موسوعة الشهيد الثاني المجلد 22

هوية الکتاب

موسوعة الشهیدالثانی

الجزء الثاني والعشرون

مَسَالِكُ الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 6

المركز العالي العُلوم وَالثقافةِ الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثاني والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 6)

الناشر: المركز العالي للعُلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 265

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833. التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية.

1434 ق. = 2013م.

30 ج.

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فيپا

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

(YT). ISBN 978-600-5570-97-7

کتابنامه.

مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

1 اسلام - مجموعه ها. 2. محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4 محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. .شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان

8 م BP4/6/92

297/08

محرر الرقمي: علي حسن بياني

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثاني والعشرون

مسالك الأفهام

إلى تنقيح شرائع الإسلام /6

المركز العالي للعلوم والثقافةِ الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثاني والعشرون (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 6)

الناشر: المركز العالي للعُلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143: التسلسل: 265

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833. التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية.

1434 ق. = 2013م.

30 ج.

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فيپا

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

(YT). ISBN 978-600-5570-97-7

کتابنامه.

مندرجات: ج . 17 - 28. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

1 اسلام - مجموعه ها. 2. محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4 محقق حلی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. .شرح الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان

8 م BP4/6/92

297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره.

الجزء الأول = (1) منية المريد.

الجزء الثاني= (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة : 3. مسكن الفؤاد؛ 4. التنبيهات العلية؛ .5 البداية .6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7) - 30) الرسائل / 2 : 7 تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8 تقليد الميت؛ .9 العدالة؛ 10 ماء البئر؛ 11 تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13؛ النية ؛ 14 صلاة الجمعة 15 الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة؛ 19 نيّات الحج والعمرة؛ 20 مناسك الحج والعمرة .21 طلاق الغائب؛ 22 ميراث الزوجة؛ 23 الحبوة 24 أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25 أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28 أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي .29 أجوبة مسائل السيد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع = (31 - (43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية : 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34 وصيّةً نافعة 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف .39 حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد.

الجزء السادس = الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان.

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية.

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية.

الجزء الرابع عشر = (51 و 52 حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع.

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد).

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان.

الجزء السابع عشر = الجزء الثامن والعشرون - (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام.

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس.

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب النكاح

القسم الأوّل: في النكاح الدائم

معنى النكاح لغة وشرعاً...17

الفصل الأوّل: في آداب العقد والخلوة ولواحقهما...19

الأول: في آداب العقد...19

مستحبّات النكاح...25

الثاني: في آداب الخلوة بالمرأة...31

الأول: في السُّنَن...31

الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين...34

حكم ما ينثر في الأعراس...39

الثاني: مكروهات الجماع...42

الثالث: في اللواحق...47

الأوّل: جواز النظر إلى امرأة يريد نكاحها...47

النظر إلى نساء أهل الذمة...51

حكم النظر إلى الأجنبية...53

النظر عند الضرورة...56

ص: 7

هل يجوز للخصيّ النظر إلى المرأة؟...58

الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة...62

الثاني: في مسائل تتعلّق في هذا الباب...64

حكم الوطء في الدبر...64

العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد...70

لايجوز ترك الجماع أكثر من أربعة أشهر...72

حرمة الدخول بالمرأة قبل بلوغ التسع...73

الثالث: في خصائص النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في النكاح...75

خصائص النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في غير النكاح...79

حرمة زوجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على غيره...83

هل تجب على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) القسمة بين أزواجه؟...85

الفصل الثاني: في العقد...89

النظر الأوّل: في الصيغة...89

اشتراط الماضويّة...91

لو أتى بغير لفظ الماضي...93

العقد بغير اللغة العربيّة...99

النظر الثاني: في الأحكام...101

إذا كان للرجل عدّة بنات فزوّج واحدةً ولم يسمّها106

يشترط تعيين المرأة عند العقد...109

لو ادعى زوجيّة امرأة وادّعت أختها زوجيّته...110

إذا عقد على امرأة فادعى آخر زوجيّتها...113

إذا تزوّج العبد بمملوكة...115

الفصل الثالث: في أولياء العقد...119

ص: 8

الأول في تعيين الأولياء...119

ولاية الأب والجدّ ومن عليه لهما الولاية...121

ولاية الحاكم...144

ولاية الوصيّ...145

نكاح المحجور عليه...147

الثاني في اللواحق...149

إذا وكلت البالغة الرشيدة في العقد...149

إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل...151

عقد النكاح فضولاً...155

الاكتفاء بسكوت البكر، وتكلّف الثيّب النطق...160

لا ولاية للكافر...162

إذا اختلف الأب والجد في النكاح...164

إذا زوّجها الوليّ، أو زوج الطفل بمن بها أحد العيوب...167

لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها...168

إذا زوّج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد...170

إذا عقد عليهما غير أبويهما ومات أحدهما قبل البلوغ...172

إذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صحّ...177

إذا زوج المرأة الأخوان برجلين...182

لا ولاية للأم على الولد...187

الفصل الرابع: في أسباب التحريم...191

السبب الأوّل: النسب...191

الأصناف المحرمة بالنسب...191

النسب يثبت مع النكاح الصحيح ومع الشبهة...195

ص: 9

لو طلّق زوجته فوطئت بالشبهة وأتت بولد...197

لو أنكر الولد ولاعن...198

السبب الثاني: الرضاع...200

شروط انتشار الحرمة بالرضاع...200

الشرط الأوّل: أن يكون اللبن عن نكاح...200

الشرط الثاني: الكمّيّة...205

ما يعتبر في الرضعات...214

هل يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف؟...215

اشتراط التوالي في الرضعات...216

اشتراط الارتضاع من الثدي...220

هل يشترط الارتضاع عن ثدي الحيّة؟...223

الشرط الثالث: كون الرضاع في الحولين...225

الشرط الرابع: كون اللبن لفحل واحد...227

أحكام الرضاع...234

إذا حصل الرضاع المحرّم انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى المرتضع ...234

الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقاً ويبطله لاحقاً...245

أحكام المصاهرة كما تتعلّق بالنسب تتعلّق بالرضاع...250

لاتقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلةً...262

لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدتهما أحدهما ... 265

السبب الثالث: المصاهرة...267

توابع المصاهرة...274

هل الزنى ينشر حرمة المصاهرة؟...281

هل الوطء بالشبهة ينشر حرمة المصاهرة؟...285

ص: 10

هل النظر واللمس ينشر الحرمة؟...286

من مسائل،التحريم مقصدان...295

المقصد الأوّل في مسائل من تحريم الجمع...295

لو تزوّج أُختين...295

حكم الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين...297

أحكام نكاح الأمة...304

المقصد الثاني في مسائل من تحريم العين...315

من تزوّج امرأةً في عدتها...315

الزواج بالزانية...319

من فجر بغلام فأوقبه حرمت عليه أُمّه وأخته وبنته...321

إذا عقد المحرم على امرأة عالماً بالتحريم...322

إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً...323

السبب الرابع: استيفاء العدد...325

إذا استكملت المطلقة تسعاً للعدّة حرمت أبداً...331

السبب الخامس: اللعان...333

السبب السادس: الكفر...335

المقصد الأوّل فيمن لايجوز للمسلم نكاحه...335

نكاح الكتابيّات...336

نكاح المجوسيّة...338

إذا ارتد أحد الزوّجين...341

إذا أسلمت زوّجة الكافر...342

إذا أسلم الذمّي على أكثر من أربع...346

المقصد الثاني في كيفية الاختيار...349

ص: 11

الظهار والإيلاء لا يدلان على الاختيار...350

المقصد الثالث في مسائل مترتبة على اختلاف الدين...352

لو أسلم وعنده أكثر من أربع فأسلم بعضهنّ...355

لو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيّات...356

اختلاف الدين فسخ لا طلاق...361

إذا ارتدّ المسلم بعد الدخول...363

إذا أسلم الوثني ثم ارتدّ...366

لو ماتت إحدى الزوجات بعد إسلامهنّ قبل الاختيار...367

إذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجميع قبل الاختيار...370

مسائل من لواحق النكاح...375

الكفاءة شرط في النكاح...375

لايصح نكاح المؤمنة بالناصب والخارجي...378

هل التمكن من النفقة شرط في الكفاءة؟...379

إذا تزوج بامرأة تم علم أنها كانت زنت...386

عدم جواز التعريض بالخطبة لذات العدّة الرجعيّة...388

نكاح الشغار باطل...393

من يكره العقد عليها...396

القسم الثاني: في النكاح المنقطع

أركان النكاح المنقطع أربعة...402

الصيغة...402

المحلّ من يجوز الاستمتاع بها...404

المهر وما يشترط فيه...411

ص: 12

ذكر الأجل شرط في عقد المتعة...418

أحكام النكاح المنقطع...426

يجوز العزل للمتمتّع...429

لايقع بها طلاق ولا إيلاء ولا لعان...431

لايثبت بالنكاح المنقطع ميراث...433

عدة المرأة المتمتع بها بعد انقضاء المدّة...441

عدة الأمة المتمتع بها إذا مات زوجها...444

القسم الثالث: في نكاح الإماء

عقد الرقيق بدون إذن المولى...448

حكم الأولاد في نكاح الرقّ...451

إذا تزوج الحرّ أمة من غير إذن المالك...455

إذا تزوّج العبد بحرة مع العلم بعدم الاذن...466

لو تزوّج أمة بين شريكين...469

من اللواحق الكلام في الطوارئ...473

1. العتق إذا اعتقت المملوكة بعد تزويجها...474

أحكام خيار المعتقة لفسخ العقد...476

يجوز أن يتزوج أمته ويجعل عنقها صداقها...480

أحكام أُمّ الولد...485

2. البیع...493

ثبوت الخيار لمشتري الأمة والعبد المتزوّج...493

حكم المهر إذا باع أمته المزوّجة...493

3. الطلاق...502

ص: 13

إذا تزوّج العبد بإذن مولاه أو زوجه مولاه هل الطلاق أو الفسخ بيد المولى؟ .... 502

أحكام الوطء بالملك...512

الأوّل: ملك الرقبة...512

لايجوز على المالك وطء مملوكته إذا زوجها ولا النظر إليها...513

استبراء الأمة قبل وطئها...516

موارد استثناء وجوب الاستبراء...518

الثاني: ملك المنفعة...526

صيغة التحليل...526

حكم ولد المحللة...533

يلحق بالنكاح النظر في أُمور خمسة

النظر الأول: ما يردّ به النكاح...538

المقصد الأوّل: فى العيوب...538

عيوب الرجل الجنون، والخصاء والعنن...538

هل الجبّ من العيوب التي تفسخ به النكاح؟...543

عيوب المرأة الجنون، الجذام، البرص، القرن (العفل)، الإفضاء، العمى العرج...548

هل الرتق أحد العيوب المسلّطة على الفسخ ؟...555

المقصد الثاني: في أحكام العيوب...558

لا تردّ المرأة بالعيب المتجدّد بعد الدخول...558

خيار الفسخ في العيوب على الفور...561

إذا فسخ أحد الزوجين العقد بالعيب هل تجب المهر...564

إذا ثبت العنن ورفعت أمرها إلى الحاكم...572

المقصد الثالث: في التدليس...574

ص: 14

إذا تزوّج امرأة على أنّها حرة فبانت أمة574

إذا تزوجت برجل على أنه حرّ فيان مملوكاً...577

إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة...578

إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكراً فبانت ثیّباً...581

إذا استمتع امرأة فبانت كتابيّة...584

إذا تزوّج رجلان بامرأتين وأدخلت امرأة كلّ واحد على الآخر...586

متى يجب المهر المثل ومتى يجب المسمّى؟...589

النظر الثاني: في المهور...590

الطرف الأول: في المهر الصحيح...591

لو عقد المسلمان على خمرٍ أو خنزير...594

لاتقدير للمهر كثرةً وقلّةٌ...598

إذا تزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد...603

لو تزوّجها على الكتاب والسنة ولم يسمّ مهراً...607

لو سمّى للمرأة مهراً ولأبيها شيئاً معيّناً...608

لو أصدقها تعليم سورة أو صبغة...611

لو أصدقها ظرفاً على أنّه خل فيان خمراً...614

المهر مضمون على الزوج...618

للمرأة أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض المهر...621

الطرف الثاني: في التفويض...630

القسم الأوّل: تفويض البضع...630

لو لم يذكر المهر في العقد...631

المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف و...633

المعتبر في المتعة بحال الزوج في اليسار والإقتار...635

ص: 15

تحقق التفويض في البالغة الرشيدة...639

القسم الثاني: تفويض المهر إلى أحد الزوجين...643

لو طلّق مفوّضة المهر، ألزم من إليه الحكم أن يحكم...645

الطرف الثالث: في أحكام المهر...650

المهر دين على الزوج لا يسقط بالدخول...650

لايجب المهر بالخلوة بل بالوطء قبلاً أو دبراً...653

إذا لم يسم لها مهراً وقدم لها شيئاً...656

إذا طلّق قبل الدخول كان عليه نصف المهر...658

لو أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها قبل الدخول...666

إذا أعطاها عوضاً عن المهر شيئاً ثم طلّقها...668

إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع...670

لو شرط أن لايقتضّها...672

لو شرط عدم إخراجها من بلدها...674

لو شرط الخيار في النكاح أو في المهر...681

الصداق يملك بالعقد...683

لو عفت المرأة عن المهر أو عفا من بيده عقدة النكاح...686

لو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها آنية ثمّ طلّقها قبل الدخول...698

إذا زوج ولده الصغير فعلى من المهر؟...706

لو أدّى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرّعاً ثمّ طلّق الولد...711

الطرف الرابع في التنازع...713

إذا اختلفا في أصل المهر...713

لو اختلفا في قدره أو وصفه...720

إذا خلا بها فادعت المواقعة...724

إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين...725

ص: 16

کتاب النکاح و أقسامه ثلاثة:

القسم الاوّل: فی النکاح الدائم

اشارة

اعلم أنّ النكاحَ يستعمل لغةً في الوطء كثيراً، وفي العقد بقلّة. قال الجوهري: النكاح:

الوطء، وقد يقال: العقد(1)

وشرعاً - بالعكس - يستعمل بالمعنيين، إلا أن استعماله في العقد أكثر، بل قيل: إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء إلا في قوله تعالى: (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)(2) لاشتراط الوطء في المحلل.

وفيه نظر؛ لجواز إرادة العقد، واستفادة الوطء من السنّة. ثم لايمكن دلالته على إرادة الوطء؛ لاحتمال الاشتراك أو كونه مجازاً في الوطء، والمجاز يفتقر في

ص: 17


1- الصحاح،ج 1، ص 413. «نكح».
2- لم نعثر على قائله بشخصه، نعم، حكاه فخر المحققين عن قائل في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 3؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 7؛ والآية في سورة البقرة (2)230.

(والنظر فيه يستدعي فصولاً):

الحمل عليه إلى القرينة، وهي منتفية هنا، ومجرد اشتراط الوطء في المحلل شرعاً لايكفي في القرينة هنا.

وقد اختلف الفقهاء في كونه مشتركاً بين المعنيين؛ نظراً إلى استعماله فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، أم هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر؛ التفاتاً إلى أن المجاز خير من الاشتراك عند التعارض ثم اختلفوا في أنّ أيّ المعنيين الحقيقي؟ فقيل: الوطء لثبوته لغةً بكثرة(1) فحقيقته لغةً لاإشكال فيها فيستصحب؛ لأصالة عدم النقل.

وقيل: العقد؛ لكثرة الاستعمال فيه، فيكون جانب الحقيقة فيه راجحاً(2) حيث يضطر إلى جعل أحدهما مجازاً. وهذا هو الأجود.

وقد جاء صالحاً للأمرين معاً فى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ)(3) فإنّ النهي يتعلّق بالموطوءة وبالمعقود عليها من الأب، وحيث كان الاشتراك مرجوحاً بالنسبة إلى المجاز أمكن حمله هنا على حقيقته ومجازه؛ فإنّه وإن كان على خلاف الأصل ويحتاج إلى قرينة فكذلك استعماله فيهما بطريق الحقيقة ع-ل-ى المختار عند الأصوليين(4) ولو حمل على معناه الحقيقي خاصةً واستفيد المعنى الآخر من خارج كان أقعد.

ص: 18


1- قاله الشيخ في العدة في أصول الفقه،ج 1، ص 39.
2- قاله ابن إدريس في السرائر،ج2، ص 524: والعلامة في تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 413،الرقم 4889.
3- النساء (4) 22.
4- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول،ج1،ص،303 - 304.

الفصل الأوّل: في آداب العقد والخلوة ولواحقهما

الأول: في آداب العقد

فالنكاح مستحبّ لمن تاقت نفسه من الرجال والنساء. ومن لم تتق فيه خلاف المشهور استحبابه؛ لقوله(علیه السلام): «تناكحوا تناسلوا»، ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم)«شرار موتاكم العزاب»، ولقوله(علیه السلام): «ما استفاد امرؤ فائدةً بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة،

تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله».

وربما احتج المانع بأنّ وصف يحيى بكونه حصوراً» يؤذن باختصاص هذا الوصف بالرجحان، فيحمل على ما إذا لم تتق النفس. ويمكن الجواب بأن المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم وجوده في شرعنا.

قوله: «النكاح مستحبّ لمن تاقت نفسه من الرجال - إلى قوله - وجوده في شرعنا». اعلم أنّ النكاح مستحبّ مؤكّد لمن تاقت نفسه إليه - أي اشتاقت - بإجماع المسلمين إلا من شدّ منهم حيث ذهب إلى وجوبه(1) والآيات الدالة على الأمر به في الجملة(2) والأخبار(3) الواردة فيه كثيرة. وأما من لم تتق نفسه إليه فهل هو مستحبّ في حقه أم لا؟ المشهور استحبابه أيضاً؛

ص: 19


1- حكاه عن عدة من العامة ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 334، المسألة 5134:والنووي في المجموع شرح المهذب،ج11، ص 131 عن جماعة.
2- النساء :(4): 3 و 25: النور (24) 32.
3- وسائل الشيعة،ج20، ص 13 - 18، الباب 1 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

لعموم الأوامر الدالّة عليه التي أقلّ مراتبها الحمل على الاستحباب المؤكد، كقوله تعالى: ( وَأَنكِحُواْ الأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَابِكُمْ)(1) وقوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ)(2) وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني)(3) و(4) وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من أحب فطرتي فليستنّ بسنتي، ألا وهي النكاح»(5) إلى غير ذلك من الأحاديث(6) المتناولة بعمومها لموضع النزاع.

ولأنّ في النكاح تكثير النسل، وبقاء النوع، ودفع وسوسة الشيطان، والخلاص من الوحدة المنهي عنها(7) والاستعانة بالزوجة على أمور الدين، وربما أثمر الولد الصالح. ولا فرق في ذلك بين من تاقت نفسه إليه وغيره، ولا بين الرجل والمرأة، ولا بين القادر على أهبة(8) النكاح وغيره. وقال الشيخ في المبسوط :

إن من من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج، مستدلاً بقوله تعالى عن يحيى: (وَسَيّدًا وَحَصُورًا)(9) مدحه على كونه حصوراً، وهو الذي لا يشتهي النساء، وقيل: الذي يمكنه أن يأتي ولايفعله(10)

ص: 20


1- النور (24) 32.
2- النساء (4): 3.
3- جامع الأخبار، ص 271، ح 737.
4- في الطبعة الحجرية زيادة: وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): (من تزوّج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر». الكافي، ج 5،ص328 - 329 ، باب كراهة العزبة،ح2 الفقيه،ج3، ص383،ح، 4345.
5- الكافي،ج 5 ص 494. باب كراهية الرهبانية وترك الباء ح 1: النوادر الراوندي، ص 177، ح 293 بتفاوت يسير.
6- وسائل الشيعة،ج20،ص14 - 18، الباب 1 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه،ح1 و 4 و 6 و 14 و 15.
7- الفقيه،ج2، ص 277، ح 2435 و 2436.
8- الأُهْبَةُ: العُدّة. المعجم الوسيط، ص 31.
9- آل عمران (3) 39.
10- المبسوط،ج3، ص 385.

واستدلّ له أيضاً بأن في النكاح تعريضاً لتحمّل حقوق الزوجية، والاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية، وحصول الولد الصالح، والزوجة الصالحة غير معلوم، وبالذم المتبادر من قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَتِ)(1) خرج منه ما أجمع على رجحانه فيبقى الباقي(2) وأجيب بأنّ مدح يحيى(علیه السلام) بذلك لعله مختص بشرعه، فلا يلزم مثله في شرعنا(3) وفيه نظر؛ لأنّ المدح في كتابنا - وهو شرعنا - مطلق، فلا دلالة على اختصاصه بشرعه. وعلى تقدير نقله عن شرعه ففي تعديه إلى شرعنا مع نقل القرآن له وعدم الإشارة إلى نسخه دليل على ثبوته، وكون شرعنا ناسخاً لما قبله من الشرائع يفيد نسخ المجموع من حيث هو مجموع، أما الأفراد فلا؛ للقطع ببقاء كثير منها في شرعنا، كأكل الطيبات، ونكاح الحلائل، وغير ذلك.

وأجيب أيضاً بأنّه كان مكلّفاً بإرشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضي للسياحة ومفارقة الزّوجة المنافي لرجحان التزويج(4) وفيه نظر؛ لأنّ مثله وارد في شرعنا، ولايقولون باستحباب ترك التزويج لذلك. والأولى في الجواب أن يقال: إن مدحه بكونه حصوراً - وهو أن لايشتهي النساء - لا يدل على كون التزويج مع ذلك مرجوحاً، بل فائدته أنه إذا لم يشته النساء يتفرغ للعبادة. والتوجه إلى الله تعالى بقلب فارغ من الشهوة الطبيعية المانعة من ذلك غالباً وإن كان التزويج مع ذلك راجحاً؛ لأنّ فائدته غير منحصرة في الوطء بالشهوة، خصوصاً وقد كانت الرهبانية في شرعهم، والانقطاع في بيت المقدس وغيره للعبادة من أهم عباداتهم، وهو منافٍ للشهوة إلى النساء، وإن كان الجمع مع ذلك بينه وبين التزويج ممكناً لغير ذلك من

ص: 21


1- المستدل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12،ص،10؛ والآية في سورة آل عمران (3): 14.
2- في الطبعة الحجرية زيادة: «على الدم».
3- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 10.
4- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12،ص،10.

الأغراض المترتبة عليه من الإعانة على الطاعة، وضرورات المعيشة، وغير ذلك، وحيث دل الوصف على رجحانه في نفسه، و لم يدلّ على مرجوحية التزويج، فتبقى عمومات الأدلة(1) متناولةً لموضع النزاع من غير معارض.

وأما الاحتجاج باقتضائه تحمّل الحقوق، والاشتغال عن كثير من المطالب الدينية ففيه: أنّ هذه الأمور أيضاً من جملة المطالب الدينية، وبالاشتغال بها يزيد الأجر؛ لكونه من مقدمات الطاعة ولوازمها. وعدم معلومية صلاح الولد لايقدح؛ لأن كونه مظنة لحصوله كافٍ في رجحانه، مع أنّ مطلق الولد المسلم ومن في حكمه مرجح في نفسه، كما نبه عليه النبي بقوله: «تناكحوا تناسلوا، فإنّي مباءٍ بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط»(2) ، خصوصاً وأكثر الأولاد يموتون قبل التكليف، ولولا ذلك لامتلأت الأرض من الخلق، ومن مات كذلك فهو نافع لنفسه ولأبويه بالشفاعة، وتكثير الأولاد، والأُنس بهم، والتلذذ بصحبتهم في الجنّة، وذلك من أهم المطالب. وأما الذم الواقع في الآية بحبّ الشهوات من النساء والبنين(3) فظاهر أنه مختص بمحبة ذلك للشهوة البهيمية، دون إرادة الطاعة، وامتثال الأمر، وكسر الشهوة واكتساب الولدالصالح، وغير ذلك من الفوائد الدينية، فلاينافي المدعى. إذا تقرر ذلك فعلى القول بأفضليته لمن لم تتق نفسه هل هو أفضل من التخلّي للعبادة، أم هي أفضل منه ؟ فيه قولان(4) أصحهما الأوّل ؛ لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): « ما استفاد امرؤ فائدةً بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه

ص: 22


1- تقدّم تخريج العمومات في ص 20 الهامش 6.
2- جامع الأخبار، ص 272،ح 5/738.
3- آل عمران (3): 14.
4- من القائلين بأفضلية النكاح العلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص 5: ومن القائلين بأفضلية العبادة الشيرازي في المهذب،ج2، ص 43؛ والغزالي في الوجيز،ج2،ص 6.

إذا غاب عنها في نفسها وماله»(1).

وقول الصادق(علیه السلام): ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعةً يصلّيها الأعزب)(2) وفي حديث آخر عنه : «ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأنّي بت ليلة ليست لي زوجة». ثمّ قال: «الركعتان يصلّيهما رجل متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره»(3) وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «شرار موتاكم العزاب»(4) فإنّه جمع معرّف يفيد العموم، ويتناول محلّ النزاع. وأما الأوامر الدالة على رجحان التزويج في الجملة(5) - ممّا سلف وغيرها - فلا دلالة لها على كونه أفضل من العبادة، بل على كونه راجحاً في نفسه وهو حجّة على من يجعله مرجوحاً على بعض الوجوه، وأما كون عبادة أفضل من أخرى فيحتاج إلى دليل خاص، وما ذكرناه هنا دالّ عليه.

إن قيل: لايلزم من أفضلية الزوجة الموصوفة بهذه الصفات الأربع أفضلية الزوجة مطلقاً، وليس النزاع إلا فيه. والمتزوج وقع في الخبر الآخر نكرة في مقام الإثبات، فلايفيد العموم. والعزوبية تندفع بالتسري، كما تندفع بالتزويج؛ لقول الكاظم(علیه السلام) لرجل:«أليس لك جوار؟» فقال: بلی، فقال: «إنك لست بأعزب»(6) وحينئذٍ فلايلزم من موت الإنسان غير متزوّج أن يموت من الأشرار.

ص: 23


1- الكافي،ج 5، ص 327، باب من وفق له الزوجة الصالحة،ح 1: الفقيه،ج3، ص 389 ح 4371؛ تهذیب الأحكام،ج7، ص 240، ح 1047.
2- الكافي، ج 5، ص 328 باب كراهة العزبة، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 384، ح 4349: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 239، ح 1044.
3- الكافي،ج 5، ص 329، باب كراهة العزبة،ح 6: تهذيب الأحكام،ج7،ص 239 - 240، ح 1046.
4- الكافي، ج 5، ص 329، باب كراهة العزبة،ح3: الفقيه،ج3، ص 384، ح 4351 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 239، ح 1045 مع تفاوت.
5- راجع الكافي،ج 5، ص 329 باب كراهة العزبة،ح 6؛ والفقيه،ج3، ص 383،ح 4347.
6- الكافي، ج 5، ص 329 ، باب كراهة العزبة، ح 7 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 240، ح 1048.

قلنا: إذا ثبتت أفضلية التزويج على بعض الوجوه لكلّ واحد من الناس ثبت ضعف القول بأرجحية العبادة على التزويج لبعض الآحاد وبه يحصل المطلوب. وأيضاً فالقول بأفضلية التزويج لمن قدر على الزوجة الموصوفة دون غيره إحداث قول ثالث. وأما المتزوج الواقع في الخبر الآخر نكرة، فعموميته من حيث الوصف المشعر بالعلية، ولو لا إفادته العموم لذلك أو لغيره لما كان له فائدة؛ لأنّ إفادة كون متزوج في الجملة أفضل من عزب في الجملة لا طائل تحته، وقد نص الأصوليون على أن النكرة المثبتة في معرض الامتنان تفيد العموم لهذه العلة(1) وأمّا اندفاع الشرّ بالتسري فلاينافي أفضلية التزويج؛ لأنّ العزوبةَ التي توجب كونه من الأشرار تندفع بأحد الأمرين، ففي كلّ منهما خير يدفع ذلك الشر المتحقق من موته عزباً سواء كان متعبداً أم لا. ولو جعل النكاح حقيقةً في الوطء أو مشتركاً كان التسري أحد أفراده وبقي المطلوب بحاله.

واحتج من ذهب إلى أفضلية التخلّي للعبادة لهذا الفرد بما يتضمن التزويج من القواطع والشواغل وتحمّل الحقوق(2) وقد عرفت أن ذلك يوجب زيادة الأجر(3) فلايقدح في الأفضلية.

واعلم أنّ النكاح إنّما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة، وإلا فهو بواسطتها ينقسم إلى الأحكام الخمسة. فيجب عند خوف الوقوع في الزنى بدونه، ولو أمكن دفعه بالتسري فهو واجب تخييراً. ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب كالحج، ومع الزيادة على الأربع. ويكره عند عدم التوقان والطول على قول(4) والزيادة على الواحدة عند الشيخ(5) وقد يكره بالنظر إلى بعض الزوجات كنكاح القابلة المربية، ومن ولدت من الزنى.

ص: 24


1- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 120.
2- كالشيرازي في المهذب،ج2، ص43.
3- راجع ص 22.
4- قاله الشهيد في القواعد والفوائد،ص،236(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 15).
5- المبسوط،ج4،ص 368.

ويستحب لمن أراد العقد سبعة أشياء، ويكره له ثامن.

فالمستحبّات أن يتخيّر من النساء من تجمع صفات أربعاً: كرم الأصل وكونها بكراً، ولوداً، عفيفة.

لكن هذا الحكم من جهة المنكوحة لا من جهة النكاح، ولو اعتبرناها جاء التقسيم إلى

الخمسة أيضاً بوجه آخر غير السابق.

فالمكروه منها: ما ذكر، وكنكاح العقيم، والمحلّل، والخطبة على خطبة المجاب. والحرام عيناً وجمعاً، وهو كثير وسيأتي(1) والمستحبّ كنكاح القريبة على قول؛ للجمع

بين الصلة وفضيلة النكاح، واختاره الشهيد في قواعده(2) والبعيدة على آخر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لاتنكحوا القرابة القريبة؛ فإنّ الولد يخرج ضاوياً(3) أي نحيفاً، واختاره العلّامة في التذكرة.

قال : والسرّ فيه نقصان الشهوة بسبب القرابة(4) ويمكن فرض الواجب فيما لو علم وقوع الزنى من أجنبية، وأنه لو تزوجها منعها منه ولاضرر فيجب كفاية، وقد يتعيّن عند عدم قيام غيره .به والمباح ما عدا ذلك. وأما إباحته بالمعنى الأوّل فلايتفق على القول المشهور إلا للغافل عن القصد الراجح، والكلام في الأقسام الخمسة للقاصد ويمكن فرضه عند الشيخ لمن لم تتق نفسه؛ فإنّه في المبسوط اقتصر فيه على نفي الاستحباب(5) وظاهره بقاء الإباحة؛ إذ لا قائل بالكراهة حينئذ. وابن حمزة فرض الإباحة أيضاً لمن يشتهي النكاح ولايقدر عليه أو بالعكس، وجعله مستحبّاً لمن جمع الوصفين، ومكروهاً لمن فقدهما(6)

قوله: «فالمستحبّات أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعاً - إلى قوله - ولوداً، عفيفة».

ص: 25


1- يأتي في ص 191 و 295 وما بعدها.
2- القواعد والفوائد،ص 237(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 15).
3- أورده الغزالي في إحياء علوم الدين،ج2، ص 40 - 41.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 569 (الطبعة الحجرية).
5- المبسوط،ج3، ص 384 - 385.
6- الوسيلة، ص 289.

المراد ب «كرم الأصل: أن لايكون أصلها من زنى، ولا في آبائها وأمهاتها من هو كذلك. قال(صلی الله علیه وآله وسلم) : «تخيّر والنطفكم، ولاتضعوها في غير الأكفاء»(1) وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «إياكم وخضراء الدمن»،

قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»(2) ويحتمل أن يريد ب- «كرم «الأصل الإسلام أو الإيمان أو ما هو أخص منهما، ولكن فعل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة(علیهم السلام) في مناكحهم(3) يرشد إلى الأول؛ لأنهم لم ينظروا إلى إسلام الآباء فضلاً عن غيره.

ويدلّ على اختيار البكر قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «تزوجوا الأبكار فإنّهنّ أطيب شيء أفواها ، وأدرّ شيء أخلافاً، و أحسن شيء أخلاقاً، وأفتح شيء أرحاماً»(4)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لجابر - وقد أخبره بأنه تزوّج ثيباً -: «فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك»(5) ولأنّ البكر أحرى بالمؤالفة والمشي على عادة الرجل.

والمراد ب«الولود» ما من شأنها ذلك، بأن لاتكون صغيرة ولا آيسة ولا في مزاجها مايدلّ على عقمها كعدم الحيض. وبهذا يجمع بين الولود والبكر. وب«العفيفة غير الزانية، أو ما هو أخص منها كالمتبرجة. قال: «ألا أُخبركم بخير نسائكم؟ قالوا: بلی یا رسول الله فأخبرنا، قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «إنّ من خير نسائكم الولود الودود الستيرة، العفيفة، العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرّجة مع زوجها، الحصان مع غيره التي تسمع قوله وتطيع أمره. وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها، ولم تبذل له تبذّل

ص: 26


1- سنن الدار قطني،ج 3، ص 227، ح 198/3732.
2- لكافي،ج 5، ص 332، باب اختيار الزوجة،ح 4: الفقيه،ج 3، ص 391، ح 4380؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 403،ح 1608.
3- الكافي،ج 5، ص 367، باب الإطعام عند التزويج،ح: صحيح البخاري،ج3، ص 1414، ح 3681.
4- الكافي،ج 5، ص 334، باب فضل الأبكار،ح 1 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 400 - 401، ح 1598.
5- مسند أحمد،ج 4، ص 243 - 244،ح 13894؛ سنن الدارمي،ج 2، ص 146، باب في تزويج الأبكار؛ سنن النسائي،ج6،ص 61 - 62. ح 3216.

• ولايقتصر على الجمال ولا على الثروة، فربما حرمهما.

• وصلاة ركعتين، والدعاء بعدهما بما صورته: «اللهم إنّي أُريد أن أتزوّج، فقدر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهن لي في نفسها ومالي، وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهنّ بركةً وغير ذلك من الدعاء.

الرجل»(1) وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «انكحوا الولود الودود»(2) وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «الحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد»(3)

قوله: «ولايقتصر على الجمال ولا على الثروة، فربما حرمهما».

أشار بذلك إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من تزوج امرأةً لمالها وكله الله إليه، ومن تزوّجها لجمالها رأى فيها ما يكره، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك»(4) وروى هشام بن الحكم في الصحيح عن أبي عبد الله قال: «إذا تزوّج الرجل امرأة لجمالها أو مالها وكل إلى ذلك، وإن تزوّجها لدينها رزقه الله الجمال والمال(5)

:قوله وصلاة ركعتين والدعاء بعدهما - إلى قوله - وغير ذلك من الدعاء». وقت هذه الصلاة بعد إرادة التزويج وقبل تعين امرأة مخصوصة أو قبل العقد بقرينة قوله في الدعاء: «فقدّر لي من النساء» إلى آخره. قال الصادق(علیه السلام): «إذا هم أحدكم بذلك - يعني التزويج - فليصل ركعتين ويحمدالله، ويقول: اللهم إني أُريد أن أتزوّج، اللهم فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركةً،

ص: 27


1- الكافي،ج 5، ص 324،باب خیر النساء،ح 1 باختلاف يسير الفقيه،ج 3، ص 389،ح 4370؛ تهذیب 5 الأحكام، ج 7، ص 400، ح 1597.
2- سنن أبي داود،ج 2، ص 220،ح 2050؛ سنن النسائي،ج6، ص 65 - 66،ح 3224.
3- الفقيه،ج 3، ص 551 - 0552 ح 4902.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 399 - 400،ح 1596.
5- الكافي، ج 5، ص 333، باب فضل من تزوّج ذات دين... ح 3: الفقيه،ج 3، ص 392، ح 4383 بتفاوت يسير: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 403، ح 1609.

• والإشهاد والإعلان

وقدر لى منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي(1)

قوله: «والإشهاد والإعلان».

المشهور بين أصحابنا أنّ الإشهاد في نكاح الغبطة سنة مؤكدة، وليس بشرط في صحة العقد، وهو مذهب جماعة من علماء العامة(2) لأصالة عدم الوجوب والاشتراط، وعدم دليل صالح عليه، ولقول الباقر والصادق(علیهماالسلام): لابأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله تعالى، وإنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد، ومن أجل المواريث»(3) وذهب ابن أبي عقيل منا(4) وجماعة من العامة إلى اشتراطه فيه(5) فلاينعقد بدونه؛ لم-ا رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطرق متعدّدة، تدلّ على نفي النكاح بدون الشاهدين(6) وقد اعتبرها جهابذة النقاد من أهل الحديث فوجدوها بأسرها ضعيفة السند، وليس هذا محل تحقيق الحال. ومن طرقنا روى المهلب الدلال عن أبي الحسن(علیه السلام)مكاتبة: «التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين»(7) وفيها ضعف السند(8) أيضاً.

و بالجملة فليس في الباب حديث صحيح من الجانبين ، فالاعتماد على الأصل حيث لا معارض.

ص: 28


1- الكافي،ج 5، ص 501، باب القول عند دخول الرجل بأهله،ح 3؛ الفقيه،ج 3، ص 394، ح 4390؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 407، ح 1627.
2- منهم أبو ثور على ما حكاه عنه ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 339، المسألة 5139؛ والقفال في حلية العلماء،ج 6، ص 365؛ ولمزيد الاطلاع راجع المجموع شرح المهذب،ج 16،ص 198.
3- رواه الشيخ عنهما في تهذيب الأحكام،ج 7، ص 248 - 249، ح 1076 - 1077؛ وفي الاستبصار،ج3،ص 148، 543 عن أبي عبدالله(علیه السلام): وكذلك الكليني في الكافي، ج 5، ص 387، باب التزويج بغير بينة،ح1.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 118، المسألة 58.
5- راجع بداية المجتهد،ج2، ص 17؛ والأم، ج 5، ص 35 والمهذب الشيرازي،ج 2، ص 52؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 339، المسألة 5139.
6- السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 202،ح 13718 و 13719.
7- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 255، ح 1100؛ الاستبصار،ج 3، ص 146،ح 529.
8- لعل ضعف السند كان من جهة محمد بن عيسى راجع رجال الطوسي، ص 448، الرقم 6361.

والخُطبة أمام العقد.

واعلم أنّ الإعلان غير الإشهاد وأبلغ منه؛ فلذا جمع بينهما، وليس بواجب إجماعاً، وإنما حكمته حكمة الإشهاد وقد ذكرت في النصوص السابقة. ويدلّ عليه بخصوصه ما روي أن النبي كان يكره نكاح السرّ، حتّى يضرب بدفٌ ويُقال: أتيناكم أتيناكم *** فحيونا نحيّيكم (1)

قوله: «والخُطبة أمام العقد».

بضم الخاء، هي حمد الله تعالى قبل العقد، وأكملها إضافة الشهادتين، والصلاة على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والوصية بتقوى الله تعالى، والدعاء للزوجين، وإنّما استحبّت كذلك للتأسي بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(2) والأئمة(علیهم السلام) بعده ، وخطبهم منقولة(3) في ذلك مشهورة.

وكذا يستحبّ خُطبة أُخرى أمام الخطبة - بكسر الخاء - من المرأة أو وليها. ويستحبّ للولي أيضاً الخطبة ثمّ الجواب. ويجزئ في الجميع الاقتصار على حمدالله تعالى. وعن أبي عبدالله(علیه السلام): «أن علي بن الحسين(علیه السلام) كان يتزوج، وهو يتعرق عرقاً يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله وأستغفر الله، وقد زوّجناك على شرط الله تعالى، ثم قال علي بن الحسين(علیه السلام): إذا حمد الله فقد خطب»(4) ولو ترك الخُطبة صح العقد عند جميع العلماء إلا داود الظاهري(5) وقد رووا في ق- سهل الساعدي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم زوجه بغير خطبة(6) وروينا عن الصادق(علیه السلام) أنّه سُئل عن التزويج بغير خُطبة فقال: «أو ليس عامة ما يتزوّج فتياننا ونحن نتعرّق الطعام على الخوان

ص: 29


1- مسند أحمد،ج 5، ص،31،ح 16271.
2- راجع دلائل الإمامة، ص88؛ ومدينة المعاجز،ج2، ص 332.
3- الكافي،ج 5، ص 369 - 375،باب خُطبة النكاح،ح1 - 9.
4- الكافي،ج 5، ص 368، باب التزويج بغير خُطبة،ح2 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 408،ح1630، وفيهما: ويستغفر الله» بدل «وأستغفر الله».
5- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 433، المسألة 5300؛ والمجموع شرح المهذب،ج 16، ص 207.
6- السنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 232 - 234،ح 13818 - 13822.

• وإيقاعه ليلاً.

• ويكره إيقاعه والقمر في العقرب.

نقول: يا فلان، زوّج فلاناً فلانةً، فيقول: نعم، قد فعلت؟!»(1)

قوله: «وإيقاعه ليلاً».

لقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «أمسوا بالإملاك؛ فإنّه أعظم للبركة»(2) وقول الرضا(علیه السلام): «من الس-نة التزويج بالليل؛ لأنّ الله عزّ وجلّ جعل الليل سكناً، والنساء إنّما هن سكن»(3) وعلل بأنه أقرب إلى المقصود، وأقلّ للانتظار حيث يكون الدخول ليلاً، والنص أعم من ذلك.

قوله: «ويكره إيقاعه والقمر في العقرب».

لما رواه الشيخ وابن بابويه عن الصادق(علیه السلام)قال: «من تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى»(4) والتزويج حقيقة في العقد. والمراد ب«العقرب» برجه لا المنازل الأربع المنسوبة إليه وهي الزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة - وذلك لأن القمر يحلّ في البروج الاثني عشر في كلّ شهر مرّةً.

وجملة المنازل التي هذه الأربع بعضها ثمانية وعشرون مقسومة على البروج الاثني عشر، فيخص كل برج منها منزلتان وثلث فللعقرب من هذه الأربع ما لغيره، والذي بينه أهل هذا الشأن أنّ للعقرب من المنازل ثلثي الإكليل والقلب وثلثي الشولة، وذلك منزلتان وثلث، وأما الزبانا وثلث الإكليل فهو من برج الميزان كما أن ثلث الشولة الأخير من برج القوس. وإطلاق العقرب محمول على برجه لا على هذه المنازل الأربع، فلا كراهة في منزلة الزبانا

ص: 30


1- الكافي،ج 5، ص 368، باب التزويج بغير خطبة،ح 1؛ تهذيب الأحكام،ج7،ص 249، ح 1078، وص 408،ح 1629.
2- لم نعثر عليه في مصادرنا الروائية، ولكن أورده ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7،ص 435،المسألة 5303.
3- الكافي،ج 5، ص 366، باب ما يستحب من التزويج بالليل،ح 1 تهذيب الأحكام،ج7، ص 418،ح 1675.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص407 ، ح 1628، و ص 461، ح 1844: الفقيه،ج3، ص 394 ، ح 4391.
الثاني: في آداب الخلوة بالمرأة
اشارة

وهی قسمان:

الأوّل: يستحبّ لمن أراد الدخول أن يصلّى ركعتين
اشارة

يستحبّ لمن أراد الدخول أن يصلّى ركعتين ويدعو بعدهما. وإذا أمر المرأة بالانتقال أن تصلي أيضاً ركعتين وتدعو ، وأن يكونا على طهر، وأن يضع يده على ناصيتها إذا دخلت عليه، ويقول: «اللهم على كتابك تزوّجتها، وفى أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان»، وأن يكون الدخول ليلاً، وأن يسمّي عند الجماع، ويسأل الله تعالى أن يرزقه ولداً ذكراً سويّاً.

مطلقاً، وأما المنزلتان المشطرتان فإن أمكن ضبطهما، وإلا فينبغي اجتناب العقد(1) والقمر بهما، حذراً من الوقوع فيما كره منهما.

قوله: «يستحبّ لمن أراد الدخول أن يصلي ركعتين - إلى قوله - ويسأل الله تعالى».

قد ذكر المصنف (رحمه الله) جملةً من السنن المروية عند الدخول وهي ست: الأولى: أن يصلي ركعتين يقرأ في كلّ منهما الفاتحة، وما شاء من القرآن إن أحب الزيادة على الفاتحة، ويجهر فيهما على الأفضل؛ لأنّهما من السنن الليلية أو ممّا لانظير له،

ويدعو بعدهما بالمنقول(2).

• الثانية: أن تفعل المرأة مثل ذلك. روى أبو بصير قال: سمعت رجلاً يقول لأبي جعفر: جعلت فداك، إنى رجل قد أسننت وقد تزوجت امرأة بكراً صغيرة ولم أدخل بها، وأنا أخاف إذا دخلت عليّ فرأتني أن تكرهني لخضابي وكبري، فقال أبو جعفر : «إذا أُدخلت عليك إن شاء الله فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئةٌ، ثم لا تصل إليها أنت حتى توضاً

ص: 31


1- في بعض النسخ: «الفعل» بدل «العقد».
2- راجع الكافي،ج 5، ص 501. باب القول عند دخول الرجل بأهله،ح3؛ والفقيه،ج3،ص،394، ح 4390.

وتصلّي ركعتين، ثمّ مرهم يأمروها أن تصلّي أيضاً ركعتين، ثمّ تحمد الله تعالى وتصلي على محمدٍ وآله، ثمّ ادع الله ومُر مَنْ معها أن يؤمنوا على دعائك، ثم ادع الله وقل: اللهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع، وأنفس ائتلاف؛ فإنّك تحب الحلال وتكره الحرام. واعلم أن الإلف من الله، والفرك من الشيطان ليكره ما أحلّ الله عز وجل»(1)

الثالثة: أن يكونا حال الدخول على طهر، وهو الظاهر من حال هذا الخبر.

الرابعة: أن يضع يده على ناصيتها - وهي مقدّم رأسها ما بين النزعتين - ويد بالمنقول. روى أبو بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «إذا أدخلت عليه فليضع يده على ناصيتها ويقول: اللهم على كتابك تزوّجتها، وفى أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان»، قلت: وكيف يكون شرك شيطان؟ قال، فقال لي: «إنّ الرجل إذا دنا من المرأة وجلس مجلسه حضر الشيطان، فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه، وإن فعل ولم يسمّ أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعاً والنطفة واحدة(2)

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إذا أفاد أحدكم امرأةً أو خادماً أو دابه فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه»(3).

الخامسة: أن يكون الدخول ليلاً وقد تقدم من الأخبار ما يدلّ عليه، وقال الصادق(علیه السلام): زقوا عرائسكم ليلاً، وأطعموا ضحى»(4) وحكمته واضحة؛ لما يشتمل عليه من الأمور

ص: 32


1- الكافي،ج 5، ص 500، باب القول عند دخول الرجل بأهله،ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 409 - 0410ح 1636.
2- الكافي،ج 5، ص501، باب القول عند دخول الرجل بأهله،ح3 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 407،ح 1636.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 617 - 618، ح 1918.
4- الكافي،ج 5، ص 366 ، باب ما يستحب من التزويج بالليل،ح2 الفقيه، ج3، ص 401 - 402، ح 4406:تهذيب الأحكام،ج 7، ص 418، ح 1676.

التي يناسبها الحياء والتستر والليل محلّ ذلك.

ويستحب مؤكّداً إضافة الستر المكاني والقولي إلى الستر الزماني؛ لاشتراكهما في المعنى، وقد روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلام) أنه قال: «إنّ من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها(1) وفي حديث آخر عنه(صلی الله علیه وآله وسلام): مثل من يفعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه»(2).

السادسة: التسمية عند الجماع، وسؤال الله تعالى أن يرزقه ولداً سوياً ذكراً، وقد تقدّم في الحديث السابق ما يدلّ عليه(3) وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان منا ما رزقتنا، فإن قدر بينهما في ذلك ولد لم يضرّ ذلك الولد الشيطان أبداً(4) وروي عن الصادق(علیه السلام): إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله عند الجماع، فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك الشيطان».(5).

وكما يستحبّ التسمية عند الدخول يستحبّ عند كلّ جماع؛ لهذا الحديث وغيره(6). وعن الباقر(علیه السلام): «إذا أردت الجماع فقل: اللهم ارزقني ولداً، واجعله تقيّاً زكيّاً ليس في خلقه زيادة ولانقصان، واجعل عاقبته إلى خير»(7)

ص: 33


1- المصنف ابن أبي شيبة،ج 3، ص 449، باب 234 في أخبار ما يصنع الرجل بامرأته...،ج 12 جامع الأحاديث. السيوطي، ج 2، ص 398، ح 6217.
2- مسند أحمد،ج3، ص 363 - 364، ح 10594؛ السنن الكبرى البيهقي،ج7، ص 314، ح 14098 باختلاف یسیر.
3- تقدم تخريجه في ص 32، الهامش2.
4- مسند أحمد،ج 1، ص 358، ح 1870؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 1058، ح 1434/116.
5- الفقيه،ج3، ص 404 - 405. ح 4417 .
6- الكافي،ج 5، ص 503 . باب القول عند الباه، ح 3 و 4.
7- تهذيب الأحكام،ج7، ص 411. ح 1641.

• وتستحبّ الوليمة عند الزّفاف يوماً أو يومين، وأن يدعى لها المؤمنون.

قوله: وتستحبّ الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين - إلى قوله - ولو كان صائماً ندباً». الوليمة هي الطعام المتخذ في العرس، سمّيت بذلك لاجتماع الزوجين؛ فإنّ أصل الوليمة اجتماع الشيء وتمامه(1) ومنهم من أطلقها على كلّ طعام يتخذ في حادث سرور، من إملاك وختان وغيرهما(2)، وسمّيت بها على ذلك؛ لاجتماع الناس عليها. ولكن استعمالها في المعنى الأوّل أشهر وعليه فإطلاقها على غيره يحتاج إلى قيد كباقي استعمال المجازات فيُقال: وليمة الختان، ووليمة البناء وغيرهما، وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس.

ويقال للطعام المتخذ عند الولادة: الخرس والخرسة وعند الختان العذيرة والإعذار وعند إحداث البناء الوكيرة، وعند قدوم الغائب: النقيعة، وللذبح يوم سابع المولود: العقيقة، وعند حذاق الصبي: الحذاق، وهو - بفتح أوله وكسره - تعلّم الصبي القرآن أو العمل. والمأدبة اسم لما يتخذ من غير سبب، ويطلق على كل طعام، والزفاف - بكسر أوله - إهداء العروس إلى زوجها.

إذا تقرّر ذلك فلا خلاف عندنا في استحباب الوليمة حينئذٍ مؤكداً؛ للتأسي بالنبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة(علیهم السلام) بعده.

قال الصادق(علیه السلام): «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوّج ميمونة بنت الحارث أولم وأطعم الناس الحَيْس»(3) وعن الرضا(علیه السلام): «أنّ النجاشي لما خطب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت أبي سفيان فزوجه دعا بطعام، وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن من سنن المؤمنين الإطعام عند التزويج(4). وعنه(علیه السلام): أنّ رسول الله صلى الله عليه وآّله وسلم قال: لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز، فالعرس التزويج والخرس: النفاس بالولد ، والعذار: الختان،

ص: 34


1- راجع لسان العرب، ج 12، ص 643، ولم».
2- من القائلين به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 577 (الطبعة الحجرية).
3- الكافي،ج 5، ص 368، باب الإطعام عند التزويج،ح2 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 409، ح 1632، والحيس:تمر يُنزع نواه ويُدق مع أقط ويعجنان بالسمن المصباح المنير، ص 159، «حيس».
4- الكافي،ج 5، ص 367،باب الإطعام عند التزويج،ح 1؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 409، ح 1633.

ولاتجب الإجابة بل تستحبّ. فإذا حضر فالأكل مستحب ولو كان صائماً ندباً.

والوكار الرجل يشتري الدار والركاز: الرجل يقدم من مكة(1)

وللشافعي قول بوجوبها(2) لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة»(3) والأمر للوجوب.

وأُجيب(4) بحمله على الاستحباب؛ لأنه لو كان واجباً لأمر بفعله غيره، وفعله في باقي أزواجه ولم ينقل ذلك، مع أصالة براءة الذمة.

وقد ذكر المصنّف من أحكامها أموراً:

الأوّل: لا تقدير لها بل المعتبر مسماها وكلما كثرت كان أفضل، وقد سبق أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة فصاعداً من غير تحديد في جانب الكثرة. وروي أنه أولم على صفية بسويق وتمر(5) وإنما فعل ذلك؛ لأنه كان على سفر في حرب خيبر. وعن أنس: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني فأدعو الناس فأطعمهم خبزاً ولحماً حتى شبعوا(6) ومن لم يتمكن فليولم بما تيسر، كما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير(7).

الثاني: وقتها عند الزفاف، وأقله ما يحصل فيه مسمّاها، وأكثره يوم أو يومان، وتكره الزيادة، قال النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم): «الوليمة في اليوم الأوّل حق، وفي الثاني معروف، وفي الثالث رياء

ص: 35


1- الفقيه، ج 3، ص 402. ح 4407؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 409 ، ح 1634، وفيه: «الوكاز» بدل «الوكار» في الموضعين.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 9، ص 555 - 556؛ وحلية العلماء، ج 6، ص 515 - 516.
3- سنن ابن ماجة،ج1، ص 615،ح 1907: الجامع الصحيح،ج3، ص 402، ح 1094.
4- المجيب هو العلّامة في تذكرة الفقهاء،ج2، ص 578 (الطبعة الحجرية).
5- مسند أحمد،ج3، ص 551 ، ح 11668؛ سنن ابن ماجة،ج 1، ص 615، ح 1909؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج 7. ص 424. ح 14506.
6- لم نعثر على نصه بعينه في المصادر الروائية، وبتفاوت أورده مسلم في صحيحه، ج 2، ص 1048 - 1052، ح 1428/11 - 1428/95؛ وابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 8، ص 106، المسألة 5662.
7- مسند أحمد،ج7، ص 163،ح 24300؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج 7، ص 424، ح 14507.

وسمعة»(1) وقال الباقر : الوليمة يوم ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة»(2).

الثالث: المدعو إليها، ويستحب دعاء المؤمنين؛ لأنّهم أفضل، وأولى بالموادة، وأقرب إلى إجابة الدعاء. ولو لم يمكن تخصيصهم فلابأس بجمعهم مع غيرهم؛ لحصول الغرض بهم، والباقي زيادة في الخير وليكن كثرتهم وقلتهم بحسب حال الطعام وعادة البلد، ففي بعض البلاد يحضر الطعام القليل للخلق الكثير من غير نكير، وفي بعضه بخلاف ذلك.

الرابع: يستحب للمدعو الإجابة استحباباً مؤكداً، خصوصاً إذا كان الداعى مؤمناً؛ فإنّ من حق المؤمن إجابة دعوته ولافرق بين القريب والبعيد، ولو إلى غير البلد، مع عدم المشقة البالغة التي لاتتحمّل عادةً وليست بواجبة عندنا؛ للأصل. وذهب جماعة من العامة(3) إلى وجوبه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من دعي إلى وليمة فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن جاءها من غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً»(4) وفي خبرآخر عنه(صلی الله علیه وآله وسلم)«من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله»(5) وفي من دعي إلى الوليّمة فليأتها»(6)، وحملت على شدة الاستحباب(7).

ويشترط في استحباب الإجابة أو وجوبها كون الداعي مسلماً، وأن لايكون في الدعوة

ص: 36


1- الكافي،ج 5، ص 368، باب الإطعام عند التزويج،ح4 بتفاوت يسير؛ تلخيص الحبير،ج3، ص 195 ح 1560.
2- الكافي،ج 5، ص 368، باب الإطعام عند التزويج ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 408 - 409، ح 1631.
3- منهم الشيرازي في المهذب،ج 2، ص 82؛ والماوردي في الحاوي الكبير،ج 9، ص 557؛ والقفال في حلية العلماء، ج 6، ص 516.
4- راجع السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 432 - 433 ، ح 14546.
5- سنن أبي داود،ج3، ص 341، ح 3741؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 108،ح 13412، وص 433، ذيل الحديث 14546.
6- سنن أبي داود،ج 3، ص 340، ح 3736؛ السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 426، ح 14517؛ تلخيص الحبير،ج3، ص 194، ذيل الحديث 1558.
7- .راجع تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 578) (الطبعة الحجرية).

مناكير وملاهي، إلا أن يعلم زوالها بحضوره من غير ضرر، فيجب لذلك، وأن يعمم صاحب الدعوة بها الأغنياء والفقراء، ولو من بعض الأصناف كعشيرته وجيرانه وأهل حرفته، فلو خص بها الأغنياء لم ترجّح الإجابة، ولم تجب عند القائل به؛ لقوله : «شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء، ويترك الفقراء»(1) وأن يخصه بالدعوة بعينه أو مع جماعة معينين. فأما لو دعا عاماً ونادى ليحضر من يريد، ونحو ذلك لم تجب الإجابة ولم تستحبّ؛ لأنّ الامتناع والحال هذه لا يورث الوحشة والتأذي حيث لم يعيّن، وأن يدعى في اليوم الأول أو الثاني، فلو أولم في الثالث كرهت الإجابة.

ولو دعاه اثنان فصاعداً أجاب الأسبق، فإن جاءا معاً أجاب الأقرب رحماً، ثمّ الأقرب داراً كما في الصدقة. وقد روي أنه قال: «إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما إليك باباً؛ فإنّ أقربهما إليك باباً أقربهما إليك جواراً، فإن سبق أحدهما فأجب من سبق»(2).

الخامس: كما تستحبّ الإجابة فالأكل مستحبّ؛ لأن الغرض من الدعوة ذلك، ولما في تركه من التعرّض للوحشة والنفرة، ولأنه أبلغ في إكرام الداعي، وجبر قلبه، ولقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): وإن كان مفطراً فليطعم»(3) وبعض من أوجب الحضور أوجب الأكل ولو لقمة(4) لما ذكرناه،

وامتثالاً للأمر في الخبر، ولأن المقصود من الأمر بالحضور الأكل فكان واجباً. وأجيب(5) بمنع انحصار المقصود في الأكل، بل مجرد الإجابة كافٍ في جبر القلب؛ ولهذا كلّف الصائم واجباً بالحضور من غير أكل. ويمنع حصول الوحشة مع إكرامه بالحضور

ص: 37


1- مسند أحمد،ج 3، ص 124، ح 9008؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 616، ح 1913 بتفاوت.
2- تلخيص الحبير، ج 3، ص 196، ح 1561.
3- مسند أحمد،ج 3، ص 304، ح 10207؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 331، ح 2460؛ السنن الكبرى، البيهقي ج 7، ص 429، ح 14532.
4- نسبه ابن قدامة إلى بعض أصحاب الشافعي في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 110، المسألة 05670
5- المجيب هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 580 (الطبعة الحجرية).

وإجابة دعائه واجتماعه بين الجماعة والتوعد المذكور سابقاً إنّما هو على ترك الإجابة. السادس: الصوم ليس عذراً في ترك إجابة الدعوة؛ لقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل»(1) أي يحضر ويدعو لأهل الدعوة. ثمّ إن كان الصوم واجباً مضيقاً - كرمضان والنذر المعين وما في حكمه كقضاء رمضان بعد الزوال لم يجز له الإفطار. وإن كان موسعاً - كالنذر المطلق وقضاء رمضان قبل الزوال -جاز الإفطار على كراهية.

وإن كان نقلاً فإن شقّ على صاحب الدعوة صومه استحبّ إفطاره؛ إجماعاً، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضر دار بعضهم، فلما قدم الطعام أمسك بعض القوم، وقال: إني صائم، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): يتكلّف لك أخوك المسلم وتقول: إنّي صائم؟! أفطر ثم اقض يوماً مكانه»(2). وإن لم يشق على صاحب الدعوة إمساكه فالأقوى أنه كذلك ؛ لعموم الأمر كرواية داود الرقي عن أبي عبدالله(علیه السلام): «الإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفاً أو تسعين ضعفاً»(3) وصحيحة جميل بن درّاج عنه قال: «من دخل على أخيه فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة(4) وفي التذكرة : قرب هنا استحباب الإتمام؛ عملاً بظاهر التعليل في الخبر النبويّ(5) فإنّ التكلّف له يوجب المشقة في تركه غالباً، وهو مناط الأمر بالإفطار، وفيه إيماء إلى العلة، فيتعدّى إلى ما شاركها في المعنى، وهو مشقّة الإمساك على نفسه.

ص: 38


1- تقدم تخريجه في ص 37، الهامش 3.
2- سنن الدارقطني، ج 2، ص 387 - 388، ح 24/2210 و 26/2212: تلخيص الحبير، ج 3، ص 198، ح 1568.بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- الكافي،ج4، ص 151، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله،ح 6: الفقيه،ج 2، ص 84، ح 1799.
4- الكافي،ج4، ص 150، باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله،ح3؛ الفقيه، ج 2، ص 84 - 85، ح 1800.
5- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 580 (الطبعة الحجرية)، والخبر تقدّم آنفاً .

• وأكل ما ينثر في الأعراس جائز. ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقاً أو

بشاهد الحال. وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم.

واعلم أنّ استحباب الإفطار هنا ورجحانه على الصوم الموجب لترتب الثواب عليه زيادة على الصوم مشروط بكون الباعث عليه إجابة الدعوة، وامتثال أمر الله تعالى فيها؛ ليكون طاعةً يترتب عليها الثواب، فلو فعله بغير قصد الطاعة فلا ثواب له أصلاً، فضلاً عن أن يكون أفضل من الصوم كما هو معلوم من قواعد الشرع، وإطلاق الأمر بالفطر محمول على تصحيح النية في ذلك؛ اتكالاً على أن الأعمال بالنيات(1) ولاتختص هذه الأحكام بهذه الوليمة، بل تأتي في كل دعوة إلى طعام.

قوله: «وأكل ما ينثر في الأعراس جائز إلى قوله - وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم».

مسائل اربعة
[المسآلة]الأولى

يجوز نثر المال في الأعراس من مأكول وغيره، كالجوز واللوز والسكر والتمر والزبيب والدراهم وغيرها؛ لأصالة الجواز، ولأنّ ذلك من متممات أغراض السرور المطلوب في هذه المواضع وهل يوصف مع أصل الجواز بالمعنى الأعم بشيءٍ من الأحكام الخمسة؟ لا ريب في انتفاء الوجوب؛ لعدم دليل يدلّ عليه.

وأما الاستحباب فأثبته بعض العامة(2)؛ لنحو ما ذكرناه، وحكم آخرون بالكراهة(3) لأنّه يؤخذ باختلاس وانتهاب، وهو يؤدي إلى الوحشة والعداوة، ولأنه قد يأخذه غير مَنْ يحبّ صاحبه. وفي إثبات الكراهة بمثل ذلك نظر، والثابت أصل الجواز وغيره من الأحكام يحتاج إلى دليل صالح.

[المسآلة]الثانية

يجوز الأكل من هذا المنثور؛ عملاً بشاهد الحال المستمر في سائر الأعصار ما لم تعلم الكراهة، ولأنه نوع إباحة، فأشبه إباحة الطعام للضيفان بوضعه بين أيديهم.

ص: 39


1- تهذيب الأحكام،ج 1، ص 83، ح 218؛ وج 4، ص 186 ، ح 518 و 519: صحيح البخاري، ج 1، ص 3،ح 1؛ صحیح مسلم،ج3، ص 1515 - 1516. ح 1907/155: سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1413، ح 4227.
2- راجع المجموع شرح المهذب، ج 16، ص 396؛ والحاوي الكبير،ج 9، ص 565؛ وحلية العلماء، ج 6، ص 519.
3- راجع المهذب الشيرازي، ج 2، ص 82؛ والحاوي الكبير، ج 9، ص 566؛ وحلية العلماء، ج 6، ص 518.

ولافرق في النثر بين جعله عاماً وخاصاً بفريق معينين، وإن اختص حكم الثاني بفريقه، كما لو وضعه بين يدي القراء(1) ونحوهم، فلا يجوز لغيرهم الأكل منه إلا بإذن المالك صريحاً.

[المسآلة]الثالثة

لايجوز أخذه من غير أن يؤكل في محلّه، إلا بإذن أربابه صريحاً أو بشاهد الحال، كما يتفق في رميه على العموم من غير وضعه على خوان وشبهه.

وبالجملة فالمرجع فيه إلى شاهد الحال، فإن دلّ على المنع من أخذه امتنع، ومن ذلك أن يوضع على وعاءٍ لصاحب الدعوة بين يدي الآكلين؛ فإن ذلك قرينة إرادة ضبطه وقصر الإذن على الأكل. وإن دلّ على إباحة الأخذ جاز.

وإن اشتبه الأمران فمقتضى العبارة المنع؛ لأنه جعل الجواز مشروطاً بالإذن ولو بشاهد الحال. وهو حسن؛ لأصالة المنع من التصرف في مال الغير، خرج منه ما إذا استفيد الإذن

فيبقى الباقي. وفي التذكرة جوز أخذه ما لم تعلم الكراهة(2)، وقد روي: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حضر في إملاك، فأُتي بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت، فقبضنا أيدينا، فقال: «ما لكم لاتأخذون؟» قالوا: لأنك نهيت عن النهب قال: «إنّما نهيتكم عن نهب العساكر، خذوا على اسم الله فجاذبنا وجاذبناه»(3)

[المسآلة]الرابعة

حيث يجوز أخذه بأحد الوجوه هل يملكه الآخذ بمجرد الأخذ؟ قيل: نعم(4) ؛ اعتباراً بالعادة الدالّة على إعراض المالك عنه فأشبه التقاط المباحات واختاره

في التذكرة(5).

ص: 40


1- في بعض النسخ: «الفقراء» بدل «القراء».
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 580 (الطبعة الحجرية).
3- تلخيص الحبير، ج 3، ص 200 - 201، ح 1578.
4- قاله الماتن راجع ص 39.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 581 (الطبعة الحجرية).

وقيل: لايملك بذلك، وإنّما يفيد مجرّد الإباحة(1) لأصالة بقاء ملك مالكه عليه إلى أن يحصل سبب يقتضي النقل، وما وقع إنّما يعلم منه إفادة الإباحة. وهذا هو الأقوى.

والفرق بينه وبين مباح الأصل واضح؛ لأنّ ذلك لا ملك لأحدٍ عليه، فإثبات اليد عليه مع نية التملك كافٍ في تملكه، بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن؛ فإنّ ذلك لا يخرج عن أصل الملك، وإثبات يد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعاً، فيتمسك بالاستصحاب إلى أن يعلم المزيل.

ويتفرع على ذلك جواز رجوع المالك فيه ما دامت عينه باقيةً في يد الآخذ، فلو أتلفه ولو بالأكل زال ملك المالك عنه ولو نقله الآخذ عن ملكه ببيع ونحوه فالأقوى زوال ملك المالك عنه. والكلام في أكل الحاضر منه الذي حكم بجوازه، في أنه هل يباح الأكل من غير

ف- أن يحكم بالملك، أم يملك؟ القولان(2) وعلى المختار لا يزول ملك المالك إلا بالازدراد. ومثله الطعام المقدّم للضيف، ويزيد الضيف عن هذا أنّه لا يجوز له التصرف بغير الأكل مطلقاً، إلا مع علمه بإذن المالك.

نعم، يرجع في نحو إطعام السائل والهرة وإطعام بعضهم بعضاً إلى قرائن الأحوال، وهي ممّا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأوقات وجنس الطعام.

وحيث لا نقول بملك الآخذ لشيء من ذلك يفيد أولويته بما يأخذه، فليس لغيره أخذه منه قهراً. ومثله ما لوبسط حجره لذلك فوقع فيه شيء منه ما دام ثابتاً فيه، فإن سقط منه قبل أخذه ففي سقوط حقه وجهان، كما لو وقع في شبكته شيء ثم أفلت. ولو لم يبسط حجره لذلك لم يملك ما يسقط فيه قطعاً، وهل يصير أولى به؟ وجهان يأتيان فيما يعشش في ملكه بغير إذنه، ويقع في شبكته بغير قصد.

ص: 41


1- قاله العلّامة في مختلف الشيعة،ج7، ص 109، المسألة 49 والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 21.
2- من القائلين بإباحة الأكل العلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 6؛ ومن القائلين بإباحة الأكل بعد أن يحكم بالملك ابن البراج في المهذب،ج2، ص 224؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 581 (الطبعة الحجرية).
الثاني: مکروهات الجماع

يكره الجماع في أوقات ثمانية ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، وعند الزوال، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وفي المحاق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفي أوّل ليلة من كلّ شهر إلا في شهر رمضان وفي ليلة النصف، وفي السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، وعند هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء. ولا بأس أن يجامع مرات من غير غسل يتخلّلها ويكون غسله أخيراً، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه، والنظر إلى فرج المرأة في حال الجماع وغيره. والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله.

قوله: «يكره الجماع في أوقاتٍ ثمانية إلى قوله - والكلام عند الجماع بغير ذكر الله». مستند الكراهة في هذه المواضع روايات كثيرة يجتمع من جملتها ذلك، ويدخل بعضها في بعض. روى الشيخ - في الصحيح - عن عمرو بن عثمان، عن أبي جعفر(علیه السلام) وقد سأله: أيكره الجماع في ساعة من الساعات؟ فقال: «نعم، يكره في الليلة التي ينكسف فيها القمر، واليوم الذي تنكسف فيه الشمس، وفيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفي الريح السوداء والصفراء والزلزلة. و لقد بات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند بعض نسائه فانكسف القمر في تلك الليلة، فلم يكن منه فيها شيء، فقالت له زوجته: يا رسولالله، بأبي أنت وأُمّي كلّ هذا اللبغض؟ فقال: ويحك هذا الحادث من السماء فكرهت أن أتلذذ فأدخل في شيء، وقد عيّر الله قوماً فقال عزّ وجلّ: ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ)(1) وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الساعات التي وصفت فيرزق من جماعه ولداً وقد سمع بهذا الحديث فيرى ما يحبّ»(2)

ص: 42


1- الطور (52): 44.
2- الفقيه،ج3، ص403،ح،4410؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 411. ح 1642.

وزاد الكليني: «وفي اليوم والليلة اللتين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء.

واليوم والليلة اللتين يكون فيهما الزلزلة(1) وعنه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علیاً(علیه السلام) قال: يا علي، لاتجامع أهلك في أوّل ليلة من الهلال ولا في ليلة النصف، ولا في آخر ليلة؛ فإنّه يتخوّف على ولده من فعل ذلك الخبل، فقال علي(علیه السلام): ولم ذاك يا رسول الله؟ فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إنّ الجنّ يكثرون غشيان نسائهم في أوّل ليلة من الهلال، وليلة النصف، وفي آخر ليلة، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره؟»(2).

وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: من أتى أهله في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد»(3).

وعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم(علیه السلام): الرجل يكون معه أهله في السفر ولا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال: «ما أُحبّ أن يفعل ذلك إلا أن يخاف على نفسه»(4) وعن أبي عبدالله(علیه السلام) وقد سُئل: أجامع وأنا عريان؟ فقال: «لا، ولا مستقبل القبلة، ولا مستديرها»(5).

وقال(علیه السلام): «لاتجامع في السفينة»(6)

ص: 43


1- الكافي،ج 5، ص 498 ، باب الأوقات التي يكره فيها الباه،ح1.
2- الكافي،ج 5، ص 499، باب الأوقات التي يكره فيها الباه،ح3 تهذيب الأحكام،ج7، ص 411 - 412،ح،1644.
3- الكافي، ج 5، ص 499، باب الأوقات التي يكره فيها الباه، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 402 - 403، ح 4409: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 411، ج 1643.
4- الكافي، ج 5، ص 495 باب كراهية الرهبانية وترك الباه، ح 3: تهذيب الأحكام،ج 7، ص 418 - 419،ح 1677.
5- الفقيه، ج 3، ص 404 ، ح 4413: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412، ح 1646.
6- الفقيه، ج 3، ص 404. ح 4414؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412، ح 1646.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى فإن فعل وخرج الولد مجنوناً فلا يلومن إلا نفسه»(1) ولا بأس بتكرّر الجماع من غير غسل؛ للأصل، ولما روي من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه ثم يغتسل أخيراً(2).

وكان عليّ يقول: «يستحب للرجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان؛ لقول الله عزّ وجلّ: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآبِكُمْ)(3) والرفث: المجامعة(4) وروى الكليني بإسناده إلى الصادق(علیه السلام) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونَفَسَهما ما أفلح أبداً، إن كان غلاماً كان زانياً، وإن كانت جاريةٌ كانت زانية»(5) وروى الشيخ عن سماعة قال: سألته عن الرجل ينظر إلى فرج المرأة وهو يجامعها؟ :فقال: «لا بأس إلا أنه يورث العمى»(6)

وعن عبد الله بن سنان قال، قال: أبو عبدالله:(علیه السلام): «اتقوا الكلام عند التقاء الختانين؛ فإنّه يورث الخرس»(7).

:تنبيهات:

الأوّل: المحاق - مثلث الميم - وهو ثلاث ليال من آخر الشهر زمان خفاء القمر

ص: 44


1- الفقيه،ج3، ص 404، ح 4415؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 412، ح 1646.
2- مسند أحمد،ج 4، ص 99 ، ح 12942؛ سنن ابن ماجة،ج1، ص 194،ح 588.
3- البقرة (2): 187.
4- الفقيه، ج 3، ص 473،ح 4656.
5- الكافي،ج 5، ص 500، باب كراهية أن يواقع الرجل أهله وفي البيت صبي،ح 2.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 414 ، ح 1656.
7- الكافي، ج 5، ص 498، باب النوادر، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 413 ، ح 1653.

فلايرى غدوةً ولا عشيّة؛ لأنه يطلع مع الشمس فتمحقه. قال أهل اللغة: لليالي الشهر عشرة أسماء: غُرَر، ثمّ نُفَل، ثمّ تُسع، ثمّ عُشَر ، ثمّ بيض، ثمّ دُرع، ثمّ ظُلَم، ثمّ حنادِس، ثم دادى، ثمّ مُحاق(1).

الثاني: إنّما تكون ليالي المحاق ثلاثاً على تقدير تمام الشهر، فلو نقص كان النقص من ليالي المحاق؛ لأنّ كلّ ثلاثة قبلها قد استوفت اسمها قبل أن يتبين النقص، ولأصالة ع-دم الكراهة، ولأن انمحاق الهلال حقيقة في الليلتين الأخيرتين والأخرى تابعة.

الثالث: الليلة الأخيرة يجتمع فيها كراهتان من جهة المحاق، وكونه آخر الشهر، فيتأكد الكراهة فيها زيادة على أختيها.

الرابع: الخبر السابق دلّ على كراهية الوطء في محاق الشهر أعم من كونه ليلة الدخول وغيره، كغيره من هذه المواضع، ولكن روى الكليني عن الكاظم(علیه السلام): «من تزوّج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد»(2) وهذه العبارة تقتضي كراهية العقد؛ لأنّ التزويج حقيقة فيه وحينئذ فيكره كلّ منهما استناداً إلى الحديثين وإن كان المصنّف وغيره قد اقتصروا على كراهة الوطء والشهيد (رحمه الله احتمل من حديث التزويج أن يريد به العقد والوطء معاً(3) وهو بعيد.

الخامس: مقتضى التعليل بسقط الولد أنّ الخطر في جماع يمكن أن يحصل به ولد أو في جماع الحامل، فلو كانت خالية من ذلك كاليائسة احتمل قوياً عدم الكراهة؛ إذ ليس في الباب غير ما ذكر من النصوص، وليس فيها الحكم بالكراهة مطلقاً - كما أطلقه الفقهاء -

ص: 45


1- م تعثر على هذه العبارة بطولها في موضع واحد من كتب اللغة، نعم، أوردها بعينها الشهيد في غاية المراد، ج 3،ص 19(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 26.
2- لم نعثر عليه في الكافي، ولا في غيره عن الكاظم : ولكن رواه الصدوق عن الصادق في عيون أخبار الرضاعلیه السلام،ج1 ، ص 260 ، الباب 28، ح 35؛ وعن الباقرعلیه السلام، في علل الشرائع،ج2، ص 229 - 230، الباب 289 ذيل الحديث 4.
3- غاية المراد،ج3، ص 20(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

فيختص بموضع الخطر، بل ليس فيه تصريح بالكراهة، إلا أنّ التعرّض لسقوط الولد لما كان مرجوحاً في نفسه حكموا بالكراهة لذلك. ومثله تعليل الجماع في آخر الشهر وأوله بخبل الولد، وتعليل نظر الفرج بعماه، وتعليل الكلام حال الجماع بخرسه، اللهم إلا أن يجعل ذلك بعض ما يترتب عليه، ويجعل الكراهة لما هو أعم من ذلك، لكنّ التعليل يأباه. وما ذكرناه من تفسير العمى في نظر الفرج بعمي الولد ذكره جماعة من الأصحاب(1)

ويحتمل قويّاً أن يريد به عمى الناظر؛ إذ ليس هناك ما يدلّ على إرادة الولد، ولا هو مختص بحالته. وهذا هو الذي رواه العامة في كتبهم(2) وفهموه(3) وعليه يحسن عموم الكراهة للأوقات. السادس: أطلق المصنّف الكراهة عند وجود من ينظر إليه، وهو شامل للمميز وغيره.

وقيل: يختص ذلك بالمميّز(4) وهو حسن.

وتعليل الخبر يقتضي أن الخطر على الولد السامع بأن يكون زانياً، وأنّ الضمير المستكن في «أفلح» يرجع إليه لا إلى المجامع، ووجه الكراهة حينئذ التعرّض لنقص الولد السامع. فلو كان كبيراً دخل في العموم(5) بل أولى، وإن لم يتناوله اسم الغلام والجارية.

السابع: النهي الوارد عن الكلام حالة الجماع في الوصية مقيد بالكثير(6) ومتعلّق بالرجل، وظاهره عدم الكراهة من المرأة، وفي القليل منه، ولا بأس بذلك. وأما الخبر الآخر

ص: 46


1- منهم ابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 454؛ والشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 22 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).
2- راجع تلخيص الحبير،ج 3، ص 149،ح 1489.
3- راجع المهذب، الشيرازي، ج 2، ص 45؛ والمجموع شرح المهذب، ج 16، ص 141.
4- لم نعثر على قائله.
5- راجع الكافي،ج 5، ص 500، باب كراهية أن يواقع الرجل أهله وفي البيت صبي،ح،2.
6- لم يرد في حديث الوصية الذي أورده الصدوق في الفقيه،ج 3، ص 552،ح4902: نعم، وجدناه في حديث المناهي الذي أورده الصدوق في الفقيه،ج4،ص 5، ضمن الحديث 4971.
الثالث: في اللواحق
اشارة

وهی ثلاثة:

الأوّل: يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها
اشارة

وإن لم يستأذنها. ويختصّ الجواز بوجهها وكفّيها. وله أن يكرّر النظر إليها، وأن ينظرها قائمةً وماشيةً. وروي جواز أن ينظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب.

فمتناول للجميع. ويمكن الجمع بينهما باشتداد الكراهة في الكثير، خصوصاً من جانب الرجل.

الثامن: المشهور كراهة النظر إلى فرج المرأة حالة الجماع من غير تحريم وقد تقدم في مقطوعة سماعة نفي البأس عنه(1) وعده ابن حمزة من المحرّمات(2) ولعله استند إلى ظاهر النهي الوارد عنه في وصية النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) لعليّ(علیه السلام): «ولاتنظر إلى فرج امرأتك وغضّ بصرك»(3)

صلى الله عليه وآله وسلم والنهي فيه متناول لحالة الجماع وغيرها.

وفي مقطوعة سماعة التقييد بحالته، وهو أولى. و مثلها رواية أبي حمزة عن أبي عبدالله(علیه السلام): أينظر الرجل في فرج امرأته وهو يجامعها؟ قال: «لا بأس»(4). ولعلّ الإطلاق في الخبر الآخر مقيّد بتلك الحالة؛ لأن السياق فيها، مع أن الاستناد في الأحكام إلى مثل هذه الروايات الواهية لايخلو من إشكال لو لا سهولة الخطب في الكراهة، وعلى هذه الوصيّة تفوح رائحة الوضع، وقد صرّح به بعض النقاد. قوله: «يجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها - إلى قوله - وجسدها من فوق الثياب». لا خلاف بين سائر العلماء في جواز النظر لمن أراد التزويج بامرأة، وقد رواه الخاصة(5) والعامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة(علیهم السلام) قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة: «انظر إلى

ص: 47


1- تقدّم تخريجها في ص 44، الهامش 6.
2- الوسيلة، ص 314.
3- الفقيه، ج 3، ص 552 ، ح 4902، وفيه: «ولا ينظرنّ أحد إلى فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع».
4- الكافي،ج 5 ص 497، باب نوادر ح5 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 413، ح 1651.
5- راجع الكافي،ج 5، ص 365، باب النظر لمن أراد التزويج،ح 1-5.

وجهها وكفّيها؛ فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما»(1) أي تجعل بينكما المردة والألفة، يقال: أدَمَ الله بينهما، على وزن فعل(2)

وربما قيل باستحبابه؛ نظراً إلى ظاهر الأمر الذي أقلّ مراتبه ذلك. ويمكن منع دلالته عليه؛ لجواز إرادة الإباحة؛ فإنّها بعض مستعملاته، حيث لا يراد به الوجوب، كقوله تعالى: «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا»(3)

وشرط الجواز مع إرادته إمكانه عادةً، بأن تكون محلّلة له في الحال، ويجوز أن تجيبه إليه، فلايجوز النظر إلى ذات البعل ولا إلى المعتدة ليتزوجها عند الخلو من المانع، ولا لمن يعلم عادةً عدم إجابتها. وينبغي أن يكون قبل الخطبة؛ إذ لو كان بعدها وتركها لشق ذلك عليها وأوحشها ولو لم يتيسر له النظر بنفسه بعث إليها امرأة تتأملها وتصفها له؛ للتأسي، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أُمّ سليم إلى امرأة وقال: «انظري إلى عرقوبها، وشمّي معاطفها»(4) إذا تقرر ذلك فالذي يجوز النظر إليه منها اتفاقاً هو الوجه والكفّان من مفصل الزند ظهراً

وبطناً؛ لأن المقصود يحصل بذلك فيبقى ما عداه على العموم.

والرواية التي أشار إليها المصنّف - المتضمنة جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها - رواها عبدالله بن الفضل مرسلاً عن الصادق(علیه السلام) قال قلت له أينظر الرجل إلى المرأة يريد

تزويجها، فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال: «لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً»(5)

ص: 48


1- سنن ابن ماجة،ج1، ص 599 - 560، ح 1865: الجامع الصحيح، ج 3، ص 397، ح 1087؛ السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 136، ح 13490 بتفاوت يسير في بعضها.
2- راجع الصحاح،ج3، ص 1859؛ والمصباح المنير، ص 9، «أدم».
3- المائدة (5) 2.
4- ورد نصه في تلخيص الحبير،ج3، ص 147،ح 1485؛ وبتفاوت يسير في مسند أحمد،ج 4، ص 110، ح 13011: والسنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص139،ح13501.
5- الكافي،ج 5، ص 365، باب النظر لمن أراد التزويج،ح 5.

وروى عبدالله بن سنان بطريق فيه مجاهيل قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يريد أن

يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال: «نعم، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»(1) وروى غياث بن إبراهيم عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(علیه السلام) في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها، قال: «لا بأس إنّما هو مستام»(2) وظاهر أنّ هذه الروايات من حيث السند لا تصلح حجة في جواز ما دل الدليل على تحريمه ؛ فلذلك نسب المصنف الحكم إلى الرواية ، فالاقتصار على موضع الاتفاق متعيّن.

والمراد بمحاسنها مواضع زينتها، وهي أوسع دائرةً من الوجه والكفين، وربما قيل باختصاصها بهما.

وقوله من فوق الثياب قيد للنظر إلى الجسد لا إلى غيره ؛ لعدم تقييد الروايات به وكما يجوز النظر للرجل فكذا للمرأة؛ لاشتراكهما في المقصود. واعلم أنه سيأتي جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفّيها في الجملة(3) فإذا وجب الاقتصار هنا على هذا القدر بقي الفرق بينهما وبين الأجنبية من وجوه:

أحدها: أن جوازه للأجنبية موضع خلاف، وهنا موضع وفاق.

والثاني: أنه في الأجنبية مشروط بعدم خوف الفتنة، وهنا لا يشترط؛ لأنه يريد التزويج.

اللهم إلا أن يخافها قبل وقوع العقد. وفي التذكرة : أطلق الجواز مع خوف الفتنة وبدونها، معللاً بأن الغرض إرادة النكاح، ومقتضاه أن ذلك ؛ مناف للفتنة(4)

والثالث: أنه في الأجنبية مقصور على أوّل نظرة، فلا يجوز التكرار، وهنا يجوز.

ص: 49


1- الفقيه،ج3، ص 412،ح 4442؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 435، ح 1734.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 435، ح 1735.
3- يأتي في ص 53.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية).

وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها، وإلى شعرها ومحاسنها.

والرابع: أنه فى الأجنبية مكروه، وهنا لا كراهة فيه إن لم يكن مستحباً. وأما نظرها من وراء الثياب قائمة وماشية فلا خصوصية له عن الأجنبية إلا من حيث الإباحة هنا والكراهة ثَمّ.

قوله: «وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها، وإلى شعرها ومحاسنها». لاريب في جواز النظر إلى الأمة التي يريد شراءها، وإنما الكلام في محله، وموضع الوفاق منه وجهها وكفاها ومحاسنها وشعرها وإن لم يأذن المولى صريحاً؛ لأنّ عرضها للبيع قرينة الإذن في ذلك.

وهل يجوز الزيادة على ذلك من باقي جسدها ما عدا العورة؟ قيل: نعم، قطع به في التذكرة ؛ لدعاء الحاجة إليه للتطلع إليها؛ لئلا يكون بها عيب فيحتاج إلى الاطلاع عليه(1)

وقيده في الدروس بتحليل المولى(2) ومعه يجوز إلى العورة أيضاً. وفي رواية أبي بصير سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: «لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه»(3) وظاهر الرواية جواز النظر إلى ما عدا العورة كما اختاره في التذكرة - وإن لم يأذن المولى مع احتمال أن يريد بقوله: «ما لاينبغي له النظر إليه» ما هو أعم من العورة.

ولم يتعرض المصنف لجواز اللمس، وفي الرواية تصريح بجوازه. وهو حسن مع توقف الغرض عليه وإلا فتركه أحسن إلا مع التحليل. والحكم هنا مختص بالمشتري، فلا يجوز للأمة النظر إليه زيادةً على ما يجوز للأجنبي، بخلاف الزوجة. والفرق أنّ في الشراء لا اختيار لها بخلاف التزويج.

ص: 50


1- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 573 (الطبعة الحجرية).
2- الدروس الشرعية،ج3، ص 203(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- الفقيه،ج4، ص20، ح 4979؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 75،ح321.

ويجوز النظر إلى أهل الذمة وشعورهنّ؛ لأنّهنّ بمنزلة الإماء، لكن لايجوز ذلك لتلذذ ولا لريبة.

قوله: «ويجوز النظر إلى أهل الذمة وشعورهن؛ لأنّهنّ بمنزلة الإماء» إلى آخره. إنما كنّ بمنزلة الإماء؛ لأنّ أهل الذمة فيء في الأصل للمسلمين، وإنما حرمهن التزام الرجال بشرائط الذمة، فتبعهم النساء، فكان تحريمهن عارضيّاً، والإماء كذلك، وإنّما حرّمهنّ ملك المسلمين لهنّ.

والمراد ب«الإماء» إماء الناس غير الناظر، أو إماؤه المحرّمات عليه بعارض كتزويجهن. وقد روي الجواز بطريق السكوني عن أبي عبدالل(علیه السلام)قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن»(1).

وفي حديث آخر عنه قال: لا بأس بالنظر إلى نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج؛ لأنهن إذا نهين لا ينتهين»(2)

وليس في الخبرين تعليل بما ذكره المصنف. نعم، روى أبو بصير عن أبي جعفر(علیه السلام): «أنّ أهل الكتاب مماليك للإمام(3) فتكون نساؤهم بمنزلة الإماء في الجملة.

ويفهم من تعليله أنه يرى جواز النظر إلى أمة الغير كذلك، وهو المشهور مقيّداً بكون النظر إلى وجهها وكفّيها وشعرها خاصة بالقيدين.

ومنع ابن إدريس من النظر إلى نساء أهل الذمة؛ لعموم: قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ

أَبْصَرِهِمْ»(4) واختاره العلّامة في المختلف(5) وإن وافق المشهور في باقي كتبه(6) وعلى القول بالجواز فهو مقيد بعدم التلذذ بالنظر، وعدم الريبة، وينبغي أن يكون المراد

ص: 51


1- الكافي،ج 5، ص 524، باب النظر إلى نساء أهل الذمة،ح1.
2- الكافي،ج 5، ص 524 ، باب النظر إلى نساء الأعراب...،ح 1؛ الفقيه،ج 3، ص 469 - 470، ح 4639.
3- الكافي،ج 5، ص 358، باب نكاح الذمة،ح 11 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 449،ح 1797.
4- السرائر،ج2، ص 610: والآية في سورة النور (24): 30.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 111، المسألة 51.
6- كإرشاد الأذهان،ج2، ص 5؛ وقواعد الأحكام،ج3، ص 6.

ويجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته، شيخاً كان أو شاباً، حسناً أو

قبيحاً ، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ. وكذا المرأة.

بها خوف الوقوع معها في محرّم، و هو المعبّر عنه بخوف الفتنة. وفي التذكرة : اشترط في الجواز أن لا يكون لتلذذ، ولا مع ريبة، ولاخوف افتتان(1) ويظهر من ذلك أن الريبة غير خوف الفتنة. وفي القواعد وغيرها اقتصر منهما على عدم الريبة(2) كما في الكتاب وهو أجود.

قوله: «ويجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته - إلى قوله - وكذا المرأة». جواز نظر كلّ واحد من الرجال والنساء إلى مثله موضع وفاق قولاً وفعلاً، بشرط أن لا يكون النظر بتلذذ، ولا يخاف معه فتنة بالوقوع في محرّم، وأن يكون النظر لغير العورة - وهي من الرجل ما يجب ستره في الصلاة - ولا فرق في ذلك بين الحسن والقبيح، للعموم(3) ولا بين الأمرد وغيره عندنا؛ وإلا لأمر الشارع الأمرد بالحجاب. نعم، لو خاف الفتنة بالنظر إليه أو تلذذ به فلا إشكال في التحريم كغيره.

وقد روي أنّ وفداً قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم غلام حسن الوجه، فأجلسه م-ن ورائه، وكان ذلك بمرأىّ من الحاضرين(4) ولم يأمره بالاحتجاب عن الناس فدل على أنّه لايحرم، وإجلاسه وراءه تنزّهاً منه(صلی الله علیه وآله وسلم) وتعفّفاً.

وإطلاق المصنّف جواز نظر المرأة إلى مثلها يشمل المسلمة والكافرة والتفريق. والمشهور أن الحكم كذلك على العموم، و لكن ذهب الشيخ في أحد قوليه إلى أن الدمية لا تنظر إلى المسلمة حتى الوجه والكفّين؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ إلى قوله - أَوْ نِسَآبِهِنَّ)(5) والذمّيّة ليست منهنّ، وعلى قوله ليس للمسلمة أن تدخل مع

ص: 52


1- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 574 (الطبعة الحجرية).
2- قواعد الأحكام،ج3، ص 6؛ إرشاد الأذهان،ج2، ص 5: تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 419، الرقم 4897.
3- النور (24): 30.
4- تلخيص الحبير، ج 3، ص 148 ، ح 1487.
5- التبيان،ج 7، ص 380؛ والآية في سورة النور (24): 31.

وللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطناً وظاهراً، وإلى المحارم ما عدا العورة. وكذا للمرأة.

ولاينظر إلى الأجنبية أصلاً إلا لضرورة، ويجوز أن ينظر إلى وجهها وكفّيها على كراهية مرّةً، ولايجوز معاودة النظر. وكذا الحكم في المرأة.

الذمّيّة إلى الحمام والأشهر الجواز، وأنّ المراد ب«نسائهن من في خدمتهن من الحرائر والإماء، فيشمل الكافرة، ولا فارق بين من في خدمتها منهنّ وغيرها.

قوله: «و للرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطناً وظاهراً إلى قوله - وكذا للمرأة». لاشبهة في جواز نظر كلّ من الزوجين إلى جسد الآخر مطلقاً؛ لأن له الاستمتاع به فالنظر أولى، والفرج من جملة ذلك، وقد تقدم الخلاف في النظر إليه حال الجماع وأن الأصح الجواز(1) والمملوكة في حكم الزوجة مع جواز نكاحها، فلو كانت مزوّجةً للغير أو مرتدة أو مجوسية - على قول - أو وثنيّةً أو مكاتبة أو مشتركة بينه وبين غيره كانت بمنزلة أمة الغير.

ولو كانت مرهونةٌ أو مؤجرة أو مستبرأةً أو معتدةً عن وطء شبهة جاز على الأقوى.

قوله: «ولاينظر إلى الأجنبية أصلاً إلا لضرورة - إلى قوله - وكذا الحكم في المرأة». تحريم نظر الرجل إلى الأجنبية فيما عدا الوجه والكفّين موضع و فاق بين المسلمين. ولا فرق فيه بين التلذذ وعدمه، ولا يين خوف الفتنة وعدمه. وأما الوجه والكفان فإن كان في نظرهما أحد الأمرين حرم أيضاً إجماعاً، وإلا ففى الجواز أقوال:

أحدها: الجواز مطلقاً على كراهية، اختاره الشيخ (رحمه الله)(2) لقوله تعالى: (وَلَايُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، وهو مفسّر بالوجه والكفين(3) ولأنّه ذلك مما تعم به البلوى،

ص: 53


1- تقدّم في ص 47.
2- المبسوط،ج3، ص 385.
3- كما فسره عطاء وضحاك. راجع التبيان، ج 7، ص 380؛ ومجمع البیان، ج 7، ص 138؛ والآية في سورة النور 24( 31).

ولإطباق الناس في كل عصر على خروج النساء على وجه يحصل منه بدو ذلك من غير نكير.

والثاني: التحريم مطلقاً، اختاره العلّامة في التذكرة، لعموم قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ )(1) الآية، ولاتفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن مسافرات، ولو حلّ النظر لنزلن منزلة الرجال، ولأنّ النظر إليهنّ مظنّة الفتنة، وهو محلّ الشهوة، واللائق بمحاسن الشرع حسم الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية، ولأن الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى في حجة الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه الفضل عنها، وقال: «رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان»(2)

وفي كلّ واحدٍ من هذه الأدلّة نظر؛ لأنّ النهي في الآية مختص بما عدا الوجه والكفّين؛ لقوله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا). ودعوى اتفاق المسلمين عليه معارض بمثله، ولو تمّ لم يلزم منه تحريم هذا المقدار؛ لجواز استناد منعهنّ إلى المروة والغيرة، بل هو الأظهر، أو على جهة الأفضلية؛ إذ لا شك فيها.

وحديث الخثعمية يدلّ على الجواز لا على التحريم؛ لأنه لم ينههما عن النظر أولاً، ولا صرفهما عنه، وإنما صرفه لما علّله من خوفه من وقوع الفتنة، ومع الخوف لا كلام في التحريم مع أنّ صرفه لوجهه أعم من كونه على وجه الوجوب، فلا يدلّ عليه، ويؤيده كونه ليس على وجه الوجوب عدم نهيه لهما عن ذلك باللفظ؛ فإنّ النهي عن المنكر واجب على الفور، ولم يحصل منه ذلك، وإنّما حصل منه فعل غير دال عليه، ولو سلّم فهو على بعض الوجوه، لا مطلقاً كما بيناه.

ص: 54


1- النور (24): 31.
2- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 573 (الطبعة الحجرية)؛ وراجع للرواية مسند أحمد،ج1، ص 122، ح 563، وص 253، ح 1351؛ والسنن الكبرى البيهقي،ج 4، ص 536 ، ح 8625؛ والحاوي الكبير، ج 9، ص 35.

والقول الثالث: جواز النظر إلى الوجه والكفين على كراهة مرّةً لا أزيد،

وهو الذي اختاره المصنّف والعلّامة في أكثر كتبه(1) ووجه الجواز ما تقدّم.

ووجه تحريم الزائد عن المرّة أنّ المعاودة ودوام النظر مظنّة الفتنة؛ لأنّ شأنه أن يحدث منه الميل القلبي، ويترتب عليه الفتنة، كما اتفق للفضل، دون الواحدة الناشئة غالباً لا عن داعية الشهوة والميل القلبي.

وهذا حسن إن تحقق من المعاودة أحد المحظورين، وإلا ففيه ما مرّ. وعليه: فينبغي أن يراد ب- «المرة» ما لا إطالة لها عرفاً، بحيث يتحقق الميل القلبي؛ فإن ذلك كمعاودة النظر. ولا فرق بين اتحاد المجلس وتعدّده. ومحل الخلاف في المرّة الواقعة عن قصد؛ ليترتب عليها الحكم الشرعي، أما ما يقع اتفاقاً بغير قصد فلا يتعلّق بها حكم اتفاقاً ولا ريب أن القول ا بالتحريم مطلقاً طريق السلامة. ونظر المرأة إلى الرجل كنظره إليها؛ لوجود المقتضي فيها، ولقوله تعالى: (وَقُل للْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَر هِنَّ)(2) فلا يجوز لها النظر إلا إلى وجهه وكفّيه. واعلم أنّ إطلاق المصنّف الأجنبية شامل للكبيرة والصغيرة، وكذا إطلاقه الحكم في المرأة يشمل النظر إلى الصغير والكبير.

ولابدّ من استثناء الصغيرة التي ليست مظنّة الشهوة من الحكم، وكذا العجوز المسنة البالغة حداً تنتفى الفتنة والتلذذ بنظرها غالباً على الأقوى؛ لقوله تعالى: ﴿وَالْقَوَعِدُ مِنَ

النِّسَاءِ الَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ)(3) الآية.

ومن استثناء الصغير غير المميز بالنسبة إلى المرأة، وهو الذي لم يبلغ مبلغاً بحيث يصلح لأنّ يحكي ما يرى؛ لقوله تعالى: «أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ»(4)

ص: 55


1- قواعد الأحكام،ج3، ص 6: تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 419، الرقم 4897.
2- النور (24): 31.
3- النور (24) 60.
4- النور (24) 31.

• ويجوز عند الضرورة، كما إذا أراد الشهادة عليها، ويقتصر الناظر منها على ما يضطرّ إلى الاطلاع عليه كالطبيب إذا احتاجت إليه للعلاج، ولو إلى العورة؛ دفعاً للضرر.

ولأنه حينئذ بمنزلة سائر الحيوانات.

وأما المميّز فإن كان فيه ثوران شهوة وتشوّق فهو كالبالغ في النظر فيجب على الوليّ منعه منه، وعلى الأجنبية التستر عنه، وإلا ففي جوازه قولان(1)، من إيذان استئذان من لم يبلغ الحلم في الأوقات الثلاثة - التي هي مظنّة التكشف والتبدل دون غيرها - بالجواز، ومن عموم قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)(2) فيدخل غيره في النهي عن إبداء الزينة له. وهذا أقوى والأمر بالاستئذان في تلك الأوقات لا يقتضي جواز النظر، كما لا يخفى هذا كله مع الاختيار، أما مع الضرورة فسيأتي.

