موسوعة الشهيد الثاني المجلد 24

هوية الکتاب

موسوعة الشهید الثاني

الجزء الرابع والعشرون

مَسَالِكُ الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 8

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 8)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة باقري

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 267

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534 ص. ب:3858/ 37185، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن علی، 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-99-1 (ج24)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا

کتابنامه.

مندرجات : ج. 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام -

1. اسلام - مجموعه ها. 2. محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.

شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب. عنوان

8م 92ش/ 6/ BP4

297/08

محرر الرقمي: آصف علي چنا

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع والعشرون

مسالك الأفهام

إلى تنقيح

شرائع الإسلام/8

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الرابع والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 8)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة باقري

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 267

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534 ص. ب:3858/ 37185، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن علی، 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-99-1 (ج24)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا

کتابنامه.

مندرجات : ج. 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام -

1. اسلام - مجموعه ها. 2. محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.

شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب. عنوان

8م 92ش/ 6/ BP4

297/08

ص: 4

دلیل موسوعة الشهيد الثاني

المدخل= الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منیّة المريد

الجزء الثاني= (2- 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة؛ 3. التنبيهات العلية؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ 5.البداية 6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث =(7 - 30) الرسائل/ 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛ 9.العدالة؛ 10.ماء البئر؛ 11.تيقّن الطهارة و الحدث و الشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة؛ 13.النيّة؛ 14.صلاة الجمعة؛ 15.الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16.خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار؛ 18. أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة؛ 19.نيّات الحجّ والعمرة؛ 20.مناسك الحجّ والعمرة؛21.طلاق الغائب؛ 22.ميراث الزوجة؛ 23.الحبوة؛ 24.أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25.أجوبة مسائل السيد ابن طرّاد الحسيني؛ 26.أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛27.أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28.أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29.أجوبة مسائل السيد شرف الدين السمّاكي؛ 30.أجوبة المسائل النجفيّة.

الجزء الرابع= (31 - 43) الرسائل /3 :31.تفسير آية البسملة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينيّة؛ 33.الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34.وصيّةً نافعةٌ؛35.شرح حديث«الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36.تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37.مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38.ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39.حاشية «خلاصة الأقوال»؛ 40.حاشية

«رجال ابن داود»؛41. الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47- 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفية

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد الملية

الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون - الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب الظهار

تعريف الظهار...19

الأمر الأوّل في الصيغة...20

في شرائط وقوع الظهار...30

الأمر الثاني في المظاهر ومن یصحّ الظهار منه...42

الأمر الثالث في المظاهرة ومن يقع عليه الظهار...45

الأمر الرابع في الأحكام...51

الظهار محرّم...51

لا تجب الكفارة بالتلفّظ بل بالعود...52

إذا طلّقها رجعيّاً ثمّ راجعها عاد حكم الظهار... 58

لو ظاهر من زوجته الأمة ثمّ ابتاعها...61

تعليق الظهار على مشيئة الغير...62

لو ظاهر من أربع بلفظ واحد...63

حكم الوطء فيما إذا أطلق الظهار أو علّقه بشرط...68

ص: 7

يحرم الوطء على المظاهر قبل التكفير...75

إذا عجز المظاهر عن الكفّارة...78

المظاهرة تصبر أو ترفع أمرها إلى الحاكم...82

الکفاّرات

المقصد الأوّل في ضبط الكفّارات...85

الكفّارات المرتّبة...87

كفارة الظهار وقتل الخطأ...87

كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان...88

كفّارة من أفطر في يوم من شهر رمضان...91

كفّارة خلف النذر وكفّارة الحنث في العهد...94

وجوب كفّارة الجمع في قتل المؤمن...100

المقصد الثاني فيما اختلف فيه...101

كفّارة الحلف بالبراءة... 101

كفّارة جز المرأة شعرها في المصاب...103

كفّارة نتف المرأة شعرها في المصاب...104

كفّارة وطء الحيض...105

كفّارة الزواج بالمرأة في عدّتها...107

كفّارة من نام عن صلاة العشاء حتى جاوز نصف الليل...109

كفّارة من نذر صوم يوم فعجز عنه...110

المقصد الثالث في خصال الكفّارة...110

القول في العتق...111

ص: 8

الوصف الأوّل: الإيمان...112

إجزاء عتق الصغير والأخرس لو كانا مسلمين...115

الوصف الثاني: السلامة من العيوب...119

الوصف الثالث: أن يكون تامّ الملك...121

يجزئ الآبق والمستولدة...123

شروط الإعتاق... 133

الشرط الأوّل: النیّة معتبرة في الإعتاق...133

الشرط الثاني: تجريده عن العوض...145

الشرط الثالث: أن لا يكون السبب محرّماً...148

القول في الصيام...149

حدّ العجز عن العتق وانتقال الفرض إلى الصوم...149

يتحقّق التتابع في الشهرين...153

لو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا یصحّ صومه...157

القول في الإطعام...158

قدر الطعام، عدد المصروف إليه وجنس الطعام...159

هل يشترط الإيمان في المستحق للكفّارة؟...165

كفّارة اليمين وتقدير الكسوة والإطعام...168

المقصد الرابع في أحكام الكّفارات...172

كيفيّة صيام الشهرين المتتابعين...172

إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثمّ وجد ما يعتق...176

لا تصرف الكفّارة إلى من تجب نفقته على الدافع...179

من وجب عليه صوم شهرين فعجز صام ثمانیّة عشر يوماً...183

ص: 9

كتاب الإيلاء

الأمر الأوّل في الصيغة...187

الأمر الثاني في المؤلي ومن یصحّ منه...193

الأمر الثالث في المؤلى منها ومن يقع عليها...195

الأمر الرابع في أحكام الإيلاء...198

المدّة اللازمة لانعقاد الإيلاء...198

مدّة التربّص أربعة أشهر...201

لو انقضت مدّة التربّص و وجد مانع من الجماع...205

اذا جمع بين الظهار والإيلاء...208

إذا وطىء في مدّة التربّص...209

إذا وطئ المؤلى ساهياً أو مجنوناً...211

إذا كان تحت الرجل أربع فقال: والله لا وطئتكنّ...218

ولو قال: لا وطئت واحدةً منكنّ أو لاوطئت كلّ واحدة منكنّ...220

هل يتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين؟...224

كتاب اللعان

تعريف اللعان...227

النظر الأوّل في أركانه...227

الركن الأوّل في سبب سبب اللعان...227

السبب الأوّل: القذف...229

شروط تحقّق اللعان بالقذف...229

ص: 10

لو قذها بزنیً أضافه إلى ما قبل النكاح...232

السبب الثاني: إنكار الولد...237

شروط تحقّق اللعان بإنكار الولد...237

شروط إلحاق الولد بالأب...239

هل يلحق ولد الخصيّ المجبوب؟ ...241

إذا أتت امرأته بولد و أراد نفيه...242

إذا طلق الرجل و أنكر الدخول...245

لو قذف امرأته و نفى الولد وأقام بيّنةً... 246

الركن الثاني في الملاعن...248

شروط الملاعن...248

یصحّ لعان الأخرس...250

الركن الثالث في الملاعنة...256

من شروط الملاعنة السلامة من الصمم والخرس...256

يشترط أن تكون منكوحة بالعقد الدائم...258

يثبت اللعان بين الحرّ والمملوكة...261

یصحّ لعان الحامل...263

هل تصير الأمة بالوطء فراشاً ؟...265

أحكام تترتّب على كون الموطوءة فراشاً...268

الركن الرابع في كيفيّة اللعان...273

صورة اللعان...274

الواجب في اللعان...275

المندوب في اللعان...278

ص: 11

تغليظ اللعان بالقول والمكان والزمان...279

هل اللعان هو أيمان أو شهادات؟...281

النظر في الأحكام...284

الأحكام التي يتعلّق بلعانهما معاً...285

لو أكذب الزوج نفسه في أثناء اللعان... أو نكلت الزوجة...286

لو أكذب نفسه بعد اللعان، وهل يثبت عليه الحدّ بذلك؟...287

إذا ادّعت الزوجة القذف فأنكر الزوج...290

إذا قذف زوجته بالزنى برجل معيّن...291

إذا قذف زوجته فماتت قبل اللعان...294

إذا قذفها ولم يلاعن فحدّ ثمّ قذفها...296

إذا شهد على المرأة بالزنى أربعة رجال أحدهم الزوج...299

كتاب العتق

فضيلة العتق...303

من يجوز استرقاقه...307

أسباب إزالة الرقّ:...309

العتق بالمباشرة...309

صيغة العتق...309

هل يشترط تعيين المعتَق؟ ...315

شروط المعتِق...318

شروط المعتَق...321

عتق ولد الزنى...323

ص: 12

لو شرط على المعتَق شرطاً في نفس العتق...326

لو نذر أعتق أوّل مملوك يملكه فملك جماعة...331

لو نذر تحرير أوّل ما تلده فولدت توأمين...333

لو كان له مماليك فأعتق بعضهم...334

لو نذر عتق كلّ عبدٍ قديم...339

مال العبد المعتق لمن؟...341

إذا أعتق ثلث عبيده...343

إذا أعتق مملوكه عن غيره...348

العتق في مرض الموت...351

العتق بالسراية...353

شروط العتق بالسراية...353

وقت انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية...358

لو أوصى بعتق بعض عبده وليس له غيره...365

إذا ادعى كلّ واحد من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه...369

العتق بالملك...372

متى يتحقّق الانعتاق بالملك؟...377

إذا أُوصي لصبيّ أو مجنون بمن ينعتق عليه...378

العتق بالعوارض...380

انعتاق العبد بالعمى و الجذام و غيرهما...380

هل ينعتق من مثّل به مولاه؟...381

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

تعريف التدبير...385

ص: 13

هل یصحّ تعليق التدبير على وفاة غير المولى؟...385

المقصد الأوّل في العبارة وما يحصل به التدبير...389

أقسام التدبير...389

يشترط في صيغة التدبير النيّة و تجريدها عن الشرط و الصفة ...393

المقصد الثاني في المباشر ...399

شروط المدبِّر...399

المقصد الثالث في الأحكام...404

التدبير بصفة الوصيّة...404

إنكار المولى للتدبير ليس رجوعاً...408

المدبّر ينعتق بموت مولاه من الثلث...409

مسائل من تدبير بعض العبد وتقويم حصّة الشريك ...412

إذا أبق المدبَّر بطل تدبيره...413

لا يبطل تدبير المملوك لو ارتد...415

ما يكتسبه المدبَّر لمولاه...415

إذا جُني على المدبَّر بما دون النفس...417

إذا جُنى المدبِّر...417

المال الذي يستفيده المدبَّر بعد موت مولاه لمن؟...420

المكاتبة...427

تعريف المكاتبة...427

الكتابة مستحبّة مع الأمانة والاكتساب...428

بيان الفرق بين الكتابة والبيع...430

ص: 14

صيغة الكتابة...434

الكتابة قسمان: مشروطة ومطلقة...436

حدّ العجز عن مال الكتابة...437

الكتابة عقد لازم...442

شروط المكاتِب...446

شروط المكاتَب...449

هل يشترط الأجل في الكتابة؟...451

شروط عوض الكتابة...454

إذا جمع بين كتابة وبيع أو إجارة...457

لو كاتب ثلاثة أعبد في عقد واحد...459

أحكام المكاتبة...464

اللواحق...493

المقصد الأوّل في لواحق تصرّفات المكاتب، وفيه مسائل...493

المقصد الثاني في جناية المكاتب والجناية عليه...498

المقصد الثالث في أحكام المكاتَب في الوصايا، وفيه مسائل...506

الاستيلاد...519

الأمر الأوّل في كيفية الاستيلاد...519

الأمر الثاني في الأحكام المتعلّقة بأُمِّ ولد...522

كتاب الإقرار

النظر الأوّل في الصيغة...527

المقصد الأوّل: الصيغة الصريحة...528

ص: 15

یصحّ الإقرار بغير العربيّة...529

ألفاظ الإقرار محمولة على المتفاهم عرفاً...532

إذا أقرّ لميّت بمال و ادّعى انحصار وارثه...539

إذا أقرّ بمالٍ معلِّقاً على الأجل...541

المقصد الثاني في المبهمة...545

إذا قال: له عليّ مال...545

إذا قال: له عليّ شيء...547

لو قال: له عليّ مال عظيم و نحوه...548

إذا أقرّ بأعداد مختلفة و أتى فيها بمميِّز...555

إذا قال: له عليّ كذا، أو كذا وكذا...558

الإقرار للمجهول...562

الإقرار بالمجهول...563

إذا أقرّ بمال ثمّ دفع وقال هذه كانت وديعة...564

إذا قال: له في هذه الدار مائة...567

إذا قال: له في ميراث أبي مائة...569

المقصد الثالث في الإقرار المستفاد من الجواب...571

المقصد الرابع في صيغ الاستثناء...576

قواعد الاستثناء...576

الأُولى: الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات...576

الثانیّة: الاستثناء من الجنس جائز...577

الثالثة: يكفي في صحة الاستثناء بقاء بقيّة بعده...578

التفريع على القاعدة الأُولى...578

ص: 16

التفريع على القاعدة الثانیّة587

التفريع على القاعدة الثالثة...591

النظر الثاني في المقرّ...594

شروط المقرّ...594

إقرار المجنون والمكرَه والسكران و المحجور عليه للسفه...594

إقرار المملوك...596

إقرار المفلّس...598

إقرار المريض بالوصيّة...598

إقرار الصبيّ بالبلوغ...602

النظر الثالث في المقرّ له...605

شروط المقرّ له...605

الإقرار للحمل...606

النظر الرابع في اللواحق...612

المقصد الأول في تعقيب الإقرار بالإقرار...612

إذا قال: هذه لفلان بل لفلان، او قال غصبتها من فلان بل فلان...612

لو أقرّ بعبد لإنسان فأنكر المقرّ له...615

لو أقرّ أنّ المولى أعتق عبده ثمّ اشتراه...616

المقصد الثاني في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الإبطال...620

المقصد الثالث في الإقرار بالنسب...625

شروط الإقرار بنسب الولد...625

إذا أقرّ بغير الولد للصلب...628

إذا أقرّ ولد الميت بولد له آخر فأقرا بثالث...629

ص: 17

إذا كان للميِّت إخوة و زوجة فأقرّت له بولد...631

إذا مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته...632

لا يثبت النسب إلّا بشهادة رجلين عدلين...636

لو شهد الأخوان بابنٍ للميّت...637

لو أقرّ بوارث أولى منه ثمّ بآخرٍ أولى منهما...638

لو أقرّ بزوج للميّتة و لها ولد...640

إن أقرّ بزوجة ثانیّة، أو ثالثة أو رابعة...642

ص: 18

كتاب الظهار

اشارة

و النظر فيه يستدعي بيان أُمور خمسة:

كتاب الظهار

تعریف الظهار

الظهار مأخوذ من الظهر؛ لأنّ صورته الأصليّة أن يقول الرجل لزوجته:«أنت عليّ كظهر أُمّي» وخصّ الظهر؛ لأنّه موضع الركوب و المرأة مركوب الزوج. و كان طلاقاً في الجاهلية -كالإيلاء - فغيّر الشرع حكمه إلى تحريمها بذلك و لزوم الكفّارة بالعود كما سيأتي(1)

و حقيقته الشرعيّة: تشبيه الزوج زوجته- و لو مطلّقة رجعيّة في العدّة- بمحرّمة نسباً أو رضاعاً، قيل: أو مصاهرة(2) على ما سيأتي من الخلاف فيه(3).

و الأصل فيه قبل الإجماع آية ««وَ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ»(4) و روي أنّ أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة على اختلاف في اسمها و نسبها، فأتت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فاشتكت منه فأنزل الله تعالى قوله:«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ » الآيات(5)

ص: 19


1- يأتي في ص 52
2- قاله العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 405، المسألة 61
3- يأتي في ص 28.
4- المجادلة(58): 3
5- الفقيه، ج 3، ص 526 - 527، ح 4832: أسباب النزول الواحدي، ص 227 - 228، ذيل الآية: والآیات في سورة المجادلة (58): 1-4

الأمرالأوّل في الصيغة

اشارة

و هو أن يقول: «أنت علىَّ كظهر أُمّي» و كذا لو قال: «هذه» أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالّة على تمييزها. و لا عبرة باختلاف ألفاظ الصفات، كقوله:«أنت منّي» أو «عندي».

و لو شبّهها بظهر إحدى المحرِّمات نسباً أو رضاعاً كالأُم أو الأخت - فيه روايتان أشهرهما الوقوع.

قوله: «وهو أن يقول:«أنت عليَّ كظهر أمّي» و كذا لو قال: «هذه» أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالّة على تمييزها إلى آخره.

موضع الوفاق ومورد النص من صيغ الظهار قوله: «أنت عليَّ كظهر أُمّي»(1)، و في معناها «هذه»، وما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تمييزها عن غيرها، ك«فلانة» باسمها ولقبها، ونحو ذلك. وفي معنى «عليَّ» غيرها من ألفاظ الصلات ك«منّي» و«عندي»، و«لديَّ». وكذا لو ترك الصلة فقال: «أنت كظهر أُمّي»، كما لو قال: «أنت طالق». و لم يقل:«منيّ».

وقد يفرّق بينه و بين الطلاق؛ إذ يحتمل صيغة الظهار مجرّدة عن الصلة كونها محرّمة على غيره حرمة ظهر أُمّه عليه، بخلاف الطلاق، فإنّه للإطلاق، وهي في حبسه دون حبس غيره. لكنّ الأشهر عدم الفرق. و في التحرير استشكل الوقوع مع حذف الصلة(2). و وجهه ما ذكرناه.

و بقي هنا ألفاظ وقع الخلاف في وقوعه بها، فمنها ما لو شبّهها بظهر إحدى المحرِّمات

ص: 20


1- الكافي، ج 6، ص 152- 155، باب الظهار، ح1 و3 و4 و 10؛ الفقيه، ج 3، ص 526 ، ح 4832
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 102 ، الرقم 5466

....

نسباً أو رضاعاً،كالأُمّ من الرضاع و الأُخت منهما و العمّة و الخالة و بنت الأخ و بنت الأُخت منهما. و في وقوعه بذلك قولان:

أحدهما - و هو الأشهر- الوقوع(1)؛ لاشتراك الجميع في تحريم الظهر كالأُمّ. و لصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن الظهار فقال:«هو عن كلّ ذي مَحرَم، أُمّ أو أُخت أو عمّة أو خالة، و لايكون الظهار في يمين»، قلت:كيف؟ قال:«يقول الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع: أنت عليَّ حرام مثل ظهر أُمّي أو أُختي، و هو يريد بذلك الظهار»(2)

و حسنة(3) جميل بن درّاج قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام: الرجل يقول لامرأته أنت عليَّ كظهر عمّته أو خالته قال:«هو الظهار»(4)

و يدلّ على تناوله للمحرّمات من الرضاع قوله صلّی الله علیه و آله وسلّم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»،(5) مضافاً إلى عموم قوله(6) علیه السلام:«هو من كلّ ذي مَحرَم»، و لاشتراك الجميع في المنكر و قول الزور، و لأنّ حرمة الرضاع كحرمة النسب، و لذلك يُسوّى بينهما في جواز الخلوة بها.

و الثاني: لايقع بغير الأُمّ مطلقاً. و هو قول الشيخ في الخلاف(7) و ابن إدريس(8)؛ عملاً

ص: 21


1- وهو قول ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة و اختاره أيضاً في مختلف الشيعة، ج 7، ص 405، المسألة 61؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 334
2- الكافي، ج 6، ص 153 - 154، باب الظهار، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 526 ، ح 4831؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 9 . ح 26.
3- في حاشية «خ ، و»: «وجه حسنها أنّ في طريقها إبراهيم بن هاشم، و قد وصفها بالصحّة جماعة منهم العلّامة في المختلف، و ولده في الشرح، و لعلّه بغير ما وجدته من الطريق. (م ب مجلسي قدس سره)». راجع مختلف الشيعة، ج 7، ص 401، المسألة 59؛ وإيضاح الفوائد، ج 3، ص 409
4- الكافي، ج 6، ص 155، باب الظهار، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 9 ، ح 28
5- الكافي، ج 5، ص 442، باب صفة لبن الفحل، ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 475، ح 4668.
6- أي قول أبي جعفر علیه السلام الّذي تقدّم قبيل هذا
7- الخلاف، ج 4، ص 530-531، المسألة 10 . ولكن يظهر منه التوقّف حيث ذكر قولين و لم يرجّح أحدهما
8- السرائر، ج 2، ص 708 - 709

...

بظاهر الآية(1) و صحيحة سيف التمار عن الصادق علیه السلام، قال قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ كظهر أختي أو عمَّتي أو خالتي فقال:«إنّما ذكر الله تعالى الأُمّهات، و إنّ هذا لحرام»(2). و قوله علیه السلام:«إنّما ذكر الله تعالى الأمّهات» يشعر أنّ الظهار لايكون إلّا بالأُمّهات؛ لأنّه حصر المذكورات فى الظهار بالأمّهات. و للأصل، و ضعف التشبيه؛ لأنّ الرضاع مكتسب فلا يساوي النسب في القوّة؛ و لذلك لايتعلّق به النفقة والميراث والولاية.

وجوابه: أنّ تخصيص الأُمّ بالذكر في الآية لاينفي غيرها، كما لايدلّ على ثبوته، و نحن نثبته بالأخبار الصحيحة(3) لا بالآية(4). و عدم ذكر غير الأمّهات المحتجّ به في رواية سيف لايدلّ على نفيه أيضاً، مع أنه أجاب بالتحريم، و لعلّ السائل استفاد مقصوده منه؛ إذ ليس في السؤال ما يدلّ على موضع حاجته.

و أمّا ما قيل من أنّ الظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب، فلايلزم من كون التشبيه بالنسب سبباً في التحريم كون التشبيه بالرضاع سبباً فيه،(5) فلا دلالة في قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(6)عليه.

ففيه: أنّ «من» في الخبر إما تعليليّة مثلها(7) في قوله تعالى:«مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا...»(8) أو بمعنى «الباء» كما في قوله تعالى: «...يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ...»(9) و التقدير يحرم لأجل

ص: 22


1- المجادلة (58): 2
2- الكافي، ج 6، ص157، باب الظهار، ح 18؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص10، ح30
3- تقدّم تخريج بعض هذه الأخبار في ص21، الهامش 2
4- المجادلة (58): 2
5- قاله فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 409
6- تقدّم تخريجه في ص21، الهامش5.
7- هكذا في النسخ، ولعلّ الصحيح: «مثلما» بدل «مثلها»
8- نوح (71): 25
9- الشورى (42): 45

...

الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل النسب أو بسببه، وكلاهما مفيد للمطلوب؛ لأنّ التحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعاً، فيثبت بسبب الرضاع لذلك(1)

ثمّ اعرف أشياء:

الأوّل: التشبيه بالجدّة للأب أو للأُمّ محرّم إن قلنا بتحريمه بجميع المحرَّمات نسباً، و إن قصَّرناه على الأُمّ ففي تعدّيه إلى الجدّة مطلقاً وجهان، من أنّها أُمّ و من ثمّ حرمت بقوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»(2) و الأصل في الاستعمال الحقيقة، و لأنّ الجدّات لأب أُمّهاتً ولدنه، و يشاركن الأُمّ في حصول العتق و سقوط القصاص و لزوم النفقة، و من جواز سلبها عنها فيقال: ليست أُمّي بل أُمّ أبي و أُمّ أُمّي، و لقوله تعالى:«إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ»(3) و هي مفيدة للحصر، ولكن قد يُدّعى في هذه كونها ولدته و لو بواسطة. و على ما اخترناه من تعدّي التحريم إلى غير الأُمّ يتعدّى إلى الجدّة بطريق أولى، و إنّما تظهر فائدة الخلاف على القول بعدم التعدّي(4)

الثاني: ظاهر القائلين بالتعدّي إلى المحرَّمات بالرضاع عدم الفرق بين من لم تزل محرّمة بالرضاع، كجدّة الرضاع التي أرضعت أباه و أُمّه و أُخته من الرضاع المولودة بعد أن ارتضع، و بين من كانت تحلّ له ثم حرمت عليه، كالّتي أرضعته فصارت أُمّاً و كأُمّها و بنتها المولدة قبل أن ارتضع. فالتشبيه بالجميع يفيد التحريم؛ لعموم الأدلّة، و إن كان القسم الأوّل أقوى تحريماً من الثاني.

و ربما فرّق بين الأمرين و خصّ التحريم بالقسم الأوّل، و عموم الأدلّة يدفعه.

الثالث: قد يفهم من قول المصنّف «و لو شبّهها بظهر إحدى المحرّمات نسباً أو رضاعاً فيه روايتان» أنّ في التعدّي عن الأُمّ قولين: أحدهما: قصره على الأُمّ مطلقاً(5)، و الثاني: تعدّيه

ص: 23


1- في بعض النسخ: «كذلك» بدل «لذلك»
2- النساء(4):23
3- المجادلة (58): 2
4- أي قول الشيخ و ابن إدريس المتقدّم في ص21-22
5- أي قول الشيخ و ابن إدريس المتقدّم في ص21-22.

و لو شبّهها بيد أُمّه أو شعرها أو بطنها، قيل: لايقع؛ اقتصاراً على منطوق الآية. و بالوقوع رواية فيها ضعف. أمّا لو شبّهها بغير أُمّه بما عدا لفظة الظهر لم يقع قطعاً.

و لو قال: «أنت كأُمّي»، أو«مثل أُمّي»، قيل: يقع إن قصد به الظهار.

و فيه إشكال، منشؤه اختصاص الظهار بمورد الشرع، و التمسّك في الحلّ بمقتضى العقد.

إلى المحرّمات بالنسب و الرضاع مطلقاً(1). و ليس كذلك، بل الخلاف واقع في التعدّي إلى باقي المحرّمات نسباً مع القول بعدم التعدّي إلى المحرّمات بالرضاع، و في التعدّي من الأمّ إلى الأمّ من الرضاع و إن لم يتعدّ إلى المحارم النسبيّة، و في التعدّي إلى المحرّمات بالرضاع على تقدير القول بثبوته في محرّمات النسب. و تلخيص الخلاف في ذلك أنّه يقع في مواضع:

الأوّل: اقتصار الظهار على التشبيه بالأمّ النسبيّة.

الثاني: تعدّيه إلى الأُمّ من الرضاع لا غير.

الثالث: إلحاق الجدّات بها لا غير.

الرابع: إلحاق محارم النسب بها لا غير.

الخامس: إلحاق محارم الرضاع بهنّ.

السادس: إلحاق محارم المصاهرة أيضاً و سيأتي(2).

قوله: «و لو شبّهها بيد أُمّه أو شعرها أو بطنها - إلى قوله - لم يقع قطعاً».

اعلم أن النسبة الواقعة بين الزوجة و الأمّ أو ما في حكمها من المحارم بالتشبيه إمّا أن يكون بين جملة المشبّه و جملة المشبّه به، أو بين الجملة و غيره من الأجزاء، أو بين الجملة و الجملة، أو بين أجزاء المشبّه و جملة المشبّه به، أو بينه و بين ظهره، أو بينه و بين غيره من أجزائه. و على جميع التقادير، إمّا أن يكون المشبّه به الأُمّ، أو غيرها من المحارم. فالأقسام

ص: 24


1- أي قول ابن الجنيد و ابن حمزة و العلّامة المتقدّم في ص21
2- يأتي في ص 28

...

اثنا عشر، ذكر المصنّف بعضها، و نحن نشير إلى حكم الجميع:

الأوّل: أن يقع التشبيه بين جملة الزوجة و ظهر الأُمّ، كقوله: «أنت عليَّ كظهر أُمِّي». و هذا هو الظهار المدلول عليه بالنصّ(1) و الإجماع، و هو الأصل فى مشروعيّة هذا الحكم. و قد تقدّم ما يدلّ عليه من الكتاب(2) و السنّة(3).

و لا فرق في هذا القسم بين الحكم على ذات الزوجة كقوله: «أنت و ذاتك»، و جملة هيكلها المحسوس، كقوله: «بدنك» و «جسدك» و «جسمك» و «جملتك» و«كلِّك»؛ لأنّ الحكم بالتحريم متعلّق بالبدن و المفهوم عرفاً من الذات هو ذلك، و إن كان له عند آحاد المحقّقين معنى آخر لايراد ذلك في التعليقات الشرعيّة المحمولة على المفهومات العرفيّة و ما في معناها.

الثاني: أن يقع بين جملة الزوجة و جزء آخر من الأُمّ غير الظهر، سواء كان ممّا لايتمّ حياتها بدونه كوجهها و رأسها و بطنها، أم يتمّ بدونه كيدها، و سواء حلّتها الحياة أم لا كشعرها. و في وقوع الظهار كذلك قولان:

أحدهما: الوقوع. ذهب إليه الشيخ في كتبه الثلاثة، بل ادّعى عليه في الخلاف الإجماع(4)، و تبعه عليه القاضي(5)، و ابن حمزة(6)، و قبله الصدوق في المقنع(7)؛ استناداً - مع شبهة دعوى الإجماع - إلى رواية سدير عن الصادق علیه السلام قال، قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ كشعر أمّي أو ككفّها أو كبطنها أو كرجلها، قال: «ما عنى به إن أراد به الظهار فهو الظهار»(8).

ص: 25


1- الكافي، ج1، ص152-155، باب الظهار، ح1 و 3و 4؛ الفقيه، ج 3، ص 526 - 527 ، ح 4832
2- المجادلة (58): 3
3- تقدّم تخريجها في الهامش1
4- النهاية، ص526؛ المبسوط، ج 4، ص 170؛ الخلاف، ج 4، ص 530 ، المسألة 9
5- المهذّب، ج 2، ص 298
6- الوسيلة، ص 334
7- لم نعثر عليه في المقنع، و نسبه إليه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 400، المسألة 59
8- تهذيب الأحكام، ج 8، ص10، ح29

....

الثاني - و هو الذي اختاره المرتضى و جعله في الانتصار ممّا انفردت به الإماميّة(1)، و تبعه عليه المتأخّرون - عدم الوقوع؛ لأصالة الإباحة إلّا ما خرج عنها بدليل أو إجماع - و هو الظهر - فيبقى الباقي على الأصل، و لأنّ الظهار مشتقّ من الظهر، فإذا علّق بغيره بطل الاسم المشتقّ منه.

و لصحيحة زرارة السابقة لما سأل الباقر علیه السلام عن كيفيّته قال:«يقول: أنت عليّ حرام مثل ظهر أُمّي»(2). و مثلها رواية جميل عن الصادق علیه السلام - و قد قال له: الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ كظهر عمّته أو خالته - : قال: «هو الظهار»(3). و هو يعطي المساواة، و كذا الجواب الأوّل بعد السؤال يعطي أنّ المعنى ذلك لا غير، و لأنّ اللفظ الصريح الظهار المشتقّ من الظهر، و صدق المشتقّ يستدعي صدق المشتقّ منه. و هذا هو الأقوى.

و الجواب عن حجّة الشيخ بمنع الإجماع في موضع النزاع، و العجب في معارضته لدعوى المرتضى ذلك، ما هذه إلّا مجازفة في الإجماع كما اتّفق ذلك لهما كثيراً.

و أما الخبر فهو صريح في المطلوب لكنّه ضعيف السند بجماعة، و هم سهل بن زياد عن غياث بن إبراهيم، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير و سهل ضعيف غال(4)، و غياث بتري(5) ، و محمّد بن سليمان ضعيف أو مشترك بينه و بين الثقة(6)، فيسقط اعتباره، و كذلك أبوه(7)، و حال سدير إلى الضعف أقرب منها إلى غيره(8)، فسقط اعتبار الخبر.

ص: 26


1- الانتصار، ص322، المسألة 180
2- سبق تخريجها في ص21، الهامش 2
3- الكافي، ج1، ص 155، باب الظهار، ح10؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص9، ح 28
4- رجال النجاشي، ص185، الرقم 490
5- رجال الطوسي، ص 142، الرقم 1542
6- رجال النجاشي، ص347، الرقم 937، و ص365، الرقم 987، و ص367، الرقم 994
7- رجال النجاشي، ص182، الرقم 482
8- خلاصة الأقوال، ص165، الرقم 479، و فيه: و قال السيّد عليّ بن أحمد العقيقي...كان اسمه سلمة، كان مخلطاً

...

الثالث: أن يشبّه الجملة بالجملة، كقوله: «أنت عليَّ كأُمّي»، أو «بدنك أو جسمك عليَّ كبدن أُمّي أو جسمها»، و نحو ذلك. و في وقوعه به قولان مبنيّان على السابق، فالشیخ حکم بوقوعه(1)؛ لأنّ صحّته مع تشبيهه بتلك الأجزاء يستلزم صحّته مع تشبيهها بنفسها بطريق أولى؛ لاشتمالها على تلك الأجزاء و زيادة و لاشتمال جملتها على ظهرها الذي هو مورد النصّ(2)، فيدلّ عليه تضمّناً.

و جوابه: منع الأصل و الأولويّة، فإنّ الأسباب الشرعيّة لاتقاس. و يمنع من دخول الظاهر في ضمن قوله «أنت» و جاز أن يكون لتخصيصه فائدةً باعثة على الحكم.

و ذهب الأكثر إلى عدم الوقوع بذلك؛ لفوات الشرط و هو التشبيه بالظهر،كما قد علم من السابق. و محلّ الخلاف ما إذا لم يقصد بذلك التشبيه بها في الكرامة و التعظيم، و إلّا لم يقع قولاً واحداً؛ لأنّ هذا اللفظ كناية فلابدّ فيها من القصد إلى المراد.

الرابع: أن يشبّه بعض أجزاء الزوجة بجملة الأُمّ، كقوله: «يدك أو رأسك أو فرجك عليَّ كأُمّي». و فيه القولان السابقان، فالشيخ صحّحه(3)؛ لأنّه مركّب من أمرين صحيحين، و هما تشبيه الجزء و التشبيه بالجزء. و كلاهما ممنوع. و قد تقدّم ما يدلّ عليه.

الخامس: أن يشبّه جزء الزوجة بظهر الأُمّ، كقوله: «يدك أو فرجك كظهر أمّي» و هو صحيح أيضاً عند الشيخ(4) بطريق أولى. و الأصحّ العدم؛ لما ذكرناه في الثاني من الأصل و الدليل.

السادس: أن يشبّه الجزء بالجزء، كقوله: «يدك عليَّ كيد أُمّي». و صحّحه الشيخ أيضاً مع قصد الظهار(5). و دليله مركّب من السابق و الأصح عدم الوقوع

السابع: أن يقع بين الزوجة بصورها الستّ و غير الأُمّ من المحارم، فإن وقع بین الجملة

ص: 27


1- المبسوط. ج 4، ص 170
2- الكافي، ج6، ص152-155، باب الظهار، ح1و3و4؛ الفقيه، ج 3، ص526، ح 4832
3- المبسوط، ج 4، ص 170.
4- المبسوط، ج 4، ص 170.
5- المبسوط، ج 4، ص 170.

و لو شبّهها بمحرّمة بالمصاهرة تحريماً مؤبّداً كأُمّ الزوجة، و بنت زوجته المدخول بها، و زوجة الأب و الابن، لم يقع به الظهار. و كذا لو شبّهها بأخت الزوجة أو عمّتها أو خالتها.

و الظهر مشبّهاً به فقد تقدّم حكمه(1) و أنّ الأقوى صحّته. و إن وقع بينها و بين جزء من المحارم غير الظهر فقد قال المصنِّف: «إنّه لايقع قطعاً» و هو يؤذن بعدم الخلاف و قال في المختلف: إنّ بعض علمائنا قال بوقوعه، و آخرين بعدمه(2). و كذا نقل الخلاف ابن إدريس(3)، و إن كان الأصحّ عدم الوقوع. و التقريب ما تقدّم.

و إن وقع بين الجملة و الجملة بغير لفظ الظهر فالقولان(4)، و أولى بالوقوع هنا منه في السابق. و الأصحّ العدم. و كذا في باقي الصور بطريق أولى.

و اعلم أنّ هذه الأقسام الاثني عشر تتركّب مع كلّ واحدة من تلك الصور الستّ السابقة، و تتشعّب منها صور كثيرة لاتخفى مع حكمها عليك إذا لاحظت ما قرّرناه في الموضعين.

قوله: «و لو شبّهها بمحرّمة بالمصاهرة تحريماً مؤبَّداً كأُمّ الزوجة» إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب؛ تمسّكاً باستصحاب الحلّ في غير موضع النصّ و الوفاق، و قد دلّت الآية على حكم تشبيهها بظهر الأُمّ(5)، و الروايات على إلحاق المحرّمات من النسب و الرضاع(6)، فيبقى الباقى على الأصل.

و ذهب في المختلف إلى وقوعه إذا شبّهها بالمحرّمات على التأبيد بالمصاهرة؛ محتجّاً

ص: 28


1- تقدّم في ص20 و ما بعدها
2- مختلف الشيعة، ج7، ص405، المسألة 62
3- السرائر، ج 2، ص708-709
4- فالقول بالوقوع للشيخ في المبسوط، ج4، ص170؛ و القول بعدمه للشريف المرتضى في الانتصار، ص322، المسألة 180
5- المجادلة(58): 2
6- الكافي، ج5، ص442، باب صفة لبن الفحل، ح9؛ و ج6، ص 153- 155، باب الظهار، ح3 و10؛ الفقيه، ج3، ص475، ح4668، و ص526، ح4831؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص9، ح 26 و 28

ولو قال: «كظهر أبي» أو «أخي» أو «عمّي» لم يكن شيئاً. و كذا لو قالت هي:«أنت عليَّ كظهر أبي» أو «أُمّي».

بمشاركتها لمحرّمات النسب و الرضاع في العلّة(1).

و لايخفى قصور الدليل؛ لأنّ العلّة المستنبطة لاتقتضي تعدية الحكم عنده. نعم، يمكن الاحتجاج له بصحيحة زرارة السابقة عن الباقر علیه السلام و فيها: قال:«هو من كلّ ذي محرم»(2) فتدخل المحرّمات بالمصاهرة مؤبّداً في العموم. و لاينافيه قوله بعد ذلك في الرواية:«إمّا أختاً أو عمّةً أو خالةً»؛ لأنّ تعداد الثلاثة للمثال لا للحصر؛ للإجماع على عدم انحصار ذي المحرم في الثلاثة، و التمثيل بذي المحرم النسبي لايفيد الحصر فيه. و في هذا القول قوّة.

أمّا من لاتحرم مؤبّداً -كأخت الزوجة و بنت غير المدخول بها ممّا تحرم جمعاً خاصّةً - فحكمها حكم الأجنبيّة في جميع الأحكام؛ لأنّ تحريمها يزول بفراق الأم و الأخت، كما يحرم جميع نساء العالم على المتزوّج أربعاً، و تحلّ له كلّ واحدة ممّن ليست محرّمةً بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من الأربع. و أولى بعدم الوقوع تشبيهها بعمّة الزوجة و خالتها؛ لأنّ تحريمهما ليس مؤبّداً عيناً و لا جمعاً مطلقاً، بل على وجه مخصوص كما لايخفى.

قوله: «ولو قال: كظهر أبي أو أخي أو عمّي لم يكن شيئاً» إلى آخره.

هذا الحكم محلّ وفاق استصحاباً للحلّ في غير موضع النص(3)، و لأنّ الرجل ليس محلّ الاستمتاع و لا في معرض الاستحلال. و نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث حكم بوقوع الظهار بالتشبيه بمحارم الرجال(4). و أمّا قول المرأة ذلك فلايفيد التحريم، و لايلزم به شيء إجماعاً، و إنّما الحكم مختصّ بالرجال كالطلاق.

ص: 29


1- مختلف الشيعة، ج7، ص405. المسألة61
2- سبق تخريجها في ص 21، الهامش 2
3- الكافي، ج6، ص152-155، باب الظهار، ح1 و3 و4؛ الفقيه، ج3، ص526 ، ح4832
4- حلية العلماء، ج7، ص166؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج8، ص559 ، المسألة 6166

في شرائط وقوع الظهار

. و يشترط فى وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر.

. و لو جعله يميناً لم يقع.

قوله: «و يشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر.

الظاهر من كلام الأصحاب الاتّفاق على اشتراط سماع الشاهدين لصيغة الظهار كالطلاق. و هو في رواية حمران - الحسنة - عن أبي جعفر علیه السلام قال:«لايكون ظهار إلّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(1).

و أمّا اشتراط كونهما عدلين فلادليل عليه إلّا من عموم اشتراط العدالة في الشاهدين(2). و في إثبات الحكم هنا بمثل ذلك ما لايخفى من الإشكال. و قد تقدّم في الطلاق رواية بالاجتزاء فيهما بالإسلام(3) كما أطلق هنا.

قوله: «ولو جعله يميناً لم يقع».

المراد بجعله يميناً جعله جزاءً على فعل أو ترك؛ قصداً للزجر عنه أو البعث على الفعل، سواء تعلّق به أو بها، كقوله: «إن كلّمت فلاناً»، أو «إن تركت الصلاة، فأنت عليَّ كظهر أمّی» و هو مشارك للشرط في الصورة، و مفارق له في المعنى؛ لأنّ المراد من الشرط مجرّد التعليق، و في اليمين ما ذكرناه من الزجر أو البعث، و الفارق بينهما القصد. و إنّما لم يقع مع جعله يميناً؛ للنهي عن اليمين بغير الله(4)، و لأنّ الله تعالى جعل كفّارته غير كفّارة اليمين. و في حسنة حمران السابقة(5) قال:«لايكون ظهار في يمين».

ص: 30


1- الكافي، ج6، ص153، باب الظهار، ح1؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص10-11، ح33.
2- الطلاق(65): 2 و راجع وسائل الشيعة ج27، ص391-399، الباب41 من كتاب الشهادات
3- الكافي، ج6، ص67-68، باب تفسير طلاق السنّة و العدّة...، ح6؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص49، ح152.و قد تقدّم في ج7، ص294-295
4- الكافي، ج 7، ص441-442، باب ما لايلزم من الأيمان و النذور، ح12؛ الفقيه، ج3، ص364-365، ح4294 و ص372، ح4308؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص301-302، ح1119، و ص312-313، ح1160
5- سبقت آنفاً

و لايقع إلّا منجّزاً، فلو علّقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على القول الأظهر. و قيل: يقع. و هو نادر.

و هل يقع في إضرار؟ قيل:لا. و فيه إشكال، منشؤه التمسّك بالعموم.

و في وقوعه موقوفاً على الشرط تردّد، أظهره الجواز.

قوله: «و لايقع إلا منجّزاً - إلى قوله - و هو نادر».

إذا علّق الظهار على شرط، كأن يقول:«إن دخلت الدار أو فعلت كذا فأنت علىَّ كظهر أُمّي»، مريداً به مجرّد التعليق، فهل يقع الظهار عند وجود الشرط أم لا؟ فيه قولان:

أحدهما - وهو الذي اختاره المصنِّف، و جعله قول الأكثر و ما سواه نادراً(1)- العدم؛ لأصالة بقاء الحلّ، و الشكّ في السبب، و لرواية القاسم بن محمّد الزيّات أنّه قال للرضا علیه السلام: إنّي قلت لامرأتي: أنت عليَّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا، فقال:«لاشيء عليك، و لاتعد»(2). و «لاشيء» للعموم؛ لأنّه نكرة في سياق نفي فيلزم منه نفي الكفّارة اللازمة للظهار، و نفي اللازم يدلّ على نفي الملزوم. و في معناها مرسلة ابن بكير عن أبي الحسن علیه السلام(3).

و روى ابن فضّال مرسلاً عن الصادق علیه السلام قال: «لايكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»(4)، و الطلاق لايقع معلّقاً على الشرط كما تقدّم(5) فكذا الظهار.

ص: 31


1- هذا سهو من قلمه الشريف. لعلّ منشأء نقص العبارة في النسخة التي شرح عبارتها، كما صرّح به الجواهر (قدّس سرّه) حيث قال: و من الغريب ما وقع في المسالك في المقام و كان نسخته التي شرح عبارتها فيها سقط، كما لايخفى على من لاحظ شرحه في المقام الذي قد جعل فيه الكلام في المسألة الثانیّة شرحاً للمسألة الأولى، وحكى عن المصنِّف القول بالعدم و أنّه نسب القول بالجواز إلى الندرة، مع أن صريح كلامه الجواز بالتردّد، و كذا كلامه في النافع. راجع جواهر الکلام، ج33، ص109
2- الكافي، ج6، ص158، باب الظهار، ح24؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص13، ح42؛ الاستبصار، ج3، ص260-261، ح933
3- الكافي، ج6، ص154، باب الظهار، ح4؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص13، ح43؛ الاستبصار، ج3، ص261، ح934.
4- الكافي، ج6، ص154، باب الظهار، ح5؛ تهذيب الأحكام، ج8، ص13، ح44؛ الاستبصار، ج3، ص261، ح935.
5- تقدّم في ج7، ص274 و ما بعدها.

...

و القول بوقوعه معلّقاً للشيخ(1) و الصدوق و ابن حمزة(2)،و اختاره المصنِّف في النافع(3) و العلّامة(4)، و أكثر المتأخرين؛ لصحيحة حريز عن الصادق علیه السلام قال: « الظهار ظهاران، فأحدهما أن يقول: أنت عليَّ كظهر أُمّي ثمّ يسكت، فذلك الذي يكفّر قبل أن يواقع، فإذا قال: «أنت عليَّ كظهر أُمّي إن فعلتِ كذا و كذا» ففعلت وجبت عليه الكفّارة حين الحنث»(5).

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عنه علیه السلام قال:«الظهار على ضربين: أحدهما الكفّارة فيه قبل المواقعة، و الآخر بعده. و الذي يكفّر قبل الشروع فهو الذي يقول: أنتِ عليَّ كظهر أمّي، و لايقول: إن فعلتِ بك كذا و كذا. و الذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنت عليَّ كظهر أُمِّي إن قربتك»(6)

و لعموم الآيات الدالّة على وقوع الظهار(7) المتناولة لموضع النزاع.و عموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«المؤمنون عند شروطهم»(8)

و لموافقته للحكمة، فإنّ المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده فتفعل ما يکرهه، و تمتنع عمّا يرغب فيه، و يكره الرجل طلاقها من حيث يرجو موافقتها، فيحتاج إلى تعليق ما يكره بفعل ما تكرهه أو ترك ما تريده، فإمّا أن تمتنع و تفعل فيحصل غرضه، أو تخالف

ص: 32


1- النهاية، ص525؛ المبسوط، ج4، ص171؛ الخلاف، ج4، ص535-536، المسألة20.
2- المقنع، ص 352؛ الوسيلة، ص 334.
3- المختصر النافع، ص 321.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 406، المسألة 63؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 172.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 12 ، ح 39؛ الاستبصار، ج 3، ص 259، ح 929، و فيهما بتفاوت يسير.
6- الكافي، ج 6، ص 160، باب الظهار، ح 32؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 12 - 13، ح 40؛ الاستبصار، ج 3، ص 260، ح 930.
7- المجادلة (58): 2 و 3.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.

...

فيكون ذلك جزاءَ معصيتها لضرر جاء من قبلها. و هذا القول هو الأقوى.

و الجواب عن حجّة المانع ضعف طرق رواياته و بُعدها عن الدلالة، فإنّ القاسم بن محمّد مشترك بين الثقة و الضعيف(1)، و الأخيرتان مرسلتان، و في طريقهما ابن فضّال(2) و ابن بكير(3). و حالهما معلوم مع أنّه لم يذكر في الخبر الأوّل أنّ الشرط المعلّق عليه وجد، فجاز كون الحكم بعدم الكفّارة لذلك. و الأخير لايدلّ على موضع النزاع و الظاهر أنّه يريد بموقع الطلاق الشرائط المعتبرة فيه من الشاهدين و طهارتها من الحيض و انتقالها إلى غير طهر المواقعة و نحو ذلك. هذا إذا سلّم اشتراط تجريد الطلاق عن الشرط.

و اعلم أنّ التنجيز الذي اعتبره المصنّف وجعله موضع الخلاف يخرّج به تعليقه على الشرط، و هو ما يجوز وقوعه عند التعليق وعدمه، و الصفة وهو الأمر الذي لا بدّ من وقوعه عادةً من غير احتمال تقدّم و لا تأخّر، كطلوع الشمس و انقضاء الشهر و دخول الجمعة، و مثّل التعليق بمثالين مختصّين بالصفة، و مقتضاه أنّ الخلاف واقع في تعليقه بكلّ منهما. و وجهه اشتراكهما في المقتضي و هو التعليق.

و ربما قيل: إن الخلاف مختص بالشرط؛ عملاً بمدلول الأحاديث(4)،فإنّ متعلّقها الشرط، فتبقى الصفة على أصل المنع و الأقوى جواز التعليق بالأمرين.

و ربما قيل بأنّ الحكم بوقوعه معلّقاً على الشرط يستلزم وقوعه معلّقاً على الصفة بطريق أولى؛ لأنّ الصفة لازمة الوقوع بخلاف الشرط، فإنّه قد لايقع فيكون إرادة إيقاع الظهار في الأوّل أقوى.

و فيه: أن التعليق بالصفة أقوى؛ لأن الشرط يمكن وقوعه في الحال، و المعلّق على زمان

ص: 33


1- ليس له ذكر في كتب الرجال، كما في تنقيح المقال، ج 2، ص 25 (باب القاف).
2- رجال النجاشي، ص 34 - 35، الرقم 72؛ خلاصة الأقوال، ص 98 - 99 ، و فيهما كان الحسن بن عليّ بن فضّال فطحيّاً.
3- الفهرست، الشيخ الطوسي، ص 304، الرقم 464، و فيه: فطحي المذهب.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 332 - 336، الباب 16 من كتاب الظهار.

و لو قيّد بمدّة كأن يظاهر منها شهراً أو سنةً، قال الشيخ: لا يقع. و فيه إشكال مستند إلى عموم الآية.

و ربما قيل: إن قصرت المدّة عن زمان التربّص لم يقع. و هو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص و فيه ضعف.

يستحيل وقوعه في زمان إيقاعه وإن تحتّم وقوعه في الزمان المستقبل، فالمكلّف لم يرد إيقاع الظهار في زمان إيقاعه على تقدير تعليقه على الصفة، بخلاف الشرط، فإنّ المقصود منه وقوع المشروط عند حصول الشرط، وهو ممكن الحصول في الحال.

و الحق أنّ مثل هذا لايصلح لاختلاف الحكم، مع اشتراكهما في أصل التعليق، و عموم الأدلّة.

قوله: «ولو قيّد بمدّة كأن يظاهر منها شهراً أو سنةً، قال الشيخ: لايقع، و فيه إشكال مستند إلى عموم الآية» إلى آخره.

إذا وقّت الظهار فقال: «أنتِ علىَّ كظهر أمّي يوماً أو شهراً» أو «إلى شهر أو سنة»، ففي صحّته أقوال:

أجودها أنّه صحيح(1)؛ لعموم الآية(2)، و لأنّه منكر من القول و زور كالظهار المطلق. و أيضاً فالمرويّ عن سلمة بن صخر الصحابي أنّه كان قد ظاهر من امرأته حتّى ينسلخ رمضان ثمّ وطئها في المدّة، فأمره النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بتحرير رقبة؟(3)

والثاني: المنع(4)؛ لأنّه لم يؤيّد التحريم، فأشبه ما إذا شبّهها بامرأة لاتحرم عليه على

ص: 34


1- القول بالصحة لابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 432، المسألة 86.
2- المجادلة (58): 2.
3- يأتي بتمامه مع تخريجه في ص 36.
4- قاله الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 179 ؛ والخلاف ج 4، ص 542 ، المسألة 26؛ وابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 301.

...

التأييد. و لصحيحة سعيد الأعرج عن الكاظم علیه السلام في رجل ظاهر من امرأته يوماً، قال:«ليس عليه شيء»(1).

و ثالثها: التفصيل، فإن زادت المدّة عن مدّة التربّص على تقدير المرافعة وقع وإلّا فلا؛ لأنّ الظهار يلزمه التربّص مدّة ثلاثة أشهر من حين الترافع وعدم الطلاق،و هو يدلّ بالاقتضاء على أنّ مدّته تزيد عن ذلك وإلّا لانتفى اللازم الدالّ على انتفاء الملزوم.

و إلى هذا التفصيل ذهب في المختلف(2). و لا بأس به، و الرواية الصحيحة لاتنافيه، وإن كان القول بالجواز مطلقاً لايخلو من قوّة، و إلى ترجيحه أشار المصنّف بقوله«و هو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص»

و بيانه أنّ الدليل من الآية عامٌّ للموقّت مطلقاً و المؤبّد، و الحكم بالتربّص تلك المدّة على تقدير المرافعة لايوجب تخصيص العامّ؛ لأنّ المرافعة حكم من أحكام الظهار، وهي غير لازمة، فجاز أن لاترافعه، فيحتاج إلى معرفة حكمه على هذا التقدير، و جاز أن لايعلمها

بإيقاعه و يريد معرفة حكمه مع الله تعالى. و الحكم بتربّصها تلك المدّة على تقدير المرافعة محمول على ما لو كان مؤبّداً أو موقّتاً بزيادة عنها، فإذا قصرت كان حكمه تحريم العود إلى أن يكفّر من غير أن يتوقف على المرافعة أو أن يفيدها فائدة.

و قوله في الخبر الصحيح «ليس عليه شيء» لا ينافي ذلك؛ لأنّا نقول: إن الظهار بمجرّده لايوجب عليه شيئاً، وإنّما تجب الكفّارة بالعود قبل انقضاء المدّة، و لمّا كانت مدّة اليوم قصيرة فإذا صبر حتّى مضى ليس عليه شيء. وهو طريق للجمع بينه وبين عموم الآية(3). و خصوص الرواية الواردة في صحّته مع توقيته شهراً.

ص: 35


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 14، ح 45؛ الاستبصار، ج 3، ص 262، ح 936. و ليس فيهما كلمة «يوماً».
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 432، المسألة 86. وقد ذكر العلّامة هذا التفصيل احتمالاً في المسألة.
3- المجادلة (58): 2.

...

و جملة الرواية عن سلمة بن صخر قال: كنت امرءاً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤتَ غيري، فلمّا دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتّى ينسلخ رمضان، فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار و لا أقدر على أن أنزع. فبينما هي تخدمني من الليل إذ انكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلمّا أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري و قلت لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فأخبروه بأمري. فقالوا: والله لانفعل، نتخوّف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت و اصنع ما بدا لك. فخرجت حتّى أتيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبرته خبري، فقال لي: «أنت بذاك؟» فقلت: أنا بذاك، فقال: «أنت بذاك؟» فقلت: أنا بذاك، فقال: «أنت بذاك؟ فقلت: نعم، ها أنا ذا فامض فيّ حكم الله عزّ وجلّ، فأنا صابر له. قال: «أعتق رقبة» فضربت صفحة رقبتي بيدي و قلت: لا والذي بعثك بالحقّ ما أصبحت أملك غيرها. قال: «فصم شهرين متتابعين». فقال، قلت: يا رسول الله و هل أصابني ما أصابني إلّا في الصوم؟ قال: «فتصدّق». قال، قلت: و الذي بعثك بالحقّ لقد بتنا ليلتنا وحشاً ما لنا عشاء. قال:«اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له، فليدفعها إليك، فأطعم عنك و سقاً من تمر ستّين مسكيناً، ثمّ استعن بسائره عليك وعلى عيالك. قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، و وجدت عند رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم السعة و البركة، و قد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إليّ، قال:فدفعوها إليّ (1).

و في رواية أُخرى أن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم أعطاه مكتلاً فيه خمسة عشر صاعاً فقال: أطعمه ستّين مسكيناً، و ذلك لكلّ مسكين مدّ(2)

و إنّما أتينا على الرواية مع طولها لما تشتمل عليه من الفوائد و النكت

ص: 36


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 641 ، ح 15281؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 265، ح 2213؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 665. ح 2062.
2- المصنِّف الصنعاني ، ج 1، ص 431 ، ح 11528؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 640، ح 15278.

فروع:

• لو قال: «أنت طالق كظهر أُمّي» وقع الطلاق و لغا الظهار، قصده أو لم يقصده.

و قال الشيخ: إن قصد الطلاق والظهار صحّ إذا كانت الطلقة رجعيّةً، فكأنّه قال: أنت طالق، أنت علىَّ كظهر أُمّي.

و فيه تردّد؛ لأن النيّة لاتستقلّ بوقوع الظهار ما لم يكن اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه.

و كذا لو قال: «أنت حرام كظهر أُمّي».

قوله: «لو قال: أنت طالق كظهر أُمّي وقع الطلاق و لغا الظهار - إلى قوله - وكذا لو قال: أنت حرام كظهر أُمّي».

هنا مسألتان

[المسألة] الأولى: إذا قال لامرأته: «أنت طالق كظهر أُمّي»، فله أحوال:

أحدها: أن لاينوي شيئاً، فيقع الطلاق؛ لإتيانه بلفظه الصريح، و لایصحّّ الظهار؛ لأنّ قوله «كظهر أُمّي» لا استقلال له، وقد انقطع عن «قوله أنت» بالفاصل الحاصل بينهما فخرج عن الأصل، و صار الأصل فيه أن تكون جملته صفة للطلاق، فحيث لم يقصد به الظهار لايقع؛ لأنّ ما عدا اللفظ الصريح لا يقع بدون النیّة.

و ثانيها: أن يقصد بمجموع كلامه الطلاق وحده، و يجعل قوله «كظهر أُمّي» تأكيداً لتحريم الطلاق، بمعنى أنّها طالق طلاقاً يصيّرها كظهر أُمّه بالفعل كالبائن، أو بالقوّة كالرجعي، فيقع الطلاق دون الظهار. ولا خلاف في هذين القسمين.

و ثالثها: أن يقصد بالجميع الظهار، فيحصل الطلاق أيضاً دون الظهار. أمّا حصول الطلاق فللفظه الصريح، و الصريح لايقبل صرفه إلى غيره، حتى لو قال لزوجته: «أنت طالق»، ثمّ قال: أردت به من وثاق غيري أو نحو ذلك، لم يسمع و حكم به عليه، بخلاف ما لو أتی

ص: 37

...

بالكناية حتّى یصحّحه بها، و الأصل في ذلك و نظائره أنّ اللفظ الصريح إذا وجد نفاذاً فموضوعه لاينصرف إلى غيره بالنيّة.

و أمّا عدم حصول الظهار؛ فلأنّ الطلاق لاينصرف إلى الظهار، و الثاني ليس بصريح في الظهار كما بيّنّاه، و هو لم ينوِ به الظهار، و إنّما نواه بالجميع. و يحتمل هنا لزوم الظهار؛ أخذاً بإقراره

و رابعها: أن يقصد الطلاق و الظهار جميعاً، نظر فإن قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق دون الظهار أيضاً، لما تبيّن. و إن قصد الطلاق بقوله«أنت طالق» و الظهار بقوله«كظهر أُمّي» وقع الطلاق. ثمّ إن كانت تبيّن بالطلاق لم یصحّ الظهار قطعاً. وإن كانت رجعيّة ففي صحة الظهار قولان:

أحدهما: وقوع الظهار أيضاً، وهو قول الشيخ (رحمه الله)(1)؛ لأنّ كلمة الخطاب السابقة و إن صرفت أوّلاً إلى الطلاق لكنّها تعود إلى الظهار أيضاً مع النيّة، و يصير كأنّه قال: «أنت طالق أنت كظهر أُمّي».

و الثاني - و هو الأشهر - عدم وقوع الظهار(2)؛ لأن اللفظ ليس صريحاً فيه بانقطاع الخطاب عنه. و النيّة غير كافية عندنا في وقوع ما ليس بصريح، و إنّما يتوجّه هذا عند من يعتدّ بالكنايات(3) اعتماداً على النيّة. بل بعض من اعتدّ بالكناية(4) ردّ هذا أيضاً، بناء على ما ذكرناه من أنّا إذا استعملنا قوله «أنت طالق» في إيقاع الطلاق لم يبق إلّا قوله:«كظهر أُمّى» و أنّه لايصلح كناية؛ إذ لاخطاب فيه.

و أيضاً فالأصل في هذا التركيب أن تكون الجملة الواقعة بعد النكرة وصفاً لها، فالعدول

ص: 38


1- المبسوط، ج 4، ص 172.
2- ذهب إليه ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 300؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 413، المسألة 69.
3- كالشيخ في المبسوط، ج 4، ص 172.
4- كابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 298 و 300.

...

بها عن أصلها خلاف الصريح. و ليس هذا كتعدّد الخبر على المبتدإ الواحد؛ لأنّ ذلك حيث يصلح الثاني للخبريّة بالوضع، و ليس كذلك هنا. و الأصحّ عدم وقوع الظهار.

و لو عكس فقال: «أنت كظهر أمّي طالق»، و قصدهما معاً وقع الظهار؛ لصراحته. و في وقوع الطلاق الوجهان؛ لأنّه من النيّة، و أنّه ليس في لفظ الطلاق مخاطبة و لا ما في معناها. و الشيخ على أصله من وقوعهما معاً كالسابق(1). و لافرق هنا بين الطلاق البائن و الرجعي؛ لأنّ طلاق المظاهر منها صحيح على التقديرين، و إنّما الشكّ من عدم صراحة الصيغة.

المسألة الثانیّة: لو قال: «أنت علىَّ حرام كظهر أمّي»، قال المصنِّف: لايقع به الظهار، و هو قول الشيخ في المبسوط(2)، سواء نواه أم لا. و هذا يخالف مذهب الشيخ في المسألة السابقة، بل وقوع الظهار هنا أقوى؛ لأنّ المتخلّل بين المسند والمسند إليه مؤكّد للحكم، بخلاف السابقة.

و حجّتهم ما سبق من انصراف الخطاب إلى الكلمة الأولى و هي قوله «حرام» فيلغو، لأنّها لاتقتضي الحكم بالظهار، و قوله «كظهر أُمّي» بقي خالياً عن المسند إليه لفظاً، و النيّة غيركافية، و من ثَمَّ عطف المصنِّف الحكم على السابق تنبيهاً على اشتراكهما في العلّة المقتضية لعدم الوقوع.

و الأقوى وقوع الظهار هنا؛ لصحيحة زرارة السابقة عن الباقر علیه السلام و قد سأله عن الظهار فقال: «يقول الرجل لامرأته: أنت عليَّ حرام مثل ظهر أُمّي»(3) و هو نصّ في الباب، و لأنّ قوله «حرام» تأكيد لغرضه فلاينافيه، فإنّ قوله «أنت علىَّ كظهر أمي» لا بدَّ له من القصد إلى معناه، وهو يستلزم القصد إلى التحريم، فإذا نطق به كان أولى. والعجب من تجويز الشيخ

ص: 39


1- لاحظ الهامش 1 من ص 38.
2- المبسوط، ج 4، ص 173.
3- سبق تخريجها في ص 21. الهامش 2.

. ولو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرّتها، ثمّ ظاهر الضرّة وقع الظهاران

و لو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبيّة، و قصد النطق بلفظ الظهار صحّ الظهار عند مواجهتها به. و إن قصد الظهار الشرعي لم يقع ظهار، و كذا لو قال: «أجنبيّة».

ولو قال: «فلانة» من غير وصف، فتزوّجها و ظاهرها قال الشيخ: يقع الظهاران و هو حسن.

وقوعه بالكنايات(1) و ما هو أبعد من هذه مع خلوّها من نصّ يقتضي صحّتها، و منعه من هذه الصيغة مع ورود النصّ(2) الصحيح بها.

قوله: «و لو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرّتها، ثمّ ظاهر الضرّة وقع الظهاران. و لو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبيّة» إلى آخره.

هذا من فروع تعليق الظهار على الشرط، فإن صحّحناه فعلّق ظهار إحدى زوجتيه على ظهاره من الأخرى صحّ، فإن ظاهر من المعلّق عليها صار مظاهراً منهما جميعاً، أمّا من إحداهما فبالتنجيز، و أمّا الأُخرى فبموجب التعليق.

و لو قال: «إن ظاهرت من إحداكما»، أو «أيّكما ظاهرت منها، فالأخرى علىَّ كظهر أُمّى» ثمّ ظاهر من إحداهما صار مظاهراً من الأخرى أيضاً.

و لو علّق ظهار زوجته على ظهار الأجنبيّة، فإن ذكر اسمها و جعل الأجنبيّة وصفاً لم يكن منعقداً و إن خاطب الأجنبیّة بالظهار؛ لأنّ الظهار من الأجنبیّة غير منعقد، إلّا أن يريد التلفّظ بالظهار، فيصير بالتلفّظ مظاهراً من زوجته، و يكون ذلك في قوّة تعليق ظهار زوجته

بتكليمه فلانة الأجنبیّة. و كذا لو قال:«إن ظاهرت أجنبيّة»، من غير تعيين.

ص: 40


1- المبسوط، ج 4، ص 170.
2- تقدّم آنفاً

...

ولو نكح الأجنبیّة ثمّ ظاهر منها فهل يقع الظهار بالزوجة الأولى؟ وجهان، من أنّه إذا نكحها خرجت عن كونها أجنبيّة، و من أنّ ظهارها تعلّق بظهار«فلانة» و ذكرُ الأجنبیّة في مثل ذلك للتعريف دون الشرط، كما لو قال: «لاأدخل دار زيد هذه»، فباعها زيد ثُمَّ دخلها فإنَّ في حنثه وجهين؛ نظراً إلى ترجيح الإشارة أو الوصف

و لو قال: «إن ظاهرت من فلانة أجنبیّة - أو و هي أجنبیّة - فأنت علي كظهر أُمّي» فسواء نكحها و ظاهر عنها أو خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها لايصير مظاهراً من زوجته التي علّق ظهارها؛ لأنّه شرط وقوع الظهار في حال كونها أجنبیّة، و ما دامت أجنبیّة لاينعقد ظهارها، وإذا انعقد لم تكن أجنبیّة، فكان التعليق بشيء محال، و هو كما إذا قال: «إن بعت الخمر فأنت عليَّ كظهر أُمّي»، و أتى بلفظ البيع لايقع الظهار؛ تنزيلاً لألفاظ العقود على العقود الصحيحة، إلّا أن يقصد الصورة.

و لو قال: «فلانة» من غير وصف بكونها أجنبیّة و لاحاليّة(1)، و كانت أجنبیّة، صحّ التعليق و توقّف على ظهارها صحيحاً، فإن تزوّجها و ظاهر منها وقع الظهاران؛ لحصول الشرط.

و نسبة هذا القول إلى الشيخ(2) تشعر بشبهة فيه، غير أنّه حسن كما ذكره المصنّف لوجود المقتضي و انتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا كونها حال التعليق أجنبیّة، و ذلك لايصلح للمانعيّة، إذ لم يقيّد تعليق الظهار بها بوقت.

و وجه الشبهة أنّ الشرط كما علمت من تعريفه - ما يجوز حصوله حال التعليق وعدمه، و ظهار الأجنبیّة حال التعليق غير صحيح، و مجرّد الصورة غير مقصود، من تعريفه؛ لأنّه

ص: 41


1- في بعض النسخ و الطبعة الحجريّة: «خاليّة» بدل «حالية». و حال الرجل: امرأته. راجع لسان العرب، ج 11، ص 191 - 193، «حول».
2- المبسوط، ج 4، ص 176.

الأمر الثاني في المظاهر و من يصحّ الظهار منه

[الأمر] الثاني في المظاهر

و يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد.

فلایصحّ ظهار الطفل و لا المجنون و لا المكره و لا فاقد القصد بالسكر و الإغماء أو الغضب.

. و لو ظاهر و نوى الطلاق لم يقع طلاق؛ لعدم اللفظ المعتبر، و لا ظهار؛ لعدم القصد.

الفرض، فكان ذلك أشبه بالصفة المتأخّرة عن التعليق.

و الحقّ أنّ ذلك لايخرجه عن أصل الشرطيّة؛ لأنّ المراد بتجویز وجوده بحسب ذاته مع قطع النظر عن الموانع الخارجيّة المقتضية لامتناعه حينئذ، و الأمر هنا كذلك، فإنّ ظهار«فلانة» حينئذٍ ممكن بحسب ذاته، وإنّما تخلّف لفقد شرط من شروطه و هو كونها أجنبیّة، كما يتخلّف لفقد غيره من الشروط التي لا يتيسّر ذلك الوقت.

و أيضاً فاشتراط إمكان حصول الشرط حال التعليق لادليل عليه، و مفهوم الشرط متحقّق على التقديرين لغةً وعرفاً.

قوله: «و لو ظاهر ونوى الطلاق لم يقع طلاق؛ لعدم اللفظ المعتبر، و لاظهار؛ لعدم القصد».

بناءُ هذا الحكم على أصولنا المفيدة لعدم وقوع الطلاق و الظهار بالكنايات واضحٌ. و نبّه به على خلاف العامّة حيث جوّزوا وقوع الطلاق بلفظ الظهار مع النيّة، حتى لو قال:«أنت طالق كظهر أُمّي»، و نوى بقوله«كظهر اُمّي»الطلاق وقع عليه طلاقان إن كان الأوّل رجعيّاً(1).

ص: 42


1- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 435 - 437؛ و روضة الطالبين، ج 6، ص 242.

و یصحّ ظهار الخصيّ و المجبوب إن قلنا بتحريم ما عدا الوطء مثل

الملامسة.

. وكذا یصحّ الظهار من الكافر. و منعه الشيخ؛ التفاتاً إلى تعذّر الكفّارة. و المعتمد ضعيف لإمكانها بتقديم الإسلام و یصحّ من العبد.

قوله: «و یصحّ ظهار الخصيّ و المجبوب إن قلنا بتحريم ما عدا الوطء مثل الملامسة».

الخصيّ و المجبوب إن بقي لهما ما يمكنهما به الجماع المتحقّق بإدخال الحشفة أو قدرها فظهارهما صحيح مطلقاً؛ لأنّهما حينئذٍ في معنى الصحيح. وإن لم يمكنهما الإيلاج بني وقوع ظهارهما على أنّ الظهار هل يختصّ تحريمه بالوطء، أو يشمل جميع الاستمتاعات؟ وسيأتي الكلام فيه(1). فإن حرّمنا الجميع صحّ ظهارهما أيضاً؛ لبقاء فائدة الظهار بالامتناع عن الاستمتاع غير الوطء. وإن قلنا باختصاصه بالوطء لم يقع منهما ظهار؛ لعدم فائدته.

هذا كلّه إذا لم نشترط الدخول بالمظاهرة، وإلّا لم يقع منهما مطلقاً، حيث لايتحقّق منهما الدخول.

قوله: «وكذا یصحّ الظهار من الكافر. و منعه الشيخ؛ التفاتاً إلى تعذّر الكفّارة، و المعتمد ضعيف، لإمكانها بتقديم الإسلام. ویصحّ من العبد».

أصحّ القولين(2) وقوع الظهار من كلّ زوج مكلّف، مسلماً كان أم كافراً، حرّاً كان أم عبداً؛ لعموم قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ» (3)، و غيره من العمومات(4).

ص: 43


1- يأتي في ص 77.
2- القول بالوقوع لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 708؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 399، المسألة 58؛ و القول بعدم الوقوع يأتي لاحقاً.
3- المجادلة (58): 3.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 303 - 310، الباب 1 - 3 من كتاب الظهار.

...

ثم الكلام هنا في موضعين:

الأوّل: وقوعه من الكافر. و قد منعه الشيخ في كتابي الفروع(1) و ابن الجنيد(2)، استناداً إلى أن من یصحّ ظهاره تصحّ الكفّارة منه؛ لقوله تعالى:««وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَة» إلى آخره(3)، والكافر لاتصحّ منه الكفّارة؛ لأنّها عبادة تفتقر إلى النيّة، و لأنّ الظهار يفيد تحريماً یصحّ إزالته بالكفّارة، فلايتحقّق في حقّ الكافر، فلا يترتّب أثر الظهار عليه.

و أجيب عليه بمنع عدم صحّتها منه مطلقاً، غايته توقّفها على شرط و هو قادر عليه بالإسلام(4)، كتكليف المسلم بالصلاة المتوقّفة على شرط الطهارة، و هو غير متطهّر لكنّه قادر على تحصيله.

و أورد: أنّ الذمّي مُقرّ على دينه، فحمله على الإسلام لذلك بعيد. و أنّ الخطاب بالعبادة البدنيّة لايتوجّه على الكافر الأصلى.

و أجيب بأنّا لانحمل الذمّي على الإسلام و لانخاطبه بالصوم، ولكن نقول: لانمكّنك من الوطء إلّا هكذا، فإمّا أن تتركه أو تسلك طريق الحلّ.

الثاني: وقوعه من العبد. و هو مذهب علمائنا أجمع.

و خالف فيه بعض العامة؛ نظراً إلى أنّ لازم الظهار إيجاب تحرير الرقبة، و العبد لايملكها(5).

ص: 44


1- المبسوط، ج 4، ص 166؛ الخلاف، ج 4، ص 525 المسألة 2.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 399، المسألة 58.
3- المجادلة (58): 3.
4- راجع إيضاح الفوائد، ج 3، ص 404 - 405.
5- الحاوي الكبير، ج 10، ص 412 - 413؛ حلية العلماء، ج 7، ص 161؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 555، المسألة 6160.

الأمر الثالث في المظاهرة و من يقع علیه الظهار

[الأمر] الثالث في المظاهرة

. و يشترط أن تكون منكوحةً بالعقد. و لايقع بالأجنبیّة و لو علّقه على

النكاح

و أن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضراً و كانت مثلها تحيض. ولو كان غائباً صحّ.

و كذا لو كان حاضراً وهي يائسة أو لم تبلغ.

و أجيب بأنّ وجوبها في الآية مشروط بوجدانها، و قد قال الله تعالى: ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسّا»(1) و العبد غير واجد فيلزمه الصوم.

قوله: «ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد. و لايقع بالأجنبیّة و لو علّقه على النكاح».

هذا عندنا موضع وفاق. و الأصل فيه أن الله تعالى علّق الظهار على الأزواج فقال:«وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِم»(2)فيبقى غيرهنّ على الأصل.

و خالف فيه بعض العامّة، فصحّحه بالأجنبیّة إذا علّقه بنكاحها(3)، كما صحّحه كذلك في الطلاق(4).

قوله: «وأن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضراً وكانت مثلها تحيض. و لو كان غائباً صحّ».

هذا الشرط أيضاً موضع وفاق بين علمائنا و هو مختصّ بهم. و مستنده نصوصهم الصحيحة الدالّة عليه، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام و قد سأله عن كيفيّته قال:«يقول

ص: 45


1- المجادلة (58): 4.
2- المجادلة (58):3.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 578، المسألة 6188.
4- حلية العلماء، ج 7، ص 8-9؛ تحفة الفقهاء، ج 2، ص 196.

. وفي اشتراط الدخول تردّد، والمرويّ اشتراطه، و القول الآخر مستنده

التمسّك بالعموم.

الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع:«أنت عليَّ حرام كظهر أُمّي»(1).

و رواية حمران عنه علیه السلام :«لا يكون ظهار إلّا على طهر بغير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(2) و قول أبي عبد الله علیه السلام:«لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»(3).

قوله: «و في اشتراط الدخول تردّد، و المروىّ اشتراطه» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في اشتراط الدخول بالمرأة و عدمه بالنسبة إلى صحّة الظهار، فذهب المفيد(4) و المرتضى(5) و ابن إدريس(6) و جماعة(7) إلى عدمه؛ لعموم الآية(8) و ذهب الشيخ(9) و الصدوق(10) و أكثر المتأخّرين إلى الاشتراط؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال في غير المدخول بها:«لا يقع عليها إيلاء و لا ظهار»(11)

ص: 46


1- الكافي، ج 1، ص 153 - 154، باب الظهار، ح3؛ الفقيه، ج 3، ص 526 ، ح 4831؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 9 ، ح 2؛ الاستبصار، ج 3، ص 258، ح 924.
2- الكافي، ج 1، ص 153، باب الظهار، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 534 ، ح 4848؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 10 - 11، ح 33.
3- الكافي، ج 6، ص 154، باب الظهار، ح 5؛ الفقيه، ج 3، ص 536 ، ح 4830؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 13، ح 44؛ الاستبصار، ج 3، ص 261، ح 935.
4- المقنعة، ص 524.
5- لم نعثر على قول المرتضى، وحكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 710.
6- السرائر، ج 2، ص 710.
7- منهم قطب الدين الكيذري في إصباح الشيعة، ص 456؛ و ابن زهرة الحلبي في غنیّة النزوع، ج 1، ص 366-367.
8- المجادلة (58): 2.
9- النهاية، ص 526؛ المبسوط، ج 4، ص 167؛ الخلاف، ج 4، ص 526 ، المسألة 3.
10- الهداية، ص 274.
11- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21، ح 65.

. وهل يقع بالمستمتع بها ؟ فيه خلاف والأظهر الوقوع.

و صحيحة الفضيل بن يسار أنّ الصادق علیه السلام قال: «لايكون ظهار و لا إيلاء حتّى يدخل بها»(1)

و قد تقدّم في رواية حمران:«لايكون ظهار إلّا على طهر بعد جماع»(2) و هذا هو الأصحّ؛ لتقديم الخاصّ على العامّ عند التعارض. و من قدّم العامّ نظر إلى أنّ خبر الواحد ليس بحجّة كما هو أصل المرتضى و ابن إدريس(3)، أو أنّ عموم الكتاب لايخصّ بخبر الواحد وإن عملنا به.

قوله:«و هل يقع بالمستمتع بها؟ فيه خلاف. و الأظهر الوقوع».

القول بالوقوع مذهب الأكثر؛ لعموم الآية(4)، فإن المستمتع بها زوجة.

و القول بعدم الوقوع لابن إدريس(5) و جماعة(6)؛ نظراً إلى انتفاء لازم الظهار، فإنّ منه المرافعة المرتّبة(7) على الإخلال بالواجب من الوطء و إلزامه بأحد الأمرين، الفيئة أو الطلاق و هو ممتنع فيها، وإقامة هبة المدّة مقامه قياس، و انتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزومات.

و جوابه أنّ هذه اللوازم مشروطة بزوجةٍ يمكن في حقّها ذلك، فلايلزم من انتفائها انتفاء جميع الأحكام التي أهمّها تحريم الاستمتاع من دون المرافعة

ص: 47


1- الكافي، ج 6 ، ص 158 ، باب الظهار، ح 21؛ الفقيه ، ج 3، ص 525 ، ح 4829 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 8، ص 21 ، ح 66.
2- تقدم تخريجها في ص 30، الهامش 1، و فيها هكذا:« لايكون ظهار إلّا على طهر بغير جماع» وهو خلاف مقصود من قال باشتراط الدخول.
3- الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 2، ص 517 وما بعدها السرائر، ج 1، ص 51.
4- المجادلة(58):2.
5- السرائر، ج 2، ص 709.
6- منهم الصدوق في الهداية، ص 274 حيث قال: و لايقع الظهار إلّا على موضع الطلاق و ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 408، المسألة 65.
7- في «ق. م»: «المترتّبة» بدل «المرتّبة»

. وفي الموطوءة بالملك تردّد، و المرويّ أنّه يقع كما يقع بالحرّة.

و قد تقدّم البحث في ذلك في بابها من النكاح(1).

قوله:«وفى الموطوءة بالملك تردّد، والمرويّ أنّه يقع كما يقع بالحرّة»

اختلف الأصحاب أيضاً في وقوعه بالأمة الموطوءة بملك اليمين و لو مدبّرة أو أُمّ ولد، فذهب جماعة منهم الشيخ(2) و ابن حمزة(3) و جماعة المتأخّرين(4)، إلى الوقوع، و هو أصحّ القولين: لدخولها في عموم«وَ الَّذِينَ يُظهِرُونَ مِن نِّسَآئهِم»(5) كدخولها في قوله تعالى«وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ»(6)، فحرّمت بذلك أُمّ الموطوءة بالملك.

و خصوص صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال: و سألته عن الظهار على الحرّة و الأمة، فقال: «نعم»(7).

و حسنة حفص بن البختري عن الصادق والكاظم علیهما السلام في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهنّ جميعاً فقال: «عليه عشر كفّارات»(8).

و موثّقة إسحاق بن عمار عن الكاظم علیه السلام قال في الرجل يظاهر من جاريته، قال: «الحرّة و الأمة في هذا سواء»(9)

ص: 48


1- تقدّم في ج 6، ص 433.
2- النهاية، ص 527؛ الخلاف، ج 4، ص 529، المسألة 8.
3- الوسيلة، ص 335.
4- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 245 و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 409، المسألة 66 ؛و جمال الدين الحلّي في المقتصر، ص 291.
5- المجادلة (58): 3.
6- النساء (4): 23.
7- الكافي، ج 6، ص 156، باب الظهار، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17 ، ح 5؛ الاستبصار، ج 3، ص 264، ح 947.
8- الكافي، ج 1، ص 157، باب الظهار، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21، ح 67: الاستبصار، ج 3، ص 263، ح943.
9- الكافي، ج 6، ص 156، باب الظهار، ح 11؛ الفقيه، ج 3، ص 535 ، ح 4851؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 24، ح 76؛ الاستبصار، ج 3، ص 264، ح 945.

...

وقال المفيد(1) و المرتضى(2) و ابن إدريس(3) و جماعة من المتقدّمين(4): لايقع بها؛ لقوله علیه السلام في الخبر السابق:«لايكون ظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»(5).

و لأنّ الظهار كان فى الجاهليّة طلاقاً كما سبق(6)، و الطلاق لايقع بها، و لأنّ المفهوم من

«النساء» في الآية الزوجة. و لورود السبب فيها.

و لرواية حمزة بن حمران عن الصادق علیه السلام فيمن يظاهر من أمته قال:«يأتيها و ليس علیه شيء»(7). و للأصل.

و جوابه: ضعف سند الأوّل فلا يعارض الصحيح، وإنّما جعلناه في السابق شاهداً لا أصلاً.

و الثاني لا حجّة فيه، و قد نقل: أنّهم كانوا يظاهرون من الأُمّة أيضاً، ويعتزل سيّدها فراشها؛ و لأنّ الطلاق أيضاً كان في الجاهليّة، كما ينبّه عليه قول الأعشى:

أيا جارتي بيني فإنّك طالقة(8)

و نمنع الحمل على الزوجة مع وجود ما يصلح للأمة. و السبب ليس مخصّصاً كما حقّق في الأصول(9).

ص: 49


1- المقنعة، ص 524.
2- لم نعثر على قوله، وحكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 709 - 710.
3- السرائر، ج 2، ص 709 - 710.
4- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 304؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 298؛ و الكيذري في إصباح الشيعة، ص456 بقوله: موجّهاً ذلك إلى معقود عليها.
5- سبق تخريجه في ص 46، الهامش 2.
6- سبق في ص19.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 10، ح 32؛ الاستبصار، ج 3، ص 264، ح948.
8- ديوان الأعشى الكبير، ص 117.
9- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 336.

. و مع الدخول يقع و لو كان الوطء دبراً صغيرةً كانت أو كبيرة، مجنونةً أو عاقلة.

و كذا يقع بالرتقاء و المريضة التي لاتوطأ.

و الرواية الأخيرة ضعيفة السند أيضاً، فلا تعارض الصحيح و الأصل إنّما يتمّ مع عدم وجود دليل مخرج عنه.

و اعلم أنّه على القول بوقوعه بها يأتي فيها الخلاف السابق في اشتراط الدخول و عدمه؛ لتناول الروايات الدالّة عليه لها كما تناولت الحرّة. و توهّم اختصاص ذلك الخلاف بالحرّة ضعيف جداً، بل باطل.

قوله:«و مع الدخول يقع و لو كان الوطء دبراً» إلى آخره.

وجهه أنّ إطلاق الدخول يشمل الدبر كما تحقّق في باب المهر و غيره(1)

و إطلاق الحكم يتناول الصغيرة و إن حرم الدخول بها، و الكبيرة المجنونة و العاقلة، و الرتقاء على تقدير وطئها في الدبر، و المريضة التي لا توطأ حال الظهار مع وجوده قبله؛ لتحقّق الشرط.

و لو لم نشترط الدخول فدخول الجميع أوضح.

و يمكن بناء الحكم على ذلك القول، بقرينة ذكر «المريضة التي لا توطأ» الشامل بإطلاقه للقبل و الدبر في سائر الأوقات،وإن لم تدخل الرتقاء في هذا العموم غالباً بالنظر إلى الدبر.

و مثله إطلاق المصنّف الحكم بصحة ظهار الخصيّ والمجبوب اللذين لا يمكنهما الوطء؛(2) فإنّه لايتمّ مع القول باشتراط الدخول، فلا بدّ في إطلاق هذه الأحكام من تكلّف.

ص: 50


1- راجع ج 6، ص 653 وما بعدها؛ و ج 7، ص 340 و 379 - 380.
2- راجع ص 43 (المتن).

الأمر الرابع في الأحكام

اشارة

و هي مسائل

الظهار محرّم

الأولى: • الظهار محرّم؛ لاتّصافه بالمنكر. و قيل: لاعقاب فيه؛ لتعقيبه بالعفو.

قوله:«الظهار محرّم؛ لاتّصافه بالمنكر. و قيل: لاعقاب فيه؛ لتعقيبه بالعفو».

لا خلاف بين العلماء في تحريم الظهار؛ لوصفه بالمنكر في قوله تعالى:«وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا»(1)، و المنكر و الزور محرّمان.

ثمّ اختلفوا فقال بعضهم: إنّه يُعفى عنه و لايعاقب عليه في الآخرة؛ لقوله تعالى بعد ذلك:«وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ»(2)، فعقبّه بالعفو و هو يستلزم نفي العقاب. و هذا القول ذكره بعض المفسّرين(3)،ولم يثبت عن الأصحاب.

و فيه نظر؛ لأنّه لايلزم من وصفه تعالى بالعفو و الغفران تعلّقهما بهذا النوع من المعصية، و ذكره بعده لايدلّ عليه، و نحن لا نشكّ في أنّه تعالى عفوّ غفور، سواء عفا عن هذا الذنب الخاصّ أم لم يعفُ.

نعم، تعقبّه له لايخلو من باعث على الرجاء و الطمع في عفو الله تعالى، إلّا أنّه لايلزم منه وقوعه به بالفعل.

و نظائره في القرآن كثيرة، مثل قوله تعالى:«وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ، وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»(4)، مع أنّه لم يقل أحد بوجوب عفوه عن هذا الذنب المذكور قبله، مع أنّ الوصف يصدق مع عفوه عن بعض أفراده دون بعض،

ص: 51


1- المجادلة (58): 2.
2- المجادلة (58): 2.
3- منهم الطبرسي في مجمع البيان، ج 9، ص 247؛ و البيضاوي في تفسيره ،ج 4، ص 252، ذيل الآية 2 من سورة المجادلة (58).
4- الأحزاب (33): 5.

لاتجب الكفّارة بالتلفّظ بل بالعود

الثانیّة: • لاتجب الكفّارة بالتلفّظ، وإنّما تجب بالعود، و هو إرادة الوطء.و الأقرب أنّه لا استقرار لها، بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفّر.

كما يصدق به في غيره، فلزوم العفو عنه مطلقاً غير لازم من الآية. و الحقّ أنّه كغيره من الذنوب أمر عقابها راجع إلى مشيئة الله تعالى. و نسبة المصنّف ذلك إلى القيل مشعر بعدم ظهوره عنده، و الأمر كما ذكرناه.

قوله: «لاتجب الكفّارة بالتلفّظ، و إنّما تجب بالعود، و هو إرادة الوطء» إلى آخره.

لا خلاف في أنّ الكفّارة الواجبة في الظهار تتعلّق بالعود، لقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(1)

لكن اختلفوا في المراد من العود فمذهب أكثر أصحابنا أنّه إرادة الوطء لا مجرّد إمساكهنّ في النكاح، و القول كناية عنه، و الإرادة مضمرة، مثلها في قوله تعالى:«فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»(2)، و«إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا»(3)، أي أردت القراءة، و أردتم القيام.

واستدلوا عليه بصحيحة أبي بصير قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام: متى تجب الكفّارة على المظاهر؟ قال: «إذا أراد أن يواقع»(4).

و قال ابن الجنيد:«إنّ المراد به إمساكها في النكاح بقدر ما يمكنه مفارقتها فيه؛ محتجّاً بأن العود للقول عبارة عن مخالفته»(5).

يقال: قال فلان قولاً ثم عاد فيه وعاد له، أي خالفه و نقضه، و هو قريب من قولهم: عاد

ص: 52


1- المجادلة (58): 3.
2- المائدة (5): 6.
3- المائدة (5): 6.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 20 - 21، ح 64.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 414 - 415، المسألة 72 نقلاً بالمعنى.

...

في هبته، و مقصود الظهار و معناه وصف المرأة بالتحريم، فكان بالإمساك عائداً.

و هذان القولان للعامّة(1) أيضاً. و لهم قول ثالث أنّه هو الوطء نفسه(2). و الأصحّ الأول.

و جواب الثاني أنّ حقيقة الظهار كما اعترفوا به تحريم المرأة عليه، و ذلك لاينافي بقاءها في عصمته، فلايكون إبقاؤها كذلك عوداً فيه، وإنّما يظهر العود في قوله بإرادة فعل ماينافيه، و ذلك بإرادة الاستمتاع أو به نفسه، لكنّ الثاني غير مراد هنا؛ لقوله:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسّا»(3)، فجعل الكفّارة مرتّبةً على العود و جعلها قبل أن يتماسّا، فدلّ على أنّ العود يتحقّق قبل الوطء.

و بهذا يضعّف القول الثالث.

و في الثاني أيضاً أن قوله تعالى«ثُمَّ يَعُودُونَ»(4)، يقتضي التراخي بين الظهار و العود: لدلالة «ثمّ» عليه، و على قولهم لايتحقّق التراخي على هذا الوجه.

و لو قيل مثله في العزم - لجواز وقوعه بعد الظهار بلا فصل - لأمكن الجواب بجريانه على الغالب من أنّ المظاهر لايقدم في الحال على مخالفة مقتضاه، و إنّما يحصل ذلك منه بعد التروّي.

إذا تقرّر ذلك فنقول: لا إشكال في وجوبها بالعود، لكن هل هو وجوب مستقرّ، حتّى لو عزم بعد ذلك على ترك وطئها أو طلّقها قبل المسيس و بعد العود تبقى الكفّارة لازمة له، أم استقرار الوجوب مشروط بالوطء بالفعل، بمعنى تحريم الوطء حتى يكفّر ؟

المشهور بين الأصحاب الثاني؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجل يظاهر من امرأته ثمّ يريد أن يتمّ على طلاقها، قال: «ليس عليه كفّارة»، قلت: إن أراد

ص: 53


1- راجع حلية العلماء، ج 7، ص 173؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 576 - 577 ، المسألة 6187.
2- راجع حلية العلماء، ج 7، ص 174: والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 575 ، المسألة 6187.
3- المجادلة (58): 3.
4- المجادلة (58): 3.

أن يمسّها؟ قال:«لايمسّها حتّى يكفّر»(1)، فإنّ ظاهرها أنّ جواز المسّ متوقّف على التكفير، فمتى لم يفعل لايستقرّ عليه، و إنّما يكون شرطاً في جواز المسّ، و هو المراد من الوجوب غير المستقرّ ، لا الوجوب بالمعنى المتعارف.

و قيل: إنّ الوجوب يستقرّ بإرادة الوطء وإن لم يفعل؛ لأنّ الله تعالى رتّب وجوبها على العود بقوله:«ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(2) أي فعليهم ذلك، و الأصل بقاء هذا الوجوب المرتّب(3).

و جوابه: منع دلالتها على الوجوب مطلقاً، بل غايته أن يدلّ على توقّف التماس عليها، و ذلك مطلوبنا. و لو سلّم الوجوب فالمراد به المقيّد بقبليّة التماس و القبليّة من الأُمور الإضافيّة لايتحقّق بدون المتضايفين، فما لم يحصل التماس لا يثبت الوجوب، و ذلك هو المراد من الوجوب غير المستقرّ.

فإن قيل: يلزم من هذا عدم وجوبها؛ لأنّ الواجب هو الذى لايجوز تركه لا إلى بدل، و هذه الكفّارة قبل المسيس يجوز تركها مطلقاً حيث يعزم على عدم المسيس إمّا مطلقاً أو مع فعل ما يرفع الزوجيّة. و يترتّب على ذلك أنّه لو أخرجها قبل المسيس لاتجزئ؛ لأنّه لم تجب، و لأنّ نيّة الوجوب بها غير مطابقة. و هذا المعنى الذي أطلقتموه عليه غير الوجوب المتعارف، بل هو بالشرط أشبه.

قلنا: الأمر كما ذكرت، و إطلاق الوجوب عليها بهذا المعنى مجازي، وقد نبّهوا عليه بقولهم بمعنى تحريم الوطء حتّى يكفّر، فهي حينئذٍ شرط في جواز الوطء. وإطلاق الواجب على الشرط من حيث إنّه لا بُدّ منه في صحّة المشروط مستعمل كثيراً و منه وجوب الوضوء للصلاة المندوبة، و وجوب الترتيب في الأذان، بمعنى الشرطيّة فيهما. و أما نيّة الوجوب

ص: 54


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 18، ح 56؛ الاستبصار، ج 3، ص 265، ح 949.
2- المجادلة (58): 3.
3- راجع الجامع للشرائع، ص 484؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 107، الرقم 5472.

.ولو وطئ قبل الكفّارة لزمه كفّارتان. ولو كرّر الوطء تكرّرت الكفّارة.

بالكفّارة فجاز إطلاقها بهذا المعنى؛ لأن نيّة كلّ شيء بحسبه و لو لم نعتبر نيّة الوجه _ كما حقّقناه في أبواب العبادات، لعدم الدليل الناهض عليه - تخلّصاً(1) من الإشكال.

قوله: «و لو وطئ قبل الكفّارة لزمه كفّارتان. و لو كرّر الوطء تكرّرت الكفّارة».

هذا هو المشهور بين الأصحاب المتقدّمين منهم و جميع المتأخّرين.

و مستنده صحيحة الحلبي السابقة عن الصادق علیه السلام و في آخرها قلت: إن أراد أن يمسّها؟ قال: «لايمسّها حتّى يكفّر»، قلت: فإن فعل فعليه شيء؟ قال: «إي والله إنّه لآثم ظالم»، قلت: عليه كفّارة غير الأُولى؟ قال: «نعم يعتق أيضاً رقبةً»(2).

و صحيحة أبي بصير قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام: متى تجب الكفّارة على المظاهر؟ قال: «إذا أراد أن يواقع»، قال، قلت: فإن واقع قبل أن يكفّر؟ قال، فقال:«عليه كفّارة أُخرى»(3).

و عن الحسن الصيقل عن الصادق علیه السلام، قال، قلت له: رجل ظاهر من امرأته فلم يف، قال:«عليه الكفّارة من قبل أن يتماسّا»، قلت: فإنّه أتاها قبل أن يكفّر، قال:«بئس ما صنع»، قلت عليه شيء؟ قال: «أساء و ظلم»، و قلت: فيلزمه شيء؟ قال: «رقبة أيضاً»(4).

و قال ابن الجنيد:«و المظاهر إذا أقام على إمساك زوجته بعد الظهار بالعقد الأوّل زماناً و إن قلّ فقد عاد لما قال، و لم يستحبّ له أن يطأ حتى يكفّر. فإن وطئ لم يعاود الوطء ثانياً حتى يكفّر، فإن فعل وجب عليه لكلّ وطء كفّارة، إلّا أن يكون ممّن لايجد العتق و لايقدر على الصيام و كفّارته هي الإطعام، فإنّه إن عاود إلى جماع ثانٍ قبل الإطعام فالفقه لايوجب عليه

ص: 55


1- كذا في النسخ. و في جواهر الکلام، ج 33، ص 133 : تخلّصنا. و عليه تكون «و لو» شرطيّة لا وصليّة.
2- سبق تخريجها في ص 54، الهامش 1.
3- تقدّم تخريجها في ص 52، الهامش 4.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 18، ح 57؛ الاستبصار ج 3، ص 265، ح 950.

...

كفّارة؛ لأنّ الله شرط في العتق و الصيام أن يكون قبل العود و لم يشترط ذلك في الإطعام و الاختيار أن لايعاود إلى جماع ثانٍ حتّى يتصدّق(1).

و يدلّ على ما اختاره من عدم تعدّد الكفّارة أيضاً صحيحة زرارة قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام: رجل ظاهر، ثمّ واقع قبل أن يكفّر، فقال لي: «أو ليس هكذا يفعل الفقيه؟»(2).

و حسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرّات قال:«يكفّر ثلاث مرّات»، قلت: فإن واقع قبل أن يكفّر ؟ قال:«يستغفر الله ويمسّك حتّى يكفّر»(3).

و رواية زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «إنّ الرجل إذا ظاهر من امرأته ثمّ غشيها قبل أن يكفّر فإنّما عليه كفّارة واحدة، و يكفّ عنها حتى يكفّر»(4).

و ما تقدّم من حديث سلمة بن صخر و أمر النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم - بعد أن أخبره أنه واقع - بعتق رقبة، و لو وجبت عليه كفّارتان لأمره بعتق رقبتين(5).

و في رواية أخرى عنه عن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في المظاهر يواقع قبل أن يكفّر، قال:«كفّارة واحدة»(6).

ويمكن على هذا حمل الأخبار الواردة بتعدّد الكفّارة(7) على الاستحباب جمعاً بين الأخبار. مع أنّ في تينك الروايتين رائحة الاستحباب؛ لأنه لم يصرّح بأنّ عليه كفّارة

ص: 56


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 424، المسألة 77.
2- الكافي، ج 6، ص 159، باب الظهار، ح 30؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 20، ح 63؛ الاستبصار، ج 3، ص 267،ح 956.
3- الكافي، ج 1، ص 156 ، باب الظهار، ح 14؛ الفقيه، ج 3، ص 531 ، ح 4836؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 18 - 19، ح 59 ؛ الاستبصار، ج 3، ص 265 - 266، ح 952.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 20، ح 62؛ الاستبصار، ج 3، ص 266 - 267، ح 955.
5- تقدّم في ص 34.
6- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 666. ح 2064؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 502 ، ص 1198؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 634، ح 15258.
7- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 328 - 331، الباب 15 من كتاب الظهار.

...

أخرى إلّا بعد مراجعات، و عدول عن الجواب كما لايخفى. إلّا أنّ الرواية الأولى من الصحيح،و كذلك الثانیّة، وليس في الباب صحيح غيرهما، فتأويلهما للجمع لا يخلو من إشكال.

و الشيخ حمل الروايات الدالّة على عدم تكرّر الكفّارة على من فعل ذلك جاهلاً(1). و استشهد عليه بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال:«الظهار لايكون إلّا على الحنث، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتّى يكفّر، فإن جهل و فعل فإنّما عليه كفّارة واحدة»(2)و حملَ الرواية الأُولى منها على ما إذا كان الظهار مشروطاً بالمواقعة، فإنّ الكفّارة لاتجب إلّا بعد الوطء، فلو أنّه كفّرَ قبل الوطء لما كان مجزئاً عمّا يجب عليه بعد الوطء، و لكان يلزمه كفّارة أخرى إذا وطئ، فنبّه علیه السلام على أنّ المواقعة لمن هذا حكمه من أفعال الفقيه الذي يطلب الخلاص من وجوب كفّارة أخرى عليه، و ليس ذلك إلّا بالمواقعة(3).

و لايخفى عليك بّعد هذه المحامل. و قول ابن الجنيد لايخلو من قوّة، و فيه جمع بين الأخبار، إلّا أنّ الأشهر خلافه. و حيث نقول بتعدّد الكفّارة فيستثنى منه ما لو فعل موجبه نسياناً أو جهلاً، فإنّه لايتعدّد؛ لما سبق، و لرفع حكم الخطأ والنسيان(4).

و أما تكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء فيدلّ عليه الأخبار الدالّة على تعدّد الكفّارة قبل الوطء(5) الشامل لذلك. و خصوص حسنة أبي بصير عن الصادق علیه السلام قال: «إذا واقع المرّة الثانیّة قبل أن يكفّر فعليه كفّارة أخرى، ليس في هذا اختلاف»(6)؛ و لأنّ كلّ واحد سبب لكفّارة، و الأصل عدم تداخل المسبّبات عند تعدّد الأسباب.

ص: 57


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 19، ذيل الحديث 60؛ الاستبصار، ج 3، ص 266، ذيل الحديث 953.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 19 - 20، ح 61؛ الاستبصار، ج 3، ص 266، ح 954.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 20، ذيل الحديث 63؛ الاستبصار، ج 3، ص 267، ذيل الحديث 956.
4- الكافي، ج 2، ص 462 - 463، باب ما رفع عن الأُمّة، ح 1 و 2؛ الفقيه، ج 1، ص 59، ح 132؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 659 ، ح 2045.
5- وسائل الشيعة، ج 22، ص 328 - 331، الباب 15 من كتاب الظهار.
6- الكافي، ج 6، ص 157 ، باب الظهار، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 18 ، ح 58 ؛ الاستبصار، ج 3، ص 265، ح 951 بتفاوت.

إذا طلّقها رجعيّاً ثمّ راجعها عاد حکم الظهار

الثالثة: • إذا طلّقها رجعيّاً ثمّ راجعها لم تحلّ له حتى يكفّر. و لو خرجت من العدّة ثم تزوّجها و وطئها فلا كفّارة.

و كذا لو طلّقها بائناً و تزوّجها في العدّة و وطئها.

وكذا لو ماتا أو مات أحدهما أو ارتدّا أو ارتدّ أحدهما.

و قال ابن حمزة:«إن تكرّر منه الوطء قبل التكفير الأوّل لم يلزمه غير واحدة، وإن كفّر عن الأول لزمته عن الثاني، و هكذا(1)»

و ما سبق(2) حجّة عليه.

قوله: «إذا طلّقها رجعيّاً ثمّ راجعها لم تحلّ له حتّى يكفّر» إلى آخره.

إذا طلّق المظاهر طلاقاً رجعيّاً ثمّ راجعها فلا خلاف في أنّه يعود الظهار و أحكامه. فتحرم عليه بالظهار السابق و تجب الكفّارة بالعود، و لاتجب بالرجعة مجرّدةً؛ لأنّها لا تستلزم العزم على الوطء.

و لو طلّقها بائناً أو رجعيّاً و تركها حتّى بانت ثُمّ جدّد نكاحها - و لو في العدّة إذا كان الطلاق بائنا - ففى عود الظهار قولان(3):

أحدهما - و به قال المعظم - أنّه لا يعود؛ لأصالة البراءة، و الخروج عن العهدة بالطلاق، و صيرورته كالأجنبي بعد خروج العدّة،و استباحة الوطء بعد ذلك ليس بالعقد الأوّل الذي لحقه التحريم بالظهار، بل بعقدٍ لم يلحقه ظهار، و لصيرورتها أجنبيّةً قبل العقد الثاني، فكما لایصحّ ابتداء الظهار بها لا یصحّ استدامته؛ لأنّ حكمه معلّق بالزوجة.

و لصحيحة بريد بن معاوية قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثمّ طلّقها

ص: 58


1- الوسيلة، ص 335، وفيه : التكفير عن الأوّل.
2- أي حسنة أبي بصير السابقة.
3- القول بعدم عود الظهار للمفيد في المقنعة، ص 524 ؛ و الشيخ في النهاية، ص 526؛ و ابن البرّاج في المهذّب،ج 2، ص 300 ، والقول الآخر يأتي لاحقاً.

...

تطليقةً، فقال: «إذا هو طلّقها تطليقةً فقد بطل الظهار و هدم الطلاق الظهار»، فقلت له: فله أن يراجعها؟ قال:«نعم، هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسّا»، قلت: فإن تركها حتّى يحلّ أجلها و تملك نفسها ثم تزوّجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يتماسّا ؟ قال:«قد بانت و ملكت نفسها»(1).و هذا نص في الحكمين.

و ذهب أبو الصلاح(2) و سلّار(3) إلى عود حكم الظهار بتزويجها و لو بعد العدّة البائنة؛ لعموم الآية(4) ، و خصوص حسنة عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السلام أنّه سأله عن رجل ظاهر من امرأته ثمّ طلقها بعد ذلك بشهر أو بشهرين فتزوّجت، ثمّ طلّقها الذي تزوّجها فراجعها الأوّل، هل عليه فيها الكفّارة للظهار الأوّل؟ قال: «نعم، عتق رقبة أو صوم أو صدقة»(5).

و أُجيب(6) بمنع دلالة الآية على ذلك؛ لأنّ العود إلى استباحة ما حرّمه الظهار في عقد إنّما يكون بإرادة الوطء في ذلك العقد.

وحمل الشيخ الحديث على التقيّة(7) .

و فيه نظر؛ لأنّ العامّة مختلفون في ذلك(8) كالخاصّة ، فلا وجه للتقيّة في أحد القولين.

و حمله العلّامة على فساد النكاح؛ لأنّه عقب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين فيكون قد وقع في العدّة فيكون باطلاً(9).

ص: 59


1- الكافي، ج 6 ، ص 161، باب الظهار، ح 34؛ الفقيه، ج 3، ص 529 - 530 ، ح 4834؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 16 ، ح 51 . و فيما عدا الفقيه عن يزيد الكناسي.
2- الكافي في الفقه، ص 303 - 304.
3- المراسم، ص 160.
4- المجادلة (58): 3.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17، ح 52.
6- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 418، المسألة 73.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17، ذيل الحديث 52.
8- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 575 ، المسألة 6186.
9- مختلف الشيعة، ج 7، ص 418، المسألة 73.

...

و استحسنه بعضهم(1)، و أيّده بأمرين:

أحدهما : تعقيب التزويج ب«الفاء» المقتضية للفوريّة، و ذلك يقتضي عدم الخروج من العدّة.

و الثاني: أنّ حكاية الحديث تشعر به حيث قال: «فراجعها الأوّل»، و لم يقل: فتزوّجها.

و لايخفى عليك ما في هذا التنزيل والتأييد؛ لأنّ إطلاق التزويج محمول على الصحيح، و الشهر و الشهران متخلّلان بين الظهار والطلاق، لا بين الطلاق والتزويج. ثمّ تعقيب التزويج ب«الفاء» يقتضي التعقيب و الفوريّة بحسب الممكن لا مطلقاً، كما نبّهوا عليه بقولهم: تزوّج فلان فولد له؛ فإنّ المراد به وجود الولادة في أوّل أوقات الإمكان، و ذلك بعد مضيّ مدّة الحمل، لا عقيب التزويج بلا فصل، و كذلك قول القائل: دخلت بغداد فالبصرة، و أمثال ذلك كثير.

و المراد هنا أنه تزوّجها في أوّل أوقات الإمكان شرعاً، وهو انقضاء العدّة.

هذا إذا سلّم دلالتها في مثل هذا المقام على الفوريّة. و على تقدير تسليم وقوع الشهر و الشهرين بين التزويج و الطلاق فيمكن انقضاء العدّة بهما و بأقل منهما كما مر


1- هو ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 3، ص 536 - 537.

لو ظاهر من زوجته الأمة ثمّ ابتاعها

الرابعة . لو ظاهر من زوجته الأمة ثمّ ابتاعها فقد بطل العقد. و لو وطئها بالملك لم تجب الكفّارة. و لو ابتاعها من مولاها غير الزوج ففسخ سقط حكم الظهار. و لو تزوّجها الزوج بعقد مستأنف لم تجب الكفّارة.

الظهار مطلقاً. وإن كان بعد الدخول فإن كان الارتداد من الرجل عن فطرة بانت منه، و سقط الحكم في حقه؛ لعدم إمكان تزويجها عند من لايقبل توبته. و على القول بالقبول و جواز تزويجه بعد ذلك يسقط حكم الظهار كما لو طلّق بائناً، بل هنا أقوى؛ لأنّها تعتدّ عدّة الوفاة. و إن كان الارتداد من المرأة، أو كان ملّيّاً و كان ذلك بعد الدخول - حيث اشترطناه في صحّة الظهار - فالعدّة رجعيّة، فيترتّب حكمها من عوده مع العود في العدّة، و عدمه مع انقضائها قبل العود. و أمّا حكم المصنّف بأنّ ارتداد أحدهما يسقط الكفّارة مطلقاً فليس مطلقاً.

قوله: «لو ظاهر من زوجته الأمة ثمّ ابتاعها فقد بطل العقد» إلى آخره.

إذا كانت الزوجة المظاهر منها أمة فابتاعها الزوج المظاهر من مولاها بطل العقد؛ لما تقدّم من أنّ البضع لايستباح بسببين(1)، و السبب الطارئ أقوى، و العقد لايجامع ملك اليمين، فزال التحريم المترتّب على العقد، و استباحها حينئذٍ بالملك، و كان ذلك كما لو طلّقها و تزوّجها بعد انقضاء العدّة، بل هنا أقوى؛ لاختلاف جنس السبب الذاهب و العائد،بخلاف من تزوّجها بعد البينونة، فإنّ السبب وإن تعدّد إلّا أنّه متّحد في الجنس و إن اختلف في الشخص.

و في معناه ما لو اشتراها غيره ثمّ فسخ النكاح و زوّجه إيّاها بعقد مستأنف، و لاتتوقّف صحّة العقد على الاستبراء و لا الاعتداد؛ لأنّ الماء لواحد.

و مثله ما لو طلّقها بائناً ثم تزوّجها في العدّة. و بهذا تحصل الحيلة على إسقاط حكم الظهار بغير تكفير.

و لو قلنا بوقوعه بملك اليمين فظاهر من أمته ثمّ باعها من غيره بطل حكم الظهار، فإن

ص: 61


1- تقدّم في ج 6، ص 470 - 471.

تعلیق الظهار علی مشیئة الغیر

الخامسة:• إذا قال: «أنتِ كظهر أُمّى إن شاء زيد»، فقال: شئت، وقع على القول بدخول الشرط فى الظهار. ولو قال: «إن شاء الله» لم يقع ظهار.

اشتراها منه لم يعد، كما لو طلّق بائناً ثمّ تزوّجها. و أَولى منه ما لو أعتقها ثمّ تزوّجها، لاختلاف السبب كما مرّ.

فروع:

لو ظاهر من زوجته الأمة و عاد ثمّ قال لمالكها: «أعتقها عن ظهاري» ففعل، وقع عتقها عن كفّارته و انفسخ النكاح بينهما؛ لأنّ إعتاقها عنه يتضمّن تمليكه كما سيأتي(1)، و إذا ملك زوجته انفسخ النكاح، و كذا لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفّارة أُخرى.

و لو ملكها بعد ما ظاهر منها و عاد فانفسخ النكاح بينهما ثمّ أعتقها عن ظهاره منها جاز.

و لو آلى من زوجته الأمة و وطئها و لزمته الكفّارة، فقال لسيّدها:«أعتقها عن كفّارة عنّى» ففعل، جاز و انفسخ النكاح كالظهار.

و لو ظاهر من زوجته الذمّيّة و عاد، ثمّ نقضت المرأة العهد فاسترقّت فملكها الزوج و أسلمت، فأعتقها عن كفّارة ظهاره أو غيرها جاز.

قوله: «إذا قال: أنتِ كظهر أمّى إن شاء زيد، فقال: شئت» إلى آخره.

هذا من فروع تعليق الظهار على الشرط، فإن صحّحناه صحّ هنا، و توقّف وقوعه على حصول الشرط وهو المشيئة، فإن قال «شئت» وقع؛ لوجود المقتضي. ولا فرق بين تعليقه على مشيئتها ومشيئة غيرها، فلو قال: «أنتِ كظهر أمّي إن شئت»، فقالت: «شئتُ»، وقع. و لو قالت:« شئتُ إن شئتَ» لم يقع؛ لأنّ المشيئة لاتقبل التعليق. وكذا القول في مشيئة الأجنبيّ.

و لو قال: «إن شئت وشاء فلان» توقّف وقوعه على مشيئتهما.

و لو علّقه على مشيئة صبيّ، فإن لم يكن مميّزاً لم تعتبر مشيئته. و كذا المجنون. و في المميّز وجهان، مِن سلب عبارته شرعاً، و إمكان مشيئته عقلاً، و قبول خبره في نظائر ذلك.

ص: 62


1- يأتي في ص 144.

لو ظاهر من أربع بلفظ واحد

السادسة: • لو ظاهر من أربع بلفظ واحد كان عليه عن كلّ واحدة كفّارة.

و لو ظاهر من واحدة مراراً وجب عليه بكلّ مرّة كفّارة، فرّق الظهار أو تابعه. و مِن فقهائنا من فصّل و لو وطئها قبل التكفير لزمه عن كلّ ،وطء كفّارة واحدة.

و لو علّقه على مشيئتها فشاءت باللفظ كارهةً بالقلب وقع ظاهراً. و في وقوعه باطناً بالنسبة إليها وجهان من أنّه تعليق بلفظ المشيئة ، و لو كان بالباطن لكان إذا علّق بمشيئة زيد لم يصدّق زيد في حقّها، و من ظهور عدم الشرط و هو المشيئة عندها.

و لو قال: «أنتِ كظهر أُمّي إن شئتِ أو أبيتِ»، فقضيّة اللفظ وقوعه بأحد الأمرين، إمّا المشيئة أو الإباء، كما لو قال: «إن قمتِ أو قعدتِ». و ربما دلّ العرف على إرادته منجّزاً، فإن انضبط قدّم و إلّا فالمعتبر مدلوله لغةٌ. ولو قال: «شئتِ أو أبيتِ»، وقع في الحال قطعاً، إذ لاتعليق هنا.

و لو كان تعليقه على مشيئة الله، فإن قصد به التبرّك كان كالمنجّز، و إن قصد التعليق لم يقع، أمّا على رأي العدليّة فواضح؛ لأنّ الله تعالى لايشأ الظهار؛ لكونه محرّماً. و أمّا على رأي الأشعريّة فللجهل بحصول الشرط.

و لو عکس فقال: «أنت كظهر أمّي إن لم يشأ الله»، وقع إن كان عدليّاً؛ لما ذكرناه من العلّة. فإنّ عدم مشيئة الله تعالى له معلومة. و قيّده في القواعد بكون المظاهر يعلم التحريم(1). و ليس بواضح؛ لحصول الشرط على التقديرين.

و إن كان أشعريّاً فوجهان، أجودهما الوقوع مطلقاً.

قوله:«لو ظاهر من أربع بلفظ واحد كان عليه عن كلّ واحدة كفّارة» إلى آخره.

هنا مسألتان:

الأولى: إذا ظاهر من أربع نسوة بكلمة واحدة فقال: «أنتنّ عليّ كظهر أُمّي» صار مظاهراً منهنّ إجماعاً، ثم إن فارقهنّ بما يرفع الظهار فلا كفّارة. و إن عاد إليهنّ جمع فقولان،

ص: 63


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 172.

...

أشهرهما أنّه يلزمه عن كلّ واحدة كفّارة؛ لأنّه أوجد الظهار و العود في حقهنّ جمیعاً.و لحسنة حفص بن البختري عن الصادق و الكاظم علیهما السلام في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحد، فقال:«عليه عشر كفّارات»(1).

و الثاني: أنّه لايجب إلا كفّارة واحدة، وهو قول ابن الجنيد(2)؛ لأنّ الظهار كلمة يقتضي مخالفتها الكفّارة، فإذا تعلّقت بجماعة لم يقتض الّاكفّارة واحدة كاليمين؛ و لرواية غياث بن إبراهيم عن الصادق علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، عن عليّ علیه السلام في رجل ظاهر من أربع نسوة قال: «عليه كفّارة واحدة»(3).

و جوابه ضعف سند الرواية. و إذا عملنا بالحسن كان مضمونه رافعاً للتعليل الموجب للوحدة مع أنه معتضد بالشهرة.

و ربما بني الخلاف على أنّ المغلّب في الظهار مشابهة الطلاق أو الأيمان، فإن غلّبنا مشابهة الطلاق لزمته أربع كفّارات، و لم يختلف الحال بين أن يظاهر بكلمة أو كلمات، كما لايختلف الحال بين أن يطلّقهنّ بكلمة أو كلمات. و إن غلّبنا مشابهة الأيمان لم تجب إلّا كفّارة واحدة، كما لو حلف أن لا يكلّم جماعة فكلّمهم. و الظهار يرجع إلى الأصلين.

فعلى الأشهر من وجوب أربع كفّارات و حَصَلَ العودُ في بعضهنّ دون بعض وجبت الكفّارة بعدد من حصل فيها العود. و إن لم نوجب إلّا كفّارة واحدة كفى العود في بعضهنّ لوجوب الكفّارة، حتى لو طلّق ثلاثاً وجبت الكفّارة للرابعة.

و يحتمل على هذا أن لاتجب، كما لو حلف أن لايكلّم جماعة لاتلزمه الكفّارة بتكليم بعضهم. و يمكن الفرق بينه وبين اليمين أنّ كفّارة اليمين إنّما تجب بالحنث، و الحنث

ص: 64


1- الكافي، ج 6، ص 157، باب الظهار، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21، ح 67؛ الاستبصار، ج 3، ص 263،ح 943.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 423، المسألة 76.
3- الفقيه، ج 3، ص 534 ، ح 4846؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21 - 22، ح 6؛ الاستبصار، ج 3، ص 263 - 264، ح 944.

...

لايحصل إلّا بأن يكلّم الجميع، و في الظهار إنّما وجبت الكفّارة؛ لأنّه بالإمساك خالف قوله، و المخالفة تحصل بإمساك واحدة كما تحصل بإمساك الجميع.

و احترز بقوله «ظاهر بلفظ واحد» عمّا لو ظاهر عنهنّ بأربعة ألفاظ، فإنّ الكفّارة تتعدّد بتعدّدهنّ بغير خلاف؛ لتعدّد الظهار لفظاً ومعنى.

الثانیّة: لو ظاهر من واحدةٍ مراراً متعدّدةً ففي تعدد الظهار أقوال:

أحدها - وهو الأشهر - التعدّد مطلقاً(1)، سواء اتّحد المجلس أم تعدّد، و سواء اتّحدت المشبّه بها أم اختلفت؛ لأنّ كلّ ظهار سبب تامّ موجب للكفّارة مع العود بالآية(2)، و تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات، إلّا أن يدلّ دليل من خارج على التداخل أو الاتّحاد،و الصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر، قال:«قال عليّ علیه السلام: مكان كلّ مرّة كفّارة»(3)، و حسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام قال:سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرّات قال:«يكفّر ثلاث مرّات»(4)، و مثله رواية أبي بصير عنه علیه السلام(5).

و ثانيها: تعدّدها مع تراخي أحدهما عن الآخر أو تواليها من غير أن يقصد به التأكيد، وإلّا فواحدة. و هو قول الشيخ في المبسوط(6)، و تبعه ابن حمزة(7).

ص: 65


1- القول بالتعدد مطلقاً للشيخ في النهاية، ص 526؛ و ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلّامة و اختاره أيضاً في مختلف الشيعة، ج 7، ص 420. المسألة 75.
2- المجادلة (58): 3-4.
3- الكافي، ج 1، ص 156، باب الظهار، ح 12؛ الفقيه، ج 3، ص 531، ح 4837؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 22، ح 70؛ الاستبصار، ج 3، ص 262، ح 938.
4- الكافي، ج 6، ص 156، باب الظهار، ح 14؛ الفقيه، ج 3، ص 531، ح 4836؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 18 - 19 ، ح 59؛ الاستبصار، ج 3، ص 265 - 266، ح 952.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 22، ج 71؛ الاستبصار، ج 3، ص 262 - 263، ح 940.
6- المبسوط، ج 4، ص 174.
7- الوسيلة، ص 334.

...

و ثالثها: التفصيل بتعدّد المشبّه بها كالأُمّ و الأخت - فتتعدّد الكفّارة، و اتّحادها - كالأُمّ - فتتّحد و إن فرّق، إلّا أن يتخلّل التكفير فتتعدّد. و هو قول ابن الجنيد؛ محتجّاً مع التعدّد بأنّهما حرمتان انتهكهما فيجب لكلّ واحدة كفّارة، و مع الاتّحاد بأنّه واحد(1)، و الكفّارة معلّقة على مطلق الظهار، و هو يتناول الواحد و الكثير، و برواية عبد الرحمن بن الحجّاج(2) عن الصادق علیه السلام في رجل ظاهر من امرأته أربع مرّات في مجلس واحد، قال:«عليه كفّارة واحدة»(3).

و الشيخ حمل هذا الخبر على أنّ عليه كفّارة واحدة في الجنس لاتختلف كما تختلف الكفّارات فيما عدا الظهار، و ليس المراد أنّ عليه كفّارة واحدة عن المرّات الكثيرة(4).

و لايخفى بُعد هذا التأويل في الغاية. و لو قيل بترجيح الأوّل - لأنّه أصح إسناداً و أكثر - كان أولى.

بقي في المسألة أُمور:

الأوّل: يظهر من قول المصنّف «فرّق الظهار أو تابعه، و مِن فقهائنا من فصّل» أنّ منهم من فرّق بين ما لو تابع و فرّق، فحكم بتعدّد الكفّارة في الثاني دون الأوّل(5). و في رواية ابن الحجّاج ما يرشد إليه؛ لأنّه حكم باتّحاد الكفّارة مع اتّحاد المجلس، و تلك الأخبار الدالّة على تعدّدها مطلقة فتحمل على اختلاف المجلس؛ جمعاً بين الأخبار.

و هذا قول موجّه بالنسبة إلى دلالة الأخبار و طريق الجمع بينها، إلّا أنّا لم نقف على قائل

ص: 66


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 419، المسألة 75.
2- في حاشية «خ، و»: «في طريق هذا الخبر أبو بصير و هو مشترك بين الثقة و الضعيف ولكن في المختلف وصفه بالصحّة، و هو ممنوع (م ب مجلسي قدّس سرّه)». راجع مختلف الشيعة، ج 7، ص 420 - 421، المسألة 75.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 23، ج 73؛ الاستبصار، ج 3، ص 263، ح 942 .
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 23، ذيل الحديث 73؛ الاستبصار، ج 3، ص 263، ذيل الحديث 942.
5- الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 174؛ ابن حمزة في الوسيلة، ص 334.

...

به من أصحابنا. نعم، نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم(1)، و مقتضى طريقته أنّه من العامّة(2) لا من أصحابنا.

الثاني: إطلاق قول المصنّف بتعدّد الكفّارة يقتضي عدم الفرق بين ما إذا قصد بالثاني وما بعده التأكيد للأوّل، و ما إذا قصد الظهار أو أطلق. وهذا هو الظاهر من إطلاق جماعة(3)، و المتبادر من مذهب العلّامة في المختلف؛ لأنّه أجاب عن حجّة الشيخ باتّحاد الظهار مع إرادة التأكيد بقوله:«و نمنع الوحدة، فإنّ التأكيد غير المؤكّد و المطلق موجود في كلّ فرد، و هو يستلزم تعدّد المعلول بحسب تعدّد العلّة»(4)

لكنّه بعد ذلك - و بعد أن نقل عن الشيخ في النهاية إطلاق القول بتعدّد الكفّارة(5)، و عن المبسوط بعدم وجوبها مع قصد التأكيد على ذلك الوجه(6)، و عن الخلاف قريباً منه(7) - قال:«و الظاهر أنّه غير مخالف لقوله في النهاية ؛ لأنّ قوله في النهاية: و متى ظاهر من امرأته مرّةً بعد أخرى، و تأكيد الظهار ليس ظهاراً(8).

و هذا يرشد إلى أنّ التأكيد لايوجب التعدّد مطلقاً، و هو خلاف ما سبق منه و خلاف ما فصّله الشيخ، فإنّه قيّد اتّحاد الكفّارة مع قصد التأكيد بما لو وقع الظهار متتابعاً، و أوجب مع التفريق تعدّدها مطلقاً

ص: 67


1- المبسوط ، ج 4، ص 74.
2- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 624، المسألة 6228؛ والمجموع شرح المهذّب ج 17، ص 364.
3- منهم الشيخ في النهاية، ص 526؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 299؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 174.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 421، المسألة 75.
5- النهاية، ص 526.
6- المبسوط، ج 4، ص 174.
7- الخلاف، ج 4، ص 535 ، المسألة 19.
8- مختلف الشيعة، ج 7، ص 421. المسألة 75.

حکم الوطء إذا أطلق الظهار أو علّقه بشرط

السابعة: • إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتّى يكفّر. و لو علّقه بشرط جاز الوطء ما لم يحصل الشرط. و لو وطئ قبله لم يكفّر و لو كان الوطء هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله، و لا تستقرّ الكفّارة حتى يعود. و قيل:تجب بنفس الوطء. وهو بعيد.

و يظهر من ولده في الشرح أنّ موضع الخلاف ما إذا لم يقصد التأكيد(1). و هو يدلّ بإطلاقه على ما ذكره والده أخيراً. و بهذا صرّح في التحرير(2). و هذا هو المعتمد.

الثالث: موضع الخلاف على تقدير الحكم باتّحاد الكفّارة مخصوص بما إذا لم يتخلّل التكفير، أمّا لوكفّر من السابق ثمّ جدّد الظهار فلا شبهة في وجوب الكفّارة به؛ لأنّ حكم الأوّل قد سقط بالتكفير فلا يتوجّه الاجتزاء بتلك الكفّارة عن الظهار المتأخّر عنها، مع أنّه سبب تامّ في إيجابها مع العود، و الكفّارة المتقدّمة على سبب الوجوب لاتجزئ قطعاً.

قوله:«إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتّى يكفّر - إلى قوله - وهو بعيد».

من حكم الظهار الصحيح تحريم الوطء إذا وجبت الكفّارة إلى أن يكفّر، فلو وطئ قبل التكفير عصى و حرم عليه العود ثانياً إلى أن يكفّر أيضاً، قال تعالى:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أن يَتَمَاسا»(3)

ثمّ إن كان الظهار مطلقاً غير معلّق على شرط فوقوع الظهار يحصل بنفس الصيغة، و وجوب الكفّارة بالعود كما مرّ. وإن كان معلّقاً على شرطٍ فوقوعه مشروط بحصول ذلك الشرط قضيّة للتعليق، فيجوز الوطء قبل حصوله، فإذا حصل وقع الظهار حينئذٍ، و لحقه حكمه من تحريم الوطء وتوقّف وجوب الكفّارة على العود بعد وقوعه. و لا فرق في ذلك بين كون الشرط وطئاً و غيره؛ لاشتراكهما في المقتضي. فعلى تقدير كونه وطئاً، كما لو قال: «إن وطئتكِ فأنتِ عليَّ كظهر أُمّي» جاز له وطؤها أوّل مرّة، فإذا وطئ انعقد الظهار،و توقّف وجوب الكفّارة على العزم على وطئها مرّةً أُخرى

ص: 68


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 420.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 108، الرقم 5474.
3- المجادلة (58): 3.

...

و قال الشيخ (رحمه الله): إذا كان الشرط هو الوطء وجبت الكفّارة بنفس الوطء(1). و إن كان ابتداؤه جائزاً، بناءً على أنّ الاستمرار وطء ثانٍ. و على هذا فإنّما يباح منه مسمّاه، و تجب الكفّارة و لو بالنزع بعد المسمّى.

و هو ضعيف، فإنّ الوطء أمر واحد عرفاً من ابتدائه إلى النزع، و الإطلاق محمول على العرف، و المشروط إنّما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله. نعم، لو نزع كاملاً ثمّ عاد وجبت الكفّارة و إن كان في حالة واحدة.

ثمّ هنا مباحث و صور متفرّعة على التعليق يتدرّب بها على ما يرد من نظائرها، فإنّها غير منحصرة:

الأوّل: لو علّقه بفعل كقوله «إن دخلت دار فلان أو كلّمته» وقع بعد الدخول و التكليم،سواء طال الزمان أم قصر، ولا يقع قبله كما قد عرفت.

و لو علّقه بنفي فعل كقوله«إن لم تدخلي الدار» لم يقع إلّا عند اليأس من الدخول،كأن مات أحدهما قبله، فيحكم بوقوعه قبل الموت. ومن هذا الباب ما لو قال: «إن لم أتزوّج عليكِ فأنتِ عليَّ كظهر أُمِّي»، فإنّها تصير مظاهراً عند اليأس و ذلك بالموت، فتبيّن أنّه قبل الموت صار مظاهراً و لا كفّارة عليه؛ لعدم العود بعده؛ لأنّ الموت عقيب صيرورته مظاهراً.

و لو علّق النفي ب«إذا» كقوله «إذا لم تدخلي» وقع عند مضيّ زمن يمكن فيه ذلك الفعل من وقت التعليق فلم تفعل.

و الفرق بين الأداتين أنّ «إن» حرف شرط لا إشعار له بالزمان، و«إذا» ظرف زمان ك«متى» في التناول للأوقات، فإذا قيل:«متى ألقاك»، صحّ أن يقول: «متى شئت»، أو «إذا شئت، و لایصحّ «إن شئت». فقوله «إن لم تدخلي الدار» معناه: إن فاتك دخولها، و فواته بالموت. و قوله «إذا لم تدخلي الدار» معناه: أيّ وقت فاتك الدخول، فيقع الظهار بمضيّ زمان يمكن فيه الدخول به

ص: 69


1- النهاية، ص 525، بتفاوت في العبارة.

...

و يحتمل وقوعه في الموضعين بمضيّ زمن يمكن فيه الفعل؛ لدلالة العرف عليه. و يقوى الاحتمال مع انضباطه بذلك. وفي معنى «إذا»: «متى» و«أيّ وقت».

الثاني: لو علّقه بالحمل فقال: «إن كنتِ حاملاً فأنتِ كظهر أُمّي»، فإن كان بها حمل ظاهر وقع في الحال، و إلّا فإن ولدت لدون ستّة أشهر من التعليق بانَ وقوعه حين التعليق؛ لوجود الحمل حينئذٍ. وإن ولدت لأكثر من أقصى مدّة الحمل أو بينهما و وطئت بعد التعليق؛ و أمكن حدوثه به بأن كان بين الوطء و الوضع ستّة أشهر فأكثر لم يقع؛ لتبيّن انتفاء الحمل في الأوّل، و احتمال حدوثه بعد التعليق في الثاني. و إن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به ففي وقوعه وجهان، من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المنيّ، و الأصل عدم تقدّمه و من أنّ ذلك نادر، و الظاهر وجوده عند التعليق. و هذا هو الأقوى. و قد تقدّم نظيره فيما لو أوصى للحمل(1).

و لو قال: «إن ولدتِ أنثى فأنتِ عليَّ كظهر أمّي»، فولدتها وقع حين الولادة. و لو قال:«إن كنتِ حاملاً بها»، تبيّن بولادتها وقوعه حين التعليق، و إن توقّف ظهوره على الولادة. و تظهر الفائدة في احتساب المدّة من حينه لو كان قد وقّته بمدّة.

الثالث: لو علّقه بالحيض فقال «إن حضتِ حيضة فأنتِ عليَّ كظهر أُمّي» لم يقع حتّى ينقضي حيض تامّ. و لو قال«إن حضت» و اقتصر وقع إذا رأت دماً محكوماً بكونه حيضاً، فإن كانت معتادةً و رأته في عادتها وقع برؤية الدم، و إلّا فبمضيّ ثلاثة أيام. و على القول بتحيّضها برؤية الدم مطلقاً أو مع ظنّه يقع كذلك. و يحتمل توقّفه على ثلاثة مطلقاً؛ إذ به يتحقّق أنه ليس بدم فساد.

و الفرق بينه و بين العبادة و التحريم أنّ الظهار لايقع إلّا بيقين و أحكام الحيض تثبت بالظاهر. و لو قال لها ذلك وهي حائض لم يقع إلّا بحيضة مستأنفة.

ص: 70


1- تقدم في ج 5، ص 330.

...

و مهما قالت«حضت»، فالقول قولها، بخلاف ما لو علّقه على دخولها الدار فقالت:«دخلتها»، فإنّها تحتاج إلى البيّنة.

و الفرق عسر إقامة البيّنة على الحيض، و غاية غيرها مشاهدة الدم، و ذلك لايعرف إذا لم تعرف عادتها و أدوارها، فلعلّه دم فساد، فاكتفى الشارع فيه بقولها. و قد تقدّم في الطلاق ما يدلّ عليه من النصّ(1).

و مثله ما لو قال:«إن أضمرت بغضي فأنتِ عليَّ كظهر أُمّي»،فقالت: «أضمرت»، فالقول قولها، لعسر الاطّلاع، بخلاف الأفعال الظاهرة كدخول الدار؛ لسهولة إقامة البيّنة عليها.

الرابع: لو تعدّد الشرط كقوله«إن دخلت دار زيد أو كلّمته فأنت عليَّ كظهر أمّي» وقع بأيّ واحد من الشرطين وجد، ثم لايقع بالآخر شيء؛ لأنّه ظهار واحد. و كذا لو قدّم الجزاء عليهما. و كذا لو قال:«إن دخلت الدار و إن كلّمت زيداً»، أو قال:«إن دخلت هذه الدار وإن دخلت الأخرى فأنت علىَّ كظهر أُمّي». أمّا لو قال: «إن دخلت دار فلان فأنت عليَّ كظهر أُمّي و إن كلّمته فأنت كظهر أمّي»، أو «إن دخلت هذه الدار فأنت كظهر أُمّي و إن دخلت هذه الدار فأنت كظهر أُمّي»، فوجد الشرطان وقع الظهاران؛ لتعدّد الشرط والجزاء.

و لو قال:«إن دخلت الدار و كلّمت زيداً»، فلابُدّ من وجودهما معاً لوقوعه. و لا فرق بين أن يتقدّم الكلام أو يتأخّر؛ لأنّ «الواو» لمطلق الجمع على أصحّ القولين(2)، و يجيء على قول من يجعلها للترتيب(3) اشتراط أن يتقدّم الدخول على الكلام، كما لو قال:«إن دخلت الدار ثمّ كلّمته»، أو قال: «إن دخلت الدار فكلّمته»، فإنّه يشترط جمعهما و تقديم الدخول في وقوعه.

ص: 71


1- الكافي، ج 1، ص 101، باب أنّ النساء يصدّقن في العدّة و الحيض، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 165، ح 575؛ الاستبصار، ج 3، ص 356، ح 1276. و تقدّم في ج 7، ص 362.
2- القول بأنّ الواو لمطلق الجمع للزجاجي في كتاب الجمل في النحو، ص 17؛ و ابن هشام في شرح جمل الزجاجي، ص 115.
3- مغني اللبيب، ج 1، ص 665 - 666.

...

و لو قال:«إن دخلت الدار، إن كلّمت زيداً، فأنت عليَّ كظهر أُمِّي»، أو قدّم الجزاء عليهما فلا بدّ منهما في وقوعه. و يشترط تقدّم المذكور آخراً - وهو الكلام - على المذكور أوّلاً - و هو الدخول - لأنّه جعل الكلام شرطاً لتعلّق الظهار بالدخول، و يسمّى ذلك اعتراض الشرط على الشرط و التعليق يقبل التعليق، كما أنّ التنجيز يقبله، نظير قوله تعالى:«وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ»(1) و المعنى: إن كان الله يريد أن يغويكم فلاينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم. و قيل: لايشترط الترتيب، و يقع الظهار بحصولهما كيف اتّفق؛ لأنّه ذكر صفتين من غير عاطف، فلا وجه لاعتبار الترتيب.

الخامس: لو علّق الظهار على مخالفتها الأمر فقال:«إن خالفت أمري فأنت كظهر أُمّي». ثمّ قال لها: «لاتكلّمي زيداً» أو «لاتخرجي من الدار» فكلّمته أو خرجت لم يقع الظهار؛ لأنّها ما خالفت أمره، و إنّما خالفت نهيه. و يحتمل الوقوع؛ نظراً إلى أنّه يسمّى في العرف

مخالفة أمره، و يقوى ذلك إن استقرّ العرف عليه، و إلّا فالعبرة بالمعنى المصطلح عليه.

و لو قال: «إن خالفت نهيي فأنت كظهر أُمّي»، ثم قال لها:«قومي»، فقعدت، ففي وقوعه أوجه مبنيّة على أن الأمر بالشيء هل هو نهى عن ضدّه مطلقاً، أو ضدّه العام، أو ليس نهياً عنهما؟ فعلى الأوّل يقع الظهار بفعلها ما يخالف أمره دون الأخيرين. هذا كلّه إذا لم يدلّ العرف على شيء، و إلّا عمل بمقتضاه مقدّماً على القاعدة الأصوليّة؛ لأنّ التعليقات تحمل على الأُمور العرفيّة لا على القواعد الأصوليّة. هذا إذا انضبط العرف و إلّا رجع إلى الاصطلاح.

السادس: لو علّقه بقذفها زيداً وقع بقذفها له حيّاً و ميّتاً؛ لأنّ قذف الميّت كقذف الحيّ في الحكم، و سواء سمع المقذوف القذف أم لا؛ لصدقه في الحالين، بخلاف ما لو علّقه

ص: 72


1- هود (11): 34.

...

بكلامه، فإنّه لايقع إلّا أن يسمع كلامها. و لو منع من السماع لعارضٍ كلغطٍ و ذهولٍ و صممٍ فوجهان. و لو علّقه بالضرب لم يقع بضربه ميّتاً.

و في اشتراط إيلامه به وجهان أجودهما العدم؛ لأنّه أعمّ لغةً وعرفاً.

و لو قال:«إن قذفته في المسجد» اعتبر كونها في المسجد دونه. و لو قال:«إن ضربته في المسجد اعتبر كون المضروب فيه. و الفرق أنّ قرينة الحال تشعر بأنّ المقصود الامتناع عمّا يهتك حرمة المساجد، و هتك الحرمة تكون بالقذف و القتل في المسجد، و هو يحصل إذا كان القاذف فيه و القتل فيه.

السابع:لو علّقه بالرؤية فقال: «إن رأيت فلاناً فأنت عليَّ كظهر أُمّي» وقع برؤيتها له حيّاً و ميّتاً، مستيقظاً ونائماً. و يكفي رؤية شيء من بدنه وإن قلّ. و لو كان كلّه مستوراً لم يقع. و لاتكفي رؤيته في المنام. و لو رأته في ماء صاف لايمنع الرؤية فالأصحّ وقوعه؛ لأنّ الماء المتخلّل بينهما كأجزاء الهواء بينهما، و لهذا لاتصحّ صلاة المستتر بالماء كذلك.و كذا لو رأته من وراء جسم شفّاف كالزجاج.

ولو نظرت في المرآة أو الماء فرأته ففي وقوعه وجهان، من حصول الرؤية في الجملة، و كون المرئيّ مثاله لاشخصه. و لو كانت المرأة عمياء، فإن عرض عماها بعد إيقاعه الصيغة لم يقع بحضورها عنده؛ لأنّ ذلك لايعد رؤيةً حقيقيّةً. و إن كانت عمياء من حين إيقاعه احتمل كونه كذلك؛ لما ذكر، و حمله على حضورها عنده؛ لأنّ الأعمى يقول عرفاً: «رأيت اليوم فلاناً» و يريد الحضور عنده. و الأقوى عدم وقوعه فيهما.

الثامن: لو علّقه بالمسّ وقع إذا مسّت شيئاً من بدنه، حيّاً كان أم ميتاً، و يشترط كون الممسوس ممّا تحلّه الحياة، فلايقع بمسّ الشعر و الظفر؛ إذ لايقال لمن مسّهما من إنسان: إنّه مسّه، مع احتماله. و في اعتبار كون مسّها بباطن كفّها أو يعمّ سائر بدنها وجهان، أجودهما الثاني. والوجهان آتيان في مسّ المحدث للقرآن.

ص: 73

...

نعم، يشترط كونه بما تحلّه الحياة من بدنها، كما يشترط ذلك في الممسوس. و مثله يأتي في مسّ الميّت على الوجه الذي يوجب الغسل.

التاسع: لو قلنا بوقوعه معلّقاً على الصفة كالشرط -كما هو أقوى القولين(1) - فقال:«أنت عليَّ كظهر أُمّي في شهر كذا» وقع عند استهلال هلاله؛ لأنّ اسمه يتحقّق عند مجيء أوّل جزء منه،كما أنّه لو علّق بدخول الدار فحصلت في أوّلها وقع و لم يعتبر توسّطها.

و لو قال:«في نهار شهر كذا»، أو «في أوّل يوم منه» وقع عند طلوع الفجر من اليوم الأوّل. و كذا لو قال: «في يوم كذا».

و لو قال: «في آخر الشهر» فأوجهٌ، أصحّها وقوعه في آخر جزء منه؛ لأنّه المفهوم من اللفظ. و الثاني:وقوعه في أوّل جزء من ليلة السادس عشر؛ لأنّ النصف الثاني كلّه آخر الشهر. و الثالث:وقوعه في أوّل اليوم الآخر.

و لو قال:«عند انتصافه» وقع عند غروب شمس اليوم الخامس عشر و إن كان الشهر ناقصاً؛ لأنّه المفهوم من إطلاق النصف. و يحتمل وقوعه في أوّل اليوم الخامس عشر؛ لأنّه يسمّى النصف و لهذا يقال: ليلة النصف من شعبان مثلاً.

العاشر: الأمر المعلّق عليه إن فعله فاعله عامداً أو كان الغرض مجرّد التعليق عليه - كقدوم الحاج و السلطان ومن لايبالي بتعليقه - وقع الظهار عند حصول الشرط مطلقاً. و إن كان الغرض منه المنع كما لو قال:«إن دخلت دار فلان أو كلّمته»، فكلّمته ناسيةً أو جاهلةً بالتعليق أو مجنونةً أو مكرهةً، أو علّق هو ذلك على فعله قاصداً منع نفسه منه - ففي وقوعه وجهان، من وجود المعلّق به، و ليس النسيان و نحوه دافعاً للوقوع، ومن عموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«إنّ الله وضع عن أُمّتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»(2). والمراد رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام و التفصيل متوجّه نظراً إلى القصد.

ص: 74


1- القول بوقوع الظهار للشيخ في المبسوط، ج 4، ص 171.
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 659 ، ح 2045؛ تلخيص الحبير، ج 1، ص 281 - 283، ح 450.

يحرم الوطء على المظاهر قبل تكفير

الثامنة: • يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفّر ، سواء كفّر بالعتق أو الصيام أو الإطعام.

قوله: «يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفّر، سواء كفّر بالعتق أو الصيام أو الإطعام».

أمّا تحريم الوطء قبل العتق و الصيام فموضع و فاق بين المسلمين؛ لقوله تعالى:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا»(1)، ثمّ قال:«فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أن يتماسّا»(2)

و أمّا تحريمه قبل الإطعام على تقدير عجزه عن الأوّلين فالأكثر منّا و من الجمهور عليه؛ لأنّ الله تعالى جعله بدلاً عنهما بقوله عقيب ذلك:«فَمَن لَّمْ يَسْتَطعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»(3) و البدل يجب مساواته للمبدل في الحكم، و المطلق محمول على المقيّد مع اتّحاد الواقعة. و لما روي أنّ النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم قال لرجل ظاهر من امرأته:«لاتقربها حتّى تكفّر»(4)، و يروى:«اعتزلها حتّى تكفّر»(5)و هو شامل للخصال الثلاث.

و من طريق الخاصّة ما تقدّم من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«لايمسّها حتى يكفّر، فإن فعل يعتق أيضاً رقبة»(6) و غيرها من الأخبار الشاملة للخصال الثلاث(7).

و قال ابن الجنيد منّا و بعض العامّة(8):«إنّه إذا انتقل فرضه إلى الإطعام لم يحرم الوطء قبله؛ لأنّ الله تعالى شرط في العتق و الصيام أن يكون قبل العود، و لم يشترط ذلك في الإطعام»(9).

و قد تقدّم جوابه

ص: 75


1- المجادلة (58): 3-4.
2- المجادلة (58): 3-4.
3- المجادلة (58): 3-4 .
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 19، ح 60؛ الاستبصار، ج 3، ص 266، ح 953.
5- الكافي، ج 6 ، ص 159، باب الظهار، ح 27.
6- تقدم تخريجها في ص 54، الهامش1.
7- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 328 - 331، الباب 15 من كتاب الظهار.
8- الحاوي الكبير، ج 10، ص 521؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 567 - 568 ، المسألة 6178.
9- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 424، المسألة 77.

. و لو وطئها خلال الصوم استأنف. و قال شاذّ منّا لايبطل التتابع لو وطئ ليلاً.

قوله:«ولو وطئها خلال الصوم استأنف. و قال شاذّ منّا لايبطل التتابع لو وطئ ليلاً»

قد عرفت أنّ الوطء موقوف على فعل الكفّارة الذي لايتمّ إلّا بالإتيان بها أجمع، فمتى وطئ في خلال الصوم - سواء كان بعد أن صام شهراً و من الثاني يوماً أم لا - فقد صدق عليه الوطء قبل أن يكفّر، فلايحصل الامتثال بالإكمال على هذا الوجه؛ لأنّ المأمور به هو صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا.

و هذا الحكم لايختصّ بالنهار، بل تحريم الوطء حاصل إلى أن يصوم شهرين، سواء كان في حالة مجوّزة للتفريق، كما لو صام شهراً و من الثانى يوماً أم لا، كما لو كان أقلّ من ذلك، و سواء كان الجماع مفسداً للصوم، كما لو وقع نهاراً أم لا، كما إذا وقع ليلاً. و إلى هذا ذهب الأكثر.

و قال ابن إدريس:«لايبطل التتابع بالوطء ليلاً مطلقاً؛ لأنّ التتابع عبارة عن إتّباع صوم اللاحق للسابق من غير فارق، و هو متحقّق وإن وطئ ليلاً. و لايستأنف الكفّارة؛ لأنّه لم يبطل من الصوم شيء،و عليه إتمامه و كفّارة أخرى للوطء(1)»

و ليس قوله بذلك البعيد. و غاية ما استدلّوا به أن يكون قد أثم بالوطء خلال الصوم كما يأثم به لو فعله قبل الشروع في الكفّارة، و إيجابه كفّارة أخرى، أما وجوب استئناف هذه فلا. و قولهم إنّ المأمور به صيام شهرين متتابعين قبل المسيس لاينفعهم؛ لأنّ الاستيناف يوجب كون الشهرين واقعين بعد التماس وإذا لم نوجبه كان بعض الشهرين قبل التماس و هذا أقرب إلى ما هو مأمور به من الأوّلين. و إن سلّمنا لكن بمخالفته يحصل الإثم و الكفّارة. كما لو وقع قبل الشروع، فإنّه إذا صام بعده فقد صدق عليه أنّه لم يأت بالمأمور به قبل أن يتماسّا، و مع ذلك وقع مجزياً

ص: 76


1- السرائر، ج 2، ص 714، نقلاً بالمعنى.

• و هل يحرم عليه ما دون الوطء كالقبلة و الملامسة؟ قيل: نعم؛ لأنّه مماسّة. و فيه إشكال ينشأ من اختلاف التفسير.

و الأقوى مختار ابن إدريس، و وافقه العلّامة في القواعد(1) و الشهيد في الدروس(2).

قوله: «و هل يحرم عليه ما دون الوطء كالقبلة و الملامسة؟ قيل:نعم؛ لأنّه مماسّة. و فيه إشكال ينشأ من اختلاف التفسير»

اختلف العلماء في القدر المحرّم منها المعبّر عنه بالمسيس هل هو الوطء أم جميع الاستمتاعات المحرّمة على غير الزوج كالقبلة و اللمس بشهوة و غيرها ؟

فقال بعضهم بالثاني؛ لأنّ المسيس في قوله تعالى:«مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا»(3) حقيقة في تلاقي الأبدان لغة(4)،و الأصل عدم النقل والاشتراك.

و قال بعضهم(5) بالأوّل؛ لأنّ المسيس يطلق على الوطء في قوله تعالى:«مِن قَبْلِ أَن تَمَسوهنَّ»(6) و الأصل في الإطلاق الحقيقة.

و أجيب(7) باستلزامه النقل أو الاشتراك؛ إذ لاخلاف في عموم معناه لغةً، و جاز استعماله في بعض أفراده مجازاً، و هو أولى منهما ، و كثيراً ما يعدل في القرآن عمّا يستهجن التصريح به إلى المجاز لذلك، و لأنّ مقتضى تشبيهها بالأُمّ كون تحريمها على حدّ تحريمها إلى أن يكفّر، و هو متناول لغير الوطء من ضروبه.

و يشكل بأنّ ذلك يقتضي تحريم النظر بشهوة،و الآية(8) لاتدلّ عليه،و ظاهر بعض

ص: 77


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 173.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 147(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10)
3- المجادلة (58): 3.
4- الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 177؛ و لمعنى المسّ في اللغة راجع الصحاح، ج 2، ص 978، «مسس».
5- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 711؛ و قوّاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 413، المسألة 70.
6- البقرة (2): 237.
7- المجيب هو فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 415.
8- المجادلة (58): 3.

إذا عجز المظاهر عن الكفّارة

التاسعة • إذا عجز المظاهر عن الكفّارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار قيل: تحرم عليه حتّى يكفّر. و قيل:يجزئه الاستغفار. و هو أكثر.

الأصحاب أنّه غير محرّم(1)؛ لعدم الدليل عليه، و إنّما الكلام فيما يدخل في مفهوم التماس لغةً من ضروب الاستمتاع. و بأنّها لم تخرج عن ملك الاستمتاع بالظهار، فأشبه الصوم و الحيض. و استصحاب الحلّ فيما عدا موضع الوفاق هو الوجه.

و اعلم أنّ تحريم المرأة شرعاً تارةً يختصّ بالوطء كحالة الحيض و الصوم، و تارة يعمّ كحالة الإحرام و الاعتكاف، و تارةً يقع فيه الاختلاف كحالة الاستبراء و الظهار و استمتاع المالك بالجارية المرهونة. و من قسم العموم الاستمتاع بالمعتدّة و المرتدّة و الأمة المزوّجة لغير المالك بالنسبة إليه، و المعتدّة عن وطء الشبهة في صلب النكاح، و يلحق في الصوم النظر و اللمس لمن يخشى الإنزال بالوطء في التحريم.

قوله:«إذا عجز المظاهر عن الكفّارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار» إلى آخره.

المظاهر إن قدر على إحدى الخصال الثلاث لم يحلّ الوطء حتّى يكفّر إجماعاً، و هو المعبّر عنه في كلام المصنّف بالكفّارة، وإن عجز عن الثلاث فهل لها بدل يتوقّف عليه حلّ الوطء؟ قيل:نعم.و اختلفوا في البدل، فقال الشيخ في النهاية : إنّ للإطعام بدلاً و هو صيام ثمانیّة عشر يوماً ، فإن عجز عنها حرم عليه وطؤها إلى أن يكفّر(2).

و قال ابنا بابويه:إنّه مع العجز عن إطعام الستّين يتصدّق بما يطيق(3).

و قال ابن حمزة:«إذا عجز عن صوم شهرين متتابعين صام ثمانیّة عشر يوماً، فإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّين من طعام(4)»

ص: 78


1- راجع التنقيح الرائع، ج 3، ص 381.
2- النهاية، ص 527 بتفاوت في العبارة.
3- المقنع، ص 323؛ و حكاه العلّامة عن والد الصدوق في مختلف الشيعة، ج 7، ص 421 - 422، المسألة 75.
4- الوسيلة، ص 354.

...

و قال ابن إدريس: إذا عجز عن الخصال الثلاث فبدلها الاستغفار(1)، و يكفي في حلّ الوطء، و لايجب عليه قضاء الكفّارة بعد ذلك و إن قدر عليها.

و للشيخ قول آخر بذلك لكن تجب الكفّارة بعد القدرة(2).

و ذهب جماعة - منهم الشيخ في قول ثالث(3)، و المفيد(4)، و ابن الجنيد(5) - إلى أنّ الخصال الثلاث لا بدل لها أصلاً، بل يحرم عليه وطؤها إلى أن يؤدّي الواجب منها. و هذا هو الذي يقتضيه نصّ القرآن(6)، و إثبات حكم غيره يحتاج إلى دليل صالح، و هو منفيّ.

و يؤيّده رواية سلمة بن صخر و أمر النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم إيَّاه بالخصال، و أمره مع إقراره بالعجز أن يأخذ من الصدقة و يكفّر(7)، و لو كان الاستغفار للعاجز كافياً لأمره به و كذا غيره من الأبدال. و رواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام قال:«كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة، فالاستغفار له كفّارة، ما خلا يمين الظهار، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها، و فرّق بينهما إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لايجامعها»(8).

و احتجّ في المختلف للاجتزاء بالاستغفار بعد العجز عن الخصال الثلاث بأصالة براءة الذمّة، و إباحة الوطء، و إيجاب الكفّارة مع العجز تكليف بغير المقدور فيكون مدفوعاً(9).

ص: 79


1- السرائر، ج 2، ص 713.
2- الاستبصار، ج 4، ص 57 ، ذيل الحديث 196.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 15، ذيل الحديث 47؛ النهاية، ص 525؛ المبسوط، ج 5، ص 155.
4- المقنعة، ص 524.
5- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 421، المسألة 75.
6- المجادلة (58): 3-4.
7- سنن أبي داود، ج 2، ص 265، ح 2213؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 665، ح 2062.
8- الكافي، ج 7، ص 461، باب النوادر، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 16، ح 50؛ الاستبصار، ج 4، ص 56،ح 195.
9- مختلف الشيعة، ج 7، ص 422، المسألة 75

...

و ما رواه إسحاق بن عمار - في الموثّق - عن الصادق علیه السلام: «أنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه و ليَنوِ أن لايعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع و قد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوماً من الأيّام فليكفّر، و إن تصدّق بكفّه فأطعم نفسه و عياله فإنّه يجزئه إذا كان محتاجاً، و إلّا يجد ذلك فليستغفر الله ربّه و ينوى أن لايعود فحسبه بذلك و الله كفّارة»(1).

و جوابه: أنّ أصالة البراءة وإباحة الوطء انقطعا بالظهار، فإنّه حرّم الوطء بإجماع المسلمين و أوجب الكفّارة مع العود، فإسقاطهما بعد ذلك يحتاج إلى دليل. و من العجب من هذا الفاضل مثل هذا الاستدلال.

و أمّا الرواية فدلالتها لاتخلو من اضطراب لتضمّن صدرها وجوب الكفّارة إذا قدر عليها بعد الاستغفار وآخرها عدمه. مع أنّ العمل بمضمونها موقوف على قبول الموثّق، خصوصاً مع معارضة القرآن(2) و ما هو أقوى دلالة(3) و العلّامة كالشيخ لاينضبط مذهبه في العمل بالرواية، و في أصول الفقه اشترط في الراوي الإيمان و العدالة(4)؛ و في فروع الفقه له آراء متعدّدة منها قبول الموثّق(5) كما هنا، بل ما هو أدنى مرتبةً منه.

و احتجّ الشيخ على إيجاب صوم ثمانیّة عشر يوماً بدلاً مع العجز عن الخصال(6) برواية

ص: 80


1- الكافي، ج 7، ص 461 ، باب النوادر، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 320 - 321، ح 1190؛ الاستبصار، ج 4، ص 56 ، ح 196.
2- المجادلة (58): 3-4.
3- كرواية أبي بصير المتقدم تخريجها في ص 79، الهامش8.
4- نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 3، ص 417 - 418 و 420 - 421.
5- بعنوان المثال راجع مختلف الشيعة، ج 7، ص 422، المسألة 75، و فيه اعتمد على موثّقة إسحاق بن عمّار، و راجع أيضاً ص 464 ، المسألة 114، حيث اعتمد على موثّقة عبد الرحمن بن الحجّاج.
6- النهاية، ص 527.

...

وهيب بن حفص(1)، عن أبي بصير، عن الصادق علیه السلام ، قال:«سألته عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدّق و لايقوى على الصيام، قال:«يصوم ثمانیّة عشر يوماً لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(2)

و جوابه: ضعف السند بوهيب(3)، و اشتراك أبي بصير(4). و أمّا ما قيل في جوابه - إنّ إثبات بدل للواجب بالآية(5) بنصّ متأخّر يوجب النسخ - فضعيف على ما حقّق في الأصول(6).

و بقيّة الأقوال - خصوصاً تفصيل ابن حمزة(7) - ليس لها دليل معتدّبه.

نعم، ورد في كفّارة رمضان أنّه مع العجز عن إطعام الستّين يتصدّق بما يطيق، رواه عبد الله بن سنان في الحسن عن أبي عبدالله علیه السلام(8). و يؤيّده قوله علیه السلام:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(9) و هو عامّ فيصلح حجّةٌ للصدوقين(10).

و اعلم أنّ المراد بالاستغفار فى هذا الباب و نظائره أن يقول:أستغفر الله، مقترناً بالتوبة التي هي الندم على فعل الذنب و العزم على ترك المعاودة إلى الذنب أبداً. و لايكفي اللفظ

ص: 81


1- في النسخ:«وهب بن حفص» و كذا في نسخة التهذيب المطبوع، و المثبت هو الصحيح كما في رجال النجاشي. راجع معجم رجال الحديث، ج 19، ص 206، الرقم 13186، و ص 211 ، الرقم 13199.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 23، ح 74.
3- رجال النجاشي، ص 431 ، الرقم 1159، و فيه:وهيب بن حفص... روى عن أبي عبد الله و أبي الحسن علیهما السلام و وقف.
4- راجع خلاصة الأقوال، ص 234 - 235، الرقم 798 ، و ص 416 ، الرقم 1687.
5- المجادلة (58): 3-4.
6- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 3، ص 106 - 107.
7- الوسيلة، ص 354.
8- الكافي، ج 4، ص 102، باب من أفطر متعمّداً من غير عذر...، ح 3؛ الفقيه، ج 2، ص 115، ح 1886؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 321، ح 984؛ الاستبصار، ج 2، ص 96 ، ح 313.
9- مسند أحمد، ج 3، ص 307، ح 10229؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 975 ، ح 1337/412.
10- راجع ص 78.

المظاهرة تصبر أو ترفع أمرها إلى الحاكم

العاشرة: • إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض وإن رفعت أمرها إلى الحاكم خيّره بين التكفير و الرجعة أو الطلاق، و أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة. فإن انقضت المدّة و لم يختر أحدهما ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما. و لايجبره على الطلاق تضييقاً، و لايطلّق عنه.

المجرّد عن ذلك، و إنّما جعله الشارع كاشفاً عمّا في القلب كما جعل الإسلام باللفظ كاشفاً عن القلب. و اللفظ كافٍ في البدليّة ظاهراً، و أمّا فيما بينه و بين الله تعالى فإن لم يقترن بالتوبة التي هي من الأُمور الباطنة لم يترتّب عليه أثر فيما بينه و بين الله تعالى، بل كان الوطء معه كالوطء قبل التكفير، فيجب عليه به كفّارة أخرى في نفس الأمر و إن لم يحكم عليه بها ظاهراً.

قوله:«إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض» إلى آخره.

منفعة الوطء أو مطلق الاستمتاع المترتّب تحريمه على الظهار مشتركة بين الزوجين، إلّا أنّ المظاهر أدخل الضرر على نفسه، فإذا أراد العود فوسيلته إلى الحلّ الكفّارة. و أمّا المرأة فإن صبرت فلا اعتراض لأحد، و ليس له أن يحملها على المرافعة. و إن لم تصبر و رفعت أمرها إلى الحاكم خيّره بين العود و التكفير و بين الطلاق، فإن أبى منهما أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة لينظر في أمره، فإذا انقضت المدّة و لم يختر أحدهما حبسه و ضيّق عليه في المطعم و المشرب، بأن يمنعه ممّا زاد على ما يسدّ الرمق و يشقّ معه الصبر إلى أن يختار أحد الأمرين. و لايجبره على أحدهما عيناً، بل يخيّره بينهما كما مرّ، لا من حيث إنّ الطلاق الإجباري لایصحّّ؛ لأنّ الإجبار يتحقّق على التقديرين، فإنّه أحد الأمرين المحمول عليهما تخييراً، فهو محمول عليه في الجملة، بل لأنّ الشارع لم يجبره إلّا كذلك، و لو أمر بإجباره على الطلاق بخصوصه لجاز، كما صحّ الإجبار في مواضع كثيرة، و لم ينفِ صحّة الفعل. و ظاهر الأصحاب الاتّفاق على هذا الحكم.

و الموجود فيه من الأخبار رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ظاهر من امرأته، قال:«إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً،

ص: 82

...

و إلّا ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء و إلّا أُوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك أو تطلّقها؟فإن فاء فليس عليه شيء، و هي امرأته، و إن طلّق واحدة فهو أملك برجعتها»(1).

و في طريق الرواية ضعف. و في الحكم على إطلاقه إشكال؛ لشموله ما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لايفوت الواجب لها من الوطء بعد مضيّ المدّة المضروبة، فإنّ الواجب وطؤها في كلّ أربعة أشهر مرّةً، و غيره من الحقوق لايفوت بالظهار، أمّا إذا لم نحرّم غير الوطء فظاهر، و أمّا إذا حرّمناه فيبقى لها حقّ القسم على بعض الوجوه، و هو غير مناف للظهار. و في الرواية أُمور أُخر منافية للقواعد.

ص: 83


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 24 - 25، ح 80؛ الاستبصار، ج 3، ص 255، ح 914.

ص: 84

الكفّارات

اشارة

و يلحق بذلك: النظر في الكفّارات

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل في ضبط الكفّارات

اشارة

و قد سبق الكلام في كفّارات الإحرام، فلنذكر ما سوى ذلك.

و هي مرتّبة و مخيّرة و ما يحصل فيه الأمران و كفّارة الجمع.

قوله:«ويلحق بذلك النظر في الكفّارات،و فيه مقاصد:الأوّل في ضبط الكفّارات».

الكفّارة اسم للتكفير، و أصلها الستر؛ لأنّها تستر الذنب، و منه الكافر؛ لأنّه يستر الحقّ، و يقال للّيل كافر؛ لأنّه يستر من يفعل فيه شيئاً. و تكفير اليمين فعل ما يجب بالحنث فيها، و كفّارة الظهار ما يجب بالعود فيه.

و قد ورد القرآن بلفظ «الكفّارة» كقوله تعالى:«فَكَافَّرَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ»(1).

و هي أنواع كثيرة، منها:كفّارة الظهار، و استطرد الباب كلّه عندها لمناسبة ذكرها، و كونها تجمع الخصال الثلاث التي هي - مع البحث عن أحكامها - عمدة الباب.

ص: 85


1- المائدة(5): 89.

...

و قد عرّفها بعضهم(1) بأنّها:طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة أو مخفّفة غالباً.

و قيّد بالأغلبيّة لتدخل كفّارة قتل الخطأ فيها، فإنّها ليست عقوبة.

و ينتقض في طرده بالتوبة، فإنّها طاعة مخصوصة، بل هي من أعظم الطاعات، ثمّ قد تكون مسقطة للذنب كما إذا كان الذنب حقّ الله تعالى و لم يجب قضاؤه، و قد تكون مخفّفةً له كما إذا اقترنت بوجوب القضاء أو رد الحقّ و نحوه.

و كذا ينتقض بقضاء العبادات؛ فإنّه طاعة مسقطة للذنب المترتّب على التهاون في الفعل إلى أن خرج الوقت، أو مخفّفة له من حيث افتقار سقوطه رأساً إلى التوبة.

و اعلم أنّ الكفّارة الواجبة إن لم تكن عن ذنبٍ - ككفّارة قتل الخطإ - فوجوبها على التراخي؛ لأنّ مطلق الأمر لايقتضي الفور على أصحّ القولين.

و إن كانت مسقطةً للذنب أو مخفّفةً له، ففى وجوبها على الفور وجهان، من أنّها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطةً للذنب أو مخفّفة، و التوبة واجبة على الفور. و من أصالة عدم وجوب الفوريّة، و لايلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام، فإنّها في الأصل حقّ مالي أو بدني، و في نظائرها من العبادات و الحقوق ما يجب على الفور، و منها ما لايجب، و أصل وجوبه متوقّف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر.

و أطلق بعضهم(2) وجوبها على الفور؛ مستدلّاً بأنّها كالتوبة الواجبة لذلك؛ لوجوب الندم على كلّ قبيحٍ أو إخلالٍ بواجب. و لايخفى فساده على إطلاقه، فإنّ منها ما ليس مسبّباً عن قبيح.

ثمّ على تقدير فعلها لايكفي في إسقاط استحقاق العقاب حيث يكون عن ذنب، بل لا بدّ معها من التوبة المشتملة على ترك الذنب في الحال، و الندم على فعله فيما سلف، و العزم على عدم العود إليه في الاستقبال، و لو وجب معها قضاء العبادة - كإفساد الصوم- فلا بدّ معها

ص: 86


1- كالسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 391.
2- كالسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 391.

الكفّارات المرتّبة

.فالمرتّبة ثلاث كفّارات:

الظهار، و قتل الخطإ و يجب في كلّ واحدة العتق،فإن عجز فالصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً.

من القضاء للقادر عليه. و مثله القول في الحدود و التعزيرات على المعاصي.

کفّارة الظهار و قتل الخطأ

قوله:«فالمرتّبة ثلاث كفّارات الظهار، و قتل الخطإ» إلى آخره.

وجوب الكفّارتين على الترتيب هو الذي يقتضيه ظاهر القرآن، قال تعالى:««وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ- إلى قوله : - فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، ثمّ قال:«فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»(1)، و قال تعالى في كفّارة القتل«وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»، ثمّ قال:«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»(2)و هو نصّ في الترتيب فيهما.

و يؤيّد ذلك الأخبار الكثيرة(3)، و قد تقدّم ما يتعلّق بالظهار منها(4).

و في القتل روى عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادق علیه السلام قال:«إذا قتل خطأ أدّى ديته إلى أوليائه ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً»(5).

و لانعلم في كفّارة الظهار مخالفاً، لكن روى معاوية بن وهب - في الصحيح - قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المظاهر قال:«عليه تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً، و الرقبة تجزئ ممّن ولد في الإسلام»(6) و «أو» ظاهرة في التخيير،و الأولى حملها

ص: 87


1- المجادلة (58): 3-4.
2- النساء (4): 92.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 359 و ما بعدها، الباب 1 من أبواب الكفّارات.
4- تقدّم في ص 37 و 82.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 322 - 323، ح 1196.
6- الكافي، ج 6، ص 158، باب الظهار، ج 22؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 321 - 322، ح 1192؛ الاستبصار، ج 4، ص 58، ح 198.

كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان

.وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة

مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متتابعات.

على الترتيب للجمع، و موافقة الآية، و إن كان ذلك خلاف الظاهر. و أمّا قتل الخطإ فالأكثر على أنّ كفّارته مرتّبة؛ لما ذكرناه.

و قال سلار: إنّها مخيّرة(1).

و هو ظاهر المفيد، حيث جعلها ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان(2)، و ذكر في كفّارة رمضان: أنّها مخيّرة(3). و المذهب هو الأوّل.

قوله:«وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متتابعات».

ما ذكره المصنّف من الكفّارة في ذلك هو المشهور بين الأصحاب روايةً و فتوىً، رواه الصدوق عن بريد بن معاوية العجلي، عن الباقر علیه السلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قبل الزوال:«لا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم، و إن أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع»(4)

قال الصدوق عقيب هذه الرواية:«و قد روي أنّه إن أفطر قبل الزوال فلا شيء عليه، و إن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان(5)»

ص: 88


1- المراسم، ص 187.
2- المقنعة، ص 570 - 571.
3- المقنعة، ص 569.
4- الفقيه، ج 2، ص 149، ح 2002؛ و رواه الكليني أيضاً في الكافي، ج 4، ص 122، باب الرجل يصبح وهو يريد الصيام...، ح 5 ؛ و الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 4، ص 278، ح 844.
5- الفقيه، ج 2، ص 149 ، ذيل الحديث 2002.

...

و هذا يدلّ على اختياره الأول. و في كتابه المقنع عكس الحال، فجعل الأوّل روايةً، و الثاني فتوى، فقال:«و إذا قضيت صوم شهر رمضان كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإن أفطرت بعد الزوال فعليك مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان. و قد روي أنّ عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من طعام، فإن لم يقدر عليه صام يوماً بدل يوم، و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما فعل(1).

و في طريق الرواية الأُولى الحارث بن محمّد، و هو مجهول(2).

و الرواية الثانیّة - الدالّة على أنّها كفّارة رمضان - رواها زرارة - في الموثّق - عن الباقر علیه السلام أيضاً، قال: سألته عن رجل صام قضاءً من شهر رمضان فأتى النساء، قال:«عليه من الكّفارة ما على الذي أصاب فى رمضان ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان»(3)

و ليس في هذه الرواية تقييد بكون الإفطار بعد الزوال كما قيّدوه،و حملها على المقيّد بعيد؛ لأنّه مخالف له في الحكم. و في طريقها علىّ بن فضّال، و باقى سندها صحيح، فهي من الموثّق.

و روى الشيخ - في الصحيح - عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، قال: «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه بصوم يوماً بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك»(4).

و هذه كالأُولى في الكفّارة، إلّا أنّها مخالفة لها في الوقت. و هي أصحّ ما في الباب من الروايات، ولكن لم يعمل بمضمونها أحد.

ص: 89


1- المقنع، ص 200 - 201.
2- راجع رجال النجاشي، ص 140 ، الرقم 363؛ و رجال الطوسي، ص 191 - 192، الرقم 2374 و 2376.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 279، ح 846؛ الاستبصار، ج 2، ص 121، ح 393.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 279، ح 845؛ الاستبصار، ج 2، ص 120 - 121، ح 392.

...

و الشيخ (رحمه الله) حمل الخبر الدالّ على أنّها كفّارة رمضان على من فعل ذلك؛ استخفافاً به و تهاوناً بما يجب عليه من فرض الله تعالى، فيجب عليه حينئذٍ من الكفّارة ما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان عقوبةً له و تغليظاً عليه، فأمّا من أفطر معتقداً أنّ الأفضل إتمام صومه فليس عليه إلّا ما تقدّم إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام(1). و هذا الحمل يوجب قولاً آخر للشيخ في المسألة(2).

و له قول ثالث فى النهاية: إنّها كفّارة يمين(3). و هو قول سلّار(4).

و قال ابن أبي عقيل: ليس عليه شيء(5). و يدلّ على مذهبه رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله علیه السلام و فيها: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس، قال: «قد أساء و ليس عليه شيء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه»(6).

و الشيخ حمل قوله علیه السلام «و ليس عليه شيء» على أنّه ليس عليه شيء من العقاب؛ لأنّ من أفطر في هذا اليوم لا يستحقّ العقاب و إن أفطر بعد الزوال، و تلزمه الكفّارة(7).

و هذا اعتراف من الشيخ بعدم تحريم الإفطار، فتبعد مجامعته حينئذٍ للكفّارة.

و لو حملوها على الاستحباب - لاختلاف تقديرها في الروايات، و اختلاف تحديد وقت ثبوتها، و قصورها من حيث السند عن إفادة الوجوب - لكان جيّداً.

و يؤيّده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام في المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها

ص: 90


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 279؛ ذيل الحديث 846؛ الاستبصار، ج 2، ص 121، ذيل الحديث 393.
2- راجع النهاية، ص 164.
3- النهاية، ص 572.
4- المراسم، ص 187.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 319، المسألة 65.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 280 ، ح 847؛ الاستبصار، ج 2، ص 121 - 122، ح 394.
7- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 280 ، ذيل الحديث 847؛ الاستبصار، ج 2، ص 122، ذيل الحديث 394.

كفّارة من أفطر في يوم من شهر رمضان

. و المخيّرة كفّارة من أفطر في يوم من شهر رمضان - مع وجوب صومه - بأحد الأسباب الموجبة للتكفير.

زوجها على الإفطار، قال:«لاينبغي له أن يكرهها بعد الزوال»(1). و «لا ينبغي» ظاهرة في الكراهة، و هو يناسب ما حكم به الشيخ من عدم تحريم الإفطار بعد الزوال، ولكن في طريقها سماعة، وهو واقفي(2).

و على كلّ تقدير فالحكم مختصّ بقضاء رمضان، و لايتعدّى إلى قضاء غيره و إن كان معيّناً على الأقوى؛ للأصل.

قوله« و المخيّرة كفّارة من أفطر في يوم من شهر رمضان» إلى آخره. وجوب كفّارة شهر رمضان على التخيير هو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه الشيخان(3) و أتباعهما(4)، و جملة المتأخّرين(5)

و يدلّ عليه من الأخبار صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال:«يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»(6).

و للشيخ قول آخر في المبسوط: أنّها مرتّبة إذا كان الإفطار بالجماع(7).

ص: 91


1- الكافي، ج 4، ص 122، باب الرجل يصبح و هو يريد الصيام...، ح6؛ الفقيه، ج 2، ص 149، ح 2003؛ تهذیب الأحكام، ج 4، ص 278، ح 842؛ الاستبصار، ج 2، ص 120، ح 390.
2- راجع رجال الطوسي، ص 337، الرقم 5021؛ وخلاصة الأقوال، ص 356، الرقم 1410.
3- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 345 و 569؛ و الشيخ الطوسي في النهاية، ص 571.
4- ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 422؛ و سلّار في المراسم، ص 187؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 353.
5- منهم ابن ادريس في السرائر، ج 1، ص 379؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 378؛ و الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 258 - 259 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
6- الكافي، ج 4، ص 101، باب من أفطر متعمداً من غير عذر ...، ح 1: الفقيه، ج 2، ص 115 ، ح 1886؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 205 - 206، ح 594؛ الاستبصار، ج 2، ص 95-96، ح 310.
7- المبسوط، ج 4، ص 195 و 591 ، فيه: و كفّارة الجماع على الخلاف.

...

و ابن أبي عقيل جعلها مرتّبة مطلقاً(1)؛ لما رواه الصدوق أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم فقال: هلكت و أهلكت، فقال: «وما أهلكك؟» قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم. فقال له النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم:« أعتق رقبة»، قال: لا أجد. قال:«صم شهرين متتابعين»، قال: لا أطيق. قال:«تصدّق على ستّين مسكيناً»، قال: لا أجد. قال: فأتي النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بعرق خمسة عشر صاعاً من تمر، فقال له النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم:«خذها فتصدّق بها»، فقال له الرجل: والذي بعثك بالحقّ ما بين لابتيها أحوج منّا إليها، فقال:«خذه و كله و أطعم عيالك، فإنّه كفّارة لك»(2).

و أجيب بعدم دلالته صريحاً على الترتيب، و جاز إطلاق الأمر بأحد أفراد الواجب المخيّر كذلك(3).

مع أنّ الشيخ رواه - في الصحيح - عن أبي عبد الله علیه السلام، و فيه: أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و آله وسلّم فقال: هلکت یا رسول الله، فقال:«ما لك»؟ قال: النار يا رسول الله، قال:«و ما لك»؟ قال: وقعت على أهلي، قال:«تصدّق و استغفر ربّك(4)»، فبدأ بالصدقة. و هو دليل على عدم ترتّبها على الخصلتين الأُخريين، وإلّا لبيّن له صلّى الله عليه و آله و سلّم. و في تمام هذا الحديث أنّ الرجل قال: والذي عظّم حقّك ما تركت في البيت شيئاً قليلاً و لاكثيراً، قال: فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعاً، تكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«خذ هذا التمر فتصدّق به»،فقال: يا رسول الله على من أتصدّق؟ و قد أخبرتك أن ليس في يدي قليل و لا كثير، قال: «فخذه و أطعمه عيالك و استغفر الله عزّ وجلّ»، قال: فلمّا رجعنا قال أصحابنا: إنّه بدأ بالعتق فقال: «أعتق أو صم أو تصدّق»(5). و هذا أيضاً يدلّ على التخيير.

ص: 92


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 305، المسألة 54.
2- الفقيه، ج 2، ص 115 - 116، ح 1887؛ معاني الأخبار، ص 336، باب معنى العرق واللابتين، ح 1؛ المقنع، ص 192.
3- راجع مختلف الشيعة، ج 8، ص 238، المسألة 70.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 206، ح 595؛ الاستبصار، ج 2، ص 80، ح 245؛ و راجع الكافي، ج 4، ص 102، باب من أفطر متعمداً ...، ح 2.
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 206، ح 595؛ الاستبصار، ج 2، ص 80، ح 245؛ و راجع الكافي، ج 4، ص 102، باب من أفطر متعمداً ...، ح 2.

...

و فيه: أنّ الاستغفار يجب عند العجز، و هو أولى من جعل إطعام أهله كفّارة، كما في الحديث السابق.

و اعلم أنّ إطلاق المصنّف الحكم فيمن أفطر بأحد الأسباب الموجبة للتكفير يشمل المحلّل منها و المحرّم، و كذلك إطلاق الرواية الصحيحة(1). و الحكم به على الإطلاق هو المشهور بين الأصحاب.

و ذهب جماعة منهم الشيخ في كتابي الأخبار(2)، و الصدوق(3) إلى أنّ ذلك مختصّ بمن أفطر على المحلّل، أمّا من أفطر على محرّم - يعني أفسد صومه به - فإنّ الواجب عليه كفّارة الجمع؛ لما رواه الصدوق عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال، قلت للرضاء علیه السلام: يا ابن رسول الله، قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان و أفطر فيه ثلاث كفّارات، و روي عنهم أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ الخبرين آخذ؟ قال:«بهما جميعاً، فمتى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان عليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً، و قضاء ذلك اليوم. وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال كفاه كفّارة واحدة»(4).

و طريق الرواية صحيح فيمن عدا ابن عبدوس، فحاله مجهول. قال في المختلف: إنّ ابن عبدوس لايحضرني حاله، فإن كان ثقةً فالرواية صحيحة يتعيّن العمل بها(5).

و في التحرير جزم بصحتّها، فقال: روى ابن بابويه في حديث صحيح عن الرضا علیه السلام وساق الحديث(6).

ص: 93


1- هي صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّم تخريجها في ص 91، الهامش 6.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 208، ذيل الحديث 604؛ الاستبصار، ج 2، ص 97، ذيل الحديث 315.
3- الفقيه، ج 2، ص 188، ذيل الحديث 1894.
4- الفقيه، ج 3، ص 378، ح 4334.
5- مختلف الشيعة، ج 3، ص 314، المسألة 60.
6- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 373، الرقم 5964.

كفّارة خلف النذر و كفّارة الحنث في العهد

. و كفّارة من أفطر يوماً نذر صومه على أشهر الروايتين. و كذا كفّارة الحنث في العهد. وفي النذر على التردّد.

و الواجب في كلّ واحدة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً على الأظهر.

و ذكر ابن بابويه أنّه وجد ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري أحد نواب صاحب الزمان عجّل الله تعالی فرجه الشریف(1). و طريقه جيّد أيضاً، فلا بأس بالعمل بمضمونه.

قوله:«و كفّارة من أفطر يوماً نذر صومه على أشهر الروايتين» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في كفّارة خلف النذر على أقوال:

أحدها: أنّها كفّارة رمضان مطلقاً. ذهب إليه الشيخان(2) و أتباعهما(3)، و المصنّف، و العلّامة في المختلف(4). و أكثر المتأخّرين(5)؛ لصحيحة عبد الملك بن عمرو عن الصادق علیه السلام قال: من جعل لله عليه أن لايركب محرّماً سمّاه فركبه، قال: و لا أعلمه إلّا قال:«فليعتق رقبةً، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستين مسكيناً»(6)

و ثانيها: أنّها كفّارة يمين مطلقاً. ذهب إليه الصدوق(7)، و المصنّف في النافع(8) لحسنة

ص: 94


1- الفقيه، ج 2، ص 118، ذيل الحديث 1894.
2- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 562؛ و الشيخ الطوسي في النهاية، ص 570.
3- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 225؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 421؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 353.
4- مختلف الشيعة، ج 8، ص 235، المسألة 68.
5- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ، ج 2، ص 260؛ و ابن فهد في المهذّب البارع، ج 3، ص 557؛ و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 78.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 314 ، ح 1165؛ الاستبصار، ج 4، ص 54 ، ح 188.
7- الفقيه، ج 3، ص 367، ذيل الحديث 4301.
8- المختصر النافع، ص 324.

...

الحلبي عن الصادق علیه السلام قال:«إن قلت: لله علىّ كذا، فكفّارة یمين»(1)

و رواية حفص بن غياث عنه علیه السلام قال:سألته عن كفّارة النذر، فقال: «كفّارة النذر كفّارة اليمين»(2). و رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال:«كفّارة النذركفّارة يمين»(3).

و ثالثها: التفصيل، فإن كان النذر لصوم فأفطره فكفّارة رمضان، و إن كان لغير ذلك فكفّارة يمين. ذهب إلى ذلك المرتضى(4)، و ابن إدريس(5) و العلّامة في غير المختلف(6).

