوب مع الخوف عليه والاستحباب مع عدمه كما اختاره الشهيد في اللمعة(3)- متجه.

قوله: «اللقيط يملك كالكبير، ويده دالّة على الملك كيد البالغ» إلى آخره.

لما كان الأصل في اللقيط الحرّية ما لم يُعرف غيرها فهو قابل للملك؛ لأنّ له يداً واختصاصاً كالبالغ، فيحكم له بملكيته ما تحت يده واختصاصه، وذلك كثيابه الملبوسة والملفوفة عليه والمفروشة تحته، وما غطّى به من لحاف أو غيره، وما يشدّ عليه وعلى ثوبه، أو جعل في جيبه من حلي أو دراهم وغيرهما.

وكذا الدابة التي توجد مشدودة عليه، والتي عنانها بيده، أو مشدودة في وسطه أو ثيابه، والمهد الذي هو فيه.

ص: 200


1- المائدة (5) :2
2- المائدة (5): 32
3- اللمعة الدمشقية، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

*وفيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه تردّد أشبهه أنّه لا يقضى له.

وكذا البحث لو كان على دكة وعليها متاع وعدم القضاء له هنا أوضح ،خصوصاً إذا كان هناك يد متصرّفة.

الثالثة: * لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط؛ لأنه أمانة فهو كالاستيداع.

--------------

وكذا الدنانير المنبوذة(1) فوقه، والمصبوبة(2) تحته وتحت فراشه، وكذا لو كان في خيمة أو دار ليس فيها غيره فهما له؛ لثبوت يده على ذلك كله.

قوله: «وفيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه تردّد» إلى آخره.

وجه التردد من خروجه عن يده لبعده عنه، ومن منع الخروج بذلك؛ لأنّ مثل هذا يثبت اليد والاختصاص في حق البالغ، ألا ترى أنّ الأمتعة الموضوعة في السوق بقرب الشخص تجعل له، خصوصاً مع انضمام قرينة إليه، كما لو وجدت معه أو في ثيابه رقعة فيها أن ذلك له.

واستقرب في التذكرة أنه له مع الرقعة؛ لأنّه في الأمارة والدلالة على تخصيص اللقيط به أقوى من الموضوع تحته (3). وكذا لو أرشدت الرقعة إلى دفين تحته. وفي المبسوط حكم له به مطلقاً (4).

والأقوى عدم الحكم له بذلك إلا مع القرينة القوية الموجبة للظن الغالب، بأن كانت الرقعة بخط مسكون إليه ونحو ذلك.

قوله: «

لا يجب الإشهاد عند أخذ اللقيط

لأنّه أمانة فهو كالاستيداع».

هذا عندنا موضع وفاق؛ لأصالة البراءة، ولأنه أمانة كالاستيداع، فلا يجب الإشهاد عليها. ونبه بالتعليل على خلاف بعض العامة حيث أوجبه، محتجاً بأنه يحتاج إلى حفظ الحرّية

ص: 201


1- في هامش «و»: «المنثورة خ ل».
2- في :«م»: «المضمومة» وفي بعض النسخ: «المبثوثة» بدل «المصبوبة».
3- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 327 - 328، المسألة 421.
4- المبسوط، ج 3، ص 173.
حكم الإنفاق علي المنبوذ من ماله

الرابعة:* إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم؛ لأنه لا ولاية له في ماله، فإن بادر فأنفق عليه منه ضمن؛ لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة، ولو تعذر الحاكم جاز الإنفاق ولا ضمان؛ لتحقق الضرورة.

--------------

والنسب، فوجب كالنكاح(1) ، فرده المصنّف بأنه أمانة كالاستيداع، فلا يجب الإشهاد عليها.

نعم، يستحبّ؛ لأنه أصون وأحفظ لنسبه وحريته، فإنّ اللقطة يشيع خبرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط.

ويتأكد الاستحباب في جانب الفاسق والمعسر. وإذا أشهد به فليشهد على اللقيط وما معه.

قوله: «إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه» إلى آخره.

ولاية الملتقط على اللقيط إنما هي في حضانته وتربيته؛ لأنّ ذلك هو المقصود من شرعيته بل وجوبه ، وأما ماله فلا ولاية له عليه؛ للأصل ولأن إثبات اليد على المال تفتقر إلى ولاية عامة أو خاصة، ولا ولاية للملتقط. فإذا التقطه وبيده مال رفع أمره إلى الحاكم ليأخذه منه ويسلّمه إلى أمين - ولو أنّه الملتقط - لينفق عليه منه، فإن بادر الملتقط إلى الإنفاق عليه منه بدون إذن الحاكم - مع إمكانه كان ضامناً ، كمن في يده وديعة ليتيم فأنفقها عليه.

فإن تعذر الحاكم جاز للملتقط حينئذ الإنفاق من باب الحسبة، كما يجوز الإنفاق على اليتيم للآحاد عند تعذر الولي المنفق. ولأنّ تركها حينئذٍ يؤدّي إلى الإضرار بالطفل، ووجوبها من مال الملتقط مع وجود مال اللقيط إضرار به، وهما منفيان(2).

ولا يجب الإشهاد على الإنفاق حينئذ ؛ للأصل، لكن يستحبّ؛ دفعاً للتخاصم ورفعاً للتهمة.

ص: 202


1- الوجيز، ج 1، ص 431 - 432: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 413، المسألة 4564، وفيه قولان: روضة الطالبين، ج 4، ص 483، وفيه: وقيل في وجوبه قولان أو وجهان.
2- راجع الكافي، ج 5، ص 280 باب الشفعة، ح 4، وص 292 - 293، باب الضرار، ح 2؛ والفقيه، ج 3، ص 76، ح 3371، وص 233، ح 3862؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 167 ، ح 727 .

الخامسة:*

حكم الملقوط في دار الإسلام ودار الكفر

يحكم بإسلامه - ولو ملكها أهل الكفر - إذا كان فيها مسلم؛ نظراً إلى الاحتمال وإن بعد؛ تغليباً لحكم الإسلام.

وإن لم يكن فيها مسلم فهو رق. وكذا إن وجد في دار الحرب ولا مستوطن هناك من المسلمين.

--------------

قوله: «الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه» إلى آخره.

الغرض هنا بيان حكم اللقيط من حيث الإسلام والكفر.

واعلم أن الإسلام لشخص قد يثبت استقلالاً، وقد يثبت بغيره (1)تبعاً.

فالأول في حق البالغ العاقل، فيصح منه مباشرة الإسلام بالعبارة إن كان ناطقاً، والإشارة إن كان أخرس .

أما الصبي فلا يصح إسلامه مطلقاً؛ لأنه غير مكلف، وعبارته مسلوبة بالأصل.

وللشيخ (رحمه الله) قول بصحة إسلام المراهق(2). وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام فيه (3).

وأما الإسلام بالتبعية، فيكون تارة بإسلام أحد الأبوين، وتارة بتبعية السابي، ولا غرض في البحث عن هذين هنا وتارةً بتبعية الدار وهو الغرض في باب اللقيط، فإنّه إنما يحكم بإسلامه بهذه الجهة فمن ثمّ اقتصر عليها المصنف.

ثمّ اللقيط إما أن يوجد في دار الإسلام، أو في دار الكفر.

أما دار الإسلام - والمراد بها هنا على ما ذكره في الدروس ما ينفذ فيها حكم الإسلام ،فلا يكون بها كافر إلا معاهداً (4) - فلقيطها حرّ مسلم.

وحكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك. إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد ولو واحداً أسيراً.

ص: 203


1- في بعض النسخ: «لغيره» بدل «بغيره».
2- الخلاف، ج 3، ص 591، المسألة 20.
3- تقدم في ج 8، ص 118 - 119.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

--------------

وفي معناهما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار، إذا علم بقاء مسلم فيها صالح للاستيلاد.

وأما دار الكفر فهي ما تنفذ فيها أحكام الكفّار، فلا يسكن فيها مسلم إلا مسالماً. ولقيطها محكوم بكفره ورقه، إلا أن يكون فيها مسلم ولو تاجراً أو أسيراً أو محبوساً. ولا يكفي المارة من المسلمين.

وفي التذكرة :

أنّ دار الإسلام قسمان: دار خطها المسلمون كبغداد والبصرة والكوفة، فلقيط هذه محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمة.

ودار فتحها المسلمون كمدائن والشام، فهذه إن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلام لقيطها، وإلا فهو كافر.

ودار الكفر قسمان: بلد كان للمسلمين فغلب الكفّار عليه كالساحل، فهذا إن كان فيه ولو مسلم واحد حكم بإسلام لقيطه، وإن لم يكن فيها مسلم فهو كافر ويحتمل أن يكون مسلماً ؛ لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه.

وبلد لا يكون للمسلمين أصلاً كبلاد الهند والروم، فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر؛ لأن الدار لهم وأهلها منهم، وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم - ساكنون فهو مسلم لقيام الاحتمال، تغليباً للإسلام(1). انتهى.

وظاهر هذه التعريفات أنّ المراد من دار الإسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأن سوق الإسلام يحكم على لحومه وجلوده بالطهارة كما سبق في أبوابه(2)؛ لأنّ المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، ولا يصدق عليه سوق المسلمين.

ص: 204


1- تذكرة الفقهاء . ج 17، ص 350 - 351، المسألة 436.
2- سبق في ج 9، ص 297 - 298

السادسة : *

عاقلة اللقيط الإمام

إذا لم يظهر له نسب ولم يتوال أحداً، سواء جنى عمداً أو خطأ، ما دام صغيراً. فإذا بلغ ففي عمده القصاص، وفي خطئه الدية على الإمام وفي شبيه العمد الدية في ماله.

*ولو جني علي اللقيط وهو صغير

فإن كانت على النفس فالدية إن كانت خطاً، والقصاص إن كانت عمداً. وإن كانت على الطرف قال الشيخ لا يقتص له، ولا تؤخذ الدية؛ لأنه لا يدرى مراده عند بلوغه، فهو كالصبي لا يقتص له أبوه ولا

الحاكم، ويؤخّر حقه إلى بلوغه.

ولو قيل بجواز استيفاء الولي الدية مع الغبطة إن كانت خطأ والقصاص إن

--------------

قوله: «عاقلة اللقيط الإمام، إذا لم يظهر له نسب ولم يتوال أحداً» إلى آخره.

عاقلة اللقيط عندنا الإمام؛ لأنّ ميراثه له، فإنّه وارث من لا وارث له.

وعند العامة جنايته في بيت المال(1) ؛ لأنه ليس له عاقلة خاصة، وماله إذا مات مصروف عندهم إلى بيت المال إرثاً، فلمّا كان بيت المال وارثاً له عقل عنه، وجنايته على النفس مترتبة على ذلك.

فإذا جنى وهو صغير فعلى عاقلته، سواء جنى عمداً أم خطاً، لأنّ عمد عمد الصغير خطاً.

وبعد بلوغه ففي عمده القصاص كغيره، وفي خطئه الدية على عاقلته كما مرّ.

ولو كانت جنايته على مال فالضمان عليه لا غير مطلقاً، سواء أتلفه عمداً أم خطأ وينتظر به یساره إذا لم يكن بيده مال.

قوله: «ولو جني عليه وهو صغير - إلى قوله - في غير الحضانة».

إذا جُني على اللقيط وهو صغير، فإن كانت على النفس فالدية للإمام عندنا إن كانت الجناية خطا، والقصاص إليه إن كانت عمدا

ص: 205


1- المدوّنة الكبرى، ج 3، ص 368: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 406. المسألة 4559 الحاوي الكبير ج 8، ص 47 : الوجيز، ج 1، ص 438: المبسوط السرخسي، ج 10، ص 222 روضة الطالبين، ج 4، ص 502.

كانت عمداً كان حسناً؛ إذ لا معنى للتأخير مع وجود السبب ولا يتولّى ذلك الملتقط؛ إذ لا ولاية له في غير الحضانة.

--------------

وإن كانت على ما دون النفس ففي تعجيل الحاكم استيفاء الحق من الدية أو القصاص قولان:

أحدهما - وبه قال الشيخ في المبسوط -:

أنّه ليس للإمام استيفاؤه؛ لأنه قد يريد العفو وقد يريد التشفي، وإذا لم يعلم مراده لا يجوز تعجيل الاستيفاء، ولأنّ فائت الدم لا يستدرك. وطرد المنع في حق الأب والجد أيضاً (1).

والثاني - وهو الذي اختاره المصنّف والأكثر - الجواز هنا، وفي الأب والجد؛ لثبوت الولاية فجاز له الاستيفاء كغيره من الحقوق.

ولأن شرعيّة القصاص لحفظ الأنفس، كما بينه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَوَةٌ﴾(2)، وتأخيره مع بذله ترك للغاية، وقد يفوت استدراكها بفوات المحلّ.

ولا عبرة بإرادة المولى عليه وقت البلوغ؛ لأنّ المعتبر بحال الجناية وأهليته حينئذ مفقودة. وهذا هو الأقوى.

وموضع الخلاف الصغير، ولذا عبر به المصنف (رحمه الله). أما المجنون فإن الولي يعتمد في أمره المصلحة.

والفرق أنّ للصبي غايةً ينتظر، بخلاف المجنون، فإنه لا وقت معين ينتظر لإفاقته، والتأخير لا إلى غاية قريب من التفويت.

وهذه الولاية راجعة إلى الحاكم كما قرّرناه، دون الملتقط؛ لأنه لا ولاية له على اللقيط في غير الحضانة.

ص: 206


1- المبسوط، ج 3، ص 184 - 185.
2- البقرة (2): 179

السابعة: * إذا بلغ فقذفه قاذف وقال: أنت رقّ، فقال: بل حرّ للشيخ قولان:

أحدهما لا حد؛ لأنّ الحكم بالحرّية غير متيقن بل على الظاهر، وهو محتمل، فيتحقق الاشتباه الموجب لسقوط الحد.

والثاني : عليه الحد؛ تعويلاً على الحكم بحرّيّته ظاهراً؛ والأُمور الشرعيّة منوطة بالظاهر فيثبت الحدّ كثبوت القصاص والأخير أشبه.

--------------

وفرع الشيخ على انتظار البلوغ حبس الجاني إلى أن يبلغ اللقيط؛ ليستوفي العقوبة (1).

وضعفه كالأصل؛ لأنّ الواجب بالجناية القود أو الدية. أما الحبس فلا، بل هو تعجيل عقوبة بغير سبب واضح.

قوله: «إذا بلغ فقذفه قاذف وقال: أنت رق، فقال: بل حر» إلى آخره.

إذا قذف اللقيط قاذف بعد بلوغه

فإن لم يدع رقيته فلا إشكال في حده؛ لأنه محكوم بحريته ظاهراً ولا معارض لها. وإن ادعى القاذف رقيّته، وأنكر المقذوف فقد تعارض أصلا الحرية الموجب للحدّ والقصاص، وبراءة الذمة من وجوب الحدّ وقيام الشبهة الدارئة للحد.

ولذلك اختلف كلام الشيخ في المبسوط، ففي موضع منه أوجب الحد للأول(2). وفى موضع آخر حكم بعدمه للثاني(3). وكذلك اختلف فتوى المصنف (رحمه الله) فهنا أوجب الحد عملاً بالظاهر، فإنّ الأحكام الشرعية منوطة به، ومن ثَمَّ وجب القصاص بغير خلاف. وفي كتاب الحدود اختار فيما إذا تقاذف اثنان وادّعى المقذوف الحرّية وأنكر القاذف سقوط الحد(4).

والأقوى ثبوته فيهما؛ لوجود المقتضى وهو قذف من حكم بحريته شرعاً، وجرت عليه أحكام الأحرار، وهو مخرج عن حكم الأصل الآخر، فتعارض الأصلين ممنوع.

ص: 207


1- المبسوط، ج 3، ص 185.
2- المبسوط، ج 3، ص 185.
3- المبسوط، ج 5، ص 351.
4- راجع ج 12 . ص 126

الثامنة :* يقبل إقرار اللقيط على نفسه بالرق إذا كان بالغاً رشيداً، ولم تعرف حريته، ولا كان مدعياً لها.

--------------

إذا تقرر ذلك، فإن لم نقل بوجوب الحد فلا إشكال في وجوب التعزير؛ لأنّ قدره متيقن على كل من تقديرى الرقية والحرية، وهى مانعة الخلو.

وما قيل: من أنّ التعزير - على تقدير الحرّية - غير واجب، بل الواجب قدره في ضمن الحد، والتعزير هو ذلك القدر المخصوص دون ما زاد فأحدهما غير الآخر(1).

يندفع بأنّ الحدّ والتعزير ليسا من الأمور التي يختلف الحال فيها بكون أحدهما جزءاً من الآخر أو أصلاً، وإنّما المطلوب فيهما مجرد الضرب، وقدر التعزير يصلح جزءاً للحد.

وإنّما يتجه الفرق لو تميّزا بالنية أو نحوها، وإلا فالقدر الواقع في التعزير من الضرب قدر مشترك بين الأمرين، فيثبت على التقديرين.

قوله: «يقبل إقرار اللقيط على نفسه بالرق إذا كان بالغاً رشيداً، ولم تعرف حريته، ولا كان مدعياً لها».

إذا أقر اللقيط على نفسه بالرق بعد بلوغه وعقله

فإما أن يكون معروف الحرية بغير جهة الالتقاط أو لا، ثمّ إمّا أن يصدّقه المقرّ له، أو يكذبه، وعلى التقديرين إما أن يكون قد ادعى قبل ذلك الحرّيّة أو لا.

فإن كان قبل إقراره قد عرفت حرّيته لا من حيث هذا الظاهر لم يلتفت إلى إقراره مطلقاً، وإن كان باقياً على الحرّيّة الظاهرة المستندة إلى الدار حكم عليه بمقتضى إقراره؛ لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2).

لكن إن كذبه المقرّ له ففي بطلان إقراره حينئذٍ - من حيث إن إقراره منحصر في رقية مخصوصة وقد انتفت بإنكار المالك، أم يبقى على الرقية المجهولة - قولان:

ص: 208


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 134.
2- تقدم تخريجه في ص 112، الهامش 1.

--------------

أولهما للشيخ في المبسوط(1) . والثاني لا يخلو من قوة.

ويتفرع عليهما ما إذا عاد المقرّ له فصدقه، فعلى قول الشيخ لا يلتفت إليه؛ لأنّه لمّا كذبه ثبتت حريته بالأصل فلا يعود رقيقاً .

وعلى الثاني يثبت؛ لأنّ الرقيّة المطلقة تصير كالمال المجهول المالك يُقبل إقرار مدعيه ثانياً وإن تقدم إنكاره .

وفي المسألة قول ثالث، وهو أنه لا يقبل إقراره بالرق مطلقاً وإن صدقه المقر له؛ لأنه محكوم بحريته تبعاً للدار فلا ينتقض ، كما أن المحكوم بإسلامه تبعاً للدار إذا أعرب بالكفر لا ينتقض ما حكم به، بل يجعل مرتداً (2).

ورد بأنّ الحكم بحرّيّته ظاهر، وإقراره أقوى من ظاهرية الدار؛ لأنه كالبينة بل أقوى. وإنما [لم](3) يُحكم بالكفر إذا أعرب به احتفاظاً بالدين(4) . وفي الفرق نظر.

وإن كان قد سبق منه ما ينافي إقراره - بأن كان قد ادعى الحرية - ففي قبول إقراره أيضاً قولان:

أحدهما - وهو الأشهر - القبول؛ لعموم إقرار العقلاء (5). والحرّية قد كان محكوماً بها ظاهراً من دون الدعوى، وكلّ من الحكم بها ظاهراً ودعواها لا يقتضي كونه حراً في نفس الأمر، وربما كان الحال غیر معلوم عنده، فبنى على الظاهر، ثم تجدد العلم به.

والثاني - وبه قال الشيخ في المبسوط(6) - لا يقبل؛ لأنا حكمنا بحريته وألزمناه أحكامها من الحج والجهاد وغيرهما، فلا ينتقض ذلك برجوعه.

ص: 209


1- المبسوط، ج 3، ص 192 - 193.
2- العزيز شرح الوجيز، ج 6 ، ص 427: روضة الطالبين، ج 4، ص 513.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق، وكما في تذكرة الفقهاء.
4- رده بذلك العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 406 (القسم الرابع).
5- . تقدم تخريجه في ص 112 الهامش 1.
6- المبسوط، ج 3، ص 192 - 193.

التاسعة:*

إذا ادعى أجنبي بنوته

قبل إذا كان المدعي أباً، وإن لم يقم بينة؛ لأنّه مجهول النسب فكان أحق به حُرّاً كان المدعي أو عبداً، مسلماً أو كافراً. وكذا لو كان أمّاً .

ولو قيل: لا يثبت نسبه إلا مع التصديق كان حسناً.

ولا يُحكم برقه ولا بكفره إذا وجد في دار الإسلام. وقيل: يُحكم بكفره إن أقام الكافر بيّنةً ببنوته، وإلّا حكم بإسلامه؛ لمكان الدار وإن لحق نسبه بالكافر. والأوّل أولى.

--------------

ورُدّ بأن ذلك لو أثر لاقتضى عدم قبول إقرار من ظاهره الحرّية من دون الدعوى؛ لوجوب ذلك عليه.

وحيث حكم برقه على أحد الوجوه، ففى بطلان تصرفاته السابقة على الإقرار أوجه من ظهور وقوعها حال الرقية، ومن وقوعها حال الحكم بالحرّية، وثالثها الفرق بين ما لم يبق أثره كالبيع والشراء وما يبقى كالنكاح، فينفذ الأول، ويفسد النكاح إن كان قبل الدخول وعليه نصف المهر، وإن كان بعده فسد وعليه المهر فيستوفى ممّا في يده، وإلا تبع به بعد العتق.

ولو كانت المقرّة الزوجة اللقيطة لم يُحكم بفساد النكاح لتعلقه بالغير. ويثبت للسيد أقل الأمرين من المسمّى وعُقر الأمة.

قوله: «إذا ادعى أجنبي بنوته قُبِل إذا كان المدعي أباً» إلى آخره.

القول في نسب اللقيط كهو في سائر المجاهيل، فإذا استلحقه من يمكن ولادته منه لحق به؛ لأنّه أقر بنسب مجهول يمكن أن يكون منه، وليس في إقراره إضرار بغيره، فيثبت إقراره. ولأن إقامة البينة على النسب مما يعسر، ولو لم يثبته الاستلحاق لضاع كثير من الأنساب. وقد سبق في باب النسب ما يشترط في الاستلحاق(1) .

ولا فرق بين الملتقط وغيره لكن يستحبّ أن يقال للملتقط: من أين لك هذا؟ فربما توهم أن الالتقاط يفيد النسب.

ص: 210


1- سبق في ج 7، ص 78 وما بعدها ؛ وج 8، ص 625 وما بعدها.

--------------

وعن مالك أنّه إن استلحقه الملتقط لم يلحق به؛ لأنّ الإنسان لا ينبذ ولده ثمّ يلتقطه، إلا أن يكون ممن لا يعيش له ولد فيلحق به؛ لأنّه قد يفعل مثل ذلك تفاؤلاً ليعيش الولد (1).

وإذا لحق بغير الملتقط سلّم إليه ؛ لأنّ الأب أحق بالتربية والكفالة من الأجنبي.

واستلحاق العبد والكافر كاستلحاق الحرّ المسلم؛ لاشتراك الجميع في المقتضي، وهو الإقرار بنسب مجهول يمكن أن يكون منه، وليس في إقراره إضرار بغيره.

وقال بعض العامة :

لا يلحق بالكافر والعبد؛ لأنه محكوم بإسلامه وحريته، فلا يقبل ممن يقتضي إقراره خلاف ذلك (2).

ورد بأن التحاقه بهما في النسب خاصة، أما في الدين والرقية فلا، بل يحكم بحريته وإسلامه، ولا يثبت لهما عليه حضانة لعدم أهليتهما لها.

هذا إذا وجد في دار يُحكم فيها عليه بالإسلام، وإلا فلا مانع من تبعيته في الكفر، للحكم حينئذ بكفره وإن لم يدّعه الكافر.

وفي المسألة وجهان آخران :

أحدهما: تبعيته للكافر في الكفر تبعاً للنسب؛ لتلازمهما.

والثاني - وهو اختيار الشيخ في المبسوط(3) - الفرق بين لحوقه به بالإقرار وبالبينة، فيتبعه في الكفر في الثاني دون الأوّل: لأن البينة أقوى من تبعية الدار ، ومجرّد الدعوى مكافئة للدار، فيستمر كل منهما على حاله، ولا يكون دعوى الكافر مغيّرة لحكم الشرع بإسلامه.

ولو ادعى المسلم بنوّة من حكم بكفره تبعاً للدار، تبعه في الإسلام والحرية بخلاف الكافر.

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز، ج 6، ص 412.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6 . ص 421. المسألة 4572: روضة الطالبين، ج 4، ص 504 - 505.
3- المبسوط ، ج 3، ص 182

ويلحق بذلك

أحكام النزاع

اشارة

و مسائله خمس :

الأولى: *

لو اختلفا في الإنفاق

فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف، فإن ادّعى زيادةً فالقول قول الملقوط في الزيادة. ولو أنكر أصل الإنفاق فالقول قول الملتقط .

--------------

هذا كله إذا كان المدعى الأب، أمّا الأُم فقيل: إنها كالأب(1)؛ لأنها أحد الأبوين، فصارت كالأب بل أولى؛ لأن جهة اللحوق بالأب النكاح والوطء بالشبهة، والمرأة تشارك الرجل فيه، وتختص بجهة أخرى وهي الزنى على قول بعضهم(2).

والأظهر الفرق، وأنّه لا يلحق بها إلا بالبيئة أو التصديق؛ لأنه يمكنها إقامة البينة على الولادة، بخلاف الأب، فلا يقبل قولها فيه، ولهذا لو علّق حكماً - كالظهار والطلاق عند من أوقعه معلقاً - على ولادتها فقالت: ولدت لم يقع حتى تقيم البيئة.

ولأنها إذا أقرّت بالنسب فكأنّها تقرّ بحق عليها وعلى غيرها؛ لأنّها فراش الزوج، فلا ينفذ إقرارها في حق الزوج فيبطل في الجميع؛ لأنه إقرار واحد لا يتبعض.

والفرق بينها وبين الأب بلحوقه بها في الزنى ممنوع .

وفي هذا الأخير منع؛ لأنّ الإقرار الواحد يقبل تبعض الأحكام كثيراً اتفاقاً، كمن أقرّ على نفسه وغيره بمال، فإنّه يلزمه في حق نفسه ولا يقبل في حق غيره، ومن أقرّ بسرقة مال مرّةً واحدةً ثبت عليه المال دون القطع، ولو كان سفيهاً وأقر مرتين انعكس الحكم، ونظائر ذلك كثيرة. والاعتماد من الفرق على الأوّل.

قوله: «لو اختلفا في الإنفاق فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف» إلى آخره.

إنما قدم قول الملتقط في قدر المعروف بشهادة الظاهر له؛ ولأنه أمين ومأمور بالإنفاق

ص: 212


1- لم نتحقق القائل.
2- لم نتحقق القائل.

*ولو كان له مال فأنكر اللقيط إنفاقه عليه فالقول قول الملتقط مع يمينه؛ لأنه أمينه.

الثانية: *

لو تشاح ملتقطان مع تساويهما في الشرائط

أُقرع بينهما؛ إذ لا رجحان. وربما انقدح الاشتراك.

ولو نزل أحدهما للآخر صح ولم يفتقر النزول إلى إذن الحاكم؛ لأن ملك الحضانة لا يعدوهما.

--------------

لدفع ضرورة الطفل، فلو لم يقبل قوله في قدره كذلك أدى إلى الإضرار به إن أنفق، وبالملقوط إن تقاعد عنه حذراً من ذلك، ولهذا لم يلتفت إلى الأصل وإن كان موافقاً لدعوى الملقوط.

ولو كان دعواه زائدةً على المعروف، فإن لم يدع مع ذلك حاجة الملقوط إليها فهو مقرّ بالتفريط في الزائد فيضمنه ولا وجه للتحليف. وإن ادّعى حاجته إلى الزيادة وأنكرها الملقوط فالقول قوله؛ عملاً بالأصل، مع عدم معارضة الظاهر هنا. نعم، لو وقع النزاع في عين ،مال، فزعم الملتقط أنه أنفقها صُدّق مع اليمين؛ لتنقطع المطالبة بالعين، ثمّ يضمن كالغاصب إذا ادعى تلف العين وإن كان الأصل بقاءها.

قوله:« ولو كان له مال فأنكر اللقيط إنفاقه عليه» إلى آخره.

المراد أنّه لا فرق في قبول قول الملتقط في الإنفاق بالمعروف بين أن يكون إنفاقه من مال الملقوط ومن مال نفسه، ليرجع به على الملقوط إذا أيسر؛ لاشتراك الأمرين في المعنى المقتضي للقبول، وهو كونه أميناً محسناً.

هذا إذا كان الحاكم قد أذن للملتقط في الإنفاق كما ذكرناه سابقاً (1)، وإلا فمال الملقوط مضمون عليه وإن أنفقه عليه بالمعروف.

قوله: «لو تشاح ملتقطان مع تساويهما في الشرائط أقرع بينهما» إلى آخره.

إذا اجتمع ملتقطان متساويان في الشرائط المعتبرة في الالتقاط، فلكل منهما حق

ص: 213


1- سبق في ص 202.

الثالثة:* إذا التقطه اثنان وكلّ واحد منهما لو انفرد أقرّ في يده، وتشاحًا فيه أقرع بينهما، سواء كانا موسرين أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما.

وكذا إن كان أحد الملتقطين كافراً إذا كان الملقوط كافراً.

ولو وصف أحدهما فيه علامةً لم يحكم له.

--------------

فيه وحق للطفل عليهما، إلّا أنّ حق الطفل يحصل بأحدهما، فلذا جاز ترك أحدهما للآخر حقه.

فإن تشاحًا ففي القرعة أو التشريك بينهما في الحضانة وجهان، من ثبوت الحق لهما المقتضي للتشريك، ومن أن اجتماعهما على الحضانة يوجب الإضرار بهما وبالطفل بتوزيع أموره، وبتردّده في مألفه(1) ومصالحه فيقرع بينهما.

وهذا أقوى. وقد تقدّم مثله في الحضانة المطلقة حيث يجتمع عليها وليان فصاعداً(2).

قوله: «إذا التقطه اثنان وكلّ واحد منهما لو انفرد أُقرّ في يده، وتشاحًا فيه أُقرع بينهما. سواء كانا موسرين أو أحدهما» إلى آخره.

هذه المسألة في الحكم كالسابقة في أنه مع التشاح يُقرع على الأظهر، ويشترك الجميع في وجه. وإنّما أعادها لينبه على أنه لا فرق في الحكم بين كون الملتقطين متساويين في اليسار والإعسار، وفي الحضر والغيبة وفي الإسلام والكفر، أم مختلفين فيها، بمعنى أنه لا ترجيح لليسار ولا للحضور ولا الإسلام إذا كان اللقيط محكوماً بكفره؛ لاشتراك الجميع في صلاحية الحضانة وأهلية الالتقاط، وإن كان في بعضهم مزية زائدة إلا أنّها لا توجب الترجيح؛ لما ثبت شرعاً من الحق.

وربما قيل بترجيح الموسر على المعسر والحاضر على المسافر، والمسلم على الكافر وإن كان اللقيط كافراً؛ لما في ذلك من الغبطة للقيط. والأظهر الأول.

ص: 214


1- في بعض النسخ: «ماله» بدل «مألفه».
2- تقدّم في ج 7، ص 130 وما بعدها.

الرابعة:*

إذا ادعى بنوته اثنان

فإن كان لأحدهما بيّنة حكم بها. وإن أقام كلّ واحد منهما بينةً أُقرع بينهما. وكذا لو لم يكن لأحدهما بينة.

ولو كان الملتقط أحدهما فلا ترجيح باليد؛ إذ لا حكم لها في النسب بخلاف المال؛ لأنّ لليد فيه أثراً.

الخامسة :*

إذا اختلف كافر ومسلم أو حرّ وعبد في دعوى بنوته

قال الشيخ: يرجح المسلم على الكافر، والحرّ على العبد. وفيه تردّد.

--------------

واعلم أنّه لا عبرة في الترجيح بوصف أحدهما علامة في اللقيط، كالخال في يده ونحو ذلك؛ لأنّه لا أثر لذلك فى إثبات الولاية ونفيها، كما لا أثر له في إثبات النسب ونفيه لو تنازع اثنان في بنوته ووصف أحدهما العلائم، خلافاً لأبي حنيفة في النسب(1) .

قوله: «إذا ادعى بنوته اثنان، فإن كان لأحدهما بيّنة حكم بها. وإن أقام كلّ واحد منهما بينةً أُقرع بينهما» إلى آخره.

إذا ادعى بنوته اثنان واستويا في الدعوى فإن أقام أحدهما بينةً حكم بها، سواء كان هو الملتقط أم غيره؛ لتساويهما في الدعوى ورجحان البينة.

وإن أقاما معاً بينةً تعارضنا ورجع إلى القرعة، كما لو لم يكن لهما معاً بينة، سواء قدمنا مع التعارض في المال بينة الداخل أم الخارج لأنّ اليد لا أثر لها في النسب؛ لأنها لا تثبت على الإنسان الحرّ، بخلاف المال، ولهذا يحصل الملك باليد كالاغتنام والاصطياد، والنسب لا يحصل باليد.

وإنّما يتساوى الملتقط وغيره في الدعوى إذا لم يكن قد حكم بنسبة له قبل دعوى الآخر، وإلا لم يلتفت إلى الآخر؛ لثبوت نسبه قبل معارضة المدعي.

قوله: «إذا اختلف كافر ومسلم أو حرّ وعبد في دعوى بنوته» إلى آخره.

قد اختلف كلام الشيخ في ترجيح دعوى المسلم على الكافر والحرّ على العبد في بنوّة

ص: 215


1- اللباب في شرح الكتاب، ج 2، ص 205: الحاوي الكبير، ج 8، ص 54 بدائع الصنائع، ج 1، ص 307.

القسم الثاني في الملتقط من الحيوان

النظر الأول فى المأخوذ

اشارة

والآخذ والحكم.

أما الأول : * فهو كلّ حيوان مملوك ضائع أُخذ ولا يد عليه، ويسمّى ضالة، وأخذه في صورة الجواز مكروه إلا بحيث يتحقق التلف، فإنّه طلق.

--------------

اللقيط، ففى المبسوط رجّح الأولين(1)؛ لتأيدهما بما سبق من الحكم بالإسلام والحرية. وهذا هو القول الذي اقتصر المصنف على نقله عن الشيخ.

وفي الخلاف قال: لا ترجيح؛ لعموم الأخبار فيمن تداعوا نسباً(2). ولأنا لا نحكم بكفره ورقه وإن ألحقناه بالكافر والعبد كما سبق (3).

والمصنف (رحمه الله) تردّد في الحكم لتكافئهما في الدعوى. ولو كان اللقيط محكوماً بكفره ورقه أشكل الترجيح الذي أطلقه في المبسوط . ولعلّ التعليل يرشد إلى خروج هذا الفرد منه.

والأظهر عدم الترجيح مطلقاً، إلا أن يحكم بكفره ورقه على تقدير إلحاقه بالناقصين، فيكون ترجيح الأولين أقوى لظهور المرجّح.

قوله: فهو كلّ حيوان مملوك ضائع أخذ ولا يد عليه إلى آخره.

يدخل في الكلية البعير الصحيح والذي في كلأ وماء وغيره مما لا يجوز أخذه، وكأنه عرف الحيوان الملتقط أعمّ من جواز لقطته وعدمه. وليس بجيد. ولو قال: إلا ما يستثنى كان أجود.

ص: 216


1- المبسوط، ج 3، ص 189.
2- الخلاف، ج 3، ص 596. المسألة 25؛ ولعموم الأخبار راجع الكافي، ج 5، ص 491 - 492، باب الرجل يكون له الجارية يطأها .... ح 1 - 3: وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 168، ح 586 و 587؛ والاستبصار، ج 3، ص 367 - 369 . ح 1315 - 1320 وغيرها.
3- سبق في ص 211.

* والإشهاد مستحبّ؛ لما لا يؤمن تجدّده على الملتقط؛ ولنفي التهمة.

--------------

والمراد بالضائع الضالّ عن صاحبه، سواء كان بيد ملتقط أم لا، ومن ثُمَّ جمع بينه وبين قوله «ولا يد عليه» ليخرج الحيوان الضائع عن مالكه بيد الملتقط. ويسمّى الحيوان الملقوط ضالة في كثير من الأخبار(1) .

وأخذه حيث يجوز مكروه كراهة شديدة؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «لا يؤوي الضال إلا ضالّ»(2).

وقول الباقر(عليه السلام) : «الضوال لا يأكلها إلا الضالون»(3).

ومثله عن الصادق(عليه السلام)وزاد: «إذا لم يعرفوها»(4).

واستثني من ذلك ما إذا تحقق تلفها، فإنّه يزول الكراهة ويبقى طلقاً لانتفاء الفائدة للمالك على تقدير تركها.

قوله: «والإشهاد مستحبّ ؛ لما لا يؤمن تجدّده على الملتقط؛ ولنفي التهمة».

يستحب لواجد اللقطة الإشهاد عليها

استحباباً مؤكّداً؛ لما روي عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من التقط لقطةً فليشهد عليها ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب»(5).

ولما في الإشهاد من فائدة صيانة نفسه عن الطمع فيها ونفي التهمة عنه، وحفظها عن ورثته لو مات ومن غرمائه لو فلّس.

وأوجبه بعض العامة؛ عملاً بظاهر الأمر(6).

ص: 217


1- كالأخبار الآتية هنا، وراجع الفقيه، ج 3، ص 295، ح 4060؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 394 . ح 1185.
2- الفقيه، ج 4، ص 380 . ح 5891 بتفاوت يسير.
3- الفقيه، ج 3، ص 291 - 292، ح 4050: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1193، وفيهما: «لا يأكل الضالة إلا الضالون».
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394. ح 1182.
5- مسند د أحمد، ج 5. ص 166 ، ح 162؛ سنن أبي داود. ج 2، ص 136، ح 1709؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 837، ح 2505؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 319، ح 12089، بتفاوت فيها .
6- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 413، المسألة 4564، وفيه قولان: روضة الطالبين، ج 4، ص 483، وفيه: وقيل في وجوبه قولان

* فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلاً وماء، أو كان صحيحاً؛ لقوله : «خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه».

فلو أخذه ضمنه. ولا يبرأ لو أرسله، ويبرأ لو سلّمه إلى صاحبه. ولو فقد سلّمه إلى الحاكم؛ لأنه منصوب للمصالح، فإن كان له حمى أرسله فيه، وإلّا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه.

--------------

والمذهب الاستحباب؛ للأصل، وحمل على الاستحباب لوروده (1)فيه أيضاً (2)، وقصوره عن إفادة الوجوب.

قوله: «فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلأ وماء، أو كان صحيحاً» إلى آخره.

حكم لقطة الحيوان

- مع اشتراكها في الأحكام الماضية - مختلف بسبب اختلافها في الامتناع من السباع وعدمه، فالبعير الصحيح أو الموجود في كلا - وهو العشب - وماء يكفيه للشرب لا يجوز التقاطه؛ لما تقدّم في صدر الكتاب من الأخبار الدالة على النهي عنه(3) .

ومنها ما أشار المصنّف إليه هنا وهو صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام)قال:

«جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيراً، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : خفه حذاؤه وكرشه سقاوه فلا تهجه»(4).

ولأنه مصون عن السباع بامتناعه مستغن بالرعي، فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتى يجده، والغالب أن من أضل شيئاً طلبه حيث ضيعه، فإذا أخذه غيره ضاع عنه.

وحيث يأخذه في صورة المنع يكون مضموناً عليه؛ لأنه متعد بالأخذ حيث أخذ مال

ص: 218


1- في «م، ع»: «لضرورة» بدل «لوروده».
2- التنبيه في الفقه الشافعي الشيرازي، ص 132 روضة القضاة، ج 3، ص 1387، الرقم 8307؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 362، المسألة 4511.
3- تقدم في ص 189 وما بعدها.
4- الكافي، ج 5، ص 140، باب اللقطة والضالة، ح 12، وفيه: عن هشام بن سالم؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394، ح 1184.

*وكذا

حكم الدابة وفي البقرة والحمار

تردّد أظهره المساواة؛ لأنّ ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

--------------

غيره بغير إذنه، ولا إذن الشارع، فكان كالغاصب، ولا يبرأ لو تركه في مكانه أو ردّه إليه، بل إنّما يبرأ برده إلى صاحبه مع القدرة، فإن فقده سلّمه إلى الحاكم؛ لأنه منصوب للمصالح وهذا منها.

ثمّ إن كان للحاكم حمى أرسله فيه إلى أن يأتي صاحبه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه. ولو قيل بجواز فعله من الأمرين أصلحهما للمالك ابتداءً كان حسناً.

ولو تعذر الحاكم بقى في يد قابضه مضموناً إلى أن يجد المالك أو الحاكم. ويجب عليه الإنفاق عليه، وفي رجوعه به مع نيته وجهان، من دخوله على التعدي الموجب لعدم الرجوع، ومن أمره بالإنفاق شرعاً حين يتعذر عليه أحد الأمرين، فلا يتعقب الضمان.

وخالف في هذه الأحكام جماعة من العامة، فمنهم من أجاز أخذه كغيره(1) ، ومنهم من حكم ببراءته بإرساله في مكانه(2).

قوله: «وكذا حكم الدابة» إلى آخره.

خص البعير أولاً بالحكم لورود النصوص الكثيرة في حكمه من الطرفين وألحق به الدابة، وهي أيضاً في رواية مسمع عن الصادق(عليه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل ترك دابته، فقال: إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها متى شاء، وإن تركها في غير كلاً وماء فهي للذي أحياها»(3).

وفيها أيضاً: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول في الدابة: إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها ونفقتها فهي للذي أحياها»(4).

ص: 219


1- راجع اللباب في شرح الكتاب، ج 2، ص 209 - 210؛ والمبسوط، السرخسي، ج 11، ص 10 - 11؛ وروضة القضاة، ج 3، ص 1391، الرقم :8333؛ وحلية العلماء، ج 5، ص 532 - 534 وبدائع الصنائع، ج 1، ص 308 والمغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 6، ص 396، المسألة 4546.
2- الكافي في فقه أهل المدينة، ج 2، ص 838؛ مختصر خلیل، ص 291 : بدائع الصنائع، ج 1، ص 305.
3- الكافي، ج 5، ص 141، باب اللقطة والضالة ، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 393، ح 1181.
4- الكافي، ج 5، ص 141، باب اللقطة والضالة ، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 393، ح 1181.

* أما لو ترك البعير من جهد في غير كلاً وماء جاز أخذه؛ لأنّه كالتالف ويملكه الآخذ ولا ضمان؛ لأنه كالمباح. وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار إذا ترك من جهد في غير كلاً وماء.

--------------

و في معناها البغل؛ ولاشتراكهما في الامتناع من صغار السباع غالباً.

وأما البقرة والحمار فقد تردّد المصنف في إلحاقهما به، ثم اختار المساواة.

ووجه التردّد من مشاركتهما للدابة في العدو والامتناع من صغير السباع وكون المفهوم من فحوى المنع من أخذ البعير - وهو قدرته على الامتناع مما يهلكه(1)- المساواة، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(2) ، ومن الوقوف في النهي على موضع النص، ومنع مساواتهما في القوّة خصوصاً الحمار، فإنّ أكل الذئب له غالب. والأجود إلحاق البقرة دونه ؛

لظهور الفرق.

قوله: «أما لو ترك البعير من جهدٍ في غير كلأ وماء جاز أخذه» إلى آخره.

ما تقدّم من حكم البعير وما ألحق به إذا ضلّ من صاحبه أو تركه من غير جهد صحيحاً أو في كلأ وماء، أما لو تركه من جهد أو مرض في غير كلأ وماء فهو لواجده؛ لأنه حينئذ كالتالف، ويملكه الآخذ ولا ضمان عليه لصاحبه؛ لأنه يكون حينئذ كالمبيح له.

ولو وجده في كلاً بغير ماء أو بالعكس فكفاقدهما؛ لأنه لا يستغني بأحدهما عن الآخر مع وقوفه.

وقد دلّ على ذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام) قال: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت، وسيبها صاحبها لما لم تتبعه، فأخذها غيره فأقام عليها، وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهى له ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشيء المباح»(3).

ص: 220


1- في «م» والحجريّتين: «يملكه» بدل « يهلكه».
2- الخلاف، ج 3، ص 579 المسألة 2.
3- الكافي، ج 5، ص 140 ، باب اللقطة والضالة ، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 1177.
*حکم والشاة إن وجدت فى الفلاة

أخذها الواجد؛ لأنها لا تمتنع من صغير السباع، فهي معرّضة للتلف.

والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ويضمن على تردّد، وإن شاء احتسبها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى المالك.

--------------

قوله: «والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد» إلى آخره.

إذا وُجدت الشاة في الفلاة - وهي ما يخاف عليها فيه من السباع - فلا خلاف في جواز أخذها؛ لأنّها حينئذٍ في حكم التالفة وللأخبار الكثيرة، وفيها «أنّها لك، أو لأخيك، أو للذئب»(1).

ثمّ يتخيّر آخذها بين أن يحفظها لمالكها، أو يدفعها إلى الحاكم. ولا ضمان فيهما إجماعاً؛ لأنه في الأوّل أمين، وفي الثاني الحاكم ولي الغائب، فالدفع إليه مع تعدّر المالك كالدفع إلى المالك، وبين أن يتملكها، وفي ضمانه حينئذ قولان:

أحدهما - وهو الأشهر - الضمان إما مطلقاً، أو مع ظهور المالك؛ لأنّها مال الغير، ولم يوجد دليل ناقل عن حكم ضمانه، وإنّما المتفق عليه جواز تصرفه فيها.

ولعموم :«على اليد ما أخذت حتى تؤدى»(2).

وعموم: «إذا جاء طالبه ردّه إليه»(3).

والثاني: عدم الضمان؛ لظاهر اللام في قوله(عليه السلام): «هي لك» فإنّه يدلّ على التمليك ؛ولإطلاق رواية عبد الله بن سنان السالفة (4).

ص: 221


1- الكافي، ج 5، ص 140، باب اللقطة والضالة، ح 12: الفقيه، ج 3، ص 295، ح 4060: تهذيب الأحكام، ج 6. ص 394، ح 1184 و 1185.
2- مسند أحمد، ج 5، ص 632. ح 19582؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 264: سنن أبي داود، ج 3، ص 296، ح 3561: السنن الكبرى البيهقي، ج 6. ص 158 ، ح 11519.
3- الكافي، ج 5، ص 139، باب اللقطة والضالة، ح 10 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 1175.
4- سبق تخريجها في ص 220 ، الهامش 3

*وفي حكمها كلّ ما لا يمتنع من صغير السباع، كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير، على تردّد.

* ولا تؤخذ الغزلان واليحامير

إذا ملكا ثم ضلا؛ التفاتاً إلى عصمة مال المسلم ولأنّهما يمتنعان عن السباع بسرعة العدو.

--------------

وفيهما نظر؛ لأنّ اللام يحتمل الاختصاص الذي لا ينافي الضمان.

ورواية ابن سنان دالّة على حيوان سيبه صاحبه لما لم يتبعه، وهذا غير شرط في أخذ الشاة إذا كانت في الفلاة اتفاقاً. وحينئذ فالقول بالضمان خصوصاً مع ظهور المالك أظهر.

قوله: «وفي حكمها كلّ ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير، على تردّد».

المشهور بين الأصحاب أنّ ما لا يمتنع من صغير السباع وإن كان أصله الامتناع كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير والإوز مطلقاً والدجاج - حكمه حكم الشاة في جواز تملكه في الفلاة؛ لمشاركته له في العلة المجوّزة، وهي كونه في حكم التالف والمفهوم قوله : «هي لك، أو لأخيك، أو للذئب»(1).

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ذلك؛ مما ذكر، ومن عدم النص عليه، وإلحاقه بالشاة قياس، فيبقى على أصالة بقاء الملك على مالكه وحينئذ فيلحقه حكم لقطة الأموال، فيعرف سنةً، ثمّ يتملكها إن شاء، ويضمن أو يتصدق به.

قوله: «ولا تؤخذ الغزلان واليحامير إذا ملكا ثمّ ضلا» إلى آخره.

في تعليل المنع من أخذ البعير وتجويز أخذ الشاة ما يشعر بأن المانع هو كون الحيوان متحفّظاً في نفسه، والمبيح خوف الهلاك، والمعنى الأوّل موجود في الغزلان ونحوها إذا ملكت ثمّ ضاعت؛ لأنها ممتنعة بعدوها من صغير السباع، وهي مملوكة للغير فلا تخرج عن ملكه بالامتناع، كما لو توحش الأهلى، والأصل بقاء ملك مالكها عليها.

ص: 222


1- تقدّم تخريجه في ص 190. الهامش 1.
*ولو وجد الضوال فى العمران لم يحلّ أخذها

ممتنعةً كانت -كالإبل - أو لم تكن كالصغير من الإبل والبقر .

ولو أخذها كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانةٌ، وعليه نفقتها من غير رجوع بها، وبين دفعها إلى الحاكم، ولو لم يجد حاكماً أنفق ورجع بالنفقة.

وإن كان شاةً حبسها ثلاثة أيام، فإن لم يأتِ صاحبها باعها الواجد وتصدّق بثمنها .

--------------

واستثنى في التذكرة والدروس ما لو خاف الواجد لها ضياعها عن مالكها أو عجز مالكها عن استرجاعها، فيجوز التقاطها حينئذ ؛ لأنّ تركها أضيع لها من سائر الأموال، والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها، ولو كان الغرض حفظها في نفسها خاصةً لما جاز التقاط الأثمان؛ فإنّها محفوظة حيث كانت(1) . وهذا حسن.

قوله: «ولو وجد الضوال في العمران لم يحلّ أخذها» إلى آخره.

ما تقدّم من حكم لقطة الحيوان مختص بما إذا وُجدت في الفلاة(2)، أما إذا وُجدت في العمران، وهي المساكن المأهولة وما هو قريب منها بحيث لا يخاف عليه من السباع غالباً فإن كان ممتنعاً كالابل - فلا شبهة في المنع من أخذه؛ لأنّ النهي عنه في الفلاة يقتضي النهي عنه في العمران بطريق أولى.

وإن كان غير ممتنع كالشاة وصغير الحيوان لم يصح أخذه ؛ لأنّها محفوظة على مالكها.

ولأن المفهوم من قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «هي لك، أو لأخيك، أو للذئب»(3) أنّها في غير العمران.

وعموم قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الضوال لا يأخذها إلا الضالون»(4).

ص: 223


1- تذكرة الفقهاء ، ج 17، ص 296، المسألة 390؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 83 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تقدم في ص 221.
3- تقدم تخريجه في ص 190. الهامش 1.
4- تقدم تخريجه في ص 217، الهامش 3.

--------------

وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا تمسها ولا تعرّض لها»(1).

وحيث يأخذها في موضع النهى يجب إيصالها إلى المالك إن أمكن، وإلا فإلى الحاكم لأنّه وليّه، ويجب عليه الإنفاق عليها حفظاً لروحها المحترمة عن التلف، ولا يرجع بالنفقة؛ لأنه عادٍ في الأخذ، فيكون متبرّعاً.

فإن لم يجد المالك ولا الحاكم فقد حكم المصنّف بأنه ينفق حينئذ ويرجع بها. ووجهه أنّه بتعذر التوصل إلى المالك صار مأموراً من الشارع بالإنفاق، فزال التبرع مع نية الرجوع: للإذن فيه شرعاً، ولأنه حينئذٍ محسن.

ويرد مثله في النفقة قبل الوصول إلى الحاكم والمالك، فإنّه مأمور بها أيضاً شرعاً. وجانب العدوان مشترك.

ويظهر من الدروس اشتراك الموضعين في الحكم، والتوقف في عدم الرجوع فيهما؛ لأنّه نسبه إلى الشيخ(2).

ولو كان المأخوذ شاةً احتبسها عنده ثلاثة أيام من حين الوجدان، ويسأل عن مالكها، فإن وجده دفعها إليه، وإلّا باعها وتصدق بثمنها عنه؛ لرواية ابن أبي يعفور، عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: «جاءني رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة قال: فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها وإلا باعها وتصدق بثمنها» (3).

وهي وإن كانت أعم من الموجود في العمران لكنها محمولة عليه جمعاً.

ولو ظهر المالك ولم يرض بالصدقة فالأقوى الضمان له، وله إبقاؤها بغير بيع، أو إبقاء ثمنها إلى أن يظهر المالك أو ييأس منه.

ص: 224


1- لم نجده بهذا اللفظ في الجوامع الروائية للعامة، وفي مصادر الخاصة ملفقة من حديثين راجع تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 389 . ح 1163. وص 390 ، ح 1166 و 1167.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 82 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397 ، ح 1196.
* ويجوز التقاط كلب الصيد

ويلزم تعريفه سنةً ، ثمّ ينتفع به إذا شاء ، ويضمن قيمته.

النظر الثاني في الواجد

اشارة

*ويصح أخذ الضالة لكلّ بالغ عاقل.

شروط ملتقط الحیوان

أمّا الصبي الصبي والمجنون فقطع الشيخ رحمه الله فيهما بالجواز؛ لأنّه اكتساب وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة . فإن لم يأت مالك، فإن كان الغبطة في تمليكه وتضمينه إيَّاها ،فعل، وإلّا أبقاها أمانةً.

--------------

وغير الشاة يجب مع أخذه كذلك تعريفه سنةً كغيره من الأموال عملاً بالعموم (1)، أو يحفظه لمالكه، أو يدفعه إلى الحاكم من غير تعريف.

قوله: «ويجوز التقاط كلب الصيد ويلزم تعريفه سنةً، ثمّ ينتفع به إذا شاء، ويضمن قيمته».

بناءً على أنّه مال مملوك، ومن ثُمَّ جاز بيعه، ولزم قاتله قيمته أو ديته، فيلحقه حكم سائر الأموال.

ويحتمل عدم جواز التقاطه وإن كان مالاً؛ لأنه ممتنع بنفسه، إلا أن يخاف ضياعه على مالكه.

وفي حكمه باقي الكلاب الأربعة على الأصح، وإنّما خصه بالذكر؛ لأنّ الأصحاب اتفقوا على جواز بيعه الدال على كونه مالاً، بخلاف غيره فقد اختلفوا فيه، كما سبق في بابه(2).

قوله: «ويصح أخذ الضالة لكلّ بالغ عاقل» إلى آخره.

مبنى الخلاف في هذه المسألة وما بعدها على أصل وهو أنّ اللقطة فيها معنى الأمانة والولاية والاكتساب، أما الأمانة والولاية ففي الابتداء، فإنّ سبيل الملتقط سبيل الأمناء في

ص: 225


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
2- سبق في ج 3، ص 36 - 37 .

--------------

مدة التعريف، لا يضمن المال إلا بتفريط، والشرع فوّض إليه حفظه، كالولي يحفظ مال الصبي، وأما الاكتساب ففي الانتهاء؛ حيث إنّ له التملك بعد التعريف.

وما المغلّب فيها؟ فيه وجهان:

أحدهما معنى الأمانة والولاية؛ لأنهما ناجزان والتملك منتظر، فيناط الحكم بالحاضر. ويبنى الآخر على الأوّل.

والثاني معنى الاكتساب؛ لأنّه مآل الآمر ومقصوده، فالنظر إليه أولى، ولأن الملتقط مستقل بالالتقاط وآحاد الناس لا يستقلون بالأمانات إلا بائتمان المالك، ويستقلون بالاكتساب.

فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات الإسلام والحرية والتكليف والعدالة فله أن يلتقط ويتملك إجماعاً؛ لأنّه أهل الأمانة والولاية والاكتساب، وإن تخلّف بعضها بني على اعتبار ماذا؟ وجاء فيه الوجهان.

إذا تقرّر ذلك، فالصبي والمجنون من أهل الاكتساب، وليسا من أهل الولاية، وقد حكم الشيخ فيهما بالجواز؛ معللاً بأنه اكتساب(1) . وفيه اختيار ترجيح هذا الوجه.

وهو الوجه؛ عملاً بالعموم(2)، كما يصح منهما الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد، لكن يتولّى الولي التعريف حيث يتوقف الأمر عليه؛ لأنّ التعريف أمانة وولاية وليسا من أهلهما. وكذا يلزمه أخذها من يدهما؛ لأنّ اليد من توابع الأمانة، فإن تركها في يدهما ضمن الوليّ؛ لأنّه يجب عليه حفظ ما يتعلّق بهما من المال وحقوقه وهذا من حقوقه. فإذا عرفها اعتمد المصلحة لهما، فإن رآها في التمليك ملكهما وضمنهما إياها، كما يجوز له أن يقترض عليهما؛ لأنها في معنى الاقتراض.

وإن رأى إبقاءها أمانةً فعل. وحيث يختار التملك لا يعتبر فيهما الاحتياج إلى

ص: 226


1- المبسوط، ج 3، ص 158 - 159.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.

* وفي العبد تردّد أشبهه الجواز؛ لأنّ له أهلية الحفظ.

--------------

الاقتراض، بل هو منزل منزلته، فيجوز وإن كانا غنيّين، بناءً على أنّها اكتساب.

واقتصار المصنّف (رحمه الله على نقل الحكم بالجواز عن الشيخ مؤذن بالتوقف فيه.

ووجهه الشك في كونها اكتساباً كما قررناه.

والأكثر على ما اختاره الشيخ بل لم يُنقل فيه خلاف.

قوله: «وفي العبد تردّد أشبهه الجواز؛ لأن له أهلية الحفظ».

هذا الخلاف مبني على الأصل السابق، فإنّ العبد له أهلية الأمانة دون الولاية، وفي أهليته للاكتساب خلاف مبني على قبوله للتملك وعدمه.

وقد اختلف في جواز التقاطه لذلك، فذهب جماعة (1)- منهم المصنف (رحمه الله) - إلى الجواز؛ معلّلاً بأن له أهلية الحفظ كالوديعة.

وزاد بعضهم أن له أهلية الاكتساب بالاحتطاب والاحتشاش واللقطة في معناهما، وإن كان الملك للمولى. وهذا يتم مع إذنه له لا بدونه.

وذهب آخرون(2) - منهم ابن الجنيد - إلى المنع(3)؛ لأنّ الأغلب فيها الاكتساب وهو مسلوب عنه بالنسبة إلى نفسه، ولرواية أبي خديجة عن الصادق(عليه السلام) :«ما للمملوك واللقطة، والمملوك لا يملك من نفسه شيئاً، فلا يعرض لها المملوك»(4).

والأشهر الجواز، سواء أذن المولى أم لا. وسيأتي تمام البحث فيه(5) .

ص: 227


1- منهم الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 583 المسألة ، والعلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 67، المسألة 52؛ والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 280 - 281 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 355؛ والسيوري في التنقيح الرائع ج 4، ص 107؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 75 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 67. المسألة 52.
4- الكافي، ج 5، ص 309 باب النوادر ، ح 23؛ الفقيه، ج 3، ص 294، ح 4057؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397، ح 1197.
5- يأتي في ص 256 .

*وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه لا، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.

النظر الثالث في الأحكام

اشارة

وهي مسائل:

الأولى: *

إذا لم يجد الآخذ سلطاناً ينفق على الضالة

أنفق من نفسه ورجع به. :وقيل: لا يرجع؛ لأنّ عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق.

والوجه الرجوع؛ دفعاً لتوجه الضرر بالالتقاط.

--------------

قوله: «وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه لا، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة».

هذا أيضاً مما يتخرّج على الأصل المذكور، فإنّ الكافر والفاسق ليس لهما أهلية الأمانة والولاية، ولهما أهلية الاكتساب

والأظهر الجواز فيهما؛ للعموم(1) ، بل لم ينقل الأصحاب فيه خلافاً.

قوله: «إذا لم يجد الآخذ سلطاناً ينفق على الضالة» إلى آخره.

إذا وجب إبقاء الضالة في يد الملتقط وتعريفها واحتاجت إلى النفقة، فإن وجد الحاكم رفع أمره إليه، ليعطيه النفقة من بيت المال، أو يأمره بالإنفاق مع الرجوع، ولا إشكال حينئذ. وإن فُقد الأمران وجب عليه الإنفاق عليها؛ حفظاً لنفسها المحترمة.

وفي جواز رجوعه بالنفقة على مالكها على تقدير ظهوره ونيّة الرجوع قولان أشهرهما ذلك؛ للإذن فيها شرعاً، وهو يقتضي الرجوع؛ ولأداء عدمه إلى الإضرار بالالتقاط؛ لأنه إن أنفق ولم يرجع كان الإضرار بالملتقط وهو يؤدي إلى التقاعد عن أخذ اللقطة وإذهابها على مالكها، وهو إضرار باللقطة أو بمالكها.

وذهب ابن إدريس إلى عدم الرجوع؛ محتجاً بوجوب الحفظ عليه، المستلزم لوجوب

ص: 228


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.

الثانية: *

إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة

قال في النهاية: كان ذلك بإزاء ما أنفق. وقيل: ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاضان. وهو أشبه.

الثالثة: *

لا تضمن الضالة بعد الحول إلا مع قصد التملك

ولو قصد حفظها لم يضمن إلا مع التفريط أو التعدي. ولو قصد التملك ثم نوى الاحتفاظ لم يزل الضمان. ولو قصد الحفظ ثمّ نوى التملك لزم الضمان.

--------------

الإنفاق، وما كان واجباً لا يجوز أخذ العوض عليه؛ وبأنّه إنفاق على مال الغير بغير إذنه(1) .

ويضعف بمنع استلزام الوجوب مطلقاً عدم العوض، وقد تقدم له نظائر(2). وإذن الشارع قائم مقام إذن المالك.

قوله: «إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة» إلى آخره.

ظاهر كلام الشيخ(3)وغيره(4) ، جواز الانتفاع بالظهر واللبن، سواء قلنا بكونه بإزاء النفقة أم قلنا بالتقاص .

وما اختاره المصنّف من اعتبار الأمرين جمعاً بين الحقين، فيرجع ذو الفضل بفضل ماله؛ إذ لا دليل على سقوطه.

نعم ورد في الرهن رواية ضعيفة بأن الظهر يركب والدرّ يشرب، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة(5) .

وكلّ واحد من الأصل والفرع والدلالة ممنوع .

قوله: «لا تضمن الضالة بعد الحول إلا مع قصد التملك» إلى آخره.

حيث جاز الالتقاط فالعين في يد الملتقط أمانة مع قصد التعريف، فلو قصد التملك

ص: 229


1- السرائر، ج 2، ص 110.
2- تقدم في ج 4، ص 315 - 316 .
3- النهاية، ص 324.
4- السرائر، ج 2، ص 110.
5- الفقيه، ج 3، ص 306 ، ح 4098؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 175، ح 775

الرابعة: * قال الشيخ (رحمه الله):

إذا وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً

لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة، ولو كان صغيراً جاز أخذه.

وهذا حسن؛ لأنّه مال معرّض للتلف.

--------------

بدونه ضمن للعدوان، كما لو نواه بالوديعة. وكذا لو نوى التملك بعد التعريف المعتبر؛ لانتقالها إلى ملكه حينئذ على وجه الضمان بناء عليه. ولا يزول الضمان مع التملك بنية عدمه، سواء كان قبل تمام التعريف ام بعده.

أما الأوّل: فلأن نيّة العدوان أوجبت الضمان ولا يزول إلا برده إلى مالكه كما لو تعدّى بالوديعة ثمّ نوى الحفظ.

وأمّا الثاني ؛ فلأن ملكه لا يزول عن العين بذلك، فيستمر ضمان العوض.

قوله: «قال الشيخ (رحمه الله): إذا وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة» إلى آخره.

تفصيل الشيخ بالفرق بين الكبير والصغير(1) إنما يحسن إذا لم يخف على الكبير الذهاب على مالكه بالاباق، وإلّا اتجه جواز أخذه إن لم نوجبه؛ لأنّه وإن كان متحفّظاً في نفسه ولكنّه غير متحفظ على مالكه، فكان كالمال الضائع الذي لا يخاف تلفه في نفسه.

وأما الصغير فإن كان غير مستقل بدفع المؤذيات عن نفسه فلا إشكال في جواز التقاطه، بل وجوبه. وإن كان مميزاً يقدر على الدفع عن نفسه فالأظهر إلحاقه بالكبير.

وقد أطلق المصنف (رحمه الله) كالشيخ جواز أخذه من غير أن يتعرّض لجواز تملكه وعدمه، وفيما سبق صرّح بعدم تملكه. وقد تقدّم البحث في ذلك(2).

ص: 230


1- المبسوط، ج 3، ص 163.
2- تقدم في ص ص 192 - 193.

الخامسة:*

من وجد عبده في غير مصره

فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم يدفع إليه ؛ لاحتمال التساوي في الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين.

ولو تعذر إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم، ولا بيعه على من يحمله. ولو رأى الحاكم ذلك صلاحاً جاز.

ولو تلف قبل الوصول أو بعده ولم تثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد وأُجرته .

--------------

قوله: «من وجد عبده في غير مضره» إلى آخره.

ذكر هذه المسألة بباب القضاء كما فعله غير واحد من الفقهاء أولى به من ذكرها هنا.

و محصلها : أنّ المدعى به إذا كان مما يتعذر ضبطه بالصفات- كالعبد وغيره من الحيوان - لم يجز الحكم به غائباً بالوصف لكثرة الاشتباه فيه وفى صفاته وحليته، بل يكلف إحضار الشهود على عينه ليشهدوا بها إن أمكن، فإن تعذر إحضارهم إلى بلد الحاكم وقف الحكم إلى أن يمكن كذلك.

ولا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود على وصفه ليشهدوا على عينه؛ لأنّ الحق لم يثبت بعد على المتشبث، فلا يكلّف نقل ماله بغير إذنه، ولا على بيعه على المدعي أو غيره ليحمله إلى الشهود؛ لتوقف البيع على رضى البائع إلا ما استثني، إلا أن يرى الحاكم صلاحاً في أحد الأمرين، ويرى جوازه كذلك، فله حينئذ أن يأمر به.

وخالف في ذلك بعض الشافعية، فجوّز للحاكم بيعه من المدعي، ويقبض الثمن ويضعه عند ثقة أو يكفله، فإن حكم للمدعي به بطل البيع وردّ إليه الثمن، وإلا فالبيع صحيح(1) .

وحيث يرى الحاكم صلاحاً في حمله فهو مضمون على المدعي، فإن تلف قبل الوصول،

ص: 231


1- روضة الطالبين، ج 8، ص 171 - 172

--------------

أو بين يدي الحاكم ولم تثبت دعواه لزمه القيمة والأجرة. وحينئذ فللمتشبث الامتناع إلا بكفيل على العين أو القيمة والأجرة.

هذا هو المختار من حكم المسألة، وفيها أوجه أُخرى:

أحدها: جواز الحكم عليه بالصفات التي يعسر اجتماعها في غيره، كالمحكوم عليه؛ لدعاء الضرورة إلى إثباته في الغيبة والحكم به.

ورد بما مرّ (1)من كثرة الاشتباه والحكم مع الجهالة وخطر الاشتباه غير مفيد.

وقال بعضهم: يصفه بصفات السلم؛ لأنّ الشارع نفى معها الغرر(2).

ورد بأن المقصود هنا التشخيص دون التعيين النوعي والصنفي، وفي السلم يمتنع التشخيص؛ لمنافاته السلم، وإنّما يعتبر فيه التعيين بأحد الأمرين.

وثانيها: أن يذكر القيمة دون الصفات كما في الأمتعة والثياب، فإنّ بالقيمة ترتبط الدعوى والبيّنة والحكم بالعين دون الصفات لاشتراكها.

ورد باشتراك القيمي في القيمة ، أيضاً، فالاشتباه باق. والاقتصار على القيمة من دون العين خروج عن الفرض ولا يصح الحكم به مع بقاء العين.

وثالثها:أن تُسمع البينة ولا يحكم عاجلاً، بل ينتظر اتفاق اجتماع شهود الوصف به فيشهدوا على عينه، أو يرى الحاكم حمله كما مرّ.

وفائدة هذا نفوذ الحكم معجّلاً موقوفاً تمامه على شهادة الشهود بالعين، بخلاف الأول، فإنّ الحكم فيه متوقف على الشهادة بالعين.

وتظهر الفائدة فيما لو تعذر الحاكم بموت وغيره قبل وقوف الشاهدين عليه، فلا يقدح في الحكم على الأخير، كما لا أثر له على الأوّل.

ص: 232


1- مرّ في ص 231
2- روضة الطالبين، ج 8، ص 171

القسم الثالث في اللقطة

اشارة

وهو يعتمد على بيان أُمور ثلاثة:

الامر الاول:تعریف اللقطه

اشارة

الأوّل: * اللقطة كلّ مال ضائع أخذ ولا يد عليه.

*فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف، وما كان أزيد من ذلك، فإن وجد في الحرم قيل: يحرم أخذه، وقيل: يكره، وهو أشبه. ولا يحلّ إلا مع نية الإنشاد.

--------------

قوله: «اللقطة كلّ مال ضائع أُخذ ولايد عليه».

هذا تعريف اللقطة بالمعنى الأخص ، وهو المعروف منها لغةً.

وأراد بقوله «القسم الثالث في اللقطة» معناها الأعم، وهو المصطلح عليه في استعمال الفقهاء، وحينئذٍ فلا يلزم انقسام الشيء إلى نفسه وغيره؛ لتغايرهما بالاعتبار.

وكان عليه أن يقيد المال بالصامت؛ لئلا ينتقض في طرده بالحيوان الضائع حتى العبد، فإنه داخل في المال المطلق.

والكلام في الجمع بين قيد الضائع وعدم اليد عليه كما مر(1) في نظيره من خروج الضائع الملقوط به؛ إذ لو لا القيد الأخير لدخل؛ لبقائه ضائعاً ما لم يصل إلى مالكه.

قوله: «فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في لقطة الحرم على أقوال منتشرة، حتّى من الرجل في كتاب واحد، فالمصنف (رحمه الله) اختار جواز لقطة ما دون الدرهم منها وتملكه كغيره، وكراهة لقطة ما زاد منها عن الدرهم إذا أخذه بنية التعريف.

ص: 233


1- مرّ في ص 216 .

--------------

وفي كتاب الحج من هذا الكتاب حرم لقطته قليلها وكثيرها، وأوجب تعريفها سنةً ثمّ يتخير بين الصدقة بها وإبقائها أمانة(1).

وكذلك اختلف فيها كلام العلّامة، ففي القواعد والإرشاد حرم قليلها وكثيرها، ولم يجوّز تملك القليل(2).

وفي التحرير جوّز تملك القليل، وتردّد في تحريم لقطة الكثير، واقتصر على نقل الخلاف(3).

وفي التذكرة قرب تحريم تملك القليل وحكم بكراهتها مطلقاً أيضاً(4).

وكذلك اختلف كلام الشيخ (رحمه الله) ففي النهاية حرمها مطلقاً، ولم يجوز تملك القليل(5) ، وفي الخلاف كرهها مطلقاً (6)كالمصنف.

وكذلك اختلف كلام الشهيد (رحمه الله) في الدروس، ففي كتاب الحج حرمها مطلقاً، وأوجب تعريفها سنةً، ثمّ أوجب الصدقة بها مع الضمان(7) .

وفي كتاب اللقطة جوّز تملك ما دون الدرهم كغيرها وكره ما زاد كمذهب المصنّف هنا(8).

وفي اللمعة أطلق تحريم أخذها بنية التملك مطلقاً، وجوزه بنية الإنشاد مطلقاً، وأوجب التعريف حولاً ، ثم الصدقة به أو حفظه(9).

ولهم فيها أقوال أخر غير ما ذكرناه.

ص: 234


1- راجع ج 2، ص 281
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 207 : إرشاد الأذهان، ج 1، ص 339
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 463 ، الرقم 6070 ، وجواز تملك القليل يستفاد من إطلاق كلامه.
4- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 172 - 173، المسألة ،309، وص 211. الفرع «د» من المسألة 327
5- النهاية، ص 284 و 320.
6- الخلاف، ج 3، ص 579 المسألة 3
7- الدروس الشرعية، ج 1، ص 387 - 388 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
8- الدروس الشرعية، ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
9- اللمعة الدمشقية، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

--------------

ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات ظاهراً ، فمن ذهب إلى التحريم استند فيه إلى قوله :تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا ﴾(1)، ومقتضاه أن يكون الإنسان آمناً فيه على نفسه وماله، وهو ينافي جواز أخذه.

ورواية إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه عن الماضي (عليه السلام)قال: «لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها»(2).

ورواية علي بن أبي حمزة، أنه سأل الكاظم(عليه السلام) عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه. قال: «بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه»، قلت: ابتلى بذلك، قال: «يعرفه»، قلت: فإنّه قد عرفه فلم يجد له باغياً، قال: «يرجع به إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين. فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(3).

ورواية الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن لقطة الحرم، قال: «لا تمس أبداً حتى يجي، صاحبها فيأخذها». قلت: فإن كان مالاً كثيراً، قال: «فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها»(4). وفي كلّ واحد من هذه الأدلّة نظر.

أمّا الأوّل: فلأنّ الوصف بالأمن لا ينافي جواز الالتقاط منه، سواء جعلنا الأمن به في الدنيا أم في الآخرة.

والرواية الأولى مرسلة، والثانية ضعيفة السند بأبي جميلة (5)وعلي بن أبي حمزة(6). والثالثة بأبان بن عثمان(7).

ص: 235


1- العنكبوت (29): 67
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1167.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1462: وج 6، ص 395، ح 1190.
4- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1461.
5- ذكره العلامة في خلاصة الأقوال، ص 429، الرقم 1778 في قسم الضعفاء.
6- رجال النجاشي، ص 249 - 250 ، الرقم 656 .
7- اختيار معرفة الرجال، ص 352. ح 659 و 660.

--------------

مع أنها ظاهرة في الكراهة لا التحريم، خصوصاً من قوله: «ما كان ينبغي» فإنّه صريح فيها.

وكذا قوله في الثالثة: «إن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها» ولو كان محرماً لساوى غيره، بل الظاهر منه أنّ أخذ الثقة لها غير مكروه أو أقلّ كراهة.

وحال مطلق اللقطة كذلك، بل قد ورد فيها بمثل هذه العبارة ما هو أصح سنداً.

ففي صحيحة الحلبي عن الصادق(عليه السلام)إلى أن قال: «وكان عليّ بن الحسين(عليه السلام) يقول لأهله : لا تمسوها»(1).

وفي صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرنا للصادق(عليه السلام) اللقطة، فقال: «لا تعرّض لها، فلو أن الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها»(2).

ويؤيد الكراهة رواية يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله(عليه السلام) وقد سأله عن اللقطة بمنى، فقال: «أما بأرضنا هذه فلا يصلح»(3).

ومن حكم بالكراهة استند إلى ظاهر هذه الأخبار، ودليل الكراهة يتسامح في سنده.وليس فيها فرق بين القليل والكثير.

نعم، في رواية ابن أبي حمزة الحكم في الدينار بالصدقة به مع الضمان، وليس فيها أنه يتملكه إن شاء، مع أنها غير منافية لما دلّ على جواز التملك في غيرها مما أطلق (4).

نعم، في رواية إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «اللقطة لقطتان لقطة الحرم، وتعرّف سنةً، فإن وجدت لها طالباً وإلا تصدّقت بها، ولقطة غيرها تعرف سنةً، فإن لم تجد

ص: 236


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1163؛ الاستبصار، ج 3، ص 68 ، ح 227
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 390. ح 1166.
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421 ، ح 1463.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 463. الباب 17 من أبواب كتاب اللقطة، وص 441 - 445، الباب 2 من أبواب الكتاب المذكور.

--------------

صاحبها فهي كسبيل مالك »(1)ومفهومها أنّها لا تملك مطلقاً.

وروى العامة عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال عن لقطة الحرم: «لا تحلّ إلا لمنشد»(2) أي لمعرّف ،والمعنى على الدوام، وإلا فسائر البلاد كذلك، فلا تظهر فائدة التخصيص، وظاهره عدم التملك أيضاً مطلقاً.

لكن في الجميع قصور السند، ومن ثَمَّ ذهب أبو الصلاح إلى جواز تملكها بعد التعريف(3)كغيرها.

وأما المصنّف وغيره(4) ، ممّن فرّق بين القليل منها والكثير في التملك فاستند في الكثير إلى ما ذكرناه، وفي القليل إلى الأدلة العامة(5). وهو أنسب.

وقد ظهر بذلك ضعف القول بالتحريم مطلقاً وإن كان مشهوراً، وقوّة جوازها للمنشد مطلقاً.

ويبقى الكلام في التملك للقليل أو مطلقاً، ومرجعه إلى الأدلة العامة، مع عدم ظهور المنافي في الخاصة.

وفي التذكرة ادعى إجماع علمائنا على عدم جواز تملك لقطة الحرم وأطلق(6).

ولا يخفى فساد دعوى الإجماع، فقد عرفت أنه والمصنّف وجماعة(7) جوزوا تملك

ص: 237


1- الكافي، ج 4، ص 238 - 239، باب لقطة الحرم، ح 1: الفقيه، ج 2، ص 256، ح 2351؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421. ح 1464 .
2- مسند أحمد، ج 1، ص 573، ح 3243: صحيح البخاري، ج 4، ص 1567 ، ح 4059؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 212، ح 2017؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 328، ح 12119 بتفاوت يسير فيها.
3- راجع الكافي في الفقه، ص 350 - 351.
4- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية. ج 4، ص 463. الرقم 6070 و 6071؛ والشهيد في الدروس الشرعية ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
6- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 204، ذيل المسألة 325 .
7- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4. ص 463، الرقم 6070؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 85 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
حکم لقطه الحرام

* ويجب تعريفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، أو استبقاها أمانة وليس له تملكها.

ولو تصدق بعد الحول فكره المالك، فيه قولان، أرجحهما أنّه لا يضمن؛ لأنّها أمانة، وقد دفعها دفعاً مشروعاً.

*وإن وجدها في غير الحرم عرفها حولاً إن كان مما يبقى كالثياب والأمتعة والأثمان، ثمّ هو مخيّر بين تملكها وعليه ضمانها وبين الصدقة بها عن مالكها،

--------------

القليل، وأبو الصلاح جوّز تملك الكثير(1) .

والنظر إلى عدم قدحه في الإجماع قد تكرّر القول فيما فيه.

قوله :«ويجب تعريفها حولاً» إلى آخره.

المشهور بين الأصحاب أنّ ما زاد عن القليل من لقطة الحرم لا يجوز تملكها مطلقاً، سواء قلنا بتحريم لقطته أم بكراهتها، بل يجب تعريفها سنةً، ثمّ يتخير بين إبقائها في يده أمانةٌ ، وإن شاء تصدّق بها عن مالكها. وفي ضمانه حينئذٍ على تقدير ظهور المالك قولان:

أحدهما - وهو المشهور - الضمان؛ لدلالة خبر ابن أبي حمزة(2)عليه، ولأنه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فيضمنه مع عدم رضاه، وخصوصاً على القول بتحريم الالتقاط.

والثاني - وهو الذي اختاره المصنّف وجماعة - عدمه؛ للإذن في الصدقة شرعاً فلا يتعقبه الضمان .

وينبغي على القول بالتحريم أن تكون مضمونة عليه وإن أبقاها في يده؛ للعدوان بأخذها، لكن أطلق القول بكونها أمانة من حرم الالتقاط ومَنْ جوّزه.

قوله: «وإن وجدها في غير الحرم عرفها حولاً - إلى قوله - من غير ضمان».

إذا وُجدت اللقطة البالغة قدر الدرهم عيناً أو قيمة، أو زائدة عنه، المأمونة البقاء وجب

ص: 238


1- الكافي في الفقه، ص 350 - 351.
2- تقدم تخريج خبره في ص 235، الهامش 3.

ولو حضر المالك وكره الصدقة لزم الملتقط ضمانها إما مثلاً وإما قيمة، وبين إبقائها في يد الملتقط أمانةً لمالكها من غير ضمان.

--------------

تعريفها سنةً، إما مطلقاً أو مع نية التملك، كما سيأتي الخلاف فيه(1). فإذا عرفه سنةٌ تخيّر بين ثلاثة أشياء: تملكها، أو الصدقة عن مالكها، ويضمن للمالك فيهما.

ولا خلاف في الضمان مع الصدقة وكراهة المالك هنا وإن اختلف في لقطة الحرم، ومن ثُمَّ اختار المصنّف عدم الضمان هناك وجزم به هنا.

والفارق النصوص الكثيرة الدالة على الضمان هنا(2)من غير معارض، وإن كان الدليل

الذي ذكره من امتثال مراد الشارع آتياً هنا، إلا أنه لا يقابل الدليل النقلي الصريح، كقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) وقد سئل عن اللقطة: «عرفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإذا جاء ربّها ورضى بالأجر وإلا غرمها»(3).

ورواية الحسين بن كثير عن أبيه قال: سأل رجل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن اللقطة، فقال: «يعرفها حولاً، فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولاً، فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء أغرمها الذي كانت عنده، وكان الأجر له، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له»(4).

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهم السلام)قال: سألته عن اللقطة قال: «لا ترفعوها فإن ابتليت فعرفها سنةً، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك، إلى أن يجيء طالب»(5). وغيرها من الأخبار(6) .

ص: 239


1- يأتي في ص 262.
2- راجع الكافي، ج 5، ص 308، باب النوادر، ح 21؛ والفقيه، ج 3، ص 298 - 299 ، ح 4068؛ وتهذيب الأحكام. ج 6 ، ص 389 . ح 1164. وص 396، ح 1191؛ والاستبصار، ج 3، ص 68 . ح 228 ، وص 124، ح 440.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 354، المسألة 4503.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1164؛ الاستبصار، ج 3، ص 68 ، ح 228
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1165؛ الاستبصار، ج 3، ص 68 - 69، ح 229.
6- راجع الهامش 2

*ولو كانت ممّا لا يبقى كالطعام - قومه على نفسه وانتفع به، وإن شاء دفعه إلى الحاكم ولا ضمان.

ولو كان بقاؤها يفتقر إلى العلاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى الحاكم ليبيع بعضها وينفقه في إصلاح الباقي، وإن رأى الحاكم الحظ في بيعه وتعريف ثمنه جاز.

--------------

والثالث: أن يبقيها في يده أمانة في حرز أمثالها كالوديعة، فلا يضمنها إلا مع التعدي أو التفريط؛ لأنه حينئذ محسن إلى المالك بحفظ ماله وحراسته، فلا يتعلّق به ضمان؛ لانتفاء السبيل عن المحسن(1).

قوله: «ولو كانت ممّا لا يبقى كالطعام - قومه على نفسه وانتفع به » إلى آخره.

إذا التقط ما يفسد بتركه على حاله قبل الحول فهو على ضربين:

أحدهما: أن لا يمكن إبقاؤه، كالطعام والرطب الذي لا يتمر والبقول، فيتخيّر بين أن يتملكه بالقيمة ويأكله، أو يبيعه ويأخذ ثمنه ثمّ يعرفه، وبين أن يدفعه إلى الحاكم ليعمل فيه ما هو الحظ للمالك، وقد روى أنه (صلی الله علیه وآله وسلم)قال: «من التقط طعاماً فليأكله»(2).

وحيث يعرّفه حولاً، فإن ظهر مالكه وإلا عمل بالقيمة ما يعمل بالعين لو كانت باقية، فيتملكها إن شاء، أو يتصدق بها عنه.

ولو اختلفت القيمة يوم الأخذ والأكل فالمعتبر قيمته يوم الأكل، لا يوم الأخذ ولا الأعلى منهما.

ولا يجب إفراز القيمة زمن التعريف للأصل؛ ولأنّ ما في الذمة لا يخشى هلاكه، ولو أفرزها كان المفرز أمانةٌ في يده كالثمن الذي باعها به لغيره(3). ومثله ما لو باعها من نفسه بعين ابتداء.

ص: 240


1- إشارة إلى الآية 91 من سورة التوبة (9).
2- راجع تلخيص الحبير، ج 3، ص 75، ح 1336.
3- في «ع . م»: «كغيره» بدل «لغيره».

*وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف، أظهره الجواز مع كراهية.

--------------

والثاني : ما يمكن بقاؤه بالمعالجة والتجفيف. فإن تبرّع الواجد بإصلاحه فذاك، وإلا بيع بعضه وأنفق على تجفيف الباقي، ويخالف الحيوان حيث يباع جميعه؛ لأن النفقة تتكرّر فيؤدي إلى أن يأكل نفسه.

وهل يتوقف ذلك على إذن الحاكم، أم يجوز للملتقط توليه ابتداء؟ أطلق المصنف و جماعة الرجوع فيه إلى الحاكم(1)؛ لأنه مال غائب، وهو وليه في حفظ ماله، وعمل ما هو الحظ له فيه.

وقيل: يتخير الملتقط بين توليه بنفسه والرجوع إلى الحاكم(2). وهو حسن.

ولا إشكال في تولي الملتقط ذلك مع تعذر الحاكم ولو كان الحظ لصاحبه في بيعه أجمع بيع أيضاً.

ومن هذا القسم الثوب الذي لا يبقى إلى آخر الحول إلا مع مراعاته بالهواء ونحوه كالصوف، فيجب مراعاته، إلا أنّ ما لا يبذل في مقابلته أجرة في العادة من العمل يجب على الملتقط فعله تبرّعاً إن لم يدفعه إلى الحاكم.

قوله: «وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف، أظهره الجواز مع كراهية».

القول بالمنع من التقاط هذه الثلاثة لأبي الصلاح(3)وظاهر الصدوقين(4) للنهي عنه في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق(عليه السلام) ، وقد سأله عن النعلين والإداوة والسوط يجده الرجل في الطريق أينتفع به؟ قال: «لا يمسه»(5).

ص: 241


1- المبسوط، ج 3، ص 153؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 211؛ اللمعة الدمشقية، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- لم نتحقق القائل.
3- الكافي في الفقه، ص 350.
4- الفقيه، ج 3، ص 295، ح 4058: وحكاه العلامة عن والد الصدوق في مختلف الشيعة، ج 6، ص 56. المسألة 37.
5- تهذيب الأحكام، ج 6. ص 394. ح 1183 .
کراهه اخذ اللقطه واستحباب الاشهاد علیها

*وكذا العصا والشظاظ والحبل والوتد والعقال وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.

*ويكره أخذ اللقطة مطلقاً خصوصاً للفاسق، ويتأكد فيه مع العسر.

--------------

والأظهر الكراهة، والنهى محمول عليها جمعاً.

ولا يخفى أنّ الأغلب على النعل أن يكون من الجلد. والإداوة بالكسر هي المطهرة، وهي تكون من الجلد أيضاً وكذا السوط.

وإطلاق الحكم بجواز التقاطها إما محمول على ما لا يكون منها من الجلد؛ لأن المطروح منه مجهولاً ميتةً؛ لأصالة عدم التذكية، أو محمول على ظهور أمارات تدلّ على ذكاته فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها.وإطلاق النهي عن مسها يجوز أن يستند إلى ذلك. إلا أن الأصحاب فهموا منه خلافه.

قوله: « وكذا العصا والشظاظ والحبل والوتد والعقال» إلى آخره.

الشظاظ - بالكسر - خشبة محدّدة الطرف تدخل في عروة الجو القين؛ لتجمع بينهما عند حملهما على البعير والجمع أ أشظة.

والوتد بكسر وسطه.

والعقال - بكسر أوّله - حبل يشدّ به قائمة البعير.

ووجه الكراهة في هذه وأشباهها النهي عنه (1)المحمول على الكراهة جمعاً، فقد روي: لا بأس بلقطتها(2) .

قوله: «ويكره أخذ اللقطة مطلقاً خصوصاً للفاسق، ويتأكد فيه مع العسر».

المرويّ كراهة اللقطة مطلقاً، فتكون في الفاسق متأكدة.

فعن عليّ: «إياكم واللقطة؛ فإنّها ضالة المؤمن، وهي من حريق النار»(3).

ص: 242


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 439 - 441 ، الباب 1 من أبواب كتاب اللقطة.
2- الكافي، ج 5، ص 140، باب اللقطة والضالة ، ح 15: الفقيه، ج 3، ص 295، ح 4059.
3- الفقيه، ج 3، ص 292. ح 4051 بتفاوت يسير.

*ويستحبّ الإشهاد عليها.

--------------

وعن الصادق(عليه السلام) : «لا يأخذ الضالة إلا الضالون»(1).

وتتأكد الكراهة في الفاسق؛ لأنه لا يؤمن أن يأخذها بغير حقها.

وآكد منه إذا كان معسراً؛ لأنّه على تقدير أخذها بحق أو بغيره وظهور المالك قد لا يتيسر له قيمتها لإعساره.

وكذا تتأكد الكراهة فى حق المعسر وإن لم يكن فاسقاً؛ لوجود العلة فيه، وإن كان اجتماعهما يؤكّد الكراهة.

قوله: «ويستحب الإشهاد عليها».

لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من التقط لقطةً فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب»(2).

ولما في الإشهاد عليها من صيانة نفسه عن الطمع فيها، وحفظها من ورثته لو مات ومن غرمائه إذا أفلس.

وأوجبه بعض العامة(3)، عملاً بظاهر الأمر في الخبر.

وأجيب بأنّ حمله على الاستحباب أظهر؛ لأنه (صلی الله علیه وآله وسلم)لم يأمر به في أخبار كثيرة ذكر فيها حكم اللقطة؛ ولأنه لو كان واجباً لما خير بين الواحد والاثنين(4) .

والحق أنه يصلح دليلاً للاستحباب لا للوجوب من حيث السند.

ثم في كيفية الإشهاد وجهان:

أحدهما - وهو الأشهر - أن يشهد على أصلها دون صفاتها، أو يذكر بعضها من غير استقصاء؛ لئلا يذيع خبرها فيدعيها من لا يستحقها فيأخذها إذا ذكر صفاتها، أو يذكر بعضها إن اكتفينا بالصفة أو بمواطاة الشهود إن أحوجنا إلى البيّنة.

ص: 243


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1193، وفيه: «ولا يأكل الضالة...».
2- تقدم تخريجه في ص 217، الهامش 5.
3- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير . ج 6 ، ص 362، المسألة 4511.
4- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ص 362 - 363، المسألة 4511: العزيز شرح الوجيز، ج 6، ص 339.