قوله: «ويجوز عند الضرورة، كما إذا أراد الشهادة عليها - إلى قوله - دفعاً للضرر». قد عرفت أنّ موضع المنع من نظر كلّ من الرجل والمرأة إلى الآخر مشروط بعدم الحاجة إليه، أمّا معه فيجوز إجماعاً. وقد تقدّم من مواضع الحاجة النظر إلى من يريد نكاحها أو شراءها، ومنها إرادة الشهادة عليها تحمّلاً أو أداءً، وللمعاملة ليعرفها إذا احتاج إليها، وللفصد والحجامة وما شاكلهما من الطبيب ونحوه، حيث يحتاج إلى شيء منه. ويختص الجواز في الجميع بما تندفع به الحاجة، ففي مثل الشهادة يكفي نظر الوجه واستثناؤه حينئذ من المنع على تقدير القول به مطلقاً، أو مع افتقاره إلى التكرار، أو بغير كراهة، أو مع الحاجة إلى الزيادة عليه لو فرض.

ص: 56


1- من القائلين بالمنع العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 574 (الطبعة الحجرية)؛ وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 7؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 36.ومن القائلين بالجواز أبو عبد الله الزبيري على ما حكاه عنه الشيرازي في المهذب، ج 2، ص 45؛ وراجع أيضاً المجموع شرح المهذب، ج 16، ص 134.
2- النور (24) 31.

وفي مثل الطبيب لايختص بعضو معيّن، بل بمحلّ الحاجة ولو إلى العورة. وكما يجوز النظر يجوز اللمس هنا حيث يتوقف عليه.

ولو أمكن الطبيب استنابة امرأة أو محرم أو الزوج - في موضع العورة - في لمس المحلّ ووضع الدواء وجب تقديمه على مباشرة الطبيب.

والأقوى اشتراط عدم إمكان المماثل المساوي له فى المعرفة أو فيما تندفع به الحاجة. ولايشترط في جوازه خوف فساد المحل، ولاخوف شدة الضنى(1) بل المشقة بترك العلاج، أو بطوء البرء. وقال في التذكرة : وينبغي أن يكون ذلك بحضور محرم(2) وهو حسن.

وفي جواز النظر إلى فرج الزانيين لتحمّل الشهادة قولان: أحدهما: المنع اختاره في التذكرة(3) لأنه نظر إلى فرج محرّم فكان محرّماً ، وليست الشهادة على الزنى عذراً؛ لأنه مأمور بالستر، فعلى هذا إنما تكون الشهادة عليه مع الرؤية اتفاقاً لا قصداً، أو معه بعد التوبة إن جعلناه كبيرة.

والثاني: الجواز، واختاره في القواعد(4) لأنه وسيلة إلى إقامة حد من حدود الله تعالى، ولما في المنع من عموم الفساد واجتراء النفوس على هذا المحرّم، وانسداد باب ركن من أركان الشرع، ولم تسمع الشهادة بالزنى، لتوقف تحمّلها على الإقدام على النظر المحرّم، وإدامته لاستعلام الحال، بحيث يشاهد الميل في المكحلة. وإيقاف الشهادة على التوبة يحتاج إلى زمان يعلم منه العزم على عدم المعاودة فيعود المحذور السابق وهذا القول ليس بذلك البعيد.

وأمّا نظر الفرج للشهادة على الولادة، والثدي للشهادة على الرضاع، فإن أمكن إثباتهما بالنساء لم يجز للرجال، وإلا فالوجهان أجودهما الجواز؛ لدعاء الضرورة إليه، وكونه من

ص: 57


1- ضَنِي: ضَنى مرض مرضاً ملازماً حتى أشرف على الموت. المصباح المنير، ص 365، «ضنى».
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية)
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية)
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 6.
مسألتان:
[المسآلة]الأولى:

هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل: نعم،

وقيل: لا؛ وهو الأظهر ؛ لعموم المنع، وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء.

مهام الدين، وأتم الحاجات خصوصاً أمر الثدي. ويكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه يثبت به الفعل.

قوله: «هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة - إلى قوله - المراد به الإماء».

هنا مسألتان الأولى: في جواز نظر البالغ الخصيّ المملوك للمرأة إلى مالكته قولان:

أحدهما: الجواز، ذهب إليه العلامة في المختلف(1)؛ لقوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُنَّ) الشامل بعمومه للمملوك الفحل والخصي، فإن فرض خروج الفحل لشبهة دعوى الإجماع بقي العام حجّةٌ في الباقي، مع أن الشيخ ذكر في المبسوط ما يدلّ على ميله إلى جواز نظر المملوك مطلقاً وإن كان قد رجع عنه أخيراً، وهذه عبارته إذا ملكت المرأة فحلاً أو خصياً فهل يكون محرماً لها حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها ؟ قيل : فيه وجهان: أحدهما - وهو الظاهر - أنه يكون محرماً ؛ لقوله تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ إلى قوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُنَّ)(2)

والثاني - وهو الأشبه بالمذهب - أنه لايكون محرماً، وهو الذي يقوى في نفسي(3) وهذا الكلام يدلّ على تردّده وإن كان ميله أخيراً إلى التحريم.

والمقصود أنّ الحكم بتحريم نظر المملوك الفحل ليس بإجماعي، فيمكن الاستدلال عليه بعموم الآية، وقد روى الشيخ في المبسوط(4)، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى فاطمةَ بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ

ص: 58


1- مختلف الشيعة،ج 7، ص 110، المسألة 50.
2- النور (24) 31.
3- المبسوط، ج 3، ص 386 - 387.
4- المبسوط، ج 3، ص 386 - 387.

رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقى قال: «إنّه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك»(1) وروى الكليني أخباراً كثيرةً بطرق صحيحة عن الصادق(علیه السلام) أن المراد بقوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ)شامل للمملوك مطلقاً(2) وروى في الصحيح عن معاوية بن عمار قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): المملوك يرى شعر مولاته وساقها، قال: «لا بأس»(3) ويدل على جواز نظر الخصي أيضاً قوله تعالى: أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ)(4) والخصي إذا كان ممسوح الذكر مع الأنثيين لاتبقى له إربة فى النساء؛ لأن الإربة هي الحاجة إليهنّ، وهي منتفية عنه والاستدلال بملك اليمين أوضح.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن قناع النساء الحرائر من الخصيان فقال: «كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن ولا يتقنعن»(5)

الا ولايخلو من دلالة على جواز النظر وإن لم يكن صريحاً؛ لأن الظاهر من التقنع هنا ستر الوجه ،منهم مع احتماله إرادة غيره.

والثاني: المنع، وهو الذي اختاره المصنّف وقبله الشيخ في الخلاف(6) وبعده العلّامة في التذكرة(7) لعموم المنع المستفاد من قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ )(8) الآية، وقوله تعالى:(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَر هِنَّ)(9) وملك اليمين روى أصحابنا أنّ المراد به

ص: 59


1- سنن أبي داود،ج4، ص 62،ح 4106؛ وأيضاً راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 457 .531، المسألة 5331.
2- راجع الكافي، ج 5، ص 531، باب ما يحل للمملوك النظر إليه من مولاته،ح1 - 5؛ والآية في سورة النور (24): 31.
3- الكافي،ج 5، ص 531، باب ما يحلّ للمملوك النظر إليه من مولاته،ح3.
4- النور (24): 31.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 480، ح 1926؛ الاستبصار،ج3، ص 252،ح903؛ وأورده أيضاً الكليني في الكافي، ج 5، ص 532 باب الخصيان ح 3.
6- الخلاف،ج4،ص 249، المسألة 5.
7- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 574 (الطبعة الحجرية).
8- النور (24): 31.
9- النور (24): 31.

الإماء، ولأن محرميته ليست مؤبدة؛ ولهذا لو باعته خرج عن الدلالة، فكان كزوج الأخت، وإنما يفيد المحرمية من يحرم مؤبداً.

وقد روى الشيخ - أيضاً في الصحيح - عن أحمد بن إسحاق عن الكاظم(علیه السلام) قال، قلت له:

يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهنّ الوضوء فيرى شعورهن قال: «لا».(1) والشيخ حمل الخبر الأوّل على التقية من سلطان الوقت(2)؛ لأنه روى أيضاً في حديث

آخر أنّه(علیه السلام) لمّا سُئل عن ذلك فقال: «أمسك عن هذا)(3) ولم يجب. وهو ظاهر في التقية. والتحقيق في هذه المسألة أنّ الأخبار الواردة في الخصي بخصوصه من الجانبين غير دالّة على المطلوب؛ لأنّ الجواب هنا وقع ب«لا» النافية، ونفي الفعل المخصوص أعم من تحريمه، بل يجوز أن يكون لغرض آخر، كالكراهة والتنزه وغيرهما. وعدم التقنع غير صريح في كشف الوجه ليراهن وإن كان ظاهره ذلك.

والإمساك عن الجواب في الخبر الأخير يمكن كونه لعدم صلاحية الوقت له، ولايخلو من دلالة على التنزه والكراهة؛ إذ لو لم يكن فيه رخصة لكان الواجب الجواب به على وجه يرفع الإبهام. وكونه للتقيّة غير جيد؛ لأنها مسألة اجتهادية، والمخالفون مختلفون فيها، فمنهم من جوز له النظر وجعله محرماً(4) ومنهم من منعه مطلقاً(5) ومنهم من فصل فحرم نظره إلى أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته(6) وهذا في الحقيقة في حكم القول بالمنع مطلقاً؛ لأنّ الهرم البالغ هذا الحد يجوز النظر للفحل أيضاً؛ لدخوله في غير أُولي الإربة. وحينئذٍ

ص: 60


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 480، ح 1925؛ الاستبصار، ج 3، ص 252، ح 902؛ وأورده أيضاً الكليني في الكافي،ج 5، ص 532، باب الخصيان، ح 2: والصدوق في الفقيه، ج 3، ص 469، ح 4636.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 480، ذيل الحديث 1926؛ الاستبصار، ج 3، ص 252، ذيل الحديث 903.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 480 ، ح 1927؛ الاستبصار، ج 3، ص 252، ح 903.
4- قاله ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 462 - 463، المسألة 5340: وراجع جواهرالعقود،ج2،ص 11.
5- راجع المجموع شرح المهذب،ج 16، ص 140؛ وجواهر العقود،ج2، ص 11.
6- قاله ابن الصباغ انظر المجموع شرح المهذب،ج 16، ص 140.

فحمل مثل هذا على التقيّة غير واضح، ولا ينبغي التعلّق بها إلا في المسائل التي اتفق عليها من خالفهم، وإلا فلهم أسوة بمن وافق، فينبغي التفطّن لذلك في نظائر هذه المسألة، فإنّها كثيرة تراهم يحملون فيها الحكم على التقيّة مع اختلاف المخالفين فيها، ومثل هذا لا يجوز العدول عن مدلول اللفظ بمجرد الاحتمال البعيد.

وأما الاستدلال بعموم (لايُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(1) فاستدلال ببعض الجملة دون بعض، وهذا ليس بجيد؛ لأن الاستثناء أخرج المتنازع وأبعد منه الاستدلال ب(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ)(2) وأما حمل ملك اليمين على الإماء فهو في غاية البعد، أما أولاً فلدخولهن في (نسائهنّ) من قبل، فلا وجه لإعادته، وليس حكم الإماء من الأمور المهمة في هذا الباب حتى يعاد ذكر هنّ للتأكيد، بل أمر هنّ أضعف من ذلك. وأما ثانياً فلاشتراك الإماء والحرائر في الجواز فلا وجه لتخصيصهن أصلاً.

وأما الاستدلال بأنّ محرميته ليست دائمةً ففيه: أنا لم نستدل بالمحرمية بل بملك اليمين، فيتحقق حيث يتحقق، ويزول حيث يزول، ولا بعد في ذلك بعد وروده في القرآن العزيز(3)، ومن الجائز كونه رخصةً وتخفيفاً كما استثني من إظهار هن الزينة ما ظهر منها في الوجه والكفّين.

الثانية: في جواز نظر الخصي إلى غير مالكته، وفيه قولان أيضاً(4). ووجه الجواز والمنع قد ظهر ممّا قرّرناه في المسألة السابقة؛ فإنه وإن لم يدخل في ملك اليمين لكنّه داخل في غير أولي الإربة من الرجال، وقد قال ابن الجنيد في كتابه الأحمدي: وقد روي عن أبي عبدالله(علیه السلام) وأبي الحسن موسى(علیه السلام) كراهة رؤية الخصيان الحرّة من

النساء حرّاً كان أو مملوكاً(5)

ص: 61


1- النور (24): 31.
2- النور (24): 31.
3- النور (24): 31.
4- من القائلين بالمنع العلّامة في قواعد الأحكام،ج3،ص7؛ وتحرير الأحكام الشرعية،ج3،ص 420، الرقم،4901، ولم نعثر على قائله بالجواز.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 110، المسألة 50.
[المسآلة]الثانية:

الأعمى لايجوز له سماع صوت المرأة [الأجنبية] لأنّه عورة

ولا يجوز للمرأة النظر إليه؛ لأنه يساوي المبصر في تناول النهي.

وهذا يدلّ على حمله النفي السابق على الكراهة كما ذكرناه. وعمّم الحكم في غير المملوك؛ لأنّ «الخصيان» في الرواية جمع معرّف فيفيد العموم الشامل للحرّ والمملوك، والناظر لمولاته وغيرها. وزاد أنه مروي أيضاً عن الصادق(علیه السلام) والكليني (رحمه الله) ذكر حديث

محمد بن بزيع الصحيح: «إنّ الخصيان كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن(علیه السلام) «ولا يتقنعن».

وزاد فيه قلت فكانوا أحراراً؟ قال: «لا»، قلت: فالأحرار يتقنّع منهم؟ قال : «لا»(1). واعلم أن إطلاق الخصي يشمل من قطع خصيتاه وإن بقي ذكره، والأولى تخصيص محلّ الخلاف بمن قطع ذكره وخصيتاه، كما قطع به في التذكرة(2) أما الخصيّ الذي بقي ذكره والمجبوب الذي بقي أنثياه فإنّه كالفحل قوله: «الأعمى لايجوز له سماع صوت المرأة؛ لأنه عورة إلى قوله في تناول النهي». هنا مسألتان: إحداهما: أنه يحرم على الأعمى سماع صوت المرأة؛ لأن صوتها عورة وإطلاق الحكم يشمل ما إذا خاف الفتنة أو تلذذ وعدمه، ويفيد تحريم سماع صوتها للمبصر بطريق أولى، ولكنّه لم يذكره في حكم المبصر، واكتفى بالتنبيه عليه هنا ويشكل إطلاق الحكم فيهما ؛ لما في ذلك من الحرج والضرر المنفي(3) ولعدم دليل صالح عليه، وكون صوتها عورة لا يدلّ على التحريم مطلقاً.

وقيل : إن تحريم سماع صوتها مشروط بالتلذذ أو خوف الفتنة لا مطلقاً(4) وهو

ص: 62


1- الكافي، ج 5، ص 532، باب الخصيان، ح 3.
2- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 574 (الطبعة) الحجرية).
3- راجع لنفي الحرج سورة المائدة (5): 6؛ وسورة الحج (22): 78؛ ولنفي الضرر الكافي، ج 5، ص 280، باب الشفعة -، ح 4، وص 292 - 294، باب الضرار،ح2، 6 و 8؛ والفقيه،ج3، ص 76، ح 3371 ، وص 233، ح 3862 وتهذيب الأحكام،ج 7، ص 146 - 147، ح 651، وص 164 ، ح 727.
4- قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 43.

أجود، وبه قطع في التذكرة(1).

وينبغي لها أن تجيب المخاطب وقارع الباب بصوت غليظ ولا ترحم صوتها. وفي قوله تعالى خطاباً لنساء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ

مَرَضٌ )(2) تنبيه على الأمرين معاً.

وقد روى الصدوق أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) كان يسلّم على النساء، وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهنّ، وقال: «أتخوّف أن يعجبنى صوتها فيدخل على من الإثم أكثر مما أطلب من الأجر»(3) وفيه دليل على ما اخترناه.

واعلم أنّ القدر الذي يحرم استماعه منه يحرم عليها إسماعه الأجنبي من عموم وخصوص، كما يحرم عليها كشف ما يحرم نظره للأجنبي.

الثانية: أنّه لا يجوز للمرأة النظر إلى الأعمى كالمبصر؛ ووجهه عموم قوله تعالى: (وَقُل

لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ)(4) الشامل لرؤية الأعمى والمبصر).

وكان عليه أن يستثني منه ما استثنى من المبصر؛ فإنّه استثنى منه الوجه والكفين بقوله سابقاً « وكذا المرأة»، أي يحرم عليها النظر إلى الرجل عدا الوجه والكفّين مرّةً لا أزيد إلى آخره. وقد روي أنّ أمّ سلمة قالت: كنت أنا وميمونة(5) عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل ابن أم مكتوم ،

ص: 63


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية).
2- الأحزاب (33): 32.
3- الفقيه، ج 3، ص 496، ح 4637؛ وأورده الكليني في الكافي، ج 2، ص 648، باب التسليم على النساء، ح 1؛وج 5، ص 535 باب التسليم على النساء، ح 3.
4- النور (24) 31.
5- في حاشية «و»: «هكذا رواه جماعة من المحدثين منهم أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وأما الشيخ في المبسوط فيروي أن المرأتين: عائشة وحفصة، وفي التذكرة نقل كما ذكر منه رحمه الله)». راجع مسند أحمد. ج 7، ص 421، ح 25997: وسنن أبي داود، ج 4، ص 63 - 64، ح 4112؛ والجامع الصحيح، ج 5، ص 102. ح 2778؛ والمبسوط ، ج 3، ص 385؛ وتذكرة الفقهاء، ج 2، ص 573 (الطبعة الحجرية).
الثاني: في مسائل تتعلّق فى هذا الباب
اشارة

وهي خمس:

الأولى:الوطء في الدبر

الوط فی الدبر فيه روايتان إحداهما الجواز، وهي المشهورة بين الأصحاب، لكن على كراهية شديدة.

فقال: «احتجبا» عنه، فقلنا: إنّه أعمى، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «أفعميا وان أنتما ؟ ألستما تبصرانه؟»(1) قوله: «الوطء في الدبر فيه روايتان إحداهما الجواز إلى قوله - على كراهية شديدة».

اختلف العلماء في وطء المرأة في دبرها، فقال أكثر الأصحاب كالشيخين(2) والمرتضى(3) وجميع المتأخرين : إنّه جائز، لكنّه مكروه كراهةً شديدة، وهو مذهب مالك بن أنس من الفقهاء الأربعة على خلاف عنه(4).

ونقل جماعة من علماء الشافعية منهم الرافعي في الشرح الكبير عن ابن عبد الحكم تلميذ الشافعي أن الشافعي قال: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء، والقياس أنّه حلال(5) ونقل أنّ بعض الشافعية أقام ما رواه ابن عبد الحكم عن الشافعي قولاً له(6) وذهب جماعة من علمائنا منهم القمّيّون(7) وابن حمزة إلى أنه حرام(8) وهو اختيارأكثر العامة.

ص: 64


1- مسند أحمد،ج7، ص 421، ح 25997؛ سنن أبي داود،ج 4، ص 63 - 64،ح4112.
2- الشيخ المفيد في المسائل الطوسيّة، ص 12(ضمن مصنّفات الشيخ المفيد. ج (3) والشيخ الطوسي في الخلاف،ج4، ص 336، المسألة 117؛ والمبسوط، ج 3، ص 491.
3- الانتصار، ص 293. المسألة 166.
4- حكاه عنه ابن العربي في أحكام القرآن،ج 1، ص،222 - 223؛ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن،ج 3،ص 93، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).
5- الحاوي ال- الكبير، ج 9، ص 317؛ نهاية المطلب، ج 12، ص 392؛ العزيز شرح الوجيز، ج 8، ص 172 - 174.
6- نهاية المطلب، ج 12، ص 392؛ العزيز شرح الوجيز، ج 8، ص 174.
7- حكاه عن القميّين السيوري في التنقيح الرائع،ج 3، ص 23؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12،ص 497؛ وبمعناه أيضاً أورد الصدوق روايةً في الفقيه، ج 3، ص 468، ح 4632.
8- الوسيلة، ص 313.

وقد اختلفت الرواية فيه من طريق الخاصة، وأشهرها ما دلّ على الجواز. واختلفت أيضاً من طريق العامة وأشهرها عندهم ما دلّ على المنع.

وجملة ما دلّ على الحلّ تسعة أحاديث، ثمانية من رواية الخاصة(1)، وواحد من رواية العامة(2).

وجملة ما دلّ على المنع ثلاثة عشر حديثاً، ثلاثة من جهة الخاصة(3)، وعشرة من جهة العامة(4) وجميع الأخبار من الجانبين ليس فيها حديث صحيح؛ فلذا أضربنا عن ذكرها من الجانبين. نعم، ادعى بعض أصحابنا منهم العلّامة في المختلف والتذكرة أن في أحاديث الحِل واحداً صحيحاً(5) وهو ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور قال: سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، قال: «لا بأس به»(6).

وأضاف في التذكرة إليه رواية علي بن الحكم عن صفوان قال قلت للرضاء(علیه السلام): إنّ رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: «وما هي»؟ قلت: الرجل يأتي امرأته من دبرها، قال: نعم ذلك له»، قال، قلت: وأنت تفعل ذلك؟ قال: «لا ، إنا لا نفعل ذلك»(7) فادعى في التذكرة أنّ هذه الرواية صحيحة(8)أيضاً.

ص: 65


1- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 145 - 148، الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح.
2- راجع تلخيص الحبير، ج 3، ص 183 - 184؛ وجامع البيان، ج 2، ص 407، ح 4328 - 4330، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).
3- الكافي، ج 5، ص 540، باب محاش النساء، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 468،ح 4632؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 416،ح 1665 .
4- راجع تلخيص الحبير،ج3، ص 179 - 181،ح 1541 - 1542.
5- مختلف الشيعة،ج7، ص 111، المسألة 52 ؛ تذكرة الفقهاء،ج2، ص 577 (الطبعة الحجرية).
6- تهذيب الأحكام،ج 7، ص414،ح 1657: الاستبصار،ج3، ص 243،ح 871.
7- الكافي، ج 5، ص 540، باب محاش النساء،ح2 تهذيب الأحكام،ج7، ص 415،ح 1663؛ الاستبصار، ج 3، 243 - 244،ح 872.
8- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 577 (الطبعة الحجرية).

وأقول : فى صحة السند فيهما نظر؛ لأنّ معاوية بن حكيم وإن كان ثقةً جليلاً روى عن الرضا(علیه السلام) كما نقله النجاشي(1) إلا أن الكشي قال إنه فطحي(2) وابن داود ذكره في قسم الضعفاء(3) لذلك، والشيخ لم يتعرّض له بمدح ولا قدح(4) والحق أنّه لا منافاة بين القولين فإنّ الحكم بكونه ثقةً جليلاً يروي عن الرضا(علیه السلام) لاينافي كونه فطحيّاً؛ لأنّ الفطحيّة يزيدون في الأئمّة عبدالله بن جعفر الصادق(علیه السلام) ويجعلون الإمامة بعده لأخيه موسى، ثمّ للرضا(علیه السلام) ، ولا ينافي ذلك روايته عنه.

وأما كونه ثقةً جليلاً فظاهر مجامعته للفطحيّة؛ لأن كثيراً منهم بهذا الوصف سيما بني .فضال.

فعلى هذا ما انفرد به الكشي من الحكم بكونه فطحيّاً لا معارض له حتى يطلب الترجيح.

وأما الرواية الثانية فإنّ عليّ بن الحكم مشترك بين ثلاثة رجال:

أحدهم علي بن الحكم الكوفي وهو ثقة(5). والثاني عليّ بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير، ذكره الكشي(6) ولم يذكر له مدحاً ولا ذمّاً.

وتبعه على ذلك جماعة(7)

والثالث علي بن الحكم بن الزبير ،النخعي، ذكره الشيخ في كتاب الرجال(8) ولم يتعرّض له

بمدح ولا ذم أيضاً. والرجل المذكور في الرواية يحتمل كونه كلّ واحد من هؤلاء، فلاتكون الرواية

ص: 66


1- رجال النجاشي، ص 412، الرقم 1098.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 563 . ح 1062.
3- رجال ابن داود، ص 517، الرقم 494؛ وأورده أيضاً في القسم الأول، ص 349، الرقم 1554.
4- رجال الطوسي، ص 378 ، الرقم 5606: الفهرست الشيخ الطوسي، ص 462، الرقم 736.
5- راجع الفهرست الشيخ الطوسي، ص 263، الرقم 376.
6- اختيار معرفة الرجال، ص 570. ح 1079.
7- كابن داود في كتاب الرجال، ص 243، الرقم 1026؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال، ص 184، الرقم 544.
8- رجال الطوسي، ص 361 ، الرقم 5344 .

صحيحةً، خصوصاً الأوّلين؛ فإن طبقتهما واحدة، وروايتهما كثيرة، ومجرّد الظنّ بأنّه الأوّل من حيث إن أحمد بن محمد يروي عنه كثيراً - غير كافٍ في الحكم به.

فهذا ما يتعلّق بحجيّة الأخبار في القولين على وجه الإجمال. وبقي للفريقين أيضاً الاستدلال بالآية، وهي قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(1) فقال المجوّزون في وجه الاستدلال بها : إنّ كلمة «أنّى» للتعميم في المكان بمعنى «أين» وهي تستدعي تعدد الأمكنة، يقال: اجلس أين شئت وأنى شئت»، وحيث كان كذلك كانت الآية دليلاً على جواز الإتيان في الدبر؛ إذ لايتحقق تعدد المكان إلا بذلك(2) ويؤيد هذا ما روى العامة عن ابن عباس أن سبب نزول هذه الآية أن عمر جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: یا رسول الله هلكت، وحكى وقوع هذا الفعل منه، فأنزل الله تعالى هذه الآية(3).

وحجة المانع من الآية أن الله تعالى جعلهن حرثاً، والحرث إنّما يؤتى للزرع(4) . ووجه التشبيه أنّهنّ يشبهن الأرض من حيث إنّ النطفة التي تلقى في أرحامهن للنسل، كالبذر الملقى في الأرض، فيكون معنى فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ: فأتوهنّ كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم بعد أن يكون المأتي واحداً، وهو موضع الحرث. ووجه التخيير في الجهة - أي إتيان المرأة من قبلها في قبلها، أو من دبرها في قبلها - ما روي في سبب النزول أن اليهود قالوا من أتى امرأة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «كذبت اليهود، ونزلت الآية(5)

ص: 67


1- البقرة (2) 223.
2- راجع التفسير الكبير، ج 1، ص 78، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).
3- مسند أحمد،ج 1، ص 488، ح 2698: الجامع الصحيح،ج 5، ص 216،ح2980؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 321.ح 14125.
4- راجع غرائب القرآن ورغائب الفرقان،ج1، ص 616؛ والكشاف،ج 1، ص 266، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).
5- صحيح مسلم،ج2، ص 1058.ح 117 و 1435/118؛ السنن الكبرى البيهقي،ج7، ص 315، ح 14102؛الدرّ المنثور،ج 1، ص 629، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).

ويؤيد ذلك أيضاً قوله: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)(1) فإنّ المراد به القبل؛ لأنّ الدبر لا يؤمر به إجماعاً، وإنّما غايته الكراهة، والأمر يقتضي الرجحان.

أقول: وفي الاحتجاج من الجانبين بحث، أما الأول؛ فلأن كلمة «أنى» وإن وردت بمعنى «أين المفيدة هنا لعموم المكان، لكنها ترد بمعنى «كيف»، كما في قوله تعالى: (أَنَّى يَكُونُ لى غُلَمٌ)(2) ومع هذا فتكون مشتركة بين المعنيين، فلا تدلّ على المطلوب؛ لأنّ عموم الكيفية لا يوجب تعدد الأمكنة، بل تعدّد الهيئات الشاملة لإتيانهن من قبل ودبر في القبل، كما ورد في سبب النزول(3) والمشترك لا يحمل على أحد معنييه بدون قرينة، والقرينة هنا إما منتفية عن هذا المعنى أو موجودة في الجانب الآخر بقرينة «الحرث» المقتضي للزرع، وبقرينة قوله: (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ)(4)، فقد قيل: إن المراد منه طلب الولد(5) وبقرينة ما قبله في الآية الأخرى وهو قوله: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(6) : فإن هذه الآية وقعت بعدها كالمبينة لها.

وأما رواية ابن عبّاس في سبب النزول ففيها: أنها معارضة بما روي من سببه ردّاً على اليهود، وكلاهما مروي من طرق العامة، ويزيد الثانية أنها مروية من طرق الخاصة أيضاً، روى الشيخ في الصحيح عن معمر بن خلاد قال، قال أبو الحسن : «أيّ شيءٍ يقولون في إتيان النساء في أعجازهنّ؟» فقلت: إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأساً، فقال: «إنّ اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول

ص: 68


1- البقرة (2): 222.
2- آل عمران (3): 40.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 415،ح 1660، وص 460،ح 1841؛ الاستبصار،ج3، ص 244 - 245، ح 877.
4- البقرة (2): 223.
5- حكاه الطبرسي في مجمع البيان،ج 1، ص 321؛ وراجع الدر المنثور، ج 1، ص 640؛ والجامع لأحكام القرآن القرطبي،ج 3، ص 96، ذيل الآية 223 من سورة البقرة (2).
6- البقرة (2) 222.

فأنزل الله عزّ وجلّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) من خلف أو قدام خلافاً لقول اليهود، ولم يعن في أدبارهن»(1)

وهذا الحديث يؤيد ما ذكرناه من عدم دلالة «أنّى» على المحلّ، بل يرجح إرادة غيره. وإنما لم نذكره - مع صحته - من أدلة التحريم؛ لأنه إنما نفى دلالة الآية على الحِلّ ولم ينف

- أصل الحِلّ، فيجوز إثباته بأمر آخر إن اتفق، وحينئذ فلا يصلح دليلاً للأمرين إلا من جهة دلالة الآية؛ فإنّه ينفي دلالتها على الحِلّ.

وأما الكلام في حجّة المانع من حيث الآية فيمنع من كون الحرث إنما يؤتى للزرع، بل يجوز إتيانه لغيره، كما هو الواقع، خصوصاً مع وجود اللفظ الدال على التعميم على مدعى الخصم. والأمر بالإتيان من حيث أمر الله ليس فيه ما يقتضي حصره فيه، وإنما خصه بموضع الأمر في الذكر لما تقدّم من المنع منه زمن الحيض، فرفع ذلك المنع بعد الطهر بقوله:(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(2)

والآية الثانية(3) التي هي موضع النزاع فيها تعميم زائد على السابقة، إن لم يكن بالنصوصية على ما ادعاه المجوّز وإلا فبالاحتمال من حيث التعبير باللفظ المشترك المفيد للعموم في أحد معنييه ، خصوصاً عند من أوجب حمل المشترك على جميع معانيه كالشافعي(4)؛ والمرتضى(5) فإنّه يفيد تسويغ الإتيان في جميع الأمكنة والكيفيات.

وبهذا ، فسّرها بعض العلماء كالطبرسي، فقال: المعنى: أين شئتم وكيف شئتم(6) فجمع بينهما لذلك.

ص: 69


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 415،ح 1660؛ الاستبصار،ج 3، ص 244 - 245،ح 877.
2- البقرة (2): 222.
3- البقرة (2) 223.
4- التمهيد الإسنوي، ص 176 - 177.
5- الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 1، ص 17 - 18.
6- مجمع البيان،ج 1،ص320، ذيل الآية 223) من سورة البقرة (2).
الثانية:العزل عن الحرّة

العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن، قيل: هو محرم، ويجب معه دية النطفة عشرة دنانير، وقيل: هو مكروه وإن وجبت الدية وهو أشبه.

ولما كان حمل المشترك على معنييه أو معانيه ليس مرضيّاً عند المحققين بقي الاشتباه في دلالة الآية على الطرفين. وكذلك قد عرفت حال الرواية، فيحتاج كلّ منهما في مطلوبه إلى دليل خارجي.

قوله: «العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن - إلى قوله - وهو أشبه». المراد بالعزل أن يجامع فإذا جاء وقت إنزال الماء أخرج فأنزل خارج الفرج.

وقد اختلفوا في جوازه وتحريمه، فذهب الأكثر ومنهم المصنّف إلى جوازه على كراهية، وتمسكوا في أصل الإباحة بأصالة الجواز وبصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عن العزل، قال: «ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء»(1)، وبأن حقها في الوطء دون الإنزال ؛ ولهذا تنقطع المطالبة به في الغيبة(2) وإن لم ينزل.

وفي الكراهة بصحيحة محمد بن مسلم أيضاً عن أحدهما(علیهماالسلام) أنه سئل عن العزل، فقال: «أما الأمة فلا بأس، وأما الحرّة فإنّي أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها»(3) وقال في حديث آخر: «إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها»(4) وذهب الشيخان(5) وجماعة(6) إلى التحريم؛ لما روي عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه نهى أن يعزل عن

ص: 70


1- الكافي،ج 5 ، ص 504 باب العزل،ح: الفقيه،ج 3، ص 432،ح 4497؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 417،ح 1669.
2- هكذا في بعض النسخ وإحدى الحجريتين، وجامع المقاصد، ج 12، ص 503 ، وفي بعض النسخ: «العنّة»، وفي سائر النسخ: «الفئة» بدل «الغيبة»، ولعل الصحيح ما أثبتناه.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 417 - 418، ح 1671 - 1672.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 417 - 418، ح 1671 - 1672.
5- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 516؛ والشيخ الطوسي في الخلاف، ج 4، ص 359، المسألة 143.
6- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 314 والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل.ج (13)؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع،ج3،ص24.

الحرّة إلا بإذنها(1) وعنه(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال في العزل: «إنّه الوأد الخفيّ»(2) والمراد ب-«الوأد قتل الولد. ولأن حكمة النكاح الاستيلاد، ولا يحصل غالباً مع العزل، فيكون منافياً لغرض الشارع.

والجواب أنّ طريق الخبرين عامي وأخبارنا لاتدلّ على أزيد من الكراهة.

ومنافاته لغرض الشارع ممنوعة؛ فإنّ غرضه غير منحصر في الاستيلاد. وقد ظهر من الخبر المعتبر في الحكم أنّ الحكم مختص بالزوجة الحرّة مع عدم الشرط. وزاد بعضهم كونها منكوحة بالعقد الدائم وكون الجماع في الفرج(3) وروى الصدوق والشيخ بإسناد ضعيف عن يعقوب الجعفي قال: سمعت أبا الحسن يقول: «لا بأس بالعزل في ستة وجوه المرأة التي أيقنت أنها لا تلد، والمسنّة، والمرأة السليطة، والب-ذية، والمرأة التي لا ترضع ولدها، والأمة»(4).

ويظهر من الأخبار أنّ النهي كراهة وتحريماً لحكمة الاستيلاد، وأن الحق فيه للمرأة؛ ولهذا جاز مع الشرط فيزول النهى بالإذن وإن لم يشترط وموضع النزاع إذا وقع النزع بقصده، فلو نزع لا بهذا القصد فاتفق الإنزال انتفت الكراهة والتحريم. إذا تقرر ذلك، فلو عزل بدون الشرط والإذن لم يجب عليه للمرأة شيء؛ لأصالة البراءة، خصوصاً على القول بالكراهة؛ لأنه فعل سائغ فلا يتعقبه ضمان ، ولقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء».

وذهب جماعة منهم الشيخ والعلّامة والشهيد إلى وجوب دية النطفة عشرة دنانير

ص: 71


1- مسند أحمد،ج1،ص53، ح 212؛ سنن ابن ماجة،ج 1، ص 620،ح 1928.
2- مسند أحمد،ج 7،ص504،ح 26496؛ سنن ابن ماجة،ج1، ص 648،ح 2011.
3- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 125.
4- الفقيه،ج3،ص443.ح4542: تهذيب الأحكام،ج7،ص491.ح1972.
الثالثة:لايجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر.

للمرأة وإن قلنا بالكراهة(1)

والمستند ما روي صحيحاً عن عليّ(علیه السلام) من وجوبها على من أفزع مجامعاً فعزل(2).

له استدلال بغير موضع النزاع، والملازمة بينهما ممنوعة، والفارق موجود خصوصاً

وهو على القول بالجواز.

ومنهم من حمل الدية هنا على الاستحباب(3).

وهو ضعيف أيضاً، لخروجه عن المتنازع رأساً. ويظهر من المصنّف هنا القول بوجوب الدية مع القول بالكراهة، كقول الأوّلين،

وفي مختصره جعل الحكم بوجوبها مترتباً على التحريم(4) ، وهو أنسب بالقياس

قوله: «لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر».

هذا الحكم موضع ،وفاق وبه حديث ضعيف السند أنّ صفوان بن يحيى سأل الرضا(علیه السلام) عن رجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها، ليس يريد الإضرار بها، يكون لهم مصيبة، يكون في ذلك آثماً؟ قال: «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك إلا أن يكون بإذنها»(5) وروى العامة أنّ عمر سأل نساء أهل المدينة - لما أخر أزواجهن إلى الجهاد وسمع امرأة تنشد أبياتاً من جملتها:

فوالله لولا الله لا شيء غيره لزلزل من هذا السرير جوانبه

ص: 72


1- الخلاف، ج 4، ص 359 المسألة 143؛ النهاية، ص 779 قواعد الأحكام، ج 3، ص 50 اللمعة الدمشقية ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- الكافي،ج 7، ص 342 - 343، باب دية الجنين، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 77، ح 5153؛ تهذيب الأحكام، ج 10. ص 296، ح 1148.
3- كالعلامة في مختلف الشيعة، ج 9، ص 428، المسألة 96؛ وابن فهد في المقتصر، ص 227.
4- المختصر النافع، ص 274.
5- الفقيه، ج 3، ص 405 ، ح 4418: تهذيب الأحكام،ج7، ص 419. ح 1678، ص 412، ح 1647.
الرابعة:الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعاً محرم

الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعاً محرم، ولو دخل لم تحرم، لكنّ لو أفضاها حرمت ولم تخرج من حباله.

عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع ؟ فقيل له: أربعة أشهر، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر(1) والمعتبر من الوطء الواجب ما أوجب الغسل وإن لم ينزل في المحل المعهود فلايكفى الدبر.

وهل يختص بالدائم، أو يعم؟ وجهان، أجودهما الأول؛ وقوفاً على موضع اليقين واقتصاراً على من يثبت لها حقوق الزوجية.

قوله: «الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعاً محرّم، ولو دخل لم تحرم» إلى آخره. لا خلاف في تحريم وطء الأنثى قبل أن تبلغ تسعاً، ولا في تحريمها مؤبداً مع إفضائها حينئذ، وإنما الخلاف في تحريمها بمجرّد الوطء من غير إفضاء، فقد ذهب الشيخ إلى التحريم(2) استناداً إلى روايات(3) تدل بإطلاقها عليه، وهي - مع ضعف سندها - محمولة على الإفضاء، وقوفاً على موضع الوفاق، وتمسكاً بصحة العقد.

وقد استندوا في التحريم إلى رواية زرارة عن الباقر(علیه السلام) قال: «لا تدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»(4) وفي خبر آخر أنّ الصادق(علیه السلام) قال لمولى له: «انطلق، فقل للقاضي: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): حدّ المرأة أن يدخل بها على زوجها بنت تسع سنين»(5).

ص: 73


1- المصنف عبدالرزاق، ج 7، ص 151،ح 12593؛ السنن الكبرى البيهقي،ج 9، ص 51، ح 17850.
2- النهاية، ص 453 و 481.
3- منها ما ورد في الكافي، ج 5، ص 429، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،ح 12؛ وتهذيب الأحكام،ج 7، ص 311 - 312، ح 1292.
4- الكافي، ج 5، ص 398 باب الحد الذي يدخل بالمرأة فيه، ح 3 الفقيه، ج 3، ص 412 - 413، ح 4443: تهذيب الأحكام،ج 7،ص410،ح 1637، وص 451،ح180.6
5- الكافي،ج 5، ص 398 - 399، باب الحد الذي يدخل بالمرأة فيه،ح 4 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 391 - 392،ح 1567، وص 451،ح 1807.
الخامسة:يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً.

والمراد ب«الإفضاء» تصيير مسلك البول والحيض واحداً؛ بإذهاب الحاجز بينهما. وقيل: تصيير مسلك الغائط والحيض واحداً(1) وهو بعيد لبعد ما بين المسلكين، وقوّة الحاجز بينهما، فلا يكاد يتفق زواله بالجماع، ولو فرض كان إفضاء أيضاً. وحيث تحرم عليه مؤبداً بالإفضاء لاتخرج من حباله، بل تبقى على الزوجية، ولامنافاة بينه وبين التحريم. واقتصر المصنف من أحكام الإفضاء على ما ذكر، وبقية أحكامها تذكر في الديات(2).

قوله: «يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً».

أي يدخل إليهم من السفر ليلاً، بل ينبغي أن ينام خارج داره ثمّ يدخل نهاراً. ولا فرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك قبل الليل وعدمه؛ للعموم. وقيل: يختص الكراهة بعدم الإعلام(3) والمستند قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلاً حتى يصبح»(4).

والمراد بالأهل من في داره أعم من الزوجة وإطلاق الخبر يشمل جميع الليل مع احتمال اختصاصه بما بعد،مبيتهم، عملاً بظاهر «الطرق».

ويؤيّده رواية جابر قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: «أمهلوا حتى ندخل ليلاً، أي عشيّاً، لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة»(5).

ص: 74


1- قاله يحيى بن سعيد على ما حكاه عنه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام، ج 7، ص193؛ والنجفي في جواهر الكلام. ج 29، ص 419.
2- يأتي في ج 12، ص 586، السادس عشر:دية الشفرين وإفضاء المرأة.
3- قاله يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 453.
4- الكافي،ج 5، ص 499،باب الأوقات التي يكره فيها الباه،ح 4:تهذيب الأحكام ، ج 7، ص 412.ح 1645 .
5- مسند أحمد،ج4، ص 235، ح 13836؛ سنن الدارمي،ج2،ص 146، باب في تزويج الأبكار؛ سنن أبي داود،ج 3، ص 90 ، ح 2778 باختلاف يسير
الثالثُ: في خصائص النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)
اشارة

وهي خمس عشرة خصلة منها ما هو في النكاح، وهو تجاوز الأربع بالعقد و ربما كان الوجه الوثوق بعدله بينهنّ دون غيره.

قوله: «في خصائص النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وهي خمس عشرة خصلة منها ما هو في النكاح». قد جرت عادة الفقهاء بذكر خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم عن غيره في كتاب النكاح؛ لأنّ خصائصه(صلی الله علیه وآله وسلم) فيه أكثر وأشهر، فأتبعوها الباقي للمناسبة. وقد ذكر منها المصنّف خمسة عشر شيئاً، ستة في النكاح وتسعة في غيره. فالأوّل من القسم الأوّل: الزيادة على أربع نسوة في النكاح الدائم؛ فإنه(صلی الله علیه وآله وسلم) مات عن تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأُم سلمة المخزومية، وأُم حبيبة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث الهلالية وجويرية بنت الحارث الخزاعيّة، وسودة بنت زمعة وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وزينب بنت جحش. وجميع من تزوج بهنّ خمس عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ودخل بثلاث عشرة، وفارق امرأتين في حياته، إحداهما الكلبية التي رأى بكشحها(1) بياضاً، فقال: «ألحقي بأهلك»(2)، والأخرى التي تعوذت منه بخديعة الأوليين حسداً لها(3) ؛

وقال أبو عبيدة: تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثماني عشرة، واتخذ من الإماء ثلاثاً(4)؛ وعلّل جواز تجاوزه الأربع بامتناع الجور عليه؛ لعصمته وهو منتقض بالإمام عند

ص: 75


1- الكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو من لدن السرّة إلى المتن. لسان العرب،ج2، ص 571،«كشح».
2- المستدرك على الصحيحين،ج 5، ص 46،ح 6892 - 6893: مشكل الآثار،ج 1،ص 267؛ الطبقات الكبرى ابن سعد، ج 8، ص 141.
3- الكافي، ج 5، ص 421، باب آخر وفيه ذكر أزواج النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)،ح3: المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 48، ح 6897: الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج 8، ص 144 - 146 .
4- المستدرك على الصحيحين،ج 5، ص 4. ح،6769: البداية والنهاية،ج 5، ص 312 - 313.

والعقد بلفظ الهبة، ثمّ لايلزمه بها مهر ابتداءً ولا انتهاء.

مشترط ،عصمته وبظاهر قوله تعالى: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَجَكَ)(1) الآية.

وهل كان له الزيادة على تسع ؟ قيل: لا؛(2) لأن الأصل استواء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأُمة في الحكم. إلا أنه ثبت جواز الزيادة إلى تسع بفعله. والأولى الجواز مطلقاً لما ذكر من العلة، وما ثبت من أنه جمع بين إحدى عشرة.

الثاني: العقد بلفظ الهبة(3)؛ لقوله تعالى: (وَامْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ)(4). ثم لايلزمه بها مهر ابتداءً ولا بالدخول، كما هو قضيّة الهبة.

وكما يجوز وقوع الإيجاب منها بلفظ الهبة كما هو مقتضى الآية - يجوز وقوع القبول منه كذلك؛ لأنّ موردهما يعتبر أن يكون واحداً، ليتطابقا. وقال بعض العامة: يشترط لفظ النكاح من جهته(صلی الله علیه وآله وسلم)(5) : الظاهر قوله تعالى: (أَنْ يَسْتَنْكِحَها)(6). ولا دلالة فيه؛ لأن نكاحها بلفظ الهبة متحقّق.

ص: 76


1- الأحزاب (33): 50.
2- قاله الشافعي. راجع المجموع شرح المهذب،ج16،ص144؛ وروضة الطالبين،ج 353.
3- في حاشية «و»: «روى الكليني بإسناد حسن إلى محمد بن قيس عن أبي جعفر قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فدخلت عليه وهو في منزل حفصة، والمرأة متلبسة متمشطة، فدخلت على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، إن المرأة لا تخطب الزوج، وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني، فقال لها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) خيراً ودعا لها، ثم قال: يا أُخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خيراً) فقد نصرني رجالكم، ورغبت في نساؤكم. فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك للرجال ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كفّي عنها يا حفصة فإنها خير منك، رغبت في رسول الله فلمتها وعيبتها، ثم قال للمرأة: انصر في (رحمك الله) فقد أوجب الله لك الجنّة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسيأتيك أمري إن شاء الله تعالى. فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿وَامْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال : فأحلّ الله عزّ وجلّ هبة المرأة نفسها لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ولايحلّ ذلك لغيره.(منه قدس سرّه)». الكافي، ج 5، ص 568، باب نوادر، ح 53 والآية 50 في سورة الأحزاب (33).
4- الأحزاب (33) : 50.
5- راجع الخصائص الكبرى السيوطي،ج 2، ص 430؛ وإخلاص الناوي،ج3، ص 12 - 13.
6- الأحزاب (33) 50.

ووجوب التخيير لنسائه بين إرادته ومفارقته. وتحريم نكاح الإماء بالعقد.

الثالث: وجوب تخييره لنسائه بين إرادته ومفارقته؛ لقوله تعالى: ﴿ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوَةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً) إلى قوله: (أَجْرًا عَظِيمًا)(1)

والأصل فيه ما روي عنهن من التعلق بما آثره من الفقر والصبر عليه، وطلب زينة الحياة الدنيا منه مع كراهته لذلك، فغضب عليهن وآلى منهن شهراً، فمكث معتزلاً عنهنّ في غرفة، فنزلت هذه الآية:(يَتأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ) الآية، فخيّرهنّ مبتدئاً بعائشة، فاخترن الله ورسوله(2).

وهذا التخيير عند العامة - القائلين بوقوع الطلاق بالكناية كناية عن الطلاق، وقال بعضهم(3): إنه صريح فيه. وعندنا ليس له حكم بنفسه، بل ظاهر الآية أن من اختارت الحياة الدنيا وزينتها يطلقها؛ لقوله تعالى: (إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوَةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً)(4).

الرابع: تحريم نكاح الإماء عليه بالعقد . وعلّل بأن نكاحها مشروط بالخوف من العنت، وهو(صلی الله علیه وآله وسلم) معصوم، وبفقدان طول الحرّة ، ونكاحه(صلی الله علیه وآله وسلم) مستغن عن المهر ابتداء وانتهاء ، وبأن من نكح أمةٌ كان ولده منها رقيقاً عند جماعة(5) ومنصبه(صلی الله علیه وآله وسلم) منزّه عن ذلك، وبأن كون الزوجة مملوكة للغير محكوماً عليها لغير الزوج مرذول، فلا يليق ذلك بمنصبه(صلی الله علیه وآله وسلم) . وفي كلّ واحدة من هذه العلل نظر؛ لأنّ الأولى منقوضة بالإمام، والثانية بإمكان فقدان الطول بالنسبة إلى النفقة وإن انتفى المهر عنه، وبالمنع من كون ولد الأمة رقيقاً مطلقاً؛ لأنه عندنا يتبع أشرف الطرفين، ونمنع رذالة التزويج بأمة الغير مطلقاً.

ص: 77


1- الأحزاب (33): 28 و 29.
2- تفسير القمي،ج2، ص 167: مجمع البيان،ج4،ص353، ذيل الآية 28 و 29 من سورة الأحزاب (33).
3- كالماوردي في الحاوي الكبير،ج 9، ص 12.
4- الأحزاب (33): 28.
5- راجع الخصائص الكبرى السيوطي،ج2،ص414؛ وروضة الطالبين،ج 5، ص 351.

والاستبدال بنسائه، والزيادة عليهن، حتى نسخ ذلك بقوله تعالى:(إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَجَكَ) الآية.

وجوّز بعض العامة نكاحه الأمة المسلمة بالعقد كما يحلّ بالملك(1) ؛ لضعف المانع، ولكنّ الأكثر على المنع وأمّا وطء الإماء بملك اليمين فكان سائغاً له، مسلمةً كانت أم كتابية؛ لقوله :تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ)(2) (وَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)(3) وملك(صلی الله علیه وآله وسلم) مارية القبطية وكانت مسلمةً، وملك صفيّة وهي مشركة فكانت عنده إلى أن أسلمت فأعتقها وتزوجها.

الخامس والسادس: تحريم الاستبدال بنسائه اللواتي كن عنده وقت نزول هذه الآية: (ولايَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَجِ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)(4) الآية. وكذا يكره الزيادة عليهن للآية.

قيل: كان ذلك مكافأةً لهنّ على حسن صنيعهنّ معه حيث أمر بتخيير هنّ ف-ي ف-راق-ه والإقامة معه على الضيق الدنيوي، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستمر ذلك إلى أن نسخ بقوله تعالى في الآية السابقة عليها: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَجَكَ )(5) الآية؛ ليكون المنّة له(صلی الله علیه وآله وسلم) بترك التزويج عليهن(6). وقال بعض العامة: إن التحريم لم ينسخ(7) وفي أخبارنا عكس ذلك، وأن التحريم المذكور لم يقع، ولا هذه الخصوصية له حصلت في وقت أبداً، فروى الحلبي في الصحيح عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث طويل في آخره، قلت: قوله تعالى: (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ)(8)

ص: 78


1- راجع الخصائص الكبرى السيوطي،ج2، ص 414 وروضة الطالبين،ج 5، ص 351.
2- النساء (4): 3.
3- الأحزاب (33): 50.
4- الأحزاب (33): 52.
5- الأحزاب (33) 50.
6- من القائلين به العلّامة في تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 566 (الطبعة الحجرية)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 54 - 55 و 57.
7- راجع الحاوي الكبير،ج 9، ص 13؛ والخصائص الكبرى السيوطي،ج 2، ص 403.
8- الأحزاب (33) 50.

ومنها ما هو خارج عن النكاح، وهو وجوب السواك، والوتر، والأضحية وقيام الليل، وتحريم الصدقة الواجبة، وفى المندوبة في حقه(صلی الله علیه وآله وسلم)خلاف، وخائنة الأعين، وهو الغمز بها، وأبيح له الوصال في الصوم، وخص بأنّه تنام عينه ولا ينام قلبه، ويبصر وراءه كما يبصر أمامه.

قال: «إنما عنى به النساء اللاتي حرّ من عليه في هذه الآية: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَتُكُمْ)(1) إلى آخر الآية، ولو كان الأمر كما يقولون كان قد حلّ لكم ما لم يحل له، إن أحدكم يستبدل كلّما أراد، ولكن ليس الأمر كما يقولون، إن الله عزّ وجلّ أحل لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) ما أراد من النساء، إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في النساء»(2). ومثله روي عن الباقر(علیه السلام)(3). قوله: «ومنها ما هو خارج عن النكاح، وهو وجوب السواك والوتر والأضحية، وقيام الليل، وتحريم الصدقة - إلى قوله كما يبصر أمامه».

هذا هو القسم الثاني من خواصه(صلی الله علیه وآله وسلم) في غير النكاح، وهو كثير ، ذكر المصنّف منه تسعة أشياء:

الأوّل: وجوب السواك.

الثاني: وجوب الوتر.

الثالث: وجوب الأضحية(4) روي عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم: السواك، والوتر والأضحيّة» وفي حديث آخر: كتب على الوتر ولم يكتب عليكم، وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم، وكتب عليّ الأضحية ولم تكتب عليكم(5) . وبعض العامة منع من وجوب الثلاثة عليه(6)، مع ورود هذه الروايات من جانبهم، وكنا أولى بذلك منه.

ص: 79


1- النساء .(4): 23.
2- الكافي،ج 5، ص 387 - 388، باب ما أحل للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)من النساء، ح 1.
3- الكافي،ج 5، ص 387 - 388، باب ما أحل للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) من النّساء، ح 1. 3. الكافي، ج 5، ص 389 باب ما أحل للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) من النّساء، ح 4؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 450 - 451،ح 1804.
4- تلخيص الحبير،ج 3، ص 119،ذيل الحديث 1437؛ وبتفاوت في السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 62، ح 13272.
5- لم نعثر عليه بلفظه، نعم ورد بمضمونه في الحاوي الكبير،ج 9، ص 28.
6- راجع العزيز شرح الوجيز، ج 7، ص 431 - 432؛ وروضة الطالبين، ج 5 ، ص 346.

الرابع: قيام الليل والتهجد فيه؛ لقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةٌ لَكَ)(1)، أي زيادةً على الفرائض. وقال بعض الشافعية: إنّ ذلك نسخ عنه(2) وقال آخرون إنّه كان واجباً عليه وعلى أُمِّته ثمّ نُسخ(3).

واعلم أنّ بين قيام الليل وبين الوتر الواجبين عليه مغايرة العموم والخصوص المطلق؛ لأن قيام الليل بالتهجد يحصل بالوتر وبغيره، فلا يلزم من وجوبه وجوبه، وأما الوتر فلمّا كان من العبادات الواقعة بالليل فهو من جملة التهجد بل أفضله، فقد يقال: إن إيجابه يغني عن إيجاب قيام الليل.

وجوابه: أنّ قيام الليل وإن تحقق بالوتر لكن مفهومه مغاير لمفهومه؛ لأن الواجب من القيام لما كان يتأدى به وبغيره، وبالكثير منه والقليل كان كلّ فرد يأتى به منه موصوفاً بالوجوب؛ لأنّه أحد أفراد الواجب الكلى، وهذا القدر لايتأدى بإيجاب الوتر خاصةً ولايفيد فائدته، فلابدّ من الجمع بينهما.

الخامس: تحريم الصدقة الواجبة عليه(صلی الله علیه وآله وسلم) وهي الزكاة المفروضة. قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «إنا أهل بيت لاتحلّ لنا الصدقة»(4)؛ لما فيه من الصيانة لمنصبه الشريف عن أوساخ الناس التي تعطى على سبيل الترحم، وتنبئ عن ذلّ الآخذ، وأبدل بها الفيء الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة. المنبئ عن ذلّ المأخوذ منه وعن الآخذ ومشاركة أولي القربي له في تحريمها لا يقدح في الاختصاص به؛ لأنّ تحريمها عليهم بسببه(صلی الله علیه وآله وسلم) فالخاصية عائدة إليه. مع أنّها لا تحرم عليهم مطلقاً بل من غير الهاشمي مع وفاء نصيبهم من الخمس بكفايتهم، وأما عليه(صلی الله علیه وآله وسلم) فإنّها تحرم مطلقاً؛ ولعلّ هذا أولى من الجواب السابق؛ لأنّ ذلك مبني على مساواتهم له في

ص: 80


1- الإسراء (17) 79.
2- روضة الطالبين، ج 5، ص 347.
3- روضة الطالبين، ج 5، ص 347.
4- عيون أخبار الرضا،ج 2، ص 32 - 33،ح 32؛ صحيفة الإمام الرضا(علیه السلام) ص93، ح 26.

ذلك كما تراه العامة، فاشتركوا في ذلك الجواب، والجواب الثاني مختص بقاعدتنا.

وفي تحريم الصدقة المندوبة في حقه(صلی الله علیه وآله وسلم)خلاف والتحريم أقوى. وقد تقدّم الكلام عليه في باب الصدقة(1).

السادس: تحريم خائنة الأعين عليه، وهو الغمز بها، بمعنى الإيماء بها إلى مباح من ضرب أو قتل على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين»(2) ؛ وإنّما قيل له ذلك؛ لأنّه يشبه الخيانة من حيث إنّه يخفى، ولا يحرم ذلك على غيره إلا فى محظور. والأشهر أنّ ذلك مختص بغير حالة الحرب، فقد روى أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد سفراً ورى بغيره(3) وبعضهم طرد الحكم فيه(4). والتورية اللفظيّة غير خائنة الأعين.

السابع: أبيح له الوصال المحرّم على غيره. وقد مر تحقيقه في الصوم(5)، وأنه يتحقق بأمرين: أحدهما: الجمع بين الليل والنهار في الإمساك عن تروك الصوم بالنية. الثاني: تأخير عشائه إلى سحوره بالنية كذلك، بحيث يكون صائماً مجموع ذلك الوقت. والوصال بمعنييه محرم على أُمته ومباح له؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم - لما نهى عن الوصال، وقيل له: إنك - تواصل: «إني لست كأحدكم إني أظلّ عند ربّي يطعمني ويسقيني»(6).

وفي رواية: «إنّي أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني»(7). ومعناه: يقوتني ويغذيني بوحيه، ويغنيه به عن الأكل والشرب، لا أنّه يطعمه ويسقيه حقيقةً، وإلا لم يكن مواصلاً.

ص: 81


1- تقدم في ج 1، ص 444 في أوصاف المستحق.
2- تلخيص الحبير،ج3، ص130، ح 1453: السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 63 - 64، ح 13277.
3- تلخيص الحبير،ج3، ص131،ح 1454.
4- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 350.
5- مرّ في ج 1، ص 580 في الصوم المحرّم.
6- الفقيه، ج 2، ص 172 ، ح 2048.
7- مسند أحمد،ج2،ص 513، ح 7495: وج 4، ص 135 - 136، ح 1317؛ وج 7، ص 367، ح 25679.

وذكر أشياء غير ذلك من خصائصه(صلی الله علیه وآله وسلم) وهذه أظهرها.

واعلم أنه في التذكرة فسّر الوصال هنا بتفسير غريب، فقال: ومعناه : أن يطوي الليل بلا أكل ولا شرب مع صيام النهار، لا أن يكون صائماً : لأن الصيام في الليل لاينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطراً إجماعاً . هذا كلامه(1) وليس بجيّد؛ لأنّ الأكل في الليل ليس بواجب، وقد صرّح به هو في المنتهى، فقال: لو

أمسك عن الطعام يومين لا بنية الصيام بل بنية الإفطار فالأقوى فيه عدم التحريم(2) وعلى ما ذكره هنا لا فرق بينه(صلی الله علیه وآله وسلم) وبين غيره، بل المراد منه الصوم فيهما معاً بالنيّة، فإنّ هذا حكم مختص به محرّم على غيره، ولم تزل الأولياء والأبدال يمسكون عن الطعام والشراب الأيام الكثيرة لمصالح تعود على رياضتهم، وتكميل نفوسهم من غير أن يجعلوه صوماً ووصالاً محرماً.

الثامن: أنّه تنام عينه ولا ينام قلبه قال(صلی الله علیه وآله وسلم): تنام عيناي ولا ينام قلبي»(3)، بمعنى بقاء التحفّظ والإحساس.

وعلى هذا فلا ينتقض وضوؤه بالنوم، فيحصل باعتباره خاصةً له(صلی الله علیه وآله وسلم) وقد عدّت أيضاً في خواصه.

التاسع: أنه(صلی الله علیه وآله وسلم) كان يبصر وراءه كما يبصر أمامه، بمعنى التحفظ والإحساس في الحالتين كما تقدّم.

قوله: «وذكر أشياء غير ذلك من خصائصه(صلی الله علیه وآله وسلم) وهذه أظهرها». قد ذكر العلماء له(صلی الله علیه وآله وسلم) خصائص كثيرةً غير ما ذكره المصنف، حتى أفردها بعضهم بالتصنيف في كتاب ضخم والعلّامة في التذكرة ذكر منها ما يزيد على سبعين(4).

فمنها: أنه كان إذا رغب في نكاح امرأة فإن كانت خليّةً وجبت عليها الإجابة، وحرم

ص: 82


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 567 (الطبعة الحجرية).
2- منتهى المطلب، ج 9، ص 403.
3- سنن أبي داود،ج1، ص 52، ح 202؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج1،ص 195، ذيل الحديث 598.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 568 (الطبعة الحجرية).
مسألتان:
اشارة

ويلحق بهذا الباب[باب خصائص النبیّ(صلی الله علیه وآله وسلم)] مسألتان:

[المسألة]الأولى:

تحرم زوجاته(صلی الله علیه وآله وسلم) على غيره، فإذا مات عن مدخول بها لم تحلّ إجماعاً. وكذا القول لو لم يدخل بها على الظاهر.

أمّا لو فارقها بفسخ أو طلاق ففيه خلاف، والوجه أنّها لا تحلّ عملاً بالظاهر.

وليس تحريمهن لتسميتهنَّ أُمهات ولا لتسميته(صلی الله علیه وآله وسلم) والداً.

على غيره خطبتها. وإن كانت ذات زوج وجب عليه طلاقها لينكحها، كقضية زيد.

ومنها: وجوب إنكار المنكر إذا رآه وإظهاره، ومشاورة أصحابه في الأمر. وتحريم الخطّ والشعر عليه، واختلف في أنّه كان يحسنهما أم لا، وأنه كان إذا لبس لأمة الحرب يحرم عليه نزعها حتى يلقى عدوه ويقاتل، وأن يمد عينيه إلى ما متع الله به الناس وأبيح له دخول مكة بغير إحرام خلافاً لأمته، وأن يأخذ الطعام والشراب من المالك وإن اضطر إليهما. وتفضيل زوجاته على غيرهن بأن جعل ثوابهن وعقابهن على الضعف، وجعلهنّ أُمّهات المؤمنين، وحرّم أن يسألهنّ غير هن شيئاً إلا من وراء حجاب. وبأنه(صلی الله علیه وآله وسلم) خاتم النبيين، وأُمته خير الأمم، ونسخ شريعته جميع الشرائع، وجعلها مؤيّدةً، وبعثه إلى الكافة، وجعل كتابه معجزاً، ومعجزه باقياً محفوظاً أبداً، مصوناً عن التبديل والتغيير، ونصر بالرعب على مسيرة شهر، وشفّعه في أهل الكبائر من أُمته على العموم، وجعله أوّل شافع ومشفّع، وسيد ولد آدم إلى يوم القيامة، وأوّل من تنشق عنه الأرض، وأوّل من يقرع باب الجنة، وأكثر الأنبياء تبعاً، وجعل تطوّعه قاعداً كتطوعه قائماً من غير عذر، ويحرم على غيره رفع صوته عليه، ومناداته من وراء الحجرات، ومخاطبة المصلّي بقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» إلى غير ذلك من الخصائص.

قوله: «تحرم زوجاته(صلی الله علیه وآله وسلم) على غيره، فإذا مات عن مدخول بها لم تحل إجماعاً - إلى قوله - ولا لتسميته(صلی الله علیه وآله وسلم) والدا». من جملة خواصه(صلی الله علیه وآله وسلم) تحريم أزواجه من بعده على غيره؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن

ص: 83

تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)(1)، وهي متناولة بعمومها لمن مات عنها من أزواجه، سواء كان مدخولاً بها أم لا لصدق الزوجية عليها، ولم يمت له عن زوجة في عصمته إلا مدخولاً بها، ونقل المصنّف الإجماع على تحريم المدخول بها، والخلاف في

غيرها ليس بجيد؛ لعدم الخلاف أوّلاً، وعدم الفرض الثاني ثانياً .

وإنما الخلاف فيمن فارقها في حياته بفسخ أو طلاق، كالتي وجد بكشحها بياضاً، والمستعيذة؛ فإنّ فيه أوجهاً، أصحها عندنا تحريمها مطلقاً؛ لصدق نسبة زوجيتها إليه بعد الفراق في الجملة، فتدخل في عموم الآية.

والثاني: أنها لا تحرم مطلقاً؛ لأنه يصدق في حياته أن يقال: ليست زوجته الآن، ولإعراضه له عنها، و انقطاع اعتنائه بها .

والثالث: إن كانت مدخولاً بها حرمت وإلا فلا ؛ لما روي أن الأشعث بن القيس نكح المستعيذة في زمن عمر، فهم برجمها فأخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فارقها قبل أن يمسها فخلاها(2). ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

وروى الكليني في الحسن عن عمر بن أُذينة في حديث طويل: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فارق المستعيذة وامرأةً أُخرى من كندة قالت - لما مات ولده إبراهيم: لو كان نبيّاً ما مات ابنه، فتزوجتا بعدها بإذن الأولين، وأن أبا جعفر(علیه السلام) قال: «ما نهى الله عزّ وجلّ عن شيء إلا وقد عصي فيه، لقد نكحوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعده»، وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال أبو جعفر(علیه السلام): لو سألتم عن رجل تزوج امرأةٌ فطلقها قبل أن يدخل بها أتحلّ لابنه ؟ لقالوا: لا فرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أعظم حرمة من آبائهم(3).

ص: 84


1- الأحزاب (33): 53.
2- أنوار التنزيل،ج3، ص 391، ذيل الآية 53 من سورة الأحزاب (33)؛ الخصائص الكبرى السيوطي،ج 2.
3- الكافي، ج 5، ص 421، باب آخر منه وفيه ذكر أزواج النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) ح 3.
[المسألة]الثانية:

من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمة بين أزواجه؛ لقوله تعالى: (تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُشْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ)، وهو ضعيف؛ لأنّ في الآية احتمالاً يدفع دلالتها؛ إذ يحتمل أن تكون المشيئة في الإرجاء متعلّقة بالواهبات.

وفي رواية أخرى عن زرارة، عنه(صلی الله علیه وآله وسلم) نحوه، وقال في حديثه: «ولا هم يستحلون أن يتزوجوا أُمهاتهم، وإن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحرمة مثل أمهاتهم إن كانوا مؤمنين»(1). إذا تقرّر ذلك فنقول: تحريم أزواجه لما ذكرناه من النهي المؤكد عنه في القرآن، لا له لتسميتهنَّ أُمهات المؤمنين في قوله تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(2)، ولا لتسميته صلى الله عليه وآله وسلم والداً؛ لأنّ ذلك وقع على وجه المجاز لا الحقيقة، كناية عن تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن، ومن ثَمّ لم يجز النظر إليهنّ، ولا الخلوة بهنّ، ولا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين؛ لأنّهنّ لا يحر من على المؤمنين، فقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بعلي(علیه السلام) وأختيها رقية وأم كلثوم بعثمان. وكذا لا يقال لآبائهنّ وأمهاتهن أجداد المؤمنين وجداتهم، ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم.

وللشافعية وجه ضعيف في إطلاق ذلك كله(3)، وهو في غاية البعد. قوله: «من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمة - إلى قوله - بالواهبات». اختلف الفقهاء في أنّ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) هل تجب عليه القسمة بين نسائه، بمعنى أنه إذا بات عند واحدة منهنّ ليلةً وجب أن يبيت عند الباقيات كذلك، أم لا يجب؟ فقال بعضهم: لا يجب عليه ذلك(4)؛ لقوله تعالى: (تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ)(5).

ص: 85


1- الكافي، ج 5، ص 421، باب آخر منه وفيه ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ح 4.
2- الأحزاب (33):6.
3- راجع روضة الطالبين،ج 5، ص 356؛ والحاوي الكبير،ج 9، ص 21.
4- راجع روضة الطالبين،ج 5، ص 354؛ والحاوي الكبير، ج 9، ص 25.
5- الأحزاب (33): 51.

ومعنى «تُرجي»: تؤخّر(1)، وتترك إيواءه إليك ومضاجعته، بقرينة قسيمه وهو قوله تعالى: وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ)، أي تضمه إليك وتضاجعه ثم لا يتعيّن ذلك عليك، بل لك بعد الإرجاء أن تبتغى ممّن عزلت ما شئت وتؤويه إليك.

وهذا ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه ، حتى روي أنه بعد نزول هذه الآية ترك القسمة لجماعة من نسائه، وآوى إليه جماعة منهنّ معيّنات(2).

وقال آخرون: بل تجب عليه القسمة كغيره(3)؛ لعموم الأدلة الدالة عليها، ولأنه لم يزل يقسم بين نسائه حتى كان يطاف به - وهو مريض - عليهن، ويقول: «هذا قسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك»(4)،يعنى قلبه(صلی الله علیه وآله وسلم).

والمصنّف (رحمه الله) استضعف الاستدلال بالآية على عدم وجوب القسمة بأنه كما يحتمل أن تكون المشيّة في الإرجاء والإيواء متعلّقة بجميع نسائه، يحتمل أن تكون متعلّقةً بالواهبات أنفسهن خاصةً ، فلا يكون دليلاً على التخيير مطلقاً.

وحينئذ فيكون ذلك اختيار قول ثالث، وهو وجوب القسمة لمن تزوّجهنّ بالعقد، وعدمها لمن وهبت نفسها.

وفي هذا التقرير عندي نظر؛ لأنّ ضمير الجمع المؤنث في قوله: ﴿ تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُنْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ) واللفظ العام في قوله: ﴿ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ ) لا يصح عوده للواهبات؛ لأنه لم يتقدم ذكر الهبة إلا لامرأة واحدة، وهى قوله: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِي إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا)، فوحد ضمير الواهبة في مواضع من الآية، ثم عقبه بقوله تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ )، فلا يحسن عوده إلى الواهبات؛ إذ لم يسبق لهنّ ذكر على وجه الجمع، بل إلى جميع الأزواج المذكورات في هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿يَتأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا

ص: 86


1- الصحاح، ج 1، ص 52، «رجا».
2- الكشاف،ج 3، ص 552 ذيل الآية 51 من سورة الأحزاب (33).
3- راجع كفاية الأخيار، ج 2، ص 47 والخصائص الكبرى، السيوطي، ج 2، ص 430.
4- سنن ابن ماجة،ج1، ص 634،ح 1971؛ السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 487،ح 14744 و 14745.

أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَجَكَ الَّتِي اتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِكَ وَبَنَاتِ عَمَّتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَلَتِكَ الَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَأَمْرَأَةٌ مُّؤْمِنَةٌ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ)(1) الآية، ثمّ عقبها بقوله تعالى: (تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ) الآية، وهذا ظاهر في عود ضمير النسوة المخيّر فيهنّ إلى من سبق من أزواجه جمع. وأيضاً فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوج بالهبة إلا امرأةً واحدةً على ما ذكره المفسرون(2) والمحدثون(3) وهو المناسب لسياق الآية، فكيف يجعل ضمير الجمع عائداً إلى الواهبات وليس له منهنّ إلا واحدةً؟! ثم لو تنزّلنا وسلّمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد الاحتمال مع وجود اللفظ العام الشامل لجميعهن. وأيضاً فإنّ غاية الهبة أن تزويجه يصح بلفظ الهبة من جانب المرأة أو من الطرفين على ما مر من الخلاف، وذلك لا يخرج الواهبة عن أن تكون زوجةً، فيلحقها ما يلحق غيرها

ص: 87


1- الأحزاب (33): 50.
2- التبيان،ج 8، ص 319؛ جامع البیان،ج 12، ص 26 - 27،ذيل الآية 50 من سورة الأحزاب (33).
3- السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 88، ح 13353: الدر المنثور،ج 6، ص 622، ذيل الآية 50 من سورة الأحزاب (33). وفي حاشية «و»: «روى الكليني - في الحسن - بإسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت عليه وهو في منزل حفصة، والمرأة متلبسة متمشطة، فدخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت: يا رسول الله، إن المرأة لاتخطب الزوج، وأنا امرأة أيّم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبتُ نفسي لك إن قبلتني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خيراً، ودعا لها، ثمّ قال: يا أُخت الأنصار (جزاكم الله عن رسول الله خيراً) فقد نصرني رجالكم، ورغبت في نساؤكم. فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك للرجال؟ فقال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): كفّي عنها يا حفصة، فإنها خير منك، رغبت في رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فلمتها وعيبتها، ثمّ قال للمرأة انصر في ( رحمك الله) فقد أوجب الله لك الجنّة لرغبتك في، وتعرّضك لمحبتي وسروري، وسيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عزّ وجلّ: (وَامْرَأَةٌ مُّؤْمِنَةٌ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةٌ لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأحزاب (33): 50] قال: فأحل الله عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يحلّ ذلك لغيره. منه قدس سره)». الكافي، ج 5، ص 568، باب نوادر، ح 53. هذه الحاشية سبقت أيضاً في ص 76.

من أزواجه، لا أنّها تصير بسبب الهبة بمنزلة الأمة. وحينئذ فتخصيص الحكم بالواهبات لا وجه له أصلاً.

وقد نظر بعض العلماء في أحكام تزويجه ومخالفته لغيره نظراً(1)- مع ما فيه - أقرب مما - ذكره المصنف، فبنى الحكم بوجوب القسمة وعدمها على أن النكاح في حقه هل هو كالتسري في حقنا، أم لا؟ من حيث النظر إلى عدم انحصار أزواجه في عدد، وانعقاد نكاحه بلفظ الهبة، وبغير ولي ولا شهود، وفي الإحرام، كما نقل أنه نكح ميمونة محرماً(2).

وهذا يدلّ على الأوّل، فلا تجب عليه القسمة وإن كان نكاحه على حقيقته وجبت.

والحق الرجوع في مثل ذلك إلى النص، وترك ما هو عين النزاع، أو مصادرة على المطلوب.

والذي يستفاد من ظاهر الآية(3) عدم وجوب القسمة عليه مطلقاً، وفعله له جاز كونه بطريق التفضل والإنصاف وجبر القلوب، كما قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ)(4)، والله أعلم.

ص: 88


1- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 354.
2- الطبقات الكبرى، ابن سعد،ج 8، ص 134 - 137؛ الخصائص الكبرى السيوطي،ج 2، ص،430.
3- الأحزاب(33): 51.
4- الأحزاب (33): 51.

الفصل الثاني: في العقد

والنظر في الصيغة، والحكم.

أما الأول: فالنكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول دالين على القصد، الرافع للاحتمال.

والعبارة عن الإيجاب لفظان: «زوّجتك» و«أنكحتك»، وفي «متّعتك» تردّد، وجوازه أرجح.

الفصل الثاني في العقد:

قوله: «والعبارة عن الإيجاب لفظان : زوّجتك وأنكحتك» إلى آخره.

لا خلاف في الاكتفاء في الإيجاب بإحدى الصيغتين الأولتين، وقد ورد في القرآن بهما في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدُ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْتَكَهَا)(1)، وفي قوله تعالى:(وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ)(2)؛ فإنّ المراد منه العقد هنا قطعاً؛ للإجماع على تحريم من عقد عليها الأب على ابنه وإن لم يدخل.

وأما «متعتك» ففي الانعقاد به قولان: أحدهما - وهو اختيار المصنّف - الانعقاد به كالأولين؛ لأن لفظة «المتعة من ألفاظ النكاح؛ لكونه حقيقة في النكاح المنقطع، فهو من الألفاظ الصريحة في النكاح في الجملة. وكون الأجل جزء مفهومه - فيكون إطلاقه على المجرّد منه استعمالاً في غير ما وضع له الذي هو علامة المجاز - لا يقدح، وإلا لقدح فيه لفظ «زوجتك» أيضاً؛ لأنّه مشترك بين الدائم والمنقطع، فاستعماله في الدائم استعمال في

ص: 89


1- الأحزاب(33) 37.
2- النساء (4): 22.

والقبول أن يقول: «قبلت التزويجَ» أو «قَبِلْت النكاحَ»، أو ما شابهه. ويجوز

الاقتصار على «قَبِلْتُ».

غير موضوعه، وكما أن الدائم لا يستفاد من «زوجتك» إلا بضميمة تجرّده عن الأجل، فكذا يستفاد ب-«متعتك». وسيأتي أنّ جمعاً من الأصحاب يقولون بأنه متى أخل في المتعة بذكر الأجل انقلب دائماً(1) ، وبه رواية(2)، وذلك دليل على انعقاده بهذا اللفظ.

وفيه نظر؛ لأنّ غاية ما ذكروه أن إطلاق هذا اللفظ على الدائم مجاز، أما أولاً : فلان المتبادر منه المنقطع كما هو معلوم. وأما ثانياً فلما ذكروه من افتقاره إلى القرينة، وهي عدم ذكر الأجل وأمّا ثالثاً فلأنّ الأجل إذا كان جزء مفهومه فاستعماله بدونه استعمال للفظ في غير ما وضع له، والتجوز في العقود اللازمة توسّع لا يرتضونه. والفرق بينه وبين «زوجتك» واضح؛ لأنّ «زوجتك» حقيقة في القدر المشترك بين الأمرين، أو مشترك بينهما اشتراكاً لفظياً، وعلى التقديرين فاستعماله في كلّ منهما بطريق الحقيقة، بخلاف اللفظ الآخر الذي

قد اعترفوا بمجازيّته. وقد ظهر من ذلك دليل القول الآخر، وهو أنه لا ينعقد به كما ذهب إليه الأكثر ؛ لأنه حقيقة في المنقطع، فيكون مجازاً في الدائم والعقود اللازمة لا تقع بالألفاظ المجازية، خصوصاً النكاح؛ فإنّه مبني على الاحتياط، وفيه شوب من العبادات المتلقاة من الشارع، ولأصالة تحريم الفرج فيستصحب إلى أن يثبت سبب الحلّ شرعاً.

ولا ريب أنّ هذا أولى على قواعد الفقهاء؛ حيث عيّنوا للعقود اللازمة ألفاظاً صريحةً، وبنوا أمرها على المضايقة، بخلاف العقود الجائزة والذي يظهر من النصوص أنّ الأمر أوسع من ذلك كلّه، وقد أشرنا إلى بعضها فيما تقدّم.

قوله: (والقبول أن يقول: قبلت التزويج أو قبلت النكاح» إلى آخره.

ص: 90


1- يأتي في ص 418.
2- الكافي،ج 5، ص 455 ، باب شروط المتعة،ح 3؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 265 - 266، ح 1145:الاستبصار، ج 3، ص 150 - 151،ح 551.

. ولابّد من وقوعهما بلفظ الماضى الدال على صريح الإنشاء؛ اقتصاراً على

المتيقّن، وتحفّظاً من الاستثمار المشبه للإباحة.

المعتبر من لفظ القبول ما دلّ صريحاً على الرضى بالإيجاب، سواء وافقه في لفظه، أم خالفه مع اتفاق المعنى. ولو اقتصر على «قبلت» صح أيضاً عندنا؛ لأنّه صريح في الرضى بالإيجاب فإن معناه «قبلت التزويج»، كما لو قال: «وهبتك» فقال: «قبلت»، وكذا غيرهما من العقود. وخالف في ذلك بعض الشافعية فمنع من انعقاده به مجرّداً؛ لأنه كناية لا صريح فيه(1)، كما

لو قال: «زوّجنيها» فقال: «فعلت». ورد بمنع عدم صراحته؛ لأنّ الغرض من الألفاظ الدلالة على الإرادة، ولفظ «قَبِلْت»

صريح في الدلالة عليها. والشبهة آتية فيما لو قال: «قبلت التزويج أو النكاح ولم يضفه إليها؛ لاحتمال إرادة غيرالتزويج المطلوب.

ويندفع بأنّ «اللام» ظاهرة في المعهود الخارجي، مضافاً إلى ما سلف، فالصحة هنا أولى.

قوله: «ولابدّ من وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح إلى قوله للإباحة». المشهور بين علمائنا(2) خصوصاً المتأخرين منهم أنه يشترط في عقد النكاح وغيره من العقود اللازمة وقوعه بلفظ الماضي؛ لأنّه دالّ على صريح الإنشاء المطلوب في العقود بخلاف صيغة المضارع والأمر؛ فإنّهما ليستا موضوعتين للإنشاء، ولاحتمال الأوّل الوعد ولأنّ العقد مع الإتيان باللفظ الماضي متفق على صحته وغيره مشكوك فيه، فيقتصر على المتيقن، ولأنّ تجويز غيره يؤدّي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة، فيصير العقد اللازم مشبهاً للإباحة، والعقود اللازمة موقوفة على ثبوت أمر من الشارع؛ لأنها أسباب توقيفية، فلايتجوّز فيها.

ص: 91


1- روضة الطالبين،ج 5، ص 383؛ الوجيز،ج2، ص 7.
2- كابن حمزة في الوسيلة ص:291؛ والعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 9: والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص70.

ولاريب أنّ ما ذكروه أولى وأحوط ، بمعنى الاقتصار عليه ابتداء، إلا أن دليله غير واضح من غير جهة الاحتياط؛ لأن المقصود من العقد لمّا كان هو الدلالة على القصد الباطني، وكان المعتبر إنّما هو القصد، واللفظ كاشف عنه كما اعترفوا به فكلّ لفظ دلّ عليه ينبغى اعتباره وانحصار الدلالة فيما ذكر ممنوع

وقولهم: إن الماضي صريح في الإنشاء دون غيره ممنوع أيضاً؛ لأن الأصل في الماضي أن يكون إخباراً لا إنشاء، وإنّما التزموا بجعله إنشاء بطريق النقل، وإلا فاللفظ لايفيده كما حققوه في الأصول(1)، فاللفظ بمجرده محتمل للإخبار والإنشاء، وإنما يتعيّن لأحدهما بقرينة خارجة، وهو منافٍ للصريح ومع اقتران القرينة يمكن ذلك في غيره من صيغة الأمر وغيرها. وأيضاً فإنّ الأمر بعض أفراد الإنشاء ، فكان أولى به، خصوصاً مع دلالة القرينة على إرادته.

ولا نسلم وجوب الاقتصار على المتيقن إذا دلّ الدليل على غيره؛ فإن المعتبر ظهور رجحان الحكم وإن لم يبلغ حدّ اليقين، وقد ينافي الاقتصار على المتيقن الاحتياط، كما إذا وقعت صيغة العقد بإحدى العبارات المفيدة له التي وقع النزاع فيها، وأصرّ الزوج على البقاء على العقد، فإنّ الحكم بنفي الزوجية بينهما وتزويجها لغيره خروج من اليقين إلى الشك، و وقوع في الخطر المنافي لما قالوه من ابتناء الفروج على الاحتياط، وإن كان الاقتصار في الأصل على المتيقن أولى.

وأما التحفّظ عن الاستثمار فهو متحقق على التقديرين؛ لأنا نعتبر اللفظ الدال على القصد الباطني لا مطلق اللفظ. ومن اعتبر الألفاظ المنقولة عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة(علیهم السلام) في ذلك يجد الأمر أوسع مما قالوه، وستسمع بعضه.

ص: 92


1- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول،ج1،ص263.

. ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء، كقوله «زوّجنيها»، فقال: «زوجتك»،

قيل : يصح، كما في خبر سهل الساعدي. وهو حسن.

ولو أتى بلفظ المستقبل، كقوله «أتزوجك» فنقول: «زوجتك»، جاز، وقيل: لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول. وفي رواية أبان بن تغلب في المتعة: «أتزوجك متعةً ؟ فإذا قالت: نعم، فهى امرأتك».

ولو قال الوليّ أو الزوجة متعتك بكذا ولم يذكر الأجل انعقد دائماً، وهو

دالّة على انعقاد الدائم بلفظ التمتّع.

قوله: «ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء، كقوله «زوّجنيها»، فقال: «زوجتك»، قيل: يصح . كما في خبر سهل الساعدي . وهو حسن - إلى قوله - وهو دالّة على انعقاد الدائم

بلفظ التمتع. لما اشترط في الصيغة إيقاعها بلفظ الماضي، وبيّن وجه الاشتراط أتبعه بمسألتين ورد

النص فيهما بجواز وقوعه بغير لفظ الماضي. إحداهما وقوعه بلفظ الأمر إذا قصد به الإنشاء، كما ورد في خبر سهل الساعدي المشهور بين العامة والخاصة، ورواه كلّ منهما في الصحيح، وهو أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: يا رسول الله، وهبت نفسي لك، وقامت قياماً طويلاً، فقام رجل وقال: يا رسول الله زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ( إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك التمس ولو خاتماً من حديد»، فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا لسورٍ سمّاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«زوجتك بما معك من القرآن»(1).

ص: 93


1- الكافي،ج 5، ص 380 باب النوادر،ح 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 354 - 355، ح 1444، وفيهما عن أبي جعفر(علیه السلام)؛ وروي عن سهل في صحيح مسلم،ج2،ص1040 - 1041 ، ح 1425/76؛ وسنن النسائي، ج 6. ص 112 - 113، ح 3336؛ وسنن أبي داود، ج 2، ص 236، ح 2111 ولفظ الخبر لأبي داود.

وورد الخبر بألفاظ أُخر متقاربة مشتركة في المقصود هنا(1)

وفيه دلالة على أحكام كثيرة، منها: موضع النزاع، وهو أنّ القبول وقع من الزوج بلفظ

الأمر، وأقره النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وفيه مع ذلك تخلّل طويل بين الإيجاب والقبول، والعمل بمضمونه في الاكتفاء بالقبول يوجب العمل بالباقي، والمجوّز لذلك قال: المتخلّل كلّه من مصلحة العقد فلا يضر، بخلاف تخلّل الكلام الأجنبي. وذهب جماعة من الأصحاب منهم ابن إدريس(2) والعلّامة في المختلف(3) إلى عدم الصحة لذلك، واختلفوا في تنزيل الخبر فنزله الشهيد في شرح الإرشاد على أنّ الواقع من النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قام مقام الإيجاب والقبول عنهما(4)؛ لثبوت الولاية المستفادة من قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)(5).

وفيه نظر؛ لأنّ الولى المتولّى للعقد عنهما يعتبر وقوع كلّ من الإيجاب والقبول منه على حدته، ولا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد عنهما منه، وهو موضع وفاق. ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصيات النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) مع وجود القبول اللفظي، وقول جماعةٍ من العلماء به. ومنهم من نزله على أن يكون الزوج قبل باللفظ بعد إيجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم ينقل(6). وفيه: أنّ المعلوم وقوع ذلك التزويج بالمنقول، وغيره ليس بمعلوم، والأصل ،عدمه، ولأنّ العامة والخاصة رووا الخبر بطرق مختلفة وألفاظ متغايرة ولم يتعرّض أحد منهم لقبول

ص: 94


1- مسند أحمد،ج 1، ص 451، ح 22292، وص 457 - 458. ح 22325؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 236 - 237،ح،2112 و 2113.
2- السرائر، ج 2، ص 574 - 575.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 107،المسألة 46.
4- غاية المراد،ج3،ص26(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).
5- الأحزاب (33): 6.
6- راجع التنقيح الرائع،ج 3، ص 9؛ وجامع المقاصد،ج12، ص 71.

الزوج بعد ذلك، والظنّ يغلب على عدم وقوعه وإلا لنقل، ولا ضرورة لنا إلى العمل بالظنّ مع وجود الأصل الدال على عدمه.

وأما القول بأن الاكتفاء بالقبول السابق يستلزم تخلّل كلام طويل بين الإيجاب والقبول، وأنه ليس في الخبر أنّها صارت امرأته باللفظ المذكور، وأنّ قبوله السابق لم يكن مطابقاً لما وقع في الإيجاب من تزويجه على ما معه من القرآن فقد عرفت جوابه؛ فإنّ المعهود من عقود النبي والأئمة(علیهم السلام) المنقولة عنهم(1)، خصوصاً عقد الجواد(علیه السلام) على ابنة المأمون(2) يؤذن باغتفار مثل ذلك ممّا يتعلّق بمصلحة العقد، وليس على اعتبار المقارنة المحضة دليل صالح، والقدر المعلوم اعتباره أن يعد القبول جواباً للإيجاب.

ويظهر من التذكرة : جواز التراخي بين الإيجاب والقبول بأزيد من ذلك؛ فإنّه اعتبر في

الصحة وقوعهما في مجلس واحد وإن تراخى أحدهما عن الآخر(3) .

والظاهر من حال الخبر الاقتصار في العقد على ما وقع فيه؛ لأنّ جميع العلماء يروونه

ويحتجون به على أحكام كثيرة تتعلّق به كجواز جعل القرآن مهراً، وجواز تقديم القبول

من وجواز وقوعه بصيغة الأمر، وجواز تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة بغير إذنها، إلى غير ذلك الأحكام المترتبة على كونه عقداً؛ لأنّ ذلك لو قدح لزم عدم الوثوق بشيءٍ من العقود المنقولة من جهة الشارع؛ لأنهم لم يصرحوا بترتب الأثر عليها مع إمكان تجديدها بعد ذلك كما ذكر وه هنا. ولما كان المعتبر من القبول اللفظ الدال على القصد الباطني، وكان الواقع من سهل(4) الرضى بتزويجها، خصوصاً على الحالة التي وقعت بالقرآن كان اللفظ السابق مع عدم تجديد ما ينافيه دليلاً على رضاه بما وقع أخيراً؛ لأنه وقع مطلقاً صالحاً للواقع أخيراً وغيره.

ص: 95


1- راجع الكافي، ج 5، ص 391 باب ما أحل للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)من النساء، ح 7.
2- الإرشاد،ج2، ص 284 - 285(ضمن مصنفات الشيخ المفيد،ج (11): الاحتجاج، ج 2، ص 472 - 473.
3- تذكرة الفقهاء، ج2، ص 583 (الطبعة الحجرية).
4- هو راوي الحديث.

الثانية: وقوعه بصيغة المستقبل، بأن قال الزوج: «أتزوجك»، مريداً به الإنشاء، فقالت: «زوجتك». وقد ذهب المصنّف وجماعة(1) إلى صحته؛ لأنّ اللفظ المذكور إذا اقترن بقصد الإنشاء يصير صريحاً في المطلوب.

ويؤيده رواية أبان بن تغلب في المتعة: «أتزوجك متعة فإذا قالت نعم فهي امرأتك»(2). وإذا كان ذلك صالحاً للمتعة فهو صالح للدوام؛ للنصّ الدال على انقلاب المتعة دائماً بالإخلال بالأجل(3)، فيدل على صلاحيّة هذا اللفظ للدوام وهو معنى قول المصنف «ولو لم يذكر الأجل انقلب دائماً، وهو دلالة على انعقاد الدائم بلفظ التمتع»، فكأنّه جواب عن سؤال مقدّر بأن يقال: لايلزم من وقوع المتعة بصيغة المستقبل وقوع الدائم به؛ لما بينهما من الاختلاف، فأجاب بأنّ لفظ «التزويج صالح لهما ، وإنّما يتميزان بذكر الأجل وعدمه؛ ولهذا نصوا على أنه لو قصد المتعة وأهمل ذكر الأجل انقلب دائماً، فدلّ على اشتراكهما في اللفظ الدال على العقد، بل يدلّ على جواز إيقاع الدائم بلفظ التمتع كما مرّ، وحينئذ فيلزم من صحة عقد التمتع به صحة الدائم. ويظهر من المصنّف أنّه لم يستند في الحكم بالصحة إلى رواية أبان؛ لأنه حكم بالجواز ثمّ قال: «وفي رواية أبان» إلى آخره فجعلها شاهداً لا مستنداً كما لايخفى. وحينئذ فلايرد عليه ما قيل من ضعف سندها(4)، فلاتصلح للدلالة، ومن منع انقلاب التمتّع دائماً مطلقاً، وسيأتي(5) نعم، هذا يرد على من جعلها مستند الحكم ، وليس بلازم للمصنّف

ص: 96


1- منهم ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3، ص 126؛ ويظهر ذلك من ابن إدريس في السرائر،ج2، ص 574.
2- الكافي، ج 5، ص 455، باب شروط المتعة،ح3 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 265 - 266، ح 1145؛الاستبصار،ج 3، ص،150،ح 551.
3- الكافي،ج 5، ص 456،باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط بعد عقدة النكاح،ح 1؛ تهذيب الأحكام،ج 7،ص 262، ح 1133.
4- قاله فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3، ص13 و 126.
5- يأتي في ص 418.

. ولا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الإيجاب، بل يصح الإيجاب بلفظ والقبول بآخر. فلو قال: «زوجتك» فقال: «قَبِلْت النكاح»، أو «أنكحتك» فقال: قَبِلْت التزويج صح.

ولو قال: «زوجت بنتك من فلان؟» فقال: «نعم»، فقال الزوج: «قبلت»،

صح لأنّ «نعم» يتضمن إعادة السؤال ولو لم يعد اللفظ. وفيه تردّد.

وأما ما قيل من أنّه يلزم من صحة العقد بهذا اللفظ صحته بدون إيجاب؛ لأنّ «نعم» في

جواب القبول لايكون إيجاباً، وذلك باطل قطعاً(1) ففيه أنه مصادرة؛ لأنّ القائل بذلك يجعل «نعم» إيجاباً؛ لتضمّنها مجموع الجملة التي هي زوجتك» إلى آخره؛ لقيامها مقامها كما سيأتي(2)، فالقطع بالبطلان مقطوع ببطلانه وإن كان البطلان في نفسه ممكناً. ولا ريب أنّ الاقتصار ابتداءً في العقد على موضع الوفاق أولى.

قوله: «ولا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الإيجاب» إلى آخره.

لمّا كان المعتبر من القبول اللفظ الدال على الرضى بالإيجاب وكان كلّ واحد منهما يتأدى بلفظ التزويج والنكاح صح التعبير في أحدهما بأحدهما، وفي الآخر بالآخر ؛ لظهور المراد. وكونهما بمنزلة المترادفين يجوز إقامة كلّ منهما مقام الآخر، كما يجوز التعبير عن إيجابه بإحدى الصيغتين، والقبول ب «رضيت» و «قبلت» ونحوهما مطلقاً، الصالح لكون المرضي به هو المعنى المقصود باللفظ لا نفسه، وهو حاصل على التقديرين. قوله «ولو قال: زوّجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم إلى قوله - وفيه تردّد». وجه الصحة ما أشار إليه من أنّ «نعم» من ألفاظ الجواب يحذف بعدها الجملة ويقوم «نعم» مقامها، فإذا قصد بها الإنشاء فقد أوجب؛ لأنه في قوّة «نعم، زوّجت بنتي من فلان» فإذا قبل الزوج تمَّ العقد وأفاد المطلوب صريحاً. ووجه تردّده مما ذكر، ومن أنّ جزء العقد غير مذكور وإن وجد ما يدلّ عليه؛ فإنّ

ص: 97


1- قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 72.
2- سيأتي عن قريب.

. ولا يشترط تقديم الإيجاب، بل لو قال: «تزوّجت» فقال الولى: «زوجتك»، صحّ.

الثابت كون أحد اللفظين أو الألفاظ الثلاثة سبباً في النكاح، فيجب الاقتصار عليه؛ لأنّ

الأسباب لاتُقاس، ولا يلزم من تماميّة السبب في شيء تماميته فيما هو صريح فيه. وهذا هو الأشهر بين الأصحاب، وقد تقدّم(1) في المسائل السابقة ما يؤيّد الأول. قوله: «ولا يشترط تقديم الإيجاب» إلى آخره.

أكثر الأصحاب على جواز تقديم القبول في النكاح على الإيجاب، بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع(2) لحصول المقتضي، وهو العقد الجامع للإيجاب والقبول، ولم يثبت اعتبار الترتيب بينهما، ولأنّ كلّاً منهما في قوة الموجب والقابل، وينبه عليه ما تقدم في خبر سهل الساعدي(3). وبعض من منع من تقديم القبول في غيره من العقود جوّزه فيه، فارقاً:

.. بأن الإيجاب يقع من المرأة، وهي تستحيي غالباً فيمنعها الحياء من أن تبتدئ به، فإذا ابتدأ الزوج بالقبول المتضمّن لكلّ ما يطلب في العقد من المهر والشروط السائغة خفّت المؤونة على المرأة، ولم يفت المطلوب، وتعدّى الحكم إلى ما لو كان القبول من وكيلها أو وليها تبعاً أو طرداً للباب(4)؛

والاعتماد فيه على التعليل الأوّل، وهو شامل للجميع. وربما قيل بعدم صحته متقدّماً؛ لأنّ حقيقة القبول الرضى بالإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً؛ لعدم معناه.

وفيه منع كون المراد بالقبول قبول الإيجاب، بل قبول النكاح، وهو متحقق على التقديرين. ولأنا نقول بموجبه، فإن القبول حقيقة ما وقع بلفظ «قَبِلتُ». ولا إشكال في عدم جواز تقدّمه بهذا اللفظ، وإنّما الكلام فيما وقع بلفظ «تزوّجت» أو «نكحت» فهو في معنى الإيجاب، وتسميته قبولاً مجرد اصطلاح.

ص: 98


1- تقدّم في ص 97.
2- المبسوط،ج3،ص،430.
3- تقدم تخريجه في ص 93 الهامش 1.
4- قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 74 وأيضاً راجع التنقيح الرائع، ج 3، ص 10.

. ولا يجوز العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما بغير العربية، إلا مع العجز

عن العربية. ولو عجز أحد المتعاقدين تكلّم كلّ منهما بما يحسنه.

قوله: «ولايجوز العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما - إلى قوله - بما يحسنه». لما كان اللفظان - وهما «زوجتك» و«أنكحتك» - متعيّنين في الإيجاب، وهما عربيان قد ثبت شرعاً التعبير بهما عن هذا المعنى، وكونهما سبباً في عقده لم يجز العدول عنهما إلى غيرهما من الألفاظ الدالة عليهما بغير العربية، وقوفاً على ما حده الشارع ونصبه سبباً، ولأصالة بقاء الفروج على التحريم إلى أن يثبت المزيل، ولأنّ غير العربية وإن أدت معناهما. کالكنايات الدالة عليهما بالعربية، فكما لايصح العقد عندنا بالكنايات لايصح بغير العربية، ولأن العقود المتلقاة من الشارع كلّها عربيّة، فالعدول عنها عدول إلى ما لم يثبت شرعاً كونه

سببا لترتب الأحكام الخاصة. هذا هو المشهور بين علمائنا حتى كاد يكون إجماعاً. وذهب ابن حمزة إلى أن الإتيان باللفظ العربي للقادر عليه مستحبّ لا واجب(1)؛ لأنّ المقصود من الألفاظ دلالتها على الرضى الباطني، فكل ما دلّ عليه كفى، ولأنّ غير العربية إذا دلّ على اللفظ المطلوب منها كالمترادف الذي يجوز إقامته مقام رديفه، ولا نسلّم أنّ تجويز ذلك يستلزم تجويز الكناية؛ للفرق بينهما، فإنّ ما دلّ على اللفظ الصريح صريح بخلاف الكناية الدالّة بالفحوى البعيد، كالبيع والهبة. إذا تقرر ذلك فمن جوز التعبير بغير العربيّة جوّز اللحن في اللفظ العربي الذي لايغيّر المعنى بطريق أولى، ومن اشترط مادة العربية اقتصر عليه. وظاهرهم عدم اشتراط الإعراب؛ لأنّ تركه لايخلّ بأصل اللفظ العربي، والأصل عدم اعتبار أمر آخر.