و وجهه الجمع بين الروايات؛ حيث دلّ بعضها على أنّ كفّارته كفّارة رمضان فيناسبه حمله على إفطار نذر صوم معيّن؛ لمشاركته لصوم رمضان في الوجوب المعيّن، و حمل غيره على غيره. و هو أَولى من العمل بأحد الجانبين خاصّةً، المستلزم لإطراح الآخر مع تقاربها في القوّة.

و يدلّ على حكم إفطار المنذور روايات أُخر:

منها: رواية القاسم الصيقل، أنّه كتب إليه: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله، فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه:«يصوم يوماً بدل يوم، و تحرير رقبة مؤمنة»(7). و مثله عن ابن مهزيار أنّه كتب إليه يسأله عن ذلك(8).

ص: 95


1- الكافي، ج 7، ص 456، باب النذور، ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 364، ح 4293؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 306، ح 1136؛ الاستبصار، ج 4، ص 55، ح 193، و لم ترد «كذا» في المصادر.
2- الكافي، ج 7، ص 457، باب النذور ، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 307، ح 1141؛ الاستبصار، ج 4، ص 54 ، ح 186.
3- مسند أحمد، ج 5، ص 138، ح 16850؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1265، ح 1645/13؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 187، ح 2127 - 2128؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 241، ح3323.
4- رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 246، المسألة 63.
5- السرائر، ج 3، ص 59.
6- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 364؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 97.
7- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 286، ح 865؛ الاستبصار، ج 2، ص 125، ح 406.
8- الكافي، ج 7، ص 456 - 457، باب النذور ، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 286، ح 866؛ الاستبصار، ج 2، ص 125 ، ح 407.

...

و هذا هو الموجب لجزم المصنّف بحكم المفطر، و تردّده في غيره. لكن في طريق الروايتين محمّد بن عيسى، و المسؤول فيهما غير مذكور، وإن كان الظاهر أنّه الإمام.

لايقال:الخبر الأوّل صحيح، فيكون مقدّماً على الحسن و الضعيف لو عملنا بالجميع،كيف و الحسن لايشتمل رواية على وصف العدالة التي هي شرط في الراوي؟ فيكون العمل بالصحيح متعيّناً لذلك.

لأنّا نقول: الخبر الأوّل وإن كان قد وصفه بالصحّة جماعة من المحقّقين - كالعلّامة(1) و ولده(2) و الشهيد في الشرح(3)- إلّا أنّ فيه منعاً بيّناً؛ لأنّ عبد الملك بن عمرو لم ينصّ أحد عليه بالتعديل، و إنّما هو ممدوح مدحاً بعيداً عن التعديل، و لم يذكره النجاشي و لا الشيخ في كتابيه. و ذكره العلّامة، و نقل عن الكشّي أنّ الصادق علیه السلام قال له:«إنّه يدعو له، حتّى أنّه يدعو لدابّته»(4). و هذا غايته أن يقتضي المدح لا التوثيق، مع أنّ الرواية منقولة عنه. و مثل هذا لايثبت به حكم، و غايته أن يكون من الحسن.

و الأولى أن يريدوا بصحّتها توثيق الرجال إسنادها إلى عبد الملك المذكور، و هي صحّة إضافيّة مستعملة في اصطلاحهم كثيراً. و حينئذٍ فلايترجّح على الروايات الأخر، بل يمكن ترجیح تلك بوجوه:

الأوّل: أنّ حسنة الحلبي في ذلك الجانب من أعلى مراتب الحسن؛ لأنّ حُسنها باعتبار دخول إبراهيم بن هاشم في طريقها، و هو من الأجلّاء الأعيان كما ذكرناه غير مرّة بخلاف تلك الرواية، فإنّ الظاهر أنّها لاتلحق أدنى مراتب الحسن فضلاً عمّا فوقه، فكانت تلك أرجح على كلّ حالٍ، فيكون العمل بمضمونها أولى.

ص: 96


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 235، المسألة 68.
2- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 78.
3- غاية المراد، ج 3، ص 323 - 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
4- خلاصة الأقوال، ص 206 - 207، الرقم 663؛ و لقول الكشي راجع اختيار معرفة الرجال، ص 389، ح 730.

...

الثاني: تأيّدها برواية حفص بن غياث، و هو و إن كان عاميّاً إلّا أنّ الشيخ قال:إنّ كتابه معتمد عليه(1).

الثالث: اتّفاق روايات العامّة التي صحّحوها عن النبي صلّی الله علیه و آله وسلّم، و هي وإن لم تكن حجّةً إلّا أنّها لاتقصر عن أن تكون مرجّحةً.

الرابع:تأيّدها بصحيحة علي بن مهزيار قال:كتب بندار مولى إدريس يا سيّدي، إنّي نذرت أن أصوم كلّ سبتٍ، و إن أنا لم أصمه ما يلزمنى من الكفّارة؟ فكتب و قرأته: «لاتتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لامرض إلّا أن يكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين»(2).

و بمثله عبّر الصدوق في المقنع، إلّا أنّه قال بدل«سبعة»: «عشرة»، فيكون بعض أفراد كفّارة اليمين. و لعلّ «السبعة وقعت سهواً في نسخة التهذيب، و يؤيّده رواية الصدوق لها على الصحيح، فقال في المقنع«و إن نذر الرجل أن يصوم كلّ يوم سبت أو أحد أو سائر الأيّام فليس عليه أن يتركه إلّا من علّة، و ليس عليه صومه في سفر و لا مرض إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علّة تصدّق مكان كلّ يوم على عشرة مساكين»(3).

هكذا عبّر الصدوق، و هو عندي بخطّه الشريف، و هو لفظ الرواية، و يكون اقتصاره على إحدى خصال كفّارة اليمين كاقتصار رواية إفطار المنذور في مكاتبة الصيقل(4)، على«تحرير رقبة» من خصال كفّارة رمضان.

ص: 97


1- الفهرست الشيخ الطوسي، ص 158، الرقم 242.
2- الكافي، ج 7، ص 456، باب النذور، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 286، ح 86؛ الاستبصار، ج 2، ص 125 - 126 ، ح 408.
3- المقنع، ص 401.
4- تقدّمت مكاتبته في ص 95.

...

الخامس: أنّ الحكم في هذه الأخبار وقع بطريق القطع، و في الخبر السابق(1) ما يظهر منه رائحة التردّد، لقوله:«قال:و لا أعلمه إلّا قال كذا» و هو يشعر بتردّد الراوي في مقول الإمام، و إن كان قد أتی بلفظ العلم الدالّ على الجزم، إلّا أنّ قرينة المقام تقتضي أن يريد بالعلم هنا معناه الأعمّ، و هو مطلق الرجحان و إن لم يمنع من النقيض، فيجامع الظنّ ؛ إذ لو أراد العلم القطعي لقال ابتداءً«قال: فليعتق رقبةً» إلى آخره، و هو واضح.

و الشيخ (رحمه الله)جمع بين الأخبار بحمل الخبر الأوّل على المتمكّن من إحدى الخصال الثلاث، و الأخبار المتضمّنة لكفّارة اليمين على من عجز عن ذلك(2).

و استدلّ عليه بصحيحة جميل بن صالح عن أبي الحسن موسى علیه السلام أنّه قال:«كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفّارة يمين(3)». و هو قول رابع في المسألة.

و لسلّار(4)، و الكراجكي(5) ، قول خامس: أنّها كفّارة ظهار. و هو يقتضي كونها مرتّبةً.

و فيها أقوال أُخر نادرة.

و أمّا خلف العهد فأصحاب القول الأوّل في النذر ألحقوه به؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السلام : أنه سأله في رجل عاهد الله في غير معصية، ما عليه إن لم يف بعهد الله؟ قال:«يعتق رقبة، أو يتصدّق بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين»(6).

ص: 98


1- و هو صحيحة عبد الملك بن عمر و المتقدم تخريجها في ص 94، الهامش 6.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 306، ذيل الحديث 1136؛الاستبصار، ج 4، ص 56، ذيل الحديث 194.
3- الكافي، ج 7، ص 457، باب النذور، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 306، ح 1137؛ الاستبصار، ج 4. ص 55 ، ح 192.
4- المراسم، ص 187.
5- الحاكي عنه هو الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص324(ضمن موسوعة الشهید الاوّل، ج3)
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 309 - 310، ح 1148؛ الاستبصار، ج 4، ص 55 ، ح 189.

...

و الظاهر أنّ المراد بالصدقة إطعام ستّين مسكيناً؛ لرواية أبي بصير عن أحدهما علیهما السلام أنّه قال:«من جعل عليه عهد الله و ميثاقه في أمر فيه لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً»(1).

و هاتان الروايتان ضعيفتا الإسناد(2)، إلّا أنّه لامعارض لهما.

و المفيد جعلها ككفّارة قتل الخطإ(3). و لم نقف على مستنده.

و اضطرب كلام العلّامة في كلّ واحد من القواعد و الإرشاد، فأفتى في القواعد أوّلاً بأنّ كفّارة خلف العهد كبيرة مخيّرة مطلقاً(4)، ثم أفتى في موضع آخر من باب الكفّارات بأنّها كفّارة يمين مطلقاً(5).

و في الإرشاد أفتى أوّلاً بالتفصيل في العهد كالنذر، فإن كان صوماً فأفطره فكفّارة رمضان، و إلّا فكفّارة يمين(6)، ثمّ بعد ذلك أفتى بأنّها كفّارة يمين مطلقاً(7).

و لايخفى أنّ المصير إلى التفصيل في النذر إنّما هو لاختلاف الروايات و للتوصّل إلى الجمع بينها، و الأمر في العهد ليس كذلك، بل إمّا أن يحكم فيه بالكبيرة المخيّرة؛ نظراً إلى ما ذكرناه من الروايات الخاصّة فيه، وإمّا أن يجعل فيه كفّارة يمين؛ التفاتاً إلى ضعفها و كونه كاليمين في الالتزام. و لأصالة البراءة من الزائد.

ثمّ عُد إلى عبارة المصنّف، و اعلم أنّ قوله «وكذا كفّارة الحنث في العهد، و في النذر

ص: 99


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 315 ، ح 1170؛ الاستبصار، ج 4، ص 54. ح 187.
2- في حاشية « خ، و»: «في طريق الأُولى محمّد بن أحمد الكوكبي و هو مجهول، و في طريق الثانیّة إسماعيل مطلق، و حفص بن عمر و أبوه مجهولان (منه قدّس سرّه)»
3- المقنعة، ص 569.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 296.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 307.
6- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 97.
7- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 100.

. وما يحصل فيه الأمران كفّارة اليمين و هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيّام.

وجوب کفّارة الجمع

.و كفّارة الجمع هي كفّارة قتل المؤمن عمداً ظلماً. و هي عتق رقبة و صوم شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً.

على التردّد» يقتضي إيجاب الكفّارة المخيّرة في خلف العهد والنذر مطلقاً، كما في حكمه إذا كان صوماً فأفطره، لكن في الإفطار بجزم، و في باقي أفراد النذر و مطلق العهد على تردّد.

و قوله بعد ذلك«والواجب في كلّ واحدة عتق رقبة - إلى قوله - على الأظهر» يقتضي العود إلى ترجيح وجوب الكفّارة المخيّرة في الجميع بعد التردّد، وهو نظير ما يتّفق في قوله «فيه تردّد، أظهره كذا».

قوله:«وما يحصل فيه الأمران كفّارة اليمين» إلى آخره.

أي يجتمع فيها التخيير و الترتيب.

فالأوّل في الخصال الثلاث الأوّل، و الثاني في الصيام، فإنّه مرتّب على العجز عن الثلاث السابقة.

والحكم في هذه الكفّارة محلّ وفاق بين المسلمين من حيث إنّها منصوصة في القرآن(1).

قوله:«و كفّارة الجمع هى كفّارة قتل المؤمن عمداً ظلماً» إلى آخره.

المراد بالمؤمن هنا المسلم و من بحكمه، كولده الصغير و المجنون، ولا فرق فيه بين الذكر و الأنثى، و الحرّ و العبد. و يشترط كون القتل مباشرة لا تسبيباً، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى(2).

ص: 100


1- المائدة(5): 89.
2- يأتي في ج 12، ص 645 - 646.

المقصد الثاني فيما اختلف فيه

اشارة

و هي سبع:

کفّارة الحلف بالبراءة

الأُولى: • من حلف بالبراءة فعليه كفّارة ظهار، فإن عجز فكفّارة يمين. و قيل: يأثم و لا كفّارة. و هو أشبه.

قوله: «من حلف بالبراءة فعليه كفّارة ظهار» إلى آخره.

لا خلاف في تحريم الحلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من الأئمة علیهم السلام. و قد روي أن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم سمع رجلاً يقول: أنا بريء من دين محمّد، فقال له رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «ويلك أبرئت من دين محمّد؟! فعلى دين من تكون؟» قال: فما كلّمه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم حتّى مات(1).

و عن يونس بن ظبيان، قال، قال لي: «يا يونس، لاتحلف بالبراءة منّا، فإنّه من حلف بالبراءة منّا صادقاً أو كاذباً فقد برئ منّا»(2).

و اختلف في أنّه هل تجب بذلك كفّارة أم لا؟ فذهب الشيخان(3) و جماعة(4) إلى وجوب كفّارة ظهار، فإن عجز فكفّارة يمين. و هو الذي نقله المصنّف.

و قال ابن حمزة: يلزمه كفّارة النذر(5).

ص: 101


1- الكافي، ج 7، ص 438، باب كراهية اليمين بالبراءة...، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 373، ح 4313؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 284، ح 1041.
2- الكافي، ج 7، ص 438، باب كراهية اليمين بالبراءة...، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 375، ح 4320؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 284، ح 1042.
3- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 558 - 559 ؛ و الشيخ الطوسي في النهاية، ص 570.
4- منهم سلّار في المراسم، ص185؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 421.
5- الوسيلة، ص 349.

...

و قال الصدوق: إنّه يصوم ثلاثة أيام، و يتصدّق على عشرة مساكين(1). و الكلّ ضعيف لايرجع إلى مستند صالح، فلذلك اختار المصنّف:أنّه يأثم و لا كفّارة.

ولكن روى محمّد بن يحيى - في الصحيح - قال: كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمد العسكري علیه السلام رجل حلف بالبراءة من الله و رسوله صلّی الله علیه و آله وسلّم، فحنث، ما توبته و كفّارته؟فوقّع علیه السلام:«يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و يستغفر الله عزّ وجلّ»(2).

و بمضمونها أفتى في المختلف(3). و لا بأس بالعمل بمضمونها؛ لصحّتها.

و قال المصنّف في نكت النهاية:«الحقّ عندي أنّه لا كفّارة في شيء من ذلك؛ لأنّ ما ذكره الشيخان لم يثبت، و ما تضمّنته الرواية نادر، فلا تنهض المكاتبة بالحجّة؛ لما يتطرّق إليها من الاحتمال»(4)

و اعلم أنّ ظاهر عبارة المصنّف ترتّب الكفّارة على مجرّد التلفّظ بذلك وإن لم يخالف. و هو الذي يقتضيه إطلاق الشيخ(5) و القاضي(6) و الصدوق(7) و جماعة(8).

و المفيد(9) صرّح بترتّبها على المخالفة، و كذلك في المختلف(10)؛ استناداً إلى ما دلّت عليه

ص: 102


1- المقنع، ص 408.
2- الكافي، ج 7، ص 461، باب النوادر، ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 378، ح 4333؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 299 ، ح 1108.
3- مختلف الشيعة، ج 8، ص 163 ، المسألة 1.
4- نكت النهاية، ج 3، ص 65.
5- النهاية. ص 570.
6- المهذّب، ج 2، ص 421.
7- المقنع، ص 408.
8- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 229؛ و الشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 111 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
9- المقنعة، ص 558 - 559.
10- مختلف الشيعة، ج 8، ص 163، المسألة 1.

کفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب

الثانیّة: • في جزّ المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة، أو صيام شهرين

متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً. و قيل: مثل كفّارة الظهار. و الأوّل مرويّ.

و قيل:تأثم و لا كفّارة؛ استضعافاً للرواية و تمسّكاً بالأصل.

المكاتبة المذكورة. و هذا أقوى؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على مورد النصّ.

قوله: «في جزّ المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة» إلى آخره.

القول الأوّل لابن البرّاج(1)؛ استناداً إلى رواية خالد بن سدير عن أبي عبد الله علیه السلام:«إذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته، ففي جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً»(2).

و المفهوم من «في» الإيجاب، مثل:«في أربعين شاةٍ شاة»، و «في النفس المؤمنة مائة من الابل»؛ لأنّها للسببيّة. و إنكار بعضهم(3) إفادتها ذلك مردود.

نعم طريق الرواية ضعيف، فإنّ خالد بن سدير غير موثّق، و قد قال الصدوق: إنّ كتابه موضوع(4).

و في طريقه أيضاً محمّد بن عيسى، و هو ضعيف(5).

و القول بوجوب كفّارة الظهار لسلّار(6)، و ابن إدريس، و أسنده إلى ما رواه بعض الأصحاب(7). و هو مستند واهٍ؛ فلذلك قال المصنّف:إنّه تأثم و لا كفّارة تمسّكاً بالأصل و استضعافاً للحكم الناقل عنه. و هذا هو الأقوى.

ص: 103


1- المهذّب، ج 2، ص 424.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325 ، ح 1207.
3- هو فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 82.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الفهرست، ص 174، الرقم 269.
5- الفهرست الشيخ الطوسي، ص 402 ، الرقم 612.
6- لم نعثر عليه في المراسم نعم نسبه إليه الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 328 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
7- السرائر، ج 3، ص 78.

کفّارة نتف المرأة شعرها في المصاب

الثالثة: • تجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب وخدش وجهها، و شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفّارة يمين.

و اعلم أنّ الكفّارة على تقدير وجوبها مترتّبة على جزء في المصاب، و المفهوم منه جزّ جميعه.

و المراد من الجزّ القصّ، فلايلحق به النتف و لا الإحراق و لا القرض بالسنّ.

و يحتمل قوياً إلحاق الحلق. و لايلحق جزّه في غير المصاب به على الأقوى. و أولويّة دخوله ممنوعة؛ لجواز اختصاص المصاب بما فيه من إشعار السخط بقضاء الله تعالى.

و ظاهر الرواية وقوع ذلك منها مباشرةً، فلو تسبّبت به ففى إلحاقه نظر أقربه العدم؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين. و لو فعلت ذلك لحاجة فلا شيء إجماعاً.

قوله:«تجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب وخدش وجهها» إلى آخره.

لم ينقل المصنّف في ذلك خلافاً، مع أنّه صدّر المقصد بالمواضع المختلف فيها. و الوجه في ذلك عدم ظهور مخالف في أكثرها، مع ضعف المستند في الجميع، فإنّ الرواية السابقة عن خالد بن سدير بطريق محمّد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل شقّ ثوبه على أخيه أو على أُمّه أو على أخته أو على قريب له، قال: «لا بأس بشقّ الجيوب، فقد شقّ موسى بن عمران جيبه على أخيه هارون علیهما السلام. و لايشقّ الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشقّ المرأة على زوجها. و إذا شقّ زوج على امرأته أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، و لاصلاة لهما حتّى يكفّرا و يتوبا من ذلك. و إذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته، ففي جزّ الشعر عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً. و في خدش الوجه إذا أدمت و في النتف كفّارة حنث يمين. و لا شيء في لطم الخدود سوى الاستغفار و التوبة، و لقد شققن و لطمن الخدود الفاطميّات على فقد الحسين علیه السلام، وعلى مثله تُلطم الخدود و تُشق الجيوب»(1). وقد عرفت حال الرواية.

ص: 104


1- سبق تخريجها في ص 103، الهامش 2.

كفّارة وطء الحيض

الرابعة: • كفّارة وطء الحيض مع التعمّد والعلم بالتحريم والتمكّن من التكفير،قيل: تستحبّ، وقيل: تجب، وهو الأحوط.

واعلم أنّ الكلام في نتف الجميع أو البعض كالكلام في الجزّ.

والمراد من الشعر هنا شعر الرأس؛ لأنّه المفهوم منه عرفاً.

والمراد بخدش الوجه قطع شيء من جلده، وإن لم يبلغ حدّ الخارصة. و في الرواية تقييد بكونه مدمياً، و الفتاوى مطلقة، بل صرّح بعضهم(1) بعدم اعتباره، وهو مطالب بالمستند، ولعلّه يعتمد على ما يظهر من الإجماع لا على الفتوى مجرّدة.

و لايلحق به اللطم من غير خدشٍ ، و لاخدش غير الوجه من سائر الجسد.

و لايتعدّى الحكم إلى الرجل، كما أنّ حكم شقّ الثوب لموت الولد و الزوجة مخصوص، به فلاتجب على المرأة بشقّه مطلقاً، وإن كان محرّماً على الجميع؛ لما فيه من إضاعة المال. ويدخل في الولد الذكر والأنثى وإن نزل، لا ولد الأُنثى على الأقوى. ولا كفّارة بشقّه

على غيرهما من الأقارب مطلقاً وإن حرم. و روي جوازه على الأب والأخ(2). ولا تلحق أُمّ الولد والسريّة بالزوجة. نعم، يلحق المتمتّع بها والمطلّقة رجعيّاً، والمعتبر مسمّى الشقّ لمسمّى الثوب.

قوله:«كفّارة [وطء] الحيض مع التعمّد والعلم بالتحريم والتمكّن من التكفير» إلى آخره.

القول بالوجوب للشيخين(3) والمرتضى(4) ، وابن إدريس(5) وجماعة(6)؛ استناداً إلى روايات

ص: 105


1- هو العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 369، الرقم 5958.
2- الفقيه، ج 1، ص 174، ح 511.
3- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 55؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 571 ؛ والجمل والعقود ضمن الرسائل العشر، ص 162.
4- الانتصار، ص 126، المسألة 26.
5- السرائر، ج 1 ص 144؛ و ج 3، ص 75-76.
6- منهم الصدوق في المقنع، ص 51 قال فيه: «وروي...» و 322؛ و سلّار في المراسم، ص 43 - 44؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 35 و ج 2، ص 432؛ و الراوندي في فقه القرآن، ج 1، ص 54.

...

مختلفة التقدير، ضعيفة الإسناد، وأشهرها رواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله علیه السلام في كفّارة الطمث أنّه:«يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار، وفي أوسطه بنصف دينار، وفي آخره بربع دینار»، قلت:فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟ قال: فليتصدّق على مسكين واحد، وإلّا استغفر الله و لا يعود، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لمن لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة»(1). وفي طريقها ضعف وإرسال.

والقول بالاستحباب للشيخ أيضاً في النهاية(2)، وأكثر المتأخّرين(3). وهو الأقوى؛ للأصل، وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن رجل واقع امرأته وهي طامث قال:«لا يلتمس فعل ذلك، قد نهى الله أن يقربها»، قلت: فإن فعل أ عليه الكفّارة؟ قال:«لا أعلم فيه شيئاً، يستغفر الله»(4). وغيرها من الأخبار(5).

و العجب من ذهاب المرتضى وابن إدريس إلى الوجوب، مع عدم عملهما بخبر الواحد الصحيح فضلاً عن الضعيف، ولكنّهما استندا إلى ما فهماه من كونه إجماعاً؛ نظراً إلى العلم بنسب المخالف، وهو مشترك الإلزام.

والأصحّ الاستحباب؛ للتسامح في أدلّة السنن ومقدارها بحسب أوقات الحيض مقرّر في بابه(6).

ص: 106


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 471؛ الاستبصار، ج 1، ص 134، ح 459.
2- النهاية، ص 26.
3- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ، ج 2، ص 261؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 107، الرقم 259؛ وقواعد الأحكام، ج 1، ص 216؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 56؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 321.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 472؛ الاستبصار، ج 1، ص 134، ح 460.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 165، ح 472 - 474؛ الاستبصار، ج 1، ص 134 - 135، ح 460 - 462.
6- راجع ج 1 ، ص 65.

. ولو وطئ أمته حائضاً كفّر بثلاثة أمداد من طعام.

كفّارة الزواج بالمرأة في عدّتها

الخامسة: • من تزوّج امرأة في عدّتها فارق و كفّر بخمسة أصوع من دقيق. و في وجوبها خلاف، والاستحباب أشبه.

واحترز بقوله «مع التعمّد والعلم عن الجاهل والناسي، فلا شيء عليهما مطلقاً. والحكم مختصّ بالرجل، فلا كفّارة على المرأة مطلقاً.

قوله: «ولو وطئ أمته حائضاً كفّر بثلاثة أمداد من طعام».

هذا متفرّع على السابق، فمن نفى الوجوب في وطء الزوجة نفاه هنا، و من أثبته أثبته. ثم اختلفوا هنا، فالشيخ في النهاية(1)، وابن بابويه(2) على الوجوب بما ذكره، وكذلك المرتضى مدّعياً الإجماع(3)، والباقون على الاستحباب ، وهو أقوى؛ تمسّكاً بالبراءة الأصلية، واستضعافاً لمستند الحكم، وتساهلاً بأدلّة السنن.

قوله:«من تزوّج امرأةً في عدّتها فارق وكفّر بخمسة أصوع من دقيق» إلى آخره.

القول بوجوب هذه الكفّارة للشيخ فى النهاية(4)؛ ظاهراً، ولا بن حمزة(5) صريحاً، وكذلك العلّامة في القواعد(6) والتحرير(7)، وولده في الشرح(8).

والمستند رواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: سألته عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجاً، قال: «عليه الحدّ وعليها الرجم؛ لأنّه قد تقدّم بعلم وتقدّمت هي بعلم،

ص: 107


1- النهاية، ص 571 - 572.
2- المقنع ص 52.
3- الانتصار، ص 364، المسألة 204.
4- النهاية، ص 572.
5- الوسيلة، ص 354، وعبارة الوسيلة كعبارة النهاية.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 297، وفيه: «على رأي».
7- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 370، الرقم 5960.
8- ايضاح الفوائد، ج 4، ص 83

...

وكفّارته إن لم يقدّم إلى الإمام أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً»(1).

وروى الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل تزوّج امرأةٌ ولها زوج فقال:«إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقاً بعد أن يفارقها»(2). والمفهوم من «عليه» الوجوب.

وحملوا المعتدّة على ذات البعل أما في العدّة الرجعيّة فظاهر، وأمّا في البائن؛ فلعدم فرق الأصحاب بين العدّتين، فالفرق إحداث قول ثالث.

ولا يخفى عليك ضعف هذا الاستدلال، وعدم المانع من إحداث مثل هذا القول الثالث لمن يعتمد مثل هذه الرواية؛ لأنّ قول المعصوم ليس بمتحقّقٍ في أحد القولين، ومن الجائز كونه قائلاً بخلاف قولهما ، كما لا يخفى على المنصف.

ثمّ في الرواية ضعف باشتراك أبي بصير بين جماعة منهم الثقة(3) و الضعيف(4)، و في طريقها أيضاً إسماعيل بن مرار وحاله مجهول.

ثمّ فرض المسألة في المعتدّة دون المزوّجة مع ورود النصّ فيها ليس بجيّد، وإن تمّ الحمل لا وجه لجعل الفرع أصلاً، ومن ثَمّ أنكر ابن إدريس الوجوب(5)، وكذلك المصنّف؛ عملاً بالأصل. وهو أقوى.

نعم، لا بأس بالاستحباب لما ذكرناه، مع أنّ الرواية لا تدلّ على الوجوب؛ لعدم لفظ الأمر ومعناه

ص: 108


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 21، ح 62؛ الاستبصار، ج 4، ص 209، ح 781.
2- الفقيه ، ج 3، ص 470، ح 4641.
3- رجال النجاشي، ص 441 الرقم 1187؛ اختيار معرفة الرجال، ص 238 - 239، ح 431 و 443.
4- رجال الطوسي، ص 346، الرقم :5172 ؛ خلاصة الأقوال، ص 416، الرقم 1687.
5- السرائر، ج 3، ص 77.

کفّارة من نام عن صلاة العشاء حتّى جاوز نصف الليل

السادسة . من نام عن العشاء حتّى جاوز نصف الليل أصبح صائماً، على رواية فيها ضعف، ولعلّ الاستحباب أشبه.

واعلم أنّ «الأصوُع» بإسكان الصاد وضمّ الواو، أو بالهمزة المضمومة مكان الواو(1)، أمّا «أصيع» بلا واو ولا همزة فهو لحن، وما وجد في الرواية ونهاية الشيخ بغير همز ولا واو فذلك بحسب صورة الخطّ؛ لكنّها مهموزة كما هو أحد لغاتها، والكتابة واحدة، وبواسطة ذلك اشتبه الحال على ابن إدريس، فأورد على الشيخ السهو في الخطّ(2)، وليس كذلك، وقال الشهيد (رحمه الله): وجدته بخطّ الشيخ بيده في النهاية كذلك، وعليه همزة، إيذاناً بأنّها مهموزة(3).

قوله: «من نام عن العشاء حتّى جاوز نصف الليل أصبح صائماً، على رواية فيها ضعف، ولعلّ الاستحباب أشبه».

القول بوجوب ذلك للمرتضى مدّعياً الإجماع(4)، وللشيخ في النهاية(5)؛ استناداً إلى رواية عبد الله بن المغيرة عمّن حدّثه عن الصادق علیه السلام في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلّا بعد انتصاف الليل قال: «يصلّيها ويصبح صائماً»(6).

والإجماع ممنوع، والرواية مرسلة، ومع ذلك لا تدلّ على الوجوب؛ إذ لا أمر، ولا يلزم من عطفه على الصلاة الواجبة وجوبه. والأصحّ الاستحباب كما اختاره المصنّف

ص: 109


1- الصحاح، ج 3، ص 1247؛ لسان العرب، ج 8، ص 215،«صوع».
2- السرائر، ج 3، ص 77.
3- غاية المراد ، ج 3، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3) ؛ ولكلام الشيخ الطوسي راجع النهاية ، ص 572.
4- الانتصار، ص 365، المسألة 205.
5- النهاية، ص 572.
6- الكافي، ج 3، ص 295، باب من نام عن الصلاة...، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 323، ح1200.

کفّارة من نذر صوم يوم فعجز عنه

السابعة: • من نذر صوم يوم فعجز عنه أطعم مسكيناً مدّين، فإن عجز تصدّق بما استطاع، فإن عجز استغفر الله. و ربما أنكر ذلك قوم؛ بناءً على سقوط النذر مع تحقّق العجز.

المقصد الثالث في خصال الكفّارة

وهي العتق والإطعام والصيام.

قوله: «من نذر صوم يوم فعجز عنه أطعم مسكيناً مدّين - إلى قوله - بناءً على سقوط النذر مع تحقّق العجز».

هذا قول الشيخ (رحمه الله )(1) ، وتبعه عليه جماعة منهم المصنّف، والعلّامة في بعض کتبه(2).

والمستند رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السلام في رجل يجعل عليه صياماً في نذر ولا يقوى قال: «يعطي من يصوم عنه كلّ يوم مدّين»(3). وفي بعض الروايات «مدّ»(4).

و الجميع مشترك في ضعف السند، والقصور في الدلالة على المدّعى؛ إذ ليس فيها ما يدلّ على الأمر المفيد للوجوب، ولا على وجوب الصدقة بما استطاع على تقدير العجز عن المُدِّين أو المُدّ، ومع ذلك يخالف الأصول المقرّرة: فإنّ العجز عن المنذور يوجب سقوطه بغير كفّارة.

فالقول بالاستحباب أجود.

قوله: «في خصال الكفّارة وهي العتق والإطعام والصيام».

ص: 110


1- النهاية، ص 571.
2- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 97.
3- الكافي، ج 7، ص 457، باب النذور ، ح 15؛ الفقيه، ج 3، ص 374 ، ح 4317؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 306، ح 1138.
4- الكافي، ج 4، ص 143، باب كفّارة الصوم، ح 2؛ الفقيه، ج 2، ص 154، ح 2013 و 2014؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 313، ح 946.

المقصد الثالث في خصال الکفّارة

القول في العتق

اشارة

القول • في العتق

ويتعيّن على الواجد فى الكفّارات المرتّبة.

ويتحقّق الوجدان بملك الرقبة، وملك الثمن مع إمكان الابتياع.

ويعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف:

اللام في «الكفّارة» إما للمعهود الذكري، وهي المذكورة سابقاً(1)الموجبة للخصال الثلاث على الترتيب ككفّارة الظهار، أو هي خاصّة بقرينة ذكر الترتيب في أوّل البحث عن كلّ خصلة.

و أحكام المخيّرة وكفّارة الجمع يستفاد ممّا يذكر في المرتّبة.

وأمّا الكسوة، فإنّها وإن كانت من خصال الكفّارة، إلّا أنّها مختصّة بكفّارة اليمين، فأدرجها في آخر بحث الإطعام(2).

وإنّما خصّ البحث بالمرتّبة؛ لأنّها المعقود لأجلها الكلام، والمستطرد بسببها باقي الأقسام وهي كفّارة الظهار، وإلّا ففي الكفّارات ما لا تجتمع فيه الخصال مطلقاً، وفيها ما لا عتق فيه كما لا يخفى.

قوله: «في العتق ويتعيّن على الواجد في الكفارات المرتّبة» إلى آخره.

حكم الشارع على من وجب عليه الكفّارة بالعتق مرتّب على وجودها بالفعل أو بالقوّة، كما ينبّه عليه قوله تعالى-بعد قوله«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» - :« فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»(3)، والوجدان أعمّ من الملك؛ لأنّه يشمل - لغةً وعرفاً - من لا يملك الرقبة، ولكنّه يقدر على شرائها بما يملكه من الثمن فاضلاً عن المستثنيات، كما يعتبر فيها مع وجودها على ملكه أن تكون فاضلةٌ عنها. وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى(4)

ص: 111


1- سبق في ص 85.
2- راجع ص 168.
3- المجادلة(58): 4.
4- يأتي في ص 149 - 150.
الوصف الأوّل: الإيمان
اشارة

الوصف الأوّل: • الإيمان

وهو معتبر في كفّارة القتل إجماعاً، وفي غيرها على التردّد، والأشبه اشتراطه. والمراد بالإيمان هنا: الإسلام أو حكمه.

ويستوي في الإجزاء الذكر والأنثى، والصغير والكبير. والطفل في حكم المسلم، ويجزئ إن كان أبواه مسلمين أو أحدهما ولو حين يولد.

وفي رواية: لا يجزئ في القتل خاصّةً إلّا البالغ الحنث. وهي حسنة.

قوله:«الإيمان وهو معتبر في كفّارة القتل إجماعاً - إلى قوله - وهي حسنة»

اتّفق العلماء على اشتراط الإيمان في المملوك الذي يُعتق عن كفّارة القتل بقوله تعالى في كفّارة قتل الخطإ:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ»(1)وحملوا الكفّارة الواجبة في قتل العمد عليه؛ لاتّحاد جنس السبب وهو القتل.

واختلفوا في اشتراطه في باقي الكفّارات حيث يجب فيها العتق، فالأكثر على الاشتراط؛ حملاً للمطلق على المقيَّد وإن اختلف السبب، على ما يقوله جمع من الأصوليّين(2).

ولرواية سيف بن عُميرة عن الصادق علیه السلام قال:سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكاً مشركاً ؟ قال: «لا»(3).

ولقوله تعالى:«وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ(4)»، والكافر خبيث والكّفارة إنفاق، والنهي يدلّ على الفساد؛ ولأنّ الذمّة مشغولة بالعتق يقيناً، وبدون المؤمن لا يخرج عن عهدة التكليف يقيناً، فلا يجزئ في رفع ما وجب باليقين إلّا اليقين.

وفي الكلِّ نظر.

ص: 112


1- النساء(4): 92.
2- 2 . راجع المدة في أصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 330؛ الإحكام في أصول الأحكام الأمدي، ج 3، ص 7.
3- الفقيه، ج 3، ص 142 - 143 ، ح 3526؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 218 ، ح 78؛ الاستبصار، ج 4، ص 2، ح 1.
4- البقرة (2): 267.

...

أما الأوّل؛ فلأنّ الجمع بين المطلق والمقيّد إنّما يجب حيث يحصل التنافي بينهما، وذلك مع اتّحاد السبب لا مع اختلافه؛ إذ لا منافاة بين أن يقول الشارع: «أعتق رقبةً مؤمنةً» في كفّارة القتل ولا تجزئ الكافرة، وبين قوله في كفّارة الظهار ونحوها: «تجزئ الكافرة». و القول بوجوب حمل المطلق على المقيّد مع اختلاف السبب قد تبيّن ضعفه في الأصول. وهؤلاء المحقّقون القائلون باشتراط الإيمان مطلقاً لا يقولون بذلك القول، وإنّما مشوا فيه هنا مع قائله. ورواية سيف ضعيفة السند(1) ، وأخصّ من المدّعى.

وأمّا النهي عن إنفاق الخبيث فالظاهر منه - وهو الذي صرّح به المفسّرون(2)- أنّه الرديء من المال يعطى الفقير، وربما كانت الماليّة في الكافر أكثر منها في المسلم، والإنفاق لماليّته لا المعتقده مع أنّ مثل هذا لا يطلق عليه الإنفاق لغةً ولا عرفاً.

وأمّا شغل الذمّة بالعتق فيتفرّغ منه بامتثال ما أمر به الشارع، فإذا أمر بتحرير رقبة وأطلق برئت الذمّة بامتثال الأمر كذلك، ولا يراد من الخروج عن عهدة التكليف في هذا وغيره إلّا ذلك.

نعم، القائلون بالقياس قاسوا على كفّارة القتل غيرها بجامع الكفّارة، واستأنسوا له باشتراط العدالة في الشاهدين من قوله:«وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ»(3)، مع إطلاق قوله تعالى:«وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ... وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ»(4)، وغير ذلك من المطلقات(5) . ومثل هذا لا يجدي عند أصحابنا.

ص: 113


1- راجع اختيار معرفة الرجال، ص 0552، ح 1042.
2- راجع مجمع البيان، ج 1، ص 381؛ وتفسير البيضاوي، ج 1، ص 224؛ والكشّاف، ج 1، ص 314، ذيل الآية 267 من سورة البقرة (2).
3- الطلاق(65): 2.
4- البقرة(2): 282.
5- كالآية 2 من سورة النور (24).

...

وذهب جماعة - منهم الشيخ في المبسوط(1) والخلاف(2) ، وابن الجنيد(3)- إلى عدم اشتراط

الإيمان في غير كفّارة القتل؛ للأصل، وعملاً بالإطلاق.

إذا تقرّر ذلك، فالمراد بالإيمان هنا الإسلام، وهو الإقرار بالشهادتين. لا معناه الخاصّ وهو التصديق القلبي بهما؛ لأنّ ذلك لا يمكن الاطلّاع عليه، وإنّما التكليف متعلّق بإظهار الشهادتين، ولا معناه الأخصّ وهو اعتقاد الإماميّة؛ لأنّ ذلك أمر متأخّر عن الإيمان المعتبر

في الكفّارة، واصطلاح خاصّ، والأصل عدم اشتراطه بعد انصرافه إلى غيره.

وربما قيل باشتراط الإيمان الخاصّ؛ لشبهة أنّ الإسلام لا يتحقّق بدونه، أو بدلالة النهى

عن إنفاق الخبيث عليه(4). وضعفهما واضح.

ولا فرق بين الصغير والكبير في ذلك، ولا بين الذكر والأنثى؛ عملاً بالعموم(5) . ويتحقّق الإسلام في الصغير بالتبعيّة لأبويه أو أحدهما، ومن ثمّ يقتل به المسلم. ولا فرق في تبعيّته لهما بين كونهما مسلمين حين يولد وبعده، ولا بين موته قبل أن يبلغ ويعزب(6) عن الإسلام وبعده عندنا. وللعامّة في هذا اختلاف.

والرواية التي أشار إليها بعدم إجزاء الصغير في كفّارة القتل رواها معمر بن يحير في الحسن عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجل يظاهر من امرأته، يجوز عتق المولود في الكفّارة؟ فقال: «كلّ العتق يجوز فيه المولود، إلّا في كفّارة القتل، فإنّ الله تعالى

ص: 114


1- المبسوط، ج 4، ص 597.
2- الخلاف، ج 2، ص 187، المسألة 33.
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 250 ، المسألة 80؛ وممّن لا يشترط الإيمان ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 414.
4- راجع إيضاح الفوائد، ج 4، ص 85.
5- النساء(4): 92
6- في «خ»: «يَعْرُب» بدل «يعزب».
إجزاء عتق الصغیر و الأخرس لو کانا مسلمین

. ولا يجزئ الحمل ولو كان أبواه مسلمين وإن كان بحكم المسلم.

وإذا بلغ المملوك أخرس وأبواه كافران، فأسلم بالإشارة حكم بإسلامه وأجزاً.

ولا يفتقر مع وصف الإسلام في الإجزاء إلى الصلاة، ويكفي في الإسلام الإقرار بالشهادتين. ولا يشترط التبرّي ممّا عدا الإسلام.

يقول:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ» يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث»(1). ومثله روى الحسين بن سعيد عن رجاله عن الصادق علیه السلام(2).

وبمضمونها عمل ابن الجنيد(3)، وهو قول موجّه، إلّا أن المختار الأوّل؛ للحوق أحكام الإيمان به والارتداد بعد بلوغه ولو لم يسبق تلفّظه بالشهادة بعد البلوغ فيكون حقيقةً، ولقوله تعالى: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَنِ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ مَا أَلَتْنَهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ»(4)، أي ألحقنا بهم ذرِّيَّاتهم في الإيمان، فدلّ على أنّهم مؤمنون، ولدخوله

في الوصيّة للمؤمنين ولو لا الحقيقة لما دخل. وهذه الأدلّة لا تخلو من شيء.

قوله: «ولا يجزئ الحمل ولو كان أبواه مسلمين وإن كان بحكم المسلم» إلى آخره.

هنا مسائل:

الأُولى: يعتبر في إجزاء الصغير انفصاله حيّاً قبل الإعتاق، فلا يجزئ الحمل وإن انفصل بعد ذلك حيّاً، ولا يكون ذلك كاشفاً عن صحّة العتق ولا تمام السبب، وسواء انفصل لما دون ستّة أشهر من حين العتق أم لأكثر؛ لأنّ الحمل لا يلحقه حكم الأحياء شرعاً، ومن ثَمّ لا تجب فطرته وإن كان أبواه مسلمين وكان بحكم المسلم، حتّى أنّ الجاني عليه يضمنه كالمسلم على تقدير موته بعد انفصاله حيّاً

ص: 115


1- تفسير العياشي، ج 1، ص 426، ح 1063؛ الكافي، ج 7، ص 462 - 463، باب النوادر، ح 15؛ والآية في سورة النساء(4): 92.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 320، ح 1187.
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 250، المسألة 80.
4- الطور(52): 21.

...

الثانیّة: یصحّ إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة كما تصحّ عقوده بالإشارة. فإذا كان أبواه

کافرين فأسلم بالإشارة المفهمة حكم بإسلامه وأجزأ عتقه.

وفي حكمه الأعجمي الذي لا يفهم لغته، وروي أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم ومعه جارية أعجميّة أو خرساء فقال: يا رسول الله عليّ عتق رقبة، فهل تجزئ عنّي هذه ؟ فقال لها النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم : «أين الله»؟

فأشارت إلى السماء، ثمّ قال لها: «من أنا»؟ فأشارت إلى أنّه رسول الله، فقال له: «أعتقها فإنّها مؤمنة»(1).

قيل: وإنّما جعلت الإشارة إلى السماء دليلاً على إيمانها؛ لأنّهم كانوا عبدة الأصنام، فأفهمت بالإشارة البراءة منها؛ لأنّ الإله الذي في السماء ليس هو الأصنام، ولا يراد بكونه فيها التحيّز ، بل على حدّ قوله:«وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَه»(2).

ولا يفتقر الأخرس مع إسلامه بالإشارة المفهمة إلى الصلاة؛ لأنّها فرع الإسلام، والمعتبر

ثبوت أصله، ولما ذكرناه من الأدلّة.

وقال بعض العامّة : لا يحكم بإسلامه إلّا إذا صلّى بعد الإشارة(3)؛ لأنّ الإشارة غير صريحة في الغرض فتؤكّد بالصلاة. وحمله بعضهم على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة(4).

الثالثة: المعتبر في اتّصافه بالإسلام أن يشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله؛

لأن النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم كان يكتفى بذلك من الأعراب ومن يُظهر الإسلام.

ولا يشترط التبرّي ممّا عدا الإسلام من الملل الباطلة؛ للأصل، وعدم نقله عن النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم

ص: 116


1- مسند أحمد، ج 5، ص 526 ، ح 18961؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 381 - 382، ح 537/33 ؛ المعجم الكبير، ج 19 ، ص 398، ح 937؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 638، ح 15272.
2- لم نعثر على القائل به؛ والآية 84 في سورة الزخرف (43).
3- حلية العلماء، ج 7، ص 184.
4- روضة الطالبين، ج 6، ص 257.

. ولا يحكم بإسلام المسبيّ من أطفال الكفّار، سواء كان معه أبواه الكافران أو انفرد به السابى المسلم.

حيث كان يقبل من الكافر الإسلام. واعتبر بعض العامّة ذلك(1) . وفصّل آخرون فقالوا:«إن كان الكافر ممّن يعترف بأصل رسالة النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم ، كقوم من اليهود يقولون: إنّه رسول مبعوث إلى العرب خاصّةً، فلا بُدّ من هذه الزيادة في حقّه، وإن كان ممّن ينكر أصل الرسالة كالوثني - فيكفي لإسلامه الكلمتان(2).

وإنّما يعتبر الإقرار بالشهادتين معاً في حقّ من ينكرهما كالمعطّل والوثني، فلو كان موحّداً لله تعالى وهو منكر للرسالة كفى إقراره بها.

وفي الاكتفاء بها من اليهودي والنصراني وجهان، أصحّهما العدم؛ لأنّهما مشركان في التوحيد كما نبّه عليه تعالى بقوله - بعد حكايته عن مقالتهم - :«سُبْحَنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3).

وإشراكهم باعتقاد إلهيّة عيسى والعُزير وعلى تقدير اختصاص هذا الاعتقاد ببعض فرقهم لا وثوق منهم ،بخلافه، فلا يكتفى منهم بدون الشهادتين.

قوله « ولا يحكم بإسلام المسبيّ من أطفال الكفّار» إلى آخره.

ما ذكره المصنّف من عدم الحكم بإسلام الطفل المسبيّ المنفرد عن أبويه الكافرين هو المشهور بين الأصحاب سيّما المتأخّرين؛ لعدم دليل صالح للحكم بالإسلام، وثبوت كفره قبل الانفراد عنهما فيستصحب.

وقول النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم :«كلّ مولود يولد على الفطرة، وإنّما أبواه يهوّدانه»(4) ، الحديث لا يدلّ على الحكم بإسلامه على تقدير انفراده؛ لأنّه قد حكم عليه بالكفر قبل الانفراد، ولا دليل على زوال ذلك. ومجرّد ولادته على الفطرة - لو سلّم كون المراد بها الإسلام المحض - فقد

ص: 117


1- راجع روضة الطالبين، ج 6 ، ص 257.
2- راجع روضة الطالبين، ج 6 ، ص 257.
3- التوبة (9): 31.
4- الفقيه، ج 2، ص 49. ح 1670 بتفاوت يسير.

. ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على تردّد. وهل يفرّق بينه وبين أبويه؟

قيل: نعم، صوناً له أن يستزلّاه عن عزمه وإن كان بحكم الكافر.

زال ذلك بتبعيّة الأبوين، وليست التبعيّة علّةً في حال وجودهما خاصّةً، بدليل أنّهما لو ماتا عنه لم يحكم بإسلامه إجماعاً وإن كان في دار الإسلام. وكذا لو آجراه لمسلم مدّة تتصّل بالبلوغ ونحو ذلك.

وقال الشيخ في المبسوط : إنّه يتبع السابي(1): محتجّاً بأنّ هذا الطفل لا حكم له بنفسه، وليس هاهنا غير السابي فيحكم بإسلامه كما حكم بانتقاله بذلك من الحرّيّة إلى الرقّيّة. و اختاره الشهيد في الدروس(2).

وللأصحاب قول آخر أنّه يتبعه في الطهارة لا غير؛ لمكان الحرج.

وتظهر فائدة الخلاف في جواز عتقه عن الكفّارة إن اعتبرنا الإسلام، وفي لحوق أحكام المسلمين به من الصلاة عليه ودفنه على تقدير موته قبل البلوغ، وفي اشتراط إعرابه بالإسلام بعد البلوغ بغير فصل إن لم نحكم بإسلامه بالتبعيّة.

والأقوى الحكم بطهارته، وبقاء الشكّ في غيرها من أحكام الإسلام. وقد تقدّم البحث

في هذه المسألة مستوفى في كتاب الجهاد.(3)

قوله: «ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على تردّد» إلى آخره.

وجه التردّد من ارتفاع القلم عنه الموجب لسلب عبارته وتصرّفاته التي من جملتها الإسلام، ومن تمام عقل المميّز، واعتبار الشارع له في مثل الوصيّة والصدقة ففي الإسلام أولى، ولأنّ الإسلام يتعدّى من فعل الأب إليه على تقدير كون أحد أبويه مؤمناً، فمباشرته للإيمان مع عدم إيمان أبويه أقوى. والوجه عدم الحكم بإسلامه بذلك.

والقول بالتفرقة بينه وبين أبويه؛ حذراً من أن يستزلّاه عمّا عزم عليه من الإسلام حسن.

ص: 118


1- المبسوط ، ج 1، ص 560.
2- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 31 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
3- تقدّم في ج 2، ص 454 وما بعدها.
الوصف الثاني :السلامة من العيوب

الوصف الثاني : • السلامة من العيوب

فلا يجزئ الأعمى، ولا الأجذم، ولا المقعد، ولا المنكَّل به؛ لتحقّق العتق بحصول هذه الأسباب.

ويجزئ مع غير ذلك من العيوب، كالأصمّ والأخرس، ومن قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه. ولو قطعت رجلاه لم يجزئ؛ لتحقّق الإقعاد.

وينبغي القول بتبعيّته حينئذٍ للمسلم في الطهارة إن لم نقل بقبول إسلامه؛ حذراً من الحرج والضرر اللاحقين بمن يحفظه من المسلمين إلى أن يبلغ؛ إذ لو بقي محكوماً بنجاسته لم يرغب في أخذه، لاقتضائه المباشرة غالباً، وليس للقائلين بطهارة المسبيّ دليل أوجبها

بخصوصها دون باقي أحكام الإسلام سوى ما ذكرناه ونحوه.

قوله: «السلامة من العيوب فلا يجزئ الأعمى ولا الأجذم - إلى قوله - لتحقّق الإقعاد». العيوب الكائنة بالمملوك إن كانت موجبة لعتقه، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل من مولاه، فلا اشتباه في عدم إجزائه في الكفّارة؛ لسبق الحكم بعتقه على إعتاقه لها، وإلّا فإن لم تُنقّص ماليّته ولا تخلّ باكتسابه، كقطع بعض أنامله ونقصان إصبع من أصابعه ونحو ذلك.فلا خلاف في كونه مجزئاً. وإن أوجبت نقص الماليّة وأخلّت بالاكتساب وأضرّت به ضرراً بيّناً - كقطع اليدين أو إحداهما - فالأظهر عندنا أنّه لا يمنع؛ لعموم قوله تعالى:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(1) الشامل للناقصة والتامّة.

وقال ابن الجنيد:«لا يجزئ الناقص في خلقه ببطلان الجارحة إذا لم يكن في البدن سواها، كالخصيّ والأصمّ والأخرس وإن كان أشلّ من يد واحدة أو أقطع منها جاز»(2)

ص: 119


1- النساء (4): 92.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 264، المسألة 91.

. ويجزئ ولد الزنى. ومنعه قوم؛ استسلافاً لوصفه بالكفر، أو لقصوره عن صفة الإيمان. وهو ضعيف.

وقال الشيخ في المبسوط : فأمّا مقطوع اليدين والرجلين، أو اليد والرجل من جانب

واحد، فإنّه لا يجزئ بلا خلاف(1).

وقال بعد ذلك - وبعد تفصيل مذاهب الناس في ذلك :

والذي نقوله في هذا الباب: إنّ الآفات التي ينعتق بها لا يجزئ معها، فأمّا من عدا هؤلاء

فالظاهر أنّه يجزئه(2)

وهذا موافق لما ذكرناه، لكنّه يخالف ما ذكره سابقاً.

قوله:«ويجزئ ولد الزني، ومنعه قوم؛ استسلافاً لوصفه بالكفر» إلى آخره.

الأصحّ أن ولد الزني كغيره من المكلّفين بالنسبة إلى الإسلام والإيمان، فإذا بلغ وأعرب

عن نفسه بالشهادتين فهو مسلم، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق، فيجزئ عتقه عن الكفّارة. وقال السيد المرتضى: لا يجزئ. واستدلّ عليه بإجماع الفرقة وبقوله تعالى: «وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ»، وهو يتناول ولد الزني(3).

وكذا منع منه ابن الجنيد؛ محتجّاً بالآية(4)

وجوابه: منع الإجماع ودلالة الآية، فإنّه مع إظهار الإسلام لا يُعدّ خبيثاً ، ولو سلّم فعتقه

لا یعدّ نفقةً كما أسلفناه.

وروى سعيد بن يسار عن الصادق علیه السلام:«لا بأس بأن يعتق ولد الزنى»(5)، وهو شامل للكفّارة وغيرها.

ص: 120


1- المبسوط، ج 4 ، ص 193.
2- المبسوط، ج 4 ، ص 194.
3- الانتصار، ص 367 المسألة 209؛ والآية في سورة البقرة (2): 267.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 264، المسألة 91.
5- الكافي، ج 6، ص 182، باب عتق ولد الزنى...، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 144، ح 3531؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 227، ح 816
الوصف الثالث أن يكون تامّ الملك
اشارة

فلا يجزئ المدبّر ما لم ينقض تدبيره. وقال في المبسوط والخلاف يجزئ. وهو أشبه.

هذا مع بلوغه وإظهاره الإسلام، أمّا قبل بلوغه ففي إجزائه نظر؛ إذ ليس مسلماً بنفسه، ولا تابعاً فيه لغيره ؛ لانتفائه عن الأبوين شرعاً وإن كان ولداً لهما لغةٌ ، والظاهر عدم إجزائه حينئذٍ.

نعم، هو طاهر إذا كان متولّداً من مسلمين وإن انتفى عنهما؛ لأصالة الطهارة، وكون

النجاسة متوقّفة على الحكم بكفره ولو تبعاً، وهو منفيّ على الأصحّ.

ولو كان متولّداً من كافرين ففى الحكم بنجاسته نظر، من عدم إلحاقه بهما حتّى يتبعهما

في النجاسة، ومن أنّه من أجزائهما لغةً وإن انتفى شرعاً.

ويقوى الإشكال لو تولّد من مسلم وكافر.

قوله: «أن يكون تامّ الملك فلا يجزئ المدبّر ما لم ينقض تدبيره» إلى آخره.

القول بعدم إجزاء عتق المدبّر ما لم ينقض تدبيره قبل العتق للشيخ في النهاية(1) وتلميذه القاضي(2) وابن الجنيد(3)؛ لحسنة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل يجعل لعبده العتق إن حدث به حدث، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفّارة يمين أو ظهار، أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟ قال: «لا»(4). ومثله موثّقة عبد الرحمن(5).

ص: 121


1- النهاية، ص 569.
2- المهذّب، ج 2، ص 414.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 267، المسألة 96.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 248 - 249 ، ح 900.
5- الفقيه، ج 3، ص 122 - 123 ، ح 3468؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 265، ح 967.

. ولا المكاتب المطلق إذا أدّى من كتابته شيئاً. ولو لم يؤدّ أو كان مشروطاً، قال في الخلاف: لا يجزئ. ولعلّه نظر إلى نقصان الرقّ؛ لتحقّق الكتابة وظاهر کلامه في النهاية أنّه يجزئ ولعلّه أشبه من حيث تحقّق الرقّ.

وقال الشيخ في كتابي الفروع(1) وابن إدريس(2) والمتأخّرون(3) : يجزئ، ويكون عنقه فسخاً للتدبير؛ لأنّه بمنزلة الوصيّة يبطلها التصرّف الناقل عن الملك ويقع صحيحاً كما مرّ في بابه(4)، وهذا هو الأشهر.

ويمكن حمل الرواية على من جعل ذلك بوجهٍ لازم، أو تحمل على الكراهة.

قوله: «ولا المكاتب المطلق إذا أدّى من كتابته شيئاً» إلى آخره.

يمكن توجيه عدم إجزاء عتقه أيضاً بأنّ الكتابة معاملة بين السيّد والمملوك، وهي لازمة من قبل السيّد على ما يأتي(5) مطلقاً، وقد خرج بها عن الملك خروجاً متزلزلاً ، حتّى قيل: إنّها بيع للعبد من نفسه(6). والأصل لزوم العقود، والآية تتضمّن الأمر بالوفاء بها(7). والعتق يستلزم الملك، وبقاؤه في المكاتب غير معلوم، ومن ثَمَّ لم تجب فطرته ولا نفقته، وانتفت عنه لوازم الملك من المنع من التصرّف وغيره وإن نهاه السيّد. والحجر عليه في بعض التصرّفات؛ مراعاةً لوفاء الدين لا يقتضي كونه باقياً في الرقّ. وعوده إليه على تقدير العجز أمر متجدّد، وقد بيّنا أن خروجه غير مستقرّ، فالقول بعدم الجواز متوجّه لذلك.

ص: 122


1- المبسوط، ج 4 ، ص 183 و 599؛ الخلاف ج 4، ص 545 ، المسألة 31.
2- السرائر، ج 3، ص 73.
3- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ، ج 2، ص 264؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 377؛و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 88؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 403.
4- مرّ في ج 5، ص 272 - 273.
5- يأتي في ص 443.
6- قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص318؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 26.
7- المائدة (5): 1.
یجزئ الآبق و المستولد

. ويجزئ الآبق إذا لم يعلم موته.

نعم، يمكن توجيه الجواز من حيث إنّ تعجيل عتقه محض الإحسان إليه، وتحريره المحض متوقّف على أداء المال، فهو متردّد بين الأمرين.

ولا يرد أنّ الأمر منحصر في الرقّيّة أو الحرّيّة؛ لأنّ المدّعى وجود الحرّيّة المتزلزلة فيه، و فيها معنى الحرّيّة من وجه والرقّيّة من آخر، وهى إلى الأوّل أقرب.

وبالجملة، فالحكم موضع التردّد إن لم ترجّح جانب المنع، وقد مال إليه في المختلف(1).

والأقوى صحّة عتقه ما لم يتحرّر منه شيء؛ استصحاباً لحكم الرقّيّة إلى أن يثبت المزيل، ولا ثبوت قبل أداء المطلق شيئاً من مال الكتابة أو كونه مشروطاً، فحكم الرقّ مستصحب، و لجواز التبرّع بعتقه اتفاقاً، وذلك دليل بقاء الرقّيّة. وثبوت المعاملة ووجوب الوفاء بها مسلّم لكن لا يقتضي خروجه عن الرقّيّة. وكونها بيعاً للمملوك من نفسه غير صحيح عندنا كما سيأتي(2).

قوله: «ويجزئ الآبق إذا لم يعلم موته».

الأصالة بقائه حيّاً، ومن ثَمَّ وجبت فطرته، ويستمرّ حكم الرقّ إلى أن ينقطع خبره و يمضي عليه مدّةً لا يعيش إليها عادةً.

ويؤيّده رواية أبي هاشم الجعفري - في الحَسَن - قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل قد أبق منه مملوكه يجوز أن يعتقه في كفّارة الظهار؟ قال: «لا بأس به ما لم يعرف منه موتاً»(3).

واستوجه في المختلف الرجوع فيه إلى الظنّ، فیصحّ عتقه مع ظنّ حياته، ويبطل مع ظنّ وفاته أو اشتباه الحال(4). ومختار المصنّف أصحّ.

ص: 123


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 100 ، المسألة 48 وص 139، المسألة 98.
2- يأتي في ص 430 وما بعدها.
3- الكافي، ج 6، ص 199 - 200، باب الإباق، ح3؛ الفقيه، ج 3، ص 144، ح 3530؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 247، ح 890.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 432، المسألة 85.

و كذلك تجزئ المستولدة؛ لتحقّق رقّيّتها.

و قال بعض الشافعيّة: لا یصحّ عتقه عن الكفّارة مطلقاً، لنقصان الملك(1) . وهو ممنوع. و المغصوب كالآبق.

قوله: «وكذلك تجزئ المستولدة؛ لتحقّق رقيّتّها».

المشهور بين الأصحاب جواز عتق أُمّ الولد في الكفّارة كما يجوز عتقها تبرّعاً؛ لبقاء الملك وإن امتنع بيعها على بعض الوجوه، فإنّ عدم جواز البيع لا يقتضي زوال الملك، و لجواز بيعها على بعض الوجوه.

وفي بعض الأخبار عن زين العابدين علیه السلام : «أُمّ الولد تجزئ في الظهار»(2) . وهو شاهد.

ومنع منه بعض الأصحاب(3) ، وهو مذهب بعض العامّة(4) ؛ لنقصان الرقّ باستحقاقها العتق لجهة الاستيلاد. وهو ممنوع، فإنّها إنما تستحقّ العتق بعد الموت لا مطلقاً، وإنّما الثابت في حياة المولى المنع من التصرّف بما يوجب نقل الملك، وتنجيز العتق إحسان محض وتعجيل لما تشبّثت به وأهّلها الشارع له.

هذا إذا أعتقها المولى عن كفّارته. أما عتقها عن كفّارة غيره، إمّا بأن يبيعها لتعتق عن الكفّارة، أو بمجرّد أمر مَنْ عليه الكفّارة للمالك بالعتق، ففي الصحّة إشكال آخر من حيث نقلها عن ملك المولى قبل العتق حقيقةً أو ضمناً، وهو ممتنع. وفيه وجه بالجواز من حيث استلزامه تعجيل العتق. وقد تقدّم الكلام فيه(5)، وسيأتي(6) أيضاً

ص: 124


1- راجع المجموع شرح المهذّب، ج 11، ص 330.
2- الفقيه، ج 3، ص 535 ، ح 4853؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 319، ح 1185.
3- هو ابن الجنيد على ما حكاه عنه السيوري في التنقيح الرائع ، ج 3، ص 404؛ وراجع المهذّب ، ج 2، ص 415.
4- الحاوي الكبير، ج 10، ص 472؛ حلية العلماء، ج 7، ص187؛ روضة الطالبين، ج 6، ص261.
5- تقدّم في ص 123.
6- يأتي في ص 131.

• ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين لم يجزئ؛ إذ لا يسمّى ذلك نسمة.

ولو أعتق شقصاً من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه، فإن نوى الكفّارة وهو موسر أجزأ إن قلنا: إنّه ينعتق بنفس إعتاق الشقص وإن قلنا: لا ينعتق إلّا بأداء قيمة حصّة الشريك فهل يجزئ عند أدائها؟ قيل : نعم؛ لتحقّق عتق الرقبة وفيه تردّد، منشوه تحقّق عتق الشقص أخيراً بسبب بذل العوض لا بالإعتاق.

ولو كان معسراً صحّ العتق في نصيبه، ولا يجزئ عن الكفّارة ولو أيسر بعد.

قوله: «ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين لم يجزئ؛ إذ لا يسمّى ذلك نسمة».

المأمور به في الكفّارة تحرير رقبة، وهي حقيقة في الواحدة الكاملة، فلو أعتق نصفي مملوكين لم يجزئ؛ لعدم صدق اسم الرقبة.

وقال بعض العامّة:يجزئ، تنزيلاً للأشقاص منزلة الأشخاص، ولذلك تجب الزكاة على من ملك نصف ثمانين شاة(1)

ولهم قول آخر: إنّ باقي العبدين إن كان حرّاً أجزاً وإلّا فلا(2).

والفرق أنّه إذا كان الباقي حرّاً أفاد الإعتاقُ الاستقلالَ والتخلّص من الرقّ، وهو مقصود من الإعتاق.

وكذا القول فيما لو أعتق ثلثاً من واحد وثلثين من آخر.

قوله: «ولو أعتق شقصاً من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه - إلى قوله - لتحقّق عتق الرقبة».

إذا أعتق الموسر نصيبه من العبد المشترك سرى إلى نصيب صاحبه. وهل تحصل

ص: 125


1- الحاوي الكبير، ج 10، ص 485؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 11، ص 281، المسألة 8063؛ روضة الطالبين، ج6، ص 263.
2- الحاوي الكبير، ج 10، ص 485؛ روضة الطالبين، ج 6 ، ص 263.

ذلك؛ لاستقرار الرقّ في نصيب الشريك. ولو ملك النصيب، فنوى إعتاقه عن الكفّارة صحّ وإن تفرّق العتق؛ لتحقّق عتق الرقبة.

السراية بنفس اللفظ، أو بأداء القيمة، أو يتوقّف فإذا أدّى القيمة تبيّن حصول العتق من وقت اللفظ ؟ أوجه تأتى إن شاء الله تعالى.

و على الأوجه يتفرّع إعتاق العبد المذكور عن الكفّارة، فالمشهور بين الأصحاب صحّته إذا نوى عتقه عن الكفّارة، أما في نصيبه فظاهر، وأمّا في الباقي؛ فلأنّ سبب استحقاق عتقه إعتاق نصيبه، وقد اقترنت به نيّة الكفّارة، والعتق في الباقي يتبع العتق في نصيبه، فكما يتبعه في أصل العتق جاز أن يتبعه في الوقوع عن الكفّارة.

ولا فرق في الإجزاء على هذا بين أن يوجّه العتق على جميع العبد وبين أن يوجّهه على نصيبه؛ لحصول العتق بالسراية في الحالتين.

ويحتمل قويّاً اشتراط نيّة العتق لجميع؛ لأنّه مأمور بإعتاق رقبة بالنيّة، فلا يكفي نیّة نصيبه وإن تبعه الباقي بحكم الشرع، فإنّ ذلك غير كافٍ في صرفه إلى الكفّارة.

هذا إذا قلنا بالسراية عند اللفظ أو بالوقف و أدّى القيمة.

وإن قلنا: إنّ العتق إنّما يحصل بأداء القيمة ففي الإجزاء وجهان، تردّد فيهما المصنّف، من تحقّق عتق الرقبة الذي هو مقصود الشارع، ومن منع كون المقصود عتقها مطلقاً بل عن الكفّارة، وعتق الباقي إنّما حصل بسبب بذل العوض لا بسبب الكفّارة.

وعلى تقدير الإجزاء فهل تكفي النیّة الأُولى لنصيب الشريك، أم يحتاج إلى تجديد النیّة عند الأداء؟ وجهان:

أحدهما - واختاره في المبسوط(1) - أنه تكفي نيّته عند اللفظ؛ لأنّ النیّة اقترنت بالعتق، إلّا أنّ العتق حصل على ترتّب وتدرّج.

والثاني : أنّه لا بُدّ من التجديد لتقترن النیّة بعتق نصيب الشريك كما اقترنت بعتق نصيبه.

ص: 126


1- المبسوط، ج 4، ص 186.

...

ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفّارة، ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها أجزاً أيضاً؛ لاقتران النیّة بحالة حصول العتق.

هذا إذا كان موسراً، فأمّا المعسر فإنّ عتقه يوجد في نصيبه ولا يسري إلى نصيب شريكه، فإن ملك بعد ذلك مالاً وأيسر لم ينفذ العتق فيه؛ لأنّ الرقّ قد استقرّ فيه للشريك فلا يجوز إزالته بعد استقراره، لكن إن ملكه وأعتقه ابتداءً أجزاً؛ لأنّ عتق الرقبة قد حصل وإن كان متفرّقاً.

ومنع ابن الجنيد من إجزاء هذا العتق عن الكفّارة؛ لأنّ عتق السراية حصل بغير قصده بل بالسنّة عليه(1)، ويصدق أن يقال: ما أعتق جميع العبد، وإنّما أعتق نصيبه وعُتق عليه الباقي بحكم الشرع. وهذا قول موجّه، إلّا أنّ الأشهر الإجزاء.

واعلم أنّه يفرّق بين هذه المسألة وبين السابقة - على القول بإجزاء العتق بالسراية عن الكفّارة، مع أنّ إعتاقه لنصفي العبدين أبلغ من عتق النصف الواحد وقد حكم بإجزائه - أنّ من شرط الإجزاء أن ينوي عتق الجميع عن الكفّارة كما بيّناه، أو ينوي عتق نصيبه ويطلق؛ ليسري العتق على الباقي ويتبع ما نواه على الوجه الآخر، والأمران منفيّان في السابقة، فإنّه بنیّة عتق النصفين من الاثنين عن كفّارةٍ واحدةٍ قد صرّح بعدم إرادة عتق الباقي من العبد الواحد عن الكفّارة على تقدير السراية، ونيّة العدم صرفت الشقص الخارج عن عتقه للكفّارة فلم يقع مجزئاً عنها لذلك، ولو كان قد نوى عتق الشقصين عن كفّارتين جاءت المسألة الثانیّة بأسرها، وصحّ عتقهما عن الكفّارة، وسرى إليهما على ما فصّل.

وفي معنى عتق ما يملكه من العبد عن الكفّارة مع يساره لو أعتق بعض عبد يملكه بأسره عن الكفّارة، فإنّه يسري إلى الجميع، ويجزئه إذا نوى ذلك أو لم ينو ما ينافي الكفّارة.

ص: 127


1- ا حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 267، المسألة 96.

.ولو أعتق المرهون لم یصحّ ما لم يجزئ المرتهن. وقال الشيخ: یصحّ مطلقاً إن كان موسراً، و يكلّف أداء المال إن كان حالّاً أو رهناً بدله إن كان مؤجّلاً. و هو بعيد.

.ولو قتل عمداً فأعتقه في الكفّارة فللشيخ قولان والأشبه المنع.

وإن قتل خطأ قال فى المبسوط: لم يجزئ عتقه؛ لتعلّق حقّ المجنيّ عليه برقبته. وفي النهاية: یصحّ ويضمن السيّد دية المقتول وهو حسن.

قوله:« ولو أعتق المرهون لم یصحّ ما لم يجزئ المرتهن إلى آخره. وجه البعد أنّ الراهن ممنوع من التصرّف في المرهون بالإجماع، فإخراج هذا الفرد من التصرّف تحكّم، وعموم قوله علیه السلام :«الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف»(1)يشمله.

نعم، لو أجازه المرتهن نفذ؛ لأنّ المنع كان لحقه، فإذا أجاز زال المانع وصادف وقوع العتق من أهله.

واستند الشيخ في صحّة العتق إلى عموم قوله تعالى:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(2)، وأنّ الراهن مالك لها، وهو مع يساره واجد فيتناوله العموم(3). وهو ممنوع.

قوله:«ولو قتل عمداً فأعتقه في الكفّارة فللشيخ قولان. والأشبه المنع» إلى آخره.

قد اختلف كلام الشيخ في هذه المسألة اختلافاً فاحشاً؛ لأنّه في الخلاف منع من صحّة عتق الجاني عمداً، وجوّز عتقه إذا كانت الجناية خطأ، واستدلّ على ذلك بإجماع الفرقة(4).

ص: 128


1- أورده العلاّمة فی مختلف الشیعة، ج5، ص439، امسألة 70؛ و النوري في مستدرک الوسائل، ج13، ص426، ح6
2- النساء(4): 92؛ المائدة(5): 89؛ المجادلة(58): 3.
3- الخلاف، ج4، ص545-546، المسألة 32.
4- الخلاف، ج4، ص 546، المسألة 33.

.ولو أعتق عنه معتِق بمسألته صحّ، ولم يكن له عوض. فإن شرط عوضاً،

كأن يقول له: [أعتق] وعليّ عشرة، صحّ ولزمه العوض.

ولو تبرّع بالعتق عنه قال الشيخ: نفذ العتق عن المعتِق دون من أعتق عنه، سواء كان المعتَق عنه حيّاً أو ميّتاً.

ولو أعتق الوارث عن الميّت من ماله - لا من مال الميّت - قال الشيخ یصحّ. و الوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز.

و عكس في المبسوط وقال:

الذي يقتضيه مذهبنا أنّه إن كان عامداً نفذ العتق؛ لأنّ القود لا يبطل بكونه حرّاً، وإن كان

خطاً لا ينفذ؛ لأنّه يتعلّق برقبته، والسيّد بالخيار بين أن يفديه أو يسلّمه(1).

والمصنّف اختار مذهبه في الخلاف، وهو صحّة العتق مع كون الجناية خطأ(2)، وبطلانه مع العمد ؛ لأنّه مع العمد يكون التخيير إلى أولياء المقتول، إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه، وصحّة عتقه تستلزم إبطال ذلك، أمّا الخطأ فالخيار إلى المولى، إن شاء افتكّه بالأرش أو القيمة على الخلاف، وإن شاء دفعه إلى أولياء المقتول، فإذا أعتقه يكون قد اختار الافتكاك. لكن هذا يتمّ مع يساره ، فلو كان معسراً لم ينفذ عتقه؛ لتضرّر أولياء المقتول به وإسقاط حقّهم منه.

والأقوى صحّته مع الخطا والعمد؛ مراعى بفكّه له في الخطإ، واختيار أولياء المقتول

الفداء في العمد، وبذله له أو عفوهم عن الجناية.

قوله: «ولو أعتق عنه معتِق بمسألته صحّ» إلى آخره.

إذا وجب على شخص كفّارة تتأدى بالعتق فأعتق عنه غيره بنیّة الكفّارة، فإن كان ذلك بمسألة من عليه الكفّارة صحّ، سواء شرط له عوضاً كقوله: «أعتق عبدك عن كفّارتي ولك

عليّ عشرة دنانير» أم لم يشترط بأن قال له: «أعتق عبدك عن كفّارتي» ففعل. ووجه الصحّة في الموضعين أنّ المعتِق كالنائب عن الآمر على التقديرين، وكالوكيل عنه

ص: 129


1- المبسوط، ج 4، ص 184.
2- وهو قوله في النهاية أيضاً كما نقله عنه الماتن وحسّنه. راجع النهاية، ص 753.

...

في الإعتاق، فيكون الأمر كأنه أعتق الرقبة عن الكفّارة، فيدخل في عموم:«فَتَحْرِيرُ رقَبَةٍ»(1)، ولا مانع من ذلك إلّا عدم كونه مالكاً لها، ولكن سيأتي أنّ الملك ينتقل إليه على وجه لیصحّ العتق(2).

وإن تبرّع المعتق عنه من غير سؤاله قال الشيخ في المبسوط :

صحّ العتق عن المعتق دون من أعتق عنه، سواء كان المعتق عنه حيّاً أو ميّتاً إن لم يكن المعتِق وارثاً، فإن كان وارثاً صحّ عتقه عن الميّت وإن لم يكن من مال الميّت(3).

وفرّق بين الوارث والأجنبي بأنّ الوارث مخاطب بأداء الحقوق الواجبة على المورّث، وله التخيير في جهات القضاء، وقائم مقامه في قبول قوله فيما كان يقبل قوله فيه، وفي تعيين الوصيّة المبهمة والمطلقة على وجه، مع تكليفه بما عليه من الصلاة والصوم بخلاف الأجنبي. ولا يخفى عليك أنّ هذه الفروق خارجة عن موضع الفرض، ولا يقتضي عموم الولاية؛ لأنّ الفرض كونه غير وصيّ، ومن ثَمَّ قال المصنّف (رحمه الله): «الوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز»؛ لأنّ التبرّع حاصل من كلّ واحد منهما؛ لما ذكرناه من أنّ الفرض كونه غير وصيٍّ، ولا يلزم من قيامه مقامه في بعض الأحكام قيامه في غيره. وحينئذٍ فإمّا أن يمنع من الإجزاء فيهما؛ نظراً إلى وقوع العتق من غير مالك، ولا من هو في حكمه كالوكيل والمأمور، ولا عتق إلّا في ملك، أو صحّته فيهما التفاتاً إلى أن المتبرّع نوى العنق عن ذي الكفّارة فيقع عنه؛ لعموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«إنّما الأعمال بالنيّات»(4)، ولأنّه لو لم يقع عنه ما وقع أصلاً، أمّا عن المعتق؛ فلأنّه لم ينوه عن نفسه ولا عمل إلا بنیّة، وأمّا عن الآخر؛ فلأنّه الفرض ولأنّه جار مجرى قضاء الدين الجائز تبرّعاً من الأجنبي والوارث ودين الله

ص: 130


1- النساء(4): 92؛ المائدة(5): 89؛ المجادلة(58): 3.
2- يأتي بُعَيد هذا.
3- المبسوط، ج 4 ، ص 187 - 188.
4- تهذيب الأحكام، ج 1 ص 83، ح 218؛ و ج 4، ص 186، ح 519.

. وإذا قال: «أعتق عبدك عنّى» فقال: أعتقت عنك، فقد وقع الاتّفاق على الإجزاء. ولكن متى ينتقل إلى الآمر ؟ قال الشيخ (رحمه الله): ينتقل بعد قول المعتِق : «أعتقت عنك»، ثمّ ينعتق بعده. وهو تحكّم. والوجه الاقتصار على الثمرة، وهو صحّة العتق وبراءة ذمّة الآمر، وما عداه تخمين.

أحقّ أن يقضى، وتوقّف العتق على الملك يندفع بالملك الضمني كما قيل به مع السؤال.

والمصنّف (رحمه الله) لم يرجّح أحد الأمرين، وإنّما منع الفرق.و الوجه الإجزاء عن الميّت مطلقاً. وفي وقوعه عن الحيّ نظر، وإن كان الوقوع لا يخلو من قوّة.

قوله: «وإذا قال: أعتق عبدك عنّي، فقال: أعتقت عنك» إلى آخره.

إذا قال له: «أعتق عبدك عنّي» ففعل، وقع العتق عن الآمر بغير خلاف ممّن يعتدّ به، ولا بُدَّ من الحكم بدخوله في ملك المعتَق عنه، لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا عتق إلّا في ملك»(1). وقد اختلف العلماء في وقت دخوله، وذكروا فيه وجوها:

أحدها: أنّ الملك يحصل عقيب الفراغ من لفظ الإعتاق على الاتصال.

وفيه: أنّه يستلزم تأخّر العتق عن الإعتاق بقدر ما يتوسّطهما الملك.

واعتذروا عنه بأنّ تأخّر العتق عن الإعتاق بسبب أنّه إعتاق عن الغير، ومثله واقع في قوله:« أعتقت عبدي عنك بكذا» فإنّ عتقه يتوقّف على قبول المعتَق عنه، ويلزم منه تأخّر العتق عن الإعتاق

والمصنّف (رحمه الله) نسب هذا القول إلى التحكّم؛ لأنّ الدليل الدالّ على صحّة هذا العتق إن سلّم دلالته على انتقال الملك فليس فيه توقيت له، فتخصيصه بهذا الوقت تحكّم.

وثانيها: أنّه يحصل الملك بشروعه في لفظ «الإعتاق»، ويعتق إذا تمَّ اللفظ بمجموع الصيغة، فالجزء علّة للعتق وهو ملك الآمر، والکلّ سبب لزوال ملكه عنه بالإعتاق. وهو

ص: 131


1- الكافي، ج 1، ص 179، باب أنّه لا عتق إلّا بعد ملك، ح 1 و 2؛ الفقيه، ج 3، ص 116 ، ح 3448؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 773 و 774؛ الاستبصار، ج 4، ص 5. ح 14 و 15 ، بتفاوت يسير.

. ومثله إذا قال له: «كل هذا الطعام»، فقد اختلفوا أيضاً في الوقت الذي يملكه الآكل. والوجه عندي أنّه يكون إباحةً للتناول، ولا ينتقل إلى ملك الآكل.

قول المفيد(1) والعلّامة(2) وولده فخر الدين(3) .

وفيه أنّه يستلزم صيرورته ملكاً للآمر قبل تمام الصيغة، فلو فرض تركه إكمالها خرج عن ملكه ولم يقع العتق.

وثالثها: أنّه يحصل الملك للمستدعي بالاستدعاء، ويعتق عليه إذا تلفّظ المالك بالإعتاق.

ويرد عليه ما ورد على السابق وزيادة.

ورابعها: أنّه يحصل الملك والعتق معاً عند تمام الإعتاق.

وفي هذا سلامة عن المحذور السابق، إلّا أنّ اشتراط وقوع العتق في ملك يقتضي تقدّم الملك على العتق فلا يتمّ وقوعهما معاً في وقت واحد عند تمام لفظ العتق.

وخامسها: أنّه يحصل بالأمر المقترن بصيغة العتق، فيكون تمام الصيغة كاشفاً عن سبق الملك عليها، وعدم إيقاعها بعد الاستدعاء أو قطعها أو وقوع خلل فيها دالّاً على عدم حصول الملك بالأمر؛ لعدم حصول ما يعتبر في صحّته وهو اقترانه بالأمر بالعتق.

وفيه: أنّ الاقتران المذكور يكون شرطاً في سبق الملك، ولا يتحقّق الاقتران إلّا بتمام صيغة العتق، فيلزم تأخّر الملك عن الإعتاق، وإلّا لتأخّر الشرط عن المشروط.

ولأجل هذه الإشكالات ونحوها قال المصنّف (رحمه الله) - ونعم ما قال : إنّ الوجه الاقتصار على الثمرة، وهو صحّة العتق عن الآمر وبراءة ذمّته من الكفّارة، ولا يجب البحث عن وقت انتقال الملك إليه؛ فإنّ ذلك تخمين لا يرجع إلى دليل صالح.

قوله: «ومثله إذا قال له:كل هذا الطعام» إلى آخره.

ص: 132


1- لم نعثر عليه في كتبه، نعم، نسبه إليه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 91.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 299.
3- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 90 - 91.
شروط الإعتاق
اشارة

و يشترط في الإعتاق شروط:

الشرط الأوّل: النيّة معتبرة في الإعتاق

الأوّل: • النيّة؛ لأنّه عبادة يحتمل وجوهاً، فلا يختصّ بأحدها إلّا بالنیّة. ولا بدّ من نیّة القربة، فلا یصحّ العتق من الكافر، ذميّاً كان أو حربيّاً أو مرتدّاً؛ لتعذر نيّة القربة في حقّه.

هذه المسألة تشبه السابقة في اشتباه وقت انتقال الملك إلى الآكل. فقيل: إنّه ينتقل إلى ملك المأذون له في الأكل بتناوله بيده(1). وقيل: بوضعه في فيه. وقيل: بازدراد اللقمة(2). واتّفق الكلّ على أنّه لا يملك بوضعه بين يديه.

ويتفرّع على الأقوال جواز إطعامه لغيره على الأوّل لا على الباقي. ولا فرق في ذلك بين الإذن صريحاً كما ذكره المصنّف، وبقرائن الأحوال كوضع الطعام بين يدي الضيف.

والأقوى ما اختاره المصنّف، من أنّ المأذون لا يملكه مطلقاً، وإنّما يستبيح الأكل بالإذن؛ الملك على مالكه، وعدم حصول شيء من الأسباب الناقلة عنه شرعاً، بل هو إباحة محضة من غير تمليك، لكنّها مختصّة بالنوع المأذون فيه لفظاً أو بقرينة الحال. فيرجع في تلقيم الضيفان بعضهم بعضاً، ووضع شيء منه بين يديه، وإطعام غيرهم من السائل والهرّ وغيرهما، إلى الاذن المستفادة من اللفظ أو القرينة، ومع الشكّ يحرم التصرّف بغير الأكل مطلقاً؛ عملاً بالمتيقّن من الإباحة، وللنهي عن أكل مال الناس بالباطل(3). و مثله القول في أخذ شيء منه للمأذون له في الأكل لغلامه أو ليأكله في وقت آخر.

قوله: «النيّة؛ لأنّه عبادة يحتمل وجوهاً، فلا يختصّ بأحدها إلّا بالنیّة» إلى آخره.

النیّة معتبرة في الكفّارة؛ لأنّها عبادة تقع على وجوه مختلفة، فلا يتميّز المقصود منها إلّا بالنیّة؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إنما الأعمال بالنيات»(4).

ص: 133


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 188 - 189.
2- قاله العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 270، المسألة 98.
3- النساء (4): 29.
4- تقدّم تخريجه في ص 130، الهامش 4.

...

ويعتبر فيها نیّة القربة؛ لقوله تعالى:«وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(1)

وهذا هو القدر المتّفق عليه منها، وسيأتي الخلاف في اشتراط نیّة التعيين وعدمه(2).ويتحصّل من ذلك أنّ المعتبر نیّة العتق عن الكفّارة تقرّباً إلى الله تعالى.

ومقتضى العبارة أنّ نیّة الوجوب غير معتبرة فيه، إمّا لأنّه لا يقع عن الكفّارة إلّا واجباً فلا يفتقر إلى التمييز به، أو لأنّ نیّة الوجه لا دليل على اعتبارها في مطلق العبادات، وما تقدّم من ثبوته في تلك الكفّارات المختلف فيها على وجه الاستحباب يحصّل المراد بالتعيين إن اعتبرناه(3)، وإلّا اعتبر ذكر ما يميّز الواجب عن غيره وإن لم يجعل غايةً كغيره من العبادات.

إذا تقرّر ذلك فقد فرّع المصنّف (رحمه الله) على اعتبار نیّة القربة به أنّه لا یصحّ من الكافر، كتابيّاً كان أم غيره: محتجّاً بتعذّر نیّة القربة في حقّه.

وفيه نظر؛ لأنّه إن أراد بنیّة القربة المتعذّرة منه نيّة إيقاع الفعل طلباً للتقرّب إلى الله تعالى بواسطة نيل الثواب أو ما جرى مجرى ذلك، سواء حصل له ما نواه أم لا منعنا من تعذّر نيّة القربة من مطلق الكافر؛ لأنّ من اعترف منهم بالله تعالى وكان كفره بجحد نبوّة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أو غيره من الأنبياء أو بعض شرائع الإسلام يمكن منه هذا النوع من التقرّب، وإنّما يمتنع من الكافر المعطّل الذي لا يعترف بوجود الله تعالى، كالدهري وبعض عبدة الأصنام.

وإن أراد بها إيقاعه على وجه التقرّب إلى الله تعالى بحيث يستحقّ بها الثواب، طالبناه بدليل على اشتراط مثل ذلك، وعارضناه بعبادة المخالف من المسلمين وعتقه ؛ فإنّه لا يستتبع الثواب عنده مع صحّة عتقه. وفي صحّة عبادات غيره بحث قرّر في محلّه(4)؛

وبالجملة فكلامهم في هذا الباب مختلف غير منقّح؛ لأنّهم تارة يحكمون ببطلان عبادة

ص: 134


1- البيّنة (98): 5.
2- يأتي في ص 135.
3- تقدّم في ص 100 وما بعدها.
4- راجع ج 1، ص 375.

الكافر مطلقاً؛ استناداً إلى تعذر نیّة القربة منه ومقتضى ذلك إرادة المعنى الثاني ؛ لأنّ ذلك هو المتعذّر منه لا الأوّل، وتارة يجوّزون منه بعض العبادات كالعتق، وسيأتي تجويز جماعة من الأصحاب له منه(1) مع اشتراط القربة فيه؛ نظراً إلى ما ذكرناه من الوجه في الأوّل.

وقد وقع الخلاف بينهم في وقفه وصدقته وعتقه المتبرّع به، ونحو ذلك من التصرّفات الماليّة المعتبر فيها القربة. واتّفقوا على عدم صحّة العبادات البدنیّة منه؛ نظراً إلى أنّ المال يراعى فيه جانب المدفوع إليه ولو بفكّ الرقبة من الرقّ فيرجّح فيه جانب الغرامات، بخلاف العبادات البدنیّة، ومن ثَمَّ ذهب بعض العامّة إلى عدم اشتراط النیّة في العتق والإطعام واعتبرها في الصيام(2)، إلّا أنّ هذا الاعتبار غير منضبط عند الأصحاب كما أشرنا إليه. وسيأتي له في العتق زيادة بحث إن شاء الله(3).

ثمّ عُد إلى العبارة. واعلم أن قوله« ذمّيّاً كان الكافر أو حربيّاً أو مرتدّاً» لا يظهر للتسوية بين هذه الفرق مزيّة؛ لأنّ الكافر المقرّ بالله تعالى لا يفرّق فيه بين الذمّي والحربي وإن افترقا في الإقرار بالجزية، فإنّ ذلك أمر خارج عن هذا المطلوب. وإنّما حقّ التسوية بين أصناف الكفّار أن يقول: سواء كان مقرّاً بالله تعالى كالكتابي، أم جاحداً له كالوثني ؛ لأنّ ذلك هو موضع الإشكال ومحل الخلاف

وأما ما قاله بعضهم:«من أنّ الكافر مطلقاً لا يعرف الله تعالى على الوجه المعتبر، ولو عرفه لأقرّ بجميع رسله ودين الإسلام»(4)

فهو كلام بعيد عن التحقيق جدّاً، ولا ملازمة بين الأمرين، كما لا ملازمة بين معرفة

ص: 135


1- يأتي في ص 320.
2- الوجيز في فقه الشافعي، الغزالي، ج 2، ص 87 و 89.
3- يأتي في ص 320 وما بعدها.
4- لم نعثر على قائله.

ويعتبر نیّة التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على الأشبه.

ولو كانت الكفّارات من جنس واحد قال الشيخ: يجزئ نیّة التكفير مع القربة،ولا يفتقر إلى التعيين وفيه إشكال.

أمّا الصوم فالأشبه بالمذهب أنّه لا بدّ فيه من نیّة التعيين، ويجوز تجديدها إلى الزوال.

المسلم لله تعالى ومعرفة دين الحق من فرق الإسلام،«و كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون»(1).

قوله: «ويعتبر نیّة التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة - إلى قوله - تجديدها إلى الزوال».

إذا تعدّدت الكفّارات على واحدٍ، فإمّا أن يتّحد السبب جنساً - والمراد به هنا الحقيقة النوعيّة كما هو استعمال الفقهاء في نظائره - أو يتعدّد. وعلى تقدير تعدّدها فإمّا أن تتماثل الكفّارات ككفّارة قتل الخطإ والظهار، أو تختلف كإحدى الكفّارتين مع كفّارة اليمين وكفّارة رمضان على القول الأصحّ من أنّها مخيّرة.

فإن اختلفت الأسباب والمسبّبات قال الشيخ في الخلاف:«وجب التعيين؛ لقوله صلّی الله علیه وآله وسلّم : «إنّما الأعمال بالنيات»(2)، فما لم يحصل فيه النیّة لا يجزئ، ولأنّ الأصل شغل الذمّة ولا يقين ببراءتها مع الإطلاق، ولا متناع الصرف إليهما جميعاً، وللبعض ترجيح بلا مرجّح»(3)

وهذا هو الذي اختاره المصنّف وابن إدريس(4) .

وفي المبسوط اكتفى بالإطلاق مطلقاً(5)؛ لأصالة البراءة من اشتراطه وحصول الامتثال، وجاز انصرافه إلى واحدة لا بعينها، فيبقى في ذمّته أُخرى كذلك.

ص: 136


1- الروم (30): 32.
2- تقدّم تخريجه في ص 130، الهامش4.
3- الخلاف، ج 4، ص 549 - 550. المسألة 39.
4- السرائر، ج 2، ص 718؛ وج 3، ص 71.
5- المبسوط، ج 4، ص 594.

...

ويشكل بأنّه مع اختلافها حكماً - ككفّارة الظهار واليمين - إن تخيّر بعد العتق بين عتق آخر والإطعام كان العتق [الأوّل] منصرفاً إلى المرتّبة وهو خلاف الفرض، وإن تعيّن العتق ثانياً كان منصرفاً إلى المخيّرة وهو خلاف التقدير أيضاً.

ولأجل هذا الاشكال فصّل العلّامة في المختلف، فأوجب التعيين مع اختلاف الكفّارات حكماً لا مع اتّفاقها(1).

ويرد عليه ما لو كانت إحداهما كفّارة جمع والأخرى كفّارة مرتّبة، فإنّ حكمهما مختلف والمحذور مندفع؛ لأنّ العتق ثانياً متعيّن من غير المحذور المذكور، لاشتغال الذمّة بعتق معيّن ثانياً على کلّ تقدير، إلّا أن يجعل هذا من أفراد متّفق الحكم، من حيث اشتراكهما في تعيين العتق ابتداءً، لكنّه خلاف المفهوم من مختلف الحكم.

ويمكن اندفاع الإشكال بأنّ الشيخ صرّح في المبسوط بجواز التعيين بعد الإبهام،(2) فينصرف العتق إلى التي صرفه إليها كما لو عيّن في الابتداء، وبقي حكم الأخرى بحاله، فلا محذور حينئذٍ.

ويمكن دفعه أيضاً بالتزام تعيين العتق ثانياً على تقدير كون إحداهما مرتّبة والأخرى مخيّرة، ولا يلزم انصراف العتق أوّلاً إلى المخيّرة بل إلى كفّارة مطلقة ممّا في ذمّته، وتبقى أُخرى مطلقةً كذلك متردّدة بين المرتّبة والمخيّرة، فإذا اختار غير العتق لم يحصل براءة الذمّة ممّا هو متعلّق بها؛ لأنّه ليس مخيّراً، وإن اختار العتق برئت ذمّته على التقديرين، فتعيّن العتق لذلك لا لانصرافه إلى المخيّرة وإن شاركه في المعنى. وهذا كمن عليه كفّارة مشتبهة بين المخيّرة والمرتّبة، فإنّه يتعيّن عليه العتق لتيقّن براءة الذمة منهما، وإن لم يكن العتق متعيّناً عليه في نفس الأمر، بل من باب مقدّمة الواجب، لتوقّف البراءة عليه.

ص: 137


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 249، المسألة 79.
2- المبسوط ، ج 4. ص 594.

...

وإن تعدّدت الكفّارة واتّحد جنس سببها فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوب التعيين، بل قال الشهيد في الشرح:

إنّه لا يعرف لأحد من العلماء قولاً باشتراط التعيين والشيخ في الخلاف نقل الإجماع على عدم اشتراطه. لكنّ المصنّف هنا جعل فيه إشكالاً(1).

وكأنّ وجهه اشتراك الجميع فى أنّ كلّ واحدة عمل وکلّ عمل يفتقر إلى النیّة، فکلّ كفّارة تفتقر إلى النیّة.

وجوابه القول بالموجب، فإنّه إذا نوى الكفّارة مطلقاً فقد حصل العمل بنیّة، وبرئت الذمّة من واحدة مطلقة ممّا في الذمّة، وبقي الباقي كذلك. والذي يدلّ عليه الخبر(2) وجوب القصد إلى العمل، أمّا كونه مشخّصاً بجميع وجوهه فلا يدلّ عليه.

وهذا البحث كلّه إذا كفّر بالعتق وفي معناه التكفير بالإطعام والكسوة. وأمّا الصوم فقد قال المصنّف (رحمه الله): «إنّ الأشبه بالمذهب أنّه لا بدّ فيه من نیّة التعيين مطلقاً».

والفرق بينه وبين باقي الخصال أنّه من العبادات البدنیّة والأمر فيها أضيق، ولذلك لا يجزئ فيها التوكيل، بخلاف الماليّة. وبأنّ العبادات الماليّة نازعة إلى الغرامات فاكتفي فيها بأصل النیّة. وبأنّ العبادات البدنیّة مراتب متفاوتة، وما يتعلّق بها من النصب والتعب يختلف موقعه ووجوهه، فالمشقّة في صلاة الصبح - مثلاً - من وجه وفي صلاة الظهر من وجه آخر، لاختلاف الوقت وأعداد الركعات، بخلاف العتق فإنّه أمر واحد لا اختلاف فيه، فلم يحتجّ فيه إلى التعيين إمّامطلقاً أو على بعض الوجوه.

ص: 138


1- غاية المراد، ج 3، ص 334 - 335 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (3))؛ ولقول الشيخ راجع الخلاف، ج 4، ص 549 ، المسألة 38.
2- تقدّم تخريجه في ص 130، الهامش 4.

فروع على القول بعدم التعيين:

الأوّل: • لو أعتق عبداً عن إحدى كفّارتيه صحّ لتحقّق نيّة التكفير؛ إذ لا عبرة بالسبب مع اتّحاد الحكم.

وفي قول المصنّف «الأشبه بالمذهب أنّه لا بدّ من التعيين» إيماء إلى عدم تحقّق الوفاق عليه، وأنه محتمل للخلاف.

ووجه تعبيره بذلك أنّ ظاهر الشيخ في المبسوط اشتراك جميع خصال الكفّارات في جواز الإطلاق؛ لأنّه قال - بعد أن فرض المسألة في الكفّارات المتّحدة الجنس ككفّارات اليمين - : فإن أبهم النیّة فلم يعيّن بل نوى كفّارة مطلقاً أجزأه؛ لقوله تعالى:«فَكَفَّرَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ

مسكين »(1) ولم يفرّق.

ثم قال بعد ذلك:« فأمّا إذا كانت أجناساً، مثل: إن حنث وقتل وظاهر ووطئ في رمضان فالحكم فيها كلّها كما لو كان الجنس واحداً، فإنّه لا يفتقر إلى تعيين النیّة»(2)

وظاهر هذا عدم الفرق بين الصوم وغيره؛ فلذا قال المصنّف ما قال.

وباقي الأصحاب لم يتعرّضوا للبحث عن التعيين وعدمه إلّا في العتق، والظاهر أنّهم أحالوا الباقي عليه. وفي الحقيقة تلك الفروق لا تخلو من تكلّف، ولا توجب تعيّن نيّة التعيين مطلقاً، فلو قيل بمساواته لغيره من الخصال كما يظهر من إطلاق الشيخ كان حسناً.

واعلم أنّ قول المصنّف«ويجوز تجديدها إلى الزوال» يريد به في الجملة لا مطلقاً، وذلك مع نسيانها ليلاً، وفي ابتداء الصوم، بمعنى أنّه لو تجدّد عزمه على الشروع في صوم الكفّارة في أثناء النهار قبل الزوال صحّ.

قوله: «لو أعتق عبداً عن إحدى كفّارتيه صحّ، لتحقّق نیّة التكفير»إلى آخره.

المراد بالحكم المتّحد هنا وجوب العتق عن الكفّارة، سواء اختلفت مع ذلك في حكم

ص: 139


1- المائدة(5): 89.
2- المبسوط، ج 4، ص 594.

الثاني: • لو كان عليه كفّارات ثلاث متساوية في العتق والصوم والصدقة فأعتق ونوى القربة والتكفير، ثمّ عجز فصام شهرين متتابعين بنیّة القربة والتكفير، ثمّ عجز فأطعم ستّين مسكيناً كذلك، برئ من الثلاث ولو لم يعيّن.

الترتيب والتخيير أم لا؛ لأنّ ذلك متفرّع على قول الشيخ بعدم وجوب التعيين مطلقاً(1)، فتعيّن تفسير الحكم بما ذكرناه.

وأمّا الحكم الذي جعل في المختلف عدم وجوب التعيين مترتّباً على اتّحاده(2)، فالمراد به ما هو أخصّ من ذلك، وهو حكمها في الترتيب والتخيير، كما يرشد إليه مثاله وتعليله.

وحينئذٍ فإن كانتا مع اختلاف سببهما متّفقتين في الجمع أو الترتيب أو التخيير برئ من العتق عن إحداهما، ولزمه في الأوّل عتق رقبة أُخرى مطلقةً كذلك، فتبرأ ذمّته منهما وكذا في الثاني أو المركّب منهما. وأمّا الثالث فإنّه بالعتق يبرأ من إحدى الكفّارتين، ويتخيّر ثانياً بين فعل إحدى الخصال الثلاث مطلقةً، فيبرأ منهما.

ولو كانت إحداهما مرتّبةً والأخرى مخيّرةً برئت ذمّته من إحداهما أيضاً لا على التعيين، وتعيّن عليه العتق ثانياً عن إحداهما كذلك؛ لتوقّف البراءة ممّا(3) في ذمته المتردّد بين الأمرين عليه، إن لم يصرف ذلك المطلق الأوّل بعد العتق إلى واحدة معيّنة، وإلّا لزمه حكم الأخرى خاصّةً. ولو عجز ثانياً عن العتق تعيّن عليه الصوم، لما ذكرناه من العلّة في العتق.

قوله: «لو كان عليه كفّارات ثلاث متساوية في العتق والصوم و الصدقة» إلى آخره.

المراد بتساويها في الثلاثة تساويها حكماً كالترتيب وإن اختلفت سبباً؛ لأنّه متفرّع على عدم اشتراط التعيين مطلقاً. ويمكن أن يريد تساويها كمّيّة وإن اختلفت في الترتيب والتخيير. فلو اجتمع عليه كفّارة ظهار وقتل وإفطار رمضان فأعتق ونوى الكفّارة مطلقاً برئ من واحدة غير معيّنة إن لم يعيّنه بعد ذلك لأحدها، فإذا عجز عن العتق ثانياً فصام شهرين

ص: 140


1- المبسوط، ج 4، ص 594.
2- مختلف الشيعة، ج 8، ص 249 ، المسألة 79.
3- في «م»: «عمّا» بدل «ممّا».

الثالث: • لو كان عليه كفّارة ولم يدر أهي عن قتل أو ظهار؟ فأعتق ونوى القربة والتكفير أجزأه.

الرابع • لو شكّ بين نذر وظهار فنوى التكفير لم يجزئ ؛ لأنّ النذر لا يجزئ فيه نیّة التكفير. ولو نوى إبراء ذمّته من أيّهما كان جاز. ولو نوى العتق مطلقاً لم يجزئ؛ لأنّ احتمال إرادة التطوّع أظهر عند الإطلاق. وكذا لو نوى الوجوب؛ لأنّه قد يكون لا عن كفّارة.

متتابعين برئ من أخرى كذلك، فإذا عجز عن الصوم فأطعم ستّين مسكيناً برئ من الجميع.

واشترط العجز عن المرتبة السابقة؛ ليجري الحكم على المرتّبةو المخيّرة، فإنّ الثلاث إن كانت مرتّبة أو مجتمعة من الأمرين فاشتراط العجز في محلّه، وإن كانت کلّها مخيّرة وفعل الثلاث خصالٍ كما ذكر برئ من الثلاث وإن لم يكن حال فعل الصوم والإطعام عاجزاً عن السابق لكن فائدة القيد شمول الأقسام ولا يضرّ هنا أيضاً؛ لأنّ العجز لا يغيّر الحكم وإن لم يكن معتبراً.

وبقي من الأقسام ما لو اجتمع عليه ثلاث كفّارات جمع فأعتق ونوى الكفّارة مطلقاً، فإنّه يبرأ من عتق واحدة غير معيّنة، فإذا صام كذلك برئ من صوم واحدة كذلك، فإذا أطعم فكذلك. ثمّ إن لم يصرفه إلى واحدة معيّنة، وإلّا افتقر في بقيّة الخصال إلى الإطلاق.

قوله: «لو كان عليه كفّارة ولم يدر أهي عن قتل أو ظهار؟» إلى آخره.

لا إشكال في الإجزاء تفريعاً على القول بعدم وجوب التعيين كما فرضه المصنّف؛ لأنّ هذه النیّة مجزئة على هذا القول وإن علم بنوع الكفّارة فمع الجهل أولى. ولو اشترطنا التعيين مع العلم احتمل سقوطه مع الجهل كما في هذه الصورة، ووجوب الترديد بين الأمرين،

كالصلاة المشتبهة حيث وجب تعيينها ابتداءً فكذا مع الجهل، فتردّد النیّة بين المشكوك فيها. وهذا أولی.

قوله: «لو شكّ بين نذر وظهار فنوى التكفير لم يجزئ» إلى آخره. المعتبر من النیّة المطلقة حيث لا يجب التعيين نیّة يشترك فيها جميع ما في ذمّته من

ص: 141

الخامس . لو كان عليه كفّارتان وله عبدان فأعتقهما ونوى نصف كلّ واحد منهما عن كفّارة صحّ؛ لأنّ كلّ نصف تحرّر عن الكفّارة المرادة به وتحرّر الباقي عنها بالسراية. وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفّارة معيّنة صحّ؛ لأنّه ينعتق کلّه دفعةً.

الأمور المتعدّدة من كفّارات أو غيرها، فإذا علم أنّ في ذمّته عتق رقبة وشكّ بين كونها بسبب نذر - بأن نذر عتق رقبة - أو كفّارة ظهار، فالأمر الجامع بين الأمرين في النیّة أن ينوي أمراً يشترك فيه النذر والكفّارة، وهو أن ينوي العتق عمّا في ذمّته من النذر أو الكفّارة، ولو نوى به التكفير لم يجزئ؛ لاحتمال كون ما في ذمّته من العتق منذوراً والنذر لا يجزئ فيه نيّة التكفير، وبالعكس، بخلاف ما لو علم أنّه عن كفّارة واشتبهت بين ظهار - مثلاً - ويمين وقتل وغير ذلك، فإنّه إذا نوى التكفير أجزأ؛ لاشتراك الجميع فيه. وكذا لا يجزئ لو نوىالعتق مطلقاً وإن كان مشتركاً بين الأمرين؛ لأنّه ظاهر في إرادة التطوّع به، فلا بدّ من ضميمةٍ تدلّ على صرفه إلى ما في ذمّته كنيّة العتق الواجب عليه ونحوه.

ولو نوى به الوجوب مطلقاً، فقد قال المصنّف «إنّه لا يجزئ». معلّلاً بأنّ الوجوب قد يكون لا عن كفّارة فلا يجزئ عنها؛ لأنّ المعتبر نيّتها في الجملة وهي لا تتأدّى بالأعمّ، كما لو نوى العتق الواجب وفي ذمّته كفّارة محقّقة، فإنّه لا يجزئ بل لا بدّ من ضميمة كونه عن كفّارة.

وقال في القواعد: لو نوى العتق الواجب أجزأ(1). مع أنّه وافق على عدم إجزاء نيّة الوجوب، والفرق غير واضح.

قوله:«لو كان عليه كفّارتان وله عبدان فأعتقهما» إلى آخره.

إذا كان عليه كفّارتان وله عبدان، فأعتق نصف أحدهما عن كفّارة ونصف الآخر عن الأخرى صحّ، وسرى العتق إليهما، وانعتق كلّ واحدٍ عن الكفّارة التي نوى بها عتق نصفه مباشرةً. هذا إذا نوى بعتق النصف ذلك؛ لأنّه في قوّة نیّة عتق الجميع عن الكفّارة. أما لو نوى

ص: 142


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 301.

...

اختصاص النصف المعيّن المعتق مباشرةً بالكفّارة دون ما يحصل بالسراية لم یصحّ العتق عن الكفّارة مطلقاً، أمّا النصف الواقع مباشرةً فلعدم الاكتفاء به، وعدم إجزاء ضميمة الباقي من رقبة أُخرى؛ لعدم صدق الرقبة على النصفين، وأمّا المعتق بالسراية فلعدم نیّة الكفّارة به

بل نیّة عدمها.

ومثله ما لو لم يكن عليه إلّا كفّارة واحدة فأعتق نصف عبده عنها. وقد تقدّم البحث في ذلك(1)، وأنّ ابن الجنيد منع من صحّة العتق عن الكفّارة على هذا الوجه(2). وهو قول وجيه.

واعلم أنّ قول المصنّف «فأعتقهما ونوى نصف كلّ واحدٍ منهما عن كفّارة» يتبادر منه أو يشمل ما لو أعتقهما جميعاً ونوى في كلّ واحدٍ منهما بنصفه الواحد عن إحدى الكفّارتين والنصف الآخر عن الأُخرى. وفي الحكم بالصحّة على هذا التقدير إشكال؛ لأنّ العتق مباشرةً على هذا الوجه لا يقع عن الكفّارة، والسراية مشروطة بصحّة العتق في البعض، وليس أحد النصفين أولى بالصحّة من الآخر، وقد نوى في كلّ واحد من العبدين العتق عن کلّ واحد من الكفّارتين، فترجيح وقوع أحدٍ النصفين عن واحدةٍ دون الآخر ترجيح من غير مرجّح، وإذا لم يقع ذلك مباشرةً فأولى أن لا يقع سرايةً؛ لأنّها فرعه.

و الأولى تنزيل العبارة على ما ذكرناه سابقاً من نيّة العتق عن إحداهما بنصف أحدهما خاصّةً ونصف الآخر عن الأُخرى، من غير تعرّض لوقوع النصف الآخر من كلّ واحدٍ عن الأُخرى؛ لتحقّق السراية تبعاً للعتق مباشرة.

وعبارة القواعد في هذه المسألة أجود من عبارة المصنّف حيث قال:

لو كان عليه كفّارتان فأعتق نصف عبدٍ عن إحداهما ونصف الآخر عن الأُخرى صحّ، وسرى العتق إليهما(3).

ص: 143


1- تقدّم في ص 127.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 267، المسألة 96.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 301.

. أما لو اشترى أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه ونوى به التكفير، قال في المبسوط: يجزئ، وفي الخلاف لا يجزئ وهو أشبه؛ لأنّ نیّة العتق تؤثّر في ملك المعتق لا في ملك غيره، فالسراية سابقة على النيّة، فلا يصادف حصولها ملكاً.

قوله: «أمّا لو اشترى أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه ونوى به التكفير» إلى آخره.

هذه المسألة تشبه السابقة من حيث إنّ العتق يقع إجباريّاً، والنیّة عند سببه، وقد اختلف فيها كلام الشيخ، فالموجود في المبسوط في باب الكفّارات: عدم الإجزاء(1). وهو الذي صرّح به في الخلاف(2) أيضاً؛ لقوله تعالى:«فَتَحْرِير رَقَبَةٍ»(3)، والمفهوم منه فعل الحرّيّة بالاختيار وهنا الحرّيّة إجباريّة؛ ولأنّ النیّة معتبرة وهى هنا متعذّرة؛ لأنّها ليست قبل الملك؛ لاستحالة إيقاعها على ملك الغير، ولا بعده؛ لحصول العتق، ولا في حاله؛ إذ لا استقرار له. وبهذا يحصل الفرق بينها وبين ما سبق من عتق المملوك المشترك (4)؛ لأنّ النیّة في تلك صادفت ملكاً للبعض فأثّرت فيه وتبعه الباقي، بخلاف هذه، فإنّ الملك حال الشراء - الذي هو محلّ النیّة - منتفٍ عن المعتق، وبعده يحصل العتق.

ونقل المصنّف عن المبسوط الإجزاء(5)، واستدلّوا له بأنّ الملك سابق على السراية قطعاً كسبق العلّة على المعلول؛ لأنّ العتق مشروط بالملك، والسبب سابق على الملك، ضرورة سبق السبب على مسبّبه، والنیّة مقارنة للسبب، فالسراية لم تصادف إلّا عبداً معتقاً عن كفّارة فلا سراية(6). وحينئذٍ نمنع حصول العتق هنا إلّا عن الكفّارة؛ لأنّه إنّما ينعتق بالقرابة لو لم يوجد سبب أسبق، وقد وجد نیّة الكفّارة

ص: 144


1- المبسوط ، ج 4 ، ص 185.
2- الخلاف، ج 4، ص 547، المسألة 35.
3- المجادلة (58): 3.
4- سبق في ص 125 - 126.
5- راجع المبسوط، ج 4، ص 424 - 425.
6- في الحجريّتين زيادة «فيه».
الشرط الثاني: تجريده عن العوض.

• فلو قال لعبده: «أنت حرّ وعليك كذا» لم يجزئ عن الكفّارة؛ لأنّه قصد العوض.

وهذا متّجه لكن يشترط استصحاب النیّة فعلاً إلى عقد البيع؛ لتصادف الملك، وتصدق مقارنتها للسبب إلى حين الملك.

وما ذكروه من الفرق بين هذه وعتق المشترك أنّ النیّة إنّما أثّرت في المملوك، أمّا ما سرى إليه العتق من ملك الغير فلم يكن مملوكاً حال النیّة، وإنّما ترتّبت السراية على عتق البعض وحكم بملك المعتق له ضمناً قبل السراية، والأمر هنا كذلك، بل الملك هنا حقيقي لا ضمني؛ لأنّ الانعتاق مسبّب عن ملك القريب له فإذا قارنته النیّة فقد قارنت العتق واشتركا في مقارنتها للسبب.

وربما فرّق بين الأمرين بأنّ العتق بالنسبة إلى السراية إلى حصّة الشريك سبب فاعلي له، والشراء بالنسبة إلى عتق القريب سبب مُعدّ لا فاعلي؛ لأنّه يجعل المحلّ قابلاً لتأثير السبب(1) في العتق، والسبب الفاعلي فيه هو النسب، وفاعل قبول المحلّ لأثر يفعله غيره غير

فاعل لذلك الأثر، والمعتبر في العتق المطلوب في الكفّارة كون المعتق فاعلاً له كما مرّ.

وفيه نظر؛ لاشتراك الأمرين في أصل السببيّة التي لها مدخل في التأثير في العتق، والفاعل له حقيقةً هو الله تعالى، وإنّما هذه اعتبارات نصبها الله تعالى علامة لحكمته لا فاعلةً في الحكم، فإمّا أن یصحّ العتق عن الكفّارة فيهما؛ نظراً إلى السببيّة، أو لا فيهما؛ لعدم مباشرته للصيغة التي جعلها الشارع موجبةً للعتق بذاتها.

قوله: «فلو قال لعبده: «أنت حرّ وعليك كذا» لم يجزئ عن الكفّارة؛ لأنّه قصد العوض - إلى قوله - فلم يجزئ فيما بعده».

من شرائط صحّة العتق عن الكفّارة تمحّضه للقربة، وهو يستلزم تجريده عن اشتراط عوض على المملوك أو على غيره أو عليهما؛ لأنّ عتقه على العوض ينافي تمحّض

ص: 145


1- في «و» وإحدى الحجريّتين: «النسب» بدل «السبب».

ولو قال له قائل: «أعتق مملوكك عن كفّارتك ولك علىّ كذا» فأعتقه لم يجزئ عن الكفّارة. وفي وقوع العتق تردّد. ولو قيل بوقوعه هل يلزم العوض؟ قال الشيخ: نعم. وهو حسن. ولو ردّ المالك العوض بعد قبضه لم يجزئ عن الكفّارة؛ لأنّه لم يجزئ حال الإعتاق فلم يجزئ فيما بعده.

الإخلاص في عتقه، سواء ابتدأ المالك بذلك فقال: «أعتقتك وعليك كذا» أو و «على فلان»، أم جعله جواباً للسؤال كقوله: «أعتقني ولك عليّ كذا» أو «أعتق مملوكك عن كفّارتك ولك عليّ كذا» لاشتراك الجميع في المقتضي، فلا يقع عن الكفّارة إجماعاً لما ذكر

وهل يقع العتق مجرّداً عنها؟ وجهان، من أنّه عتق صدر من أهله في محلّه، ولأنّ قصده للعتق عن الكفّارة يستلزم قصد مطلق العتق؛ لأنّ المطلق موجود في ضمن المقيّد، وقد تعذّر العتق عن الكفّارة لمانع العوض فيقع المطلق؛ لأنّ العوض لا ينافيه؛ لجواز اشتراطه على المملوك ابتداءً وجعل الأجنبي عليه. وهو قول الشيخ في المبسوط(1) .

ومن أنّه لم ينو العتق مطلقاً وإنّما نواه عن الكفّارة، فلو وقع عن غيرها لزم وقوعه بغير نيّة، وقد قال النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم: «إنّما الأعمال بالنيّات»(2)

ويتفرّع على ذلك لزوم العوض للآمر أو للعبد، فحكم الشيخ بلزوم العوض تفريعاً على القول بصحّة العتق المطلق؛ لأنّه فعل ما أمره به فاستحقّ العوض كغيره من الأعمال. واستحسنه المصنّف.

وأورد عليه في المختلف:«أنّ الحكم بلزوم العوض وعدم الإجزاء عن الكفّارة مما لا يجتمعان، والثاني ثابت إجماعاً، فينتفي الأوّل، وبيانه أنّ الجعل إنّما هو عن العتق في الكفّارة لا عن مطلق العتق، ولم يقع فلا عوض(3)

ص: 146


1- المبسوط، ج 4، ص 186 - 187.
2- تقدّم تخريجه في ص 130 ، الهامش 4.
3- مختلف الشيعة، ج 8، ص 269، المسألة 97.

...

وأجاب السيّد عميد الدين:«بأنّا لا نسلّم عدم اجتماعهما ؛ لأنّه جعل له العتق عن الكفّارة وقد فعل ، ولم يجعل له عن الإجزاء عن الكفّارة؛ لأنّ الإجزاء حكم شرعي ليس فعلاً للمکلّف فیصحّ الجعل عليه»(1)

وأورد عليه شيخنا الشهيد (رحمه الله):«بأنّ الجاعل على فعل شرعي جعالةً كالحجّ مثلاً إنّما طلب الصحيح الذي له صلاحية الإجزاء بخروج المکلّف عن العهدة؛ لدلالة اللفظ حقيقةً عليه، ولم يطلب صورته التي هي أعمّ من الصحيح والفاسد، فكذلك الجاعل عن الكّفارة إنّما جعل على عتق مجزئ عن الكفّارة، حملاً للّفظ على حقيقته، وصرفاً له عن المجاز، أعني الحمل على الصورة، وحيث لم يوجد ما طلبه لا يستحقّ شيئاً.(2)

وأجاب السيد ب:« أنّ الحقيقة وإن كانت مطلوبة إلّا أنّ هذا الموضع يمتنع فيه الحقيقة؛ لأنّ وقوع العتق عن الكفّارة مُحال، فكان طالباً للمُحال»(3)

فحينئذٍ حمل لفظه على الصورة بتلك القرينة، والمجاز يصار إليه بقرينة.

وردّه الشهيد:«بأنّ المقتضي للمجاز هنا تحصيل حكم شرعى؛ لئلّا تخرج أفعال المكلّف عن الشرع، والبطلان وعدم صحّة الجعالة حكم شرعي فلم لا يحمل عليه؟»(4)

والحقّ أنّ الجعالة على شيء لا يستحقّ بها الجعل إلّا بفعل مقتضى الجعالة بجميع أوصافها، فخروج هذا الفرد عن القاعدة لا وجه له.

ولا فرق بين عجز المجعول له عن فعل مقتضى الجعالة وقدرته عليه. فإذا لم نقل

ص: 147


1- حكاه عن مجلس درسه الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 333 - 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)؛ وراجع أيضاً كنز الفوائد، ج 3، ص 265.
2- غاية المراد، ج 3، ص 333 - 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
3- غاية المراد، ج 3، ص 333 - 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
4- غاية المراد، ج 3، ص 333 - 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
الشرط الثالث: أن لا يكون السبب محرّماً.

الشرط الثالث: • أن لا يكون السبب محرّماً.

فلو نكّل بعبده، بأن قلع عينيه أو قطع رجليه ، ونوى التكفير انعتق ولم يجزئ عن الكفّارة.

بصحّته عن الكفّارة لا يستحقّ عليه جعلاً.

نعم، لو علم بالقرائن أنّ غرضه من ذلك إنّما هو تخليص المملوك من الرقّ، وتقييده بالكفّارة ليكون وسيلةً إلى إجابة المالك إلى ملتمسه اتّجه استحقاق الجعل عليه وإن لم يقع الكفّارة؛ لأنّها ليست مقصودة بالذات حينئذٍ، وإنّما المقصود العتق المقتضي للخلوص من الرقّ كيف اتّفق وقد حصل.

وقوله «إنّه على تقدير عدم وقوعه عن الكفّارة طالب للمُحال فيحمل على الصورة» إنّما يتوجّه مع علمه بالحكم وهو عدم وقوعهعن الكفّارة، أمّا مع جهله به فلا يكون طلبه لوقوعه عنها طلباً للمُحال في زعمه، وإن كان في نفس الأمر كذلك، فصرفه إلى الصورة غير جيّد؛ لعدم القرينة الموجبة لحمله على المجاز على هذا التقدير.

إذا تقرّر ذلك، فلو قال المعتق بعد ظهور الحال له أو مطلقاً : أنا أردّ العوض ليكون العتق مجزئاً عن كفّارتي، أو ردّه بالفعل لم ينقلب مجزئاً؛ لأنّه إذا لم يجزئ حال الإعتاق لم يجزئ بعده.

نعم، لو قال في الابتداء عقيب الالتماس: أعتقته عن كفّارتي لا على الألف، كان ردّاً لكلامه وأجزأه عن الكفّارة.

واعلم أنّ لبعض الشافعيّة هنا وجهاً بصحّة العتق وإجزائه عن الكفّارة وسقوط العوض؛ لأنّ العتق حاصل كما تقرّر، والعوض ساقط، فأشبه ما إذا قال: «صلّ الظهر لنفسك ولك عليّ كذا» فصلّى، تجزئه صلاته ولا يستحقّ العوض(1).

قوله: «أن لا يكون السبب محرّماً. فلو نكّل بعبده، بأن قلع عينيه أو قطع رجليه» إلى آخره. لمّا كانت الكفّارة عبادةً وطاعةً مشروطةً بنيّة القربة كان التسبّب إلى العتق عنها بسبب

ص: 148


1- روضة الطالبين، ج 6، ص 266؛ وراجع حلية العلماء، ج 7، ص 193.

القول في الصيام

اشارة

ويتعيّن الصوم في المرتّبة مع العجز عن العتق.

حدّ العجز عن العتق و انتقال الفرض إلی الصوم

ويتحقّق العجز إمّا بعدم الرقبة وعدم ثمنها، وإمّا بعدم التمكّن من شرائها وإن وجد الثمن. وقيل: حدّ العجز عن الإطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة.

ولو وجد الرقبة وكان مضطرّاً إلى خدمتها أو ثمنها؛ لنفقته وكسوته لم يجب العتق.

ولا يباع المسكن ولا ثياب الجسد. ويباع ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن. ولا يباع الخادم على المرتفع عن مباشرة الخدمة، ويباع على من جرت عادته بخدمة نفسه، إلّا مع المرض المحوج إلى الخدمة.

محرّم غير مجزئ عنها لا محالةً. فلو نكّل بعبده ناوياً به العتق عن الكفّارة عتق عليه قهراً كما سيأتي إن شاء الله(1) ولا يقع عن الكفّارة؛ للنهي عن السبب المنافي لقصد الطاعة به(2). وبهذا يفرّق بينه وبين شراء القريب الذي يعتق بملكه بنیّة الكفّارة؛ لأنّ السبب مباح إن لم يكن راجحاً، وبين عتق بعض المملوك بنيّتها ليسري عليه العتق، بل المذكور بهذا النوع أشبه؛ لاشتراكهما في وقوع النیّة حال الملك، بخلاف شراء القريب، وإنّما افترقا بجواز السبب وتحريمه.

قوله:«ويتحقّق العجز إمّا بعدم الرقبة وعدم ثمنها - إلى قوله - المحوج إلى الخدمة».

الكفّارة المرتّبة ككفّارة الظهار يتوقّف فرض الصوم فيها على عدم وجدان تحرير الرقبة. كما نبّه عليه تعالى بقوله:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسًا... فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»(3). فإن كان في ملكه عبد فاضل عن حاجته فواجبة الإعتاق. وإن احتاج إلى

ص: 149


1- يأتي في ص 381 ومابعدها.
2- دعائم الإسلام، ج 2، ص 409. ح 1427؛ الجعفريات المطبوع مع قرب الإسناد، ص 208، ح 783 - 785.
3- المجادلة(58): 3-4

...

خدمته لمرضه أو كبره أو زمانته أو ضخامته المانعة له من خدمة نفسه عادةً فهو كالمعدوم، كما أنّ الماء المحتاج إليه للعطش كالمعدوم في جواز التيمّم. وكذا لو كان من أهل المروّات ومنصبه يأبى من أن يخدم نفسه ويباشر الأعمال التي تستخدم فيها المماليك، فلا يکلّف صرفه إلى الكفّارة. والمعتبر في ذلك العادة الغالبة.

ولو لم يملك عين الرقبة وملك ثمنها وقدر على شرائها فهو واجد.

ويشترط أن يكون فاضلاً عن حاجة دينه - ولو لم يطالب به -و مسكنه وثياب بدنه اللائقة به عادة، و دابّة ركوبه المحتاج إليها لعادةٍ أو عجز، ونفقته وكسوته اللائقة بحاله، ونفقة عياله الواجبي النفقة، ومنه كسوتهم وما لابدّ منه من الأثاث.

ولم يقدّر الأكثر هنا للنفقة والكسوة مدةً، فيمكن أن يكون المعتبر كفاية العمر، ويتحقّق ذلك بملك ما يحصل من نمائه إدرار النفقة في کلّ سنة بما يقوم بكفايته، ونحو ذلك. ويمكن أن يريدوا به مؤونة السنة؛ لأنّ المؤونات تتكرّر فيها ويتجدّد الإعداد لها. وأن يريدوا به قوت يومٍ وليلة زيادة على المحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة والأمتعة.

ولعدم ورود التقدير في كلامهم هنا وفي النصوص عدل المصنّف إلى قوله: «قيل: حدّ الإطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة». ولم يذكر العجز عن للعجز عن الرقبة لما ذكرناه.

ويظهر من المبسوط ترجيح المعنى الأوّل؛ لأنّه قال:«إمّا أن يكون له فضل عن كفايته على الدوام أو وفق الكفاية، فإن كان له فضل لم يكن من أهل الصيام؛ لأنّه واجد، وإن كان له وفق كفايته على الدوام لا يزيد عليه شيئاً فإنّ فرضه الصيام»(1)

وفي الدروس قطع بالمعنى الثالث وهو اعتبار قوت يوم وليلة(2).

ص: 150


1- المبسوط، ج 4، ص 596.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 142 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

. ولو كان الخادم غالياً بحيث يتمكّن من الاستبدال منه ببعض ثمنه قيل: يلزم بيعه؛ لإمكان الغنى عنه وكذا قيل في المسكن إذا كان غالياً وأمكن تحصيل البدل ببعض الثمن. والأشبه أنّه لا يباع؛ تمسّكاً بعموم النهي عن بيع المسكن.

وهذا أقوى؛ لأنّ الكفّارة بمنزلة الدين، فيستثنى فيها ما يستثنى فيه. وأمّا الكسوة المحتاج إليها في الوقت، فمستثناة وإن بقيت بعد ذلك مدّةً طويلة بغير خلاف. وكذلك المسكن والخادم

وحيث كان المعتبر قوت اليوم والليلة، فلو كانت مؤونته تستدرّ من ضيعة أو تجارة ويحصل منهما كفايته بلا مزيد، ولو باعهما لتحصيل عبد لارتدّ إلى حدّ المساكين كلّف ذلك، و استثني من ثمنه ما ذكروا. ولو اعتبرنا قوت السنة أو الدوام لم يقع.

واختلف كلام العلّامة، ففي التحرير أوجب بيعهما(1) ، وفي القواعد قطع بعدم الوجوب(2) . مع أنّه لم يبيّن المراد من النفقة المستثناة له، ولكن هذا يشعر باستثناء أزيد من قوت اليوم والليلة.

ولا فرق مع وجدان الثمن والرقبة بين بذل مالكها له بثمن المثل فما دون وأزيد منه على الأقوى؛ لتحقّق القدرة إلّا مع الإجحاف المفرط المؤدّي إلى الضرر.

ولو لم يملك الرقبة ولا ثمنها، وبذل له أحدهما هبةً فالأقوى عدم وجوب القبول؛ دفعاً للمنّة. وفي استحباب القبول وجهان، أمّا الجواز فلا ريب فيه، كما يجزئ لو تكلّف العاجز أصلاً بالاستدانة،و بالموجود مع الدين غير المطالب به، وبالنفقة المستثناة حيث يستثنى له ما يحتمل ذلك.

قوله: «ولو كان الخادم غالياً بحيث يتمكّن من الاستبدال منه ببعض ثمنه» إلى آخره.

الخادم المستثنى له والمسكن إن كانا معدومين استثني له ثمن ما يليق به منهما عادةً،

ص: 151


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 390، الرقم 5978.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 302.

. ومع تحقّق العجز عن العتق يلزم في الظهار والقتل خطأ صوم شهرين متتابعين. وعلى المملوك صوم شهر. فإن أفطر في الشهر الأوّل من غير عذر استأنف. وإن كان لعذر بنى. وإن صام من الثاني ولو يوماً أتمّ وهل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردّد، أشبهه عدم الإثم.

كيفية وكميّةً ، ولا يستثنى له النفيس الزائد عن المعتاد. وإن كان موجوداً له بالفعل وهو بقدر الحاجة واللائق بحاله فلا كلام. وإن كان زائداً في النفاسة بحيث يمكن الاعتياض بثمنه ما يكفيه ويفضل منه ثمن رقبة مع كونه غير زائد عن حاله عادة ففي وجوب بيعهو الاعتياض عنه بما دونه وجهان، من تحقّق القدرة على الرقبة مع مراعاة المستثنى، فإنّ المعتبر منه النوع لا الشخص، فيجب البيع؛ لتوقّف الواجب عليه، ومن أنّه عين المستثنى مع عموم النهي عن بيع الخادم والمسكن(1) .

وهذا هو الأقوى، خصوصاً إذا كان مألوفاً، فإنّ فراق المألوف إضرار بالمکلّف، وقد روعي في حاله ما هو نظير ذلك أو دونه.

قوله: «ومع تحقّق العجز عن العتق يلزم في الظهار والقتل خطاً صوم شهرين متتابعين. وعلى المملوك صوم شهر» إلى آخره.

إذا انتقل فرضه في المرتّبة إلى الصوم فالواجب منه صوم شهرين متتابعين إن كان حرّاً إجماعاً، وإن كان عبداً فالمشهور أنّه على النصف مطلقاً.

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم أبو الصلاح(2) وابن إدريس(3) وابن زهرة(4)- إلى أنّه في الظهار كالحرّ؛ استناداً إلى عموم الآية(5).

ص: 152


1- راجع وسائل الشيعة، ج 18، ص 339، الباب 11 من أبواب الدين والقرض.
2- الكافي في الفقه، ص 304.
3- السرائر، ج 2، ص 713 وج 3، ص 74.
4- غنیة النزوع، ج 1، ص 369.
5- المجادلة (58): 3-4

والأقوى المشهور؛ لصحيحة محمّد بن حمران عن الصادق علیه السلام، قال: سألته عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال: «نصف ما على الحرّ صوم شهر، وليس عليه كفّارة من صدقة ولا عتق»(1). و الآية مخصوصة بهذا الخبر بناءً على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، مع أنّ ظاهر الآية أنّ الأمر فيها متوجّه إلى الحرّ، بقرينة الأمر بتحرير الرقبة والإطعام، فتكون مخصوصةً ابتداءً.

يتحقّق التتابع في الشهرين

ويتحقّق التتابع في الشهرين بصوم شهر متتابع ومن الثاني شيئاً ولو يوماً، فإذا فرّق بعد ذلك لم يقدح في التتابع إجماعاً منّا، ولكن هل يأثم؟ قيل: نعم؛ لأنّ تتابع الشهرين إنّما يتحقّق لغةً وعرفاً بإكمالهما، فإذا لم يحصل فلا أقلّ من الإثم، ولا استبعاد في الإجزاء معه للنصّ(2).

وذهب الأكثر إلى عدم الإثم بذلك؛ للأصل ولأنّ التتابع إن صدق بذلك فلا وجه للإثم؛ لتحقّق الامتثال وإلّا لم يجزئ والصحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام أنه قال: «والتتابع أن يصوم شهراً ومن الآخر أيّاماً أو شيئاً منه»(3) الحديث. ووجّه مع الخبر أنّ التتابع وقع صفةً للشهرين لا للأيّام، وتتابع الشهرين يحصل بالشروع في الثاني متابعاً للأوّل.

وفيه نظر. والأولى الاعتماد على النصّ.

ولو كان المكفّر بالصوم عبداً فالمشهور تحقّق المتابعة بخمسة عشر يوماً، فيجوز تفريق الباقي . وكذا لو وجب على الحرّ صوم شهر متتابع بنذر و شبهه؛ لرواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر علیه السلام قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوماً ثمّ عرض له أمر، فقال: «جائز له أن يقضي ما بقي عليه، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً

ص: 153


1- الكافي، ج 6، ص 156، باب الظهار، ح 13؛ الفقيه، ج 3، ص 535 ، ح 4852؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 24، ح 79.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 10، ص 371، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب.
3- الكافي، ج 4، ص 138، باب من وجب عليه صوم شهرين...، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 283، ح 856.

. والعذر الذي یصحّ معه البناء الحيض والنفاس والمرض والإغماء والجنون. أمّا السفر فإن اضطرّ إليه كان عذراً، وإلّا كان قاطعاً للتتابع. ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على أنفسهما لم ينقطع التتابع. ولو أفطرتا لم يجزئ له حتى يصوم شهراً تامّاً»(1). ومثله روى موسى بن بكر عن الصادق علیه السلام(2).

وفي طريق الروايتين ضَعْفُ بموسى بن بكر(3)، لكنّ العمل بمضمونهما مشتهر بين الأصحاب أو متّفق عليه. ومع ذلك فهما ظاهرتان في الشهر المنذور، أما ما يجب كفّارة على العبد فلا، لكن ألحقه الشيخ(4)، وأتباعه(5) . والمصنّف تردّد فيه في الصوم(6) وجزم به هنا.

واعلم أنّه مع الإخلال بالمتابعة حيث تعتبر يفسد صوم الماضي و يجب الاستئناف،وهل يأثم بذلك ؟ قيل: «نعم»(7) ؛ لأنّه إبطال للعمل وهو منهيّ عنه(8).

ويحتمل عدم الإثم؛ لأنّ العبادة لم تبطل في نفسها؛ إذ صوم کلّ يوم منفكّ عن الآخر، فإذا مضى النهار وحكم بانعقاده لا يلحقه البطلان بعد ذلك.

نعم، اللازم من الإخلال بالمتابعة عدم الإجزاء عن الكفّارة، لا بطلان ما مضى رأساً. وتظهر الفائدة في حصول الثواب على ما مضى صحيحاً في الجملة على الثاني دون الأوّل. و يظهر من الشيخ فخر الدين(9) الإجماع على الإثم بالإخلال بالمتابعة. وفيه نظر.

قوله: «والعذر الذي یصحّ معه البناء الحيض - إلى قوله - وفي المبسوط قال بالفرق».

ص: 154


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 285، ح 864.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 285، ح 863.
3- خلاصة الأقوال، ص 406، الرقم 1639 ، قال: «واقفي».
4- راجع المبسوط، ج 1، ص 380 - 381.
5- الوسيلة، ص 146.
6- راجع ج 1، ص 570.
7- قال به فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 100.
8- في الآية 33 من سورة محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم (47)
9- إيضاح الفوائد ج 4، ص 100.

خوفاً على الولد، قال في المبسوط ينقطع، وفي الخلاف: لا ينقطع، وهو أشبه. ولو أُكره على الإفطار لم ينقطع التتابع - سواء كان إجباراً كمن وجر الماء في حلقه، أو لم يكن كمن ضرب حتّى أكل - وهو اختيار الشيخ في الخلاف، وفي المبسوط قال بالفرق.

لمّا بيّن اشتراط التتابع في صوم الشهرين نبّه على مواضع يمنع الصوم ولا يقطع التتابع، ومواضع مختلف فيها:

فمنها: عروض الحيض والنفاس. وهما غير قاطعين للتتابع إجماعاً؛ لأنّهما طبيعيّان لا اختيار فيهما للمكلّف، فلو قطعا التتابع لزم عدم إمكان الصوم عن الكفّارة لذات الحيض غالباً وهو حرج، والتأخير إلى بلوغ سن اليأس تغرير بالواجب وغير موثوق بالبقاء إليه. وفي معناهما المرض المانع من الصوم والإغماء؛ لاشتراك الجميع في المقتضي وهو عدم اختيار المكلّف في الإفطار، خلافاً لبعض العامة، حيث حكم بقطع المرض فارقاً بينه وبين الحيض، بأنّ المرض لا ينافي الصوم بذاته، وإنما خرج عنه بفعله بخلاف الحيض(1). وجوابه منع عدم المنافاة، فإنّ المرض الذي يتضرّر معه بالصوم مانع منه وإن لم يفطر بنفسه، فكان كالحيض. ويدلّ على حكم الأمرين صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومرض قال: يبني عليه، الله حبسه»، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها، قال: «تقضيها»، قلت: فإن قضتها ثم يئست من الحيض قال: «لا تعيدها، أجزأها ذلك(2)». ومثله صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (3).

ومنها: السفر. فإن عرض في الأثناء ولم يكن ضرورياً قطع التتابع اتفاقاً؛ لأن القطع جاء من قبل المكلّف، فكان كالإفطار بغيره. وإن كان ضرورياً - وهو الذي يخاف بتركه على

ص: 155


1- راجع الحاوي الكبير، ج 2، ص 500؛ و روضة الطالبين، ج 6، ص 277.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 284، ح 859؛ الاستبصار، ج 2، ص 124، ح 402.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 284، ح 860؛ الاستبصار، ج 2، ص 124، ح 403.

...

نفسه أو ماله وما في معناه - جاز الإفطار ولم يقطع التتابع؛ لأنه بالاضطرار إليه كالمضطر إلى الإفطار بالمرض ونحوه، ويجب تقييده بما إذا لم يعلم قبل الشروع فيه بعروض السفر في أثنائه، وإلا كان الشروع فيه مع العلم بعروضه كالشروع فيه في زمان لا يسلم له صوم ما يحصل به التتابع. ومنها: لو أفطرت الحامل أو المرضع. فإن كان للخوف على أنفسهما لم ينقطع التتابع؛

لأنّ ذلك بمنزلة المرض ولو أفطرتا خوفاً على الولد فللشيخ قولان: أحدهما أنه كذلك؛ لاشتراكهما في الضرورة المسوّغة للإفطار، فكان عذاراً(1) . وه-و

الأقوى والثاني : أنّه يقطع التتابع؛ لأنهما يفطران لغيرهما، بخلاف المريض(2) ؛ ولهذا فارقتا المريض في لزوم الفدية في رمضان، وفي حكم إفطارهما لضرورة الولد إفطار منقذ الغير من الهلاك.

ومنها: المكره على الإفطار لا ينقطع تتابعه، سواء رفع اختياره أصلاً، كما لو وجر في جوفه ما يفطر به أم لا، كما إذا توعده بالضرب حتى أفطر؛ لاشتراكهما في الإكراه المسوغ للإفطار، فكان عذراً.

خلافاً للشيخ، حيث فرّق بينهما، فجعل الثاني قاطعا للتتابع؛ لأنه فعل المفطر باختياره بخلاف الأول(3).

وهو ممنوع؛ لاشتراك الأمرين في الإكراه عرفاً، فيدخل تحت عموم قوله : «رفع عن

أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(4).

ومن المواضع المختلف في قطعه بها ولم يذكره المصنّف ما لو نسي النیّة في بعض أيام

ص: 156


1- الخلاف، ج 4، ص 555 ، المسألة 50.
2- المبسوط، ج 4، ص 197.
3- المبسوط، ج 4، ص 197.
4- الخصال، ص 417 ، باب التسعة، ح 9.
لو عرض في أثناء الشهر الأوّل زمان لا یصحّ صومه

. ولو عرض في أثناء الشهر الأوّل زمان لا یصحّ صومه عن الكفّارة كشهر

رمضان والأضحى - بطل التتابع.

الشهر الأول ولم يذكر إلا بعد الزوال، فإنّ الصوم يفسد، ولكن هل يقطع التتابع؟ وجهان، من ارتفاع حكم النسيان بالخبر، وانقطاع التتابع حكم من أحكامه فيكون مرتفعاً، ومن أنّ المعتبر وجوب شهرين متتابعين وببطلان يوم منها لا تتحقّق المتابعة، وترك النیّة بإهماله؛ إذ

هو مخاطب بإيقاعها كلّ ليلة، فالتفريط منسوب إليه ؛ إذ كان يجب عليه الاستعداد لها. وفي الدليل من الجانبين نظر؛ لأنّ ظاهر الحديث ارتفاع المؤاخذة عليه لا جميع الأحكام والقدرة على دفع النسيان مطلقاً بديهي البطلان والأقوى أنه عذر حيث لا تقصير. قوله: «ولو عرض في أثناء الشهر الأوّل زمان لا یصحّ صومه عن الكفارة» إلى آخره. حيث كان التتابع واجباً وجب تحرّي زمان يسلم فيه القدر المعتبر منه من باب مقدّمة الواجب. فلو شرع فيه في زمان لا يسلم فيه شهر ويوم، كما لو شرع فيه في أوّل شعبان أو بعد العشر الأوّل من ذي القعدة ونحو ذلك لم یصحّ. وفي صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله أنه قال في رجل صام في ظهار شعبان، ثمّ أدركه شهر رمضان، قال: «يصوم شهر

رمضان ويستأنف الصوم، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيته»(1). ثمّ إن علم ابتداءً بعدم السلامة لم ينعقد الصوم أصلاً؛ لعدم اجتماع الشرائط المعتبرة فيه حينئذ. وإن لم يعلم بذلك حتى شرع، كما لو ابتدأ به تاسع ذي القعدة فاتفق نقصان الشهر انقطع التتابع حينئذ؛ لتبين عدم الشرط.

ويحتمل عدم جواز الشروع فيه على هذا الوجه؛ لعدم الوثوق بإكمال العدد.

ويضعف بأنّ الوثوق غير مشروط، والأصل عدم نقصان الشهر.

ويحتمل على هذا أن يعذر في انقطاع التتابع؛ لأنّ النقصان وقع بغير اختياره بعد أن حكم بصحّته.

ص: 157


1- الكافي، ج 4، ص 139، باب من وجب عليه صوم شهرين...، ح 5؛ الفقيه، ج 2، ص 152، ح 2008؛ تهذیب الأحكام، ج 4، ص 283، ح 857، بتفاوت يسير.

القول في الإطعام

اشارة

. ويتعين الإطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام.

ويجب إطعام العدد لكلّ واحد مد، وقيل: مدان ومع العجز مد، والأوّل أشبه.

ولا يجزئ إعطاء ما دون العدد المعتبر وإن كان بقدر إطعام العدد. ولا يجوز التكرار عليهم من الكفّارة الواحدة مع التمكن من العدد. و يجوز مع التعذر.

وعلى كلّ حالٍ، فقول المصنّف «لو عرض في أثناء الشهر الأول - إلى قوله - بطل التتابع ليس بجيد؛ لأن بطلان التتابع فرع صحة الصوم، ومتى عرض ذلك في أثناء الشهر الأول كما مثل فالشرط معلوم فقده ابتداءً فلا ينعقد الصوم، ولا ينسب الحكم إلى بطلان التتابع، إلا أن يحمل على ما لو احتمل السلامة فعرض المانع كما صوّرناه.

وكذا قوله «عرض في أثناء الشهر الأول فإنّ الحكم غير مقصور عليه. والأولى التعبير بعروض المانع من الصوم في أثناء العدد المعتبر في التتابع ليشمل ذلك اليوم الذي بعد الشهر الأول.

هذا کلّه في حق العالم بالأهلة. أما المحبوس الذي يصوم بالظن لو توخى شهرين فعرض المانع من الصوم قبل أن يكمل شهراً ويوماً، فالأقوى عدم انقطاع التتابع لأن ذلك عذر في حقه كالمرض والحيض وغيرهما.

قوله: «ويتعين الإطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام - إلى قوله - وأدونه الملح». إذا عجز في المرتبة عن صوم الشهرين انتقل فرضه إلى الإطعام، قال تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»(1)

ص: 158


1- المجادلة (58): 4.
قدر الطعام، عدد المصروف إلیه و جنس الطعام

ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله. ولو أعطى ممّا يغلب على قوت البلد جاز. ويستحب أن يضم إليه إداماً أعلاه اللحم، وأوسطه الخلّ، وأدونه الملح.

ويتحقّق العجز عنه بالمرض المانع منه، أو ما يحصل به مشقة شديدة وإن رجى برؤه أو بالخوف من زيادته أو بالهرم ونحوه. ولا يلحق به السفر وإن منع حالته؛ لأنّه مستطيع للصوم بالإقامة غالباً. نعم، لو تعذرت أمكن الجواز.

ثم الكلام في هذه الجملة يقع في مواضع: أحدها: - في قدر الطعام والمشهور خصوصاً بين المتأخرين أنه قدر مدّ لكلّ مسكين. وقد تقدم في حديث الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلمأتي بعرق من تمر فيه خمسة عشر صاعاً، فقال: خذ هذا فأطعم عنك ستين مسكيناً»(1). وهذا المبلغ إذا قسّم على ستين كان لكلّ واحدٍ منهم

مد؛ لأنّ الصاع أربعة أمداد. وروى عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادق : «إذا قتل خطأ أدى ديته ثمّ أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً مداً مداً»(2). ولقوله تعالى: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)(3) 3 الشامل للمد وما فوقه وما دونه، لكن خرج ما

دونه بالإجماع فيبقى الباقي مجزئاً.

وقال الشيخ في كتبه الثلاثة الفروعية : أقله مدان(4) ؛ محتجاً بإجماع الفرقة وطريقة

الاحتياط.

وجوابه منع الإجماع، والاحتياط قد يكون في الأقل كما إذا أوصى بالكفارة ولم يبين القدر وله أطفال ونحو ذلك.

ص: 159


1- تقدّم تخريجه في ص 92، الهامش 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 322 - 323، ح 1196.
3- المجادلة(58): 4.
4- النهاية، ص 569؛ المبسوط، ج 4، ص 202؛ الخلاف، ج 4، ص 560 - 562 ، المسألة 62.

...

والمعتبر من المد الوزن لا الكيل عندنا؛ لأنّ المد الشرعي مركب من الرطل، والرطل مركب من الدرهم والدرهم مركب من وزن الحبّات، ويسمى درهم الكيل. ويتركب من المد

الصاع، ومن الصاع الوسق.

فالوزن أصل الجميع، وإنّما عدل إلى الكيل في بعض المواضع تخفيفاً. وتظهر الفائدة في

اعتبار الشعير بالكيل والوزن، فإنّهما مختلفان جداً بالنسبة إلى مقدار البر بالكيل.

وثانيها: المصروف إليه وهو ستون مسكيناً . ولا يجزئ الصرف إلى ما دون الستين وإن راعى العدد في الدفع بأن دفع إلى مسكين واحد في ستين يوماً، خلافاً لأبي حنيفة حيث اجتزأ بالصرف إلى واحد في ستين يوماً(1) ، ولا يجزئ الصرف إليه دفعةً إجماعاً. لنا: أن إطعام الستين مسكيناً يشتمل على وصف وهو المسكنة، وعلى عدد وهو الستون، فكما لا يجوز الإخلال بالوصف لا يجوز الإخلال بالعدد، كما أن قوله تعالى «وَ أَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ»(2) فيه تعرّض لوصف وعددٍ، وكما لم يجزئ الإخلال بالوصف

لم يجزئ الإخلال بالعدد، حتى لا يكون شهادة واحد مرتين كشهادة اثنين. ولا فرق بين كون العدد مجتمعين في بلدٍ واحدٍ أو بلدان كثيرة مع إمكان التوصل إليهم. فيجب السعي على إطعام العدد؛ لتوقف الواجب عليه، فإن تعذر الوصول إلى العدد جاز حينئذ الاقتصار على الممكن، وفرق العدد عليهم بحسب الأيام، حتى لو لم ي--ج-د س--وى واحد فرّق عليه في ستين يوماً.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده لا يخلو من ضعف، والآية ظاهرة في عدم

إجزاء ما دون العدد مطلقاً فيبقى في الذمة إلى أن يوجد.

مع أنه روى إسحاق بن عمار - في الموثق - قال: سألت أبا إبراهيم عن إطعام عشرة -

ص: 160


1- راجع المبسوط، السرخسي، ج 7، ص 19.
2- الطلاق (65): 2.

...

مساكين أو إطعام ستين مسكيناً، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ فقال: «لا، ولكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال الله تعالى»(1)

والشيخ(2) وجماعة(3) حملوا ذلك على حالة الاختيار ووجود العدد، أما مع تعذره فيجزئ؛ الرواية السكوني عن أبي عبد الله قال: «قال أمير المؤمنين : إن لم يجد في الكفّارة إلا الرجل والرجلين فليكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غداً»(4). ولا يخفى عليك ضعف سند هذه الرواية(5) ، لكن الحكم مشهور لا راد له.

وثالثها: جنس الطعام. والمعتبر منه القوت الغالب من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما. وأما قوله تعالى في كفّارة اليمين «مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ»(6) فَإِما كناية عن الغالب أو محمول على الفضل، ويجزئ التمر والزبيب. ويستحب أن يضم إليه الأدم، وهو ما جرت العادة بأكله مع الخبز، مائعاً ك--ان ك--الزيت

والدبس، أو جامداً كالجبن واللحم.

وقال المفيد: يجب ضمه إليه(7) ، وتبعه تلميذه سلار(8) لرواية أبي بصير عن أبي جعفر وقد سأله عن: أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ فقال: «ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك».

ص: 161


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 298، ح 1103؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 - 54 ، ح 185.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 298، ذيل الحديث 1103؛ الاستبصار، ج 4، ص 54 ، ذيل الحديث 185.
3- راجع كشف الرموز، ج 2، ص 265؛ و السرائر ، ج 3، ص 70 - 71؛ والدروس الشرعية، ج 2، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 10).
4- الكافي، ج 7، ص 453، باب كفّارة اليمين، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 298، ح 1102؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 . ح 184.
5- راجع خلاصة الأقوال، ص 316. الرقم 1238.
6- المائدة (5): 89.
7- المقنعة، ص 568.
8- المراسم، ص 186.

.ويجوز أن يعطى العدد متفرّقين ومجتمعين إطعاماً وتسليماً.

ويجزئ إخراج الحنطة والدقيق والخبز.

ولا يجزئ إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين. ولو انفردوا احتسب

الاثنان بواحد.

قلت : وما أوسط ذلك؟ قال: «الخلّ والزيت والتمر والخبز، يشبعهم به مرةً واحدةً»(1) . ورواية أبي جميلة عن أبي عبد الله قال كفّارة اليمين عتق رقبة، وإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم، والوسط الخل والزيت، وأرفعه الخبز

واللحم»(2)، وحملتا على الاستحباب؛ لصدق الطعام بدونه.

ولحسنة الحلبي عن أبي عبد الله في قول الله عزّ وجلّ: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) قال: «هو ما يكون - إلى أن قال - وإن شئت جعلت لهم إداماً، والإدام أدناه ملح وأوسطه الزيت والخل، وأرفعه اللحم»(3)

قوله: «ويجوز أن يعطي العدد متفرقين ومجتمعين إطعاماً وتسليماً» إلى آخره. ما تقدّم من تقدير الإطعام بالمد والمدين(4) ، إنّما هو مع تسليمه إلى المستحق، وذلك غير لازم بل يتخيّر بينه وبين أن يطعمه إلى أن يشبع ؛ لصدق الإطعام بذلك، بل ربما كان أدخل في معناه. وحينئذ فلا يتقدر بقدر. وكما يجوز إطعام العدد وتسليمهم مجتمعين، يجوز متفرقين؛ لصدق الإطعام على التقديرين. كتاب الظهار

ص: 162


1- الكافي، ج 7، ص 454، باب كفّارة اليمين، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 296، ح 1095؛ الاستبصار، ج 4، ص 52، ح 178، وفيه: «لا تعولون».
2- الكافي، ج 7، ص 452، باب كفارة اليمين، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 296، ح 1097؛ الاستبصار، ج 4، ص 52 . ح 179.
3- الكافي، ج 7، ص 453، باب كفارة اليمين، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297، ح 1098؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 ، ح 183.
4- تقدّم في ص 158 - 159.

...

ثم إن سلم المد فلا فرق بين الكبير والصغير. وإن اقتصر على الإطعام اشترط كونهم كباراً أو مختلطين من الصغار والكبار، فلو انفرد الصغار بالأكل احتسب الاثنان منهم بواحد. أما جواز احتساب المختلطين فلصدق إطعام العدد وفي حسنة الحلبي السابقة أنه يكون في البيت من يأكل أكثر من المد، ومنهم من يأكل أقل من المد، فبين ذلك بقوله تعالى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ»(1). وظاهر النص والفتوى عدم الفرق بين كون الكبار بقدر الصغار وأقلّ. ويدلّ على عدم إجزاء الصغار منفردين رواية غياث عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجزئ

إطعام الصغير في كفّارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير(2).

والرواية ضعيفة السند(3) ، لكن ضعفها منجبر بالشهرة عندهم وظاهرها وإن كان يقتضي عدم إجزاء الصغير مطلقاً، إلا أنّها محمولة على حالة انفراد الصغار جمعاً بينها وبين رواية أبي بصير السابقة(4) ، ورواية يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن قال: سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء والرجال والنساء، أو يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال: «كلّهم سواء»(5). ويمكن أن يقال في هذه الرواية: إنها تدلّ على حكم التسليم، ولا نزاع في استواء الصغير والكبير فيه، إنّما الكلام في الإطعام وهي لا تدلّ عليه. ورواية أبي بصير المتضمنة لاختلاف الأكلين في البيت لا تدلّ على التسوية أيضاً بين الصغير والكبير؛ لأن الاختلاف في الأكل

يتحقّق في الكبار أيضاً.

ص: 163


1- المائدة (5): 89.
2- الكافي، ج 7، ص 454 ، باب كفارة اليمين، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297، ح 1100؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 ، ح 182.
3- في طريقها غياث بن إبراهيم التميمي، وهو بتري. راجع خلاصة الأقوال، ص 385، الرقم 1547.
4- سبقت في ص 161 - 162.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297 ، ح 1101؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 ، ح 181، وفيهما: «أيطعم» بدل «أ يعطي».

...

وتبقى رواية غياث لا معارض لها إن اعتبرت لكن عموم الآية(1) يقتضي الاكتفاء بالصغير في الإطعام كالكبير مطلقاً. وحينئذ فيمكن أن يقال: خرج منه ما إذا انفرد الصغار بالاتفاق عليه فيبقى الباقي، ولا التفات حينئذ إلى دلالة الروايات وإن كانت هي أصل

الوفاق على حكم الصغار.

إذا تقرّر ذلك فتمام البحث يتوقف على أمور

الأوّل: الواجب على تقدير الإطعام إشباعه مرّةً واحدةً على المشهور؛ لصدق الإطعام

المأمور به في الآية بها، ولرواية أبي بصير السابقة وقال فيها: «يشبعهم به مرّةً واحدةً»(2).

وقال المفيد(3)، وجماعة(4) : يشبعه في يومه.

وقال ابن الجنيد: يشبعه في الغداء والعشاء(5). والأصح الأول. الثاني: لا يتقدر الإشباع بقدر بل ما يحصل به عادةً، سواء زاد عن المد أم نقص. فلو لم يكفه المد زاده حتى يشبع، كما أنه لو شبع بدونه كفى

الثالث: يجزئ إخراج المدّ من الحنطة والدقيق والخبز، وإن توقف الأوّلان على عمل زائد إلى أن يصير مأكولاً بالفعل؛ للعموم(6) .

وقال ابن الجنيد: تجب مؤونة طحنه وخبزه وأدمه(7). وفي حسنة هشام بن الحكم عن

ص: 164


1- المجادلة (58): 4، قوله تعالى: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا).
2- سبق تخريجها في ص 162، الهامش 1.
3- المقنعة، ص 568.
4- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 227؛ وسلار في المراسم، ص 186؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 415، وفيه: «في يوم».
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 245، المسألة 77.
6- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 374 ، الباب 10 من أبواب الكفّارات، وص 375 ، الباب 12 وص 380، الباب 14 من هذه الأبواب.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 245، المسألة 77.
هل يشترط الإیمان في مستحقّ للکفّارة؟

.ويستحب الاقتصار على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم كالأطفال. وفي المبسوط يصرف إلى من تصرف إليه زكاة الفطرة، ومن لا يجوز هناك لا يجوز هنا.

والوجه جواز إطعام المسلم الفاسق ولا يجوز إطعام الكافر وكذا الناصب.

أبي عبد الله : «في كفّارة اليمين مدّ من حنطة وحفنة، لتكون الحفنة في طحنه وحطبه»(1). وهو محمول على الأفضلية جمعاً. الرابع: المعتبر إخراج عين الطعام، فلا تجزئ القيمة. نعم لو أراد الاقتصار على بعض الواجب جاز شراؤه من المستحق بعد احتسابه عليه ثمّ احتسابه على غيره على كراهة فيتأدى الواجب بمد واحد.

الخامس: لا يجوز نقصان المستحق عن المد، على تقدير التسليم وإن كثر المستحقون وضاق العدد، بل يتخيّر منهم بعدد الواجب، فلو دفع الستين إلى مائة وعشرين أجزأ عنه نصف المخرج، ووجب أن يكمل لستين منهم ثلاثين مداً كلّ واحدٍ نصف مد. ثمّ إن علم الباقون بالحال جاز الرجوع عليهم بما زاد وإلا فمع بقاء العين خاصة. وكذا لو دفع إلى الواحد أزيد من مد.

السادس: لا تقدير في الكبر والصغر شرعاً فيرجع فيهما إلى العرف. ولا يختص الكبير بالبالغ، بل العبرة بكثرة الأكل وقلته بحيث يقارب الأكل المتوسط من

الكبار، ولعلّ بلوغ عشر سنين يقارب ذلك غالباً. السابع: لو أخرج الحنطة أو الزبيب ونحوهما اشترط كونه سليماً من العيب وممازج--ة

غيره كالزؤان والتراب. ويعفى عن المعتاد منهما ومن نحوهما. قوله: «ويستحب الاقتصار على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم كالأطفال» إلى آخره. للأصحاب في اشتراط الإيمان في المستحق للكفّارة أقوال:

ص: 165


1- الكافي، ج 7، ص 453، باب كفّارة اليمين، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297، ح 1099.

...

أحدها: أنه ليس بشرط بل يكفي الإسلام حيث لا يكون محكوماً بكفره من فرقهم كالناصب. وهو مختار المصنّف؛ لعموم قوله تعالى: (فَإِطْعَامُ سِيِّينَ مِسْكِينًا))(1) و (وَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَكِينَ»(2)، وخصوص صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن قال: سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء، والرجال والنساء، أو يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال: «كلّهم سواء، ويتمّم إذا لم يقدر من المسلمين وعيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب»(3). وموثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الكاظم وقد سأله عن الكفارة وقال قلت: فيعطيه ضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال: «نعم وأهل الولاية أحبّ إلي»(4).

وثانيها: اشتراطه مع الإمكان، فإن لم يجد تمام العدة كذلك جاز إعطاء المستضعف من المخالفين. وهو قول الشيخ في النهاية ، وقواه في المختلف(5). وليس عليه نص بخصوصه لكنّه حمله على الزكاة، فقد اختلفت الأخبار في اعتبار الإيمان فيها، فجمع الشيخ بينها بحمل أخبار الجواز على المستضعف (6)

وثالثها: اشتراط كونه مؤمناً أو مستضعفاً. وهو قول الشيخ في المبسوط، والعلّامة في

الإرشاد.

أما في المبسوط، فإنه جعل مصرفها مصرف زكاة الفطرة(7) ، وقد جوّز صرف زكاة الفطرة

ص: 166


1- المجادلة (58): 4.
2- المائدة (5): 89.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 297، ح 1101؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 ، ح 181. .4 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 298، ج 1103؛ الاستبصار، ج 4، ص 53 - 54 . ح 185.
4- النهاية، ص 570.
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 255، المسألة 88.
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 88، ذيل الحديث 259؛ الاستبصار، ج 2، ص 51، ذيل الحديث 172.
7- المبسوط، ج 4، ص 592.

...

إلى المستضعف(1)، وحمل الروايات الدالة على جواز صرفها إلى غير أهل الولاية على المستضعف منهم.

وأما في الإرشاد، فإنه منع من إعطائها المخالف، واستحب فيه أن يكون من المؤمنين وأولادهم(2)، فبقي المستضعف خارجاً عن القسمين، ويقتضي جواز إطعامه منها. ورابعها اشتراط الإيمان حتى لو لم يجد أخرها إلى أن يتمكن. وهو قول ابن الجنيد(3)وابن البراج(4)، وابن إدريس(5) والعلّامة في القواعد والتحرير(6).

وخامسها اشتراط الإيمان كذلك والعدالة. وهو قول ابن إدريس؛ لأنه جعل مصرفها مصرف الزكاة، واشترط في مستحق الزكاة العدالة(7).

ودليل هذه الأقوال كلّها راجع إلى دليلهم في الزكاة، والملازمة ممنوعة.

وقول المصنّف هنا هو الأقوى.

واعلم أنّ المصنّف لم يبيّن في الكتاب ما يعتبر في المستحق زيادة على الإسلام ولا ريب في اعتبار «المسكنة»؛ لأنّها منصوص الآية(8) ، ولا يتعدى إلى غيره من أصناف مستحقي الزكاة غير الفقير حتى الغارم، وإن استغرق دينه ماله إذا ملك مؤونة السنة. وكذا ابن السبيل إن أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، وإلا ففى جواز أخذه نظر من حيث إنه حينئذ في معنى المسكين، ومن أنّه قسيم له مطلقاً. ويظهر من الدروس(9) جواز أخذه لها حينئذ.

ص: 167


1- المبسوط، ج 1، ص 333.
2- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 100.
3- لم نعثر على من حكاه عنه.
4- المهذّب، ج 2، ص 415.
5- السرائر، ج 3، ص 74.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 304؛ تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 386، ذيل الرقم 5977.
7- السرائر، ج 1، ص 459؛ وج 3 ص 74.
8- المجادلة (58): 4.
9- الدروس الشرعية، ج 2، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10)

مسائل أربع:

كفّارة اليمين و تقدیر الكسوة و الإطعام

الأولى: • كفّارة اليمين مخيّرة بين العتق والإطعام والكسوة. فإذا كسا الفقير وجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة، ومع العجز ثوباً واحداً. وقيل: يجزئ الثوب الواحد مع الاختيار. وهو أشبه.

واختلف في الفقير، والأقوى جواز دفعها إليه، إما لكونه أسوأ حالاً كما ذهب إليه بعضهم(1) ، أو لأنّ كلّ واحدٍ من المسكين والفقير يدخل في الآخر حيث ينفرد بالذكر، وإنما يبحث عن الأسوأ حالاً منهما على تقدير الاجتماع كآية الزكاة(2)

قوله: «كفّارة اليمين مخيّرة بين العتق والإطعام والكسوة» إلى آخره.

الكسوة ورد الأمر بها مطلقاً في كفّارة اليمين، فيجب لمن أرادها ما يحصل بها مسماها عرفاً. وقد اختلف الأصحاب في تقديرها لذلك، فمنهم من حملها على عرف الشرع في الصلاة، ففرّق بين الرجل والمرأة، وهو ابن الجنيد، فاعتبر للمرأة درعاً وخماراً، واكتفى للرجل بثوب يجزئه في مثله الصلاة(3).

ومنهم من أطلق الثوبين، كالمفيد(4) ، وسلّار(5)

ومنهم من أطلق الثوب، كالشيخ في المبسوط(6)، وابن إدريس(7)، والمصنّف، والعلّامة في المختلف والتحرير والإرشاد(8)

ص: 168


1- راجع الخلاف، ج 4، ص 229، المسألة 10؛ والمبسوط، ج 1، ص 338؛ والوسيلة، ص 128؛ والسرائر، ج 1، ص 456.
2- التوبة (9): 60 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 247 ، المسألة 78.
4- المقنعة، ص 568.
5- المراسم، ص 186.
6- المبسوط، ج 4، ص 597.
7- السرائر، ج 3، ص 70.
8- مختلف الشيعة، ج 8، ص 247، المسألة 78؛ تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 386، ذيل الرقم 5977؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 100.

...

ومنهم من فصل فاعتبر الثوبين مع القدرة، واكتفى بالثوب مع العجز كالشيخ في النهاية(1)، وابن البراج(2)، وأبي الصلاح(3)، والعلّامة في القواعد(4)، وولده(5). ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، فروى الحلبي - في الصحيح - عن أبي عبد الله : «في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من حنطة أو من دقيق وحفنة، أو كسوتهم، لكلّ إنسان ثوبان»(6) الحديث ومثله روى عليّ بن أبي حمزة عنه(7)

. وروى أبو بصير - في الصحيح - قال: سألت أبا جعفر إلى قوله - قلت: كسوتهم، قال: ثوب واحد»(8).

وروى الحسين بن سعيد عن رجاله، عن الصادق صلى الله عليه وسلم قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي كفّارة اليمين ثوب يواري ،عورته، وقال: ثوبان»(9).

وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر إلى قوله، قلنا: فمن وجد الكسوة؟ قال: «ثوب يواري عورته»(10)

ص: 169


1- النهاية، ص 570.
2- المهذّب، ج 2، ص 415.
3- الكافي في الفقه، ص 227.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 305.
5- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 107.
6- الكافي، ج 7، ص 451-452، باب كفارة اليمين، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 295، ح 1091 و 1092؛ الاستبصار، ج 4، ص 51، ح 174.
7- الكافي، ج 7، ص 452، باب كفّارة اليمين، ح 3: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 295، ح 1092؛ الاستبصار، ج 4، ص 51 ، ح 175.
8- الكافي، ج 7، ص 454، باب كفّارة اليمين، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 296، ح109؛ الاستبصار، ج 4، ص 52 ، ح 178.
9- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 320، ح 1187.
10- الكافي، ج 7، ص 452، باب كفّارة اليمين، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 295، ح1093؛ الاستبصار، ج 4، ص 51 ، ح 176.

...

وروی معمر بن عثمان قال: سألت أبا جعفر عمّن وجبت عليه الكسوة في كفّارة اليمين؟ قال: ثوب يواري عورته»(1).

والشيخ جمع بين هذه الأخبار بحمل وجوب الثوبين على من يقدر عليهما، ووجوب الواحد على من لا يقدر إلا عليه(2). وهو حمل بعيد ليس في الأخبار إشعار به. ولو جمع بينها بحمل الثوبين على الأفضلية والثوب على الإجزاء كان أجود.

ويمكن ترجيح الثوبين مطلقاً، بأن خبرهما الصحيح أصح من خبر أبي بصير الصحيح؛ لاشتراك أبي بصير(3)، وصحّته إضافية كما بيّناه مراراً، بخلاف صحيح الحلبي، وباقي الأخبار شواهد؛ لأنها ضعيفة الإسناد أو مرسلة؛ فإنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الباقر لا مشترك بين الثقة وغيره(4)، وخبر حسين بن سعيد مرسل ومعمر بن عثمان مجهول(5)، لكن يعضده إطلاق الكسوة في الآية(6)؛ فإنّها صادقة بالثوب الواحد.

واعلم أنّ المعتبر في الثوب أو الثوبين ما يتحقّق به الكسوة عرفاً، كالجبة والقميص والإزار والسراويل والمقنعة للأنثى، دون المنطقة والخفّ والقلنسوة وأقلّه ما يستر العورتين، كالمئزران اعتيد لبسه وإلا فلا. ولو صلح كسوة للصغير دون الكبير كفى إن دفعه بنیّة الصغير دون الكبير. والمعتبر في جنسه ما يعد معه كسوة عرفاً، كالقطن والكتان والصوف، والحرير للنساء، والفرو والجلد المعتادين وكذا القنّب والشعر إن اعتيدا، وإلا فلا

ص: 170


1- الكافي، ج 7، ص 453، باب كفّارة اليمين، ح 6 ، وفيه: عن معمر بن عمر؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 295 - 296، ح 1094؛ الاستبصار، ج 4، ص 51 - 052 ح 177.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 296 ، ذيل الحديث 1095: الاستبصار، ج 4، ص 52 ، ذيل الحديث 178.
3- أبو بصير: ليث بن البختري المرادي وهو ثقة. راجع خلاصة الأقوال، ص 234 ، الرقم 798.وأبو بصير : يحب يحيى بن قاسم الأسدي وهو واقفي. راجع خلاصة الأقوال، ص 416، الرقم 1687.
4- راجع رجال النجاشي، ص 322 - 323 ، الرقم 880؛ وخلاصة الأقوال، ص 400. الرقم 1611.
5- راجع جامع الرواة، ج 2، ص 253؛ ومعجم رجال الحديث، ج 19، ص 289 ، الرقم 12555.
6- المائدة (5): 89.

الثانیّة • الإطعام في كفّارة اليمين مدّ لكلّ مسكين، ولو كان قادراً على المدين. ومن فقهائنا من خصّ المدّ بحال الضرورة والأوّل أشبه.

الثالثة كفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين.

الرابعة . من ضرب مملوكه فوق الحدّ استحب له التكفير بعتقه.

و تجزئ كسوة الصغار وإن انفردوا؛ للعموم(1). ويستحب الجديد، ويجزئ غيره، إلا أن ينسحق أو يتخرّق.

قوله: «الإطعام في كفّارة اليمين مد لکلّ مسكين، ولو كان قادراً على المدين». قد تقدم في صحيحة الحلبي ما يدل على إجزاء المد مطلقاً(2). والقول بالتفصيل للشيخ(3).وقد تقدّم الخلاف في الكفّارة المرتبة(4)، والمختار فيهما واحد.

قوله: «كفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين».

لأنّ الإيلاء يمين خاصة، وهو الحلف على ترك وطء الزوجة على ما سيأتي تفصيله(5)، وإنّما يتميز عن مطلق اليمين بأحكام مخصوصة، أما الكفارة فواحدة.

:قوله من ضرب مملوكه فوق الحدّ استحب له التكفير بعتقه».

هذا الحكم ذكره الشيخ(6) وأتباعه(7)، والمستند صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر قال: من ضرب مملوكاً حداً من الحدود، من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفّارة إلا عتقه»(8). وظاهرهم أنّه على سبيل الوجوب.

ص: 171


1- راجع ص 169، فإنّ في الروايات: «أو كسوتهم».
2- تقدّم تخريجه في ص 169، الهامش 6.
3- النهاية، ص 569.
4- تقدّم في ص 158 - 159.
5- سيأتي في ص 187 وما بعدها.
6- النهاية، ص 573.
7- منهم ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 424.
8- الكافي، ج 7، ص 263، باب النوادر، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 27، ح 85.

المقصد الرابع في أحكام الکفّارات

اشارة

المقصد الرابع في الأحكام المتعلقة بهذا الباب

وهي مسائل

کیفيّة صيام شهرین متتابعین

الأولى: • من وجب عليه شهران فإن صام هلالين فقد أجزأه ولو كانا ناقصين، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزاً به وإن كان ناقصاً، ويكمل الأوّل ثلاثين. وقيل: يتم ما فات من الأوّل والأوّل أشبه

وأنكره ابن إدريس؛ لعدم دليل يدلّ عليه(1).

واختار المصنّف والعلّامة(2) وأكثر المتأخرين الاستحباب واحتج له في المختلف بأنه فعل محرّم، والعتق مسقط لذنب القتل وهو أعظم من الضرب فاستحب العتق(3). ولو استند إلى الرواية كان أجود. والمتبادر من الحد المتجاوز هو المقدار من العقوبة المستحقة على ذلك الفاعل مع إطلاق الحدّ عليه شرعاً، فلا يدخل التعزير ويعتبر فيه حد العبيد لا الأحرار. وقيل : يعتبر حدّ الأحرار(4)؛ لأنّه المتيقن والملك سليماً عن تعلّق حق العتق على مالكه وهذا يتأتى على القول بالوجوب، أما على الاستحباب فلا؛ لأنّ المعلق على مفهوم كلّي يتحقّق بوجوده في ضمن أي فرد فرض من أفراده، وحمله على حد لا يتعلّق بالمحدود بعيد جداً(5) . ولا فرق في المملوك بين الذكر والأنثى؛ لتناوله لهما.

قوله: «من وجب عليه شهران فإن صام هلالين فقد أجزأه» إلى آخره. إذا أراد صوم الشهرين، فإن ابتدأ من أوّل الهلال اعتبر الشهر الهلالي؛ لأنه المراد عند

ص: 172


1- السرائر، ج 3، ص 79.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 297؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 243، المسألة 75.
3- مختلف الشيعة، ج 8، ص 243، المسألة 75.
4- إيضاح الفوائد، ج 4، ص 84.
5- في بعض النسخ والطبعة الحجرية هنا زيادة: «مع أنّ ظاهر الرواية ما ذكرناه من اعتبار حد العبد حداً».

...

الإطلاق شرعاً، إلا أن يمنع من حمله عليه مانع وهو منتف هنا. فإن جاء ناقصاً كفى، وإن أكمل الشهرين كذلك اقتصر على الهلالين وإن كانا ناقصين.

وإن شرع فيه في أثناء الشهر - ويتحقّق ذلك بمضي يوم منه فصاعداً - اعتبر ذلك الشهر الذي ابتدأ فيه بالعدد وهو ثلاثون يوماً؛ لعدم إمكان حمله على الهلالي هنا. ثم إن استمر بعد دخول الشهر الثاني إلى آخره فالأقوى احتساب الثاني بالهلال، وإكمال الأول ثلاثين من الثالث.

أما الأوّل فلصدق اسم الشهر عليه فلا مانع من حمله على الهلالي وأما الثاني فلبنائه من حين الشروع فيه على أنه عددي فيلزم إكماله ثلاثين. ولا يتعين إكماله من الشهر الذي يليه؛ لأن الغرض من الإكمال يحصل سواء أكمل من الذي يليه أم من غيره، لكن إكماله منه يلزم منه اختلال الشهر الثاني وجعله عددياً مع إمكان جعله هلالياً على أصل وضعه بخلاف إكماله من الثالث، فكان أولى. والقول الآخر - الذي نقله المصنّف - أنه يكفي إكمال الأوّل من الثالث بقدر ما فات من الشهر الأوّل خاصةً. فلو فرض كونه ناقصاً وقد مضى منه عشرة أيام مثلاً فصام الباقي وهو تسعة عشر، كفى إكماله من الشهر الثالث عشرة أيام خاصةً. ووجه هذا القول ما أشرنا إليه من أن المعتبر شرعاً هو الهلالي، فإذا فات منه شيء اعتبر منه استدراكه فيتحقّق كماله. وعلى الأوّل يصوم من الثالث أحد عشر. وهو الأقوى. وفي المسألة قول ثالث: أنه مع انكسار الأوّل ينكسر الجميع ويبطل اعتبار الأهلة؛ لأنّ الشهر الثاني لا يدخل حتى يكمل الأول، وتمامه بعدد من الثاني فينكسر الثاني أيضاً. وقد أشرنا إلى جواب الثالث. وقد تقدّم البحث في هذه المسألة مراراً(1)

ص: 173


1- تقدّم في ج 3، ص 341 - 342: وج 7، ص 411 - 412.

الثانیّة • المعتبر في المرتبة حال الأداء لا حال الوجوب. فلو كان قادراً على العتق فعجز صام، ولا يستقر العتق في ذمته.

قوله: «المعتبر في المرتبة حال الأداء لا حال الوجوب» إلى آخره.

مذهب الأصحاب أن الاعتبار في مراتب الكفارة بحال أدائها، لا ب--ح-ال وجوبها؛ لأنّ خصال الكفّارة عبادات فيراعى فيها حالة الأداء كنظائرها من العبادات، فإنّ النظر في القدرة على استعمال الماء مثلاً والعجز عنه إلى حالة الأداء.

وكذلك في الصلاة النظر في القدرة على القيام و العجز عنه إلى حالة الأداء، حتى لو عجز عن القيام عند الوجوب وقدر عند الأداء يصلّي صلاة القادر، ولو انعكس الحال انعكس الحكم.

وخالف في ذلك بعض العامة هنا، فجعلوا الاعتبار بحالة الوجوب(1)؛ نظراً إلى أنّ الكفّارة نوع تطهير يختلف حاله باختلاف الوقت، كما في الحد مثلاً، فإنّه لو زنى وهو رقيق ثم أعتق، أو بكر ثم صار محصناً ، يقام عليه حدّ الأرقاء والأبكار.

ويتفرع على ذلك ما لو كان قادراً على العتق وقت الوجوب فلم يعتق ثمّ أعسر، فينتقل إلى الصيام على الأوّل. ولو كان عاجزاً عن العتق قادراً على الصوم ثم تجدد عجزه عنه وجب عليه الإطعام مع تمكنه منه، وعلى الثاني يبقى الواجب وقت الوجوب في ذمته، ولا ينتقل عنه. ولو انعكس فكان معسراً وقت الوجوب ثمّ أيسر وجب العتق أو كان عاجزاً عنه وعن الصوم ثم قدر على الصوم وجب على الأوّل دون الثاني، لكن لو تبرع به أجزاً، كما لو تكلّف الفقير العتق ولو بالاقتراض مع احتمال العدم؛ لأنه ليس من أهله. وممّا يتفرع عليه ما لو كان المكفّر عبداً حالة الوجوب فأعتق قبل أن يشرع في الصوم وأيسر، فإنّه يجب عليه العتق؛ لقدرته عليه بناءً على اعتبار حالة الأداء، ولو اعتبرنا حالة الوجوب لم يجب العتق.

ص: 174


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 618، المسألة 6222؛ وفي الوجيز، ج 2، ص 88، قال: الاعتبار في اليسار والإعسار بوقت الوجوب على قول.

الثالثة • إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالباً لم ينتقل فرضه، بل يجب الصبر، ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار، وفي الظهار تردّد.

وربما قيل بعدم وجوبه عليه على القولين؛ لأنّ كفّارة العبد لا تكون بالعتق، ويفرّق بينه وبين العاجز الحرّ إذا تجدّدت قدرته بأن الرقية مانع السبب، والعجز مانع الحكم، فإذا قدر عمل السبب عمله بخلاف ما إذا أعتق؛ لفقد سبب الحكم بالعتق حين وجوب الكفّارة، وعدم كونه من أهل الإعتاق حينئذ.

واعلم أنه على تقدير اعتبار حالة الأداء لا يخلو تعيين الواجب قبله من غموض؛ لأنّ المحكوم بوجوبه حال المخاطبة بها من الخصال ليس هو المراد عند الأداء؛ لعدم اجتماع شرائطه حينئذ، بل إمّا أن يقال: الواجب أصل الكفّارة ولا يوصف خصلة على التعيين بالوجوب، أو يقال: يجب ما يقتضيه حال الوجوب ثمّ إذا تبدل الحال تبدل الواجب، كما أنه يجب على القادر صلاة القادرين ثمّ إذا عجز تبدلت صفة الصلاة. ولعلّ هذا أشبه.

قوله: «إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالباً لم ينتقل فرضه» إلى آخره. إذا كان ماله غائباً أو حاضراً ولا يجد الرقبة في الحال وهي مما يتوقع وجودها غالباً لم ينتقل فرضه في المرتبة إلى الصيام، بل يجب الصبر إلى أن يتمكن؛ لأن الكفارة على التراخي والوجدان متحقّق في الجملة، وبتقدير أن يموت لا يفوت بل تؤدى من تركته. هذا في غير الظهار. أما فيه فإن لم يتضرّر بترك الجماع فكذلك، وإلا ،فوجهان، مما ذكر ومن لزوم الضرر أو المشقة المنفيين شرعاً(1)، فكان بسبب ذلك بمنزلة الفاقد. وفي الانتقال إلى الصوم قوّة.

والفرق بينه وبين المريض المتضرّر بالصوم حيث جاز له الانتقال إلى الإطعام وإن رجا البرء. أنّ الله تعالى قال:«فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن»(2) ، ولا يقال لمن يملك مالاً

ص: 175


1- راجع سورة الحجّ (22) 78؛ ووسائل الشيعة، ج 25، ص 427 الباب 2 من كتاب إحياء الموات.
2- المجادلة (58): 4.

إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثم وجد ما يعتق

الرابعة: • إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العود

وإن كان أفضل، وكذا لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثم زال العجز.

جماً غائباً عنه: إنه غير واجد للرقبة، وقال في الصيام:«فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»(1) ويقال للعاجز بالمرض الناجز: إنّه غير مستطيع للصوم، وأيضاً فوصول ال-م--ال يتعلق باختياره غالباً، والاختيار في مقدّمات الشيء، والتسبيب إليه كالاختيار في نفسه، وزوال المرض لا يتعلّق بالاختيار.

ولو وجد من يبيعه نسيئة إلى أن يحضر ماله الغائب ففي وجوب الشراء وجهان، م--ن تحقّق الوجدان حينئذ، والعوض موجود في نفسه، ومن احتمال تلف المال قبل وصوله

فيتضرر بالدين

وأطلق كثير من وجوب الاستدانة حينئذ. وينبغي تقييده بالوثوق بسلامته غالباً، وإلا

فعدمه أوجه.