مسائل خمس :

الأولى: *

ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها

فهو لواجده، ينتفع به بلا تعريف. وكذا ما يجده مدفوناً في أرض لا مالك لها.

--------------

والثاني: أنه يشهد على صفاتها أيضاً، حتى لو مات لم يتملكها الوارث، ويشهد الشهود للمالك على وجه يثبت به.

وعلى التقديرين لا ينبغى الاقتصار على الإطلاق، كقوله عندي لقطة؛ لعدم الفائدة بذلك.

قوله: «ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها» إلى آخره.

إطلاق الحكم بكون ذلك للواجد يشمل ما إذا كان عليه أثر الإسلام وما لم يكن.

ووجه الإطلاق عموم صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم، وإن كانت خربةٌ قد خلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به»(1).

وصحيحة محمد بن مسلم أيضاً عن أحدهما(عليهم السلام) قال: وسألته عن الورق يوجد في دار، فقال : « إن كانت الدار معمورةً فيها أهلها فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت»(2).

وقيده جماعة من المتأخرين(3)بما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، وإلا كانت لقطة، جمعاً بين ما ذكر وبين رواية محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام)قال: «قضى عليّ(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها»(4)، بحمل هذه على ما إذا كان

ص: 244


1- الكافي، ج 5، ص 138، باب اللقطة والضالة ، ح : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1169.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1165.
3- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 212؛ وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 159؛ والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 281( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13)؛ والسيوري في التنقيح الرائع ج 4، ص 120.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 398، ح 1199

*ولو كان لها مالك أو بائع عرّفه، فإن عرفه فهو أحق به، وإلا فهو لواجده.

--------------

عليه أثر الإسلام أو كانت لمالك معروف وما سبق على ما لا أثر عليه.

ولأن أثر الإسلام يدلّ على سبق يد مسلم والأصل بقاء ملكه.

وفيه نظر؛ لأنّ محمّد بن قيس مشترك بين الثقة وغيره (1)، فلا يقاوم الصحيح بحيث يتقيد إطلاقه به.

ومجرد وجود الأثر لا يدلّ على كونه من مسلم؛ لجواز صدوره من غيره.

وضميمة الدار وإن رجحت كونه للمسلمين إلا أن الظاهر لا يعارض الأصل غالباً.

والمراد بأثر الإسلام أن يكون مكتوباً عليه اسم سلطان من سلاطين الإسلام أو الشهادة بالرسالة للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، ونحو ذلك.

والمفاوز جمع مفازة، وهي البرّيّة القفر، قاله ابن الأثير في النهاية(2). ونقل الجوهري عن ابن الأعرابي أنّها سمّيت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز(3).

ويستفاد من تقييد الموجود في الأرض التي لا مالك لها بالمدفون عدم اشتراطه في الأولين، بل يملك ما يوجد فيهما مطلقاً؛ عملاً بإطلاق النص.

أما غير المدفون في الأرض المذكورة فهو لقطة. هذا كله إذا كان في دار الإسلام، أما في دار الحرب فلواجده مطلقاً.

قوله: «ولو كان لها مالك أو بائع عرّفه ، فإن عرفه فهو أحق به، وإلا فهو لواجده».

ينبغي أن يراد بالبائع الجنس؛ ليشمل القريب والبعيد؛ لاشتراك الجميع في المقتضي ،وهو ثبوت اليد حيث زالت اليد القريبة بنفى ملكه.

وحيث يعترف به المالك أو البائع يدفع إليه من غير بينة ولا وصف.

ولو تعدّد المالك في الطبقة الواحدة واعترفوا به دفع إليهم.

ص: 245


1- راجع رجال النجاشي، ص 322 - 323 ، الرقم 880 و 881؛ وخلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 861-859
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 478، «فوز».
3- الصحاح، ج 2، ص 890 «فوز» حكاه عن الأصمعي.

*وكذا لو وجده في جوف دابة ولم يعرفه البائع. أما لو وجده في جوف سمكة فهو لواجده.

--------------

وإن اعترف به بعضهم خاصةً، فإن ذكر سبباً يقتضي التشريك دفع إليه حصته خاصة، وإلا فالجميع.

وفي معنى البائع من انتقلت عنه بغيره من أسباب الملك، من هبة وصلح وإصداق وغيرها.

وإطلاق الحكم بكونه لواجده، مع عدم اعتراف المالك والبائع به - الشامل لما عليه أثر الإسلام وعدمه - تبعاً لإطلاق النص كما سبق(1) .

ومن قيد تلك بانتفاء أثر الإسلام قيد هنا أيضاً؛ لاشتراكهما في المقتضي، فمعه يكون لقطة يجب تعريفه مع كثرته وإلا تملكه.

ولا فرق في وجوب تعريف المالك والبائع ابتداء بين القليل والكثير.

قوله: «وكذا لو وجده في جوف دابة ولم يعرفه البائع» إلى آخره.

بمعنى أنّ ما يوجد في جوف الدابة يجب تعريفه المالك، أو البائع لها ومن في معناه، فإن عرفه فهو له وإلا فهو للواجد.

ومستند الحكم صحيحة عليّ بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّةً فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون؟ قال: فوقع(عليه السلام) : «عرفها البائع، فإن لم يعرفها فالشيء لك رزقك الله إياه»(2).

و من الرواية يظهر أن المراد من الدابة المملوكة بالأصل؛ ليكون ما في بطنها تابعاً لها في الملك.

وبه يظهر الفرق بينها وبين السمكة، حيث إنّ الأصل فيها أن تكون مباحة بالأصل

ص: 246


1- سبق في ص 244.
2- الكافي، ج 5، ص 139 ، باب اللقطة والضالة ، ح 9: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 ، ح 1174 ، وفيهما : عبد الله بن جعفر

الثانية: *

من أودعه لص مالاً وهو يعلم أنه ليسله

للمودع لم يرده عليه، مسلماً كان أو كافراً. فإن عرف مالكه دفعه إليه، وإلا كان حكمه حكم اللقطة.

--------------

مملوكة بالاصطياد، ولما كان ملك المباحات متوقفاً على الحيازة والنية المتوقف على العلم بالتملك لم يتوجه ملك الصيّاد لما في بطنها من المال؛ لعدم شعوره به، فكان لواجده إذا نوی تملكه.

هذا إذا كانت السمكة مباحة الأصل كما ذكرنا، فلو كانت مملوكة كالموجودة في ماء محصور مملوك - فحكمها حكم الدابة، كما أنّ الدابة لو كانت مباحة بالأصل -كالغزال - فحكمها حكم السمكة وإطلاق الحكم فيهما مبنى على الغالب، وبقرينة مستند الحكم.

وإطلاق الحكم الشامل لما عليه أثر الإسلام وعدمه تبعاً(1)لإطلاق النص كالسابق، ومن اعتبره ثَمّ اعتبره هنا أيضاً؛ لاشتراكهما في المقتضي.

قوله: «من أودعه لص مالاً وهو يعلم أنه ليس للمودع لم يرده عليه» إلى آخره.

لا شبهة في عدم جواز ردّه على اللصّ، ونحوه من الغاصبين مع الإمكان، بل يردّه على مالكه أو وارثه إن علمه، وإلا فالمشهور أن يكون حكمه حكم اللقطة في وجوب التعريف سنةً، ثمّ التصدق به عن مالكه .

والمستند رواية حفص بن غياث عن الصادق(عليه السلام)قال: سألته عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم، أو متاعاً، واللص مسلم هل يردّ عليه؟ قال: «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، وإلا تصدق بها، فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله. وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له»(2).

والرواية وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ مضمونها موافق للأصول الشرعيّة، فإنّها بعد

ص: 247


1- في «ع»: «تبع» بدل «تبعاً».
2- الكافي، ج 5، ص 308، باب النوادر، ح 21 ، وفيه عن سليمان بن داود عن رجل الفقيه، ج 3، ص 298 - 299 ح 4068 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1191؛ الاستبصار، ج 3، ص 124، ح 440.

--------------

التعريف تصير مالاً مجهول المالك، وقد تقدّم أنّه يجوز الصدقة به عن مالكه(1) ، ولا يقدح زيادة التعريف هنا؛ لأنه زيادة في الاستظهار والتفحص عن المالك.

ومقتضى إطلاق المصنف أنها كاللقطة جواز تملكها بعد التعريف. ومستنده ظاهر قوله في الرواية: «كانت في يده بمنزلة اللقطة».

والأقوى عدم جواز التملك هنا؛ لقصور الرواية عن إفادة الجواز سنداً ودلالة.

أمّا الأوّل فظاهر.

وأما الثاني ؛ فلأنه عقب كونها بمنزلة اللقطة بالحكم(2) بتعريفها حولاً ثم الصدقة بها، وهذا كاف في تنزيلها منزلتها.

ويؤيده أنها ليست لقطة حقيقةً، وإنّما هو مال مجهول المالك.

ونبه بقوله «مسلماً كان أو كافراً على أن الحكم لا ينحصر فيما ذكره في الرواية من كون اللص مسلماً؛ لأنّ ذلك وقع على وجه المثال لا الحصر، فحكم الكافر كذلك، سواء كان محترم المال أم لا؛ لأنّ الغرض كون المال ليس له.

ولا يخفى أنّ عدم جواز ردّه عليه مشروط بإمكانه ، فلو كان عاجزاً عن دفعه كان كالمكره على أخذ مال الغير من يده، وقد تقدم حكمه في الوديعة(3).

وهذه المسألة ببابها أليق، وقد ذكرها المصنّف ثُمَّ، واقتصر من حكمها على الصدقة ولم يذكر أنّها كاللقطة مطلقاً، وهو أجود.

وفي المسألة قولان آخران:

أحدهما: للمفيد وسلار (4) أنه يتصدق بخمسها على مستحق الخمس والباقي على

ص: 248


1- تقدم في ج 4 ص 328
2- في الحجريتين: «في الحكم» بدل «بالحكم».
3- تقدّم في ج 4، ص 328 - 329.
4- المقنعة، ص 626 - 627 : المراسم. ص 193 - 194.

الثالثة:* من وجد في داره أو في صندوقه مالاً ولا يعرفه، فإن كان يدخل الدار غيره، أو يتصرف في الصندوق سواه فهو لقطة، وإلا فهو له.

--------------

فقراء المؤمنين ولا وجه للتفصيل .

والثاني: لابن إدريس بأنه يدفعها إلى إمام المسلمين، ولا يجوز له التصدق بها (1)؛ لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، وهو منهي عنه(2)، وليست كاللقطة، والرواية لا تفيد عنده. وله وجه .

قوله:

من وجد في داره أو في صندوقه مالاً ولا يعرفه

فإن كان يدخل الدار غيره، أو يتصرف في الصندوق» إلى آخره.

الأصل في هذه المسألة صحيحة جميل بن صالح عن الصادق قال، قلت له: رجل وجد في بيته ديناراً، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: «هذه لقطة»، قلت: فرجل قد وجد في صندوقه ديناراً، قال: «فيدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: «فهو له»(3).

ولشهادة الظاهر بأنّه مع عدم مشاركة غيره له فيه يكون له، وقد يعرض له النسيان. هذا إذا لم يقطع بانتفائه عنه، وإلا كان لقطة.

وإطلاق الحكم بكونه لقطةً مع المشاركة يقتضي عدم الفرق بين المشارك في التصرّف وغيره، فيجب تعريفه حولاً.

وهو يتمّ مع عدم انحصاره، أما معه فيحتمل جواز الاقتصار عليه؛ لانحصار اليد ووجوب البدأة بتعريفه للمشارك، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا وجب تعريفه حينئذ تمام الحول كاللقطة .

ص: 249


1- السرائر، ج 2، ص 435 - 436.
2- كمال الدين وتمام النعمة ص 521 الباب 45 ، ح 49
3- الكافي، ج 5، ص 137 باب اللقطة والضالة، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 293، ح 4053 تهذيب الأحكام، ج 6. ص 390 ، ح 1168.

الرابعة: *

لا تملك اللقطة قبل الحول

ولو نوى ذلك، ولا بعد الحول ما لم يقصد التملك . وقيل : يملكها بعد التعريف حولاً وإن لم يقصد. وهو بعيد.

--------------

قوله: «لا تملك اللقطة قبل الحول ولو نوى ذلك إلى آخره.

لا خلاف في عدم ملك الملتقط قبل تمام الحول وإن نوى التملك؛ لأنّ التعريف حولاً شرط فيه فلا يحصل المشروط قبل الشرط.

وإنما الخلاف في ملكها بعد الحول، فقيل : يحصل الملك قهريّاً بمجرد مضيّه(1)؛ لأنّ مضيّه هو السبب في التملك، فإذا حصل حصل الملك، كالإحياء والاحتطاب.

ولما روي أن رجلاً قال: يا رسول الله ما نجد في السبيل العامر من اللقطة؟ قال: «عرفها حولاً، فإن جاء صاحبها وإلا فهى لك»(2).

وقول الصادق(عليه السلام) في اللقطة: «يعرفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله»(3).

لها وقيل: لا يملكها إلا أن يختار التملك(4). وهذا هو الأظهر؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) في حديث آخر:«فشأنك بها»(5) فوّض الأمر إلى خيرته.

وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام)قال: سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابةٌ كيف يصنع ؟ قال: «يعرفها سنةً، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله، حتى يجيء صاحبها فيعطيها إيّاه، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن»(6).

ص: 250


1- قال به إبن إدريس في السرائر، ج 2، ص 102 - 103.
2- مسند أحمد، ج 2، ص 420 - 421، ح 6897؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 76 ، ح 1338.
3- الكافي، ج 5، ص 137، باب اللقطة والضالة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1161.
4- الخلاف، ج 3، ص 584 المسألة 10؛ المبسوط، ج 3، ص 156؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 53، المسألة 34؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 157.
5- الموطاً، ج 2، ص 122، باب القضاء في اللقطة، ح 56: صحيح البخاري، ج 2، ص 856 ح 2297؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1346 - 1347 ، ح 1722/1؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 135، ح 1705؛ السنن الكبرى، البيهقي . ج 6 ، ص 317، ح 12083؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 73، ح 1331.
6- الفقيه ، ج 3، ص 292، ح 4052.

--------------

ولو كان مالكاً لها بغير اختياره كان له التصرف فيها كيف شاء، ولم يأمره بحفظها.

وأُجيب : عن الأول بمنع كون التعريف حولاً سبباً تاماً للملك، مطلقاً، أو للملك القهري وإنّما هو سبب للملك الاختياري، وبعد الحول يملك أن يُملك. وكونها كسائر أمواله لا ينافي الملك الاختياري.

وعلى هذا فبما يحصل الملك بعد الحول فيه أقوال:

أحدها: أنّه يحصل بقصد التملك ولا حاجة إلى اللفظ ولا إلى التصرّف.

أما الأوّل فلحكم الشارع بتفويض ملكه إليه كما عرفت في الأخبار، وذلك يحصل بقصده، والأصل عدم اعتبار أمر آخر؛ ولأنّه تملك لا يفتقر إلى الإيجاب، فلا يفتقر إلى القبول.

وأمّا الثاني؛ فلأنّ التصرف يتوقف على الملك ؛ لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، فلو توقف الملك عليه دار. وهذا هو الأشهر.

وثانيها: أنه يتوقف على اللفظ، بأن يقول: اخترت تملكها ونحوه؛ لأن الملك إنما حصل بالعوض، وهو المثل أو القيمة، فافتقر إلى اختياره واللفظ الدال عليه، كالبيع وأخذ الشفيع.

وهذه الأقوال الثلاثة للشيخ، أولها في النهاية (1)، ووافقه ابن إدريس مدعياً الإجماع(2). والثاني قوله في المبسوط(3)، والثالث في الخلاف(4) . ويظهر من التذكرة(5)اختياره.

وثالثها: أنه لا يملك إلا بالتصرف، بمعنى كونه تمام السبب المملك، وجزؤه الأوّل التعريف، والثاني نيّة التملك، أو لفظه الدال عليه؛ لأنّ مالكه لو ظهر والعين باقية كان

ص: 251


1- النهاية، ص 320
2- السرائر، ج 2، ص 102.
3- المبسوط، ج 3، ص 156.
4- الخلاف، ج 3، ص 584، المسألة 10.
5- تذكرة الفقهاء ، ج 17، ص 243، المسألة 352.
متی تضمن اللقطه

الخامسة: * قال الشيخ رحمه الله: اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك. وهو بعيد؛ لأنّ المطالبة تترتب على الاستحقاق.

--------------

أحق بها ، ولو ملك الملتقط قبله لكان يرجع إلى المثل أو القيمة لا إلى العين، وهذا كالقرض عند الشيخ.

والأصل في الخلاف أن تملكها هل هو على سبيل المعاوضة أم لا؟ وعلى الأوّل، هل هو على سبيل الاقتراض أم لا ؟ وعلى الأوّل، هل يتوقف تملك المقترض على التصرّف أم لا؟

والحق أن المعلوم شرعاً ملك الملتقط لها مع قصده بعوض يثبت في ذمته، إما مطلقاً، أو مع ظهور المالك، أما كونه على وجه المعاوضة، وكونه على جهة القرض، فلا دليل عليه.

وأما ما ألزموه للقائل بتوقف الملك على التصرف بلزوم الدور - من حيث توقف جواز التصرّف على الملك المتوقف على التصرّف - فغير لازم؛ لمنع توقف جواز التصرف على الملك، بل على الإذن فيه من المالك أو الشارع، وهو هنا متحقق. ومثله ملك المشتري معاطاةً بالتصرّف المترتب جوازه على إذن المالك.

وما يقال من أنّ من التصرف ما يكون ناقلاً للملك فكيف يحصله؟ يندفع بتقدير الملك الضمني، كعتق العبد عن الآمر به.

قوله: «قال الشيخ رحمه الله: اللقطة تضمن بمطالبة المالك» إلى آخره.

لا شكّ في ثبوت الضمان على الملتقط بالتملك في الجملة، ولكنّ الشكّ في وقته وتمام سببه، فالأكثرون - ومنهم المصنف - على أنه يحصل بنية التملك وإن لم يظهر المالك، فيكون ديناً في ذمته؛ لعموم قوله : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1).

ولأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، وهو يوجب الضمان.

أما الأوّل فلثبوت الملك للمالك قبل التملك قطعاً، والأصل البقاء، فيكون التملك كالمعاوضة.

ص: 252


1- تقدم تخريجه في ص 221، الهامش 2.

--------------

وأما الثاني فلقوله : «فإذا جاء طالبه ردّه إليه» (1)وهو يدلّ على الضمان والأصل في أسباب ضمان المال إثبات اليد عليه، أو التصرف فيه ونحوه.

وذهب الشيخ(2)وجماعة (3)- منهم العلّامة في التحرير(4) - إلى أنه يحصل بمطالبة المالك لا قبله؛ لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «فإن جاء صاحبها فليردّها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء»(5).

وقول الباقر : «من وجد شيئاً فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإن جاء طالبه فليرده إليه»(6).

وقول الصادق: تعرّفها سنةً، فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها وهي كسبيل مالك» وقال: «خيّره إذا جاءك بعد سنين بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها»(7).

ولو كانت مضمونةً عليه بالتملك لما كانت كذلك، ولما كان للتخيير وجه.

وفي صحيحة الحلبي: «يعرفها سنةً، فإن جاء طالبها وإلا فهي كسبيل ماله»(8) .

والأصل في ماله أن يكون غير مضمون عليه بعوض في ذمته لغيره، وإنما جاء العوض بعد ذلك بدليل من خارج. ومثلها صحيحة محمد بن مسلم(9)، وغيرها من الأخبار (10).

وبهذا يظهر الجواب عن قوله في الأوّل: إنّ التصرف في مال الغير يوجب الضمان؛ لمنع

ص: 253


1- تقدّم تخريجه في ص 221. الهامش 3.
2- المبسوط ، ج 3، ص 166 .
3- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 168، ولم نعثر على غيره.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 469، الرقم 6081.
5- مسند أحمد، ج 5، ص 166 ، ح 17028؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 8337، ح 2505؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 136 . ح 1709. مع اختلاف في العبارة.
6- الكافي، ج 5، ص 139، باب اللقطة والضالة، ح 10: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 1175.
7- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 396 - 397 . ح 1194.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1163: الاستبصار، ج 3، ص 68 ، ح 227.
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 ، ح 1165؛ الاستبصار، ج 3، ص 68 - 69 ، ح 229
10- راجع وسائل الشيعة، ج 25 ص 441 - 445، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.

الأمر الثاني: * الملتقط

شروط ملتقط المال

وهو من له أهلية الاكتساب أو الحفظ، فلو التقط الصبي جاز، ويتولى الولى التعريف عنه. وكذا المجنون.

وكذا يصح الالتقاط من الكافر؛ لأن له أهلية الاكتساب .

--------------

كليته، خصوصاً مع وجود ما يقوم مقام إذن المالك وهو إذن الشارع وكذلك يمنع عموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1).

وأما ما يقال: من أنّ جواز المطالبة يقتضى سبق الاستحقاق، فلو توقف الاستحقاق على المطالبة دار ، وأنه لو لم يجب العوض قبل ذلك لم يكن له المطالبة؛ لأن العين قد تلفت على وجه غير مضمون .

فجوابه: بمنع توقفها على الاستحقاق، بل على إمكانه وهو حاصل سلّمنا، لكن الاستحقاق حاصل وإن لم يكن الضمان حاصلاً؛ لأن المراد حينئذ أنه إذا جاء المالك استحق أن يطالب، وإذا طالب وجب الضمان. ويمنع كون الإتلاف غير موجب للضمان مطلقاً، بل هي مضمونة بالتلف على هذا الوجه، بمعنى أنه مراعى بظهور المالك أو مطالبته. وهذا حسن.

والظاهر من الأخبار أنّ الضمان يحصل بظهور المالك وإن لم يطالب، لكن اعتبر الشيخ المطالبة(2).

وتظهر فائدة الخلاف في ثبوته ديناً في ذمته على الأوّل، فيجب عزله عند الموت والإيصاء به، ويعد مديوناً بسببه، فيستثنى في الخمس، ويحتسب في الغرم، وفي توزيع مال المفلّس على دينه، إلى غير ذلك من أحكام الدين، وينتفي ذلك كله على الثاني قبل ظهور المالك.

قوله: «الملتقط وهو من له أهلية الاكتساب أو الحفظ» إلى آخره.

قد تقدّم (3)أنّ في اللقطة معنى الأمانة والولاية في الابتداء بالنسبة إلى حفظها وتعريفها،

ص: 254


1- تقدم تخريجه في ص 221، الهامش 2.
2- المبسوط، ج 3، ص 166 .
3- تقدم في ص 225.

*وفي أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردّد ينشأ من كونهم ليسوا أهلاً للاستئمان.

--------------

ومعنى الاكتساب في الانتهاء بالنسبة إلى تملكها، وأنّ منهم من غلب فيها معنى الاكتساب فمنع من التقاط من لا يقبل الاكتساب وإن صلح للأمانة، ومنهم من عكس.

والمصنف (رحمه الله ) هنا اعتبر فيه أحد الأمرين أهليّة الاكتساب أو الحفظ، فيجوز التقاط الصبي والمجنون؛ لأنّ لهما أهلية الاكتساب، ولكن ليس لهما أهلية الحفظ والتعريف، فيتولاه الولي، فإذا مضى حول التعريف اختار لهما ما فيه الغبطة من التملك وغيره.

وكذا يصح من الكافر إذا لم يكن كفره بالارتداد المانع من قبول التملك؛ لأنّ له أهلية الاكتساب دون الأمانة أيضاً. وكذا القول في الفاسق.

وهل تقرّ يدهما عليها إلى أن يتم الحول، أم ينزعها الحاكم من يدهما إلى أن يستحقا تملكها، فيدفعها إليهما حينئذ؟ وجهان من عدم كونهما من أهل الأمانة على مال الغير ومن عموم الإذن في الالتقاط؛ ولأنه يخلّى بينهما وبين الوديعة، فكذا يخلّى بينهما وبين اللقطةكالعدل

وفيه نظر؛ لأنّ الإذن في الوديعة جاء من قبل المالك، بخلاف اللقطة، فإنّ إذنها من الشارع، وليس له استئمان غير العدل على مال الغير.

وفي التذكرة أوجب مع علم الحاكم خيانته ضمّ مشرف إليه، وإلا استحب (1).

وفي التحرير:

لم أقف لعلمائنا على [نص في](2)انتزاع اللقطتين من يد الفاسق، أو ضم حافظ إليه مدة التعريف(3).

قوله: «وفى أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردّد ينشأ من كونهم ليسوا أهلاً للاستئمان».

لمّا كان المقصود من لقطة الحرم مجرّد الحفظ والتعريف والصدقة دون التملك لم يكن

ص: 255


1- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 179، المسألة 313
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 466، الرقم 6076.
للعبد أخذ لقطة الحلّ و الحرم

* وللعبد أخذ كلّ واحدة من اللقطتين. وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله : لا يعرّض لها المملوك. واختار الشيخ (رحمه الله) الجواز. وهو أشبه؛ لأنّ له أهلية الاستئمان والاكتساب.

--------------

الصلاحية الاكتساب في متولّيها مدخل بل يعتبر فيه أهلية الاستثمان، فلا يصح التقاطها لمن ذُكر .

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ذلك؛ مما ذكرناه، ومن عموم الأدلة الدالة على جواز الالتقاط(1) ، ومن ثُمَّ اكتفى في غيرها بأهلية الاكتساب وجواز استثمانه وإن لم يتملك.

والأقوى الأول، حيث لا يجوز تملكها. وكذا القول في لقطتها للفاسق.

هذا إذا قلنا بجواز التقاطها وإن كره، أما على القول بالتحريم، فلا فرق بين العدل وغيره؛ لوجوب انتزاع الحاكم إياها من الملتقط مطلقاً، بل لو أصر العدل على إبقائها في يده خرج عن العدالة لو جعلنا معصية التقاطها صغيرة.

قوله: «وللعبد أخذ كلّ واحدة من اللقطتين» إلى آخره.

المراد باللقطتين لقطة الحرم ولقطة الحلّ. ووجه الجواز فيهما ما أشار إليه المصنّف من وجود المقتضي له، وهو أهلية الاستثمان والاكتساب.

أما الأوّل فواضح؛ لأنه أهل للوديعة وغيرها من الأمانات.

وأما الثاني فلجواز اكتسابه بالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وإن كان المتملك هو المولى؛ لأنّ كسبه له.

ووجه المنع إطلاق الرواية، واشتمالها على الولاية والحضانة(2)وهو غير متفرغ لهما بحقوق سيّده .

والرواية ليست صريحة في المنع، ويمكن حملها على الكراهة.

ص: 256


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
2- الكافي، ج 5، ص 309 باب النوادر، ج 23؛ الفقيه، ج 3، ص 294، ح 4057 بتفاوت يسير؛ تهذيب الأحكام ح ج 6 ، ص 397، ح 1197 .

--------------

مع أنّ أبا خديجة مشترك بين الثقة والضعيف، فلا يصلح حجة على المنع لو سلمت دلالتها عليه .

وموضع الخلاف ما إذا وقع بغير إذن المولى، أما مع إذنه فلا إشكال في الجواز، وكان كما لو أذن له في قبول الوديعة والتكسب.

إذا تقرر ذلك وقلنا بصحة التقاطه فعليه أن يعرفها كالحرّ، فإذا كمل حول التعريف لم يكن للعبد أن يتملكها لنفسه، بناءً على أنه لا يملك شيئاً، أو على أنه محجور في التملك، وله أن يتملكها للمولى بإذنه، وإلا بقيت في يده لأحد الأمرين: الصدقة أو الأمانة، ويتعلق الضمان حينئذ برقبته و ، وللسيد أن يأخذها منه قبل التعريف كما له انتزاع ما يكتسبه، ويلزمه حينئذ تعريفها، ويلحقه بقية أحكامها، وأن يأخذها بعد التعريف ويتخيّر في الثلاثة، وحينئذ فيتعلّق الضمان بذمته كما لو كان هو الملتقط. ولو أخذها المولى بعد شروع العبد في التعريف بنى عليه.

ولو لم يكن العبد أهلاً للأمانة، بأن كان خائناً، وكان الالتقاط بإذن المولى وجب عليه المبادرة إلى انتزاعها منه، فإن أخر ضمن.

ولو قلنا بعدم جواز التقاط العبد ضمنها في رقبته، سواء أتلفها أم تلفت عنده بتفريط وبغيره؛ لأنه أخذ مال غيره عدواناً، وسواء كان قبل الحول أم بعده؛ لأنّ تعريفه لا يصح.

ثمّ إن علم به سيّده كان له انتزاعها من يده وصار بمنزلة الملتقط ابتداء، وسقط الضمان عن العبد حينئذ. وكذا لو بادر غير المولى فانتزعها منه إذا كان من أهل الالتقاط؛ لأنّ يد العبد حينئذ بمنزلة العدم.

وإنما سقط الضمان عن العبد في الصورتين بخلاف ما لو غصب شيئاً فأخذه منه غيره -فإن الضمان لا يسقط عن العبد، وإن تخيّر المالك في تضمين من شاء منهما - لأنّ القابض هنا ينوب عن المالك كالملتقط، بخلاف أخذ المغصوب، فإنّه لا ينوب فيه عن المالك، فلا يزول الضمان بأخذه.

ص: 257

*وكذا المدبّر وام الولد.

للمکاتب اخذ اللقطه

والجواز أظهر في طرف المكاتب؛ لأن له أهلية التملك.

الأمر الثالث في الأحكام

اشارة

وهي مسائل:

شروط التعریف وکیفیته

الأولى:* ليس التوالى شرطاً في التعريف، فلو فرّق جاز.

--------------

قوله: «وكذا المدبّر وأُمّ الولد».

لأنهما رقيقان ما دام المولى حيّاً. فتلحقهما أحكام الرقيق كغير اللقطة، وهذا موضع وفاق.

قوله: «والجواز أظهر في طرف المكاتب؛ لأن له أهلية التملك».

المكاتب بقسميه متردّد بين جانب الحرّيّة والرقيّة؛ لخروجه عن أصل الرقية بالعقد الموجب للتشبث بالحرية وقبول الاكتساب، ولم يحكم معه بالحرية؛ لجواز العجز خصوصاً المشروط، ومن ثُمَّ وقع التردد في جواز التقاطه إن قلنا بعدم جواز التقاط العبد، وإن قلنا بجوازه جاز من المكاتب بطريق أولى.

والأقوى الجواز مطلقاً؛ لأنّ له أهلية التكسب والأمانة معاً، فلا مانع من صلاحيته لها.

وحينئذٍ فليس للمولى انتزاعها من يده؛ لأنّها كسبه إذا لم يكن لقطة الحرم. نعم، لو عجز فاسترق كان للمولى انتزاعها كالقنّ، ويبني على تعريفه إن لم يتمه.

ولو اشتغل المكاتب بالتعريف فأعتق أتمه وتملك. ولو مات قبل التعريف أو إتمامه فكالقنّ. ولو عتق بعضه قام الوارث في نصيب الحرية مقامه.

قوله: «ليس التوالي شرطاً في التعريف، فلو فرّق جاز».

للتوالي المحكوم بكونه غير شرط تفسيران:

أحدهما - وهو الأظهر - أن المراد به استيعاب وقت الحول بالتعريف، فإن ذلك

ص: 258

* وإيقاعه عند اجتماع الناس وبروزهم، كالغدوات والعشيات.

وكيفيته أن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب، أو ما شاكل ذلك من الألفاظ.

ولو أوغل في الإبهام كان أحوط كأن يقول: من ضاع له مال أو شيء؛ فإنّه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين.

--------------

غير شرط اتفاقاً، بل ولا كلّ يوم؛ لإطلاق الأمر بالتعريف سنة في النصوص(1)، فيرجع إلى ما يعد تعريفاً كذلك عرفاً، وهو يتحقق بما دون ذلك. وقد اعتبر العلماء فيه أن يقع على وجه لا ينسى أن الثاني(2)تكرار لما مضى، ويتحقق ذلك بالتعريف في الابتداء في كل يوم مرّةً أو مرتين، ثمّ في كلّ أُسبوع، ثمّ في كلّ شهر كذلك.

وفي القواعد صرح بأنّ المراد بالتوالي المنفي هو هذا المعنى(3).

والثاني: أن المراد به توالي التعريف في الحول الواحد، بحيث يقع التعريف المعتبر في اثني عشر شهراً متواليةً، فإنّ ذلك غير لازم، بل يجوز تعريفه بأن يعرف شهرين ويترك شهرين، وهكذا، بحيث يجتمع من الأشهر المعرّف فيها تمام الحول.

وبهذا المعنى صرّح في التذكرة مفسّراً به معنى التوالي الذي ليس بواجب، وشبهه بما لو نذر صوم سنة، فإنّه يجوز أن يوالي وأن يفرّق، بحيث يجتمع له صيام اثني عشر شهراً(4) .

ونقل عن بعض الشافعية عدم جواز التعريف بهذا المعنى، وأنه لو قطعه كذلك وجب الاستئناف(5) .

والتفسيران صحيحان، إلا أنّ الأوّل أشبه بالمراد هنا.

قوله: «وإيقاعه عند اجتماع الناس - إلى قوله - ويكره داخل المساجد».

لما كان الغرض من التعريف رجاء الظفر بالمالك، لم يصلح إيقاعه في كل وقت، ولا كلّ

ص: 259


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
2- في «ع»: «التالي» بدل «الثاني»
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 210؛ تذكرة الفقهاء ، ج 17، ص 224. المسألة 341.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 210؛ تذكرة الفقهاء ، ج 17، ص 224. المسألة 341.
5- راجع الحاوي الكبير، ج 8، ص 13 وروضة الطالبين، ج 4، ص 471

وزمانه أيام المواسم والمجتمعات كالأعياد وأيام الجمع.

ومواضعه مواطن الاجتماع، كالمشاهد وأبواب المساجد والجوامع والأسواق.

ويكره داخل المساجد.

*ويجوز أن يعرف بنفسه وبمن يستنيبه، أو من يستأجره.

--------------

مكان ولا حال؛ لأنّ في الأزمنة والأمكنة اختلافاً في ذلك كثيراً، وفي بعضها إخلال بالمقصود، فليكن مكانه مجتمع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في وقت مجتمعهم فيها للصلوات.

ولا ينشد في داخل المسجد؛ للنهي عنه؛ ولأنّ المسجد لم يوضع لذلك، وقد روي أنّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من سمع رجلاً ينشد ضالّةً في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك، فإنّ المساجد لم تبن لهذا».(1) وزمانه أيام الاجتماع في المجامع.

وكيفيته أن يذكرها مطلقةً أو موصوفة بأوصاف قليلة لتبقى مشتركة، حذراً من أن يدخل فيها مدع بالتخمين والدعوى الكاذبة. فيقول: من ضاع له شيء أو مال. ويجوز ذكر الجنس، كذهب أو فضة أو ثوب، ولا يزيد على ذلك. ولو تعرّض لبعض صفاتها في موضع الأمن من التلبس لينبه لها المالك فلا بأس، بشرط أن لا يستقصي في الوصف.

ويجب إيقاعه عقيب الالتقاط مع الإمكان، وفي مكانه إن كان بلداً أو مجتمعاً. ولو عرّف فيه وأكمله في غيره جاز.

ولو كان في برية عرف من يجده فيها وأتمه في غيرها من البلاد. وينبغي تعريفها في أقرب البلدان إليها فالأقرب.

قوله: «ويجوز أن يعرف بنفسه وبمن يستنيبه، أو من يستأجره».

لما كان الغرض من التعريف إظهار اللقطة وإشاعة خبرها ليظهر مالكها، لم يتعلّق غرض

ص: 260


1- مسند أحمد، ج 3، ص 25، ح 8382: صحیح مسلم، ج 1، ص 397، ح 568/79؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 128 . ح 473 سنن ابن ماجة، ج 1 ، ص 252، ح 767

الثانية:*

إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها

فإن وجد مالكها دفع الثمن إليه، وإلا ردّها إلى الملتقط؛ لأنّ له ولاية الصدقة أو التملك.

--------------

الشارع فيه بمباشر معين، فيجوز أن يتولاه الملتقط، ومن ينوب عنه من غلام وولد، ومن يستعين به، ومن يستأجره عليه. وهو موضع وفاق.

ثم إن تبرع الملتقط بالتعريف أو بذل مؤونته فذاك، وإلا ففي وجوب الأُجرة في ماله لأنه مكلّف به، أو مال المالك لأنّه لمصلحته، أو الفرق بين التقاطها بنية التملك فيكون من ماله أو بنية الحفظ للمالك فيكون من ماله، أوجه أجودها الأول.

ويشترط في النائب العدالة؛ ليقبل إخباره، أو اطلاع الملتقط على تعريفه ولو بإخبار من يقبل خبره .

وفي اشتراط شاهدين إجراء له مجرى الشهادة، أو الاكتفاء بواحد جعلاً له من باب الخبر وجهان أحوطهما الأول.

قوله: «إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها» إلى آخره.

يجوز للملتقط دفع اللقطة ابتداءً إلى الحاكم لأنه ولي الغائب. ويجب على الحاكم القبول؛ لأنّه معدّ لمصالح المسلمين ومن أهمها حفظ أموالهم. وهذا بخلاف الوديعة، فإنّه لا يجب عليه قبولها من الودعي، بل لا يجوز له دفعها إليه مع التمكن من المالك؛ لعموم الأمر برد الأمانات إلى أهلها(1) .

فإذا دفع إليه اللقطة فباعها لكون بيعها أعود من إبقائها فإن وجد مالكها دفعها إليه، ولا بحث حينئذ.

وإن عرّفها هو أو الملتقط ومضى الحول، فاختار الملتقط التملك وجب ردّ الثمن إليه ليتملكه؛ لأن ذلك حقه.

وإن اختار الملتقط الحفظ فمقتضى عبارة المصنف وغيره(2)أنه لا يدفع إليه؛ لأنّ ولاية

ص: 261


1- النساء (4): 58
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 212 - 213

الثالثة: * قيل:

هل يجب التعريف إلا مع نية التملك؟

وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها عن المالك.

--------------

حفظ مال الغائب إلى الحاكم، وإنّما كان للملتقط ولايته لمّا كان بيده، فلمّا ردّه إلى الحاكم سقط حقه من ذلك؛ لأنه حق عارض بسبب الالتقاط، بخلاف ولاية الحاكم، فإنّها ثابتة له بالأصالة.

وإن اختار الصدقة، فقد قال المصنف (رحمه الله): إن الحاكم يدفعه إليه ليتصدق به؛ لأنّ له ولاية الصدقة كما له ولاية التملك.

والفرق بينه وبين الحفظ - مع أن ولاية الصدقة أيضاً منوطة بالحاكم بعد وضع يده - أنّ الصدقة من الملتقط يترتب عليها الحكم بضمانه ، فيكون توليه لها أعود على المالك من تولّي الحاكم، فمن ثَمّ لم يكن للحاكم منعه منه، بخلاف الاحتفاظ، فإنه أمانة بيده كما هو عند الحاكم كذلك.

ويحتمل وجوب دفعه إليه مع إرادة الحفظ؛ لأنه أحد الأمور الثلاثة التي يتخير فيها الملتقط، وهي حقه.

قوله: «قيل: لا يجب التعريف إلا مع نية التملك. وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها عن المالك».

القول المذكور للشيخ في المبسوط : محتجاً بأن التعريف إنما وجب لتحقق شرط التملك(1)، فإذا لم يقصد التملك لا يجب، وإنّما يكون مالاً مجهول المالك، فيحفظ له أمانة، أو يدفع إلى الحاكم.

والأظهر ما اختاره المصنف (رحمه الله) من وجوب التعريف مطلقاً للأمر به في الأخبار(2)، ولأنه مال للغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلى مالكه، والتعريف وسيلة إلى علم المالك به، فيجب من باب المقدّمة، ولأنّ تركه كتمان مفوّت للحق على مستحقه.

ص: 262


1- المبسوط، ج 3، ص 155
2- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.

* ولا يجوز تملكها إلا بعد التعريف ولو بقيت في يده أحوالاً.

--------------

ولا يرد مثله في المال المجهول بيده بغير الالتقاط؛ لأنّ هذا قد نصب الشارع له طريقاً إلى التوصل إلى مالكه، وهو التعريف حولاً، بخلاف المجهول، فإنّه لم يقدر له طريقاً، فوجب التفحص فيه عن المالك بحسب الإمكان، ولا منافاة بين وجوب التعريف وكونه شرطاً في التملك.

ولأنّ التملك غير واجب، فلا تجب الوسيلة إليه، وإنّما الوجوب لتحصيل المالك، وهو موجود في محل النزاع لا لأجل التملك وإن كان شرطاً فيه.

قوله: «ولا يجوز تملكها إلا بعد التعريف ولو بقيت في يده أحوالاً».

لأن التملك وقع فى النصوص مشروطاً بالتعريف حولاً(1)، فلا يصح بدونه ويفهم من قوله ولو بقيت في يده أحوالاً أن التملك يصح بعد التعريف إذا بقيت في يده أحوالاً قبله، ولا يقدح تأخيره التعريف على الفور في جواز تملكها بعده.

وهو أصح القولين في المسألة؛ لتعليق الحكم بالتملك في النصوص على التعريف حولاً(2)الصادق بالواقع بعد الالتقاط على الفور وبعده.

وقيل : لا يصح تملكها إلا مع المبادرة إلى التعريف في الحول الأوّل؛ لقوله في صحيحة محمد بن مسلم: «فإن ابتليت بها فعرفها سنةً، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك»(3).

والفاء تدلّ على التعقيب بغير مهلة، فيكون جعلها في جملة ماله موقوفاً على التعريف الواقع بعد ابتلائه بها بغير فصل.

ويضعف بأن غايته إفادة وجوب الفور أمّا شرطينه فلا، وإنما الظاهر منه اشتراط التملك بالتعريف ولا نزاع فيه.

وفي كثير من الأخبار: «يعرفها سنةً» (4)من غير فاء.

ص: 263


1- وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
2- وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445 ، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 . ح 1165: الاستبصار، ج 3، ص 68 ، ح 229
4- الكافي، ج 5، ص 137، باب اللقطة، ح 2: الفقيه، ج 3، ص 292. ح 4052 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1161.

*وهي أمانة في يد الملتقط في مدة الحول، لا يضمنها إلا بالتفريط أو التعدي. فتلفها من المالك، وزيادتها له، متصلةً كانت الزيادة أو منفصلة، وبعد التعريف يضمن إن نوى التملك، ولا يضمن إن نوى الأمانة.

--------------

وفي بعضها: «ثمّ يعرفها سنةً»(1) وهي مفيدة للتراخي.

وقد تقدّم(2)منه قوله (صلی الله علیه وآله وسلم)لمن سأله عن اللقطة: اعرف عفاصها ووكاءها، ثمّ عرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها».

وقول الصادق(عليه السلام)في صحيحة الحلبي:«يعرفها سنةً، فإن جاء طالبها وإلا فهي کسبیل ماله»(3).

قوله: «وهي

اللقطة أمانة في يد الملتقط في مدة الحول

لا يضمنها إلا بالتفريط أو التعدي فتلفها من المالك» إلى آخره.

من أحكام اللقطة كونها أمانةً في يد الملتقط مدة الحول ما لم يفرط فيها أو يتعدّي، ومن التعدي أن ينوي التملك لها قبل التعريف؛ لأنه حينئذٍ غاصب؛ لوضعه يده على مال الغير بغير إذن المالك ولا الشارع.

ولأنّ كونها أمانةٌ إنّما هو لكونه محسناً إلى المالك بحفظ ماله وحراسته، ولا سبيل على المحسن، وهذا غير آتٍ في ناوي الخيانة بالتملك على غير وجهه الشرعي.

وقد ظهر بذلك أنّ حكمها مختلف في الأمانة والضمان بحسب قصود الآخذ، وأنّ له أحوالاً :

أحدها: أن يأخذها ليحفظها أبداً. ولا شبهة في كونها أمانة في يده كذلك، ولكن يجب عليه تعريفها حولاً على الخلاف السابق، ولو دفعها إلى الحاكم لزمه القبول كما مر(4) .

ص: 264


1- لم يرد بهذا اللفظ من طرق الخاصة والعامة، وقد ورد بلفظ الماضي من طريق العامة كما في الحديث التالي.
2- تقدّم في ص 189
3- تقدّم تخريجها في ص 253، الهامش 8.
4- مر في ص 261 .

--------------

وكذا من أخذ للتملك ثم بدا له ودفعها إلى الحاكم.

وحيث يجب التعريف يضمن بتركه؛ لأنه عدوان وإن نوى الحفظ.

ويستمر الضمان حينئذ وإن ابتدأ بالتعريف فتلفت في سنته؛ لتحقق العدوان، فلا يزول إلا بقبض المالك، أو من يقوم مقامه كالوديعة.

وثانيها: أن يأخذها على قصد الخيانة والتملك في الحال، فيكون ضامناً غاصباً.

وفي براءته بالدفع إلى الحاكم وجهان أصحهما ذلك.

ولو عاد إلى قصد التعريف لم يزل الضمان كما سبق، وإن جاز له التملك بعد الحول.

وثالثها: أن يأخذها ليعرفها سنةً ويتملكها بعد السنة. فهي أمانة في السنة.

وأما بعدها ففي كونها مضمونةً مطلقاً، أو مع تجديد نية التملك، وجهان، أظهرهما الأول إذا كان عزم التملك مطّرداً، وإن لم يجز حقيقة؛ لأنه صار ممسكاً لنفسه، فأشبه المستام وإن لم يملك بالفعل.

هذا إذا قلنا: إنّ اللقطة لا تُملك بمضي السنة بغير تملك، ولو قلنا بملكها بعدها قهراً فلا إشكال في الضمان.

ورابعها أن يأخذها بنية الأمانة والتعريف، ثمّ يقصد الخيانة، فيضمن من حين تجدد القصد؛ لأنّ سبب أمانته مجرّد نيته وقد زالت وإلا فأخذ مال الغير بغير رضاه يقتضي الضمان، ولا تعود الأمانة بتجدد نيتها كالسابق.

إذا تقرر ذلك فلا تخرج العين عن ملك مالكها قبل مضي الحول، سواء كانت أمانة أم مضمونةً، فزوائدها للمالك، متصلة كانت كالسمن أو منفصلةً كالولد. ومع ذلك تتبع العين مطلقاً على الأقوى؛ لأنّ الملتقط إذا استحق ملك العين فبمقتضى التبعية يستحق تملك النماء؛ لأنّ الفرع لا يزيد على أصله. واستحقاق التملك يحصل بمجرد الالتقاط وإن كان التعريف شرطاً، فقد وجد النماء بعد الاستحقاق فيتبع العين، ولا يشترط لتملكه حول بانفراده إذا كمل حول الأصل.

ص: 265

* ولو نوى التملك فجاء المالك لم يكن له الانتزاع، وطالب بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثليّةً. ولو ردّ الملتقط العين جاز، وله النماء المنفصل.

ولو عابت بعد التملك فأراد ردّها مع الأرش جاز.

وفيه إشكال؛ لأنّ الحق تعلّق بغير العين، فلم يلزمه أخذها معيبةً.

--------------

ووجه العدم انفراد العين بالالتقاط ، وتملك العين على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع اليقين.

ولو ظهر المالك قبل تمام الحول أو بعده قبل التملك فلا إشكال في استحقاقه النماء مطلقاً كالعين.

قوله: «ولو نوى التملك فجاء المالك لم يكن له الانتزاع، وطالب بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثليّةً» إلى آخره.

إذا ظهر المالك بعد تملّك اللقطة

فلها حالتان :

إحداهما : أن تكون قائمةً بعينها. وفي وجوب ردّها على الملتقط، أو تخيّره بين ردها ودفع عوضها قولان، أشهرهما - وهو الذي قطع به المصنف - الثاني ؛ لأنّ الملتقط ملكها بالتملك، ووجب في ذمته عوضها مثلاً أو قيمةٌ، فلم يتعين عليه دفع العين؛ لأنها ملكه.

نعم، لو اختار دفعها وجب على المالك القبول.

أما إذا كانت مثليّة فواضح؛ لأنّها عين حقه.

وأما إذا كانت قيميّةً فلأن القيمة إنّما وجبت لتعذر المماثلة، فكانت أقرب إلى حقيقة الواجب وأعدل، ولا شك أن العين أقرب إلى الحق من القيمة فيكون أولى.

ووجه الأوّل دلالة ظواهر النصوص(1) عليه، بل في بعضها تصريح به، كقوله(صلی الله علیه وآله وسلم)في حديث الجهني: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها»(2).

ص: 266


1- راجع وسائل الشيعة، ج 25، ص 441 - 445، الباب 2 من أبواب كتاب اللقطة.
2- تقدم تخريجه في ص 190، الهامش 1.

الرابعة: *

إذا التقط العبد ولم يعلم المولى

فعرّف حولاً ثم أتلفها تعلّق الضمان برقبته، يُتبع بذلك إذا عتق كالقرض الفاسد.

--------------

وفي رواية أخرى: «ثمّ عرفها سنةً، فإن لم تعرف فاستنفع بها، وليكن وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه».(1)

وفي صحيحة الحلبي عن الصادق : «يعرفها سنةً فإن جاء طالبها، وإلا فهى کسبیل ماله»(2).

وقريب منها صحيحة محمد بن مسلم حيث قال: «فإن جاء طالبها، وإلا فاجعلها في عرض مالك»(3).

وظاهر هذه الأخبار أنه متى ظهر المالك تدفع إليه مع احتمالها - غير الخبر الثاني - أنه إن جاء قبل التملك. ولا ينافي وجوب ردّ العين الحكم بالملك؛ لجواز كونه ملكاً متزلزلاً يزول بظهور المالك و يستقر بعدمه. وهذا لا يخلو من قرب وإن كان المشهور خلافه.

الحالة الثانية: أن يجدها معيبةً. وفي تعيّن ردّها على الملتقط مع الأرش الوجهان، فإن قلنا بعدم رجوع المالك بالعين لم يرجع هنا بطريق أولى، وإن قلنا بالرجوع ثُمَّ ففي وجوب قبول المالك هنا وجهان من كون العين قائمةً، وما فات منها بالعيب يجبر بالأرش، فيكون أقرب إلى نفسها من القيمة؛ والصدق وجود الطالب مع بقائها، ومن وجودها متغيّرة، فليست عين ماله محضاً، وحينئذ فيتخيّر بين البدل وأخذها مع الأرش. والأوّل أقوى.

قوله: «إذا التقط العبد ولم يعلم المولى» إلى آخره.

المفروض كون الالتقاط بغير إذن المولى، سواء جوزنا لقطته أم لا، فإنّه إذا عرفها حولاً لم يجز له التملك وإن جوّزنا لقطته، بناءً على أنه لا يملك شيئاً .

ص: 267


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 1346 - 1347 ، ح 1722/1؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 1، ص 307، ح 12050: وجاء بسند آخر في صحيح البخاري، ج 2، ص 856، ح 2297
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389، ح 1163: الاستبصار، ج 3، ص 68، ح 227.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390، ح 1165: الاستبصار، ج، ص 68 ، ح 229.

*ولو علم المولى قبل التعريف ولم ينتزعها منه ضمن؛ لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أميناً. وفيه تردّد.

--------------

فإذا أتلفها على هذا التقدير أو مطلقاً حيث منعنا من لقطته تعلّق الضمان برقبته يُتبع به إذا أُعتق وأيسر، كما لو أتلف مال غيره بغير إذنه، أو اقترض قرضاً فاسداً.

وفي تعليق الضمان برقبته ثم ترتيب الحكم بأنه يُتبع به إذا أُعتق تناف؛ لأن التعلق بالرقبة شأنه أن يؤخذ منهامعجّلاً، كالجناية وغيرها مما سبقت نظائره كثيراً، وإنّما ملزوم الإتباع إذا أعتق التعلّق بذمته.

قوله: «ولو علم المولى قبل التعريف ولم ينتزعها منه ضمن» إلى آخره.

المفروض أيضاً كون الالتقاط بغير إذن المولى، وحينئذ فإن كان العبد أميناً جاز للمولى إبقاؤها في يده إلى أن يعرفها، ثم يفعل بها أحد الأمور الثلاثة كما تقدم(1)، وأن ينزعها ويتولّى هو التعريف.

وإن لم يكن أميناً ففى وجوب انتزاعها منه وجهان نعم؛ لأنّ يده كيده، فتركها مع عدم أمانته يكون تفريطاً في مال الغير الذي صار بمنزلة ما هو في يده، و: لا؛ لأنّ للعبد ذمّة، والحال أنّه لم يأذن له في الالتقاط، ولا أثر لعلمه، كما لو رأى عبده يتلف مالاً فلم يمنعه منه، فإنّه لا يضمنه.

وإن لم نوجب عليه انتزاعه فلا شبهة في عدم ضمانه، وإن أوجبناه احتمل الضمان وعدمه لما ذكر.

والأظهر عدم الضمان مطلقاً، إلا أن يأذن له في الالتقاط، ثم لا يكون أميناً، فإنه يضمن حينئذ بالتقصير في الانتزاع.

قال في الدروس: نعم، لو كان غير مميز اتجه ضمان السيد(2). وكأنّه نزّل غير المميز منزلة

ص: 268


1- تقدّم في ص 238 - 239 .
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

*ولو عرّفها العبد ملكها المولى إن شاء وضمن. ولو نزعها المولى لزمه التعريف. وله التملك بعد الحول، أو الصدقة مع الضمان أو إبقاؤها أمانةٌ.

الخامسة: *لا تُدفع اللقطة إلا بالبيئة، ولا يكفي الوصف. ولو وصف صفات لا يطّلع عليها إلّا المالك غالباً، مثل أن يصف وكاءها وعفاصها ووزنها ونقدها، فإن تبرّع الملتقط بالتسليم لم يمنع، وإن امتنع لم يجبر.

--------------

دابته حيث يجب منعها من إتلاف مال الغير، وإلا لكان الدليل المذكور وارداً هنا، فإنّه لا يجب على المولى انتزاع مال الغير من يد عبده.

قوله: «ولو عرفها العبد ملكها المولى إن شاء وضمن» إلى آخره.

إذا التقط العبد بإذن المولى أو بغير إذنه - إن جوزناه - تخيّر المولى بين أن يتركها في يده ليعرفها إذا لم يكن خائناً ، ثمّ يتملّكها إن شاء، وبين أن ينزعها منه ويعرفها.

فإن اختار الأوّل تملكها المولى بعد الحول، وقبل قول العبد في التعريف إن كان ثقة، وإلا اعتبر اطلاع المولى على تعريفه، أو اطلاع من يعتمد على خبره؛ لأنه كالنائب. مع احتمال قبول قوله فيه مطلقاً؛ لأنّه ملتقط حقيقةً؛ إذ هو الفرض.

وإن انتزعها منه وجب عليه تعريفها، وصارت بيده بمنزلة ما لو التقطها، ويتخيّر بعد التعريف ما شاء من الأمور الثلاثة

قوله:

لا تُدفع اللقطة إلا بالبينة

إلى آخره.

من أحكام اللقطة ردّ عينها أو بدلها عند ظهور مالكها، فإذا جاء من يدعيها نظر، إن لم يقم البيئة على أنّها له ولا وصفها لم تُدفع إليه، إلا أن يعلم الملتقط أنها له فيلزمه الدفع إليه. وإن أقام البينة دفعت إليه.

وإن وصفها نظر، إن لم يغلب على ظن الملتقط صدقه لم يدفع إليه. وإن غلب لتوغله في الوصف بما لا يطلع عليه غير المالك غالباً - كوصف وكائها، وهو الخيط الذي يربط ب-ه وعفاصها، وهو وعاؤها - فالأشهر جواز دفعها إليه وإن لم يجب؛ لأنّ إقامة البينة على اللقطة قد يعسر.

ص: 269

فرعان :

الأوّل: * لو ردّها بالوصف ثمّ أقام آخر البينة بها انتزعها، فإن كانت تالفة كان له مطالبة الآخذ بالعوض؛ لفساد القبض، وله مطالبة الملتقط؛ لمكان الحيلولة لكن لو طالب الملتقط رجع على الآخذ ما لم يكن اعترف له بالملك، ولو طالب الآخذ لم يرجع على الملتقط.

--------------

وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال: «فإن جاء باغيها فعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه».(1) وإنما لم يجب لأنه مدع فيحتاج الوجوب إلى البينة، والأمر محمول على مجرد الإذن والإباحة.

وقال ابن إدريس: لا يجوز دفعها إليه بالوصف مطلقاً(2)؛ لوجوب حفظها حتى تصل إلى مالكها، والواصف ليس مالكاً شرعاً.

والظاهر أن شهادة العدل كالوصف إن لم تكن أقوى.

قوله: «لو ردّها بالوصف ثمّ أقام آخر البينة بها انتزعها» إلى آخره.

إذا دفع اللقطة إلى الواصف ثمّ جاء آخر وأقام البيئة

على أنّها له، فإن كانت باقية انتزعت منه ودفعت إلى الثاني ؛ لأنّ البينة حجة شرعيّة تفيد وجوب الدفع، والوصف غايته إفادة الجواز.

وإن تلفت عنده تخيّر بين تضمين الملتقط أو الواصف. أما الأوّل؛ فلأنه فوّتها على مالكها وحال بينه وبينها بدفعه. وأما الثاني؛ فلأنه أخذ مال غيره، فإن ضمن الواصف لم يرجع على الملتقط؛ لأنّ التلف وقع في يده؛ ولأنّ الثاني ظالم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه.

وإن ضمن الملتقط رجع على الواصف إن لم يقرّ له بالملك، وإن أقر لم يرجع، مؤاخذة له بقوله.

ص: 270


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 134 ، ح 173؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 325، ح 12109؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 76 . ح 1339.
2- السرائر، ج 2، ص 111.

الثاني:* لو أقام واحد بيّنةً بها فدفعت إليه ثمّ أقام آخر بيّنةً بها أيضاً، فإن لم يكن ترجيح أقرع بينهما، فإن خرجت للثاني انتزعت من الأوّل وسُلّمت إليه.

ولو تلفت لم يضمن الملتقط إن كان دفعها بحكم الحاكم، ولو كان دفعها باجتهاده ضمن .

--------------

هذا إذا دفع بنفسه، أما لو ألزمه الحاكم بالدفع إلى الواصف لكونه مذهبه، قال في التذكرة : لم يكن لمقيم البيئة تضمينه؛ لأنّها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها، كما إذا غصبها غاصب(1) .

ويشكل بأنّ الإلزام بالدفع مع الوصف ليس مذهباً لنا، فلا يتصوّر إلزام حاكمنا به.

نعم هو مذهب جماعة من العامة(2)، وعليه فرعوا ما ذكره في التذكرة ، فنقله كذلك، وهو لا يتم عندنا .

قوله: «

لو أقام واحد بينةً بها فدفعت إليه ثمّ أقام آخر بينه

بها» إلى آخره.

إذا أقام المدعى عليها بينةٌ ودُفعت إليه بعينها ثمّ أقام آخر بينةً بها فكلاهما خارج، فقد تعارضت البينتان فإن كانت إحداهما أعدل قدّمت.

وإن تساويا عدالة وكانت إحداهما أزيد قدمت أيضاً.

فإن تساويا في العدالة والعدد أقرع بينهما؛ لانتفاء الأولوية، وحلف الخارج بها، فإن امتنع من اليمين حلف الآخر، فإن امتنعا قسمت نصفين. هذه قاعدة تعارض الخارجين.

وحينئذ فإن كان الترجيح لبيّنة الأوّل أو خرجت بالقرعة وحلف فلا بحث.

وإن كان الترجيح للثاني انتزعت من الأوّل وسُلّمت إليه، عملاً بمقتضى التقديم، فإن وجدها باقيةً أخذها وإن وجدها تالفة فإن كان الملتقط قد دفعها إلى الأوّل بحكم الحاكم تعين رجوع الثاني على الأوّل دون الملتقط؛ لبراءته منها بحكم الحاكم عليه بدفعها إلى

ص: 271


1- تذكرة الفقهاء ، ج 17، ص 268، المسألة 369
2- في حاشية «خ»: «بخطه: هو قول مالك وأحمد وداود وابن المنذر؛ استناداً إلى الأمر في الحديث المذكور». راجع الكافي في فقه أهل المدينة، القرطبي، ج 2، ص 836؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 365، المسألة 4513.

*أما لو قامت البينة بعد الحول وتملك الملتقط ودفع العوض إلى الأوّل ضمن الملتقط للثاني على كل حال؛ لأنّ الحق ثابت في ذمته، لم يتعين بالدفع إلى الأوّل ورجع الملتقط على الأوّل؛ لتحقق بطلان الحكم.

--------------

الأول، وإن كان قد دفعها باجتهاده، تخيّر الثاني في تضمين من شاء من الملتقط والأول.

أمّا الأوّل فلاستقرار تلفها في يده، وثبوت كونها مال الثاني.

وأما الملتقط فلتفريطه حيث دفعها بنظره؛ لأنّ الحكم بالبينة من وظائف الحاكم.

قوله: «أما لو قامت البينة بعد الحول وتملك الملتقط - إلى قوله - لتحقق بطلان الحكم».

ما تقدم حكم ما إذا كان قد دفع العين إلى الأول، سواء كان قبل تملكها أم بعده، مع اختياره دفع العين أو مع وجوبه مطلقاً.

أمّا لو كان الملتقط قد تملّك وأتلف العين، أو هي باقية ولم نوجب بذلها، فدفع العوض إلى الأوّل، ثمّ أقام الآخر بينةً وترجّحت بينته على بينة الأوّل، أو كان دفعها إلى الأوّل بالوصف، فإنّه يرجع على الملتقط على كل حال، سواء كان ما دفعه الملتقط إلى الأوّل من العوض باقياً أم لا، وسواء كان دفعها إلى الأوّل بالوصف أم بالبينة؛ لأن المدفوع ليس عين حق المالك، وإنّما هو ثابت في ذمته لا يتعيّن إلا بالدفع إلى المالك، وقد ظهر أنه الثاني، فكان ما دفعه إلى الأوّل مال الملتقط فيرجع به عليه وإن اعترف له بالملك لأجل البينة؛ لتبين فساد الحكم، أما لو اعترف له بالملك لا باعتبار البينة لم يرجع عليه؛ لاعترافه بالظلم من الثاني.

***

تمّ الجزء الخامس من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام على يد مصنّفه الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي (عامله الله بفضله وعفى عنه بمنه وطوله). وفرغ منه مفتتح شهر ذي القعدة الحرام عام ثلاث وستين وتسعمائة حامداً مصلّياً مسلماً (1).

ص: 272


1- أوردنا هذه الفقرة من نسخة «ع».

كتاب الفرائض

اشارة

والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق.

والمقدمات أربع:

--------------

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي

كتاب الفرائض

تعریف الفرائض

هو جمع فريضة بمعنى مفروضة من الفرض وهو التقدير والقطع، يقال: فرضه إذا قدره، وفرض الثوب: قطعه (1).

والمراد بها السهام المقدّرة في كتاب الله أو مطلق السهام؛ لما فيها من السهام المقدّرة والمقادير المقطعة المفصلة، ومنه قوله تعالى: ﴿نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾(2)، أي مقتطعاً محدوداً. وقوله ﴿أَنزَلْنَهَا وَفَرَضْنَهَا﴾(3)أي فصلناها.

وقال بعضهم: سمّيت السهام المذكورة فرائض من الوجوب واللزوم، تقول: فرض الله أي أوجب وألزم وأفرض مثله، وهو الفرض والفريضة، إلا أن الفرض بمعنى الإيجاب والإلزام مأخوذ من المعنى الأول وهو الاقتطاع؛ لأنّ الفريضة معالم وحدود مقدّرة، ولو جاز

ص: 273


1- راجع لسان العرب، ج 7، ص 203، «فرض».
2- النساء (4): 7
3- النور (24) 1.

--------------

ذلك جاز أن يقال: إنّها مأخوذة من معنى العطية، فقد قال في الصحاح:

والفرض العطية الموسومة، يقال: ما أصبت منه فرضاً ولا قرضاً، وفرضت الرجل وأفرضته، إذا أعطيته، وقد فرضت له في الديوان(1) .

وإنما جاز ذلك؛ لأنّ الاستحقاق بالإرث عطيّة من الشرع.

وقيل: إنّ استعمال هذا اللفظ في الإعطاء مستعار، وحقيقته قطع شيء من مال الديوان ونحوه، ومنه فرض الحاكم النفقة، وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾(2).

والمواريث أعمّ من الفرائض إن أريد بها السهام المقدّرة؛ لأن المواريث تطلق على مطلق المستحق بالإرث ، سواء كان مقدّراً أم لا. ولو أريد بالفرائض ما يشمل غير المقدّر(3) ولو بالتغليب ساوت المواريث.

والأصل فيه قبل الإجماع آيات المواريث (4)، والأخبار.

ومنها عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإنّي امرؤ مقبوض وإنّ العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما»(5). وعنه(صلی الله علیه وآله وسلم) :« تعلموا الفرائض فإنّها من دينكم وإنّه نصف العلم وإنه أوّل ما ينتزع من أُمتي»(6).

وقد اختلفوا في توجيه كونه نصف العلم، فقال بعضهم: التوقف فيه أسلم؛ إذ لا يجب

ص: 274


1- الصحاح، ج 2، ص 1097 ، «فرض»
2- البقرة (2): 236 .
3- في بعض النسخ: «المقدر» بدل «غير المقدر».
4- النساء (4) 11 - 12 و 176.
5- سنن الدارمي ، ج 1، ص 72 - 73 ، باب الاقتداء بالعلماء : سنن الدارقطني ، ج 3، ص 321، ح 4033 : المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 475. ح 8020 - 8021؛ السنن الكبرى البيهقي . ج 6. ص 343. ح 12173 بتفاوت يسير.
6- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 908، ح 2719؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 308، ح 3989؛ المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 474. ح 8018: السنن الكبرى البيهقي ، ج 6 ، ص 344، ح 12175.

--------------

علينا إلا اتباع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ، فنعتقد أنّها نصف العلم، ولا نقول لأي جهة كانت نصفاً، سواء

تعقلناها أم لا(1). وقال بعضهم: التأويل أحكم. ثم ذكروا فيه وجوهاً أكثرها تعسف (2):

الأول : اختصاصه بإحدى حالتي الإنسان وهي حالة الممات، بخلاف سائر العلوم، ولا شكّ أنّ المختص بإحدى الحالتين نصف مجموعهما، وما يتعلّق من الأحكام بحالة الموت من الوصايا وتجهيز الميت يلتحق بعلم الفرائض في تدوين العلم غالباً، ولأن الوصايا ليست لازمة.

الثاني اختصاصه بأحد سببي الملك، وهو السبب الاضطراري من الموت والإرث وباقي العلوم لا يختص به، بل أعم من أن يكون سبباً اختيارياً كالشراء وقبول الهبة والوصية - أو لم يكن سبباً أصلاً، وأحد هذين العلمين نصف مجموعهما.

الثالث: أنّ العلم ،قسمان قسم المقصود بالذات فيه التعلّم والتعليم والعمل ،تابع والآخر بالعكس، والأوّل الفرائض، والثاني باقي الفقه وأحد القسمين نصفهما. ولا يخفى ما فيه.

الرابع: أنّه نصف العلم؛ لاشتماله على مشقة عظيمة في معرفته وتصحيح مسائله بخلاف باقى العلوم، وأحد العلمين نصف مجموعهما.

وفيه: أنّ بعض العلوم أكثر مشقة منه.

الخامس: أنه نصف باعتبار الثواب؛ لما روي من أنّ ثواب مسألة من الفرائض ثواب عشرة من غيره(3)، إلى غير ذلك من التكلّفات في الجواب عن توجيه الحكمة في ذلك.

واعلم أن القرآن الكريم اشتمل على آيات من أحكام الإرث (4)، كقوله تعالى ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَدِكُمْ﴾(5). والآية التي تليها (6)وآية الكلالة(7) ، ولم تشتمل الآيات على جميع

ص: 275


1- المبدع، ج 6، ص 113 .
2- المبدع، ج 6، ص 113 .
3- راجع المبدع، ج 6 ، ص 113.
4- في بعض النسخ: «الدين» بدل «الإرث».
5- النساء (4) :11
6- النساء (4): 12
7- النساء (4): 176

المقدمة الأولى* في موجبات الإرث

اشارة

وهي إما نسب وإما سبب

مراتب النسب

*فالنسب مراتب ثلاث

الأُولى :الأبوان والولد وإن نزل.

الثانية: الإخوة وأولادهم وإن نزلوا والأجداد وإن علوا.

الثالثة: الأخوال والأعمام.

--------------

الفرائض ، لكن وردت السنّة بأصول آخر.

ووقع الاختلاف بين الصحابة( رضي الله عنهم) في حكم ما لم يجدوه منصوصاً، وكثر اختلافهم في ذلك من حيث إنّ مسائل الفرائض غير مبنيّة على أصول معقولة، ولأهل البيت (عليهم السلام)في الفرائض أصول خاصة وأكبر(1) أُصولهم وأهتها مسألتا العول والتعصيب، فبسببهما باينوا الفِرَق المشهورة الآن، وإن كان لهم فيهما موافق من غيرهم، وأهل البيت أدرى بما في بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).

السلامة

قوله: «في موجبات الإرث وهي إما نسب وإما سبب».

المراد ب_ «الموجبات» هنا الأسباب، وعبّر عنها بالموجبات ليفرّق بين النسب وغيره، حيث أطلق السبب على سبب خاص وهو ما عدا النسب من أسباب الإرث وإلا فالنسب أحد أسبابه، فيكون داخلاً فى السبب بالمعنى الأعم دخول الخاص في العام.

والمراد ب_«النسب» اتصال أحد الشخصين بالآخر بالولادة، إما بانتهاء أحدهما إلى الآخر، أو بانتهائهما إلى ثالث على الوجه الشرعي ، وب_«السبب» الاتصال بالزوجية أو الولاء.

قوله:« فالنسب مراتب ثلاث »إلى آخره.

ص: 276


1- في «م»: «أكثر» بدل «أكبر»

--------------

لا يخفى أنّ في كلّ مرتبة من هذه يقدم فيها الأقرب على الأبعد، فإنه كما أن الآباء والأولاد يقدمون على الإخوة والأجداد فيكونون مرتبةً، فكذلك الأولاد مع أبنائهم؛ فإنّهم لا يرثون مع وجودهم، فيكونون مرتبة. ومثله القول في الإخوة مع أولادهم، والجد القريب مع البعيد. فتتعدّد على هذا المراتب.

وإنما اعتبروا المراتب ثلاثاً مع ذلك؛ لأنّ الأقرب في المرتبة وإن منع الأبعد، لكن نظيره في المرتبة لا يمنع البعيد من غير صنفه، فكان الأبعد وارثاً مع مساوي الأقرب في تلك المرتبة؛ فلذلك جعلت واحدةً، بخلاف حال كلّ واحد من أهل المرتبة مع من هو في غيرها فإنّه لا يشاركه بوجه؛ فلذلك تعددت بهذه الواسطة.

مثلاً: أولاد الأولاد وإن كانوا لا يرثون مع الأولاد، فيكونون بالنسبة إليهم مرتبة، كنسبة الإخوة إلى الأولاد، إلا أن أولاد الأولاد يشاركون الآباء المساوين للأولاد في المرتبة. فكانوا لذلك في المرتبة الأولى وإن تأخروا على بعض الوجوه.

وكذا القول في أولاد الإخوة مع الإخوة؛ فإنّهم وإن كانوا مع الإخوة مرتبة متأخرة إلا أنهم مع الأجداد مرتبة واحدة، فيرث الأبعد من أولاد الإخوة مع الأقرب من الأجداد، ومساوي المساوي في قوة المساوي.

وهذه النكتة تتخلّف في الأعمام والأخوال؛ لأنّ أولاد كل طبقة منهم مقدمون على الطبقة التي بعدها مطلقاً، كأولاد أعمام الميت؛ فإنّهم أولى من أعمام أبي الميت، وهكذا.

وكان عليه أن يذكر أولاد الأعمام والأخوال في المرتبة؛ لأنهم لا يدخلون في اسم الأعمام والأخوال كالإخوة مع أولادهم. نعم، أولاد الأولاد قد يدخلون في اسم الأولاد فكان الاستغناء عن قوله «وإن نزلوا أولى منه في الأعمام والأخوال عن أولادهم، فلو عكس كان أولى. وأكمل منه الجمع بين الأمرين.

والمراد بالإخوة والأعمام والأخوال ما يشمل الذكور منهم والإناث على وجه المجاز أو الاستتباع، وإن كان اللفظ مخصوصاً بالذكور منهم.

ص: 277

والسبب :اثنان زوجيّة وولاء.

اقسام الوارث

* والولاء ثلاث مراتب : ولاء العتق، ثمّ ولاء تضمّن الجريرة، ثمّ ولاء الإمامة.

*وينقسم الوراث، فمنهم من لا يرث إلا بالفرض، وهم الأُمّ من بين الأنساب إلا على الردّ، والزوج والزوجة من بين الأسباب إلا نادراً.

ومنهم من يرث تارةً بالفرض وأخرى بالقرابة، وهم الأب والبنت أو البنات ،والأُخت أو الأخوات، وكلالة الأُمّ.

ومن عدا هؤلاء لا يرث إلا بالقرابة.

--------------

واعلم أن بعض الفقهاء(1) ضبط هذه المراتب الثلاث بأن القريب إن تقرب إلى الميت بغير واسطة فهو المرتبة الأولى، أو بواسطة واحدة فهو المرتبة الثانية، أو بأزيد من مرتبة فهو الثالثة.

وهذا يتم في حق الأولاد والآباء، وفي حق الإخوة والأجداد الدنيا وفي حق الأعمام والأخوال، ويتخلّف في حق أولاد الأولاد، وفي حق أولاد الإخوة، وفي حق الأجداد العليا وفي حق أولاد العمومة والخؤولة، فيحتاج إدراجهم في المرتبة إلى ضرب من التكلف كما لا يخفى.

قوله: «والولاء ثلاث مراتب».

هو بفتح الواو . وأصله القرب والدنو(2) . والمراد به هنا تقرّب أحد الشخصين بالآخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجية.

قوله: «وينقسم الوراث، فمنهم من لا يرث إلا بالفرض» إلى آخره.

المراد بالوارث بالفرض من سمّى الله تعالى له سهماً معيناً في كتابه العزيز، وبمن يرث بالقرابة من لم يسم له سهماً مخصوصاً وإنّما حكم بإرثه إجمالاً ، كقوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(3) ، فلم يجعل للأولاد عند الاجتماع سهماً معيناً

ص: 278


1- كابن فهد في المهذب البارع، ج 1، ص 446-445
2- كما في لسان العرب، ج 15، ص 411، «ولي».
3- النساء (4): 11 .

--------------

وإن كان قد فاضل بينهم في جملة التركة كما ذكر، وكإرث الأعمام والأخوال الداخلين فيه بعموم آية أولى الأرحام(1).

أصناف الوارث بالفرض

والقسم الأول -وهو الذي يرث بالفرض في الجملة - خمسة أصناف:

أحدها: الأبوان، قال الله تعالى :﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثَّلْتُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾(2).

والثاني: الزوجان، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾(3)، وقال تعالى:﴿ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ (4)الآية.

والثالث: البنت والبنات، قال الله تعالى: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُنَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾(5) .

والرابع: الأخت والأخوات للأبوين أو للأب، قال تعالى: ﴿إِنِ امْرُواْ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [...] فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الظُّلُتَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ (6).

والخامس :كلالة الأُم وهم الإخوة والأخوات من قبلها - قال تعالى: ﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَهُ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾(7) .

وضابط من يرث بالقرابة كلّ مَنْ عدا مَنْ ذُكر من الأنساب، وممن ذكر على بعض الوجوه. تم من يرث بالفرض إما أن يرث به دائماً، أو يرث به في حالة وبالقرابة في أخرى، أو يرث بهما معاً.

ص: 279


1- الأنفال :(8): 75: الأحزاب (33): 6.
2- النساء (4): 11
3- النساء (4): 12
4- النساء (4): 12
5- النساء (4): 11
6- النساء (4): 176
7- النساء (4): 12

--------------

فالأول: الأم إن لم يكن هناك ردّ، بأن كانت مع ولد ذكر، أو مع إخوة، أو مع بنتين فصاعداً ومعها الأب، وكالزوجين إلا على وجه نادر.

وأراد المصنّف ب_ «الوجه النادر أن لا يخلّف أحد الزوجين من الوارث إلا الآخر، فقد قيل: إنّ الباقي عن فرض الوارث منهما يردّ عليه(1) . وهو إما قول نادر شاذ من حيث الجملة؛ لأنّ القائل بالرد على الزوجة في غاية الندور كما سيأتى التنبيه عليه(2)، وأما القول بالرد على الزوج حينئذ فهو قول مشهور لا ينسب إلى الندرة، فكان الندور راجعاً إلى جملة الأمر وهو الرد على الزوجين، وذلك لا ينافى شهرة الردّ على أحدهما خاصةً.

وأما ندوره بحسب الفرض، وهو كون المبيت لا يختلف من الوارث إلا الزوج أو الزوجة؛فإنّ هذا فرض نادر، وإن كان القول بالرد في الجملة ليس نادراً.

والثاني: بقيّة أصناف الوارثين بالفرض، فالأب يرث بالفرض خاصةً مع مجامعة الولد الذكر، ومع غيره أو منفرداً يرث بالقرابة.

أما الأوّل فلقوله تعالى :﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ... إِن كَانَ لَهُ، وَلَدُ ﴾(3) .

وأما الثاني فلقوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾(4)؛ ففرض للأم على تقدير وجود الولد وعدمه، ولم يجعل للأب على تقدير عدم الولد فرضاً، فكان إرثه على هذا التقدير بالقرابة.

والبنات يرثن مع الولد بالقرابة، ومع الأبوين بالفرض.

أما الأول فلقوله تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَندِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(5) .

فلم يجعل لهنّ فرضاً في هذه الحالة.

ص: 280


1- قاله المفيد في المقنعة، ص 691.
2- يأتي في ص 324 - 325
3- النساء (4) :11
4- النساء (4) :11
5- النساء (4) :11

* فإذا كان الوارث لا فرض له ولم يشاركه آخر فالمال له مناسباً كان أو مسابباً. وإن شاركه من لا فرض له فالمال لهما. فإن اختلفت الوصلة فلكلّ طائفة نصيب من يتقرب به كالخال أو الأخوال مع العمّ أو الأعمام، فللأخوال نصيب الأُمّ، وهو الثلث، وللأعمام نصيب الأب، وهو الثلثان.

وإن كان الوارث ذا فرض أخذ نصيبه، فإن لم يكن معه مساو كان الردّ عليه، مثل: بنت مع أخ، أو أخت مع عم، فلكل واحدة نصيبها، والباقي يرد عليها؛ لأنها أقرب.

--------------

وأما الثاني فلقوله تعالى: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءٌ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُنَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾(1) فوقعت هذه الفروض عند عدم مجامعة الابن الشامل لمجامعة الأبوين وأحدهما وعدمهما، لكن مع عدمهما أو أحدهما يحصل الرد بالقرابة، فلا يكون الفرض متمحضاً للبنات إلا على تقدير مجامعتهن للأبوين كما ذكرناه.

والأخوات يرثن مع الإخوة بالقرابة، ومع كلالة الأم بالفرض، وهو معلوم بالمقايسة إلى ما قرّرناه من الوجه في نظيره.

والإخوة للأُمّ يرثون بالفرض مع مجامعة كلالة الأبوين، وبالقرابة مع انفرادهم.

والثالث ذو الفرض على تقدير الردّ عليه.

قوله: «فإذا كان الوارث لا فرض له.

هذه

قاعدة إجمالية في بيان مستحق التركة بطريق الفرض والقرابة.

و محصلها أن الوارث إن لم يكن ذا فرض فالمال له اتحد أم تعدد، وإن كان ذا فرض أخذ فرضه. فإن تعدد أخذ كل واحد فرضه، فإن فضل شيء ردّ على ذوي الفرض بحسبه إن فقد غيره في طبقته، وكانت وصلتهم متساوية.

وإن اختلفت، فإن لم تكن إحداهما أرجح من الأخرى فلكل نصيب من يتقرب به.

ص: 281


1- النساء (4) :11

* ولا يرد على الزوجة مطلقاً ،* ولا على الزوج مع وجود وارث، عدا الإمام.

وإن كان معه مساءٍ ذو فرض، وكانت التركة بقدر السهام قسمت على الفريضة. وإن زادت كان الزائد رداً عليهم على قدر السهام . ما لم يكن حاجب لأحدهم، أو ينفرد بزيادة في الوصلة.

ولو نقصت التركة كان النقص داخلاً على البنت أو البنات [أو الأب ]، أو من يتقرب بالأب، دون من يتقرب بالأُمّ.

--------------

وإن كانت إحداهما أقوى من الأخرى - كإخوة الأبوين مع إخوة الأم -اختص الرد بالأقوى. ولو نقصت الفريضة عن ذوي الفروض دخل النقص على البنت والبنات، والأخت للأب أو الأخوات وكلّما اجتمع ذو فرض وغيره فالباقي بعد الفرض للآخر. والأمثلة واضحة، وقد ذكر المصنّف أكثرها.

قوله: «ولا يرد على الزوجة مطلقاً».

أي مع حضور الإمام وغيبته، ومع وجود وارث غيرها عدا الإمام وعدمه.

قوله :« ولا على الزوج مع وجود وارث، عدا الإمام».

مفهومه أنه يردّ عليه إذا لم يكن معه وارث غير الإمام.

وما اختاره في الزوجين أحد الأقوال في المسألة وأصحها. وسيأتي تحقيق الحال فيه إن شاء الله تعالى (1).

قوله: «ما لم يكن حاجب لأحدهم أو ينفرد بزيادة في الوصلة».

مثال الحاجب كأبوين مع إخوة يحجبون الأمّ عمّا زاد عن السدس مع بنت، فإنّ الردّ مختص بالأب والبنت؛ لوجود الحاجب للأُمّ عمّا زاد عن السدس.

ومثال زيادة الوصلة: أن يجتمع كلالة الأُمّ مع أخت للأبوين، فإنّ الردّ يختص بها؛ لزيادة وصلتها إلى الميت بزيادة القرب بالأب.

ص: 282


1- يأتي في ص 324 - 325.

* مثال الأول: أبوان وبنتان فصاعداً، أو اثنان من ولد الأُمّ مع أُختين للأب والأُمّ أو للأب، أو زوج وأُخت لأب.

* ومثال الثاني: أبوان وبنت وإخوة.

ومثال الثالث: أبوان وزوج وبنتان، [أو] أبوان وزوج وبنت، [أو] زوج أو زوجة واثنان من ولد الأُمّ مع أختين للأب والأُم أو للأب.

وإن لم يكن المساوي ذا فرض كان له ما بقى.

مثاله: أبوان أو أحدهما وابن أب وزوج أو زوجة، ابن وزوج أو زوجة، أخ وزوج أو زوجة.

--------------

وهذا مبني على ما اختاره المصنف (رحمه الله) من أنه لا ترجيح في الردّ للأُخت من الأب خاصةً على كلالة الأُمّ؛ لتساوي الوصلة من الطرفين، حيث كانت في إحداهما من الأب وفي الأخرى من الأُمّ.(1) ومن جعل الردّ مختصاً بالأُخت لا يصح التقييد عنده بزيادة الوصلة؛ لعدم تحققها، وإنّما مستنده النص والنقص كما سيأتي (2).

قوله: «مثال» الأوّل: أبوان وبنتان فصاعداً» إلى آخره.

وهو كون التركة بقدر السهام، كأبوين وبنتين فصاعداً؛ فإنّ للأبوين السدسين، وللبنتين أو البنات الثلثين، وذلك مجموع التركة من غير زيادة. وباقي الأمثلة واضح.

قوله: «ومثال الثاني: أبوان وبنت وإخوة».

وهو زيادة التركة عن سهام ذوي الفروض مع وجود الحاجب لأحدهم، فإنّ للأبوين السدسين وللبنت النصف، يبقى سدس يرد على البنت والأب أرباعاً على نسبة سهامهما، ولا يرد على الأُمّ؛ لوجود الحاجب. ولو لم يكن إخوة ردّ (3)على الجميع، وكان مثالاً للزيادة

ص: 283


1- يأتي في ص 390.
2- يأتي في ص 390.
3- في «م»: «يرد» بدل «رد».

المقدمة الثانية في موانع الإرث

اشارة

*وهي ثلاثة: الكفر والقتل والرق.

*والكفر المانع من الارث

هو ما يخرج به معتقده عن سمة الإسلام، فلا يرث ذمّي ولا حربي ولا مرتد مسلماً.

--------------

أيضاً. ولو قال مع الإخوة أو بدونهم شمل الأمرين؛ لأنّ زيادة الفريضة على السهام توجب الرد على ذوي الفروض إما الجميع مع عدم الحاجب، أو البعض معه.

قوله - في موانع الإرث- :« وهي ثلاثة: الكفر والقتل والرق».

حصر الموانع في ثلاثة جعلي، واختار الثلاثة؛ لكونها أظهر(1) أفرادها، وإلا فالموانع أزيد من ذلك، وقد ذكر بعضها في آخر المقدّمة(2)، وباقي الموانع مذكورة في تضاعيف الفقه، وقد جمعها في الدروس عشرين مانعاً(3) ، وفي كثير منها تكلّف.

قوله: «والكفر المانع هو ما يخرج به معتقده عن سمة الإسلام» إلى آخره.

اتفق المسلمون على أن الكفر مانع للكافر من الإرث فلا يرث كافر مسلماً؛ ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) :« لا يرث الكافر المسلم»(4). ولأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه(5) . قيل: المراد العلوّ من جهة الإرث(6) ، وقيل : مطلقاً (7).

ص: 284


1- في الحجريتين: «أشهر» بدل «أظهر».
2- يأتي في ص 314 وما بعدها.
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 277 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- مسند أحمد، ج 6، ص 263، ح 21259؛ صحيح البخاري، ج 6، ص 2486، ح 6383: صحيح مسلم، ج 3، ص 1233 . ح 1614/1.
5- الفقيه، ج 4، ص 334 ، ح 5722.
6- راجع فيض القدير، ج 3، ص 179، ذيل الحديث 3063؛ والمبسوط، السرخسي، ج 30، ص37.
7- راجع فيض القدير، ج 3، ص 179، ذيل الحديث 3063.

--------------

ولقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾(1)، وفي الميراث إثبات السبيل عليه، ولأن مبنى الميراث على الولاية؛ ولهذا لما قطعت الرقية الولاية قطعت الميراث، والكافر لا ولاية له على المسلم فلايرث منه والاعتماد من ذلك على النص الصريح والإجماع.

واختلفوا في العكس، فأصحابنا وجماعة ممن خالفنا على إثباته (2)، بمعنى أن المسلم يرث الكافر، وأكثر المخالفين لنا على نفيه أيضاً. وفي الأدلة السابقة ما ينبه على مطلوبنا.

وروى الأصحاب عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده إلا عزاً في حقه»(3).

وعن الباقر : لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين، ويرث المسلم اليهودي والنصراني»(4).

وعن الصادق أنه سئل عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، ولا يرث المشرك المسلم»(5). وأخبارهم في ذلك كثيرة(6).

ص: 285


1- النساء (4): 141
2- راجع الحاوي الكبير، ج 8، ص 78 - 79: والمبسوط، السرخسي، ج 30، ص 37؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 166 - 167. المسألة 4946.
3- الكافي، ج 7، ص 142 - 143 ، باب ميراث أهل الملل، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 365 - 366 ، ح 1302: الاستبصار، ج 4، ص 189، ح 706.
4- الكافي، ج 7، ص 143، باب ميراث أهل الملل، ح 2: الفقيه، ج 4، ص 336 ، ح 5730؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 366، ح 1303 : الاستبصار، ج 4، ص 190، ح 707.
5- الكافي، ج 7، ص 143 ، باب ميراث أهل الملل، ح 3: الفقيه، ج 4، ص 335، ح 5725: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 366 ، ح 1304؛ الاستبصار، ج 4، ص 190، ح 708.
6- راجع الكافي، ج 7، ص 143، باب ميراث أهل الملل، ح 4 - 6: الفقيه، ج 4، ص 334 - 335، ح 5724 و 5726، وص 336 . ح 5727 - 5730: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 366، ح 1305 - 1307، وص 372، ح 1329؛ الاستبصار، ج 4، ص 190 . ح 709 - 711.

*ويرث المسلم الكافر

أصليّاً ومرتداً.

* ولو مات كافر وله ورثة كفّار ووارث مسلم كان ميراثه للمسلم -ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة - دون الكافر وإن قرب ولو لم يخلّف الكافر مسلماً ورثه الكافر إذا كان أصليّاً.

--------------

إذا تقرّر ذلك، فالمراد بالكافر المحكوم بكونه لا يرث المسلم مَنْ خرج عن الإسلام سواء كان قد دخل فيه كالمرتد، أم لا كالكافر الأصلي، وسواء كان مع كفره منتحلاً للإسلام كالناصبي، أم لا كاليهودي والنصراني، وسواء أقرّ على دينه كالكتابي، أم لا كالحربي ؛ عملاً بعموم الأدلة.

قوله: «ويرث المسلم الكافر، أصليّاً ومرتداً».

هذا موضع وفاق بين الأصحاب، وقد تقدّم من الأخبار ما يدلّ عليه وخالف فيه أكثر العامة، ورووا أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: لا يتوارث أهل ملّتين»(1).

وأجيب بأنه مع تسليمه - محمول على نفي التوارث من الجانبين؛ لأن التفاعل يقتضي ذلك، وهو لا ينفى ثبوته من أحد الطرفين(2).

وقد ورد هذا الجواب مصرحاً في رواية أبي العباس قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا ولا يرث هذا هذا، إنّ المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم»(3) .

قوله: «ولو مات کافر وله ورثة كفّار - إلى قوله - دون الكافر وإن قرب».

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل كأنه لا خلاف فيه، وليس عليه من الأخبار دليل

ص: 286


1- مسند أحمد، ج 2، ص 401 - 402، ح 6805؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 912، ح 2731؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 125 - 126 ، ح 2911؛ الجامع الصحيح، ج 4، ص 424، ح 2108.
2- أجاب به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 367، ذيل الحديث 1311؛ والاستبصار، ج 4، ص 191، ذيل الحديث 715
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 367 ، ح 1313؛ الاستبصار، ج 4، ص 191، ح717.

* ولو كان الميت مرتداً ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم. وفي رواية: «يرثه الكافر». وهي شاذة.

*ولو كان للمسلم ورّاث كفّار

لم يرثوه وورثه الإمام (عليه السلام)مع عدم الوارث المسلم.