ومنهم من صرّح باشتراط الإعراب مع القدرة(2)؛ لعين ما ذكر في اشتراط أصل العربية.

فإنّ المنقول عن الشارع منها غير ملحون قطعاً.

ص: 99


1- الوسيلة، ص 291.
2- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 74 - 75.

. ولو عجزا عن النطق أصلاً أو أحدهما، اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد

والإيماء.

. ولاينعقد النكاح بلفظ البيع ولا الهبة، ولا التمليك، ولا الإجارة، سواء ذكرفيه المهر أو جرده.

هذا كله مع القدرة. أما مع العجز فإن أمكن التعلّم بغير عسر لا يشق عادةً لم يصح بدونه،

والا جاز بالمقدور وهل يجب مع العجز التوكيل للقادر عليها؟ وجهان، أصحهما العدم؛ للأصل. ولو عجز أحدهما دون الآخر تكلّم كلُّ منهما بما يُحْسِنه، فإن كان الاختلاف في اللحن فأمره سهل؛ لفهم كلّ منهما لغة الآخر، وإن كان في أصل العربيّة اعتبر فهم كلّ منهما كلام الآخر؛ ليتحقق التخاطب والقصد إلى مدلول ما عبّر به الآخر. ولو لم يفهم أحدهما كلام الآخر اعتبر مترجم ثقة يعرفه المراد.

قوله: ولو عجزا عن النطق أصلاً أو أحدهما اقتصر العاجز على الإشارة إلى آخره. لا فرق بين كون العجز بخرس أصلي أو غيره، وحينئذ فتكفي الإشارة، كما تكفي في

أذكار الصلاة وسائر التصرفات القولية. ويعتبر كون الإشارة مفهمة للمراد، ودالة على القصد القلبي بحسب ما يعلم من حاله. ولو اختصّ أحدهما به اختص بحكمه، وتلفّظ الآخر بما يمكنه؛ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور.

قوله: «ولاينعقد النكاح بلفظ البيع، ولا الهبة، ولا التمليك، ولا الإجارة» إلى آخره. هذا الحكم عندنا موضع ،وفاق، وإنّما نبه على خلاف جماعة من العامة حيث جوّزوه بكلّ واحدة من هذه الألفاظ(1)؛ سواء جرّدَه عن المهر أم لا ، وآخرين حيث اشترطوا اقترانه بمهر(2)؛ ليخلص اللفظ للنكاح وهي أقوال بعيدة عن الصواب؛ لبعد هذه الألفاظ عن الدلالة على المطلوب.

ص: 100


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 429 المسألة 5291؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج7، ص 371.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 429 المسألة 5291؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني،ج7،ص،371.

وأما الثاني ففيه مسائل:

الأولى: • لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجاباً وقبولاً، ولا بعبارة المجنون.

وفي السكران الذي لايحصل تردّد، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز. وفي رواية: إذا زوجت السكرى نفسها ثمّ أفاقت فرضيت، أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضياً.

قوله: «لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجاباً وقبولاً، ولا بعبارة المجنون». لا فرق في ذلك بين الصبي المميز وغيره، ولا بين توليه ذلك لنفسه ولغيره؛ فإنّ الشارع سلب عبارته بالأصل. ومثله المجنون المطبق أو ذو الأدوار في وقت جنونه، أما في غيره فبحكم العاقل.

وبالجملة فالمعتبر قصد المكلّف إلى العقد.

قوله: وفي السكران الذي لا يحصل تردّد، أظهره أنه لا يصح - إلى قوله كان ماضياً». قد عرفت أن شرط صحة العقد القصد إليه، فالسكران الذي بلغ به السكر حداً أزال عقله وارتفع قصده نكاحه باطل كغيره من عقوده، سواء في ذلك الذكر والأنثى. هذا هو الذي تقتضيه القواعد الشرعية. ومتى كان كذلك وعقد في هذه الحالة يقع عقده باطلاً، ولا ينفعه إجازته بعد الإفاقة ؛ لأنّ الإجازة لا تصحح ما وقع باطلاً من أصله.

والرواية التي أشار إليها الدالة على خلاف ذلك رواها محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال: سألت أبا الحسن عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلاً في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر، ولا سبيل للزوج عليها؟ قال: «إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضى منها، قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال: «نعم»(1).

ص: 101


1- الفقيه،ج 3، ص 409، ح 4433:تهذيب الأحكام،ج 7، ص 392،ح 1571.

الثانية: • لا يشترط في نكاح الرشيدة الوليّ، ولا في شيءٍ من الأنكحة حضور

شاهدين. ولو أوقعه الزوجان أو الأولياء سرّاً جاز. ولو تآمرا بالكتمان لم يبطل.

وعمل بمضمون الرواية الشيخ في النهاية(1)، ومن تبعه(2)، وله عذر من حيث صحة سندها،

ولمن خالفها عذر من حيث مخالفتها للقواعد الشرعية.

وفي المختلف نزلها على سكر لا يبلغ حد عدم التحصيل؛ فإنّه إذا كان كذلك صح العقد

مع تقريرها إياه(3).

وفيه نظر بيّن؛ لأنه إذا لم يبلغ ذلك القدر فعقدها ،صحيح، وإن لم تقرّره وترض به بعد ذلك، فالجمع بين اعتبار رضاها مع السكر مطلقاً غير مستقيم، بل اللازم إمّا اطراح الرواية رأساً أو العمل بمضمونها، ولعلّ الأوّل أولى.

قوله: «لا يشترط فى نكاح الرشيدة الولى - إلى قوله - ولو تأمرا بالكتمان لم يبطل». أما عدم اشتراط الوليّ فهو موضع خلاف للأصحاب، وسيأتي تحقيقه. وكان يغني ذكره ثمّ مع تحقيق الخلاف عن ذكره هنا مجرّداً، لكنّ الحامل له على ما ذكره هنا - مضافاً إلى عدم اشتراط حضور الشاهدين - مقابلة المخالف المشترط لهما استناداً إلى حديث يرويه أنه: لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين»(4). فلما اقترنا في الحكم والرواية، وكانت عنده غير صحيحة، وأراد التنبيه هنا على عدم اشتراط الإشهاد ذكر حكم الولي معه لذلك إجمالاً، وأحال التفصيل على ما يأتي.

وقد تقدم مايدلّ على عدم اشتراط الإشهاد(5)،وأنّ ابن أبي عقيل منا خالف فيه؛ استناداً

ص: 102


1- النهاية، ص 468.
2- كابن البراج في المهذب،ج2،ص،196.
3- مختلف الشيعة،ج7، ص،131، المسألة 64.
4- المعجم الكبير،ج 18، ص 142،ح 299؛ سنن الدارقطني،ج3، ص 147،ح 3467، وص 152 - 153،ح 3477 - 3480 السنن الكبرى، البيهقي،ج 7، ص 202،ح 13718 و 13719 و 13722 و 13727 باختلاف يسير.
5- تقدم في ص 28.

الثالثة: • إذا أوجب الوليّ ثمّ جنّ أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب، فلو قبل بعد ذلك كان لغواً. وكذا لو سبق القبول و زال عقله، فلو أوجب الولي بعده كان لغواً. وكذا في البيع.

إلى رواية ضعيفة السند(1)، مع إمكان حملها على الاستحباب جمعاً. ونبه بقوله «ولو تآمرا بالكتمان لم يبطل على خلاف مالك من العامة؛ فإنّه وافقنا على عدم اشتراط الإشهاد لكن شرط عدم تواطئهما على الكتمان(2). قوله: «إذا أوجب الوليّ ثمّ جنّ أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب - إلى قوله - وكذا في البيع».

وجهه أنّ العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، يجوز لكلّ منهما فسخه، ويبطل بما يبطل به الجائز، ومن جملته الجنون والإغماء. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة في ذلك.

ولايضرّ عروض النوم، كما لايقدح ذلك في الوكالة ونحوها، لكن هل يصح الإتيان بالقبول من الآخر حالته؟ قيل: لا، و به قطع في التذكرة(3)؛ لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر، وهو منتف مع نوم صاحبه، ومن ثمّ لو خاطب شخصاً بالعقد فقبل الآخر لم يصح. ويحتمل الصحة هنا؛ لأن الإيجاب توجّه إلى هذا القابل قبل النوم، والأصل الصحة. مع أنه في التذكرة قال في موضع آخر لو قال المتوسط للوليّ: «زوج ابنتك من فلان»، فقال: «زوجت»، ثمّ أقبل على الزوج فقال: «قبلت نكاحها»، فالأقرب صحة العقد. وهو أصح وجهي الشافعية؛ لوجود ركني العقد الإيجاب والقبول، وارتباط أحدهما بالآخر.

والثاني: لايصح؛ لعدم التخاطب بين المتعاقدين(4).

ص: 103


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7، ص 118، المسألة 58.
2- المدوّنة الكبرى،ج2،ص،192 - 194.
3- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 582 (الطبعة الحجرية).
4- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 583 (الطبعة الحجرية).

الرابعة: • يصحّ اشتراط الخيار في الصداق خاصةً، ولايفسد به العقد.

ويستفاد منه أنّ تخلّل مثل هذا الكلام بين الإيجاب والقبول لا يضر؛ لأنه ليس

أجنبياً صرفاً. قوله: «يصح اشتراط الخيار في الصداق خاصة، ولا يفسد به العقد».

أما صحة اشتراطه في الصداق؛ فلأنّ ذكره غير شرط في صحة العقد، فلا يضر اشتراط الخيار

فيه مدةً مضبوطة؛ لأنّ غايته فسخه، وإبقاء العقد بغير ،مهر، فتصير كالمفوّضة البضع، وهو جائز.

ونته بقوله: «خاصةً» على أنّه لايصح اشتراطه في أصل النكاح

ووجهه أنّه ليس معاوضةً محضةً؛ ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا وصف رافع للجهالة، ويصح من غير تسمية العوض، ومع عوض فاسد، ولأنّ فيه شائبة العبادة كما مرّ(1)، والعبادات لايدخلها الخيار، ولأنّ اشتراط الخيار فيه يُفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة، وهو ضرر؛ ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبراً له.

إذا تقرّر ذلك فقول المصنّف ولايفسد به العقد يحتمل عود الضمير فيه إلى اشتراط الخيار فيه مطلقاً، الشامل لشرطه في المهر والعقد، أو إلى اشتراطه في عقد النكاح المدلول عليه بقوله: «خاصةً»؛ فإن معناها أنّه لا يصح اشتراطه في عقد النكاح، وذلك كافٍ في رجوع الضمير إليه. ووجه عدم فساد العقد به حينئذ أنّ العقد اشتمل على أمرين: أحدهما صحيح، والآخر فاسد فلايرتبط أحدهما بالآخر. وهذا مذهب ابن إدريس(2)

وقيل: يبطل العقد أيضاً(3). وهو الأقوى؛ لأنّ التراضي لم يقع بالعقد إلا على هذا الوجه الذي لم يتم معهما.

ص: 104


1- مرّ في ص 22 وما بعدها.
2- السرائر،ج2، ص 575.
3- من القائلين به الشيخ في المبسوط،ج3، ص 431؛ والعلامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 136، المسألة 67؛والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 86.

الخامسة: • إذا اعترف الزوج بزوجيّة امرأة وصدقته، أو اعترفت هي فصدقها، قضي بالزوجية ظاهراً وتوارثا. ولو اعترف أحدهما قُضي عليه بحكم العقد دون الآخر.

وهذا الخلاف جارٍ في كلّ شرط فاسد تضمّنه العقد عدا ما استثني في باب النكاح. وقد

تقدم في مواضع(1). ويحتمل أن يعود الضمير في قوله: «ولايفسد به العقد» إلى المذكور قبله صريحاً، من

صحة اشتراط الخيار في الصداق.

ووجهه حينئذٍ واضح؛ لأنّ الشرط الصحيح لايقتضي فساد العقد، إلا أنه خالٍ عن النكتة، والحكم بصحة الاشتراط يقتضي عدم فساد العقد، فلا فائدة في ذكره بخصوصه. والأوّل أقعد، إلا أن فيه إخلالاً بذكر الخلاف في المسألة، مع أنه مشهور لا يناسب القطع بالحكم بدونه، وهو قرينة الاحتمال الثاني. وسيأتي في باب المهر حكم المصنّف ببطلان العقد بشرط الخيار في النكاح على تردّد منه(2)، ونقل الخلاف.

قوله: «إذا اعترف الزوج بزوجيّة امرأة وصدقته - إلى قوله - دون الآخر». أمّا نفوذ تصادقهما ظاهراً والحكم بالزوجيّة؛ فلأنّ الحق منحصر فيهما وقد أقرا به

فيدخلان في عموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(3)؛ لأنّه الفرض. وخالف في ذلك بعض العامة فخص صحة الإقرار منهما بالغريبين، واعتبر في البلدييّن

إقامة البيّنة(4)؛ بناءً على اشتراط الإشهاد وإقامة البيِّنة سهلة في البلدييّن بخلاف الغريبين. وفيه - مع منع الأصل - أنّ الشاهدين لا يعتبر كونهما بلديين، فجاز أن يشهدا غريبين ويتعذر إقامتهما، فلو لم يقبل تصادقهما أدى إلى تعطيل الحق بغير موجب.

ص: 105


1- تقدّم في ج 3، ص 185 - 186، وج 4، ص 405.
2- يأتي في ص 681.
3- أورده العلامة في مختلف الشيعة،ج 5، ص 259، المسألة 226، وص 370، المسألة 337؛ وتذكرة الفقهاء،ج 14، ص 233؛ المسألة 431 وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج2، ص 428.
4- راجع الحاوي الكبير،ج 9، ص 128؛ وج 7 17، ص 312.

السادسة • إذا كان للرجل عدة بنات فزوّج واحدةً ولم يسمها عند العقد، لكن قصدها بالنية، واختلفا في المعقود عليها، فإن كان الزوج رآهنّ فالقول قول الأب؛ لأنّ الظاهر أنّه وكل التعيين إليه، وعليه أن يسلّم إليه التي نواها. وإن لم يكن راهن كان العقد باطلاً.

وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فالقول قول المنكر مع يمينه إن لم يكن للمدعي بيّنة. ثمّ إن أقام المدعي بيّنةً أو حلف اليمين المردودة ثبت النكاح ظاهراً، ووجب عليهما مع ذلك مراعاة الحكم في نفس الأمر، فإن كان المثبت الزوج فله الطلب ظاهراً، وعليها الهرب باطناً، وهكذا. وإن لم يتفق أحد الأمرين وحلف المنكر انتفى عنه النكاح ظاهراً، ولزم المدعي أحكام الزوجية على ذلك الوجه لا مطلقاً. فإن كان المدعي الرجل فليس له التزوّج بخامسة ولا بأمها، ولا ببنتها ولا بأختها، ولا بينت أُختها وأخيها بدون رضاها، بل يقدّر بالنسبة إليها كأنها زوجة ويجب عليه التوصل إلى إيصالها المهر بحسب الإمكان، وأما النفقة فلا تجب عليه؛ لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها. وإن كانت المدعية المرأة لم يصح لها التزوج بغيره، ولا فعل ما يتوقف على إذن الزوج بدونه، كالسفر المندوب والعبادات المتوقفة عليه.

ولا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين حلف الآخر وعدمه ؛ لأنها مترتبة على نفس دعوى الزوجية. ولو أوقع الرجل المنكر صورة الطلاق - ولو معلّقاً بقوله: إن كانت زوجتي فهي طالق - انتفت عنها الزوجية وجاز لها التزوّج بغيره لا بأبيه وابنه مطلقاً؛ لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة.

قوله: «إذا كان للرجل عدة بنات، فزوج واحدةً ولم يستها إلى قوله كان العقد باطلاً». اعلم أنّ من شرط صحة العقد تعيين كلّ واحد من الزوجين حال العقد، كما هو معتبر في كلّ عاقد ومعقود عليه، لكن لو اتفقا على معيّنة ونوياها حال العقد ولم يجر بينهما لفظ مميز صح أيضاً؛ لأنه تعيين في الجملة. ولو انتفى ذلك بأن زوجه إحدى بناته واتفقا على

ص: 106

عدم التعيين أو نوى الأب بقوله واحدةً معيّنةً ولم ينوها الزوج أو بالعكس لم يصح

وسيأتي الكلام فيه.

إذا تقرر ذلك فنقول: إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدةً منهن لرجل ولم يسمها عند

العقد، فإن لم يقصدها بطل كما مرّ. وإن قصدا معيّنةً واتفق القصد صح، فإن اختلفا بعد ذلك في المعقود عليها قال المصنف رحمه الله وأكثر الأصحاب: إن كان الزوج راهن كلهن فالقول قول الأب؛ لأنّ الظاهر أنه وكل التعيين إليه، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يسلّم إلى الزوج التي نواها، وإن لم يكن راهن كان العقد باطلاً.

والأصل في هذه المسألة رواية أبي عبيدة عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن رجل كن له ثلاث بنات فزوج إحداهنّ رجلاً ولم يسمّ التي زوج للزوج ولا للشهود، وقد كان الزوج فرض لها صداقاً، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج وبلغ الزوج أنّها الكبرى، فقال الزوج لأبيها: إنّما تزوّجت منك الصغيرة من بناتك، قال، فقال أبو جعفر(علیه السلام): «إن كان الزوج رآهن كلّهنّ ولم يسمّ له واحدةً منهنّ فالقول في ذلك قول الأب، وعلى الأب فيما بينه وبين تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إيّاه عند عقدة النكاح - قال: وإن كان الزوج لم يرهن كلهن ولم يسم له واحدةً منهنّ عند عقدة النكاح فالنكاح باطل»(1). وهذه الرواية منافية لما أسلفناء من القاعدة؛ لأنّها تدل على أن رؤية الزوج كافية في الصحة. والرجوع إلى ما عينه الأب وإن اختلف القصد، وعدم رؤيته كافٍ في البطلان مطلقاً، مع أنّ الرؤية لا مدخل لها في صحة العقد على المرأة وعدمها، وإنما المعتبر التعيين كما ذكرناه. وقد اختلف الأصحاب في تنزيل هذه الرواية، فالشيخ(2) ومن تبعه(3) أخذوا بالرواية

ص: 107


1- الكافي،ج 5، ص 412، باب نادر،ح 1: الفقيه،ج3، ص 421 - 422،ح،4471: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 393، ح 1574.
2- النهاية، ص 468.
3- كابن البراج في المهذب،ج 2، ص 196؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع،ص436.

جامدين عليها من غير تأويل. و أما المصنّف وتلميذه العلّامة(1) فنزّلاها على ما أشار إليه بقوله «لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه».

وحاصله أنّ الزوج إذا كان قد رآهنّ وقبل نكاح من أوجب عليها الأب يكون قد رضي بتعيينه ووكله إليه، فيلزمه ما عيّن، ويقبل قول الأب فيما عيّنه؛ لأنّ الاختلاف حينئذٍ في فعله وتعيينه فيرجع إليه فيه؛ لأنّه أعلم .به. وإن لم يكن الزوج راهن لم يكن مفوضاً إلى الأب، ولا قصد إلى معيّنة، فيبطل العقد.

وفي هذا التنزيل نظر ؛ لأنّ تفويض الزوج إلى الأب التعيين إن كان كافياً عنه مع كونه المتولّي للقبول، من غير أن يقصد معيّنة عنده، فلا فرق بين رؤيتهنّ وعدمها؛ لأن رؤية الزوجة لا مدخل لها فى صحة النكاح كما سبق، وإن لم يكن ذلك كافياً في الصحة بطل على التقديرين. ودعوى أن رؤيتهنّ دلّت على الرضى بما يعينه الأب، وعدمها على عدمه، في موضع المنع؛ لأنّ كلّ واحد من الحالين أعم من الرضى بتعيين الأب وعدمه، وليس في الرواية - على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك، بل في هذا التنزيل تخصيص له-ا ف-ي

الحالين.

وحينئذ فاللازم إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل كما فعل الشيخ(2)، أو ردّها رأساً والحكم بالبطلان في الحالين كما فعل ابن إدريس(3)، ولعله أجود؛ لأن العقد لم يقع على معيّنة مخصوصة منها، وهو شرط في صحته.

واعلم أنّ طريق الرواية في التهذيب(4)، ضعيف؛ لأن فيه من لا يُعرف حاله وظاهر الأصحاب المشي عليه؛ لأنهم لم ينصوا عليها بتصحيح، بل رووها مجرّدةً عن الوصف.

ص: 108


1- تحرير الأحكام الشرعية،ج 3،ص،430، الرقم 4924.
2- النهاية، ص 468.
3- السرائر،ج 2، ص 573.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 393،ج 1574

السابعة . يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية

أو الصفة. فلو زوّجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح العقد.

ولكن الكليني رواها بطريق صحيح(1)، ولقد كان على الشيخ روايتها به؛ لأنه متأخر عنه،

فكان أولى باتباعه فيه، ولكن قد اتفق ذلك للشيخ كثيراً، ووقع بسببه من أصحاب الفتاوى

خلل حيث ردّوا الرواية بناءً على ضعفها، ولو اعتبروها لوجدوها صحيحةً، فينبغي التفطّن(2) لذلك. وحينئذ يقوى الإشكال في ردّ هذه الرواية نظراً إلى صحتها، وللتوقف في ذلك مجال.

قوله: يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها - إلى قوله لم يصح العقد». لما كانت الزوجة معقوداً عليها، وعيّنها مقصودةً للاستمتاع اشترط تعيينها في صحة النكاح كما في كلّ معقود عليه؛ سواء أريد عينه كالمبيع، أو منفعته كالعين المؤجرة. وكذلك يشترط تعيين الزوج؛ لأنّ الاستمتاع يستدعي فاعلاً ومنفعلاً معينين لتعينه. فلو قال: زوجتك إحدى ابنتي»، أو «زوجت بنتي من أحد ابنيك»، لم يصح. وأولى منه لو قال: زوجتك هذا الحمل»؛ لمشاركته لما ذكر في عدم التعيين؛ إذ يحتمل كونه واحداً وأزيد،

مضافاً إلى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب، بأن يكون ذكراً أو خنثى مشكلاً.

إذا تقرّر ذلك فالتعيين يحصل بأمور ثلاثة

الأوّل: الإشارة كما إذا كانت الزوجة حاضرةً فقال: «زوجتك هذه»، أو «هذه المرأة»، أو «هذه فلانة»؛ لأنّ الإشارة كافية في التخصيص، والباقي تأكيد وكذا يكفي الإشارة في تعيين الزوج.

والثاني: التسمية، سواء كانت غائبة أو حاضرة، بأن يقول: «زوجتك فاطمة» إن كان له غيرها، وكذا لو لم يكن وأراد بالاسم تعيينها من جملة النساء إن حصل به التعيين. وفي حكمه ما لو قال: «زوجتك ابنتي»، وليس له سواها. ولو جمع بين الأمرين فقال: زوجتك بنتي فاطمة» أو «هذه فاطمة»، وكانا متطابقين صح أيضاً، وكان الثاني تأكيداً.

ص: 109


1- الكافي،ج 5، ص 412، باب نادر،ح 1.
2- في بعض النسخ: «التيقظ» بدل «التفطّن».

الثامنة ● لو ادّعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته، وأقام كلّ منهما بينة،

: فإن كان دخل بالمدعية كان الترجيح لبيّنتها؛ لأنّه مصدق لها بظاهر فعله. وكذا لو كان تاريخ بيّنتها أسبق. ومع عدم الأمرين يكون الترجيح لبيئته.

ولو لم يكن مطابقاً، بأن كانت المشار إليها اسمها «زينب» أو كانت بنته ولكن سمّاها بغير اسمها، ففى صحة العقد ترجيحاً للإشارة والبنتية على الاسم؛ لأنهما لازمتان متميّزتان فيتعين ويلغو الاسم، أو البطلان؛ إذ ليس له بنت بذلك الاسم، أو ليست الحاضرة كذلك وجهان، وفي الأوّل قوّة.

والوجهان آتيان فيما لو قال: «بعتك فرسي هذا وهو بغل، أو زوجتك هذا الغلام

وأشار إلى ابنته.

والثالث: التمييز بالصفة الخاصة، بأن يقول: «زوجتك ابنتي الكبيرة»، أو «الصغيرة»، أو الوسطى»، أو «البيضاء»، أو «السمراء»، وله بنات متعدّدات متميزات بذلك الوصف. ولو لم يكن له إلا واحدة فالوصف تأكيد.

ويشكل الحكم لو كان الوصف بالكبرى وأختيها حيث لا بنت له سواها، وفي الصحة

قوة؛ ترجيحاً للاسم كما سلف.

ولو كان له بنات متعدّدات بذلك الوصف أو الاسم لم يصح العقد، إلا مع اتفاقهما على معينة ونوياها عندنا؛ لأن الشهادة وإن تعذرت فليست بشرط، ومن اشترط الشهادة أبطل هنا ؛ لأنّ الشاهد إنّما يشهد على اللفظ المسموع دون النية. قوله: «لو ادعى زوجيّة امرأة، وادعت أختها زوجيته - إلى قوله - يكون الترجيح لبيتنته».

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب(1) لايظهر فيه خلاف بينهم، وهو مخالف للقواعد الشرعيّة في تقديم بيّنة الرجل مع إطلاق البينتين أو تساوي التأريخين؛ لأنّه منكر، ويقدّم قوله مع عدم البينة، ومن كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه والأصل فيه ما رواه الشيخ

ص: 110


1- كابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 118، المسألة 58.

ي التهذيب بإسناده إلى الزهري عن علي بن الحسين(علیه السلام) في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولى وشهود، وأنكرت المرأة ذلك، وأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنّه تزوّجها بولي وشهود، ولم يوقت وقتاً: «أنّ البينة بيّنة الزوج، ولا تقبل بينة المرأة؛ لأنّ

ا الزوج قد استحق بضع هذه المرأة، وتريد أختها فساد النكاح فلاتصدّق ولاتقبل بيّنتها إلا بوقت قبل وقتها، أو دخول بها»(1) وفي سند هذه الرواية ضعف كثير، ومع ذلك فربما ادعي على حكمها الإجماع(2)وتحرير المسألة على هذا أن يقال: إذا وقع النزاع على هذا الوجه ؛ فإما أن يُقيم كل من المتداعيين بيّنةً، أو لا يقيما، أو يُقيم أحدهما دون الآخر ، فإما الرجل أو المرأة، فالصور أربع. ثمّ على تقدير إقامتهما البينة إما أن تكون البينتان مطلقتين أو مؤرّختين، أو تكون

إحداهما مطلقة والأخرى مؤرّخةً، فإما بيّنة الرجل أو المرأة. والمؤرّختان إما بتأريخ واحد، أو مختلفتان مع تقدم تأريخ الرجل، أو مع تقدم تأريخ

المرأة. فهذه تسع صور.

وعلى جميع التقادير إما أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة المدعية أو لا، فالصور

ثماني عشرة.

وموضع النص المذكور مع إقامة كلّ منهما بيّنةً، وغيره يرجع حكمه إلى القواعد الشرعية

من غير إشكال.

و تفصيل الحكم فيها أنه مع عدم البينة أصلاً يكون القول قوله في إنكار زوجية المدعية؛ لأنّه منكر، ودعواه زوجية أختها ترجع إلى قواعد الدعوى بينه وبين الأخت؛ سواء أنكرت

ص: 111


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 433 - 434، ح 1729؛ وأيضاً رواه الكليني بإسناده إلى الزهري في الكافي،ج 5،ص 562 - 563، باب نوادر، ح 26.
2- ممن ادعى الإجماع على حكمها المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 88.

كما مرّ في الرواية أم اعترفت هذا إذا لم يكن دخل بالمدعية.

أما لو دخل بها ففي الاكتفاء بيمينه؛ نظراً إلى أنه منكر، أو يرجع إلى يمينها؛ التفاتاً إلى

أن فعله مكذب لدعواه، وجهان، يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر، والأوّل أقوى. وإن أقام أحدهما خاصةً البيئة قضى له، سواء الرجل والمرأة، إلا إذا كانت البينة للرجل

وقد دخل بالمدعية ،فالوجهان ويزيد هنا أن فعله مكذَّب لبيئته، فلا تُسمع وإن أقام كلّ منهما بينة مطلقةً، أو كانت إحداهما مؤرّخة والأخرى مطلقة، فالترجيح لبيّنته على مقتضى النصّ، إلا مع الدخول؛ لسقوطه بينته حينئذ بتكذيبه إياها فيحكم لبيّنتها. وإن أرّختا معاً وتقدّم تأريخ بيّنتها فلا إشكال في تقديمها؛ لثبوت سبق نكاحها في وقت لا تعارضها الأُخرى فيه.

ومع تساوي التأريخين أو تقدم بيّنته تقدم بيّنته إن لم يكن دخل بها؛ عملاً بالنص المذكور، ومع الدخول تقدّم بيّنتها ولو قطعنا النظر عن النصّ لكان التقديم لبيّنتها عند التعارض مطلقاً.

بقي في المسألة أمران:

أحدهما أنّ ظاهر النصّ أن من قدّم جانبه لايفتقر معه إلى اليمين، وكذلك أطلق المصنّف الحكم تبعاً لظاهره؛ إذ لو افتقر إلى اليمين مع البينة لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإقامة جزء السبب التام مقامه، وهو ممتنع.

والأقوى الافتقار إلى اليمين إلا مع سبق تأريخ إحدى البينتين.

أما الأوّل: فلأنه مع التعارض بتساوي التأريخ أو إطلاقه تتساقط البينتان، فلابدّ من فلابدّ مرجّح للحكم بإحداهما، فمن رجّح جانبه افتقر إلى اليمين، ومجرّد الدخول على - تقديره - لايوجب سقوط حكم بينته رأساً، بل غايته كونه مرجحاً، فلابّد من اليمين جمعاً بين النصوص والقاعدة الكلية.

ص: 112

التاسعة • إذا عقد على امرأة فادعى آخر زوجيتها لم يلتفت إلى دعواه، إلا

البينة.

وأما الثاني؛ فلأنه مع سبق تأريخ إحدى البينتين تكون السابقة مثبتة للنكاح في وقت

لا يعارضها فيه أحد، فتعين الحكم بها. الثاني: على تقدير العمل بالنصوص هنا هل ينسحب إلى مثل الأُمّ والبنت لو ادعى زوجيّة إحداهما وادعت الأخرى زوجيته؟ وجهان، من اتحاد صورة الدعوى؛ إذ لا مدخل للأخوة في هذا الحكم، بل إنّما هو لتحريم الجمع، وهو مشترك، ومن كون الحكم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده.

قوله: «إذا عقد على امرأة فادعى آخر زوجيتها لم يلتفت إلى دعواه إلا مع البينة». المفهوم من عدم سماع دعواه عدم الالتفات إليها أصلاً، بحيث لا يترتب عليها اليمين

على المرأة، وإن كانت منكرة داخلة في عموم: «اليمين على من أنكر»(1) ووجهه أنّ اليمين إنّما تتوجه على المنكر إذا كان بحيث لو اعترف لزمه الحق ونفع المدعي، والأمر هنا ليس كذلك؛ لأن المرأة لو صادقت المدعي على دعواه لم يثبت الزوجية؛ لأن إقرارها واقع في حق الغير وهو الزوج لملكه بضعها بالعقد المعلوم، فلا يقبل قول الغير في إسقاطه.

وكذا لايتوجه - بتوجه الدعوى - إمكان ردّها اليمين عليه؛ لأن اليمين المردودة إن كانت كالإقرار فقد عرفت حكمه، وإن كانت كالبينة فإنّما يفيد ذلك بالنسبة إلى المتداعيين دون غيرهما، وهو هنا الزوج.

وذهب جماعة من الأصحاب(2) إلى قبول الدعوى وتوجه اليمين والرد هنا ، وإن لم تسمع

في حق الزوج.

ص: 113


1- سنن الدارقطني،ج3، ص 37،ح 3151 و 3152: السنن الكبرى البيهقي،ج 8، ص 213، ح 16445؛ و ج 10 ، ص 427، ح 21201؛ الخلاف،ج 3، ص 148. المسألة 236؛ مختلف الشيعة، ج 9، ص 312، المسألة 20.
2- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 598 (الطبعة الحجرية) والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 91.

وفائدته على تقدير الإقرار ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي؛ لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني، كما لو باع شيئاً على أنه له ثم أقرّ به لزيد، فإنه يغرم للمقر له عوضه مثلاً أو قيمة. وعلى تقدير ردّ اليمين على المدعي أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي بالنكول أو مع اليمين فالحكم كذلك. ومبنى القولين على أنّ منافع البضع هل تضمن بالتفويت أم لا ؟ وقد اختلف فيه ، فحكموا بضمانه تارةً، وبعدمه أخرى؛ نظراً إلى أنّ حق البضع يتقوم شرعاً، فمن أتلفه وجب عليه عوضه وهو المهر، والتفاتاً إلى أنه ليس مالاً للزوج وإنما حقه الانتفاع به، ومنافع الحر لا تضمن بالفوات؛ لأنها لا تدخل تحت اليد.

وينبه على الأوّل حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بإرضاعها من يفسد النكاح، ووجوب دفع المهاجرة مسلمة إلى زوجها الكافر المهر؛ للحيلولة بينه وبينها بالإسلام، وهو قائم .هنا.

وعلى الثاني عدم وجوب مهر للزانية ولا لزوجها، وثبوت المهر لها في وطء الشبهة دونه

والقول بسماع الدعوى وثبوت الغرم متجه؛ عملاً بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين

على من أنكر، وزجراً عن الإقدام على مثل ذلك.

وإنما جعل المصنّف موضوع المسألة الدعوى على المعقود عليها، ليرتب الجزم بعدم سماع الدعوى؛ نظراً إلى ما ذكرناه؛ فإنّها لو كانت خليّةٌ لسمعت قطعاً، وترتب عليها اليمين

مع الإنكار، ولزوم العقد بالإقرار وثبوت النكاح لو نكلت، أو ردّت عليه اليمين فحلف وممّا يتفرّع على الخلاف الأوّل جواز العقد على هذه لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى و عدمه، فإن قلنا بسماعها بعد التزويج وترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني، وبقيت الدعوى بحالها، لكنّ العقد الثاني يفيد سقوط تسلّط المدعي على البضع فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينتهي الأوّل دعواه؛ لسبق حقه، فلايسقطه الثاني بعقده.

ص: 114

العاشرة: • إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ أذن له المولى في ابتياعها، فإن اشتراها لمولاه فالعقد باق، وإن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملكه إياها بعد ابتياعها فإن قلنا العبد يملك بطل العقد، وإلا كان باقياً.

نعم لو تراخى الأوّل في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود؛ حذراً من الإضرار المترتب على المنع؛ فإنّ الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر دعواه لذلك؛ اليطول الأمر عليها، ويتوجه عليها الضرر بترك التزويج، فيكون وسيلة إلى الرجوع إليه وهو يستلزم الحرج والإضرار المنفيين بالآية والرواية(1). وإن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلاً - كما ذهب إليه المصنّف - اتجه

عدم جواز تزويجها إلى أن يخرج من حقه بانتهاء الدعوى.

ويشكل الأمر حينئذ لو ماطل بها وقصد ما ذكرناه، ولعلّ الجواز حينئذ مطلقاً قويّ. قوله: «إذا تزوج العبد بمملوكة ثمّ أذن له المولى في ابتياعها، فإن اشتراها لمولاه فالعقد باق إلى آخره.

إذا أذن المولى للعبد أن يشتري زوجته من مولاها فلا يخلو إما أن يأذن له في شرائها للمولى أو للعبد، فإن كان الأوّل بقيت على نكاحه الأوّل؛ إذ لم يحصل إلا انتقالها من مالك إلى آخر، وذلك لايوجب انفساخ عقدها. وإن كان الثاني، فلا يخلو إما أن نقول: إنّ العبد يملك مطلقاً، أو يملك مثل هذا الفرد من

التصرفات أو لا يملك مطلقاً.

فعلى الأولين ينتقل إلى ملك العبد ويبطل النكاح كما يبطل نكاح الحر للأمة إذا اشتراها الزوج للمنافاة بين وطئها بالملك والعقد؛ لقوله تعالى: (إلَّا عَلَى أَزْوَجهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ)(2) والتفصيل يقطع الشركة، فإذا ثبت الثاني انتفى الأول، ولأن كل واحد منهما

ص: 115


1- تقدّم تخريجهما في ص 62، الهامش3.
2- المؤمنون (23): 6.

مؤثر تامّ في إباحة الوطء، وليس تأثير أحدهما أولى من الآخر ما داما مؤثرين، فيلزم إمّا الترجيح من غير مرجّح أو ارتفاع تأثيرهما وهو مُحال، فلايكون المؤثر إلا أحدهما وهو الطارئ. هكذا علّلوه.

وفيه نظر؛ لأنّ علل الشرع معرّفات، فلايضر اجتماعهما. وإن قلنا: إن العبد لايملك مطلقاً أو مثل هذا التصرّف كان عقده باقياً؛ لعدم حصول ما يقتضي رفعه. هذا خلاصة ما

يتعلّق بالعبارة. وبقي فيها شيئان

أحدهما أنّه على تقدير القول بملكه وبطلان العقد هل يستبيحها العبد بغير إذن جديد من المولى، إما بالملك أو بالإذن الضمنية المستفادة من الإذن في شرائها لنفسه، أم لا؟ كلّ من الأمور الثلاثة محتمل، وليس في العبارة ما يدلّ على أحدها، بل اقتصر على مجرد الحكم ببطلان العقد، ولاإشكال فيه. ووجه الأول - وهو استباحتها بالملك - ظاهر؛ لأن الفرض كونه مالكاً، والمالك يستبيح أمته بالملك كغيره.

ويُضعف بأنّه لا يلزم من الحكم بملكه جواز تصرفه فيه مطلقاً؛ للإجماع على أن العبد محجور عليه في سائر التصرّفات، وفائدة الحجر لا تظهر إلا على القول بكونه مالكاً؛ إذ لو نفينا ملكه أصلاً كان منعه من التصرف كمنع سائر الناس من التصرف في مال غيرهم، ومثل هذا لا يسمّى حجراً اصطلاحاً، وحينئذ فلا يلزم من الحكم بملكه جواز وطئه له بدون إذن جديد.

ووجه الثاني: أن إذن المولى له في شرائها لنفسه دلّ على أمرين أحدهما تملكه لها والآخر: تسويغه التصرّف فيها بالوطء، فيستبيحها بالإذن الضمني لا بمجرد الملك للحجر.

ويُضعف بأنّ مجرّد الإذن له في شرائها لنفسه لا يدلّ على الإذن له في الوطء بشيءٍ من

ص: 116

الدلالات ولايستلزمه، وإنّما تضمّنت مجرد التملك للعبد، وقد اعترفتم بأن التملك المجرّد لا يفيد إباحة الوطء. نعم، لو صرّح له حال الإذن في شرائها بالإذن في الوطء التملك أمكن ذلك، وليس ممّا نحن فيه، فإنّ الكلام على تقدير الإذن له في ابتياعها لنفسه مجرّداً.

ثمّ على تقدير الإذن له في الوطء قبل الشراء ففي استباحته بذلك نظر؛ لأنّ المولى غير الإذن لما أذن فيه، فيمكن القول بعدم صحته، كما نبهوا عليه في الوكالة فيما مالك حين لا يملكه الموكل، وهذه الإذن في معنى الوكالة.

الثاني: قوله: «وإلا كان العقد باقياً»، أي إذا لم نقل بأنّه يملك والحال أنه قد اشتراها

لنفسه فعقده الأول باق؛ لعدم وجود ما ينافيه.

وهذا لا إشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ الشراء المذكور حيث لم يقع للعبد هل يقع للمولى أم يبطل من رأس ؟ ليس في كلام المصنّف ما يدلّ على أحد الأمرين؛ لأنّ عقد العبد باقٍ على التقديرين، وكلّ من الأمرين محتمل والخلاف واقع في ترجيح أيهما، فقد قيل بأنّ الشراء حينئذ يقع للمولى؛ لأنّ إذنه فيه للعبد تضمّن أمرين: مطلق الشراء، وكونه مقيّداً بالعبد، فإذا بطل المقيد بقي المطلق المدلول عليه بالمقيّد ضمناً.

وهذا هو الذي قطع به الشهيد في الشرح تفسيراً لعدم بطلان العقد، فقال: لأنّ الشراء حينئذ للمولى، والملك له، وزوال الملك عن الزوجة إلى غير الزوج لا يقتضي

فسخ نكاحها(1).

وفيه نظر؛ لأنّه لايلزم من الإذن في الشراء للعبد الإذن فيه للمولى، وبقاء المطلق مع انتفاء المقيّد في مثل هذه المواضع ظاهر المنع ، ومن الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد ولايرضى بتملكها لنفسه، فعدم صحة العقد أصلاً قوي. وعلى التقديرين فعقد

ص: 117


1- غاية المراد،ج3، ص 28 (ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).

• ولو تحرّر بعضه واشترى زوجته بطل النكاح بينهما، سواء اشتراها بمال

ينفرد به أو مشترك بينهما.

العبد باق؛ لبقائها على ملك مولاها الأول الذي كانت الزوجية زمن ملكه، أو انتقالها إلى ملك المولى، وهو غير قادح في نكاحه كما مرّ.

وقد تقدم البحث في نظير هذه المسألة في باب دين المملوك من هذا الكتاب(1) فراجعه تم، فإنّه محقق بما لامزيد عليه.

قوله: «ولو تحرّر بعضه واشترى زوجته بطل النكاح بينهما سواء اشتراها بمال ينفرد به

أو مشترك بينهما. وجه البطلان أنه صار مالكاً لها على تقدير شرائها بالمال المختص به فيبطل العقد؛ لما مرّ من عدم اجتماع السببين و مالكاً لبعضها على تقدير شرائها بالمال المشترك، فيبطل العقد فيما يخصه والعقد لايتبعض، لكن على تقدير شرائها بالمشترك لايصح له وطؤها مطلقاً ما دامت كذلك؛ لأنّ البضع لا يتبعض، وعلى التقدير الأوّل يمكن وطؤها بالملك.

ص: 118


1- تقدّم في ج 3، ص 385 - 386، في دين المملوك.

الفصل الثالث: في أولياء العقد

اشارة

وفیه فصلان:

الفصل الأوّل في تعيين الأولياء

. لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والمولى، والوصى، والحاكم.

. وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل: نعم؛ مصيراً إلى رواية لاتخلو من ضعف والوجه أنّه لايشترط.

قوله: «لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجدّ للأب وإن علا والمولى والوصيّ والحاكم».

نبه بالحصر على خلاف بعض أصحابنا القائلين بولاية الأم وآبائها(1)، وجماعة من العامة؛ حيث أثبتوا الولاية للعصبة والمعتق والابن بالنسبة إلى الأُمّ(2). وهذا كله لم يقم عليه عندنا دليل. وسيأتي الكلام في ولاية الأُمّ(3).

قوله: «وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ - إلى قوله - والوجه أنّه لايشترط».

ص: 119


1- كابن الجنيد على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة،ج7، ص 124، المسألة 60.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 346 - 350، المسائل 5152 - 5157: وحلية العلماء، ج 6، ص 328-332؛ وكفاية الأثر، ج 2، ص 32.
3- يأتي في ص 187 وما بعدها.

الكلام فى ولاية الجد في موضعين:

أحدهما: في أصل ثبوتها، وهو المشهور بين الأصحاب، بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع(1). وخالف في ذلك ابن أبي عقيل، فقال: الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء(2)، ولم يذكر للجد ولاية.

والثاني: في مرتبته والمشهور أنه لا يشترط في ولايته حياة الأب ولا موته، بل تثبت

له الولاية مطلقاً.

وذهب الشيخ(3) وجماعة(4) إلى أنّ ولايته مشروطة بحياة الأب، فلو مات الأب سقطت ولاية الجد، عكس ما اعتبره العامة فإنهم شرطوا في ولاية الجد موت الأب(5). لنا في الدلالة على المطلوب في الموضعين أنّ الجدّ له ولاية المال إجماعاً، فتثبت ولاية النكاح كالأب؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق(علیه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها»(6)، ولا خلاف في أنّ الجد ولي أمر الصغيرة في الجملة. وروى عبيد بن زرارة في الموثق، قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل، ويريد جدّها أن يزوجها من رجل آخر، فقال: «الجد أولى بذلك ما لم يكن مضاراً إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد»(7). وهذا يدل على أنّ ولاية الجد أقوى، فلا يؤثر فيها موت الأضعف، كالعكس، بل هو أولى.

ص: 120


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 587) (الطبعة الحجرية).
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 117، المسألة 57.
3- النهاية، ص 466.
4- كالصدوق في الهداية، ص 260؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 292؛ وابن البراج في المهذب،ج2،ص 195.
5- راجع الأم،ج 5، ص 23؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 346، المسألة 5152.
6- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 392،ح،1570.
7- الكافي، ج 5، ص 395، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته...،ح 1؛ الفقيه،ج3،ص 395،ح 4395؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 390، ح،1560.

● وتثبت ولاية الأب والجدّ للأب على الصغيرة وإن ذهبت بكارتها بوطء أو

غيره، ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين.

وكذا لو زوّج الأب أو الجد الصغير لزمه العقد، ولا خيار له مع بلوغه ورشده على الأشهر.

وفيه نظر؛ لجواز كون قوة الولاية مشروطة بحياة الأب، كما هو مفروض الرواية فلايلزم قوتها مطلقاً.

واستند الشيخ رحمه الله ومن تبعه إلى رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «إنّ الجدّ إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيّاً ، وكان الجد مرضيّاً جاز»(1) الحديث.

وفیه مع ضعف السند، ضعف الدلالة؛ فإنّها بالمفهوم الوصفي، وهو غير معتبر عند المحققين.

قوله: وتثبت ولاية الأب والجد للأب على الصغيرة - إلى قوله - على الأشهر». لما كان مناط الولاية للأب والجدّ على البنت صغرها فلا فرق مع وجود الوصف بين كونها بكراً أو ثيباً؛ لوجود المقتضى فيهما، وإنّما يمكن افتراق الحكم فيهما للبالغة، كما سيأتي(2). والمشهور بين الأصحاب أن العقد على الصغيرين من الوليّ ماض عليهما، سواء رضيا بعد البلوغ به أم لا: لوقوعه من أهله في محلّه صحيحاً فيستصحب، والروايات الدالة عليه كثيرة. منها: صحيحة عبدالله بن الصلت قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: «لا»(3). وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت الرضا عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة، ثمّ تكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أيجوز عليها التزويج أم الأمر

ص: 121


1- الكافي، ج 5، ص 396، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 391، ح 1564.
2- سيأتي عن قريب.
3- الكافي،ج 5، ص 394، باب استثمار البكر... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 381،ح 1540؛ الاستبصار،ج3، ص 236،ح 851.

• وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات، أظهرها سقوط الولاية عنها، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع.

ولو زوجها أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها. ومن الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع. ومنهم من عكس، ومنهم من أسقط أمرها معهما فيهما.

إليها؟ قال: «يجوز عليها تزويج أبيها»(1). ومثله صحيحة علي بن يقطين عنه(علیه السلام)(2). وهذا الحكم لا يظهر فيه مخالف، وإنّما وردت رواية تخالف ذلك، وهي صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الصبي يزوّج الصبية، قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا»(3) الحديث.

وحمله الشيخ على أن لهما الخيار بالطلاق من جهة الزوج واختياره، أو مطالبة المرأة له بالطلاق، أو ما يجري مجرى ذلك، ممّا يفسخ به العقد، لا الخيار المعهود؛ جمعاً بين الأخبار(4). وحمله العلّامة على ما إذا زوجهما الوليّ بغير كفو، أو بذي عيب، ونحو ذلك(5). وهو راجع

إلى تنزيل الشيخ في قوله وما يجري مجرى ذلك.

وهو حمل بعيد؛ لكنّه خير من اطراح أحد الجانبين.

قوله: «وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ - إلى قوله - أن ينفردا عنها بالعقد». هذه المسألة من المهمات والفتوى فيها من المشكلات بسبب اختلاف الروايات

وقد اضطربت لذلك أقوال الأصحاب فيها. وتحرير القول في ذلك أن الأنثى إن كانت صغيرة أو غير رشيدة فلا خلاف في ثبوت الولاية عليها. وإن كانت ثيباً رشيدةٌ فلا خلاف بين أصحابنا في سقوط الولاية عنها، إلا

ص: 122


1- الكافي،ج 5، ص 394، باب استثمار البكر... ح 9: الفقيه،ج 3، ص 395، ح 4394؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 381 ، ح 1541؛ الاستبصار،ج3، ص 236،ح 852.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 381-382، ح 1542؛ الاستبصار،ج 3، ص 236،ح853.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388-389 ، ح 1556؛ الاستبصار، ج 3، ص 236، ح 854.
4- الاستبصار،ج 3، ص 237، ذيل الحديث 854.
5- تذكرة الفقهاء،ج2 ص 587 (الطبعة الحجرية).

وفيه رواية أخرى دالّة على شركتها في الولاية، حتى لايجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد.

ما نقل عن الحسن بن أبي عقيل من بقاء الولاية(1)، وهو شاذ.

وإن كانت بكراً كاملةً لم تتزوّج، أو تزوّجت ولم توطأ، أو وطئت دبراً، أو ذهبت بكارتها بغير الجماع قبل البلوغ - أو بعده على قول - فلا خلاف أيضاً في انتفاء الولاية عنها في مالها، وإنما الخلاف في استمرار الولاية عليها بالنسبة إلى النكاح خاصةً، وجملة ما ذكره المصنف من الأقوال في ذلك خمسة:

الأوّل: - وهو الذي اختاره جميع المتأخرين، وقبلهم جماعة من القدماء، منهم الشيخ في التبيان(2)، والمرتضى(3)، وابن الجنيد(4)، والمفيد في كتاب أحكام النساء(5)، وسلّار(6)، وابن إدريس(7) سقوط الولاية عنها رأساً، وثبوتها لها مطلقاً.

الثاني: استمرار الولاية عليها مطلقاً. وهو قول الشيخ في النهاية(8)، والصدوق(9)، وجماعة(10).

ص: 123


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 118 المسألة 58؛ والشهيد في غاية المراد،ج3، ص 29(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3) والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12،ص123.
2- التبيان، ج 2، ص 273 ذيل الآية 237 من سورة البقرة (2).
3- المسائل الناصريات، ص،320، المسألة 150.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 114، المسألة 56.
5- أحكام النساء، ص 36 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد،ج9).
6- هذا القول مخالف لما في المراسم،ص 148، المطبوعة مستقلاً: نعم، هو موافق للمراسم المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية،ج 18، ص 131؛ وأيضاً حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص114، المسألة 56.
7- السرائر،ج2، ص561.
8- النهاية،ص 465. وفي حاشية «و»: «ما نقلناه عن النهاية هو الصحيح، وهو الذي نقله عنه الأكثر؛ وفي شرح الإرشاد نقل عنه القول الرابع وليس بجيد(منه رحمه الله)». راجع غاية المراد،ج3، ص30(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج3).
9- الهداية، ص260؛ الفقيه،ج3، ص 395، ذيل الحديث 4396.
10- منهم ابن أبي عقيل، وابن البراج على ما حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 114، المسألة 56:و راجع المهذب،ج2، ص193.

الثالث: التشريك بينها وبين الولي. وهو قول أبي الصلاح(1)، والمفيد في المقنعة(2) على اضطراب في عبارته.

الرابع: استمرار الولاية عليها في الدائم دون المتعة. وهو قول الشيخ في كتابي الحديث(3). الخامس عكسه وهو مجهول القائل، وسئل المصنّف(4) - حيث نقله هنا قولاً - عن القائل به فلم يجب.

وزاد بعضهم قولاً سادساً، وهو أن التشريك في الولاية يكون بين المرأة وأبيها خاصةً دون غيره من الأولياء، ونسبه إلى المفيد(5).

حجة الأولين أُمور:

الأوّل: الآيات الدالّة على إضافة النكاح إلى النساء من غير تفصيل، كقوله تعالى: (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)(6)، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَجَهُنَّ)(7)، وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(8). وهو مفيد للعموم الشامل لغير المدخول بها.

الثاني: الروايات:

فمنها ما رواه ابن عباس (رحمه الله) عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها»(9).

ص: 124


1- الكافي في الفقه، ص 292.
2- المقنعة، ص،510.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 380-381، ذيل الحديث 1538؛ الاستبصار،ج3،ص 145، ذيل الحديث 527.
4- في حاشية «و»: «السائل صاحب كشف الرموز ذكره فيه منه رحمه الله». كشف الرموز، ج 2، ص 112-113.
5- في حاشية «و»: «هو الشيخ فخر الدين في شرحه منه رحمه الله)». إيضاح الفوائد، ج 3، ص 20.
6- البقرة (2) 230.
7- البقره،2، 232.
8- البقرة (2) 234.
9- صحیح مسلم،ج2، ص 1037، ح 1421/66؛ سنن الدارمي،ج2، ص 138؛ سنن أبي داود، ج2، ص،232،ح،2098.

والمراد بالأيم من لا زوج لها، قال الجوهري: الأيامي: الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وامرأة أيّم [أيضاً) بكراً كانت أو ثيباً(1).

والدلالة في الرواية من صدرها وعجزها وإعادة ذكر البكر مع دخولها في الأيم للتنبيه على اختصاصها بكون سكوتها كافياً عن الجواب اللفظى.

ومنها: ما رواه ابن عبّاس أيضاً: أن جارية بكراً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة، فقال : أجيزي ما صنع أبوك»، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: «فاذهبي فانكحي من شئت، فقالت: لا رغبة لي في غير ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شيء(2). وهذه الرواية أوضح ما في الباب دلالةً لو صح سندها؛ لأنها تفيد استقلالها بالولاية، بخلاف الأولى فإنّها لا تنفى القول بالتشريك.

ومنها حسنة الفضلاء - الفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، وبُريد - عن الباقر قال: «المرأة التي قد ملكت نفسها - غير السفيهة ولا المولى عليها - أن تزويجها بغير ولى جائز»(3).

ومنها: صحيحة منصور بن حازم عن الباقر(علیه السلام) قال: «تستأمر البكر وغيرها، ولاتنكح إلا بأمرها(4)

ومنها: رواية زرارة عن الباقر(علیه السلام) قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها، تبيع وتشتري

ص: 125


1- الصحاح،ج3، ص 1868، «أيم».
2- مسند أحمد،ج 7، ص196،ح 24522؛ سنن ابن ماجة،ج 1، ص 602-603،ح 1874؛ سنن النسائي، ج 6،ص 86 ، ح 3266: السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 190 - 191،ح13676.
3- الكافي،ج 5، ص 391، باب التزويج بغير وليّ،ح 1: الفقيه،ج3، ص 397،ح 4400: تهذيب الأحكام،ج 7،ص 377،ح 1525؛ الاستبصار،ج3،ص232-233، ح 837.
4- رواها الشيخ عن أبي عبدالله(علیه السلام) في تهذيب الأحكام،ج7، ص380،ح 1535.

وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت؛ فإنّ أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليها، وإن لم تكن كذلك فلايجوز تزويجها إلا بأمر وليها»(1).

ومنها: رواية أبي مريم عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «الجارية البكر التي لها الأب لا تتزوج إلا بإذن أبيها»، وقال: «إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت من شاءت»(2). والدلالة من آخر الحديث، ويحمل أوّله على غير المالكة، أو غير البالغة الرشيدة؛ ليلتئم أوّل الكلام وآخره. ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «تتزوّج المرأة من

شاءت إذا كانت مالكةً لأمرها، فإن شاءت جعلت وليّاً»(3). ومنها: رواية سعدان بن مسلم عنه أنه قال: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن وليها»(4).

الثالث: الإجماع، وقد ادّعاه المرتضى على هذا القول(5)، والإجماع المنقول بخبر

الواحد حجّة، كما قرّر في الأصول(6)، فكيف بمثل المرتضى (رحمه الله)؟

الرابع: أصالة عدم اشتراط إذن الولي في صحة العقد، مؤيّداً بأن البلوغ والرشد مناط التصرف، فتخصيص بعض التصرفات دون بعض تحكم، ومن المعلوم أن ولاية المال قد زالت فتزول ولاية النكاح، والأوّل محلّ ،وفاق والملازمة تظهر باشتراط الولايتين بالبلوغ والرشد هذا غاية ما تقرّر في تصحيح القول الأول. والاعتراض أمّا على الأوّل من وجوهه فبمنع دلالته على موضع النزاع؛ فإن النساء

ص: 126


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 378،ح1530؛ الاستبصار،ج3،ص234،ح 842.
2- الكافي،ج 5، ص 391-392،باب التزويج بغير ولي، ح،2.
3- الكافي، ج 5، ص 392، باب التزويج بغير ولي، ح 3.
4- تهذيب الأحكام،ج7، ص380،ح 1538؛ الاستبصار،ج3، ص 236، ح 850.
5- المسائل الناصريات،ص320 - 321، المسألة 150: الانتصار، ص 320 - 321، المسألة 150؛ الانتصار، ص 283-284، المسألة 158.
6- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول،ج 3، ص 215.

المحدّث عنهنّ بإضافة النكاح إليهنّ هنّ المطلقات للعدّة، وبعضهن مطلقات ثلاثاً، وذلك يستلزم الدخول بهنّ، والنزاع في البكر. وإنّما تصلح هذه الآيات حجةً على المخالف الذاهب إلى أن المرأة مطلقاً ليس لها التزويج بغير الولي، لا على من أسقط الولاية عن الثيّب. ويمكن الاعتذار بإمكان فرض طلاق العدة مع بقاء البكارة، بأن تكون قد وطئت في الدبر، ومعه يمكن فرض الطلاق ثلاثاً للعدة مع بقاء البكارة. وهو فرض بعيد، إلا أن العموم يتناول مثله، فيصح الاحتجاج به في الجملة.

وأما الروايات فهي بأسرها مشتركة في عدم صحة السند ما عدا الرابعة.

أما الأولتان فعامّيّتان وأمّا الثالثة ففيها - مع كونها من الحسن لا من الصحيح - قصور الدلالة؛ فإنّ الحكم فيها على من ملكت نفسها، فإدخال البكر فيها عين المتنازع. وكذا قوله: «غير المولّى عليها» فإنّ الخصم يدّعي كون البكر مولّى عليها، فكيف يستدلّ بها على زوال الولاية عنها؟! مع ما في متنها من التهافت فإنّ قوله «غير السفيهة» إن كان هو الخبر عن المبتدأ - وهو «المرأة» و«المولّى عليها معطوف على الخبر، فلا وجه للجمع بين الخبر وما عطف عليه؛ لأنّ السفيهة داخلة في المولّى عليها، ومع ذلك فالجملة التي بعدها - وهي قوله: «إنّ تزويجها جائز» - مرتبط بالجملة الأولى ومتفرع عليها، فلا وجه لقطعها عنها. وإن كان الخبر عن المبتدأ هو الجملة الأخيرة، وهي إنّ تزويجها» إلى آخره. ويجعل قوله «غير السفيهة» وما عطف عليه بمنزلة الصفة للمرأة المالكة نفسها، ويبقى التقدير: المرأة التي ملكت نفسها الموصوفة بكونها غير سفيهة ولا مولّى عليها يجوز لها التزويج إلى آخره، يسلم من انقطاع الجملة الثانية عنها بغير وجه ويبقى فيها عطف العام - وهو المولى عليها - على الخاص، وهو أسهل.

والظاهر أنّ تنزيلها على المعنى الثاني أنسب؛ لأنه على الأوّل يصير «غير السفيهة» و«غير المولّى عليها تفسيراً للمالكة نفسها، وظاهر أنّ «المالكة نفسها أعمّ منهما، مع ما فيه من انقطاع الجملة المقصودة بالذات.

ص: 127

وعلى الإعراب الثاني يجوز أن يريد ب«المالكة نفسها» الحرّة، ويجعل ملك النفس كناية عنها، و «غير السفيهة» و«المولى عليها صفة لها، فكأنه قال: المرأة الحرة التي ليست سفيهة ولا مولّى عليها نكاحها جائز إلى آخره. ويمكن أن يكون فائدة الجمع بين السفيهة والمولّى عليها أن الولاية على السفيهة ليست عامةً، ومن ثَمّ لا يُحجر عليها في غير المال، فقد يُتوهّم منه جواز تزويجها نفسها لذلك، فخصها بالذكر، حذراً من توهم خروجها عن المولى عليها، حيث إن الولاية منتفية عنها على بعض الوجوه، وجاءت الجملة الباقية خبراً عن المبتدإ مؤكداً ب«أنّ»(1) والجملة الاسمية.

وهذا معنى جيّد يصحح الدلالة، ويخرجها عن التهافت.

ولو أريد ب«المالكة نفسها من ليس عليها ،ولاية، وجعلت الصفة التي بعدها مؤكدة موضحة للمطلوب أمكن، إلا أن الأوّل أقعد.

ويمكن مع ذلك التخلّص من دعوى كون البكر مولّى عليها، وأن الاستدلال بها عين النزاع، بأن يقال: إن البكر الرشيدة لما كانت غير مولّى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها في الجملة، فيصدق أنّ البكر الرشيدة الحرّة مالكة نفسها غير سفيهة ولا مولّى عليها، فتدخل في الحكم، وهو جواز تزويجها إلى آخره.

وهذا حسن أيضاً. ولكن يبقى الاستدلال بها موقوفاً على أمر آخر، وهو جعل المفرد المعرّف مفيداً للعموم؛ لأنّ المرأة كذلك، والمحققون من الأصوليين على خلافه(2)، ومتى لم تكن عامة لا تدلّ على المطلوب؛ لصدق الحكم بامرأة في الجملة موصوفة بذلك، وهو واقع كثيراً.

وقد أسلفنا عن قريب أنّ المفرد في مثل هذه المقامات ظاهر في العموم؛ إذ لولاه لكان الكلام الواقع من الشارع عارياً عن الفائدة أصلاً؛

إذ لا معنى للحكم بكون امرأة في الجملة يجوز

ص: 128


1- لفظة «أنّ» لم ترد في نقل الصدوق، راجع الفقيه،ج3، ص 398،ح،4400.
2- تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 129.

لها التزويج بغير وليّ؛ فإنّ ذلك واقع عند جميع المسلمين حتى عند من أثبت الولاية على الثيب، فإنّه أسقطها عن المرأة في مواضع. وبمثل هذا استدلوا على عمومية مثل: «إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً»(1)، و«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم(2)، وغير ذلك مما هو كثير.

وقد ظهر من جميع ما حققناه أنّ دلالة هذه الرواية قريبة الأمر، إلّا أنّها مشتملة على شبهات كثيرة لا تقاوم ما سيأتي ممّا يدلّ صريحاً على ثبوت الولاية من النصوص الصحيحة. وأما الرابعة فهى أوضح سنداً، لكن في بلوغها حد الصحة الذي ادعوه عندي نظر؛ لأنّ في طريقها العباس غير منسوب إلى أب، وهذا الاسم مشترك بين الثقة والضعيف، وإن كان الأوّل أكثر ويغلب على الظن إرادته، فإنّ ذلك غير كافٍ في الحكم بالصحة؛ لقيام الاحتمال ومع ذلك فهي قاصرة الدلالة على المطلوب؛ فإن استثمار البكر إنّما يفيد نفي القول باستقلال الوليّ، لكنه لا ينفي اشتراك الولاية بينهما، وهو أحد الأقوال في المسألة.

وأما رواية زرارة ففي طريقها موسى بن بكر، وهو واقفي ضعيف(3). وفي دلالتها ما تقدّم من أن ملك البكر أمرها عين المتنازع، والتخلّص منه بما قرّرناه. وبقرينة ذكر التصرفات من البيع والشراء يفيد أن ملك الأمر يراد به رفع الحجر عن المال. والكلام في الرواية السادسة والسابعة كالتي قبلهما متناً وسنداً، وفي الثامنة ضعف السند، وفي الجميع الشكّ في العموم، من حيث إن المحكوم عليه مفرد محلّى باللام.

وأما دعوى الإجماع فواقعة في معركة النزاع، ويكفي في فسادها بالنسبة إلى السابقين

ص: 129


1- أورده الشيخ في الخلاف،ج1، ص 174، المسألة 127؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 17، المسألة؛ 2.
2- سنن ابن ماجة،ج 1، ص 101، ح 27275؛ سنن أبي داود،ج1، ص 16،ح 61: الجامع الصحيح، ج 1 ص 9،ح3؛ سنن الدارمي،ج1، ص 175.
3- سنن الدارمي،ج 1، ص 175 راجع رجال الطوسي، ص 343،الرقم 5108؛ وخلاصة الأقوال، ص 406 الرقم 1639.

على المرتضى مخالفة مثل الصدوق(1) والمفيد(2) وابن أبي عقيل(3) من أهل الفتوى. وأما أهل الحديث فستعرف أنّ الصحيح منه دالّ على خلافه، فكيف ينسب إليهم القول بخلافه؟ وأما أصالة عدم الاشتراط فمعارضة بمثلها؛ لأنّ الاستصحاب أحد معاني الأصل المعتبر، وهو يتمّ مع الخصم، وإن أضاف إليه ما يدلّ على إثبات الولاية من الروايات ارتفع الأصل المدعى أصلاً. وكون البلوغ والرشد مناط التصرّف مطلقاً عين المتنازع، وفي بعضه لا يفيد.

والملازمة بين النكاح وغيره ممنوعة، والفارق قائم، فإنّ اطلاع النساء - سيما البكر - على مزايا الرجال عزيز، وضرر النكاح لا يتلافى من جهة المرأة، ومبنى رأيهن على الوهن والفساد، وترتيبه غالباً على غير السداد. فلا يقاس النكاح على المال الذي يسهل ضرره، ويمكن تلافيه، ويتحمل غبنه، خصوصاً عند النفوس الكاملة، عكس النكاح.

حجّة القول الثاني:أمور:

الأوّل: الروايات:

فمنها : قول النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم): « لا نكاح إلا بولي(4)، خرج منه ما أجمع على عدم اعتبار الولاية فيه فيبقى الباقي وأبلغ منه ما روي عنه أنه قال: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثاً»(5).

وبهذين احتج من اشترط الوليّ في المرأة مطلقاً من العامة(6)، ووافقهم ابن أبي عقيل من

ص: 130


1- الهداية، ص،260: الفقيه،ج 3، ص 395، ذيل الحديث 4396.
2- المقنعة، ص 510.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج7، ص 114، المسألة 56.
4- سنن ابن ماجة،ج 1، ص 605،ح 1880 و 1881؛ سنن أبي داود،ج 2، ص 229،ح 2085: الجامع الصحيح،ج،3، ص 407 ، ح 1101، وص 409، ح 1102؛ سنن الدارمي،ج 2، ص 137؛ سنن الدار قطني،ج 3، ص 144 - 147،ح،3460 و 3464 و 3465 و 3467.
5- سنن سعیدبن منصور،ج1، ص 148،ح 528 ؛ سنن الدارقطني،ج 1، ص 218، ح 271؛ وج 3، ص 146،ح 3466.
6- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 338، المسألة 5137؛ وكفاية الأخيار، ج 2، ص،30.

أصحابنا على ذلك، كما وافقهم على اشتراط الإشهاد(1). ومنها صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق(علیه السلام) قال: «لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن أبيها»(2). وهو خبر معناه النهي، والأصل فيه التحريم.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) قال: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر». وقال: «يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب»(3) ولا يحمل على الصغيرة؛ لأنه أثبت أنّ غيره يستأمرها. وفيها دليل على إبطال مذهب القائل بتفرّدها والقائل بالتشريك.

ومنها: صحيحة العلاء بن رزين عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن»(4). ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله في الجارية يزوجها أبوها بغير رضى منها،قال: «ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة».

ومنها: صحيحة زرارة، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام)يقول: «لا ينقض النكاح إلا الأب». وجه الدلالة أن قوله: «لا ينقضه إلا الأب عام؛ لأنه نكرة في سياق النفي؛ إذ التقدير لا ينقضه أحد، وقد خرج من الاستثناء الثيب والذكر البالغ بالإجماع أو بغيره من الأدلة،

ص: 131


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 118، المسألة 58.
2- الكافي،ج 5، ص393، باب استثمار البكر...،ح 1: الفقيه، ج 3، ص 395،ح،4393؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 379،ح 1531: الاستبصار، ج3، ص 235،ح 845.
3- الكافي،ج 5، ص 393،باب استثمار البكر... ح2 تهذيب الأحكام،ج 7، ص،380،ح 1537؛ الاستبصار،ج3، ص 235،ح 849.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 381، ح 1539. 6. الكافي،ج 5، ص 392، باب التزويج بغير الولي، ح 8 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 379، ح 1532؛ الاستبصار،ج 3، ص 235،ح 846.

فيبقى الباقى داخلاً ولو كان لها ولاية مختصة أو مشتركة لكان لها نقضه على بعض الوجوه. وقد دخلت في جملة النفي(1).

ومنها: رواية إبراهيم بن ميمون عن الصادق(علیه السلام)قال : إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر، وإذا كانت قد تزوّجت لم يزوجها إلا برضى منها»(2).

ومنها: رواية عبدالله بن الصلت قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال: «ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب»(3)، يعني تصير ثيباً. ومنها: رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها، إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها. وأمّا الثيّب فإنّها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوّجاها»(4).

الثاني: الأصل، بمعنى الاستصحاب؛ فإنّ الولاية كانت ثابتة عليها قبل محل النزاع فتستصحب إلى أن يثبت المزيل، ومن اعتبر ما ذكر من الأدلة لا يثبت عنده المزيل.

الثالث: الاعتبار؛ فإنّ في سلبها الولاية لحكمة واضحة لقصور رأي المرأة، خصوصاً في معرفة الصالح من الرجال فلولا كون نكاحها منوطاً بنظر الأب لزم الضرر عليها وعلى أهلها غالباً. والجواب عن جميع هذه الأدلة بأمر واحد وهو أنا إن أخذنا بظاهرها لزم اطراح تلك الأخبار الدالّة على نفي الولاية عنها جملةً، ومتى كان في تلك الأخبار خبر واحد يعتنى به فلابدّ من الجمع بينه وبين هذه. وطريق الجمع أن يحمل نهي استبدادها هنا على الكراهة،

ص: 132


1- في بعض النسخ: «المنفي» بدل «النفي».
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 380، ح 1536: الاستبصار،ج3، ص 235، ح 848.
3- الكافي،ج 5، ص 394، باب استثمار البكر...،ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 381، ح 1540: الاستبصار،ج3، ص 236،ح،851.
4- الكافي،ج 5 ، ص 394، باب استثمار البكر... ح،5.

والنفي على نفي الكمال والبطلان على المبالغة في عدم اعتدادها برأيها، بحيث يُعدّ ما يرتب عليه كالباطل، فلا تنكح إلا بإذنه، وعدم استثمارها في باقي الأخبار على أنّها لا تجعل لها مع أبيها رأياً، بل تفوّض الأمر إليه جملةً.

وينبه على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبكر في الخبر السابق(1): «أجيزي ما صنع أبوك» بصيغة الأمر الجازم، ثمّ عقبه - لماكرهت - بقوله: اذهبي فانكحي من شئت».

وحينئذ فإذا عملنا بذلك يكون قد اعتبرنا جميع الأخبار من الطرفين، بخلاف ما إذا أبقينا هذه على ظاهرها؛ فإنّ تلك الأخبار لا تقبل الحمل على ما ينفي الجميع؛ فإنه وإن أمكن حمل المالكة أمرها فيها على الثيب، ففيها ما لا يمكن حمله عليها؛ للتصريح بالبكر في كثير منها. نعم، لو فرض اطراح الأخبار الضعيفة من الجانبين، واعتني بالجمع بين الصحيح منها أمكن حمل قوله في الصحيح: «تستأمر البكر وغيرها» على الاستحباب، وقوله في الحسن: التي ملكت أمرها غير المولى عليها على الثيب إلا أنه يبقى فيه أن الجمع لما كان صحيحاً بالأمرين معاً فلا يتعيّن أحد الطرفين لاحتمال كلّ منهما، ويبقى مع الأوّل أصالة صحة العقد على تقدير صدوره بغير إذن الولي، ولا يعارض باستصحاب الفساد؛ حيث إنّه أحد الأصول أيضاً؛ لأنّ هذا الأصل قد انقطع بالبلوغ والرشد في نظر الشارع بذلك الأصل وغيره. ولو كان معتبراً في مثل ذلك لم يمكن الاستدلال بأصالة صحة العقد في موضع من المواضع. وبهذا يرجح الجمع بحمل هذه الأخبار على ما ذكرناه، ويظهر الفرق بين أصالة الصحة في عقد المرأة وعقد أبيها، وفيه أيضاً إعمال لجميع الأخبار الصحيحة وغيرها، وهو أولى من اطراح بعضها؛ لإمكان صدق كل واحد. وأما الكلام على خصوص هذه الأحاديث فنقول: الأوّلان منها عاميان، وقد عارضهما مثلهما في الأوّل، فلابدّ من الجمع، وهو ممكن

على أنه قد طعن في سندهما محققوهم

ص: 133


1- سبق في ص 125.

والثاني: نقلوه عن الزهري وقد أنكره، قال ابن جريج: سألت الزهري عن هذا الخبر فلم يعرفه(1)، فيسقط. ويبقى الأمر في الأوّل أسهل؛ لأنّ المنفي فيه ماهية النكاح، ونفي الماهيات غير مراد في مثل ذلك، والحمل على المجاز واسع ومنه حمله على نفي الكمال، كقوله(صلی الله علیه وآله وسلم):لا صلاة لجار المسجد إلا فيه»(2).

ونفي الصحة وإن كان أقرب المجازات إلى الحقيقة إلا أنه يوجب اطراح تلك الأخبار المكافئة له في الإسناد.

ويضاف إلى ذلك اعتضاد الأولين بظاهر القرآن كما سبق. وأما الثالث فإنّ صحته وإن كانت مشهورة بين الباحثين في المسألة كالعلّامة(3) والشهيد(4) ومن تبعهما(5) في ذلك، إلا أن عندي فيه نظراً، فإنّ في طريقه علي بن الحكم، وهو مشترك بين الثقة وغيره وذلك يمنع من الحكم بصحته وقد تقدّم منا الكلام على نظيره. وفيه - من حيث الدلالة : أن قوله: «لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن أبيها»، كما يمكن حمل «من» فيه على البيانية، فيعم الصغيرة والكبيرة يمكن حملها على التبعيضية، فلا يدلّ على موضع النزاع؛ لأنّ بعض الأبكار - وهي الصغيرة - لا تتزوج إلا بإذن أبيها إجماعاً، وإذا كان ذلك محتملاً سقط الاحتجاج بها في مقابلة تلك.

ولايقدح في ذلك بعد الحمل على التبعيض، وانتفاء فائدة التقييد بالأبكار، من حيث إنّ الصغيرة الثيب حكمها كذلك؛ لجواز البناء في العقد على الغالب من أنّ الصغيرة لا تكون إلا بكراً. ومثل هذا التنزيل في طريق الجمع أسهل من غيره.

وكذا حمل النهي فيه على الكراهة. ثم على تقدير التحريم لايدلّ على فساد العقد لو فعلته بدون إذنه؛ لأنّ النهيَ في غير العبادة

ص: 134


1- الجامع الصحيح،ج3،ص،410، ذیل الحدیث 1102: شرح معاني الآثار،ج3، ص 8.
2- تهذيب الأحكام،ج1، ص 92،ح 244؛ سنن الدارقطني،ج2، ص 97،ح، 15361535؛ المستدرك على الصحيحين،ج1، ص 519، ح 933.
3- مختلف الشيعة،ج7، ص 116. المسألة 56.
4- غاية المراد،ج3، ص34(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج (3).
5- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 125.

لايدل على الفساد. ولايقدح في ذلك أن القول بالتحريم من دون الفساد إحداث قول لم يقل به أحد(1)؛ لأنّ مثل هذا في المسألة المنتشرة الأقوال غير مسموع عند المحققين، على أنّ ما فيها من الأقوال لم يحدث في وقت واحد، فالمتأخر يرد فيه ذلك. وهذا كلام بعيد عن التحقيق. وأما الرابع فالكلام في صحته، كما مر في الثالث، فإن في طريقه أيضاً علي بن الحكم.

وفي متنه قصور من حيث تضمنه أنّ الجد يستأذن؛ لدخوله في الكلية، مع عدم استثنائه مع الأب. ولا يقال: إنّه داخل فيه؛ لأنه أب؛ لمنع كونه كذلك حقيقة وإلا لما كان لذكره معه فائدة.

حيث يقال : الولاية للأب والجد، ومجرّد استعماله فيه أعم من الحقيقة. ومبادرة الذهن عند إطلاق اللفظ إلى غير الجد، وتوقف حمله عليه على القرينة، وصحة

سلبه عنه. فيقال: الجد ليس بأب دليل المجاز.

والكلام على الخبر الخامس كالكلام على الثالث متناً وسنداً. أما السند فإنّه واحد إلا أنّه لمّا وصل إلى العلاء رواه عن الصادق(علیه السلام) هنا، وفي الخبر السابق رواه عنه بواسطة ابن أبي يعفور، وكلاهما رويا عن الصادق(علیه السلام) وذاك نقلته من التهذيب، وهذا من الكافي. وإنّما جمعت بينهما مع اتحاد الدلالة؛ لقوتها بالتعدد، ولأنّ متن هذا أقعد من جهة قوله: «إلا بإذن آبائهن فإنّ جمع الضمير فيه العائد على ذوات الآباء مطابق، بخلاف توحيد ضمير «أبيها» في ذلك الخبر مع جمع من يعود إليه الضمير.

ومع هذا فالذي يظهر أنّ الخبرين واحد، وأنه سقط من نسخة الكافي التي عندي «عن عبدالله بن أبي يعفور الواسطة بين العلاء وبين الصادق(علیه السلام)؛ لأنّ الشيخَ في التهذيب والاستبصار رواه عن الكليني وأثبت الواسطة ولم يذكر غيره، والموجود في [كافي ] الكليني ما ذكرناه مع عدم ذكر الواسطة، فكان ذلك قرينة سقوطه من هذه النسخة، وثبوته في نسخة الكافي التي نقل منها الشيخ.

ص: 135


1- في حاشية «و»: «القادح بإحداث القول الشهيد في شرح الإرشاد(منه رحمه الله)». راجع غاية المراد،ج3،ص 35(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3).

وأما السادس: ففي صحته بحث، وذلك ؛ لأنّ الشيخ رواه عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، وحمّاد غير منسوب إلى أب مشترك بين الثقة وغيره فلا يكون صحيحاً بهذا الاعتبار. وفي الكافي رواه عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، فنسب حماداً إلى أبيه، وحمّاد بن عثمان ثقة إلا أن طريق الكافي من الحسن؛ لأنّ فيه إبراهيم بن هاشم ولم ينص الأصحاب على تعديله وتصحيح نسبة حماد المطلق في طريق الشيخ من طريق الكليني الحسن لايخلو من الحسن على ما فيه. وأما متنها فأوضح الجميع دلالة؛ لجمعه بين جواز نكاح الأب مع كونها كارهة، وبين نفي أمرها معه.

وينبغي حملها على مثل ما تقدم من أنّه ينبغي لها أن لا تجعل لها مع أبيها أمراً يخالف أمره، وأن تجيز ما يختاره لها من النكاح وإن كانت كارهة؛ لضرورة الجمع. ومن العجب أن الباحثين عن الخلاف في المسألة، كالعلّامة في المختلف(1)، والشهيد في شرحه (2)، وغيرهما(3) من المتعرضين لذلك لم يذكروا هذا الخبر مع أنّه أقوى دلالةً من الجميع.

وتعرّضوا لأخبار ضعيفة غيره.

وأما السابع: فالكلام فيه من جهة السند أنّ الشيخ رواه بسند فيه علي بن فضال وهو فطحي(4)، وتبعه الجماعة، فلم ينصّوا على صحته، لكنّ الكليني رواه بطريق صحيح؛ لأنّه رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، إلى آخره، فأسقط ابن فضال من السند.

ومع ذلك لايخلو من شيء، لأنه ابتدأ السند أحمد، وهو لم يدركه، وإنما يروي عنه بواسطة جماعة منهم العدل وغيره كما لايخفى.

ص: 136


1- مختلف الشيعة،ج7،ص116،المسألة 56.
2- غاية المراد،ج 3، ص 34 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج3).
3- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج 3، ص 16 - 17 ؛ والفاضل المقداد السيوري في التنقيح الرائع،ج3،.31-30.
4- راجع الفهرست، الشيخ الطوسي، ص 272، الرقم 392.

ويمكن أن يكون الواسطة في هذا محمّد بن يحيى؛ لأنّه مذكور في الحديث الذي قبله

بلا فصل، فيكون صحيحاً، إلا أن في حمل المطلق على هذا المقيّد نظراً. وأما من جهة المتن ففيه أن النكاح لا ينقضه إلا الأب، مع أن للجد نقضه كالأب، ويمكن نقضه لغيرهما كما سبق، فالحصر فيه غير مراد؛ لفساده، وبدونه لا يتم. إلا أن يقال ما خرج عنه بدليل، فيبقى العام حجّةٌ في الباقي، فيتناول موضع النزاع، ومع ذلك ليس بصريح في المطلوب، فلا يعارض الصريح، ويخصص بأنّ للأب نقضه في الصغيرة وغير الرشيدة؛ فإنّ الثيب والذكر البالغ مطلقاً لما خرجا منه بدليل أمكن إخراج البكر أيضاً بما سبق من الأدلّة، ويبقى حجةٌ في الباقي غير موضع النزاع.

وأما الخبران الآخران فمشتركان في ضعف السند بالرجلين المذكورين فيهما وغيرهما.

والكلام في دلالة متنهما كما سبق. وأما الاستصحاب فعلى تقدير كونه حجةٌ لا يمنع مع وجود المقتضي للإزالة، وهو هنا موجود، وقد تقدم.

وأما الاعتبار بالحكمة فمردود بأنّها لا تصلح بمجردها لتأسيس الأحكام، ولو تمت لزم ثبوت الولاية للأقارب، وهم لا يقولون به.

حجة المشركين أمران:

الأوّل: الجمع بين الأدلّة؛ فإن بعضها دلّ على اختصاص البكر، وبعضها على اختصاص الأب، فاستفيد من كلّ منهما ثبوت الولاية لكلّ منهما، وهو معنى الاشتراك، ولأنّ العقد إذا صدر عن رأيهما فقد عملنا بجميع الأدلة.

الثاني: موثقة صفوان، قال: استشار عبد الرحمن الكاظم(علیه السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: افعل ويكون ذلك برضاها، فإنّ لها في نفسها نصيباً». واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر(علیه السلام) الا في تزويج ابنته عليّ بن جعفر، فقال: افعل ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها

في نفسها حظاً(1).

ص: 137


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 379 - 380، ح 1534.

والدلالة فيهما من قوله: افعل ويكون ذلك برضاها»، فإنّ «افعل» أمر له بالفعل، فلولا أن له فعلاً لما حسن أمره به ، وكونه برضاها يستلزم أنّ لها حقاً، وإلا لم يعتبر، ومن قوله: «لها نصيباً وحظاً فإنّ منطوقه يدلّ على ثبوت ولاية لها، ومفهومه على ثبوت ولاية الأب؛ لأنّ النصيب والحظ لا يستوعبان الحق، بل يقتضيان التشطير. وإذا تقرر ذلك فلا يمكن حملهما على الصغيرة والثيّب؛ لأنّ الأُولى لا نصيب لها، والثانية لا مشاركة معها، فتعين حمله على المتنازع والجواب عن الأوّل: أنّ في تلك الأدلة من الجانبين ما ينفي الاشتراك وقد عرفته

فلا يكون الاشتراك طريقاً للجمع مطلقاً.

وعن الثاني، بضعف سنده أولاً، وبمنع دلالته على المطلوب ثانياً؛ لأنّ أمره بالفعل لا ينافي اختصاصها بالأمر؛ إذ يحسن أن يقال في الثيب ذلك مع انتفاء الولاية، بل يحسن أن يقال للأجنبى ذلك؛ فإنّها إذا رضيت جاز للأجنبى مباشرة العقد، فيجوز أمره بفعله مقيداً برضاها.

وأما حديث الحظ والنصيب(1) فلا حظ له في الدلالة إلا من جهة مفهوم الخطاب الضعيف.

وممّا ذكرناه يظهر حجّة القول السادس وهو القول المشرّك بينها وبين الأب خاصّةً، حيث إنّ النصوص الدالة على ولاية الأب لا تعرّض فيها لغيره من الأولياء، فيقتصر فيها على موردها؛ لضرورة الجمع، وتبقى أدلّة أولويتها في غيره خالية عن المعارض. وفي الحقيقة هذا أمتن ممّا قبله وإن كان غير مشهور.وجوابه جوابه.

وأما أصحاب القول الرابع: القائلون بثبوت الولاية عليها في الدائم دون المنقطع فاحتجوا بوجهين:

الأوّل: الجمع بين الأخبار بتخصيصها في الجانبين، كل جانب بنوع من النكاح. ووجه تخصيص الدائم بأخبار الولاية عليها أنّه - لكثرة حقوقه وأحكامه من النفقة والميراث واستمراره وغيرها - أهم من المتعة والمرأة قاصرة النظر عن تحصيل المناسب،

ص: 138


1- تقدم في ص 137.

فوكل أمره إلى الوليّ؛ لتعذر استدراك فائته، بخلاف المتعة.

الثاني: رواية أبي سعيد القماط عن الصادق(علیه السلام) حين سُئل عن المتعة بالبكر مع أبويها،

قال: «لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب»(1)

ورفع البأس يقتضي الجواز بالمعنى الأعم؛ لأنّ البأس هنا بمعنى التحريم، وأكده بالكلام الأخير. وفي معناها رواية الحلبي قال: سألته عن المتعة بالبكر بلا إذن أبويها، قال:

لا بأس»(2). والجواب أنّ وجوه الجمع غير منحصرة فيما ذكر وليس تجويز المتعة بهن أولى من العكس. وما ذكر من الفرق مناسبة لا تفيد علية الأحكام عندنا، كما حقق في الأصول(3). وهي معارضة بمثلها وسيأتي. والخبر الأوّل ليس فيه أنّه بغير إذن الأب فلا يفيد، وعلى تقديره فلايدلّ على عدم الجواز في الدائم أيضاً.

والثاني مقطوع؛ لأنّه لم يُسند إلى إمام، ومع ذلك لايدلّ على نفي الحكم في الدائم مع أنهما معارضتان بما رواه أبو مريم عن الصادق(علیه السلام) : العذراء التي لها أب لا تتزوج متعةً إلا بإذن أبيها»(4).

واحتج العاكسون بوجهين:

الأوّل: أنّ النكاح حقيقة في الدائم، فتحمل الروايات عليه؛ لأن اللفظ عند التجرّد إنّما يحمل على الحقيقة. ووجه حقيقة الدائم مبادرته إلى الذهن عند إطلاق لفظه، واستغناؤه عن القرينة. ولأنّه لولاه لزم الاشتراك، والمجاز خير منه.

ص: 139


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 254،ح،1097؛الاستبصار،ج3،ص145،ح525.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 254، ح 1098؛ الاستبصار،ج3، ص 145،ح 526.
3- راجع تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 253-254.
4- الفقيه،ج3،ص461،ح 4596: تهذيب الأحكام،ج 7، ص 254 - 255، ح 1098: الاستبصار، ج 3، ص 145، 527.

. أما إذا عضلها الولي - وهو أن لا يزوّجها من كفو مع رغبتها - فإنه يجوز لها أن تزوّج نفسها ولو كرهاً إجماعاً.

الثاني: أنّ استقلالها بالمتعة إضرار بالأولياء؛ لما يشتمل على الغضاضة والعار بسبب الإباء الطبيعي، أو لإنكار الأكثر مشروعيته، أو لغير ذلك، حتى أنه ربما بلغ إيثار بعض النساء الزنى عليه، وإليه أشار الصادق(علیه السلام) - حيث سأله حفص بن البختري عن التمتع بالبكر بقوله: «يكره للعيب على أهلها»(1)، والإضرار منفى بالخبر(2).

والجواب بمنع حقيّة اختصاص الدائم بالحقيقة، ومن ثمّ انقسم إليهما، ومورد التقسيم مشترك. ولزوم الاشتراك على هذا التقدير ممنوع؛ لأنه حقيقة في القدر المشترك بينهما، العقد، وظاهر أنّه فيهما واحد، وإنّما اختلف بمشخصات يأتي مثلها في أفراد العقد الدائم؛ ولهذا جاز انقلاب المتعة إليه على بعض الوجوه، أو حقيقة في الوطء، وهو أمر واحد فيهما، فيكون من قبيل المتواطىء لا المشترك.

وأما ما ادعي من الإضرار ففيه أنّ الأمور الشرعية ليس فيها إضرار، ومدعيه لا يلتفت إليه مع أنّه قائم في الثيب بل وفي الدائم إذا كان بغير رضى الولي.

وبالجملة فهو دليل خطابي قد قابلوه بمثله فيما سلف.

وإنما طولنا الكلام في هذه المسألة؛ لعموم البلوى بها، والتباس الحكم فيها. وبعد هذا كله فالذي يقتضيه الاحتياط للدين في هذا الحكم المترتب عليه أمور مهمة من الفروج والأنساب والأموال أن يجمع في العقد على البكر بين إذنها وإذن الأب ومن في حكمه، بأن توكله في العقد، أو يوكلا ثالثاً؛ ليقع العقد صحيحاً بالإجماع. والله الموفق.

قوله: «أمّا إذا عضلها الوليّ - إلى قوله - ولو كرها إجماعاً».

ص: 140


1- الكافي،ج 5، ص 462،باب الأبكار،ح 1 الفقيه،ج3، ص 461. ح 4595: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 255، 530.
2- تقدم تخريجه في ص 62، الهامش 3.

. ولا ولاية لهما على الثيّب مع البلوغ والرشد، ولا على البالغ الرشيد.

العضل - لغةً - هو المنع(1)، والمراد هنا منعها من التزويج بكفوها إذا طلبت ذلك. والمحدّث عنه هو البكر الرشيدة البالغة وإن لم يصرّح بالبلوغ؛ لأنّه معتبر إجماعاً. والإجماع على استقلالها حينئذ من علمائنا لا مطلقاً؛ لأن أكثر العامة يرون عبارتها مسلوبة في النكاح مطلقاً(2)، وحينئذ فيزوجها الحاكم، ومنهم من يجوز لها تولّي العقد حينئذ(3). واختلف كلام العلّامة في التذكرة، فتارةً جوّز لها الاستقلال ونقله عن جميع مصرحاً بعدم اشتراط مراجعة الحاكم، وتارةً اشترط إذنه وإثبات العضل عنده(4)، وإلا لم يكن لها التزويج كما تقوله العامة. ولا فرق في الحكم بين أن تعين زوجاً وقد رغب كلّ منهما في صاحبه وعدمه. ولو فرض إرادتها زوجاً وإرادة الولي غيره قدمت إرادتها عند القائل بأولويتها مطلقاً إذا كان كفؤاً، وعند من اعتبر ولاية الأب ولو على بعض الوجوه، ففي تقديم مختاره؛ نظراً إلى أنّ رأيه في الأغلب أكمل، ولأنّه الوليّ على تقديره، أو مختارها؛ لأنّه أقرب لعفّتها وجهان، أجودهما الثاني. ولا فرق في تحقق العضل المجوّز لمباشرتها بين كونه بمهر المثل ودونه؛ لأنّ المهر حقها، فلا اعتراض عليها فيه، ولأنّها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كلّه فبعضه أولى.

قوله: «ولا ولاية لهما على الثيب مع بلوغها ورشدها، ولا على البالغ الرشيد». أما انتفاء ولايتهما على البالغ الرشيد فمحل وفاق. وأمّا الثيب فقد أشرنا إلى الخلاف فيها، وأنّ الأصح انتفاء ولايتهما عليها؛ للأصل، والأخبار الصحيحة، كصحيحة عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المرأة الثيب تخطب إلى نفسها، قال: «نعم، هي

ص: 141


1- الصحاح، ج 3، ص 1767؛ لسان العرب، ج 11، ص 451، «عضل».
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 368 - 369، المسألة 5184: والحاوي الكبير، ج 9،ص 112؛ وروضة الطالبين،ج 5، ص 404 - 405.
3- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 368 - 369 ، المسألة 5184 : والحاوي الكبير، ج 9،ص 112؛ وروضة الطالبين، ج 5، ص 404 - 405.
4- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 593 (الطبعة الحجرية).

. وتثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون. ولا خيار لأحدهم مع الإفاقة.

أملك بنفسها، تولّى نفسها من شاءت إذا كان كفؤاً، بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل ذلك»(1) وغيرها من الأخبار(2)، وهي حجّة على ابن أبي عقيل المثبت لولاية الأب عليها(3)؛ استناداً

إلى روايات عامة عاميّة، ورواياتنا خاصة خاصيّة، وهي مقدّمة عند التعارض. نعم، روى الشيخ عن سعيد بن إسماعيل، عن أبيه - وهما مجهولان - قال: سألت

الرضا(علیه السلام) عن رجل تزوّج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها - إلى قوله قال: «لايكون ذا»(4). وهو - مع ضعف السند - غير دال على منع الثيب؛ لأنه نفى الحكم عن جملة المسؤول عنه الذي من جملته البكر، ومع ذلك ليس بصريح في البطلان فيهما، ويمكن حمله على الكراهة. واعلم أنّ الثيبوبة تتحقق بزوال البكارة بوطء وغيره، وانتفاء الولاية عنها مشروط بكونها بالوطء، كما نبه عليه في الرواية السابقة، فلو ذهبت بغيره فهي بمنزلة البكر؛ سواء كان قبل البلوغ أم بعده والوطء دبراً لايخرج عن البكارة؛ للأصل.

قوله: «وتثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون. ولا خيار لأحدهم مع الإفاقة». ثبوت ولايتهما على المجنون؛ ذكراً كان أم أنثى موضع وفاق، لكن يجب تقييده بما إذا كان الجنون متصلاً بالصغر، فلو طرأ بعد البلوغ والرشد ففي ثبوت ولايتهما عليه قولان، من إطلاق النصّ بثبوت ولايتهما عليه(5)، ومن زوالها بالبلوغ والرشد فعودها يحتاج إلى دليل والنصّ الموجب لدخول هذا الفرد غير معلوم فإن قلنا بانتفاء ولايته عليه في هذه الحالة

انتقلت إلى الحاكم.

ص: 142


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 385، ح 1546.
2- الكافي،ج 5، ص 392، باب التزويج بغير وليّ، ح 5 و 6؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 378377، ح 1527 و 1528، وص 384 - 385، ح 1545؛ الاستبصار،ج3، ص 233، ح 839 و 840.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 118 المسألة :58؛ والشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 29(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 385،ح 1548؛ الاستبصار،ج3،ص234، ح 843.
5- لم تعثر على نص يدلّ بإطلاقه على الحكم، وهكذا قال النجفي في جواهر الكلام، ج 29 ، ص 186.

. وللمولى أن يزوّج مملوكته - صغيرة كانت أو كبيرةً، عاقلةً أو مجنونةً - ولا خيار لها معه. وكذا الحكم في العبد.

وتظهر الفائدة في أن تزويج الأب لايتوقف على المصلحة، بل يكفي فيه انتفاء المفسدة، وولاية الحاكم في التزويج يشترط فيها وجود المصلحة، كما سيأتي إن شاء الله(1).

وحيث تثبت الولاية على المجنون فلا خيار له بعد الإفاقة إجماعاً .

قوله: «وللمولى أن يزوّج مملوكته - إلى قوله - وكذا الحكم في العبد».

جواز تزويج المولى أمته مطلقاً موضع وفاق؛ لأن بضعها من جملة منافعها، وهي مملوكة للمولى، فله نقلها لمن شاء، كما يصح إيجارها، ولعموم قوله تعالى: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)(2) وكذا القول في عبده الصغير.

وأمّا الكبير فظاهر الأصحاب الاتفاق على جواز إجباره على النكاح لما ذكر من الدليل ولظاهر قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَا ئكُمْ)(3). وقوله :تعالى: عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)(4)، وحسنة زرارة عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده، قال: «ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما»(5) الحديث. ولبعض العامة قول بأنه لا يملك إجبار الكبير؛ لأنه مكلّف يملك الطلاق، فلا يملك إجباره على النكاح(6)، كالولد الكبير ، ولأنه يملك رفع النكاح بالطلاق فكيف يجبر على ما يملك رفعه. وهو كلام موجه إلّا أنّه لا يمنع من صحة عقد المولى الثابت بالأدلة وإن ملك العبد رفعه. وتظهر الفائدة في صحة وطئه بهذا العقد قبل أن يطلق.

ص: 143


1- يأتي في ص 144 - 145.
2- النساء (4): 25.
3- النور (24) 32.
4- النحل .(16) 75.
5- الكافي، ج 5، ص 478، باب المملوك يتزوّج بغير إذن مولاه، ح: الفقيه،ج 3، ص 0541 ح 4865: 4865 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351، ح 1432.
6- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 400 - 401، المسألة 5232؛ وحلية العلماء، ج 6، ص 362.

. وليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ ولا على بالغ رشيد وتثبت ، ولايته على من بلغ غير رشيد أو تجدد فساد عقله، إذا كان النكاح صلاحاً له.

وأما الفرق بينه وبين الولد الكبير فواضح؛ لأنّ ولد الولد حر، فلا يجبر الولد على إحداثه بالنكاح، بخلاف ولد المملوك، فإنّه مملوك، فجاز له إجباره على النكاح تحصيلاً لفائدته؛ لأنّ ذلك من جملة منافعه. ويظهر من هذا أن له إجباره على الوطء كما له إجباره على أصل التزويج. ولا فرق بين تولّى المولى الصيغة عنه، وإلزامه بالقبول، ولا يقدح فيه الإكراه؛ لأنه بحق و ما هذا شأنه مستثنى من الحكم ببطلان عبارة المكره وتصرفاته. ولا فرق في ذلك بين كون المولى ذكراً وأُنثى.

قوله : «وليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ، ولا على بالغ رشيد» إلى آخره. المراد بالحاكم الإمام العادل، أو من أذن له في ذلك عموماً أو خصوصاً، أو الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء عند تعذر الأوّلين، ومأذونه فيه بحكمه وانتفاء ولايته على البالغ الرشيد يشمل الذكر والأنثى، بناءً على ما تقدّم من الحكم بارتفاع الولاية عن البكر البالغة الرشيدة، فيدخل في هذا العموم ولو قلنا بالحجر عليها في النكاح فظاهر المصنّف والأصحاب أنّ الحكم مختص بالأب والجد له، فمع فقدهما تكون الولاية لها لا للحاكم، وقد نبهوا عليه فيما لو عضلها الولى؛ حيث حكموا بتوليها حينئذ العقد من غير توقف على أمر الحاكم والعامة صرحوا بأنّ الحاكم وليها عند فقد الولي القريب(1).

وقد ذكر المصنف وغيره(2) أنه لا ولاية للحاكم على الصغير مطلقاً؛ وعللوه بأنه لا حاجة له إلى النكاح والأصل عدم ثبوت ولايته فيه. ولايخلو من نظر إن لم يكن إجماعياً.