قوله: «إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثم وجد ما يعتق» إلى آخره. وجه عدم لزوم العتق حينئذ مع صدق الوجدان الموجب لعدم إجزاء الصوم أنّه عند الشروع كان فاقداً، ومن ثَمّ شرع البدل، فلو لم يسقط التعبد بالعتق لم يكن الصوم بدلاً، ومتى ثبت السقوط استصحب والخطاب تعلّق بالعتق قبل الشروع في الصوم لا بعده، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال : سُئل عمن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق، قال: ينتظر حتى يصوم شهرين متتابعين، فإن ظاهر وهو مسافر انتظر حتى يقدم، وإن صام

وأصاب مالاً فليمض الذي ابتدأ فيه»(2).

وقال ابن الجنيد: لو أيسر قبل صوم أكثر من شهر وجب العتق(3)؛لصحيحة محمد بن مسلم

ص: 176


1- المجادلة (58): 4.
2- الكافي، ج 1، ص 156، باب الظهار، ح 12؛ الفقيه، ج 3، ص 532 ح 4839؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17 ، ح 53؛ الاستبصار، ج 3، ص 267، ح 957.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 433، المسألة 87.

الخامسة: • لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار قال الشيخ: لا يجزئه؛

لأنّه كفّر قبل الوجوب، وهو حسن.

أيضاً عن أحدهما في رجل صام شهراً من كفّارة الظهار ثمّ وجد نسمة ، قال : «يعتقها ولا يعتد بالصوم»(1). وهي محمولة على الأفضل ؛ جمعاً بينها وبين صحيحته الأخرى. وكذا البحث فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثُمّ قدر على الصوم، فإنّه

لا يجب العود إليه؛ لما ذكر من التعليل، ويزيد هنا أنّه لا معارض من جهة النص. ويتحقّق الشروع في الصوم بدخول جزء من اليوم ولو لحظة، وفي الإطعام بشروع

المسكين في الأكل إن كفّر به، وتسليم مد إليه إن كفّر بالتسليم. واعلم أن سقوط الحكم بالعتق على تقدير الشروع في الصوم يصير مراعي بإكمال الصوم على الوجه المأمور به، فلو عرض في أثنائه ما يقطع التتابع ووجدت القدرة على

له

العتق حينئذ - إما باستمرار السابق أو بأمر متجدد - وجب العتق لوجود المقتضي وهو القدرة عليه قبل أن يشرع في الصوم؛ لأنه ببطلان السابق ينزل منزلة من لم يصم أصلاً بالنسبة إلى الكفّارة، وإن لم يحكم ببطلان صوم الأيام السابقة في نفسها بالنسبة إلى

الثواب عليها.

ولو فقدت القدرة على الإعتاق قبل أن يجب استئناف الصوم بقي حكم الصوم بحاله. ومثل هذا ما لو وجد المتيمم الماء بعد الشروع في الصلاة إذا لم نقل بالقطع، فإنّه لا يفسد التيمم، إلّا أن يستمر وجدان الماء إلى أن فرغ من الصلاة وتمكن من استعماله، فإن فقد قبل ذلك بقي التيمم بحاله. ولو فُرض قطعه الصلاة ولو بسبب محرّم قبل فقدان الماء بطل التيمم حينئذ وکلّف بالطهارة المائية.

قوله: «لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار» إلى آخره.

لا خلاف في أنّ كفّارة الظهار لا تجب إلا إذا ظاهر وعاد، لكن سببها هل هو الظهار

ص: 177


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 17 ، ح 54؛ الاستبصار، ج 3، ص 268، ح 958.

السادسة و لا تدفع الكفّارة إلى الطفل؛ لأنّه لا أهلية له، وتدفع إلى وليه.

والعود شرط، أو العود خاصةً، أو السبب مركب منهما ؟ أوجه أظهرها الوسط. ويتفرع على ذلك ما لو كفّر قبل العود وبعد الظهار، فإن جعلنا السبب هو العود لم تجزئ؛ لأنّ الأصل في الواجب أن لا يقدم على وقته، ولأنّها قبل العود لم تكن واجبةً فلا تقع مجزئة عن الواجب.

وهذا هو الذي نقله المصنّف عن الشيخ(1) واستحسنه، ولا نعلم للأصحاب قولاً بخلافه. نعم، لو جعلنا السبب هو الظهار والعود شرطاً أو جعلنا العود جزء السبب احتمل جواز تقديمها، كما يجوز تقديم الزكاة على الحول مع وجود بعض سببها - وهو ملك النصاب - وعدم تمامه بالحول وهو قول لبعض الشافعية(2). والشيخ وافقهم على تعجيل الزكاة على

الحول(3)، ووافق هنا على عدم إجزاء الكفّارة. وكلاهما عندنا ممنوع.

قوله: «لا تدفع الكفّارة إلى الطفل؛ لأنه لاأهلية له، وتدفع إلى وليه» إذا أُعطي الطفل من الكفّارة، فإن كانت العطية بتسليم المد اعتبر تسليمه لوليه؛ لأنّ الطفل محجور عليه في أمواله وقبضها إلا بإذن الولي.

وقال الشيخ في الخلاف : يجوز دفعه إلى الطفل : محتجاً(4) بالإجماع وعموم قوله تعالى: فَإِطْعَامُ سِيِّينَ مِسْكِينًا»(5)

مع أنّه في المبسوط قال: لا تدفع الكفّارة إلى الصغير؛ لأنه لا یصحّ منه القبض، لكن تدفع إلى وليه ليصرفها في مصالحه، مثل ما لو كان له دين لم یصحّ قبضه(6)

ص: 178


1- الخلاف، ج 4، ص 559 ، المسألة 58.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 451؛ وروضة الطالبين، ج 6 ، ص 252.
3- لم نعثر على موافقة الشيخ لهم، نعم جوّز على وجه القرض. راجع الخلاف، ج 2، ص 43، المسألة 46؛ والمبسوط، ج 1، ص 316؛ والنهاية، ص 183.
4- الخلاف، ج 4، ص 564، المسألة 68.
5- المجادلة (58): 4.
6- المبسوط، ج 4، ص 203.

لا تُصرف الكفّارة إلى من تجب نفقته على الدافع

السابعة: • لا تُصرف الكفّارة إلى من تجب نفقته على الدافع، كالأب والأُمّ والأولاد والزوجة والمملوك، لأنّهم أغنياء بالدافع، وتدفع إلى من سواهم وإن كانوا أقارب.

وإن كانت بالإطعام فالأقوى جوازه بدون إذن الولي؛ إذ ليس فيه تسليط للطفل على ماله؛ لأنّ الطعام ملك للدافع لا ينتقل إلى ملك الأكل إلا بالازدراد، فلا يصادف ذلك تصرفه

في ماله فكان سائغاً، ولأنّ الغرض من فعل الوليّ إطعامه وهو حاصل، والداف-ع م-ح-س-ن

محض فينتفي عنه السبيل(1) ، ولعموم قوله تعالى: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا»(2) و یحتمل المنع بدون إذن الولي کالتسلیم؛ لأن مقتضی عموم ولايته توقف التصرف في مصالح الطفل على أمره.

والكسوة في معنى التسليم؛ لاقتضائها التمليك، بخلاف الإطعام. وربما احتمل في الكسوة عدم توقفها على إذن الولى؛ لأنها من ضرورات الطفل، ولا يمكن الولي ملازمتها وهي ملبوسة له فتكون في معنى الإطعام والأصح الأول.

قوله: «لا تصرف الكفّارة إلى من تجب نفقته على الدافع» إلى آخره.

لما كانت المسكنة - المتحقّقة هنا بعدم القدرة على مؤونة السنة - شرطاً في المستحق وكانت نفقة العمودين والزوجة والمملوك واجبة على الأب والابن والزوج والمولى، كان المنفق عليه غنيّاً بذلك، فلا يجوز أن يعطى من الكفّارة؛ لفقد شرط الاستحقاق. وعلى هذا

فلا فرق في عدم جواز الصرف إليهم بين كون الدافع هو من تجب عليه النفقة وغيره. وإنّما خص المصنّف الحكم بمن تجب عليه النفقة لفائدة، هي أن عدم جواز دفعه إليهم منها غير مقيد ببذله النفقة لهم وعدمه؛ لأنه بقدرته على الإنفاق عليهم يصيرون بالنسبة إليه بمنزلة الغني، فلا يجوز له صرفها إليهم، حتى لو منعهم من أنفقه وصاروا محتاجين فحكمهم كذلك بالنسبة إليه؛ لأنّ الشرط مقدور عليه من جهته والتقصير واقع منه، فلم يفترق الحال

ص: 179


1- إشارة إلى الآية 91 من سورة التوبة (9).
2- المجادلة (58): 4.

الثامنة • إذا وجبت الكفّارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس، سواء كفّر بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام.

بين بذله النفقة وعدمه بخلاف الأجنبي، فإنّ تحريم دفعه الكفّارة إليهم مشروط ببذل المنفق ما يجب عليه لهم من النفقة ليصيروا أغنياء، فلو لم يكن باذلاً لهم وصاروا محتاجين جاز لغيره أن يعطيهم منها؛ لتحقّق الوصف فيهم، وعدم قدرة ذلك الدافع على تحصيل الشرط؛ لأنه متعلّق بفعل غيره، اللهمّ إلّا أن يكون الدافع حاكماً شرعياً ويمكنه إجبار المنفق عليها، فيكونون حينئذ كالأغنياء بالقوّة بالنسبة إليه أيضاً. واعلم أنه لا يحتاج إلى تقييد واجب النفقة بكون المُنفِق غنيّاً؛ لأنه إذا لم يقدر ع--ل-ى الإنفاق لا يحكم عليه بوجوب النفقة عليه، والأمر في العبارة مفروض في ذلك. وأنه لا فرق في الزوجة بين الناشز والمطيعة، وإن كانت الناشز لا تجب نفقتها وهي فقيرة بذلك؛ لقدرتها على تحصيل الغنى بالطاعة فكانت غنيّة بالقوّة كالمكتسب لقوت سنته إذا ترك التكسب مختاراً. والحكم في الأب ونحوه من الأقارب مخصوص بنفقة نفسه، فلو كان له زوجة لم يجب على الولد الإنفاق عليها. وهل يجوز للولد إعطاء الأب لأجل الإنفاق عليها؟ ظاهر العبارة وغيرها العدم. ويؤيده أن المعطى غني بالنظر إلى نفقة نفسه فلا يستحقها، وفقير بالنظر إلى نفقة الزوجة فلا يجب عليه الإنفاق عليها؛ لأنه المفروض، فلا يجوز. نعم، لو كانت فقيرةً جاز الدفع إليها كغيرها. وكذا القول في أولاد الأب؛ لأنهم إخوة، وفي زوجة الابن أما أولاده فإنهم أولاد. قوله: «إذا وجبت الكفّارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس» إلى آخره. هذه المسألة تقدمت في باب الظهار، وبينا الوجه في ذلك، وفائدة التسوية بين الأمور الثلاثة، وأنّ ابن الجنيد فرّق بينهما فأوجب الكفارة للوطء قبل العتق والصيام دون الإطعام(1) ، فلا وجه لإعادته، كما لا وجه لإعادتها.

ص: 180


1- تقدّم في ص 75، وحكاه عن ابن الجنيد العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 424، المسألة 77.

التاسعة • إذا وجب عليه كفّارة مخيّرة كفّر بجنس واحدٍ، ولا يجوز أن يكفّر بنصفين من جنسين.

العاشرة: • لا يجزئ دفع القيمة في الكفّارة؛ لاشتغال الذمة بالخصال، لابقيمتها.

قوله: «إذا وجب عليه كفارة مخيّرة كفّر بجنس واحد» إلى آخره.

وذلك بأن يعتق نصف رقبة مثلاً ويصوم شهراً، أو يصوم شهراً ويطعم ثلاثين مسكيناً، أو يطعم خمسةً ويكسي خمسةً في كفّارة اليمين وإنّما لم يجزئ ذلك؛ لأن الله تعالى أوجب الخصال المخصوصة مفصلةً على ذلك الوجه المرتب أو المخيّر، والتفصيل يقطع الاشتراك. ولأنّ من أعتق نصف رقبةٍ وصام شهراً - مثلاً - لا يصدق عليه أنّه حرّر رقبةٌ ولا صام شهرين متتابعين، فلا يكون قد أتى بالمأمور به، فيبقى في العهدة. نعم، يجوز له في الخصلة الواحدة التفريق في أصنافها، بأن يطعم بعض المستحقين ويسلّم إلى بعضهم، أو يطعم البعض نوعاً من القوت الغالب والبعض الآخر غيره، أو يكسو بعضهم نوعاً من الثياب والبعض الآخر غيره، ونحو ذلك؛ لصدق اسم الإطعام والكسوة على

هذا الوجه.

قوله: «لا يجزئ دفع القيمة في الكفّارة؛ لاشتغال الذمة بالخصال، لا بقيمتها». إذ لا يصدق على من دفع قيمة الطعام أنه أطعم، ولا من دفع قيمة الكسوة أنّه كسى والأمر متعلّق بعين الخصال. وهو إجماع، وإنّما خالف فيه بعض العامة(1) من حيث اشتراكهما في المقتضي، وهو منفعة المسكين. ويضعف، بأنّ مطلق المنفعة غير مقصودة، بل المنفعة على الوجه المأمور به، وهو منتف في القيمة.

ص: 181


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 11، ص 257، المسألة 8024؛ مختصر المزني، ج 9، ص 221.

الحادية عشرة: • قال الشيخ من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين متتابعين من الأشهر الحُرُم وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق، وه-ي رواية زرارة والمشهور عموم المنع.

قوله: «قال الشيخ: من قتل في الأشهر الحُرُم وجب عليه صوم شهرين»(1) إلى آخره.

قد عرفت أنه يشترط تتابع الشهرين المتحقّق بتتابع شهر ويوم، وأنه لو شرع فيه على وجه لا يتم فيه ذلك - بأن يتخلّله مانع من الصوم كالعيد ورمضان - لا يقع الصوم صحيحاً، ولا يجوز صوم العيد لأجل ذلك. وهو إجماع، لكن استثنى الشيخ (رحمه الله) من ذلك صورةً واحدةً، وهي ما لو كانت الكفّارة قد وجبت بسبب القتل في أشهر الحرم، فإنّه يجب عليه صوم شهرين منها، وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق فيصومها معها ويحتسبها من العدة(2). والمستند رواية زرارة عن أبي جعفر قال: سألته عن رجل قتل رجلاً خطاً في الشهر الحرام، قال: «تغلّظ عليه الدية، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم». قلت: فإنّه يدخل في هذا شيء، قال: «وما هو»؟ قلت: يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصوم، فإنه حق لزمه»(3).

وهذه الرواية شاذة، وفي طريقها سهل بن زياد(4) ، ومخالفة لغيرها من الأخبار الصحيحة(5) والإجماع الدال على تحريم صوم العيد مطلقاً فالإعراض عنها متعين. وتضمّنت القتل خطاً فيمكن إلحاق العمد بطريق أولى؛ لأنّ ظاهرها أن ذلك على وجه التغليظ عليه فيكون في العمد أولى. وظاهرها أنّ ذلك على وجه الوجوب كما ذكره المصنّف، لكنّه غير صريح فيه.

ص: 182


1- لم ترد هذه المسألة في نسخة «أ» من نسخ الشرائع.
2- الخلاف، ج 4، ص 555 ، المسألة 52.
3- الكافي، ج 4، ص 139، باب من وجب عليه صوم شهرين...، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 297، ح 896؛ الاستبصار، ج 2، ص 131 ، ح 428.
4- راجع رجال النجاشي، ص 185 ، الرقم 490.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 10، ص 513 وما بعدها، الباب 1 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه، وص 516 - 518، الباب 2 من هذه الأبواب.

من وجب عليه صوم شهرين فعجز صام ثمانیّة عشر يوماً

الثانیّة عشرة: كلّ من وجب عليه صوم شهرين فعجز صام ثمانیّة عشر يوماً، فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله سبحانه ولا شيء عليه.

واعلم أنّ هذه المسألة تقدمت في كتاب الصوم،(1) وبواسطة ذلك اختلفت نسخ الكتاب بذكرها هنا وعدمه، فكأنّ المصنّف ألحقها في بعض النسخ لمناسبة الباب، وأزالها من بعض حذراً من التكرار. قوله: «كلّ من وجب عليه صوم شهرين فعجز صام ثمانیّة عشر يوماً» إلى آخره. إطلاق وجوب الشهرين يشمل ما لو وجبا بسبب كفّارة أو نذرٍ وما في معناه، وما لو وجبا في الكفّارة تعييناً أو تخييراً؛ لأنّ الواجب المخيّر بعض أفراد الواجب بقول مطلق. وف--ي الحكم بذلك على إطلاقه إشكال، وفي مستنده ،قصور، لكن العمل بذلك مشهور بين الأصحاب.

وقد تقدّم في الظهار رواية أبي بصير(2) عن أبي عبد الله المتضمنة لوجوب صوم ثمانیّة عشر يوماً لمن عجز عن الخصال الثلاث.

وروى عبد الله بن سنان في الحسن عن أبي عبد الله في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكيناً، قال: «يتصدق ما يطيق»(3).

وجمع الشهيد (رحمه الله في الدروس بين الخبرين بالتخيير بين الأمرين(4) . وفي اشتراط التتابع في الثمانیّة عشر وجهان، من أصالة البراءة، وكون التتابع واجباً في الأصل فكذا في البدل. والملازمة ممنوعة.

ص: 183


1- تقدّمت في ج 1، ص 571.
2- تقدّمت روايته في ص 80-81.
3- الكافي، ج 4، ص 102، باب من أفطر متعمّداً من غير عذر ...، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 206، ح 596؛ الاستبصار، ج 2، ص 96، ح 313.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 192 - 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

...

وخرج العلّامة وجوب الإتيان بالممكن من الصوم والصدقة وإن تجاوز الثمانیّة عشر ا(1)؛ عملاً بعموم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(2) حتّى لو أمكن الشهران متفرقين وجب مقدّماً على الثمانیّة عشر.

وفي الجمع بين ذلك والحكم بالثمانیّة عشر بخصوصه نظر. وقطع النظر عن هذا البدل والرجوع إلى العموم(3) أولى من تکلّف هذا الجمع وعلى تقدير ثبوته لا وجه لوجوب الزائد عنه وإن قدر عليه؛ لأنّ قصد(4) البدلية يوجب ذلك.

وفهم بعضهم(5) أن الصدقة بعد العجز عن صوم الثمانیّة عشر عن كل يوم من أيام الستين لا الثمانیّة عشر. وهو لا يتم على إطلاقه؛ لأنّ من جملة موجب الشهرين الكفّارة المخيّرة كما قررناه، والانتقال فيها إلى صوم الثمانیّة عشر مشروط بالعجز عن الستين، فكيف يرجع إليها بعد الخروج منها ؟ ثمّ على تقدير إرادة ما يعمّ المخيّرة لا وجه للتقييد بالعجز عن الشهرين في الانتقال إلى الثمانیّة عشر لأنها مشروطة بالعجز عن الإطعام أيضاً. وبالجملة ليس لهذا الحكم مرجع يعتد به حتى يلحظ ويرتب عليه ما يناسبه من الأحكام. وأما الاستغفار بعد العجز عن جميع ذلك، فهو بدل مشهور بين الأصحاب ومختص بهم، ولا يختص عندهم بكفّارة، بل يجزئ في جميع الكفارات عند العجز عن خصالها، إلا الظهار فقد تقدّم فيه الخلاف(6)، وقد تقدّم في رواية أبي بصير عن الصادق صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما

ص: 184


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 392، الرقم 5984.
2- مسند أحمد، ج 3، ص 307، ح 10229؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 534 ، ح 2668، بتفاوت
3- كالآية 4 من سورة المجادلة (58)؛ وعموم الأحاديث الدالة على وجوب الكفّارة المرتبة، راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 359 وما بعدها، الباب 1 من أبواب الكفّارات.
4- في بعض النسخ والحجريّتين: «قضيّة» بدل «قصد».
5- لم نتحقّقه.
6- تقدّم في ص 78.

...

تجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار»(1) الحديث. وفى الطريق ضَعْفٌ.

وروى زرارة عن أبي جعفر قال: سألته عن شيء من كفارة اليمين إلى أن قال، قلت: فإنّه عجز عن ذلك، قال: «فليستغفر الله عزّ وجلّ ولا يعود»(2). وفي طريقها ابن بكير(3) و ابن فضال(4) .

مع أنّه لم ينقل جعله بدلاً في الكفارات التي سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان والظهاره(5) وغيرهما(6)، وقد تقدّم بعضه(7)، مع اعتراف السائل بالعجز عن الخصال(8)

ويظهر من الأصحاب الاتفاق على جعل الاستغفار بدلاً في غير الظهار. والمعتبر منه مرّة واحدة بالنیّة عن الكفّارة، ضاماً إلى اللفظ الندم على ما فعل، والعزم على عدم العود إن كانت

عن ذنب، وإلا كفى مجرّد الاستغفار وكان وجوبه تعبداً أو عن ذنب غيره على تقديره. ولو تجددت القدرة على الكفّارة بعده ففي وجوبها وجهان. وفي رواية إسحاق بن عمّار

في المظاهر: «يستغفر ويطأ، فإذا وجد الكفّارة كفّر»(9). وقد تقدم البحث في ذلك کلّه(10)

ص: 185


1- تقدّم تخريجه في ص 79، الهامش 8.
2- الكافي، ج 7، ص 453 - 454، باب كفّارة اليمين، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 298، ح 1104؛ الاستبصار، ج 4، ص 52 - 53 ، ح 180.
3- راجع الفهرست الشيخ الطوسي، ص 304، الرقم 464.
4- راجع رجال النجاشي، ص 35 ، الرقم 72.
5- راجع الاستبصار، ج 3، ص 266، ح 953.
6- الفقيه، ج 2، ص 115 - 116، ح 1887.
7- تقدّم في ص 36.
8- الكافي، ج 2، ص 162 - 163، باب البر بالوالدين...، ح 18.
9- الكافي، ج 7، ص 461، باب النوادر ، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 320 - 321، ح 1190؛ الاستبصار، ج 4، ص 56 ، ح 196. .
10- تقدّم في ص 78 وما بعدها.

ص: 186

كتاب الإيلاء

و النظر في أمور أربعة:

الأمر الأول في الصیغة

. ولا ينعقد الإيلاء إلا بأسماء الله سبحانه مع التلفظ، ويقع بکلّ لسان مع القصد إليه.

كتاب الإيلاء

الأمر الأوّل في الصیغة

هو لغة: الحلف، يقال: آلى يؤلي إيلاء وأليّةً، والجمع ألايا، مثل عطية وعطايا. ويقال: ائتلى يأتلي ائتلاء، ومنه قوله تعالى:«وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى»(1)

وشرعاً: حلف الزوج الدائم على ترك وطء زوجته المدخول بها قبلاً، مطلقاً أو زيادةً عن أربعة أشهر للإضرار بها. وهو من باب تسمية الجزئي باسم الكلّي.

والأصل فيه قوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَآبِهِمْ»(2) الآية. وقد كان طلاقاً في الجاهلية كالظهار، فغير الشرع حكمه، وجعل له أحكاماً خاصةً إن جمع شرائطه، وإلا فهو يمين يعتبر فيه ما يعتبر في اليمين ويلحقه حكمه. قوله: «ولا ينعقد الإيلاء إلا بأسماء الله سبحانه مع التلفّظ - إلى قوله - وهو حسن»

ص: 187


1- لسان العرب، ج 14، ص 40، «ألا»؛ والآية في سورة النور (24): 22.
2- البقرة (2): 226.

واللفظ الصريح: «والله لا أدخلت فرجي في فرجك أو يأتي باللفظة

المختصة بهذا الفعل، أو ما يدلّ عليها صريحاً.

والمحتمل كقوله: «لا جامعتكِ» أو «لا وطئتكِ». فإن قصد الإيلاء صح ولا يقع مع تجرّده عن النیّة. أما لو قال: «لا جمع رأسي ورأسكِ بيت» أو «مخدّة» أو «لا ساقفتكِ»، قال فى الخلاف لا يقع به إيلاء، وقال في المبسوط: يقع مع القصد وهو حسن

لمّا كان الإيلاء ضرباً من مطلق اليمين لم ينعقد إلا بالله تعالى أو أسمائه الخاصة، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في اليمين(1) ، وقد قال : «من كان حالفاً فليحلف بالله أو فليصمت»(2). ولا تكفي نيته، بل يعتبر التلفظ به بأي لغة اتفق؛ لاشتراك اللغات في إفادة المعنى المقصود.

ثمّ متعلّق الإيلاء إن كان صريحاً في المراد منه لغةً وعرفاً كإيلاج الفرج في الفرج، أو عرفاً كاللفظة المشهورة في ذلك، فلا شبهة في وقوعه. وإن وقع بغير الصريح فيه كالجماع والوطء الموضوعين لغةٌ لغيره(3)، وعبّر بهما عنه عرفاً عدولاً عما يستهجن التصريح به إلى بعض لوازمه، فإن قصد به الإيلاء وقع أيضاً بغير خلاف، كما لا إشكال في عدم وقوعه لو قصد بهما غيره. أما لو أطلق ففي وقوعه نظراً إلى صراحتهما عرفاً، أو عدمه نظراً إلى احتمالهما غيره من حيث عمومهما لغةً قولان، أصحهما الوقوع كالصريح(4) ؛ وفي الأخبار تصريح بالاكتفاء بلفظ الجماع، وفي صحيحة أبي بصير عن الصادق

ص: 188


1- يأتي في ج 9، ص 47 وما بعدها
2- مسند أحمد، ج 2، ص 77 - 78، ح 4579 ، وفيه : « وإلا فليصمت » : صحيح البخاري ، ج 6، ص 2449 ، ح 6272/6270.
3- لسان العرب، ج 8، ص 53؛ المصباح المنير، ص 109، «جمع»، وص 664، «وطئ».
4- وهو قول العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 270؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 4، ص 13.

...

قال: سألته عن الإيلاء ما هو ؟ فقال: «هو أن يقول الرجل لامرأته: والله لا أجامعكِ»(1) الحديث، ولم يقيد بالقصد الزائد على اللفظ الصريح، فإنه معتبر في جميع الصيغ، وأجاب به لفظ «ما هو ؟ » المطلوب به نفس الماهية فيكون حقيقةً فيه، ولا ينافيه دخول غيره فيها بدليل خارج أو بطريق أولى. وأما قوله «لا جمع رأسي ورأسك مِخَدّةً» - بكسر الميم وفتح الخاء، سمّيت بذلك؛ لأنّها موضع الخدّ عند النوم(2) - وقوله «لا ساقفتك» - أي لا اجتمعت أنا وأنتِ تحت سقف - ففي وقوع الإيلاء بهما مع قصده قولان:

أحدهما: عدم الوقوع. وهو قول الشيخ في الخلاف(3) وابن إدريس(4)، والعلامة(5) ؛ لاحتمال هذه الألفاظ لغيره احتمالاً ظاهراً، فلا يزول بها الحلّ المتحقّق ولا يرتفع بها أصالته، كما لا يقع الطلاق بالكنايات وإن قصده بها.

والثاني - واختاره في المبسوط(6)، واستحسنه المصنّف والعلّامة في المختلف(7) - الوقوع لحسنة بريد بن معاوية عن الصادق أنه قال: «إذا الى أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجتمع رأسه ورأسها فهو في سعة ما لم تمض أربعة أشهر»(8)، ولأنّه لفظ استعمل عرفاً فيما نواه، فيحمل عليه كغيره من الألفاظ.

ص: 189


1- الكافي، ج 6 ، ص 132 ، باب الإيلاء، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 3 ، ح 4؛ الاستبصار، ج 3، ص 253، ح 906.
2- الصحاح، ج 1، ص 468، «خدد».
3- الخلاف، ج 4، ص 515 ، المسألة 7.
4- السرائر، ج 2، ص 722.
5- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 57.
6- المبسوط، ج 4، ص 133.
7- مختلف الشيعة، ج 7، ص 437، المسألة 88.
8- الكافي، ج 6، ص 130، باب الإيلاء ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 3، ص 255، ح 915.

• ولو قال: «لا جامعتك في دبركِ» لم يكن مؤلياً.

وفيه نظر؛ لأنّ الرواية ليست صريحة؛ لاحتمال كون الواو» للجمع، فيتعلّق الإيلاء بالجميع، فلا يلزم تعلّقه بكلّ واحد. وتوقفه على النیّة يدلّ على كونه كناية، والكنايات

لا تكفي عندنا. وخروج هذين من بين الكنايات يحتاج إلى دليل صالح، وهو منتف. والفرق بين هذه الألفاظ وغيرها من الصريح حيث افتقرت إلى النیّة - على القول بالوقوع بها - مع توقف الصريح على القصد أيضاً أنّ هذه النیّة أمر زائد على القصد المعتبر في کلّ لفظ، بمعنى أنه لا يحكم عليه بما يوقعه بالكناية إلا أن يصرح بك--ون-ه ن--وى ب-ه الإيلاء ونحوه بخلاف الصريح، فإنّه يحكم عليه بالوقوع ظاهراً وإن لم يظهر قصده، حملاً للفظ العقلاء على مدلوله الظاهر وقصده إليه، حتى لو فرض دعواه عدم قصده إلى الصريح لا يسمع ظاهراً، ويحكم عليه بالوقوع، وإن كان فيما بينه وبين الله تعالى

غير واقع عليه.

واعلم أنه حيث لا يقع الإيلاء بهذه الألفاظ ونحوها يقع اليمين على طبق ما قصده منها وإن لم يوافق الظاهر منها؛ لأنّ اليمين تتعيّن بالنیّة حيث تقع الألفاظ محتملةً، وتتخصص وتتقيد حيث تكون عامةً أو مطلقةً، فإن قصد بقوله: «لا جمع رأسي ورأسك مخدّةً» ونحوه الجماع وقع يميناً وإن لم يقع إيلاء، فيلحقه حكم اليمين، وإن قصد به كونهما مجتمعين على مخدة واحدة انعقد كذلك. وكذا القول في غيره من الألفاظ حيث لا يقع إيلاء. فيعتبر حينئذٍ في اليمين الأولوية أو تساوي الطرفين، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى(1).

:قوله ولو قال: لا جامعتك فى دبرك، لم يكن مؤلياً». لأنّ الجماع على هذا الوجه لا حق للزوجة فيه، ولا ينصرف إليه الإطلاق، بل هو

إحسان إليها لا إضرار، فلا يقع به الإيلاء، بل يقع يميناً مطلقاً، فيلحقه حكمه.

ص: 190


1- يأتي في ج 9، ص 71.

. وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ قولان أظهرهما اشتراطه

فلو علقه بشرط أو زمانٍ متوقع كان لاغياً.

قوله: «وهل يشترط تجريد الايلاء عن الشرط؟» إلى آخره.

القول باشتراط تجريده عن الشرط والصفة للشيخ في الخلاف(1) وأتباعه(2) وابن إدريس(3) والمصنّف وأحد قولى العلامة(4)؛ لأصالة عدم وقوعه في محل الخلاف واحتج في الخلاف عليه بإجماع الفرقة، مع أنه قال في المبسوط بوقوعه معلقاً بالشرط والصفة (5)، وقواه في المختلف؛ لعموم القرآن(6) السالم عن المعارض(7)، وهو قاطع للأصل الذي ادعوه على عدمه.

ولا ريب في قوّة هذا القول، وقد تقدّم مثله في الظهار(8)، إلا أنه هناك منصوص الوقوع، فلذا حكموا به

والعجب من إطباقهم على عدم وقوع الطلاق معلّقاً مع أنّ هذا الدليل العام السالم عن المعارض وارد فيه حرفاً بحرف والظاهر أنّ الحامل للمتأخرين على عدم القول ب-ه م-ا فهموه من أنه إجماع وهو حجّة برأسه بخلاف ما هنا، فإنّ الشيخ وإن ادعى الإجماع إلا أن فساد هذه الدعوى واضح فسهل القول بوقوعه؛ نظراً إلى الدليل. والشيخ في المبسوط صرّح بأنّ المانع له من القول بوقوع الطلاق معلّقاً على الشرط إنّما هو إجماع الفرقة(9) ، وإلا كان الدليل يدلّ عليه كما يدلّ على وقوع الإيلاء والظهار.

ص: 191


1- الخلاف، ج 4، ص 517 ، المسألة 12.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 335؛ و ابن زهرة في غنیّة النزوع، ج 1 ، ص 363.
3- السرائر، ج 2، ص 722.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 114، الرقم 5482؛ تلخيص المرام، ص 233؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 57 ، وفيه: «على رأي».
5- المبسوط ، ج 4 ص 134، وفيه: لا يقعان بصفة.
6- البقرة (2): 226.
7- مختلف الشيعة، ج 7، ص 437، المسألة 79.
8- تقدّم في ص 31 وما بعدها.
9- المبسوط، ج 4، ص 134.

. ولو حلف بالعتاق أن لا يطأها أو بالصدقة أو التحريم لم يقع ولو قصد الإيلاء. ولو قال: «إن أصبتكِ فعلي كذا، لم يكن إيلاء.

. ولو آلى من زوجةٍ وقال للأخرى: «شركتكِ معها» لم يقع بالثانیّة ولو نواه؛ إذ لا إيلاء إلا مع النطق باسم الله.

قوله: «ولو حلف بالعتاق أن لا يطأها أو بالصدقة أو التحريم لم يقع» إلى آخره. مذهب الأصحاب أنّ الإيلاء يختص باليمين بالله تعالى: لما ذكرناه من أنه يمين خاص ولا يمين إلا بالله. ووافقنا على ذلك كثير من العامة (1).

وقال بعضهم: لا يختص به، بل إذا قال: «إن وطئتكِ فعبدي حرّ، أو مالي صدقة، أو حلائلي محرمات» كان مؤلياً (2)، فيلزمه مع الوطء كفارة الإيلاء أو الوفاء بالملتزم. ومثله ما لو قال: «إن أصبتكِ فعلي كذا» بل أولى بعدم الوقوع؛ لأنه كناية لا يقع به عندنا و إن ذكر اسم الله تعالى.

قوله: «ولو آلى من زوجةٍ وقال للأخرى: شركتك معها لم يقع بالثانیّة» إلى آخره. إذا آلى من زوجته بأن قال: «والله لا أجامعكِ» مثلاً، ثمّ قال لامرأةٍ له أُخرى: «أشركتكِ معها»، أو «أنتِ شريكتها» أو «مثلها» ونوى بذلك الإيلاء عنها لم يصر مؤلياً من الثانیّة؛ لأنّ

عماد الإيلاء ذكر اسم الله تعالى فلا ينعقد بالكناية في المحلوف به وإن قلنا بوقوعه بالكناية في المحلوف عليه.

وهذا هو الموجب لذكر المسألة للتنبيه على الفرق بين الأمرين، فإن الكنايات عن الوطء ممّا يحسن، فتوسّع فيه على الخلاف السابق(3)، بخلاف الكناية عن اسم الله تعالى فإنّ التصريح باسمه عماد اليمين حتى لو قال: «به لأفعلن كذا ثمّ قال: «أردت بالله»، لم تنعقد يمينه.

ص: 192


1- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 343، وفيه على قولين والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 504 - 505 ، المسألة 6105؛ وروضة الطالبين، ج 1، ص 206، قال فيه: قولان.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 343، وفيه على قولين والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 504 - 505 ، المسألة 6105؛ وروضة الطالبين، ج 1، ص 206، قال فيه: قولان.
3- سبق في ص 188 وما بعدها.

. ولا يقع إلا في إضرار، فلو حلف لصلاح اللبن أو لتدبير في مرض لم يكن له حكم الإيلاء، وكان كالأيمان.

الأمر الثاني في المؤلي و من یصحّ منه

الأمر الثاني في المؤلي

ويعتبر فيه البلوغ، وكمال العقل والاختيار والقصد

وهذا ما اتفق عليه الكلّ، وإن اختلفوا في مثل قوله: «أنتِ طالق، ثمّ قال لأخرى: شركتكِ معها» فقد قال جمع بوقوعه؛ لأنّ الكناية فيه عن الطلاق، وهو مما قد قيل بوقوعه أيضاً(1)، ككناية المحلوف عليه هنا.

قوله: «ولا يقع إلا في إضرار» إلى آخره.

اشتراط وقوع الإيلاء بقصد الإضرار بالزوجة بالامتناع من وطئها هو المشهور بين الأصحاب لا يظهر فيه مخالف يعتد به. فلو قصد بذلك مصلحتها - بأن كانت مريضةً ، أو مُرضعاً لصلاحها أو صلاح ولدها - لم يقع إيلاء، بل يقع يميناً يعتبر فيه ما يعتبر فيه.

ومستند هذا الشرط من الأخبار(2) ضعيف، وعموم الآية(3) يقتضي عدمه، فإن تمَّ الإجماع فهو الحجّة وإلا فلا. وعلى القاعدة المشهورة فضعف المستند منجبر بالشهرة، وهو رواية السكوني عن أبي عبد الله قال: أتى رجل أمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ امرأتي أرضعت غلاماً وإنّي قلت: والله لا أقربك حتى تفطميه، قال: ليس ف--ي الإصلاح إيلاء»(4).

ص: 193


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 527 ، المسألة 6127.
2- منها في الكافي، ج 9، ص 130 و 132، باب الإيلاء، ح 2 و 3 و 7 و 9.
3- البقرة (2): 226.
4- الكافي، ج 1، ص 132، باب الإيلاء، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 7 ، ح 18.

. ویصحّ من المملوك، حرّةً كانت زوجته أو أمةً . ومن الذمّي، ومن الخصي. . وفى صحّته من المجبوب تردّد أشبهه الجواز، وتكون فيئته كفيئة العاجز.

قوله: «ویصحّ من المملوك، حرّةً كانت زوجته أو أمة».

أما إذا كانت حرّةً فظاهر؛ إذ لا حق للمولى في وطنه، وعموم الآية(1) يتناوله. وأما إذا كانت أمةٌ للمولى أو لغيره وشرط مولاه رقيّة الولد فقد ينقدح عدم وقوع الإيلاء منه؛ لأنّ الحق فيه لمولاه، فيتوقف على إذنه. ووجه الوقوع عموم الآية(2)، وأن المولى ليس له إجباره على الوطء مطلقاً.

قوله: «ومن الذمّي».

لأنه مقرّ بالله تعالى فیصحّ حلفه. وامتناع صحة الكفّارة منه ما دام كافراً لا يقدح في صحّته ؛ لأنّ الشرط مقدور عليه بتقديمه الإسلام والشيخ وافق هنا على صحّته من الذمّي(3) وإن خالف في الظهار، مع أنّ المقتضي .واحد. والتقييد بالذمي من حيث اعترافه بالله تعالى، أن لا يكون على وجه الحصر فيه، بل الضابط وقوعه من الكافر المقرّ بالله تعالى وينبغي ليتوجه حلقه به

قوله: «وفي صحّته من المجبوب تردّد أشبهه الجواز، وتكون فيئته كفيئة العاجز». لما كان متعلّق الإيلاء وطء الزوجة وشرطه الإضرار بها اعتبر إمكان ذلك في حقه، بأن يكون صحيح الذكر ليمكنه الجماع وإن كان خصيّاً؛ لبقاء آلة الجماع. أما المجبوب، فإن بقي له بقيّة يمكنه الجماع بها فلا إشكال في صحة إيلائه، وإلا ففي صحّته قولان:

أحدهما: المنع(4) ؛ لما ذكرناه من فقد شرط الصحة وهو الإضرار بها، وعدم إمكان متعلق

ص: 194


1- البقرة (2): 226.
2- البقرة (2): 226.
3- الخلاف، ج 4، ص 521 ، المسألة 20.
4- و هو قول العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 440، المسألة 92.

الأمر الثالث في المؤلى منها و من یقع علیها

• و يشترط أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك، و أن تكون مدخولاً بها.

الحلف، كما لو حلف لايصعد إلى السماء. و هذا هو الأصحّ.

و الثاني - و هو مذهب الشيخ في المبسوط(1) - الوقوع، و قوّاه المصنّف؛ لعموم الآية(2). و لايقدح عجزه كما یصحّ إيلاء المريض العاجز، و يطالب بفيئة العاجز بأن يقول باللسان:«إنّي لو قدرت لفعلت كالمريض، إلّا أنّ المريض يقول:«إذا قدرت فعلت»؛ لأنّ قدرته متوقّعة.

و فيه:أن شرط الصحّة مفقود، و هو مخصص لعموم الآية(3).

و الفرق بينه و بين المريض واضح؛ لتوقّع زوال عذره دونه. و مرافعته و ضرب المدّة له ليقول باللسان ذلك في حكم العبث الذي لايليق بمحاسن الشرع.

و الأشلّ و من بقي من ذكره بعد الجبّ ما دون قدر الحشفة كالمجبوب جميعه.

و لو عرض الجبّ بعد الإيلاء فوجهان، و أولى بالوقوع هنا؛ لوجود الشرط حالة الإيلاء، و العجز في الدوام، فكان قصد الإضرار و الإيذاء صحيحاً منه في الابتداء. و الأقوى بطلان اليمين؛ لاستحالة بقائها مع استحالة الحنث، و مجرّد المطالبة باللسان و ضرب المدّة لذلك قبيح كالمجبوب ابتداءً.

قوله - في المؤلى منها- :« و يشترط أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك، و أن تكون

مدخولاً بها».

من شرط المؤلى منها أن تكون زوجة، لقوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ»(4) فلا يقع بالمنكوحة بملك اليمين، بل يقع يميناً مطلقاً.

ص: 195


1- المبسوط، ج 4، ص 161-162.
2- البقرة (2): 226.
3- البقرة (2): 226 .
4- البقرة (2): 226 .

.و في وقوعه بالمستمتع بها تردّد أظهره المنع.

و اشترط الأصحاب كونها مدخولاً بها؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال في غير المدخول بها:«لايقع عليها إيلاء و لاظهار»(1)

و رواية أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«لا يقع الإيلاء إلّا على امرأة قد دخل بها زوجها.(2)

و في رواية أُخرى عنه علیه السلام قال:«سُئل أمير المؤمنين علیه السلام عن رجل آلى من امرأته و لم يدخل بها، قال: لا إيلاء حتّى يدخل بها، قال:أرأيت لو أنّ رجلاً حلف أن لايبنى بأهله سنتين أو أكثر من ذلك أكان يكون إيلاء؟»(3).

و قد تقدّم في الظهار خلاف في ذلك(4)، مع اشتراكهما في الأخبار الصحيحة الدالّة على اشتراط الدخول، و أنّ المانع من اشتراطه استند إلى عموم الآية(5) و هو وارد هنا ولكن لم ينقلوا فيه خلافاً. و المناسب اشتراكهما في الخلاف، و ربما قيل به هنا أيضاً لكنّه نادر.

قوله:«و في وقوعه بالمستمتع بها تردّد أظهره المنع».

المشهور بين الأصحاب اشتراط الدوام في المؤلى منها، إمّا لأنّ المتبادر من «النساء» الدائمات، أو لتخصيصها في قوله تعالى:«وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ»(6) بعد قوله:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ»(7) الدالّ على قبول المؤلى منها له، و هو منتفٍ عن المتمتّع بها؛ و لأنّ لازم صحّته جواز مطالبتها بالوطء و هو غير مستحقّ للمتمتّع بها، و الحلّ في موضع النزاع.

ص: 196


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 21، ح 65.
2- الكافي، ج 6 ، ص 133، باب أنه لا يقع الإيلاء إلّا بعد دخول الرجل بأهله، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 7 ، ح 16.
3- الكافي، ج 6، ص 134، باب أنه لا يقع الإيلاء إلّا بعد دخول الرجل بأهله، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 7، ح 17.
4- تقدّم في ص 46 - 47.
5- المجادلة (58): 2.
6- البقرة (2): 227.
7- البقرة (2): 226.

. و يقع بالحرّة و المملوكة.

و المرافعة إلى المرأة لضرب المدّة، و إليها بعد انقضائها المطالبة بالفيئة ولو كانت أمةً، و لا اعتراض للمولى.

و يقع الإيلاء بالذميّة كما يقع بالمسلمة.

و ذهب المرتضى(رضي الله عنه) إلى وقوعه بها(1) ؛ لعموم الآية، فإنّها من جملة النساء. و عود الضمير إلى بعض المذكور سابقاً لايقتضي تخصيصه عند جماعة من الأصوليّين(2). و مطالبتها مشروطة بالدوام نظراً إلى الغاية، و هو لايستلزم عدم وقوعه بدون المطالبة، كما يقع وإن لم يطالب. و الأصالة انقطعت بالإيلاء الثابت بالآية. و قد تقدّم البحث في هذه المسألة في النكاح(3).

قوله:«و يقع بالحرّة و المملوكة - إلى قوله- كما يقع بالمسلمة».

كما لا فرق في المؤلي بين الحرّ و الرقيق و المسلم و الكافر، فكذا لا فرق في المؤلى منها بين الحرّة و الأمة و لا بين المسلمة و الذمّيّة؛ لدخول الجميع في عموم قوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ»(4). و حيث كانت الزوجة أمةً فحقّ المطالبة بضرب المدّة و بالفيئة إليها؛ لأنّ حق الاستمتاع لها لا للمولى.

و قيّد الكافرة بالذمّيّة نظراً إلى تحريم نكاح غيرها على المسلم ابتداءً و استدامةً، مع أنّه يمكن فرضه في غير الكتابيّة إذا آلى منها بعد أن أسلم قبلها و هي في العدّة، فإنّه يقع كما سبق في بابه(5)

ص: 197


1- راجع الانتصار، ص 277، المسألة 153، فإنّه قال بعدم لحوق الإيلاء المتمتع بها؛ نعم نسبه إليه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 131.
2- راجع الإحكام في أصول الأحكام الآمدي، ج 2، ص 535؛ نهاية الوصول على علم الأصول، ج 2، ص 314؛ تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 153، نقلاً عن قاضي عبد الجبار وجماعة المعتزلة والأشاعرة.
3- تقدّم في ج 1، ص 431.
4- البقرة (2): 226.
5- سبق في ج 6، ص 344 - 345.

الأمر الرابع في أحكامه

اشارة

و هي مسائل :

المدّة اللازمة لانعقاد الإیلاء

الأُولى: • لاينعقد الإيلاء حتّى يكون التحريم مطلقاً، أو مقيّداً بالدوام، أو مقروناً بمدّة تزيد عن أربعة أشهر، أو مضافاً إلى فعل لايحصل إلّا بعد انقضاء مدّة التربّص يقيناً أو غالباً، كقوله [وهو] بالعراق:«حتّى أمضي إلى بلاد الترك و أعود»، أو يقول: «ما بقيت».

و لايقع لأربعة أشهر فما دون و لا معلّقاً بفعل ينقضي قبل هذه المدّة يقيناً أو غالباً أو محتملاً على السواء.

قوله:«لاينعقد الإيلاء حتّى يكون التحريم مطلقاً، أو مقيّداً بالدوام» إلى آخره.

الحالف على الامتناع من وطء زوجته إمّا أن يطلق الامتناع فيحمل على التأبيد، فبه يحصل الانتفاء المطلق و يكون مؤلياً. و إمّا أن يقيّده بالتأبيد فهو ضرب من التأكيد.و إمّا أن يقيّده بالتأقيت إمّا بزمان مقدّرٍ، أو بالتعليق بأمرٍ مستقبلٍ لا يتعيّن وقته.فهنا قسمان:

الأوّل: أن يقدّره بزمان نظر، فإن كان أربعة أشهر فما دونها لم يكن مؤلياً، و الذي جرى يمين، و تنحلّ بعد المدّة، و ليس لها المطالبة -كما إذا امتنع من غير يمينٍ -قيل:و الحكمة في تقدير المهلة بهذه المدّة، و لم تتوجّه المطالبة إذا حلف على الامتناع أربعة أشهر فما دونها، أنّ المرأة تصبر عن الزوج مدّة أربعة أشهر و بعد ذلك يفنى صبرها أو يشقّ عليها الصبر(1)

و يكفي في الزيادة عن الأربعة مسمّاها و لو لحظةً. و لايشترط كون الزيادة بحيث تتأتّى المطالبة في مثلها، لكن إذا قصرت كذلك لم تتأتّ المطالبة؛ لأنّها إذا مضت تنحلّ اليمين

ص: 198


1- لم نعثر علی القائل به، و انظر المبسوط، ج4، ص131-132.

...

و لا مطالبة بعد انحلالها، و أثر كونه مؤلياً في هذه الصورة أنّه يأثم بإيذائها و الإضرار بها، بقطع طمعها بالحلف عن الوطء في المدة المذكورة.

و لو فرض كونه تاركاً وطأها مدّةً قبل الإيلاء يفعل حراماً بالنسبة إلى ما زاد عن أربعة أشهر من حين الوطء؛ لأنّه لايجوز ترك وطء الزوجة أزيد من ذلك، و لاتنحلّ بذلك اليمين؛ لأنّ الإيلاء لاينحلّ بذلك.

الثاني:أن يقيّد الامتناع عن الوطء بأمر مستقبلٍ لايتعيّن وقته، فينظر إن كان المعلّق به أمراً يعلم تأخّره عن أربعة أشهر- كما لو قال:حتّى يقدم فلان، أو حتّى أتى مكّة و المسافة بعيدة لاتُقطع في أربعة أشهرٍ - أو يستبعد في الاعتقادات حصوله في أربعة أشهر وإن كان محتملاً - كما لو قال:«حتّى يخرج الدجّال» أو «يأجوج و مأجوج» أو «تطلع الشمس من المغرب» - فهو مؤلٍ؛ نظراً إلى اليقين بحصول الشرط - و هو مضيّ أربعة أشهرٍ قبل مجيء الغاية - في الأوّل، و غلبة الظنّ بوجوده في الثاني وإن كان محتملاً في نفسه.

و مثله قوله:«ما بقيت» فإنّه وإن كان محتملاً لموته في کلّ وقت و لا ظنّ يقتضي بقاءه أربعة أشهر، إلّا أنّ ذلك موجب لحصول اليأس مدّة العمر، فهو كما لو قال:«لا أجامعكِ

أبداً»، فإنّ أبدَ كلّ إنسانٍ عمره.

و لو قال: «ما بقي فلان» فوجهان:

أحدهما: أنّه كذلك؛ لأنّ الموت المعجّل كالمستبعد في الاعتقادات، فيلحق بالتعليق

بخروج الدجّال و نحوه.

و الثاني:عدمه؛ لأنّه كالتعليق بالمرض و دخول الدار، و هو ممكن على السواء في كلّ وقت. و ينبغي الفرق بين من يغلب على الظنّ بقاؤه أو موته في المدّة فما دون، أو يتساوى الاحتمالان بحسب القرائن الحاليّة.

وإن كان المعلّق به ممّا يتحقّق وجوده قبل أربعة أشهر- كذبول البقل، و جفاف الثوب، وتمام الشهر-أو يغلب على الظنّ وجوده-كمجيء المطر في وقت غلبة الأمطار، و مجيء

ص: 199

• ولو قال: «والله لا وطئتك حتّى أدخل هذه الدار» لم يكن إيلاء؛ لأنّه يمكنه التخلّص من التكفير مع الوطء بالدخول، و هو منافٍ للإيلاء.

زيد من القرية و عادته الحضور في الجمعات، أو قدوم القافلة و الغالب تردّدها في كلّ شهر - لم يقع الإيلاء، لكن ينعقد يميناً بشرطه.

و لو كان المعلّق به ممّا لايستبعد حصوله في أربعة أشهر و لايتحقّق و لايظنّ حصوله - كما لو قال:«حتّى أدخل الدار»، أو «أخرج من البلد»، أو «أمرض، أو يمرض فلان» أو «يقدم» و هو على مسافة قريبة قد يقدم و قد لايقدم - لم يحكم بكونه مؤلياً وإن اتّفق مضيّ أربعة أشهر و لم يوجد المعلّق به، بل يكون يميناً؛ لأنّه لم يتحقّق قصد المضارّة في الابتداء، و أحكام الإيلاء منوطة به لا بمجرّد اتّفاق الضرر بالامتناع من الوطء، كما لو امتنع من غير يمينٍ. و حينئذٍ فترتفع اليمين لو وجد المعلّق به قبل الوطء، و تجب الكفّارة لو وطئ قبل وجوده حيث تنعقد اليمين.

و في وجهٍ أنّ التعليق بخروج الدجّال و نحوه يلحق بالأمور المحتملة للأمرين، فلايقع به إيلاء. و الأظهر الأوّل؛ عملاً بالظنّ الغالب المستند إلى الاعتقادات و قرائن الأحوال و العادات(1).

قوله:«ولو قال:و الله لا وطئتك حتّى أدخل هذه الدار لم يكن إيلاءً» إلى آخره.

لمّا كان الإيلاء موجباً للتحريم إلى أن يكفّر، و الإضرار بالمرأة لم يتحقّق حيث يعلّق على شرطٍ يمكنه فعله و رفعه كقوله:«لا وطئتك حتّى أدخل الدار» فإنّه يمكنه في كلّ وقت دخول الدار، فيتخلّص من اليمين و لايحصل لها الإضرار بذلك بتحريم الوطء أربعة أشهر فصاعداً.

نعم، لو كان دخوله الدار ممتنعاً عادةً لعارضٍ لايزول قبل أربعة أشهر و لو ظنّاً وقع الإيلاء كما سبق. و إنّما أطلق المصنّف الحكم بناءً على الغالب من عدم المانع من دخول الدار، أو اتّكالاً على ما أسلفه من القاعدة.

ص: 200


1- في حاشية «خ»، و»: «فرع: لوقال: والله لا أجامعك، ثم قال: أردت شهراً أو شهرين مثلاً، لم يقبل ظاهراً؛ لأنّ المفهوم منه التأبيد، بخلاف ما لو كان يميناً محضاً، فإنّه يقبل منه نیّة التقييد والتخصيص مع احتمال القبول هنا أيضاً؛ نظراً إلى أنّه يمين في الجملة.(م ب مجلسي قدس سره)».

مدّة التربّص أربعة أشهر

الثانیّة: • مدّة التربّص في الحرّة و الأمة أربعة أشهر، سواء كان الزوج حرّاً أو مملوكاً. و المدّة حقّ للزوج، و ليس للزوجة مطالبته فيها بالفَيئة، فإذا انقضت لم تطلّق بانقضاء المدّة، و لم يكن للحاكم طلاقها.

وإن واقفته فهو مخيّر بين الطلاق و الفَيئة، فإن طلّق فقد خرج من حقّها، و تقع الطلقة رجعيّةً على الأشهر، و كذا إن فاء.

و إن امتنع من الأمرين حبس و ضيّق عليه حتّى يفيء أو يطلّق، و لايجبره الحاكم على أحدهما تعييناً.

قوله:«مدّة التربّص في الحرّة و الأمة أربعة أشهر، سواء كان الزوج حرّاً» إلى آخره. للزوج مهلة بعد انعقاد الإيلاء لايطالب فيها بشيء، فإن واقع لزمته كفّارة اليمين و انحلّ الإيلاء، وإن أصرّ فللمرأة مطالبته و رفعه إلى القاضي ليفي، أو يطلّق، حتّى لو رفعته أمهله القاضي إلى انقضاء المدّة - و هي أربعة أشهر على ما نصّ عليه في القرآن(1) - و هذه المدّة حقّ للزوج كالأجل في الدين المؤجّل حقّ للمديون.

و لا فرق فيها بين كون الزوجين حرّين أو رقيقين أو بالتفريق؛ لعموم الآية(2)، و لأنّها شُرّعت لأمر جبلّى و هو قلّة الصبر عن الزوج، و ما يتعلّق بالجبلّة و الطبع لايختلف بالحرّيّة و الرقّ، كمدّة العنّة و الرضاع و الحيض.

و عند بعض العامّة أنّها تنتصف بالرقّ. ثمّ منهم من ينصّفها برقّ الزوجة، و منهم من ينصّفها برقّ الزوج(3). و إلى خلافهما أشار المصنّف بقوله في الحرّة و الأمة... سواء كان الزوج حرّاً أو مملوكاً».

ص: 201


1- البقرة (2): 226.
2- البقرة (2): 226.
3- في حاشية «خ ، و»: «أبو حنيفة ينصّفها برقّ الزوجة، ومالك ينصّفها برقّ الزوج، وعن أحمد روايتان: إحداهما كمذهبنا، والأخرى كمذهب أبي حنيفة.(م ب مجلسي قدّس سرّه)». راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 528، المسألة 6129.

...

ثمّ إذا انقضت المدّة لم يطلّق بانقضائها الزوجيّة، و لأنّ الله تعالى قال - بعد التربّص أربعة أشهر -:«فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1). فدلّ ذلك على بقاء تخييره فيهما بعد المدّة، و هو ينافي وقوع الطلاق بالفعل، خلافاً لبعض العامّة حيث حكم بوقوعه(2).

ثمّ إن فاء و رجع إلى زوجته كفّر و سقط عنه حكم الإيلاء، و إن طلّق خرج من حقّها. و هل يقع الطلاق رجعيّاً حيث لايكون لبينونته سبب آخر؟ المشهور بين الأصحاب ذلك؛ لوجود المقتضي له و هو وقوعه بشرائط الرجعي، و انتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا كونه طلاق مؤل مأموراً به تخييراً، و هو لايقتضي البينونة؛ لأنّ الطلاق الرجعي يحصل [به] الغرض أيضاً لاختلال النكاح به و صيرورتها إلى حال البينونة.

و لحسنة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول في الإيلاء:«إذا آلى الرجل لا يقرب امرأته و لا يمسّها و لا يجمع رأسه و رأسها، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر و وقف فإمّا أن يفيء فيمسّها، و إمّا أن يعزم على الطلاق فيخلّي عنها، حتّى إذا حاضت و تطهّرت من محيضها طلّقها تطليقةً قبل أن يجامعها بشهادة عدلين، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء»(3).

و ربما قيل بوقوع الطلقة بائنةً؛ لصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«المؤلي إذا وقف فلم يفئ طلّق تطليقةً بائنة»(4).

و حملت هذه الرواية - مع شذوذها - على من اختار الطلاق البائن؛ إذ هو مخيّر بين أن يطلّق بائناً و رجعيّاً. و حملها الشيخ على من كانت عنده تطليقة واحدة، فإنّ طلاقه بعد ذلك

ص: 202


1- البقرة (2): 226 - 227.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 529 ، المسألة 6130؛ وبدائع الصنائع، ج 3، ص 256.
3- الكافي، ج 1، ص 130، باب الإيلاء. ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 3، ص 255، ح 915.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 4 ، ح 6؛ الاستبصار، ج 3، ص 256، ح 917.

• ولو آلى مدّةً معيّنةً و دافع بعد المرافعة(1) حتّى انقضت المدّة، سقط حكم الإيلاء، و لم تلزمه الكفّارة مع الوطء.

يقع بائناً(2). و هذا و إن كان خلاف الظاهر إلّا أنّ فيه جمعاً بين الأخبار.

ثمّ على تقدير طلاقه رجعيّاً، إن استمرّ عليه فذاك، و إن رجع عاد الإيلاء و سيأتي تتمّة حكمه(3).

وإن امتنع من الأمرين لم يطلّق عنه الحاكم؛ لأنّ «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(4) بل يحبسه و يعزّره و يضيق عليه في المطعم و المشرب، بأن يطعمه في الحبس ويسقيه ما لايصبر عليه مثله عادةً إلى أن يختار أحدهما. و في رواية حمّاد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«كان أمير المؤمنين علیه السلام إذا أبى المؤلي أن يطلّق جعل له حظيرةً من قصب و يحبسه فيها، و يمنعه من الطعام و الشراب حتّى يطلّق»(5).

و في رواية أُخرى عنه علیه السلام:«أنّه كان يحبسه في الحظيرة و يعطيه ربع قوته حتّى يطلّق»(6).

و اعلم أنّ إجباره على أحد الأمرين لاينافي صحّة الطلاق؛ لأنّه إجبار بحقّ، و المنافي غيره. و أيضاً فإنّه لم يجبره عليه عيناً بل على أحد الأمرين، و في تحقّق الإجبار على هذا الوجه بحث سبق في الطلاق(7).

قوله:«و لو آلى مدّةً معيّنةً، و دافع بعد المرافعة حتّى انقضت المدّة» إلى آخره.

لأنّ الكفّارة إنّما تجب مع الحنث في اليمين، و لايتحقّق إلّا مع الوطء في المدّة المعيّنة.

ص: 203


1- في نسختي «أ . ع» من الشرائع: «المواقفة» بدل «المرافعة».
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 4، ذيل الحديث 5.
3- يأتي في ص 226 وما بعدها.
4- كما ورد في الخبر . راجع سنن ابن ماجة ، ج 1، ص 672، ح 2081؛ و سنن الدارقطني، ج 3، ص 289 ، ح 3926 - 3927.
5- الكافي، ج 1، ص 133، باب الإيلاء، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 6 ، ح 13.
6- الكافي، ج 1، ص 133، باب الإيلاء، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 6 - 7، ح 15.
7- لم نعثر عليه في كتاب الطلاق. نعم، في كتاب الظهار جزم بتحقّق الإجبار في الجملة. راجع ص 82.

• ولو أسقطت حقّها من المطالبة لم تسقط المطالبة؛ لأنّه حقّ يتجدّد، فيسقط بالعفو ما كان لا ما يتجدّد.

و أمّا إذا انقضت سقط حكم اليمين، سواء رافعته و ألزمه الحاكم بأحد الأمرين أم لا؛ لاشتراكهما في المقتضي و إن أثم بالمدافعة على تقدير المرافعة.

قوله:«و لو أسقطت حقّها من المطالبة لم تسقط المطالبة؛ لأنّه حقّ يتجدّد، فيسقط بالعفو ما كان لا ما يتجدّد».

إسقاط الحقّ و العفو عنه و الإبراء منه بمعنى واحد. و شرط صحّته ثبوت متعلّقه في الذمّة، فلایصحّ إسقاط ما يتجدّد فيها و إن وجد سببه. و لمّا كان حقّها في المطالبة يثبت في کلّ وقت ما دام الإيلاء باقياً فهو ممّا يتجدّد بتجدّد الوقت، فإذا أسقطت حقّها منها لم يسقط إلّا ما كان منها ثابتاً وقت الإسقاط، و ذلك في قوّة عدم إسقاط شيء؛ لأنّ الآن الواقع بعد ذلك بلا فصل يتجدّد فيه حقّ المطالبة و لم يسقط بالإسقاط، فلها المطالبة متى شاءت.

و كذا القول في نظائره من الحقوق المتجدّدة بحسب الوقت، كحقّ القسمة للزوجة،و حق الإسكان في موضع معيّن حيث نقول بصحّته، و نحو ذلك.

ومن هذا الباب ما لو علمت بإعسار الزوج فرضيت، ثمّ أرادت الفسخ على قول من يجوّزه به(1) فلها ذلك؛ لتجدّد الضرر بفوات النفقة يوماً فيوماً. و يخالف ما إذا رضيت بعنّة الزوج، ثمّ أرادت الفسخ - حيث لايبطل خيارها لفوات الفوريّة، بأن جهلت الفوريّة أو نحو ذلك ممّا سبق (2)- فإنّها لاتُمكّن منه.

و فُرّق بأنّ العنّة عجز حاضر و خصلة ناجزة لاتبسط على الأيّام، و حقّ الاستمتاع و النفقة يبسطان عليها، وبأنّ العنّة عيب و الرضى بالعيب يسقط حقّ الفسخ.

ص: 204


1- كالطبرسي في المؤتلف من المختلف، ج 2، ص 291، المسألة 15.
2- سبق في ج 6، ص 572 - 573.

فروع:

الأوّل: • لو اختلفا في انقضاء المدّة فالقول قول من يدّعي بقاءها. و كذا لو اختلفا في زمان إيقاع الإيلاء فالقول قول من يدّعي تأخّره.

لو انقضت مدّة التربّص و وجد مانع من الجماع

الثاني: • لو انقضت مدّة التربّص و هناك ما يمنع من الوطء كالحيض والمرض، لم يكن لها المطالبة؛ لظهور عذره فى التخلّف و لو قيل: لها المطالبة بفيئة العاجز عن الوطء كان حسناً

قوله:«لو اختلفا في انقضاء المدّة فالقول قول من يدّعي بقاءها» إلى آخره.

إذا اختلفا في انقضاء المدّة المضروبة للتربّص به - و هي أربعة أشهر - بأن ادّعت انقضاءها ليلزم بالفيئة أو الطلاق، و ادّعى هو بقاءها، فالقول قوله؛ لأصالة عدم انقضائها؛ لأنّ مرجع دعوى انقضائها إلى تقدّم زمان الإيلاء إن جعلنا المدّة من حينه، أو زمان المرافعة إن جعلناها منها، و الأصل عدم تقدّم كلّ منهما.

و مثله ما لو اختلفا في زمان إيقاع الإيلاء فالقول قول مدّعى تأخّره؛ لأصالة عدم التقدّم. و فائدته تظهر حيث يجعل المدّة من حينه، أو يكون الإيلاء مقدّراً بمدّة، فمدّعي تقدّمه

يحاول انحلال اليمين.

قوله:«لو انقضت مدّة التربّص و هناك ما يمنع من الوطء» إلى آخره.

إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدّة المحسوبة نظر أهو فيها أم في الزوج؟ فإن كان فيه فسيأتي حكمه، وإن كان فيها، بأن كانت مريضةً بحيث لايمكن وطؤها، أو محبوسةً لايمكنه الوصول إليها لم تثبت المطالبة بالفيئة فعلاً إجماعاً؛ لأنّه معذور و الحال هذه و لا مضارّة. و كذا لو كانت محرمةً أو حائضاً أو نفساء أو صائمةً أو معتكفةً فرضاً(1)

و هل يؤمر بالفيئة قولاً كالعاجز ؟ منعه الشيخ(2)؛ لأنّ الامتناع من جهتها.

ص: 205


1- في«خ»: «برضاه» بدل «فرضاً».
2- المبسوط، ج 4، ص 153 - 154.

. ولو تجدّدت أعذارها في أثناء المدّة، قال في المبسوط: تنقطع الاستدامة عدا الحيض. و فيه تردّد. و لاتنقطع المدّة بأعذار الرجل ابتداءً و لا اعتراضاً، و لاتمنع من المرافعة(1) انتهاءً.

و قال المصنّف(رحمه الله) و جماعة المتأخّرين(2): تجب عليه فَيئة العاجز؛ لظهور العجز في الجملة، و لأنّه لا مانع منها، بل هي ممكّنة، و إنّما المانع من الله تعالى. و هذا حسن.

قوله:«و لو تجدّدت أعذارها في أثناء المدّة» إلى آخره.

المراد بقطع أعذارها المتجدّدة للاستدامة عدم احتسابها من المدّة، فإذا زال العذر ثبت على ما مضى من المدّة قبل العذر.

و وجه ما اختاره الشيخ من قطعها للاستدامة(3) أنّ الحقّ لها و العذر من قبلها، و مدّة التربّص حقّ له، فلايحتسب عليه منها ما لا قدرة له على الفيئة فيه.

و استثنى من ذلك الحيض، فإنّه لايقطعها إجماعاً؛ لأنّه لو قطع لم تسلم مدّة التربّص أربعة أشهر، لتكرّره في كلّ شهر غالباً.

و الأكثر على عدم الفرق بينه و بين غيره في عدم قطع الاستدامة؛ لقيام فَيئة العاجز مقام الوطء من القادر، و هو في حكم العاجز. و هذا قويّ.

أمّا أعذار الرجل فلا تقطع المدّة ابتداءً و لا استدامة إجماعاً؛ لأنّ حقّ المهلة له، و العذر منه. و كذا لاتمنع المرافعة(4) لو اتّفقت على رأس المدّة، فيؤمر بفيئة العاجز أو الطلاق كما سيأتي(5).

ص: 206


1- في نسخة «أ» من الشرائع : «المواقفة» بدل «المرافعة».
2- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 180، قال فيه: «ويحتمل...»؛ ولكن نسب إليه الوجوب ولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 433.
3- المبسوط، ج 4، ص 154 - 155.
4- في :«م»: «المواقفة» بدل «المرافعة»
5- سيأتي بُعَيد هذا.

الثالث: • إذا جنّ بعد ضرب المدّة احتسبت المدّة عليه و إن كان مجنوناً، فإن انقضت المدّة و الجنون باقي تربّص به حتّى يفيق.

الرابع: • إذا انقضت المدّة و هو محرم أُلزم بفيئة المعذور. و كذا لو اتّفق صائماً. و لو واقع أتى بالفَيئة وإن أثم. و كذا في كلّ وطءٍ محرّمٍ كالوطء في الحيض و الصوم الواجب.

قوله:«إذا جنّ بعد ضرب المدّة احتسبت المدّة عليه» إلى آخره.

الأعذار الحاصلة بالزوج لاتمنع من احتساب المدّة ابتداءً و لا استدامةً؛ لأنّ التمكّن حاصل من جهتها و المانع من قبله، و هو المقصّر بالإيلاء و قصد المضارّة. و يستوي في ذلك الموانع الشرعيّة كالصوم و الإحرام و الاعتكاف، و الحسّيّة كالمرض و الحبس و الجنون. فإذا فرض جنونه في أثناء المدّة لم يقطع استدامتها، فإذا انقضت المدّة و الجنون باقٍ لم يرافع و لم يکلّف بأحد الأمرين؛ لارتفاع القلم عنه، بل يتربّص به حتّى يفيق ثمّ يحكم عليه بذلك، بخلاف ما لو انقضت المدّة و به عذر آخر غيره لايرفع التكليف كالمرض، فإنّه يؤمر بفيئة العاجز.

قوله:«إذا انقضت المدّة و هو محرم أُلزم بفيئة المعذور» إلى آخره.

إذا انقضت المدّة أُلزم بأحد الأمرين: الفيئة أو الطلاق كما مرّ، فإن اختار الفيئة و لم يكن له مانع من الوطء ففيئته الوطء، وإن كان معذوراً عذراً حسّيّاً - كالمرض و الحبس - أو شرعيّاً - كالإحرام و الصيام - أُلزم بفيئة المعذور، كما يلزمه ذلك في أعذارها بطريق أولى. و سيأتي تحقيق الفيئة بالأمرين(1).

و لايلزم بالوطء المحرّم، لكن لو فعل أثم و حصلت الفيئة؛ لحصول الغرض، سواء وافقته على ذلك أم أكرهها. و هل يجوز لها موافقته؟ يحتمله؛ لأنّه ليس محرّماً من طرفها. و الأقوى التحريم؛ لأنّه معاونة على العدوان المنهيّ عنه(2) . و مثله تمكين المسافرة و من طهرت من حيضها في أثناء النهار للصائم، وبيع من لم يخاطب بالجمعة بعد النداء ممّن خوطب بها

ص: 207


1- يأتي في ص 217.
2- المائدة (5): 2.

إذا جمع بیت الظهار و الإیلاء

الخامس: • إذا ظاهر ثمّ آلى صحّ الأمران، و يوقف بعد انقضاء مدّة الظهار، فإن طلّق فقد وفي الحقّ، و إن أبى ألزم التكفير و الوطء؛ لأنّه أسقط حقّه من التربّص بالظهار، و كان عليه كفّارة الإيلاء.

قوله:«إذا ظاهر ثمّ آلى صحّ الأمران» إلى آخره.

إذا جمع بين الظهار و الإيلاء لزمه حكمهما، سواء قدّم الظهار على الإيلاء - كما فرضه المصنّف - أم أخّره؛ لبقاء الزوجيّة الصالحة لإيقاع كلّ منهما عليها و إن كانت قد حرمت بالسبب الآخر، فتحرم من الجهتين و لاتستباح بدون الكفّارتين. لكن قد عرفت اختلاف المدّة في إمهاله لهما، فإنّ مهلة الظهار ثلاثة أشهر، و مهلة الإيلاء أربعة، فإذا انقضت مدّة الظهار فرافعته أُلزم بحكم الظهار خاصّةً، فإن اختار الطلاق فقد خرج من الأمرين، وإن اختار العود و عزم على الوطء لزمته كفّارة الظهار، فإذا كفّر و وطئ لزمته كفّارة الإيلاء أيضاً. لحنثه في يمينه.

وإن توقّفت كفّارة الظهار على مدّة تزيد على مدّة الإيلاء، كما لو كان فرضه التكفير بالصوم، أو لم يتّفق له التكفير بإحدى الخصلتين إلى أن انقضت مدّة الإيلاء، أو كان الظهار متأخّراً عنه بحيث انقضت مدّته قبل التخلّص منه طولب بالأمرين معاً، و لزمه حكمهما. لكن قد يختلف حكمهما فيما لو انقضت مدّة الإيلاء و لمّا يكمل كفّارة الظهار، فإنّ حُكْمَ الإيلاء إذا لم يختر الطلاق إلزامهُ بالفيئة و تعجيل الوطء، و حُكم الظهار تحريمهُ إلى أن يُكفّر. و طريق الجمع إلزامه حينئذٍ للإيلاء بفيئة العاجز؛ لأنّ الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير، فتجتمع الكفّارتان بالعزم على الوطء، إحداهما للفيئة و الأُخرى للعزم عليه.

و لو أراد الوطء في هذه الحالة قبل التكفير للظهار حرم عليها تمكينه منه كما سبق، وإن أُبيح لها من حيث الإيلاء. و لو فعل حراماً و وطئ حصلت الفيئة، و لزمته كفّارة الظهار

و كفّارة الإيلاء.

ص: 208

السادس . إذا آلى ثمّ ارتدّ قال الشيخ: لا تحتسب عليه مدّة الردّة؛ لأنّ المنع بسبب الارتداد لا بسبب الإيلاء. و الوجه الاحتساب؛ لتمكّنه من الوطء بإزالة المانع.

إذا وطئ في مدّة التربّص

المسألة الثالثة: • إذا وطئ في مدّة التربّص لزمته الكفّارة إجماعاً. و لو وطئ بعد المدّة، قال في المبسوط: لا كفّارة، و في الخلاف:تلزمه. و هو الأشبه.

قوله: «إذا آلى ثمّ ارتدّ قال الشيخ: لاتحتسب عليه مدّة الردّة» إلى آخره.

المراد بالردّة هنا ما كانت عن غير فطرة؛ إذ لو ارتدّ عن فطرة كان كالميّت يبطل معها التربّص.

و وجه ما قاله الشيخ (رحمه الله) من عدم احتساب مدة الردّة(1) ما أشار إليه المصنّف (رحمه الله) من التعليل بأنّ المنع حينئذٍ بسبب الارتداد الموجب لرفع النكاح و جريان عدّته إلى البينونة، فلايحتسب مدّته من مدّة الإيلاء المقتضية لاستحقاق المطالبة بعدها بالوطء؛ لتضادّ المؤثّرين المقتضي لتضادّ الأثرين، كما لايحتسب زمان العدّة.

و ذهب الأكثر و منهم المصنّف إلى احتساب مدّته منها؛ لتمكّنه معها من الوطء بالرجوع، فلايكون عذراً. و يفارق العدّة بأنّ المرتدّ إذا عاد إلى الإسلام تبيّن أنّ النكاح لم ينخرم و الطلاق الماضي مع لحوق الرجعة لم ينهدم، و من ثَمّ ظهر أثره بتحريمها بالثلاث وإن رجع في الأوّلين.

قوله:«إذا وطئ في مدّة التربّص لزمته الكفّارة إجماعاً» إلى آخره.

متى وطئ المؤلي في المدّة التي يتناولها اليمين فقد حنث في يمينه و وجبت الكفّارة، سواء كان وطؤه في مدّة التربّص أم بعدها. أمّا الأوّل فموضع وفاق. و أمّا الثاني فلمشاركته له في المقتضي لها، و هو مخالفته لمقتضى اليمين، و لعموم قوله تعالى:«ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ»(2) و هذا مذهب الأكثر حتّى الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع(3) أيضاً.

ص: 209


1- المبسوط، ج4،ص157 .
2- المائدة (5): 89.
3- الخلاف، ج4، ص520، المسألة 18.

...

و قال في المبسوط:«إذا آلى منها ثمّ وطئها عندنا عليه الكفّارة، سواء كان في المدّة أم بعدها، و قال قوم:إن وطئها قبل المدّة فعليه الكفّارة، و إن وطئها بعدها فلا كفّارة عليه و هو الأقوى»(1).

و هذا يدلّ على اختياره العدم و رجوعه عن الأوّل، و لم يذكر عليه دليلاً.

و يمكن أن يستدلّ له بأنّ كفّارة اليمين عندنا لاتجب مع الحنث، إلّا إذا تساوى فعل المحلوف عليه و تركه في الدين و الدنيا أو كان فعله أرجح، فلو كان تركه أرجح جازت المخالفة و لا كفّارة، و هنا بعد المدّة قد صار مأموراً بالوطء و لو تخييراً، و هو يدلّ على

رجحان فعله في الجملة، فلاتجب به كفّارة.

و جوابه: أنّ يمين الإيلاء تخالف مطلق اليمين في هذا المعنى، و من ثَمَّ انعقد ابتداءً وإن كان تركه أرجح بل واجباً، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء، و الأصل استصحاب هذا الحكم، و الدليل الدالّ على وجوب الكفّارة له مع الحنث يشمله، فلا وجه لتخصيص هذا الفرد من بين افراد الإيلاء بنفي الكفّارة مع رجحان المخالفة.

و في رواية منصور عن الصادق علیه السلام قال:سألته عن رجل آلى من امرأته فمرّت به أربعة أشهرٍ، قال:«يوقف فإن عزم الطلاق بانت منه و عليها عدّة المطلّقة، وإلّا كفّر يمينه و أمسكها»(2). و هي نصّ في الباب.

و اعلم أنّ مذهب الشيخ في المبسوط وإن كان شاذّاً، إلّا أنّه موافق لأُصول أصحابنا في اليمين المطلق. و له أن يجيب عن حجّيتهم بأنّ وجوب الكفّارة في الإيلاء مع أولويّة الخلاف خلاف الأصل، فيقتصر فيها على موضع الوفاق. و لا حجّة لهم في الآية؛ لأنّها وردت في مطلق اليمين لا في الإيلاء، و هم لايقولون بعمومها في ذلك، بل يخصّونها بما ذكرناه، فكيف يحتجّون بعمومها على الإيلاء المخالف لمطلق اليمين في الأحكام و يطرحون

ص: 210


1- المبسوط، ج 4، ص 153.
2- افقیه، ج3، ص525، ح4828؛ تهذیب الأحکام، ج8، ص 8، ح21؛ الاستبصار، ج3، ص254، ح910.

إذا وطئ المؤلى ساهياً أو مجنوناً

الرابعة • إذا وطئ المؤلى ساهياً أو مجنوناً أو اشتبهت بغيرها من حلائله، قال الشيخ: بطل حكم الإيلاء؛ لتحقّق الإصابة، و لم تجب الكفّارة؛ لعدم الحنث.

عمومها في بابها؟! و بهذا يظهر منع مشاركة ما بعد المدّة لما قبلها في المقتضي.

و أمّا الرواية فهي و إن كانت نصّاً في الباب، إلّا أنّها ضعيفة السند؛ لأنّ في طريقها «القاسم» مطلقاً، و هو مشترك بين جماعةٍ منهم الثقة(1) و الضعيف(2)، و«أبان» و الظاهر أنّه ابن عثمان، و كان ناووسيّاً وإن كان ثقةً(3)، و منصور الراوي عن الإمام مطلق أيضاً، و هو مشترك بين الثقة و غيره(4)، وإن كان الظاهر أنّه ابن حازم.

و استدلّ في المختلف للمشهور بقول النبيّ صلّی الله علیه و آله وسلّم:«من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً فليأت الذي هو خير، و ليكفّر عن يمينه»(5)، ولم يفصل.

و هذا الاستدلال عجيب منه (رحمه الله) لأنّ الرواية عامّيّة قد وردت في مطلق اليمين، و أنتم لاتقولون بمضمونها كذلك، بل تقولون:إنّه متى رأى غيرها خيراً فليأت التي هي خير و لايكفّر. و العامّة يعملون بمضمونها(6)، و يوجبون كفّارة اليمين مطلقاً؛ عملاً بالآية(7) و الرواية. فالاستدلال بها للإيلاء دون غيره ليس بسديدٍ. و مع ذلك فاعتمادنا على المذهب المشهور من وجوب الكفّارة على المؤلي مطلقاً.

قوله:«إذا وطئ المؤلي ساهياً أو مجنوناً أو اشتبهت بغيرها من حلائله» إلى آخره.

ص: 211


1- راجع خلاصة الأقوال، ص 230 - 231، الرقم 777 - 783.
2- راجع خلاصة الأقوال، ص 388 - 389، الرقم 1558 - 1565.
3- راجع خلاصة الأقوال، ص 74، الرقم 121.
4- راجع رجال الطوسي، ص 164؛ وخلاصة الأقوال، ص 275 ، الرقم 1000 و 1001، ص 408،الرقم 1649 - 1651.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 439، المسألة 91؛ والرواية في سنن ابن ماجة، ج 1، ص 181، ح 2108؛ وصحيح مسلم، ج 3، ص 1272، ح 12 / 1650: ومسند أحمد، ج 2، ص 415، ح 6868.
6- راجع الحاوي الكبير ، ج 15 ، ص 290 - 291 ؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 11، ص 223 - 224 ، 290-291، المسألة7990.
7- المائدة (5) : 89.

لا إشكال في عدم وجوب الكفّارة بالوطء ساهياً أو مجنوناً أو مشتبهةً بغيرها؛ لأنّه لاتقصير منه، و لعموم: «رفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان»(1). وإنّما الكلام في انحلال اليمين، فالشيخ حكم بانحلالها و بطلان الإيلاء(2)، و تبعه عليه جماعة منهم العلامّة جازماً به(3) من غير نقل خلاف.

و وجهه: أنّه قد وجد المحلوف عليه في الحقيقة و تحقّقت الإصابة، إلّا أنّه لم يؤاخذ من حيث عدم التقصير، فكان كما لو خالف عمداً، و إن اختلفا في وجوب الكفّارة و عدمها من حيث تقصير العامد.

و المصنّف نسب القول إلى الشيخ مشعراً بضعفه أو توقّفه فيه. و له وجه؛ لاختلال الفعل

الصادر عن الإكراه و النسيان، و لذلك لم يحكم(4)، بوجوب الكفّارة.

و الحلف على النفي يقتضي الدوام، و النسيان و ما في معناه لم يدخل تحت مقتضاها؛ لأنّ الغرض من البعث و الزجر في اليمين إنّما يكون عند ذكرها و ذكر المحلوف عليه، حتّى يكون تركه لأجل اليمين. و البحث آتٍ في مطلق اليمين إذا خولف مقتضاها جهلاً أو نسياناً.

ثمّ إن حكمنا بانحلال اليمين حصلت الفيئة و ارتفع الإيلاء. و إن لم نحكم به فوجهان: أحدهما: أنّه لاتحصل الفيئة و تبقى المطالبة؛ لأنّ اليمين باقية.

و الثاني: تحصل؛ لوصولها إلى حقّها و اندفاع الضرر. و لا فرق في إيفاء الحقّ بين وصوله إلى صاحبه حال الجنون و العقل، كما لو ردّ المجنون وديعةً إلى صاحبها؛ و لأنّ وطء المجنون کوطء العاقل في التحليل و تقرير المهر و تحريم الربيبة و سائر الأحكام، فكذلك هنا.

و لايلزم من عدم وجوب الكفّارة ثبوت الفيئة؛ لأنّها حقّ لله و الفيئة حقّ المرأة، و يعتبر

ص: 212


1- الكافي، ج 2، ص 462 - 463، باب ما رفع عن الأمة، ح 1 و 2 بتفاوت؛ الفقيه، ج 1، ص 59 ، ح 132.
2- المبسوط، ج 4، ص 158 - 159.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 180؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 116، الرقم 5484.
4- في بعض النسخ: «نحكم» بدل يحكم».

الخامسة: • إذا ادّعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه؛ لتعذّر البيّنة.

في حقّ الله تعالى من القصد الصحيح ما لايعتبر في حق الآدمى. و الأصحّ الأوّل.

قوله:«إذا ادّعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه؛ لتعذّر البيّنة».

هذا الحكم ممّا خالف القواعد المقرّرة من تقديم قول النافي، وإنّما أخرجوه منها لما أشار إليه المصنّف(رحمه الله) من تعذّر إقامة البيّنة على ذلك أو تعسّرها، فلو لم يقبل قوله فيه مع إمكان صدقه لزم الحرج؛ و لأنّ الأصل بقاء النكاح و عدم تسلّط الزوجة على نقضه بوجه من الوجوه.

و يؤيّد ذلك رواية إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام:«أن عليّاً علیه السلام سئل عن المرأة تزعم أنّ زوجها لايمسّها، و يزعم أنّه يمسّها، قال:يحلّف و يترك»(1).

و مثله في تقديم قوله في الإصابة المخالف للأصل، ما لو ادّعى العنّين إصابتها في المدّة أو بعدها.

ثمّ إذا حلف على الإصابة و طلّق، و أراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه قال في التحرير: الأقرب أنّه لايمكن، و كان القول قولها في نفي العدّة و الوطء على قياس الخصومات(2)، من أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر(3)، وإنّما خالفناه في دعوى الإصابة لما ذكر من العلّة و هي منتفية هنا، كما لو اختلفا في الرجعة ابتداءً.

و هذا التفريع لابن الحدّاد من الشافعية(4)، و وافقه الأكثر، و استقرّ به العلّامة في التحرير(5). و هو - مع اشتماله على الجمع بين المتناقضين - لا يتمّ على أُصولنا من اشتراط الدخول في صحّة الإيلاء.

ص: 213


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 8، ح 25 .
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 116، الرقم 5485.
3- السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 427، ح 21201.
4- راجع روضة الطالبين، ج 1، ص 231-232.
5- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 4، ص 116، الرقم 5485 .

السادسة :• قال في المبسوط:المدّة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء. و فيه تردّد.

قال الشهيد(رحمه الله):«ما سمعنا فيه خلافاً، وإنّما فرّعوه على أصلهم من عدم اشتراطه، و مع ذلك فلهم وجه آخر، بأنّه يُمكّن من الرجعة، ويُصدّق في الإصابة للرجعة كما يُصدّق فيها، لدفع التفريق؛ لأنّ في الرجعة استيفاء ذلك النكاح أيضاً»(1).

و هذا أوجه.

قوله:«قال في المبسوط:المدّة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء. و فيه تردّد». المشهور بين الأصحاب أنّ مدّة التربّص تحتسب من حين المرافعة لا من حين الإيلاء، ذهب إلى ذلك الشيخان(2) و الأتباع(3) و ابن إدريس (4)، و العلّامة في غير المختلف(5)، و الشهيد(6).و غيرهم.(7)

و قال ابن أبي عقيل و ابن الجنيد:إنّها من حين الإيلاء(8) و اختاره في المختلف(9) و ولده في الشرح(10) وإليه يميل المصنّف في تردّده هنا. و هو الأقوى.

ص: 214


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 522؛ و الشيخ الطوسي في النهاية، ص 527؛ و المبسوط، ج 4، ص 155.
3- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 302؛ وابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 302؛ وابن حمزة في الوسيلة،ص 336.
4- السرائر، ج 2، ص 720.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 179، قال فيه: «فيه نظر»؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 58، وقال فيه: «على رأي»؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 115 ، الرقم 5484، وقال فيه: «قال الشيخ: مبدؤها من حين المرافعة لا من حين الإيلاء و فيه نظر»
6- غاية المراد، ج 3، ص 216 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
7- الجامع للشرائع، ص 487.
8- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 438، المسألة 90.
9- مختلف الشيعة، ج 7، ص 439، المسألة 90.
10- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 432.

السابعة • الذمّيّان إذا ترافعا كان الحاكم بالخيار بين الحكم بينهما، و بین ردّهما إلى أهل نحلتهما.

لنا: قوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ»(1) رتّب التربّص على الإيلاء، فلايشترط بغيره.

و حسنة بريد بن معاوية عن الصادق علیه السلام قال:«لايكون إيلاءً إلّا إذا آلى الرجل أن لايقرب امرأته و لايمسّها و لايجمع رأسه و رأسها، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر وقف، فإمّا أن يفيء و إمّا أن يعزم على الطلاق»(2). و نحوه روى الحلبي في الحسن(3)، و أبو بصير عنه علیه السلام(4).

احتجّ الأوّلون بأنّ ضرب المدّة حكم شرعي باقٍ على العدم الأصلي، فيتوقّف ثبوته على حكم الحاكم؛ و لأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبس أو غيره لأجل الفيئة أو الطلاق

إلّا مع تحقّق سببه.

و جوابه: منع احتياج المدّة إلى الضرب، بل مقتضى الحكم الشرعي الثابت بالآية و الرواية ترتّبه على مضيّ المدّة المذكورة من حين الإيلاء. وإثبات توقّفها على المرافعة يحتاج إلى الدليل و هو منفيّ. و هذا الدليل أخرجه عن حكم العدم الأصلي. و أصالة عدم التسلّط قد انقطعت بالإيلاء المقتضي له بالآية و الرواية و الإجماع، فتوقّفه على أمر آخرٍ صار خلاف الأصل.

قوله:«الذمّيّان إذا ترافعا كان الحاكم بالخيار بين الحكم بينهما» إلى آخره.

أمّا حكمه بينهم بمقتضى شرعنا فواضح؛ لعموم قوله تعالى:«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ»(5)

ص: 215


1- البقرة (2): 226.
2- الكافي، ج 1، ص 130، باب الإيلاء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 3، ص 255، ح 915.
3- الكافي، ج 6، ص 130، باب الإيلاء، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 524، ح 4827؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 2، ح 1؛ الاستبصار، ج 3، ص 252 - 253، ح 904.
4- الكافي، ج 1، ص 131، باب الإيلاء، ج 3، ص 132، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 2 - 3 ، ح 2 و 4؛ الاستبصار، ج 3، ص 253، ح 105 و 906.
5- البقرة (2): 226.

الثامنة : • فيئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل، و فيئة العاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة.

و لو طلب الإمهال مع القدرة أمهل ما جرت العادة به، كتوقّع خفّة المأكول، أو الأكل إن كان جائعاً، أو الراحة إن كان متعباً.

الشامل للمسلم و الكافر و لأنّهم مکلّفون بفروع الإسلام، و قد قال تعالى:«لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ»(1)

و أمّا جواز ردّهم إلى أهل نحلتهم فلإقرارهم عليها المقتضي لجواز الإعراض عنهم في ذلك، و قد قال تعالى: (فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ»(2)، و المراد بالإعراض عنهم ردّهم إلى أحكامهم.

و قال بعض العلماء: إنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:«وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ»(3)

و فيه نظر؛ لعدم المنافاة بينهما، فإنّ الإعراض عن الحكم بينهم ممّا أنزله الله أيضاً. و النسخ على خلاف الأصل، فلايثبت بمثل هذا الاحتمال. و هذا الحكم غير مختصّ بالإيلاء، بل هو مشترك بين سائر الأحكام.

قوله:«فيئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل، و فيئة العاجز إظهار العزم» إلى آخره.

قد تكرّر أنّ المؤلي بعد المدّة يطالب بالفيئة أو الطلاق، و المقصود الآن الكلام في أنّ

الفيئة بِمَ تحصل؟

و بيانه أنّ المؤلى إن كان قادراً على الوطء-بأن لايكون له عنه مانع شرعي و لا عقلي و لا حسّي - فأقلّ فيئته في الثيّب أن يغيّب الحشفة، و في البكر إذهاب العذرة بالوطء، و هو

ص: 216


1- النساء (4): 105.
2- المائدة (5): 42.
3- المائدة (5): 49؛ و راجع الكشاف، ج 1، ص 635؛ ومجمع البيان، ج 3، ص 196، حكاه عنه جماعة؛ والتفسير الكبير ، الفخر الرازي، ج 6 ، الجزء الحادي عشر، ص 242 ، ذيل الآية 42 من سورة المائدة (5)، حكاه عن جماعة.

التاسعة • إذا آلى من الأمة ثمّ اشتراها و أعتقها و تزوّجها لم يعد الإيلاء. و كذا

لو آلى من الحرّة ثمّ اشترته و أعتقته و تزوّج بها.

راجع إلى الأوّل؛ لأنّ تغييب الحشفة يزيل العذرة، فتغييب الحشفة يفيد الغرض فيهما، فلذا أطلقه المصنّف.

و لاتحصل الفيئة له بما دون الفرج كالدبر و غيره.

وإن كان عاجزاً عن ذلك ففيئته باللسان، و هو أن يرجع عن الإيذاء و الإضرار، فيقول: إذا قدرت فيّأت. و لو استمهل الفيئة باللسان لم يجب بحال، فإنّ الوعد به أمر متيسّر. ثمّ إذا زال المانع طولب بفيئة القادر أو الطلاق من غير استئناف مدّة.

و أمّا فيئة القادر فيمهل فيها بما جرت العادة إمهاله فيه بقدر ما يتهيّأ له ذلك عادةً، فيمهل الصائم إلى أن يفطر، و الشبعان إلى أن يخفّ عنه ثقل الطعام، فإنّه مانع من الغرض،و الجائع إلى أن يأكل ما يتهيّأ به لذلك، و لايمكّن من أن يشبع فيفضي إلى مهلةٍ أُخرى، وإن كان يغلبه النعاس فحتّى يزول ما به.

و بالجملة ما به يحصل التهيّاً و الاستعداد لذلك. و لايتقدّر بيوم أو بثلاثة أيّام عندنا، بل

بما يزول معه المانع عرفاً.

قوله:«إذا آلى من الأمة ثمّ اشتراها و أعتقها و تزوّجها لم يعد الإيلاء» إلى آخره.

لمّا كان الإيلاء متعلّقه الزوجة فالتحريم المستند إليه هو تحريم ما حلّ بالزوجيّة، فيكون دائراً معها وجوداً و عدماً، فإذا زالت بطلاقٍ أو شراءٍ أو عتقٍ زال التحريم؛ لزوال متعلّقه، وإن عاد الحلّ بأمر جديد بأن تزوّجها أو حلّت له بالشراء و نحو ذلك. لكن يشترط في الطلاق أن يكون بائناً، وإلّا توقف زوال التحريم على انقضاء العدّة، فلو راجع فيها بقي التحريم.

و ما فرضه المصنّف - كغيره- من زوال التحريم بشراء الأمة ثمّ عتقها و تزويجها(1) ليس على وجه الانحصار فيه، بل يزول التحريم بمجرّد شرائها؛ لبطلان العقد بذلك، وإنّما يستبيحها

ص: 217


1- في «خ»: «تزوّجها» بدل «تزويجها».

إذا کان تحت رجل أربع فقال:والله لا وطئتكنّ

العاشرة: • إذا قال لأربع: «والله لا وطئتكنّ» لم يكن مؤلياً في الحال، و جاز له وطء ثلاث منهنّ، و يتعيّن التحريم في الرابعة و يثبت الإيلاء. و لها المرافعة، و يضرب لها المدّة، ثمّ تقفه بعد المدّة.

و لو ماتت واحدة قبل الوطء انحلّت اليمين؛ لأنّ الحنث لا يتحقّق إلّا مع وطء الجميع و قد تعذّر في حقّ الميّتة؛ إذ لا حكم لوطئها.

و ليس كذلك لو طلّق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً؛ لأنّ حكم اليمين هنا باقٍ فيمن بقي، لإمكان الوطء في المطلّقات و لو بالشبهة.

بالملك و هو حكم جديد غير الأوّل، كاستباحتها بعقدٍ آخر. و قد تقدّم ذلك في الظهار(1) .

و أمّا على تقدير كون المؤلي عبداً فاشترته الحرّة، فتوقّف حلّها حينئذٍ على العتق واضح؛ لأنّها لاتباح له بالعقد و هو مملوك لها و إن كان التحريم قد زال بالشراء، لزوال العقد كما زال بالطلاق البائن وإن لم يفرض تزويجه لها. و تظهر الفائدة فيما لو وطئها قبل العقد بشبهةٍ أو حراماً، فإنّه لا كفّارة؛ لزوال حكم الإيلاء بزوال الزوجيّة.

قوله:«إذا قال لأربع: والله لا وطئتكنّ لم يكن مؤلياً في الحال» إلى آخره.

هذه مسألة شريفة، كثر اعتناء الفضلاء ببحثها و الخلاف فيها و في أقسامها. و هي مبنیّة على أصل هو أنّ المؤلى من علّق بالوطء مانعاً منه بيمين كما مرّ، فإذا كان الوطء بهذه المثابة كان مؤلياً، أمّا إذا لم يتعلّق المانع بالوطء لكن كان الوطء مقرّباً من الحنث فهو محذور لكنّه لايحرم، فلايكون مؤلياً به عندنا؛ لأنّه لايتعلّق به لزوم شيء و لايلحقه به ضرر.

إذا تقرّر ذلك، فإذا كان تحته أربع نسوةٍ فقال:«والله لا وطئتكنّ» فالكلام فيه يتعلّق

باليمين و الحنث، ثمّ الإيلاء.

أمّا الأوّل، فمتعلّق اليمين جماعهنّ جميعاً؛ لأنّ اليمين معقودة على الكلّ من حيث هو کلّ، و محصّل حلفه أن لايجمعهنّ على الوطء، فإذا وطئهنّ لم يلزمه إلّا كفّارة واحدة؛ لأنّ

ص: 218


1- تقدّم في ص 61.

...

اليمين واحدة و معناها سلب العموم في وطئهنّ، لا عموم السلب.

و على هذا، فلو مات بعضهنّ قبل الوطء انحلّت اليمين؛ لأنّه تحقّق امتناع الحنث، و لا

نظر إلى تصوّر الإيلاج بعد الموت، فإنّ اسم الوطء يطلق على ما يقع في الحياة.

و فيه وجه أنّ الحنث يتعلّق بوطء الميّتة أيضاً، ومن ثَمّ تثبت العقوبة على وطء الميّتة.

والحقّ أنّه مجاز؛ لعدم تبادر الذهن إليه عند الإطلاق. والعقوبة عليه لا تدلّ على الحقيقة،

بل هي على الفعل المحرّم كيف كان.

ولو طلّقهنّ أو بعضهنّ قبل الوطء لم تنحلّ اليمين، بل تجب الكفّارة بالوطء بعد البينونة

وإن كان زنىً؛ لأنّ الاسم يشمل الحلال والحرام. ويمكن فرض الحلال بالشبهة.

والمراد بثبوت الكفّارة في هذه الحالة على تقدير وطء الباقية في النكاح مع وطئهنّ؛ لتحقّق الحنث في الحلف على وطء الزوجة، فوطء المطلّقات شرط الحصول الحنث في وطء الزوجة، لا أنّ الإيلاء يبقى متعلّقاً بهنّ لما تقدّم من أنّ الطلاق البائن يبطل اليمين(1) .

وأمّا الثاني - وهو الإيلاء - فقد حكم المصنّف (رحمه الله) بأنّه لا يحصل إيلاءً في الحال، بل يجوز له وطء ثلاث منهنّ ، فإذا وطئهنّ صار مؤلياً من الرابعة وتقريب الوطء للواحدة والاثنتين إلى الحنث لا يوجب حصول الإيلاء كما مرّ.

وفي المسألة المسألة وجه ضعيف أنّه يكون مؤلياً منهنّ كلّهنّ، من حيث إنّ وطء كلّ واحدة

مقرّب للحنث، وقد منع نفسه من وطئهنّ باليمين بالله تعالى، فكان مؤلياً كما لو قال: «لا أطأ واحدة منكنّ».

وفيه أن تمكّنه من وطء كلّ واحدة منهنّ بغير حنث يدلّ على عدم تأثير يمينه قبل وطء

الثلاث، وهو معنى قولنا: إنّه غير مؤلٍ في الحال.

ولهذه المسألة صور ثلاث، أحدها هذه، والباقيتان تأتيان إن شاء الله تعالى.

ص: 219


1- تقدّم في ص 217.

و لو قال:لا وطئت واحدةً منكنّ، أو لا وطئت کلّ واحدةٍ منكنّ

و لو قال: «لا وطئت واحدةً منكنّ تعلّق الإيلاء بالجميع، وضربت المدّة لهنّ عاجلاً. نعم، لو وطئ واحدةً حنث وانحلّت اليمين في البواقي.

ولو طلّق واحدةً أو اثنتين أو ثلاثاً كان الإيلاء ثابتاً فيمن بقي.

ولو قال في هذه: «أردت واحدة معيّنة»، قُبل قوله؛ لأنّه أبصر بنيّته.

قوله: «ولو قال: لا وطئت واحدةً منكنّ» تعلّق الإيلاء بالجميع» إلى آخره.

هذه هي الصورة الثانیّة من صور المسألة، وهي ما إذا قال للأربع: «والله لا وطئت واحدةً منكنّ». ولها أحوال أربعة:

إحداها: أن يريد الامتناع عن كلّ واحدة منهنّ، فيكون مؤلياً منهنّ جميعاً.

وليس التعميم هنا كالتعميم في قوله: «والله لا أُجامعكنّ»؛ لأنّ اللفظ هناك تناول كلّهنّ، ولا يحصل الحنث بجماع بعضهنّ، وها هنا اليمين تتعلّق بآحادهنّ وتنزل على كلّ واحدة منهنّ على البدل، فيكون مؤلياً منهن جميعاً؛ لتعلّق الكفّارة بوطء أيّة واحدةٍ منهنّ وطئها؛ لأنّ قوله: «لا وطئت واحدةً نقيض قوله: «وطئت واحدةً» التي هي موجبة جزئيّة أو في قوّتها، فيكون نقيضها سالبةً كلّيّةً، فتفيد عموم السلب لا سلب العموم، عكس السابقة.

ولهنّ المطالبة بعد المدّة، فإن طلّق بعضهنّ بقي الإيلاء في حقّ الباقيات، وإن وطئ بعضهنّ حصل الحنث؛ لأنّه خالف قوله: «لا أجامع واحدة منكنّ» فتنحلّ اليمين، ويرتفع الإيلاء في حقّ الباقيات.

الثانیّة: أن يريد الامتناع عن واحدة منهنّ لا غير فيُقبل قوله؛ لاحتمال اللفظ. ويُحتمل عدم القبول؛ لأنّ اللفظ يقع على كلّ واحدةٍ على البدل، وهو متّهم في إخراج بعضهن عن موجب اللفظ. ويضعّف بأنّه أعرف بنيّته، مع احتمال اللفظ لما ادّعاه.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يريد واحدةً بعينها، أو واحدةً غير معيّنة. فإن أراد الأوّل فهو مؤل عنها ويؤمر بالبيان كما في الطلاق. وإذا بيّن واحدة فإن صدّقه الباقيات فذاك، وإن ادّعت غيرها أنّه عناها وأنكر فهو المصدّق بيمينه، فإن نكل حلفت المدّعية وحكم بكونه مؤلياً عنها أيضاً. فإن أقرّ في جواب الثانیّة أنّه عناها أخذناه بموجب إقراره وطالبناء بالفيئة أو الطلاق

ص: 220

...

ولا يقبل رجوعه عن الأوّل. وإذا وطئهما في صورة إقراره تعدّدت الكفّارة، وإن وطئهما في صورة نكوله ويمين المدّعية لم يتعدّد؛ لأنّ يمينها لا تصلح لإلزام الكفّارة عليه. ولو ادّعت واحدة أوّلاً أنّك عنيتني، فقال: ما عنيتك، أو ما آليت منك، وبمثله أجاب ثانیةً وثالثة، تعيّنت الرابعة للإيلاء.

وإن أراد واحدةً غير معيّنة ففي كونه مؤلياً وجهان، مثلهما (في ] طلاق المبهمة(1). فإن قلنا به أُمر بالتعيين ويكون مؤلياً من إحداهنّ لا على التعيين. وإذا عيّن واحدةً لم يكن لغيرها المنازعة. وفي كون المدّة من وقت التعيين أو وقت اليمين - إذا جعلنا مدّة الإيلاء من حينه - وجهان، مبنيّان على أنّ الطلاق المبهم إذا عيّنه يقع عند التعيين أو يستند إلى اللفظ. فإن لم يعيّن ومضت أربعة أشهر، فإن أوقعنا الإيلاء من حينه وطالبن أُمر بالتعيين ثمّ الفيئة أو الطلاق. ولو فاء إلى واحدةٍ أو اثنتين أو ثلاث أو طلّق لم يخرج عن موجب الإيلاء لاحتمال أنّ المؤلي عنها الرابعة. وإن قال:«طلّقت التي آليت عنها» خرج عن موجب الإيلاء، لكنّ المطلّقة مبهمة، فعليه التعيين.

الثالثة: أن يريد تحريم كلّ واحدة واحدة فيُقبل قوله أيضاً؛ لاحتمال اللفظ له؛ لأنّ السلب داخل على نكرةٍ فيفيد العموم كما مرّ، فيقع الإيلاء على کلّ واحدة واحدة لا على سبيل البدل، وتتعدّد اليمين كما سيأتي في القسم الثالث.

الرابعة: أن يطلق اللفظ، فلم ينو التعميم ولا التخصيص بواحدة. وفيه وجهان: أحدهما،

أنّه يحمل على التخصيص بواحدة؛ لأنّ اللفظ محتمل له وهو أقلّ المحملين.

وعلى هذا، فيكون الحكم كما لو أراد واحدةً لا بعينها وأشبههما الحمل على التعميم؛ لأنّه المعنى المشهور عند الإطلاق والاستعمال، ولذلك يقال: النكرة عند النفي تعمّ، وأصالة الإباحة وحدوث التحريم بسبب الإيلاء الذي لا يعلم وجوده قد انتفى بوجود اللفظ الظاهر في معناه العامّ.

ص: 221


1- راجع ج 7، ص 239 - 240. وما بين المعقوفين أثبتناء من الحجريّتين.

. ولو قال: «لا وطئت كلّ واحدةٍ منكنّ كان مؤلياً من كلّ واحدة، كما لو آلى من كلّ واحدةٍ منفردةً. وكلّ من طلّقها فقد وفّاها حقّها ولم تنحلّ اليمين في البواقي. وكذا لو وطئها قبل الطلاق لزمته الكفّارة، وكان الإيلاء في البواقي باقياً.

قوله: «ولو قال: «لا وطئت كلّ واحدة منكنّ كان مؤلياً من كلّ واحدة» إلى آخره.

هذه هي الصورة الثالثة، وهي أن يقول للنسوة الأربع: «لا وطئت كلّ واحدة منكنّ».

فقد ذكر المصنّف (رحمه الله) وغيره(1): أنّه يكون مؤلياً منهنّ جميعاً ؛ لتعلّق المحذور بوطء کلّ واحدةٍ منهنّ وهو الحنث ولزوم الكفّارة. وتضرب المدّة في الحال، فإذا مضت فلکلّ واحدةٍ منهنّ مطالبته بالفيئة أو الطلاق. فإن طلّقهنّ سقطت المطالبة، وإن طلّق بعضهنّ فالباقيات على مطالبتهنّ.

وإن وطئ واحدةً فالمشهور أنّ اليمين لا تنحلّ؛ لأنّ هذه الصيغة في قوّة اليمين المتعدّدة، فإنّ قوله « لا أجامع كلّ واحدةٍ» يتضمّن تخصيص كلّ واحدةٍ بالإيلاء على وجه لا يتعلّق بصواحباتها، حتّى أفرد کلّ واحدة بيمين كأنّه قدّره قائلاً: «والله لا أُجامع هذه» و«والله لا أُجامع هذه إلى آخر هنّ».

ولو قيل بانحلال اليمين - لأنّها يمين واحدة كما لو قال: «والله لا أجامع واحدةً منكنّ» كان وجهاً، لاشتراكهما في العموم، وإن كانت هذه آكد عموماً. ويجري الكلام فيما لو قال: «والله لا كلّمت كلّ واحد من هذين الرجلين» ونظائره. هذا جملة ما أوردوه في هذه الصورة.

ويمكن أن يقال هنا كما قيل في السابقة - من أنّه إن قصد بقوله «لا أُجامع کلّ واحدة» المعنى الذي قرّروه اتّجه بقاء الإيلاء في حقّ الباقيات، وإلّا كان الحكم فيها كالحكم فيما إذا قال: «والله لا أُجامعكنّ» فلا يحصل الحنث ولا تلزم الكفّارة إلّا بوطء الجميع. ولا يكون مؤلياً في الحال على ما قرّر هناك لوجهين:

أحدهما: أنّه إذا وطئ بعضهنّ - كالواحدة مثلاً - صدق أن يقال: إنّه لم يطأ کلّ واحدة

ص: 222


1- كالشيخ في المبسوط، ج 4، ص 150؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 722؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 59؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 177؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 118 ، الرقم 5490.

الحادية عشرة: • إذا آلى من الرجعيّة صحّ، ويحتسب زمان العدّة من المدّة.

وكذا لو طلّقها رجعيّاً بعد الإيلاء وراجع.

منهنّ وإنّما وطئ واحدةً منهنّ، كما يصدق أنّه لم يطأهنّ وإنّما وطئ إحداهنّ، وذلك يدلّ على أنّ مفهوم اللفظين واحد.

والثاني : أنّ قول القائل«طلّقت نسائي». وقوله «طلّقت کلّ واحدة من نسائي»، يؤديّان معنىً واحداً، وإذا اتّحد معناهما في طرف الإثبات فكذلك في طرف النفي. فيكون معنى قوله «لا أجامع کلّ واحدةٍ منكنّ» معنى قوله « لا أجامعكنّ» خصوصاً على ما ذكره الشيخ عبد القاهر(1) ومن تبعه من أنّ كلمة «كلّ» في النفي إذا دخلت في حيّزه - بأن قدّم عليها لفظاً، كقوله: «ماكلّ ما يتمنّى المرء يدركه» وقولنا: «ما جاء القوم كلّهم» و «ما جاء كلّ القوم» أو تقديراً بأن قدّمت على الفعل المنفىّ وأعمل فيها؛ لأنّ العامل رتبته التقدّم على المعمول. كقولك: «كلّ الدراهم لم آخذ» - توجّه النفي إلى الشمول خاصّةً دون أصل الفعل، وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلّقه ببعض. وفي هذا المقام بحث، وله جواب لا يليق بهذا المحلّ.

قوله: «إذا آلى من الرجعيّة صحّ، ويحتسب زمان العدّة من المدّة» إلى آخره.

قد تكرّر أنّ المطلّقة رجعيّاً بمنزلة الزوجة، فيقع بها الإيلاء كما يقع بالزوجة. ثمّ إن قلنا بأنّ المدّة تضرب من حين الإيلاء - وإن لم ترافعه الزوجة - احتسب زمان العدّة من المدّة. وإن قلنا إنّها من حين المرافعة فليس للمطلّقة المرافعة؛ لأنّها لا تستحقّ عليه الاستمتاع، فلا يحتسب منها شيء من العدّة، بل إن راجعها فرافعته ضربت لها المدّة حينئذٍ.

ولو طلّقها بعد بعد الإيلاء طلاقاً رجعيّاً فمقتضى كلام المصنّف (رحمه الله) أن المدّة

لا تنقطع، بل يحتسب زمان العدّة من المدّة، فإن راجع طولب بأحد الأمرين مع انقضائها. ووجهه أنّه وإن كانت الزوجيّة قد اختلّت إلّا أنّه متمكّن من الوطء بالرجعة، فلا يكون الطلاق عذراً كالردّة، وإن افترقا بأنّ النكاح معها لا ينخرم، والطلاق بالرجعة لا ينهدم؛ لأنّ هذا الفرق لا يوجب اختلاف الحكم هنا؛ لاشتراكهما في التمكّن من الوطء بإزالة المانع من قبل الزوج.

ص: 223


1- راجع دلائل الإعجاز، ص 284 - 285.

هل يتکرّر الکفّارة بتکرّر اليمین؟

الثانیّة عشرة: • لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين سواء قصد التأكيد أو لم يقصد، أو قصد بالثانیّة غير ما قصد بالأُولى، إذا كان الزمان واحداً.

نعم، لو قال: «والله لا وطئتكِ خمسة أشهر فإذا انقضت فو الله لا وطئتكِ سنة». فهما إيلاءان ولها المرافعة لضرب مدّة التربّص عقيب اليمين. ولو واقفته فماطل حتّى انقضت خمسة أشهر فقد انحلّت اليمين. قال الشيخ: ويدخل وقت الإيلاء الثاني. وفيه وجه ببطلان الثاني؛ لتعليقه على الصفة على ما قرّره.

والشيخ منع من احتساب المدّة فيهما؛ محتجّاً بأنّ الطلاق رفع النكاح وأجراها إلى البينونة(1)، بمعنى أنّها في العدّة في زمان يقتضي مضيّه البينونة، فلا يجوز احتساب هذه المدّة من مدّةٍ يقتضي مضيّها المطالبة بالوطء وهو زمان التربّص؛ لتضادّ الأثرين المقتضي لتضادّ المؤثّرين. وكذا الردّة.

ووافقه في التحرير على انهدامها(2)، وأنّه إن راجع ضربت له مدّة أخرى، ووقف عند انقضائها، فإن فاء أو طلّق وفّى، فإن راجع ضربت له مدّة أخرى، ووقف بعد انقضائها، وهكذا. وقول المصنّف لا يخلو من قوّة.

قوله: «لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين، سواء قصد التأكيد أو لم يقصد» إلى آخره.

لا إشكال في عدم تكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين إذا قصد التأكيد بما عدا الأوّل. أمّا إذا أطلق أو قصد التأسيس فظاهر الأصحاب أنّه كذلك؛ لصدق الإيلاء مع تعدّد اليمين، فتكفيه كفّارة واحدة. ولا يخلو من إشكال، خصوصاً مع قصد التأسيس؛ فإنّ كلّ واحدٍ سبب مستقلّ في إيجاب الكفّارة، والأصل عدم التداخل. والبحث آت في مطلق اليمين؛ لاشتراكهما في المقتضي . هذا إذا اتّحد زمان المحلوف عليه إمّا مطلقاً أو مقيّداً، كأن قال: «والله لا وطئتك والله لا وطئتكِ» أو قال: «والله لا وطئتك خمسة أشهرٍ والله لا وطئتك خمسة أشهر» مثلاً.

ص: 224


1- المبسوط، ج 4، ص 155-157.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 120، الرقم 5492.

...

أما إذا اختلف زمان اليمينين كما لو قال: «والله لا وطئتكِ خمسة أشهر فإذا انقضت فوالله لا وطئتكِ سنةً فقد أتى بيمينين کلّ واحدةٍ منهما تشتمل على مدّة الإيلاء، لكن الأُولى منجّزة والثانیّة معلّقة على صفةٍ، فإن لم نقل بصحّة المعلّق اختصّ البحث بالأوّل. وإن جوّزناه فلها المطالبة بعد مضيّ أربعة أشهرٍ بموجب اليمين الأوّل إن قلنا: إنّ المدّة من حين الإيلاء، وإلّا فلها المرافعة لضرب المدّة، فإن بقي منها بعد ضربها ما يزيد عن أربعة أشهرٍ أُلزم بأحد الأمرين بعدها للأوّل. وإن أخّرت المطالبة حتّى مضيّ الشهر الخامس فلا مطالبة بموجب تلك اليمين؛ لانحلالها. وإن طالبته فى الخامس أو ضربت المدّة من الأوّل، فإن فاء إليها في الخامس خرج عن موجب الإيلاء الأوّل، فإذا انقضى الشهر الخامس استفتحت مدّة الإيلاء الثاني، فإن طلّق سقطت عنه المطالبة في الحال، ثمّ إن راجعها في الشهر الخامس بني على أنّ الطلاق الرجعي هل يقطع المدّة أم لا؟ فإن لم نقل بقطعها فالحكم كما سبق، وإلّا ضربت المدّة للإيلاء الثاني عند دخوله.

ولو وطئها بعد الرجعة في باقي الشهر انحلّت اليمين الأُولى وبقيت الثانیّة. وكذا لو طلّق

بائناً؛ لأنّ الطلاق البائن إنّما يحلّ الإيلاء الحاصل لا المتوّقع.

ولو عقد اليمينين على مدّتين تدخل إحداهما في الأُخرى، كما إذا قال: «والله لا أُجامعك خمسةَ أشهر»، ثمّ قال: «والله لا أُجامعك سنةً» فإذا مضت أربعة أشهرٍ فلها مطالبته، فإن فاء انحلّت اليمينان. وإذا أوجبنا الكفّارة فالواجب كفّارة واحدة أو كفّارتان على ما سبق. وإن طلّقها ثم راجعها أو جدّد نكاحها، فإن بقي من السنة أربعة أشهرٍ أو أقلّ لم يعد الإيلاء، وتبقى اليمين. وإن بقي أكثر من أربعة أشهٍر، أو لم نقل ببطلان المدّة عاد الإيلاء بالرجعة. وفي تجديده ما سبق.

ولو قال: «فإذا مضت الخمسة فو الله لا أُجامعك» كان مؤلياً بعد الخمسة دائماً، وأتى فيه ما ذكر(1).

ص: 225


1- في حاشية «و»: «من أنّه إن كان الطلاق بائناً لا يعود، وإن كان رجعياً يعود.(منه قدّس سرّه)».

الثالثة عشرة: • إذا قال: «والله لا أصبتك سنةً إلّا مرّة» لم يكن مؤلياً في الحال؛ لأنّ له الوطء من غير تكفيرٍ. ولو وطئ وقع الإيلاء. ثمّ ينظر فإن تخلّف من المدّة قدر التربّص فصاعداً صحّ، وكان لها المواقفة. وإن كان دون ذلك بطل حكم الإيلاء.

قوله: «إذا قال: «والله لا أصبتك سنةً إلّا مرّة» لم يكن مؤلياً في الحال» إلى آخره.

إذا قال: «لا أُجامعك سنةً إلّا مرّة» لم يكن مؤلياً في الحال عندنا؛ لأنّه لا يلزمه بالوطء شيء؛ لاستثنائه الوطء مرّةً. فإذا وطئها نظر إن بقي من السنة أكثر من أربعة أشهرٍ فهو مؤلٍ من يومئذٍ؛ لحصول الحنث ولزوم الكفّارة لو وطئ. وإن بقي أربعة أشهر فما دونها فهو حالف وليس بمؤلٍ.

وعند بعض العامّة يكون مؤلياً في الحال(1)؛ لأنّ الوطأة الأُولى وإن لم يحصل بها الحنث فهي مقرّبة منه، كما سبق مثله في حلفه على وطء الأربع(2)

وعلى هذا القياس لو قال: «لا أُجامعك إلّا عشرَ مرّاتٍ» أو عدداً آخر. فعلى ما اخترناه

لا يكون مؤلياً إلى أن يستوفي ذلك العدد ويبقى من السنة مدّة الإيلاء.

ولو قال: «إن أصبتك في هذه السنة فوالله لا أصبتك فيها» أو أطلق لم يكن مؤلياً في الحال أيضاً. وبني وقوعه بعد الإصابة على جواز المعلَّق على الشرط، بخلاف الأُولى. والفرق بينهما أنّه في الصورة الأُولى عقد اليمين في الحال واستثنى وطأه واحدة، وها هنا اليمين غير معقودة في الحال وإنّما تنعقد إذا أصابها، فلا يثبت الإيلاء قبل انعقاد اليمين. ولو قال: «لا أُجامعك سنةً إلّا يوماً» فهو كما لو قال: «إلّا مرّةً».

فرع على المسألة السابقة: لو لم يطأها في السنة أصلاً، هل تلزمه الكفّارة؟ وجهان، نعم؛ لأنّ اللفظ يقتضي أن يفعل مرّةً؛ لأنّ الاستثناء من النفي إثبات، و لا؛ لأنّ المقصود باليمين أن لا يزيد على واحدة. ولو وطئ في هذه الصورة ونزع ثمّ أولج ثانياً لزمته الكفّارة بالإيلاج الثاني؛ لأنّه وطء مجدّد. مع احتمال العدم مصيراً إلى العرف، والإيلاجات المتتابعة في العرف تُعدّ وطأةً واحدةً، كما أنّ اسم الأكلة يقع على ما يحويه جلسة على الاعتياد.

ص: 226


1- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 366؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 516 ، المسألة 6113،وفيه: «وهو قول زفر».
2- سبق في ص 218 وما بعدها.

كتاب اللعان

اشارة

والنظر في أركانه وأحكامه.

وأركانه أربعة:

الرکن الأوّل فی سبب اللعان

الأوّل في السبب

وهو شيئان:

کتاب اللعان

تعریف اللعان

هو لغةً: مصدر لا عن يلاعن، وقد يستعمل جمعاً ل«اللعن»، وهو الطرد والإبعاد(1).

وشرعاً: كلمات معلومة جعلت حجّة للمضطرّ إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به،

أو إلى نفي ولد.

وسمّيت لعاناً لاشتمالها على كلمة اللعن، وخصّت بهذه التسمية؛ لأنّ اللعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات والأيمان، والشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب، وعلى ذلك جرى معظم تسميات سور القرآن. ولم يُسمّ بما يشتقّ من الغضب؛ لأنّ لفظ الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى، وأيضاً فلعانه يسبق لعانها، وقد ينفكّ عن لعانها، أو لأنّ

ص: 227


1- لسان العرب، ج 13، ص 387، «لعن».

...

کلّاً من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها؛ إذ يحرم النكاح بينهما أبداً.

والأصل فيه قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ »(1) الآيات.

وسبب نزولها ما روي عن ابن عبّاس (رضي الله عنه): أنّ هلال بن أُميّة قذف امرأته عند النبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم بشريك بن سحماء، فقال النبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم : «البيّنة أو حدّ في ظهرك»، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البيّنة ؟ فجعل النبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم يقول: «البيّنة وإلّا حدّ في ظهرك»، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، إنّي لصادق، ولينزلنّ الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحدّ. فنزل جبرئيل علیه السلام وأنزل قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»الآيات(2).

وروى سهل بن سعد الساعدي أنّ عويمر العجلاني قال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فقتله فيقتلونه؟ أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم: «قد أنزل فيك و في صاحبتك قرآناً، فاذهب فأت بها»، فأتى بها، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم(3).

وذكروا أنّ الآيات وردت في قصّة هلال(4) ، وقوله في القصّة الثانیّة: «أنزل فيك وفي صاحبتك» حُمل على أنّ المراد أنّه بين حكم الواقعة بما أنزل في حقّ هلال، والحكم على الواحد حكم على الجماعة.

ص: 228


1- النور (24): 6-9.
2- صحيح البخاري، ج 2، ص 949، ح 2526؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 1129، ح 1492/1؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 668 ، ح 2067؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 276، ح 2254؛ والآيات 6 - 9 من سورة النور (24).
3- سنن الدارمي، ج 2، ص 150، باب في اللعان؛ صحيح البخاري، ج 5، ص 2033، ح 5002؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1129، ح 1492/1؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 667 ، ح 2066؛ سنن أبي داود ج 2، ص 273 - 274 ، ح 2245؛ سنن النسائي، ج 1، ص 171، ح 3463.
4- التبيان، ج 7، ص 366؛ مجمع البیان، ج 7، ص 127 - 128؛ الكشاف، ج 3، ص 215 - 216؛ الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 183، ذيل الآية 10 من سورة النور (24).

النظر الأوّل في أرکانه

الرکن الأوّل فی سبب اللعان

السبب الأوّل: القذف

الأوّل: القذف

. ولا يترتّب اللعان به إلّا على رمي الزوجة المحصنة المدخول بها بالزني قبلاً أو دبراً، مع دعوى المشاهدة وعدم البيّنة. فلو رمى الأجنبیّة تعيّن الحدّ ولا لعان. وكذا لو قذف الزوجة ولم يدّع المشاهدة.

ولو كان له بيّنة فلا لعان ولا حدّ وكذا لو كانت المقذوفة مشهورةً بالزني.

قوله: «ولا يترتّب اللعان به إلّا على رمي الزوجة المحصنة -إلى قوله- في حقّه بنفى الولد». قد ذكرنا أنّ اللعان حجّة شُرّعت للزوج من حيث إنّه قد يضطرّ إلى القذف ولا تساعده البيّنة، فيحتاج إلى دفع الحدّ عن نفسه وإلى الانتقام منها. وهذا المعنى يقتضي اختصاصه بالنكاح، فلا لعان للأجنبي؛ لأنّه لا ضرورة له في القذف. والأصل فيه مع ذلك أنّ الله تعالى خصّ الحكم بالزوجة بقوله:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(1)

والمحصنة - بفتح الصاد وكسرها. والمراد بها هنا - العفيفة عن وطءٍ محرّمٍ لا يصادف ملكاً وإن اشتمل على عقدٍ، لا ما صادفه وإن حرم كوقت الحيض والإحرام والظهار، فلا تخرج به عن الإحصان وكذا وطء الشبهة ومقدّمات الوطء مطلقاً.

وقيّدها بالدخول بها - مع ما سيأتي من الخلاف في هذا الشرط(2) - للتنبيه على موضع الوفاق أو على ما يختاره.

واشتراطه بدعوى المشاهدة يخرج ما إذا أطلق أو صرّح بعدمها. وهذا الشرط مذهب الأصحاب وبعض العامّة(3). ووجهه - مع إطلاق الآية(4) - أنّه شهادة به، وهي مشروطة

ص: 229


1- النور (24): 6.
2- يأتي في ص 259.
3- المدوّنة الكبرى، ج 3، ص 114؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 4: المجموع شرح المهذّب، ج 17، ص 385.
4- النور (24): 6.

ويتفرّع على اشتراط المشاهدة سقوط اللعان في حقّ الأعمى بالقذف؛ لتعذّر المشاهدة. ويثبت في حقّه بنفي الولد.

بالمشاهدة. وبه أخبار كثيرة منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عیه السلام قال: «إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول: رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها»(1). ومثله حسنة محمّد بن مسلم(2) .

ويلزم من هذا الشرط أنّ الأعمى لو قذف زوجته حُدّ؛ لعدم إمكان اللعان في حقّه من حيث عدم المشاهدة، وإنّما يتوجّه لعانه بسبب نفي الولد.

ويشكل بإمكان علمه بدون المشاهدة.

واشتراط المشاهدة لو سُلّم يمكن حمله على من يمكن في حقّه، أو على جعله كنايةً عن العلم بذلك، وأنّه لا يكفي الظنّ المستند إلى القرائن أو الشياع منفرداً. وينبّه عليه سقوط اللعان بقذف المشهورة بالزنى ويؤيده عموم قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(3).

ويمكن الفرق بين الشياع المجرّد وبين المنضمّ إلى القرائن المفيدة للعلم عادةً، فإنّه قد يذكره غير ثقةٍ فينتشر، أو يشيعه عدوّ لها أوله، أو من طمع فيها فخاب. كما لا یصحّ القذف بمجرّد القرينة بأن يراها معه في خلوة، أو يراه يخرج من عندها؛ لأنّه ربما دخل لخوف أو سرقة أو طمع، بخلاف ما إذا اجتمع الأمران، أو انضمّ إليهما أو إلى الشياع قرائن أفادت العلم. إلّا أنّ الأصحاب أطلقوا اشتراط المعاينة؛ نظراً إلى ظاهر النصوص.(4)

وأيضاً فيمكن استناده إلى البيّنة أو إقرارها، وذلك يسقط الحدّ عن الأجنبي؛ لسقوط

ص: 230


1- الكافي، ج 6، ص 163 - 164، باب اللعان، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 187، ح 650؛ الاستبصار، ج 3، ص 372، ح 1327.
2- الكافي، ج 6 ، ص 166 ، باب اللعان، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 186، ح 648؛ الاستبصار، ج 3، ص 372، ح 1326.
3- النور (24): 6.
4- وسائل الشيعة، ج 22، ص 416 وما بعدها، الباب 4 من كتاب اللعان.

• ولو كان للقاذف بيّنة فعدل عنها إلى اللعان قال في الخلاف یصحّ، ومنع في المبسوط؛ التفاتاً إلى اشتراط عدم البيّنة في الآية. وهو الأشبه.

الإحصان، وإن وجب التعزير للإيذاء بتجديد ذكر الفاحشة.

ومقتضى العبارة أنّ الزوج ليس له إسقاطه باللعان لفقد شرطه وبه صرّح الشيخ(1) (رحمه الله) وتوقّف العلّامة في التحرير، مقتصراً على نسبته إلى الشيخ(2).

وأما اشتراط عدم البيّنة فلظاهر قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ»(3)؛ فَإِنَّ مفهومه أنّه لو كان له بيّنةً لا يلاعن؛ لإمكان نفي الحدّ بإقامتها.

قوله: «ولو كان للقاذف بيّنة فعدل عنها إلى اللعان» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في أنّ اللعان هل هو مشروط بعدم البيّنة من قبل الزوج على الزنى أم لا؟ فذهب في الخلاف(4)، والمختلف(5) إلى عدم اشتراطه؛ للأصل، ولأنّ النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لاعن بين عويمر العجلاني وزوجته(6) ولم يسألهما عن البيّنة، فلو كان عدمها شرطاً لسأل.

وقوّى في المبسوط الاشتراط(7)، واختاره المصنّف والأكثر؛ لاشتراط عدم الشهود في الآية(8). ولأنّ ابن عبّاس (رضي الله عنه) روى في حديث هلال أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له: «البيّنة وإلّا حدّ في ظهرك»(9) ثمّ نزلت الآية(10) فلاعن بينهما. ولأنّه إذا نكل عن اللعان يحدّ، فيلزم حينئذٍ حدّه مع وجود البيّنة.

ص: 231


1- المبسوط ، ج 4 ، ص 221.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 131، الرقم 5510.
3- النور (24): 6.
4- الخلاف، ج 5، ص 8، المسألة 3.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 454 - 455، المسألة 104.
6- تقدّم تخريجه في ص 228، الهامش 3.
7- المبسوط، ج4، ص211.
8- النور(24): 6.
9- تقدّم تخریجه في ص228، الهامش 2.
10- النور(24): 6.

. ولو قذفها بزنئ أضافه إلى ما قبل النكاح فقد وجب الحدّ

وهل له إسقاطه باللعان ؟ قال فى الخلاف ليس له اللعان؛ اعتباراً بحالة الزنى.و قال في المبسوط: له ذلك؛ اعتباراً بحالة القذف. وهو أشبه.

ولأنّ اللعان حجّة ضعيفة؛ لأنّه إمّا شهادة لنفسه أو يمين، فلا يعمل به مع الحجّة القويّة

وهي البيّنة.

وأجابوا عن الأوّل بأنّ هذه الأدلّة رفعت الأصل. وجاز علم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بالحال فلم يسأل عن البيّنة، فإنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال.

وفي حجّة الثاني أيضاً نظر؛ لأنّ عدم الشهداء في الآية خرج مخرج الوصف، ومفهومه ضعيف. وجاز بناؤه على الأغلب أو على الواقع في الواقعة، كقوله تعالى:«وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ)(1)

وقوله صلّى الله عليه و آله وسلّم لهلال وقع لدفع حدّ القذف، ولا خلاف في أنّه لا يندفع بدون البيّنة إذا لم يلاعن، ولأنّها أيضاً واقعة مخصوصة لا تفيد انحصار الحكم في مضمونها. وليس فيها تصريح بعدم وجود البيّنة، لكن ظاهرها ذلك.

وإنّما يحدّ إذا نكل عن اللعان إذا لم يمكنه دفع الحدّ بالبيّنة، كما لو أقامها ابتداءً بعد القذف.

ولا نسلّم أنّ اللعان حجّة ضعيفة وإن كانت شهادةً لنفسه؛ لثبوتها بالنصّ(2)، كما يثبت حكم البيّنة التي يجوز كذبها. وعلى كلّ حالٍ فالأقوى اشتراط عدم البيّنة.

قوله: «ولو قذفها بزنى أضافه إلى ما قبل النكاح فقد وجب الحدّ» إلى آخره.

إذا قذف زوجته بزني، فإمّا أن يضيفه إلى زمان الزوجيّة أو إلى ما سبق عليها أو يطلق.

ص: 232


1- الإسراء (17): 31.
2- الآية 6 - 9 من سورة النور (24)؛ وراجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 407 وما بعدها، الباب 1 من كتاب اللعان.

. ولا يجوز قذفها مع الشبهة، ولا مع غلبة الظنّ وإن أخبره الثقة، أو شاع أن فلاناً زنى بها.

وفي الأوّل والأخير لا إشكال في ثبوت اللعان. أما الوسط ففيه قولان(1) منشؤهما، عموم قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(2) الشامل لجميع الأقسام، وخصوص الواقعة التي سبب الشرعيّة. ويضعّف بأنّ خصوص السبب لا يخصّص العامّ. فما اختاره المصنّف من ثبوته مطلقاً أقوى. وأمّا التعليل باعتبار حال القذف أو الزنى فهو تعيين لمحلّ النزاع لا علّة برأسه.

قوله: «ولا يجوز قذفها مع الشبهة، ولا مع غلبة الظن وإن أخبره الثقة» إلى آخره.

الزوج كالأجنبي في تحريم قذف الزوجة وفي أنّه يلزمه الحدّ، إلّا أنّ الزوج مختصّ بأنّه قد يباح له القذف وقد يجب، وبأنّ الأجنبي لا يتخلّص عن الحدّ إلّا ببيّنة تقوم على زنى

المقذوف أو بإقرار المقذوف، وللزوج طريق ثالث إلى الخلاص وهو اللعان.

والسبب في اختصاص الزوج، أنّها إذا لطخت فراشه اشتدّ غيظه عليها وعظمت عداوته واحتاج إلى الانتقام والتبرّد منها ، ولا يكاد تساعده البيّنة والإقرار فابيح له القذف، وشرّع له طريق الخلاص وله دفع العقوبة عن نفسه باللعان.

ثمّ جواز قذفه لها على هذا الوجه مشروط بتيقّن زناها بأن رآها بعينه تزني، لا بمجرّد الشبهة ولا بالظنّ ولا بالسماع من ثقة، سواء كان من أهل الشهادة أم لم يكن، ولا بالشياع بين الناس بزناها بمعيّن أو غير معيّن لجواز عدم مطابقة الخبر في ذلك، وعرض المؤمن کدمه؛ خلافاً لبعض العامّة حيث جوّز قذفها بجميع ذلك(3).

ص: 233


1- القول بعدم ثبوت اللعان للشيخ في الخلاف، ج 5، ص 16، المسألة 15؛ والقول بثبوت اللعان أيضاً له في المبسوط ج 4، ص 222؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 457، المسألة 106.
2- النور (24): 6.
3- حلية العلماء، ج 7، ص 206؛ الحاوي الكبير، ج 11، ص 17؛ وراجع أيضاً روضة الطالبين، ج 6، ص 303.

. وإذا قذف في العدّة الرجعيّة كان له اللعان. وليس له ذلك في البائن، بل يثبت بالقذف الحدّ ولو أضافه إلى زمان الزوجيّة.

ثمّ ما لم يكن هناك ولد فلا يجب على الزوج القذف، بل يجوز أن يستر عليها ويفارقها بغير طريق اللعان ولو أمسكها لم يحرم؛ لما روي أنّ رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم فقال له: إنّ له امرأة لا تردّ يد لامس، فقال صلّى الله عليه و آله وسلّم : «طلّقها»، قال: إنّي أُحبّها، قال: «فأمسكها»(1).

وإذا كان هناك ولد يتيقّن أنّه ليس منه وجب عليه نفيه؛ لأنّ ترك النفي يتضمّن الاستلحاق، ولا يجوز له استلحاق من ليس منه، كما لا يجوز نفي من هو منه، وقد روي أنّ النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم قال: «أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء»(2). فنصّ على المرأة، ومعلوم أنّ الرجل في معناها.

قوله: «وإذا قذف في العدّة الرجعيّة كان له اللعان» إلى آخره.

إذا قذف زوجته المطلّقة، فإن كانت الطلقة رجعيّةً وقذفها في العدّة أو قذفها ثمّ طلّقها كذلك فله أن يلاعنها، كما يجوز أن يطلّقها ويؤلي عنها ويظاهر؛ لأنّها بمنزلة الزوجة. ویصحّ لعانه في الحال، ويترتّب عليه أحكامه من غير توقّف على الرجعة بخلاف ما إذا ظاهر عنها أو آلى، حيث يتوقّف أمرهما على الرجعة؛ لأنّ حكم الإيلاء منوط بالمضارّة ولا مضارّة مع طلاقها، والكفّارة في الظهار تتعلّق بالعود، وإنّما يحصل العود بالرجعة. وأمّا اللعان فمداره على الفراش ولحوق النسب، والرجعيّة في ذلك كالمنكوحة، وفي التأخير خطر بالموت فلم يتوقّف أمره على الرجعة.

وإن كان الطلاق بائناً أو قذفها بعد العدّة الرجعيّة وإن أضافه إلى زمن الزوجيّة فلا لعان، بل يثبت الحدّ؛ لأنّها ليست زوجة حينئذٍ، والحكم مرتّب على رمي الزوجة، ولأنّها حينئذٍ.

ص: 234


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 59 - 60، ح 216.
2- سنن الدارمي، ج 2، ص 153 باختلاف يسير؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 279 ، ح 2263؛ سنن النسائي، ج 6، ص 179 - 180 ، ح 3478؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 566 - 567، ح 2868

. ولو قذفها بالسحق لم يثبت اللعان ولو ادّعى المشاهدة، ويثبت الحدّ.

• ولو قذف زوجته المجنونة ثبت الحدّ، ولا يقام عليه إلّا بعد المطالبة، فإن أفاقت صحّ اللعان. وليس لوليّها المطالبة بالحدّ ما دامت حيّةً.

أجنبیّة فلا ضرورة إلى قذفها. نعم ، لو كان هناك ولد يلحق به فله اللعان لنفيه؛ لمكان الحاجة إلى نفيه، كما في صلب النكاح، وسيأتى.(1)

قوله: «ولو قذفها بالسحق لم يثبت اللعان ولو ادّعى المشاهدة، ويثبت الحد».

لا إشكال في عدم ثبوت اللعان بذلك، لأنّه مشروط بالرمي بالزنى أو نفي الولد. وأمّا ثبوت الحدّ به؛ فلأنّه قذف بفاحشةٍ يوجب الحدّ كالزنى واللواط.

وفي باب الحدود حصر موجب الحدّ من القذف في الرمي بالزنى أو اللواط، وهو يقتضي عدم ثبوت الحدّ بالرمي بالسحق، بل التعزير خاصّةً، وبه صرّح أبو الصلاح(2) وقرّبه في المختلف(3)؛ لأصالة البراءة من وجوب الحدّ كما لو قذفه بإتيان البهائم وهو متّجه؛ لأنّ النصّ لم يرد بالحدّ إلّا على الرمي بالزنى واللواط(4)، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابه(5).

قوله: «ولو قذف زوجته المجنونة ثبت الحدّ» إلى آخره.

إذا قذف المجنونة بالزنى، فإن أطلق أو نسبه إلى زمان إفاقتها وجب عليه الحدّ؛ لتحقّق القذف بالفاحشة المحرّمة، وإن نسبه إلى حال جنونها فلا حدّ؛ لانتفاء قذفها بالزنى المحرّم

منها حينئذٍ

ولو كانت المقذوفة عاقلةً حال القذف ولكن أضافه إلى حالة جنونها، فإن علم أنّ لها

ص: 235


1- يأتي في ص 247.
2- الكافي في الفقه، ص 418.
3- مختلف الشيعة، ج 9، ص 281، المسألة 140.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 28، ص 175 - 177 ، الباب 2 و 3 من كتاب الحدود والتعزيرات.
5- يأتي في ج 12، ص 115.

. وكذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها. فإن ماتت قال الشيخ: له المطالبة. وهو حسن.

حالة جنونٍ أو احتمل فلا حدّ؛ لانتفاء الزنى المحرّم منها حينئذٍ، لكن يعزّر للإيذاء. وإن علم استقامة عقلها فمقتضى العبارة -كالأكثر - أنّه كذلك ؛ لتحقّق القذف الصريح، فتُلغى الإضافة إلى تلك الحالة. ويحتمل العدم؛ لأنّه نسبها إلى الزنى في تلك الحالة، وإذا علم انتفاؤها لم تكن زانیّةً، فيكون ما أتى به لغواً من الكلام ومحالاً، فأشبه ما إذا قال: «زنيت وأنت رتقاء». والأصحّ الأوّل.

ثمّ الحدّ والتعزير يترتّبان على مطالبتها في حال الصحّة، فإن أفاقت وطالبت بالحدّ أو التعزير كان له أن يلا عن لإسقاطهما، وليس لوليّها المطالبة بهما ما دامت حيّةً؛ لأنّ طريق إسقاطه من جانب الزوج بالملاعنة، وهي لا تصحّ من الوليّ.

قوله: «وكذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها» إلى آخره.

لا فرق في عدم استحقاق المولى حقّ التعزير الثابت بقذف أمته بين كون القاذف زوجها

وغيره، وإنّما خصّ الزوج؛ لأنّه محلّ البحث هنا.

هذا إذا كانت حيّةً، أما إذا ماتت فهل ينتقل حقّه إلى المولى؟

قال الشيخ : نعم(1)، واستحسنه المصنّف؛ لأنّ المولى بالنسبة إلى المملوك بمنزلة الوارث، وحق الحدّ والتعزير يورث كالمال.

وربما استشكل ذلك من حيث إنّ انتقاله إلى المولى إن كان بحقّ الملك اقتضى ثبوته له

في حال الحياة وليس كذلك. وإن كان بحقّ الإرث فالمملوك لا يورث.

و ردّ بأنّه حقّ ثبت بالقذف فلا وجه لسقوطه. ويكون السيد أحقّ به لا على جهة الميراث بل لأنّه أولى من غيره. وبأنّه إنّما لا يورث عنه المال، أمّا غيره من الحقوق المختصّة به فإنّه يورث عنه. وفي هذا الجواب نظر لا يخفى.

ص: 236


1- المبسوط، ج 4، ص 219.
السبب الثاني: إنكار الولد

. السبب الثاني: إنكار الولد

ولا يثبت اللعان بإنكار الولد حتّى تضعه لستّة أشهر فصاعداً من حين وطئها، ما لم يتجاوز حملها أقصى مدّة الحمل، وتكون موطوءةً بالعقد الدائم. ولو ولدته تامّاً لأقلّ من ستّة أشهرٍ لم يلحق به، وانتفى بغير لعانٍ.

قوله: «السبب الثاني: إنكار الولد» إلى آخره.

إذا ولدت الزوجة الدائمة ولداً، فإن أمكن كونه منه وجب عليه إلحاقه به وحرم عليه نفيه؛ لأنّ الولد لاحق شرعاً بالفراش. ولا فرق بين أن يجد ريبةً تخيّل إليه فساداً أو عدمه، ولا بين أن يشابه لونه وخلقه لون الأب وخلقه أو لون من يتّهمها به وخلقه وعدمه.

وقد روي أن النبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم قال: «أيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين»(1).

وإن علم انتفاءه عنه وجب عليه نفيه، حذراً من لحوق من ليس منه بسكوته.

ثمّ على تقدير علمه بانتفائه عنه، إمّا أن يعلم ذلك ظاهراً كما يعلمه الزوج، بأن تلده لأقلّ من ستّة أشهر من وقت العقد، أو بطول المسافة بينهما، بأن يتزوّج المشرقي مغربيّةً فأتت بولد في وقت لا يمكن نسبته إلى الزوج، فينتفي بغير لعانٍ، أو يحتمل كونه منه مع علمه بعدمه بأن ولدته على فراشه بعد مضيّ أقلّ مدّة الحمل من حيث التزويج، ولكن كان لوطئه لها أزيد من أقصى الحمل ، فهو لاحق به ظاهراً؛ لكونها فراشاً بحيث يمكن إلحاقه به، وهو يعلم انتفاءه عنه فيجب عليه حينئذٍ نفيه باللعان.

وبهذا يحصل الفرق بين ولادتها له لدون أقلّ الحمل ولأزيد من أقصاه حيث حكم

ص: 237


1- سنن الدارمي، ج 2، ص 153، باب من جحد ولده وهو يعرفه؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 279، ح 2263؛ سنن النسائي، ج 1، ص 179 - 180 ، ح 3478؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 566 567 ، ح 2868.

. أما لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا.

بانتفائه في الأوّل بغير لعانٍ وسكت عن الآخر؛ لأنّه لا يعلم انتفاءه مطلقاً، بل قد يعلم كما لو غاب عنها مدّةً تزيد على ذلك بحيث لا يمكن وصوله إليها عادةً، وقد لا يعلم إذا أمكن وطؤه لها.

وفي عباراتهم في تأدية الحكم في هذه الصورة قصور. ففي القواعد، أطلق انتفاء اللعان في الصورتين(1).

وفي التحرير، حكم بانتفائه في الأُولى كما هنا وبثبوته في الثانیّة وأطلق(2). وليس كذلك، بل الحقّ التفصيل كما ذكرناه.

وفي هذا الكتاب سكت عن هذه الصورة في النشر، ويظهر منه في أوّلها عدم اللعان مطلقاً.

واعلم أنّ اشتراط عدم نقصانه عن ستّة أشهر مختصّ بالولد التامّ، فلو وضعته لدونها غير تامّ اعتبر إمكان إلحاقه به عادةً ويختلف ذلك باختلاف حالاته. وتظهر الفائدة في انقضاء عدّتها بوضعه لو كان قد طلّقها، ثمّ أتت به في العدّة ولم يلاعن فيها، فإنّه يثبت نسبه مع إمكانه وتبين بوضعه. وقد تقدّم في الطلاق ما يدل على وقت الإمكان.(3)

قوله: «أمّا لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا».

إذا اختلفا في مدّة الحمل بعد الوطء، فقال الزوج: إنّها من حين الدخول أقلّ من ستّة أشهر أو أكثر من أقصى الحمل فلا يمكن لحوقه به، وادبعت كونها بين الطرفين وأنّه لاحق به، واشتبه حال الصادق منهما كان انتسابه إليه ممكناً، وقد ولد على فراشه فلا ينتفى إلّا باللعان.

ص: 238


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 183.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 127، الرقم 5503.
3- تقدّم في ج 7، ص 414 وما بعدها.

. ولا يلحق الولد حتّى يكون الوطء ممكناً والزوج قادراً. فلو دخل الصبيّ لدون تسع فولدت لم يلحق به.

ولو كان له عشر فما زاد لحق به؛ لإمكان البلوغ في حقّه ولو نادراً.

ولو أنكر الولد لم يلاعن؛ إذ لا حكم للعانه، ويؤخّر اللعان حتّى يبلغ ويرشد.

ولو مات قبل البلوغ أو بعده ولم ينكره أُلحق به، وورثته الزوجة والولد.

قوله: «ولا يلحق الولد حتّى يكون الوطء ممكناً والزوج قادراً» إلى آخره.

قد عرفت أنّ شرط اللعان إمكان لحوق الولد به لولا اللعان، أمّا إذا لم يمكن فهو منفيّ بلا لعان. ولعدم الإمكان صور قد تقدّم بعضها، ومنها أن لا يكون الزوج صالحاً للتولّد، وإن قدر على الإيلاج كابن التسع فما دونها.

ويظهر من المصنّف والعلّامة(1) وقبلهما الشيخ(2) أنّ الإمكان يحصل باستكمال عشر سنين. وربما قيل بالاكتفاء بالطعن فيها ولو ساعةً واحدةً. ولا قاطع على شيءٍ منهما.

ثمّ إذا حكمنا بثبوت النسب لحصول الإمكان لا نحكم بسبب ذلك بالبلوغ؛ لأنّ النسب يثبت بالاحتمال، والبلوغ لا يكفي فيه الاحتمال. لكن لو قال: أنا بالغ بالاحتلام فله اللعان؛ لأنّ ذلك ممّا يرجع إليه فيه، ولا يعلم إلّا من قبله غالباً.

ثمّ إن مات قبل البلوغ شرعاً لحقه الولد وإن كان قد أنكره صغيراً، وإن بلغ فإن اعترف به

أو لم ينكره ثبت نسبه، وإن أنكره عقيب البلوغ ولا عن انتفى عنه كغيره.

ويفهم من قوله « أو بعده ولم ينكره» أنّه لو أنكره لم يلحق به بمجرّد إنكاره وليس ذلك بمراد؛ لأنّ دلالة المفهوم ضعيفة، بل المراد من العبارة ما دلّت عليه بمنطوقها، وهو أنّه إذا لم ينكره بعد البلوغ يلحق به، وأمّا حكم ما لو أنكره فمسكوت عنه، واللازم فيه أن يرجع إلى القواعد المقرّرة سابقاً من أنّه متى أمكن إلحاقه به لا ينتفي عنه بدون اللعان، فإنكاره بعد البلوغ أحد جزئي السبب الموجب لنفيه، لإتمامه كما يفهمه مفهوم العبارة.

ص: 239


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 183.
2- المبسوط ، ج 4، ص 213 - 214.

. ولو وطئ الزوج دبراً فحملت لحق به؛ لإمكان استرسال المنيّ في الفرج وإن كان الوطء في غيره.

وفائدة قوله «ولم ينكره» أنّه لا عبرة لإنكاره قبل البلوغ أصلاً، ولا يترتّب عليه لعان، وإنّما يترتّب على إنكاره بعده، فمتى لم ينكره بعده فالأمر على حاله، وإن أنكره ترتّب عليه باقي الأحكام.

قوله:«ولو وطئ الزوج دبراً فحملت لحق به؛ لإمكان استرسال المنيّ في الفرج وإن كان الوطء في غيره».

قد تقدّم أنّ الوطء في الدبر بمنزلة الوطء في القبل بالنسبة إلى كثير من أحكام الوطء(1). ومنها إلحاق الولد فإنّه وإن لم يكن مجرى المنيّ الطبيعي إلى الرحم، لكن لقربه منه يمكن استرسال المنيّ في الفرج من غير شعور وإن كان نادراً. وظاهرهم الاتّفاق على هذا الحكم، وإلّا فهو محلّ النظر.

وتحرير موضع الحكم فيه لا يخلو من خفاء؛ لأنّ ظاهر التعليل ما إذا وطئ دبراً وأنزل، ثمّ حملت على وجه يمكن تولّده من ذلك الوطء، فإنّه لا ينتفي عنه إلّا باللعان، بل لا يجوز له نفيه أيضاً بمجرّد ذلك؛ لإمكان استرسال المنيّ إلى الفرج. وعلى هذا فلو وطئ دبراً ولم ينزل لم يلحق به فيما بينه وبين الله تعالى، ووجب عليه نفيه كما لو لم يطأ أصلاً.

ولكن يبقى فيه أنّهم حكموا بأنّه لو وطئ في الفرج ولم ينزل، ثمّ أتت بولد يمكن تولّده من ذلك الوطء لحق به. وعلّلوه بإمكان أن يسبقه منيّ ولا يشعر به، ومثل هذا يأتي مع الوطء في الدبر، إلّا أنّه على بُعدٍ؛ لأنّ الماء المسترسل من غير شعور المنزل يكون قليلاً جدّاً. لا يمكن عادةً استرساله من الدبر إلى القبل على وجهٍ يتولّد منه، إلّا أنّ إلحاق الوطء في الدبر بالوطء في القبل يقتضي ذلك.

والتعليل المذكور مجرّد توجيه للإمكان، وليس هو مستند الحكم.

وبالجملة فالاستبعاد في الجميع قائم والإمكان مشترك، وإن كانت مراتبه متفاوتة.

ص: 240


1- تقدّم في ج 6 ، ص 653؛ و ج 7، ص 379 وما بعدها.

. ولا يلحق ولد الخصيّ المجبوب على تردّد. ويلحق ولد الخصيّ أو المجبوب. ولا ينتفى ولد أحدهما إلّا باللعان؛ تنزيلاً على الاحتمال وإن بعد.

قوله: «ولا يلحق ولد الخصيّ المجبوب على تردّد. ويلحق ولد الخصيّ أو المجبوب» إلى آخره.

من لم يسلم ذكره وأُنثياء، فإمّا أن يفقدهما جميعاً، أو يفقد الذكر دون الأُنثيين، أو بالعكس: ففي الأوّل: لا يلحقه الولد في ظاهر المذهب. ولا يحتاج إلى اللعان؛ لأنّه لا ينزل، ولم تجر العادة بأن يخلق لمثله ولد. وربما قيل بإلحاقه به؛ لأنّ معدن الماء الصلب وأنّه ينفذ في ثقبة إلى الظاهر، وهما باقيان.

وفي الثاني: يلحق به قطعاً؛ لوجود أوعية المنيّ وما فيها من القوّة المحيلة للدم، والذكر آلة توصل الماء إلى الرحم بواسطة الإيلاج، وقد يفرض وصول الماء بغير إيلاجٍ، كالمساحقة مع عدم وصول الهواء إلى الماء أو مطلقاً.

وفي الثالث: يلحقه أيضاً على ما اختاره الشيخ(1)و المصنّف من غير تردّد؛ لأنّ آلة الجماع باقية، وقد يبالغ في الإيلاج فيلتذّ وينزل ماءً رقيقاً. وإدارة الحكم على الوطء وهو السبب الظاهر أولى من إدارته على الإنزال الخفيّ، ولأنّه سبب الفراش.

وقيل: لا يلحق هنا؛ لأنّ التولّد موقوف على تولّد المنيّ، ومحلّه الخصيتان(2). وهذا هو الغالب، لكن لا ينفي الولد وإن بعد.

وقول المصنّف«تنزيلاً على الاحتمال وإن بعد» تعليل لهذا القسم؛ لأنّه هو الفرض البعيد المختلف فيه، دون الخصيّ خاصّةً، وإن كان بحثه فيهما معاً؛ لأنّ ذلك لا إشكال فيه.

ص: 241


1- المبسوط، ج 4، ص 214 - 215.
2- العزيز شرح الوجيز، ج 9، ص 409؛ وراجع أيضاً المجموع شرح المهذّب، ج 19، ص 50.

. وإذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك، إلّا أن يؤخّر بما جرت العادة به كالسعي إلى الحاكم. ولو قيل له إنكاره ما لم يعترف به كان حسناً.

ولو أمسك عن نفى الحمل حتّى وضعت جاز له نفيه بعد الوضع على القولين؛ لاحتمال أن يكون التوقّف لتردّده بين أن يكون حملاً أو ريحاً.

قوله: «وإذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار» إلى آخره.

إذا أتت امرأته بولدٍ فإن أقرّ بنسبة لم يكن له النفي بعد ذلك؛ لأنّ للمولود حقّاً في النسب، فإذا أقرّ [به] فقد التزم تلك الحقوق، ومن أقرّ بما يوجب عليه حقّاً من حقوق الآدمييّن لم يتمكّن من الرجوع عنه.

وإن لم يقرّ بنسبه وأراد نفيه ففي كونه على الفور أو التراخي قولان:

أحدهما - وهو المشهور - أنّ حق النفي على الفور؛ لأنّه خيار يثبت لدفع ضررٍ متحقّق فيكون على الفور، كالردّ بالعيب. ولأنّ الولد إذا كان منفيّاً عنه وجب إظهار نفيه؛ حذراً من استلحاق من ليس منه كما مرّ، وقد تعرض بالتأخير عوارض مانعة منه كالموت فجأة، فيفوت التدارك، وتختلط الأنساب، وذلك ضرر يجب التحرّز منه على الفور، ولأنّه لو لا اعتبار الفور أدّى إلى عدم استقرار الأنساب.

والثاني - وهو الذي اختاره المصنّف - أنّه لا يشترط وقوعه على الفور؛ لأصالة عدم الاشتراط، ولوجود المقتضى للّعان وهو نفى الولد وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا السكوت، وهو أعمّ من كونه إقراراً فلا يدلّ عليه، ولأنّ أمر النسب خطير وقد ورد الوعيد في نفي من هو منه وفي استلحاق من ليس منه(1)، وقد يحتاج إلى نظر وتأمّل، فوجب أن يكون له مهلة فيه. وهذا أقوى

ص: 242


1- راجع وسائل الشیعة، ج21، ص506-507، الباب 1-7 من أبواب أحکام الأولاد؛ و راجع أیضاً سنن الدارمي، ج2، ص153؛ و سنن أبی داود، ج2، ص279، ح2263؛ و سنن ابن ماجة، ج2، ص916، ح2744.

...

وظاهر المصنّف عدم التحديد بمدّة. وعليه فلا يسقط إلّا بالاعتراف به أو بالإسقاط.

وإذا قلنا بأنّه على الفور، فلو أخّره بلا عذرٍ سقط حقّه ولزمه الولد. وإن كان معذوراً، بأن لم يجد الحاكم أو تعذّر الوصول إليه أو بلغه الخبر ليلاً فأخّر حتّى يصبح، أو حضرته الصلاة فقدّمها أو أحرز ماله أوّلاً ، أو كان جائعاً أو عارياً فأكل أو لبس أوّلاً، أو كان محبوساً أو مريضاً أو ممرّضاً لم يبطل حقّه. وهل يجب عليه الإشهاد على النفي؟ وجهان وقد سبق له

نظائر كثيرةً.

ولو أمكن المريض والممرّض أن يرسل إلى الحاكم ويعلمه بالحال، أو يستدعي منه أن يبعث إليه نائباً من عنده، فلم يفعل بطل حقّه ؛ لأنّ مثل هذا متيسّر له. ومثله ملازم غريمه، ومن يلازمه غريمه.

وأما الغائب، فإن كان في الموضع الذي غاب إليه- قاضٍ، ونفى الولد عند وصول خبره إليه عنده فذاك. وإن أراد التأخير إلى أن يرجع إلى بلده ففي جوازه وجهان، من منافاة الفوريّة اختياراً، ومن أنّ للتأخير غرضاً ظاهراً، وهو الانتقام منها بإشهار(1) خبرها في بلدها وقومها. وحينئذٍ فإن لم يمكنه المسير في الحال - لخوف الطريق ونحوه - فينبغي أن يشهد، وإن أمكنه فليأخذ في السير، فإن أخّر بطل حقّه. وإن لم يكن هناك قاض فالحكم كما لو كان وأراد التأخير إلى بلده وجوّزناه.

ومن الأعذار المسوّغة للتأخير على القول بالفوريّة ما لو ظهر حمل، فإنّه يجوز له أن يؤخّر نفيه إلى الوضع فإنّ المتوهّم حملاً قد يكون ريحاً فتنفش. فلو صبر إلى أن انفصل الولد :فقال: أخّرت إلى أن أتحقّق الحال فله النفي. وإن قال: عرفت أنّه ولد ولكن أخّرت طمعاً في أن تجهض فلا أحتاج إلى كشف الأمر ورفع الستر، ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه يبطل حقّه؛ لتأخير النفي مع القدرة عليه ومعرفة الولد، فصار كما لو سكت

ص: 243


1- في «خ»: «باشتهار» بدل «بإشهار»

. ومتى أقرّ بالولد صريحاً أو فحوىً لم يكن له إنكاره بعد ذلك، مثل أن يبشّر به فيجب بما يتضمّن الرضى كأن يقال له: «بارك الله لك في مولودك» فيقول: «آمين» أو «إن شاء الله» أمّا لو قال مجيباً: «بارك الله فيك» أو «أحسن الله إليك» لم يكن إقراراً.

عن نفيه بعد انفصاله طمعاً في أن يموت.

والثاني: أنّ له النفي؛ لأنّ مثل هذا عذر واضح في العرف، ولأنّ الحمل لا يتيقّن صرفاً.

فلا أثر لقوله : عرفت أنّه ولد. وهذا لا يخلو من قوّة.

ومن الأعذار ما لو أخّر وقال: إنّي لم أعلم أنّها ولدت وكان غائباً أو حاضراً بحيث يمكن ذلك في حقّه، ويختلف ذلك بكونه في محلّة أُخرى أو في محلّتها أو في دارها أو في دارين.

ولو قال: أخبرت بالولادة ولكن لم أُصدّق المخبر نُظر وإن أخبره فاسق أو صبيّ صدّق

بيمينه وعذر. وإن أخبره عدلان لم يعذر؛ لأنّهما مصدّقان شرعاً.

وإن أخبره عدل، حرّ أو عبد، ذكر أو أُنثى، ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه يُصدِّق ويعذر؛ لأنّه أخبره من لا يثبت بشهادته الحقّ.

والثاني: أنّه لا يصدّق ويسقط حقّه؛ لأنّ روايته مقبولة، وهذا سبيله سبيل الأخبار.

ولو قال: عرفت الولادة ولم أكن أعلم أنّ لي حقّ النفي، فإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك عادةً لم يقبل. وإن أمكن بأن كان حديث العهد بالإسلام، أو ناشئاً في بادية بعيدة عن أهل الشرع قُبل. وإن كان من العوام الناشئين في بلاد الإسلام فوجهان، أجودهما القبول بيمينه مع إمكان صدقه.

قوله: «ومتى أقرّ بالولد صريحاً أو فحوىً لم يكن له إنكاره بعد ذلك» إلى آخره.

قد عرفت أنّ الإقرار بالولد يوجب الالتزام به، ولا يجوز إنكاره بعده؛ لأنّه حقّ آدمي.

ثمّ الإقرار قد يكون صريحاً وهو ظاهر. وقد يكون فحوىً، مثل أن يهنّاً به وقيل له:« بارك الله لك في مولودك» أو «متّعك الله به» أو «بالولد الذي رزقك الله» أو «جعله لك

ص: 244

. وإذا طلّق الرجل وأنكر الدخول، فادّعته وادّعت أنّها حامل منه فإن أقامت بيّنة أنّه أرخى ستراً لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر. وإن لم تقم بيّنة كان عليه نصف المهر ولا لعان وعليها [الحدّ] مائة سوطٍ.

وقيل: لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول وهو الوطء، ولا يكفى إرخاء الستر، ولا يتوجّه عليه الحدّ؛ لأنّه لم يقذف، ولا أنكر ولداً يلزمه الإقرار به. ولعلّ هذا أشبه

ولداً صالحاً» أو «هنّئت به فارساً» فقال: «آمين» أو «استجاب الله دعاك».

ولو أجاب بما لا يتضمّن الإقرار كقوله: «بارك الله فيك» أو «أحسن الله إليك» أو «جزاك الله خيراً» أو «بشّرك الله بالخير» أو «أسمعك ما يسرّك» أو «رزقك مثله» لم يبطل حقّه من النفي؛ لأنّه لا يتضمّن الإقرار، بل الظاهر أنه قصد مكافاة الدعاء بالدعاء، خصوصاً الجواب الأخير.

وقال بعض العامّة : هو إقرار كالسابق(1). وضعفه ظاهر.

قوله: «وإذا طلّق الرجل وأنكر الدخول، فادّعته وادّعت أنّها حامل منه» إلى آخره.

القول الأوّل للشيخ في النهاية(2). ومستنده صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها فادّعت أنّها حامل، قال: «إن أقامت البيّنة على أنّه أرخى ستراً ثمّ أنكر الولد لاعنها ثمّ بانت منه، وعليه المهر كملاً»(3)

فقد دلّت هذه الرواية على أنه بتقدير إقامة البيّنة بإرخاء الستر يلزم ثلاثة أشياءٍ: اللعان، والتحريم، ووجوب المهر؛ عملاً بظاهر حال الصحيح عند الخلوة بالحليلة وعدم المانع من الوطء، فيثبت المهر واللعان، ويترتّب عليه التحريم.

ص: 245


1- الحاوي الكبير، ج 11، ص 153؛ حلية العلماء، ج 7، ص 236؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 51 ، المسألة 6276.
2- النهاية، ص 523.
3- الكافي، ج 6 ، ص 165 ، باب اللعان، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8 ، ص 193، ح 677.

. ولو قذف امرأته ونفى الولد وأقام بيّنةً سقط الحدّ، ولم ينتف الولد إلّا باللعان.

وعلى تقدير عدم إرخاء الستر أثبت الشيخ ثلاثة أحكامٍ: وجوب نصف المهر، ونفي اللعان - وهما لازمان لعدم الدخول - ووجوب الحدّ عليها كملاً.

وهذا لا يظهر من الرواية. قال المصنّف (رحمه الله):ولم نظفر بمستنده(1).

و لو علّل باعترافها بالوطء والحمل، وعدم ثبوت السبب المحلّل الذي ادّعته فهذا لا يستلزم كونه عن زنى؛ لأنّه أعم، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاصّ المحلّل انتفاء غيره من الأسباب وإن لم تدّعه.

والقول الثاني لابن إدريس(2)، واختاره المصنّف والعلّامة(3).

ووجهه أنّ فائدة اللعان من الزوج إمّا نفي ولدٍ يحكم بلحوقه شرعاً، وهو موقوف على ثبوت الوطء لتصير فراشاً ولم يحصل، وإمّا لنفي حدّ القذف عنه ولم يقذف، وإمّا لإثبات حدّ على المرأة، وهو هنا منتفٍ بالشبهة. و يلزمه ثبوت نصف المهر خاصّةً؛ لما تقدّم من أنّ

الخلوة لا توجب المهر كملاً. وهذا متوجّه، إلّا أنّ الرواية صحيحة، فردّها مطلقاً مشكل. قوله: «ولو قذف امرأته ونفى الولد وأقام بيّنة سقط الحدّ، ولم ينتف الولد إلّا باللعان».

إذا قذف امرأته بالزنى ونفى ولدها فقد جمع بين السببين الموجبين للّعان، فيثبت عليه الحدّ للقذف وله إسقاطه باللعان، وأمّا الولد فلا ينتفي بدونه؛ لأنّ زنى الزوجة لا ينفي الولد عن الفراش. فإن لاعن لهما سقط الحدّ وانتفى الولد. وإن لاعن لأحدهما خاصّةً ترتّب عليه حكمه وبقي الآخر. فإن أقام بيّنة بزناها سقط عنه حدّ القذف؛ لسقوط إحصانها، ويعزّر

للإيذاء بتجديد ذكر الفاحشة.

وهل له إسقاطه باللعان؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنّه يلاعن؛ دفعاً للعقوبة، ولقطع النكاح، ودفع العار.

ص: 246


1- نكت النهاية، ج 2، ص 456.
2- السرائر، ج 2، ص 702.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 184.

. ولو طلّقها بائناً، فأتت بولد يلحق به في الظاهر لم ينتف إلّا باللعان.

ولو تزوّجت وأتت بولد لدون ستّة أشهر من دخول الثاني، ولتسعة أشهر فما دون من فراق الأوّل لم ينتف عنه إلّا باللعان.

والثاني: المنع وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط(1)؛ لأنّ اللعان لإظهار الصدق وإثبات الزنى، والصدق ظاهر، والزنى ثابت، فلا معنى للعان. وأيضاً فإنّ التعزير هنا للسبّ والإيذاء، فأشبه قذف الصغيرة التي لا توطاً مثلها.

ومثله ما لو ثبت زناها باعترافها. والأجود هنا عدم اللعان، فيعزّر ويلاعن لنفي الولد.

قوله: «ولو طلّقها بائناً، فأتت بولد يلحق به في الظاهر لم ينتف إلّا باللعان. ولو تزوّجت وأتت بولد لدون ستّة أشهر» إلى آخره.

قد تقدّم في أحكام الأولاد(2) أنّ ولد المطلّقة يلحق بالمطلّق متى أمكن كونه منه؛ لكونها فراشاً له وإن زال، إلّا أن يعارضه فراش جديد يمكن إلحاقه به. فإذا ولدته لأقصى الحمل فما دون من وطء المطلّق ولم يكن تزوّجت أو تزوّجت ولم يمض لها أقلّ الحمل من وطء الثاني، أُلحق بالأوّل، و لم ينتف عنه إلّا باللعان، كما لو نفاه في صلب النكاح. ولا يقدح فيه زوال الزوجيّة؛ إذ لا طريق إلى نفي الولد اللاحق به ظاهراً بدونه، بخلاف ما لو قذفها بعد البينونة، فإنّه يحدّ ولا لعان؛ عملاً بظاهر قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(3)، وهى الآن ليست زوجةً.

ولبعض العامّة قول بنفي اللعان في الحالين؛ لانتفاء الزوجيّة التي هي مناط اللعان(4). وله وجه

ص: 247


1- المبسوط، ج 4، ص 221.
2- تقدّم في ج 7، ص 85 - 86.
3- النور (24): 6.
4- في حاشية «و»: «هو أبو حنيفة». راجع الحاوي الكبير، ج 11، ص 35.

الركن الثاني في الملاعن

شروط المتلاعن

. ويعتبر كونه بالغاً عاقلاً. وفى لعان الكافر روايتان، أشهرهما أنّه یصحّ. وكذا القول في المملوك.

قوله - في الملاعن : « ويعتبر كونه بالغاً عاقلاً. وفي لعان الكافر روايتان أشهرهما أنه یصحّ. وكذا القول في المملوك».

لا إشكال في اعتبار بلوغ الملاعن وعقله؛ لأنّ عبارة الطفل والمجنون مسلوبة الاعتبار شرعاً؛ لرفع القلم عنهما(1). ولأنّ اللعان إمّا شهادات أو أيمان، والطفل والمجنون ليسا من أهل الشهادة ولا اليمين، ولا يقتضي قذفهما اللعان بعد البلوغ والإفاقة. نعم، يعزّر المميّز على القذف.

وأمّا اشتراط الإسلام فنفاه الأكثر ، وجوّزوا لعان الكافر؛ لعموم آيات اللعان(2)، وأصالة عدم الاشتراط.

وخالف في ذلك ابن الجنيد فشرط إسلام المتلاعنين معاً(3) نظراً إلى أنّه شهادات، والكافر ليس من أهلها.و يضعّف بمنع كونه شهادات محضة، بل هو إلى الأيمان أقرب. وسيأتي تحقيقه.

وأمّا قول المصنّف : إنّ في لعان الكافر روايتين بالجواز والمنع، فلم نقف عليهما بالخصوص. وربما حمله بعضهم على أنّ الروايتين في لعان الكافر مطلقاً الشامل للرجل

ص: 248


1- كما ورد في الخبر. راجع الخصال، ص 94 ، باب الثلاثة، ح 40 وسنن ابن ماجة، ج 1، ص 658، ح 2041؛ وسنن أبي داود، ج 4، ص 141 ، ح 4402 و 4403.
2- النور (24): 6-9.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 441 المسألة 93.

...

والمرأة، فإنّ الروايات المختلفة إنّما وردت في لعان الكافرة(1).

وفيه: أنّ البحث هنا في الملاعن دون الملاعنة، وسيأتي البحث فيها بخصوصها وفي شرائطها(2).

ويمكن أن تجعل الأخبار الدالّة على صحّة لعان الكافرة وعدمه دالّاً على مثله في الزوج الكافر، من حيث إنّ وجه المنع كونه شهادة وهي مشتركة بينهما. ويتصوّر لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذمّيين فترافعا إلينا.

ويمكن فرض الزوجة مسلمة والزوج كافراً فيما إذا أسلمت وأتت بولد يلحقه شرعاً، فأنكره

و قوله « وكذا [القول في] المملوك» يظهر منه أنّ في لعانه روايتين، وأنّ الأشهر الصحّة. وليس كذلك، بل فيه روايات بالصحّة، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : أنّه سُئل عن عبد قذف امرأته قال: «يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار»(3).

وحسنة جميل بن درّاج عن الصادق علیه السلام قال : سألته عن الحرّ بينه وبين المملوكة لعان، فقال: «نعم، وبين المملوك والحرّة، وبين العبد وبين الأمة، وبين المسلم واليهوديّة والنصرانیّة»(4).

وليس فيه رواية بالمنع، ولا به قائل معلوم، وابن الجنيد المانع من لعان الكافر

ص: 249


1- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 419 وما بعدها، الباب 5 من أبواب كتاب اللعان، ح 2، 4، 6، 11، 15.
2- يأتي في ص 256 وما بعدها.
3- الكافي، ج 1، ص 165، باب اللعان، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 188، ح 651؛ الاستبصار، ج 3، ص 373، ح 1330.
4- الكافي، ج 1، ص 164 ، باب اللعان، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 18، ص 188، ح 652؛ الاستبصار، ج 3، ص 373، ح 1331.
یصحّ لعان الأخرس

. ویصحّ لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة، كما یصحّ طلاقه وإقراره. وربما توقّف شاذّ منّا؛ نظراً إلى تعذّر العلم بالإشارة. وهو ضعيف؛ إذ ليس حال اللعان بزائد عن حال الإقرار بالقتل.

ولا یصحّ اللعان مع عدم النطق وعدم الإشارة المعقولة.

صرّح بعدم اشتراط الحرّيّة فيهما(1).

والأولى أن يريد بقوله «وكذا القول في المملوك» مجرّد تشبيه الحكم بالصحّة من دون ان يشير إلى الخلاف.

قوله: «ویصحّ لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة، كما یصحّ طلاقه وإقراره، وربما توقّف شاذّ منّا» إلى آخره.

الأخرس إن لم يكن له إشارة مفهومة ولا كتابة لم یصحّ قذفه ولا لعانه ولا سائر تصرّفاته

اتفاقاً؛ لتعذّر الوقوف على ما يريده.

وإن كان له إشارة فالمشهور صحّة قذفه ولعانه، كما یصحّ بيعه ونكاحه وطلاقه وغيرها، بل أولى؛ لأنّ اللعان ممّا تدعو إليه الضرورة، وليس كالشهادات حيث لا تقبل من الأخرس عند بعضهم(2)؛ لأنّ المغلّب في اللعان معنى الأيمان دون الشهادات. وأيضاً فإنّ الشهادة يقوم بها الناطقون فلا ضرورة إلى أن يتحمّلها الأخرس واللعان مختصّ بالأزواج، فإذا كان الزوج أخرس لم يكن بدّ من تصحيحه منه ليتأدّى به هذا الغرض المطلوب، بل الواجب على بعض الوجوه.

وعلى ما سيأتي من مذهب أصحابنا من قبول شهادة الأخرس(3) فلا إشكال.

واستدلّ عليه الشيخ بعموم الآية وإجماع الفرقة وأخبارهم(4).

ص: 250


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 441، المسألة 93.
2- الحاوي الكبير، ج 17 ، ص 43: حلية العلماء، ج 8، ص 246؛ روضة الطالبين، ج 8، ص 219.
3- يأتي في ج 11، ص 389.
4- الخلاف، ج 1، ص 268، المسألة 17 و 18.

...

وخالف في ذلك ابن إدريس فقال:«لا أقدم على أنّ الأخرس المذكور یصحّ لعانه؛ لأنّ أحداً من أصحابنا غير من ذكرنا -وعنى به الشيخ في المبسوط والخلاف حيث أجازه(1) - لم يوردها في كتابه، و لا وقفت على خبر بذلك ولا إجماع عليه، والقائل بهذا غير معلوم، والتمسّك بالآية بعيد؛ لأنّه لا خلاف أنّه غير قاذفٍ ولا رامٍ على الحقيقة، فالنطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذّر والأصل براءة الذمّة، واللعان حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليلٍ شرعي. وأيضاً لو رجع عن اللعان عند من جوّزه له وجب عليه الحدّ، و الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم قال:«ادرؤا الحدود بالشبهات»(2) ومن المعلوم أنّ في إيمائه وإشارته بالقذف شبهة هل أراد به القذف أو غيره؟ وهو غير معلوم يقيناً بلا خلاف»

ثمّ قال:«فإن قلنا یصحّ منه اللعان كان قويّاً معتمداً؛ لأنّه یصحّ منه الإقرار والأيمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام»(3).

وهذا الكلام يدلّ على اضطرابه في الفتوى وتردّده فيها، ومن ثَمّ قال المصنّف (رحمه الله) «وربما توقّف فيه شاذّ منّا» إلى آخره.

وأشار المصنّف إلى جوابه بأنّ إشارته مقبولة فيما هو أقوى من اللعان -كالإقرار بالقتل وغيره - إجماعاً، فليكن في اللعان كذلك. والمفروض أنّ إشارته مفهمة للمطلوب، وإلّا لسلّمنا عدم صحّته. وحينئذٍ فما استند إليه من عدم العلم بإشارته في القذف والشهادة

خلاف الفرض.

ص: 251


1- المبسوط، ج 4، ص 215 - 216؛ الخلاف، ج 5، ص 12، المسألة 8.
2- الفقيه، ج 4، ص 74، ح 5149.
3- السرائر، ج 2، ص 701 - 702.

...

ودعوى الاتّفاق على أنّه غير قاذفٍ ولا رامٍ فاسدة؛ إذ القذف مرجعه إلى الرمي،فإنّ معناه لغةً الرمي(1)، وهو غير مختصّ بلفظ، بل بما دلّ على الرمي بالزنى في معرض التعبير.

نعم، يمكن أن يفرّق بين الإقرار وغيره من العقود والمعاملات من الأخرس وبين اللعان، من حيث إنّه يتعيّن فيه تأديه بلفظ الشهادة واللعن و الغضب، والإشارات لا ترشد إلى تفصيل الصيغ وإن أدّت معناها، وإنّما يتوجّه أن یصحّ منه ما لا يختصّ بصيغة، فلا يمنع إقامة الإشارة منه مقام العبارة المؤديّة له دون ما يختصّ. وما يظهر من اختصاص النكاح والبيع ونحوهما من العقود اللازمة بصيغ خاصّةً فليس المقصود منها إلّا ما دلّ على المطلوب صريحاً؛ إذ لا نصّ على الاختصاص، فإذا أفادت إشارة الأخرس ذلك كفت.

ويمكن الجواب بأنّه قد علم من الشارع الاكتفاء بإشارته فيما علم منه إرادة صيغة خاصّة، كتكبيرة الإحرام في الصلاة وقراءة الفاتحة ونحوهما من الأذكار المتعيّنة(2)، فليكن هنا كذلك. إلّا أنّ الفرق بين الأمرين لائح.

وبالجملة فالقول بوقوع اللعان من الأخرس هو المذهب، وإن كان الشكّ فيه منقدحاً.

واعلم أنّه كما يمكن وقوع القذف واللعان معاً من الأخرس يمكن وقوع القذف منه صحيحاً ثمّ يعرض له الخرس قبل اللعان، ومعه يزول الإشكال الذي عرض لابن إدريس من عدم تحقّق القذف والرمي منه، ويبقى الكلام في اللعان خاصّةً، وهو منحصر في الشهادة أو اليمين، وكلاهما يقع من الأخرس.

ص: 252


1- لسان العرب، ج 9، ص 276، «قذف».
2- الكافي، ج 3، ص 315، باب قراءة القرآن، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 93، ح 305.

. ولو نفى ولد المجنونة لم ينتف إلّا باللعان. ولو أفاقت فلاعنت صحّ، وإلّا كان النسب ثابتاً والزوجيّة.

. ولو أنكر ولد الشبهة انتفى عنه، ولم يثبت اللعان.

ولو كان يُحسن الكتابة فهي من جملة إشاراته، بل ربما كانت أوضح، فإذا لا عن بالكتابة وأشار بما يدلّ على كان أكمل. وليكتب حينئذٍ كلمة الشهادة وكلمة اللعن والغضب، ويشير إليها أربعَ مرّاتٍ، ولا يکلّف أن يكتب أربع مرّات.

ولو قذف ولا عن بالإشارة ثمّ عاد نطقه وقال: «لم أُرد اللعان بإشارتي» قُبل قوله فيما عليه حتّى يلحقه النسب ويلزمه الحدّ، ولا يُقبل فيما له حتّى لا ترتفع الفرقة ولا التحريم المؤبّد. وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحدّ ولنفي النسب إذا لم يمض من الزمان ما يسقط فيه حدّ النفى، ولو قال: «لم أُرد القذف أصلاً» لم يقبل قوله؛ لأنّ إشارته أثبتت حقّاً لغيره.

قوله: «ولو نفى ولد المجنونة لم ينتف إلّا باللعان. ولو أفاقت فلاعنت صحّ، وإلّا كان النسب ثابتاً والزوجيّة».

لمّا كان حكم الولد أن يلحق بالفراش بالنصّ(1) والإجماع إلى أن يدلّ دليل على انتفائه عنه لم يفرّق في ذلك بين ولد العاقلة والمجنونة؛ لاشتراكهما في المقتضي للإلحاق. ولمّا كان اللعان مشروطاً بكمال الملاعن انتظر زوال المانع من جهتها، فإن أفاقت لاعنته وإلّا فلا سبيل إلى نفيه.

وكذا لو عرض له الجنون بعد نفيه وقبل اللعان.

قوله: «ولو أنكر ولد الشبهة انتفى عنه، ولم يثبت اللعان».

الموطوءة بالشبهة لا تصير فراشاً للواطئ بحيث يلحق به الولد بمجرّده، بل يتوّقف

ص: 253


1- الكافي، ج 5 ، ص 491، باب الرجل يكون لها الجارية...، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 168 ، ح 587؛ الاستبصار، ج 3، ص 367، ح 1.

. وإذا عرف انتفاء الحمل - لاختلال شروط الالتحاق أو بعضها - وجب إنكار الولد واللعان؛ لئلّا يلتحق بنسبة من ليس منه.

ولا يجوز إنكار الولد للشبهة، ولا للظنّ، ولا لمخالفة صفات الولد صفات الواطئ.