--------------

صريح سوى رواية الحسن بن صالح عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه »(1).

وإثبات الحكم برواية الحسن غير حسن، إلا أن يجعل المدرك الإجماع.

قوله: «ولو كان الميت مرتداً ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم» إلى آخره.

هذه الرواية رواها إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (عليه السلام)في نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثمّ مات قال: «ميراثه لولده النصارى»(2). ومقتضاها كون الارتداد عن ملة. وبمضمونها أفتى الصدوق في المقنع (3)، ورواه ابن الجنيد في كتابه عن ابن فضال وابن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال: لنا في ذلك نظر (4).

والأشهر هو اختصاص إرثه بالمسلمين.

قوله: «ولو كان للمسلم ورّات كفّار لم يرثوه» إلى آخره.

يدلّ على ذلك روايات منها صحيحة أبي بصير قال سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل مسلم مات وله أمّ نصرانية وله زوجة وولد مسلمون، فقال: «إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس»، قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب من

ص: 287


1- الكافي، ج 7، ص 143، باب ميراث أهل الملل، ح 5: الفقيه، ج 4، ص 336، ح 5727؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 366 ، ح 1307؛ الاستبصار، ج 4، ص 190، ح 711.
2- الفقيه، ج 4، ص 338 - 339، ح 5733؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 372، ح 1328؛ الاستبصار، ج 4، ص 193، ح 724.
3- المقنع، ص 508
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 121، المسألة 50.

* وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته

شارك أهله إن كان مساوياً في الدرجة، وانفرد به إن كان أولى. ولو أسلم بعد القسمة، أو كان الوارث واحداً لم يكن له نصيب.

--------------

المسلمين، وأمه نصرانية، وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين. لمن يكون ميراثه ؟ قال : «إن أسلمت أمه فإنّ جميع ميراثه لها، وإن لم تسلم أمه وأسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له، وإن لم يسلم من قرابته أحد فإنّ ميراثه للإمام»(1).

قوله: «وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك أهله» إلى آخره.

لا فرق في ذلك بين كون المورّث مسلماً أو كافراً. والنماء المتجدد بعد الموت وقبل القسمة تابع للأصل.

ويدلّ على أصل الحكم - مضافاً إلى ما تقدّم من صحيحة أبي بصير(2) - حسنة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه، وإن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له»(3). وغيرها من الأخبار (4).

ولا فرق مع اتحاد الوارث بين كون عين التركة باقية وتالفة، خلافاً لابن الجنيد؛ حيث حكم بالمشاركة مع بقاء عين التركة (5). وهو نادر.

ولو قسم البعض ورث ممّا لم يقسم. ولو كان بعض التركة لا يقبل القسمة، ولم يحصل التراضي على قسمته ورث نصيبه منه على الأقوى.

ص: 288


1- الكافي، ج 7، ص 144 ، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 2: الفقيه، ج 4، ص 336 - 337، ح 5731: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369، ح 1316.
2- تقدمت صحیحته آنفاً.
3- الكافي، ج 7، ص 144، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369، ح 1317.
4- الكافي، ج 7، ص 144. باب آخر في ميراث أهل الملل، ح4: الفقيه، ج 4، ص 325 - 326، ح5703؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 336 - 337، ح 1211، وص 369، ح 1318، وص 370، ح 1320.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 122، المسألة 51.

*أما لو لم يكن وارث سوى الإمام(عليه السلام) فأسلم الوارث فهو أولى من الإمام الرواية أبي بصير. وقيل: إن كان قبل نقل التركة إلى بيت مال الإمام ورث، وإن كان بعده لم يرث. وقيل: لا يرث؛ لأنّ الإمام كالوارث الواحد .

* ولو كان الوارث زوجاً أو زوجةً وآخر كافراً

فإن أسلم أخذ ما فضل عن نصيب الزوجيّة وفيه إشكال ينشأ من عدم إمكان القسمة.

ولو قيل: يشارك مع الزوجة دون الزوج كان وجهاً؛ لأنّ مع فريضة الزوجة يمكن القسمة مع الإمام والزوج يردّ عليه ما فضل، فلا يتقدر في فريضته قسمةً، فيكون كبنت مسلمة وأب كافر، أو أخت مسلمة وأخ كافر.

--------------

قوله: «أما لو لم يكن وارث سوى الإمام(عليه السلام)» إلى آخره.

وجه ما اختاره المصنّف (رحمه الله) من أولوية المسلم رواية أبي بصير السابقة(1) ، وهي دالّة على أن من أسلم من أقاربه فهو أولى من الإمام الشامل لنقل تركته إلى بيت مال الإمام قبل الإسلام وعدمه.

والقول بالتفصيل ظاهر الشيخ في المبسوط(2). ووجهه غير واضح.

ووجه الأخير ظاهر؛ لأنّ الإمام وارث واحد فلا قسمة في حقه كغيره من الوارث المتحد.

والأجود ما اختاره المصنف رحمه الله عملاً بإطلاق الرواية المعتبرة الإسناد.

قوله: «ولو كان الوارث زوجاً أو زوجةً وآخر كافراً، فإن أسلم أخذ ما فضل عن نصيب الزوجية» إلى آخره.

الحكم هنا مبني على أنّ الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل يرد عليهما ما فضل عن فرضهما، أم لا يردّ مطلقاً، أم يرد على الزوج دون الزوجة؟

فعلى الأوّل هما كالوارث الواحد، فلا يشاركهما المسلم مطلقاً. وعلى الأخير هما

ص: 289


1- سبقت الرواية مع تخريجها في ص 287 - 288، الهامش 1.
2- المبسوط، ج 3، ص 290

--------------

كالمتعدّد؛ لأنّ الإمام شريكهما، فيعتبر إسلامه قبل مقاسمة الإمام لهما أو وكيله. وعلى التفصيل يشارك الزوجة دونه.

وللشيخ في النهاية وتلميذه القاضي قول بالرد على الزوج ومع ذلك يشاركهما المسلم(1) .

ونصره المصنف (رحمه الله) في النكت؛ محتجاً بأن الزوج لا يستحق سوى النصف، والردّ إنما يستحقه إذا لم يوجد للميت وارث محقق ولا مقدر، وهنا الوارث المقدر موجود؛ فإنه إذا عرض على الكافر الإسلام وأسلم صار وارثاً ومنع الردّ، وإلا رد؛ وبأن استحقاق الزوج الفاضل ليس استحقاقاً أصليّاً؛ بل لعدم الوارث وكونه أقوى من الإمام، والزوج يجري في الرد مجرى الإمام؛ فإنّه إذا أسلم على الميراث منع الإمام (2).

وفيه نظر؛ لأنّ المعتبر في الحكم بالرد على الزوج وعدمه إنما هو بعد الموت بلا فصل؛ لأنه وقت الحكم بالإرث وانتقال التركة إلى الوارث والمعتبر حينئذ بالوارث المحقق والاكتفاء بالمقدّر لا دليل عليه، والاتحاد على تقدير القول بالرد حاصل. والفرق بين الاستحقاق الأصلي وغيره لا دخل له في الحكم بعد القول بثبوته في الجملة عند عدم

الوارث وقت الحكم بالإرث.

قال الشهيد في الشرح:

والتحقيق أن الوارث الواحد إن عني به الوارث للجميع بالفرض والردّ فالحق ما قالوه(3)، وإن عني به الوارث مطلقاً فالحق المنع؛ لانسياق الدليل في البنت الواحدة(4).

وفيه أيضاً نظر؛ لأنّ الحكم كما يظهر من النصوص السابقة وغيرها منوط بالقسمة وعدمها، والفرق بين اتحاد الوارث وتعدّده مترتب على ذلك، من حيث إن الواحد لا يتحقق

ص: 290


1- النهاية، ص 642 و 664 : المهذب، ج 2، ص 141 و 157 .
2- نكت النهاية، ج 3، ص 235
3- في بعض النسخ والحجريّتين زيادة :«من المشاركة».
4- غاية المراد، ج 3، ص 417 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

مسائل أربع :

الأولى:*

إذا كان أحد أبوي الطفل مسلماً

حكم بإسلامه وكذا لو أسلم أحد الأبوين وهو طفل. ولو بلغ فامتنع عن الإسلام قهر عليه. ولو أصر كان مرتداً.

--------------

في حقه قسمة، فلا فرق بين الوارث للجميع بالفرض والردّ والوارث له بالقرابة؛ لانتفاء القسمة على التقديرين التي هي علة المشاركة فلا فرق بين الزوج على القول بالردّ عليه وبين البنت الواحدة؛ لاشتراكهما في استحقاق جميع التركة بالفرض والرد.

وأشار المصنف (رحمه الله) بقوله «كبنت مسلمة وأب كافر، أو أُخت مسلمة وأخ كافر» إلى أن الحكم بالرد هنا لو منع لمنع في البنت الواحدة والأخت؛ فإنهما إنما تستحقان بالفرض النصف كالزوج - والباقي إنّما تستحقانه بالردّ؛ لعدم الوارث المشارك، فلا فرق بينهما وبين الزوج.

وما قيل من تكلف الفرق بينهما بأنهما من أُولي الأرحام المقطوع بإرثهم، بخلاف الزوج لعدم الأمرين فيه(1) .

ففيه: أن التقدير القول بالرد عليه سواء كان من أولي الأرحام أم لا، فإن كان الإرث بالرد مؤثراً ثبت في الموضعين وإلا انتفى فيهما.

قوله: «إذا كان أحد أبوي الطفل مسلماً حكم بإسلامه» إلى آخره.

لما كان الارتداد يتحقق بالخروج عن الإسلام، وكان الإسلام شرعاً تارة يتحقق بالاستقلال وأُخرى بالتبعية، وكان حكم الإسلام بالاستقلال واضحاً، نبه على القسم الثاني منه. وللتبعية في الإسلام ثلاث جهات

إحداها إسلام الأبوين أو أحدهما، وذلك يفرض من وجهين:

أحدهما أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلماً يوم العلوق، فيحكم بإسلام الولد؛ لأنه جزء من مسلم.

ص: 291


1- راجع نكت النهاية، ج 3، ص 234 - 235: وغاية المراد، ج 3، ص 417 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

الثانية: *

لو خلف نصراني أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أخت مسلمين

كان لابن الأخ ثلثا التركة، ولابن الأخت ثلث، وينفق الاثنان على الأولاد بنسبة حقهما، فإن بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة على رواية مالك بن أعين، وإن

اختاروا الكفر استقر ملك الوارثين على ما ورثاه، ومنع الأولاد.

وفيه إشكال ينشأ من إجراء الطفل مجرى أبيه في الكفر، وسبق القسمة على الإسلام يمنع الاستحقاق.

--------------

والثاني: أن يكونا كافرين يوم العلوق ثم يسلمان أو أحدهما، فيحكم بإسلام الولد في الحال أيضاً. والحكم في ذلك موضع وفاق.

وفي إلحاق إسلام أحد الأجداد والجدات بالأبوين وجهان أظهرهما ذلك، سواء كان الواسطة بينهما حيّاً أم ميتاً . فإذا حكم بتبعيته فبلغ وأعرب عن نفسه الكفر فهو مرتد.

والثانية من جهات التبعية تبعية الدار. وقد تقدّمت في اللقطة(1) .

والثالثة تبعية السابي المسلم. وقد تقدم البحث فيها في الجهاد(2)وغيره(3). وحيث يحكم بإسلامه ولو تبعاً يلحقه أحكام المسلم من التوارث - وهو المقصود بالبحث هنا - وغيره.

قوله: «لو خلّف نصراني أولاداً صغاراً» إلى آخره.

قد تقرر فيما سلف أنّ الولد يتبع أبويه في الكفر، كما يتبعهما في الإسلام؛ لاشتراكهما في الجزئية(4)، وأنّ من أسلم من الأقارب الكفّار بعد اقتسام الورثة المسلمين لا يرث، ومن أسلم قبله يشارك أو يختص ، ومن لوازم عدم المشاركة اختصاص الوارث المسلم بنصيبه من الإرث، ولا يجب عليه بذله، ولا شيء منه للقريب الكافر، صغيراً كان أم كبيراً.

ص: 292


1- تقدمت في ص 203.
2- تقدم في ج 2، ص 454 وما بعدها.
3- تقدّم في ص 203؛ وج 8، ص 117 - 118.
4- أي في الأحكام الجزئية. راجع جواهر الکلام، ج 40 ص 39

--------------

لكن ذهب أكثر الأصحاب - خصوصاً المتقدمين منهم، كالشيخين(1) والصدوق7(2) و (3)والأتباع(4) - إلى استثناء صورة واحدة من هذه القواعد وهي ما إذا خلف الكافر أولاداً صغاراً غير تابعين في الإسلام لأحد، وابن أخ وابن أخت مسلمين، فأوجبوا على الوارثين المذكورين - مع حكمهم بإرثهما - أن ينفقا على الأولاد بنسبة استحقاقهما من التركة إلى أن يبلغ الأولاد، فإن أسلموا دفعت إليهم التركة، وإلا استقر ملك المسلمين عليها.

واستندوا في ذلك إلى صحيحة مالك بن أعين عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم والنصراني أولاد وزوجة نصارى، قال، فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثى ما ترك، ويعطى ابن أُخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا من أبيهم حتى يدركوا».

قلت كيف ينفقان؟ فقال: «يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم، فإن أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن بقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم، وإن لم يبقوا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام الميراث إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك»(5).

ص: 293


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 701؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 665.
2- أورد الصدوق بمضمونه رواية في الفقيه، ج 4، ص 337، ح 5732.
3- في «م» والحجريّتين: «الصدوقين» بدل «الصدوق».
4- الكافي في الفقه، ص 375؛ المهذب، ج 2، ص 159 - 160 : إصباح الشيعة، ص 370؛ غنية النزوع ، ج 1، ص 329
5- الكافي، ج 7، ص 143 - 144، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 337، ح 5732؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 368، ح 1315.

--------------

وقد اختلف الأصحاب في تنزيل هذه الرواية لكونها معتبرة الإسناد على طرق أربع ،ثلاث منها للمصنّف (رحمه الله) في النكت(1) :

أوّلها : أنّ المانع من الإرث هنا الكفر، وهو مفقود في الأولاد؛ إذ لا يصدق عليهم الكفر حقيقة.

ويضعف بمنع انحصار المانع في الكفر، بل عدم الإسلام، وهو هنا متحقق. سلّمنا، لكن نمنع من عدم كفر الأولاد، فإنّه حاصل لهم بالتبعية، كما يحصل الإسلام للطفل بها.

وثانيها: تنزيلها على أن الأولاد أظهروا الإسلام لكن لما لم يعتد به لصغرهم كان إسلاماً مجازيّاً، بل قال بعضهم بصحة إسلام الصغير(2) ، فكان قائماً مقام إسلام الكبير لا في استحقاق الإرث، بل في المراعاة ومنعهما من القسمة الحقيقية إلى البلوغ لينكشف الأمر.

ويضعف بأنّ الإسلام المجازي لا يعارض الحقيقي، والمفروض الحكم بعدم صحة إسلام الصغير، فإذا سبق الإسلام الحقيقي واستقر الإرث بالقسمة لم يعتبر اللاحق.

وثالثها: تنزيلها على أن المال لم يقسم حتى بلغوا وأسلموا، سواء سبق منهم الإسلام في حال الطفولية أم لا.

ويضعف بأنّ الرواية ظاهرة في حصول القسمة قبل إسلامهم؛ لأنه قال: «يعطى ابن أخيه ثلثي ما ترك وابن اخته ثلث ما ترك» وقال: «يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ووارث الثلث ثلث النفقة»، ولو لم يكن هناك قسمة لكان الإخراج من جملة المال، وحمل ذلك على الإخبار عن قدر المستحق خلاف الظاهر بل الصريح.

ورابعها - وهو الذي اختاره العلّامة في المختلف(3) - تنزيلها على الاستحباب . وهذا أولى.

ص: 294


1- نكت النهاية، ج 3، ص 236 - 237 .
2- راجع الخلاف، ج 3، ص 591، المسألة 20.
3- مختلف الشيعة، ج 9، ص 74 - 75، المسألة 23.

الثالثة: *

المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا فى المذاهب

والكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في النحل.

--------------

وأفرط آخرون فطردوا حكمها إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد. وردّها أكثر المتأخرين؛ لمنافاتها للأصول.

والحق أنها ليست من الصحيح، وإن وصفها به جماعة من المحققين، كالعلامة في المختلف(1)والشهيد في الدروس(2) والشرح(3)وغيرهما(4) ؛ لأن مالك بن أعين لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق بل ولا بمدح، بل المذمة موجودة في حقه، كما في القسم الثاني من الخلاصة(5)، فصحتها إضافية بالنسبة إلى من عداه فسهل الخطب في أمرها، واتجه القول باطراحها أو حملها على الاستحباب.

قوله: «المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب» إلى آخره.

الحكم في الأمرين هو المشهور بين الأصحاب، وعليه العمل.

والوجه فيه عموم الأدلّة الدالة على التوارث بين أهله(6) إلا ما أخرجه الدليل، ولم يثبت أن اختلاف مذاهب المسلمين الذي لا يخرجون به عن سمة الإسلام ونحل الكفر مع اشتراكهم فيه - من الموانع.

ووجه أيضاً بأنّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم يجمعهم أمر واحد وهو الإسلام الموجب للموالاة والمناصرة، والكفّار مع تفرقهم يجمعهم أمر واحد وهو الشرك بالله تعالى .

ص: 295


1- مختلف الشيعة، ج 9، ص 74 - 75، المسألة 23.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 280 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- غاية المراد، ج 3، ص 418 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
4- راجع المهذب البارع، ج 4، ص 337.
5- خلاصة الأقوال، ص 411 ، الرقم 1665.
6- الكافي، ج 7، ص 144 - 145، باب أن ميراث أهل الملل بينهم على كتاب الله .... ح 1 - 2، وص146، باب من يترك من الورثة بعضهم مسلمون وبعضهم مشركون ح 1: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 370 - 371، ح 1324 - 1326، وص 372، ح 1328؛ الاستبصار، ج 4، ص 192 - 193، ح 20 - 724.

حکم ترکه المرتد

الرابعة:* تقسّم تركة المرتدّ عن فطرة حين ارتداده، وتبين زوجته، وتعتد عدة الوفاة، سواء قتل أو بقى، ولا يستتاب.

والمرأة لا تقتل ، وتحبس وتضرب أوقات الصلوات، ولا تقسم تركتها حتى تموت .

--------------

وهم كالنفس الواحدة في معاداة المسلمين والتمالو عليهم، فجعل اختلافهم كاختلاف مذاهب المسلمين في الإسلام، وقد قال تعالى:﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾(1) ، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾(2) ، فأشعر بأن الكفر كله ملة واحدة.

وخالف في ذلك أبو الصلاح فقال: يرث كفّار ملتنا غيرهم من الكفّار، ولا يرثهم الكفّار. وقال أيضاً: المجبّر والمشبه وجاحد الإمامة لا يرثون المسلم (3).

وعن المفيد:

يرث المؤمنون أهل البدع من المعتزلة والمرجئة والخوارج من الحشوية، ولا يرث هذه الفرقة مؤمناً(4).

قوله: «تقسم تركة المرتد عن فطرة حين ارتداده» إلى آخره.

الغرض من ذكر المرتد هنا بيان كون ماله يقسم بين ورثته وإن كان حيّاً، وذلك في المرتد الفطري الرجل فاحتاج إلى ذكر باقي أقسامه، وإلا فله بحث يخصه في باب آخر(5).

والمراد بكونه لا يستتاب أن يقتل سواء تاب أم لا؛ لعموم قوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من بدل دينه فاقتلوه»(6).

ص: 296


1- الكافرون (109): 6.
2- يونس .(10): 32
3- الكافي في الفقه، ص 374 - 375
4- المقنعة، ص 701.
5- يأتي في ج 12، ص 229 وما بعدها.
6- مسند أحمد، ج 1، ص 358 ، ح 1874: صحيح البخاري، ج 3، ص 98 10. ح 2854؛ وج 6، ص 2537. ح 6524؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 848، ح 2535؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 126، ح 4351.

*ولو كان المرتد لا عن فطرة استتيب، فإن تاب وإلا قتل. ولا يقسم ماله حتّى يقتل أو يموت. وتعتد زوجته من حين اختلاف دينهما، فإن عاد قبل خروجها من العدّة فهو أحق بها، وإن خرجت العدة ولم يعد فلا سبيل له عليها.

--------------

وصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)قال: «من رغب عن دين الإسلام وكفر بما أنزل الله على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)بعد إسلامه فلا توبة له، ووجب قتله، وبانت امرأته، ويقسم ما ترك على ولده »(1).

ولا خلاف في عدم قبول توبته بالنسبة إلى جريان هذه الأحكام عليه، بمعنى أنّها تجري عليه سواء تاب أم لا ، وأمّا عدم قبولها مطلقاً فالمشهور ذلك ؛ عملاً بإطلاق الأخبار.

والحق قبولها فيما بينه وبين الله تعالى حذراً من التكليف بما لا يطاق، وللجمع بين الأدلّة الدالة على قبولها مطلقاً (2)وعدمه(3)هنا.

والحكم في الفطري مختص بالرجل، أما المرأة فتستتاب وتقبل منها، حتى لو امتنعت منها لم تقتل بل تحبس ويضيّق عليها في المطعم والملبس، وتضرب أوقات الصلوات بحسب ما يراه الحاكم وتستعمل في الحبس في أسوأ الأعمال إلى أن تتوب أو تموت، روى ذلك الحلبي - في الصحيح - عن الصادق(عليه السلام)(4) .

قوله: «ولو كان المرتد لا عن فطرة استتيب» إلى آخره.

ذكر المرتد عن ملة هنا غير مرضي؛ لأنّ قسمة ماله موقوف على قتله ومعه يساوي غيره. وأما ذكر اعتداد زوجته فلا دخل له في هذا المقام، وسيأتي بحثه في بابه(5).

ص: 297


1- الكافي، ج 7، ص 153، باب ميراث المرتد عن الإسلام . ح 4 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 373 - 374 ، ح 1333.
2- التوبة :(9): 104: طه ( 20 ) : 82: الشورى (42): 25
3- الكافي، ج 7، ص 153، باب ميراث المرتد عن الإسلام، ح 4: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 373 - 374، ح 1333.
4- الفقيه، ج 3، ص 150، ح 3551.
5- يأتي في ج 12، ص 229 وما بعدها.

*وأما القتل فيمنع القاتل من الإرث إذا كان عمداً ظلماً، ولو كان بحق لم يمنع. ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر.

وخرج المفيد (رحمه الله) وجهاً [آخر]، هو المنع من الدية. وهو حسن، والأوّل أشبه.

--------------

قوله: «وأمّا القتل فيمنع القاتل من الإرث إذا كان عمداً ظلماً» إلى آخره.

من الأسباب المانعة للميراث القتل

فالقاتل لا ميراث له؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): « لا ميراث للقاتل»(1) .

وفي حديث آخر عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) : «من قتل قتيلاً فإنّه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره»(2).

والحكمة الكلّيّة فيه أنا لو ورّثنا القاتل لم يؤمن مستعجل الإرث أن يقتل مورّثه فاقتضت المصلحة حرمانه؛ مؤاخذة له بنقيض مطلوبه.

ثم إن كان القتل عمداً ظلماً فلا خلاف في عدم إرثه، وهو المطابق للحكمة المذكورة، وإن كان بحق لم يمنع ،اتفاقاً، سواء جاز للقاتل تركه كالقصاص وقتل الصائل، أم لا كرجم المحصن وقتل المحارب.

وإن كان خطاً ففى منعه مطلقاً، أو عدمه مطلقاً، أو منعه من الدية خاصةً، أقوال:

أحدها - وهو الذي اختاره المصنف (رحمه الله) وقبله المفيد(3)وسلار(4) - أنه يرث مطلقاً لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)قال: سألته عن رجل قتل أُمه أيرتها؟ قال: «إن كان خطاً ورثها، وإن كان عمداً لم يرثها»(5).

ورواية محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجل قتل أُمه قال: إن كان خطأ فإنّ له ميراثه، وإن كان قتلها متعمداً فلا يرثها»(6).

ص: 298


1- الكافي، ج 7، ص 141 ، باب ميراث القاتل، حه؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 378، ح 1352؛ سنن ابن ماجة ج 2، ص 884 ، ح 2646 .
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 6 ، ص 361 ، ح 12242؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 85، ح 1359.
3- المقنعة، ص 703.
4- المراسم، ص 218.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379، ح 1357 و 1358 : الاستبصار، ج 4، ص 193، ح 725 و 726.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379، ح 1357 و 1358 : الاستبصار، ج 4، ص 193، ح 725 و 726.

--------------

ولانتفاء الحكمة الباعثة على نفى الإرث حيث لم يقصد القتل.

وثانيها: أنه لا يرث مطلقاً، وهو قول ابن أبي عقيل(1)؛ لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم)في صحيحة هشام بن سالم وغيرها:«لا ميراث للقاتل»(2) الشامل بعمومه لموضع النزاع، وخصوص رواية الفضيل بن يسار(3)عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطا»(4).

وثالثها: أنه يرث ممّا عدا الدية، ذهب إليه أكثر الأصحاب كالمرتضى(5)وابن الجنيد (6)والشيخ(7)والأتباع(8) ، وحسّنه المصنّف ونقله عن تخريج المفيد (9)، واختاره العلّامة(10)وأكثر المتأخرين؛ لأن فيه جمعاً بين الدليلين، ولأن الدية يجب عليه دفعها إلى الوارث على تقدير كون الخطاء شبيه العمد، ويدفعها عاقلته إلى الوارث على تقدير كونه محضاً؛ لقوله تعالى:﴿ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾(11)، ولا شيء من الموروث له يجب دفعه إلى الوارث، والدفع إلى نفسه وأخذه من عاقلته عوض ما جناه لا يعقل.

ص: 299


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 84، المسألة 27.
2- تقدّم تخريجها في ص 298، الهامش 1
3- في بعض النسخ : «صحيحة فضيل بن يسار».
4- الكافي، ج 7، ص 141، باب ميراث القاتل، ح7؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 379 - 380، ح1359؛ الاستبصار، ج 4، ص 193 . ح 727.
5- الانتصار، ص 595 المسألة 327
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 81، المسألة 27
7- النهاية، ص 672 الخلاف، ج 4، ص 28، المسألة 22.
8- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 162؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 396؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 330 والكيذري في إصباح الشيعة، ص 371.
9- حكاه عنه الشيخ في النهاية، ص 672 ، ولم نعثر عليه في كتبه وراجع المقنعة، ص 703.
10- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 61 ، الرقم 6371؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 128؛ قواعد الأحكام، ج 3. ص 346 .
11- النساء (4): 92

*ويستوي في ذلك الأب والولد وغيرهما من ذوي الأنساب والأسباب.

--------------

ولرواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته، ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله ولا من ديته وإن قتله خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته».(1) وهي نصّ، وذكر الزوجين غير مخصص إجماعاً.

وفي كلّ واحد من دليل القولين نظر.

أما الاستدلال بعموم نفي إرث القاتل ففيه منع العموم؛ لأن المفرد المعرف لا يفيده على ما حقق في الأصول(2).سلّمنا أنه يفيده عند بعضهم (3)لكنّه عام والأخبار الدالة على إرث الخاطئ خاصة، فيجب الجمع بينهما بتخصيص العام بما عدا مدلول الخاص.

ورواية الفضيل الدالة صريحاً فيها الضعف والإرسال فإنّها رويت بطريقين: أحدهما فيه ابن فضال عن رجل، عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان، عن الفضيل، والآخر معلى بن محمد، عن بعض أصحابه، عن حماد، وكلاهما يشتمل على الإرسال. ولا يخفي ضعف الأول بمحمد بن سنان فضلاً عن ابن فضال، والثاني بالمعلى بن محمد، فقد قال النجاشي: إنّه مضطرب الحديث والمذهب(4) ، وابن الغضائري: إنه يعرف حديثه وينكر(5) .

وجمع الثالث بين الدليلين يتوقف على إثبات دليل من الجانبين ليجمع بينهما، وهو مفقود على ما رأيت. وحديث دفع الدية إلى الوارث ومنع أخذ القاتل لها استبعاد محض. ورواية عمرو بن شعيب عاميّة.

قوله: «ويستوي في ذلك الأب والولد وغيرهما من ذوي الأنساب والأسباب».

لعموم الأدلة الشاملة لجميع من ذكر، ولا نعلم فيه خلافاً، وإن كان ظاهر التركيب في

ص: 300


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 914، ح 2736 : السنن الكبرى البيهقي، ج 6، ص 363، ح 12249.
2- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 164؛ وتمهيد القواعد، ص 166، القاعدة 56.
3- راجع العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 276؛ والبحر المحيط، ج 2، ص 259 .
4- رجال النجاشي، ص 418، الرقم 1117.
5- حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال، ص 409، الرقم 1653.

*ولو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث لبيت المال.

* ولو قتل أباه وللقاتل ولد ورث جده إذا لم يكن هناك ولد للصلب، ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه.

* ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعاً، وكان الميراث للإمام.

--------------

عادة المصنّف التنبيه بذلك على خلاف العامة، وقد يوجد في بعض كتب الحنفية أنّ القتل المانع هو الموجب للقصاص والكفّارة(1)، وظاهره أنّه يخرج به قتل الوالد ولده؛ فإنّه لا يوجبهما، فيكون هذا تنبيهاً على خلافه، إلا أنهم صرحوا بحرمان الأب أيضاً، واعتذروا عن العبارة بأن قتل الأب يوجب القصاص إلّا أنّه سقط بحرمة الأبوّة.

قوله « ولو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث لبيت المال».

أي بيت مال الإمام على قواعد الأصحاب من أنّ الإمام وارث من لا وارث له، وهذا خلاف ظاهر بيت المال حيث يطلق، لكنه متجوز فيه.

والعامة جعلوا ميراث من لا وارث له لبيت مال المسلمين(2)، كما أطلقه المصنف (رحمه الله)

قوله: «ولو قتل أباه وللقاتل ولد ورث جده إذا لم يكن هناك ولد للصلب، ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه».

لأن القرب الموجب للإرث متحقق، والمانع منتفٍ، ووجوده في الأب لا يصلح للمانعيّة في غيره؛ للأصل،﴿ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(3).

قوله: «ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعاً، وكان الميراث للإمام».

لوجود المانع في كلّ منهما الأول بالقتل والثاني بالكفر، فلو اتفق للكافر قريب للمقتول ورثه، ولم يمنع من إرثه وجود المانعين في الواسطتين، كما لا يمنع وجود الواحدة؛ للأصل.

ص: 301


1- راجع تبيين الحقائق، ج 6 ، ص 240؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 163، المسألة 4944
2- الكافي في فقه أهل المدينة، ص 560: التنبيه، ص 219؛ كفاية الأخيار، ص 396.
3- فاطر (35): 18

*ولو أسلم الكافر كان الميراث له، والمطالبة إليه. وفيه قول آخر.

وهنا مسائل :

الأولى:*

إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام

فله المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي وليس له العفو.

--------------

قوله: «ولو أسلم الكافر كان الميراث ،له والمطالبة إليه. وفيه قول آخر».

هذا مبنيّ على الخلاف السابق (1)حيث يكون الوارث الإمام هل يكون كالوارث الواحد نظراً إلى الظاهر، أو كالمتعدد قبل القسمة؛ عملاً بالرواية(2)، أو بالتفصيل بنقل التركة إلى الإمام وعدمه ؟ فعلى الأوّل لا شيء للمسلم بعد قتل مورّثه، وعلى الثاني - وهو الذي اختاره المصنف في الموضعين(3)- فالميراث له. وهو أجود.

قوله: «إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام »إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وذهب إليه الشيخ(4) ، وأتباعه (5)والمصنف وأكثر المتأخرين(6). والمستند صحيحة أبي ولاد عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام: «أنه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية»(7). وهو يتناول العمد والخطأ.

ص: 302


1- سبق في ص 289
2- الكافي، ج 7، ص 144، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 2: الفقيه، ج 4، ص 336 - 337، ح 5731: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369 ، ح 1316.
3- تقدم في ص 284 وما بعدها.
4- النهاية، ص 672 - 673 و 739.
5- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 162.
6- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 346؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
7- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 178، ح 696.

الثانية: * الدية في حكم مال المقتول يقضى منها دينه، ويخرج منها وصاياه، سواء قتل عمداً فأخذت الدية أو خطاً.

--------------

وذهب ابن إدريس إلى جواز عفوه عن القصاص والدية كغيره من الأولياء(1)، بل هو أولى بالعفو.

وله وجه وجيه، إلا أن صحة الرواية وذهاب معظم الأصحاب إلى العمل بمضمونها مع عدم المعارض تعيّن العمل بها.

قوله: «الدية في حكم مال المقتول، يقضى منها دينه» إلى آخره.

الدية في حكم مال المقتول وإن كان ثبوتها متأخراً عن الحياة التي هي شرط الملك؛ للنص(2)، ولأنّها عوض النفس فصرفها في مصلحتها أولى مما هو عوض المال والطرف، ومن أهم مصالحها وفاء الدين.

وربما قيل بأنه لا يصرف منها في الدين شيء لما أشرنا إليه من تأخر استحقاقها عن الحياة والدين كان متعلقاً بالذمة في حال الحياة وبالمال بعدها، والميت لا يملك بعد وفاته. وهو شاذ.

ونبه بالتسوية بين الواجبة بقتل الخطإ وبالعمد - إذا تراضيا على الدية - على خلاف بعضهم (3)حيث فرّق بين الديتين، فإنّ العمد إنّما يوجب القصاص وهو حق للوارث، فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه، فكانت أبعد عن استحقاق الميت من دية الخطا.

وعلى المشهور من تعلق الدين بالدية مطلقاً لو كان القتل عمداً وأراد الوارث الاقتصاص، فهل للديان منعه منه إلى أخذ الدية ليوفى منها دَيْنه؟ قولان أشهرهما العدم؛ لأنّ القصاص حقه، ولقوله تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ، سُلْطَنًا﴾(4).

وقال الشيخ لهم منعه حتى يضمن لهم الدين؛ لئلا يضيع حقهم(5)؛ استناداً إلى رواية

ص: 303


1- السرائر، ج 3، ص 336.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 377، ح 1347.
3- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 48 - 49.
4- الإسراء (17): 33
5- النهاية، ص 309.

الدية فی حکم مال المقتول

الثالثة: * يرث الدية كلّ مناسب ومسابب عدا من يتقرب بالأُمّ، فإن فيهم خلافاً.

--------------

أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام)(1) . والأظهر الأول.

قوله: يرث الدية كلّ مناسب ومسابب عدا من يتقرب بالأم، فإن فيهم خلافاً».

اختلف الأصحاب في وارث الدية على أقوال:

أحدها: أنّ وارثها من يرث غيرها من أمواله ذهب إليه الشيخ في المبسوط(2)وموضع من الخلاف(3)وابن إدريس في أحد قوليه (4)؛ لعموم آية أُولي الأرحام(5)، فإنّه جمع مضاف.

والثاني: أنه يرثها من عدا المتقرب بالأُمّ، ذهب إليه الشيخ في النهاية (6)وأتباعه(7)وابن إدريس في القول الآخر(8)؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «أن أمير المؤمنين (عليه السلام)قضى أنّ الدية يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دَيْن، إلا الإخوة من الأم والأخوات من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً»(9). ومثلها رواية محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام)(10) ، ورواية عبيد بن زرارة عن الصادق(عليه السلام)(11).

ص: 304


1- تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 316 ، ح 861
2- المبسوط، ج 5، ص 61.
3- الخلاف، ج 4، ص 114، المسألة 127.
4- السرائر، ج 3، ص 328.
5- الأنفال (8): 75: الأحزاب (33): 6.
6- النهاية. ص 673.
7- كابن البراج في جواهر الفقه، ص 168 ، المسألة 597 وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 330؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 371
8- السرائر، ج 3، ص 274 .
9- الكافي، ج 7، ص 139، باب مواريث القتلى ومن يرث من الدية ومن لا يرث، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 375 ، ح 1338 ، وفيها راوي الحديث هو سليمان بن خالد.
10- الكافي، ج 7، ص 139 باب مواريث القتلى ومن يرث من الدية ومن لا يرث، ح ه تهذيب الأحكام، ج 9، ص 375، ح 1340.
11- الكافي، ج 7، ص 139، باب مواريث القتلى ومن يرث من الدية ومن لا يرث، ح6: تهذيب الأحكام، ج 9. ص 376، ح 1343.

و من موانع الارث الرق

* ولا يرث أحد الزوجين القصاص، ولو وقع التراضي بالدية ورثا نصيبهما منها.

* وأما الرق فيمنع في الوارث وفي الموروث، فمن مات وله وارث حرّ وآخر مملوك فالميراث للحرّ ولو بعد، دون الرق وإن قرب.

--------------

وهذه الروايات دلت على حرمان الإخوة للأُمّ لا مطلق المتقرّب بها، وكأنهم عمموا الحكم فيهم؛ لثبوته فيهم بطريق أولى؛ لأنّ الإخوة أقرب من الأخوال وأولادهم، فحرمانهم يستلزم حرمانهم.

وهذا القول أجود؛ لصحة بعض رواياته، وكونها خاصةً والآية (1)عامة. ولو قيل بقصر الحكم فيها على موضع النصّ كان وجهاً.

والثالث: أنه يمنع المتقرّب بالأم والمتقرب بالأب وحده لا غير، وهو قول الشيخ في موضع آخر من الخلاف(2).

قوله: «ولا يرث أحد الزوجين القصاص، ولو وقع التراضي بالدية ورثا نصيبهما منها».

هذا موضع وفاق، وعُلّل بأنّ القصاص يثبت للولي للتشفّي، ولا نسب في الزوجية من حيث هي زوجيّة يوجبه.

وأما مع التراضي بالدية فهي مال فيلحقه حكم غيره من أموال المقتول فيرثان نصيبهما منها.

قوله: «وأما الرق فيمنع في الوارث وفي الموروث».

بمعنى أن الرق لا يرث مما تركه مورثه الحرّ شيئاً، بل هو لغيره من الورثة الأحرار. وعُدّل -مع النص(3)- بأنه لو ورث لكان الملك للسيد والسيد أجنبى من الميت، فلا يمكن توريثه منه. ولا يمكن القول بأنه يرث المملوك ثمّ يتلقاه السيد بحق الملك؛ لأن المملوك لا يقبل

ص: 305


1- الأنفال (8) 75 الأحزاب (33): 6
2- الخلاف، ج 5، ص 178 ، المسألة 41
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 43 - 45. الباب 16 من أبواب موانع الإرث من الكفر والقتل والرق.

* ولو كان الوارث رقاً وله ولد حرّ لم يمنع الولد برق أبيه.

ولو كان الوارث اثنين فصاعداً، فعتق المملوك قبل القسمة شارك إن كان مساوياً، وانفرد إن كان أولى.

--------------

الملك، ولو قبله لما زال عنه بغير سبب شرعي.

وأما منع الرق في جانب الموروث فواضح على القول بأنّه لا يملك شيئاً، ولكن لا يظهر للمنع على هذا التقدير صورة كما أن عدم ترك الميت مالاً أصلاً لا يعد مانعاً، وإنّما يظهر على القول بأنه يملك، والوجه حينئذٍ أنّه ملك غير مستقر يعود إلى السيد إذا زال الملك عن رقبته، كما إذا باعه.

ويستوي في ذلك الفن والمكاتب المشروط والذي لم يؤد شيئاً، والمدبّر وأُمّ الولد. فلا يرثون ولا يورثون .

وخالف في ذلك بعضهم، فذهب إلى أن المكاتب إذا مات عن وفاء فما يفضل عن النجوم لورثته ويموت حراً(1) . وقد تقدم البحث فيه(2).

قوله: «ولو كان الوارث رقاً وله ولد حرّ لم يمنع الولد برق أبيه».

لوجود المقتضي للإرث في الولد وهو القرابة، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا منع أبيه، وهو غير صالح للمانعيّة؛ لأنّ المانع هو الرقيّة في الوارث وهو منتف، كما مر في الكفر والقتل(3).

ويدلّ على هذا بخصوصه رواية مهزم عن أبي عبد الله(عليه السلام) في عبد مسلم وله أُمّ نصرانية وللعبد ابن حرّ، قيل: أرأيت إن ماتت أُمّ العبد وتركت مالاً؟ قال: «يرثها ابن ابنها الحر»(4). الحديث.

ص: 306


1- قاله ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص117. المسألة 70: وأيضاً راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 132 - 133، المسألة 4926.
2- تقدم في ج 8، ص 464.
3- مرّ في ص 301.
4- الكافي، ج 7، ص 150، باب الرجل يترك وارثين أحدهما حرّ والآخر مملوك، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 337 ، ح 1214؛ الاستبصار، ج 4، ص 178، ح 672.

*ولو كان عتقه بعد القسمة لم يكن له نصيب وكذا لو كان المستحق للتركة واحداً لم يستحق العبد بعتقه نصيباً.

*وإذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك

اشتري المملوك من التركة وأعتق وأُعطي بقية المال، ويقهر المالك على بيعه.

--------------

قوله: « ولو كان عتقه بعد القسمة لم يكن له نصيب».

البحث هنا كالبحث في إسلام القريب، وقد دلّ على هذا الحكم بخصوصه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما

(عليهم السلام) ، وفيها : ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أُعتق بعد ما قسم فلا ميراث له»(1).

وقريب منها رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله(عليه السلام)(2) .

قوله: «وإذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك» إلى آخره.

هذا مذهب الأصحاب، ورواياتهم به مستفيضة عن عليّ وأهل بيته(عليهم السلام) (3)، ورواه العامة عن عليّ(عليه السلام) أيضاً (4)، وعن ابن مسعود(5)، وإن لم يعملوا به.

ولا فرق في المملوك بين القنّ والمكاتب والمدبّر وأُمّ الولد؛ لاشتراك الجميع في أصل الرقية وإن تشبث بعضهم بالحرية والنهي عن بيع أم الولد مخصوص بغير ما فيه تعجيل عتقها؛ لأنه زيادة في مصلحتها التي نشأ منها المنع من البيع، فيصح هنا بطريق أولى.

ولو كان المكاتب المطلق قد أدى شيئاً وعتق منه بحسابه فك الباقي وإن كان يرث بجزئه الحر؛ لأن ما قابل جزء الرق من الإرث بمنزلة ما لا وارث له، ويتولى الشراء والعتق الحاكم، فإن تعذر وجب على غيره كفاية.

ص: 307


1- الكافي، ج 7، ص 144، باب آخر في ميراث أهل الملل، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 369 ، ح 1318.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 336، ح 1210.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 49 - 54، الباب 20 من أبواب موانع الإرث من الكفر والقتل والرق.
4- راجع المحلى، ج 9، ص302.
5- حلية العلماء، ج 6، ص 266: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 131، المسألة 4923.

*ولو قصر المال عن ثمنه قيل: يفكّ بما وجد ويسعى في الباقي، وقيل: لا يفكّ ويكون الميراث للإمام، وهو الأظهر.

وكذا لو ترك وارثين أو أكثر، وقصر نصيب كلّ واحد منهم أو نصيب بعضهم عن قيمته لم يفكّ وكان الميراث للإمام.

--------------

وهل يكفي شراؤه عن الإعتاق، أم يتوقف على العتق بعده؟ وجهان، وظاهر قوله -كغيره(1)- «اشتري ... وأعتق» هو الثاني، ولا ريب أنه أولى.

وحيث يمتنع المالك من بيعه يدفع إليه قيمته السوقية لا أزيد وإن رضي بالبيع بالأزيد ويقوم ذلك مقام الشراء، ثم يعتق

قوله: «ولو قصر المال عن ثمنه قيل: يفك بما وجد ويسعى في الباقي» إلى آخره.

موضع الوفاق على الشراء في الجملة فيما إذا كانت التركة تفي بقيمة الرقيق متحداً كان أم متعدّداً، أما لو قصرت عن قيمته أو عن نصيب كل واحد في المتعدّد ففي فك ما أمكن منه قولان:

أحدهما - وهو المشهور - العدم، واختاره المصنّف والأكثر(2)؛ لأن الفك على خلاف الأصل من وجوه كثيرة، فيقتصر فيه على موضع اليقين ولأصالة عدم الوجوب، خرج منه ما إذا وفت التركة بالقيمة فيبقى الباقي.

والقول الثاني : أنّه يفكّ منه بحسبه؛ لعموم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(3)و «لا يسقط الميسور بالمعسور»(4) ؛

ص: 308


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 348؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 63، الرقم 6379.
2- منهم المفيد في المقنعة، ص 695 والشيخ في النهاية، ص 668: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 155؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 329
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 2658، ح 6858: صحيح مسلم، ج 4، ص 1830، ح 1337/130؛ سنن ابن ماجة. ج 1، ص 3، ح 2.
4- عوالي اللآلي، ج 4، ص 58، ح 205.

--------------

وهذا القول نقله الشيخ عن بعض أصحابنا(1) ، وكذا نقله ابن الجنيد(2)وغيره(3)، ولم يُعلم قائله. وهو قول متجه. وفي المختلف:

إنه ليس بعيداً من الصواب؛ لأنّ عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأُمور المطلوبة شرعاً، فيساويه في الحكم(4). ويقوى هذا القول فيما ورد النص(5) والاتفاق على فكه كالأبوين؛ لما ذكرناه من الوجه(6). ويضعف في غيره؛ لما ذكروه.

ولو كان القريب الرقيق متعدداً متساوي الدرجة وقصرت التركة عن شراء الجميع ووفت ببعضهم فعلى هذا القول يشترى من كلّ واحد جزء بحسب سهمه.

وعلى المشهور يحتمل فكّ واحد بالقرعة؛ لإمكان عتق القريب وامتثال الأمر، والقرعة ترفع الاشتباه الحاصل بين المتعدد، وترجح الخارج بمرجح.

والأشهر - وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة - العدم؛ لأن الوارث هو المجموع ولم تف التركة بقيمته الذي هو شرط وجوب الفك لا كلّ واحد.

ويقوى الإشكال لو وفى نصيب البعض بقيمته دون الآخر؛ لصدق عدم وفاء التركة بقيمة الوارث، ووفاء النصيب بقيمة مستحقة ولو بالقوة. وفي عتقه قوة؛ لوجود قريب يرث على تقدير حريته ونصيبه يفي بقيمته فانتفى المانع من جهته، وانتفى عتق غيره؛ لوجود المانع.

وقوله «أو نصيب بعضهم عن قيمته لم يفكّ» يحتمل عود الضمير المستتر في الفعل إلى

ص: 309


1- النهاية، ص 668.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 80، المسألة 26.
3- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 155
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 80، المسألة 26.
5- راجع الكافي . ج 7 . ص 146 - 147 ، باب ميراث المماليك، ح 1 - 2 و 5 و 7؛ والفقيه، ج 4، ص 339، ح 5734: وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 333 - 334 ، ح 1196 و 1199 - 1200.
6- في حاشية «و»: «وهو الأمر بفكه، فيتناوله عموم: إذا أمرتكم بأمر إلى آخره بخلاف ما لا نص فيه، فإنّه لا أمر فيه وإنّما هو مستنبط منه( رحمه الله)».

* ولو كان العبد قد انعتق بعضه ورث من نصيبه بقدر حريته، ومنع بقدر رقيته. وكذا يورث منه. وحكم الأمة كذلك.

--------------

من قصر نصيبه عن قيمته فيفهم منه فك الآخر كما اخترناه، وأن يعود إلى المجموع، كما يتعين عوده إليه حيث يقصر النصيب عن كلّ واحد؛ فإنّه خبر عن الأمرين.

قوله: «ولو كان العبد قد انعتق بعضه ورث من نصيبه بقدر حريته» إلى آخره.

المراد بإرثه بقدر حريته أن يقدّر لو أنه كله حرّ فما يستحقه على هذا التقدير يكون له منه بنسبة ما فيه من الحرّية إلى الجميع (1)، فلو كان للميت ابنان نصف أحدهما حرّ فله ربع التركة؛ لأنّ له على تقدير حريته النصف، فيكون له نصفه. ولو لم يكن له ولد سواه كان له على تقدير الحرّية جميع المال فله نصفه، والنصف الآخر لمن بعده من الطبقات إن اتفق كالأخ؛ لأنّ المبعض بالنسبة إلى ما زاد عن نصيب الحرّية ليس بوارث، فلا يمنع الأبعد من حيث إنّه وارث أقرب في الجملة.

ولو لم يكن هناك وارث في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة كان باقي التركة في مقابلة الجزء الرقّ بمنزلة ما لو لم يخلّف وارثاً، فيشترى الجزء الرق من التركة المتخلفة في مقابلته وإن قلنا: إنّه لا يشترى بعض المملوك؛ لأنّ شراء هذا الجزء يوجب تمام الحرية ولا يحصل به ضرر على المالك بالتبعيض، بخلاف شراء البعض وإبقاء الباقي رقاً. نعم، لو لم يف باقي التركة بهذا الجزء جاء فيه الخلاف السابق(2).

وأما كيفية الإرث منه بنسبة الحرّية ففيه وجهان:

أحدهما أنّ ما جمعه ببعضه الحرّ يتقسّط على مالك الباقي والورثة بقدر ما فيه من الرق

ص: 310


1- في حاشية «و»: «ويدلّ عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: «المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدى»،وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) في مكاتب توفّي وله مال، قال: «يحسب ميراثه على قدر ما أُعتق منه لورثته وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله». ويأتي حسنة محمد بن قيس، بل صحيحته أيضاً: «فقضى أنه يرث بحساب ما عتق». منه قدس سره». راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 275، ح 1000: وج 9، ص 349، ح 1254 و 1255.
2- سبق في ص 308.

مسألتان :

الأولى:* يفك الأبوان للإرث إجماعاً. وفي الأولاد تردّد، أظهره أنهم يفكون.

--------------

والحرية، فإذا كان نصفه حرّاً ونصفه رقيقاً فنصف ما جمعه بنصفه الحر للسيد ونصفه للورثة؛ لأنّ سبب الإرث الموت، والموت حل جميع بدنه و بدنه ينقسم إلى الرق والحرّية، فينقسم ما خلّفه.

وأصحهما: أنّه يورث جميع ما ملكه بنصفه الحرّ؛ لأنّ مالك الباقي قد استوفى نصيبه بحق الملك، فلا سبيل له على الباقي، وإنّما تظهر فائدة الإرث بالنسبة مما ترك على تقدير أن يكون قد اكتسب بجميعه مالاً ، ولم يحصل للمالك منه شيء، فيكون ما اكتسبه مقسوماً على نسبة الرقيّة والحرية.

وخالف جماعة من العامة في حكم المبعض، فحكم بعضهم بأنه لا يرث ولا يورث، بل يكون ما ملكه لمالك الباقي، كما لو كان كلّه رقيقاً(1) .

وقال بعضهم: إنه يرث ولا يورث(2). والأصح الأول.

وقد رووا عن ابن عبّاس أنّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال في العبد يعتق بعضه: «يرث ويورث على قدر ما عتق منه»(3)وعن على أنه« يحجب بقدر ما فيه من الرق».

قوله: «يفك الأبوان للإرث إجماعاً - إلى قوله - والأول أولى»(4).

وجوب فك الوارث متفق عليه في الجملة، وأما تعيينه بالخصوص فقد اتفق منه على فك الأبوين، واختلف فيمن عداهما على أقوال:

أحدها: المنع من عتق من عداهما، ذهب إلى ذلك سلار صريحاً (5)، وابنا بابويه ظاهراً (6)؛

ص: 311


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 7، ص 134 - 136. المسألة 4927؛ وروضة الطالبين، ج 5، ص 32.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 7، ص 134 - 136. المسألة 4927؛ وروضة الطالبين، ج 5، ص 32.
3- أورده بهذا اللفظ ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 136، المسألة 4927؛ والكافي في فقه أحمد، ج 2، ص 395؛ وورد بتفاوت في سنن أبي داود. ج 4. ص 194. ح 4582.
4- لم نعثر عليه، نعم، أورده ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 135، المسألة 4927 بهذا اللفظ: «ويحجب على قدر ما فيه من الحرّيّة».
5- المراسم ص 219
6- راجع المقنع، ص 506: وحكاه عن علي بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 78، المسألة 26.

وهل يفكّ مَنْ عدا الآباء والأولاد؟ الأظهر: لا. وقيل: يفك كلّ وارث ولو كان زوجاً أو زوجةً. والأوّل أولى.

--------------

وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

وثانيها: إضافة الأولاد إليهما خاصةً، وهو قول المفيد(1)وابن إدريس(2)وجماعة(3).

وثالثها: إضافة باقي الأقارب دون الأسباب كالزوجين. وهو قول ابن الجنيد (4)، والقاضي(5) وجماعة(6) .

ورابعها فكّ كلّ وارث وإن كان زوجاً أو زوجةً، وهو فتوى الشيخ في النهاية(7)وظاهر ابن زهرة(8) .

وأما النصوص فمنها حسنة عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام) : «أن أمير المؤمنين (عليه السلام)قضى في الرجل يموت وله أُمّم مملوكة وله مال أن تشترى أُمه من ماله، ويدفع إليها بقية المال، إذا لم يكن ذو قرابة له سهم في الكتاب»(9)، وهي دالة على حكم الاُم،وفي معناها غيرها(10).

ص: 312


1- المقنعة، ص 695
2- السرائر، ج 3، ص 272
3- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 396 - 397؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 432
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 77، المسألة 26.
5- المهذب، ج 2، ص 155.
6- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 503؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 349؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد. ج 4، ص 187.
7- النهاية، ص 668.
8- غنية النزوع، ج 1، ص 329.
9- الكافي، ج 7، ص 147 - 148، باب ميراث المماليك، ح : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 333 ، ح 1196؛ الاستبصار، ج 4، ص 175 ، ح 658.
10- الكافي، ج 7، ص 146 - 147، باب ميراث المماليك، ح 1 - 2 و 5: الفقيه، ج 4، ص 339، ح 5734: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 334 ، ح 1199 - 1200؛ الاستبصار، ج 4، ص 175 - 176 ، ح 661 - 662.

--------------

ومنها : حسنة جميل بن درّاج عن الصادق(عليه السلام) قال قلت له: الرجل يموت وله ابن مملوك، قال: يشترى ويعتق، ثمّ يدفع إليه ما بقي»(1).

ومثلها: رواية ابن أبي يعفور عن إسحاق قال: مات مولى لعلي بن الحسين(عليه السلام) فقال: انظروا هل تجدون له وارثاً ؟ فقيل له ابنتان باليمامة مملوكتان، فاشتراهما من مال الميت ثم دفع إليهما بقية الميراث(2).

وهما دالتان على حكم الأولاد، والأوّلتان أجود ما في الباب سنداً، والثالثة شاهد.

وقد دلّ على فكّ جميع الأقارب رواية عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله (عليه السلام)قال: «إذا مات رجل وترك أباه وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة أو أخاه أو أخته، وترك مالاً والميت حرّ يشترى مما ترك أبوه أو قرابته وورث ما بقي من المال»(3).

وفي رواية عبد الله بن طلحة عنه(عليه السلام) ذكر شراء الأخت (4)، لكن في طريق الروايتين ضعف، وفي الأُولى معه إرسال.

ودلّ على شراء الزوجة صحيحة سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله(عليه السلام) : «كان علي(عليه السلام) إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثمّ ورّتها»(5).

واستفيد حكم الزوج بطريق أولى؛ لأنه أكثر نصيباً وأقوى سبباً، ومن ثَمَّ ردّ عليه دونها.

ص: 313


1- الكافي، ج 7، ص 147. باب ميراث المماليك. ح 4؛ الفقيه، ج 4، ص 339، 5736؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 334. ح 1221.
2- الكافي، ج 7، ص 148. باب ميراث المماليك، ح 8: الفقيه، ج 4، ص 339 ، ح 5735: تهذيب الأحكام، ج 9،333، ح 1197: الاستبصار، ج 4، ص 175 ، ح 659.
3- الكافي، ج 7، ص 147، باب ميراث المماليك، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 334، ح 1202؛ الاستبصار، ج 4ص 176، ح 664.
4- الكافي، ج 7، ص 147، باب ميراث المماليك، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 333 - 334، ح 1198.
5- الفقيه، ج 3، ص 139. ح 3514؛ وج 4، ص 339 - 340، ح 5737: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 247 - 248، ح 894: وج 9، ص 337، ح 1213: الاستبصار، ج 4. ص 178 - 179 ، ح 674.

الثانية: * أم الولد لا ترث. وكذا المدبَّر لو كان وارثاً من مدبّره وكذا المكاتب المشروط، والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً.

ومن

لواحق أسباب المنع أربعة:

الأول:* اللعان سبب لسقوط نسب الولد

نعم، لو اعترف بعد اللعان الحق به ويرثه الولد وهو لا يرثه.

--------------

والشيخ (رحمه الله) في الاستبصار حمل رواية شراء الزوجة على التبرع؛ لأن الإمام يرد عليه فاضل نصيب الزوجة(1) .

وأجاب في المختلف بجواز وفاء الربع بقيمتها أو زيادته، فتشترى وتعطى بقية الربع(2).

وحيث كان بفك الزوجة نص صحيح، وكان حكم الزوج أولى بذلك كان باقي الأقارب كذلك، ويجعل ما تقدّم من النصوص شاهداً وإن ضعف طريقه، فالقول بفك الجميع قوي.

قوله: «أُمّ الولد لا ترث وكذا المدبَّر لو كان وارثاً من مدبّره» إلى آخره.

عدم إرث الثلاثة من قريبهم غير المولى واضح لبقائهم على الرق وإن تشبثوا بالحرية. وأما من المولى فالحكم في أُمّ الولد واضح أيضاً؛ لأن المفروض بقاء الولد بعد أبيه للمولى، وهو حاجب لها عن الإرث؛ لأنّها من مرتبة العمومة والخؤولة؛ ليحلّ وطؤها لقريبها.

وأمّا المدبّر ؛ فلأنه يعتق بعد وفاة سيده من يعتق بعد وفاة سيّده من ثلثه فانتقال التركة إلى غيره من الوراث سابق على حريته، وهذا يتم مع اتحاد الوارث، أما مع تعدده فالحكم بحريته سابق على القسمة، فيختص إن كان أولى ويشارك إن كان مساوياً.

وأما المكاتب؛ فلأنه لم ينعتق بالموت، فبقى على الرقية. وكما لا يرثون على هذه الحالة يفكون ليرثوا لتحقق الوصف. وقد تقدمت الإشارة إليه.

قوله: «اللعان سبب لسقوط نسب الولد» إلى آخره.

ص: 314


1- الاستبصار، ج 4 ، ص 179، ذيل الحديث 674.
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 80. المسألة 26
الثاني: میراث المفقود

الثاني:* الغائب غيبةً منقطعة لا يورث حتى يتحقق موته، أو تنقضي مدة لا يعيش مثله إليها غالباً، فيحكم لورثته الموجودين في وقت الحكم.

وقيل: يورّث بعد انقضاء عشر سنين من غيبته. وقيل: يدفع ماله إلى وارثه المليء. والأول أولى.

--------------

قد تقدّم فى بابه أنّ اللعان يقطع الزوجية ونسب الولد عن الأب فينتفي التوارث بين الزوجين وبين الزوج والولد(1) . واستثني من ذلك ما لو اعترف به بعد اللعان؛ فإنه حينئذ يرثه الولد دون العكس؛ لورود النص بذلك في روايات، منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال في الملاعن إذا أكذب نفسه إلى قوله: «فإن ادعاه أبوه الحق به، وإن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب»(2) .

وفي تعدي إرث الولد حينئذ إلى أقارب الأب مع اعترافهم أو مطلقاً أو عدمه مطلقاً أوجه أشهرها الأخير لحكم الشرع بانقطاع النسب فلا يعود، وإنّما ورثه الولد حينئذ بدليل من خارج. وقد تقدم البحث في ذلك(3) .

وإنما جعل اللعان من لواحق الموانع لا منها نفسها؛ لأنّ المنع من حيث انقطاع النسب، والكلام في الموانع على تقدير تحقق النسب، فيكون الولد مع اللعان كغيره من الأجانب.

قوله: «الغائب غيبةٌ منقطعة لا يورث - إلى قوله في وقت الحكم».

اختلف الأصحاب في حكم ميراث المفقود، فالمشهور بينهم خصوصاً المتأخرين منهم - أنّه يتربص به مدةً لا يعيش إليها مثله عادةً، فيحكم حينئذ بموته، ويرثه الأولى به عند الحكم بموته.

وهذا القول لا دليل عليه من جهة النصّ صريحاً، ولكنّه يوافق الأصل من بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت عادةً.

ص: 315


1- تقدّم في ج 8، ص 284 وما بعدها.
2- الكافي، ج 7، ص 160، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 339، ح 1219.
3- تقدم في ج 8، ص 287 - 288

--------------

وهذه المدة ليست مقدّرةً عند الجمهور، بل ربما اختلفت باختلاف الأزمان والأصقاع. وربما قدرها بعضهم بمائة وعشرين سنة(1) .

والظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها؛ فإنّ بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة، وهي المحكّم عندهم في ذلك لا الإمكان؛ لأنّه يتحقق بما هو أضعاف ذلك.

وعلى هذا القول لا يشترط حكم الحاكم بموته، بل يكفى مضي المدة المذكورة من حين ولادته في حق من يرث ماله وفي حق زوجته ونحو ذلك.

ولو مات لهذا المفقود قريب قبل الحكم بموته عزل له نصيبه منه، وكان بحكم ماله.

والقول بالحكم بقسمة ميراثه بعد عشر سنين لابن الجنيد، لكن قيّده بانقطاع خبره؛ لغيبته أو كونه مأسوراً، ولو كان فقده في عسكر قد شهدت هزيمته وقتل من كان فيه أو أكثر هم كفى مضى أربع سنين(2) .

وقد دلّ على الاكتفاء بعشر سنين رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) وقد سأله عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر، وماتت المرأة وليس يُعرف للابن خبر، فقال: «ينتظر به غیبته عشر سنين ثم يشترى» يعني نصيبه من دار أُمّه، فقلت: إذا انتظر به غیبته عشر سنين يحلّ شراؤها ؟ قال: «نعم»(3). وفي طريق الرواية سهل بن زياد.

وعمل المفيد (رحمه الله) بمضمونها في جواز بيع عقاره بعد المدة، وذهب إلى جواز اقتسام ورّاته الملاء مع ضمانهم له على تقدير ظهوره(4).

ويدلّ على هذا القول موثقة إسحاق بن عمار قال: سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده ولم يدر أين هو ؟ ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل

ص: 316


1- راجع المبسوط السرخسي، ج 30، ص 64 وحلية العلماء، ج 1، ص 278 - 279؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 207 - 208 ، المسألة 4973؛ وروضة الطالبين، ج 5، ص 35 - 36 .
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 110، المسألة 39.
3- الكافي، ج 7، ص 154، باب ميراث المفقود، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 390، ح 1391.
4- المقنعة. ص 706.
الثالث:میراث الولد حملاً

الثالث:* الحمل يرث بشرط انفصاله حيّاً، ولو سقط ميتاً لم يكن له نصیب.

--------------

حتى يجيء ...» قلت: فقد الرجل فلم يجئ، فقال: «إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فإن جاء هو ردّوه عليه»(1)والرواية مقطوعة.

وذهب المرتضى (رحمه الله) إلى أنه يحبس ماله أربع سنين ويطلب فيها في كلّ الأرض، فإن لم يوجد قسم ماله بين ورثته(2) ، ونحوه قال الصدوق وأبو الصلاح والحلبي(3). وقواه في الدروس(4) ، ومال إليه فى المختلف(5).

ويؤيّده ما تقدّم من الحكم باعتداد زوجته على هذا الوجه عدة الوفاة (6).

ورواية سماعة عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة»(7).

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «المفقود يتربص بماله أربع سنين ثمّ يقسّم »(8).

ويحمل مطلقها على ما لو بحث عنه فيها؛ جمعاً بينها وبين السابقة.

والمختار القول الأوّل وإن كان الأخير أيضاً متجهاً.

قوله: «الحمل يرث بشرط انفصاله حيّاً - إلى قوله - لا اختياراً».

ممّا الحق بموانع الإرث كون الولد حملاً؛ فإنّ إرثه مشروط بأمرين:

أحدهما: أن يحكم بوجوده عند موت المورّث، إما قطعاً بأن ولدته لدون ستة أشهر من

ص: 317


1- الكافي، ج 7، ص 155 ، باب ميراث المفقود، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 388 ، ح 1385.
2- الانتصار، ص 595 المسألة 326
3- الفقيه، ج 4، ص 330 ذيل الحديث 5710: الكافي في الفقه، ص 378؛ غنية النزوع ، ج 1، ص 332
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)
5- مختلف الشيعة، ج 9، ص 112، المسألة 39
6- تقدم في ج 7، ص 438 وما بعدها.
7- الكافي، ج 7، ص 155، باب ميراث المفقود، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 388 - 389، ح 1386.
8- الكافي، ج 7، ص 154، باب ميراث المفقود، ح 5: الفقيه، ج 4، ص 330، ح 5710.

ولو مات بعد وجوده حياً كان نصيبه لوارثه.

ولو سقط بجناية اعتبر بالحركة التي لا تصدر إلا من حي، دون التقلص الذي يحصل طبعاً لا اختياراً.

--------------

حين الموت حياً كاملاً، أو شرعاً بأن ولدته لأقصى مدة الحمل فما دون ولم توطأ في تلك المدة وطاً يصلح استناده إليه.

والثاني: أن ينفصل حياً ، فلو انفصل ميتاً فكأن لا حمل، سواء كان يتحرك في البطن أم لا، وسواء انفصل ميتاً أم بجناية جانٍ، وإن كانت الجناية توجب الدية أو الغرّة (1)وتصرف إلى ورثة الجنين؛ لأنّ إيجابها لا يتعيّن له بقدر الحياة، بل لدفع الجاني الحياة مع تهيّؤ الجنين لها.

ويشترط حياته عند تمام الانفصال، فلو خرج بعضه حياً ومات قبل تمام الانفصال فهو كما لو خرج ميتاً. ولو مات عقيب انفصاله فنصيبه لورثته.

وتعلم الحياة بصراخه، وهو الاستهلال، وبالبكاء والعطاس والتثاؤب وامتصاص الثدي ونحوها من الحركة الدالة على أنّها حركة حيّ، دون التقلص في العصب والاختلاج الذي يقع مثله للانضغاط.

ولا يشترط حياته عند موت المورّث، بل لو كان نطفة ورث بشرطه.

ولا يشترط استقرار حياته ولا استهلاله لجواز كونه أخرس، بل مطلق الحياة كما قررناه. وكما يحجب الحمل عن الإرث إلى أن ينفصل يحجب غيره ممن دونه؛ ليستبين أمره، كما لو كان للميت امرأة أو أمة حامل وله إخوة، فيترك الإرث حتى تضع.

نعم، لو طلبت الزوجة الإرث أعطيت حصة ذات الولد؛ لأنّه المتيقن بخلاف الإخوة. ولو كان هناك أبوان أعطيا السدسين ولو كان هناك أولاد أرجئ نصيب ذكرين؛ لندور الزائد، فإن انكشف الأمر بخلاف ما قدر استدرك زيادةً ونقصاناً.

ص: 318


1- في الحجريتين: «القود» بدل «الغرّة». والغرّة: العبد أو الأمة. لسان العرب، ج 5، ص 19، «غرر».
الرابع: *إذا مات وعليه دين يستوعب التركة

لم تنتقل إلى الوارث، وكانت على حكم مال الميت. وإن لم يكن مستوعباً انتقل إلى الورثة ما فضل، وما قابل الدين باقٍ على حكم مال الميت.

--------------

قوله: «إذا مات وعليه دين يستوعب التركة لم تنتقل إلى الوارث» إلى آخره.

إنما لم تنتقل التركة مع وجود الدين إلى الوارث؛ لأنّ الله تعالى جعل الإرث بعد الدين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنِ﴾(1) ، فإذا كان الدين مستوعباً لم يتحقق الإرث؛ إذ ليس بعده شيء يورث. وإن لم يستوعب فالفاضل عنه ينتقل إلى الوارث؛ عملاً بظاهر الآية، وهذا اختيار الشيخ(2)والأكثر.

وقيل: ينتقل إلى الوارث مطلقاً، لكنّه يمنع من التصرف فيها إلى أن يوفي الدين(3)؛ لاستحالة بقاء ملك بغير مالك، والميت لا يقبل الملك والديّان لا تنتقل إلى ملكهم إجماعاً ولا إلى غير الوارث، فتعيّن انتقالها إلى الوارث وتُحمل الآية على الملك المستقرّ بعد الدين والوصية، جمعاً بين الأدلّة. وهذا أقوى.

وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بين الوفاة ووفاء الدين، فعلى مذهب المصنّف يتبع العين في تعلّق الدين به، وتقديمه على حق الوارث، وعلى الثاني يكون للوارث مطلقاً.

فعلى ما اخترناه يُمنع الوارث من التصرّف في التركة -كمنع الراهن من التصرف في ماله المرهون - إلى أن يوفي الدين منها أو من غيرها، وهو مخير في جهات القضاء.

ولو لم يستوعب التركة ففي منعه من التصرف مطلقاً، أو فيما قابل الدين خاصة، وجهان، أجودهما الثانى لكن يكون التصرف مراعى بوفاء الباقى بالدين، فلو قصر لتلف أو نقص لزم الوارث الإكمال، فإن تعذر الاستيفاء منه ففي تسلّط المدين أو الحاكم على نقض تصرّفه اللازم في الزائد وجهان أجودهما ذلك.

ص: 319


1- النساء (4): 11.
2- النهاية، ص 619.
3- قاله العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 150 ، المسألة 118؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 67 ، الرقم 6386: وقواعد الأحكام، ج 3، ص 354.

المقدمة الثالثة * في الحجب

اشارة

الحجب قد يكون عن أصل الإرث، وقد يكون عن بعض الفرض.

کل مرتبه من مراتب الارث تمنع المرتبه التی بعدها من الارث

فالأول* ضابطه مراعاة القرب. فلا ميراث لولد ولد مع ولد، ذكراً كان أو أنثى، حتى أنه لا ميراث لابن ابن مع بنت ومتى اجتمع أولاد الأولاد -وإن سفلوا - فالأقرب منهم يمنع الأبعد.

* ويمنع الولد من يتقرب بالأبوين أو بأحدهما، كالإخوة وبنيهم، والأجداد وآبائهم، والأعمام والأخوال وأولادهم. ولا يشارك الأولاد في الإرث سوى الأبوين والزوج أو الزوجة. فإذا عدم الآباء والأولاد فالإخوة والأجداد. ويمنع الأخ ولد الأخ ولو اجتمعوا بطوناً متنازلةٌ فالأقرب أولى من الأبعد.

--------------

قوله: «في الحجب».

هو لغة المنع(1) ، وشرعاً منع مَنْ قام به سبب الإرث بالكلية، أو من أوفر حظه ويسمّى الأوّل حجب حرمان، والثاني حجب نقصان. وسيأتي تفصيل الجميع.

قوله: ضابطه مراعاة القرب. فلا ميراث الولد ولد مع ولد» إلى آخره.

هذا موضع وفاق بين الإمامية، وأخبارهم به مستفيضة.

وخالف فيه العامة، فورّثوا أولاد الابن- ذكراً أو أنثى - مع البنت مطلقاً، ومع البنتين فصاعداً إذا كان ولد الابن ذكراً. ولو كان الولد للصلب ذكراً حجب ولد الولد مطلقاً بإجماع المسلمين.

قوله: «ويمنع الولد من يتقرب بالأبوين - إلى قوله الزوج أو الزوجة».

هذا على تقدير كون الولد ذكراً موضع و فاق بين المسلمين أيضاً. وإن كان أنثى فأولويّته من غيره من الإخوة فمن بعدهم مذهب الأصحاب.

ص: 320


1- راجع لسان العرب، ج 1، ص 298؛ والمصباح المنير، ص 121، «حجب».

ويمنع الإخوة وأولادهم - وإن نزلوا - من يتقرب بالأجداد من الأعمام والأخوال وأولادهم. ولا يمنعون آباء الأجداد، فإنّ الجد وإن علا جد. لكن لو اجتمعوا بطوناً متصاعدةً فالأدنى إلى الميت أولى من الأبعد.

والأعمام والأخوال وأولادهم - وإن نزلوا - يمنعون أعمام الأب وأخواله. وكذا أولاد أعمام الأب وأخواله يمنعون أعمام الجد وأخواله. ويسقط من يتقرب بالأب وحده مع من يتقرب بالأب والأم مع التساوي في الدرج.

والمناسب وإن بعد يمنع مولى النعمة. وكذا وليّ النعمة أو من قام مقامه في ميراث المعتق يمنع ضامن الجريرة. وضامن الجريرة يمنع الإمام.

وأمّا

الحجب عن بعض الفرض

فائنان حجب الولد، وحجب الإخوة.

*أما الولد فإنه وإن نزل - ذكراً كان أو أنثى - يمنع الأبوين عمّا زاد عن السدسين، إلا مع البنت أو البنتين فصاعداً مع أحد الأبوين.

ويحجب أيضاً الزوج والزوجة عن النصيب الأعلى إلى الأخفض.

--------------

وخالف فيه العامة، وجعلوا ما زاد عن النصف مع البنت وعن الثلثين مع البنتين فصاعداً للأخ فمن بعده: بناءً على أصل التعصيب. وسيأتي البحث فيه (1).

قوله: «أما الولد فإنّه وإن نزل إلى قوله مع أحد الأبوين».

لأنّ البنت والبنتين فصاعداً مع أحد الأبوين لا تفي سهامهم بالفريضة، فيرد الزائد عليهم على حسب سهامهم، فيزيد نصيب أحد الأبوين عن السدس لذلك. وكذا القول في البنت الواحدة مع الأبوين معاً.

وخالف في ذلك ابن الجنيد، فحكم بحجب البنتين أحد الأبوين عمّا زاد عن السدس، وجعل ردّ السدس الزائد مختصاً بهما(2) ؛ استناداً إلى رواية أبي بصير عن الصادق(عليه السلام) في

ص: 321


1- يأتي في التعصيب، ص 345 وما بعدها.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 118. المسألة 43.

* وللزوج والزوجة ثلاث أحوال:

سهم الزوجین اذا لم یکن الفريضة ولد

الأولى: أن يكون في الفريضة ولد وإن سفل، فللزوج الربع وللزوجة الثمن.

--------------

رجل مات وترك ابنتيه وأباه، قال: «للأب السدس وللابنتين الباقي»،(1) ولأن البنتين يدخل عليهما النقص بدخول الزوجين، فيكون الفاضل لهما كالابن.

وأجيب بضعف سند الرواية(2)، فإنّ في طريقها الحسن بن سماعة. ومعارضتها برواية ابن بكير عن الباقر(عليه السلام) في رجل ترك ابنته وأمّه : «أنّ الفريضة من أربعة؛ لأنّ للبنت ثلاثة أسهم، وللأُمّ السدس سهم، وما بقي سهمان فهما أحق بهما من العم ومن الأخ والعصبة؛ لأنّ الله تعالى قد سمى لهما، ومن سمّى لهم فيرد عليهما بقدر سهامهما»(3) وهذه العلة موجودة في الابنتين وأحد الأبوين وبأنّ الفاضل لابد له من مستحق، وليس غير هؤلاء أقرب ولا أولوية لبعضهم دون بعض، فتعين الجميع على النسبة.

قوله: «وللزوج والزوجة ثلاث أحوال - إلى قوله - وللزوجة الثمن».

استحقاقهما الربع أو الثمن مع الولد هو مدلول الآية، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ﴾(4) ، ثمّ قال تعالى:﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ﴾(5). وأما قيام ولد الولد مقام الولد هنا فلدخوله فيه في غيره من أبواب الإرث كقوله تعالى:﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(6)وغيره(7) . وقد تقدم في الوقف والوصيّة (8)خلاف في ذلك، وأن القول الراجح أنّه ليس ولداً حقيقةً، وكأنّ هذا خارج

ص: 322


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 274، ح 990.
2- أجاب به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 118، المسألة 43.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 273، ح 988
4- النساء (4): 12
5- النساء (4): 12
6- النساء (4): 11
7- كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية إسحاق بن عمار. يأتي تخريجهما في ص 370، الهامش 4 و 5.
8- تقدّم في ج 5، ص 100. ولم نعثر عليه في الوصية.

الثانية: أن لا يكون هناك ولد ولا ولد ولد وإن نزل* فللزوج النصف وللزوجة الربع ولا يعال نصيبهما؛ لأن العول عندنا باطل.

--------------

بالإجماع، فقد ادّعاه جماعة(1) هنا، فيكون هو المستند.

قوله: «فللزوج النصف وللزوجة الربع. ولا يعال نصيبهما؛ لأن العول عندنا باطل».

الحكم بأن نصيبهما لا يعال ثابت على تقدير مجامعتهما للولد وعدمه، وإن كانت العبارة توهم اختصاص الحكم بالثاني حيث عقبه به؛ وذلك لأنّ الجمهور يحكمون بالعول حيث يزيد السهام عن الفريضة، وهو كما يتحقق مع عدم الولد كما لو كان هناك أُختان للأبوين وزوج، فإنّ للأُختين الثلثين وللزوج النصف، فتعول الفريضة بواحد؛ لأنّ أصلها ستة للأختين أربعة وللزوج ثلاثة - كذلك تعول على تقدير مجامعتهما للأولاد، كما إذا كان الوارث بنتين وأبوين مع زوج أو زوجة، فإنّ البنتين والأبوين سهامهما تستغرق الفريضة. فيعول نصيب أحد الزوجين بتمامه، فعندنا لا تعول الفريضة، بل يدخل النقص على من تقرب بالأب كالأختين في الأولى، وعندهم يزاد العائل على الفريضة ويقسم كذلك. وسيأتي البحث فيه(2).

وقد دلّ على عدم العول على تقدير الزيادة بنصيب الزوجين مع الولد - من الأخبار صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها، قال:« للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، وللأبوين لكلّ واحد منهما السدس سهمان من اثني عشر سهماً [...] لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً، وأنّ الزوج لا ينقص من الربع شيئاً»(3).

ص: 323


1- منهم الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 51 المسألة 57: وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 323؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 240 .
2- يأتي في العول، ص 356 وما بعدها.
3- الكافي، ج 7، ص 96 - 97، باب ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 288 ح 1042.

سهم الزوجین اذا لم یکن هناک وارث اصلاً

الثالثة:* أن لا يكون هناك وارث أصلاً من مناسب ولا مسابب، فالنصف للزوج، والباقى ردّ عليه، وللزوجة الربع.

وهل يردّ عليها ؟ فيه أقوال ثلاثة أحدها يردّ والآخر: لا يردّ والثالث: يردّ مع عدم الإمام، لا مع وجوده. والحق أنه لا يرد.

--------------

وحسنة عمر بن أذينة قال قلت لزرارة: إني سمعت محمد بن مسلم وبكيراً يرويان عن أبي جعفر(عليه السلام) في زوج وأبوين وبنت للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً، وبقي خمسة أسهم فهو للبنت؛ لأنها لو كانت ذكراً لم يكن له غير خمسة من اثني عشر، وإن كانت اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهماً؛ لأنهما لو كانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقى خمسة»، فقال زرارة: هذا هو الحق إذا أردت أن تلقى العول فتجعل الفريضة لا تعول، فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والأخوات من الأب والأم، فأما الزوج والإخوة للأُم فإنهم لا ينقصون ممّا سمّى الله شيئاً(1). وغيرهما من الأخبار الكثيرة(2) .

قوله: «أن لا يكون هناك وارث أصلاً من مناسب ولا مسابب» إلى آخره.

البحث هنا يقع في موضعين:

الأوّل: في الردّ على الزوج والمشهور بين الأصحاب ثبوته مطلقاً، بل ادّعى جماعة منهم الشيخان(3)والمرتضى(4) ، فيه الإجماع، ومن ثُمَّ لم ينقل المصنّف (رحمه الله) فيه خلافاً.

ص: 324


1- الكافي، ج 7، ص 96، باب ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح 1: الفقيه، ج 4، ص 265 - 266 ، ح 5618: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 288، ح 1041.
2- الكافي، ج 7، ص97، باب ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 288 - 290، ح 1043.
3- الشيخ المفيد في الإعلام، ص 55 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ج 9)؛ والشيخ الطوسي في الخلاف، ج 4، ص 116، المسألة 130؛ والمبسوط، ج 3، ص 286.
4- الانتصار. ص 584. المسألة 318

--------------

والمستند - مع الإجماع - الأخبار الكثيرة ، كصحيحة أبي بصير قال : كنت عند عبدالله فدعا بالجامعة فنظر فيها فإذن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره « المال له كلّه»(1).

وصحيحته أيضاً قال: قرأ علَيَّ أبو عبد الله(عليه السلام) فرائض عليّ(عليه السلام) فإذا فيها:«الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره»(2) .

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) في امرأة توفيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج فقال: «الميراث لزوجها»(3). وغيرها من الأخبار الكثيرة(4) .

ويظهر من كلام سلار عدم الردّ عليه مطلقاً؛ لأنه قال في رسالته:

وفي أصحابنا مَنْ قال : إذا ماتت امرأة ولم تخلّف غير زوجها فالمال كله له بالتسمية والردّ(5).

ويلزم من القول بعدم الرد على الزوج كون الباقي للإمام؛ إذ لا وارث له حينئذ سواه،وهذا يدل على استضعافه الرد. ويمكن الاحتجاج له بأن الأصل عدم استحقاق ذوي الفروض زيادة عليها إلا بحجة تقتضيه

والأصل في الردّ آية أولي الأرحام(6)، والرحميّة منتفية عن الزوج من حيث هو زوج.

ص: 325


1- الكافي، ج 7، ص 125، باب المرأة تموت ولا تترك إلا زوجها، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294، ح 1053؛ الاستبصار، ج 4، ص 149، ح 561.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294، ح 1052: الاستبصار، ج 4، ص 149، ح 560.
3- الكافي، ج 7، ص 125، باب المرأة تموت ولا تترك إلا زوجها. ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294، ح 1051؛ الاستبصار، ج 4، ص 149، ح 559 .
4- الكافي، ج 7، ص 125 - 126، باب المرأة تموت ولا تترك إلا زوجها، 3 - 7: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294 - 295 . ح 1050 و 1054 - 1056: الاستبصار، ج 4، ص 148 - 149 ، ح 558 و 562 و 564 و 0568
5- المراسم، ص 222 .
6- الأنفال :(8): 75: الأحزاب (33): 6.

--------------

ويؤيده رواية جميل بن درّاج - في الموثق - عن الصادق(عليه السلام) قال: «لا يكون رد على زوج ولا زوجة»(1).

وله أن يطعن في صحة الأخبار السابقة وإن كثرت؛ لأنّ محمّد بن قيس وأبا بصير مشتركان بين الثقة والضعيف كما بيّناه مراراً، وصحتهما بالإضافة إلى غيرهما.

والشيخ (رحمه الله) جمع بين الأخبار بالقول بموجب الخبر الأخير، فإنّا لا نعطي الزوج المال كله بالرد، بل نعطيه النصف بالتسمية والباقي بإجماع الطائفة، والرد المنفي هو ردّ ذوي الأرحام(2). وكيف كان، فالمذهب هو الأول.

الثاني: الردّ على الزوجة حيث لا وارث غيرها. وفيه أقوال:

أحدها - وهو المشهور - عدمه مطلقاً؛ للأصل الدال على عدم الزيادة على المفروض.

ولرواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: «إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها الربع، وما بقي فللإمام»(3). وهو أعم من حال الغيبة وعدمها.

ورواية محمد بن مروان عن الباقر(عليه السلام) أيضاً في رجل مات وترك امرأته قال: «لها الربع. ويدفع الباقي إلى الإمام»(4). والمراد ب_«المرأة» هنا الزوجة قطعاً. وهي في عموم الدلالة كالسابقة.

ورواية محمد بن نعيم الصحاف قال: مات محمد بن أبي عمير وأوصى إلي وترك امرأةٌ ولم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح(عليه السلام) فكتب إلي: «أعط المرأة الربع، واحمل

ص: 326


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296، ح 1061؛ الاستبصار، ج 4، ص 149، ح 563.
2- الاستبصار، ج 4. ص 149، ذيل الحديث 563.
3- الفقيه، ج 4، ص 262، ح 5615؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 294 - 295، ح 1055: الاستبصار، ج 4، ص 149 - 150 ، ح 564.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296، ح 1060؛ الاستبصار، ج 4، ص 150، 567.

--------------

الباقي إلينا»(1)، وغيرها كموثقة جميل السابقة(2).

وهذه الأخبار مع كثرتها مشتركة في ضعف السند إلّا أنّها معتضدة مع الشهرة بالأصل، وإنّما يحتاج إليها شاهداً، ويحتاج إلى الدليل مثبت الرد.

واستدل الشيخ(3)والعلّامة(4) ، على هذا القول مضافاً إلى ما تقدم - بصحيحة علي بن مهزیار :قال: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني : مولى لك أوصى إلى بمائة درهم وكنت أسمعه يقول: كلّ شيء لي فهو لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر فيها بشيء، وله امرأتان، أما واحدة فلا أعرف لها موضعاً الساعة، وأما الأخرى بقم، ما الذي تأمر في هذه المائة درهم؟ فكتب : «انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل، وحقهما من ذلك التُمْن إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد فالربع، وتصدق بالباقي على مَنْ تعرف أن له حاجة إن شاء الله تعالى»(5).

واعترض الشهيد في الشرح بأنها - مع كونها مكاتبة - تدلّ على أن المائة له بسبب الإقرار الصادر عن الميت، ولعله علم بالحال، وأمره بإعطاء الزوجتين لا يدلّ على أنه إرث لهما(6).

وفيه نظر؛ لأنّ كون السهم المذكور حقاً لهما على التفصيل الذي يقتضيه الإرث يدلّ دلالة ظاهرة على أنه بطريق الإرث.

ص: 327


1- الكافي، ج 7، ص 126، باب الرجل يموت ولا يترك إلا امرأته ، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295 - 296 ح 1058: الاستبصار، ج 4، ص 150، ح 565.
2- سبقت في ص 326.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295، ذيل الحديث 1057.
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 61. المسألة 11.
5- الكافي، ج 7، ص 126 - 127، باب الرجل يموت ولا يترك إلا امرأته، ح 4: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296، ح 1059: الاستبصار، ج 4، ص 150 ، ح 566.
6- غاية المراد، ج 3، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

--------------

وثانيها: الردّ عليها مطلقاً كالزوج، وهو ظاهر المفيد؛ فإنّه قال في المقنعة : إذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا نسيب للميت ردّ باقي التركة على الأزواج(1) .

ويمكن استناده إلى صحيحة أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) أنه قال له: رجل مات وترك امرأته، قال: «المال لها فقال امرأته ماتت وتركت زوجها، قال: «المال له»(2).

وظاهرها كون الحكم في حال حضور الإمام لفرضه موت الرجل والمرأة حين سأل الباقر(عليه السلام) ، فيكون الحكم كذلك في حال الغيبة بطريق أولى، أو(3)يستدل بها من حيث العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

وهذا القول مع صحة روايته - شاذ مخالف للأصول لا يُنقل إلا عن المفيد في عبارة محتملة؛ لكون ذلك حكم الزوج خاصةً.

ويؤيده أنه قال في كتاب الإعلام :

واتفقت الإماميّة على أنّ المرأة إذا توفيت وخلفت زوجاً، لم تخلف وارثاً غيره من عصبة ولا ذي رحم أنّ المال كله للزوج النصف بالتسمية ، والنصف الآخر مردود عليه(4).

وقال ابن إدريس: إنّ المفيد (رحمه الله )رجع عن قوله المذكور في كتاب الإعلام(5).

وثالثها: التفصيل، وهو أنه يردّ عليها مع غيبة الإمام(عليه السلام)لا مع حضوره. ذهب إلى ذلك الصدوق ابن بابويه في الفقيه(6) ، وتبعه الشيخ في كتابي الأخبار(7). وفي النهاية أنه قريب

ص: 328


1- المقنعة، ص 691 .
2- تهذيب الأحكام ، ج 9، ص 295، ح 1056؛ الاستبصار ، ج 4، ص 150، ح 568، وفيهما: عن أبي عبد الله(عليه السلام)
3- في بعض النسخ والحجريتين: «و» بدل «أو».
4- الإعلام، ص 55 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد، ج 9).
5- السرائر، ج 3، ص 244
6- الفقيه، ج 4 ، ص 262 ، ذيل الحديث 5615.
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295، ذيل الحديث 1056؛ الاستبصار، ج 4. ص 150 - 151، ذيل الحديث 568.

--------------

من الصواب(1) ، واختاره أيضاً نجيب الدين بن سعيد في الجامع(2)، والعلّامة في التحرير والتلخيص والإرشاد(3)، والشهيد في اللمعة(4)، وجعلوه جامعاً بين الأخبار، بحمل ما دلّ على الردّ على حال الغيبة، والسابقة على حال الحضور؛ حذراً من إهمال الحديث الصحيح.

قال ابن إدريس ما قرّ به الشيخ فى ذلك أبعد مما بين المشرق والمغرب(5) ؛ لأن الجمع إنما يكون مع التعارض وإمكان الجمع، وهو منفي هنا؛ لأنّ فتوى الأصحاب لا يعارضها خبر الواحد، ومال الغير لا يحلّ بغيبته.

ومما قرّرنا نحن سابقاً لك أن تستدلّ على صدق ما ادعاه ابن إدريس من البعد والزيادة عنه بأنّ الخبر الصحيح دلّ على السؤال للباقر(عليه السلام)(6) وهو حي ظاهر عن رجل مات وترك امرأته، فكيف يحمل الجواب منه(عليه السلام) على حال غيبة الإمام المتأخرة عن الجواب بأزيد من مائة وخمسين سنة ؟! هذا هو الذي يقتضي البعد المذكور.

وأما ما ذكره من عدم التعارض فليس بجيّد؛ لأنّ فتوى الأصحاب مختلفة، والأخبار متعارضة، فلابد من مراعاة الجمع بينها لمن يعتبر خبر الواحد، خصوصاً مع صحته.

والشيخ حمل الخبر أيضاً على أن الزوجة قريبة للزوج، فترث الباقي بالقرابة(7) . واستشهد عليه برواية محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن رجل مات وترك امرأةٌ قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: «يدفع المال كله إليها»(8).