وأما ثبوت ولايته على من بلغ غير رشيد أو تجدد فساد عقله فعللوه بأنه وليه في المال. فيكون وليه في النكاح؛ لأنّه من جملة المصالح، والصحيحة عبد الله بن سنان عن

ص: 144


1- راجع الحاوي الكبير،ج 9، ص 111؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 350 - 351، المسألة 5159.
2- كالعلّامة في قواعد الأحكام،ج3، ص 12؛ وتحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 433، الرقم 4932 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 97.

. ولا ولاية للوصي وإن نص له الموصي على الإنكاح على الأظهر. وللوصي أن يزوّج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح.

الصادق(علیه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها»(1) وهذه العلة آتية في الصغير، والأصالة المدّعاة غير نافعة في مقابلة مثل ذلك، وعن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم): «السلطان وليّ من لا وليّ له»(2).

نعم، المصلحة في الكبير أوضح لكنّها ليست منتفية في حق الصغير جملة، خصوصاً الأُنثى. بقى في العبارة بحث آخر: وهو أنه أثبت الولاية على من ذكر للحاكم من غير تقييد بفقد الأب والجد، فإن أراد ثبوت الحكم كذلك مطلقاً فهو حسن فيمن تجدد فساد عقله بعد بلوغه ورشده؛ لانتفاء ولاية الأب والجد عنه بذلك، فلا يعود إلا بدليل، وهو منتفٍ ، والحاكم وليّ عام على من لا ولي له، وهو هنا موجود.

وأما فيمن بلغ غير رشيد فإطلاق الولاية فيه للحاكم مشكل؛ لأنّ ولاية الأب والجدّ مع وجودهما متحققة قبل البلوغ، ولا مانع من استصحابها. والظاهر أنّ مراد المصنّف ثبوتها للحاكم مطلقاً، وأن ولاية الأب والجد مخصوصة بالصغير. وقد تقدم في باب الحجر مثله في ولاية المال(3). والمتجه التسوية بينهما في التفصيل باتصال السفه وتجدّده، فتكون الولاية في الأوّل للأب والجد، وفي الثاني للحاكم مطلقاً. وسيأتى فى كلام المصنف ما يدل على أن الولاية على السفيه مطلقاً للحاكم؛ حيث جعل الإذن في تزويجه إليه من غير قيد(4).

قوله: «ولا ولاية للوصي وإن نص له الموصي - إلى قوله إذاكان به ضرورة إلى النكاح. اختلف الأصحاب في ثبوت ولاية التزويج للوصي مطلقاً، أو مع نص الموصي له عليه أو نفيها مطلقاً، على أقوال أشهرها الأخير، وهو الذي اختاره المصنّف.

ص: 145


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 392،ح 1570.
2- مسند أحمد،ج 1، ص 415،ح 2260؛ وج 7، ص 370، ح 25703؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 137؛ سنن ابن ماجة،ج 1، ص 605، ح 1879 - 1880؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 229، ح 2083.
3- تقدم في ج 3، ص 554 - 555.
4- يأتي في ص 147.

واحتجوا عليه بأن الأصل في ولاية التزويج بالنسبة إلى الصغير القرابة، ومن ثم لم تثبت للحاكم، وولاية القرابة لا تقبل النقل إلى الغير بعد الموت؛ لانقطاعها به، كما لا تقبل الحضانة

ونحوها مما يختص بالقرابة - النقل بالوصاية، ولانتفاء حاجة الصغير إليه.

ووجه الثبوت مطلقاً أنّ الوصي العام قد فوّض إليه الموصي ما كان له فيه الولاية وتصرفاته كلّها منوطة بالغبطة، وقد تتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر وأنثى بوجود كفؤ لا يتفق في كل وقت ويخاف بتأخيره فوته. ولا نسلّم أن مثل هذه الولاية لا تقبل النقل؛ فإنّ تصرفات الوصيّ كلّها فيما كان للموصي فعله حياً ولم ينقطع بموته مع انقطاع تصرفه.

وتخصيص هذا النوع الذي هو محلّ النزاع بدعوى عدم قبوله للنقل غير مسموع. ولعموم قوله تعالى : (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ)(1)، والصحيحة محمّد بن مسلم(2) وأبي بصير كلاهما عن أبي جعفر قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: «هو الأب، والأخ، والموصى إليه»(3) الحديث، ورواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو الأب، والأخ، والرجل يوصى إليه»(4). وذكر الأخ غير منافٍ؛ لإمكان حمله على كونه وصيّاً أيضاً، ويعطف العام على الخاص، أو وكيلاً لها. وهذا هو اختيار العلّامة في المختلف(5)، والشهيد في الشرح(6)، وقبلهما الشيخ في أحد قوليه(7)، وقوله الآخر كقول المصنّف(8).

ص: 146


1- البقرة (2) 181.
2- في حاشية «و»: «الرواية الصحيحة ذكرها الشيخ في زوائد النكاح ولم ينقلها الجماعة، وإنما ذكروا رواية أبي بصير، وهي ضعيفة السند. (منه رحمه الله)».
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 484، ح 1946.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 393، ح 1573.
5- مختلف الشيعة،ج 7، ص 141-142، المسألة.
6- غاية المراد،ج3، ص 51 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج3).
7- الخلاف، ج 4، ص 254، المسألة 9.
8- المبسوط،ج3، ص 267.

. والمحجور عليه للتبذير لايجوز له أن يتزوج غير مضطر. ولو أوقع كان العقد فاسداً. وإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له؛ سواء عيّن الزوجة أو أطلق. ولو بادر قبل الإذن والحال هذه صح العقد، فإن زاد في المهر عن المثل بطل الزائد.

ولو نص الموصي على التزويج فهو أولى بالحكم، وربما قيل باختصاص القول الثاني بذلك، والدلائل عامة.

واستثنى المصنّف والعلّامة من المنع مطلقاً صورةً واحدةً، وهي أن يبلغ الصبي فاسد العقل، ويكون له حاجة إلى النكاح(1)، فللوصي أن يتولاه؛ لثبوت الضرورة، وعجز المحتاج عن المباشرة، فأشبه ذلك الإنفاق عليه.

ويظهر منهما عدم الخلاف في هذه الصورة.

وأطلق غيرهما الخلاف في تصرّف الوصيّ فيه، وهو الوجه؛ لأن شمول ولاية الوصي لمثل هذه الصورة يقتضي قبول نقل ولاية التزويج في الجملة. ومقتضى تعليلهم جواز هذه أنها مفروضة فيما إذا لم ينص الموصي عليه؛ لأنهم جعلوه من ضرورات المولى عليه. كالإنفاق، وذلك لايتوقف على خصوص الوصية به. قوله: «والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوّج غير مضطر - إلى قوله - بطل الزائد».

لما كان المحجور عليه للسفه ممنوعاً من التصرفات المالية ومن جملتها النكاح؛ لما يترتب عليه من المال مهراً ونفقةً، فيمنع منه مع عدم حاجته إليه، فإن أوقع عقداً مع عدم الحاجة كان فاسداً؛ لفقد شرط الصحة.

ثم إن كانت المرأة عالمة بالحال فلاشيء لها وإن دخل، وإن كانت جاهلة فلها مع الدخول مهر المثل؛ لأنّه وطء بشبهة.

ص: 147


1- قواعد الأحكام،ج 3، ص 12: تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 434، الرقم 4937: إرشاد الأذهان،ج 2، ص 8.

وإن اضطر إلى التزويج لخدمة أو شهوة أو غيرهما من الضرورات جاز للولي تزويجه مقتصراً على ما تندفع به الحاجة كمّاً وكيفاً.

ويجوز للولي أن يأذن له في التزويج وإن لم يعيّن له الزوجة؛ لأنه مقيد بمراعاة المصلحة، فلو تجاوزها فسد.

وقيل: لابدّ من تعيين الزوجة بخصوصها، أو حصرها في قبيلة أو قوم معينين؛ ليؤمن من الإقدام على من يذهب فيها ماله زيادةً على القدر المأذون شرعاً(1)؛ إذ الفرض كونه مبذراً. ولا يكفي في دفع المحذور وقوع العقد فاسداً مع تجاوز المصلحة؛ لأنه وإن فسد يوجب مهر المثل مع الدخول وجهلها بالحال. ولمن لم يشترط التعيين أن يقول: إن إطلاق الإذن لما كان مقيداً بالمصلحة لم يفرّق مع تجاوزها بين من عيّن له وغيره؛ لأنّه مع التعيين أيضاً لو تجاوز ودخل وجب لها مهر المثل مع جهلها، بل لو لم يأذن له أصلاً، إلا أنه في هذه الحالة لايكون التقصير مستنداً إلى الولي. بل جاء ثبوت المال من قبيل الأسباب. واعلم أنّ فائدة إذن الحاكم له إنّما تظهر مع توقف صحة تزويجه على إذنه، أما إذا لم يتوقف فلا فائدة في اعتباره، والمفهوم من قوله: «ولو بادر قبل الإذن والحال هذه صح العقد» إلى آخره. عدم اشتراط إذن الحاكم في الصحة، فلايظهر لإذنه له فائدة، إلا أن يقال: إنه مع إذنه يكون تصرّفه جائزاً، بمعنى عدم ترتب الإثم عليه، وبدونه يأثم وإن حكم بصحة العقد؛ لأنّ النهي في مثل ذلك لا يترتب عليه فساد.

والأجود توقف تزويجه على إذن الحاكم مع وجوده، فإن تعذر جاز له التزويج بدونه مع الحاجة، مقتصراً على ما يليق به بمهر المثل فما دون، فإن زاد عليه بطل الزائد وصح النكاح؛

لأنّ الخلل في المهر لايقتضي فساد النكاح كما في غيره.

ص: 148


1- لاحظ جامع المقاصد،ج12، ص 100.
الفصل الثاني في اللواحق
اشارة

وفيه مسائل:

الأولى: إذا وكلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقاً لم يكن له أن يزوجها من نفسه إلا مع إذنها. ولو وكلته في تزويجها منه قيل: لايصحّ؛ لرواية عمار، ولأنّه يلزم أن يكون موجباً قابلاً والجواز أشبه.

وتظهر فائدة التوقف على إذن الوليّ مع إمكانه في فساد العقد وعدم استحقاق المهر لو كانت عالمة بالحال.

قوله: «إذا وكلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقاً لم يكن له أن يزوجها - إلى قوله - والجواز أشبه».

إذا وكلت المرأة المالكة لأمرها أحداً في تزويجها فلا يخلو؛ إما أن تعين له الزوج، أو تطلق الإذن، أو تعمّم على وجه يتناوله العموم إجمالاً، أو تعمّم على وجه يتناوله نصاً، أو تصرح بالإذن له في تزويجها من نفسه. ففي الأولين لا خلاف في أنّه لايجوز له تزويجها من نفسه، أما مع التعيين فظاهر، وأما مع الإطلاق كما لو قالت: «أنت وكيلى في تزويجي» أو «في تزويجي لرجل أو لكفو» فإنه وإن كان صالحاً للدخول فيه، من حيث إن المطلق صالح له ولغيره، إلا أنّ المفهوم من أمره بتزويجها كون الزوج غيره، عملاً بشهادة الحال.

ولو عمّمت الإذن ك«زوجني ممّن شئت فهل يكون كالمطلق من حيث اشتراكهما في صلاحيتهما لكلّ واحد ممّن يصلح لتزويجها، ويقتضي المغايرة بين المزوّج والزوج، أو يدخل هنا في العموم من حيث إنّ العام أقوى من المطلق؛ لأنّه ناص على جزئياته؟ قولان والفرق لايخلو من نظر من حيث إنه داخل في الإطلاق، كما هو داخل في التعميم،

ص: 149

وإن كان العموم أقوى دلالةً إلا أنهما مشتركان في أصلها، ولا إشكال في تخييره بين أفراد كثيرة من الأكفاء في حالة الإطلاق، وما ذلك إلا لتناول اللفظ للجميع. وشهادة الحال بإرادة غير المخاطب مطلقاً ممنوعة، بل ينبغي اتباعها حيث توجد لا مطلقاً، فإن كانت المسألة إجماعية وإلا فللنظر فيها مجال. وفي التذكرة احتمل مع الإطلاق جواز أن يزوجها من نفسه، معللاً بإطلاق الإذن ومساواته لغيره، والمنع(1)، ولم يعلله، ولا رجّح شيئاً.

وإن عمّمت على وجه يتناوله نصاً كقولها: «زوجني ممن شئت ولو من نفسك» فلا إشكال في دخوله في الإذن من هذه الجهة، وإنّما يبقى الإشكال في جواز تزويجها من نفسه مع التعيين المحض، كما لو قالت: «زوجني من نفسك»، فقد قيل: لايجوز له تزويجها من نفسه؛ لئلا يكون موجباً قابلاً(2)، ولرواية عمار الساباطي قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها أ يحلّ لها أن توكل رجلاً يريد أن يتزوجها، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: «لا»، قلت: فإن وكلت غيره بتزويجها منه قال: «نعم»(3). ويضعف بأنّ تولّي الواحد الطرفين غير قادح؛ للأصل والمغايرة الاعتبارية كافية. والرواية ضعيفة السند، قاصرة عن الدلالة؛ لجواز كون المنفي هو قولها: وكلتك فأشهد؛ فإنّ مجرد الإشهاد غير كاف فالجواز أقوى وعلى القول بالمنع يحتمل كون المانع تولّي الطرفين، فيزول المنع بتوكيل الوكيل غيره في تزويجه إن جوزنا له الوكالة في مثله، ومعه يسلم من التعليل الأول. وأما الرواية فلا يظهر منها كون المانع ذلك، بل يدلّ على المنع من ذلك مطلقاً، فلا يزول بتوكيله غيره. وعلى هذا فتلغو الوكالة من رأس؛ لأنّ متعلّقها منحصر في تزويجها من نفسه وقد امتنع، بخلاف ما لو

ص: 150


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 603 (الطبعة الحجرية).
2- قاله الشيخ في الاستبصار،ج3، ص 234، ذيل الحديث 841.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 378، ح 1529؛ الاستبصار،ج3، ص 233-234،ح841.

. أمّا لو زوجها الجد من ابن ابنه الآخر، أو الأب من موكله كان جائزاً.

الثانية: إذا زوجها الولي بدون مهر المثل هل لها أن تعترض؟ فيه تردّد. والأظهر أنّ لها الاعتراض.

جعلته أحد أفراد العام ك«زوجني ممّن شئت ولو من نفسك»؛ فإنّ الوكالة تصح بالنسبة إلى من عداه. وعلى ما اخترناه تصح مطلقاً.

قوله: «أما لو زوّجها الجد من ابن ابنه الآخر، أو الأب من موكله كان جائزاً». لوجود المقتضي فيهما، وهو صدور العقد من أهله، وانتفاء المانع؛ لأنه كان في الأول من جهة مباشرته لنفسه، وهنا لغيره وإن كان داخلاً تحت ولايته، لكن على القول بأن المانع كونه موجباً قابلاً لو كان الولد صغيراً وكل الأب أو الجد غيره في القبول أو الإيجاب ليسلم من ذلك.

والفرق بين الولي والوكيل هنا - حيث جاز له التوكيل؛ ليتحقق المغايرة دون الوكيل - أن الوليّ يتصرّف بالولاية، وهي تعم المباشرة بنفسه وبغيره، بخلاف الوكالة؛ فإنّها إذن يتبع مدلوله، ولما خصه بالإذن لم يتناول غيره.

قوله: «إذا زوجها الولى بدون مهر المثل هل لها أن تعترض ؟ فيه تردّد» إلى آخره. إطلاق الحكم بالاعتراض وعدمه شامل لما لو كان تزويجها بدون مهر المثل على وجه المصلحة لها، بأن وجد لها كفؤاً صالحاً ولم يبذل مقدار مهر المثل، وخاف من فواته ع-دم حصول مثله، وما لو لم يكن فيه مصلحة لها ولا مفسدة، وما لو كان هناك مفسدة في نظر العقلاء، كما لو كان الزوج من أدنى الكفء بحيث لولا العقد لحصل لها من هو أنسب منه، ومع ذلك جعل المهر دون مهر المثل. وظاهر الحكم بالاعتراض أنّه في المهر المسمى

خاصة؛ لأنّ الفرض كون الزوج كفؤاً، فلا اعتراض من حيث أصل العقد.

ويحتمل أن يريد بالاعتراض في العقد أيضاً؛ لأنّ الاحتمال قائم فيهما. ووجه القول بالصحة مطلقاً وعدم الاعتراض أنّ المفروض كون الزوج كفؤاً، والولي

ص: 151

مأذون له في العقد شرعاً. والمهر غير شرط في صحة العقد، ويجوز بزيادة ونقصان. والنكاح ليس معاوضة محضة؛ لأنّ البضع ليس مالاً بالحقيقة، وليس الغرض الأصلي من النكاح المهر، بل التحصّن والنسل.

ولأن الولي يجوز له العفو عن بعض المهر بعد ثبوته، فإسقاطه ابتداء أولى.

ومع تحقق الكفاءة لايشترط في صحة العقد وجود المصلحة، بل انتفاء المفسدة، وهو موجود بالفرض.

وهذا قول الشيخ في الخلاف(1)، وتعليله يدلّ على إرادة العموم الذي أشرنا إليه. ووجه ما اختاره المصنف من جواز اعتراضها في المسمّى مطلقاً أن النكاح عقد معاوضة في الجملة وإن لم تكن محضةً، ومقابلة البضع بدون عوض مثله ينجبر بالتخيير، ومجرّد المصلحة في ذلك غير كافٍ في عدم الاعتراض، كما لو باع الوكيل بدون ثمن المثل، وإن كان هناك مصلحة للموكل.

والفرق بين البيع والنكاح - حيث حكم هنا بصحة العقد دون البيع بأقل من ثمن المثل - ما أشرنا إليه من أنّ المهر ليس ركناً في النكاح، فلامدخل له في صحته وفساده، وإنما جبر نقصه بالتخيير في فسخه والرجوع إلى مهر المثل. والتعليل بجواز عفو الولي لايدلّ على المدعى؛ لأنّ عفوه ثبت على خلاف الأصل في موضع خاص، وهو كونه بعد الطلاق وقبل الدخول، فلا يتعدّى إلى غيره؛ لأن الأصل في تصرفه مراعاة المصلحة للمولّى عليه. ووجه جواز الاعتراض في العقد أيضاً أنّ العقد المأذون فيه شرعاً على وجه اللزوم هو العقد بمهر المثل، ومن ثم لم يجب عليها التزام مجموع ما حصل في هذا العقد. ثمّ إنّ التراضي إنّما وقع هنا على العقد المشتمل على المسمّى، فمتى لم يكن ماضياً كان لها فسخه من أصله. والأصل في هذا البناء أنّ الواقع أمر واحد وهو العقد المشخص بالمهر المذكور، فإذا لم يكن ذلك لازماً لها فسخت العقد.

ص: 152


1- الخلاف ج 4، ص 392، المسألة 37.

وفيه ما مرّ من أنّ أصل العقد صحيح، وإنّما المانع من قبل المهر، ويمكن جبره بفسخه خاصة والرجوع إلى مهر المثل. و لا نسلم أنهما واحد، بل اثنان لا تلازم بينهما، فإذا جاء الخلل في أحدهما لا ينقض الآخر.

نعم، يتجه على تقدير فسخها في المسمّى ثبوت الخيار للزوج في فسخ العقد وإمضائه؛ لأنه لم يرضَ بالعقد إلا على ذلك الوجه المخصوص ولم يتمّ له. و إلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفيّ(1)، اللهم إلا أن يكون عالماً بالحال والحكم، فيقوى عدم تخييره؛ لقدومه على عقد يجوز أن يؤول إلى ذلك.

وربما خص بعضهم(2) مورد الخلاف بما إذا وقع العقد المذكور على وجه المصلحة للبنت فلو لم يكن فيه مصلحة بطل العقد من رأس؛ لأنّه عقد جرى على خلاف المصلحة، فلا يكون صحيحاً. وما تقدّم من تعليل المصحح ينافي هذا القيد. نعم، لو جعل قولاً برأسه أمكن، لا أن يجعل مورد الخلاف.

وعلى هذا فيتحرّر في المسألة صور:

الأولى: أن يعقد عليها من كفءٍ بمهر المثل على وجه المصلحة. ولا اعتراض لها شيءٍ مطلقاً.

الثانية: الصورة بحالها لكن لا على وجه المصلحة. والأصح أنه كالأوّل.

الثالثة: كذلك بدون مهر المثل على وجه المصلحة والأقوى أنّه لا اعتراض لها مطلقاً، مع احتماله في المسمّى.

الرابعة: كذلك ولكن بدون المصلحة. فلها الاعتراض في المسمّى خاصةً، فإذا فسخته اتجه تخيير الزوج في أصل العقد كما مرّ.

ص: 153


1- تقدم تخريجه في ص62، الهامش 3.
2- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 147 و 148.

الخامسة : أن يزوّجها من غير كفء بمهر المثل . فلها الخيار في أصل العقد ، مع احتمال بطلانه من رأس والوجهان مبنيان على حكم عقد الفضولي في النكاح، وسيأتي

البحث فيه.

السادسة: كذلك بدون مهر المثل. فلها الخيار في كلّ منهما، فإن فسخت العقد انتفيا، وإن فسخت المهر خاصةً رجعت إلى مهر المثل.

والظاهر أنّ اعتبار المصلحة وعدمها لا يأتي، وإن فرض فلا مدخل لها في لزوم العقد؛ لأن الكفاءة شرط في لزوم العقد الواقع من الولي. هذا إذا لم يكن الإخلال بها موجباً لفساد العقد، وإلا فلا إشكال. واعلم أنه لا فرق على القول بجواز اعتراضها بين كون الولي هو الأب أو الجد أو الحاكم. وعلى القول بعدم الاعتراض يتجه الفرق واختصاص الحكم بمن يجوز له العفو عن بعض المهر، كما يقتضيه التعليل؛ لأنّ العافي الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والجد خاصةً، فلها الاعتراض لو كان المزوّج الحاكم إن قلنا بجوازه على بعض الوجوه، أو الوصي كذلك؛ لأنّ التعليل بجواز العفو لا يأتي فيهما.

وبعض الأصحاب(1) صرّح بأن الحكم مختص بالولي الإجباري.

وآخرون(2) صرحوا بما لو تولاه الأب أو الجد.

والمصنّف أطلق الولي، فيمكن أن يريد به ما ذكروه؛ حملاً للمطلق على المعهود الغالب، وأن يريد ما هو أعم منهما؛ نظراً إلى ما ذكر في العلة الأولى: فإنّها لا تتوقف على جواز العفوأو على أن من بيده عقدة النكاح يشمل الجميع. وسيأتي البحث فيه.

ص: 154


1- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 149.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 576 والخلاف، ج 4، ص 392، المسألة :37؛ والشهيد في غاية،ج3، ص 105(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

الثالثة: عبارة المرأة معتبرة في العقد مع البلوغ والرشد، فيجوز لها أن تزوّج نفسها، وأن تكون وكيلةً لغيرها إيجاباً وقبولاً.

الرابعة: عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر، فلو زوّج الصبية غير أبيها وجدها قريباً كان أو بعيداً، لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد.

قوله: «عبارة المرأة معتبرة في العقد مع البلوغ والرشد - إلى قوله - إيجاباً وقبولاً». هذا الحكم مبني على ما سبق من أنّ المرأة هل هي مولّى عليها في النكاح مطلقاً، أو مع البكارة، أو مع عدم الرشد؟ فعلى ما اختاره المصنّف من أنّ البالغة الرشيدة مطلقاً لا ولاية عليها، فعبارتها معتبرة في النكاح كغيره، وكما يجوز لها أن تزوّج نفسها يجوز لها أن تزوّج غيرها كأمها، وأن توكل غيرها في ذلك.

وبالجملة فعبارتها معتبرة في النكاح مطلقاً.

ومن سلب ولايتها عنه من العامة مطلقاً كالشافعي(1) سلب عبارتها في النكاح مطلقاً.

فليس لها أن تتولاه لنفسها ولا لغيرها وإن أذن لها الولي أو وكلت فيه.

وبالجملة فعبارتها مسلوبة فيه مطلقاً إيجاباً وقبولاً. ومن أثبت عليها الولاية في حال دون حال فعبارتها غير مسلوبة فيه في الجملة، فيصح عندهم أن تكون وكيلةً فيه مطلقاً، وأن تعقد لنفسها حيث لايكون عليها ولاية، وأن تتوكل من الولي حيث تكون مولّى عليها، فعبارتها على هذا القول غير مسلوبة مطلقاً، ولامطلقة كذلك، بل بالقيد الذي ذكرناه قوله: «عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر - إلى قوله - أو إجازتها بعد العقد». اختلف الأصحاب في عقد النكاح إذا وقع فضولاً هل يكون صحيحاً بمعنى وقوفه على الإجازة، أم باطلاً من أصله فلا تصححه الإجازة ؟ فذهب الأكثر - ومنهم الشيخ في أحد قوليه -

ص: 155


1- راجع الأم،ج 5، ص 22 - 23) والمهذب،الشيرازي،ج2، ص 45 والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7،ص 337، المسألة 1537.

إلى الأوّل(1)، والشيخ في الخلاف إلى الثاني(2). والأصح ما اختاره المصنف موافقاً للأكثر . لنا: أنّه عقد صدر من أهله في محلّه فكان صحيحاً، ونعني ب«أهله» الكامل وب «محله» العين القابلة للعقد، ولا مانع من نفوذه إلا تعلقه بحق الغير، فإذا أجازه تم، ودخل في عموم (أَوْنُوا بِالْعُقُودِ)(3).

وما قيل: من أنه مصادرة من حيث إنّ كون الأجنبي أهله عين المتنازع(4)؛ مدفوع بأنّ الأجنبي قابل لإيقاع عقد النكاح، وليس مسلوب العبارة بحسب ذاته؛ لأنه الفرض، وإنّما المانع ما ذكر وقد زال. وعلى تقدير الكلام قبل زواله فالمراد بالصحة ما يقابل

البطلان، وهو أمر آخر غير اللزوم، ويبقى اللزوم متوقفاً على شرط آخر، وهو الإجازة. ولصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن غلام وجارية زوجهما وليان

لهما وهما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز، وأيهما أدرك كان له الخيار»(5) الحديث. لايقال: إن الرواية متروكة الظاهر؛ لتضمنها أن عقد الولي يقع موقوفاً وأنتم لا تقولون به.

فلايصح الاستدلال بها على موضع النزاع؛ لسقوط اعتبارها بذلك. لأنا نقول: لايلزم من ثبوت الولاية لأحد على الأطفال أن يجوز له تزويجهم؛ لأن ولاية التزويج أخص من مطلق الولاية، وعدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ.

ووجه خصوصه(6) يظهر في الحاكم والوصيّ؛ فإنّهما وليّان على الأطفال وليس لهما تزويجهم كما مرّ، فيمكن حمل الولي هنا على ذلك بقرينة جعل الخيار لهما إذا أدركا.

ص: 156


1- النهاية، ص 465.
2- الخلاف،ج 4، ص 257 - 258، المسألة 11: وكذا في المبسوط،ج3، ص 388 - 389.
3- المائدة (5) 1.
4- راجع جامع المقاصد، ج 12، ص 152.
5- الكافي، ج 7، ص 131-132، باب ميراث الغلام والجارية يزوّجان، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388،ح، 1555.
6- في بعض النسخ: خصوصيته» بدل «خصوصه».

وفي المختلف حمل الولي هنا على غير الأب والجد كالأخ والعمّ(1): فإن كلّاً منهما يطلق عليه اسم الولي لكنه ولي غير مجبر. وفي بعض عبارات الشيخ في المبسوط : البكر إن كان لها ولى الإجبار مثل الأب والجد لا يفتقر نكاحها إلى إذنها، وإن لم يكن له الإجبار كالأخ وابن الأخ والعم فلا بد من إذنها(2).

والغرض من ذلك أنّه سمّى من ذكر من الأقارب وليّاً وإن لم يكن له ولاية النكاح. وما فرضناه خالٍ عن التكلّف، والشواهد من الأخبار كثيرة وإن لم يكن مثلها في قوة السند، مثل ما روي عن ابن عباس: أنّ جارية بكراً أتت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)(3). وما روي عنه في خبر آخر أنّ رجلاً زوج ابنته كذلك فجاءت الیه(صلی الله علیه وآله وسلم)فقالت: زوّجني أبي ونعم الأب - من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها إليها، فقالت بعد أن ردّ الأمر إليها: أجزت ما صنع أبي، وإنّما أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من أمر بناتهم شيء. وقد تقدم(4)؛ وكرواية محمّد بن مسلم أنّه سُئل الباقر(علیه السلام) عن رجل زوجته أمه وهو غائب،

قال: النكاح جائز إن شاء الزوج قبل وإن شاء ترك»(5). وحمل القبول على تجديد العقد خلاف مدلوله؛ فإنّ النكاح يراد به هنا المعهود الخارجي الذي أوقعته أمه، بقرينة وقوعه معرّفاً بعد الفعل الدال على المصدر ضمناً. ورواية زرارة في الحسن عن الباقرعلیه السلام، قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده،

ص: 157


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 122، المسألة 59.
2- المبسوط ، ج 3، ص 416.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 603، ح 1875؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 232، ح 2096؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 189، ح 13669.
4- تقدم تخريجه في ص 125، الهامش 2.
5- الكافي،ج 5، ص 401-402، باب الرجل يهوي امرأة... ح2 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 376، ع 1523.

فقال: «ذلك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما». فقلت: أصلحك الله، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد، فلا تحل إجازة السيد له. فقال أبو جعفر(علیه السلام): «إنّه لم يعص الله، وإنما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1). وغير ذلك من الأخبار الكثيرة بمعناه(2).

واحتج الشيخ على البطلان بما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل»(3). ورواية أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي»(4). ورواية ابن عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه «باطل». ورواية الفضل البقباق قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) الرجل يتزوج الأمة بغير إذن أهلها، قال: «هو زني، إن الله تعالى يقول: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ»(5). وبأنّ العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة(6)، وهي منتفية في محلّ النزاع. ووافقه على البطلان الشيخ فخر الدين مضيفاً إليه سائر العقود، مستدلاً عليه بأن العقد سبب الإباحة فلايصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه. وبأنّ رضى المعقود عليه أو وليّه

ص: 158


1- الكافي، ج 5، ص 478 ، باب المملوك يتزوّج بغير إذن ،مولاه،ح3 الفقيه، ج 3، ص 541 ، ح 4865؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 351،ح1432.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 114 وما بعدها، الأبواب 24 - 27، من أبواب نكاح العبيد والإماء.
3- سنن ابن ماجة،ج 1، ص 630،ح،1960؛ سنن أبي داود،ج2، ص 228، ح 2079.
4- مسند أحمد، ج 5، ص 573، ح 19247؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 229،ح، 2085، السنن الكبرى، البيهقي.ج 7، ص 173، ح 13611.
5- الفقيه، ج 3، ص 451 - 452 ، ح 4563؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 348، ح 1424: الاستبصار، ج 3، ص 219،ح 794: والآية في سورة النساء (4): 25.
6- الخلاف، ج 4، ص 259 - 260، المسألة 11.

. ولو كان أخاً أو عماً.

شرط، والشرط متقدم(1). والأولى منهما مصادرة. والثانية لا تفيد؛ لأن الرضى شرط للزوم وهو متأخّر عنه، لا للعقد الذي هو المتنازع

والجواب عن حجة الشيخ أن رواياته كلها عامية، وقد أتينا بخير منها أو مثلها، فتكون رواياتنا أرجح. ولو اضطررنا إلى التوفيق بينها لكان التأويل مسلّطاً على رواياته بحمل الباطل على غير المؤثر بنفسه قبل إجازة من إليه الإجازة. والنفي في الثانية لما توجه إلى نفس الماهية الممتنع نفيها حمل على المجاز، وهو متعدّد، وباعتبار الجمع يحمل على نفي اللزوم، أو نفي الكمال، وهو أولى بقاعدتنا في الوليّ. والرواية الأخيرة الخاصة بنا ظاهرة في أنّ زوج الأمة وطأها بذلك العقد من غير إجازة المولى، ولاشبهة في كونه زنى، ولو ادعي عدم الوطء لزم حمله على ما لو فعله كذلك، جمعاً بينها وبين ما سلف. وأما قوله: «إنّ العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة» فمسلّم لكنا قد بيناها. ومما قرّرناه يستفاد قوة وقوف جميع العقود على الإجازة بخلاف الإيقاعات، وهو موضع وفاق.

قوله: «ولو كان أخاً أو عماً».

نبه بالمثالين على خلاف العامة القائلين بثبوت الولاية لهما بالتعصيب، وجعلوه من أسباب الولاية في النكاح. واتفق الأصحاب على نفيه: للأصل، وقول الصادق(علیه السلام) في رجل يريد أن يزوج أخته، قال: «يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها، وإن أبت لم يزوّجها»(2).

وفي الصحيح عن محمّد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر(علیه السلام): ما تقول في صبيّة زوجها عمها فلما كبرت أبت التزويج؟ فكتب بخطه: «لاتكره

على ذلك. والأمر أمرها»(3).

ص: 159


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 28- 27.
2- الكافي، ج 5، ص 393، باب استثمار البكر،...ح،3؛ الفقيه،ج3، ص 397، ح 4399: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 386،ح،1550؛ الاستبصار،ج3، ص 239،ح،856.
3- الكافي، ج 5، ص 394، باب استثمار البكر... ح،7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 386، ح 1551؛ الاستبصار،ج 3، ص 239، ح 857.

. ويقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، وتكلّف الثيب النطق.

قوله: «ويقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، وتكلّف الثيب النطق». يجوز عود ضمير «عرضه» إلى النكاح، وإلى العقد الواقع عليها حيث لايكون عليها ولاية، والثاني أنسب بسياق العبارة سابقاً ولاحقاً. والحكم فيهما واحد، وهو الاكتفاء في البكر بالسكوت واشتراط نطق الثيب.

وهذا الحكم - وهو الاكتفاء بسكوت البكر - هو المشهور بين الأصحاب وغيرهم، لا نعلم فيه مخالفاً منا إلا ابن إدريس، فإنّه قال: إن السكوت لا يدلّ في موضع من المواضع على الرضى(1). لنا قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): « لا تُنكح الأيّم حتى تستأمر، ولاتنكح البكر حتى تُستأذن، وإنّ سكوتها إذنها(2).

وروى الحلبي - في الصحيح - عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يريد أن يزوّج أخته أُخته، قال: يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها، وإن أبت فلا يزوجها»(3). وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي - في الصحيح - قال، قال أبو الحسن(علیه السلام) في المرأة البكر: «إذنها صماتها، والثيب أمرها إليها»(4).

وروی داود بن سرحان عن الصادق(علیه السلام) في رجل يريد أن يزوّج أخته، قال: «يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها»(5). إذا تقرر ذلك فالمراد ب«البكر» من لم تذهب بكارتها كما هو المعروف منها، وب- «الثيب» من ذهبت بكارتها بالجماع وغيره. والحكمة في ذلك أن البكر تستحيي من الجواب باللفظ في ذلك فاكتفي منها بالسكوت.

ص: 160


1- السرائر،ج 2، ص 569.
2- مسند أحمد،ج3، ص 173،ح 9322؛ صحيح البخاري،ج 5، ص 1974،ح 4843: وج 6، ص 2555، ح 6567.
3- الكافي، ج 5، ص 393-394، باب استثمار البكر...،ح 4.
4- الكافي،ج 5، ص 394، باب استثمار البكر... ح 8.
5- الكافي، ج 5، ص 393، باب استثمار البكر...،ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 397،ح 4399؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 386، ح 1550؛ الاستبصار،ج3، ص 239،ح 856.

وألحق العلّامة بها من ذهبت بكارتها بغير الجماع من طفرة أو وثبة أو سقطة أو بإصبع أو حدة الطمث أو طول العنس أو الدودة المسمّاة بالحرقوص؛ لوجود معنى البكر فيمن ذكر(1) حيث لم تخالط الرجال فيبقى الحياء بحاله. وفيه نظر؛ من حيث إطلاق النصوص الشامل لمن ذكر والاقتصار على الحكمة غير لازم، ومن الجائز كونها حكمة في الحكم الكلّي وإن تخلّفت في بعض جزئياته.

ومثله كثير في القواعد الشرعية المترتبة على أمور حكميّة تضبط بضوابط كلّيّة، وإن تخلّفت الحكمة في بعض مواردها الجزئية، كما جعلوا السفر موجباً للقصر؛ نظراً إلى المشقة بالإتمام فيه غالباً، مع تخلّفها في كثير من المسافرين المترفهين، ووجودها في كثير من الحاضرين، وكترتب العيب المجوّز للردّ على نقصان الخلقة وزيادتها؛ نظراً إلى كون ذلك مما يوجب نقصان القيمة غالباً، وقد تخلف في مثل العبد إذا وجد خصياً، فأُبقي على القاعدة وإن زادت قيمته أضعافاً مضاعفةً واختار الشهيد (رحمه الله) في بعض فوائده أن ذلك يقدح ويلحق بالثيوبة(2) وهو المطابق لإطلاق النص.

ويتحقق الثيوبة بزوال البكارة بالجماع؛ سواء كان بالعقد أم بالملك أم بالزنى أم بالشبهة وسواء كانت كبيرة أم صغيرةً؛ لصدق الثيوبة في الجميع، ولزوال الحياء بممارسة الرجال.

ولو كان الوطء قبل تمييزها ففي إلحاقها بالبكر وجه من حيث إنّه في معنى زوال البكارة بغير الوطء. والرجوع عن النصّ في الحكم المخالف للأصل - بمجرد المناسبة التي لاتعتبر عندنا في الأحكام - ليس بجيد.

وفي الموطوءة في الدبر وجهان، من صدق البكارة، وزوال الحياء. واختار في التذكرة اعتبار النطق فيها(3).

ص: 161


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 587 (الطبعة الحجرية).
2- القواعد والفوائد، ص 239(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
3- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 587 (الطبعة الحجرية).

. ولو كانت مملوكة وقف على إجازة المالك. وكذا لو كانت صغيرة فأجاز الأب أو الجدّ صح.

الخامسة: إذا كان الولي كافراً فلا ولاية له . ولو كان الأب كذلك ثبتت الولاية للجد خاصةً . وكذا لو جُنّ الأب أو أُغمى عليه . ولو زال المانع عادت الولاية.

وينبغي تقييد الاكتفاء بالسكوت، بعدم اشتماله على أمارة الكراهة، وإلا لم يكف، ومتى اشتبه الحال كفى السكوت؛ عملاً بالنص(1). ولو ضحكت أو تبسمت عند عرضه عليها فأولى بالاكتفاء؛ لأنه أقوى دلالة من السكوت وألحق ابن البراج بها ما لو بكت(2). وهو بعيد. والأولى الرجوع فيه إلى قرائن الأحوال.

قوله: «ولو كانت مملوكةً وقف على إجازة المالك. وكذا لو كانت صغيرة فأجاز الأب أو الجد». قد تقدم ما يدلّ على الاكتفاء بإجازة المولى بتزويج أمته من النصوص(3).

وأما الأب والجد فإجازتهما كمباشرتهما العقد حيث يكتفى بالإجازة. والحكم فيهما واضح. قوله: «إذا كان الولى كافراً فلا ولاية له ولو كان الأب كذلك ثبتت الولاية للجدّ خاصةً.

وكذا لو جُنّ الأب أو أُغمي عليه . ولو زال المانع عادت الولاية». لما أثبت الولاية في النكاح لمن ذكر أشار إلى الشرائط المعتبرة فيها، فمنها: الإسلام، فلاتثبت الولاية للكافر، أباً كان أو جداً أو غيرهما؛ لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(4). وشمل إطلاق المصنّف ما لو كان المولى عليه مسلماً وكافراً.

والأمر ى الأوّل واضح، والحكم به إجماعي.

ص: 162


1- الكافي، ج 5، ص 393، باب استثمار البكر... ح 3: الفقيه،ج3، ص 397، ح 4399؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 386،ح 1550؛ الاستبصار،ج3، ص 239، ح 856.
2- المهذب، ج 2، ص 194.
3- تقدم تخريجها في ص 157، الهامش 5، وص 158 الهامش 1.
4- التوبة .(9) 71.

ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما سبق - قوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبيلاً)(1)، وقوله(صلی اله علیه وآله وسلم): «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(2). وأما مع كفر المولّى عليه - وتظهر فائدة البحث عن ذلك فيما لو تزوجها المسلم على وجه يصح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى - فلايصحّ عقد الكافر عليها، بل تنتقل إلى غيره من الأولياء، فإن لم يتفق في القريب زوجها الحاكم إن كان له عليها ولاية ذلك.

ولو كانت بكراً بالغة وقلنا بثبوت الولاية عليها كان ذلك كعضل الولي، فتتولاه بنفسها. ووجه المنع من ولاية الكافر على الكافرة غير ظاهر، وعموم الأدلة يتناوله، وقوله تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)(3) يشمله، بل قال الشيخ في المبسوط: إنّ ولي الكافرة لا يكون إلا كافراً، فلو كان لها وليان أحدهما مسلم والآخر كافر كان الذي يتولى تزويجها الكافر دون المسلم؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(4) . والأجود أنّ الكافر يتولّى نكاح الكافرة مطلقاً إذا لم يكن لها ولي مسلم وإلا فالمسلم أولى، وقد ظهر وجه التفصيل مما قرّرناه.

ومنها العقل، فلا تثبت الولاية للمجنون، ولا للمغمى عليه؛ لعجزهما عن اختیار الأزواج، والنظر في أحوالهم وإدراك التفاوت بينهم المطلوب من الولي. وفي معناهما السكر المؤدي إلى ذهاب العقل. ولو لم يؤد إليه فلا مانع منه؛ إذ الفسق غير مانع من الولاية عندنا، وقد ادّعى عليه في التذكرة الإجماع(5)، وإن وقع الاختلاف في منعه في ولاية المال.

ص: 163


1- النساء (4): 141.
2- الفقيه،ج 4، ص 334،ح 5722.
3- النساء (4): 25.
4- المبسوط،ج 3، ص 412 ؛ والآية في سورة الأنفال (8): 73.
5- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 599 (الطبعة الحجرية).

. ولو اختار الأب زوجاً والجد آخر فمن سبق عقده صح، وبطل المتأخر. وإن تشاحًا قدّم اختيار الجد. ولو أوقعاه في حالة واحدة ثبت عقد الجدّ دون الأب.

والفرق أنّ الفاسق يدفع عن نفسه العار في النسب والمصاهرة، كما يدفع العدل، فساواه في الشفقة ولأنّ سبب الولاية القرابة وهي متحققة فيه بخلاف المال فإنّ المقصود حفظه وضبطه للمولّى عليه، والفاسق بعيد عن الأمانة. ومع ذلك فقال في التذكرة: إن السكران مع بقاء تمييزه ليس له التزويج في الحال(1). وهو بعيد، وليس لأحد أن يعلّل المنع باختلال نظره حينئذ؛ لأنا نتكلم على تقدير عدمه.

إذا تقرّر ذلك، فحيث يختل الشرط في الوليّ ينتقل الحكم إلى غيره من الأولياء. وهو عندنا في الأب والجد ظاهر؛ لأنّ لكلّ منهما الولاية مع كمال الآخر، فمع نقصه أولى، فإذا كان الأب كافراً فالولاية للجد خاصةً، وكذا إذا جنّ أو أغمي عليه. ولا فرق بين طول زمان الجنون والإغماء وقصره(2)؛ لقصوره حالته، ووجود الولاية في الآخر. وإنّما يفرّق بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية الجدّ مشروطةً بفقد الأب كالشافعي(3)، فيجعل المانع القصير غير مبطل للولاية ولا ناقل لها إلى الأبعد، كالنوم.

ومتى زال المانع عادت الولاية، وهو في الأبوّة ظاهر. واعلم أنه يتصوّر إسلام الولد مع كفر الأب مع بلوغ الولد ومباشرته الإسلام إذا جعلنا البكر مولّى عليها. ويتصوّر في الصغير بإسلام أمه؛ فإنّه يتبعها فيه إجماعاً، وبإسلام جده على قول يأتي تحقيقه إن شاء الله.

ويتصوّر كفر الولد مع إسلام أبيه مع بلوغه كافراً، ثمّ يتجدّد له الجنون، إذا أثبتنا ولاية الأب عليه حينئذ. ولو قلنا بأن وليه الحاكم كما هو الأقوى - لم يصح الفرض. قوله: «ولو اختار الأب زوجاً والجد آخر - إلى قوله - ثبت عقد الجدّ دون الأب».

ص: 164


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 600 (الطبعة الحجرية).
2- في حاشيه «و»: «في التذكرة فرّق بين الطويل والقصير، والوجه له كما ذكرناه(منه رحمه الله)». راجع تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 600 (الطبعة الحجرية).
3- الأم، ج 5، ص 23.

قد عرفت مما سبق أنّ الجد والأب يشتركان في الولاية عندنا، ولكن ولاية الجد عند الاجتماع أقوى من ولاية الأب. والقوة تظهر من وجهين:

أحدهما: أنه إذا اختار الأب زوجاً واختار الجد غيره فمختار الجد أولى، فلاينبغي للأب أن يُعارضه في ذلك ويقتصر على ما يريده الجد.

والثاني: أنه لو بادر كلّ منهما وعقد على شخص غير الآخر من غير علم الآخر أو مع علمه قدم عقد السابق منهما، سواء كان هو الأب أم الجد، حتى لو كان السابق الأب، وقد علم بأنّ الجدّ مخالف له وقصد سبقه بالعقد فقد ترك الأولى وصح عقده. وإن اتفق العقدان فى وقت واحد بأن اقترن قبولهما معاً قدم عقد الجدّ، وفى هذه الصورة تظهر أولوية الجد. ويدلّ على الحكم الأوّل صحيحة محمّد بن مسلم(1) عن أحدهما(علیهماالسلام) قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه أيضاً أن يزوجها». فقلنا: فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً، فقال: «الجد أولى بنكاحها»(2).

وعلى الثاني صحيحة هشام بن سالم ومحمّد بن حكيم عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأوّل، فإذا كانا جميعاً في حال واحدة فالجد أولى»(3). والأخبار في ذلك كثيرة من طرق أهل البيت(علیهم السلام)(4).

وخالف العامة في ذلك فجعلوا الأب أولى من الجد(5)، على معنى أنّ الجدَّ لا ولاية له مع

ص: 165


1- فی حاشية «و»: «في طريقها عليّ بن الحكم، وتقدّم منا البحث فيه ولكن العلّامة حكم بصحتها.(منه رحمه الله». تقدّم في ص 134؛ وراجع مختلف الشيعة، ج 7، ص 116، المسألة 56.
2- الكافي، ج 5، ص 395، باب الرجل يُريد أن يزوج ابنته...،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 390، ح 1561.
3- الكافي، ج 5، ص 395، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته... ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 395،ح 4396؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 390. ح 1562.
4- الكافي، ج 5، ص 395 - 396، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته... ح 1 و 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 390،ح 1560، وص 391، ح 1564.
5- راجع الأم، ج 5، ص 23؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 346، المسألة 5152.

وجود الأب؛ لأن الأب يولّى بنفسه والجد يولّى بواسطة الأب.

وحجتنا النقل. ويمكن معارضة دليلهم بأنّ للجدّ ولايةٌ على الأب لوجوب طاعته وامتثال أمره، فيكون أولى منه.

وقد روى عبيد بن زرارة عن الصادق(علیه السلام) قال: «إني لذات يوم عند زياد بن عبيد الل-ه الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح الله الأمير إن أبى زوج ابنتى بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل. قال: ثم أقبل عليّ فقال: ما تقول يا أبا عبدالله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه، فقلت لهم: أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ومالك لأبيك ؟ فقالوا: بلى، فقلت لهم: فكيف يكون هذا هو وماله لأبيه ولايجوز نكاحه ؟! قال: فأخذ بقولهم وترك قولي(1).

إذا تقرر ذلك، فهل يتعدّى هذا الحكم إلى أب الجد وجد الجد وإن علا مع الأب، أو مع من هو أدنى منه حتى يكون أب الجد أولى من الجد وجد الجد أولى من أب الجد؟ وجهان، من زيادة البعد، ووجود العلة.

ويقوى تقديم الجد وإن علا على الأب - فيقدم عقده عليه - مع الاقتران لشمول النص له، فإنّ الجد وإن علا يشمله اسم الجد؛ لأنّه مقول على الأعلى والأدنى بالتواطؤ. وأما إقامة الجدّ مع أبيه مقام الأب مع الجد فعدمه أقوى؛ لفقد النص الموجب له، مع اشتراكهما في الولاية؛ فإنّ الجد لا يصدق عليه اسم الأب إلا مجازاً كما أسلفناه، فلا يتناوله النص. ومن جعله أباً حقيقةً - كما ذهب إليه جمع من الأصحاب - يلزمه تعدّي الحكم إليه. فعلى الأوّل يبطل العقد؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّح، أو اجتماع الضدين، كما لو زوجها الوكيلان، وعلى الثاني يقدم عقد الأعلى.

ص: 166


1- الكافي،ج 5 ص 395 باب الرجل يريد أن يزوج ابنته...،ح3.

السادسة: إذا زوجها الوليّ بالمجنون أو الخصي صحّ، ولها الخيار. وكذا لو زوّج الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ.

قوله: «إذا زوجها الوليّ بالمجنون أو الخصي صح - إلى قوله العيوب الموجبة للفسخ». أمّا صحة العقد؛ فلأنّ كلّ واحد من المذكورين كفؤ؛ إذ العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة، والمانع من صحته هو تزويجها بغير الكفء، ولأصالة الصحة، ولأنها لو كانت كاملةً لكان لها أن تتزوّج بمن ذكر. وكذا لو كان الطفل كاملاً. وأما ثبوت الخيار؛ فلوجود العيب الموجب له لو كان هو المباشر للعقد جاهلاً، وفعل الولي له حال صغره بمنزلة الجهل و الشيخ في الخلاف أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة يعبد أو مجنون أو مجهول أو مجذوم أو أبرص أو خصي: محتجاً بأن الكفاءة ليست من شرطها الحرّية ولا غير ذلك من الأوصاف(1)، ولم يذكر الخيار وما قاله المصنّف (رحمه الله) أوضح، وما ذكره الشيخ غير منافٍ له إلا في العبد، وسيأتي.

وهل يثبت الخيار للولي في الفسخ قبل بلوغ المولّى عليه؟ يحتمله؛ لأنه نائب عنه، والعدم؛ لأنّ الخيار هنا أمر يتعلّق بشهوة الزوجين، ولا حظ فيه لغيرهما، فيناط بنظرهما.

واعلم أن إطلاق المصنف وغيره الحكم بالصحة فيما ذكر يدلّ على أن تزويج الولي غير مشروط بالمصلحة، بل ضابطه وقوعه بالكفء، والفرض أن لا مفسدة في ذلك؛ إذ لايترتب عليه فيه حق مالي، والنقص ينجبر بالخيار.

وللشافعية وجه بعدم صحة العقد المذكور، من حيث إنّه لا حظ للمولى عليه في تزويج المعيب؛ سواء علم الوليّ أم لم يعلم(2).

ووجه ثالث بالتفصيل بعلم الولى بالعيب فيبطل(3)، كما لو اشترى له المعيب مع علمه

ص: 167


1- الخلاف، ج 4 ص 284-285. المسألة 49.
2- الأم،ج 5، ص،30.
3- راجع الحاوي الكبير، ج 9، ص 136.

. ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت. وكذا الطفل. وقيل بالمنع في الطفل؛ لأنّ نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ولا خوف في جانب الصبي. السابعة و لايجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ولو كان امرأة، في الدائم والمنقطع.

وقيل: يجوز لها أن تتزوّج متعةً إذا كانت لامرأة من غير إذنها. والأول أشبه.

بعيبه، أو الجهل فيصح، ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين، أولها عند البلوغ. وهذا الوجه الأخير موجّه. وعلى القول بوقوع عقد الفضولي صحيحاً يكون المراد بالبطلان في الأول عدم اللزوم، بل يقف على الإجازة بعد البلوغ. والفرق بينه وبين ما فيه الخيار أن الموقوف على الإجازة لايصح إلا بها، فبدونها يبطل، وذو الخيار بالعكس. ولو اعتبرنا في عقد الولي الغبطة كما مال إليه بعض الأصحاب(1)؛- فالعقد لازم معها مطلقاً، وموقوف على الإجازة بدونها. قوله: «ولو زوّجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت - إلى قوله ولا خوف في جانب الصبى».

لما كانت الكفاءة عندنا غير مشروطة بالحرّية، وليست الرقيّة من العيوب المجوّزة للفسخ صح للولي أن يزوّج البنت بمملوك؛ لتحقق الكفاءة، ولا خيار لها بعد البلوغ؛ لعدم العيب. وكذا الطفل لو زوجه بمملوكة، إن جوزنا للحرّ تزويج الأمة مطلقاً، ولا خيار له بعد البلوغ وإن شرطنا في جوازه الشرطين المشهورين وهما عدم الطول، وخوف العنت، لم يصح هنا؛ لفقد الشرط الثاني للأمن من العنت في جانب الطفل. وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى(2).

قوله: «لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ولو كان امرأة - إلى قوله - والأول أشبه». لا خلاف بين المسلمين في توقف نكاح الأمة على إذن مالكها إذا كان ذكراً، وقد تقدّم

ص: 168


1- في حاشية «و» : «هو الشيخ عليّ (رحمه الله) في الشرح(منه رحمه الله». راجع جامع المقاصد، ج 12، ص 144.
2- يأتي في 304 وما بعدها.

ما يدل عليه من النصوص(1)، ولقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)(2). ويستوي في ذلك الكبيرة والصغيرة. وكذا لو كان المالك أنثى؛ لعموم الأدلة.

ولا فرق في المرأة بين كونها مولّى عليها بالنسبة إلى النكاح، كالبكر البالغ عند بعض علمائنا(3)، وعدمه؛ لأنّ المنع بالنسبة إلى نفسها عملاً بمدلول النص، فلا يتعدى إلى غيره كما لا يتعدى إلى التصرف المالي إجماعاً، وهذا من توابعه وأكثر العامة على إلغاء عبارتها في النكاح مطلقاً، حتى في نكاح أمتها، فيتولّى نكاحها

أولياء المرأة على قول أو الحاكم على قول آخر لهم(4).

إذا تقرّر ذلك فلا فرق في المنع من نكاح الأمة بغير إذن مولاتها بين الدائم والمنقطع؛ لوجود المقتضي للمنع في الجميع، وهو قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.

والقول بجواز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها للشيخ في النهاية(5) والتهذيب(6)؛ استناداً إلى رواية سيف بن عميرة - الصحيحة - عن عليّ بن المغيرة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها، قال: «لا بأس به»(7).

وهذه الرواية - مع مخالفتها لأصول المذهب، ولظاهر القرآن(8) - مضطربة السند، فإنّ سیف بن عميرة تارةً يرويها عن الصادق(علیه السلام) بغير واسطة(9)، وتارة بواسطة علي بن المغيرة،

ص: 169


1- تقدمت في ص 158.
2- النساء (4): 24.
3- كالشيخ في النهاية، ص 465.
4- راجع المهذب، الشيرازي،ج2، ص 45: والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 337، المسألة 5137.
5- النهاية. ص 490.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 257، ذيل الحديث 1112.
7- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 258257،ح1113؛ الاستبصار،ج3، ص 219، ح 795.
8- النساء (4): 24.
9- الكافي، ج 5، ص 464، باب تزويج الإماء، ح 4 : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258، ح 1115؛ الاستبصار،ج 3. ص 219 - 220، ح، 797.

الثامنة: إذا زوّج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد، فإن مات أحدهما ورثه الآخر.

وتارةً بواسطة داود بن فرقد(1)، واضطراب السند يُضعف الرواية إن كانت صحيحة فكيف بمثل هذه الرواية؟! وقد روى أحمد بن أبي نصر في الصحيح قال: سألت الرضا يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال: «نعم، إن الله عزّ وجلّ يقول: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ»(2). قوله: «إذا زوّج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد، فإن مات أحدهما ورثه الآخر. هذا هو المشهور بين الأصحاب، ووجهه واضح؛ لأنّ العقد الصادر عن الأبوين حال الولاية واقع من أهله في محلّه، فكان لازماً في حق المولّى عليه، فلا خيار لهما بعد البلوغ،ويثبت التوارث بمقتضى الزوجية. ويؤيده صحيحة محمد بن بزيع قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن الصبية يزوجها أبوها، ثمّ يموت وهي صغيرة، ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أيجوز عليها التزويج أم الأمر إليها؟ قال: «يجوز عليها تزويج أبيها»(3). وروى علي بن يقطين في الصحيح قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) أتزوج الجارية وهي بنت ثلاث سنين، أو يزوّج الغلام وهو ابن ثلاث سنين؟ وما أدنى حد ذلك الذي يزوجان فيه ؟ فإذا بلغت الجارية فلم ترضَ فما حالها؟ قال: «لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليها»(4). وذهب جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ في النهاية(5)، وابن البراج(6)، وابن حمزة(7)،

ص: 170


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258، ح 1114؛ الاستبصار، ج 3، ص 219، ح 796.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 257، ح،1110؛ الاستبصار،ج 3، ص 146،ح،531؛ والآية في سورة النساء (4): 24.
3- الكافي، ج 5، ص 394، باب استثمار البكر... ح 9: الفقيه،ج3، ص 395، ح 4394: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 381،ح 1541؛ الاستبصار،ج3، ص 236، ح 852.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 381 - 382، ح 1542: الاستبصار،ج 3، ص 236، ح 853. 382381.
5- النهاية، ص 467.
6- المهذب،ج 2، ص 197.
7- الوسيلة، ص 300.

وابن إدريس(1)، - إلى ثبوت الخيار للصبي إذا بلغ؛ تعويلاً على رواية يزيد الكناسي قال، قلت لأبي جعفر(علیه السلام) - في حديث طويل إلى أن قال قلت - فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية ؟ فقال: «يا أبا خالد إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك»(2). والراوي مجهول، والحكم مضطرب مخالف للأصل والعجب من ابن إدريس في موافقته على ذلك الأمر الشيخ وأتباعه.

وللشيخ في النهاية كلام يعطي أنّهما في هذا الفرض لا يتوارثان؛ لأنه قال:

ومتى عقد عليهما غير أبويهما ثم مات واحد منهما، فإن كان الذي مات الجارية فلايرث الصبي، سواء بلغ أم لم يبلغ؛ لأنّ لها الخيار عند البلوغ. وإن كان الذي مات الزوج قبل أن يبلغ فلا ميراث لها أيضاً؛ لأنّ له الخيار عند البلوغ(3).

وهذا التعليل من الشيخ يقتضي أن من له الخيار عند البلوغ لو مات قبله فلاميراث. وهو يدلّ على نفي الخيار في صورة الأبوين؛ لإثباته الخيار فيه للزوج، مع أن محمّد بن مسلم روى في الصحيح - عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن الصبي يُزوّج الصبية، قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا»(4). فلو عمل الجماعة بهذا الخبر الصحيح، وأثبتوا الخيار لهما كان أولى من تخصيصهم الخيار بالولد استناداً إلى الرواية الضعيفة. والشيخ في التهذيب حمل هذه الرواية على أن يكون أراد بالخيار أنّ لهما فسخ العقد، إما بالطلاق من جهة الزوج واختياره، أو مطالبة المرأة له بالطلاق، وما يجري مجرى ذلك مما يفسخ العقد، ولم يرد بالخيار هنا إمضاء العقد، وأن العقد موقوف على اختيارهما(5).

وهذا التأويل كان بذلك الخبر الضعيف أولى.

ص: 171


1- السرائر،ج 2، ص 568.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 382-383، ح 1544؛ الاستبصار،ج3، ص 237،ح 855.
3- النهاية، ص 466.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 382 ، ح 1543؛ الاستبصار،ج 3، ص 236-237،ح 854.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 382، ذيل الحديث 1543.

. ولو عقد عليهما غير أبويهما ومات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث ولو بلغ أحدهما فرضي لزم العقد من جهته. فإن مات عُ--زل م-ن تركته نصيب الآخر، فإن بلغ فأجاز أحلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث وورث. ولو مات الذي لم يجز بطل العقد ولا ميراث.

وبالجملة فالمذهب ما ذكره المصنف رحمه الله) قوله: «ولو عقد عليهما غير أبويهما ومات أحدهما قبل البلوغ إلى قوله ولا ميراث». إذا عقد على الصغيرين غير وليهما كان فضوليّاً، فإن قلنا: إن عقد الفضول في النكاح باطل فلا كلام.

وكذا إن قلنا بصحته بشرط أن يكون له مجيز في الحال، ولم يكن لهما حينئذ ولي يجوز له العقد عليهما.

وإن جوزنا عقد الفضول مطلقاً، أو كان له مجيز في الحال ولكنه لم يجزه ولم يردّه فأمره موقوف على إجازتهما له بعد البلوغ. فإن ماتا أو أحدهما قبله فلا إرث؛ لبطلان العقد بتعذر الإجازة. وهذا لا كلام فيه. وإن بلغ أحدهما مع كون الآخر حياً فأجاز العقد لزم من جهته؛ لحصول المقتضي وانتفاء المانع من جهته، وبقي من جهة الآخر موقوفاً على إجازته إذا بلغ.

ال- فإن اتفق بلوغه والآخر حى وأجاز العقد لزم ولا كلام في ذلك. وإن فرض موت المجيز أولاً قبل أن يبلغ الآخر، أو بعد بلوغه وقبل إجازته، فأجاز بعد ذلك أحلف أنّه لم يجز طمعاً في الميراث، بل لو كان الآخر حياً لرضي بتزويجه، وورث حصته منه.

وأكثر هذه الأحكام موافقة للأصول الشرعية لا تتوقف على نص خاص، وإنّما يقع الالتباس فيها في إثبات إرث المجيز المتأخر بيمينه مع ظهور التهمة في الإجازة. ومستند هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر(علیه السلام)قال: سألته عن غلام وجارية زوجهما وليّان لهما وهما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز وأيهما أدرك كان له، الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا».

ص: 172

قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية، أترثه؟ قال: نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر». قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا ؛ لأنّ لها الخيار إذا أدركت» قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك، قال: «يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية»(1).

وفي هذه الرواية - مع وضوحها في الأحكام المذكورة، وصحة سندها - شبهتان إحداهما فرضها في تزويج الوليين، وقد عرفت أن تزويج الولي ماض على الولد.

والثانية: حكمه فيها بثبوت نصف المهر للمرأة على تقدير ،موته مع أنّ الأشهر أنّ الموت يقتضي تقرير جميع المهر وإن كان قبل الدخول، وإنّما ينتصف بالطلاق قبله. وقد تقدم الجواب عن الشبهة الأولى(2)، وأن الوليّ أعم ممن يجوز له التزويج لصدقه على الحاكم ووصي المال، بل على العصبة، وهو المعبّر عنه بالوليّ غير الإجباري، فلايتعيّن حمله على الأب والجد. مع أنه في آخر الرواية صرّح بأنّ المزوّج لو كان هو الأب لزمهما العقد، فيتعين حمل الولي في صدرها على غيره، والجد بحكم الأب كما دلّت عليه أخبار أُخر(3). وأما حكمه بثبوت نصف المهر فقد حمل على أنه كان قد دفع نصف المه-ر كما هو المعتاد من تقديم شيءٍ قبل الدخول، وأنّ الباقي هو النصف خاصةً. وهذا الحمل وإن كان لا يخلو من بعد إلّا أنّه محتمل؛ لضرورة الجمع.

ص: 173


1- الكافي، ج 7، ص 131-132، باب ميراث الغلام والجارية... ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 388، ح 1555.
2- تقدم في ص 156.
3- الكافي، ج 5، ص 395 - 396، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته...1و 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص،390- 391،ح،1561- 1564.

إذا تقرر هذا فبحث المسألة يتم بأمور:

الأوّل: قد عرفت أنّ ثبوت الميراث للمجيز المتأخر متوقف على يمينه بعد الإجازة. فلو لم يحلف فلا إرث، وإن كان تأخر الحلف لعارض من موت وغيره؛ لأن ثبوت الإرث هنا على خلاف الأصل، كما بيّناه، فيقتصر فيه على مورده.

وربما احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث من حيث إنه دائر مع العقد الكامل، وهو هنا حاصل بالإجازة من الطرفين، فوجب أن يثبت الإرث.

وهذا الاحتمال ليس بشيء؛ لأنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء. ولا نسلم أن العقد قد كمل بالإجازة خاصةً، فإنّ التهمة لما كانت واقعةً قوية في أن الإجازة ليست مطابقة لما في نفس الأمر كان اليمين هي المكمل للعقد. ومع ذلك فالحكم على خلاف الأصل فكيف يتوهم ثبوته بدونه مع التعذر ، واشتراطه مع الإمكان؟! وكما لا يثبت الإرث بموته قبل اليمين فكذا مع نكوله عنه ، وعروض مانع له منه من جنون وغيره. نعم، لو كان العذر مما يترقب زواله - كالجنون والغيبة - عزل نصيبه من الميراث إلى أن يزول المانع، أو يحصل اليأس منه، أو يوجب التأخير ضرراً على الوارث بتأخير المال، أو على المال، فيتّجه حينئذٍ دفعه إلى الوارث، وتقرير الحال معه بضمانه له على تقدير ظهور استحقاق الحالف له. وإنّما جاز دفعه حينئذ إلى الوارث؛ لأنّ الاستحقاق غير معلوم، والأصل عدمه، لكن لما كان أكثر أجزاء السبب قد حصلت روعي الجمع بين الحقين بتأخير النصيب إلى وقت لايحصل معه ضرر على الوارث، مع احتمال عدم وجوب عزله بعد بلوغه وتأخيره اليمين.

الثاني: لو كان المتأخر هو الزوج وأجاز ولم يحلف، فهل يلزمه المهر المسمى في العقد أم لا؟ وجهان، من أنّ المهر فرع ثبوت النكاح المتوقف على اليمين ولم يحصل، ومن أنّ-ه بإجازته معترف بثبوته في ذمته، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1)، و إنما منع الميراث؛

ص: 174


1- تقدم تخريجه في ص 105 الهامش3.

لتعلّقه بحق غيره، وحصول التهمة فيه، بخلاف المهر والأقوى ثبوته عليه بمجرد إجازته. وعلى هذا التقدير ففي إرثه منه مقدار نصيبه من الإرث على تقدير ثبوت الزوجية وجهان، من أنّه بعض الموروث من الزوجة، ولم تثبت الزوجيّة بعد والإرث فرع ثبوتها. ولا يلزم من ثبوت أصل المهر في ذمته بإقراره إرثه منه؛ لأنّ ذلك متعلّق بحق غيره، بخلاف ثبوت أصل المهر؛ فإنّ حقه عليه، فيقبل إقراره فيه. ومن استلزام إجازته استحقاقه مقدار نصيبه منه على كل تقدير؛ لأنه إن كان صادقاً في إجازته فإرثه لنصيبه منه ثابت في ضمن إرثه بجملة الميراث وإن كان كاذباً فكلّ المهر مختص به فمقدار نصيبه منه ثابت على التقديرين. ولا يلزم من عدم ثبوت النكاح عدم ثبوت إرثه منه؛ لأنّ إقراره بالنكاح لم يتضمن الإقرار بجميع المهر، بل بمقدار ما زاد عن نصيبه. وليس هذا مثل ما لو أقرّ بمائة مثلاً لامرأة ثم ادعى أنها مهر نكاح يرث منه؛ لأن إقراره هذه الصورة بمجموع المائة واقع والدعوى الثانية ترفع بعضها، فيحتاج إلى إثباتها، بخلاف مسألتنا، فإنّ إجازته اقتضت إقراراً واحداً، وهو لزوم ما زاد عن نصيبه من المهر لذمته خاصةً، وليس فيه تعرّض للإقرار بمجموع المهر؛ لأنه إنما جاء في ضمن إجازة الزوجيّة، والواقع في ضمنها هو ذلك القدر لا المجموع.

وقد ظهر بذلك أنّ القول بإرثه من المهر مقدار نصيب الزوج متعيّن.

الثالث: لو انتفت التهمة بالطمع في الميراث، بأن كان ما يلزمه من المهر بمقدار ما يرثه منها أو أزيد، ولم يكن في أعيان التركة ما يوجب التهمة ففي التوقف على اليمين نظر، من انتفاء فائدته على هذا التقدير، ومن إطلاق النصّ والفتوى بتوقف الإرث على اليمين. ولا يلزم من ذلك كون التهمة علةً تامّةً في اعتبار اليمين، بل جاز أن يكون هو الحكمة الباعثة على الحكم، ولا يلزم اطرادها في جميع أفراد المحكوم عليه، كما سبق تقريره من قريب؛ نظراً إلى أنّ الشارع ينظر إلى الغالب في مناسبة الحكمة، ويرتب الحكم على وجه كلي وإن تخلّفت في بعض أفراده؛ ضبطاً لقواعد الشرع.

ص: 175

وعلى هذا لايستحق شيئاً من أعيان التركة بدون اليمين وإن كان ما يعترف به في ذمته أو في عين من الأعيان من المهر أضعاف ما يدعيه.

ولا بعد في توقف ملكه لنصيبه من عين التركة على اليمين؛ لأنّ ذلك أمر آخر وحق خارج لا ملازمة بينه وبين ما يقرّ به. وهذا هو الأقوى.

الرابع: النص ورد في تزويج الأجنبي للصغيرين(1)، فلو كانا كاملين فزوجهما الفضولي ففي انسحاب الحكم إليهما وجهان من تساويهما في كون العقد فيهما عقد فضولي، ولا مدخل للكبر والصغر في ذلك، ومن أنّ في بعض أحكامه ما هو على خلاف الأصل، فيقتصر على مورده. وهذا أقوى.

وحينئذٍ فيحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر، سواء قلنا: إنّ الإجازة جزء السبب، أم كاشفة عن سبق النكاح من حين أما على الأوّل فظاهر؛ لأنّ موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل كما لو مات العقد.

أحدهما قبل تمام القبول. وأما على الثاني؛ فلأنّ الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد، بل لا بد معها من اليمين، وقد حصل الموت قبل تمام السبب خرج منه ما ورد فيه النص، وهو العقد على الصغيرين فيبقى الباقي.

الخامس: لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الوليّ والآخر فضولي فمات من عقد له الوليّ أولاً قبل بلوغ الآخر، فهل يتعدى إليه الحكم فينتظر بلوغ الآخر وإجازته، ويورّث بعد يمينه؟ قيل: نعم(2)؛ لأنّ هذا لا يزيد على مورد النص إلا بلزوم أحد الطرفين، وكون المزوّج هو الولي، وهذا لا دخل له في الفرق، بل الحكم فيه أولى؛ لأن الجائز من الطرفين أضعف حكماً من اللازم من أحدهما، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى، وبهذا يخرج عن القياس الممنوع على المنصوص، بخلاف الصورة السابقة.

ص: 176


1- راجع ص 172 - 173.
2- قاله العلّامة في قواعد الأحكام،ج 3، ص 16؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 159.

التاسعة: إذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح، واقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر المثل. فإن زاد كان الزائد في ذمته، يتبع به إذا تحرّر. ويكون

مهر المثل على مولاه. وقيل: في كسبه. والأول أظهر. وكذا القول في نفقتها.

ويمكن إثبات الأولوية في السابقة بوجه آخر، وهو أن عقد الفضولي إذا كان له مجيز في الحال فلا إشكال في صحته عند القائل بصحته، ومتى لم يكن له مجيز في الحال فهو محلّ إشكال. وعقد الكبيرين فضولاً من القسم الأوّل دون عقد الصغيرين، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى. وهذا متجه لم ينبه عليه أحد.

السادس: لو كانا بالغين لكن زوّج أحدهما الفضولى والآخر أوقعه لنفسه، أو كان أحدهما بالغاً والآخر صغيراً، فأوقع له الولي، ففي انسحاب الحكم الوجهان السابقان: من تعدي صورة النص، ومن الأولوية بلزوم أحد الطرفين، فيكون أقوى كالسابقة، وإن كانت أبعد من جهة الخروج عن المنصوص في كونهما معاً صغيرين، إلا أن ذلك ينجبر بالأولوية المذكورة. ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضاً. وهو متجه.

قوله: «إذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح - إلى قوله - وكذا القول في نفقتها». إذا أذن المولى لعبده في التزويج؛ فإما أن يعيّن له الزوجة أو لا، وعلى التقديرين؛ إما أن

يعين له قدر المهر أو لا. فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يعيّن المرأة والمهر، فيتعينان ولايجوز له التخطي. فإن تخطى إلى غيرهما كان العقد موقوفاً على إجازة المولى؛ بناءً على صحة عقد الفضولي، وعلى الآخر يبطل. ولا فرق بين التجاوز إلى أشرف منها، وأخسّ ومساو؛ لاشتراك الجميع في وقوعه بغير الإذن.

الثاني: أن يطلق له فيهما. فله أن يتزوج بمن شاء بمهر المثل أو دونه، من حرّة وأمة، من بلده وخارجه، شريفة ووضيعة؛ لتناول الإطلاق لذلك كله، إلا أنه ليس له الخروج من بلد

المولى إليها إلا بإذن سيده. وإنّما تظهر فائدة الصحة مع نقلها إليه أو مع الإذن. وربما استشكل الاكتفاء بإطلاق الإذن من حيث اقتضائه تسلّطه على من يريد، مع

ص: 177

تفاوت المهر بالقلّة والكثرة تفاوتاً فاحشاً، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد بالإذن المطلق وإن كثر .

ويندفع الإشكال بأنّ السيّد قدم على ذلك بإطلاقه الإذن المتناول لذلك كله، فالضرر مستند إليه إن كان.

وإنّما حمل الإطلاق على مهر المثل؛ لأنّه بمنزلة ثمن المثل من المبيع فيحمل عليه، كما لو أذن له في الشراء أو البيع وأطلق، فإنّه يحمل على ذلك بثمن المثل، فإن تجاوزه هنا صح

العقد ؛ لأنّه مأذون فيه، ويلزم المولى مهر المثل، والزائد يلزم ذمّة العبد يتبع به بعد العتق. والفرق بينه وبين الإذن المطلق في شراء المتاع - حيث توقف العقد مع تجاوزه ثمن المثل على إجازة المولى، ولم يتوقف هنا - أن النكاح لا يتوقف على المهر ولا تلازم بينهما، فالإذن في النكاح متحقق على كل حال فلا وجه لإبطاله، بخلاف البيع، فإنّ الثمن شرط في صحته. ويشكل هذا في جانب المرأة إذا لم تكن عالمةً بالحال، فإنّها إنما قدمت على مهر يثبت في ذمة المولى معجّلاً، ولم يحصل.

ويندفع الاشكال بمنع كون نكاح العبد مطلقاً يوجب كون المهر معجلاً في ذمّة المولى أو غيره، بل قد يكون كذلك، وقد لا يكون كما في هذه الصورة، والمرأة إنّما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع، والتقصير منها حيث لم تعرف الحكم، فإنّه لما كان من المعلوم أن العبد لايملك شيئاً فتعلّقها بثبوت المهر في ذمة المولى أو ذمته معجّلاً قدوم على غیر معلوم، فالضرر جاء من قبلها.

الثالث: أن يعين المرأة ويطلق المهر ، فلا يجوز له التخطي إلى غير المعينة، فيكون فضوليّاً. وينصرف الإطلاق إلى مهر المثل أو أقل، فإن زاد يتبع بالزيادة كما مرّ.

الرابع: أن يعين المهر ويطلق في المرأة، فيتخيّر في تزويج من شاء بالمهر المعين، فإن تخطاه تعلّق الزائد بذمته كالزائد عن مهر المثل، وإن كانت الزيادة هنا لا تتجاوز مع المعين مهر المثل.

ص: 178

هذا إذا كان المعين بقدر مهر مثل المرأة التي اختارها العبد أو أقل. أما لو كان أكثر من مهر مثلها ففي لزوم العقد والمسمّى - نظراً إلى كونه مأذوناً - أو تعلّق الزائد عن مهر المثل بذمته يتبع به كما لو زاد في المطلق - من حيث إنّ التجاوز عن مهر المثل حكمه ذلك، وتعين المهر مع إطلاق الزوجية لا ينافيه - وجهان، واختار في التذكرة الأول(1).

ولا يخلو من إشكال. إذا تقرر ذلك فقد اختلف الأصحاب في محلّ المهر المتعلّق بالمولى من المعين، ومهر المثل مع الإطلاق، وفي نفقة الزوجة، هل هو في ذمّة المولى، أو كسب العبد؟ فالمشهور بينهم والأصح هو الأول؛ لأنّ الإذن في النكاح يستلزم الإذن في توابعه ولوازمه، كما لو أذن له في الإحرام بالحج، فإنّه يكون إذناً في توابعه من الأفعال وإن لم يذكر. ومع تعيين المهر أولى. وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح والعبد لايملك شيئاً، وكسبه من جملة أموال المولى كان الإذن فيه موجباً لالتزام ذلك من غير أن يتقيد بنوع خاص من ماله كباقي ديونه، فيتخيّر بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن وفى به، وإلا وجب عليه الإكمال.

ووجه الثاني أنّ ذلك يجب في مقابلة عوض يستوفيه العبد في الحال، والسيد لم يلتزمه في ذمته، ولا هو مستوفي بدله والقولان للشيخ(2). وعلى القول الثاني يجب على المولى تخلية العبد للتكسب نهاراً وتخليته للاستمتاع ليلاً، إلا أن يختار الإنفاق عليه وعلى زوجته من ماله فله استخدامه بشرط أن لاتزيد أجرة النفقة المبذولة، وإلا كان الزائد مصروفاً في المهر، فيجب على المولى بذل الزائد الخدمة عن أو تخليته ليصرف الكسب فيهما حيث يفضل.

وإنّما يتعلّق المهر بكسبه الحاصل بعد العقد، والنفقة بكسبه الحاصل بعد وجوب الإنفاق؛ فإنّه قد يتأخر عن العقد؛ لاشتراطه بالتمكين

معه فما كان بيده من كسب قبل ذلك فهو بمنزلة أموال السيد.

ص: 179


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 589 (الطبعة الحجرية).
2- راجع النهاية، ص 498 و 499: والمبسوط، ج 3، ص 395 و 400 و 403.

العاشرة: من تحرّر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح.

الحادية عشرة: إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه فإذا زوجها الزم، وليس للمولّى عليه مع زوال الولاية فسخه.

ولو فرض كون المهر مؤجّلاً لم يتعلّق به الكسب إلى حين حلوله، فإن فضل من السابق عن النفقة شيء فهو للمولى؛ لأن الاكتساب تابع لوجوب الحق.

:قوله من تحرّر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح. من تحرّر بعضه صار شريكاً للمولى فى الحق المتعلّق برقبته، فليس لأحد منهما التصرّف إلا بإذن الآخر. ومنه النكاح، فليس للمولى إجباره عليه؛ مراعاة لجانب الحرّية؛ لأنّ الحرّ لا يجبر عليه، والنكاح لا يختص ببعضه، ولا للعبد الاستقلال به مراعاة لجانب الرقية، بل يعتبر صدوره عن رأيهما، ويكون المهر والنفقة حينئذ بالنسبة. ولو زاد المبعض عن مهر المثل أو المعيّن تعلّق الزائد هنا بجزئه الحرّ. قوله: «إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه، فإذا زوجها لزم - إلى قوله - فسخه.

نكاح أمة المولّى عليه من جملة التصرفات في أمواله، فيكون أمرها إلى من له الولاية عليه. وحكمه في عدم جواز اعتراض المولى عليه بعد الكمال حكم غيره من التصرفات. ولا فرق في ذلك بين كون المالك المولى عليه ذكراً أو أنثى؛ نظراً إلى العموم. ونبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث منع من تزويج أمة المولّى عليه مطلقاً(1)؛ لأنّه ينقص قيمتها، وقد تحبل فتهلك.

ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج(2). والكلّ عندنا ساقط.

والفرق بين التصرفين ظاهر. واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص

ص: 180


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 358، المسألة 5173.
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 358، المسألة 5173.

• ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكراً كانت أو ثيباً.

وأن توكّل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد. وأن تعوّل على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ. ولو تخيّر كلّ واحد من الأكبر والأصغر زوجاً تخيّرت خيرة الأكبر.

قوله: «ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكراً كانت أو ثيّباً». حيث قلنا بعدم ثبوت الولاية على المرأة الكاملة يستحب لها أن لا تستقل بالتزويج، بل تستأذن فيه أباها؛ لما تقدّم من الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ المتولّي لتزويجها هو الأب، وأقل مراتبها الحمل على الاستحباب. ولأنّ الأب في الأغلب أخبر بالأنسب من الرجال وأعرف بأحوالهم منها. ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب، وإن كان الاستحباب في جانب البكر آكد؛ لأنّ الخلاف فيها أقوى، والأخبار في عدم استقلالها به أكثر، والعلة في جانبها بعدم الاطلاع على أحوال الرجال أقوى.

قوله: «وأن توكّل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد - إلى قوله - تخيّرت خيرة الأكبر». كما يستحب للمرأة تفويض أمرها إلى الأب والجد، كذلك يستحب تفويضه إلى الأخ مع عدمهما؛ لأنّه أخبر بذلك منها غالباً، وعليه غضاضة إن قصرت في الاختيار كالأب. وقد تقدّم في رواية أبي بصير(1) أنّ الأخ من جملة من بيده عقدة النكاح، وحمله على الاستحباب حسن، وربما كان أولى من حمله على كونه وصيّاً كما مرّ. ومع تعدّد الإخوة يستحبّ لها التعويل على رأي الأكبر، والترجيح لمن يختاره من الأزواج؛ لاختصاصه بمزيد الفضيلة وقوة النظر والاجتهاد في الأصلح، ولما سيأتي من الخبر الدال على ترجيح عقد الأكبر.

هذا إذا كان الزوجان متساويين في الكمال أو متقاربين فيه، أما لو كان مختار الأصغر أكمل أشكل ترجيح خيرة الأكبر؛ لأنّ الكمال المتعلّق بالزوج أولى بحال المرأة من مجرد ترجيح جانب الأكبر، خصوصاً مع قصور دليل الاستحباب فإنّ أكملية رأي الأكبر مطلقاً ممنوعة والخبر يأتي الكلام فيه والأولى الاقتصار في الاستحباب على حالة تساوي الرأيين، أو رجحان رأي الأكبر.

ص: 181


1- تقدّم تخريج روايته في ص 146 الهامش 4.
مسائل ثلاث
الأولى: إذا زوجها الأخوان برجلين، فإن وكلتهما فالعقد للأول.

ولو دخلت بمن تزوّجها أخيراً فحملت ألحق الولد به. وألزم مهرها. وأعيدت إلى السابق. وإن اتفقا في حالة، قيل: يقدّم الأكبر، وهو تحكّم وإن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيهما شاءت، والأولى لها إجازة عقد الأكبر، وبأيهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له.

قوله: «إذا زوجها الأخوان برجلين ، فإن وكلتهما فالعقد للأوّل - إلى قوله كان العقد له». قد عرفت مما سبق أن الأخ حكمه حكم الأجنبي بالنظر إلى تزويج الأُخت، وإن استحب لها توكيله، وترجيح عقد الأكبر من الأخوين عند التعارض. وحينئذ فإذا زوجها الأخوان برجلين، فإن لم تكن وكلتهما فهما فضوليان تخيّرت في إجازة عقد من شاءت منهما، واستحب لها ترجيح عقد الأكبر. وإن وكلت أحدهما خاصةً صح عقده، وبطل عقد الآخر.

وإن وكلتهما معاً صح عقد السابق منهما وبطل اللاحق. وإن اقترنا دفعةً واحدةً بطلا ؛

ذلك لاستحالة الترجيح من غير مرجّح. ولا فرق في جميع بين الأخوين وغيرهما، وإنّما خصهما بالذكر ؛ لوقوع الخلاف في تقديم عقد الأكبر عند التعارض دون الوكيلين. والقائل بتقديم عقد الأكبر في هذه الحالة الشيخ في النهاية(1)، وتبعه جماعة(2)؛ تعويلاً على رواية وليد بياع الأسقاط(3) قال: سُئل أبو عبدالله(علیه السلام) وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة، وزوجها الأصغر بأرض أخرى، قال: «الأوّل أحق بها، إلا أن يكون الآخر قد دخل بها، فإن دخل بها فهي امرأته، ونكاحه جائز»(4).

ص: 182


1- النهاية، ص 466.
2- كابن البراج في المهذب،ج 2، ص 195؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 300.
3- هكذا في جميع النسخ ولكن في جميع المصادر: «الأسفاط» بدل «الأسقاط».
4- الكافي، ج 5، ص 396-397، باب المرأة يزوجها وليان غير الأب والجد،ح2 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 387،ح 1553؛ الاستبصار،ج3، ص 239،ح،858.

واعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في موضعين:

أحدهما: تحرير محلّ النزاع، فإنّ المصنف رحمه الله جعل مورد الخلاف ما لو اتفق العقدان في حالة واحدة، وأنّ الشيخ في هذه الحالة قال بتقديم عقد الأكبر. وعبارة الشيخ خالية عن القيد، بل تدلّ على تقديم الأكبر مطلقاً. وكذلك روايته التي هي مستند الحكم، بل الرواية ظاهرة في عدم الاقتران؛ لأن عقد كلّ منهما واقع في بلد، فيبعد العلم باقترانهما.

وكيف كان فالعبارة أعم منه.

وهذا لفظ الشيخ في النهاية :

وإن كان لها أخوان فجعلت الأمر إليهما، ثمّ عقد كلّ واحدٍ منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها أخوها الأكبر أولى بها من الآخر. فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضياً، ولم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول. فإن كان الأخ الكبير قد سبق بالعقد، ودخل الذي عقد له الأخ الصغير بها، فإنّها ترد إلى الأول، وكان لها الصداق بما استحل من فرجها، وعليها العدّة(1). هذه عبارته التي يتعلق الغرض بنقلها، وإطلاقها الشامل لحالة الاقتران والاختلاف واضح والرواية المتقدّمة بمعنى ما ذكره، وحاصل فتواه في النهاية تقديم الأكبر مطلقاً، إلا مع دخول من زوجه الأصغر في حالة لم يكن الأكبر متقدماً بالعقد. وهذا القيد الأخير زائد على الرواية.

وفي كتابي الأخبار حمل الرواية على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى أخويها، واتفق

العقدان في حالة واحدة، فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر(2). وهذا قول آخر للشيخ غير ما قاله في النهاية ؛ لأنه هنا جعل تقديم الأكبر مع الاقتران خاصةً بشرط أن لا يدخل بها من زوجه الأصغر.

ص: 183


1- النهاية، ص 466.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 387 ، ذيل الحديث 1553؛ الاستبصار،ج3، ص240، ذيل الحديث 858.

والقولان معاً مغايران لما نقله المصنف؛ لأنه جعل تقديم الأكبر مع الاتفاق مطلقاً. وفي الحقيقة هو أقعد من القولين، من حيث إن الحكم بتقديم عقد الأكبر يوجب إلغاء العقد الآخر. فكيف يصححه الدخول بعد الحكم بالغاية. وتكلّف اعتباره بعد المرافعة والدخول ؟ وإلغائه لو اتفقت المرافعة قبل الدخول - نظراً إلى ظاهر الواقع - خيال واه؛ لأن ذلك لا دخل له في صحة العقد وفساده، كما أن الدخول مع التوكيل كذلك نعم ، لو كانا فضوليين توجه الفرق بين الدخول وعدمه، بجعل الدخول إجازة لعقد الفضولي، و ترجيحه أقوى من ترجيح جانب الأخ الأكبر، ومع عدم الدخول يرجح الأكبر إمّا استحباباً أو مطلقاً؛ عملاً بظاهر الرواية.

وبالجملة فتنزيل الشيخ للرواية على القولين ليس بمستقيم وكذلك إطلاق المصنف القول عنه، فإنّ اعتماده على الرواية وهي منافية لما أطلقه عنه، وكذا عبارته في الموضعين. وأيضاً على تقدير كونهما وكيلين وتقدم أحدهما لا وجه لاعتبار الثاني أصلاً؛ لوقوعه على المرأة وهي متزوّجة فيلغو. ومع الاقتران قد يتصوّر تقديم الأكبر، ويجعل هو المرجّح حيث تساويا في الوقت، إلّا أنّ اشتراطه عدم دخول الآخر ينافيه؛ فإنّ المرجح حاصل من حين العقد، والوكالة متحققة ،فيهما ، فإما أن يبطلا - كما هو المشهور - أو يرجح جانب الأكبر بمرجح من حين العقد، فلا يؤثر فيه وطء الآخر بعده. ومع هذا كله فالرواية محتملة احتمالاً ظاهراً لغير ما نزله الشيخ من كونهما وكيلين، وكون المراد من المقدّم عقده هو الأكبر. وذلك بأن يحمل قوله: «الأوّل أحق بها على المتقدّم بالعقد، سواء كان هو الأكبر أم الأصغر. وهو على تقدير وكالتهما أوفق بالأصول الشرعية من حمل الأوّل على الأكبر.

ويبقى استثناء مسألة الدخول مشكلة على التقديرين، إلّا أنّ الأمر على هذا أخفٌ؛ لأنّ الرواية على تنزيل الشيخ مشكلة من الوجهين، وهنا من وجه واحد.

ولو حملناها على كونهما فضوليين كما يقتضيه إطلاق الحال؛ فإنّه لم يذكر كونها

ص: 184

وكلتهما أم لا، والأصل وظاهر الحال يقتضي عدم التوكيل - صح الحكم في تقديم من حصل له دخول؛ لأنّ ذلك يكون إجازة لعقده.

ويبقى الإشكال في تقديم الأكبر أو السابق مع عدم الدخول، ويمكن حينئذ حمل ذلك على الاستحباب، بمعنى أنه يستحب لها أن تقدّم عقد الأكبر أو السابق ما لم يكن دخول ، وإلا تعيّن تقديم من دخل؛ لتحقق الإجازة، فيزول معنى التخيير. وهذا أولى ما تنزل عليه الرواية، وأوفق بأصول المذهب ويسقط كلام الشيخ في القولين. ومع هذا كله فالرواية ضعيفة الإسناد؛ لأنّ وليد المذكور فيها مجهول الحال(1)، وفي الرجال: الوليد بن صبيح ثقة(2)، وكونه إياه غير معلوم. وللشيخ في المبسوط قول ثالث(3) موافق للمشهور، ونسب ما ذكره في النهاية(4)، إلى الرواية. وهو الأنسب. فهذا ما يتعلق بتحرير محلّ النزاع.

والموضع الثاني في تحقيق الحكم في المسألة فنقول: إذا زوجها اثنان من رجلين فلا يخلو إما أن يكونا وكيلين، أو فضوليين، أو أحدهما وكيل والآخر فضولى.

وعلى التقادير الثلاثة: إما أن يتفق العقدان في وقت واحد، أو يتعاقبا في وقتين. وعلى التقادير الستة: إما أن يقع هناك دخول لأحدهما، أم لا.

وعلى تقدير الدخول إما أن يكون بمن حكم له بالعقد أم بالآخر. وعلى تقدير كون الآخر إما أن يكون الزوجان عالمين بالحال، أو جاهلين، أو بالتفريق. وعلى التقادير: إما أن يستمر العلم بحال العقدين من الاتفاق والتعاقب، أو يجهل. وعلى تقدير الجهل: إما أن يجهل السابق منهما مع العلم به، أو يشكّ في الواقع هل هو السبق أو الاقتران؟

ص: 185


1- راجع رجال الطوسي، ص 317، الرقم 4716.
2- رجال النجاشي، ص 431، الرقم 1161.
3- المبسوط،ج3،ص413-414.
4- النهاية، ص 466.

فهذه جملة أقسام المسألة، وإن أضفنا إليها كون العاقدين إما أن يكونا أجنبيين، أو أخوين - ليترتب على ذلك استحباب تقديمها عقد الأكبر حيث يكونان فضوليين، أو مطلقاً على القول الآخر - تضاعفت الأقسام.

وجملة القول في حكمها: أنهما إن كانا وكيلين وسبق أحدهما فالحكم للسابق وبطل المتأخر، سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل، وسواء كانا أخوين - على الأصح - أم لا. ووجهه واضح؛ لأنّ العقد الأوّل وقع صحيحاً جامعاً لشرائطه، والثاني وقع وهي في عصمة الأوّل، فكان باطلاً. ويؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نكح الوليان فالأوّل أحق»(1).

ثم إن لم يدخل بها الثاني سلّمت إلى الأول. وإن دخل بها الثاني، فإن كانا عالمين بالحال فهما ،زانيان، فلا شيء لها، ولا يلحق بهما الولد إن اتفق وفرّق بينهما، وردّت إلى الأول. وإن كانا جاهلين بالحال أو بالتحريم فلها على الواطىء مهر المثل في مقابلة الاستمتاع كغيره من وطء الشبهة، ولحق الولد بهما، وعليها العدة، ثمّ تردّ إلى الأوّل، ولها عليه المسمّى. وعليه يحمل ما روي عن الباقر(علیه السلام) : أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلاً، ثمّ أنكحتها أُمّها رجلاً بعد ذلك، فدخل بها فحبلت فاختلفا فيها، فأقام الأول الشهود، فألحقها بالأوّل، وجعل لها الصداقين جميعاً. ومنع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها حتى تضع حملها. ثم ألحق الولد بأبيه»(2). وهي محمولة على كونها أذنت للأخ في التزويج. وإن علمت هي دونه فهي زانية لا مهر لها، وألحق الولد بالواطئ. وإن علم هو خاصةً فهو زان، فلا ولد له ولها المهر، وعليها العدّة متى تحقق الجهل ولو من أحدهما؛ لتحقق وطء الشبهة الموجب للعدّة ، فتعتد عدّة الطلاق ثمّ تردّ إلى الأوّل.

ص: 186


1- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 528، ح 12776.
2- الكافي، ج 5، ص 396، باب المرأة يزوجها وليان غير الأب والجد... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 386 - 387، ح 1552: الاستبصار،ج3، ص240، ح 859
الثانية: لا ولاية للأُمّ على الولد فلو زوّجته فرضي لزمه العقد.

وإن كره لزمها.المهر. وفيه تردّد. وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه.

وإن اتفق العقدان بالقبول في وقت واحد بطلا؛ لامتناع الحكم بصحتهما معاً، لتنافيهما، وبصحة أحدهما دون الآخر؛ لأنّه ترجيح من غير مرجّح، فتعين بطلانهما. ولا م-ه-ر ع-ل-ى واحد منهما مع عدم الدخول، أو معه مع العلم. وإن جهل الحال بأن احتمل الأمران، أو جهل السابق مع علمه ابتداء، أو لا معه، احتمل بطلانهما معاً؛ لاحتمال المعيّة في الأوّل، وأصالة حرمة البضع، فيستصحب إلى أن يتيقن. وأن يفسخ الحاكم نكاحهما؛ لإمكان الترتيب بل هو الأغلب فيفسخه الحاكم؛ لعدم إمكان الترجيح. وأن يجبرا على الطلاق تخلصاً من الشبهة المبهمة. ولا يقدح الإجبار في صحة الطلاق؛ لأنّه بحق. والقرعة؛ لأنها لكلّ أمر مشكل. وهو أضعفها. وفي هذه الصور الثلاث بحث طويناه تأسياً بالمصنف (رحمه الله)

وإن كانا فضوليين تخيّرت في إجازة عقد من شاءت منهما. ويستحب لها مع كونهما أخوين إجازة عقد الأكبر، ومع كون أحدهما أخاً إجازة عقده، سواء كان متقدماً أم متأخراً أم مقارناً. كلّ ذلك مع عدم الدخول بأحدهما بعد العلم بالعقد، وإلا كان الدخول إجازة وصيانة له عن التحريم ما أمكن. وفي الرواية السابقة ما يرشد إليه. ويعلم من ذلك أن الإجازة تصح أن تكون فعليةً، فلو تصرّف المالك في ثمن ما بيع من ماله فضولاً بعد علمه بالحال، أو في المثمن المشترى له كذلك، كان إجازة بطريق أولى؛ لأن النكاح أولى بمراعاة جانب الاحتياط، وصيانة تصرّف المسلم عن المحرّم مشترك بينهما. وممّا حرّرناه من أحكام المسألة يعلم ما أخل به المصنف، وما يحتاج إليه عبارته من التقييد، خصوصاً في إطلاقه لحوق الولد بالواطئ ولزوم المهر، وكون الوطء إجازة، وغير ذلك. قوله: «لا ولاية للأم على الولد - إلى قوله - وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه». اتفق الأصحاب - عدا ابن الجنيد(1) - على أن الأم لا ولاية لها على الولد مطلقاً، فلو زوجته

ص: 187


1- راجع مختلف الشيعة، ج 7، ص 123 - 124، المسألة 60.

بغير إذنه توقف على إجازته، سواء كان قبل البلوغ أم بعده، فإن أجاز لزمه العقد والمهر، وإن رد بطل العقد وتبعه المهر، كغيره من عقود الفضولي.

وقال الشيخ(1) وأتباعه(2): يلزمها مع ردّه المهر؛ تعويلاً على رواية محمّدبن مسلم عن الباقر(علیه السلام) أنه سأله عن رجل زوجته أمه وهو غائب، قال: «النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل، وإن شاء ترك، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه»(3).

والرواية ضعيفة السند، مخالفة للأصل من ضمان الفضولي المهر. وحملها المصنف وتلميذه العلّامة على ما لو ادّعت الوكالة ولم تثبت؛ فإنّها تضمن المهر(4)؛ لأنها قد فوتت البضع على الزوجة، وغرّتها بدعوى الوكالة، فضمنت عوضه

وفيه نظر؛ لأنّ ضمان البضع بالتفويت مطلقاً ممنوع، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقاً. والأقوى عدم وجوب المهر على مدعي الوكالة مطلقاً إلا مع ضمانه، فيجب حسبما ضمن من الجميع أو البعض ولو لم تدع الوكالة فلا شيء عليها وإن ضمنت لبطلان العقد بردّه.

ويمكن حمل الرواية عليه. واعلم أنّ قول المصنّف وربما حمل» إلى آخره. لا يجوز عوده إلى القول بلزوم المهر للأُمّ - أعني فتوى الشيخ ومن تبعه - لأنّ الشيخ أفتى بلزومه لها مطلقاً، كما ترشد إليه عبارته. قال في النهاية: إذا عقدت الأم لابن لها على امرأة كان مخيراً - إلى قوله - وإن أبى لزمها هى المهر(5).

ص: 188


1- النهاية، ص 468.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 196.
3- الكافي، ج 5، ص 401 - 402، باب الرجل يهوى امراة ويهوى أبواه غيرها، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 376.ح 1523، وص 392، ح 1569.
4- مختلف الشيعة،ج7، ص،130، المسألة 63؛ تذكرة الفقهاء،ج2، ص 586 (الطبعة الحجرية).
5- النهاية، ص 468.
الثالثة: إذا زوّج الأجنبي امرأةً

إذا زوّج الأجنبي امرأةً، فقال الزوج: زوجك العاقد من غير إذنك،

فقالت: بل أذنت، فالقول قولها مع يمينها على القولين؛ لأنّها تدعي الصحّة.

ومثل هذه العبارة لايجوز حملها على غير ظاهرها، وإنما يتوجه حمل الرواية التي هي مستند الحكم. وعبارة المصنّف لا تنافي ذلك؛ لأنه لم يصرّح في كلامه بنقل قول، فجاز أن يكون الكلام المحكى أوّلاً هو الرواية، والحمل متوجه إليها، إلا أنه خلاف الظاهر، فإن النقل والتردد إنما يتعلق بالأقوال اصطلاحاً.

وكيف كان فهي أجود من عبارة العلّامة، فإنّه قال في القواعد والتحرير: قيل: يلزمها المهر. وحمل على ادعاء الوكالة(1). فصرّح بأنّ الحمل للقول. وليس بجيد. وتنبه لذلك في المختلف فقال: ويمكن حمل الرواية على ما لو ادّعت الأم الوكالة(2). قوله: «إذا زوج الأجنبي امرأةً، فقال الزوج زوجك - إلى قوله - لأنها تدعي الصحة».