لحوقه على اعترافه به، أو اعترافه بأنّه لم يطأها - في ذلك الوقت الذي يمكن إلحاق الولد به فيه - غيره؛ لأنّ ذلك يستلزم كونه منه أيضاً، وهو في قوّة الاعتراف به فيلحق به، وإلّا فلا. قوله: «وإذا عرف انتفاء الحمل - لاختلال شروط الالتحاق أو بعضها - وجب إنكار

الولد واللعان إلى آخره.

اختلال شروط إلحاق الولد قد يظهر للزوج وغيره بأن ولدته بعد تزويجه بها كاملا لأقلّ

من ستّة أشهر، فينتفي عنه حينئذٍ وإن لم ينفه، ولا يفتقر إلى اللعان.

وقد يظهر للزوج خاصّةً، كما لو ولدته لستّة أشهر فصاعداً من حين التزويج وخلوته بها.

ولكنّه لم يدخل بها فيما بينه وبين الله تعالى في وقت يمكن إلحاقه به.

وفي هذا القسم يحكم بلحوقه به ظاهراً، ولا ينتفى عنه إلّا باللعان؛ لأنّها فراش والولد لاحق بالفراش.

ويجب عليه في هذا القسم نفيه، ولعانها لأجل ذلك؛ حذراً من أن يلحق بنسبة من ليس منه ، ويترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه، وغير ذلك من المحذورات التي لا ترتفع إلّا بنفيه.

وربما قيل بعدم وجوب نفيه(1)، وإنّما يحرم التصريح باستلحاقه كذباً دون السكوت عن النفي، وذلك لأنّ في اقتحام اللعان شهرة وفضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروءات، فيبعد إيجابه.

ولا فرق بين أن يتيقّن مع ذلك أنّها زنت وعدمه، بأن جوّز كونه من زوج آخر قبله أو

ص: 254


1- روضة الطالبين، ج 6، ص 304.

...

وطء شبهة، وإن حرم قذفها في الثاني؛ لأنّ الغرض نفي الولد ورفع استلحاقه به، سواء كان لاحقاً بغيره في نفس الأمر أم لا.

ولو اجتمعت شروط الإلحاق، بأن ولدته في المدّة التي بين أقلّ الحمل وأكثره من حين وطئه لحق به ظاهراً، وحرم عليه نفيه وإن استراب به، بل وإن حقّق زناها، أو جاء الولد مخالفاً له في الخلق والخُلق، بل مشابهاً لمن اتّهمها به، أو حقّق زناه بها؛ لأنّ الولد شرعاً لاحق بالفراش، والعرق نزّاع، وقد روي أنّ رجلاً قال للنبيّ صلّی الله علیه و آله وسّلم : إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال: «هل لك من إبل»؟ قال: نعم، قال: «ما لونها»؟ قال: حمر، قال:«هل فيها أورق(1)»؟ قال : نعم، قال: «أنّى ترى ذلك»؟ قال: نزعة عرق، قال: «فلعلّ هذا نزعة عرق»(2).

وروى عبد الله بن سنان عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «أتى رجل من الأنصار إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله وسّلم فقال: هذه ابنة عمّي وامرأتي لا أعلم إلّا خيراً، وقد أتتني بولد شديد السواد، منتشر المنخرين، جعد، قطط، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي، فقال لامرأته: ما تقولين؟ قالت: لا والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما أقعدت مقعده منّي منذ ملكني أحداً غيره، قال: فنکس رسول الله صلّی الله علیه و آله وسّلم رأسه مليّاً، ثم رفع بصره إلى السماء، ثم أقبل على الرجل فقال: «يا هذا، إنّه ليس من أحد إلّا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه بها، فهذا من تلك العروق التي لم تدركها أجدادك، خذي إليك ابنك» فقالت المرأة: فرّجت عنّي يا رسول الله(3).

ص: 255


1- الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد الصحاح، ج 4، ص 1565، «ورق».
2- صحيح البخاري ، ج 5، ص 2032، ح 4999؛ و ج 6، ص 2511 - 2512، ح 6455، وص 26682667، ح 6455؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1137 - 1138، ح 1500/20؛ سنن النسائي، ج 1، ص 178، ح 3475.
3- الكافي، ج 5، ص 561 ، باب نوادر، ح 23.

الركن الثالث في الملاعنة

من شروط الملاعنة السلامة من الصمم والخرس

ويعتبر فيها البلوغ وكمال العقل، والسلامة من الصمم والخرس.

قوله - في الملاعنة -: ويعتبر فيها البلوغ وكمال العقل والسلامة من الصمم والخرس». مقتضى العبارة أنّ السلامة منهما معاً شرط فى صحّة لعانها مطلقاً، فلو كانت متّصفةً بأحدهما خاصّةً صحّ لعانها ؛ لأنّ الشرط -وهو السلامة منهما- حاصل.

وقد تقدّم في باب التحريم من النكاح(1) أنّ أحدهما كافٍ في تحريمها مع القذف، ففي الفتوى اختلاف في الموضعين، مع إمكان تكلّف الجمع بينهما بحمل هذه على تلك. وقد تقدّم المختار في ذلك ثَمّ(2).

ومقتضى هذه العبارة أيضاً أنّه لا یصحّ لعانها للقذف ولا لنفي الولد؛ لأنّه جعل السلامة منهما معاً شرطاً في صحّة لعانها مطلقاً الشامل لذلك، وفيما تقدّم جعل قذفها موجباً لتحريمها بغير لعان(3)، فنفي الولد غير داخل فيه؛ لأنّ للّعان سببين-كما تقدّم(4) - : القذف ونفي الولد، وأحدهما غير الآخر، وقد يجتمعان كما لو قذفها بالزنى ونفي ولدها، وقد ينفرد كلّ منهما عن الآخر، بأن يقذفها بالزنى ويعترف بولدها، أو ينفي ولدها ويبرئها من الزنى، بأن جعله ولد شبهة أو نكاح صحيح سابق حيث يمكن.

والموجود في النصوص تحريمها بالقذف بدون اللعان، وأنّه يحدّ للقذف، ففي صحيحة أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنى وهي خرساء أو صمّاء لا تسمع، فقال: «إن كان لها بيّنة تشهد لها عند الإمام جلده الحدّ وفرّق بينهما، ثم لا تحلّ له أبداً، وإن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها منه»(5).

ص: 256


1- تقدّم في ج 6 ، ص 333 - 334.
2- تقدّم في ج6، ص333-334.
3- تقدّم في ج6، ص333-334.
4- تقدّم في 229 و 237.
5- الكافي، ج 6، ص 166، باب اللعان، ح 18؛ الفقيه، ج 4، ص 50 - 051 ح 5076؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310 - 311، ح 1288.

...

والوجه اختصاص الحكم بالقذف؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق، ولعموم الآية(1) الشامل للزوجة مطلقاً، خرج منه المقذوفة فيبقى الباقي، ولأنّه على تقدير علمه بانتفاء الولد عنه - لو نفاه - فحرمت عليه بدون لعان إن انتفى الولد بذلك لزم انتفاء ولد الزوجة الملحق به ظاهراً بمجرّد النفي وهو باطل إجماعاً، وإن لم ينتف عنه ولم يجعل له طريق إليه لزم الحرج والضرر به المنفيّان شرعاً(2)

نعم، في رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن أبي عبد الله علیه السلام ، أنّ علياً علیه السلام قال: «ليس بين خمس من النساء وأزواجهنّ ملاعنة وعدّ منها الخرساء وقال: «إنّما اللعان باللسان»(3). وهي تقتضي نفي اللعان للأمرين. لكنّها قاصرة عن إفادة المطلوب؛ لضعف سندها، فلا تقاوم ما ثبت بعموم الآية(4) والرواية(5) بل الإجماع، وإنّما يقتصر فيه على ما ذكرناه من محلّ الوفاق.

وأيضاً، فإنّه أومأ إلى العلّة يكون اللعان إنّما يكون باللسان، المقتضية لنفي لعان الأخرس بالإشارة، وقد تقدّم ما يدلّ على خلافه(6).

وحينئذٍ فيلاعنها لنفيه بالإشارة كما مرّ.

ويحدّ للقذف إن لم يقم عليها البيّنة وتحرم بغير لعانٍ. وإن أقام بيّنة سقط الحدّ، وحرمت

ص: 257


1- النور (24): 6.
2- الحج (22) 78؛ راجع الكافي، ج 5، ص 292 وما بعدها، باب الضرار؛ والفقيه، ج 3، ص 103، ح 3426؛ و تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 647 و 650 و 651.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 197، ح 693؛ الاستبصار، ج 3، ص 375، ح 1338.
4- النور (24): 6.
5- الكافي، ج 6، ص 163، باب اللعان، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 540 ، ح 4861؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184 - 185، ح 644؛ الاستبصار، ج 3، ص 370 - 371، ح 1322.
6- تقدّم في ص 250.
يشترط أن تكون منكوحةً بالعقد الدائم

• وأن تكون منكوحةً بالعقد الدائم.

أيضاً، كما دلّت عليه الرواية السابقة(1).

وربما قيل بأنّها لا تحرم حينئذٍ؛ لعدم قذفها بما يوجب اللعان، ويثبت عليها الحدّ بالبيّنة، ولا ينتفي عنها بلعانها. والرواية تنافي ذلك وهي معتبرة الإسناد، لكن في الاكتفاء بها في إثبات هذا الحكم نظر.

وعبارة الأصحاب في باب التحريم مصرّحة باشتراط قذفها بما يوجب اللعان لو لا الآفة المذكورة، فيخرج منها ما لو أقام البيّنة وما لو لم يدّع المشاهدة، وإطلاق هذه الرواية وغيرها(2) يتناول الجميع. والأولى الرجوع في كلّ موضع يحصل فيه الاشتباه إلى الحكم العامّ.

قوله: «وأن تكون منكوحةً بالعقد الدائم».

اشتراط دوام العقد في صحّة اللعان بالنسبة إلى نفي الولد موضع وفاق، ولأنّ ولد المتمتّع

بها ينتفى بغير لعان اتفاقاً.

وأما اشتراطه مع القذف فهو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه أكثر المتقدّمين وجميع المتأخّرين، حتّى لم ينقل المصنّف هنا فيه خلافاً وكذلك العلّامة، وقد سبق نقله الخلاف في النكاح المنقطع(3).

وحجّة المشهور صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع بها»(4)

ص: 258


1- هي رواية أبي بصير المتقدّم تخريجها في ص 257، الهامش 1.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 427 - 428. الباب 8 من كتاب اللعان.
3- تقدّم في ج 6، ص 432، وفي حاشية «خ ، و»: «أجمل البحث في هذه المسألة في المختلف في باب النكاح و وعد ببحثها هنا، ثمّ لم يذكرها، وكذلك صنع ولده فخر الدين في شرحه. (منه رحمه الله)»
4- الكافي، ج 6، ص 166، باب اللعان، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 189 - 190 ، ح 659.

. وفي اعتبار الدخول بها خلاف، المرويّ أنّه لا لعان. وفيه قول بالجواز. وقال ثالث: بثبوته بالقذف دون نفي الولد.

وصحيحة ابن سنان عن الصادق علیه السلام قال: «لا يلاعن الحرّ الأمة ولا الذمّيّة ولا التي يتمتّع بها»(1). ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام(2).

وقال المفيد(3) والمرتضى(4): يقع بها؛ لعموم الآية(5). ولا ينافيه ورودها في الدائم؛ لأنّ خصوص السبب لا يخصّص العامّ.

وأُجيب(6) بأنّ عمومها مخصوص بالرواية الصحيحة، بناءً على أنّ خبر الواحد يخصّص الكتاب. وتحقيق المقدّمات في الأُصول. وقد تقدّم البحث في هذه المسألة في النكاح(7).

قوله: «وفي اعتبار الدخول بها خلاف، المرويّ أنّه لا لعان. وفيه قول بالجواز. و قال ثالث: بثبوته بالقذف دون نفي الولد».

الكلام في هذا الشرط كالذي قبله، فإنّ الولد قبل الدخول لا يتوقّف نفيه على اللعان إجماعاً، بل هو منتفٍ عنه؛ لعدم وجود شرائط الإلحاق، فلا إشكال في انتفاء لعانها

بهذا السبب.

وأمّا لعانها بالقذف فقد اختلفوا في اشتراط الدخول فيه وعدمه.

ص: 259


1- الفقيه، ج 3، ص 538، ح 4858؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 188 ، ح 653؛ الاستبصار، ج 3، ص 373، ح 1332.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 476 ، ح 1912؛ الاستبصار، ج 3، ص 374، ح 1337.
3- خلاصة الإيجاز، ص 37 (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 6).
4- الانتصار، ص 276، المسألة 153.
5- النور (24): 6.
6- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 35؛ وحاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 330 (ضمن:حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 11).
7- تقدّم في ج 6 ، ص 431 وما بعدها.

...

فذهب الشيخ(1)، وأتباعه(2)، وابن الجنيد(3) إلى اشتراط الدخول؛ لرواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام قال : «لا يقع اللعان حتّى يدخل الرجل بامرأته، ولا يكون لعان إلّا بنفي الولد»(4).

ولرواية أخرى عنه علیه السلام:«لا يقع اللعان حتّى يدخل الرجل بأهله»(5).

ورواية محمد بن مصادف قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال: «لا يكون ملاعناً حتى يدخل بها، يضرب حدّاً وهي امرأته، ويكون قاذفاً»(6). وفي طريق الروايتين ضعف(7).

و ذهب ابن إدريس إلى عدم اشتراطه(8)؛ لعموم الآية(9). وهو حسن، إّلا أنّه جعل التفصيل باشتراطه بالدخول لنفي الولد وعدمه للقذف، جامعاً بين الأدلّة والأقوال، بمعنى حمل ما دلّ على اشتراط الدخول على ما إذا كان لنفي الولد و الآخر على القذف. وليس كذلك؛ لأنّ الروايات - التي استدلّ بها مشترط الدخول - بعضها صريح في أنّه بسبب القذف لا نفي الولد والأقوال تابعة للأدلّة.

ص: 260


1- النهاية، ص 522.
2- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 309؛ وابن زهرة في غنیّة النزوع، ج 1، ص 378؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 336.
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 446، المسألة 95.
4- الفقيه، ج 3، ص 535، ح 4854؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 185 - 186 ، ح 646؛ الاستبصار، ج 3، ص 371، ح 1324.
5- الكافي، ج 6، ص 162، باب اللعان، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8 ، ص 192 ، ح 671.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 197، ح 692.
7- راجع رجال النجاشي ص 185، الرقم 490؛ و رجال الطوسي، ص 313، الرقم 4656.
8- السرائر، ج 2، ص 698.
9- النور (24): 6.
يثبت اللعان بين الحرّ والمملوكة

. ويثبت اللعان بين الحرّ والمملوكة. وفيه رواية بالمنع. وقال ثالث: بثبوته بنفي الولد دون القذف.

ويظهر من المصنّف وغيره(1) أنّ من الأصحاب من قال بعدم اشتراط الدخول في اللعان بالسببين؛ لأنّه جعل التفصيل قولاً ثالثاً. وقائله غير معروف، وهو غير موجّه؛ لما عرفت من أنّ الدخول شرط لحوق الولد، فلا يتوقّف انتفاؤه على اللعان على تقدير عدمه. والحقّ رجوع الخلاف إلى قولين، الاشتراط فيهما،و التفصيل.

قوله: «ويثبت اللعان بين الحرّ والمملوكة. وفيه رواية بالمنع» إلى آخره.

الزوجان إمّا أن يكونا حرّين أو مملوكين أو الزوجة حرّة والزوج عبداً أو بالعكس. والثلاثة الأوّل لا خلاف في ثبوت اللعان بينهما فيها. وإنّما الخلاف في الرابع، فجوّزه الأكثر، كالشيخ(2) وأتباعه(3) والمصنّف وتلميذه العلّامة(4) والمتأخّرين. ومنعه المفيد(5) وسلّار(6).و التفصيل بصحّته في نفي الولد دون القذف لابن إدريس(7).

حجّة الأولين عموم الآية(8)، وخصوص الرواية، كحسنة جميل بن درّاج عن الصادق علیه السلام أنّه سأل: هل يكون بين الحرّ والمملوكة لعان ؟ فقال: «نعم، وبين المملوك والحرّة، وبين العبد والأمة، وبين المسلم واليهوديّة والنصرانیّة».(9)

ص: 261


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 186.
2- الخلاف، ج 5، ص 7، المسألة 2؛ المبسوط، ج 4، ص 210؛ النهاية، ص 523.
3- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 309.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 443، المسألة 93.
5- المقنعة، ص 542.
6- المراسم، ص 164.
7- السرائر، ج 2، ص 697.
8- النور (24): 6.
9- الكافي، ج 6 ، ص 164، باب اللعان، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 188، ح 652 ؛ الاستبصار، ج 3، ص 373، ح 1331.

...

وحجّة المانع عموم قوله تعالى:«وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ»(1)، والمملوكة ليست من أهل الشهادة. وخصوص صحيحة ابن سنان أنّ الصادق علیه السلام قال: «لا يلاعن الحرّ الأمة ولا الذمّيّة»(2).

وجوابه: منع كونه شهادة، بل هو يمين كما سيأتي(3). ولو سُلّم لزم اشتراط حرّيّتهما معاً ولا قائل به، وإنّما الخلاف فى المملوكة إذا كان زوجها حرّاً. وقد تقدّم البحث في ذلك(4).

ونمنع من صحّة الرواية، فإن ابن سنان مشترك بين عبد الله ومحمّد، والأوّل ثقة(5)، والثاني ضعيف(6)، وليس في الرواية ما يدلّ على أنّه الثقة. وإطلاق جماعة الحكم بصحّتها نظراً إلى ثقة من عدا ابن سنان فهي صحّة إضافيّة كما قرّرناه مراراً، وقد يغفل عنه من لا يتفطّن للأصول فتزّل قدمه.

والصدوق حملها على الأمة الموطوءة بملك اليمين. قال:«لأنّ محمّد بن مسلم روى عن أبي جعفر علیه السلام أنّه سأله عن الحرّ يلاعن المملوكة؟ قال: «نعم، إذا كان مولاها زوّجه إيّاها»(7)، والحديث المفسّر يُحكم على المطلق(8).

وحملها العلّامة على ما إذا لم يكن زوّجه إيّاها مولاها(9) ؛ لمفهوم الرواية.

ص: 262


1- النور (24): 6.
2- تقدّم تخريجها في ص 259، الهامش 1.
3- يأتي في ص 281.
4- تقدّم قبيل هذا بقليل.
5- راجع رجال النجاشي، ص 214، الرقم 558.
6- راجع رجال النجاشي، ص 328، الرقم 888.
7- الفقيه ، ج 3، ص 538 ، ح 4857.
8- الفقيه ، ج 3، ص 538 ، ذيل الحديث 4858، وفيه: «على المجمل بدل على المطلق».
9- مختلف الشيعة، ج 7، ص 443، المسألة 93.
یصحّ لعان الحامل

. ویصحّ لعان الحامل، لكن لا يقام عليها الحدّ إلّا بعد الوضع.

واحتجّ ابن إدريس بأنّ قذف المملوكة لا يوجب الحدّ، فلا يتوقّف نفيه على اللعان،بخلاف نفي ولدها إذا كانت زوجةً. وبأنّ اللعان حكم شرعي فيقتصر فيه على المتيقّن، والباقي باقٍ على الأصل(1).

وجوابه: أنّ عموم«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(2) أخرجه عن حكم الأصل، مضافاً إلى النصوص(3). وكما جاز اللعان لنفي الحدّ جاز لنفي التعزير؛ إذ ليس في الآية اشتراط كونه للحدّ وإن كان السبب موجباً له؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ كما مرّ وقد ظهر أنّ مختار المصنّف والأكثر أظهر.

واعلم أنّ من جملة الشروط المختلف فيها بالنسبة إلى الملاعنة كونها مسلمةً، فقد ذهب جماعة(4) - منهم ابن الجنيد(5) - إلى اشتراط إسلامها، فلا يلاعن المسلم الكافرة. وحجّتهم تظهر من حجّة مشترط الحرّيّة فيها. ولم يشترط الأكثر . وابن إدريس على تفصيله(6). وحجّة الجميع تظهر من حجّة اشتراط الحرّيّة وعدمه.

والمصنّف نبّه على الخلاف في الملاعن الكافر وأهمل ذكره في الملاعنة، وكان العكس أولى؛ لظهور الخلاف فيها واختلاف الروايات، وقد أشرنا إليه في رواية جميل وابن سنان.

وظهر ممّا قرّرناه قوّة القول بعدم اشتراط إسلامها بتقريب الدليل.

قوله: «ویصحّ لعان الحامل، لكن لا يقام عليها الحدّ إلّا بعد الوضع».

اختلف العلماء في جواز لعان الحامل إذا قذفها أو نفى ولدها قبل الوضع فذهب الأكثر

ص: 263


1- السرائر، ج 2، ص 697 - 698.
2- النور (24): 6.
3- لاحظ وسائل الشيعة، ج 22، ص 419. الباب 5 من أبواب كتاب اللعان.
4- منهم المفيد في المقنعة، ص 542 ؛ وسلّار في المراسم، ص 164؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 697-698..
5- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 441، المسألة 92.
6- السرائر، ج 2، ص 697.

...

إلى جوازه؛ لعموم الآية(1)، ووجود المقتضي وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا كونها حاملاً وهو لا يصلح للمانعيّة؛ لأنّ شهادة الحامل ويمينها حال الحمل غير منافٍ له، والحمل غير مسوّغ لتأخير ما يتوجّه عليها منها في غيره، ولأن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم لاعن بين هلال بن أُميّة وزوجته وكانت حاملاً ونفى هلال الحمل، ولمّا ولدته جاء على صفات من قذفها به، فقال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»(2).

وروى الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل لاعن امرأته وهي حبلى، ثمّ ادّعى ولدها بعد ما ولدت وزعم أنّه منه، قال: «يردّ إليه الولد ولا يجلد؛ لأنّه قد مضى التلاعن»(3)

ثمّ إن تمَّ اللعان منهما فلا كلام. وإن نكلت عنه أو اعترفت فتوجّه عليها الحدّ لم تحدّ إلى أن تضع كغيرها ممن يثبت عليها الحدّ حاملاً.

وقال المفيد(4)، وسلّار(5) وأبو الصلاح(6): لا تلاعن الحامل حتى تضع حملها.

لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام : تلاعن على کلّ حال إلّا أن تكون حاملاً(7)

وفيه ضعف السند، وحمل على نفى ما يجب باللعان من الحدّ على تقدير نكولها، أو على أنّ الحمل لا ينتفي، واللعان حجّة ضروريّة فيشترط فيه نفي الولد. والأصحّ الجواز.

ص: 264


1- النور (24): 6.
2- مسند أحمد، ج 1، ص 394 - 395، ح 2132؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 276، ح 2254.
3- الكافي، ج 1، ص 164 ، باب اللعان، ح 8؛ الفقيه، ج 4، ص 325 ، ح 5700؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص190، ح 660؛ الاستبصار، ج 3، ص 375، ح 1339.
4- المقنعة، ص 542.
5- المراسم، ص 164.
6- الكافي في الفقه، ص 310.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 190 ، ح 661؛ الاستبصار، ج 3، ص 375 ، ح 1340.
هل تصير الأمة بالوطء فراشاً؟

. ولا تصير الأمة فراشاً بالملك. وهل تصير فراشاً بالوطء فيه روايتان، أظهرهما أنّها ليست فراشاً ولا يلحق ولدها إلّا بإقراره ولو اعترف بوطئها. ولو نفاه لم يفتقر إلى لعان.

قوله: «ولا تصير الأمة فراشاً بالملك. وهل تصير فراشاً بالوطء؟» إلى آخره.

الأمة لا تصير فراشاً بالملك حتّى يلحقه الولد الذي تأتي به - وإن حلّت له(1) وخلا بها وأمكن أن يكون منه - إجماعاً .

بخلاف النكاح، حيث يلحق الولد بمجرّد الإمكان؛ لأنّ مقصود النكاح هو الاستمتاع والولد، وملك اليمين قد يقصد به ذلك، وقد يقصد به التجارة والاستخدام؛ ولهذا لا يتزوّج من لا تحلّ له ويملك بملك اليمين من لا تحلّ له، وإذا كان المقصود في النكاح ذلك اكتفي فيه بمجرّد الإمكان.

وهل تصير الأمة فراشاً بالوطء؟ فيه قولان، منشؤهما اختلاف الروايات. فذهب الشيخ في المبسوط(2)، والمصنّف والعلّامة(3) وسائر المتأخّرين(4) إلى أنّ الأمة لا تصير فراشاً مطلقاً.

واستندوا في ذلك إلى صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام : أن رجلاً من الأنصار أتى أبا عبد الله علیه السلام فقال له: إنّي ابتليت بأمر عظيم، إنّ لي جارية كنت أطؤها، فوطئتها يوماً وخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها، ونسيت نفقةً لي فرجعت إلى المنزل لآخذها، فوجدت غلاماً لي على بطنها، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر

ص: 265


1- في بعض النسخ: «خلت له»، وفي بعضها: «خلت به» بدل «حلّت له».
2- المبسوط، ج 4، ص 265.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 187.
4- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 187؛ وإيضاح الفوائد، ج 3، ص 446 - 448: واللمعة الدمشقية، ص 258(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).

...

فولدت جاريةٌ، قال: فقال لي علیه السلام: «لا ينبغي لك أن تقربها، ولا تبيعها، ولكن أنفق عليها مالك ما دمت حيّاً، ثمّ أوص لها عند موتك من مالك حتّى يجعل الله عزّ وجلّ لها مخرجاً»(1). وفي معناها أخبار(2) أُخر لا تساويها في صحّة السند.

وأمّا صيرورتها فراشاً بالوطء، فيدلّ عليه ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا تنازع إليه سعد وعبد بن زَمعة - عام الفتح - في ولد وليدة زَمعة وكان زَمعة قد مات، فقال سعد: يا رسول الله، إنّ أخي كان قد عهد إليّ فيه، وذكر لي أنّه ألمّ بها في الجاهليّة، وقال عبد: هو أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال رسول الله: «يا عبد بن زَمعة، هو لك، الولد للفراش وللعاهر الحجر»(3).

ووجه الاستدلال أنّه أثبت الفراش لزمعة وألحق الولد به من غير أن يستلحقه.

ومن طريق الخاصّة رواية سعيد بن يسار(4)؛ قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وقع على

ص: 266


1- الكافي، ج 5 ، ص 488، باب الرجل يقع على جاريته...، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 314، ح 5680؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 179، ح 628؛ الاستبصار، ج 3، ص 364، ح 1307.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 166 ، الباب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
3- سنن الدارمي ، ج 2، ص 152، باب الولد للفراش؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 724، ح 1948، وص 773، ح 2105؛ صحیح مسلم ، ج 2، ص 1080 ، ح 1457/36، وص 1081، 1458/37؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 282 ، ح 2273.
4- في حاشية «خ ، و»: «اعلم أنه اتفق لشارحي القواعد هنا سهو فاحش في الاستدلال، وهو أنهما عقيب رواية سعيد بن يسار المذكورة استشهدا برواية الشيخ في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في هذا العصر رجل وقع على جاريته ثمّ شك في ولده، فكتب:«إن كان فيه مشابهة فهو ولده، ومتى اتّهم الرجل جاريةٌ له بالفجور ثمّ جاءت بالولد لم يكن له نفيه، ولزمه الإقرار به». [تهذيب الأحكام، ج 8، ص 181، ح 932 وذيل الحديث ]فتوهّم الشارحان أنّ هذا المذكور کلّه من لفظ الرواية فذكراه والدلالة على مطلوبهما لا تتمّ إلّا في قوله « ومتى اتّهم الرجل» إلى آخره. والحال أنّ هذا الكلام إلى آخره من كلام الشيخ ذكره على عادته من الفتوى ثمّ عقبه بالاستشهاد عليه من الأخبار، وذكر عقيبه - دليلاً عليه - رواية سعيد بن يسار التي ذكرناها نحن عقيب روايته الأخرى. وإذا خرج قوله «ومتي اتّهم الرجل» إلى آخره من رواية الصفّار سقطت دلالتها على المطلوب؛ لأنّه شرط في كونه له المشابهة، فلذلك تركناها نحن في الدلالة وذكرنا باقي الروايات الصحيحة الواضحة الدلالة، ولم نذكرها دليلاً على المطلوب فتأمل. (منه رحمه الله)». راجع كنز الفوائد، ج 2، ص 680 ؛ وإيضاح الفوائد ج 3، ص 447 - 448 .

...

جارية له تذهب وتجيء، ولقد عزل عنها، ما تقول في الولد؟ قال: «أرى أن لا يباع هذا الولد يا سعيد»، قال: وسألت أبا الحسن علیه السلام فقال: «أتتّهمها؟» فقلت: أمّا تهمة ظاهرة فلا، فقال: «فيتّهمها أهلك؟» فقلت: أمّا شيء ظاهر فلا، فقال: «وكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟»(1)

وروى سعيد بن يسار - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق، قال: يتّهمها الرجل أو يتّهمها أهله؟ قلت: أما ظاهرةً ،فلا قال: «إذن لزمه الولد»(2).

و روى سعيد الأعرج - في الصحيح - عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهرٍ واحدٍ لمن يكون الولد؟ قال: «اللّذي عنده؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم: الولد للفراش وللعاهر الحجر»(3).

وفي معناها رواية الحسن الصيقل عنه علیه السلام، والطريق إلى الحسن صحيح، وفيها: «الولد للّذي عنده الجارية وليصبر؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الولد للفراش وللعاهر الحجر»(4)؛

ص: 267


1- الكافي، ج 5، ص 489، باب الرجل يكون له الجارية...، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 181، ح 634؛ الاستبصار، ج 3، ص 366 ، ح 1312.
2- الكافي، ج 5، ص 489، باب الرجل يكون له الجارية...، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 181 ، ح 633؛ الاستبصار، ج 3، ص 366 ، ح 1311.
3- الكافي، ج 5، ص 491، باب الرجل يكون له الجارية...، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 169 ، ح 589؛ الاستبصار، ج 3، ص 368، ح 1317.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 119، ح 588 ؛ الاستبصار، ج 3، ص 368، ح 1316.

...

وهذه الأخبار صريحة في أنّ الأمة تصير فراشاً للمولى بالوطء. وفي معناها غيرها(1). وظاهر الحال أنّها مرجّحة على السابق؛ لصحّة السند والكثرة.

أحکام تترتّب علی کون الموطوءة فراشاً

إذا تقرّر ذلك فنقول: ممّا يترتّب على كون الموطوءة فراشاً أنّ ولدها الذي يمكن تولّده من الواطئ - بأن تلده لستّة أشهر فما زاد من حين وطئه إلى أقصى مدّة الحمل - يلحق به، ولا يتوقّف على اعترافه به، بل لا يجوز له نفيه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ظنّ أنّه ليس منه لتهمة أمّه بالفجور؛ لأنّ الله تعالى جعل الولد للفراش، فإذا كان الفراش زوجةً دائمةً تحقّق فراشها من حين العقد وإمكان وصوله إليها.

ثمّ لها بالنسبة إلى الولد حكمان:

أحدهما: في ظاهر الأمر، وهو أنّه يُحكم بإلحاق الولد - الذي تلده بعد العقد وإمكان الوصول إليها فيما بين أقلّ الحمل وأكثره - بالزوج، وإن لم يعترف به ولم يعلم وطؤه لها، وسواء كان من أهل الاعتراف كالبالغ العاقل، أم لا كالمجنون والصبيّ الذي يمكن تولّده منه كابن العشر قبل أن يحكم ببلوغه على ما سبق.

ولو علمنا انتفاءه عنه - بأن كان غائباً عنها غيبةً لا يمكن وصوله إليها سرّاً ولا جهراً في المدّة التي يمكن تولّده منه - حكمنا بانتفائه عنه وإن لم ينفه.

والثاني: فيما بينه وبين الله تعالى، فإذا وطئها وطاً يمكن تولّده منه، ثمّ ولدته في وقت إمكان كونه منه وجب عليه إلحاقه به وإن احتمل أو ظنّ خلاف ذلك كما قلناه. وإن علم انتفاءه عنه - بأن ولدته لدون ستّة أشهرٍ من حين وطئه، أو لأكثر من أقصى الحمل - وجب عليه نفيه كما قدّمناه سابقاً. وإن كان في ظاهر الحال محكوماً بإلحاقه به - بأن كان قريباً منها يمكنه إصابتها ، فإذا توقّف نفيه على اللعان وجب عليه ذلك من باب مقدّمة الواجب.

ص: 268


1- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 169 - 170، الباب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء، وص 173، الباب 58 من هذه الأبواب.

...

وإن أمكن إقامة البيّنة على ما يوجب انتفاءه عنه حكم بموجبها من غير لعان إذا شهدت بذلك على وجهٍ منضبط، بأن لازمته ليلاً ونهاراً بحيث علمت انتفاء مجامعته لها قطعاً. وأمّا الأمة فقد عرفت أنّها لا تكون فراشاً بمجرّد الملك قطعاً.

ثمّ إن وطئها وحكمنا بكونها تصير فراشاً به فحكمه في لحوق ولدها في الحالين كما

سبق، لكنّه يفارق ولد الزوجة في أمرين:

أحدهما أنه لا يحكم بلحوقه به إلّا مع ثبوت وطئه لها، إمّا بإقراره به أو بالبيّنة، بخلاف

ولد الزوجة فإنّه يكفي إمكان الوطء.

والوجه فيه أنّ المعتبر فيهما ثبوت الفراش؛ ولمّا كان فى الزوجة متحقّقاً بالعقد وإمكان وصوله إليها كان المعتبر ثبوت ذلك، ولمّا كانت فراشيّة الأمة لا تتحقّق إلّا بالوطء اعتبر ثبوته. فمرجع الأمر فيهما إلى شيءٍ واحدٍ وهو ثبوت الفراش، إلّا أنّه في الزوجة يظهر غالباً لغير الزوج بحضور العقد والعلم بإمكان وصوله إليها، وفى الأمة لا يظهر غالباً إلّا منه؛ لأنّ الوطء من الأمور الخفيّة فاعتبر إقراره به إن لم يتّفق الاطّلاع عليه بالبيّنة نادراً.

والثاني: أنّ ولد الزوجة إذا كان محكوماً به للزوج ظاهراً لا ينتفي عنه بنفيه إلّا باللعان،

وولد الأمة ينتفي بغير لعانٍ.

والسرّ فيه أنّ الولد الذي يظهر للزوج كونه منفيّاً عنه يليق بالحكمة أن يجعل له الشارع طريقاً إلى نفيه؛ ليخرج عنه من ليس منه، ولمّا نصب لولد الزوجة طريقاً إلى النفي باللعان وخصّه بالزوجين بقوله:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ»(1) ، فلا بدّ من طريق آخر لنفى ولد الأمة حيث يقتضي الحال نفيه، فإذا لم يمكن باللعان وبقي على أصل الإلحاق- كما لو تعذّر اللعان حيث يشرّع - لزم أن يكون ولد الأمة أقوى اتّصالاً وأحسن حالاً من ولد الزوجة الدائمة،فشرّع لذلك انتفاؤه بمجرّد النفي بغير لعان؛ إذ ليس هناك طريق آخر.

ص: 269


1- انور(24): 6.

...

والعامّة لمّا وافقوا على أنّ ولد ملك اليمين لا ينتفي باللعان اختلفوا في طريق نفيه إن علم انتفاؤه، فمنهم من سدّ الطريق عن نفيه؛ نظراً إلى أنّ «الولد للفراش» وليس هناك طريق إلى النفي(1). ومنهم من جوّز نفيه باللعان للضرورة؛ حذراً من أن يكون أقوى من ولد الزوجة(2) . ومنهم من نفاه بيمينه(3).

ثمّ على تقدير صيرورتها فراشاً بالوطء، هل يستمرّ كذلك ما دامت على ملكه، أم يختصّ الحكم بالولد الذي يمكن تولّده من ذلك الوطء خاصّةً، حتّى لو أتت بولدٍ بعد أقصى الحمل من الوطء الذي ثبت بإقراره أو البيّنة لا يلحق به بدون الاعتراف به؟ وجهان، من حصول شرط الفراش وهو الوطء، فنزّل منزلة العقد الدائم على الحرّة؛ لأنّ وطء الأمة إمّا تمام السبب للفراشيّة أو شرط فيها، وعلى التقديرين حصل الفراش به كالعقد، فيستمرّ الحكم حينئذٍ كما استمرّ حكم الفراش بالعقد ولم يشترط بعد ذلك ظهور وطءٍ يلحق به الولد، ومن ضعف فراشيّة الأمة، ودلالة تلك النصوص الموجبة لإلحاق الولد به على كونه مولوداً في وقت يمكن تخلّقه من ذلك الوطء(4)، فيبقى غيره على الأصل. ولا إشكال في انتفائه عنه بنفيه، إنّما تظهر الفائدة لو لم ينفه، فهل يلحق به ظاهراً بمجرّد الوطء السابق أم يتوقّف على الإقرار به؟ يبنى على الوجهين، والأظهر الثاني.

وإن لم يحكم بكونها فراشاً فمقتضى كلام المصنّف والشيخ(5) و العلّامة(6) وغيرهم(7) أنّه لا يلحق ولدها به إلّا بإقراره به وإن أقرّ بوطئها أو ثبت بغيرالإقرار.

ص: 270


1- حلية العلماء، ج 7، ص 224 - 225.
2- حلية العلماء، ج 7، ص 224 - 225.
3- الجامع لأحكام القرآن، ج 6، ص 186، ذيل الآية 6 من سورة النور (24).
4- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 173، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
5- المبسوط، ج 4، ص 265؛ الخلاف، ج 5، ص 48، المسألة 67.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 187؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 61.
7- كالشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 258(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).

...

وهذا هو الذي يناسب الحكم بعدم الفراش؛ لأنّ الأصل عدم انتسابه إليه بدون الإقرار.

وقال فخر الدين في شرحه:«إنّ معنى كونها ليست فراشاً أنّه لا يلحق ولدها به إلّا بإقراره به أو بوطئها وإمكان الحوقه به»(1).

وكأنّه حاول بذلك الجمع بين حكم الأصحاب بكونها ليست فراشاً مطلقاً، وبين حكمهم في باب إلحاق الأولاد بلحوق ولد الأمة بالمولى الواطئ، وأنّه يلزمه الإقرار به حيث يمكن كونه منه ، وأنّه لو وطئها غيره أُلحق به دون الغير من غير تقييدٍ بإقراره به، فجعل مستند ذلك

الوطء الواقع من المولى وأقامه مقام الإقرار به من غير أن يعلم بكونه واطئاً.

ويضعّف بأنّ إلحاقه به مع وطئه لها من لوازم الفراش كما سبق، فلو جعل مترتّباً على عدمه لم يبق فرق بين الفراش وغيره.

اللهمّ إلّا أن يجعل الوطء الموجب للفراش كافياً في إلحاق الولد بعد ذلك، وإن لم يمكن استناده إلى ذلك الوطء الشخصي الثابت، كما هو أحد الاحتمالين في المسألة، ويجعل هذا الوطء القائم مقام الإقرار هو الوطء الذي يمكن استناد الولد إليه، ومع ذلك ففيه مخالفة لما ذكره الجميع في معنى الفراش، فإنّهم أطبقوا على أنّ فائدته لحوق الولد به مع إمكانه وإن لم يعترف به، وعدم لحوقه بمن ليست فراشاً إلّا بإقراره.

والوجه أنّ الاكتفاء بالوطء في هذا القسم ليس في محلّه، وإنّما محلّه على تقدير كونها فراشاً؛ لأنّ الوطء حينئذٍ لا بدّ من العلم به ليتحقّق به كون الأمة فراشاً كما قد تحقّق. وأمّا ما ذكروه في باب إلحاق الأولاد فهو منزّل على أنّ ذلك الحكم الذي يلزم المولى فيما بينه وبين الله تعالى، بمعنى أنّه إذا وطئ الأمة وطءاً يمكن إلحاق الولد به يجب عليه الاعتراف به واستلحاقه، ولا يجوز له نفيه عنه بتهمة أمّه إلّا على تلك الرواية

ص: 271


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 446.

...

الشاذّة(1)، وأمّا بالنسبة إلينا فلا نحكم بإلحاقه به ما لم يعترف به حيث لا نجعلها فراشاً. وهكذا القول فيما لو وطئها المولى وغيره، فإنّه يحكم به للمولى دون الغير إذا كان وطؤه فجوراً، ولكن بالنسبة إلينا لا نحكم به له إلّا باعترافه به.

وكذا القول في ولد المتعة، فإنّهم حكموا بكونها ليست فراشاً مع حكمهم أيضاً بلحوق الولد به وورود النصوص بذلك، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله علیه السلام قال، قلت له: أ رأيت إن حملت؟ قال: «هو ولده»(2).

وصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سأل رجل الرضا علیه السلام - وأنا أسمع - عن الرجل يتزوّج المرأة متعةً ويشترط عليها أن لا تطلب ولدها، فتأتي بعد ذلك بولدٍ فينكر الولد، فشدّد في ذلك وقال: «يجحد ! وكيف يجحد؟» إعظاماً لذلك، قال الرجل: فإن اتّهمها ؟ قال: «لا ينبغي لك أن تتزوّج إلّا مأمونةً، إنّ الله يقول:«الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(3).

ولا فرق في الحكم بلحوق الولد به على التقديرين بين كونه قد عزل عنها وعدمه. وقد تقدّم البحث فيه(4).

وفي حسنة ابن أبي عمير وغيره قال: «الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلّا أنّه إن جاء بولد لم ينكره، وشدّد في إنكار الولد»(5)

ص: 272


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 180 ، ح 631؛ الاستبصار، ج 3، ص 367، ح 1313.
2- الكافي، ج 5 ، ص 464، باب وقوع الولد، ح 1، وفيه: «... إن حبلت»؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 269، ح 1154؛ الاستبصار، ج 3، ص 149، ح 547 ، وص 152، ح 557.
3- الكافي، ج 5 ، ص 454 ، باب أنّه لايجوز التمتّع إلا بالعفيفة ، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 459 - 460، ح 4590؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 269، ح 1157؛ الاستبصار، ج 3، ص 153، ح 560: والآية في سورة النور (24): 3.
4- تقدّم في ج 7، ص 93 - 94.
5- الكافي، ج 5 ، ص 464، باب وقوع الولد، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 269، ح 1155؛ الاستبصار، ج 3، ص 152 ، ح 558.

الركن الرابع في كيفيّة اللعان

اشارة

. ولا یصحّ إلّا عند الحاكم، أو من ينصبه لذلك. ولو تراضيا برجل من العامّة فلا عن بينهما جاز.

ويثبت حكم اللعان بنفس الحكم. وقيل: يعتبر رضاهما بعد الحكم.

قوله: «ولا یصحّ إلّا عند الحاكم، أو من ينصبه لذلك» إلى آخره.

المراد بالحاكم هو الإمام، وبمنصوبه من نصبه للحكم عموماً أو للّعان خصوصاً. ويشترط في منصوبه ما يشترط في غيره ممّن ينصبه الإمام للحكم بين الناس؛ لأنّ اللعان ضرب من الحكم، بل هو من أقوى أفراده؛ لافتقاره إلى سماع الشهادة أو اليمين والحكم بالحدّ، ودفعه بالشهادة بعد ذلك أو اليمين، وحكمه بنفي الولد وغير ذلك. وبهذا يفرّق بينه، وبين الفرقة بغيره، كالطلاق حيث لا يتوقّف على الحاكم.

والمراد بالرجل العامّي الذي يتراضى به الزوجان الفقيه المجتهد حال حضور الإمام لكنّه غير منصوب من قبله. وسمّاه عاميّاً بالإضافة إلى المنصوب، فإنّه خاصّ بالنسبة إليه.

وقد اختلف في جواز اللعان به نظراً إلى أنّ حكمه يتوقّف على التراضي والحكم هنا لا يختصّ بالزوجين المتراضيين بل يتعلّق بالولد أيضاً، فلا يؤثّر رضاهما في حقّه، إلّا أن يكون بالغاً ويرضى بحكمه، خصوصاً لو اعتبرنا تراضيهما بعد الحكم؛ لأنّ اللعان لا يقع موقوفاً على التراضي ؛ لأنّه لازم بتمامه لزوماً شرعيّاً. والأظهر الصحّة ولزوم حكمه من غير أن يعتبر رضاهما بعده. والقولان للشيخ في المبسوط(1) والخلاف(2).

وسيأتي تحقيقه في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى(3).

ص: 273


1- راجع المبسوط، ج 4، ص 256، و ج 5، ص 523.
2- الخلاف، ج 6 ، ص 241، المسألة 40.
3- يأتي في ج 11، ص 23.
صورة اللعان

• وصورة اللعان: أن يشهد الرجل بالله أربع مرّات إنّه لمن الصادقين فيما رماها به ثمّ يقول: [إنّ] عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين.

ثمّ تشهد المرأة بالله أربعاً: إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به، ثمّ تقول: إنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين.

ويشتمل اللعان على واجبٍ وندبٍ.

هذا کلّه في حال حضور الإمام كما ذكرناه . أما في حال الغيبة، فينفذ فيه حكم الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ؛ لأنّه منصوب من قبل الإمام على العموم كما يتولّى غيره من الأحكام، ولا يتوقّف على تراضيهما بعده ؛ لأنّ ذلك مختصّ بقضاء التحكيم.

قوله: «وصورة اللعان: أن يشهد الرجل بالله أربع مرّات إنّه لمن الصادقين فيما رماها به» إلى آخره.

كلمات اللعان خمس. وهي أن يقول الزوج أربع مرّات: أُشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي من الزنى ويميّزها، ثمّ يقول في الخامسة: إنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزني، ويعرّفها كالسابق.

وإذا كان هناك ولد ينفيه يتعرّض إليه في الكلمات الخمس، فيقول: إنّ الولد الذي ولدته - أو هذا الولد إن كان حاضراً - من الزنى، أو: ما هو منّي، ولو جمع بينهما كان أولى، لرفع احتمال الإرادة بكونه ليس منه المشابهة في الخلق والخُلق.

وتقول المرأة أربع مرّات: «أُشهد بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى»، و في الخامسة : [إنّ] غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنى.

ولا تحتاج هى إلى ذكر الولد؛ لأنّ لعانها لا يؤثّر فيه. ولو تعرّضت له لم يضرّ، فتقول:«وهذا الولد ولده» ليستوي اللعانان ويتقابلا.

ص: 274

الواجب في اللعان

. فالواجب التلفّظ بالشهادة على الوجه المذكور. وأن يكون الرجل قائماً عند التلفّظ وكذا المرأة، وقيل: يكونان جميعاً قائمين بين يدي الحاكم. وأن يبدأ الرجل أوّلاً بالتلفّظ على الترتيب المذكور وبعده المرأة. وأن يعيّنها بما يزيل الاحتمال، كذكر اسمها واسم أبيها أو صفاتها المميّزة لها عن غيرها. وأن يكون النطق بالعربيّة مع القدرة. ويجوز بغيرها مع التعدّر. وإذا كان الحاكم غير عارف بتلك اللغة افتقر إلى حضور مترجمين ولا يكفي الواحد. وتجب البداءة بالشهادات ثمّ باللعن، وفي المرأة تبدأ بالشهادات ثمّ بقولها: إنّ غضب الله عليها.

ولو قال أحدهما عوض«أُشهد بالله » : « أُحلف » أو « أُقسم » أو ما شاكله لم يجزئ.

قوله: «فالواجب التلفّظ بالشهادة على الوجه المذكور- إلى قوله- أو ما شاكله لم يجزئ». يعتبر في اللعان أُمور:

الأوّل: التلفّظ بالشهادة على الوجه الذي ذكرناه، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها، كقوله: شهدت بالله» أو «أنا شاهد» أو «أُحلف بالله» أو «أُقسم» أو «أولى» أو أبدل لفظ الجلالة كقوله: «أُشهد بالرحمن» أو «بالخالق» ونحوه لم يقع؛ لأنّه خلاف المنقول شرعاً.

وكذا لو أبدل كلمة الصدق والكذب بغيرها وإن كان بمعناها، كقوله: «إنّي لصادق» أو «من الصادقين بغير لام التوكيد أو«لَبعض الصادقين» أو «أنها زنت» أو قالت المرأة: «إنّه كاذب» أو «لَكاذب» أو أبدل اللعن بالإبعاد أو الطرد أو لفظ الغضب بالسخط أو أحدهما بالآخر، وإن كان الغضب أشدّ من اللعن؛ ولذلك خُصّ بجانب المرأة؛ لأنّ جريمة الزنى منها أقبح من جناية القذف منه، ولأنّ كلّ مغضوبٍ عليه ملعون ولا ينعكس والوجه في الجميع اتّباع المنصوص(1).

ص: 275


1- النور (24): 6 - 9؛ وراجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 407 وما بعدها، الباب 1 من كتاب اللعان.

...

الثاني: قيام كلّ منهما عند لفظه، على ما اختاره المصنّف وقبله الصدوق(1) والشيخ في المبسوط(2)، ورواه الصدوق قال: سأل البزنطى أبا الحسن الرضا علیه السلام فقال له : أصلحك الله كيف الملاعنة؟ قال: «يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه، والمرأة والصبيّ عن يساره»(3).

قال: وفي خبر آخر: «ثمّ يقوم الرجل فيحلف أربع مرّات - إلى أن قال - ثمّ تقوم المرأة فتحلف أربع مرّات»(4).

وذهب الأكثر - ومنهم الشيخ في النهاية(5) والمفيد(6) وأتباعهما(7)و و أکثر النتأخّرین - إلی أنّهما قائمین عند التلفّظ کلّ منهما؛ لصحیحة عبد الرحمن الحجّاج قال: إنّ عبّاد البصري سأل أبا عبد الله علیه السلام و أنا حاضر کیف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام - و حکی قصّة الرجل الذي جاء النبیّ صلّی الله علیه وآله وسلّم و أخبره عن أهله إلى أن قال :- «فأوقفهما رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم ثمّ قال للزوج: اشهد أربع شهادات»(8). الحديث.

وحسنة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام قال: سألته عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الإمام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبلاً بحذائه، ويبدأ بالرجل ثمّ بالمرأة»(9). وهذا أصحّ.

ص: 276


1- المقنع، ص 355.
2- المبسوط، ج 4، ص 228.
3- الفقيه، ج 3، ص 536 ، ح 4855.
4- الفقيه، ج 3، ص 536 ، ح 4856.
5- النهاية، ص 502.
6- المقنعة، ص 540.
7- الکافی في الفقه، ص309؛ المراسم، ص163؛ المهذّب، ج2، ص307؛ الوسیلة، ص338.
8- الكافي، ج 6، ص 163، باب اللعان، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 540 ، ح 4861؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184، ح 644؛ الاستبصار، ج 3، ص 370، ح 1322.
9- الكافي، ج 6 ، ص 165 ، باب اللعان، ح 10.

...

الثالث: أن يبدأ الرجل أوّلاً بالشهادة، ثمّ باللعن على الترتيب المذكور، ثمّ المرأة مقدّمة للشهادة ثمّ الغضب؛ للاتّباع. فلو بدأت المرأة باللعان لغا؛ ولأنّ لعانها لإسقاط الحدّ، وإنّما يجب الحدّ عليها بلعان الزوج، فلا حاجة بها إلى أن تلاعن قبله، خلافاً لبعض العامّة حيث جوّز تقدّم كلّ منهما(1).

وكذا لو قدّم اللعن على الشهادة أو قدّمت الغضب عليها؛ لما ذكر، ولأنّ المعنى: إن كان من الكاذبين في الشهادات الأربع فاعتبر تقدّمها، خلافاً لبعض العامّة(2)، استناداً إلى عدم اختلاف المعنى، وهو ممنوع.

الرابع: أن يعيّنها بما يزيل الاحتمال باسمها، رافعاً نسبها قدر ما يحصل به التميّز، إن كان له زوجتان فصاعداً، وإلّا اكتفى بقوله: «زوجتي» ولو كانت حاضرةً تخيّر بين ذلك وبين الإشارة إليها، ولو جمع بين الإشارة والتسمية كان أولى؛ لأنّ اللعان مبنيّ على التغليظ والاحتياط، فتؤكّد الإشارة بالتسمية. والقول في تعريفها له غائباً وشاهداً كالعكس.

الخامس: أن يكون النطق في جميع ذلك باللفظ العربي بالعربيّة مع القدرة؛ لأنّ الشرع

ورد بها فلا عدول عنها عند القدرة، وبدونها يأتي بالممكن منهما. فإن تعذّر جميع ذلك لاعن بأيّ لسان شاء؛ لحصول الغرض من الشهادة واليمين.

ثمّ إن كان الحاكم يُحسن تلك اللغة فلا حاجة إلى المترجم وإلّا افتقر إلى مترجمين، و لا يكفي الواحد؛ لأنّها شهادة ولا يفتقر إلى الزائد، أمّا في جانب المرأة؛ فلأنّها تلاعن لنفي الزنى لا لإثباته، وأما في جانب الرجل فلأنّهما ليسا شاهدين بالزني وإنّما يشهدان على لفظه. السادس: أن يبتدئ بالشهادات ثمّ يعقّبها باللعن، ثمّ تبتدئ المرأة بالشهادات ثمّ بالغضب؛ للاتّباع.

ص: 277


1- الحاوي الكبير، ج 11، ص 45 و 57؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 38 - 39، المسألة 6267.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 11 ، ص 60 - 61؛ وحلية العلماء، ج 7، ص 231.
المندوب في اللعان

• والندب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، وأن يقف الرجل عن يمينه، والمرأة عن يمين الرجل، وأن يحضر من يسمع اللعان، وأن يعظه الحاكم ويخوّفه بعد الشهادات قبل ذكر اللعن، وكذا في المرأة قبل ذكر الغضب.

واعلم أنّ قوله «وتجب البداءة بالشهادات» إلى آخره مستدرك؛ للاستغناء عنه بقوله «فالواجب التلفّظ بالشهادة على الوجه المذكور» وقوله« وأن يبدأ الرجل بالتلفّظ على الترتيب المذكور وبعده المرأة».

وكذا لا وجه لإعادة قوله «ولو قال أحدهما عوض أُشهد بالله: أُحلف» إلى آخره لدخوله في السابق. و لو أنّه عطفه ب«الفاء» لجاز كونه تفصيلاً بعد الإجمال، أمّا مع عطفه

ب«الواو» فلا وجه لإعادته.

قوله: «والندب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، وأن يقف الرجل عن يمينه» إلى آخره. هذه جملة من سنن اللعان وهي امور:

الأوّل: أن يجلس الحاكم مستدبراً للقبلة ليكون وجههما إليها، كجلوسه لغيره من مواضع الحكم.

الثاني: أن يقف الرجل مقابل وجهه عن يمينه، وتقف المرأة عن يمين الرجل إن اعتبرنا وقوفهما، وإلّا كانت على يمينه إلى أن يفرغ ثمّ يقوم.

وقد دلّ على هذين رواية أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن علیه السلام قال، قلت: أصلحك الله كيف الملاعنة ؟ قال: «يقعد الإمام، ويجعل ظهره إلى القبلة، ويجعل الرجل عن يمينه، والمرأة عن يساره»(1).

وليس في الرواية أنّ الزوجين يستقبلان، وكذلك أطلق المصنّف وجماعة.

الثالث: أن يحضر جماعة من أعيان البلد وصلحائه، فإنّ ذلك أعظم للأمر وللاتّباع، فقد حضر اللعان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جماعة من الصحابة منهم ابن عبّاس وابن عمر

ص: 278


1- الكافي، ج 6. ص 165، باب اللعان، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 191 ، ح 667.
تغليظ اللعان بالقول والمكان والزمان

. وقد يغلّظ اللعان بالقول والمكان والزمان.

ويجوز اللعان في المساجد والجوامع، إذا لم يكن هناك مانع من الكون في المسجد.

وسهل بن سعد، وهم من أحداث الصحابة(1)، فاستدلّ به على أنّه حضر جمع كثير، فإنّ العادة أنّ الصغار لا يحضرون وحدهم.

وأقلّ ما تتأدّى به الوظيفة أربعةُ نفر، فإنّ الزنى يثبت بهذا العدد، فيحضرون لإثباته.

الرابع: أن يعظه الحاكم بعد الشهادات ويخوّفه بالله تعالى، ويخبره أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدنيا، ويقرأ عليهم:« الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً»(2).

ويروى أنّه صلّی الله علیه وآله وسلّم قال للمتلاعنين: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟»(3).

وعن الصادق علیه السلام أنّه صلّی الله علیه وآله وسلّم قال للرجل لما شهد: «اتّق الله فإنّ لعنة الله شديدة، ثمّ قال له: اشهد الخامسة»(4).

وكذا يُفعل بالمرأة قبل ذكر الغضب، وفي الرواية أنّه صلّی الله علیه وآله وسلّم قال لها: «اتّقي الله فإنّ غضب الله شديد، ثمّ قال لها: اشهدي الخامسة»(5)

قوله: «وقد يغلّظ اللعان بالقول والمكان والزمان» إلى آخره.

تغليظ اللعان بهذه الأُمور مشروع في الجملة، أعمّ من كونه واجباً أو مندوباً أو جائزاً بالمعنى الأخصّ، وليس في عبارة المصنّف ما يدلّ على واحد منها بعينه.

ص: 279


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 274، ح 2247، وص 275، ح 2251؛ الحاوي الكبير، ج 11، ص 45؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 663، ح 15338 وذيل الحديث 15339: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 61، المسألة 6285.
2- آل عمران (3): 77.
3- ورد نصّه في روضة الطالبين، ج 1، ص 330، وبدون الذيل في السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 663، ح 15339؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1131، ح 1493/5؛ صحيح البخاري، ج 5، ص 2035-2036، ح 5006.
4- الكافي، ج 6، ص 163، باب اللعان، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 537 ، ح 4856؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184 - 185 ، ح 644؛ الاستبصار، ج 3، ص 370، ح 1322.
5- الكافي، ج 6، ص 163، باب اللعان، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 537 ، ح 4856؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184 - 185 ، ح 644؛ الاستبصار، ج 3، ص 370، ح 1322.

فإن اتّفقت المرأة حائضاً أنفذ الحاكم إليها من يستوفي الشهادات. وكذا لو كانت غير برزة لم يكلّفها الخروج عن منزلها، وجاز استيفاء الشهادات عليها فيه.

وصرّح غيره(1) بالاستحباب، وأطلق كثير كما ذكر.

والأظهر أنّ التغليظ بالمكان والزمان مستحبّ.

وأمّا التغليظ بالقول، فإن فسّر بأنّه تكرار الشهادات أربع مرّاتٍ -كما فسّره به في التحرير(2)- فلا ريب في وجوبه، بل هو ركن فيه. وإن فسّر بذكر ما يناسب من أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام- كما سيأتي في يمين الدعاوي(3) - فهو مستحبّ، ولا يخلّ بالموالاة؛ لأنّه من متعلّقاته.

والمراد بالتغليظ بالمكان أن يجري اللعان في أشرف المواضع من البلد، كبَين الركن والمقام إن كان بمكّة، وهو المسمّى بالحطيم، وفي الروضة وهي ما بين قبر النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم ومنبره إن كان بالمدينة، وفي المسجد الأقصى عند الصخرة إن كان ببيت المقدس، وفي سائر البلاد في المسجد الجامع عند المنبر أو المشاهد المشرفة إن اتّفق عندها. ويلاعن بين أهل الذمّة إذا ترافعوا إلينا في الموضع الذي يعظّمونه كالكنيسة لليهود،والبيعة للنصارى.

وهل يلاعن بين المجوس في بيت النار ؟ وجهان، من أنّه ليس له حرمة وشرف، بخلاف البيعة والكنيسة، ومن أنّ المقصود تعظيم الواقعة وزجر الكاذب عن القذف، واليمين في الموضع الذي يعظّمه الحالف أغلظ. ويجوز أن يراعى اعتقادهم بشبهة الكتاب، كما روعي

في قبول الجزية.

ص: 280


1- كيحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 481؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 189 - 190؛ و الشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 259(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 134، الرقم 5515.
3- يأتي في ج 11، ص 139 وما بعدها.
هل اللعان أيمان أو شهادات؟

. وقال الشيخ (رحمه الله): اللعان أيمان وليست شهادات. ولعلّه نظر إلى اللفظ، فإنّه بصورة اليمين.

أمّا بيت الأصنام فلا عبرة به في لعان الوثنيين مطلقاً؛ لأنّه لا أصل له في الحرمة عند الله تعالى بخلاف السابق، واعتقادهم غير مرعيّ بمجرّده، فيلاعن بينهم في مجلس الحكم.

ولو كان الزوج مسلماً والمرأة ذميّةً لاعن كلّ واحد منهما في الموضع الذي يعظّمه.

والتغليظ بالزمان إيقاعه في وقتٍ شريف كيوم الجمعة وبعد العصر، فإنّ اليمين الآثمة حينئذٍ أغلظ عقوبةً. وفسّر قوله تعالى:«تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَوَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه»ِ(1)بعد صلاة العصر(2).

وعن النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم أنّه قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: رجل حلف یمیناً على مال مسلمٍ فاقتطعه، ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر فقد أعطى سلعته أكثر ممّا أعطى وهو كاذب، ورجل منع فضل الماء»(3).

وإنّما يغلّظ في المساجد حيث لا يكون هناك مانع يمنع منها، كما لو كانت المرأة حائضاً أو مريضةً أو غير برزة، فيبعث إليها نائباً ليستوفي منها الشهادات.

ولا يشترط فيه الاجتهاد، كما لا يشترط فيمن يرسله لتحليفها في الدعاوي.

ولو أحضر الحائض إلى باب المسجد ولا عنها كان أقرب إلى التغليظ.

والمراد بغير البرزة من لا تعتاد الخروج إلى مجامع الرجال.

قوله: «وقال الشيخ (رحمه الله): اللعان أيمان وليست شهادات» إلى آخره.

اختلف العلماء في اللعان، هل هو شهادات أو أيمان؟

فذهب ابن الجنيد إلى الأوّل(4)، وهو الظاهر من مذهب المصنّف؛ لكثرة إطلاقه عليه الشهادة.

ص: 281


1- المائدة (5): 106.
2- التبيان، ج 4، ص 45: مجمع البیان، ج 3، ص 257؛ الكشاف، ج 1، ص 687، ذيل الآية 106 من سورة المائدة (5).
3- صحيح البخاري، ج 2، ص 34 - 835، ح 2240؛ تلخيص الحبير، ج 3، ص 228، ح 1628.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 445، المسألة 94.

...

ونسبة القول بكونه يميناً إلى الشيخ(1). وهو اختيار العلّامة في القواعد(2).

و ذهب الشيخ(3)، والعلّامة في المختلف(4)، وجماعة أُخرى(5) إلى أنّه أيمان.

و استدلّ للأوّل بقوله تعالى:«وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ»(6) الآيات، فقد أطلق عليه لفظ الشهادة في خمسة مواضع وكنّى عنها في موضعين.

و قول النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم للرجل الذي لاعن بينه وبين زوجته: «اشهد أربع شهاداتٍ بالله إنّك لمن الصادقين، إلى أن قال للمرأة: اشهدى أربع شهادات بالله إنّ زوجك لمن الكاذبين»(7)

وقول الصادق علیه السلام : «إنّ عليّا علیه السلام قال: ليس بين خمس نساء وأزواجهنّ ملاعنة - إلى أن قال - والمجلود في القرية؛ لأنّ الله تعالى يقول:«وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا»»(8).

وبأنّه يعتبر فيه التصريح بلفظ الشهادة.

وبأنّه يدرأ به الحدّ عنه ويثبت به عليها كالبيّنة بخلاف اليمين؛ فإنّها لا تدخل في الحدود.

وبأنّه إذا امتنع من اللعان ثمّ رغب فيه يُمكّن منه، كمن يمتنع من إقامة البيّنة ثمّ أراد إقامتها، والناكل عن اليمين لا يعود إليها

ص: 282


1- المبسوط، ج 4، ص 210.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 192.
3- المبسوط، ج 4، ص 210؛ الخلاف ج 5 ، ص 7، المسألة 2.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 445، المسألة 94.
5- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 313؛ وفخر الدين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 445؛ والمحقّق الكركي في حاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 341(ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 11).
6- النور (24): 6.
7- الكافي، ج 6 ، ص 163 ، باب اللعان، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184 - 185 ، ح 644.
8- الخصال، ص 304، باب الخمسة، ح 83؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 197، ح693؛ الاستبصار، ج 3، ص 375 ، ح 1338؛ والآية في سورة النور (24): 4.

...

واستدلّ للثاني بقوله تعالى:«بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» و «بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ»(1) بياء القسم وذكر «الله» المقسم به، ولفظ الشهادة لا يتوقّف على جعلها بالله.

وبقول النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لهلال بن أُميّة: «احلف بالله الذي لا إله إلّا هو إنّك لصادق»(2).

وأنّه لمّا أتت المرأة بالولد على النعت المكروه، قال صلّى الله عليه و آله و سلّم: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»(3).

وبأنّه یصحّ من الفاسق والكافر، وشهادتهما غير مقبولة.

ويستوي فيه الذكر والأُنثى، وليسا في الشهادة مستويين.

وبأنّ اللعان يؤتى به في معرض الخصومة، ويلاعن الملاعن لنفسه، وشهادة الإنسان لنفسه غير مقبولةٍ.

وأجاب في المختلف عن تسميته شهادةً:«بأنّ الله تعالى قد سمّى اليمين شهادةً كما في قوله تعالى:«قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»(4) .

و فيه نظر؛ لأنّ الواقع من المنافقين شهادة مؤكّدة باليمين بقرينة اللام الموطّئة للقسم،

وذلك لا يخرجها عن الشهادة، والأصل في الاستعمال الحقيقة.

والأولى أن يقال: إنّه يمين فيه شائبة الشهادة، بدليل ما ذكرناه من الخواصّ المنافية لكونه شهادة محضة مع تسميته شهادةً. وبهذا يجمع بين الأدلّة.

ويتفرّع على القولين لعان الكافر والمملوك على الوجه الذي لا يقبل فيه شهادته. أمّا المرأة فلعانها مقبول وإن كانت شهادتها في مثل ذلك غير مقبولة. وإن جعلناه أيماناً

ص: 283


1- النور (24): 6 و 8.
2- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 566 ، ح 2867؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 7، ص 648، ح 15294؛ تلخيص الحبير ، ج 3، ص 227، ح 1624.
3- مسند أحمد، ج 1، ص 395، ح 232؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 278، ح 2256؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 648 . ح 15292.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 444 المسألة 93؛ والآية 1 من سورة المنافقين (63).

النظر في الأحکام

اشارة

وأمّا أحكامه

فتشتمل على مسائل:

الأُولى: • يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ في حقّ الرجل، وبلعانه سقوط الحدّ في حقّه ووجوب الحدّ في حقّ المرأة.

ومع لعانهما ثبوت أحكامٍ أربعة: سقوط الحدّين، وانتفاء الولد عن الرجل دون المرأة، وزوال الفراش، والتحريم المؤبَّد.

فلا إشكال و إلّا كان خارجاً بالنصّ، كما قبلت شهادتها في الوصيّة بالمال ونظائرها به.

قوله: «يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ في حقّ الرجل» إلى آخره.

الذي يفتتح به أحكام اللعان أنّ الزوج غير محمولٍ على اللعان بعد القذف، بل إذا امتنع حُدّ كالأجنبي إذا قذف ولم يقم البيّنة، لكنّه يمكّن من اللعان؛ للضرورة الداعية إليه.

وكذا المرأة غير محمولةٍ على اللعان بعد لعان الرجل، فإن تركته حُدّت؛ لقيام شهاداته

الأربع مقام أربعة شهودٍ عليها بالزني، وإن لاعنته سقط عنها الحدّ.

وعند بعض العامّة(1) أنّ قذف الزوج لا يوجب الحدّ عليه، لكنّه يوجب اللعان، فإن امتنع حبس حتّى يلاعن، واللعان عقوبة القذف دون الحدّ.

وكذلك قال: إذا لاعن الرجل لا تحدّ المرأة، بل تحبس إلى أن تلاعن.

لنا: دخوله في عموم قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً»(2)، وقوله تعالى:«وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ»(3). ولا عذاب عليها بدون الشهادة سوى الحدّ، والحبس لا يسمّى عذاباً، بل لا دليل

ص: 284


1- في ح- حاشية «و»: «هو أبو حنيفة وأحمد. (منه رحمه الله)». راجع الحاوي الكبير، ج 11، ص 82.
2- النور (24): 4.
3- النور (24): 8.

...

عليه بخلاف الحدّ، فإنّ شهادته عليها بمنزلة إقامة الشهود على الزني، ومن ثَمّ اندفع به عنه الحدّ، فكان قرينةً لكون العذاب هو الحدّ.

وقول النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لهلال بن أُميّة لما قذف زوجته: «البيّنة أو حدّ في ظهرك»، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق ولينزلنّ الله ما يبرئ ظهري من الحدّ، فنزلت الآيات فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد والنبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم يقول: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثمّ قامت فشهدت، فلمّا كان عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنّها موجبة، فتلكّأت ونكصت حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، الحديث. وفي آخره: فقال النبي صلّی الله علیه وآله و سلّم : «لو لا الأيمان لكان لى ولها شأن»(1).

الأحکام التي یتعلّق بلعانهما معاً

ثم يتعلّق بلعانهما معاً أربعة أحكام:

أحدها: سقوط الحدّين كما عرفت(2).

والثاني: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن كان اللعان لنفيه.

وفي حديث ابن عباس: أنّ النبي صلّی الله علیه وآله و سلّم لمّا لاعن بين هلال وامرأته فرّق بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ(3). قيل: وكان بعد ذلك أميراً على مصر وما يدعى لأب(4).

والثالث: زوال الفراش

والرابع: التحريم المؤبّد.

ص: 285


1- مسند أحمد، ج 1، ص 395 ، ح 232؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 276، ح 2254؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 648 ، ح 15293؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 668، ح 2067.
2- راجع ص 284.
3- مسند أحمد، ج 1، ص 394، ح 2132؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 647 - 648، ح 15292.
4- السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 648، ذيل الحديث 15292 نقلاً عن عباد بتفاوت.

لو أكذب الزوج نفسه في أثناء اللعان... أو نكلت الزوجة

. ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل ثبت عليه الحدّ، ولم تثبت عليه الأحكام الباقية.

ولو نكلت هي أو أقرّت رجمت وسقط الحدّ عنه ولم يزل الفراش، ولا يثبت التحريم.

ويدلّ عليهما قول النبي صلّى الله عليه و آله وسلّم في ذلك الحديث : ففرّق رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم بينهما وقال:«لا يجتمعان أبداً»(1).

وبعض العامّة نفى تأبّد التحريم وقال: لو أكذب نفسه كان له أن يجدّد نكاحها(2).

والحديث الصحيح حجّة عليه.

ولك أن تردّ هذه الأحكام إلى ثلاثة؛ لأنّ زوال الفراش يدخل في التحريم المؤبّد، وإنّما جمع بينهما لأنّ التحريم المؤبّد قد يجامع الفراش كالمفضاة. وهذه الفرقة تحصل ظاهراً وباطناً، سواء كان الزوج صادقاً أم هي صادقةً، خلافاً لبعض العامّة حيث حكم بأنّه مع صدقها لا يحصل باطناً(3).

قوله: «ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل ثبت عليه الحدّ» إلى آخره.

لمّا كان ثبوت هذه الأحكام مترتّباً على اللعان الذى لا يتحقّق إلّا بإكماله فبدونه لا يثبت شيئاً منها؛ عملاً بالاستصحاب. فإذا أكذب نفسه أو نكل قبل إكماله ولو بكلمة واحدة ثبت عليه حدّ القذف، وبقيت الزوجيّة والولد وإن أقرّت هي أو نكلت فكذلك وحدّها الرجم؛ لأنّها محصنة، لكن بشرط أن يكون اللعان لقذفها بالزنى، فلو نفي الولد ولم يقذفها بل جوّز كونه لشبهة لم يلزمها الحدّ إلا أن تقرّ بموجبه.

ص: 286


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 657، ذيل الحديث 15318، وص 658. ح 15322؛ لحاوي الكبير، ج 11، ص 75.
2- الحاوي الكبير، ج 11، ص 75: المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 9، ص 34 ، المسألة 6222.
3- العزيز شرح الوجيز، ج 9، ص 406.

و لو أكذب نفسه بعد اللعان،وهل يثبت عليه الحدّبذالك؟

• ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد، لكن يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به، وترثه الأمّ ومن يتقرّب بها ولم يعد الفراش ولم يزل التحريم. وهل عليه الحدّ؟ فيه روايتان، أظهرهما أنّه لا حدّ.

ويؤيّد ما ذكر من الحكم حسنة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام وفيها: «فإن أقرّ على نفسه قبل الملاعنة جلد حدّاً، وهي امرأته»(1).

وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن رجل لا عن امرأته فحلف أربع شهادات، ثمّ نكل عن الخامسة، فقال: «إن نكل عن الخامسة فهي امرأته ويجلد، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان ا ليمين عليها فعليها مثل ذلك»(2).

واعلم أنّه يكفي في ثبوت الحدّ عليه نكوله أو إقراره ولو مرّةً واحدةً قبل إكمال اللعان؛ لأنّ موجب الحدّ - وهو القذف - متحقّق أمّا نكولها أو إقرارها، فإن كان بعد لعانه كفى فيه المرّة أيضاً؛ لأنّ لعانه كإقامة البيّنة عليها، فلا يحتاج إلى مجامعة إقرارها، وإنّما لعانها يسقط الحدّ عنها، فبدونه يبقى بحاله. أمّا لو أقرّت قبل لعانه اعتبر كونه أربع مرّاتٍ كغيره من الأقارير بالزني إذا لم يثبت عليها بعد بالشهادة. وسيأتي(3)

قوله: «ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد لكن يرثه الولد ولا يرثه الأب» إلى آخره.

إذا تلاعنا وأكذب نفسه بعد اللعان لم يتغيّر الحكم المترتّب على اللعان من التحريم المؤبّد وانتفاء الإرث، إلّا أنّه بمقتضى إقراره يرثه الولد من غير عكس، ولا يرث أقرباء الأب ولا يرثونه، إلّا مع تصديقهم في قول؛ لأنّ الإقرار لا يتعدّى المقرّ.

واختلف في الحدّ هل يثبت عليه بذلك أم لا؟ بسبب اختلاف الرواية.

فروى الحلبي عن الصادق علیه السلام في رجل لاعن امرأته وهي حبلى، ثمّ ادّعى ولدها بعد

ص: 287


1- الكافي، ج 6، ص 163 - 164، باب اللعان، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 187 ، ح 650.
2- الكافي، ج 1، ص 165 ، باب اللعان، ح 12 باختلاف يسير؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 191، ح 665.
3- يأتي في ص 292.

...

ما ولدت وزعم أنّه منه، فقال: «يردّ إليه الولد ولا تحلّ له؛ لأنّه قد مضى التلاعن»(1)، فلو كان الحدّ باقياً لذكره، وإلّا لتأخّر البيان عن وقت الخطاب.

وعليها عمل الشيخ(2) والمصنّف والعلّامة في أحد قوليه(3).

ويؤيّدها أنّ الحدّ سقط باللعان بحكم الشارع، ولم يتجدّد قذف، فلا وجه لوجوبه.

وروى محمّد بن الفضيل عن الكاظم علیه السلام أنّه سأل عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثمّ أكذب نفسه، هل يردّ عليه ولدها؟ قال: «إذا أكذب نفسه جلد الحدّ، وردّ عليه ابنه، ولا ترجع إليه امرأته أبداً»(4).

وبها أخذ المفيد(5) والعلّامة في القواعد(6). وهو الأقوى؛ لأنّه أكّد باللعان القذف؛ لتكراره إيَّاه فيه. والسقوط إنّما يكون مع علم صدقه أو اشتباه الحال، أمّا مع اعترافه بكونه كاذباً فهو قذف محض، فلا تكون زيادته مسقطة للحدّ. والرواية بثبوته ناصّة عليه، والأُخرى لا تنافيه. مع أنّ في طريق الروايتين من هو مشترك بين الثقة والضعيف، وإنّما نجعلها شاهداً على ما اخترناه بالوجه العامّ.

واعلم أنّ الشيخ في التهذيب حمل الرواية الأخيرة على إكذاب نفسه قبل إتمام اللعان(7). ولا يخفى ما فيه؛ لأنّه لو كان كذلك لم يزل الفراش ولم يثبت التحريم المؤبّد، وقد حكم في الرواية بأنّها لا ترجع إليه أبداً.

ص: 288


1- الكافي، ج 6، ص 164، باب اللعان، ح 8 بتفاوت يسير الفقيه، ج 3، ص 538 - 539، ح 4858؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 194-195 ، ح 682.
2- النهاية، ص 521.
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 135، الرقم 5518؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 61.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 194، ح 681؛ الاستبصار، ج 3، ص 376، ح 1342.
5- المقنعة، ص 542.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 191.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 194، ذيل الحديث 681.

. ولو اعترفت بعد اللعان لم يجب عليها الحدّ، إلّا أن تقرّ أربع مرّات. وفى وجوبه معها تردّد.

الثانیّة: • إذا انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان صار كالأخرس لعانه بالإشارة، وإن لم يحصل اليأس منه.

قوله: «ولو اعترفت بعد اللعان لم يجب عليها الحدّ، إلّا أن تقرّ أربع مرات» إلى آخره.

إذا اعترفت بعد اللعان بالزنى لم يجب عليها الحدّ بمجرّد الإقرار إجماعاً، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أنّ حدّ الزني لا يثبت على المقرّ إلّا أن يقرّ به أربع مرّات(1)

وعلى تقدير إقرارها به أربعاً، ففي وجوب الحدّ عليها قولان، أشهرهما وجوبه، ذهب إليه الشيخ في النهاية(2) وأتباعه(3) وابن إدريس(4)، والعلّامة(5)؛ لعموم ما دلّ على وجوب الحدّ على من أقرّ أربعاً مكلّفاً حرّاً مختاراً(6).

والمصنّف تردّد في ذلك؛ نظراً إلى أنّها أقرّت بزنى سقط حدّه باللعان، لقوله تعالى:«وَ يَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ»(7) فلا يعود.

والأوّل أقوى؛ لما ذكر في السابق.

قوله:«إذا انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان صار كالأخرس» إلى آخره.

إذا قذف الناطق ثمّ اعتقل لسانه وعجز عن الكلام لمرض وغيره نظر إن كان لا يرجى

ص: 289


1- يأتي في ج 12، ص 43.
2- النهاية، ص 521 - 522.
3- المهذّب، ج 2، ص 308؛ إصباح الشيعة، ص 462.
4- السرائر، ج 2، ص 701.
5- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 62، وفيه: «على رأي»؛ وفي تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 135، الرقم 5518، على إشكال؛ وكذا في قواعد الأحكام، ج 3، ص 191.
6- راجع وسائل الشيعة، ج 28، ص 103 وما بعدها، الباب 16 من أبواب حد الزني.
7- النور (24): 8.

إذا ادّعت الزوجة القذف فأنكر الزوج

الثالثة: • إذا ادّعت أنّه قذفها بما يوجب اللعان فأنكر، فأقامت بيّنةً لم يثبت اللعان وتعيّن الحدّ؛ لأنّه يُكذِّب نفسه.

زوال ما به فهو كالأخرس، وقد تقدّم القول فيه(1). وإن كان يرجى ففي انتظار زواله وجهان:

أحدهما - وهو الذي قطع به المصنّف- لا، ويلاعن بالإشارة؛ لحصول العجز في الحال، و حدّ القذف مضيّق، وربما يموت فيلحق به نسب ليس منه، وذلك ضرر.

والثاني: أنّه ينتظر زواله ولا يغيّر الحكم بالعوارض التي تطرأ وتزول؛ لتمكّن الإتيان بصریح الكلمات المعتبرة في الشهادات واللعن والغضب. والمذهب هو الأوّل.

قوله: «إذا ادّعت أنّه قذفها بما يوجب اللعان فأنكر» إلى آخره.

إذا ادّعت المرأة على زوجها أنّه قذفها فله في الجواب أحوال:

أحدها: أن يسكت فتقيم عليه البيّنة، فله أن يلاعن.

وليس السكوت إنكاراً للقذف، ولا تكذيباً للبيّنة في الحقيقة، ولكنّه جعل كالإنكار في قبول البيّنة. وإذا لاعن قال: «أُشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما أُثبت عليّ من رميي إيّاها بالزنى».

وثانيها: أن يقول في الواجب: «لا يلزمني الحدّ»، فأقامت البيّنة على القذف، فله اللعان أيضاً. ويجوز أن يريد بقوله «لا يلزمني الحدّ» أنّي صدقت فيما قلت وسأُحقّقه باللعان فلا يكون على حدّ.

وثالثها: أن ينكر القذف فتقيم الشاهدين عليه.

وقد أطلق المصنّف (رحمه الله) فيه أنّه لا يجاب إلى اللعان لو أراده وتعيّن الحدّ؛ لأنه بلعانه يكذّب نفسه في إنكاره القذف؛ لأنّه ينكر نسبتها إلى الزني فكيف يشهد بالله إنّه لمن الصادقين فيما نسبها إليه ؟!

ويحتمل جواز اللعان؛ لأنّه لم ينكر زناها وإنّما أنكر القذف والقذف يستعمل في القول

ص: 290


1- تقدّم في ص 250.

إذا قذف امرأته بالزنی برجلٍ معیّن

الرابعة: • إذا قذف امرأته برجلٍ على وجه نسبهما إلى الزنى كان عليه حدّان وله إسقاط حدّ الزوجة باللعان. ولو كان له بيّنة سقط الحدّان.

الباطل، فيجوز أن يريد أنّ قولي صادق وليس بقذف باطل، وإن لم يتلفّظ بالتأويل، ولأنّ قوله مردود عليه بالبيّنة، فصار كأنّه لم ينكر .

والوجه أنّه إنّ أظهر لإنكاره هذا التأويل ونحوه من التأويلات المحتملة قُبل، وإلّا فلا؛ لأنّه خلاف مدلول اللفظ، فلا يكفي في نفيه مجرّد الاحتمال.

وعلى تقدير عدم القبول أو عدم التأويل لو أنشأ قذفاً في الحال فله أن يلاعن لأجله ويسقط به الحدّ وإن كانت هي صادقة في دعواها؛ لأنّ من كرّر قذف امرأته كفاه لعان واحد.

ورابعها: أن لا يقتصر في الجواب على إنكار القذف بل قال: «ما قذفت وما زنت»، فيحدّ ولا لعان هنا قطعاً؛ لأنّه شهد بعفّتها وبراءتها فكيف تحقّق زناها باللعان وقوله الأوّل يكذّبه ؟! وليس له أن يقيم البيّنة والحال هذه؛ لأنّه كذب الشهود بقوله: «ما زنيت».

وفي هذه الحالة لو أنشأ قذفاً ففي جواز لعانه وجهان، من إطلاق الحكم بثبوته بالقذف، ومن أنّ إقراره ببراءتها ينافي اللعان. والوجه تقييد جواز اللعان بمضيّ مدّة بعد الدعوى يمكن فيها الزني.

وعلى تقدير جواز اللعان ففي سقوط حدّ القذف الذي قامت البيّنة عليه وجهان، من أنّ قوله «ما زنيت» يمنع من صرفه إلى الأوّل، ومن إطلاق سقوط الحدّ باللعان الواحد للقذف المتعدّد. والأقوى الأوّل.

قوله: «إذا قذف امرأته برجلٍ على وجه نسبهما إلى الزني كان عليه حدّان» إلى آخره.

إذا قذف زوجته بالزنى برجل معيّن، بأن قال: «زنیتِ بفلان»، فهو قذف لهما بلفظٍ واحدٍ، فيثبت الحدّ لهما، لكن سيأتي إن شاء الله تعالى في الحدود(1) أنّه مع قذف متعدّد بلفظ واحد لهم حدّ واحد إن جاؤوا به مجتمعين، وإن تفرّقوا فلكلّ واحد حدّ، وهذه من أفراد تلك.

ص: 291


1- يأتي في ج 12، ص 45- 46.

الخامسة • إذا قذفها فأقرّت قبل اللعان قال الشيخ: لزمها الحدّ إن أقرّت أربعاً، وسقط عن الزوج ولو أقرّت مرةً. وإن كان هناك نسب لم ينتف إلّا باللعان، وكان للزوج أن يلاعن لنفيه؛ لأنّ تصادق الزوجين على الزني لا ينفي النسب؛ إذ هو ثابت بالفراش وفى اللعان تردّد.

وحينئذٍ نقول: إن جاءا به متفرقّين فلا إشكال في تعدّد الحد، وأنّ له إسقاط حدّها باللعان دون حدّه كما ذكره المصنّف.

وإن جاءا به مجتمعين، فإن لاعن الزوجة سقط حدّها وحدّ الرجل كما لو جاءا متفرقّين؛ لأنّ الحدّ لهما يتداخل ويجتزئ منه بواحدٍ ، ولم يحصل هنا حدّ فكان كما لو لم يطلبه. وإن لم يلا عن وحدّ لها تداخل الحدّان؛ بناءً على القاعدة المقرّرة، وإن كان إطلاقه وجوب الحدّين هنا لا يخلو من منافرة للقاعدة، لكن طريق الجمع ما قرّرناه.

ولا فرق في عدم سقوط حدّه للرجل بين أن يذكره في لعانها، بأن يقول: «أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى بفلان»، وعدمه عندنا؛ لأنّ اللعان بالنسبة إلى إسقاط حدّ القذف مختصّ بالزوجة.

خلافاً لبعض العامّة، حيث أسقط حدّه مع ذكره في لعانها ؛ نظراً إلى أنّ اللعان حجّة في ذلك الزنى في طرف المرأة، فكذا في طرف الرجل: لأنّ الواقعة واحدة، وقد قامت فيها حجّة مصدّقة(1).

وجوابه: أنّ اللعان إنّما يثبت حجّةً على قذف الزوجة كما تضمّنته الآية(2)، لا على قذف غيرها، فيبقى حكم قذفه على الأصل. ولو فرض تعدّد صيغة القذف بالنسبة إليهما تعدّد الحدّ مطلقاً كما ذكر(3).

قوله: «إذا قذفها فأقرّت قبل اللعان» إلى آخره.

إذا قذفها بالزنى وصادقته عليه قبل اللعان سقط الحدّ عنه؛ لاعترافها بعدم الإحصان،

ص: 292


1- الحاوي الكبير ، ج 11، ص 62 ؛ الوجيز، ج 2، ص 94 ؛ العزيز شرح الوجيز ، ج 9، ص 384.
2- النور (24): 6.
3- قبيل هذا.

السادسة • إذا قذفها فاعترفت ثمّ أنكرت فأقام شاهدين باعترافها، قال الشيخ: لا يقبل إلّا أربعة، ويجب الحدّ.

وفيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنى.

ولم يجب عليها؛ لعدم حصول موجبه إلّا أن تقرّ أربعاً. فإن ولدت من الوطء الذي تصادقا عليه أنّه زنى فهو لاحق بهما شرعاً؛ لأنّها فراش والولد للفراش، وقولهما في نفيه غير مقبول؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير، فإن تلاعنا انتفى عنه حينئذٍ ، ذكر جميع ذلك الشيخ في المبسوط(1) . و کلّه جيّد في محلّه، إلّا قوله بصحّة اللعان لنفيه، فقد تردّد فيه المصنّف.

ووجهه من ثبوت نسب الولد ظاهراً على ما قرّرناه، فإذا نفاه الرجل مع عدم سبق إقراره به دخل تحت عموم اللعان لنفي الولد(2) الملحق به ظاهراً، ومن أنّ اللعان هنا غير متصوّرٍ؛ لأنّ الزوجة لا يمكنها أن تقول: «أُشهد بالله إنّه لمن الكاذبين في نفي الولد عنه» مع تصديقها إيّاه على الزنى، وعلى تولّد الولد من الزني، فإنّ ذلك فرض المسألة.

وإنّما يتّجه اللعان مع تصديقها له على الزنى دون تولّد الولد منه، أمّا مع دعواها كونه من الزوج أو إطلاقها فلا

والأقوى ثبوته هنا، وانتفاؤه في الأوّل.

قوله: «إذا قذفها فاعترفت ثمّ أنكرت فأقام شاهدين» إلى آخره.

إذا قذفها وادّعى اعترافها بالزنى فأنكرت، فهل يثبت الزنى بإقرارها بشاهدين أم لا بدّ من أربع؟ قولان منشؤهما كون الغرض من الإقرار إثبات الزني الموجب لإقامة الحدّ وهتك العرض، فكان كالشهادة على نفس الزنى فلا بدّ من الأربعة، وهو من باب اتّحاد طريق المسألتين لا القياس. وهو اختيار الشيخ في هذا الباب(3)، وقوّاه في المختلف(4).

ص: 293


1- المبسوط، ج 4، ص 232.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 429، الباب 9 من أبواب كتاب اللعان.
3- المبسوط، ج 4، ص 257.
4- مختلف الشيعة، ج 8، ص 543 ، المسألة 103.

إذا قذف زوجته فماتت قبل اللعان

السابعة . إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها الزوج، وعليه الحدّ للوارث. ولو أراد دفع الحدّ باللعان جاز.

وفي رواية أبي بصير:«إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له، وإلّا أخذ الميراث». وإليه ذهب في الخلاف والأصل أنّ الميراث يثبت بالموت، فلا يسقط باللعان المتعقّب.

ومن أنّ المشهود عليه إقرار فأشبه سائر الأقارير وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف في باب الشهادات(1)، وابن إدريس(2)، ويظهر من المصنّف الميل إليه هنا.

ثمّ على تقدير توقّف ثبوت الزنى على الأربعة هل يكفي الاثنان في سقوط الحدّ عن القاذف، أم لا بدّ من الأربعة كالسابق؟ قال الشيخ في المبسوط بالثاني(3)؛ لأنّها شهادة على الزنى فلا يقبل أقلّ من أربعة.

وقيل: يكفي هنا اثنان(4)؛ لأنّها شهادة على الإقرار بالزنى لا عليه نفسه، وهو لا يستلزم ثبوت الزنى بمجرّده؛ لأنّ الحدّ يسقط عنه بإقرارها مرّةً واحدةً ولا يثبت عليها الزنى إلّا بإقرارها أربعاً، فيثبت الإقرار بشاهدين بالنسبة إلى إسقاط الحدّ، كما يثبت بهما المال وموجب القصاص، بل هنا أولى؛ لأنّ الحدود مبنيّة على التخفيف. وهذا أقوى.

قوله: «إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها الزوج» إلى آخره.

قد عرفت ممّا سبق أنّ من أحكام اللعان ما يترتّب على لعانه خاصّةً من غير أن يتوقّف على لعانها(5)، وهو سقوط الحدّ عنه وثبوته عليها، وأنّ منه ما يترتّب على لعانهما معاً، كالفرقة المؤبّدة الموجبة لنفي التوارث وانتفاء نسب الولد عن الأب. فإذا فرض موتها قبل اللعان

ص: 294


1- المبسوط ، ج 5، ص 534؛ الخلاف، ج 1، ص 251، المسألة 3.
2- السرائر، ج 2، ص 115 - 116.
3- المبسوط، ج 4، ص 257.
4- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 455.
5- سبق في ص 284.

...

لم يسقط حكم ما يترتب على لعانه خاصةً؛ لعدم المانع منه، فله أن يلاعن بعد موتها لنفى الحدّ عنه من غير احتياج إلى لعان الوارث، ولكنّه لا ينفي الميراث ولا النسب؛ لترتّبهما على التلاعن من الجانبين وقد فات بموتها، والأصل أن لا يقوم غيرها مقامها فيه.

وقال الشيخ في النهاية : إن قام رجل من أهلها فلاعنه سقط الحدّ عنه، وسقط إرثه(1). وتبعه عليه القاضي(2) وجماعة(3).

والمستند رواية أبي بصير عن الصادق عیه السلام قال: «إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له، وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها»(4).

ورواية عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام في رجل قذف امرأته فخرج فجاء وقد توفّيت قال: «يخيّر واحدة من ثنتين يقال له: إن شئت ألزمت نفسك الذنب فيقام فيك الحدّ وتعطى الميراث، وإن شئت أقررت فلاعنت أدنى قرابتها ولا ميراث لك»(5)

والروايتان ضعيفتان، الأُولى بالإرسال، والثانیّة برجال الزيديّة. والأصل أن لا يقوم غير الزوجة مقامها في اللعان، وأن لا يزول الإرث الذي قد ثبت بالموت.

وأما ما قيل في ردّه من أنّ الوارث لا يمكنه القطع بنفي فعل غيره، ولا يكفي يمينه على نفي العلم، وأنّ الاجتزاء بأيّ وارثٍ كان مع التعدّد ترجيح من غير مرجّح. فلا يصلح للمنع، لإمكان اطّلاع الوارث وعلمه بانتفاء الفعل حيث يكون الفعل محصوراً، بأن يدّعي عليها أنّها زنت في ساعة كذا بفلان أو مطلقاً، وقد كان الوارث ملازماً لها أو للمنسوب إليه في تلك الساعة على وجه يعلم انتفاء الفعل، كما في نظائره من الشهادات على النفي المحصور. ولمّا كان المعتبر لعان واحد من طرف الزوجة اكتُفي بلعانِ وارث واحد؛ لقيامه مقام لعانها،

ص: 295


1- النهاية، ص 523.
2- المهذّب، ج 2، ص 310.
3- الوسيلة، ص 337 - 338.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 190، ح 664.
5- الفقيه، ج 3، ص 539 . ح 4859؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 194 . ح 679.

إذا قذفها ولم يلاعن فحدّ ثمّ قذفها

الثامنة : • إذا قذفها ولم يلاعن فحدّ ثمّ قذفها به قيل: لا حدّ، وقيل: يحدّ؛ تمسّكاً بحصول الموجب وهو أشبه. وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثمّ قذفها به، وهنا سقوط الحدّ أظهر.

ولو قذفها به الأجنبي حدّ. ولو قذفها فأقرّت ثمّ قذفها الزوج أو الأجنبي فلا حدّ.

ولو قذفها ولاعن فنكلت ثمّ قذفها الأجنبي قال الشيخ: لا حدّ كما لو أقام بيّنةً. ولو قيل: يحدّ كان حسناً.

ومع التعدّد يتخير الوارث أن يبذل الجميع أو يقرع بينهم مع التشاحّ. فمثل ذلك لا يصلح لإبطال الحكم لو ثبت بنصّ يعتمد عليه، وإنّما الوجه في ردّه ضعف مستنده.

قوله : «إذا قذفها ولم يلاعن فحدّ ثمّ قذفها به - إلى قوله - ولو قيل: يحدّ كان حسناً».

هنا مسائل خمس:

الأُولى: تكرار القذف قبل اللعان من غير أن يتخلله الحدّ لا يوجب زيادة عن حدّ واحد ولا لعان واحد إجماعاً.

وإن تخلّل الحدّ ثمّ قذف فهل يجب الحد ثانياً ؟ اختلف كلام الشيخ فيه، فأثبته في الخلاف(1)، ونفاه في المبسوط(2).

ومبنى القولين على أنّ كلّ واحدٍ من القذف المتعدّد سبب تامّ في إيجاب الحد، والأصل مع تعدّد الأسباب أن يتعدّد المسبّب، خرج منه ما إذا لم يتخلّل الحدّ فيبقى الباقي، وأنّ الحدّ في القذف إنّما يثبت مع اشتباه صدق القاذف وكذبه لا مع الحكم بأحدهما، وكذبه هنا معلوم بقوله تعالى:« فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ»(3)

ص: 296


1- الخلاف، ج 5، ص 41، المسألة 53.
2- المبسوط ، ج 4، ص 253.
3- النور (24): 13

...

ويضعّف الثاني بأنّ المعتبر في سقوط الحدّ ظهور كذبه لا وصفه به بمجرّد الذمّ مع تجويز صدقه في نفس الأمر، فلا يزول بذلك ما دلّ على إيجاب الحدّ مع القذف المعلوم الموجب لزيادة الهتك الموهم لدعوى الصدق في السابق. فما اختاره المصنّف من ثبوت الحدّ ثانياً أقوى. هذا إذا كان القذف الثاني بمتعلّق الأوّل، كما نبّه عليه المصنّف بقوله: «ثمّ قذفها به». أما لو قذفها بزنيّةٍ أُخرى فلا إشكال في ثبوت الحدّ عليه ثانياً.

الثانیّة: أن يتخلّل اللعان بين القذفين. وقد اتّفق قولا الشيخ هنا على سقوط الحدّ(1)؛ لأنّ اللعان مساوٍ للبيّنة والإقرار من المرأة في سقوط الحدّ ثانياً.

وقيل: يحدّ هنا أيضاً(2)؛ لأنّ اللعان إنّما أسقط الحدّ الذي وجب عليها بلعانه، ولم يثبت زناها به ولا أقرّت ولا نكلت فمع القذف الثاني وجد موجب الحدّ؛ لعموم الآية(3)، واللعان المتقدّم لا يصلح لإسقاطه؛ لاستحالة تقدّم المسبّب على السبب. والأوّل أقوى.

الثالثة: أن يقذفها به الأجنبي فيجب عليه الحدّ، سواء كان قبل تلاعنهما أم بعده؛ لوجود المقتضي له وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا تلاعن الزوجين وهو مفقود في طرف الأجنبي؛ لأنّه قاذف محض ولم يوجد له مسقط.

وربما احتمل سقوطه عنه أيضاً؛ نظراً إلى أنّ لعان الزوج كإقامة البيّنة عليها بالزني، وهي مسقطة لإحصانها المقتضى لسقوط الحدّ عن قاذفها.

وقيام اللعان مقام البيّنة مطلقاً ممنوع، وإنّما قام مقامها في سقوط الحدّ عن الزوج لا مطلقاً.

الرابعة لو قذفها ،فأقرّت، ثمّ قذفها الزوج أو الأجنبي فلا حدّ لسقوط إحصانها باقرارها به كما يسقط بالبيّنة.

ص: 297


1- راجع المبسوط، ج 4 ص 253؛ والخلاف، ج 5 ، ص 41، المسألة 53.
2- لم نعثر على قائله.
3- النور (24): 4.

التاسعة • لو شهد أربعة والزوج أحدهم، فيه روايتان، إحداهما ترجم المرأة، والأُخرى تحد، الشهود ويلاعن الزوج.

ومن فقهائنا من نزل ردّ الشهادة على اختلال بعض الشرائط أو سبق الزوج بالقذف. وهو حسن.

ويكفي في سقوط الحد، إقرارها به مرّةً واحدةً وإن لم يثبت عليها الحدّ بدون الأربع؛ لعموم:« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1)، واختصاص حكم المتعدّد بثبوت الزني والإحصان غيره.

ولا فرق في هذه الحالة بين قذفها بالزنیّة الأولى وبغيرها؛ لاشتراكهما في المقتضي، وهو

سقوط إحصانها بالإقرار.

الخامسة: لو قذفها الزوج و لاعن فنكلت، ثمّ قذفها الأجنبي فهل يجب عليه الحدّ؟

قولان:

أحدهما - للشيخ في كتابي الفروع(2)- لا حدّ عليه؛ لأنّ النكول كالبيّنة وهي مسقطة للحدّ؛ لأنّها مزيلة للإحصان.

والثاني للأكثر ومنهم المصنّف - ثبوت الحد؛ لعموم:«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ»(3)

ويمنع زوال الإحصان بنكولها وقيامه مقام البيّنة مطلقاً وإن لزم به ما نكل عن الحلف عليه ظاهراً؛ لأنّ ذلك لعدم تخلّصها عن الدعوى باليمين لا لكونها أقرّت، ولأنّ اليمين محذورة فبالنكول عنها كما يحتمل حقّيّة المدّعي يحتمل قصد السلامة من محذور اليمين، والمزيل للإحصان الأوّل دون الثاني. وهذا أقوى.

قوله: «لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان» إلى آخره.

ص: 298


1- أورده العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، ذيل المسألة 226 ، وص 370، ذيل المسألة 337، ص 543. ذيل المسألة 258: و ولده في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 428؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 233.
2- الخلاف، ج 5، ص 41، المسألة 54؛ المبسوط، ج 4، ص 253.
3- النور (24): 4.

...

إذا شهد على المرأة بالزنى أربعة رجالٍ أحدهم الزوج

إذا شهد على المرأة بالزنى أربعة رجالٍ أحدهم الزوج، ففي ثبوته عليها بشهادتهم قولان، منشؤهما اختلاف الروايتين، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ(1) وابن إدريس(2) والمصنّف وأكثر المتأخّرين - إلى قبول شهادة الزوج وثبوت الحدّ على المرأة لوجود المقتضي على ثبوت الزنى وهو شهادة أربعة عدولٍ وانتفاء المانع؛ لأنّ شهادة الزوج مقبولة لزوجته وعليها، ورواية إبراهيم بن نعيم عن الصادق علیه السلام أنّه سأله عن أربعة شهدوا على امرأة بالزني أحدهم زوجها، قال:«تجوز شهادتهم»(3)، ومعنى الجواز الصحّة، والصحيح ما يترتّب أثره عليه وهو ثبوت الحدّ على المشهود عليه.

وذهب الصدوق(4)، والقاضي ابن البراج(5) مع آخرين إلى الثاني؛ لرواية زرارة عن أحدهما علیهما السلام في أربعةٍ شهدوا على امرأة بالزني، أحدهم زوجها، قال: «يلاعن، ويجلد الآخرون»(6). ويؤيّدها قوله تعالى:«لَّوْلَا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ»(7) إن جعل الضمير في «جاءوا» راجعاً إلى القاذفين ومنهم الزوج، فإنّه لا يقال: جاء الإنسان بنفسه بمعنى أتى بها.

والأصحّ الأوّل.

والرواية الثانیّة ضعيفة السند بمحمد بن عيسى(8)، وإسماعيل بن خراش فإنّه مجهول(9).

ص: 299


1- الخلاف، ج 5، ص 43، المسألة 59؛ النهاية، ص 690.
2- السرائر، ج 3، ص 430.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 282، ح 776؛ الاستبصار، ج 3، ص 35، ح 118.
4- المقنع، ص 440.
5- راجع المهذّب، ج 2، ص 525. قال فيه: وقد ذكرت في كتابي «الكامل»: أنّ الأقوى في نفسي في ذلك أنّهم يحدّون، ولا يجب على المرأة حدّ.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 184، ج 643؛ الاستبصار، ج 3، ص 36، ح 119.
7- النور (24): 13.
8- الفهرست، ص 402، الرقم 612.
9- راجع معجم رجال الحديث ج 4، ص 11، الرقم 1265. وفي حاشية «خ، و»: «في التهذيب رواها موقوفةً على زرارة وهو ضعف آخر. (منه رحمه الله)». ولعلّه سهو من قلمه الشريف (قدّس سرّه) فإنّ الشيخ رواها مسندة عن أحدهما علیهما السلام. فراجع.

العاشرة:• إذا أُخلّ بشيء من ألفاظ اللعان الواجبة لم یصحّ. ولو حكم به حاكم لم ينفذ.

والأولى موافقة للأصول، معتضدة بقوله تعالى:«وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُم»(1). فإنّ ظاهرها أنّه إذا كان غيره فلا لعان، وبقوله تعالى:«وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»»(2)، قيل: الخطاب للحكّام وهم أعمّ من أن يكونوا غير الزوج أو معه ؟(3)

والشيخ حمل الرواية الثانیّة على اختلال بعض شرائط القبول(4)، وابن إدريس على سبق قذف الزوج(5)، وهو من جملة اختلال الشرائط. ولا بأس بالحمل؛ لأنّه طريق الجمع حيث لا تطرح الرواية لضعفها.

ولا بن الجنيد قول ثالث بأنّ الزوجة إن كانت مدخولاً بها ردّت الشهادة وحدّوا ولاعن الزوج، وإلّا حدّت هي(6).

وكأنّه قصد الجمع بذلك أيضاً، وخص الردّ بحالة الدخول؛ لاشتمال روايته على لعان الزوج وهو مشروط بالدخول، فتعيّن حمل الأُخرى على غيره.

ولا وجه لهذا بعد ضعف الرواية عن مقاومة أدلّة القبول.

قوله: «إذا أُخلّ بشيء من ألفاظ اللعان الواجبة لم یصحّ» إلى آخره.

نبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة حيث ذهب إلى أنّ الحاكم إذا حكم بالفرقة بأكثر كلمات اللعان نفذ، وقام الأكثر مقام الجميع، وإن كان الحاكم مخطئاً في الحكم(7).

ص: 300


1- النور (24): 6.
2- النساء (4): 15.
3- لم نعثر عليه.
4- النهاية، ص 690.
5- السرائر، ج 3، ص 431.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 138، المسألة 2.
7- المبسوط، السرخسي، ج 7، ص 51.

الحادية عشرة: • فرقة اللعان فسخ، وليست طلاقاً.

وضعفه ،ظاهر، فإنّ الحكم حينئذٍ خطأ بالإجماع فلا ينفذ، كسائر الأحكام الباطلة باختلال بعض شروطها وأركانها.

قوله: «فرقة اللعان فسخ، وليست طلاقاً».

خالف في ذلك أبو حنيفة أيضاً، فجعلها فرقة طلاق(1).

لنا: أنّها تحصل بغير لفظ فضلاً عن لفظ الطلاق فكانت كفرقة الرضاع والردّة. وتظهر الفائدة في عدم اشتراط جمعها لشرائط الطلاق من كون الزوجة طاهراً من الحيض طهراً لم يقربها فيه، إلى غير ذلك من شرائطه، وفيما لو علّق ظهار امرأة أخرى بطلاق هذه فلاعنها.

وفي تنصّف المهر لو كان قبل الدخول - حيث نجوّزه قبله - من حيث كونه فسخاً من جهتها؛ إذ لم تحصل الفرقة إلّا بلعانها، أو لا؛ نظراً إلى اشتراكهما في السبب الموجب؛ إذ هو اللعان من الجانبين نظر. وعلى الثاني يثبت الجميع؛ لأنّ تنصّفه قبل الدخول مشروط بالطلاق أو بدليل خاصّ.

***

تمّ الجزء الرابع من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام.

وفرغ من تسويده مصنّفه الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد أواخر شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث وستّين وتسعمائة حامداً مصلّياً مسلّماً(2)

ص: 301


1- المبسوط، السرخسي، ج 7، ص 47؛ بدائع الصنائع، ج 3، ص 358؛ وحكاه عنه أيضاً الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 25، المسألة 26.
2- في نسخة «و»: «بسم الله خير الأسماء، وقع المرور وبلغ النظر على هذا المجلّدالشريف وعرضه على أصله المنيف الذي بخطّ شارحه السعيد، و تصحيح الألفاظ وتبيين المعاني، وتعليق الحواشي والرجوع إلى الأصول الأربعة، ومقابلة المدارك الشريفة بقدر الوسع والطاقة البشريّة مع تشتّت الأحوال وتراكم الأهوال، في أوقات مختلفة وأحوال متفرقّة، آخرها عند غروب الشمس من اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 1119. و كتب العبد الأحقر محمّد جعفر عفي عنه حامداً مسلّماً».

ص: 302

كتاب العتق

فضيلة العتق

. و فضله متّفق عليه، حتّى روي: من أعتق مؤمناً أعتق الله بكلّ عضو منه عضواً له من النار».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ و به نستعين

كتاب العتق

هو لغةً: الخلوص(1)، ومنه سمّي البيت الشريف عتيقاً، و الخيل الجياد عتاقاً.

و شرعاً: خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرقّ بالنسبة إلى مطلق العتق، و بالنسبة إلى المباشرة التي هي مقصود الكتاب الذاتي، تخلّص الآدمي أو بعضه من الرقّ منجّزاً بصيغة مخصوصة.

قوله:«و فضله متّفق عليه، حتّى روي: من أعتق مؤمناً أعتق الله بکلّ عضو منه عضواً له من النار»

اتفق أهل الإسلام على فضيلة العتق. و الرواية التي أشار إليها رواها الخاصّة و العامّة عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم لكن بعبارات مختلفة.

فروی زرارة - في الصحيح - عن الباقر علیه السلام قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: من أعتق مسلماً أعتق الله العزيز الجبّار بکلّ عضو منه عضواً من النار»(2).

ص: 303


1- لسان العرب، ج 10، ص 235؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 179، «عتق».
2- الكافي، ج 6، ص 180، باب ثواب العتق...، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216، ح 769.

...

و روى الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه مرسلاً، عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال: «من أعتق مؤمناً أعتق الله العزيز الجبّار بكلّ عضو له عضواً منه من النار، فإن كانت أنثى أعتق الله العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضواً من النار؛ لأنّ المرأة نصف الرجل(1)»

و في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام أنّه قال في الرجل يعتق المملوك قال:«يعتق بكلّ عضو منه عضواً من النار»(2)

فهذه جملة ألفاظ الرواية على اختلافها من طرق الأصحاب، و ليس فيها اللفظ الذي نقله المصنّف (رحمه الله)، فكأنّه نقلها بالمعنى.

و خصّ المؤمن إمّا لأنّ المراد به المسلم كما في الرواية الصحيحة، أو حمل المطلق على المقيّد كما يحمل لفظ المملوك في الرواية الأُخرى على المسلم أو المؤمن.

و يجوز إبقاء كلّ واحد من الثلاثة على أصله، و حصول الثواب المذكور على عتق كلّ مملوك مؤمن أو مسلم أو مطلقاً، ذكراً أو أنثى. و أن يخصّ ذلك بالذكر بقرينة تذكير لفظه، و تقييده بما في الرواية الأُخرى، إلّا أنّ تقييد الصحيح بالمرسل لايخلو من نظر.

و روى العامّة في الصحيحين أنه صلّی الله علیه و آله و سلّم قال:«أيّما رجل أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله تعالى بکلّ عضو منه عضواً منه من النار حتّى الفرج بالفرج»(3). و في هذه الرواية التقييد بالإسلام و كون المعتق رجلاً؛ لأنّ «الامرأ» مذكّر «الامرأة» فلايتناول الأنثى.

و في بعض ألفاظ رواياتهم عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم: من أعتق رقبةً أعتق الله بکلّ عضو منها عضواً منه من النار حتّى فرجها بفرجه»(4). و هذه شاملة للذكر والأُنثى المسلم وغيره.

ص: 304


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216، ح 770؛ ورواه أيضاً الكليني في الكافي، ج 6، ص 180، باب ثواب العتق...، ح 3.
2- الكافي، ج 6، ص 180، باب ثواب العتق...، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 216 ، ح 768.
3- صحيح البخاري، ج 2، ص 891 ، ح 2381؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1148، ح 1509/24.
4- صحيح مسلم، ج 2، ص 1147، ح 22 - 1509/23؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 459. ح 21307 و 21308.

. ويختصّ الرقّ بأهل الحرب، دون اليهود و النصارى و المجوس القائمين بشرائط الذمّة، و لو أخلّوا دخلوا في قسم أهل الحرب.

و اعلم أنّ ممّا يدلّ على فضيلة العتق جعل الله تعالى إيَّاه كفّارة لقتل المؤمن(1)، و الوطء في رمضان(2)، و للآثم في مخالفة الله تعالى فيما عاهده عليه و نَذَره و حلف عليه(3).

و قد جعله النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم موجباً للعتق من النار فقال:«أيّما رجل أعتق رجلاً مسلماً كان فكاكه من النار»(4).

و لأنّه يخلّص الآدمي المعصوم الدم من ضرر الرقّ، و يملكه منافعه، و يكمل أحكامه. قوله: «و يختصّ الرقّ بأهل الحرب، دون اليهود و النصارى و المجوس» إلى آخره.

المراد بأهل الحرب من يجوز قتالهم و محاربتهم إلى أن يسلموا، سواء انحصرت الغاية في إسلامهم كمن عدا اليهود و النصارى و المجوس من فرق الكفّار، أم كان الإسلام أحد الغايتين كالفرق الثلاث، فإنّهم يقاتَلون إلى أن يسلموا أو يلتزموا بشرائط الذمّة من الجزية و غيرها.

و إلى شمول أهل الحرب لمن ذكر أشار المصنّف بقوله«و لو أخلّوا دخلوا في قسم أهل الحرب».

و ربما أطلق كثير من الفقهاء أهل الحرب على القسم الأوّل خاصّةً، و إن جاز قتال القسم الثاني في الجملة.

و الوجه على هذا في التسمية أنّهم ليس لهم ما داموا على الكفر إلّا الحرب، لاتقبل منهم فدية إلى أن يسلموا بخلاف الفرق الثلاث، فإنّهم قد يحرم حربهم إذا التزموا بشرائط الذمّة، فلم يكونوا أهل حرب من حيث هم كفّار من إحدى الفرق الثلاث، بل من جهة عدم التزامهم بأحد الأمرين

ص: 305


1- النساء (4): 92.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 208، ح 604؛ الاستبصار، ج 2، ص 97، ح 315.
3- المائدة (5): 89.
4- السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 459 - 460، ح 21309.

. و كلّ من أقرّ على نفسه بالرقّ مع جهالة حرّيّته حكم برقّه.

و على الاعتبارين، فالمراد بأهل الحرب بالنسبة إلى هذا الحكم - و هو جواز استرقاقهم - معناه الأعمّ، للاتفاق على جواز استرقاق من عدا الفرق الثلاث الملتزمين بشرائط الذمّة.

و لا فرق في جواز استرقاقهم بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين و يشتغلوا بأمرهم أو يكونوا تحت حكم الإسلام و قهره كمن بين المسلمين من عبدة الأوثان و النيران و الغلاة و غيرهم، إلّا أن يكونوا مهادنين للمسلمين بشرائطها المقرّرة في كتاب الجهاد، فيجب حينئذٍ الكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة المقرّرة.

قوله:«و كلّ من أقرّ على نفسه بالرقّ مع جهالة حرّيّته حكم برقه».

يعتبر في نفوذ إقراره كونه بالغاً عاقلاً كما هو المعتبر في قبول الإقرار مطلقاً، و إنّما أهمل اشتراطه استسلافاً لذكره في كتاب البيع(1)، و لكونه قاعدة معلومة.

و هل يعتبر مع ذلك رشده؟ الأكثر و منهم المصنّف على عدم اعتباره؛ لأنّ السفه إنّما يمنع من التصرّف المالي و الإقرار بالرقّيّة ليس إقراراً بمال؛ لأنّه قبل الإقرار محكوم بحرّيّته ظاهراً فيكون إقراره مسموعاً، و لعموم صحيحة عبد الله بن سنان قال:سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:«كان عليّ علیه السلام يقول: الناس كلّهم أحرار إلّا من أقرّ على نفسه بالعبوديّة و هو مدرك من عبد أو أمة»(2) فاعتبر البلوغ و لم يعتبر الرشد.

و قيل: يعتبر الرشد(3)؛ لأنّ إقراره وإن لم يتعلّق بمال ابتداءً لكنّه كشف عن كونه مالاً قبل الإقرار، فإنّه إخبار عن حقّ سابقٍ عليه لا إنشاء من حينه؛ لإمكان أن يكون بيده مال، فإنّ إقراره على نفسه يستتبع ماله فيكون إقراراً بمال محض و لو بالتبعيّة.

و يضعّف الأوّل بأنّ ذلك لو منع قبول الإقرار لأدّى إلى قبوله؛ لأنّه إذا لم يقبل بقي على أصل الحرّيّة فينفذ إقراره فيصير مالاً فيردّ، فيصير حرّاً، و ذلك دور. و المال جاز دخوله

ص: 306


1- راجع ج 3، ص 296.
2- الكافي، ج 6، ص 195، باب نوادر، ح 5 ؛ الفقیه، ج 3، ص 141 ، ح 3518؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 235، ح 845.
3- من القائلين به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 198.

من يجوز استرقاقه

. و كذا الملتَقط في دار الحرب.

تبعاً وإن لم يقبل الإقرار به مستقلّاً، كما لو استلحق واجب النفقة، فقد قيل:إنه ينفق عليه من ماله باعتبار كونه تابعاً لا أصلاً، أو يقال: یصحّ في الرقّيّة دون المال؛ لوجود المانع فيه دونها كما سمع في الإقرار بالزوجة دون المهر.

و حيث يقبل إقراره لايقبل رجوعه بعد ذلك؛ لاشتماله على تكذيب كلامه السابق، و رفع ما ثبت عليه بغير موجب.

و لو أقام بيّنةً لم تسمع؛ لأنّه قد كذّبها بإقراره السابق، إلّا أن يظهر لإقراره تأويلاً يدفع التناقض فيقوى القبول، كما لو قال: لم أعلم بأنّى تولّدت بعد إعتاق أحد الأبوين فأقررت بالرقّ ثمّ ظهر لي سبق العتق على الإقرار بالبيّنة أو الشياع المفيد لذلك.

و لو أنكر المقرّ له رقّيّته بقي على الرقّيّة المجهولة، و يتّجه حينئذٍ جواز رجوعه؛ لأنّه مال لايدّعيه أحد، و إقراره السابق قد سقط اعتباره بردّ المقرّ له، فإذا لم يصر حرّاً بذلك لا أقلّ من سماع دعواه الحرّيّة بعد ذلك.

و وجه عدم قبول الإقرار الثاني مطلقاً استلزام إقراره الأوّل كونه رقّاً، و إقرار العقلاء على أنفسهم جائز. و تكذيب المقرّ له لايرفع صحّة الإقرار في نفس الأمر، و إنّما ينتفي عنه ظاهراً. و متى صار رقّاً بإقراره لاينفذ إقراره بعد ذلك؛ لأنّه حينئذٍ ممنوع من التصرّف المترتّب على الحرّيّة و لو لم يكن قد عيّن المقرّ له ابتداءً ثمّ رجع و أظهر تأويلاً محتملاً فأولى بالقبول.

قوله:«و كذا الملتقط في دار الحرب».

أي يجوز استرقاقه، كما يجوز استرقاق أهل الحرب تبعاً للدار، لا أنّه يحكم بكونه رقّاً بمجرّد وجوده في دار الحرب؛ لأنّه لايقصر عن كونه من جملة ذراريهم و هم لايملكون إلّا بالتملّك.

و إنّما يجوز استرقاق اللقيط في دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم يمكن تولّده منه عادةً،

ذكراً كان المسلم أم أُنثى، و إلّا حكم بإسلامه و حرّيّته.

ص: 307

. و لو اشترى إنسان من حربي ولده أو زوجته أو إحدى ذوي أرحامه كان جائزاً و ملكه؛ إذ هم فيء في الحقيقة.

. و يستوي سبي المؤمنين و الضلّال في استباحة الرقّ.

قوله:«و لو اشترى انسان من حربي ولده أو زوجته» إلى آخره.

لمّا كان تملكّ أهل الحرب جائزاً للمسلم مطلقاً جاز التوصّل إليه بکلّ سبب و منه شراؤه ممّن يعينه على الاستقلال به، سواء كان البائع أباً أم زوجاً أم غيرهما من الأرحام، و ليس هذا في الحقيقة بيعاً حقيقيّاً، و إنّما هو وسيلة إلى وصول المسلم إلى حقّه، فلاتلحقه أحكام البيع، و لايشترط فيه شرائطه، و إنّما السبب المملّك له القهر و الاستيلاء.

و في الدروس جوّز للمسلم الردّ بالعيب و أخذ الأرش(1)؛ نظراً إلى أنّه وإن لم يكن بيعاً حقيقيّاً لكنّه إنّما بذل العوض في مقابلته سليماً.

و يشكل بأنّ الأرش عوض الجزء الفائت في المبيع و لامبيع هنا، و بأنّه قد ملكه بالاستيلاء فكيف يبطل ملكه بمجرّد الردّ؟ و ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعاً في غير المبيع الحقيقي.

و يمكن دفع الإشكال بأنّ قدوم الحربي على البيع التزام بأحكام البيع التي من جملتها الردّ بالعيب أو أخذ أرشه، فردّه عليه ينزّل منزلة الإعراض عن المال و الثمن، غايته أن يكون قد صار ملكاً للحربي، و التوصّل إلى أخذه جائز بكلّ سبب و هذا منه، بل أولى؛ لأنّه مقتضى حكم البيع.

و هذا کلّه يتمّ إذا لم يكن مال الحربي معصوماً، بأن دخل إلى دار الإسلام بأمان، فلايجوز أخذ ماله بغير سببٍ مبيحٍ له شرعاً.

و حينئذٍ يتّجه صحّة البيع و لزوم أحكامه التي من جملتها جواز ردّه معيباً و أخذ أرشه.

قوله:«ويستوي سبي المؤمنين و الضلّال في استباحة الرقّ».

أراد بالضلّال ما يشمل المسلمين منهم و الكافرين، فلو سبی کافر مثله ملکه و جاز

ص: 308


1- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 154(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

أسباب إزالة الرقّ:

اشارة

• وإزالة الرقّ تكون بأسباب أربعة: المباشرة، و السراية، و الملك، و العوارض.

العتق بالمباشرة

اشارة

أمّا المباشرة فالعتق، و الكتابة، و التدبير.

صيغة العتق

. أمّا العتق فعبارته الصريحة:«التحرير». و في«الإعتاق» تردّد.

و لایصحّ بما عدا «التحرير»، صريحاً كان أو كنايةً و لو قصد به العتق، كقوله:«فککت رقبتك» أو «أنت سائبة».

شراؤه منه، و كان الكلام في شرائه منه كالكلام في شراء ولده و زوجته منه.

و لو كان كافراً ذمّيّاً أو مسلماً مبدعاً فلا إشكال في تملّكه، و قد أباح الأئمة علیهم السلام لشراء ذلك منهم و غيره من ضروب التملّكات(1)، و إن كان للإمام كلّه أو بعضه من غير اشتراط إخراج الحصّة المذكورة.

قوله:«و إزالة الرقّ تكون بأسباب أربعة» إلى آخره.

أراد بالسبب المزيل للرقّ هنا ما يشمل التامّ و الناقص، فإنّ من هذه الأسباب ما يكفي في إزالة الرقّ، كالإعتاق بالصيغة و شراء القريب و التنكيل و الجذام و الإقعاد.

و منها ما يتوقّف على أمر آخر ، كالكتابة؛ لتوقّفها على أداء المال، و التدبير؛ لتوقّفه على موت من علّق عتقه على موته، و الاستيلاد؛ لتوقّفه على موت المولى أيضاً، و موت المورّث؛ لتوقّفه على دفع القيمة إلى مالكه، و غير ذلك ممّا يفصل في محلّه.

قوله:«أما العتق فعبارته الصريحة: التحرير. و في الإعتاق تردّد» إلى آخره.

لا بدّ لوقوع العتق من صيغة تدلّ عليه، كغيره من الأحكام المتوقّف وقوعها على الصيغ الخاصّة.

وقد اتّفق الأصحاب على وقوعه بالتحرير، كأن يقول:«حرّرتك» أو «أنت حرّ» و قد استعملت هذه اللفظة فيه في قوله تعالى:«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(2)

ص: 309


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 77 ، ح 328 - 330؛ الاستبصار، ج 3، ص 83 ، ح 280 و 281.
2- النساء (4): 92.

...

واتّفقوا أيضاً على عدم وقوعه بالكنايات المحتملة له و لغيره و إن قصده بها، كقوله:«فككت رقبتك» أو «أنت سائبة» أو «لا سبيل لي عليك» و نحو ذلك.

و اختلفوا في لفظ الإعتاق ك- «أعتقتك» أو «أنت معتق» أو «عتيق» من الشكّ في كونه صريحاً فيه أو كنايةً. و الأصحّ القطع بوقوعه به؛ لدلالته عليه لغةً و عرفاً و شرعاً، بل استعماله فيه أكثر من التحرير كما لايخفى على من اطّلع على عبارات الفقهاء و كلام النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و الأئمة علیهم السلام و صيغهم و محاوراتهم.

و قد تقدّم منه ما لو قال لأمته(1):«أعتقتك و تزوّجتك» و قوله علیه السلام: «لا عتق إلّا ما أُريد به وجه الله تعالى»(2)، و غير ذلك(3) ممّا لايحتاج إلى تعداد لكثرته.

و قول المصنّف - بعد تردّده في وقوعه بالإعتاق - «و لایصحّ بما عدا التحرير» إلى آخره إمّا رجوع عن التردّد إلى الجزم بعدم وقوعه بلفظ العتق، أو متجوّز في إرادة ما عدا الصيغتين المذكورتين.

و قوله «صريحاً كان أو كنايةً» يدلّ على وجود صيغة أُخرى صريحة فيه و لايقع بها.

و فسّرها العلّامة ب«فك الرقبة، و إزالة قيد الملك»(4). و في صراحتهما نظر، و إن استعملت الأولى فيه في قوله تعالى:«فَكُّ رَقَبَةٍ»(5)، فإنّ الاستعمال أعمّ من الصريح بل من الحقيقة، كما استعمل الطلاق بلفظ «التسريح» و«الفراق» بقوله تعالى: (أَوْ تَسريحٌ بِإِحْسَانٍ»(6)

ص: 310


1- تقدّم في ج 6، ص 480 - 481.
2- الكافي، ج 6، ص 178، باب أنّه لايكون عتق إلّا ما أُريد به وجه الله عز وجل، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 115، ح 3444؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217 ، ح 772.
3- الكافي، ج 1، ص 178، باب أنّه لايكون عتق إلّا ما أريد به وجه الله عزّ وجلّ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 773 و 774.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 200.
5- البلد (90): 13.
6- البقرة (2): 229.

. ولو قال لأمته:«يا حرّة» و قصد العتق، ففى تحريرها تردّد، و الأشبه عدم التحرير؛ لبعده عن شبه الإنشاء.

«أَوْفَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ»(1)، و لم يجعلوهما صريحين فيه. و لو سلّمنا كونهما صريحين فيه لالتزمنا بوقوعه بهما؛ لعدم المانع منه شرعاً.

و المراد ب-«السائبة» المعتق، يطلق كذلك على الذكر و الأنثى.

قال ابن الأثير في النهاية:«قد تكرّر في الحديث ذكر السائبة و السوائب، كان الرجل إذا أعتق عبداً فقال:هو سائبة، فلا عقل بينهما و لا ميراث»(2).

قوله:«و لو قال لأمته:يا حرّة، و قصد العتق ففي تحريرها تردّد»إلى آخره.

إذا قال لأمته:«يا حرّة» أو قال لعبده:«يا حرّ» أو«يا معتق» فإن قصد النداء باسمه الموضوع قبل ذلك، أو أحدث له ذلك الاسم وناداه به لم يعتق قطعاً، لعدم المقتضي؛ إذا اللفظ غير صريح، و القصد غيرحاصل.

وإن قصد به العتق ففي وقوعه وجهان أو قولان(3)، منشؤهما أنّ حرف الإشارة إلى المملوك غير معتبرٍ بخصوصه، وإنّما الغرض به تمييزه و هو حاصل بالنداء، و صيغة التحرير حاصلة بقوله«حرّ» أو ما في معناه، و من بُعد النداءِ عن شبه الإنشاء؛ لأنّ الأصل فيه عرفاً صيغة الإخبار باللفظ الماضي أو الجملة الاسميّة في بعض الموارد ك«أنت حرّ» و غاية استعمال النداء فيه أن يكون كناية و العتق لايقع بها عندنا. وهذا أشبه.

و من أوقعه بالكناية من العامّة(4) قطع بوقوعه بالنداء بقصد الإعتاق قطعاً، و مع الإطلاق أو قصد النداء بالاسم على خلاف، بمعنى أنّه لايقبل منه دعوى النداء ظاهراً على أحد الوجهين.

ص: 311


1- الطلاق(65): 2.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 431،«سيب».
3- القول بالوقوع للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 201: ومن القائلين بعدم الوقوع فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 476.
4- روضة الطالبين، ج 8، ص 381؛ بدائع الصنائع، ج 4، ص 68.

. ولو كان اسمها حرّةً فقال: «أنت حرّة» فإن قصد الإخبار لم تنعتق، وإن قصد الإنشاء صحّ. و لو جهل منه الأمران و لم يمكن الاستعلام لم يحكم بالحرّيّة؛ لعدم اليقين بالقصد.

و فيه تردّد، منشؤه التوقّف بين العمل بحقيقة اللفظ، و التمسّك بالاحتمال.

قوله:«و لو كان اسمها حرّةً فقال:«أنت حرّة» فإن قصد الإخبار لم تنعتق» إلى آخره.

إذا كان اسمها حرّةً أو اسمه حرّاً أو عتيقاً ، فقال:«أنت حرّة» أو «أنت حرّ» أو «عتيق» فإن قصد الإنشاء فلا شبهة في وقوعه؛ لأنّه لفظ صريح فيه و قد انضمّ إليه القصد فكان آكد. وإن قصد الإخبار باسمه دون الإنشاء لم يقع العتق باطناً قطعاً، و يقبل قوله في عدم قصد العتق ظاهراً؛ لأنّ اللفظ مشترك بين المعنيين فيرجع إليه في صرفه إلى أحدهما كما في كلّ مشترك. و مثله ما لو كان اسمها طالق فقال:«أنت طالق».

و إن لم يعلم قصده رجع إليه فيه و قبل تفسيره. فإن اشتبه الحال بموته أو غيره ففي الحكم بعتقه وجهان، من أنّ اللفظ صريح فيه و الصريح لايحتاج إلى الإخبار عن قصده كما قد علم، و من خروجه عن الصراحة باحتمال إرادة الإخبار عن الاسم، و مع قيام الاحتمال يستصحب حكم بقاء الرقّ. و هذا أولى إن لم تحصل قرينة خارجيّة ترجّح جانب الإنشاء، فإنّ ترجيحه بحسب حال اللفظ قريب الأمر، فإن انضمّ إليه قرينة أُخرى زاده قوّةً، و كان العمل به أقوى.

و لو لم يكن اسمها حرَّةً فقال:«أنت حرّة» ثمّ قال:أردت أنّها عفيفة، أو بقوله:«أنت حرّ» العفيف أو كريم الأخلاق، ففى قبوله منه وجهان، من احتمال الأمرين فلايعلم ذلك إلّا من جهته فيقبل قوله في إرادته، و به قطع في القواعد(1)، ومن أنّه خلاف الظاهر.

و لا إشكال هنا في الحكم بالعتق لو لم يدّع إرادة خلافه، بخلاف ما لو كان اسم المملوك ذلك، فإنّه لايحكم بالعتق إلّا مع اعترافه بقصده . و الفرق ظهور اللفظ في العتق هنا،

ص: 312


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 202.

و لابدّ من التلفّظ بالصريح . و لاتكفي الإشارة مع القدرة على النطق، و لا الكتابة.

. و لا بدّ من تجريده عن الشرط، فلو علّقه على شرط مترقّب أو صفة لم یصحّ.

و احتماله للأمرين على السواء هناك على ما تقرّر .

و لو ادّعى المملوك في هذه الصورة إرادة العتق فله إحلاف المولى على عدم قصده.

قوله:«و لاتكفي الإشارة مع القدرة على النطق، و لا الكتابة».

لأصالة بقاء الملك إلى أن يثبت المزيل شرعاً، و لم يرد من الشارع هنا وقوع العتق بذلك. هذا مع القدرة، أمّا مع العجز فتكفي الإشارة المفهمة كغيره من العقود اللازمة و الإيقاعات، و لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام أنّ أباه حدّثه:«أنّ أمامة بنت أبي العاص - و أُمّها زينب بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فتزوّجها بعد علىّ علیه السلام المغيرة بن نوفل - أنّها وجعت وجعاً شديداً حتّى اعتقل لسانها، فأتاها الحسن و الحسين و هي لاتستطيع الكلام، فجعلا يقولان - و المغيرة كاره لما يقولان: أعتقت فلاناً و أهله؟ فتشير برأسها:نعم، و كذا و كذا، فتشير برأسها :نعم أم لا. قلت: فأجازا ذلك لها؟ قال: نعم»(1). و الكتابة من جملة الإشارة، بل هي من أقواها.

و كذا يعتبر النطق بالعربيّة مع الإمكان، و مع العجز يقع بأيّ لغة اتّفق مع صراحتها فيه في تلك اللغة.

قوله:«و لا بدّ من تجريده عن الشرط، فلو علّقه على شرط مترقّب أو صفة لم یصحّ».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، و الكلام في دليله كنظائره فيما سبق(2).

و جوّزه القاضي ابن البرّاج(3)، و ابن الجنيد(4) من أصحابنا معلّقاً على الشرط و الصفة،

ص: 313


1- الفقيه، ج 4، ص 198، ح 5458 ؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 258، ح 936.
2- سبق في ص 31؛ و ج 5، ص 63؛ و ج 7، ص 274 - 275 و 550.
3- المهذّب، ج 2، ص 359.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 49 المسألة 9.

. و كذا لو قال:«يدك حرّة»أو«رجلك»أو«وجهك» أو«رأسك».

أمّا لو قال:« بدنك »أو« جسدك »فالأشبه وقوع العتق ؛ لأنّه هو المعنيّ بقوله:«أنت».

و جوزّا الرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير. و هو مذهب العامّة(1)، و استشهدوا عليه بالتدبير، فإنّه عتق معلّق، و باقي الأصحاب خصّوه بمورده.

و ربما منع من كونه عتقاً معلّقاً، بل هو وصيّة بالعتق، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى(2).

و في المختلف ادّعى الإجماع على بطلان العتق المعلّق على الشرط(3). و ليس بجيّد، بل الخلاف متحقّق، و معلوميّة نسب المخالف على هذا الوجه غير قادحة.

و قد تقدّم الفرق بين الشرط و الصفة(4)، و أنّ المراد بالشرط ما جاز وقوعه في الحال و عدمه كمجيء زيد، و الصفة ما لايحتمل وقوعها في الحال و تعيّن وقوعها عادةً كطلوع الشمس.

قوله:«و كذا لو قال:يدك حرّة أو رجلك» إلى آخره.

المعهود شرعاً تعلّق العتق بذات الإنسان المشار إليه بقوله«أنت»أو«هذا»أو«عبدي»أو«زيد». سواء جعلنا الإنسان جسماً أم جسمانيّاً.

أمّا إذا قال: «بدنك أو جسدك حرّ» ففي وقوعه وجهان، من أنّه خلاف الذات الإنسانیّة عند المحقّقين، و من دلالته عليه عرفاً عامّاً ، و هو مقدّم على العرف الخاصّ الذي لايعرفه إلّا الآحاد، مع وقوع الخلاف فيه، و هو المراد من قول المصنّف«لأنّه هو المعنيّ بقوله: أنت» بمعنى أنّهما في العرف بمعنى واحد و إن كانا مختلفين في التحقيق، و لأنّ المملوكيّة

ص: 314


1- الكافي في فقه أحمد بن حنبل، ج 2، ص 414؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 295 وما بعدها. المسألة 8641، وص 300 - 301، المسألة 8643 ؛ روضة الطالبين ، ج 8 ، ص 382؛ بدائع الصنائع، ج 4، ص87.
2- يأتي في ص 404.
3- مختلف الشيعة، ج 8، ص 107 ، المسألة 58.
4- تقدّم في ص 33 - 34.
هل يشترط تعيين المعتَق؟

. وهل يشترط تعيين المعتَق؟ الظاهر لا. فلو قال:«أحد عبيدي حرّ» صحّ، و يرجع إلى تعيينه. فلو عيّن ثم عدل لم يقبل.

و المالكية ضدّان يتواردان على الموضوع الواحد و المملوكيّة تتعلّق بالهيكل المحسوس قطعاً، و كذا المالكيّة المترتّبة على الحرّيّة.

و الأقوى الوقوع بذلك، إلّا أن يكون القائل معتقداً أنّ الإنسان خلاف ذلك و ادّعى قصد شيء فيرجع إليه فيه.

و على القولين لايقع لو علّقه ببعض الأعضاء، كاليد و الرجل و الوجه و الرأس، و إن كان الوجه و الرأس قديطلق على الذات عرفاً؛ لأنّه خلاف المتبادر، و لعدم نقل مثل ذلك شرعاً.

و اعلم أنّه قد تقدّم وقوع الكفالة المتعلّقة بالوجه و الرأس(1)، معلّلاً بأنّه قد يعبّر بهما عن الجملة عرفاً.

و الفرق بين الكفالة و العتق أنّ القصد الذاتي منها إحضار البدن و الذات تابعة عرفاً، و هنا بالعكس، فإنّ الحرّيّة المقصودة من العتق متعلّقها الذات و البدن تابع إذا جعلناه غيره.

و أمّا الفرق بينهما بأنّ المعتبر في الكفالة العرف، و في العتق الشرع، فلايخلو من تحكّم وإن كان العرف منصرفاً في الفرق الأوّل أيضاً.

قوله:«وهل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر لا» إلى آخره.

القول بعدم اشتراط التعيين للشيخ (رحمه الله )(2) و الأكثر؛ لأصالة عدم الاشتراط و وجود المقتضي للصحّة و هو صيغة العتق الصادرة من أهلها، و عدم ظهور المانع؛ إذ ليس إلّا كونه مبهماً و هو لايصلح للمانعيّة؛ لأنّ الإبهام واقع في الشرع كثيراً.

و قيل: يشترط التعيين(3)؛ لأنّ الحكم المعيّن لا بدّ له من محلّ معيّن و هو ممنوع.

ص: 315


1- تقدّم في ج 4، ص 97.
2- المبسوط، ج 4، ص 437.
3- لم نعثر على قائله. قال عميد الدين - في كنز الفوائد، ج 3، ص 9- : ولم نقف لأحد منهم على قول باشتراط التعيين. لكنّ الشيخ نجم الدين قال في الشرائع:«وهل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر لا وهو يؤذن باحتمال اشتراطه عنده»

...

وقد تقدّم البحث فيه في الطلاق(1)، و الوجه فيهما واحد غير أنّ عدم اشتراط التعيين هنا أشهر، و هناك بالعكس، و لا وجه له إلّا مراعاة الاحتياط في الفروج و بناء العتق على التغليب.

و حيث قلنا بصحّته مبهماً فالمرجع إليه في التعيين.

و قيل:يرجع إلى القرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل(2). و هو ضعيف؛ إذ لا معيّن هنا في نفس الأمر حتى يستخرج بالقرعة.

و هل يقع العتق بالصيغة، أو هو التزام عتق في الذمّة منحصر في عبيده الذين أطلقه فيهم؟ وجهان، تقدّم مثلهما في الطلاق(3).

و يتخرّج عليهما ما لو مات أحدهم فعيّنه هل یصحّ؟ إن قلنا بحصول العتق عند التعيين لم یصحّ؛ لأنّ الميت لايقبل العتق. و على هذا فلو كان الإبهام في عبدين، و قلنا ببطلان التعيين في الميّت تعيّن الآخر و لا حاجة إلى لفظة. و إن قلنا بالوقوع عند الإبهام صحّ تعيينه.

و حيث يعيّن لایصحّ له العدول عن المعيّن، فلو قال:عيّنت هذا بل هذا عُتق» الأوّل و لغا الثاني ؛ لأنّ التعيين حصل بالأوّل فلم يبق للعتق محلّ، بخلاف قوله:«عتقت هذا بل هذا» و في وجوب الإنفاق على الجميع قبل التعيين و المنع من استخدامهم وجهان، أجودهما ذلك.

و لو جرى ذلك في أمتين أو إماء حرم الوطء، فإن فعل ففي كونه تعييناً لغير الموطوءة وجهان، سبق مثلهما في الطلاق(4)، فإن لم نجعله تعييناً و عيّن العتق في الموطوءة فلا حدّ عليه. و في وجوب المهر وجهان، مبنيّان على وقوع العتق بالتعيين أو بالصيغة، فعلى الثاني يجب دون الأوّل.

ص: 316


1- تقدّم في ج 7، ص 239.
2- راجع الفقيه، ج 3، ص 92 ، ح 3392؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593 ؛ وج 9، ص 258، ح 970.
3- تقدّم في ص 241.
4- تقدّم في ج 7، ص 242.

. ولو مات قبل التعيين قيل:يعيّن الوارث، و قيل: يقرع، وهو أشبه؛ لعدم اطلاع الوارث على قصده.

. أمّا لو أعتق معيّناً ثمّ اشتبه أُرجئ حتّى يذكر. فإن ذكر عمل بقوله. و لو عدل بعد ذلك لم يقبل. فإن لم يذكر لم يقرع ما دام حيّاً؛ لاحتمال التذكّر.

فإن مات و ادّعى الوارث العلم رجع إليه. و إن جهل يقرع بين عبيده؛ لتحقّق الإشكال و اليأس من زواله.

و لو ادّعى أحد مماليكه أنّه هو المراد بالعتق فأنكر فالقول قوله مع يمينه. و كذا حكم الوارث. و لو نكل قضي عليه.

قوله:«و لو مات قبل التعيين قيل:يعيّن الوارث، و قيل:يقرع» إلى آخره.

وجه تعيين الوارث أنّه خيار تعلّق بالمال، فيخلف الوارث المورّث فيه كما يخلفه في خيار البيع و الشفعة.

و القول بالقرعة للشيخ(1) : لما أشار إليه المصنّف من التعليل بأنّ الوارث لايطّلع على قصد المورّث، فلا يمكنه التعيين.

و فيه: أنّ معرفة قصده غير شرط؛ لأنّ تعيين المورّث مجرّد تشهٍّ لايفتقر إلى شيء آخر، و الوارث قائم مقامه، و ليس هناك معتَق معيّن في نفس الأمر حتّى يشتبه على الوارث تعيينه

و مقصود المورّث.

ويمكن الجواب بأنّ التعيين وإن كان راجعاً إلى الاختيار إلّا أنّه مختصّ باختيار المبهم و قد فات و لأنّه في حكم تكميل اللفظ فليؤخذ من المتلفّظ، و لا ريب أنّ القرعة أولى.

قوله:«أمّا لو أعتق معيّناً ثم اشتبه أُرجئ حتّى يذكر. فإن ذكر عمل بقوله» إلى آخره.

إذا أعتق معيّناً في نفسه أو سمّاه ثمّ نسيه أُخر الأمر رجاء أن يتذكّر؛ لأنّ المعتَق هنا معيّن في نفس الأمر بخلاف السابق، فإن ادّعى أنّه ذكر عمل بقوله؛ لأنّ ذلك ممّا لايعلم إلّا من

ص: 317


1- المبسوط، ج 4، ص 438.
شروط المعتِق

. و يعتبر في المعتِق البلوغ، و كمال العقل، و الاختيار، و القصد إلى العتق، و التقرّب إلى الله تعالى، و كونه غير محجور عليه.

و في عتق الصبيّ - إذا بلغ عشراً - و صدقته تردّد. و مستند الجواز رواية زرارة عن أبي جعفر علیهالسلام.

و لایصحّ عتق السكران.

قبله، و تعيّن من عينه المعتِق. فإن عدل عنه إلى غيره لم يقبل في حقّ الأوّل، و عتق الثاني أيضاً مؤاخذة له بإقراره، كما لو أقرّ لزيد بمال ثمّ قال: بل لعمر و بخلاف السابق، فإنّ التعيين حصل بالأوّل فلم يبق له محلّ.

و إن استمرّ الاشتباه انتظر التذكّر ما دام حيّاً، و منع من الوطء و الاستخدام؛ لتحريم ذلك من الحرّ، و اشتباهه بمحصور، و عليه الإنفاق على الجميع من باب مقدّمة الواجب؛ لوجوب الإنفاق على المملوك، و لايتمّ إلّا بالإنفاق على الجميع.

فإن مات قبل التذكّر قام الوارث مقامه إن ادّعى اطّلاعه على المعتَق، لأنّه خليفته، و ربما ذكر له ذلك و أطّلعه عليه. و إن لم يدّع العلم فالوجه القرعة؛ لأنّ المعتق هنا معيّن عند الله تعالى و مجهول عندنا فيستخرج بالقرعة.

و القول بالرجوع إلى تعيين الوارث هنا بعيد؛ لأنّ التعيين هنا ليس إنشاءً بل إخباراً عمّا وقع من المورّث فلا مدخل لتعيين الوارث حيث لايدّعي العلم.

ثمّ على تقدير تعيين المعتِق أو الوارث، لو ادّعى بعض المماليك الذين لم يعيّنهم أنّه المراد فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّ ذلك لايعلم إلّا من قبله. وإنّما توجّهت عليه اليمين لإمكان اطّلاع المملوك على الحال من قبله، فتسمع دعواه بحيث يتوجّه بها اليمين. فإن نكل عن اليمين قضي عليه بعتق المدّعي مضافاً إلى ما عيّنه إن قضينا بالنكول، و إلّا أحلف المملوك و عتق.

قوله:«و يعتبر في المعتق البلوغ، و كمال العقل، و الاختيار، و القصد إلى العتق» إلى آخره. اشتراط كونه غير محجور عليه بعد اشتراط بلوغه و عقله تعميم بعد التخصيص، فإنّ غير

المحجور يقتضي البلوغ و كمال العقل.

ص: 318

...

و القول بجواز عتق من بلغ عشراً في المعروف للشيخ (رحمه الله)(1)؛ استناداً إلى رواية زرارة عن الباقر علیه السلام(2).

وفي طريق الرواية ضعف بموسى بن بكر، فإنّه واقفي غير ثقة(3)، و ابن فضّال، فإنّه فطحى وإن كان ثقةً(4)، مع أنّه في باب الوصايا من التهذيب أوقفها على زرارة في موضع(5)، و أسندها إلى الباقر علیه السلام في آخر(6)، فكيف مع هذه القوادح تصلح لإثبات حكم مخالف لأُصول المذهب، بل لإجماع المسلمين؟! و في هذا الكتاب وصلها إلى الباقر علیه السلام، و في نكت النهاية قال: إنّها موقوفة على زرارة(7)، وفي النافع جعلها حسنةً(8). و لعلّه أراد غير الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث، و هو أن يكون رواتها إماميّةً، و فيهم من الممدوح غير المعدّل، فإنّ أمرها ليس كذلك، لما عرفت من حال رواتها فهي ضعيفة السند لا حسنة.

و أمّا حالها في الوصل و الوقف، فإنّ الراوي أوصلها تارةً و قطعها أُخرى، و هو علّة من علل الحديث يقدح في اعتباره، و على کلّ حال فاطّراحها متعيّن.

و يمكن حملها وحمل ما ورد في معناها من جواز وقفه و صدقته و وصيّته على أنّ ابن العشر محلّ إمكان البلوغ، كما تقدّم من أنّ الولد يلحق به في هذه السنّ(9)؛ لإمكان بلوغه بالمنيّ، فبسبب أنّه في وقت إمكان البلوغ و جواز التصرّف أطلقوا جواز تصرّفه، و المراد

ص: 319


1- النهاية، ص 546.
2- الكافي، ج 7، ص 28، باب وصيّة الغلام والجارية...، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 197، ح 5454 ؛ تهذيب الأحكام،ج 8، ص 248، ح 898.
3- رجال الطوسي، ص 343، الرقم 5108؛ خلاصة الأقوال، ص 406، الرقم 1639.
4- رجال النجاشي، ص 257 - 258، الرقم 676؛ خلاصة الأقوال، ص 93 ، الرقم 15.
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 181، ح 729.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 248، ح 898.
7- نكت النهاية، ج 3، ص 23.
8- المختصر النافع، ص 334.
9- تقدّم في ج 3، ص 535.

. ويبطل باشتراط نیّة القربة عتق الكافر، لتعذّرها في حقّه. و قال الشيخ في الخلاف یصحّ.

به إذا انضمّ إليه ما يدلّ على البلوغ، بمعنى أنّه من حيث السنّ لا مانع من جهته وإن توقّف على أمرٍ آخر. و هذا خيرٌ من اطّراح الروايات الكثيرة.

و اعلم أنّ المعتبر من التقرّب في العتق أن يقصد به وجه الله تعالى و ثوابه، على حدّ ما يعتبر في غيره من العبادات وإن لم يتلفّظ به، بخلاف صيغة الإعتاق، فإنّ اللفظ معتبر فيها. و حينئذٍ فيكفي قوله«أنت حرّ» و ما في معناه قاصداً به القربة.

قوله:«و يبطل باشتراط نیّة القربة عتق الكافر، لتعذّرها في حقّه» إلى آخره.

للأصحاب في اشتراط إسلام المعتق و عدمه أقوال:

أحدها: اشتراطه، ذهب إليه ابن إدريس(1) و المصنّف، و العلّامة في أكثر كتبه(2)، و جماعة(3)؛ محتجّين باشتراط نیّة القربة و هي متعذّرة من الكافر، و من ثَمّ أجمعوا على بطلان عباداته المشروطة بالنيّة، و لأنّ العبادة ملزومة للثواب حيث تقع صحيحةً، و هو مشروط بدخول الجنّة ليثاب بها فيها، و ذلك ممتنع في حقّ الكافر.

و يدلّ على كونه عبادة مشروطة بنيّة القربة الروايات المتظافرة عنهم علیهم السلام من قولهم:«لا عتق إلّا ما أُريد به وجه الله تعالى»(4)، و المراد نفي الصحّة؛ لأنّه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة حيث كانت الحقيقة غير مرادة.

و ثانيها: عدم الاشتراط مطلقاً، و هو قول الشيخ في كتابي الفروع(5)؛ محتجّاً بأنّ العتق؛

ص: 320


1- السرائر، ج 3، ص 4 و 20.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 198؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 189 ، الرقم 5624؛إرشاد الأذهان، ج 2، ص 67 ، وفيه: «على رأي»؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 62،المسألة 20.
3- منهم السيّد المرتضى في الانتصار، ص 372، المسألة 216؛ وسلّار في المراسم، ص 191؛ وابن حمزة في الوسيلة. ص 341.
4- تقدّم تخريجه في ص 310، الهامش 2.
5- الخلاف، ج 1، ص 371، المسألة 12؛ المبسوط، ج 4، ص 441.
شروط المعتَق

. ويعتبر في المعتَق الإسلام و الملك. فلو كان المملوك كافراً لم یصحّ عتقه.و قيل:یصحّ مطلقاً. و قيل: یصحّ مع النذر.

فكّ ملك و تصرّف مالي و نفع للغير، و الكافر أهل لذلك، بل ملكه أضعف من ملك المسلم ففكّه أسهل، و لبناء العتق على التغليب.

و جاز حمل الخبر على نفي الكمال،كقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«لا صلاة لجار المسجد إلّا فيه»(1) ، و من ثَمّ وقع الاتّفاق على بطلان عبادة الكافر المحضة دون عتقه و نحوه من تصرّفاته الماليّة المشتملة على العبادة كالوقف و الصدقة؛ ترجيحاً لجانب الماليّة على العبادة.

و ثالثها: التفصيل(2)، فإن كان كفره بجحد الإلهيّة أصلاً لم یصحّ؛ لتعذّر قصد القربة و وجه الله تعالى منه حينئذٍ. و إن كان بجحد رسولٍ أو فريضةٍ مع إقراره بالله تعالى -كالكتابي - صحّ؛ لأنّ قوله علیه السلام: «لا عتق إلّا ما أريد به وجه الله تعالى» يقتضي اشتراط إرادة التقرّب المتوقّفة على الإقرار بالمتقرّب إليه.

و حمله على نفي الصحّة أولى؛ لأنّها أقرب إلى المراد من نفي الكماليّة كما ذكرناه.

ثمّ لايلزم من اشتراطه بالإرادة المذكورة حصول المراد؛ لأنّ ذلك أمر آخر لايدلّ عليه الخبر.

وكونه عبادة مطلقاً ممنوع بل من هذا الوجه، و هو لايمنع وقوعه من الكافر المقرّ بالله تعالى، و بهذا فارق غيره من العبادات المحضة. و هذا أقوى.

قوله:«ويعتبر في المعتَق الإسلام و الملك» إلى آخره.

القول باشتراط إسلام المملوك المعتَق للأكثر، و منهم الشيخ في التهذيب(3) و المفيد(4)

ص: 321


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 92 ، ح 244؛ وج 3، ص 6، ذيل الحديث 16؛ سنن الدارقطني ، ج 2، ص 97، ح 5/1536.
2- هو قول العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 62، المسألة 20.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 219، ذیل الحدیث 783.
4- المقنعة، ص 548.

و المرتضى(1) و الأتباع(2) و ابن إدريس(3) و المصنّف و العلّامة(4)؛ لقوله تعالى:«وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ»(5) نهى عن قصد الخبيث بالإنفاق، و الأصل فيه التحريم المقتضي الفساد العبادة.

و قولهم علیهم السلام:«لا عتق إلّا ما أُريد به وجه الله تعالى»(6)

و رواية سيف بن عميرة قال:سألت أبا عبد الله علیه السلام:أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكاً مشركاً؟ قال:«لا»(7).

و فيه نظر، أمّا الآية فإنّما دلّت على النهي عن إنفاق الخبيث، و هو الرديء من المال يعطاه الفقير على ما ذكره المفسّرون(8)، و لايلزم منه تحريم عتق الكافر؛ لأنّ الإنفاق لماليّته لا لاعتقاده الخبيث، و ربما كانت ماليّته خيراً من ماليّة العبد المسلم، فهو من هذه الجهة ليس بخبيث.

و لو سلّم تناوله للكافر منعنا من عموم النهي عن إنفاق الرديء مطلقاً، بل في الصدقة الواجبة؛ للإجماع على جواز الصدقة بالرديء من المال و الجيّد، و الأمر بالصدقة بشقّ تمرة(9)

و أمّا الخبر الأوّل فقد تقدّم أنّ المعتبر فيه إرادة وجه الله تعالى، و هي ممكنة في حق المعتق الكافر المقرّ بالله تعالى لمثله، و من المسلم إذا رجا بعتقه الخير و استجلابه إلى

ص: 322


1- الانتصار، ص 372 - 373، المسألة 216.
2- الكافي في الفقه، ص 318؛ المراسم ص 191؛ الوسيلة، ص 341.
3- السرائر، ج 3، ص 4.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 197.
5- البقرة (2): 267.
6- تقدّم تخريجه في ص 310، الهامش 2.
7- الفقيه، ج 3، ص 142. ح 3526؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 218، ح 782؛ الاستبصار، ج 4، ص 2، ح 1.
8- مجمع البیان، ج1، ص 381؛ الكشّاف، ج 1، ص 314، ذيل الآية 267 من سورة البقرة (2).
9- الكافي، ج 4 ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.
عتق ولد الزنى

. ویصحّ عتق ولد الزنى. و قيل:لایصحّ، بناءً على كفره. و لم يثبت.

الإسلام، و نحو ذلك من المقاصد الجميلة التي يمكن معها إرادة وجه الله تعالى، و يؤيّده ما روي أن عليّاً علیه السلام أعتق عبداً نصرانيّاً فأسلم حين أعتقه(1).

و رواية سيف - مع ضعف سندها بابن أبي حمزة(2) - أخصّ من المدّعى، فلا يدلّ عليه.

و القول بصحّة عتقه مطلقاً للشيخ في كتابي الفروع(3)، و قوّاه الشهيد في الشرح(4)؛ للأصل. و ما روي من فعل عليّ، علیه السلام و ضعف دليل المشترط. و هذا أقوى مع تحقّق قصد القربة، و هو غير منافٍ للقول بصحّة عتقه مطلقاً؛ لأنّ عدم القربة ينافي عتق المسلم فضلاً عن الكافر.

و القول بالصحّة مع النذر و بطلانه مع التبرّع للشيخ في النهاية(5)و الاستبصار(6)؛ جمعاً بين الخبرين السالفين، بحمل فعل عليّ علیه السلام على أنّه كان قد نذر عتقه؛ لئلّا ينافي النهي عن عتقه مطلقاً في خبر سيف.

و هو جمع بعيد لا إشعار به من الخبر أصلاً، مع ضعف سند الخبرين، و قصورهما عن الدلالة على إثبات الحكم، وإنّما يصلحان شاهداً كما ذكرناه.

قوله:«ویصحّ عتق ولد الزنى. و قيل:لایصحّ، بناءً على كفره. و لم يثبت».

القول بعدم صحّة عتق ولد الزنى للمرتضى(7) و ابن إدريس(8) بناءً على كفره. و هو ممنوع.

ص: 323


1- الكافي، ج 1، ص 182، باب عتق ولد الزنى..، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 219، ح 783؛ الاستبصار، ج 4، ص 2، ح 2.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 404 ، ح 756؛ الفهرست الشيخ الطوسي، ص 283، الرقم 419؛ الرجال ابن الغضائري، ص 83، الرقم 107؛ رجال الطوسي، ص 339، الرقم 5049؛ خلاصة الأقوال، ص 362، الرقم 1426.
3- المبسوط، ج 4، ص 441؛ الخلاف، ج 1، ص 370، المسألة 11.
4- غاية المراد، ج 3، ص 241 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)
5- النهاية، ص 544.
6- الاستبصار، ج 4، ص 2، ذيل الحديث 2.
7- الانتصار، ص 367، المسألة 209.
8- السرائر، ج 3، ص 10.

. ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه و لو أجازه المالك.

. و لو قال:«إن ملكتك فأنت حرّ» لم ينعتق مع الملك، إلّا أن يجعله نذراً.

و الحقّ جواز عتقه مطلقاً. أمّا بعد بلوغه وإسلامه فواضح؛ إذ لو لم يقبل منه لزم تكليف ما لايطاق. و أمّا قبله؛ فلأنّه وإن لم يحكم بإسلامه من حيث عدم تبعيّته للمسلم، لكن لايحكم بكفره؛ لعدم تبعيّته للكافر، فيلزم من صحّة عتق الكافر صحّة عتقه بطريق أولى.

و حديث«إنّ ولد الزنى لا ينجب»(1) - مع تسليم سنده - لايدلّ على كفره؛ لأنّ النجابة المنفيّة مغايرة للإسلام لغةً و عرفاً.

و روي عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«لا بأس بأن يعتق ولد الزنى»(2).

قوله:«و لو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه ولو أجازه المالك».

المشهور بين الأصحاب أنّ عتق غير المالك لايقع صحيحاً و إن أجازه المالك؛ لقوله:«لا عتق إلّا بعد ملك»(3)، الدالّ على نفي الصحّة؛ لأنّه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة.

و روي ابن مسكان عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه قال:«من أعتق ما لايملك فلايجوز»(4)

. و لأنّه عبادة أو فيه شائبة العبادة، و هي لاتقبل الفضول.

و لبعض العامّة قول شاد بوقوعه عن المعتق الموسر و يقومّ عليه(5).

قوله:«و لو قال:«إن ملكتك فأنت حرّ» لم ينعتق مع الملك، إلّا أن يجعله نذراً».

ص: 324


1- لم نظفر عليه بهذا اللفظ في الجوامع الحديثية: نعم، ورد ذلك بتفاوت في المحاسن، ج 1، ص 195 - 196، ح 337 و 338؛ وثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 311، باب عقاب الزاني والزانیّة، ح 9 و 10.
2- الكافي، ج 1، ص 182، باب عتق ولد الزنى...، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 144، ح 3531؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 218 ، ح 780.
3- الكافي، ج 6، ص 179، باب أنه لا عتق إلّا بعد ملك، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 774؛ الاستبصار، ج 4، ص 5، ح 15.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 249، ح 902.
5- المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 12، ص 239، المسألة 8574، وص 268 - 269، المسألة 8603؛ المجموع شرح المهذب، ج 16، ص 5.

. ولو جعل العتق يميناً لم يقع، كما لو قال:«أنت حرّ إن فعلت» أو «إن فعلتَ».

و لو أعتق مملوك ولده الصغير بعد التقويم صحّ. و لو أعتقه و لم يقوّمه على نفسه، أو كان الولد بالغاً رشيداً لم یصحّ.

إذا علّق عتقه على ملكه له، ففساد العتق من وجهين: وقوعه من غير المالك، و تعليقه على الشرط. و يستثنى من ذلك ما لو جعله نذراً أو ما في معناه، ك«لله عليَّ إعتاقه إن ملكته» فيجب عتقه عند حصول الشرط؛ لعموم الأمر بالوفاء بالنذر(1).

و لاينعتق بنفسه عند حصول الشرط؛ لأنّ العتق مشروط بانتقاله إلى ملكه و لو آناً، فلو عتق بمجرّد ملكه لزم العتق في غير ملك، كذا استدلّ عليه المصنّف.

و أُجيب(2) بجواز الاكتفاء بالملك الضمني كملك القريب آناً ثم يعتق. هذا إذا كانت الصيغة:«لله عليّ أنّه حرّ إن ملكته» و نحوه، أمّا لو كانت«لله عليّ إعتاقه» فلا إشكال في افتقاره إلى الصيغة.

قوله:«و لو جعل العتق يميناً لم يقع» إلى آخره.

لا فرق بين تعليقه على الشرط و جعله يميناً من حيث الصيغة. وإنّما يفترقان بالنیّة، فإن كان الغرض من التعليق البعث على الفعل إن كان طاعةً ، أو الزجر عنه إن كان معصيةً -كقوله: «إن حججت فأنت حرّ» أو «إن زنيت» قصداً للبعث في الأوّل و الزجر في الثاني - فهو يمين، و إن كان الغرض مجرّد التعليق ك-«إن قدم زيد» أو «دخلت الدار» أو «طلعت الشمس» - فهو شرط أو صفة، و العتق لايقع معلّقاً في الجميع، و قد تقدّمت الإشارة إلى الفرق فيما سلف(3).

قوله:«و لو أعتق مملوك ولده الصغير بعد التقويم صحّ» إلى آخره.

لا فرق في اشتراط كونه مملوكاً للمعتق في صحّة العتق بين كونه ملكاً لأجنبي أو لولده الصغير و الكبير.

ص: 325


1- الحج (22): 29؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 310 ، ح 1149 و 1151 وص 311، ح 1154، وغيرها.
2- المجيب هو الشهيد الأوّل في الدروس الشرعية، ج 2، ص 157 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- تقدّمت في ص 33.
لو شرط على المعتق شرطاً في نفس العتق

. ولو شرط على المعتق شرطاً في نفس العتق لزمه الوفاء به. و لو شرط إعادته فى الرقّ إن خالف أُعيد مع المخالفة؛ عملاً بالشرط. و قيل:يبطل العتق؛ لأنّه اشتراط لاسترقاق من ثبتت حرّيّته.

نعم، لو كان صغيراً فقوّم مملوكه على نفسه بالبيع مع المصلحة ثم أعتقه صحّ؛ لوجود المقتضي للصحّة حينئذٍ و هو كونه مملوكاً للمعتَق. و لو كان الولد كبيراً لم یصحّ عتق الأب المملوكه مطلقاً على الأصحّ؛ للعموم.

خلافاً للشيخ في النهاية(1) حيث صحّحه؛ استناداً إلى رواية الحسين بن علوان، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام قال:«أتى النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم رجل فقال: يا رسول الله، إنّ أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرّة لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: أنت و مالك من هبة الله لأبيك، أنت سهم من كنانته يهب لمن يشاء إناثاً و يهب لمن يشاء الذكور، و يجعل من يشاء عقيماً، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك و بدنك، و ليس لك أن تتناول من ماله و لا من بدنه شيئاً إلّا بإذنه»(2).

و هذه الرواية ضعيفة السند برجال الزيديّة(3)، و الأَولى حملها على استحباب إجازة الولد الأبيه ما يفعله في ماله.

قوله:«و لو شرط على المعتق شرطاً في نفس العتق لزمه الوفاء به» إلى آخره.

إذا شرط على العبد أمراً سائغاً في نفس صيغة الإعتاق صحّ الشرط و العتق؛ لعموم:المؤمنون عند شروطهم»(4)، سواء كان الشرط خدمةَ مدّة معيّنة أم مالاً معيّناً أم غيرهما، و يكون ذلك عتقاً و شرطاً لاعتقاً معلّقاً على شرط.

ص: 326


1- النهاية، ص 545.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 235 - 236، ح 849.
3- خلاصة الأقوال، ص 106 ، ذيل الحسن بن علوان الكلبي، الرقم 33 وص 338، الرقم 6؛ تنقيح المقال، ج 22، ص 254 - 261 ، الرقم 971؛ وراجع الاستبصار، ج 1، ص 66، ذيل الحديث 196.
4- تقدّم تخريجه في ص 32، الهامش 8.

...

و ظاهر العبارة أنّه لايشترط قبول المملوك؛ لأنّه حكم بلزوم الوفاء به بمجرّد الشرط. و هو أحد الأقوال في المسألة.

و وجهه أنّه مالك له مستحقّ لمنافعه و كسبه، و له الضريبة المقدورة له عليه، فهي إيجاب مال من كسبه، فإذا شرط عليه خدمةً أو مالاً فقد فكّ ملكه عنه و عن منافعه و استثنى بعضها، فله ذلك؛ لعموم الخبر(1)،و أصالة الصحّة.

و قيل:يشترط قبوله مطلقاً كالكتابة(2)؛ لاقتضاء التحرير تبعيّة المنافع، فلایصحّ شرطه شيئاً منها إلّا بقبول المملوك.

و فصّل ثالث، فشرط رضاه إن كان المشروط عليه مالاً، و نفاه إن كان خدمةً(3)

و الفرق أنّ الخدمة مستحقّة للمولى بالأصالة، فشرطها كاستثناء بعض المملوك عن النقل، بخلاف شرط المال، فإنّه غير مملوك للمولى عليه، و لايجب على المملوك تحصيله بل بذل العمل، سواء ترتّب عليه المال أم لا. و نمنع من جواز إلزامه بالضريبة. و قد تقدّم الكلام فيه . (4) و هذا أقوى.

إذا تقرّر ذلك، فإن أطلق عليه الشرط لزمه الوفاء به، و مع الإخلال يستقرّ في ذمّته - مالاً كان أو خدمةً كالدين وإن شرط عليه مع ذلك إعادته في الرقّ إن خالف، ففي صحّة العتق و الشرط، أو بطلانهما، أو صحّة العنق خاصّةً، أقوال.

اختار أوّلها الشيخ في النهاية(5)، و أتباعه(6)؛ لعموم:«المؤمنون عند شروطهم»، و خصوص

ص: 327


1- هو خبر الحسين بن علوان المتقدّم في ص 326.
2- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 202؛ و ولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 478.
3- راجع تحرير الإحكام الشرعية، ج 4 ص 202، الرقم 5653، وفيه: هل يشترط في وجوب الخدمة قبول العبد؟ الوجه ذلك.
4- تقدّم في ج 7، ص 199.
5- النهاية، ص 542.
6- المهذّب، ج 2، ص 35؛الوسيلة، ص 341؛ إصباح الشيعة، ص 472.

و لو شرط خدمةً زمان معيّن صحّ. و لو قضى المدّة آبقاً لم يعد في الرقّ. و هل للورثة مطالبته بأُجرة مثل الخدمة؟ قيل:لا، و الوجه اللزوم.

رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السلام قال:سألته عن الرجل يعتق مملوكه، و يزوّجه ابنته، و يشترط عليه إن هو أغارها أن يردّه في الرقّ، قال:«له شرطه»(1)

و أجاب المصنّف في النكت بشذوذ الرواية، و ضعف سندها، و منافاتها لأُصول المذهب، فيجب اطراحها، و اختار بطلانهما معاً(2)؛ لتضمّنه عود من ثبتت حرّيّته رقّاً و هو غير جائز و لا معهود.

و لايرد مثله في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن الرقّيّة و إن تشبّث بالحرّيّة فلم يعد إليها؛ إذ لم يخرج عنها.

و معنى قول السيّد له: فإن عجزت فأنت ردّ في الرقّ المحض الذي ليس بكتابة لا مطلق الرقّ. و الردّ و إن كان مسبوقاً بالمفارقة إلّا أنّها تصدق بالخروج عن محض الرقّيّة، و هي أعمّ من مطلقها، فلايلزم من انتفائها انتفاؤها؛ لأنّ عدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ، أو أراد

المفارقة مجازاً؛ تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه، أو إقامة للسبب مقام المسبّب.

و اختار ابن إدريس صحّة العتق و بطلان الشرط(3)؛ لأنّهما شيئان، فلايلزم من فساد أحدهما - لعارض مخالفته للمشروع - بطلان الآخر. و قوّاه فخر الدين في شرحه؛ محتجّاً ببناء العتق على التغليب.(4)

و الأصحّ بطلانهما معاً؛ لأنّ العتق مجرّداً عن الشرط غير مقصود، و بناء العتق على التغليب لايدلّ على صحّته من دون القصد.

قوله:«و لو شرط خدمة زمان معيّن صحّ» إلى آخره

ص: 328


1- الكافي، ج 1، ص 179، باب الشرط في العتق، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 222، ح 795.
2- نكت النهاية، ج 3، ص 10.
3- راجع السرائر، ج 3، ص 11.
4- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 479.

. ومن وجب عليه عتق في كفارة لم يجزئه التدبير.

اشتراط خدمة زمان معيّن من جملة الشروط السائغة التي یصحّ اشتراطها على المملوك، بل هي أوضح ما يشترط عليه كما عرفته.

ثمّ إن وفي بالمدّة فلا كلام، و إن أخلّ بها فليس للمالك و لا لورثته إلزامه بالخدمة في مثلها من المدّة قطعاً؛ لأنّ الزمان المعيّن للخدمة قد فات، و هي ليست مثليّةً. و كذا لايعاد في الرقّ بالإخلال؛ لما تقدّم(1). فهل يثبت عليه أجرة مثل الخدمة المشروطة للمالك أو ورثته؟

قال الشيخ في النهاية(2)، و أتباعه(3) و ابن الجنيد:(4) لا؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعتق جاريةً و شرط عليها أن تخدمه خمسين سنةً فأبقت، ثمّ مات الرجل فوجدها ورثته ألهم أن يستخدموها؟ قال: «لا»(5).

و المصنّف و قبله ابن إدريس(6) و المتأخّرون ذهبوا إلى لزوم الأجرة؛ لأنّها حق متقوّم بالمال فيثبت في الذمّة بقيمته و هي أُجرة المثل.

و الرواية الصحيحة غير منافية لذلك؛ لأنّه إنّما نفى استخدامها و نحن نقول به، لأنّ مدّة الخدمة المعيّنة قد فاتت، و هي ليست مثليّةً حتى تلزمه الخدمة في مثلها، وإنّما عليه أُجرة مثلها؛ لأنّها مستحقّة عليه و قد فوّتها عليهم، و نفي الاستخدام لايقتضي نفي الأجرة الثابتة لهم عوضاً عمّا فوّت عليهم من الحقّ. و هذا حسن.

قوله:«و من وجب عليه عتق في كفّارة لم يجزئه التدبير».

المعتبر في العتق عن الكفّارة كونه منجّزاً، فلا يجزئ عنه التدبير وإن نوى به التكفير،

ص: 329


1- تقدّم قبيل هذا.
2- النهاية، ص 542.
3- المهذّب، ج2، ص359؛ إصباح الشیعة، ص472.
4- الحاکي عنه العلّامة في مختلف الشیعة ج8، ص49، المسألة 9.
5- الکافي، ج6، ص179، باب الشرط في العتق، ح2؛ الفقيه، ج3، ص117، ح3451؛ تهذیب الأحکام، ج 8، ص222، ح 797.
6- السرائر، ج3، ص11.

. وإذا أتى على المؤمن سبع سنين استحبّ عتقه.

. و يستحبّ عتق المؤمن مطلقاً. و يكره عتق المسلم المخالف و عتق من لايقدر على الاكتساب. و لا بأس بعتق المستضعف.

ومن أعتق من يعجز عن الاكتساب استحبّ إعانته.

و لرواية إبراهيم الكرخي قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام:إن هشام بن أُذينة سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث لسيّده حدث، فمات السيّد و عليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة، أيجزئ عن الميّت عتق العبد الذي كان السيّد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميّت؟ فقال: «لا»(1).

قوله:«و إذا أتى على المؤمن سبع سنين استحبّ عتقه».

مستند الحكم رواية محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن بعض آل أعين، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين أعتقه صاحبه أم لم يعتقه، و لاتحلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين»(2).

و هي محمولة على استحباب عتقه بعد المدّة، للإجماع على أنّه لايعتق بنفسه. و الرواية وإن كانت مرسلةً إلّا أنّ دليل السنن يتأدّى بمثلها.

قوله:«ويستحب عتق المؤمن مطلقاً. و يكره عتق المسلم المخالف» إلى آخره.

لا إشكال في استحباب عتق المؤمن مطلقاً؛ لما فيه من الإحسان إليه و تخليصه من نقص الرقّ. و قد تقدّم في صدر الكتاب ما يدلّ على تأكّد الاستحباب(3).

و يكره عتق المخالف؛ لقول الصادق علیه السلام:«ما أغنى الله عن عتق أحدكم، تعتقون اليوم و يكون علينا غداً، لايجوز لكم أن تعتقوا إلّا عارفاً»(4). و هو محمول على الكراهة كما سلف.

ص: 330


1- الكافي، ج 6، ص 194، باب نوادر، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231 ، ح 837.
2- الكافي، ج 6، ص 196، باب نوادر، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 230، ح 831.
3- تقدّم في ص 303 وما بعدها.
4- الكافي، ج 6، ص 196، باب نوادر، ح 9.

ويلحق بهذا الفصل مسائل:

لو نذر عتق أوّل مملوك يملكه فملك جماعة

الأولى: • لو نذر عتق أوّل مملوك يملكه فملك جماعة قيل:يُعتق أحدهم بالقرعة، و قيل: يتخيّر و يعتق، و قيل:لايعتق شيئاً؛ لأنّه لم يتحقّق شرط النذر. و الأوّل مرويّ.

و كذا يكره عتق العاجز عن القيام بكفايته، إلّا أن يعينه بالإنفاق. قال الرضا علیه السلام:«من أعتق مملوكاً لا حيلة له، فإنّ عليه أن يعوله حتّى يستغني عنه، و كذلك كان عليّ علیه السلام يفعل إذا أعتق الصغار و من لا حيلة له»(1).

و روى هشام بن سالم - في الصحيح - قال: سألته عن النسمة، فقال:«أعتق من أغنى نفسه»(2)

و روى الحلبي -في الصحيح- قال، قلت لأبي عبدالله علیه السلام:«الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال: نعم»(3). و قد تقدّم البحث عن حقيقة المستضعف في تضاعيف الكتاب مراراً (4).

قوله:«لو نذر عتق أوّل مملوك يملكه فملك جماعة» إلى آخره.

إذا نذر عتق أوّل مملوك يملكه صحّ النذر و إن كان المنذور مبهماً كما يجوز نذر المعيّن؛ للأصل و النصّ(5).

ثمّ إن اتّفق ملك واحد ببيع أو هبة أو ميراث أو غيرها عتق. و هل يشترط لعتقه أن يملك آخر بعده؟وجهان، من أنّ الأوّليّة تقتضى أمرين:أحدهما ثبوتى و هو سبقه لغيره، و الآخر عدمي و هو عدم سبق غيره له، و من الشكّ في اقتضائه الأمر الأوّل عرفاً. و الأظهر عدم الاشتراط.

ص: 331


1- الكافي، ج 6، ص 181، باب عتق الصغير، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 218 ، ح 778.
2- الكافي، ج 6 ، ص 181، باب عتق الصغير ، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 218 ، ح 779.
3- الكافي، ج 6 ، ص 182، باب عتق ولد الزني، ح 3.
4- راجع ج 1 ، ص 440: وج 6، ص 386.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 92 الباب 57 من كتاب العتق

...

وإن ملك جماعةً دفعةً ففيه أقوال:

أحدها: لزوم عتق واحدٍ منهم، و يخرج بالقرعة. أمّا لزوم العتق فلوجود شرط النذر فوجب الوفاء به؛ لأنّ الأوّليّة موجودة في كلّ واحد منهم، لأنّه بملك الجماعة صدق أنّه ملك واحداً؛ لأنّه من جملة الجماعة.

و أمّا إخراجه بالقرعة فلانتفاء الأولويّة عن أحدهم؛ و لصحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام في رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ، فورث سبعةً جميعاً، قال:«يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج سهمه»(1). و هذا قول الشيخ في النهاية(2) و الصدوق(3) و جماعة(4).

و ثانيها:أنه یصحّ، و يتخيّر الناذر مع بقائه و قدرته عليه، و إلّا فالقرعة. و هو قول ابن الجنيد(5) و الشيخ في التهذيب(6) و المصنّف في النكت(7) و الشهيد في الشرح(8)؛ لرواية الحسن الصيقل أنّه سأل الصادق علیه السلام عن رجل قال:أوّل مملوك أملكه فهو حرّ، فأصاب ستّةً، قال:«إنّما كانت نيّته على واحد، فليختر أيّهم شاء فليعتقه»(9).

و حمل القائلون بهذه الرواية روايةَ القرعة على الاستحباب جمعاً بين الأخبار

و فيه نظر؛ لأنّ رواية القرعة صحيحة السند، و هذه ضعيفة السند، فإنّ في طريقها

ص: 332


1- الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3398؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 225، ح 811.
2- النهاية، ص 543.
3- المقنع، ص 462 - 463.
4- المهذّب، ج 2، ص 360؛ إصباح الشيعة، ص 473؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 50، المسألة 10؛ إيضاح الفوائد، ج 3، ص 480.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 50، المسألة 10.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 226، ذيل الحديث 812.
7- نكت النهاية، ج 3، ص 14.
8- غاية المراد، ج 3، ص 246 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
9- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 226، ح 812؛ الاستبصار، ج 4، ص5، ص17
لو نذر تحرير أوّل ما تلده فولدت توأمين

الثانیّة: • لو نذر تحرير أوّل ما تلده فولدت توأمين كانا معتقين.

إسماعيل بن يسار و هو ضعيف(1)، و الحسن الصيقل [وهو ] مجهول الحال(2)، فالعمل بالأخرى متعيّن؛ لعدم المعارض.

و ثالثها:بطلان النذر؛ لفقد صفته المعتبرة فيه و هي وحدة المملوك، و لا أوّل للمملوكين دفعةً إلّا الجملة و عتقها غير مقصود، و لأصالة البراءة.

و أُجيب(3) بظهور الأوّل بما ذكر، و بالنصّ و هو مخرج بحكم الأصل عنه.

قوله:«لو نذر تحرير أوّل ما تلده فولدت توأمين كانا معتقين».

التوأمان هما الولدان في بطن [واحد]، وإنّما عتقا معاً دون المملوك المتعدّد في السابقة؛ لأنّ المنذور هنا - و هو متعلّق «ما» - عامّ فيشمل الجميع بخلاف المملوك، فإنّه نكرة في سياق الإثبات فلا تكون عامّةً.

و لو أنّ المنذور في الأوّل كان أوّل ما يملكه، و الثاني أوّل ولد تلده؛ لانعكس الحكم. و هذا الفرق يتمّ مع إرادته ب«ما» كونها موصولةً لتعمّ، فلو قصدها مصدريّةً كانت بمعنى مملوك.

و لو أطلق ففي حمله على أيّهما وجهان من اشتراكها(4) المانع من حملها على أحدهما بغير قرينة و المتيقّن منه هو الواحد، و من احتمال ظهورها في العامّ كما هو ظاهر حكم الأصحاب، و الرواية(5)، مؤيّدة و إن لم تصلح لتأسيس الحكم.

و لو قصد ب«مملوك الجنس احتمل مساواته ل«ما»؛ لصلاحيّته للجميع كما يصلح

ص: 333


1- رجال النجاشي، ص 29، الرقم 58 ؛ خلاصة الأقوال، ص 317، الرقم 1242.
2- الفهرست الشيخ الطوسي، ص 132 ، الرقم 189؛ رجال الطوسي، ص 131 ، الرقم 1341 ، و ص 133 الرقم 1382، وص 180 ، الرقم 2156.
3- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 51، المسألة 10.
4- في بعض النسخ: «اشتراكهما» بدل «اشتراکها».
5- الكافي، ج 6 ، ص 195، باب نوادر، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231، ح 834.
لو كان له مماليك فأعتق بعضهم

الثالثة : • لو كان له مماليك فأعتق بعضهم، ثمّ قيل له:هل أعتقت مماليكك؟

فقال:نعم، انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصّةً.

للواحد، و الوجه الفرق، فإنّ صلاحية الجنس للواحد و المتعدّد يمنع من حمله على المتعدّد بغير قرينة، و المتيقّن منه هو الواحد.

و يشترط في الحكم بعتقهما معاً على تقديره ولادتهما دفعةً وإن كان نادراً؛ إذ لو سبق خروج أحدهما لكان هو الأوّل. و أطلق الأكثر الحكم من غير تقييد بالدفعة تبعاً لإطلاق الرواية، و هو حسن(1) لو صلحت لإثبات الحكم.

هذا إذا ولدت الأوّل حيّاً، وإلّا عتق الثاني؛ لأنّ الميّت لايصلح للعتق، و نذره صحيحاً يدلّ على حياته التزاماً.