ص: 329


1- النهاية، ص 642.
2- الجامع للشرائع، ص 502.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 39، الرقم 6322؛ تلخيص المرام، ص 284 : إرشاد الأذهان، ج 2، ص 125
4- اللمعة الدمشقية، ص 300 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج13).
5- السرائر، ج 3، ص 243.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295، ح 1056: الاستبصار، ج 4، ص 150، ح 568، وفيهما: عن أبي عبدالله(عليه السلام)
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295 ، ذيل الحديث 1056؛ الاستبصار، ج 4، ص 151. ذيل الحديث 568.
8- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 295، ح 1075؛ الاستبصار، ج 4، ص 151، ح569.

*وأمّا حجب الإخوة فإنّهم يمنعون الأُمّ عمّا زاد على السدس بشروط أربعة: [الأوّل]: أن يكونوا رجلين فصاعداً، أو رجلاً وامرأتين، أو أربع نساء.

--------------

قوله: «وأمّا

حجب الإخوة فإنّهم يمنعون الأم عما زاد على السدس

إلى آخره.

حجب الاخوه للام عما زاد علی السدس

حجب الأم عن الثلث إلى السدس بالإخوة المذكورين إذا كانوا ثلاثة فصاعداً هو المعلوم من مدلول قوله تعالى: ﴿ فَلِأُمِّهِ الثُّلْتُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾(1).

وأما الاكتفاء باثنين ذكرين وبواحد واثنتين وبأربع أخوات فثابت بالسنة والإجماع، مع أنّ الاثنين يمكن دخولهما في صيغة الجمع حقيقةً على قول بعض الأصوليين وأهل العربية(2)، ومجازاً على قول الأكثرين. ومثله واقع في القرآن(3).

وقد روي عن ابن عباس أنه كان يشترط كونهم ثلاثة فصاعداً، وأنه قال لعثمان حين حكم بحجبها باثنين كيف تردّها إلى السدس بالأخوين وليسا بإخوة في لغة قومك؟ فقال عثمان: لا استطيع ردّ شيء كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به(4).

أشار بذلك إلى إجماعهم عليه قبل أن يظهر ابن عباس الخلاف.

وقد روى الأصحاب - في الصحيح - عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «لا يحجب الأُمّ من الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات»(5).

وفي الحسن عن أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إذا ترك الميت أخوين فهم لا إخوة مع الميت حجبا الأم، فإن كان واحداً لم يحجب «الأم» وقال: «إذا كنّ أربع أخوات

ص: 330


1- النساء (4): 11
2- الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، ج 1، ص 421؛ ميزان الأصول، ج 1، ص 428: الإحكام في أصول الأحكام الأمدي ، ج 1 ، ص 435
3- الأنبياء (21) 78: الحج (22) 19: الشعراء :(26): 15: الحجرات (49): 9 - 10.
4- راجع المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 478، ح 8030؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 17، المسألة 4825؛ وتلخيص الحبير ، ج 3، ص 85، ذيل الحديث 1360.
5- الكافي، ج 7، ص 92، باب ميراث الأبوين مع الإخوة والأخوات ..... ح 4 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 282 ح 1019؛ الاستبصار، ج 4، ص 141، ح 527.

الثاني:* أن لا يكونوا كفرةً ولا رقاً. وهل يحجب القاتل؟ فيه تردّد، والظاهر أنه لا يحجب.

--------------

حجبن الأم من الثلث؛ لأنّهنّ بمنزلة أخوين، وإن كنّ ثلاثاً لم يحجبن»(1).

وفي حديث آخر عنه(عليه السلام) قال: «لا يحجب الأُمّ عن الثلث إلا أخوان أو أربع أخوات لأب لأب»(2).

وأما الاكتفاء بالذكر والأنثيين فمستفاد من الأمرين؛ لأن الواحد بمنزلة الاثنتين ،والاثنتين بمنزلة الواحد.

واعلم أن تعبير المصنّف بالرجلين والرجل والمرأتين والأربع نساء وقع على سبيل المثال، وليس بجيد.

ولو عبّر بالأخوين أو الذكرين والأختين أو الأنثيين كان أجود ليشمل الصغير منهما والكبير؛ للإجماع على عدم اشتراط الرجولية وما في معناها.

قوله: «أن لا يكونواكفرة ولا رقاً. وهل يحجب القاتل؟ فيه تردّد، والظاهر أنه لا يحجب».

لا خلاف بين أصحابنا في أنّ الأخ الكافر والمملوك لا يحجب الأم، وهو مروي - في الصحيح - عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا قال: «لا» (3). وكذلك روى الفضيل بن يسار عنه(عليه السلام) (4).

وأما القاتل فالمشهور أنّه مثلهما في عدم الحجب بل ادّعى الشيخ في الخلاف عليه الإجماع(5) لمشاركته لهما في العلة الموجبة للحكم.

ص: 331


1- الكافي، ج 7، ص 92، باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... ح 2: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 281، ح 1015: الاستبصار، ج 4. ص 141. ح 524.
2- الكافي، ج 7، ص 92، باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 281، ح 1017؛ الاستبصار، ج 4، ص 141، 526.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 284، ح 1027.
4- الفقيه، ج 4، ص 341 ، ح 5742: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 282 ، ح 1021، وفيهما: عن فضل بن عبدالملك.
5- الخلاف، ج 4، ص 32 - 33 ، المسألة 24.

* الثالث: أن يكون الأب موجوداً.

--------------

والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ذلك؛ مما ذكر، ومن عموم الآية(1) ، وصدق الإخوة على القاتل، ومنع التعدي؛ فإنّ العلة ليست منصوصةٌ بل مستنبطة، فيكون الإلحاق بها قياساً لا يقول الأصحاب به. والإجماع ممنوع؛ فإنّ الصدوقين(2) وابن أبي عقيل(3)قالوا بحجب القاتل. وعلّلوا حجب الإخوة بما روي من أنّهم عياله وعليه نفقتهم(4) ، ونفقة القاتل لا تسقط عن الأب، بخلاف المملوك، أما الكافر فقد تقدّم أنّ نفقته واجبة حيث يكون معصوم الدم(5) لكنه خرج بنص خاص(6)، فيبقى غيره على الأصل.

قوله: «الثالث: أن يكون الأب موجوداً».

اشتراط حياة الأب في حجب الإخوة الأم هو المشهور بين الأصحاب، ذكره الشيخ(7) والأتباع(8) وجميع المتأخرين.

وهو مروي بطريق ضعيف عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «الأم لا تنقص من الثلث أبداً إلا مع الولد والإخوة إذا كان الأب حيّاً»(9). وهو في موقوف زرارة (10) أيضاً، ويؤيّده التعليل بأنّ علّة الحجب التوفير على الأب لأجل نفقته وعياله.

ص: 332


1- النساء (4) :11
2- الفقيه، ج 4 ، ص 321، ذيل الحديث 5693 : وعنهما وعن المفيد الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 452.
3- الحاكي عنه هو العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 86، المسألة 28
4- الكافي، ج 7، ص 92 باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... ذيل الحديث : الفقيه، ج 4، ص 271، ذيل الحديث 5622: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 280، ح 1013.
5- تقدم في ج 7 . ص 186.
6- كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في ص 331.
7- النهاية، ص 632: المبسوط، ج 3، ص 288
8- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 128؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 387؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج1، ص 313؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 365.
9- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 282، ح 1020.
10- الكافي، ج 7، ص 92 باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... ذيل الحديث 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 80 ح 1013 : الاستبصار، ج 4، ص 145 . ح 545 .

--------------

وذهب بعض الأصحاب إلى عدم اشتراط ذلك، وهو الظاهر من كلام الصدوق؛ لأنه قال: لو خلّفت زوجها وأُمها وإخوة فللأم السدس والباقي يرد عليها(1). وهو يقتضي حجب الإخوة لها عما زاد عن السدس بطريق الفريضة، وإنّما يثبت لها الباقي بعموم آية أولي الأرحام(2). وهي غير مشروطة بذلك.

ويدلّ على هذا القول عموم قوله تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾(3) ، وضعف الروايات المخرجة عن حكم الأصل بالحجب .

ويمكن الجواب عن دلالة الآية بأن سياقها يدل على أن حجب الإخوة لها مفروض فيما لو ورثه أبواه المستلزم لوجود الأب؛ لأنّه تعالى قال: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(4)، فجعل لها السدس مع الإخوة حيث يرثه أبواه، فلا يثبت الحجب بدون ذلك؛ عملاً بالأصل، ويبقى الخبر شاهداً وإن كان ضعيفاً. وهذا حسن.

نعم، روى زرارة أيضاً بسند يقرب من الصحة عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال قلت له امرأة تركت زوجها وأُمّها وإخوتها لأمها وإخوة لأبيها وأُمها، فقال: «لزوجها النصف، ولأُمّها السدس، وللإخوة من الأُمّ الثلث، وسقط الإخوة من الأُم والأب»(5).

وروي عنه أيضاً بهذا الطريق في أمّ وأخوات لأب وأم وأخوات لأمّ أنّ للأُمّ السدس ،ولكلالة الأب الثلثين ، ولكلالة الأمّ السدس(6).

وهما يدلان على حجب الإخوة الأُمّ مع عدم الأب، إلا أنهما متروكتا العمل بإجماع الطائفة؛ لا تفاقهم على أنّ الإخوة لا يرثون مع الأُمّ مطلقاً. نعم، هو مذهب العامة.

ص: 333


1- الفقيه، ج 4 ، ص ،271. ذيل الحديث 5622.
2- الأنفال :(8) 75 الأحزاب (33): 6
3- النساء (4): 11.
4- النساء (4): 11.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 321، ح 1152: الاستبصار، ج 4. ص 146، ح 549.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 320، ح 1149: الاستبصار، ج 4، ص 146، ح 550

الرابع: * أن يكونوا للأب والأم أو للأب.

*وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملاً تردّد أظهره أنّه شرط.

--------------

وحملهما الشيخ على أحد أمرين: التقيّة أو إلزامهم بمعتقدهم(1)، بمعنى أنّ الأُمّ لو كانت ترى(2) ذلك جاز للأخوات التناول؛ للنص الوارد عنهم(عليهم السلام) بجواز إلزامهم بمعتقدهم في ذلك ونظائره(3) .

قوله: «أن يكونوا للأب والأم أو للأب».

هذا الشرط عندنا موضع ،وفاق، ورواه زرارة (4)وعبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «أنّ الإخوة من الأم لا يحجبون الأم»(5). ولكن في الطريق ضعف، والآية(6) عامة، والعامة أخذوا بعمومها.

قوله: «وفی اشتراط وجودهم منفصلين لا حملاً تردّد أظهره أنّه شرط».

المشهور اشتراط انفصالهم؛ للشك في تحقق الإخوة قبل ذلك، ولا نتفاء العلة، وهي إنفاق الأب عليهم.

ويدلّ عليه خصوص رواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الطفل والوليد لا يحجب ولا يرث إلا ما أذن بالصراخ ولا شيء أكنه البطن وإن تحرّك إلا ما اختلف عليه الليل والنهار»(7).

ص: 334


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 321، ذيل الحديث 1152: الاستبصار، ج 4، ص 147، ذيل الحديث 551
2- في الحجريتين: «ترث» بدل «ترى».
3- الفقيه، ج 3، ص 406 - 407، ح 4423 - 4424: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 57 - 59، ح 186 - 193؛ الاستبصار، ج 3، ص 291 - 293، ح 1027 - 1035.
4- الكافي، ج 7، ص 93، باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 280 - 281 ح 1014.
5- الكافي، ج 7، ص 93، باب ميراث الأبوين مع الإخوة .... 6؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 281 - 282، ح 1018.
6- النساء (4): 11
7- الفقيه، ج 4، ص 272، ح 5623: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 282، ح 1022

*ولا يحجبها أولاد الإخوة . ولا من الخناثى أقل من أربعة؛ لاحتمال أن يكونوا إناثاً.

--------------

والمصنّف (رحمه الله) تردد في ذلك، مما ذكر، ومن عموم حجب الإخوة، وأصالة عدم اشتراط الانفصال والقائل بهذا غير معلوم.

نعم، في الدروس نسب عدم حجب الحمل إلى قول(1)مشعراً بضعفه، وكثير منهم لم يتعرّضوا للخلاف.

قوله: «ولا يحجبها أولاد الإخوة».

لعدم صدق كونهم إخوة الذي هو شرط الحجب، ولأصالة عدمه، مع عموم دليل الإرث(2)للثلث، إلا ما أخرجه الدليل.

قوله: «ولا من الخناثى أقل من أربعة؛ لاحتمال أن يكونوا إناثاً».

لما كان شرط حجب الإخوة أن يكونوا أخوين أو أربع أخوات أو ما تركب من الأمرين وكان الخنثى ليس طبيعةً ثالثة بل منحصراً في الذكر والأنثى، وإنما حاله مشتبه لم يتحقق الشرط فيهم بدون الأربع؛ لاحتمال أن يكونوا إناثاً.

واحتمل في الدروس قوياً القرعة؛ للاشتباه(3)، وهي لكلّ أمر مشتبه(4).

والأظهر ما اختاره المصنف رحمه الله)؛ لأصالة عدم الحجب إلا مع وجود الإخوة وهو غير متحقق هنا؛ لأنّ الخنثى لا يقال له: أخ حقيقةً، ولما لم يقصر عن كونه أختاً فالقدر المعلوم من حكمه مساواته لها .

ص: 335


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 291 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- النساء (4) :11
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593: وج 9، ص 258، ح 970، وفيه: «كل مجهول ففيه القرعة».

المقدمة الرابعة في مقادير السهام واجتماعها

اشارة

*السهام ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس .

سهم النصف

*فالنصف نصيب الزوج مع عدم الولد وإن نزل، وسهم البنت والأخت للأب والأُم، أو الأُخت للأب.

--------------

قوله: «السهام ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس».

أي السهام المفروضة للوارث في الكتاب العزيز ستة، ويعبر عنها بعبارات أطولها وأوضحها ما ذكره المصنف.

ومنها: النصف، ونصفه، ونصف نصفه والثلثان، ونصفهما، ونصف نصفهما.

ومنهم من جعلها خمسةً؛ لأنّ الثلثين تضعيف الثلث وهما نصيب البنتين فصاعداً، فلا ينفردان باسم .

وفيه أن مستحقهما إذا كان ثلاثة فصاعداً لا يكون لكلّ واحد ثلث، بل للمجموع الثلثان ؛فلذلك جعلا سهماً برأسه. ومن أخصر العبارات عنها أن يقال: هي الربع والثلث وضعف كل ونصفه.

قوله: «فالنصف نصيب الزوج مع عدم الولد وإن نزل إلى آخره. بدأ بالنصف؛ لأنّه أكبر كسر مفرد، وهو سهم ثلاثة. وذكره الله تعالى في كتابه في ثلاثة مواضع :

أحدها: الزوج إذا لم يكن لزوجته فرع ،وارث قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ﴾(1). وولد الولد كالولد هنا إجماعاً؛ إذ لفظ «الولد» يشمله بالحقيقة أو بإعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

وعدم فرعها المذكور إما بأن لا يكون لها فرع أو لها فرع غير وارث كرقيق.

ص: 336


1- النساء (4): 12

سهم والربع والثمن

*والربع سهم الزوج مع الولد وإن نزل، والزوجة مع عدمه.

* والثمن سهم الزوجة مع الولد وإن نزل.

--------------

وهذا الشرط ذكره بعضهم(1)، وأهمله الأكثر وهو حسن؛ لما عهد من أن الممنوع من الإرث لا يحجب غيره في نظائره، مع احتمال عدم اشتراطه؛ نظراً إلى عموم الآية.

والثاني: البنت ﴿وَإِن كَانَتْ وَحِدَةٌ فَلَهَا النِّصْفُ ﴾(2).

والثالث: الأخت لأبوين أو لأب، قال تعالى: ﴿ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾(3) واحترز بالقيد عن الأخت للأُم؛ لأن لها السدس للآية الآتية(4) ؛

ويجب تقييد البنت والأخت بكونهما منفردتين؛ إذ لو اجتمعتا مع إخوتهن لم يكن نصيبهن كذلك.

قوله :«والربع سهم الزوج مع الولد وإن نزل، والزوجة مع عدمه».

الربع نصيب اثنين وقد ذكره الله تعالى في موضعين:

أحدهما الزوج الذي لزوجته فرع ،وارث سواء كان الفرع منه أم لا، قال تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ﴾(5). وقد جعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها؛ لأن فيه ذكورة تقتضي ذلك، كالابن مع البنت إلا ما يستثنى.

والثاني: الزوجة فأزيد التي ليس لزوجها فرع كذلك، قال الله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَد﴾(6).

قوله: «والثمن سهم الزوجة مع الولد وإن نزل».

أي سهم الزوجة فأكثر مع ولد زوجها الوارث كما مرّ، سواء كان منها أيضاً أم لا، قال تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ﴾(7) .

ص: 337


1- راجع الوسيط . ج 4، ص 335.
2- النساء (4): 11
3- النساء (4): 176
4- النساء (4): 12
5- النساء (4): 12
6- النساء (4): 12
7- النساء (4): 12

سهم الثلثان والثلث

*والثلثان سهم البنتين فصاعداً، والأختين فصاعداً للأب والأُم أو للأب.

--------------

قوله: «والثلثان سهم البنتين فصاعداً، والأختين فصاعداً للأب والأم أو للأب».

الثلثان جعلهما الله تعالى لصنفين :

أحدهما البنتان فصاعداً إذا انفردن عن الإخوة، قال تعالى: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَاءٌ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُنَا مَا تَرَكَ﴾(1).

وقد جعل سبحانه الثلثين نصيب ما زاد عن اثنتين، ولم يذكر حكم الاثنتين في حالة الانفراد، وإنما ذكرهما في حالة الاجتماع بالذكر فقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(2) ، ولكن وقع الإجماع بعد عصر الصحابة على أن للابنتين الثلثين كالأزيد.

وقد اختلفوا في وجهه، فقيل: دليله الإجماع(3)المذكور. وقيل بالرواية(4) . وقيل بالقياس(5) ، حيث إنّ الله تعالى جعل للواحدة ،النصف، فيكون لما فوقها الثلثان.

والمحققون على أنّ ذلك مستفاد من قوله تعالى:﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾(6)، فَإِنَّه يدل على أنّ حكم الأنثيين حكم الذكر، وذلك لا يكون في حال الاجتماع؛ لأنّ غاية ما يكون لهما معه النصف إذا لم يكن معه ذكر غيره، فيكون ذلك في حالة الانفراد.

وتحقيقه أنّ الله تعالى جعل له مثل حظ الأنثيين إذا اجتمع مع الإناث، وله فروض كثيرة:

أولها: أن يجتمع مع أنثى، فإن أول الأعداد المقتضية للاجتماع أن يجتمع ذكر وأنثى، فله بمقتضى الآية مثل حظ الأنثيين والحال أنّ له الثلثين، وللواحدة الثلث، فلابد أن يكون الثلثان حظاً للأنثيين في حال من الأحوال، وذلك في حالة الاجتماع مع الذكر غير واقع اتفاقاً، بل غاية ما يكون لهما النصف، فلو لم يكن لهما الثلثان في حالة الانفراد لزم أن

ص: 338


1- النساء .(4): 11 .
2- النساء .(4): 11 .
3- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 9 - 10. المسألة 4819: والرواية وردت عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) 10. بلفظ: «أعط ابنتي السعد الثلثين». راجع سنن ابن ماجة، ج 2، ص 908 - 909، ح 2720؛ وسنن أبي داود، ج 3، ص 120 - 121، ح 2891؛ والجامع الصحيح، ج 4، ص 414، ح 2092.
4- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 9 - 10. المسألة 4819: والرواية وردت عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) 10. بلفظ: «أعط ابنتي السعد الثلثين». راجع سنن ابن ماجة، ج 2، ص 908 - 909، ح 2720؛ وسنن أبي داود، ج 3، ص 120 - 121، ح 2891؛ والجامع الصحيح، ج 4، ص 414، ح 2092.
5- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 9 - 10. المسألة 4819: والرواية وردت عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)10. بلفظ: «أعط ابنتي السعد الثلثين». راجع سنن ابن ماجة، ج 2، ص 908 - 909، ح 2720؛ وسنن أبي داود، ج 3، ص 120 - 121، ح 2891؛ والجامع الصحيح، ج 4، ص 414، ح 2092.
6- النساء .(4) :11

*والثلث سهم الأمّ مع عدم من يحجبها من الولد وإن نزل والإخوة، وسهم الاثنين فصاعداً من ولد الأُمّ.

--------------

لا يصدق في هذه الصورة - وهي اجتماع الذكر مع الواحدة - أن له مثل حظ الأنثيين، فيكون للأنثيين الثلثان[فى] (1) حالة الانفراد، وهو المطلوب.

فإن قيل: يمكن النظر إلى أنّ الواحدة في الصورة المذكورة وهي ما لو اجتمع ذكر وأُنثى - إذا كان لها الثلث والبنت لا تفضّل على البنت إجماعاً، فيكون الثلثان في قوة نصيب الأنثيين، فيصح إطلاق حظهما لذلك، وهو في حالة الاجتماع، فلا يدلّ على كون الثلثين لهما في حالة الانفراد الذي هو المتنازع.

قلنا: عدم تفضيل الأنثى على مثلها لا يستلزم كون الثلثين حظاً لهما، بل ولا يجامعه؛ لأنهما حالة الاجتماع لا يكون لهما أزيد من النصف قطعاً، كما ذكرناه، وإنما يقتضي المماثلة كونهما مع الاجتماع متساويتين في النصيب، وهو كذلك؛ فإن الواحدة حينئذ لا يكون لها ثلث فلا يكون لهما ثلثان؛ لامتناعه حالة الاجتماع؛ إذ لا بد أن يفضل للذكر بقدر النصيبين، فتعين أن يكون ذلك في حالة الانفراد.

والثاني: الأختان فصاعداً للأبوين أو للأب، قال تعالى: ﴿ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الظُّلُتَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ (2)ويثبت الحكم فيما زاد عليهما بالإجماع، أو لأن الآية نزلت في سبع أخوات لجابر (رضي الله عنه) حيث مرض وسأل عن إرتهنّ منه(3) ، فدل ذلك على أن المراد الأختان فأكثر.

قوله :«والثلث سهم الأم مع عدم من يحجبها من الولد وإن نزل» إلى آخره.

الثلث ذكره الله تعالى في موضعين لصنفين:

أحدهما الأم إذا لم يكن لميتها فرع وارث ولا عدد من إخوة وأخوات على ما فصل(4) ،

ص: 339


1- ما بين المعقوفين أثبتناء من الحجريتين.
2- النساء (4): 176
3- التبیان، ج 3، ص 408: مجمع البیان، ج 2، ص 149، ذيل الآية: سنن أبي داود، ج 3، ص 119، ح 2887
4- راجع ص 330

* سهم والسدس

كلّ واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل، وسهم الأمّ . الإخوة للأب والأم أو للأب مع وجود الأب وسهم الواحد من ولد الأُمّ، ذكراً كان أو أُنثى.

--------------

قال الله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ التَّلْتُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1).

والثاني: لاثنين فأكثر من ولدها، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً أم بالتفريق، قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَحْ أَوْ أُخْتُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ (2).

والمراد أولاد الأم بالنقل، وبقراءة ابن مسعود: وله أخ أو أخت من أُمّ، والقراءة الشاذة كالخبر على الصحيح، كما حققناه في التمهيد (3).

قوله: «والسدس سهم كلّ واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل إلى آخره.

السدس ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع لثلاثة أصناف: أحدها: كلّ واحد من الأبوين إذا كان لميتهما فرع وارث، قال تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾(4).

ولا فرق بين وجود الأبوين مجتمعين ومتفرقين، ولا في الولد بين كونه ذكراً أو أنثى

وإن كان مع الأنثى قد يزيد نصيبهما لكن لا بطريق الفرض كما سلف (5).

والثاني : الأُمّ إذا كان لميتها إخوة أو أخوات، بالشرائط السالفة(6)التي من جملتها كونهم

ص: 340


1- النساء (4): 11
2- النساء .(4): 12
3- تمهيد القواعد . ص 84. القاعدة 18 (ضمن الموسوعة ج 5).
4- النساء (4): 11
5- سبق في ص 283 - 284.
6- سبقت في ص 330، وما بعدها.

صور اجتماع السهام بعضها مع بعض

* وهذه الفروض منها ما يصح أن يجتمع، ومنها ما يمتنع.

فالنصف يجتمع مع مثله ومع الربع ومع الثمن. ولا يجتمع مع الثلثين؛ لبطلان العول، بل يكون النقص داخلاً على الأختين دون الزوج.

--------------

للأب وكونه موجوداً، ولا وجه لتخصيص هذين الشرطين من بين باقي الشرائط الخمسة أو السنّة، قال الله تعالى:﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1) .

والثالث: الواحد من كلالة الأم، ذكراً كان أم أنثى؛ لما تقدّم من قوله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ﴾(2).

واعلم أنه قد ظهر من ذلك كون أصحاب الفروض ثلاثة عشر، وإذا اعتبرنا تعدّد الأبوين في السدس صارت أربعة عشر منهم ذكران وهما الزوج والأب، ومنهم أربع إناث وهنّ الأُمّ والزوجة والبنات والأخوات، ومنهم من لا يفرق فيه بين الذكر والأنثى وهو كلالة الأُم، وكلّ واحد من هذه السبعة قسمان ما عدا الزوجة، وذلك جملة الثلاثة عشر. وظهر أيضاً أن المراد بهم من يرث بالفرض في الجملة، سواء ورث مع ذلك بالقرابة أم لا.

وهذه السهام أصول الفرائض، وغيرها من الفروض فرع عليها، كمن يأخذ سهم أحد منهم مع عدمه، مثل الأعمام؛ فإنّهم يأخذون سهم الأب وهو الثلثان، والأخوال سهم الأُمّ وهو الثلث، وأولاد الإخوة يأخذون ما كان يأخذ آباؤهم، فلأولاد الإخوة للأُم الثلث، ولأولاد الأخت للأب النصف والأجداد في معنى الإخوة؛ لأنهم يتقربون إلى الميت بواسطة الأبوين، فالجد كالأخ، والجدة كالأُخت.

قوله: «وهذه الفروض منها ما يصح أن يجتمع، ومنها ما يمتنع - إلى قوله - مع السدس تسمية».

ما تقدّم حكم السهام السنّة المفروضة منفردةً، وأمّا فرضها منضماً بعضها إلى بعض فقد يكون الاجتماع ثنائياً، وهو أن يجتمع اثنان منها، وقد يكون أزيد، وقد أشار هنا إلى حكم

ص: 341


1- النساء (4) :11
2- النساء (4): 12

ويجتمع النصف مع الثلث ومع السدس. ولا يجتمع الربع والثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين ومع الثلث ومع السدس .

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس. ولا يجتمع مع الثلث. ولا يجتمع الثلث مع السدس تسمية .

--------------

اجتماعها ثنائياً من غير استقصاء، لكنه ذكر الأكثر، ونحن نشير إلى جملتها مفصلةً، فنقول: جملة صُوَر اجتماع بعضها مع بعض أحد وعشرون صورة، حاصلة من ضرب ستة -هي عدد السهام في مثلها، ثمّ حذف ما تكرّر منها وهو خمسة عشر. وذلك لأنّ كلّ واحد من الستة يمكن عقلاً اجتماعه مع كلّ واحد منها، فالنصف - مثلاً - يمكن فرض اجتماعه مع مثله ومع الربع والثمن والثلثين والثلث والسدس فهذه ستّ صُوَر.

وهكذا يفرض الربع بست أيضاً، لكن تتكرّر منها صورة واحدة، وهي اجتماعه مع النصف، فإنه قد فرض في الست الأولى، [يبقى من صوره خمس تضمّ إلى الست الأولى] (1)فتبلغ إحدى عشرة صورة.

ثمّ يفرض الثمن كذلك، ويتكرّر منه اثنتان وهما اجتماعه مع النصف ومع الربع؛ لذكره في السابقتين، يبقى من صوره أربع تضمّ إلى ما تقدم تبلغ خمس عشرة.

ثم يفرض الثلثين كذلك ستة، يتكرّر منها ثلاث صور وهي: اجتماعه مع النصف ومع الربع ومع الثمن؛ لذكر ذلك في الصور السابقة، فتبقى ثلاث تضم إلى السابق تبلغ ثماني عشرة.

ثمّ يفرض الثلث ستة كذلك، يتكرّر منه أربع، وهي اجتماعه مع النصف والربع والثمن والثلثين تبقى اثنتان

ثم يفرض السدس كذلك، يتكرّر منه خمس وتسلم منه صورة واحدة، وهي اجتماعه مع مثله. وذلك إحدى وعشرون صورة.

ص: 342


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحجريتين.

--------------

ثم من هذه الصور ما يتفق شرعاً، ومنها ما يمتنع وقوعاً، ومنها ما يمتنع للعول.

وجملة الممتنع ثمان صور:

واحدة من الست الأولى، وهي اجتماع النصف مع الثلثين؛ لاستلزامه العول، وإلا فأصله واقع، كزوج مع أُختين فصاعداً للأب.

واثنتان من الفروض الثانية، وهما اجتماع الربع مع مثله؛ لأنه سهم الزوج مع الولد وسهم الزوجة لا معه، واجتماعه مع الثمن؛ لأنه نصيبها مع الولد وعدمه أو نصيب الزوج معه.

واثنتان من الفروض الثالثة، وهما اجتماع الثمن مع مثله؛ لأنه نصيب الزوجة خاصةً وإن تعددت، فلا يتعدد، وهو مع الثلث؛ لأنه نصيب الزوجة مع الولد والثلث نصيب الأُمّ لا معه ، أو الاثنين من أولادها لا معهما.

وواحد من الفروض الرابعة، وهو اجتماع الثلثين مع مثلهما؛ للعول، ولعدم اجتماع مستحقهما في مرتبة واحدة؛ لأنه البنتان والأختان كما مر(1).

واثنتان من الفروض الخامسة، وهما اجتماع الثلث مع مثله، واجتماعه مع السدس؛ لأنّه نصيب الأم مع عدم الحاجب والسدس نصيبها معه ومع الولد.

فيبقى من الصور ثلاث عشرة فرضها واقع صحيح. وقد أشار المصنف (رحمه الله) منها إلى عشرة:

فالأولى منها: اجتماع النصف مع مثله، كزوج وأُخت لأب.

الثانية: اجتماعه مع الربع كزوج وبنت وزوجة وأخت.

الثالثة: اجتماعه مع الثمن، وذلك في زوجة وبنت.

الرابعة: اجتماعه مع الثلث كزوج وأُمّ مع عدم الحاجب، وكلالة الأُمّ مع أُخت لأب، وكهي مع زوج.

ص: 343


1- مر في ص 338.

--------------

الخامسة: اجتماعه مع السدس كزوج وواحد من كلالة الأم، وبنت مع أحد الأبوين، وأُخت لأب مع واحد من كلالة الأُمّ.

وبقي من الصور الست اجتماعه مع الثلثين وفيه العول.

السادسة: اجتماع الربع مع الثلثين كزوج وابنتين وكزوجة وأختين لأب.

السابعة اجتماعه مع الثلث كزوجة وأم وزوجة مع متعدّد من كلالة الأُمّ.

الثامنة: اجتماعه مع السدس كزوجة وواحد من كلالة الأُم وزوج مع أحد الأبوين إذا كان هناك ولد.

وبقي من صور الربع ثلاث واحدة مكرّرة، وهي الربع مع النصف، واثنتان ممتنعتان، وهما الربع مع مثله ومع الثمن، وقد أشرنا إلى وجه امتناعه .

التاسعة: اجتماع الثمن مع الثلثين وذلك في زوجة وابنتين لا غير.

العاشرة: اجتماعه مع السدس وهو في زوجة وأحد الأبوين مع الولد.

وباقي صوره الأربع اثنتان مكرّرتان، وهما الثمن مع النصف ومع الربع، واثنتان ممتنعتان، وهما الثمن مع مثله ومع الثلث.

الحادية عشرة: اجتماع الثلثين مع الثلث في أُختين فصاعداً لأب مع إخوة لأُمّ.

الثانية عشرة: اجتماعهما مع السدس كبنتين وأحد الأبوين وكأختين لأب مع واحد من كلالة الأُمّ.

وباقي صوره الست ثلاث منها مكرّرة وواحدة ممتنعة وهي اجتماعهما مع مثلهما.

الثالثة عشرة: اجتماع السدس مع السدس، وذلك في الأبوين مع الولد.

وباقي صوره الحاصلة بالضرب أربع منها مكرّرة، وواحدة ممتنعة، وهي اجتماع السدس مع الثلث. وقد عرفت وجهه.

واحترز المصنّف بقوله ولا يجتمع الثلث مع السدس تسمية عن اجتماعه معه قرابة كزوج وأبوين؛ فإنّ للزوج النصف، وللأم مع عدم الحاجب الثلث وللأب السدس، ومع

ص: 344

ويلحق بذلك مسألتان

حکم المیراث بالتعصیب

اشارة

الأولى:* لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب. وإذا أبقت الفريضة، فإن كان هناك مساو لا فرض له فالفاضل له بالقرابة، مثل أبوين وزوج أو زوجة للأُمّ ثلث الأصل وللزوج أو الزوجة نصيبه، وللأب الباقي.

ولو كان إخوة كان للأُمّ السدس وللزوج النصف وللأب الباقي. وكذا أبوان وابن وزوج. وكذا زوج وأخوان من أُمّ وأخ أو إخوة من أب وأُمّ أو من أب.

وإن كان بعيداً لم يرث وردّ الفاضل على ذوي الفرض عدا الزوج والزوجة مثل أبوين أو أحدهما وبنت وأخ أو عمّ.

--------------

الحاجب بالعكس، وعلى التقديرين فسهم الأب هنا بالقرابة لا بالفرض كما قررناه سابقاً (1).

ولو لاحظنا هذا المعنى لأمكن اجتماع كلّ ما امتنع سابقاً بغير العول، فيجتمع الربع مع مثله، كما في بنتين وابن، ومع الثمن في زوجة وثلاث بنين وبنت وهكذا، إلا أنه خارج عن الفرض.

قوله: «لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب» إلى آخره.

التعصيب هو توريث العصبة مع ذي الفرض القريب إذا لم يحط الفرض بمجموع التركة كما لو خلف بنتاً واحدةً أو بنتين فصاعداً مع أخ، أو أُختاً أو أُختين فصاعداً مع عمّ ونحو ذلك.

وهذه المسألة والتي بعدها - وهي مسألة العول - من أُمهات المسائل، والمعركة العظمى بين الإمامية ومن خالفهم وعليهما يبنى معظم الفرائض واختلفت القسمة على المذهبين اختلافاً كثيراً.

وقد اختلف المسلمون هنا، فذهب الإمامية إلى أنّ الأقرب من الوارث يمنع الأبعد،

ص: 345


1- سبق في ص 280.

--------------

سواء كان الأقرب ذا فرض أم لم يكن، ويرد الباقي على ذي الفرض. وقد كان في الصحابة ممّن يقول به ابن عبّاس (1) ، ومذهبه فيه مشهور.

وحكى الساجي، ومحمد بن جرير الطبري عن عبد الله بن الزبير أنه قضى بذلك أيضاً(2) .

وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي مثله(3) . وخالف فيه الجمهور وأثبتوا التعصيب.

وقد أكثر الفريقان من الاحتجاج لمذهبهم والنصرة له والقدح في الجانب الآخر، وتكلّفوا من الأدلة ما لا يؤدي إلى المطلوب.

وفي الحقيقة مرجع الجمهور في ذلك إلى حرف(4) واحد، وهو أنهم رووا عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر»(5).

ومرجع الإمامية إلى حرف(6) واحد، وهو أنّهم رووا عن أئمتهم عن الباقر والصادق (عليهم السلام)ومَنْ بعدهما إنكار ذلك، وتكذيب الخبر، والتصريح برد الباقي على ذوي الفروض(7) .

ص: 346


1- أحكام القرآن الجصاص، ج 2، ص 135، ذيل الآية 176 من سورة النساء (4): الحاوي الكبير، ج 8، ص 107 - 108؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 7 - 8، المسألة 4817؛ المجموع شرح المهذب، ج 17، ص 236.
2- جامع البيان، ج 4 ص 55 ، ذيل الآية 176 من سورة النساء (4).
3- المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 482 - 483، ح 8043
4- في «م» والحجريّتين: «خبر» بدل «حرف».
5- مسند أحمد، ج 1، ص 534، ح 2986: صحيح البخاري، ج 1، ص 2480، ح 6365؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1233 - 1234، ح 2 و 3 و 1615/4؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 122، ح 2898؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 915، ح 2740: الجامع الصحيح، ج 4، ص 418 ، ح 2098. وفي جميع المصادر: «رجل» بدل «عصبة»: نعم، بلفظه ورد في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 260 - 262، ضمن الحديث 971.
6- في «د، م»: «خبر» بدل «حرف».
7- الكافي، ج 7، ص 75، باب بيان الفرائض في الكتاب، ج 1، ص 119، باب ميراث ذوي الأرحام، ح 2 - 3 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 267، ح 972، وص 292، ح 1046، وص 325، ح 1167، وص 327، ح 1176؛ الاستبصار، ج 4، ص 146، ح 548، وص 170 ، ح 642.

--------------

ثمّ إنّ كلّ واحد من الفريقين أضاف إلى ما ذكرناه أدلة، ونحن نشير إلى خلاصة حجج الفريقين فنقول:

ادله الامامیه علی بطلان التعصب

أما أصحابنا الإمامية فاحتجوا على بطلان التعصيب بوجوه:

الأول: قوله تعالى:﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَلِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَلِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْكَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ (1).

وجه الاستدلال أنه إن وجب توريث جميع النساء من الأقربين بطل القول بالتعصيب، والمقدم حق فالتالي مثله.

بيان الملازمة أن القائل بالتعصيب لا يورّث الأخت مع الأخ، ولا العمة مع العمّ.

وبيان حقيّة المقدّم أنه تعالى حكم في الآية بالنصيب للنساء كما حكم به للرجال، فلو جاز حرمان النساء لجاز حرمان الرجال؛ لأنّ المقتضي لتوريثهم واحد، وهو ظاهر الآية.

إن قيل: الآية ليست على عمومها؛ لأنّها تقتضي توريث كلّ واحد من الرجال والنساء مع وجود من هو أقرب منه وهو باطل، وإذا لم يكن على العموم جاز العمل بها في بعض الصور، كما هو مدعانا في توريث بعض النساء وحرمان بعضهن.

قلنا: بل الآية عامة، وليس مقتضاها توريث البعيد والقريب بل التوريث من الوالدين والأقربين، ولفظ الأقرب يمنع الأبعد، بل يمنع القريب مع وجود الأقرب ولا أحد أقرب إلى الأبوين من الأولاد، وإذا كان الأصل فيها العموم لم يكف الحكم بتوريث بعض النساء، وإلا لجاز مثله في الرجال.

ويؤيد عمومها في توريث النساء أنها نزلت ردّاً على الجاهلية؛ حيث كانوا لا يورثونهنّ شيئاً، كما رواه جابر عن زيد بن ثابت(2)، وبدون عمومها لا يتم الردّ عليهم.

ص: 347


1- النساء (4): 7
2- التبيان، ج 3، ص 120؛ مجمع البیان، ج 2، ص 10؛ جامع البیان، ج 3، ص 317 - 318؛ الدر المنثور، ج 2، ص 438 - 439، ذيل الآية 7 من سورة النساء (4). والراوي في جميع المصادر ابن عباس أو قتادة أو ابن زيد أو ابن جريج.

الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَبِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَجِرِينَ﴾(1) . والاستدلال بها من وجهين:

أحدهما: أنه تعالى حكم بأولوية بعض الأرحام ببعض، وأراد به الأقرب فالأقرب قطعاً بموافقة الخصم؛ لأنهم يقولون: إن العصبة الأقرب يمنع الأبعد(2). ويقولون في الوارث بآية أولي الأرحام إنّ الأقرب منهم يمنع الأبعد(3)، ولا شبهة في أن البنت أقرب إلى الميت من الأخ وأولاده، والأخت أقرب من العم وأولاده؛ لأنّ البنت تتقرب إلى الميت بنفسها، والأخ إنّما يتقرب إليه بالأب، والأخت تتقرب إليه بواسطة الأب، والعم يتقرب إليه بواسطة الجد فهي بواسطة وهو بواسطتين وأولاده بوسائط.

وثانيهما: أنه تعالى حكم بأنّ أُولي الأرحام بعضهم أولى ببعض(4)، والمراد بالأولوية في الميراث وغيره.

أمّا أوّلاً فللعموم الذي يدخل فيه الميراث.

وأما ثانياً فلما نُقل من أنّ الآية نزلت ناسخة للتوارث بمعاقدة الأيمان، والتوارث بالمهاجرة اللذين كانا ثابتين في صدر الإسلام(5)، والناسخ للشيء يجب أن يكون رافعاً له، فلولا أن المراد بها توريث ذوى الرحم لما كانت رافعة لما نسخته. ومن هذا يظهر فساد قول من ادعى أنّ المراد بالأولوية في أحوال الميت من الصلاة ونحوها، أو أنّ المراد بالأرحام المذكورون في سورة النساء(6) بقرينة قوله تعالى: ﴿ في كِتَنبِ اللهِ ﴾(7)، مع أنّه لو سُلّم عدم نسخها للإرثين فالإرث داخل في عمومها، والأصل 7

ص: 348


1- الأحزاب (33): 6.
2- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 45 - 46.
3- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 45 - 46.
4- الأنفال (8) 75 الأحزاب (33): 6
5- راجع رسالة المحكم والمتشابه، ص 11 - 12.
6- النساء (4) 11 - 12
7- الأنفال (8) 75: الأحزاب (33): 6.

--------------

عدم التخصيص. وأما قوله تعالى: ﴿ فِي كِتَنبِ اللهِ ﴾ فالمراد به في حكم كتاب الله ولا يخصص بما في سورة النساء؛ لعدم المقتضي.

الثالث: الأخبار التي رووها عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، كقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : من ترك مالاً فلأهله»(1). وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم)في شخص خلف بنتاً وأُختاً: «إنّ المال كله للبنت»(2). ودلالة الثاني على انتفاء التعصيب ظاهر ووجه الاستدلال بالأوّل أنّ الإناث من الأهل قطعاً، فاقتضى الخبر

توريثهن جمع، وهو خلاف مذهب القائلين بالتعصيب. الرابع: أنّ القول بالتعصيب يقتضي كون توريث الوارث مشروطاً بوجود وارث آخر

والمقتضى باطل.

والملازمة تظهر فيما لو خلّف الميت بنتين وابنة ابن وعمّ، فللعمّ عندهم ما فضل عن

البنتين، ولا شيء لبنت الابن، وبتقدير أن يكون معها أخ يكون الثلث بينهما أثلاثاً. وأما بيان بطلان التالي - وهو المقتضى - فلأنه مخالف للكتاب والسنة. أما الكتاب فظاهر وأمّا السنّة؛ فلأن أحداً لم ينقل أن توريث الوارث مشروط بوجود آخر، بل المعلوم من دين النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه مع وجود الوارث الآخر إما أن يتساويا، أو يمنع أحدهما الآخر.

إن قيل: إنّما كان كذلك؛ لأنّ العمّ أولى عصبة، ومع وجود ابن البنت فهو أولى منه؛ فلذلك ورثناه، وشاركته أخته؛ للإجماع على المشاركة.

قلنا: أما حديث «أولى عصبة»(3) فسنبين ضعفه(4) . وعلى تقدير تسليمه كان ينبغي أن يحوز

ص: 349


1- صحیح مسلم، ج 2، ص 592 ، ح 867/43؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 17 ، ح 45: الجامع الصحيح، ج 4، ص 413 ، ح 2090.
2- راجع المصنف الصنعاني، ج 7، ص 127 ، ح 12494: وج 10، ص 283 - 284، ح 19117 - 19118؛ والمستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 482، ح 8042 .
3- تقدم تخريجه في ص 346، الهامش 5.
4- يأتي في ص 354.

--------------

الابن وحده؛ لأنه أولى عصبة، دون أخته؛ إذ هو أولى من العم الذي هو أولى من البنت، والأولى من الأولى أولى، وإذا كان العم يحوز الجميع ويمنع البنت، فبالأحرى أن يكون الابن كذلك، ولا مخلص من هذا إلا بالتزام توريث الابن بغير التعصيب حتى تشاركه أخته. إن قيل: توريث البنت مع أخيها جاء من قوله تعالى في حكم الأولاد:﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(1) ، والا بن جاء من خبر العصبة؛ فلذا جمعنا بينهما.

قلنا: الخبر خاص والآية عامة، والعمل به يقتضى تقديم إرث الابن؛ لأنه أولى عصبة، ولا تشاركه البنت؛ لاختصاصه بالذكر. وهذه المعارضة واردة في كلّ موضع حكموا بمشاركة الأنثى للذكر فيه.

الخامس - وهو العمدة كما أشرنا إليه أوّلاً - الروايات المستفيضة ببطلان التعصيب عن أهل البيت(عليهم السلام)، وهي كثيرة جداً، فلنذكر هنا بعضها.

فمنها ما رواه عبد الله بن بكير عن حسين البزاز قال: أمرت من يسأل أبا عبد الله(عليه السلام) : المال لمن هو للأقرب أم للعصبة ؟ فقال: «المال للأقرب، والعصبة في فيه التراب»(2).

ومنها: عن حماد بن عثمان قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن رجل ترك أُمّه وأخاه، فقال: يا شيخ، تريد على الكتاب؟ قلت: نعم، قال: «كان عليّ(عليه السلام)يعطي المال الأقرب فالأقرب»، قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً ؟ قال: «قد أخبرتك أن علياً (عليه السلام)كان يعطي المال الأقرب فالأقرب»(3).

ومنها: عن محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر الباقر(عليه السلام) كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وخط علي(عليه السلام) بیده فوجدت فيها رجل مات وترك ابنته وأمه للبنت

ص: 350


1- النساء (4): 11
2- الكافي، ج 7، ص 75 ، باب بيان الفرائض في الكتاب، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 267، ح 972، وص 327، ح 1176: الاستبصار، ج 4، ص 170، ح 642.
3- الكافي، ج 7، ص 91، باب ميراث الأبوين، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 270، ح 981
احتجاج الجمهورعلی اثبات التعصب

--------------

النصف ثلاثة أسهم، وللأم السدس سهم، ويقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة، وما أصاب سهماً فهو للأُمّ»، قال: وقرأت فيها: «رجل ترك ابنته وأباه، فللبنت النصف، وللأب السدس سهم، يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللبنت وما أصاب سهماً فللأب»(1).

ومنها: عن عبد الله بن محرز عن أبي عبد الله(عليه السلام) في رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وأُمّه فقال: «المال كله لابنته، وليس للأخت من الأب والأم شيء»(2).

وغير ذلك من الأخبار(3)، ولا فائدة في الإكثار منها؛ فإنّه المعروف من فقه أهل البيت(عليهم السلام)لا يعرفون خلافه.

وأما الجمهور فاحتجوا على إثبات التعصيب بوجوه:

الأوّل: أنّه تعالى لو أراد توريث البنات ونحوهنّ أكثر ممّا فرض لهنّ لفعل ذلك، والتالي باطل، فإنه تعالى نص على توريثهنّ مفصلاً ولم يذكر زيادة على النصيب(4).

وبيان الملازمة أنّه تعالى لمّا ورّث الابن الجميع لم يفرض له فرضاً، وكذا الأخ للأب والعم وأشباههم، فلولا قصر ذوي الفروض على فروضهم لم يكن في التنصيص على المقدار فائدة.

الثاني: قوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُواْ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدِّم﴾(5).

ص: 351


1- الكافي، ج 7، ص 93، باب ميراث الولد مع الأبوين، ح1؛ الفقيه، ج 4، ص 263، ح 5617؛ تهذيب الأحكام ج 9، ص 270 ، ح 982
2- الكافي، ج 7، ص 100، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 321 ح 1153: الاستبصار، ج 4، ص 147، ح 552.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 145 وما بعدها، الباب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
4- النساء (4): 11 و 12 و 176 .
5- النساء (4): 176

--------------

ووجه الاستدلال أنه تعالى حكم بتوريث الأخت نصف ميراث أخيها مع عدم الولد وحكم بتوريث الأخ ميراثها أجمع، بدليل قوله تعالى: (وَهُوَ يَرِثُهَا )، فلو ورثت الأخت الجميع كما هو مذهبكم لم يبق للفرق بين الأخت والأخ ثمرة أصلاً.

الثالث: قوله تعالى: ﴿إِنِّي خِفْتُ الْمَوْلِيَ مِن وَرَاءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي ﴾(1) .

وجه الاستدلال أنّ زكريا(عليه السلام) لما خاف أن يرثه عصبته سأل الله تعالى أن يهبه ولداً ذكراً، بدليل قوله تعالى: ﴿وَلِيًّا﴾، فلو كانت الأنثى تمنع العصبة لما كان في اختيار الذكر مزيّة.

الرابع - وهو عمدتهم كما أشرنا إليه سابقاً - ما رواه ،وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «ألحقوا الفرائض فما أبقت فلأولى عصبة ذكر»(2)، وفي أُخرى: «فللأولى رجل ذكر عصبة»(3). وهذا نص.

وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر: أن سعد بن الربيع قتل يوم أحد، فجاءت امرأته بابنتيه إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وقالت: يا رسول الله، إن أباهما قتل يوم أحد وأخذ عمهما المال كله ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : «سيقضي الله في ذلك»، فأنزل الله تعالى في ذلك:﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ ﴾ (4)، الآية، فدعا(صلی الله علیه وآله وسلم)العم وقال: «أعط الجاريتين الثلثين، وأعط أُمّهما الثمن، فما بقي فلك»(5). وهذه نص أيضاً.

ص: 352


1- مريم (19): 4 - 5
2- تقدم تخريجه في ص 346، الهامش 5.
3- صحيح البخاري، ج 6، ص 2476، ح 6351، وص 2477، ح 6354 ، وص 2478، ح 6356 ، وص 2480 . ح 6365.
4- النساء (4): 11
5- سنن أبي داود، ج 3، ص 120، ح 2891؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 908 - 109، ح 2720؛ الجامع الصحيح، ج 4. . ص 414، ح 2092.

--------------

الجواب عن احتجاج الجمهور

وأجيب عن الوجه الأول بأنّ حاصله يرجع إلى أن كل من فرض له من الورثة فرض لا يزاد عنه وكلّ من لم يفرض له يعطى الجميع، وهذا باطل.

أمّا أوّلاً؛ فلاعتراف الخصم بجواز نقصه عنه، ولو كان الفرض مانعاً من إزالة صاحبه عنه لم يجز النقص، وإذا جاز النقص فما المانع من الزيادة؟! بل الأمر في النقصان أولى؛ لأنّ النقصان ينافي الفرض، بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر، فإنّ فيه إعمال الدليلين، وحصول المطلوب من كلّ منهما.

وأما ثانياً، فلأنّ هذه الآية معارضة بآية أولي الأرحام(1)، فلا بد من التوفيق بينهما، وهو لا يحصل إلا بالرد على الأقرب وإن كان ذا فرض؛ لدلالة آية أُولي الأرحام عليه، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الله تعالى لم يمنع في الآية من الردّ وإلا لم يحصل النزاع، وقد دلت آية أولي الأرحام على الردّ؛ لدلالتها على التوريث بذي الرحم والعمل بمضمون الآيتين أولى من اطراح إحداهما لدلالة المفهوم التي هي من أضعف الأدلة.

وأما ثالثاً : فلأنه لا بد من رد الفاضل على شخص بدليل، وإلا لأدّى إلى التشهي وسنبطل الخبرين المقتضيين للردّ على العصبة إن شاء الله تعالى وإذا بطلا تعيّن الردّ على أُولي الأرحام وإلا لزم خرق الإجماع.

وبهذه الوجوه يظهر الجواب عن الوجه الثاني؛ لأنه راجع إلى أن الأخت لم يسم لها أكثر من النصف فلا يزاد عليه، وأما الأخ فمحكوم بتوريثه الجميع.

وقد ظهر ضعف هذا التمسك على أنه يمكن الاستدلال بهذه الآية على بطلان التعصيب، من حيث إن الله تعالى شرط في توريث الأخ من الأخت عدم ولدها، وإذا كان لها بنت لم يكن ولدها معدوماً، وإذا وجد المنافي للشيء استحال حصوله؛ لاستحالة اجتماع

ص: 353


1- الأنفال :(8) 75 الأحزاب (33): 6.

--------------

المتنافيين، فيجب أن لا يرث الأخ مع البنت شيئاً، وهو خلاف مدعاكم.

وعن الوجه الثالث بالمنع من كون زكريا لطلب الذكر، بل الأنثى أو الأعم، بقرينة أنّه لما كفل مريم (عليها السلام) ورأى من بركتها وكرامتها ما رأى دعا ربه وقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٌ طَيِّبَةً ﴾(1) ، وظاهر الحال وسياق الآية يقتضي أنه لم يطلب إلا مثل مريم(عليها السلام) ، فأعطاه الله أفضل منها، ولو تنزلنا لقلنا: إنّه طلب الأعم.

ولو سلمنا أنه طلب الذكر لا يلزم منه أنه خاف العصبة؛ لأنه لو كان له بنو عم أو بنات عمّ لم يرثوه بالعصبة، بل لكونهم من أولي الأرحام؛ لأنّ ميراث العصبة المفروض هنا ليس إلا توريث العصبة مع ذوي الفروض لا مطلقاً، مع أنّ طلب الذكر جاز أن يكون لمحبة طبيعية، كما لا يخفى من عادة الخلق.

سلّمنا لكن لا يلزم من ثبوت ذلك الحكم في شرعه ثبوته في شرعنا؛ لأن شريعة نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم) ناسخة للشرائع، وما يوافق منها لما سبق على وجه الاتفاق، لا الاستصحاب.

على أن الآية حجّة لنا لا لهم؛ لأن قوله تعالى :﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾(2) ، أي لا تلد. يقتضي أنها إذا ولدت ولداً لم يخف الموالي من ورائه أعم من كونه ذكراً أو أنثى؛ لأنها لو ولدت أنثى لم تبق عاقراً، وإذا لم تبق عاقراً لم يخف الموالي، فظهر أن الأنثى تمنع الموالي. وهو المطلوب.

وعن الوجه الرابع بوجهين:

أحدهما: أن المروي عنه أنه أنكر الخبر الأول، وهو يقتضي رده عند أهل الحديث.

روى أبو طالب الأنباري قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري قال: حدثنا بشر بن هارون قال: حدثنا الحميري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قارية بن مضرب

ص: 354


1- آل عمران (3): 38
2- مريم (19): 5.

--------------

قال جلست إلى ابن عبّاس وهو بمكة، فقلت: يابن عبّاس حديث يرويه أهل العراق عنك -وطاوس مولاك يرويه - أن ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر، قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراك أنّى أقول: إن قول الله تعالى: ﴿ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾(1) ، وقوله: ﴿ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَبِ اللهِ ﴾(2)، وهل هذه إلا فريضتان؟ وهل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا ولا طاوس يرويه علَيَّ ؛ قال قارية بن مضرب: فلقيت طاوساً فقال: لا والله ما رويت هذا على ابن عباس وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم قال سفيان المروي عنه هذا الحديث أراه من قِبَل ابنه عبد الله بن طاوس؛ فإنّه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك، وكان يحمل على هؤلاء القوم حملاً شديداً، يعني بني هاشم(3).

فكيف يتمسك بهذا الحديث بعد ما ذكرناه ؟

وثانيهما: أنّه يقتضي خلاف ما هم عليه في صور كثيرة.

منها: ما لو خلف الميت بنتاً وأخاً وأُختاً، فمقتضاه أنّ الأخ يعطى وتحرم الأُخت، وهم يقسمون الزائد عن فرض البنت بينهما أثلاثاً.

ومنها: ما لو خلف بنتاً وأُختاً وعماً، وهو يقتضي أيضاً توريث العم دون الأخت، وهم يعكسون الحكم.

ومنها ما لو خلف بنتاً وبنت ابن وإخوة لأب، ومقتضاه توريث الزائد للإخوة للأب وحرمان بنت الابن وهم لا يقولون به بل يجعلون لبنت الابن السدس والباقي للإخوة، إلى غير ذلك من الأمثلة.

والاعتراض بها إلزام، فلا يقدح عدم ذهابنا إليها.

ص: 355


1- النساء (4) :11
2- الأنفال (8): 75: الأحزاب (33): 6.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 262، ضمن الحديث 971.

العول فی المیراث

اشارة

الثانية: * العول عندنا باطل؛ لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يقوم به. ولا يكون العول إلا بمزاحمة الزوج أو الزوجة.

--------------

والاعتذار عن توريث بنت الابن السدس بأنّه تكملة الثلثين اللذين فرضهما الله تعالى للبنتين، وصدق اسمهما على بنت الصلب وبنت الابن، بأنّ ذلك لو تم لزم تساويهما فيهما، ولا يقولون به. وكما يصدق أنّه خلف بنتاً للصلب يصدق أنّه خلف بنتين إن جعلنا ولد الولد ولداً حقيقياً، وإلا لم يدخل في البنتين ولم يشارك في الثلثين.

وأما الخبر الثاني فراويه مطعون فيه عند أهل الحديث بما هو مذكور عندهم، وأنه لم يرو إلا هذا الخبر على ما ذكره بعضهم(1) ، ومعارض بما نقلته الإمامية كما ذكرناه، وأنه ورّث بنت حمزة جميع ماله(2) . وعدم تسليم النقل مشترك. وقد ألزمهم أصحابنا بإلزامات شنيعة مترتبة على هذا القول، مذكورة في المطولات، ولا يقتضي الحال ذكرها هنا.

قوله: «العول عندنا باطل» إلى آخره.

المراد بالعول أن تزاد الفريضة؛ لقصورها عن سهام الورثة على وجه يحصل النقص على الجميع بالنسبة.

سمّي عولاً من الزيادة، يقال: عالت الفريضة إذا زادت، أو من النقصان حيث نقصت الفريضة عن السهام، أو من الميل (3)، ومنه قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾(4) .

وسمّيت الفريضة عائلة؛ لميلها بالجور على أهل السهام بنقصانها عليهم، أو من عال إذا كثر عياله؛ لكثرة السهام فيها، أو من الارتفاع (5)، يقال : عالت الناقة ذنبها إذا رفعته؛ لارتفاع الفريضة بزيادة السهام، كما إذا كانت الفريضة ستة - مثلاً - فعالت إلى سبعة، في مثل زوج

ص: 356


1- الجامع الصحيح، ج 4، ص 415 ، ذيل الحديث 2092، قال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 310، ح 857.
3- راجع لسان العرب، ج 11، ص 481 - 482، «عول».
4- النساء .(4): 3.
5- راجع لسان العرب، ج 11، ص 484، «عول».

--------------

وأختين لأب، فإنّ له النصف ثلاثة من سنّة، ولهما الثلثين أربعة، فزادت الفريضة واحداً، وإلى ثمانية، كما إذا كان معهم أُخت لأُمّ، وإلى تسعة بأن كان معهم أُخت أُخرى لأم، وإلى عشرة كما إذا كان معهم ام محجوبة، وهكذا.

وقد اختلف المسلمون في هذه المسألة، فذهب الجمهور منهم إلى القول بالعول، بأن تجمع السهام كلّها وتقسّم الفريضة عليها؛ ليدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه، كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم.

قالوا: وأوّل مسألة وقع فيها العول في الإسلام في زمن عمر حين ماتت امرأة في عهده عن زوج وأختين، فجمع الصحابة وقال لهم: فرض الله تعالى جده للزوج النصف وللأختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه. فأشيروا عليّ، فاتفق رأي أكثرهم على العول. ثمّ أظهر ابن عباس (رضي الله عنه) الخلاف وبالغ فيه(1) .

واتفقت الإمامية على عدمه، وأنّ الزوجين يأخذان تمام حقهما، وكذا الأبوان، ويدخل النقص على البنات ومن تقرب بالأبوين أو بالأب من الأخوات.

وبه كان يقول من الصحابة أمير المؤمنين(عليه السلام)وإن كان الجمهور ينقلون عنه خلافه وابن عبّاس بالاتفاق، ومن التابعين محمد ابن الحنفية والباقر والصادق(عليهم السلام)(2)، ومن الفقهاء داود بن علي الأصفهاني (3).

ولكلّ من الفريقين على مدعاه أدلّة، نحن نذكر خلاصتها.

ص: 357


1- المبسوط، السرخسي، ج 29، ص 175 - 176؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 89، ذيل الحديث 1360.
2- المبسوط، السرخسي، ج 29، ص 175؛ المحلى، ج 9، ص 264: الحاوي الكبير، ج 8، ص 130؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 26، المسألة 4834؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 90،ولم نعثر على من حكاه منهم عن الصادق(عليه السلام)
3- راجع الحاوي الكبير، ج 8، ص 130؛ وتلخيص الحبير، ج 3، ص 90، ذيل الحديث 1360.

--------------

ادله القائلون ببطلان العون فی المیراث

فأما القائلون ببطلانه فاستدلوا عليه بالمعقول والمنقول.

أما الأوّل فمن وجوه:

الأوّل: أنّه يستحيل أن يجعل الله تعالى لمال نصفين وثلثاً، أو ثلثين ونصفاً، ونحو ذلك مما لا يفي به، وإلا لكان جاهلاً أو عابثاً تعالى الله عن ذلك، وقد تبين في علم الكلام ما يدلّ على استحالته .

الثاني: أن العول يؤدي إلى التناقض والإغراء بالقبيح، وهما باطلان:

أمّا الأوّل؛ فلأنّا إذا فرضنا الوارث أبوين وبنتين وزوجاً، وجعلنا فريضتهم من اثني عشر وأعلناها إلى خمسة عشر ، فأعطينا الأبوين منها أربعة أسهم من خمسة عشر، فليست سدسين بل خمساً وثلث خمس، وكذا إذا دفعنا إلى الزوج ثلاثة، فليست ربعاً بل خمساً، وكذلك الثمانية للبنتين ليست ثلثين بل ثلثاً وخمساً، وذلك تناقض؛ إذ يصدق بالضرورة أن كلّ واحد من السهام المذكورة ليس هو المفروض له شرعاً.

وأما الثاني؛ فلأن الله تعالى قد سمّى الخمس باسم الربع والخمس والثلث باسم الثلثين، والخمس وثلثه باسم الثلث، ولا نعني بالإغراء إلا ذلك.

الثالث: أنّه إن وجب كون الذكور أكثر سهاماً من الإناث بطل العول، والمقدم حق باعتراف الخصم فكذا التالي، والملازمة تظهر فيما إذا خلّفت زوجاً وأبوين وابناً، أو زوجاً وأُختين لأُمّ وأخاً لأب، ففي الموضعين يعطى الابن والأخ الباقي، وبتقدير أن يكون بدل الابن بنتاً وبدل الأخ أختاً فهما تأخذان أكثر من الذكر قطعاً.

وبيان حقيّة المقدّم أنّ الله تعالى فضّل البنين على البنات في الميراث، والرجال على النساء، وقال: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾(1)، والخصم التزم فيما لو خلّفت المرأة زوجاً وأبوين أن يعطى الأب الثلث والأُمّ السدس مع أنّه لا حاجب لها عن الثلث، وقد فرض الله تعالى لها

ص: 358


1- البقرة (2) :228

--------------

مع عدم الحاجب الثلث؛ حذراً من أن تفضّل الأنثى على الذكر، فإذا التزم ذلك فيما يخالف صريح القرآن فهلا يلتزمه فيما يوافقه!

وأما المنقول وهو العمدة - فمن طرق الجمهور ما رواه أبو القاسم الكوفي صاحب أبي يوسف عن أبي يوسف قال: حدثنا ليث بن أبي سليمان، عن أبي عمرو العبدي، عن على (عليه السلام) أنه قال: «الفرائض ستة أسهم الثلثان أربعة أسهم، والنصف ثلاثة أسهم، والثلث سهمان، والربع سهم ونصف، والثمن ثلاثة أرباع ،سهم، ولا يرث مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة، ولا يحجب الأمّ عن الثلث إلا الولد والإخوة، ولا يزاد الزوج على النصف ولا ينقص من الربع، ولا تزاد المرأة على الربع، ولا تنقص من الثمن، وإن كنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء، ولا يزاد الإخوة من الأُمّ عن الثلث، ولا ينقصون من السدس، فهم فيه سواء الذكر والأنثى، ولا يحجبهم عن الثلث إلا الولد والوالد، والدية تقسم على من أحرز الميراث»(1).

والدلالة من هذا الحديث في قوله: «لا ينقص من الربع، ولا ينقص من الثمن، ولا ينقص من السدس» وعلى قولهم يحصل النقص عليهم جميعاً عن هذه السهام، وفي حصره الثلثين والنصف والربع والثمن في ستة، وعلى قولهم لا يجتمع إلا في تسعة وربع ومع التصحيح في أربعة وعشرين أو سبعة وثلاثين، وهذا وإن كان لا يفرض في الفرائض إلا أنه يدل على بطلان العول عنده.

ومنه ما روي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) رواه أبو طالب الأنباري قال: حدثني أبو بكر الحافظ، قال: حدثني علي بن محمد بن الحضيني، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، قال: جلست إلى ابن عبّاس فجرى ذكر الفرائض والمواريث فقال

ص: 359


1- الفقيه، ج 4، ص 257 - 258، ح 5606: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 249 - 250، ح 964.

--------------

ابن عباس: سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً وثلثاً وربعاً ، أو قال : نصفاً ونصفاً وثلثاً ؟ وهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟!

فقال له زفر بن أوس البصري: يا أبا العباس، فمَنْ أَوَّل مَنْ أعال الفرائض ؟

فقال: عمر بن الخطاب لما التفت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضاً فقال: والله ما أدري أيكم قدّم الله وأيكم أخر، وما أجد شيئاً هو أوسع إلا أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص. وأدخل على كلّ ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة. وأيم الله لو قدّم من قدّم الله وأخر مَنْ أخر الله ما عالت فريضة.

فقال له زفر بن أوس فأيّها قدم وأيها أخر ؟

فقال: كلّ فريضة لم يهبطها الله تعالى عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم الله، وأمّا ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقى فتلك التي أخر فأما التي قدم فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيل عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء، والزوجة لها الربع، فإذا زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء، والأمّ لها الثلث. فإذا زالت عنه صارت إلى السدس لا يزيلها عنه شيء، فهذه الفرائض التي قدم الله تعالى. وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لهنّ النصف والثلثان، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لهنّ إلا ما بقي فتلك التي أخر. فإذا اجتمع ما قدم الله تعالى وما أخر بدئ بما قدم الله فأعطي حقه كاملاً، فإن بقي شيء كان لمن أخر، وإن لم يبق شيء فلا شيء له.

فقال له زفر بن أوس فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر ؟

فقال: هبته والله وكان امرءاً مهيباً.

قال الزهري: والله لو لا أن تقدم ابن عباس إمام عدل كان أمره على الورع -أمضى أمراً

ص: 360

--------------

وحكم به وأمضاه - لما اختلف على ابن عباس اثنان(1) .

وقوله (رضي الله عنه): «وإن لم يبق شيء فلا شيء له »مبالغة في تقديم من قدّمهم الله تعالى، وإلا فهذا الفرض لا يقع؛ إذ لا بد أن يفضل لهم شيء.

ورووا أيضاً عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه كان يقول: من شاء باهلته عند الحجر الأسود أنّ الله تعالى لم يذكر في كتابه نصفين وثلثاً(2) .

وأما ما ورد من طرق الخاصة عن عليّ وأهل بيته (عليهم السلام)في إنكار العول فكثير يكاد يبلغ حد التواتر.

فمنها: ما رواه أبو بصير عن الباقر(عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: إنّ الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول عن ستة، لو كانوا يبصرون وجهها لم تجز ستة»(3).

ورووا عن ابن عباس(4) نحو ما تقدم.

وروى محمد بن مسلم - في الصحيح - والفضيل بن يسار وبريد العجلي وزرارة بن أعين عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «السهام لا تعول»(5).

وعن علي بن سعيد قال قلت لزرارة: إنّ بكير بن أعين حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: «إنّ السهام لا تعول، ولا تكون أكثر من ستة»، فقال: هذا ما ليس فيه اختلاف بين

ص: 361


1- الكافي، ج 7، ص 79 - 80، باب في إبطال العول، ح 3: الفقيه، ج 4، ص 255 - 257، ح 5605؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 248 - 249، ح 963؛ الحاوي الكبير، ج 8، ص 129 - 130؛ المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص486 ح 8052؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 6 ، ص 414 ، ح 12457، بنقيصة في الأخيرين.
2- تهذيب الأحكام ، ج 9، ص 248، ح 962: الحاوي الكبير، ج 8، ص 129؛ وج 16، ص 129 : المبسوط ، السرخسي، ج 29، ص 176؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 90.
3- الكافي، ج 7، ص 79، باب في إيطال العول .... 2: الفقيه، ج 4، ص 254، ح 5603: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 247، ح 960.
4- الفقيه، ج 4، ص 255، ح 560؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 248، ح 962.
5- الكافي، ج 7، ص 80، باب آخر في إيطال العول .... ح 1.

--------------

أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليه السلام)(1) .

ادله الجمهور علی اثبات العول فی المیراث

وأمّا الجمهور فاحتجوا على إثباته بالمعقول والأثر.

أما الأوّل فمن وجوه :

الأوّل: أنّ النقص لا بدّ من دخوله على الورثة على تقدير زيادة السهام، أمّا عند العائل فعلى الجميع، وأما عند غيره فعلى البعض، لكن النقص على بعضهم دون بعض ترجيح من غير مرجّح، فكان إدخاله على الجميع أعدل.

الثاني : أنّ التقسيط مع القصور واجب في الوصية للجماعة حينئذ، كما لو أوصى لزيد بألف ولعمرو بخمسمائة ولبكر بمائة، ولم يخلّف سوى مائة، فإنّها تقسّط على قدر أنصبائهم، فيكون الميراث كذلك، والجامع بينهما استحقاق الجميع التركة. وهذا الفرض من الوصيّة وإن أنكره منكر العول لكنّه يعترف به فيما لو أوصى بنصف تركته لواحد وبنصف لآخر وبثلث لثالث على طريق العول، فإنّه حينئذ يلتزم بالتحاص بالعول.

الثالث: أنّ الديّان يقتسمون المال على تقدير قصوره عن دينهم بالحصص، فكذلك الوارث والجامع الاستحقاق للمال والفرق بأنّ لكلّ واحد من الديان قدراً معيناً، بخلاف الورثة لا يفيد ؛ لأنّ الورثة وإن لم يكن لكلّ واحد منهم قدر معيّن من المال إلا أنّ لكلّ واحد جزءاً يجري مجرى المعين.

وأمّا الثاني فما رواه عبيدة السلماني قال : كان عليّ (عليه السلام)على المنبر فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجته، فقال علي(عليه السلام) : «صار ثمن المرأة تسعاً»(2). وهذا صريح في إثبات العول، وهو يخالف ما نقلتموه عن علي (عليه السلام)من إنكاره.

ص: 362


1- الكافي، ج 7، ص 80، باب آخر في إبطال العول..ح2: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 248، ح 961.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 259، ح 971؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 414 ، ح 12455.

--------------

الجواب عن ادله الجمهور

وأجيب عن الأول(1) بمنع عدم ترجيح جانب النقص المدعى اختصاصه بالبعض، فإنّ المرجّح الإجماع على نقصه مع قيام الدليل، ووقوع الخلاف على نقص من عداه، فيكون المجمع عليه أولى به، ولأنّ النقص على خلاف الأصل في حق الجميع ترك العمل به في المجمع عليه، فيبقى الباقي على الأصل؛ عملاً بالاستصحاب، فظهر الترجيح.

وعن الثاني بمنع الحكم في الأصل، ووجود الفارق فيما ذكروه من الفرض الذي نوافقهم عليه في الوصيّة، وهو تصريح الموصي بإرادة العول فيجب اتباعه؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾(2) ، فقد أمرنا الله تعالى هنا بالعول، ولو قدر أنّه أمر به في الفرائض لصرنا إليه، وإنّما الكلام مع عدم الأمر، فكيف يقاس غير المأمور به على المأمور به؟!

وعن الثالث بالفرق بين الدين والميراث؛ فإنّه يصح اجتماع ألف وألف وثلاثة آلاف وعشرة في مال واحد، ولا يعده العقلاء مُحالاً، بخلاف اجتماع ثلثين ونصف في مال واحد، فلا يقاس المستحيل على غيره.

ووجه الإمكان في الأوّل أن الدين كان متعلقاً بالذمة وهي تقبل تحمل الجميع، فإذا عرض تعلقها بعين المال كان تعلّق استحقاق لا تعلق انحصار، فلا يكون محالاً؛ ولهذا لا يعد أخذ أحد من الديان قسطه استيفاء لجميع حقه بل لبعضه، بخلاف الإرث، ولو فرض قدرة المديون على إيفاء الدين بعد تقسيط ماله على الديان يجب عليه الخروج من باقي حقهم، ومع موته يبقى الباقي في ذمته، ويصح احتسابه عليه من الحق وإبراؤه منه بخلاف الإرث.

وعن الرواية بالطعن في سندها أولاً، وبمعارضتها بما رواه عبيدة هذا الراوي، قال

ص: 363


1- لمزيد الاطلاع راجع الانتصار، ص 563: والمسائل الناصريات، ص 404 - 407، المسألة 190؛ وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 257 - 258، ذيل الحديث 970؛ وغنية النزوع، ج 1، ص 315 - 316.
2- البقرة (2) :181

--------------

أبو طالب الأنباري : حدثنا الحسين بن محمد بن أيوب الجوزجاني، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن شعبة، عن سماك، عن عبيدة السلماني، وروى الحديث المذكور، قال سماك: فقلت لعبيدة: فكيف ذلك؟ قال: إن عمر بن الخطاب وقعت في إمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع وقال: للبنتين الثلثان وللأبوين السدسان وللزوجة الثمن، فقال: هذا الثمن باقياً بعد الأبوين والبنتين، فقال له أصحاب محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) : أعط هؤلاء فريضتهم للأبوين السدسان، وللزوجة الثمن، وللبنتين ما بقي، فقال: فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال(عليه السلام) : «لهما ما بقي»، فأبى ذلك عمر وابن مسعود، فقال علي(عليه السلام): «على ما رأى عمر»، قال عبيدة وأخبرني جماعة من أصحاب علي(عليه السلام) بعد ذلك في مثلها أنه أعطى الزوج الربع مع البنتين والأبوين السدسين والباقي ردّ على البنتين، قال: وذلك هو الحق وإن أباه قومنا (1).

فإذا كان عبيدة راوي الحديثين عن علي(عليه السلام) هكذا فأي حجة فيه؟! وقوله (عليه السلام): «على ما رأى عمر وإن كان بحسب الظاهر إقراراً له على ما رآه لكن ظاهره عدم الرضى به، وإنما صار إليه لأمر ما لا يخفى، ومَنْ وقف على سيرته في زمن خلافته وكلامه ظهر عليه أنّ انقياده إلى حكم مَنْ كان قبله كان على وجه الاستصلاح لا على وجه الرضى.

وقيل: إنّ الحديث لا يدلّ على الحكم بالعول، بل على تهجينه، ومعناه صار ثمنها الذي فرض لها الله تعالى تسعاً عند القائل بالعول؛ ولهذا أجاب عن بعض الفروض وسكت عن الباقي، أو خرج مخرج الاستفهام الإنكاري بحذف أداة الاستفهام(2)، ومثله في الشواهد القرآنية والشعرية كثير(3) .

واعلم أن قدماء الأصحاب قد ذكروا على هذا المذهب إلزامات كثيرة وتشنيعات ،

ص: 364


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 259، ح 971.
2- من القائلين به ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 317.
3- راجع مغني اللبيب، ج 1، ص 38 - 41.

--------------

فيكون النقص داخلاً على الأب أو البنت أو البنتين أو مَنْ تقرب بالأب والأُمّ أو بالأب من الأخت أو الأخوات، دون مَنْ تقرّب بالأُمّ.

مثل: زوج وأبوين وبنت، أو زوج وأحد الأبوين وبنتين فصاعداً، أو زوجة وأبوين وبنتين، أو زوج مع كلالة الأُمّ وأُخت أو أخوات لأب وأُمّ أو لأب.

--------------

أعرضنا عن تفصيلها مخافة التطويل، وقد ذكر الشيخ (رحمه الله) في التهذيب المسألتين جملة(1) .

قوله: «فيكون النقص داخلاً على الأب أو البنت أو البنتين» إلى آخره.

ذكر الأب فيمن يدخل عليهم النقص ليس بجيّد؛ لأنه مع الولد لا ينقص عن السدس ومع عدمه ليس من ذوي الفروض، كما بيناه سابقاً (2). وقد تنبه لهذا جماعة (3)فأهملوا ذكره، وغفل عنه آخرون فذكروه.

ص: 365


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 251 - 258، ذيل الحديث 970.
2- سبق في ص 283 - 284 .
3- منهم المفيد في المقنعة، ص 717 - 718؛ والشيخ في المبسوط، ج 4، ص 285 وابن زهرة في غنية النزوع ج 1، ص 315: والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 410

وأما

المقصد الاول : الأول في ميراث الأنساب

اشارة

وهم ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: الأبوان والأولاد

اشارة

فإن انفرد الأب فالمال .له. وإن انفردت الأُمّ فلها الثلث، والباقى ردّ عليها.

ولو اجتمع الأبوان فللام الثلث، وللأب الباقي. ولو كان هناك إخوة كان لها السدس، وللأب الباقي، ولا يرث الإخوة شيئاً.

ولو انفرد الابن فالمال له ولو كانوا أكثر من واحد فهم سواء في المال.

ولو انفردت البنت فلها النصف، والباقي ردّ عليها، ولو كان بنتان فصاعداً فلهما أو لهنّ الثلثان، والباقى ردّ عليهما أو عليهن، وإذا اجتمع الذكران والإناث فالمال لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.

ولو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع الأولاد فلكل واحد من الأبوين السدس، والباقي للأولاد بالسوية إن كانوا ذكوراً، وإن كان معهم أنثى أو إناث فللذكر مثل حظ الأنثيين ، ولو كان معهم زوج أو زوجة أخذ حصته الدنيا، وكذا الأبوان، والباقي للأولاد.

ص: 366

*ولو كان مع الأبوين بنت فللأبوين السدسان وللبنت النصف، والباقي ردّ عليهم أخماساً، ولو كان إخوة للأب كان الرد على الأب والبنت أرباعاً.

ولو دخل معهم زوج كان له نصيبه الأدنى، وللأبوين كذلك، والباقي للبنت.

* ولو كان له زوجة أخذ كلّ ذي فرض فرضه، والباقي يرد على البنت والأبوين دون ،الزوجة، ومع الإخوة يردّ الباقى على البنت والأب أرباعاً، ولو

--------------

قوله « ولو كان مع الأبوين بنت فللأبوين السدسان» إلى آخره.

أما مع عدم الحاجب فالحكم إجماعي، ولأن ذلك هو قضيّة الرد على نسبة السهام. ويدل عليه حسنة محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر(عليه السلام) الصحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وخط عليّ بيده فوجدت فيها رجل ترك أبويه وابنته، فللابنة النصف، وللأبوين لكلّ واحد منهما السدس، يقسم المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثة فللابنة، وما أصاب سهمين فللأبوين» (1).

وأما مع الحاجب فالرد مختص بالبنت والأب اتفاقاً، لكن المشهور أنّه أرباعاً على حسب سهامهم.

وذهب الشيخ معين الدين المصري (رحمه الله) إلى قسمة الرد أخماساً، للأب منها سهمان سهم الأُمّ وسهمه - لأن الإخوة يحجبون الأُمّ عن الزائد لمكان الأب، فيكون الزائد له (2).

والأظهر الأوّل؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(3)وحينئذ فيكون الزائد لباقي الورثة على نسبة سهامهم.

قوله: «ولو كان له زوجة - إلى قوله - يردّ الباقي على البنت والأب أرباعاً».

أصل الفريضة مع الزوجة أربعة وعشرون لأنها أقل عدد ينقسم على ما فيها من

ص: 367


1- الكافي، ج 7، ص 93، باب ميراث الولد مع الأبوين، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 263، ح 5617؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 270، ج 982
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 131. المسألة 68.
3- النساء (4): 11

انفرد أحد الأبوين معها كان المال بينهما أرباعاً.

ولو دخل معهما زوج أو زوجة كان الفاضل ردّاً على البنت وأحد الأبوين دون الزوج والزوجة.

ولو كان بنتان فصاعداً فللأبوين السدسان وللبنتين فصاعداً الثلثان بالسوية.

ولو كان معهم زوج أو زوجة كان لكلّ واحد منهما نصيبه الأدنى، وللأبوين السدسان، والباقي للبنتين فصاعداً.

*ولو كان أحد الأبوين كان له السدس، وللبنتين فصاعداً الثلثان، والباقي ردّ عليهم أخماساً.

الفروض، وهي النصف والسدسان والثمن؛ لأنّ النصف داخل في الآخرين، وبين مخرجي السدس والثمن - وهو الستة والثمانية - توافق بالنصف، فمضروب نصف أحدهما في الآخر هو مخرج الفروض، وهو أربعة وعشرون.

والفاضل عن السهام وهو واحد - لا ينقسم على المردود عليهم أخماساً أو أرباعاً، فيضرب عدد سهامهم وهي خمسة مع عدم الحاجب - في أصل الفريضة تبلغ مائة وعشرين، وأربعة مع الحاجب تبلغ ستة وتسعين، فالمردود في الأُولى خمسة، وفي الثانية أربعة.

قوله: «ولو كان أحد الأبوين كان له السدس - إلى قوله - ردّ عليهم أخماساً».

هذا هو المشهور بين الأصحاب. ووجهه ما أشرنا إليه مراراً من أن الردّ على نسبة السهام من حيث إنّ الفاضل لابد له من مستحق، وليس غير هؤلاء؛ لأنّهم أقرب، ولا بعضهم؛ لعدم الأولوية، فتعيّن الجميع على النسبة، وروى بكير عن الباقر(عليه السلام)في رجل ترك ابنته وأُمّه: «أنّ الفريضة من أربعة؛ لأنّ للبنت ثلاثة أسهم وللأم السدس سهم، وبقي سهمان، فهما أحق بهما ... بقدر سهامهما»(1). وهذه العلة موجودة هنا.

ص: 368


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 273، ح 988.

ولو كان زوج كان النقص داخلاً على البنتين فصاعداً.

ولو كان زوجة كان لها نصيبها وهو الثمن، والباقي بين أحد الأبوين والبنات أخماساً.

ولو كان مع الأبوين زوج فله النصف، وللأُم ثلث الأصل، والباقي للأب، ومع الإخوة للأُمّ السدس، والباقي للأب.

ولو كان معهما زوجة فلها الربع، وللأُمّ ثلث الأصل إن لم يكن إخوة، والباقي للأب، ومع الإخوة لها السدس والباقي للأب.

مسائل:

الأولى: *

أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين

وشرط ابن بابويه في توريثهم عدم الأبوين وهو متروك.

--------------

وخالف في ذلك ابن الجنيد فخص الفاضل بالابنتين (1)؛ لدخول النقص عليهما بدخول الزوجين، فيكون الفاضل ،لهما، ولرواية أبي بصير عن الصادق(عليه السلام) في رجل مات وترك ابنتيه وأباه، فقال: «للأب السدس، وللابنتين الباقي»(2).

وأجيب بمنع صلاحية ما ذكره للعلة، وعدم صحة سند الرواية، فإن في طريقها الحسن بن سماعة، وهو ضعيف.

و حملت على ما إذا كان مع البنتين ذكر. وعليه حمل في المختلف كلام ابن الجنيد أيضاً(3). وفيه نظر.

قوله: «أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم - إلى قوله - وهو متروك».

ما اختاره المصنف (رحمه الله) من قيام أولاد الأولاد مقام آبائهم في مقاسمة .

ص: 369


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 118، المسألة 43.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 274، ح 990.
3- راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 118، المسألة 43.

ويمنع الأولاد مَنْ يتقرب بهم ومَنْ يتقرب بالأبوين من الإخوة وأولادهم، والأجداد وآبائهم، والأعمام والأخوال وأولادهم. ويترتبون الأقرب فالأقرب فلا يرث بطن مع مَنْ هو أقرب منه إلى الميت.

--------------

الأبوين مذهب أكثر الأصحاب كالشيخين(1) والأتباع(2)وجملة المتأخرين؛ لأنّهم في الميراث ولد حقيقة، ومن ثُمَّ دخلوا في عموم قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ (3).

ولخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(عليه السلام)قال:«بنات البنت يرثن، إذا لم تكن بنات كن مكان البنات»(4) .

وعن إسحاق بن عمار عنه قال: «ابن الابن يقوم مقام أبيه»(5).

واحتج ابن بابويه برواية سعد بن أبي خلف وعبد الرحمن بن الحجاج في قوله: «إن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيره»(6).

قال ابن بابويه قوله: «ولا وارث غيره إنّما هو الوالدان لا غير(7) ، ويؤيده أن الأبوين في مرتبة الأولاد للصلب، والأولاد أقرب إلى الميت من أولادهم، فيكون المساوي للأقرب أقرب.

ص: 370


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص188؛ والشيخ الطوسي في المبسوط ج 4، ص 287: والنهاية، ص 630 - 631.
2- كالحلبي في الكافي في الفقه، ص 368؛ وسلار في المراسم، ص228؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 129 - 130؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 387؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص310.
3- النساء (4): 11
4- الكافي، ج 7، ص 88 باب ميراث ولد الولد، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص317، ح 1138؛ الاستبصار، ج 4، ص 166 . ح 630.
5- الكافي، ج 7، ص88 باب ميراث ولد الولد، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 317، ح 1139؛ الاستبصار، ج 4، ص 167. ح 631.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 317، ذيل الحديث 1140؛ الاستبصار، ج 4، ص 167، ذيل الحديث 632.
7- راجع الفقيه، ج 4، ص 269، ذيل الحديث 5622: والمقنع، ص 494؛ والهداية، ص 331؛ ولمزيد الاطلاع راجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 66 ، المسألة 13.

* ويرث كلّ واحد منهم نصيب مَنْ يتقرب به، فيرث ولد البنت نصيب أُمه، ذكراً كان أو أنثى، وهو النصف إن انفرد أو كان مع الأبوين، ويرد عليه كما يدّ على أمه لو كانت موجودةً.

--------------

وأجاب الشيخ (رحمه الله) عن الخبر بأن المراد لا وارث غيره من الأولاد للصلب غير مَنْ تقرب به ولد الولد(1) .

ويدلّ على إرادته ذلك ورود التصريح به في رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(عليه السلام) قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال: «وابسنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت»(2).

وهو يدلّ على قيام ولد الولد مقام أبيه وأمه مع عدم ولد آخر وإن كان هناك أبوان؛ لأنّ قيامه مقامه لو كان مشروطاً بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط مقامه؛ لأنّ عدم الولد للصلب حينئذ يكون جزء الشرط وهو غيره.

والجواب عن الثاني أنه لا يلزم من ترتب الأولاد وأولوية بعضهم على بعض ترتبهم مع فريق آخر يشاركهم، كما في نظائره من قيام أولاد الإخوة مقام آبائهم في مشاركة الأجداد، وقيام الجد البعيد مقام القريب في مشاركة الأخ، وغير ذلك.

والأصل فيه شمول اسم الولد له وإن نزل، إما بطريق الحقيقة أو بالإجماع في هذا الباب، وإن وقع النزاع في غيره(3) . وفيه بحث.

قوله «ويرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرب به إلى قوله ولأولاد الابن الثلثان المشهور بين الأصحاب أنّ أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في الميراث، فلكل نصيب مَنْ يتقرب به، ذكراً كان أم أنثى، فلولد الابن نصيب الابن وإن كان أُنثى، ولولد البنت نصيب البنت وإن كان ذكراً ، فلبنت الابن الثلثان، ولابن البنت الثلث، ولبنت الابن المنفردة

ص: 371


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 317، ذيل الحديث 1140؛ الاستبصار، ج 4، ص 167، ذيل الحديث 632.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 317 - 318، ح 1141؛ الاستبصار، ج 4، ص 167، ح633.
3- راجع ج 5، ص 100 وما بعدها في الوقف.

ويرث ولد الابن نصيب أبيه، ذكراً كان أو أنثى جميع المال إن انفرد، وما فضل عن حصص الفريضة إن كان معه وارث كالأبوين أو أحدهما والزوج أو الزوجة.

ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت كان لأولاد الابن الثلثان، ولأولاد البنت الثلث على الأظهر. ولو كان زوج أو زوجة كان له نصيبه الأدنى، والباقي بينهم لأولاد البنت الثلث، ولأولاد الابن الثلثان.

--------------

جميع المال، ولابن البنت وإن تعدد النصف بالفرض والباقى بالرد إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على ميراث البنت للصلب والابن له.

وقال المرتضى - وتبعه جماعة منهم معين الدين المصري(1) وابن إدريس(2)- :

إن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار مَنْ تقرّبوا به، حتى لو خلف بنت ابن وابن بنت فللذكر الثلثان، وللأنثى الثلث ولو كان مع ابن البنت أحد الأبوين أو هما فكما لو كانا مع الابن للصلب، ولو كانا مع بنت الابن فكما لو كانا مع البنت(3).

ومستندهم أنهم أولاد حقيقةً، فيدخلون في عموم:﴿ يُوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ (4).

ويدلّ على كونهم أولاداً وإن انتسبوا إلى أنثى تحريم حلائلهم بقوله تعالى: ﴿وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُمُ﴾ (5)، وتحريم بنات الابن والبنت بقوله تعالى:﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾(6)، وحلّ رؤية زينتهن لأبناء أولادهن مطلقاً بقوله تعالى: ﴿ أَوْ أَبْنَابِهِنَّ ﴾(7)، وحلها لأولاد أولاد بعولتهن مطلقاً بقوله تعالى: أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾(8) .