- أراد بالقولين القول ببطلان عقد الفضولي، والقول بصحته موقوفاً على الإجازة. وتقديم قولها على الثاني ظاهر؛ لأنّ دعواها الإذن منها إجازة وزيادة. وإنّما تظهر للنزاع صورة على القول الأول.

ووجه تقديم قولها عليه ما أشار إليه المصنّف بقوله: «لأنها تدعي الصحة» وهو يدعي البطلان، ومدّعى الصحة مقدّم. وأيضاً فهو من جهته لازم، وإنما يدعى فساده من جهتها. فيقدم قولها فيه؛ لأنه مستند إلى فعلها.

ويظهر من المصنف أن دعوى الصحة علّة تقديم قولها على القولين.

ووجهه على الثاني لا يخلو من تكلّف؛ لأنّ تقديم قولها عليه لا يتوقف على ذلك، بل

على مجرد إجازتها ولو أنه الآن.

ص: 189


1- قواعد الأحكام،ج3، ص 17؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج3، ص 438، الرقم 4949.
2- مختلف الشيعة،ج7، ص،130 ، المسألة 63.

ويمكن أن تظهر فائدته على تقدير أن يكون قد سبق منها بعد العقد - بلا فصل - ما يدلّ على كراهة العقد، وبعد ذلك اختلفا في الإذن وعدمه، فإجازتها الآن لا تؤثر في لزوم العقد

بعد كراهتها له قبل ذلك، فيرجع الأمر إلى دعوى الصحة والبطلان على القولين. وكيف كان فقولها مقدم إلا أنه في هذه الصورة يتوقف على اليمين.

وفي الأوّل على تقدير القول الثاني لا يفتقر إلى اليمين. وعلى القول ببطلان عقد الفضولي لا بد من اليمين مطلقاً .

ص: 190

الفصل الرابع: في أسباب التحريم

اشارة

وهی ستة:

السبب الأول: النسب
اشارة

. ويحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء: الأُمّ والجدة وإن علت لأب كانت أو لأُمّ. والبنت للصلب، وبناتها وإن نزلن وبنات الابن وإن نزلن. والأخوات، لأب كن أو لأُمّ أو لهما. وبناتهنّ، وبنات أولادهن. والعمّات، سواء كنّ أخوات أبيه لأبيه أو لأُمّه أو لهما، وكذا أخوات أجداده وإن علون. والخالات للأب أو للأُمّ أو لهما،

قوله: «الفصل الرابع في أسباب التحريم. وهي ستة».

حصر المحرمات في ستة بحسب ما اقتضاه المقام وإلا فالأسباب أكثر من ذلك مذكورة في تضاعيف الكتاب كالمعقود عليها في العدة مع العلم أو الدخول، والمزني بها، وهي ذات بعل أو في العدة الرجعية، والمعقود عليها كذلك مع الدخول والعلم والمفجور بابنها أو أخيها، والمفضاة مع الدخول لدون التسع، والمقذوفة وهي صماء أو خرساء، والمزني بأمها أو بنتها، والمعقود عليها في الإحرام مع العلم بالتحريم.

قوله: «ويحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء». هن المذكورات في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ) إلى قوله: ﴿وَبَنَاتُ الْأُخْتِ)(1). فالأم والجدة وإن علت واحدة من السبع، وهي الأم. وضابطها هنا كلّ أُنثى ولدتك، أو ولدت

ص: 191


1- النساء (4): 23.

وكذا خالات الأب والأم وإن ارتفعن . وبنات الأخ ، سواء كان الأخ للأب أو للأُم أو لهما ، وسواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه ، وبناتهن وإن سفلن.

من ولدك، ذكراً كان أم أُنثى. وبعبارة أخرى كلَّ أُنثى ينتهي إليها نسبك بالولادة بواسطة أو

بغير واسطة.

وإنما عطف المصنّف الجدة على الأُمّ مؤذناً بالمغايرة بينهما - مع إدراجها معها في عد السبع - للتنبيه على فائدة، وهي أن الأم التي أطلق الله تعالى تحريمها في الآية یراد بها ما ذكرناه مما يشمل الجدة، ولكن إطلاقها على هذا المعنى مجازي؛ لأنّ الجدّة لا يشملها اسم الأُم حقيقة، وكذا الأب لا يتناول الجد كذلك، وإن أُريد به في هذا الباب ما يشمله.

وإنما كان إطلاقهما على المعنى الأعم مجازاً؛ لوجود علامات المجاز فيه؛ فإنّه لايتبادر إلى الذهن عند إطلاق اسم الأم والأب الجد والجدة، بل يحتاج في فهم ذلك إلى قرينة ، ويصح سلبه عنه، فيقال: هذا أبي لا جدي، وهذه أُمي لا جدتي، وغير ذلك من علامات المجاز.

فهذا وجه جمعه بينهما مع إطلاقه أولاً الأم على ما يشملهما. ومثله القول في البنت فإنّها واحدة من السبع كما في الآية، ويراد بها هنا ما يشمل بنت البنت وإن سفلت.

وضابطها كل أنثى ولدتها، أو ولدت من ولدها، ذكراً كان أم أنثى، بواسطة أو بغير واسطة. وهذا المعنى ليس مراداً منها عند الإطلاق في غير هذا الباب؛ لما عرفت من أن أولاد البنات لايدخلون في اسم الأولاد في الوقف والوصيّة وغيرهما. ومثله ما لو وقف على بناته؛ فإنّه لا تدخل فيهن بنات البنات. وكذا القول في بنات الأخ وبنات الأُخت، فإنه يراد بهنّ هنا ما يشمل السافلات مع عدم دخولهن في إطلاق اللفظ. وكذا في العمات والخالات

ص: 192

فإنّهنّ يطلقن حقيقةً على أخوات الأب وأخوات الأم، ومجازاً على أخوات الجد والجدة وإن علا، والمحرّم منهنّ يشمل الحقيقية والمجازية. وضابط المحرم من العمات كلّ أُنثى هي أخت ذكر ولدك بواسطة أو بغير واسطة، وقديكون من الأُم كأُخت أب الأُمّ.

وضابط الخالة المحرمة كلّ أُنثى هى أُخت أُنثى ولدتك بواسطة أو بغير واسطة، وقديكون من جهة الأب كأخت أم الأب.

وقد علم بذلك أن المراد بعلو العمّة عمّة الأب أو الأم وعمّة الجدّ فصاعداً، وبعلق الخالة خالة الأُمّ أو الأب وخالة الجد وإن علا.

وأما عمة العمة فقد تكون محرّمة، كما إذا كانت العمة القريبة عمّةً لأبيه وأُمه أو لأبيه؛ لأنّها حينئذ تكون أُخت جده أب الأب فتكون عمة.

وقد لاتكون محرّمة، كما لو كانت القريبة عمّةٌ للأُم؛ لأنّ عمتها حينئذٍ تكون أُخت زوج جدته أُمّ أبيه، وأُخت زوج الأُمّ لا تحرم، فأُخت زوج الجدة أولى.

وكذا القول في خالة الخالة؛ فإنّ الخالة القريبة إن كانت خالةٌ لأب وأُمّ أو لأُمّ فخالتها تحرم عليه. وإن كانت خالةٌ لأب خاصةً فخالتها لا تحرم عليه؛ لأنّ أُمّ خالته القريبة تكون امرأة جده لا أُمّ أُمّه، فأُختها تكون أُخت امرأة الجد، وأُخت امرأة الجد لا تحرم عليه. وجملة الأمر أنّ المحرّم من جميع ما ذكر من النساء ما يشمل الحقيقة والمجاز، إلا الأُخت؛ فإنّه لا مجاز فيها؛ فإما أن تكون الآية جارية على ما يشمل المجاز والحقيقة كما عدّد، وهو الأظهر، وإما أن يراد منها الحقيقة، واستفيد المجاز من دليل آخر.

واعلم أن للفقهاء في ضبط المحرمات بالنسب عبارات:

إحداها تفصيلية، وهي ما ذكرها المصنّف. والثانية إجمالية - وهي أخصر منها - وهي أنه يحرم على الإنسان أصوله وفصوله.

ص: 193

ومثلهنّ من الرجال يحرم على النساء، فيحرم الأب وإن علا، والولد وإن سفل والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن علا، وكذا الخال.

وفصول أوّل أصوله، وأوّل فصل من كلّ أصل بعده، أي بعد أوّل الأصول(1). فالأصول الأمهات بالنسبة إلى الذكر، والآباء بالنسبة إلى الأنثى.

والفصول البنات والبنون بالنسبة إلى الأمرين.

وفصول أوّل الأصول الأخوات بالنسبة إلى الرجل، والإخوة للأُنثى(2)، وأولاد الأخ والأُخت وإن نزلوا.

وأوّل فصل من كلّ أصل بعد الأصل الأوّل: الأعمام والعمات والأخوال والخالات. والثالثة: أنّه يحرم على الإنسان كل قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة. فيحرم على الرجل نساء القرابة مطلقا، إلا من دخل في اسم ولد العمومة والخؤولة، وعلى الأنثى ذكور القرابة إلا من دخل في اسم ولد العمومة والخؤولة. وهذه أجود من الجميع؛ لإيجازها ووضوح المراد منها.

قوله: «ومثلهنّ من الرجال يحرم على النساء إلى قوله وكذا الخال». لما كان تحريم النكاح من أحد الطرفين يقتضي التحريم أيضاً من الطرف الآخر لا محالة كان الحكم بتحريم الأم - و إن علت - على الولد - وإن نزل - مقتضياً لتحريم الولد - وإن نزل على الأم - وإن علت - وكذا القول في البواقي.

وهذا هو النكتة في تخصيص الله تعالى في الآية(3) المحرّمات على الرجال، ولم يذكر

العكس.

ص: 194


1- في حاشية «و»: «قيد البعدية زيادة على ما عرّفه في القواعد وفائدته حذف التكرار من الأخوات لدخولهن بدونه في هذا اللفظ، وفي قوله: وفصول أول أصوله(منه رحمه الله)». راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 19.
2- في جميع النسخ: «الإخوة بالنسبة إلى الرجل، والأخوات للأُنثى» بدل «الأخوات بالنسبة إلى الرجل والإخوة للأُنثى»، وما أثبتناه من إحدى الحجريتين.
3- النساء (4): 23.
فروع ثلاثة:

الأوّل: النسب يثبت مع النكاح الصحيح، ومع الشبهة ولايثبت مع الزني فلو زنى فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب إليه شرعاً. وهل يحرم على الزاني والزانية؟ الوجه أنه يحرم؛ لأنه مخلوق من مائه، فهو يسمّى ولداً لغةً.

قوله: «النسب يثبت مع النكاح الصحيح، ومع الشبهة - إلى قوله - فهو يسمّى ولداً لغةٌ». لا خلاف بين العلماء في أنّ النسب يثبت بالنكاح الصحيح. والمراد به الوطء المستحق شرعاً، ولو في نفس الأمر وإن حرم بالعارض كالوطء في الحيض والإحرام. وقيد بنفس الأمر مع عدم العلم بالاستحقاق ليدخل فيه من زوجه وكيله أو وليه ولم يعلم به فوطئ بقصد الزنى؛ فإنّه لا يقدح في كون النكاح شرعيّاً وإن أثم بإقدامه عليه معتقداً حرمته. والتحليل داخل فيه؛ لأنه إما عقد أو ملك.

ويلحق به وطء الشبهة. والمراد به الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بتحريمه فيدخل فيه وطء الصبي والمجنون والنائم وشبهه فيثبت به النسب كالصحيح. ولو اختصت الشبهة بأحد الطرفين اختص به الولد.

أما الزنى - وهو وطء المكلّف محرّمة بالأصالة مع علم التحريم - فلا يثبت به النسب إجماعاً. ولكن هل يثبت به التحريم المتعلّق بالنسب، فيحرم على الزاني البنت المخلوقة من مائه، كما يحرم على الزانية المتولد منها بالزنى ؟ قال المصنف: «الوجه أنّه يحرم؛ لأنّه متولّد من مائه، فهو يسمّى ولداً لغةٌ؛ لأنّ الولد في اللغة حيوان يتولّد من نطفة آخر من نوعه، والأصل عدم النقل؛ خصوصاً على القول بعدم ثبوت الحقائق الشرعيّة. ويشكل بأنّ المعتبر إن كان هو صدق الولد لغةً لزم ثبوت باقي الأحكام المترتبة على الولد كإباحة النظر، وعتقه على القريب، وتحريم حليلته، وعدم القود من الوالد بقتله، وغير ذلك. وإن كان المعتبر لحوقه به شرعاً فاللازم انتفاء الجميع. فالتفصيل غير واضح.

ص: 195

ولكن يظهر من جماعة من علمائنا - منهم العلّامة في التذكرة(1)، وولده في الشرح(2) وغيرهما(3) - أنّ التحريم إجماعي، فيثبت بذلك. وتبقى الأحكام الباقية على أصلها، وحيث لا يلحق نسبه ولايسمّى ولداً شرعاً لا يلحقه تلك الأحكام.

وعبارة المصنّف تشعر بالخلاف في المسألة، إلا أنه ليس بصريح؛ لأن الخلاف واقع بين المسلمين في التحريم، فالشافعية لا يحرمونها؛ نظراً إلى انتفائها شرعاً(4)، والحنفية يوافقوننا في التحريم(5)؛ نظراً إلى اللغة.

واتفق الفريقان على تحريم الولد على أُمه لو كان ذكراً، وهو يؤيد تحريم الأُنثى علی

الأب؛ لعدم الفرق. والأقوى عدم ثبوت شيء من أحكام النسب غير التحريم، ففيه ما قد عرفت. وأما الفرق بين التحريم والنظر بأن الأصل تحريم النظر إلى سائر النساء ، إلا إلى من يثبت النسب الشرعي الموجب للتحليل بينهما، ولم يثبت، وأنّ حلّ النظر حكم شرعي ف- فلا يثبت مع الشكّ في سببه. فمثله وارد في التحريم؛ لأنه إن دخل الولد في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ)(6)، دخل في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ بَابِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَابِهِنَّ)(7)، والإنصاف أن القولين موجهان والإجماع حكم آخر .

ص: 196


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 613 (الطبعة الحجرية).
2- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 42.
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 190.
4- المهذب الشيرازي،ج2، ص 55: المجموع شرح المهذب،ج 16، ص 219 و 222؛ روضة الطالبین،ج2،ص،89.
5- راجع حلية العلماء، ج 6،ص 379.
6- النساء (4): 23.
7- النور (24) 31.

الثاني: لو طلّق زوجته فوطئت بالشبهة، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ولستة أشهر من وطء المطلق الحق بالمطلق. أما لو كان الثاني له أقل من سنّة، وللمطلّق أكثر من أقصى مدة الحمل لم يلحق بأحدهما. وإن احتمل أن يكون منهما استخرج بالقرعة على تردّد أشبهه أنّه للثاني.

وحكم اللبن تابع للنسب وأما ما علل به ابن إدريس التحريم من أن المتولد من الزني كافر فلا يحل للمسلم(1). فمبني على أصل مردود، ومنقوض بما لو تولّد من كافر؛ فإنّه يلزمه القول بحله للمتولد منه.

قوله: «لو طلّق زوجته فوطئت بالشبهة - إلى قوله - وحكم اللبن تابع للنسب». لما بين سابقاً أنّ النسب يثبت بالنكاح الصحيح والشبهة أتبعه بذكر مسألة يمكن فيها اجتماع الأمرين، وهي ما إذا طلق زوجته فوطئت بالشبهة وأتت بولد، فإنّه قد يمكن إلحاقه بهما لكون نكاحهما معاً موجباً لإلحاق النسب.

وإنما قيد بالطلاق مع أن إلحاقه بهما ممكن بدونه، كما إذا وطئ زوجته ثمّ وطئها آخر بشبهة، فإنّ الأقسام تأتي فيه، إلا أنه هنا لايتوجه الخلاف المذكور في هذه لثبوت الفراش الملحق للنسب بهما، بخلاف صورة الفرض؛ فإنّ فراش الأوّل قد زال بالطلاق، فكان الثاني أرجح من هذا الوجه، فيتصوّر الخلاف الذي يأتي تحريره. وموضع هذه المسألة أحكام الأولاد الآتية في أواخر الكتاب، لكن ذكرت هنا لتعلّق أحكام النسب بها كما قلناه.

وحاصلها يرجع إلى أربع صور؛ لأنه إما أن يمكن لحوق الولد بالأوّل خاصةً، أو بالثاني خاصةً، أو يمكن إلحاقه بهما معاً، أو يعلم انتفاؤه عنهما معاً.

الأولى: أن تلده لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ولأقصى مدة الحمل فما دون من وط الأول. فهو للمطلق قطعاً؛ لأنّ الفراش في المدة كلّها منحصر فيهما، وقد امتنع إلحاقه بالثاني: لعدم مضيّ مدّة يمكن ولادته منه، فتعين للأول.

ص: 197


1- السرائر، ج 2، ص 526.

الثالث: لو أنكر الولد ولا عن انتفى عن صاحب الفراش، وكان اللبن تابعاً.

ولو أقرّ به بعد ذلك عاد نسبه، وإن كان هو لا يرث الولد.

الثانية: أن تلده لستة أشهر فصاعداً إلى أقصى الحمل من وطء الثاني، ولزيادة عن أقصى الحمل من وطء الأول. فهو ملحق بالثاني قطعاً؛ لامتناع إلحاقه بالأول. وهذه الصورة لم يذكرها المصنّف ولا عذر في تركها؛ لأن الغرض يتعلّق بكلّ من الوطئين، بل حكم الثاني أخفى، فكان التنبيه عليه أولى.

الثالثة: أن تلده لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأوّل. فهو منتفٍ عنهما قطعاً؛ لفقد شرط اللحوق بواحد منهما.

الرابعة: أن تلده لستة أشهر فصاعداً إلى ما دون الأقصى من وطء الثاني، ولأقصى مدة

الحمل فما دون من وطء الأوّل، فتولّده من كل واحد منهما ممكن. وقد اختلف في حكمه حينئذ، فاختار الشيخ فيه القرعة(1)، فمن أخرجته له حكم له به؛

لأنّه أمر مشكل من حيث إنّها فراش لكلّ منهما، وتولّده منهما ممكن، فلاترجیح. واختار المصنّف والأكثر الحكم به للثاني ؛ لأنّ فراش الأوّل قد زال وفراش الثاني ثابت فهو أولى من الزائل، ولأن صدق المشتق على من وجد فيه المعنى المشتق منه حالته أولى ممن سبق مع التعارض للخلاف المشهور أنه مع سبقه يكون مجازاً لا حقيقةً. وهذا أقوى إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ كلّ من حكم بإلحاق الولد به تبعه اللبن فيترتب عليه أحكام الرضاع وغيره.

قوله: «لو أنكر الولد ولا عن انتفى عن صاحب الفراش - إلى قوله - لايرث الولد». لا إشكال في انتفاء الولد عنه باللعان ولا في تحريمه إن كان بنتاً على الملاعن مع دخوله بأمها؛ لأنّها ربيبة امرأة مدخول بها. ولو لم يكن دخل بأمها ففي تحريمها عليه وجهان لم يتعرّض إليهما المصنف، وإن كان إطلاق عبارته بانتفائه يقتضي عدم التحريم.

ص: 198


1- المبسوط،ج4،ص،235.

ووجهه انتفاؤها عنه شرعاً كبنت المزني بها، ويزيد هنا أنها لا تنسب إليه لغةٌ. ووجه التحريم أنها غير منتفية عنه قطعاً؛ ولهذا لو اعترف بها بعد اللعان ورثته. وفيه: أنّ ذلك غير كافٍ في التحريم؛ فإنّ البنت المجهولة النسب التي يمكن تولّدها منه لو ادعى كونها بنته قبل، مع أنها لا تحرم عليه قبل ذلك.

ويتفرّع عليه وجوب القصاص بقتلها، والحدّ بقذفها، والقطع بسرقة مالها، وقبول شهادتها عليه إن منعنا من قبول شهادة الولد.

واستقرب في التذكرة ثبوت هذه الأحكام(1)؛ لأنّه نفى نسبها باللعان، فانتفت توابعه. واعترافه به بعد ذلك لا يسقط ما ثبت عليه؛ ولهذا كان الولد يرثه، وهو لا يرث الولد وذلك دليل على عدم عود النسب مطلقاً، وإنما العائد إرثه باعترافه؛ لأنه إقرار في حقه، ولم ينفذ في حق الولد.

إذا تقرر ذلك فاللبن تابع للولد، فإذا انتفى عنه باللعان انتفى اللبن عن الملاعن أيضاً. ولكن هل يعود لو اعترف به كما عاد الولد من وجه؟ لم يتعرّض المصنّف ولا غيره لذلك. فيمكن أن يقال بعدم عود اللبن؛ لأنّ النسب لم يعد كما قرّرناه، وإنما عاد إرثه من الملاعن خاصة، وذلك أمر آخر. ويحتمل أن يعود على حدّ عود الولد بمعنى أنه يؤثر فى الحكم بالنسبة إلى الملاعن لا غير، فلو ارتضع من هذا اللبن مرتضع رقيق الرضاع المحرّم، ثمّ ملكه الملاعن مع اعترافه بالولد المنفي عتق عليه المرتضع أخذاً له بإقراره ويحتمل عود اللبن مطلقاً؛ لأنّ إرث الولد منه فرع النسب، وجاز أن يكون عدم إرث الملاعن منه مؤاخذةٌ له على فعله، فيعد ذلك من جملة موانع الإرث للنسب، فلا يتعدى

حكمه إلى غيره.

ص: 199


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).
السبب الثاني: الرضاع
اشارة

والنظر فی شروطه و احکامه، انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:

اما الشروط:
اشارة

انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:

1- الشرط الأول: أن يكون اللبن عن نكاح،

فلو در لم ينشر حرمة. وكذا لو كان عن زنى. وفي نكاح الشبهة تردّد، أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح.

قوله: «أن يكون اللبن عن نكاح - إلى قوله - أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح». أجمع علماؤنا على أنه يشترط في اللبن المحرم في الرضاع أن يكون من امرأة عن نكاح

والمراد به هنا الوطء الصحيح، فيندرج فيه الوطء بالعقد دائماً، ومتعة، وملك يمين، وما في معناه.

والشبهة داخلة فيه، وإنّما خصها بالذكر للتنبيه على الخلاف فيها. وإلحاقها بالنكاح الصحيح في غيرها هو الأشهر بين الأصحاب؛ لأنه كالصحيح في النسب، واللبن تابع له ولعموم قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(1)، خرج منه ما أجمع على خروجه أو دلّ عليه دليل من خارج فيبقى الباقي، وقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2). وقال ابن إدريس: إن الشبهة لا تنشر حرمةٌ. ثم بعد ذلك بلا فصل قوى التحريم، ثم قال:

لي في ذلك نظر وتأمل(3). وحاصله يرجع إلى تردّده فيه.

وإنّما ينشر لبن الشبهة في حق من اتصف بها، فإن وقعت من الرجل والمرأة تعلّق

ص: 200


1- النساء (4): 23.
2- الفقيه،ج3، ص 475، ح 4668؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244،ح880.
3- السرائر، ج 2، ص 552.

بهما حكمه تبعاً للحوق الولد بهما. وإن اختصت الشبهة بأحدهما اختص بحكم اللبن؛ لأنّه تابع للولد.

ولاخلاف في أنّ اللبن الحادث من الزنى لا ينشر؛ لأنّ الزني لاحرمة له ولا يلحق به النسب. وفي صحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن لبن الفحل، فقال: «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أُخرى، فهو حرام»(1). خص(علیه السلام) لبن الفحل بما يحصل من امرأته فلا يكون ذلك إلا مع النكاح الصحيح، ولبن النكاح لشبهة إن كان خارجاً من ذلك فقد جاء من دليل آخر بخلاف الزنى ولأنّ اللبن لو درّ عن غير نكاح لم يعتد به، ونكاح الزنى ساقط الاعتبار شرعاً، فاللين الحاصل عنه في حكم الصادر عن غير نكاح.

إذا تقرّر ذلك فلا بد مع كونه صادراً عن نكاح أن يحصل من النكاح ولد فلا يكفي مجرد الوطء الصحيح في اعتبار اللبن لو فرض درّه من غير ولد. وقد نبه عليه في الخبر السابق. وهل يشترط انفصال الولد، أم يكفي كونه حملاً ؟ اختلف كلام العلّامة في ذلك، ففي القواعد اكتفى بالحمل(2)، وقطع بعدم اشتراط الولادة. وفي التحرير اعتبر الولادة(3)؛ ولعله نظر إلى ظاهر رواية عبدالله بن سنان السابقة، حيث قال: «ولبن ولدك، فإنّه لايطلق عليه اسم الولد إلا مع الوضع. وفيه نظر. ولعلّ الاكتفاء بالحمل أجود. وقد استفيد من قوله أن يكون اللبن صادراً عن نكاح(4)، أنه لا حكم للبن البهيمة، ولا للبن الرجل ولا للبن الخنثى المشكل أمره؛ لتحريم نكاحه وكل ذلك عندنا موضع وفاق،

ص: 201


1- الكافي،ج 5، ص 440، باب صفة لبن الفحل، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 319، ح 1316؛ الاستبصار،ج 3، ص 199،ح،719.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 21.
3- تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 447، الرقم 4965.
4- في المتن و النسخ: «أن يكون اللين عن نكاح».

. ولو طلّق الزوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً نشر الحرمة، كما لو كانت في حباله. وكذا لو تزوّجت ودخل بها الزوج الثانى وحملت أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني، كان له دون الأول. ولو اتصل حتى تضع الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع للأوّل، وما بعد الوضع للثاني.

وإنّما خالف فيه بعض العامة، فحكم بنشر الحرمة بجميع ذلك على اختلاف بينهم فيه(1). وقد روى الأصحاب عن الباقر أنه قال: «لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة،

أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة»(2).

وفيه دلالة على نفي جميع ما أخرجناه. وقريب منه الخبر السابق.

واعلم أنّ قوله في وطء الشبهة: «أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح(3) لايخلو من تكلّف؛ لأن النكاح الصحيح ما كان جائزاً بالمعنى الأعم، ونكاح الشبهة من جملة أفراده فلاوجه لتنزيله عليه.

وأيضاً فإنّ المصنف شرط أولاً كونه عن نكاح، و هو شامل للشبهة وإن أُريد به الصحيح، وكأنه أراد بالنكاح الصحيح ما كان عن عقد أو ملك ولايجوز أن يراد بالنكاح في أوّل كلامه العقد، كما هو معناه الحقيقي ؛ لأنّ العقد غير كافٍ، بل لابدّ معه من الوطء، ولأنّه يخرج منه النكاح بالملك والتحليل مع إلحاقه به إجماعاً، ويبقى التردد في وطء الشبهة بعده مستهجناً أيضاً. بل المراد بالنكاح المطلق الصحيح، وهو يشمل الشبهة، وخص الشبهة من جملة أفراده لينبه على الخلاف فيها. وكان حقه أن يقول: أشبهه أنه ينشر، أو نحوه. قوله: «ولو طلّق الزوج وهي حامل منه أو مرضع - إلى قوله - وما بعد الوضع للثاني». لما كان حكم اللبن تابعاً للنكاح الصحيح فإن اتحد فلا كلام في تبعيته له. وإن تعدّد

ص: 202


1- حلية العلماء،ج 7، ص 376 - 377: المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 9، ص 206، المسألة 6423:المجموع شرح المهذب،ج 18، ص 221.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 315 ، ح 1304؛ الاستبصار، ج 3، ص 192-193، ح 696.
3- أي قول الماتن في ص 200.

بأن طلّق الزوج الأوّل، أو مات عنها وله منها لبن أو كانت حاملاً منه فوضعت وصارت ذات لبن، فقد يلحق بالأوّل حتماً، وقد يلحق بالثاني، وقد يحتمل الأمرين.

وتوضيحه يتمّ بذكر صور:

الأولى: أن يكون إرضاعها بهذا اللبن قبل أن تنكح زوجاً غيره، فاللبن للأول قطعاً كما لو كانت في حباله، فيصير الولد منسوباً بالرضاعة إلى المطلق أو الميت، كما هو ابن المرضعة. ولا فرق بين أن يرتضع في العدة وبعدها، ولا بين طول المدة وقصرها، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود وعدمه، مع حصول باقي الشرائط ؛ لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه فهو على استمراره منسوب إليه، لكن إن شرطنا كون الرضاع وولد المرضعة في الحولين اعتبر كون الرضاع قبل الحولين من حين الولادة، وإلا فلا.

الثانية: أن يكون الإرضاع بعد أن تزوجت بآخر ولم تحمل منه فهو كما لو لم تتزوج سواء زاد أم نقص أم انقطع ثم عاد.

الثالثة: أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الولادة واللبن بحاله لم ينقطع، ولم يحدث فيه زيادة. فهو للأوّل أيضاً؛ عملاً بالاستصحاب حيث لم يتجدد ناقل. قال في التذكرة : ولانعلم فيه خلافاً. وعلّله مع ذلك بأن اللبن كان للأوّل، ولم يتجدد ما يجعله للثاني، فيبقى للأوّل(1). وهذا التعليل إنّما يتم لو شرطنا في اللبن كونه عن ولادة، أما لو اكتفينا فيه بالحمل وإن لم تضعه كما تقدّم من مذهبه(2) - لم يتم التعليل؛ لتجدّد ما يمكن معه جعله للثاني. نعم، ما ذكرناه من التعليل أسلم من حيث الشكّ في كون ذلك ناقلاً لما حقه ثابت بالاستصحاب، فيبقى الأوّل على حكمه إلى أن يعلم المزيل وإنّما يلحق اللبن مع الحمل بصاحب الحمل حيث لا يكون هناك معارض أسبق منه.

الرابعة: أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الوضع ولكن تجدد في اللبن زيادة يمكن

ص: 203


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 616 (الطبعة الحجرية).
2- تقدم في ص 200 وما بعدها.

استنادها إلى الحمل من الثاني. فاللبن للأوّل أيضاً، قطع به في التذكرة ، استصحاباً لما كان(1).

والحمل لا يزيل ما علم استناده إليه، والزيادة قد تحدث عن غير إحبال. ونقل عن الشافعي في ذلك قولين: أحدهما مثل قوله، والآخر أنه إن زاد بعد أربعين يوماً من الحمل الثاني فهو لهما؛ عملاً بالظاهر من أن الزيادة بسبب الحمل الثاني فيكون اللبن للزوجين(2). وهذا قول موجّه على القول بالاكتفاء بالحمل، وإن كان العمل على الأوّل.

الخامسة: أن ينقطع اللبن عن الأوّل انقطاعاً بيناً، ثمّ يعود في وقت يمكن أن يكون للثاني. فقد قطع المصنّف والأصحاب بأنه يكون للثاني؛ لأنه لما انقطع ثم عاد كان سببه ،الحمل، فأشبه ما إذا نزل بعد الولادة.

وللشافعي قول بأنه للأول ما لم تلد من الثاني مطلقاً(3)؛ لأن الحملَ لا يقتضي اللبن، وإنما

يخلقه الله للولد عند وجوده لحاجته إليه، وهو غذاء الولد لا غذاء الحمل. وقول آخر أنّه يكون لهما مع انتهائه إلى حال ينزل معه اللبن(4)، وأقله أربعون يوماً؛ لأنّ اللين كان للأوّل، فلمّا عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن الأوّل رجع بسبب الحمل الثاني فكان مضافاً إليهما كما لو لم ينقطع.

السادسة : أن يكون بعد الوضع فهو للثاني خاصةً ، نقل فيه في التذكرة الإجماع عن الكل(5)، سواء زاد أم لم يزد، انقطع أم اتصل؛ لأنّ لبن الأوّل انقطع بولادة الثاني، فإن حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره.

واعلم أنّه على تقدير الحكم بكون اللبن للثاني في صورة من هذه الصور يعتبر في نشر الحرمة به ما يعتبر في أصل الشرائط. فإذا كان للثاني حمل لم ينفصل، وحكم بكون

ص: 204


1- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 616 (الطبعة الحجرية).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 616 (الطبعة الحجرية).
3- المهذب، الشيرازي،ج2، ص 202؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 209 - 210، المسألة 6428.
4- المهذب، الشيرازي،ج 2، ص202؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 9، ص 209 - 210، المسألة 6428.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 616 (الطبعة الحجرية).
2- الشرط الثاني: الكمّيّة وهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم.

اللبن له، يبنى على أن لبن الحمل هل يعتبر في نشر الحرمة أم لا؟ وقد تقدّم الكلام فيه(1). فالمذكور هنا مجرد نسبة اللبن إلى الأوّل أو الثاني، ثمّ يعتبر في حكمه ما تقدّم من الشرائط.

واعلم أيضاً أن عبارة الكتاب متضمنة بحسب إطلاقها لحكم الصور الست؛ لأنّ العبارة تضمنت أربع صور:

أولاها الأولى.

والثانية، تشمل الثلاثة التي بعدها، الأخيرتان منها بالمنطوق، والأولى بالمفهوم، فإنه إذا حكم بكون اللبن للأوّل وإن حملت من الثاني، فكونه للأوّل إذا لم تحمل بطريق أولى، وهو مفهوم الموافقة.

والخامسة والسادسة، مذكورتان في العبارة صريحاً. قوله: «وهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم».

اتفق أصحابنا على أن مطلق الرضاع ومسمّاه غير كافٍ في نشر الحرمة، بل لابدّ له من

مقدار معين زائد على المسمّى وهو قول جمع من العامة(2). ثمّ قدروه بثلاث تقديرات إحداها بالأثر، وهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم. والثانية بالزمان، وهو يوم وليلة.

والثالثة بالمقدار. وسيأتي الكلام فيهما. والأوّل لا خلاف في النشر به ولقول الصادق(علیه السلام): لايحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدّ العظم»(3). وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «الرضاع ما أنبت اللحم وشدّ العظم»(4). والمرجع في هذا الأثر إلى قول أهل الخبرة، كطبيبين عارفين. وتعتبر العدالة والعدد؛

ص: 205


1- تقدم في ص 200 وما بعدها.
2- المهذب، الشيرازي،ج 2، ص 200؛ روضة الطالبين،ج1، ص 423: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9،ص 193، المسألة 6410.
3- الكافي،ج 5، ص 438، باب حد الرضاع الذي يحرم، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 312، ح 1293؛الاستبصار،ج 3، ص 193،ح 698.
4- سنن أبي داود،ج2، ص 222، ح 2059؛ السنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 758 ،ح 15653.

. ولا حكم لما دون العشر إلا في رواية شاذة. وهل يحرم بالعشر؟ فيه روايتان أصحهما أنه لا يحرم. وينشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة.

لأنّها شهادة، والأصل استصحاب الحلّ السابق إلى أن يثبت المحرّم. ويمكن جعله من باب الخبر، فيكفي الواحد.

ومقتضى النصوص والفتاوى اعتبار اجتماع الوصفين وهما اشتداد العظم ونبات اللحم فلا يكفي أحدهما. وفي بعض عبارات الشهيد ما يدلّ على الاجتزاء بأحدهما(1). وهو شاذ، بل لا دليل عليه. والبناء في ذلك على تلازمهما غير معلوم.

قوله: «ولا حكم لما دون العشر إلا فى رواية شاذة» إلى آخره.

هذا هو التقدير الثاني، وهو اعتبار عدد الرضعات. وقد اختلف الأصحاب فيه بسبب اختلاف الروايات فذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء برضعة واحدة تملأ جوف الولد، إما بالمص أو بالوجور(2)؛ لعموم قوله تعالى: (وَأُمَّهَنتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَتْكُم مِّنَ الرَّضَعَةِ)(3)، وهو يصدق بالقليل والكثير، ولصحيحة علي بن مهزيار عن أبي الحسن(علیه السلام) أنه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع، فكتب قليله وكثيره حرام»(4). وعن زيدبن علي، عن آبائه، عن عليّ(علیه السلام) أنه قال: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبداً»(5). وروى العامة عن عليّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تحرم الرضعة ما يحرم الحولان(6). وإلى هذا أشار المصنّف بقوله:«لاحكم لما دون العشر إلا في رواية شاذة وكأنه أراد

ص: 206


1- اللمعة الدمشقية، ص 223(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص،30، المسألة .1.
3- النساء (4): 23.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 316-317، ح 1308؛ الاستبصار،ج3، ص 196-197،ح 711.
5- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 317، ح 1309؛ الاستبصار،ج3، ص 197،ح 712.
6- لم نعثر على هذا الحديث مسنداً إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، نعم، أسنده العلامة إلى عليا في تذكرة الفقهاء ، ج 2،ص 619 (الطبعة الحجرية).

بشذوذها من حيث العمل بمضمونها، وإلا فهي أصح ما في الباب مع رواية أخرى، كما ستقف عليه.

وذهب أكثر المتقدمين كالمفيد، وسلار، وابن البراج، وأبي الصلاح، وابن حمزة(1) ومن المتأخرين العلّامة في المختلف(2)، وولده فخر المحققين(3)، والشهيد في اللمعة(4)، إلى أنّ المعتبر عشر رضعات.

وذهب الشيخ(5)، والمصنّف وأكثر المتأخرين إلى اعتبار خمس عشرة. وكلا القولين لابن إدريس، أوّلهما أوّلاً(6)، وثانيهما ثانياً(7).

حجة الأولين: عموم الآية(8)، خرج ما دون العشر بالإجماع؛ نظراً إلى عدم الاعتداد بمخالفة معلوم ،النسب فيبقى الباقي. وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(9). والتقريب كما ذكر.

وصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر(علیه السلام) قال: «لا يحرم من الرضاع إلا المجبور». قال قلت: وما المجبور؟ قال: «أُمّ تُربّى، أو ظئر تستأجر، أو أمة تشترى، ثمّ ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام»(10).

ص: 207


1- المقنعة، ص 502؛ المراسم، ص 149؛ المهذب،ج2، ص،190؛ الكافي في الفقه، ص 285؛ الوسيلة، ص 301.
2- مختلف الشيعة،ج 7، ص 31، المسألة1.
3- إيضاح الفوائد،ج3، ص 47.
4- اللمعة الدمشقية، ص 223 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
5- النهاية، ص 461: المبسوط، ج 4، ص 333.
6- السرائر، ج 2، ص 520.
7- السرائر، ج 2، ص 551.
8- النساء (4): 23.
9- تقدّم تخريجه في ص 200، الهامش 2.
10- الفقيه، ج 3، ص 477، ح 4675: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 316315، ح 1305؛ الاستبصار، ج 3، ص 196،ح 709 مع تفاوت.

وحسنة حمّاد بن عثمان عن الصادق(علیه السلام) قال: «لايحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم(1)، ونحوه عن عبدالله بن سنان عنه(علیه السلام)(2).

ثم نقول: الذي ينبت اللحم والدم عشر رضعات؛ لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق(علیه السلام) إلى أن قال ، فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم ؟ فقال: «كان يقال: عشر رضعات»(3). وروى عمر بن يزيد في الموثق قال: سألت الصادق(علیه السلام) عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين، فقال: «لا تحرم». فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، قال: «إذا كانت متفرّقةً فلا»(4) وهو يدلّ بمفهومه على التحريم مع عدم التفريق.

ومثله رواية هارون بن مسلم عن أبي عبدالله قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث - حتى بلغ عشراً - إذا كن متفرقات

فلا بأس»(5) وأنّه أحوط، وقول الأكثر ، فيكون راجحاً لامتناع العمل بالمرجوح حجة الشيخ والمصنّف ومن تبعهما من المتأخرين رواية زياد بن سوقة قال قلت لأبي جعفر(علیه السلام): هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع أقل من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها.

ولو أنّ امرأةٌ أرضعت غلاماً أو جاريةٌ عشر رضعات من لبن فحل واحد

ص: 208


1- الكافي،ج 5، ص 438، باب حد الرضاع الذي يحرّم، ح،5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 312 ، ح 1294: الاستبصار، ج 3، ص 193،ح 699.
2- الكافي، ج 5، ص 438 باب حد الرضاع الذي يحرّم، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 312، ح 1293؛الاستبصار،ج3، ص 193،ح 698.
3- الكافي، ج 5، ص 439، باب حد الرضاع الذي يحرّم، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 313، ح 1296؛الاستبصار، ج 3، ص 194، ح 701.
4- الكافي، ج 5، ص 439، باب حد الرضاع الذي يحرم، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 314. ح 1302؛الاستبصار، ج 3، ص 194-195، ح 703.
5- الكافي، ج 5، ص 440439، باب حد الرضاع الذي يحرم. ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 314، ح 1303 الاستبصار، ج 3، ص 194، ح 702.

وأرضعتها امرأة أُخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(1).

وهذه ناصة على المطلوب، ونافية للقول الآخر.

ويشاركها في نفيه أيضاً صحيحة عليّ بن رئاب عن الصادق(علیه السلام) قال، قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم وشدّ العظم»، قلت: فتحرّم عشر رضعات؟ قال: «لا؛ لأنّها لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات»(2).

وموثقة عبيد بن زرارة عنه(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «عشر رضعات لا يحرّ من شيئاً»(3).

ولهم أيضاً أصالة الإباحة واستصحابها.

هذا أقصى حجج الفريقين. وفي كلّ منهما نظر:

أمّا حجّة الأوّل: فالآية(4)، كما خصّصت فيما دون العشر برواياتكم، كذلك خصصت فيما دون الخمس عشرة بروايات الآخرين، ومعهم المرجّح بما سنبينه. ومثله القول في الخبر، وتخصيصهما بالإجماع ممنوع؛ لتحقق الخلاف من الفقهاء والحديث. ومعلومية النسب قد كرّرنا الكلام عليه فيما سلف. وأما رواية الفضيل بن يسار فلا نسلّم صحتها؛ لأنّ في طريقها محمد بن سنان، وقد ضعّفه الشيخ(5)، والنجاشي(6)، وابن الغضائري، وقال: إنه غال لا يلتفت إليه(7). وروى الكشي فيه قدحاً عظيماً(8).

ص: 209


1- تهذيب الأحكام،ج7، ص 315،ح1304؛ الاستبصار،ج3، ص 192-193،ح 696.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 313، ح 1298؛ الاستبصار،ج3، ص 195،ح 704.
3- تهذيب الأحكام،ج 7، ص،313،ح 1299؛ الاستبصار،ج3، ص 195،ح 705.
4- النساء (4): 23.
5- الفهرست الطوسي، ص 406، الرقم :620: رجال الطوسي، ص 364، الرقم 5394.
6- رجال النجاشي، ص 328،الرقم 888.
7- راجع ما حكي عنه في رجال ابن داود، ص 315 - 316، الرقم 1376، وص 504 - 505، الرقم 440؛ وخلاصة الأقوال، ص 394، الرقم 1591.
8- اختيار معرفة الرجال، ص 506-507، ح 977.

وقال الفضل بن شاذان: إنّ من الكذابين المشهورين ابن سنان(1). وفيه من القدح غير ذلك. وحينئذٍ فلا عذر للعلّامة في قوله في المختلف: إنّه بيّن رجحان قوله في كتاب الرجال(2)، وأي رجحان يحصل مع قدح هؤلاء الأكابر الذين هم عمدة الطائفة في نقد الرجال؟! مع أنه فى الخلاصة نقل فيه ما ذكرناه وزيادة، ونقل عن المفيد أنّه ثقة، ثم اختار التوقف فى أمره(3). ولا وجه للتوقف؛ لأنّ الجارح مقدم مع التساوي فكيف بمن ذكرناه؟ ومع ذلك فالرواية مختلفة الألفاظ، فاسدة الحصر، متروكة الظاهر.

أمّا الاختلاف فروي كما تقدم، ورواه الشيخ بصيغة قال: «لا يحرم من الرضاع إلا المجبورة، أو خادم، أو ظئر، ثمّ ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام(4)، والصدوق رواها بحذف قوله: «ثمّ ترضع عشر رضعات»(5) إلى آخره.

وأما فساد الحصر فللإجماع على أن المرضعة التي ينشر رضاعها الحرمة لا تنحصر فيمن ذكر حصره فيهنّ؛ لأنّ المتبرعة خارجة من الحصر في الأول مع أنّ رضاعها ينشر إجماعاً. وفي الرواية الأولى جعل «المجبور »(6) صفةٌ للرضاع، ثمّ فسره بإحدى النسوة الثلاث. وفي الثانية جعله صفةٌ لامرأة مغايرة للخادم والظئر، فتكون هي الأُمّ. ولم يشترط في الظئر الاستئجار، فيشمل المتبرعة. وفي الأولى قيدها بالمستأجرة فخرجت المتبرعة. وأما كونها متروكة الظاهر فيظهر مما قرّرناه من الحصر الذي لا يراد على ظاهره، مع اختلافه في نفسه، مضافاً إلى قوله: يروى الصبي وينام» فإنّ نومه ليس بشرط إجماعاً، وكأنه جعله كنايةٌ عن شبعه.

ص: 210


1- حكاه عنه الشيخ في اختيار معرفة الرجال، ص 507، ح 979، وص 546، ح 1033.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 31 ، المسألة .1.
3- خلاصة الأقوال، ص 394، الرقم 1591.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 316315، ح 1305.
5- الفقيه،ج3، ص 477،ح 4675.
6- في حاشية «و»: «وجدتها مضبوطة بخط الصدوق ابن بابويه بالجيم والباء في كتابه المقنع، فإنّه عندي بخطه (رحمه الله تعالی) (منه رحمه الله).

وأما استنادهم إلى الروايات التي دلّت على اعتبار إنبات اللحم وشدّ العظم فهي مسلّمة. مع ما فيها من الحصر الذي لا يراد ظاهره. ويبقى عليهم إثبات أنّ العشر يفيد ذلك، وأقوى ما يدلهم عليه ما ذكروه من صحيح عبيد بن زرارة، وفي دلالته نظر من حيث السند والمتن. أما السند فإنّ في طريقه علي بن الحكم، وهو مشترك بين الثقة وغيره، فإطلاق الصحة

عليه في محلّ المنع، كما أسلفناه مراراً. وأما المتن ففيه أنه نسب كون العشر يفيد ذلك إلى غيره مؤذناً بعدم اختياره، وفي آخره ما يدلّ عليه ؛ فإنّ السائل لمّا فهم منه عدم إرادته قال له فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا». وقال: «ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع». فلو كان حكم العشر حقاً لما نسبه إلى غيره، بل كان يحكم به من غير نسبة ومع ذلك أعرض عنه ثانياً وأتى بجواب لا دخل له في المطلوب، ولعلّ هذا يؤذن بنفيه، وبعدم التحريم بالعشر رضعات، عكس ما قالوه. ثم هي معارضة بما رواه عبيد بن زرارة هذا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم شيئاً» وبرواية عبدالله بن بكير عنه قال: سمعته يقول: «عشر رضعات لاتحرم»(1)، وكلاهما من الموثق و بصحيحة علي بن رئاب المصرحة بأن العشر رضعات لاتنبت اللحم ولاتشدّ العظم، وهي أجود ما في الباب.

وأما رواية عمر بن يزيد فمع قطع النظر عن سندها إنّما تدلّ من حيث المفهوم وهو ضعيف عند الجماعة وغيرهم من المحققين ومثله الكلام في رواية هارون بن مسلم ويزيد أنّها مضطربة الإسناد، فإنّ هارون بن مسلم - مع كونه من أهل الجبر والتشبيه كما نصوا(2) عليه - تارةً رواها عن أبي عبدالله(علیه السلام) بلا واسطة(3)، وأُخرى رواها عنه بواسطة

ص: 211


1- تهذيب الأحكام،ج7، ص 313،ح،1300؛ الاستبصار،ج3، ص 195،ح 706.
2- راجع رجال النجاشي، ص 438، الرقم 1180؛ ورجال ابن داود ص 524، الرقم 526: وخلاصة الأقوال،ص 219 ، الرقم 1073.
3- الاستبصار،ج3، ص194،ح702.

مسعدة بن زياد العبدي(1)، ومثل هذا يسقط اعتبار الرواية لو كان لها دلالة. وأما الاستدلال عليه بالاحتياط في الجانب الآخر، كما لو عقد على صغيرة بهذا الوصف، أو ورثت مهراً كذلك، فإنّ الاحتياط القول بعدم التحريم، من جهة استحقاقها المهر ونحوه من حقوق الزوجية.

وأما دعوى كونه قول الأكثر فذكره في المختلف(2)، وعكسه في التذكرة ، فجعل المشهور هو القول الآخر ورجّحه(3).

والحق أن الشهرة والكثرة إضافية؛ فإنها من المتقدمين(4)؛ على الأوّل، ومن المتأخرين(5) على الثاني. وأمّا حجة القول الآخر ففيها ضعف رواية زياد بن سوقة التي ليس في الباب غيرها دالّاً على اعتبار الخمس عشرة؛ لأن في طريقها عمار بن موسى، وحاله في الفطحيّة معلوم(6). ثم هي معارضة برواية عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «خمس عشرة رضعة لاتحرم»(7).

وحملها الشيخ على ما لو كن متفرقات(8). والحق أنّ مثل هذه الأخبار المتناقضة الواهية الإسناد لا يلتفت إليها من الجانبين، ومتى اعتبرنا ذلك فليس معنا في ذلك كلّه أصح سنداً من رواية عليّ بن مهزيار الدالة على أنّ العشر لا تحرم(9). ومعها - مع صحة السند - التعليل بأن العشر لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم

ص: 212


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 314، ح 1303.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 32، المسألة .1.
3- تذكرة الفقهاء،ج2،ص620 (الطبعة الحجرية).
4- كالمفيد في المقنعة، ص 502؛ وسلّار في المراسم، ص 149؛ وابن البراج في المهذب ، ج 2، ص 190؛وأبي الصلاح في الكافي في الفقه، ص 285.
5- كالفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 123؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 217.
6- خلاصة الأقوال، ص 381، الرقم 1533.
7- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 314،ح 1301؛ الاستبصار،ج3، ص 193،ح 697.
8- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 314، ذيل الحدیث 1301؛ الاستبصار،ج3، ص 193، ذيل الحديث 697.
9- هكذا في جميع النسخ والظاهر أنه سهو ولعل المراد بها رواية علي بن رئاب، المتقدم تخريجها في ص 209. الهامش،2.

• أو رضع يوماً وليلة.

والخبر المعلل مرجّح على غيره عند التعارض، فسقط بها اعتبار كلّ ما دلّ على الاكتفاء بالعشر، وتعين القول بالخمس عشرة وإن لم تعتبر أدلّته؛ إذ لا قائل بما فوقه ولا بما بينه وبين العشر، ويبقى ما دلّ على الخمس عشرة شاهداً وإن لم يكن أصلاً.

وبقي في الباب من الصحيح رواية ابن الجنيد الدالّة على التحريم بقليله وكثيره، ويجب تخصيصها بما فوق العشر، جمعاً بينها وبين هذه الرواية التي في مرتبتها، ثمّ ليس فوق العشر ما يجوز التعويل عليه غير الخمس عشرة بالإجماع، فتعيّن. وهذا أقصى ما ينبغي تحقيقه في هذا المحلّ. وبقي في الباب أخبار شاذة تدلّ على اعتبار الرضاع سنةً(1) وسنتين(2)، لا تعويل عليها بالإجماع.

قوله: «أو رضع يوماً وليلة».

هذا هو التقدير الثالث، وهو اعتباره بالزمان من غير نظر إلى العدد ولا إلى النشوء، وهو أضبط من الآخرين. وقد تقدّم في رواية زياد بن سوقة(3) ما يدلّ عليه، لكن قد عرفت حالها. ويظهر من المصنّف والأكثر أنّ هذه الثلاثة أصول برأسها، لايتقيّد أحدها بالآخر، بل أيّها حصل كفى فى الحكم فإذا رضع يوماً وليلة بحيث يكون راوياً في جميع الوقت كفى وإن لم يتم العدد. وهو يختلف باختلاف الأولاد كثيراً، فمنهم من لايبلغ في اليوم والليلة مقدار العدد المعتبر، ومنهم من يحتاج أزيد، وربما كان المتوسط يأتي على العدد تقريباً. وقد ظهر من الروايات أنّ نبات اللحم وشدّ العظم يحصل بمثل ذلك أيضاً. والأصول الثلاثة متقاربة؛ ولهذا جعلها الشارع مناطاً من غير أن يتقيد أحدها بالآخر. وقال الشيخ في المبسوط : إنّ الأصل هو العدد، والباقيان إنّما يعتبران عند عدم انضباطه(4).

ص: 213


1- الفقيه،ج 3، ص 477، ح 4676؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 318، ح 1315؛ الاستبصار، ج 3، ص 198، ح 718.
2- الفقيه، ج 3، ص 477، ح 4677؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 317، ح 1310؛ الاستبصار، ج 3، ص197، ح 713.
3- تقدم تخريج روايته في ص 208 - 209، الهامش 1.
4- راجع المبسوط، ج 4، ص 333؛ وأيضاً حكاه عنه بعينه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 214.

. ويعتبر في الرضعات المذكورة قيود ثلاثة أن تكون الرضعة كاملة، وأن تكون الرضعات متواليةً، وأن يرتضع من الثدي.

وفي التذكرة: إنّ اليوم والليلة لمن لا يضبط فيها العدد(1). ومع ذلك كله لا يلزم الاستغناء بأحدها عن الآخر ،مطلقاً، بل قد يتحقق حصوله في المدة بدون العدد، كما إذا اكتفى بما دون العدد فيها، وقد يفتقر معها إلى العدد، كما إذا أطعم بين الرضعات طعاماً؛ فإنّ اعتبار اليوم والليلة يسقط دون العدد؛ لما سيأتي من أنّ الفصل بالطعام لا يقدح في العدد(2).

وأمّا اعتبار اشتداد العظم ونبات اللحم فانفكاكه عنهما ظاهر؛ لجواز حصوله بدون كلّ منهما، لكن ظهوره للحس عسر والاطلاع عليه مختص بالواحد من أهل الخبرة بعد الواحد؛ فلذا كانت فائدته قليلة، وإن كان دليله أقوى من أخويه. ومع الشك يتعارض الأصل والاحتياط، كتعارضهما في العدد.

وتمام الاحتياط المخرج من خلاف جميع أصحابنا أن لا يشبع الولد من رضاع الأجنبية إن أريد السلامة من التحريم ولو مرّةً واحدةً؛ ليخرج من خلاف ابن الجنيد ورواياته. ومع ذلك لا يسلم من خلاف جميع مذاهب المسلمين، فقد ذهب جمع من العامة إلى الاكتفاء منه بمسماه(3)، وقدره بعضهم بمقدار ما يفطر الصائم، وادعى عليه إجماع أهل العلم(4).

قوله: «ويعتبر في الرضعات المذكورة قيود ثلاثة - إلى قوله - وأن يرتضع من الثدي». هذه القيود الثلاثة إنما تعتبر في الرضعات بالنسبة إلى العدد، أما غيره من التقديرين فمنها ما يعتبر فيه مطلقا، وهو الارتضاع من الثدي، ومنها ما يعتبر في التقدير الزماني دون النشوي، وهو توالي الرضعات، فإنّ المعتبر في رضاع اليوم والليلة كون مجموع غذاء الولد في ذلك الوقت من اللبن، بحيث كلّما احتاج إليه يجده.

ص: 214


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 620 (الطبعة الحجرية).
2- سيأتي في ص 218.
3- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 193، المسألة 6410: وبداية المجتهد، ج 2، ص 35.
4- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 193، المسألة 6410.

. و يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف . وقيل : أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه.

وهل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتفق أم يعتبر معه صحة مزاج الولد؟ وجهان. وتظهر الفائدة لو كان مريضاً ورضاعه قليل الكمّيّة، وحصل العدد المعتبر منه، بحيث كان مرتوياً في جميعها بحسب حاله، فعلى الأوّل يكفي ذلك في نشر الحرمة؛ عملاً بإطلاق النص الشامل له.

وعلى الثاني يعتبر في الكمّيّة مقدار ما يتناوله صحيح المزاج، حملاً على المعهود والوجهان آتيان في التقدير الزماني، وما وقفت فيه على شيء يعتد به. قوله: «ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف، وقيل: أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه». وجه الأوّل ورود الرضعة مطلقة في كلام الشارع، فيرجع فيها إلى العرف كما هو المرجع في كلّ لفظ لم يعيّن له الشارع حدّاً مضبوطاً.

وقيل: حدّها أن يروى الصبي، والمراد به الولد مطلقاً، ويصدر» أي ينصرف من قبل نفسه. والقولان للشيخ(1). وهما في الحقيقة قول واحد ؛ لأنّ ما ذكره ثانياً ممّا يدلّ عليه العرف ، ولا يدلّ على غيره، وإنما الاختلاف في العبارة. وقد جمع بينهما في التذكرة فقال: إن المرجع في الكمالية إلى العرف - ثم قال: - فإذا ارتضع الصبي وروي وقطع قطعاً بيناً باختياره، وأعرض إعراض ممتل باللبن، كان ذلك رضعة(2).

فجعل العبارتين معاً حداً واحداً، وقد فصل المصنّف بينهما ب«قيل». وكذلك العلامة في القواعد والتحرير(3)؛ نظراً إلى الشك في تساويهما مفهوماً.

وكلام الشيخ في المبسوط ليس فيه ما ينافي اتحادهما؛ لأنه قال: والمرجع في ذلك إلى العرف؛ لأنّ ما لا حدّ له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف، غير أن أصحابنا قيدوا الرضعة بما يروى الصبي منه ويمسك(4).

ص: 215


1- المبسوط،ج،4 ص 335 الخلاف،ج 5، ص،100،المسألة 7. .2.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 620 (الطبعة الحجرية).
3- قواعد الأحكام،ج 3، ص 22؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج3، ص 449، الرقم 4970.
4- المبسوط،ج 4 ص 335.

. فلو التقم الثدي ثمّ لفظه وعاود فإن كان أعرض أولاً فهي رضعة. وإن كان لا بنية الإعراض كالتنفّس، أو الالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال من ثدي إلى آخر،

كان الكلّ رضعةً واحدةً. ولو منع قبل استكماله الرضعة لم يعتبر في العدد. ولا بد من توالى الرضعات، بمعنى أنّ المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها، فلو ضع من واحدة بعض العدد، ثمّ رضع من أُخرى بطل حكم الأوّل.

وهذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين وليست بدالة على ذلك. وربما نزلت الحكاية ب«قيل» على التنبيه على اختلاف العبارة في ضبطها لا أنّه قول مستقل.

قوله: «فلو التقم الثدي ثمّ لفظه وعاود - إلى قوله - لم يعتبر في العدد». هذا متفرع على الضابط في كمالية الرضعة؛ فإنّ الولد إذا قطع باختياره وأعرض إعراض ممتل تحققت الكمالية على التقديرين. وإن قطع لا بنية الإعراض، بل للتنفّس، أو الالتفات إلى ملاعب، أو للانتقال من ثدي إلى آخر، أو قطعت عليه المرضعة، أو لفظ الثدي ثم عاد في الحال إلى الالتقام، أو تخلّل نوم خفيف ونحو ذلك، كان الكل رضعةً واحدةً. وإذا منع قبل استكماله الرضعة لم يعتبر في العدد؛ لفقد الكمالية بمعنييها.

وللشافعية وجه فيما إذا قطعت عليه المرضعة أن تتعدّد الرضعات بتعدده؛ نظراً إلى أنه لو حلف: «لا أكلت اليوم إلا أكلةً واحدةً فاستدام الأكل من أول النهار إلى آخره لم يحنث. وإن أكل وقطع قطعاً بيناً ثم عاد إليه حنث(1).

ولما كان المرجع في كمالية الرضعة إلى أحد الأمرين سقط هذا التفصيل. وما ذكروه من المثال في الحالف، فالمرجع في وحدة الأكلة وتعدّدها إلى العرف أيضاً، فلا فرق بين الأمرين.

قوله « ولابدّ من توالى الرضعات - إلى قوله بطل حكم الأول».

لا شبهة في اعتبار التوالي في الرضعات المعتبرة في النشر ولاعتباره جهتان إحداهما : ما أشار إليه المصنّف بقوله « بمعنى أنّ المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها »

ص: 216


1- الأم، ج 5، ص 45: المهذب، الشيرازي، ج 2، ص 200؛ روضة الطالبين، ج 6، ص 423.

ولو تناوب عليه عدة نساء لم تنشر الحرمة ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعةً ولاء.

ولا يصير صاحب اللبن مع اختلاف المرضعات أباً ، ولا أبوه جدّاً، ولا المرضعة أمّاً فلو رضع بعض العدد من امرأة وأكمله من أخرى لم تنشر الحرمة مطلقاً، نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع(1). واستدل له بقول الباقر(علیه السلام) في الحديث السابق: «لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها. ولو أنّ امرأةً أرضعت غلاماً أو جاريةً عشر رضعات من لبن فحل واحد.

وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحهما»(2). وهذه الرواية ناصة على المطلوب، إلا أنك قد عرفت ما في سندها من الإشكال. ولعلّ التعويل على الإجماع المدعى أولى على ما فيه.

وقد خالف في ذلك العامة كافةً، فلم يعتبروا اتحاد المرضعة، بل اتحاد الفحل والأصل وعموم أدلة الرضاع يقتضيه. وتخصيصها باشتراط اتحاد المرضعة يحتاج إلى دليل صالح. والرواية ليست حجّةً مطلقاً، أما على المخالف فظاهر، وأمّا علينا فلضعف السند ومن ثمّ لم يعتبرها الأكثر في اشتراط كون العدد خمس عشرة؛ نظراً إلى ذلك. فيبقى الاحتياج إلى تحقيق الإجماع وحجيته.

ويتفرع على ذلك ما لو تناوب عليه عدة نساء لفحل واحد حتى أكملن العدد المعتبر؛ فإنه لا ينشر الحرمة بين الرضيع و النسوة، ولا بينه وبين صاحب اللبن، ما لم يكمل من واحدة تمام العدد ولاء، فلا يصير صاحب اللبن أباً، ولا أبوه جداً، ولا المرضعة أُمّاً.

ص: 217


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 620 (الطبعة الحجرية).
2- سبق تخريجه في ص 209 ، الهامش 1.

ولو لم يعتبر اتحاد المرضعة، فأرضعته جماعة من نسوة رجل واحد أو إمائه، بحيث تمّ العدد بجملتهنّ لا بكلّ واحدة لم تصر واحدة منهن أماً له؛ لعدم إرضاع واحدة منهنّ ما ينشر بينها وبينه. وفي صيرورة صاحب اللبن أباً قولان لهم: أحدهما: عدم تحقق الأبوة كما اختاره علماؤنا؛ لأن الأب-وة فرع الأمومة، وحيث انتفت ..انتفت

والثاني: صيرورته أباً؛ لأنّ جميع اللبن له، فكان كما لو اتحدت المرضعة، والزوجات ظروف. ويمنع من فرعيّة الأبوّة للأمومة، بل ملازمتها لها، بل يمكن تحقق الأمومة خاصةً والأبوّة خاصةً في الرضاع كالنسب. وعلى هذا فلو فرض كون المر تضع زوجة صغيرة لصاحب اللبن انفسخ نكاحها ،دونهنّ، ولكن يحر من عليه لو كان ذكراً؛ لأنّهنّ موطوءات أبيه.

والجهة الثانية للتوالي أن يرتضع العدد المعتبر من المرأة متوالياً، بحيث لا يفصل بينه برضاع أخرى وإن أكملت الأولى العدد، وإليه الإشارة بقوله: «فلو رضع من واحدة بعض العدد ثمّ رضع من أخرى بطل حكم الأوّل فإنّه شامل لما لو أتمّ العدد من الأولى ومن الباقيات إلّا أنّ تفريعه على قوله: بمعنى أنّ المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها لا يخلو من قصور؛ لأنه مع تخلّل إرضاع غيرها وإكمالها العدد قد صدق انفراد الواحدة بإكمالها، وهو توال بهذا المعنى لا بالمعنى الثاني الذي نحن بصدده.

وبالجملة فعبارة المصنّف قاصرة عن تأديتهما معاً.

إذا عرفت ذلك، فلاخلاف في اعتبار التوالي بهذا المعنى أيضاً في تحقق العدد، وإنّما الخلاف في معناه مع الاتفاق على أنه ليس المراد به أن لا يفصل بينها بشيء البتة؛ إذ لو فصل بينها بمأكول أو مشروب لم يقدح في التوالي قطعاً، وكذا لايقدح فيه شربه اللبن بغير رضاع، وإنّما يقطع التوالي إرضاع غيرها ؛ لقوله(علیه السلام) في الرواية السابقة: «لم يفصل

ص: 218

بينها رضعة امرأة أخرى»(1). فقيل: مطلق الارتضاع من غيرها قادح فيه، وهو الذي صرّح به

العلّامة في القواعد، فقال: لايشترط عدم تخلّل المأكول والمشروب بين الرضعات، بل عدم تخلل رضاع وإن كان أقل من رضعة(2).

ووجهه صدق التفريق بذلك.

وقيل: لايتحقّق الفصل إلا برضعة تامة، وبه قطع في التذكرة ، فقال في تفسير التوالي: أن لا يفصل برضاع امرأة أُخرى إرضاعاً تاماً(3). فلو ارتضع من واحدة رضعةً تامة، ثمّ اغتذى بمأكول أو مشروب أو رضعة غير تامة من امرأة أُخرى، ثمّ أرضعت الأولى رضعةً تامّةً، ثمّ اغتدى أو ارتضع من أخرى - إما الثانية أو غيرها - رضعةً غير تامة، وهكذا خمس عشرة مرّةً نشر الحرمة بين المرضعة الأولى وبين المرتضع، دون المرضعة الثانية، لفقد الشرط فيها.

وفي قوله(علیه السلام) في الرواية المتقدمة: «لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها»(4)؛ ما يرشد إلى هذا؛ فإنّ ظاهر إطلاق الرضعة محمول على الكاملة؛ ولهذا حمل قولهم علیهم السلام: عشر رضعات» و «خمس عشرة رضعة» على الكاملة مع احتمال أن يراد بها مسمّاها لغةً، فيكون دليلاً على القول الأول. وقول المصنّف «ثمّ رضع من أُخرى بطل حكم الأول» يميل إلى القول الأول؛ لأنّ أصل الفعل يتحقق بالقليل، دون الرضعة المطلقة. وعبارة الشيخ في المبسوط(5) مثل عبارة المصنف. وينبغي أن يكون العمل على ذلك.

وكما يقدح هذا في توالي العدد المعتبر فكذا يقدح فيما يعتبر من الرضاع في اليوم والليلة.

ص: 219


1- تقدّم تخريجها في ص 208 - 209 ، الهامش 1.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 23.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 620 (الطبعة الحجرية).
4- تقدم تخريجها في ص 208 - 209،الهامش1.
5- المبسوط،ج4، ص 336.

. ولابدّ من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور؛ تحقيقاً لمسمّى الارتضاع. فلو وجر في حلقه، أو أوصل إلى جوفه بحقنة وما شاكلها لم ينشر. وكذا لو جبن فأكله جبناً.

بل يقدح هنا تناول المأكول أيضاً، بخلاف العدد وأما التقدير بإنبات اللحم وشد العظم فالمعتبر استنادهما إلى الرضاع وإن تخلّله غيره إذا لم يحكم أهل الخبرة بانتسابهما إليهما.

قوله: «ولابدّ من ارتضاعه من الثدي - إلى قوله - وكذا لو جبن فأكله جبناً». لا نعلم خلافاً خلافاً من أصحابنا غير ابن الجنيد في اشتراط الارتضاع من الثدي في تحقق حكمه(1)؛ لأنّ المفهوم من الرضاع المستفاد من الكتاب والسنة هو ذلك، فيقال لمن التقم الثدي وتناول منه اللبن: إنّه ارتضع، ولا يقال لمن شربه من غيره: ارتضع. وهذا أمر شائع واقع في الناس يشربون الألبان دائماً ولا يقال: إنّهم ارتضعوا البهائم وحينئذٍ فلا يتناوله أدلة الرضاع من قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(2) وغيره.

ويدخل المتناول للبن بغيره في عموم: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(3). وفي رواية زرارة عن الصادق علیه السلام أنه قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد»(4)، وهو نص فى الباب وإن كان ظاهره غير مراد.

وقد تقدّم النقل عن ابن الجنيد أنّه اعتبره بالوجور(5)، ونقله في المختلف(6) وجماعة(7) عن الشيخ في المبسوط، والموجود فيه في أزيد من عشرة مواضع أنه لا اعتبار به(8).

ص: 220


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 38، المسألة 5.
2- النساء (4): 23.
3- النساء (4): 23.
4- الفقيه، ج 3، ص 477، ح 4676 - 4677: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 317، ح 1310، وص 318، ح 1315: الاستبصار، ج 3، ص 197، ح 713 وص 198، ح 718.
5- تقدّم في ص 206.
6- مختلف الشيعة، ج 7، ص 38، المسألة 5.
7- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 211.
8- المبسوط ، ج 4، ص 336 و 338 و 361 و 362.

ووافق ابن الجنيد على ذلك جماعة من العامة(1)؛ استناداً إلى الغاية المطلوبة من الرضاع وهو إنبات اللحم واشتداد العظم، وهي حاصلة بالوجور، كما تحصل بالرضاعة، ولأنه يصل إلى الجوف كما يصل بالارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم.

وبالجملة فمرجع استدلالهم إلى قياس الوجور على الامتصاص من الثدي؛ لاشتراكهما فى العلة المستنبطة أو المومى إليها في قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا رضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم»(2). وحينئذ فيرجع النزاع معهم إلى منع القياس مطلقاً، أو اختلاله في المتنازع، لا إلى منع صدق الرضاعة والارضاع بهذا الفعل، كما هو المشهور في جوابهم. وحال العامة في القياس ،معلوم، وابن الجنيد يوافقهم عليه.

وأما ما احتج به في المختلف لابن الجنيد - من قول الصادق علیه السلام في صحيحة جميل بن درّاج: «إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كلّ شيء من ولدها»(3)، ودعوى أن ذلك يصدق مع الوجور(4) - فغير سديد؛ للقطع بأنّ الرضاع نفسه لا يتحقق بذلك.

وابن الجنيد أفتى بالمسألة ولم يذكر الدليل عليه بالرواية المذكورة، فقال في كتابه الأحمدي : وقد اختلفت الرواية من الوجهين جميعاً في قدر الرضاع المحرم(5) وعنى بالوجهين طريق العامة والخاصة، وهو كثيراً ما يستدل في كتابه بالوجهين.

قال: إلا أنّ الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه أنّ كلّ ما وقع عليه اسم رضعة وهو ما ملأت بطن الصبي، إما بالمصّ أو بالوجور - محرّم للنكاح(6).

ص: 221


1- راجع الأم،ج 5، ص 46: والمهذب، الشيرازي،ج 2، ص 200؛ وبداية المجتهد،ج2، ص37؛ وروضة الطالبين،ج 6، ص 422.
2- سنن أبي داود، ج 2، ص 222 ، ح 2059؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 758، ح 15653.
3- تهذيب الأحكام ج 7، ص 322321، ح 1325؛ الاستبصار، ج 3، ص 201، ح 725.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 39، المسألة 5.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 30، المسألة 1.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 30، المسألة 1.

هذه عبارته خالية عن الاستدلال بالرواية المذكورة، وإنما احتج له العلامة بما رآه مناسباً له، كما هو شأنه في الاحتجاج لأكثر الأقوال؛ فإنّه ينظر ما يناسبها عنده من الروايات وإن لم يكن القائل ذكر تلك الروايات في استدلاله.

واعلم أنّ نسبة المصنّف اشتراط الارتضاع من الثدي إلى قول مشهور يشعر بتردّده فيه، أو أنّه لم يجد عليه دليلاً، كما هو المنقول عنه في اصطلاحه، وهو يدلّ على الميل إلى قول

ابن الجنيد.

ويجب قراءة «وجر» مبنيّاً للمجهول مخفّف الجيم، وهو أن يصبّ في الحلق حتى يصل إلى الجوف(1). و«الحقنة»: أن يوصل إلى البطن من الدبر(2). والمراد ب«ما شاكله»: إيصاله إلى البطن من شيء من المنافذ العارضة، أو بالسعوط ولو إلى الدماغ، كما يقوله بعض العامة من أنّ الدماغ جوف للتغذي كالمعدة(3)؛ ولهذا يتسعطون بالأدهان الطيبة إلى الدماغ فينفذ إلى العروق، ويتغذى بها كالأطعمة في المعدة، بل قيل: إن الحاصل في الدماغ ينحدر إلى المعدة في عروق متصلة؛ فلذلك ذهب جمع منهم إلى أنّه ينشر الحرمة(4). وإجماعنا على خلافه.

وأمّا انتفاء الحكم إذا جبّن اللبن فأولى؛ لخروجه عن اسم اللبن المفسد للقياس على تقدير صحته في تناول اللبن بغير الإرضاع. وبعض من خالفنا في الموجور من اللبن وافقنا

في المجبّن(5)، والباقون على بقاء حكمه؛ نظراً إلى العلة.

ص: 222


1- لسان العرب، ج 5، ص 279؛ المصباح المنير، ص 648، «وجر».
2- لسان العرب، ج 13، ص 126، «حقن».
3- روضة القضاة، ج 3، ص 943؛ الوجيز، ج 2، ص 110؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 450.
4- الأمّ، ج 5، ص 46 و 49: المهذب، الشيرازي، ج 2، ص 200؛ الوجيز، ج 2، ص 110؛ حلية العلماء،ج7 ص،372.
5- المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 9، ص 197، المسألة 6415: حلية العلماء،ج7، ص 374.

• وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله، فلو مزج بأن أُلقي في فم الصبي مائع ورضع، فامتزج حتى خرج عن كونه لبناً لم ينشر.

. ولو ارتضع من ثدي الميتة، أو رضع بعض الرضعات وهى حية ثم أكملها ميتةً لم ينشر ؛ لأنّها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام، فهي كالبهيمة المرضعة. وفيه تردّد.

قوله: «وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله - إلى قوله - خرج عن كونه لبناً لم ينشر لأنه مع المزج لا يتحقق كون تمام الرضعة من اللبن، ولا نبات اللحم واشتداد العظم به، بل به وبالخليط. ولا فرق بين كون اللبن غالباً ومغلوباً، ولا بين مزجه بجامد كالدقيق وفتيت السكر، ومائع كالماء واللبن، ولا بين أن يكون مستهلكاً وغير مستهلك؛ لاشتراك

الجميع في المعنى.

وخالف فيه جميع العامة وإن اختلفوا في التفصيل(1)

قوله: «ولو ارتضع من ثدي الميتة - إلى قوله - وفيه تردّد». المشهور بين الأصحاب - حتى لم ينقل أحد فيه خلافاً - أنه يشترط في نشر الحرمة بالرضاع كون المرضعة حيّة، فلو ارتضع الصبي من ثدي ميتة ولو في بعض الرضعات كما لو رضع ما دون العدد بواحدة وهي حية، ثم أكملها ميتةً - لم ينشر؛ لقوله تعالى: (وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(2). والظاهر من الآية كونها مباشرة للرضاع، والميتة ليست كذلك، فتدخل في عموم قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(3)، وهي مما وراء ذلكم، ولأن الأصل الإباحة إلى أن يثبت المزيل. وأما استدلال المصنف بخروجها بالموت عن الأحكام فهي كالبهيمة، فتوجيهه أنّ الرّضاع المقتضي لنشر الحرمة يتعلق حكمه بالمرضعة؛ لكونها أماً، وبالمرتضع وبالفحل

ص: 223


1- الأُمّ، ج 5، ص 49: المهذب، الشيرازي، ج 2، ص 201؛ روضة القضاة، ج 3، ص 943؛ جواهر العقود،ج2.ص 163.
2- النساء (4): 23 و 24.
3- النساء (4): 23 و 24.

ولما خرجت الميتة عن التحاق الأحكام بها كان لبنها غير مؤثر؛ لأنه لو أثر لأثر فيها الحرمة؛ لأنّ أحكامه متلازمة، فلما تخلّف فيها دلّ انتفاء اللازم على انتفاء الملزوم

فكانت كالبهيمة.

ولا يخلو من نظر؛ لأنّ الحكم المترتب على الحرمة لا يشترط تعلقه بجميع من ذكر بل الرضاع سبب لنشر الحرمة، وجاز تخلف السبب عن مسبّبه؛ لفقد شرط أو وجود مانع، وهو هنا موجود في الأُمّ. فلا يقدح ذلك في سببية السبب، كما يتخلّف في جانب الفحل لو فرض موته قبل الرضاع أو تمامه، فإنّ الحكم لا يتعلّق به بموته؛ لفقد شرط التكليف، وهو الحياة. والفرق بينها وبين البهيمة واضح؛ لأنّه يصدق عليها اسم الأمومة، فتدخل في: ﴿وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ) بخلاف البهيمة.

وبقي ما ذكر في الاستدلال بالآية من اقتضائها استناد الفعل إليها، بمعنى كونها مباشرةً، وهو منتف عن الميتة.

فيه: أنّ ذلك وإن كان ظاهر الآية إلا أن القصد إلى الإرضاع وفعله من المرضعة غير شرط إجماعاً، بل لو سعى إليها الولد وهي نائمة أو ألقمه ثديها وهي غافلة تحقق الحكم. وسيأتي في إرضاع الزوجة الصغيرة من الكبيرة ما ينبه عليه. ثم لو سلّم عدم صدق الإرضاع فقد تحقق الرضاع؛ لأنّه عبارة عن مص اللبن من الثدي، فيدخل في عموم قوله علیه السلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1). ومن هنا يظهر وجه تردّد المصنف. واستدل أيضاً بأن المتفاهم من الألفاظ الواردة بتحريم الرضاع هو الرضاع من المرأة الحية. وفي كون ذلك هو المتبادر مطلقاً نظر، وبأنّ اللبن نجس قبل انفصاله؛ لأنه في وعاء نجس. وبأنه لبن ممّن ليس في محل الولادة، فلا يتعلّق به الحكم كلبن الرجل وبأنه لبن حرام قبل انفصاله فلا يتعلق به الأحكام، كالمنفصل من الرجل.

ص: 224


1- تقدم تخريجه في ص 200، الهامش 2.
3- الشرط الثالث: أن يكون في الحولين.

ويراعى ذلك في المرتضع؛ لقوله علیه السلام: «لا رضاع بعد فطام». وهل يراعى في ولد المرضعة ؟ الأصح أنه لا يعتبر. فلو مضى لولدها أكثر من

حولين ثمّ أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة.

ولو رضع العدد إلّا رضعة فتم الحولان ثمّ أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة. وكذا لو كمل الحولان ولم يرو من الأخيرة. و ينشر إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين.

وفي الكلّ نظر واضح؛ لأنّ طهارته لا دليل على اعتبارها، حتى لو عرض له النجاسة قبل وصوله إلى فم الصبي لم يؤثر؛ للعموم والفرق بينه وبين لبن الرجل من حيث اختصاصه بالأمهات في الآية وبالمرأة في الأخبار. قوله: «أن يكون في الحولين.

ويراعى ذلك في المرتضع إلى قوله مع تمام الحولين». لاخلاف بين أصحابنا في أنه يشترط في الولد المرتضع أن يكون له دون الحولين، وأن يكمل عدد الرضعات بأسرها فيهما؛ لقوله تعالى: (وَالْوَلِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)(1)، جعل تمام الرضاعة في الحولين(2)، وقوله: ﴿وَفِصَله فِي عَامَيْنِ)(3) وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا رضاع إلا ما كان في الحولين». وقال أيضاً: «لا رضاع بعد فصال»(4).

ص: 225


1- البقرة (2) 233.
2- ورد هذا الحديث بلفظه في المصنف ابن أبي شيبة، ج 3، ص 388، ح 1؛ والسنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 761،ح 15664 و 15665 من غير أن يسنداه إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)؛ ولكن ورد ما يقاربه عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في السنو الكبرى،ج 7، ص 761 - 762، ح 15669.
3- لقمان (31): 14.
4- المصنف ابن أبي شيبة، ج 3، ص 388، ح 4 و 5: كنز العمال، ج 6، ص 109، ح 15054، من غير أن يسنداه إلى النبیّ(صلی الله علیه وآله وسلم)

ولقول الصادق علیه السلام: «لارضاع بعد فطام»، قلت: جعلت فداك وما الفطام؟ قال: «الحولين

اللذين قال الله عزّ وجلّ»(1).

وهذا هو الحديث الذي ذكره المصنّف شاهداً، وإن كان الاصطلاح على أن قوله: «عليه السلام عند الإطلاق محمول على النبي صلی الله علیه وآله وسلم، لكن المخصص هنا لفظ الحديث؛ فإنّه لم يرد بهذا اللفظ إلا عن الصادق علیه السلام(2). ولا فرق بين أن يفطم قبل الرضاع في الحولين وعدمه عندنا. فلو فطم ثم ارتضع حصل التحريم، كما أنه لو لم يفطم حتّى تجاوز الحولين، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم. والمعتبر في الحولين الأهلة. ولو انكسر الشهر الأول أُعتبر ثلاثة وعشرون بالأهلة، وأكمل المنكسر بالعدد من الشهر الخامس والعشرين، كغيره من الآجال على الأقوى.

ويحتسب ابتداء الحولين من حين انفصال مجموع الولد. وهذا كله في المرتضع. وأمّا ولد المرضعة - وهو الذي حصل اللبن من ولادته - فهل يشترط كونه أيضاً في الحولين حين ارتضاع الولد الآخر، بحيث لا يقع شيء من الرضعات فيما بعدهما؟ قولان: أحدهما الاشتراط؛ لظاهر قوله : «لا رضاع بعد فطام»؛ فإنّه نكرة في سياق النفي، فيتناول بعمومه ولد المرضعة.

والثاني: عدمه؛ لعموم قوله تعالى: (وَأُمَّهَنتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(3) خرج منه ما أجمع على اعتباره فيبقى الباقي، ولأنّ المتبادر من قوله : «لا رضاع بعد فطام فطام المرتضع المبحوث عنه، لا فطام ولد المرضعة؛ لعدم مدخليته في البحث؛ ليكون الكلام فيه وعدم الاشتراط أقوى تمسكاً بأصالة عدم الاشتراط حيث وقع الشك. وتفريع ما ذكره المصنّف واضح.

ص: 226


1- الكافي، ج 5 ص 443، باب أنه لارضاع بعد فطام، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 318، ح 1313:الاستبصار، ج 3، ص 198، ح 716.
2- بل ورد بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة روايات راجع الفقيه، ج 3، ص 476 ، ح 4669: وج 4، ص،1؛ضمن الحديث 5765.
3- النساء .(4): 23.
4- الشرط الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد. فلو أرضعت بلبن فحل واحد

مائة، حرم بعضهم على بعض. وكذا لو نكح الفحل عشراً.

وأرضعت كلّ واحدة واحداً أو أكثر، حرم التناكح بينهم جميعاً. ولو أرضعت اثنين بلبن فحلين لم يحرم أحدهما على الآخر. وفيه رواية أخرى مهجورة.

قوله: «أن يكون اللبن لفحل واحد فلو أرضعت بلبن فحل واحد مائة - إلى قوله - وفيه رواية أُخرى مهجورة».

المشهور بين أصحابنا أنه يشترط في الرضاع المحرّم أن يكون اللبن لفحل واحد، بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع(1). وهذا الشرط يشمل أمرين: أحدهما: اتحاد الفحل في اللبن الذي ينشر الحرمة بين المرتضع والمرضعة وصاحب اللبن، بمعنى أنّ رضاع العدد المعتبر لابدّ أن يكون لبنه لفحل واحد.

فلو كان لاثنين، بأن أرضعت بلين واحد بعض الرضعات، ثم فارقها الأوّل وتزوجت بغيره وأكملت العدد بلبنه، لم ينشر الحرمة بين المرضعة والولد، فضلاً عن صاحبي اللبن.

ويتصوّر فرض ما ذكر من المثال بأن يعتاض الولد بالمأكول في المدة المتخلّلة الرضاعين، بحيث لايفصل بينهما برضاع أجنبية، ثم يكمل العدد وإن طال الزمان، فإن ذلك لا يخل بالتوالي المعتبر فيما سبق(2). وعلى هذا الفرض فالشرط على نهج الشروط السابقة، بمعنى أن التحريم لا يثبت في حال من الأحوال بفقد واحد من هذه الشروط. والثاني: اشتراط اتحاد الفحل في التحريم بين رضيعين فصاعداً، بمعنى أنه لابد في تحريم أحد الرضيعين على الآخر - مع اجتماع الشرائط السابقة - من كون الفحل - وهو صاحب اللبن الذي رضعا منه جميعاً - واحداً. فلو رضع كلُّ منهما بلبن واحد لم يحرم أحدهما على الآخر، وإن كان تم العدد في كلّ واحد بلبن فحل واحد وحصل التحريم بين المرتضع وبين المرضعة والفحل. وعلى هذا التفسير فليس هذا الشرط على نهج ما قبله؛ لأنّ

ص: 227


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 621 (الطبعة الحجرية).
2- سبق في ص 218.

أصل التحريم هنا ثابت بدون الشرط، وإنما اعتبر هذا الشرط لثبوت التحريم بين المرتضعين لا مطلقاً.

وحاصل هذا الشرط أنّه إذا ارتضع ذكر وأنثى من لبن فحل واحد، سواء كان رضاعهما دفعة أم على التعاقب، وسواء كان رضاعهما بلبن ولد واحد أم ولدين متباعدين، فإنه يحرم أحدهما على الآخر. ولو أرضعت مائة بلبن فحل واحد كذلك حرم بعضهم على بعض. ولا فرق مع اتحاد الفحل بين أن تتحد المرضعة كما ذكر أو تتعدد، بحيث يرتضع أحدهم من إحداهنّ كمال العدد المعتبر، والآخر من الأخرى كذلك، وإن بلغن مائة، كالمنكوحات بملك اليمين.

ولو فرض في الأولاد المتعددين رضاع ذكر وأنثى من واحدة بلبن واحد، ثم رضاع آخرين منها بلبن آخر وهكذا، حرمت كلّ أنثى رضعت مع ذكرها من لبن الفحل الواحد عليه، ولاتحرم على الآخر. وعلى هذا فتكفي الأخوّة في الرضاع من جهة الأب وحده، ولاتكفي من جهة الأم وحدها، وهو معنى قولهم: «اللبن للفحل». وخالفنا الجمهور في الأمرين معاً(1)؛ لعدم الدليل على اعتبارهما، مع عموم الأدلّة المتناولة لمحل النزاع.

واستند أصحابنا في الشرطين معاً إلى رواياتهم مثل قول الباقر علیه السلام: «لا يحرم من الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها»(2).

ورواية عمّار الساباطي أنه سأل الصادق علیه السلام عن غلام رضع من امرأة أيحلّ أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاعة ؟ قال فقال: «لا ، قد رضعا جميعاً من لبن فحلٍ واحد من امرأة

ص: 228


1- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 9، ص 200، المسألة 6421.
2- تهذيب الأحكام،ج7، ص 315،ح 1304: الاستبصار،ج3، ص 192-193،ح 696.

واحدة» قال، قلت: يتزوّج أختها لأمها من الرضاعة؟ قال: «لا بأس بذلك، إن أختها التي

لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان، فلا بأس»(1). ولا يخفى عليك ضعف هذين الخبرين بعمّار، لكنّ الحكم بهما مشهور بين الأصحاب

إلى حد ادعي فيه الإجماع(2). مع أنّه قد عارضهما ما يدلّ على عدم اعتبار الفحل، وهي رواية محمد بن عبيد الهمداني قال؛ قال الرضا علیه السلام: «ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال قلت: كانوا يقولون: اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنّك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك. قال، فقال لي: «وذلك أنّ أمير المؤمنين علیه اسلام سألني عنها، فقال لي: اشرح لي «اللبن للفحل» وأنا أكره الكلام. فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له أُمهات أولاد شتّى، فأرضعت واحدة منهنّ بلبنها غلاماً غريباً، أليس كلّ شيء من ولد ذلك الرجل من أُمهات الأولاد الشتّى يحرم على ذلك الغلام؟» قال قلت: بلى قال فقال لي أبو الحسن علیه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولايحرم من قبل الأمهات؟ وإنّما حرم الله الرضاع من قبل الأُمهات، وإن كان لبن الفحل أيضاً يحرم»(3) وهذه هي الرواية التي جعلها المصنّف مهجورة.

هذا وقد ذهب أبو عليّ الطبرسي صاحب التفسير فيه إلى عدم اشتراط اتحاد الفحل بل يكفي اتحاد المرضعة؛ لأنه يكون بينهم أخوة الأم وإن تعدد الفحل(4)، فيدخل في عموم

ص: 229


1- الكافي، ج 5، ص 442، باب صفة لبن الفحل، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 320، ح 1321؛ الاستبصار،ج 3، ص 200، ح 724.
2- كما في السرائر، ج 2، ص 553؛ وتذكرة الفقهاء، ج 2، ص 621 (الطبعة الحجرية).
3- الكافي، ج 5، ص 441، باب صفة لبن الفحل،ح7: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 320-321، ح 322؛الاستبصار،ج3، ص 200، ح 725.
4- مجمع البيان، ج 2، ص 28 ، ذيل الآية 23 من سورة النساء (4).

. ويحرم أولاد هذه المرضعة نسباً على المرتضع منها.

قوله تعالى: (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَعَةِ)(1)، ولأن الأخوة من الأُمّ يحرم التناكح بالنسب والرضاع يحرم منه ما يحرم بالنسب وهذا القول في غاية الجودة بشرط اطراح الخبرين المتقدمين(2)؛ إما لضعف السند، أو للمعارضة والرجوع إلى عموم الأدلّة، وهي ظاهرة معه.

وروى الشيخ - في الصحيح - عن الحلبي قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام، فهل يحلّ له أن يتزوّج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال: «إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد فلا يحلّ، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك»(3).

وهذه الرواية تؤيد تينك الروايتين مع صحتها، وإن لم تكن عين المتنازع ولم يذكروها في الاستدلال، وهي أولى به، وينبغي أن يكون الاعتماد عليها؛ لصحتها، وتكون هي

المخصص لعموم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(4).

قوله: «ويحرم أولاد هذه المرضعة نسباً على المرتضع منها». لما كان تحريم الرضاع تابعاً لتحريم النسب، وكانت الأخوة من الأُمّ كافية في التحريم النسبي، فالرضاع كذلك، إلا أنه خرج من هذه القاعدة الأخوة من الأُمّ من جهة الرضاع خاصةً بتلك الروايات، فيبقى الباقي على العموم فتحرم أولاد المرضعة بالنسب على المرتضع وإن كانوا إخوةً من الأم خاصةً، بأن لم يكونوا أولاد الفحل؛ عملاً بالعموم مع عدم وجود المخرج عنه. كما يحرم على هذا المرتضع أولاد الفحل من النسب وإن لم يكونوا إخوةً من الأُمّ؛ لتحقق الأخوة بينهما في الجملة.

ص: 230


1- النساء (4): 23.
2- تقدما في ص 228 - 229.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 321، ح 1323؛ الاستبصار، ج 3، ص 201، ح 726، وأيضاً أورده الكليني في، ح،11.
4- تقدم تخريجه في ص 200، الهامش 2.

• ويستحب أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة.

. ولا تسترضع الكافرة. ومع الاضطرار تسترضع الدميّة، ويمنعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. ويكره أن يسلّم إليها الولد لتحمله إلى منزلها.

وتتأكد الكراهية في ارتضاع المجوسية.

قوله: «ويستحب أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة».

لأنّ الرضاع يؤثر في الطباع والصورة، قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد، وارتضعت من بني زهرة»(1). وكانت هذه القبائل أفصح العرب، فافتخر صلی الله علیه وآله وسلم بالرضاع كما افتخر بالنسب.

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا تستر ضعوا الحمقاء، فإنّ الولد يشبّ عليه»(2).

وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «انظروا من يرضع أولادكم، فإنّ الولد يشبّ عليه»(3). وقال الباقر(علیه السلام):لاتستر ضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يعدي وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن - يعني إلى الظئر - في الرعونة والحمق»(4) وقال(علیه السلام): عليكم بالوضاء من الظؤورة، فإنّ اللبنَ يعدي»(5). وقال علیه السلام، لمحمد بن مروان: «استرضع لولدك الحسان، وإياك والقباح، فإنّ اللبنَ يعدي»(6). قوله: «ولاتسترضع الكافرة - إلى قوله - وتتأكد الكراهية في ارتضاع المجوسية».

ص: 231


1- لم نعثر عليه بهذا اللفظ. راجع تلخيص الحبير، ج 4، ص 6 ، ح 1658، وفيه: أنّ هذا اللفظ مقلوب؛ فإنه نشأ في بني زهرة، وارتفع في بني سعد؛ راجع أيضاً غريب الحديث الهروي، ج 1، ص 89.
2- الكافي، ج 6، ص 43 ، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 9.
3- الكافي، ج 6، ص 44، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 10.
4- الكافي، ج 1، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 8؛ الفقيه، ج 3، ص 478 ، ح 4682: تهذيب الأحكام،ج 8، ص 110،ح 375.
5- الكافي، ج 6، ص 44، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح 13؛ الفقيه،ج3، ص 478،ح،4680؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 110، ح 377.
6- الكافي،ج6، ص 44، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 110، ح 376.

هذا النهي على وجه الكراهة لا التحريم بقرينة قوله: «وتتأكد الكراهة في ارتضاع المجوسية؛ لأنّ التأكيد يقتضي كراهة في غيرها. ولم يسبق منه الحكم بأصل الكراهة في الذمّيّة بخصوصها حتى يكون في المجوسية آكد، كما صنع غيره، فيبقى حينئذ حاصل العبارة كراهة الكافرة مطلقاً، والمجوسية أشدّ كراهة.

ويدلّ على الجواز مطلقاً - مضافاً إلى أصالته - رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله علیه السلام قال: سألت أبا عبد الله هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال: لا بأس». وقال: «امنعوهن من شرب الخمر»(1) وهو شامل لجميع أصناف الكفار. وعلى الكراهة مطلقاً ما تقدّم من الأخبار الدالّة على أن للبن تأثيراً في الولد مطلقاً. وعلى تأكّد الكراهة في المجوسية ورود النهي عنها في بعض الأخبار المحمول على تأكد الكراهة جمعاً.

ففي صحيحة سعيد بن يسار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «لا تسترضع للصبي المجوسية،

وتسترضع له اليهوديّة والنصرانية، ولا يشر بن الخمر، يمنعن من ذلك»(2). وروى عبد الله بن هلال عنه علیه السلام، قال : سألته عن مطائرة المجوس، فقال: «لا ، ولكن أهل الكتاب»(3).

وقال: «إذا أرضعوا لكم فامنعوهن من شرب الخمر(4). وهذا المنع على وجه الاستحقاق إن كانت المرضعة أمةً أو مستأجرة شرط عليها ذلك في العقد، وإلا توصل إليه بالرفق استحباباً؛ لأنه يؤثر في الطباع تأثيراً خبيثاً فيتعدى إلى اللبن. ويمكن أن يكون وجه كراهة تسليمه إليها لتحمله إلى منزلها حذراً من أن تسقيه شيئاً من

ص: 232


1- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح 4 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109 - 110، ح 373.
2- الكافي، ج 6، ص 44، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 110 ، ح 374.
3- الكافي، ج 6، ص 42، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109، ح 372.
4- الكافي، ج 6، ص 4342، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 3.

. ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنى. وروي أنه إن أحلّها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهية. وهو شاذ.

ذلك، مضافاً إلى النهي عن الركون إلى الذين ظلموا(1)، وهي منهم، وأنها ليست مأمونةً عليه.

قوله: «ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنى - إلى قوله - وهو شاذ».

المراد بها من زنت فولد من زناها المولود الذي يرضع بلبنه؛ فإنه يكره استرضاعها ولداً غيره، سواء كانت حرّةً أم أمةً، وسواء كان المسترضع مولاها أم غيره، وسواء سامحها مولاها فيما وقع منها من الزنى وقت الاسترضاع أم لا.

روى عبيد الله الحلبي - في الموثق قال قلت لأبي عبدالله علیه السلام: امرأة ولدت من الزنى -أتخذها ظئراً ؟ فقال: «لا تسترضعها و لا ابنتها»(2).

وفي معناها رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام،(3).

وروى محمد بن مسلم في الحسن عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إنّ اليهودية والنصرانيّة والمجوسية أحب إلي من ولد الزنى»(4).

والرواية التى أشار إليها المصنّف بطيب لبنها إذا أحلّها مولاها ما فعلت هي رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها

فولدت واحتجنا إلى لبنها، فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال: «نعم»(5).

ص: 233


1- هود (11): 113.
2- الكافي،ج1، ص 42، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح1؛ تهذيب الأحكام،ج 8، ص 108، ح 367؛الاستبصار،ج3، ص321،ح1143.
3- الكافي،ج6، ص 44، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح 11؛ الفقيه، ج 3، ص 478، ح 4681؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 108، ح 368؛ الاستبصار، ج 3، ص 321، ح 1144.
4- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره، ح 5: الفقيه، ج 3، ص 479،ح 4684: تهذيب الأحكام. ج 8، ص 109، ح 371.
5- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح6: تهذيب الأحكام،ج 8، ص 108-109، ح 369؛الاستبصار، ج 3، ص 322321،ح،1145.
وأمّا أحكامه فمسائل
1- الأولى: إذا حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى المرتضع

اذا حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى المرتضع،ومنه إليهما، فصارت المرضعة له أمّاً، والفحل أباً، وآباؤهما أجداداً ،وجدات، وأولادهما إخوة، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً.

وفي معناها حسنة جميل بن دراج عن أبي عبدالله(علیه السلام) في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت يحتاج إلى لبنها، قال: «مرها فلتحلّلها يطيب اللبن»(1).

ونسبها المصنّف إلى الشذوذ من حيث إعراض الأصحاب عن العمل بمضمونها؛ لأنّ إحلال ما مضى من الزنى لا يرفع إثمه، ولايدفع حكمه، فكيف يطيب لبنه؟! وهذا في الحقيقة استبعاد محض، مع ورود النصوص الكثيرة به التي لامعارض لها. وكذا يكره استرضاع المرأة التي ولادتها نفسها من زنى بأن تكون مخلوقة منه. وقد تقدم في الخبر الأوّل ما يدلّ عليه.

وفي تعدّي الحكم المذكور إليها لو كانت أمةً فأحلّ مولاها ما وقع وجه مأخذه

المشاركة في المعنى، بل يمكن دخوله في إطلاق بعض الأخبار، كقول الصادق(علیه السلام) فی حسنة محمّدبن مسلم السابقة: «وكان لا يرى بأساً بولد الزني إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حلّ»(2).

قوله: «إذا حصل الرضاع المحرّم انتشرت الحرمة - إلى قوله - وإخوتهما أخوالاً

وأعماماً».

هذه هی القاعدة التي يتفرّع منها مسائل من يحرم من الرضاع.

ص: 234


1- الكافي، ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لايكره،ح: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 109، ح 370؛ الاستبصار، ج 3، ص 322، ح 1146.
2- سبق تخريجها في ص 233، الهامش 4 والخبر عن أبي جعفر علیه السلام، و مورد النص في تتمة الحديث.

وحاصل الأمر أن المرضعة تصير أُمّاً للمرتضع، وهو إجماع، وهي المراد من قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(1)، ويتبعها في ذلك آباؤها وإن علوا، وأُمهاتها كذلك. فيصيرون أجداداً للمرتضع وجدات، وإخوتها وأخواتها يصيرون له أخوالاً وخالات، وأولادها إخوة وأخوات؛ لأنّ ذلك هو لازم الأمومة.