و قيل:يبطل هنا؛ لفوات متعلّقه.

و لو ولدته مستحقّاً للعتق كالمقعد فالوجهان. و أولى بعدم عتق الثاني هنا؛ لصلاحية الأوّل للعتق و غايته اجتماع سببين لعتقه.

قوله:«لو كان له مماليك فأعتق بعضهم» إلى آخره.

هذه المسألة ذكرها الشيخ(2) و الجماعة(3) بهذا الإطلاق. و الأصل فيها رواية سماعة قال:سألته عن رجلٍ قال لثلاثة مماليك له: أنتم أحرار، و كان له أربعة، فقال له رجل من الناس:أعتقت مماليكك؟ قال:نعم، أيجب العتق لأربعة حين أجملهم، أو هو للثلاثة الذين أعتق؟ فقال:«إنّما يجب العتق لمن أعتق(4).

و في هذا الحكم بحث، و فيه على إطلاقه إشكال؛ لأنّ الحكم إن كان جارياً على ما في نفس الأمر من دون أن يعتبر لفظه إقراراً بالعتق ظاهراً فالحكم كذلك، و لا فرق عليه بين كون

ص: 334


1- في حاشية «خ»، و»: «قصورها من حيث السند؛ فإنّها مرسلة، و في متنها بحث منه رحمه الله)».
2- النهاية، ص 544.
3- المهذّب، ج 2، ص 360؛ السرائر، ج 3، ص 12؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 202.
4- الفقيه، ج 3، ص 115، ح 3446؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 226، ح 813.

...

من أعتقهم بالغين حدّ الكثرة و عدمه، فلو كان قد أعتق واحداً منهم و عبّر بذلك لم يعتق سوى من كان قد أعتقه؛ لأنّ الإقرار ليس من الأسباب الموجبة لإنشاء العتق في الحال، و إنّما هو إخبار عمّا سبق، فلایصحّ إذا لم يكن مطابقاً لخارج سابق عليه مستند إلى سبب اقتضاه، فما كان قد وقع عليه العتق انصرف إليه، و غيره يبقى على أصل الرقّ قليلاً كان أم كثيراً.

و إن كان جارياً على ظاهر الإقرار فمقتضاه الحكم بانعتاق جميع مماليكه؛ لأنّ «مماليك» جمع مضاف و هو يفيد العموم، و«نعم» يقتضي تقرير السؤال و إعادته، فيكون إقراراً بعتق الجميع.

و الرواية قاصرة الدلالة عن إفادة قصر الحكم على ما في نفس الأمر و إطراح الإقرار ظاهراً، من حيث إنّها مقطوعة ضعيفة السند إلّا أنّ الشيخ لايراعي في عمله تصحيح الرواية خصوصاً في النهاية، و تبعه الجماعة زاعمين انجبار الضعف بالشهرة، فلذلك رتّبوا الحكم على ما في نفس الأمر.

ثمّ إنّه يشكل بما لو كان المعتَق دون العدد الكثير و قد أجاب به بل بصيغة جمع الكثرة، فكيف ينصرف الإقرار إلى ما أعتقه خاصّةً و تحصل المطابقة بين عتقه لواحد و بين قوله: أعتقت مماليكي؟و لأجل ذلك استقرب العلّامة في القواعد اشتراط الكثرة في المعتق(1) لتطابق لفظ الإقرار و الإشكال فيه أقوى من الإطلاق؛ لأنّه لايجري على الظاهر و لا على ما في نفس الأمر. أمّا الظاهر فلما ذكرناه من استلزام الإقرار عتق الجميع من حيث إنّ «ممالیک» جمع مضاف مفيد للعموم و قد أقرّه في الإقرار به. و أمّا في نفس الأمر؛ فلأنّ العتق لم يقع فيه إلّا على من باشر عتقه خاصّةً، و صيغة الإقرار ليست من الأسباب المنشئة لعتق باقي العدد المعتبر في الكثرة تتمّةٌ لما وقع عليه العتق

ص: 335


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 203.

...

و اعتذر له ولده فخر الدین (رحمه الله):«بأنّه إذا أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق قوله:هؤلاء مماليكي حقيقةً، فإذا قيل له: له: أعتقت مماليكك؟ فقال: نعم، و هي تقتضي إعادة السؤال و تقريره، فيكون إقراراً بعتق المماليك الذين انعتقوا، فلايلزم بغيرهم؛ لأصالة البراءة، و لأنّ الإقرار إنّما نحمله على التحقيق و المتيقّن لا على ما فيه احتمال»

ثم قال:«و هل يشترط في الاقتصار عليه كثرةٌ بحيث يصدق عليه الجمع حقيقةً أم لا؟ قولان. و منشأ القولين أنّ اللفظ إنّما يحمل على الإقرار على أصل الحقيقة، و من حيث أصل البراءة، و من جواز التجوّز به فعلى عدم الاشتراط يكتفى بالواحد، و على عدمه لايكتفى بالواحد، و يلزم بعتق ما يصدق عليه الجمع، و يكون في الباقي كالمشتبه».

ثمّ جعل هذا البحث مبنيّاً على الحكم بمجرّد الإقرار ظاهراً، أمّا البحث عمّا في نفس الأمر فلاينعتق إلّا ما أوقع عليه العتق(1).

و في هذا الكلام نظر من وجوه:

الأوّل: ظهور الفرق بين المتنازع و هو قوله:«أعتقت مماليكي» الذي هو مقتضى قوله«نعم» جواباً لمن قال:«أعتقت مماليكك؟»، و بين قوله عن ثلاثة من مماليكه:«هؤلاء مماليكي» و إن اشتركا في صيغة العموم؛ لأنّ لفظ العموم يستغرق ما يصلح له و يدخل فيه دون غيره، فقوله«أعتقت مماليكي» يصلح لجميع من هو داخل في ملكه و إن بلغوا ألفاً، فيتناولهم العموم، و قوله «هؤلاء مماليكي» إنّما يتناول المشار إليهم دون غيرهم، فلايلزم من صدق قوله عن الثلاثة «هؤلاء مماليكي» اختصاص الحكم بعتق ثلاثةٍ إذا قال «أعتقت مماليكي» الدالّ بلفظه على الجميع.

ص: 336


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 481 - 482.

...

الثاني: قوله «فيكون إقراراً بعتق المماليك الذين انعتقوا فلا يلزم بغيرهم» لايتمّ إلّا بحسب نفس الأمر، أمّا بحسب الظاهر فقد وجد الإقرار بالعتق الدالّ بالوضع على الجميع فلا يختصّ بالبعض، و بهذا ينقطع أصل البراءة. و قد اعترف بأنّ الحكم مبنيّ على الظاهر لا على نفس الأمر.

الثالث: قوله«إنّ الإقرار إنّما نحمله على التحقيق و المتيقّن لا على ما فيه احتمال» إن أراد به المتيقّن بحسب مدلول اللفظ فمسلّم لكن لاينفعه في الاقتصار على الثلاثة؛ لأنّ مدلول اللفظ و المتيقّن منه متناول لجميع مماليكه بالنظر إلى عموم لفظ الإقرار.

و إن أراد المتيقّن في نفس الأمر و نفي المحتمل خروجه و إن دلّ عليه لفظ «الإقرار» فظاهر فساده؛ لأنّ الإنسان مؤاخذ بما يدلّ عليه لفظه و إن احتمل في نفس الأمر خلافه، كما لو قال:«لفلان عليّ ألف»، فإنّه يحكم عليه بها؛ لدلالة لفظه على كونها مستحقّةً عليه و إن كان من المحتمل في نفس الأمر براءته منها. و كذا لو قال:«أعتقت عبيدي» و لم يكن قد أعتق أحداً منهم، فإنّه يؤخذ بإقراره، و يحكم عليه بعتق الجميع أو البعض على حسب ما قد علم.

الرابع: ترتيب الخلاف في الحكم بعتق واحدٍ خاصّةً أو أقلّ الجمع على الظاهر مع وجود اللفظ الدالّ على الجمع و العموم غير مطابق، بل اللازم من العمل بالظاهر الحكم عليه بعتق الجميع أو الجمع، أمّا الاقتصار على الواحد فلايقتضيه اللفظ بوجه. و لايقول أحد بأنّ من أقرّ بشيء بصيغة الجمع فضلاً عن العموم يلزمه واحد خاصّةً، وإنّما الخلاف في حمل الجمع على اثنين أو على ثلاثة فصاعداً، أمّا الواحد فليس محلّ نظر أصلاً.

و الحقّ في هذه المسألة العمل بالظاهر، و الحكم عليه بعتق الجميع؛ نظراً إلى مدلول لفظه، و أمّا فيما بينه و بين الله تعالى فلايحكم عليه إلّا بعتق من أعتقه خاصّةً، و لايزيد عنه إلى أقلّ الجمع لو كان أقلّ منه قطعاً.

نعم، لو دلّت القرائن على أنّه لايريد باللفظ مدلوله- كما لو مرّ على عاشر فأراد أن يأخذ

ص: 337

لو نذر عتق أمته إن وطئها

الرابعة • لو نذر عتق أمته إن وطئها صحّ. فإن أخرجها من ملكه انحلّت اليمين، و لو أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين.

عليهم مظلمةً فأقرّ بذلك، مع ظهور إرادته بخلاف مدلول لفظه - اتّجه عدم الحكم عليه به ظاهراً كما لايحكم به باطناً. و عليه دلّت رواية الوليد بن هشام قال: قدمت من مصر و معي رقيق، فمررت بالعاشر فسألني فقلت:هم أحرار كلّهم، فقدمت المدينة فدخلت على أبي الحسن علیه السلام فأخبرته بقولي للعاشر فقال:«ليس عليك شيء»(1). فلم يحكم عليه بظاهر إقراره، و أقرّه على ما فى نفس الأمر.

و كذلك الرواية السابقة ظاهرة في إرادة ما في نفس الأمر لا الظاهر بقوله علیه السلام:«إنّما يجب العتق لمن أعتق»(2).

قوله:«لو نذر عتق أمته إن وطئها صحّ» إلى آخره.

مستند هذا الحكم صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال:سألته عن الرجل تكون له الأمة فيقول:يوم يأتيها فهي حرّة ، ثم يبيعها من رجل، ثمّ يشتريها بعد ذلك،قال:«لا بأس أن يأتيها قد خرجت عن ملكه»(3). و ما وقفت على رادّ لها إلّا ما يظهر من ابن إدريس(4)

و ظاهرها يدلّ على صحّة تعليق العتق على شرط مطلقاً، لكنّ الأصحاب لمّا لم يقولوا به حملوها على النذر.

و في تعدّي حكمها إلى غير الأمة و إلى التعليق بغير الوطء وجهان، من مخالفتها للأصل حيث إنّ خروجها عن ملكه لا مدخل له في انحلال النذر؛ لأنّ غايته أن تصير أجنبیّة منه و النذر یصحّ تعلقه بالأجنبیّة، كنذر عتقها إن ملكها و هي في ملك غيره ابتداءً كما تقدّم في

ص: 338


1- الفقيه، ج 3، ص 140، ح 3517؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 227، ح 815.
2- سبق تخريجه في ص 334، الهامش 4.
3- الفقيه، ج 3، ص 115، ح 3445؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 226، ح 814.
4- السرائر، ج 3، ص 12 - 13.
لو نذر عتق كلّ عبد قديم

الخامسة: • لو نذر عتق كلّ عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستّة أشهر فصاعداً.

نظائره(1)، و من الإيماء في الرواية إلى العلّة بقوله:«قد خرجت عن ملكه» و ذلك يوجب التعدّي إلى ما توجد فيه العلّة المنصوصة.

و في الرواية أيضاً- على تقدير حملها على النذر - دلالة على جواز التصرّف في المنذور المعلّق على شرط قبل حصول الشرط، و فيه خلاف مشهور. و موضع الحكم بانحلال النذر ما إذا لم يعمّم نذره و لو بالنيّة بما يشمل الملك العائد، و إلّا فلا إشكال في بقاء الحكم.

قوله:«لو نذر عتق كلّ عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستّة أشهر فصاعداً».

هذه المسألة ذكرها الشيخ فى النهاية(2)، و تبعه عليها جماعة المتأخّرين(3) حتّى ابن إدريس(4).

و الأصل فيها رواية داود النهدي عن بعض أصحابنا قال: دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقال له: أسألك عن مسألة رجل قال عند موته:كلّ مملوك لي قديم فهو حرّ لوجه الله، قال: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه:«حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»(5) فما كان من مماليكه أتى له ستّة أشهر فهو قديم حرّ»(6).

و الرواية كما ترى اشتملت على لفظ «المملوك» الشامل للذكر و الأُنثى، ولكنّ الشيخ عبر بلفظ «العبد» و تبعه المصنّف و الجماعة، و تمادى الأمر إلى أن توقّف العلامة في

ص: 339


1- تقدّم في ص 31.
2- النهاية، ص 544.
3- الجامع للشرائع، ص 401؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 203؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 164 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
4- السرائر، ج 3، ص 13.
5- يس(36): 39.
6- الكافي، ج 1، ص 195، باب نوادر، ح 6؛ الفقيه، ج 3، ص 0155 ح 3567؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231، ح 835.

...

تعدّي الحكم إلى الأمة(1)؛ من حيث إنّ هذا الحكم على خلاف الأصل لا دليل عليه من جهة العرف و لا اللغة، و إنّما مستنده ،الشرع، مع أنّ الرواية ضعيفة السند(2) مرسلة.

و اعتذر فخر الدين (رحمه الله) عن ذلك بأن المسألة إجماعيّة، و أن الإجماع لم يقع إلّا على العبد(3)؛ فلذلك استشكل والده حكم الأمة.

و الإجماع على وجهٍ يكون حجّةً ممنوع، بل كثير من العلماء كابن الجنيد و سلّار و الصدوق لم يتعرّضوا لها، و إنّما الأصل فيها الشيخ، و طريقته في النهاية الاستناد إلى الروايات من غير مراعاة طريقها كما هو المعلوم من عادته، ولكن اتّباع ابن إدريس له حملهم على شبهة الإجماع، حيث إنّه لايعتمد أخبار الآحاد مطلقاً، فعمله بمضمونها يدلّ على فهمه أنّه إجماع.

و اعلم أنّ المتأخّرين اختلفوا في تعدّي الحكم إلى نذر الصدقة بالمال القديم و الإقرار به و إبراء کلّ غريم قديم و نحو ذلك، بشبهة أنّ القديم قد صار حقيقة شرعيّة في ذلك القدر فيتعدّى؛ معتضداً بتعليل الرواية بقوله:«حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم»(4)، فإنّه يقتضي ثبوت القدم بالمدّة المذكورة مطلقاً، و من معارضة اللغة و العرف، و منع تحقّقه شرعاً لضعف المستند، و قصر الإجماع المدّعى على مورده.

و لو قصر الجميع عن ستّة أشهر، ففي عتق أوّلهم تملّكاً اتّحد أم تعدّد، أو بطلان النذر وجهان. و على الصحّة لو اتّفق ملك الجميع دفعةً ففي انعتاق الجميع أو البطلان لفقد الوصف الوجهان. و الأقوى الرجوع في غير موضع الوفاق إلى العرف، فإن لم يدلّ على اتّصاف شيء من متعلّق النذر بالقدم بطل.

ص: 340


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 203.
2- راجع الرجال، ابن الغضائري، ص 96 - 97، الرقم 143؛ و خلاصة الأقوال، ص 255، الرقم 871.
3- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 483.
4- يس(36): 39.
مال العبد المعتَق لمن؟

السادسة . من أعتق عبده و له مال فماله لمولاه. و قيل: إن لم يعلم به المولى فهو له، وإن علمه فهو للمعتَق إلّا أن يستثنيه المولى. و الأوّل أشهر.

قوله:«من أعتق عبده و له مال فماله لمولاه» إلى آخره.

هذه المسألة مبنیّة على أنّ المملوك هل يصلح لأن يملك شيئاً حال كونه مملوكاً أم لا؟ فالأكثر على العدم؛ عملاً بظاهر الآية(1).

و قيل:یصحّ أن يملك(2)؛ عملاً بروايات(3) كثيرة دالّة عليه، و منها الصحيح(4). و الأولى حملها على إباحة تصرّفه فيما يأذن له فيه من فاضل الضريبة و غيره. فإن أحلنا ملكه و كان بيده مال فهو للمولى، سواء أعتق أم بقي على الرقّيّة ما لم يعلم أنّ أصله من جهة خارجة عن المولى. و إن جوّزنا ملكه فأعتقه وبيده مال فهو له إن علم به المولى و لم يستثنه، وإلّا فهو للمولى؛ لصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام قال: سألته عن رجل أعتق عبداً له و للعبد مال لمن المال؟ فقال:«إن كان يعلم أنّ له مالاً تبعه ماله، و إلّا فهو له»(5)

و في رواية أُخرى عن زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم أنّ له مالاً، و لم يكن استثنى السيّد المال حين أعتقه فهو للعبد»(6).

و توقّف العلّامة في المختلف مع حكمه بعدم ملك العبد؛ نظراً إلى صحّة الرواية(7) .

وفي الاستدلال بها نظر؛ لأنّ الأُولى وإن كانت صحيحة إّلا أنّه ليس فيها أنّه مع استثناء المولى يكون له، بل أطلق فيها أنّه مع علمه بالمال يكون للعبد.

ص: 341


1- النحل(16): 75.
2- المقنع، ص 463؛ النهاية، ص 542 - 543؛ الكافي في الفقه، ص 318.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 47 الباب 24 من أبواب كتاب العتق.
4- كرواية زرارة في الكافي، ج 6 ، ص 190 ، باب المملوك يعتق...، ح 3.
5- الكافي، ج 6، ص 190، باب المملوك يعتق وله مال، ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223، ح 803؛ الاستبصار، ج 4، ص 10، ح 30.
6- الكافي، ج 1، ص 190، باب المملوك يعتق وله مال، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 117، ح 3453؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223، ح 804؛ الاستبصار، ج 4، ص 10، ح 31 بتفاوت.
7- مختلف الشيعة، ج 8، ص 45، المسألة 5.

...

و الثانیّة و إن دلّت على الحكم المدّعى في القول، إلّا أنّ في طريقها ابن بكير و حاله مشهور(1)، لكن نقل الكشّي إجماع العصابة على تصحيح ما یصحّ عنه وإن كان فطحيّاً(2)، فعلى هذا يمكن الاستناد إلى روايته، و تحمل الأُولى على ما لو لم يستثنه؛ حملاً للمطلق على المقيّد.

ثمّ على تقدير توقّف ملك المولى على استثناء المال لا فرق بين أن يقدّم العتق على الاستثناء و يؤخّره مع الاتّصال؛ لأنّ الكلام جملة واحدة لا يتمّ إلا بآخره.

و اشترط الشيخ تقديم الاستثناء على التحرير(3) الرواية أبي جرير قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل قال المملوكه:أنت حرّ ولي مالك، قال:«لا يبدأ بالحرّيّة قبل العتق، يقول:لي مالك و أنت حرّ برضى المملوك»(4). و لأنّه إذا قدم التحرير انعتق بقوله:أنت حرّ، فلايقع الاستثناء موقعه.

و فيه نظر؛ لأنّ الرواية تضمّنت اعتبار رضى المملوك و لايقولون به و نمنع حصول التحرير قبل تمام الكلام؛ لأنّ الشرط من جملة الصيغة.

و اعلم أنّ العلّامة في المختلف أسند الرواية إلى حريز و جعلها صحيحةً(5) و تبعه ولده(6) و الشهيد في الدروس(7) و جماعة(8).

ص: 342


1- الفهرست، الشيخ الطوسي، ص 304، الرقم 464؛ خلاصة الأقوال، ص 195، الرقم 609.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 375 ، ح 705.
3- النهاية، ص 543.
4- الكافي، ج 1، ص 191، باب المملوك يعتق وله مال، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 224، ح 806؛ الاستبصار، ج 4، ص 11، ح 33 ، وفيها: «لا يبدأ بالحرية قبل المال»؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 3، ص 153، ح 1، عن حريز بتفاوت.
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 44، المسألة 5.
6- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 478.
7- الدروس الشرعية ، ج 2، ص 165 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
8- و في حاشية «خ، و»: «تبعهم على وصفها بالصحّة وكونه جريراً ابن فهد والمقداد في المهذّب والتنقيح. (منه رحمه الله)». المهذّب البارع، ج 4، ص 57؛ التنقيح الرائع، ج 3، ص 446، ولكن نقلا الرواية عن أبي جرير.
إذا أعتق ثلث عبيده

السابعة • إذا أعتق ثلث عبيده - وهم ستّة - استخرج الثلث بالقرعة. و صورتها: أن يكتب فى ثلاث رقاع اسم اثنين في کلّ رقعة، ثم يخرج على الحرّيّة أو الرقّيّة. فإن أخرج على الحرّيّة كفت الواحدة، و إن أخرج على الرقّيّة افتقر إلى إخراج اثنين.

و إذا تساووا عدداً و قيمةً، أو اختلفت القيمة مع إمكان التعديل أثلاثاً فلا بحث.

و إن اختلفت القيمة و لم يمكن التعديل أخرج ثلثهم قيمةً و طرح اعتبار العدد. و فيه تردّد.

و إن تعذّر التعديل عدداً و قيمة أخرجنا على الحرّيّة حتّى يستوفي الثلث قيمةً. و لو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث و لو بجزء من آخر.

و الموجود في الكافي و التهذيب و الاستبصار «أبو جرير» بالجيم، و هو الصواب؛ لأنّ حريزاً لم يرو عن الكاظم علیه السلام، بخلاف أبي جرير - و هو زكريّا بن إدريس الأشعري - فقد روى عن الصادق علیه السلام و الكاظم علیه السلام و الرضاعلیه السلام(1)، و هو ممدوح غير موثّق، فيكون من الحسن لا من الصحيح، ففيما نقلوه خللان، لفظي و معنوي.

قوله:«إذا أعتق ثلث عبيده - وهم ستّة - استخرج الثلث بالقرعة. و صورتها: أن يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في کلّ رقعة» إلى آخره.

إذا أعتق جزءاً من عبيده مشاعاً كالثلث، أو أعتق المريض الجميع فلم ينفذ إلّا في الثلث، و احتيج إلى إخراج الجزء المذكور استخرج بالقرعة.

و في كيفيّتها طرق:

أحدها: أن يكتب أسماء العبيد في رقاع، ثمّ يخرج على الرقّ أو الحرّيّة.

و الثاني: أن يكتب في الرقاع الرقّ و الحرّيّة و يخرج على أسماء العبيد.

ص: 343


1- راجع رجال النجاشي، ص 173 ، الرقم 457؛ ورجال الطوسي، ص 210، الرقم 2726؛ وخلاصة الأقوال، ص 152، الرقم 439.

...

والمرويّ عن النبي صلّى الله عليه و وآله و سلّم في ذلك جمع كلّ ثلث في رقعة، و قد كانوا ستّةً فجزّأهم ثلاثة أجزاء اثنين اثنين(1).

و هو الذي فرضه. المصنّف. و هو يتمّ مع تساويهم قيمةً، و قبول العدد للتجزئة أثلاثاً كالستّة.

و على هذا، فله كتبة اسم کلّ اثنين في رقعة من غير أن يتعرّض في الكتابة للحرّيّة و الرقيّة، ثمّ تستر و تخرج فإن أخرج على الحرّيّة عتق الاثنان الخارجان أوّل مرّة، و صارت الأربعة المتخلّفة أرقّاء. و إن أخرج على الرقّيّة استرقّ الخارجان و احتيج إلى إخراج أُخرى، و يتخيّر حينئذٍ بين الإخراج على الحرّيّة و الرقّيّة، و على أيّهما أُخرج حكم للخارج به، و بقي من في الرقعة الأُخرى للآخر.

و إن كتب في الرقاع الحرّيّة و الرقّيّة من غير أن يكتب أسماء العبيد بالطريق الثاني فليكتب في رقعة:«حرّيّة» و في رقعتين:«رقّيّة» على نسبة المطلوب في القلّة و الكثرة، ثمّ يخرج باسم أحد الأجزاء الثلاثة الذين ترتّبوا سابقاً. فإن خرجت رقعة الحرّيّة انفصل الأمر، و إن خرجت رقعة الرقّ استرقّ المخصوصون بها و أخرجت أُخرى كما مرّ.

و الطريق الثالث: أن يكتب ستّ رقاع في الفرض المذكور، إمّا بأسماء الستّة اسم كلّ واحد في رقعة، ثم يخرج على الحرّيّة أو الرقّيّة كما مرّ إلى أن يستوفي المطلوب. أو يكتب

في اثنتين «حرّية» و في أربع «رقّيّة» ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه.

و هذه الطريق أعدل؛ لأنّ جمع کلّ اثنين على حكمٍ واحدٍ يمنع من افتراقهما في الرقّيّة و الحرّيّة، و من الممكن خروج أحدهما حرّاً و الآخر رقّاً، لكنّ المشهور بين الفقهاء هو الأوّل؛ لوروده في الرواية. و الأقوى جواز العمل على الجميع.

ص: 344


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 1288، ح 1668/56؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 28، ح 3958 بتفاوت؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 473. ح 21364، وص 485 ، ح 21406 ، و ص 481، ح 21390.

...

هذا کلّه إذا أمكن تجزيتهم أثلاثاً بالعدد و القيمة، كستّة قيمةُ كلّ واحد منهم مائة.

و كذا لو اختلفت القيمة مع إمكان تعديلهم أثلاثاً بالعدد، كستّة قيمةُ ثلاثة منهم ستّمائة، کلّ واحد مائتان، و ثلاثة ثلاثمائة كلّ واحد مائة، فيضمّ كلّ خسيس إلى نفيس و يجعلان ثلثاً. و لو اختلفت القيمة و أمكن التعديل بها دون العدد، كما لو كان قيمة واحد من الستّة مائتين، و قيمة اثنين مائتين، و قيمة ثلاثة مائتين، ففي تعديلهم بالقيمة أو العدد وجهان، أظهرهما اعتبار القيمة، فيجعل الواحد ثلثاً و الاثنين ثلثاً و الثلاثة ثلثاً؛ لأنّ المقصود الذاتي من العبيد الماليّة دون الأشخاص.

و وجه اعتبار العدد موافقة المرويّ من فعل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، مع استبعاد تساوي الستّة قيمة بكلّ وجه، و في بعض الأخبار أنّهم كانوا متساوين قيمة.(1)

ولو أمكن التعديل عدداً خاصّةً، كستّة قيمة اثنين مائة، و اثنين مائة و خمسون، و اثنين ثلاثمائة، قسّموا ثلاثة بالعدد، فإن أُخرج على الحرّيّة فخرج اثنان يتساويان في الثلث قيمةً فلا كلام، وإن خرجا ناقصين عتقا و أكمل الثلث من الباقين بالقرعة، و إن خرجا زائدين أُعيدت القرعة بينهما و عتق من تخرجه للحرّيّة، و من الآخر تتمّة الثلث.

و إن لم يمكن التعديل عدداً و لا قيمةً كخمسة قيمة واحدٍ مائة و اثنين مائة، و اثنين ثلاثمائة، ففي تجزيتهم وجهان:

أحدهما: تجزيتهم ثلاثة بالعدد، مراعاةً لتقريب القيمة إلى التسوية ما أمكن. و إنّما فعل

ذلك تقريباً إلى المرويّ و إن لم يكن مثله.

و الثاني - و هو الأصحّ - الاعتبار بالطريق الثالث خاصّةً، فيكتب خمس رقاع ويخرج كما فصّل إلى أن يستوفي الثلث و لو بجزء من واحد. و هذا هو الذي اختاره المصنّف و لم يذكر غيره.

ص: 345


1- لم نعثر على الرواية المفروض فيها تساوي القيم، نعم، عنون المسألة ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 6، ص 613 ، المسألة 4789 والكافي في فقه أحمد بن حنبل، ج 2، ص 411.

الثامنة • من اشترى أمةً نسيئةً و لم ينقد ثمنها، فأعتقها و تزوّجها و مات و لم يخلّف سواها بطل عتقه و نكاحه، و ردّت على البائع رقّاً. و لو حملت كان ولدها رقّاً. و هي رواية هشام بن سالم. و قيل:لايبطل العتق و لايرقّ الولد. و هو أشبه.

و لو كانت قيمة الخمسة متساويةً فعلى الأوّل يجزّئهم اثنين و اثنين و واحداً، و على الثاني يكتب خمس رقاع بأسمائهم و يخرج على الحرّيّة أو الرقّيّة إلى أن يستوفي الثلث قيمةً. و الوجه جواز استعمال هذه في جميع الفروض، خصوصاً مع تعذّر التعديل كما ذكر.

و اعلم أنّ اعتبار القرعة بكتبة الرقاع هو المعروف بين الفقهاء؛ لأنّه موافق للرواية عن النبيّ صلّی الله علیه وآله و سلّم، و أبعد عن التهمة. و ينبغى أن تكون متساويةً، و أن تُدرج في بنادق، و تجعل في حجر من لم يحضر عملها و أن تغطّى بثوب، و يدخل من يخرجها يده من تحت الثوب،كلّ ذلك ليكون أبعد عن التهمة.

و في تعيّن العمل بالرقاع نظر؛ لعدم دليل مخصّص، و كما روي من فعل النبيّ صلّی الله علیه وآله و سلّم بالرقاع، كذلك روي أنّه أقرع في بعض الغنائم بالبعر، و أنّه أقرع مرّةً أخرى بالنوى(1)، فلو قيل بجواز القرعة بذلك كلّه و أشباهه كان وجهاً لحصول الغرض، و إن كان الوقوف مع المشهور أولى.

و هذا البحث آتٍ في جميع أفراد القرعة الواقعة في القسمة و غيرها.

قوله:«من اشترى أمةً نسيئةً و لم ينقد ثمنها» إلى آخره.

قد تقدّم البحث في هذه المسألة و الكلام على الرواية مستوفي في كتاب النكاح(2). و محصّله أنّها ضعيفة الأسناد(3) مضطربة، وإن كان قد وصفها بالصحّة جماعة(4)، و مخالفة

ص: 346


1- تلخیص الحبیر، ج4، ص212، ذیلل الحدیث2149.
2- تقدّم في ج6، ص488.
3- و الضعف من جهة أبي بصیر، المشترک بین لیث بن البختري المرادي الثقة و يحيی بن القاسم الأسدي الواقفي، راجع خلاصة الأقوال، ص234، ارقم 798، و ص416، الرقم167.
4- منهم الفاضل الآبي في کشف الرموز، ج2، ص169؛ و العلّامة في المختلف الشیعة، ج7، ص291، المسألة 204؛ و ولده في إیضاح الفوائد، ج3، ص159؛ و الشهید في غایة امراد، ج3، ص89(ضنم موسوعة الشهيد الأوِّل، ج3)

التاسعة • إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع أعتقه الحاكم. و يحكم بحرّيّته حين الإعتاق لا حين الوفاة. و ما اكتسبه قبل الإعتاق و بعد الوفاة يكون له؛ لاستقرار سبب العتق بالوفاة. و لو قيل: يكون للوارث؛ لتحقّق الرقّ عند الاكتساب كان حسناً.

لأُصول المذهب الدالّة على صحّة البيع و العتق - لمصادفتهما ملكاً صحيحاً - و انعقاد الولد حرّاً، فلا مقتضى لبطلان ذلك و رجوع الولد إلى الرقّيّة. و تكلّف بحملها على ما يوافق الأُصول متكلّفون بغير ثمرة، فيراجع تحقيق ذلك ثمّةً. و ما اختاره المصنّف و جعله أشبه هو المذهب.

قوله:«إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه» إلى آخره.

القول بكون كسبه بين الموت و الإعتاق له للشيخ في المبسوط ؛ مستدلّاً بما أشار إليه المصنّف من استقرار سبب العتق بالوفاة(1).

و تنقيحه أنّ السبب المقتضي لانتقال مال الموصي عن ملك الوارث و انصرافه إلى الوصيّة مستند إلى الوصيّة و الموت، فكلّ منهما جزء السبب، و بالموت يتمّ السبب، فيكون العبد الموصى بعتقه بعد الموت بمنزلة الحرّ و إن توقّفت حرّيّته على الإعتاق، فيتبعه الكسب، لكن لا يملكه إلّا بعد العتق؛ لأنّه قبله رقيق لايملك وإنّما كان أحقّ به.

و ردّه المصنّف(رحمه الله) بمنع استقرار السبب بالموت، بل هو مركّب من ثلاثة أشياء: الوصيّة و الموت و إيقاع صيغة العتق، كما يتوقّف ملك الوصيّة إن كانت لمعيّن على قبوله مضافاً إلى الوصيّة و موت الموصي، فقبل القبول لايملك وإن حصل الأمران الآخران. و لو كان سبب العتق قد تمّ و استقرّ لزم أن يثبت معلوله و هو العتق، و هو لم يقل به حيث حكم برقّه، وإنّما يتحرّر بالإعتاق و متى لم يكن تامّاً لم يثبت معلوله، و الملك متوقّف عليه. و لمّا امتنع خلوّ الملك من مالك، و لم يكن العبد مالكاً لنفسه قبل العتق فهو للوارث، إذ لا ثالث.

ص: 347


1- المبسوط، ج 4، ص 432.
إذا أعتق مملوكه عن غيره

العاشرة: • إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الآمر و ينتقل إلى الآمر عند الأمر بالعتق؛ ليتحقّق العتق في الملك. و في الانتقال تردّد.

و يشكل بأنّ الله تعالى جعل الإرث بعد الوصيّة النافذة(1)، و الفرض هنا كذلك و ذلك يمنع من ملك الوارث، غايته أن يكون الملك مراعىّ بالإعتاق فيتبعه الكسب ويكشف عن سبق ملكه، كما يكشف قبول الموصى له عن ملك الوصيّة من حين الموت. و في حكمه ما لو أوصى بعين توقف في بعض الجهات.

أمّا الموصى على وجه لايتوقّف على صيغة كقوله:«أخرجوا عنّي العين الفلانیّة في حجّة» و نحوها، فنماؤها بعد الموت و قبل الإخراج في الجهة تابع لها قطعاً؛ لتعيّنها لتلك الجهة و خروجها عن ملك الوارث بالموت.

قوله:«إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الآمر» إلى آخره.

إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه فالمشهور بين الأصحاب و غيرهم صحّة العتق و وقوعه عن الآمر، خلافاً لابن إدريس حيث حكم بوقوعه عن المعتق(2)؛ نظراً إلى أنّ وقوع العتق عن الشخص مترتّب على ملكه له؛ لقوله صلّی الله علیه وآله و سلّم:«لا عتق إلّا في ملك»(3)، و هو منتفٍ عن الآمر و موجود في المعتِق، فيقع عنه لا عن الآمر .

و التزم القائلون بوقوعه عن الآمر بانتقال الملك إليه ليتحقّق شرط صحّة العتق عنه، و استدلّوا على الأمرين بصحيحة بريد بن معاوية العجلي عن الباقر ععلیه السلام قال:سألته عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق، فانطلق ابنه فابتاع رجلاً من كسبه فأعتقه عن أبيه، و أنّ المعتَق أصاب بعد ذلك مالاً ثمّ مات و تركه، لمن تكون تركته؟ قال، فقال:«إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر أو واجب عليه فإنّ المعتَق سائبة لا سبيل

ص: 348


1- النساء (4): 11 - 12.
2- السرائر، ج 3، ص 20 - 21.
3- الكافي، ج 1، ص 179، باب أنه لا عتق إلا بعد ملك، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 774؛ الاستبصار، ج 4، ص 5 ، ح 15.

...

لأحد عليه -إلى قوله - و إن كانت الرقبة على أبيه تطوّعاً و قد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمةً فإنّ ولاء المعتَق ميراث لجميع ولد الميّت من الرجال»، قال: «وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوّعاً منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فإنّ ولاءه و ميراثه للذي اشتراه من ماله و أعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتَق وارث من قرابته»(1).

و وجه الدلالة أنّ ثبوت الولاء للآمر فرع انتقال الملك إليه و وقوع عنقه عنه، و قد أثبته له فيثبت الملزوم.

و فيه نظر؛ لأنّه قبل الموت لايمكن تصوّر الملك؛ لأنّ المفروض أنّ الولد إنّما اشترى النسمة بعد موته، فكيف يحكم بملكه لها قبل الشراء؟! و بعد الموت لايعقل ملك الميّت لما قد تجدّد سببه. و الولاء حكم شرعي إذا جعله الشارع حقّاً لمن أعتق عنه و إن لم يكن مالكاً صحّ، و هو هنا كذلك، و لايقتضى(2) التزام ملك الميّت بعد موته لمال الغير.

و يمكن الجواب بأنّ الميّت يمكن أن يملك بعد الموت إذا كان قد أحدث سبباً له و إن لم يتمّ كما لو نصب شبكةً حيّاً ثم وقع فيها صيدٌ بعد وفاته، و هنا كذلك؛ لأنّ أمره بالعتق جزء لسبب الملك أو تمام السبب و العتق شرط، فصحّ أن ينكشف به ملکه قبل موته، و الرواية الصحيحة مؤيّدة لذلك.

و قد اختلف العلماء في وقت انتقال الملك إلى الآمر على أقوال كثيرة، تقدّم البحث فيها في باب الكفّارات(3)، فلتراجع منه.

و المصنّف هنا تردّد في وقت الانتقال، من حيث إنّ اشتراط وقوع العتق في الملك يقتضي سبق الملك عليه فيحصل بالأمر، و من أنّه لو لم يعتق عنه لم يملك إجماعاً.

ص: 349


1- الكافي، ج 7، ص 171، باب ولاء السائبة، ح7؛ الفقيه، ج 3، ص 137، ح 3509؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 254، ح 925؛ الاستبصار، ج 4، ص 23، ح 76.
2- في بعض النسخ: «ولا ينبغي» بدل «ولا يقتضي»
3- تقدّم في ص 131.
العتق في مرض الموت

الحادية عشرة: • العتق في مرض الموت يمضي من الثلث. و قيل:من الأصل. و الأوّل مرويّ.

تفریعان:

الأوّل : • إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت و لا مال له سواهنَّ أُخرجت واحدة بالقرعة. فإن كان بها حمل تجدّد بعد الإعتاق فهو حرّ إجماعاً. و إن كان سابقاً على الإعتاق قيل: هو حرّ أيضاً. و فيه تردّد.

وإن كان قد أمره فدلّ على أنّ الأمر بمجرّده لايكفي في الملك، بل العتق موجب لملك الآمر أو شرط فيه، فلايكون المشروط و المسبّب متقدّماً، و من أنّ عدم تقدّمه على العتق يفوّت المطلوب منه و هو وقوع العتق في ملكٍ، و قد قال المصنّف فيما تقدّم:«الوجه الاقتصار على الثمرة، و هو صحّة العتق و براءة ذمّة الآمر و ما عداه تخمين(1). و هذا وجه حسن.

قوله:«العتق في مرض الموت يمضي من الثلث. و قيل:من الأصل و الأوّل مرويّ».

هذه المسألة جزئي من جزئيّات منجزّات المريض المتبرّع بها، و قد تقدّم الخلاف في كونها من الأصل أو من الثلث(2). و تحقيق القولين في الوصايا.

وفى نسبة القول الأوّل إلى الرواية مطلقاً ضرب من التردّد؛ لأنّ مجرّد الرواية به لاتدلّ على ترجيحه؛ لجواز كون الرواية مردودة بوجه من الوجوه، و هو هنا كذلك، فإنّها ضعيفة السند كما بيّنّاه سابقاً(3)، و المصنّف في تلك المسألة أيضاً لم يرجّح أحد القولين و عذره واضح، وإن كان القول الأوّل هو الأشهر.

قوله:«إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت و لا مال له سواهنّ» إلى آخره.

ص: 350


1- تقدّم في ص 131.
2- تقدّم في ج 5، ص 449.
3- تقدّم في ج 5، ص 451 وما بعدها.

الثاني: • إذا أعتق ثلاثة في مرض الموت لايملك غيرهم ثمّ مات أحدهم، اُقرع بين الميّت و الأحياء. و لو خرجت الحرّيّة لمن مات حكم له بالحرّيّة و لو خرجت على أحد الحيّين حكم على الميّت بكونه مات رقّاً، لكن لايحتسب من التركة. و يقرع بين الحيّين و يحرّر منهما ما يحتمله الثلث من التركة الباقية. و لو عجز أحدهما عن الثلث أُكمل الثلث من الآخر. و لو فضل منه كان فاضله رقّاً.

القول بتبعيّة الحمل لأُمّه في العتق و غيره للشيخ(1) (رحمه الله) و ابن الجنيد(2)؛ لأنّه كالجزء منها.

و الأكثر على أنّه في حكم المنفصل، فلايتبعها في العتق و لا في البيع و لا غيرهما ما لم يصرّح بإدخاله

و في قول المصنّف «أُخرجت واحدة بالقرعة» تنبيه على أنّ کلّ واحدة منهنّ ثلث التركة، فلوكنّ مختلفات في القيمة أُخرج الثلث خاصّةً و لو من جزء منها أو بجزء من غيرها فما زاد. و على تقدير دخوله معها في العتق يعتبر من الثلث كأُمّه، بمعنى تقويمها به و اعتبار قيمتها (3). و على تقدير عدم دخوله لا بدّ من تقويمه أيضاً ليحتسب على الورثة.

ثمّ إن ولد قبل موت المعتِق قوّم منفصلاً حين الوفاة على ما تقرّر في الوصيّة. و إن بقي حملاً إلى أن مات قوّم حملاً و إن انفصل بعد ذلك؛ لأنّ الزيادة بالوضع حصلت في ملك الوارث إن اتّفقت

قوله:«إذا أعتق ثلاثة في مرض الموت لايملك غيرهم ثمّ مات أحدهم، أُقرع بين الميّت و الأحياء» إلى آخره.

إذا أعتق ثلاثة أعبد في مرض الموت و هو لايملك غيرهم، فمات أحدهم قبل موت السيّد أو بعده قبل قبض الوارث أُقرع بين الميّت و الحيّين، و لاينزل الميّت كالمعدوم وإن

ص: 351


1- النهاية، ص 545.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 59 ، المسألة 17.
3- في بعض النسخ: «قيمتهما» بدل «قيمتها».

...

أبقينا للوارث مثلي ما فات؛ لأنّ الميّت إنّما مات بعد العتق، فهو صالح للحرّيّة و الرقّيّة. فإذا أُقرع بينهم و خرج له سهم العتق بان أنّه مات حرّاً موروثاً عنه، و رقّ الآخران على تقدير تساويهم قيمةً. فمئونة تجهيزه لو فرضت بعد القرعة على وارثه أو بيت المال، و إن خرج له سهم الرقّ لم يحتسب على الورثة؛ لأنّهم يبغون المال و منفعته، ويحتسب به عن المعتِق؛لأنّ المعتِق يبغي الثواب. و تعاد القرعة بين العبدين كما لو لم يكن إلّا عبدان فأعتقهما، فمن خرج له سهم العتق عتق ثلثاه و رقّ ثلثه و العبد الآخر. و لو خرج سهم العتق ابتداءً على أحد الحيّين فكذلك يعتق ثلثاه و تبيّن موت الآخر رقّاً.

و لو كان موته بعد قبض الوارث ففي احتسابه عليه وجهان، أصحّهما نعم، حتّى لو خرجت القرعة لأحد الحيّين عتق كلّه؛ و ذلك لأنّ الميّت دخل في أيديهم و ضمانهم.

و وجه العدم أنّهم لايتسلّطون على التصرّف و إن ثبتت أيديهم الحسّيّة، فيكون كما لو مات قبل ثبوت أيديهم، و إطلاق المصنّف عدم احتسابه على الورثة يقتضي ذلك.

و لو كانت الصورة بحالها و مات اثنان أُقرع بينهم أيضاً، فإن خرج سهم العتق على أحد

الميّتين عتق نصفه خاصّةً، و حصل للورثة مثلاه و هو العبد الحيّ.

و إن خرج سهم الرقّ عليه أقرعنا بين الميّت الآخر و بين الحيّ، فإن خرج سهم الحرّيّة على الميّت الآخر أعتقنا نصفه الآخر، و إن خرج سهم الرقّ عليه لم يحتسب على الورثة، و أعتقنا ثلث العبد الحيّ.

و لو كان موت الميّت منهم بالقتل الموجب للقيمة دخل القتيل في القرعة مطلقاً؛ لأنّ قيمته تقوم مقامه على تقدير رقيّتّه فلايفوت الوارث المال.

ثمّ إن خرج سهم العتق لأحد الحيّين عتق كلّه، و للورثة الآخر و قيمة القتيل. و إن خرج للقتيل بان أنّه قتل حرّاً و على قاتله الدية لورثته.

هذا کلّه مع تساويهم قيمةً كما فرضناه. و لو اختلفت القيمة أُعتق ثلث الجميع بالقيمة، فإذا خرجت لأحد و كان بقدر الثلث فذاك، و إن نقص أكمل من الآخر، وإن زاد كان فاضله رقّاً.

ص: 352

العتق بالسراية

اشارة

. و أمّا السراية

شروط العتق بالسراية

فمن أعتق شقصاً من عبده سرى العتق فيه کلّه إذا كان المعتِق صحيحاً جائز التصرّف. و إن كان له فيه شريك قوّم عليه إن كان موسراً، و سعى العبد في فكّ ما بقي منه إن كان المعتِق معسراً.

و قيل: إن قصد الإضرار فكّه إن كان موسراً، و بطل إن كان معسراً. و إن قصد القربة عتقت حصّته، و سعى العبد في حصّة الشريك، و لم يجب على المعتِق فكّه.

قوله:«و أمّا السراية فمن أعتق شقصاً من عبده سرى العتق فيه كلّه» إلى آخره.

المشهور بين الأصحاب حصول العتق في باقي المملوك بالسراية إليه من الجزء الذي اُعتق في الجملة.

و الأصل فيه قول النبيّ صلّی الله علیه وآله و سلّم: من أعتق شركاً له من عبد و له مال قوّم عليه الباقي»(1).

ومن طريق الخاصّة رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق علیه السلام:«أن رجلاً أعتق بعض غلامه فقال علي علیه السلام: هو حرّ ليس لله شريك»(2)

. و رواية طلحة بن زيد عنه علیه السلام أنّ رجلاً أعتق بعض غلامه فقال:«هو حرّ کلّه ليس لله شريك»(3).

و هي أعمّ من كون العبد المعتَق بعضه مشتركاً بينه و بين غيره و مختصّاً به.

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه

ص: 353


1- مسند أحمد، ج 1، ص 11، ح 399؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1139، ح 1501/1؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 844 ، ح 2528؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 24، ح 3938؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 464، ح 21324، بتفاوت.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 228، ح 824؛ الاستبصار، ج 4، ص 6 ، ح 18، وفيهما: عن جعفر عن أبيه علیهما السلام.
3- الفقيه، ج 3، ص 142، ح 3524؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 228 ، ح 825؛ الاستبصار، ج 4، ص 6، ح 19.

فإن عجز العبد أو امتنع من السعي كان له من نفسه ما أعتق، و للشريك ما بقي، و كان كسبه بينه و بين الشريك، و نفقته و فطرته عليهما.

قال:«إن كان موسراً كلّف أن يضمن، و إن كان معسراً أخدمت بالحصص»(1).

و يظهر من السيّد المحقّق جمال الدين أحمد بن طاوس في كتابه ملاذ علماء الإمامية الميل إلى عدم السراية على معتق بعض مملوكه إلى الباقي(2)؛ نظراً إلى ضعف المستند، مع معارضته بروایات تدلّ علی عدمه، كرواية حمزة بن حمران عن الصادق علیه السلام، قال:سألته عن الرجل أعتق بعض جاريته ثمّ قذفها - إلى قوله: «و لاتتزوّج حتّى تؤدّي ما عليها، و يعتق النصف الآخر»(3).

و صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام في امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها أعلى أهلها أن يكاتبوها إن شاؤوا وإن أبوا؟ قال:«لا، ولكن لها من نفسها ثلثها، و للوارث ثلثاها يستخدمها بحساب الذي له منها، و يكون لها من نفسها بحساب ما أُعتق منها»(4)

و رواية مالك بن عطيّة عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل أعتق نصف جاريته، ثمّ إنّه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال:«فليشترط عليها أنّها إن عجزت عن نجومها تردّ في الرقّ في نصف رقبتها».(5)

و عذر السيّد في ضعف سند الرواية على تقدير ملكه للباقي واضح، و ما استدلّ به من الروايات على عدمه أوضح سنداً، لكنّ السراية على الشريك قد ثبتت بالصحيح، و هو يقتضي السراية على ملكه بطريق أولى؛ لاشتراكهما في الدلالة على تشوّق الشرع لتكميل

ص: 354


1- الفقيه، ج 3، ص 114، ح 3439؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 219 ، ح 785؛ الاستبصار، ج 4، ص 3، ح 7.
2- 2. لم نعثر على كتابه، وحكاه عنه أيضاً الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 169(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ج 10).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 228، ح 826؛ الاستبصار، ج 4، ص 6. ح 20.
4- الفقيه، ج 3، ص 122، ح 3467؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 225، ح 882.
5- الكافي، ج 1، ص 188، باب المكاتب، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 269، ح 980.

...

العتق، و إذا أكمل و الباقي لغيره و احتيج إلى أداء المال إليه فلأنّ يكمل و الباقي له أولى. و تبقى الروايات مؤيّدةً و إن ضعف سندها.

و صحيحة ابن سنان يمكن حملها على ما إذا لم تملك غيرها، فيحجر عليها فيما زاد عن الثلث. و الشيخ حمل رواية حمزة على أنّه لايملك نصفها الآخر.(1)

إذا تقرّر ذلك فسراية العتق إلى نصيب الشريك مشروطة بيسار المعتِق، كما ينبّه عليه قوله صلّی الله علیه وآله و سلّم :«وله مال»، و قول الصادق علیه السلام: «إن كان موسراً كلّف أن يضمن».

و القول باختصاص السراية بقصد الإضرار بالشريك مع اليسار و أنّه مع قصد القربة لايقوّم عليه مطلقاً للشيخ (رحمه الله)(2)، استناداً إلى حسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام أنّه سُئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه فقال:«إن كان مضارّاً كلّف أن يعتقه كلّه، و إلّا استسعى العبد في النصف الآخر»(3).

و ردّه ابن إدريس بأنّ قصد القربة شرط في صحّة العتق، و قصد المضارّة ينافيها(4)

و أُجييب بأنّ المراد بالإضرار تقويمه على الشريك قهراً وإعتاق نصيبه الله تعالى، و مثل هذا لاينافي القربة، وإنّما ينافيها تمحّض القصد للإضرار(5) . و الأشهر التقويم على الموسر مطلقاً ؛ عملاً بصحيحة الحلبي و غيرها من الأخبار(6). و مع الإعسار يسعى العبد في فكّ باقيه بجميع كسبه، لا بحصّته من الحرّيّة على الأظهر،

ص: 355


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 229، ذيل الحديث 826؛ الاستبصار، ج 4، ص 6 - 7 ، ذيل الحديث 20.
2- النهاية، ص 542.
3- الكافي، ج 1، ص 182، باب المملوك بين شركاء..، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 115، ح 3442؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 220 ، ح 788؛ الاستبصار، ج 4، ص 4. ح 10.
4- السرائر، ج 3، ص 10.
5- راجع نكت النهاية، ج 3، ص 8.
6- راجع الكافي، ج 6 ، ص 182 - 183، باب المملوك بين شركاء..، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 115، ح 3442؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 221، ح 791 و 793؛ الاستبصار، ج 4، ص 3، ح 9، وص 4 - 05 ح 13.

. ولو هايأ شريكه في نفسه صحّ، و تناولت المهايأة المعتاد و النادر، كالصيد و الالتقاط.

و لو كان المملوك بين ثلاثةٍ فأعتق اثنان قوّمت حصّة الثالث عليهما بالسويّة، تساوت حصصهما فيه أو اختلفت.

و هو كالكتابة في كونه فكّاً للرقبة من الرقّيّة بجملة الكسب، و استقرار الملك بعجز المملوك، و عتق ما قابل المدفوع منه كما في المطلّقة. و يفترقان في اشتراطه بسبق عتق شيءٍمنه دونها، و عدم اشتراطه بعقد و لاتقدير للعوض و لا للأجل بل بقيمة المثل دونها.

قوله:«و لو هایاً شريكه في نفسه صحّ» إلى آخره.

المهايأة على تقدير عجزه على وجه الاختيار لا الإجبار، بخلاف السعي.

و القول بتناولها للكسب مطلقاً وإن كان نادراً هو المذهب ؛ لعموم الأدلّة(1).

و قال بعضهم: لايتناول النادر(2)؛ استناداً إلى أنّها معاوضة فلو تناولته لجهلت. و هو ضعيف؛ لأنّ المنفعة في المدّة المعلومة مضبوطة على وجه يرفع الجهالة، و خصوصيات الكسب غير مقصودة، و لو اعتبرت لزم الجهل بها مطلقاً.

قوله:«و لو كان المملوك بين ثلاثةٍ فأعتق اثنان قوّمت حصّة الثالث» إلى آخره.

إذا كان المملوك بين ثلاثة - مثلاً - و أعتق اثنان منهم نصيبهما، فإن كان مترتّباً قوّم على السابق نصيب الآخرين، و لغا المتأخّر إن جعلنا السراية تحصل بالإعتاق و سيأتي البحث فيه.(3)

وإن أعتقا نصيبهما معاً - إمّا بأن نطقا به دفعةً، أو وكّلا رجلاً بالإعتاق عنهما فأعتق نصيبهما معاً، أو وکلّ أحدهما الآخر، أو علّقاه على شرط واحد، و إن كان التعليق مترتّباً فوجد الشرط - فإن كان أحدهما موسراً قوّم عليه نصيب الثالث، و إن كانا موسرين قوّم

ص: 356


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 221، ج 791، 793 - 794؛ والاستبصار، ج 4، ص 3، ح 9 و 12.
2- الحاوي الكبير، ج 18، ص 23.
3- يأتي بُعَيد هذا بقليل.

. و تعتبر القيمة وقت العتق؛ لأنّه وقت الحيلولة.

نصيب الثالث عليهما بالسويّة لا على قدر الملكين؛ لأنّ القيمة الواجبة هنا سبيلها سبيل ضمان المتلفات، و لايفترق الحال فيها بين قلّة الأسباب و كثرتها، ألا ترى أنّه لو جرح واحد جراحة و الآخر جراحات و سرى فمات المجروح منهما تكون الدية عليهما بالسوية.

و لبعض العامّة وجه أنّ القيمة عليهما على عدد الأنصباء كالشفعة(1)، فإذا أعتق صاحب النصف و صاحب السدس غرم صاحب النصف ثلاثة أرباع قيمة الثلث، و صاحب السدس ربعها.

و يضعّف بثبوت الفرق، فإنّ الأخذ بالشفعة من فوائد الملك و مرافقة فيكون على قدر الملك كالثمرة و النتاج، بخلاف القيمة الواجبة هنا كما بيّنّاه من الوجه. و مع هذا الفرق بين الأمرين فقد قيل:إنّ الشفعة على الرؤوس(2).

قوله:«و تعتبر القيمة وقت العتق؛ لأنّه وقت الحيلولة».

ظاهره ثبوت الحكم كذلك سواء قلنا بانعتاقه بالعتق أم بالأداء.

و الأمر على الأوّل ظاهر، و أمّا على الثاني فإنّه وإن لم ينعتق بالفعل قبل الأداء لكن قد تعلّق به حقّ العتق و استحقّ الشريك المطالبة بالقيمة، و ذلك فرع ثبوتها وإن توقّف العتق بالفعل على أمر آخر. و معنى كونه وقت الحيلولة أنّه يحجر على الشريك في حصّته وإن لم ينتقل عن ملكه.

و العلّامة في كتبه وافق المصنّف على إطلاق اعتبار يوم العتق(3).

و الأقوى ترتّب القيمة على وقت العتق بالفعل، فإن جعلناه بالإعتاق اعتبرت حينئذٍ. و كذا على القول بالمراعاة. و على القول باشتراطه بالأداء يعتبر القيمة عنده.

ص: 357


1- الحاوي الكبير، ج 18، ص 26: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 263، المسألة 8599.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 523 ، المسألة 4071.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 207؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 197، الرقم 5643، وفيه: يحتمل بالعتق؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 70

. وتنعتق حصّة الشريك بأداء القيمة لا بالإعتاق. و قال الشيخ: هو مراعي.

و هذا هو الظاهر من كلام المبسوط، فإنّه نقل القول بانعتاقه بالعتق، و فرّع عليه فروعاً منها اعتبار القيمة وقت العتق، ثمّ نقل القول الآخر(1)

و في الدروس أطلق اعتبار القيمة وقت الأداء بعد أن اختار انعتاقه بالأداء(2)، و لم يذكر اعتبارها يوم العتق و هو موافق لما ذكرناه.

قوله:«و تنعتق حصّة الشريك بأداء القيمة لا بالإعتاق. و قال الشيخ: هو مراعى».

وقت انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية

اختلف في وقت انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية، فقال الشيخ في الخلاف(3)، و قبله المفيد(4)؛ و المصنّف و العلّامة(5) و الشهيد(6): عند أداء القيمة؛ لأنّ للأداء مدخلاً في العلّيّة، و لهذا لاينعتق مع الإعسار. و لأنّه لو أعتق بالإعتاق لزم الإضرار بالشريك بتقدير هرب المعتَق أو تلف ماله، و لصحيحة محمد بن قيس عن الباقر علیه السلام قال:«من كان شريكاً في عبد أو أمة، قليل أو كثير، فأعتق حصّته و له سعة فليشتر من صاحبه فيعتق كلّه»(7).

و المراد بشرائه منه أداؤه قيمة نصيبه؛ لعدم اعتبار الشراء الحقيقي إجماعاً.

و قال الشيخ في المبسوط: هو مراعى بالأداء، فإن أدّى تبيّن العتق من حينه وإلّا تبيّن الرقّ(8). و فيه جمع بين الأدلّة، و تحرّز من الإضرار المدّعى.

و قال ابن إدريس:ينعتق بالإعتاق(9)، أي باللفظ المقتضي لعتق نصيبه؛ لأنّ ذلك هو

ص: 358


1- المبسوط، ج 4، ص 421.
2- الدروس الشرعية، ج 2، ص 170(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- الخلاف، ج 1، ص 359، المسألة 1.
4- المقنعة، ص 550.
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 197، الرقم 5643.
6- الدروس الشرعية، ج 2، ص 170(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10)
7- الكافي، ج 1، ص 183، باب المملوك بين شركاء، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 221 ، ح 791؛ الاستبصار، ج 4، ص 4 ، ح 13.
8- المبسوط، ج 4، ص 421.
9- السرائر، ج 3، ص 16.

...

مقتضى السراية، و مدلول الأخبار الدالّة عليها، كقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم:«إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كلّه»(1)، و يروی «فهو حرّ كلّه»(2)، و يروى «فهو عتيق»(3) ، و قول عليّ علیه السلام:«هو حرّ ليس لله شريك»(4)، و قول الصادق علیه السلام في رواية سليمان بن خالد(5) و غيره(6)، أنّه قال:«قد أفسد على صاحبه» و الإفساد إنّما حصل بالعتق.

و توقّف العلّامة في كثير من كتبه(7) و ولده(8) و الشهيد في الشرح(9)، مع أنّه رجّح في الدروس اعتبار الأداء(10)، لصحيحة ابن قيس(11).

و فيه نظر؛ لأنّ ابن قيس الذي يروي عن الباقر علیه السلام مشترك بين الثقة(12) و غيره(13)، فلا تكون الرواية صحيحةً مطلقاً، وإنّما صحّتها إضافيّة بالنسبة إلى غيره، و ذلك غير كافٍ في الحكم بها حيث يعتبر الصحيح أو يعارض غيره.

و الحقّ أنّ الأخبار من الجانبين ليست من الصحيح، و الأخبار الدالّة على اعتبار وقت العتق أكثر.

ص: 359


1- تلخيص الحبير، ج 4، ص 212، ح 2148؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 466، ح 21331؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 25، ح 3943؛ الحاوي الكبير، ج 18، ص 9.
2- أورده السيّد في الانتصار، ص 375، المسألة 217.
3- تلخيص الحبير ج 4، ص 212، ح 2148.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 228، ح 824؛ الاستبصار، ج 4، ص 6، ح 8.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 220 ، ح 790؛ الاستبصار، ج 4، ص 4، ح 11.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 221 ، ح 793؛ الاستبصار، ج 4، ص 3، ح 9.
7- منها قواعد الأحكام، ج 3، ص 206؛ وإرشاد الأذهان، ج 2، ص 70.
8- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 499.
9- غاية المراد، ج 3، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)
10- الدروس الشرعية، ج 2، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10)
11- الكافي، ج 6، ص 183 ، باب المملوك بين شركاء...، ح3.
12- و هو محمّد بن قيس الأسدي راجع خلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 86.
13- هو محمّد بن قيس بن أحمد. راجع خلاصة الأقوال، ص 400، الرقم 1611.

...

إذا تقرّر ذلك، فيتفرّع على الأقوال فروع:

منها: ما تقدّم من عتق اثنين من الشركاء الثلاثة مترتّبين(1)، فإن قلنا ينعتق بالإعتاق قوّم على المعتق أوّلاً.

وإن قلنا بالأداء و لم يكن الأوّل أدّى قوّم عليهما.

وإن قلنا بالمراعاة احتمل تقويمه عليهما أيضاً؛ لأنّ عتق الثاني صادف ملكاً فوقع صحيحاً فاستويا في الحصّة الأخرى، و تقديم الأوّل؛ لأنّه بالأداء تبيّن انعتاق نصيب الشريك قبل أن يعتق فوقع عتقه لغواً. و في الأوّل قوّة.

ومنها اعتبار القيمة، فإن قلنا يعتق بالإعتاق اعتبرت من حينه قطعاً. و كذا إذا قلنا بالمراعاة و الكشف.

و إن قلنا بالأداء، فوجهان، من أنّ التلف يحصل بالأداء فلايعتبر قبله، و من أنّ الحجر

على المالك يحصل يوم العتق، و هو الذي اختاره المصنّف فيما تقدّم، و علّله بالحيلولة(2).

و فى المسألة وجه ثالث باعتبار أقصى القيم من يوم الإعتاق إلى يوم الأداء؛ لأنّ الإعتاق سبب يدوم أثره إلى التلف، فيكون بمثابة جراحة العبد ثمّ يموت بعد مدّة، فإنّه يعتبر أقصى قيمة من حين جرحه إلى موته. و قد تقدّم أنّ هذا الضمان بمنزلة ضمان الإتلاف(3).

و منها: إذا أعسر المعتِق بعد الإعتاق و قبل أداء القيمة، فإن أثبتنا السراية بنفس الإعتاق فالقيمة في ذمّته، و إن قلنا بالآخرين لم يعتق نصيب الشريك. أمّا موته فلايؤثّر على الأقوال. أمّا على التعجيل فظاهر. و أمّا على التوقّف فلأنّ القيمة تؤخذ من تركته كالدين، و الإعتاق صار مستحقّاً عليه في حال الحياة، و قديوجد سبب الضمان في الحياة و يتأخّر الوجوب عنها، كمن حفر بئراً في محلّ عدواناً فتردّى فيها بهيمة أو إنسان بعد موته

ص: 360


1- تقدّم في ص 356.
2- تقدّم في ص 357.
3- تقدّم في ص 356 - 357.

...

و منها: إذا مات العبد قبل أداء القيمة، فإن قلنا يحصل بالإعتاق مات حرّاً موروثاً منه، و يؤخذ قيمة نصيب الشريك.

و إن قلنا بالتبيّن وقف إلى أداء القيمة، فإذا أدّيت بان أنّ الأمر كذلك.

وإن قلنا بتأخّر السراية إلى وقت الأداء فوجهان:

أظهرهما أنّها تسقط؛ لأنّ وجوب القيمة لتحصيل العتق و الميّت لايعتق.

و الثاني المنع؛ لأنّه مال استحقّ فى الحياة فلايسقط بالموت، و على هذا فتبيّن بالأداء أنّ

العتق حصل قبل موته، و بهذا يظهر ضعفه.

و منها: إذا أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة لم ينفذ إن أثبتنا السراية في الحال. وإن

أخرّناها إلى أداء القيمة فوجهان:

أحدهما: أنّه لاينفذ أيضاً؛ لأنّ المعتق استحقّ أن يتملّكه بالقيمة ليعتق عليه و يكون ولاؤه له، و لايجوز صرف العتق عن المستحقّ إلى غيره.

والثاني: أنّه ينفذ؛ لمصادفته الملك، و لأنّ المقصود تكميل العتق و قد حصل و أغنى عن

التكليف بأداء القيمة. و هذا أقوى.

ثمّ إن قلنا بنفوذ الإعتاق ففي نفوذ البيع و الهبة و نحوهما وجهان، من أنّه مالك، و من الحجر عليه في مثل هذه التصرّفات، و إنّما أجزنا العتق لموافقته لمطلوب الشارع منه. و هذا أقوى.

و منها:لو وطئ الشريك الجارية قبل أداء القيمة. فعلى القول بتعجيل السراية(1) يكون كوطء الحرّة، فيلزمه حكمه في حالتي الاختيار و الإجبار، وإن قلنا بتوقّفه على الأداء وجب نصف المهر بنصفها الحرّ مع الإكراه.

و على القول بالمراعاة(2) يحتمل ذلك أيضاً، لكونها حال الوطء مملوكة له، و ثبوت جميعه

ص: 361


1- القائل به ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 15 - 16.
2- القائل به الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 421.

. و لو هرب المعتِق صُبّر عليه حتّى يعود. و إن أعسر أُنظر إلى الإيسار.

. و لو اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق. و قيل: القول قول الشريك لأنّه ينتزع نصيبه من يده.

لها بعد الأداء لانكشاف كونها حرّة حينئذٍ. و لا حدّ من جهة الحصّة؛ لحصول الشبهة بالاختلاف في ملكه. و فروع الباب كثيرة تتنبّه ممّا ذكرناه على غيره.

قوله:«و لو هرب المعتق صُبّر عليه حتّى يعود. وإن أعسر أُنظر إلى الإيسار».

الحكم في ذلك متفرّع على الخلاف السابق، فإن قلنا بعتقه معجّلاً بالإعتاق كانت القيمة

ديناً عليه، فإن أدّاها برئ، وإن هرب أو أعسر انتظر وقت الإمكان. و هو واضح.

وإن قلنا بتوقّفه على الأداء- كما اختاره المصنّف - فمقتضى تفريعه أنّ الحكم كذلك، بمعنى أنّ حقّ المعتِق لايبطل بذلك بل يستمرّ إلى أن يمكن الأداء؛ لوجود السبب الموجب له و هو الإعتاق، وإن توقّف على شرط آخر أو على تمام السبب فلايكون كالحقّ الفوري يبطل بالتأخير، و حينئذٍ فيبقى بالنسبة إلى الشريك رقيقاً إلى أن يؤدّي إليه القيمة. و هل يرتفع الحجر عنه بذلك؟

يحتمله؛ حذراً من تعطيل ملكه عليه بغير بدل، و من أنّ علّيّة العتق قد ثبتت فيلزم، و الفائدة في المنع من نقله عن الملك ببيع و نحوه لا في استخدامه.

قوله: «ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق. و قيل: القول قول الشريك» إلى آخره.

إذا اختلفا في قيمة الشقص- فقال المعتِق: قيمته مائة، و قال الشريك:بل مائتان - فإن كان المملوك حاضراً و العهد قريب، أو قلنا: إنّ المعتبر قيمته وقت الأداء، فصل الأمر بمراجعة المقوّمين. و إن مات العبد أو غاب أو تقادم العهد و اعتبرنا قيمته يوم العتق ففي المصدَّق منهما باليمين قولان:

أحدهما - و هو الذي اختاره المصنّف(رحمه الله)- أنّه المعتِق؛ لأنّه الغارم، كما إذا اختلف المالك و الغاصب في قيمة المغصوب بعد تلفه، فإنّ الغاصب مصدَّق، و لأصالة البراءة

من الزائد.

ص: 362

• ولو ادّعى المعتِق فيه عيباً فالقول قول الشريك.

• و اليسار المعتبر هو أن يكون مالكاً بقدر قيمة نصيب الشريك، فاضلاً عن قوت يومه وليلته.

و الثاني: أنّ المصدَّق الشريك(1)؛ لأنّ المعتق يتملّك عليه قهراً، فيصدّق المتملك عليه، و لاينتزع من يده إلّا بما يرضيه، كما إذا اختلف الشفيع و المشتري في الثمن المأخوذ به فإن المصدَّق المشتري.

و ربما بني القولان على الخلاف السابق، فإن قلنا:إنّ السراية تتعجّل بالعتق فالمصدَّق المعتِق؛ لأنّه غارم. وإن قلنا تتأخّر فالمصدَّق الشريك؛ لأنّ ملكه باقٍ، فلاينتزع إلّا بما يقوله، كما في المشتري مع الشفيع.

و المصنّف مع حكمه بتأخّر العتق إلى الأداء قدّم قول المعتِق خلاف البناء المذكور.

و وجهه أنّه المنكر حقيقةً، حيث إنّ الأصل عدم الزيادة على التقديرين. و هو حسن.

قوله:«و لو ادّعى المعتِق فيه عيباً فالقول قول الشريك».

إنّما يقدّم قول الشريك مع أنّ العيب يوجب نقص القيمة و قد يقدّم قول الغارم فيها؛ لأنّ

الأصل عدم العيب و كون المملوك على الخلقة الأصليّة.

و لا فرق بين دعواه العيب في أصل الخلقة بأن قال:كان أكمه أو أخرس، فقال الشريك:بل كان بصيراً ناطقاً، و بين دعواه حدوث العيب بعد السلامة، بأن زعم ذهاب بصره أو كونه آبقاً أو سارقاً، بل الحكم في الثاني أولى؛ لأصالة عدم حدوث العيب مع اتّفاقهما على عدمه في الابتداء.

قوله:«و اليسار المعتبر هو أن يكون مالكاً بقدر قيمة نصيب الشريك» إلى آخره.

ليس المراد من الموسر - في هذا الباب - الذي يعدّ من الأغنياء عرفاً، بل المراد به من يملك من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه و إن لم يملك غيره؛ لظاهر الخبر الذي تقدّم من

ص: 363


1- هو قول الشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 262 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).

. و لو ورث شقصاً ممّن ينعتق عليه، قال في الخلاف:يقوّم عليه. و هو بعيد.

قوله صلّی الله علیه وآله و سلّم:«و له مال قوّم عليه الباقي»(1). فيصرف في هذه الجهة كلّ ما يباع و يصرف في الديون ممّا زاد عن قوت يومه له و لعياله الواجبي النفقة و دست ثوب.

و ظاهر العبارة أنّه لايُستثنى له المسكن و الخادم، و الأقوى استثناؤهما كما يُستثنيان في الدين؛ لأنّ هذا من جملته.

و إطلاق العبارة أيضاً يشمل ما إذا كان عليه دين مثل ما يملكه وأكثر، فلايمنع الدين السراية. و هو أحد القولين في المسألة(2)؛ لأنّه مالك لما في يده نافذ التصرّف فيه، حتّى لو اشترى به عبداً فأعتقه نفذ، فكذلك يجوز أن يقوّم عليه، و عموم الخبر السابق يشمله، و الشريك حينئذٍ أسوأ(3) الغرماء؛ و لأنّه لو طالبه صاحب الدين وجب عليه إيفاؤه وإن كان للباقين ما يستغرق ماله، فلو كان وجود الدين المستغرق يجعله معسراً لحرمت مطالبته على كلّ واحد منهم كما تحرم مطالبة المعسر و العتق أولى؛ لأنّه مبنيّ على التغليب.

و وجه القول بكونه معسراً التحاقه بالفقراء؛ و لذلك تحلّ له الزكاة.

و فيه منع الملازمة، فإنّ استحقاق الزكاة لايستلزم الإعسار بل هو أعمّ و الملك متحقّق. ويفهم من قوله أن يكون مالكاً بقدر قيمة نصيب الشريك» أنّه لو ملك البعض لانفكّ. و هو أحد القولين في المسألة. و أجودهما عتق الميسور منه وإن قلّ لعموم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(4)، و خصوص قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«و له مال قوّم عليه الباقي»(5).

قوله:«و لو ورث شقصاً ممّن ينعتق عليه، قال في الخلاف: يقوّم عليه. و هو بعيد».

ص: 364


1- تقدّم في ص 353 مع تخريجه في الهامش 1.
2- و هو قول العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 205؛ و راجع التنقيح الرائع، ج 3، ص 452.
3- في بعض النسخ : «أسوة» بدل «أسوأ».
4- صحيح مسلم ج ،4، ص 1830، ح 1337/130؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 3، ح 2؛ سنن النسائي، ج 5، ص 112 ، ح 2615.
5- راجع الهامش 1.
لو أوصى بعتق بعض عبده و ليس له غيره

• ولو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه و ليس له غيره لم يقوّم على الورثة باقيه. و كذا لو أعتقه عند موته أُعتق من الثلث، و لم يقوّم عليه.

المشهور بين الأصحاب أنّ من شرط السراية وقوع العتق بالاختيار؛ لأنّ قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم:«من أعتق»(1) و نحوه يعطي مباشرة العتق، و هو المعنيّ بالاختيار، و لأنّ الأصل عدم وجوب التقويم إلّا ما أخرجه الدليل، و لم يدلّ إلّا على المباشرة، فلايرد أنّ دلالته على نفي السراية فيما عداه من باب مفهوم الخطاب، و لما تقدّم من أنّ التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات(2). و لم يوجد منه في غير الاختياري صيغ(3) و لا قصد إتلاف، بخلاف ما لو اشترى و نحو ذلك من الأسباب الصادرة بالاختيار؛ فإنّ فعل السبب كفعل المسبّب.

وقال الشيخ في الخلاف يسري وإن ملكه بغير اختياره كالإرث؛ محتجّاً بالإجماع و الأخبار(4)مع أنّه في المبسوط ذهب إلى القول الأوّل(5). و هو المعتمد.

قوله:«و لو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه و ليس له غيره» إلى آخره.

أمّا عدم عتقه على الوارث على تقدير إعتاقه له بعد موت المورّث؛ فلأنّه لم يعتقه عن نفسه، وإنّما أعتقه عن المورّث فلا وجه للسراية عليه، و لا على الميّت و إن كان وقت الوصيّة موسراً؛ لانتقال التركة إلى الوارث بالموت فصار عند الإعتاق معسراً، فلايقوّم على من لايملك شيئاً وقت نفوذ العتق، كما لو وکلّ في عتق الشقص و هو موسر فأعتقه الوكيل بعد أن أعسر. و للشيخ قول بالسراية عليه إن وسعه الثلث(6)؛ لرواية أحمد بن زياد(7)، عن أبي الحسن علیه السلام(8).

ص: 365


1- تقدّم تخريجه في ص 353، الهامش 1.
2- تقدّم في ص 356 - 357.
3- في بعض النسخ: «صنع» وفي بعضها: «الاختيار منع» بدل الاختياري صيغ».
4- الخلاف، ج 6 ، ص 368، المسألة 7.
5- المبسوط، ج 4، ص 438.
6- النهاية، ص 616-617.
7- في حاشية «و»: «أحمد بن زياد مشترك بين الثقة وغيره. (منه رحمه الله)».
8- الكافي، ج 7، ص 20، باب من أوصى بعتق أو صدقة، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 222، ح 872.

. والاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة، و بالمنجّز عند الإعتاق. و الاعتبار في قيمة التركة بأقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض؛ لأنّ التالف بعد الوفاة غير معتبر و الزيادة مملوكة للوارث.

و مال إليه في الدروس؛ محتجّاً بسبق السبب على الموت(1). و في طريق الرواية ضعف(2).

و أمّا إذا أعتقه المريض؛ فلانّه محجور عليه فيما زاد على الثلث، فكان في غير الثلث معسراً، فلايسري عليه وإن باشر العتق.

و لو كان له فيه شريك فأعتق المريض نصيبه نظر إن خرج جميع العبد من الثلث قوّم عليه نصيب الشريك و عتق؛ لأنّ تصرّف المريض في ثلث ماله كتصرّف الصحيح. و إن لم يخرج إلّا نصيبه عتق نصيبه و لا تقويم. وإن خرج نصيبه و بعض نصيب الشريك قوّم عليه ذلك القدر على الخلاف.

و بالجملة فالمريض بالنسبة إلى الثلث كالصحيح في الکلّ، و فيما زاد على الثلث معسر. قوله:«و الاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة إلى آخره.

لمّا كان المريض و الميّت محجورين عمّا زاد عن الثلث اعتبر يساره عند نفوذ عتق الشقص في ثبوت السراية. فإذا كان قد أوصى بعتق الشقص فالاعتبار بقيمته عند الوفاة؛ لأنّ ذلك هو وقت خروجه عن الوارث و انتقال التركة إليه، فيعتبر وصول مثليه إليه.

وإن كان قد نجّز عتقه في المرض فالعبرة بقيمته عند الإعتاق؛ لأنّه وقت خروجه عن ملكه المعتبر في نفوذه بقاء مقدار ضعفه للوارث. ثمّ لايعتبر وجود الضعف حينئذٍ؛ لاحتمال أن يتلف قبل موت المريض، بل المعتبر قيمته عند قبضه إيّاه.

فلو فرض أن لم يكن له مال عند العتق ولكن تجدّد قبل موته مقدار ذلك نفذ العتق. و لو انعكس فتلف المال قبل الموت، أو بعده قبل قبض الوارث له لم يحتسب عليه.

ولو كان عند الموت بقدر ضعفه ثمّ تجدّد له زيادة نماء بحيث يقابل حصّة الشريك

ص: 366


1- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 168 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- راجع رجال الشيخ الطوسي، ص 332، الرقم 4943؛ وخلاصة الأقوال، ص 319، الرقم 1251.

...

و ضعفها لم يسر؛ لأنّ الزيادة ملك الوارث؛ لانتقال التركة إليه بالموت. و بهذا ظهر أنّ المعتبر في التركة أقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث.

و للعلامة قول ب-:«أنّ العتق المنجّز و المؤخّر سواء في اعتبار القيمة عند الموت إن نقصت قيمة المنجّز؛ لأنّه لو بقي عبداً لم يتحفّظ على الورثة سوى قيمته الناقصة، فلم يتلف عليهم أكثر منها. و أمّا إن زادت القيمة كانت بمنزلة الكسب؛ للعلم بعتق شيء منه وقت الإعتاق، فإذا زادت قيمة المعتَق لم يحسب من التركة و لا عليه، و أمّا الرق فتحسب زيادته منها. فإن خلّف ضعف قيمته الأُولى من غيره فصاعداً عتق كلّه. وإن خلّف أقلّ أو لم يخلّف شيئاً حسب نصيب الرقّيّة من التركة، فتكثر التركة فيكثر العتق فيقلّ الرقّ فتنقص التركة، فيقلّ العتق، و ذلك دور. فلو كانت قيمته وقت العتق مائة فصارت عند الوفاة إلى مائتين و لم يخلّف سواه قلنا: عتق منه شيء، و له من زيادة القيمة شيء، و للورثة شيئان بإزاء العتق. فهو في تقدير أربعة أشياء، فيعتق منه نصفه الذي هو الآن يساوي مائة و قد كان يساوي خمسين، و للورثة نصفه الذي يساوي مائة و هو ضعف ما عتق منه. و لو بلغت قيمته ثلاثمائة قلنا: عتق منه شيء، و له من زيادة القيمة شيئان، و للورثة شيئان ضعف ما عتق منه. فيصير في تقدير خمسة أشياءٍ ثلاثة له و اثنان للورثة، فيعتق منه مائة و ثمانون، و للورثة مائة و عشرون.

و لو صارت قيمته مائتين، و خلّف السيّد مائة غيره قلنا:عتق منه شيء، و له من نفسه باعتبار زيادة القيمة شيء آخر، و للمولى منه و من المائة شيئان ضعف ما انعتق منه. فالمجموع في تقدير أربعة أشياءٍ شيئان للعبد من نفسه، و شيئان للورثة منه و من المائة. فالشيء خمسة و سبعون فينعتق منه ثلاثة أرباعه و تسلم المائة و الربع الآخر للورثة. و على هذا».(1)

ص: 367


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 65 - 66، المسألة 23.

. و لو أعتق الحامل تحرّر الحمل و إن استثنى رقّه، على رواية السكوني عن أبي جعفر علیه السلام. و فيه إشكال منشؤه عدم القصد إلى عتقه.

و لو فرض نقصان قيمة المنجّز عند الوفاة عنها عند الإعتاق فعلى قول العلّامة لايتغيّر الحكم لو لم يكن غيره، و اعتبرت القيمة عند الوفاة، وإن كان له غيره اعتبر ضعف قيمته الآن. و على ما ذكره المصنّف يلزم الدور؛ لأنّ التركة معتبرة بالوفاة، فلايحصل للوارث ضعف ما عتق؛ لأنّ المعتق منه ثلثه، فلو كانت قيمته عند الإعتاق مائة فرجعت إلى خمسين، فثلثه يساوي عند الإعتاق ثلاثة وثلاثين وثلثاً، فيجب أن يكون لهم ضعفها عند الوفاة، و هو متعذّر؛ لأنّ الباقي منه نصف ما عتق، فينقص العتق عن الثلث، و كلّ ما فرض عتق كان للوارث ضعفه، فيكثر نصيب الوارث بقلّة العتق، و يكثر العتق بكثرة النصيب، فيقلّ النصيب.و هكذا. فنقول:عتق منه شيء ثمّ عاد إلى نصف شيء، فبقي العبد في تقدير خمسين إلّا نصف شيء يعدل ضعف ما عتق، فيكون الخمسون إلّا نصف شيء تعدل شيئين، فإذا جبرت و قابلت صارت خمسين كاملةً تعدل شيئين و نصفاً، فالشيء عشرون. و لمّا حكمنا برجوع الشيء إلى نصف شيء تبيّنّا أن المعتَق خُمسه؛ لأنّ نصف شيء هو خُمس شيئين و نصف، و كان قيمة النصف - و هو خُمس العبد - عشرين يوم الإعتاق و عاد إلى عشرة، و بقي للورثة أربعة أخماسه، و قيمته يوم الموت أربعون، و هو ضعف قيمة الجزء المعتَق منه يوم الإعتاق.

قوله:«و لو أعتق الحامل تحرّر الحمل وإن استثنى رقّه، على رواية السكوني عن أبي جعفر علیه السلام. و فيه إشكال منشؤه عدم القصد إلى عتقه».

المشهور بين الأصحاب أنّ عتق الحامل لايسري إلى الحمل و بالعكس؛ لأنّ السراية في

الأشقاص لا في الأشخاص.

و ذهب الشيخ في النهاية(1)، و جماعة (2) إلى تبعيّة الحمل لها في العتق وإن استثناه؛ استناداً

ص: 368


1- النهاية، ص 545.
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 342؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 361؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 474.

تفریع

إذا ادّعى كلّ واحدٍ من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه

. إذا ادّعى كلّ واحدٍ من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه كان على كلّ واحدٍ منهما اليمين لصاحبه، ثمّ يستقرّ رقّ نصيبهما.

إلى رواية السكوني عن الصادق، عن الباقر علیهما السللام في رجل أعتق أمةً و هي حبلى فاستثنى ما في بطنها قال:«الأمة حرّة و ما في بطنها حرّ؛ لأنّ ما في بطنها منها»(1).

و ضعف الرواية(2)، و موافقتها لمذهب العامّة(3) يمنع من العمل بمضمونها. فالعمل على المشهور؛ لانفصاله عنها، فلاينعتق إلّا مع القصد إلى عتقه كما لو كان منفصلاً.

قوله:«إذا ادّعى كلّ واحدٍ من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه» إلى آخره.

إذا ادّعى كلّ واحدٍ من الشريكين الموسرين على صاحبه أنّك أعتقت نصيبك، و طالبه بالقيمة و أنكر صاحبه، فكلّ واحدٍ منهما مصدّق بيمينه فيما أنكره. و إذا حلفا فلا مطالبة بالقيمة.

ثمّ إن أوقفنا العتق على الأداء-كما اختاره المصنّف - أو قلنا بالتوقّف و التبيّن فالعبد رقيق كما كان. و هذا هو الذي جزم به المصنّف تفريعاً على مذهبه.

و إن قلنا بتعجيل السراية عُتق جميع العبد؛ لاعتراف كلّ منهما بسراية العتق إلى نصيبه.

و لو كان المدّعي أحدهما خاصّةً على الآخر، فأنكر و لابيّنة فالمصدَّق المنكر أيضاً مع يمينه. فإن حلف رقّ نصيبه، وإن نكل حلف المدّعي اليمين المردودة و استحقّ القيمة. و هل يحكم بعتق نصيب المدّعى عليه حينئذٍ؟ وجهان، من أنّ اليمين المردودة إمّا كالبيّنة على المدّعى عليه أو كإقراره و كلاهما يوجب العتق، و من أنّ الدعوى إنّما توجّهت عليه بسبب القيمة، وإلّا فلا معنى للدعوى على إنسان بأنّه أعتق عبده وإنّما ذلك من وظيفة العبد، و هذا أقوى.

ص: 369


1- الفقيه، ج 3، ص 142، ح 3525؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 236، ح 851.
2- راجع خلاصة الأقوال، ص 316 ، الرقم 1238.
3- انظر بدائع الصنائع، ج 4 ص 72 - 73؛ و بداية المجتهد، ج 2، ص 370؛ و روضة الطالبين، ج 10، ص 223.

...

ثمّ لو شهد هذا المدّعي مع آخر ثبت العتق بشهادة الحسبة، و أمّا نصيب المدّعي فيبني عتقه على أنّ السراية هل تعجّل أو تتوقّف على الأداء؟ فعلى الأوّل يعتق؛ لاعترافه بسراية إعتاق المدّعى عليه إلى نصيبه، سواء حلف المدّعى عليه أم نكل. و إن قلنا بالتوقّف بقي إلى أن يأخذ القيمة.

و إذا أعتق نصيبه لم يسر إلى نصيب المنكر و إن كان المدّعي موسراً؛ لأنّه لم ينشئ العتق، فأشبه ما إذا ادّعى أحد الشريكين على رجل أنّك اشتريت نصيبي و أعتقته، و أنكر المدّعى عليه، فإنّه يعتق نصيب المدّعي و لايسري؛ و لأنّ نصيبه عتق لا باختياره بل قضيّةً لقوله: أعتقت نصيبك، فكان كما لو ورث بعض من يعتق عليه.

و لو كان المدّعى عليه معسراً، و أنكر و حلف لم يعتق شيء من العبد. فإن اشترى المدّعي

نصیب شریکه بعد ذلك عتق ما اشتراه؛ لإقراره بأنّه أعتقه، و لايسري إلى الباقي.

و لو كان المتداعيان في الصورة الأُولى معسرين لم يعتق أيضاً، إلّا أن يشتري أحدهما نصيب الآخر فيحكم بعتق ما اشتراه؛ لاعترافه بأنّ شريكه أعتقه، و لايسري؛ لأنّه لم ينشئ إعتاقاً. لكن على تقدير إعسارهما يخرج العبد من أيديهما و يستسعى في قيمته لهما؛ لاعتراف كلّ منهما بأنّ نصيبه محلّ لاستسعاء العبد في فكّه بسبب ادّعائه عتق الآخر و عدم السراية، بخلاف ما إذا كانا موسرين، فإنّه يدّعي استحقاق القيمة في ذمّة شريكه فلايأخذها من المملوك و يحتمله؛ تنزيلاً لتعذّر الأداء منزلة الإعسار.

و لو كان أحدهما موسراً و الآخر معسراً عتق نصيب المعسر خاصّةً إن قلنا بتعجيل السراية؛

لاتّفاقهما عليه، أما من الموسر فبدعوى المباشرة، و أما من المعسر فبدعوى السراية.

و لو شرطنا الأداء أو جعلناه كاشفاً لم يعتق نصيب المعسر، أمّا نصيب الموسر فلايعتق

مطلقاً؛ لإنكاره المباشرة.

و دعواه عتق المعسر لايقتضي السراية لفقد شرطها. و لاتقبل شهادة المعسر عليه؛ لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعاً، لكنّه يحلف و يبرأ من القيمة و العتق.

ص: 370

. وإذا دفع المعتِق قيمة نصيب شريكه، هل ينعتق عند الدفع أو بعده؟ فيه تردّد. و الأشبه أنّه بعد الدفع؛ ليقع العتق عن ملك. و لو قيل:بالاقتران كان حسناً

و إذا شهد بعض الورثة بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه. فإن شهد آخر و كانا مرضيّين نفذ العتق فيه کلّه، و إلّا مضى في نصيبهما، و لايکلّف أحدهما شراء الباقي.

قوله:«و إذا دفع المعتِق قيمة نصيب شريكه، هل ينعتق عند الدفع أو بعده؟» إلى آخره.

هذا أيضاً من فروع الخلاف في تعجيل السراية و توقّفها، فإن قلنا بتعجيلها ترتّبت على العتق بغير فصلٍ. و كذا إن قلنا بالمراعاة مع كون الأداء كاشفاً عن سبقه. أمّا على ما اختاره المصنّف من اشتراطه بالأداء ففى وقت الحكم بالسراية قولان:

أحدهما - و هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط(1)- أنّها تقع بعد أداء القيمة ليقع العتق عن ملك؛ لعموم قوله صلّی الله علیه وآله و سلّم:«لا عتق إلّا في ملك»(2) أو«بعد ملك»(3). و لأنّ الولاء يثبت له و هو يقتضي وقوعه في ملك.

و الثاني - و هو الذي مال إليه المصنّف - أنّهما يقعان معاً و يكون الملك قبل تمام الدفع

ضمنيّاً كما في عتق المأمور. و هذا حسن

ويجيء على القول بتعجيل السراية توجّه الحكم بعتقهما معاً أيضاً من غير تأخّر السراية

عنه؛ لما ذكر لظاهر قوله علیه السلام:«هو حرّ کلّه ليس لله شريك»(4)

قوله:«و إذا شهد بعض الورثة بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه» إلى آخره.

المراد أنّه شهد بعتق المورّث له، و لذلك لم يسر عليه؛ لأنّه لم يعترف بالمباشرة التي هي

ص: 371


1- المبسوط، ج 4، ص 424 - 425.
2- أورده ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 4 ص 39: وكذا في عوالي اللالي، ج 3، ص 421، ح 3.
3- الكافي، ج 6، ص 179، باب أنّه لا عتق إلّا بعد ملك، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 774؛ الاستبصار، ج 4، ص 5، ح 15.
4- تقدّم تخريجه في ص 353، الهامش 3.

العتق بالملك

اشارة

و أمّا الملك: . فإذا ملك الرجل أو المرأة أحد الأبوين و إن علوا، أو أحد الأولاد - ذكراناً أو إناثاً - و إن نزلوا انعتق في الحال. و كذا لو ملك الرجل إحدى المحرّمات عليه نسباً.

و لاينعتق على المرأة سوى العمودين.

شرط السراية عليه. وإنّما قبل في نصيبه لأنّه يستلزم الإقرار به وإن كان بصورة الشهادة؛ لأنّ الإقرار لايختصّ بلفظٍ بل ما دلّ عليه و هو حاصل بالشهادة.

و لو شهد على هذا الوجه شاهدان من الورثة عدلان، ثبت العتق في حقّهما و حقّ باقي

الورثة؛ لوجود المقتضي لقبول الشهادة و انتفاء المانع.

و لو لم يكونا مرضيّين - أعني مقبولي الشهادة - نفذ الإقرار في نصيبهما خاصّةً. و كذا لو كانا أزيد من اثنين. و ليس للعبد أن يحلف مع الواحد منهما بناءً على أنّ العتق لايثبت بالشاهد و اليمين على المشهور. و كذا في المسائل السابقة.

و في القواعد حكم بثبوته بحلف العبد مع الشاهد في هذه المسائل(1)، و وافق على عدم الصحّة في باب الشهادات(2).

قوله: «فإذا ملك الرجل أو المرأة أحد الأبوين وإن علوا» إلى آخره.

من ملك أحد أُصوله أو أحد أولاده وإن نزلوا - ذكوراً وإناثاً - عتقوا عليه. و يزيد الرجل أنّه يعتق عليه محارمه من النساء.

و الأصل فيه قول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم:«لا يجزئ ولد والده إلّا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه»(3) يعني بالشراء.

ص: 372


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 209 و 236.
2- انظر قواعد الأحكام، ج 3، ص 449.
3- مسند أحمد، ج 2، ص 458 ، ح 7103؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1148 . ح 1510/25؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1207، ح 3659؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 335، ح 513؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 487 - 488. ح 21414 بتفاوت يسير.

. و لو ملك الرجل من جهة الرضاع من ينعتق عليه بالنسب، هل ينعتق عليه؟

قيل و فهم من قوله تعالى:«وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا» إلى قوله:«إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا»(1)، و من قوله تعالى:«وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ»(2) أنّ الولادة و العبوديّة لايجتمعان.

و روی محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أبي جعفر علیه السلام قال:«لايملك الرجل والديه و لا ولده و لا عمته و لا خالته، و يملك أخاه و غيره من ذوي قرابته من الرجال»(3).

و روي عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال:«كلّ أحدٍ إلّا خمسة: أبوها و أُمّها و ابنها، و ابنتها و زوجها»(4)، و غير ذلك من الأخبار(5) .

و المراد بالملك المنفيّ عن المذكورين الملك المستقرّ، و إلا فأصل الملك متحقّق في

الجميع، و من ثَمّ ترتّب عليه العتق المشروط بالملك.

و لا فرق بين أن يدخل القريب في ملكه قهراً كالإرث، و اختياراً بعقد معاوضة كالشراء، و بغيره كالهبة و الوصيّة.

و فرّق بين عتق القريب و السراية - حيث لم تثبت السراية إلّا عند الاختيار - بأنّ العتق صلة و إكرام للقريب فلايستدعي الاختيار، و السراية توجب التغريم و المؤاخذة، و إنّما يليق ذلك بحالة الاختيار.

قوله:«و لو ملك الرجل من جهة الرضاع من ينعتق عليه بالنسب» إلى آخره.

اختلف الأصحاب تبعاً لاختلاف الروايات في أنّ من ملك من الرضاع من ينعتق عليه لو

ص: 373


1- مريم (19): 92 و 93.
2- الأنبياء (21): 26.
3- الكافي، ج 1، ص 177، باب ما لا يجوز ملكه من القرابات، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 240، ح 868؛ الاستبصار، ج 4، ص 15 ، ح 44.
4- الكافي، ج 6، ص 177، باب ما لا يجوز ملكه من القرابات، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 242، ح 873؛ الاستبصار، ج 4، ص 16، ح 49.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 18 وما بعدها، الباب 7 من أبواب كتاب العتق

فيه روايتان أشهرهما العتق.

كان بالنسب هل ينعتق أم لا؟ فذهب الشيخ(1) و أتباعه(2) و أكثر المتأخّرين غير ابن إدريس - إلى الانعتاق لصحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة ترضع غلاماً لها من مملوكة حتى فطمته، هل يحلّ لها بيعه؟ قال:«لا، حرم عليها ثمنه، أليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ أليس قد صار ابنها؟»(3).

و صحيحة الحلبي عنه علیه السلام في امرأة أرضعت ابن جاريتها، قال:«تعتقه»(4).

و رواية أبي بصير عنه علی السلام:«لايملك أُمّه من الرضاعة و لا أُخته و لا عمّته و لا خالته الرضاعة، إذا ملكهم عتقوا، و قال: يُملك الذكور ما عدا الولد و الوالدين، و لايُملك من النساء ذات محرم» قلت و كذلك يجري في الرضاع؟ قال:«نعم».(5)

و قال:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(6). وغير ذلك من الأخبار الكثيرة(7).

و ذهب المفيد(8) و ابن أبي عقيل(9) و سلّار(10) و ابن إدريس(11) إلى عدم الانعتاق؛ لرواية

ص: 374


1- و في حاشية «خ ، و»: «هذا القول مذهب الشيخ في كتبه الثلاثة الفروعيّة، ونقله الشهيد في شرح الإرشاد عن النهاية و الخلاف خاصّةً، و لا وجه له؛ لأنّه قطع به في المبسوط من غير نقل خلاف.(منه رحمه الله)». راجع المبسوط، ج 4، ص 438؛ والخلاف، ج 1، ص 367، المسألة 5: والنهاية، ص 540؛ وغاية المراد، ج 2، ص 51 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).
2- الوسيلة، ص 340؛ المهذّب، ج 2، ص 356؛ إصباح الشيعة، ص 471 - 472.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244، ح 880؛ الاستبصار، ج 4، ص 18، ح 56.
4- الكافي، ج 6 ، ص 178، باب ما لا يجوز ملكه من القرابات، ح 5.
5- الفقيه، ج 3، ص 113 - 114 ، ح 3438؛ الاستبصار، ج 4، ص 17 . ح 53 ؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 243، ح 877.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244، ذيل الحديث 879.
7- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 22 ، الباب 8 من أبواب كتاب العتق.
8- المقنعة، ص 544 - 545 و 599.
9- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 236، المسألة 207.
10- المراسم، ص 176.
11- السرائر، ج 3، ص 8.

...

أبي جميلة عن أبي عتيبة قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام:غلام بيني و بينه رضاع يحلّ لي بيعه؟ قال:«إنّما هو مملوك إن شئت بعه و إن شئت أمسكته، ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حرّان»(1).

و رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم علیه السلام قال:سألته عن رجل كانت له خادم فولدت جاريةً، فأرضعت خادمه ابناً له، و أرضعت أُمّ ولده ابنة خادمه، فصار الرجل أبا بنت الخادم

من الرضاع، يبيعها ؟ قال:نعم، إن شاء باعها فانتفع بثمنها»(2) الحديث.

و رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حرّ إلّا ما كان من قبل الرضاع»(3).

ورواية الحلبي عنه علیه السلام في بيع الأُمّ من الرضاعة قال:«لا بأس بذلك إذا احتاج»(4).

و الجواب أنّ الأخبار جميعها مشتركة في ضعف السند(5)، فلا تعارض الصحيح، و مع ذلك فالأُولى لا تدلّ على المطلوب؛ لأنّها ظاهرة في أنّ المراد من الغلام الأخ و ليس محلّ النزاع.

و الشيخ حمل قوله في الرواية الثانیّة«إن شاء باعها» على المرضعة الخادم دون ابنتها، بقرينة قوله في آخرها:«فيبيع الخادم و قد أرضعت ابناً له؟ - متعجّباً من ذلك - فقال: نعم، و ما أحبّ له أن يبيعها»(6). و حمل الثالثة على أنّ«إلّا» فيها بمعنى الواو العاطفة، و ذلك

ص: 375


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244، ح 881.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244 - 245، ح 884.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 245، ح 885؛ الاستبصار، ج 4، ص 19، ح 61.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 245، ح 886؛ الاستبصار، ج 4، ص 18 - 19 ، ح 60.
5- في حاشية«خ ، و»:«في طريق الأولى والثانیّة والثالثة الحسن بن سماعة، و في الرابعة ابن فضّال.(منه رحمه الله)». راجع رجال النجاشي، ص 40 - 41، الرقم 84، و ص 35، الرقم 72.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 245 ذيل الحديث 844؛ الاستبصار، ج 4، ص 19، ذيل الحديث 60.

. ويثبت العتق حين يتحقّق الملك.

معروف في اللغة(1)، وقد قيل منه قوله تعالى:«خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ»(2). فكأنّه قال:إذا ملك الرجل أباه فهو حرّ و ما كان من جهة الرضاع. و حمل الرابعة على أن يكون إنّما أجاز بيع الأُمّ من الرضاع لأبي الغلام(3).

و لايخفى ما في هذه المحامل من التكلّف و الأصحّ الأوّل؛ لصحّة رواياته و كثرتها.

قوله:«و يثبت العتق حين يتحقّق الملك».

الكلام في تحقّق العتق بعد الملك أو معه كالكلام في عتق السراية و عتق المأمور بعتقه.

فقيل : ينعتق بعده ليقع في ملك(4)، و ليتحقّق قولهم: من ملك أحد هؤلاء عُتق عليه، و لأنّ العقد لو اقتضى زوال الملك عن البائع من غير أن يثبت للمشتري؛ لما قوّم عليه لو اشترى بعضه، و لما تبعه أحكام البيع من وجوب الأرش و غيره، و هذا هو الظاهر من مذهب المصنّف، و صريح العلّامة(5) و جماعة(6).

و قيل:ينعتق مع تمام البيع لا يتأخّر عنه أصلاً(7). و هو اختيار ابن إدريس؛ محتجّاً بأنّ الإنسان لايملك من ذكر(8). و قد تقدّم في الروايات ما يدلّ عليه(9).

و جوابه: أنّ المراد بالملك المنفىّ الملك المستقرّ لا مطلق الملك، جمعاً بين الأدلّة.

ص: 376


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 246، ذيل الحديث 886.
2- هود (11): 108؛ و راجع الأمالي، السيّد المرتضى، ج 2، ص 88؛ و التبیان، ج 6، ص 69؛ و مجمع البيان، ج 5، ص 195 ، ذيل الآية 108 من سورة هود(11).
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 246، ذيل الحديث 886؛ الاستبصار، ج 4، ص 20، ذيل الحديث 62.
4- قاله الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 424 - 425.
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 46، المسألة 6.
6- منهم ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 46، المسألة 61.
7- قاله الشيخ المفيد في المقنعة، ص 599 ؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 540.
8- السرائر، ج 3، ص 7.
9- تقدّم في ص 373.
متی یتحقّق الانعتاق بالملك؟

. ومن ينعتق کلّه بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض.

و إذا ملك شقصاً ممّن ينعتق عليه لم يقوّم عليه إن كان معسراً. و كذا لو ملكه بغير اختياره. و لو ملکه اختياراً و كان موسرا قال الشيخ :يقوّم عليه. و فيه تردّد.

قوله:«و من ينعتق کلّه بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض» إلى آخره.

لا فرق في انعتاق القريب بملكه بين ملك جميعه و بعضه؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي للعتق.

ثمّ إن ملك البعض بغير اختياره كالإرث فقد تقدّم الخلاف في السراية على الباقي(1). وإن ملکه باختیاره - بأن اشتراه أو اتّهبه - فهل يسري عليه؟ فيه قولان(2):

أحدهما: نعم، ذهب إليه الشيخ في المبسوط(3)، و جماعة(4)؛ لأنّ ملكه مع العلم بأنّه ينعتق عليه بمنزلة مباشرته للعتق؛ لتساويهما في السببيّة، فيتناوله عموم:«من أعتق شقصاً»(5) لأنّ فاعل السبب اختياراً كفاعل المسبّب.

و المصنّف تردّد في ذلك، من حيث إنّه إنّما اختار الملك لا العتق، فلايصدق عليه أنّه أعتق حقيقةً. و نمنع أنّ اختيار السبب يوجب اختيار المسبّب مطلقاً أو فعله؛ يقتضي فعله؛ لأنّ المسبّب يترتّب على السبب على وجه الإيجاب لا الاختيار.

ص: 377


1- تقدّم في ص 364 - 365.
2- في حاشية «خ»، و»: «القولان للشيخ في المبسوط؛ لأنّه قال: إذا ملك بعض من ينعتق عليه باختيار كالهبة والوصيّة - قوّم عليه، ثم قال: ولو أوصى للصبيّ أو المجنون ببعض من ينعتق عليه بني على قولين هل يقوّم عليه نصيب شريكه أم لا؟ فإن قلنا: يقوّم لم يقبله، و لو قلنا: لايقوّم فعليه قبوله؛ لأنّه لا ضرر عليه وهو أقوى عندي. هذا كلامه و هو خلاف الأوّل(منه رحمه الله)».
3- المبسوط، ج 6 ، ص 68.
4- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 363؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 210؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 2، ص 155(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
5- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 844. ح 2527؛ جامع الأصول، ج 6، ص 578. ح 5907.

فرعان

إذا أوصى لصبيّ أو مجنون بمن ينعتق

الأول: • إذا أوصى لصبيّ أو مجنون بمن ينعتق عليه فللوليّ أن يقبل إن لم يتوجّه به ضرر على المولّى عليه، فإن كان فيه ضرر لم يجزئ القبول؛ لأنّه لا غبطة، كالوصيّة بالمريض الفقير؛ تفصّياً من وجوب نفقته.

و لو قيل بالفرق بين العالم بالحكم و النسب فيسري عليه، و الجاهل بهما أو بأحدهما

فلا يسري، كان حسناً؛ إذ لايتّجه اختيار المسبّب لمختار السبب بدون ذلك.

قوله:«إذا أوصى لصبيّ أو مجنون بمن ينعتق عليه فللوليّ أن يقبل» إلى آخره.

ليس للوليّ أن يشتري قريب الطفل الذي يعتق عليه له، فإن فعل فالشراء باطل؛ لأنّه إتلاف محض.

أمّا لو وهب الصبيّ أو المجنون قريبه أو أُوصي له به نظر إن كان الصبيّ معسراً جاز له قبوله، فإذا قبله عتق عليه؛ لأنّه لا ضرر فيه على الصبيّ بل هو جمال، و ربما كان له فيه منفعة، و قد يوسر فينفق على الصبيّ، و لا نظر إلى أنّ الصبيّ قد يوسر فتجب النفقة عليه، و إنّما يعتبر الحال.

و هل يجب على الوليّ القبول ؟ وجهان، من ظهور المصلحة للمولّى عليه بتخليص قريبه من الرقّ، مع انتفاء الضرر فكان أبلغ من حفظ ماله اليسير و التكسّب به على بعض الوجوه، و هو اختيار الشيخ في المبسوط(1)، و من أصالة العدم و هو ظاهر المصنّف؛ لاقتصاره على مجرّد الجواز، مع أنّه لاينافي الوجوب.

و إن كان المولّى عليه موسراً، فإن كان القريب بحيث تجب نفقته في الحال بأن يكون زَمِناً أو غيرَ كسوب - لم يجزئ للوليّ القبول كيلا يتضرّر الصبيّ بالإنفاق عليه من ماله. و إن

كان لاتجب نفقته فعلى ما تقرّر في المعسر.

ص: 378


1- المبسوط، ج 4، ص 349.

الثاني: • لو أوصى له ببعض من ينعتق عليه و كان معسراً جاز القبول. و لو كان المولّى عليه موسراً قيل:لايقبل لأنّه يلزمه افتكاكه. و الوجه القبول إذ الأشبه أنّه لايقوّم عليه.

و قول المصنّف«كالمريض الفقير» إمّا مبنيّ على أنّ العبد يملك، أو يريد بالفقير غير

الكسوب، لكن عطفه على المريض لايخلو حينئذٍ من منافرة.

و قد أحسن الشيخ في المبسوط حيث قال:«و إن كان صحيحاً و لايكون أبداً إلّا فقيراً فإنّه مملوك نظرت إن كان مكتسباً لم تجب نفقته على ولده فعلى وليّه أن يقبله»(1). إلى آخره.

قوله:«لو أوصى له ببعض من ينعتق عليه و كان معسراً جاز القبول» إلى آخره.

ما تقدّم في المسألة السابقة حكم ما إذا ملك الجميع، أمّا إذا أوصى له بالبعض أو وهبه، فإن كان المولّى عليه معسراً قبله الوليّ، لما تقدّم من عدم الضرر، بل فيه الجمال و المنفعة بلا مؤونة و لا تقويم عليه. و إن كان موسراً زاد النظر في غرامة السراية و إن لم تجب النفقة. و فيه حينئذٍ قولان:

أحدهما: أنّه لايقبل(2)؛ لأنّه لو قبل انعتق على الصبيّ و إذا أعتق سرى و لزمه قيمة الشريك و فيه إضرار بالصبيّ.

و الثاني: يقبل و يعتق عليه و لايسري كيلا يتضرّر الصبيّ. و وجّه أيضاً بأنّه لا اختيار له في حصول الملك. و لايخلو من نظر؛ لأنّ اختيار الوليّ كاختياره.

و كيف كان فالوجه ما اختاره المصنّف و الأكثر من عدم السراية، و هو اختيار الشيخ في المبسوط(3).

ص: 379


1- المبسوط، ج 4، ص 439.
2- راجع المبسوط، ج 4، ص 439.
3- المبسوط، ج 4، ص 439 - 440.

العتق بالعوارض

اشارة

. و أمّا العوارض فهي العمى و الجذام و الإقعاد و إسلام المملوك في دار الحرب سابقاً على مولاه و دفع قيمة الوارث.

قوله:«و أمّا العوارض فهى العمى و الجذام و الإقعاد» إلى آخره.

انعتاق العبد بالعمى و الجذام و غیرهما

انعتاق العبد بهذه العوارض مذهب الأصحاب. و مستنده رواياتهم به عن أهل البيت علیهم السلام.

فأمّا العمى و الجذام فرووهما بطريق السكوني عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم:إذا عمي المملوك فلا رقّ عليه، و إذا جذم فلا رقّ عليه(1).

و روى حمّاد - في الحسن - عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «إذا عمي المملوك فقد أعتق»(2).

و في حديث آخر - في طريقه معلّى بن محمّد و هو ضعيف(3) عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إذا عمي المملوك أعتقه صاحبه، و لم يكن له أن يمسكه»(4)

و ألحق ابن حمزة بالجذام البرص(5). و نحن في عويل من إثبات حكم الجذام؛ لضعف المستند إن لم يكن إجماع فكيف يلحق به البرص؟!

و أمّا الإقعاد فلم نقف له على شاهد، و المصنّف في النافع نسبه إلى الأصحاب(6)، مؤذناً بعدم وقوفه على دليله، ولكن لايظهر فيه مخالف حتّى ابن إدريس وافق عليه(7) بشبهة أنّه إجماع.

و في الحقيقة الحكمة في انعتاق المملوك بهذه العوارض غير واضحة ؛ لأنّ عجزه عن الاكتساب يناسبه استصحاب الرقّ لتجب نفقته على المولى؛ فليقتصر منه على محلّ

ص: 380


1- الكافي، ج 6، ص 189، باب المملوك إذا عمي...، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 141، ح 3520؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 222 ، ح 798.
2- الكافي، ج 6 ، ص 189، باب المملوك إذا عمي...، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 142، ح 3521، فيه: «إذا عمي العبد»؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 222، ح 799.
3- رجال النجاشي، ص 418 ، الرقم 1117؛ خلاصة الأقوال، ص 409، الرقم 1653.
4- الكافي، ج 6، ص 189، باب المملوك إذا عمي...، ح3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 222 - 223، ح 800.
5- الوسيلة، ص 340.
6- المختصر النافع، ص 336.
7- السرائر، ج 3، ص 8.
هل ینعتق من مثّل به مولاه

. وفي عتق من مثّل به مولاه تردّد، و المرويّ أنّه ينعتق.

الوفاق أو النصّ الصالح لإثبات الحكم.

و أمّا إسلام المملوك في دار الحرب سابقاً على مولاه، فالمرويّ أنه من أسباب العتق(1).

و اشترط الشيخ خروجه إلينا قبله أيضاً(2)؛ لقوله علیه السلام:«أيّما عبد خرج قبل مولاه فهو حرّ»(3). و هو حسن.

و ظاهر المصنّف عدم اشتراط خروجه قبله، و به صرّح ابن إدريس(4): لحصول الإسلام المانع من ملك الكافر.

و هو ممنوع؛ لأنّ الإسلام إنّما يمنع من دوام الملك لا مطلقاً. و المصنّف في الجهاد اشترط

خروجه قبله(5)، و لعلّه أجمل الحكم هنا اتّكالاً على ما سلف.

و أمّا دفع قيمة الوارث فظاهره أنّه يوجب العتق بمجرّده، ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى فى الميراث أنّه يشترى و يعتق(6)، و لعلّه أطلق على دفع القيمة السببيّة للعتق من حيث إنّه جزء السبب وإن توقّف على أمر آخر كسببيّة التدبير و الكتابة.

قوله:«و في عتق من مثّل به مولاه تردّد، و المروىّ أنّه ينعتق».

جعل التنكيل من أسباب الانعتاق هو المشهور بين الأصحاب، لم يخالف فيه إلّا ابن إدريس، فإنّه نسبه إلى رواية الشيخ(7).

و لا وجه لإخراجه عن العوارض السابقة؛ لأنّ مستند غير العمى أضعف منه، و فتوى

الأصحاب مشتركة.

ص: 381


1- السنن الكبرى، البيهقي، ج 9، ص 383 - 384 ، ح 18838؛ و ج 10، ص 518 ، ذيل الحديث 21530.
2- النهاية، ص 295.
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 152، ح 264.
4- السرائر، ج 2، ص10.
5- تقدّم في ج 2، ص 460.
6- يأتي في ج 10، ص 307 - 308.
7- السرائر، ج 3، ص 8 - 9.

...

و مستند الحكم في التنكيل رواية جعفر بن محبوب عمّن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال:«کلّ عبد مُثّل به فهو حرّ»(1).

و رواية عبد الحميد، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر علیه السلام قال:«قضى أمير المؤمنين علیه السلام فيمن نكّل بمملوكه أنّه حرّ لاسبيل له عليه، سائبة يذهب فيتولّى من أحب»(2).

و الرواية الأُولى في طريقها جهالة، و هي مع ذلك مرسلة.

و عبد الحميد في الثانیّة مشترك بين الثقة و الضعيف(3)، بل الظاهر أنّه خارج عن القسمين؛ لأنّ طبقتهما أعلى من طبقته فيكون مجهولاً، و على التقديرين يضعف الطريق.

و أبو بصير قد عرفت(4)، مراراً أنّه مشترك فتكون ضعيفةً، و مع هذا فقد وصفها في المختلف بالصحّة(5)، و ليس كذلك.

و من طريق العامّة روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أنّ زنباعاً أبا روح، وجد غلاماً مع جارية له فجدع أنفه و جبّه، فأتى النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم فقال:«من فعل هذا بك»؟ قال: زنباع فدعاه النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم فقال:«ما حملك على هذا»؟ فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم:«اذهب فأنت حرّ»(6)

و بالإسناد قال:جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم صارخاً فقال له:«ما لك؟» قال:سيّدي رآني

ص: 382


1- الكافي، ج 6، ص 189، باب المملوك إذا عمي...، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223، ح 801.
2- الكافي، ج 7، ص 172، باب ولاء السائبة، ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 142، ح 3522؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 223 ، ح 802. و فيها:«... فيتولّى إلى من أحبّ».
3- فإنّه مشترك بين عبد الحميد بن أبي الديلم فإنّه ضعيف. راجع خلاصة الأقوال، ص 384، الرقم 1546، و بين غيره الموثّق. راجع خلاصة الأقوال، ص 207، الرقم 665-667.
4- راجع ص 81؛ و ج 6، ص 491؛ و ج 7، ص 320.
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 48 المسألة 7.
6- مسند أحمد، ج 2، ص 379، ح 6671.

. وقد يكون الاستيلاد سبباً للعتق، فلنذكر الفصول الثلاثة في كتاب واحد؛ لأنّ ثمرتها إزالة الرقّ.

أقبّلُ جاريةً له فجبّ مذاكيري، فقال له النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم:«اذهب فأنت حرّ»(1).

و المصنّف تردّد في الحكم، من ضعف المستند، و اشتهاره بين الأصحاب، وآنسه بالتردّد

مخالفة ابن إدريس، وإلّا فقد عرفت أنّ حكم ما تقدّم أولى بذلك.

إذا تقرّر ذلك فالتنكيل لغةً: فعل الأمر الفظيع بالغير، يقال:نكّل به تنكيلاً إذا جعله نكالاً

و عبرةً لغيره(2)، مثل أن يقطع لسانه أو أُنفه أو أذنيه أو شفتيه و نحو ذلك.

و ليس في كلام الأصحاب ما يدلّ على المراد، بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرّد

ذلك، الاسم؛ تبعاً لإطلاق النصّ، و فى الرواية الأخيرة أن الجبّ تنكيل. و ليس ببعيدٍ.

و يترتّب على هذا أنّ المماليك الخصيان ينعتقون على مواليهم إذا فعلوا بهم ذالک، فلایصحّ شراؤهم لمن علم ذلك. و مع اشتباه كون الفعل من مولاه يبنى على أصالة بقاء الملك. و قد يحصل الاشتباه في بعض العقوبات، كقلع العين الواحدة و الأذن الواحدة و نحو ذلك،و الواجب الرجوع في موضع الاشتباه إلى حكم الأصل، و هو استصحاب حكم الرقّ إلى أن يثبت المزيل.

قوله:«و قد يكون الاستيلاد سبباً للعتق» إلى آخره.

أتى ب«قد» الدالّة على التقليل في هذا المقام؛ لأنّ الاستيلاد لايستلزم العتق بذاته حينئذٍ، بل يتوقّف على أمور كثيرة، منها: بقاء الولد إلى أن يموت المولى. و منها موت المولى، فلو مات الولد في حياة المولى سقط حكم الاستيلاد. و مع ذلك فسببيّة الاستيلاد ناقصة؛ لما عرفت من أنّ موت المولى تمام السبب(3)

ص: 383


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 894، ح 2680؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 176 ، ح 4519.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 117، «نكل».
3- راجع ص 309.

...

ويمكن أن لايجعل الاستيلاد من الأسباب أصلاً؛ لأنّ موت المولى مع بقاء الولد يوجب انتقال أُمّ الولد إلى ملكه أو بعضها، فينعتق عليه بالملك لا بالاستيلاد. و يمكن أن يشير ب«قد» إلى هذا المعنى أيضاً.

و كون موت المولى من فعل الله تعالى دون الاستيلاد لايقتضي رفع سببيّته، كما أنّ عمى العبد وإقعاده من أسباب العتق و إن كان من قبل الله تعالى. و اشتراط المباشرة في السبب

تحكّم.

و في الحقيقة هذه الأسباب علامات لحكم الله تعالى بالعتق، سواء كانت بفعل الله تعالى

أو فعل المكلّف.

ص: 384

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

التدبیر

تعریف التدبیر

. التدبير هو عتق العبد بعد وفاة المولى . و في صحّة تدبيره بعد وفاة غيره، كزوج المملوكة ، و وفاة من يجعل له خدمته تردّد، أظهره الجواز، و مستنده النقل.

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

التدبير: تفعيل من الدبر، و المراد به تعليق العتق بدبر الحياة.

و قيل:سمّى تدبيراً؛ لأنّه دبّر أمر دنياه باستخدامه و استرقاقه و أمر آخرته بإعتاقه(1).و هذا راجع إلى الأوّل؛ لأنّ التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ «الدبر» أيضاً؛ لأنّه نظر في عواقب الأمور و أدباره.

قوله:«التدبير هو عتق العبد بعد وفاة المولى» إلى آخره.

لا خلاف بين علماء الإسلام في صحّة تعليق عتق المملوك على وفاة مولاه، و اقتصر المصنّف على تعريفه بذلك إيثاراً لتعريف الفرد المتّفق عليه لا للحصر، وإن كانت الصيغة

تقتضيه من جهة أنّ المبتدأ منحصر في الخبر، فالحصر حينئذٍ إضافي لا مطلق.

هل یصحّ تعلیق التدبير علی وفاة غیر المولی؟

و اختلف الأصحاب في صحّته معلّقاً على وفاة غير المولى في الجملة، فذهب جماعة

ص: 385


1- راجع الحاوي الكبير، ج 18، ص 100.

...

منهم المصنّف و العلّامة(1) و قبله الشيخ(2) و أتباعه(3) إلى الصحّة؛لصحيحة يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يكون له الخادم فقال:هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة، فتأبق الأمة قبل أن يموت بخمس سنين أو ستّ سنين ثم يجدها ورثته، أ لهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟ فقال:«لا، إذا مات الرجل فقد عتقت»(4)

و للأصل، و قبول العتق التأخير كقبوله للتنجيز، و لا تفاوت بين الأشخاص، و قد جاز تعليقه بوفاة المالك فيجوز بوفاة غيره.

و فيه نظر؛ لأنّ الرواية دلّت على جواز تعليقه بوفاة المخدوم، فتعديته إلى غيره من الزوج و غيره قياس لايقولون به، بل مورد النصّ الأمة، إلّا أن خصوصية الذكوريّة و الأنوثيّة قد يدّعى أنّها ملغاة.

و الأصل مدفوع، بأنّ التدبير إن كان عتقاً معلّقاً فلايقولون بجوازه مطلقاً، بل في مورد النصّ أو الوفاق، و إن كان وصيّةً فلايجوز تعليقها بوفاة غير المولى إجماعاً، و بهذا يحصل الفرق بين تعليقه بوفاة المولى و غيره، فلايلزم من جوازه معلّقاً على بعض الوجوه جوازه مطلقاً.

و ذهب ابن إدريس إلى المنع من تعليقه بوفاة غير المولى مطلقاً(5)؛ تمسّكاً بموضع الوفاق، و ردّاً لخبر الواحد و إن صحّ، و دعوى أنّ التدبير شرعاً تعليق العتق بوفاة المولى فلايتعدّى إلى غيره.

ص: 386


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 99، المسألة 47.
2- النهاية، ص 553 - 554.
3- كابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 373؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 345؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 479.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 264، ح 965؛ الاستبصار، ج 4، ص 32 - 33، ح 111.
5- السرائر، ج 3، ص 33 - 34.

...

و ردّ بأنّه مصادرة، و بأنّه لو صحّ معلّقاً على وفاة غيره لبطل بالإباق كالمعلّق بموت السيّد.

و ردّ بمنع الملازمة، و الفرق مقابلة نعمة السيّد بالكفر، فقوبل بنقيض ذلك كقاتل العمد في حرمانه الإرث، بخلاف الأجنبي.

ثمّ عُد إلى عبارة المصنّف و تنبّه لأُمور:

الأوّل:ضمير«و مستنده النقل» يرجع إلى الجواز المحكوم به في تعليقه بوفاة الزوج و من جعل له الخدمة، و مقتضاه وجود النقل على صحّة ذلك، و ليس كذلك، و إنّما الموجود من النقل ما حكيناه من الرواية، و هي مختصّة بتعليقه على وفاة المخدوم، فتعديته إلى غيره غير مستند إلى النقل. فإن روعيت الملابسة - و هي لا تخرج عن ربقة القياس- فلا وجه لاختصاصه بهذين؛ لأنّ وجوه الملابسة لاتنحصر.

ويجيء على هذا جواز تعليقه بوفاة مطلق الملابس، بل مطلق الناس؛ لفقد ما يدلّ على غير المخدوم، و هو قول في المسألة(1)

و ربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي(2)، لاشتراك الجميع في معنى التدبير لغةً، و هو تعليق العتق على الوفاة.

و أكثر الأصحاب لم يتعرّضوا لغير المرويّ، و هو الأنسب لكن يبقى فيه أنّ المنصوص وارد في الأمة، فتعديته إلى العبد لايخلو من نظر و ما اشتهر من أنّ خصوصية الذكوريّة و الأنوثيّة ملغاة، و أنّ الطريق متّحد لايقطع الشبهة وإن كان متّجهاً.

الثاني:يظهر من قوله«هو عتق العبد» إلى آخره أنّ التدبير عتق بشرط، لا وصيّة، و هو أحد القولين في المسألة(3)، و هما أصل كبير في تفريع مسائل الباب.

و وجه كونه عتقاً أنّه لايحتاج إلى إحداث صيغة بعد الموت، بخلاف الوصيّة.

ص: 387


1- حكاهما الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 181(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
2- حكاهما الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 181(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- من القائلين به فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 543.

...

و الأشهر أنّه وصيّة بعتق؛ لأنّه تبرّع بعد الموت معتبر من الثلث، و يجوز الرجوع فيه حال الحياة، و هي من خواصّ الوصيّة. و سيأتي في الأخبار ما يرجّح هذا القول(1). و به قطع المصنّف في النافع(2).

و يتفرّع على القولين مسائل كثيرة يأتي بعضها، و منها هذه المسألة، فإنّ جعله وصيّةً يقتضي عدم جواز تعليقه بوفاة غير المولى كغيره من الوصايا، وإن ضويقنا جوّزناه في صورة النصّ لا غير. و إن جعلناه عتقاً معلّقاً أمكن القول بجوازه مطلقاً؛ نظراً إلى اشتراك الجميع في التعليق، و لايقاس بجوازه في موضع الوفاق، مع عدم دليلٍ صالحٍ على منعه يرفُع أصالةَ الجواز و وجوب وفاء المؤمنين بشروطهم(3)، و المنع من غير موضع النصّ التفاتاً إلى ما سبق من ظهور اتّفاق الأصحاب على عدم جواز تعليق العتق على الشرط و الصفة، فيقتصر بالجواز على مورده.

و العامّة لمّا جوّزوا تعليق العتق و قصّروا التدبير على تعليقه بوفاة المولى-كقول ابن إدريس(4) - جعلوا تعليقه بوفاة غيره عتقاً معلّقاً لاتدبيراً وإن شاركه في بعض الأحكام. و لو قيل بأنّ التدبير إيقاع برأسه و إن شابه العتق المعلّق و الوصيّة بوجه كان حسناً، و فيه جمع بين الأدّلة و سلامةً من تناقض الأحكام المترتّبة غالباً.

الثالث:تقييده بالعبد في قوله«و هو عتق العبد بعد وفاة المولى» لا وجه له، خصوصاً في مقام التعريف الموجب لانتقاضه في طرده، و كان المناسب إبداله بالمملوك أو الاقتصار على العتق كما ذكرناه.

ص: 388


1- يأتي في ص 404.
2- المختصر النافع، ص 338.
3- كما ورد في الخبر. راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ والاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.
4- السرائر، ج 3، ص 33 - 34.

والعلم به يستدعي ثلاثة مقاصد:

المقصد الأوّل في العبارة و ما يحصل به التدبير

اشارة

. و الصريح:«أنت حرّ بعد وفاتي» أو «إذا متّ فأنت حرّ» أو«عتيق» أو «معتق».

و لا عبرة باختلاف أدوات الشرط. و كذا لا عبرة باختلاف الألفاظ التي يعبّر بها عن المدبّر، كقوله:«هذا أو هذه أو أنت أو فلا». و كذا لو قال:«متى متّ»، أو «أيّ وقت» أو « أيّ حين».

أقسام التدبير

. و هو ينقسم إلى مطلق، كقوله:«إذا متّ» و إلى مقيّد، كقوله:«إذا متّ في سفري هذا أو من مرضي هذا»أو«في سنتي هذه» أو«شهري» أو «شهر كذا».

قوله:«و الصريح: أنت حرّ بعد وفاتي، أو إذا متّ فأنت حرّ، أو عتيق، أو معتق و لا عبرة

باختلاف أدوات الشرط» إلى آخره.

المعتبر في هذا الإيقاع التلفّظ به بلفظ صريح في معناه كغيره، فلايقع بالكناية عندنا و إن قصده.

وحيث تتعدّد الألفاظ الدالّة عليه صريحاً يتخيّر في تأديتها بأيّها شاء، كأدوات الشرط و أسماء الإشارة و ما قام مقامها؛ لاشتراك الجميع في إفادة المعنى صريحاً، و عدم ورود ما يدلّ على اختصاص أحدها شرعاً. و يستفاد من قوله «و الصريح: أنت حرّ» إلى آخره. حصر الصريح في هذه الألفاظ بمقتضى انحصار المبتدإ في خبره. و الأظهر عدم الانحصار، فلو قال:«أعتقتك بعد موتي أو حرّرتك» كان صريحاً كما لو أوقع بهما العتق المطلق.

قوله:«و هو ينقسم إلى مطلق، كقوله: إذا متّ، و إلى مقيّد، كقوله:إذا متّ في سفري هذا أو

من مرضي هذا» إلى آخره.

كما یصحّ التدبير مطلقاً - و هو أن يعلّق العتق بالموت بلا شرط - یصحّ مقيّداً بشرط مثل أن يقول:«إن قتلت» أو«متّ حتف أنفي» أو«متّ في مرضي هذا» أو «في سفري هذا» أو

ص: 389

• ولو قال: «أنت مدبّر» و اقتصر لم ينعقد. أمّا لو قال:«فإذا متّ فأنت حرّ» صحّ، و كان الاعتبار بالصيغة لا بما تقدّمها.

«في هذا الشهر» أو «السنة» أو «البلد» أو «في الليل» أو «النهار فأنت حرّ» فإن مات على

الصفة المذكورة عتق وإلّا فلا.

و كذا یصحّ تقييده بقيود متعدّدة ك-«إن متّ في سنة كذا في مكّة حتف أنفي» و نحو ذلك، فيعتبر في عتقه اجتماع الشروط كلّها.

و ألحق الشيخ في المبسوط التدبير المقيّد بالمعلّق على الشرط، فحكم ببطلانهما(1)؛ نظراً إلى اشتراكهما في التعليق. و هو ممنوع.

قوله:«و لو قال: أنت مدبّر و اقتصر لم ينعقد» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في أن قوله:«أنت مدبّر » أو «دبّرتك» مقتصراً عليه هل هو صریح فيقع به التدبير وإن لم يقصده، أو كناية فيقع مع القصد، أو لايقع به مطلقاً؟على أقوال: جزم المصنّف منها بالأخير، و هو قول الشيخ في الخلاف(2)؛ لخلوّه عن لفظ«العتق و الحرّية» و لايكاد يستعمل عند استعمال العقد إلّا مع التعرّض للحرّيّة، و لأنّه إمّا عتق بصفة أو وصيّة به، و كلاهما يفتقر إلى ذكر «العتق». أمّا الأوّل فظاهر. و أمّا الثاني؛ فلأنّ الوصيّة لا بدّ لها من ذكر متعلّقها.

و الثاني:أنّه يقع بذلك؛ لأنّه صريح فيه ؛ لأنّ التدبير ظاهر في معناه مشهور عند كلّ أحد ، كما أنّ البيع و غيره ظاهر في معناه، حتّى أنّ التدبير كان معروفاً في الجاهليّة و قرّره الشرع و لم يستعمل في معنى آخر حتّى يكون كنايةً. و هو اختيار الشيخ في المبسوط(3) و العلّامة(4)

ص: 390


1- المبسوط ، ج 4، ص 556-557.
2- الخلاف، ج 6، ص 409، المسألة 2.
3- المبسوط، ج 4، ص 546.
4- مختلف الشيعة، ج 8، ص 88 المسألة 43.

. و لو كان المملوك لشريكين فقالا:«إذا متنا فأنت حرّ» انصرف قول كلّ واحدٍ منهما إلى نصيبه و صحّ التدبير، و لم يكن معلّقاً على شرط، و ينعتق بموتهما إن خرج نصيب كلّ واحد من ثلثه. و لو خرج نصيب أحدهما تحرّر و بقي نصیب الآخر رقّاً. و لو مات أحدهما تحرّر نصيبه من ثلثه و بقي نصيب الآخر رقّاً حتى يموت.

و الثالث: أنّه كناية یصحّ مع النیّة لا بدونها، أي مع إرادة اللافظ به استعماله في العتق بعد الوفاة. و هو اختيار ابن الجنيد(1) و ابن البرّاج(2)؛ لأنّ فيه جمعاً بين الدليلين، و لأصالة بقاء الرقّيّة إلى أن يثبت المزيل.

و فيه:أنّه لايقع بالكنايات عندنا كنظائره، و الأدلّة متعارضة لايجتمع بذلك، و الأصالة عند مجوّزه انقطعت بالصيغة المخرجة عنه. و الوسط أوسط.

قوله:«و لو كان المملوك لشريكين فقالا:«إذا متنا فأنت حرّ» انصرف قول كلّ واحدٍ منهما إلى نصيبه و صحّ التدبير» إلى آخره.

إذا قال الشريكان للعبد المشترك:«إذا متنا فأنت حرّ» فلايخلو إمّا أن يقصدا بذلك تدبير كلّ منهما نصيبه و تعليق عتقه على موته خاصّةً، أو تعليق كلّ واحدٍ من النصيبين على موتهما معاً، أو يطلقا اللفظ كذلك و لايقصدا واحداً معيّناً من الأمرين.

و في الأوّل لا إشكال في صحّة التدبير، و لايرتبط عتق أحد النصيبين بالآخر، بل يكونان بمنزلة ما لو دبّر أحدهما نصيبه بلفظ مختصّ به و يكون قوله«إذا متنا فأنت حرّ» إتياناً بصيغة التدبير في نصيبه و تعليقاً له على موته منضمّاً إلى الإخبار بما يطابق الواقع، فإنّه على تقدير موتهما يعتق جميعه؛ لوقوع التدبيرين، و لايقدح هذه الضميمة.

ثمّ إن ماتا معاً انعتق النصيبان دفعةً. و إن مات أحدهما قبل الآخر عتق نصيب الميّت

ص: 391


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 87 - 88، المسألة 42 و 43.
2- المهذّب، ج 2، ص 366.

...

بشرطه و بقي نصيب الآخر موقوفاً على موته، و الكسب المتخلّل بين الموتين مشترك بين المدبّر و المالك الحيّ بنسبة الملك.

وإن قصدا تعليق عتقه على موتهما معاً بحيث لايعتق منه شيء مع موت أحدهما بني الحكم بالصحّة على أحد أمرين: إمّا جواز تعليق التدبير على وفاة غير المولى مع الملابسة أو مطلقاً، أو جواز تعليق العتق على الشرط كما اختاره القاضي(1) و ابن الجنيد(2)، فإن أجزنا ذلك صحّ أيضاً، و كان التدبير على الأوّل معلّقاً بموتهما معاً، فإن ماتا دفعةً انعتق لحصول الشرط، وإن ماتا على الترتيب بقي رقّاً إلى أن يموت الآخر، و هو بين الموتين للورثة و الحيّ.

و إن لم نُجز الأوّل و أجزنا الثاني كان عتقاً بشرط، و حكمه كالسابق إلّا أنه ليس تدبيراً، بل عتق معلّق على شرط لايتمّ إلّا بموتهما، و للورثة بين الموتين التصرّف فيه بما لايزيل الملك كالاستخدام و الإجارة، و ليس لهم بيعه؛ لأنّه صار مستحقّ العتق بموت الشريك.

و في جوازه لو جعلناه تدبيراً نظر، من جواز الرجوع في التدبير و هذا من أفراده.

و في الإرشاد جزم بعدم جوازه(3) على هذا التقدير.

و إن لم نجوّز التدبير معلّقاً على موت الغير مطلقاً أو الملابس، إمّا بأن منعنا من تعليقه على موت غير المولى مطلقاً، أو أجزناه بموت الزوج و المخدوم كما اختاره المصنّف، كان لفظهما لاغياً.

و إن أطلقا اللفظ فلم يقصدا به أحد الأمرين ففي حمله على أيّهما قولان:

أحدهما - و هو الذي اختاره المصنّف و قبله الشيخ في المبسوط(4)- الحمل على الأوّل؛

ص: 392


1- المهذّب، ج 2، ص 359.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 49، المسألة 9.
3- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 73.
4- المبسوط، ج 4، ص 558 - 559.

ويشترط في الصيغة المذكورة شرطان:

يشترط في الصيغة التدبیر النیّة

الأوّل: النيّة. فلا حكم لعبارة الساهي و لا الغالط و لا السكران و لا المكره الذي لا قصد له.• و في اشتراط نیّة القربة تردّد، و الوجه أنّه غير مشترط.

لأنّ اللفظ كما هو صالح لتعليق العتق على شرط فهو صالح أيضاً لتعليق نصيب كلّ منهما على وفاة نفسه، فيحمل على الصحيح؛ صوناً لكلامه عن الهذر، و ترجيحاً لجانب الصحّة الموافق لغرض الشارع مع إمكان حمله عليه.

و الثاني: حمله على الثاني(1)؛ لظهور معناه فيه؛ لأنّ اللفظ إنشاء و لايتحقّق بالنسبة إلى موت الآخر إلّا بتعليقه عليه، بخلاف الحمل على السابق، فإنّه يكون إنشاءً بالنسبة إلى تعليق عتق نصيبه على وفاة نفسه، و إخباراً بالنسبة إلى الحكم بعتقه أجمع على تقدير وفاتهما معاً. و هذا هو الأظهر.

ثمّ على تقدير حمله عليه يترتّب عليه ما يلزم الأصل من الصحّة و البطلان، فعلى المشهور يبطل، و على غيره یصحّ، و هو خيرة العلّامة في الإرشاد(2). و في التحرير حكم بالبطلان(3). و اختلف كلامه في القواعد، ففي أوّل المسألة حكم بالصحّة و التنزيل على المعنى الأوّل الصحيح(4)، و في آخرها خصّ الصحّة بما إذا قصد توزيع الأجزاء على الأجزاء(5).

و الشهيد في الدروس اقتصر على بيان حكم المسألة على تقدير القصدين(6)، ولم يتعرّض للإطلاق الذي هو موضع البحث.

قوله:«و في اشتراط نيّة القربة تردّد، و الوجه أنّه غير مشترط».

مبنى الحكم على أنّ التدبير هل هو وصيّة أو عتق بشرط؟ فعلى الأوّل لايشترط فيه نیّة

القربة كغيره من الوصايا.

ص: 393


1- المبسوط، ج 4، ص 558 - 559.
2- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 73.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 216 - 217، الرقم 5681.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 224.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 224.
6- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

يشترط في الصيغة التدبیر تجريدها عن الشرط و الصفة

الشرط الثاني • تجريدها عن الشرط و الصفة في قول مشهور للأصحاب فلو قال:«إن قدم المسافر فأنت حرّ بعد وفاتى» أو «إذا أهلّ شهر رمضان» - مثلاً - لم ينعقد. و كذا لو قال: «بعد وفاتي بسنة أو شهر». و كذا لو قال: «إن أدّيت إليّ» أو «إلى ولدي كذا فأنت حرّ بعد وفاتي» لم يكن تدبيراً و لا كتابة.

و على الثاني يبنى على أنّ العتق هل يعتبر فيه نیّة القربة أم لا؟ و قد تقدّم الخلاف فيه(1). و الأقوى عدم اشتراطها فيه؛ لما سيأتي من ترجيح كونه وصيّة بالعتق(2)، أو لأنّه حكم مستقلّ برأسه و إن أشبههما، و لا دليل على اشتراطها فيه، و الأصل يقتضي العدم و صحّته بدونها.

قوله:«تجريدها عن الشرط و الصفة في قول مشهور للأصحاب» إلى آخره.

نبّه بقوله«مشهور» على عدم دليل صالح عليه كما تقدّم مراراً في نظائره(3). و قد صرّح بجوازه معلّقاً على الشرط و الصفة ابن الجنيد - سواء تقدّم على الموت أم تأخّر- فقال:«و إذا قال له: أنت حرّ بعد زمان معروف، أو فعل يجوز أن يكون و يجوز أن لايكون، و يتقدّم أو يتأخّر، كان له في جميع ذلك الرجوع و إبطال التدبير ما لم يكن ذلك الشيء الذي جعله شرطاً أو أجلاً.»

و قال أيضاً:«و لو جعل له العتق بعد وقت من موت سيّده كان ذلك وصيّةً بعتقه في معنى التدبير، و لو قال:«إذا بنيت الدار أو قدم فلان فأنت حرّ منّي» كان نذر التدبير لا تدبيراً، فإذا كان ذلك الشيء صار العبد مدبّراً. و لو قال:«إن شئت فأنت حرّ منّي» كان تدبيراً إن شاء العبد ذلك(4).

و ذكر في كتابه الأحمدي كثيراً من هذه الفروع.

ص: 394


1- تقدّم في ص 320 وما بعدها.
2- يأتي في ص 404.
3- تقدّم في ج 5، ص 63 - 64: وج 7، ص 274 و 550.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 102. المسألة 51.

و المدبّرة رقّ، له وطؤها و التصرّف فيها، فإن حملت منه لم يبطل التدبير. و لومات مولاها عتقت بوفاته من الثلث، و إن عجز الثلث عتق ما يبقى فيها من نصيب الولد.

و لو حملت بمملوك، سواء كان عن عقد أو زنى أو شبهة، كان مدبّراً كأُمّه. و لو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها. و قيل:له الرجوع. و الأوّل مرويّ.

و كذا المدبّر إذا أتى بولد مملوك فهو مدبّر كأبيه.

و في المختلف أنكر ذلك كلّه، و ادّعى الإجماع على بطلان العتق المعلّق بالشرط(1).

و الإجماع ممنوع و الدليل مفقود.

قوله:«و المدبّرة رقّ له وطؤها و التصرّف فيها».

ثلثه المدبّر لايخرج عن ملك مولاه بالتدبير سواء جعلناه وصيّةً أم عتقاً معلّقاً؛ لعدم حصول شرطه ما دام حيّاً فلمولاه التصرّف فيه بالاستخدام و غيره، و لو كان أمةً فله وطؤها كما له التصرّف بغيره، و لجواز وطء المستولدة و حقّ العتق فيها آكد لتحريم بيعها في الجملة إجماعاً، بخلاف المدبّرة. فإن حملت منه اجتمع لها سببان للعتق:التدبير و الاستيلاد، و الأوّل أسبق، و العتق فيهما متوقّف على موت المولى. فإذا مات و الولد حيّ عتقت من بالسبب السابق، فإن لم يف الثلث بها عتق الباقي بالسبب الآخر، فيحتسب من نصيب ولدها و تعتق إن وفي، و إلا استسعت في الباقي.

و قد دلّ على جواز وطئها رواية أبي مريم عن أبي عبد الله علیه السلام قال:سئل عن الرجل يعتق جاريته عن دبر أ يطؤها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها في حياته؟ فقال:«نعم، أيّ ذلك شاء فعل»(2)

قوله:«و لو حملت بمملوك ، سواء كان عن عقد أو زنى أو شبهة» إلى آخره.

إذا حملت المدبّرة بعد التدبير بولد يدخل في ملك مولاها تبعها في التدبير؛ للأخبار

ص: 395


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 103، المسألة 51.
2- الفقيه، ج 3، ص 121 - 122، ح 3465؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 263، ح 961؛ الاستبصار، ج 4، ص 29، ح 97.

...

الكثيرة الدالّة على ذلك(1)، سواء كان الولد من عقدٍ أم شبهةٍ أم زنى. و هو في الأوّلين ظاهر لأنّه ملحق بها. أمّا في الأخير فيشكل مع علمها بالتحريم؛ لانتفائه عنها شرعاً، إلّا أنّه لمّا صدق عليه كونه ولدها لغةً، و كان جانب الماليّة و الحيوانیّة مغلّباً فيها - و من ثَمّ كان الولد لمولاها دون مولى الزاني- أطلق الشيخ(2)، و المصنّف تبعيّته لها في التدبير. و في الأخبار: «فما ولدت فهم بمنزلتها»(3). و لا شبهة في أنّه يصدق على مولودها من الزنى أنّها ولدته وإن لم يلحق بها في باقي الأحكام.

و كذا القول في ولد المدبّر إذا كانوا مملوكين لمولاه، بأن ولدوا من أمته - مدبّرة كانت أم لا - أو من غيرها و قد شرط مولاه رقّيتهم الصحيحة بريد بن معاوية عن أبي جعفر علیه السلام في رجل دبّر مملوكاً له تاجراً موسراً فاشترى المدبّر جاريةً فمات قبل سيّده فقال:«أرى أنّ جميع ما ترك المدبّر من مال أو متاع فهو للذي دبّره، و أرى أن أُمّ ولده للذي دبّره، و أرى أنّها و ولدها مدبّرون كهيئة أبيهم. فإذا مات الذي دبّر أباهم فهم أحرار»(4).

إذا تقرّر ذلك فنقول: إن استمرّ المولى على تدبير الأمّ أو الأب فلا إشكال في تبعيّة الأولاد لهما في التدبير. وإن رجع في تدبير الأُمّ أو الأب جاز أيضاً؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الرجوع في التدبير ما دام حيّاً(5)، فإذا رجع فيهما فهل له الرجوع في الأولاد، أو له الرجوع في الأولاد منفردين؟ قال الشيخ(6) و أتباعه(7) و المصنّف في النافع(8) - وإن كان هنا قد

ص: 396


1- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 122، الباب 5 من أبواب كتاب التدبير.
2- النهاية، ص 552.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 261، ح 951؛ الاستبصار، ج 4، ص 31 ، ح 106.
4- الكافي، ج 6، ص 185، باب المدبّر، ح 8؛ الفقيه، ج 3، ص 123 - 124، ح 3470؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260 - 261، ح 948.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 118 - 119، الباب 2 من أبواب كتاب التدبير.
6- النهاية، ص 553.
7- راجع المهذّب، ج 2، ص 367؛ و الوسيلة، ص 346؛ و إصباح الشيعة، ص 479.
8- المختصر النافع، ص 237.

...

نسبه إلى الرواية - : لايجوز الرجوع فيهم مطلقاً.

لصحيحة أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل دبّر مملوكته ثمّ زوّجها من رجل آخر فولدت منه أولاداً ثمّ مات زوجها و ترك أولاده منها، فقال: «أولاده منها كهيئتها إذا مات الذي دبّر أُمّهم فهم أحرار»، قلت له:يجوز للذي دبّر أُمّهم أن يردّ في تدبيره إذا احتاج؟ قال:«نعم»، قلت: أرأيت إن ماتت أُمّهم بعد ما مات الزوج و بقي أولادها من الزوج الحرّ أيجوز لسيّدها أن يبيع أولادها و يرجع عليهم في التدبير؟ قال:«لا، إنّما كان له أن يرجع في تدبير أُمّهم إذا احتاج و رضيت هي بذلك».(1)

و لأنّه إنّما يرجع فيما دبّره و تدبير الأولاد حصل بالسراية لا باختياره فلايملك الرجوع. و ادّعى الشيخ في الخلاف على ذلك إجماع الفرقة(2).

و قال ابن إدريس: يجوز الرجوع(3) و تبعه العلّامة(4)، و ولده(5) و الشهيد(6) و أكثر المتأخّرين؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الرجوع في التدبير(7)، و لأنّ تدبير الولد فرع تدبير الأبوين فلايزيد الفرع على أصله.

و يمكن القدح في العموم المدّعى، فإنّ الرواية الصحيحة أخرجت هذا الفرد. و بالفرق بين حكم الفرع و الأصل، فإنّ تدبير الأصل بفعل المالك فجاز له الرجوع في وصيّته، بخلاف الولد، فإنّ حكم تدبيرهم قسري فلا اختيار له فيه.

ص: 397


1- الكافي، ج 6، ص 184، باب المدبّر، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 259، ح 941؛ الاستبصار، ج 4، ص 29 - 30، ح 101.
2- الخلاف، ج 6، ص 416، المسألة 14.
3- السرائر، ج 3، ص 32 - 33.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 226؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 74؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 96، المسألة 45.
5- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 548.
6- لم نظفر على قوله بالجواز، راجع الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
7- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 118 الباب 2 من أبواب كتاب التدبير.

. و لو دبّرها ثمّ رجع في تدبيرها، فأتت بولد لستّة أشهر فصاعداً من حين رجوعه لم يكن مدبّراً؛ لاحتمال تجدّده، و لو كان لدون ستّة أشهر كان مدبّراً؛ لتحقّق الحمل بعد التدبير.

. و لو دبّرها حاملاً قيل:إن علم بالحمل فهو مدبّر، وإلّا فهو رقّ. و هي رواية الوشّاء. و قيل: لايكون مدبّراً؛ لأنّه لم يقصد بالتدبير. و هو أشبه.

نعم، يمكن القدح في الرواية من حيث اشتمالها على كون أبيهم حرّاً و هو يوجب تبعيّتهم

له فيها، و حملها على اشتراط الرقّيّة قد تقدّم في النكاح ما يدلّ على ضعفه(1).

قوله«و لو دبّرها ثمّ رجع في تدبيرها، فأتت بولد لستّة أشهر» إلى آخره.

إذا دبّرها ثمّ رجع في تدبيرها فأتت بولد لدون ستّة أشهر من حين الرجوع و لم يتجاوز أقصى الحمل من حين التدبير فلا إشكال في بقائه على التدبير؛ لتحقّق علوقها به في زمن التدبير كما لا إشكال في انتفاء تدبيره لو ولدته لأقصى الحمل فصاعداً من حين الرجوع.

و أمّا إذا ولدت فيما بين ذلك فقد أطلق المصنّف و الجماعة(2) أنّه لايكون مدبّراً؛ لاحتمال تجدّده بعد الرجوع، و لم يفرّقوا بين ما إذا كانت فراشاً و عدمه.

و وجهه أصالة عدم تقدّمه، و أصالة بقائه على ملك المالك التامّ و تحت تصرّفه. و قد تقدّم الفرق بين الحالتين في مواضع(3)، و أنّه إذا لم يكن لها زوج يمكن تجدّده منه حكم بوجوده إلى أقصى الحمل؛ حملاً لحال المسلم على الصحيح. و الفرق بين الأمرين غير واضح.

قوله:«و لو دبّرها حاملاً قيل:إن علم بالحمل فهو مدبّر» إلى آخره.

المشهور بين الأصحاب أنّ الحمل لايتبع الحامل في شيء من الأحكام -كالبيع و العتق

ص: 398


1- تقدّم في ج 6، ص 452 وما بعدها.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 555 - 556؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 226.
3- راجع ج 7، ص 85 - 86.

المقصد الثاني في المباشر

شروط المدبِّر

و لایصحّ التدبير إلّا من بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرّف.

و غيرهما - إلّا مع التصريح بإدخاله، حتّى أنّ الشيخ مع حكمه بإلحاقه بها في البيع(1) و العتق(2) وافق فى المبسوط و الخلاف على عدم تبعيّته لها هنا(3).

و لكنّه ذهب في النهاية إلى أنّه مع العلم به يتبعها وإلّا فلا(4)؛ استناداً إلى رواية الوشّاء عن الرضا علیه السلام قال: سألته عن رجل دبّر جاريته و هي حبلى، فقال علیه السلام:«إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، و إن كان لم يعلم فما في بطنها رقّ»(5). و عمل بمضمونها كثير من المتقدّمين والمتأخّرين و نسبوها إلى الصحّة، و الحقّ أنّها من الحسن، و أنّ صحّتها إضافيّة كما مرّ؛ لأنّ رواية الحسن من الحسن(6).

و ذهب المصنّف و العلّامة(7) و قبلهما الشيخ في المبسوط و الخلاف، و ابن إدريس(8) إلى عدم تبعيّته لها مطلقاً؛ للأصل، و انفصاله عنها حكماً كنظائره، و موثّقة عثمان بن عيسى عن الكاظم علیه السلام قال:سألته عن امرأة دبّرت جاريةً لها فولدت الجارية جاريةً نفيسةً فلم تدر المرأة المولودة مدبّرة أو غير مدبّرة؟ فقال لي: «متى كان الحمل للمدبّرة أقبل أن دبّرت أو بعد ما دبّرت؟» فقلت: لست أدري ولكن أجبني فيهما جميعاً، فقال:«إن كانت المرأة دبّرت

ص: 399


1- راجع الخلاف، ج 3، ص 107 - 108، المسألة 175.
2- راجع المبسوط، ج 3، ص 262؛ و ج 4، ص 435.
3- المبسوط، ج 4، ص 556 و 557؛ والخلاف، ج 6، ص 416، المسألة 15.
4- النهاية، ص 552.
5- الكافي، ج 6، ص 184، باب المدبّر، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 121 ، ح 3463؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 261 - 262، ح 952؛ الاستبصار، ج 4، ص 31، ح 108.
6- في حاشية «خ، و»: «هذه الرواية رواها الشيخ بطريق ضعيف، ورواها الصدوق بطريق صحيح (منه رحمه الله)».
7- مختلف الشيعة، ج 8، ص 95 المسألة 45.
8- السرائر، ج 3، ص 32.

. فلو دبّر الصبيّ لم يقع تدبيره. و روي:«إذا كان مميّزاً له عشر سنين صحّ تدبيره».

و لایصحّ تدبير المجنون و لا المكره و لا السكران و لا الساهي. • و هل یصحّ التدبير من الكافر؟ الأشبه نعم، حربيّاً كان أو ذمّيّاً.

و بها حبل و لم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة و الولد رقّ، و إن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير أُمّه»(1).

و في المسألة قول آخر(2) بسراية التدبير إلى الولد مطلقاً(3)، و القوّة في الوسط.

قوله:«فلو دبّر الصبيّ لم يقع تدبيره. و روي: إذا كان مميّزاً له عشر سنين صحّ تدبيره».

الرواية المذكورة هي التي سبقت في جواز وصيّته و عتقه(4)، و التدبير منحصر فيهما، لا أنّ فيه بخصوصه رواية كذلك. و قد تقدّم الكلام على ذلك(5). و الأظهر عدم الصحّة فيه كالأصل.

و المصنّف رجّح جواز وصيّته؛ عملاً بالأخبار الكثيرة(6) و تردّد في عتقه(7) و جزم هنا بعدم صحّة تدبيره، مع أنّه راجع إليهما كما عرفت.

و كذلك صنع العلّامة في الإرشاد في الوصيّة و التدبير(8). و رجوعه إلى الرجوع أولى من تكلّف الفرق بما لايجدي.

قوله:«و هل یصحّ التدبير من الكافر؟ الأشبه نعم، حربيّاً كان أو ذمّيّاً».

مبنى الخلاف على أن التدبير وصيّة أو عتق، فعلى الأوّل یصحّ من الكافر مطلقاً؛ لعدم

ص: 400


1- الكافي، ج 6 ، ص 184، باب المدبّر ، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260، ح 94؛ الاستبصار ، ج 4، ص 31 - 32، ح 109.
2- في حاشية «خ. و»: «هو قول ابن البرّاج، و له قول آخر، و التفصيل للشيخ في النهاية. (منه رحمه الله)».
3- راجع الحاوي الكبير، ج 18، ص 129 و مغني المحتاج، ج 4، ص 650.
4- سبقت في ص 319.
5- تقدّم في ج 5، ص 28 و 277.
6- راجع ج 5، ص 277 - 278؛ و وسائل الشيعة، ج 19، ص 360 وما بعدها، الباب 44 من كتاب الوصايا.
7- راجع ص 318.
8- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 457؛ وج 2 ص 73.

. ولو دبّر المسلم ثمّ ارتدّ لم يبطل تدبيره. و لو مات في حال ردّته عتق المدبّر. هذا إذا كان ارتداده لا عن فطرة. و لو كان عن فطرة لم ينعتق المدبّر بوفاة المولى؛ الخروج ملكه عنه. و فيه تردّد.

اشتراط نیّة القربة. و على الثاني يبنى على اشتراطها في العتق و عدمه، و على أنّ المراد بها قصد التقرّب سواء حصل أم لا. فعلى الأوّل لایصحّ تدبير الكافر مطلقاً، و هو خيرة ابن إدريس(1) مصرّحاً بأنّه عتق، و على الثاني یصحّ، و على الثالث یصحّ ممّن أقرّ بالله تعالى كالكتابي دون غيره.

و أما الفرق بين الحربي و الذمّي فلا مدخل له في هذا الحكم إن جعلنا الحربي شاملاً للكتابي الذي لايلتزم أحكام الذمّة. و قد تقدّم الكلام فيه(2). و الأصحّ صحّة التدبير من الكافر مطلقاً.

قوله:«و لو دبّر المسلم ثمّ ارتدّ لم يبطل تدبيره» إلى آخره.

إذا دبّر المسلم ثم ارتدّ، فإن كان ارتداده عن غير فطرة لم يبطل التدبير؛ لبقاء الملك. فإن استمرّ على التدبير إلى أن مات عتق المدبّر ؛ لوجود المقتضي له و انتفاء المانع.

و إن كان عن فطرة ففي بطلان التدبير وجهان، من زوال ملك المرتدّ عن فطرة، و المدبّر قابل للخروج عن ملكه و قد وجد سببه و هو الارتداد، فيزول شرط استمرار الصحّة؛ لأنّ شرطها بقاء الملك إلى الموت و المشروط عدم عند عدم شرطه، و من سبق حقّ المدبّر على حقّ الوارث فلاينتقل إليه خصوصاً عند من يمنع من بيع المدبّر. فإذا مات السيّد انعتق ثلثه لا غير؛ إذ لا مال له سواه. و هل يعجّل للورثة الثلثان ؟ يحتمله؛ لعدم فائدة حبسه عنهم إن لم نقل بقبول توبته ، و إلّا فالفائدة محتملة بتجدّد مال آخر له على تقدير التوبة.

و في المبسوط(3) أطلق القول ببقاء التدبير مع الارتداد.و الأشهر التفصيل، وإن كان ما ذكره

ص: 401


1- السرائر، ج 3، ص 30.
2- تقدّم في ص 305 - 306.
3- المبسوط، ج 4، ص 552-553.

. و لو ارتدّ لا عن فطرة ثمّ دبّر صحّ على تردّد. و لو كان عن فطرة لم یصحّ.و أطلق الشيخ (رحمه الله) الجواز. و فيه إشكال ينشأ من زوال ملك المرتدّ عن فطرة.

و لو دبّر الكافر كافراً فأسلم بيع عليه، سواء رجع في تدبيره أم لم يرجع. و لو مات قبل بيعه و قبل الرجوع في التدبير تحرّر من ثلثه. و لو عجز الثلث تحرّر ما يحتمله و كان الباقي للوارث. فإن كان مسلماً استقرّ ملكه، و إن كان كافراً بيع عليه.

الشيخ أيضاً متوجّهاً؛ لأمر نذكره إن شاء الله تعالى في أحكام المرتدّ(1).

و ربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة، تنزيلاً له منزلة الموت. و هو بعيد.

قوله:«و لو ارتدّ لا عن فطرة ثمّ دبّر صح على تردّد» إلى آخره.

المرتدّ بالنسبة إلى التدبير و ما في معناه بمنزلة الكافر، فإن اشترطنا نيّة التقرّب بطل تدبیره مطلقاً، و إلّا صحّ من غير الفطري كالكافر، و في الفطري إشكال؛ منشؤه ما هو المشهور من انتقال ماله عنه، فلايتصوّر منه التدبير المشروط بالملك، مضافاً إلى ما علّل تدبیره به الملّي.

و إطلاق الشيخ(2) جوازه يدلّ على منع انتقال المال عنه، و هو قول ابن الجنيد(3) و لم يفرّق بين الملّي و الفطري، و استفادة الفرق بينهما و إثبات الأحكام المشهورة من النصوص مشكل. و سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى(4)

قوله:«و لو دبّر الكافر كافراً فأسلم بيع عليه» إلى آخره.

إذا دبّر الكافر عبده الكافر ثمّ أسلم العبد، نظر إن رجع السيّد عن التدبير بالقول بيع

ص: 402


1- يأتي في ج 12، ص 229 و ما بعدها.
2- المبسوط، ج 4، ص 553.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 121، المسألة 50.
4- يأتي في ج 12، ص 229 وما بعدها.

. ویصحّ تدبير الأخرس بالإشارة، و كذا رجوعه و لو دبّر صحيحاً ثمّ خرس، و رجع بالإشارة المعلومة صحّ.

عليه وجوباً قولاً واحداً، و إلّا ففي بيعه عليه قولان، أظهرهما ذلك؛ لانتفاء السبيل للكافر على المسلم و قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم :«الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(1)، و طاعة المولى علوّ منه، و في ملكه إذلال للمسلم، و لايؤمن أن يستخدمه فيذلّه.

و قال ابن البراج:«يتخيّر بين الرجوع في التدبير فيباع، و بين الحيلولة بينه و بين كسبه للمولى، و بين استسعائه، و حينئذ فينفق عليه من كسبه، فإن فضل منه شيء فهو للمولى»(2).

و على القولين فإذا مات قبل بيعه و رجوعه عتق من ثلثه، فإن بقي منه شيء سعى فيه للورثة إن كانوا مسلمين، وإلّا بيع عليهم؛ لبطلان التدبير بالموت.

قوله:«ویصحّ تدبير الأخرس بالإشارة، و كذا رجوعه» إلى آخره.

كما یصحّ تصرفّات الأخرس و معاملاته بالإشارة المفهمة،كذا یصحّ تدبيره و رجوعه عنه؛ لأنّ إشارته قائمة شرعاً مقام اللفظ، سواء كان خرسه أصليّاً أم عارضيّاً، و سواء خرس بعد التدبير فيرجع بالإشارة أم قبله؛ لاشتراك الجميع في المقتضي.

و يشترط فهم إشارته و لو بعدلين؛ ليثبت به حيث يحصل النزاع. و لو فهم المملوك ذلك منه ترتّب عليه حكم التدبير فيما بينه وبين الله تعالى، كما لو وقع التدبير من الصحيح بينهما بغير إشهاد، و لو أنكر بعد ذلك فكإنكار الصحيح.

و نبّه بقوله«و كذا رجوعه» على خلاف بعض العامّة حيث منع من رجوعه بالإشارة وإن جوّز تدبيره بها(3)، بناءً على أنّ الرجوع لایصحّ عنده بالقول بل بالفعل، و غاية إشارته أن تقوم مقام القول فلايزيد الفرع على أصله.

ص: 403


1- الفقيه، ج 4 ص 334 ، ح 5722.
2- المهذّب، ج 2، ص 371.
3- لم نعثر عليه، و راجع روضة الطالبين، ج 8، ص 454.

المقصد الثالث في الأحكام

اشارة

وهي مسائل:

التدبير بصفة الوصيّة

الأولى: • التدبير بصفة الوصيّة يجوز الرجوع فيه،

قوله: «التدبير بصفة الوصيّة يجوز الرجوع فيه».

في جعله بصفة الوصيّة من غير أن يجعله وصيّةً محضةً تنبيه على أنّه لايختار كونه وصيّةً محضة، و في تعريفه له في صدر الكتاب ما يدلّ على ذلك كما بيّنّاه(1)، ولكنّه في النافع قطع بكونه وصيّة(2).

و الأخبار مختلفة، ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام:«إنّما هو بمنزلة رجل أوصى بوصيّة ثم بدا له بعد فغيّرها قبل موته، فإن هو تركها و لم يغيّرها حتى يموت أخذ بها».(3)

و روى معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المدبّر، فقال:«هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما يشاء منها»(4). و هذا موافق لما في الكتاب.

و روى زرارة عنه علیه السلام قال: سألته عن المدبّر أ هو من الثلث؟ قال:«نعم، و للموصي أن يرجع في وصيّته في صحّة أو مرض»(5). وهذه أظهر فى الدلالة على كونه وصيّةً.

و التحقيق أنّه بمنزلة الوصيّة لا عينها كما ذكره هنا؛ لأنه لو كان وصيّةً محضة لافتقر في عتقه إلى صيغة بعد الموت. و لايلزم من كونه بمنزلتها مساواتها في جميع الأحكام،

ص: 404


1- تقدّم في ص 385.
2- المختصر النافع، ص 338.
3- الكافي، ج 6، ص 184 - 185 ، باب المدبّر ، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 259، ح 942؛ الاستبصار، ج 4، ص 30، ح 102.
4- الكافي، ج 6، ص 183 - 184، باب المدبّر ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 258، ح 939؛ الاستبصار، ج 4، ص 30، ح 103.
5- الكافي، ج 6، ص 184، باب المدبّر ، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 258 - 259، ح 940: الاستبصار، ج 4، ص 30، ح 104.

• قولاً، كقوله:«رجعت فى هذا التدبير» و فعلاً، كأن يهب أو يعتق أو يقف أو يوصي، سواء كان مطلقاً أو مقيّداً. و كذا لو باعه بطل تدبيره.

و قيل: إن رجع في تدبيره ثمّ باع صحّ بيع رقبته. و كذا إن قصد ببيعه الرجوع. وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقبته، و تحرّر بموت مولاه.

بل المراد أنّه بمنزلتها في الأحكام المسؤول عنها في الروايات، و هو كونه من الثلث، و يجوز الرجوع فيه و نحو ذلك. و ليس بعتق معلّق أيضاً - كما قاله ابن إدريس(1) و غيره(2)- وإلّا لما صحّ الرجوع. فكونه متردّداً بينهما في بعض الأحكام و مستقّلاً بنفسه - و من ثَمّ وقع بصيغته الخاصّة الخارجة عن الأمرين - أظهر.

قوله:«قولاً،كقوله:رجعت في هذا التدبير، و فعلاً، كأن يهب» إلى آخره.

قد عرفت ممّا سبق أنّ التدبير من الأمور الجائزة القابلة للفسخ كالوصيّة(3).

ثمّ فسخه قد يكون بالقول كقوله:«رجعت في هذا التدبير» أو «أبطلته» أو «رفعته» و ما

أشبه ذلك.

و قد يكون بالفعل كأن يهب المدبّر لغيره و إن لم يقبضه؛ فإنَّه يبطل لدلالته على الرجوع، و تصحّ الهبة إذا تمّت شرائطها، خلافاً لابن حمزة حيث اشترط في صحّتها تقديم الرجوع فيه بالقول(4).و أولى بالرجوع ما إذا أعتقه؛ لأنّه تعجيل لما تشبّث به المدبّر من الحرّيّة، فقد زاده خيراً.

و كذا يبطل بوقفه و إن لم يقبضه؛ لدلالته على الرجوع كالهبة، و الخلاف فيه كالخلاف

فيها. و مثله الوصيّة به.

و أمّا بيعه فالأظهر أنّه كذلك؛ لما ذكر، و لأنّ الوصيّة تبطل بإخراج الموصى به عن ملك

ص: 405


1- السرائر، ج 3، ص 30.
2- المبسوط ، ج 4، ص 546 - 547؛ الجامع للشرائع، ص 407؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 265 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
3- سبق في ص 404.
4- الوسيلة، ص 346.

...

الموصي، و البيع ناقل للملك و هو وصيّة أو بمنزلتها كما مرّ، و لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام و قد سأل عن رجل دبّر مملوكاً ثم احتاج إلى ثمنه، قال، فقال: «هو مملوكه إن شاء باعه، وإن شاء أعتقه، وإن شاء أمسكه حتّى يموت، فإذا مات السيّد فهو حرّ من ثلثه»(1).

و قال الشيخ في النهاية :«لايجوز بيعه قبل أن ينقض تدبيره، إلّا أن يعلم المبتاع أنّه يبيعه خدمته و أنّه متى مات هو كان حرّاً لا سبيل عليه(2).

و قال الصدوق:«لايجوز بيعه إلّا أن يشترط على الذي يبيعه إيّاه أن يعتقه عند موته(3) و قريب منه قول ابن أبي عقيل(4).

و قال المفيد:«متى مات البائع صار حرّاً لا سبيل عليه و إن لم يشترط»(5). و هو قول الشيخ أيضاً(6)

و مستند هذه الأقوال ظاهر الروايات المختلفة، و قد تقدّم منها ما يدلّ على جواز الرجوع و البيع(7).

و روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما علیهما السلام في الرجل يعتق غلامه و جاريته عن دبر منه ثمّ يحتاج إلى ثمنه أيبيعه؟ قال:«لا، إلّا أن يشترط على الذي يبيعه إيّاه أن يعتقه عند موته»(8). و هذه حجّة الصدوق.

ص: 406


1- الكافي، ج 6 ، ص 185، باب المدبّر ، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 259، ح 943؛ الاستبصار، ج 4، ص 27 - 28، ح 90.
2- النهاية، ص 552.
3- المقنع، ص 464.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 89، المسألة 44.
5- المقنعة، ص 551.
6- المبسوط، ج 4، ص 551، و فيه:وينبغي أن يبيعه بهذا الشرط.
7- تقدّم في ص 404.
8- الفقيه، ج 3، ص 120، ح 3461؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 263، ح 959؛ الاستبصار، ج 4، ص 28، ح 95.

...

و روى القاسم بن محمد عن عليّ قال:سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعتق جاريةٌ له عن دبر في حياته، قال:«إن أراد بيعها باع خدمتها حياته، فإذا مات أعتقت الجارية، وإن ولدت أولاداً فهم بمنزلتها»(1). و هذه حجّة الشيخ.

مضافاً إلى الجمع بين الأخبار التي دلّ بعضها على جواز بيعها مطلقاً(2)، و بعض على النهي

عنه(3)، و بعض على الإذن في بيع الخدمة مدّة حياته(4)، بحمل الأوّل على بيع الخدمة.

و حمل ابن إدريس بيع الخدمة على الصلح مدّة حياته(5)، والعلّامة على الإجارة مدّةً فمدّةً حتّى يموت(6). و المصنّف قطع ببطلان بيع الخدمة؛ لأنّها منفعة مجهولة(7).

و أُجيب(8) بأنّ الجهالة غير قادحة؛ لجواز استثناء هذا على أنّ المقصود بالبيع في جميع الأعيان هو الانتفاع و لاتقدير للمدّة، فإذا وردت الأخبار الكثيرة بجوازه لم يبعد القول به. و اختاره الشهيد في الدروس(9). و على هذا فيتّجه جواز بيع الرقبة، كما دلّت عليه الأخبار السابقة، و بيع المنفعة منفردةً، كما دلّت عليه هذه الأخبار.

و أمّا حمل الشيخ بيع المدبّر على بيع خدمته و حصره الجواز فيه إذا لم يرجع في التدبير فليس بجيّد، لأنّ مقصود المشتري هو الرقبة، فإذا لم یصحّ بيعها و صرف إلى بيع الخدمة

ص: 407


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 264، ح 963؛ الاستبصار، ج 4، ص 29، ح 99
2- الكافي، ج 6 ، ص 185، باب المدبّر ، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260، ح 944
3- منها في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 263 - 264، ح 962؛ والاستبصار، ج 4، ص 29، ح 98
4- منها في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 264، ح 963.
5- السرائر، ج 3، ص 32، و فيه: إن كان التدبير عن واجب
6- مختلف الشيعة، ج 8، ص 93، المسألة 44.
7- نكت النهاية، ج 3، ص 33 - 34.
8- المجيب هو الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 185 - 186 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10)؛ و راجع أيضاً التنقيح الرائع، ج 3، ص 462.
9- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 185 - 186 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).

إنکار المولی للتدبير لیس رجوعاً

● ولو أنكر المولى تدبيره لم يكن رجوعاً.

. و لو ادّعى المملوك التدبير و أنكر المولى فحلف لم يبطل التدبير في نفس الأمر.

في المدّة المخصوصة كان اللازم بطلان البيع، كما لو اشترى شيئاً على أنّه من جنس معيّن

فظهر غيره.

و أما تنزيله على أنّ البيع متناول للرقبة مدّة الحياة كمشروط العتق ففاسد؛ لتصريح الأخبار و الفتوى بتناول البيع الخدمة دون الرقبة و لأنّ انعتاقه بالموت عن البائع لا عن المشتري، فدلّ على عدم انتقال الرقبة إلى المشتري وإلّا لكان عتقه عنه إذا لم يشترط عليه عتقه عن البائع بل انعتق بالتدبير السابق. و الأصحّ صحّة البيع في رقبته وبطلان التدبير.

قوله: «ولو أنكر المولى تدبيره لم يكن رجوعاً».

إنّما لم يكن رجوعاً؛ لأنّه أعمّ منه فلا يدلّ عليه، و لإمكان استناد إنكاره إلى نسيان

التدبير فلم يقصد به الرجوع.

و قيل:يكون رجوعاً؛ لاستلزامه رفعه في سائر الأزمان فكان أبلغ من الرجوع المقتضي

الرفعه في الزمن المستقبل خاصّةً(1).

و الأوّل أقوى إلّا مع قصد الرجوع به، و حينئذ فيرجع إليه في ذلك، فإن لم يعترف بالقصد لم يكن رجوعاً. و كذا القول في سائر الأحكام التي يجوز الرجوع فيها، كالوكالة و الوصيّ و إنكار البيع الجائز عدا الطلاق؛ لورود النص(2) الصحيح بكونه رجوعاً. و قد تقدّم تحقيقه فيه(3).

قوله:«و لو ادّعى المملوك التدبير و أنكر المولى فحلف لم يبطل التدبير في نفس الأمر».

الحكم هنا كما تقدّم مع زيادة الحلف من المولى، و هو لايفيد الرجوع بذاته و إنّما يؤكّد الإنكار، و هو لايدلّ على الرجوع كما علم.

ص: 408


1- لم نعثر على القائل به من الخاصّة، و لعلّ المراد منه بعض العامّة، راجع العزيز شرح الوجيز، ج 13، ص 425، نسب هذا القول إلى الغزالي.
2- راجع الكافي، ج 6، ص 74، باب بدون العنوان، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 42 - 44. ح 129.
3- تقدّم في ج 7، ص 356.

المدبّر ينعتق بموت مولاه من الثلث

الثانیّة: • المدبّر ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى، فإن خرج منه وإلّا تحرّر من المدبّر بقدر الثلث و لو لم يكن سواه عتق ثلثه.

و لو دبّر جماعةً فإن خرجوا من الثلث و إلّا عتق من يحتمله الثلث، و بدئ بالأوّل فالأوّل. و لو جهل الترتيب استخرجوا بالقرعة.

و نبّه بقوله«لم يبطل التدبير في نفس الأمر» على أنّه بإنكاره و حلفه مع عدم البيّنة يقضى بارتفاعه ظاهراً، و أمّا في نفس الأمر فهو بحاله ما لم يحصل منه ما يدلّ على الرجوع، فلو مات على هذه الحالة انعتق المملوك فيما بينه و بين الله تعالى.

و قد تظهر الفائدة ظاهراً لو اعترف المولى بعد الحلف بكذبه فيه، فإن جعلنا الإنكار رجوعاً لم يعد باعترافه، وإلّا بقي بحاله فيثبت ظاهراً أيضاً حيث يعترف به. و قد تظهر فائدتها أيضاً لو كان الحلف لعدم البيّنة ثم وجدت بعد ذلك.

قوله:«المدبّر ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى» إلى آخره.

عتق المدبّر معتبر من الثلث؛ لأنّه وصيّة متبرّع بها أو بمنزلتها فيكون بحكمها. و لو جعلناه عتقاً فالعتق المعلّق على الموت كذلك، بل المنجّز في مرض الموت على ما تقدّم(1).فالمتأخّر عنه أولى و قد تقدّم من الأخبار ما يدلّ عليه(2)، كصحيحة محمّد بن مسلم:«هو مملوكه - إلى قوله - فإذا مات السيّد فهو حرّ من ثلثه»(3)

هذا إذا كان معلّقاً بموت المولى متبرّعاً به فلو علّقه بموت المخدوم ومات في حياة المولى و صحّته لم يعتبر من الثلث؛ إذ لا وجه له، فإنّه كتعجيل العتق في حال الحياة. و الأخبار المطلقة في كونه من الثلث(4) محمولة على الغالب من كونه معلّقاً بموت المولى، بل فيها ما يدلّ عليه كقوله«فإذا مات السيّد فهو حرّ من ثلثه». و لو مات المخدوم في مرض

ص: 409


1- تقدّم في ص 350 وج 5 ، ص 449.
2- تقدّم تخريجها في ص 404، الهامش 5.
3- تقدّم تخريجها في ص 406، الهامش 1.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 126، الباب 8 من أبواب التدبير.

. ولو كان على الميّت دَين يستوعب التركة بطل التدبير، و بيع المدبّرون فيه، و إلّا بيع منهم بقدر الدين و تحرّر ثلث من بقى، سواء كان الدين سابقاً على التدبير أو لاحقاً، على الأصحّ.و كما یصحّ الرجوع في المدبّر یصحّ الرجوع في بعضه.

موت المولى أو بعده فهو من الثلث كالمعلّق على وفاة المولى.

ولو كان واجباً بنذر و شبهه، فإن كان في مرض الموت لم يتغيّر الحكم. وإن كان في حال الصحّة، فإن كان المنذور هو التدبير فالأظهر أنّه من الثلث أيضاً؛ لأنّه لايصير واجب العتق

بذلك بل إنّما يجب تدبيره فإذا دبّره برئ من النذر و لحقه حكم التدبير.

و إن كان قد نذر عتقه بعد الوفاة فهو من الأصل كغيره من الواجبات الماليّة. و مثله نذر الصدقة و نحوها بمال بعد الوفاة. و في التحرير ساوى بين الأمرين في خروجه من الأصل(1). و نقله في الدروس عن ظاهر الأصحاب(2).و الأظهر الأوّل.

و لو جوّزنا تعليق العتق على الشرط فقال:«هو حرّ قبل مرض موتي بيوم» مثلاً خرج من الأصل. و كذا لو جعلنا المنجّزات من الأصل فعلّقه على آخر جزء من حياته. و لو نذر عتقه أو الصدقة بالمال أو صرفه في بعض الوجوه السائغة في آخر يوم من أيّام صحّته فكذلك، أو في آخر يوم من حياته على القول الآخر. و لا فرق في اعتبار التدبير المتبرّع به من الثلث بين الواقع في مرض الموت و حال الصحّة كالوصيّة.

و لو تعدّد المدبّر فإن اتّحدت الصيغة أو تعدّدت و جهل الترتيب عتق الثلث بالقرعة كما سبق في العتق(3). وإن علم السابق بدئ بالأوّل فالأوّل إلى أن يستوفي الثلث كالوصيّة.

قوله:«و لو كان على الميّت دين يستوعب التركة بطل التدبير» إلى آخره.

لمّا كان التدبير كالوصيّة اعتبر في نفوذه كونه فاضلاً من الثلث بعد أداء الدين، و ما في

ص: 410


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4 ، ص 221، الرقم 5694.
2- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- تقدّم في ص 350 - 351.

الثالثة: • إذا دبّر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي. و لو كان له شريك لم يكلّف شراء حصّته، و كذا لو دبّره بأجمعه و رجع في بعضه.

و كذا لو دبّر الشريكان، ثمّ أعتق أحدهما لم تقوّم عليه حصّة الآخر. و لو قيل:

معناه من الوصايا الواجبة و العطايا المنجّزة و المتقدّمة عليه لفظاً.

و لا فرق في الدين بين المتقدّم منه على إيقاع صيغة التدبير و المتأخّر على الأصحّ؛ للعموم(1) كالوصيّة.

و القول بتقديمه على الدين مع تقدّمه عليه للشيخ في النهاية(2)؛ استناداً إلى صحيحة أبي بصير عن الصادق علیه السلام في رجل دبّر غلامه و عليه دين فراراً من الدين قال:«لا تدبير له، وإن كان دبّره في صحّة منه و سلامة فلا سبيل للديّان عليه»(3)

و صحيحة الحسين بن عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن [بيع] المدبّر قال:إذا أذن في ذلك فلا بأس، وإن كان على مولى العبد دين فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له، وإن كان دبّره في صحّة و سلامة فلا سبيل للديّان عليه و يمضي تدبيره»(4)

و أجيب(5) بحمله على التدبير الواجب بنذر و شبهه، فإنّه إذا وقع كذلك مع سلامته من الدين فلا سبيل للديّان عليه، وإن نذره فراراً من الدين لم ينعقد نذره؛ لأنّه لم يقصد به الطاعة. و هو محمل بعيد.

قوله:«إذا دبّر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي - إلى قوله - على تردّد».

هنا مسائل:

الأولى: إذا دبّر بعض عبده لم يسر على الباقي، بمعنى أنّه [لا](6) ينعتق معجّلاً و لا بعد

ص: 411


1- راجع وسائل الشيعة، ج 19، ص 329 و 353 ، الباب 28 و 39 من أبواب كتاب الوصايا.
2- النهاية، ص 553.
3- الفقيه، ج 3، ص 123، ح 3469؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 261، ح 949.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 261، ح 950؛ الاستبصار، ج 4، ص 28، ح 91.
5- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 97، المسألة 46.
6- إضافة يقتضيها السياق، كما أُشير في حاشية «و» ب- «ظ»

مسائل من تدبیر بعض العبد و تقویم حصّة الشریك

يقوّم كان وجهاً.

و لو دبّر أحدهما، ثمّ أعتق وجب عليه فكّ حصّة الآخر.

و لو أعتق صاحب الحصّة القنّ لم يجب عليه فكّ الحصّة المدبّرة على تردّد.

عتق الجزء المدبّر ؛ لأنّ التدبير ليس بعتق وإنّما هو وصيّة به، و على تقدير كونه عتقاً معلّقاً لم يقع بعد فلايدخل في عموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«من أعتق شقصاً»(1)، و بعد انعتاقه لا يبقى المعتِق موسراً لانتقال ماله عنه بالموت، بخلاف ما إذا علّق عتق نصيبه بصفة فوجدت الصفة و هو موسر و جوّزناه، فإنّه يعتق النصيب و يسري.

و للمرتضى (رضي الله عنه) قول بالسراية هنا(2)، و هو قول بعض العامّة(3)، كالعتق المنجّز؛ لأنّه يوجب استحقاق العتق بالموت، فصار كالاستيلاد الموجب لتقويم حصص الشركاءعليه.

و رُدّ بمنع الاستحقاق أوّلاً؛ لجواز الرجوع، و منع الملازمة على تقدير الاستحقاق مع عدم تحقّق العتق بالفعل؛ لعدم المقتضي.