ص: 372


1- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 38، المسألة 1.
2- السرائر، ج 3، ص 239 - 240.
3- رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 257 - 266.
4- النساء (4) :11.
5- النساء (4): 23
6- النساء (4): 23
7- النور (24): 31
8- النور (24): 31

--------------

وللإجماع على أن أولاد الابن وأولاد البنت يحجبون الأبوين عمّا زاد عن السدسين والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن، وكلّ ذلك في الآية (1)متعلّق بالولد، فمن سماه الله تعالى ولداً في حجب الأبوين والزوجين هو الذي سمّاه ولداً في قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَدِكُمْ ﴾(2). فكيف يعطى في بعض الأحوال للذكر مثل حظ الأنثيين، وفي بعضها نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص، ويقتضي تفضيل الأُنثى على الذكر في بعض الموارد؟! ولأنه تعالى لما قال: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ (3)لم يذكر بناتهن، ودخلن فيهن إجماعاً، ولمّا قال: ﴿ وَأَخَوَتُكُمْ وَعَمَّتُكُمْ وَخَلَتُكُمْ﴾(4)، فلم تدخل فيهن بناتهن المحرمات، عقبه بقوله: ﴿ وَبَنَاتُ الْآخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾(5)حيث لم يدخلن في اسم الأخوات. بخلاف البنات، فلم يحتج إلى أن يقول: وبنات بناتكم.

وهذه توجيهات حسنة، إلا أنّ الدليل قد قام أيضاً على أن أولاد البنات ليسوا أولاداً حقيقة ؛ لثبوت ذلك في اللغة والعرف وصحة السلب الذي هو علامة المجاز.

وهذا الوجه الأخير يدلّ على أنّ إطلاق الأولاد على أولاد الذكور أيضاً مجاز؛ لأنه يصدق ما هو ولدي» و «لكن ولد ولدي»، ولأنه لا يتبادر إلى الذهن إطلاق الولد إلا على ولد الصلب، وهو آية الحقيقة، وخلافه آية المجاز.

وهذه الأحكام التي ذكرت من التحريم وغيره مستفادة من الإجماع أو من دليل خارج دلّ على إرادة المذكورين. ولا إشكال في صحة الحمل على المعنى المجازي بالقرينة.

وقد دلّت الأخبار الصحيحة هنا على أن أولاد الأولاد يأخذون نصيب من تقربوا به من ذكر أو أُنثى(6)، وهي مؤيدة لما ذكر.

ص: 373


1- النساء (4): 12
2- النساء (4):11
3- النساء (4): 23
4- النساء (4): 23
5- النساء (4): 23
6- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 110 - 113 ، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

المسألة الثانية: *

أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين

كما يقتسم أولاد الابن. وقيل: يقتسمونه بالسوية. وهو متروك.

--------------

فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(عليه السلام) قال: «بنات البنات يقمن مقام البنت إذا لم تكن للميت بنات ولا وارث غيرهنّ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد» (1).

وصحيحة سعد بن أبي خلف عن الكاظم(عليه السلام) قال: «بنات البنت يقمن مقام البنت إذا لم تكن للميت بنات ولا وارث غير هنّ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد، ولا وارث غير هن»(2).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أيضاً عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: «بنات البنت يرثن إذا لم تكن بنات كن مكان البنات»(3) .

والظاهر من قيامهم مقامهم تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقاً.

قوله: «أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما يقتسم أولاد الابن. وقيل :يقتسمونه بالسوية. وهو متروك».

القول بأنّهم يقتسمون بالسوية حكاه الشيخ في النهاية عن بعض الأصحاب(4)، ورجحه ابن البراج؛ نظراً إلى تقربهم بأنثى(5) ، ومن شأن المتقرب بها مساواة ذكره لأنثاه، كما سيأتي (6).

وهو أيضاً يناسب ما ذكر في المسألة السابقة من أنّهم لا يدخلون في الأولاد حقيقة.

ص: 374


1- الكافي، ج 7، ص88، باب ميراث ولد الولد، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 316، ح 1136؛ الاستبصار، ج 4، ص 166، ح 628.
2- الكافي، ج 7، ص 88 باب ميراث ولد الولد، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 316، ح 1137؛ الاستبصار، ج 4، ص 166 . ح 629.
3- تقدم تخريجها في ص 370، الهامش 4.
4- النهاية، ص 634.
5- المهذب، ج 2، ص 132 - 133.
6- سيأتي في ص 386 - 387.

[ المسألة] الثالثة: *

يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه

بثياب بدنه و خاتمه وسيفه ومصحفه وعليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام.

--------------

وأما الجمع بين اقتسامهم بالتفاوت مع عدم دخولهم في قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(1) فلا يخلو من إشكال؛ إذ لا دليل ظاهراً على اقتسامهم بالتفاوت إلا عموم الآية، وهو متوقف على دخولهم فيها بطريق الحقيقة، وقد أثبتوا خلافه.

وكيف كان، فالعمل على المشهور. وابن البرّاج وافق على اقتسام أولاد الأخت للأبوين والأب بالتفاوت مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث نصيب الأُمّ(2).

قوله: «يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه» إلى آخره.

المراد بحبوة الولد بذلك اختصاصه به من بين الوارث وهذا الحكم مختص بمذهب الأصحاب.

ومستندهم عليه روايات كثيرة دلّت عليه كصحيحة ربعي بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام)قال: «إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه»(3).

وحسنة حريز عنه(عليه السلام)قال: «إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم»(4).

ورواية شعيب العقرقوفي عنه(عليه السلام) قال : «إذا مات كان لابنه السيف والرحل وثياب جلده »(5). وغيرها من الأخبار(6) .

ص: 375


1- النساء (4) :11
2- المهذب، ج 2، ص 137.
3- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 996؛ الاستبصار، ج 4، ص 144، ح 540.
4- الكافي، ج 7، ص 85، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 994؛ الاستبصار، ج 4، ص 144، ح 538.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 276، ح 999؛ الاستبصار، ج 4، ص 145، ح 544.
6- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 97 - 100، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

--------------

ثمّ الكلام في الحبوة يقع في مواضع:

الأوّل: هل هذا التخصيص على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ الأكثر على الأوّل؛ لدلالة ظاهر الأخبار عليه؛ فإنّ

«اللام» ظاهرة في الملك، فلو جعلت للاختصاص أفادته أيضاً؛ إذ لا يحصل الاختصاص بدونه؛ لأنّ الاستحباب لا يتعيّن المصير إليه. وظاهرها أنه مختص بنفس المذكورات فلا يفيده الاختصاص باستحباب تخصيصه بها؛ لأنّ

الاختصاص حينئذ بحكمها لا بها.

وذهب المرتضى(1) وابن الجنيد(2)وأبو الصلاح(3)والعلّامة في المختلف (4)إلى الثاني؛ لأنّه حكم مخالف للأصل، ولعموم قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَر مثل حظ الأُنثَيَيْنِ﴾(5) وغيرها من آيات الإرث(6)، فإنّها تقتضي اشتراك الورثة في جميع ما يخلّفه الميت، فيقتصر فيما خالفه على موضع اليقين، وهو ما إذا دفع باقي الورثة ذلك إليه على وجه التراضي، ولعدم صراحة الأخبار في الوجوب، فلا يخصص عموم آيات الإرث بالاحتمال.

ويؤيد الاستحباب اختلاف الروايات في مقدار ما يحبى به، وسيأتي دلالة أخبار صحيحة على إعطائه زيادة على الأربعة، مما يوجب العمل بظاهره الإجحاف بالورثة ومخالفة الإجماع، وتركه اطراح الأخبار الصحيحة، فكان الاستحباب أنسب بهذا الاختلاف.

الثاني: هل هذا التخصيص مجاناً أم بالقيمة ؟ الأكثر على الأول؛ لإطلاق النصوص باختصاصه بالمذكورات، والأصل براءة ذمّته من أمر آخر.

ص: 376


1- الانتصار، ص 582 المسألة 316
2- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 41، المسألة 2.
3- الكافي في الفقه، ص 371
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 41 ، المسألة 2.
5- النساء .(4): 11
6- النساء .(4): 12

--------------

وذهب المرتضى(1)وابن الجنيد(2)إلى الثاني ؛ لنحو ما ذكر في السابق؛ فإن قوله تعالى:﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾(3)يقتضي مشاركة الأُنثى للذكر في جميع ما يخلّف الميت من سيف ومصحف وغيرهما، وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين(4) ، يقتضي أنّ لهم السهام المذكورة من جميع تركة الميت، فلو خصصنا الأكبر بهذه الأشياء بدون القيمة كنّا قد تركنا هذه الظواهر، فاحتسابها عليه بالقيمة أوفق لها.

ويؤيده أيضاً ما ذكرناه في السابق من الروايات المتضمنة لتخصيصه بسلاحه ورحله وراحلته، فلو لم نحتسبها عليه بالقيمة لزم الإجحاف بالورثة.

وفي المختلف نفى عن هذا القول البأس (5).

الثالث: ما يقع فيه التخصيص، والمشهور هذه الأربعة التي ذكرها المصنّف (رحمه الله) وهي ثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه، مع أنّ هذه لم توجد بخصوصها في رواية، وإنما الروايات مختلفة في أعدادها اختلافاً كثيراً، وقد سمعت منها جملةً.

ففي صحيحة ربعي الأولى ذكر سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه، ولم يذكر الثياب، وهم لم يذكروا الدرع .

وفي صحيحة أخرى لربعي عن الصادق قال: «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه و خاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده» (6).

ولم يقل بدخول جملة هذه أحد من الأصحاب، إلا ما يظهر من الصدوق حيث ذكر

ص: 377


1- الانتصار، ص 582 - 583. المسألة 316
2- الحاكي عنه هو العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 41، المسألة 2.
3- النساء (4): 11.
4- النساء (4): 11 و 12.
5- مختلف الشيعة، ج 9، ص 42، المسألة 2.
6- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275 - 276 ح 997؛ الاستبصار، ج 4، ص 144 ، ح 541.

--------------

الرواية في الفقيه (1) ، مع التزامه أن لا يروي فيه إلا ما يعمل به(2)، ولم يذكر فيها الدرع، وذكره في الرواية السابقة وفي غيرها.

وبالجملة فالاقتصار على هذه الأربعة مع كونها ليست مذكورة في رواية بخصوصها - في حد(3) الإشكال، ويؤيد جانب الاستحباب كما أشرنا إليه.

وفي حسنة ابن أذينة(4) ، ورواية الفضلاء(5) -زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وفضيل - الاقتصار على ذكر السلاح والسيف.

وفي رواية شعيب الاقتصار على السيف والرحل وثياب الجلد(6).

وقد ظهر أن مدلول كلّ واحدة من الروايات لم يعمل به الأصحاب، والاقتصار على الأربعة لا يخلو من تحكّم.

وربما تخلّص بعضهم من ذلك بأن مستند التخصيص بالأربعة الإجماع لا الأخبار.

ولا يخفى ما فيه؛ فإنّ الإجماع خصوصاً من الأصحاب بخصوصهم لا بد له من مستند ،والمستند هنا غير ظاهر. الرابع: المحبو هو الولد الذكر، أو أكبر الذكور إن تعدّدوا، أمّا اعتبار الأكبر فأكثر الروايات ناطقة به، وهو يتحقق مع التعدد، ويشكل مع الاتحاد؛ لأن أفعل التفضيل يقتضي مشاركاً في أصل الفعل ولكن في رواية شعيب، ورواية الفضلاء أنّها لابنه فيشمل المتحد ويحمل على الأكبر مع التعدّد؛ حملاً للمطلق على المقيد.

ص: 378


1- الفقيه، ج 4، ص 346، ح 5749.
2- الفقيه، ج 1، ص 3.
3- في بعض النسخ: «في حيّز الإشكال» بدل «في حد الإشكال».
4- الكافي، ج 7، ص85، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 995؛ الاستبصار، ج 4، ص 144، ح 539.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 276، ح 998؛ الاستبصار، ج 4، ص 144، ح 542.
6- الفقيه، ج 4، ص 347 ، ح 5750.

--------------

وربما قيل: إن المراد بالأكبر من ليس هناك ذكر أكبر منه، سواء وجد غيره أم لا، فإن تمَّ شمل الواحد.

ولو تعدّد الأكبر اشتركوا في الحبوة، فيقسّم بينهم صرّح به الشيخ في المبسوط(1) وجماعة (2). وشرط ابن حمزة فقد آخر في سنه، فأسقط الحبوة هنا(3). وهو ضعيف.

وفي اشتراط بلوغه قولان من عموم الأخبار(4)، وكونها في مقابلة القضاء، ولا يكلف به إلا البالغ. والأصح عدم الاشتراط وعدم الملازمة بينهما. وكذا القول في اشتراط عقله.

وإذا لم يشترط بلوغه فهل يشترط انفصاله حال موت أبيه؟ وجهان، من عدم صدق الولد الذكر بدونه، ومن تحققه في نفس الأمر؛ لأنّ الفرض ظهوره بعد ذلك كما لو لم يكن له ولد ظاهراً ثم ثبت بعد ذلك. ومن ثُمَّ عزل له نصيبه من الميراث.

الخامس: يجب على هذا الولد أن يقضى عن والده ما فاته من صلاة وصيام؛ للنصوص الدالة على ذلك(5).

وهل هو شرط في استحقاق الحبوة بحيث تجعل عوضاً عنه ؟ قيل : نعم . والأظهر العدم؛ لإطلاق النصوص من الجانبين. وتظهر الفائدة فيما لو كان الولد غير مكلف بالقضاء أو كان مكلّفاً ولم يترك حبوةً، فعلى ما اخترناه لا تلازم بينهما، فقد يثبتان، كما إذا كان الولد مكلّفاً وخلّف الميّت حبوةً، وقد ينفكّ كلّ منهما عن الآخر.

ص: 379


1- المبسوط، ج 3، ص 342
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 132؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 362؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 169؛ وابن فهد في المهذب البارع، ج 4، ص 382.
3- الوسيلة، ص 387
4- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 97 - 100، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
5- الكافي، ج 4، ص 124، باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان أو غيره، ح 5 الفقيه، ج 2، ص 153 - 154. ح 2010 - 2012؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 247، ح 732؛ الاستبصار، ج 2، ص 108 - 109، ح 355. . راجع الوسيلة، ص 387.

--------------

وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الفائت من الصلاة والصيام بعمد(1) وغيره.

وربما قيل باختصاص الحكم بما فات منها لعذر ولا بأس به، والنصوص لا تنافيه. إذا تقرّر ذلك فلنعد إلى تحرير الأربعة المحبوة.

فالمراد بثياب بدنه ما كان يلبسها أو أعدها للبس وإن لم يكن لبسها. والأقوى أن العمامة منها وإن تعددت أو لم تلبس كذلك إذا اتخذها له، وكذا السراويل، دون شد الوسط والخفّ وما في معناه. وكذا لا تدخل القلنسوة. وفي الثوب من اللبد نظر أظهره دخوله؛ لدخوله في اسم الكسوة المذكورة في بعض الأخبار(2). وقد صرّحوا بعدم إجزاء القلنسوة عن الكفّارة مع كون المعتبر فيها الكسوة (3).

ولو تعدّدت هذه الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع كالثياب - يدخل أجمع، وما كان بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف - يتناول واحداً، فإن تعدّد في ملكه انصرف إلى ما كان يغلب نسبته إليه. فإن تساوت النسبة ففي تخير الوارث واحداً منها أو القرعة وجهان أصحهما الأول.

وفي دخول حلية السيف وجفنه وبيت المصحف وجهان، من تبعيتها لهما عرفاً، وخروجها عن حقيقتهما. وفي الأوّل قوة.

ولا يشترط عدم قصور نصيب كلّ وارث عن قدرها على الأقوى، ولا زيادتها عن الثلث للعموم.

ويشترط خلوّ الميت عن دين مستغرق للتركة؛ لأنها اختصاص في الإرث ولا إرث مع

ص: 380


1- في بعض النسخ والحجريتين: «بعذر» بدل «بعمد».
2- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح4 الفقيه، ج 4، ص 346، ح 5749؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275، ح 997؛ الاستبصار، ج 4، ص 144، ح 541.
3- الجامع للشرائع، ص 418: قواعد الأحكام، ج 3، ص 305.

*ومن شرط اختصاصه أن لا يكون سفيهاً ولا فاسد الرأي على قول مشهور.

*وأن يخلّف الميت مالاً غير ذلك، فلو لم يخلف سواه لم يخص بشيء منه.

--------------

الاستغراق، إلا أن يبذل المحبو قدر قيمتها، ويريد الاختصاص بعينها؛ بناء على القول بانتقال التركة إلى الوارث .

ولو كان هناك دين غير مستغرق ففي منعه من مقابلته منها (1)بالنسبة وجهان أظهرهما ذلك، كما يمنع غيرها من الميراث. ووجه العدم إطلاق النص.

والوجهان آتيان في الوصية النافذة. ولو كانت الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة فلا منع كما لو كانت العين معدومةً. ولو كانت الوصية ببعض الحبوة نفذت من الثلث كغيرها، إلا أنها تتوقف على إجازة المحبة خاصةً على تقدير زيادتها عن وبقي من أحكامها مباحث مهمة حققناها في رسالة (2) مفردة من أرادها وقف عليها إن الثلث.

شاء الله تعالى.

قوله: «ومن شرط اختصاصه أن لا يكون سفيهاً ولا فاسد الرأي على قول مشهور».

إنّما نسب القول إلى الشهرة؛ لخلوّ النصوص عن اشتراطه، وعموم الأدلّة ينافيه. وهو في الأوّل مشكل؛ لأنّ السفه لا يمنع الاستحقاق، ولا يدفع وجوب القضاء؛ لبقاء التكليف معه وإن جعلنا القضاء شرطاً في ثبوتها.

وأما الثاني فيمكن اعتباره من حيث إنّ المخالف لا يرى استحقاقها، فيجوز إلزامه ،بمذهبه، كما جاز مثله في منعه من الإرث أو بعضه حيث يقول به إدانة له بمعتقده. وهذا حسن.

قوله: «وأن يخلف الميت مالاً غير ذلك، فلو لم يخلّف سواه لم يخص بشيء منه».

هذا الشرط مشهور أيضاً، والنصوص خالية عنه، وكأنّ وجهه لزوم الإضرار والإجحاف بالورثة لولاه، أو أنّ الحباء لا يتحقق بدونه. وفي كلّ منهما نظر.

ص: 381


1- في .«م»: «مثلها» بدل منها».
2- رسالة الحبوة، ص 495 وما بعدها (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل / 2).

*ولو كان الأكبر أُنثى لم تُحْبَ، وأُعطي الأكبر من الذكور.

[ المسألة ]الرابعة :*

لا يرث الجد ولا الجدّة مع أحد الأبوين

شيئاً، لكن يستحبّ أن يطعما سدس الأصل إذا زاد نصيبه عن ذلك، مثل أن يخلف أبويه، وجداً وجدةً لأب، وجداً وجدةً لأُمّ، فللام الثلث، وتطعم نصف نصيبها جده وجدته بالسوية، ولو كان واحداً كان السدس له، وللأب الثلثان، ويطعم جده وجدته سدس أصل التركة بالسوية، ولو كان واحداً كان السدس له.

--------------

وإطلاق اشتراط أن يخلّف غيرها يشمل ما لو كان الغير قليلاً أو كثيراً، حتى لو كان درهماً واحداً وهي تساوي دنانير، وما ذكروه من العلة آت هنا.

وربما قيل بالمنع هنا أيضاً للإجحاف، بل قيل باشتراط عدم قصور نصيب كلّ واحد عنها(1) . ولا دليل عليه. وينبغي عليه اعتبار نصيب الولد المساوي له في الذكورية، أما غيره فلا لعدم المناسبة خصوصاً الزوجة.

قوله: «ولو كان الأكبر أُنثى لم تُحْبَ، وأُعطى الأكبر من الذكور»(2).

لأن الحبوة في النصوص منوطة بالأكبر من الذكور أو بالذكر أعم من أن تكون هناك أُنثى أكبر منه أم لا، وهذا محلّ وفاق ومصرّح به في صحيحة ربعي، فإنه قال في آخرها: «فإن كان الأكبر بنتاً فللأكبر من الذكور».

قوله: «لا يرث الجد ولا الجدة مع أحد الأبوين شيئاً - إلى قوله كان السدس له».

عدم إرث الجد مع الأبوين أو أحدهما هو المشهور بين الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً إلا ابن الجنيد، فإنّه جعل الفاضل عن سهام البنت والأبوين للجدين أو الجدّتين(3).

ص: 382


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 297 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الكافي، ج 7، ص 86، باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره، ح 4: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 275 - 276، ح 996؛ الاستبصار، ج 4، ص 144 ، ح 541.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 120، المسألة 47.

ولو حصل لأحدهما السدس من غير زيادة، وحصل للآخر الزيادة، استحبّ له الطعمة دون صاحب السدس فلو خلّف أبوين وإخوة استحبّ للأب الطعمة دون الأُمّ، ولو خلّف أبوين وزوجاً استحب للأُمّ الطعمة دون الأب.

--------------

لكن على المشهور يستحب للأبوين أن يطعما أبويهما شيئاً من نصيبهما على بعض الوجوه فالبحث يقع في موضعين:

أحدهما أنّ الأبوين أولى بالميراث من الجد (1)مطلقاً؛ لأنّهما أقرب إلى الميت منهما. وقد تقرر أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾(2) أَنّ الأقرب منهم أولى من الأبعد.

ويؤيده رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن رجل مات وترك أباه وعمه وجده، فقال: «حجب الأب الجدّ عن الميراث، وليس للعمّ ولا للجد شيء»(3).

ورواية الحسن بن صالح قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت أمها وأخوين لها من أبيها وأمها وجدها أبا أُمّها وزوجها قال :«يعطى الزوج النصف، وتعطى الأُمّ الباقي، ولا يعطى الجد شيئاً؛ لأنّ بنته حجبته عن الميراث، ولا يعطى الإخوة شيئاً»(4).

واحتج ابن الجنيد بمشاركتهم للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم، وهي الأبوة (5).

ص: 383


1- هكذا في جميع النسخ، ولعلّ الصحيح - سيما بملاحظة قوله: الميت منهما - «الجدين».
2- الأنفال :(8): 75: الأحزاب (33): 6.
3- الكافي، ج 7، ص 114، باب ابن أخ وجد، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 310، ح 1112؛ الاستبصار، ج 4، ص 161 . ح 609.
4- الكافي، ج 7، ص 113 - 114، باب ابن أخ وجد، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 286، ح 1037؛ الاستبصار، ج 4، ص 161 ، ح 608.
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 120، المسألة 47.

--------------

ويؤيده رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله(عليه السلام) : إن ابنتي هلكت ولي أم حية، فقال أبان بن تغلب وكان عنده : ليس لأُمّك شيء، فقال أبو عبد الله(عليه السلام) :«سبحان الله أعطها السدس»(1) .

ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله(عليه السلام) في أبوين وجدة لأُمّ قال: «للأُمّ السدس، وللجدة السدس وما بقى وهو الثلثان للأب»(2).

وأجيب بأنّ ذلك محمول على إعطاء الجد والجدة طعمة(3)، كما سيأتي التصريح به في الأخبار. ويمنع من مشاركتهم للأبوين في التسمية؛ لأنّ الجد لا يدخل في اسم الأب حقيقة؛ بدليل صحة السلب، بل مجازاً، وكذا الجدة بالنسبة إلى الأُمّ.

الثاني: أنه يستحب للأبوين أو أحدهما أن يطعم سدس الأصل للجد أو الجدة من قبله إذا زاد نصيبه عن السدس.

ويدلّ على أصل الاستحباب روايات كثيرة:

منها: حسنة جميل بن دراج عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أطعم الجدة السدس» (4).

ورواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أطعم الجدة السدس، ولم يفرض لها شيئاً »(5).

ص: 384


1- الكافي، ج 7، ص 114، باب ابن أخ وجد، ح 15؛ الفقيه، ج 4، ص 281، ح 5630: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 310 - 311، ح 1114؛ الاستبصار، ج 4، ص 162، ح613.
2- الفقيه، ج 4، ص 282، ح 5633: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 312، ح 1119؛ الاستبصار، ج 4، ص 163، 617.
3- أجاب به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 120، المسألة 48.
4- الكافي، ج 7، ص 114، باب ابن أخ وجد، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 311، ح 1115: الاستبصار، ج 4. ص 162 ، ح 612 .
5- الكافي، ج 7، ص 114، باب ابن أخ وجد، ح 13: الفقيه، ج 4، ص 282، ح 5632: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 311 . ح 1116.

* ولا يطعم الجد للأب ولا الجدة له إلا مع وجوده، ولا الجدّ للأُم ولا الجدة لها إلّا مع وجودها.

--------------

ورواية زرارة أيضاً قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: «إنّ نبي الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أطعم الجدة السدس طعمة»(1)، وغيرها من الأخبار(2) .

وإطلاق السدس في هذه الأخبار وغيرها ظاهر في كونه سدس الأصل، لا سدس نصيب المطعم، خلافاً لابن الجنيد حيث جعله من نصيب المطعم لا من أصل المال(3) .

ويشترط زيادة نصيب المطعم عن السدس وكونه أحد الأبوين، وكون الطعمة لمن يتقرب به من الأبوين دون من يتقرب بالآخر، فلو لم يحصل لأحد الأبوين سوى السدس كالأم مع الحاجب، والأب مع الزوج - لم يستحب له الطعمة، ولو زاد نصيب أحدهما دون الآخر اختصّ بالطعمة؛ لوجود الشرط فيه دون الآخر.

وظاهر الأخبار أنه متى زاد نصيب أحد الأبوين عن السدس استحب له طعمة السدس وإن بقي للمطعم أقلّ من السدس كما لو كان الوارث بنتاً وأبوين أو بنتين وأحدهما.

وفي الدروس قيد الاستحباب بما إذا زاد نصيب المطعم بقدر السدس(4) .

وربما قيل باستحباب طعمة أقل الأمرين من الزائد عن السدس ومنه. ووجههما من النص غير واضح.

قوله: «ولا يطعم الجد للأب ولا الجدة له إلا مع وجوده» إلى آخره.

يدل على ذلك حسنة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أطعم

ص: 385


1- الكافي، ج 7، ص 114، باب ابن أخ وجد، ح 14 ، لكن فيه عن أبي عبد الله(عليه السلام) : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 311. ح 1117؛ الاستبصار، ج 4، ص 162 ، ح 615.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 136 وما بعدها، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 119، المسألة 46.
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 300 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

المرتبة الثانية: الإخوة والأجداد

اشارة

وإذا انفرد الأخ للأب والأم فالمال له، فإن كان معه أخ أو إخوة فالمال بينهم بالسوية، ولو كان أنثى أو إناثاً فللذكر سهمان، وللأنثى ،سهم، ولو كان المنفرد أختاً لهما كان لها النصف، والباقى يردّ عليها، ولو كان أختان فصاعداً كان لهما أو لهنّ الثلثان، والباقي يردّ عليهما أو عليهن.

* ويقوم مقام كلالة الأب والأم مع عدمهم كلالة الأب، ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالة الأب والأم، ولا يرث أخ ولا أُخت من أب مع أحد من الإخوة للأب والأُمّ؛ لاجتماع السببين.

ولو انفرد الواحد من ولد الأُم كان له السدس ، والباقي ردّ عليه ، ذكراً كان أو أُنثى.

*وللاثنين فصاعداً الثلث بينهم بالسوية، ذكراناً كانوا أو إناثاً، أو ذكراناً وإناثاً.

--------------

الجدة أُمّ الأب السدس وابنها حيّ، وأطعم الجدة أُمّ الأُمّ السدس وابنتها حية»(1).

قوله: «ويقوم مقام كلالة الأب والأم مع عدمهم كلالة الأب» إلى آخره.

الكلالة أولاد الأم والأب، وهم الإخوة من الطرفين أو من أحدهما، سُمّيت كلالة من الكلّ وهو الثقل؛ لكونها ثقلاً على الرجل (2)؛ لقيامه بمصالحهم مع عدم التولد الذي يوجب مزيد الإقبال والخفّة على النفس أو من الإكليل، وهو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة؛ لإحاطتهم بالرجل كإحاطته بالرأس(3).

قوله: «وللاثنين فصاعداً الثلث بينهم بالسوية ذكراناً كانوا أو إناثاً ، أو ذكراناً وإناثاً».

ص: 386


1- الفقيه، ج 4، ص 280 - 281، ح 5629: تهذيب الأحكام ج 9، ص 311 - 312، ح 1118: الاستبصار، ج 4، ص 162 ، ح 616.
2- راجع لسان العرب، ج 11، ص 594 - 595، «کلل».
3- راجع لسان العرب، ج 11، ص 594 - 595، «کلل».

ولو كان الإخوة متفرقين كان لمن يتقرب بالأُمّ السدس إن كان واحداً، والثلث إن كانوا أكثر بينهم بالسوية، والثلثان لمن يتقرب بالأب والأم، واحداً كان أو أكثر، لكن لو كان أنثى كان لها النصف بالتسمية، والباقي بالرد ، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان، فإن أبقت الفريضة فلهما الفاضل، وإن كانوا ذكوراً فالباقي بعد كلالة الأُمّ بينهم بالسوية، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً فالباقى بينهم، للذكر سهمان وللأُنثى سهم.

والجد إذا انفرد فالمال له؛ لأب كان أو لأُمّ، وكذا الجدّة.

*ولو كان جد أو جدة أو هما ،لأم، وجد أو جدة أو هما لأب كان لمن تقرّب منهم بالأُمّ الثلث بالسوية، ولمن تقرب بالأب الثلثان، للذكر مثل حظ الأنثيين.

--------------

لقوله تعالى: ﴿فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾(1)، وإطلاق الشركة يقتضي التسوية فيما اشترك فيه وللإجماع. وألحق بهم الأجداد للام؛ لمشاركتهم لهم في التقرب بها، وكذا أولاد الإخوة؛ لأنهم يرثون نصيب الإخوة.

قوله: «ولو كان جد أو جدة أو هما لأم - إلى قوله - بالأُمّ الثلث».

كون الثلث للجد من الأم وإن اتحد هو المشهور بين الأصحاب، وعليه اتفاق المتأخرين.

ومستندهم أن المتقرّب بالأُمّ يأخذ نصيب الأُمّ، سواء اتحد أم تعدّد، ونصيبها الثلث؛ لأنّه إنّما يأخذ نصيبها(2)عند عدمها.

وفى المسألة أقوال كثيرة نادرة:

منها: قول ابن أبي عقيل(3)والفضل بن شاذان:

إنَّه إذا اجتمع جدة أُمُّ أُمُّ وجدة أُمُّ أب فلام الأُم السدس، ولأم الأب النصف، والباقي يردّ عليهما بالنسبة كمن ترك أُختاً لأب وأُمّ وأُختاً لأم(4).

ص: 387


1- النساء (4): 12
2- في جميع المخطوطات: «بسببها» بدل «نصيبها». وما أثبتناه من الحجريتين.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 43، المسألة 3.
4- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 303 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)

*وإذا اجتمع مع الإخوة للأمّ جدّ وجدة أو أحدهما من قبلها كان الجد كالاً والجدة كالأُخت، وكان الثلث بينهم بالسوية.

وكذا إذا اجتمع مع الأخت أو مع الأختين فصاعداً، للأب والأُمّ أو للأب، جدّ وجدة أو أحدهما، كان الجد كالأخ من قبله، والجدة كالأُخت، ينقسم الباقي بعد كلالة الأُمّ بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.

--------------

ومنها: قول الصدوق: للجد من الأم مع الجد للأب أو الأخ للأب السدس، والباقي للجدّ للأب أو الأخ(1) .

ومنها: قول الفضل فيمن ترك جدته أُمّ أُمّه وأخته للأبوين، فللجدّة السدس(2).

ومنها: قول التقي وابن زهرة والقطب الكيذري: إن للجد أو الجدة للأُم السدس، ولهما الثلث بالسوية(3) .

ولم نقف على مأخذ هذه الأقوال إلا إلحاق الأجداد بكلالة الأم، وضعفه ظاهر.

قوله: «ولو اجتمع مع الإخوة للأُمّ جدّ وجدة» إلى آخره.

هذا مذهب الأصحاب في كيفية ميراث الجدودة مع الإخوة. وخالفهم فيه العامة.

والمستند الأخبار المستفيضة :

منها: حسنة الفضلاء زرارة وأخوه بكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد عن أحدهما (عليهم السلام)قال: «إنّ الجد مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا، فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الإخوة»، قال، قلت: رجل ترك جده وأخته، فقال: «للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانتا أختين فالنصف للجد والنصف الآخر للأختين، وإن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب»(4) .

ص: 388


1- المقنع، ص 499؛ وراجع مختلف الشيعة، ج 9، ص 43، المسألة 3.
2- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 303 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- الكافي في الفقه، ص 371 - 372؛ غنية النزوع، ج 1، ص 324 - 325: إصباح الشيعة، ص 367.
4- الكافي، ج 7، ص 109، باب الجد، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 303، ح 1081؛ الاستبصار، ج 4، ص 155، ح 583.
*والزوج والزوجة يأخذان نصيبهما الأعلى مع الإخوة

اتفقت وصلتهم أو اختلفت. ويأخذ من تقرّب بالأُمّ نصيبه المسمّى من أصل التركة، وما يفضل فلكلالة الأب والأم، ومع عدمهم فلكلالة الأب، ويكون النقص داخلاً على مَنْ تقرّب بالأب والأم أو بالأب، كما في زوج مع واحد من كلالة الأُمّ مع أُخت للأب.

--------------

وصحيحة عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخ لأب وجد، قال: «المال بينهما سواء»(1).

وعلى هذا فلو خلّف جداً أو جدة من الأم، وإخوة وأجداداً من الأب وإن كثروا فللجد أو الجدة من الأُمّ الثلث، وللإخوة والأجداد من الأب الثلثان.

ولو انعكس فكان المخلف جداً أو جدة أو أخاً أو أختاً من الأب، وإخوة وجدين من الأم. فللجد أو الجدة أو الأخ أو الأخت للأب الثلثان، وللإخوة والجدين وإن كثروا الثلث بينهم بالسوية.

ولو ترك أخاً أو أختاً من الأم، وجداً أو أخاً من الأب، فللأخ من الأُمّ أو الأخت السدس، والباقي للجد أو الجدة أو الأخ أو الأخت من الأب.

ولو ترك جداً أو جدّةً لأمّ، وأخاً وجداً لأب، فالمال بينهم أثلاثاً، وكذا لو كان بدل الجد والأخ للأب جدّةً وأُختاً، وهكذا.

قوله: «والزوج والزوجة يأخذان نصيبهما الأعلى مع الإخوة» إلى آخره.

هذه من مسائل العول؛ لأن الزوج له النصف وللأخت النصف، وللواحد من كلالة الأُمّ السدس، وهو عائل؛ لتمام الفريضة بالنصفين. فالجمهور يجعلونها من سبعة، وأصحابنا يجعلون النقص على مَنْ يتقرّب بالأب كما سلف(2). ومثله ما لو اجتمع مع الزوج أختان فصاعداً للأب، سواء جامعهم كلالة الأم أم لا.

وقد روى محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر(عليه السلام) قال، قلت له: ما تقول في امرأة ماتت

ص: 389


1- الكافي، ج 7، ص111، باب الجد، ح 11؛ الفقيه، ج 4، ص 283، ح 0 564؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 307، ح 1096؛ الاستبصار، ج 4، ص 159 ، ح 600.
2- سبق في العول، ص 356 وما بعدها.

* وإن فرضت الزيادة، كما في واحد من كلالة الأُمّ مع أُخت لأب وأُمّ كان الفاضل للأخت خاصة.

--------------

وتركت زوجها، وإخوتها لأمها، وإخوة وأخوات لأبيها؟ قال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم. ولإخوتها لأمها الثلث سهمان الذكر والأنثى فيه سواء، وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأن السهام لا تعول، وأن الزوج لا ينقص من النصف، وللإخوة من الأم ثلثهم، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، وإن كان واحداً فله السدس، وإنّما عنى الله في قوله: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَحْ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾(1)، وإنما عنى بذلك الإخوة والأخوات من الأُمّ خاصةً، وقال في آخر سورة النساء: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَلَةِ ﴾(2) الآية، فهم الذين يزادون وينقصون»(3).

قوله: «وإن فرضت الزيادة »إلى آخره.

هذا هو الأظهر(4) بين الأصحاب، بل ادّعى جماعة(5)عليه الإجماع؛ لأنّ مَنْ كان النقص داخلاً عليه كان الفاضل له ولأن الأخت للأبوين تجمع السببين فتكون أولى.

وقال ابن أبي عقيل(6)والفضل(7) :

إن الفاضل يردّ عليهما على نسبة السهام أرباعاً في المسألة المفروضة، وأخماساً إذا كان المتقرب بالأبوين أُختين.

وهو شاذ.

ص: 390


1- النساء (4): 12
2- النساء (4): 176
3- الكافي، ج 7، ص 103، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد، حه تهذيب الأحكام، ج 9، ص 292 - 293 ح 1047.
4- في بعض النسخ والحجريّتين: «المشهور» بدل« الأظهر»
5- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 260 .
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 64. المسألة 12.
7- حكاه عنه الصدوق في الفقيه، ج 4، ص 295، باب ميراث ذوي الأرحام والعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 64، المسألة 12.

*وإن كانت للأب فهل تخص بما فضل عن السهام؟ قيل: نعم؛ لأن النقص يدخل عليها بمزاحمة الزوج أو الزوجة، ولما روي عن أبي جعفر(عليه السلام)في ابن أُخت لأب وابن أُخت لأُمّ، قال: «لا بن الأُخت للأُمّ السدس، والباقي لابن الأُخت للأب». وفي طريقها عليّ بن فضال، وفيه ضعف.

وقيل: بل يرد على من تقرب بالأُمّ وعلى الأخت أو الأخوات للأب أرباعاً أو أخماساً؛ للتساوي في الدرجة. وهو أولى.

--------------

قوله: «وإن كانت للأب فهل تخص بما فضل عن السهام؟» إلى آخره.

قد عرفت أنّ المتقرّب بالأب يقوم مقام المتقرّب بالأبوين عند عدمه، ويدخل النقص عليه كما يدخل عليه إجماعاً.

وهل يساويه في كون الزيادة له؟ يبنى على أن الزيادة هل تثبت للأصل أم لا؟ فإن نفيناها في الأصل كما ذهب إليه الحسن (1)والفضل(2) - فهنا أولى، ومَنْ أثبتها للأصل اختلفوا هنا، فذهب الصدوق والشيخ في النهاية والاستبصار وابن البراج وأبو الصلاح(3)وأكثر المتأخرين إلى إثباتها هنا للفرع؛ لمشاركته للأصل في دخول النقص، ولرواية محمد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) في ابن أخت لأب وابن أخت لأُمّ، قال: «لابن الأُخت للأُمّ السدس. ولابن الأخت للأب الباقي»(4).

وهو يستلزم كون الحكم في الأُمّ كذلك؛ لأن الولد إنما يرث بواسطتها.

وأجيب بأنّ دخول النقص لا يوجب الاختصاص بالمردود كالبنت مع الأبوين(5) .

ص: 391


1- تقدم قبل قليل.
2- تقدم قبل قليل.
3- الفقيه، ج 4، ص 274 - 275، ذيل الحديث 5624: النهاية، ص 638: الاستبصار، ج 4، ص 168 - 169، ذيل الحديث 637: المهذب، ج 2، ص 136؛ الكافي في الفقه، ص 371 - 372.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 322، ح 1157؛ الاستبصار، ج 4، ص 168، ح 627.
5- أجاب به الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 455.

مسائل ثلاث :

[ المسألة] الأولى :*

الجد وإن علا يقاسم الإخوة مع عدم الأدنى

ولو اجتمع مع الإخوة شاركهم الأدنى وسقط الأبعد.

--------------

وعن الرواية بالطعن في سندها، فإنّ في طريقها علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي(1)؛ ولذلك ذهب الشيخ في المبسوط(2)وابن الجنيد(3)وابن إدريس(4) والمصنف (رحمه الله) إلى المشاركة؛ للتساوي في الدرجة والسبب فإنّه فيهما من جهة واحدة فلا وجه للتخصيص.

وأجاب الأوّلون بوجود المخصص، وهو ما ذكروه، فإنّ ابن فضال وإن كان فاسد المذهب لكنّه(5) ثقة. وعن النقص بالبنت مع الأبوين بأنّ التخلّف فيه لمانع، وهو وجود معارض يدخل النقص عليه، أعني الأبوين؛ لأنّ فرضهما مع الولد غيره مع عدمه. والمسألة موضع تردّد إن لم نعمل بالخبر الموثق.

قوله: «الجد وإن علا يقاسم الإخوة مع عدم الأدنى إلى آخره.

وذلك لإطلاق النصوص باشتراك الإخوة والأجداد (6)الشامل للجد الأعلى والأدنى. ولا يقدح كون الأعلى أبعد من الأدنى المساوي للأخ؛ لاختلاف النسبين، كما يشارك أولاد الأولاد الأبوين وإن كانوا أبعد من آبائهم المساوين للأبوين، والقدر المشترك بينهما صدق الأولاد والأجداد.

ص: 392


1- رجال النجاشي، ص 257 - 258 ، الرقم 676: خلاصة الأقوال، ص 177، الرقم 526.
2- المبسوط، ج 4، ص 73.
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 63، المسألة 12.
4- السرائر، ج 3، ص 260.
5- في الحجريتين: «إلا أنه» بدل «لكنه».
6- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 164 - 170، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
میراث الاجداد

[المسألة] الثانية: • إذا ترك جدّ أبيه وجدته لأبيه، وجده وجدته لأُمّه، ومثلهم للأُمّ كان لأجدادها الثلث بينهم أرباعاً، ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثاً، ثلثا ذلك لجده وجدته لأبيه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، والثلث الآخر لجده وجدته لأمه أثلاثاً، على ما ذكره الشيخ (رحمه الله). فيكون أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين، فتضرب أربعةً في تسعة، ثم تضرب المجتمع في ثلاثة، فيكون مائة وثمانية.

--------------

قوله: «إذا ترك جدّ أبيه وجدته لأبيه، وجده وجدته لأمه» إلى آخره.

لا بد قبل البحث عن ميراث الأجداد الثمانية فصاعداً من تمهيد مقدمة في تحقيق أعداد الأجداد ومراتبهم. وتلخيصه أن نقول: للإنسان أب وأُمّ، وهما الواقعان في الدرجة الأولى من درجات أصولهم، ثم لأبيه أب وأم وكذلك لأمه، فالأربعة هم الواقعون في الدرجة الثانية من درجات الأصول، وهذه الدرجة هى الأولى من درجات الأجداد والجدات، ثمّ الأصول في الدرجة الثالثة ثمانية؛ لأنّ لكلّ واحد من الأربعة أباً وأُمّاً، فتضرب الأربعة في اثنين. وفي الدرجة الرابعة ستة عشر، وفي الخامسة اثنان وثلاثون، لمثل ذلك، والنصف من الأصول في كل درجة ذكور، والنصف إناث.

وقد جرت العادة بالبحث عن إرث ثمانية أجداد، وهي المرتبة الثانية من مرتبتهم، ولا خلاف في أن ثلثي التركة لجدّي الأب وجدتيه، وثلثها لجديه وجدتيه من قِبَل أُمّه؛ لأنّ ذلك هو قاعدة ميراث الأجداد المجتمعين، لا يفرق فيها بين تعدد الصنفين واتحادهما(1) .

وقد اختلفوا في اقتسام كلّ فريق من الجانبين، من حيث إن أحد الجانبين يتقرب بأم. ومن شأن قسمة مَنْ يتقرب بها التسوية، والآخر بأب، ومن شأن قسمة المتقرب به التفاوت من أنّ في كل جانب منهما ما يخالف ذلك، ففي جانب أجداد الأب من يتقرب بأم، وهما: جد أُمّ الأب وجدتها، وفي جانب أجداد الأُمّ من يتقرب بأب، وهما: جد أب الأُم وجدته.

ص: 393


1- فيما عدا «م» من سائر النسخ: «اتحاده» بدل «اتحادهما».

--------------

فالذي اختاره الشيخ(1) والأكثر اعتبار النسبة إلى نفس الميّت، فمن تقرب إليه بأبيه -وهم أجداده الأربعة من قِبَل أبيه - يقتسمون الثلثين بالتفاوت. ثم الأربعة يقتسمون الثلثين بالتفاوت أيضاً، فيأخذ جد أب الأب وجدته ثلثي الثلثين، ويقتسمانه أثلاثاً ويأخذ جد أُمّ الأب وجدتها ثلث الثلثين ويقتسمانه أيضاً أثلاثاً، ومَنْ تقرب إليه بأمه - وهم أجداده

الأربعة من قبلها - يقتسمون الثلث بالسوية؛ لاشتراكهم في أصل الانتساب بالأُمّ.

وعلى هذا فأصل المسألة ثلاثة هي مخرج ما فيها من الفروض وهو الثلث، سهم منها لأجداد الأُمّ الأربعة ينكسر على عددهم وهو أربعة، واثنان لأجداد الأب الأربعة لا ينقسمان على عدد سهامهم وهي تسعة؛ لأن ثلثهم له ثلث، وأقلّ ذلك تسعة وبين عدد كلّ فريق ونصيبه مباينة، وكذا بين العددين، فيطرح النصيب ويضرب أحد العددين في الآخر ثمّ المرتفع وهو ستة وثلاثون - في أصل الفريضة - وهو ثلاثة - تبلغ مائة وثمانية، ثلثها ستة وثلاثون - لأجداد الأمّ الأربعة بالسوية لكلّ واحد تسعة، وثلثاها اثنان وسبعون - لأجداد الأب الأربعة، ثلثا ذلك - ثمانية وأربعون - لجد أب الأب وجدته أثلاثاً، للجد اثنان وثلاثون وللجدّة ستة عشر وثلثه - وهو أربعة وعشرون - لجدّ أمّ الأب وجدتها(2)أثلاثاً، للجدّ ستة عشر وللجدّة ثمانية.

وبقي في المسألة قولان آخران مترتبان على ما أشرنا إليه من اعتبار التقرب بالأم والأب. :أحدهما للشيخ معين الدين المصري:

إنّ ثلث الثلث لأبوي أمّ الأُمّ بالسوية، وثلثاه لأبوي أبيها بالسوية أيضاً، وثلث الثلثين لأبوي أُمّ الأب بالسوية، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثاً؛ اعتباراً في الطرفين بالتقرب بالأُمّ في الجملة المقتضي للتسوية. فسهام قرابة الأمّ سنّة، وسهام قرابة الأب ثمانية عشر، فيجتزأ بها؛ لدخول السنة فيها، وتضرب في أصل الفريضة تبلغ أربعة وخمسين، ثلثها

ص: 394


1- النهاية، ص 649 .
2- في جميع النسخ: «وجدته» بدل «وجدتها»، ولعل الصحيح ما أثبتناه.
ألاقرب فی المرتبه یمنع البعد من المیراث

[المسألة] الثالثة:* أخ من أُم مع ابن أخ لأب وأم، الميراث كله للأخ من الأُمّ؛ لأنّه أقرب.

وقال ابن شاذان: له السدس، والباقي لابن الأخ للأب والأم؛ لأنه يجمع السببين.

وهو ضعيف؛ لأنّ كثرة الأسباب أثرها مع التساوي في الدرجة لا مع التفاوت.

--------------

ثمانية عشر لأجداد الأُم، منها اثنا عشر لأبوي أبيها بالسوية، وستة لأبوي أُمها كذلك. وستة وثلاثون لأجداد الأب، منها اثنا عشر لأبوي أُمه بالسوية، وأربعة وعشرون لأبوي أبيه أثلاثاً (1).

وهو ظاهر.

والثاني: للشيخ زين الدين محمد بن القاسم البرزهي: أن ثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسوية، وثلثيه لأبوي أبيها أثلاثاً(2).

وقسمة أجداد الأب كما ذكره الشيخ رحمه الله)، وصحتها من أربعة وخمسين أيضاً، لكن يختلف وجه الارتفاع، فإنّ سهام أقرباء الأُمّ هنا ثمانية عشر وأقرباء الأب تسعة تداخلها، فيجتزاً بضرب الثمانية عشر في الثلاثة أصل الفريضة.

وليس هنا دليل قاطع يرجّح أحد الأقوال، وإن كان الأشهر الأول، وإلى عدم ظهور المرجح أشار المصنف (رحمه الله) بقوله على ما ذكره الشيخ من غير أن يرجحه أو يضعفه.

قوله «أخ من أُمّ مع ابن أخ لأب وأم، الميراث كله للأخ من الأم» إلى آخره.

المعتبر في جهات القرب وترجيح الأقرب على الأبعد بأصناف الوارث، فالأولاد في المرتبة الأولى صنف، ذكوراً كانوا أم إناثاً، لذكور انتسبوا أم لإناث، فيمنع ابن البنت ابن ابن الابن، وهكذا.

ص: 395


1- حكى القولين عنهما أيضاً الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- حكى القولين عنهما أيضاً الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

--------------

والإخوة صنف واحد، سواء كانوا لأب وأم، أم لأحدهما أم متفرقين كما أن الأجداد صنف واحد كذلك، فالأقرب منهم إلى الميت وإن كان جدة لأُمّ يمنع الأبعد وإن كان جداً لأب.

هذا هو المفهوم من تقديم الأقرب فالأقرب لغةً وعرفاً، مضافاً إلى النص الصحيح(1).

ويتفرع عليه حكم المسألة المذكورة؛ فإنّ الأخ من الأم أقرب درجة من ابن الأخ للأبوين، فيكون الميراث كله له، سدس بالفرض والباقي بالرد.

وخالف في ذلك الفضل بن شاذان (رحمه الله)، فجعل الإخوة أصنافاً، فاعتبر الأقرب من إخوة الأم فالأقرب، وكذلك إخوة الأبوين والأب، ولم يعتبر قرب أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر، كما لم يعتبر قرب الأخ بالنسبة إلى الجد الأعلى لتعدّد الصنف.

وفرع عليه أنّ الأخ للأم مع ابن الأخ للأبوين يأخذ فرضه وهو السدس، والباقي لابن الأخ للأب والأم أو للأب؛ محتجاً بأن قرابتهما من جهتين، فيأخذ كل منهما من جهة قرابته، بخلاف ما لو كان الأخ لأب وابن الأخ لأب وأم؛ فإنّ المال هنا كله للأخ من الأب عنده؛ لأنّه أقرب ببطن وقرابتهما من جهة واحدة.

وقال:

لو ترك أخاً لأم وابنة أخ لأب وأم، فللأخ من الأم السدس، ولابنة الأخ من الأب والأم النصف، وما بقي ردّ عليها؛ لأنّها تورّث ميراث أبيها.

وهكذا القول في ابن الأخ للأم مع ابن ابن الأخ للأبوين(2).

والمصنّف (رحمه الله) والجماعة نقلوا عنه التعليل بكثرة الأسباب، وضعفوه بأن كثرة

ص: 396


1- الكافي، ج 7، ص 75 باب بيان الفرائض في الكتاب، ح 1، وص 76، باب، ح 1 - 2، وص 77، باب أن الميراث لمن سبق .... ح 1 - 3: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 267 - 269، ح 172 - 978.
2- حكاه عنه الكليني في الكافي، ج 7، ص 106 - 107، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد، ذيل الحديث 8؛ والصدوق في الفقيه، ج 4 ص 275 - 277، ذيل الحديث 5624
خاتمة: أولاد الإخوة والأخوات يقومون مقام آبائهم

عند عدمهم، ويرث كلّ واحد منهم نصيب مَنْ يتقرب به، فإن كان واحداً كان النصيب له، وإن كانوا جماعةً اقتسموا ذلك النصيب بينهم بالسوية إن كانوا ذكراناً أو إناثاً، وإن اجتمعوا فللذكر مثل حظ الأنثيين . وإن كانوا أولاد إخوة من أُمّ كانت القسمة بينهم بالسوية.

--------------

السبب إنما تؤثر مع تساوي الدرجة لا مع تفاوتها، وهي هنا متفاوتة، من حيث إنّ الأخ للأُمّ أقرب درجةً من ابن الأخ مطلقاً(1) .

وهذا التوجيه جيد، إلا أنّ ظاهر كلام الفضل التعليل بما ذكرناه من اختلاف الجهة لا زيادة السبب، ومن ثَمَّ فرّق بين الأخ من الأم ومن الأب وحده كما نقلناه عنه، مع اشتراكهما في التساوي في السببية بالنسبة إلى الأخ من الأبوين، مع أن ابن الأخ للأبوين أزيد سبباً.

قوله: «وإن كانوا أولاد إخوة من أم كانت القسمة بينهم بالسوية».

لا فرق في اقتسامهم بالسوية بين كونهم أولاد أخ واحد أو أخت، وبين كونهم أولاد إخوة متعددين؛ لأنهم يرثون نصيب من يتقربون به وقسمته مع إخوته كذلك؛ لإطلاق قوله :تعالى: ﴿ فَهُمْ شُرَكَاء في الثلث ﴾(2).

نعم، لو كان أولاد الإخوة للأُمّ ينتسبون إلى متعدّد فلكلّ نصيب من يتقرب به، ثمّ يقتسمونه بالسوية أيضاً، فلو كان أولاد الإخوة للأُمّ ثلاثة، واحد منهم ولد أخ، والآخران ولد واحد، فلولد الواحد السدس ذكراً كان أم أنثى، وللآخرين السدس بينهما بالسوية مطلقاً، فالتسوية في القسمة حاصلة في الجملة؛ فلذلك أطلقها المصنف، وإن كانت قد تقتضي

اختلافاً من وجه.

ص: 397


1- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 364؛ والدروس الشرعية، ج 2، ص 305 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 10).
2- النساء (4): 12

ويأخذ أولاد الأخ الباقي كأبيهم ،* وأولاد الأُخت للأب والأُمّ النصف نصيب اُمهم، إلا على سبيل الردّ، وأولاد الأختين فصاعداً الثلثين، إلا أن يقصر المال بدخول الزوج أو الزوجة، فيكون لهم الباقي، كما يكون لمن يتقربون به.

ولو لم يكن أولاد كلالة الأب والأم قام مقامهم أولاد كلالة الأب.

ولأولاد الأخ أو الأُخت من الأُمّ السدس، ولو كانوا أولاد اثنين كان لهم الثلث، لكلّ فريق نصيب من يتقربون به بينهم بالسوية.

ولو اجتمع أولاد الكلالات كان لأولاد كلالة الأُمّ الثلث، ولأولاد كلالة الأب والأُمّ الثلثان، وسقط أولاد كلالة الأب.

ولو دخل عليهم زوج أو زوجة كان له نصيبه الأعلى، ولمن تقرب بالأُم ثلث الأصل إن كانوا لأكثر من واحد، أو السدس إن كانوا لواحد، والباقي لأولاد كلالة الأب والأم، زائداً كان أو ناقصاً ، ولو لم يكونوا فلأولاد كلالة الأب خاصةً.

*وفى طرف الزيادة يحصل التردد على ما مضى.

*ولو اجتمع معهم الأجداد قاسموهم كما يقاسمهم الإخوة، وقد بيناه.

--------------

قوله: «وأولاد الأُخت للأب والأم النصف نصيب أُمهم، إلا على سبيل الرد».

بأن لا يكون سواهم، فيرد النصف الباقي عليهم، أو يكون معهم أولاد إخوة لأم، فيرد السدس الفاضل على أولاد الأخت للأبوين خاصةً كالأم، إلا على القول النادر.

قوله: «وفي طرف الزيادة يحصل التردد على ما مضى».

أي لو زادت الفريضة عن سهام أولاد الإخوة، وكان من جملتهم أولاد أخت لأب، بأن اجتمع أولاد أخ أو إخوة لأم مع أولاد أخت لأب، فالفاضل - وهو الثلث أو السدس - يحصل التردد في رده على الفريقين أو اختصاصه بأولاد الأخت للأب، كما مرّ في الإخوة أنفسهم. والحكم في المسألتين واحد.

قوله: «ولو اجتمع معهم الأجداد قاسموهم كما يقاسمهم الإخوة، وقد بيناه».

ص: 398

المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال

اشارة

*العم يرث المال إذا انفرد، وكذا العمّان ،والأعمام ويقسمون المال بالسوية. وكذا العمة والعمتان والعمّات، وإن اجتمعوا فللذكر مثل حظ الأنثيين.

--------------

فلا يمنع الجد وإن قرب ولد الأخ وإن بعد؛ لأنه ليس من صنفه حتى يراعى فيه تقديم الأقرب فالأقرب، ولا يقدح كونه مساوياً للأخ المتقدم في الإرث على ولد الأخ؛ لما ذكرناه، ولدلالة الأخبار الصحيحة عليه، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر(عليه السلام) ، فقرأت فيها مكتوباً ابن أخ وجد، المال بينهما سواء»، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ مَنْ عندنا لا يقضون بهذا القضاء، لا يجعلون لابن الأخ مع الجد شيئاً، فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «أما أنّه إملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وخط على(عليه السلام) من فيه بيده»(1). وغيرها من الأخبار الكثيرة(2) .

وكما لا يمنع الجد الأدنى أولاد الإخوة كذا لا يمنع الأخ الجد الأبعد؛ لدخوله في مسمّى الجد المنصوص بأنه يشارك الأخ وأولاده(3).

ولا فرق بين كون الأخ وولده موافقاً للجد في انتسابه للأب أو الأم ومخالفاً، فلو كان ابن أخ لأم مع جد لأب فلابن الأخ للأُمّ السدس، وللجد الباقي، ولو انعكس فكان الجد للأم وابن الأخ للأب فللجد الثلث، ولابن الأخ الباقي، وهكذا.

قوله: «العمّ يرث المال إذا انفرد - إلى قوله - فللذكر مثل حظ الأنثيين».

هذه المرتبة مأخوذة من آية أُولي الأرحام(4)، وليست مذكورة بخصوصها في القرآن، ولكن وردت بها أيضاً نصوص صحيحة(5)، واستنبط باقي أحكامها بالنظر . ولمّا كان العمّ

ص: 399


1- الكافي، ج 7، ص 113، باب ابن أخ وجد، ح : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 308 - 309، ح 1104.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 159 - 163 ، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 159 - 163 ، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
4- الأنفال (8) 75: الأحزاب (33): 6.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 185 - 194 ، الباب 1 - 5 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.

ولو كانوا متفرقين فللعمة أو العم من الأُمّ السدس، ولما زاد على الواحد الثلث، يستوي فيه الذكر والأنثى، والباقي للعم أو العمّتين أو الأعمام من الأب والأُمّ، بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

میراث الاعمام مع ابناءالاعمام

ويسقط الأعمام للأب بالأعمام للأب والأم، ويقومون مقامهم عند عدمهم.

* ولا يرث ابن عمّ مع عمّ، ولا مَنْ هو أبعد مع أقرب إلا في مسألة واحدة، وهي ابن عمّ لأب وأم مع عمّ لأب، فابن العم أولى ما دامت الصورة على حالها، فلو انضم إليهما ولو خال تغيّرت الحال وسقط ابن العم.

--------------

للأب يتقرب بذكر - وهو أب الأب كان بمنزلة الأب، والعمة بمنزلة الأم، والمجتمعون بمنزلتهما في الاقتسام وحيازة التركة لا مطلقاً، وكذا الباقي.

وروی سلیمان بن خالد عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: «كان عليّ يجعل العمة بمنزلة الأب في الميراث، ويجعل الخالة بمنزلة الأم، وابن الأخ بمنزلة الأخ قال: - وكلّ ذي رحم لم يستحق فريضةً فهو على هذا النحو»(1) .

وروى أبو أيوب عنه مثله، وقال: «كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه»(2).

قوله: «ولا يرث ابن عمّ مع عمّ - إلى قوله وسقط ابن العم».

هذه هي المسألة المعروفة بالإجماعية المخالفة للأصول المقرّرة، والقواعد المعتبرة من تقديم الأقرب إلى الميت على الأبعد، وليس في أصل حكمها خلاف لأحد من الطائفة، مع أنّ الأخبار الواردة بها(3)ليست معتبرة الإسناد، فلا مستند لها إلا الإجماع، وحيث كانت مخالفة للأصل يجب الاقتصار فيها على محلّ الوفاق، وهو ما إذا كان الوارث ابن عمّ لأب وأُمّ مع عمّ لأب لا غير، وتغيّرها يتحقق بكون ابن العم أُنثى أو العم كذلك، وبتعددهما

ص: 400


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 326، ح 1171.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 325 - 326 ، ح 1170.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 192 وما بعدها، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.

ولو انفرد الخال كان المال له، وكذا الخالان والأخوال ، وكذا الخالة والخالتان والخالات، ولو اجتمعوا فالذكر والأنثى سواء.

--------------

و تعدد أحدهما، وانضمام وارث آخر إليهما كالزوج والزوجة والخال والخالة، وكون ابن العم بعيداً كابن ابن العم، إما مع العمّ نفسه أو مع مَنْ هو أقرب منه، كابن ابن العم للأبوين مع ابن العم للأب.

ومقتضى كلام المصنف (رحمه الله) اختصاص الأقرب في جميع هذه التغييرات وغيرها. وهذا هو المناسب لحكم الأصل، مع مراعاة موقع الإجماع، وقد حصل الخلاف في تأثير بعض هذه التغييرات.

فمنها : تغيّرها بتعدّدهما أو تعدّد أحدهما، فذهب جماعة منهم الشهيد (رحمه الله )(1)إلى عدم تغيّر الحكم بذلك؛ لوجود المقتضي للترجيح، وهو ابن العم مع العم، ولأنه إذا منع مع اتحاده فمع تعدّده أولى؛ لتعدّد السبب المرجّح، وسبب إرث العمين وما زاد هو العمومة، وابن العمّ مانع لهذا السبب، ومانع أحد السببين المتساويين مانع للآخر، خصوصاً إذا جعلنا ابن العم مفيداً للعموم بسبب الإضافة.

ومنها: ما لو كان معهما زوج أو زوجة، والشهيد (رحمه الله) هنا على أصله في السابق(2)؛ لوجود المقتضي للترجيح. ووجه العدم في الموضعين الخروج عن صورة النص(3). وأما تغيّرها بالذكورة والأنوثة فيهما أو في أحدهما فالأقوى تغيّر الحكم؛ لخروجه عن المنصوص(4) ، حقيقةً، خلافاً للشيخ (رحمه الله) نظراً إلى اشتراك العمّ والعمّة في السببية وكذا ابن العم وبنته(5).

وأولى منه تغيّره بتغيّر الدرجة، كابن ابن عمّ للأبوين مع ابن عمّ للأب؛ لعدم صدق العمّ هنا وإن صدق ابن العمّ بالنازل.

ص: 401


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 326 ، ح 1172: الاستبصار، ج 4، ص 170 - 171، ح 644.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 326 ، ح 1172: الاستبصار، ج 4، ص 170 - 171، ح 644.
5- الاستبصار، ج 4، ص 170، ذيل الحديث 643: وأيضاً راجع النهاية، ص 655.

--------------

وأما تغيّره بهبوط ابن العم مع وجود العمّ فيبنى على أن ابن الابن هل يصدق عليه الابن حقيقة أم لا؟ والأقوى تغير الحكم هنا أيضاً.

ومنها: تغيّرها بانضمام الخال أو الخالة. والإشكال في هذه أقوى، وقد اختلف فيها أقوال العلماء وطال التشاجر بينهم، حتى أفردوها بالتصنيف بناء وهدماً. وجملة الأوجه المعتبرة فيها أربعة:

أوّلها: حرمان ابن العم ومقاسمة العمّ والخال المال أثلاثاً، وهذا الوجه يُنسب إلى العماد ابن حمزة القمي المعروف بالطبرسي (1)؛ لأنه أوّل من شيّده وأقام عليه الأدلّة، وتابعه عليه أكثر المحققين منهم المصنف رحمه الله) والعلّامة(2)والشهيد(3)وجملة المتأخرين اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق أو النصّ، ولم يوجد فيهما غيرهما، فلا يتعدّى الحكم، ولأنّ الخال أقرب من ابن العم إجماعاً، ولا مانع له من الإرث بنص ولا إجماع فيسقط ابن العم به رأساً، ويبقى في الطبقة عمّ وخال فيشتركان؛ لانتفاء مانع العم حينئذ.

ويؤيده رواية سلمة بن محرز عن الصادق قال في ابن عمّ وخالة: «المال للخالة» وفي ابن عم وخال قال: «المال للخال»(4)، وإذا سقط اعتبار ابن العم بالخال بقي المال بين العمّ والخال أثلاثاً، كما لو لم يكن هناك ابن عمّ.

وثانيها حرمان العمّ خاصةً، وجعل المال للخال وابن العم، ذهب إلى ذلك القطب الراوندي(5)، ونصره الشيخ معين الدين المصري (رحمه الله)(6) .

وحجتهم أنّ الخال لا يمنع العم، فلأن لا يمنع ابن العم الذي هو أولى منه أولى، ولأن

ص: 402


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45، المسألة 4؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 228.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 370؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 31، الرقم 6309.
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 328، ح 1179؛ الاستبصار، ج 4، ص 171 ، ح 645.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45. المسألة 4.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45. المسألة 4.

--------------

الخال إنما يحجب ابن العم مع عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة، فأما مع وجود أحدهم فلا يقال: إنه محجوب به، وإنّما هو محجوب بذلك الذي هو من قِبل العم؛ لأنه يأخذ منه النصيب من الإرث بخلاف الخال، فإنّ فرضه لا يتغيّر بوجود ابن العم ولا بعدمه والحجب إنّما يتحقق بأخذ ما كان يستحقه المحجوب لا ما يأخذه غيره.

وثالثها: حرمان العم وابن العم معاً، واختصاص المال بالخال، ذهب إلى ذلك الفاضل سديد الدين محمود الحمصي؛ محتجاً بأنّ العمّ محجوب بابن العم، وابن العم محجوب بالخال فيختص الإرث به(1)، ويؤيّده رواية سلمة بن محرز عن الصادق(عليه السلام)(2) الدالة على تقديم الخال على ابن العم فيكون مقدّماً على مَنْ هو أضعف منه بطريق أولى.

ورابعها حرمان العمّ والخال وجعل المال كله لابن العم؛ لأنّ الخال مساوٍ للعم في المرتبة، وابن العم يمنع العمّ، ومانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر وإلا لم يكونا متساويين.

ولكلّ واحد من هذه الأوجه وجه وجيه، وإن كان الأخير أضعفها، والأول أقواها. ويؤيده - مضافاً إلى ما تقدّم - عموم النصوص الدالة على أنه مع اجتماع العم والخال يشتركان، كصحيحة أبي بصير أنّ أبا عبد الله(عليه السلام) أخرج له كتاب علي(عليه السلام) فإذا فيه: رجل مات وترك عمه وخاله فقال: «للعمّ الثلثان، وللخال الثلث»(3). وهذا الفرض متحقق هنا.

فإن قيل: العم محجوب بابن العم للأب والأم، فخرج عنه بذلك وبالإجماع، أو يضاف(4) ، إليه أنّ ابن العم أيضاً محجوب بالخال، فيكون المال كله للخال.

قلنا: العمّ إنّما يكون محجوباً بابن العم إذا لم يكن ابن العم ممنوعاً من الميراث،

ص: 403


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 45، المسألة 4.
2- تقدّمت قبيل هذا.
3- الكافي، ج 7، ص 119، باب ميراث ذوي الأرحام، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 324، ح 1162.
4- في جميع النسخ: «أو يضاف» ولعلّ الصحيح ويضاف».

--------------

أما إذا كان ممنوعاً لم يمنع غيره، ضرورة أنه لو كان قاتلاً أو كافراً أو نحو ذلك لم يحجب، ومنعه بالخال؛ لكونه أقرب منه إجماعاً ونصّاً، وحينئذ فلا يجوز أن يكون الثلثان لابن العم؛ لأنّ الخال يحجبه من حيث إنّ الأقرب يمنع الأبعد، وهذا الحجب حاصل سواء كان هناك عمّ أم لا؛ لتحقق الأقربية في الموضعين، ثمّ لا نقول: يختص به الخال؛ لأن معه عمّاً(1) غير محجوب، فيكون المال بينهما أثلاثاً، وهو المطلوب. وهذا التوجيه كما يقوي الأوّل يضعف البواقي.

وأيضاً إذا فرض كون العمّ ممنوعاً بابن العم فلا يتجه مقاسمة ابن العم الخال؛ لكونه أبعد منه، كما لو كان العم محجوباً بوجه آخر غير هذا الوجه، وبهذا يضعف القول الثاني.

وأيضاً فإذا كان ابن العم لا يرث مع الخال منفردين فلا يرث معه إذا كان معهما عمّ؛ لأنّ وجود العمّ ليس سبباً لاستحقاق ابن العم الميراث قطعاً، فيبقى الحكم باقياً على الأصل.

فإن قيل: نعكس المسألة ونقول: إذا كان العمّ لأب لا يرث مع ابن العم لأب وأُمّ، فكذلك لا يرث معه إذا كان معهما خال؛ لأنّ وجود الخال ليس سبباً لاستحقاق العم الميراث مع ابن العمّ لأب وأمّ.

قلنا: بين الفرضين فرق واضح؛ لأن وجود الخال مسقط لاستحقاق ابن العم، فإذا سقط عن استحقاق الإرث فوجوده غير معتد به، فاستحقه العم؛ لاستحالة استحقاق ابن العمّ مع الخال، والعمّ يستحق الميراث مع الخال لا مع ابن العم فمشاركته للخال لا من حيث إنّ وجود الخال شرط في استحقاقه، بل لأنه حاجب لمن يمنع العم عن الإرث، فيزول بسبب الخال المانع، فافترقا.

فإن قيل: قد أجمعت الطائفة على أن ابن العم لأب وأم أولى من العم بالميراث، فلو استحق العم مع وجود ابن العم لانتقض الإجماع.

ص: 404


1- في جميع النسخ: «عم» بدل «عماً»؛ والصحيح ما أثبتناه.

* ولو افترقوا كان لمن تقرب بالأُمّ السدس إن كان واحداً، والثلث إن كان أكثر، الذكر فيه والأنثى سواء، والباقى للخؤولة من الأب والأُمّ للذكر منهم مثل [حظّ] الأُنثى. وتسقط الخؤولة من الأب، إلا مع عدم الخؤولة من الأب والأم.

* ولو اجتمع الأخوال والأعمام

كان للأخوال الثلث، وكذا لو كان واحداً، ذكراً كان أو أنثى. وللأعمام الثلثان، وكذا لو كان واحداً، ذكراً كان أو أُنثى.

--------------

قلنا: متى أجمعت الطائفة على ذلك؟ إذا صح أن يكون ابن العم وارثاً أم مطلقاً ؟ الثاني ممنوع؛ للاتفاق على أنه لو كان غير وارث بمانع من الموانع لم يحجب العمّ، والأوّل مسلّم لكن لا ينفعكم؛ لأنه حينئذٍ ممنوع بالخال فلا يكون مانعاً للعمّ.

وأيضاً لو كان العمّ على إحدى هذه الصفات مع وجود الخال أو العم للأُم أو العمة لها لم يستحق ابن العم لأب وأُمّ الميراث مع أحد هؤلاء ولا معهم جميعاً، فعلمنا بذلك أنّ ابن العم لأب وأمّ إنّما يكون أولى من العمّ لأب إذا صح أن يكون وارثاً، أما مع عدمه فإنّه لا يكون أولى من العمّ إذا كان هناك من يمنع ابن العم عن أصل الإرث، من الخال والعمة للأُمّ والعمّ لها؛ لما تقرّر من أن الأقرب يمنع الأبعد إلا في المسألة المذكورة، ولما ذكرناه من أنّ مع الخؤولة والخالات لا يرث أحد من بنى الأعمام والعمات.

قوله: «ولو افترقوا كان كان لمن تقرّب بالأم السدس - إلى قوله -مثل الأنثى».

اقتسام الخؤولة مطلقاً بالسوية هو المذهب، كغيرهم ممن ينتسب إلى الميت بام.

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب أنّ الخؤولة للأبوين أو للأب يقتسمون للذكر ضعف الأنثى؛ نظراً إلى تقربهم بأب في الجملة(1).

وهو ضعيف؛ لأنّ تقرّب الخؤولة بالميت بالأمّ مطلقاً، ولا عبرة بجهة قربها بالأب.

قوله: «ولو اجتمع الأخوال والأعمام كان للأخوال الثلث »إلى آخره.

هذا هو المشهور بين المشهور بين الأصحاب؛ ووجهه أنّ الأخوال يرثون نصيب من تقربوا به، وهو

ص: 405


1- الخلاف، ج 4، ص 16 - 17، المسألة 6، ولكن نقله في الخؤولة للأبوين فقط.

--------------

الأخت ونصيبها الثلث، والأعمام يرثون نصيب مَنْ تقرّبوا به وهو الأخ ونصيبه الثلثان، أو يرث الأخوال نصيب الأم، والأعمام نصيب الأب، كما أشرنا إليه سابقاً(1). وعلى التقديرين لا فرق بين اتحاد الخال وتعدّده، وذكوريّته وأنوثيته.

والأخبار به مع ذلك كثيرة.

منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) أن في كتاب علي (عليه السلام)رجل مات وترك عمه وخاله، قال: «للعمّ الثلثان، وللخال الثلث» (2).

وأن فيه أيضاً: «أنّ العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه»(3).

وحسنة محمد بن مسلم عن الصادق(عليه السلام) قال : إذا اجتمعت العمة والخالة فللعمّة الثلثان، وللخالة الثلث»(4). وغيرهما من الأخبار الكثيرة(5) .

وذهب جماعة منهم ابن أبي عقيل(6) والمفيد(7) والقطب الكيذري(8)، ومعين الدين المصري(9) - إلى تنزيل العمومة والخؤولة منزلة الكلالة، فللواحد من الخؤولة للأم السدس ذكراً كان أم أنثى، وللاثنين فصاعداً الثلث، والباقي للخال أو الخالة من الأبوين أو الأب؛

ص: 406


1- سبق في ص 399 - 400.
2- الكافي، ج 7، ص 119، باب ميراث ذوي الأرحام، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 324، ح 1162.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 325 - 326، ح 1170.
4- الكافي، ج 7، ص 120، باب ميراث ذوي الأرحام، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 324، ح 1165.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 186، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.
6- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 48، المسألة 5
7- المقنعة، ص 708
8- إصباح الشيعة، ص 368.
9- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 49، المسألة 5.

*فإن كان الأخوال مجتمعين فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثى، وإن كانوا متفرقين فلمن تقرّب بالأُمّ سدس الثلث إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر، بينهم بالسوية، والباقي لمن تقرب منهم بالأب والأم، وللأعمام ما بقي، فإن كانوا من جهة واحدة فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا متفرقين فلمن تقرب منهم بالأُمّ السدس إن كان واحداً، والثلث إن كانوا أكثر بينهم بالسوية، والباقي للأعمام من قبل الأب والأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من تقرب بالأب منفرداً، إلا مع عدم مَنْ يتقرب بالأب والأُمّ.

--------------

لأنهم يتقربون بالإخوة فيرثون ميراثهم.

والأصح الأول؛ لدلالة الأخبار عليه، ومنع مساواتهم للإخوة من كلّ وجه.

ولا فرق مع اتحاد الخال والخالة في استحقاقه الثلث بين المتقرب بالأب والأم، وكذا لا فرق في استحقاق العم والعمة الثلثين بين المتقرّب بهما أو بأحدهما.

وابن أبي عقيل على أصله المتقدّم، فجعل للخال المتحد السدس، وللعمة النصف كالإخوة، والباقي ردّ عليهم على قدر سهامهم، وكذلك إن ترك عمه وخالة، والأخبار حجّة عليه.

قوله: «فإن كان الأخوال مجتمعين - إلى قوله - للأعمام ما بقي».

المراد باجتماعهم أن يكونوا من جهة واحدة لأب أو لأمّ أو لهما، فإنّهم حينئذٍ يقتسمون بالسوية، إلا على ما سبق من القول النادر في خؤولة الأب(1)، ومع تفرقهم بأن كانوا أخوالاً للأبوين أو للأب وأخوالاً للأم - نزلت خؤولة الأم هنا بمنزلة الإخوة للأم، فللواحد السدس مطلقاً، ولما زاد الثلث، والباقي للمتقرب منهم بالأب.

وهذا الحكم محلّ وفاق حيث كانوا مجتمعين مع الأعمام، كما هو مفروض المسألة.

ص: 407


1- سبق في ص 405.

*ولو اجتمع عمّ الأب وعمته وخاله وخالته وعمّ الأُمّ وعمتها وخالها وخالتها قال في النهاية: كان لمن تقرب بالأُمّ الثلث بينهم بالسوية، ولمن تقرب بالأب الثلثان، ثلثه لخال الأب وخالته، بينهما بالسوية، وثلثاه بين العم والعمة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون أصل الفريضة ثلاثة، تنكسر على الفريقين، فتضرب أربعةً في تسعة تصير ستة وثلاثين، ثم تضربها في ثلاثة فتصير مائة وثمانية.

--------------

فللأخوال الثلث مطلقاً، ثمّ يقسم هذا الثلث بينهم على ما ذكر فللواحد من قبل الأم سدسه وللأكثر ثلثه والباقي للمتقرّب بالأب، والثلثان للعمّ اتّحد أم تعدّد. ثم إن كان المتعدد من جهة واحدة، وإلا كان حكمهم في الثلثين كالأخوال، فللعم من الأُمّ - وهو أخو أبي الميت من أُمه - سدس الثلثين إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر بالسوية، وباقي الثلثين للعمّ من قبل الأب أو الأعمام والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين كالإخوة للأب وخالاً أو خالة.

قوله: «ولو اجتمع عمّ الأب وعمته وخاله وخالته وعمّ الأمّ وعمّتها» إلى آخره .

إذا انتقل فرض الميراث إلى عمومة الأب وخؤولته وعمومة الأم وخؤولتها، لفقد مثلهم للميت وفقد فروعهم، فعلى اعتبار التقرب بالمتوفى كما هو المشهور - فأقارب أُمِّه الأربعة من العمومة والخؤولة يرثون نصيبها - وهو الثلث - بالسوية، وأقارب أبيه الأربعة من العمومة والخؤولة يرثون نصيب الأب وهو الثلثان، ثمّ يقتسمه الخؤولة والعمومة أثلاثاً كما لو انفردوا، فللخال والخالة ثلث الثلثين بالسوية على قاعدة إرث الخؤولة، وللعمّ والعمّة ثلثا الثلثين بالتفاوت على قاعدة إرث العمومة.

وعلى هذا فأصل الفريضة ثلاثة وسهام أقرباء الأمّ أربعة وسهام أقرباء الأب ثمانية عشر ؛ لأنّه يحتاج فيه إلى ثلث وللثلث نصف وللثلثين ،ثلث، فکسورها نصف وثلث تضرب أحد مخرجيهما في الآخر للتباين، ثمّ تضرب المجتمع وهو ستة - في ثلاثة تبلغ

ص: 408

--------------

ثمانية عشر، ثمّ تنسب أحد العددين - وهو الأربعة والثمانية عشر - إلى الآخر تجده موافقاً له بالنصف؛ لأنّ الباقي من الأكثر بعد إسقاط الأقلّ منه أربع مرات اثنان، فتضرب نصف أحدهما في الآخر، وهو الذي أشار إليه المصنّف (رحمه الله) بقوله: «تضرب أربعة في تسعة ثم المجتمع - وهو ستة وثلاثون - في ثلاثة - أصل الفريضة - تبلغ مائة وثمانية» ثلثها ستة وثلاثون لأقرباء الأمّ بالسوية، لكلّ تسعة وثلثاها اثنان وسبعون لأقرباء الأب، ثلثه أربعة وعشرون لخاله وخالته بالسوية لكل اثنا عشر وثلثاه لعمه وعمته بالتفاوت، للعمة ستة عشر وللعم اثنان وثلاثون .

ونسبة المصنف رحمه الله هذا القول إلى الشيخ يؤذن بتردّده فيه.

ووجهه أنّ في الفريقين أربعة خؤولة وأربعة عمومة، فيحتمل أن يجعل لهم الثلث بالسوية، وللأعمام الثلثين على قاعدة العمومة والخؤولة، ثم فريضة الأعمام تكون بالتفاوت بأن يجعل ثلثها لعمّ الأُمّ وعمّتها بالسوية أيضاً؛ لتقربهما بالأُمّ، وثلثاها لعم الأب وعمّته أثلاثاً. وصحتها من مائة وثمانية أيضاً كالأوّل.

وقيل: بل يجعل لخال الأمّ وخالتها ثلث الثلث بالسوية، وثلثاها لعمّها وعمّتها بالسوية أيضاً(1) ، وسهام الأعمام كما ذكره الشيخ(2)، فسهام أقرباء الأُمّ سنّة تداخل الثمانية عشر سهام أقرباء الأب، فيجتزاً بالأكثر ، فتضربه في أصل الفريضة -وهو ثلاثة - تبلغ أربعة وخمسين، ثلثه ثمانية عشر لأقرباء الأُمّ، منها ستة لخال الأُمّ وخالتها بالسوية، واثنا عشر لعمّ الأُمّ وعمّتها بالسوية، وثلثاه ستة وثلاثون لأقرباء الأب، ثلثه اثنا عشر لخاله وخالته بالسوية وثلثاه أربعة وعشرون لعمّه وعمته بالتفاوت، وهو واضح، والأشهر هو الأول.

ص: 409


1- قاله المحقق الطوسي على ما حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 230.
2- النهاية، ص 657.

مسائل خمس :

الأولى:* عمومة الميّت وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا، وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا، أحق بالميراث من عمومة الأب وعماته وخؤولته وخالاته، وأحق من عمومة الأُمّ وعماتها وخؤولتها وخالاتها؛ لأنّ عمومة الميت [وخؤولته ] أقرب والأولاد يقومون مقام آبائهم.

فإذا عدم عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا قام مقامهم عمومة الأب وعاته، وخؤولته وخالاته، وعمومة أمه وعاتها، وخؤولتها وخالاتها، وأولادهم وإن نزلوا هكذا كلّ بطن منهم وإن نزل أولى من البطن الأعلى.

--------------

قوله:« عمومة الميت وعماته وأولادهم وإن نزلوا »إلى آخره.

الكلام في ترتيب الأعمام والأخوال

كما تقدّم في الأجداد(1)، فإنّ أقل ما يفرض للإنسان عمّ وعمّة وخال وخالة، فإذا صعدت العمومة [والخؤولة ](2)بدرجة صارت ثمانية، أربعة لأبيه وأربعة لأمه، فإذا صعدت درجة ثانية صارت ستة عشر لكلّ واحد من أبي أبيه وأمه وأبي أُمّه وأُمها أربعة، وهكذا.

وكان ينبغي تأخير المسألة السابقة التي فرض فيها العمومة والخؤولة الثمانية عن هذه ؛ لأنها فرعها.

وما ذكره من تقديم عمومة الميت وخؤولته على مَنْ فوقهم واضح؛ لأنهم أقرب إلى الميت، والأقربية مراعاة في الأولوية، خصوصاً مرتبة أُولي الأرحام، وهكذا القول في كلّ مرتبة من مراتب العمومة والخؤولة بالنسبة إلى ما فوقها. وهذا الحكم موضع وفاق.

ص: 410


1- تقدم في ص 393 وما بعدها.
2- ما بين المعقوفين من الحجريتين.

الثانية:*

أولاد العمومة المتفرقين يأخذون نصيب آبائهم

فبنو العمّ للأُمّ لهم السدس، ولو كانوا بني عمّين للأُم كان لهم الثلث، والباقى لبنى العمّ أو العمّة أو لبني العمومة أو العمّات للأب والأم، وكذا البحث في بني الخؤولة.

الثالثة:*

إذا اجتمع للوارث سببان

فإن لم يمنع أحدهما الآخر ورث بهما، مثل ابن عمّ لأب هو ابن خال لأُمّ، ومثل ابن عم هو زوج، أو بنت عم هي زوجة، ومثل عمة لأب هي خالة لأم. وإن منع أحدهما الآخر ورث من جهة المانع، مثل ابن عم هو أخ، فإنّه يرث بالأخوّة خاصةً.

--------------

قوله: «أولاد العمومة المتفرّقين يأخذون نصيب آبائهم» إلى آخره.

إرث أولاد العمومة والخؤولة كآبائهم في دخولهم بآية أُولي الأرحام(1)، فلا يتوقف ثبوت إرثهم على إرث آبائهم، وإنّما الغرض بأنّهم يأخذون نصيب آبائهم بيان كيفية إرثهم؛ فإنّهم لما كانوا يتقربون إلى الميت بآبائهم وأمهاتهم كان إرتهم لنصيب الآباء والأمهات، كما أشير إليه في إليه في الأخبار السابقة من أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به(2).

وعلى هذا فلولد العمّ وإن كان أنثى الثلثان، ولولد العمّة وإن كان ذكراً الثلث، ولولد الخال والخالة الثلث إذا جامع أحداً من ولد العمومة ولو كان أنثى، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة، ويأخذ أولاد العم للأُمّ سدس نصيب العمومة إن كان واحداً، والثلث إن كانوا أكثر، ولأولاد العم للأبوين الباقي. وكذا القول فى أولاد الخؤولة المتفرقين على ما تقرر في ميراث آبائهم.

قوله: «إذا اجتمع للوارث سببان »إلى آخره.

إذا اجتمع للوارث سببان فصاعداً للإرث بالمعنى الأعم الشامل للنسب والسبب الخاص ورث بالجميع ما لم يكن هناك منْ هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما، أو يكون

ص: 411


1- الأنفال :(8) (75 الأحزاب (33): 6
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 325 ، ح 1170.

--------------

أحدهما مانعاً للآخر، ولا يمنع ذو السبب المتعدّد مَنْ هو في طبقته من ذي السبب الواحد. من حيث توهم قوة السبب بتعدده، كما يقدم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب؛ لأن ذلك على خلاف الأصل، ومن ثُمَّ شاركه المتقرب بالأم، والأصل فيه اشتراك الجميع في السبب المقتضي للتوارث.

ويتخرّج من ذلك أمثلة:

الأول: نسبان يرث بهما، كعم هو خال وذلك بأن يتزوّج أخ الشخص من أبيه بأخته من أُمّه؛ إذ لا محرميّة بينهما بل ولا نسب، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزوجين عمّ؛ لأنّه أخو أبيه للأب، وخال؛ لأنّه أخو أُمّه للأُمّ، فيرث نصيب خؤولة الأم، وعمومة الأب، حيث لا مانع له عنهما ولا عن أحدهما، فلو كان معه عمّ لأب كان له الثلثان، نصيب الخؤولة ونصف نصيب العمومة، ولو كان معه خال من الأب فله الثلثان نصيب العمومة وسدس الثلث نصيب الخؤولة، ولو كان معه عمّ للأبوين منعه من نصيب العمومة دون نصيب الخؤولة، فله الثلث، كما لو كان هناك عمّ وخال و هكذا.

الثاني : أنساب متعددة يرث بها، مثل: ابن ابن عمّ لأب، هو ابن ابن خال لأُمّ، وهو ابن بنت عمة، وهو ابن بنت خالة.

وتوضيحه أنّ رجلاً تزوج امرأتين فولدت إحداهما بنتاً اسمها صفية، والأُخرى بنتين مريم وسارة، ثمّ فارقهما وتزوجهما رجل فأولدهما ولدين، فمن أمّ صفية: حسين، ومن مين، ومن أُمّ سارة ومريم: حسن، ولهذا الرجل الثاني ابن وبنت من امرأة أُخرى: محمد وفاطمة، فتزوّج الحسن المذكور من صفيّة أُخت حسين لأمه، فأولدها ولداً اسمه عليّ، وهذا هو المتوفى. فحسين عمّه من جهة الأب خاصةً، وخاله من جهة الأم، ومريم وسارة عمّتاه من جهة الأمّ، وخالتاه من جهة الأب، ثمّ ولد لحسين ولد اسمه جعفر، وولد لسارة بنت اسمها سكينة فتزوّج جعفر من سكينة، فولد لهما ولد اسمه موسى، وهو ذو القرابات الأربع بالنسبة إلى علي المتوفى؛ لأنه ابن ابن حسين عمّ على من الأب وخاله من الأم وابن بنت سارة عمته

ص: 412

الرابعة: *

إذا دخل الزوج أو الزوجة على الخؤولة والخالات

والعمومة والعمات كان للزوج أو الزوجة النصيب الأعلى، ولمن تقرب بالأُمّ نصيبه الأصلي من أصل التركة، وما بقي فهو لقرابة الأب والأم، وإن لم يكونوا فلقرابة الأب.

--------------

من الأم وخالته من الأب، فلو اجتمع مع هذا أحد من بني العمومة أو الخؤولة أو هما ورث معه بالجهات الأربع، على حسب ما تقتضيه الفريضة.

الثالث: نسبان يحجب أحدهما الآخر، كأخ هو ابن عمّ، وذلك بأن تزوّج الرجل امرأة أخيه بعد أن ولدت منه ولداً، ثمّ أولدها الأخ الثاني آخر، فهو أخ الولد الأول لأُمّه وابن عمه.

الرابع: سببان في واحد ولا يحجب أحدهما الآخر، كزوج هو معتق أو هو ضامن جريرة.

الخامس: سببان يحجب أحدهما الآخر، كالإمام إذا مات عتيقه؛ فإنّه يرث بالعتق لا بالإمامة وكمعتق هو ضامن جريرة. ويمكن فرضه مع أنّ ضمان الجريرة مشروط بعدم الوارث - بأن يتأخر الإعتاق عن الضمان، كما لو كان قد ضمن جريرة كافر ثم استرق فأعتقه وقلنا ببقاء ضمان الجريرة.

السادس: سببان وهناك من يحجب أحدهما، كزوجة معتقة ولها ولد أو أخ.

السابع: نسب وسبب لا يحجب أحدهما الآخر، كابن عم هو زوج، أو بنت عم هي زوجة.

الثامن: نسب وسبب يحجب أحدهما خارج عنهما، كزوج هو ابن عم وللزوجة أخ أو ولد.

قوله: «إذا دخل الزوج على الخؤولة والخالات» إلى آخره.

المراد بنصيبه الأصلي ما كان يرثه لو لا الزوج وهو ثلث التركة، سواء كان خالاً أو خالةٌ لأب أم لأم، إذا لم يكن في مرتبته غيره، ويدخل النقص بنصيب الزوج أو الزوجة على مَنْ تقرّب بالأب، وهم العمومة والعمات.

فلو فرض كون الوارث عمّاً من أي جهة كانت وخالاً كذلك مع الزوج، فللخال الثلث، وللزوج النصف، والباقى - وهو السدس - للعم وإن تعدّد؛ لأنه يتقرب بالأب، والنقص يدخل على من يتقرب بالأب دون من يتقرب بها.

ص: 413

الخامسة: *

حكم أولاد الخؤولة مع الزوج والزوجة

حكم الخؤولة، فلو كان زوج أو زوجة وبنو أخوال مع بني أعمام فللزوج أو الزوجة نصيب الزوجية، ولبني الأخوال ثلث الأصل، والباقي لبني الأعمام.