وكذلك حكم الرضيع بالنسبة إلى هؤلاء؛ لأنه لازم البنوة، فيصير ولداً لها، وأولاده وإن نزلوا من ذكر وأنثى لذكر وأنثى أحفاداً لها ولآباتها وأُمهاتها. هذا كله مستفاد من الآية، ولاخلاف فيه بين المسلمين.

وأما انتشار التحريم من الفحل إليه، ومنه إليه - على وجه يصير له كالأب، ويتعدّى التحريم إلى آبائه وإن علوا، وإلى إخوته وأخواته، فيصيرون أعماماً وعمّات كذلك، ومن الرضيع وأولاده وإن نزلوا، فيصيرون أحفاداً للفحل ومن ذكر - فالأمر فيه كذلك عندنا وعند أكثر أهل العلم والنصوص به من الجانبين كثيرة(2).

وذهب جماعة من العامة إلى عدم تعدّي النشر إلى الفحل(3)؛ نظراً إلى ظاهر قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُكُمُ الَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَعَةِ)(4)؛ فإن مقتضاها تعلّق التحريم بالأم والمرتضع ومن لزم من جانب الأمومة والأخوة، ولأن اللبن للمرأة لا يشاركها الزوج فيه.

وجوابه أنّ انتشار التحريم إلى الفحل وتوابعه جاء من قبل الأخبار وإن لم تدلّ الآية عليه، فمن طرقهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة لما استترت من أفلح أخي أبي القعيس وكانت زوجته قد أرضعتها، وقالت: إنّ الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته: «أليس

ص: 235


1- النساء (4): 23.
2- راجع وسائل الشيعة،ج 20، ص 394 وما بعدها، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
3- الحاوي الكبير،ج 11، ص 358؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير،ج 7، ص 477476، المسألة 5350.
4- النساء (4): 23.

بعمك»؟ ثم قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1). والحكم فيه عندنا إجماعي وأخبارنا(2) به كثيرة متفقة.

إذا تقرر ذلك فنقول: لما صارت المرضعة أُمّاً للرضيع وصاحب اللبن أباً له، وقد قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقد حرم الله تعالى بالنسب سبع نساء، وهي الأُمّ وإن علت فكلّ أم ولدت مرضعتك، أو ولدت من ولدها، أو أرضعتها، أو أرضعت من ولدها بواسطة أو وسائط، فهي بمنزلة أُمّك وكذا كل امرأة ولدت أباك من الرضاعة، أو أرضعته، أو أرضعت من ولده ولو بوسائط، فهي بمنزلة أُمّك والبنت وإن سفلت وهي من الرضاعة كلّ بنت ارتضعت بلبنك ولبن من ولدته أو أرضعتها امرأة ولدتها، وكذلك بناتها من النسب والرضاع، فكلهن بمنزلة بنتك. والأُخت. وهي من الرضاعة كل امرأة أرضعتها أُمّك، أو أرضعت بلبن أبيك. وكذا كل بنت ولدتها المرضعة أو الفحل.

والعمات والخالات وهنّ من الرضاع أخوات الفحل والمرضعة، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع. وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك، أو أرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع. وبنات الأخ، وبنات الأخت وهنّ من الرضاعة بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب.

وكذا كل أنثى أرضعتها أختك، أو بناتها، وبنات أولادها من الرضاع والنسب. وبنات كلّ ذكر أرضعته أُمّك، أو أرضع بلبن أخيك، وبنات أولاده من الرضاع والنسب فكلّهنّ بنات أختك أو أخيك. فهذه جملة المحرمات بالنسب، وقد ألحق به الرضاع، فرتب عليه ما يرد عليك من

ص: 236


1- صحيح مسلم، ج 2، ص 1069 - 1070، ح 1445/3 و 1445/6؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 623. ح 1937؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 744، ح 15607 بتفاوت وراجع المهذب، الشيرازي، ج 2، ص 199، كتاب الرضاع.
2- وسائل الشيعة، ج 20، ص 371 - 372، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.

المسائل، فإن وجدته داخلاً في إحدى من ذكر فهو محرم، وإلا فلا، إلا أن يأتي دليل من خارج على التحريم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد وقع الالتباس في حكم نسوة كثيرة في باب الرضاع، ومن راعى القاعدة حق المراعاة ظهر عليه الحكم.

ولنذكر منها صوراً للتدريب منها: الأربعة المشهورة - التي استثناها في التذكرة من قاعدة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1)

الأولى: قال: أُمّ الأخ والأخت في النسب حرام؛ لأنها إما أُم أو زوجة أب.

وأمّا في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضاً. وإن لم تكن كذلك لم تحرم، كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أُختك لم تحرم(2).

وأنت إذا راعيت القاعدة علمت وجه عدم تحريم هذه، وأن استثناءها من القاعدة غير صحيح؛ لأنّها لم تدخل فيها أصلاً، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل وبيان ذلك أن المحرمات من النسب هي السبع المذكورة، وأُمّ الأخ والأخت ليست أحدها مطلقاً؛ لأنها إن كانت أُمّاً فهي داخلة من حيث إنّها أُمّ، لا من حيث إنّها أُمّ الأخ أو الأُخت؛ ولهذا كانت الأم محرمة سواء كانت أُمّ أخ أو أُخت لأبيها أم لم تكن فكونها أُمّ أخ أو أُخت أمر خارج عن حكم الأمومة وإن لزمها في بعض الأحيان، إلا أن اللزوم منفك من الجانبين، فقد توجد الأم من دون أن تكون أُمّ أخ أو أُخت، وقد توجد أُمّ الأخ أو الأخت ولا تكون أُمّاً فلا يدلّ تحريم الأم على تحريم أُمّ الأخ والأخت مطابقة ولا تضمّناً، وهو واضح، ولا التزاماً؛ لعدم اللزوم الذهني بمعنييه. وحينئذ فإذا أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم عليك؛ لأنها ليست من إحدى المحرمات المذكورة التي هي مدار تحريم الرضاع.

ولايصحّ استثناؤها من القاعدة إلا على وجه الاستثناء المنقطع، كما يستثنى الحمار من الناس.

ص: 237


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).

وأيضاً فإن تحريم المذكورة ليست من جهة النسب مطلقاً، بل قد يكون من جهة النسب كما إذا كانت أمّاً ، وقد يكون من جهة المصاهرة كما لو كانت زوجة الأب فتحريمها من حيث هي أم أخ أعم من تحريمها من جهة النسب فلا يدل عليه، والقاعدة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم من المصاهرة. وهذه المصاهرة ليست مؤثرة في التحريم أيضاً؛ لأنها ملائمة لما يحرم بالمصاهرة لا عينه؛ فإنَّ أُمّ الأخ من حيث إنها أُمّ الأخ ليست إحدى النسوة الأربع المحرمات بالمصاهرة، وإنّما المحرم منكوحة الأب، وهي لا تستلزم كونها أُمّ الأخ، كما حققناه في الأُمّ النسبية(1). وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

الثانية: أُمّ ولد الولد حرام؛ لأنها إما بنته أو زوجة ابنه. وفي الرضاع قد لا تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن؛ فإنّها أُم ولد الولد وليست حراماً(2). والكلام في تحريم هذه واستثنائها من القاعدة كالسابقة؛ فإنّ أُمّ ولد الولد ليست من المحرمات السبع بالنسب من حيث إنّها أُم ولد الولد بل على تقدير كونها بنتاً من حيث إنّها،بنت.

ويظهر لك اعتبار الحيثية من انفكاك البنت عن الوصف بأميّة ولد الولد كما لو لم يكن لها ولد، وانفكاك أمّيّة ولد الولد عن الوصف بكونها بنتاً، كما إذا كانت زوجة ابن وأيضاً فإنّ تحريمها مطلقاً غير منحصر في النسب، بل قد يكون بالمصاهرة. وهو واضح. و الكلام في المصاهرة كما مر ؛ فإنّ المحرم منها حليلة الابن لا أم ولد الولد؛ لعدم الملازمة كما مرّ. الثالثة: جدة الولد في النسب حرام؛ لأنها إما أُمِّك أو أُم زوجتك. وفي الرضاع قد لايكون كذلك، كما إذا أرضعت أجنبية ولدك؛ فإنّ أُمّها جدته، وليست بأمك ولا

أُم زوجتك(3).

والكلام في استثناء هذه أيضاً كالسابقة؛ فإنّ جدّة الولد ليست إحدى المحرمات السبع،

ص: 238


1- راجع ص 191 وما بعدها.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).

وإن اتفق كونها أُمّاً فتحريمها من تلك الحيثية، لا من حيث كونها جدة الولد، ولعدم انحصارها في النسب مع قطع النظر عن الحيثية؛ لاشتراكها بين الأُمّ وأُمّ الزوجة المحرمة

بالمصاهرة، بتقريب ما تقدم.

ومن هذه الصورة يظهر أيضاً حكم ما لو أرضعت زوجتك ولد ولدها ذكراً كان الولد أنثى؛ فإنّ هذا الرضيع يصير ولدك بالرضاع بعد أن كان ولد ولدك بالنسب فتصير زوجتك المرضعة جدّة ولدك، وجدّة الولد محرّمة عليك كما مرّ ، لكن هنا لا تحرم الزوجة؛ لأن تحريم جدة الولد ليس منحصراً في النسب ولا من حيث إنها جدة كما عرفت. وكذا القول لو أرضعت ولد ولدها من غيرك؛ فإنّ الرضيع يصير ولدك بالرضاع، وإن لم يكن له إليك انتساب قبله، وتصير زوجتك جدة ولدك، ولا تحرم بذلك كما قرّرناه. الرابعة: أخت ولدك في النسب حرام عليك؛ لأنها إما بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أُخت ولدك ، وليست ببنت ولا ربيبة(1).

والكلام في استثناء هذه أيضاً كما مر؛ فإنّ أُخت الولد ليست إحدى المحرمات بالنسب، ومشتركة بين المحرّمة بالنسب والمصاهرة، مع قطع النظر عن الحيثية، وفي هذه الصورة

بحث يأتي. قال في التذكرة : وهذه الصور الأربع مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2).

وإذا تدبّرت ما حققناه يظهر لك فساد هذا الاستثناء، أو كونه متجوّزاً في المنقطع، لكنّ هذا المعنى الثاني غير مراد لهم.

والتحقيق أنّ هذه الأربع نسوة ليست محرمات بالنسب ولا بالمصاهرة، وإنما هنّ

ص: 239


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 614 (الطبعة الحجرية).
2- الثانية: كلّ من ينتسب إلى الفحل من الأولاد(ولادة ورضاعاً) يحرمون على هذا المرتضع.

وكذا من ينتسب إلى المرضعة بالبنوّة ولادة وإن نزلوا. ولا يحرم عليه من ينتسب إليها بالبنوة رضاعاً.

ملائمات للمحرّم بهما. وسيأتي تتمّة البحث في ذلك(1). فتدبّر هذه الجملة تظفر بتحقيق مسائل كثيرة ضلّ فيها أفهام أقوام.

قوله: «كلّ من ينتسب إلى الفحل من الأولاد - إلى قوله - من ينتسب بالبنوة رضاعاً». هذه المسألة متفرعة على ما حققناه في القاعدة السابقة؛ فإن الفحل لما صار أباً للمر تضع كان أولاده إخوة له من الأب وأخوات فإن كان المرتضع ذكراً حرم عليه بنات الفحل ولادةٌ ورضاعاً؛ لأنّهنّ أخواته من الرضاعة. وإن كان أنثى حرم عليها أولاد الفحل ولادة ورضاعاً كذلك. ولما صارت المرضعة أُمّاً كان أولادها إخ-وة للمر تضع من الأم. والإخوة من الأُمّ حرام بالنسب فكذا بالرضاع.

ولو كان أولادها من الفحل كانوا إخوة للمرتضع من أبيه وأُمه. وكذا لو كان المرتضع الآخر منها بلبن الفحل كان أخاً للمرتضع الآخر لأبيه وأُمّه .

وإن اختصوا بالأُمّ فهم إخوة للأُمّ خاصةً. ولكن استثنى أصحابنا من هذه الصورة ما لو كان أولاد المرضعة من الرضاع خاصة. ولم يكونوا أولاداً للفحل من الرضاع، وإلا لدخلوا في جملة أولاده المحكوم بتحريمهم مطلقاً. وذلك بأن تكون قد أرضعت ولداً بلبن غير هذا الفحل الذي ارتضع المبحوث عنه من لبنه فإنّ أحد الولدين لايحرم على الآخر وإن كان بينهما أُخوة الأُم من الرضاعة؛ لما قد سبق؛من اعتبار اتحاد الفحل في تحريم أحد المرتضعين على الآخر على القول المشهور. وهذه هي السابقة بعينها، وإنّما أعادها؛ لاقتضاء هذا التقسيم ذكرها، حيث ذكر جميع الإخوة للمرتضع من طرف الفحل والأم بالنسب والرضاع. وعلى قول الطبرسي (رحمه الله)(2) يحرم الجميع.

ص: 240


1- يأتي في ص 278.
2- مجمع البيان، ج 2، ص 28 ذيل الآية 23 من سورة النساء (4).
3- الثالثة: لاينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً ولا رضاعاً،

ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة؛ لأنهم صاروا في حكم ولده.

قوله: «لاينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً ولا رضاعاً، ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة» إلى آخره.

هذه المسألة خارجة عن حكم القاعدة السابقة؛ فإن أولاد المرضعة وأولاد صاحب اللبن إنّما صاروا إخوة لولده، وإخوة الولد قد يحرمون بالنسب وقد لا يحرمون، كما ذكر في المسألة الرابعة من المسائل المستثناة. ومقتضى ذلك أن لا يحرم أولاد صاحب اللبن ولا أولاد المرضعة مطلقاً على أبى المرتضع. مضافاً إلى قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1).

وإخوة الولد من حيث هم إخوته لا يحرمون بالنسب مطلقاً، وإنّما يحرمون من حيث البنوة، وهي منتفية هنا. ولكنّ المصنف جزم بالتحريم في هذه المسألة تبعاً للشيخ في الخلاف(2) وابن إدريس(3)؛ لورود نصوص صحيحة دالة على التحريم، فكانت مستثناة لذلك. وهي التي أشرنا إلى خروجها بدليل خارج فيما سلف.

والروايات منها: صحيحة عليّ بن مهزيار، قال: سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني علیه السلام عن امرأة أرضعت لي صبياً فهل يحلّ لي أن أتزوج بنت زوجها؟ فقال لي: «ما أجود ما سألت من ها هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره». فقلت له: إنّ الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت لي هي بنت غيرها. فقال: «لو كن عشراً متفرقات ما حلّ لك منهن شيء. وكن في موضع بناتك»(4). ومنها ما رواه الكليني - في الصحيح - عن عبدالله بن جعفر قال: كتبت إلى

ص: 241


1- تقدم تخريجه في ص 200، الهامش 2.
2- الخلاف، ج 4، ص 302، المسألة 73؛ وأيضاً في النهاية، ص 462.
3- السرائر، ج 2، ص 557.
4- الكافي،ج 5، ص 441-442، باب صفة لبن الفحل،ح 8 تهذيب الأحكام،ج 7، ص 320، ح 1320؛ الاستبصار،ج3، ص 199 - 200،ح 723.

أبي محمد علیه السلام، امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع: «لا تحل له»(1).

ومنها: رواية أيوب بن نوح - في الصحيح - قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن علیه السلام، امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب: «لايجوز ذلك لك؛ لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك»(2).

فهذه الروايات الصحيحة هي المخرجة للمسألة من أصل تلك القاعدة. ومع ورود هذه الروايات في موضع النزاع ذهب جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ في المبسوط إلى عدم

- التحريم(3)، محتجاً بما أشرنا إليه من أن أُخت الابن من النسب إنما حرمت؛ لكونها بنت الزوجة المدخول بها، فتحريمها بسبب الدخول بأمّها، وهذا المعنى منتف هنا. والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(4)، ولم يقل: يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة. قال في المختلف وقول الشيخ في غاية القوة، ولولا الرواية الصحيحة لاعتمدت عليه(5). وقد تقدّم من كلامه في التذكرة الجزم بعدم التحريم هنا أيضاً كقول الشيخ من غير التفات إلى ما يخالفه ولا نقل الخلاف. ثمّ في موضع آخر منها نقل كلام الشيخ(6)في المبسوط وعارضه بالروايات الصحيحة، وقال: لولا هذه الرواية لكان الوجه ما قاله الشيخ في المبسوط، ولكنّ الرواية صحيحة السند(7).

ص: 242


1- الكافي، ج 5 ، ص 447، باب نوادر في الرضاع، ح 18؛ الفقيه، ج 3، ص 476، ح 4672.
2- الفقيه،ج3، ص 476، ح 4672. 2. الفقيه،ج3، ص 476، ح 4671؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 321،ح 1324؛ الاستبصار،ج3، ص 201، ج 727.
3- المبسوط،ج3، ص 444: وج 4، ص 333 و 347 - 348؛ وراجع الوسيلة، ص 301 و 302؛ وإيضاح الفوائد ج 3، ص 50.
4- تقدم تخريجه في ص 200 ، الهامش 2.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 42 المسألة 7.
6- تقدّم في ص 239 .
7- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 623 (الطبعة الحجرية).

• وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها ؟ قيل: لا. والوجه الجواز.

وتعليل المصنّف التحريم بأنهم صاروا في حكم ولده تبع فيه الرواية، وإلا فكونهم بحكم ولده محلّ النظر لولاها.

وتقييده أولاد المرضعة بالولادة تفريع على القول المتقدم من أن أولاد المرضعة مع تعدّد الفحل لا يحرم بعضهم على بعض. فلايحرم إخوة المرتضع كذلك على أبيه؛ لأنّهم ليسوا بمنزلة ولده؛ لأنّ حكم الأب متفرّع من حكم .الولد. وعلى قول الطبرسي(1) يحرم عليه الجميع إن عمل بالرواية.

واعلم أنّ ممّا يتفرّع على الخلاف في المسألة ما لو أرضعت جدة ولد الإنسان أو إحدى نساء جده ولده بلبن جده الرضاع المعتبر، فإنّ أمّ الرضيع تحرم على زوجها أبي المرتضع؛ لأنّها من جملة أولاد صاحب اللبن، إن قلنا: إنّ أبا المرتضع لايجوز له أن ينكح في أولاد صاحب اللبن. وسيأتي أن الرضاع كما يحرم سابقاً يحرم لاحقاً(2)، ويوجب انفساخ عقد من يحكم بتحريمها. فينبغي التفطن لهذا؛ فإنّه ممّا يغفل عنه.

قوله: وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن - إلى قوله - والوجه الجواز». هذا متفرع على ما قبله. فإن قلنا: إن أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة لايحرمون

على أبي المرتضع، فكذا لا يحرمون على إخوته بطريق أولى. ووجه الأولوية أنّ الأولاد بالنسبة إلى أبيه بمنزلة الأولاد أو الربائب، وكلاهما محرم في الجملة بخلاف حالهم مع إخوته؛ فإنّ إخوة الأخ من حيث هم إخوة الأخ لا يحرمون على الأخ، وإنما يحرمون من حيث هم إخوة؛ لأن الإنسان لو كان له أخ من أبيه وأُخت من أُمه جاز لأخيه المذكور نكاح أُخته؛ إذ لا نسب بينهما يحرم. وإنما تحرم أُخت الأخ إذا كانت أُختاً لمن يحرم عليه من الأب أو من الأُمّ، وهنا ليست كذلك؛ إذ لا نسب

ص: 243


1- راجع مجمع البيان، ج 2، ص 28 ذيل الآية 23 من سورة النساء (4).
2- يأتي في ص 245.

. أما لو أرضعت امرأة ابناً لقوم، وبنتاً لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما في إخوة الآخر؛ لأنّه لا نسب بينهم ولا رضاع.

بين إخوة الرضيع من النسب وإخوته من الرضاع. وإن قلنا بتحريمهم على أبيه - كما اختاره المصنّف - ففي تحريمهم على إخوته الذين لم يرتضعوا قولان:

أحدهما: العدم؛ لما ذكر من العلة؛ فإنّها حاصلة، سواء حكمنا بتحريمهم على الأب أم .لا. وهذا هو الأشهر.

والثاني: تعدي التحريم إليهم، ذهب إليه الشيخ في الخلاف(1) والنهاية(2)، استناداً إلى ظاهر التعليل المذكور في الروايات(3)؛ فإنّهم إذا كانوا بمنزلة ولد الأب حرموا على أولاده والعلّة منصوصة فتتعدّى.

وأُجيب بأن تعديها مشروط بوجودها في المعدى إليه، وهنا ليس كذلك؛ لأنّ كونهم بمنزلة ولد الأب ليس موجوداً في محلّ النزاع. وليس المراد بحجية منصوص العلة أنّه حيث يثبت العلة وما جرى مجراها يثبت به الحكم(4).

قوله: «أما لو أرضعت امرأة ابناً لقوم إلى قوله - لأنّه لا نسب بينهم ولا رضاع». عدم التحريم هنا واضح؛ لأنّ إخوة أحد المرتضعين بالنسبة إلى إخوة الآخر لا رابطة بينهم بالمحرميّة أصلاً؛ فإنّهم ليسوا بمنزلة إخوة الإخوة الذين يحتمل فيهم التحريم، وإنما هم إخوة إخوة الإخوة. ولا فرق في ذلك بين أن يتحد الفحل بالنسبة إلى المرتضعين ويتعدّد. واحترز بقوله: «لقوم» و «آخرين» عمّا لو اتحد أبو الإخوة؛ فإن التحريم واضح من حيث النسب.

ص: 244


1- الخلاف، ج 5، ص 93، المسألة 1.
2- النهاية، ص 462.
3- الكافي،ج 5، ص 441-442، باب صفة لبن الفحل،ح 8، وص 444، باب نوادر في الرضاع، ح 4؛ الفقيه،ج3، ص 476،ح 4671؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 320 - 321، ح 1320 و 1324؛ الاستبصار،ج3، ص 199 - 200، ج 723، وص 201،ح 727.
4- أجاب به المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص232.
4- الرابعة: الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقاً، ويبطله لاحقاً.

فلو تزوّج رضيعةً، فأرضعتها مَنْ يفسد نكاح الصغيرة بإرضاعها، كأمه وجدته وأخته، وزوجة الأب والأخ إذا كان لبن المرضعة منهما فسد النكاح. فإن انفردت المرتضعة بالارتضاع، مثل أن سعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها لبطلان العقد الذي باعتباره يثبت المهر. ولو تولّت المرضعة إرضاعها مختارةً ، قيل : كان للصغيرة نصف المهر؛ لأنّه فسخ حصل قبل الدخول، ولم يسقط؛ لأنه ليس من الزوجة، وللزوج الرجوع على المرضعة بما أدّاه إن قصدت الفسخ. وفي الكل تردّد؛ مستنده الشكّ في ضمان منفعة البضع.

قوله: «الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقاً - إلى قوله - في ضمان منفعة البضع».

لا إشكال في أن الرضاع الذي يحرم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله على تقدير لحوقه له. فكما أنّ أُمّه إذا أرضعت بنتاً صارت أخته من الرضاعة، فيحرم عليه نكاحها ابتداء ، كذا يحرم عليه لو كان قد عقد عليها قبل الرضاع. وكذا إذا أرضعتها جدّته ؛ لأنّ الجدّة إذا كانت من قبل الأب صارت الرضيعة عمته، وإن كانت من قبل الأمّ صارت خالته. وإذا أرضعتها أخته صارت بنت أخته وكذا إذا أرضعتها زوجة الأخ بلبنه صارت بنت أخيه، أو زوجة الأب بلبنه صارت أُخته.

فيبطل نكاح الصغيرة في جميع هذه المواضع، كما يحرمه ابتداء؛ لتحقق المعنى الموجب للتحريم في الحالين المنافي لصلاحية الرضيعة لنكاحه.

واحترز في زوجة الأب والأخ بكون اللبن منهما عما لو كان من غيرهما بعد مفارقتهما أو في زمان زوجيتهما، كما إذا تزوّجاهما مرضعتين، فإنّ اللبن يستمر للأوّل، على ما مرّ

تفصيله، فتصير ربيبة الأب والأخ، وهما غير محرّمتين على الرجل.

والضابط أنّ كلّ امرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها، فإذا أرضعت تلك المرأة زوجته

ص: 245

الصغيرة العدد المعتبر ثبتت الحرمة المؤبدة، وانفسخ النكاح.

إذا تقرّر ذلك فنقول: إذا ارتضعت الزوجة الصغيرة على وجه انفسخ نكاحها فلا يخلو إمّا أن يكون بسبب مختص بها، بأن سعت إلى الكبيرة وهي نائمة وارتضعت الرضاع المحرم، أو بسبب من الكبيرة، بأن تولّت إرضاعها، أو بسبب مشترك، بأن سعت الصغيرة إليها وارتضعت منها فلم تمنعها منه ولم تعنها عليه وعلى تقدير مباشرة الكبيرة، إمّا أن تكون مختارةً في ذلك غير مأمورة به شرعاً، أو مأمورةً به، أو مكرهةً عليه. وعلى التقادير الخمسة إما أن يكون للصغيرة مهر مسمى، أو تكون مفوّضةً.

فالصور عشر، نذكر حكمها في خمسة أقسام:

الأوّل: أن يكون الرضاع بسبب مختص بالصغيرة، فلا شيء لها على الزوج ولا على المرضعة؛ لأنّ الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، فكان كالردّة من قبلها كذلك. ولا فرق بين كونها مفوّضةً وممهورة. وهذا هو الذي جزم به المصنف. وجعله في التذكرة أقوى(1)، وهو يؤذن باحتمال أو وجه بعدم السقوط.

ووجه العدم أنّ المهر وجب بالعقد، والأصل يقتضي استمراره إلى أن يدل دليل على خلافه، ولا نص هنا عليه. والرضيعة لا قصد لها، فكان فعلها بمنزلة عدمه.

فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف المهر؛ لأنّها فرقة قبل الدخول كالطلاق. وهو أحد وجهي الشافعية(2). ويضعّف بأنه قياس لا نقول به، فإما أن يثبت الجميع لما ذكر، أو يسقط الجميع من حيث استناده إليها. وكيف كان فالمذهب السقوط.

الثاني: أن يكون الرضاع بفعل الكبيرة، بأن تولّته بنفسها من غير ضرورة إليه. وقد اختلف في حكم المهر، فقيل: يجب للصغيرة على الزوج نصف المهر؛ لأنّه فسخ قبل

ص: 246


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 623 (الطبعة الحجرية).
2- راجع المهذب الشيرازي،ج2، ص203؛ والوجيز،ج2، ص 112؛ وروضة الطالبين،ج6، ص 432.

الدخول من غير جهة الزوجة، فجرى مجرى الطلاق. وهذا مذهب الشيخ في المبسوط(1)، وتبعه عليه جماعة(2).

وقيل: يجب عليه جميع المهر؛ لأن المهر يجب جميعه بالعقد(3)، كما سيأتي، ولا ينتصف إلا بالطلاق، وهذا ليس بطلاق، وإلحاقه به قياس، فيستصحب وجوبه إلى أن يثبت المزيل. وهذا هو الوجه. هذا إذا كان قد سمّى لها مهراً . ولو كانت مفوّضة البضع قيل: وجبت المتعة، إلحاقاً لهذا الفسخ بالطلاق(4). ويضعّف ببطلان القياس مع وجود الفارق؛ فإنّ الفسخ بالطلاق جاء من قبل الزوج، وهنا ليس من قبله. ويحتمل السقوط أصلاً، كما لو مات أحدهما؛ لأنّ عقد النكاح بالتفويض لايوجب مهراً؛ لأنّه لم يذكر، وإنّما أوجبه الطلاق بالآية(5)، فلايتعدى مورده. وليس هذا بقياس على الموت كما قاسه الأوّل على الطلاق، بل مستند إلى أصل البراءة.

ويحتمل وجوب مهر المثل أو نصفه على ما تقدّم من الوجهين؛ لأنه عوض البضع حيث لا يكون هناك مسمّى؛ لامتناع أن يخلو البضع عن عوض. ثمّ الزوج إذا غرم شيئاً في هذه الفروض هل يرجع به على المرضعة؟ قولان، منشؤهما أنّ البضع هل يضمن بالتفويت أم لا ؟ والقول بالرجوع للشيخ في المبسوط(6)، وتبعه عليه جماعة(7)؛ لأنّ البضع مضمون كالأموال؛ لأنه يقابل بمال في النكاح والخلع، ولايحتسب

ص: 247


1- المبسوط،ج4،ص،340.
2- منهم العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 453 الرقم 4977؛ والصيمري في تلخيص الخلاف، ج 3،ص 112، المسألة 14، نسبه إلى المشهور عند أصحابنا.
3- قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 234 و 236-237.
4- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء،ج2، ص 624 (الطبعة الحجرية)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 234.
5- البقرة (2): 236.
6- المبسوط،ج 4،ص،340.
7- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 234.

على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون وكذا المريضة المختلعة بمهر المثل ويضمن للمسلمة المهاجرة مع كفر زوجها، وبالشهادة بالطلاق ثم الرجوع عنها. هذا إذا قصدت بالإرضاع الإفساد. فلو لم تقصده فلا شيء عليها، على ما يقتضيه تقييد المصنّف وجماعة(1)؛ لأنّها على تقدير عدم القصد غير متعدية، كما لو حفر في ملكه بئراً فتردى فيها مترد، ولأنها محسنة إلى الرضيعة و مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)(2). وبهذا صرّح الشيخ في المبسوط بعد أن نقل الخلاف في الفرق بين الأمرين وعدمه(3).

والوجه عدم الفرق بين الحالين في الضمان وعدمه؛ لأنّ إتلاف الأموال يوجب الضمان على كل حال فإن كان البضع ملحقاً بها ضمن في الحالين وإلا فلا. والفرق بين موضع النزاع

وبين حفر البئر في الملك واضح ؛ إذ لا إتلاف من الحافر أصلاً، بخلاف المرضعة.

وقال الشيخ في الخلاف: لا تضمن المرضعة مطلقاً، سواء قصدت الفسخ أم لم تقصد(4)؛ لأنّ منفعة البضع لا تضمن بالتفويت بدليل ما لو قتلت الزوجة نفسها، أو قتلها ،قاتل أو ارتدت، أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه؛ فإنّها لا تغرم للزوج شيئاً. وبالجملة فالبضع ليس كالمال مطلقاً. وإلحاقه به في بعض المواضع لا يوجب إلحاقه به .مطلقاً. وممّا يخرجه عن الإلحاق بالمال جواز تفويض البضع، وعدم لزوم شيء على تقدير عدم الطلاق، والمال ليس كذلك. وأجيب بأنا وإن لم نلحقه بالأموال لكن نقول: إن سببيتها في لزوم المهر أو نصفه للزوج يوجب ضمان ما يغرمه وإن لم نوجب ضمان البضع من حيث تفويته. فإنا لو أوجبنا ضمانه لأوجبنا عليها مهر المثل مطلقاً؛ لأنّه قيمة المتلف شرعاً، كما يضمن المتلف من الأموال

ص: 248


1- منهم الشيخ في المبسوط،ج4،ص،340؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 234.
2- التوبة .(9) 91.
3- المبسوط، ج 4، ص 340.
4- الخلاف،ج 5، ص 105، المسألة 16.

بقيمته، ولا ينظر إلى ما ملكه به من العوض.

وفيه نظر؛ لأنّ ما يجب على الزوج مسبب عن العقد، لا عن الفسخ الطارئ، ولا سببية لها فيه.

الثالث: أن يكون الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة عالمة، لكن لم تمنعها منه ولن تعنها عليه. وفي إلحاقه بالسابقة، أو عدم الضمان وجهان، من أنّها لم تباشر الإتلاف، ومجرّد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان، كما لو لم يمنعها من مباشرة إتلاف مال الغير مع قدرتها على المنع.

ويظهر من المصنّف وأكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة المباشرة، وبه صرّح في التذكرة(1)؛

لأن تمكينها من الرضاع بمنزلة الفعل، حيث إنّ المرتضعة ليست مميّزة. ولا يخلو من نظر. ولو قيل هنا باشتراك الصغيرة والكبيرة في الفعل فيكون السبب منهما، ولا يرجع الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه لكان أوجه من ضمانها مطلقاً. وظاهر الأصحاب القطع بإلحاق التمكين بالمباشرة.

الرابع: أن تتولّى الكبيرة الإرضاع، ولكن كان ذلك في موضع الحاجة، بأن لا تجد مرضعةً غيرها، واضطرت الصغيرة إلى الإرضاع، ووجب على الكبيرة الفعل. وفي ضمانها حينئذ وجهان، من كونها مأمورة بالفعل شرعاً، فكان كالإذن في الإتلاف، فلا يتعقبه الضمان، وأنّها محسنة و(مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)(2). وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط(3). ومن تحقق مباشرة الإتلاف؛ لأنّ غرامته لاتختلف بهذه الأسباب.

وظاهر المصنّف وصريح بعضهم عدم الفرق(4)

ص: 249


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 624 (الطبعة الحجرية).
2- التوبة .(9) 92.
3- المبسوط،ج4،ص،340.
4- راجع إيضاح الفوائد،ج3، ص 56: وجامع المقاصد،ج12، ص 235.

. ولو كان له زوجتان كبيرة وصغيرة، فأرضعتها الكبيرة، حرمتا أبداً إن كان دخل بالكبيرة، وإلا حرمت الكبيرة حسب وللكبيرة مهرها إن كان دخل بها، وإلا فلا مهر لها؛ لأنّ الفسخ جاء منها. وللصغيرة مهرها؛ لانفساخ العقد بالجمع. وقيل: يرجع به على الكبيرة.

واقتصر في التذكرة على نقل القولين عن الشافعية(1). والأوّل لا يخلو من قرب. الخامس : أن تكون الكبيرة مكرهةً على الإرضاع بأن حملها عليه القادر على فعل ما توعدها به مع ظنّها فعله واستلزامه ضرراً لا يتحمّل لمثلها عادةً، وإن لم يبلغ الإكراه حد الإلجاء. ولا ضمان هنا على المرضعة؛ لأنّ الإكراه يسقط ضمان المال المحقق، وغاية البضع إلحاقه بالمال. وأمّا ضمان الزوج للصغيرة فثابت على كل حال. وحكى في التذكرة فيه عن الشافعية وجهين في أنّه على المكرهة أو المخوف(2).

ولم يرجح شيئاً. والمصنّف (رحمه الله) تردّد في ضمان المرضعة في جميع الأقسام؛ نظراً إلى تردّده في أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا ؟ وقد ظهر مما قرّرناه وجه تردّده. قوله: «ولو كان له زوجتان كبيرة وصغيرة - إلى قوله - وقيل: يرجع به على الكبيرة». هذه المسألة وما بعدها متفرّعة على الضابط الذي أصلناه في المسألة السابقة، وعلى أصل آخر وهو أنّ المصاهرة تتعلق بالرضاع كما تتعلق بالنسب، فمن نكح صغيرة أو كبيرةً حرمت عليه مرضعتها؛ لأنّها أُم زوجته من الرضاع، فحرمت، كما تحرم أُمها من النسب.

وكذا تحرم عليه بنتها من الرضاع، وأختها جمعاً، وعمّتها، وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أختها، بدون رضى الكبيرة.

وكذا لو كان تحته كبيرة فطلقها، فنكحت صغيراً وأرضعته بلبن المطلّق حرمت عليهما أبداً. أما على المطلق؛ فلأنّ الصغير صار ابناً له، وهي امرأة الصغير، فتكون حليلة ابنه.

ص: 250


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 623 (الطبعة الحجرية).
2- تذكرة الفقهاء،ج2، ص 624 (الطبعة الحجرية).

وأما على الصغير؛ فلأنّها أُمه، وأيضاً زوجة أبيه. وأشباه ذلك كثيرة.

ولا ينافي هذا قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّ الرضاع يحرم منه ما يحرم من النسب»(1) المقتضي لعدم تحريمه ما يحرم بالمصاهرة، لا من حيث المفهوم، بل من بقائه على أصل الحلّ؛ لأنّ ما ذكرناه من المصاهرة يتعلّق أيضاً بالنسب؛ فإنّ أُمّ الزوجة من النسب حرام، وقد حكم بأنّ الرضاع يصير كالنسب فهو يقتضي ما ذكرناه من التحريم ومثله بنت الزوجة من النسب؛ فإنها حرام، فكذا تحرم بنتها من الرضاع. وكذا القول في زوجة الابن من الرضاع، وزوجة الأب من الرضاع؛ لأن الأبوة والبنوة قد تثبت بالرضاع فيشملها ما دلّ على تحريم وما ذكروه من المصاهرة التي لا يتعدّى إليها تحريم الرضاع هي المصاهرة الناشئة بالرضاع، نظير المصاهرة الحادثة بالنكاح، مثل كون المرأة أُمّاً للزوجة، فإن هذا الوصف يتحقق بنكاح بنت امرأة، فيثبت التحريم. فإذا ارتضع طفل رضاعاً محرماً صارت المرضعة بمنزلة الزوجة لأبي المرتضع، من حيث إنها أم ابنه، فأُمها بمنزلة أُمّ الزوجة، وأُختها بمنزلة ا بمنزلة أُخت الحليلة.

الزوجة، وهكذا. ومثل هذا لا يتعدى إليه التحريم إلا ما استثني سابقاً(2) مما ورد فيه النص. وهذا بخلاف المصاهرة في الأوّل؛ فإنّها ليست ناشئة عن الرضاع بل عن النكاح الصحيح وإنّما الناشئ عن الرضاع هو البنوّة مثلاً، فلما تحققت لزم الحكم الناشئ عن النكاح، وهو كون منكوحته حليلة ابنه ومثله الأمومة إذا ثبتت لزوجته حرمت عليه أمها ولو من الرضاع؛ لدخولها في (أُمَّهَنتُ نِسَآبِكُمْ)(3)، وبنتها؛ لدخولها في (رَبِّكُمْ) مع الدخول بالأُم، وهكذا.

والضابط تنزيل الولد من الرضاعة منزلة الولد من النسب، وأُمّه منه بمنزلة الأُمّ، وأبيه بمنزلة الأب إلى آخر المحرمات النسبية، ثمّ يلحقهم أحكام المصاهرة بالنسبة إلى النساء المحرمات بها عيناً وجمعاً. ولا يتعدّى إلى ما يناسبها، بل إنّما تحرم من حيث هي

ص: 251


1- راجع وسائل الشيعة، ج 20 ص 371-373، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- سبق في ص 241.
3- النساء (4): 23.

كذلك، كما يحرم السبع بالنسب من حيث هي كذلك، فلا تتعدّى إلى ما يناسبها أو يستلزمها.

وهذه قاعدة شريفة إن أحطت بها علماً لم يلتبس عليك شيء من فروع الرضاع. وإذا تقرر ذلك فنقول: إذا كان لشخص زوجتان، إحداهما كبيرة، والأخرى صغيرة ف--ي الحولين، فأرضعت الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرم انفسخ نكاحهما؛ لامتناع الجمع في النكاح بين الأم والبنت، وقد صارت الصغيرة بنتاً والكبيرة أُمّاً دفعةً واحدةً، فانفسخ نكاحهما. ثم إن كان الرضاع بلبن الزوج حرمتا مؤبداً، سواء دخل بالكبيرة أم لا؛ لصيرورة الصغيرة بنتاً له، والكبيرة أُمّاً لزوجته. وإن كان الرضاع بلبن غيره، فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا أيضاً أبداً؛ لأنّ الكبيرة أم الزوجة، والصغيرة بنت المدخول بها. وإن لم يكن دخل بالكبيرة لم تحرم الصغيرة مؤبداً؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وإن انفسخ النكاح فيجدده إن شاء. وهذه المصاهرة من قبيل ما يتعدّى إليه التحريم؛ لأنّه من لوازم النسب كما مرّ.

ثم الكبيرة إن كان قد دخل بها استقرّ مهرها بالدخول فلا يسقط بالسبب الطارئ وإن كان من جهتها، كما لو ارتدت بعده. وإن لم يدخل بها سقط مهرها؛ لأنّ الفسخ حصل من قبلها كالردّة قبله.

وعورض بما لو طلقها واحدةً وراجعها، وادعى وقوع الرجعة في العدة، وأنكرت وحلفت أنه لم يراجعها إلا بعد انقضاء العدة، فتزوجت غيره، ثمّ أكذبت نفسها في اليمين وصدقت الزوج؛ فإنّه لا يقبل قولها على الثاني، وقد حكموا بأنّ الأول يرجع عليها بمهر المثل وإن كان قد وطئها.

وعلى هذا فينبغي في مسألتنا الرجوع عليها بالمهر على تقدير الدخول. وأجيب بأنّه إنّما يرجع عليها هنا للحيلولة بينه وبين بضعها؛ لأنها زوجته(1)؛ لاتفاقهما حينئذٍ على بقاء الزوجية، وقد حالت بينه وبينها باليمين؛ ولهذا لو طلقها الثاني عادت إلى الأوّل بغير عقد جديد، ووجب عليه ردّ المهر عليها، فدلّ على أن المهر لم يلزمها، وإنّما دفعته

ص: 252


1- أجاب به المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 236.

• ولو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين حرمت الكبيرة والمرتضعتان إن كان دخل بالكبيرة، وإلا حرمت الكبيرة.

للحيلولة باليمين. بخلاف مسألة الرضاع؛ فإنّ النكاح ارتفع في الظاهر وفي نفس الأمر.

وفي الجواب نظر. وفى الفرق إشكال.

وأما الصغيرة فتستحق جميع المهر على الزوج لوجوبه بالعقد، وعدم ثبوت مسقط ولا منقص

كما مرّ. وهذا هو الذي قطع به المصنف، مع حكمه بالنصف في المسألة السابقة على تردّد.

وقيل: ترجع هنا عليه بالنصف خاصةً كالطلاق(1)، والأوّل أقوى.

والقول في رجوع الزوج به على الكبيرة وعدمه، والتفصيل بتوليها الإرضاع وعدمه كمامرّ في السابقة.

قوله: «ولو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين إلى قوله - وإلا حرمت الكبيرة». الوجه في هذه كالسابقة. والحكم بعدم تحريم الصغيرتين مع عدم الدخول بالكبيرة

مشروط بكون اللبن لغير الزوج، وإلا حر من مطلقاً. وتحرير المسألة أنّ الشخص إذا كان له زوجة كبيرة وزوجتان ،مرتضعتان فأرضعتهما الكبيرة الرضاع المحرم، فإن كان بلبنه حر من مطلقاً، سواء أرضعتهما على الاجتماع أم على التعاقب. أما تحريم الصغيرتين؛ فلأنهما صارتا ابنتيه، وأما الكبيرة؛ فلأنّها أُم زوجته، وأُمّ الزوجة تحرم وإن لم يدخل بالزوجة،

والأُمّ من الرضاع كالأُمّ من النسب كما قرّرناه. وإن أرضعتهما بلبن غيره، فإن كان قد دخل بالكبيرة حر من أيضاً مؤبداً؛ لأنّهما وإن لم تكونا ابنتيه لكنهما ابنتا زوجته المدخول بها،

وهى أم زوجته، فيحر من جمع. ولا فرق بين كون إرضاعهما دفعةً أو على التعاقب؛ لأنّ الكبيرة وإن خرجت عن الزوجية بإرضاع الأولى أوّلاً إلّا أنّ الثانية قد صارت بنت من كانت زوجته. وسيأتي تحقيقه(2). وإن لم يكن دخل بالكبيرة فلايخلو إما أن ترضعهما دفعةً، أو متعاقبتين.

ص: 253


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 4، ص 341.
2- يأتي بعيد هذا بقليل.

فإن كان الأوّل، بأن أعطت في الرضعة الأخيرة كلّ واحدة ثدياً وارتوتا دفعةً واحدةً انفسخ عقد الجميع؛ لتحقق الجمع بين الأم وبنتيها بالعقد، واختص التحريم بالكبيرة؛ لأنها أُم زوجته، وله تجديد العقد على من شاء من الأُختين.

وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الكبيرة والأُولى خاصة؛ لتحقق الجمع المحرّم فيهما. وبقي نكاح الثانية؛ لأنّ الكبيرة لم تصر لها أُمّاً حتى انفسخ عقدها، فلم يتحقق الجمع المحرم. ويبقى حلّ الصغيرة الأولى موقوفاً على مفارقة الثانية، كما في كلّ أُخت للزوجة غير معقود عليها. وقس على هذا ما لو أرضعت له زوجةً ثالثة ورابعة وأزيد دفعةً وعلى التعاقب. واعلم أنّ المصنّف اعتبر في هذه المسألة وما بعدها في تحريم الجميع الدخول بالكبيرة، ولم يعتبر كون اللبن منه أو من غيره. وقد اعتبره كما ذكره العلامة(1) وجماعة(2)، ولعلّ تركه أجود؛ لأنّ الحكم بكون اللبن للزوج يستلزم الدخول بالكبيرة؛ لما تقدّم(3) من اشتراط كونه صادراً عن نكاح، بل عن ولد معه، ومع الدخول يتحقق تحريم الكبيرة وإن لم يكن اللبن له، وبدون الدخول ينتفي عنه اللبن، فلا وجه للتفصيل يكون اللبن منه أو من غيره بالنسبة إلى تحريم الكبيرة. وأمّا الصغيرة فتحرم على التقديرين.

وإنّما يحتاج إلى هذا التفصيل من لايعتبر في اللبن المنسوب إلى الزوج الوطء، بل يكتفي بالزوجيّة كالعامة، وهم أصل هذا التفصيل، فجرى عليه بعض الأصحاب. ويمكن أن يفرض عندنا كون اللبن للزوج من غير دخول على تقدير كونه قد وطئها قبل الزوجية بشبهة فحملت منه ؛ فإنّ اللبن يلحق به كالولد لما مرّ. ثم لا نقول بأنّ وطء الشبهة ينشر الحرمة مطلقاً، فإذا تزوجها حالة اللبن فهو له، وهي قبل دخوله بعد العقد غير مدخول بها مع كون اللبن له، فيأتي التفصيل.

ص: 254


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 625 (الطبعة الحجرية).
2- راجع جامع المقاصد،ج 12، ص 237 و 247 - 248.
3- تقدم في ص 200 وما بعدها.

. ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أولاً، ثمّ أرضعتها الأخرى، حرمت المرضعة الأولى والصغيرة دون الثانية؛ لأنها أرضعتها وهي بنته.

وقيل: بل تحرم أيضاً؛ لأنّها صارت أُمّاً لمن كانت زوجته. وهو أولى. وفي كلّ هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع؛ لتحقق الجمع المحرّم، وأما التحريم فعلى ما صوّرناه.

قوله: «ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة - إلى قوله - وأما التحريم فعلى ما صوّرناه». لا إشكال في تحريم المرضعة الأولى مطلقاً؛ لأنها صارت أُم زوجته، وتحريمها غير مشروط بشيء. وأما تحريم الصغيرة فمشروط بأحد أمرين، إما كون اللبن للزوج لتصير ابنته، أو كون إحدى الكبيرتين مدخولاً بها، سواء كانت الأولى أم الثانية؛ لأن الصغيرة تصير بنتاً لهما، فبأيهما دخل صارت بنت زوجته المدخول بها، وهذا واضح.

وبقي الكلام في تحريم الثانية من الكبيرتين، فقد قيل: إنّها لا تحرم، وإليه مال المصنف حيث جعل التحريم أولى، وهو مذهب الشيخ في النهاية(1) وابن الجنيد(2)؛ لخروج الصغيرة عن الزوجية إلى البنتية، وأمّ البنت غير محرّمة على أبيها، خصوصاً على القول باشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق الاشتقاق، كما هو رأي جمع من الأصوليين(3). ولرواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر علیه السلام قال، قيل له: إنّ رجلاً تزوّج بجارية صغيرة، فأرضعتها امرأته، ثمّ أرضعتها امرأته الأخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه فقال أبو جعفر : «أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولاً، فأما الأخيرة لم تحرم عليه، كأنها أرضعت ابنتها»(4).

ص: 255


1- النهاية، ص 456.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 44، المسألة 11.
3- منهم الرازي في المحصول، ج 1، ص 239- 240: والبيضاوي في منهاج الوصول المطبوع مع الإبهاج في شرح المنهاج، ج 1، ص 226؛ وراجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 194.
4- الكافي، ج 5، ص 446، باب نوادر في الرضاع، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 293-294،ح 1232.

وهذه الرواية نص في الباب، لكنّها ضعيفة السند في طريقها صالح بن أبي حمّاد وهو ضعيف(1)، ومع ذلك فهي مرسلة؛ لأنّ المراد بأبي جعفر حيث يطلق الباقر علیه السلام، وبقرينة قول ابن شبرمة في مقابله؛ لأنّه كان في زمنه، وابن مهزيار لم يدرك الباقر علیه السلام ولو أريد بأبي جعفر علیه السلام، الثاني وهو الجواد بقرينة أنه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنه سمع منه ذلك بل قال: قيل له، وجاز أن يكون سمع ذلك بواسطة، فالارسال متحقق على التقديرين مع أنّ هذا الثاني بعيد؛ لأنّ إطلاق أبي جعفر علیه السلام، لايحمل على الجواد علیه السلام.

وذهب ابن إدريس(2) والمصنف في النافع(3) وأكثر المتأخرين إلى تحريمها أيضاً، وهو الظاهر من كلام الشيخ في المبسوط(4)؛ على التباس يسير فيه؛ لأنّ هذه يصدق عليها أنّها أُمّ زوجته وإن كان عقدها قد انفسخ ؛ لأنّ الأصح أنه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى، فتدخل تحت قوله تعالى: (وَأُمَّهَنتُ نِسَآبِكُمْ»(5). ولمساواة الرضاع النسب، وهو يحرم سابقاً ولاحقاً، فكذا مساويه. وهذا هو الأقوى.

واعلم أنه يستفاد مما ذكروه في علة التحريم أنه لا فرق فيه بين كونه في زمان زوجيته للكبيرتين وبعد فراقهما بطلاق وغيره؛ لبقاء معنى الزوجيّة فيهما بعد الفراق. نعم، لو طلّق الكبيرتين قبل أن يدخل بهما، ثمّ أرضعتا الصغيرة بلبن غيره لم تحرم الصغيرة؛ لأنها صارت بنتا غير مدخول بها.

والمراد بقول المصنّف وفي كلّ هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع المسائل الثلاث المتقدمة؛ لأنه ذكر فيها حكم التحريم ولم يذكر انفساخ النكاح فيمن لم يحكم بتحريمها، فنبه عليه جملةً واحدةً. وقد عرفت أنه يستثنى من ذلك من المسألة الثانية ما لو أرضعت

ص: 256


1- راجع رجال ابن داود، ص 461، الرقم 226؛ وخلاصة الأقوال، ص 360 الرقم 1417.
2- السرائر، ج 2، ص 556.
3- المختصر النافع، ص 281.
4- المبسوط، ج 4، ص 342.
5- النساء (4): 23.

• ولو طلّق زوجته فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه.

5- الخامسة: لو كان له أمة يطؤها، فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا جميعاً.

ويثبت مهر الصغيرة، ولا يرجع به على الأمة؛ لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمّة الصغيرة الثانية بلبن غيره بعد أن أرضعت الأولى وحكم بتحريمهما وانفساخ عقدهما، فإنّ نكاح الثانية لا ينفسخ؛ لعدم وجود ما يقتضيه.

قوله: «ولو طلّق زوجته فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه».

حكم هذه المسألة متفرع على السابقة. وإنّما يتمّ جزمه بتحريمهما على تقدير الدخول بالكبيرة لتصير الصغيرة بنت مدخول بها، وإلا لم تحرم الصغيرة، كما عرفته من السابقة. ومع ذلك فجزمه بتحريم الصغيرة على تقدير الدخول بالكبيرة مبني على الاكتفاء بإرضاع من كانت زوجته، وقد سبق منه الحكم بخلاف ذلك(1)؛ لأنّ الأولوية لاتقتضي التحريم؛ فكأنه قرينة على كونه اختار التحريم في السابقة، أو رجوع عن الحكم أو الأولوية في مصطلحه لا تفيد المنع من خلافها.

ولا يتوهم اختلاف الحكم من حيث إن الخارجة عن الزوجيّة هنا المرضعة وهناك الرضيعة؛ لاشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم وعدمه. نعم، يمكن أن يقال: إنّه في السابقة راعى النصّ الوارد بعدم التحريم، فلم يلتفت إلى الدليل الدال على صدق الزوجية، وهنا رجع إلى الأصل المقتضي للتحريم في غير موضع النص. نظير ما تقدّم من حكمه بتحريم أولاد صاحب اللبن على الفحل(2)، تبعاً للرواية الدالة على أنّهم بحكم أولاده(3)، وعدم الحكم بتحريمهم على إخوة المرتضع وإن كانوا بحكم أخيهم، رجوعاً إلى الأصل المقتضي لعدم التحريم في غير موضع النص، والظاهر أن هذا هو السر في جزم المصنّف بالتحريم في هذه المسألة.

قوله: «لو كان له أمة يطؤها - إلى قوله - بل تتبع به إذا تحرّرت».

ص: 257


1- سبق في ص 255.
2- تقدم في ص 241.
3- الكافي، ج 5 ص 441 442، باب صفة لبن الفحل،ح: تهذيب الأحكام،ج 7، ص320، ح .1320.

مملوكه نعم لو كانت موطوءة بالعقد رجع به عليها، ويتعلق برقبتها. وعندي في ذلك تردّد. ولو قلنا بوجوب العود بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه، بل تتبع به إذا تحرّرت.

6- السادسة: لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة،

وطلّق كل واحد منهما زوجته وتزوّج بالأخرى، ثمّ أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما،وحرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة.

الكلام في هذه المسألة كما سبق في أنّ الرضاع إن كان بلبنه حرمتا عليه مطلقاً لصيرورة الأمة أُمّاً لزوجته، وصيرورة الزوجة بنته.

وإن كان بغير لبنه فالأمة الموطوءة أُمّ زوجته، والزوجة بنت المدخول بها، فتحرمان أيضاً. فالحكم بتحريمهما على إطلاقه جيد من جهة التقييد بكونها موطوءة.

ولو كانت الأمة غير موطوءة حرمت خاصةً؛ لأنها أُم الزوجة. ووجوب غرم الزوج للصغيرة المهر أو نصفه كما سبق. وإنّما يختلف الحكم في غرم الأمة له؛ فإنها إن كانت أمة المولى لم يرجع عليها بشيء؛ لأنّ المولى لا يثبت له على مملوكه مال. نعم، لو كانت مكاتبةً مطلقةً أو مشروطةً مطلقاً رجع عليها؛ لانقطاع سلطنته عنها ، وصيرورتها بحيث يثبت عليها مال. ولو كانت الأمة لغيره وهى موطوءة بالعقد أو بالتحليل تبعت بالمهر الذي غرمه للصغيرة بعد العتق، كما يتبع بسائر الإتلافات المالية، على تردّد من المصنف في الرجوع مطلقاً ومقداره على تقديره. ووجه التردّد قد سبق تحريره في المسألة الأولى، وكذا ما يعتبر من الشروط على تقديره.

قوله: «لو كان لاثنين زوجتان - إلى قوله - وحرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة». وجه تحريم الكبيرة عليهما مطلقاً صيرورتها أماً لزوجة كل منهما، أما لزوج الصغيرة في الحال فواضح، وأما الآخر فهي أُمّ من كانت زوجته، وقد تقدّم الكلام في الاكتفاء به في التحريم(1). وأمّا تحريم الصغيرة على من دخل بالكبيرة؛ فلأنّها بنت زوجته المدخول بها، أو من كانت

ص: 258


1- تقدم في ص 255.
7- السابعة: إذا قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي على وجه يصح

إذا قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي على وجه يصح، فإن كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهراً. وإن كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها. فإن كان قبل الدخول فلا مهر. وإن كان بعده كان لها المسمّى. وإن فقد البينة وأنكرت الزوجة لزمه المهر كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور.

زوجته ولم يذكر هنا خلافاً: اكتفاء بما سبق، أو للوجه الذي ذكرناه في غير موضع النص(1).

قوله: «إذا قال: هذه أختي من الرضاع - إلى قوله - على قول مشهور». إذا ادعى رجل على امرأة أنها محرمة عليه من الرضاع، كأن ادعى أنّها أُخته منه أو بنته أو أُمّه، فإن كذبه الحس في دعواه، بأن يقضي الحسّ بحسب سنهما أنها لا يمكن ارتضاعها من لبنه في الحولين، أو لا يمكن رضاعه من لبنها كذلك، أو لا يمكن رضاعهما من امرأة واحدة أو لبن رجل واحد، لم يلتفت إلى دعواه، وحلّ له أن يتزوجها، ولم تحرم عليه إن كانت زوجته. وإن أمكن صحة دعواه فلا يخلو إمّا أن يكون قبل أن يعقد عليها نكاحاً، أو بعده.

وعلى التقديرين إما أن تصدقه في دعواه، أو تكذبه، أو لا ولا بأن لا تعلم الحال وعلى تقدير كونه قد تزوّجها إما أن يكون قبل الدخول أو بعده. ثمّ إمّا أن يكون قد ستى لها مهراً، أم لا.

وعلى تقدير التسمية إما أن يكون بقدر مهر المثل، أو أزيد، أو أنقص. وبسبب اختلاف

هذه الصور تختلف الأحكام(2).

وجملة حكمها أنّ دعواه الممكنة إن كانت قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهراً، سواء صدقته أم كذبته، فليس له التزويج بها بعد ذلك وإن أكذب نفسه. نعم، لو أظهر لدعواه تأويلاً محتملاً - بأن قال: إنّي اعتمدت في الإقرار على قول من أخبرني، ثم تبين لي أن مثل ذلك لا يثبت به الرضاع، وأمكن في حقه ذلك - احتمل القبول؛ لإمكانه. وأطلق الأصحاب

ص: 259


1- سبق في ص 257.
2- في حاشية «و»: «الصور سبع وعشرون، حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة ثمّ ثلاثة في اثنين، ثمّ سنّة في ثلاثة(منه رحمه الله).

عدم قبوله مطلقاً، لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1) وعليه العمل.

وإن كانت الدعوى بعد العقد وصدقته الزوجة فالعقد باطل، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها؛ لانتفاء النكاح.

وإن كان بعده واعترفت بالعلم قبل الدخول فلا شيء أيضاً؛ لأنّها بغي بالدخول.

وإن ادعت تجدّد العلم لها بعده قبل قولها، وكان لها المسمّى على قول الشيخ (رحمه الله تعالى)(2) بناءً على أنّ العقد هو سبب ثبوت المهر؛ لأنّه مناط الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين البضع بما وقع عليه التراضي في العقد.

ويحتمل وجوب مهر المثل البطلان العقد، فيبطل ما تضمنه من المهر، والموجب له حينئذ هو وطء الشبهة وعوضه مهر المثل؛ لأنّ المعتبر في المتلفات المالية وما في حكمها

هو قيمة المثل، وقيمة منافع البضع هو مهر المثل. وهذا هو الأقوى.

هذا إذا كان مهر المثل أقل من المسمّى أو مساوياً له. أما لو كان أزيد منه احتمل أن لا يكون لها سوى المسمّى؛ لقدومها على الرضى عن البضع بالأقلّ، فلا يلزمه الزائد، وثبوت مهر المثل مطلقاً؛ لأنّ ذلك هو المعتبر في قيمته شرعاً، ورضاها بدون وجه شرعي لا عبرة .به. وهذا هو المعتمد.

وإن كذبته الزوجة لم تقبل دعواه في حقها إلا ببيتة، فإن أقامها حكم بالبطلان أيضاً. وكان الحكم كما لو صدقته. وإن عدم البيّنة وكان ذلك قبل الدخول حكم بتحريمها عليه؛ عملاً بمقتضى إقراره، ولكن لا يقبل في حقها، بل يلزمه لها نصف المهر على القول المشهور؛ لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق والأقوى الجميع؛ لوجوبه بالعقد.

وتشطيره بالطلاق لا يقتضي الحاق غيره به؛ لبطلان القياس لكن له إحلافها إن ادعى

ص: 260


1- تقدم تخريجه في ص 105، الهامش 3.
2- المبسوط، ج 4، ص 357.

. ولو قالت المرأة ذلك بعد العقد لم تقبل دعواها في حقه إلا ببينة. ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.

عليها العلم، فإن نكلت فحلف هو فالحكم كما لو صدقته. ولو كان ذلك بعد الدخول لزمه جميع المهر مطلقاً.

ثم على تقدير تصديقها له يبطل العقد ظاهراً، ويصح لكلّ منهما التزويج، كما لو لم يكن العقد واقعاً.

وعلى تقدير تكذيبها له لا يصح لها التزويج بغيره وإن حكم عليه بالتحريم أو أقام بيّنةً بدعواه؛ لأنّ البينة لا تثبت الحكم في نفس الأمر، فإذا أكذبتها(1) لزمها حكم التكذيب. ويجوز له حينئذٍ أن يتزوج بغيرها، ولايجوز لها التزويج بغيره، ولا غيره مما يتوقف(2)، على إذن الزوج بدونه.

وإن لم تكذبه ولم تصدقه بل احتملت الأمرين حكم عليها بما يقتضيه ظاهر الشرع من التحريم بإقراره.

قوله: «ولو قالت المرأة ذلك بعد العقد - إلى قوله - حكم عليها بظاهر الإقرار».

لو كان المدعي للرضاع المحرّم هو المرأة، فإن كان قبل التزويج حكم عليها بظاهر الإقرار، وحكم بتحريم نكاحه وهو واضح. وإن كان بعده فلا يخلو أيضاً، إما أن يكون قبل الدخول، أو بعده. ثمّ إمّا أن يصادقها الزوج، أو لا . ثمّ إمّا أن تكون لها بينة، أو لا. فإن كان قبل الدخول وصادقها انفسخ العقد، ولا شيء عليه.

وإن كذبها لم تقبل دعواها في حقه، وله المطالبة بحقوق الزوجية، وليس له-ا الامتناع، ولكن ليس لها ابتداؤه بالاستمتاع؛ لأنه محرم بزعمها، ولا مهر لها؛ لفساده بزعمها.

ويجب عليها أن تفتدي نفسها منه بما أمكنها، والتخلّص من الاستمتاع بكل ممكن.

ص: 261


1- في حاشية «م»: «أي إذا أكذبت المرأة إقرار الزوج وبينته لزمها حكم التكذيب، يعني بقاء الزوجية بزعمها،فلايجوز لها التزويج بغيرها.
2- في بعض النسخ: «ولا عبرة بما يتوقف» بدل «ولا غيره مما يتوقف».
8- الثامنة: لاتقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلةً؛

لتحقق الخلاف في الشرائط المحرّمة، واحتمال أن يكون الشاهد استند إلى عقيدته.

وإن كان بعد الدخول وصدقها الزوج انفسخ العقد أيضاً. ثم إن ادعت سبق العلم على الوطء فلا شيء لها؛ لأنّها بغي. وإن ادعت لحوقه له بخبر من يقبل قوله فلها المسمّى أو مهر

المثل على الخلاف السابق. والأقوى أقل الأمرين؛ لأنّ المسمّى إن كان أقلّ فلا تستحق ظاهراً غيره، ولا يقبل قولها في استحقاق الزائد، وإن كان مهر المثل أقلّ فلا تستحق بدعواها غيره؛ لدعواها أن الوطء لشبهة لا بعقد.

ولو كذبها فالحكم في المهر كذلك. وفي العقد لا يقبل منها إلا بالبينة، ولكن لها إحلافه على نفي العلم إن ادعته عليه، فإن حلف اندفعت دعواها ظاهراً وبقي النكاح، وعليها فيما بينها وبين الله تعالى التخلّص بحسب الإمكان كما مرّ. وإن نكل ردّت اليمين عليها، فتحلف على البت؛ لأنه حلف على إثبات فعل، فإذا حل حكم بالفرقة، ووجب بالدخول ما مرّ.

وإن نكلت أو نكلا بقي النكاح ظاهراً. وحيث يبقى ليس لها المطالبة بحقوق الزوجية مطلقاً ، أما الاستمتاع ؛ فلتحريمه بزعمها ، وأما النفقة ؛ فلعدم استحقاقها لها بدعواها، وإن جاز لها أخذها لو بذلها . وحبسها لأجله لايقتضي إيجاب النفقة مع عدم الزوجية التى تزعمها. قوله: «لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلةٌ؛ لتحقق الخلاف - إلى قوله - الشاهد استند إلى عقيدته».

قد عرفت أن الخلاف واقع فى القدر المعتبر من الرضاع في التحريم كمّيّةً وكيفية؛ فإنّ منهم من يحرّم بقليله وكثيره، ومنهم من لا يعتبر عشر رضعات، ومنهم من يعتبر خمس عشرة. ومن غير أصحابنا من يعتبر خمساً، وثلاثاً، وواحدةً، وما يفطر الصائم. ومن أصحابنا من لا يعتبر الحولين، ومنهم من لا يعتبر الولادة، ومنهم من يكتفي بوجور اللبن في حلقه من

ص: 262

غير رضاع. وكذا الخلاف فيها عند غيرنا، إلى غير ذلك من الخلاف الواقع فيه(1). وإذا كان كذلك لم تكف شهادة الشاهد أنّ بين فلان وفلانة رضاعاً محرماً، أو أنّ فلاناً رضع من فلانة رضاعاً محرماً، ونحو ذلك؛ لجواز أن يستند الشاهد إلى ما يعتقد أنّه محرّم، وهو عند الحاكم غير محرم. فلابد من التفصيل بأن يشهد أنّ فلاناً ارتضع من ثدي فلانة، من لبن الولادة أو الحمل، المستند إلى النكاح الصحيح، خمس عشرة رضعة تامات، في الحولين، من غير أن يفصل بينها برضاع أخرى.

وبالجملة لابد من التعرّض لجميع الشرائط المعتبرة عند الحاكم الذي يشهدان عنده ليعمل باجتهاده.

وهل يشترط أن يضيف إلى ما ذكر وصول اللبن إلى جوفه؟ قولان أجودهما العدم، لأنّ الشهادة بالرضاع تقتضي ذلك.

ولا خلاف بين العلماء في كيفية الوصول إلى الجوف بعد أن يكون الرضاع من الثدي، فيكفي فيه إطلاق الشهادة. نعم لا يكفى حكاية القرائن بأن يقول: رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرّك؛ لأنّ حكاية ذلك لا تعد شهادةً، بل إن علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن إلى جوفه بالقرائن المفيدة له يشهد بحصوله على الوجه المفصل. واعلم أنّ ما ذكر من اعتبار التفصيل يتمّ مع اختلاف مذهب الشاهد لمذهب الحاكم في الشرائط أو احتمال الاختلاف أمّا مع العلم باتفاقهما على الشرائط - كما لو كان الشاهد مقلّداً للحاكم فيها موثوقاً بمراعاة مذهبه - فالوجه عدم الافتقار إلى التفصيل وإن كان أحوط؛ خروجاً عن خلاف الأصحاب حيث أطلقوا اشتراطه ومثل هذا ما لو شهد الشاهدان بنجاسة الماء مع الاختلاف الواقع بين الفقهاء فيما به تحصل نجاسته.

ص: 263


1- قد تقدم نقل الأقوال في ص 205 وما بعدها.

. وأما إخبار الشاهد بالرضاع فيكفي مشاهدته ملتقماً ثدي المرأة، ماضاً له

على العادة حتى يصدر.

9- التاسعة: إذا تزوجت كبيرة بصغير ثمّ فسخت

إذا تزوجت كبيرة بصغير ثمّ فسخت؛ إما لعيب فيه؛ وإما لأنها كانت مملوكةً فأعتقت، أو لغير ذلك، ثم تزوّجت وأرضعته بلبنه حرمت على الزوج؛ لأنّها كانت حليلة ابنه، وعلى الصغير؛ لأنّها منكوحة أبيه.

هذا كله إذا كانت الشهادة على نفس الإرضاع. أما لو كانت على إقرار المقرّ به لم يعتبر التفصيل على الأقوى؛ لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1). وكذا نفس الإقرار، إلا أن يعلم استناده إلى مذهب يخالف مذهب السامع أو الحاكم.

قوله: «وأما إخبار الشاهد بالرضاع - إلى قوله - ماصاً له على العادة حتى يصدر». لمّا كان المعتبر في الشهادة وغيرها العلم بوقوع المشهود به، وكان وصول اللبن إلى الجوف أمراً باطنياً لا يدرك بالحس نبه على بيان ما به يصير معلوماً عنده؛ لتصح شهادته به وذلك بأن يشاهده ملتقماً لحلمة ثدي المرأة ماصاً له على العادة المفيدة لخروج اللبن من الثدي إلى الفم إلى أن يصدر.

ولا بد مع ذلك من العلم بكون المرأة ذات لبن، فلو لم يعلم ذلك لم يصر شاهداً بالامتصاص المذكور؛ لأصالة العدم. واكتفى المصنف عن اعتباره بقوله: «ماصاً له على العادة حتى يصدر لاستلزامه كونها ذات لبن. وإنّما اعتبر مع الامتصاص مشاهدته ملتقماً الحلمة ثدي المرأة؛ لاحتمال امتصاصه غيرها كإصبعها. وكذا لا يكفي(2) التقام الثدي من غير امتصاص؛ لإمكان أن يلتقمه ولايرتضع.

قوله: «إذا تزوجت كبيرة بصغير ثمّ فسخت - إلى قوله - لأنها منكوحة أبيه». إذا تزوجت الكبيرة بالصغير بأن عقد عليها وليه الإجباري ثم فارقته بالفسخ لعيب، أو

ص: 264


1- تقدّم تخريجه في ص 105، الهامش 3.
2- في بعض النسخ: لايعتبر» وفي بعضها: «لا يغني بدل لايكفي».
10-العاشرة: لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة

لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، ثمّ أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ نكاحهما؛ لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عمّ لزوجته، وإمّا خال. وإن كان أنثى فقد صارت إمّا عمّةً وإمّا خالةً. لعتقها، أو لكون وليه نسبه إلى قبيلة فبان من غيرها، أو لكون وليه زوجه أمةٌ وكان عبداً، أو جوزنا نكاح الأمة للحرّ بدون الشرطين، ثمّ زوجه حرّةً جاهلة بالأمة، ثم علمت الحرّة ففسخت عقدها ، أو لغير ذلك. ثم تزوّجت الكبيرة وأرضعت الأوّل بلبن الثاني حرمت عليهما، أما على الصغير فلأنها أُمه(1) ومنكوحة أبيه، ولم يعلّل المصنّف بالبنوة وهي أقرب.

وأما على الكبير؛ فلأنّها حليلة ابنه من الرضاع. ولو تزوّجت بالكبير أولاً ثمّ طلّقها، ثم تزوجت بالصغير، ثمّ أرضعته بلبن الأوّل فالحكم كذلك.

والفرض فيه أسهل والكلام في المهر هنا على ما سبق.

قوله: «لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه - إلى قوله - فقد صارت إمّا عمّةً وإمّا خالةٌ». إذا زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، فأرضعتهما جدّتهما صار المرتضع ولد الجدة بعد أن كان ولد ولدها، فينشر التحريم بينه وبين الآخر؛ لعلوّه بدرجة أوجبت العمومة أو الخؤولة. ووجه ذلك أنّ الجدة إن كانت جدتهما لأبيهما كما هو مقتضى العمومة - وكان المرتضع الذكر صار عماً لزوجته؛ لأنه صار أخا أبيها لأمه من الرضاع بعد أن كان ابن عمها

فحرمت عليه.

وإن كان المرتضع الأنثى صارت عمّةً لزوجها؛ لأنّها أُخت أبيه لأُمّه.

وإن كانت الجدة المرضعة جدتهما لأُمّهما، بأن كانا ولدي خالة أيضاً مضافاً إلى كونهما ولدي عم، فإن أرضعت الجدة الذكر صار خالاً لزوجته؛ لأنه صار أخا أُمها من الأُمّ، وإن أرضعت الأنثى صارت خالةٌ لزوجها؛ لأنّها أخت أمه من الرضاع.

ص: 265


1- في بعض النسخ: «فلانه ابنهاء بدل «فلأنّها أُمه».

فهذه صور المسألة فى فرض واحد وهو كون الولدين ولدا عمّ وولدا خالة، والجدة قد تكون لأبيهما وقد تكون لأمهما. ومن ثمّ أطلقها المصنّف ليشمل الأمرين؛ فإنه وإن اقتصر على فرض كونهما ولدي عمّ إلا أن فرض الجدة مطلقة بحيث يشمل كونها من أبيهما وأُمّهما يجوز كونهما ولدي خالة فتكون جدتهما المرضعة لأمهما.

وهذا أخصر ممّا فرضه الشيخ في المبسوط، حيث جعل فرض العمّ والعمة فيما لو تزوّج بنت عمه والمرضعة جدتهما لأبيهما، وفرض الخال والخالة فيما إذا تزوج ابنة عمته أو ابنة خالته؛ لأنه في صورة العمة إن أرضعت جدتهما الذكر صار خال زوجته؛ لأنّه أخو أُمها، وإن أرضعت الأنثى صارت عمته؛ لأنّها أُخت أبيه.

وفي الثانية بالعكس، إن كان المرتضع الذكر فهو خال؛ لأنّه أخو أُمها، وإن أرضعت الأنثى صارت خالته؛ لأنّها أُخت أُمّه. وكذا لو كانا ولدي خال(1).

والشهيد(رحمه الله) في بعض فوائده طبّق عبارة الكتاب على فرض المبسوط، فجعل الضمير المذكر المستتر في قوله «زوج ابنه» عائداً إلى الإنسان الشامل للذكر والأنثى وجعل «أخاه» أباً لابنة أعم من الذكر والأنثى أيضاً، بتكلف إرادة الشخص؛ فلذا جعله أخاً. ثم الولدان إما ذكران فهو إما عم أو عمة، أو أُنثيان أختان فهو خال أو خالة، أو أبو الصبي ذكر ووالد الصبية أنثى، أو بالعكس، فيحصل في أحدهما العمومة وفي الآخر الخؤولة. قال: وهذه الصور الأربع مذكورة هنا بالفعل، كما أفصح به في المبسوط(2).

والحامل له على هذا التكلّف أن يطابق عبارة الكتاب لفرض المبسوط. وهو حسن، وإن كان ما ذكرناه أوفق بالعبارة، وأظهر في المثال، ومحصلاً لمقصد المبسوط من كون المرتضع عماً أو عمّةً أو خالاً أو خالةً وإن لم يكن المثال واحداً. وما ذكره يفتقر إلى تكلف لا تقتضيه العبارة. والأمر سهل.

ص: 266


1- المبسوط ، ج 4، ص 360-361.
2- لم نعثر علیه.
السبب الثالث: المصاهرة
اشارة

. وهي تتحقق مع الوطء الصحيح. ويشكل مع الزنى والوطء بالشبهة والنظر واللمس فالبحث حينئذ في الأمور الأربعة:

أما النكاح فمن وطئ امرأةٌ بالعقد الصحيح أو الملك حرم على الواطئ أُمّ الموطوءة وإن علت، وبناتها وإن سفلن تقدمت ولادتهنّ أو تأخرت، ولو لم يكن في حجره.

وعلى الموطوءة أبو الواطئ وإن علا. وأولاده وإن سفلوا تحريماً مؤيّداً.

:قوله «السبب الثالث: المصاهرة».

المصاهرة علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة. ويلحق بالنكاح الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص. هذا هو المعروف من معناها لغةً وعرفاً. ولا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة والشبهة والزنى ونحوه إليها، وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه؛ فإنّ ذلك ليس من باب المصاهرة، بل من جهة ذلك الفعل، وإن جرت العادة بإلحاقه بالمصاهرة في بابها فإنّه من باب الاستتباع، وذلك خير من جعل المصاهرة منقولة عن معناها اللغوي إلى معنى أعم؛ مراعاة لإدراج هذه الأمور الموجبة للتحريم. قوله: «وهي تتحقق مع الوطء الصحيح - إلى قوله - حرم على الواطئ أم الموطوءة وإن علت.

في هذا إشارة إلى أن الزنى والوطء بالشبهة يلحقان بالمصاهرة، حيث يوجب بهما حرمة. واستشكاله من حيث إيجابهما الحرمة وعدمها، لا من حيث إلحاقهما بها. والأولى في إدخالهما في الباب أن يكون على وجه التكميل لأقسام المحرمات. وسيأتي الكلام فيما يشكل من أمرهما(1).

:قوله «وبناتها وإن سفلن - إلى قوله - وأولاده وإن سفلوا تحريماً مؤبداً».

ص: 267


1- سيأتي في ص 281 و 285 - 286.

• ولو تجرّد العقد من الوطء حرمت الزوجة على أبيه وولده، ولم تحرم بنت الزوجة عيناً بل جمعاً. ولو فارقها جاز له نكاح بنتها.

نبه بذلك على خلاف ما يتوهم من ظاهر الآية. حيث وصف الربائب المحرمات بكونهنّ في الحجر(1)، وقد أجمع علماء الإسلام إلا من شدّ منهم(2) على أن هذا الوصف غير معتبر، وأنه جرى على الغالب من كون بنات الزوجة في حجر الزوج. وأيضاً فمفهوم الوصف ضعيف على ما بيّن في الأصول(3).

والأخبار متظافرة من الجانبين على تحريمهنّ(4)، سواء كنّ في الحجر أم لم يكن، وإن الوصف للتعريف لا للتخصيص. قوله: «ولو تجرّد العقد من الوطء حرمت الزوجة على أبيه وولده، ولم تحرم بنت الزوجة عيناً بل جمعاً إلى آخره.

أما تحريمها على أبيه بمجرد العقد؛ فلعموم قوله تعالى: (وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُم)(5)، الشامل للمدخول بهنّ وغيرهنّ، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ابْآؤُكُم)(6)، والنكاح حقيقة في العقد كما تقدم(7).

ولو قيل: إنه حقيقة في الوطء أو مشترك فالآية الأولى كافية؛ إذ لا قائل بالفرق.

وأمّا عدم تحريم بنت الزوجة بدون الدخول بالأم؛ فلقوله تعالى: ﴿وَرَبَبُكُمُ الَّتِي فِي

ص: 268


1- النساء .(4) 23.
2- حكاه عن بعض السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 1، ص 392.
3- راجع الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 1، ص 392 و 394؛ ونهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 331 - :332 ومبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 100 - 101.
4- راجع الفقيه،ج ،ص 415، ح 4451: وتهذيب الأحكام،ج 7،ص273،ح 1165 و 1166؛ والاستبصار، ج 3. ص 156،ح 569، وص 157،ح 570: وصحيح البخاري، ج 5، ص 1964، ح 4817، وص 1965، ح 4818.
5- النساء (4): 23.
6- النساء (4) 22.
7- تقدم في ص 17.

• وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان، أشهرهما أنها تحرم.

حُجُورِكُم مِّن نِّسَايِكُمُ الَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)(1) وهو نص في الباب.

قوله: «وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان، أشهرهما أنها تحرم». أكثر علماء الإسلام على أن تحريم أُمهات النساء ليس مشروطاً بالدخول بالنساء؛ لقوله

:تعالى: (وَأُمَّهَنتُ نِسَآبِكُمْ)، الشامل للمدخول بهنّ وغيره.

قال ابن عباس في هذه الآية أبهموا ما أبهم الله(2)، يعني عمموا حيث عم. بخلاف

الربائب: فإنّه قيدهن بالدخول بأمهنّ، فيتقيدن. والأخبار الواردة في ذلك كثيرة أيضاً(3). وقال ابن أبي عقيل منّا(4) وبعض العامة: لا تحرم الأمّهات إلا مع الدخول ببناتهنّ كالبنات(5). وجعلوا الدخول المعتبر في الآية متعلّقاً بالمعطوف والمعطوف عليه جميعاً. ولصحيحة جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن الصادق علیه السلام قال: «الأُمّ والبنت سواء إذا لم يدخل بها. يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوّج أُمّها وإن شاء ابنتها»(6).

وفي معناها أخبار أُخر(7).

ص: 269


1- النساء (4): 23.
2- حكاه عن ابن عباس الزمخشري في الكشاف، ج 1، ص 495،ذيل الآية 23 من سورة النساء (4).
3- وسائل الشيعة،ج 20، ص 458 - 459، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة،ح،3 و 4 و 5، وص 463 - 464. الباب 20 من تلك الأبواب،ح3، 4 و 6.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 48 - 49، المسألة 13: وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد،ج3،ص 66.
5- راجع أحكام القرآن، ابن العربي، ج 1، ص 426، ذيل الآية 23 من سورة النساء (4): والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 472. المسألة 5348.
6- الكافي، ج 5، ص 421-422، باب الرجل يتزوج المرأة فيطلقها، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 273-274؛ح، 1168؛ الاستبصار،ج3، ص 157،ح 572.
7- الفقيه،ج3، ص414، ح 4450؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 275،ح 1170؛ الاستبصار،ج3، ص 158،ح 574.

وأُجيب عن الاحتجاج بالآية بأنّها لاتدلّ على مطلوبهم من وجهين: أحدهما: أن الوصف والشرط والاستثناء المتعقب للجمل يعود إلى الأخيرة خاصة، كما حقّق في الأصول(1)، إلا مع القرينة الدالة على رجوعه إلى الجميع، وهي هنا منتفية، بل دالة على الرجوع إلى الأخيرة زيادة عمّا يدلّ عليه الإطلاق؛ فإنَّه قال: (مِن نِسَآبِكُمُ الَّتِي دَخَلْتُم)(2). والربائب من النساء يصح أن يرجع إليهن؛ لأنه شرط أن يكن من النساء، وأُمهات نسائنا لسن من نسائنا، بل نساؤنا منهنّ(3).

الثاني: أنّ رجوع من نسائكم إليهما لايستقيم؛ لأنك إن علّقت «من» في قوله تعالى: (من نِسَآبِكُمْ) ب- «نسائكم» في قوله تعالى: (وَأُمَّهَتُ نِسَآبِكُمْ) كانت لبيان الجنس، وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ، والتقدير: وأمهات نسائكم وهنّ نساؤكم اللاتي دخلتم بهنّ». وإن علقتها ب- ربائبكم من قوله تعالى: (وَرَبِّبُكُمُ الَّتِي فِي حُجُورِكُم ) كانت «من» لابتداء الغاية، كما تقول: بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة. ويمتنع أن یعنى بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان.

فإن قيل : تعلّق الجارّ بهما، ويجعل معناه مجرّد الاتصال على حد قوله تعالى: الْمُتَنفِقُونَ وَالْمُنَفِقَتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ)(4). ولا ريب أنّ أُمّهات النساء متصلات بالنساء:

لأنهنّ أُمهاتهنّ، كما أنّ الربائب متصلات بأمهاتهنّ؛ لأنّهنّ بناتهنّ.

قلنا في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر من غير ضرورة وآية المنافقين لا تحتمل غير ذلك. هذا خلاصة ما حققه في الكشافه(5).

ص: 270


1- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 2، ص 261 و 280؛ ومبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 136 و 138 - 139.
2- النساء (4): 23.
3- هذا الجواب من العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 52 المسألة 13.
4- التوبة (9): 67.
5- الكشاف،ج1،ص 495494، ذيل الآية 23 من سورة النساء (4).

. ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرّد الملك، ولا مملوكة الابن على الأب.

ولو وطئ أحدهما مملوكته حرمت على الآخر. ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك. ويجوز للأب أن يقوّم مملوكة ابنه إذا كان صغيراً، ثمّ يطؤها بالملك.

وأما الأخبار فقد أجاب الشيخ عنها بأنها مخالفة لكتاب الله تعالى(1)، كما بيناه، والأخبار المخالفة لها موافقة له، فتكون أرجح. وأيضاً فإنّ الخبر الصحيح المذكور مضطرب الإسناد؛ لأنّ الأصل فيه جميل وحمّاد بن عثمان، وهما تارةً يرويانه عن الصادق علیه السلام، بلا واسطة(2).

الا وأخرى يرويانه عن الحلبي عنه علیه السلام(3)، وتارة يرويه جميل مرسلاً عن بعض أصحابه عن أحدهما علیهماالسلام(4). واضطراب السند يلحق الحديث الصحيح بالضعيف، كما حقق في دراية الحديث. وكيف كان فالمذهب القول بالتحريم مطلقاً. قوله: «ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك - إلى قوله حرمت على الآخر». أمّا عدم التحريم بمجرّد الملك فظاهر؛ لأنّ المحرمات معدودات، وليست إحداهن مملوكة أحدهما. وأما مع الدخول؛ فلدخولها في عموم قوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)(5) إن جعلنا النكاح حقيقة في الوطء، وقوله: (وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُمْ)(6) فَإنّ الحليلة فعيلة بمعنى المفعول، والمراد بها المحلّلة له وهي شاملة للزوجة والمملوكة. ومع تحريمها بالوطء لايمنع ذلك من تملك الآخر لها؛ إذ لامنافاة بين تحريم الوطء وثبوت الملك، فينتفع بها في غير الوطء.

قوله: «ولايجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر - إلى قوله - ثمّ يطؤها بالملك».

ص: 271


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 275، ذيل الحديث 1169؛ الاستبصار، ج 3، ص 158، ذيل الحديث 573.
2- تقدّم في ص 269.
3- الكافي،ج 7، ص 281، باب الدية في قتل العمد والخطا...،ح 5.
4- كتاب النوادر أحمدبن محمدبن عيسى، ص 100،ح،.241.
5- النساء (4): 22 و 23.
6- النساء (4): 22 و 23.

. ولو بادر أحدهما فوطئ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانياً، لكن لا حدّ على الأب، وعلى الابن الحدّ. ولو كان هناك شبهة سقط الحدّ.

أما تحريم تصرّف كلّ منهما في ملك الآخر بغير إذنه؛ فلقبحه عقلاً، وعموم: «المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه(1) الشامل للأب والابن، وهو يتناول وطء المملوكة وغيره التصرفات. وقوله «إلّا بعقد أو ملك» شامل للتحليل؛ لأنه منحصر في أحدهما على ما سيأتي(2). ومن جمع بينه وبينهما؛ فلوقوع الخلاف في كونه من أيهما، فربّما لم ينتقل الذهن منهما إليه، وهو نكتة عطف الخاص على العام لمن عبّر بذلك.

ويجوز للأب تقويم أمة الصغير على نفسه بأن يتملّكها بعقد شرعى مملك لا بمجرد التقويم؛ إذ لا ينتقل الملك به، وبدون الانتقال لا يباح الوطء. ولا يشترط وجود المصلحة في ذلك للابن للعموم المستفاد من روايات كثيرة:

منها: صحيحة أبي الصباح عن أبي عبد الله في الرجل يكون لبعض ولده جارية،

الله وولده صغار حينئذ، هل يصلح أن يطأها؟ فقال: «يقومها قيمة عدل ثم يأخذها، ويكون لولده عليه ثمنها(3).

وفي تعدّي الحكم إلى الجد وجهان، أجودهما ذلك؛ لاشتراكهما في المعنى. ولا فرق بين كون الأب مليّاً وعدمه.

قوله: «ولو بادر أحدهما فوطئ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانياً - إلى قوله - سقط الحد».

لاخلاف فی تحقّق الزنی من الجانبین؛ لکونه وطئاً لمحرّم بالاصل، وانّماالکلام فی

ص: 272


1- مسند أحمد، ج 4، ص 546-547 ،ح 15589؛ صحیح مسلم،ج4، ص1986،ح 2564/32؛ سنن ابن ماجة،ج2،ص 1298،ح،3933.
2- يأتي في ص 529.
3- لكافي، ج 5، ص 471، باب الرجل تكون لولده الجارية...،ح،2: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 271، ح 1163:وج 8 ص 204،ح720؛ الاستبصار،ج3، ص 154،ح، 563.

ولو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة عتق ولا قيمة على الابن. ولو حملت مملوكة الابن من الأب لم ينعتق وعلى الأب فكه إلا أن يكون أُنثى.

ولو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد لسبق الحلّ. وقيل: تحرم؛ لأنّها منكوحة الأب، ويلزم الأب مهرها. ولو عاودها الولد، فإن قلنا: الوطء بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران وإن قلنا لا يحرم - وهو الصحيح - فلا مهر سوى الأوّل.

تحريمها بذلك على الآخر، ولم يتعرض له المصنف؛ ولعله اكتفى بذكره في مطلق الزنى فيما سيأتي(1).

وإنما يثبت الحدّ على الولد مع عدم الشبهة، وإلا سقط عنه الحدّ أيضاً. والفرق بين الأب والابن - بعد النص(2) - أنّ الأب أصل له فلا يناسبه إثبات العقوبة عليه، بخلاف العكس.

قوله: «ولو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة عتق - إلى قوله - فكه إلا أن يكون أُنثى». إنّما عتق الأوّل؛ لأنّ ولد المملوكة وإن لحق بأبيه لكن جدّه مالك الجارية؛ ولهذا يقوّم ويدفع إليه القيمة لو لم يعتق وولد الولد يعتق على الجد ولا قيمة على الابن؛ لأن العتق ثبت على الأب من حين الولادة بخلاف ما لو حملت مملوكة الابن من الأب؛ لأنّ المالك الابن، وهو أخوه، والأخ لايعتق على الأخ، وعلى الأب فكه بقيمته. نعم، لو كان أُنثى عتقت على أخيها ولا قيمة على الأب. قوله: «ولو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد لسبق الحلّ» إلى آخره. سيأتي إن شاء الله تعالى أن المختار أنّ وطء الشبهة لايحرم لاحقاً(3)، وهذا منه والنكاح

ص: 273


1- سيأتي في ص 281.
2- لم نعثر على النصّ، وللمزيد راجع جامع المقاصد،ج12، ص،303؛ وجواهر الکلام،ج 29، ص 355.
3- يأتي في ص 286.

ومن توابع المصاهرة:

• تحريم أُخت الزوجة جمعاً لا عيناً. وبنت أخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضى الزوجة. ولو أذنت صح. وله إدخال العمة والخالة على بنت أخيها وأختها، ولو كره المدخول عليها.

في الآية(1) مختص بالعقد أو مشترك، فلا حجّة فيها. وعلى هذا فلا تحرم على الابن. ويتفرع على الخلاف ما لو وطئها الابن ثانياً، فإن قلنا بتحريمها عليه وكانا عالمين فهو زان، ولا مهر لها سوى الأول.

وإن كانا جاهلين بالتحريم، أو هي جاهلة فلها بهذا الوطء مهر المثل، كغيره من وطء الشبهة، فيجتمع لها على الولد مهران: المسمّى الأول، ومهر المثل. ولها أيضاً على أبيه المثل لوطء الشبهة.

قوله: «تحريم أخت الزوجة جمعاً لا عيناً».

إنما جعل هذه من توابع المصاهرة من حيث عدم التحريم العيني بل الجمعي خاصة. وعلى تحريم الجمع بين الأختين إجماع المسلمين، والكتاب صريح فيه(2)، والسنة به واردة(3). ولافرق بين كون الجمع بنكاح دائم ومنقطع، ولا بين كونه قد دخل بالأولى وعدمه، ولا بين كون الأخت لأب وأم أو لأحدهما. ولا يلحق بالأُخت أُخت الأُخت حيث لاتكون أختاً ، كما لو كانت أخت الأمّ أختها للأب(4)، أو بالعكس.

قوله: «وبنت أخت الزوجة وبنت أخيها - إلى قوله - ولو كره المدخول عليها». أجمع علماء الإسلام غير الإمامية على تحريم الجمع بين العمة والخالة وبين بنت أخيها وأختها في النكاح مطلقاً؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمّتها، ولا بين المرأة وخالتها»(5).

ص: 274


1- النساء (4): 22.
2- النساء (4): 23.
3- راجع وسائل الشيعة،ج20، ص 480476، الأبواب 24 - 27 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- في غير نسخة «و»:«أُختاً لأُمّ أُختها للأب».
5- صحيح البخاري،ج 5، ص 1965،ح4820؛ صحيح مسلم،ج 2، ص 1028،ح 1408/33؛ سنن النسائي،ج 6، ص 95،ح، 3285.

والضابط عندهم تحريم الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكراً لحرم عليه نكاح الأخرى. وهذا ضابط حسن؛ لأنه يدخل فيه الجمع بين الأُختين، وبين البنت وأمها وإن علت، وبنتها وإن سفلت. ويبقى الكلام في الجمع بين العمة مع بنت الأخ، أو الخالة مع بنت الأخت. وأما أصحابنا فقد اختلفوا فيه بسبب اختلاف الروايات ظاهراً، فالمشهور بينهم - حتى

كاد أن يكون إجماعاً، بل ادعاه في التذكرة(1) - جوازه لكن بشرط رضى العمة والخالة. أما الجواز في الجملة فلعموم قوله تعالى:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(2) بعد أن عدد المحرمات عيناً وجمعاً ولم يذكر هاتين.

وروى عليّ بن جعفر قال: سألت أخي موسى عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها، قال: «لا بأس؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ»(3).

وأمّا اشتراط رضى العمّة والخالة فلصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام قال: لا تزوّج ابنة الأخت على خالتها إلا بإذنها، وتزوّج الخالة على ابنة الأخت بغير إذنها»(4). وعن محمد بن مسلم عنه أيضاً، قال: «لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأُخت على العمة ولا على الخالة بغير إذنهما، وتتزوّج الخالة والعمة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما»(5). والتقييد بعدم الإذن يعطي التسويغ معه.

ص: 275


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 638 (الطبعة الحجرية).
2- النساء (4): 24.
3- لم نعثر عليه في المصادر الروائية، نعم أورده العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 77، المسألة 30.
4- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 332،ح 1365؛ الاستبصار،ج3، ص 177،ح 642.
5- هكذا في إحدى الحجريتين، وفي الأخرى منهما، والنسخ الخطيّة: «لا تزوّج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما». ولم يرد الشق الأول من الحديث أصلاً؛ كما أورده المحقق الكركي في جامع المقاصد ج 12، ص 341؛ وفي جواهر الکلام، ج 29، ص 358 رواها كذلك عن المسالك، ونسبه إلى الوهم؛ وروى الخبر بعين ما في المتن من الكافي، ج 5، ص 424، باب المرأة تزوّج على عمتها أو خالتها،ح 1؛ وبتفاوت يسير رواها الصدوق في الفقيه، ج 3، ص 412،ح 4441.

وفي حديث عليّ بن جعفر - السابق - وقال: «تزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضى منهما، فمن فعل فنكاحه باطل»(1).

وفي مقابلة المشهور قولان نادران أحدهما:

جواز الجمع مطلقاً، ذهب إليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد على الظاهر من كلامهما لا الصريح(2)، ولكن الأصحاب فهموا منهما ذلك.

وعندي في فهمه نظر؛ لأنهما أطلقا القول بالجواز واستدلا بالآية، وهو مذهب الأصحاب، وإنّما الكلام في أمر آخر، وهو غير منافٍ لما أطلقاء. مع أن ابن الجنيد قال عقيب ذلك: وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر وموسى بن جعفر. وعادته في كتابه أن يعد قول الأئمة علیهم السلام كذلك مع اختياره له وحجتهما الآية والخبر السابق عن الكاظم الدالان على الحلّ.

الهلال وجوابه أنّهما مطلقان والأخبار الأُخر مقيّدة، فيجب الجمع بحمل المطلق على المقيد. لكن هذا الجواب إنّما يتمّ على القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وفيه خلاف في الأصول. والمعتمد جوازه.

والقول الثاني للصدوق في المقنع بالمنع مطلقاً(3).

وحجته الأخبار المطلقة كذلك. وقد سبق منها الخبر النبويّ(4) . وروى أبو الصباح الكناني في الصحيح - عن الصادق علیه السلام قال: «لا يحلّ أن يجمع بين المرأة وعمّتها ولا بين المرأة وخالتها»(5). و - في الصحيح - عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام، يقول:

ص: 276


1- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 333،ح 1368؛ الاستبصار،ج3، ص 178177،ح 645.
2- راجع ما حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 7877، المسألة 30.
3- المقنع، ص 328.
4- سبق تخريجه في ص 274، الهامش 5.
5- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 332، ح 1366؛ الاستبصار،ج3، ص 177،ح 643.

لاتنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على أُختها من الرضاعة»(1). وروى السكوني عنه علیه السلام: «أن علياً علیه السلام، أتي برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده وفرّق بينهما»(2). وأجيب(3) بأنّها مطلقة وتلك مقيّدة، فيجب الجمع بحمل المطلق على المقيد.

وجلد علي علیه السلام، الرجل جاز أن يكون لإدخال الصغيرة بغير إذن الكبيرة، كما هو الظاهر. إذا تقرر ذلك فنقول: إذا أدخل العمة والخالة على بنت الأخ والأخت صح، وإن لم ترض

المدخول عليها وقد علمت بذلك. ولكن يشترط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجة وإلا لم يصح. والمصنف أطلق الجواز، وهو محمول على رضى الداخلة. ثمّ على تقدير جهلها بالحال هل يقع العقد باطلاً، أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها، أم عقدها وعقد المدخول عليها ؟ أوجه ، أوجهها الوسط؛ لأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها فلا وجه لإبطاله بدونه. وعقد السابقة قد حكم بصحته ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب.

والحق في ذلك للداخلة، فتتخيّر في عقد نفسها بين فسخه والرضى بمصاحبة المدخول عليها. وكون رضاها شرطاً في صحة الجمع لا يدلّ على أزيد من ذلك؛ لأنّ العقد حينئذ لايقصر عن عقد الفضولي، وسيأتى تحقيقه(4). واعلم أن قوله بنت أخت الزوجة» إلى آخره يقتضى كون الحكم مختصاً بالجمع بينهما بالعقد، فلا يحرم الجمع في الوطء بملك اليمين. وأكثر الأخبار السابقة يدلّ عليه، حيث عبّر ب«التزويج»، وفي بعضها التعبير ب«النكاح»، وهو محمول على العقد؛ لما تقدم من أنّ-ه حقيقة فيه، وعلى تقدير الاشتراك فقرينة العقد ظاهرة؛ لأنّ المملوكة ليست أهلاً للإذن، ولا للسلطنة على النكاح، وهذا هو الأقوى.

ص: 277


1- الكافي، ج 5، ص 445 - 446، باب نوادر الرضاع، ح 11؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص 333، ح 1369.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 332-333، ح 1367؛ الاستبصار، ج 3، ص 177، ح 644.
3- المجيب هو الشهيد في غاية المراد،ج3، ص130(ضمن موسوعة الشهيد الأول،ج 3).
4- يأتي في ص 280 - 281.

ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلاً. وقيل: كان للعمة والخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه، أو فسخ عقدهما بغير طلاق، والاعتزال. والأوّل أصح.

وفي حكمه ما لو كانت العمة والخالة أمتين، وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت حرتين، بل هنا أولى بالجواز. ولو انعكس الفرض فكذلك.

ولو كانت الكبيرة حرّةً وأدخل عليها الصغيرة بالملك ففي التحريم نظر يعلم مما سبق وأولى بالمنع هنا؛ لأنّ توقف إدخال الحرّة الصغيرة بالعقد على السابقة يقتضي توقفها لو

كانت أمةٌ بطريق أولى؛ لما فيه من زيادة امتهان الكبيرة بالأمة عادةً.

ويمكن منع الأولوية من حيث عدم استحقاق الأمة للاستمتاع وللتوقف مجال. وهل يفرّق في العمّة والخالة بين الدنيا والعليا؟ وجهان من إطلاقهما عليهما، فتدخل في العموم، ومن الشكّ في كونه بطريق الحقيقة؛ لصحة السلب. ولا ريب أن الاحتياط بالعموم أنسب؛ لاشتراكهما في العلة الموجبة للحكم.