و الفرق بين التدبير و الاستيلاد أنّ الاستيلاد كالإتلاف، حيث إنّه يمنع التصرّف بالبيع و نحوه و لا سبيل إلى دفعه، بخلاف التدبير.

الثانیّة: لو دبّر بعض المملوك المشترك بينه و بين آخر لم يسر على الشريك، و لم يقومّ عليه نصيب الشريك؛ لما تقدّم من الدليل. و المخالف هنا كالسابق(4)، و جوابه جوابه، بل هنا أولى بعدم السراية.

و لبعض العامّة هنا قول بتخيير الشريك بين أن يضمّنه القيمة، و بين أن يستسعي العبد،

ص: 412


1- تقدّم تخريجه في ص 353، الهامش 1.
2- قال بذلك في المملوك ولم نجد في غيره، راجع الانتصار، ص 378، المسألة 221.
3- الحاوي الكبير، ج 18، ص 109؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 12، ص 285، المسألة 8626.
4- راجع حلية العلماء، ج 6، ص 183 - 184؛ و بدائع الصنائع، ج 4، ص 170 ؛ و المغني المطبوع مع الشرح الکبیر، ج 12، ص 313، المسألة 8661؛ وروضة الطالبين، ج 8، ص 452.

إذا أبق المدبّر بطل تدبيره

الرابعة • إذا أبق المدبّر بطل تدبيره و كان هو و من يولد له بعد الإباق رقّاً إن ولد له من أمة، و أولاده قبل الإباق على التدبير.

و بين أن يدبّر نصيبه أو يعتقه(1)

الثالثة: لو كان لمالك واحد و دبّره أجمع ثمّ رجع في بعض التدبير، فإنّه صحيح كما تقدّم، كما يجوز الرجوع في بعض الوصيّة دون بعض.

و حيث يرجع في البعض لايسري ما بقي فيه التدبير على ما رجع إلى محض الرقّ؛ لما

تقدّم من أنّه ليس بعتق مطلق(2). و الخلاف و الحجّة و الجواب فيهما واحد.

الرابعة: لو كان مشتركاً بين اثنين فدبّراه معاً ثمّ عجّل أحدهما العتق فهل يقوّم عليه نصيب الآخر؟ فيه قولان، أحدهما:«لا»، ذهب إليه الشيخ في المبسوط محتجّاً؛ بأنّ له جهة يعتق بها - و هو التدبير - فلايحتاج إلى جهة أخرى(3). و الوجه التقويم؛ لأنّه لم يخرج عن ملكه بالتدبير فيدخل في عموم:«من أعتق شقصاً»(4)، إلى آخره.

الخامسة:الصورة بحالها، لكن دبّر أحد الشريكين حصّته ثم عجّل عتقها، سرى عليه

إلى نصيب الشريك قطعاً؛ للعموم، و تماميّة الملك، و عدم المانع منه هنا.

السادسة: الصورة بحالها، لكن كان المعتق هو الشريك الذي لم يدبّر، فهل يسري إلى نصیب شريكه المدبّر؟ القولان السابقان، فعند الشيخ لايسري(5)؛ لأنّ حصّة التدبير لها جهة عتق. و الأكثر - و هو الأصحّ - على ثبوت السراية؛ لأنّه لم يخرج عن ملكه بالتدبير.

قوله:«إذا أبق المدبّر بطل تدبيره و كان هو و من يولد له بعد الإباق رقّاً» إلى آخره.

هذا الحكم ذكره الأصحاب، و ظاهرهم الإجماع عليه، و في الخلاف صرّح بدعوى

ص: 413


1- راجع بدائع الصنائع، ج 4، ص 170؛ و المبسوط، السرخسي، ج 7، ص 190.
2- تقدّم قُبَيل هذا.
3- المبسوط، ج 4 ص 559 و لكن نقل فيه قولين بالسراية و عدمها من دون اختيار أحدهما.
4- تقدّم تخريجه في ص 377، الهامش 5.
5- المبسوط ، ج 4، ص 559.

...

إجماعهم عليه أيضاً(1)

و مستنده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال:سألته عن جارية مدبّرة أبقت من سيّدها سنيناً، ثمّ جاءت بعد ما مات سيّدها بأولاد و متاع كثير، و شهد لها شاهدان أنّ سيّدها كان دبّرها في حياته من قبل أن تأبق، قال، فقال أبو جعفر علیه السلام:«أرى أنّها و جميع ما معها للورثة»، قلت: لاتعتق من ثلث سيّدها؟ قال:«لا، إنّها أبقت عاصيةً لله عزّ وجلّ و لسيّدها، و أبطل الإباق التدبير»(2).

و في معناها رواية العلاء بن رزين عن أبي عبد الله علیه السلام(3). و في طريق الروايتين ضعف(4)،إلّا أنّه منجبر بالشهرة أو الإجماع.

و فرّقوا بين الإباق و الارتداد - حيث لم يكن الارتداد موجباً لبطلان التدبير، مع اشتراكهما في معصية المولى، و كون الثاني أقوى من حيث إنّ معصية الله تعالى أعظم - أنّ الإباق يقتضي معصية الموليين معاً، و المولى الآدمي محتاج إلى خدمته، فقوبل بنقيض مقصوده حيث فوّتها عليه، بخلاف معصيته لله تعالى بالارتداد، فإنّه غنيّ عنه و لاتعلّق لذلك بالمولى المحتاج.

و هو تكلّف تعليل مع النصّ الذي هو الأصل في الحكم. و ينتقض بإباقه من عند المخدوم الذي علّق تدبيره على موته، فإنّه لايبطل بإباقه كما سلف(5) و سيأتي(6) - مع اشتراكهما في الحاجة، و إنّما الفارق النصّ.

ص: 414


1- الخلاف، ج 6، ص 413، المسألة 9.
2- الكافي، ج 6، ص 200، باب الإباق، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 146، ح 3540؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 264، ح 964؛ الاستبصار، ج 4، ص 32، ح 110.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 265، ح 966؛ الاستبصار، ج 4، ص 33 ، ح 112.
4- و الضعف في الرواية الأولى من جهة محمّد بن يحيى. راجع خلاصة الأقوال، ص 399، الرقم 1606؛ وفي الثانیّة من جهة حسن بن عليّ بن فضّال فأنّه فطحي. راجع رجال النجاشي، ص 34 - 36، الرقم 72.
5- تقدّم في ص 385 وما بعدها.
6- يأتي في ص 419.

لايبطل تدبير المملوك لو ارتدّ

. ولا يبطل تدبير المملوك لو ارتدّ. فإن التحق بدار الحرب بطل؛ لأنّه إباق، و لو مات مولاه قبل فراره تحرّر.

ما يكتسبه المدبَّر لمولاه

الخامسة ما يكتسبه المدبّر لمولاه؛ لأنّه رقّ.

و لو اختلف المدبّر و الوارث فيما في يده بعد موت المولى، فقال المدبّر:اكتسبته بعد الوفاة، فالقول قوله مع يمينه. و لو أقام كلّ منهما بيّنة فالبيّنة بيّنة الوارث.

قوله:«و لايبطل تدبير المملوك لو ارتدّ. فإن التحق بدار الحرب بطل» إلى آخره.

ارتداد المملوك لايبطل تدبيره مطلقاً وإن حكم بقتله؛ للأصل، ما لم ينضمّ إليه الإباق - بأن يلتحق بدار الحرب - فيبطل من حيث الإباق كما تقدّم(1). خلافاً لابن الجنيد، حيث اكتفى في بطلان تدبيره بأحد الأمرين: ارتداده أو التحاقه بدار الحرب و أسر المسلمين له(2).

و كلاهما ممنوع؛ إذ لا دليل على البطلان بمجرّد الارتداد. و إلحاقه بالاباق قياس مع وجود الفارق، كما أشرنا إليه سابقاً من حاجة المولى و غنى الله تعالى. و التحاقه بدار الحرب لايشترط انضمام الأسر إليه؛ لأنّ الإباق علّة مستقلّة بالبطلان. فعلى هذا لو مات مولاه بعد ارتداده و قبل فراره إلى دار الحرب أو إباقه بغيره تحرّر، لوجود المقتضي للعتق. وإن قتل قبل موت مولاه بطل كما لو مات حتف أنفه.

قوله:«ما يكتسبه المدبّر لمولاه؛ لأنّه رقّ» إلى آخره.

المدبّر في حياة مولاه بمنزلة الرقّ، فكسبه و منافعه للمولى، سواء جعلنا التدبير وصيّة بالعتق أم عتقا معلّقاً؛ لأنّه لم يحصل على التقديرين. فإذا مات المولى و عتق من الثلث أو بعضه،و وجد معه مال فادّعى أنّه اكتسبه بعد الموت، و ادّعى الوارث تقدّمه، فالقول قول المدبّر مع يمينه؛ لأصالة عدم التقدّم.

ثم لايلزم من تقديم قوله في تأخّره الحكم بكونه ملكه، بل قد يكون كذلك كما إذا كان خارجاً من الثلث، و قد لايكون كما لو لم يكن خارجاً منه.

ص: 415


1- تقدّم قبيل هذا.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 104، المسألة 52.

...

فلو فرض أنّه لم يخلّف سواه، و كانت قيمته ثلاثين والكسب المتنازع ستّين، فالوارث يدّعى انعتاقه أجمع و أنّ الكسب له؛ لكونه ضعف قيمته، و دعواه تأخّره يقتضي أنّه لم ينعتق منه إلّا ثلثه، و يتبعه ثلث الكسب و أنّ الثلاثين للورثة، لكن لايحكم عليهم بعتق جزء منه إلّا مقدار ما يصل إليهم من التركة ضعفه، فحيث لم يصادقهم على تقدّم الكسب و قدّم قوله فيه لزم تصادقهما على استحقاق الوارث ثلثي الكسب، فإذا وصل إليهم - و هو في المثال أربعون- كان ذلك مع المدبّر مجموع التركة و هو سبعون فينعتق منه ثلثها و هو ثلاثة و عشرون و ثلث، و ذلك سبعة أتساع المدبّر، و يلحقه عشرون من كسبه هو الثلث الذي ثبت باعترافه، فيدفع إلى الوارث منها ستّة و ثلثين هي تمام القيمة و يبقى له الباقي.

لا يقال: يلزم على هذا أن يثبت له زيادةً على ما يدّعيه؛ لأنّ دعواه التي قد حلف عليها و قدّم قوله فيها أنّه انعتق ثلثه و استحق ثلث الكسب و ذلك ثلاثون.

و لازم دعواه أيضاً شرعاً أنّ مجموع الكسب للورثة و ليس له إلّا رقبته؛ لأنّ ما يحصل له من الكسب يجب عليه دفعه في فكاك باقيه، و هو بتمامه تمام الباقي، فكيف يستحقّ الزائد و هو ينفيه ؟

لأنّا نقول: الزيادة حصلت له من قبل الجزء الحرّ، و هو حقّ لله تعالى يثبت منه ما يقتضيه الشرع، و لايلتفت فيه إلى إنكاره، بخلاف المال؛ و ذلك لأنّ مقتضى دعواه في المال لمّا كانت استحقاق عشرين لم نزده عليها. و أمّا العتق فإنّ الشرع يحكم بعتق ثلث ما يتحصّل بيد الوارث من التركة، و لما اعترف له من الكسب بأربعين و قيمته تساوي ثلاثين فقد تحصّل بأيديهم سبعون، فيحكم بعتق مقدار ثلثها منه، سواء اعترف به أم أنكره؛ لأنّ العتق حقّ لله تعالى فيحصل له منه مقدار ثلاثة و عشرين [و ثلث] فإذا أُضيفت إلى ما حكم له به من الكسب زاد عن القيمة فكان الزائد له لأجل ذلك.

و قس على هذا ما إذا قصر الكسب عن ضعفه، أو خلف شيئاً آخر معه لايبلغ الضعف فلو كان كسبه مقدار قيمته كان له ثلثه بدعواه التي قدّم فيها، و ضمّ ثلثاه - وهو عشرون في المثال

ص: 416

إذا جُني على المدبَّر بما دون النفس

السادسة . إذا جني على المدبَّر بما دون النفس كان الأرش للمولى و لايبطل التدبير، وإن قتل بطل التدبير و كانت قيمته للمولى يقوّم مدبّراً.

إذا جُنى المدبّر

السابعة • إذا جُنى المدبّر تعلّق أرش الجناية برقبته و لسيّده فكّه بأرش الجناية، و له بيعه فيها. فإن فكّه فهو على تدبيره، وإن باعه و كانت الجناية تستغرقه فالقيمة لمستحقّ الأرش، وإن لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية، و الباقي على التدبير، و لمولاه أن يبيع خدمته، و له أن يرجع في تدبيره ثمّ يبيعه.

-إلى مجموع المدبّر - و قيمته ثلاثون - فيعتق ثلث الخمسين و هو ستة عشر و ثلثان، و هي خمسة أتساعه، و له ثلث كسبه عشرة، و يجتمع للورثة عشرون من الكسب و ثلاثة عشر و ثلث من رقبته، و ذلك ضعف ما عتق منه.

قوله:«إذا جني على المدبّر بما دون النفس كان الأرش للمولى» إلى آخره.

الجناية على المدبّر كهي على القنّ، فإن جني عليه بما دون النفس فللسيّد القصاص أو

الأرش، و يبقى التدبير بحاله. وإن قتل فللسيّد القصاص أو القيمة.

و لايلزمه أن يشتري بها مملوكاً فيدبّره وإن كان التدبير واجباً، بخلاف ما إذا وقف متاعاً

فأتلف، فإنّا قد نقول يشترى بقيمته مثله و يوقف.

و الفرق أنّ مقصود الوقف أن ينتفع به الموقوف عليهم و هم باقون، و مقصود التدبير أن

ينتفع به العبد و لم يبق.

ثم على تقدير الحاجة إلى تقويمه لتؤخذ القيمة أو الأرش يقوّم مدبّراً لا قنّاً؛ لأنّ تلك هي صفته التي هو عليها يوم الجناية. و يظهر التفاوت على تقدير القول بالمنع من بيع رقبته، أو كان لازماً بنذر و شبهه بحيث لايجوز الرجوع فيه، فيكون لذلك قيمته أقلّ من قيمة القنّ. أما لو كان التدبير متبرَّعاً به و جوّزنا بيعه مطلقاً كما يجوز الرجوع فيه لم يظهر بين القيمتين تفاوت.

قوله: «إذا جنى المدبّر تعلّق أرش الجناية برقبته إلى آخره.

جناية المدبّر على غيره كجناية القنّ، فإذا جنى على إنسان تعلّق برقبته.

ص: 417

وعلى ما قلناه لو باع رقبته ابتداءً صحّ، و كان ذلك نقضاً للتدبير. و على رواية إذا لم يقصد نقض التدبير كان التدبير باقياً، و ينعتق بموت المولى و لا سبيل عليه.

و لو مات المولى قبل افتكاكه انعتق و لايثبت أرش الجناية في تركة المولى.

فإن كان موجباً للقصاص فاقتصّ منه فات التدبير. و إن عفى عنه أو رضي المولى بالمال أو كانت الجناية توجب مالاً فقداه السيّد بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين على الخلاف المقرّر في جناية القنّ بقي على التدبير، و له بيعه فيها أو بعضه، فيبطل فيما بيع منه.

و هل يجوز لمولاه الاقتصار على بيع خدمته منفردةً عن الرقبة؟ قولان أحدهما - و هو الذي قطع به المصنّف هنا، و هو مذهب الشيخ(1) و جماعة(2) - الجواز؛ لتصريح الروايات الكثيرة به(3)، و أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم باع خدمة المدبّر(4). لكن في طريق الروايات ضعف(5)، فلاتصلح لإثبات هذا الحكم المخالف للأُصول من أنّ البيع إنّما يقع على الأعيان لا على المنافع.

فالقول بعدم الصحّة أصحّ، و به قطع المصنّف في موضع آخر(6).

فإن جوّزنا بيع الخدمة منفردةً و وفت بالجناية بقي على التدبير. و إن باع الأصل - إمّا بعد نقضه، أو مطلقاً على القول الأصحّ - بطل.

و هذا هو الموجب لذكر حكم بيعه أو بيع خدمته هنا؛ لأنّ هذا الحكم آتٍ على تقدير الجناية و عدمها. و الرواية التي أشار إليها المصنّف من أنّ التدبير لايبطل بالبيع وينصرف إلى الخدمة و ينعتق المدبّر بموت المولى قد تقدّم الإشارة إليها و الكلام عليها فيما سلف،

ص: 418


1- المبسوط ، ج 4 ، ص 551.
2- المهذّب، ج 2، ص 366؛ الجامع للشرائع، ص 408؛ الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 185 - 186 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
3- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 119 - 120، الباب 3 من أبواب كتاب التدبير.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260، ح 945؛ الاستبصار، ج 4، ص 29، ح 100.
5- راجع رجال النجاشي، ص 16 ، الرقم 18؛ وخلاصة الأقوال، ص 74 ، الرقم 121.
6- نكت النهاية، ج 3، ص 34.

الثامنة: • إذا أبقَ المدبّر بطل التدبير. و لو جعل خدمته لغيره [مدّة] حياة المخدوم، ثمّ هو حرّ بعد موت ذلك الغير لم يبطل تدبيره بإباقه.

و أعادها هنا ليرتّب عليها حكم الجناية، و قد كان يغني عنه ما تقدّم(1).

إذا تقرّر ذلك، فلو مات مولى المدبّر الجاني قبل افتكاكه و قبل بيعه و استرقاقه فيها اجتمع العتق و الجناية، فيقدّم العتق لسبق سببه عليها، و بنائه على التغليب، و تعلّق الأرش برقبته أو ماله لا بتركة المولى و لا على الوارث؛ لخروجه عن الرقّيّة قبل أخذ الأرش.

و قال الشيخ في المبسوط:يؤخذ الأرش من تركة المولى(2)؛ لأنّه أعتقه بالتدبير السابق، فجرى مجرى إعتاق العبد الجاني إذا قلنا بنفوذه، فإنّه التزام بالفداء، فيؤخذ منها أرش الجناية أو أقلّ الأمرين على الخلاف؛ لتعذّر تسليمه لاستيفاء حقّ الجناية.

و لو قلنا بأنّه لاينعتق حينئذٍ تخيّر الوارث بين أن يفديه فيعتق من الثلث، و بين أن يسلّمه [للبيع ] وإن كان في ثلث المال سعة، فإذا بيع للجناية أو استرقّ بطل التدبير.

و قال ابن الجنيد(3) و القاضي(4): لايبطل بل يستسعي في قيمته بعد موت المولى.و اختاره في الدروس(5)؛ لصحيحة أبي بصير(6). و الأظهر البطلان.

قوله:«إذا أبق المدبّر بطل التدبير» إلى آخره.

بطلان التدبير بالاباق على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النصّ الوارد فيه، و هو إباقه من المولى المعلّق تدبيره بوفاته(7). أمّا لو جعل خدمته لغيره و علّق تدبيره على وفاة

ص: 419


1- تقدّم تخريجه في ص 407، الهامش 1.
2- المبسوط، ج 4، ص 552.
3- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 89، المسألة 44.
4- المهذّب، ج 2، ص 366.
5- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 187 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
6- الفقيه ، ج 3، ص 122، ح 3466؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 263 - 264، ح 962 ؛ الاستبصار، ج 4، ص 29 ، ح 98.
7- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 129 - 130 ، الباب 10 من أبواب كتاب التدبير

فروع أربعة:

المال الذی يستفيده المدبَّر بعد موت مولاه لمن؟

الأوّل: • إذا استفاد المدبّر مالاً بعد موت مولاه فإن خرج المدبّر من الثلث فالكلّ له، وإلّا كان له من الكسب بقدر ما تحرّر منه، و الباقي للورثة.

المخدوم لم يبطل بإباقه؛ للأصل،و صحيحة يعقوب بن شعيب السابقة(1).

و بقي ما لو علّق تدبيره بوفاة الزوج أو غيره حيث نجوّزه فأبق، و مقتضى هاتين القاعدتين أنّ خدمته إن لم تكن مجعولةً لغير المولى تبطل بإباقه وإن لم يكن تدبيره معلّقاً بوفاته؛ لشمول الروايات الدالّة على بطلان تدبيره بإباقه لذلك.

وإن جعل خدمته لغيره و علّق تدبيره على وفاة غير المخدوم-كالزوج- فأبق ففي بطلان تدبيره بذلك نظر؛ إذ كلّ واحدةٍ من الروايات الواردة من الجانبين لاتتناول هذا الفرد، و الأصل يقتضي عدم البطلان.

و لو قيل بقصر عدم البطلان على إباق من جعلت خدمته لغيره و علّق تدبيره علىوفاة المخدوم كان حسناً؛ لأنّ هذا الحكم قد صار على خلاف الأصل، بالنظر إلىقاعدة الأصحاب في المسألة، و ظهور اتّفاقهم على أنّ إباق المدبّر مبطل له إلّا ما أخرجه الدليل. و من أسقط التدبير المعلّق بوفاة غير المولى و المخدوم نظراً إلى عدم النصّ الدالّ على الصحّة ارتفع الإشكال الواقع هنا عنده.

قوله:«إذا استفاد المدبّر مالاً بعد موت مولاه» إلى آخره.

هذا الحكم واضح بعد ما سلف من المقدّمات، فإنّ المدبر مع خروجه من الثلث ينعتق بمجرّد موت المولى، فيكون ما يكتسبه بعده واقعاً حال الحرّيّة. وإن لم يخرج من الثلث و عتق منه شيء كان الكسب تابعاً لما فيه الرقّيّة و الحرّيّة بالنسبة.

هذا إذا كان عتقه معلّقاً على وفاة المولى. أمّا لو كان معلّقاً على وفاة غيره كالمخدوم

ص: 420


1- سبق تخريجها في ص 386، الهامش 4.

الثاني: • إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرّتين تحرّر ثلثه. و كلّما حصل من المال شيء تحرّر من المدبّر بنسبته، وإن تلف استقرّ العتق في ثلثه.

و تأخّر موته عن موت المولى، فإنّه باقي على الرقّيّة للورثة إلى أن يموت المخدوم، فكسبه لهم مطلقاً؛ لأنّه حينئذٍ باقي على التدبير و الرقّيّة إلى أن يحصل المعلّق عليه العتق أو الوصيّة به.

و هل يجوز للوارث الرجوع في تدبيره بين وفاة المولى و المخدوم كما كان ذلك جائزاً للمولى؟ نظر، من إطلاق النصوص(1)و الفتاوى بجواز الرجوع في التدبير ما لم يحكم بعتقه، ومن إمكان اختصاص ذلك برجوع المولى المدبّر، و من ثَمّ لم يجزئ له الرجوع في تدبير أولاد المدبّرة المتجدّدين بعد التدبير من حيث إنّه لم يدبّرهم، فكان وارثه بالنسبة إلى تدبير المورّث بمنزلة المولى في تدبير الأولاد.

و يمكن الفرق بأنّ الوارث قائم مقام الموّرث و وارث حقّه المالي و ما يتعلّق به من الحقوق كحقّ الخيار و الشفعة و هذا منها، بخلاف تدبير الأولاد، فإنّه مستند إلى الله تعالى لا إلى المولى؛ فلذلك لم يكن له الرجوع فيه، و للنصّ(2) الدالّ عليه و هو مفقود هنا، مع أصالة بقاء الملك على مالكه و جواز تصرّف المالك في المملوك بأنواع التصرّفات إلى أن يثبت المزيل.

قوله: «إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرّتين تحرّر ثلثه» إلى آخره.

إذا دبّر عبداً و مات و باقي ماله غائب عن الورثة أو دين على معسر لم يعتق جميع المدبّر ؛

لأنّ عتقه موقوف على أن يصل إلى الورثة من التركة ضعفه.

و هل يعتق ثلثه معجّلاً؟ فيه وجهان، أصحّهما - و هو الذي قطع به المصنّف و الأكثر ، و قوّاه الشيخ في المبسوط(3)- : «نعم»؛ لأنّ الغيبة لاتزيد على العدم، و لو لم يكن يملك إلّا هذا العبد

ص: 421


1- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 118 - 119، الباب 2 من أبواب التدبير.
2- الكافي، ج 6 ، ص 184 ، باب المدبّر ، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 259، ح 941؛ الاستبصار، ج 4، ص 29 - 30، ح 101.
3- المبسوط، ج 6، ص 174.

الثالث: • إذا كوتب ثمّ دبّر صحّ. فإن أدّى مال الكتابة عتق بالكتابة، وإن تأخّر حتّى مات المولى عتق بالتدبير إن خرج من الثلث، و إلّا عتق منه الثلث، و سقط من مال الكتابة بنسبته، و كان الباقي مكاتباً.

أمّا لو دبّره ثمّ كاتبه كان نقضاً للتدبير. و فيه إشكال.

أمّا لو دبّره ثمّ قاطعه على مال ليعجّل له العتق، لم يكن إبطالاً للتدبير قطعاً.

لعتق ثلثه فكذلك عند الغيبة. و على هذا فثلث اكتسابه بعد موت السيّد له، و يوقف الباقي فإن وصل المال إلى الوارث تبيّن عتقه أجمع و تبعه كسبه.

و الثاني أنّه لايعتق حتى يصل المال إلى الورثة؛ لأنّه في تنجيز العتق تنفيذ التبرّع في الثلث قبل تسلّط الورثة على الثلاثين؛ إذ لا بدّ من التوقّف في الثلاثين إلى أن يتبيّن حال الغائب. و قد تقدّم مثله في الوصايا فيما إذا أوصى بعين تخرج من الثلث لكن باقي المال غائب، فإنّ في تسلّط الموصى له الوجهين(1) و أصحّهما كما هنا.

و يتفرّع على الوجهين ما إذا كان قيمة المدبّر مائة و الغائب مائتين فحضرت مائة، فعلى المختار يعتق ثلثاه؛ لأنّ ثلثه عتق في الحال فإذا حضرت مائة عتق بقدر ثلثها أيضاً. و على الثاني يعتق نصفه؛ لحصول مثليه للورثة. فإن حضرت مائة و تلفت مائة استقرّ العتق في ثلثيه و تسلّط الورثة على ثلثه و على المائة.

و ربما يخرج على الوجه الثاني أنّ للوارث التصرّف في الثلثين كما يحكم بعتق الثلث

مراعاة للحقّين المتلازمين، فإن حضر الغائب نقض تصرّفه. و الأصحّ خلاف ذلك کلّه.

و كما يوقف كسبه في الثلثين قبل وصول المال توقف نفقته، بمعنى أنّه ينفق عليه منه فإن وفى وإلّا أكمل الوارث، فإن حضر المال و عتق أجمع رجع الوارث بما غرم منها عليه.

قوله:«إذا كوتب ثمّ دبّر صحّ. فإن أدّى مال الكتابة عتق بالكتابة» إلى آخره.

ص: 422


1- تقدّم في ج 5، ص 310 - 311.

...

هنا ثلاث مسائل:

الأولى: إذا كاتبه ثم دبّره صحّ؛ لعدم المنافاة، فإنّ الكتابة لازمة لاتبطل بطروّ الجائز، و الكتابة وإن اقتضت تمليك المكاتب نفسه إلّا أنّه ليس ملكاً تامّاً فلاينافي التدبير، و من ثَمّ جاز تعجيل عتقه. و حينئذٍ فيجتمع عليه الأمران، فإن أدّى مال الكتابة في حياة المولى عتق و بطل التدبير، وإن عجز فعجّزه المولى بطلت الكتابة و بقي التدبير.

و لو مات المولى قبل الأداء و التعجيز عتق بالتدبير إن احتمله الثلث و يتبعه ولده، لكن يبقى الكلام في كسبه في حال الحياة بعد الكتابة؛ فإنّه لايتبع المدبّر و يتبع المكاتب. و في بطلان الكتابة حينئذٍ وجهان، مثلهما ما لو أعتق السيّد مكاتبه قبل الأداء. و الوجه أنّها لاتبطل؛ للأصل، فإن بقي من الأحكام شيء يتوقّف عليها تأدّى بها. و لو عجز الثلث عن عتقه عتق ما يحتمله، وسقط من مال الكتابة بحسبه، و بقي الباقي مكاتباً.

الثانیّة: أن يدبّره ثم يكاتبه. و في ارتفاع التدبير به قولان، مبنيان على أنّ التدبير وصيّة أو عتق.

فعلى الأوّل يبطل كما تبطل الوصيّة بالعبد لإنسان ثمّ يكاتبه، و لأنّ العبد يصير بالكتابة مالكاً لنفسه، فكأنّ السيّد أزال ملكه عنه، فيكون الحكم كما لو باعه. و هذا اختيار الشيخ(1) و الأكثر.

و على الثاني لايبطل؛ لأنّ مقصود الكتابة العتق أيضاً، فيكون مدبّراً و مكاتباً، خصوصاً على القول بأنّه لايبطل بالبيع و الأصل فيه اللزوم من الطرفين إجماعاً، فعدم بطلانه بما وقع

الخلاف في لزومه و عدمه أولى. و هذا اختيار ابن الجنيد(2) و ابن البراج(3).

و على هذا يكون مدبّراً مكاتباً كما لو دبّر عبده المكاتب. فإن أدّى النجوم عتق بالكتابة،

ص: 423


1- الخلاف، ج 6، ص 415، المسألة 12.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 108، المسألة 60.
3- المهذّب، ج 2، ص 370.

الرابع: • إذا دبّر حملاً صحّ، و لايسري إلى أُمّه. و لو رجع في تدبيره صحّ. فإن أتت به لأقلّ من ستّة أشهر من حين التدبير صحّ التدبير فيه؛ لتحقّقه وقت التدبير. وإن كان لأكثر لم يحكم بتدبيره؛ لاحتمال تجدّده و توهّم الحمل.

وإن مات السيّد قبل الأداء عتق بالتدبير، فإن لم يخرج من الثلث عتق قدر الثلث و بقيت الكتابة في الباقي، فإن أدّى قسطه عتق، و يقوى هذا مع تصريحه بعدم إرادة الرجوع. أمّا مع الإطلاق أو اشتباه الإرادة فالأوّل أوجه.

الثالثة: أن يدبّره ثمّ يقاطعه على مال يكتسبه ليعجّل له العتق و هذا لايقتضي إبطال التدبير قطعاً؛ لأنّ غايته الوعد بتعجيل العتق على تقدير فعل، و المقاطعة غير لازمة لأحدهما،فلا تكون منافيةً له. و المال الذي يكتسبه للمقاطعة ملك للمولى، فلا يتغيّر حكم الرقّ.

قوله:«إذا دبّر حملاً صحّ و لايسري إلى أُمّه. و لو رجع في تدبيره صحّ. فإن أتت به لأقلّ من ستّة أشهر» إلى آخره.

تدبير الحمل صحيح كما یصحّ عتقه منفرداً و منضمّاً؛ لأنّه آدمى مملوك. ثم لايسري التدبير إلى أُمّه كما لايسري منها إليه على الأصحّ. ثم يعتبر وقت ولادته، فإن ولدته لوقت يتحقّق فيه كونه موجوداً حال التدبير فلا إشكال في صحّته، كما لو ولدته لدون ستّة أشهر من وقت التدبير. وإن ولدته لأزيد من أكثر الحمل تبيّن عدم وجوده قطعاً فيبطل التدبير. وإن ولدته فيما بينهما فقد أطلق المصنّف و قبله الشيخ (رحمه الله)(1) و جماعة(2) عدم الصحّة؛ لإمكان حدوثه بعد التدبير، و الأصل عدم تقدّمه ذلك الوقت. و ينبغي الفرق بين ما إذا كانت خاليةً من فراش و عدمه كما سبق في نظائره(3)؛ لأنّ الأصل المذكور و إن كان واقعاً في الحالين إلّا أنّ الظاهر يعارضه و أصالة عدم وطءٍ متجدّدٍ و صيانة حال المسلم على تقديره من الحمل على الزنى.

ص: 424


1- المبسوط، ج 4، ص 557 - 558.
2- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 367 و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 225.
3- سبق في ج 7، ص 85 - 86.

...

و كما یصحّ الرجوع في تدبير المدبّر بالمباشرة یصحّ الرجوع في تدبير هذا الحمل قبل وضعه؛ لوجود المقتضي له و انتفاء المانع؛ إذ ليس الّاكونه حملاً و هو لايصلح للمانعيّة؛ لدخوله في العموم(1).

و خالف في ذلك بعض العامّة حيث لم يجزئ الرجوع في التدبير بالقول مطلقاً بل بالفعل و هو الإخراج عن الملك(2)، و الحمل لايمكن إخراجه بالبيع منفرداً بل بالتبعيّة لأُمّه، فإذا باعهما كذلك صحّ الرجوع عنده و إلّا فلا.

و لمّا كان الرجوع جائزاً عندنا بالقول مطلقاً صحّ في الحمل كغيره، وبالفعل منفرداً في موضع یصحّ إفراده بالنقل كالهبة و الصلح.

ص: 425


1- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 118، الباب 2 من أبواب التدبير.
2- راجع العزيز شرح الوجيز، ج 13، ص 438 .

ص: 426

المکاتبة

اشارة

. وأمّا المكاتبة:

فتستدعي بيان أركانها و أحكامها و لواحقها.

قوله: «وأمّا المكاتبة».

تعریف المکاتبة

المكاتبة و الكتابة مصدران مزيدان مشتقّان من المجرّد و هو الكتب(1)، و أصله الضمّ و الجمع، تقول:كتبت البغلة إذا ضممت بين شفريها بحلقة، و كتبت القربة إذا أوكيت رأسها، و منه«الكتابة» لما فيها من ضمّ بعض الحروف إلى بعض و «الكتيبة»؛ لانضمام بعضهم إلى بعض. فسمّي هذا العقد كتابة؛ لانضمام النجم فيها إلى النجم، أو لأنّها توثق بالكتابة من حيث إنّها منجّمة مؤجّلة، و ما يدخله الأجل يستوثق بالكتابة؛ و لذلك قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»(2)

و اعلم أنّ عقد الكتابة خارج عن قياس المعاملات، من جهة أنّها دائرة بين السيّد و عبده، و أنّ العوضين للسيّد، و أنّ المكاتب على رتبة متوسّطة بين الرقّ و الحرّيّة، و ليس له استقلال الأحرار و لا عجز المماليك. و كذلك تكون تصرّفاته متردّدة بين الاستقلال و نقيضه؛ لأنّ الحاجة داعية إليها، فإنّ السيّد قد لاتسمح نفسه بالعتق مجّاناً، و المملوك لايتشمّر للكسب تشمّره إذا علّق عتقه بالتحصيل و الأداء، فاحتمل الشرع فيه ما لم يحتمل في غيره، كما احتمل الجهالة في ربح القراض و عمل الجعالة للحاجة.

و الأصل فيه الإجماع، و قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

ص: 427


1- راجع العين، ج 5 ، ص 341 والنهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 148، «كتب».
2- البقرة (2): 282.

أمّا الأركان: فالصيغة و الموجب و المملوك و العوض.

الكتابة مستحبّة مع الأمانة و الاكتساب

. و الكتابة مستحبّة ابتداءً مع الأمانة و الاكتساب، و تتأكّد بسؤال المملوك. و لو عدم الأمران كانت مباحة و كذا لو عدم أحدهما.

فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»(1) و ما روي أنّه قال صلّی الله علیه و آله و سلّم:«من أعان غارماً أو غازياً أو مكاتباً كتابته أظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»(2) و قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»(3).

قوله:«و الكتابة مستحبّة ابتداءً مع الأمانة و الاكتساب» إلى آخره.

الكتابة غير واجبة مطلقاً؛ للأصل، كما لايجب التدبير و شراء القريب ليعتق، و لئلّا يبطل أثر الملك و يحتكم المملوك على المالك. ولكنّها مستحبّة مع علم الخير في المملوك؛ للأمر بها حينئذ بقوله تعالى:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»(4)، و الأمرهنا للاستحباب

و لبعض العامّة قول أنّه للوجوب(5).

و قد اختلف في«الخير» المراد من الآية، فروى الحلبي - في الصحيح - عن أبي عبد الله علیه السلام، أنّ المراد به الدين و المال(6)، و هما المعبّر عنهما في عبارة المصنّف بالأمانة و الاكتساب. و وجه اعتبار الأمانة؛ لئلّا يضيع ما يحصّله و يصرفه إلى السيّد فيعتق، و القدرة على الاكتساب ليتمكّن من تحصيل ما يؤدّيه.

و يتأكّد الاستحباب مع اجتماع الشرطين بسؤال المملوك الكتابة في المشهور. و مقتضى العبارة أنّه لو فقد الأمران أو أحدهما لم يتأكّد الاستحباب وإن طلب.

ص: 428


1- النور (24): 33.
2- عوالي اللآلي، ج 3، ص 434 ، ح 10؛ مسند أحمد، ج 4، ص 539 - 540، ح 15556؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 539 - 540، ح 21621، بتفاوت؛ و أورده بعينه الماوردي في الحاوي الكبير، ج 18، ص 141.
3- عوالي اللآلي، ج 1، ص 313، ح 26؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 20، ح 3926؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 545 . ح 21638.
4- النور (24): 33.
5- الحاوي الكبير، ج 18، ص 141؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 339، المسألة 8692.
6- الكافي، ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 270، ح 984.

...

و قال في النافع: إنّ الاستحباب يتأكّد بسؤال المملوك(1) وإن كان عاجزاً. و لم نقف على ما يقتضي ترجيح أحد القولين من الأخبار، وإنّما الذي دلّت عليه استحبابها مع الوصفين.

و في رواية أُخرى صحيحة عن الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله عزّ و جلّ:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا» قال: «كاتبوهم إن علمتم لهم مالاً»(2)، و لم يعتبر الدين.

و رجّحه بعضهم بأنّ فيه استعمال المشترك في أحد معنييه، و في الأوّل استعماله فيهما،

و هو مجاز على أشهر القولين لايصار إليه بدون القرينة(3).

و يضعّف بأنّ القرينة موجودة و هى الرواية الصحيحة، و لاتعارضها الأخرى؛ لاشتمالها

على إثبات شرط آخر و المثبت مقدّم.

نعم، يمكن إثبات أصل الاستحباب بوجود المال - أعني القدرة على كسبه - عملاً بالرواية الصحيحة، ويتأكد الاستحباب مع وجود الوصفين؛ نظراً إلى الخبر الآخر، إلّا أنّ قول المصنّف«و لو عُدم الأمران كانت مباحةً ، وكذا لو عُدم أحدهما» ينافي ذلك.

و لو فقد الشرطان معاً لم يستحبّ ؛ لعدم المقتضي له حيث إنّ الأمر مخصوص بالخير المفسّر

بهما أو بالثاني. و لو اتّصف بالأوّل خاصّةً - و هو الأمانة - لم يستحب؛ لعدم المقتضي له.

و ربما قيل بالاستحباب أيضاً؛(4) لاستعمال «الخير» فيه وحده في قوله تعالى:«فمن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»(5)، يعني عملاً صالحاً و هو الدين ، و قوله تعالى:«وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ»(6) أي ثواب. كما أُريد ب- «الخير» المال وحده في

ص: 429


1- المختصر النافع، ص 338.
2- الكافي، ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 268، ح 975؛ والآية 33 في سورة النور (24).
3- راجع التنقيح الرائع، ج 3، ص 469.
4- لم نظفر على القائل به بعينه، نعم، حكاه في المبسوط ، ج 4، ص 445 - 446 عن بعضهم.
5- الزلزلة(99): 8.
6- الحج (22): 36.

بيان الفرق بين الکتابة و البیع

. وليست عتقاً بصفة، و لا بيعاً للعبد من نفسه، بل هي معاملة مستقلّة بعيدة عن شبه البيع. فلو باعه نفسه بثمن مؤجّل لم یصحّ. و لايثبت مع الكتابة خيار المجلس.

قوله تعالى:«وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ»(1)، و قوله تعالى:«إِنْ تَرَكَ خَيْراً(2).

و يضعّف بأنّ استعمال المشترك في أحد معنييه لايجوز بدون القرينة كاستعماله في المعنيين، و هي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال، فقد يترجّح جانبه بالرواية الصحيحة.

و التحقيق أنّ إطلاق اسم «الخير» على المعنيين المرادين هنا مجاز؛ لأنّه في الشواهد إنّما استعمل في العمل الصالح و الثواب و نفس المال، و المراد هنا الأمانة و القدرة على التكسّب و هما ليستا عملاً صالحاً و لا ثواباً و لا مالاً حقيقةً، وإنّما يكون الكسب سبباً في المال و إطلاق اسم السبب على المسبَّب مجاز، كما أنّ إطلاق الأمانة القلبيّة على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة أعمال الجوارح أو الثواب عليه - و لايعرفه إلّا الله تعالى - مجاز أيضاً.و حينئذ فإطلاقه عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل، و هو موجود في إرادتهما و إرادة الثاني منهما دون الأوّل، فكان العمل به متعيّناً. و حيث يُفقد الشرطان أو الأوّل تكون مباحةً و لايكره للأصل. و قيل: يكره حينئذٍ(3). و قوّاه في المبسوط(4)

قوله:«و ليست عتقاً بصفة و لا بيعاً للعبد من نفسه» إلى آخره.

اختلف العلماء في الكتابة هل هي عتق بعوض أو بيع للعبد من نفسه أو معاملة مستقلّة؟ و منشأ الخلاف وجود خواصّ بعض كلّ من الأمرين، و يشتركان في حصول العتق بالعوض. و تظهر الفائدة في لحوق جميع أحكام ما يجعل منه كالخيار، و وقوعها بلفظ البيع و العتق بالعوض

ص: 430


1- العاديات (100): 8.
2- البقرة (2): 180.
3- حكاه الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 445 - 446 عن قوم
4- المبسوط، ج 4، ص 445 - 446.

...

والأظهر أنّها معاملة بين المولى والمملوك مستقلّة تتبعها أحكام خاصّة، و لايلزم من مشاركتها لبعض فى حكم أن يلحق به مطلقاً.

و القول بكونها بيعاً لأبي الصلاح(1) و ابن إدريس(2)، و الاستقلال مذهب الأكثر .

و وجه بعدها عن شبه البيع أنّه يقتضي المغايرة بين البائع و المشتري و المبيع، و هنا المبيع هو المشتري، ويقتضي قبول المشتري للملك و هو منتفٍ عن المملوك، و كون العوض ملكاً للمشتري و المعوّض ملكاً للبائع و هنا الأمران للمولى، إلى غير ذلك من المخالفات.

و أتى المصنّف بالفاء في قوله «فلو باعه نفسه»؛ ليفرّع بطلانه على كونها ليست بيعاً.

و وجه التفريع أنّ التعبير بالبيع يستتبع أحكامه، و قد عرفت تخلّفها عن هذا العقد فلايقع به(3) خلافاً للشيخ فإنّه في المبسوط مع اختياره أنّها ليست بيعاً(4)، جوّز إيقاعها بلفظ البيع(5)؛ لإفادته المراد منها.

و الأصحّ ما اختاره المصنّف لما تقدّم من أنّ البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى آخر، فلا بدّ من تحقّق إضافة الملك بين المشتري و المبيع؛ لتوقّف الإضافة على تغاير المضافين، و هنا ليس كذلك، و لأنّ ملك العبد يتوقّف على حرّيّته، و حرّيّته موقوفة على تملّكه، فيدور، و لأنّ السيّد لايبايع عبده، و من ثَمَّ لایصحّ بيعه مالاً آخر قولاً واحداً. و على القول بصحّة البيع يثبت المال في ذمّته ويعتق في الحال كما لو أعتقه على مال.

و قوله «و لايثبت مع الكتابة خيار المجلس» متفرّع أيضاً على كونها ليست بيعاً، فينتفي

عنها حكمه، و من جعلها بيعاً لزمه لحوق الخيار.

ص: 431


1- الكافي في الفقه، ص 318.
2- السرائر، ج 3، ص 26.
3- تقدّم أنفاً.
4- المبسوط، ج 4، ص 446.
5- المبسوط ، ج 4، ص 497.

...

و ربما فهم بعضهم من كلام الشيخ في المبسوط أنّ الخيار منتفٍ هنا و إن جعلناها بيعاً، و جعل ذلك وارداً على من جعلها بيعاً(1).

وليس كذلك، وإنّما فرّع الشيخ ما ذكره من انتفاء الخيار و غيره على مذهبه فقال:«الكتابة تفارق البيع من وجوه: أحدها:أنّ الكتابة لا بدّ فيها من أجل، و البيع لايفتقر إليه.

و منها:أنّ الكتابة يمتدّ فيها خيار العبد، و البيع لايمتدّ فيه خيار الشرط.

و منها: أنّ البائع يشترط لنفسه الخيار، و السيّد لايشترط في عقد الكتابة. و يتّفقان في أنّ الأجل فيهما لا بدّ أن يكون معلوماً، و لا یصحّ كلّ واحد منهما إلّا بعوض معلوم»(2).

و المراد بقوله«إنّ الكتابة لا بدّ فيها من أجل، و البيع لايفتقر إليه» أنّ البيع من حيث هو لايفتقر إلى الأجل، و إلّا فإنّ السلم منه مفتقر إليه، فلتكن الكتابة كذلك إن اعتبرنا فيها الأجل، و بينهما مناسبة في ذلك من حيث إنّ السلم يقع على ما يتجدّد و لايكون موجوداً حال العقد فناسبه اشتراط الأجل، و ذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه(3).

و المكاتبة كذلك من حيث إنّ المملوك عاجز عن الوفاء في الحال بناءً على أنّه لايملك شيئاً فناسبه الأجل، و ذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه(4) ، فالفرق بينها و بين البيع بذلك غير جيد.

و قوله«إنّ الكتابة يمتدّ فيها خيار العبد» مبنيّ على أنها جائزة من قبله، و سيأتي الكلام فيه(5)، و البيع يشاركها في ذلك بالنسبة إلى خيار المجلس حيث يمتدّ المجلس بين المتبايعين من غير تقدير، و فيما لو شرط الخيار لنفسه مدّة يقطع بعدم بقائه إليها فيمتدّ خيار الشرط.

و أمّا الفرق الثالث فإنّه متفرّع على عدم كونها بيعاً، و من جعلها بيعاً لايلزمه ذلك؛ عملاً بعموم ما دلّ على ثبوت ذلك في البيع(6).

ص: 432


1- لم تظفر على قائله.
2- المبسوط، ج 4، ص 446.
3- قاله العلاّمة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 52.
4- قاله ابن إدريس السرائر، ج 3، ص 30.
5- يأتي في ص 443.
6- راجع وسائل الشيعة، ج 18، ص 16 و 18، الباب 6 و 7 من أبواب الخيار.

. ولا یصحّ من دون الأجل على الأشبه. و يفتقر ثبوت حكمها إلى الإيجاب و القبول.

قوله:«و لایصحّ من دون الأجل على الأشبه. و يفتقر ثبوت حكمها إلى الإيجاب و القبول»

اختلف العلماء في اشتراط الأجل في الكتابة، فاعتبره الأكثر منهم الشيخ في المبسوط(1) و أتباعه(2) و المصنّف و أكثر المتأخّرين؛ لوجهين:

أحدهما: اتّباع السلف من عهد النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و بعده؛ فإنّهم لايعقدون الكتابة إلّا على عوض مؤجّل، فكان إجماعاً.

الثاني: أنّه على تقدير الحلول تتوجّه المطالبة في الحال و هو عاجز عن الأداء حينئذٍ، فيكون كالسلم في شيء لايوجد عند المحلّ، فلا بدّ من ضرب أجل له؛ لئلّا تتطرّق الجهالة الداخلة في الغرر المنهيّ عنه(3).

و فيهما نظر؛ لمنع الإجماع على ذلك، و نقل أفراد خاصّة لايقتضي كون جميع ما وقع كذلك، سلّمنا لكن لايلزم من ذلك بطلان غيره، فإنّ الإجماع المعتبر في مثل ذلك اتّفاقهم على بطلان المتنازع لا عدم استعمالهم له. و لايلزم من عدم ملكه في الحال - على تقدير تسليمه - عجزه عن الإيفاء مطلقاً؛ لإمكان ملكه عاجلاً و لو بالاقتراض كشراء من لايملك شيئاً من الأحرار، و قد يوصى له بمال لو قبل الكتابة و يموت الموصي قبل عقد الكتابة، أو يوهب منه عقيب العقد، أو يتبرّع عنه متبرّع، فلايتحقّق العجز. و قد يفرض جريان العقد على قدر من الملح و هما على مملحة فيمكنه تسليم الملح عقيب عقد الكتابة، فلايلزم بطلان الحال قطعاً

ص: 433


1- المبسوط ، ج 4، ص 446.
2- الوسيلة، ص 344؛ إصباح الشيعة، ص 476.
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج 2، ص 50 ، الباب 3، ح 168؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 552 ، ح 10846 -10847.

صيغة الکتابة

. ويكفى فى المكاتبة أن يقول:«كاتبتك» مع تعيين الأجل والعوض.

و هل يفتقر إلى قوله«فإذا أديت فأنت حرّ» مع نیّة ذلك؟ قيل:نعم، و قيل: بل يكتفى بالنیّة مع العقد، فإذا أدّى عتق سواء نطق بالضميمة أو أغفلها. و هو أشبه.

و أجيب عنه بأنّ قبول الوصيّة و الهبة لابدّ و أن يتأخّر عن قبول الكتابة فيكون العوض لازماً قبل القدرة و التمكّن، و قد لايتيسّر القبول و الملح لايملك ما لم يأخذه، و الأخذ متأخّر عن الكتابة و قد يعوق عنه عائق.

و الحقّ أنّ مثل هذا لايقدح في صحّة العقد، و من ثَمّ ذهب الشيخ في الخلاف(1)، و ابن إدريس(2) إلى جوازها حالّةً؛ للأصل، و عموم قوله تعالى:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»(3)، خصوصاً على القول بكونها بيعاً أو عتقاً بعوض، فإنّهما لايتوقّفان على الأجل، و إنّما يجىء القولان على كونها مستقلّة. و لو ملك شقصاً من عبد باقيه حرّ فكاتب ما يملكه منه حالّاً، ففي صحّتها وجهان يلتفتان على الوجهين السابقين، فعلى الأوّل لایصحّ؛ اتّباعاً لما جرى عليه الأوّلون، و على الثاني يجوز؛ لأنّه قد يملك ببعضه الحرّ ما يؤدّيه، فلايتحقّق العجز في الحال.

و یصحّ البيع من المعسر؛ لأنّ الحرّيّة مظنّة القدرة، وإن لم يملك شيئاً آخر فإنّه يقدر على أداء الثمن من المبيع.

و حيث يعتبر الأجل أو أُريد اشترط ضبطه كأجل النسيئة. و لايشترط زيادته عن أجل عندنا؛ لحصول الغرض منه. و لو قصر الأجل إلى حدّ يتعذّر حصول المال فيه عادةً بطل على الثاني دون الأوّل.

قوله:«و يكفي في المكاتبة أن يقول:«كاتبتك» مع تعيين الأجل و العوض» إلى آخره.

لا بدّ لهذه المعاملة من عقد مشتمل على لفظ مفيد للمعنى المراد منه كنظائره من عقود

ص: 434


1- الخلاف، ج 1، ص 383، المسألة 5.
2- السرائر، ج 3، ص 30.
3- النور(24): 33.

...

المعاملات و القدر المتّفق على صحّته أن يقول له: «كاتبتك على ألف درهم - مثلاً - تؤدّيه في نجمين أو أكثر، في كلّ نجم كذا، فإذا أدّيت فأنت حرّ» فيقول:«قبلت».

و لو لم يصرّح بتعليق الحرّيّة بالأداء ولكن نواه بقلبه ففي صحّته قولان:

أحدهما: نعم، و هو قول الشيخ في المبسوط(1) و المصنّف؛ لأنّ الكتابة دالّة على ذلك و التحرير غايتها، فلايجب ذكرها كغيرها من غايات العقود، خصوصاً لو جعلنا الكتابة بيعاً للعبد من نفسه؛ لأنّه مقتضٍ للعتق فلايفتقر إلى لفظ آخر. وإنّما افتقر إلى النیّة؛ لأنّ لفظ«الكتابة» مشترك بين المراسلة و المخارجة، فأشبهت الكتابة المشتركة المعنى، فافتقرت إلى انضمام القصد إلى اللفظ، و هذا قصد آخر غير القصد المعتبر في سائر العقود المميّز عن عقد النائم و الساهي، كما تقدّم تقريره مراراً(2)

و الثاني - وإليه ذهب في الخلاف(3)،و هو الظاهر من كلام ابن إدريس(4) - اشتراط التلفّظ بقوله«فإذا أدّيت فأنت حرّ»؛ لما عرفت من اشتراك لفظ«المكاتبة» بين الأمرين و بين الشرعيّة، فلا بدّ من مائز باللفظ يخرجها عن الاشتراك إلى الصريح.

و فيه نظر؛ لأنّ مفهومها الشرعي معلوم، و الإطلاق منزّل عليه.

و يتخرّج في المسألة قول ثالث، و هو عدم اشتراط القصد الخاصّ إلى اللفظ كغيره من الألفاظ الصريحة في معناها؛ لأنّ اعتبار القصد المدّعى في الاكتفاء باللفظ الأوّل يوجب عدم الاكتفاء به عند من لايسوّغ الكنايات و يعتبر اللفظ الصريح، فإن كان صريحاً لم يفتقر إلى القصد المميّز، و إلّا لم يكف و إن ضمّ إليه.

و قريب من هذا الخلاف ما تقدّم في التدبير من الاكتفاء بقوله:«أنت مدبّر»(5).

ص: 435


1- المبسوط، ج 4، ص 447.
2- تقدّم في ج 3، ص 60.
3- الخلاف، ج 6 ، ص 384، المسألة 7.
4- السرائر، ج 3، ص 26.
5- تقدّم في ص 390.

الكتابة قسمان: مشروطة و مطلقة

• والكتابة :قسمان: مشروطة، و مطلقة.

فالمطلقة: أن يقتصر على العقد و ذكر الأجل و العوض و النیّة.

و المشروطة: أن يقول مع ذلك:«فإن عجزت فأنت ردّ في الرقّ» فمتى عجز كان للمولى ردّه رقّاً، و لايعيد عليه ما أخذ.

و تخريج القولين فيهما على أنّهما مشتهران في معنييهما اشتهار البيع و الهبة و سائر العقود في معانيها، فيكونان صريحين لايفتقران إلى ضميمة و لا قصد يخصّصهما، و دعوى خفاء معنييهما عند العامّة و لايعرفهما إلّا الخواصّ فكانا كنايةً.

و بعضهم فرّق بين اللفظين و اكتفى في التدبير بلفظه دون الكتابة. و جهة فرقه وجهان: أحدهما: أنّ التدبير ظاهر المعنى مشهور عند كلّ أحد ، و الكتابة بمعناها لايعرفها إلّا الخواص.

و الثاني:أنّ التدبير كان معروفاً في الجاهليّة في معناه، و الشرع قرّره، و لايستعمل في معنى آخر، و الكتابة تقع على العقد المعلوم و على المخارجة، و هي أن توظّف على العبد الكسوب كلّ يوم خراجاً و لايعتق به، فلابدّ من التمييز باللفظ أو النیّة.

و مذهب المصنّف في الموضعين راجع إلى هذا الفرق، إلّا أنّ فيه ما تقدّم من الاجتزاء بما هو فى معنى الكتابة منضمّاً إلى ما يعتبر فيها من القصد(1)، و هو لايوافق قاعدة الأصحاب و إنّما اللازم منه عندهم وجوب الضميمة لفظاً ليكون صريحاً.

قوله:«و الكتابة قسمان: مشروطة، و مطلقة. فالمطلقة: أن يقتصر على العقد إلى آخره.

مستند الفرق بين القسمين الأخبار الصحيحة الدالّة عليها من طرقنا، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال:«إنّ المكاتب إذا أدّى شيئاً أعتق بقدر ما أدّى إلّا أن يشترط مواليه إن عجز فهو مردود فلهم شرطهم»(2).

ص: 436


1- تقدّم في ص 434 - 435.
2- الكافي، ج 6 ، ص 186 ، باب المكاتب، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 266، ح 970.

حدّ العجز عن مال الکتابة

● و حدّ العجز أن يؤخّر نجماً إلى نجم، أو يعلم من حاله العجز عن فكّ نفسه. و قيل: أن يؤخّر نجماً عن محلّه، و هو مروي.

و عند العامّة أنّها قسم واحد(1)، و هو المشروطة عندنا، فلايعتق إلّا بأداء جميع المال، لقوله:«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»(2)

قوله:«و حدّ العجز أن يؤخّر نجماً إلى نجم» إلى آخره.

إذا عجز المكاتب عن مال الكتابة أو بعضه جاز للمولى الفسخ في الجملة، لكن إن كانت مشروطةً رجع رقّاً بالعجز و لو عن درهم من آخر المال. وإن كانت مطلقةً و كان عجزه عن النجم الأوّل فكذلك. و إن كان عن غيره أو عن بعضه بعد أن أدّى شيئاً أفاد الفسخ عود ما بقي منه رقّاً، و استقرّ عتق مقدار ما أدّى، فاحتيج إلى معرفة العجز المسوّغ للفسخ في القسمين، و إن كان مقتضى عبارة المصنّف و الأكثر أنّ البحث عن عجز المشروط خاصّةً.

و قد اختلف الأصحاب في حدّه، فذهب الشيخ في النهاية(3)، و أتباعه(4) إلى أنّ حدّه تأخير نجم إلى نجم آخر، بمعنى تأخير مال أجل إلى أن يحلّ أجل آخر و يجتمع مالان على الحلول، سواء كان ذلك التأخير بسبب العجز عنه أو بالمطل أو بالغيبة بغير إذن المولى. و إطلاق اسم العجز على هذا الشقّ مجاز باعتبار قسيمه، و لمشاركته العجز في المعنى.أو يعلم من حاله العجز بعد حلول النجم عن أدائه وإن لم يؤخّر إلى نجم آخر.

و ذهب جماعة منهم المفيد(5)، و الشيخ في الاستبصار(6) و ابن إدريس(7)، و كثير من

ص: 437


1- راجع الحاوي الكبير، ج 18، ص 140 - 141؛ و روضة الطالبين، ج 8، ص 466؛ و حلية العلماء، ج 1، ص 217.
2- تقدّم تخريجه في ص 428، الهامش 3.
3- النهاية، ص 549.
4- المهذّب، ج 2، ص 376؛ إصباح الشيعة، ص 477؛ فقه القرآن، ج 2، ص 216.
5- المقنعة، ص 551.
6- الاستبصار، ج 4، ص 35 ذيل الحديث 117.
7- السرائر، ج 3، ص 27.

...

المتأخّرين إلى أنّ حدّه تأخير النجم عن محلّه، سواء بلغ التأخير نجماً آخر أم لا، و سواء علم من حاله العجز أم لا، حتّى لو كان قادراً على الأداء فمطل به جاز الفسخ إذا أخّره عن وقت حلوله و لو قليلاً.

و في المسألة أقوال أُخر شاذّة أعرضنا عن ذكرها كما أعرض عنها المصنّف.

حجّة الشيخ على القول الأوّل رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السلام أنّ عليّاً علیه السلام کان يقول:«إذا عجز المكاتب لم تردّ مكاتبته في الرقّ ولكن ينتظر عاماً أو عامين، فإن أقام بمكاتبته وإلا ردّ مملوكاً»(1).

وجه الدلالة أنّه علیه السلام نفى ردّه قبل العام و هو النجم الآخر، و قوله:«أو عامين» محمول على الندب. ثمّ نقول: إذا علم من حاله العجز كان التأخير عبثاً؛ لأنّه لرجاء القدرة، فإذا علم

عدمها انتفت فائدته.

و لايخفى ضعف هذه الحجّة دلالةً و سنداً. أمّا السند فظاهر. و أمّا الدلالة؛ فلأنّ النجم الثانى لايلزم أن يكون عاماً، و لا في الكلام إشعار به، بل يجوز كونه أكثر منه فيقتضي جواز الفسخ قبل حلول النجم الآخر، و قديكون أقلّ منه فلايجوز بعد حلول الثاني أيضاً. ثمّ لم يفرّق فيها بين أن يعلم من حاله العجز و عدمه. و ما ذكر من عدم الفائدة في الصبر على تقديره ممنوع؛ لأنّ المعتبر في مثل هذا الظنّ الغالب؛ لتعذّر العلم الحقيقي، و يمكن وقوع خلاف الظنّ ببذل أحد له تبرّعاً أو من الزكاة أو نحو ذلك. و يمكن حمل الرواية على الندب بقرينة التخيير بين العام و العامين و كونهما أعمّ من مقدار نجم.

و المصنّف لم يسند هذا القول إلى الرواية؛ و لعلّه لما ذكرناه، وإنّما أسند القول الثاني إليها. و المراد بها صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق علیه السلام و قد سأله عن حدّ العجز فقال: «إنّ قضاتنا يقولون:إنّ عجز المكاتب أن يؤخّر النجم إلى النجم الآخر حتّى يحول عليه الحول»،

ص: 438


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 266 - 267، ح 972؛ الاستبصار، ج 4، ص 34، ح 115.

...

قلت فما تقول أنت؟ فقال: «لا، و لا كرامة، ليس له أن يؤخّر نجماً عن أجله إذا كان ذلك في شرطه»(1).

و روى معاوية بن وهب أيضاً - في الصحيح - قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مكاتبة أدّت ثلثي مكاتبتها و قد شرط عليها إن عجزت فهي ردّ في الرقّ، و نحن في حلّ ممّا أخذنا منها و قد اجتمع عليها نجمان، قال:«تردّ و يطيب لهم ما أخذوا»، و قال: «ليس لها أن تؤخّر النجم بعد حلّه شهراً واحداً إلّا بإذنهم»(2).

و هاتان الروايتان ليستا نصّاً في المطلوب بل ظاهرهما ذلك؛ لأنّ قوله في الأُولى:«ليس له أن يؤخّر نجماً عن محلّه» و في الثانیّة مثله، لايدلّ على جواز الفسخ بذلك، لكنّه هو الظاهر بقرينة السابق، و الإنكار على قول من حكى عنه خلافه. و أيضاً فقوله في الأُولى«إذا كان ذلك من شرطه» يقتضي أنّه شرط عليه التعجيز بتأخير النجم عن محلّه، و لا نزاع في جواز الفسخ مع الشرط إنّما الكلام مع الإطلاق.

و يمكن أن يحتجّ للقول الأوّل بالرواية الثانیّة حيث دلّت صريحاً على جواز الفسخ بتأخير نجمٍ إلى نجمٍ في قوله:و قد اجتمع عليها نجمان، قال:«تردّ و يطيب لهم ما أخذوا». و لا دليل صريحاً على جواز الفسخ قبل ذلك، بل على تحريم تأخير الأداء، و لا كلام فيه؛ لأنّ ذلك مقتضى الدين بعد حلوله. و يبقى حكم ما إذا علم من حاله العجز مستفاداً ممّا اعتبره له سابقاً.

و هذا أجود من الاستدلال له برواية إسحاق بن عمّار؛ لصحّة هذه و ضعف تلك(3)،و ظهور دلالة هذه دونها.

ص: 439


1- الكافي، ج 6، ص 185 - 186 ، باب المكاتب، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 265 - 266، ح 968 ؛ الاستبصار، ج 4، ص 33 - 34، ح 113.
2- الكافي، ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 266، ح 971؛ الاستبصار، ج 4،ص 34، ح 114.
3- راجع خلاصة الأقوال، ص 317، الرقم 1244.

...

و لعلّ نسبة المصنّف القول الثاني إلى الرواية وإشعار تصديره الحكم بالقول الأوّل ناشٍ

عمّا ذكرناه، وإلّا لم يمكن العدول عن الرواية الصحيحة إلى غيرها.

ثم تنبّه في العبارة لأُمور:

الأوّل: أنّه قبل حلول النجم لایصحّ الفسخ - سواء علم من حاله العجز أم لا-إجماعاً. فإطلاقه جواز الفسخ مع العلم المذكور و جعله قسيماً لتأخير النجم عن محلّه مقيّد بحلول النجم، و بهذا يظهر أنّه يصلح قسيماً للقول بأنّه تأخير النجم إلى نجم آخر؛ لتحقّق المغايرة بينهما، و لايجوز جعله قسيماً للقول الثاني و هو تأخير النجم عن محلّه؛ لأنّه على هذا القول إذا أخّره عن محلّه و لو لحظةً جاز الفسخ لذلك وإن لم يعلم من حاله العجز و قبله لايجوز كما ذكرناه؛ فلذلك جعل قسيماً للأوّل دون الثاني.

ولكن اتّفق للعلّامة في الإرشاد جعله قسيماً للثاني، و نقله كذلك قولاً فقال: و حدّه تأخير النجم عن محلّه على رأي أو يعلم من حاله العجز(1).

و هو فاسد الوضع من وجوه:

منها: ما ذكرناه من عدم المغايرة بينهما.

و منها: أنّه ليس قولاً لأحد، وإنّما الترديد بين الأمرين قول الشيخ في النهاية، و قد جعله فيها قسيماً لتأخير النجم إلى نجم آخر(2) كما حكاه المصنّف، و كذلك نقله العلّامة على الصواب في سائر كتبه(3) غير الإرشاد.

و منها:أنّه جعله قسيماً للقول المقرون بالرأي، و عادته أنّه إذا فعل ذلك لايكون في القسيم خلافاً(4)، فيقتضي أن يكون الفسخ مع العلم بالعجز جائزاً بغير خلاف. و ليس كذلك،

ص: 440


1- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 76.
2- النهاية، ص 549.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 233؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 280، الرقم 5804؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 114. المسألة 68.
4- هكذا في النسخ الموجودة، والصحيح: «خلاف».

...

بل لم يقل به إلّا أصحاب القول الأوّل كما نقلناه.

الثاني:قوله«أو يعلم من حاله العجز عن فكّ نفسه» ليس بمعتبر في الحكم، بل يكفي العلم بالعجز عن أداء النجم الذي قد حلّ وإن لم يحصل به فكّ نفسه تامّاً، ولكنّه تبع معنى كلام الشيخ في النهاية، فإنّه عبّر بالعلم بأنّه لايقدر على فكّ رقبته، و وجه التعبير بذلك أنّهم فرضوا الحكم في المشروط، و بعجزه عن قليل من المال لا ينفكّ شيء من رقبته كما تقرّر، و إنّما يختلف الحكم في المطلق، فإنّه إذا عجز عن نجم يفسخ فيما قابله وإن كان قد فكّ أكثر الرقبة.

و قد أحسن ابن الجنيد حيث قال:«إن شرط رقّه إن عجز عن شيء من المال استرقّ متى عجز عن أداء نجم أو بعضه في وقته. و لو قال:إن عجز عن نجم من نجومه، فبقي عليه بعض النجم الأخير لم يرجع رقّاً. و كذلك إن تأخّر عن بعض نجم إلى أن يؤدّيه مع الذي يليه»(1).

الثالث: موضع الخلاف ما إذا لم يشترط عليه التعجيز بشيء بعينه، فلو شرط عند تأخير النجم عن محلّه، أو عند تأخيره إلى نجم آخر، أو إلى نجمين فصاعداً، أو إلى مدّة معيّنة اتّبع

شرطه، وإنّما الخلاف مع الإطلاق. و كذا لو شرط غير ذلك من الشروط السائغة.

الرابع: المراد ب«الحدّ» هنا العلّامة و السبب، لا الحدّ المصطلح، وإنّما ذكره المصنّف و غيره(2) تبعاً لوروده في النصوص(3). و ب«العلم» في قوله «أو يعلم من حاله العجز» الظنّ الغالب المستند إلى قرائن الأحوال. و المعتبر ظنّ الحاكم عند التنازع، و ظنّ المولى بالنسبة إلى ما بينه و بين الله تعالى حيث لايقع النزاع. الخامس:يطلق النجم غالباً على الأجل و أصله الوقت، و منه في الحديث: «هذا إيّان نجومه»(4)، يعني النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، أي وقت ظهوره. و يقال: كان العرب لايعرفون الحساب و يبنون

ص: 441


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 113، المسألة 68.
2- كالشيخ في النهاية، ص 549؛ و العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 280، الرقم 5840.
3- راجع ص 439، الهامش 1 و 2.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 17، «أبن».

. ويستحب للمولى مع العجز الصبر عليه.

الكتابة عقد لازم

. و الكتابة عقد لازم، مطلقةً كانت أو مشروطة. و قيل: إن كانت مشروطةٌ فهي جائزة من جهة العبد؛ لأنّ له أن يعجز نفسه. و الأوّل أشبه.

و لانسلّم أنّ للعبد أن يعجّز نفسه، بل يجب عليه السعي، و لو امتنع يجبر. و قال الشيخ (رحمه الله):لايجبر.

و فيه إشكال من حيث اقتضاء عقد الكتابة وجوب السعي، فكان الأشبه الإجبار. لكن لو عجز كان للمولى الفسخ.

أمرهم على طلوع النجوم و المنازل، فيقول أحدهم: إذا طلع نجم الثريّا أدّيت حقّك، فسمّيت الأوقات نجوماً، ثمّ أُطلق على المال المجعول عليه في ذلك الأجل، و هذا هو المراد هنا.

قوله:«و يستحب للمولى مع العجز الصبر عليه».

لما فيه من إعانته على التخلّص من الرقّ، وإنظار المعسر بالدين؛ لأنّه عليه بمنزلة الدين، و لرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: سألته عن المكاتب يشترط عليه إن عجز فهو ردّ في الرقّ فعجز قبل أن يؤدّي شيئاً، فقال أبو جعفر علیه السلام:«لا يردّه في الرقّ حتّى يمضي له ثلاث سنين»(1)، بحمله على الاستحباب(2). و غيره من الأخبار(3).

قوله:«و الكتابة عقد لازم، مطلقةً كانت أو مشروطةً» إلى آخره.

اختلف الأصحاب في لزوم عقد الكتابة و جوازه على أقوال:

أحدها: أنّها لازمة مطلقاً ذهب إليه المصنّف و جملة المتأخرين(4)؛ لأنّها عقد، و الأصل

ص: 442


1- الفقيه، ج 3، ص 125 ، ح 3473؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 267، ح 973؛ الاستبصار، ج 4، ص 34، ح 116.
2- كما حمله الشيخ في ذيل الحديث.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 266 - 267، ح 972؛ الاستبصار، ج 4، ص 34، ح 115.
4- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 123، المسألة 74؛ و الشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 267 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (13)؛ و السيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 470.

...

في العقود اللزوم؛ لعموم قوله تعالى:« أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)، و لايتحقّق امتثال الأمر إلّا على تقدير اللزوم؛ إذ الجائز لايجب الوفاء به قطعاً.

و ما قيل: من أنّ الأمر مختصّ بالعقود اللازمة؛ للإجماع على أنّ مثل عقد الوديعة و العارية و الوكالة لايجب الوفاء به، أو أنّ الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من لزوم أو جواز، فلاتصلح الآية للاحتجاج في مواضع النزاع.

فيه:أنّ المأمور بالوفاء به عامّ؛ لأنّه جمع محلّى، فيدلّ على وجوب الوفاء بالجميع، و خروج الجائزة بدليل من خارج يبقي العامّ حجّة في الباقي، و ذلك لايوجب القول بأنّ المراد من الآية ابتداءً العقود اللازمة.

و أمّا حمله على التزام حكمه من لزوم و جواز فهو خلاف الظاهر، و إنّما مقتضى الوفاء به الاستمرار عليه و العمل بموجبه، و ذلك يوجب السعي على المكاتب في وفاء مال الكتابة و أدائه إلى المولى حيث يمكن، فليس له أن يعجّز نفسه اختياراً؛ لأنّه منافٍ للوفاء بالعقد

و العمل بمقتضاه.

و ثانيها: أنّها لازمة من طرف السيّد جائزة من طرف العبد مطلقاً. و هو قول الشيخ في الخلاف(2)؛ و احتجّ عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم على أنّ المكاتب متى عجز كان لمولاه ردّه في الرقّ إذا كانت الكتابة مشروطةً. و لايخفى فساد الدليل و عدم إفضائه إلى المطلوب. و ربما حمل قوله على أنّ المراد بالكتابة المشروطة بقرينة الدليل.

و في التحرير ادّعى الإجماع على لزوم المطلقة(3)، و هو مبنيّ على تخصيص قول الخلاف.

و يمكن الاحتجاج لجوازها في القسمين من طرف المكاتب بأنّ الحظّ في الكتابة للعبد، فلايتمكن السيّد من إسقاط ما أثبته من الحقّ و الحظّ، و صاحب الحظّ بالخيار في حقّه.

ص: 443


1- المائدة (5): 1.
2- الخلاف، ج 1، ص 393 - 394، المسألة 17.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 224، الرقم 5699.

...

وهذا كما أنّ الرهن جائز من جهة المرتهن لازم من جهة الراهن. و بأنّ الكتابة تتضمّن تعليق العتق بصفة في العبد، و التعليق يلزم من جهة المعلّق، و العبد لايلزمه الإتيان بالصفة المعلّق عليها، و هذان الدليلان شاملان للمطلقة و المشروطة.

و ثالثها:لزوم المطلقة من الطرفين و المشروطة من طرف المولى. و هو قول الشيخ في المبسوط، فإنّه بعد أن حكى خلاف قوم أنّها لازمة من جهة المولى و جائزة من جهة العبد و آخرين أنّها لازمة مطلقاً قال:«و الذي يقتضيه مذهبنا أنّ الكتابة إن كانت مطلقةً فهي لازمة من الطرفين و ليس لأحدهما فسخ، وإن كانت مقيّدة فهي لازمة من جهة السيّد و جائزة من جهة العبد، فإن عجز لم يجبر على الاكتساب»(1).

وإلى هذا ذهب ابن إدريس أيضاً(2).

و وجهه ما أشار إليه الشيخ في الخلاف من جواز ردّه في الرقّ مع عجزه(3)، فدلّ على أنّ له تعجيز نفسه، و إلّا لوجب عليه التكسّب و لم يجزئ ردّه.

و لايخفى ضعفه، فإنّ جواز ردّه في الرقّ مع عجزه لايدلّ على جواز تعجيزه نفسه اختياراً، و إنّما يدلّ على أنّه مع العجز حقيقةً عن أداء ما عليه يجوز فسخها، و هذا لا نزاع فيه.

و بالجملة فالقول بلزومها يستلزم عدم جواز تعجيز نفسه و وجوب سعيه في وفاء دينه كغيره، و القائل بجوازها يجوّزه، فلايجوز الاستدلال بالجواز على الجواز و لا باللزوم على اللزوم؛ لأنّه المتنازع.

ويتفرّع عليه إجباره مع الامتناع من السعي وعدمه، فإن قلنا باللزوم أُجبر عليه - كما يجبر على التكسّب اللائق بحاله في وفاء الدين - وإن قلنا بالجواز لم يجبر.

ص: 444


1- المبسوط، ج 4، ص 465.
2- السرائر، ج 3، ص 29.
3- الخلاف، ج 1، ص 394، المسألة 17.

. ولو اتّفقا على التقايل صحّ.

و قول المصنّف في تعليل الإجبار«إنّ عقد الكتابة اقتضى وجوب السعي» قريب من استدلال الشيخ على الجواز بجواز تعجيزه نفسه؛ فإنّ الشيخ لايسلّم اقتضاء عقد الكتابة لوجوب السعي، و إنّما يسلّمه من يقول بلزومه من طرف المكاتب، فالاقتضاء و عدمه متفرّع على اللزوم و الجواز؛ لجواز التعجيز و عدمه، و كأنّ المصنّف (رحمه الله) أراد بذلك أنّ الأمر العامّ بالوفاء بالعقد أوجب السعي، فأخذ المدلول و جعله دليلاً.

و رابعها: جواز المشروطة من الطرفين و المطلقة من طرف المكاتب خاصّةً. و هو قول ابن حمزة(1).

و هو قول غريب لا شاهد له في الأخبار و لا الاعتبار، و لايؤثر عن أحد من أصحاب الأقوال، مع مخالفته للأصل من لزوم العقد خصوصاً من طرف من لا حظّ له في العتق.

و اعلم أنّ المراد بالجواز من طرف المكاتب خاصّةً أنّه لايجب عليه السعي في مال الكتابة، و لا أداؤه على تقدير وجوده معه، بل له أن يعجّز نفسه و يمتنع من تحصيل صفة العتق، فللمولى حينئذٍ أن يفسخ العقد و له أن يصبر. و ليس المراد بجوازه ما هو المعهود في غيره من العقود من أنّ له فسخ العقد.

و للشيخ في المبسوط قول آخر في تفسير الجواز، و هو:«أنّه لايلزمه التكسّب له وإن قدر عليه، لكن لو كان معه مال وجب عليه دفعه، و أجبر على أدائه مع الامتناع كمن عليه دين و هو موسر(2)

و معنى لزومها من الطرفين أنّه ليس لواحدٍ منهما فسخها بنفسه كغيرها من العقود اللازمة، و مع ذلك قد يجوز فسخها للمولى على تقدير عجز المكاتب عن الاكتساب أو قدرته و تركه له، مع عدم إمكان إجباره عليه إلى أن يحصل الحدّ المجوّز للفسخ كما مرّ(3).

قوله:«و لو اتّفقا على التقايل صحّ».

ص: 445


1- الوسيلة، ص 345.
2- المبسوط، ج 4، ص 465.
3- مرّ في ص 437

. وكذا لو أبرأه من مال الكتابة. و ينعتق بالإبراء.

. ولا تبطل بموت المولى. و للوارث المطالبة بالمال، و ينعتق بالأداء إلى الوارث.

شروط المکاتِب

. و يعتبر في الموجب البلوغ، و كمال العقل، و الاختيار، و جواز التصرّف. و هل يعتبر الإسلام؟ فيه تردّد، و الوجه عدم الاشتراط.

المراد أنّ هذا العقد قابل للتقابل؛ لأنّه عقد معاوضة من الجانبين وإن كان فيه شائبة العبادة بالعتق الذي لايقبل التقايل، فإنّ العتق إنّما جاء في ضمن العقد و حصل بطريق المعاوضة كبيع القريب.

قوله:«و كذا لو أبرأه من مال الكتابة. و ينعتق بالإبراء».

الإبراء من مال الكتابة بمنزلة قبضة يوجب العتق. و عطف حكمه على حكم التقايل ليس بجيّد؛ لأنّ التقايل يوجب انفساخ العقد، و الإبراء يوجب تماميّته بما هو بمنزلة أداء المال، لكنّهما لما اشتركا في ارتفاع حكم الكتابة عطفه عليه لذلك.

قوله:«و لاتبطل بموت المولى. و للوارث المطالبة بالمال، و ينعتق بالأداء إلى الوارث».

من حكم العقد اللازم أن لايبطل بموت المتعاقدين، و ذلك يتمّ في طرف موت المولى مطلقاً. و حينئذٍ فينتقل حقّ الكتابة من المال و التعجيز و ما يترتّب عليه من الفسخ إلى الوارث، فإن أدّى إليه المال عتق وإلّا كان حكمه كالمورّث. و أمّا موت المكاتب فسيأتي حكمه بخلاف ذلك(1).

قوله:«و يعتبر في الموجب البلوغ وكمال العقل و الاختيار» إلى آخره.

لا شبهة في اعتبار كماليّة المولى؛ لأنّه تصرّف مالي. و أما إسلامه ففي اعتباره قول مرتّب على أنّه عتق بعوض، و أنّ العتق لايقع من الكافر و المقدّمتان ممنوعتان. و قد تقدّم البحث فيهما(2).

ص: 446


1- يأتي في ص 464.
2- تقدّم في ص 320 - 321 و 430.

. فلو كاتب الذمّي مملوكه على خمر أو خنزير و تقابضا حكم عليهما بالتزام ذلك. و لو أسلما لم تبطل و إن لم يتقابضا، و كان عليه القيمة.

ثمّ إن كان المكاتب كافراً أيضاً فلا كلام؛ لأنّ يده تقرّ عليه بدون الكتابة. و إن كان مسلماً ففي صحّة كتابته له قولان، من حيث إنّه يجبر على نقله عن ملكه، و الكتابة كما عرفت لاتوجب الانتقال التامّ عن الملك؛ لأنّها متردّدة بين الخروج عنه و البقاء، و تمام الخروج موقوف على أداء المال. و من استلزامها رفع اليد في الجملة، و تشبّث المكاتب بالحرّيّة، و رفع الحجر عنه في كثير من الأعمال، خصوصاً إذا جعلناها بيعاً و لازمة من جهة المولى.

و ربما فرّق بين المطلقة و المشروطة، فاكتفي بالأُولى دون الثانیّة؛ لأنّه لايخرج في المشروطة عن الرقّيّة إلّا بأداء جميع المال، و هو معرض للعجز اختياراً أو اضطراراً.

و يتفرّع على هذه الأقوال ما إذا كاتبه كافراً فأسلم قبل الأداء، و أولى بالاكتفاء هنا؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء. و على المنع من الاكتفاء بها يحتمل هنا الجواز لذلك.

و الأقوى تساويهما حكماً. و على تقدير الاكتفاء بها فعجز احتمل تسلّط المولى على الفسخ - فيباع عليه بعده - عملاً بمقتضى التعجيز، و عدم تخيّره هنا؛ لاستلزامه تملّك المسلم

اختياراً.

قوله:«فلو كاتب الذمّي مملوكه على خمر أو خنزير و تقابضا» إلى آخره.

إذا كاتب الذمّي عبده على خمرٍ أو خنزيرٍ ثمّ أسلما فإن كان ذلك بعد قبض العوض وقع

العتق، و لا رجوع للسيّد على العبد بشيء؛ لانفصال الأمر بينهما حال التزامهما به.

و إن ترافعا قبل القبض لم يحكم بفسادها. و لا سبيل إلى الرجوع بالعين؛ لتحريمه في شرع الإسلام، فيرجع إلى القيمة؛ لأنّها أقرب شيء إليه، و المحرّم لم يفسد بل صحّ فيما بينهم؛ و لهذا لو قبضه لم يجب له غيره وإنّما تعذّر الحكم به شرعاً، فوجب المصير إلى قيمته عند مستحلّيه، كما جرى العقد على عين و تعذّر تسليمها.

وإن اتّفق ذلك بعد قبض البعض مضى في المقبوض و لزمه قيمة الباقي.

ص: 447

. ويجوز لولىّ اليتيم أن يكاتب مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولّى عليه. و فيه قول بالمنع.

. و لو ارتدّ ثمّ كاتب لم یصحّ؛ إمّا لزوال ملكه عنه، أو لأنّه لايقرّ المسلم في ملكه.

و قد سبق الكلام على نظيره في المهر و غيره و أنّ فيه قولاً بالسقوط(1)؛ لأنّه رضي بالعوض المحرّم فيدام عليه حكم رضاه، و قد تعذّر قبضه بالإسلام بالنسبة إلى المستحقّ عليه فسقطت المطالبة، لكن لم ينقلوه هنا مع أنّه وارد.

قوله:«و يجوز لوليّ اليتيم أن يكاتب مملوكه» إلى آخره.

القول بالمنع للشيخ في المبسوط(2)؛ استناداً إلى أنّ الكتابة شبيهة بالتبرّع من حيث إنّها معاملة على ماله بماله، إذ المال المكتسب تابع للمملوك.

و الأظهر الصحّة مع الغبطة، و هو قول الشيخ أيضاً في الخلاف(3)؛ لأنّ الوليّ موضوع لعمل مصالحه، و قد لايحصل المال بدون المكاتبة، بل هو الغالب. و كسبه بعد العقد ليس مالاً محضاً للمولى، و قبله ليس بموجود حتّى تكون المعاملة عليه.

و لصحيحة معاوية بن وهب قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام:إنّي كاتبت جارية لأيتام لنا، و اشترطت عليها إن عجزت فهي ردّ في الرقّ و أنا في حلّ ممّا أخذت منك، قال، فقال:«لك شرطك»(4).

و موضع الجواز ما إذا كان بيعه جائزاً لحاجة اليتيم إليه و نحوه، و هو المعبّر عنه بالغبطة،

وإلّا لم يجزئ كما هو قاعدة بيع مال اليتيم.

قوله:«و لو ارتدّ ثمّ كاتب لم یصحّ؛ إمّا لزوال ملكه عنه، أو لأنّه لايقرّ المسلم في ملكه».

ص: 448


1- تقدّم في ج 6، ص 362 - 363.
2- المبسوط، ج 4، ص 470.
3- الخلاف، ج 6، ص 398، المسألة 22.
4- الكافي، ج 6، ص 185 - 186 ، باب المكاتب، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 265، ح 968؛ الاستبصار، ج 4، ص 33، ح 113.

شروط المکاتَب

. و يعتبر في المملوك البلوغ وكمال العقل؛ لأنّه ليس لأحدهما أهليّة القبول،

المرتدّ إن كان عن فطرة انتقل ملكه عنه و لم يقبل ملكاً متجدّداً، فلايتصوّر كتابته لعبد

مسلم و لا كافر. و إليه أشار بالعلّة الأُولى.

و إن كان عن ملّة صار بحكم الكافر ، فيباع المسلم عليه قهراً و لا تقرّ يده عليه و إن بقي

غيره من أملاكه. و إليه أشار بالعلّة الثانیّة.

و يفهم من الحكم بعدم صحّة كتابة الملّي للمسلم أنّه لايكفي في نقل المسلم عن ملك

الكافر الكتابة؛ وإلّا لصحّت كتابته في موضع البيع.

و لو كان المملوك كافراً صحّت كتابته له؛ لعدم المانع منه. و في التعليل بعدم قرار يده على

المسلم إيماء إليه.

قوله:«ويعتبر في المملوك البلوغ وكمال العقل؛ لأنّه ليس لأحدهما أهليّة القبول».

قيل على التعليل: إنّه لايلزم من عدم أهليّتهما للقبول عدم صحّة كتابتهما مطلقاً؛ لأنّ للسيّد عليهما ولاية فله القبول عنهما(1)، خصوصاً مع المصلحة لهما فيها.

و أُجيب بأنّ الله تعالى قال:«وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَبَ»(2)، و الصبيّ و المجنون لا ابتغاء لهما، و لأنّ مقتضى الكتابة وجوب السعي و لايجب عليهما شيء(3).

و فيه نظر؛ لأنّ الابتغاء شرط في الأمر بالكتابة فلايلزم منه المنع منها مع عدم الأمر و عدم الابتغاء. و اقتضاء الكتابة وجوب السعي موضع النزاع، و قد تقدّم(4).

سلّمنا، لكنّ الوجوب مشروط بالتكليف، فجاز الحكم بعدم وجوبه على غير المكلّف لذلك؛ إذ الدليل على وجوبها ليس منافياً لذلك. و ربما قيل إنّه إجماع فيكون هو الحجّة.

ص: 449


1- راجع غاية المراد، ج 3، ص 275 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)
2- النور (24): 33.
3- راجع غاية المراد، ج 3، ص 275 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
4- تقدّم في ص 444، و ما بعدها.

. و في كتابة الكافر تردّد ، أظهره المنع ؛ لقوله تعالى:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»

قوله:«و في كتابة الكافر تردّد أظهره المنع؛ لقوله تعالى:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»

المسألة مبنیّة على أنّ الخير المجعول شرطاً في الكتابة هو الدين أو هو و المال أو المال خاصّةً. فعلى الأوّلين لاتصحّ كتابة الكافر؛ لعدم الشرط المقتضي لعدم المشروط. و على الثالث یصحّ؛ لوجود الشرط.

و يعلم من اختيار المصنّف المنع، و تعليله بالآية اختيار إرادة أحد القولين الأوّلين، بل الظاهر الثاني؛ لوروده في الخبر الصحيح(1) كما سلف(2)

و لمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير؛ لأنّ الشرط المذكور إنّما وقع للأمر بها الدالّ على الوجوب أو الندب لا لمطلق الإذن فيها، و لايلزم من توقّف الأمر بها على شرط توقّف إباحتها عليه، و الدليل على تسويغ عقد الكتابة غير منحصر في الآية.

و أما الاستدلال بقوله تعالى:«و َآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ»(3)، و الكافر لايستحقّ الزكاة و لا الصلة؛ لأنّها موادّة له منهىّ عنها بقوله تعالى:«لَّاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ»(4)

ففيه:أنّ الإيتاء من الواجب مشروط بعجزه المقتضي لاستحقاقه له، فهو راجع إلى اشتراطه باستحقاقه، فكما يمنع و يخصّ بالمحتاج لدليلٍ، جاز أن يخصّ بالمسلم كذلك للدليل الدالّ على عدم جواز دفع الزكاة إلى الكافر. و أما استلزام إعانته الموادّة مطلقاً فممنوع، و قد حقّقناه في باب الوقف و الصدقة(5)، و من ثَمّ قيل بجواز كتابته كما يجوز

ص: 450


1- الكافي، ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 270، ح 984.
2- سبق تخريجه في ص 428، الهامش 6.
3- النور (24): 33.
4- المجادلة (58): 22.
5- تقدّم في ج 5 ، ص 36 و ما بعدها.

هل يشترط الأجل في الکتابة؟

. و أمّا الأجل ففي اشتراطه خلاف، فمن الأصحاب من أجاز الكتابة حالة و مؤجّلةً.

. و منهم من اشترط الأجل، و هو أشبه؛ لأنّ ما في يد المملوك لسيّده، فلاتصحّ المعاملة عليه، و ما ليس في ملكه يتوقّع حصوله فيتعيّن ضرب الأجل.

. و يكفى أجل واحد. و لا حدّ في الكثرة إذا كانت معلومة.

عتقه(1)، و لأنّها معاوضة يغلب فيها جانب الماليّة فلايمنع بين المسلم و الكافر.

قوله:«و أمّا الأجل ففي اشتراطه خلاف» إلى آخره.

هذه المسألة تقدّمت(2)، وإنّما أعادها؛ ليرتّب عليها فروع الأجل التي بعده.

قوله:«و منهم من اشترط الأجل و هو أشبه» إلى آخره.

توجيه الدليل أنّ المعاملة إن وقعت على ما في يد العبد من المال فهو للمولى لاتصحّ المعاملة عليه له، وإن وقعت على غيره فهو متوقّع الحصول فلا بدّ من ضرب أجل له؛ لئلّا تتطرّق الجهالة و يفضي إلى التكليف بغير المقدور.

و فيه نظر؛ لأنّا إن قلنا بجواز ملكه أمكن على المعيّن، وإن لم نقل لم يلزم من العجز عن العوض في الحال بطلان معاملته حالّاً كما في معاملة المعسر كذلك. و الجهالة ممنوعة، لإمكان حصول المال في کلّ وقت يتعقّب العقد و لو بالاقتراض و نحوه. و قد أشرنا إلى ذلك فيما سلف(3).

قوله:«و يكفي أجل واحد و لا حدّ في الكثرة إذا كانت معلومة».

الاكتفاء بأجل واحد على تقدير اشتراط تأجيلها مذهب الأصحاب و كثير من العامّة(4)؛ للأصل، و عموم قوله تعالى:«فَكَاتِبُوهُمْ».

ص: 451


1- القائل به هو الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 512، و لكلامه على صحّة عتقه راجع ص 441.
2- تقدّمت في ص 433 وما بعدها.
3- سبق في ص 433.
4- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 347، المسألة 8699؛ وروضة الطالبين، ج 10، ص 283؛ و حلية العلماء، ج 6، ص 197 - 198؛ والحاوي الكبير، ج 18 ، ص 146.

...

وخالف فيه بعضهم فاشترط كونه نجمين فصاعداً(1)؛ لأنّه المأثور عن الصحابة و ممّن بعدهم عملاً و قولاً، حتّى نقل عن بعضهم أنّه غضب على مملوك له فقال:«لأُعاقبنّك و لأكاتبنّك على نجمين»(2)، مشعراً بأنه غاية التضييق، و لما تقدّم من أنّ الكتابة مأخوذة من ضمّ النجوم بعضها إلى بعض(3)، و أقلّ ما يحصل به الضمّ نجمان، و المعنى فيه أنّ الكتابة عقد إرفاق و من تتمّته التنجيم.

و جوابه: أنّ ذلك کلّه لايفيد الحصر، و لا حجّة في العمل بدون الإجماع و هو غير واقع، بل الواقع الخلاف في المسألة قديماً وحديثاً، و اشتقاق الكتابة جاز بناؤه على الغالب أو من الكتابة الخطّيّة كما تقدّم في تعريفها(4). و الأصل و عموم النصّ(5) يدفع ذلك كلّه.

و دخل في تجويز الكثرة من غير وقوف بها على حدّ - بعد أن تكون معلومةً - ما إذا جعلاه إلى مدّة لا يعيشان إليها غالباً، فیصحّ؛ للأصل، و ينتقل الحكم بعدهما إلى الوارث. و هو يتمّ في جانب المولى؛ لأنّها لاتبطل بموته، أمّا جانب المكاتب فيشكل ببطلانها بموته مطلقاً إذا كان مشروطاً، و في الباقي بالنسبة في المطلق، فيكون اشتراط الزائد منافياً لمقتضى العقد. و قد أطلق الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته جواز التأجيل كذلك مطلقاً، و حكم بانتقال الحكم إلى الوارث بعد الموت(6). و لايخلو في جانب المكاتب من إشكال.

و قد اختلفوا في جواز التأجيل في البيع كذلك، و اختار في التذكرة جوازه(7). و هو متّجه؛ لأنّه لا مانع من انتقال الحقّ فيه إلى الوارث، كما في فرض موت المولى هنا.

ص: 452


1- راجع الحاوي الكبير، ج 18، ص 149؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 348، المسألة 8699؛ و روضة الطالبين، ج 8، ص 268.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 12، ص 348، المسألة 8699.
3- تقدّم في ص 427.
4- تقدّم في ص 427.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 137 - 140 ، الباب 1 و 4 من أبواب المكاتبة.
6- لم نعثر عليه.
7- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 273، المسألة 431.

. و لا بدّ أن يكون وقت الأداء معلوماً، فلو قال:«كاتبتك على أن تؤدّي إليّ كذا في سنة» بمعنى أنّها ظرف الأداء لم یصحّ.

. و يجوز أن تتساوى النجوم و أن تختلف. و في اعتبار اتّصال الأجل بالعقد تردّد.

• و لو قال:«كاتبتك على خدمة شهر و دينار بعد الشهر» صحّ إذا كان الدينار معلوم الجنس، و لايلزم تأخير الدينار إلى أجل آخر.

. و لو مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة؛ لتعذّر العوض.

قوله:«و لا بدّ أن يكون وقت الأداء معلوماً» إلى آخره.

وجه البطلان أنّ الأجل على هذا التقدير مجهول؛ لأنّ«في» لايقتضي إلّا الظرفيّة، و لم يبيّن أنّه يؤدّيها في دفعة واحدة أو دفعات، و لا أنّه يؤدّيه في أوّلها أو وسطها أو آخرها.

و قال ابن الجنيد:يجوز و يتخيّر في دفعه في مجموع ذلك الوقت(1).

قوله:«و يجوز أن تتساوى النجوم و أن تختلف» إلى آخره.

منشأ التردّد من أصالة الصحّة و وجود المقتضي لها من العقد المشتمل على الأجل والمال، و من أصالة بقاء الملك و عدم نقل مثله، و هو اختيار الشيخ في المبسوط(2). و الأظهر الأوّل، و هو اختيار الأكثر. و قد تقدّم الخلاف في نظائره من الإجارة و غيرها(3).

قوله:«و لو قال:كاتبتك على خدمة شهر و دينار بعد الشهر» إلى آخره.

مرجع هذه الصورة إلى الجمع في العوض بين المال و الخدمة. ثمّ إطلاق شهر الخدمة محمول على المتّصل بالعقد كنظائره، و شرط كون الدينار بعده يقتضي تأجيله إلى نجمٍ واحد. و هو صحيح عندنا، وإنّما يتوجّه عليه المنع عند من يشترط تعدّد النجوم.

قوله:«و لو مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة؛ لتعذّر العوض».

هذا إذا كانت مشروطةً أو جعل خدمة الشهر مجموع العوض، أمّا لو كان قد جمع بينه

ص: 453


1- حكاه عنه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 578.
2- المبسوط، ج 4، ص 447.
3- راجع ج 4، ص 423؛ و ج 6 ، ص 421.

و لو قال:«على خدمة شهر بعد هذا الشهر» قيل:تبطل على القول باشتراط اتّصال المدّة بالعقد. و فيه التردّد.

• و لو كاتبه ثمّ حبسه مدّةً، قيل:يجب أن يؤجّله مثل تلك المدّة، و قيل:لايجب بل يلزمه أُجرته لمدّة احتباسه. و هو أشبه.

شروط عوض الکتابة

و أما العوض فيعتبر فيه: أن يكون ديناً منجّماً، معلوم القدر و الوصف، ممّا یصحّ تملّكه للمولى.

و بين المال-كالصورة السابقة - و كانت مطلقة لم تبطل، و روعي أداء المال و عتق منه بنسبته.

و إطلاق المصنّف البطلان يقتضي أن يكون هذا مقطوعاً عن الفرض السابق وإلّا لم يتمّ

الإطلاق.

قوله:«و لو قال:«على خدمة شهر بعد هذا الشهر» قيل: تبطل» إلى آخره.

هذا من جملة أفراد المسائل المتفرّعة على اشتراط اتّصال الأجل بالعقد و عدمه، فلا وجه لإفراده، و إنّما خصّه حملاً للسابق على المال بأن شرط عليه مائة درهم مثلاً يؤدّيها بعد شهر أوّله بعد هذا الشهر، فذكر اشتراط الخدمة كذلك، و هكذا صنع الشيخ في المبسوط(1)، و جماعة(2).

قوله:«و لو كاتبه ثمّ حبسه مدّةً، قيل: يجب أن يؤجّله مثل تلك المدّة» إلى آخره.

القولان للشيخ في المبسوط(3). و وجه الأوّل أنّ القدر الواجب من التأجيل الإمهال في تلك المدّة، و لا قيمة له فيضمنه بمثله.

و وجه الثاني أنّ المكاتب مضمون بالغصب كالقنّ، فيضمن منافعه مدّة الحبس بالقيمة. و هذا أقوى.

ص: 454


1- المبسوط، ج 4، ص 447 - 448.
2- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 334.
3- المبسوط، ج 4، ص 510.

. فلا تصحّ الكتابة على عين و لا مع جهالة العوض، بل يذكر في وصفه كلّ ما يتفاوت الثمن لأجله بحيث ترتفع الجهالة. فإن كان من الأثمان وصفه كما يصفه في النسيئة، و إن كان عرضاً وصفه كصفته في السلم.

. و يجوز أن يكاتبه بأيّ ثمن شاء. و يكره أن يتجاوز قيمته.

قوله:«فلاتصحّ الكتابة على عين، و لا مع جهالة العوض» إلى آخره.

إنّما لم تصحّ الكتابة على العين؛ لأنّها إن كانت بيد المملوك فهي للمولى فلايتحقّق المعاوضة بها؛ لأنّها معاوضة على ماله بماله.

و الفرق بينها و بين الدين - مع اشتراكهما في هذا المعنى - أنّ عقد الكتابة يخرج المملوك عن محض الرقّيّة و يجعله قابلاً للملك، فالكسب المتجدّد ليس للمولى وإن لم يصر إلى محض الحرّيّة، فإنّه واسطة بينهما كما سلف(1).

و إن كانت العين لمالك خارج قد أذن في المعاوضة عليها لم یصحّ، من حيث إنّ العوض شرطه أن يجعل المعوّض في مقابلته بحيث يجعل كلّ منهما بدلاً عن الآخر؛ ليتحقّق المعاوضة من الجانبين، و لا تتمّ هذه المقابلة و البدليّة إلّا مع ملك باذل كلّ من العوضين ما وقع بدله، و لمّا لم ينتقل المكاتب إلى ملك صاحب العين لم تنتقل العين إلى ملك المولى، لفقد الشرط.

و مثله ما لو باعه عيناً بعين لغير المشتري على أن يكون الملك للمشتري و الثمن من

غيره، أو باعه بثمن في ذمّة غيره.

و حيث كان العوض موصوفاً في الذمّة اعتبر وصفه بما يرفع الجهالة في الجنس و الوصف الذي يختلف القيمة باختلافه، على الوجه المعتبر في السلم و نحوه من المعاوضات على ما في الذمّة، نقداً كان أم عرضاً.

قوله:«و يجوز أن يكاتبه بأيّ ثمن شاء. و يكره أن يتجاوز قيمته».

لمّا كانت الأدلّة على جواز الكتابة عامّةً أو مطلقةً من غير تقييد بقدر من العوض

ص: 455


1- سبق في ص 427 - 428.

. وتجوز المكاتبة على منفعة كالخدمة و الخياطة و البناء - بعد وصفه بما يرفع الجهالة.

جازت على القليل و الكثير، و لأنّها معاوضة ماليّة منوطة بالتراضي فلا يتقدّر بقدر، و إن كان الأفضل أن لايتجاوز القيمة، بل إمّا أن يكون بقدرها أو أنقص. و المعتبر القيمة يوم المكاتبة.

قوله:«و تجوز المكاتبة على منفعة، كالخدمة و الخياطة» إلى آخره.

كما يجوز المكاتبة على مالٍ في الذمّة متجدّد يجوز على الخدمة كذلك؛ لاشتراكهما في المعنى، فإنّ ما يكتسبه المملوك من المال عوض المنفعة التي يبذلها في مقابلته، فالمقتضي

للصحّة فيهما واحد.

و توهّم الفرق بينهما، و القدح في جعل الخدمة عوضاً للكتابة، من حيث إنّ المنفعة ملك للمولى فلايعاوض على ماله بماله، بخلاف المال المتجدّد، فإنّه ليس بموجود و لا داخل

تحت قدرته بخلاف الخدمة، فإنّها مقدورة له فكانت كالعين الحاضرة، و من ثَمّ جاز عتقه

منجّزاً بشرط خدمة معيّنة بغير رضاه، دون اشتراط مال بغیر رضاه.

مندفع بما أسلفناه من أنّ عقد الكتابة يخرج المملوك عن ملك المولى محضاً و إن كان انتقالاً متزلزلاً، و من ثَمّ سقطت عنه نفقته و فطرته و لم يكن له استخدامه و غير ذلك من توابع الملك، فكانت منفعته و ما يتجدّد من كسبه تابعةً له في الانتقال عن ملكه، و يجوز جعله عوضاً عن فكّ رقبته. و لمّا كان العتق المنجّز يقتضي ملك المعتق منافع نفسه أيضاً و كسبه اعتبر رضاه في اشتراط المال دون الخدمة؛ لأنّها تصير كالمستثناة ممّا يخرجه عن ملكه بالتحرير المتبرّع به، و هذا لايلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضاً في الكتابة الواقعة برضى المكاتب، مضافاً إلى عموم الأدلّة(1).

ص: 456


1- منها ما ورد في الكافي، ج 6، ص 187، باب المكاتب، ح 11؛ والفقيه، ج 3، ص 132، ح 3494؛ وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 272 - 273، ح 955.

إذا جمع بين كتابة و بيع أو إجارة

. وإذا جمع بين كتابة و بيع أو إجارة أو غير ذلك من عقود المعاوضات، في عقد واحد صحّ، و يكون مكاتبته بحصّة ثمنه من البذل.

قوله:«و إذا جمع بين كتابة و بيع أو إجارة، أو غير ذلك» إلى آخره.

قد تقدّم في البيع و النكاح جواز الجمع بين عقود متعدّدة صفقةً واحدةً بعوض واحدا(1)؛ لأنّ المعتبر العلم بمجموع العوض و المعوّض و لا يعتبر العلم بما يخصّ الأجزاء، و إن كان ممّا يحتاج إلى معرفته على بعض الوجوه، كما لو ظهر استحقاق بعض الأعيان أو بطلان بعض الصفقة، فيكتفى حينئذٍ بمعرفة ما يخصّ كلّ واحد بالحساب و نسبة بعضها إلى بعض، و هذا من ذلك القبيل.

فإذا قال للعبد:«كاتبتك و بعتك هذا الثوب بمائة إلى شهر مثلاً» أو «كاتبتك و آجرتك الدار بكذا» أو جمع بين الثلاثة، فقال:«قبلت الكتابة و البيع» أو «قبلتهما جميعاً» أو «الجميع» صحّ، فإذا أدّى المال المعيّن عتق و استقرّ ملكه للمبيع و استئجاره الدار و غير ذلك. فإن احتيج إلى معرفة ما يخصّه من مال الكتابة - بأن ظهر المبيع مستحقّاً و لم يجزئ المالك -

- وزّع العوض على قيمة المملوك حين المكاتبة، و على قيمة المبيع و أُجرة مثل الدار تلك المدّة، و سقط من العوض ما قابل الفاسد.

و قد يتطرّق احتمال البطلان في الصفقة المجتمعة كذلك، من حيث إنّها بمنزلة عقود متعدّدة فيعتبر العلم بعوض كلّ واحد منفرداً، خصوصاً مع اختلاف أحكامها كالبيع و الكتابة و الإجارة. و تزيد الكتابة شبهة أُخرى، و هي أنّ المكاتب لا يستقلّ بالتصرّف إلى أن يتمّ عقد الكتابة، فقد وقع البيع و الإجارة قبل ملكه للتصرّف، فوقعا باطلين.

و جوابه:منع كون الصفقة المجتمعة كعقود متعدّدة، بل هي عقد واحد، كما لو باعه ثوبين بثمن واحد، بل ثوباً واحداً، فإنّ احتمال تبعّض الصفقة آتٍ، و هو غير قادح إجماعاً.و اختلاف الأحكام لايقدح في الجمع؛ لأنّه يلزم کلّ واحد حكمه، و إنّما الفائدة جمع الكلّ في صيغة واحدة. وأمّا شبهة الاستقلال فمندفعة برضى المولى بذلك، فإنّ الحجر إنّما كان لحقّه.

ص: 457


1- تقدّم في ج 3، ص 193 - 194؛ و ج 6 ، ص 700 - 701.

. وكذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبداً، سواء اتّفقت حصصهما أو اختلفت، تساوى العوضان أو اختلفا. و لايجوز أن يدفع إلى أحد الشريكين دون صاحبه. و لو دفع شيئاً كان لهما. و لو أذن أحدهما لصاحبه جاز.

قوله:«و كذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبداً، سواء اتّفقت حصصهما» إلى آخره.

إذا كاتبا العبد المشترك معاً، أو وكّلا رجلاً فكاتب جميعه، أو وكّل أحدهما الآخر فكاتبه صحّت الكتابة، سواء اتّفقت النجوم جنساً و أجلاً و عدداً أم لا، و سواء شرطا حصّة كلّ واحد من النجوم بحسب اشتراكهم في العبد، أم شرطا تفاوتاً في النجوم مع التساوي أو بالعكس أم أطلقا عملاً بالعموم(1)، و تسلّط كلّ واحد من الشركاء على مكاتبة حصّته بما شاء منفرداً فكذا مع الاجتماع.

و خالف في ذلك بعضهم فمنع من اختلافهما في القدر مع تساويهما في الملك(2)؛ حذراً من أن ينتفع أحدهما بمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مائة - مثلاً - وإلى الآخر مائتين ثمّ ارتفعت الكتابة بالعجز، فيحتاج الأوّل إلى أن يرجع على الثاني بخمسين، و يكون الثاني قد انتفع بها مدّة بقائها في يده من غير استحقاق.

و جوابه: أنّ الاستحقاق طار من حين الفسخ و قبله كان ملكاً للقابض متزلزلاً، فلم يلزم انتفاع أحدهما بمال الآخر حين التصرّف فيه.

و أمّا عدم جواز دفعه إلى أحدهما بدون إذن صاحبه و كون ما دفعه لهما فرع من فروع الدين المشترك، و قد تقدّم الكلام فيه في بابه(3).

و قال ابن الجنيد(4)، و ابن البرّاج(5): يجوز أن يدفع إلى أحدهما دون الآخر ما لم يشترطا

ص: 458


1- النور (24): 33.
2- الحاوي الكبير، ج 18، ص 203؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 409، المسألة 8764.
3- تقدّم في ج 4، ص 178.
4- الحاكي عنه هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 144، المسألة 106.
5- المهذّب، ج 2، ص 382.

لو كاتب ثلاثة في عقد واحد

. و لو كاتب ثلاثة في عقد واحد صحّ، و كان كلّ واحد منهم مكاتباً بحصّة ثمنه من المسمّى، و تعتبر القيمة وقت العقد. و أيّهم أدّى حصّته عُتق، و لايتوقّف على أداء حصّة غيره. و أيّهم عجز رقّ دون غيره.

و لو شرط كفالة كلّ واحد منهم صاحبه و ضمان ما عليه كان الشرط و الكتابة صحيحين.

عليه أن يكون أداء الكتابة لهما جميعاً ؛ لأنّ لمن عليه الحقّ التخيير في جهة القضاء، و تعيين ما شاء فيه من أمواله، فإذا دفع إلى أحدهما حقّه فقد اختار دفع ما يستحقّه المدفوع إليه في المدفوع و اختار منع الآخر منه فلا شركة فيه، كما لو منعه من الاستيفاء من بعض أمواله. هذا کلّه إذا اتّحد العقد، أمّا لو تعدّد فلا إشكال في الجواز كما قاله ابن الجنيد.

و اعلم أنّ الكتابة تكون بالنسبة إلى الموليين متعدّدة وإن اتّحد العقد، فإذا أدّى نصيب أحدهما بإذن الآخر انعتق، لكن بدون إذنه لايتحقّق العتق في أحد النصيبين. و لو عجز فعجّزه أحدهما و صبر الآخر صحّ كما لو تعدّد.

قوله:«و لو كاتب ثلاثة في عقد واحد صحّ، و كان كلّ واحد منهم مكاتباً بحصّة ثمنه من المسمّى، و تعتبر القيمة وقت العقد» إلى آخره.

إذا كاتب ثلاثة أعبد في صفقة واحدة فقال:«كاتبتكم على ألف إلى نجوم معيّنة فإذا أدّيتم فأنتم أحرار» فقبلوا، صحّت الكتابة عندنا، و وزّع المال على قيمتهم. فلو كانت قيمة أحدهم مائة و الثاني مائتين و الثالث ثلاثمائة، فعلى الأوّل سدس المسمّى و على الثاني ثلثه

و على الثالث نصفه و الاعتبار بالقيمة يوم المكاتبة؛ لأنّ سلطنة السيّد تزول يومئذٍ.

و قال بعض العامّة : يوزّع على عدد الرؤوس(1). و قد تقدّم مثله في عوض الخلع و الصداق المتعدّد(2)

ص: 459


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 476 - 477، المسألة 8833.
2- تقدّم في ج 6 ، ص 603 - 604؛ و ج 7، ص 540 وما بعدها

...

ثمّ كلّ واحد من العبيد يؤدّي ما عليه، إمّا على التفاضل أو على التساوي، وإذا أدّى ما عليه عتق و لم يتوقّف عتقه على أداء غيره على الأظهر. وإن مات أحدهم أو عجز فهو رقيق، و غيره يعتق بأداء ما عليه، و لا ينظر إلى أنّ السيّد علّق عتقهم بأداء جميعهم حيث قال:«فإذا أدّيتم فأنتم أحرار؛ لأنّ الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة؛ و لذلك إذا أبرأ السيّد المكاتب عتق وإذا مات لم تبطل الكتابة، بخلاف العتق المعلّق».

و قيل:لایعتق بعضهم بأداء ما عليه، وإنّما يعتقون معاً إذا أدّوا جميع المال. و وجهه قد عُلم ممّا قرّرناه.

و قال ابن البراج:«إذا كاتب إنسان عبدين كتابةً واحدةً فمات أحدهما قيل للثاني: إمّا أن تختار أن تؤدّي باقي الكتابة عنك و عن صاحبك، وإمّا أن تكاتب عن نفسك كتابةً جديدةً، فأيّهما اختار كان له ذلك. وإن كان المتروك مالاً فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيّد من الكتابة، و كان على الثاني ما بقي من قسطه منها. و كذلك إذا ارتدّ أحدهما و لحق بدار الحرب. و إن كان ما ترك فيه وفاء بجميع الكتابة، فإنّ السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة و يعتقان معاً، و يرجع ورثته على الحيّ بحصّته، و بقية ذلك ميراث لهم»(1).

و هذا يدلّ على توقّف عتق كلّ منهما على أداء المال و زيادة أحكام أخر نادرة.

و سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ موت المكاتب يبطل الكتابة(2)، سواء كانت مشروطةً أم مطلقةً و لم يؤدّ شيئاً من المال. و حينئذٍ فيسقط قدر نصيبه من مال الكتابة، و لاينحصر المال في أحدهما؛ لأنّه عوض بينهما معاً فيقسط عليهما كالبيع، وإنّما يؤدّي الحيّ قدر نصيبه من مال الكتابة و يعتق.

ص: 460


1- المهذّب، ج 2، ص 381 - 382.
2- سيأتي في ص 464.

...

إذا تقرّر ذلك فلو شرط عليهم كفالة كلّ منهم لصاحبه في عقد الكتابة صحّ على الأصحّ؛

للأصل، و عموم:«المؤمنون عند شروطهم»(1). فيلزم کلّاً منهم حكم الكفالة من وجوب إحضار الغريم عند الحلول و أداء ما عليه إلى آخر ما فصّل.

و قيل:«لاتصحّ الكفالة بناءً على عدم لزوم مال الكتابة من جهة المكاتب، و الشرط كجزء من العوض فيتبعه في الجواز»(2).

و كذا يجوز أن يضمن كلّ منهم ما في ذمّة الآخر. و حينئذٍ فيعتقون جميعاً؛ لأنّ الضمان يحوّل ما في ذمّة كلّ منهم إلى الآخر فينزّل منزلة الأداء، ويبقى المال ديناً في ذمّتهم لا على وجه المكاتبة. و لو ضمن أحدهم خاصّةً تعلّق المال بذمّته و عتق المضمون.

و قال في المختلف: إذا رضي المولى بضمانهم كلّهم فهو كما لو لم يقع ضمان(3).

و هو غريب؛ لما عرفت من ظهور الفرق.

و لو جعلنا الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة تخيّر في الرجوع بالجميع على من شاء.

و في كلام الشيخ(4) إشعار به و ذكر في المسائل الحائريّات جواز ضمان اثنين مالاً و اشتراط رجوعه على من شاء منهما(5)، و هو دليل على ذلك أيضاً، و هو مذهب العامّة(6) لكنّ الأصحاب على خلافه.

ص: 461


1- تقدّم تخريجه في ص 32، الهامش 8.
2- نسبه الصيمري إلى الشيخ في غاية المرام، ج 2، ص 218؛ و لكنّ الشيخ أفتى بخلافه في المبسوط، ج 4، ص 454، قال:و عندي أنّ الشرط صحيح و الكتابة صحيحة؛ و قال في الخلاف، ج 6، ص 387، المسألة 10: إن وقع بشرط أنّ كلّ واحد منهم كفيل عن صاحبه ضامن، فالشرط صحيح؛ للأصل، و لقوله علیه السلام: «المؤمنون عندشروطهم». و نسب القول إلى عدم صحّة الشرط إلى الشافعي
3- مختلف الشيعة، ج 8، ص 126 ، المسألة 77.
4- المبسوط، ج 4 ص 454.
5- المسائل الحائريّات ضمن المسائل العشر، ص 304.
6- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 478، المسألة 8833.

. و لو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل، كان الخيار لمولاه في القبض و التأخير.

قوله:«و لو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل، كان الخيار لمولاه في القبض و التأخير».

لأنه دين مؤجّل فلايجب قبوله قبل الأجل كغيره من الديون، و يجوز أن يتعلّق بالتأخير غرض صحيح لايتمّ بدونه فيجب الوفاء له بشرطه؛ للعموم(1).

و يؤيّده رواية إسحاق بن عمّار، عن الصادق علیه السلام، عن أبيه علیه السلام:«أنّ مكاتباً أتى عليّاً علیه السلام و قال:إنّ سيّدي كاتبني و شرط علىّ نجوماً في کلّ سنة، فجئته بالمال کلّه ضربةً فسألته أن يأخذه کلّه ضربةً و يجيز عتقى فأبى علىّ، فدعاه علىّ علیه السلام فقال:صدق، فقال له: ما لك لا تأخذ المال و تمضي عتقه؟ قال: ما آخذ إلّا النجوم التي شرطت و أتعرّض من ذلك إلى ميراثه، فقال عليّ علیه السلام:أنت أحقّ بشرطك»(2).

و أمّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام قال في مكاتب ينقد نصف مكاتبته و يبقى عليه النصف فيدعو مواليه فيقول: خذوا ما بقي ضربةً واحدةً، قال:«يأخذون ما بقي و يعتق»(3) فمحمول على جواز الأخذ مع التراضي، و لا دلالة فيه على لزومه، و لو ظهر منه ذلك لزم تنزيله على ما ذكر حذراً من مخالفة غيره و مخالفة القواعد المقرّرة في نظائره.

و ابن الجنيد أوجب على المولى قبوله قبل الأجل في موضع واحد، و هو ما إذا كان المكاتب مريضاً و أوصى بوصايا و أقرّ بديون و بذل لمولاه المال فليس له الامتناع؛ لأنّ في امتناعه إبطال إقراره و وصيّته(4).

و لبعض العامّة قول بإجبار المولى على القبول حيث لا ضرر عليه به(5)؛ لأنّ الأجل حقّ من عليه الدين فإذا أسقطه سقط و هو ممنوع، بل الحقّ مشترك بينهما.

ص: 462


1- أي عموم «المؤمنون عند شروطهم». وتقدّم قُبَيل هذا.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 273 - 274، ح 998؛ الاستبصار، ج 4، ص 35 - 36 ، ح 119.
3- الفقيه، ج 3، ص 130، ح 3488؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 271 ، ح 989، و فيهما : عن أبي الصباح، والعبارة فيهما هكذا: «يأخذون ما بقي ثمّ يعتق».
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 141 - 142، المسألة 103.
5- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 12، ص 359 - 361، المسألة 8714؛ وروضة الطالبين، ج8، ص 500.

. و لو عجز المكاتب المطلق كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرقاب.

. و المكاتبة الفاسدة لايتعلّق بها حكم، بل تقع لاغيةً.

قوله:«و لو عجز المكاتب المطلق كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرقاب».

جواز الدفع إلى المكاتب من الزكاة مشترك بين القسمين، لكن وجوب الفكّ مختصّ بالمطلق من سهم الرقاب مع الإمكان، فإن تعذّر كان كالمشروط يجوز فسخ كتابته و استرقاقه أو ما بقى منه إن كان قد أدّى شيئاً.

قوله:«و المكاتبة الفاسدة لايتعلّق بها حكم، بل تقع لاغيةً».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث قسموا ما لایصحّ من الكتابة إلى باطلة و فاسدة(1).

فالباطلة هي التي اختلّ بعض أركانها، بأن كان السيّد صبيّاً أو مجنوناً أو مكرهاً على الكتابة أو كان العبد كذلك أو لم يجر ذكر عوض أو ذكر ما لايقصد ماليّته كالدم و الحشرات أو اختلّت الصيغة.

و الفاسدة هي التي امتنعت صحّتها بشرط فاسد أو بفوات شرط في العوض، بأن كان خمراً أو خنزيراً أو مجهولاً أو لم ينجمّه.

ثم جعلوا الكتابة الباطلة لاغيةً كما ذكرناه، و الفاسدة تساوي الصحيحة في ثلاثة أُمور:

أحدها:أنّه يحصل العتق بالأداء.

و الثاني:أنّه يستقلّ بالكسب و يستتبع عند العتق ما فضل من كسبه، و كذا ولده من جاريته. و الثالث:أنّه يستقلّ حتّى يعامل السيّد و يسقط عنه نفقته. و يفارقها في أنّها لاتلزم من

جانب السيّد فله فسخها، و تبطل بموت السيّد.

و بالجملة فالعتق عندهم يحصل من جهة التعليق لا من جهة الكتابة. و هذا کلّه عندنا لاغ؛ لأنّ الفاسد لايترتّب عليه أثر، و الإطلاق الشرعي محمول على الصحيح و الأحكام مترتّبة عليه.

ص: 463


1- بدائع الصنائع، ج 4، ص 220؛ روضة الطالبين، ج 8، ص 483.

أحکام المکاتبة

و أمّا الأحکام

فتشتمل على مسائل:

الأُولى: • إذا مات المكاتب و كان مشروطاً بطلت الكتابة و كان ما تركه لمولاه، و أولاده رقّاً.

و إن لم يكن مشروطاً تحرّر منه بقدر ما أدّاه و كان الباقي رقّاً، و لمولاه من تركته بقدر ما فيه من رقّ، و لورثته بقدر ما فيه من حرّيّة. و يؤدّي الوارث من نصيب الحرّيّة ما بقي من مال الكتابة. و إن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم، و مع الأداء ينعتق الأولاد.

و هل للمولى إجبارهم على الأداء؟ فيه تردّد. و فيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلّف من أصل التركة و يتحرّر الأولاد و ما يبقى فلهم و الأوّل أشهر.

قوله: «إذا مات المكاتب و كان مشروطاً بطلت الكتابة» إلى آخره.

إذا مات المكاتب قبل أداء جميع ما عليه بطلت الكتابة؛ لأنّ موضوعها الرقّيّة؛ و غايتها

العتق، فإذا مات فات الموضوع و تعذّرت الغاية التي شرع لها العقد.

ثمّ إن كان مشروطاً بطلت من رأس وإن بقي عليه شيء يسير، فيملك المولى ما قبض

و يسترقّ أولاده التابعين له فيها، و عليه مؤونة تجهيزه كالقنّ.

و إن كان مطلقاً و لم يؤدّ شيئاً فكذلك. و إن أدّى البعض تحرّر منه بحسابه و بطل بنسبة الباقي، و تحرّر من أولاده التابعين له بقدر حريّتّه. و ميراثه لوارثه و مولاه بالنسبة أيضاً. و يستقرّ ملك وارث لم يتبعه على نصيبه من نصيب الحرّيّة، و نصيب من تبعه يتعلّق به ما بقى من مال الكتابة. و لو لم يخلّف مالاً فعليهم أداء ما تخلّف، و يعتقون بأدائه. و هل يجبرون على السعى فيه؟ وجهان أصحّهما ذلك، كما يجبر من تحرّر بعضه على فكّ باقيه. و وجه العدم بطلان المعاملة و عدم وقوعها معهم فلايلزمهم أداؤها.

و الرواية التي أشار إليها - المتضمّنة لأداء باقي مال الكتابة ممّا تركه من غير أن يقسّم

ص: 464

...

بين المولى و الوارث و يتحرّر الأولاد، و ما فضل منه فلهم - رواها جميل بن درّاج في الصحيح - عن أبي عبد الله علیه السلام في مكاتب يموت و قد أدّى بعض مكاتبته و له ابن من جارية و ترك مالاً فقال: «إن كان اشترط عليه أنّه إن عجز فهو رقّ رجع ابنه مملوكاً و الجارية، و إن لم يشترط عليه صار ابنه حرّاً، و ردّ على المولى بقيّة مال الكتابة، و ورث ابنه ما بقي»(1).

و مثله روى أبو الصباح(2) و الحلبي(3) و ابن سنان(4)، و غيرهم(5) جميعاً في الصحيح بألفاظ مختلفة محصّلها هذا الحكم. و بمضمونها عمل ابن الجنيد(6).

و الأشهر بين الأصحاب هو الأوّل، و تشهد له صحيحة محمّد بن قيس عن الباقر علیه السلام قال:«قضى أمير المؤمنين علیه السلام في مكاتب توفّى و له مال، قال: يقسّم ماله على قدر ما أُعتق منه، و ما لم يعتق يحسب منه لأربابه الذين كاتبوه»(7).

و صحيحة بريد العجلي عن الباقر علیه السلام قال: سألته عن رجل كاتب عبداً له على ألف درهم، و لم يشترط عليه حين كاتبه أنّه إن عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرقّ، و المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثمّ مات المكاتب و ترك مالاً و ترك ابناً له مدركاً، فقال:«نصف ما ترك المكاتب من شيء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب؛ لأنّه مات و نصفه حرّ و نصفه عبد، فإذا أدّى الذي كان كاتب أباه و بقي على أبيه فهو حرّ لا سبيل لأحد عليه من الناس»(8).

و طريق الجمع بين هاتين و ما تقدّم بحمل أدائه ما بقي من نصيبه لا من أصل المال، و إرثه لما بقي إن كان في النصيب بقيّة.

ص: 465


1- الفقيه، ج 3، ص 128، ح 3483؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 272، ح 992؛ الاستبصار، ج 4، ص 38 ، ح 126.
2- الفقيه، ج 3، ص 130، ح 3488؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 271 ، ح 989.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 271 ، ح 990.
4- الفقيه، ج 3، ص 131، ح 3489؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 272 ، ح 991؛ الاستبصار، ج 4، ص 37، ح 125.
5- كرواية محمّد بن حمران في الكافي، ج 7، ص 152، باب ميراث المكاتبين، ح 6.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8، ص 117، المسألة 70.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 274، ح 999؛ الاستبصار، ج 4، ص 37، ح 124 بتفاوت يسير.
8- الكافي، ج 6، ص 186 ، باب المكاتب، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 276، ح 1006.

. و لو أُوصي له بوصيّة صحّ له منها بقدر ما فيه من حرّيّة وبطل ما زاد.

و هذا وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه متعيّن لمراعاة الجمع بين الأخبار الصحيحة.

و في التحرير توقّف في الحكم(1). و له وجه؛ لأنّ الأوّل أكثر، بل الصحيح من الجانب المشهور مختصّ برواية بريد ، و أمّا صحّة رواية محمد بن قيس فإضافيّة كما حقّقناه مراراً، فتتعارض الكثرة والشهرة.

قوله:«و لو أوصي له بوصيّة صحّ له منها بقدر ما فيه من حرّيّة و بطل ما زاد».

المشهور بين الأصحاب أنّ المكاتب المشروط لاتصحّ الوصيّة له مطلقاً، و المطلق یصحّ له منها بنسبة ما فيه من الحرّيّة.

و المستند رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام قال:«قضى أمير المؤمنين علیه السلام في مكاتب تحته حرّة، فأوصت له عند موتها بوصيّة، فقال أهل المرأة: لايجوز وصيّتها له؛ لأنّه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى أنّه يرث بحساب ما أعتق منه و يجوز له من الوصيّة بحساب ما أُعتق منه. و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصيّة فأجاز ربع الوصيّة. و قضى في رجل حرّ أوصى لمكاتبته و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز بحساب ما أُعتق منها. و قضى في وصيّة مكاتب قد قضى بعض ماكوتب عليه يجاز من وصيّته بحساب ما أُعتق منه»(2)

و قيل:تصحّ الوصيّة له مطلقاً؛ لأنّ قبولها نوع اكتساب و هو غير ممنوع منه(3)، و فيه قوّة.

و الرواية ضعيفة باشتراك محمّد بن قيس الذي يروي عن الباقر علیه السلام بين الثقة(4)، و غيره(5)، فتردّ لذلك.

ص: 466


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 265، الرقم 5781.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 275، ح 1000.
3- قاله الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 266 (ضمن موسوعة الشهيد الأولّ، ج 10)
4- و هو محمّد بن قيس الأسدي أبو عبدالله، و محمّد بن قيس الأسدي أبو نصر، و محمّد بن قيس البجلي أبو عبدالله. راجع خلاصة الأقوال، ص 252 ، الأرقام 859، 861،860.
5- و هو محمّد بن قيس أبو أحمد، وهو ضعيف. راجع خلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 861.

•و لو وجب عليه حدّ أُقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة الحرّيّة، و بنسبة الرقّيّة من حدّ العبيد.

هذا إذا كان الموصي غير المولى، أمّا هو فتصحّ وصيّته له مطلقاً بغير إشكال، و يعتق منه بقدر الوصيّة، فإن كانت بقدر النجوم عتق أجمع، و إن زادت فالزائد له. و لا فرق بين كون قيمته بقدر مال الكتابة و أقلّ؛ لأنّ الواجب الآن هو المال. و يحتمل اعتبار القيمة لو نقصت؛ لأنّ ذلك حكم القنّ و المكاتب لا يقصر عنه.

و فيه أنّه خرج عن حكم القنّ بوجه، و صار مال الكتابة في ذمّته، فكان اعتباره أولى.

قوله:«و لو وجب عليه حدّ أقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة الحرّيّة» إلى آخره.

إذا وجب على المكاتب حدّ، فإن لم يتحرّر منه شيء - بأن كان مطلقاً أو مشروطاً لم يؤدّ شيئاً - حُدّ حَدّ العبيد وإن كان قد خرج منهم من وجه؛ لأنّه لم يصر حرّاً محضاً، و الحدّ مبنيّ على التخفيف، فيرجّح فيه جانب الأقلّ، وإن كان قد تحرّر من المطلق شيء حدّ من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرّيّة و من حدّ العبيد بنسبة ما فيه من الرقّيّة، فإن انقسمت الأسواط على صحّة و إلّا قبض من السوط بنسبة الجزء كما سيأتي إن شاء الله تعالى(1).

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في المكاتب: «يجلد الحدّ بقدر ما أعتق منه»(2). و المراد بالحدّ هنا حدّ الأحرار، و سكت عن الجزء الآخر؛ لظهوره أو لأنّه لا يقصر عن الأقلّ فبيّن الأكثر.

و لو كان الذنب موجباً للحدّ على تقدير الحرّيّة دون الرقّيّة كالرجم انتفى رأساً و جلد. و مثله ما لو قذفه قاذف، فإنّه يجب عليه من حدّ الأحرار بنسبة الحرّيّة و يسقط ما قابل الرقّيّة؛ إذ لا يجب الحدّ على قاذفه بل التعزير، و هو لاينتصف بل يناط برأي الحاكم فيعزّره عن جزء الرقّيّة بما يراه.

ص: 467


1- انظر ج 12، ص 94.
2- الفقيه، ج 3، ص 48، ح 3304، و فيه: «في الحدّ على قدر»؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 276، ح 1005.

ولو زنى المولى بمكاتبته سقط عنه من الحدّ بقدر ماله فيها من الرقّ، و حدّ بالباقي.

قوله:«و لو زنى المولى بمكاتبته سقط عنه من الحدّ بقدر ماله فيها من الرقّ، و حدّ

بالباقي».

هذا إذا كان ممّا يقبل التجزئة كالجلد فلو لم يقبلها كالرجم سقط أيضاً و وجب الجلد. و يمكن أن يقال: إنّ الرجم هنا منتفٍ أصلاً؛ لفقد شرطه و هو الإحصان المشروط بزني الحرّ بالحرّة مع باقي الشرائط، و كذا القول في السابقة، فيجب الجلد ابتداء لا لتعذّر تبعيض الرجم و هذا أجود.

و خالف بعض العامّة في حدّ المولى الواطئ للمكاتبة(1): لمكان ما له فيها من الملك و إن كان ضعيفاً، و أوجب التعزير.

لنا: أنّه وطء محرّم بمن قد صارت أجنبیّةً فيجب الحدّ، و لايجب كملاً لما فيها من الملك الموجب لانتفاء الحدّ وإن كان متزلزلاً فيجب بالنسبة.

و روى الحسين بن خالد عن الصادق علیه السلام قال: سئل عن رجلٍ كاتب أمةً له فقالت الأمة: ما أدّيت من مكاتبتي فأنا به حرّة على حساب ذلك، فقال لها: نعم، فأدّت بعض مكاتبتها و جامعها مولاها بعد ذلك، فقال:«إن كان استكرهها على ذلك ضرب من الحدّ بقدر ما أدّت من مكاتبتها، و درئ عنه من الحدّ بقدر ما بقي له من مكاتبتها، وإن كانت تابعته كانت شريكته في الحد ضربت مثل ما يضرب»(2).

و لو كانت مشروطة أو لم تؤدّ شيئاً فلا حدّ لكن يعزّر لتحريم وطئه لها مطلقاً.

ص: 468


1- حلية العلماء، ج 6، ص 211؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 389، المسألة 8746 و فيه مع التفصيل بين المشروطة والمطلقة.
2- الكافي، ج 6، ص 186، باب المكاتب، ح 4؛ الفقيه، ج 4، ص 45 - 46 ، ح 5059؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 268، ح 977؛ الاستبصار، ج 4، ص 36، ح 121.

الثانیّة . ليس للمكاتَب التصرّف في ماله ببيع و لا هبة و لا عتق و لا إقراض، إلّا بإذن مولاه.

قوله:«ليس للمكاتب التصرّف في ماله ببيع و لا هبة و لا عتق و لا إقراض، إلّا بإذن مولاه»

المكاتب بقسميه ممنوع من التصرّف في ماله بما ينافي الاكتساب و ما فيه خطر كالبيع بالعين، و بالنسيئة مع عدم الرهن و الضمين الموسر. و قيل:لايجوز مطلقاً؛ لأنّ الرهن قد

يتلف و الضمين قد يعسر.

و الهبة بغير شرط عوض يزيد عن العين. و في المساوي وجه بالجواز؛ إذ لا ضرر فيه، لكن بشرط قبض العوض قبل تقبيض العين؛ لأنّه لايجوز له البيع بدون القبض ففي الهبة أولى. و من أطلق المنع من الهبة نظر إلى أنّ الهبة لايقتضي العوض وإن شرط إلّا مع قبضه فيستلزم الخطر.

و العتق مطلقاً؛ لأنّه تبرّع محض و منه شراء من ينعتق عليه. و له قبول هبته مع عدم الضرر، بأن يكون مكتسباً قدر مؤونته فصاعداً.

و الإقراض مع عدم الغبطة، فلو كان في موضع يخاف فيه تلف المال فأقرضه إلى محلّ الأمن، أو خاف فساده قبل دفعه إلى المولى و نحو ذلك فلا منع على الظاهر، بل المصلحة فيه واضحة، فهو من ضروب الاكتساب، ولكن المصنّف و غيره(1) أطلقوا المنع من هذه الأشياء، و لا بدّ من تقييدها بما ذكرناه.

و في معنى تصرّفاته المنافية للاكتساب تبسّطه في الملابس و النفقة، و لايکلّف التقتير المفرط، بل يلزم الوسط اللائق بحاله عادةً. هذا کلّه مع عدم إذن المولى، أما لو أذن جاز؛ لأنّ الحق لايعدوهما.

ص: 469


1- راجع الوسيلة، ص 344 - 345؛ و إرشاد الأذهان، ج 2، ص 78؛ و اللمعة الدمشقيّة، ص 267 - 268 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13)

. و لايجوز للمولى التصرّف في مال المكاتب إلّا بما يتعلّق بالاستيفاء.

و لايجوز له وطء المكاتبة بالملك و لا بالعقد. و لو طاوعت حدّت و لايجوز له وطء أمة المكاتب. و لو وطئ الشبهة كان عليه المهر.

و كلّ ما يكتسبه المكاتب قبل الأداء و بعده فهو له؛ لأنّ تسلّط المولى زال عنه بالكتابة.

و لاتتزوّج المكاتبة إلّا بإذنه. و لو بادرت كان عقدها موقوفاً مشروطةً كانت أو مطلقةً. و كذلك ليس للمكاتب وطء أمة يبتاعها إلّا بإذن مولاه و لو كانت كتابته مطلقةً.

قوله:«و لايجوز للمولى التصرّف في مال المكاتب إلّا بما يتعلّق بالاستيفاء» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ المكاتب على مرتبة بين العتق و الرقّ(1)، فليس له الاستقلال بالتصرّف مطلقاً، و لايبقى سلطنة المولى عليه و تسلّطه على ما بيده مطلقاً.

فبالنسبة إلى ماله ينقطع عنه تصرّف المولى؛ لأنّ الغرض منها تحصيله و تحصينه لفكّ رقبته، فكما أنّه ليس للمكاتب صرفه في غير ذلك إلّا في القدر الضروري كما مرّ، كذلك ليس للمولى التصرّف فيه بغير الاستيفاء، لا بمعنى أن يأخذه من المكاتب قهراً لأجل الاستيفاء؛ لأنّ المكاتب كالمديون في تخيّره في جهة الوفاء، و تعيين الدين في أعيان ما بيده موكول إليه، بل المراد تصرّفه فيه لأجل الاستيفاء في الجملة بحيث يصدر عن إذن المكاتب و تعيينه. و قد يجوز تسلّط المولى على الاستيفاء بغير إذنه فيما إذا كان مشروطاً و حلّ النجم فلم يؤدّه و كان بيده مال بقدره، و لو زاد فالتعيين موكول إليه، فإذا امتنع عيّن الحاكم كما في كلّ ممتنع.

ومن التصرّف الممنوع منه وطء المكاتبة بالعقد و الملك؛ لعدم صيرورتها حرّةً تصلح للعقد، و خروجها بعقد المكاتبة عن محض الرقّ المسوّغ للوطء. فإن وطئها عالما بالتحريم

ص: 470


1- تقدّم في ص 427.

...

عزّر إن لم يتحرّر منها شيء، و حدّ بنسبة الحرّيّة إن تبعّضت كما مرّ(1). و لو طاوعته هي حدّت حدّ المملوك إن لم تتبعّض وإلّا فبالنسبة و إن أكرهها اختصّ بالحكم و لها مهر المثل. و في تكرّره بتكرّره أوجه، ثالثها: اشتراطه بتخلّل أدائه إليها بين الوطئين.و رابعها: تعدّده مع العلم بتعدّد الوطء، و مع الشبهة المستمرّة مهر واحد. و إذا وجب المهر فلها أخذه في الحال، فإن حلّ عليها نجم و هما من جنس واحدٍ جاز إمساكه تهاتراً، وإن عجزت قبل أخذه سقط، وإن عتقت بأداء النجوم فلها المطالبة به. و ما يكتسبه المكاتب بعد العقد له وإن حجر عليه فيه على بعض الوجوه؛ لأنّ ذلك هو فائدة الكتابة؛ إذ لولاه لتعذّر عليه الوفاء. و ممّا يحجر عليه فيه تزوّجه بغير إذن المولى ذكراً كان أم أنثى، فإن بادرت بالعقد كان

فضولاً؛ لأنّها لم تملك نفسها على وجه تستقلّ به.

و في رواية أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال:«المكاتب لايجوز له عتق و لا هبة و لا نكاح و لا شهادة و لا حجّ حتّى يؤدّي ما عليه»(2).

و كذا لايجوز له وطء أمة يبتاعها إلّا بإذن مولاه؛ لأنّ ذلك تصرّف بغير الاكتساب، و ربما أنقص قيمتها، و يترتّب عليها خطر الطلق، و لضعف ملكه على تقدير الأمن من الحبل. و لا فرق في ذلك بين المطلق والمشروط. و لو بادر و وطئ بغير إذنه فلا حدّ مع الشبهة، وإلّا عزّر و لا مهر؛ لأنّ مهر جاريته لو ثبت كان له. فإن أولدها فالولد أنسب لشبهة الملك.

ثمّ لايخلو إمّا أن تأتي بالولد و هو مكاتب بعد فيكون ملكاً له؛ لأنّه ولد جاريته، لكن لايملك بيعه لأنّه ولده، و لايعتق عليه لأنّ ملكه ليس بتامّ، بل يتوقّف على عتقه، فإن عتق عتق وإلّا رقّ للسيّد، و هذا معنى تبعيّة ولده له في الكتابة. و ثبوت الاستيلاد للأمة موقوف أيضاً على حرّيّة الولد، فإن عتق استقرّ الاستيلاد، وإن عجز رقّت مع الولد، فإن عتق المكاتب بعد ذلك و ملكها لم تصر مستولدةً؛ لأنّ بالعجز تبيّن أنّها علقت برقيق و أنّه لا استيلاد.

ص: 471


1- مرّ في ص 467.
2- الكافي، ج 6، ص 186 ، باب المكاتب، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 268، ح 976.

الثالثة: كلّ ما يشرطه المولى على المكاتب في عقد الكتابة يكون لازماً ما لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة.

و يحتمل أن لا تصير مستولدةً مطلقاً؛ لأنّ عتق الولد طار على الاستيلاد، فأشبهت الأمة الموطوءة بالنكاح، و حقّ الحرّيّة للولد لم يثبت بالاستيلاد في الحال.

هذا إذا أتت بالولد و هو مكاتب. أمّا إذا أتت به بعد العتق، فإن كان لما دون ستّة أشهر من وقت العتق فكذلك؛ لأنّ العلوق وقع في الرقّ. وإن كان لما زاد عن ستّة إلى أقصى الحمل احتمل أن تصير مستولدةً له؛ عملاً بالأصل، و عدمه؛ نظراً إلى الغالب. هذا إذا وطئ بعد الحرّيّة بحيث يمكن استناده إليه، ترجيحاً لجانب الحرّيّة، و أصالة عدم التقدّم.

وإن لم يطأها بعد الحرّيّة فالإشكال أقوى. و وجه الحكم به كونها فراشاً يلحق به الولد في الجملة قبل الحرّيّة و هو مستدام بعدها، و إمكان العلوق بعد الحرّيّة قائم، فيكتفى به لثبوت الاستيلاد ظاهراً، و إن انتفى فيما بينه و بين الله تعالى، و الأقوى ثبوت الاستيلاد في الأوّل على تقدير حرّيّته، فيسقط عنّا مؤونة هذا الإشكال.

قوله:«كلّ ما يشرطه المولى على المكاتب في عقد الكتابة يكون لازماً ما لم يكن

مخالفاً للكتاب و السنّة».

عقد الكتابة قابل للشروط السائغة كنظائره من عقود المعاوضات؛ لعموم«المؤمنون عند شروطهم»(1)، فيلزم الوفاء بما يشترطانه ما لم يكن مخالفاً للمشروع.

فلو شرط عليه عملاً مخصوصاً زمن الكتابة أو بعد العتق بالأداء أو الاكتساب على وجه معيّن أو في مكان معيّن و نحو ذلك صحّ.

و لو شرط عليها الوطء و عدم التكسب أو كون الولد المتجدّد رقّاً و نحو ذلك بطل الشرط. و الأقوى تبعيّة العقد له، كنظائره من الشروط الفاسدة في العقد الصحيح لولاها.

ص: 472


1- تقدّم تخريجه في ص 32، الهامش 8.

الرابعة: • لايدخل الحمل في كتابة أُمّه، لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة كان أولادها كحكمها ينعتق منهم بحسابها. و لو تزوّجت بحرّ كان أولادها أحراراً.

و لو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة. فإن مات و عليها شيء من الكتابة تحرّرت من نصيب ولدها وإن لم يكن لها ولد سعت في مال الكتابة للوارث.

قوله: «لا يدخل الحمل فى كتابة أُمّه» إلى آخره.

إذا كانت المكاتبة حاملاً حال الكتابة و تيقّن ذلك - بأن ينفصل لما دون ستّة أشهر من يوم الكتابة - لم يدخل في كتابة أُمّه - كالولد المنفصل - وإن قصده؛ لأنّ الصغير لايكاتب، بخلاف مثله في التدبير، فإنّ الصغير يقبل التدبير؛ لأنّه عتق متبرّع به يشترك فيه الصغير و الكبير، بخلاف المعاملة.

و لبعض العامّة قول أنّه يدخل في الكتابة على وجه الاستتباع لا على جهة السراية(1)، كما يتبع الحامل في البيع. و هما ممنوعان.

وإن حدث الولد بعد الكتابة فلا يخلو إمّا أن يكون من زنى أو من نكاح مملوك أو من حرّ أو من مولاها. فإن كان من حرّ فولدها أحرار لا مدخل لهم في الكتابة. و إن كانوا من مملوك أو من زنى ثبت لهم حكم الكتابة، بمعنى انعتاقهم بعتق الأُمّ أو بالأداء أو بالإبراء، لأنّ الولد كسبها فيتوقّف أمره على رقّها و حرّيّتها كسائر كسبها. و هذا هو المراد بكونهم بحكمها، لا أنّهم يصيرون مكاتبين إذا لم يجر معهم عقد، وإنّما المراد انعتاقهم بعتقها من جهة الكتابة، حتّى لو فسخت الكتابة ثمّ عتقت الأُمّ لم ينعتق الولد.

و هل يثبت حقّ ملكهم قبل الانعتاق للأُمّ أم للمولى؟ وجهان، من أنّه تابع للأُمّ و حقّها له. و من أنّه من جملة كسبها فيكون لها.

و تظهر الفائدة فيما لو قتله قاتل، فعلى الأوّل تكون القيمة للمولى كما لو قتلت الأُمّ، و على الثاني تكون للمكاتبة تستعين به في أداء النجوم.

ص: 473


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 440، المسألة 8794، و راجع ص 444، المسألة 8795.

...

أمّا كسب الولد و أرش الجناية عليه فيما دون النفس و أرش الوطء بالشبهة لو كان جاريةً فموقوف على عتقها فيكون له، وإلّا فللمولى ككسب الأُمّ.

و لو عجزت الأُمّ و أرادت الاستعانة بكسب ولدها الموقوف ففي إجابتها وجهان، مبنيّان على أنّ الحق هل هو للمولى أو لها؟ فعلى الثاني لا إشكال في جواز استعانتها به. و على الأوّل يحتمله أيضاً؛ لأنّها إذا رقّت رقّ الولد و أخذ المولى كسبه، و إذا عتقت عتق و قد يفضل شيء من الكسب ففي إجابتها حظ للولد، و عدمه؛ لأنّه لا حقّ لها في كسبه؛ لأنّ الكلام على تقديره.

و تظهر الفائدة أيضاً في نفقة الولد و الوجه أنّها في كسبه و ما فضل فهو الذي يوقف. فإن لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ففيه وجهان، أظهرهما أنّها على المولى بناءً على أنّ حقّ الملك له وإن كان مراعى. و الثاني أن ينفق عليه من بيت المال؛ لأنّ تكليفه النفقة من غير أن يصرف إليه الكسب في الحال إجحاف به. و فيه وجه ثالث أنّه على الأُمّ؛ لأنّ كسبه قد تنتفع به فيكون نفقته عليها لتبعيّة النفقة للكسب.

و إن كان الولد من مولاها فالولد حرّ؛ لأنّها علقت به في ملكه و تصير مستولدةٌ له. و هل عليه قيمة الولد؟ يبنى على ما تقدّم من الوجهين، فإن قلنا: حقّ الملك فيه للسيّد فلا شيء عليه كما لو قتل ولد المكاتبة، وإن قلنا الحقّ لها فعليه القيمة و تستعين المكاتبة بها. فإن عجزت قبل الأخذ سقطت و إن عتقت أخذتها. و إن ولدت بعد ما عجزت و رقّت فلا شيء لها. و كذا لو ولدت بعد ما عتقت؛ لأنّه حين تعذّر تقويمه ليس بكسب مكاتبته.

ثمّ لاترتفع الكتابة باستيلادها، بل هي مستولدة و مكاتبة. فإن عجزت ثم مات السيّد عتقت عن الاستيلاد، و الأولاد الحادثون بعد الاستيلاد من النكاح أو الزنى يتبعونها، و الحادثون قبل الاستيلاد أرقّاء للسيّد. و إن مات السيّد قبل عجزها عتقت من نصيب ولدها، فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتباً وسعت في عوضه للوارث.

ص: 474

الخامسة : • المشروط رقّ و فطرته على مولاه. و لو كان مطلقاً لم يكن عليه فطرته.

و في رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام:«أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم قال في رجل وقع على مكاتبته فوطئها: إنّ عليه مهر مثلها،فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، و إن عجزت فردّت في الرقّ فهي من أمّهات الأولاد»(1)

قوله:«المشروط رقّ و فطرته على مولاه. و لو كان مطلقاً لم يكن عليه فطرته».

المكاتب مطلقاً قد خرج عن محض الرقّيّة و لم يصر إلى حالة الحرّيّة، و هو مرتبة بينهما كما عُلم مراراً.

و من سقوط أحكام الرقّيّة عنه سقوط نفقته عن مولاه و تعلّقها بكسبه، و قد كان اللازم من ذلك ثبوت فطرته على نفسه أيضاً؛ لأنّها تابعة للنفقة، لكن قد أطلق جماعة من الأصحاب(2) وجوب فطرة المشروط على مولاه و الحكم عليه بإطلاق الرقّيّة.

مع أنّ عليّ بن جعفر روى عن أخيه علیه السلام قال: سألته عن المكاتب هل عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه؟ فقال:«الفطرة عليه»(3) و لم يفرّق بين القسمين.

و في الدروس اقتصر على نقل وجوب فطرة المشروط على مولاه عن بعض الأصحاب، ثمّ احتمل عدمه؛ محتجّاً بأنّها تابعة للنفقة(4).

وابن البراج صرّح بعدم وجوبها على المولى(5)، و لا بأس بهذا القول، وإن كان الأشهر خلافه. و أمّا المطلق فلايجب فطرته على مولاه اتّفاقاً، و لا على نفسه إلّا أن يتحرّر منه شيء فيجب بنسبة الحرّيّة.

ص: 475


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 277، ح 1008.
2- كالشيخ في النهاية، ص 552؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 29؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 256.
3- مسائل عليّ بن جعفر، ص 137؛ الفقيه، ج 2، ص 179، ح 2074؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 332 ، ح 1040؛ و ج 8، ص 277، ح 1007.
4- الدروس الشرعية، ج 2، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
5- راجع المهذّب، ج 2، ص 401؛ وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 145، المسألة 110.

. وإذا وجبت عليه كفّارة كفّر بالصوم، و لو كفّر بالعتق لم يجزئه و كذا لو كفّر بالإطعام.

و لو كان المولى أذن له، قيل:لم يجزئه؛ لأنّه كفّر بما لم يجب عليه.

السادسة : • إذا ملك المملوك نصف نفسه كان كسبه بينه و بين مولاه، و لو طلب أحدهما المهاياة أُجبر الممتنع. و قيل:لايجبر. و هو أشبه.

قوله:«و إذا وجبت عليه كفّارة كفّر بالصوم، و لو كفّر بالعتق لم يجزئه» إلى آخره.

التكفير بالعتق شرطه قبول الملك و اليسار، و الثاني منتفٍ عنه، و في الأوّل ما قد عرفت؛ لأنّ ملكه غير تامّ. و التكفير بالإطعام مشروط بالأمر الثاني.

و لو أذن له المولى فى ذلك ففى الإجزاء وجهان، من أنّ المنع كان حقّ المولى و قد زال بإذنه، و من أنّ التكفير بالأمرين غير واجب عليه فلا يجزئ عن الواجب، وإذن المولى لايقتضي الوجوب بل غايتها الجواز.

و يمكن بناؤه على أنّ التبرّع على المعسر بالكفّارة التي ليست فرضه هل يجزئ عنه أم

لا؟ فإن قلنا بإجزائها أجزأ هنا بطريق أولى، وإلّا فلا.

و في المختلف ادّعى الإجماع على أنّ التبرّع عن المعسر بإذنه مجزئ فيجزئ هنا(1). و هو الوجه.

و في المبسوط ادّعى الإجماع على عدم الإجزاء(2) مع أنّه في باب الكفّارة اختار الإجزاء، و جعله الأظهر في روايات أصحابنا(3). و وافقه ابن إدريس على عدم الإجزاء(4). وإليه أشار المصنّف بقوله:«قيل:لم يجزئه».

قوله:«إذا ملك المملوك نصف نفسه كان كسبه بينه وبين مولاه» إلى آخره.

ص: 476


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 266، المسألة 94.
2- المبسوط ، ج 4، ص 500.
3- المبسوط، ج 4، ص 603.
4- السرائر، ج 3، ص 29.

السابعة . لو كاتب عبده و مات، فأبرأه أحد الورّاث من نصيبه من مال الكتابة أو أعتق نصيبه صحّ و لايقوّم عليه الباقي.

وجه الإجبار أنّ لكلّ منهما الانتفاع بنصيبه، و لايمكن الجمع بين الحقّين في وقتٍ واحد، فكانت المهاياة طريق الجمع بين الحقّين، و وسيلة إلى قطع التنازع و لا ضرر فيها.

و يدلّ عليه ظاهر رواية عمّار بن موسى عن أبي عبد الله علیه السلام في مكاتب بين شريكين

فيعتق أحدهما نصيبه كيف تصنع الخادم؟ قال:«تخدم الثاني يوماً و تخدم نفسها يوماً»(1).

و من أنّ ذلك قسمة لغير معلوم التساوي فيتوقّف على التراضي. و هذا هو الأصحّ، بل لايظهر كونها قسمةً. فالرواية مع قطع النظر عن سندها لاتدلّ على تعيين ذلك. و على القول بوجوب الإجابة إلى المهاياة يكفي المهاياة اليوميّة و لايجب الأزيد.

قوله:«لو كاتب عبده و مات، فأبرأه أحد الورّاث من نصيبه» إلى آخره.

إذا كاتب عبداً و مات و خلّف ورثةً قاموا مقامه في أنّهم إذا أعتقوه أو أبرؤه عن النجوم عتق. و كذا لو استوفوا المال. و لو أبرأ أحدهم أو أعتق عُتق نصيبه. خلافاً لبعض العامّة حيث قال:«إنّه لايعتق بالإبراء حتّى يبرئ الآخر أو يستوفي نصيبه، كما لو كان المورّث حيّاً و أبرأه عن بعض النجوم»(2).

و أجيب بأنّه هناك لم يبرئه عن جميع ماله، فصار كما لو أبرأه أحد الشريكين عن نصيبه من النجوم. و الوجهان مطّردان في العتق.

ثمّ على تقدير انعتاقه لا يسري عليه نصيب الآخر؛ لانعقاد سبب حرّيّته بالكتابة و لزومها. ومثله ما لو كاتب الشريكان العبد ثمّ أعتقه أحدهما أو كاتب أحدهما نصيبه ثمّ أعتق الآخر، فإنّه لا يسري على الجزء المكاتب؛ لما ذكر من سبق انعقاد سبب الحرّيّة للنصيب و قد يؤدّي و يعتق، و لأنّ المكاتب قد يتضرّر به من حيث إنّه ينقطع عنه الولد و الكسب.

ص: 477


1- الفقيه، ج 3، ص 126، ح 3476؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 275 - 276، ح 1003.
2- روضة الطالبين، ج 8، ص 492.

الثامنة: • من كاتب عبده وجب أن يعينه من زكاته إن وجبت عليه. و لا حدّ له قلّةٌ و لا كثرةً. و يستحبّ التبرّع بالعطيّة إن لم تجب.

و يحتمل السراية في الجميع؛ لوجود سبب العتق باختياره، و كون المكاتب في حكم الرقّ بالنسبة إلى قبول العتق.

و على الأوّل إن أدّى و عتق خلص. و إن عجز فاسترقّ ففي السراية عليه بالعتق السابق وجهان، من وجود السبب المقتضي له، و من سبق الحكم بعدم السراية فيستصحب، و لأنّ الواقع بالاختيار هو الكتابة و هي لاتقتضي العتق بذاتها؛ و لهذا لو أعتقه بعد ذلك صحّ و لو عجز عاد رقّاً، وإنّما حكم بعتقه بالأداء و لا اختيار للقابض فيه. و على هذا يفرّق بين الإبراء و القبض؛ لأنّ الإبراء صدر باختياره و هو سبب العتق، فكان باختيار السبب مختاراً للمسبّب. و يمكن بناء الحكم فيه على أنّ الكتابة هل هي بيع أو عتق بعوض؟ فعلى الأوّل لا يسري؛ لأنّ المولى لم يعتق، و إنّما يملك العبد نفسه بالشراء و أداء العوض فيعتق. و على الثاني يحتمل السراية و عدمها بتقريب ما سبق.

قوله:«من كاتب عبده وجب أن يعينه من زكاته إن وجبت عليه» إلى آخره.

الأصل في هذه المسألة قوله تعالى:«وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ»(1) و المراد بالإيتاء أن يحطّ عنه شيئاً من النجوم أو يبذل شيئاً و يأخذه في النجوم.

أمّا الثاني فظاهر، فإنّ البذل إيتاء وهو المأمور به في الآية.

و أمّا الحطّ فقد روي عن السلف قولاً و فعلاً، و روى العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله علیه السلام فى قول الله تعالى«وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ» قال:«تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه منها و لاتزيد فوق ما في نفسك»، فقلت:كم؟ قال:«وضع أبو جعفر علیه السلام المملوك له ألفاً من ستة آلاف»(2).

ص: 478


1- النور (24): 33.
2- الكافي، ج 6، ص 189، باب المكاتب، ح 17؛ الفقيه، ج 3، ص 124، ح 3472؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 270، ح 982.

...

و الوجه في الثاني - وإن كان خلاف ظاهر الآية - أنّ المقصود إعانته ليعتق، و الإعانة في الحطّ محقّقة و في البذل موهومة، فإنّه قد ينفق المال في جهة أُخرى. و بهذا يظهر أنّ الحطّ أولى من الإعطاء.

و قد اختلف في هذا الأمر هل هو للوجوب أو الندب؟ و في أن المراد ب-«مال الله» هو الزكاة الواجبة على المولى أم مطلق المال الذي بيده فإنّه من عند الله؟ و فى أن ضمير المأمور هل هو عائد على قوله قبله:«فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا»(1) أو على المکلّفين مطلقاً؟

فالشيخ في المبسوط(2) و جماعة أوجبوا على السيّد إعانة المكاتب بالحطّ أو الإيتاء و إن لم تجب عليهم الزكاة، و لايجب على غيره(3) و هو مبنيّ على أنّ الأمر للوجوب و أنّ المال أعمّ من الزكاة و أنّ الخطاب متعلّق بالموالي.

و في المختلف ذهب إلى الاستحباب مطلقاً، و جعل«مال الله» أعمّ، فلم يوجب عليه الإعانة من الزكاة و لا من غيرها(4).

و المصنّف (رحمه الله) اختار وجوب الإعانة على المولى إن وجبت عليه الزكاة فيها، و الاستحباب إن لم يجب.

أما الأوّل؛ فلأنّ أداء الزكاة واجب و لا شيء من إعانة المديون في وفاء دينه بواجب؛ للأصل، فيختصّ هذا الأمر بما لو وجبت الزكاة، و لأنّ المكاتب من أصناف المستحقّين فيكون الدفع إليه واجباً في الجملة.

و أمّا الثاني فلأصالة عدم الوجوب، مع ما فيه من التعاون على البرّ، و إعانة المحتاجين، و تخليص النفس من ذلّ الرقّيّة و حقوقها.

ص: 479


1- النور (24): 33.
2- المبسوط، ج 4، ص 468.
3- راجع لنقل الأقوال إيضاح الفوائد، ج 3، ص 601؛ والتنقيح الرائع، ج 3، ص 478، ولم نجد من أوجب الإيتاء مطلقاً غير الشيخ.
4- مختلف الشيعة، ج 8، ص 125 ، المسألة 75.

...

والأقوى وجوب الإيتاء من الزكاة إن وجبت، أو الحطّ عنه من مال الكتابة إن لم تجب، و اختصاص الحكم بالمولى؛ عملاً بظاهر الأمر المطلق المتعلّق بالمأمورين بالكتابة(1).و يتخيّر في الثاني بين أن يعطيه، أو يحطّ عنه من النجوم شيئاً يطلق عليه اسم المال. و يجب على المكاتب القبول إن أعطاه من جنس مال الكتابة لا من غيره؛ عملاً بظاهر الآية(2)، فقد قيل:إنّ المراد به مال الكتابة(3). و لو حطّ عنه كان إبراء لا يعتبر فيه القبول على الأقوى. و لو اعتبرناه وجب كالجنس.

و لو عتق قبل الإيتاء ففي سقوط الوجوب قولان، من فوات محلّه و تعلّق الخطاب بالمكاتبين و قد زال الوصف، ومن كونه كالدين. و اختاره في الدروس(4)

و لو دفع إليه من الزكاة و كان مشروطاً بعجزه ففي وجوب إخراج الزكاة لغيره، أو ردّها إلى دافعها وجهان، من تبيّن عدم الاستحقاق، وكونه طارئاً على الدفع الموجب للملك حال كونه قابلاً له، و براءة ذمّة الدافع حينئذٍ و عوده إلى المولى إحداث ملك لا إبطال لما سلف،

ومن ثَمَّ بقيت المعاملة السابقة بحالها وإن لم يرض بها المولى.

و يضعّف بمنع كونه إحداثاً، بل إعادته في الرقّ يقتضي نقض جميع ما سبق، و من ثَمّ عاد كسبه و أولاده ملكاً له. و بقاء المعاملة بسبب الإذن الضمنیّة بها في عقد المكاتبة، فإنّها تستلزم الإذن في التصرّف بالمعاملة و نحوها.

و الوجه وجوب صرفه على المستحقّين إن كانت منه، و إلّا أعادها على دافعها ليصرفها بنفسه. نعم، لو كان من المندوبة لم تجب الإعادة.

ص: 480


1- النور (24): 33.
2- النور (24): 33.
3- العزيز شرح الوجيز، ج 13، ص 503 ؛ الحاوي الكبير، ج 18، ص 140.
4- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 197 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10)، ولم نعثر على القائل بعدم الوجوب.

التاسعة • لو كان له مكاتبان فأدّى أحدهما و اشتبه صبر عليه لرجاء التذكّر. فإن مات المولى استخرج بالقرعة. و لو ادّعيا على المولى العلم كان القول قوله مع يمينه، ثم يقرع بينهما لاستخراج المكاتب.

قوله:«لو كان له مكاتبان فأدّى أحدهما و اشتبه صبر عليه لرجاء التذكّر» إلى آخره.

إذا كاتب اثنين في صفقة أو صفقتين ثمّ أقرّ بأنّه استوفى نجوم أحدهما، أو أنّه أبرأ أحدهما عمّا عليه أُمر بالبيان، فإن قال نسيته أُمر بالتذكّر، و لايقرع بينهما ما دام حيّاً؛ لأنّ الإنسان قد يتذكّر ما نسي و يبين له ما اشتبه عليه، و ذلك أقرب إلى الحقّ من القرعة. و لو قيل بالقرعة مع اليأس من التذكّر أو طول الزمان جدّاً كان حسناً؛ لتحقّق الاشتباه و هي لكلّ أمر مشتبه. و لو ادّعيا العلم على المولى فالقول قوله في نفيه؛ لأنّ ذلك لايعلم إلّا من قبله. وإن بيّن أحدهما و ادّعى التذكّر قبل قوله بغير يمين إن صدّقه الآخر أو سكت، و إن كذّبه و قال: استوفيت منّي أو أبرأتني فله تحليفه أيضاً. و يحلف هنا على البتّ لدعواه التذكّر. فإن حلف بقيت كتابته إلى أن يؤدّي. و إن نكل المولى حلف المكذّب و عتق أيضاً.

و لو نكل عن اليمين - المتوجّهة عليه قبل التذكّر - على نفي العلم حلف مدّعي الدفع و عتق. فإن ادّعى كلّ منهما ذلك ففي تحليفهما معاً و عتقهما وجهان، من أنّ ذلك هو مقتضى الدعوى، و من أنّ المعتق أحدهما خاصّةً فأحدهما كاذب في يمينه، لكنّ هذا حكم على ما في نفس الأمر فلايقدح فيما يثبت بظاهر الحكم.

و لو مات المولى قبل التذكّر تعيّنت القرعة لليأس منه، ولكن لو ادّعى أحدهما أو هما على الوارث العلم حلف على نفيه كالمورّث. و ليس له أن يستوفي منهما و لا من أحدهما قبل القرعة و إن بذلا المال؛ لأنّ أحدهما برئ فأخذ المالين ظلم. و كذا القول في المورّث. و لو بذلا مالاً آخر بقدر المتخلّف أو الأكثر على تقدير الاختلاف ففي انعتاقهما بذلك وجهان، من وصول مال الكتابة إليه بأجمعه، و من أنّ شرطه أداء المكاتب و جاز في كلّ منهما أن يكون ما أدّى مال الكتابة. و يمكن أن يجعل بذلهما له و لو عيّن غير المؤدّي طريقاً إلى صحّة الأداء كما لو دفع المتبرّع. و هذا أجود.

ص: 481

العاشرة: • يجوز بيع مال الكتابة فإن أدّى المكاتب مال الكتابة انعتق. و إن كان مشروطاً فعجز و فسخ المولى رجع رقّاً لمولاه.

و اعلم أنّه يظهر من قول المصنّف«ثمّ يقرع بينهما» بعد قوله«و لو ادّعيا على المولى العلم كان القول قوله» أنّه يقرع بينهما في حياة المولى، و هو مخالف لقوله سابقاً «صبر عليه لرجاء التذكّر» إلّا أن يحمل على تصريحه بانتفاء الرجاء، وهو بعيد، ولا إشعار للّفظ به.

و قد صرّح الشيخ(1) و الجماعة(2) بعدم القرعة ما دام حيّاً ؛ لأنّ التذكّر مرجوّ.

و يمكن أن يحمل المولى في قوله«و لو ادّعيا على المولى» ما يشمل الوارث، و يكون قوله «ثمّ يقرع» مختصّاً بما بعد الموت مؤكّداً لقوله «استخرج بالقرعة». و على التقديرين فالعبارة ليست جيّدةً.

قوله:«يجوز بيع مال الكتابة فإن أدّى المكاتب مال الكتابة انعتق» إلى آخره.

المشهور بين الأصحاب جواز بيع مال الكتابة و نقله بغير البيع من سائر وجوه النقل؛ للأصل، خلافاً ، خلافاً للشيخ في المبسوط حيث منع منه؛ للنهي عن بيع ما لم يقبض(3)، و لأنّ النجوم لم تستقرّ ؛ لجواز تعجيز نفسه إمّا مطلقاً أو فى المشروط. و هو مذهب جماعة من العامّة(4).

و يضعّف بأنّ النهي تعلّق بما انتقل بالبيع لا بمطلق ما لم يقبض، حتّى أنّ العامّة رووا ذلك عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم(5)، وإنّما قاس من عدّاه منهم على البيع، و لمّا كان القياس عندنا ممتنعاً اختصّ

ص: 482


1- راجع المبسوط، ج 4، ص 71.
2- راجع المهذّب، ج 2، ص 378 ؛ و قواعد الأحكام، ج 3، ص 238 - 239؛ و تلخيص الخلاف، ج 3، ص 423 - 424، المسألة 24.
3- المبسوط، ج 4، ص 503، وسيأتي تخريج الحديث في الهامش 5.
4- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 448، المسألة8799؛ روضة الطالبين، ج 8، ص 518.
5- صحيح البخاري، ج 2، ص 747 ، ح 2017، و ص 748 ، ح 2019، و ص 750، ح 2025 و 2026 ، و ص 751، ح 2029؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 749، ح 2226 - 2227؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 5، ص 508 - 510 ، ح 10672 - 10679.

...

النهي بمورده. و نمنع جواز تعجيز نفسه مطلقاً؛ لما تقدّم من اختيار لزومها(1)

وإذا صحّ البيع لزم المكاتب دفع المال إلى المشتري، فإن أدّاه إليه عُتق كما لو أدّاه إلى المولى.

و لو لم يدفعه أجمع و كان مشروطاً فعجز و فسخ المولى رجع رقّاً لمولاه. و هل يبطل البيع ؟ يحتمله؛ لأنّ الفسخ يوجب رفع أثر الكتابة، و من ثَمّ رجع ولده رقّاً و تبعه كسبه؛ و العدم؛ لمصادفة الملك حال البيع فلايضرّه الفسخ الطارئ.

و على القول بعدم الصحّة لايجوز للمكاتب تسليم النجوم إلى المشتري، و لا للمشتري مطالبته بها، و يحصل العتق بدفعها إلى السيّد البائع.

و هل يحصل بتسليمها إلى المشتري ؟ قيل: نعم(2)؛ لأنّ السيّد سلّطه على القبض، فهو كما لو وكّل بالقبض وكيلاً. و أصحّهما - و هو اختيار الشيخ في المبسوط(3)، و الأكثر- المنع؛ لأنّه يقبض لنفسه حتّى لو تلف في يده يضمنه، بخلاف الوكيل فإنّه يقبض للموكّل.

و فصّل ثالث فقال: إن قال بعد البيع:«خذها منه» أو قال للمكاتب:«ادفعها إليه» صار وكيلاً و حصل العتق بقبضه، وإن اقتصر على البيع فلا؛لأنّه فاسد فلا عبرة بما يتضمّنه(4).

و ردّ بأنّه وإن صرّح بالإذن فإنّما يأذن بحكم المعاوضة لا أنّه يستنيبه(5).

و القولان الأوّلان للعلّامة في التحرير في موضعين من الكتابة(6).

ثمّ إن قلنا بعدم عتقه فالسيّد يطالب المكاتب و المكاتب يستردّ ما دفع إلى المشتري.

ص: 483


1- تقدّم في ص 442.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 239، الرقم 5735.
3- المبسوط، ج 4، ص 503.
4- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 274 ، الرقم 5794، قال فيه: و يحتمل العتق.
5- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 237.
6- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 239 ، الرقم 5735 ، وص 273 - 274، الرقم 5796.

. ويجوز بيع المشروط بعد عجزه مع الفسخ. و لايجوز بيع المطلق.

الحادية عشرة : • إذا زوّج بنته من مكاتبه ثمّ مات فملكته انفسخ النكاح بينهما.

فإن سلّمه المشتري إلى البائع لم یصحّ؛ لأنّه قبضه بغير إذن المكاتب، فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه.

و يحتمل الصحّة؛ نظراً إلى تعيين المكاتب إيَّاه لمال الكتابة بالدفع، و قد تقدّم إطلاق جواز تصرّف المولى في مال المكاتب(1) بما يتعلّق بالاستيفاء فهنا أولى. لكن لمّا كان الحقّ تقييد ذلك المطلق لم یصحّ هنا وإن عيّنه المكاتب؛ لأنّ تعيينه مبنيّ على المعاوضة كتسليمه إلى المشتري.

قوله:«ويجوز بيع المشروط بعد عجزه مع الفسخ و لايجوز بيع المطلق». لا إشكال في جواز بيع المشروط بعد العجز؛ لأنّ المولى يتسلّط على الفسخ فكان بيعه فسخاً، كما لو باع ذو الخيار أو باع المدبّر أو الموصى به أو نحو ذلك ممّا اشتمل على العقد الجائز، و لو تقدّم الفسخ البيع فالصحّة أوضح.

و أمّا المطلق فقد أطلق المصنّف و الجماعة(2) عدم صحّة بيعه.

و يجب تقييده بما إذا لم يبلغ حدّاً يجوز للمولى فسخ كتابته، فلو عجز عن الأداء بعد حلول المال و لم يمكن الوفاء عنه من سهم الرقاب جاز بيعه، كما يجوز فسخها حينئذٍ. و قد تقدّم(3).

قوله:«إذا زوّج بنته من مكاتبه ثمّ مات فملكته انفسخ النكاح بينهما».

لا فرق في ذلك بين المكاتب المشروط و المطلق؛ لأنّ الكتابة لم تخرجه عن أصل الرقّيّة وإن أخرجته عنها على بعض الوجوه كما عرفته مراراً.

ص: 484


1- تقدّم في ص 470.
2- منهم الشيخ في الخلاف، ج 6، ص 404، المسألة 34؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 411؛ و الصيمري في تلخيص الخلاف، ج 3، ص 426، المسألة 33.
3- تقدّم في ص 463.

الثانیّة عشرة: • إذا اختلف السيّد و المكاتب في مال الكتابة أو في المدّة أو في النجوم، فالقول قول السيّد مع يمينه و لو قيل: القول قول منكر زيادة المال و المدّة كان حسناً.

و خالف في ذلك ابن الجنيد فقال:«لو مات السيّد و ابنته تحت المكاتب الذي شرط عليه الرقّ عند عجزه منع من الوطء، و إن أدّى كانا على النكاح؛ لأنّها لم ترث من رقّیّته شيئاً، و إن عجز بطل النكاح، فإن كان ممّن يعتق بما أدّى بطل النكاح إذا حصل له أداء بعض الكتابة»(1)

هذا كلامه، و ما اختاره المصنّف مذهب الشيخ(2) و الأكثر، و هو الأظهر.

و احترز بقوله «فملكته» عمّا لو لم تكن وارثةً، بأن تكون قاتلةً أو كافرةً و هو كافر، فإنّ النكاح بحاله، و لو كان مطلقاً و قد أدّى بعض المال فالحكم بحاله؛ لأنّ ملك الزوجة بعضه يوجب بطلان النكاح.

قوله:«إذا اختلف السيّد و المكاتب في مال الكتابة أو في المدّة» إلى آخره.

المراد باختلافهما في المال اختلافهما في قدره، بأن قال:كاتبتك على ألفين، فقال: بل على ألف.

و بالمدّة الأجل، بأن قال إلى سنة، فقال المكاتب: بل إلى سنتين.

و بالنجوم أجزاء المدّة التي قسّط المال عليها و جعل لکلّ قسط أجلاً منها، بأن قال: جعلنا السنة التي هي الأجل المتّفق عليه - ثلاثة نجوم كلّ نجم أربعة أشهر بحيث يحلّ في کلّ نجم ثلث المال، فقال المكاتب: بل جعلناها نجمين بحيث يحلّ في کلّ نصف سنة نصف المال، ونحو ذلك.

أمّا لو كان اختلافهما في عدد النجوم أو قدرها موجباً للاختلاف في أصل المدّة كان

ص: 485


1- حكاه عنه العلّامة مختلف الشيعة، ج 8، ص 145 - 146، المسألة 107.
2- الخلاف، ج 6، ص 405، المسألة 35.

الثالثة عشرة: • إذا دفع مال الكتابة و حكم بحرّيّته فبان العوض معيباً، فإن رضى المولى فلا كلام، وإن ردّه بطل العتق المحكوم به؛ لأنّه مشروط بالعوض.

و لو تجدّد في العوض عيب لم يمنع من الردّ بالعيب الأوّل مع أرش الحادث. و قال الشيخ: يمنع و هو بعيد.

راجعاً إلى النزاع في المدّة، بأن اتّفقا على أنّ الأجل نجمان، ولكن ادّعى المولى أنّ کلّ نجم شهر، و ادّعى المكاتب أنّ كلّ نجم شهران، أو اتّفقا على أنّ النجم شهر، ولكن اختلفا في قدر النجوم، فقال المولى: إنّها نجمان، و ادّعى المكاتب أنّها ثلاثة، فهذا کلّه راجع إلى الاختلاف في المدّة. و الحكم في الجميع واحد، و هو تقديم قول السيّد؛ لأصالة عدم الزائد

عمّا يعترف به.

و أمّا وجه تقديم قوله في قدر المال؛ فلأنّ المكاتب يدّعي العتق بما يدّعيه من المقدار، و المولى يُنكره و الأصل بقاء الرقّ. و بهذا يحصل الفرق بين الكتابة و البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن أو المثمن، فإنّ الكتابة ليست معاوضةً حقيقةً؛ لأنّها معاملة على مال المولى بماله، و الأصل أن لايخرج ذلك عن ملكه إلّا برضاه؛ لأنّها أشبه بالتبرّع من شبهها بعقود المعاوضات.

و الأقوى ما اختاره المصنّف و الأكثر من تقديم قول من يُنكر الزيادة في المال و المدّة؛ التفاتاً إلى الأصل الشهير، و لأنّ المولى باعترافه بأصل الكتابة و استحقاقه العتق خرج عن أصالة بقاء ملكه على المكاتب و على ماله. ثمّ هو يدّعي زيادةً في ذمّة المكاتب، و هو ينكرها، فيكون قوله مقدّماً في ذلك.

قوله:«إذا دفع مال الكتابة و حكم بحرّيّته فبان العوض معيباً» إلى آخره.

قد تقرّر أنّ العوض في الكتابة لايكون إلّا ديناً. ثمّ مستحقّ الدين في ذمّة الغير إذا استوفاه فلم يجده على الصفة المشروطة فله ردّه وطلب ما يستحقّه، و لايرتفع العقد. ثمّ إن كان المقبوض من غير جنس حقّه لم يملكه، إلّا أن يعتاض من حيث يجوز الاعتياض.

وإن اطّلع على عيب نظر، إن رضي به فهل يملكه بالرضى، أو بالقبض وإنّما تأكّد الملك

ص: 486

...

بالرضى؟ فيه وجهان. و إن ردّه فهل نقول:ملكه بالقبض ثم انتقل الملك بالردّ، أو نقول: إذا ردّ تبيّن أنّه لم يملكه ؟ فيه قولان(1).

فهذه قاعدة كلّيّة حقّقناها في باب الصرف و يبنى عليها مسائل قد سبقت(2).

منها: أنّ عقد الصرف إذا ورد على موصوف في الذمّة و جرى التقابض و تفرّقا ثم وجد أحدهما بما قبض عيباً و ردّه، فإن قلنا إنّه ملك بالقبض صحّ العقد، وإن قلنا تبيّن أنّه لم يملك فالعقد فاسد؛ لأنّهما تفرّقا قبل التقابض.

و منها: إذا أسلم في جارية و قبض جاريته فوجد بها عيباً فردّها فهل على المسلم إليه استبراؤها؟ يبنى على هذا الخلاف فإن قلنا إنّه يملك بالقبض وجب الاستبراء؛ لأنّها رجعت إليه بملك جديد، وإن قلنا بعدم الملك فلا استبراء؛ لبقائها على الملك السابق.

إذا تقرّر ذلك فإذا وجد السيّد ببعض النجوم المقبوضة أو جميعها عيباً فله الخيار بين أن يرضى به، و بين أن يردّه و يطلب بدله. و لا فرق بين العيب اليسير و الفاحش عندنا. فإن رضي به فالعتق نافذ لا محالة، و يجعل رضاه بالمعيب كالإبراء عن بعض الحقّ. و هل يحصل العتق عند الرضى، أو حصل من وقت القبض؟ وجهان، أشبههما الثاني.

وإن أراد الردّ و الاستبدال فإن قلنا تبيّن بالردّ أنّ الملك لم يحصل بالقبض فالعتق غير

حاصل، فإن أدّى على الصفة المستحقّة بعد ذلك فحينئذٍ حصل العتق.

وإن قلنا يحصل الملك في المقبوض و بالردّ يرتفع فوجهان:

أحدهما: أنّ العتق كان حاصلاً إلّا أنّه كان بصفة الجواز، فإذا ردّ العوض ارتدّ.

و أصحّهما: أنّه تبيّن أنّ العتق لم يحصل؛ إذ العتق ليس من التصرّفات التي يتطرّق النقض إليها، فلو حصل لما ارتفع، و لايثبت العتق بصفة اللزوم إجماعاً.

ص: 487


1- من القائلين بالقول الثاني العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 79؛ والصيمري في غاية المرام، ج 3، ص 413 و لم نعثر على القائل بالقول الأوّل.
2- راجع ج 3، ص 258 - 259.

الرابعة عشرة: • إذا اجتمع على المكاتب ديون مع مال الكتابة، فإن كان ما في يده يقوم بالجميع فلا بحث. و إن عجز و كان مطلقاً تحاصّ فيه الديّان و المولى. و إن كان مشروطاً قدّم الدين؛ لأنّ في تقديمه حفظاً للحقّين.

و لو مات و كان مشروطاً بطلت الكتابة و دفع ما في يده في الديون خاصّة. و لو قصر قسّم بين الديّان بالحصص. و لايضمنه المولى؛ لأنّ الدين تعلّق بذلك المال فقط.

و لو طلب الأرش مع الرضى بالمعيب فله ذلك، و تبيّن حينئذٍ أنّه لم يقبض كمال النجوم، فإذا أدّاه حصل كمال العتق حينئذٍ. و إن عجز عنه و كانت مشروطةً فللسيّد استرقاقه، كما لو

عجز عن بعض النجوم.

و لو فرض تجدّد عيب في العوض الذي ظهر معيباً لم يمنع العيب الحادث في يد المولى الردّ بالعيب الأوّل مع أرش الحادث؛ لاستحقاقه الردّ أوّلاً فيستصحب، و العيب الحادث یجبر بالأرش، و لأنّها ليست معاوضةً حقيقةً؛ لأنّها معاوضة على مال المالك بماله، فليس لها حكم المعاوضات اللازمة؛ و لهذا إذا مات المكاتب أو عجز كان للمالك أخذ الكسب بلا عوض.

و قال الشيخ: يمنع العيب الحادث الردّ(1)؛ لأنّها معاوضة كالبيع، وهو بعيد؛ لما ذكرناه من خروجها عن حكم المعاوضات المحضة.

قوله:«إذا اجتمع على المكاتب ديون مع مال الكتابة - إلى قوله - تعلّق بذلك المال فقط». إذا اجتمع على المكاتب ديون غير مال الكتابة، فإمّا أن يكون للمولى أو لغيره أو لهما. ثمّ إمّا أن يفي ما في يده بها أو يقصر. ثمّ إمّا أن يكون مطلقاً أو مشروطاً. و باختلاف هذه الصور الاثني عشر تختلف الأحكام. فإن كان الدين للمولى بأن كان له مع النجوم دين معاملة على

ص: 488


1- المبسوط، ج 4، ص 472.

...