--------------

ولو فرض كون الخؤولة متفرّقين فلهم الثلث أيضاً، لكن لمن تقرب بالأُمّ منهم سدس الثلث إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر، والباقي من الثلث للأخوال من قبل الأبوين أو الأب، والباقي بعد نصيب أحد الزوجين والأخوال للأعمام، فإن تفرّقوا أيضاً فسدسه للمتقرّب منهم بالأُمّ إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر بالسوية، والباقي للمتقرب منهم بالأبوين أو بالأب بالتفاوت.

قوله: «حكم أولاد الخؤولة مع الزوج والزوجة حكم الخؤولة» إلى آخره.

هذا الحكم واضح؛ لأن بنى الأعمام والأخوال يقومون مقام آبائهم، فمهما حصل على الآباء من نقص أو غيره لحق الأبناء، سواء في ذلك المتحد والمتعدد، والمنتسب إلى الأب وإلى الأُمّ.

ولم يتعرّض المصنف (رحمه الله )لحكم ما لو اجتمع أحد الزوجين مع أحد الفريقين، وحكمه أخفى مما ذكره من حالة اجتماعهما، فلو تركت زوجاً وخالاً من الأُمّ وخالاً من الأبوين، ففي مستحق الخال من الأُمّ بعد نصف (1)الزوج خلاف، وظاهر كلام الأصحاب أن له سدس الأصل إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر كما لو لم يكن هناك زوج، وعلى هذا ينبغي أن يكون العمل.

وقيل: له سدس الباقي لا غير، ويجعل حصة الزوج داخلة على الجميع(2).

وهو ضعيف؛ لأنّ الزوج لا ينقص المتقرب بالأم شيئاً حيث يوجد المتقرب بالأب ولو من الخؤولة.

ص: 414


1- في الحجريتين: «نصيب» بدل «نصف».
2- من القائلين به يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 519.

--------------

وذهب جماعة -منهم العلّامة في القواعد(1) وولده فخر الدين(2)والشهيد في الدروس(3)- إلى أنّ له سدس الثلث؛ لأنّ الثلث نصيب الخؤولة، وللمتقرّب بالأم منهم سدسه مع اتحاده. وثلثه مع تعدّده.

ويشكل بأنّ ذلك إنّما يكون نصيبهم حيث يكون مجموع نصيب الخؤولة الثلث، وهو منفي هنا، بل إمّا أن يكون ذلك بمنزلة ما لو لم يكن هناك زوج؛ لأن الزوج إنما ينقص المتقرّب بالأب، فيكون للمتقرب بالأمّ سدس الأصل، أو يعتبر ما يوجد من مستحقهم وهو الباقي عن نصيب الزوج، ويقام مقام مجموع التركة، فيكون له سدس الباقي، كما ذهب إليه بعض الأصحاب(4) . أما القول الثالث فغير متجه.

ولو كان مع أحد الزوجين أعمام متفرّقون فلمن تقرّب منهم بالأم سدس الأصل مع اتحاده، وثلثه مع تعدّده والباقي للمتقرّب بالأب. وينبغي مجيء القولين الآخرين هنا، لكنّهم لم يذكروا هنا خلافاً.

ص: 415


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 371
2- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 229 .
3- الدروس الشرعية، ج 2، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
4- الجامع للشرائع، ص 519

المقصد الثاني في مسائل من أحكام الأزواج

اشارة

الأولى: *

الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج

وإن لم يدخل بها ، وكذا يرثها الزوج.

ولو طلقت رجعيّةً توارثا إذا مات أحدهما في العدة؛ لأنها بحكم الزوجة.

ولا ترث البائن ولا تورث كالمطلقة ثالثة والتي لم يدخل بها واليائسة وليس في سنّها مَنْ تحيض والمختلعة والمبارأة والمعتدة عن وطء الشبهة أو الفسخ.

--------------

قوله: «المقصد الثاني في مسائل من أحكام الأزواج».

إنما عنون البحث بمسائل من أحكامهم ولم يجعله في ميراثهم كغيره؛ لأنه قد ذكر جملةً من أحكام ميراثهم فيما سبق(1) ، بل ذكر أصول مسائله، واستدرك هنا حكم الباقي ؛ فلذا جعله بعض الأحكام.

قوله: «الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج وإن لم يدخل بها» إلى آخره.

يستثنى من غير المدخول بها ما لو كان الزوج مريضاً حال التزويج ولم يبرأ من مرضه كما سيأتي التنبيه عليه(2)، ومن عدم الإرث مع الطلاق البائن ما لو كان المطلق مريضاً أيضاً: فإنّها ترثه إلى سنة، ولا يرثها هو كما سلف تحقيقه في الطلاق(3)، وإنما ترك التقييد فيهما؛ اتكالاً على ما ذكره أو سيذكره عن قريب.

ص: 416


1- سبق في ص 389، 398 و 414.
2- يأتي في المسألة السادسة في نكاح المريض، ص 431 وما بعدها.
3- سبق في ج 7، ص 328.

سهم الزوجه مع عدم الولد ومعه

الثانية:* للزوجة مع عدم الولد الربع، ولو كنّ أكثر من واحدة كنّ شركاء فيه بالسوية، ولو كان له ولد كان لهنّ الثمن بالسوية. وكذا لو كانت واحدةً لا يزدن عليه شيئاً.

الثالثة: *

إذا طلق واحدةً من أربع وتزوج أُخرى، ثمّ اشتبهت المطلقة

في الأول كان للأخيرة ربع الثمن مع الولد والباقي من الثمن بين الأربعة بالسوية.

--------------

قوله: «للزوجة مع عدم الولد الربع »إلى آخره.

المراد ب_«الولد» هنا ما يشمل ولد الولد وأطلقه؛ إما اتكالاً على ما أسلفه من أنّ الولد وإن سفل يحجب الزوج والزوجة من الفريضة العليا إلى الدنيا(1) ، أو بناء على إطلاقه على ما يشمل ولد الولد بطريق الحقيقة، أو على وجه المجاز، والسابق هو قرينة التجوّز.

ويعتبر في الولد أن يكون وارثاً، فلو كان ممنوعاً بأحد الموانع لم يحجب كغيره. واشتراك الجميع في الحصة علل - مع النص(2)- بأنه لو أعطيت كل زوجة ذلك لاستغرق نصيبهنّ التركة على بعض الوجوه، فيقدمن على غيرهنّ من الورّاث، وهو خلاف الإجماع والأدلة.

قوله: «إذا طلق واحدةً من أربع وتزوج أخرى» إلى آخره.

إذا طلق واحدة من أربع وتزوج بواحدة، ومات قبل تعيين المطلقة أو بعده ثم اشتبهت، فلا إشكال في أن للمعلومة بالزوجية - وهي التي تزوجها أخيراً - ربع نصيب الزوجات وهو الربع أو الثمن لأنها واحدة من الأربع معلومة وأما الباقي - وهو ثلاثة أرباعه - فالمشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً إلا ابن إدريس أنه يقسم بين الأربع الباقيات اللواتي اشتبهت المطلقة في جملتهنّ بالسوية.

ص: 417


1- سبق في ص 322
2- الفقيه، ج 4، ص 258، ح 5606: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 249، ح 964.

--------------

وقال ابن إدريس :

يقرع بينهنّ، فمن أخرجتها القرعة بالطلاق منعت من الإرث، وحكم بالنصيب للباقيات بالسوية(1) .

لأنّ القرعة لكلّ أمر مشتبه(2)، إما مطلقاً، أو في الظاهر مع كونه معيّناً عند الله تعالى والأمر هنا كذلك؛ لأنّ المطلقة غير وارثة في نفس الأمر، ولأن الحكم بتوريث الجميع يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه للقطع بأن إحدى الأربع غير وارثة.

ومستند المشهور رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد- أو قال: في مجلس واحد- ومهورهن مختلفة، قال: «جائز له ولهن»، قلت: أرأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدةً من الأربع، وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأةً من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة التي طلق، ثمّ مات بعد ما دخل بها، كيف يقسم ميراثه؟ قال: «إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، وإن عرفت التي طلق من الأربع بعينها واسمها ونسبها فلا شيء لها من الميراث وعليها العدة قال: - ويقتسمن الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً، وعليهن جميعاً العدة، وإن لم تعرف التي طلق من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعاً، وعليهن جميعاً العدة»(3).

ص: 418


1- لم نعثر عليه في السرائر، وحكاه عنه - باسم المتأخر - الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 464؛ وحكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 294 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)؛ وقال العاملي في مفتاح الكرامة، ج 24 ، ص 542: لقد تتبعت مواريث السرائر في نسختين من أوله إلى آخره إلا ما زاغ عنه النظر، وباب الطلاق وما وليه من الخلع والمباراة فلم أجد لذلك عيناً ولا أثراً، بل وجدته موافقاً للأصحاب على العكس مما نُسب إليه. راجع السرائر، ج 3، ص301.
2- كما ورد في رواية الصدوق في الفقيه، ج 3، ص 92 ، ح 3392؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593؛ وج 9، ص 258، ح 970
3- الكافي، ج 7، ص 131، باب نادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 296 - 297، ح 1062.

--------------

وفي طريق الرواية عليّ بن فضال، وحاله مشهور لكنّه ثقة (1)، والعمل بمضمونها أشهر.

وعليه، فهل يتعدّى الحكم إلى غير المنصوص، كما لو اشتبهت المطلقة في اثنتين أو ثلاث خاصةً، أو في جملة الخمس، أو كان للمطلق دون أربع زوجات فطلق واحدةً وتزوّج بأخرى، وحصل الاشتباه بواحدة أو بأكثر، أو لم يتزوج واشتبهت المطلقة بالباقيات أو ببعضهن، أو طلّق أزيد من واحدة وتزوّج كذلك، حتى لو طلّق الأربع وتزوج بأربع واشتبه إحدى الأربع بالأخرى، أو فسخ نكاح واحدة لعيب وغيره أو أزيد وتزوج غيرها أو لم يتزوج؟ وجهان:

أجودهما: انسحاب الحكم السابق في جميع هذه الفروع؛ لمشاركتها للمنصوص في المقتضي، وهو اشتباه المطلقة بغيرها من الزوجات، وتساوي الكلّ في الاستحقاق فلا ترجيح، ولأنه لا خصوصيّة ظاهرةً في قلّة المشتبه وكثرته، فالنص على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل التنبيه على مأخذ الحكم وإلحاقه بكل ما حصل فيه الاشتباه.

والثاني: القرعة هنا، كما ذهب إليه ابن إدريس في المنصوص وإن لم نقل بها ثُمَّ؛ لأنه غير منصوص فيرجع إلى عموم الأمر بها في كلّ أمر مشتبه(2). وهذا أقوى، بل في المنصوص أيضاً إن لم يكن هناك إجماع لا يجوز تخطيه والصلح في الكلّ خير.

ولا يخفى كيفية القسمة على الوجهين؛ فإنّه على الأوّل يقسّم نصيب المشتبهة - وهو ربع النصيب إن اشتبهت بواحدة ونصفه إن اشتبهت باثنتين - بين الاثنتين أو الثلاث بالسوية ويكون للمعينتين نصف النصيب، وللثلاث ثلاثة أرباع، وهكذا. وعلى الثاني إن استخرجت المطلقة قسم النصيب بين الأربع أو ما أُلحق بها بالسوية.

ص: 419


1- رجال النجاشي، ص 257 - 258، الرقم 676.
2- الفقيه، ج 3، ص 92 ، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 6 . ص 240، ح 593: وج 9، ص 258، ح 970.

الرابعة: *

إذا زوج الصبية أبوها أو جدها لأبيها ورثها الزوج وورثته

وكذا لو زوّج الصغيرين أبواهما أو جدهما لأبويهما توارثا.

*ولو زوجهما غير الأب أو الجدّكان العقد موقوفاً على رضاهما عند البلوغ والرشد. ولو مات أحدهما قبل ذلك بطل العقد ولا ميراث. وكذا لو بلغ أحدهما فرضي ثم مات الآخر قبل البلوغ.

--------------

قوله: «إذا زوج الصبية أبوها أو جدها لأبيها ورثها الزوج وورثته» إلى آخره.

لا إشكال في صحة عقد الصغير إذا زوجه أبوه أو جده له، وترتب أحكامه التي من جملتها الإرث لصدور العقد من أهله في محلّه.

ويؤيده رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(عليه السلام)في الصبي تزوج الصبية، قال: «يتوارثان إذا كان أبواهما زوجاهما»(1).

هذا إذا كان من كفو بمهر المثل، أما لو تخلّف أحدهما أو هما معاً فقد تقدم أن له الخيار بعد البلوغ في العقد في الأول وفي المهر في الثاني(2).

وهل يكون هذا الخيار قادحاً في الإرث لو مات قبله؟ وجهان، من صحة العقد في نفسه وإن كان متزلزلاً، كالتزويج بذات العيب للكامل إذا مات قبل أن يفسخ، ومن كونه بمنزلة عقد الفضولي بالنسبة إليه وقد مات قبل الإجازة والمتجه الأول. والفرق قائم، فإنّ عقد الفضولي لا يمضى إلا مع الإجازة، وهذا لا ينفسخ إلا بالفسخ، فكان في نفسه واقعاً، وتزلزله لا يمنع الإرث كما ذكرناه في ذات العيب(3) ، بل هو من جملة أفراد المسألة في نكاح الولي.

قوله: «ولو زوجهما غير الأب أو الجد - إلى قوله - الرغبة في الميراث».

ص: 420


1- الكافي، ج 7، ص 132، باب ميراث الغلام والجارية ...ح 3؛ الفقيه، ج 4، ص 309، ح 5666: ورواها الشيخ عن عبيد بن زياد في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 382، ح 1365.
2- تقدّم في ج 6 ، ص 121 - 122 و 151 وما بعدها.
3- تقدم في ج 6، ص 167 - 168.

ولو مات الذي رضي عزل نصيب الآخر من تركة الميت وتربص بالحي، فإن وأنكر فقد بطل العقد ولا ميراث وإن أجاز صح، وأحلف أنّه لم يدعه إلى الرضى الرغبة في الميراث.

--------------

إذا زوجهما غير الولي فهو(1)فضولي يتوقف صحته على إجازة الوليّ أو إجازتهما بعد الكمال، فإن أجاز الوليّ فذاك، وإلا تربص بهما إلى حين الكمال، فإن مات أحدهما قبل ذلك بطل أيضاً، كما لو مات الكبير المعقود له فضولاً قبل الإجازة.

وإن بلغ أحدهما ورشد والآخر حي عرضت عليه الإجازة، فإن أجاز لزم من جهته، وبقي موقوفاً على إجازة الآخر بعد كماله، فإن مات قبلها بطل أيضاً، وإن مات المجيز أولاً ثمّ كمل الآخر فإن ردّ العقد بطل أيضاً. وهذا كله لا إشكال فيه.

وإن أجازه فقد روى أبو عبيدة الحذاء عن الباقر أنّه يحلف أنه لم يدعه إلى الإجازة الرغبة في الميراث، ويعطى نصيبه منه (2)، وعليها عمل الأصحاب، وموردها الصغيران كما ذكر.

ولو زوّج أحدهما الولي، أو كان أحدهما بالغاً رشيداً، وزوج الآخر الفضولي، فمات الأوّل عزل للثانى نصيبه أيضاً، وأحلف بعد بلوغه كذلك. وهذا وإن لم يكن منصوصاً إلا أنه لاحق به بطريق أولى؛ لأنّ العقد لازم من أحد الطرفين فهو أقرب إلى الثبوت مما هو جائز من الطرفين.

نعم ، لو كانا كبيرين وزوجهما الفضوليان ففي تعدّي الحكم إليهما نظر، من مساواته للمنصوص في كونهما فضوليين ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك، ومن ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف الأصل، من حيث توقف الإرث على اليمين، وظهور التهمة في الإجازة، فيُحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحدهما قبل إجازة

ص: 421


1- في الحجريتين: «فالعقد» بدل «فهو».
2- الكافي، ج 7، ص 131 - 132، باب ميراث الغلام والجارية .... ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388، ح 1555.

البحث فی میراث الزوجه

الخامسة: * إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك، ولو لم يكن لم ترث من الأرض شيئاً، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والأبنية. وقيل: لا تُمنع إلا من الدور والمساكن وخرج المرتضى (رحمه الله) قولاً ثالثاً، وهو تقويم الأرض وتسليم حصتها من القيمة والقول الأوّل أظهر.

--------------

الآخر. وفي الأوّل قوّة. وقد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفي في كتاب النكاح فليراجع ثُمَّ (1).

قوله: «إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك» إلى آخره.

هذه المسألة من متفردات مذهبنا كمسألة الحبوة، وقد وقع الاتفاق بين علمائنا - إلا ابن الجنيد(2)- على حرمان الزوجة في الجملة من شيء من أعيان التركة.

وتلخيص البحث فيه يقع في مواضع:

الأوّل: في بيان ما يحرم منه الزوجة، وقد اختلف فيه الأصحاب على أقوال بسبب اختلاف الروايات ظاهراً :

أحدها - وهو المشهور بينهم - حرمانها من نفس الأرض، سواء كانت بياضاً أم مشغولةً بزرع وشجر وبناء وغيرها، عيناً وقيمة، ومن عين آلاتها وأبنيتها، وتعطى قيمة ذلك، ذهب إلى ذلك الشيخ في النهاية(3)، وأتباعه كالقاضي وابن حمزة، وقبلهم أبو الصلاح(4)، وهو ظاهر مذهب المصنّف (رحمه الله) في هذا الكتاب والعلّامة في المختلف(5)، والشهيد في اللمعة(6).

وثانيها: حرمانها من جميع ذلك مع إضافة الشجر إلى الآلات في الحرمان من عينه دون

ص: 422


1- راجع ج 6، ص 172 وما بعدها.
2- الحاكي عنه هو العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 53، المسألة 10.
3- النهاية، ص 642
4- المهذب، ج 2، ص 140 - 141؛ الوسيلة، ص 391؛ الكافي في الفقه، ص 374.
5- مختلف الشيعة، ج 9، ص 53، المسألة 10.
6- اللمعة الدمشقية، ص 306 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

--------------

قيمته، وبهذا صرّح من المتأخرين العلامة في القواعد(1)، والشهيد في الدروس(2)، وأكثر المتأخرين، وادعوا أنه هوالمشهور، بل ادعوا أنه عين الأول. وهو ممنوع كما يظهر ذلك من تتبع عباراتهم.

وثالثها :حرمانها من الرباع وهي الدور والمساكن - دون البساتين والضياع، وتعطى قيمة الآلات والأبنية من الدور والمساكن، وهو قول المفيد(3)، وابن إدريس(4)، والمصنّف في النافع(5)، وتلميذه مصنّف كشف الرموز(6)، ومال إليه في المختلف(7) بعض الميل.

ورابعها: حرمانها من عين الرباع خاصةً لا من قيمته وهو قول المرتضى(8) ، واستحسنه في المختلف، وإن استقر رأيه أخيراً على الأول(9).

وابن الجنيد (رحمه الله) منع من ذلك كله، وحكم بإرثها من كلّ شيء كغيرها من الوراث(10).

حجّة الأوّل حسنة الفضلاء الخمسة الأخوين زرارة وبكير، وفضيل، وبريد ومحمد بن مسلم -عن الباقروالصادق (عليهم السلام) :« أنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض، إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة، فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب»(11) .

ص: 423


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 376.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 292 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- المقنعة، ص 687.
4- السرائر، ج 3، ص 258 - 259 .
5- المختصر النافع، ص393.
6- كشف الرموز، ج 2، ص 463.
7- مختلف الشيعة، ج 9، ص 54 - 55. المسألة 10.
8- الانتصار، ص 585 المسألة 319
9- مختلف الشيعة، ج 9، ص 57، المسألة 10.
10- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 53، المسألة 10.
11- الكافي، ج 7، ص128، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 297، ح 1064: الاستبصار، ج 4، ص 151 ، ح 570

--------------

وصحيحة زرارة عن الباقر(عليه السلام) : «أنّ المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً ، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك، ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب، فتعطى حقها منه» (1). وغيرهما من الأخبار الكثيرة(2) .

والكلام في دلالة هذه الأخبار على المدعى كما تقدّم في أخبار الحبوة(3)، من حيث اشتمال بعضها على زيادة على المطلوب كالسلاح والدواب في الخبر الصحيح(4) ، وعدم التعرّض لإعطاء قيمة الآلات، إلّا أنّ الأوّل يدلّ على تمام المطلوب، وإن لم يكن صحيحاً فهو قريب منه في الحجيّة، ومطلق الثاني مقيد به، وما اشتمل عليه من الزيادة منفي بالإجماع.

وحمله بعضهم (5)على ما يحبى به الولد من السلاح كالسيف، فإنّها لا ترث منه شيئاً، وعلى ما أوصى به من الدواب أو وقفه أو عمل به ما يمنع من الإرث.

ولا يخفى كونه خلاف الظاهر، إلا أنّ فيه جمعاً بين الأخبار، وهو خير من اطراحه رأساً . وهذه الأخبار حجة القول الثاني أيضاً.

ويدلّ على إضافة الشجر عموم صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر(عليه السلام) قال: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»(6).

ص: 424


1- الكافي، ج 7، ص 127 - 128، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 ح 1065؛ الاستبصار، ج 4، ص 151 ، ح 571
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 205 وما بعدها، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
3- تقدم في ص 377 وما بعدها.
4- أي صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً.
5- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 241.
6- الكافي، ج 7، ص127، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298، ح 1066؛ الاستبصار، ج 4، ص 152، ح 572

--------------

ورواية عبد الملك بن أعين عن أحدهما(عليه السلام) قال: «ليس للنساء من الدور والعقار شيء»(1)، والشجر من جملة العقار.

وهو وإن تضمّن نفي الإرث منه مطلقاً من غير تعرّض للقيمة بنفي ولا إثبات، إلا أنّ في إثبات القيمة مناسبة لإثباتها في الآلات والأبنية، بل ربما ادعي دخول الشجر في الآلات وإن كان بعيداً، مع ما فيه من تقليل تخصيص الآية الدالة على إرث الزوجة من كلّ شيء(2).

وفي بعض(3)الروايات عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «لا ترث النساء من العقار شيئاً، وتعطى قيمة البناء والشجر والنخل». وهي نصّ في الباب، لكن يتوقف على تحقيق السند.

وحجة الثالث: عموم الآية بإرثها من كلّ شيء (4)، خرج منه ما اتفقت عليه الأخبار، وهو أرض الرباع والمساكن عيناً وقيمة، وآلاتها عيناً لا قيمة، فيبقى الباقي.

وقد اقتصر على استثنائها في رواية العلاء عن محمد بن مسلم قال، قال أبو عبد الله(عليه السلام) : «ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً »(5).

ورواية يزيد الصائغ قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: «إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، ولكن لهنّ منها قيمة الطوب والخشب» فقلت له: إن الناس لا يأخذون هذا، قال: «إذا ولينا ضربناهم بالسوط، فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف»(6).

ص: 425


1- الكافي، ج 7، ص 129، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 299، ح 1070.
2- النساء (4): 12
3- في حاشية «و»: «هذه الرواية ذكرها الشهيد في حاشية القواعد ونسبها إلى الفقيه عن الحسن بن محبوب، عن الأحول عنه ، فينبغي تحقيق أمرها. (منه رحمه الله). راجع حاشية القواعد، ص 555 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14): وللرواية راجع الفقيه، ج 4، ص 348، ح 5753. وفي الحاشية أيضاً: «كأنه - أي الأحول - أبو جعفر محمد بن عليّ بن النعمان الثقة المعروف بمؤمن الطاق، فالخبر صحيح».
4- النساء (4): 12
5- الكافي، ج 7، ص 128 - 129، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 ح 1067؛ الاستبصار، ج 4، ص 152 ، ح 573.
6- الكافي، ج 7، ص 129 - 130، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص299، ح 1069؛ الاستبصار، ج 4، ص 152 ، ح 575

--------------

فهذا هو القدر المشترك بين الروايات مع وجوده مخصوصاً في هذه الأخبار، فيؤخذ فيما خالف الأصل بالمتيقن كما ترك القول بحرمانها من السلاح والدواب في صحيحة زرارة.

وفيه: أن هذين الخبرين مع عدم صحة سندهما ، بل ضعف الأخير في الغاية - لا تعرّض لهما إلى الزائد من الأرض بنفى ولا إثبات، فإذا دلّت عليه تلك الأخبار تعين القول بها لعدم المعارض، واشتمالها على زيادة لا يقولون بها لا يضرهم؛ لأن المنفي بالإجماع يسقط، والمختلف فيه يثبت؛ لعدم المقتضي لنفيه.

وحجة المرتضى (رحمه الله) على إعطائها قيمة الأرض مطلقاً كما تعطى قيمة الآلات مراعاة الجمع بين عموم آيات الإرث(1) ، وما أجمع عليه الأصحاب من الحرمان، بتخصيص الحرمان بالعين وإيجاب القيمة(2)على نحو ما اختاره في الحبوة، ولم يلتفت إلى الأخبار المصرحة بحرمانها من الأرض مطلقاً(3)، بدليل استثناء القيمة من آلاتها؛ لأنه لا يعتبر خبر الواحد، وإنّما راعى الإجماع على الحرمان، وادعى أنهم لم يجمعوا على الحرمان من القيمة أيضاً بل عليه في الجملة، فيختص بالعين مراعاة لعموم الآية(4) . ومن التفت إلى حجيّة الأخبار سقطت عنه كلفة هذا الاعتبار.

ويبقى في مدعاه أنّ الأصحاب ما أجمعوا على حرمانها من القيمة منع آخر؛ لتصريحهم بحرمانها من الأرض عيناً وقيمة وإن اختلفوا في مقدار ما يحرم منها، يظهر ذلك من تتبع كلامهم وفتاواهم؛ فإنّهم لا يختلفون في ذلك، ولا ينقلون الخلاف فيه إلا عنه، فإذا راعى إجماعهم في أصل الحرمان فليراعه فيما وقع تخصيصه، مع أن ابن الجنيد سابق عليه

ص: 426


1- النساء (4): 7 و 11 و 12.
2- الانتصار، ص 585 المسألة 319
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 205 وما بعدها، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
4- النساء (4): 12

--------------

ولم يقل بحرمانها من شيء،(1) وكلامه يوافق عموم القرآن(2)، فكان موافقة المرتضى (رحمه الله) له أنسب بمذهبه المطرح لخبر الواحد والنظر إلى أنّ ابن الجنيد بمعلومية أصله لا يقدح في الإجماع معارض بمثله في جانب الآخر؛ فإنّه لا يُعلم موافق للمرتضى أصلاً، فضلاً عن مماثل لابن الجنيد العزيز المثل في المتقدمين، بالتحقيق والتنقيب يعرف ذلك من اطلع على كلامه.

وحجته على القول الخامس عموم الآية(3)، وخصوص صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق(عليه السلام) ، قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً ؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة؟ فقال: «يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت»(4) .

وما ورد بخلاف ذلك لا يصلح عنده لتخصيص القرآن؛ إما لاختلافه وعدم صحة كثير منه، أو لكونه خبراً واحداً لا يخصص القرآن كما هو قول جماعة من الأصوليين(5)، أو ردّاً لخبر الواحد مطلقاً، كما هو المشهور عن علمائنا المتقدمين، أو مع وجود المعارض القوي كالقرآن. ومثله اتفق له في أخبار الحبوة، حتى ذهب إلى استحبابها دون استحقاقها(6).

وقد ظهر من تضاعيف الكلام أنّ قوّة الأقوال عند من يعتبر الأخبار منحصرة في القولين الأولين ولعل أجودهما الثاني إذا جعلنا العقار شاملاً للشجر.

الثاني: في بيان من يحرم الإرث ممّا ذكر من الزوجات، وقد اختلف الأصحاب فيه أيضاً، فالمشهور - خصوصاً بين المتأخرين، وبه صرّح المصنف في الكتاب - اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج.

ص: 427


1- يُنظر: مختلف الشيعة، ج 9، ص 53، المسألة 10.
2- النساء (4): 12.
3- النساء (4): 12.
4- الفقيه، ج 4، ص 349، ح 5756: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 300، ح 1075: الاستبصار، ج 4، ص 154 ، ح 581
5- راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ، ج 1، ص 280 - 281؛ والعدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 344.
6- حكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 39، المسألة .2.

--------------

وذهب جماعة منهم المفيد والمرتضى، والشيخ في الاستبصار، وأبو الصلاح، وابن إدريس، والمصنّف في النافع، وتلميذه الشارح، بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع (1)- إلى أنّ هذا المنع عام في كل زوجة، سواء كان لها ولد من الميت أم لا؛ عملاً بإطلاق الأخبار(2)أو عمومها المتناول للجميع. وقد تقدم منها جملة (3).

وجميع ما ورد في هذا الباب على كثرته دال على ذلك، فلا وجه لتعداده، إلا رواية واحدة، وهي رواية ابن أبي عمير عن عمر بن بن أُذينة: «في النساء إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرباع»(4)، فالمفصلون خصوا جميع تلك الأخبار بغير ذات الولد جمعاً بينها وبين هذه، مع ما فيها من القطع؛ حيث لم يسندها إلى إمام. ولا يخفى ما فيه.

وربما رجّح التفصيل من حيث إن فيه تقليلاً لتخصيص الآية(5) ، وظهور الشبهة في عموم هذه الأخبار بواسطة هذه الرواية، ورواية ابن أبي يعفور الدالة على إرثها من كلّ شيء كالزوج، بحملها على ذات الولد جمعاً، فلا أقل من انقداح الشبهة في العموم للزوجات المانع من حمل الآية على عمومها، مضافاً إلى ذهاب جماعة من أجلاء المتقدمين -كالصدوق(6) والشيخ في التهذيب(7)وجملة المتأخرين - إليه، وذهاب جماعة آخرين إلى أنّ مثل هذه الأخبار لا تخصص القرآن مطلقاً، فلا أقلّ من وقوع الشبهة في التخصيص. ولا بأس بهذا القول وإن كان القول بالتسوية بين الزوجات أيضاً قوياً متيناً.

ص: 428


1- راجع المقنعة، ص 687 والانتصار، ص 585 المسألة :319؛ والاستبصار، ج 4، ص 154، ذيل الحديث 580؛ والكافي في الفقه 374 والسرائر ، ج 3، ص 259؛ والمختصر النافع، ص 393؛ وكشف الرموز، ج 2، ص 464.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 205 وما بعدها، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
3- تقدّم في ص 423 وما بعدها.
4- الفقيه، ج 4، ص 349 ، ح 5757؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 301، ح 1076؛ الاستبصار، ج 4، ص 155، ح 582.
5- النساء (4): 12
6- الفقيه، ج 4 ، ص 349، ذيل الحديث 5756
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 300 - 301، ذيل الحديث 1075.

--------------

الثالث: في بيان الحكمة في هذا الحرمان، وبه يظهر أيضاً عدم الفرق بين الزوجات وإن كان بعضهن أقوى في ذلك من بعض.

ومحصل ما دلّت عليه النصوص منها : أنّ الزوجة لا نسب بينها وبين الورثة، وإنّما هي دخيل عليهم، فربما تزوّجت بعد الميّت بغيره ممن كان ينافسه ويحسده، فتسكنه في مساكنه، وتسلّطه على عقاره، فيحصل على الورثة بذلك غضاضة عظيمة، فاقتضت الحكمة الإلهية منعها من ذلك، وإعطاءها القيمة جبراً لها، وهي في قوة العين، والضرر بها منفي

قليل محتمل.

وقريب منه القول في اختصاص الولد الأكبر بثياب بدن أبيه وسيفه ومصحفه وخاتمه. وهذا بخلاف إرثها من أعيان المنقولات من أمواله وأثاثه؛ فإنّها إذا انتقلت من منزله لا يلتفت إلى مثل ذلك، ولا غضاضة بسببه غالباً.

وقد وردت هذه العلة في عدة أخبار:

منها: رواية محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله(عليه السلام) : «ترث المرأة الطوب، ولا ترث من الرباع شيئاً»، قال قلت كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئاً ؟ فقال: «ليس لها منهم نسب ترث به وإنّما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها »(1).

ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «إنما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب؛ لئلا تتزوّج فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم» (2).

ورواية ابن سنان عن الرضا(عليه السلام) فيما كتب من جواب مسائله عن المرأة: «أنّها لا ترث

ص: 429


1- الكافي، ج 7، ص 127 - 128، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 ح 1067؛ الاستبصار، ج 4، ص 152، ح 573.
2- الكافي، ج 7، ص 129، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح7؛ الفقيه، ج 4، ص 348، ح 5754؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 298 - 299، ح 1068: الاستبصار، ج 4، ص 152، ح 574.

--------------

من العقار شيئاً إلا قيمة الطوب والنقض؛ لأنّ العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة، ويجوز تغييرها وتبديلها، وليس الولد والوالد كذلك؛ لأنه لا يمكن التفصي عنها، والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تغييره وتبديله إذا أشبهها، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام »(1).

وفي هذه الأخبار أيضاً دلالة على عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها؛ لقيام العلة في الجميع. إذا تقرر ذلك فاعلم أنه لا فرق في الأبنية والمساكن بين ما كان يسكنه الزوج وغيره، ولا بين الصالح للسكنى وغيره مع صدق اسم البناء عليه.

والمراد بآلاته المتقومة ما كانت مثبتةٌ فيه، كالأحجار والأخشاب المستدخلة في البناء. أما الآلات المنقولة وإن كانت من هذا الصنف فإنّها ترث من عينها.

وكيفية التقويم لما يستحق فيه القيمة من البناء والشجر على القول بدخوله أن يقوم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فتقدر الدار كأنها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أُجرة إلى أن تفنى، وتعطى قيمة ما عدا الأرض من ذلك، وقيمة الشجر كذلك، حتى لو فرض عدم القيمة للأرض في بعض الأنواع من الشجر كالزيتون - لم ينقص من قيمته شيء بسببها.

وظاهر النصوص(2)أن القيمة تجب على الوارث على وجه قهري لا على طريق المعاوضة، فلا تأخذ الزوجة العين إلا أن يتعذر عليها أخذ القيمة، فتأخذها على وجه المقاصة بالقيمة كغيرها من أمواله، ولو أمكن رفع أمرها إلى الحاكم ليأمره بالدفع، أو يبيع شيئاً من ماله ويدفع إليها القيمة كغيره من الدين، ففي تقديمه على المقاصة وجهان أجودهما تخيّرها بين الأمرين.

ص: 430


1- الفقيه، ج 4، ص 348، ح 5752؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 300، ح 1074.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 205 وما بعدها، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج.

السادسة: *

نكاح المريض مشروط بالدخول

فإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد، ولا مهر لها ولا ميراث وهو رواية زرارة عن أحدهما(عليهم السلام) (1).

--------------

ولو تعدّدت الزوجات واختلفن في الحكم، كذات الولد وغيرها على القول بالفرق استحقت ذات الولد كمال الثمن من رقبة الأرض، وتأخذ الأخرى حصتها ممّا ترث من عينه، ونصف قيمة ما ترث من قيمته. وهل يكون العين للزوجة الأخرى أم لسائر الورثة؟ أوجه أجودها اختصاص الزوجة به؛ لأنّ ذلك نصيبها بنص القرآن(2)، ورجوعها إلى نصفه لمكان الزوجة الأخرى، فيقتصر فيه على ما تستحقه عملاً بالعموم(3)، ولو امتنعت من أداء القيمة فكامتناع الوارث.

وإطلاق الولد محمول على ولد الصلب، وفي تعديته إلى ولد الولد وجهان، مبنيان على كونه ولداً حقيقةً أم لا، أو على الإجماع على إلحاق ولد الولد بأبيه في الميراث وإن نوزع في غيره، كما تقدمت الإشارة إليه(4) وموضع الاحتمالين ما إذا كان ولد الولد وارثاً من الميت أما لو كان هناك ولد للصلب فلا حكم له، مع احتمال تأثيره مطلقاً؛ نظراً إلى صدق الاسم.

ولا فرق فيما ترث من عينه من المنقولات بين كونه قابلاً للنقل بالفعل كالحيوان والأثاث، وبالقوة كالثمرة على الشجرة والزرع في الأرض وإن لم يستحصد، أو كان بذراً، دون الشجر، وإن كان غرساً لم يثبت. ويجب إبقاء الزرع إلى أوان حصاده عادةً مجاناً.

وبقي في تحقيق المسألة أُمور أخرى مهمة حققناها في موضع آخر(5)، واقتصرنا على ما ذكرناه هنا مراعاة للاختصار.

قوله:« نكاح المريض مشروط بالدخول» إلى آخره.

ص: 431


1- الكافي، ج 1، ص 123، باب طلاق المريض ونكاحه، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 77 ، ح 261؛ الاستبصار، ج 3، ص 304 ، ح 1080.
2- النساء (4): 12
3- النساء (4): 12
4- تقدمت في ص 417.
5- أي في رسالة ميراث الزوجة، ص 397 وما بعدها (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل / 2).

--------------

اشتراط الدخول في نكاح المريض بالنسبة إلى لزومه وترتب أثره عليه، لا في صحته، وإلا لم يصح الوطء؛ لأنه مشروط بصحة العقد، فلو اشترط بالدخول دار.

ونسبة المصنّف الحكم إلى الرواية مشعر بتردّده فيه. ووجهه مخالفته للأصل؛ فإنّه عقد صحيح في نفسه كما فرضناه وإلا لم يصح الوطء، وهو صادر من أهله في محله باختياره، فاشتراطه بأمر متأخر عنه خلاف الأصل. وفي الدروس نسبه أيضاً إلى قول مشهور(1)، وفيه إشعار بعدم وضوحه عنده.

وجزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه خلافاً أو إشكالاً.

ويتفرع عليه ما لو ماتت هي قبل الدخول فمقتضى الحكم أن لا يرث منها؛ لعدم حصول الشرط فلا يلحقه الأثر.

ويحتمل هنا الإرث وإن لم نقل به في جانبه؛ لأنّ العقد لازم بالنسبة إليها، فيترتب أثره عليه في حقها وإن لم يثبت في حقه؛ لعدم لزومه من جانبه، ولأن تخلّف إرثها منه بنص الشارع لا يقتضي ثبوته في الجانب الآخر، بل يقتصر في الحكم المخالف للأصل علی مورده .

والحكم موضع إشكال في الطرفين. وكذا الإشكال لو مات في غير مرضه قبل الدخول من حيث إطلاق كونه مشروطاً بالدخول ولم يحصل، ومن أنّ برء المريض يصحح تصرفاته الموقوفة، وهذا من أضعفها أو من جملتها والأقوى هنا ثبوت التوارث .

ص: 432


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 291 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

المقصد الثالث في الميراث بالولاء

اشارة

وهو ثلاثة أقسام:

ألقسم الأوّل: ولاء العتق

اشارة

إنّما يرث المنعم إذا كان متبرّعاً، ولم يتبرأ من ضمان جريرته، ولم يكن للمعتق وارث مناسب.

فلو أعتق في واجب كالكفارات والنذور - لم يثبت للمنعم ميراث وكذا لو تبرّع واشترط سقوط الضمان.

--------------

قوله: «المقصد الثالث في الميراث بالولاء إلى قوله - ولم يكن للمعتق وارث مناسب».

الولاء من أسباب الإرث؛ لقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الولاء لحمة كلحمة النسب»(1). وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «الولاء لمن أعتق»(2)وحيث كان النسب مقتضياً للإرث فكذا الولاء، ولكن يفترقان بأنّ الإرث في النسب ثابت من الطرفين؛ لتحقق السبب منهما (3)، بخلاف الولاء، فإنّه ثابت للمنعم على المعتق دون العكس؛ لأنّ سببه هو العتق، وهو مختص بأحد الطرفين، خلافاً لابن بابويه حيث قال: إذا لم يكن للمنعم وارث ورثه عتيقه (4). وهو شاذ.

ص: 433


1- الفقيه، ج 3، ص 133، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 255، ح 926؛ الاستبصار، ج 4، ص 24، ح 78.
2- الكافي، ج 1، ص 197 - 198، باب الولاء لمن أعتق، ح 1 و 3 - 4؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 249 - 250، ح 105 - 907.
3- في بعض النسخ: «فيهما»، وفي إحدى الحجريتين: «بينهما» بدل «منهما».
4- الفقيه، ج 4، ص 305 ذيل الحديث 5658

*وهل يشترط فى سقوطه الإشهاد بالبراءة ؟ الوجه لا .

--------------

ويشترط في ثبوت الإرث به أمور ثلاثة أشار إليها المصنف :

أحدها كون العتق تبرّعاً، فلو كان واجباً بنذر وشبهه أو بكفّارة أو لانعتاقه قهراً فلا ولاء له.

وقد دلّ عليه صحيحة ابن رئاب قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن السائبة، فقال: «انظروا في القرآن فما كان فيه ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وما كان ولاؤه لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإن ولاءه للإمام(عليه السلام) ، وجنايته على الإمام، وميراثه له»(1).

وثانيها: أن لا يتبرأ المعتق من ضمان جريرته حال الإعتاق، فلو تبرأ منه فلا ولاء له ولا إرث .

ويدلّ عليه حسنة أبي الربيع قال: سئل أبو عبد الله(عليه السلام) عن السائبة، فقال:«هو الرجل يعتق غلامه ثم يقول له: اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شيء، ولا عليَّ من جريرتك شيء، ويشهد على ذلك شاهدين» (2).

وثالثها: أن لا يكون للمعتق وارث مناسب؛ لأنّ الإرث بالولاء مشروط بفقد المناسب مطلقاً الصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله(عليه السلام) في امرأة أعتقت رجلاً لمن ولاؤه؟

ولمن ميراثه؟ قال: «اللّذي أعتقه، إلا أن يكون له وارث غيره»(3).

قوله: «وهل يشترط فى سقوطه الإشهاد بالبراءة ؟ الوجه لا».

ص: 434


1- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح 2: الفقيه، ج 3، ص 136، ح 3507؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 256، ح 930؛ وج 9، ص 395، ح 1410؛ الاستبصار، ج 4، ص 26، ح 85، وص 199 ، ح 748 ، وفي جميع المصادر: عن عمار بن أبي الأحوص.
2- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح6: الفقيه، ج 3، ص 136 ، ح 3505؛ تهذيب الأحكام، ج8 ص 256، ح 929: الاستبصار، ج 4، ص 26، ح 84
3- الكافي، ج 1، ص 198، باب الولاء لمن أعتق ، ح : تهذيب الأحكام، ج 8، ص 250، ح 908

*ولو نكّل به فانعتق كان سائبة. ولو كان للمعتق وارث مناسب قريباً كان أو بعيداً ، ذا فرض أو غيره لم يرث المنعم.

*أما لو كان زوج أو زوجة كان سهم الزوجية لصاحبه، والباقي للمنعم أو مَنْ يقوم مقامه عند عدمه.

--------------

القول باشتراط الإشهاد في صحة التبرّي للشيخ(1) وجماعة(2)؛ لرواية أبي الربيع السابقة وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): مَنْ أعتق رجلاً سائبة فليس عليه من جريرته شيء، وليس له من الميراث شيء، وليشهد على ذلك»(3). ولا دلالة للأمر على الاشتراط؛ فلذا ذهب المصنّف (رحمه الله) والمتأخرون إلى عدم الاشتراط؛ للأصل، ولأن المراد من الإشهاد الإثبات عند الحاكم لا الثبوت في نفسه. وهذا هو الأقوى.

قوله: «ولو نكل به فانعتق كان سائبة». لأنه لم يعتقه وإنّما أعتقه الله تعالى قهراً، ومثله انعتاقه بالإقعاد والعمى والجذام والبرص عند القائل به؛ لاشتراك الجميع في العلة، وهي عدم إعتاق المولى له، وقد قال(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إنّما الولاء لمن أعتق»(4).

وفي صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) فيمن نكل بمملوكه أنّه حُرّ، ولا سبيل له عليه سائبةٌ، يذهب فيتولّى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته فهو يرثه»(5).

قوله: «أما لو كان زوج أو زوجة كان سهم الزوجية لصاحبه» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ الإرث بالولاء مشروط بفقد القريب (6)، وأما الزوجان فيصاحبان جميع

ص: 435


1- النهاية، ص 547 .
2- .منهم الصدوق في المقنع، ص 461؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 364؛ وابن إدريس في السرائر ، ج 3، ص 23.
3- تهذيب الأحكام، ج8، ص 256، ح 928؛ الاستبصار، ج 4، ص 26، ح 83.
4- الكافي، ج 1، ص 197 - 198، باب الولاء لمن أعتق، ح 1 و 3 - 4: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 249 - 250، ح 105 - 907: صحيح البخاري، ج 2، ص 543، ح 1422؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 21 - 22، ح 3929 - 3930.
5- الكافي، ج 7، ص 172، باب ولاء السائبة، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223، ح 802
6- تقدّم في ص 434.

*وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحداً، وإن كانوا أكثر فهم شركاء في الولاء بالحصص رجالاً كان المعتقون أو نساء، أو رجالاً ونساءً.

* ولو عدم المنعم قال ابن بابويه يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث وهو حسن. ومثله في الخلاف لو كان رجلاً.

وقال المفيد ( رحمه الله): الولاء للأولاد الذكور دون الإناث، رجلاً كان المنعم أو امرأةً.

وقال الشيخ (رحمه الله) في النهاية يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلاً، ولو كان امرأةً كان الولاء لعصبتها. وبقوله (رضي الله عنه) تشهد الروايات.

--------------

الوراث بالنسب والسبب، فلهما مع المعتق سهمهما الأعلى، والباقي للمنعم أو من يقوم مقامه من ورثته أو عصبته، على ما سيأتي(1).

قوله: «وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحداً» إلى آخره.

لأن السبب في الإرث هو الإعتاق فيتبع الحصة، فلا ينظر فيه إلى الذكر والأنثى كالإرث بالنسب؛ لأنّ ذلك خارج بالنص، وإلا لكان مقتضى الشركة خلاف ذلك .

قوله: «ولو عدم المنعم قال ابن بابويه يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث إلى آخره. إذا فقد المنعم فللأصحاب في تعيين وارث الولاء أقوال كثيرة:

أحدها - وهو الذي استحسنه المصنف رحمه الله وذهب إليه قبله الصدوق(2)-أنّه يرثه أولاد المنعم، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم متفرقين، ذكراً كان المنعم أم امرأةٌ ؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولاء لحمة كلحمة النسب»(3)، والذكور والإناث يشتركون في لحمة النسب فيكون كذلك في الولاء.

ص: 436


1- يأتي في ص 458-457
2- الفقيه، ج 4، ص 306، ذيل الحديث 5658
3- الفقيه، ج 3، ص 133، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 255، ح 926.

--------------

وثانيها : قول الحسن بن أبي عقيل : إنّه يرثه وارث المال مطلقاً . قال : وروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) والأئمة من ولده (عليهم السلام)أنهم قالوا تقسم الدية على من أحرز الميراث، ومن أحرز الميراث أحرز الولاء »(1).

وثالثها: قول الشيخ في الخلاف وهو كقول الصدوق - إن كان المعتق رجلاً، وإن كان امرأةٌ فلعصبتها دون ولدها، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً. واستدل عليه بإجماع الفرقة وأخبارهم(2).

ورابعها قول المفيد:

إنّ الولاء لأولاد المعتق الذكور دون الإناث، ذكراً كان المعتق أم أنثى، فإن لم يكن هناك أولاد ذكور ورثه عصبة المعتق(3).

وخامسها: قول الشيخ في النهاية والإيجاز(4)، وأتباعه كالقاضي(5) ، وابن حمزة(6) :

إن الولاء للأولاد الذكور خاصةً إن كان رجلاً، وإن كان امرأة فلعصبتها، ولو لم يكن للذكر ولد ذكور كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم.

وقواه في المختلف(7) .

والروايات الصحيحة شاهدة به كصحيحة بريد بن معاوية العجلي عن الباقر(عليه السلام)قال: سألته عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق، فانطلق ابنه فابتاع رجلاً من كسبه

ص: 437


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 77 المسألة 34. ولم نعثر على النصّ في المصادر الروائية.
2- الخلاف، ج 4، ص 79 و 81، المسألة 84 و 86
3- المقنعة، ص 694.
4- النهاية، ص 547 - 548 : الإيجاز، ضمن الرسائل العشر، ص 277 - 278
5- المهذب، ج 2، ص 364.
6- الوسيلة، ص 344 و 397 - 398.
7- مختلف الشيعة، ج 8، ص 80، المسألة 34.

--------------

فأعتقه عن أبيه، وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالاً ثم مات وتركه لمن يكون تركته؟ فقال: «إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو واجبة عليه فإنّ المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه، وإن كانت الرقبة التي على أبيه تطوعاً وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة كان ولاء المعتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال».

قال: «ويكون الذي اشتراه وأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة، إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه».

قال: «وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعاً منه من غير أن يكون أمره أبوه بذلك كان ولاؤه وميراثه للذي اشتراه من ماله وأعتقه عن أبيه، إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته»(1). وهذه صريحة في حكم الرجل.

ويدلّ على اختصاص عصبته بالولاء دون الإناث أيضاً صحيحة محمد بن قيس عن الباقر(عليه السلام) قال: «قضى في رجل حرّر رجلاً فاشترط ولاءه، فتوفّي الذي أُعتق وليس له ولد إلا النساء، ثمّ توفّي المولى وله مال وله عصبة، فاختلف في ميراثه بنات مولاه والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثاً يكون فيه عقل»(2). وليس في هذه تعرّض لإرث الأولاد الذكور.

ويدلّ على حكم المرأة صحيحة محمد بن قيس أيضاً عن الباقر (عليه السلام)قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) على امرأة أعتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها»(3).

وصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة أعتقت مملوكاً ثمّ

ص: 438


1- الكافي، ج 7، ص 171 - 172، باب ولاء السائبة، ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 137 - 138، ح 3509؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 254 - 255، ح 925؛ الاستبصار، ج 4، ص 23 - 24، ح 76.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 254، ح 923؛ الاستبصار، ج 4، ص 24، ح 77.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 253 - 254، ح 921؛ الاستبصار، ج 4، ص 25، ح 80

--------------

ماتت، قال: «يرجع الولاء إلى بني أبيها»(1).

وصحيحة أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن رجل أعتق جاريةٌ صغيرة لم تدرك وكانت أمه قبل أن تموت سألته أن يعتق عنها رقبةً من مالها، فأعتقها بعد ما ماتت أُمه، لمن يكون ولاء المعتق؟ قال: «يكون ولاؤها لأقرباء أمه من قبل أبيها»، قال: «ولا يكون للذي أعتقها عن أُمّه شيء من ولائها»(2).

فهذه هي الروايات التي أشار المصنف( رحمه الله) إلى كونها شاهدة على مذهب الشيخ في النهاية ، وعليه ينبغي أن يكون العمل لصحتها وكثرتها.

ولا ينافيها ما ورد عنه (صلی الله علیه وآله وسلم) من أنّ «الولاء لحمة كلحمة النسب»؛ لأنّه عقبه بقوله: «لا تباع ولا توهب»(3)، وهو قرينة كون مشابهته للنسب من هذا الوجه لا مطلقاً، مع قطع النظر عن تعين حمله على ذلك مراعاة للجمع، وقصوره عنها من حيث السند، أو يختص (4)بإرث الأولاد الذكور ومن يعقل من القرابة جمعاً.

واختلف كلام الشيخ في الاستبصار، ففي كتاب العتق اختار مذهبه في النهاية ، محتجاً بالأخبار المذكورة(5).

وفي كتاب الميراث اختار مذهبه في الخلاف، من إرث الذكور والإناث من الأولاد إذا كان المعتق رجلاً(6).

واحتج لدخول الإناث برواية عبد الرحمن بن الحجاج عمّن حدثه عن أبي عبد الله(عليه السلام)

ص: 439


1- تهذيب الأحكام، ج8، ص 254، ح 922: الاستبصار، ج 4، ص 25، ح 81
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 254، ح 924؛ الاستبصار، ج 4، ص 25 - 26، ح 82.
3- الفقيه ، ج 3، ص 133، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 255، ح 926؛ الاستبصار، ج 4، ص 24، ح 78
4- في بعض النسخ: «يخص» بدل يختص».
5- الاستبصار، ج 4، ص 25، ذيل الحديث 79.
6- الاستبصار، ج 4، ص 173 ذيل الحديث 652.
*ويرث الولاء الأبوان والأولاد

ومع الانفراد لا يشركهما أحد من الأقارب.

ويقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب مَنْ

--------------

قال: «مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ميراثه إلى بنت حمزة (1) وحمل تلك الأخبار السابقة على التقية(2).

وهو عجيب؛ لأنّ الخبر الذي جعله معارضاً لها حتى أوجب حملها على التقية ضعيف السند ،مرسل، أمّا ضعفه؛ فلأنّ في طريقه الحسن بن محمد بن سماعة، وحاله في الوقف مشهور(3)، وأما الإرسال فقد أشرنا إليه.

وبقي من الأخبار الدالّة على التعميم خبر اللحمة، وهو مع ضعف سنده بالسكوني لا نقول به مطلقاً، كما لا يخفى، فلا يتحقق المعارض لتلك الأخبار الصحيحة الكثيرة، ولا يتوجه حينئذٍ حملها على التقية واطراح مضمونها.

قوله: «ويرث الولاء الأبوان والأولاد - إلى قوله - في غير الولاء».

هذا جارٍ على جميع الأقوال المذكورة في الكتاب لاشتراكها في ثبوت الولاء للأولاد في الجملة، إما الذكور، أو هم مع الإناث ولو على بعض الوجوه.

والمراد أنا حيث حكمنا بإرث الأولاد للولاء فلو كان هناك أبوان أو أحدهما شاركهم : لمساواتهم لهم في الطبقة ونبه بذلك على خلاف ابن الجنيد حيث حكم باختصاصه بالولد(4) .

ويفهم من قوله «ويرث الولاء» إلى آخره، كونه موروثاً، وهو أحد القولين في المسألة. وقيل: إنّما يورث به ولا يورث (5)وهو الأظهر.

ص: 440


1- الكافي، ج 7، ص 170، باب أن الولاء لمن أعتق، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 331، ح 1191؛ الاستبصار، ج 4، ص 172 - 173 ، ح 652.
2- الاستبصار، ج 4 ، ص 172، ذيل الحديث 651.
3- راجع رجال النجاشي، ص 40 - 41 ، الرقم 84
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 83، المسألة 37.
5- حكاه العلّامة عن ابن الجنيد وقربه في مختلف الشيعة، ج 8، ص 85. المسألة 40؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 377.

يتقرب به كالميراث في غير الولاء، ومع عدم الأبوين والولد يرثه الإخوة.

* وهل ترث الأخوات؟ على تردّد، أظهره نعم؛ لأن الولاء كلحمة النسب.

*ويشرك الإخوة الأجداد والجدات فی ارث الولاء

ومع عدمهم الأعمام والعمات وبنوهم ويترتبون الأقرب فالأقرب.

--------------

وتظهر الفائدة فيما لو مات المنعم قبل المعتق، وخلّف وارثاً غير الوارث بعد موت المعتق، كما لو مات المنعم عن ابن وابن ابن ثم مات الابن قبل موت المعتق وترك ابناً؛ فإنّ ولدي الولدين يتساويان في إرثه على الثاني، ويختص بولد من كان حياً عند موت أبيه على الأوّل؛ لأن مقتضى كونه موروثاً انتقاله بموت المورث كما ينتقل غيره من الأموال والحقوق.

والمراد بكونه موروثاً به الإرث بسببه عند الحكم بإرثه، كما ينبه عليه خبر اللحمة، فإنّ لحمة النسب إنما يعتبر عند موت المورّث ولا ينتقل قبله.

قوله: «وهل ترث الأخوات؟ على تردّد، أظهره نعم؛ لأنّ الولاء كلحمة النسب».

هذا الخلاف متفرّع على الخلاف في إرث الأولاد، فإن نفيناه رأساً وجعلناه مختصاً بالعصبة الذين يعقلون لم ترث الأخوات؛ لأنّهنّ لا يعقلن، وإن أثبتناه للأولاد في الجملة احتمل إرتُ الأخوات أيضاً؛ لأنّ الولاء لحمة كلحمة النسب، والأخوات يرثن بالنسب، و عدمه؛ لحديث العصبة(1) الدالّ على منعهن، وثبوت دخول الأولاد بنص آخر(2) . والأظهر أنّ الأخوات لا يرثن منه مطلقاً.

قوله: «ويشترك الإخوة والأجداد(3)والجدات، ومع عدمهم الأعمام والعمات».

اشتراك الإخوة والأجداد واضح؛ لتساويهم في الدرجة ، وأما مشاركة الجدات فيبني

ص: 441


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 254، ح 923؛ الاستبصار، ج 4، ص 24، ح 77.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26 ، ص 233 ، الباب 1 من أبواب ميراث ولاء المعتق.
3- هكذا في جميع نسخ المسالك، وجواهر الكلام، ج 39، ص 240، ولكن في نسخة الشرائع الخطية المعتمدة كما تراه أعلى الصفحة.

*ولا يرث الولاء من يتقرب بالأم من الإخوة والأخوات والأخوال والخالات والأجداد والجدات.

*ومع عدم قرابة المنعم يرثه مولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى لأبيه دون أمد امّه.

*والمنعم لا يرثه المعتق

ولو لم يخلّف وارثاً ، ويكون ميراثه للإمام دون المحرَّر .

--------------

على أن النساء هل يرثن منه مطلقاً، أم قد يرثن منه في الجملة؟ والأظهر عدم إرثهنّ.

وخالف ابن الجنيد في التسوية بين الأخ والجد، وجعل الجد أولى(1) . وهو شاذ. بل الأخ أدخل في الحكم؛ لأنّه من العاقلة اتفاقاً، بخلاف الجد، فإن فيه الخلاف.

قوله: «ولا يرث الولاء من يتقرب بالأُمّ» إلى آخره.

بناء على اختصاص الإرث بالعصبة إما مطلقاً أو بعد فقد الأولاد؛ لأنّ من تقرب بالأُمّ لا يعقل مطلقاً، كما لا تعقل الإناث وإن تقربن بالأب. ومن اعتبر اللحمة وعمّم الميراث حكم بإرث الجميع.

قوله: «ومع عدم قرابة المنعم يرثه مولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى لأبيه دون أُمه».

الضابط أنّه يرث الولاء معتق المورّث ولو بواسطة أو وسائط، لكن يقدّم المباشر، ثمّ أقاربه على التفصيل السابق، ثمّ معتق المعتق، ثمّ أقاربه على تفصيل أقارب المعتق. وقوله «دون أُمّه» مبني على ما سلف، ومع عدم ذلك كله فلمعتق معتق المعتق، ثمّ لأقاربه، وهكذا، فإن فقد الجميع انتقل الإرث إلى معتق أب المعتق، ثمّ معتق هذا المعتق وهكذا كالأول.

قوله: «والمنعم لا يرثه المعتق ولو لم يخلّف وارثاً ، ويكون ميراثه للإمام دون المحرَّر».

ص: 442


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 84، المسألة 138.

*ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا اشتراطه فى بيع.

--------------

هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل ادعى عليه الشيخ الإجماع(1). ويدل عليه أيضاً أن الإرث يحتاج إلى سبب شرعي يستند إليه، ولم يثبت ذلك هنا شرعاً، وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) :

«الولاء لمن أعتق» (2)، وفي خبر آخر: «إنّما الولاء لمن أعتق»(3)والحصر أظهر دلالة، ولأصالة عدم التوارث.

وخالف في ذلك ابن بابويه(4) وابن الجنيد(5) ، فحكما بإرث المعتق المنعم إذا لم يخلّف وارثاً غيره؛ ولعلّ استنادهما إلى خبر اللحمة(6). وهو ضعيف.

نعم لو دار الولاء توارثا، كما لو اشترى العتيق أبا المنعم فأعتقه وانجر ولاؤه من مولى المنعم إلى العتيق.

قوله: «ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا اشتراطه في بيع».

لأنه ليس مالاً يقبل النقل، وخبر اللحمة(7) صريح فيه؛ لأن النسب لا يقبل ذلك، وقد جعل لازمه كونه لا يباع ولا يوهب، ولمّا كان حكمه مختصاً بالمعتق كان اشتراطه لغيره اشتراطاً غير سائغ، فكان باطلاً.

وفي صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله(عليه السلام) : «أن عائشة قالت للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) : إن أهل بريرة اشترطوا ولاءها، فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): الولاء لمن أعتق »(8) ، وأبطل شرطهم.

ص: 443


1- الخلاف، ج 4، ص 84، المسألة 91
2- الكافي، ج 1، ص 197 - 198، باب الولاء لمن أعتق ،ح 1 و 3 - 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 249 -250، ح905-907.
3- صحيح البخاري، ج 2، ص 543، ح 1422: صحیح مسلم، ج 2، ص 1141، ح 5 - 1504/6؛ سنن أبي داود. ج 4، ص 21 - 22، ح 3929 - 3930
4- الفقيه، ج 4، ص 305، ذيل الحديث 5658.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 85، المسألة 39
6- الفقيه، ج 3، ص 133 ، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 255، ح 926
7- الفقيه، ج 3، ص 133 ، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 255، ح 926
8- الكافي، ج 6 ، ص 198، باب الولاء لمن أعتق، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 250، ح 907.
مسائل ثمان : فی ميراث المملوک

الأولى: * ميراث وُلد المعتقة لمن أعتقهم ولو أُعتقوا حملاً مع أُمّهم ، ولا ينجر ولاؤهم.

ولو حملت بهم بعد العتق كان ولاؤهم لمولى أمهم إذا كان أبوهم رقاً، ولو كان حرّاً في الأصل لم يكن لمولى أمهم ولاء، وإن كان أبوهم معتقاً فولاؤهم المولى الأب ، وكذا لو أعتق أبوهم بعد ولادتهم، انجرّ ولاؤهم من مولى أُمّهم إلى مولى الأب.

--------------

قوله: «ميراث وُلد المعتقة لمن أعتقهم »إلى آخره.

أراد بقوله «إنّ ميراث ولد المعتقة لمن أعتقهم» أن المعتق مباشرةً مقدم في حق الولاء على معتق الأبوين ؛ لأنّ نعمة مَنْ أعتقه عليه أعظم من نعمة من أعتق بعض أصوله ، فيختص بالولاء.

ولا فرق في ذلك بين أن يعتقوا منفصلين أو حملاً مع أُمهم. ولا ينجر ولا ؤهم من معتقهم على تقدير فقده وفقد عصبته إلى معتق أُمّهم؛ لأنّ ولاء المباشرة لا ينجر مطلقاً، وإنما ينجر ولاء غيرها من الضعيف إلى القوي.

نعم، لو فرض حملها بهم بعد العتق، وكان أبوهم رقاً، فولاؤهم لمعتق أُمهم؛ لعدم إمكانه من جهة الأب؛ إذ لا ولاء عليه، ولمعتق الأم نعمة عليهم، فإنّهم عتقوا بعتق الأم، فإن مات والأب رقيق بعدُ ورث معتق الأمّ منه بالولاء .

وإن أعتق الأب في حياته انجر(1) الولاء من معتق الأمّ إلى معتق الأب لأنّ ثبوت الولاء لمولى الأم كان لضرورة أنه لا ولاء على الأب، فإذا وجد قدم، كما يقدم عليه لو كان معتقاً قبل عتق الأُمّ أو معه؛ لأنّ الولاء تلو النسب والنسب إلى الآباء دون الأُمهات، ولأنّ الولاء

ص: 444


1- في حاشية «و»:«ليس في باب الجرّ مطلقاً نص، وإنّما هو اعتبار. (منه قدس سره)».

الثانية: * لو تزوّج مملوك بمعتقة فأولدها فولاء الولد لمولاها فلومات الأب وأُعتق الجد قال الشيخ: ينجر الولاء إلى معتق الجد؛ لأنّه قائم مقام الأب. وكذا لو كان الأب باقياً. ولو أعتق الأب بعد ذلك انجرّ الولاء من مولى الجد إلى مولى الأب؛ لأنّه أقرب.

--------------

والإرث مبنيان على الأقوى فالأقوى؛ ولذلك ينفرد به الذكور من أولاد المعتق على ما مر تفصيله (1)، وجانب الأب أولى من جانب الأُمّ.

وكذا لو كان الأب حرّ الأصل والأُمّ معتقة؛ لأنّ الانتساب إلى الأب والأب حرّ مستقل لا ولاء عليه، فليكن الولد مثله. وأيضاً فإنّ ابتداء حرية الأب يبطل دوام الولاء لمولى الأم، فاستدامة الحرّية أولى أن تمنع ثبوت الولاء له (2)؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء، فإذا أبطل الضعيف القوي فعكسه أولى. وكذا لو كان الأب معتقاً لا ولاء عليه؛ فإنّه لا ولاء على أولاده تبعاً له.

ولو انعكس بأن كانت الأم حرّة أصليّة والأب معتق(3)، ففى ثبوت الولاء عليه لمعتق الأب، من حيث إن الانتساب إلى الأب وهو معتق، أو عدم الولاء عليه، كما لو كان الأب حرّاً بناء على أنّه يتبع أشرف الطرفين - وجهان أظهرهما عند الأصحاب(4) - بل ظاهرهم الاتفاق عليه - هو الثاني، وعلى هذا فشرط الولاء أن لا يكون في أحد الطرفين حرّ أصلي.

قوله: «لو تزوّج مملوك بمعتقه فأولدها »إلى آخره.

لا كلام في أنّ ولاء الولد لمولى الأم؛ لكون الوالد مملوكاً، ولا في انجراره إلى مولى الأب على تقدير عتقه بعد ذلك كما مرّ(5)، وإنّما الكلام فيما لو أعتق الجد قبل عتق الأب، سواء كان الأب حياً أم ميتاً؛ فإنّ في انجرار الولاء من مولى الأم إلى مولى الجد

ص: 445


1- مر في ص 437.
2- ما أثبتناه من نسخة بدل في «و» هو الصحيح، وفي سائر النسخ: «لهم» بدل «له».
3- في الحجريتين: «معتقاً» بدل «معتق».
4- في حاشية «و»: «للشافعية قولان والمذهب عندهم ثبوت الولاء عكس المختار عند أصحابنا (منه قدس سره)».
5- مر في ص 444.

الثالثة:* لو أنكر المعتق ولد زوجته المعتقة فلاعنته، فإن مات الولد ولا مناسب له كان ولاؤه لمولى أمه، ولو اعترف به الأب بعد ذلك لم يرثه الأب ولا المنعم على الأب؛ لأن النسب وإن عاد فإنّ الأب لا يرثه ولا مَنْ يتقرّب به.

--------------

وجهين(1) ، كالوجهين فيما لو أسلم الجد والأب حي هل يُحكم بإسلام الولد أم لا ؟ فقال الشيخ (رحمه الله): إنه ينجر؛ لأن الجد أب(2).

والمصنف رحمه الله) اقتصر على نسبة الحكم إلى الشيخ مؤذناً بالتردد فيه؛ من حيث منع كونه أباً حقيقة.

والأظهر الانجرار؛ لتحقق الانتساب إلى الجدّكما ينسب إلى الأب، وكونه أحد الطرفين وأشرفهما كما قيل في الأب(3)، وعلى هذا فلو أُعتق الأب بعد ذلك انجر الولاء من مولى الجدّ إلى مولى الأب؛ لأن الجد إنّما جرّه لكون الأب رقيقاً، وهذا هو المسمّى بجر الجرّ.

ولو لم نقل بالانجرار إلى الجد فمات الأب رقيقاً ففي انجراره حينئذ إلى مولى الجد بالعتق السابق وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه إنّما لم ينجر لبقاء الأب رقيقاً، فإذا مات زال المانع.

والثاني: لا؛ لأنه لما امتنع الجر عند العتق استقر الولاء لمولى الأم، فلا جرّ بعد ذلك، كما أنه لو أسلم الجد والأب حيّ كافر، وقلنا: لا يتبعه الطفل في الإسلام، فإذا مات الأب كافراً لا يتبعه أيضاً، وكذا لو سبى الطفل مع أبويه لم يُحكم بإسلامه، فإذا ماتا كافرين لا يُحكم بإسلامه أيضاً؛ لدوام السبي.

قوله: «لو أنكر المعتق ولد زوجته المعتقة فلاعنته» إلى آخره.

إنما كان ولاؤه لمولى أمه؛ لا نتفائه عن مولى أبيه بسبب انتفاء نسبه عنه بلعانه، فانحصر الولاء في مولى الأم.

ص: 446


1- في جميع النسخ «وجهان» بدل «وجهين» والصحيح ما أثبتناه.
2- الخلاف، ج 4، ص 85، المسألة 93
3- قاله الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 85 المسألة 93

--------------

ولا فرق بين كون عتق الأم متقدماً على عتق الأب ومتأخّراً: لاشتراكهما في المقتضي. ولأنه إن كان متقدماً فقد انجرّ إلى مولى الأب ظاهراً، ثمّ انتفى باللعان، وتبين فساد الانجرار، وإن كان متأخراً كان ثبوته لمولى الأب ابتداءً مبنيّاً على الظاهر، ولم ينتقل حينئذ إلى مولى الأُمّ، فإذا انتفى النسب عن الأب انحصر في معتق الأُمّ.

وفي الحكم على التقديرين إشكال لم يشر إليه المصنّف (رحمه الله)؛ وذلك لأن الحكم بكون الولاء لمولى الأُمّ مشروط بكون الأب رقيقاً حال عتق الأم، فلو كان معتقاً أو حرّ الأصل لم يكن لمولى الأُمّ عليه ولاء، وهذا الشرط مفقود هنا؛ لأنّ أباه غير معلوم والأصل فيه الحرّية، فكيف يثبت الولاء لمولى الأم مع الشك في الشرط المقتضي للشك في المشروط ؟

وبنى بعضهم(1) الإشكال على أن المعتبر في استحقاق ولاء مولى الأم أن يكون الأب رقيقاً، أو انتفاء الجزم بأن له أباً معتقاً. فإن قلنا بالأوّل فلا ولاء لأحد عليه؛ لأن له أباً قطعاً؛ لأنا لا نحكم بأنّ ولد الملاعنة ولد ،زنى ولا حكمه حكمه إجماعاً، والأصل عدم رقيته، وإن قلنا بالثاني كان الولاء لمولى الأُمّ؛ لأنا لا نعلم بأنّ له أباً معتقاً.

وفيه نظر؛ لأنّ الأمر الثاني لا يمكن اعتباره؛ لأنّ الأب لو كان حرّاً في الأصل حصل الشرط على الثاني؛ لأنّ الأب إذا كان حرّاً لم يُعلم أن له أبا معتقاً قطعاً؛ لكون العلم مطابقاً للمعلوم، ومع ذلك لا ولاء لمولى الأُمّ. فتعين اعتبار الشرط الأول، أو تبديل الثاني بقوله: إنّ المعتبر انتفاء الجزم بأنّ له أباً حراً ولو بالعتق ومع ذلك فلمانع أن يمنع ذلك ويقول: إنّ الولاء حكم شرعي يتوقف على ثبوت سببه، ولا يُعلم ثبوت سببه لمولى الأم إلا مع رقيّة الأب؛ إذ لو كان حرّاً في الأصل أو معتقاً لم يكن له ولاء، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط.

ص: 447


1- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 533.

الرابعة: * ينجر الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب، فإن لم يكن فلعصبة المولى، فإن لم يكن عصبة فلمولى عصبة مولى الأب، ولا يرجع إلى مولى الأُمّ، فإن فقد الموالي وعصباتهم وكان هناك ضامن جريرة، وإلا كان الولاء للإمام.

--------------

وحيث ينتفي عن مولى أبيه - سواء حكمنا به لمولى أمه أم لا - لا يعود إلى مولى الأب لو اعترف به بعد ذلك؛ لما تقدّم من أنّ اعتراف الأب بالولد لا يوجب عود النسب بالنسبة إلى الأب، بل عود الميراث للولد خاصةً(1)، وثبوت ولاء مولى الأب موقوف على ثبوت نسب الولد، وهو منتف هنا.

قوله: «ينجر الولاء من مولى الأُمّ إلى مولى الأب »إلى آخره.

المراد أنّ الولاء متى انجرّ من محله إلى محلّ آخر لا يعود إلى الأوّل مطلقاً؛ لأن عوده يحتاج إلى دليل، وهو منتفٍ، وحينئذ فيصير المنتقل عنه كالمعدوم، فيكون الميراث للمنتقل إليه، فإن لم يكن فلعصبته على ما مرّ، ثمّ لمولى عصبة المولى على ما مرّ تفصيله، فإن فقد الجميع فلضامن الجريرة، فإن فقد فللإمام؛ لأنه حينئذ بمنزلة مَنْ لا وارث له، ولأن الولاء من جملة الموروثات(2)كالأموال، فيرته كسائر أمواله.

ولا إشكال فيه من حيث أصل الإرث؛ لأنّ الإمام وارث من لا وارث له(3) ، وإنما يقع الإشكال في أنّ إرث الإمام له هل هو لذلك، أم لكونه وارثاً لنفس الولاء، بناءً على كونه يورث؟ فيرثه بالولاء لا بالإمامة العامة. ووجه الإشكال مما ذكرناه، ومن أنّ ولاء الإمامة قسيم لولاء العتق فلا يجعل قسماً منه .

وتظهر الفائدة فيما لو خلّف المولى عليه زوجاً أو زوجةً، وقلنا بالرد عليهما لو لم يكن للميت وارث سوى الإمام بالولاء العام وهو ولاء الإمامة، فإنّه هنا يردّ عليهما على

ص: 448


1- راجع ج 8، ص 287 - 288
2- في بعض النسخ «المورّثات» بدل «الموروثات».
3- كما في الكافي، ج 7، ص 169، باب من مات وليس له وارث، ح3.

الخامسة :* امرأة أعتقت مملوكاً فأعتق المعتق آخر، فإن مات الأوّل ولا مناسب له فميراثه لمولاته، وإن مات الثاني ولا مناسب له فميراثه لمعتقه، فإن لم يكن الأوّل ولا مناسبوه كان ولاء الثاني لمولاة مولاه.

--------------

الثاني دون الأوّل؛ لأن الوارث غير الإمام موجود، وهو الإمام بولاء العتق المقدم على ولاء الإمامة العام.

وفي القواعد توقف في الأمرين(1).

والأقوى أنّ الولاء لا يورث وإنّما يورث به، وإرث الإمام له بالإمامة العامة، فيجيء فيه الخلاف السابق في الرد على الزوجين معه.

واعلم أنه حيث نحكم بانجرار الولاء من مولى الأُمّ إلى مولى الأب فليس معنى الانجرار أنا نتبين أن الولاء لم يزل في جانب الأب، بل ينقطع عن مولى الأم من حين عتق الأب ثم لا يعود حينئذ إلى آخر ما ذكر.

وتظهر الفائدة فيما لو مات الولد قبل أن يعتق أبوه فأخذ مولى أمه ميراثه فليس لمولى الأب بعد الإعتاق انتزاعه منه؛ لسبق استحقاق مولى الأمّ له، فلا يزول بالإعتاق الطارئ، وعلى هذا فالاعتبار بحالة الموت.

قوله: «امرأة أعتقت مملوكاً فأعتق المعتق آخر إلى آخره.

هذا الحكم واضح بعد ما تقرّر من المقدمات من أن المباشر للعتق مقدّم، ثم عصبته ثمّ معتق المعتق، فالمباشر في الموضعين مقدّم، وإذا لم يوجد الثاني ولا عصبته انتقل الحق إلى المعتقة الأولى؛ لأنها معتقة المعتق، وإنما ذكرها كذلك وفرضها أُنثى، مع عدم الفرق في الحكم المذكور بين كونها ذكراً وأنثى؛ ليرتب عليه ما سيأتى من الحكم، فإنّه

مختص بالمرأة(2).

ص: 449


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 220.
2- في الحجريتين: «بالأنثى» بدل «بالمرأة».

*ولو اشترت أباها فانعتق ثمّ أعتق أبوها آخر ومات أبوها، ثم مات المعتق ولا وارث له سواها كان ميراث المعتق لها النصف بالتسمية، والباقي بالرد لا بالتعصيب إن قلنا: يرث الولاء ولد المعتق وإن كنّ إناثاً، وإلا كان الميراث لها بالولاء.

--------------

قوله: «ولو اشترت أباها فانعتق ثمّ أعتق أبوها آخر ومات أبوها» إلى آخره.

الحكم في هذه المسألة مبني على مقدمتين:

إحداهما: أن الولاء يرثه عن المنعم الأولاد وإن كن إناثاً، وقد تقدم ميل المصنف (رحمه الله )إليه (1).

والثانية: أن شراء القريب الذي ينعتق على المتملك هل يثبت به ولاء أم لا؟ وهذه لم يتعرّض المصنّف لها فيما سبق. وقد اختلف فيها، فذهب الشيخ (رحمه الله)(2)وجماعة (3)إلى ثبوته به.

وهو الذي يقتضيه حكم المصنّف هنا ؛ لاختياره السبب فكان كاختيار المسبب، ولرواية سماعة عن الصادق(عليه السلام) في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: لا يصلح له أن يبيعه، ولا يتخذه عبداً، وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات ورثه صاحبه، إلا أن يكون له وارث أقرب إليه منه»(4) . والسند ضعيف، والدلالة منتفية؛ لأنّ الحكم بالتوارث بينهما أعم من كونه بسبب العتق فجاز أن يكون بسبب القرابة، بل هو أقرب.

وذهب ابن إدريس(5)، وأكثر المتأخرين إلى العدم، لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إنما الولاء لمن أعتق»(6). وهذا لم يعتق، وإنّما أعتقه الله تعالى، ويُمنع كون فاعل السبب فاعل المسبب مطلقاً.

ص: 450


1- تقدم في ص 436.
2- المبسوط ، ج 3، ص 441 .
3- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 343.
4- الفقيه، ج 3، ص 135، ح 3503.
5- السرائر، ج 3، ص 25.
6- صحيح البخاري، ج 2، ص 543، ح 1422؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 21 - 22، ح 3929 - 3930.

السادسة:* لو أولد العبد بنتين من معتقة فاشترتا أباهما انعتق عليهما، فلو مات الأب كان ميراثه لهما بالتسمية والردّ لا بالولاء؛ لأنّه لا يجتمع الميراث بالولاء مع النسب.

--------------

إذا تقرّر ذلك فنقول: إذا اشترت المرأة أباها فانعتق عليها، ثمّ أعتق الأب عبداً، ومات عتيقه بعد موته، فإن قلنا: إن الإناث من الأولاد يرثن المنعم إذا كان ذكراً كان ميراثه للمرأة. من حيث إنها وارث المنعم النصف بالتسمية والآخر بالرد لا بالتعصيب؛ لأنّه عندنا باطل، وعند بعض العامة(1)أنّها ترثه أيضاً، لكن نصفه بالتسمية والنصف الآخر بالتعصيب؛ لأنّها أقرب، وهي عصبة لأبيها بولائها عليه (2).

وإن قلنا: إن المرأة لا ترث الولاء، فإن كان للأب عصبة من النسب، من أخ أو عمّ أو ابن عم قريب أو بعيد فميراث العتيق له، ولا شيء للبنت؛ لأنها معتقة المعتق وهي متأخرة عن عصبة المعتق كما مر(3) .

وإن لم يكن للأب عصبة فميراث العتيق للبنت لا من حيث إنّها بنت المعتق، بل لأنها معتق المعتق، وهو قريب يرث عند فقد المعتق وعصباته.

هذا إذا قلنا: إنّ مشتري القريب الذي يعتق بالشراء يثبت له الولاء، وإلا فلا شيء لها أيضاً، وكان ميراثه للإمام إن لم يكن هناك وارث آخر من ضامن جريرة أو منعم على بعض أصوله أو عصبته له.

قوله: «لو أولد العبد بنتين من معتقة - إلى قوله- الولاء بالنسب والعتق».

إذا أولد العبد بنتين من معتقة فولاؤهما لمولى أمهما؛ لوجود الشرط المعتبر في ثبوت

ص: 451


1- في حاشية «و»: «قال في العزيز نقلاً عن بعضهم قد أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض؛ لأنهم رأوها أقرب وهي عصبة، والحق عندهم أن بنت المعتق لا ترث. (منه قدس سره)».
2- روضة الطالبين، ج 8، ص 437: العزيز شرح الوجيز، ج 13، ص 397؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 266 - 267، المسألة 5024.
3- مرّ في ص 442.

ولو مانتا أو إحداهما والأب موجود كان الميراث لأبيهما، ولو لم يكن موجوداً كان ميراث السابقة لأختها بالتسمية والردّ، ولا ميراث للمولاة؛ لوجود المناسب.

ولو ماتت الأخرى ولا وارث لها هل يرثها مولى أمها؟ فيه تردّد، منشوه هل انجر الولاء إليهما بعتق الأب أم لا؟ ولعلّ الأقرب أنّه لا ينجر هنا؛ إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب والعتق .

--------------

الولاء لمولى الأُمّ، وهو رقيّة الأب، فإذا اشترت البنتان أباهما بعد ذلك وانعتق عليهما، ففى ثبوت الولاء لهما عليه وجهان، مبنيّان على أن شراء القريب هل يوجب الولاء أم لا؟ وقد تقدم الكلام فيه (1)، فإن لم نقل به فانتفاء الولاء لهما على الأب ظاهر، وإن قلنا به ففي ثبوت الولاء لهما هنا أيضاً وجهان، من أن عتق الأب يوجب انجرار الولاء من معتق الأم إلى معتقه كما قد عُلم، وهو هنا متحقق، ومن أنهما يستحقان ميراث الأب بالنسب عندنا، فلا وجه لثبوت الولاء لهما.

وربما بني الخلاف على تفسير معنى الانجرار، فإن فسرناه بانتقال الولاء إلى من انجرّ إليه لم يصح هنا؛ إذ لا يجتمع الولاء والنسب، وإن فسرناه بزوال الولاء عن مولى الأُمّ أمكن الحكم به هنا؛ إذ لا منافاة بين الأمرين. وتظهر الفائدة في زواله عن مولى الأُمّ فلا يعود إليه.

وقيل : يمكن الحكم بالانجرار إليهما على المعنى الأوّل أيضاً؛ لأنّ حكم الولاء غير مختص بالميراث، بل من أحكامه ثبوت العقل على المولى، فإذا حكمنا بانتقال الولاء إليهما ولم يظهر أثره في الميراث - من حيث إجماع أصحابنا على أنه لا يجتمع الإرث بالنسب والولاء بقي من أحكامه ثبوت العقل، فإنّ المرأة لا تعقل بالنسب ولا بانتقال الولاء إليها من غيرها، بل تعقل بمباشرة العتق فلمّا لم تعقلا الأب بالنسب فهل تعقلانه بمباشرة العتق ؟

ص: 452


1- تقدم في ص 450 .

السابعة:* لو اشترى أحد الولدين مع أبيه مملوكاً فأعتقاه، فمات الأب ثمّ مات المعتق كان لمن اشتراه مع أبيه ثلاثة أرباع تركته ولأخيه الربع.

--------------

قال الشيخ : نعم(1) ، ومنعه المصنّف (رحمه الله) وابن إدريس(2)وجماعة(3).

إذا تقرّر ذلك فنقول : إذا مات الأب بعد عتقهما له فميراثه لهما بالنسب الثلثان بالتسمية والثلث بالرد عند أصحابنا لا بالولاء؛ لأنّه لا يجامع النسب عند القائل بالرد، وعند بعض العامة لهما الثلثان بالنسب والثلث بالولاء من حيث إنّهما معتقان(4) ، وإن لم نقل بإرثهما الولاء بدون المباشرة.

ولو ماتنا أو إحداهما، فإن كان الأب موجوداً فميراتهما له بالأبوة، وهذا لا إشكال فيه وإن لم يكن موجوداً كان ميراث التي تقدّم موتها لأختها عندنا، نصفه بالتسمية والنصف الآخر بالرد.

وعند العامة لها النصف بالتسمية ونصف الباقي وهو الربع؛ لأنها معتقة أبيها بشركتها، والباقي لمولى الأُمّ إن لم نقل بجر الولاء، وإلا فللإمام حيث لا غيره.

فإن ماتت الأخرى ولا وارث لها، فإن قلنا بعدم انجرار الولاء إليها ورثها مولى أُمّها. وإن قلنا بانتقاله لم يعد وكان ميراثها للإمام إن لم يكن هناك مَنْ هو أولى منه من ضامن جريرة أو غيره.

قوله: «لو اشترى أحد الولدين مع أبيه مملوكاً» إلى آخره.

لأنه استحق نصف ولائه بالإعتاق، وورث نصف الآخر مع أخيه، وهذا الحكم واضح على المذهبين على تقدير كون الولد ذكراً، أما لو كان أنثى وخلّفها الأب مع أخت أخرى،

ص: 453


1- المبسوط، ج 3، ص 318 - 319؛ الخلاف، ج 4، ص 87، المسألة 96
2- السرائر، ج 3، ص 25 و 264.
3- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 83، المسألة 35 وحكاه عن ابن الجنيد أيضاً: والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 4، ص 194.
4- الحاوي الكبير، ج 18، ص 98 - 99: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 261، المسألة 5023؛ روضة الطالبين، ج 8، ص 437 - 438.

الثامنة: *إذا أولد العبد من معتقة ابناً فولاء الابن لمعتق أُمّه، فلو اشترى الابن عبداً فأعتقه كان ولاؤه له، فلو اشترى معتقه أب المنعم فأعتقه انجرّ الولاء من مولى الأُمّ إلى مولى الأب، وكان كلّ واحد منهما مولى الآخر.

فإن مات الأب فميراثه لابنه، فإن مات الابن ولا مناسب له فولاؤه لمعتق أبيه ، وإن مات المعتق ولا مناسب له فولاؤه للابن الذي باشر عتقه، ولو ماتا ولم يكن لهما مناسب قال الشيخ يرجع الولاء إلى مولى الأُمّ. وفيه تردّد.

--------------

فهنا يفترق الحال بيننا وبينهم على نحو ما سلف، فإنّ للبنت المعتقة عندنا ثلاثة أرباع أيضاً وللأخت الربع بالتسمية والردّ، وعندهم لهما ثلثا النصف خاصة بالتسمية ولا شيء لهما في الباقي ؛ لأنّهما لا ترثان ولاء أبيهما لكونهما ابنتين، فكان فرض المسألة على هذا التقدير أنفع.

قوله: «إذا أولد العبد من معتقة ابناً فولاء الابن لمعتق أُمّه» إلى آخره.

إذا اشترى ابن المعتقة - وقد صار ولاؤه لمولى أمه - عبداً فأعتقه كان ولاؤه لمعتقه وهو ولد المعتقة؛ لأنّه مباشر للعتق، فكان مقدّماً على مولى أمه، وهذا لا إشكال فيه، فإذا فرض أنّ هذا المعتق اشترى أبا معتقه وأعتقه تبرّعاً كان ولاء هذا الأب لمعتقه، وانجر ولاء ولد الأب إلى هذا المعتق؛ لأنّ معتق الأب مقدّم على معتق الأم، وصار كل واحد من الولد ومعتق أبيه مولى الآخر. أمّا مولوية الولد فلمباشرته لعتق هذا العتيق. وأما مولوية العتيق فلكونه أعتق أبا ،مولاه، فمن مات منهما ولا وارث له أولى من الآخر فميراثه لصاحبه بالولاء، وهذا كله واضح.

ولو فرض موتهما معاً ولا وارث لهما مناسب، قال الشيخ في المبسوط : يعود الميراث إلى مولى الأُمّ(1) ؛ لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول بوجود مَنْ هو أولى وإن منع من الميراث فإذا عدم الأوّل عاد حق البعيد؛ لتحقق السبب المقتضي للميراث عند فقد الأول.

ص: 454


1- المبسوط، ج 3، ص321.

القسم الثاني: ولاء تضمن الجريرة

تعریف ولاء تضمن الجريرة

* وَمَنْ توالى إلى أحد يضمن حدثه، ويكون ولاؤه له صح ذلك، ويثبت به الميراث.

--------------

والمصنف رحمه الله تردّد في ذلك، من حيث إن معنى الانجرار انقطاع الولاء عمّن انجر عنه - وهو مولى الأم - من حين عتق الأب، فلا وجه لعوده إليه.

وحديث اللحمة(1)- مع ما في سنده كما أشرنا إليه - لا يدلّ على مساواة النسب من كل وجه.

والفرق بينه وبين النسب هنا واضح؛ لأنّ المنتقل عن مولى الأم هو نفس الولاء، فعوده يحتاج إلى دليل، بخلاف المنتقل من البعيد في النسب إلى القريب، فإنّه حق الإرث لا نفس النسب، وإنّما النسب باقٍ وإن لم يرث فإذا زال العارض وهو القريب الأول - عمل النسب المستقرّ مقتضاه، والولاء لمولى الأم، ولا يقال: إنّه بقي وزال أثره خاصة، كما لا يخفى، فالقول بعدم عوده أقوى، فيكون الميراث للإمام إن لم يكن هناك أقرب.

قوله - في ولاء تضمّن الجريرة -: «وَمَنْ توالى إلى أحد يضمن حدثه» إلى آخره.

هذا العقد كان في الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب، فأقرهم الله تعالى في صدر الإسلام عليه، وأنزل فيه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَنُكُمْ فَتَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾(2)تم نسخ بالإسلام والهجرة، فإذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ (3)ثم نسخ بالتوارث بالرحم والقرابة، وأنزل الله تعالى فيه آيات الفرائض(4) ، وقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾(5).

ص: 455


1- الفقيه، ج 3، ص 133، ح 3497؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 255، ح 926
2- النساء (4): 33
3- الأنفال (8):72
4- النساء (4): 11 و 12 و 176 .
5- الأنفال (8): 75: الأحزاب (33): 6.

--------------

وبقي الإرث بضمان الجريرة منسوخاً عند الشافعي مطلقاً(1) ، وعندنا أنه باقٍ لكن على بعض الوجوه لا مطلقاً، فمن شرطه أن لا يكون للمضمون وارث مناسب ولا معتق، بأن يكون سائبةً أو فاقداً للقريب.

وقد وردت بصحته روايات كثيرة:

منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام)في حديث طويل، وفيه: «يذهب يتوالى مَنْ أحبّ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه»(2).

وصحيحة هشام بن سالم عنه (عليه السلام)قال : «إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه، وعليه معقلته»(3).

وصحيحة أبي بصير عنه (عليه السلام)أنه سئل عن المملوك يعتق سائبةً، فقال: «يتولّى مَنْ شاء. وعلى مَنْ يتولى جريرته، وله ميراثه»(4).