قوله: «ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة - إلى قوله - والأول أصح». إذا تزوج العمة أو الخالة أولاً، ثمّ عقد على بنت الأخ أو الأُخت، فإن كان بإذن الأوليين

فلا .بحث وإن كان بغير إذنهما ففيه أقوال:

أحدها: بطلان عقد الداخلة من غير أن يتأثر عقد الأولى. وهذا هو الذي اختاره المصنف. أما بقاء عقدها على حاله في اللزوم فلانعقاده لازماً فيستصحب؛ إذ لم يقع بعده ما يوجب تأثره، وإنّما المنهى عنه هو الطارئ، فيكون البحث فيه.

وأما بطلان عقد الداخلة؛ فللنهي عنه في الأخبار السابقة المقتضي للفساد، وللتصريح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام، حيث قال: فمن فعل فنكاحه «باطل»(1)، ولأنّ رضى العمّة والخالة شرط في صحة العقد؛ لأن قوله علیه السلام: «لا تتزوج ابنة الأخت على خالتها

ص: 278


1- تقدّم تخريجها في ص 276، الهامش1.

إلا بإذنها»(1) يقتضي النهي إلا مع مصاحبته للإذن أو التصاقه به، فيجب حصوله وقت التزويج. وفيه نظر؛ لأنّ النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات، كما حقق في الأصول(2). والخبر المصرح بالبطلان، فيه أوّلاً منع صحة السند؛ لأنّ في طريقه بنان بن محمد وحاله مجهول، ودعوى صحته غير مسلّمة(3). ومع تسليمه يمكن حمله على البطلان مع كراهتهما لذلك؛ جمعاً بين الأدلة ونمنع شرطية الرضى في صحة العقد، والأخبار لا تدلّ عليه؛ لما عرفت من أنّ النهي لايدلّ على الفساد. ودلالتها على اعتبار مصاحبته للإذن في وقوعه لازماً أو غير منهى عنه، لا مطلقاً.

فإن قيل: النهي في المعاملات وإن لم يدلّ على الفساد بنفسه، لكنّه إذا دلّ على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دالّ على الفساد من هذه الجهة، كالنهي عن ، نكاح الأُخت والعمّة والخالة، وكما في النهي عن بيع الغرر(4). والنهي في محلّ النزاع من هذا القبيل. قلنا: لا نسلّم دلالته هنا على عدم صلاحيّة المعقود عليها للنكاح؛ فإنّها عند الخصم صالحة له؛ ولهذا صلحت مع الإذن، بخلاف الأخت وبيع الغرر، فإنّهما لا يصلحان أصلاً. وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت - لا تقدح؛ لأنها حينئذ ليست أُختاً للزوجة، بخلاف بنت الأخت ونحوها؛ فإنّها صالحة للزوجية مع كونها بنت أخت للزوجة. والأخبار دلّت على النهي عن تزويجها(5)، وقد عرفت أنه لا يدلّ على الفساد، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت النداء، لا لذاته، والعارض هو عدم رضى الكبيرة، فإذا لحقه الرضى زال النهي.

ص: 279


1- تقدّم تخريجها في ص 275 الهامش 4.
2- راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول،ج 2، ص 88 وتهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 121_122.
3- في حاشية «و»: «أشار بذلك إلى دعوى بعض الأصحاب منهم الشيخ علي (رحمه الله) على صحة الخبر(منه رحمه الله).
4- عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج 2، ص 050 ح 168.
5- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 332،ح 1365، وص333،ح 1368.

الثاني: تزلزل العقدين السابق والطارئ. وهذا هو الذي حكاه المصنف قولاً واقتصر عليه. وهو مذهب الشيخين(1) وأتباعهما(2)؛ لوقوع العقدين صحيحين، أما الأوّل فظاهر. وأمّا الثاني؛ فلأنه صدر من أهله في محله جامعاً لشرائطه، فلا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية، كغيره من العقود الموقوفة على رضى الغير. وإذا وقع صحيحاً كانت نسبة العقدين إلى العمّة والخالة على السواء. ولمّا كان الجمع موقوفاً على رضاهما تخيّرا في رفع الجمع بما شاء من فسخ عقدهما وعقد الداخلة.

وفيه نظر؛ لأنّ العقد الأوّل لازم بالأصل، والأصل يقتضي بقاءه على اللزوم إلى أن يثبت المزيل، وما ذكر لا يصلح له؛ لأن رفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطارئ، وهو متعلق الرضى. ورفع الجمع وإن كان يحصل بفسخ أحد العقدين إلا أنّ فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي، وهو لزومه، فيتسلّط على رفع الثاني خاصةً.

الثالث: تزلزل العقد الطارئ خاصةً، بحيث يقع موقوفاً على رضى العمّة أو الخالة، مع كون عقدهما لازماً اختاره جملة المتأخرين، ونقلوه عن المصنف(3). والموجود في كتابه و مختصره اختيار القول الأوّل خاصة(4)، إلا أن يريد ب«البطلان وقوفه على الإجازة. وإرادة ذلك غير معلومة من إطلاق اللفظ. والدليل السابق على البطلان ينافيه وبه صرّح ابن إدريس(5)، لكن مع مخالفة تأتي. أمّا لزوم عقدهما فقد علم. وأمّا تزلزل الطارئ من غير أن يكون باطلاً؛ فلعموم: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(6)؛ فإنّ المتنازع فيه إذا تعقبه رضى من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم

ص: 280


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 505؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 459.
2- منهم سلّار في المراسم، ص 150 وابن البراج في المهذب،ج 2، ص 188 وابن حمزة في الوسيلة، ص 293.
3- منهم العلّامة في مختلف الشيعة،ج 7، ص 80. المسألة 31؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 358.
4- المختصر النافع، ص 281.
5- السرائر،ج2، ص 522.
6- المائدة .(5):1.

. وأما الزنى فإن كان طارئاً لم ينشر الحرمة، كمن تزوّج بامرأة ثمّ زنى بأُمها أو بنتها، أو لاط بأخيها أو ابنها أو أبيها ، أو زنى بمملوكة أبيه الموطوءة أو ابنه، فإنّ ذلك كله لا يحرم السابقة.

وإن كان الزنى سابقاً على العقد فالمشهور تحريم بنت العمة والخالة إذا زنى بأُمّهما. أما الزنى بغيرهما هل ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح؟ فيه روايتان:

إحداهما، ينشر، وهي أوضحهما طريقاً، والأُخرى لا ينشر.

فوجب الحكم بصحته، فقبل الرضى لا يكون فاسداً وإلا لم ينقلب صحيحاً، ولا نعني بالموقوف إلا ذلك، ولأنه عقد صدر بدون رضى من يعتبر رضاه في صحته، فكان كالفضولي، وقد تقدم صحة الفضولي في النكاح(1)، وهنا أولى؛ لأن المدخول عليها ليس لها أولوية مباشرة العقد، بل الرضى به بخلاف الزوجة في عقد الفضولي، فإنّ بيدها مباشرته والرضى به، فإذا صح في الأقوى لزم مثله في الأضعف بطريق أولى. والنهي السابق في الأخبار قد عرفت أنّه لا يدلّ على الفساد(2)، بل على المنع منه بدون الإذن، وهو أعم من السابق واللاحق. وعلى تقدير إرادة السابق لا يلزم الفساد. وهذا هو الأقوى. الرابع: بطلان العقد الثاني من رأس، وتزلزل عقد المدخول عليها، فلها أن تفسخ عقد نفسها. وهو قول ابن إدريس. واحتج على البطلان بالنهي السابق الدال على الفساد. وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرّض لدليله، بل جزم بحكمه. وكأن الأصل في ذلك نقله عن الشيخ تزلزل العقدين(3)، وهو موجه بما ذكر، فاعترضه بالنهي الدال على فساد الثاني وأبقى الأول على حاله، فاضطربت الفتوى؛ لأنه إذا وقع العقد الطارئ فاسداً لم يكن لتخييرها في فسخ عقد نفسها وجه؛ لأن المقتضي للفسخ الجمع، ومع وقوع العقد فاسداً لا جمع. قوله: «وأمّا الزنى فإن كان طارئاً لم ينشر الحرمة - إلى قوله - لا يحرم السابقة».

ص: 281


1- تقدم في ص 155 - 156.
2- تقدم في ص 279.
3- السرائر،ج،2،ص 545.

اتفق الأصحاب على أنّ الزنى اللاحق للعقد الصحيح لا ينشر حرمة المصاهرة، سواء في ذلك الزنى بالعمة والخالة وغيرهما؛ لأصالة بقاء الحكم الحاصل بالعقد، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا يفسد الحرام الحلال»(1) ولرواية زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله علیه السلام وفيهما أنه: «ما حرّم حرام حلالاً قطّ »(2)، وأنه: «لا يحرم الحلال الحرام»(3).

وقد اختلفوا فيما إذا تقدّم الزنى على العقد هل ينشر حرمة المصاهرة كالصحيح، بمعنى تحريم ما حرمه الصحيح من الأم و البنت، وعلى الأب والابن، ونحو ذلك؟ فالأكثرون ومنهم الشيخ(4)، وأتباعه(5)، وأكثر المتأخرين - على التحريم للأخبار الصحيحة الكثيرة الدالة عليه.

، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام أنه سئل عن رجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟

قال: «لا، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه التي عنده»(6). وصحيحة منصور بن حازم عن الصادق علیه السلام، قال في رجل كان بينه وبين امرأة فجور: هل يتزوج ابنتها؟ قال: «إن كان قبلةٌ وشبهها فليتزوّج ابنتها، وإن كان جماعاً فلايتزوج ابنتها، وليتزوّجها هي»(7).

وفي معناها صحيحة العيص عنه علیه السلام(8) .

ص: 282


1- سنن الدارقطني،ج3، ص 197،ح 3621؛ السنن الكبرى البيهقي،ج 7، ص 275، ح 13967.
2- الكافي، ج 5، ص 416، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 330، ح 1359.
3- الكافي، ج 5، ص 415، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح،3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 330، ح 1358؛الاستبصار،ج3، ص 167،ح 609.
4- النهاية، ص 452.
5- منهم الحلبي في الكافي في الفقه،ص286؛ وابن البراج في المهذب،ج2، ص 183؛ وابن حمزة في الوسيلة،ص 293.
6- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 329،ح 1352؛ الاستبصار،ج3، ص 166165،ح603.
7- الكافي، ج 5، ص 416، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 330 ، ح 1357؛الاستبصار،ج3، ص 167،ح 608.
8- الكافي، ج 5، ص 415، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح2؛ تهذيب الأحكام،ج 7، ص،330، ح 1356؛الاستبصار، ج 3، ص 166-167، ح 607.

ولأنّ أمّ المزني بها وبنتها من الرضاعة تحرم بذلك، فمن النسب أولى. ويدلّ على الأولى صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام،في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: «لا»(1).

وعلى الثانية أنّ النسب أصل في التحريم بالرضاع، فمن ثم قال صلی الله علیه وآله وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2)، وقال: «الرضاع لحمة كلحمة النسب»(3). وإذا ثبت الحكم في الفرع ثبت في الأصل. واستدل بقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ)(4)، وهو شامل للمزني بها؛ لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، ك«كوكب الخرقاء» و«شهادة الله». وهو بعيد.

وذهب المفيد والمرتضى وتبعهما ابن إدريس إلى عدم التحريم(5)؛ لعموم قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(6)، وقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم يريد أن يتزوّج بابنتها: «لا يحرم الحرام الحلال، وإنما يحرم ما كان بنكاح»(7). ورواية هشام بن المثنى قال: كنت عند أبي عبد الله جالساً فدخل عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراماً أيتزوجها؟ قال: «نعم، وأمها وبنتها»(8)، وفي رواية أخرى عنه

ص: 283


1- الكافي، ج 5، ص 416، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص،331، ح 10؛الاستبصار، ج 3، ص 167، ح 611.
2- الكافي، ج 5 ، ص 442،باب صفة لبن الفحل، ح 9، وص 446، باب نوادر في الرضاع، ح 16؛ الفقيه، ج 3،ص 475.ح 4668:تهذيب الأحكام، ج 8، ص 244، ح 880.
3- أورده المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 286، ولم نعثر عليه في المصادر الروائية.
4- النساء (4): 23.
5- المقنعة، ص 504: المسائل الناصريات، ص 318، المسألة 149: السرائر، ج 2، ص 523.
6- النساء (4) 24و.
7- سنن الدارقطني،ج3، ص 198،ح 3624: السنن الكبرى، البيهقي،ج7، ص 274-275، ح 13966.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 326-327، ج 1343؛ الاستبصار،ج3،ص165،ح،600.

بالسند وفي جوابها: «نعم، إن الحرام لايفسد الحلال»(1)، ورواية حنان بن سدير قال: كنت عند أبي عبدالله علیه السلام؛ إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحاً أتحلّ له ابنتها؟ قال: «نعم، إن الحرام لا يحرم الحلال»(2). وللأصل. وأجيب(3) بأنّ عموم الآيات مخصوص بأخبار التحريم. وأخباره أوضح سنداً؛ فإنّ الأولى عامّيّة، وهشام مجهول الحال. و [ حنان بن ] سدير واقفي(4). مع إمكان حملها على زنى وفجور لا يبلغ حد الوطء جمعاً، و الإتيان أعم من الجماع. وحلّ البنت في الرواية الأخيرة لا ينافي كونها مزوّجةً قبل الفعل، ونحن نقول بموجبه.

وبالجملة: فالأدلة الأولى أصح وأصرح.

واعلم أنّ من حكم بعدم التحريم بالزنى استثنى منه الزنى بالعمة والخالة؛ فإنّه يحرّم ابنتهما على تقدير سبقه. صرّح بذلك المفيد والمرتضى القائلان بعدم التحريم بالزنى بغيرهما(5). ووجه استثنائهما رواية أبي أيوب عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثمّ ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال: «لا» قال: إنّه لم يكن أفضى إليها، وإنّما كان شيء دون ذلك. قال: «كذب»(6). والرواية وردت في الخالة، ولكنّهم ألحقوا العمّة بها، وما وقفت على وجهه.

7 والمرتضى الذي لايعمل بخبر الواحد الصحيح استند في مثل هذا الحكم إلى الإجماع(7) الذي ظنّه، ونازعه ابن إدريس في الحكم وفي الإجماع معاً، لكنه لم يجسر على المخالفة،

ص: 284


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 328، ح 1350؛ الاستبصار، ج 3، ص 165، ح 601.
2- تهذيب الأحكام،ج 7، ص 328،ح 1351؛ الاستبصار،ج3، ص 165،ح602.
3- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12، ص 287.
4- راجع رجال الطوسي، ص 334، الرقم 4974؛ وخلاصة الأقوال،ص 342 الرقم 1354.
5- المقنعة، ص 501 الانتصار، ص 266، المسألة 151.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 311، ح 1291.
7- لانتصار،ص 266، المسألة 151.

. وأما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ (رحمه الله) أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح وفيه تردّد أظهره أنّه لا ينشر، لكن يلحق معه النسب.

بل قال: إن كان في المسألة إجماع فهو الدليل على التحريم، وإلا فلا دليل عليه(1). والمصنّف (رحمه الله) نسب القول فيهما إلى الشهرة؛ نظراً إلى ضعف مستنده؛ لأنّ الرواية ضعيفة السند ردية المتن؛ فإنّ السائل لم يصرّح بوقوع الوطء أولاً، وصرّح بعدمه ثانياً، وكذبه الإمام في ذلك، وهذا غير لائق بمقامه، وهو قرينة الفساد. ومع ذلك فهي مخصوصة بالخالة، فإلحاق العمة بها قياس. والإجماع غير متحقق بمثل ذلك؛ لأنّه لا يكون حجّةٌ بعدم العلم بالمخالف، بل مع العلم بدخول الإمام علیه السلام، وهو منتف في هذا وأشباهه قطعاً.

والعلامة توقف في حكمها في المختلف(2)؛ نظراً إلى ذلك.

والأولى الرجوع في حكمها إلى الأدلة السابقة المتناولة لهما، فإن حكمنا بالتحريم في مطلق الزنى السابق فالحكم فيهما أولى، وإن قلنا بعدم التحريم فالحكم فيهما كذلك، حيث لا دليل صالحاً على استثنائهما. والعجب أنّ العلّامة في المختلف حكم بالتحريم في مطلق الزنى، ثم توقف فيه بالنسبة إلى العمّة والخالة(3). وكأنّه أراد به من حيث دليلهما الخاص لا من حيث العام؛ فإنّهما داخلتان فيه بطريق أولى. وعلى هذا فيسقط التفريع بكون الحكم هل يتعدى إليهما وإن علتا، وإلى بنتيهما و إن سفلتا أم لا، وإليهما من الرضاع؟ وغير ذلك من التفريعات.

قوله: «وأمّا الوطء بالشبهة - إلى قوله لكن يلحق معه النسب».

قد تقدّم أنّ المراد بوطء الشبهة ما ليس بمستحقّ منه(4)، مع عدم العلم بتحريمه، كالوطء فى نكاح فاسد أو شراء فاسد لم يعلم فسادهما، أو لامرأة ظنّها زوجته أو أمته، أو أمة

ص: 285


1- السرائر، ج 2، ص 529.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 63، المسألة 19.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 53 المسألة 14.
4- تقدم في ص 195.

. وأما النظر واللمس فما يسوغ لغير المالك - كنظر الوجه ولمس الكف - لاينشر الحرمة. وما لايسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة، ولمس باطن الجسد مشتركة بينه وبين غيره ظنّ إباحتها له بذلك.

وقد اختلف في نشر الحرمة بها فالمشهور إلحاقها بالصحيح في ذلك، ونسبه المصنّف إلى تخريج الشيخ(1).

ووجه التخريج مساواته للصحيح في لحوق النسب، وثبوت المهر به والعدة، وسقوط الحد. وهي معلولة للوطء الصحيح، كما أن الحرمة معلوله الآخر، وثبوت أحد المعلولين يستلزم ثبوت الآخر. والمصنّف منع من ذلك لعدم النص، وأصالة بقاء الحلّ، وضعف هذا التخريج؛ فإنّه لا يلزم من ثبوت حكم لدليل ثبوت آخر يناسبه، كما أن المحرمية منتفية عن وطء الشبهة بالإجماع، مع أنّها من جملة معلولات الوطء الصحيح. وقد سبقه ابن إدريس إلى ذلك(2). والأقوى نشر الحرمة به مع سبقه ؛ لثبوته في الزنى بالنصّ الصحيح(3) مع تحريمه، فيكون في الشبهة أولى؛ لأنه وطء محترم شرعاً، فيكون إلحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنى، كما يثبت به أكثر أحكام الصحيح. ولا يقدح تخلّف المحرمية؛ لأنها إباحة يحلّ النظر ،بسببه فجاز اشتراطه بكمال حرمة الوطء، والموطوءة بالشبهة لا يباح النظر إليها للواطئ، فلأقاربها أولى. وأما الاستدلال في المسألة بالإجماع(4)، فلا يخلو من مجازفة. نعم، هو قول المعظم.

قوله: «وأمّا النظر واللمس - إلى قوله - دون أمّ المنظورة أو الملموسة وبنتهما. المراد ب«المالك» هنا حقيقةً، وهو مالك الأمة؛ فإنّ الخلاف المشهور والروايات

ص: 286


1- المبسوط، ج 3، ص 441 و 448.
2- السرائر، ج 2، ص 535.
3- تقدم تخريجه في ص 282، الهامش 6 - 8.
4- في حاشية «و»: «استدلّ به العلّامة في التذكرة، وتبعه الشيخ علي في شرحه(منه رحمه الله)».راجع تذكرة الفقهاء،ج2، ص 631 (الطبعة الحجرية) وجامع المقاصد،ج 12، ص 285.

بشهوة - فيه تردّد، أظهره أنه يثمر كراهية. ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصةً، دون أُمّ المنظورة أو الملموسة وبنتهما.

المختلفة إنّما وردت في الأمة إذا حصل ذلك من مالكها(1).

ويحتمل على بعد أن يريد به مالك النكاح بعقد أو ملك ليشمل الزوجة، فقد قيل بتعدي الحكم إليها(2).

وتحرير المسألة يتم بمباحث ثلاثة:

الأوّل: إذا ملك الرجل أمةٌ ولمسها، أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره النظر إليه كنظر ما عدا الوجه والكفين وما يبدو منها غالباً ولمسه - فهل تحرم(3) بذلك على أبيه وابنه ؟ فيه أقوال:

أحدها: عدم التحريم مطلقاً، لكنّه يكره. وهو اختيار المصنف، وتلميذه العلّامة في غير المختلف والتذكرة(4)؛ للأصل، وعموم: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(5)، و«ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»(6). وموثّقة علي بن يقطين عن الكاظم علیه السلامفي الرجل يقبل الجارية ويباشرها من غیر جماع داخل أو خارج، أتحلّ لابنه أو لأبيه؟ قال: «لا بأس»(7) وثانيها: التحريم عليهما اختاره الشيخ(8) وأتباعه(9)، والعلّامة في المختلف(10)، ومال إليه

ص: 287


1- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 417-419، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
2- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 633 (الطبعة الحجرية).
3- في حاشية «و»: «في التذكرة مال إلى التحريم من غير تصريح به؛ لأنّه نصر الشيخ ورد كلام ابن إدريس ولم يبيّن مذهبه(منه رحمه الله)».راجع تذكرة الفقهاء،ج2، ص 633 (الطبعة الحجرية).
4- قواعد الأحكام،ج 3، ص 30؛ تحرير الأحكام الشرعية،ج3، ص 465، الرقم 4999؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 21.
5- النساء (4) 24.
6- النساء (4): 3.
7- تهذيب الأحكام،ج 8، ص 209،ح 741؛ الاستبصار،ج3، ص 212،ح 768.
8- النهاية، ص 451 و 496؛ الخلاف،ج 4، ص 308، المسألة 81.
9- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 286؛ وابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 182 و 246؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 307.
10- مختلف الشيعة، ج 7، ص 62، المسألة 18.

في التذكرة(1)، وجماعة(2)؛ لأن المملوكة حليلة فتدخل في عموم: (وَحَلَبِلُ أَبْنَابِكُمْ)(3). خرج منه ما إذا لم ينظر إليها ويلمس على الوجه المذكور، فيبقى الباقي داخلاً في العموم. ولصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن علیه السلام، وقد سأله عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحلّ لولده؟ فقال: «بشهوة؟ قلت: نعم، قال: «إن جردها فنظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه»(4). ونحوه روى الصدوق عن عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام(5)

وثالثها: إنّ النظر واللمس يحرمان منظورة الأب وملموسته على ابنه دون العكس وهو قول المفيد(6): لصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام: إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلاتحلّ لابنه»(7). والقول الوسط هو الأوسط؛ لأنّ تحريمها على الابن لايدلّ على اختصاصه به، فيمكن استفادة تحريمها على الأب من الخبرين السابقين فلا منافاة بين أخبار التحريم، غاية ما في الباب استفادة حكم الابن من الثلاثة، واستفادة حكم الأب من الخبرين فسقط القول الأخير.

ص: 288


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 633 (الطبعة الحجرية).
2- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 137 والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 73 - 75 والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج12،ص 289.
3- النساء (4): 23.
4- الكافي، ج 5، ص 418، باب ما يحرم على الرجل مما نكح ابنه...،ح2: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 281-282،ح 1192.
5- الفقيه،ج3، ص410، ح 4438: ورواه أيضاً الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 212، ح 758؛ والاستبصار،ج 3، ص 212، ح 769.
6- المقنعة، ص 502 و 543 .
7- الكافي، ج 5، ص 419، باب ما يحرم على الرجل مما نكح ابنه، ح،5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 282؛ح؛1193.

وبقي الكلام في الأولين؛ فإنّ الأخبار فيهما متعارضة ظاهراً، ويمكن ترجيح أخبار التحريم بوجوه:

الأوّل: أنّها أوضح سنداً؛ فإنها صحيحة، وما دلّ على الحلّ من الموثق، والصحيح مقدّم عليه عند التعارض أو مطلقاً.

الثاني: أنّها مقيدة بكونهما بشهوة، وتلك مطلقة، فتحمل على وقوعهما بغير شهوة؛ حذراً المنافاة. وخبر محمّد بن مسلم وإن كان مطلقاً لكنّه محمول على كونه بشهوة؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد.

الثالث: أنّه على تقدير تسليم التعارض فذاك دالّ على الإباحة، وهذه على الحظر، والثاني مقدم على الأوّل عند التعارض مطلقاً؛ لأنه دافع للضرر، وهو أولى من الجالب للنفع. وحيث ثبت التحريم كانت أدلته مخصصةً لعموم الآية(1) - كما خصصت بغيرها من المحرمات التي لم تذكر في الآية - ومخرجةً عن حكم الأصل الذي

استندوا إليه. واعترض على الاستدلال للتحريم بعموم آية «الحلائل» بأن الظاهر أن المراد ب«الحليلة» الزوجة، فلا يدل على حكم الأمة.

وفيه منع اختصاصها بالزوجة؛ فإنّ الحليلة فعيلة، إما بمعنى مفعولة من«الحلال» المقابل للحرام؛ لأنّه يحلّ له وطؤها، أو من «الحلّ» ضدّ العقد؛ لأنّه يحلّ إزارها عند الجماع، أو بمعنى فاعلة من «الحلول»؛ لأنّها تحلّ معه في فراشه. وعلى جميع التقادير فهي شاملة للأمة. وقد استدلّ العلماء على تحريم موطوءة الابن بالملك بقوله تعالى: (وَحَلَئِلُ أَبْنَابِكُمْ)(2)، وهو دالّ على فهمهم دخولها فيها. وممّا يؤيّد تحريمها عليهما بفعل ذلك بشهوة أنّ العقد المجرّد يحرم الزوجة على الأب

ص: 289


1- النساء (4): 23.
2- النساء (4): 23.

والابن حيث كان المقصود الأغلب من التزويج إرادة الوطء، ولمّا كان شراء الأمة أعم من قصد الوطء والخدمة لم تحرم بمجرد الشراء، فإذا فعل معها مقدمات الجماع كان ذلك أقوى في تحريمها عليهما من العقد المجرّد؛ فإنّه لا يقتضي إرادة الوطء كالشراء، فلمّا كانت الإماء أبعد عن قصد الجماع من الحرائر اشترط زيادةً على شرائهنّ تقييد(1) إرادة الوطء، وهو مقدماته.

الثاني: على تقدير القول بتحريمها على الأب والابن بذلك هل تحرم أمها وإن علت،وبنتها وإن سفلت على المولى؟ قولان:

أحدهما: التحريم. ذهب إليه ابن الجنيد(2)، والشيخ في الخلاف؛ محتجاً بإجماع الفرقة وأخبارهم والاحتياط(3). مع أنه في موضع آخر منه خص التحريم بالنظر إلى فرجها(4)؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها»(5)، وعنى بالأخبار ذلك وما روي عنه صلی الله علیه وآله وسلم: من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها وبنتها»(6).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام قال: سألته عن رجل تزوج بامرأة فنظر إلى رأسها وإلى بعض جسدها أيتزوج ابنتها؟ قال: «لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها»(7).

ص: 290


1- في بعض النسخ: «بقيد» بدل «تقييد».
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 67، المسألة 22.
3- الخلاف،ج4، ص 308، المسألة 81.
4- الخلاف، ج 4، ص 309 - 310، المسألة 82.
5- سنن الدارقطني، ج 3، ص 198، ح 92/3626؛ السنن الكبرى، البيهقي ، ج 7، ص 275، ذيل الحديث 13969.
6- الجامع لأحكام القرآن،ج 5، ص 115، ذيل الآية 23 من سورة النساء (4)، وفيه: «لا ينظر الله إلى من كشف قناع امرأة وابنتها».
7- الكافي،ج 5، ص 422، باب الرجل يتزوج المرأة فيطلّقها...،3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 280 ، ح 1187؛الاستبصار، ج 3، ص 162،ح،590.

والثاني: الجواز على كراهية ما لم يطأ البنت؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)(1)، وما ذكر ليس بدخول. ولصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجل باشر امرأته وقبل غير أنّه لم يفض إليها، ثم تزوج ابنتها، قال: «إن لم يكن أفضى فلا بأس، وإن كان أفضى فلا يتزوج»(2). وهذا هو الأقوى. ويمكن حمل الأخبار السابقة على الكراهة جمعاً. مع أن الأوّل عامّي، وقد أنكره المحدثون منهم. والأخير غير المدعى؛ لأنه مختص بالزوجة والقائل عمّم الحكم فيها وفي الأمة، وهي لا تفيد ذلك فإن قالوا: لا قائل بالفرق قلنا مثله في دلالة الآية، فلا بد من الجمع.

الثالث: اختلف القائلون بأن الزنى ينشر حرمة المصاهرة في أن النظر المحرم إلى الأجنبية واللمس به هل ينشر الحرمة، فتحرم به الأم وإن علت والبنت وإن نزلت، أم لا؟ هكذا نقله فخر الدين في شرحه(3). ولم نقف على القائل بالتحريم. وعلى القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على الفاعل، وإنما نقل الخلاف في أُمها .وبنتها وكيف كان فهو قول ضعيف جداً لا دليل عليه.

وكذلك اختلفوا فيما لو وقعا بشبهة هل يحرمان كالمباحين؟ فذهب الشيخ في الخلاف(4) إلى التحريم بها للأم والبنت وهو ضعيف.

وبقي تنقيح العبارة يتوقف على بيان أمور:

الأوّل: يفهم من قوله «فما يسوغ لغير المالك لا ينشر الحرمة» أن الأمة يصح نظر غير المالك إليها في الجملة، وذلك في الوجه والكفّين كما تقدّم، مع أنه لم يصرح به ثَمّة، وإنّما

ص: 291


1- النساء (4): 23.
2- الكافي،ج 5، ص 415، باب الرجل يفجر بالمرأة...،ح2: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 280، ح 1186:الاستبصار،ج3، ص 162،ح 589.
3- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 66.
4- الخلاف،ج4، ص 308، المسألة 81.

صرّح به في التذكرة(1). نعم، قد يستفاد من قوله سابقاً في جواز النظر إلى أهل الذمة: «لأنّهنّ بمنزلة الإماء»(2).

الثاني: يستفاد منه أيضاً أن لمسها جائز في الجملة. ولم يذكروا جوازه بل القائلون بجواز النظر قصروه عليه؛ عملاً بظاهر قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(3) فإنّه يقتضى إباحة نظر محلّ ذلك، فاللمس ب-اق على أصل التحريم. وصرّح بعض الأصحاب بتحريم اللمس مطلقاً(4)؛ وفي القواعد في هذا المحلّ جوّز لمس كفّ الأمة للأجنبي(5)، وجعله المراد ممّا يحلّ لغير المالك لمسه. ويمكن حمل عبارة المصنّف عليه.

الثالث: يستفاد من قوله «ما لا يسوغ لغير المالك - إلى قوله - ولمس باطن الجسد بشهوة» أنّ النظر إلى ما استثني، ولمسه لا يتقيد جوازه بعدم الشهوة، مع الإجماع على أنّ نظرها بشهوة مطلقاً محرّم، وأولى منه اللمس، وإنّما الكلام مع عدم الشهوة والريبة. والأولى أن يريد بقيد الشهوة فيما ذكر الاحتراز عن مثل نظر ذلك لغيرها، كنظر الطبيب، ولمس

العضو ليعلم حاله، فيكون الغرض تقسيم النظر واللمس - إلى ما يحرم لغير المالك نظره ولمسه - إلى ما يفيد التحريم على الخلاف، وهو وقوعهما بشهوة، وما لا يفيده إجماعاً، وهو وقوعهما بغير شهوة، لا أن يجعل ذلك في مقابلة المحلل ليفيد جواز ما استثني بشهوة وغيرها. وهذا حسن.

الرابع: يفهم من قوله ومن نشر الحرمة هنا قصر التحريم على أبي اللامس وابنه، دون أُمّ المنظورة والملموسة وبنتهما» أنّه لا خلاف في عدم تحريم أُمها وبنتها، وكأنه أهمله

ص: 292


1- تذكرة الفقهاء،ج 2، ص 574 (الطبعة الحجرية).
2- سبق في ص 51.
3- النور (24): 31.
4- مثل فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 9.
5- قواعد الأحكام، ج 3، ص 30.

. وحكم الرضاع في جميع ذلك حكم النسب.

استضعافاً له، وإلا فقد عرفت الخلاف فيه، ووجود الروايات به، وإن كان دون الخلاف في تحريمها على الأب والابن.

الخامس: قال الشهيد في شرح الإرشاد على نظير العبارة: الأولى أن يريد بالمالك في قوله: «ما لا يسوغ لغير المالك» الأعم من مالك الرقبة أو

مالك البضع وحده لتدخل فيه الزوجة؛ فإنّ الخلاف في نظرها ولمسها كذلك واقع في أنّه هل يفيد التحريم بالنسبة إلى أبيه وابنه أم لا؟(1)

وهو حسن من حيث إفادة الخلاف فيهما، لكنّه يفيد جواز نظر غير الزوج ولمسه في الجملة. وقد تقدّم حكم النظر إلى وجهها وكفّيها(2)، وأنّه مقيد بقيود، منها عدم كونه بشهوة ولاريبة وعدم المعاودة به في المجلس، وبدونها يحرم فيلزم وقوع الخلاف مع وقوعه بشهوة في نشر الحرمة؛ لأنه يحرم على غير المالك، وهم لا يقولون به. ومثل هذا لازم في الأمة أيضاً؛ لأنهم لا يجوزون نظرها بشهوة لغير المالك، فيلزم أن ينشر الحرمة لو وقع من المالك كذلك، والرواية(3) دالة على خلافه؛ لاشتراط التجريد والنظر إلى باطن الجسد.

والكلام في اللمس كما مرّ، وأقوى بالمنع هنا؛ إذ لم يذكر أحد جوازه من الحرة لغير ضرورة مطلقاً. ولأجل هذا الإشكال حملنا المالك على مالك الرقبة ليسلم من محذور جواز النظر واللمس للحرّة. وأيضاً فإنّ الخلاف في الأمة أظهر، والروايات فيها أشهر، كما عرفته.

قوله: «وحكم الرضاع في جميع ذلك حكم النسب». أي جميع المذكور في باب المصاهرة من المحرم بالنكاح الصحيح وما أُلحق به من الزني

ص: 293


1- غاية المراد، ج 3، ص 127 ضمن موسوعة الشهيد الأول ج3).
2- تقدم في ص 53.
3- تقدمت الرواية في ص 288، مع تخريجها في الهامش 4.

والشبهة والنظر واللمس فكلّ من حرم فيها على رجل بنسب، كالأب والابن، أو امرأة كالأُم والبنت، يحرم عليه لو كان بالرضاع. فتحرم الموطوءة بالعقد على أب الواطئ بالرضاع وإن علا، وابنه وإن نزل ويحرم على الواطئ أمها من الرضاعة وإن علت، وبنتها منها وإن سفلت.

وهكذا؛ لعموم قوله صلی الله علیه وآله وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1). ولا يرد أنّ هذا محرّم بالمصاهرة لا بالنسب فلا يدخل في عموم الخبر؛ لأنا قد بينا أن هذا أيضاً راجع إلى النسب؛ لأنّ الأب من الرضاعة كالأب من النسب بمقتضى الخبر، والأُمّ منها كالأم من النسب، وبنت الزوجة من الرضاع كبنتها من النسب، وأختها وبنت أختها وبنت أخيها وعمتها وخالتها وغيرها ممن يحرم بالنسب، فالمصاهرة اللاحقة للأنساب كالمصاهرة اللاحقة لمثلهم من الرضاعة وبالعكس؛ عملاً بقوله : «الرضاع لحمة كلحمة النسب»(2)، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3). وروى أبو عبيدة الحذاء في الصحيح عن الصادق علیه السلام قال: سمعته يقول: «لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة»(4).

وبالجملة فكلّ ما يحرم بالمصاهرة على الإنسان بواسطة النسب يحرم بواسطة الرضاع. وإنما لم يقولوا: «يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة كما قالوا في النسب؛ لأنّ الذي يحرم بالمصاهرة راجع إلى النسب فاكتفي به والمستثنى من أقسام المصاهرة في باب الرضاع هي ملائمات المحرَّم بالمصاهرة، كما استثني من المحرّم بالنسب أيضاً ملائماته كما حققناه سابقاً(5)، فالأمر فيهما بالسوية.

ص: 294


1- تقدم تخريجه في ص 200 الهامش 2.
2- تقدّم تخريجه في ص 283، الهامش 3.
3- تقدم تخريجه في ص 200 الهامش 2.
4- الكافي، ج 5، ص 445، باب نوادر في الرضاع، ح 11؛ الفقيه، ج 3، ص 411 ، ح 4439: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 292، ح 1229؛ الاستبصار، ج 3، ص 178، ح 646.
5- سبق في ص 236 وما بعدها.
من مسائل التحريم مقصدان:
المقصد الأول في مسائل من تحريم الجمع وهي خمس:
الأولى: لو تزوّج أختين كان العقد للسابقة وبطل عقد الثانية.

(في بعض النسخ: «ستة» بدل «خمس»، والمثبت هو الصحيح الموافق لنسخة «أ» المقروءة على المصنف وسيأتي في ص 314 زيادة توضيح لذلك).

ولو تزوّجهما في عقد واحد قيل بطل نكاحهما. وروي أنه يتخيّر أيتهما شاء والأوّل أشبه. وفي الرواية ضعف.

قوله: «لو تزوّج أختين كان العقد للسابقة وبطل عقد الثانية» إلى آخره. القول بالبطلان لابن إدريس(1) وتبعه المصنّف وأكثر المتأخرين؛ لأنّ العقد على كلّ واحدة منهما محرّم للعقد على الأخرى ونسبته إليهما على السوية، فلا يمكن الحكم بصحته فيهما؛ لمحذور ،الجمع، ولا في إحداهما على التعيين؛ لأنه ترجيح من غير مرجّح، ولا لغير معينة؛ لأنّ الحكم بالإباحة عَرَض معيّن فلا بد له من محل جوهري معين يقوم به؛ لأنّ غير المعين في حد ذاته لا وجود له. وإذا بطلت هذه الأقسام لزم الحكم بالبطلان فيهما. ولأن العقد عليهما معاً منهي عنه نهياً ناشئاً عن عدم صلاحية المعقود عليها على الوجه المخصوص للنكاح، وإن كانت صالحةً بغير هذه الجهة، والنهي على هذا الوجه يقتضي بطلان العقد وإن لم يكن مطلق النهى موجباً لبطلان العقود. والقول بالتخيير للشيخ(2) وأتباعه(3)؛ استناداً إلى مرسلة جميل بن دراج عن أحدهما .

ص: 295


1- السرائر، ج 2، ص 536.
2- النهاية. ص 454.
3- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 184؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 399؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 69 المسألة .23.
الثانية: لو وطئ أمةً بالملك ثمّ تزوّج أختها

قيل: يصح وحرمت الموطوءة بالملك أولاً، ما دامت الثانية في حباله.

في رجل تزوج أختين في عقد واحد، قال: «هو بالخيار أن يمسك أيتهما شاء، ويخلي سبيل الأخرى»(1). ولأن ضميمة العقد على إحداهما إلى العقد على الأخرى لا يوجب بطلان العقد، كما لو جمع في العقد بين محللة ومحرّمة. ويضعف بأنّ إرسال الرواية يمنع من العمل بمقتضاها، مع مخالفته للأصول الممهدة. وفي طريقها أيضاً عليّ بن السندي و هو مجهول مع إمكان حملها على إمساك أيتهما شاء بعقد جديد، ويخلّي الأخرى؛ لبطلان الجمع.

والفرق بين المتنازع والجمع بين المحللة والمحرّمة في عقد واحد أنّ المقتضي للصحة في المحللة موجود، وهي معينة، فلا مانع من صحة عقدها، بخلاف الأختين اللتين لا يمكن ترجيح إحداهما بغير مرجّح. واعلم أن رواية جميل رواها الشيخ في التهذيب، والكليني مرسلة، وفي طريقها جهالة كما ذكرنا. ولكن الصدوق في الفقيه رواها بسند صحيح عن محمد بن الحسن، عن الحميري، عن أيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبدالله في رجل تزوّج أختين في عقد واحد ، قال : «يمسك أيتهما شاء، ويخلّي سبيل الأخرى». وقال في رجل تزوّج خمساً في عقد واحد: «يخلي سبيل أيتهن شاء»(2). وعلى هذا فيتجه العمل بمضمونها - لصحتها - في المسألتين بعد تحقيق الحال من الكتاب، فعندي فيه شبهة يتوقف على المراجعة.

قوله: «لو وطئ أمة بالملك ثمّ تزوّج أختها - إلى قوله - ما دامت الثانية في حباله».

ص: 296


1- الكافي، ج 5، ص 431، باب الجمع بين الأختين..،. ح 3: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 285، ح 1203.
2- الفقيه،ج3، ص 419،ح4463.

. ولو كان له أمتان فوطئهما قيل: حرمت الأولى حتى تخرج الثانية من ملكه. وقيل: إن كان بجهالة لم تحرم الأولى، وإن كان مع العلم حرمت حتّى تخرج الثانية لا للعود إلى الأولى. ولو أخرجها للعود والحال هذه لم تحلّ الأُولى. والوجه أنّ الثانية تحرم على التقديرين دون الأولى.

القول بصحة التزويج للشيخ (رحمه الله)(1)؛ لعموم وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(2). وليس مطلق الجمع بين الأختين محرّماً؛ فإنّ جمعهما في الملك ليس محرماً قطعاً وإن كان الملك يجوز الوطء ولأنّ النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين، فإذا اجتمعا قدم الأقوى. وإنما كان أقوى؛ لكثرة ما يتعلّق به من الأحكام التي لا تلحق الوطء بالملك. مضافاً إلى أن الغرض الأصلي من الملك المالية، فلا ينافي النكاح. فعلى هذا تحرم الموطوءة بالملك ما دامت الثانية زوجة.

والمصنّف لم يرجح هذا القول مؤذناً بالتردّد فيه؛ ووجهه أنّ الوطء يصيّر الأمة فراشاً ؛ للحوق الولد به فلم يجز أن يرد النكاح على فراش الأخت، كما لا يرد نكاح الأخت على

نكاح أختها. ولأنه فعل في الأخت ما ينافي إباحة أختها المفترشة، فلم يجز كالوطء.

وأجيب(3) ببطلان القياس مع وجود الفارق؛ فإنّ النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين. ولو انعكس الفرض، بأن تزوّج الأمة ثمّ ملك أختها ووطئها فعل حراماً، ولم يقدح ذلك في صحة النكاح. ولا يجب إخراج الموطوءة عن ملكه للأصل، ولأن الأقوى يدفع الأضعف.

قوله: «ولو كان له أمتان فوطئهما - إلى قوله - الثانية تحرم على التقديرين دون الأولى. لا خلاف في أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين، كما لا يجوز الجمع بينهما في النكاح؛ لعموم: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ)(4)، المتناول للجمع بينهما عقداً

ص: 297


1- المبسوط،ج3، ص 447؛ الخلاف،ج4، ص 305، المسألة 77.
2- النساء (4): 24.
3- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 356.
4- النساء (4): 23.

ووطئاً في الحرائر، ووطئاً في ملك اليمين. والمراد بالجمع بينهما في الوطء(1) استباحتهما ولو على التعاقب، كما يقال: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الصلاتين(2)، ولأن الجمع الحقيقي ممكن بالاستمتاع بما دون الوطء، وإذا حرم ذلك حرم الوطء؛ لعدم القائل بالفرق، ولقول النبي صلی الله علیه وآله وسلم:

«ملعون من جمع ماءه في رحم أختين»(3). ولا خلاف أيضاً في جواز الجمع بينهما في الملك وإن تناوله النهي بظاهر الآية؛ لأنّ المراد منها ما ذكرناه من العقد والوطء أو هما، فإذا ملك آختين دفعة أو على التعاقب صح الشراء إجماعاً، وله نكاح أيتهما شاء. فإذا وطئ إحداهما حرم عليه وطء الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه. فإن وطئها قبل ذلك فعل حراماً، ولا حد عليه، للملك، ولأنه بسبيل من استباحتهما، لكن يعزر كما في فاعل المحرم. لكن إذا وطئ الثانية ففي تحريم الأولى، أو الثانية، أو تحريمهما على بعض الوجوه أقوال: الأول - وهو الذي اختاره المصنّف وأكثر المتأخرين، وقبله الشيخ في المبسوط )(4) وابن إدريس(5) أنّ الأولى تبقى على الحلّ، والثانية تبقى على التحريم، سواء أخرج الثانية عن ملكه أم لا، وسواء كان جاهلاً بتحريم وطء الثانية أم عالماً. ومتى أخرج الأولى عن ملكه حلّت الثانية، سواء أخرجها لأجل العود إلى الثانية أم لا. أما الأول؛ فلأن التحريم إنّما تعلّق بوطء الثانية؛ لأنّ به حصل الجمع بين الأختين.

ص: 298


1- في حاشية «و»: «جواب عمّا يقال في الاستدلال بالآية: إن الجمع بين الأختين في الوطء محال، فلا يتناوله النهي، وحاصل الجواب من وجهين: أحدهما: أن الجمع قد يقع على المتعاقبين، كما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين. والثاني: أن الجمع الحقيقي ممكن في الاستمتاع بما دون الوطء، وإذا ثبت فيه التحريم ثبت في الوطء : لعدم القائل بالفرق منه رحمه الله)».
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 2، ص 263، ح 1046؛ والاستبصار، ج 1، ص 271، ح 981، وص 247، ح 882.
3- أورده في تلخيص الحبير، ج 3، ص 166، ح 1524، وقال: لا أصل له.
4- في حاشية «و»: «لم ينقل هذا القول عن الشيخ أحد ممن نقل الخلاف مع أنه صرح به في المبسوط(منه رحمه الله).
5- السرائر،ج2، ص 538.

فيستصحب والحرام لا يحرم الحلال، ولأصالة بقاء الحلّ وتحريم الثانية. وأما الثاني : فلأنه متى أخرج إحداهما عن ملكه لم يبق جامعاً بين الأختين؛ لانتفاء سببه.

الثاني : قول الشيخ في النهاية ، وهو: أنه إن وطئ الثانية عالماً بتحريم ذلك عليه حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية. فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها. وإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع إلى الأولى. وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه جاز له الرجوع إلى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه.

هذا لفظ الشيخ في النهاية(1).

واستند في هذا التفصيل إلى أخبار كثيرة مضطربة الألفاظ مختلفة المعاني، فجمع الشيخ بينها بما ذكره فمن الأخبار صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سألته عن رجل عنده أختان مملوكتان فوطئ إحداهما، ثمّ وطئ الأُخرى. قال: «فحرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى». قلت: أرأيت إن باعها ؟ فقال: «إن كان إنّما يبيعها لحاجة، ولا يخطر على باله من الأخرى شيء فلا أرى بذلك بأساً، وإن كان إنما يبيع لترجع إليه الأولى فلا»(2).

وهذه الرواية وإن كانت صحيحة السند لكنّها متهافتة المتن؛ لأن الحكم فيها بتحريم الأولى إلى أن تموت الأخرى مقطوع عن كلام الراوي والإمام، وظاهر حاله أنه قد سقط من

جملته كلام، وهذا بعض الجواب. ولم يفرّق فيها بين العالم والجاهل.

ومنها حسنة الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثمّ وطئ الأُخرى، فقال: «إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأُخرى». قلت: أرأيت إن باعها أتحلّ له الأولى؟ قال: «إن كان يبيعها

ص: 299


1- النهاية، ص 455.
2- الكافي،ج 5، ص 431 - 432، باب الجمع بين الأختين،ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 290، ح 1216.

لحاجة، ولايخطر على قلبه من الأخرى شيء فلا أرى بذلك بأساً، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا، ولا كرامة»(1).

وهذه أجود متناً من الأولى، والأولى أصح سنداً. وفي معناهما رواية أبي بصير عنه علیه السلام(2).

ومنها: رواية الحلبي عنه علیه السلام،قال قلت له: الرجل يشتري الأختين فيطاً إحداهما، ثم يطأ الأخرى بجهالة. قال: «إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الأولى، وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أنّها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً»(3).

ومنها رواية عبد الغفار الطائي عنه علیه السلام في رجل كانت عنده أختان - إلى قوله - قلت:

فإن جهل ذلك حتى وطئها - يعني الثانية - قال: «حرمتا عليه كلتاهما»(4). فهذه جملة ما استند إليه الشيخ من الأخبار. فاستفاد تحريم الأولى على تقدير العلم من الروايات كلّها. واستفاد تحريم الثانية مع العلم من رواية الحلبي. وأخرج عدم تحريم الأولى مع الجهل منها. وحمل عدم تحريمها حينئذ على تقدير إخراج الثانية عن ملكه؛ ليجمع بين الحكم بعدم تحريمها مع الجهل في رواية الحلبي، وبين الحكم بتحريمهما معاً على تقدير الجهل في الرواية الأخيرة، بحمل تحريمهما معاً على تقدير بقائهما في ملكه، وأما إذا زال ملكه عن إحداهما حلّت له الأخرى. هكذا قرر الحمل في التهذيب(5)، فيكون تفصيله في النهاية(6) جامعاً بين الأخبار كلّها.

ص: 300


1- الكافي، ج 5، ص 432، باب الجمع بين الأختين، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 290، ح 1217.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 291، ح 1221.
3- الكافي،ج 5، ص 433، باب الجمع بين الأختين،ح 14؛ الفقيه،ج 3، ص 448، ح 4555؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 291290، ح 1219.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 291،ح 1220.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 289، ذيل الحديث 1220.
6- النهاية، ص 455.

وتبعه على هذا القول العلّامة في المختلف(1)، وولده في الشرح(2)، والشهيد في شرح الإرشاد(3)، والشيخ عليّ في شرحه(4)؛ مراعاةً لهذه الأخبار التي لا معارض لها، المشتركة في الحكم بتحريم الأولى على تقدير العلم. وذلك يخالف ما اقتضاه القول الأول، ويبطل دليله؛ لأنّ الاستصحاب ونحوه لا يصار إليه مع وجود النص.

وعندي في هذا الحكم نظر؛ لأن الرواية الصحيحة(5) لا تدل على الحكم بتحريم الأُولى من قبل الإمام كما ذكرناه. والثانية من الحسن(6)، وهو أدون من الصحيح. وإن تنزّلنا إلى العمل به فمدلولها تحريم الأولى مطلقاً إلى أن تموت الأخرى، أو يبيعها لا لغرض العود إلى الأولى. وليس فيها تعرّض لتحريم الثانية. ومثلها في الدلالة رواية أبي بصير(7) على ضعف في سندها كثير.

ورواية الحلبي(8) الدالة على عدم تحريم الأولى على الجاهل في طريقها ضعف بحميد بن زياد والحسن بن سماعة فيشكل مع ذلك تقييد السابقة بغير الجاهل، والاستناد في تحريم الثانية مع العلم إليها؛ لأنّ الروايات الثلاث الأول لا تدلّ على تحريم الثانية، فالاستناد فيه إلى هذه الرواية الضعيفة مشكل.

ثمّ حمله حلّ الأولى مع الجهالة على إخراج الثانية ليجمع بينها وبين الرواية الدالة على تحريمهما معاً مع الجهل مشكل أيضاً.

ص: 301


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 72-73، المسألة 26.
2- . إيضاح الفوائد، ج 3، ص 87.
3- غاية المراد، ج 3، ص 132-133(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- جامع المقاصد، ج 12، ص 353-355.
5- أي رواية أبي الصباح الكناني، المتقدمة في ص 299.
6- أي حسنة الحلبي، المتقدمة في ص 299 - 300.
7- تقدم تخريج روايته في ص 300، الهامش 2.
8- تقدمت روايته في ص 300، مع تخريجها في الهامش 3.

ومع ذلك فالرواية الأخيرة(1) أضعف سنداً من رواية الحلبي. والعمل بتفصيل الشيخ

يوجب تقييد جميع ما ذكر في الروايات بها، مع وضوح سند ذلك المطلق. ومع هذا فاطراح جميع هذه الأخبار والرجوع إلى حكم الأصل كالقول الأول مشكل أيضاً.

والاستناد إلى الرواية الصحيحة وحدها لا يتحصل له معنى ؛ لما عرفت من تهافت متنها. الثالث: ما نقله المصنف من القول بالتفصيل كتفصيل الشيخ، إلا أنّ عدم تحريم الأُولى

مع الجهل - في هذا التفصيل - غير مقيد بإخراج الثانية عن ملكه .

وهذا فيه مراعاة الجمع بين حسنة الحلبي(2)، وروايته الأخرى المفصلة بالجهل وعدمه(3) وهو أجود اعتباراً من السابق؛ لشدّة بعد ما بين الرواية المتضمنة لعدم تحريم الأولى مع الجهل مطلقاً، والموجبة لتحريمهما معا مع الجهل كذلك.

وأما روايتا الحلبي فحيث كانتا عن رجل واحد، وليس بينهما إلا إطلاق إحداهما وتقييد الأُخرى، فالجمع بينهما بالحمل على المقيد أسهل، ولكن لا نعلم القائل بذلك بخصوصه، بل جملة المشهور بين نقلة الخلاف القولان الأوّلان.

ويمكن على هذا أن يكون المصنف أراد بما ذكره قول الشيخ، ولكنه أجمل بعض ما فيه من التفصيل، فقد وقع لغيره اختلاف كثير في نقل كلام الشيخ، وإنما عبّرتُ في حكايته بلفظ النهاية(4) لأجل ذلك.

الرابع: ما نقله المصنف من القول المحكي أولاً، وهو أن الدخول بالثانية يحرم الأولى مطلقاً حتى تخرج الثانية من ملكه.

وهذا القول عكس الأوّل، ولا نعلم قائله، ولا نقله غير المصنف.

ص: 302


1- أي رواية عبد الغفار الطائي، المتقدمة في ص 300.
2- تقدمت حسنته في ص 299 - 300.
3- تقدمت روايته في ص،300.
4- راجع ص 299.

ويمكن الاحتجاج له برواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجل كانت عنده جاريتان أختان فوطئ إحداهما ثم بدا له في الأخرى، قال: «يعتزل هذه ويطأُ الأُخرى».

قال، قلت: فإنّه تنبعث نفسه إلى الأولى. قال: «لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه»(1). وهذه الرواية أوضح دلالة على هذا القول من الروايات السابقة على القول المشهور. وفيه أنه لا يحرم وطء الثانية إذا نوى اعتزال الأُولى.

وتوجيهه من حيث الاعتبار أن مجرد الملك للأمة لا يمنع من الجمع بينها وبين أختها كما مر، وإنّما يمنع الجمع بالوطء، بخلاف الحرّة؛ فإنّ الممتنع الجمع بالعقد وإن لم يطأ. فالوطء في الإماء منزّل منزلة العقد في الحرائر ، فكما أنّ الحرّة تحلّ أختها بطلاقها المزيل للعقد المحرّم، فالأمة تحلّ أختها بترك وطئها المنزل منزلة العقد في الحرائر، فإنّه مع ترك الوطء تصير مملوكة غير فراش، والملك لا يمنع الجمع. وإنّما توقف حلّ الأُولى بعد وطء الثانية على خروجها عن ملكه؛ لئلا يلزم من عوده إليها ورجوعه عنها بالإعراض معنى الجمع في الوطء، بخلاف الإعراض عنها بالمرّة.

الخامس: أنّه إن وطئ الثانية عالماً بالتحريم حرمت عليه الأولى حتى تخرج الأخيرة عن ملكه، ومع الجهل لا تحرم عليه الأولى. وهذا القول نقله الشيخ في التهذيب(2)، ثم شرحه بالأخبار المتقدمة كما هي عادته في الكتاب، وهو مغاير لتفصيله في النهاية(3)، وللتفصيل، الذي نقله المصنّف واستفادته من تلك الأخبار التي ذكرها الشيخ بعيدة؛ لأنه لم يكتف فيها بنقل الثانية عن ملكه في حلّ الأولى كيف اتفق، بل مع عدم نيّة العود إلى الأُولى، وفي هذا التفصيل أطلق الاكتفاء بالخروج عن ملكه.

نعم، يمكن استفادته من الجمع بين رواية معاوية بن عمار الدالّة على الاكتفاء بخروج

ص: 303


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 288 ، ح 1213: الاستبصار، ج 3، ص 172، ح 626.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 289، ذيل الحديث 1215، وص 290، ح 1216.
3- النهاية، ص 455.
الثالثة: قيل: لايجوز للحرّ العقد على الأمة إلا بشرطين:

عدم الطول، وهو عدم المهر والنفقة وخوف العنت وهو المشقة من الترك. وقيل : يكره ذلك من دونهما ، وهو الأشهر . وعلى الأوّل لا ينكح إلا أمةً واحدةً ؛ لزوال العنت بها. ومن قال بالثاني أباح اثنتين؛ اقتصاراً في المنع على موضع الوفاق.

الثانية عن ملكه مطلقاً(1)، ورواية الحلبي الدالة على أن الوطء بجهالة لا يحرم الأولى(2). ولكنّ الشيخ لم يذكر رواية معاوية بن عمار في هذا الباب.

واعلم أنّ هذه الأخبار على كثرتها قد اشتركت في الحكم بتحريم الأولى مع علم الواطئ بالتحريم، فالقول ببقائها على الحل واطراح جملة هذه الأخبار - وإن ضعف طريقها - مشكل. واشتركت أيضاً في أنّ إخراج الثانية لا بنية العود إلى الأولى يحللها. وهذا أيضاً لا شبهة فيه. وبقي ما لو أخرج الأولى عن ملكه مطلقاً؛ فإنّه يحلل الثانية قطعاً؛ لزوال المقتضي

للتحريم، وهو الجمع. وبقي الإشكال في حل أيتهما كان مع بقائهما على ملكه، وينبغي التوقف فيه إلى أن يظهر المرجح ، وطريق الاحتياط لا يخفى.

قوله: «قيل: لا يجوز للحرّ العقد على الأمة إلا بشرطين - إلى قوله - موضع الوفاق». لا خلاف في جواز نكاح الأمة بالعقد للحرّ لمن فقد الطول وخشي العنت والقرآن ناطق بجوازه كذلك(3)، ومع ذلك فالصبر عنه أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ»(4). وأما مع فقد أحدهما ففيه أقوال: أحدها - وهو الذي اختاره المصنف وجعله أشهر - الجواز على كراهة ؛ للأصل، وعموم قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)(5)، وقوله

ص: 304


1- تقدمت روايته في ص 303.
2- تقدمت روايته في ص 300.
3- النساء (4): 25.
4- النساء (4): 25.
5- النور (24) 32.

تعالى: (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ﴾(1)، ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(2). ويؤيده مرسلة ابن بكير عن الصادق علیه السلام: «لا ينبغي أن يتزوج الحرّ المملوكة»(3) الحديث.

وهو ظاهر في الكراهة.

وثانيها: المنع، ذهب إليه الشيخ فى أحد قوليه(4)، وكثير من المتقدمين والمتأخرين لدلالة مفهوم الشرط عليه في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)(5). شرط في صحة نكاح الأمة عدم الطول؛ لأنّ «من» للشرط. وشرط خوف العنت بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ). والمفهوم الثاني وإن لم يكن مفهوم شرط إلا أنه في

معناه، ولا قائل بالفرق.

ويؤيده رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعلیه السلام عن الرجل يتزوج المملوكة، قال:

«إذا اضطر إليها فلا بأس»(6).

والمراد بالبأس المنفي التحريم، وقد دلّ على ثبوته مع انتفاء الضرر. والمراد ب- «الاضطرار» ما تضمنته الآية من خوف العنت وإن كان أعم مراعاة للجمع. وإذا ثبت اشتراط الجواز بذلك كان مخصصاً لعموم تلك الآيات التي استدل بها المجوّزون، ورافعاً لأصلهم وخبرهم ليس بحجة، للضعف والإرسال، مع إمكان حمله على التحريم جمعاً. وأجاب الأوّلون عن آية المانعين بأن دلالتها من حيث المفهوم، وهو ضعيف، خصوصاً مع معارضة المنطوق، وبأن المعلق على الشرطين الأمر بالنكاح إما إيجاباً أو استحباباً،

ص: 305


1- البقرة (2) 221.
2- النساء (4): 24.
3- الكافي، 5، ص 360، باب الحرّ يتزوج الأمة، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 334،ح 1372.
4- الخلاف، ج 4، ص 313، المسألة 86؛ المبسوط، ج 3، ص 456-457.
5- النساء (4): 25.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 334 ، ح 1371.

ونفيهما لايستلزم نفي الجواز؛ لأنه أعم، ونقيض الأخص أعم من نقيض الأعم مطلقاً، وبأنه خرج مخرج الأغلب، فلايدلّ على نفي الحكم عمّا عداه. وكذا الخبر.

ورد بأنّ مفهوم الشرط حجّة عند المحققين، ولا منطوق يعارضه، بل العموم، وهو قابل للتخصيص. وإنّما يتمّ كون المعلق على الشرط الأمر لو قدرنا الجارّ في قوله تعالى:(فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(1) متعلّقاً بمحذوف يدلّ على الأمر، كقوله: «فلینکح» وليس بلازم؛ لجواز تقديره بما يناسب الحل بغير أمر كقوله: «فنكاحه من ما ملكت أيمانكم»، ونحو ذلك. ويؤيده أن الآية مسوقة لبيان الحل والحرمة، لا لبيان الأمر.

وإخراج الشرط مخرج الأغلب خلاف الظاهر، لايصار إليه إلا بدليل بعينه، كتقييد تحريم الربائب بكونهنّ في الحجور.

وثالثها: المنع من تزويج الأمة لمن عنده حرّة، ولا يحرم لغيره. نقله الشيخ في الخلاف(2). وحجته: جعل فقد الطول بالفعل شرطاً لا القدرة عليه، كنكاح الأخت والخامسة، ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق علیه السلام: تزوّج الحرّة على الأمة، ولا تزوج الأمة على الحرّة، ومن تزوّج أمةً على حرّة فنكاحه باطل»(3)، و«من» فيها معنى الشرط.

وجوابه: أنّ الطول أعمّ ممّا ذكر، فتخصيصه يحتاج إلى دليل، والرواية لا تدلّ على جواز نكاح الأمة مطلقاً، بل على إمكانه في الجملة؛ لأنّ إدخال الحرّة على الأمة يدلّ على وقوع نكاح الأمة، لا على جوازه كيف اتفق، ونحن نقول به؛ فإنّ نكاحها بالشرطين جائز.

وبقي تحرير المقام يتوقف على أُمور:

الأوّل: ظاهر القائلين بالمنع من نكاح الأمة على ذلك الوجه أنّ النهي متوجه إلى الوطء، ويتبعه العقد، فيبطل العقد. وقال المفيد(رحمه الله)(4) وجماعة(5): إنّ التحريمَ راجع إلى العقد

ص: 306


1- النساء (4): 25.
2- الخلاف، ج 4، ص 314، ضمن المسألة 86.
3- الكافي، ج 5، ص 359، باب الحرّ يتزوج الأمة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 344، ح 1408.
4- المقنعة، ص 506.
5- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 215.

وحده، فلا يبطل لأنّ النهي في مثله لا يدلّ على البطلان والأولون ينظرون إلى أن النهي هنا متعلّق بركن العقد، وهي الزوجة، كما لو كانت إحدى المحرمات، أو إحدى الأختين في الجمع.

وعلى هذا فيتخرّج في المسألة قول رابع، وهو تحريم نكاح الأمة بدون الشرطين، لكن لايبطل العقد، ويخص القول الأول بمن يقول ببطلان العقد.

الثاني: الطول لغةً: الزيادة والفضل(1). والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن معه من نكاح الحرّة، بأن يقوم بما يتوقف عليه من مهرها ونفقتها ولو بالقوة القريبة، ككسب ذي الحرفة، وغلّة الملك. ولا يكفي وجود المال مع عدم وجود الحرّة، أو عدم إمكان وطئها قبلاً لصغر وغيره.

والعنت لغةً: المشقة الشديدة(2). وأصله انكسار العظم بعد جبره، ثم استعير لكلّ مشقة وضرر. والمراد به هنا الإثم بالوقوع في الزنى الذي يؤدّي إليه غلبة الشهوة؛ إذ لا ضرر أعظم من مواقعة المآثم المؤدّي إلى غضب الله في الدنيا، واستحقاق عذاب النار في الآخرة. ويلحق به خوف الضرر الشديد بتركه، وإن قويت التقوى بحيث منعت من الزنى على الأقوى؛ عملاً بمفهومه لغةٌ؛ إذ الأصل عدم النقل الذي ادعاه بعض الفقهاء(3) من أنه شرعاً بمعنى الزنى؛ إذ لا ضرورة إلى دعوى النقل؛ فإنّ ذلك بعض استعمالات اللفظ لغةً. كما أنّ الطول في المال يشمل ما يراد منه هنا، فلا يلزم نقله شرعاً إلى مهر الحرّة ونفقتها.

الثالث: لو وجد الشرطان فتزوّج الأمة، ثمّ تجدّد زوالهما ولو بفقد أحدهما لم يقدح في صحة النكاح السابق وإن لم يدخل؛ للحكم بصحته ولزومه حين إيقاعه فيستصحب، حتى لو فرض طلاقها رجعيّاً جاز له رجعتها حينئذ ؛ لأنّ الرجعية بمنزلة الزوجة.

ص: 307


1- راجع لسان العرب، ج 11، ص 414، «طول».
2- الصحاح، ج 1، ص 259؛ لسان العرب، ج 2، ص 62، «عنت».
3- كفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 93.

الرابع: لو أمكن إزالة العنت بوطء ملك اليمين مع فقد الطول للحرّة لم يجز له وطء الأمة؛ لفقد الشرط المخلّ بجواز نكاح الأمة؛ لأنّ قدرته على دفع العنت بوطء ملك اليمين يرفع خوف العنت مطلقاً، كقدرته على رفعه بالتقوى.

وربما احتمل الجواز؛ لأنه لا يستطيع طول حرّة، وهو الشرط.

ويضعف بأن خوف العنت شرط أيضاً، وهو منتف.

الخامس: القدرة على وطء الحرّة شرط أيضاً في وجود الطول كما تقدم، فلو كان عنده حرّة رتقاء، أو ضعيفة عن الوطء بمرض أو صغر، أو غائبة عنه، بحيث يخشى العنت قبل الوصول إليها جاز له نكاح الأمة؛ لفقد شرط الطول، ودفعاً للحرج. نعم، لو قدر مع وجودها زوال العنت ببعض الاستمتاعات غير الوطء امتنع.

السادس: لا فرق في المنع من العقد - على القول به - بين الدائم والمنقطع؛ لشمول النكاح المشروط لهما. وأما التحليل فإن جعلناه عقداً امتنع أيضاً، وإن جعلناه إباحة فلا، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين.

السابع: الآية تضمنت اشتراط العجز عن نكاح المؤمنة(1)، ومفهومها أنه يباح بدونه وإن قدر على نكاح الكافرة. وهو يتم على القول بالمنع من نكاحها مطلقاً. ولو جوزناه على بعض الوجوه احتمل بقاء الجواز؛ عملاً بظاهر الآية، ولأن نكاح الكافرة وإن جاز إلا أنه ناقص بسبب مخالطتها، وتجنبها مع ذلك مما تعظم مشقته، فلا يعتبر.

ووجه المنع أنّه لا يخشى العنت معها. ويمكن أن يقال في دلالة الآية - مع تسليم العمل بمفهومها - إن تعذر المؤمنة يوجب عدم الطول، فلا يلزم من فوات الطول وحده جواز نكاح الأمة، بل لا بد معه من خوف العنت، وهو منتف مع وجود الكتابية.

الثامن: لو وجدت الحرّة وقدر على ما طلبته من المهر، لكن طلبت أزيد من مهر مثلها

ص: 308


1- النساء .(4): 25.

بحيث تجحف بالزيادة، ففي وجوب بذله وتحريم نكاح الأمة وجهان، من تحقق القدرة المقتضية لوجود الطول، ومن لزوم الضرر والمشقة بدفع الزيادة، وحمل القدرة على المتعارف وهو قوي مع استلزام بذل الزيادة الإسراف عادةً بحسب حاله أو الضرر، وإلا فالأوّل أقوى. ولهذا الفرع نظائر كثيرة، سبق منها وجود الماء للطهارة بأزيد من ثمن مثله، ووجود الساتر للعورة، ووجود الراحلة في الحج(1) وغيرها.

التاسع: المعتبر في المال المبذول في المهر والنفقة القدر الزائد عمّا يستثنى في الدين من المسكن والخادم وثياب البدن ونحوها؛ لأنّ ذلك لا ينافي الفقر، والفقير غير مستطيع، مع احتماله؛ لتحقق القدرة في الجملة المانعة من نكاح الأمة.

العاشر: لو كان له مال غائب يتحقق به الطول ولكن لا وصول إليه الآن مع خوف العنت فإن أمكنه الاستدانة عليه أو بيعه فهو مستطيع، وإلا فلا، ومن ثم جاز له حينئذ أخذ الزكاة. ولو وجد من يشتريه بأقل من ثمن المثل ففي وجوبه الوجهان السابقان. والتفصيل أقوى.

الحادي عشر: لو لم يكن مالكاً للمهر، ولكنّها رضيت بتأجيله، فإن كان إلى وقت لا يترقب فيه المال عادةً فلا عبرة به.

وإن كان مما يتوقع فيه القدرة فوجهان، من تحقق القدرة على الحرّة الآن، ومن أنّ المعتبر في القدرة المال المخصوص للحرّة، والمفروض عدمه. وشغل الذمة بمثل ذلك مع إمكان كذب الظنّ فضلاً عن الاحتمال لا دليل عليه إن لم يكن فيه ضرر. وهذا أقوى. ولا فرق بين طلبها مع ذلك مقدار مهر المثل معجّلاً وأزيد منه وأنقص. وكما لا يجب التزام دينها كذا لا يجب التزامه من غيرها بقرض ونحوه، حيث لا يكون عنده وفاء.

الثاني عشر: يقبل قوله في خوف العنت مطلقاً، وفي فقد الطول إذا لم يعلم كذبه بوجود مال في يده يعلم ملكه له. نعم، لو ادعى أنه ليس له وأمكن صدقه قبل من غير يمين.

وكذا لو ادعى أن عليه ديناً يمنع الطول.

ص: 309


1- سبق في ج 1، ص 113 - 114: وج 2، ص 28.
الرابعة: لايجوز للعبد أن يتزوّج أكثر من حرّتين.
الخامسة: لايجوز نكاح الأمة على الحرّة إلا بإذنها،

لایجوز نکاح الامة علی الحرة الا باذنها،فإن بادر كان العقد باطلاً. وقيل: كان للحرّة الخيار في الفسخ والإمضاء، ولها فسخ عقد نفسها. والأوّل أشبه.

الثالث عشر: أطلق القائلون بجوازه بالشرطين أنّ الصبر له أفضل عملاً بظاهر قوله تعالى: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(1). وفي الجمع بين خيريّته مع اشتراط الجواز بخشية العنت إشكال. الرابع عشر ممّا يتفرّع على القول بالمنع عدم جواز الزيادة على الواحدة حيث يسوغ النكاح؛ لانتفاء العنت بالواحدة. هذا إذا تمكن من الوصول إليها بحيث يزول العنت المعتبر في المنع، فلو كانت بعيدةً عنه بحيث لا يمكنه الوصول إليها بدون العنت جازت الثانية، كما تجوز على القول الآخر مطلقاً. أما الثالثة فتحرم مطلقاً اتفاقاً.

قوله: «لا يجوز للعبد أن يتزوّج أكثر من حرّتين».

هذه المسألة لا تعلّق لها بهذا الباب، بل هي من مسائل السبب الرابع في استيفاء العدد، وسيذكرها فيه مرةً أُخرى(2).

وملاحظة أن الزائد عن اثنتين يحرم الجمع بينه وبين الاثنتين، ولا يحرم عيناً، بل لو فارق الاثنتين تحلّ له أخريان غيرهما كالأختين، توجب ذكر جميع أقسام الزائد عن العدد

المعتبر هنا؛ لاشتراكهما في هذا المعنى، فلا وجه لتخصيص هذه على كلّ تقدير.

قوله: «لايجوز نكاح الأمة على الحرّة إلا بإذنها - إلى قوله - والأول أشبه». هذه المسألة متفرّعة على السابقة، فإن قلنا بالمنع من نكاح الأمة مع القدرة على الحرّة

فلا كلام في البطلان هنا. وإن قلنا بالجواز فلا يخلو إما أن يتزوج الحرة قبل الأمة، أو بالعكس أو يتزوجهما معاً. وسيأتي حكم الأخيرتين. ويمكن فرض المسألة على القول بالمنع، بتقدير أن لا يمكنه الوصول إلى الحرّة، فإنّه شرط في الطول كما تقدم، فيجوز له حينئذ

ص: 310


1- النساء (4): 25.
2- يأتي في ص 326.

نكاح الأمة. وحيث جاز له نكاحها وكان عنده حرّة لم يجز نكاح الأمة إلا بإذنها، فإن أذنت قبل العقد على الأمة صح الثاني إجماعاً. وإن لم يسبق إذنها ففي بطلان العقد على الأمة، أو وقوعه موقوفاً على رضى الحرّة كعقد الفضولي ، أو تخيير الحرّة في فسخ عقدها أيضاً، أقوال: أحدها ما اختاره المصنّف وهو بطلان عقد الأمة، وهو مذهب ابن إدريس(1) وجماعة(2)؛ عنه. وقد تقدّم الكلام فيه مراراً(3)، ولحسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: «تزوّج الحرّة على الأمة، ولا تزوّج الأمة على الحرّة. ومن تزوّج أمةً على حرّة فنكاحه باطل»(4)، وعن حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن رجل تزوّج أمةً على حرّة لم يستأذنها قال: «يفرق بينهما» قلت: عليه أدب؟ قال: «نعم، اثنا عشر سوطاً ونصف ثمن حد الزاني، وهو صاغر»(5).

وهما شاملتان لرضى الحرّة بعد العقد وعدمه، فترك الاستفصال يفيد العموم والتعزير مشروط بالدخول وعلمه بالتحريم.

وثانيها: تخيّر الحرّة بين فسخ عقد الأمة وإمضائه من غير أن يبطل في نفسه ابتداء؛ لأنّ الحق في ذلك لها، فلايقصر عن عقد الفضول. وقد تقدّم ما يصلح تحقيقاً لهذا القول في العقد على بنت الأخ والأخت بعد العمة والخالة(6)؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(7)، خرج منه ما إذا ردته إجماعاً فيبقى الباقي.

ص: 311


1- السرائر، ج 2، ص 546-545.
2- منهم ابن أبي عقيل، وابن الجنيد على ما حكاه عنهما الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 140؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 83 المسألة 32؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 90.
3- تقدم في ص 306 - 307.
4- الكافي،ج 5، ص 359. باب الحرّ يتزوج الأمة، ج 2: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 344. ح .1408.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 344-345، ح 1411؛ الاستبصار،ج3،ص 209، ح 755.
6- قدم في ص 278 - 280.
7- المائدة (5): 1.

. أما لو تزوّج الحرّة على الأمة كان العقد ماضياً، ولها الخيار في نفسها إن لم تعلم.

وهذا هو الأقوى. ويمكن أن يريد المصنّف بالبطلان هذا المعنى؛ لأنه كثيراً ما يطلقه في مقابلة عدم اللزوم. وعليه حمل العلّامة عبارات الأصحاب بذلك(1) غير ابن إدريس؛ فإنّ كلامه لا يحتمل غير ظاهره من جهة دليله. وثالثها: تخيّر الحرّة بين فسخ عقد الأمة وعقد نفسها. وهو قول الشيخين(2) وأتباعهما(3).

وقد تقدم في العقد على بنت الأخ على العمة ما يدلّ عليه وعلى جوابه(4).

ويزيد هنا رواية سماعة عن الصادق علیه السلام عن رجل تزوّج أمةً على حرّة، فقال: «إن شاءت الحرّة أن تقيم مع الأمة أقامت، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها»(5) الحديث. وهو يدلّ على جواز فسخها عقد نفسها، ويسهل بعده القول بجواز فسخها عقد الأمة لكن الخبر ضعيف السند.

قوله: «أما لو تزوّج الحرّة على الأمة كان العقد ماضياً، ولها الخيار في نفسها إن لم تعلم». هذا هو القسم الثاني من أقسام الجمع بين الحرّة والأمة ، وبناؤه على القولين السابقين معاً ؛ فإنّ تزويج الأمة قبل الحرّة على القول بالمنع منه بدون الشرطين ممكن بفقد أحدهما . وحينئذ فإذا أدخل الحرّة عليها فلا اعتراض للأمة؛ لأنّ حق الجمع للحرّة لا لها.

وأما الحرّة فإن كانت عالمة بزوجيّة الأمة فلا اعتراض لها مطلقاً؛ لأنّ دخولها حينئذ على الأمة يتضمن رضاها، وإن لم تعلم كان لها فسخ عقد نفسها لا فسخ عقد الأمة. أما عدم تسلّطها على فسخ عقد الأمة فلسبق لزومه، فلا سبيل إلى إبطاله. وأما تسلطها على فسخ عقد نفسها فلصحيحة يحيى الأزرق عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن رجل كانت له امرأة

ص: 312


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 83، المسألة 32.
2- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 507506؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 459.
3- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 188؛ وسلّار في المراسم، ص 150 وابن حمزة في الوسيلة، ص 294.
4- تقدّم في ص 279 - 280.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 345، ح 1412.

. ولو جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرّة دون الأمة.

وليدة فتزوّج حرّةً ولم يُعلمها أنّ له امرأة وليدة، فقال: «إن شاءت الحرّة أقامت، وإن شاءت لم تقم». قلت: قد أخذت المهر فتذهب به؟ قال: «نعم، بما استحلّ من فرجها»(1). وهذا القول هو الأظهر بين الأصحاب، بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع(2). وذهب الشيخ في التبيان إلى تخيّرها بين فسخ عقد نفسها وفسخ عقد الأمة(3). ووجهه قد علم من مسألة العمة فيما سبق(4) . وهو ضعيف؛ لأن الضرر يندفع عنها بفسخ عقد نفسها المتزلزل، وأما اللازم فلا سبيل إلى فسخه.

قوله: «ولو جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرّة دون الأمة». المراد أنّ عقد الحرّة حينئذ يقع لازماً دون عقد الأمة؛ فإنّه يقف على رضى الحرّة على قول، أو يقع باطلاً على القول الآخر. وقد علم وجههما مما سبق، وأن كلام المصنّف يحتمل الأمرين، وإن كان في البطلان أظهر. وإنما كان عقدها لازماً لانتفاء المقتضي لتزلزله؛ لأنّ عقد الأمة إما باطل أو بيد الحرّة، فإذا فسخته زال الضرر عنها.

والصحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر علیه السلام في رجل تزوج حرّةً وأمتين مملوكتين في عقد واحد قال: «أما الحرّة فنكاحها جائز، وإن كان قد سمّى لها مهراً فهو لها.

وأمّا المملوكتان فنكاحهما في عقد مع الحرّة باطل، يفرّق بينه وبينهما»(5).

وقال الشيخان وأتباعهما يصح عقد الحرّة، ويقف عقد الأمة على رضى الحرّة، فإن أجازته لزم، وإن فسخته انفسخ(6). وهو الأقوى. ويمكن أن يريده المصنّف بحمل الصحة على اللزوم.

وفي المسألة قول ثالث، وهو تخيير الحرّة في فسخ عقد نفسها وعقد الأمة.

ص: 313


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 345، ح 1413.
2- الخلاف، ج 4، ص 318، المسألة 92.
3- التبيان، ج 3، ص 170 ذيل الآية 25 من سورة النساء (4).
4- سبق في ص 278 - 280.
5- الفقيه،ج3، ص 421،ح 4467؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 345،ح 1414.
6- حكاه عنهم جميعاً فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 91، ولم نعثر عليه في كتبهم.
السادسة: لاتحلّ ذات البعل لغيره، إلا بعد مفارقته وانقضاء العدة

: لاتحلّ ذات البعل لغيره، إلا بعد مفارقته وانقضاء العدة إن كانت ذات عادة(1).

واختاره العلّامة في المختلف؛ محتجاً بأن العقد واحد، وهو متزلزل، ولا أولوية(2). ويضعف بأنها إذا لم ترض بعقد الأمة فسد، فتحققت الأولوية، مع أنها حاصلة بالرواية الصحيحة. وبوجوب الوفاء بالعقد، خرج منه عقد الأمة لحق الحرّة فيبقى الباقي. والضرر مندفع عنها بتخيّرها، أو الحكم ببطلان عقد الأمة.

واعلم أنّ الجمع في عقد واحد يتحقق بأن يزوج رجل ابنته وأمته لآخر في عقد واحد، أو يزوج ابنته وأمة غيره بالوكالة كذلك أو بالعكس، أو يزوجهما بالوكالة فيهما، ونحو ذلك.

قوله: «لا تحلّ ذات البعل لغيره إلا بعد مفارقته، وانقضاء العدة إن كانت ذات عدة(3). لا وجه لذكر هذه المسألة في مسائل تحريم الجمع بوجه، وربما يوجد في بعض النسخ في مسائل تحريم العين وهو أشدّ منافرة؛ لأنّها ليست محرّمةً عيناً. وكيف كان فارتباطها بالأوّل متوجه بتكلف، حيث إنه يحرم الجمع بينها وبين زوجاته من حيث إنّها محرمة حينئذ. ولو حذفت من القسمين كان أولى؛ لأنّ تحريمها لا يتوقف على الجمع بينها وبين أُخرى. ومن تكلّف لها بأنّ المراد تحريم الجمع فيها بين العقد والوطء فقد توغل بغير فائدة؛ لأنّ كلّ واحد من الأمرين محرّم برأسه بالنسبة إليها من غير أن يتوقف أحدهما على الآخر. إذا تقرر ذلك، فحكم المسألة واضح إجماعي. ولا فرق في العدة بين البائنة والرجعية، وإن كان تحريمه في الثانية أشد؛ لأنها زوجة خالصة وسيأتي حكم ما لو خالف وتزوجها كذلك(4).

ص: 314


1- بدل ما بين القوسين في بعض نسخ المتن: «السادسة: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها» إلى آخره، وهي التي شرحها الشهيد فيما بعد وجعلها من مسائل تحريم العين. وفي نسخة «أ» المعتمدة في تصحيح المتن شطبت عليها وكتبت عليها هذه زائدة». وما هنا موافق لنسخة الشرائع المطبوعة في هامش طبعته الحجرية، سنة 1313 من مسالك الأفهام.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 85 المسألة 32.
3- هذه هي المسألة السادسة التي توجد في بعض النسخ، وشطب عليها في نسخة مقروءة على المصنف، وقد مرت إليها الإشارة في ص 295 الهامش .1.
4- سيأتي في ص 321.
المقصد الثاني في مسائل من تحريم العين وهی ستّ
الأولى: من تزوج امرأةً في عدتها عالماً حرمت عليه أبداً.

وإن جهل العدة والتحريم ودخل حرمت أيضاً. ولو لم يدخل بطل ذلك العقد، وكان له استئنافه

قوله: «من تزوج امرأة في عدتها عالماً حرمت عليه أبداً - إلى قوله - وكان له استئنافه».

مستند هذا الحكم أخبار كثيرة:

منها: رواية زرارة وغيره عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال: «الذي يتزوّج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبداً»(1).

ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عنه علیه السلام قال: سألته عن الرجل الذي يتزوّج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبداً؟ فقال: «لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك»، فقلت: بأيّ الجهالتين أعذر ، بجهالته أن يعلم أنّ ذلك محرم عليه، أم بجهالته أنّها في عدة؟ فقال: «إحدى الجهالتين أهون من الأُخرى، الجهالة بأنّ الله حرم ذلك عليه؛ وذلك لأنه لا يقدر على الاحتياط معها»، فقلت: فهو في الأخرى معذور ؟ قال: «نعم، إذا انقضت عدتها فهو معذور أن يتزوجها»، فقلت: وإن كان أحدهما متعمداً والآخر بجهالة؟ فقال: «الذي تعمّد

لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبداً»(2). وهذه الرواية - مع صحتها - مفصلة لحكم الجاهل، ومؤذنة بالتحريم على العالم، ويبقى

الأخبار الباقية في العالم مؤيّدةً و إن لم تكن صحيحةً.

ص: 315


1- الكافي، ج 5، ص 426، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،1؛تهذيب الأحكام، ج 7، ص 306- 305، ح 1272؛ الاستبصار، ج 3، ص 185،ح 674.
2- هذيب الأحكام، ج 7، ص 306-307، ج 1274 : عن أبي إبراهيم علیه السلام في الكافي، ج 5، ص 427، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،ح3؛ والاستبصار، ج 3، ص 186، ح 676.

ويدلّ على التحريم مع الدخول مطلقاً حسنة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السللم قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً، عالماً كان أو جاهلاً. وإن لم يدخل بها حلت للجاهل، ولم تحلّ للآخر»(1). واعلم أنّ تفصيل أحكام المسألة أنهما إما أن يكونا عالمين، أو جاهلين، أو تكون المرأة عالمة والرجل جاهلاً، أو بالعكس. وعلى تقدير الجهل إما أن يكون بالتحريم، أو بالعدة، أو بهما. ومضروب الثلاثة في صور الجهل الثلاثة تسعة مضافاً إلى صورة العلم. وعلى التقادير العشرة إما أن يكون قد دخل، أو لا. فهذه عشرون صورة.

وجملة أحكامها: أنه إن دخل بها في العدة حرمت مطلقاً، وإن لم يدخل فإن كانا عالمين حرمت كذلك. وإن كانا جاهلين بالعدة، أو بالتحريم، أو بهما، لم تحرم. وإن جهل أحدهما وعلم الآخر اختصّ كلّ واحد بحكمه، وإن حرم على الآخر التزويج به من حيث مساعدته على الإثم والعدوان.

ويمكن التخلّص من ذلك بأن يجهل التحريم أو شخص المحرّم عليه، ومتى تجدد علمه تبين فساد العقد؛ إذ لا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة دون أخرى في نفس الأمر، وإن أمكن في ظاهر الحال، كالمختلفين في صحة العقد وفساده. وحيث لايحكم بالتحريم المؤبد يحكم بفساد العقد، فيجدّده بعد العدة إن شاء.

ولا فرق بين العدّة الرجعية والبائنة، وعدة الوفاة وعدة الشبهة. ولا في العقد بين الدائم والمنقطع. ومع الدخول يحرم على أبيه وابنه مطلقاً؛ لأنّه زان أو واطئ بشبهة، وكلاهما ينشران التحريم على أصح القولين. ووطء الجاهل بالتحريم بعد العدة لا أثر له في التحريم وإن تجدد له العلم، وإنما المحرم الوطء فيها أو العلم بالتحريم حالة العقد.

ص: 316


1- الكافي، ج 5، ص 426-427، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 307 ح 1276؛ الاستبصار،ج3، ص 187، ح 679.
الثانية: إذا تزوّج في العدة

إذا تزوّج في العدة ودخل فحملت فإن كان جاهلاً لحق به الولد إن جاء لستة أشهر فصاعداً منذ دخل، وفرّق بينهما، ولزمه المسمّى، وتتم العدة الأُولى، وتستأنف أُخرى للثاني. وقيل: تجزئ عدة واحدة.

ولها مهرها على وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان، وعدمه أقوى؛ وقوفاً على موضع النص واستصحاباً للحلّ في غيره.

ومثله يأتى فى الوفاة المجهولة ظاهراً قبل العدة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر؛ لأنّ العدة لاتصح إلا بعد بلوغ الخبر والأقوى عدم التحريم مطلقاً أيضاً.

وفي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان أيضاً، من مساواتها لها في المعنى وزيادة علقة الزوجيّة، فيكون من باب مفهوم الموافقة، وانتفاء العدّة التي هي مورد النص، وإمكان اختصاص العدة بمزية خاصة.

ولا إشكال مع العلم بالتحريم؛ لاقتضاء الزنى التحريم ولا في عدمه مع الجهل وإنّما الإشكال مع الجهل والدخول أو عدمه مع عدمه. ويمكن الاستدلال على التحريم حينئذ بموثقة زرارة عن الباقر علیه السلام في امرأة فقدت زوجها أو نُعي إليها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: «تعتد منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدةً واحدةً، وليس للآخر أن يتزوجها أبداً»(1). وهى تدلّ على مساواة النكاح للعدّة. لكن - مع قطع النظر عن سندها - تضمّنت الاكتفاء بعدة واحدة، وهم لا يقولون به. وكذلك إطلاق كون العدة ثلاثة أشهر، إلا أن هذا أسهل.

وبموثقة أديم بن الحرّ عن أبي عبدالله علیه السلام: «التي تتزوّج ولها زوج يفرق بينهما، ثمّ

لا يتعاودان ، أبداً »(2)، فإنّها تشمل بإطلاقها موضع النزاع.

قوله: «إذا تزوّج في العدة ودخل فحملت إلى قوله - ومع علمها فلا مهر».

لا إشكال في لحوق الولد به مع جهله؛ لأنّه وطء شبهة يلحق به النسب إن أمكن كونه

ص: 317


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 308، ح 1279؛ الاستبصار، ج 3، ص 188، ح 682.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 305، ح 1271.

الأوّل، ومهر على الأخير إن كانت جاهلة بالتحريم. ومع علمها فلا مهر.

منه، بأن تأتي به لأقلّ الحمل فما زاد إلى أقصاه من حين وطئه. ومن هذا يعلم أن قوله: لستة أشهر فصاعداً غير جيّد؛ لأنه يدخل فيه ما زاد عن الأقصى.

وأما التفريق بينهما فلازم على كل حال؛ لتحريمها عليه مؤبداً مع الدخول. وأمّا لزوم المسمّى فقد تقدّم مثله في آخر باب الرضاع(1)، وبناؤه على أنّ المسمّى هو الذي وقع عليه التراضي في العقد عوضاً للبضع، فكان لازماً، كما لو وقع العقد صحيحاً. وهذا قول الشيخ(2).

وقد تقدّم ضعفه(3). والأصح وجوب مهر المثل؛ لأنّه عوض البضع حيث لا يكون هناك عقد، والعقد وقع باطلاً، فيبطل ما تضمنه من المهر، فالموجب هو وطء الشبهة، وعوضه مهر المثل. ويجب عليها استئناف عدة لوطء الشبهة بعد إكمال الأولى؛ لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبب ويؤيده(4)، رواية محمّد بن مسلم قال قلت له: الحبلى يتوفّى عنها زوجها فتضع وتتزوّج قبل أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فقال: «إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له أبداً، واعتدت بما بقي عليها من عدة الأوّل، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء»(5).

والقول بالاكتفاء بواحدة مجهول القائل، ولكن مستنده روايات كثيرة منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفرعلیه السلام في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال:

« يفرّق بينهما وتعتد عدةً واحدةً منهما جميعاً»(6).

ورواية أبي العبّاس عن أبي عبدالله علیه السلام في المرأة تتزوّج في عدتها، قال: «يفرّق بينهما،

ص: 318


1- تقدّم في ص 260. 1.
2- المبسوط ، ج 4 ص 357؛ وراجع النهاية، ص 453 - 454.
3- تقدّم في ص 260.
4- في حاشية «و»: «إنما جعل الرواية مؤيدة لا دليلاً؛ لأنّها مقطوعة لا تصلح للدلالة، بل للشهادة(منه رحمه الله)».
5- الكافي، ج 5، ص 427، باب المرأة التي تحرم على الرجل...، 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 307، ح 1277؛ الاستبصار، ج 3، ص 187-188، ح 680.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 308، ح 1278؛ الاستبصار، ج 3، ص 188، ح 681.
الثالثة:من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها

من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها وكذا لو كانت مشهورة بالزني.

وتعتد عدةً واحدةً منهما جميعاً»(1). وحملها الشيخ على عدم الدخول(2)، فإنّها تجزيها حينئذ عدة واحدة للأوّل.

وفيه نظر؛ لتصريح الروايات بأنّ العدة لهما جميعاً، ومع عدم الدخول لا عدة للثاني إجماعاً؛ إذ لا مقتضي لها.

وأما ثبوت مهرها على الأوّل فواضح؛ لأنه الزوج، ومهرها يستقر بالدخول. وأما ثبوته على الثاني مع جهلها؛ فلأنه وطء شبهة، ففيه مهر المثل للجاهلة، سواء كان

جاهلاً أيضاً أم عالماً. ومع علمها لا شيء لها؛ لأنّها بغي، وإن كان الزوج جاهلاً.

قوله: «من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها، وكذا لو كانت مشهورةً بالزنى المشهور بين الأصحاب عدم تحريم الزانية على الزاني إن لم يكن زنى بها حال تزوجها

بغيره، ولا معتدة منه عدة رجعيّة: للأصل، وقول النبي صلی الله علیه وآله وسلم: «الحرام لا يحرّم الحلال»(3). وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها. فإذن أوله سفاح وآخره نكاح، فمثله كمثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها ثم اشتراها فكانت له حلالاً»(4).

نعم، يكره تزويج الزانية مطلقاً للنهي عنه في عدة أخبار(5) المحمول على الكراهة جمعاً. وحرمه الشيخان(6) وأتباعهما(7) إلا أن تتوب.

ص: 319


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 308، ح 1280؛ الاستبصار، ج 3، ص 188، ح 683.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 308، ذيل الحديث 1280؛ الاستبصار، ج 3، ص 188، ذيل الحديث 683.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 649، ح 2015؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 197 198، ح 3622-3624: السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 274 - 275، ح 13963-13966.
4- الكافي، ج 5 ص 356، باب الرجل يفجر بالمرأة...،2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 327، ح 1345.
5- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 438 - 440، الباب 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
6- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 504 والشيخ الطوسي في النهاية، ص 458.
7- كالحلبي في الكافي في الفقه، ص 286؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 188.

. وكذا لو زنت امرأته وإن أصرت على الأصح.

واعتبر الشيخ في توبتها أن يدعوها إلى الزنى فلا تجيبه(1)؛ استناداً إلى رواية أبي بصير :قال: سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد أن يتزوجها، فقال: «إذا تابت حلّ له نكاحها» قلت:

كيف تعرف توبتها؟ قال: «يدعوها إلى ما كانت عليه من الحرام، فإن امتنعت واستغفرت ربها

عرف توبتها(2). وفي معناها رواية عمار عن الصادق علیه السلام(3) . والسند فيهما ضعيف. وفي الأولى قطع. وفي متنها إشكال، من حيث إنّ دعاءها إلى الحرام يتضمن إغراءها بالقبيح. والمصنّف لم يعتبر هذا القول؛ لضعف مستنده.

قوله: «وكذا لو زنت امرأته وإن أصرّت على الأصح».

هذا هو المشهور. ومستنده الأصل، والخبر السابق المتضمن ل- «أنّ الحرام لا يحرم الحلال»، مؤيّداً بموثقة عباد بن صهيب عن الصادق علیه السلام قال: «لا بأس أن يمسك الرجل

امرأته إن رآها تزنى إذا كانت تزني، وإن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شيء»(4). وذهب المفيد(5) وتلميذه سلار(6) إلى تحريمها مع الإصرار؛ لفوات أعظم الفوائد المطلوبة من النكاح، وهو التناسل معه؛ لاختلاط النسب. والغرض من شرعيّة الحدود للزناة حفظ الأنساب عن الاختلاط، وهو قائم مع الإصرار.

وأُجيب(7) بأن النسب لاحق بالفراش، والزاني لا نسب له، ولاحرمة لمائه.

ص: 320


1- النهاية، ص 458.
2- الفقيه، ج 3، ص 418، ح 4460؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 327- 328، ح 1348: الاستبصار، ج 3، ص 168. ح 614.
3- الكافي، ج 5، ص 355 - 356، باب الرجل يفجر بالمرأة...، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 328 ، ح 1349؛الاستبصار،ج3، ص 168،ح 615.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 331، ح 1362.
5- المقنعة ص 504.
6- المراسم، ص 149.
7- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 316.

ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبداً في قول مشهور.

الرابعة: من فجر بغلام فأوقبه حرم على الواطئ العقد على أُمّ الموطوء وأُخته وبنته.

ولاتحرم إحداهن لو كان عقدها سابقاً.

قوله: «ولو زنی بذات بعل، أو في عدة رجعيّة حرمت عليه أبداً في قول مشهور». إنّما نسبه إلى الشهرة مع عدم ظهور المخالف؛ لعدم وقوفه على مستند صالح له من النص، وعدم تحقق الإجماع على وجه يكون حجة، كما حققناه سابقاً.

نعم، يتوجه على ما تقدّم من إلحاق العقد على ذات البعل بالمعتدة تحريمها(1) هنا مع الدخول؛ لأنّه إذا ثبت تحريمها بالعقد المجرد مع العلم فمع الدخول أولى أو نقول: إذا ثبت تحريمها بالدخول مع العقد فمع التجرّد عنه أولى.

وعلى المشهور فلا فرق بين علم الزاني بكونها ذات بعل وعدة رجعية وعدمه، ولا بين دخول البعل بها وعدمه، ولا بين المتمتع بها والدائم؛ عملاً بالعموم(2). ولا يلحق به الزنى بذات العدّة البائنة وعدة الوفاة؛ للأصل. ولا بذات البعل الموطوءة بشبهة، ولا الأمة الموطوءة بالملك؛ عملاً بالأصل في غير موضع الوفاق إن اتفق هنا.

قوله: «من فجر بغلام فأوقبه حرم على الواطئ» إلى آخره.

هذا الحكم متفق عليه بين الأصحاب على ما يظهر منهم. ومستنده روايات، أوضحها صحيحة ابن أبي عمير عن رجل، عن الصادق علیه السلام في الرجل يعبث بالغلام، قال: «إذا أوقب حرمت عليه أخته وابنته»(3). وفي رواية إبراهيم بن عمر عنه علیه السلام، تحريم الأُمّ أيضاً(4). ورواية التحريم ابن أبي عمير مرسلة إلا أنّ الأصحاب قبلوا مراسيله. وإبراهيم بن عمر ضعيف. والمعتمد على الإجماع والأخبار المجبورة بالشهرة.

ص: 321


1- . تقدم في ص 317.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 446 - 457، الباب 16 - 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
3- الكافي ج 5، ص 417، باب الرجل يفسق بالغلام...،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310، ح 1286.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310، ح 1287.
الخامسة: إذا عقد المحرم على امرأة عالماً بالتحريم حرمت عليه أبداً.

ولو كان جاهلاً فسد عقده ولم تحرم.

ويتحقق الإيقاب بإدخال بعض الحشفة وإن لم يوجب الغسل؛ لأنّ أصله الإدخال وهو متحقق بذلك. ويتعدى الحكم إلى الأم وإن علت، والبنت وإن سفلت، إما من حيث شمولهما لذلك حقيقة ، أو للاتفاق عليه كالأصل ، وإلا فللكلام في التعدي مجال ؛ لما عرفت من أنهما حقيقتان في المتصلتين دون المنفصلتين بالوسائط. أما الأخت فلا يتعدّى إلى بنتها اتفاقاً ؛ لأنّ اسم الأخت لا يقع على بنتها مطلقاً.

ولا فرق في الفاعل والمفعول بين الصغير والكبير على الأقوى فيتعلّق التحريم قبل البلوغ بالولي وبعده به؛ جعلاً للفعل من باب الأسباب التي لا تشترط بالتكليف. ولا يحرم على المفعول بسببه شيء؛ للأصل. وإنما تحرم المذكورات مع سبق الفعل على النكاح کالزني، أما مع تأخره فيستصحب الحلّ، ولا يحرم الحرام الحلال.