المكاتب أو أرش جناية عليه أو على ماله، فإن وفى ما في يده بها فلا بحث، و إلّا فإن تراضيا على تقديم الدين الآخر و تأخير النجوم فذاك، و إن تراضيا على تقديم النجوم عتق، ثمّ لا يسقط الدين الآخر فللسيّد مطالبته به.

و لو كان ما في يده وافياً بالنجوم و لم يف بها و بالدين الآخر، فإن أدّاها عن النجوم برضى السيّد فالحكم ما بيّناه. و للسيّد أن يمنعه من تقديم النجوم؛ لأنّه لايجد مرجعاً للدين، وإذا تقدّمت النجوم عتق، فيأخذ ما في يده عن الدين الآخر ثمّ يعجّزه. و هل له تعجيزه قبل أخذ ما في يده؟ وجهان، أحدهما: لا؛ لأنّه قادر على أداء النجوم، فما لم تخل يده عنها لايحصل العجز. و أوجههما: نعم؛ لأنّه يتمكّن من مطالبته بالدينين معاً و أخذ ما في يده عنهما،و حينئذٍ فيعجز عن قسط من النجوم.

و لو دفع المكاتب ما في يده و لم يتعرّضا للجهة، ثمّ قال: قصدت النجوم، و أنكر السيّد فالمصدّق المكاتب؛ لأنّه أعرف بقصده، كما لو كان عليه دينان بأحدهما رهن و أدّى أحدهما و ادّعى إرادة دين الرهن.

وإن كانت الديون لغير المولى أو لهما و لم يف ما في يده بها، فإن لم يحجر عليه بعد لعدم التماس الغرماء فله تقديم ما شاء من النجوم و غيرها، كالحرّ المعسر يقدّم ما شاء من الديون. ولكنّ الأولى أن يقدّم دين المعاملة، فإن فضل شيء جعله في الأرش، فإن فضل شيء جعله في النجوم. و سيظهر وجه هذا الترتيب.

و إن حجر الحاكم عليه تولّى قسمة ما في يده. و في كيفيّة القسمة وجهان:

أحدهما - و هو ظاهر اختيار المصنّف - قسمته على إقدار الديون من غير أن يقدّم بعضها على بعض؛ لأنّ جميع الديون متعلّق بما في يده. و الأقوى أنّ ما انفرد منها يقسّمه على إقدار

الديون.

و أجودهما أنّه يقدّم دين المعاملة؛ لأنّه يتعلّق بما في يده لا غير، و لأرش الجناية متعلّق

ص: 489

...

آخر و هو الرقبة، و كذلك حقّ السيّد بتقدير العجز يعود إلى الرقّيّة. ثم يقدّم أرش الجناية على النجوم؛ لأنّ الأرش مستقرّ و النجوم عرضة للسقوط إمّا باختيار المكاتب أو مع عجزه، و لأنّ حقّ المجنيّ عليه مقدّم على حقّ المالك في القنّ فكذا المكاتب.

هذا إذا كان مطلقاً. و لو كان مشروطاً قدّم الدين على النجوم؛ لأنّ في تقديمه جمعاً بين الحقّين.

و لو كان للمولى معهم دين معاملة ففي مساواته لمال الكتابة أو لدين الأجانب وجهان، أظهرهما الثاني؛ لأنّه إذا سقط لم يكن له بدل كديون الغرماء، بخلاف دين النجوم، فإنّه إذا سقط عاد المولى إلى الرقبة. و وجه الأوّل أنّ ديون السيّد ضعيفة؛ لأنّها عرضة للسقوط بالتعجيز. و يبقى في التسوية بين الديون أو تقديم دين المعاملة ما سبق.

و لو مات المكاتب قبل أن يقسّم ما في يده و كان مشروطاً انفسخت الكتابة و سقطت النجوم. و في سقوط دين أرش الجناية وجهان:

أحدهما - و به قال الشيخ(1)- يسقط أيضاً؛ لأنّه يتعلّق بالرقبة و قد تلفت، و تعلّقها بما في يده بحكم الكتابة، فإذا بطلت الكتابة بطل ذلك التعلّق. و على هذا يتعيّن صرف ما خلّفه إلى ديون المعاملات.

و الثاني:أنّه يتعلّق بالمال؛ استصحاباً لحالة الكتابة، و لفوات المحلّ، مع كونه أقوى من دين المعاملة. و على هذا فإن سوّينا بينهما في صورة التعجيز فهنا أولى، وإن قلنا بالترتيب احتمل بقاؤه؛ استصحاباً لما كان في حال الحياة. و الأظهر التسوية؛ لأنّ الدينين متعلّقان بما خلّفه، و تأخّر الأرش في الحياة كان لتوقّع توفيره و قد بطل ذلك التوقّع. و على التقديرين لايضمن المولى ما فات من الدين؛ لأنّ تعلّقه بمال المكاتب.

ص: 490


1- المبسوط، ج 4، ص 516.

الخامسة عشرة: • يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقى حرّاً أو رقّاً له. و منعه الشيخ. و لو كان الباقي رقّاً لغيره فأذن صحّ. و إن لم يأذن بطلت الكتابة؛ لأنّها تتضمّن ضرر الشريك، و لأنّ الكتابة ثمرتها الاكتساب، و مع الشركة لايتمكّن من التصرّف.

و اعلم أنّه على تقدير التحاصّ فى ماله حيّاً و بقاء النجوم أو بعضها فللسيّد تعجيزه إن كان مشروطاً أو مطلقاً مع اليأس من الوفاء كما مرّ.

و إن بقيت الأروش أو بعضها فلمستحقّ الأرش تعجيزه أيضاً لتباع رقبته في حقّه. ولكن لايعجزه بنفسه ؛ لأنّه لم يعقد حتى يفسخ ، ولكن يرفع أمره إلى الحاكم حتّى يعجّزه.

و لو أراد المولى أن يفديه و تبقى الكتابة، ففى وجوب القبول وجهان، من أنّه رقيق المولى في الجملة و له غرض في إتمام انعتاقه و في استيفائه لنفسه إن لم يتمّ فيمكن من الفداء، و من أنّ المولى إنّما يفدي إذا تعلّق الأرش بالرقبة و هذا لايتحقّق ما دامت الكتابة باقيةً. و أمّا صاحب دين المعاملة فليس له التعجيز؛ لأنّ حقّه لايتعلّق بالرقبة.

قوله:«يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرّاً أو رقّاً له. و منعه الشيخ. و لو كان الباقي رقّاً لغيره فأذن صحّ» إلى آخره.

إذا كاتب بعض العبد فإمّا أن يكون باقيه حرّاً، و لا إشكال في صحّة الكتابة؛ لأنّها استغرقت الرقيق منه فأفادته الاستقلال. و إمّا أن يكون باقيه أو بعض الباقي رقيقاً، فالقدر الرقيق إمّا أن يكون له أو لغيره. فإن كان له فالمصنّف (رحمه الله) و الأكثر - و منهم الشيخ في الخلاف(1) - على الجواز؛ للأصل، و عموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم:«الناس مسلّطون على أموالهم»(2) و لأنّ

ص: 491


1- الخلاف، ج 1، ص 390، المسألة 14.
2- أورده الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177 ، المسألة 290؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 248. ذيل المسألة 218؛ و ج 6، ص 240، المسألة 10.

...

بيع نصيبه و عتقه جائزان و الكتابة لاتنفكّ عنهما.

و قال الشيخ في المبسوط:لایصحّ(1)؛ لأنّ الكتابة يلزمها رفع الحجر عن المكاتب في جهات الاكتساب و ما يتوقّف عليه كالسفر، و ينفرد بما يدفع إليه من سهم المكاتبين من الزكاة، و هو غير ممكن هنا؛ لتوقّف السفر و التكسّب على إذن السيّد، و يشاركه فيما يدفع إليه من سهم المكاتبين من الزكاة؛ لأنّه كسبه.

و أُجيب(2) بأنّ المنع من السفر و الاكتساب يرتفع بالمهايأة كارتفاعه عن الشريكين. و يمنع مشاركته في سهم المكاتبين من الزكاة؛ لأنّه إنّما يدفع لجهة الكتابة، و لأنّه لايملك النصيب بل يدفعه في كتابته.

و إن كان الباقي لغيره فإن لم يأذن الشريك لم یصحّ؛ لعدم الاستقلال، و لأنّ نصيب الشريك يتبعّض فيتضرّر.

وإن كان بإذنه ففي الصحّة قولان:

أحدهما - و هو الذي جزم به المصنّف - الصحّة؛ لأنّه يستقلّ في البعض المكاتب عليه و إذا جاز إفراد البعض بالإعتاق جاز إفراده بالعقد المفضي إلى العتق.

و الثاني: العدم؛ لما تقدّم من أنّ الشريك يمنعه من التردّد و المسافرة و لايمكن صرف سهم المكاتبين إليه.

و الأقوى الجواز و إن لم يأذن، بتقريب ما سلف حجّة و جواباً. و القولان للشيخ في الخلاف(3) و المبسوط(4).

ص: 492


1- المبسوط، ج 4، ص 473 - 474.
2- المجيب هو فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 594.
3- الخلاف، ج 6، ص 401، المسألة 28.
4- المبسوط، ج 4، ص 475.

اللواحق

اشارة

و أما اللواحق

فتشتمل على مقاصد:

المقصد الأوّل في لواحق تصرّفاته

و قد بيّنا أنّه لايجوز أن يتصرّف بما ينافي الاكتساب - من هبة أو محاباة أو إقراض أو إعتاق - إلّا بإذن مولاه. و كما یصحّ أن يهب من الأجنبي بإذن المولى، فكذا هبته لمولاه.

و نريد ان نلحق هنا مسائل:

الأولى: • المراد من الكتابة تحصيل العتق، و إنّما يتمّ بإطلاق التصرّف في وجوه الاكتساب. فیصحّ أن يبيع من مولاه و من غيره، و أن يشتري منه و من غيره.

و يتوخّى ما فيه الغبطة في معاوضاته فيبيع بالحالّ لا بالمؤجّل، إلّا أن يسمح المشتري بزيادة عن الثمن، فيعجّل مقدار الثمن و يؤخّر الزيادة. أمّا هو فإذا ابتاع بالدين جاز. و كذا إن استسلف و ليس له أن يرهن؛ لأنّه لا حظّ له، و ربما تلف منه. و كذا ليس له أن يدفع قراضاً.

قوله:«المراد من الكتابة تحصيل العتق، و إنّما يتمّ بإطلاق التصرّف في وجوه الاكتساب.

فیصحّ أن يبيع من مولاه و من غيره» إلى آخره.

المكاتب كالحرّ في معظم التصرّفات، فيبيع و يشتري و يؤجر و يستأجر، و يأخذ بالشفعة، و يقبل الهبة و الصدقة، و يصطاد و يحتطب، و يؤدّب عبيده إصلاحاً للمال، كما يفصدهم

و يحتقنهم.

ص: 493

...

و لیصحّ منه التصرّفات التي فيها تبرّع أو خطر؛ لأنّ المقصود تحصيل العتق فيحتاط له، و لأنّ حقّ السيّد غير منقطع عمّا في يده، فإنّه قد يعجز فيعود إلى الرقّ. هذا هو القول الجملي(1)، وفي التفصيل صور قد تقدّم منها حكم بيعه و عتقه و هبته و إقراضه، و ما تقرّر من ذلك.

و لا فرق في البيع و الشراء بين وقوعهما مع سيّده و أجنبي؛ لاشتراكهما في المقتضي. و لمّا كان الواجب عليه تحرّي ما فيه الغبطة و مظنّة الاكتساب فعليه أن يبيع بالحالّ لا بالمؤجّل؛ لأنّ إخراج المال عن اليد بلا عوض في الحال تبرّع و مشتمل على خطر، سواء باع بمثل قيمته أم أكثر، و سواء استوثق بالرهن و الكفيل أم لا؛ لأنّ الكفيل قد يفلس و الرهن قد يتلف. نعم، يجوز أن يبيع ما يساوي مائة بمائة نقداً و بمائة نسيئةً.

و يجوز أن يشتري نسيئةً بثمن النقد و لايرهن به، فإنّه قد يتلف. و إن اشتراه بثمن النسيئة ففي جوازه وجهان، من اشتماله على التبرّع، ومن عدم الغبن.

و فرّقوا بين المكاتب و بين الوليّ حيث يبيع مال الطفل نسيئةً و يرتهن للحاجة أو المصلحة الظاهرة، فإنّ المراعى هناك مصلحة الطفل و الوليّ منصوب لينظر له، و ها هنا المطلوب العتق و المرعيّ مصلحة السيّد، و المكاتب غير منصوب لينظر له.

و ربما قيل بمساواته للوليّ في مراعاة المصلحة، خصوصاً مع دعاء الضرورة إلى البيع

و الرهن كما في وقت النهب؛ لما فيه من حفظ المال.

و متى باع أو اشترى لم يسلّم ما في يده حتّى يتسلّم العوض؛ لأنّ رفع اليد عن المال بلا عوض لايخلو عن غرر؛ و لذلك ليس له السلم؛ لأنّ مقتضاه تسليم رأس المال في المجلس و انتظار المسلم فيه، سيّما إذا كان الثمن مؤجّلاً. و مثله دفع المال قراضاً. و له أن يأخذه لأنّه نوع تكسّب

ص: 494


1- في بعض النسخ: «المجمل» بدل «الجملي».

الثانیّة • إذا كان للمكاتب على مولاه مال و حلّ نجم، فإن كان المالان متساويين جنساً و وصفاً تهاترا. و لو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل. و إن كانا مختلفين لم يحصل التقاصّ إلّا برضاهما. و هكذا حكم كلّ غريمين.

و إذا تراضيا كفى ذلك و لو لم يقبض الذي له ثمّ يعيده عوضاً، سواء كان المال أثماناً أو أعواضاً، و فيه قول آخر بالتفصيل.

قوله:«إذا كان للمكاتب على مولاه مال و حلّ نجم، فإن كان المالان متساويين جنساً و وصفاً» إلى آخره.

المولى في معاملة المكاتب كالأجنبي مع الأجنبي في الأحكام، فإذا ثبت للمكاتب دين على مولاه عن معاملة، و كان للمولى عليه النجوم أو دين معاملة، ففي التقاصّ تفصيل و اختلاف لايختصّ بالمولى و المكاتب.

و جملة القول فيه أنّه إذا ثبت لشخص على آخر دين، و للآخر دين على الأوّل، فإن اتّحد الجنس و الصفة فالمقاصّة قهريّة، سواء كانا نقدين أو عرضين مثليّين، و إن اختلف الجنس أو الوصف و لو بالحلول و التأجيل أو اختلاف الأجل أو كانا قيمیّين اعتبر التراضي، و لايفتقر معه إلى قبضهما و لا إلى قبض أحدهما. و كذا لو كان أحدهما نقداً و الآخر عرضاً. و التفصيل الذي أشار إليه المصنّف (رحمه الله) للشيخ في المبسوط. و محصّله:«أنّ الدينين إن كانا نقدين قبض أحدهما و دفعه عن الآخر، وإن كانا عرضين فلا بدّ من قبضهما، وإن كان أحدهما نقداً فقبض العرض ثمّ دفعه عن النقد جاز، دون العكس»(1).

وكأنّ الشيخ يجعل المقاصّة بيعاً، فيلحقها أحكامه من بيع الدين بالدين، و بيع العرض قبل القبض و غيرهما.

ص: 495


1- المبسوط، ج 4، ص 501 - 502.

الثالثة • إذا اشترى أباه بغير إذن مولاه لم یصحّ. و إن أذن له صحّ. و كذا لو أُوصي له به و لم يكن في قبوله ضرر، بأن يكون مكتسباً يستغني بكسبه. و إذا قبله فإن أدّى مال الكتابة عتق المكاتب و عتق الآخر مع عتقه، و إن عجز ففسخ المولى استرقّهما. و في استرقاق الأب تردّد.

قوله:«إذا اشترى أباه بغير إذن مولاه لم یصحّ - إلى قوله - و في استرقاق الأب تردّد».

لمّا كان تصرّف المكاتب مشروطاً بالغبطة و ما فيه الاكتساب لم یصحّ أن يشتري من ينعتق عليه من أب و ابن و غيرهما بغير إذن المولى؛ لما فيه من تفويت المال بالعتق.

و ربما قيل بالجواز؛ لأنّه اشترى مملوكاً لا ضرر على المولى في شرائه(1)؛ و لهذا كان كسبه له، وإن عاد المكاتب في الرقّ عاد المملوك المشترى كالأجنبي.

و هو ضعيف؛ لأنّ صرف المال في ثمنه مع عدم جواز بيعه و التكسّب به غير سائغ له وإن لم يعتق في الحال.

و لو وهب منه أو أوصى له به فإن لم يقدر على التكسّب لصغر أو زمانة و عجز و كان يلزمه نفقته لم يجزئ له قبوله؛ لأنّ نفقته تلزم المكاتب من حيث هو مملوكه وإن لم تجب عليه نفقة القريب. و إن كان كسوباً يقوم بكفاية نفسه جاز قبوله، بل ربما استحبّ؛ لأنّه لا ضرر عليه في القبول. ثمّ لايعتق عليه، لأنّ ملكه ضعيف، و إنّما يعتق بعتقه و يرقّ برقّه. و ليس له بيعه. و تكون نفقته في كسبه، فإن فضل منه فضل كان للمكاتب [أن] يستعين به في أداء النجوم؛ لأنّه بمنزلة المملوك. فإن مرض أو عجز أنفق المكاتب عليه؛ لأنّه من صلاح ملكه، وليس هذا كالإنفاق على أقاربه الأحرار حيث يمنع منه، لأنّ ذلك مبنيّ على المواساة.

ص: 496


1- نسبه إلى القيل أيضاً فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 613.

الرابعة : • إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له أن يفتكّه بالأرش، إلّا أن يكون فيه الغبطة له.

و لو كان المملوك أب المكاتب لم يكن له افتكاكه بالأرش و لو قصر عن قيمة الأب؛ لأنّه يتعجّل بإتلاف مال له التصرّف فيه، و يستبقى ما لاينتفع به؛ لأنّه لايتصرّف في أبيه. و في هذا تردّد.

و المصنّف(رحمه الله) تردّد في استرقاق القريب إذا استرقّ المكاتب، و وجه التردّد ما ذكرناه، و من تشبّثه بالحرّيّة بجريانه في ملك ولده. و هذا وجه ضعيف. و لم يذكر غيره في المسألة احتمالاً. و الوجه القطع بتبعيّته له في الاسترقاق و الانعتاق.

قوله:« إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له أن يفتكّه بالأرش» إلى آخره.

يتحقّق الغبطة بقصور الأرش عن قيمته فيفضل له ما ينتفع به، و كذا لو استغرقت قیمته، ولكن كانت عينه تشتمل على منفعة تعود على المكاتب في ماليّته بكسب و غيره.

و الفرق بين قريبه و عبده حيث جاز فداء العبد دونه أنّ الرقبة تبقى له فيصرفها في النجوم بخلاف القريب، فإنّ ما يفكّه به محض إتلاف معجّل للمال في مقابلة ما لاينتفع بماليّته؛ لأنّه لايجوز له التصرّف في رقبته ببيع و لا غيره، بل أمره موقوف كما مرّ.

و المصنّف تردّد في جواز فكّه و وجه التردّد ممّا ذكرناه، و من إمكان الاستعانة بثمنه كما مرّ على تقدير شرائه(1).

و بالجملة فالإشكال هنا يرجع إلى الإشكال في جواز شرائه و عدمه، فإن أجزناه فداه و إلّا فلا.

ص: 497


1- مرّ في ص 496.
المقصد الثاني في جناية المكاتب و الجناية عليه

و فيه قسمان:

الأوّل في مسائل المشروط، و هي سبع:

الأولى: • إذا جنى المكاتب على مولاه عمداً فإن كانت نفساً فالقصاص للوارث، فإن اقتصّ كان كما لو مات. و إن كانت طرفاً فالقصاص للمولى، فإن اقتصّ فالكتابة بحالها.

وإن كانت الجناية خطأ فهي تتعلّق برقبته، و له أن يفدي نفسه بالأرش؛ لأنّ ذلك يتعلّق بمصلحته. فإن كان ما بيده بقدر الحقّين فمع الأداء ينعتق، و إن قصر دفع أرش الجناية، فإن ظهر عجزه كان لمولاه فسخ الكتابة.

و إن لم يكن له مال أصلاً و عجز فإن فسخ المولى سقط الأرش؛ لأنّه لايثبت للمولى في ذمّة المملوك مال، و سقط مال الكتابة بالفسخ.

قوله:«إذا جنى المكاتب على مولاه عمداً فإن كانت نفساً فالقصاص للوارث، فإن اقتصّ كان كما لو مات» إلى آخره.

إذا جنى المكاتب على مولاه فإمّا أن يكون متعلّق الجناية نفساً أو ما دونها. و على التقديرين إمّا أن يكون عمداً أو خطاً. فإن كانت على نفسه عمداً فالقصاص للوارث، فإن اقتصّ بطلت الكتابة كما لو مات. وإن عفا على مال أو كانت الجناية توجب المال تعلّق الواجب بما في يده؛ لأنّ المولى مع المكاتب في المعاملات كالأجنبي مع الأجنبي، فكذلك في الجناية. و ما الذي يلزم المكاتب الأرش بالغاً ما بلغ، أو الأقلّ منه و من قيمته؟ قولان، من عموم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم :«لا يجني الجاني على أكثر

ص: 498

...

من نفسه»(1)، فلو طولب بالزيادة لزم جنايته على أكثر من نفسه(2)، و من أنّه كالحرّ في المطالبة ما دامت المكاتبة باقيةً خصوصاً بالنسبة إلى المولى؛ لأنّ رقّه يمنع استحقاق المولى مطالبته بمال الجناية، فلو لم يعتبر فيه مناسبة الحرّ لم يمكن الحكم باستحقاق المولى الأرش. و هو ظاهر اختيار المصنّف حيث أطلق الأرش(3). و الأقوى الأوّل.

ثمّ إن وفى ما في يده بالأرش و مال الكتابة و فى الحقّين و عتق. وإن قصر عنهما أو لم يكن في يده شيء و عجّزه المولى سقط الأرش؛ إذ لايثبت للمولى على مملوكه دين، بخلاف ما إذا عجّزه الأجنبي، فإنّ الأرش يتعلّق برقبته.

و لو أعتق المولى المكاتب بعد جنايته عليه أو أبرأه من النجوم، فإن لم يكن في يده شيء سقط الأرش؛ لأنّه أزال الملك عن الرقبة التي كانت متعلّق الأرش باختياره و لا مال غيرها.

و فيه وجه آخر أنّه لايسقط؛ لاستقلال المكاتب، و ثبوت حقّ المولى في ذمّته، و لأنّ العتق يولد(4) إمكان تعلّق دين المولى به، بخلاف الرقبة فإنّها تنافيه، و الكتابة المتوسّطة بينهما تصحّح ثبوت دين المولى فالحرّيّة أولى.

و إن كان في يده مال ففي تعلّق الأرش به وجهان: أحدهما: المنع؛ لأنّ الأرش كان متعلّقاً بالرقبة و قد تلفت و أظهرهما: التعلّق. و التوجيه المذكور ممنوع، بل الأرش متعلّق بالرقبة و بما في يده.

ص: 499


1- تهذيب الأحكام، ج 10، ص 182، ح 712؛ الاستبصار، ج 4، ص 267، ح 1008، و فيهما عن أبي عبد الله علیه السلام: و عن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسند أحمد، ج 4، ص 557، ح 15634؛ و سنن ابن ماجة، ج 2، ص 890 ، ح 2669، بتفاوت.
2- ذهب إليه يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 412؛ و العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 241، الرقم 5750.
3- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 520 - 521؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 249؛ و الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 204 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10).
4- في «م»: «يؤكّد» بدل «يولد»

الثانیّة: • إذا جنى على أجنبي عمداً فإن عفا فالكتابة بحالها. و إن كانت الجناية نفساً و اقتصّ الوارث كان كما لو مات. و إن كان خطأً كان له فكّ نفسه بأرش الجناية. و لو لم يكن معه مال فللأجنبي بيعه في أرش الجناية، إلّا أن يفديه السيّد، فإن فداه فالكتابة بحالها.

و لو أدّى النجوم فعتق لم يسقط الأرش قطعاً، كما لو جنى على أجنبي و أدّى النجوم

و عتق و لو كانت الجناية على طرف المولى فله القصاص، كما لو جنى على مملوكه.

قوله: «إذا جنى على أجنبي عمداً، إلى آخره.

إذا كانت جنايته على أجنبي فحكمها إن أوجبت القصاص و استوفاه المستحقّ كالسابق؛ لفوات المحلّ. و إن عفا أو أوجبت مالاً أو كانت دون النفس نظر إن كان في يده مال طولب به ممّا في يده. و في وجوب أرش الجناية أو الأقلّ منها و من القيمة ما تقدّم(1)، و أولى بالاكتفاء بالأقلّ هنا؛ لأنّ الأرش يتعلّق برقبته وإن استرقّه المولى بخلاف ما لو كانت على المولى، فمراعاة جانب الحرّيّة ثمّ أقوى، و مراعاة جانب القنّ هنا أقوى.

و إن لم يكن في يده مال و طلب مستحقّ الأرش تعجيزه عجّزه الحاكم، ثمّ يباع كلّه في الجناية إن استغرق الأرش قيمته، و إلّا فيباع منه بقدر الأرش، و تبقى الكتابة في الباقي، فإذا أدّى حصّته من النجوم عتق ذلك القدر.

و لو أراد المولى أن يفديه من ماله و يستديم الكتابة فله ذلك، و على مستحقّ الأرش قبوله إن كانت الجناية خطأً، و إن كانت عمداً فالتخيير للمجنيّ عليه كالقنّ.

و على تقدير اختياره فداءه لايلزمه الاستمرار عليه، بل له أن يرجع عن اختياره و يسلّمه للبيع، إلّا إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه فيكون التزاماً بالفداء؛ لأنّه فوّت بالإعتاق و البيع و التأخير متعلّق حقّ المجنيّ عليه.

و لو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم فعليه ضمان الجناية، و لايلزم المولى فداه و إن كان هو القابض للنجوم؛ لأنّه يجبر على قبولها فالحوالة على المكاتب أولى.

ص: 500


1- تقدّم قُبَيل هذا.

الثالثة: • لو جنى عبد المكاتب خطأً كان للمكاتب فكّه بالأرش، إن كان دون قيمة العبد و إن كان أكثر لم يكن له ذلك، كما ليس له أن يبتاع بزيادة عن ثمن المثل.

قوله: «لو جنى عبد المكاتب خطأً كان للمكاتب فكّه بالأرش» إلى آخره.

إذا جنى عبد المكاتب، فإمّا أن يجني على أجنبي، أو على سيّده و هو المكاتب، أو على

سيّد سيّده، فهنا أقسام:

الأوّل: أن يجني على أجنبي، فإن كان عمداً و هو مكافئ فله القصاص، فإن عفا المستحقّ على المال أو كانت الجناية موجبةً للمال تعلّق برقبته يباع فيه، إلّا أن يفديه المكاتب. و هل يفديه بالأرش أو بالأقلّ منه ومن قيمته ؟ القولان. فإن قلنا بالأوّل(1)- و هو ظاهر اختيار المصنّف - فإن كان الأرش قدر قيمته أو أقلّ فللمكاتب الاستقلال به، و إن كان أكثر لم يستقلّ به كما لايستقل بالتبرّعات.

ثمّ الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية؛ لأنّه يوم تعلّق الأرش بالرقبة، و فيه وجه آخر: أنّه يعتبر قيمة يوم الاندمال، بناءً على أنّه وقت المطالبة بالمال و ثالث: و هو اعتبارها يوم الفداء؛ لأنّ المكاتب إنّما يمنع من بيعه و يستديم الملك فيه يومئذٍ. و رابع: و هو اعتبار أقلّ القيمتين من يوم الجناية ويوم الفداء، احتياطاً للمكاتب، و إيفاء للمال عليه. و الأوجه آتية في قيمة المكاتب نفسه إذا اعتبرت قيمته.

هذا في عبد المكاتب الّذي لايتكاتب عليه. فأمّا من يتكاتب عليه و يتبعه فيها كولده من أمته، و كما لو وهب منه ولده أو والده حيث يجوز له القبول - فليس له أن يفديه بغير إذن السيّد؛ لأنّ فداه كشرائه.

الثاني: أن يجني على سيّده فله القصاص و لايحتاج إلى إذن السيّد، فإن كانت الجناية خطأً أو عفا على مال لم يجب؛ إذ لايثبت للمولى على عبده مال.

الثالث: أن يجني على سيّد سيّده، فهو كما لو جني على أجنبي فيباع في الأرش إلّا أن يفديه المكاتب، و بقي من أحكام جناية عبده أقسام أخر تأتي.

ص: 501


1- القول للشيخ في المبسوط، ج 4، ص 513.

الرابعة: • إذا جنى على جماعة فإن كان عمداً كان لهم القصاص، و إن كان خطاً كان لهم الأرش متعلّقاً برقبته. فإن كان ما في يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته، و إن لم يكن له مال تساووا في قيمته بالحصص.

الخامسة: • إذا كان للمكاتب أب و هو رقّه فقتل عبداً له لم يكن له القصاص، كما لايقتصّ منه في قتل الولد.

ولو كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض جاز له الاقتصاص؛ حسماً لمادّة التوثّب.

قوله: «إذا جنى على جماعة فإن كان عمداً كان لهم القصاص» إلى آخره.

هذه من جملة أقسام المسألة الثانیّة، وهي جناية المكاتب على أجنبي، فإذا كانت جنايته على جماعة، فإن كان عمداً و كانت الجناية عليهم دفعةً، بأن قتل اثنين فصاعداً بضربة واحدة أو هدم عليهم جداراً فلهم القصاص جميعاً، و الأرش في الخطإ و ما يوجب مالاً. فإن كان ما في يده يفي بالجميع فله الفكّ، و إلّا تساووا في قيمته بالحصص.

هذا إن أوجبنا الأُروش بالغةً ما بلغت، و إن أو جبنا الأقلّ من أروش الجنايات كلّها و من قيمته تحاصّوا فيه بالنسبة. و يستوي الأوّل و الأخير في الأروش.

و في القصاص مع التعاقب قولان أظهرهما مساواته للأرش، فيشترك الجميع فيه ما لم يحكم به لأولياء الأوّل، فيكون لمن بعده. و سيأتي تحقيقه في محلّه إن شاء الله(1).

و لو عفا بعضهم قسّم على الباقين و لو كان بعضها يوجب القصاص استوفى و سقط حقّ الباقين، فلو عفا على مال شارك. و لو أعتقه المولى أو أبرأه من النجوم فعليه أن يفديه كما سبق. و إن أدّى النجوم و عتق فضمان الجناية عليه. و في الذي يلزمهما من الأرش و الأقلّ القولان.

قوله: «إذا كان للمكاتب أب و هو رقّه فقتل عبداً له» إلى آخره.

ص: 502


1- يأتي في ج 12، ص 423.

السادسة: • إذا قتل المكاتب فهو كما لو مات، و إن جني على طرفه عمداً و كان الجاني هو المولى فلا قصاص و عليه الأرش. و كذا إن كان أجنبيّاً حراً. و إن كان مملوكاً ثبت القصاص.

و كلّ موضع يثبت فيه الأرش فهو للمكاتب؛ لأنّه من كسبه.

هنا مسألتان:

الأولى: إذا كان في جملة عبيده أبوه فقتل عبداً له لم يكن للمكاتب الاقتصاص منه؛ لأنّه لو قتل ولده لم يكن له قصاص، فأولى أن لايثبت للولد قصاص على الوالد في قتل عبده. و لو كان فيهم ابنه فقتل عبداً له فله أن يقتصّ منه.

و هل له أن يبيع أباه و ابنه إذا كانا في ملكه و جنيا على عبد آخر له جنايةً موجبها المال؟ فيه وجهان، أظهرهما العدم؛ لأنّه لايثبت له على عبده مال، و الأصل منع بيع الوالد. و وجه الجواز أنّه يستفيد به حصول أرش الجناية، و يخالف غير أبيه و ابنه من عبيده، فإن تعلّق الأرش به لايفيده شيئاً، فإنّه كان لايملك(1) بيعه قبل الجناية.

الثانیّة: إذا جنى بعض عبيده على بعض فله أن يقتصّ فيما يوجب القصاص؛ لأنّه من

مصالح الملك و لايحتاج فيه إلى إذن السيّد. و فيه وجه ضعيف بتوقّفه على إذنه.

و لو كانت جناية بعض عبيده على بعض خطاً فلا شيء له؛ لأنّه لايثبت له على ماله مال. و يخالف العبد في ذلك حكم المكاتب، حيث تقدّم أن له أن يفدي نفسه من سيّده بالأرش لو كان هو الجاني(2). و الفرق أنّ المكاتب خرج عن محض الرقّيّة و صار له ذمّة، بخلاف القنّ المحض، فإنّه لا ذمّة له بالنسبة إلى المولى.

قوله: «إذا قتل المكاتب فهو كما لو مات» إلى آخره.

الجناية على المكاتب إمّا أن يكون على نفسه أو على ما دونها. ففي الثاني له القصاص إن كانت توجبه و ليس للسيّد منعه كالمريض يقتصّ و لايعترض عليه الورثة، و المفلس

ص: 503


1- ما أثبتناه من «خ»، وفي سائر النسخ: «كان يملك» بدل «كان لا يملك».
2- تقدّم في ص 498 - 499.

...

يقتصّ و لايعترض عليه الغرماء. و فيه احتمال بالمنع؛ لأنّه قد يعجّز نفسه فيعود إلى المولى مقطوع اليد - مثلاً - بلا جابر.

و على الأوّل فإن اقتصّ فذاك، و إن عفا على مال ثبت المال، لكن لو كان المال دون أرش الجناية أو عفا مجّاناً ففي نفوذه بغير إذن المولى وجهان، أصحّهما النفوذ، بناءً على أنّ موجب العمد القصاص لا المال. و إن كانت الجناية موجبةً للمال لم یصحّ عفوه بدون إذن المولى. و إن عفا بإذنه ففيه القولان السابقان.

و حيث يثبت المال لما دون النفس فهو للمكاتب يستعين به على أداء النجوم؛ لأنّه يتعلّق بعضو من أعضائه، فهو كالمهر تستحقّه المكاتبة، و لأنّ كسبه له، و هو عوض ما تعطّل من كسبه بقطع العوض و ما في معناه.

و إن كانت نفساً بطلت الكتابة و يموت رقيقاً.

ثمّ إن كان القاتل المولى فليس عليه إلا الكفّارة. و إن قتله أجنبي فللمولى القصاص مع المكافأة أو القيمة و له كسبه بطريق الملك لا الإرث.

و لو كان القتل بسراية الجرح، فإن كان قبل أن يعتق و قد أدّى أرش الجرح إلى المكاتب أكمل القيمة للمولى، و إلّا دفع إليه تمام القيمة. و إن كان الجاني المولى سقط فيه الضمان

و أخذ كسبه.

و إن كانت السراية بعد ما عتق بأداء النجوم، فإن كان الجاني أجنبيّاً فعليه تمام الدية؛ لأنّ الاعتبار في الضمان بحالة الاستقرار، و يكون ذلك لمن يرثه من أقاربه، فإن لم يكونوا فالمولى بالولاء إن ثبت به.

و إن كان الجاني المولى فعليه تمام الدية أيضاً، بخلاف ما لو جرح عبده القنّ ثمّ أعتقه و مات قبل السراية حيث لا ضمان؛ لأنّ ابتداء الجناية غير مضمون هنا و ها هنا ابتداؤها مضمون.

و لو حصل العتق بالتقاصّ، بأن كان قد جنى على طرفه و وافق أرش الجناية مال الكتابة جنساً و وصفاً فالحكم كما لو حصل العتق بالأداء. و لايمنع من التقاصّ كون الدية إبلاً؛ فإنّ

ص: 504

السابعة • إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمداً فأراد الاقتصاص فللمولى منعه. و لو كان خطأً فأراد الأرش لم يملك منعه؛ لأنّه بمنزلة الاكتساب. و لو أراد الإبراء توقّف على رضى السيّد.

. و أمّا المطلق فإذا أدّى من مكاتبته شيئاً تحرّر منه بحسابه فإن جنى هذا المكاتب - و قد تحرّر منه شيء - جناية عمداً على حرّ اقتصّ منه. و لو جنى على

الواجب في الابتداء نصف القيمة في مثل اليد و التقاصّ حينئذٍ يحصل، ثمّ إذا سرت الجناية بعد العتق فيجب الفاضل من الإبل. و إذا عفا المكاتب عن المال و لم یصحّح(1) عفوه على ما فضل ثمّ عتق قبل أخذ المال فهل له أخذه؟ وجهان، أصحّهما نعم؛ لأنّ عفوه كان لاغياً، و وجه العدم أنّ المانع كان حقّ غيره و قد زال، كما لو باع مال غيره فضولاً ثمّ ملكه، و أولى بالصحّة هنا؛ لأنّ الأرش ملكه، فأشبه تصرّف المفلس زمن الحجر. و في بطلانها أو وقوفها وجهان سبقا.

و لو كان الجاني على طرف المكاتب عبده فله القصاص. و لو كانت الجناية خطاً لم يثبت له على عبده مال.

قوله:«إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمداً فأراد الاقتصاص فللمولى منعه» إلى آخره.

منعه من الاقتصاص من عبد المولى قول الشيخ في المبسوط(2): لبقاء الرقّيّة المقتضية للسلطنة، و كونه تصرّفاً ليس باكتساب و لايعين عليه. و يضعّف بأنّ ذلك لو منع لمنع من الاقتصاص من عبد غير المولى؛ لورود الدليل فيه. و الأقوى جوازه؛ لعموم الآية(3)، و انقطاع سلطنة المولى عنه.

قوله: «و أمّا المطلق فإذا أدّى من مكاتبته شيئاً تحرّر منه بحسابه» إلى آخره.

الضابط أنّ المبعّض بالنسبة إلى ما فيه من الحرّيّة كالحرّ في الأحكام، و منها عدم قتل

ص: 505


1- في بعض النسخ: «لم نصحّح» بدل «لم یصحّح».
2- المبسوط ، ج 4 ص 524.
3- المائدة (5): 45 .

مملوك لم يقتصّ منه؛ لما فيه من الحرّيّة، و لزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرّيّة،و تعلّق برقبته منها بقدر رقيّته.

و لو جنى على مكاتب مساو له اقتصّ منه. و إن كانت حرّيّة الجاني أزيد لم يقتصّ، وإن كانت أقلّ اقتصّ منه.

و لو كانت الجناية خطاً تعلّق بالعاقلة بقدر الحرّيّة، و برقبته بقدر الرقّيّة. و للمولى أن يفدي نصيب الرقّيّة بنصيبها من أرش الجناية، سواء كانت الجناية على عبد أو حرّ.

و لو جنى عليه حرّ فلا قصاص و عليه الأرش. و إن كان رقّاً اقتصّ منه.

المقصد الثالث في أحكام المكاتب في الوصايا

و فيه مسائل:

الأولى: • لاتصحّ الوصيّة برقبة المكاتب، كما لایصحّ بيعه. نعم، لو أضاف الوصيّة به إلى عوده في الرقّ جاز، كما لو قال: إن عجز و فسخت كتابته فقد أوصيت لك به.

و تجوز الوصيّة بمال الكتابة. و لو جمع بين الوصيّتين لواحد أو لاثنين جاز.

المملوك به و من هو أنقص حرّيّةً، و ثبوت خطئه على عاقلته، و تعلّق الجناية الموجبة للمال بذمّته و غير ذلك. و بالنسبة إلى ما فيه من الرقّيّة كالعبد، و يلزمه تعلّق الجناية الموجبة للمال برقبته، وجواز فكّ المولى له، و عدم قتل الحرّ و من هو أزيد حرّيّةً به، إلى غير ذلك من الأحكام. فيجتمع على المبعّض حكم الجنايتين حيث لايتنافيان.

قوله:«لاتصحّ الوصيّة برقبة المكاتب كما لایصحّ بيعه» إلى آخره.

لمّا كانت الكتابة لازمة من جهة المولى فليس له التصرّف في رقبته و منفعته، و لم تصحّ وصیّته به کما لایصحّ له بيعه، و كما لاتصحّ الوصيّة بعبد غيره. نعم، لو قال: «إن عجز مكاتبي

ص: 506

...

هذا و عاد إلى الرقّ فقد أوصيت به لفلان» صحّ، كما لو أوصى بثمرة نخلته و حمل جاريته

المتجدّدين بعد الوصيّة.

ثمّ إن عجز فأراد الوارث إنظاره فللموصى له تعجيزه ليأخذه، وإنّما يعجّزه بالرفع إلى الحاكم كما في المجنيّ عليه.

و يحتمل تقديم الوارث؛ لأنّ الوصيّة له مشروطة بفسخ كتابته و لم يحصل الشرط.

هذا إذا كانت الوصيّة معلّقةً على فسخ كتابته مطلقاً. أمّا لو قيّدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحّتها عجزه في حياته. و في التحرير جعل الإطلاق محمولاً على عجزه في حياته(1)،و إنّما يكتفي بها بعد موته لو صرّح به. و هو غير واضح.

و أمّا الوصيّة بالنجوم على المكاتب، فهي صحيحة و إن لم تكن مستقرّة، كما تصحّ الوصيّة بالحمل و إن لم يكن مملوكاً في الحال. فإن أدّاها فهي للموصى له، و إن عجز فللوارث تعجيزه و فسخ الكتابة و إن أنظره الموصى له و هل يملك الموصى له إبراءه من النجوم؟ وجهان، أجودهما ذلك؛ لأنّه يملك الاستيفاء فيملك الإبراء. و وجه العدم أنّه ملّكه استيفاء النجوم و لم يملّكه تفويت الرقبة على الورثة.

و لو أوصى لواحد برقبته إن عجز و لآخر بالنجوم صحّت الوصيّتان. ثمّ إن أدّى المال أو أبرأه منه بطلت الوصيّة الأولى، و إن رقّ بطلت الثانیّة. لكن استرقاقه مشروط بفسخ الوارث كتابته. فإن امتنع و أمهله فالوجهان السابقان.

و استوجه في التحرير عدم جواز استرقاقه للموصى له بدون فسخ الوارث(2). و لو كان الموصى له بالمال قد قبض منه شيئاً فهو له. و لو اختلف الموصى له بالرقبة و بالمال في الفسخ عند العجز قدّم صاحب الرقبة، كما يقدّم صاحب الرقبة على الوارث.

ص: 507


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 256، الرقم 5768.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 256 - 257، الرقم 5769.

الثانیّة: • لو كاتبه مكاتبةً فاسدةً ثمّ أوصى به جاز. و لو أوصى بما في ذمّته لم یصحّ و لو قال:«فإن قبضت منه فقد أوصيت به لك» صحّ.

الثالثة: • إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه أكثر ما بقي عليه فهو وصيّته بالنصف و زيادة،و للورثة المشيئة في تعيين الزيادة.

و لو قال: «ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه و مثله» فهو وصيّة بما عليه، و بطلت في الزائد.

و لو قال: «ضعوا عنه ما شاء» فإن شاء و ابقى شيئا صحّ. و إن شاء الجميع قيل:لایصحّ، و يبقى منه شيء بقرينة حال اللفظ.

قوله:«لو كاتبه مكاتبةً فاسدةً ثمّ أوصى به جاز» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ الكتابة الفاسدة عندنا لا أثر لها البتّة(1)، فإذا أوصى بما في ذمّته لم یصحّ؛ لأنّه لم يثبت له بها شيئاً في ذمّته. و إن أوصى برقبته صحّ كما لو أوصى برقبة عبده القنّ. و لو أوصى بما يقبضه منه صحّ؛ لأنّ الذي يقبضه منه ملكه بواسطة أنّه كسب مملوكه لا من حيث إنّه مال الكتابة، حتّى لو صرّح بالوصيّة بما يقبضه منه من مال الكتابة لم یصحّ، كما لو أوصى بمال كتابته من دون القبض.

و ظاهر إطلاق المصنّف و الأصحاب بل صريح بعضهم كالشيخ في المبسوط(2) عدم الفرق في ذلك بين العالم بفساد الكتابة و الجاهل به؛ نظراً إلى حقيقة الحال، و موافقة الوصيّة ملك الموصي.

و يحتمل الفرق؛ لأنّ الجاهل بالفساد إذا أوصى بالرقبة فعنده أنّ ما يأتي به لغو. و قد تقدّم مثله في مواضع، ذكر منها في كتاب الهبات من باع ما وهبه مع فساد الهبة(3)، أو باع مال مورّثه معتقداً بقاءه فظهر موته، أو أوصى برقبة معتقة فظهر فساد عتقه، فلينظر بحثه ثَمّ(4).

قوله: «إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه أكثر ما بقي عليه إلى آخره.

ص: 508


1- تقدّم في ص 463.
2- المبسوط، ج 4، ص 538.
3- راجع ج 5، ص 187 و ما بعدها.
4- راجع ج 5، ص 187 و ما بعدها.

...

الوصيّة بالوضع عن المكاتب صحيحة معتبرة من الثلث، ويتبع فيها مقتضى اللفظ و القرينة كما في نظائره من المحاورات اللفظيّة. و قد ذكر هنا من ألفاظ الوصيّة له

ثلاث مسائل:

الأولى: أن يوصي المولى بأن يوضع عن المكاتب أكثر ما بقي عليه أو أكثر ما عليه، فيوضع عنه نصف ما عليه و زيادةً يتحقّق بها الأكثريّة، و تقدير الزيادة إلى اختيار الوارث. و الأظهر كون الزائد على النصف من جملة الوصيّة لا ابتداء عطيّة، فلايعتبر فيها ما يعتبر في العطيّة، بل في الوصيّة، و غايته أن يكون تعيين الوصيّة مفوّضاً إلى الوارث.

و هل يعتبر في الزيادة عن النصف أن تكون متموّلة، أم يكفي التموّل بانضمامها إلى النصف؟ وجهان، أظهرهما الثاني؛ لأنّ التموّل إنّما يعتبر في الوصيّة و غيرها مع الانفراد، و أمّا مع انضمام بعض الأجزاء إلى بعض فالمعتبر المجموع، وإلّا لزم عدم صحّة الجميع؛ لأنّ أجزاءه تبلغ حدّاً لايتموّل، و الوصيّة هنا بمجموع النصف و الزيادة، لا بالزيادة وحدها.

الثانیّة: لو قال:«ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه و مثله» فهو وصيّته بجميع ما عليه و زيادة؛ لأنّ ما يزيد عن النصف هو نصف الوصيّة فيكون مثله زائداً على مجموع المال، فیصحّ فيه و يلغو في الزائد، و مثله ما لو قال: «ضعوا أكثر ممّا عليه» أو ما عليه و أكثر و نحو ذلك.

ولو قال: «أكثر ما عليه ونصفه» وضع عنه ثلاثة أرباع ما عليه و زيادة شيء، و لايعتبر فيه أن يتموّل و يقبل التنصيف إلى ما يتموّل إلّا على الاحتمال السابق. و أمّا توهّم اعتبار تموّل الزيادة دون نصفها بناءً على أنّ ما يتموّل یصحّ أن يقال: له نصفٌ معتدّ به و إن لم يتموّل، بخلاف نصف ما لايتموّل. فهو فاسد؛ لما ذكرناه من أن الوصيّة بالمجموع لا بالزيادةمنفردة، سواء نصّفها أم لا.

الثالثة: لو قال: ضعوا عنه ما شاء» أو «ما شاء من مال الكتابة» فإن أبقى منه شيئاً

ص: 509

...

فلا إشكال في الصحّة، وإن شاء الجميع قال الشيخ في المبسوط: لا یصحّ(1). أمّا في الثاني فظاهر؛ لأنّ «من» للتبعيض، فكأنّه قال: ضعوا عنه بعض مال الكتابة. و أمّا في الأوّل؛ فلأنّ المعنى ضعوا من كتابته ما شاء، ف«من» مقدّرة و إلّا لقال: ضعوا عنه النجوم، و إذا كان هذا مضمراً كان كالصورة الأُخرى.

و فيه نظر؛ لأنّ تقدير ما شاء من مال الكتابة بمعنى التبعيض غير لازم، بل يجوز أن يكون

معناه ما يريده، و تقدير «من» للتبعيض غير متعيّن؛ لأنّه كما يحتمل التبعيض يحتمل التبيين، فیصحّ تعلّقها بالجميع.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ «من» باشتراكها بين التبيين و التبعيض لايدلّ على أحدهما بدون القرينة كما في کلّ مشترك، و حينئذٍ فالبعض معلوم على التقديرين و الجميع مشكوك فيه؛

لقيام الاحتمال، فيرجع الأمر إلى معنى التبعيض وإن لم يحمل عليه بخصوصه.

و لو دلّت القرينة على إرادة التبيين أو إرادة الجميع من غير اعتبار «من» عمل بها. و لعلّها

موجودة في الصورة الأُولى على إرادة ما يتناول الجميع.

و يظهر من المصنّف خلاف ذلك، و أنّ ظاهر حال اللفظ يقتضى التبعيض. فيمكن أن يريد بحال اللفظ ما ذكرناه من الافتقار إلى تقدير «من» التي لا يتيقّن من معناها إلّا التبعيض، و أن يريد به حال التركيب كما أشرنا إليه من أنّه لو أراد الجميع لقال: ضعوا عنه النجوم.

و فيه نظر؛ للفرق بين الإرادتين، فإنّه في الأُولى جعل المشيئة إليه في إرادة البعض و الجميع، و هذا الغرض لا يتأدىّ بقوله «ضعوا عنه النجوم»؛ لأنّ مدلوله وضع الجميع خاصّة لا جعل المشيئة إليه في الجميع و البعض، و الأغراض تتفاوت في ذلك، فلايلزم من إرادة تعليق التقدير على المشيئة أن يريد بعض متعلّقات المشيئة - و هو الجميع - كما لا يخفى.

ص: 510


1- المبسوط، ج 4، ص 539.

الرابعة • إذا قال: «ضعوا عنه أوسط نجومه» فإن كان فيها أوسط عدداً أو قدراً انصرف إليه.و إن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيّهما شاؤوا. و قيل:تستعمل القرعة. و هو حسن.

و إن لم يكن أوسط - لا قدراً و لا عدداً - جمع بين نجمين ليتحقّق الأوسط، فيؤخذ من الأربعة الثاني و الثالث، و من الستّة الثالث و الرابع.

قوله: «إذا قال: ضعوا عنه أوسط نجومه - إلى قوله - ومن الستّة الثالث و الرابع».

الأوسط لفظ متواطئ يراد به الشيء بين الشيئين على السواء. و البينیّة قد تكون بالزمان كوسط النهار المتوسط بين طرفيه، و بالمقدار بسبب زيادته و نقصانه كالاثنين المتوسّطين

بين الواحد و الثلاثة. و المقدار هنا قد يكون في مال النجوم، و قد يكون في الآجال.

و «النجم» لفظ مشترك في هذا الباب بين أجل مال الكتابة و نفس المال المفروض في الأجل كما بيناه سابقاً(1). و قد تقدّم في الوصايا أنّه إذا أوصى بلفظ يقع على شيئين فصاعداً - سواء كان مشتركاً أو متواطئاً - و وجد في مال الموصي منها أفراد متعدّدة يتخيّر الوارث في تعيين أيّها شاء، و أنّ فيه قولاً ضعيفاً بالقرعة(2) و هذه المسألة من جزئيّات تلك.

و المراد بالأوسط عدداً في النجوم ما كان محفوفاً بمتساويين، كالثاني في الثلاثة و الثالث في الخمسة و الرابع في السبعة و هو واحد إن كان العدد وترأ كما ذكر، و اثنان إن كان زوجاً، كالثاني و الثالث في الأربعة، و الثالث و الرابع في الستّة. و بالأوسط قدراً ما كان في جملتها ما هو أكثر منه مالاً و ما هو أقلّ، كالدينارين بالنسبة إلى الدينار و الثلاثة، سواء تعدّد الوسط و الطرفان أم اتّحد. فمتعدّد الوسط كما لو كانت الآجال أربعةً، منها واحد بدينار وآخر بثلاثة و اثنان كلّ واحد بدينارين. و متعدّد الطرفين أو أحدهما كما لو كان في المثال واحد بدینارین و اثنان بدينار و اثنان بثلاثة.

ص: 511


1- تقدّم في ص 441 - 442.
2- تقدّم في ج 5، ص 340 - 341.

...

و قد تختلف النجوم قدراً بحيث يتعدّد الوسط بهذا المعنى مختلفاً، كما لو كان أحد الأربعة بدينار و الآخر بدينارين و الثالث بثلاثة و الرابع بأربعة، فالثاني محفوف بأقلّ منه و هو الأوّل و أكثر و هو الثالث و الثالث كذلك بالنسبة إلى الثاني و الرابع. فكلّ منهما وسط بهذا المعنى فيحتمل إلحاقهما بالوسط المتعدّد فيتخيّر الوارث؛ لوجود المعنى في كلّ منهما، و الحمل على الأكثر؛ لأنّه حقيقي و الآخر إضافي. و بهذا قطع الشهيد في الشرح(1)

و الكلام في الأوسط أجلاً كالكلام في الأوسط قدراً، إلّا أنّ المختلف هنا هو الآجال، بأن كان بعضها شهراً و بعضها شهرين وبعضها ثلاثة، إلى آخر ما فصّل في الأوسط المقداري.

إذا تقرّر ذلك فنقول: النجوم الموصى بأوسطها إمّا أن يكون لها وسط بالعدد خاصّةً، أو بالقدر أو بالأجل أو باثنين منها، فإمّا الأجل و القدر أو أحدهما مع العدد أو تجتمع الثلاثة أو لايكون له وسط واحد بواحد منها، إمّا لعدمه أصلاً أو لتعدّده. و صور هذه الفروض لايكاد تنحصر ، و أُصولها ترجع إلى ثمان - و ما يتفرّع عليها يستفاد منها، فلنقتصر عليها - :

الأُولى: أن يكون له أوسط بالعدد خاصّةً، كثلاثة أنجم أو خمسة متساوية المقادير و الآجال، أو متفاوتهما تفاوتاً لايفرض فيه أوسط. فالأوسط في الثلاثة عدداً هو الثاني، و الخمسة الثالث؛ لأنّه محفوف بمتساويين. و إنّما حمل على الواحد المذكور دون ما زاد، كالثلاثة الوسطى من الخمسة، فإنّها أيضاً محفوفة بمتساويين؛ لأنّ الوصيّة بنجم واحد فلايصار إلى المتعدّد مع إمكان المتّحد المطابق للوصيّة. و لو فرض إرادته ما هو أعمّ من الواحد، بأن يريد ما صدق عليه الوسط مطلقاً كان من باب المتعدّد، فيتخيّر الوارث.

الثانیّة: أن يكون لها أوسط بالقدر خاصّةً، كأربعة أنجم متساوية الآجال قسط الأوّل دينار، و الثاني ديناران، و الثالث ثلاثة، و الرابع أربعة، فالثالث أوسط حقيقي بحسب المقدار؛ لأنّه أكثر ممّا دونه مطلقاً و أقلّ ممّا فوقه مطلقاً. و الثاني أوسط أيضاً بالقدر لكن بالإضافة

ص: 512


1- غاية المراد، ج 3، ص 282 - 283 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3)

...

إلى الثالث و الأوّل لامطلقاً؛ فلذلك حملناه على الثالث خاصّةً. و الأوسط بالأجل هنا منتفٍ، لتساوي الآجال فيها. و أمّا الأوسط بالعدد فيوجد في الثاني و الثالث، لكنّه متعدّد فلايحمل

عليه الوصيّة كما مرّ. فليس في المثال أوسط على مقتضى الوصيّة إلّا الثالث.

الثالثة: أن يكون لها أوسط بالأجل خاصّةً، كأربعة أنجم متساوية المال لكنّ الأجل الأوّل منها شهر و الثاني شهران و الثالث ثلاثة و الرابع أربعة.

و التقريب فيه ما ذكر في القدر. و لو فرض أنّ كلّاً من الثالث و الرابع ثلاثة أشهر فالثاني هو الوسط لا غير. و لو فرض اثنان منها كلّ واحد شهران و الآخر شهر و الرابع ثلاثة فکلّ واحد من المتّفقين يصلح للوسطيّة، فيحتمل فيه تعدّد الوسط و جعله من قسم الواحد المتعدّد.و مثله يأتي في الوسط المقداري.

الرابعة: أن يجتمع الأوسط بالعدد و القدر خاصّةً، إمّا في واحد كثلاثة أنجم متساوية الآجال، قسط الأوّل دينار و الثاني اثنان و الثالث ثلاثة، فالثاني وسط بهما فيحمل عليه مؤكّداً. أو مفترقين كما لو كان قسط الأوّل دينارين و الثاني ديناراً، فالأوّل أوسط بالقدر و الثاني بالعدد.

الخامسة: أن يجتمع العدد و الأجل، كثلاثة متساوية المال مختلفة الآجال. فقد يجتمع الأوسطان في واحد أيضاً، كما إذا كان أجل الأوّل شهراً و الثاني شهرين و الثالث ثلاثة. و قد يفترقان، كما إذا كان أجل الأوّل شهرين و الثاني شهراً.

السادسة: أن يجتمع القدر و الأجل خاصّةً مجتمعين، كأربعة أنجم أجل الأوّل شهر و قسطه دينار، و الثاني شهران بدينارين، و الثالث ثلاثة بثلاثة، و الرابع أربعة بأربعة، فالثالث أوسط بهما. و ليس هنا وسط بالعدد متّحد؛ لأنّه به الثاني و الثالث و قد تقدّم أنّه ملغى حيث يمكن الحمل على المتّحد و متفرّقين، كما لو كان الثاني شهرين بثلاثة دنانير، و الثالث ثلاثة أشهر بدينارين، و الآخران بحالهما، فالثالث وسط بالأجل، و الثاني وسط بالقدر.

السابعة: أن يكون لها وسط بالمفهومات الثلاثة، إمّا مجتمعةً كثلاثة أنجم أجل الأوّل

ص: 513

الخامسة : • إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة، فإن برئ فقد لزم العتق و الإبراء، و إن مات خرج من ثلثه. و فيه قول آخر: أنّه من أصل التركة.

فإن كان الثلث بقدر الأكثر من قيمته و مال الكتابة عتق. و إن كان أحدهما أكثر اعتبر الأقلّ. فإن خرج الأقلّ من الثلث عتق و اُلغي الأكثر. و إن قصر الثلث عن الأقلّ عتق منه ما يحتمله الثلث و بطلت الوصيّة في الزائد و يسعى في باقي الكتابة. و إن عجز كان للورثة أن يسترقّوا منه بقدر ما بقى عليه.

شهر بدينار، و الثاني شهران بدينارين، و الثالث ثلاثة بثلاثة، فالثاني وسط بالثلاثة. أو مفترقة، كما لو كان الأوّل شهرين بدينار، و الثاني شهراً بثلاثة دنانير، و الثالث ثلاثة أشهر بدينارين. فالأوّل وسط بالأجل، و الثاني بالعدد و الثالث بالقدر، و قد يجتمع اثنان منها و يفترق عنهما واحد، و أمثلته تظهر بأدنى تأمّل.

الثامنة: أن لايكون لها وسط واحد بحسبها و لا بحسب کلّ واحد منها كأربعة أنجم متساويةً أموالاً و آجالاً، أو متفاوتةً تفاوتاً لايحصل فيه أوسط فرد. فإن حصل فيه أوسط زوج بأحدها أو بأزيد حمل عليه؛ لتعذّر الحقيقة. لكن هل يؤخذ منهما واحد خاصّةً يتخيّر الوارث، أو يؤخذ الاثنان؛ لأنّ مجموعهما هو الأوسط ؟ وجهان، و ظاهر الأصحاب القطع بالثاني.

و فيه نظر؛لأنّهم إذا سلّموا أنّ الإطلاق محمول على الواحد و الانتقال إلى المجاز لتعذّر الحقيقة فالمجاز متعدّد باعتبارين؛ لأنّ أحدهما مجاز في الوسط باعتبار أنّه بعض أجزائه حقيقة في الواحد، و الاثنان حقيقة في الأوسط مجاز بعيد في الواحد، فالحمل عليه ليس أَولى من الآخر إن لم يكن المرجّح في ذلك الجانب؛ لظهور مجازيّته في الاستعمال.

و اعلم أنّ فروض هذا القسم كثيرة، و هى أدقّ و أخفى تصوّراً من السابقة، فعليك بتأمّلها.

و قد لايكون للنجوم وسط أصلاً، كما لو كانت اثنين خاصّةً. و في بطلان الوصيّة لفقد

الموصى به أو الحمل على واحد - التفاتاً إلى المجاز و بابه المتّسع - نظر.

قوله: «إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة» إلى آخره.

إذا كاتب عبداً في الصحّة ثمّ أعتقه أو أبرأه من النجوم في المرض فإن برئ من مرضه

ص: 514

...

فلا كلام، و إن مات كان تصرّفه بالعتق و الإبراء من جملة التبرّعات المنجّزة، فإن جعلناها من الأصل فلا كلام أيضاً. و إن قلنا: إنّها من الثلث - كما هو المشهور - فإن خرج کلّ واحد من القيمة و النجوم من الثلث، بمعنى أنّ الثلث يسع أحدهما مع التساوي أو الأكثر منهما عتق کلّه و سقطت عنه النجوم، و إن تفاوتا و خرج أقلّهما من الثلث دون الآخر اعتبر الأقلّ، فإن كان له سوى المكاتب مائتان و كانت القيمة مائة و خمسين و النجوم مائة خرجت النجوم من الثلث، فيعتبرها و يحكم بنفوذ العتق. و لو كانت القيمة مائة و النجوم مائة و خمسين فالقيمة خارجة من الثلث فيعتبرها و يحكم بنفوذ العتق.

و إنّما كان كذلك؛ لأنّ ملك السيّد إنّما يستقرّ على الأقلّ منهما، فإن كانت النجوم أقلّ فالكتابة لازمة من جهته، و قد ضعف ملكه في المكاتب، فليس له إلّا المطالبة بالنجوم التي صارت عوضاً، و إن كانت القيمة أقلّ فهي التي تخرج عن ملكه، و العبد معرض لإسقاط النجوم بأن يعجّز نفسه على قول الشيخ(1)، أو يعجز.

و إن لم يخرج واحد منهما من الثلث، بأن كان يملك سوى المكاتب خمسين فيضمّ أقلّهما إلى الخمسين وينفذ العتق في ثلثهما من العبد. فإذا كانت القيمة مائة و خمسين و النجوم مائة ضممنا النجوم إلى الخمسين و نفّذنا العتق في ثلثهما و هو نصف العبد، و تبقى الكتابة في نصفه الآخر بنصف النجوم، فإذا أدّاه إلى الورثة عتق، و إن عجز فلهم ردّه إلى الرقّ، و إن كان يملك سوى المكاتب مائة و القيمة و النجوم كما صوّرنا عتق ثلثاه، و تبقى الكتابة في ثلثه بثلث مال الكتابة. و إن كانت القيمة مائة و النجوم مائة و خمسين فكذلك يعتق ثلثاه، و تبقى الكتابة في ثلثه بثلث مالها و هو خمسون

هكذا أطلقه الجماعة(2). و هو يتمّ بلا إشكال على القول بجواز الكتابة من جهة المكاتب؛

ص: 515


1- انظر المبسوط، ج 4، ص 466.
2- كالشيخ في المبسوط، ج 4، ص 526؛ و العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 274، الرقم 5797؛و ولده فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 623.

السادسة • إذا أوصى بعتق المكاتب، فمات و ليس له سواه، و لم يحلّ مال الكتابة يعتق ثلثه معجّلاً - و لاينتظر بعتق الثلث حلول الكتابة؛ لأنّه إن أدّى حصل للورثة المال، و إن عجز استرقّوا ثلثيه - و يبقى ثلثاه مكاتباً يتحرّر عند أداء ما عليه.

لكون مال الكتابة غير مستقرّ، أمّا على القول بلزومها فلايخلو اعتباره من إشكال إلّا أن يتحقّق العجز بالفعل. و أيضاً فإنّه إذا أدّى الخمسين في المثال زاد مال المولى؛ لأنّه يثبت هذا المال بعقده و ورث منه، فينبغي أن يزيد ما يعتقه منه فيدخلها الدور، و يستخرج حينئذٍ بالجبر كنظائرها.

قوله:«إذا أوصى بعتق المكاتب فمات و ليس له سواه» إلى آخره.

هذا الحكم ثابت سواء عجّل عتقه أو أوصى به، و إنّما خصّص الحكم بالوصيّة بالعتق

ليكون مجزوماً بكون المعتق ثلثه؛ للخلاف في الأوّل.

و نبّه بقوله«و لاينتظر بعتق الثلث حلول الكتابة» على خلاف بعض الشافعيّة، حيث اعتبر في عتق الثلث وصول الثلاثين إلى الوارث(1)؛ لأنّ نفوذ الوصيّة مشروط بكون ضعفها يد الوارث، و لمّا لم يرجع هنا إلى الوارث ثلثا العبد و لا مقداره من المال لم يحكم بنفوذ العتق في الثلث.

و المصنّف (رحمه الله) أشار إلى جوابه بقوله «لأنّه إن أدّى حصل للورثة المال» إلى آخره.

و محصّله أنّ الورثة قد حصل لهم ضعفه يقيناً وإنّما الموقوف عين الحاصل؛ و ذلك لأنّ المكاتب إن أدّى مال الكتابة عن الثلاثين حصل للورثة المال و هو ضعف ما عتق، و إن عجز استرقّوا ثلثيه و هو الضعف أيضاً، فضعف الوصيّة حاصل على التقديرين و إن لم يكن متعيّناً

في أحد الأمرين

ص: 516


1- راجع الحاوي الكبير، ج 18، ص 285.

السابعة • إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث؛ لأنّه معاملة على ماله بماله، فجرت المكاتبة مجرى الهبة. و فيه قول آخر أنّه من أصل المال، بناءً على القول بأنّ المنجّزات من الأصل.

فإن خرج من الثلث نفذت الكتابة فيه أجمع، و ينعتق عند أداء المال. و إن لم يكن سواه صحّت في ثلثه و بطلت في الباقي.

و في الجواب نظر؛ لأنّ الوارث ممنوع من التصرّف فيما حصل له قبل استقرار الأمر بتعيّن أحد الأمرين، و الوصيّة نافذة بغير مانع فالشبهة غير منحسمة. و قد تقدّم الكلام على نظير المسألة فيما سبق [و] في الوصايا(1).

و اعلم أنّ قول المصنّف (رحمه الله) «و يبقى ثلثاه مكاتباً» معطوف على قوله«يعتق ثلثه معجّلاً»، و ما بينهما معترض بين الحكمين.

قوله: «إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث» إلى آخره.

في قوله «لأنّه معاملة على ماله بماله» جواب عن سؤال مقدّر، تقديره؛ أنّ الكتابة معاوضة ماليّة؛ لأنّها إمّا بيع العبد نفسه أو عتق بعوض، فالعوض حاصل على التقديرين و هو واصل إلى الورثة في مقابلة العبد، فإذا كان بقدر قيمته أو أزيد انتفى التبرّع و المحاباة فلأيّ شيء يعتبر من الثلث؟

و تقرير الجواب: أنّ الكتابة و إن كانت معاوضةٌ إلّا أنّها بحسب الصورة لا الحقيقة؛ لأنّ العوض و المعوّض كليهما من مال المولى؛ إذ الكسب تابع للمملوك، فهي معاوضة على ماله بماله، فكانت في معنى التبرّع المحض فلذلك اعتبرت من الثلث مع عدم الإجازة، بخلاف المعاوضة المشتملة على عوض يدخل في مال المالك من خارج كالبيع بثمن المثل و الإجارة؛ إذ ليس فيها تفويت مال و إن اشتملت على تبدّل الأعيان؛ لأنّ المعتبر في نظر العقلاء غالباً هو أصل الماليّة دون خصوصيّة العين. و بهذا يخالف ما إذا باع نسيئة في مرض

ص: 517


1- راجع ج 5، ص 351.

...

الموت بثمن المثل حيث یصحّ البيع في الجميع؛ لأنّه لو لم يبع لم يحصل له الثمن، و ها هنا لو لم يكاتب لحصل له كسبه.

إذا تقرّر ذلك، فإذا كاتب في مرض الموت و قلنا: إنّ منجّزاته من الثلث اعتبرت قيمة العبد من الثلث. فإن لم يملك شيئاً سواه و أدّى النجوم في حياة المولى، فإن كان كاتبه على مثلي قيمته عتق کلّه؛ لأنّه يبقى للورثة مثلاه. و إن كاتبه على مثل قيمته عتق منه ثلثاه؛لأنّه إذا أخذ مائة و قيمته مائة فالجملة مائتان فينفذ التبرّع في ثلث المائتين و هو ثلثا المائة.

و لو كاتبه على مثل قيمته و قبض نصف النجوم صحّت الكتابة في نصفه. و إن لم يؤدّ حتّى مات السيّد نُظر، إن لم تجزئ الورثة ما زاد على الثلث فثلثه مكاتب، فإن أدّى حصّته من النجوم عتق. و هل يزاد في الكتابة بقدر نصف ما أدّى و هو سدس العبد إذا كانت النجوم مثل القيمة ؟ فيه وجهان -كما في المسألة السابقة - و وجه العدم أنّ الكتابة قد بطلت في الثلاثين فلا تعود. و هذا هو الذي جزم به المصنّف و الجماعة(1).

و وجه الزيادة زيادة ما صار بيد الوارث، فكان كما لو ظهر للميّت دفين أو نصب شبكة في الحياة فيعقل فيها صيد بعد الموت، فإنّه يزاد في الکتابة لذالک

ص: 518


1- منهم الشيخ في المبسوط ، ج 4، ص 527.

الاستيلاد

اشارة

. وأما الاستيلاد

فيستدعي بيان أمرين:

الأمر الأوّل في كيفيّة الاستيلاد

و هو يتحقّق بعلوق أمته منه في ملكه.

ولو أولد أمة غيره مملوكاً ثم ملكها لم تصر أُمّ ولده.

و لو أولدها حرّاً ثم ملكها ، قال الشيخ: تصير أُمّ ولده، و في رواية ابن مارد: «لا تصير أُمّ ولد له».

قوله:«و أمّا الاستيلاد ... و هو يتحقّق بعلوق أمته منه في ملكه - إلى قوله - لا تصير أُمّ ولد له».

يدخل في العلوق إذا ولدته تامّاً و ناقصاً، بل مضغةً و علقةً، لا نطفةً في الأصحّ؛ لعدم اليقين بكونها مبدأ للنشوء و استعدادها للصورة الإنسانیّة بخلاف أُختَيها، و استصحاباً لحكم الأمة. و فائدة غير الحيّ إبطال التصرّف المخرج عن الملك الواقع زمن الحمل، و انقضاء العِدّة به للحرّة و الأمة من الزوج و الشبهة.

و يشترط في تحقّق الاستيلاد كون الولد حرّاً حال العلوق على الأظهر، بل لم ينقل المصنّف فيه خلافاً؛ لأنّ الاستيلاد إنّما يثبت تبعاً لحرّيّة الولد و إلى ذلك أشار النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بقوله في جارية:«أعتقها ولدها»(1). فلو كان مملوكاً له إمّا لكون الواطئ عبداً حالة الوطء و الحمل.

ص: 519


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 841 ، ح 2516؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 364 - 365، ح 21/4159 - 23/4161؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 314، ح 2238؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 10، ص 579، ح 21782.

و لو وطئ المرهونة فحملت دخلت في حكم أُمّهات الأولاد.

أو باشتراط الرقّيّة في حال كونه حرّاً و جوّزنا الشرط لم تصر أُمّ ولد، خلافاً للشيخ(1) و ابن حمزة(2)؛ نظراً إلى الوضع اللغوي.

و كذا الخلاف فيما إذا أولد أمة غيره ولداً حرّاً، بأن تزوّجها في حال حرّيّته و لم يشترط الرقيّة ثمّ ملكها؛ عملاً بالأصل و الشكّ في السبب، و لأنّ الاستيلاد لم يثبت في الحال فلايثبت بعد، مؤيّداً برواية ابن مارد عن الصادق علیه السلام في رجل يتزوّج الأمة و يولدها ثمّ يملكها و لم تلد عنده بعد قال: «هي أمته إن شاء باعها ما لم يحدث بعد ذلك حمل، و إن شاء أعتق»(3).

قوله: «و لو وطئ المرهونة فحملت دخلت في حكم أُمّهات الأولاد».

إذا وطئ الراهن أمته المرهونة فحملت صارت أمّ ولد؛ لوجود المقتضي له و هو علوقها في ملكه، و انتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا كونها مرهونة و الرهن لم يخرجها عن ملكه و إن حظر عليه التصرّف، فإنّ الاستيلاد يجامع الوطء المحرّم بعارض حيث يكون الملك متحقّقاً، كالوطء في حالة الحيض و الإحرام.

و مقتضى قوله«دخلت في حكم أُمّهات الأولاد» تحريم بيعها على المرتهن، و ذلك في معنى بطلان الرهن. و هو أحد الأقوال في المسألة، و به صرّح المصنّف في كتاب الرهن(4)؛ العموم النهي عن بيع أمّهات الأولاد(5)، و فيه قول آخر أنّه لايبطل، و يقدّم حقّ المرتهن لسبقه. و هذا أقوى.

ص: 520


1- المبسوط، ج 4، ص 568.
2- الوسيلة، ص 342 - 343.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 482، ح 1940.
4- راجع ج 3، ص 441.
5- الكافي، ج 6، ص 193، باب أمّهات الأولاد، ح 5؛ الفقيه، ج 3، ص 139 - 140، ح 3515؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 238 - 239 ، ح 862؛ الاستبصار، ج 4، ص 12، ح 36.

. وكذا لو وطئ الذمّى أمته فحملت منه. و لو أسلمت بيعت عليه. و قيل: يحال بينه و بينها و تجعل على يد امرأة ثقة. و الأوّل أشبه.

قوله:«و كذا لو وطئ الذمّي أمته فحملت منه، و لو أسلمت بيعت عليه» إلى آخره.

الإسلام غير شرط في الاستيلاد؛ للعموم(1)، فلو أولد الكافر أمته لحقها حكم أُمّهات الأولاد، لكن لو أسلمت قبله تعارض عموم تحريم بيع أُمّ الولد(2) و تحريم بقاء المسلم في ملك الكافر الموجب لوجود السبيل له عليه المنفيّ بقوله تعالى:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»(3)، فيجب إزالة السبيل عن أُمّ الولد المسلمة.

و قد اختلف كلام الشيخ و غيره في مزيله، ففي المبسوط تباع(4)، و هو الذي اختاره المصنّف(رحمه الله)؛ لأنّ السبيل لاينتفي رأساً بدونه، و يكون بيعها مستثنى من عموم النهي لذلك، فإنّه مخصوص بمواضع كثيرة.

و قال في الخلاف تجعل عند امرأة مسلمة تتولّى القيام بحالها(5)؛ جمعاً بين الحقّين؛ لأنّ الاستيلاد مانع من البيع و لاسبيل إلى بقاء السبيل فيجمع بينهما بذلك.

و للعلّامة قول ثالث: أنّها تستسعى(6)؛ لأنّ العتق و الحيلولة إضرار بالملك، و البيع منهيّ عنه، و السبيل واجب الإزالة، فوجب الاستسعاء. و هذا يوجب الاكتفاء بالكتابة بطريق أولى؛ لأنّها تقطع تصرّف المولى بخلاف الاستسعاء.

و الأصحّ الأوّل. و الحقّ فيه لله تعالى لا للمملوك، فلو رضي ببقائه في ملك الكافر لم يجب إليه.

ص: 521


1- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 175 و ما بعدها، الباب 6 من أبواب الاستيلاد.
2- راجع الهامش 5 من الصفحة السالفة.
3- النساء (4): 141.
4- المبسوط، ج 4، ص 570.
5- الخلاف، ج 6، ص 425 المسألة 2، و في النسخ:«... القيام بها» و صحّحنا النقل على المصدر.
6- مختلف الشيعة، ج 8، ص 154، المسألة 118.

الثاني في الأحكام المتعلّقة بأم الولد

و فيه مسائل:

الأولى: • أُمّ الولد مملوكة لاتتحرّر بموت المولى، بل من نصيب ولدها. لكن لايجوز للمولى بيعها ما دام ولدها حيّاً، إلّا في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى، و لا وجه لأدائه إلّا منها.و لو مات ولدها رجعت مطلقاً، و جاز التصرّف فيها بالبيع و غيره من التصرّفات.

الثانیّة: • إذا مات مولاها و ولدها حيّ جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه. و لو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها، وسعت في الباقي. و في رواية: «تقوّم على ولدها إن كان موسرا» و هي مهجورة.

قوله: «أمّ الولد مملوكة لاتتحرّر بموت المولى، بل من نصيب ولدها» إلى آخره

لا خلاف في كون أُمّ الولد مملوكة ما دام المولى حيّاً، فيلحقها أحكام المماليك من جواز إجارتها و تزويجها و تحليلها للغير و وجوب نفقتها و غير ذلك من الأحكام، سوى البيع و نحوه من وجوه النقل عن ملكه، إلّا في مواضع مخصوصة أشهرها في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى و لا وجه له إلى أدائه سواها، سواء كان حيّاً أم ميّتاً على ما يقتضيه إطلاق العبارة، و الأمر فيه كذلك.

و قد تقدّم البحث فيه في النكاح(1) و البيع(2) فلا وجه لإعادته.

قوله:«إذا مات مولاها و ولدها حيّ جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه» إلى آخره.

لا شبهة فى انعتاق نصيب ولدها منها بمقتضى الملك و عتق القريب به. و أمّا جعلها بأجمعها في نصيب ولدها مع ترك مولاها مالاً غيرها فمستنده النصّ(3)، و إلّا فهو حكم

ص: 522


1- تقدّم في ج 6 ، ص 486 - 487.
2- تقدّم في ج 3، ص 76.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 23، ص 175 الباب 6 من أبواب الاستيلاد.

الثالثة : • إذا أوصى لأمّ ولده، قيل: تنعتق من نصيب ولدها و تعطى الوصيّة. و قيل: تنعتق من الوصيّة، فإن فضل منها شيء عتق من نصيب ولدها. و هو أشبه.

على خلاف الأصل؛ حيث إنّ الملك قهري فلايسري. و لو لم يكن سواها عتق نصيبه منها وسعت في الباقي، كما في كلّ من أعتق بعضه و لم يسر الباقي على أحد.

و الرواية بتقويمها على ولدها هي موثّقة وهيب بن حفص عن أبي بصير، عن الصادق علیه السلام أنّه سأله عن رجل اشترى جاريةً فولدت منه ولداً فمات قال: «إن شاء بيعها باعها، وإن مات مولاها و عليه دين قوّمت على ابنها، فإن كان ابنها صغيراً انتظر به حتّى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها، فإن مات ابنها قبل أُمّه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة»(1).

و عمل بمضمونها الشيخ في النهاية(2). و في سندها ما لايخفى، و هي مع ذلك مهجورة العمل عند غير الشيخ في النهاية، و قد رجع عنه في غيرها(3)، فالمذهب عدم التقويم.

قوله:«إذا أوصى لأمّ ولده قيل: تنعتق من نصيب ولدها و تعطى الوصيّة» إلى آخره.

وجه الأوّل: أنّ التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث، و إن منع من التصرّف فيها قبل أداء الدين و الوصيّة، فينعتق عليه نصيبه و يحتسب عليه الباقي كما مرّ. و في صحيحة أبي عبيدة عن الصادق علیه السلام(4)، ما يدلّ عليه أيضاً.

و وجه الثاني: أنّ الإرث متوقّف على أداء الدين و الوصيّة؛ لقوله تعالى:«...مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ...»(5) ، فلايحكم لابنها بشيء حتّى يحكم لها بالوصيّة، فيعتق منها إن وفت بقيمتها، و يكمل من نصيب ولدها إن قصر كما لو لم يكن هناك وصيّة.

ص: 523


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 239، ح 865: الاستبصار، ج 4، ص 14، ح 41.
2- النهاية، ص 547.
3- راجع المبسوط، ج 4، ص 438 - 439.
4- الكافي، ج 7، ص 29، باب الوصيّة لأُمّهات الأولاد، ح 4؛ الفقيه، ج 4، ص 216، ح 5510؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 224، ح 880، وفيه عن جميل بن صالح
5- النساء (4): 11

الرابعة: • إذا جنت أُمّ الولد خطاً تعلّقت الجناية برقبتها و للمولى فكّها. و بكم يفكّها ؟ قيل: بأقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمتها. و قيل: بأرش الجناية. و هو الأشبه. و إن شاء دفعها إلى المجنيّ عليه. و في رواية مسمع عن أبي عبد الله علیه السلام:«جنايتها في حقوق الناس على سيّدها».

و لو جنت على جماعة فالخيار للمولى أيضاً بين فديتها، و تسليمها إلى المجنيّ عليهم أو ورثتهم على قدر الجنايات.

و المصنّف (رحمه الله) اختار هنا الثاني، و في النكت اختار الأوّل(1). و المسألة لاتخلو من إشكال، و الرواية لاتخلو من اضطراب. و قد تقدّم البحث فيها مستوفى في الوصايا(2).

قوله: «إذا جنت أُمّ الولد خطاً تعلّقت الجناية برقبتها و للمولى فكّها» إلى آخره.

وجه تخییره بين فداها و دفعها أنّها مملوكة له و المولى لايعقل عبداً.

ثمّ إن اختار فداها ففي مقداره قولان للشيخ، ففي المبسوط : يفديها بأقلّ الأمرين من قيمتها و أرش الجناية (3)؛ لأنّ الأقلّ إن كان هو الأرش فظاهر، و إن كان القيمة فهي بدل العين فيقوم مقامها، و الجاني لايجني على أكثر من نفسه و المولى لايعقل مملوكه فلايلزم الزائد.

و في الخلاف: يفديها بأرش الجناية بالغاً ما بلغ إن لم يسلّمها(4)؛ لتعلّقه برقبتها، و ربما رغب فيها راغب بالزيادة لو دفعها، و هذا هو الذي اختاره المصنّف. و في الأوّل قوّة.

و ليس الحكم مختصّاً بأم الولد بل بكلّ مملوك.

و للشيخ في المبسوط قول ثالث: أنّ أرش جنايتها على سيّدها(5)؛ لمنعه بيعها بالاستيلاد، فأشبه عتق الجاني.

ص: 524


1- نكت النهاية، ج 3، ص 151.
2- راجع ج 5، ص 370 - 371.
3- المبسوط، ج 5، ص 183.
4- الخلاف، ج 5، ص 271 - 272، المسألة 88.
5- المبسوط، ج 5، ص 183.

الخامسة: • روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام في وليدة نصرانیّة أسلمت عند رجل، و ولدت منه غلاماً و مات، فأعتقت و تزوّجت نصرانيّاً و تنصّرت و ولدت، فقال علیه السلام:«ولدها لابنها من سيّدها، و تحبس حتّى تضع، فإذا ولدت فاقتلها». و في النهاية: يفعل بها ما يفعل بالمرتدّة، و الرواية شاذّة.

و تدلّ عليه رواية مسمع بن عبد الملك عن الصادق علیه السلام أنّه قال:«أُمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و متى كان من حقوق الله تعالى في الحدود فإنّ ذلك على بدنها، و يقاصّ منها للمماليك»(1).

قوله: «روی محمّد بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام » إلى آخره.

هذه الرواية - مع ضعف سندها باشتراك محمّد بن قيس بين الثقة(2) و الضعيف(3) و غيرهما(4)،و بابن فضّال(5)- مخالفةٌ للأصل من استرقاق ولدها الحرّ المتولّد من نصراني محترم، و قتل المرأة المرتدّة خصوصاً عن ملّة و المختار ما ذكره في النهاية من إجراء أحكام المرأة المرتدّة عليها(6)، و بقاء ولدها على الحرّيّة.

ص: 525


1- الكافي، ج 7، ص 306، باب الرجل الحرّ يقتل مملوك غيره...، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 196 - 197، ح 779.
2- رجال النجاشي، ص 323، الرقم 881؛ خلاصة الأقوال، ص 236، الرقم 805 ، و ص 252 ، الرقم 860 و 861.
3- رجال النجاشي، ص 322 - 323، الرقم 880؛ خلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 861.
4- رجال النجاشي، ص 323، الرقم 880؛ خلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 859 و 861.
5- رجال النجاشي . ص 257 - 258، الرقم 676.
6- النهاية، ص 449 - 500.

ص: 526

كتاب الإقرار

اشارة

و النظر في الأرکان و اللواحق

و أركانه أربعة

النظر الأوّل في الصيغة

اشارة

الأوّل في الصيغة

و فيها مقاصد:

كتاب الإقرار

هو لغة الإثبات، من قولك: قرّ الشيء يقرّ، و أقررته و قرّرته: إذا أفدته القرار(1). و لم يسمّ ما يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثبات، بل لأنّه إخبار عن ثبوت و وجوب حقّ سابق.

و الأصل فيه من الكتاب قوله تعالى:«كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ»(2). فسّر شهادة المرء على نفسه بالإقرار(3). و من الأخبار قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «قولوا الحقّ و لو على أنفسكم»(4).

ص: 527


1- راجع الصحاح، ج 2، ص 790 - 791؛و لسان العرب، ج 5، ص 84 و 88؛ و المصباح المنير، ص 496،«قرر».
2- النساء (4): 135.
3- راجع التبيان، ج 3، ص 355؛ و مجمع البیان، ج 3، ص 124؛ و الكشّاف، ج 1، ص 575 ؛ و الجامع لأحكام القرآن، ج 5، ص 412 ذيل الآية 135 من سورة النساء (4).
4- راجع تلخيص الحبير، ج 3، ص 52 ، ح 1265 بتفاوت؛ و معاني الأخبار، ص 191، باب معنى مكارم الأخلاق، ح 1؛ و الأمالي، الصدوق، ص 231، ج 10، و فيهما:«و قول الحقّ و لو على نفسك»؛ و راجع أيضاً كنز الفوائد، الكراجكي، ج 2، ص 31، و فيه:«و قل الحقّ و لو على نفسك».

المقصد الأوّل في الصيغة الصريحة

اشارة

المقصد الأوّل في الصيغة الصريحة

و هي اللفظ المتضمّن للإخبار عن حقّ واجب،

قوله: «في الصيغة الصريحة. و هي اللفظ المتضمّن للإخبار عن حقّ واجب».

الإقرار عبارة عن الصيغة المخصوصة، فتعريفها يقتضي تعريفه، فكان قوله «و هي اللفظ» إلى آخره تعريفاً له كما صرّح به غيره(1).

و «اللفظ» بمنزلة الجنس يتناول المفيد و غيره، كما أنّ المفيد يتناول الإخبار و الإنشاء. و قوله «المتضمّن للإخبار» بمنزلة الفصل يخرج به سائر العقود و الإيقاعات المتضمّنة للإنشاء، كما يخرج باقي الألفاظ التي لاتتضمّن إخباراً. و دخل في «الحقّ» المال عيناً و منفعة، و توابعها من الشفعة و الخيار و أولويّة التحجير و النفس و الحدود و التعزيرات لله تعالى و للآدمي.

و أراد ب-«الواجب» معناه اللغوي و هو الثابت، فيخرج به الإخبار عن حقّ مستقبل، فإنّه ليس بإقرار، و إنّما هو وعد أو ما في معناه. و بهذا يستغنى عمّا عبّر به غيره بقوله:«عن حقّ سابق»(2). و تناوله للحقّ المؤجّل أظهر من تناول السابق له؛ لأنّه أمر ثابت الآن وإن كان استحقاق المطالبة به مستقبلاً.و يمكن اندراجه في السابق أيضاً، من حيث إنّ أصل الحقّ سابق، و إنّما المستقبل المطالبة به و تأخّر استحقاق المطالبة أمر خارج عن الإقرار؛ لأنّه عبارة عن التأجيل، و ذكره في الإقرار بالحقّ ليس إقراراً، و إنّما هو دفع لما لزم من الإخبار بأصل الحقّ، و من ثَمّ يقبل الإقرار بالحقّ لا بالأجل، كما سيأتي(3).

و ينتقض في طرده بالشهادة، فإنّها إخبار عن حقّ واجب على غير المخبر، و إطلاق الحقّ الواجب يشمل ما هو واجب عليه و على غيره، و من ثَمّ زاد بعضهم في التعريف: لازم للمخبر(4)

ص: 528


1- انظر قواعد الأحكام، ج 2، ص 411؛ و إرشاد الأذهان، ج 1، ص 408.
2- انظر قواعد الأحكام، ج 2، ص 411؛ و إرشاد الأذهان، ج 1، ص 408.
3- يأتي في ص 542.
4- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

كقوله: «لك عليّ» أو «عندي» أو «في ذمّتي» و ما أشبهه.

یصحّ الإقرار بغير العربيّة

. ویصحّ الإقرار بغير العربيّة اضطراراً و اختياراً.

و أمّا نحو «نعم» في جواب من قال: «لي عليك كذا؟» فإنّه و إن كان مفرداً إلّا أنّه متضمّن

للإخبار كالمركّب فهو داخل في التعريف و لايحتاج إلى زيادة أو ما هو في قوّة الإخبار.

قوله:«كقوله:«لك عليّ» أو «عندي» أو «في ذمّتي» و ما أشبهه».

الألفاظ الدالّة على الإقرار صريحاً، منها ما يفيد الإقرار بالدين صريحاً، كقوله: «في ذمّتي كذا». و منها: ما يفيده ظاهراً، كقوله:«عليّ كذا». و منها: ما يفيد الإقرار بالعين صريحاً، كقوله: «له في يدي كذا». و منها ما يفيده ظاهراً كقوله: «عندي كذا». و منها: ما هو صالح لهما كقوله: «لديّ».

و تظهر الفائدة فيما لو ادّعى خلاف مدلول اللفظ فإنّه لايقبل، و إن ادّعى ما يوافقه قبل. فلو عبّر بما يفيد الدين، ثمّ قال:«هو وديعة» لم يقبل. و إذا ادّعى التلف لم ينفعه، بل يلزمه الضمان، بخلاف ما لو أتى باللفظ المفيد لها كقوله:«له عندي ألف» أو الصالح لهما كقوله: «قبلي» ثمّ فسّر بالوديعة و ادّعى التلف في وقت إمكانه، فإنّه يقبل. و سيأتي تتمّة البحث في ذلك(1)، فهذه فائدة الألفاظ، و قس عليها ما أشبهها.

قوله: «و یصحّ الإقرار بغير العربيّة اضطراراً و اختياراً».

لمّا كان الغرض من الإقرار الإخبار عمّا في الذمّة أو في العهدة، و لايختصّ بلفظ معيّن، بل ما دلّ على المراد لم ينحصر في لغة، بل یصحّ إقرار أهل كلّ لغة بلغتهم و غير لغتهم إذا عرفوها؛ لحصول المراد منها، و هو الدلالة باللفظ على المعنى الذهني الذي يراد إثباته، و لم يرد من قبل الشارع ما يفيد الاختصاص بلغة خاصّة.

ثمّ إن علم أنّ المقرّ عارف بمعنى ما أقرّ به(2) لم تقبل دعواه خلافه. و إن احتمل الأمرين

ص: 529


1- يأتي في ص 564.
2- في «خ»: «ما التزمه» بدل «ما أقرّ به»

. و لو قال: «لك عليّ كذا إن شئت أو إن شئت» لم يكن إقراراً. و كذا لو قال: «إن قدم زيد». و كذا: «إن رضي فلان» أو «إن شهد».

. و لو قال: «إن شهد لك فلان فهو صادق» لزمه الإقرار فى الحال؛ لأنّه إذا صدق وجب الحقّ و إن لم يشهد.

و قال: لم أفهم معنى ما قلت بل لقّنت فتلقّنت صدّق بيمينه؛ لقيام الاحتمال، و أصالة عدم العلم بغير لغته. و كذا القول في جميع العقود و الإيقاعات.

قوله:«ولو قال: لك عليّ كذا إن شئت أو إن شئت لم يكن إقراراً» إلى آخره.

لمّا كان الإقرار إخباراً اقتضى أمراً خارجاً عن اللفظ واقعاً، سواء طابقه في النفي و الإثبات أم لا. و يلزم من ذلك أن لايجوز تعليقه على شرط و لا صفة؛ لأنّ وقوع المعلِّق مشروط بوجود المعلَّق عليه، و ذلك ينافي مقتضى الخبر. و لا فرق في ذلك بين ما يقع باختيار المخبر كقوله:«إن شئت» بالضمّ، أو بغير اختياره كقوله:«إن شئت» بالفتح، أو: «إن قدم زيد أو رضي أو شهد و نحو ذلك.

قوله:«و لو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق لزمه الإقرار في الحال» إلى آخره.

هذا الحكم ذكره الشيخ في المبسوط(1)، و تبعه عليه جماعة(2) منهم المصنّف (رحمه الله) و وجّهوه بما أشار إليه من أن صدقه يوجب ثبوت الحقّ في الحال و إن لم يشهد.(3)

و تقريره أنّه قد حكم بصدقه على تقدير الشهادة، و الشهادة لا دخل لها في تحقّق الصدق و عدمه، و إنّما الصدق يقتضي مطابقة خبره للواقع وقت الإقرار، و لايكون كذلك إلّا على تقدير ثبوت الحقّ في ذمّته حال الإقرار، فيكون إقراراً و إن لم يشهد، بل و إن أنكر الشهادة. و مثله ما لو قال:«إن شهد بكذا فهو حقّ» أو «صحيح». و كذا لو لم يعيّن الشاهد فقال: «إن

ص: 530


1- المبسوط، ج 2، ص 426.
2- منهم ابن البرّاج في جواهر الفقه، ص 91، المسألة 334؛ و يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 340؛ و العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 408؛ و قواعد الأحكام، ج 2، ص 411
3- المبسوط، ج 2، ص 426؛ جواهر الفقه، ص 91، المسألة 334

...

شهد عليّ شاهد بكذا فهو صادق» أو شهد عليه بالفعل فقال: «هو صادق». أمّا لو قال: «إن شهد صدّقته» أو «فهو عدل» لم يكن مقرّاً؛ لأنّ الكاذب قد يصدق، و الشهادة مبنیّة على الظاهر، فلا ينافي عدم مطابقتها في نفس الأمر العدالة.

وقيل في توجيه الأوّل أيضاً«إنّه يصدق كلّما لم يكن المال ثابتاً في ذمّته لم يكن صادقاً على تقدير الشهادة، و ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا:كلّما كان صادقاً على تقدير الشهادة كان المال ثابتاً في ذمّته، لكن المقدّم حقّ لإقراره، فإنّه حكم بصدقه على تقدير الشهادة، فالتالي مثله»(1).

و في الدليل(2) نظر من وجهين:

أحدهما: أنّه لم يحكم بصدقه مطلقاً و إنّما حكم به على تقدير الشهادة، و شهادته و إن كانت ممكنةً في ذاتها لكنّها قد تكون ممتنعةً في اعتقاد المقرّ، فيكون قد علّق صدقه على المحال عنده، فلايلزم منه الإقرار في الحال و لا على تقدير الشهادة، و جاز أن يريد أنّه لاتصدر منه الشهادة؛ لكونه ليس في ذمّته له شيء و هو في اعتقاده لايكذب، و هذا استعمال شائع في العرف، يقول الناس في محاوراتهم: إن شهد فلان أنّي لست لأبي صدّقته، و لايريد سوى أنّه لايشهد بذلك؛ للقطع بأنّه لايصدّقه لو قال ذلك. و إن لم يكن هذا غالباً فلا أقلّ من أنّه محتمل احتمالاً ظاهراً، فلايكون اللفظ صريحاً في الإقرار مع أصالة براءة الذمّة.

و الثاني : أنّه لايخرج بذلك عن التعليق، بل هو أدنى مرتبة منه، فإنّه إذا قال: «له عليّ كذا إن شهد به فلان» لايكون إقراراً اتّفاقاً مع أنّه صريح في الاعتراف بالحقّ على تقدير الشهادة،و الإقرار في مسألة النزاع إنّما جاء من قبل الالتزام فلأن لايكون إقراراً أولى. و ما ذكر في توجيه الإقرار وارد في جميع التعليقات، فإنّه يقال: ثبوت الحقّ على تقدير وجود

ص: 531


1- قاله المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 189.
2- في«خ ، م»: الدليلين بدل «الدليل».

. و إطلاق الإقرار بالموزون ينصرف إلى ميزان البلد، و كذا المكيل و كذا إطلاق الذهب أو الفضّة ينصرف إلى النقد الغالب في بلد الإقرار.

و لو كان نقدان غالبان أو وزنان مختلفان و هما في الاستعمال سواء رجع في التعيين إلى المقرّ.

الشرط يستلزم ثبوته الآن؛ إذ لا مدخل للشرط في ثبوته في نفس الأمر، إلى آخر ما قيل في الدليل، و القول بعدم اللزوم في الجميع قويّ(1). و هو اختيار أكثر المتأخرين(2).

قوله:«و إطلاق الإقرار بالموزون ينصرف إلى ميزان البلد، و كذا المكيل» إلى آخره.

ألفاظ الإقرار محمولة على المتفاهم منها عرفاً

ألفاظ الإقرار محمولة على المتفاهم منها عرفاً، فإن انتفى العرف فاللغة، و ذلك يقتضى حمل الإقرار بالوزن و الكيل على المتعارف في البلد منهما، و كذا إطلاق النقد من الذهب و الفضّة يحمل على نقد البلد.

أمّا غير الدراهم و الدنانير كقوله: «له عندي وزن درهم فضّة» أو «مثقال ذهب» فلايجب

حمله على النقد الغالب و هو المسكوك، بل يعتبر فيهما حقيقتهما و لو من غير المضروب. و يفارق النقد الغالب أيضاً في أنّه يعتبر خلوصه من الغشّ بخلاف النقد، فإنّه يحمل على المتعارف و إن كان مغشوشاً؛ لأنّ ذلك هو المفهوم منهما.

هذا کلّه مع اتّحاد الكيل و الوزن و النقد في البلد، أو مع تعدّده و غلبة بعضه في الاستعمال. أمّا مع تساوي المتعدّد فلايحمل على أحدها؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح، بل يرجع إليه في التعيين و يقبل منه و إن فسّر بالناقص. و كذا يقبل منه لو فسّر به مع الاتّصال مطلقاً. و لو تعذّر الرجوع إليه في التعيين بموت و نحوه فالمتيقّن الأقلّ، و الباقي مشكوك فيه

ص: 532


1- في بعض النسخ: «أقوى» بدل «قوي»
2- منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 113؛ و اللمعة الدمشقيّة، ص 269 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11 و 13)

. ولو قال : « له عليّ درهم و درهم» لزمه اثنان، و كذا:« ثمّ درهم». أو قال:»درهم فدرهم».

أمّا لو قال:«فوق درهم» أو «مع درهم» أو «قبل درهم» أو «بعده» لزمه درهم واحد؛ لاحتمال أن يكون أراد مع درهم لي، فيقتصر على المتيقّن.

قوله:«و لو قال:«له عليّ درهم و درهم» لزمه اثنان» إلى آخره.

هنا صور:

الأولى: إذا قال: «له عليّ درهم و«درهم» لزمه اثنان؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه، و لايعطف الشيء على نفسه و إن جاز عطفه على ما هو بمعناه كمرادفه؛ لتحقّق المغايرة و لو لفظاً. و مثله ما لو قال: «درهم ثمّ درهم» لأنّ «ثمّ» حرف عطف أيضاً، و اقتضاؤها التراخي لايقدح؛ لجواز تجدّد سبب أحد الدرهمين بعد الآخر.و ظاهرهم الاتّفاق على هذا الحكم، و إن كان خلاف ذلك محتملاً، بأن يريد و درهم آخر لزيد و نحوه؛ لتبادر المعنى الأوّل إلى الذهن، فلايلتفت إلى الاحتمال البعيد.

الثانیّة: لو قال: «له درهم فدرهم» قطع المصنّف (رحمه الله) بمساواته للأوّلين في لزوم الدرهمين؛ لمشاركته لهما في العطف، و احتمال غيره بعيد أيضاً.

و قيل: يلزمه هنا درهم خاصّةً(1)؛ لاحتمال أن يريد فدرهم لازم لي، و الأصل براءة الذمّة من الزائد.

و يضعّف بأنّ المتبادر الأوّل، و غيره و إن كان محتملاً إلّا أنّه خلاف الظاهر، و يحتاج إلى إضمار و هو خلاف الأصل؛ و لأنّ الاحتمال لو أثّر لأثّر فى الأوّلين، و القائل بهذا القول لايقول به فيهما فما اختاره المصنّف أقوى. نعم لو قال: «أردت فدرهم لازم لي» اتّجه قبول قوله بیمينه لو خالفه المقرّ له.

الثالثة: لو قال: «درهم فوق درهم» أو «تحته درهم» أو «مع «درهم» أو «معه درهم» أو

ص: 533


1- راجع المجموع شرح المهذّب، ج 20، ص 312.

...

«قبل درهم» أو «قبله درهم» أو «بعد درهم» أو «بعده درهم» لزمه واحد في الجميع؛ لأنّه كما يحتمل أن يكون مراده فوق درهم للمقرّ له و معه و قبله و بعده، يحتمل أن يريد فوق درهم لي أو معه أو قبله أو بعده، و إذا احتمل اللفظ الأمرين اقتصر على المتيقّن و هو الدرهم.

و فرّق جماعة(1) منهم العلّامة بين الفوقيّة و التحتيّة و المعيّة و بين القبليّة و البَعديّة، فأوجب في الأخيرين الدرهمين، فارقاً بين الأمرين بأنّ الفوقيّة و التحتيّة يرجعان إلى المكان، و لايتّصف بهما نفس الدرهم و لا بدّ من أمر يرجع إليه التقدّم و التأخّر، و ليس ذلك إلّا الوجوب عليه(2).

و أجاب المصنّف (رحمه الله) و من وافقه(3) على لزوم درهم في الجميع بأنّ القبليّة و البَعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة و غيرها. ثمّ هب أنّهما زمانيّان و أنّ نفس الدرهم لايتّصف بهما لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب، بأن يريد: درهم مضروب قبل درهم و ما أشبهه . ثمّ هب أنّهما راجعان إلى الوجوب لكن يجوز أن يريد: لزيد درهم قبل وجوب در هم لعمرو.

و اعترض العلّامة في التذكرة على ذلك بأنّه لو سمع مثل هذا الاحتمال لسمع في مثل«له عندي درهم و درهم» مع اتّفاقهم على لزوم در همين(4).

و جوابه ما تقدّم من أنّ الاحتمال في ذلك بعيد خلاف الظاهر بخلافه في هذه الأمثلة، فإنّه احتمال ظاهر. و الظروف الواقعة بعد النكرات تكون صفات من غير فرق بين ظرف الزمان و المكان، فالاحتمال فيهما على حدّ سواء. و القول بلزوم درهم في الجميع كما اختاره المصنّف أقوى.

ص: 534


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 431؛ و راجع الجامع للشرائع، ص 340.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 426.
3- كالشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 131 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ و المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 283.
4- تذكرة الفقهاء، ج ،15، ص 357، المسألة 927.

. وكذا لو قال: «درهم في عشرة» و لم يرد الضرب.

• و لو قال: «غصبته ثوباً في منديل» أو «حنطةً في سفينة» أو «ثياباً في عيبة» لم يدخل الظرف في الإقرار.

قوله «و كذا لو قال: درهم في عشرة ولم يرد الضرب».

لا إشكال في لزوم درهم واحد لو قال:«له درهم في عشرة» مع تصريحه بإرادة درهم واحد للمقرّ له و أنّ العشرة ظرف له، كما أنّه لو صرّح بإرادة الضرب لزمه عشرة. و إنّما الكلام مع الإطلاق، و مقتضى عبارة المصنّف(رحمه الله) لزوم درهم أيضاً؛ لأنّه جعل اللازم درهماً متى لم يرد الضرب فيشمل ما لو أطلق. و وجهه احتمال اللفظ للمعنيين فيحمل على المتيقّن منهما و هو الأقلّ، معتضداً بأصالة البراءة من الزائد.

و بقي قسم آخر و هو ما إذا ادّعى إرادة «مع» من «فى» فيلزمه أحد عشر، لوروده لغة(1) كما في قوله تعالى:«ادْخُلُوا فِي أُمَم»(2) فصار اللفظ مشتركاً، فيرجع إليه في إرادة أحد معانيه، و يقبل قوله فيه بغير يمين. و مع الشكّ يؤخذ بالأقلّ؛ لأنّه المتيقّن. و لو ادّعى المقرّ له إرادة بعض هذه المعاني و أنكره المقرّ فالقول قوله مع يمينه.

قوله:«و لو قال: غصبته ثوباً في منديل أو حنطةً في سفينة» إلى آخره.

الأصل في هذا الباب أنّ الإقرار بالمظروف لايقتضي الإقرار بالظرف و بالعكس؛ أخذاً بالمتيقّن. فإذا قال:«لفلان عندي» أو «غصبته ثوباً في منديل» أو «زيتاً في جرّة» أو «تمراً في جراب» أو «حنطةً في سفينة» أو «ثياباً في عيبة» - بفتح العين، و هو شيء يحفظ فيه الثياب(3)- لم يكن إقراراً بالظرف؛ لاحتمال أن يكون مراده في منديل و جرّة و سفينة لي، و غير ذلك.

ص: 535


1- لسان العرب، ج 15، ص 167، «فيا»
2- الأعراف (7): 38.
3- الصحاح، ج 1، ص 190، «عيب».

. ولو قال: «له عبد عليه عمامة» كان إقراراً بهما؛ لأنّ له أهليّة الإمساك. و ليس كذلك لو قال: «دابّة عليها سرج».

و كذا لو قال: «له عندي غمد فيه سيف» أو «جرّة فيها زيت» أو «جراب فيه تمر» أو «سفينة فيها طعام» فهو إقرار بالظرف دون المظروف.

و على هذا القياس ما إذا قال:«فرس في إصطبل» أو «عليها سرج» أو «حمار على ظهره أكاف»(1)، أو «له زمام» أو «دابّة مسرّجة» أو «دار مفروشة» لاشتراك الجميع في المعنى المقتضي، بخلاف ما لو قال: «دار بفرشها» أو «دابّة بسرجها»؛ لأنّ «الباء» تعلّق الثاني على الأوّل، أو «ثوب مطرز»؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب مع احتمال خروج الطراز إن كان ممّا

يرّكب بعد النسج.

و كالأوّل ما لو قال: «فصّ في خاتم»؛ لأنّه يقتضي الإقرار بالفصّ دون الخاتم. و لو قال:«خاتم فيه فصّ» ففى كونه إقراراً بالفصّ وجهان، أظهرهما أنّه كالأوّل: لاحتمال أن يريد فيه فصّ لي، و وجه الدخول أنّ الفصّ كالجزء من الخاتم حتّى لو باعه دخل فيه، بخلاف تلك الصور.

و خالف أبوحنيفة في جميع ذلك و حكم بدخول كلّ من الظرف و المظروف في الآخر(2). و كذا البواقي.

قوله: «ولو قال : له عبد عليه عمامة كان إقراراً بهما ؛ لأنّ له أهليّة الإمساك. و ليس كذلك لو قال: دابّة عليها سرج».

أشار بقوله«لأنّ له أهليّة الإمساك» إلى الفرق بين العبد و الدابّة. و تقريره: أنّ للعبد يداً على ملبوسه، و ما في يد العبد فهو في يد سيّدة، فإذا أقرّ بالعبد للغير كان ما في يده لذلك الغير، بخلاف المنسوب إلى الدابّة، فإنّه لايدلّها على ما هو عليها؛ و لهذا لو جاء بعبد و عليه

ص: 536


1- الإكافُ و الأكافُ من المراكب؛ شبه الرحال و الأقتاب. لسان العرب، ج 9، ص 8، «أكف».
2- الكتاب المطبوع مع اللباب ، ج 2، ص 80؛ بدائع الصنائع ، ج 7، ص 327؛ المبسوط ، السرخسي ، ج 17، ص 224.

• و لو قال:«له قفيز حنطة، بل قفيز شعير» لزمه القفيزان. و كذا لو قال:«له هذا الثوب، بل هذا الثوب».

أمّا لو قال:« له قفيز، بل قفيزان» لزمه القفيزان حسب. و لو قال:«له درهم، بل درهم» لزمه واحد.

عمامة و قال: «هذا العبد لزيد» كانت العمامة له أيضاً، و لو جاء بدابّة و عليها سرج و قال:«هذه الدابّة لزيد» لم يكن السرج له.

و فيه: أنّ دخول ما على العبد حينئذٍ من جهة اليد لا من جهة الإقرار و مع ذلك فالسيّد المقرّ له لا يد له على العبد و إنّما اليد عليه للمقرّ، فإذا أقرّ ببعض ما تحت يده لايسري الإقرار إلى غيره، و هذا أوجه. و لبعض الأصحاب قول بدخول السرج في الدابّة أيضاً(1). و هو بعيد.

و في القواعد تردّد في دخول السرج و الفرش لو قال:«له دابّة مسرجة» أو «دار مفروشة» كما لو قال:«عبد عليه عمامة»(2)، من حيث إنّ المتبادر دخول ذلك، و لأنّه وصف الدابّة بكونها مسرجة و الدار بأنّها مفروشة و العبد بكونه ذا عمامة، فإذا سلّمها بغير الوصف لم تكن المقرّ بها.

و جوابه: أنّ وصفها بذلك لايقتضي استحقاقها على هذا الوصف؛ لعدم المنافاة بين ذلك و بين أن يقول: «عليها سرج لي» أو «مفروشة بفراش لي» و نحو ذلك، و مع قيام الاحتمال لايظهر الإقرار بالمحتمل.

قوله: «ولو قال:«له قفيز حنطة، بل قفيز شعير» لزمه القفيزان» إلى آخره.

اعلم أنّ «بل» حرف إضراب بما بعدها عمّا قبلها و عدول عنه. ثمّ إن تقدّمها إيجاب و تلاها مفرد جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه فلايحكم عليه بشيء، و أثبتت الحكم

ص: 537


1- كابن الجنيد، على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 539 ، المسألة 247.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 424 - 425

...

لما بعدها. و حيث كان الأوّل إقراراً صحيحاً استقرّ حكمه بالإضراب عنه، و ثبت ما بعده أيضاً.

ثمّ إن كانا مختلفين أو معيّنين(1) لم يقبل إضرابه؛ لأنّه إنكار للإقرار الأوّل و هو غير مسموع. و إن كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد إن اتّحد مقدار ما قبل«بل» و ما بعدها، و إن اختلفا كمّيّةً لزمه الأكثر.

و إن تقدّمها نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه، و جعل ضدّه لما بعدها.

و على هذا يتفرّع ما ذكره المصنّف من المسائل و غيرها. فإذا قال:«له قفيز حنطة بل قفيز شعير» فقد أقرّ بالحنطة، و لايقبل إضرابه عنه و إنكاره له بقوله:«بل قفيز شعير» و يلزمه الشعير أيضاً، لإقراره به؛ لأنّهما مطلقان و مختلفان.

و لو قال: «له هذا الثوب بل هذا الثوب» فكذلك؛ لأنّ اختلافهما من جهة التعيين، فإنّ أحد المعيّنين غير الآخر.

و لو كان أحدهما معيّناً و الآخر مطلقاً، فإن اتّحدا قدراً و صنفاً حمل المطلق على المعيّن، سواء تقدّم أو تأخّر، ك«له درهم بل هذا الدرهم» أو «هذا الدرهم بل درهم» و إنّما جمع بينهما لصدق المغايرة، مع عدم المنافاة بين الجميع؛ إذ یصحّ أن يقال: له درهم يحتمل كونه هذا و غيره بل هو هذا الدرهم، لكن يتعيّن هذا الوصف الزائد في أحدهما - و هو التعيين -

فيتعيّن المعيّن.

و لو كانا مطلقين متّحدي المقدار ک«له درهم بل درهم» لزمه درهم؛ لأنّهما مطلقان فلايمتنع أن يكون أحدهما هو الآخر. و فائدة الإضراب جاز أن يكون قد أراد استدراك الزيادة أو التعيين أو غيرهما فذكر أن لا حاجة إليه(2)، مؤيّداً بأصالة براءة الذمّة من غيره.

ص: 538


1- في بعض النسخ: «متّفقین» بدل «معيّنين».
2- في بعض النسخ و الحجريّة: «إليهما» بدل «إليه».
لو أقرّ لميّت بمال و ادّعی انحصار وارثه

. ولو أقرّ لميّت بمال و قال:«لا وارث له غير هذا أُلزم التسليم إليه.

و ربما قيل: يلزمه در همان؛ لاستدعاء الإضراب المغايرة. و مثله القول في المطلق و المعيّن المتّحدين مقداراً.

و لو اختلفا بالكمّيّة ك«له قفيز بل قفيزان» لزمه الأكثر؛ لدخول الأقلّ في الأكثر، كدخول المطلق في المعيّن و لو بالاحتمال؛ لعدم التنافي بين قوله«له قفيز بل زائد عليه» فيتمسّك بأصالة براءة الذمّة من الزائد على الأكثر و إن كان الجميع محتملاً. و لو عكس فقال:«قفيزان بل قفيز» لزمه القفيزان؛ لأنّ الرجوع عن الأكثر لايقبل(1)، و يدخل فيه الأقلّ.

ولو قال:«دینار بل ديناران، بل ثلاثة» لزمه ثلاثة. و لو قال:«دينار بل دیناران بل قفیز بل قفيزان» لزمه ديناران و قفيزان. و لو قال:«دينار و دیناران بل قفيز و قفيزان» لزمه ثلاثة دنانير و ثلاثة أقفزة، و قس على هذا.

ولو كان أحدهما معيّناً دخل المطلق أو قدره فيه ك«له هذا القفيز بل قفيزان» فيتعيّن المعيّن و يلزمه إكماله بآخر، و لو عكس دخل المطلق و لم يتغيّر حكم الأكثر .

و لو جمع بين المختلفين كمّيّة و تعييناً ، ک«له هذا القفيز الحنطة بل هذا القفيزان الشعير» فأولى بعدم التداخل و يلزمه الثلاثة.

و مع تقدّم النفي على حرف الإضراب ك«ما له عليّ درهم بل درهمان» أو «ما له هذا الدرهم بل هذا أو بل هذان» أو «ما له درهم بل درهم» و نحو ذلك، فالمتقدّم منفيّ على أصله، و الثابت ما بعد «بل» كيف كان. و قس على هذا ما يرد عليك من نظائره.

قوله:«ولو أقرّ لميّت بمال و قال: «لا وارث له غير هذا» ألزم التسليم إليه».

إذا أقرّ لميّت بمال و قال: «لا وارث له غير هذا» فهو في قوّة الإقرار للوارث المشار إليه، إلّا أنّ إقراره له وقع بعد إقراره بالمال لغيره و هو الميّت، فقد يحصل بين الإقرارين تناف، و قد يتحقّق عدم المنافاة، و قد يحتمل الأمرين.

ص: 539


1- في بعض النسخ:«لا يفيد» بدل «لايقبل».

...

و تحرير الحال أنّ الميّت إمّا أن يكون معلوم النسب و وارثه منحصراً في المعيّن يقيناً أو يحتمل كون الوارث غير المعيّن أو هو مع غيره. ثمّ لايخلو إمّا أن يكون المال عيناً أو ديناً.

و مقتضى كلام المصنّف و جماعة(1) قبول الإقرار للمعيّن و وجوب التسليم إليه مطلقاً. و وجهه أنّ الإقرار وقع جملة واحدة لازمها أنّ المال لهذا المعيّن المشار إليه، فيلزم بالتسليم إليه و لايلتفت إلى الاحتمال، كما لايجب علينا البحث عن سبب الملك مع احتمال كونه غير صحيح.

و يضعّف بأنّه مع العلم بوجود وارث للميّت غيره أو معه يكون تعيينه الثاني منافياً لإقراره به للميّت المسموع فلا يسمع، بل يحكم به لوارثه كيف كان.

و أمّا مع الجهل بالحال و احتمال انحصار الإرث في المعيّن فلايخلو إمّا أن يكون المال المقرّ به ديناً أو عيناً. فإن كان ديناً أُلزم بتسليمه إليه؛ لاعترافه بأنّه يستحقّ في ذمّته ذلك القدر فيؤاخذ به. ثمّ لايحصل على غيره من الوراث ضرر بذلك؛ لأنّه على تقدير ظهور وارث أولى أو مشارك يلزم المقرّ بالتخلّص من حقّه؛ لأن المدفوع إلى المقرّ له الأوّل نفس مال المقرّ و حقّ الوارث باق في ذمّته ؛ لأنّ الدين لا يتعيّن إلّا بقبض مالكه أو وكيله، و هما منتفيان هنا.

و إن كان المقرّ به عيناً لم يؤمر بالدفع إليه إلّا بعد بحث الحاكم عن الوارث على وجه لو كان لظهر غالباً؛ لأنّ إقراره الأوّل للميّت مقبول فيكون لوارثه، و قوله «لا وارث له إلّا هذا» إقرار في حقّ الغير فلايسمع بحيث يلزم بالتسليم إليه؛ لما فيه من التغرير بالمال المعيّن بإعطائه من لايتيقّن كونه المالك بخلاف الدين؛ لأنّ الإقرار به إقرار على نفسه خاصّةً؛ لأنّه على تقدير ظهور وارث لايفوت حقّه من الذمّة بخلاف العين، فإنّ خصوصيّتها تفوت و إن بقي بدلها.

نعم، لو سلّم العين إليه لم يمنع منه؛ لعدم المنازع الآن، فإن ظهر وارث آخر فله المطالبة

ص: 540


1- منهم الشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 434؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 413؛ و العلّامة في إرشاد الأذهان ، ج 1، ص 407.
إذا أقرّ بمالٍ معلّقاً علی الأجل

• و لو قال: «له علىَّ ألف إذا جاء رأس الشهر» لزمه الألف. و كذا لو قال: «إذا جاء رأس الشهر فله عليّ ألف» و منهم من فرّق و ليس شيئاً.

شاء منهم بحقّه، فإن وجد العين باقيةً رجع إليها، و إن وجدها تالفةً تخيّر في مطالبة من شاء بالبدل، مثلاً أو قيمة. و قد تقدّم البحث على نظير المسألة في كتاب الوكالة(1).

قوله: «ولو قال:«له عليّ ألف إذا جاء رأس الشهر» لزمه الألف» إلى آخره.

إذا قال: «له علىَّ كذا إذا جاء رأس الشهر» ونحوه من التعليقات على الأجل، فإن علم من قصده إرادة التعليق فلا شبهة في بطلان الإقرار ؛ لما تقدّم من أنّ الإقرار يلزمه التنجيز(2)؛ لأنّه إخبار عن أمر واقع فلايجامع اشتراط وقوعه بأمر مستقبل؛ لأنّ الواقع لايعلّق بشرط. و إن قصد التأجيل صحّ إقراره و إن أطلق و لم يعلم منه إرادة أحد الأمرين فظاهر المصنّف (رحمه الله) و جماعة حمله على المعنى الثاني(3)؛ لأنّه ظاهر فيه، و حملاً للكلام على الوجه الصحيح ما أمكن حمله عليه.

و يحتمل قويّاً الرجوع إليه في قصده و قبول قوله فيه مطلقاً أو مع اليمين إن ادّعى المقرّ له خلاف ما ادّعى قصده؛ لاحتمال اللفظ للمعنيين، و كما أنّ حمله على التأجيل يفيد حكماً شرعيّاً فكذا حمله على التعليق؛ لأنّ البطلان أيضاً حكم شرعي، و الأصل براءة الذمّة من

التزام شيء بدون اليقين أو الظهور، و هو منتف هنا؛ لاشتراك اللفظ بين المعنيين.

و فصّل بعضهم فقال:«إن قدّم الشرط فقال:«إن جاء رأس الشهر فعليّ كذا»كان إقراراً معلّقاً فيبطل، و إن أخّره كان إقراراً بمؤجّل»(4).

و الفرق أنّه إذا بدأ بالشرط لم يكن مقرّاً بالحقّ و إنّما علّقه بالشرط، بخلاف ما إذا أخّره،

ص: 541


1- تقدّم في ج 4، ص 514 و ما بعدها.
2- تقدّم في ص 530.
3- راجع تبصرة المتعلّمين، ص 122.
4- كالعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 415 - 416، ذيل الرقم 6001.

...

فإنّه يكون قد أقرّ بالألف أوّلاً، فإذا قال:«إذا جاء رأس الشهر» احتمل أن يريد به محلّها و وجوب تسليمها و أن يريد الآخر، فلايحمل على الثاني حذراً من تعقيب الإقرار بالمنافي، بل على الأوّل؛ لعدم المنافاة.

و ردّه المصنّف و غيره من المحقّقين، بأنّه لا فرق من حيث اللغة و العرف بين تقديم الشرط

و تأخيره(1)، و أنّ الشرط و إن تأخّر لفظاً فهو متقدّم معنىً و له صدر الكلام.

إذا تقرّر ذلك فنقول: إذا حملناه على الصحّة أو فسّر بإرادة التأجيل قبل منه الإقرار بأصل المال، لكن هل يقبل منه الإقرار بالأجل؟ فيه قولان:

أحدهما: عدم القبول(2)؛ لثبوت أصل المال بإقراره، و الأجل دعوى زائدة على أصل الإقرار فلا تسمع، كما لو أقرّ بالمال ثمّ ادّعى قضاءه؛ و لأنّ الأصلالحلول، فدعوى التأجيل خلاف الأصل، فيكون مدّعيه مدّعياً.

و الثاني: القبول(3)؛ لأنّ الإقرار التزام المقرّ بما أقرّ به دون غيره، وإنّما أقرّ بالحقّ المؤجّل فلايلزمه غيره.

و لأنّ قوله:«له ألف إلى شهر» فى قوّة قوله:«ألف» موصوفة بالتأجيل المعيّن، فيكون

ذلك كقوله:«له ألف درهم من النقد الفلاني» أو بوصف كذا.

و لأنّ الكلام الواقع منه جملةً واحدةً لا يتمّ إلّا بآخره و إنّما يحكم عليه بعد كماله، كما لو عقّبه باستثناء أو وصف أو شرط.

و لأنّه لولا قبول ذلك منه لأدّى إلى انسداد باب الإقرار بالحقّ المؤجّل، فإذا كان على الإنسان دين مؤجّل و أراد التخلّص منه بالإقرار فإن لم يسمع منه لزم الإضرار به، و ربما كان

ص: 542


1- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 191.
2- هو قول الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 377، المسألة 28؛ و ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 513؛ و ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 533 ، المسألة 233.
3- هو قول الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 442؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 414.

. ولو قال المالك:«بعتك أباك» فإذا حلف الولد انعتق المملوك و لم يلزم الثمن.

الأجل طويلاً بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقرّ بأصل الحقّ خوفاً من إلزامه به حالّاً و الإضرار به، فيؤدّي تركه إلى الإضرار بصاحب الحقّ، و هذا غير موافق لحكمة الشارع. و حينئذٍ فالقبول قويّ.

و المصنّف (رحمه الله) اقتصر على مجرّد الحكم بلزوم الألف و لم يتعرّض لإثبات

الأجل و لا لنفيه، لكنّه إلى لزومه حالّاً أقرب، و لأنّه مذهب الأكثر.

و اعلم أنّ العبارة المقتضية للإقرار بالحقّ المؤخّر قد تكون صريحةً في التعليق، كما إذا علّقه بشرط لايطابق الأجل الشرعي، كقوله:«إذا قدم زيد» و نحوه. و هذا لا إشكال في فساده و قد تكون صريحةً في التأجيل، كقوله:«له ألف مؤجّلة إلى شهر» و لا إشكال في لزوم أصل المال، و إنّما الإشكال في قبول الأجل، و قد تكون محتملةً للتعليق و التأجيل كقوله:«له ألف إذا جاء رأس الشهر». و الخلاف فيه في موضعين: أحدهما في أصل الصحّة، و الثاني

على تقدير الصحّة في ثبوت الأجل وعدمه.

قوله:«و لو قال المالك بعتك أباك، فإذا حلف الولد انعتق المملوك و لم يلزم الثمن.»

إذا قال مالك العبد لولده:«بعتك أباك» فأنكر الشراء، فدعوى المالك تضمّنت أمرين: أحدهما: لزوم الثمن للمشتري.

و الثاني: انعتاق العبد فأمّا ما تضمّنه من لزوم الثمن للمشتري المترتّب على البيع فهو مجرّد دعوى، و القول قول الولد في عدم الشراء؛ لأنّه منكر فينتفي عنه الثمن كما ينتفي عنه

أصل الشراء.

و أمّا تضمّنها لانعتاق العبد فهو إقرار بعتق عبده الذي هو تحت يده؛ لأنّ دعواه شراء ابنه أباه يستلزم ذلك فيؤاخذ بإقراره، و يحكم بعتق العبد من غير عوض. و ينتفي ولاؤه عن الابن لإنكاره الشراء، و عن المقرّ ؛ لاعترافه بأنّه لم يعتقه، فيبقى سائبة(1).

ص: 543


1- في «م»: «فيبقى سائبة و ولاؤه موقوفاً» وفي الحجريّة: «فولاؤه يبقى موقوفاً».

• و لو قال:«ملكت هذه الدار من فلان» أو «غصبتها منه» أو «قبضتها منه» كان إقراراً له بالدار، و ليس كذلك لو قال:«تملّكتها على يده» لأنّه يحتمل المعونة.

و لو قال:«كان لفلان عليّ ألف» لزمه الإقرار؛ لأنّه إخبار عن تقدّم الاستحقاق، فلاتقبل دعواه في السقوط.

قوله:«و لو قال : ملكت هذه الدار من فلان، أو غصبتها منه، أو قبضتها منه كان إقراراً له

بالدار» إلى آخره.

وجه كونه إقراراً في الأوّل أنّ «ملكتها منه» أو «غصبتها» أو «قبضتها» يقتضي الإقرار له باليد، و هي ظاهرة في الملك إلى أن يثبت خلافه، و إن أمكن كونها بيده على جهة العارية أو الوكالة، بخلاف قوله:«تملّكتها على يده» فإنّه لايقتضي إلّا جريان سبب الملك على يده، و هو أعمّ من صدوره منه، فلايدلّ على كونه مالكاً؛ لجواز كونه وكيلاً أو دلّالاً، أو نحو ذلك.

قوله:«و لو قال: كان لفلان عليّ ألف، لزمه الإقرار» إلى آخره.

إطلاق قوله«كان له عليّ كذا» يقتضي ثبوته في الزمن الماضي، و لايدلّ على الزوال؛ لاستعماله لغةً في المستمر(1)، كقوله تعالى:«وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(2) و غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة في القرآن و غيره، لكنّها تشعر بذلك بحسب العرف، و لاتبلغ حدّ العلم به بحيث يستقرّ الاستعمال فيه، فيحكم بالاستصحاب و لو صرّح بعده بدعوى سقوطه لم تسمع؛ لأنّه إقرار بالمنافي؛ لأصالة البقاء.

و خالف في ذلك بعض العامّة، فحكم بكونه ليس إقراراً في الحال(3)؛ لأصالة براءة الذمّة، و لأنّه لم يذكر عليه شيئاً في الحال وإنّما أخبر بذلك في زمن ماضٍ كما لو شهدت البيّنة به كذلك.

ص: 544


1- راجع لسان العرب، ج 13، ص 367، «كون».
2- النساء (4): 17.
3- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 286، المسألة 3830؛ وروضة الطالبين، ج 4، ص 22 - 23.

المقصد الثاني في المبهمة

اشارة

المقصد • الثاني في المبهمة

و فيها مسائل:

إذا قال:له علىّ مال

الأولى: • إذا قال: «له علىّ مال» أُلزم التفسير، فإن فسّر بما يتموّل قُبل و لو كان قليلاً.

و لو فسّر بما لم تجر العادة بتموّله، كقشر الجوزة و اللوزة لم يُقبل.

و كذا لو فسّر المسلم بما لايملكه و لاينتفع به كالخمر و الخنزير و جلد الميتة؛ لأنّه لايعدّ مالاً.

قوله: «الثاني في المبهمة، و فيها مسائل».

المقرّ به قد يكون معيّناً مفصّلاً، و قد يكون مبهماً مجهول الحال. وإنّما احتمل فيه الإبهام لأنّه إخبار عن سابق، و الشيء يخبر عنه مفصّلاً تارةً و مجملاً أُخرى، و ربما كان في ذمّة

الإنسان شيء لايعلم قدره فلابدّ له من الإخبار عنه، فيتواطئان هو و صاحبه على الصلح بما يتّفقان عليه، فدعت الحاجة و اقتضت الحكمة إلى سماع الإقرار المجمل كما يسمع المفصّل. و يخالف الإنشاءات حيث لاتحتمل الجهالة و الإجمال غالباً؛ احتياطاً لابتداء الثبوت، و تحرّزاً عن الغرر، و هذا لايجري في الإخبار.

و لافرق في الأقارير المجملة بين أن تقع ابتداءً أو في جواب دعوى معلومة، كما إذا ادّعى عليه ألف درهم فقال:«لك عليّ شيء» و الألفاظ التي تقع فيها الجهالة و الإجمال لا حصر لها، فذكر المصنّف (رحمه الله) و غيره(1) من الفقهاء ما هو أكثر استعمالاً و دوراناً على الألسنة ليعرف حكمها و يقاس عليها غيرها.

قوله:«إذا قال:«له عليّ مال» أُلزم التفسير - إلى قوله - مثله في الذمّة».

المال من الصيغ المجملة؛ لاحتماله القليل و الكثير. فإذا قال:«له عليّ مال» رجع في

ص: 545


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 419 - 428.

و كذا لو فسّره بما ينتفع به و لايملك كالسرجين النجس و الكلب العقور.

أمّا لو فسّره بكلب الصيد أو الماشية أو كلب الزرع قّبل.

و لو فسّره بردّ السلام لم يقبل؛ لأنّه لم تجرِ العادة بالإخبار عن ثبوت مثله في الذمّة.

تفسيره إليه، فإن فسّره بتفسير صحيح قُبل منه، و إن امتنع حبس حتّى يبيّن؛ لأنّ البيان واجب عليه، كما يحبس على الامتناع من أداء الحقّ، إلّا أن يقول: نسيت مقداره، فلا يتّجه الحبس، بل يرجع إلى الصلح أو يصبر عليه حتّى يتذكّر.

و على تقدير تفسيره له فإن فسّره بما يتموّل قُبل قلَّ أم كثر، كفلس و رغيف و تمرة حيث

يكون لها قيمة. و لو فسّره بما لايتموّل لم يقبل، سواء كان من جنس ما يتموّل كحبّة من حنطة و شعير و سمسم، أم لا كالكلب العقور و السرجين النجس و جلد الميتة عند من لايجعلها قابلةً للطهارة بالذكاة.

و ربما قيل بقبول تفسيره بما يكون من جنس ما يتموّل؛ لأنّ المال أعمّ من المتموّل؛ إذ كلّ متموّل مال و لاينعكس(1).

و الأظهر الأوّل؛ لأنّه و إن دخل في اسم المال إلّا أن قوله «له عليّ» يقتضي ثبوت شيء في الذمّة، و ما لايتموّل لايثبت في الذمّة و إن حرم غصبه و وجب ردّه.

و لو فسّره بأحد الكلاب الأربعة قُبل؛ لأنّها مال متموّل عند من يجوز بيعه(2). و كذا الجرو القابل للتعليم.

و لايقبل تفسيره بما لايعدّ مالاً و إن كان حقّاً كردّ السلام و تسميت العاطس و العيادة؛ لأنّ ذلك لايعدّ مالاً و لايثبت في الذمّة و إن استحقّ مرتكبها الإثم كترك ردّ السلام. و لو علّل

ص: 546


1- راجع تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 296، المسألة 887.
2- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 220؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 248؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5 ، ص 43 - 44، المسألة 5.
إذا قال:له عليّ شيء

الثانیّة: • إذا قال: «له عليّ شيء» ففسّره بجلد الميتة أو السرجين النجس، قيل: يُقبل؛ لأنّه شيء. و لو قيل: لايُقبل؛ لأنّه لايثبت في الذمّة كان حسناً.

المصنّف عدم الاجتزاء بردّ السلام بعدم كونه مالاً و الإقرار إنّما كان بالمال لكان أظهر، و إنّما يحسن تعليله بعدم ثبوته في الذمّة على تقدير أن يكون الإقرار بالشيء أو بالحقّ كما ذكره غيره(1)

و لو فسّره بوديعة قّبل؛ لأنّها مال يجب عليه ردّها عند الطلب، و قد يتعدّى فيها فتكون مضمونةً.

و قال بعضهم: لايُقبل؛ لأنّها في يده لا عليه(2). و لايُقبل بحقّ الشفعة؛ لأنّه حقّ لا مال كردّ السلام و العيادة.

قوله: «إذا قال: له عليّ شيء، ففسّره بجلد الميتة أو السرجين النجس» إلى آخره.

الشيء أعمّ من المال، فكلّ ما يقبل تفسير المال به يقبل به تفسير الشيء و لاينعكس؛ إذ يقبل تفسير الشيء بحدّ القذف و حقّ الشفعة؛ لأنّهما شيء، دون المال.

و في قبول تفسيره بجلد الميتة و السرجين النجس و الخمر المحرّمة قولان:

أحدهما: القبول؛ لصدق الشيء عليها وإمكان المنفعة بها و تحريم أخذها؛ لثبوت الاختصاص فيها. و هو اختيار العلّامة في أحد قوليه(3).

و الثاني - وهو الأجود - العدم(4)؛ لأنّ اللام في «له» و «عليّ» ظاهرة في الملك، و تلك الأشياء ليست بمملوكة.

و في قبول تفسيره بما لايتموّل كحبّة الحنطة و قمع الباذنجان قولان:

و أَولى بالقبول هنا، و هو اختياره في التذكرة؛ لأنّه شيء يحرم أخذه و على من أخذه ردّه(5).

ص: 547


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 419؛ وتذكرة الفقهاء، ج 15، ص 298، المسألة 888.
2- قاله النووي في روضة الطالبين، ج 4، ص 26.
3- راجع تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 297، المسألة 887.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 419؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 4، ص 406، الرقم 5990.
5- تذكرة الفقهاء ، ج 15 ، ص 296 - 297، المسألة 887.
لو قال:له عليّ مال عظيم و نحوه

• ولو قال:«مال جليل» أو «عظيم» أو «خطير» أو «نفيس» قبل تفسيره و لو بالقليل.

و لو قال:«كثير» قال الشيخ: يكون ثمانين، رجوعاً في تفسير الكثرة إلى رواية النذر. و ربما خصّها بعض الأصحاب بموضع الورود. و هو حسن.

و كذا لو قال:«عظيم جدّاً» كان كقوله: «عظيم» و فيه تردّد.

و الثاني: عدم القبول؛ لأنّه لا قيمة له فلایصحّ التزامه بكلمة «عليّ»، و لهذا لاتصحّ الدعوى به(1).

و فيه منع عدم سماع الدعوى به و عليه يترتّب ثبوته ب«عليّ» و إن لم يكن متموّلاً.

و لايقبل تفسيره بردّ السلام و العيادة؛ لأنّه بعيد عن الفهم في معرض الإقرار؛ إذ لامطالبة

بهما و الإقرار في العادة ما يطلبه المقرّ الغير و يدّعيه.

نعم، لو قال:«له عليّ حقّ» قال في التذكرة:«يقبل بهما؛ لما روي في الخبر من أنّ حقّ المسلم على المسلم أن يردّ سلامه و يسمّت عطسته و يجيب دعوته، إلى غير ذلك من الحقوق»(2).

و الأشهر عدم القبول؛ لأنّ الحق أخصّ من الشيء فيبعد أن يقبل تفسير الأخصّ بما لايقبل به تفسير الأعمّ.

و يمكن الجواب بأنّ أهل العرف يطلقون الحقّ و يريدون هذه الأمور، فيقولون: لفلان

على فلان حقّ، و يريدون خدمته له وسعيه إلى بابه، ونحو ذلك.

قوله«و لو قال: مال جليل، أو عظيم، أو خطير، أو نفيس، قبل تفسيره» إلى آخره.

هنا مسائل:

الأولى: لو أقرّ بمال جليل أو عظيم أو كثير أو جزيل أو نفيس أو خطير أو غير تافة أو

ص: 548


1- العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 301؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 25.
2- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 298 - 299، المسألة :888؛ و للرواية راجع كنز الفوائد، الكراجكي، ج 1، ص 306.

...

مال و أيّ مال و نحو ذلك، قُبل تفسيره بأقلّ ما يتموّل كما لو أطلق المال؛ لأنّه يحتمل أن یرید به عظیم خطره بكفر مستحلّه و وزر غاصبه و الخائن(1) فيه، و لأنّه ليس في العظيم و ما في معناه حدّ في الشرع و لا في اللغة و لا في العرف و الناس مختلفون في ذلك، فبعضهم يستعظم القليل نظراً إلى ما ذكرناه، و بعضهم يستعظمه لشحّه و اعتنائه بالمال، و بعضهم لايستعظم الكثير لكونه على خلاف ذلك الخلق، فيرجع إلى تفسيره فيه؛ لأنّه أعرف بمراده، و الأصل الذي يبنى عليه الإقرار الأخذ بالمتيقّن و الترك لغيره و عدم اعتبار الغلبة.

و للعامّة في ذلك مذاهب مختلفة، فاعتبر بعضهم عشرة دراهم(2)، وآخرون نصاب القطع(3). و آخرون مائتي درهم(4)، و أكثرهم على ما ذكرناه.

الثانیّة : لو قال:«له مال كثير» قال الشيخ (رحمه الله): يلزمه ثمانون(5)، بناءً على الرواية التي تضمّنت أنّ من نذر الصدقة بمال كثير يلزمه الصدقة بثمانين درهماً. و استشهد عليه بقوله تعالى:«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ»(6)، فإنّها عدّت فوجدت ثمانين موطناً(7).

و عدّاها الشيخ (رحمه الله) إلى الوصيّة و إلى الإقرار،(8)، نظراً إلى أنّ ذلك تقدير شرعي للكثير، و هو ضعيف؛ لأنّ ذلك على خلاف الأصل فيقتصر فيه على تقدير التزامه على مورده، مع أنّ الرواية مرسلة. و كون المواطن التي نصر فيها ثمانين - على تقدير تسليم ذلك

ص: 549


1- في بعض النسخ:«و الجائر» بدل «و الخائن».
2- راجع بدائع الصنائع، ج 7، ص 325 - 326؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 316، المسألة 3864.
3- الحاوي الكبير، ج 7، ص 13.
4- حلية العلماء، ج 8، ص 341.
5- الخلاف، ج 3، ص 359 - 360، المسألة 1؛ و راجع المبسوط، ج 2، ص 407.
6- التوبة (9): 25.
7- الكافي، ج 7، ص 463 - 464، باب النوادر، ح 21؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 309، ح 1147، و ص 317، ح 1180.
8- الخلاف، ج 3، ص 359، المسألة 1؛ المبسوط، ج 2، ص 407.

...

العدد _ لايدلّ على انحصار الكثير فيها؛ لأنّ ذلك ليس بحدّ للكثير أو لأقلّه، بل فيه وصف ذلك بالكثرة، وهو لايمنع من وقوع اسمها على ما دون ذلك العدد، و قد قال تعالى:«كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً»(1) و ليس المراد منها ما ذكره، و كذا قوله تعالى:«اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(2) و أمثاله في القرآن كثير.

و لقد أغرب ابن الجنيد حيث جعل «العظيم» ك«الكثير» في إفادة العدد المذكور.(3).

و بعض العامّة وافق على انحصار «الكثير» فيما دلّت عليه الآية، لكنّه جعل العدد اثنين و سبعين؛ مدّعياً أنّ غزواته و سراياه كانت كذلك(4)، و أكثر السير على خلاف الأمرين(5)، و الأشهر منها أنّ غزواته كانت بضعاً و عشرين و سراياه ستّين، و في كثير منها لم يحصل قتال و لايوصف بالنصرة، و بعضها يكون فيها خلافها. الثالثة: لو قال:«له علىّ مال عظيم جدّاً» فهو كما لو قال:«له مال عظيم»؛ لأصالة البراءة من الزائد عمّا يفسّره، و احتمال تأويل المبالغة بما أوّل به أصل الوصف بالعظمة ، فإنّ العظيم يختلف في الاعتبار، فجاز المبالغة في تعظيم ما عظّمه الله و رتّب عليه ما ذكر من الأحكام.

و المصنّف(رحمه الله) تردّد في ذلك ممّا ذكر، و من اقتضاء ذلك المبالغة في الكثرة، و هو يقتضي زيادتها عمّا دلّ عليه اللفظ الخالي عنها، فلايقبل تفسيرهما بأمر واحد. و الأظهر الأوّل، بل لم يذكر غيره فيه إشكالاً و لا احتمالاً(6)

ص: 550


1- البقرة (2): 249.
2- الأحزاب (33): 41.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 539 - 540 ، المسألة 248.
4- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 316، المسألة 3864؛ و الآية في سورة التوبة (9): 25.
5- انظر المغازي، الواقدي، ج 1، ص 7؛ و السيرة النبويّة، ج 4، ص 256؛ و مروج الذهب، ج 2، ص 287 و 289.
6- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 420.

•و لو قال: أكثر ممّا لفلان أُلزم بقدره و زيادة، و يرجع في تلك الزيادة إلى المقرّ.

و لو قال: كنت أظنّ ماله عشرة، قُبل ما بنى عليه إقراره، و لو ثبت أنّ مال فلان يزيد عن ذلك؛ لأنّ الإنسان يخبر عن وهمه، و المال قد يخفى على غير صاحبه.

قوله«و لو قال: أكثر ممّا لفلان، ألزم بقدره و زيادة إلى آخره.

إطلاق العبارة يدلّ على أنّ الأكثريّة محمولة على أكثريّة المقدار، و لايحمل على أكثريّة

الاعتبار كما اعتبر في المسائل السابقة.

و وجهه أنّ الظاهر المتبادر هو الكثرة العدديّة، فيكون حقيقةً فيها. و بهذا قطع جماعة من

الأصحاب(1) منهم الشهيد (رحمه الله)(2).

و اختلف كلام العلّامة، ففي التحرير(3) و الإرشاد حمل الإطلاق على كثرة المقدار كما ذكره المصنّف ولكن قال:«إنّه لو ادّعى عدم إرادة الكثرة في المقدار، بل إنّ الدين أكثر بقاءً من العين، و الحلال أكثر

بقاءً من الحرام قبل، و له حينئذٍ التفسير بأقلّ ما يتموّل»(4).

و في القواعد اقتصر على أنّه لو فسّره بأكثر عدداً أو قدراً أُلزم بمثله و زيادة. و تردّد في

قبول قوله لو فسّره بالبقاء أو المنفعة أو البركة(5)، و لم يذكر حالة الإطلاق.

و في التذكرة قطع بأنّه مع الإطلاق يقبل تفسيره بأقلّ متموّل و إن كثر مال فلان. قال:«لأنّه يحتمل أن يريد به أنّه دين لايتطرّق إليه الهلاك، و ذلك عين معرض للهلاك؛ أو يريد

ص: 551


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 407؛ و ابن البرّاج في جواهر الفقه، ص 86-87. المسألة 316؛ و يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 342.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 128 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 407 ، الرقم 5991.
4- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 410.
5- قواعد الأحكام، ج 2، ص 420 - 421.

...

أنّ مال زيد عليّ حلال و مال فلان عليّ حرام، و القليل من الحلال أكثر بركةً من الكثير

من الحرام»

- قال: - و كما أنّ القدر مبهم في هذا فكذلك الجنس و النوع مبهمان. و لو قال:«له عليّ أكثر من مال فلان عدداً» فالإبهام في الجنس و النوع و لو قال:«له من الذهب أكثر ممّا لفلان» فالإبهام في القدر و النوع. و لو قال:«من صحاح الذهب» فالإبهام في القدروحده. و لو قال: «له علىّ أكثر من مال فلان» و فسّره بأكثر منه عدداً و قدراً لزمه أكثر منه، و يرجع إليه في تفسير الزيادة و لو حبّةً أو أقلّ(1). انتهى.

و هذا القول هو الموافق للحكم المتّفق عليه في المسائل السابقة، فإنّ الكثرة و نظائرها إذا لم تحمل عند الإطلاق على كثرة المقدار، و اكتفي في نفي الزيادة باحتمال إرادة كثرة الأخطار، فكذلك الأكثريّة. و دعوى أنّ كثرة المقدار هي المتبادر من اللفظ مشتركةً بين الموضعين، و لا أقلّ من قبول تفسيره بما شاء من ذلك، لا كما أطلقه المصنّف (رحمه الله).

إذا تقرّر ذلك، فعلى تقدير حمله على مثله في المقدار و زيادة - مع الإطلاق أو تفسيره بذلك - يكفي في الزيادة مسمّاها وإن لم تكن متموّلةً، كما يدلّ عليه إطلاق المصنّف (رحمه الله) و غيره(2)، و صرّح به في التذكرة ، حيث اكتفى بحبّة أو أقلّ(3)؛ لتحقّق الأكثريّة بذلك. و إن اكتفينا بأقلّ من ذلك اعتبر فيه التموّل.و الفرق: أنّه حينئذٍ يكون مجموع المقرّ به و لايكون إلّا متموّلاً كما قد علم من تفسير المال وغيره، بخلاف الزيادة المنضمّة إلى مثل مال فلان، فإنّ المقرّ به هو المجموع من الزيادة و المثل، فلايعتبر التموّل في نفس الزيادة؛ لأنّها بعض أجزاء المقرّ به، و لايعتبر في أجزاء المقرّ به مطلقاً التموّل، ضرورة أنّ أجزاءه

ص: 552


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 309 - 310، المسألة 898.
2- كالشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 128(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ج 11).
3- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 310، المسألة 898.

• ولو قال: «غصبتك شيئاً» و قال: أردت نفسك، لم يقبل.

لابدّ أن تنتهي إلى مقدار لايتموّل. و اعتبر بعضهم التموّل في الزيادة منفردةً(1)؛ نظراً إلى عدم تحقّق الماليّة فيها بدون التموّل. و ضعفه واضح ممّا قرّرناه.

ثمّ على تقدير القول بلزوم مثل ماله و زيادة لو ادّعى المقرّ أنّه بنى على ما ظهر له من ماله و أنّه حسبه مقداراً مخصوصاً قُبل قوله مع يمينه إن نازعه المقرّ له في ذلك؛ لأنّ المال ممّا يخفى، و لزمه مقدار ما ادّعى إرادته و زيادةً يرجع إليه فيها.

و لا فرق في قبول قوله في ذلك بين أن تقوم البيّنة بمقدار ماله و عدمه؛ لاشتراك الجميع في المقتضي، و هو كون المال ممّا يخفى غالباً عن غير صاحبه، منضمّاً إلى أصالة براءة ذمّته

ممّا زاد.

و لا فرق أيضاً بين قوله قبل دعواه - قلّة مال فلان_: أنّه يعلم مقدار ماله و عدمه؛ لأنّ علمه مستند إلى ما يظهر له. نعم، لو علم كذبه في دعواه، بأن كان لفلان مال ظاهر له أزيد ممّا ادّعاء فلا إشكال في عدم القبول.

قوله:«ولو قال: غصبتك شيئاً، و قال: أردت نفسك، لم يقبل».

وجه عدم القبول ما هو المشهور من تعريف الغصب أنّه الاستيلاء على مال الغير عدواناً، و نفس الحرّ ليست مالاً؛ و لأنّ المتبادر من اللفظ كون المغصوب غير المغصوب منه.

و علّل أيضاً بأنه جعل للغصب مفعولين. الثاني منهما «شيئاً»، فيجب مغايرته للأوّل(2). و اعترض بأنّه يجوز أن يكون شيئاً بدلاً من الضمير(3)، و الفعل متعدّ إلى مفعول واحد.

و جوابه: أنّ المفعول الأوّل إذا كان حرّاً لزم إثبات مفعول آخر ليتعلّق به الغصب حقيقةً؛لما ذكر في تعريفه.

و أُجيب أيضاً بأنّ «شيئاً» نكرة، فلا يكون بدلاً من الضمير المعرفة إلّا مع كون النكرة

ص: 553


1- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 254.
2- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 419؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 15، ص 299، المسألة 889.
3- في جامع المقاصد، ج 9، ص 247 نسبه إلى قائل.

الثالثة • الجمع المنكّر يُحمل على الثلاثة، كقوله: «له عليّ دراهم» أو «دنانير».

منعوتة(1)، كقوله تعالى:«بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ»(2)

و هذا الجواب ليس بصحيح، بل الحقّ جواز إبدال النكرة من المعرفة و بالعكس مطلقاً، نصّ عليه المحقّقون من النحاة كالزمخشري(3) و ابن هشام(4)و غيرهما و جعلوا منه قوله تعالى:«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ»(5)، وقوله تعالى:«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد»(6) و غير ذلك من الآيات القرآنیّة(7)و الشواهد اللغويّة.

و يتفرّع على التعليلين ما لو كان المقرّ له عبداً، فعلى الأوّل یصحّ التفسير؛ لأنّه مال، لا على الثاني؛ لاقتضاء مفعولي الفعل المغايرة، و هذا هو الذي اختاره الشهيد في الدروس.(8) و هو حسن.

قوله: «الجمع المنكّر يُحمل على الثلاثة، كقوله : له علي دراهم أو دنانير».

احترز بالمنكّر عما لو كان الجمع معرّفاً، فإنّه يفيد العموم كما حقّق في الأُصول(9)، فربما لايحمل على الثلاثة.

و فيه نظر؛ لأنّ العموم هنا غير مراد و ليس له حدّ يوقف عليه، فلا فرق في الحمل على الثلاثة بين المعرّف و المنكّر، كما لايفرّق فيه بين جمع القلّة و الكثرة، و الفرق بينهما اصطلاح

خاصّ لايجري في المحاورات العرفيّة.

ص: 554


1- أجاب به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 247.
2- العلق (96): 15 و 16.
3- المفصّل، الزمخشري، ص 158.
4- راجع مغني اللبيب، ج 2، ص 132، الرقم 695.
5- البقرة (2): 217.
6- التوحيد (112): 1.
7- كالآيتين 52 و 53 من سورة الشورى (42).
8- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 126 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
9- راجع العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 276.
إذا أقرّ بأعداد مختلفة و أتی فیما بمميّز

• و لو قال:«له ثلاثة آلاف» و اقتصر كان بيان الجنس إليه إذا فسّر بما یصحّ تملّكه.

الرابعة: • إذا قال«له ألف و درهم» ثبت الدرهم، و يرجع في تفسير الألف إليه، وكذا لو قال: «ألف و درهمان» و كذا لو قال:«مائة و درهم» أو «عشرة و درهم».

أمّا لو قال:«مائة و خمسون درهماً» كان الجميع دراهم، بخلاف مائة و درهم. و كذا لو قال: «ألف و ثلاثة دراهم» و كذا لو قال:«ألف و مائة درهم» أو «ألف و ثلاثة و ثلاثون درهماً».

و حمل الجمع على الثلاثة هو أصحّ القولين للأُصوليين(1). و قيل: أقلّه اثنان،(2). و عليه، فيحمل الإقرار بالجمع عليهما. و استقرب في الدروس قبول دعواه لو أخبر بأنّه من القائلين بذلك، أو أنّه أوّل الجمع بمعنى الاجتماع(3)، و هو يتمّ في الأوّل إن كان له أهليّة القول بمثل ذلك بطريق النظر و الاجتهاد، أو أخبر أنّه قلّد فيه مجتهداً يقول به. و أمّا الثاني فهو مجاز في معناه فلايقبل منه إرادته حملاً على الأصل.

نعم، لو اتّصل تفسيره بإقراره اتّجه القبول مطلقاً؛ لأنّه حينئذٍ يصير كالجملة الواحدة.

قوله:«و لو قال: له ثلاثة آلاف، و اقتصر كان بيان الجنس إليه إذا فسّر بما یصحّ تملّكه». الإقرار بالعدد مجرّداً عن التمييز يشتمل على إبهام الجنس و الوصف، فيرجع إليه في تعيينهما، و يُقبل تفسيره بما يتموّل مع صدق اسم العدد عليه عرفاً، فلو فسّره بثلاثة آلاف حبّة من الدخن و نحوها قُبل. و لو فسّره بقطعة واحدة تقبل التجزئة إلى ثلاثة آلاف جزء لم يُقبل، و إن كان ذلك أكثر من المجتمع من العدد المنفصل؛ لأنّ المتبادر من ذلك الكمّ المنفصل لا المتّصل.

قوله: «إذا قال: له ألف و درهم ، ثبت الدرهم» إلى آخره.

إذا أقرّ بأعداد مختلفة و أتى فيها بمميّز واحد، فإن كانت الأعداد بمنزلة واحد كالمركّب

ص: 555


1- راجع العُدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 276؛ و تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 129.
2- حكاه عن قوم الشيخ الطوسي في العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 276.
3- الدروس الشرعية، ج 3، ص 127(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

...

فالتمييز للجميع، كقوله: «له خمسة عشر درهماً» و إن كانت متعاطفة، فإن كان التمييز متوسّطاً بينها لم يرجع إلى ما بعده قطعاً، بل هو على إبهامه، كقوله: «له مائة درهم و عشرون» و إن تأخّر عنها فالأصل يقتضي اختصاصه بما قبله متّصلاً به خاصّةً؛ لأنّ العطف اقتضى انقطاع أحد العددين عن الآخر.

لكن قد يساعد العرف على ذلك أيضاً، كما إذا قال: «له ألف و درهم» أو «عشرة و ألف درهم». و يمكن إخراج المثال الأوّل من هذا القبيل؛ لأنّ الدرهم لم يقع مميّزاً، و إنّما هو من جنس مستقلّ معطوف على مبهم الجنس فلا يقتضي تفسيره.

و قد يخالفه العرف ويدلّ على عوده إلى الجميع، كما لو قال:«له مائة و خمسة و عشرون درهماً» أو «ألف و مائة درهم» أو «ألف و ثلاثة دراهم» أو «ألف و ثلاثة و ثلاثون درهماً» و نحو ذلك، فإنّ الكلّ في العرف دراهم، حتّى لو أراد أحد تمييز كلّ عدد منها عد مطوّلاً مهذراً. و بهذا عمل الأكثر.

و ذهب في المختلف إلى أنّه لو قال:«له عليّ ألف وثلاثة دراهم» أو «مائة و خمسون درهماً» رجع إليه في تفسير الألف و المائة؛ محتجّاً بأن الدراهم و الدرهم ليس تمييزاً للألف و لا للمائة، و كما يحتمل أن يكون تمييزاً للمجموع يحتمل أن يكون تمييزاً للأخير، فلايثبت في الذمّة شيء بمجرّد الاحتمال(1). و هذا التعليل يقتضي التعدّي إلى ما يوافقه من الأمثلة و إن كان قد اقتصر على المثالين.

و صرّح بعضهم بأنّه يعود إلى الذي يليه خاصّةً مطلقاً(2). و عذره واضح من حيث اللغة؛ خصوصاً إذا كان التمييز غير مطابق لجميع الأعداد، كقوله: «مائة و عشرون درهماً» فإنّ مميّز المائة مجرور مفرد و مميز العشرين منصوب، فلايصلح لهما؛ و لأنّ الاستثناء بعد

ص: 556


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 529 ، المسألة 227.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 19؛ و حلية العلماء، ج 8، ص 351؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 306، المسألة 3855.

...

الجمل إنّما يعود إلى الأخيرة؛ و لأصالة براءة الذمّة من الزائد على ما يفسّره في السابق. إلّا أنّ العرف مستقرّ، و الاستعمال واقع بالمشهور، و به جاء القرآن في قوله تعالى:««إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً»(1)

و في الحديث أن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم توفّي و هو ابن ثلاث و ستّين سنة(2)، و قال الشاعر:و لها اثنتان و أربعون حلوبة(3) *** .......

و غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة.

و على الوجهين يتفرّع ما لو قال:«بعتك بمائة و عشرين درهماً» فعلى الأوّل یصحّ البيع

دون الثاني؛ لأنّ المائة مبهمة.

و لو قال:«له درهم و نصف» فالعرف يقتضي رجوع النصف إلى الدرهم، و هو لاينافي ما تقدّم من عدم عود التمييز المتوسّط إلى ما بعده؛ لأنّ الدرهم هنا لم يقع مميّزاً و إنّما هو جنس مستقلّ عطف عليه آخر. و مثله عشرة دراهم و نصف، و ألف درهم و نصف، و لو قال:«مائة و نصف درهم» فالجميع دراهم عملاً بالعرف.

نعم، لو قال:«له نصف و درهم» فالنصف مبهم؛ لعدم دلالة العرف في هذا المثال على

دلالة الدرهم عليهما.

و لو قال:«مائة و قفيز حنطة» فالمائة مبهمة بخلاف قوله:«مائة و ثلاثة دراهم» بدلالة العرف. و علّله في التذكرة بأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للکلّ، و الحنطة لاتصلح تفسيراً للمائة؛ لأنّه لایصحّ أن يقال: مائة حنطة(4).

ص: 557


1- ص (38): 23.
2- دلائل النبوّة، البيهقي، ج 7، ص 238 - 239؛ كشف الغمّة، ج 1، ص 36؛ و راجع أيضاً الدروس الشرعية، ج 2، ص 420 ( ضمن موسوعة الشهيد الأولّ، ج 10).
3- ديوان عنترة، ص 17 ، وفيه:«فيها اثنتان» بدل «و لهااثنتان»
4- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 321، المسألة 906.

• ولو قال:«عليّ درهم و ألف» كانت الألف مجهولةً.

إذا قال:له علىّ كذا،أو كذا و كذا

الخامسة : • إذا قال: «له علىّ كذا» كان إليه التفسير ، كما لو قال:«شيء» و لو فسّره بالدرهم، نصباً أو رفعاً كان إقراراً بدرهم.

و قيل: إن نصب كان له عشرون، و قد يمكن هذا مع الاطّلاع على القصد. و إن خفض احتمل بعض الدرهم و إليه تفسير البعضيّة. و قيل: يلزمه مائة درهم؛ مراعاة لتجنّب الكسر. و لست أدري من أين نشأ هذا الشرط!

و فيه نظر؛ لأنّ تفسير الدراهم للمائة لا یصحّ بحسب الوضع أيضاً، و إنّما هو مجاز بالتأويل،

و بالجملة فالاعتماد في جميع ذلك على العرف، و مع الشك يقع الإبهام فيما يقع فيه.

قوله:«ولو قال: عليّ درهم و ألف كانت الألف مجهولةً».

لأنّ الدرهم جنس مستقلّ بالتمييز و قد عطف عليه عدد مبهم فلا يكون الدرهم تمييزاً له؛ و لأنّه لو توسّط التمييز لم يتعلّق بالمتأخّر كما لو قال:«له مائة درهم و ألف» فكيف مع عدم التمييز أصلاً؟! فإنّ الدرهم الواقع ليس تمييزاً و إنّما هو جنس مستقلّ مبيّن بنفسه، و كذا لو عکس فقال:«ألف و درهم» و مثله ما لو قال:«درهمان و ألف» أو «و مائة» أو «و عشرة» أو بالعكس.

قوله: «إذا قال: له علىّ كذا، كان إليه التفسير» إلى آخره.

إذا قال«لفلان كذا» فهو كما لو قال «شيء» فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشيء. هذا إذا لم يفسّره. أما إذا فسّره بالدرهم، فإمّا أن يجعل الدرهم منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً أو موقوفاً. ففي الأوّلين يلزمه درهم و جعل «درهماً» منصوباً على التمييز كما لو قال: شيء درهماً، و مرفوعاً بدلاً من الشيء فكأنّه قال: له درهم. و في الثالث يلزمه جزء درهم، و إليه يرجع في تفسير الجزء، و التقدير جزء درهم أو بعض درهم، و «كذا» كناية عن الجزء. و إن وقف احتمل الرفع و الجرّ، فيلزمه أقلّهما؛ لأصالة البراءة من الزائد. هذا هو الذي يقتضيه اللفظ لغةً و عرفاً.

ص: 558

...

و قال الشيخ في المبسوط:«يلزمه مع النصب عشرون درهماً؛ لأنّ أقل عدد مفرد ينصب مميّزه عشرون؛ إذ فوقه ثلاثون إلى تسعين، فيلزمه الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن، و مع الجرّ مائة درهم؛ لأنّه أقلّ عدد مفرد مميّزه مجرور؛ إذ فوقه الألف، فيحمل على الأقل»(1).

و ردّه المصنّف(رحمه الله) بأنّ الجرّ يحصل بإضافة الجزء كما بيّنّاه، فلا وجه لحمله

على الدرهم الكامل. و لايظهر وجه اشتراط عدم الكسر.

و قال بعضهم:«إن قال: كذا درهم ،صحيح، لزمه مائة، وإن لم يصفه بالصحّة اكتفي بالجزء؛ لأنّ الوصف بالصحّة يمنع من الحمل على الجزء؛ لأنّه كسر لا صحيح(2).

و ردّ بأنّ الصحيح يقبل التجزئة كما يقبلها غيره، فیصحّ أن يريد: له بعض درهم صحيح، بمعنى أنّ بعض الدرهم الصحيح مستحقّ له و باقيه لغيره. و النعت و إن كان الأصل فيه أن يعود إلى المضاف دون المضاف إليه؛ لأنّه المحدّث عنه، إلّا أنّه مع الجرّ يتعيّن كونه نعتاً للمضاف إليه، و هو سائغ أيضاً مع ظهور قصده.

و العلّامة وافق الشيخ في ذلك إذا كان المقرّ من أهل اللسان(3). و يضعّف بأنّ اللسان العربي كما يجوّز موازنة ما ذكره الشيخ يجوّز ما ذكره غيره من القدر القليل(4). و هذه المبهمات لم توضع لما ذكره لغةً و لا اصطلاحاً، و إنّما هي موازنة اتّفاقيّة لايلزم اتباعها مع إمكان ما هو أقلّ منها.

ص: 559


1- المبسوط، ج 2، ص 415.
2- راجع روضة الطالبين، ج 4، ص 30 - 31.
3- مختلف الشيعة، ج 5 ، ص 528 ، المسألة 226.
4- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 421؛ و إيضاح الفوائد، ج 2، ص 443؛ و اللمعة الدمشقيّة، ص 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13)؛ وجامع المقاصد، ج 9، ص 259.

• و لو قال:«كذا كذا» فإن اقتصر فإليه التفسير. و إن أتبعه بالدرهم نصباً أو رفعاً لزمه درهم. و قيل: إن نصب لزمه أحد عشر.

و الحقّ أنّ هذا القول ضعيف جدّاً، سواء كان المقرّ عارفاً أم لا، إلّا أنّ يقصد ذلك، و لايحصل الاطّلاع على قصده إلّا من قبله وإذا كان كذلك فلا إشكال؛ لأنّه لو أخبر أنّه قصد قدراً معيّناً من غير هذا من الكنايات المبهمة قبل منه من جهة إخباره بقصده ذلك لا من جهة ذلك اللفظ الذى لايدلّ عليه.

قوله: «ولو قال: كذا كذا، فإن اقتصر فإليه التفسير» إلى آخره.

تكرير «كذا» بغير عطف لايقتضي الزيادة كتكرير شيء و إنّما يفيد تأكيد المبهم. هذا إذا لم يتبعه بالدرهم، و إن أتبعه جاء فيه الحالات الأربع، فإن نصب الدرهم كان مميّزاً، فكأنّه قال: شيء شيء درهماً، فيلزمه درهم، و كذا إن رفع، فإنّه يكون بدلاً من المؤكّد و يلزمه الدرهم، و كأنّه قال: شيء شيء هو درهم. و إن جرّ احتمل إضافة جزء إلى جزء ثمّ أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم، فيلزمه جزء جزء من درهم، و جزء الجزء جزء، فيقبل تفسيره بجزء درهم كالسابق؛ لأصالة براءة الذمّة مما زاد. و لو وقف لزمه أقلّ المحتملات في حالتي الرفع و الجرّ. و كذا القول لو كرّر «كذا» مرّتين فصاعداً.

و قال الشيخ:«إنه مع النصب يلزمه أحد عشر درهماً؛ لأنّ أقلّ عدد مركّب مع غيره ينتصب بعده المميّز أحد عشر»(1)

إذ فوقه الاثنا عشر إلى تسعة عشر، فيلزمه الأقلّ، و يضعّف بما مرّ و العلّامة على تفصيله

هنا أيضاً(2).

و الجواب واحد.

ص: 560


1- الخلاف، ج 3، ص 366، المسألة 9.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 528، المسألة 226.

•و لو قال:«كذا و كذا درهماً» نصباً أو رفعاً لزمه درهم. و قيل: إن نصبه لزمه أحد و عشرون. و الوجه الاقتصار على اليقين إلّا مع العلم بالقصد.

قوله:«ولو قال:كذا و كذا درهماً، نصباً أو رفعاً لزمه درهم» إلى آخره.

إذا عطف «كذا» على «كذا» و أتبعهما بالدرهم جاء فيه الحالات أيضاً، فإن نصبه أو رفعه لزمه درهم على وزان ما مرّ؛ لأنّه ذكر شيئين ثمّ أبدل منهما درهماً على تقدير الرفع، و ميّزهما بدرهم على تقدير النصب، فكأنّه قال: شيء و شيء هما درهم؛ لأنّ «كذا» لمّا كان محتملاً لما هو أقلّ من درهم جاز تفسير المتعدّد منه و إن كثر بالدرهم، و الأصل براءة الذمّة ممّا زاد.

و قال الشيخ:«يلزمه مع النصب أحد و عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ عددين عطف أحدهما على الآخر و ميّزا بدرهم منصوب»(1)

إذ فوقه اثنان و عشرون إلى تسعة و تسعين و فيه ما مرّ.

و في المسألة وجه ثالث بلزوم درهمين(2)؛ لأنّه ذكر جملتين كلّ واحدة منهما تقع على الدرهم و تكون كنايةً عنه، فيكون الدرهم تفسيرا لكلّ واحدة منهما، كما إذا قال: مائة و خمسون درهماً.

و رابع: و هو أنّه يلزمه درهم و زيادة يرجع فيها إليه(3)؛ لأنّ الدرهم فسّر الأخير منهما فيبقى الأوّل على إبهامه، فيفسّره بشيء كما لو قال: «كذا» مقتصراً.

و لو جرّ الدرهم لزمه جزء درهم و شيء كما لو قال: «شيء وجزء درهم».

و في هذه الحالة قول آخر بلزوم درهم(4)؛ حملاً للجرّ على أخويه؛ لأنّه لحن. و يضعّف بإمكان تصحيحه بما ذكرناه.

ص: 561


1- الخلاف، ج 3، ص 366 - 367. المسألة 10.
2- حلية العلماء، ج 8، ص 348 - 349؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 31.
3- راجع حلية العلماء، ج 8، ص 348 - 349؛ و روضة الطالبين، ج 4، ص 31.
4- انظر روضة الطالبين، ج 4، ص 31.
الإقرار للمجهول

السادسة • إذا قال:«هذه الدار لأحد هذين» ألزم البيان، فإن عيّن قبل، و لو ادّعاها الآخر كانا خصمين و لو ادّعى على المقرّ العلم، كان له إحلافه. و لو أقرّ للآخر لزمه الضمان. و إن قال:«لا أعلم» دفعها إليهما و كانا خصمين. و لو ادّعيا أو أحدهما علمه، كان القول قوله مع يمينه.

و الشيخ (رحمه الله) اقتصر في موازنة الأعداد على ما نقلناه عنه من الأقسام(1)، و لم يذكر الحكم مع باقي أنواع الإعراب، مع أنّها محتملة له. و ما اختاره قول لبعض الشافعية(2)، و هو عندهم ضعيف أيضاً(3)

قوله: «إذا قال: هذه الدار لأحد هذين، ألزم البيان» إلى آخره.

كما يسمع الإقرار المجهول كذا يسمع الإقرار للمجهول، ثمّ يطالب بالبيان كما يطالب به في الآخر. فإذا قال: «هذه العين لأحد هذين» قبل و انحصر ملكها فيهما وطولب بالتعيين. فإن عيّن أحدهما سلّمت إليه؛ لأنّه ذو يد فينفذ إقراره.

و لو ادّعاها الآخر كانا خصمين، بمعنى أنّ المقرّ له بها يصير ذا اليد و الآخر خارج، فيأتي في دعواه حكم دعوى الخارج على ذي اليد من قبول قول ذي اليد مع يمينه و مطالبة الخارج بالبيّنة. و لهذا الخارج إحلاف المقرّ على عدم العلم بكونها له و إن ادّعى عليه العلم بأنّها له، و على البتّ إن ادّعى عليه الغصب منه.

و إنّما توجّه عليه الحلف له؛ لأنّه لو أقرّ له تبعه بالغرم.

ثمّ إن أصرّ المقرّ على أنّها لمن عيّن له فذاك، و إن رجع إلى الإقرار له بها لم تنتزع من الأوّل؛ لسبق حقّه، و أغرم للثاني قيمتها أو مثلها إن لم يصدّقه الأوّل؛ لأنّه حال بين الثاني و المقرّ به بإقراره الأوّل فكان كالمتلف. و لو صدّقه الأوّل دفعت إلى الثاني و لا غرم.

ص: 562


1- الخلاف، ج 3، ص 366، المسألة 10؛ ولكن ذكر باقي أنواع الإعراب في المبسوط، ج 2، ص 416.
2- الحاوي الكبير، ج 7، ص 26 - 28؛ روضة الطالبين، ج 4، ص 31.
3- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 26 - 28؛ و روضة الطالبين، ج 4، ص 30 - 31.
الإقرار بالمجهول

السابعة • إذا قال: «هذا الثوب أو هذا العبد لزيد» فإن عيّن قبل منه، و إن أنكر المقرّ له كان القول قول المقرّ مع يمينه. و للحاكم انتزاع ما أقرّ به، و له إقراره في يده.

وهل للمقرّ على تقدير إقراره للثاني و عدم تصديق الأوّل إحلافه؟ وجهان، من عموم «اليمين على من أنكر»(1)،و أنّه يدفع بها الغرم عن نفسه، و أنّه لو أقرّ لنفع إقراره، و من أنّ المقرّ مكذِّب نفسه في دعواه أنّها للثانى بإقراره للأوّل، و أنّه لو نكل امتنع الردّ؛ إذ لايحلف لإثبات مال غيره. و هو حسن، إلّا أن يظهر لإقراره ما يدفع التكذيب كالغلط، فالأوّل أحسن. و على الأوّل فيستحلفه على نفي العلم بأنّها للثاني؛ لأنّه ربما(2) استند في تملّكها إلى الإقرار خاصّةً فلايمكنه الحلف على البتّ.

و لو قال المقرّ بها لأحدهما لمّا طولب بالبيان: «لا أعلم» دفعها إليهما؛ لانحصار الحقّ فيهما، و كانا خصمين فيلزمهما حكم المتداعيين الخارجين عن العين. ثم إن صدّقاه على عدم العلم فالحكم كذلك. و إن كذّباه أو أحدهما فلهما أو للمكذّب إحلافه على نفي العلم، و لأحدهما إحلاف الآخر.

و اعلم أنّ في دفعها إليهما على هذا التقدير نظراً؛ لأنّه يستلزم تسليمها لغير المالك؛ لاعترافه بأنّها لأحدهما دون الآخر. و الوجه رفع الأمر إلى الحاكم ليسلّمها إلى من يثبت

له خاصّةً.

قوله:«إذا قال: هذا الثوب أو هذا العبد لزيد، فإن عيّن قبل منه» إلى آخره.

هذا الإقرار من ضروب الإبهام في الأعيان و نحوها المقرّ بها مع تعيين المقرّ له عكس السابقة. و حكمها أن يطالب بالتعيين، فإن عيّن قبل؛ لأنّه ذو اليد. فإن وافقه المقرّ له على ما عيّنه فذاك، و إلّا لم يسلّم إليه لاعترافه أنّه ليس له و له إحلاف المقرّ على أنّ العين الأخرى

ص: 563


1- سنن الدارقطني ، ج 3، ص 37، ح 98/3151 و 99/3152؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 213، ح 16445؛ الخلاف، ج 3، ص 148، المسألة 236؛ المبسوط، ج 5، ص 624؛ مختلف الشيعة، ج 9، ص 312، المسألة 20.
2- في بعض النسخ: «إنّما» بدل «ربما»
إذا أقرّ بمال ثمّ دفع و قال هذه کانت ودیعة

الثامنة: • إذا قال: «لفلان عليّ الف» ثمّ دفع إليه و قال: هذه التي كنت أقررت بها كانت وديعةً، فإن أنكر المقرّ له كان القول قول المقرّ مع يمينه.

و كذا لو قال: «لك في ذمّتي ألف» و جاء بها و قال: هي وديعة و هذه بدلها.

ليست للمقرّ له، فإذا حلف خلص من دعواه و بقيت العين المقرّ بها مجهولة المالك، فيتخيّر الحاكم بين انتزاعها من المقرّ و حفظها إلى أن يظهر مالكها أو يرجع المقرّ له عن إنكاره، و بين أن يتركها في يد المقرّ كذلك. فإن عاد المقرّ(1) إلى التصديق سمع؛ لعدم المنازع و إمكان تذكّره.

و لو أصرّ المقرّ على عدم التعيين و ادّعى الجهل بالحال أو نسيانه سمع منه، و رجعا إلى الصلح في العينين. و يحتمل قويّاً مع عدم اتّفاقهما على الصلح القرعة بينهما في العين؛ لأنّها

لكلّ أمر مشكل(2)، خصوصاً فيما هو معيّن عند الله مشتبه عندنا، و الحال هنا كذلك.

و لو دار الاشتباه بین درهم و درهمین ثبت الأقلّ وط ولب بالجواب عن الزائد. و لو ردّد بين ألف و ألفين مطلقين فالظاهر أنّه كذلك، مع احتمال لزوم الأكثر، و لزوم الأقلّ منهما على

تقدير البداءة بالأكثر؛ لأنّه كالرجوع عن الإقرار فلايسمع.

قوله:«إذا قال: لفلان عليّ ألف، ثمّ دفع إليه» إلى آخره.

هنا مسائل ثلاث متقاربة الأطراف مختلفة الحقيقة:

الأولى: لو قال: «لفلان عليّ ألف» ثم دفع إليه ألفاً و قال : هذه هي التي كنت أقررت بها كانت وديعةً عندي، فقال المقرّ له: هذه هي وديعة و لي عليك ألف أخرى ديناً و هي التي أردت بإقرارك، ففيه قولان:

أحدهما: أنّ القول قول المقرّ له(3)؛ لأنّ كلمة «علي» تقتضي الثبوت في الذمّة و لهذا لو قال: عليّ ما على فلان كان ضامناً، و الوديعة لاتثبت في الذمّة فلايجوز التفسير بها.

ص: 564


1- كذا في النسخ الخطية، و لعلّ الصحيح: «المقرّ له»
2- الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 593، و فيهما: «كلّ مجهول ففيه القرعة».
3- هو قول ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 508.

أمّا لو قال: «لك في ذمّتي ألف، و هذه هي التي أقررت بها كانت وديعةً» لم يُقبل؛ لأنّ ما في الذمّة لايكون وديعة، و ليست كالأُولى و لا كالوسطى.

و أصحّهما - و به قال الشيخ و لم يذكر المصنّف غيره و ذهب إليه الأكثر - أنّ القول قول المقرّ مع يمينه(1)؛ لأنّ الوديعة يجب حفظها و التخلية بينها و بين المالك، فلعلّه أراد بكلمة «عليّ» الإخبار عن هذا الواجب. و يحتمل أيضاً أنه تعدّى فيها حتى صارت مضمونة عليه، فلذلك قال: هي عليّ، و أيضاً فقد يستعمل«عليّ» بمعنى «عندي» و فسّر بذلك(2) قوله تعالى:

«وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ»(3). مضافاً إلى أصالة براءة الذمّة من غير ما اعترف به.

و لا فرق بين تفسيره بذلك على الاتّصال و الانفصال و المصنّف (رحمه الله) ذكر حالة

الانفصال لتدلّ على الأُخرى بطريق أولى.

الثانیّة: لو قال:«لك في ذمّتي ألف» و جاء بألف و فسّر بما ذكر في الأُولى و قال: هذه التي أقررت بها و قد كانت وديعة و تلفت و هذه بدلها، فإن لم يقبل في الصورة الأُولى فهاهنا أُولى، و إن قبلنا قوله فوجهان هنا:

أحدهما - و هو الذي قطع به المصنّف (رحمه الله) - القبول؛ لجواز أن يريد له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة؛ لأنّي تعدّيت فيها، أو يريد كونها وديعة في الأصل و أنّها تلفت و وجب بدلها في الذمّة، و غايته إرادة المجاز و هو كون الشيء في الذمّة وديعة باعتبار أنّ سببها كان في الذمّة، و المجاز يصار إليه بالقرينة.

و الثاني: العدم؛ لأنّ العين لاتثبت في الذمّة، و الأصل في الكلام الحقيقة. و قد تقدّم كثير من الدعاوي المجازيّة في الإقرار(4)، و لم يلتفت إليها، فلا وجه لتخصيص هذه. و هذا لايخلو من قوّة.

ص: 565


1- الخلاف، ج 3، ص 372، المسألة 19؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 462؛ الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 114 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 339 - 341.
2- مجاز القرآن، أبو عبيدة، ج 2، ص 84: النكت و العيون، الماوردي، ج 4، ص 166.
3- الشعراء (26): 14.
4- تقدّم في ص 545 وما بعدها.

. ولو قال: «له عليّ ألف» و دفعها، و قال: كانت وديعةً و كنت أظنّها باقية فبانت

تالفةً، لم يُقبل؛ لأنّه مكذّب إقراره. أمّا لو ادّعى تلفها بعد الإقرار قُبل.

الثالثة: لو قال:«لك في ذمّتي ألف و هذه هي التي أقررت بها» و قد كانت وديعة حين الإقرار لم يُقبل و يلزمه ألف أخرى؛ لأنّ ما في الذمّة لايكون وديعة؛ فإنّ الوديعة هي العين المستناب في حفظها و ما في الذمّة لايكون عيناً.

و الفرق بين هذه المسألة و بين المسألتين السابقتين واضح. أمّا الأُولى؛ فلانّه لم يصرّح فيها يكون المقرّ به في الذمّة فلاينافي كونه وديعة ابتداء. و أمّا الثانیّة؛ فلأنّه و إن صرّح بكونها في الذمّة المنافي لكونها وديعةً إلّا أنّه ادّعى أنّ الذي أحضره بدلها لا عينها، فرفع التنافي بتأويله. و أما الثالثة فقد جمع فيها بين وصفها بكونها في الذمّة و كونها وديعةً من غير تأويل فلهذا لم تُسمع.

و المجاز و إن كان ممكناً هنا بأن يكون قد تلفت بعد الإقرار و الذي أحضره بدلها و أطلق عليه الوديعة باعتبار كونه عوضاً و مسبّباً عنها، إلّا أنّه لما لم يدع المجاز لم يكن عن الحقيقة صارف، و لو صرف عنها بمجرد تمحّل(1) المجاز من غير أن يدّعى لم يحكم بشيء من الحقائق أصلاً. فما قيل هنا من توجيه القبول أيضاً - كالسابقة - من احتمال المجاز(2) واهٍ جدّاً كما لایخفى.

و اعلم أنّ محلّ الشبهة ما إذا مضى زمان يمكن فيه تلفها بين الكلامين، فلو لم يمض

مقدار ذلك لم يقبل قوله بغير إشكال؛ لظهور كذبه في أحد القولين.

قوله:«و لو قال: له عليّ ألف، و دفعها» إلى آخره.

هذه مسألة رابعة للإقرار بالوديعة و محصّلها:أنّه أقرّ بأنّ له عليه ألفاً و أطلق، ثمّ دفع الألف و قال: كانت الألف التي أقررت بأنّها عليّ وديعة، و كنت أظنّها باقيةً قبل الإقرار فبانت تالفة قبله بغير تفريط فلايلزمني ضمانها، فإنّه لايقبل منه تفسير الثاني؛ لأنّه مكذّب

ص: 566


1- تمحّل الشيء: احتال و سعى في طلبه. انظر الصحاح، ج 4، ص 1817؛ و لسان العرب، ج 11، ص 618، «محل».
2- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 341 - 342.
إذا قال:له في هذه الدار مائة

التاسعة: • إذا قال:«له في هذه الدار مائة» قُبل، و رجع في تفسير الكيفيّة إليه. فإن أنكر المقرّ له شيئاً من تفسيره كان القول قول المقرّ مع يمينه.