إذا تقرر ذلك ، فهذا العقد يفتقر إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود ، بأن يقول المضمون: «عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عنّي وتعقل عني وترثني»، فيقول: «قبلت»، وما أشبه ذلك.

ولو كان المتعاقدان ليس لهما وارث وأرادا التوارث من الجانبين قال أحدهما في العقد: «على أن تنصرني وأنصرك وتعقل عنّي وأعقل عنك، وترثني وأرثك»، ونحو ذلك.

وهل هو من العقود اللازمة أم الجائزة؟ قال الشيخ في الخلاف بالثاني، وجعل لكلّ واحدٍ

ص: 456


1- مختصر المزني، ص 338 (ضمن الأم، ج 9): الحاوي الكبير، ج 18، ص 82 - 83
2- الكافي، ج 7، ص 170، باب ولاء السائبة، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 126 - 127، 3477؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص 224، ح 807.
3- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 396، ح 1413.
4- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح 4: الفقيه، ج 3، ص 136، ح 3506؛ تهذيب الأحكام، ج8 ص 255، ح 927.

* لكن لا يتعدى الضامن

*ولا يضمن إلا سائبة، لا ولاء عليه كالمعتق فى الكفّارات والنذور، أو مَنْ لا وارث له أصلاً.

*ولا يرث هذا إلا مع فقد كلّ مناسب ومع فقد المعتق

، وهو أولى من الإمام.

--------------

منهما فسخه ونقل الولاء إلى غيره إلا أن يعقل عنه(1)، وتبعه ابن حمزة (2)؛ لأصالة عدم اللزوم.

وذهب ابن إدريس والأكثر إلى لزومه(3) ؛ لعموم قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(4)و: «المسلمون عند شروطهم»(5)، وهذا أقوى.

قوله: «لكن لا يتعدى الضامن »

بمعنى أنه لا يتعدّى إلى غيره من أقاربه وورثته فإن فقد الوارث إنما يعتبر في طرف المضمون، فلو كان للضامن أولاد - مثلاً - ومات في حياة المضمون الذي لا وارث له بطل الضمان، ولم ينتقل الإرث إلى أولاد الضامن؛ قصراً للحكم على موضع الشرط، ووقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

قوله: «ولا يضمن إلّا سائبة، لا ولاء عليه» إلى آخره.

لأنّ هذا الإرث متأخر عن الإرث بالنسب والعتق فيكون ضمانه مشروطاً بذلك. وقد تقدّم في النصوص ما يدل عليه (6) .

قوله: «ولا يرث هذا إلا مع فقد كلّ مناسب ومع فقد المعتق».

الفرق بين هذا الحكم والسابق - مع اشتراكهما في اشتراط فقد المناسب والمعتق - أنّ

ص: 457


1- الخلاف، ج 4، ص 120، المسألة 137؛ وج 6، ص 369، المسألة 9.
2- الوسيلة، ص 398 .
3- السرائر، ج 3، ص 265
4- المائدة (5): 1.
5- الكافي، ج 5، ص 169 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح1، وص 404، باب الشرط في النكاح .... ح 8 و 9؛ الفقيه، ج 3، ص 202، ح 3768؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 22، ح 93 و 94، وص 467، ح 1872.
6- تقدم في ص 456.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى.

القسم الثالث: ولاء الإمامة

* فإذا عدم الضامن كان الإمام وارث مَنْ لا وارث له

، وهو القسم الثالث من الولاء.

فإن كان موجوداً فالمال له يصنع به ما شاء، وكان على (عليه السلام)يعطيه فقراء بلده وضعفاء جيرانه تبرّعاً.

وإن كان غائباً قسم في الفقراء والمساكين، ولا يدفع إلى غير سلطان الحق، إلا مع الخوف أو التغلّب.

--------------

ذلك شرط صحة العقد، وهذا شرط للإرث والمعنى أنه مع صحة العقد واجتماع شرائطه - بأن لا يكون للمضمون وارث مناسب ولا معتق عند العقد - لا يثبت الإرث للضامن إلا مع فقد الوارث المذكور عند موت المضمون أيضاً، فلو فرض تجدّد وارث للمضمون، بأن تزوج بعد العقد وولد له أولاد كان إرثه لهم دون الضامن وإن كان سببه صحيحاً سابقاً.

وهل يبطل العقد بتجدّد الوارث، أو يقع مراعى بفقده عند الموت؟ وجهان، من الحكم بصحته فيستصحب، ولا ينافيه تقدّم غيره عليه، ومن أنّ شرط صحته عدم الوارث وقد وجد، فيمنعه استدامة(1) ، كما يمنع ا، كما يمنع صحته ابتداء. !

وتظهر الفائدة فيما لو مات الولد ونحوهم قبل موت المضمون. ويتصوّر تجدد المعتق(2)بعد العقد، بأن يكون إسلامه طارئاً ثمّ يكفر بعد العتق ويلتحق بدار الحرب ويسترق فيعتقه مولاه، فإنّه يقدّم بولاء العتق على الضامن المتقدم.

قوله: «فإذا عدم الضامن كان الإمام وارث مَنْ لا وارث له »إلى آخره.

ص: 458


1- في بعض النسخ والحجريّتين: «استدامته» بدل «استدامة».
2- في بعض النسخ والحجريّتين: «العتق» بدل «المعتق».

--------------

إذا عدم الوارث حتى ضامن الجريرة فعندنا أنّ الوارث هو الإمام(عليه السلام) ، وهو مصرّح به في روايات:

منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث طويل تقدّم أكثره، وفيه: «فإن لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات فإن ميراثه لإمام المسلمين»(1).

وصحيحة ابن رئاب عنه (عليه السلام) قال: «السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى، فما كان ولاؤه لله فهو الرسول الله ، وما كان ولاؤه لرسول الله فإنّ ولاءه للإمام، وجنايته على الإمام وميراثه له»(2).

وعند العامة أنّ ميراثه لبيت المال وهو في رواية أبي بصير(3)وسليمان بن خالد عن أبي عبد الله(عليه السلام)(4)، وهو ظاهر خيرة الشيخ في الاستبصار(5) . والمذهب هو الأول.

ثمّ إن كان حاضراً دفع إليه يصنع به ما شاء. وفي رواية مرسلة عن الصادق(عليه السلام) قال: «مات رجل على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)ولم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين(عليه السلام) ميراثه إلى همشاريجه»(6). وهي- مع ضعف سندها وإرسالها - لا تدلّ على أنّ ذلك على وجه اللزوم، بل جاز أن يكون ذلك تبرّعاً منه (عليه السلام).

وأما مع غيبته فقد اختلف فيه كلام الأصحاب، فذهب جماعة منهم إلى وجوب حفظه له

ص: 459


1- الكافي، ج 7، ص 171 - 172، باب ولاء السائبة، ح7؛ الفقيه، ج 3، ص 137 - 138 ، ح 3509؛ تهذيب الأحكام، ج 8 ص 254 - 255، ح 925؛ الاستبصار، ج 4، ص 23 - 24، ح 76.
2- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 395، ح 1410؛ الاستبصار، ج 4، ص 199، ح 748، وفي المصادر: ابن رئاب عن عمار بن أبي الأحوص.
3- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح 4: الفقيه، ج 3، ص 136، ح 3506؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 255، ح 927
4- الكافي، ج 7، ص 172، باب ولاء السائبة، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 395، ح 1409؛ الاستبصار، ج 4، ص 199 ، ح 746-747.
5- الاستبصار، ج 4، ص 200، ذيل الحديث 749
6- الكافي، ج 7، ص 169، باب ولاء السائبة، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 387، ح 1383.
مسائل من احکام الغنائم

مسائل ثلاث :

الأولى:* ما يؤخذ من أموال المشركين في حال الحرب فهو للمقاتلة بعد الخمس، وما تأخذه سريّةٌ بغير إذن الإمام فهو للإمام. وما يتركه المشركون فزعاً ويفارقونه من غير حرب فهو للإمام أيضاً. وما يؤخذ صلحاً أو جزية فهو للمجاهدين، ومع عدمهم يقسّم في الفقراء من المسلمين.

--------------

بالوصاية أو الدفن إلى حين ظهوره، كغيره من حقوقه(1) .

وذهب جماعة (2)- منهم المصنف (رحمه الله) - إلى قسمته في الفقراء والمساكين، سواء في ذلك أهل بلده وغيرهم. وهذا هو الأصح.

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)(3) والحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه من الأنفال(4) ، وهو دال على جواز صرفه في الفقراء والمساكين إن لم يدل على ما هو أعم من ذلك.

وعلى كل حال لا يصح دفعه إلى الجائر مع الإمكان لخروجه عن الاستحقاق على كلّ تقدير، ومع عدم الإمكان لا ضمان على مَنْ أخذه منه قهراً.

قوله: «ما يؤخذ من أموال المشركين في حال الحرب» إلى آخره.

أما كون الغنيمة المأخوذة حال الحرب للمقاتلة بعد الخمس وما استثني في محله فهو موضع ،وفاق، والروايات(5) ناطقة به.

ص: 460


1- الخلاف، ج 4، ص 23 ، المسألة 15 السرائر، ج 3، ص 229
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 671 وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 154: والكيذري في إصباح ص 369 - 370: وابن فهد في المهذب البارع، ج 4، ص 410.
3- الكافي، ج 7، ص 169 ، باب من مات وليس له وارث، ح 2: الفقيه، ج 4، ص 333، ح 5717؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 387، ح 1381.
4- الكافي، ج 7، ص 169، باب من مات وليس له وارث، ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 386 ، ح 1379؛ الاستبصار، ج 4، ص 195 ، ح 732 .
5- راجع وسائل الشيعة، ج 15، ص 110، الباب 41 من أبواب جهاد العدو.

الثانية:* ما يؤخذ غيلةٌ من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة أعيد عليهم، وإن لم يكن كان لآخذه، وفيه الخمس.

--------------

وأما ما تأخذه السرية ونحوها بغير إذن الإمام فكونه للإمام هو المشهور بين الأصحاب، حتى لم يذكر المصنّف وكثير فيه خلافاً، مع أن مستنده واءٍ جداً، وهو رواية مرسلة يشتمل أسنادها على مجاهيل عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام »(1).

والمصنّف في النافع جعل الرواية مقطوعة(2)، وليس بمصطلح، وإنما هي مرسلة؛ لأن العباس الوراق رواها عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3).

وأما ما تركه المشركون من غير حرب فقد رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سمعته يقول: «الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم» إلى أن قال: فهذا لله ولرسوله، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث يشاء، وهو للإمام بعد الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) »(4).

وأما الجزية فهي عند الأصحاب للمجاهدين خاصةً مع وجودهم، ومع عدمهم تصرف في الفقراء والمساكين وباقي مصالح المسلمين، وعند العامة هي لبيت المال تصرف في مصالح المسلمين مطلقاً.

وفي رواية ابن أبي يعفور(5) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنما الجزية عطاء المهاجرين، والصدقة لأهلها الذين سمّاهم الله تعالى في كتابه، وليس لهم من الجزية شيء»(6).

قوله: «ما يؤخذ غيلةً من أهل الحرب» إلى آخره.

ص: 461


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 135 ، ح 378.
2- المختصر النافع، ص 126
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 133 ، ح 371.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 133 ، ح 371، وص 134 ، ح 376.
5- في حاشية «و»: «في طريق الرواية سهل بن زیاد. (منه قدس سره)».
6- الكافي، ج 3، ص 568 ، باب صدقة أهل الجزية، ح6: تهذيب الأحكام، ج 4، ص 136، ح 380.

الثالثة:* مَنْ مات من أهل الحرب وخلف مالاً فماله للإمام إذا لم يكن له وارث .

--------------

مال الحربي فيء للمسلمين في الأصل، فمن أخذ منه شيئاً من غير قتال فهو له وعليه الخمس؛ لأنه غنيمة. وقد يعرض له التحريم بالهدنة والأمان ولو من بعض المسلمين، على ما سبق تفصيله في الجهاد(1)، فمن أخذ منه حينئذ لم يملكه، بل يجب رده عليهم، كما تحرم أموال أهل الذمة بالتزامهم بأحكامها، وتحلّ بدونه.

قوله: «من مات من أهل الحرب وخلف مالاً فماله للإمام إذا لم يكن له وارث».

لأن الإمام وارث مَنْ لا وارث له كما سبق(2)، سواء كان من أهل الحرب أم من غيرهم.

ص: 462


1- سبق في ج 2، ص 439 وما بعدها الطرف الثالث في الدمام
2- سبق في ص 448.

وأما اللواحق فأربعة فصول:

الفصل الأول في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى

*يرث ولد الملاعنة ولده وأُمّه

، للأُمّ السدس والباقي للولد، للذكر سهمان وللأنثى سهم.

ولو لم يكن ولد كان المال لأمه، الثلث بالتسمية والباقي بالرد. وفي رواية: ترث الثلث والباقي للإمام؛ لأنّه الذي يعقل عنه والأوّل أشهر.

ومع عدم الأم والولد يرثه الإخوة للأُم وأولادهم، والأجداد لها وإن علوا، ويترتبون الأقرب فالأقرب.

ومع عدمهم يرثه الأخوال والخالات وأولادهم على ترتيب الإرث.

--------------

قوله:« يرث ولد الملاعنة ولده وأُمّه - إلى قوله - والأوّل أشهر».

قد تقرر أن اللعان سبب في زوال الفراش والتحريم المؤبد، وانتفاء الولد عن الملاعن ومن لوازمه أن لا يرثه الولد ولا يرثه، ولا أحد من أقارب الأب لانتفاء النسب بينهم شرعاً. فيبقى ميراثه لأمه ومَنْ يتقرب بها من أخواله وأجداده من قبلها ولأولاده؛ لأن نسبه لم ينتف عن الأُمّ، ولم يلزم من نفي الأب له كونه ولد زنى.

فإذا كان له ولد ذكر وأُمه باقية فلها السدس والباقي للولد، ولو تعدد ولده اقتسموا نصيبهم على حسب ما قرّر في ميراث الأولاد، ولو لم يكن ولد ولا زوج فالميراث لأمه

ص: 463

* وفي كلّ هذه المراتب يرث الذكر والأنثى سواء، فإن عدم قرابة الأُم أصلاً حتى لا يبقى لها وارث وإن بعد فميراثه للإمام.

--------------

بالتسمية والردّ هذا هو المشهور، ومقتضى الأصول، ومدلول كثير من الروايات كرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) :« أن ميراث ولد الملاعنة لأُمّه»(1).

ورواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) وقد سأله من يرث ولد الملاعنة ؟ قال : «أمه»(2).

ورواية زيد الشحام عنه(عليه السلام)(3) ، وغيرها (4).

والرواية التي أشار المصنف (رحمه الله) إلى أن أُمّه إنّما ترث الثلث والباقي للإمام (عليه السلام)رواها زرارة (5)وأبو عبيدة في الصحيح - عن أبي جعفر(عليه السلام) في ابن الملاعنة: «ترثه أُمه الثلث، والباقي للإمام (عليه السلام): لأنّ جنايته على الإمام»(6)، وعمل بمضمونها الصدوق مع حضور الإمام دون غيبته(7) ، جمعاً بين الأخبار، مع أن هذه أصح سنداً من تلك، إلا أن العمل بالأُولى أشهر.

قوله: «وفي كلّ هذه المراتب يرث الذكر والأنثى سواء».

لأنهم يتقربون إليه بالأم، وميراث مَنْ يتقرب بالأُم على السواء، كما مر(8).

ص: 464


1- الكافي، ج 7، ص 160 ، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 323، ح 5695: تهذيب الأحكام، ج8، 190، ح 663؛ وج 9، ص 338، ح 1218
2- الكافي، ج 7، ص 160، باب ميراث ابن الملاعنة، حه؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 339، ح 1221.
3- الفقيه، ج 4، ص 325، ح 5701؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 340 - 341، ح 1225: الاستبصار، ج 4، ص 180، ح 678.
4- الكافي، ج 7، ص 160 ، باب ميراث ابن الملاعنة، ح4: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 339، ح 1220
5- الفقيه، ج 4، ص 324، ح 5697؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 343 ، ح 1231؛ الاستبصار، ج 4، ص 182، ح 684.
6- الكافي، ج 7، ص 162، باب آخر في ابن الملاعنة، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 324 ، ح 5696: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 342 . ح 1230؛ الاستبصار، ج 4، ص 182، ح 683.
7- الفقيه، ج 4، ص 323 ، ذيل الحديث 5695
8- مرفي ص 387.

والزوج والزوجة يرثان نصيبهما مع كلّ درجة من هذه الدرجات، النصف للزوج، والربع للزوجة مع عدم الولد، ونصف ذلك معه.

وهل يرث ولد الملاعنه قرابة أُمه؟

*وهل يرث هو قرابة أُمه؟ قيل: نعم؛ لأنّ نسبه من الأُمّ ثابت. وقيل: لا يرث إلا أن يعترف به الأب. وهو متروك.

ولا يرثه أبوه، ولا مَنْ يتقرب به.

--------------

قوله: «وهل يرث هو قرابة أُمه - إلى قوله - وهو متروك».

القول بكونه يرث قرابة أُمّه كما يرثونه هو الأشهر بين الأصحاب؛ لثبوت نسبه بالنسبة

إليهم، ومن ثَمَّ ورثوه هم إجماعاً ، وبه روايات كثيرة رواها أبو بصير(1) ، ومحمد بن مسلم(2)وأبو الصباح الكناني (3)، وزيد الشحام عن أبي عبد الله(عليه السلام) ، وفيها : أنه يرث أخواله ويرثونه(4) . والقول بأنه لا يرثهم إلا أن يعترف به الأب للشيخ في الاستبصار(5)؛ استناداً إلى حسنة الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث طويل من جملته - وقد سأله عما لو أكذب الملاعن نفسه : «أما المرأة فلا ترجع إليه أبداً، وأما الولد فإنّي أردّه إليه إذا ادعاه، ولا أدع ولده وليس له ميراث ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن يكون ميراثه لأخواله، فإن لم يدعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه ولا يرثهم»(6). ومثله روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)(7).

ص: 465


1- الكافي، ج 7، ص 161، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 339 - 340، ح 22 الاستبصار، ج 4، ص 179، ح 675.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 340 ، ح 1223؛ الاستبصار، ج 4، ص 179 - 180، ح 676.
3- الفقيه، ج 4، ص 325، ح 5701؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 340، ح 1224؛ الاستبصار، ج 4، ص 180 ، ح 677.
4- الفقيه، ج 4، ص 325 ، ح 5701: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 340 - 341 ، ح 1225؛ الاستبصار، ج 4، ص 180، ح 678.
5- الاستبصار . ج .4، ص 181. ذيل الحديث 682.
6- الكافي، ج 6، ص 163 - 164، باب اللعان، ح6: الفقيه، ج 4، ص 323، ح 5694: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 342، ح 1229: الاستبصار، ج 4، ص 181 ، ح 682.
7- الكافي، ج 7، ص 161، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 10: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 341، ح 1227؛ الاستبصار، ج 4، ص 180 - 181، ح 680.
اذا اعترف الاب بالولد بعد اللعان

*فإن اعترف به بعد اللعان ورث هو أباه، ولا يرثه الأب.

وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف؟ قيل: نعم. والوجه أنّه لا يرثهم ولا يرثونه؛ لانقطاع النسب باللعان، واختصاص حكم الإقرار بالمقرّ حسب.

--------------

ويضعف بأنّ ثبوت نسبه بالنسبة إليهم يستلزم ثبوته من الجانب الآخر، فالفصل بينهما بعيد مع أنّ الروايات الأول أشهر وأكثر، فالعمل بها أرجح.

قوله: «فإن اعترف به بعد اللعان ورث هو أباه، ولا يرثه الأب» إلى آخره.

قد عرفت أن اللعان سبب في انتفاء الولد عن الملاعن، ولازمه انتفاؤه عن أقاربه أيضاً. وهذه السببية باقية بالنسبة إلى المتلاعنين والولد والأقارب، فإذا عاد الأب وأكذب نفسه في اللعان لحق به الولد وورثه، ولا يرث هو الولد لورود النصوص بذلك(1) ، وقد تقدم بعضها، ولأن إقرار العقلاء ماض على أنفسهم لا لها، وقد تضمن إقراره شيئاً على نفسه وشيئاً لها. فيصح الأول دون الثاني.

وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في إرث الولد لأقارب أبيه بإقرار الأب وإرثهم له، أم يرثهم ولا يرثونه، أم يستمر الأمران على النفي السابق. فالشيخ والأكثر - ومنهم المصنّف - على الأخير(2)؛ عملاً بالاستصحاب، وقصراً للإقرار على المقرّ، وعلى تقدير كونه شهادةً فهي لا تسمع من الواحد.

وذهب أبو الصلاح والعلّامة في بعض كتبه إلى الأوّل(3)؛ نظراً إلى أن الإقرار كإقامة البينة الموجبة لثبوت النسب.

وفصل العلّامة في بعض كتبه أيضاً فقال: إنهم إن صدقوا الأب على اللعان لم يرثهم

ص: 466


1- الكافي، ج 6، ص 162 - 163، باب اللعان، ح 3: وج 7، ص 160، باب ميراث ابن الملاعنة، ح3 و 5 و 7؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 339، ح 1219
2- النهاية، ص 679.
3- الكافي في الفقه، ص 375؛ ولم نعثر على قول العلامة في مظانه.
مسائل یتعلق بمیراث ولد الملاعنه

الأولى: * لا عبرة بنسب الأب هنا، فلو خلّف أخوين، أحدهما لأبيه وأُمّه والآخر لأُمه، فهما سواء، وكذا لو كانا أُختين، أو أخاً وأُختاً، وأحدهما للأب والأُمّ، وكذا لو خلف ابن أخيه لأبيه وأُمه وابن أخيه لأُمّه، أو خلف أخاً وأُختاً لأبويه مع جدّ أو جدة، المال بينهم أثلاثاً، وسقط اعتبار نسب الأب.

الثانية :* إذا ماتت أمه ولا وارث سواه فميراتها له ولو كان معه أبوان أحدهما فلهما السدسان أو لأحدهما السدس والباقى له إن كان ذكراً ، وإن كان أُنثى فالنصف لها والباقى يرد بموجب السهام.

--------------

ولا يرثونه، وإن كذبوه ورثهم وورثوه(1) . والأشهر ما اختاره المصنف (رحمه الله).

قوله: «لا عبرة بنسب الأب هنا» إلى آخره.

في قوله «إن أحد الأخوين لأبيه وأُمّه» تجوّز؛ إذ لا أب له ظاهراً ينسب إليه.

ووجه التجوّز النظر إلى كونه أباه ابتداء قبل نفيه باللعان.

ووجه التسوية بين الإخوة والأخوات حينئذ ظاهر؛ لأنّهم إخوة لأُمّ لا غير، وحكم إخوة الأُم الاستواء في الميراث.

وكذا التجوز في قوله «خلف أخاً وأُختاً لأبويه مع جد»؛ فإن المرجع إلى كونه قد خلف أخاً وأُختاً وجداً أو جدة لأم، فيكون المال(2)بين الثلاثة بالسوية على مقتضى إرث إخوة الأم مع الأجداد لها.

قوله: «إذا ماتت أُمّه ولا وارث سواه فميراثها له »إلى آخره.

هذا الحكم واضح؛ لبقاء النسب بينه وبين أُمه، فيكون الحكم في موت أُمّه بالنسبة إلى باقي ورثتها من الأبوين وغيرهما كولد غير الملاعنة.

ص: 467


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 382.
2- في الطبعة الحجرية: «الميراث» بدل «المال».

الثالثة:* لو أنكر الحمل وتلاعنا فولدت توأمين توارثا بالأمومة دون الأبوة. الرابعة: • لو تبرّأ عند السلطان من جريرة ولده ومن ميراثه ثم مات الولد قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية : كان ميراثه لعصبة أبيه دون أبيه . وهو

قول شاذ.

--------------

قوله: «لو أنكر الحمل وتلاعنا فولدت توأمين توارثا بالأمومة دون الأبوة».

لانتفاء نسبهما معاً بالنسبة إلى الأب، كما انتفى نسب الولد الواحد، ومثله ما لو أنكر ولدین متعاقبين ونفاهما باللعان.

وفي الدروس نسب الحكم بتوارث التوأمين بالأمومة إلى فتوى الأصحاب(1) ، مؤذناً بتردّده فيه.

ووجهه كونهما لأب واحد في نفس الأمر وإن كان مجهولاً، مع عدم الحكم بكونهما من زنى. وانتفاء الأبوّة ظاهراً لا يقتضي انتفاءها في نفس الأمر، بخلاف الولدين غير التوأمين؛ الجواز تعدد الأب في نفس الأمر؛ لأن المفروض عدم العلم بحاله.

ويشكل بأنّ اعتبار مجرّد الإمكان في تعدّد الأب آتٍ في التوأمين أيضاً، ولا يلزم من التولّد عن الزنى اتحاد الأب؛ لجواز تعدّده عن وطء محلّل كالشبهة والفرض اشتباه الحال أيضاً، فكان العمل بالمشهور أظهر.

قوله: «لو تبرأ عند السلطان من جريرة ولده ومن ميراثه ثم مات الولد» إلى آخره.

قد تقدم في الوصايا حكم ما لو أوصى بإخراج بعض ولده من الإرث(2)، وهذه مثلها، وفيها زيادة بإخراجه من الاستحقاق حال الحياة وإسقاط الجريرة.

ومستند هذا الحكم رواية صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان عن يزيد بن خليل قال: سألت أبا عبد الله عن رجل تبرّأ عند السلطان من جريرة ابنه وميراثه ثم مات الابن

ص: 468


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 284 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- تقدّم في ج 5، ص 323 وما بعدها.
میراث ولد الزنی

* وأما ولد الزنى فلا نسب له ولا يرثه الزانى ولا التي ولدته ولا أحد من أنسابهما، ولا يرثهم هو وميراثه لولده، ومع عدمهم للإمام.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع الولد والأعلى مع عدمه. وفي رواية ترثه أُمّه ومَنْ يتقرب بها، مثل ابن الملاعنة. وهي مطرحة.

--------------

وترك مالاً، من يرثه؟ قال: «ميراثه لأقرب الناس إلى أبيه»(1).

ورواية ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألته عن المخلوع يتبرأ منه أبوه عند السلطان، ومن ميراثه وجريرته لمن ميراثه؟ فقال: «قال علي (عليه السلام): هو لأقرب الناس إليه»(2).

قال في الصحاح : الخليع هو الذي خلعه أهله، فإن جنى لم يطلبوا بجنايته(3).

والروايتان مع شذوذهما، ومخالفة حكمهما للأصل، بل للكتاب والسنة - ضعيفتان؛ لجهالة يزيد في الأولى، وفي طريقها أيضاً محمّد بن عيسى، وهو ضعيف أو مشترك، وقطع الثانية؛ فإنه لم يسند الحكم إلى إمام، مع اشتراك أبي بصير أيضاً كما أشرنا إليه مراراً .

وفي شرح الإرشاد ضعفها بالإرسال(4). وليس بجيّد؛ لأنّها ليست مرسلةً بل مقطوعةً، فكأنّه أطلق الإرسال على القطع، وهو غير مصطلح.

والأظهر بطلان التبري؛ لأصالة بقاء النسب والاستحقاق، وهو مذهب الأكثر، ومنهم الشيخ في الحائريات، ونسب الرواية إلى الشذوذ(5) .

قوله: «وأما ولد الزنى فلا نسب له ولا يرثه الزاني» إلى آخره.

ولد الزنى لا يرثه الزاني إجماعاً، وأما التي ولدته فالمشهور بين الأصحاب أنّها لا ترثه

ص: 469


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 348 - 349، ح 1252؛ الاستبصار، ج 4، ص 185، ح696.
2- الفقيه، ج 4، ص 313، ح 5677: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 349 ، ح 1253؛ الاستبصار، ج 4، ص 185، ح 697.
3- الصحاح، ج 3، ص 1205، «خلع».
4- غاية المراد، ج 3، ص 429 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج3).
5- حكاه عن الحائريات ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 286.

--------------

أيضاً لانتفاء النسب الشرعي الذي هو سبب التوارث ، فليس بولد شرعاً ، فلا يدخل في العموم (1).

ولصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق(عليه السلام) قال، قلت: فإنّه مات - يشير إلى ولد الزني - وله مال مَنْ يرثه؟ قال: «الإمام»(2).

وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»(3). وغيرهما من الأخبار(4) .

وقال ابن الجنيد(5) وأبو الصلاح(6): ترثه أمه لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق(عليه السلام) : «أن علياً(عليه السلام) كان يقول: ولد الزنى وابن الملاعنة ترثه أُمّه وإخوته لأمه أو عصبتها»(7).

ورواية يونس قال : ميراث ولد الزنى لقرابته من قبل أُمّه على نحو ميراث ابن الملاعنة(8) .

والرواية الأولى مع ضعف سندها شاذة. وتأوّلها الشيخ بوهم الراوي، بأن يكون سمع الحكم في ابن الملاعنة فظن أن حكم ولد الزنى حكمه(9) . وهو حمل بعيد. والثانية مقطوعة؛ ولعلّها من كلام يونس ومذهبه.

ص: 470


1- النساء (4): 11 و 12.
2- الفقيه، ج 4، ص 316، ح 5685؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 343، ح 1234؛ الاستبصار، ج 4، ص 183، ح 686.
3- الكافي، ج 7، ص 163، باب ميراث ولد الزنى، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 346، ح 1242؛ الاستبصار، ج 4، ص 185، ح 693.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 274، الباب من أبواب ميراث ولد الملاعنة.
5- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 93، المسألة 32.
6- الكافي في الفقه، ص 377
7- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 345 ، ح 1239؛ الاستبصار، ج 4، ص 184، ح 690.
8- الكافي، ج 7، ص 164 ، باب ميراث ولد الزنى ذيل الحديث 4 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 344 ، ح 1238؛ الاستبصار، ج 4، ص 183، ح 689.
9- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 345، ذيل الحديث 1239.

الفصل الثاني في ميراث الخنثى

اشارة

مَنْ له فرج الرجال والنساء * يرث على الفرج الذي يسبق منه البول، فإن جاء منهما اعتبر الذي ينقطع منه أخيراً، فيورث عليه، فإن تساويا في السبق والتأخّر قال في الخلاف يعمل فيه بالقرعة محتجاً بالإجماع والأخبار مرأة.

وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث وعليه دلّت رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قضاء عليّ (عليه السلام).

وقال المفيد والمرتضى (رحمهما الله) تعدّ أضلاعه، فإن استوى جنباه فهو امرأة، وإن اختلفا فهو ذكر، وهي رواية شريح القاضي حكايةً لفعل عليّ(عليه السلام) ، واحتجا بالإجماع.

والرواية ضعيفة، والإجماع لم نتحققه.

إذا عُرف ذلك، فإن انفرد أخذ المال، وإن كانوا أكثر فعلى القرعة يقرع، فإن كانوا ذكوراً أو إناثاً فالمال ،سواء، وإن كان بعضهم إناثاً فلكل ذكر مثل أنثيين.

وكذا يعتبر لو قيل بعد الأضلاع، وعلى ما اخترناه يكونون سواء في المال ولو كانوا مائةً؛ لتساويهم في الاستحقاق .

--------------

کیفیه توریث الخنثی

قوله - في ميراث الخنثى : «يرث على الفرج الذي يسبق منه البول - إلى قوله - والإجماع لم نتحققه».

الخنثى مَنْ له فرج الذكر وفرج الأنثى، وأحدهما أصلى والآخر زائد، وهو إما ذكر أو أنثى، ويستحيل اجتماعهما، ولا خارج عنهما ؛ لقوله تعالى :﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَنا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾(1) ، وقوله تعالى:﴿ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴾(2) إلى غير ذلك من

ص: 471


1- الشورى (42): 49
2- النجم (53): 45

--------------

الآيات الدالة على حصر الحيوان في الذكر والأنثى(1)، فيورث الخنثى على الأصلي منهما، ويكون حكم الزائد كغيره من الزوائد في الخلقة كالإصبع.

فإن اشتبه الأصلي منهما قيل: إنه لا يسمّى خنثى إلا حينئذ(2) ، وعليه فإطلاق الخنثى على المشكل والواضح بطريق المجاز لا الحقيقة.

ومن علامات الأصلي البول، فإن بال من أحدهما دون الآخر حكم بأنه أصلي، وهذا موضع وفاق.

فإن توافقا - بأن بال منهما معاً - اعتبر أسبقهما، وهو الذي يخرج منه البول قبل الآخر.

وهذا أيضاً متفق عليه بين الأصحاب، وهو مروي عندهم(3) .

واختلفوا من هنا، فالأكثر على اعتبار الانقطاع أيضاً، فأيهما انقطع منه البول أخيراً فهو الأصلي. وشدّ قول ابن البرّاج هنا؛ حيث جعل الأصلي ما سبق منه الانقطاع كالابتداء (4)، ونُسب إلى الوهم(5) .

وذهب جماعة منهم الصدوق(6)وابن الجنيد (7)والمرتضى(8) - إلى عدم اعتبار الانقطاع أخيراً .

ص: 472


1- القيامة :(75) 39 الليل (92) :3
2- من القائلين به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 249؛ وابن فهد الحلي في المهذب البارع، ج 4، ص 425.
3- الكافي، ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 3 و 5: الفقيه، ج 4، ص 326 ، ح 5704: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 354، ح 1269 - 1270.
4- المهذب، ج 2، ص 171.
5- نسبه إلى الوهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 101، المسألة 33.
6- المقنع، ص 503.
7- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 95، المسألة 33 .
8- الانتصار. ص 594 المسألة 325

--------------

ثم اختلفوا بعد ذلك، فذهب الشيخ في الخلاف بعد أن اعتبر الانقطاع أخيراً - إلى القرعة، واحتج عليها بإجماع الفرقة وأخبارهم (1)، وعنى بالأخبار ما ورد عنهم(عليه السلام) أنها لكلّ أمر مشتبه(2) ، وهذا منه.

وذهب في المبسوط والنهاية والإيجاز - وتبعه أكثر المتأخرين - إلى أنه يعطى نصف نصيب ذكر ونصف نصيب أنثى (3) ؛ لرواية هشام بن سالم - في الموثق - عن الصادق(عليه السلام) قال: قضى علي(عليه السلام) في الخنثى له ما للرجال وله ما للنساء»، قال: «يورث من حيث يبول، فإن خرج منهما جميعاً فمن حيث سبق، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث، فإن كانا سواءً ورث ميراث الرجال والنساء»(4).

والمراد به نصف الأمرين؛ لامتناع أن يريد مجموعهما، ولتساوي الأمرين، فيعمل بالمتفق منه، ويقسّم المختلف فيه وهو المشتبه - نصفين، كما وقع شرعاً عند اختلاف الدعويين وتكافئهما؛ لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر، فتعيّن الاقتسام.

وذهب المرتضى والمفيد في كتاب الإعلام وابن إدريس - مدعين الإجماع - إلى الرجوع إلى عد الأضلاع، فإن اختلف عدد الجانبين فذكر، وإن تساويا عدداً فأنثى(5).

والأصل في اعتبار الأضلاع ما رواه علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح، عن أبيه، عن جده، عن شريح قال تقدمت إليه امرأة فقالت: إني جئتك مخاصمة. فقال لها: وأين خصمك؟ فقالت: أنت خصمي.

ص: 473


1- الخلاف، ج 4، ص 106، المسألة 116.
2- الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593؛ وج 9، ص 258، ح 970
3- المبسوط، ج 3، ص 328؛ النهاية، ص 677؛ الإيجاز، ضمن الرسائل العشر، ص 275.
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 354، ح 1269.
5- الانتصار، ص 594 المسألة 325: الإعلام، ص 62 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 9)؛ السرائر، ج 3، ص 280

--------------

فأخلى لها المجلس، وقال لها: تكلّمي. فقالت: إني امرأة لي إحليل ولي فرج. فقال: قد كان لأمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا قضيّة، وورّث من حيث جاء البول.

فقالت: إنّه يجيء منهما جميعاً. فقال لها: من أين سبق البول؟ قالت: ليس منهما شيء يسبق، يجيئان في وقت واحد، وينقطعان في وقت واحد. فقال لها : أما إنك لتخبرين بعجب .

فقالت : أخبرك بما هو أعجب من هذا، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادماً فوطئتها فأولدتها ، وإنما جئتك لما ولد لي لتفرّق بيني وبين زوجي.

فقام من مجلس القضاء فدخل على على فأخبره بما قالت المرأة، فأمر بها فأُدخلت وسألها عمّا قال القاضي، فقالت: هو الذي أخبرك. قال: فأحضر زوجها ابن عمها، فقال له أمير المؤمنين : هذه امرأتك وابنة عمّك؟». قال: نعم.

قال: «قد علمت ما كان؟». قال: نعم، قد أخدمتها خادماً فوطئتها فأولدتها. قال: «ثمّ وطئتها بعد ذلك؟» قال: نعم.

قال له أمير المؤمنين(عليه السلام) : الأنت أجرأ من خاصي الأسد، عليّ بدينار الخصي وكان معدلاً وبمرأتين»، فأتي بهم، فقال لهم: «خذوا هذه المرأة إن كانت امرأة فأدخلوها بيتاً وألبسوها نقاباً وجردوها من ثيابها وعدوا أضلاع جنبيها»، ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له: عدد الجنب الأيمن اثنا عشر ضلعاً والجنب الأيسر أحد عشر ضلعاً، فقال علي (عليه السلام): «الله أكبر إيتوني بحجام» فأخذ من شعرها وأعطاها رداءً وحذاء وألحقها بالرجال.

فقال الزوج: يا أمير المؤمنين، امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال، ممّن أخذت هذه القضية؟!! قال: «إنّي ورثتها من أبي آدم(عليه السلام) وحواء خلقت من ضلع آدم(عليه السلام)، وأضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع، وعدد أضلاعها أضلاع ،رجل، وأمر بهم فأخرجوا »(1).

ص: 474


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 354 - 355، ح 1271.

* ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين قيل يكون للذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة، ولو كان معهما أنثى كان لها سهمان. وقيل: بل تقسم الفريضة مرّتين ويفرض في مرة ذكراً وفي الأخرى أنثى، ويعطى نصف النصييين.

--------------

والمرتضى (رحمه الله) لم يستند إلى هذه الرواية؛ لأنه لا يعتمد على الخبر الصحيح من أخبار الآحاد(1) ، فكيف بمثل هذا الخبر المجهول حال أكثر رواته؟! ولهذا الوجه لم يعتمده الباقون، ورجعوا إلى الخبر الموثق(2)على ما فيه.

واعترض ابن إدريس على المشهور من توريثه نصف النصيبين بانحصار أمره في الذكورية والأنوثيّة؛ لأنّه ليس له طبيعة ثالثة كما يرشد إليه الآيات المتقدمة - حتى يكون الأمر فيه كذلك(3).

وردّوه بالرواية (4)الدالة على ذلك، وبأنّ الآية لا تدلّ على الحصر ؛ لأنّها خرجت مخرج الأغلب.

وفي الجميع نظر بيّن، وأما دعوى الشيخ(5) والمرتضى(6)الإجماع من الجانبين المتعارضين فلا يخفى فسادها فيهما، وأنّها واقعة في معركة النزاع، خصوصاً دعوى الشيخ وقد خالفها في أكثر كتبه(7) .

قوله: «ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين - إلى قوله - ويعطى نصف النصيبين».

القول في بيان مقدار ما ترثه الخنثى متفرع على الأقوال السابقة، فعلى القول بالقرعة

ص: 475


1- الانتصار، ص 594، المسألة 325؛ وراجع الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 2، ص 519 - 520، وص 528 - 531.
2- أي موثقة هشام بن سالم.
3- السرائر، ج 3، ص 280 - 281.
4- أي موثقة هشام بن سالم.
5- الخلاف، ج 4، ص 106 ، المسألة 116
6- الانتصار، ص 594 المسألة 325
7- كالنهاية، ص 677 والمبسوط، ج 3، ص 328؛ والإيجاز، ضمن الرسائل العشر، ص 275

وطريق ذلك أن ينظر في أقل عدد يمكن قسم فريضتهما منه، ويضرب مخرج أحد الفرضين في الآخر.

مثال ذلك: خنثى وذكر ، فتفرضهما ،ذكرين، فتطلب مالاً له نصف ولنصفه نصف وهو أربعة، ثمّ تفرضهما ذكراً وأنثى، فتطلب مالاً له ثلث، ولثلثه نصف وهو ستة، وهما متفقان بالنصف، فتضرب نصف أحد المخرجين في الآخر، فيكون اثني عشر، فيحصل للخنثى تارةً النصف وهو ستة، وتارة الثلث وهو أربعة، فيكون عشرةً، ونصفه خمسة، وهو نصيب الخنثى ويبقى سبعة للذكر .

--------------

الأمر واضح لأنّ الخارج بها أحد الأمرين من الذكورية والأنوثية، فيعطى حكمه، وكذلك الأضلاع لا ينفك الواقع عن اختلاف الجانبين أو تساويهما، وإنما يحصل الإشكال على القول بإعطائه نصف النصيبين، وقد نقل المصنّف (رحمه الله) فيه طريقين:

أحدهما : أن يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، فإذا اجتمع مع الخنثى ابن كان له أربعة وللخنثى ثلاثة، ولو كان معه بنت فلها ،سهمان وله ثلاثة، ولو اجتمعا معه فكذلك.

وتوضيحه بأن يجعل لحصة الابن نصفاً، ولحصّة البنت نصفاً، فأقل عدد يفرض للبنت اثنان، وللابن ضعفهما، وللخنثى نصفهما، فالفريضة في الأوّل من سبعة، وفي الثاني خمسة، وفي الثالث تسعة.

والثاني: أن يفرض الخنثى مرّةً ذكراً وأُخرى أُنثى، وتقسم الفريضة مرتين، ويعطى نصف النصيبين.

وتحريره: أن تعمل المسألة على هذا التقدير مرّةً وعلى الأخرى أُخرى، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، وفى وفقهما إن اتفقتا، ويجتزاً بإحداهما إن تماثلتا، وبالأكثر إن تناسبتا، ثمّ يضرب المجتمع في اثنين، ثمّ يعطى كلّ وارث نصف ما حصل له في المسألتين.

ص: 476

ولو اجتمع مع الخنثى ابن وبنت واحد الزوجین

وكذا لو كان بدل الذكر أنثى، فإنّها تصح من اثني عشر أيضاً، فيكون للخنثى سبعة وللأنثى خمسة.

ولو كان مع الخنثى ابن وبنت فإذا فرضت ذكرين وبنتاً كان المال أخماساً،

وإذا فرضت ذكراً وبنتين كان أرباعاً ، فتضرب أربعة في خمسة يكون عشرين، لكن لا يقوم الحاصل الخنثى نصف صحیح، فتضرب مخرج النصف وهو اثنان - فى عشرين فتكون أربعين، فتصح الفريضة بغير كسر.

--------------

فلو كان المخلّف ذكراً وخنثى فمسألتهما على تقدير الذكورية من اثنين، وعلى تقدير الأنوثية من ثلاثة، وهما متباينان، فتضرب إحداهما في الأخرى، ثمّ المجتمع في اثنين، تبلغ اثني عشر. فللخنثى على تقدير ذكوريته ستة، وعلى تقدير أنوثيته أربعة، فله نصفهما خمسة، وللذكر سبعة؛ لأنّها نصف ماله على تقدير الذكورية وهو ستة، وعلى تقدير الأنوثية

وهو ثمانية.

ولو كان بدل الذكر أنثى فالمسألة بحالها، إلا أنّ للخنثى سبعة، وللأنثى خمسة .

ولو اجتمعا معه كانت الفريضة من أربعين؛ لأنك تفرض ذكرين وأنثى تارةً فهي من خمسة، وذكراً وأُنثيين أُخرى وهي أربعة، وهما متباينان أيضاً، فتضرب إحداهما في الأخرى تبلغ عشرين، ثمّ المجتمع في اثنين تبلغ أربعين، فللخنثي على تقدير الذكورية ستة عشر، وعلى تقدير الأنوثية عشرة، فله نصفهما ثلاثة عشر، وللذكر ثمانية عشر، نصف ستّة وثلاثين على التقديرين، وللأنثى تسعة نصف ثمانية عشر على التقديرين.

وهذا الطريق يخالف الأوّل في هذه الفروض؛ لأنّ الخنثى على الأوّل ثلاثة أسباع التركة، وللذكر أربعة أسباعها، وعلى الثاني ينقص نصيبه عن ثلاثة أسباعها بسبع واحد من اثني عشر؛ وذلك لأنه يأخذ على هذا التقدير خمسة من اثني عشر، فإذا جعلتها أسباعاً كان السبع منها واحداً وخمسة أسباع، فثلاثة أسباعها خمسة وسبع، ولم يحصل له على هذا التقدير الا خمسة.

ص: 477

*فإن اتفق معهم زوج أو زوجة صححت مسألة الخناثي ومشاركيهم أولاً، دون الزوج أو الزوجة، ثمّ ضربت مخرج نصيب الزوج أو الزوجة فيما اجتمع.

مثاله: أن يجتمع ابن وبنت وخنثى وزوج، وقد عرفت أن سهام الخنثى ومشاركيه أربعون، فتضرب مخرج سهم الزوج - وهو أربعة - في أربعين، فيكون مائة وستين يعطى الزوج الربع أربعين ويبقى مائة وعشرون، فكلّ من حصل له أولاً سهم ضربته في ثلاثة، فما اجتمع فهو نصيبه من مائة وستين.

--------------

وله في الفرض الثاني على الأوّل ثلاثة أخماس التركة، وللأنثى خُمسان، وعلى الثاني ينقص خُمس واحد من اثني عشر ؛ وذلك لأنّ خُمس الاثني عشر اثنان وخمسان، فيكون ثلاثة أخماسها سبعة وخمس وإنّما حصل له على هذا التقدير سبعة.

وله في الفرض الثالث ثلث التركة، وهو ثلاثة من تسعة، وللذكر ثلث وتسع، وللأنثى ثلث إلا تُسعاً، وعلى الثاني له ثلاثة عشر من أربعين، وهي تنقص عن ثلثها بثلث واحد.

والأظهر بينهم هو الطريق الثاني، وهو الذي رجحه المصنف في النافع(1) ، واختاره الشيخ في المبسوط(2). ويظهر منه هنا اختيار الأول، واختاره الشيخ في النهاية(3) .

قوله: «فإن اتفق معهم زوج أو زوجة صححت مسألة الخنائي» إلى آخره.

فلو اجتمع في الفرض الأوّل أو الثاني زوج ضربت مخرج نصيبه - وهو أربعة - في اثني عشر تبلغ ثمانية وأربعين للزوج منها الربع اثنا عشر ، ومَنْ كان له شيء منها أخذه مضروباً في ثلاثة، وهو ما يبقى من مضروب الأربعة عن نصيب الزوج، فللذكر أحد وعشرون، وللخنثى خمسة عشر في الأول وأحد وعشرون في الثاني، وللأنثى خمسة عشر.

وفي الثالث تضرب مخرج نصيب الزوج - وهو أربعة - في أربعين تبلغ مائة وستين

ص: 478


1- المختصر النافع، ص 397.
2- المبسوط، ج 3، ص 329
3- النهاية، ص 677 .
لوكان مع الخنثى أبوان أو أحدهما

* وإن كان أبوان أو أحدهما مع خنثى فللأبوين السدسان تارة، ولهما الخُمسان أخرى، فتضرب خمسةً في ستة، فيكون للأبوين أحد عشر، وللخنثى تسعة عشر.

--------------

للزوج منها أربعون، وللولدين والخنثى مائة وعشرون، فمن كان له في الفريضة الأولى شيء أخذه مضروباً في ثلاثة، فما اجتمع فهو نصيبه، فللخنثى تسعة وثلاثون، وللذكر أربعة وخمسون، وللأنثى سبعة وعشرون.

ولو كان زوجة ضربت الاثني عشر في الأوّلين في ثمانية تبلغ ستة وتسعين، للزوجة منها الثمن اثنا عشر، والباقي بين الولد والخنثى، ومَنْ له منهما شيء من الاثني عشر أخذه مضروباً في سبعة.

وفي الثالث تضرب الثمانية في أربعين تبلغ ثلاثمائة وعشرين، للزوجة منها أربعون، ولكلّ واحد من الأولاد الثلاثة نصيبه من الأربعين مضروباً في سبعة، فللخنثى أحد وتسعون مضروب ثلاثة عشر في سبعة، وللذكر مائة وستة وعشرون مضروب ثمانية عشر في سبعة، وللبنت ثلاثة وستون، وذلك مجموع الفريضة.

قوله: «وإن كان أبوان أو أحدهما مع خنثى فللأبوين السدسان» إلى آخره.

إذا اجتمع أبوان وخنثى، فعلى تقدير فرضه ذكراً الفريضة من ستة للأبوين ثلثها اثنان وللخنثى الباقي، وعلى تقدير أنوثيته من خمسة لهما سهمان بالأصل والردّ، وله ثلاثة، والفريضتان متباينتان، فتضرب إحداهما في الأخرى، ثم المجتمع وهو ثلاثون - في اثنين على قاعدة فريضة الخنثى تبلغ ستين للأبوين على تقدير الذكورية عشرون، وعلى تقدير الأنوثيّة أربعة وعشرون، فلهما نصفهما اثنان وعشرون لكلّ واحد أحد عشر، والباقي وهو ثمانية وثلاثون - للخنثى، وهو المجتمع من نصف نصيبه على التقديرين أيضاً.

وإنّما اقتصر المصنّف (رحمه الله) على جعلها من ثلاثين تخفيفاً(1) للحساب، وإلا

ص: 479


1- في الحجريتين: «تحقيقا» بدل «تخفيفاً».

--------------

فنصيب الأبوين وهو أحد عشر - لا ينقسم عليهما على الصحة، فلابد من ضربه في اثنين كغيرها من الفروض هذا ما ذكره المصنف رحمه الله من طريق المسألة.

ولك طريق آخر أوفق بقواعد الفرائض؛ وذلك لأن الفريضة على تقدير الذكورية والأنوثية من ستة؛ لأنّها مخرج الفروض الواقعة فيها وهي السدسان أو هما مع النصف على تقدير أُنوثية الخنثى، وليست الخمسة فريضةً على تقدير الأنوثية، وإنما طويت السهام إليها حيث رد السهم السادس الفاضل عن السهام المقدّرة على الجميع بنسبة فروضهم، وهذا لا يسمّى فريضةً في الاصطلاح، وإنما أصلها ستة كهي على تقدير الذكورية، ثم تنكسر بسبب الردّ في مخرج الخمس، فترتقي إلى ثلاثين فهذه هي الفريضة على تقدير الأنوثية، وعلى تقدير الذكورية سنّة، وهي تداخل الفريضة الأخرى وهي الثلاثون فتكتفي بالأكثر، وتضربه في اثنين على ما قرّرناه من القاعدة، تبلغ ستين، وهو المطلوب الذي بيناه، أو تكتفي بالفريضة الكبرى على ما اعتبره المصنّف من جعل سهم الأبوين واحداً، وهو أحد عشر من ثلاثين.

هذا إذا كان الأبوان معاً ، أما لو كان أحدهما مع الخنثى وكان حق المصنف أن يذكر فريضته منفردةً، لا أن تطوى مع فريضة الأبوين كما فعل - فالفريضة على تقدير الذكورية ستة، وعلى تقدير الأنوثية أربعة على ما اعتبره المصنف (رحمه الله)، وبين الفريضتين توافق بالنصف، فتضرب نصف إحداهما في الأُخرى، ثم المجتمع في الاثنين تبلغ أربعة وعشرين؛ لأحد الأبوين على تقدير الذكورية أربعة وعلى تقدير الأنوثية سنة، فله نصفهما خمسة، وللخنثى الباقي وهو تسعة عشر.

وعلى ما قرّرناه الفريضتان من ستة، ثم ترتقي على تقدير الأنوثية إلى أربعة وعشرين، ولا يحتاج هنا إلى ضربها في اثنين؛ ولعلّ هذا هو المرجّح للطريقة الأولى؛ لانتقاض هذه من هذا الوجه من حيث إنّ ضرب فريضة الخناثي في اثنين لازم.

وهذا كله مبني على الطريق الثاني. وفي القواعد أنه يجري على الطريقين(1). وفيه نظر.

ص: 480


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 385 - 386
* ولو كان مع الأبوين خنثيان فصاعداً

كان للأبوين السدسان، والباقي للخنثيين؛ لأنه لا ردّ هنا.

* ولو كان أحد الأبوين كان الردّ عليهم أخماساً، وافتقرت إلى عدد يصح منه ذلك.

* والعمل في سهم الخناثى من الإخوة والعمومة كما ذكرناه في الأولاد.

--------------

قوله: «ولو كان مع الأبوين خنثيان فصاعداً كان للأبوين السدسان» إلى آخره.

لأن أدنى ما يكون الخنثيان أنثيان، فلهما الثلثان وللأبوين الثلث، وعلى تقدير الذكورية لهما الباقي كيف كان، فلا يفترق الحال على التقديرين

قوله: «ولو كان أحد الأبوين كان الرد عليهم أخماساً» إلى آخره.

فريضتهم على تقدير الأنوثية من خمسة، وعلى تقدير الذكورية من ستة، وهما متباينان، فتضرب إحداهما في الأخرى، ثمّ المجتمع - وهو ثلاثون - في اثنين، فلأحد الأبوين على تقدير الذكورية عشرة، وعلى تقدير الأنونية إثنا عشر فله نصفهما أحد عشر، وللخنثيين على تقدير الذكورية خمسون، وعلى تقدير الأنوثية ثمانية وأربعون، فلهما نصفهما تسعة وأربعون. وتصحيحها عليهما بضرب اثنين مخرج الكسر في ستين باعتبار تعدد الخناثى.

وعلى ما ذكرناه من الطريق ففريضتهم على التقديرين من ستة، وترتقي على تقدير الأنوثية إلى ثلاثين، بضرب عدد المنكسر عليهم في أصل الفريضة، ثمّ ضرب المجتمع في اثنين، ثم يكمل الحساب.

قوله: «والعمل في سهم الخنائى من الإخوة والعمومة كما ذكرناه في الأولاد». فإذا فرضنا أخاً لأب خنثى وجداً له، فعلى تقدير ذكوريّته المال بينهما نصفان، وعلى تقدير أنوثيته فالمال أثلاثاً، تضرب اثنين في ثلاثة، ثمّ المرتفع في اثنين تبلغ اثني عشر، فللجد سبعة، وللخنثى خمسة، ولو كانت جدةً فبالعكس، على نحو ما تقرر في الابن مع الخنثى أو البنت معه، وكذا لو فرضنا عمّاً لأب خنثى مع عمة.

ص: 481

*أما الإخوة من الأم فلا حاجة في حسابهم إلى هذه الكلفة؛ لأن ذكرهم وأُنثاهم سواء فى الميراث، وكذا الأخوال

یبعدكون الآباء أو الأجداد خناثى

*وفي كون الآباء أو الأجداد خناثى بعد؛ لأنّ الولادة تكشف عن حال الخنثى، إلا أن يبنى على ما روي عن شريح في المرأة التي ولدت وأولدت.

*وقال الشيخ (رحمه الله) ولو كان الخنثى زوجاً أو زوجةً كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

--------------

قوله: «أما الإخوة من الأُمّ فلا حاجة في حسابهم إلى هذه الكلفة» إلى آخره.

فلا يفترق الحال بين كون الأخ للأُمّ خنثى وذكراً وأُنثى؛ لاستواء الجميع في السهم. وهو واضح.

قوله: «وفي كون الآباء أو الأجداد خناثى بعد» إلى آخره.

وجه البُعْد ما أشار إليه من كون الولادة تكشف عن حاله، وذلك لأنّ مني كلّ واحد من الرجل والمرأة لا يكفي في تولّد الولد بل لا بد من اجتماعهما وتفاعلهما فيه، فإذا كان في منيّ الخنثى قوة توليد من جهة الأبوّة لم يكن فيه قوة من جهة الأمومة.

وفي هذا التعليل نظر ؛ لجواز أن يجمع مني الخنثى الخاصتين، كما جمع هو بين الأمرين. وقوله «إلّا أن يبنى على ما روي عن شريح في «المرأة» إلى آخره، فهو إشارة إلى ما ذكرناه سابقاً من الرواية (1)، وهي- مع ما فيها من ضعف السند - ليست دالة على كون الخنثى ولد، بل إنّما دلّت على أنه أولد. وقوله فيها: «إنّما جئتك لما ولد لي» يريد به ولد لي من خادمي الدال على كونه ذكراً، بدليل تعليله بعده بقوله: «لتفرّق بيني وبين زوجي».

قوله: وقال الشيخ (رحمه الله): ولو كان الخنثى زوجاً أو زوجةً كان له» إلى آخره.

هذا القول للشيخ في المبسوط، فإنّه قال فيه:

لا يتقدّر في الخنثى أن يكون أباً وأُمّاً؛ لأنه متى كان أباً كان ذكراً بيقين، ويتقدر أن يكون

ص: 482


1- أي رواية شريح المتقدمة في ص 473 - 474.
مسائل ثمان :
اشارة

الأُولى:*

میراث مَنْ ليس له فرج الرجال ولا النساء

يورّث بالقرعة، بأن يكتب على سهم «عبد الله وعلى آخر «أمة الله»، ويستخرج بعد الدعاء، فما خرج عمل عليه.

--------------

زوجاً أو زوجةً على ما روي في بعض الأخبار، فإن كان زوجاً فله نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة (1).

وعنى بالخبر رواية شريح المتقدمة.

وهذا الكلام حينئذ غير موجه أصلاً؛ لأنه إذا كان زوجاً تكون زوجته أنثى، فكيف يجعل له شيء من نصيب الزوجة؟! وإن كان ذكراً لم يتجه أن يكون له شيء من نصيب الزوج.

وقيده بعضهم (2)بأن يكون خنثى زوج خنثى؛ فإنّه حينئذٍ يجوز أن يكون الميت امرأةً والباقي رجلاً، وبالعكس؛ فلذلك يعطى نصف النصيبين. أما على تقدير كون زوجها رجلاً فإنّها إن كانت امرأةً فلها نصيب الزوجة، وإن كانت رجلاً فلا شيء؛ لانتفاء سبب الإرث وكذلك إن كان الخنثى متزوجاً بامرأة.

وعلى هذا التقدير أيضاً لا يتوجه كلام الشيخ لأنّ الاشتباه إن كان قبل النكاح لم يقع النكاح صحيحاً، وإن كان حال النكاح غير مشتبه فهو صحيح زوجاً كان أم زوجة.

قوله: من ليس له فرج الرجال ولا النساء يورّث بالقرعة» إلى آخره.

مَنْ ليس له الفرجان، إما بأن يفقدا، أو يخرج الفضلة من دبره، أو يفقد الدبر أيضاً ويخرج من ثقبة بينهما، أو يكون له هناك لحمة رابية يخرج منها، أو بأن يتقيّاً ما يأكله، كما نُقل وقوع ذلك كلّه، فالمشهور أنه يورث بالقرعة.

ص: 483


1- المبسوط، ج 3، ص332.
2- كالشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 437 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج3).

--------------

وعليه دلّت أخبار كثيرة منها صحيحة الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن مولود ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، قال : «يقرع الإمام أو المقرع، يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم أمة الله، ثمّ يقول الإمام أو المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بيّن لنا أمر هذا المولود كيف يورّث ما فرضت له في الكتاب؟ ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ، ثم تجال السهام على ما خرج وورّث عليه »(1).

وباقي الأخبار خالية من الدعاء.

ويظهر من المصنّف اعتباره في القرعة؛ ولعلّه لصحة روايته، ولو حمل على الاستحباب أمكن كغير هذا الفرد من محال القرعة.

وفي مرسلة عبد الله بن بكير: «إذا لم يكن له إلا ثقب يخرج منه البول فنحى ببوله عند خروجه عن مباله فهو ذكر، وإن كان لا ينحي ببوله بل يبول على مباله فهو أُنثى»(2).

وعمل بها ابن الجنيد(3) . ويظهر من الشيخ جواز العمل بها، وإن كانت القرعة أحوط؛ لأنه

لما ذكرها مع تلك الأخبار قال:

إنه لا تنافي بينها؛ لأنها محمولة على ما إذا لم يكن هناك طريق يعلم به أنه ذكر أم أنثى استعمل القرعة، فأما إذا أمكن - على ما تضمنته الرواية الأخيرة - فلا يمتنع العمل عليها، وإنّما الأوّلة أحوط وأولى(4) ؛

ص: 484


1- الكافي، ج 7، ص 158، باب آخر من ميراث الخنثى، ح 2 ؛ الفقيه، ج 3، ص 94، ح 3401: وج 4 . ص 329 ، ح 5708 : تهذيب الأحكام، ج 6، ص 239، ح 588: وج 9، ص 356، ح 1273؛ الاستبصار، ج 4. ص 187، ح 701.
2- الكافي، ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 4 : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 357، ح 1277؛ الاستبصار، ج 4، ص 187 ، ح 702 بتفاوت في جميع المصادر
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 102، المسألة 34.
4- الاستبصار، ج 4، ص 187، ذيل الحديث 702

الثانية:*

مَنْ له رأسان أو بدنان على حقو واحد

يوقظ أحدهما، فإن انتبها فهما واحد، وإن انتبه أحدهما فهما اثنان.

--------------

والأصح اعتبار القرعة؛ لما ذكرناه من صحة روايته وكثرتها، وضعف الأخرى بالإرسال والقطع فضلاً عن غيرهما.

قوله: «مَنْ له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أحدهما» إلى آخره.

الحقو - بفتح الحاء وسكون القاف - معقد الإزار عند الخصر، وعلى هذا فيكون لهما فرج ذكر أو أنثى، وإنّما يحصل الاشتباه في اتحادهما وتعددهما بالشخص، مع اتحادهما في الذكورية والأنوثية، فيرثان مع التعدد إرث ذي الفرج الموجود. ولو لم يكن لهما فرج أو كانا معاً حكم لهما بما سبق من حكم الخنثى وما في معناه(1).

والقول باعتبار تعدّدهما ووحدتهما بالإيقاظ هو المرويّ من طريق الأصحاب عن علي أنه ولد على عهده مولود له رأسان وصدران في حقو واحد، فسئل عن أمره في الميراث فقال: «يترك حتى ينام ثمّ يصاح به، فإن انتبها معاً كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائماً يورث ميراث اثنين »(2).

وفي طريق الرواية ضعف أو جهالة، لكن لا راد لها. وحكمها ورد في الإرث، وينبغي مثله في الشهادة والحجب لو كان أخاً، أما في العبادة فائنان مطلقاً، فيجب عليه غسل أعضائه كلّها ومسحها.

ولو لم يتوضأ أحدهما ففي صحة صلاة الآخر نظر، من الشكّ في ارتفاع حدثه؛ لاحتمال الوحدة، فيستصحب المانع إلى أن يتطهر الآخر.

ويمكن هنا اعتبار الإيقاظ أيضاً، فمن لا ينتبه لتنبيه الآخر لا يعتبر طهارته في صحة صلاة الآخر؛ للحكم بتعددهما.

ص: 485


1- سبق في ص 471.
2- الكافي، ج 7، ص 159 ، باب آخر من ميراث الخنثى، ح 1: الفقيه، ج 4، ص 329 - 330، ح 5709؛ تهذیب الأحكام، ج 9، ص 358، ح1278.
فی ارث الحمل

الثالثة: * الحمل يرث إن ولد حيّاً، وكذا لو سقط بجناية أو غير جناية فتحرك حركة الأحياء. ولو خرج نصفه حيّاً والباقي ميتاً لم يرث، وكذا لو تحرّك حركةً لا تدلّ على استقرار الحياة، كحركة المذبوح .

وفي رواية ربعي عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إذا تحرّك تحرّكاً بيناً يرث ويورث». وكذا في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) .

ولا يشترط كونه حيّاً عند موت الموروث، حتّى إنه لو ولد لستة أشهر من موت الواطئ ورث، أو لتسعة ولم تتزوّج.

--------------

وفي النكاح هما واحد من حيث الذكورة والأنوثة، أما من حيث العقد فالظاهر توقفه على رضاهما معاً، وكذا يقع الإشكال في الطلاق وفي العقود كالبيع - هما اثنان.

وفي الجناية هما اثنان، فلا يقتص من أحدهما بجناية الآخر. ولو اشتركا في الجناية اقتص منهما. وهل يحسبان بواحد أو باثنين حيث تكون الجناية في غير المشترك؟ وجهان. ولو كانت جنايتهما في المشترك وهو ما تحت الحقو اكتفي بواحدة.

قوله: «الحمل يرث إن ولد حياً - إلى قوله - ولم تتزوج».

إرث الحمل مشروط بخروجه حياً، سواء كان مستقر الحياة أم لا، ولا يشترط فيه الاستهلال، وهو الصوت.

وقد صرّح به في صحيحة ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول في المنفوس: «إذا تحرك ورث إنه ربما كان أخرس»(1).

وفي رواية أخرى له حسنة: «إذا سقط من بطن أمه فتحرّك تحرّكاً بيناً يرث ويورث فإنّه ربما كان أخرس»(2).

ومؤدّى الروايتين متقارب؛ لأن الحركة متى تحققت كانت بيّنة، وكأنه احترز ب_ «البيئة»

ص: 486


1- الكافي، ج 7، ص 155، باب ميراث المستهل، ح 1.
2- الكافي، ج 7، ص 155، باب ميراث المستهل، ج 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 391، ح 1394؛ الاستبصار، ج 4، ص 198، ح 742 .

--------------

عن التقلص، فإنّه يقع من الميت طبعاً.

ومقتضى هذه الروايات والفتاوى - وبه صرّح في الدروس-(1) : أنه لا يشترط استقرار الحياة، بل وجودها مطلقاً.

وظاهر المصنف( رحمه الله) اعتبار استقرارها وأنّ قوله (وكذا لو تحرّك حركةٌ لا تدلّ على استقرار الحياة معطوف على قوله ولو خرج نصفه حياً لم يرث»، وكذا ذكره لرواية ربعي عقيب ذلك تنبيه على أنّها دالة على خلاف ما ذكره.

وأما رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام) في ميراث المنفوس قال: «لا يرث شيئاً حتى يصيح ويسمع صوته»(2) ، ففيها ضعف السند بجماعة، وحملها الشيخ(3)وجماعة(4) على التقية.

ولا يشترط حياته عند موت المورّث؛ لإطلاق النصوص بإرثه مع ولادته (5)حياً، الشامل لما لو كان عند الموت نطفة.

نعم، يشترط العلم بوجوده عند الموت ليحكم بانتسابه إليه، ويعلم ذلك بأن تلده لما دون ستة أشهر من حين موته. وينبغي اعتبار المدة قبل الموت بحيث يمكن تولّده منه. وإطلاق المصنّف كون المدة ستة أشهر من حين الموت لا يخلو من تجوز، فإن تحقق الستة يقتضي الزيادة عليها ، بل المعتبر كما ذكر غيره(6) - ولادته لدونها ولو بيسير.

ولو ولدته فيما بين السنة وأكثر الحمل وكانت خالي من زوج ووطء يمكن إلحاقه به الحق بالميت أيضاً، سواء تزوجت أم لا.

ص: 487


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
2- الكافي، ج 7، ص 156، باب ميراث المستهل، ح : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 391 - 392، ح 1397؛ الاستبصار، ج 4، ص 198، ح 745.
3- الاستبصار، ج 4 ، ص 199 ذيل الحديث 745
4- منهم الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
5- في جميع النسخ: «ولادتها بدل «ولادته»، والصحيح ما أثبتناه.
6- كالشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 289 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

الرابعة:*

إذا ترك أبوين أو أحدهما أو زوجاً أو زوجةً وترك حملاً

أُعطي ذوو الفروض نصيبهم الأدنى واحتبس الباقي، فإن سقط ميتاً أكمل لكلّ منهم نصيبه.

الخامسة: * قال الشيخ (رحمه الله): لو كان للميت ابن موجود وحمل أعطي الموجود الثلث، ووقف للحمل ثلثان؛ لأنه الأغلب في الكثرة وما زاد نادر ولو كان الموجود أنثى أعطيت الخُمس حتى يتبين الحمل. وهو حسن.

--------------

وفي جعل المصنّف الغاية التزوّج تجوّز أيضاً لا يخفى؛ لأنّ مطلق التزوّج لا يقتضي إلحاق الولد به كما أنه قد يلحق بدونه بوطء الشبهة والملك. وقد تقدم البحث في هذه المسألة مرّةً أُخرى(1) ، ولا وجه لذكرها في الكتاب مرتين.

قوله: «إذا ترك أبوين أو أحدهما أو زوجاً أو زوجةً، وترك حملاً» إلى آخره.

فيعطى الأبوان السدسين؛ لجواز كونه ذكراً، ويعطى الزوجان نصيبهما الأدنى لجواز ولادته حياً مطلقاً، فإن ولد أُنثى أكمل للأبوين على الخُمسين، وإن سقط ميتاً أكمل للزوجين نصيبهما الأعلى.

ومن هنا يظهر أن قول المصنف رحمه الله) فإن سقط ميتاً أكمل لهم نصيبهم ناقص ،فإنّ إكمال نصيب بعضهم وهم الأبوان - لا يتوقف على سقوطه ميتاً.

والضابط أنه متى كان هناك حمل وطلب الورثة القسمة، فمن كان محجوباً بالحمل كالإخوة - لا يعطى شيئاً إلى أن يتبيّن الحال، ومَنْ كان له فرض لا يتغيّر بوجوده وعدمه، كنصيب الزوجين والأبوين إذا كان معه ابن آخر یعطی کمال نصيبه، ومَنْ ينقصه وجوده ولو على بعض الوجوه يعطى أقلّ ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه ينقصه كالأبوين إذا لم يكن هناك ولد غيره.

قوله: «قال الشيخ (رحمه الله):

لو كان للميت ابن موجود وحمل

أعطي» إلى آخره .

إنّما نسب القول إلى الشيخ ؛ لأنّ الحمل يمكن زيادته على اثنين، فقد وُجد منه ثلاثة

ص: 488


1- تقدم في ج 7، ص 85-87.
دية الجنين يرثها المتقرب بالابوین

السادسة: * دية الجنين يرثها أبواه ، ومَنْ يدلي بهما جميعاً أو بالأب بالنسب والسبب.

--------------

وأربعة في زماننا، ونقل بلوغه العشرة في غيره. وروي أنّ امرأة بالأنبار ألقت كيساً فيه اثنا عشر ولداً(1) ، لكن لما كان الزائد عن الاثنين نادراً لم يلتفتوا إليه واكتفوا بتقدير الاثنين.

ثم على هذا التقدير لا يخلو من احتمالات عشرة: إما أن يولد ذكراً واحداً، أو أنثى، أو خنثى، أو ذكرين، أو أُنثيين، أو خنثيين، أو ذكراً وأُنثى، أو ذكراً وخنثى، أو أُنثى وخنثى أو يسقط ميتاً، وأكثر هذه الاحتمالات نصيباً للحمل فرضه ذكرين، فلذلك حكم الشيخ بإعطاء الولد الموجود إن كان ذكراً الثلث، وإن كان أُنثى الخمس(2)، وتبعه على ذلك معظم الأصحاب، بل لم يذكر غير المصنف (رحمه الله) في المسألة قولاً.

قوله: «دية الجنين يرثها أبواه، ومَنْ يدلي بهما جميعاً أو بالأب بالنسب والسبب».

لا خلاف في أن الدية مطلقاً - سواء كانت لجنين أم غيره - يرثها المتقرب بالأبوين.

والمشهور أنّ المتقرّب بالأب كذلك، عملاً بعموم الأدلة الدالة على الإرث(3)، مع عدم المعارض.

وللشيخ في موضع من الخلاف قول بمنع المتقرب بالأب وحده ، كالمتقرب بالأم(4). وهو شاذ.

وأما المتقرب بالأم فجماعة من الأصحاب - منهم الشيخ في النهاية(5)وأتباعه(6) وابن إدريس (7)

ص: 489


1- المهذب الشيرازي، ج 2، ص 40؛ فتح المغيث، ج 3، ص 184.
2- المبسوط، ج 3، ص 340؛ الخلاف، ج 4، ص 112 - 113، المسألة 125: الإيجاز، ضمن الرسائل العشر، ص 275.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 35 - 38، الباب 10 من أبواب موانع الإرث.
4- الخلاف، ج 5، ص 178 المسألة 41. وفيه منع من إرث الأخوات من قبل الأب فقط.
5- النهاية، ص 673.
6- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 163؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 330؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 371.
7- السرائر، ج 3، ص 274.

السابعة: *

إذا تعارف اثنان ورث بعضهم من بعض

ولا يكلّفان البينة. ولو كانا معروفين بغير ذلك النسب لم يُقبل قولهما.

--------------

والمصنّف وأكثر المتأخرين - منعهم منها(1) ؛ للروايات الكثيرة الواردة بمنع الإخوة من الأُمّ(2). وألحقوا الباقين بهم بطريق أولى.

وقد تقدم البحث في هذه المسألة أيضاً(3) .

والمراد بمن تدلّى بالأب بالسبب معتق الأب وما في معناه حيث يفقد القريب.

قوله: «إذا تعارف اثنان ورث بعضهم من بعض» إلى آخره.

وجه التوارث انحصار الحق فيهما، وعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(4).

وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله(عليه السلام) ، وقد سأله عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير فتقول: هو ابني، والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: أخي ويتعارفان، وليس لهم على ذلك بيّنة إلا قولهما، فقال: «ما يقول مَنْ قبلكم؟» قلت: لا يورثونهم؛ لأنه لم يكن لهم على ذلك بيّنة إنّما كانت ولادة في الشرك، فقال: «سبحان الله، إذا جاءت بابنها أو ابنتها معها ولم تزل مقرّة، وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما ولم يزالا ،مقرّين ورث بعضهم من بعض»(5) .

وفي هذه الرواية دلالة على قبول دعوى الأُم الولد من غير بينة. وقد تقدم الكلام فيه في الإقرار بالنسب (6)، وأن جماعة(7)اعتبروا في قبول دعواها البينة، دون الأب، فارقين بإمكان

ص: 490


1- الأنسب« على منعه منها».
2- راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 35 - 38، الباب 10 من أبواب موانع الإرث.
3- تقدم في في ص 304 - 305.
4- تقدم تخريجه في ص 112 ، الهامش 1
5- الكافي، ج 7، ص 166 ، باب الحميل، ح 3: الفقيه، ج 4، ص 314، ح 5679: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 347 ح 1247؛ الاستبصار، ج 4، ص 186 ، ح 698.
6- تقدّم في ج 8، ص 625 وما بعدها.
7- منهم الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الثامنة : *

المفقود يتربّص بماله

وفي قدر التربّص أقوال: قيل: أربع سنين، وهي رواية عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله(عليه السلام) .

وفي الرواية ضعف.

. وقيل: تباع داره بعد عشر سنين، وهو اختيار المفيد (رحمه الله)، وهي رواية عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السلام)في بيع قطعة من دار والاستدلال بمثل هذه تعسّف.

--------------

إقامتها البينة على الولادة. وهو فرق عسير على تقدير كونها مسبية، كما ذكر في الرواية.

قوله: «المفقود يتربص بماله. وفي قدر التربص أقوال» إلى آخره.

ضعفها بعثمان بن عيسى وسماعة، فإنّهما واقفيان(1)، وعمل بمضمونها ابن الجنيد، مقيّداً لها بكونه في عسكر شهدت هزيمتهم وقتل أكثرهم (2).

قوله: «وقيل: تباع داره بعد عشر سنين(3)وهو اختيار المفيد (رحمه الله)، وهي رواية علي بن مهزيار» إلى آخره.

وجه التعسّف أنه لا يلزم من تسويغه(عليه السلام)القطعة بيع من الدار بعد العشر سنين الحكم بموته حينئذ ؛ فإنّ الغائب يمكن الحاكم أن يبيع ماله لمصلحة فكيف بالإمام(عليه السلام) ؟ مع أنّ الرواية تضمّنت أنّ بائع الدار ادّعى كونها ملكه، ولم يحصل له منازع هذه المدة الطويلة، فجاز كون تسويغ البيع لذلك وإن بقي الغائب على حجّته. وأيضاً في طريق الرواية سهل بن زياد، وهو ضعيف.

وصورة الرواية عن سهل بن زياد عن عليّ بن مهزیار قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام)عن دار كانت لامرأة، وكان لها ابن وابنة، فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة، فادعت ابنتها أن أمها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار

ص: 491


1- راجع رجال النجاشي، ص 300، الرقم 117؛ وخلاصة الأقوال، ص 356، الرقم 1410؛ والرواية أوردها الكليني في الكافي، ج 7، ص 155، باب ميراث المفقود، ح 9؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 388، ح 1386.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 110، المسألة 39.
3- قال به المفيد في المقنعة، ص 706.

* وقال الشيخ (رحمه الله: إن دفع إلى الحاضرين وكفلوا به جاز.

وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن(عليه السلام) : «إذا كان الورثة ملاء اقتسموه، فإن جاء ردّوه عليه».

وفي إسحاق قول وفي طريقها ابن سماعة، وهو ضعيف.

--------------

رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوف من أن لا يحل له شراؤها، وليس يعرف للابن خبر، فقال لي: «ومنذ كم غاب؟» قلت منذ سنين كثيرة، فقال: «ينتظر به غيبته عشر سنين ثمّ يشترى»، فقلت: إذا انتظر به غيبته عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال: «نعم»(1). وأنت إذا تأملتها ظهر عليك وجه التعسف في دلالتها.

قوله: «وقال الشيخ (رحمه الله) (2): إن دفع إلى الحاضرين وكفلوا به جاز» إلى آخره.

إسحاق بن عمار فطحي بغير خلاف، لكنه ثقة(3)، فالقول الذي أشار إليه إن كان من جهة مذهبه وأنّه مردود به فلا خلاف فيه، وإن كان من حيث إن المخالف للحق هل يقبل خبره - إما مع كونه ثقةً أو مطلقاً - فالكلام آتٍ في غيره من الرواة المخالفين للحق، كسهل وغيره، والشيخ رحمه الله) كثيراً ما يعتمد ذلك، ولا يلتفت إلى فساد العقيدة، وإن لم ينص على توثيقه. فالقول على هذا الوجه مشترك بينه وبين غيره؛ ولعلّ اختصاصه بذلك ومراعاة جانبه لشهرته بين الأصحاب، واعتماد كثير منهم على روايته لثقته.

وفي طريق الرواية أيضاً الحسن بن محمد بن سماعة، وهو واقفي ثقة أيضاً(4) ، فالكلام فيه قريب من الكلام في إسحاق.

ص: 492


1- الكافي، ج 7، ص 154، باب ميراث المفقود، ح 6؛ الفقيه، ج 3، ص 241 - 242، ح 3886؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 390، ح 1391.
2- المبسوط ، ج 3، ص 341.
3- راجع خلاصة الأقوال، ص317، الرقم 1244.
4- رجال النجاشي، ص 40 - 41، الرقم 84: وللرواية راجع الكافي، ج 7، ص 154، ح 8: وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 388 ، ح 1385 . وفي بعض النسخ وكذا نسخة الجواهر: سهل بن زياد» بدل «ابن سماعة».

*وقال في الخلاف: لا يقسّم حتى تمضي مدةً لا يعيش مثله إليها بمجرى العادة. وهذا أولى.

الفصل الثالث في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

شروط توارث من اتفق موتهما بالغرق او الهدم

*وهؤلاء يرث بعضهم من بعض إذا كان لهم أو لأحدهم مال وكانوا يتوارثون، واشتبهت الحال في تقدّم موت بعض على بعض.

فلو لم يكن لهم مال، أو لم يكن بينهم موارثة، أو كان أحدهما يرث دون صاحبه، كأخوين لأحدهما ولد سقط هذا الحكم.

وكذا لو كان الموت لا عن سبب، أو علم اقتران موتهما، أو تقدّم أحدهما على الآخر.

وفى ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق ممّا يحصل معه الاشتباه تردّد.

وكلام الشيخ في النهاية يؤذن بطرده مع أسباب الاشتباه.

--------------

قوله: «وقال في الخلاف (1): لا يقسم حتى تمضي مدةً لا يعيش مثله» إلى آخره.

هذا هو الأقوى؛ تمسكاً بالأصل، وعليه المعظم. وقد تقدم البحث في هذه المسألة أيضاً(2)، ولا وجه لتكرار هذه المسائل في هذا الكتاب مرتين، كما اتفق للمصنّف وغيره.

قوله - في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم : «و هؤلاء يرث بعضهم من بعض» إلى آخره.

من شرط التوارث علم تقدّم موت المورّث بحيث يكون الوارث حيّاً بعد موته. فمع اقتران موتهما أو الشك لا يثبت الإرث؛ لأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.

واستثنى من ذلك صورة واحدة بالنص والإجماع، وهى ما لو اتفق موتهما بالغرق أو الهدم، واشتبه الحال في تقدّم موت أحدهما على الآخر وعدمه؛ فإنّه يرث كلّ منهما من

ص: 493


1- الخلاف، ج 4، ص 119. المسألة 136.
2- تقدّم في ص 315.

--------------

الآخر، بأن يفرض موت أحدهما أوّلاً فيورث الآخر منه، ثمّ يفرض موت الآخر أولاً فيرث الأوّل منه بشروط ثلاثة:

وهي أن يكون لهما أو لأحدهما مال، وهذا شرط واضح؛ فإنه متى لم يكن لهما مال انتفى الإرث من حيث عدم فرض مال يورث. ولو كان لأحدهما مال دون الآخر انتقل المال إلى مَنْ لا مال له، ومنه إلى وارثه الحي.

وأن تكون الموارثة دائرة بينهما، فلو غرق أخوان ولكل منهما ولد، أو لأحدهما فلا توارث بينهما.

وأن يشتبه الحال فلو علم اقتران الموت فلا توارث.

ولو ماتا حتف أنفهما، واشتبه تقدّم أحدهما على الآخر وعدمه فلا توارث بينهما إجماعاً.

وقد روى القداح عن الصادق، عن أبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «ماتت أُم كلثوم بنت علي (عليه السلام)وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما مات قبل، فلم يورّث أحدهما من الآخر، وصلّى عليهما جميعاً»(1).

ولو ماتا بسبب آخر غير الهدم والغرق

كالحرق والقتل واشتبه الحال ففي توارثهما كالغرق قولان:

أحدهما - وبه قال المعظم - العدم؛ لأنّ الإرث مشروط بحياة الوارث بعد موت المورّث ليمكن الحكم له بالملك، فإذا جهل الشرط لم يمكن الحكم بالمشروط، خرج من ذلك الغرق والهدم بالنصّ(2)والإجماع، فيبقى الباقي على الأصل. والثاني وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(3)وابن الجنيد(4) ، وأبي الصلاح(5) - تعميم

ص: 494


1- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 362 - 363 ، ح 1295.
2- وسائل الشيعة، ج 26، ص 307 - 308، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم.
3- النهاية، ص 674.
4- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 114، المسألة 41، وص117، المسألة 42.
5- الكافي في الفقه، ص 376.

--------------

الحكم في كلّ الأسباب؛ لأنّ العلة في التوارث اشتباه التقدم والتأخر في الموت المستند إلى سبب، وهي موجودة في غير الأمرين، ووجود العلة يستلزم وجود المعلول.

وأجيب بمنع عليّة المذكور، وأي دليل يدلّ عليها؟ والمعلول (1)إنما هو الاشتباه بالأمرين المذكورين(2)، فجاز أن تكون العلة مختصة بذلك؛ لأنّ مرجعها إلى وضع الشارع.

وإنما جعل المصنف (رحمه الله) طرد الحكم في كلّ سبب مما يؤذن به كلام الشيخ في النهاية دون أن يكون صريحاً فيه؛ لأنه قال فيها:

إذا غرق جماعة يتوارثون في وقت واحد، أو انهدم عليهم حائط، وما أشبه ذلك، ولم يُعلم أيهم مات قبل صاحبه ورّث بعضهم من بعض(3)... ؛ لأن هذا الحكم جعل في الموضع الذي يجوز فيه تقدّم موت كلّ واحد منهما على صاحبه(4) .

هذه عبارته، وهي تؤذن بالتعميم في قوله «وما أشبه ذلك»، وفي تعليله بكون «الحكم في الموضع الذي يجوز فيه تقدم موت كلّ واحد منهما على صاحبه»، مع أنه ليس بصريح فيهما؛ لجواز أن يريد ب_«ما أشبه ذلك» الهدم عليهم بغير سبب الحائط بأن ينهدم السقف؛ فإنه ذكر أولاً هدماً خاصاً وألحق به ما أشبهه، وباقي الأسباب لا تشبه الهدم مطلقاً وإن أشبهته في سببيته الموت والتعليل جارٍ على ما ذكر سابقاً، مع أن التعليل لو أخذ بإطلاقه لشمل ما لو اشتبه الحال مع موتهما حتف أنفهما، وقد ادعى جماعة(5) الإجماع على عدم التوارث في هذه الحالة، مع أنّ ظاهر كلام ابن الجنيد وأبي الصلاح تعميم الحكم في كلّ موضع يحصل فيه الاشتباه من غير تقييد بسبب.

ص: 495


1- في بعض النسخ «المعلوم» بدل «المعلول».
2- أجاب به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 117، المسألة 42.
3- النهاية، ص 674 و 677 .
4- النهاية، ص 674 و 677 .
5- منهم السيد عميد الدين في كنز الفوائد، ج 3، ص 425 وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 431.

إذا ثبت هذا * فمع حصول الشرائط يورّث بعضهم من بعض ولا يورث الثاني مما ورث منه .

وقال المفيد (رحمه الله): يرث ممّا ورث منه. والأوّل أصح؛ لأنّه إنما يفرض الممكن، والتوريث مما ورث يستدعي الحياة بعد فرض الموت، وهو غير ممكن عادةً، ولما روي أنه لو كان لأحدهما مال صار المال لمن لا مال له.

--------------

قوله «فمع حصول الشرائط يورّث بعضهم من بعض» إلى آخره.

لما كان هذا التوارث على خلاف الأصل وجب الاقتصار منه على مورد النص وموضع الوفاق، والذي دلّت عليه النصوص توريث كلّ منهما مما تركه صاحبه، دون ما ورثه الأوّل من الآخر، فروى عبد الرحمن بن الحجاج - في الصحيح - عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أخوين ماتا؛ لأحدهما مائة ألف درهم، والآخر ليس له شيء، ركبا في السفينة فغرقا، فلم يدر أيهما مات أولاً: «أنّ المال لورثة الذي ليس له شيء ولا شيء لورثة الآخر»(1).

ويؤيده ما روي عن علي(عليه السلام) في قوم غرقوا جميعاً أهل بيت قال: «يورث هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً»(2). وإلى هذا ذهب الأكثر .

واحتجوا له أيضاً بأن توريث الثاني مما ورث منه الأول يستلزم فرض حياته بعد موته، وهو محال عادة.

وعورض بلزومه على التقديرين؛ لأنكم فرضتم موت أحدهما وورثتم الآخر منه، ثمّ فرضتم موت الآخر قبل الأوّل وورّثتموه منه، فقد حصل فرض الحياة بعد الموت وإن لم يورثوه مما ورث منه.

ص: 496


1- الكافي، ج 7، ص137، باب ميراث الغرقى وأصحاب الهدم، ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 307 - 308، ح 5662: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 360 - 361، 1286 - 1287.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 362، ح 1294، وفي حاشية «و»: «الرواية بذلك عن علي(عليه السلام) مرسلة، فلذا جعلها مؤيدة لا دليلاً، مع كونها صريحةً في المطلوب. (منه قدّس سرّه)».

--------------

وأجيب بالفرق بين الأمرين؛ لأنا إذا فرضنا موت أحدهما وحياة الآخر بعده، وورّثنا الآخر منه، قطعنا النظر عن هذا الفرض ثمّ فرضنا موت الآخر وحياة الأوّل، كأنا لم نفرض الأول، وأما إذا ورثنا الأوّل من الثاني، ثمّ ورّثنا الثاني من الأوّل ممّا ورث من الثاني فقد لزم في حالة فرض موت الأول وحياة الثاني موت الثانى أيضاً وحياة الأول(1).

وحاصل الفرق يرجع إلى أن فرض توريث كلّ واحد على انفراده من الآخر من غير ما ورث منه مع قطع النظر عن الآخر لا يستلزم المحال؛ لعدم لزوم أحدهما للآخر، بخلاف توريثه ممّا ورث منه؛ فإنّه يستلزم ذلك في قضية واحدة وفرض واحد. وهذا وإن أوجب الفرق بين الأمرين في الجملة إلا أنه لا يخلو من شيء، فالاعتماد على النص الصحيح أسهل.

وذهب المفيد وسلار إلى أنّ الثاني يرث من الأوّل من ماله الأصلي ومما ورث من الثاني(2)؛ لأنّ فرض توريث الثاني من الأوّل إنّما وقع بعد الحكم للأوّل بملك نصيبه من الثاني، فكان ذلك بمنزلة غيره من أمواله. ولأنّه قد ورد تقديم الأكثر نصيباً في الموت وتوريث الآخر منه، فلو لم يكن إرث الثاني ممّا ورث منه الأوّل لم يكن للتقديم فائدة.

وأجيب بأنّ هذا في مقابلة النص الصحيح فلا يُسمع، ولا يلزم من انتفاء الفائدة ظاهراً انتفاؤها في نفس الأمر، فإنّ أكثر علل الشرائع والمصالح المعتبرة في نظر الشارع خفية عنا تعجز عقولنا عن إدراكها، وجاز كونه تعبداً محضاً، فيجب اتباع النص(3) من غير اعتبار التعليل(4).

وأما ما قاله بعضهم (5)على هذا القول من استلزامه التسلسل، فغير وارد أصلاً؛ لأنّ

ص: 497


1- أجاب به ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 434.
2- المقنعة، ص 699: المراسم، ص 225 - 226 .
3- في الحجريتين: «النصوص» بدل «النص».
4- أجاب به العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 115، المسألة 41: وولده في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 278؛ وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 4، ص 435.
5- كالعلامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 5، ص 83، الرقم 6404.
وفي وجوب تقديم الأضعف في التوريث تردّد

*وفي وجوب تقديم الأضعف في التوريث تردّد قال في الإيجاز لا يجب ،وفي المبسوط لا يتغيّر به حكم، غير أنا نتبع الأثر في ذلك.

وعلى قول المفيد (رحمه الله) تظهر فائدة التقديم. وما ذكره في الإيجاز أشبه بالصواب. ولو ثبت الوجوب كان تعبداً.