لإقراره الأوّل؛ إذ تلف الوديعة على وجه لايضمن لايجامع كونها عليه؛ لأنّ «عليّ» تقتضي صيرورتها مضمونة عليه لتعدّيه، فتفسيره بتلفها قبل الإقرار على وجه لايوجب الضمان مناقض لذلك(1) فلا يسمع.

وإنّما فسرنا قوله«فبانت تالفةً» بكون التلف قبل الإقرار مع كونه أعمّ بقرينة قسيمه في قوله«أمّا لو ادّعى تلفها بعد الإقرار قبل» و ذلك لعدم المنافاة، فتكون دعوى مستأنفة، و يكون التلف على وجه غير مضمون؛ إذ لو كان مضموناً لم يكن مكذّباً لإقراره؛ لأنّه تصير حينئذٍ عليه.

و قوله «فدفعها» تبع فيه الشيخ(2)، و لا دخل للدفع في الحكم؛ لأنّه لو ادّعى ذلك من غير دفع ليدفع عنه الغرم كان أظهر في الدعوى، و الحكم فيه كما ذكر؛ لتحقّق التناقض بين كلاميه على التقديرين، بل مع دفعها لايبقى للدعوى الثانیّة فائدة؛ إذ ليس البحث في هذه المسألة إلّا عن ألف واحدة، بخلاف ما سبق، و كأنّهم جروا على الدفع السابق فإنّ له مدخلاً في الحكم.

و لو قيل بقبول قوله في هذه المسألة أيضاً كما قيل في السابقة كان وجهاً، بل هنا أولى؛ لأنّ قوله كان مبنيّاً على الظاهر من أنّها موجودة يجب عليه حفظها و كونها عنده كما سبق و إنّما ظهر بعد الإقرار تلفها قبله، فلا منافاة بين كلاميه إلّا على تقدير تفسير «عليّ» بكونها في الذمّة. و لعلّ إطلاقهم ذلك بناءً على أن الظاهر من «عليّ» هو هذا المعنى لا مجرّد وجوب الحفظ، و ذلك المعنى لو سلّم كونه مجازاً فقد سمع منه دعوى المجاز فيما سبق.

قوله:«إذا قال: له في هذه الدار مائة، قُبل» إلى آخره.

لمّا كانت المائة ليست من جنس الدار فالإقرار مجمل يحتمل وجوهاً من التأويل،

ص: 567


1- في هامش «م»: «مناقض لجميع ذلك» بدل «مناقض لذلك».
2- راجع المبسوط، ج 2، ص 423 و 433.

...

فيرجع إليه في بيانه فإن فسّره بجزء منها قيمته مائة قبل و صار المقرّ له شريكاً بذلك الجزء. و كذا إن فسّر ذلك بجزء تقصر قيمته عن مائة و أراد أنّه اشتراه بذلك.

وإن قال: إنّه دفع في ثمنها مائة و هو المشتري لها لنفسه كانت قرضاً عليه.

و إن قال: إنّ المقرّ له نقد في ثمنها لنفسه مائة، سئل ثانياً عن مجموع ثمنه، و هل وزن هو شيئاً أم لا؟ فإن قال: الثمن مائة و لم أزن فيه شيئاً، كان إقراراً له بالدار. و إن قال: إنّه وزّن أيضاً في الثمن، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو على التعاقب؟ فإن قال: إنّه وقع دفعةً و أخبر أنّه وزّن مائة أيضاً، فهي بينهما نصفان و إن قال: إنّه وزّن مائتين فللمقرّ له ثلثها، و على هذا، سواء كانت القيمة مطابقة لذلك أم لا.

و إن أخبر أنّهما اشترياها بعقدين(1) رجع إليه في مقدار كلّ جزء و قبل ما يفسّره، حتّى لو قال: إنّه اشترى تسعة أعشارها بمائة و المقرّ له اشترى عشرها بمائة، قبل؛ لأنّه محتمل، سواء وافق ذلك القيمة أم لا.

وإن قال: أردت أنّه أُوصي له بمائة من ثمنها قُبل و بيعت، و دفع إليه من ثمنها المائة، حتّى لو أراد أن يعطيه المائة من غير ثمنها لم يكن له ذلك إلّا برضى المقرّ له؛ لأنّه استحقّ المائة من ثمنها فوجب البيع في حقّه إلّا أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه مائة ليشتريها له ففعل، فهو إقرار له بها أجمع.

و إن فسّره بأنّها رهن عنده على المائة، ففى قبوله وجهان، من أنّ ظاهر الإقرار كون الدار محلّاً للمائة و محلّ الدين الذمّة لا المرهون و إنّما المرهون وثيقة له، ومن أنّ له تعلّقاً ظاهراً بالمرهون.

هذا کلّه إذا لم يكذّبه المقرّ له. فإن خالفه و أنكر شيئاً من تفسيره كان القول قول المقرّ مع يمينه حيث يكون التفسير محتملاً من اللفظ؛ لأنّه أعلم بما أراد، و لأصالة براءة ذمّته ممّا

سوى ذلك.

ص: 568


1- في بعض النسخ «بنقدین» بدل «بعقدين».
إذا قال:له في ميراث أبي مائة

العاشرة: • إذا قال:«له في ميراث أبي» أو «من ميراث أبي مائة» كان إقراراً. و لو قال:«في ميراثي من أبي» أو «من ميراثي من أبي» لم يكن إقراراً، و كان كالوعد بالهبة. و كذا لو قال: «له من هذه الدار» صحّ. و لو قال: «من داري» لم يُقبل.

و لو قال: «له في مالي ألف» لم يُقبل. و من الناس من فرّق بين «له في مالي» و بين «له في داري» بأنّ بعض الدار لايسمّى داراً، و بعض المال يسمّى مالاً.

و لو قال في هذه المسائل: «بحقّ واجب» أو بسبب صحيح، أو ما جرى مجراه، صحّ في الجميع.

قوله: «إذا قال: له في ميراث أبي أو: من ميراث أبي مائة، كان إقراراً- إلى قوله - صحّ في

الجميع».

لمّا كان الإقرار إخباراً عن حقّ سابق للمقرّ له لا إنشاء ملك له من حين الإقرار لم یصحّ الجمع بين كون المقرّ به ملكاً للمقرّ حين الإقرار و بين صحّة الإقرار به لغيره؛ لحصول التناقض، و مِن ثَمَّ كان قوله«له في ميراث أبي أو من ميراث أبي كذا» إقراراً و لم يكن قوله«له في ميراثي من أبي» إقراراً؛ لأنّ المراد بميراث أبيه ما خلّفه سواء انتقل إلى المقرّ أم لا، بخلاف قوله «من ميراثي» فإنّه أضاف الميراث إلى نفسه و حكم بانتقاله إليه فلا يجامع كونه ملكاً لغيره. و مثله ما لو قال: «هذه الدار» أو قال: «داري» فيقبل في الأوّل دون الثاني.

هذا هو المشهور بين الأصحاب و غيرهم، و ذهب إلى ذلك الشيخ(1) و أتباعه(2)، و وافقه ابن إدريس(3) و المصنّف وأكثر المتأخرين.

و لك أن تمنع التناقض بين إضافة الميراث إلى نفسه و بين تعلّق دين الغير به، فإنّ تركة كلّ مديون مملوكة لورثته على الأصحّ، و الدين متعلّق بها. و أيضاً فالإضافة إلى نفسه في

ص: 569


1- المبسوط، ج 2، ص 426.
2- منهم ابن زهرة في غنیّة النزوع، ج 1، ص 275؛ و الكيذري في إصباح الشيعة، ص 335.
3- السرائر، ج 2، ص 50.

...

الميراث و الدار و غيرهما مبنيّة على الظاهر؛ و لهذا اشترط في صحّة الإقرار كون المقرّبه تحت يده، فكأنّه قال: ميراثي المحكوم به لي بحسب الظاهر، و داري المنسوبة إلىّ كذلك لفلان في نفس الأمر، و لاتناقض في ذلك، بل هو مؤيّد لصحّة الإقرار، و أيضاً فالإضافة تصدق بأدنى ملابسة، كقوله تعالى:«لَا تُخْرِجُوهُنَّ» يعني المطلقات«مِن بُيُوتِهِنَّ»(1)، و المراد بيوت الأزواج«وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ»(2) وكقوله:

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة***سهيل أذاعت غزلها في الغرائب(3)

و قول أحد حاملي الخشبة : خذ طرفك ، و غير ذلك من الاستعمالات الشائعة في اللغة

الصحيحة.

و لو سلّم أنّه مجاز لكنّه مشهور في الاستعمال يندفع به التنافي، مؤيّداً بما ذكر من الجهات المصحّحة، و من ثَمَّ ذهب جماعة من المتأخّرين إلى قبول الإقرار كذلك مطلقاً(4). منهم العلّامة في المختلف(5) و الشهيد(6). و هو قول قويّ.

و يؤيّده أيضاً اعتراف المانع بأنّه لو قال مع ذلك: بحقّ واجب أو سبب صحيح صحّ(7)، فإنّه لولا صلاحية اللفظ للإقرار لما صحّ مع هذه الإضافة.

و أمّا الفارق بين قوله «داري» و «مالى» من القائلين بعدم صحّة الإقرار مع الإضافة(8) ينظر إلى أنّ الدار لايطلق إلّا على المجموع، فإذا قال:«لفلان بعض داري» لم يقبل؛ لأنّ

ص: 570


1- الطلاق (65): 1
2- المائدة (5): 106.
3- لسان العرب، ج 1، ص 639، «غرب».
4- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 337 - 238 و 340.
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 531 ، المسألة 230.
6- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 113 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
7- راجع السرائر، ج 2، ص 506؛ و إرشاد الأذهان، ج 1، ص 409؛ و التنقيح الرائع، ج 3، ص 486.
8- راجع الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 113 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11) و الحاوي الكبير، ج 7، ص 63.

المقصد الثالث في الإقرار المستفاد من الجواب.

فلو قال:«لى عليك ألف» فقال: رددتها أو قبضتها كان إقراراً. و لو قال: «زِنها» لم يكن إقراراً.

الباقي على ملكه لايسمّى داراً، بخلاف قوله:«له في مالي مائة» فإنّ الفاضل منه عن المائة يطلق عليه اسم المال، و كأنّه أطلق عليه الظرفيّة باعتبار كون المائة ممتزجة به أو البعضيّة

باعتبار الشركة.

و من هذا الفرق يظهر أنّه لافرق عند هذا القائل بين قوله «داري لفلان» و «مالی لفلان»؛ لأنّه استغرق بالإقرار الجميع، فلم يبق مع الإقرار ما یصحّح الإضافة إلى نفسه فيهما، وإنّما

يفرّق بينهما حيث يقرّ ببعض الدار و المال. و كيف كان فهذا الفرق ليس بشيء.

و نبّه بالجمع بين المثالين ب«من» و «في» في قوله: «في ميراث أبي» أو «من ميراث أبي» على خلاف بعضهم حيث فرّق بينهما و جعل «في» إقراراً دون «من»، محتجّاً بأنّ «في» تقتضي كون مال المقرّ ظرفاً لمال المقرّ له، و قوله «من مالي» يقتضي الفصل و التبعيض(1)، و هو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له. و هو فرق رديء. فالوجه ردّ المسألة إلى القولين خاصّةً: عدم صحّة الإقرار بالمضاف إلى المقرّ مالاً و ميراثاً و غيرهما، و صحّته مطلقاً، و ما عداهما فتكلّف.

قوله:«فلو قال لى عليك ألف فقال: رددتها أو قبضتها كان إقراراً» إلى آخره.

أمّا الأوّل فلاعترافه بوصولها إليه و دعواه ردّها، فيسمع الإقرار دون الدعوى. و أمّا الثاني؛ فلأنّه لم يوجد منه صيغة التزام، و قد يذكر مثل ذلك من يستهزئ و يبالغ في الجحود. و مثله:«شدّ هميانك» و«هيّ ء ميزانك» و نحو ذلك من الألفاظ المستعملة عرفاً في التهكّم و الاستهزاء في جواب الدعوى.

ص: 571


1- روضة الطالبين، ج 4، ص 38.

. ولو قال: «نعم» أو «أجل» أو «بلى» كان إقراراً. و لو قال: «أنا مقرّ به» لزم. و لو قال: «أنا مقرّ» و اقتصر لم يلزمه؛ لتطرّق الاحتمال.

و اعلم أنّ بعض الألفاظ قد يكون صريحاً في التصديق، و تنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء و التكذيب، من جملتها قوله:«صدقت» و«بررت» مع تحريك الرأس الدالّ على شدة التعجّب و الإنكار، و كما لو قال: «لي عليك ألف» فقال في الجواب:«لك عليّ ألف» على سبيل الاستهزاء، فإنّه لايكون إقراراً بواسطة انضمام القرائن الدالّة على إرادة خلاف ظاهر اللفظ بحيث صار المتبادر ذلك فاُلحق بالحقيقة.

و الوجه فيه أنّ القرائن المذكورة صرفته عن الحقيقة الظاهرة من مدلوله الأصلي إلى المجاز. قوله: «و لو قال:«نعم» أو «أجل» أو «بلى» كان إقراراً».

أمّا الجواب ب«نعم» فلأنّ قول المجاب«لي عليك ألف» إن كان خبراً ف«نعم» بعده حرف تصديق، و إن كان استفهاماً محذوف الأداة فهي بعده للإثبات و الإعلام؛ لأنّ الاستفهام عن الماضي إثباته ب«نعم» و نفيه ب«لا». و «أجل» مثل «نعم».

و أمّا «بلى» فإنّها و إن كانت لإبطال النفي إلّا أنّ الاستعمال العرفي جوّز وقوعها في جواب الخبر المثبت ك-«نعم»، و الإقرار جار عليه لا على دقائق اللغة. و إن قدّر كون القول السابق استفهاماً فقد وقع استعمالها في جوابه لغةً و إن قلّ، ومنه قول النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لأصحابه:«أ ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قالوا: بلى(1). و استعمالها في العرف كذلك واضح، فإنّ هذه الحروف الثلاثة تستعمل للتصديق و الموافقة من غير تفصيل.

قوله:«و لو قال: «أنا مقرّبه» لزم. و لو قال: «أنا مقرّ» و اقتصر لم يلزمه؛ لتطرّق الاحتمال». إذا قال في جواب«لي عليك كذا»: «أنا مقرّ به» أو «بما تدّعيه» فهو إقرار؛ لظهوره في المراد.

ص: 572


1- صحيح البخاري، ج 5، ص 2392، ح 6163؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1432 ، ح 4283.

...

ويشكل بأنّه و إن كان ظاهراً في الإقرار به إلّا أنّه غير ظاهر في الإقرار به للمخاطب، لجواز أن يريد الإقرار به لغيره، فلايزول هذا الاحتمال إلّا بقوله:«أنا مقرّ لك به» و من ثَمّ قوّى في الدروس أنّه ليس بإقرار حتى يقول:«لك»(1)

و أجيب(2) بأنّ المتبادر عود الضمير في قوله:«به» إلى ما ذكره المقرّ له.

و يشكل بأنّ الضمير إنّما يعود إلى الشيء المدّعى و هو الألف في المثال لا إلى نفس

الدعوى والإقرار بالمال المدّعى لاينحصر في المدّعي.

و أما ما قيل: من أنّ قوله «مقرّ» اسم فاعل فيحتمل الاستقبال، فيكون وعداً، كقوله: «أنا

أُقرّ به» فلايكون إقراراً من هذا الوجه و إن ضمّ إليه قوله: «لك»(3).

ففيه أنّ العرف لايفهم منه إلّا الإقرار و إن احتمل ذلك من حيث اللغة، مع أنّه قد قيل: إنّ

قوله«أنا أقرّ لك به» إقرار أيضاً(4)؛ لأنّ قرينة الخصومة و توجّه الطلب يشعر بالتنجيز.

و مثله لو قال: «لا أنكر ما تدّعيه»، و قوله: «لست منكراً له»، كقوله: «أنا مقرّبه» عملاً بالعرف، و إن كان عدم الإنكار أعمّ من الإقرار.

و لو اقتصر على قوله:«أنا مقرّ» و لم يقل: «به» أو قال:«لست منكراً» لم يكن إقراراً؛ لأنّ المقرّ به غير مذكور، فيحتمل كونه المدّعى به، و غيره بل ما ينافيه بأن يريد الإقرار ببطلان دعواه، أو يريد الإقرار بأنّ الله تعالى واحد، مضافاً إلى أصالة البراءة.

و يحتمل عدّه إقراراً بقرينة صدوره عقيب الدعوى، و استعماله لغةً كذلك، كما في قوله تعالى: «أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا»(5)، و قوله تعالى:«فَاشْهَدُوا»(6). و لأنّه لولاه لكان هذراً.

ص: 573


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 193.
3- انظر إيضاح الفوائد، ج 2، ص 425؛ و التنقيح الرائع، ج 3، ص 488.
4- قاله الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)
5- آل عمران (3): 81.
6- آل عمران (3): 81.

و لو قال: «اشتريت منّي» أو «استوهبت» فقال: «نعم» فهو إقرار.

ويضعّف بمنع القرينة مطلقاً، بل يقع كثيراً بخلافها، بل مع الاستهزاء.

نعم، قد يدّعى وجودها في الآية مضافاً إلى نفي احتمال الاستهزاء. و لايلزم من انتفاء الإقرار انتفاء الفائدة؛ لأنّ الاستهزاء و نحوه من المقاصد فائدة مقصودة في المحاورات للعقلاء و مستعملة عرفاً، و مجرّد قيام الاحتمال يمنع لزوم الإقرار.

قوله:«و لو قال: اشتريت منّي أو استوهبت فقال: نعم فهو إقرار».

الذي يقتضيه صدر المسألة حيث عقدها لأن يكون الإقرار مستفاداً من الجواب أن يكون ضمير «فهو إقرار» راجعاً إلى «نعم»، بمعنى كون «نعم» إقراراً للمخاطب بسبق الملك و إن كان المقرّ الآن مالكاً. و تظهر الفائدة في المطالبة بالثمن، و فيما لو اشتمل البيع على خيار، أو ظهر بطلانه بعد ذلك بوجه آخر، أو كانت الهبة ممّا يجوز الرجوع فيها.

و لو فرض المصنّف المسألة كما فرضها غيره(1)- بقوله و لو قال: «اشتر منّي» أو «اتّهب» فقال:«نعم» فهو إقرار يعني من المجيب ب«نعم» للآمر بالبيع أو الهبة كان أقعد؛(2) لظهور فائدة الإقرار هاهنا و ندوره فيما فرضه المصنّف(رحمه الله).

و اعلم أنّه في التذكرة توقّف في كون ذلك إقراراً للمخاطب بالملك، من حيث إنّه يحتمل

كونه وكيلاً في البيع و الهبة(3)، فالإقرار له بذلك أعمّ من كونه مالكاً.

و أجيب بأنّ إقراره له بذلك يقتضي إقراره له باليد و هي تقتضي الملكيّة، فيكون إقراره

بالملكية بواسطة اليد(4)، و ذلك كافٍ في إفادته الملك في الجملة.

ص: 574


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 412.
2- في بعض النسخ و الحجريّة:«أنفذ» بدل«أقعد»
3- تذكرة الفقهاء، ج ،15، ص 245 ، المسألة 838، و فيه: و لو قال بعني هذا العبد.
4- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 197-198.

. ولو قال: «أليس لي عليك كذا؟» فقال:بلى، كان إقراراً. و لو قال: نعم، لم يكن إقراراً. و فيه تردّد، من حيث يستعمل الأمران استعمالاً ظاهراً.

قوله: «و لو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، كان إقراراً» إلى آخره.

إنّما كانت «بلى» هنا مفيدة للإقرار دون «نعم»؛ لأنّ أصلها «بل»، و هي مختصّة بالنفي، و مفيدة لإبطاله، سواء كان مجرّداً نحو:«زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَ رَبِّي»(1) أم مقروناً بالاستفهام حقيقيّاً كان نحو:«أليس زيد بقائم؟» فيقول: «بلى» أم تقريرياً نحو «أَلَمْ يَأْتِكُمْ * نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى»(2) و «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(3)، أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرّد في رده ب«بلی»، قال ابن عبّاس: لو قالوا: «نعم» كفروا(4). و وجهه أنّ «نعم» تصديق للمخبر بنفى أو إيجاب.

و المصنّف (رحمه الله) تردّد في عدم إفادة «نعم» الإقرار من حيث استعمالها في العرف ك«بلی»، و هو مقدّم على اللغة. مع أنّ جماعة من أهل العربيّة منهم ابن هشام أثبت ورودها كذلك لغةً، و نقله في المغني عن سيبويه، قال:«و نازع السهيلي و غيره في المحكيّ عن ابن عبّاس و غيره في الآية متمسّكين بأنّ الاستفهام التقريري خبر موجب، و لذلك منع سيبويه من جعل «أم» متّصلةً في قوله :تعالى:«أَفَلَا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ»؛ لأنّها لا تقع بعد الإيجاب، و إذا ثبت أنّها إيجاب ف«نعم» بعد الإيجاب تصديق له(5).

و استشهد على ورودها لغةً في جواب الاستفهام التقريري بقول الأنصار للنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم - و قد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك؟ - : نعم(6).

ص: 575


1- التغابن (64): 7
2- الملك (67): 8 و 9.
3- الأعراف (7): 172
4- مغني اللبيب، ج 1، ص 223
5- مغني اللبيب، ج 1، ص 223؛ و الآيتان في سورة الزخرف (43): 51 و 52.
6- مغني اللبيب، ج 1، ص 652.

المقصد الرابع في صيغ الاستثناء

قواعد الاستثناء
اشارة

و قواعده ثلاث:

الأولى: الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات

الأولى: الاستثناء من الإثبات نفي، و من النفي إثبات.

و قول جحدر

أليس الليل يجمع أُمّ عمرو*** و إيّانا فذاك بنا تداني*** نعم و أرى الهلال كما تراه*** و يعلوها النهار كما علاني***(1)

و إذا ورد ذلك لغةً و استعمل عرفاً استعمالاً شائعاً فالحكم بصحّة الإقرار به قويّ، و عليه

أكثر المتأخّرين.

قوله:«الاستثناء من الإثبات نفي، و من النفي إثبات».

أمّا الأوّل فهو موضع وفاق بين العلماء. و أمّا الثاني فهو أصحّ القولين للأصوليّين(2).و خالف فيه بعضهم استناداً إلى أن بين النفي و الإثبات واسطة، فلايلزم من انتفاء النفي إثبات الإثبات؛ لجواز التوقّف(3).

و أجيب(4)، بأنّه لو كان كذلك لما أفاد قولنا:«لا إله إلّا الله» إثبات التوحيد، مع الإجماع على الاكتفاء به فيه، و قبوله في إقرار الكافر بالله.و بالمعارضة بالاستثناء من الإثبات، فإنّ دليلهم وارد فيه. و تحقيق المسألة و ما بعدها في الأصول.

ص: 576


1- مغني اللبيب، ج 1، ص 652.
2- تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 140؛ المحصول في علم أصول الفقه، ج 3، ص 39.
3- حكاه عن أبي حنيفة فخر الدين الرازي في المحصول في علم أصول الفقه، ج 3، ص 39؛ و الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام، ج 2 ، ص 512.
4- المجيب هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 387 المسألة 947؛ و المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 296.
الثانیّة: الاستثناء من الجنس جائز

الثانیّة • الاستثناء من الجنس جائز، و من غير الجنس على تردّد.

قوله: «الاستثناء من الجنس جائز، ومن غير الجنس على تردّد».

المشهور بين العلماء جواز الاستثناء من الجنس و غيره، و وقوعه في القرآن و فصيح اللغة كثير، كقوله تعالى:«لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا»(1)، و « لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»(2)، و «فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إبليس»(3) و غير ذلك(4)

و اختلفوا في كونه حقيقة أو مجازاً، و المحقّقون منهم(5) على الثاني. و تظهر الفائدة في أنّ إطلاقه محمول على الجنس إلّا مع قيام قرينة على خلافه، كقوله:«له عليّ ألف إلا ثوباً».

و ذهب بعضهم إلى أنّ المنقطع - و هو الذي من غير الجنس - حقيقة أيضاً(6)، فقيل: مشترك بينهما(7)، و قيل: متواطئ. و في المسألة قول ثالث نادر أنّه غير جائز لا حقيقةً و لا مجازاً(8). و هو الذي تردّد فيه المصنّف(رحمه الله) و الأظهر هو الأوّل.

و اعلم أنّ إطلاق الاستثناء المنقطع على كونه من غير الجنس لايخلو من مناقشة مشهورة؛ لأنّ مثل قولهم:«جاء بنوك إلّا بني زيد» منقطع مع أن الاستثناء من الجنس. و تحقيق المسألة في الأصول.

ص: 577


1- مريم (19): 62.
2- النساء (4): 29.
3- الحجر (15): 30-31
4- الشعراء (26): 77؛ الواقعة (56): 25 - 26.
5- منهم السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ، ج 1، ص 245؛ و المحقّق في معارج الأصول، ص 93.
6- المستصفى من علم الأصول، ج 2، ص 182؛ و حكاه الزركشي عن عِدّة من العلماء في البحر المحيط في أُصول الفقه، ج 2، ص 426.
7- كتاب الكافية في النحو، ج 1، ص 224.
8- حكاه الزركشي عن بعض العلماء في البحر المحيط في أُصول الفقه، ج 2، ص 426، وفيه: أنكر بعضهم الاستثناء من غير الجنس.
الثالثة:يكفي في صحّة الاستثناء بقاء بقيّة بعده

الثالثة: • يكفي في صحّة الاستثناء أن يبقى بعد الاستثناء بقيّة، سواء كانت أقلّ أو أكثر.

التفريع على القاعدة الأُولى

التفريع على القاعدة الأُولى:

. إذا قال: «له علىّ عشرة إلّا درهماً» كان إقراراً بتسعة، و نفياً للدرهم. و لو قال: «إلّا درهم» كان إقراراً بالعشرة.

قوله:«يكفي في صحّة الاستثناء أن يبقى بعد الاستثناء بقيّة، سواء كانت أقلّ أو أكثر».

ما اختاره المصنّف مذهب المحقّقين من الأصوليّين و الأكثر؛ لورود ذلك کلّه لغةً. و لهم قول بمنع استثناء النصف(1). و ثالث بمنع ما زاد عليه(2). و رابع باشتراط بقاء كثرة تقرب(3) من مدلول اللفظ(4).

و الأصحّ الجواز مطلقاً؛ لأنّ المستثنى و المستثنى منه كالشيء الواحد، فلايتفاوت الحال

فى الجواز بقلّته وكثرته، و قد وقع استثناء الأكثر في القرآن(5) و فصيح الكلام.

قوله:«إذا قال: له عليّ عشرة إلّا درهماً، كان إقراراً بتسعة، و نفياً للدرهم. و لو قال: إلّا

درهم كان إقراراً بالعشرة»

وجه الأوّل أنّ الاستثناء إخراج، و هو من الإثبات نفي، فقد أثبت العشرة ثمّ نفى منها الدرهم فبقي المقرّ به تسعة، و نصب المستثنى من الواجب التامّ دليل على إرادة الاستثناء.

و وجه الثاني أنّه مع الرفع يدلّ على أنّ «إلّا» ليست للاستثناء و إلّا لانتصب ما بعدها،

ص: 578


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5 ، ص 304، المسألة 3852؛ العدّة، أبو يعلى الفراء، ج 2، ص 67؛ نهاية السؤل، ج 2، ص 414.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 302، المسألة 3851؛ نهاية السؤل، ج 2، ص 413.
3- في بعض النسخ: «تعرف» بدل «تقرب».
4- حكاه فخر المحقّقين عن أبي الحسين البصري في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 453.
5- الحجر (15): 42.

و لو قال: «ما له عندي شيء إلّا درهم» كان إقراراً بدرهم. و كذا لو قال:«ما له عندي عشرة إلّا درهم» كان إقراراً بدرهم و لو قال: «إلّا درهماً» لم يكن إقراراً بشيء.

و إنّما هي بمعنى «غير» يوصف بها و بما بعدها ما قبلها. و لمّا كانت العشرة مرفوعةً بالابتداء كان الدرهم صفةً للمرفوع فارتفع. و المعنى: له عشرة موصوفة بأنّها غير درهم، فقد وصف المقرّ به و لم يستثن منه شيئاً. و هذه صفة مؤكّدة صالحة للإسقاط؛ لأنّ كلّ عشرة فهي موصوفة بكونها غير درهم، مثلها في قوله تعالى:«نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ»(1). و اعلم أنّ هذه المسألة تتفرّع على القاعدة الثانیّة أيضاً؛ لأنّ العشرة غير مبيّنة الجنس، لكنّه لمّا استثنى الدرهم منها، و الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، و كان الأصل في الاستثناء كونه من الجنس دلّ على أنّ العشرة دراهم. و لو قلنا: إنّ المنقطع حقيقة لم يكن إقراراً بتسعة، بل إن فسّر العشرة بالدراهم.

قوله:«و لو قال: ما له عندي شيء إلّا درهم، كان إقراراً بدرهم» إلى آخره.

لمّا كان الاستثناء من النفي إثباتاً، فقوله«ما له عندي شيء» يقتضي عدم ثبوت شيء في ذمّته له البتّة، فإذا قال:«إلّا درهم» فقد أقرّ بالدرهم. و كذا لو قال: «ما له عشرة إلّا درهم» بالرفع. و الأصل في المستثنى من المنفيّ التامّ أن يكون مرفوعاً، كما أنّه من الموجب منصوب. فإذا رفعه دلّ على كون العشرة منفيّة، و الدرهم مستثنى منها مثبتاً. و إذا نصبه دلّ على كون المستثنى منه موجباً. و لمّا كانت الصورة هنا كونه منفيّاً حمل على وجه يوجب الإيجاب، بجعل النفي داخلاً على مجموع المستثنى و المستثنى منه، فكأنّه قال: المقدار الذي هو عشرة إلّا درهماً ليس له علىّ و المراد: ليس له علىّ تسعة؛ لأنّ العشرة إلّا درهماً في قوّة تسعة، فقد نفى ثبوت التسعة.

ص: 579


1- الحاقة (69): 13.

...

كذا وجّهه جماعة(1) منهم الشهيد في شرح الإرشاد(2) و الشيخ عليّ في شرحه(3).

و فيه نظر بيّن؛ لأنّ المستثنى من المنفيّ التامّ يجوز رفعه و نصبه باتّفاق النحاة، و إن كان الرفع أكثر، و قد قرئ بالنصب قوله تعالى:«وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَمْرَأَتَكَ»(4). و قوله تعالى:«مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُم»(5).

و الوجه السديد في توجيه كونه مع الرفع إقراراً دون النصب أنّه مع الرفع يتعيّن كونه استثناء من منفيّ؛ إذ لو كان المستثنى منه موجباً لتعيّن النصب، فتعيّن أن يكون قوله«إلّا درهم» مثبتاً. و أمّا مع النصب فيجوز كونه استثناء من منفيّ و من موجب، و تقديرهما هنا معاً صحيح. فالأوّل يجعله استثناءً من مجموع«ما له عشرة» المنفيّ فيكون إثباتاً. و الثاني يجعله استثناء من قوله«عشرة» بدون النفيّ، ثمّ إدخال النفي على مجموع المستثنى والمستثنى منه، فكأنّه قال:«ما له عليّ تسعة». و إذا احتمل اللفظ الأمرين لم يتعيّن أحدهما، و الأصل براءة الذمّة من لزوم شيء.

و يحتمل على هذا أن يلزمه درهم؛ لأنّ المتبادر من صيغ الاستثناء هو الأوّل، و أنّ الاستثناء من النفي إثبات، و الثاني يحتاج فهمه إلى تكلّف، خصوصاً من غير العارف بالعربيّة. إلّا أنّ الأشهر عدم اللزوم؛ لقيام الاحتمال، و أصالة البراءة.

و هذا يجري في كلّ استثناء يكون فيه المستثنى منصوباً و المستثنى منه منفيّاً، كقوله:«ليس له عليّ عشرة إلّا خمسة». فعلى المشهور لايكون إقراراً؛ لأنّ «العشرة إلّا خمسة»

ص: 580


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 413؛ و ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 407 - 408؛ و ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 501؛ و الكيذرى في إصباح الشيعة، ص 332.
2- غاية المراد، ج 2، ص 176 - 177 ضمن موسوعة الشهيد الاوّل، ج 2).
3- جامع المقاصد، ج 9، ص 310 - 311.
4- هود (11): 81.
5- النساء (4): 66.

. و لو قال:«له خمسة إلّا اثنين و إلّا واحداً» كان إقراراً باثنين. و لو قال: «عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة» كان إقراراً بثمانیّة.

و لو كان الاستثناء الأخير بقدر الأوّل، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه، كقوله:«له عشرة إلّا واحداً إلّا واحداً» فيسقطان من الجملة الأُولى.

خمسة، فيحتمل أن يريد به: ليس له عليّ خمسة، و يحتمل لزوم خمسة؛ لأنّ الاستثناء من النفي إثبات. هذا إذا وقف على الخمسة و لم يظهر فيها الإعراب. أمّا لو رفعها فلا إشكال في لزوم الخمسة. و مع نصبها الوجهان. و هذا بخلاف استثناء الدرهم، فإنّ إعرابه يظهر وإن وقف.

قوله:«ولو قال:له خمسة إلّا اثنين و إلّا واحداً، كان إقراراً باثنين» إلى آخره.

الضابط في هذه المسائل و نظائرها أنّه مع تعدّد الاستثناء إن كان متعاطفاً، أو الثاني مستغرقاً لما قبله سواء ساواه أم زاد عنه، رجع الجميع إلى المستثنى منه. و إن كان الثاني أقلّ من سابقة و لم يكن معطوفاً عليه، عاد التالي إلى متلوّه لا إلى الأوّل.

فالأول كقوله: «له عليّ خمسة إلّا اثنتين و إلّا واحداً» فيكون المستثنى ثلاثة و هي منفيّة؛ لأنّ المستثنى منه مثبت، فيكون الإقرار باثنين.

و الثاني كقوله:«له عشرة إلّا واحداً إلّا واحداً» فيكون استثناءً من العشرة المثبتة، فيكون الإقرار بثمانیّة. و مثله ما لو قال:«عشرة إلّا ثلاثة إلّا أربعة فيكون الإقرار بثلاثة؛ لأنّها الباقية بعد السبعة المستثناة بالأمرين.

هذا إذا لم يحصل بالاستثناء المتعدّد استغراق المستثنى منه، و إلّا بطل ما يحصل به الاستغراق، كما لو قال في الأوّل:له عليّ عشرة إلّا ستة و إلّا أربعة، فيبطل استثناء الأخير خاصّةً؛ لأنّه يستغرق و يثبت أربعة. أو قال في الثاني: «له عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة» فيبطل استثناء الخمسة الثانیّة و يكون إقراراً بخمسة وكذا لو قال: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا سبعة، فيكون إقراراً بسبعة؛ لبطلان استثناء السبعة.

ص: 581

...

ولو تعدّد و لم يتعاطف و لا استغرق التالي رجع كلّ تال إلى متلوّه، سواء كان قد ابتدأ بالنفي أم بالإثبات، و صار الاستثناء الأوّل مضادّاً للمستثنى منه في النفي و الإثبات، و ما بعده مضادّاً له، و هكذا. فإذا قال: «له عليّ عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة فهو إقرار بثمانیّة؛ لأنّ العشرة مثبتة و الخمسة منفيّة فيبقى خمسة و الثلاثة مثبتة فتضاف إلى الخمسة الباقية يصير المقرّ به ثمانیّة.

و لو ابتدأ بالنفي فقال: «ما له عليّ عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة» فالإقرار باثنين؛ لأنّ الخمسة مثبتة من المنفيّ و الثلاثة منفيّة من الخمسة فيبقى من المقرّ به اثنان و قس على هذا ما يرد عليك من الفروض.

فلو قال:«له عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانیّة إلّا سبعة» و هكذا إلى الواحد لزمه خمسة؛ لأنّ

العشرة مثبتة فإذا استثنى منها تسعة كانت منفيّة فبقي من العشرة واحد، فبالاستثناء الثاني صار المثبت تسعة؛ لأنّ الثمانیّة مثبتة، و بالثالث بقي من المستثنى منه اثنان لازمان و بالرابع صار ثمانیّة، و بالخامس بقي ثلاثة، و بالسادس صار سبعة، و بالسابع بقي أربعة، و بالثامن صار ستّة، و بالتاسع بقي خمسة. و الضابط أن يسقط المستثنى الأوّل من المستثنى منه، و يجبر الباقي بالثاني، و يسقط الثالث و يجبر بالرابع، و هكذا.

و لك طريق آخر هو أن تسقط مجموع الأفراد من مجموع الأزواج فالمقرّ به الباقي، و ذلك لأنّ الأزواج فى هذا الفرض كلّها مثبتة و الأفراد منفيّة، فيكون بمنزلة من أقرّ بمجموع الأزواج و استثنى منه مجموع الأفراد، فيكون الإقرار بما بقي من الأزواج و هو خمسة؛ لأنّ المجتمع منها ثلاثون و من الأفراد خمسة وعشرون.

و لك طريق ثالث، و هو أن تحطّ الأخير ممّا يليه، ثمّ باقيه ممّا يليه، و هكذا إلى الأوّل، فالمقرّ به الباقي. فإذا أسقطت واحداً من اثنين بقي واحد، أسقطته من ثلاثة يبقى اثنان، أسقطتهما من أربعة يبقى اثنان أسقطتهما من خمسة تبقى ثلاثة، أسقطتها من ستّة تبقى ثلاثة، أسقطتها من سبعة تبقى أربعة، أسقطتها من ثمانیّة تبقى أربعة، أسقطتها من تسعة

ص: 582

...

تبقى خمسة أسقطتها من عشرة تبقى خمسة، فهو المقرّ به.

و بقي هنا فرضان - ذكرهما الشهيد في الشرح(1) و الدروس(2) و لايخلو حكمهما من إشكال بالنظر إلى تطبيقهما على القواعد السابقة المشهورة -:

أحدهما: أن تعكس الفرض فتقول: له علىّ عشرة إلّا واحداً إلا اثنين إلّا ثلاثة إلّا أربعة إلى التسعة، فقال: يلزمه واحد قال: لأنّ بالأوّل لزمه تسعة و بالثاني سبعة و بالثالث أربعة؛ لأنّ هذه الثلاثة كلّها منفيات؛ إذ ليس التالي(3) منها أنقص من الأوّل فصارت كجملة واحدة، فبالرابع أُثبت منها أربعة فصار المقرّ به ثمانیّة،و بالخامس بقي ثلاثة و بالسادس صار تسعة، و بالسابع بقي اثنان و بالثامن كمل عشرة، و بالتاسع

بقي واحد.

و وجه الإشكال فيه أنّ الاستثناء المستغرق لما قبله يرجع معه إلى المستثنى منه كما مرّ، و هو قاعدة متّفق عليها، و المستثنيات في هذا الفرض(4) كلّها على هذا النهج، و بالرابع منها و ما بعده يحصل استغراق المستثنى منه، و ذلك يقتضي بطلان الرابع و ما بعد.

و قد تخلّص (رحمه الله) من ذلك بجمع الثلاثة الأوّل من حيث اتّفاقها في الحكم و جعلها كاستثناء واحد، و معه یصحّ ما ذكره. لكن إثبات ذلك لايخلو من إشكال.

و طريقه على الضابط الأوّل أن يسقط المستثنى منه الأوّل و هو الثلاثة الأوّل - و مجموعها ستّة - من المستثنى منه، و يجبر الباقي - و هو أربعة - بالرابع يصير ثمانیّة، و يسقط منها الخامس و يجبر الباقي - و هو ثلاثة - بالسادس يصير تسعةً ، و يسقط منها السابع و يجبر الباقي - و هو اثنان - بالثامن يصير عشرةً، يسقط منها التاسع يبقى واحد و هو المقرّ به.

ص: 583


1- غاية المراد، ج 2، ص 177(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 134 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- في بعض النسخ:«الثاني» كما في غاية المراد.
4- في «خ»: «هذه الفروض» بدل «هذا الفرض»

...

وعلى الثاني تسقط الأعداد المنفيّة و هي سبعة و عشرون - و هي الأفراد، و يضاف إليها الاثنان - من المثبتة - و هي الأزواج بإسقاطهما، و ذلك ثمانیّة و عشرون - يبقى واحد هو المقرّ به.و أمّا الطريقة الثالثة فلا تأتي هنا؛ إذ لايمكن إسقاط الأخير مما يليه؛ لأنّه يزيد عليه.

و الفرض الثاني: إلحاق الثاني بالأوّل بأن قال: له عشرة إلّا تسعة ، إلى الواحد ، فلمّا انتهى إليه قال : إلّا اثنين إلّا ثلاثة إلى التسعة. و اللازم فيه واحد أيضاً، و التقريب ما تقدّم.

و ضابطه أن تضمّ الأزواج الثانیّة - و هي الاثنان و الأربعة إلى الثمانیّة، و جملتها عشرون - إلى الثلاثين السابقة، و تجمع الأفراد إلى الأفراد تبلغ تسعاً و أربعين، فإذا أسقطتها من الخمسين بقي واحد(1).

لكن هذا إنّما يتمّ إذا جعلنا جميع الأزواج مثبتة و الأفراد منفيّة. و يشكل بأنّه لمّا بلغ إلى الواحد كان منفيّاً من الستّة المتخلّفة، فلمّا قال:«إلّا اثنين» كان مستغرقاً لما قبله و مقتضى القاعدة رجوعهما معاً إلى السابق، بل الثالث أيضاً؛ لأنّه إن استثني من الثاني أو المجتمع منه و من الأوّل استغرق.

و إنّما يتمّ ما ذكره إذا جعلنا جملة الأزواج مثبتة مستثنى منها، وجملة الأفراد منفيّة مستثناة،و يكون جملة الكلام بمنزلة إقرار واحد بخمسين استثنى منه تسعةً و أربعين، كما أشرنا إليه سابقاً. و يصير جملة الكلام في قوّة قوله: عشرة يخرج منها تسعة، و يضمّ إليها ثمانیّة، و يخرج منها سبعة، و يضمّ إليها ستّة، إلى آخره، من غير نظر إلى استغراق التالي لمتلوّه.

إلّا أنّ هذا لايتمشّى على القواعد المقرّرة في تعدّد الاستثناء. و ينافي أيضاً تقريره فيما

ص: 584


1- غاية المراد، ج 2، ص 177(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2).

ولو قال: «لفلان هذا الثوب إلّا ثلثه» أو «هذه الدار إلّا هذا البيت» أو «الخاتم إلّا هذا الفصّ» صحّ و كان كالاستثناء، بل أظهر.

و كذا لو قال: «هذه الدار لفلان و البيت لي» أو «الخاتم و الفصّ لي» إذا اتّصل الكلام.

إذا بدأ الاستثناء بالواحد و ختمه بالتسعة، فإنّه جعل الثلاثة الأُولى منفيّة من حيث إنّ كلّ

واحد منها مستغرق لما قبله.

و محصّل العذر في ذلك أنّ الاستثناءات المتعدّدة إذا اجتمعت من جنس واحد يضمّ بعضها إلى بعض و يخرج ما بعدها منها جمع، فإن تمّ ذلك و ما ذكرناه من مراعاة المجموع مع المجموع صحّت الفروض و نظائرها، و إلّا فلا.

قوله:«ولو قال: لفلان هذا الثوب إلّا ثلثه أو هذه الدار إلّا هذا البيت» إلى آخره.

الاستثناء في هذه الأشياء من الأعيان، وهو عندنا صحيح كالاستثناء من الأعداد الکلّيّة. فإذا قال:«الزيد هذه الدار إلّا هذا البيت» أو «هذا القميص إلّا كمّه» أو «هذه الدراهم إلّا هذا الدرهم» أو «هذا القطيع إلّا هذه الشاة» و نحو ذلك صحّ الاستثناء؛ لوجود المقتضي، و لأنّ الکلّام كالجملة الواحدة لايتمّ إلّا بآخره.

و خالف في ذلك بعض الشافعيّة فمنع منه؛ استناداً إلى أنّ الاستثناء المعهود هو الاستثناء من الأعداد المطلقة دون المعيّنة(1)، و لأنّه إذا أقرّ بالمعيّن كان ناصّاً على ثبوت الملك فيه فيكون الاستثناء بعده رجوعاً.

و أجيب بأنّ تعريف الاستثناء يتناول المتنازع و النصّ على ملك المجموع ممنوع؛ لأنّ

المطلوب هو ما بعد الاستثناء، مع أنّ ما ذكره وارد في غير المعيّن.

قوله:«و كذا لو قال: هذه الدار لفلان و البيت لي أو الخاتم و الفصّ لي» إلى آخره.

الكلام في إلحاق هذه الأمثلة و نظائرها بالاستثناء حقيقة أو حكماً مبنيّ على تعريف

ص: 585


1- راجع روضة الطالبين، ج 4، ص 56.

. ولو قال: «هذه العبيد لزيد إلّا واحداً» كُلِّف البيان، فإن عيّن صحّ. و لو أنكر المقرّ له كان القول قول المقرّ مع يمينه.

و كذا لو مات أحدهم و عيّن الميّت قُبل منه. و مع المنازعة، فالقول قول المقرّ مع يمينه.

الاستثناء، فمن(1) عرّفه بأنّه إخراج ما لولاه لدخل ب«إلّا» و أخواتها فما ذكر ليس باستثناء؛ إذ لم يخرج ما أريد إخراجه بشيء من أدواته، لكنّه في حكم الاستثناء من حيث إنّ الكلام لايتمّ إلّا بآخره، و المقرّ به هو ما عدا البيت من الدار و نظائره. و بعض الأصوليّين عرّفه بأنّه الإخراج ب«إلّا» أو بما كان نحو«إلّا» في الإخراج؛ لتدخل فيه هذه الأمثلة و نظائرها(2). ومثل ما لو قال: علىّ ألف و أحطّ منها مائة أو استثنيته و نحو ذلك، فيكون ذلك كلّه من أفراد الاستثناء. و لا إشكال في قبول الإخراج على التقديرين، إنّما الكلام في مدركه هل هو الاستثناء أو أمر آخر؟

قوله:«و لو قال: هذه العبيد لزيد إلّا واحداً كُلِّف البيان» إلى آخره.

هذه من فروع الاستثناء من المعيّن مع كون المستثنى غير معيّن. و هو صحيح أيضاً، للعموم.(3) و يرجع إليه في تعيين مبهم المستثنى كما يرجع إليه في مبهم الإقرار، فإذا فسّره قُبل؛ لأصالة البراءة ممّا زاد عليه، سواء عيّن الحيّ منهم أم الميّت؛ لأنّ الميّت كان داخلاً في آحادهم حين الإقرار. فإن ادّعى المقرّ له خلاف ما عيّنه فليس له سوى إحلافه على أنّ المستحقّ هو ما عيّنه. و في قول لبعض العامّة أنّه لّايقبل تفسيره بالميّت؛ للتهمة(4)، و ندرة هذا الاتّفاق.

ص: 586


1- كالشيخ في العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 316 و 317؛ و المحقّق الحلّي في معارج الأصول، ص 92.
2- راجع الإحكام في أصول الأحكام، ج 2، ص 492؛ و مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 132.
3- النساء (4): 135؛ معاني الأخبار، ص 191، باب معنى مكارم الأخلاق، ح 1؛الأمالي،الصدوق، ص 231،ح 10؛ كنز الفوائد الكراجكي، ج 2، ص 31.
4- راجع الحاوي الكبير، ج 7، ص 37؛ و المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 5، ص 280 - 281، المسألة 3822؛و روضة الطالبين، ج 4، ص 56.

التفريع على الثانیّة:

• إذا قال:«له ألف إلّا درهماً» فإن منعنا الاستثناء من غير الجنس فهو إقرار بتسعمائة و تسعة و تسعين درهماً. و إن أجزناه كان تفسير الألف إليه، فإن فسّرها بشيء یصحّ وضع قيمة الدرهم منه صحّ. و إن كان يستوعبه قيل: يبطل الاستثناء؛ لأنّه عقّب الإقرار بما يبطله فیصحّ الإقرار و يبطل المبطل. و قيل: لايبطل و يكلّف تفسيره بما يبقى منه بقيّة بعد إخراج قيمة الدراهم.

قوله:«إذا قال: له ألف إلّا درهماً - إلى قوله - بعد إخراج قيمة الدراهم».

إذا قال: له ألف إلّا درهماً، فإن منعنا من الاستثناء من غير الجنس أو قلنا إنّه مجاز لا حقيقة، وجب حمل الألف على الدراهم؛ لأنّ إخراج الدرهم منها دالّ على كونها من جنسه؛ لأنّه على هذا التقدير إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ، فدلّ على أن الدرهم كان من أفراد الألف لولا إخراجه بالاستثناء.

و إن قلنا إنّ الاستثناء من غير الجنس حقيقة، سواء جعلناه متواطئاً أم مشتركاً، كانت بقيّة الألف محتملة؛ لكونها دراهم و غيرها، فيرجع إليه في تعيينها؛ لعدم دليل يدلّ على إرادة بعض أفراد المشترك أو المتواطئ ؛ لأنّه مشترك اشتراكاً معنويّاً. فإذا فسّر بقيّة الألف بشيء كالجوز نظر في قيمتها عند الإقرار لا عند التفسير و وضع منها الدرهم المستثنى، فإن بقي من قيمته بقيّة متموّلة ليتوجّه الإقرار إليها صحّ، و إن استوعب الدرهم قيمته كان الاستثناء مستغرقاً فلايُسمع.

و هل يبطل الاستثناء حينئذٍ و يثبت الألف من ذلك الجنس الذي عيّنه، أم يبطل التفسير خاصّةً و يكلّف تفسير الألف بشيء آخر و يعتبر بما اعتبر به الأوّل؟ قولان(1)، منشؤهما أنّ

ص: 587


1- القول بصحة الاستثناء للعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 414 - 415؛ و مختلف الشيعة، ج 5 ، ص 540 ، المسألة 249. و القول ببطلان الاستثناء لفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 454؛ و الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3. ص 135 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 302.

• ولو قال:«له ألف درهم إلّا ثوباً» فإن اعتبرنا الجنس بطل الاستثناء. و إن لم نعتبره كلّفنا المقرّ بيان قيمة الثوب، فإن بقي بعد قيمته شيء من الألف صحّ، و إلّا كان فيه الوجهان.

الإقرار فى نفسه صحيح وإنّما طرأ عليه المبطل بالتفسير الذي ذكره؛ فيلغو و يبقى الإقرار مع الاستثناء موقوفاً؛ لعدم المانع من نفوذه، و أصالة صحّة إقرار العقلاء على أنفسهم(1)، فيرجع الأمر فيه إلى أوّله و يطالب بتفسير آخر، و هلمّ جرّاً.

من أنّ التفسير بيان للألف التي أقرّ بها أوّلاً مبهمةً و وقع الإقرار بها صحيحاً، فکان التفسير لها بمنزلتها، فهو وإن كان متأخّراً إلّا أنّه في قوّة المتقدّم؛ لأنّه كشف عن حقيقة ما أقرّ به أوّلاً ، لا أحدث أمراً جديداً لم يكن حتّى يقال: إنّه متأخّر فيلغو، وإنّما المتأخّر الاستثناء و قد وقع مستغرقاً فيبطل، ويلزمه الألف المفسّرة غير مستثنى منها شيء. و بهذا يظهر أنّ بطلان الاستثناء أظهر.

قوله:«ولو قال له ألف درهم إلّا ثوباً» إلى آخره.

إذا قال: «له ألف درهم إلّا ثوباً» فقد صرّح بالاستثناء المنقطع، فإن قلنا إنّه باطل من أصله - كما هو القول النادر(2) لغا الاستثناء و لزمه الألف تامّةً.

وإن قلنا بأنّه جائز على وجه الحقيقة صحّ الاستثناء، و رجع إليه في بيان قيمة الثوب، و اعتبر فيها عدم الاستغراق للمستثنى منه على قاعدة الاستثناء، فإن بقي منها شيء صحّ، و إلّا ففي بطلان الاستثناء أو التفسير للقيمة الوجهان السابقان.

و إن قلنا: إنّ الاستثناء المنقطع مجاز فقد صرّح بإرادة المجاز، فلا إشكال في صحّته من هذا الوجه، و رجع إليه أيضاً في بيان قيمة الثوب. لكن هل يعتبر فيها عدم استغراق الألف؟ ظاهر كلام المصنّف و كثير ذلك؛ لأنّهم بنوه على القول بصحّة الاستثناء الشامل للحقيقة

ص: 588


1- تقدّم تخريجه في ص 298 ، الهامش 1.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 277، المسألة 3818 و 3819.

...

و المجاز، بل هو في الثاني أظهر؛ لأنّه القول الأشهر.

ويشكل بأنّ الاستثناء المنقطع لايقتضى الإخراج و «إلّا» فيه بمعنى «لكن» كما صرّحوا به في فنّه(1)، فلا مانع حينئذٍ من استغراقه و يكون بمنزلة جملتين إحداهما إقرار و الأخرى إثبات أمر آخر. و لا إشكال في عدم ثبوت الزائد منه عن(2) المستثنى منه؛ لأنّ الزائد محض دعوى، و إنّما الكلام في المساوي.

لكنّه مع ذلك يشكل باستلزامه مع الاستغراق إلغاء الإقرار، بل قد ذكر بعض الأُصوليّين و الفقهاء أنّ الاستثناء في المثال المذكور متّصل و أنّ المراد منه قيمة الثوب، فكأنّه استثنى من ألف درهم دراهم بقدر القيمة، فاعتبر فيه عدم الاستغراق كالمتّصل(3). و هذا متّجه.

و اعلم أنّ جماعة من الأُصوليّين صرّحوا باتّفاق علماء الأمصار على صحّة الإقرار في قوله«له ألف درهم إلّا ثوباً»، و جعلوه دليلاً على صحّة الاستثناء المنقطع(4)، و مقتضى كلام المصنّف (رحمه الله) و تلميذه العلّامة(5) بناء الجواز على الخلاف المذكور و أنّ المانع من الاستثناء المنقطع منع منه. و على هذا لايتمّ الاستدلال المذكور؛ لأنّه عين المتنازع.

و اعلم أيضاً أنّه يتصوّر صحّة الإقرار بألف يستثنى منه ثوب شرعاً، بأن يكون للمقرّ له على المقرّ ألف فيدفع إليه ثوباً قضاءً و لايحاسبه عليه، فيكون قد خرج عن ذمّته من الألف مقدار قيمة الثوب، فيقرّ على هذه الصورة.

ص: 589


1- كتاب سيبويه، ج 2، ص 330 و 331؛ الإحكام في أصول الأحكام ، ج 2، ص 500؛ العدّة، أبو يعلى، ج 2 ، ص 676؛ ميزان الأصول، السمر قندي، ج 1، ص 457.
2- في بعض النسخ: «غير» بدل «عن»
3- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 303 - 304؛ و الإحكام في أصول الأحكام، ج 2، ص 497؛ و البحر المحيط في أصول الفقه، ج 2، ص 427.
4- راجع مختصر المنتهى، ابن الحاجب، ج 2، ص 132.
5- قواعد الأحكام، ج 2، ص 430.

. ولو كانا مجهولين كقوله له ألف إلا شيئاً» كلّف تفسيرهما، وكان النظر فيهما

كما قلناه.

قوله: «ولو كانا مجهولين كقوله: له ألف إلّا شيئاً، کلّف تفسيرهما» إلى آخره.

كما یصحّ الإقرار بالمجهول و استثناء المجهول، یصحّ الجمع بينهما. فإن فسّرهما بجنس واحد بأن ادّعى كون الألف دراهم و الشيء عشرة منها مثلاً، فلا إشكال في القبول؛ لأنّ کلّاً

منهما مجمل يرجع إليه في بيانه، و قد أقرّ بما يقتضي كون الاستثناء متّصلاً.

و إن فسّرهما بمختلفين، بأن جعل الألف جوزاً و الشيء درهماً، بني على صحّة الاستثناء المنقطع و عدمه، فإن أبطلناه صحّ تفسير الألف، و جاء في بطلان الاستثناء أو التفسير الوجهان. و إن صحّحناه على وجه الحقيقة صحّا معاً، و اعتبر في الدرهم عدم الاستغراق. و إن صحّحناه على وجه المجاز احتمل قبول تفسيره به كما یصحّ لو صرّح بهما مختلفين ابتداء؛ لأنّ التفسير بيان للواقع أوّلاً لا إحداث حكم كما مرّ. و قد تقدّم أنّه مع التصريح بإرادة المنفصل يقبل. و يحتمل العدم؛ لأنّ الإطلاق الأوّل منزّل على الحقيقة، و إنّما يرجع إليه في تفسير المجمل بما يوافق الحقيقة لا بما يخالفها.

و ذهب جماعة(1) منهم الشهيد في الدروس(2) و العلّامة(3) إلى قبول تفسيره بالمنقطع مطلقاً مع حكمهم بأنّه مجاز، حتّى حكموا فيما لو قال: «له ألف درهم إلّا ثوباً» أنّه لو فسّر الألف بالجوز قُبِل(4). و لايخلو من نظر.

و لو اقتصر في مسألتنا على تفسير أحدهما، فإن أبطلنا المنفصل أو جعلناه مجازاً تبعه الآخر في التفسير حملاً على الحقيقة. و لو أخبر بإرادة المنفصل ففي قبوله ما مرّ.

ص: 590


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 411.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 135 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 414.
4- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 135 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

التفريع على الثالثة:

• لو قال:«له درهم إلّا درهماً» لم يُقبل الاستثناء.

. ولو قال:«درهم و درهم إلّا درهماً» فإن قلنا: الاستثناء يرجع إلى الجملتين كان إقراراً بدرهم. وإن قلنا: يرجع إلى الأخيرة - و هو الصحيح - كان إقراراً بدرهمين و بطل الاستثناء.

و لوكانا مجهولين من کلّ وجه، بأن لايذكر العدد بل قال: له شيء إلّا شيئاً أو مال إلّا مالاً، رجع إليه في تفسيرهما أيضاً، و روعي في الاستغراق و الاتّصال ما قرّرناه في السابقة. و اعتبر مع ذلك في الأوّل زيادته عن أقلّ متموّل ليستثني منه أقلّ متموّل تبقى منه بقية تكون متموّلة.

و قال بعض العامّة: إنّ هذا الاستثناء مستوعب نظراً إلى صورة لفظه، فيبطل الاستثناء و يجب أقلّ متموّل(1).

و ليس بذاك؛ لأنّ كلّاً من المستثنى و المستثنى منه صالح للقليل و الكثير، فجاز كون الأوّل مساوياً للثاني و غير مساو، فالاستغراق غير لازم.

و تظهر الفائدة مع اتّفاقهما في الحكم بقبول أقلّ متموّل: أنّه على قولنا يحتاج إلى تفسير الأمرين، و يتفرّع عليهما الجنس و الاستغراق و عدمهما، و على قوله يقتصر على تفسير الأوّل من غير نظر إلى غيره.

قوله:«لو قال له درهم إلّا درهماً، لم يُقبل الاستثناء».

لأنّه مستغرق فيثبت الدرهم و يبطل الاستثناء. و لو ادّعى الغلط و أراد استثناء غيره لم يسمع منه

قوله:«و لو قال: له درهم و درهم إلّا درهماً» إلى آخره.

اختلف الأُصوليّون في الاستثناء الواقع بعد جمل متعدّدة هل يرجع إلى الأخيرة أو إلى

ص: 591


1- راجع روضة الطالبين، ج 4، ص 56.

...

الجميع؟ على أقوال: أجودها عند المصنّف (رحمه الله) عوده إلى الأخيرة(1)؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الضرورة، و لأنّ الظاهر أنّه لم ينتقل عن الجملة حتّى يتمّ غرضه منها. و ينبغي تقييده بما إذا لم تدلّ القرينة على عوده إلى الجميع، كما لو كان اسم الأُولى أو حكمها مضمراً في الثانیّة، كقوله: أكرم الفقهاء و اخلع عليهم إلّا الفسقة، أو أكرم الفقهاء و الزهاد إلّا المبتدعة، فيعود إلى الجميع.

و قيل: يعود إلى الجميع مطلقاً إلّا مع قرينة تدلّ على اختصاصه بالأخيرة؛ لاقتضاء العطف المشاركة في الحكم(2).

و قد فرّع المصنّف على الخلاف ما إذا قال:«له درهم و درهم إلّا درهماً» فإن قلنا برجوع الاستثناء إلى الجميع صحّ و لزمه درهم؛ لأنّه حينئذٍ في قوّة قوله: «له درهمان إلّا درهماً» فلايكون الاستثناء مستغرقاً. و إن قلنا بعوده إلى الأخيرة كما اختاره المصنّف - بطل الاستثناء لاستغراقه، و لزمه درهمان. و إلى ذلك ذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ(3) و ابن إدريس(4).

و ذهب العلّامة في المختلف و التذكرة(5) إلى بطلان الاستثناء، سواء قلنا بعوده إلى الجميع أم إلى الأخيرة؛ محتجّاً بأن صحّة الاستثناء هنا تستلزم التناقض و الرجوع عن

ص: 592


1- و هو أيضاً قول العلّامة في مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 136؛ و نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 261؛ و هكذا أبوحنيفة و أصحابه، حكاه عنهم السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 1، ص 249.
2- القول بالرجوع إلى الجميع للشيخ الطوسي و أيضاً حكاه عن الشافعي و أصحابه في العدّة في أصول الفقه، ج 1، ص 320 - 321.
3- المبسوط، ج 2، ص 412.
4- السرائر، ج 2، ص 504.
5- مختلف الشيعة، ج 5 ، ص 529 ، المسألة 228؛ تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 399، المسألة 960.

...

الاعتراف؛ لورود الإقرار على الدرهم بلفظ يفيد النصوصيّة، فلم یصحّ إخراج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته، كما لو قال: جاء زيد المسلم و عمرو المسلم و خالد المسلم إلّا زيداً، بخلاف ما لو قال:«له در همان إلّا درهماً» فإنّه يكون قد تجوّز في الدرهمين فلا يكون نقضاً، كما لو قال:«جاء المسلمون إلّا زيداً؛ لأنّ لفظ الجمع و التثنیّة صالح لما عدا بعض الأفراد فجاز الاستثناء.

و أجيب(1) بأن التجوّز عن نصف الدرهم بدرهم صحيح لصحّة قولنا:«له درهم إلّا نصفه» فكأنّه استثنى من كلّ درهم نصفه، و نصفا درهم درهم؛ و ذلك ؛ لأنّ دلالة لفظ «الدرهم» على مسمّاه ليست كدلالة «زيدٌ» العَلَمَ على مسمّاه؛ إذ لايمكن أن يراد بالاسم بعض مسمّاه، بخلاف إرادة البعض من الجميع؛ لصحّة إطلاق اسم الكلّ على الجزء مجازاً شائعاً، فلا يلزم النقض، بل غايته التجوّز في إطلاق كلّ من الدرهمين على بعضه. و بأنّ «واو» العطف بمثابة ألف التثنیّة عند النحاة و الأصوليّين، فكأنّه قال:«له در همان إلّا درهماً»؛ لأنّ الاستثناء من العين صحيح عنده مع قيام احتمال التناقض فيه مثل:«له هذا الدرهم إلّا نصفه».

و ربما قيل بصحّة الاستثناء المذكور و إن قلنا بعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة؛ لأنّ الاستثناء إنّما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق، و أمّا معه فيجب عوده إلى الجميع، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقاً للاستثناء؛ نظراً إلى القرينة التي أشرنا إلى تقييد القول بعوده إلى الأخيرة بعدمها. و وجه القرينة أنّ إلغاء الاستثناء و مخالفة قوله أشدّ مخالفة للأصل من عوده إلى الجميع، فيجب صونه عن الهذريّة(2).

و فيه: أنّ القول بتقييد عوده إلى الأخيرة بالقرينة إثباتاً أو نفياً قول آخر غير ما أطلقه المصنّف(رحمه الله) كما أشرنا إليه. وكيف كان فالوجه صحّة الاستثناء في هذه الصورة.

ص: 593


1- المجيب هو الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 137(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- جامع المقاصد، ج 9، ص 306.

النظر الثاني في المقرّ

شروط المقرّ

و لابدّ أن يكون مکلّفاً، حرّاً، مختاراً، جائز التصرّف . و لاتعتبر عدالته.

فالصبيّ لايقبل إقراره و لو كان بإذن وليّه. أمّا لو أقرّ بما له أن يفعله كالوصيّة - صحّ.

إقرار المجنون و المكرَه و السكران و المحجور عليه للسفه

. و لو أقرّ المجنون لم یصحّ. و كذا المكره و السكران.

قوله - في المقرّ :«و لاتعتبر عدالته».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ حيث حكم بالحجر على غير العدل في التصرّفات الماليّة المقتضي لعدم نفوذ إقراره بها(1). و قد تقدّم البحث فيه في بابه(2)

قوله:«فالصبيّ لايقبل إقراره و لو كان بإذن وليّه. أمّا لو أقرّ بما له أن يفعله - كالوصيّة - صحّ».

نبّه بقوله«و لو كان بإذن وليّه» على خلاف بعض العامّة حيث ذهب إلى نفوذ إقراره بإذن

الوليّ(3). و هو نادر.

نعم، لو جوّزنا وصيّته في المعروف جوّزنا إقراره بها؛ لأنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به.

و لأنّ الإقرار بالوصيّة في معنى الوصيّة به ثانياً فينفذ.

قوله:«ولو أقرّ المجنون لم یصحّ. و كذا المكره و السكران»

ص: 594


1- راجع المبسوط، ج 2، ص 251.
2- تقدّم في ج 3، ص 541.
3- الحاوي الكبير، ج 7، ص 4؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 271 - 272، الرقم 3815.

•أمّا المحجور عليه للسفه فإن أقرّ بمال لم يُقبل، و يقبل فيما عداه كالخلع و الطلاق. و لو أقرّ بسرقة قُبل في الحدّ لا في المال.

لا فرق في المجنون بين كونه مطلقاً أو يأخذه أدواراً في وقت دوره. و في معناه السكران، سواء شرب المسكر مختاراً أم لا، خلافاً لابن الجنيد حيث قال: إنّ سكره إن كان من شرب محرّم اختار شربه أُلزم بإقراره، كما يلزم بقضاء الصلاة(1). و ضعفه ظاهر. و الفرق بين القضاء و نفوذ الإقرار واضح.

وكذا لا فرق في المكره بين من ضرب حتّى اُلجئ إلى الإقرار، و بين من هُدِّد عليه بإيقاع

مکروه به لا يليق بمثله تحمّله عادةً من ضرب و شتم و أخذ مال و نحو ذلك.

قوله: «أمّا المحجور عليه للسفه فإن أقرّ بمال لم يُقبل» إلى آخره.

السفيه محجور عليه في المال خاصّةً، فلاينفذ إقراره فيه، و ينفذ في غيره كالحدّ و القصاص؛ لانتفاء التهمة فيه. و إذا فكّ الحجر عنه لايلزمه ما أقرّ به من المال. هذا بحسب الظاهر. و أما بحسب الباطن فيما بينه و بين الله تعالى فيلزمه التخلّص ممّا لزمه منه، كما لو كان قد لزمه بغير اختيار صاحبه بأن أتلف عليه ما يضمن بالمال. و لو كان قد حصل في يده باختيار صاحبه حال الحجر كالقرض - قال في التذكرة: لايلزمه؛ لأنّ الحجر منع من معاملته فصار كالصبيّ(2).و الوجه الضمان إن باشر إتلافه كالصبيّ.

و لو كان إقراره حال الحجر مشتملاً على أمرين يلزمه أحدهما دون الآخر -كالسرقة - لزمه الحدّ دون المال؛ لوجود المقتضي للنفوذ في الأوّل دون الثاني. و لايقدح تبعّض الإقرار؛ إذ لا ملازمة بين الحدّ و ضمان المال، فقد يجتمعان و قد يوجد ضمان المال دون الحدّ كما لو شهد به رجل و امرأتان أو أقرّ به مرّةً واحدةً، و قد ينعكس كما هنا.

ص: 595


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 534، المسألة 235.
2- تذكرة الفقهاء، ج ،15، ص 258، المسألة 849.

إقرار المملوك

. و لا يُقبل إقرار المملوك بمال و لا حدٍّ و لا جنايةٍ توجب أرشاً أو قصاصاً. و لو أقرّ بمالٍ تُبعَ به إذا أُعتق.

قوله:«و لايقبل إقرار المملوك بمال و لا حدٍّ و لا جنايةٍ» إلى آخره.

لا خلاف بين علمائنا في عدم قبول إقرار العبد بمال و لا بغيره و إن كان بالغاً عاقلاً؛ لأنّه مال لغيره، فإقراره على نفسه إقرار على مولاه، و هو غيره، و إقرار الشخص على غيره غير مسموع.

و خالف في ذلك بعض العامّة، فقيل إقراره بالحدّ و القصاص في النفس و الطرف دون

المال(1)؛ استناداً إلى أن عليّاً علیه السلام قطع عبداً بإقراره(2)، و لقبول البيّنة عليه فالإقرار أولى.

و أُجيب بمنع استناد القطع إلى إقراره، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولى. و الفرق بين الإقرار و البيّنة ما أشرنا إليه من تعلّق الإقرار بغيره المانع من نفوذه، بخلاف البيّنة(3). و لا إشكال في نفوذ إقراره مع تصديق مولاه.

و لو أقرّ بمال، فإن صدّقه المولى و كان عين المال موجوداً -كالسرقة الموجودة - دفعت إلى المقرّ له. و إن كانت تالفة أو لم يصدّق المولى أو كانت مستندة إلى جناية أو إتلاف مال، تعلّق بذمّته يتبع به بعد العتق؛ لأنّ ما يفعله العبد بدون إذن المولى لايلزم المولى.

و المراد بقول المصنّف«و لايقبل إقرار المملوك بمال» عدم نفوذه(4) معجّلاً لا عدمه مطلقاً؛ لئلا ينافي قوله بعد ذلك «تُبع به إذا أُعتق».

و الفرق بين المملوك و المحجور عليه للسفه - حيث نفذ بعد العتق و لم يقع لاغياً بخلاف السفيه - أنّ المملوك كامل في نفسه معتبر القول لبلوغه و رشده، و إنّما منع من نفوذ إقراره حقّ المولى، فإذا زال المانع عمل السبب عمله، بخلاف السفيه، فإن عبارته في المال

ص: 596


1- راجع الأمّ، ج 3، ص 268؛ و الحاوي الكبير ج 7، ص 6؛ و روضة الطالبين ج 4، ص5 - 6.
2- أورده العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج ،15، ص 259، ذيل المسألة 850.
3- راجع تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 259، المسألة 850.
4- في بعض النسخ و الحجريّة: «عدم قبوله» بدل «عدم نفوذه».

. ولو كان مأذوناً في التجارة فأقرّ بما يتعلّق بها قُبِل؛ لأنّه يملك التصرّف فيملك الإقرار. و يؤخذ ما أقرّ به ممّا في يده. و إن كان أكثر لم يضمنه مولاه، و تُبعَ به إذا اعتق.

مسلوبة شرعاً بالأصل؛ لقصوره كالصبيّ و المجنون، فلاينفذ في ثاني الحال كما لاينفذ إقرارهما بعد الكمال.

قوله:«ولو كان مأذوناً في التجارة فأقرّ بما يتعلّق بها قُبل» إلى آخره.

إنّما قبل إقرار المأذون في التجارة؛ لأنّ تصرّفه نافذ فيما أذن له فيه منها، فينفذ إقراره بما يتعلّق بها؛ لأنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به، و لأنّه لولاه لزم الإضرار و انصراف الناس عن مداينة العبيد فيختلّ نظام التجارة.

و في التذكرة استشكل القبول(1). و عذره واضح؛ لعموم الحجر على المملوك(2) إلّا ما دلّ عليه الإذن وهو التجارة. و كون الاستدانة من لوازمها ممنوع. و لو سلّم افتقارها إليها في بعض الموارد فلايدلّ على الملازمة. و لو سلّمت فاللزوم(3) غير بيّن، فلايدلّ الإذن فيها على الإذن فيها بالالتزام، و ظاهر انتفاء دلالتي المطابقة و التضمّن.

و على المشهور من نفوذ إقراره فيها إنّما ينفذ في مقدار ما بيده، فلو كان أكثر لم يضمنه المولى، و تبع به بعد العتق كغيره.

و احترز بإقراره بما يتعلّق بها عمّا لو أقرّ المأذون بغصب أو إتلاف أو دين لايتعلّق بها.

فإنّه فيه كغيره.

و هل يشترط في نفوذه وقوع الإقرار حالة الإذن، أم ينفذ فيه و إن وقع الإقرار بعد زواله؟

وجهان، أظهرهما الأوّل، كما لو أقرّ الوليّ بتصرّف في مال المولّى عليه بعد زوال الولاية.

ص: 597


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 266، المسألة 856.
2- النحل (16): 75؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 340، ح 1392؛ الاستبصار، ج 3، ص 207، ح 749.
3- في بعض النسخ و الحجريّة: «فاللازم» بدل «فاللزوم».

إقرار المفلَّس

. و يُقبل إقرار المفلَّس و هل يشارك المقرّر له الغرماء أو يأخذ حقّه من الفاضل ؟ فيه تردّد.

• و تُقبل وصيّة المريض فى الثلث و إن لم يجز الورثة. و كذا إقراره للوارث و الأجنبيّ مع التهمة، على أظهر القولين.

و لو أقرّ المأذون بالدين و لم يبيّن سببه لم ينفذ، إلّا أن يسنده إلى الوجه الموجب لقبول إقراره عملاً بالأصل.

قوله:«و يقبل إقرار المفلّس» إلى آخره.

إقرار المفلّس إمّا أن يكون بدين سابق على الفلس أو بعده، أو بعين من أعيان أمواله. و لاإشكال في نفوذ إقراره في الجملة؛ لعموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1). و ليس الإقرار كالإنشاء؛ لأنّ المقصود من الحجر إلغاء التصرّف، و الإنشاء تصرّف جديد بخلاف الإقرار فإنّه إخبار عن تصرّفات سابقة، فإذا أخبر بسبقها على الحجر لم يكن متعلّقا بها، و إن كانت بعده لم ينفذ، فهي نافذة في الجملة، بمعنى أنّ الإقرار لايقع باطلاً. ولكن هل يشارك المقرّ له الغرماء أو يقدّم عليهم لو كان الإقرار بعين؟ فيه خلاف، منشؤه سبق تعلّق حقّهم بماله، فصار إقراره كإقرار الراهن بتعلّق حقّ الغير بالعين المرهونة، و من أنّ الإقرار كالبيّنة، و هي توجب تقديم حقّ من أُقيمت له بعين و مشاركته في الدين.

و الوجه عدم النفوذ في حقّ الغرماء مطلقاً، بل إن كان الإقرار بدين و فضل عن الغرماء شيء من ماله أُخذ منه، و إلّا انتظر يساره. وإن كان بعين، فإن فضلت دفعت إلى المقرّ له، وإلّا لزمه مثلها أو قيمتها لأدائها عن دينه بأمر الشارع، فيلزمه الضمان. و قد تقدّم البحث في هذه المسألة مستوفى في باب الفلس(2)، ولكنّه أعادها لمناسبة المقام.

إقرار المریض بالوصيّة

قوله: «و تقبل وصيّة المريض في الثلث وإن لم يجز الورثة» إلى آخره.

ص: 598


1- تقدّم تخريجه في ص 298، الهامش 1.
2- تقدّم في ج 3، ص 483.

...

قد تقدّم البحث في أن وصيّة المريض من الثلث(1)، و لا دخل له بهذا الكتاب. وإنّما الكلام في إقراره إذا مات في مرضه، و قد اختلف الأصحاب فيه بسبب اختلاف الأخبار ظاهراً، فقيل:ينفذ من الأصل مطلقاً(2)؛ لعموم :«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(3)، و لأنّه لم يفوّت الوارث شيئاً في المرض، وإنّما أخبر بما هو حقّ عليه في حال الصحّة؛ لأنّ هذا هو الفرض، إذ لو أقرّ بفعل ما يتوقّف على الثلث فى المرض كالهبة فلا إشكال في كونه من الثلث، و لأنّ المريض قد يريد إبراء ذمّته من حقّ الوارث و الأجنبي فلايمكن التوصّل إليه إلّا بالإقرار، فلو لم يقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً، و بقى المقرّ له ممنوعاً من حقّه و كلاهما مفسدة فاقتضت الحكمة قبول قوله.

وقيّده جماعة(4)، منهم الشيخان(5) و المصنّف و الأكثر بما إذا لم يكن متّهماً، و إلّا كان من الثلث.

و يدلّ على حكم الوارث صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً. فقال: «إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له»(6).

و على حكم الأجنبي صحيحة العلاء بيّاع السابري قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة استودعت رجلاً مالاً؛ فلمّا حضرها الموت قالت له: إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة و ماتت المرأة، فأتى أولياؤها الرجل فقالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال لانراه إلّا عندك

ص: 599


1- تقدّم في ج 5، ص 449.
2- راجع المراسم، ص 201؛ و السرائر، ج 2، ص 506.
3- تقدّم تخريجه في ص 298، الهامش 1.
4- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 419؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 414؛ و المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 11، ص 108.
5- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 662 و الشيخ الطوسي في النهاية، ص 617 - 618.
6- الكافي، ج 7، ص 41 - 42، باب المريض يقرّ لوارث بدين، ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 229، ح 5545؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 159، ح 656؛ الاستبصار، ج 4، ص 111، ح 426.

...

فأحلف: ما لنا قبلك شيء، أ يحلف لهم؟ فقال:«إن كانت مأمونةً عنده فليحلف، و إن كانت متّهمةً عنده فلايحلف، و يضع الأمر على ما كان، فإنّما لها من مالها ثلثه»(1).

و ذهب المصنّف في النافع إلى أنّ إقراره للأجنبي من الأصل مع عدم التّهمة، و أمّا إقراره للوارث فمن الثلث على التقديرين(2)؛ لصحيحة إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أقرّ لوارث له و هو مريض بدین علیه قال:«يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث»(3).

و يمكن أن يكون مذهبه في هذا الكتاب كذلك، بجعل قوله:«مع التّهمة» قيداً في إقراره للأجنبي القريب إليه دون الوارث.

و الأقوى التفصيل فيهما، و حمل الرواية الدالّة على اعتبار الثلث على حالة التهمة، أو أنّ المراد نفوذه كذلك بغير قيد، و هو لاينافي توقّف غيره عليه. مع أنّ ظاهرها غير مراد؛ لأنّه اعتبر نقصان المقرّ به عن الثلث و ليس ذلك شرطاً إجماعاً.

و المراد بالتهمة هنا الظنّ المستند إلى القرائن الحاليّة أو المقاليّة الدالّة على أنّ المقرّ لم يقصد الإخبار بالحقّ، وإنّما قصد تخصيص المقرّ له أو منع الوارث عن حقّه أو بعضه و التبرّع به للغير؛ فلذلك جرى مجرى الوصيّة في نفوذه من الثلث.

و قوّى في التذكرة اعتبار العدالة في المريض، وجعلها هي الدافعة للتهمة(4). و لعلّه فهمه من رواية منصور بن حازم في قوله:«إن كان الميّت مرضيّاً».

و الحقّ حمل التهمة على معناها لغةً و عرفاً، و الرواية لاتنافي ذلك، و لأنّ التهمة بهذا

ص: 600


1- الكافي، ج 7، ص 462، باب النوادر، ح 11؛ الفقيه، ج 4، ص 229، ح 5546؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 294، ح 1088؛ الاستبصار، ج 4، ص 112، ح 431.
2- المختصر النافع، ص 269.
3- الكافي، ج 7، ص 42، باب المريض يقرّ لوارث بدين، ح 4؛ الفقيه، ج 4، ص 228 - 229، ح 5543؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 160، ح 659؛ الاستبصار، ج 4، ص 112، ح 429.
4- تذكرة الفقهاء، ج ،15، ص 269 - 270، المسألة 860.

. ويقبل الإقرار بالمبهم ويلزم المقرّ بيانه، فإن امتنع حُبسَ و ضُيِّقَ عليه حتّى يُبيّن. و قال الشيخ (رحمه الله): يقال له: إن لم تفسّر جُعلتَ ناكلاً، فإن أصرّ أحلف المقرّ له.

المعنى قد تجامع العدالة؛لأن مناطها الظنّ بما ذكر و هو لايرفع العدالة المبنیّة(1) على الظاهر التي لاتزول بالظنّ، و قد تنتفي عن غير العدل. و في الأخبار ما يدلّ صريحاً على أنّ المراد بها ما ذكرناه(2).

و حيث كان المعتبر فيها ذلك فلايتوقّف الإقرار على الثلث إلّا مع ظهورها فيه، و مع الشكّ يرجع إلى أصالة عدمها، و أصالة صحّة إخبار المسلم، و عموم جواز إقرار العقلاء. و وافق في التذكرة على ذلك مع اشتراط العدالة؛ مستدلّاً بأصالة ثقة المسلم و عدالته(3). وهذا الاستدلال غريب على أصله.

و لو ادّعاها الوارث على المقرّ له فالقول قول المقرّ له مع يمينه، و يحلف على عدم العلم بها لا على العلم بعدمها؛ لأنّه حلف على نفي فعل الغير. و يكفي في الحكم للمقرّ له بالحقّ مجرّد الإقرار، مع ظهور المانع من صحّته، و إن لم يعلم صحّة السبب.

قوله:«و يقبل الإقرار بالمبهم و يلزم المقرّ بيانه» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ الإقرار بالمبهم مقبول(4)؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقّ سابق، و الخبر قد يقع عن الشيء إجمالاً كما يقع تفصيلاً، و لأنّ المقرّ قد يكون في ذمّته حقّ لايعلم قدره، فلابدّ له من طريق موصول إلى التخلّص منه، و مبدؤه الإقرار ليقع الصلح بعد ذلك بما يتّفقان عليه، بخلاف الإنشاء، فإنّه لا ضرورة فيه إلى تحمّل الجهالة و الغرر، مع كونه هو السبب الموجب لثبوت الحقّ.

ص: 601


1- في«و»:«المثبتة» بدل «المبنیّة».
2- وسائل الشيعة، ج 19، ص 291 - 296 ، الباب 16 من كتاب الوصايا.
3- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 269 - 270 ، المسألة 860، و ص 272، المسألة 861.
4- تقدّم في ص 545.

إقرار الصبيّ بالبلوغ

. ولا يُقبل إقرار الصبيّ بالبلوغ، حتّى يبلغ الحدّ الذي يحتمل البلوغ.

ثمّ يلزم المقرّ بالبيان، فإن كان عالماً بقدره و فسّره على الوجه الذي قرّرناه سابقاً قبل. فإن امتنع من التفسير مع قدرته عليه فالأظهر أنه يحبس حتى يفسّر؛ لأنّ البيان واجب عليه، فإذا امتنع منه حبس عليه كما يحبس على الامتناع من أداء الحقّ.

و قال الشيخ (رحمه الله): لايحبس بل يقال له: إن لم تفسّر جعلت ناكلاً، فإن أصرّ على عدم التفسير احلف المقرّ له على ما يدّعيه(1).

هذا إذا وقع الإقرار المبهم عقيب دعوى معيّنة، بأن ادّعى أنّ له عليه ألفاً فقال: لك علىّ و أمّا إذا أقرّ ابتداء و المقرّ له لايعلم المقدار و إنّما استفاد الحقّ من الإقرار لم يتمّ ما ذكره الشيخ.

و كذا لايتمّ ما ذكره المصنّف على تقدير جهلهما بالحقّ، بأن قال المقرّ : لا أعلم بالمقدار و إنّما أعلم به إجمالاً، و قال المقرّ له: لا أعلم به أيضاً، فلايتّجه الحبس و لا حلف المقرّ له، بل لا طريق حينئذٍ إلّا الصلح و نحوه.

و الأقوى أنّه مع عدم دعوى الجهل بالمقدار و الوصف يحبس إلى أن يبيّن؛ لأنّه مقرّ بالحقّ فلا وجه لجعله ناكلاً.

قوله:«و لايقبل إقرار الصبيّ بالبلوغ، حتّى يبلغ الحدّ الذي يحتمل البلوغ».

قد تقدّم في اللعان أنّ الحدّ الذي يمكن فيه البلوغ بلوغ عشر سنين(2)، فيقبل حينئذٍ إقراره بالبلوغ إن فسّره بخروج المنيّ، أما إذا فسّره بالإنبات لم يُقبل؛ لإمكان العلم به بالمشاهدة؛ لأنّ محلّه ليس من العورة، و على تقدير كونه منها فهو مستثنى للضرورة كاستثناء رؤية الطبيب، بل للشهادة على الزنى على ما تقدّم(3). وإن فسّره بالسنّ و كان محتملاً فإطلاق

ص: 602


1- المبسوط، ج 2، ص 405.
2- تقدّم في ص 239.
3- تقدّم في ج 6، ص 57.

...

العبارة يقتضي القبول. و قيّده في التذكرة بما إذا كان غريباً أو خامل الذكر(1)؛ لعسر إقامة البيّنة عليه كالمنيّ.

و الأظهر أنّه لايقبل بدون البيّنة مطلقاً؛ لإمكان إقامتها عليه في جنس المدّعى، و لاينظر إلى حال المدّعي و عجزه مع كون الجنس في ذاته مقدوراً. و يمكن حمل كلام المصنّف على دعوى البلوغ مطلقاً.

و وجه قبوله أنّ طريقه ممّا يرجع إليه فيه في الجملة. و هذا متّجه.

و في الحقيقة دعوى الصبيّ البلوغ بالاحتلام و غيره أو مطلقاً ليس إقراراً؛ لأنّ الإقرار إخبار عن ثبوت حقّ عليه للغير، و نفس البلوغ ليس كذلك، و لهذا يطالب مدّعي البلوغ بالسنّ بالبيّنة، و اختلفوا في تحليف مدّعيه بالاحتلام و المقرّ لايکلّف البيّنة و لا اليمين. نعم، قد يتضمّن الإقرار من حيث إنّه يستلزم الاعتراف بالحقوق المنوطة بالبلوغ، و ذلك لايقتضي كونه نفسه إقراراً.

و أيضاً فإنّه على تقدير قبول قوله يحكم ببلوغه سابقاً على قوله فلايكون إقراره إقرار الصبيّ إلّا من حيث الظاهر. ولكنّ الأمر هنا أسهل؛ لجواز وصفه بالصبا من هذا الوجه، فإنّه حال الإقرار كان محكوماً بصباه، وإنّما كشف تمام إقراره عن عدم صباه، و ذلك حكم متأخّر عن حالة الإقرار.

و حكم دعوى الصبيّة البلوغ بالحيض كدعوى الصبيّ الاحتلام، و بالسنّ و الإنبات يستويان، لكنّ إنّما تظهر فائدة دعواها الحيض مع الجهل بسنّها ؛ إذ لو علم لم يعتبر بالدم المتقدّم على سنّ البلوغ، كما لا احتياج إلى المتأخّر عنه.

و لايتوقف ثبوت الاحتلام و الحيض على اليمين على الأصحّ و إلّا دار؛ لأنّ صحّة

ص: 603


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 254 ، المسألة 845.

...

اليمين مشروطة بكون الحالف بالغاً؛ لرفع القلم عن الصبيّ(1)، فيتوقّف على الحكم بالبلوغ، فلو توقّف الحكم بالبلوغ على اليمين لزم توقّف كلّ منهما على الآخر.

و أجاب في الدروس بجواز كون اليمين موقوفة على إمكان بلوغه، و الموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه، فتغايرت الجهة(2).

و يضعّف بأنّ إمكان البلوغ غير كافٍ في اعتبار أقوال الصبيّ و أفعاله، فلابدّ في الحكم بصحّته من العلم بالبلوغ كنظائره من الأحكام المترتّبة عليه، و يعود الدور. و أمّا الاكتفاء في اليمين بإمكان البلوغ فهو عين المتنازع و محلّ المنع.

ص: 604


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 658، ح 2041؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 141، ح 4402 و 4403؛ و بمعناه ورد في الخصال، ص 94، باب الثلاثة، ح 40.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 116 - 117 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

النظر الثالث في المقرّ له

شروط المقرّ له

. وهو أن يكون له أهليّة التملّك، فلو أقرّ لبهيمة لم يُقبل. و لو قال بسببها صحّ، و يكون الإقرار للمالك.

و فيه إشكال؛ إذ قد يجب بسببها مالاً يستحقه المالك، كأُروش الجنايات على سائقها أو راكبها.

قوله:«وهو أن يكون له أهليّة التملّك، فلو أقرّ لبهيمة لم يُقبل» إلى آخره.

القول بكونه إقراراً للمالك على تقدير قوله:«عليّ بسبب الدابّة كذا» للشيخ (رحمه الله)(1): تنزيلاً للسبب على الغالب من استئجارها أو غصبها ، و ضمان أجرتها و منافعها ، فيكون للمالك.

و المصنّف (رحمه الله) استشكل ذلك من حيث إن السبب أعمّ ممّا ذكر، و منه ما يقتضي كونه للمالك كما ذكر، و منه ما يقتضي كونه لغيره، كأرش الجناية اللازم لسائقها أو راكبها إذا وقعت الجناية من الدابّة، فلايتعيّن حمل العامّ على الخاصّ من غير قرينة تدلّ عليه. و الأغلبية - على تقدير تسليمها - لاتقتضي الاختصاص في الوجه الغالب كغيره من الأقارير المحتملة لوجوه يغلب بعضها، مع أنّه يرجع إلى المقرّ في تعيينها، ويقبل ما يعيّنه و إن كان نادراً.

و الأقوى الرجوع إلى المقرّ في تعيين السبب و العمل بما يقتضيه من كونه للمالك أو لغيره. و لا إشكال لو قال: عليّ بسببها لمالكها أو لزيد.

ص: 605


1- المبسوط، ج 2، ص 445.

. و لو أقرّ لعبد صحّ، ويكون المقرّ به لمولاه؛ لأنّ للعبد أهليّة التصرّف.

الإقرار للحمل

و لو أقرّ لحمل صحّ، سواء أطلق أو بيّن سبباً محتملاً، كالإرث أو الوصيّة.

و لو نسب الإقرار إلى السبب الباطل كالجناية عليه - فالوجه الصحّة؛ نظراً إلى مبدا الإقرار، و إلغاءً لما يبطله.

قوله:«و لو أقرّ لعبد صحّ ويكون المقرّ به لمولاه؛ لأنّ للعبد أهليّة التصرّف».

نبّه بقوله«لأنّ للعبد أهليّة التصرّف» على الفرق بينه وبين البهيمة مع اشتراكهما في عدم الملك، بأنّ للعبد أهليّة التصرّف بالمعاملة و الإقراض و الاقتراض و الهبة وسائر الإنشاءات بإذن المولى، فأمكن لذلك نسبة المقرّ به إليه و إن كان ملكه للمولى، و الإسناد إليه لذلك إسناد مجازي إلّا أنّه شهير في الاستعمال شائع في العرف، بخلاف البهيمة؛ فإنّ أهليّتها للملك و نسبته إليها - بسبب الجناية و نحوها من الأسباب - و إن كان مجازاً أيضاً إلّا أنّه بعيد خفيّ المعنى ؛ فلذا لم يحمل الإطلاق عليه، و صحّ مع التصريح به.

قوله:«و لو أقرّ لحمل صحّ سواء أطلق أو بيّن سبباً محتملاً، كالإرث» إلى آخره.

إذا أقرّ لحمل فإمّا أن يعزيه إلى سبب يفيد الحمل الملك، أو إلى سبب لايفيده له شرعاً، أو يطلق. ففي الأوّل لا إشكال في صحّة الإقرار، كما لو قال: «له عندي كذا» بسبب وصيّة أُوصي له بها أو إرث ورثه، لما تقدّم من صحّة الوصية له(1)، و ما سيأتي من أنّه يرث وإن كان استقرار ملكه مشروطاً بسقوطه حيّاً(2)؛ لأنّ ذلك لايمنع من صحّته في الحال في الجملة.

و يستفاد من الحكم بصحّة السبب على هذين التقديرين أنّهما ممكنان بالنسبة إليه، فلو نسبه إلى ميراث من قريب حيّ أو ميّت في وقت لايمكن فيه إرثه له فهو ملحق بالقسم الباطل.

ص: 606


1- تقدّم في ج 5، ص 377 - 378.
2- يأتي في ج 10، ص 317-318.

...

و في الثاني - بأن فسّره بالجناية عليه والمعاملة له - قولان:

أحدهما - وهو الأشهر - الصحّة(1)، ويلغو المنافي كما في نظائره من الإقرار المعقّب بالمبطل، كقوله : من ثمن خمر، أو استثنى منه استثناء مستغرقاً؛ لاشتراكهما في المقتضي للصحّة، و هو عموم جواز : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2) و المنافي، كالرجوع لايقبل بعد ثبوت الإقرار.

و الفرق بينه و بين المعلّق على شرط أنّ الشرط مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي، فلم يتحقّق ماهيّة الإقرار مع الشرط، بخلافه مع المنافي المتعقّب؛ فإنّه إخبار تامّ وإنّما تعقّبه ما يبطله فلايسمع. و كون الكلام كالجملة الواحدة لايتمّ إلّا بآخره يتمّ فيما هو من متمّماته كالشرط و الصفة، لا فيما يتعلّق به بل ينافيه، و من ثَمَّ أجمعوا على بطلان المعلّق دون المعقّب بالمنافي. و لعلّه أوضح في الفرق.

والقول ببطلان الإقرار إذا عزاه إلى سبب باطل لابن الجنيد(3) و القاضي(4)؛ استناداً إلى ما أشرنا إليه من أنّ الكلام لايتمّ إلّا بآخره، و قد ظهر من آخره بطلان أوّله، فكأنّه لم يقرّ إقراراً صحيحاً. و قد عرفت جوابه.

و في الثالث - و هو ما لو أطلق - ينزل على وجه یصحّ؛ لاحتماله الأمرين، فيتناوله عموم ما دلّ على لزوم الإقرار لأهله(5)، مع كون خلافه محتملاً، فإنّ ذلك لو قدح لأثّر في سائر الأقارير، و لو قلنا بصحّته إذا عزاه إلى سبب باطل فأولى بالصحّة هنا.

ص: 607


1- القول بالصّحة للعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 534، المسألة 237، و القول الآخر يأتي تخريجه في الهامش 3 و 4.
2- تقدّم تخريجه في ص 298، الهامش 1.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 534، المسألة 237؛ و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 434.
4- المهذّب، ج 1، ص 408 - 409.
5- أي عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

. ويملك الحمل ما أقرّ به بعد وجوده حيّاً. و لو سقط ميّتاً، فإن فسّره بالميراث رجع إلى باقي الورثة، و إن قال: هو وصيّة رجع إلى ورثة الموصي، و إن أجمل طولب ببيانه.

و فيه وجه ضعيف بالبطلان أيضاً؛ نظراً إلى ندور السبب المصحّح، و لأنّ الملك فيما قيل

بصحّته - كالإرث و الوصية - مشروط بسقوطه حيّاً، فقبله لايعلم الصحّة، بل هو مراعي، فكان جانب عدم الصحّة أرجح على التقديرين.

ويضعّف بأنّ الإقرار يكفي في صحّته إمكان حقيقته، و هو متحقّق هنا.

قوله:«ويملك الحمل ما أقرّ به بعد وجوده حيّاً» إلى آخره.

حيث حكمنا بصحّة الإقرار له مع الإطلاق لايجب استفساره عنه ابتداءً؛ لعدم الحاجة إليه بل ينتظر ولادته، فإن ولد حيّاً استقرّ ملكه عليه، سواء مات بعد ذلك فينتقل إلى وارثه أم بقي؛ لعدم افتراق الحال في الملك على هذا التقدير.

و إن سقط بعد الإقرار ميّتاً احتيج حينئذٍ إلى استفسار المقرّ؛ لاختلاف حكم الملك المحكوم له(1) سابقاً. فإن فسّره بالإرث تبيّن بطلانه و رجع إلى بقيّة الورثة؛ لأنّ الحكم بالصحّة كان مراعى بسقوطه حيّاً لا مطلقاً. و إن فسّر بالوصيّة له بطل أيضاً، ولكن هنا يرجع إلى ورثة الموصي ؛ للحكم ببطلان الوصيّة من رأس، فكان كما لو لم يوص. و المتولّي لتكليفه بالتفسير حيث يمتنع هو الحاكم؛ ليوصل الحقّ إلى مستحقّه.

و لو تعذّر التفسير لموت المقرّ و نحوه قيل: بطل الإقرار ؛ لانتفاء المقرّ له، كما لو أقرّ لواحد

من خلق الله تعالى و لا مجال للقرعة هنا؛ لعدم انحصار من يقرع بينهم(2).

ويشكل بخروجه عن ملكه بالإقرار على کلّ تقدير، و إنّما تعدّر معرفة مستحقّه فيكون مالاً مجهول المالك. و بطلان ملكه بالموت قبل الوضع إنّما أوجب بطلان السبب الناقل إلى

ص: 608


1- في الطبعة الحجريّة:«المملوك المحكوم به» بدل «الملك المحكوم له».
2- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 416 - 417.

. ويحكم بالمال للحمل بعد سقوطه حيّاً لدون ستة أشهر من حين الإقرار و يبطل استحقاقه لو ولد لأكثر من مدّة الحمل.

وإن وضع فيما بين الأقلّ و الأكثر و لم يكن للمرأة زوج و لا مالك حكم له به؛ لتحقّقه حملاً وقت الإقرار. و إن كان لها زوج أو مولى، قيل: لايحكم له؛ لعدم اليقين بوجوده. و لو قيل:يكون له بناء على غالب العوائد كان حسناً.

الحمل، لا بطلان ملك غيره كالوارث و ورثة الموصي، و كما يحتمل كون المقرّ هو المالك له

يحتمل كونه غيره.

و يمكن اندفاع الإشكال بأنّ الأصل في المال المقرّ به أن يكون ملكاً للمقرّ، وإنّما خرج عنه بإقراره للحمل و ملكه مراعى بولادته حيّاً، فكان خروجه عن ملكه مراعىً كذلك، فإذا فقد شرط الملك لم یصحّ الإقرار؛ لأنّه كان مراعى، فيرجع إلى أصله ظاهراً.

قوله:«و يحكم بالمال للحمل بعد سقوطه حيّاً لدون ستة أشهر» إلى آخره.

إذا ولد الحمل المقرّ له حيّاً كاملاً، فإن كان لدون ستّة أشهر من حين الإقرار علم وجوده حالة الإقرار، فتبيّن صحّة السبب المسوّغ له من وصيّة و إرث وإن ولد لأكثر من مدّة الحمل علم عدم وجوده حالة الإقرار، و لا شبهة في هاتين الصورتين، إنّما الكلام فيما إذا ولدته فيما بين المدّتين، فإنّه يتعارض هنا الأصل و الظاهر؛ إذ الأصل عدم تعلّق العلوق به على أزيد من الأقلّ و عدم استحقاقه المقرّ به، و الظاهر أنّه لايولد لما دون تسعة أشهر أو عشرة؛ عملاً بالعادة المستمرة.

فإن كانت الحامل بعد الإقرار خالية من فراش يمكن تجدّده منه حكم بوجوده؛ لقوّة الظاهر الدالّ على وجوده حالة الإقرار؛ و لهذا يحكم بثبوت نسبه لمن كانت فراشاً له. و في قول المصنّف(رحمه الله) «التحقّقه حملاً» حينئذٍ مسامحة؛ إذ إمكان التجدّد حاصل و لو بالشبهة

فضلاً عن وجه آخر سائغ أو غيره في نفس الأمر، وإنّما يقوى الظاهر بوجوده كما قلناه.

و إن كانت مستفرشةً قيل:لايستحقّ(1)؛ لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار، و الأصل عدم

ص: 609


1- راجع الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 120( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

. و لو كان الحمل ذكرين تساويا فيما أقرّ به.

الاستحقاق و عدمه عند الإقرار. و قيل: يستحقّ، و هو الذي مال إليه المصنّف؛ نظراً إلى الغالب في عادات النساء أن لايلدن تامّاً إلّا في تسعة أشهر(1). فإذا ولدته لهذه المدّة من حين الإقرار كان وجوده حين الإقرار غالباً، وإن ولدته فيما بين الأقلّ و الأكثر فوجوده حال الإقرار ثابت بطريق أولى و إن لم يكن غالباً، و قد تقدّم لهذه المسألة نظائر في الوصايا(2) و غيرها(3). و اعلم أنّ في تحديد المصنّف المدّة من حين الإقرار تجوّزاً ظاهراً؛ لأنّ لحوق الحمل مشروط بالدخول و المدّة تعتبر من حين الوطء لا من حين الإقرار، فالمعتبر في المدة المذكورة كونها من حين الوطء المتقدّم على الإقرار إلى حين الوضع، و قد تجوّزوا مثله في الحكم بلحوق الولد إذا ولدته للمدّة المذكورة من حين الطلاق أو من حين الموت مع أنّ المعتبر الوطء المتقدّم عليه كذلك.

قوله:«و لو كان الحمل ذكرين تساويا فيما أقرّ به».

إذا ثبت استحقاق الحمل لما أقرّ له به فإن اتّحد استحقّ الجميع، ذكراً كان أم أُنثى؛ لأنّه إن كان وصيّةً فواضح، وإن كان إرثاً فعندنا أنّه كذلك، و من لم يقل بالردّ عليها أثبت لها النصف خاصّةً إذا أضافه إلى جهة الإرث من الأب.

و إن كان ذكرين أو أنثيين فإن أسنده إلى الوصيّة تساويا فيه إلّا أن ينصّ على التفضيل، و إن أسنده إلى الإرث تساويا مطلقاً؛ و لهذا أطلق المصنّف الحكم بتساويهما؛ لأنّه إن كان بسبب الإرث فواضح، و إن كان بسبب الوصيّة فالأصل عدم ما يقتضي التفضيل؛ لأنّ القدر المتيقّن منه كونه وصيّةً لهما، و هذا القدر يقتضي التسوية.

ويشكل مع إمكان الاستعلام؛ لأنّ مطلق الاستحقاق أعمّ من التسوية و التفضيل.

و الوجه الرجوع إلى المقرّ في السبب، فإن ذكر ما يقتضي التفضيل أو التسوية عمل به،

ص: 610


1- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 416؛ و تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 403 - 404، ذيل الرقم 5989.
2- تقدّم في ج 5، ص 330 و ما بعدها.
3- راجع ج 10، ص 317 - 318.

و لو وضع أحدهما ميّتاً كان ما أقرّ به للآخر؛ لأنّ الميّت كالمعدوم.

وإذا أقرّ بولد لم يكن إقراراً بزوجيّة أُمّه و لو كانت مشهورة بالحرّيّة.

و إلّا اتّجه قسمته بالسويّة. و كذا لو ولدت أزيد من اثنين.

قوله:«و لو وضع أحدهما ميّتاً كان ما أقرّ به للآخر؛ لأنّ الميّت كالمعدوم»

هذا الحكم ليس على إطلاقه؛ لأنّ جهة استحقاقهما إن كانت وصيّةً للحمل كيف كان اتّجه ذلك، و كذا إن كان إرثاً بالولادة مع انحصار الإرث في الحمل. و لو كانت الوصيّة مفصّلةً على وجه يكون الوصيّة لأحدهما لايرجع إلى الآخر، أو كان إرثاً بجهة لاتوجب الانتقال إلى الآخر، بأن كانا أخوين لأمّ للميّت و ليس لهما ثالث من جهتها فحياتهما موجبة لهما الثلث، و لأحدهما خاصّة السدس، و لايكون ما أقرّ به للآخر مطلقاً.

و الأجود أن يقال: ينزل الميّت كأن لم يكن، و ينظر فى الحىّ على ما ذكر من حال جهة الاستحقاق. وحينئذٍ فلا بدّ من الرجوع إلى المقرّ في الجهة ليعلم مقدار استحقاق الحيّ ، و لايلزم من كون الميّت كالمعدوم - على ما أشار إليه في التعليل - أن يكون مجموع المقرّ به للآخر كما ذكرناه.

قوله: «و إذا أقرّ بولد لم يكن إقراراً بزوجيّة أمّه و لو كانت مشهورةً بالحرّيّة».

لأنّ الزوجيّة و النسب أمران متغایران غیر متلازمین، فلايدلّ أحدهما على الآخر بإحدى الدلالات. و نبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة حيث قال: إن كانت أُمّه مشهورةً بالحرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً بزوجيّة أُمّه، و إن لم تكن مشهورةً فلا(1).

و أراد بالحرّيّة ما يقابل الفجور.

و هل يلزمه بإقراره بالولد خاصّةً مهر المثل لأمّه؟ قولان(2)، أقربهما ذلك؛ لاستلزام تولّده منه الوطء عادةً، و لحوقه به يقتضي كون الوطء شبهة، وهو يوجب مهر المثل.

ص: 611


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 335 - 336 ، المسألة 3894.
2- القول بوجوب مهر المثل للعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 88؛ و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 243 - 244؛ و لعلّ السيد عميد الدين الأعرج مال إلى عدم وجوب مهر المثل، فراجع كنز الفوائد، ج 2، ص 516.

النظر الرابع في اللواحق

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل في تعقيب الإقرار بالإقرار

إذا قال:هذه لفلان بل لفلان، أو قال غصبتها من فلان بل من فلان

. إذا كان في يده دار على ظاهر التملك، فقال:«هذه لفلان بل لفلان» قضي بها للأوّل و غرم قيمتها للثاني؛ لأنّه حال بينه و بينها، فهو كالمتلف.

قوله: «إذا كان في يده دار على ظاهر التملّك» إلى آخره.

أمّا القضاء بها للأوّل فلعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1). وأمّا الثاني فلما أشار إليه المصنّف (رحمه الله) من أنّه قد حال بينه و بينها بإقراره للأوّل مع اعترافه بأنّه المستحقّ، فيغرم له القيمة؛ لتعذّر الوصول إلى العين، كما لو أتلف عليه مالاً ثمّ أقرّ له به، هذا إذا لم يصادق المقرّ له الأوّل على ملكيّة الثاني، و إلّا دفعت إلى الثاني.

و ربّما احتمل عدم الغرم له؛ لأنّ الإقرار الثاني صادف ملك الغير لها فلاينفذ عاجلاً. ثمّ على تقدير ملكيّته لها يلزمه تسليمها إلى المقرّ له ثانياً.

و قال ابن الجنيد:«يرجع إلى مراد المقرّ و يقبل قوله إن كان حيّاً، و إلّا كان المقرّ لهما بمنزلة متداعيين لشيء هو في يدهما، فيأخذه ذو البيّنة، و مع عدمها فالتحالف، فإن حلفا اقتسماه»(2).

و الأظهر الأوّل.

ص: 612


1- تقدّم تخريجه في ص 298، الهامش 1.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 541، المسألة 252.

. وكذا لو قال غصبتها من فلان بل من فلان.

. أمّا لو قال:«غصبتها من فلان و هي لفلان» لزمه تسليمها إلى المغصوب منه ثم لايضمن. و لايحكم للمقرّ له بالملك، كما لو كانت دار فى يد فلان و أقرّ بها

قوله «و كذا لو قال:غصبتها من فلان بل من فلان».

وجه مساواة هذه للسابقة في الحكم أنّ الإقرار بالغصب من الشخص يستلزم الإقرار له باليد، و هي تدلّ ظاهراً على الملكيّة؛ و لهذا يحكم لذي اليد بها، فيكون مقرّاً لكلّ منهما بما يقتضى الملك.

و في المسألة وجه بعدم الغرم هنا للثاني كالتي بعدها؛ لعدم التنافي بين الإقرارين؛ فإنّ الغصب يصدق من ذي اليد وإن لم يكن مالكاً، كما لو كانت في يده بإجارة أو إعارة و نحوهما، فيحكم بها للأوّل؛ لسبق الإقرار باليد له، و لايغرم للثاني؛ لانتفاء ما يدلّ على ملكيّته(1).

و يضعّف بأنّ الإقرار بالغصب إمّا أن يقتضي الإقرار بالملك على وجه يوجب الضمان أو لا، فإن اقتضاه فقد أقرّ للاثنين بذلك فكانت كالسابقة فيضمن للثاني، و إن لم يقتضه لم يجب الدفع إلى الأوّل في هذه الصورة فضلاً عن الغرم للثاني؛ لعدم الإقرار له بما يقتضي الملك، من حيث إنّ الغصب منه أعمّ من كونه مالكاً.

وكذا يضعّف ما قيل من الفرق بين الإقرارين: بأنّ الإقرار للأوّل اتّفق بغير معارض فيسمع، بخلاف الثاني؛ لثبوت استحقاق الغير العين قبل الإقرار له، فإنّه لو التفت إلى هذا لزم عدم الغرم للثاني و إن صرّح له بالملك؛ لسبق الاستحقاق لغيره(2)

و الحق أنّ الإقرار بالغصب إقرار باليد، و هي كافية في وجوب الردّ إليه، و يبقى الإقرار للثاني موجباً لذلك أيضاً، و قد فات بإقراره الأوّل فيضمن له.

قوله:«أما لو قال:«غصبتها من فلان و هي لفلان - إلى قوله - غصبتها من عمرو».

هذه صورة ثالثة متردّدة بين السابقتين، فإنّ إقراره للأوّل بالغصب المحتمل لغير الملك،

ص: 613


1- راجع جامع المقاصد، ج 9، ص 320.
2- حكاه عن قائلٍ المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 321.

الخارج لآخر. وكذا لو قال: «هذه لزيد غصبتها من عمرو».

و إقراره للثاني بالملك، فلا منافاة بين الأمرين، لكن يلزم بدفعها إلى الأوّل الذي أقرّ بغصبها منه؛ لاعترافه له باليد التي أقلّ مراتبها استحقاق المنفعة بإجارة أو وصيّة أو نحو ذلك، بخلاف السابقتين؛ فإنّ الأولى صريحة في ملكهما، و الثانیة هما فيه مستويان نفياً وإثباتاً كما علم.

و في هذه المسألة قول آخر بالضمان للثاني؛ لاعترافه له بالملك و قد حال بينه و بين تسليمه إليه بإقراره الأوّل فيغرم له(1) وإن لم نقل بغرمه في السابقة؛ لعدم الاعتراف بالملك، و لأنّ الإقرار بالغصب من الأوّل إقرار له باليد المفيدة للملكيّة - كما مرّ - فيكون في قوّة التناقض؛ و لهذا لم ينفذ إقراره بالملك للثاني مع كونه صريحاً فيه. و هذا هو الأقوى.

و قوله«كما لو كانت دار في يد فلان فأقرّ بها الخارج لآخر» أشار به إلى الوجه في عدم جواز دفعها إلى الثاني، مع أنّه قد أقرّ له بالملكيّة و لم يقرّ للأوّل بها، و لم يحكم بالتنافي لذلك، و قلنا إنّ الإقرار بالملك لم يحصل إلّا لواحد فلم لايدفع إليه؟

و الوجه أنّه و إن لم يكن قد أقرّ للأوّل بالملك لكن أقرّ له باليد سابقاً، فصار بالإقرار كذي اليد بالفعل على المقرّ به، و صار المقرّ خارجاً عن العين بواسطة الإقرار، فإذا أقرّ بملكها لآخر كان كما لو أقرّ الخارج بملك ما هو في يد غيره لغير ذي اليد، فإنّها لاتسلّم إليه بهذا الإقرار.

ولكن يبقى فيه أنّ إقراره الأوّل إذا أثّر هذا القدر و أفاد اليد - و هي تقتضي شرعاً الملك - وجب الحكم بها للأوّل و الضمان للثاني؛ لتفويته حقّه بزعمه بإقراره الأوّل، فإنّ الإقرارين و إن لم يتنافيا صورةً لكنّهما متنافيان معنى.

ص: 614


1- قاله المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 324.
لو أقرّ بعبد لإنسان فأنكر المقرّ له

. ولو أقرّ بعبد لإنسان فأنكر المقرّ له قال الشيخ: يعتق؛ لأنّ كلّ واحد منهما أنكر ملكيّته، فبقي لغير مالك. ولو قيل: يبقى على الرقّيّة المجهولة المالك، كان حسناً.

قوله:«و لو أقرّ بعبد الإنسان فأنكر المقرّ له قال الشيخ: يعتق» إلى آخره.

من شرائط صحّة الإقرار عدم تكذيب المقرّ له المقرّ، و إن لم يشترط قبوله لفظاً على

رسم الإيجاب و القبول و الإنشاءات.

فإن كذّبه نظر إن كان المقرّ به مالاً لم يدفع إليه، و فيما يفعل به أوجه أظهرها تخيّر الحاكم

بين أخذه وإقرار يد المقرّ عليه إلى أن يظهر مالكه.

وإن كان الإقرار بعبد تحت يد المقرّ بحيث يظهر كونه مالكاً ظاهراً فأنكر المقرّ له ملكه، ففيه أوجه أيضاً:

أحدها - و به قال الشيخ(1) و أتباعه(2)- أنّه يحكم بعتقه؛ لأنّ صاحب اليد لايدّعيه، و المقرّ له ينفيه، فيصير العبد في يد نفسه فيعتق. و هذا كما إذا أقرّ اللقيط بعد البلوغ بأنّه مملوك زيد و أنكر زيد، فإنّه يحكم بحرّيّته، و لانتفاء علقة المقرّ به بإقراره، و المقرّ له بنفيه و من عداهما؛ لانحصار الملك فيهما ظاهراً، و أصالة عدم مالك آخر، و لأنّ الحرّيّة أصل في الآدمي، و إنّما تثبت رقّيّته بأمر ظاهر، و لم يثبت هنا فيرجع إلى الأصل.

و يضعّف بأنّه لايلزم من انتفاء ملكيّته و علقتها ظاهراً انتفاؤها في نفس الأمر؛ لأنّ المفروض كونه رقّاً فلايزال بذلك، بل لايلزم من انتفاء علقة الرقّيّة لشخص معيّن ظاهراً انتفاء الرقّيّة عنه ظاهراً و لا باطناً؛ لأنّ الفرض ظهور الرقّيّة و الحكم بها شرعاً حين الإقرار، و من ثَمّ نفذ و أثّر في الجملة، فلايلزم من نفيها عن شخص معيّن انتفاؤها مطلقاً، و هذا الأمر الثابت ظاهراً رفع حكم الأصل المدّعى.

ص: 615


1- المبسوط، ج 2، ص 427.
2- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 411 - 412؛ و جواهر الفقه، ص 91، المسألة 335.
لو أقرّ أنّ المولى أعتق عبده ثمّ اشتراه

•ولو أقرّ أنّ المولى أعتق عبده ثمّ اشتراه، قال الشيخ: صحّ الشراء. و لو قيل:يكون ذلك استنقاذاً لا شراءً كان حسناً و ينعتق؛ لأنّ بالشراء سقط عنه لواحق ملك الأوّل.

و لو مات هذا العبد كان للمشتري من تركته قدر الثمن مقاصّةً؛ لأنّ المشتري إن كان صادقاً فالولاء للمولى إن لم يكن وارث سواه، و إن كان كاذباً فما ترك للمشتري، فهو مستحقّ على هذا التقدير قدر الثمن على اليقين، و ما فضل يكون موقوفا.

و ثانيها - وهو الذي اختاره المصنّف(رحمه الله) - أنّه يبقى على الرقّيّة المجهولة؛لأنّه محكوم عليه بها، فلايرفع إلّا بأحد الأسباب المقتضية للتحرير، و ليس الجهل بمالك العبد منها. و يخالف صورة اللقيط - على تقدير تسليمها - بأنّه محكوم بحرّيّته تبعاً للدار، فإذا أقرّ بالرقّ و نفاه المقرّ له بقي على أصل الحرّيّة. و هذا هو الأظهر. و عليه فيحكم فيه كما ذكرناه

في المال.

و ثالثها: ثبوت الحرّيّة إن ادّعاها العبد؛ لأنّه مدّع لاينازعه أحد في دعواه، و لاسلطنة لأحد عليه(1).

و يضعّف بمنع عدم المنازع؛ فإنّ الحاكم وليّ المال المجهول، فعليه أن ينازع من يدّعيه

بغير حجّة شرعيّة، كسائر ما بيده من الأموال المجهولة المالك.

قوله:«و لو أقرّ أنّ المولى أعتق عبده ثمّ اشتراه - إلى قوله - وما فضل يكون موقوفاً». من شرائط الإقرار أيضاً كون المقرّ به تحت يد المقرّ و تصرّفه، بمعنى أنّه إذا لم يكن تحت يده لم يسلّطنا إقراره على الحكم بثبوت المقرّ به للمقرّ له، بل يكون ذلك بمنزلة الشهادة أو الدعوى. و لايلغى قوله من کلّ وجه، بل إذا حصل المقرّ به يوماً في يده نفذ إقراره، و أمر بتسليمه إلى المقرّ له.

ص: 616


1- راجع إيضاح الفوائد، ج 2، ص 436 - 437؛ و الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

...

و يترتب على ذلك أنّه لو قال:«العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا» ثم حصل

العبد في ملكه، أُمر ببيعه في دين عمرو.

و لو أقرّ بحرّيّة عبد في يد غيره، أو شهد بحرّيّته فلم يقبل شهادته لم يحكم بحرّيّته في الحال. و لو أقدم المقرّ على شرائه صحّ، تنزيلاً للعقد على قول من صدّقه الشرع و هو صاحب اليد البائع، و يخالف ما إذا قال:«فلانة أختي من الرضاع» ثمّ أراد أن ينكحها، فإنّه لايمكّن منه؛ لأنّ في الشراء غرض استنقاذه من أسر الرقّ، و هذا الغرض لايحصل هناك؛ إذ يمنع(1) من الاستمتاع بفرج اعترف أنّه حرام عليه. ثمّ إذا اشتراه حكم بحرّيّة العبد و رفعت يده عنه.

ثم العقد الجاري بينه و بين البائع ما حكمه؟ أهو بيع أو فداء؟ فيه أوجه:

أحدها:أنّه بيع من الجانبين.

و الثاني:أنّه بيع من جهة البائع، و افتداء من جهة المقرّ.

و الثالث - و هو أضعفها - أنه افتداء من الجانبين؛ و وجه ضعفه:أنّه لاينتظم أن يأخذ المال لينقذ من يسترقّه.

و وجه الأوّل:أنّه محكوم برقّيّته ظاهراً، و إنّما يحكم بعتقه على المشتري بعد الحكم بصحّة البيع؛ و لأنّ العتق مترتّب على ملكه المتوقّف على صحّة الشراء؛ إذ ليس هنا سبب موجب لانتقاله عن ملك البائع الثابت ظاهراً سواه.

و وجه الثاني:اعتراف المشتري بحرّيّته و امتناع شراء الحرّ. و لانسلّم أنّ عتقه متوقّف على صحّة الشراء مطلقاً، بل على استقلال يد المقرّ عليه لينفذ إقراره، سواء انتقل إليه بالشراء أم الاستنقاذ. و منه يظهر الجواب عن كون العتق مترتّباً على ملكه.

و تظهر الفائدة في ثبوت الخيار.

فعلى الأوّل يثبت لهما معاً خيار المجلس و الشرط، و للمشتري خيار الحيوان. و لو كان المبيع بثمن معيّن فخرج معيباً و ردّه كان له أن يستردّ العبد، بخلاف ما لو باع عبداً و أعتقه

ص: 617


1- في بعض النسخ: «أو يمنع» بدل «إذ يمنع».

...

المشتري، ثمّ خرج الثمن المعيّن معيباً و ردّه، حيث لايستردّ العبد بل يعدل إلى القيمة؛ لاتّفاقهما على العتق هناك.

و على الثاني لا خيار للمشتري و لا ردّ. نعم، له أخذ الأرش ظاهراً؛ لأنّه بزعم البائع شراء يوجبه، و بزعم المشتري يستحقّ جميع الثمن، فالأرش الذي هو جزء منه متّفق عليه على التقديرين.

و لايخلو هذا القول الثاني من إشكال بالنسبة إلى ثبوت الخيار الذي لايمنع العتق؛ لأنّه ينعتق على المشتري قهراً بتمام القبول، كما ينعتق قريبه إذا اشتراه، بل هذا أقوى؛ لأنّه بالنسبة إليه حرّ قبل الشراء، و بالنظر إلى غيره بعده بلا فصل، فلا يتّجه ثبوت خيار المجلس للبائع و لا خيار العيب، بل يتّجه له الأرش. و ليس هذا كتصرّف المشتري بالعتق و غيره حيث يكون للبائع خيار؛ لأنّ الممنوع(1) من التصرّف إنّما هو الواقع باختياره، و هذا لايتوقّف على اختياره. و بهذا يقوى جانب كونه فداء من الجانبين من هذا الوجه، و إن كان من جانب البائع لاينتظم الفداء بحسب الصورة، من حيث جواز أخذه العوض و توقّفه على رضاه و على ما يريده من العوض المخالف لحكم الفداء.

و ممّا يتفرّع على ذلك الولاء، فإنّه لايثبت للمشتري؛ لاعترافه بأنّه لم يعتقه، و لا للبائع؛ لزعمه أنه ليس بمعتق، بل هو موقوف. فلو مات و قد اكتسب مالاً، فإن كان له وارث بالنسب فهو له، وإلّا فينظر إن صدّق البائع المشتري و كان عتقه على وجه يوجب الولاء أخذه و ردّ الثمن. و إن كذّبه و أصرّ على كلامه الأوّل فقد قال المصنّف و جماعة(2)ک«إنّ للمشتري أن يأخذ من ماله قدر الثمن و كان الباقي موقوفاً؛ لأنّ البائع إن كان صادقاً فكلّ المال للمشتري، وإن كان كاذباً و الصادق المشتري فالولاء للبائع في نفس الأمر، و قد ظلم المشتري في أخذ الثمن، فإذا ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقّه».

ص: 618


1- في بعض النسخ: «المنع» بدل «الممنوع».
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 429؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 418 - 419؛ و فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 438.

...

و لايخفى أنّ هذا ليس على إطلاقه؛ لأنّ إقرار المشتري بعتق البائع إيَّاه قد يكون على وجه يثبت به الولاء له و قد لايكون، فلا بدّ من مراعاة عتق يثبت به الولاء و لو بالرجوع إلى تفسيره، وإلّا لم يكن له أخذ شيء؛ لأنّ ولاءه حينئذٍ بزعمه لغير المعتق، فلايرجع على غير من ظلمه. و لو كان إقراره بأنّه حرّ الأصل، أو أنّه أعتق قبل أن اشتراه البائع لم يكن له أخذ الثمن أيضاً؛ لما ذكرناه.

و ربما استشكل الرجوع بالثمن مطلقاً، من حيث إنّه تبرّع بدفعه مع زعمه أنّ القابض لايستحقّه، فإذا استهلك مع التسليط فلا ضمان(1). و بأنّه إنّما بذله افتداءً؛ تقرّباً إلى الله تعالى باستنقاذ حرّ، فيكون سبيله سبيل الصدقات، و الصدقات لايرجع فيها.

و أُجيب بأنّ مثل هذا الدفع يرغب فيه للاستنقاذ، و قد يكون ذلك مضموناً على القابض الظلمه(2). و بأنّ الرجوع بالمبذول على جهة الفدية لايمنع من الرجوع فيه؛ لأنّه ليس تبرّعاً محضاً،و القربة لاتنافي ثبوت العوض، كما لو قدى أسيراً في بلد المشركين ثمّ استولى المسلمون على بلادهم و وجد الباذل عين ماله فله أخذه.

و يتفرّع أيضاً ما لو استأجر العبد المقرّ بحرّيّته بدلاً عن الشراء، فإنّه لايحلّ له استخدامه و لا الانتفاع به، و للمؤجر مطالبته بالأجرة.

و لو أقرّ بحرّيّة جارية الغير، ثمّ قبل نكاحها منه، لم يحلّ له وطؤها، و للمولى(3)المطالبة بالمهر.

و لو كان إقراره بأنّك غصبت العبد من فلان ثمّ اشتراه منه ففي صحّة العقد وجهان، الصحّة، كما لو أقرّ بحرّيّته ثم اشتراء. و تظهر الفائدة في لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع،و وجوب دفعه على المشتري إلى المالك.

ص: 619


1- راجع الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 125(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- راجع الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 125(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- في «خ»: «للزوج» بدل «للمولى».

المقصد الثاني في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الإبطال

و فيه مسائل:

الأُولى: • إذا قال:«له عندي وديعة و قد هلكت» لم يُقبل. أمّا لو قال:«كان له عندي» فإنّه يُقبل.

. و لو قال:«له علىَّ مال من ثمن خمر أو خنزير» لزمه المال.

و الثاني: المنع؛ لأنّ التصحيح ثَمّ للافتداء و الإنقاذ من الرقّ، و لايتّجه مثله في تخليص

ملك الغير.

و اعلم أنّه قد أورد على أصل نفوذ الإقرار في حقّ العبد و الحكم بعتقه على تقدير الشراء بأنّه قد يتّجه فيه ضرر عليه، كما إذا كان عاجزاً عن التكسّب، فيشكل نفوذه في حقّه؛ لأنّ للعبد حقّاً في هذا الإقرار، بل يتوقّف على تصديق العبد على الحرّيّة(1)

و جوابه:أنّه و إن كان له حظّ في الإقرار إلّا أن حرّيّته لاتتوقّف على اختياره إخباراً و لا إنشاءً؛ فإنّه لو باشر عتقه و هو عاجز نفذ في حقّه، و كذا لو أخبر مالكه أنّه أعتقه، فإنّه ينفذ بغير إشكال، و هذا في معناه.

قوله:«إذا قال: له عندي وديعة و قد هلكت لم يُقبل» إلى آخره.

الفرق بين المسألتين واضح؛ فإنّ قوله«له عندي وديعة» يقتضي بقاءها، فقوله «قد هلكت» ينافيه، فلايقبل قوله و لاتسمع دعواه؛ لأنّ الهالك لايكون عنده وديعة، بخلاف الثانیّة، فإنّ قوله«كان له عندي» لايدلّ على البقاء و لاينافي الهلاك، و غايته أنّه إقرار بالوديعة، و قول الودعيّ مقبول في التلف بيمينه، فيكون هنا كذلك.

قوله:«و لو قال:له علىَّ مال من ثمن خمر أو خنزير، لزمه المال».

لأنّ قوله«له عليّ» يقتضي ثبوته في الذمّة أو وجوب تسليمه، و كونه من ثمن خمر

ص: 620


1- راجع الدروس الشرعية، ج 3، ص 125(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

الثانیّة: • إذا قال: «له عليّ ألف» و قطع، ثمّ قال: «من ثمن مبيع لم أقبضه» لزمه الألف.

و لو وصل فقال:«له علىَّ ألف من ثمن مبيع» و قطع، ثمّ قال: «لم أقبضه» قُبِلَ، سواء عيّن المبيع أو لم يعيّنه. و فيه احتمال؛ للتسوية بين الصورتين. و لعلّه أشبه.

أو خنزير ينافيه؛ لأنّه يقتضي سقوطه؛ لعدم إمكان ثبوت مال ثمناً لأحدهما في شرع الإسلام، فلايُقبل تفسيره بالمنافي، و يثبت ما أقرّ به أوّلاً.

قوله:«إذا قال:له عليّ ألف، و قطع» إلى آخره.

هنا ثلاث مسائل ذكر المصنّف(رحمه الله) منها اثنتين:

إحداها:إذا قال:«له عليّ ألف» و قطع كلامه، ثمّ قال: «إنّ الألف ثمن لمبيع لم أقبضه» لزمه الألف؛ لإقراره به و يلغى المنافي(1)؛ لأنّه دعوى محضة تقتضي إثبات مال عند المقرّ له- و هو المبيع - و توقّف استحقاق تسليم الألف على قبضه، فيسمع الإقرار دون الدعوى؛ لانفصال أحدهما عن الآخر حكماً و لفظاً.

و ثانيها: أن يصل بإقراره بالألف قوله:«من ثمن مبيع» ثمّ يقطع ثمّ يقول: «لم أقبضه» و فيه قولان:

أحدهما(2): مساواة الأوّل، لإقراره بالألف، و لاينافيه ما وصله به من قوله «من ثمن مبيع»؛ لأنّ الغرض ثبوت الألف. أمّا تعيين سببها فلا حاجة إليه، و إنّما يجيء التنافي من قوله «لم أقبضه» و هو منفصل عن الأوّل. و هذا هو الذي اختاره المصنّف (رحمه الله).

و الثاني: قبول دعواه الأخيرة؛ لأنّ قوله«من ثمن مبيع» مقبول من حيث اتّصاله، و هو أعمّ من كونه مقبوضاً و غير مقبوض، فإذا قال بعد ذلك «لم أقبضه» فقد ذكر بعض محتملاته،

ص: 621


1- في بعض النسخ: «النافي» بدل «المنافي».
2- القول بعدم القبول لابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 511؛ و المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 9، ص 330.

الثالثة: • لو قال: «ابتعت بخيار» أو «كفلت بخيار» أو «ضمنت بخيار» قُبِلَ إقراره بالعقد و لم يثبت الخيار.

بل ما يوافق الأصل؛ إذ الأصل عدم القبض فعلى البائع إثبات القبض. و هذا اختيار الشيخ في المبسوط(1) و الخلاف(2)

و ثالثها: أن يأتي بمجموع الكلام متّصلاً فيقول:«له عليّ ألف من ثمن مبيع لم أقبضه» فإن قلنا بالقبول في السابقة قُبل هنا بطريق أولى. وإن قلنا بعدمه احتمل هنا القبول؛ لأنّ الكلام جملة واحدة، و لإمكان صدقه فيما أخبر به و أراد التخلّص بالإقرار به، فلو لم يقبل منه و أُلزم بخلاف ما أقرّ به لزم انسداد باب الإقرار بالواقع حيث يراد، وهو مناف للحكمة.

و قيل:لايقبل هنا أيضاً(3)، لاشتماله على إقرار و دعوى، فيقبل الإقرار و تسقط الدعوى إلى أن يأتي لها بحجّة؛ و لأنّ هذه الضميمة بمنزلة المنافي؛ لأنّ مقتضى«أنّ له عليه ألفاً» وجوب أدائها إليه مطلقاً، و ثبوتها في ذمّته أو في عهدته، و كونها«من ثمن مبيع لم يقبضه» يقتضي عدم استقرارها في الذمّة؛ لجواز تلف المبيع قبل أن يقبضه، و عدم وجوب تسليمها مطلقاً بل مع تسليم المبيع.

و الأوّل لايخلو من قوّة. و المنافاة ممنوعة، و إنّما هو وصف زائد على الإقرار المطلق، و الواقع هو الإقرار المقيّد لا المطلق، كما لو قيّد الألف بقيد آخر غير ذلك. و موضع الاشتباه ما إذا كان المقرّ غير معتقد لزومه على هذا الوجه باجتهاد أو تقليد وإلّا فلا إشكال في اللزوم؛ لأنّها مسألة اجتهاديّة فيؤخذ على المعتقد بما يدين به، و يبقى غيره على ما يقتضيه نظر المفتي.

قوله:«لو قال:ابتعت بخيار، أو كفلت بخيار» إلى آخره.

ص: 622


1- المبسوط، ج 2، ص 440.
2- الخلاف، ج 3، ص 375 - 376، المسألة 24.
3- راجع السرائر، ج 2، ص 511 - 512؛ و اللمعة الدمشقيّة، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13)؛و جامع المقاصد، ج 9، ص 332.

الرابعة • إذا قال: «له» عليّ دراهم ناقصة» صحّ إذا اتّصل بالإقرار كالاستثناء، و يرجع في قدر النقيصة إليه.

و كذا لو قال: «دراهم زيّف» لكن يُقبل تفسيره بما فيه فضّة. و لو فسّره بما لا فضّة فيه لم يُقبل.

أمّا عدم قبول وصف الخيار في الكفالة و الضمان على القول بعدم صحّة اشتراطه فيهما فواضح؛ لأنّه تعقيب للإقرار بالمفسد. و أمّا على القول بصحّته أو كون الخيار في البيع فوجه عدم ثبوت الخيار ما تقدّم في دعوى الأجل و عدم قبض المبيع(1)، و أولى بعدم القبول هنا؛ لأنّ الخيار يفضي إلى إسقاط الحقّ بالاختيار، بخلاف التأجيل و عدم قبض المبيع على بعض الوجوه.

و يحتمل القبول هنا أيضاً؛ لجواز أن يكون الحقّ المقرّ به كذلك، فلو لم يقبل أخلّ بحكمة الإقرار بالحقّ الواقع كما ذكرناه في نظائره، إلّا أنّ الأشهر هنا عدم سماع الخيار. و لو قيل بالقبول كالسابق كان حسناً.

قوله:«إذا قال: له عليّ دراهم ناقصة صحّ» إلى آخره.

وجه القبول مع الاتّصال: أنّ المقرّ به هو الدراهم الموصوفة بما ذكر، فلايلزم غيرها؛ لأنّه لم يقرّ به، و لأنّ الكلام لايتمّ إلا بآخره، و لأنّه من الممكن أن يكون له عنده دراهمبهذا الوصف، فلو لم يقبل الإقرار بها نافي غرض الشارع وحكمته كنظائره.

و في المسألة وجه آخر بعدم القبول، عملاً بأوّل الكلام، و كون الوصف منافياً للسابق؛ لاقتضائه الرجوع عن بعضه.

و لايخفى ضعفه؛ إذ لم يثبت بالإقرار سواه حتّى يقال: إنّه سقط، و لا منافاة بين الأمرين،

فقطع بعض الكلام عن بعض وإلزامه به بعيد عن مقصد الشارع.

وعلى تقدير قبول الوصف بالنقصان يرجع إليه فيه، و بالزيّف - و هو المغشوش(2) - يرجع

ص: 623


1- تقدّم في ص 541 و 621.
2- لسان العرب، ج 9، ص 142، «زيف».

الخامسة • إذا قال: «له علىّ عشرة لا بل تسعة» لزمه عشرة و ليس كذلك لو قال:«عشرة إلّا واحداً».

السادسة • إذا أشهد بالبيع و قبض الثمن، ثمّ أنكر فيما بعد، و ادّعى أنّه أشهد تبعاً للعادة و لم يقبض، قيل:لاتُقبل دعواه؛ لأنّه مكذّب لإقراره، و قيل:تُقبل؛لأنّه ادّعى ما هو معتاد، و هو أشبه؛ إذ ليس هو مكذّباً للإقرار، بل مدّعياً شيئاً آخر، فيكون على المشتري اليمين.

و ليس كذلك لو شهد الشاهدان بإيقاع البيع و مشاهدة القبض، فإنّه لايُقبل إنكاره، و لايتوجّه اليمين؛ لأنّه إكذاب للبيّنة.

إليه في قدر الغشّ، بشرط أن يبقى معه فضّة يصدق معها اسم الدراهم؛ إذ لو خلت منها كانت فلوساً لا دراهم مغشوشة.

قوله:«إذا قال: له عليّ عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة» إلى آخره.

الفرق بين المسألتين أنّ قوله«لا بل تسعة» إضراب عن الإقرار بالعشرة بعد الإيجاب، و قد تقدّم أنّه يجعل ما قبل«بل»كالمسكوت عنه و إقراره بغيره(1)، فلا يقبل رجوعه، بخلاف قوله «إلّا واحداً» فإنّه استثناء، و هو تركيب عربي يكون جزء من الكلام و من متمّماته، و المراد منه هو القدر الحاصل بعد الاستثناء، فقوله «له عشرة إلّا واحداً بمعنى له تسعة، و كأنّ للتسعة اسمين: أحدهما «عشرة إلّا واحداً» فليس هنا إقرار بالعشرة و لا رجوع عنها.

قوله:«إذا أشهد بالبيع و قبض الثمن ثمّ أنكر فيما بعد» إلى آخره.

القول بالقبول للأكثر، بمعنى سماع الدعوى و توجّه اليمين بها على المشتري على وقوع الإقباض حقيقةً. و إنّما انتقلت اليمين إليه مع أنّه المدّعي لإقرار البائع بالقبض، فهذه اليمين إنّما هي في مقابلة الدعوى الواقعة من البائع ثانياً، بأنّه لم يقبض، و أنّ إقراره السابق ما كان

مطابقاً للواقع.

ص: 624


1- تقدّم في ص 537 - 538.

المقصد الثالث في الإقرار بالنسب

اشارة

و فيه مسائل:

شروط الإقرار بنسب الولد

الأُولى: • لايثبت الإقرار بنسب الولد حتّى تكون البنوّة ممكنةً، و يكون المقرّ به مجهولاً، ولا ينازعه فيه منازع. فهذه قيود ثلاثة.

فلو انتفى إمكان الولادة لم يُقبل كالإقرار ببنوّة من هو أكبر منه، أو مثله في السنّ، أو أصغر منه بما لم تجرِ العادة بولادته لمثله، أو أقرّ ببنوّة ولد امرأة له، و بينهما مسافة لايمكن الوصول إليها في مثل عمره.

و كذا لو كان الطفل معلوم النسب لم يُقبل إقراره.

و كذا لو نازعه منازع في بنوّته لم يُقبل إلا ببيّنة.

و بهذا يحصل الجواب عن حجّة المانع من قبول قوله، من حيث إنّه مكذّب بدعواه الثانیّة

لإقراره السابق.

و حاصل الجواب: أنّه ما كذّب الإقرار، بل هو معترف بوقوعه، وإنّما يدّعي معه أمراً آخر، و هو كونه تبعاً للعادة من الإشهاد على القبض من غير أن يحصل قبض لإقامة الشهادة و الحجّة؛ خوفاً من تعذّر الشهود وقت الإقباض، و لكون هذا أمراً معتاداً بين المتعاملين اتّجه قبوله، لا بمعنى تقديم قول مدّعيه، بل بمعنى سماع دعواه و توجّه اليمين على المشتري، بأنّ الدفع بطريق الحقيقة لا على جهة المواطاة.

هذا كلّه إذا كانت الشهادة على إقراره. أمّا لو شهد الشاهدان بمشاهدة القبض لم يقبل إنكاره، و لا يمين على المشتري؛ لأنّ ذلك طعن في البيّنة وإكذاب لها فلايلتفت إليه، و مثله

ما لو رجع عن الإقرار في الأوّل، فإنّه لايقبل و لاتتوجّه اليمين.

قوله: «لايثبت الإقرار بنسب الولد - إلى قوله - لم يُقبل إلا ببيّنة».

الصفات المعتبرة في المقرّ معتبرة في الإقرار بالنسب و يزيد هنا شرائط أُخر.

ص: 625

...

وتحرير الحال: أنّ المقرّ بنسب إمّا ولد أو غيره. فإن كان ولداً اعتبر فيه أُمور:

أحدها: أن لايكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكناً، فلو كان في سنّ لايتصوّر أن يكون ولداً للمستلحق، بأن كان أكبر منه سنّاً، أو مثله، أو كان المستلحق أكبر ولكن بقدر لايولد لمثله، فلا اعتبار بإقراره.

و المصنّف (رحمه الله) اعتبر في إلحاقه إمكان تولّده منه عادةً، و هو أخص من مطلق إمكان تولّده؛ لأنّ ابن العشر قد تقدّم أنه يمكن التولّد منه(1) لكن ذلك خلاف العادة. و الأولى اعتبار مطلق الإمكان.

و كذا لو كان بين المقرّ و بين أمّ الولد مسافة لايمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها، أو

علم عدم خروج المقرّ إلى بلدها، و نحو ذلك.

و ثانيها: أن لايكذّبه الشرع، بأن يكون المستلحق مشهور النسب من غيره؛ لأنّ النسب

الثابت من شخص لاينتقل إلى غيره، و لا فرق بين أن يصدقه المستلحق أو يكذّبه.

و هل يلحق الولد المنفيّ باللعان بغير المعروف بالنسب، من حيث انتفائه شرعاً عمّن عرف به أم بالمعلوم؟ وجهان، من عدم المنازع و انتفائه شرعاً، و من بقاء شبهة النسب، و من ثَمّ لو استلحقه الملاعن بعد ذلك ورثه الولد.

و ثالثها: أن لاينازعه في الدعوى من يمكن الإلحاق به، فإنّ الولد حينئذٍ لايلحق بالمقرّ

و لا بالآخر إلا بالبيّنة أو القرعة.

و اعلم أنّ إطلاق العبارة يقتضي استواء الأمّ و الأب في الدعوى بشرائطها. و الحكم في الأب كذلك. و أمّا الأُمّ ففي إلحاقها به قولان(2)، منشؤهما عموم الأدلّة الدالّة على نفوذ الإقرار

ص: 626


1- تقدّم في ص 239.
2- القول بإلحاق الأُمّ بالأب هو ظاهر جماعة منهم الشيخ في النهاية، ص 684؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 225؛ و العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 411. و القول بعدم الإلحاق للشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

. ولا يعتبر تصديق الصغير. وهل يعتبر تصديق الكبير ؟ ظاهر كلامه في النهاية لا، و في المبسوط يعتبر، و هو الأشبه. فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب.

. ولا يثبت النسب في غير الولد، إلّا بتصديق المقرّ به.

بالولد(1)، و من ثبوت نسب غير معلوم الثبوت على خلاف الأصل فيقتصر على إقرار الرجل، مع وجود الفارق بينهما بإمكان إقامة الأُمّ البيّنة على الولادة دونه.

قوله:«و لايعتبر تصديق الصغير. و هل يعتبر تصديق الكبير؟» إلى آخره.

هذا شرط رابع مختلف فيه، و هو تصديق الولد لمن استلحقه إذا كان ممّن يعتبر تصديقه.

فلو استلحق بالغاً عاقلاً فكذّبه لم يثبت النسب في أظهر القولين؛ لأنّ الإقرار بالنسب يتضمّن الإقرار في حقّ الغير فيتوقّف على تصديقه أو البيّنة، فإن لم يكن بيّنة حلّفه، فإن حلف سقطت دعواه، وإن نكل حلف المدّعي و ثبت نسبه.

و لو استلحقه صغيراً ثبت نسبه و ورث كلّ واحد منهما الآخر. و المجنون بحكم الصغير

في عدم اعتبار تصديقه؛ لاشتراكهما في عدم الأهليّة.

و وجه عدم اعتبار تصديقه أنّ ذلك إقرار في حقّ نفسه؛ و لهذا لم يعتبر تصديق الصغير.

و ضعفه ظاهر؛ لاشتراك الحقّ، و خروج الصغير بالإجماع، و تعذّره في حقّه.

و حيث يعتبر التصديق لم يكفِ عدم التكذيب؛ لأنّه أعمّ منه فلايدلّ عليه، خلافاً لظاهر عبارة القواعد حيث اعتبر في الكبير عدم التكذيب(2)، و كأنّه تجوّز في العبارة، و قد صرّح في غيرها باشتراط التصديق(3)

قوله:«و لايثبت النسب في غير الولد، إلّا بتصديق المقرّ به»

ص: 627


1- من الأدلّة ما ورد في الكافي، ج 7، ص 165 - 166، باب الحميل، ح 1 و 3؛ و الفقيه، ج 4، ص 314، ح 5679؛ و تهذيب الأحكام، ج 9، ص 347، ح 1247؛ و الاستبصار، ج 4، ص 186، ح 698؛ و راجع وسائل الشيعة، ج 26، ص 270 - 271 ، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 437، و في ص 438 صرّح باشتراط التصديق في الكبير العاقل.
3- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 411؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 4، ص 431، الرقم 6031؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 537، المسألة 242؛ تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 436، المسألة 986.
إذا أقرّ بغير الولد للصلب

. وإذا أقرّ بغير الولد للصلب و لا ورثة له، و صدّقه المقرّ به توارثا بينهما، و لايتعدّى التوارث إلى غيرهما.

. و لو كان له ورثة مشهورون، لم يُقبل إقراره في النسب.

ما تقدّم حكم إلحاق الولد للصلب، وإلحاق النسب فيه بنفس المقرّ، و أمّا الإقرار بغيره فالنسب فيه يلحق بغيره، فإنّه إذا قال:«هذا أخي» كان معناه: أنّه ابن أبي و ابن أمّي، و لو أقرّ بعمومة غيره كان النسب ملحقاً بالجدّ، فكأنّه قال:«ابن جديّ».

و يشترط في هذا الإلحاق ما تقدّم من الشرائط، و يزيد اعتبار تصديق المقرّ به أو البيّنة على الدعوى وإن كان ولد ولد؛ لأنّ إلحاقه بالولد قياس مع وجود الفارق، فإنّ إلحاق نسبه بغير المقرّ - و هو الولد - فكان كالأخ.

قوله:«و إذا أقرّ بغير الولد للصلب و لا ورثة له، و صدّقه المقرّ به» إلى آخره.

هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد عن غيره، فإنّ الإقرار بالولد مع التصديق أو بدونه يثبت به النسب، ويتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه، و أمّا الإقرار بغير الولد للصلب وإن كان ولد ولد فيختصّ حكمه مع التصديق بالمتصادقين؛ لما تقرّر من أنّ ذلك إقرار بنسب الغير، فلايتعدّى المقرّ، و لو لم يحصل تصديق افتقر إلى البيّنة.

و يشترط فيه أيضاً - زائداً على الشرائط السابقة - أن يكون الملحق به ميّتاً، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به و إن كان مجنوناً. و أن لايكون الملحق به قد نفى المقرّ به، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته ففي لحوقه و جهان، من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، و في إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبة، و شرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث لا ما يتضرّر به، و من أنّ المورّث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان و غيره لحق به وإن لم يرثه عندنا. و هذا أقوى.

قوله: «ولو كان له ورثة مشهورون، لم يُقبل إقراره في النسب».

لأنّ ذلك إقرار في حقّ الغير حيث إنّ الإرث يثبت شرعاً للورثة المعروفين، فإقراره بوارث آخر يقتضى منعهم من الإرث أو مشاركتهم فيه أو مشاركة من ينتسب إليهم، فلايقبل بمجرّده وإن صادقه الآخر، بل يفتقر إلى البيّنة.

ص: 628

الثانیّة: • إذا أقرّ بولد صغير فثبت نسبه، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره؛ لتحقّق النسب سابقاً على الإنكار.

إذا أقرّ ولد الميّت بولد له آخر فأقرّا بثالث

الثالثة: • إذا أقرّ ولد الميّت بولد له آخر فأقرّا بثالث ثبت نسب الثالث إن كانا عدلين.

و لو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني، لكن يأخذ الثالث نصف التركة، و يأخذ الأوّل ثلث التركة، و الثانى السدس، و هو تكملة نصيب الأوّل.

و لو كان الاثنان معلومي النسب، فأقرّا بثالث ثبت نسبه إن كانا عدلين.

و لو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه، و كانت التركة بينهم أثلاثاً.

قوله:«إذا أقرّ بولد صغير فثبت نسبه، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره» إلى آخره.

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث ذهب إلى انتفاء النسب بإنكاره بعد البلوغ(1)؛ لأنّا إنّما حكمنا به حيث لم يكن إنكار و لا صلاحيّة له فإذا تحقّق صار كالكبير ابتداء.

و يضعّف بأنّ هذا لو أقرّ لزم أن لايثبت قبل البلوغ أيضاً؛ لفقد الشرط. و حيث اعترف

ببنوّته وجب استصحابه.

و حيث نقول بعدم الالتفات إلى إنكاره لو أراد المقرّ به تحليف المقرّ لم يكن له ذلك؛ لأنّه

لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه.

و لو استلحق مجنوناً فأفاق و أنكر فالأظهر أنّه كالصغير.

قوله:«إذا أقرّ ولد الميّت بولد له آخر فأقرّا بثالث ثبت نسب الثالث إن كانا عدلين و لو أنكر الثالث » إلى آخره.

إذا أقرّ الولدان بثالث شاركهما في الإرث بالنسبة، سواء كانا عدلين أم لا، ولكن لايثبت نسبه إلّا مع عدالتهما، فلايتعدّاهما الميراث بدون العدالة كما مرّ، و كذلك توقّف نسب الثاني على اعتراف الثالث و عدالته مع الأوّل. و لو فرض إنكار الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني،

ص: 629


1- راجع الوجيز في فقه الشافعي، ج 1، ص 373؛ و روضة الطالبين، ج 4، ص 61.

...

سواء كان الأوّلان عدلين أم لا؛ لأنّه لم يشهد به؛ إذ لم يعترف سوى الأوّل، فيثبت نسبه في حقّه خاصّةً(1). و حينئذٍ فيأخذ الثالث نصف التركة؛ لأنّ إرثه ثابت باعتراف الأوّلين، و كذلك الأوّل باعتراف الآخرين، فكان المتّفق عليهما الاثنين، فيكون للثالث نصف التركة و الأوّل يعترف بأنّهم ثلاثة فليس له إلّا ثلثها، و يبقى سدس من التركة للثاني ثابتاً له باعتراف الأوّل، و هو المراد بقول المصنّف إنّه «تكملة نصيب الأوّل» أي تكملته بزعم الثالث، وإلّا فهو يعترف أن لانصيب له في الزائد عن الثلث.

و ربما قيل بأنّ النصف يقسّم بين الأوّل و الثاني بالسويّة؛ لأنّ ميراث البنين يقتضي التسوية، و لايسلّم لأحدهم شيء إلّا و يسلّم للآخر مثله، و الثالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما.

و الأظهر الأوّل؛ لأنّ حقّ الثاني شائع فيما في يد الأوّل و الثالث بالسويّة، فله الثلث من

كلّ منهما.

و الضابط على الأوّل - فى هذه الصورة و نظائرها - أن يؤخذ أصل المسألة على قول المنكر و أصلها على قول المقرّ، و يضرب أحدهما في الآخر، و يقسّم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار، فيدفع نصيب المنكر منه إليه، ثمّ باعتبار مسألة الإقرار، فيدفع نصيب المقرّ منه إليه، و يدفع الباقي إلى المقرّ به، فمسألة الإنكار في هذه الصورة من اثنين، و مسألة الإقرار من ثلاثة، فيضرب أحدهما في الآخر، فثلث المرتفع - و هو اثنان - للمقرّ، و نصفه - ثلاثة - للمنكر، ويبقى سهم للآخر.

وعلى الثاني: أن ينظر في أصل المسألة على قول المنكر و يصرف إليه نصيبه منها، ثمّ يقسّم الباقي بين المقرّ و المقرّ به، فإن انكسر صحّحته بالضرب. فأصل المسألة في هذه الصورة على قول المنكر اثنان، يدفع إليه واحد منهما، و الآخر لاينقسم على اثنين

ص: 630


1- في الحجريتين: «حقّ صاحبه» بدل «حقّه خاصّةً».
إذاكان للميّت إخوة و زوجة فأقرّت له بولد

الرابعة . لو كان للميّت إخوة و زوجة فأقرّت له بولد كان لها الثمن، فإن صدّقها الإخوة كان الباقي للولد دون الإخوة.

و كذا كلّ وارث في الظاهر أقرّ بمن هو أقرب منه دفع إليه جميع ما في يده. و لو كان مثله دفع إليه من نصيبه بنسبة نصيبه.

وإن أنكر الإخوة كان لهم ثلاثة الأرباع، و للزوجة الثمن، و باقى حصتها للولد.

فتضرب اثنين، في أصل المسألة، فالمرتفع - و هو أربعة - نصفه للمنكر، و نصفه للآخرين لكلّ منهما واحد.

هذا کلّه إذا لم يكن الأوّلان معلومي النسب، وإلّا فلا عبرة بإنكار الثالث، و كانت التركة بينهم أثلاثاً؛ لثبوت نسب الأوّلين و اعترافهما بالثالث، سواء كانا عدلين أم لا، لكن مع عدالتهما يثبت نسب الثالث وإلّا فلا.

قوله:«لو كان للميّت إخوة و زوجة فأقرّت له بولد - إلى قوله - بنسبة نصيبه».

إذا كان الوارث للميّت ظاهراً إخوة و زوجة فلها الربع ظاهراً، فإذا أقرّت بولد فقد أقرّت له بنصف نصيبها و هو الثمن. ثمّ ينظر إن صادقها الإخوة دفعوا إليه جميع ما يخصّهم ظاهراً و هو ثلاثة أرباع التركة؛ لأنّ ذلك مقتضى حكم الولد، سواء ثبت نسبه بأن كان فيهم عدلان أم لا، و كذا القول في كلّ وارث ظاهراً أقرّ بمن هو أولى منه ، كما لو أقرّ العمّ أو الأعمام بأخ.

و احترز بقوله «وارث في الظاهر» عن أمرين:

أحدهما الوارث في نفس الأمر؛ فإنّ إرثه كذلك مناف صحّة إقراره، فيمتنع اعتباره.

و الثاني: عمّا لو لم يكن وارثاً أصلاً؛ فإنّ إقراره لايعتبر؛لأنّه إقرار على الغير، وإنّما ينفذ

إقرار الوارث ظاهراً؛ لكونه إقراراً على ما في يده.

و لو كان الوارث قد أقرّ بمساوٍ - كما لو أقرّ الأخ بآخر - دفع إليه بنسبة نصيبه - أي نصيب المقرّبه إلى أنصباء الورثة - من نصيبه، أي نصيب المقرّ. فلو كان أحد الأخوين قد أقرّ بأُخت - مثلاً - دفع إليها من نصيبه - و هو النصف - خمساً؛ لأنّه نسبة نصيب الأُخت إلى سهام

ص: 631

إذا مات صبىّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته

الخامسة . إذا مات صبىّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته ثبت نسبه، صغيراً كان أو كبيراً، سواء كان له مال أو لم يكن، و كان ميراثه للمقرّ. و لايقدح في ذلك احتمال التهمة، كما لو كان حيّاً و له مال.

و يسقط اعتبار التصديق في طرف الميّت و لو كان كبيراً؛ لأنّه في معنى الصغير.و كذا لو أقرّ ببنوّة مجنون، فإنّه يسقط اعتبار تصديقه؛ لأنّه لاحكم لكلامه.

الأخوين، ويبقى من نصيبها على زعمه خمس آخر من نصيب الأخ غير المقرّ، و على هذا. و الضابط: أنّ المقرّ يدفع إلى المقرّ له ما زاد من نصيبه لولا الإقرار على تقدير وجود المقرّ به، فالزوجة تدفع الثمن؛ لأنّه الفاضل من نصيبها لولا إقرارها بالولد، و الأخ يدفع الخمس؛ لأنّه الفاضل من نصيبه لولا الإقرار بالأخت، و هكذا.

قوله:«إذا مات صبىّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته ثبت نسبه، صغيراً كان أو كبيراً، سواء كان له مال أو لم يكن» إلى آخره.

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ذكره الشيخ في المبسوط و غيره(1)، و ادّعى عليه الاتّفاق(2). و حكمه مع صغر الميّت واضح؛ لأنّ اعتبار التصديق ساقط في جانب الصغير لو كان حيّاً فكذا مع الموت. و لايقدح التهمة بطلب المال لو كان له مال كما لايقدح لو كان حيّاً موسراً و المقرّ فقير؛ لعدم المنازع في ماله حينئذٍ، و لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب؛ و لهذا يثبت بمجرّد الإمكان، حتّى لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يقبل استلحاقه ويحكم بسقوط القصاص.

و نبّه بقوله«و لايقدح في ذلك احتمال التهمة» على خلاف أبي حنیفة؛ حيث ذهب إلى عدم لحوقه حينئذٍ؛ لثبوت التهمة في حقّه(3).

ص: 632


1- كابن إدريس في السرائر ، ج 3، ص 311؛ و الكيذري في إصباح الشيعة، ص 338؛ و العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 437.
2- المبسوط، ج 2، ص 448.
3- لم نعثر عليه في مصادر الحنفيّة، و حكاه عنه الماوردي في الحاوي الكبير ج 7، ص 97؛ و ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5، ص 333 - 334، المسألة 3889.

السادسة: • إذا ولدت أمته ولداً فأقرّ ببنوّته لحق به، و حكم بحرّيّته، بشرط أن لايكون لها زوج.

و ردّ باعترافه بعدم قدح التهمة في حياته و يساره و فقر المقرّ فكذا بعد موته؛ لاشتراكهما

في المعنى و هو كون الصغير ليس أهلاً للتصديق.

و أمّا على تقدير كونه كبيراً فوجّهوه بما أشار إليه المصنّف(رحمه الله) من كون الميّت

في حكم الصغير حيث لايمكن في حقّه التصديق، فيسقط اعتباره كما سقط في حقّ الصغير (1).

و لايخلو من إشكال؛ لأصالة عدم النسب، و كون إلحاقه بمجرّد الدعوى على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق و هو الصغير و إطلاق اشتراط تصديق الكبير، و هو منتفٍ هنا، و لا نصّ في المسألة و لا إجماع. و توقّف في التذكرة(2) لذلك، و عذره واضح.

و الوجهان آتيان في استلحاق المجنون بعد بلوغه عاقلاً، سواء مات أم لا.

قوله:«إذا ولدت أمته ولداً فأقرّ ببنوّته لحق به، و حكم بحرّيّته، بشرط أن لايكون لها زوج».

هذا مع إمكان كونه منه كما هو شرط في غيره ممّن يلحق من الأولاد.

ثمّ إن كانت فراشاً للمولى و ولادته متأخّرة عن ملكها بحيث يمكن علوقه بعد الملك حكم بكون الأمة أُمّ ولد، و إن احتمل تقدّمه عليه ففى الحكم بكونها أُمّ ولد بمجرّد إلحاق الولد و الحكم بلحوقه وجهان، من ظهور الاستيلاد في ملكه، و الأصل عدم غيره، و من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك، أو أنّه استولدها بالشبهة أو بإباحة المولى، فلاتكون أمّ ولد بمجرّد لحوقه. و ربما رجع الوجهان إلى تعارض الأصل و الظاهر، و ترجيح الأصل هو الغالب.

و لا إشكال لو صرّح في إقراره بعلوقه في ملكه أو بما يستلزمه، كما لو قال: «هي في ملكي من خمس سنين وسنّ الولد أربع سنين، و نحوه.

ص: 633


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 437، المسألة 987.
2- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 437، المسألة 987.

. و لو أقرّ بابن إحدى أمتيه وعيّنه لحق به. و لو ادّعت الأخرى أنّ ولدها هو الذي أقرّ به فالقول قول المقرّ مع يمينه.

و لو لم يعيّن و مات قال الشيخ (رحمه الله): يعيّن الوارث، فإن امتنع أقرع بينهما. و لو قيل باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقاً كان حسناً.

و لو قال:«ولدته في ملكي» احتمل الأمران، من حيث إنّ الولادة لاتنافي علوقه قبله، بأن يحبلها قبل الملك ثمّ يشتريها فتلد في ملكه. هذا کلّه إذا لم يكن للأمة زوج، وإلّا كان لاحقاً به؛ لأنّه فراش و لم يلتفت إلى دعوى المولى.

قوله:«و لو أقرّ بابن إحدى أمتيه و عيّنه لحق به» إلى آخره.

إذا كان له أمتان فصاعداً، و لكلّ واحدة ولد، فقال:«ولد إحداهما ولدي» و كان استلحاقهما ممكناً على الوجه السابق أمر بتعيينه، كما لو طلّق إحدى امرأتيه و أعتق أحد عبيده، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه و كان حرّاً و ورثه. ثمّ في صيرورة أُمّه أُمّ ولد ما سبق.

و كذا الحكم لو كان الولدان من أُمّ واحدة فأقرّ بأحدهما خاصّةً. فإن تعدّدت الأُمّ و ادّعت الأُخرى أنّ المستلحق ولدها فالقول قول المولى مع يمينه؛ لأنّ الأصل معه، و هو ينفي ما تدّعيه. و كذا لو بلغ الولد و ادّعى ذلك. فإن نكل المولى قال في التذكرة:حلف المدّعي و قضي بمقتضى يمينه(1). و هذا يتمّ فيما لو كان المدّعى الولد، أمّا الأُمّ فإن كان إقراره متضمّناً كونها أُمّ ولد فيمينها لإثبات حقّها من أُمّيّة الولد جيّد، و أما لإثبات ولادة ولدها فمشكل؛ لأنّها تثبت بيمينها حقّاً لغيرها و هو حرّيّة الولد.

و لو مات المقرّ قبل التعيين قال الشيخ: قام وارثه مقامه في التعيين - لا بمعنى أنه ينشئ تعييناً من غير علم سابق له بحقيقة الحال؛ لأنّ النسب لايلحق بالتشهّي، بل إن كان عالماً بالحال و لو بإقرار المورّث قبل إخباره بذلك؛ لأنّ الحقّ انتقل من المورّث إليه- فإن امتنع من التعيين لعدم علمه أو لغيره أُقرع(2).

ص: 634


1- تذكرة الفقهاء، ج 15، ص 444، المسألة 992.
2- المبسوط، ج 2، ص 455، و ما بين الشارحتين من كلام المصنّف.

السابعة: • لو كان له أولاد ثلاثة من أمة فأقرّ ببنوّة أحدهم فأيّهم عيّنه كان حرّاً، و الآخران رقّاً. و لو اشتبه المعيّن و مات أو لم يعيّن استخرج بالقرعة.

و يشكل بأنّه إقرار في حقّ الغير و لا دليل على قبوله، و لأنّ التعيين إنّما يعتدّ به إذا كان من جميع الورثة و المقرّ به منهم، فلو اعتبر تعيينه لزم الدور، فلذلك ذهب المصنّف (رحمه الله) إلى القول باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقاً، أي سواء ادّعى الوارث العلم و عيّن أم لا؛ لأنّ هذا من الأمور المشكلة، و مورد القرعة بالنصّ(1). و هذا أقوى.

ثمّ إذا خرجت القرعة لواحد، و كان قد ذكر المقرّ ما يقتضي أُمّيّة أُمّه صارت أُمّ ولد بذلك

من غير احتياج إلى قرعة أخرى.

قوله:«لو كان له أولاد ثلاثة من أمة فأقرّ ببنوّة أحدهم» إلى آخره.

لا فرق بين كون المعيّن الأكبر من الأولاد و الأصغر و الأوسط، إن لم نقل بصيرورة الأمة فراشاً بالوطء -كما هو المشهور - و لايلحق ولدها بالمولى إلّا بإقراره و المصنّف (رحمه الله) اقتصر على التفريع على مختاره. و قد تقدّم البحث فيه(2).

و على القول الآخر بصيرورتها فراشاً بالوطء(3) يتحرّر المعيّن و من ولد بعده. فإن عيّن الأكبر و أقرّ به ابتداءً لحق به، و تبعه الأوسط و الأصغر؛ لكونهما مولودين على فراشه. و إن عيّن الأوسط أو أقرّ به تبعه الأصغر، و بقي الأكبر رقيقاً. و إن عيّن الأصغر لحق به وحده، و كذا الحكم لو لم يعيّن و استخرج الولد بالقرعة.

و على هذا فالأصغر نسيب حرّ على کلّ حال؛ لأنّه إما المقرّ به أو تابع لمن قبله بالفراش، بخلاف الآخرين؛ لاحتمال كون المقرّ به هو الأصغر فيكونان رقّاً.

و على هذا فهل يفتقر إلى إدخاله فى القرعة؟ وجهان لا؛ لأنّها لإخراج المشتبه بالحرّيّة

ص: 635


1- الفقيه ، ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 340، ح 593.
2- تقدّم في ص 265 و ما بعدها.
3- ممّن قال به يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 344.
لايثبت النسب إلّا بشهادة رجلين عدلين

الثامنة : • لايثبت النسب إلّا بشهادة رجلين عدلين. و لايثبت بشهادة رجل و امرأتين على الأظهر، و لا بشهادة رجل و يمين، و لا بشهادة فاسقين و لو كانا وارثين.

أو الرقّية و هو منفيّ في حقّه، و لجواز أن تقع القرعة على غيره فيلزم استرقاقه، و نعم، لا ليرقّ

إن خرجت لغيره بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه، ويقتصر بالحرّيّة عليه. و هذا حسن.

و ربما قيل بمنع حرّيّته؛ لأنّ أُمّه وإن كانت أُمّ ولد يجوز أن يكون رقيقاً في نفس الأمر. و يشكل بأنّا إذا حكمنا بصيرورتها فراشاً ألحقنا به أولادها ظاهراً، من غير التفات إلى إمكان كونهم من غيره و لو بوجه صحيح، فلايقدح هذا التجويز. و الأصحاب أهملوا التفريع على هذا القول؛ نظراً إلى الأشهر بينهم من عدم صيرورتها فراشاً بالوطء.

قوله:«لايثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين» إلى آخره.

حصر ثبوت النسب في شهادة رجلين بالنظر إلى الشهادة لا إلى مطلق ما يثبت به، فلاينافي ما سيأتي إن شاء الله من أنه يثبت بالاستفاضة(1)؛ لأنّ مستندها ليس من حيث الشهادة بل من حيث إخبار من يؤمن الكذب في خبره.

و قرينة اختصاص الحصر بالشهادة ما نفى ثبوته به بعد ذلك من شهادة رجل و امرأتين، و شهادة رجل ويمين و غير ذلك.

والاعتذار عن الكلامين المظنون اختلافهما - بحمل الافتقار إلى الشاهدين على ما إذا كان هناك منازع، و الاكتفاء بالشياع على عدمه - ليس بجيّد؛ إذ لايفترق الحال فيما يثبت به بین المنازع و عدمه، بل الوجه ما ذكرناه من عدم المنافاة بين الأمرين، و أنّه يثبت بهما مطلقاً.

و وجه اختصاصه بالشاهدين دون ما ذكر: أنّ متعلّقه ليس مالاً، و لا المقصود منه المال و إن ترتّب عليه بالعرض كالميراث.

ص: 636


1- يأتي في ج 11، ص 379 و ما بعدها.
لو شهد الأخوان بابن للميّت

التاسعة • لو شهد الأخوان - و كانا عدلين - بابن للميّت ثبت نسبه و ميراثه و لايكون ذلك دوراً. و لو كانا فاسقين لم يثبت النسب، ولكن يستحقّ دونهما الإرث.

و القول بثبوته بشهادة رجل و امرأتين للشيخ (رحمه الله) في المبسوط(1)؛ نظراً إلى ترتّب المال عليه في الجملة.

و هو شاذ، مع أنّه حكم فيه في هذا الباب بعدم ثبوته بذلك(2).

قوله:«لو شهد الأخوان و كانا عدلين بابن للميّت» إلى آخره.

نبّه بقوله«و لايكون ذلك دورا» على ما حكاه الشيخ في المبسوط من توجّه الدور، من حيث إنّ الابن لو ورث لحجب الأخوين، وخرجا عن كونهما وارثين، فيبطل الإقرار بالنسب؛ لأنّه إقرار من ليس بوارث، وإذا بطل الإقرار بطل النسب، فيبطل الميراث(3)، فيؤدّي ثبوت الميراث إلى نفيه، و ذلك دور.

و وجه اندفاعه على ما فرضه المصنّف واضح؛ لأنّ النسب يثبت من حيث شهادتهما لا

من حيث إقرارهما؛ لفرض كونهما عدلين، و شهادة العدلين تثبت النسب وإن كان الشاهد أجنبيّاً، و الشيخ فرضها على تقدير إقرار الأخوين.

و الحقّ أنّ توهّم الدور على تقدير عدالتهما لا وجه له، سواء فرضا شاهدين أم مقرّين؛لأنّ إقرارهما في معنى الشهادة؛ إذ لايختصّ بلفظ مخصوص حتّى يفترق الحال، كما لايختصّ الإقرار كذلك، فيتأدّى بلفظ«الشهادة».

وإنّما يتوجّه الدور مع كون المقرّ بمن هو أولى منه ممّن لايثبت به النسب، كما لو كان الأخ واحداً أو كانا غير عدلين. فيتّجه حينئذٍ أن يقال:إنّ إقراره إنّما يسمع إذا كان

ص: 637


1- المبسوط، ج 2، ص 446 ، و لكن فيما إذا كانوا من الورثة.
2- المبسوط، ج 2، ص 456.
3- المبسوط، ج 2، ص 446.
لو أقرّ بوارثين أولى منه ثمّ بآخرٍ أولی منهما

العاشرة: • لو أقرّ بوارثين أولى منه فصدّقه كلّ واحد عن نفسه لم يثبت النسب، و ثبت الميراث، و دفع إليهما ما في يده. و لو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما.

• ولو أقرّ بوارث أولى منه، ثمّ أقرّ بآخر أولى منهما ، فإن صدّقه المقرّ له الأوّل دفع المال إلى الثاني، وإن كذّبه دفع المقرّ إلى الأوّل المال و غرمه للثاني.

و لو كان الثاني مساوياً للمقرّ له أوّلاً و لم يصدّقه الأول دفع المقرّ إلى الثاني مثل نصف ما حصل للأوّل.

وارثاً؛ لما تقدّم من أنّ إقرار الأجنبي بالوارث غير مسموع(1)، فإذا كان المقرّ به حاجباً للمقرّ اتّجه أن يقال:إنّه لو ورث لحجب المقرّ، و لو حجبه يخرج عن أهليّة الإقرار، و إذا بطل الإقرار فلا نسب و لا ميراث، فيزول المانع من نفوذ إقراره، ويلزم من توريثه منع توريثه.

و جوابه: حينئذٍ أنّ المعتبر كونه وارثاً لولا الإقرار، بل لایصحّ اعتبار كونه وارثاً في نفس الأمر؛ لأنّ ذلك لايجامع خروجه عن الإرث كما قرّرناه سابقاً(2)، و ذلك لاينافي خروجه عن الجائز به بالإقرار.

قوله: «لو أقرّ بوارثين أولى منه فصدّقه كلّ واحد عن نفسه لم يثبت النسب» إلى آخره.

إنّما لم يلتفت إلى تناكرهما؛ لأنّ استحقاقهما للإرث يثبت في حالة واحدة، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر، بخلاف ما لو أقرّ بأحدهما ثم أقرّ بالآخر؛ فإنّ اشتراكهما في التركة متوقّف على مصادقة الأوّل.

قوله: «و لو أقرّ بوارث أولى منه، ثمّ أقرّ بآخر أولى منهما» إلى آخره.

إذا أقرّ الوارث ظاهراً - كالعمّ - بمن هو أولى منه - كالأخ - نفذ إقراره في المال؛ لكونه

ص: 638


1- تقدّم في ص 628.
2- تقدّم في ص 631.

...

حائزاً للتركة شرعاً، فيكون إقراره في حقّ نفسه، فإذا أقرّ بعد ذلك بمن هو أولى منهما كالولد، فإن صدّقه الأخ فلا بحث. و إن كذّبه فالمشهور أنّ التركة تدفع إلى الأخ؛ لأنّه استحقّها بإقرار الحائز لها أوّلاً، فيكون إقراره ثانياً بمن هو أولى منه بمنزلة الرجوع عن الأوّل و يعقّبه بالمنافي، فلايسمع في حق المقرّ له الأوّل، ولكن يغرم المقرّ للثاني التركة؛ لأنّه فوّتها عليه بإقراره الأوّل، فكان كما لو قال:«هي لفلان بل لفلان».

و هذا يتمّ مع تسليمه التركة اختياراً إلى الأخ؛ لأنّه حينئذٍ بمنزلة المتلف لها. أمّا مع عدم التسليم فيشكل، بأنّه لا منافاة بين الإقرار بالأخ و الإقرار بالولد؛ لإمكان اجتماعهما على الصدق، بخلاف قوله:«لفلان بل لفلان» و بإمكان أن لايكون عالماً بالولد حين أقرّ بالأخ، فلا تقصير وإن كان قد نفى وارثاً غيره.

و الوجه بناء الضمان على ما تقدّم(1) من الخلاف فيمن أقرّ لميّت و عيّن له وارثاً هل يؤمر بالتسليم إليه بدون البحث أم لا ؟ فإن أوجبنا البحث فهنا كذلك، و لا ضمان بمجرّد الإقرار؛ لعدم استلزامه الاستحقاق(2) بذاته، و إن لم نوجبه، فإن سلّم التركة إلى الأخبأمر الحاكم، أو أوجبناه فأمره بعد البحث فلا ضمان إن لم يكن عالماً بالولد حينئذٍ؛ لعدم التفريط، و امتثاله الأمر، فلايتعقّب الضمان. و إن سلّمه بدون أمره مع العلم ضمن قطعاً، و بدونه على الأقوى؛ لمباشرته الإتلاف، و لايفرّق بين العالم و الجاهل فيما يرجع إلى الغرم.

هذا إذا كان الثاني أولى من الأوّل كما فرضناه. و لو كان مساوياً - كما لو أقرّ ثانياً بأخ آخر، أو أقرّ بولد ثم بآخر - و لم يصدق المقرّ به الأوّل غرم للثاني مقدار نصيبه من التركة حيث نقول بالغرم.

ص: 639


1- تقدّم في ص 539 - 540.
2- في بعض النسخ و الطبعة الحجريّة:«الاستلحاق» بدل «الاستحقاق».
لو أقرّ بزوج للميّتة و لها ولد

الحادية عشرة: • لو أقرّ بزوج للميّتة و لها ولد أعطاه ربع نصيبه، وإن لم يكن ولد أعطاه نصفه.

قوله:«لو أقرّ بزوج للميّتة و لها ولد أعطاه ربع نصيبه، و إن لم يكن ولد أعطاه نصفه».

هذا الحكم ذكره المصنّف (رحمه الله) و جماعة(1)، و هو لا يتمّ على إطلاقه؛ لأنّ المقرّ بالزوج لذات الولد من الوارث منحصر في الولد - ذكراً أو أنثى - و في الأبوين مجتمعين و متفرّقين. فإن كان هناك ولد ذكر فالحكم إنّما يتمّ معه إذا كان ولداً، أمّا الأبوان فلايتغيّر نصيبهما معه بوجود الزوج و عدمه، فإذا كان المقرّ أحدهما أو هما لم يدفع إلى الزوج شيئاً؛ إذ ليس في يده زيادة يلزمه دفعها بإقراره. و إن كان مع الأبوين أو أحدهما بنتاً لم يتمّ أيضاً فيهما؛ لأنّ نصيب الأبوين معها على تقدير عدم الزوج الخمسان و على تقدير وجوده السدسان، فالتفاوت بينهما هو الذي يلزمهما دفعه، و هو لايبلغ ربع ما في يدهما. و كذلك نصيب البنت مع أحدهما.

و على تقدير كون الزوجة غير ذات ولد فالمقرّ قد يكون الأب فيتمّ فيه الفرض، و قد يكون الأُمّ فلاتدفع شيئاً، سواء كان لها حاجب أم لا؛ لأنّ الزوج لايأخذ من فرضها شيئاً على التقديرين. نعم، لو كانت منفردةً بالميراث دفعت النصف كما ذكر.

و لو كان المقرّ بعض الإخوة فإن كان لأُمّ لم يدفع شيئاً، وإن كان للأبوين دفع النصف كما ذكر.

و الضابط على هذا: أنّ المقرّ يدفع ربع ما في يده أو نصفه، أو ما زاد من نصيبه على تقدير وجود الزوج إن لم يبلغ النصف أو الربع. فلو كان المقرّ أحد الأبوين مع البنت دفع إليه نصف الثمن؛ لأنّ نصيبه على تقدير عدم الزوج الربع إثنا عشر من ثمانیّة و أربعين، و على تقدير وجوده تسعة فالتفاوت بينهما ثلاثة، هي نصف الثمن.

و يمكن تنزيل كلام الجماعة هنا على حمل الإقرار على الإشاعة، فيقتضي الإقرار

ص: 640


1- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 440؛ و راجع النهاية، ص 686؛ و المهذّب، ج 1، ص 417؛ و السرائر، ج 3، ص 313.

• ولو أقر بزوج آخر لم يقبل. و لو أكذب إقراره الأوّل أُغرم للثاني مثل ما حصل للأوّل.

بالزوج أن يكون له في كلّ شيء ربعه أو نصفه، سواء كان النصيب ثابتاً على التقديرين أم لا. و هذا حسن إلّا أنّه لايطابق ما سلف من الفروض؛ فإنّهم لم ينزّلوها على الإشاعة، فلابدّ من تنقيح الحكم في أحد الجانبين.

و لعلّ ما ذكروه هنا أجود ممّا سلف؛ لأنّ الوارث يستحقّ في كلّ جزء من أجزاء التركة سهمه، فلا يختصّ بفرضه في بعض دون بعض، فما حصل لكلّ واحد فهو بينه و بين الزوج بمقتضى الشركة، و ما ذهب عليهما.

قوله:«و لو أقرّ بزوج آخر لم يقبل. و لو أكذب إقراره الأوّل أُغرم للثاني مثل ما حصل للأوّل».

المراد أنّ إقراره الثاني لايقبل في حقّ الزوج الأوّل، فلايزيل ما ثبت له من الإرث بالإقرار، و هذا لا إشكال فيه.

و إنّما الكلام في غرمه للثاني بمجرّد الإقرار، أو بشرط تكذيبه لنفسه في إقراره الأوّل،و المشهور بين الأصحاب - و هو الذي قطع به المصنّف - الثاني؛ لأنّه مع التكذيب يكون قد - اعترف بتفويت حقّ الثاني من التركة بإقراره الأوّل، فكان كالمتلف عليه حقّه فيغرم له، و أمّا مع عدمه؛ فلأنّ إقراره الثاني مع الحكم بصحّة الأوّل يكون إقراراً بأمر ممتنع في شرع الإسلام، فلايترتّب عليه أثر .

ولو قيل بأنّه يغرم للثانى بمجرّد الإقرار كان قويّاً؛ لأصالة صحّة الإقرار، و كون زوجيّة الثاني ممتنعة في نفس الأمر ممنوع، بل من الممكن كونه هو الزوج وإقراره الأوّل وقع خطأ أو غلطاً. وإلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته ينافي عموم«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

ص: 641


1- تقدّم تخريجه في ص 298، الهامش 1.
ولو أقرّ بزوجة ثانية، أو ثالثة أو رابعة

. ولو أقرّ بزوجة و له ولد أعطاها ثمن ما في يده. و إن لم يكن ولد أعطاها الربع.

• وإن أقرّ بأخرى غرم لها مثل نصف نصيب الأولى إذا لم تصدّقه الأولى. و لو

أقرّ بثالثة أعطاها ثلث النصيب. و لو أقرّ برابعة أعطاها الربع من نصيب الزوجة.

و لو أقرّ بخامسة، و أنكر إحدى الأُول لم يلتفت إليه، و غرم لها مثل نصيب واحدة منهنّ.

و الوجه أنّه يغرم مطلقاً إن لم يظهر لكلامه تأويلاً محتملاً في حقّه.

قوله:«و لو أقرّ بزوجة و له ولد أعطاها ثمن ما في يده. و إن لم يكن ولد أعطاها الربع»

الكلام في هذه كالسابقة من تنزيل كلام المصنّف و غيره(1) على أنّ حقّ المقرّ له شائع في التركة، فيستحقّ في كلّ شيء ثمنه أو ربعه،و ذلك شامل لمن بيده سهم لايختلف على تقدير دخول الزوجة و خروجها، كسهم أحد الأبوين مع الولد الذكر أو البنتين فصاعداً، و من يختلف بذلك كسهم أحدهما مع البنت. و على ما سبق من الفروع يجب تقييده بما إذا كان المقرّ ولداً، فلو كان أحد الأبوين أو هما دفع الفاضل عن نصيبه على تقدير وجودها.

قوله:«و إن أقرّ بأخرى غرم لها مثل نصف نصيب الأولى - إلى قوله - و غرم لها مثل نصيب واحدة منهنّ»

الإقرار بزوجة ثانیّة كالإقرار بوارث مساو للأوّل. و لا إشكال في حكمه مع تصديق الأُولى.

و أمّا مع التكذيب فيغرم للثانیّة نصف نصيب الزوجة إن أكذب نفسه، أو سلّم النصيب إلى الأُولى ابتداءً على ما تقدّم تفصيله(2).

و كذا الحكم فيما لو أقرّ بثالثة و رابعة، فيغرم للثالثة ثلث نصيب الزوجة و للرابعة الربع؛

ص: 642


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 441.
2- تقدّم آنفاً.

...

لإمكان صدقه في الجميع. كلّ ذلك مع إكذاب الباقيات إيّاه في الإقرار و إلّا أخذ من

المصدّقة بالنسبة.

فإن أقرّ بخامسة فكإقراره بزوج ثانٍ، فإن قلنا: يغرم له بمجرّد الإقرار فهنا أولى؛ لإمكان الخامسة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق و انقضاء العدّة و دخل و مات في سنته. و يمكن استرسال الإقرار من غير أن يقف على عدد.

و لو كان إقراره بالأربع دفعةً ثبت نصيب الزوجيّة لهنّ و لا غرم، سواء تصادقن أم لا، كما

لو أقرّ بوارثين غيرهن دفعة. و قد تقدّم(1).

تم الجزء الثامن - بحسب تجزئتنا - و يليه في الجزء التاسع كتاب الجعالة

ص: 643


1- تقدّم في ص 638.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.