فلو غرق زوج وزوجة فرض موت الزوج أوّلاً وتعطى الزوجة، ثمّ يفرض موت الزوجة ويعطى الزوج نصيبه من تركتها الأصلية لا مما ورثته.

--------------

القائل بهذا لا يحكم بالإرث ممّا ورث منه لغير الثاني ؛ نظراً إلى ما أشرنا إليه من التعليل بكون ما ورثه قد صار من جملة ما له قبل أن يحكم بموته والإرث منه، بخلاف الأول، فإنّه حُكم بموته والإرث منه قبل أن يُحكم له بالإرث فلا يتوهم أحد أنّه يعود إلى الإرث مرّةً ثانية.

قوله: «وفي وجوب تقديم الأضعف في التوريث تردد - إلى قوله كان تعبداً».

اختلف الأصحاب في وجوب تقديم الأضعف وهو الأقل نصيباً، بأن يفرض موت الأقوى أوّلاً ويورّث الأضعف منه، ثمّ يفرض موت الأضعف - فذهب جماعة منهم الشيخان (1)وابن إدريس(2)والمصنّف في النافع(3) - إلى الوجوب؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت، فقال: «تورّث المرأة من الرجل، ثمّ يورّث الرجل من المرأة »(4)، ومثله رواية عبيد بن زرارة، (5)ولفظة «ثم» حقيقة في الترتيب.

و عورضت برواية العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم عن الباقر حيث سأله عنها،

ص: 498


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 699 والشيخ الطوسي في النهاية، ص 674.
2- السرائر، ج 3، ص300
3- المختصر النافع، ص398
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 359، ح 1282.
5- في حاشية «و»: «اللفظ لرواية عبيد بن زرارة، ومحمد بن مسلم مثلها، ونحن جعلناه لرواية محمد بن مسلم؛ 5 لصحتها دون الأخرى؛ لأنّ في طريقها القاسم بن سليمان، وهو مجهول. (منه قدس سره)». راجع تهذيب الأحكام، ج 9، ص 359، ح 1281.

* وكذا لو غرق أب وابن يورّث الأب ثمّ يورّث الابن. ثم إن كان كلّ واحد منهما أولى من بقيّة الورّاث انتقل مال كلّ واحد منهما إلى الآخر ومنه إلى ورثته، كابن له إخوة من أم وأب له إخوة، فمال الولد ينتقل إلى الوالد، وكذا م--ال الوالد الأصلي ينتقل إلى الولد، ثمّ ينتقل ما صار إلى كلّ واحد منهما إلى إخوته.

--------------

فقال: «تورّث المرأة من الرجل، ويورث الرجل من المرأة»(1)، و«الواو» للجمع المطلق.

ويضعف بأنّ الجمع المطلق لا ينافي الترتيب، فلا منافاة بين «الواو» و«ثم»، بل يجب حمل «الواو» على «ثمّ » كما يجب حمل المطلق على المقيد.

هذا مع ضعف رواية العلاء؛ لأنّ في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس، فتقصر عن معارضة الصحيح لو كان هناك معارضة.

نعم، يتجه أن يقال: إن الرواية الأولى وإن دلّت على الترتيب إلا أنّها لا تدل على وجوبه.

ويندفع بأنها وقعت جواباً للسؤال عن الواجب فيكون واجباً.

وذهب آخرون منهم الشيخ في الإيجاز(2)والمصنّف في هذا الكتاب - إلى عدم الوجوب؛ لانتفاء الفائدة، وقصور دليل الوجوب.

ويضعف بأنّ العلم بالفائدة غير شرط في إثبات الحكم، والرواية الصحيحة(3)ظاهرة في الوجوب، ومن الجائز أن يكون تعبداً، كما ذكره المصنّف وغيره (4)، فلا يجب طلب الفائدة، ولو قلنا بقول المفيد( رحمه الله) فالفائدة واضحة.

قوله: «وكذا لو غرق أب وابن يورّث الأب ثم يورث الابن».

إنّما يتمّ كون الأب أضعف على تقدير كون الابن منفرداً بالإرث، أو معه مشارك تزيد

ص: 499


1- الكافي، ج 7، ص 137 - 138، باب ميراث الغرقى وأصحاب الهدم، ح : تهذيب الأحكام، ج 9، ص 361، ح 1288
2- الإيجاز، ضمن الرسائل العشر، ص 276 .
3- أي صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة آنفاً.
4- كالشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 309 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).

وإن كان لأحدهما أو لكلّ واحد منهما شريك في الإرث، كابن وأب، وللأب أولاد غير مَنْ غرق، وللولد أولاد، فإنّ الأب يرث مع الأولاد السدس، ثمّ يفرض موت الأب فيرث الابن مع إخوته نصيبه وينتقل ما بقي من تركته مع هذا النصيب إلى أولاده.

*ولو كان الوارثان يتساويان في الاستحقاق

كأخوين - لم يقدم أحدهما على الآخر، وكانا سواء فى الاستحقاق، وينتقل مال كلّ واحد منهما إلى الآخر.

* فإن لم يكن لهما وارث فميرائهما للإمام ، وإن كان لأحدهما وارث انتقل ما صار إليه إلى ورثته، وما صار إلى الآخر إلى الإمام.

--------------

معه حصته عن السدس فلو فرض أن للأب خمسة أولاد ذكور غيره كان مساوياً للأب في الإرث. ولو فرض كون الأولاد أكثر كان أضعف. وسيأتي مثله في عبارة المصنف.

قوله: «ولو كان الوارثان يتساويان في الاستحقاق» إلى آخره.

هذا المثال أيضاً كالسابق لا يتم إلا مع انحصار إرث كلّ منهما في الآخر، أو تساوي نصيبهما مع الشريك، فلو كان مع أحدهما إخوة دون الآخر فهو الأضعف.

واعلم أن مقتضى هذه الأمثلة أن المراد بالأضعف من نصيبه أقل من الآخر، سواء كان بالفرض كالزوجين والوالدين مع الابن أم بالقرابة كالابن والأخوين إذا كانا للأب، فيعتبر في القرابة النصيب على الحال التي يرث بها. وبهذا يضعف دلالة الخبر على الوجوب؛ لأنّ مفروضه الوارث بالفرض والقوة والضعف فيه ظاهران بخلاف مَنْ يرث بالقرابة؛ فإنّ نصيبه لا ينضبط بحسب المشارك وعدمه، ولا دليل يدلّ على حكمه، إلا أن يجعل عدم القائل بالفرق، وفيه ما فيه.

قوله: «فإن لم يكن لهما وارث فميراتهما للإمام(عليه السلام)».

لأنه وارث من لا وارث له، ولا يقدح في ذلك فرض تأخر موت كل منهما عن الآخر المقتضى لكونه وارثاً؛ لأنّ ذلك الفرض قد انقطع في نظر الشارع بالفرض الآخر المضاد له. فانتفى أثره بعد ذلك.

ص: 500

الفصل الرابع • في ميراث المجوس

اشارة

المجوسي قد ينكح المحرّمات بشبهة دينه فيحصل له النسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح والفاسد ونعني بالفاسد ما يكون عن نكاح محرّم عندنا لا عندهم، كما إذا نكح أمه فأولدها ولداً، فنسب الولد فاسد وسبب زوجيتها فاسد. *فمن الأصحاب مَنْ لا يورثه إلا بالصحيح من النسب والسبب وهو المحكي عن يونس بن عبد الرحمن ومتابعيه.

ومنهم مَنْ يورّثه بالنسب صحيحه ،وفاسده، وبالسبب الصحيح لا الفاسد، وهو اختيار الفضل بن شاذان من القدماء ومَنْ تابعه ومذهب شيخنا المفيد (رحمه الله ). وهو حسن.

والشيخ أبو جعفر (رحمه الله) يورّث بالأمرين صحيحهما وفاسدهما.

--------------

الاقوال في ميراث المجوس

قوله: «في ميراث المجوس» إلى آخره.

الغرض من البحث عن ميراث المجوس يحصل على تقدير إسلامهم واحتياجهم إلى حكمهم في شرع الإسلام أو على تقدير مرافعتهم إلينا وإن كانوا على المجوسية. والأصل فيه ورود حكمهم في بعض الأخبار(1) ، فبحثوا عنه على وجه يوافقها ويخالفها، كما ستقف عليه.

قوله: «فمن الأصحاب من لا يورثه - إلى قوله - صحيحهما وفاسدهما».

لما كان المجوس يستحلون نكاح المحارم المحرّمات في شرع الإسلام حصل لهم بواسطته سبب فاسد، ويترتب عليه نسب فاسد، فاختلف الأصحاب في توريثهم بهما - بعد اتفاقهم على توريثهم بالصحيح منهما عندنا - على أقوال ثلاثة:

أحدها: الاقتصار على الصحيح منهما. وهو مذهب يونس بن عبد الرحمن من قدماء

ص: 501


1- الفقيه، ج 4، ص 344 - 346، 5748: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364 - 365، ح 1299 - 1301؛ الاستبصار، ج 4. ص 188 - 189 ، ح 704 - 705.

وعلى هذا القول لو اجتمع الأمران لواحد ورث بهما، مثل أم هي زوجة لها نصيب الزوجية - وهو الربع - مع عدم الولد، والثلث نصيب الأمومة من الأصل، فإن لم يكن مشارك كالأب - فالباقي يردّ عليها بالأمومة.

وكذا بنت هي زوجة لها الثمن والنصف، والباقي يرد عليها بالقرابة إذا لم يكن مشارك، ولو كان أبوان كان لهما السدسان ولها الثمن والنصف، وما يفضل يردّ عليها بالقرابة وعلى الأبوين.

--------------

علمائنا(1) ، واختاره أبو الصلاح(2)وابن إدريس، ونقله عن المفيد في كتاب الإعلام(3)، مع أنّ عبارته ليست صريحةً فيه، بل هي إلى ما نقله عنه المصنف أقرب. واختاره العلّامة في المختلف (4).

ومستندهم أنّ ما عدا الصحيح باطل، فلا يترتب عليه حكم.

ولقوله تعالى:﴿وَأَنِ أحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ﴾(5)، ولا شيء من الفاسد ممّا أنزل الله

وقوله تعالى:﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾(6)، ولا شيء من الفاسد بحق.

وقوله تعالى:﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾(7) ، ولا شيء من الفاسد بقسط .

وهذه الحجج إنّما تدلّ على انتفاء الإرث بالسبب الفاسد، أما على انتفائه بالنسب الفاسد فلا؛ إذ المسلمون يتوارثون به، كما سيأتي(8) .

ص: 502


1- حكاه عنه الكليني في الكافي، ج 7، ص 145، باب ميراث أهل الملل .... ذيل الحديث 2؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364، ذيل الحديث 1299؛ والاستبصار، ج 4، ص 188، ذیل باب ميراث المجوس.
2- الكافي في الفقه، ص 376.
3- السرائر، ج 3، ص 287 - 288؛ وراجع الإعلام، ص 66 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 9).
4- مختلف الشيعة، ج 9، ص 110، المسألة 38
5- المائدة .(5): 49
6- الكهف (18) :29
7- المائدة (5): 42
8- يأتي في ص 506.

وكذا أُخت هي زوجة، لها الربع والنصف، والباقي يرد عليها بالقرابة إذا لم يكن مشارك.

--------------

وثانيها: أنّهم يورثون بالنسب الصحيح والفاسد، وبالسبب الصحيح خاصةً. وهو خيرة الفضل بن شاذان (1). ونقله المصنف (رحمه الله) عن المفيد واستحسنه، وهو في بعض نسخ المقنعة(2) .

قال الشهيد(رحمه الله) :

وجدته بخط ابن إدريس، ونسبه إلى نسخة عليها خطّ المفيد، مع أن في أصل نسخة ابن إدريس بالمقنعة محض مذهب الشيخ أبي جعفر الآتي، وهو في أكثر النسخ، وقد صرّح به المفيد في مواضع آخر من المقنعة(3)

فعلى هذا تكون الأقوال الثلاثة للشيخ المفيد (رحمه الله).

وحجة هذا القول ما تقدّم من الأدلة؛ فإنّها به ألصق وبتصحيحه ألزم من الأول؛ لأنّ النسب الفاسد الشبهة يوافق الحق فيتناوله الأوامر.

وثالثها: أنهم يورثون بالصحيح والفاسد منهما.

وهو اختيار الشيخ في النهاية (4)، وكتابي الأخبار(5)وأتباعه (6)وسلار(7)، ونسبه الشهيد (رحمه الله) في الشرح إلى التقي أبي الصلاح(8)، مع أن كلامه صريح في القول الأول؛ لأنه

ص: 503


1- حكاه عنه الكليني في الكافي، ج 7، ص 145 ، باب ميراث أهل الملل .... ذيل الحديث 2؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364، ذیل الحدیث 1299؛ والاستبصار، ج 4، ص 188، ذیل باب ميراث المجوس.
2- حكاه عنه أيضاً العلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 106، المسألة 38.
3- غاية المراد، ج 3، ص 439 - 440 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- النهاية، ص 683.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364 ، ذيل الحديث 1299؛ الاستبصار، ج 4، ص 188، ذیل باب ميراث المجوس
6- كابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 170 - 171؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 403؛ والطبرسي في المؤتلف من المختلف، ج 2، ص 50.
7- المراسم، ص 224.
8- غاية المراد، ج 3، ص 440 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج3).

ولو اجتمع السببان وأحدهما يمنع الآخر ورث من جهة المانع، مثل بنت هي أخت من أُمّ، فلها نصيب البنت دون الأُخت؛ لأنّه لا ميراث عندنا لأُخت مع بنت .

وكذا بنت هي بنت بنت لها نصيب البنت دون بنت البنت.

وكذا عمة هي أخت من أب لها نصيب الأُخت دون العمة.

وكذا عمة هي بنت عمة لها نصيب العمة.

--------------

قال في كتابه الكافي: إنّهم يورثون بالنسب والسبب الصحيحين دون الفاسدين(1) ، ونقله عنه في المختلف كذلك(2)، وكذلك ولده في شرحه(3) . والظاهر أن نقل الشهيد عنه وقع سهواً.

واحتج الشيخ (رحمه الله) لهذا القول برواية السكوني عن الصادق(عليه السلام) ، عن أبيه عن علي(عليه السلام) : « أنه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه من وجهين: من وجه أنها أُمه، ومن وجه أنّها زوجته»(4)، وبأنّهم يقرّون على معتقدهم.

وبما روي أن رجلاً سب مجوسياً بحضرة الصادق(عليه السلام) فزبره ونهاه، فقال: إنه تزوج بأمه.فقال: «أما علمت أن ذلك عندهم النكاح»(5) .

وبما روي عنه (عليه السلام): أنّ كلّ قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه»(6)، وبأنهم لو عقدوا على خمر أو خنزير لأقروا عليه(7) ، مع عدم جوازه في شرع الإسلام، فكذا هنا.

وأجيب بضعف خبر السكوني، والباقي لا يدلّ على مطلوبه (8).

ص: 504


1- الكافي في الفقه، ص 376.
2- مختلف الشيعة، ج 9، ص 107، المسألة 38.
3- إيضاح الفوائد. ج 4، ص 275.
4- الفقيه، ج 4، ص 344، 5748: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 364 ، ح 1299؛ الاستبصار، ج 4، ص 188 - 189 ، ح 704.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 365، ح 1300؛ الاستبصار، ج 4، ص 189، ذيل الحديث 704.
6- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 365، ح 1301؛ الاستبصار، ج 4، ص 189، ح 705.
7- راجع النهاية، ص 683 - 684 ؛ وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 364 - 365، ح 1299 - 1301؛ والاستبصار، ج 4. ص 188 - 189 ، ح 704 - 705.
8- أجاب به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 290 وما بعدها؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 485.

مسألتان:

الأولى: *

المسلم لا يرث بالسبب الفاسد

فلو تزوّج محرّمةً لم يتوارثا، سواء كان تحريمها متفقاً . كالأُم من الرضاع، أو مختلفاً فيه كأم المزني بها، أو المتخلّقة من ماء الزاني، وسواء كان الزوج معتقداً للتحليل أو لم يكن.

--------------

وبالغ ابن إدريس في هذا الباب في الإنكار على الشيخ، وأطال المقال، ومحصله:

أن اعتماد الشيخ على رواية السكوني خاصة؛ لعدم دلالة غيرها على مطلوبه، وحال السكوني مشهور، والشيخ قد شرط في كتابه العدة في أصول الفقه سلامة الرواية من فساد مذهب الراوي، فكيف يرجع هنا عن عمومات الكتاب والسنة إلى خبره ؟! مع أن نقل الشيخ في المسألة قولين قبل زمانه يوجب إحداثه قولاً ثالثاً، وهو مردود عندهم (1).

وأجيب بأنّ الشيخ يرى جواز التعويل على خبر المخالف الثقة، كما يشهد به حاله وفتواه في أكثر المسائل وإن كان ذلك خلاف مذهبه في الكتاب المذكور، فأقوال الشيخ منتشرة في هذه المسألة وغيرها، ولا يلزم من نقله قولين انحصار الأقوال فيهما.

ورواية السكوني قد أودعها المصنّفون كتبهم وفتواهم بما فيها غالباً؛ لأنّ كتب الحديث قبله كانت هي عمدة الفتوى فكان قوله أحد الأقوال بل أوّلها. وقد عرفت أنّ کلام المفيد في المقنعة يوافق قوله إلا على النسخ(2)القليلة. وعلى كل حال فالقول الوسط أوسط.

قوله: «المسلم لا يرث بالسبب الفاسد، فلو تزوّج محرمةٌ لم يتوارثا».

لأنّ التوريث في الكتاب والسنة في السبب معلّق على الزوجية ونحوها، وإطلاقها محمول على الصحيح منها. وهذا موضع وفاق.

ص: 505


1- السرائر، ج 3، ص 289 وما بعدها؛ وراجع العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 148 - 149.
2- في الحجريتين: «النسخة» بدل «النسخ».

الثانية:*

المسلم يرث بالنسب الصحيح والفاسد

لأنّ الشبهة كالعقد الصحيح في التحاق النسب.

--------------

قوله: «المسلم يرث بالنسب الصحيح والفاسد؛ لأنّ الشبهة كالعقد الصحيح» إلى آخره.

المراد هنا بالنسب الفاسد الذي لا يستند إلى نكاح صحيح، مع لحوق النسب به شرعاً بواسطة الشبهة، وإلا فهو نسب صحيح شرعاً من حيث لحوق أحكام النسب به مطلقاً، وعلى هذا التقدير فكلّ ما يفرض في أنساب المجوس يفرض في أنساب المسلمين بالنظر إلى الشبهة، ويتفرع على ذلك فروع كثيرة، بسبب اجتماع الأنساب التي لا يحجب بعضها بعضاً، أو يحجب مطلقاً، أو على بعض الوجوه، تظهر بالتأمل.

ص: 506

*خاتمة في حساب الفرائض

اشارة

وهي تشتمل على مقاصد:

المقصد الأوّل . في مخارج الفروض الستة، وطريق الحساب

اشارة

ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحاً ، فهي إذن خمسة : النصف من اثنين والربع من أربعة والثمن من ثمانية والثلث والثلثان من ثلاثة والسدس من ستة.

--------------

قوله: «خاتمة في حساب الفرائض».

كان حق هذه الخاتمة أن تجعل مقدّمةً لكتاب الفرائض، ليحفظ مضمونها، ويستعمل في مسائل الكتاب، كما فعل الشهيد (رحمه الله) في الدروس(1) ، وأما جعلها في الآخر كما فعل المصنف رحمه الله والأكثر - فلا يعلم الطالب مضمونها إلى أن يفرغ من بحث المسائل بغير قاعدة يرجع إليها، فتقل فائدتها، وقد وقع بسبب ذلك خلل كثير في حساب الفرائض، يقف عليه من تأمّل كلام جماعة من الفقهاء في ذلك.

بیان مخارج الفروض الستة

قوله: «في مخارج الفروض الستة وطريق الحساب: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحاً» إلى آخره.

مقصود الحساب في هذا الفنّ شيئان: أحدهما: تصحيح المسائل. والثاني: قسمة التركة على الورثة.

ص: 507


1- الدروس الشرعية، ج 2، ص 274 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).

وكلّ فريضة حصل فيها نصفان أو نصف وما بقي فهي من اثنين.

وإن اشتملت على ربع ونصف، أو ربع وما بقي فهي من أربعة.

وإن اشتملت على ثمن ونصف، أو ثمن وما بقي فهي من ثمانية.

وإن اشتملت على ثلث وثلثين أو ثلث وما بقي، أو ثلثين وما بقي فهي من ثلاثة.

وإن اشتملت على سدس وثلث، أو سدس وثلثين، أو سدس وما بقي فمن ستة.

والنصف مع الثلث أو الثلثين والسدس، أو مع أحدهما من ستة. ولو كان بدل النصف ربع كانت الفريضة من اثني عشر. ولو كان بدله ثمن كانت من أربعة وعشرين.

--------------

فأمّا تصحيح المسائل فله مقدمات أورد بعضها في الكتاب وترك بعضها. فمنها: بيان مخارج الفروض الستة المقدّرة في كتاب الله تعالى.

والمراد بالمخرج أقلّ عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحاً، كالنصف مثلاً؛ فإنّه يخرج صحيحاً من اثنين؛ لأنّ نصفهما واحد صحيح والثلث والثلثان من ثلاثة، ولذلك كانت مخارج الفروض الستة خمسة؛ لاتحاد مخرج هذين الكسرين. والغرض من ذلك إخراج الحصص من أقل عدد ينقسم على أرباب الحقوق بغير كسر.

فالفروض الستة المذكورة إما أن يقع في المسألة واحد منها، أو اثنان فصاعداً، فإن لم يقع فيها إلا واحد فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل المسألة. فالنصف من اثنين والثلث من ثلاثة، والربع من أربعة، وعلى هذا.

وإن وقع فيها اثنان فصاعداً، فإن كانا من مخرج واحد كالثلثين والثلث فالثلاثة أصل المسألة، وإن كانا مختلفي المخرج أخذنا المخرجين ونظرنا فيهما، فإن كانا متداخلين، كما إذا اجتمع الثمن والنصف والسدس والنصف، فأكثر المخرجين أصل المسألة، وهو الثمانية في الأُولى والستة في الثانية.

ص: 508

--------------

وإن كانا متوافقين، كما إذا اجتمع السدس والربع في مثل زوجة وواحد من كلالة الأُم، أو زوج وأحد الأبوين مع ابن ضربت وفق أحد المخرجين في جميع الآخر، فالمجتمع هو أصل المسألة، ففي المثال تضرب ثلاثة في أربعة أو اثنين في ستة تبلغ اثني عشر، فهو أصل المسألة. ولو اجتمع الثمن والسدس كزوجة وأحد الأبوين مع ابن فأصل الفريضة أربعة وعشرون؛ لأن الثمانية توافق الستة بالنصف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى، وهكذا.

وإن كانا متباينين، كما إذا اجتمع الربع والثلث في مثل زوجة وأم أو الثمن مع الثلثين في مثل الزوجة وبنتين، أو الثلث مع النصف في مثل زوج وأُمّ ضربت أحد المخرجين في الآخر، وجعلت الحاصل هو أصل الفريضة، وهو اثنا عشر في الأول، وأربعة وعشرون في الثاني، وستة في الثالث.

فإذا فصلت قلت: كل فريضة فيها نصف وما بقي كزوج وأخ، أو نصفان كزوج وأخت فهي من اثنين.

وكل فريضة فيها ثلثان، أو هما وما بقي، كأختين من الأب فهي من ثلاثة، أو ثلثان وثلث.كأختين لأب مع إخوة لأُمّ فهي من ثلاثة أيضاً.

وكلّ مسألة فيها ربع وما بقي، كزوج وابن، وزوجة وإخوة، أو ربع ونصف وما بقي، كزوج وبنت فهي من أربعة.

وكل مسألة فيها سدس وما بقي، كأحد الأبوين مع ابن، أو سدس ونصف، كأخت وواحد من كلالة الأُمّ، فهي من ستة.

وكلّ مسألة فيها ثمن وما بقي كزوجة مع ابن، أو ثمن ونصف وما بقي، كزوجة وبنت فهي من ثمانية.

وكل مسألة فيها ربع وثلثان، كزوج وبنتين، أو ربع وثلث، كزوجة وأم، أو ربع وسدس [ومابقي] (1)كزوج وأم وابن فهي من اثني عشر.

ص: 509


1- مابين المعقوفين يقتضيه السياق.

إذا عرفت هذا فالفريضة إما وفق السهام، أو زائدة، أو ناقصة.

القسم الأوّل: أن تكون الفريضة بقدر السهام
اشارة

فإن انقسمت من غير كسر فلا بحث، مثل أخت لأب مع زوج، فالفريضة من اثنين أو بنتين وأبوين، أو أبوين وزوج فالفريضة من ستة، وتنقسم بغير كسر.

* وإن انكسرت الفريضة، فإما على فريق واحد

أو أكثر، فالأوّل يضرب عددهم في أصل الفريضة، إن لم يكن بين نصيبهم وعددهم وفق مثل أبوين وخمس بنات فريضتهم ستة، نصيب البنات أربعة، ولا وفق، فيضرب عددهنّ- وهو خمسة- في سنة فما ارتفع فمنه الفريضة. وكلّ مَنْ حصل له من الوراث من الفريضة سهم قبل الضرب فاضربه في خمسة، وذلك قدر نصيبه.

--------------

وكلّ مسألة فيها ثمن وثلثان وما بقي كزوجة وبنتين أو ثمن وسدس وما بقي، كزوجة وأحد الأبوين وابن فهي من أربعة وعشرين.

وقس على هذا ما يرد عليك من باقي الفروض مجتمعة ومتفرقة. فهذا الق-در ه-و المطلوب من أصل المسألة إذا كان في المسألة ذو فرض سواء كان معه غيره أم لا، فإن لم يكن في الجميع ذو فرض فأصل المال عدد رؤوسهم مع التساوي، كأربعة أولاد ذكور، وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثية، وكانوا يقتسمون مثل حظ الأنثيين، فاجعل لكلّ ذكر سهمين، ولكلّ أُنثى سهماً، فما اجتمع فهو أصل الفريضة. ثم إن انقسمت على الجميع بصحة فذاك، وإن انكسرت فسيأتي تفصيله.

قوله: «وإن انكسرت الفريضة فإما على فريق واحد أو أكثر، فالأول يضرب عددهم في أصل الفريضة، إن لم يكن بين نصيبهم وعددهم وفق» إلى آخره.

إذا انكسرت الفريضة على فريق واحد لم يعتبر من النسبة بين العدد والنصيب سوى التوافق والتباين؛ لأنا نحتاج إلى تصعيد المسألة على وجه ينقسم على المنكسر عليه

ص: 510

وإن كان بين النصيب والعدد وفق فاضرب الوفق من عددهن- لا من النصيب - في الفريضة، مثل: أبوين وست بنات للبنات أربعة لا تنقسم عليهن على صحة والنصيب يوافق عددهن بالنصف، فتضرب نصف عددهن - وهو ثلاثة - في الفريضة - وهى ستة - فتبلغ ثمانية عشر. وقد كان للأبوين من الأصل سهمان ضربتهما في ثلاثة فكان لهما ستة، وللبنات من الأصل أربعة فضربتها في ثلاثة فاجتمع لهنّ اثنا عشر، لكل بنت سهمان.

--------------

بغير كسر، واعتبار التداخل يوجب إبقاء الفريضة على حالها، فلا يحصل ،الغرض، فيقتصر على اعتبار النسبة بين نصيب من انكسر عليه وعدد رؤوسهم، فإن كانا متباينين ضربت عدد رؤوسهم في أصل الفريضة، فما اجتمع صحت منه المسألة.

مثاله: زوج وأخوان، هي من اثنين للزوج واحد، يبقى واحد لا يصح عليهما، ولا موافقة، فيضرب عددهما في أصل الفريضة يبلغ أربعة، ومنها تصح.

وفي مثال المصنف أصل الفريضة ستة؛ لأنّ فيها من الفروض سدساً وثلثين، ومخرج الثلثين يداخل مخرج السدس، فأصل الفريضة مخرج السدس، للأبوين منها اثنان ينقسم عليهما، وللبنات أربعة لا ينقسم على عددهن صحيحاً وتباينه؛ لأنك إذا أسقطت الأربعة من الخمسة بقي واحد، فتضرب عددهن - وهو خمسة - في أصل الفريضة يبلغ ثلاثين، للأبوين عشرة، وللبنات عشرون لكلّ واحدة أربعة.

ومثال التوافق: أخوان لأُمّ مع ستة لأب أو ثمانية، للأخوين الثلث اثنان، وللإخوة الباقي أربعة توافق عددهم وهو الستة - بالنصف؛ لأنك إذا أسقطت الأربعة منها بقي اثنان وهما يفنيان الأربعة، فتضرب الوفق من عددهم - وهو ثلاثة - في أصل الفريضة يبلغ ثمانية عشر، للإخوة منها اثنا عشر لكلّ واحد اثنان .

ولو كانوا ثمانية فالتوافق بالربع، ولا يعتبر هنا التداخل؛ لما ذكرناه من عدم حصول الغرض، فتضرب ربع عددهم - وهو اثنان - في أصل الفريضة يبلغ اثني عشر، للإخوة منها ثمانية تنقسم عليهم بغير كسر.

ص: 511

*وإن انكسرت على أكثر من فريق، فإما أن يكون بين سهام كلّ فريق وعدده وفق، وإما أن لا يكون للجميع وفق، أو يكون لبعض دون بعض.

ففى الأوّل يردّ كلّ فريق إلى جزء الوفق وفي الثاني يجعل كل عدد بحاله وفي الثالث تردّ الطائفة التي لها الوفق إلى جزء الوفق، وتبقى الأُخرى بحالها.

--------------

ولو كان عدد الإخوة اثني عشر فالموافقة بالربع، فتضرب ربع عددهم وهو ثلاثة - في أصل الفريضة يبلغ ثمانية عشر نصيبهم منها اثنا عشر على مقدار عددهم، ومثال المصنف (رحمه الله) واضح نظير مثالنا الأول.

قوله:

وإن انكسرت على أكثر من فريق

فإما أن يكون بين سهام كل فريق وعدده وفق، وإما أن لا يكون للجميع وفق أو يكون لبعض دون بعض إلى آخره.

إذا انكسرت الفريضة على أكثر من فريق، فإما أن يستوعب الكسر المجموع، أو يحصل على البعض الزائد على فريق - دون البعض. وعلى التقديرين: إما أن يكون بين سهام كلّ فريق وعدده وفق، أو يكون للبعض دون البعض، أو لا يكون للجميع وفق. فالصُوَر ست. وعلى التقادير الستة: إمّا أن تبقى الأعداد بعد إبقائها على حالها، أو ردّها إلى جزء الوفق، أو ردّ البعض وإبقاء البعض - متماثلة أو متداخلة أو متوافقة أو متباينة، ومضروب الستة في الأربعة أربعة وعشرون وقد يجتمع فيها الأوصاف، بأن يكون بعضها مبايناً لبعض وبعضها موافقاً وبعضها متداخلاً.

فهذه جملة أقسام المسألة، وقد أشار المصنف (رحمه الله) إلى أربعة أمثلة منها للصور الأربع الأخيرة، لكن ثلاثة منها مع مباينة العدد للنصيب، وواحدة مع موافقة بعض ومباينة بعض، ونحن نذكر ما يحتاج إليه من هذه الصور ممثلاً في قسمين:

الأوّل: أن يكون الكسر على الجميع، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: أن لا يكون هناك وفق بين نصيب كل فريق وعدده، وفيه أربع صُوَر:

الأولى: أن تكون الأعداد متماثلة كثلاثة إخوة من أب وثلاثة من أم أصل فريضتهم ثلاثة؛ لأنّ فيها ثلثاً، وهو فريضة كلالة الأُمّ، فثلثها واحد ينكسر على كلالة الأم، وثلثاها

ص: 512

ثم بعد ذلك إما أن تبقى الأعداد متماثلة أو متداخلةً أو متوافقةً أو متباينةً. فإن كان الأوّل اقتصرت على أحدهما وضربته في أصل الفريضة، مثل: أخوين لأب وأم، ومثلهما لأُمّ، فريضتهم من ثلاثة، لا تنقسم على صحة، ضربت

--------------

اثنان ينكسران أيضاً على إخوة الأب، وأعداد الإخوة متماثلة، فتكتفي بأحدها وتضربه في أصل الفريضة تبلغ تسعة، ثلاثة منها لإخوة الأُمّ كعددهم، وستة لإخوة الأب.

الثانية: أن تكون الأعداد متداخلة، كما لو كانت إخوة الأب ستة، فتقتصر على الستة، وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ثمانية عشر، ومنها تصح أيضاً، وكزوجتين وأربعة بنين، فريضتهم ثمانية، للزوجتين سهم لا ينقسم عليهما، وللبنين سبعة لا تنقسم أيضاً، ولا وفق بين الجميع بالمعنى الأخص وعدد الزوجات يداخل الأولاد، فتقتصر على الأربعة وتضربها في أصل الفريضة تبلغ اثنين وثلاثين أربعة منها للزوجتين، وثمانية وعشرون للأولاد، تنقسم على الجميع. الثالثة: أن تكون الأعداد متوافقةً، كما لو كان الإخوة من الأُمّ أربعة والإخوة من الأب ستة، فتضرب وفق أحدهما في مجموع الآخر وهو ثلاثة في أربعة، أو اثنان في ستة - يبلغ اثني عشر، ثم تضرب المرتفع في ثلاثة أصل الفريضة يبلغ ستة وثلاثين للإخوة من الأم اثنا عشر، وللإخوة من الأب أربعة وعشرون، وكلاهما ينقسم على فريقه بصحة، وكأربع زوجات مع ستة أولاد فريضتهم ثمانية، واحد للزوجات وسبعة للأولاد، فلا وفق بين النصيب والعدد فيهما، وعددهما متوافق بالنصف أيضاً، فتضرب اثنين في ستة ثم المرتفع في ثمانية يبلغ ستة وتسعين للزوجات اثنا عشر لكلّ واحدة ثلاثة، وللأولاد أربعة وثمانون لكلّ واحد أربعة عشر.

الرابعة: أن تكون الأعداد متباينة كتباين العدد والنصيب، كثلاثة إخوة لأم وأربعة لأب، فتضرب أحدهما في الآخر ثم المرتفع في ثلاثة يبلغ ستة وثلاثين، لكلالة الأُم اثنا عشر، ولإخوة الأب أربعة وعشرون.

النوع الثاني: أن يكون الكسر على الجميع، ولكن عدد البعض يوافق النصيب، وعدد

ص: 513

أحد العددين - وهو اثنان - في الفريضة - وهي ثلاثة - فصار ستة، للأخوين للأُمّ سهمان بينهما، وللأخوين للأب

[ والأُمّ] أربعة.

--------------

البعض لا يوافقه، وفيه الصور الأربع:

الأولى: أن تبقى الأعداد بعد ردّ الموافق إلى جزئه متماثلة، كزوجتين وستة إخوة لأب فريضتهم أربعة لا تنقسم على الفريقين، وللإخوة منها ثلاثة توافق عددهم بالثلث بالمعنى الأعم، فترد الستة إلى اثنين مماثل عدد الزوجات، فتقتصر على أحدهما وتضربه في أصل الفريضة يبلغ ثمانية، للزوجتين اثنان، وللإخوة ستة.

الثانية: أن تبقى الأعداد بعد الردّ متداخلة، كما لو كانت الزوجات أربعاً، فيداخلها الاثنان اللذان ردّ عدد الإخوة إليهما، فتجتزاً بالأكثر وتضربه في أصل الفريضة يبلغ ستة عشر للزوجات الأربع أربعة، وللإخوة الستة اثنا عشر.

الثالثة: أن تبقى الأعداد بعد الردّ ،متوافقة كزوجتين وستة إخوة من الأب وستة عشر من الأم، فريضتهم اثنا عشر، وهي الحاصل من ضرب أربعة مخرج الربع في ثلاثة مخرج الثلث. للزوجتين منها ثلاثة لا تنقسم، وهي مباينة لعددهما، وللإخوة من الأب خمسة، وهي مباينة لعددهم أيضاً، وللإخوة من الأُمّ أربعة، وهي توافق عددهم بالربع، فتردهم إلى أربعة جزء الوفق توافق عدد إخوة الأب بالنصف، فتضرب نصف أحدهما في الآخر، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة اثني عشر - يبلغ مائة وأربعة وأربعين، ولا يحتاج إلى النظر في عدد الزوجات لأنه إما موافق بالنصف أيضاً للأربعة الموجب لا طراح نصفه وهو الواحد، أو مداخل لها، فللزوجتين ستة وثلاثون، ولكلالة الأُم ثمانية وأربعون لكل واحد ثلاثة ولإخوة الأب ستون.

الرابعة: أن تبقى بعد الردّ متباينة، كما لو كانت الزوجات أربعاً، والإخوة من الأب خمسة، والإخوة من الأُمّ سنّة، نصيبهم من الفريضة أربعة توافق عددهم بالنصف، فتردّهم إلى ثلاثة، تقع المباينة بينها وبين الأربعة والخمسة، فتضرب ثلاثة في أربعة، ثمّ المرتفع في خمسة، ثمّ المجتمع -وهو ستون - في أصل الفريضة - وهو اثنا عشر - يبلغ سبعمائة

ص: 514

--------------

وعشرين، للزوجات منها مائة وثمانون لكلّ واحدة خمسة وأربعون، ولإخوة الأُمّ مائتان وأربعون لكلّ واحد أربعون ولإخوة الأب ثلاثمائة لكلّ واحد ستّون.

النوع الثالث: أن يكون بين نصيب كل فريق وعدده ،وفق، فتردكل فريق إلى جزء الوفق ثمّ تعتبر الأعداد، فتأتي فيها الصور الأربع:

الأولى: أن تبقى الأعداد بعد ردّها متماثلةً كست ،زوجات، ويتفق ذلك في المريض يطلق ثمّ يتزوج ويدخل ثمّ يموت قبل الحول، وثمانية من كلالة الأُمّ، وعشرة من كلالة الأب، فالفريضة اثنا عشر مخرج الربع والثلث، للزوجات ثلاثة توافق عددهن بالثلث، ولكلالة الأُمّ أربعة توافق عددهم بالربع، ولكلالة الأب خمسة توافق عددهم بالخمس، فترد كلاً من الزوجات والإخوة من الطرفين إلى اثنين؛ لأنهما ثلث الأول وربع الثاني وخمس الثالث، فتتماثل الأعداد، فتجتزأ باثنين وتضربهما في أصل الفريضة يبلغ أربعة وعشرين، فللزوجات ستة، ولإخوة الأم ثمانية، ولإخوة الأب عشرة، لكل واحد من الجميع سهم سهم.

الثانية: أن تبقى الأعداد بعد ردّها إلى جزء الوفق متداخلة، كالمثال الأوّل إلا أن الإخوة من الأُمّ ستة عشر، فنصيبهم يوافق عددهم بالربع أيضاً، فتردّهم إلى أربعة، والاثنان اللذان رجع إليهما عدد الزوجات والإخوة للأب يداخلانها، فتجتزاً بالأربعة وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ثمانية وأربعين للزوجات اثنا عشر، وللإخوة للأم ستة عشر عددهم، والباقي -وهو عشرون - للإخوة للأب.

الثالثة: أن تبقى الأعداد بعد ردّها إلى جزء الوفق متوافقة، كما لو كان الإخوة من الأم في المثال أربعة وعشرين توافق الأربعة بالربع، فيرجع عددهم إلى ستة، وإخوة الأب عشرين يوافق نصيبهم بالخمس، فيرجع عددهم إلى أربعة، وقد رجع عدد الزوجات إلى اثنين، فبين كلّ عدد وما فوقه موافقة بالنصف، فيسقط الاثنان، وتضرب اثنين في ستة، ثمّ المرتفع في اثني عشر يبلغ مائة وأربعة وأربعين، والقسمة واضحة.

ص: 515

*وإن تداخل العددان

فاطرح الأقل واضرب الأكثر في الفريضة، مثل إخوة ثلاثة لأُمّ وستة لأب، فريضتهم ثلاثة لا تنقسم على صحة، وأحد الفريقين نصف الآخر، فالعددان متداخلان فاضرب السنّة في الفريضة تبلغ ثمانية عشر، ومنه يصح.

--------------

الرابعة: أن تكون الأعداد بعد الردّ متباينة، كما لو كان الإخوة للأم اثني عشر، فيرجع عددهم بعد الردّ إلى ثلاثة، وإخوة الأب خمسة وعشرين، فيرجع عددهم إلى خمسة، فيبقى العدد اثنين مع ثلاثة وخمسة وهي متباينة، فتضرب اثنين في ثلاثة، ثمّ الستة في خمسة، ثم الثلاثين في اثني عشر، تبلغ ثلاثمائة وستين، والقسمة واضحة.

القسم الثاني: أن يكون الكسر على أكثر من فريق ولكن لم يستوعب الجميع، كثلاث زوجات، وثلاثة إخوة للأُمّ، وثلاثة للأب، الفريضة اثنا عشر، للزوجات ثلاثة لا تنكسر عليهن، وينكسر نصيب الإخوة من الطرفين عليهم وبين النصيب والعدد فيهما مباينة، والأعداد متماثلة، فتكتفي بأحدها وتضربه في أصل الفريضة يبلغ ستة وثلاثين، فمن كان له من الأصل شيء أخذه مضروباً في ثلاثة، فللإخوة من الأم اثنا عشر، وللإخوة من الأب خمسة عشر وللزوجات تسعة.

والصور الاثنا عشر آتية في هذا القسم، وأمثلتها سهلة بعد مراجعة ما ذكرناه من القواعد والأمثلة.

وكذلك لو كانت الأعداد بعد مراعاة النسبة مختلفة، فبعضها مباين لبعض، وبعضها موافق، إلى غير ذلك من الفروض التي تظهر مما ذكرناه بأدنى تغيير(1) .

قوله: «وإن تداخل العددان فاطرح الأقل واضرب الأكثر في الفريضة، مثل إخوة ثلاثة لأم وستة لأب».

هذا العدد - وهو الثلاثة والستة - متداخل، وهو متوافق أيضاً بالثلث، وأيضاً نصيب إخوة الأب-وهو اثنان- كما يصدق عليه أنه يداخل عددهم يصدق أنه يوافقه بالنصف، واعتبار كلّ واحد من المداخلة والموافقة صحيح إلّا أنّ اعتبار ما تقل معه الفريضة أولى؛ لعدم

ص: 516


1- في بعض النسخ والطبعة الحجرية: «تغيّر» وفي بعض النسخ: «تفكر» بدل «تغيير».
*وإن توافق العددان

فاضرب وفق أحدهما في عدد الآخر، فما ارتفع فاضربه أصل الفريضة، مثل: أربع زوجات وستة إخوة، فريضتهم أربعة لا تنقسم صحاحاً، وبين الأربعة والستة وفق وهو النصف، فتضرب نصف أحدهما- وهو اثنان - في الآخر وهو ستة - تبلغ اثني عشر، فتضرب ذلك في أصل الفريضة - وهي أربعة - فما ارتفع صحت منه القسمة. وإن تباين العددان فاضرب أحدهما في الآخر، فما اجتمع فاضربه في الفريضة، مثل: أخوين من أم وخمسة من أب فريضتهم ثلاثة لا تنقسم على صحة، ولا وفق بين العددين ولا تداخل، فاضرب أحدهما في الآخر تكن عشرةً، ثم اضرب العشرة في أصل الفريضة - وهي ثلاثة - فما ارتفع فمنه تصح.

--------------

الفائدة في زيادتها مع إمكان صحتها ممّا دون ذلك.

فعلى ما اعتبره المصنف (رحمه الله) من المداخلة تصح من ثمانية عشر، وعلى ما اعتبرناه من الموافقة يرجع عدد الإخوة للأب إلى ثلاثة؛ لأن بين نصيبهم وعددهم تواف-ق-اً بالنصف، فيماثل عدد إخوة الأُمّ، فتقتصر على أحدهما وتضربه في أصل الفريضة يبلغ تسعة، ومنها يصح لكلّ واحد من الإخوة واحد، فكان الاعتبار به أولى.

قوله: «وإن توافق العددان فاضرب وفق أحدهما في عدد الآخر» إلى آخره.

هذا أيضاً كما يصح جعله من قسم(1) المتوافق؛ نظراً إلى تداخل نصيب الإخوة مع عددهم واعتبار نسبة أحد العددين إلى الآخر، يصح جعله مثالاً لتداخل الأعداد؛ لأنّ بين نصيب الإخوة وعددهم توافقاً بالثلث بالمعنى الأعم، فترد عددهم إلى اثنين، فيداخل عدد الزوجات، فتقتصر على عددهن به، وتضربه في أصل الفريضة يبلغ ستة عشر للزوجات الأربع أربعة وللإخوة اثنا عشر. وهذا أولى مما اعتبره المصنف (رحمه الله) وأخصر فريضة؛ لأنّها على فرضه تكون من ثمانية وأربعين.

ص: 517


1- في :«م»: «قسیم» بدل .«قسم»
تتمة فی بیان اقسام العددین

* العددان إما متساويان أو مختلفان والمختلفان إما متداخلان أو متوافقان أو متباينان .

فالمتداخلان هما اللذان يفني أقلّهما الأكثر ، إما مرتين أو مراراً، ولا يتجاوز الأقل نصف الأكثر. وإن شئت سمّيتهما بالمتناسبين، كالثلاثة بالقياس إلى الستة والتسعة وكالأربعة بالقياس إلى الثمانية والاثني عشر.

--------------

قوله: «العددان إما متساويان أو مختلفان. والمختلفان إما متداخلان أو متوافقان أو متباینان ».

هذه التتمة من جملة المقدّمات التي تشتد إليها الحاجة لحساب الفرائض، وكان تقديمها على القسم السابق أولى؛ لتوقف حساب مسائله عليها.

ومحصلها : أنّ كلّ عددين إما متماثلان كثلاثة وثلاثة وخمسة وخمسة، أو غير متماثلين وهما المختلفان، فإما أن يفنى الأكثر بالأقل إذا أسقط منه مرتين فصاعداً، كالثلاثة التسعة والخمسة مع العشرة، أو لا يفنى به، فإن كان الأوّل سمّيا متداخلين، والمعنى أنّ أحدهما داخل والآخر مدخول فيه، وإن كان الثاني، فإما أن يفنيهما جميعاً عدد ثالث، كالستة مع العشرة يفنيهما الاثنان وكالتسعة مع الاثني عشر يفنيهما الثلاثة، والثمانية والاثني عشر يفنيهما الأربعة والعشرة والخمسة عشر يفنيهما الخمسة، أو لا يفنيهما عدد آخر، وإنّما يفنيان بالواحد، فإن كان الأوّل سمّيا متوافقين، وإن كان الثاني سمّيا متباينين.

وقد ظهر من هذا أنّ كلّ متداخلين متوافقان؛ لأنّ الأقل إذا أفنى الأكثر كانا متوافقين بأجزاء ما في العدد الأقلّ من الآحاد كالخمسة فإنّها تفني العشرة، فهما متوافقان بالخمس.

فإذا أردت أن تعلم أن أحد العددين هل يدخل في الآخر؟ فأسقط الأقل من الأكثر مرتين فصاعداً، أو زد على الأقل مثله مرتين فصاعداً، فإن فني الأكثر بالأقل أو ساوى الأقل الأكثر بزيادة الأمثال فهما متداخلان، وإلا فلا.

ص: 518

والمتوافقان هما اللذان إذا أسقط أقلهما من الأكثر مرّةً أو مراراً بقي أكثر من واحد، كالعشرة والاثني عشر، فإنّك إذا أسقطت العشرة بقى اثنان، فإذا أسقطتهما

--------------

وإن أردت أن تعلم هل هما متوافقان؟ فأسقط الأقل من الأكثر ما أمكن، فما بقي فأسقطه من الأقلّ، فإن بقي منه شيء فأسقطه ممّا بقي من الأكثر ، ولا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه أخيراً، فإن فني بواحد فلا موافقة بينهما، وإن فني بعدد فهما متوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد، فإن فني باثنين فهما متوافقان بالنصف، وإن فني بثلاثة فبالثلث، وإن فني بعشرة فبالعشر، وإن فني بأحد عشر فبأجزاء أحد عشر، وعلى هذا القياس.

مثاله : أحد وعشرون وتسعة وأربعون تسقط الأقل من الأكثر مرّتين تبقى سبعة، تسقط السبعة من الأقل ثلاث مرات يفنى بها، فهما متوافقان بالأسباع، وكمائة وعشرين ومائة وخمسة وستين، تسقط الأوّل من الثاني تبقى خمسة وأربعون، تسقطها من المائة والعشرين مرتين تبقى ثلاثون، تسقطها من الخمسة والأربعين تبقى خمسة عشر، تسقطها من الثلاثين مرتين تفنى بها الثلاثون، فهما متوافقان بجزء من خمسة عشر.

ثمّ تنبه لأُمور:

الأوّل: لو فني العددان بأكثر من عدد واحد فهما متوافقان بجميع ما يفنيان به، لك--ن المعتبر في الوفق هنا جزء ما في تلك الأعداد من الآحاد، وهو أدق كسر منها، كما في اثني عشر وثمانية عشر؛ فإنّه يفنيهما السنّة والثلاثة والاثنان فتوافقهما بالسدس والثلث والنصف، والاعتبار في العمل بالجزء الدقيق وهو السدس وفي العشرة والعشرين تفنيهما العشرة والخمسة والاثنان فيعتبر في توافقهما العشر؛ لأنّه أقلّ للفريضة وأسهل في ،الحساب وعلى هذا القياس .

الثاني: يطلق المتوافقان على معنيين:

أعم: وهو ما ذكرناه، وهو الذي عرفه به المصنّف (رحمه الله) من أنهما العددان اللذان إذا أسقط أقلهما من الأكثر مرّةً أو مراراً بقي أكثر من واحد، فيشمل المتداخلين كالأربعة والثمانية؛ فإنّهما يعدّهما الأربعة والاثنان ويعتبر فيهما الأربعة، وغير المتداخلين كالأربعة

ص: 519

من العشرة مراراً فنيت بها فإذا فضل بعد الإسقاط اثنان فهما يتوافقان بالنصف ولو بقي ثلاثة فالموافقة بالثلث، وكذا إلى العشرة.* ولو بقي أحد عشر فالموافقة بالجزء منها.

والمتباينان هما اللذان إذا أسقط الأقل من الأكثر مرّةً أو مراراً بقي واحد مثل: ثلاثة عشر وعشرين، فإنّك إذا أسقطت ثلاثة عشر بقى سبعة، فإذا أسقطت سبعةً من ثلاثة عشر بقي ستة، فإذا أسقطت ستة من سبعة بقي واحد.

--------------

والستة، فإنّه يعدّهما الاثنان، وعلى هذا فكلّ متداخلين متوافقان، ولا ينعكس.

وأخص وهما العددان اللذان يعدّهما ثالث ولا يعدّ أقلهما الأكثر، سواء تجاوز الأقل نصف الأكثر كأربعة وستة أم لا ، كثمانية وعشرين؛ فإنّ بينهما توافقاً بالربع بالمعنى الأخص مع قصور الثمانية عن نصف العشرين، وعلى هذا فالمتداخلان غير متوافقين، وهو الذي اعتبره المصنّف (رحمه الله) في الأمثلة، لكن تعريفه لا يطابقه، والعذر ما أشرنا إليه من إطلاق المعنيين عليهما، فيصح اعتبارهما بكلّ منهما وإن كان ما يقتضي اختصار الحساب أولى.

الثالث: جعل المصنّف (رحمه الله) المتوافقين قسيماً للمتداخلين إنما يصح إذا اعتبرنا التوافق بالمعنى الأخصّ؛ لأنّ قسيم الشيء خارج عنه، وقد جعلهما معاً قسمين للمختلفين وقسيمين في أنفسهما، ولا يكون كلّ منهما خارجاً عن الآخر إلا على تفسير المتوافقين بالمعنى الأخص، أما على ما اعتبره(1) من المعنى الأعم فالمتداخلان داخلان في المتوافقين، فلا يصح جعلهما قسمين (2)لهما، والمصنف رحمه الله في تعريفه ما اعتبر المتوافقين إلا بالمعنى الأعم، فلا يكون التقسيم صحيحاً.

قوله: «ولو بقي أحد عشر فالموافقة بالجزء منها».

الضابط أنّ العددين متى أفناهما عدد والمراد به ما فوق الواحد ؛ لأنّ الواحد لا يدخل في اسم العدد - فالموافقة بينهما بجزء ذلك العدد، فإن كان اثنين فبالنصف، أو ثلاثة

ص: 520


1- في الحجريّتين: «اعتبرناه» بدل «اعتبره».
2- في الحجريتين: «قسیمین» بدل «قسمين».
القسم الثاني: أن تكون الفريضة قاصرة عن السهام

ولن تقصر إلا بدخول الزوج أو الزوجة، مثل: أبوين وبنتين فصاعداً مع زوج أو زوجة، أو أبوين وبنت وزوج أو أحد الأبوين وبنتين فصاعداً مع زوج فللزوج أو الزوجة في هذه المسائل نصيبهما الأدنى، ولكلّ واحد من الأبوين السدس، وما يبقى فللبنت أو البنتين فصاعداً. ولا تعول الفريضة أبداً.

--------------

فبالثلث، أو عشرة فبالعشر، والموافقة في هذه وما بينهما بأحد الكسور المفردة التسعة.

وإن كان العدد الذي يفنيهما ممّا فوق العشرة، فإن كان مضافاً، كالاثني عشر والأربعة عشر والخمسة عشر فالموافقة بذلك الكسر المضاف المنسوب إليه الجزء كنصف السدس الأوّل، ونصف السبع في الثاني، وثلث الخمس في الثالث.

وإن كان العدد أصم لا يرجع إلى كسر منطق ولا إلى جزئه، كأحد عشر وثلاثة عشر وسبعة عشر وتسعة عشر وثلاث وعشرين فالموافقة بجزء من ذلك العدد كاثنين وعشرين وثلاثة وثلاثين؛ فإنّه لا يعدّهما إلا أحد عشر، فالموافقة بينهما بجزء من أحد عشر، فتردّ أحدهما إليه وتضربه في الآخر، فتضرب اثنين في ثلاثة وثلاثين أو ثلاثة في اثنين

وعشرين، وكثلاثة عشر وستة وعشرين فالموافقة بينهما بجزء من ثلاثة عشر فتضرب اثنين في ثلاثة عشر ، وهكذا.

ويتفق ذلك في مثل ما لو خلف أحد عشر أخاً لأب مثلاً، واثنين وعشرين أخاً لأُمّ،

ففريضتهم ثلاثة تنكسر على الفريقين ويباين عددهم نصيبهم وبين العددين توافق بالجزء من أحد عشر، فترد الأحد عشر إلى واحد وتضربه في الاثنين والعشرين لا يتغير، أو ترد الاثنين والعشرين إلى اثنين وتضربهما في أحد عشر يبلغ اثنين وعشرين، تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستة وستين، لكلالة الأُمّ اثنان وعشرون، ولكلالة الأب أربعة وأربعون وهكذا.

وفي عدد الإخوة من الأب والأم يسهل التمثيل لجميع أجزاء الوفق، فيتصوّر فيهم الوفق بالنصف في مثل أربعة من أب وستة من أم، وبالثلث في ثلاثة وستة أو ستة وتسعة، وبالربع في أربعة وثمانية أو ثمانية واثني عشر، وبالخمس في خمسة وعشرة، وبالسدس في

ص: 521

وكذا أخوان لأُمّ وأُختان فصاعداً لأب وأم أو لأب مع زوج أو زوجة، أو أحد كلالة الأُمّ مع أخت وزوج، ففي هذه المسائل يأخذ الزوج أو الزوجة نصيبهما الأعلى، ويدخل النقص على الأخت أو الأخوات للأب والأم أو للأب خاصةً. *فإن انقسمت الفريضة على صحة ، وإلا ضربت سهام من انكسر عليهن النصيب في أصل الفريضة.

مثال الأوّل: أبوان وزوج وخمس بنات فريضتهم اثنا عشر للزوج ثلاثة وللأبوين أربعة، ويبقى خمسة للبنات بالسوية.

*ومثال الثاني: كان البنات ثلاثاً، فلم تنقسم الخمسة عليهن، ضربت ثلاثة في أصل الفريضة، فما بلغت صحت منه المسألة.

--------------

اثني عشر وثمانية عشر، وبالسبع في سبعة وأربعة عشر ، وهكذا، وبقية العمل واضح بعد ما قد أوضحناه لك من الأمثلة.

قوله : «فإن انقسمت الفريضة على صحة - إلى قوله - فريضتهم اثنا عشر».

لأنّ فيها من الفروض ربعاً وسدساً وهما متوافقان بالنصف، فتضرب نصف الأربعة في ستة يبلغ اثني عشر، ومخرج الثلثين نصيب البنات لو اعتبر به ولم يراع(1) النقص الداخل فهو داخل في مخرج السدس.

قوله: «ومثال الثاني: كان البنات ثلاثاً، فلم تنقسم الخمسة عليهن».

هذا من أمثلة ما لو انكسر على فريق واحد وبين عدده ونصيبه تباين، فتقتصر على عدده -وهو ثلاثة - وتضربه في أصل الفريضة، وكذا لو كن أربعاً أو ستاً إلى التسع.

ولو كنّ عشراً وافق عددهن نصيبهن بالخمس، فتردّ عددهن إلى اثنين وتضربهما في أصل الفريضة يبلغ أربعة وعشرين تبقى للبنات بعد ذوي الفروض عشرة بعددهن.

ولو كن خمس عشرة وافق عددهن نصيبهن بالخمس أيضاً، فترده إلى ثلاثة وتضربها في

ص: 522


1- ما أثبتناه من «م» والحجريّتين، وفي سائر النسخ: «لو اعتبرته ولم تراع» بدل «لو اعتبر به ولم يراع».
القسم الثالث: أن تزيد الفريضة عن السهام

فتردّ على ذوي السهام، عدا الزوج والزوجة والأم مع الإخوة، على ما سبق.

*أو يجتمع مَنْ له سببان مع مَنْ له سبب واحد، فذو السببين أحق بالرد ،

* مثل أبوين وبنت، فإذا لم يكن إخوة فالرد أخماساً ، وإن كان إخوة فالرد أرباعاً، تضرب مخرج سهام الردّ في أصل الفريضة، ومثل أحد الأبوين وبنتين فصاعداً، فالفاضل يرد أخماساً، فتضرب خمسة في أصل الفريضة.

*ومثل واحد من كلالة الأُمّ مع أخت لأب، فالرد عليهما -على الأصح - أرباعاً. ومثل اثنين من كلالة الأُمّ مع أخت لأب، فإنّ الرد يكون أخماساً، تضرب خمسة في أصل الفريضة، فما ارتفع صحت منه القسمة.

--------------

أصل الفريضة، تكمل لهنّ خمسة عشر بعددهن، وعلى هذا القياس.

قوله: «أو يجتمع من له سببان مع من له سبب واحد».

كالأُخت من الأبوين مع الإخوة للأُمّ.

قوله: «مثل أبوين وبنت».

هذا مثال ما إذا زادت الفريضة عن السهام وردّ الفاضل عليهم من غير أولوية، أصل فريضتهم ستة مخرج السدس؛ لدخول مخرج النصف فيه، والفاضل عن الفروض- وهو واحد - إن ردّ على الجميع ضربت خمسة سهام الردّ في ستة، وإن ردّ على الأب والبنت خاصة؛ لوجود الحاجب عنه للأُمّ، ضربت أربعة في ستة.

قوله: «ومثل واحد من كلالة الأُمّ مع أخت لأب، فالردّ عليهما - على الأصح - أرباعاً».

وقيل: يختص الزائد بالأخت للأب(1). وقد تقدّم البحث في ذلك(2).

ص: 523


1- قاله الشيخ في النهاية، ص 638: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 136؛ والحلبي في الكافي في الفقه ص 371 - 372
2- تقدم في ص 390.

المقصد الثاني* في المناسخات

تعریف المناسخات

ونعني به أن يموت إنسان فلا تقسّم تركته ، ثم يموت بعض وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد، فطريق ذلك أن تصحح مسألة الأوّل، ويجعل للثاني من ذلك نصيب إذا قسّم على ورثته صح من غير كسر.

* فإن

كان ورثة الثاني هم ورثة الأوّل

من غير اختلاف في القسمة كان كالفريضة الواحدة، مثل: إخوة ثلاثة وأخوات ثلاث من جهة واحدة، مات أحد الإخوة ثم مات الآخر ثم ماتت إحدى الأخوات ثم ماتت أُخرى وبقي أخ وأخت، فمال الموتى بينهما أثلاثاً أو بالسوية.

--------------

قوله: «في المناسخات، ونعني به أن يموت إنسان فلا تقسم إلى قوله من أصل واحد».

المناسخات جمع مناسخة وهي مفاعلة من النسخ وهو النقل والتحويل، تقول: نسخت الكتاب، إذا نقلته من نسخة إلى أخرى. سمّيت هذه المسائل بها لأنّ الأنصباء بموت الميت الثاني تنسخ وتنتقل من عدد إلى عدد وكذا التصحيح ينتقل من حال إلى حال، وكذا عدد مجموع الورثة ينتقل من مقدار إلى مقدار بموت واحد منهم. وقد يطلق على الإبطال ومنه نسخت الشمس الظلّ إذا أبطلته. ووجهه هنا أنّ الفرض أبطل تلك القسمة وتعلّق غرضه بغيرها وإن اتفق موافقة الثانية للأولى .

قوله: «فإن كان ورثة الثاني هم ورثة الأوّل» إلى آخره.

الضابط أنّه مع انحصار ورثة الثاني في الباقين وكان الإرث الثاني على حسب إرثهم في الأوّل، يجعل الميت الثاني كأن لم يكن وتقسم التركة على الباقين، كما لو مات الأوّل عن إخوة وأخوات من أب أو أمّ، سواء كانوا كلّهم ذكوراً أم إناثاً أم متفرقين، وسواء مات الثاني والثالث من صنف واحد أم من الصنفين، وسواء اتحدت جهة الاستحقاق- كما ذكرناه في الإخوة - أم اختلفت كما لو مات شخص عن بنين وبنات ثم مات أحدهم ولم يترك وارثاً سوى باقي إخوته وهكذا.

ص: 524

*ولو اختلف الاستحقاق أو الوراث

أو هما فانظر نصيب الثاني، فإن نهض بالقسمة على الصحة فلا كلام مثل أن يموت إنسان ويترك زوجةً وابناً وبنتاً، فللزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين ثم تموت الزوجة فتترك ابناً وبنتاً.

--------------

واحترزنا بكون إرث الباقين على حسب إرثهم في الأوّل عمّا لو ماتت امرأة عن أولاد مختلفى الآباء، فكان واحد منهم من أب - مثلاً - والباقون من أب آخر؛ فإن مالها للجميع بالسوية أو للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا مات واحد من الإخوة للأب والأم وترك الباقين فإنّ إرثه منحصر فيهم، لكن إرثهم من الأخ ليس على حسب إرثهم من الأُمّ. فإنّ الأخ من الأُمّ له السدس والإخوة من الأبوين لهم الباقي، فيكون الحكم هنا كما لو اختلف الوارث.

قوله: «ولو اختلف الاستحقاق أو الوراث أو هما فانظر نصيب الثاني» إلى آخره.

يفهم من قوله «ولو اختلف الاستحقاق أو الوراث» أنّ الصورة الأولى اتحد فيها الوارث والاستحقاق، وليس كذلك؛ فإنّ عدد الوارث في الأولى نقص عنه في الثانية فلم يتحد.

والأولى في تقسيم المسألة إلى الحالتين أن يقال -كما أشرنا إليه في الأولى -: إنه إما أن ينحصر ورثة الميت الثاني في الباقين، ويكون الإرث من الثاني على حسب إرثهم من الأوّل، وهي الحالة الأ الحالة الأولى، أو لا يكون كذلك، بأن لا ينحصر ورثة الثاني في الباقين، أو ينحصر ولكن اختلف مقدار الاستحقاق، وهي الحالة الثانية، ثم عدم انحصار ورثة الثاني من الباقين إما لأن الوارث غيرهم، أو لأنّ غيرهم يشركهم.

والمراد باختلاف الاستحقاق ما أشرنا إليه سابقاً من إرث الإخوة الذين أحدهم من الأم؛ فإنّ الوارث في الثانية هو الباقون من وارث الأولى، لكن اختلف الاستحقاق، فاحتيج إلى تصحيح المسألة الثانية أيضاً، بخلاف ما لو كان الوارث هو الباقون مع بقاء الاستحقاق على حاله، كما إذا كان الأخوّة من جهة واحدة. ولا فرق على الحالتين بين اتحاد جهة الاستحقاق كالإرث بالبنوة والأخوة، أو اختلافه كالإرث في الأولى بالبنوة وفي الثانية بالأخوة، كما في الفرض الذي ذكرناه.

ص: 525

--------------

ومثال اختلاف الوارث في المسألتين إما في الجميع، فكما لو خلف الأوّل أولاداً ثم مات أحدهم وخلّف أولاداً أيضاً، أو فى البعض، كما لو خلف الأوّل زوجة وأولاداً من الزوجة ثم مات أحد الأولاد عن أولاد وعن أُمه وهي الزوجة المذكورة.

ومع اختلاف الوارث قد يختلف الاستحقاق على الوجه الذي ذكرناه، كالمثال الثاني بواسطة دخول الأُمّ، وقد لا يختلف كالأول؛ فإنّ إرث الثاني بالبنوة على حسب إرثهم في الأول للذكر مثل حظ الأنثيين.

وبعضهم (1)فسّر الاستحقاق بجهته من بنوّة وأخوة ونحوها، فجعل الوارث في الأمرين متى كان بالأُخوة أو بالبنوة، فالاستحقاق واحد وإن اختلف الوارث، ومتى كان أحدهما بالبنوة والثاني بالأخوة - مثلاً - فالاستحقاق مختلف وإن كان الوارث الثاني منحصراً في الباقين من الأول.

وهذا التعريف لا يطابق قسمة المناسخات في الحالتين معاً على إطلاقه؛ لأنه يستلزم أن يكون مع اختلاف جهة الإرث مطلقاً يحتاج إلى البحث عن الفريضة الثانية ولا يكتفى بالأُولى، وهو ينتقض بما لو مات الأوّل عن أولاد ثم مات بعضهم عن الباقين، فإنّ جهة الاستحقاق في الأولى بالبنوة وفي الثانية بالأخوة، مع أن هذه لا تفتقر إلى تصحيح الفريضتين كما قرّرناه، بل يجعل الميت الثاني كأن لم يكن كما لو كان الأوّل قد ترك إخوته ثم مات إخوة الآخر، ولا يقدح اختلاف جهة الإرث بالبنوة والأخوة في ذلك أصلاً.

وفي هذه الصورة - وهي كون الإرث بالأُخوة في الصورتين - الوارث مختلف؛ لأنه في الأولى زائد عن الثانية بالميت والوارث الثاني بعض الأوّل، والجزء مغاير للكل، فيلزم على هذا أن يحتاج إلى البحث عن حال الفريضتين كما في الحالة الثانية، وليس كذلك.

ص: 526


1- كالصيمري في غاية المرام، ج 4، ص 210.

فإن لم ينقسم نصيبه على وارثه على صحة فهنا صورتان :

صور من المناسخات

[الصورة ]الأولى: • أن يكون بين نصيب الميت الثاني من فريضة الأوّل والفريضة الثانية وفق فتضرب وفق الفريضة الثانية - لا وفق نصيب الميت الثاني - في الفريضة الأولى، فما بلغ صحت منه الفريضتان.

مثل أخوين من أُمّ ومثلهما من أب وزوج، ثمّ مات الزوج وخلّف ابناً وبنتين، فالفريضة الأولى ستة تنكسر فتصير إلى اثني عشر، نصيب الزوج ستة لا تنقسم على أربعة، ولكن توافق الفريضة الثانية بالنصف، فتضرب جزء الوفق من الفريضة الثانية - وهو اثنان، لا من النصيب - في الفريضة الأُولى - وهي اثنا عشر - فما بلغت صحت منه الفريضتان وكلّ مَنْ كان له من الفريضة الأولى شي. أخذه مضروباً في اثنين.

--------------

ولو فرض الحالتين كما قررناه سابقاً لسلم من المحذورين، لكن على هذا جرى الأكثر.

قوله: «أن يكون بين نصيب الميت الثاني - إلى قوله - صحت منه الفريضتان».

ولو أردت معرفة نصيب كلّ واحد من الورثة ممّا حصل من الضرب فاعلم أن من له شيء من المسألة الأولى يأخذه مضروباً فيما ضربته في المسألة الأولى، وهو تمام المسألة الثانية أو وفقها ومن له شيء من المسألة الثانية يأخذه مضروباً في نصيب الميت الثاني من المسألة الأولى، وفي وفق النصيب إن كان بين نصيبه ومسألته موافقة(1).

أمثلة ذلك:

فمنها: ما ذكره المصنف، وهو أخوان لأُمّ ومثلهما لأب وزوج، ثم مات الزوج وخلف ابناً وبنتين، فالفريضة الأولى ستة؛ لأن فيها نصفاً وثلثاً، ومضروب أحد مخرجيهما(2)في الآخر

ص: 527


1- في الطبعة الحجرية: «توافق» بدل «موافقة».
2- في «م» والحجريّتين: «مخرجها» بدل «مخرجيهما».

--------------

ستة، للزوج ثلاثة وللأخوين من الأمّ اثنان فلاكسر، وللأخوين من الأب واحد ولهما سهمان فتضربهما في أصل الفريضة يبلغ اثني عشر للزوج منها ستة، لا تنقسم على ورثته بصحة، وفريضتهم أربعة توافق نصيبه بالنصف، فتضرب وفق الفريضة الثانية -وهو اثنان - في الفريضة الأولى تبلغ أربعة وعشرين، فللأخوين من الأُمّ أربعة من الفريضة الأُولى، يأخذانها مضروبة فيما ضربته في المسألة الأولى - وهو اثنان - تبلغ ثمانية، وهو ثلث الفريضة، وللأخوين من الأب من الأولى اثنان يأخذانهما مضروبين في اثنين، وللزوج ستة يأخذها مضروبة في اثنين، ثم ابن الزوج له نصف فريضة، وهو ثلاثة من نصيب أبيه في الأولى، يأخذها مضروبةً في وفق نصيبه ومسألته وهو اثنان، وللبنتين النصف تأخذان الثلاثة مضروبةً في اثنين كذلك.

ومنها: أن يخلف الأخ من الأُمّ في المثال ابناً وبنتين، نصيبهم اثنان، وفريضتهم من أربعة، وبينهما توافق بالنصف، فتضرب نصف الفريضة - وهو اثنان - في الفريضة الأُولى يبلغ أربعة وعشرين أيضاً، والقسمة واضحة.

ومنها: أن يخلّف الأوّل أبوين وابناً ثمّ يموت الابن عن ابنين وبنتين، فريضة الأوّل من ستة، للابن منها أربعة، وفريضته(1) من ستة أيضاً، وهي توافق نصيبه بالنصف، فتضرب نصف فريضته - وهو ثلاثة - في أصل الفريضة يبلغ ثمانية عشر له منها اثنا عشر، تنقسم بين ورثته على صحة، وللأبوين ستة.

ومنها: أن يخلف الابن في المثال زوجةً وولداً، فريضته ثمانية توافق نصيبه بالربع، فتضرب ربع الفريضة - وهو اثنان في الفريضة الأولى يبلغ اثني عشر له منها ثمانية بمقدار فريضته المطلوبة، وعلى هذا القياس.

ص: 528


1- في الحجريتين: «وفريضة الثاني» بدل «وفريضته».

الصورة الثانية: * أن يتباين النصيب والفريضة، فتضرب الفريضة الثانية في الأولى، فما بلغ صحت منه الفريضتان، وكلّ من كان له من الفريضة الأُولى شيء أخذه مضروباً في الثانية.

مثل: زوج واثنين من كلالة الأُم وأخ [ من أب] ثم مات الزوج وترك ابنين وبنتاً، فريضة الأوّل من ستة، نصيب الزوج ثلاثة لا تنقسم على خمسة ولا توافق، فاضرب الخمسة في الفريضة الأولى، فما بلغ صحت منه الفريضتان.

*ولو كانت المناسخات أكثر من فريضتين

نظرت في الثالثة، فإن انقسم نصيب الثالث على ورثته على صحة، وإلّا عملت في فريضته مع الفريضتين ما عملت في فريضة الثاني مع الأول. وكذا لو فرض موت رابع أو ما زاد على ذلك.

--------------

قوله: «أن يتباين النصيب والفريضة» إلى آخره.

إنما كانت الأولى من ستة؛ لأن فيها ثلثاً ونصفاً، ولا يقال: إن فيها سدساً ونصفاً والنصف داخل فيه؛ لأنّ كلالة الأم مع التعدّد فريضتهم الثلث وإن اتفق أن لكل واحد منهم سدساً على تقدير كونهم اثنين، فإنّ ذلك اتفاقي، وباقي المثال واضح.

ولو ترك الزوج ابنين فكذلك، لكن هنا فريضته اثنان تضربهما في الأولى، فله ستة في الثانية، مضروب الثلاثة نصيبه من الأولى في اثنين، وللأخوين من الأُمّ أربعة، مضروب اثنين في اثنين وللأخ من الأب اثنان.

ومثل أبوين وابن ثمّ ترك الابن ابنين وبنتاً أو ابناً وبنتاً، ففريضة الأوّل سنّة كالسابقة، للابن أربعة، وفريضته في الأول خمسة تباين نصيبه، فتضرب فريضته في الفريضة الأُولى تبلغ ثلاثين، فيأخذ ورثته الأربعة مضروبةً في خمسة، وهو عشرون، وفي الثاني فريضته ثلاثة تباين الأربعة أيضاً، فتضرب ثلاثة في ستة تبلغ ثمانية عشر، له منها اثنا عشر بين الابن والبنت أثلاثاً، وهكذا قس ما يرد عليك من الأمثلة.

قوله: «ولو كانت المناسخات أكثر من فريضتين نظرت في الثالثة» إلى آخره.

يمكن فرض ذلك بأقسامه في المثال السابق، بأن يموت أحد ولدي الزوج، فإنّ نصيب

ص: 529

المقصد الثالث . في معرفة سهام الوزاث من التركة

طريق آخر لمعرفه سهام الوارث

*فللناس في ذلك طرق، أقربها أن تنسب سهام كلّ وارث من الفريضة، وتأخذ له من التركة بتلك النسبة، فما كان فهو نصيبه منها.

--------------

الولد المذكور من نصيب أبيه ستة من خمسة عشر، فهذه مناسخة ثالثة. فإن خلف ابنين وبنتين، أو ستة أولادمتساوين ذكوريّةً وأنوثيّةً ونحو ذلك انقسمت فريضته من سهمه بغير كسر.

وإن خلف ابناً وبنتين كانت فريضته من أربعة وهي توافق نصيبه بالنصف، فتضرب نصف فريضته - وهو اثنان - فيما اجتمع من المسألتين وهو ثلاثون - يبلغ ستين، وتكمل العمل(1) ، وكلَّ مَنْ كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في اثنين .

وإن خلف ابنين وبنتاً باينت فريضته - وهي خمسة - لنصيبه - وهو ستة - فتضرب فريضته في ثلاثين تبلغ مائة وخمسين ومَنْ كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً فى خمسة. ولو فرض موت آخر من هذه الأولاد فهي رابعة، فتعتبر فريضته ونصيبه، وتعمل كما عملت سابقاً، وهكذا.

قوله: «في معرفة سهام الوراث من التركة».

هذا المقصد هو ثمرة حساب الفرائض، فإنّ المسألة قد تصح من مائة - مثلاً - والتركة ثلاثة دراهم أو درهم فلا يتبين ما يصيب كلّ وارث إلا بعمل آخر، وبيانه بهذه الطرق ونحوها.

واعلم أنّ التركة إن كانت عقاراً فهو مقسوم على ما صحت منه المسألة، ولا يحتاج إلى عمل آخر. ويمكن مع ذلك توضيح النصيب زيادة على ما صحت منه. وإن كان مما يعد أو يكال أو يوزن أو يذرع احتيج إلى عمل يتبين به نسبة حق كلّ واحد من الأصل.

قوله :وللناس فى ذلك طرق إلى آخره.

ص: 530


1- في بعض النسخ: «العدد» بدل «العمل».

*وإن شئت قسمت التركة على الفريضة، فما خرج بالقسمة ضربته في سهام كلّ واحد، فما بلغ فهو نصيبه.

--------------

هذا الطريق شامل لجميع أصناف التركة عقاراً كان أم غيره، وهو إنّما يكون أقرب إذا كانت النسبة واضحةً، كزوج وأبوين، الفريضة من ستة للزوج ثلاثة هي نصف الفريضة، فيعطى نصف التركة كائنة ما كانت وللأُمّ مع عدم الحاجب اثنان هما ثلث الفريضة، فلها ثلث التركة وللأب واحد وهو سدس الفريضة، فيعطى سدس التركة وإن كانت درهماً، وكزوجة وأبوين، الفريضة من اثني عشر للزوجة ثلاثة هي ربع الفريضة، فتعطى ربع التركة، وهكذا القول في البواقي.

وقد لا تتضح النسبة، كما لو كانت التركة خمسة دراهم فتعسر معرفة سدسها، فيحتاج إلى عمل آخر ممّا سيأتي.

قوله: «وإن شئت قسمت التركة على الفريضة» إلى آخره.

هذا الوجه يحتاج إليه حيث تعسر معرفة نسبة عدد التركة إلى سهام الفريضة، كما لو كانت التركة عشرة دنانير والسهام هي المذكورة في المثالين السابقين، فتعسر معرفة سدسها ونحوه من الكسور.

فطريقه أن تقسم التركة على الفريضة، يخرج في المثال الأول واحد وثلثان، فإذا أردت أن تعرف نصيب الزوج من التركة فاضرب الخارج في سهامه - وهي ثلاثة - تخرج خمسة، فهي نصيبه من العشرة، واضرب الخارج في اثنين سهام الأم تخرج ثلاثة وثلث، فهي نصيبها من العشرة. وتضربه في واحد يخرج بقدره وهو نصيب الأب.

وفي المثال الثاني تنسب العشرة إلى الاثني عشر تكون خمسة أسداس، تضربها في سهام الزوجة - وهي ثلاثة - يخرج اثنان ونصف فهو نصيبها من التركة، وتضربها في أربعة نصيب الأم تخرج ثلاثة وثلث، وهي نصيبها منها، وتضربها في خمسة سهام الأب تخرج أربعة وسدس، فهي نصيبه.

ولو كانت مع الورثة في المثال الأوّل بنت فالفريضة من اثني عشر للبنت منها خمسة

ص: 531

طريق آخر لمعرفه سهام الوارث

*ولك طريق آخر وهو أنه إذا كانت التركة صحاحاً لا كسر فيها حرّر العدد الذي منه تصح الفريضة، ثم خذ ما حصل لكلّ وارث واضربه في التركة، فما حصل فاقسمه على العدد الذي صححت منه الفريضة، فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث.

--------------

فلو أردت معرفة نسبتها إلى العشرة التي هي التركة فاضرب الخمسة الأسداس الخارجة بالقسمة في الخمسة تخرج أربعة وسدس كنصيب الأب في الثانية، وللزوج مضروب خمسة أسداس في ثلاثة، وهو اثنان ونصف كنصيب الزوجة في الثاني، وللأبوين مضروب خمسة أسداس في أربعة، وهي ثلاثة وثلث.

ومتى كانت الفريضة والتركة متوافقتين -كما في المثال - فلك أن تأخذ وفقهما و تضرب سهام كل وارث في وفق التركة، فما بلغ فاقسمه على وفق الفريضة، فما خرج فهو نصيبه من التركة.

ففى المثال تأخذ وفق التركة خمسة، وتضرب فيه سهام البنت -وهي خمسة أيضاً - تبلغ خمسة وعشرين، اقسمها على وفق الفريضة - وهو ستة - تخرج أربعة وسدس، وتضرب أيضاً سهام الأبوين - وهي أربعة - في الوفق المذكور تبلغ عشرين، تقسمها على وفق الفريضة تخرج ثلاثة وثلث، وتضرب سهم الزوج - وهو ثلاثة - في خمسة تبلغ خمسة عشر تقسمه على ستة يخرج اثنان ونصف.

وإن شئت فاقسم وفق التركة على وفق الفريضة، فما خرج فاضربه في سهم كلّ وارث فما بلغ فهو نصيبه. فتقسّم في المثال خمسةٌ على ستة تخرج خمسة أسداس، وهو المعبّر عنه بالنسبة، فإذا ضربت فيها سهم كلّ وارث خرج نصيبه من التركة، وهو ظاهر، وعلى هذا القياس .

وهذا الطريق أسهل إخراجاً للمطلوب من الأوّل عند خفاء النسبة والأوّل أسهل عند ظهورها.

قوله: «ولك طريق آخر وهو أنه إذا كانت التركة صحاحاً» إلى آخره.

هذا الطريق أيضاً عام النفع في النسبة الظاهرة والخفية. ومثاله في الزوج والأبوين

ص: 532

* وإن كان فيها كسر فابسط التركة من جنس ذلك الكسر، بأن تضرب مخرج ذلك الكسر في التركة، فما ارتفع أضفت إليه الكسر ، وعملت فيه ما عملت في الصحاح، فما اجتمع للوارث قسمته على ذلك المخرج، فإن كان الكسر نصفاً قسمته على اثنين وإن كان ثلثاً قسمته على ثلاثة، وعلى هذا إلى العشر تقسمه على عشرة، فما اجتمع فهو نصيبه.

--------------

والبنت وكون التركة عشرة دنانير: أن تأخذ سهام البنت -وهي خمسة - وتضربه في التركة، تبلغ خمسين، تقسمها على اثني عشر تخرج أربعة وسدس، وتضرب سهام الأبوين -وهي أربعة - في عشرة تبلغ أربعين، تقسمها على اثني عشر تخرج ثلاثة وثلث، وتضرب سهام الزوج -وهي ثلاثة - في عشرة تبلغ ثلاثين تقسمه على اثني عشر يخرج اثنان ونصف كالأوّل.

ولو كانت التركة خمسة ضربت سهام البنت فيها تبلغ خمسة وعشرين، والخارج من قسمتها على اثني عشر اثنان ونصف سدس، وضربت سهام الأبوين فيها تبلغ عشرين، والخارج من قسمتها على الفريضة واحد وثلثان، وضربت سهام الزوج فيها تبلغ خمسة عشر، والخارج من قسمتها على الفريضة واحد وربع، ومجموع ذلك خمسة.

ولو كانت التركة عشرين ديناراً فاضرب فيها سهام البنت تبلغ مائة اقسمها على اثني عشر يكون الخارج بالقسمة ثمانية وثلثاً، واضرب فيها سهام الأبوين - وهي أربعة - تبلغ ثمانين، والخارج من قسمتها على اثني عشر ستة وثلثان، واضرب فيها سهام الزوج - وهي ثلاثة - تبلغ ستين، والخارج من قسمتها على اثني عشر خمسة. وعلى هذا القياس باقي الأمثلة.

قوله:

وإن كان فيها كسر

فابسط التركة من جنس ذلك الكسر» إلى آخره.

كما لو كانت التركة في المثال المذكور عشرة دنانير ونصفاً، فإذا بسطتها من جنس الكسر صارت أحد وعشرين واعمل فيها ما عملت سابقاً، بأن تضرب سهام البنت وهي خمسة من اثني عشر - في أحد وعشرين تبلغ مائة وخمسة، تقسمها على اثني عشر تخرج

ص: 533

*ولو كانت المسألة عدداً أصمّ

فاقسم التركة عليه، فإن بقي ما لا يبلغ ديناراً فابسطه قراريط واقسمه، فإن بقي ما لا يبلغ قيراطاً فابسطه حبّات واقسمه، فإن بقي ما لا يبلغ حبّةً فابسطه أرزّات واقسمه، فإن بقي ما لا يبلغ أرزة فانسبه

بالأجزاء إليها.

--------------

بالقسمة ثمانية وثلاثة أرباع تقسمها على اثنين تخرج أربعة وربع وثمن، وتضرب سهام الأبوين - وهي أربعة - في أحد وعشرين تبلغ أربعة وثمانين، تقسمها على اثني عشر تخرج سبعةً، تقسمها على اثنين تخرج ثلاثة ونصف، فهو نصيبهما من التركة، وتضرب سهام الزوج -وهي ثلاث- في أحد وعشرين تبلغ ثلاثة وستين، تقسمها على اثني عشر تخرج خمسة وربع تقسمها على اثنين يخرج اثنان ونصف وثمن اجمع الجميع وأضف الكسور بعضها إلى بعض تبلغ عشرةً ونصفاً. وعلى هذا القياس.

والمراد بقوله« بأن تضرب مخرج الكسر في التركة» أنّك تضربه في صحاح التركة دون كسرها، بدليل قوله «فما ارتفع أضفت إليه الكسور فتضرب في المثال اثنين في عشرة، ثم تضيف الواحد - وهو الكسر - إلى المجتمع وهو عشرون، ولو ضربت المخرج في الصحاح والكسر ابتداءً حصل المطلوب أيضاً، لكن يستغنى عن إضافة الكسر مرةً أُخرى.

قوله: «ولو كانت المسألة عدداً أصمّ فاقسم التركة عليه» إلى آخره.

العدد الأصم هو الخالي من الكسور التسعة المنطقة من النصف والثلث إلى العشر، كأحد عشر وثلاثة عشر، فإذا كانت الفريضة كذلك، كما لو خلف الميت أربعة بنين وثلاث بنات ففريضتهم أحد عشر ، فإن كانت التركة اثني عشر ديناراً - مثلاً - جعل كل سهم منها ديناراً وجزءاً من أحد عشر جزءاً من دينار، فيقال: للابن ديناران وجزءان من أحد عشر جزءاً من دينار، وللبنت دينار وجزء، ولا يحتاج إلى البسط.

وإن بقي بعد القسمة ما لا يبلغ ديناراً، كما لو كانت التركة أحد عشر ديناراً وثلاثة أرباع دينار فابسط كسر الدينار قراريط يبلغ خمسة عشر قيراطاً؛ لأنّ الدينار عشرون قيراطاً،

ص: 534

*وقد يغلط الحاسب فاجمع ما يحصل للورّاث، فإن ساوى التركة فالقسمة صواب، وإلا فهى خطأ.

--------------

اقسمها على أحد عشر تبقى أربعة قراريط ابسطها حبّات تبلغ اثنتي عشرة حبّةً؛ لأنّ القيراط ثلاث حبّات، تفضل عن القسمة حبّة، ابسطها أرزّات تكن أربعاً لا تنقسم، فاعتبرها بالجزء يكون الخارج بالقسمة أربعة أجزاء من أرزة.

فكل سهم يخصه دينار وقيراط وحبّة وأربعة أجزاء من أرزة اجمعها لتعلم صحة الحساب، يخرج أحد عشر ديناراً وأحد عشر قيراطاً وإحدى عشرة حبة وأربعة وأربعون جزءاً من أرزة، كلّ أحد عشر منها بأرزة، يكون المجموع أربع أرزات وذلك حبّة، ضمها إلى الحبّات تكن اثنتي عشرة حبّة، وجملتها أربعة قراريط ضمّ إليها القيراط الزائد عن نصف الدينار وهو عشرة قراريط - يكن المجموع خمسة قراريط وهو ربع دينار، صار مجموع ذلك أحد عشر ديناراً وثلاثة أرباع دينار.

ولو اعتبرت الكسر المنطق بذلك، وكذلك الدينار الكامل كالثاني عشر في المثال بذلك صح أيضاً، لكن المصنف

(رحمه الله) اعتبر به ما يعتبر من الكسر.

ولو كانت البنون أربعاً والبنات خمساً والتركة عشرين ديناراً فالفريضة ثلاثة عشر عدد أصم تقسم عليه العشرين تفضل سبعةً، تبسطها قراريط تخرج بالقسمة عشرة قراريط لكلّ هم، وتفضل عشرة قراريط تبسطها حبّات تكن ثلاثين حبّةً، تقسمها على ثلاثة عشر تخرج حبتان وتفضل أربع، تبسطها أرزات تكن ست عشرة، تقسمها على ثلاثة عشر تفضل ثلاث أرزات تقسمها عليها بالأجزاء تخرج ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من أرزة. فنصيب كلّ ابن ثلاثة دنانير وأربع حبات وأرزتان وستة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من أرزة، ولكل بنت نصف ذلك، وهو دينار وعشرة قراريط وحبتان وأرزة وثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من أرزة. وعلى هذا القياس .

قوله: «وقد يغلط الحاسب، فاجمع ما يحصل للوراث» إلى آخره.

هذا ضابط مفيد في هذه المسألة وغيرها من مسائل الفرائض إذا قسمتها واحتمل الخطأ

ص: 535

--------------

فى الحساب أو في القسمة فاجمع ما يحصل لكلّ وارث وضم بعضه إلى بعض، فإن بلغ مجموع السهام أو مجموع التركة بالنسبة إلى قسمتها فالحساب صحيح أو القسمة، وإلا فلا.

ففي مثالنا السابق تجمع ما حصل للأولاد، وتضم الدنانير وأجزاءها بعضها إلى بعض، وتعتبر هل تبلغ العشرين التي هي التركة أم لا؟ وقد عرفت أن كل سهم من الثلاثة عشر يخصه دينار وعشرة قراريط وحبّتان وأرزّة وثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من أرزة فضم بعضها إلى بعض تكن الدنانير ثلاثة عشر، وأنصافها ثلاثة عشر أيضاً بستة دنانير ونصف، وذلك تسعة عشر ديناراً ونصف دينار. ثمّ تجمع الحبّات بعضها إلى بعض تكن ستاً وعشرين حبّةٌ ، والأرزات ثلاث عشرة أرزّةٌ، وأجزاؤها تسعة وثلاثين جزءاً من ثلاثة عشر جزءاً من أرزة، وذلك ثلاث أرزّات فمجموع الأرزات ست عشرة هي أربع حبات فإذا جمعتها مع ما سبق بلغت ثلاثين حبّةٌ هي عشرة قراريط، وذلك مجموع عشرين ديناراً، فتبيّن أنّ القسمة صحيحة. والله الموفق.

تم كتاب الفرائض، وبتمامه تمّ المجلد السادس من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام على يد مصنفه العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي (عامله الله تعالى بفضله ورحمته). وفرغ منه يوم الإثنين عند أذان العصر مفتتح شهر ذي الحجة الحرام عام ثلاث وستين وتسعمائة حامداً مصلّياً مسلماً.

* * *

تم الجزء العاشر - بحسب تجزئتنا - ويليه في الجزء الحادي عشر كتاب القضاء

ص: 536

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.