قوله: «إذا عقد المُحرم على امرأة عالماً بالتحريم حرمت عليه أبداً» إلى آخره. هذا هو المشهور بين الأصحاب؛ ومستنده رواية زرارة عن أبي عبدالله(علیه السلام) ومن جملتها: «والمحرم إذا تزوّج وهو يعلم أنه حرام عليه لاتحل له أبداً»(1). وهي دالّة بإطلاقها على التحريم مع العلم وإن لم يدخل، وبمفهومها على عدم التحريم مع عدمه وإن دخل، ويعتضد المفهوم بالأصل فيتقوى من ضعفه. وإنّما الكلام في حالة العلم؛ لضعف الرواية، إلا أنه لا قائل بعدم التحريم مطلقاً، وإن اختلفت كلمتهم في الشرط، فإنّ الأكثرين اعتبروا ما ذكره المصنف.

ومنهم من اقتصر على حالة العلم كالمفيد(2)؛ وقوفاً مع الرواية.

ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين العالم وغيره، كسلّار والصدوق(3).

ص: 322


1- الكافي، ج 5، ص 426، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 305- 306.ح 1272؛ الاستبصار، ج 3، ص 185- 186، ح 674.
2- المقنعة، ص 501.
3- المراسم، ص 149 : المقنع، ص 327.
السادسة:إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها

إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله. ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.

وجماعة أطلقوا التحريم مع العلم ومع الدخول في حالة الجهل، منهم ابن إدريس(1)، وقواه فخر الدين في شرحه(2). إلى غير ذلك من الاختلافات وليس في الباب من النصوص سوى ما ذكرناه. واعلم أنه لا فرق بين إحرام الحج والعمرة في ذلك، ولا بين الفرض والنفل، ولا بين كونه

عن نفسه وغيره، ولا بين كون المعقود عليه محرماً وعدمه.

ولو انعكس الفرض بأن كانت الزوجة محرمة والزوج محلاً فالأصل يقتضي عدم التحريم؛ إذ لانص هنا. وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدلّ على التسوية بين الأمرين.

و على كلّ تقدير يقع العقد فاسداً.

والمعتبر صحته لولا المانع، فلا عبرة بالفاسد على التقديرين، سواء علم بفساده أم لا.

واستقرب في التحرير إلحاقه بالصحيح مع اعتقاده صحّته(3).

قوله: «إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها - إلى قوله - لم تحرم على الأصح»(4). نبّه ب«الأصح» على خلاف الشيخ في النهاية حيث أطلق تحريمها بالدخول بها قبل بلوغ التسع(5) من غير تقييد بالإفضاء؛ استناداً إلى إطلاق الروايات بالتحريم(6) كذلك. ولم نقف على خبر واحد يدلّ على اشتراط التحريم بالإفضاء، ولكن الأصحاب قيدوه بذلك.

ص: 323


1- السرائر، ج 1، ص 553: وج 2، ص 525.
2- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 73.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 471، الرقم 5006.
4- بدل هذه العبارة في النسخة المعتمدة من شرائع الإسلام: «لا تحلّ ذات البعل لغيره إلا بعد مفارقته» إلى آخره،التي مرّ شرحها في آخر المقصد الأول، في ص 314.
5- النهاية ص 453.
6- راجع الكافي، ج 5، ص 429، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،ح12؛ وتهذيب الأحكام، ج 7،ص 311- 312، ح 1292؛ والاستبصار، ج 4، ص 295، ح 1111.

والعجب مع ذلك من العلامة؛ فإنّه - مع نقله الأخبار الدالة على ما ذكرناه في المختلف - قال: إنّ إطلاق الشيخ مشكل قال والظاهر أنّ مراده ذلك(1). يعني مع الإفضاء. وهذا الظاهر ليس بظاهر؛ لأنّ الشيخ في النهاية تابع للروايات، وهي دالة بإطلاقها على التحريم من غير تقييد وهي مع ذلك ضعيفة مرسلة، وليس في الباب خبر معتبر الإسناد.

والأصل في ذلك خبر يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما، ولم تحل له أبداً»(2). وبهذا عبّر الشيخ في النهاية(3). والمراد بالتفريق بينهما تحريمها عليه مؤبداً، لكنّها لا تخرج عن الزوجية بذلك على ما اختاره المصنّف وجماعة(4)؛ تمسّكاً بالاستصحاب، وعدم منافاة التحريم لذلك، ولرواية بريد العجلي عن الباقرعلیه السلام في رجل افتض جاريةٌ - يعني امرأته - فأفضاها، قال: «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين قال: فإن أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه إن شاء أمسك وإن شاء طلّق»(5). وهذا صريح في بقاء النكاح.

وقيل : تبين منه بذلك(6)؛ لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح؛ إذ ثمرته حل الاستمتاع.

ص: 324


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 66 ، المسألة 20.
2- الكافي، ج 5، ص 429، باب المرأة التي تحرم على الرجل...،ح12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 311-312؛ح 1292؛ الاستبصار، ج 4، ص 295، ح 1111.
3- النهاية، ص 453.
4- منهم الشيخ في الاستبصار، ج 4 ص 295، ذيل الحديث 1111؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 530؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 110؛ وابن سعيد في الجامع للشرائع، ص 428.
5- الكافي، ج 7، ص 314، باب ما تجب فيه الدية كاملة...،ح 18؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 249، ح 984؛الاستبصار، ج 4، ص 294، ح 1109.
6- قاله ابن حمزة في الوسيلة، ص 292.
السبب الرابع: استيفاء العدد
اشارة

وهو قسمان:

القسم الأول:إذا استكمل الحرّ أربعاً بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد غبطة.
اشارة

اذا استكمل الحرّ أربعاً بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد غبطة.ولايحل له من الإماء بالعقد أكثر من اثنتين من جملة الأربع.

ولأنه يمنع النكاح سابقاً فيقطعه لاحقاً، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصمّاء والخرساء.

وهذا هو الظاهر من الرواية الأولى. والطريق فيها(1) مظلم، فينبغي التوقف. قوله: «إذا استكمل الحرّ أربعاً بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد غبطة. ولايحل له من الإماء بالعقد أكثر من اثنتين من جملة الأربع».

لاخلاف في ذلك بين علماء الإسلام والأصل فيه قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(2).

و«الواو» للتخيير لا للجمع، وإلا لجاز نكاح ثماني عشرة؛ لأن معنى «مثنى»: اثنين اثنين، و«ثلاث»: ثلاثاً ثلاثاً، و«رباع» أربعاً أربعاً.

وروي أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أمسك أربعاً، وفارق سائر هن»(3)، أي باقيهنّ.

وروى زرارة - في الصحيح - عن الصادق(علیه السلام) علیه السلام قال: «لايجمع الرجل ماءه في خمس»(4).

ص: 325


1- في أكثر النسخ: «فيهما» بدل «فيها».
2- النساء (4): 3.
3- الموطأ، ج 1، ص 397 باب جامع الطلاق، ح 66:السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 294 - 296، ح 14041 و 14045.
4- الكافي، ج 5، ص 429، باب الذي عنده نسوة...،ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 294، ح 1233.

. وإذا استكمل العبد أربعاً من الإماء بالعقد أو حرّتين، أو حرّةً وأمتين حرم عليه مازاد.

والمراد ب«الغبطة» الدوام، يقال: أغبطت السماء إذا دام مطرها(1). وكذا لايحلّ له بالعقد على الإماء أزيد من اثنتين هما من جملة الأربع، فتحلّ له حرّتان وأمتان، ولا تحل له أربع إماء، ولا ثلاث مع حرّة وبدونها، ولا أمتان مع ثلاث حرائر. وهذا كله على القول بجواز نكاح الأمة اختياراً، أما عند من يعتبر الشرطين فلايجوز نكاح الثانية. وقد تقدّم(2).

ولا فرق في الأمة بين القن، والمدبرة، والمكاتبة قبل أن يعتق منها شيء، وأُم الولد. ولو تبعضت بقيت كالأمة في حق الحرّ، وصارت كالحرّة في حق العبد. وكذا المبعض يصير كالحرّ في حق الإماء، فلا يتجاوز اثنتين وكالعبد في حق الحرائر، فلا يتجاوز حرتين؛ لأنه جمع بين الوصفين، فيراعى في كلّ واحد حكمه في جانب التحريم.

قوله: «وإذا استكمل العبد أربعاً من الإماء بالعقد - إلى قوله - حرم عليه مازاد». هذا عندنا موضع وفاق. وخالف فيه العامة أجمع، فذهب بعضهم إلى أنّه لا يتجاوز

اثنتين مطلقاً على النصف من الحرّ(3)، وذهب الأقل منهم إلى أن له أربعاً مطلقاً(4).

وحجّة الأصحاب رواياتهم الصحيحة عن أئمتهم بذلك(5)، وهي كثيرة.

ص: 326


1- راجع لسان العرب، ج 7، ص 361 والمصباح المنير، ص 442، «غبط».
2- تقدّم في ص 304.
3- راجع الحاوي الكبير، ج 9، ص 168؛ وحلية العلماء، ج 6، ص 396؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7،ص 437، المسألة 5307.
4- منهم مالك وأبو ثور وداود على ما حكاه عنهم الماوردي في الحاوي الكبير، ج 9، ص 168؛ والقفال في حلية العلماء، ج 6، ص 396.
5- راجع الكافي، ج 5، ص 476-477، باب ما يحلّ للمملوك من النساء، ح 1-2: والفقيه، ج 3، ص 429 - 430، ح 4491، وص 452، ح 4568: وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 296، ح 1240 و 1242؛ وج 8، ص 210- 212 ح 741- 748 و 753- 755 والاستبصار، ج 3، ص 213- 214، ح 775 -779.

. ولكلّ منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء. وكذا بملك اليمين.

قوله: ولكلّ منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء، وكذا بملك اليمين».

أمّا عدم الحصر في الإماء فهو موضع وفاق من جميع المسلمين؛ ولعموم قوله تعالى: ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(1). وجواز ذلك للعبد؛ بناءً على كونه يملك مثل ذلك.

وأما بالعقد المنقطع فالمشهور بين أصحابنا ذلك، وأخبارهم به كثيرة: منها رواية زرارة بن أعين في الصحيح ،قال قلت ما يحلّ من المتعة؟ قال: «كم شئت»(2). وروى زرارة أيضاً عن الصادق(علیه السلام) قال : ذكر له المتعة أهي من الأربع؟ قال: «تزوّج منهنّ ألفاً، فإنّهنّ مستأجرات»(3). وسأل أبو بصير الصادق(علیه السلام) عن المتعة أهي من الأربع؟ قال: «لا ولا من السبعين»(4). وعن محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) في المتعة قال: «ليست من الأربع؛ لأنّها لا تطلق ولا ترث ولا تورث وإنما هي مستأجرة»(5).

ولكن تكره الزيادة فيهنّ على الأربع؛ لرواية عمّار عن الصادق(علیه السلام) في المتعة قال: «هي إحدى الأربع»(6) ونزّلت على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين ما سبق. ولصحيحة أحمد بن أبي نصر عن الرضاء(علیه السلام)قال: قال أبو جعفر (علیه السلام): اجعلوهنّ من الأربع» فقال له صفوان بن يحيى على الاحتياط؟ قال: «نعم»(7).

ص: 327


1- النساء (4): 3.
2- الكافي، ج 5، ص 451، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258، ح 1117؛ الاستبصار، ج 3، ص 147 . ح 536.
3- الكافي، ج 5، ص 452، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 7 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258-259، ح 1119؛الاستبصار، ج 3، ص 147، ح 538.
4- الكافي، ج 5، ص 451 ، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 4: الفقيه، ج 3، ص 461، ح 4597؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 258، ح 1118؛ الاستبصار، ج 3، ص 147. ح 537.
5- الكافي، ج 5، ص 451 باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1120؛الاستبصار، ج 3، ص 147 ، ح 539.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1121؛ الاستبصار، ج 3، ص 147، ح 540.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1123؛ الاستبصار، ج 3، ص 148، ح 542.
مسألتان
الأولى:

إذا طلق واحدةً من الأربع حرم عليه العقد على غيرها، حتى تنقضي عدتها إن كان الطلاق رجعياً.

ولو كان بائناً جاز له العقد على أخرى في الحال. وكذا الحكم فى نكاح أُخت الزوجة على كراهية مع البينونة.

واعلم أن جميع ما في الباب من الأخبار معلول السند عدا الأخير(1)، لأنّ الأول موقوف والثاني في طريقه جهالة، وكذا الرابع، وفي طريق الثالث ضعف.

ومن ثم ذهب ابن البرّاج إلى تحريم الزيادة فيهنّ على الأربع(2)؛ عملاً بعموم الآية(3).

وصحيحة أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل تكون عنده المرأة أ يحل له أن يتزوّج أختها متعة؟ قال: «لا» قلت: حكى زرارة عن أبي جعفرعلیه السلام: «إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء»، قال: «لا ، هي من الأربع»(4)، ويؤيده الخبران الأخيران.

وفي المختلف اقتصر من الحكم على مجرد الشهرة(5)، ولم يصرح بمختاره. وعذره واضح.

ودعوى الإجماع في ذلك غير سديدة، ولو تمت كانت هي الحجة. قوله: «إذا طلق واحدةً من الأربع حرم عليه العقد إلى قوله - على كراهية مع البينونة». وجه المنع في الرجعية أنها بحكم الزوجة، ومن ثمّ لزمت نفقتها، وجازت رجعتها بمجرد الفعل كالاستمتاع، فلم تفارق الزوجة في الحكم، فلا تحلّ الخامسة؛ لما تقدّم من النهي عن جمع مائه في خمس(6). وأما مع البينونة؛ فلخروجها عن عصمة النكاح، فصارت كالأجنبية.

ص: 328


1- في حاشية «و»: «في طريق الثاني سعدان بن مسلم وهو مجهول، وفي طريق الثالث معلى بن محمد وهو ضعيف، وفي طريق الرابع القاسم بن عروة، وهو مجهول الحال(منه رحمه الله)».
2- المهذب، ج 2، ص 243.
3- النساء (4): 3.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1122: الاستبصار، ج 3، ص 148، ح 541.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 238، المسألة 162.
6- تقدّم تخريجه في ص 325، الهامش 4.
الثانية:

إذا طلق إحدى الأربع بائناً وتزوّج اثنتين، فإن سبقت إحداهما كان العقد لها، وإن اتفقتا في حالة بطل العقدان. وروي أنه يتخيّر. وفي الرواية ضعف.

وإنما يكره؛ لتحرمها بحرمة النكاح بواسطة العدة لرواية زرارة عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «إذا جمع الرجل أربعاً فطلّق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة، حتى تنقضى عدة المرأة التي طُلّقت»(1). وحملت على الرجعي أو على الكراهة. وفي معناها غيرها(2). وفي الحمل نظر؛ من حيث عدم المعارض.

نعم، ورد التفصيل في الأُخت في روايات منها حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بارأت أله أن يتزوّج أختها؟ فقال: «إذا برى عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها»(3). وكذا يكره نكاح الأخت في عدة أختها البائنة؛ لإطلاق النهي عنه في رواية عنه(علیه السلام)(4) المحمول على الكراهة جمعاً.

وفي التذكرة حمل رواية زرارة السابقة على أحد الأمرين(5)، لورود النص في الأُختين من حيث عدم الفارق بينهما.

قوله: «إذا طلق إحدى الأربع بائناً وتزوج اثنتين - إلى قوله - وفي الرواية ضعف».

وجه البطلان مع الاقتران النهي عن الزائد وهو مشترك بينهما، فلا أولوية لإحداهما على الأخرى، فيكون كلّ واحدة ممنوعاً من العقد عليها على هذا الوجه.

ص: 329


1- الكافي، ج 5، ص 429، باب الذي عنده أربع نسوة...،ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 294، ح 1233.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 522519، الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.
3- الكافي، ج 5، ص 432، باب الجمع بين الأختين...،ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 286، ح 1206: الاستبصار، ج 3، ص 169-170، ح 619.
4- الكافي، ج 5، ص 432، باب الجمع بين الأختين...،ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 286-287، ح 1208؛الاستبصار، ج 3، ص 170، ح 621.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 639 (الطبعة الحجرية).

والرواية بالتخيير في خصوص هذه المسألة ما وقفت عليها، ولكن روى جميل بن دراج في الحسن - عن الصادق(علیه السلام) في رجل تزوّج خمساً في عقد، قال: «يخلي سبيل أيتهنّ شاء، ويمسك الأربع»(1). ولا فرق بين وقوع الخمس دفعةً، وبين تزويج اثنتين وعنده ثلاث. وعمل بمضمون الرواية جماعة منهم الشيخ في النهاية(2) وأتباعه(3).

واختاره في المختلف، واحتج له - مع الرواية -ب:وجود المقتضي للإباحة - وهو العقد - وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا انضمام العقد على الأخرى، وهو لا يقتضي تحريم المباح كما لو جمع بين محرّمة عيناً ومحللة عيناً عقد واحد، وكما لو جمع بين المحلل والمحرَّم في البيع. ولا أثر للإطلاق والتعيين؛ إذ في التعيين تحرم واحدةً معيّنةً، فيبطل العقد عليها، وتحلّ أخرى معينة، وفي الإطلاق تحلّ واحدة مطلقةً، وتحرم أخرى مطلقةً، وقد عقد عليهما معاً، فيدخلان في العقد؛ إذ لا وجود للكلي إلا في جزئياته(4).

وفيه نظر؛ لأنّ العقد على المحرّمة ثابت بدون العقد على المحللة، وعلى المحلّلة كذلك. فلا يضر الانضمام، بخلاف غير المعيّنة؛ لأنّ كلّ واحدة صالحة للصحة منفردة، ومنهي عنها مع الانضمام، ولا أولوية. وتعلّق العقد بغير معينة غير كافٍ في الصحة، بل لابد من تعيينها قبل العقد، كما لا يجوز على إحدى المرأتين إجماعاً. وبهذا يحصل الفرق بين من يحرم نكاحها عيناً ومطلقاً. وقد تقدّم هذا البحث بعينه في الجمع بين الأختين(5).

ص: 330


1- الكافي، ج 5، ص 430، باب الذي عند أربع نسوة...،ح 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 295، ح 1237.
2- النهاية، ص 455 - 456.
3- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 185 - 186؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 294؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 400.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 69، المسألة 23.
5- تقدّم في ص 295 - 296.
القسم الثاني:إذا استكملت الحرّة ثلاث طلقات حرمت على المطلق

إذا استكملت الحرّة ثلاث طلقات حرمت على المطلق حتى تنكح زوجاً ،غيره، سواء كانت تحت حرّ أو عبد.

وإذا استكملت الأمة طلقتين حرمت عليه حتى تنكح غيره، ولو كانت تحت حرّ.

وإذا استكملت المطلقة تسعاً للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت على المطلق أبداً.

قوله: «إذا استكملت الحرّة ثلاث طلقات - إلى قوله - ولو كانت تحت حرّ». أمّا اعتبار الطلقات الثلاث في التحريم للحرّ إذا كانت تحته حرّة، فهو موضع وفاق بين علماء الإسلام، والآية(1) منزّلة عليه.

وأما اختصاص الحرّة بذلك وإن كانت تحت عبد، كاختصاص الأمة بالاثنتين وإن كانت تحت حرّ فهو مذهب الأصحاب.

و مستندهم | الأخبار الدالة على أن الاعتبار بحال الزوجة لا بحال الزوج(2). خلافاً للعامة حيث جعلوا الاعتبار بالزوج(3)، فإذا كان حرّاً اعتبر الطلاق ثلاثاً وإن كانت الزوجة أمةً، وإن كان عبداً اعتبر في التحريم طلقتان وإن كانت تحته حرّة.

ولا فرق في الطلقات المحرّمة على هذا الوجه بين كونها للعدّة وغيرها، بخلاف المحرّمة أبداً، كما سيأتي.

و قوله: «وإذا استكملت المطلقة تسعاً للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت على المطلق أبداً».

المراد بطلاق العدة أن يطلقها بالشرائط، ثم يراجع فى العدة ويطأ، ثم يطلق في طهر آخر.

ص: 331


1- البقرة (2) 230.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 159، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 1 - 2، وص 161 - 162، الباب 25 من هذه الأبواب.
3- راجع الحاوي الكبير، ج 10، ص 304 - 305؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 444 - 0445المسألة 6056.

ثم يراجع في العدة ويطأ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها، فيتزوجها الأوّل بعد العدة، ويفعل كما فعل أوّلاً إلى أن يستكمل لها تسعاً كذلك يتخلل بينها نكاح رجلين، فتحرم في التاسعة مؤبداً.

ومن هذا يعلم أن إطلاق التسع للعدة مجاز؛ لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث ليست للعدة بل للسنة. ووجه التجوّز إما بإطلاق اسم الأكثر على الأقلّ، أو باعتبار المجاورة. وتظهر فائدة الاعتبارين فيما لو طلّق الأولى للعدّة والثانية للسنّة؛ فإنّ المعنيين ينتفيان عن الثالثة، ويصدق على الثانية اسم العديّة بالاعتبار الثاني دون الأول. وفيما لو كانت الثانية للعدّة والأُولى للسنّة، فعلى الأوّل يختص بها الاسم، وعلى الثاني يصدق الاسم على الطرفين بمجاورتهما.

ومع ذلك ففي اعتبار التحريم بمثل هذا إشكال، من وجود العلاقة فيهما كما اعتبرت في الثالثة إجماعاً، ومن أنّ تعليق الحكم على المعنى المجازي على خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع الاشتباه. وهذا هو الأقوى فيجب الاقتصار في التحريم المؤبد على موضع اليقين، وهو وقوع التسع على الوجه الأوّل، أو إكمال التسع للعدة حقيقة مع التفرّق.

ولا تغتفر الثالثة كما اغتفرت في الأولى؛ لكونها على خلاف الأصل كما ذكرناه، فيقتصر بها على موردها، وهو وقوعها بعد عديّتين.

وعلى هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عديّة احتسبت خاصةً. وإن وقع في بعض الأدوار عديتان احتمل إلحاق الثالثة بهما كما في مورد النص(1)؛ لوجود العلاقة بالمعنيين، وعدمه؛ لخروج مجموع الواقع عن مورده وللتوقف في الحكم بالتحريم مطلقاً فيما خرج عن مورد النص والإجماع مجال هذا كله في الحرّة. أما الأمة فيحتمل تحريمها بالست؛ لتنزيلها منزلة التسع للحرّة، ولأن نكاح الرجلين

ص: 332


1- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 118-123، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
السبب الخامس: اللعان

وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريماً مؤبداً.

يتحقق فيها كتسع الحرّة، وبالتسع كالحرّة؛ لأنّها إذا طلقت تسعاً ينكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنّه نكحها بين التسع رجلان فيجتمع الشرطان المعتبران في التحريم المؤبد، وهما التسع، ونكاح الرجلين، بخلاف الست؛ لتخلّف الأوّل.

ويحتمل عدم تحريمها مؤيّداً مطلقاً؛ لأنّ ظاهر النصّ كون مورده الحرّة، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحلّ، ولأنّ شرط التحريم المؤبد وقوع التسع للعدة ينكحها بينها رجلان، وذلك منتفٍ في الأمة على كل حال؛ لتوقف التسع على نكاح أربعة رجال، وهو مغاير لظاهر اعتبار الرجلين خاصة.

وبالجملة، فالحكم بالتحريم المؤبد بمثل هذه المناسبات مشكل. و وروده في كيفية مخصوصة لا يوجب تعديه إلى غيرها؛ لجواز أن تكون الهيئة الاجتماعية - من كون كلّ طلقتين متواليتين للعدّة وثالثة بعدهما محرّمة، وهكذا ثلاث مرات - توجب حكماً لا يحصل بدونها.

ومع ذلك ففيها إشكال آخر، وهو أن الحكم بالتحريم مع تمام العدد للعدة يوجب تعلقه بغير ثالثة وثانية في الأمة؛ لأنّه يتم في الحرّة بالخامسة والعشرين إن كانت العدية هي أوّل الدور، والسابعة عشرة في الأمة، وذلك غير معهود في حكم التحريم المترتب على الطلاق. قوله: «اللعان، وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريماً مؤبداً». هذا الحكم موضع نصّ(1) ووفاق. وسيأتي تفصيله في بابه(2).

ص: 333


1- راجع وسائل الشيعة، ج 22، ص 407-412، الباب 1 من أبواب كتاب اللعان.
2- يأتي في ج 8، ص 227 وما بعدها.

. وكذا قذف الزوجة(1) الصمّاء أو الخرساء بما يوجب اللعان، لو لم تكن كذلك.

و قوله: « وكذا قذف الزوجة الصمّاء أو الخرساء بما يوجب اللعان ، لو لم تكن كذلك». بأن يرميها بالزنى مع دعوى المشاهدة وعدم البينة.

والمستند رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنه سئل عن رجل قذف امرأته بالزني، وهي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال فقال: «إن كان لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها، ولا إثم عليها منه»(2).

وهذه الرواية دلّت على اعتبار الخرس والصمم معاً، وبذلك عبر جماعة(3). واكتفى أكثر الأصحاب بأحد الأمرين وهو موجود فى هذه الرواية في التهذيب بلفظ «أو»(4)، في النسخة التي عندنا، وفي الكافي(5) بحذفها كما ذكرناه. ويؤيد الاكتفاء بأحدهما تعلّق الحكم بالخرساء وحدها في روايتين أيضاً(6)، إحداهما حسنة الطريق.

وفي التحرير استشكل حكم الصمّاء خاصةً(7)، وهو مبنيّ على اعتبار الأمرين، ولم يذكر الخرساء وحدها.

ولا فرق بين كونها مدخولاً بها وعدمه عملاً بإطلاق النصّ.

ومتى حرمت قبل الدخول ثبت جميع المهر استصحاباً لما وجب بالعقد، وتنصيفه على خلاف الأصل فيقتصر على مورده.

ص: 334


1- في نسخ الشرح: «وكذا لو قذف زوجته ...».
2- الكافي، ج 6، ص 166، باب اللعان، ح 18؛ الفقيه، ج 4، ص 5150 ، ح 5076؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 310- 311، ح 1288؛ وج 8 ص 193،ح 675.
3- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 337؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 31؛ وتبصرة المتعلمين، ص 137.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 310-311، ح 1288.
5- الكافي، ج 6، ص 166 ، باب اللعان، ح 18.
6- الكافي،ج6،ص 164، باب اللعان، ح 9، وص 167، ح 20؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 193، ح 673 و 676.
7- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 471 ، الرقم 5007.
السبب السادس: الكفر
اشارة

وفیه مقاصد والنظر فيه يستدعي بيان مقاصد:

المقصد الأوّل: لايجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعاً.

لايجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعاً. وفي تحريم الكتابية من اليهود والنصارى روايتان أشهر هما المنع في النكاح الدائم ، والجواز في المؤجل وملك اليمين.

وكذا حكم المجوس على أشبه الروايتين.

ولو لم يدع المشاهدة، أو أقام عليها البينة بالفعل لم تحرم، وحدّ في الأول دون الثاني. ولا يسقط الحدّ عنه بالقذف مع الحكم بتحريمها عليه؛ لعدم المنافاة وإن سقط باللعان من حيث إقامته مقام الشهود المسقطة للحدّ عنه. والرواية مصرحة بثبوته مع التحريم، وبأنّها تحرم عليه بذلك فيما بينه وبين الله تعالى.

وإن لم ترافعه إلى الحاكم أو لم يسمعه أحد. ويبقى الحد في ذمته كذلك. ولو انعكس الفرض بأن قذفت السليمة الأصمّ أو الأخرس ففي إلحاقه بقذفه نظر، من

المساواة في المعنى والوقوف فيما خالف الأصل على مورده. وفي رواية مرسلة عن الصادق(علیه السلام) في امرأة قذفت زوجها وهو أصم، قال: «يفرّق بينها وبينه ولا تحلّ له أبداً»(1). وضعفها يمنع الحكم بها في مثل ذلك وإن حكم بمضمونها الصدوق(2). قوله: «لايجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعاً - إلى قوله - وكذا حكم المجوس على أشبه الروايتين».

ص: 335


1- الكافي، ج 6، ص 166، باب اللعان، ح 19: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 193،ح 674.
2- الفقيه، ج 4، ص 50، ذيل الحديث 5075.

اختلف الأصحاب في جواز نكاح الكتابيات مطلقاً، أو منعه مطلقاً، أو بالتفصيل، على أقوال كثيرة، منشؤها اختلاف ظاهر الآيات والروايات في ذلك، واختلاف النظر في طريق الجمع بينها.

فمن منع منه مطلقاً كالمرتضى استند إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمَشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِن)(1)، والنهي للتحريم. فإن كان النكاح حقيقة في الوطء فظاهر، وإن كان حقيقة في العقد أو مشتركاً فغايته تحريم العقد؛ لأجل الوطء، فيكون الوطء محرَّماً أيضاً.

ووجه تناولها لليهود والنصارى قول النصارى بالأقانيم الثلاثة، وقول اليهود: عُزَيْرٌ ابْنُ الله)(2). وقوله تعالى: (اَتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَنَهُمْ إلى قوله تعالى: (سُبْحَنَهُ, عَمَّا يُشْرِكُونَ)(3). وإلى قوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)(4)؛ والزوجية عصمة، فتدخل تحت النهي. ومن الروايات في ذلك قول الباقرعلیه السلام في رواية زرارة: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب»،

قلت: جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال: «قوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَم الْكَوَافِرِ»(5). ومن أجاز نكاحهن مطلقاً استند إلى قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَنتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ)(6)، يعني أحل لكم، بدليل ثبوت ذلك في المعطوف عليه. و من الروايات في ذلك رواية محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن نكاح اليهوديّة والنصرانية، قال: لا بأس به، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبيدالله يهودية على عهد النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)(7)

ص: 336


1- الانتصار، ص 279، المسألة 155؛ والآية في سورة البقرة (2): 221.
2- التوبة .(9) 30-31.
3- التوبة .(9) 30-31.
4- الممتحنة (60): 10.
5- الكافي، ج 5، ص 358، باب نكاح الذمية ، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 2297، ح 1244؛ الاستبصار، ج 3.ص 178 - 179، ح 648: والآية في سورة الممتحنة (60): 10.
6- المائدة (5) : 5.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 298، ح 1247؛ الاستبصار، ج 3، ص 179، ح 651.

ورواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية له والنصرانية، فقال: «إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟» فقلت له: يكون له فيها الهوى. فقال: «إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة»(1).

وهذه الرواية أوضح ما في الباب سنداً؛ لأنّ طريقها صحيح. وفيها إشارة إلى كراهة التزويج المذكور، فيمكن حمل النهى الوارد عنه على الكراهة جمعاً.

والأوّلون أجابوا عن الآية المجوّزة بأنّها منسوخة بالآية السابقة، وقد روى النسخ زرارة في الحسن عن الباقر قال: سألته عن قول الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ، فقال: «هي منسوخة بقوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكوافير»(2).

وعن الرواية بحملها على استدامة نكاحها إذا أسلم زوجها، أو على التقية. وللمجوّزين أن يمنعوا من النسخ؛ لعدم ثبوته، وعدم المنافاة بين الآيتين؛ لأنّ الأُولى دلّت على النهي عن نكاح المشركات على العموم، والثانية دلّت على إباحة الكتابيات، فهي خاصة، والجمع بين الخاص والعام متعيّن بتخصيص العام، وإبقاء حكمه فيما عدا الخاص فلا وجه للنسخ. وأما آية النهي عن التمسك بعصم الكوافر فليست صريحةً في إرادة النكاح، ولا فيما هو أعم منه. وإثبات النسخ بمثل هذه الرواية مشكل، خصوصاً مع عدم صحة سندها.

ص: 337


1- الكافي، ج 5، ص 356، باب نكاح الذمية، ح1: الفقيه، ج 3، ص 407، ح 4425: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 298 ، ح 1248: الاستبصار، ج 3، ص 179،ح 652.
2- الكافي، ج 5، ص 358، باب نكاح الدمية ، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 298، ح 1245؛ الاستبصار، ج 3،ص 179 . ح 649: والآية الأولى في سورة المائدة (5): 5: والآية الثانية في سورة الممتحنة (60): 10.

ثمّ من الجائز حمل النهي على الكراهة؛ فإنّه جامع بين الأدلة، مضافاً إلى تخصيص عموم المشركات بما عدا الكتابيات، فتجتمع دلالة الأدلّة كلّها على جواز نكاحهنّ على كراهة، والمنع مما عداهنّ من المشركات. والمصنّف (رحمه الله) وأكثر المتأخرين جمعوا بين الأدلة بحمل المنع على الدائم والإباحة على المؤجّل وملك اليمين؛ لظاهر قوله تعالى - في الآية المجوّزة: (إذا اتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(1)؛ فإنّ مهر المتعة قد أطلق عليه الأجر في آيتها(2)، ولإيماء الأخبار إلى أنّ نكاح الكافرة لا يكون إلا في محلّ الضرورة(3). ولتصريح بعض الأخبار بذلك(4). وفيه نظر؛ لأنّ الأجر أيضاً يطلق على مطلق المهر، وقد ورد في القرآن(5) أيضاً. وصحيحة معاوية بن وهب صريحة في الجواز اختياراً(6). وتصريح بعض الأخبار بتجويز نكاحهنّ بالمتعة(7). لاينفي جواز غيره بهنّ. وقد أسهبوا في الخلاف والأدلة بما لا طائل تحته والمنقح منه ما لخصناه.

بقي الكلام في المجوسيّة، فإنّ الظاهر عدم دخولها في أهل الكتاب؛ لقول النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم): «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(8)، فإنّ فيه إيماء إلى أنهم ليسوا منهم؛ ولذلك قيل: إنّهم ممّن

ص: 338


1- المائدة (5): 5.
2- النساء (4): 24.
3- الكافي، ج 5، ص 358، باب نكاح الذمية، ح 9-10، وص 360، باب الحرّ يتزوج الأمة، ح 8 تهذيب الأحكام. ج 7، ص 299، ح 1250 - 1251، وص 453، ح 1814: الاستبصار، ج 3، ص 180، ح 654- 655.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 540539، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه. .5 الممتحنة (60): 10.
5- الممتحنة (60): 10.
6- راجع الكافي، ج 5، ص 356، باب نكاح الذمّيّة، ح 1؛ والفقيه، ج 3، ص 407، ح 4425؛ وتهذيب الأحكام،ج 7، ص 298، ح 1348 والاستبصار، ج 3، ص 179، ح 652.
7- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 540539، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه.
8- الفقيه، ج 2، ص 53 ، ح 1680.

لهم شبهة كتاب(1)، وقد روي أنهم حرفوا كتابهم فرفع(2)؛ وأيضاً فلا يلزم أن يسنّ بهم سنتهم في جميع الأحكام.

وظاهر الرواية كونه في الجزية، ويؤيده أنهم رووا فيها أيضاً: «غير ناكحي نسائهم،

ولا آكلي ذبائحهم»(3)، فيضعف الاحتجاج ببعضها دون بعض. والرواية عاميّة. وأما روايات الأصحاب فقد اختلفت في ذلك، فروى محمد بن سنان عن الرضاءعلیه السلام قال: سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية، فقال: «لا بأس به، فقلت: والمجوسية؟ فقال: «لا بأس به، يعني متعةً(4). ولفظ «يعني متعةً» من كلام الراوي، وهو أعرف بقصد الإمام؛ لأنه السائل. ويمكن عوده إلى المجوسية خاصةً وإلى الجميع. ومع ذلك فالرواية ضعيفة السند بمحمد بن سنان.

وفي رواية أُخرى عن ابن سنان، عن منصور الصيقل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية»(5).

وروى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا مثله(6)، ومنصور مجهول، والأخرى مرسلة. وروى محمد بن سنان أيضاً عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألته عن التمتع باليهودية والنصرانية، قال: «لا أرى بذلك بأساً»، قلت: فالمجوسية؟ قال: «أما المجوسية فلا»(7).

ص: 339


1- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 38؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 97 - 98؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 389.
2- راجع السنن الكبرى البيهقي ، ج 9، ص 317 - 318، ح 18650.
3- تلخيص الحبير، ج 3، ص 172، ح 1533.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256، ح 1105؛ الاستبصار، ج 3، ص 144، ح 521.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256، ح 1106؛ الاستبصار، ج 3، ص 144،ح 522.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256، ح 1107؛ الاستبصار، ج 3، ص 144، ح 523.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256، ح 1104؛ الاستبصار، ج 3، ص 144، ح 520. والراوي فيهما هو أحمدبن محمد بن عيسى، لا محمد بن سنان.

وإلى هاتين الروايتين أشار المصنّف بقوله: «وكذا حكم المجوسية على أشبه الروايتين». وإنما كانت رواية الجواز أشبه؛ لأن الثانية موقوفة، زيادة على الضعف المشترك.

ورواية الجواز متعدّدة.

ويدل على إباحتها بملك اليمين عموم قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ)(1). وخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: سألته عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال: «لا ، ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها.

ولايطلب ولدها»(2). وليس في حكم المجوسية أوضح سنداً من هذه الرواية. وقد دلّت على النهي عن تزويجها مطلقاً الشامل للدوام والمتعة، ونفى البأس عن وطئها يملك اليمين.

ويمكن أن يستنبط منها جواز المتعة؛ لما روي أنّ المتمتع بها بمنزلة الأمة(3) إلا أن يلحق

بأهل الكتاب حقيقةً أو حكماً. وفيه نظر؛ لأنّ الرواية عامية.

واعلم أنه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمّي ؛ لشمول الاسم لهما، ولكن تتأكد الكراهة في نكاح الحربية؛ حذراً من أن تسترق وهي حامل منه، ولا يقبل قولها في أنّ حملها من مسلم.

وإنّما اختص أهل الكتاب باليهود والنصارى دون غيرهم ممن يتمسكون بكتب الأنبياء، كصحف شيث وإدريس وإبراهيم، أو بالزبور؛ لأنّ تلك الكتب لم تنزل عليهم بنظم تدرس وتتلى، وإنّما أوحى إليهم معانيها. وقيل: إنّها كانت حكماً ومواعظ، ولم تتضمن أحكاماً وشرائع(4)؛ ولذلك كان كلّ خطاب في القرآن لأهل الكتاب مختصاً بهاتين الملّتين.

ص: 340


1- المؤمنون (23): 6.
2- الفقيه، ج 3، ص 407، ح 4426: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 212، ح 757.
3- الكافي، ج 5، ص 451، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 461، ح 4598.
4- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 37.

ولو ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال. وسقط المهر إن كان من المرأة، ونصفه إن كان من الرجل. ولو وقع بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة من أيهما كان، ولايسقط شيء من المهر؛ لاستقراره بالدخول.

وإن كان الزوج ولد على الفطرة فارتدّ انفسخ النكاح في الحال ولو كان بعد الدخول؛ لأنّه لايقبل عوده.

قوله: «ولو ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول إلى قوله - لأنه لا يقبل عوده». إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام انفسخ العقد بينهما في الحال على كل تقدير؛ لأنه ضرب من الكفر الذي لا يباح التناكح معه. ثمّ إن كان الارتداد قبل الدخول حصلت البينونة في الحال؛ لعدم العدة حينئذ، وسقط المهر إن كان المرتد هو المرأة؛ لأن الفسخ جاء من قبلها.

وإن كان هو الرجل فعليه نصف المهر المسمّى إن كان صحيحاً؛ لأن الفسخ من جهته، فأشبه الطلاق. وإن كانت التسمية فاسدة فنصف مهر المثل. وإن لم يكن سمّى شيئاً فالمتعة.

وقيل: يثبت جميع المهر في هذه الصورة(1)؛ لثبوته بالعقد، وتنصيفه بالطلاق لدليل

لا يوجب إلحاق غيره به إلا بطريق القياس الذي لا يقولون به. وهذا هو الأقوى. ولا فرق في هاتين الصورتين بين كون الارتداد عن فطرة وملة، إلا في مقدار العدة، وهو

أمر آخر. وإن كان الارتداد بعد الدخول، وكان من المرأة مطلقاً، وقف الانفساخ على العدة، فإن انقضت ولما تعد بانت منه.

وليس له التزويج بأختها ولا بخامسة في زمن العدة؛ لأنّها كالرجعية، حيث يرجى عودها في كل وقت. وإن كان المرتد هو الزوج، فإن كان عن ملّة وقف الفسخ على انقضاء العدة، وهي كعدة الطلاق، فإن عاد فهو أملك بها، وإلا بانت منه. وإن كان عن فطرة بانت منه في الحال، واعتدت عدة الوفاة؛ لعدم قبول توبته في هذه

ص: 341


1- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 40 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 410.

وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه، سواء كان قبل الدخول أو بعده. ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر. وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة. وقيل: إن كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقياً، غير أنه لا يمكن من الدخول عليها ليلاً، ولا من الخلوة بها. والأول أشبه.

الحال بالنسبة إلى حكم الزوجية مطلقاً. ويثبت المهر على التقديرين؛ لاستقراره بالدخول.

واعلم أنّ الفرقَ بين الارتداد عن ملة وفطرة مختص بأصحابنا، وفي طريق ثبوته بحث يأت في محلّه إن شاء الله(1). وأما العامة فلا يفرقون بينهما، ويعلقون الفسخ على انقضاء العدة مطلقاً. ولو ارتدا معاً فهو كما لو ارتد أحدهما؛ لأنّ المرتد لا يسوغ له نكاح مسلمة ولا مرتدة

مطلقاً، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(2).

قوله: «وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه، سواء كان قبل الدخول أو بعده». هذا مما استثني من نكاح الكتابية دواماً عند من يمنعه من أصحابنا(3)، وهو استدامته له إذا أسلم دونها؛ فإنّ بقاء النكاح موضع وفاق، سواء كان قبل الدخول أو بعده، وسواء كان قبل الإسلام كتابياً أو غيره.

قوله: «ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد - إلى قوله - والأول أشبه». إذا أسلمت زوجة الكافر ،دونه، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال لعدم

العدة، وامتناع كون الكافر زوجاً للمسلمة. ولا مهر لها؛ لأنّ الفرقة جاءت من قبلها. وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدّة - أعني عدة الطلاق من حين إسلامها - فإن انقضت وهو على كفره تبيّن أنّها بانت منه حين الإسلام وإن أسلم قبل انقضائها تبين بقاء النكاح.

ص: 342


1- انظر ج 12، ص 230.
2- يأتي في ج 12، ص 241.
3- كالمفيد في المقنعة، ص 500: والشيخ في النهاية، ص 457؛ وسلار في المراسم، ص 148.

ولافرق في ذلك بين أن يكون الزوج كتابياً أو وثنياً. أما إذا كان وثنياً فهو موضع وفاق.

وأما إذا كان كتابياً فهو أصح القولين؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(1)، وصحيحة أحمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: «إذا أسلمت لم تحلّ له». قلت: جعلت فداك فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال: «لا، إلا بتزويج جديد»(2). والقول الذي حكاه المصنّف من بقاء عقد الذمّي على المسلمة للشيخ في النهاية(3) وكتابي الأخبار(4)؛ استناداً إلى رواية جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهماالسلام)أنه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال: «هما على نكاحهما ولا يفرّق بينهما، ولا يترك يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة»(5). ورواية محمد بن مسلم - في الحسن - عن الباقرعلیه السلام قال: «إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما. وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها، ولا يبيت معها ولكنّه يأتيها بالنهار وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة، فإن أسلمت المرأة ثمّ أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته، وإن لم يسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه، ولا سبيل له عليها. وكذلك جميع من لا ذمّة له»(6).

ص: 343


1- النساء (4): 141.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 300-301، ح 1255؛ الاستبصار، ج 3، ص 181، ح 659.
3- النهاية، ص 457.
4- هذيب الأحكام، ج 7، ص 300، ذيل الحديث 1253؛ الاستبصار، ج 3، ص 183، ذيل الحديث 662.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 300. ح 1254: الاستبصار، ج 3، ص 181،ح 658، وفيهما: «إلى الكفر» بدل إلى الهجرة».
6- الكافي، ج 5، ص 358، باب نكاح الدمية ، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 302، ح 1259؛ الاستبصار، ج 3،ص 183، ح 663.

وأما غير الكتابيّين فإسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدّة.

وأُجيب(1) بضعف سند الأولى بعلي بن حديد، وبإرسالها. وعن الثانية بمعارضتها بالرواية

الأولى، وهي أوضح طريقاً ؛ لأنها من الصحيح، وهذه من الحسن. والشيخ في التهذيب الأخبار بحمل الأولى على خرق الكافر للذمة(2)، والآخرين على بقائه عليها(3). والعجب أنه في الخلاف وافق الجماعة على انفساخ النكاح بخروجها من العدة؛ محتجاً بإجماع الفرقة(4).

واعلم أنه على قول الشيخ بعدم بطلان النكاح في الذمي لا فرق بين كون إسلامها قبل الدخول وبعده؛ لتناول الأدلّة للحالتين، وربما فهم من عبارة بعض الأصحاب اختصاص

الخلاف بما لو كان الإسلام بعد الدخول(5)، وليس كذلك.

قوله: «وأما غير الكتابيين فإسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد - إلى قوله - انقضاء العدة».

هذا مما لا خلاف فيه؛ فإنّ المسلم إن كان هو الزوجة فلاسبيل للكافر عليها مطلقاً كما مر، ولا تحل له. وإن كان هو الزوج فإنما يجوز له نكاح الكتابية ابتداء واستدامة، وأما غيرها فلا يجوز إجماعاً. والكلام في المهر كما مر(6). وينبغي تقييد غير الكتابيين بكونهما معاً كذلك، وإلا فإنه يصدق بكون أحدهما كتابياً والآخر غيره، ولا يتم الحكم فيه؛ لأنّ النكاح يبقى للمسلم على الكتابية كما مر على تقدير كون الزوج وثنياً والزوجة كتابية وكذا يصدق مع العكس إذا أسلمت هي؛ فإن الخلاف

ص: 344


1- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 408.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 301، ذيل الحديث 1255.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 302، ذيل الحديث 1258.
4- الخلاف، ج 4، ص 325، المسألة 105.
5- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 39.
6- مرّ في ص 341.

ولو انتقلت زوجة الذمّي إلى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في الحال ولو عادت إلى دينها. وهو بناءً على أنه لا يقبل منها إلا الإسلام.

السابق يأتي فيها. وكأنه عدل عن التعبير بالوثنيين؛ ليشمل غيرهما من أصناف الكفار غير الكتابيين، فوقع في خلل آخر. وكان حق العبارة أن يقول: «ولو كانا معاً غير كتابيين». أو ما يؤدي هذا المعنى.

قوله: «ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها - إلى قوله - لا يقبل منها إلا الإسلام». إذا انتقلت الزوجة من دين الكفر إلى دين آخر منه، فلا يخلو كلّ من المنتقل عنه وإليه إمّا أن يكون ممّا يقرّ أهله عليه أو لا. وعلى التقادير الأربعة إما أن يكون الزوج مسلماً، أو كافراً، يقرّ على دينه، أو لا يقرّ. فالصور اثنتا عشرة.

والمصنف اقتصر على كون الزوج ذمّيّاً، وأطلق الحكم في انتقالها إلى غير دينها من ملل الكفر الشامل للأقسام الأربعة. وحاصل ما ذكره أنه إذا كان الزوج ذمّيّاً، وانتقلت زوجته الدمية إلى غيره من ملل الكفر، سواء كان ذلك الدين مما يقرّ عليه أهله أم لا، لم تقرّ عليه هي؛ لعموم قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)(1)، وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من بدل دينه فاقتلوه»(2). وحينئذ فيقع الفسخ بينهما في الحال؛ لأنّها لا تقرّ على ذلك، وإنما تقتل أو تسلم، وعلى التقديرين فينفسخ

النكاح بينها وبين الذمي. وفيه نظر من وجهين:

أحدهما: أنّ حكمنا على الذمّي بذلك غير لازم ؛ لجواز انتقالها إلى دين يصح فيه التناكح في دينهم، فلا ينفسخ ما دامت حيّةً. وعلى تقدير قتلها فالانفساخ من جهته لا من جهة الكفر.

الثاني: أنه على تقدير الإسلام لا ينبغي إطلاق الحكم بالانفساخ بل يجيء فيه

ص: 345


1- آل عمران (3): 85.
2- مسند أحمد، ج 1، ص 358، ح 1874: سنن الدار قطني، ج 3، ص 34، ح 3143، وص 40 ، ح 3161؛المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 694- 695،ح 6349.

وإذا أسلم الذمّي على أكثر من أربع من المنكوحات بالعقد الدائم استدام أربعاً من الحرائر، أو أمتين وحرتين. ولو كان عبداً استدام حرتين أو حرّة ،وأمتين وفارق سائرهنّ. ولو لم يزد عددهن عن القدر المحلّل كان عقدهن ثابتاً.

التفصيل السابق، حتى لو كان بعد الدخول توقف الانفساخ على انقضاء العدة قبل إسلامه. ولو كان انتقالها إلى دين يقرّ أهله عليه كما لو انتقلت اليهودية إلى النصرانية - فيبني على أنّها هل تقرّ على ذلك أم لا ؟ وعلى تقدير عدم إقرارها لو عادت إلى دينها هل تقرّ على ذلك كما كانت تقرّ ابتداءً أم لا ؟ خلاف تقدّم بحثه في الجهاد(1). ومنشأ الخلاف أنّ الكفر ملّة واحدة، وتساوي الدينين في التقرير، ومن عموم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(2)، ولتنزيل ذلك منزلة الارتداد حيث أحدث ديناً باطلاً بعد اعترافه ببطلانه. فإن قلنا بإقرارها في إحدى الحالتين بقي النكاح، وإلا ففيه ما سلف. قوله: «وإذا أسلم الذمّي على أكثر من أربع - إلى قوله كان عقدهن ثابتاً». المراد بالزوجات هنا أن يكن كتابيات مثله؛ ليصح إطلاق استدامة نكاح العدد المعتبر فلو كن كافرات غير كتابيات انفسخ عقدهنّ بإسلامه مطلقاً إن لم يسلمن معه، أو في العدة إن كن مدخولاً بهنّ.

والحكم بتخيير الحرّ أمتين وحرّتين مبني على جواز نكاح الأمة بدون الشرطين، أو على أن الممتنع ابتداء نكاحهنّ لا استدامته، كما ذكره في التذكرة ونسبه إلى علمائنا(3).

والوجه هو الثاني ومن ثَمّ أطلق المصنف الحكم من غير خلاف.

ولا فرق في جواز تخيير من شاء منهنّ - على تقدير زيادتهن على العدد الشرعي - بين

ص: 346


1- تقدّم في ج 2، ص 500، مسائل في أحكام أهل الذمة.
2- آل عمران (3) 85.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 653 (الطبعة الحجرية).

وليس للمسلم إجبار زوجته الذمّيّة على الغسل؛ لأن الاستمتاع ممكن من دونه، ولو اتصفت بما يمنع الاستمتاع كالنتن الغالب، وطول الأظفار المنفّر كان له إلزامها بإزالته.

وله منعها من الخروج إلى الكنائس والبيع كما له منعها من الخروج من منزله.

وكذا له منعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، واستعمال النجاسات.

من تقدّم نكاحها وتأخر واقترن عندنا؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لغيلان: «أمسك أربعاً، وفارق سائرهنّ(1) من غير استفصال وهو يفيد العموم.

ولا فرق على تقدير كونهنّ كتابيات بين إسلام بعضهنّ معه وعدمه، حتى لو أسلم معه أربع جاز له اختيار الكتابيات؛ لأنّ الإسلام لا يمنع استمرار نكاح الكتابية، ولا يوجب نكاح المسلمة، وإن كان الأفضل له اختيار المسلمات؛ لشرفهن على الكافرات. ثم إن لم يكن دخل بمن اختار فراقها فلا مهر لها، وإلّا استقرّ المسمّى إن كان على الأقوى.

وقيل: يثبت لها مهر المثل؛ لفساد نكاح ما زاد على العدد، فيكون كوطء الشبهة(2). :قوله «وليس للمسلم إجبار زوجته الذمّيّة على الغسل - إلى قوله - واستعمال النجاسات».

لا فرق في الغسل الذي ليس له إجبارها عليه بين غسل الحيض والجنابة عندنا؛ لعدم توقف الاستمتاع عليه، وكونها مقرّة على دينها. ونبه بقوله لأنّ الاستمتاع ممكن بدونه على خلاف من خالف فيه - وهو الصدوق

ص: 347


1- الموطأ، ج 1، ص 397 باب جامع الطلاق، ح 66: السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 294، ح 14041،وص 295 - 296، ح 14045.
2- القائل به العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 42 وولده في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 107 - 108؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 425.

من علمائنا(1) والعامة(2) - واشترط في جواز وطء الحائض الغسل بعد الانقطاع، فإنّها حينئذٍ تجبر عليه؛ لتوقف الاستمتاع عليه. والمراد حينئذ إيقاع صورة الغسل وإن لم يصح منها. نعم له إجبارها على فعل كلّ ما ينقص الاستمتاع بدون فعله، وإزالة كل ما ينقصه بقاؤه كالوسخ الكثير، والنتن الغالب، وطول الأظفار، وشعر الابط والعانة، وشرب الخمر المؤدّي إلى الإسكار؛ لأنّ السكر مانع من تمام الاستمتاع وكذا أكل لحم الخنزير، ومباشرة النجاسات المنفّرة للنفس.

ولا فرق في المسكر بين قليله وكثيره؛ لاختلاف الناس في مقدار ما يسكر، فربما أسكر القليل منه فينافي المقصود.

ولكن يشكل هذا الإطلاق بنحو تناول القطرات اليسيرة التي يعلم قطعاً عدم إسكارها. وكذلك إطلاق منعها من استعمال النجاسات إنّما يتم على تقدير إيجابه نفرة، أو على القول بطهارة بدنها كما يعبر به العامة(3) هنا، أما على قول أصحابنا من نجاستها بدونه فلا يظهر وجه المنع من مباشرتها لها مطلقاً، بل حيث ينافي الاستمتاع ويوجب نفرة الطبع، ومثل هذا لا يختص بالكافرة بل تشاركها المسلمة فيه، حتى أنّ له منعها من تناول كل ذي رائحة خبيثة توجب ذلك، كالثوم والبصل النِيْء. وكذا له منعها من الخروج إلى البيع والكنائس وغيرها؛ لمنافاته الاستمتاع الواجب عليها في كلّ وقت كما له منع المسلمة من الخروج إلى المساجد ونحوها ومن بيوت الأقارب والجيران؛ فإنّ هذا الحكم مشترك بين الزوجات مطلقاً.

ولا فرق في ذلك بين الشابّة والمسنّة، وإن كان المنع في حق الشابة أقوى، خوفاً من الفتنة.

ص: 348


1- الهداية، ص 263.
2- راجع الحاوي الكبير، ج 1، ص 386؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 387، المسألة 484.
3- راجع الحاوي الكبير، ج 1، ص 80؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 72، المسألة 50.
المقصد الثاني: في كيفية الاختيار

وهو إما بالقول الدال على الإمساك، كقوله: «اخترتك» أو «أمسكتك» وما أشبهه. ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأربع الأول. واندفع البواقي.

ولو قال لما زاد على الأربع: اخترت فراقكن»، اندفعن، و ثبت نكاح البواقي. ولو قال لواحدة: «طلّقتك»، صح نكاحها وطلقت، وكانت من الأربع. ولو طلق أربعاً اندفع البواقي، وثبت نكاح المطلقات ثمّ طلّقن بالطلاق؛ لأنّ-ه لا يواجه به إلا الزوجة؛ إذ موضوعه إزالة قيد النكاح.

قوله: «وهو إما بالقول الدال على الإمساك إلى قوله واندفع البواقي». لا فرق في اللفظ الدال على الاختيار بين كونه صريحاً، أو كناية يلزم منها الاختيار.

وقد عبّر المصنف بالقسمين:

فالأوّل» مثل «اخترت نكاحك»، أو «اخترت تقرير نكاحك»، أو «اخترت بقاءك على النكاح»، أو «حبستك عليه»، أو «عقدتك»، أو «اخترتك»، أو «أمسكتك» مطلقاً، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه صريحاً. وأما الكناية فهو ما يدلّ عليه اللفظ بالالتزام، كما لو كان عنده ثماني نسوة فاختار أربعاً للفسخ؛ فإنّه يلزم نكاح الأربع الباقيات وإن لم يتلفظ في حقهنّ بشيء؛ لأنّ نكاح الأربع لازم له، وقد جعل الشارع له خيار فسخ نكاح من شاء، فإذا اختار فسخ نكاح أربع ثبت عقد البواقي. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله ولو قال لما زاد على الأربع: اخترت فراقكنّ إلى آخره. وينبغي أن يكون قوله «اخترتك» و«أمسكتك» من هذا القسم، حيث لم يصرح بإرادة النكاح.

قوله: «ولو قال لما زاد على الأربع - إلى قوله إذ موضوعه إزالة قيد النكاح».

من جملة الألفاظ الدالة على الاختيار الطلاق لواحدة أو أزيد؛ فإنّه يكون تعييناً للمطلقة؛ لأنّ الطلاقَ موضوع لإزالة قيد النكاح فلايواجه به إلا الزوجة. فإذا خاطب

ص: 349

والظهار والإيلاء ليس دلالة على الاختيار؛ لأنه قد يواجه به غير الزوجة.

واحدةً منهنّ به كان ذلك دليلاً على اختيارها زوجةً أولاً، ثمّ يقع بها الطلاق إن حصلت

شرائطه. وينقطع نكاح الأربع المطلقات بالطلاق، ويندفع نكاح الباقيات بالشرع. والأصل في ذلك أنّ الاختيار ليس باللفظ بل بالقصد، واللفظ وضع دالاً عليه، والطلاق

يدلّ على إرادة النكاح كما قرّرناه. وفي وجه للعامة أن الطلاق ليس تعييناً للنكاح(1) لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: لفيروز الديلمي - وقد أسلم على أختين: «طلق أيتهما شئت»(2)، فلو كان الطلاق تعييناً للنكاح لكان ذلك تفويتاً لنكاحهما عليه.

وأُجيب(3) بأنّه - مع تسليمه - أراد بالطلاق مجازه، وهو الفراق.

قوله: «والظهار والإيلاء ليس دلالة على الاختيار؛ لأنه قد يواجه به غير الزوجة».

نبه بالتعليل على الفرق بينهما وبين الطلاق، حيث كان اختياراً دونهما. ووجه الفرق أنّ الظهار وصف بتحريم المرأة المواجهة به، والإيلاء حلف على الامتناع من وطئها، وكلّ منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة.

غاية ما في الباب أنّ الظهار إذا خوطبت به الزوجة ترتبت عليه أحكام مخصوصة، وإن خوطبت به الأجنبية لم تثبت تلك الأحكام، وكان قولاً صحيحاً بالنسبة إليها. وفي الإيلاء لو حلف على ترك وطء الأجنبية فتزوجها و وطئها كان عليه الكفارة وكذلك بالزوجة مع زيادة أحكام أُخر.

والحاصل أن نفس المخاطبة بهما لا تستلزم الزوجية، فلا يكون أحدهما اختياراً بخلاف الطلاق فإنه رفع للنكاح الثابت فالنكاح جزء مفهومه أو لازمه لزوماً بيناً، فإثباته يستلزم إثباته.

ص: 350


1- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 502.
2- سنن أبي داود، ج 2، ص 272، ح 2243؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 627، ح 1951؛ سنن الدارقطني، ج 3،ص 202 ، ح 3639: السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 299،ح 14058.
3- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 456.

وإما بالفعل فمثل أن يطأ؛ إذ ظاهره الاختيار ولو وطئ أربعاً ثبت عقدهنّ واندفع البواقي.

ولو قبل أو لمس بشهوة يمكن أن يقال: هو اختيار، كما هو رجعة في حق المطلقة.

وهو يشكل بما يتطرّق إليه من الاحتمال.

وقال الشيخ (رحمه الله): إنّ كلّ واحد من الإيلاء والظهار يكون تعييناً للنكاح كالطلاق(1)؛ لأنهما تصرّفان مخصوصان بالنكاح فأشبها لفظ الطلاق. وقد عرفت ضعفه. ويتفرع على القولين: أنّ الظهار والإيلاء يقعان على الثاني، ويتوقفان على اختيار من ظاهر منها أو آلى على الأوّل، فإن اختارها للنكاح تبيّن وقوعهما من حين الاختيار لا من حين الصيغة؛ لأن الزوجيّة لم تكن متحققةً قبله. وتظهر الفائدة فيما لو كان الإيلاء مقيّداً بمدة تزيد على أربعة أشهر، فابتداؤها من حين الاختيار أمّا ضرب المدة له فإنّها موقوفة على المرافعة على القول بأنه من حينها، فلايتقيد بالاختيار. وعند من يعتبره من حين الإيلاء فيكون من حين الاختيار أيضاً.

قوله: «وإما بالفعل إلى قوله - ثبت عقدهن واندفع البواقي». وجهه العمل بظاهر الحال، وهو أنه لا يطأ إلا من يختار نكاحها؛ لدلالته على الرغبة فيها، ولظاهر حال المسلم من صيانته عن الزنى؛ ولهذا عد رجوعاً في الطلاق، وفسخاً على تقدير الخيار للبائع. وعلى هذا لو وطئ أربعاً ثبت عقدهنّ واندفع البواقي. ويظهر من المصنّف(2) والجماعة عدم الخلاف في ذلك عندنا.

قوله: «ولو قبل أو لمس بشهوة - إلى قوله - يتطرق إليه من الاحتمال».

وجه كونهما اختياراً أنّ المقتضى لكون الوطء اختياراً - وهو دلالته على الرغبة وصيانة حال المسلم - قائم فيهما، فيدلّان على الاختيار، كما أنهما يدلان على الرجعة

ص: 351


1- المبسوط، ج 3، ص 484 - 485.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 476 - 477: والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 46.
المقصد الثالث في مسائل مترتّبة على اختلاف الدين
الأولى:إذا تزوج امرأةً وبنتها، ثمّ أسلم بعد الدخول بهما حرمتا.

وكذا لو دخل بالأم. أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأُمّ دون البنت، ولا اختيار. وقال الشيخ: له التخيير. والأول أشبه.

لا بطريق القياس عليها بل المراد تشبيه الاختيار بالرجعة؛ لتقاربهما في المعنى. والمصنّف استشكل الحكم فيهما من حيث إنّهما أضعف دلالةً من الوطء، والاحتمال فيهما يتطرّق، حيث إنهما قد يوجدان في الأجنبية.

وفي الأوّل قوة. ولا إشكال مع قصد الاختيار بهما.

قوله: «إذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم - إلى قوله - والأول أشبه».

إذا أسلم الكافر وقد تزوج بامرأة وابنتها فلا يخلو إما أن يكون قد دخل بهما، أو بإحداهما، أو لا يكون قد دخل بهما. فأقسامه أربعة:

الأوّل: أن يكون قد دخل بهما، فتحرمان معاً، ويسقط الاختيار. أما الأم؛ فللعقد على

البنت فضلاً عن الدخول. وأما البنت؛ فللدخول بالأُمّ.

الثاني: أن يدخل بالأُمّ خاصةً. فتحرمان أيضاً، لما ذكر في الأول.

الثالث: أن يدخل بالبنت خاصةً فتحرم الأمّ للعقد على البنت فضلاً عن الدخول.

ولا تحرم البنت؛ لأنّ العقد على الأُمّ لا يحرمها بدون الدخول كما مر(1).

الرابع: أن لا يدخل بواحدة منهما، فتحرم الأُمّ بالعقد على البنت، ويبطل عقدها، ويلزم عقد البنت؛ لأنّ نكاح الكفر صحيح. ومن ثَمّ يتخيّر أربعاً لو أسلم على أزيد منهنّ، ويصح

نكاحهن بغير تجديد عقد.

وقال الشيخ له التخيير لأيّتهما شاء(2)؛بناءً على أنّ عقد الشرك لايحكم بصحته إلّا

ص: 352


1- مرّ في ص 269.
2- المبسوط،ج3،ص464.

ولو أسلم عن أمة وبنتها، فإن كان وطئهما حرمتا ، وإن كان وطئ إحداهما حرمت الأخرى، وإن لم يكن وطئ واحدةً تخيّر.

بانضمام الاختيار في حال الإسلام، وإلا فهو باطل في نفسه بدون ذلك. ومن ثم لا مهر لغير المدخول ولا نفقة ولا متعة حيث يختار فراقها كما لو لم يعقد عليها. ولأنه لو أسلم على أُختين تخيّر أيتهما شاء، ولو كان العقد صحيحاً لزم بطلانه كالمسلم.

وعلى هذا فإن اختار نكاح البنت استقر نكاحها وحرمت الأم مؤبداً، وإن اختار نكاح الأم لم تحرم البنت بدون الدخول.

وأجيب بأنّ ما ذكر من سقوط المهر والنفقة لايدلّ على بطلان العقد، بل الوجه فيه أنه فسخ جاء لا من قبل الزوج، ولأنّ العقدَ لو لم يكن صحيحاً لم يكن لانضمام الاختيار أثر في صحته، كما في كل عقد باطل.

والأصح الأول. واعلم أنه لا يفتقر إلى تقييد المرأة والبنت في العبارة بإسلامهما معه أو كونهما كتابيتين؛ نظراً إلى أنهما لو كانتا وثنيتين لبطل نكاحهما ؛ لتحريمهن على المسلم بدون الدخول. بل الحق أنّ العبارة تشملهما أيضاً؛ لأنا لا نحكم بتحريمهما بإسلامه مطلقاً، بل مع انقضاء العدة ولم تسلما فيها كما مرّ. فعلى هذا مجرّد إسلامه مع عدم الدخول بهما لايوجب تحريمهما مطلقاً من حيث الجمع بين الأم والبنت، بل يكون حكمهما كالكتابيتين من حيث العقد والدخول وعدمه. وتزيدان بضرب العدة لهما، فإن أسلمتا تخيّر أو بطل عقد الأم كما مرّ، وإلا بانتا منه كما لو لم تكونا أُمّاً وبنتاً.

قوله: «ولو أسلم عن أمة وبنتها - إلى قوله - وإن لم يكن وطئ واحدةً تخيّر». وجه تحريمهما مع وطنهما ظاهر؛ لأن وطء كلّ واحدة من الأم والبنت يحرم الأُخرى، سواء وقع بعقد أم ملك أم شبهة. وأما إذا دخل بواحدة منهما فإنّه يحرّم الأخرى خاصةً؛ لأنّها أُمّ مدخول بها أو بنتها، ويستقر الحلّ على الموطوءة. ولو لم يكن وطئ واحدةً تخيّر للوطء من شاء منهما كما في حال الإسلام

ص: 353

ولو أسلم عن أختين تخيّر أيّتهما شاء ولو كان وطئهما.

وكذا لو كان عنده امرأة وعمتها أو خالتها، ولم تجز الخالة ولا العمّة الجمع.

أما لو رضيتا صح الجمع. وكذا لو أسلم عن حرّة وأمة.

قوله: «ولو أسلم عن أُختين تخيّر أيتهما شاء ولو كان وطئهما».

لما تقدم من تخيير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لفيروز الديلمي في إمساك أي الأختين شاء(1). ووطؤهما لا دخل له في التحريم هنا.

وحكم غير المختارة حكم الزائد على العدد الشرعي.

قوله: «وكذا لو كان عنده امرأة - إلى قوله - أما لو رضيتا صح الجمع». إن اختارت العمة أو الخالة الجمع بينها وبين بنت الأخ والأخت فلا بحث، وإلا تخيّر إحداهما، فمن اختارها صح نكاحها وبطلت الأخرى كالأختين. ولا فرق مع رضى العمّة والخالة بين وقوعه في حال الكفر وحال الإسلام.

قوله: «وكذا لو أسلم عن حرّة وأمة».

الأولى كون المشبه به المشار إليه ب«ذا هو حكم العمّة والخالة إذا رضيتا بالجمع، لا جميع حكمهما؛ لأنّ الحرّة إذا لم ترض بعقد الأمة ينفسخ عقد الأمة وتبقى الحرّة وحدها.

وإن رضيت بالجمع صح عقدهما، وهذا الحكم يخالف مجموع حكم العمة والخالة. واعلم أن صحة عقدهما على تقدير رضى الحرّة غير مترتب على القول بجواز نكاح الأمة بدون الشرطين، بل هو جارٍ على القولين؛ لأنّ الخلاف إنما هو في ابتداء نكاح الأمة لا استدامته، ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، كما أنه ليس له العقد على الكتابية ابتداء، وله استدامة عقدها؛ ومن ثَمّ أطلق المصنّف وغيره(2) الحكم بالصّحة.

ص: 354


1- تقدّم في ص 350.
2- کابن البراج في المهذب، ج 2، ص 253؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 42؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد،ج 12، ص 428.
الثانية:إذا أسلم المشرك وعنده حرّة وثلاث إماء

إذا أسلم المشرك وعنده حرّة وثلاث إماء فأسلمن معه تخيّر مع الحرّة اثنتين، إذا رضيت الحرّة. ولو أسلم الحرّ وعنده أربع إماء بالعقد تخيّر أمتين.

ولو كنّ حرائر ثبت عقده عليهن. وكذا لو أسلمن قبل انقضاء العدّة.

ولو كنّ أكثر من أربع فأسلم بعضهنّ كان بالخيار بين اختيارهنّ والتربص فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع ثبت عقده عليهن، وإن زدن عن أربع تخيّر أربعاً.

ولو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له خيار في الباقيات، ولو لحقن به قبل العدة.

قوله: «إذا أسلم المشرك وعنده حرّة وثلاث إماء - إلى قوله - تخيّر أمتين». المراد ب«المشرك» هنا غير الكتابي، وإن كان الكتابي عنده مشركاً أيضاً، كما أشرنا إليه سابقاً(1)، وقرينته هنا تقييده بإسلامهنّ معه؛ إذ لو كان كتابيّاً وكن كذلك لم يفتقر إلى إسلامهن؛ الصحة نكاحهن على هذا الوجه وحينئذ فإن رضيت الحرّة بعقد الإماء تخيّر منهنّ اثنتين؛ لأنّهما منتهى ما يحل له من الإماء بالعقد. ولا فرق بين كونه ممّن يجوز له حينئذ العقد على الأمة وعدمه كما مرّ. وإن لم ترض الحرّة انفسخ نكاح الإماء.

وكذا الكلام في تخييره أمتين لو كان عنده أزيد منهنّ ولم تكن عنده حرّة.

قوله: «ولو كن حرائر ثبت عقده عليهنّ ، وكذا لو أسلمن قبل انقضاء العدّة». المفروض كونهنّ غير كتابيات كما مر؛ فإنّهنّ إذا أسلمن معه ثبت عقدهن؛ لأنهنّ لا يزدن على العدد الشرعي.

وكذا لو لم يسلمن معه ثمّ أسلمن فى العدة؛ فإنّ عقدهنّ يثبت كما لو أسلمن معه. قوله: «ولو كنّ أكثر من أربع فأسلم بعضهن - إلى قوله - ولو لحقن به قبل العدة».

إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع، وكنّ جمع وثنيات مدخولاً بهنّ، فإن أسلم بعضهن لم يجبر على اختيار من أسلم، بل له انتظار الباقيات إلى أن تخرج العدة. فإن خرجت وقد

ص: 355


1- سبق في ص 335 - 336.
الثالثة:لو أسلم العبد وعنده أربع حرائر

لو أسلم العبد وعنده اربع حرائر وثنيات فأسلم معه اثنتان ثمّ أعتق

ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين؛ لأنه كمال العدد المحلل له. ولو أسلمن ثمّ أعتق ثمّ أسلم، أو أسلمن بعد عتقه وإسلامه في العدة ثبت نکاحه عليهنّ؛ لاتصافه بالحرّية المبيحة للأربع. وفي الفرق إشكال.

أسلم أربع فما دون تعين للنكاح، وإن كنّ أكثر تخير منهنّ أربعاً، سواء في ذلك المتقدمات والمتأخرات ولو اختار من سبق إسلامهنّ قبل أن تخرج العدّة وكنّ أربعاً تعيّن للنكاح ولم يكن له اختيار من لحق به وإن كان في العدّة؛ لأنّه باختياره الأربع اندفع نكاح البواقي وإن كن مسلمات، فكيف بمن تجدد إسلامهن بعد ذلك ؟ ولو كان بعضهن كتابيات كن بمنزلة المسلمات في جواز اختيارهن من غير انتظار، وبين انتظار البواقي إلى أن تخرج العدة.

قوله: «ولو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات - إلى قوله - وفي الفرق إشكال». لا إشكال في أنّ العبد المتزوج لأزيد من النصاب المعتبر له شرعاً كأربع حرائر - لو أُعتق قبل إسلامه وإسلامهن جميعاً يكون حكمه في العدد حكم الأحرار؛ لأن أحكام الإسلام لما جرت عليه كان حرّاً، ولا عبرة برقيته قبل ذلك، وإن كان في زمن الزوجية الممتنعة عند المسلمين؛ لأنّ النظر مقطوع عن حكم الكفّار إذا لم يترافعوا إلينا. وفي حكمه ما لو توسط عنقه بين الإسلامين مع كون المتقدم إسلامهن وكذا لا إشكال في أنه لو تأخر عتقه عن إسلامه وإسلامهنّ لم يكن له أن يختار سوى اثنتين؛ لأنّ أحكام الإسلام جرت عليه بذلك وهو رقّ، فاعتبر له عدد العبيد.

وإنما الكلام فيما بقى من الأقسام، وقد ذكر المصنف منها قسماً واحداً، وهو ما لو تأخر

عتقه عن إسلامه وإسلام اثنتين منهنّ خاصةً، فحكم بأنّه لا يزيد على اختيار اثنتين. ووجهه أنّ وقت الاختيار يكون بعد إسلامه ووجود من يصلح للاختيار، بأن يكن قد أسلمن أو أسلم بعضهن، فإذا اتفق إسلام اثنتين فقد كمل نصاب العبيد وهو عبد، وتعلّق به حكم الاختيار بسبب إسلامه، فلم يكن له أن يختار أزيد من اثنتين.

ص: 356

ثم تردّد المصنّف في الفرق بين هذه الصورة، وبين ما لو سبق عتقه الإسلامين أو توسّط، من حيث إن محل اختياره باقي ما دامت العدة للباقيات؛ إذ له اختيار المتأخرات وإن زدن على العدد. فإذا فرض عتقه قبل إسلام الأخريين فقد صادف إسلامهما عتقه، فإذا أخر الاختيار عن المسلمتين صادفت الحرية الأربع قبل الاختيار، فينبغي أن يلحقه حينئذ حكم الأحرار. وحاصل الفرق يرجع في هذه الصورة إلى أنه صادف كمال العدد قبل الحرّية، ومع تأخر إسلامهن يكون قد طراً العتق قبل الحكم بالتخيير حتى لو أسلمت(1) قبل عتقه واحدة وتأخر البواقي فهو كما لو تأخر إسلام الجميع؛ لطريان العتق قبل كمال عدد العبيد. والمتجه الفرق.

وانتظار الباقيتين غير قادح فيه؛ لأنا لا نحتم عليه اختيار المسلمتين أولاً، بل يتخير بين اختيارهما وانتظار الباقيتين فيختارهما إن أسلمتا أو يختار واحدةً من الأوليين، وواحدةً من الأخيرتين.

والحاصل أنّ العبرة بحريته أو رقيته وقت الحكم بالاختيار، وتعلّق حكم الاختيار به مشروط بإسلامه وإسلام من يتعلّق به الاختيار منهنّ فقبل إسلامه لا حكم لاختياره، وكذا بعده وقبل إسلامهن، لأنه لا موضع للاختيار.

ومتى وجدت منهن واحدة مسلمة قبل عنقه فمحل اختياره باق؛ لأنّه لم يكمل عدد العبيد ولا عدد الأحرار، فإذا كمل عدد العبيد بإسلام اثنتين قبل عتقه عدد العبيد بإسلام اثنتين قبل عتقه ثمّ أُعتق فقد حصل شرط الاختيار، كما لو أسلم الجميع قبل عتقه وإسلامه، فيختار اثنتين.

ومتى فارق الباقيتين كان له أن يتزوجهما؛ لأنّه حرّ يجوز له الجمع بين أربع، وإنّما حكمنا بانفساخ العقد السابق خاصةً.

والضابط على هذا أنه متى أعتق قبل اجتماع الإسلامين، أو قبل إسلام عدد العبيد، كان له حكم الأحرار.

ومتى اجتمع الإسلامان قبل عتقه، أو إسلامه وإسلام عدد العبيد كان له حكم العبيد.

ص: 357


1- في جميع النسخ: «أسلم» بدل «أسلمت»، وما أثبتناه هو الصحيح.

وفي التذكرة جعل الضابط أنه متى تأخر عتقه عن اجتماع الإسلامين فكالعبد، وإن عتق قبل اجتماع الإسلامين، سواء عتق قبل إسلامه وإسلامهن، أو بين إسلامه وإسلامهن، تقدّم إسلامه أو تأخّر، فحكمه حكم الأحرار. مع أنه حكم باختيار اثنتين على تقدير إسلامهما قبل عتقه(1)، كما ذكره المصنف، فلا يتم ضابطه.

وفي القواعد ألحق ما لو توسط عتقه بين إسلامه المتقدم وإسلامهن بعده بحكم العبيد(2)؛ نظراً إلى أنّ وقت الحكم باختياره زمن جريان حكم الإسلام عليه وإن تأخر إسلامهن، وقد كان حينئذ عبداً.

ويشكل بأن الاختيار مشروط بوجود من يصلح له، وهو منتف قبل إسلامهن، وبعده قد صار حراً. وعلى هذا فيتجه في قول المصنّف وفي الفرق إشكال» احتمال أن يريد بالفرق المشكل بين الأخيرة - وهي ما لو تأخر إسلامهن عن عتقه وإسلامه، حيث حكم فيها بأنه يختار أربعاً - وبين الأولى الذي حكم بكونه يختار اثنتين؛ إذ يحتمل أن يقال: إنه يختار اثنتين في الصورتين، كما ذكره في القواعد في الصورة الأخيرة، إلا أن هذا الاحتمال وإن تمّ في الصورة الأخيرة لا يتم في التي قبلها، وهي قوله ولو أسلمن ثمّ أعتق ثمّ أسلم» فإن هذه لا خلاف في أنّ له أن يتخيّر أربعاً. وهذا أحد فردي القسمين اللذين فرق بينهما، فإخراجها من البين لا دليل عليه، وإدخالها في الإشكال لا وجه له. وبهذا يترجح إرادة المعنى الأول،

وهو احتمال مساواة الأولى للأخيرة في اختيار الأربع دون العكس. وبالجملة فعباراتهم في المسألة مختلفة، وفتواهم فيها مضطربة، من غير أن يجعلوا ذلك موضع خلاف وتفصيل موضع الاختلاف يتم بصور:

الأولى: أن يتقدم عتقه على إسلامه وإسلامهن، وهنا يختار أربع حرائر بغير خلاف.

ص: 358


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 656 (الطبعة الحجرية).
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 44.

الثانية: أن يتقدم إسلامهن جمع، ويتوسط عتقه بين الإسلامين وحكمها كالأولى اتفاقاً.

الثالثة: أن يسلم بعضهنّ ثمّ يعتق ثمّ يسلم ثم يسلم الباقي منهنّ. والحكم كالأُولى.

الرابعة: أن يتقدم إسلامه، ويتوسط عتقه بين الإسلامين. وقد اختلف كلامهم في حكمها، فقال المصنّف هنا، والعلّامة في التذكرة(1) والتحرير(2)، والشيخ في المبسوط(3): يتخيّر أربعاً كالحر؛ لأنه لا يتخير بعد إسلامه إلى أن يجد محلاً للتخيير، ولا يحصل إلا بإسلامهن، وهو متأخر عن عتقه.

وقال في القواعد : إنه كالعبد(4): جعلاً للتخيير عند إسلامه مطلقاً؛ لأنه وقت جريان حكم الإسلام.

الخامسة: الصورة بحالها، ولكن عتقه وقع بعد إسلام واحدة خاصةً. والخلاف فيها كالسابقة، والأصح أن له أن يتخير أربعاً.

السادسة: الصورة بحالها، ولكن وقع عتقه بعد إسلام اثنتين، وتأخر عنه اثنتان. وهنا

تطابقت العبارات على أنه يتخيّر اثنتين خاصةً كالعبد، إلا على التردد الواقع في العبارة. والفرق بينها وبين السابقة أنّه إذا لم يسلم معه إلا واحدة لم يكمل عدد العبيد، وإذا أسلمت اثنتان ثمّ عتق كمل عدد العبيد قبل العتق، فحدوث الحرية من بعد لايفيد زيادة عليه.

السابعة: الصورة بحالها، لكن عتقه بعد إسلام ثلاث منهنّ. والحكم كالسابقة؛ لأنّه لم يكمل عدد الأحرار حين الحكم بتخييره.

الثامنة: أن يتأخر عتقه عن الإسلامين معاً، فله حكم العبيد قطعاً؛ لأنّ محلّ التخيير وقع قبل الحرية.

وقد شبّهوا الصورة الخامسة والسادسة، والفرق بينهما بما إذا طلّق العبد امرأته طلقتين

ص: 359


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 656 (الطبعة الحجرية).
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 91، الرقم 5039.
3- المبسوط، ج 3، ص 474-475.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 44.

ثم عتق، فإنّه لا يملك بالعتق طلقةً ثالثةً، ولم يجز نكاحها إلا بمحلل. ولو طلّقها طلقةً ثمّ عتق ونكحها أو راجعها ملك طلقتين.

وبما إذا كانت تحته حرّة و أمة فقسم للحرّة ليلتين وللأمة ليلة، ثم أعتقت الأمة، إن عتقت بعد تمام ليلتها لم تستحق زيادةً، وإن عتقت قبل تمامها كمّل لها ليلتين. والعبارة الجامعة لهذه المسائل أن يقال: الرقيّة والحرّية إذا تبدل أحدهما بالآخر، فإن بقي من العدد المعلّق بكلّ واحد من الزائل والطارئ شيء أثر الطارئ، وكان الثابت العدد المعلَّق به ، زائداً كان أم ناقصاً. وإن لم يبق منهما جميعاً لم يؤثر الطارئ. ولم يغيّر حكماً.

ففی مسألتنا: إذا أسلم معه حرّتان ثمّ عتق لم يبق من العدد المعلق بالزائل شيء، وبقي العدد المعلّق بالطارئ اثنتان فلم يثبت العدد المعلّق بالطارئ. وإذا أسلمت معه واحدة

من بقي من العدد المعلق بالزائل شيء، ومن العدد المعلّق بالطارئ شيء، فأثر العتق وثبت حكمه. وعلى هذا قياس باقي المسائل.

وممّا يتفرّع على هذا الأصل ما لو طلّق الذمّي زوجته طلقتين، ثم التحق بدار الحرب ناقضاً للعهد، فسبي واسترق، ونكح تلك المرأة بإذن مالكه يملك عليها طلقة؛ لأنّه بقي من عدد الزائل شيء، ولم يبق من عدد الطارئ شيء فلم يؤثر الطارئ. ولو كان قد طلقها طلقة، فإذا نكحها لايملك عليها إلا طلقة؛ لأنّه بقي من عدد الزائل طلقتان، ومن عدد الطارئ طلقة، فكان الثابت حكم الطارئ وهو الرقّ. واعلم أنه يمكن الفرق بين مسألتنا هنا وبين المشبه بهما في الطلاق والقسمة؛ وذلك لأنّ العبد إذا طلق طلقتين وقع الحكم بالتحريم المحوج إلى المحلل، فحصول العتق بعده لا يؤثر في رفعه.

وإذا مضى قرءان وقع الحكم ببراءة الأمة وبحلها للأزواج وكذا باقي النظائر وهاهنا لا يصير مستوفياً لحقه بإسلام اثنتين معه، وإنما يصير متمكناً من الاستيفاء والتمكن من الشيء لا يحلّ محلّ الشيء.

ص: 360

الرابعة:اختلاف الدين فسخ لا طلاق،

فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر. وإن كان من الرجل فنصفه على قول مشهور. وإن كان بعد الدخول فقد استقرّ ولم يسقط بالعارض.

ولو كان المهر فاسداً وجب به مهر المثل مع الدخول، وقبله نصفه، إن كان الفسخ من الرجل.

ولو لم يسمّ مهراً والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة. وفيه تردّد.

قوله: «اختلاف الدين فسخ لا طلاق - إلى قوله - ولم يسقط بالعارض». هذا ضابط لحكم المهر في جميع ما سبق من المسائل التي حصل فيها فسخ النكاح من قبل الزوج أو من قبل الزوجة.

وحاصله أنّ الفسخ متى كان بعد الدخول فالمهر بحاله؛ لاستقراره بالدخول،

فيستصحب. وهو محلّ وفاق.

وإن كان قبله، فإن كان الفسخ جاء من قبل المرأة، كما لو أسلمت دونه فلا شيء لها؛ لأنّ المسقط منها، وإن كانت محسنةٌ بالإسلام مأمورة به؛ لأنّ المهر عوض فيسقط بتفويت العاقد المعقود عليه وإن كان معذوراً ، كما لو باع طعاماً ثمّ أكله مضطراً إليه.

وإن كان من قبله، كما لو أسلم ،دونها، فالمشهور أنّ عليه نصف المهر؛ لأنّها فرقة من قبله قبل الدخول، فأشبهت الطلاق ونسبه إلى الشهرة تنبيهاً على ضعف دليله. وقد تكرّر القول في ضعفه، فإنّه قد وجب بالعقد، وتنصيفه بالطلاق لنص خاص لا يوجب إلحاق غيره به إلا بطريق القياس والأصحاب لايجوزونه، فالقول بثبوت جميعه أقوى. ومما يتفرع على كونه فسخاً لا طلاقاً أنه لا يعد في الطلقات حتى تحرم الزوجة بطلقتين معه على تقدير كونها حرّة؛ لأنّ ذلك تشريع يتوقف على توقيف الشارع، وإنما حرمها بالطلاق ثلاثاً لا بما يشبهه. والمهر وجب بالعقد لا بالفسخ، فلا يلزم من وجوب المهر أو نصفه مع الفسخ كالطلاق مساواته له في جميع الأحكام. وهذا على تقدير القول المشهور، وعلى ما اخترناه تظهر المباينة أيضاً. قوله: «ولو كان المهر فاسداً وجب به مهر المثل مع الدخول - إلى قوله - وفيه تردّد».

ص: 361

ولو دخل الذمّى وأسلم وكان المهر خمراً ولم تقبضه، قيل: يسقط.

وقيل: يجب مهر المثل. وقيل: يلزمه قيمته عند مستحلّيه. وهو الأصح.

المراد ب«الفاسد» هنا لا من حيث تحريمه في شرع الإسلام كالخمر؛ لأنّ حكمه يأتي(1). بل من جهة اختلال شرط من شروط صحته، ككونه مجهولاً، فإنّه يثبت لها مع الدخول مهر المثل، كما لو عقد المسلمان على ذلك. وقبل الدخول إن كان الفسخ من قبلها لا شيء كما مر(2). وإن كان من الرجل فنصفه على القول المشهور، وجميعه على القول المنصور. ولو لم يكن سمّى مهراً، أصلاً، فإن كان بعد الدخول فمهر المثل بلا إشكال؛ لأنّه عوض البضع حيث لم يسم غيره. وإن كان قبله من قبل الرجل قيل : كان لها المتعة كما لو طلقها حينئذ.

ويحتمل عدم وجوب شيء؛ لأصالة البراءة. وحملها على المطلقة قياس وهذا منشأ تردّد المصنّف وربما احتمل وجوب نصف مهر المثل. وهو ضعيف جداً. ولو كان فساده بسبب تحريمه كالخمر مع كونه معلوماً فسيأتي ما ينبه على حكمه في الذمّي.

قوله: «ولو دخل الذمّي وأسلم وكان المهر خمراً ولم تقبضه» إلى آخره.

إذا أصدق الكافر امرأته صداقاً فاسداً في شرع الإسلام؛ لكونه محرّماً كالخمر، ثمّ أسلم، فإن كان بعد قبض ذلك الفاسد فلا شيء لها؛ لانفصال الأمر بينهما، وانتهاء النكاح إلى حالة انقطاع الطلبة(3)، وما مضى من الكفر لايتّبع.

وإن كان إسلامه قبل قبضه قيل: سقط ؛ لأنها قد رضيت بالخمر فيدام عليها حكم رضاها، وقد تعذر قبض الخمر بعد الإسلام بالنسبة إلى المستحق عليه فسقطت المطالبة.

ص: 362


1- يأتي بُعَيْدَ هذا.
2- مرّ في ص 342.
3- في بعض النسخ «المطالبة» بدل «الطلبة».
الخامسة:إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة

إذا ارتدّ المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة ووقف نكاحها على انقضاء العدّة.

فلو وطئها لشبهة وبقى على كفره إلى انقضاء العدّة قال الشيخ (رحمه الله) عليه مهران الأصلي بالعقد، وآخر للوطء بالشبهة. وهو يشكل بما أنّها في حكم الزوجة إذا لم يكن عن فطرة.

وقيل: وجب مهر المثل؛ لأنّها لم ترض إلا بالمهر، والمطالبة بالخمر في الإسلام ممتنعة،

فيرجع إلى مهر المثل ولا فرق على القولين بين كونه معيناً ومطلقاً.

واختار المصنف رحمه الله قولاً ثالثاً، وهو وجوب قيمته عند مستحلّيه؛ لأنّ المحرّم لم يفسد بل صح فيما بينهم ولزم ؛ ولهذا لو قبضه لم يجب لها غيره، وإنما تعذر الحكم به شرعاً، فوجب المصير إلى قيمته عند مستحلّيه؛ لأنّها أقرب شيء إليه، كما لو جرى على عين وتعذر تسليمها، فإنّه يصار إلى قيمتها ولأنّ مهر المثل قد يزيد عن قيمة المسمّى قلو حكم به ألزم الزوج بزيادة عمّا في ذمته مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقها، وقد ينقص فتمنع الزوجة بعض حقها مع اعتراف الزوج بثبوته، ولوجوب قيمة الخمر المحترمة لو أتلفها متلف على ذمّى فترافعا إلينا. وهذا أقوى. ومثله يأتي في غير الذمي إذا أسلم بعد الدخول، وهي المسألة السابقة.

ولو فرض قبضها البعض دون البعض سقط بقدر المقبوض ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة على القولين السابقين، بأن ينسب ما بقي من المهر إلى مجموعه، ويؤخذ من مهر المثل أو القيمة بتلك النسبة.

قوله: «إذا ارتدّ المسلم بعد الدخول إلى قوله إذا لم يكن عن فطرة».

إذا ارتد المسلم حرم عليه وطء زوجته سواء كان ارتداده قبل الدخول أم بعده؛ لأنّ-ه كفر يمنع التناكح بينه وبين المسلمة. وإنّما قيّد ببعدية الدخول ليترتب عليه الحكم الذي بعده.

ص: 363

السادسة:إذا أسلم وعنده أربع وثنيّات مدخول بهنّ

اذا أسلم وعنده أربع وثنیات مدخول بهنّ لم يكن له العقد علی أُخرى، ولا على أُخت إحدى زوجاته، حتى تنقضي العدة مع بقائهنّ على الكفر.

ثمّ إن كان ارتداده عن فطرة بانت منه مطلقاً. فلو وطئها لشبهة عليها فعليه مهر آخر للشبهة. وهذا لا إشكال فيه.

وإن كان ارتداده عن ملّة وكان بعد الدخول وقف نكاحه على العدة، فإن رجع إلى الإسلام

فيها استمر على نكاحه الأوّل، وإن بقي على ارتداده تبيّن انفساخ النكاح من حين الردّة. ويتفرع على ذلك ما لو وطئها بشبهة على المرأة، فإن رجع في العدة فلا شيء عليه؛ لأنّ إسلامه كشف عن كونها زوجته حال النكاح ؛ ولهذا بني على العقد الأول. وإن بقي على كفره إلى انقضاء العدة، قال الشيخ عليه مهران الأول الثابت بالعقد أو الدخول، ومهر المثل بوطء الشبهة(1)؛ لأنّ عدم عوده إلى الإسلام كشف عن بطلان النكاح بالردّة، فكانت كالأجنبية.

وقيل: لايلزمه لهذا الوطء مهر؛ لأنّها في حكم الزوجة وإن حرمت عليه؛ ولهذا لو رجع لم يفتقر إلى عقد جديد، بل يبنى على الأوّل، فدلّ على بقاء حكمه وإن حصل التحريم، غايته أن تكون الردّة كالطلاق الرجعي، وهو لا يوجب البينونة ولعلّ هذا أقوى وعلى التقديرين لا حدّ عليه بهذا الوطء وإن كان ممنوعاً منه؛ لأنّها لم تخرج عن حكم الزوجة مطلقاً كما مرّ. وتجب العدة لهذا الوطء، وهما عدتان من شخص واحد، فهو بمثابة ما لو طلق امرأته ثمّ وطئها في العدة، واجتماعهما في الإسلام هنا بمثابة الرجعة هناك.

قوله: «إذا أسلم وعنده أربع وثنيات مدخول بهنّ - إلى قوله - مع بقائهنّ على الكفر». إنّما لم يكن له العقد على أخرى ولا على أخت إحداهنّ؛ لأنهنّ لم يخرجن عن الزوجية

ص: 364


1- راجع المبسوط ، ج 3، ص 486.

ولو أسلمت الوثنيّة فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه، وانقضت العدة وهو على كفره صح عقد الثانية. فلو أسلما قبل انقضاء عدة الأُولى تخيّر، كما لو تزوجها وهي كافرة.

مطلقاً؛ لرجاء رجوعهن في العدة فيعدن إلى الزوجية بالنكاح السابق، فكان ذلك كالعدة الرجعية التي لا يصح فيها نكاح الخامسة ولا أخت المطلقة ويحتمل أن يتوقف نكاح الخامسة والأُخت كما وقف نكاح المتخلفة عن الإسلام، فإن أسلمت تبين بطلان نكاح الجديدة، و إن أصرّت حتى انقضت العدة تبينا صحته.

قوله: «ولو أسلمت الوثنية - إلى قوله كما لو تزوجها وهي كافرة».

إذا أسلمت الزوجة المدخول بها أوّلاً فتزوّج أختها، فلايخلو إما أن يسلم بعد ذلك، أو لا.

لا وعلى تقدير إسلامه، فإما أن يسلم في عدّة الأولى أو بعدها. وعلى تقدير إسلامه في عدتها، فإما أن تسلم معه الأخت الأخرى أو لا. ثمّ إمّا أن يكون قد دخل بها أو لا. فهذه أقسام المسألة. وجملة القول في حكمها، أنه إن لم يسلم فى عدة الأولى بطل نكاحه لها، واستقر نكاح الثانية. وإن أسلم في عدة الأولى، فإن أسلمت معه الأخت مقارنة لإسلامه إن كانت غير مدخول بها، أو في عدة الأولى إن كانت مدخولاً بها تخير أيتهما شاء؛ لتبين صحة النكاحين.

وإن تأخّر إسلام الثانية عن إسلامه مع كونها مدخولاً بها، حتى انقضت عدة الأولى. فمفهوم كلام المصنف وصريح غيره(1) أنّه يستقرّ نكاح الأولى، وتبين الثانية؛ لأنّه لمّا أسلمت الأولى حكم بضرب العدة لها من حين إسلامها، وحكمه أنه متى أسلم الزوج في العدة ثبت نكاحها ما لم يكن هناك مانع، ولا مانع هنا؛ لكون الثانية كافرة، فيمتنع نكاحها؛ لانتفاء صلاحيتها للزوجية.

ص: 365


1- كالعلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 43.
السابعة:إذا أسلم الوثني ثم ارتد،

اذا أسلم الوثنی ثم ارتدّ، وانقضت عدتها على الكفر فقد بانت منه. ولو أسلمت في العدة، ورجع إلى الإسلام في العدّة فهو أحقّ بها. وإن خرجت وهو كافر فلا سبيل له عليها.

وقيل: بل تضرب للثانية عدة من حين إسلامه كما هو قاعدة إسلام أحد الزوجين، فإن أسلمت في هذه العدة تخيّر أيتهما شاء وإن انقضت عدة الأولى(1)؛ لأن المقتضي لانفساخ نكاح الثانية إنّما هو إسلام الزوج، وإلا فهو صحيح قبل ذلك؛ ولهذا لو بقي على الكفر استمر النكاح؛ لأنّ نكاح الكفر صحيح، وقد وقع العقد على الأخت في حال كفرهما. وحيث كانت مدخولاً بها وجب ضرب العدة من حين إسلامه، كما في كل مدخول بها كذلك [إذا](2) أسلم زوجها، فإن أسلمت في العدة تبين عدم الانفساخ، فيتخيّر أيتهما شاء، ولا عبرة بانقضاء عدّة الأولى. وهذا هو الأقوى.

ومن توجيه هذا القول يظهر الجواب عن دليل الأول؛ لأنّ ثبوت عقد الأولى بإسلام الزوج في عدتها لا ينافي ثبوت عقد الأخرى التي قد صح عقدها حال الكفر، غايته اجتماع نكاح أختين، وذلك لا يوجب بطلان الثانية، [بل](3) إنما يوجب التخيير في فسخ أحدهما حيث يستقر أمر النكاحين، وذلك بعد الإسلام في العدة المعتبرة لكل واحدة.

ومثل هذا البحث يأتي فيما لو أسلم زوجاته الأربع المدخول بهن فتزوّج خامسة ودخل

بها، ثمّ أسلم وتأخر إسلامها حتى انقضت عدة الأربع، ثمّ أسلمت في عدتها. والمصنّف اقتصر من الحكم على ما لو أسلما فى عدة الأولى، ولم يذكر ما لو تأخر إسلام الثانية عن عدة الأولى، وهو موضع الإشكال، ولكن مفهومه كالقول الأول وإن احتمل غيره. قوله: «إذا أسلم الوثنى ثمّ ارتدّ - إلى قوله - وإن خرجت وهو كافر فلا سبيل له عليها». إذا أسلم عن وثنية مدخول بها ضرب لها عدة على القاعدة، فإن ارتد وهي كافرة

ص: 366


1- راجع جامع المقاصد، ج 12، ص 439.
2- ما بين المعقوفين ليس في النسخ، وإنما أثبتناه؛ لتستقيم العبارة.
3- ما بين المعقوفين ليس في النسخ، وإنما أثبتناه؛ لتستقيم العبارة.
الثامنة:لو ماتت إحداهنّ بعد إسلامهنّ

لو ماتت احداهنّ بعد اسلامهنّ قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها فإن اختارها ورث نصيبه منها . وكذا لو متن كلّهنّ كان له الاختيار. فإذا اختار أربعاً ورثهنّ؛ لأنّ الاختيار ليس استئناف عقد، وإنّما هو تعيين لذات العقد الصحيح.

واستمرّت على الكفر إلى أن انقضت العدة بانت منه بغير إشكال. وإن أسلمت فوجدته مرتداً ضرب لها عدة أيضاً من حين الردّة. فإن رجع إلى الإسلام فيها فهو أحق بها، وإن خرجت ولما يرجع بانت منه.

ولو انعكس الفرض بأن أسلمت هي أولاً، ثم ارتدت فالحكم كالسابق بتقريب القول؛ فإنه متى لم يسلم الزوج فى العدة المضروبة من حين إسلامها انفسخ النكاح باختلاف الدين أوّلاً، وهو وقت إسلامها، وتكون العدّة من يومئذ. وإن أسلم قبل انقضاء العدّة سقط حكم العدّة الماضية، ثمّ يضرب لها عدة أخرى لأجل الارتداد من حين ردّتها وإن كان كافراً، فإن عادت إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة المضروبة من وقت ردّتها استمر النكاح، وإلا انقطع من يوم الردّة.

:قوله: «لو ماتت إحداهن بعد إسلامهن - إلى قوله - وإنّما هو تعيين لذات العقد الصحيح». في التعليل جواب عن سؤال مقدّر ، هو أنّهنّ حر من عليه بإسلامه قبل إسلامهنّ، فإذا أسلمن يحتاج العود إلى الحلّ إلى سبب يوجبه، وقد خرجنّ عن أهليّة ذلك. ومجرّد إسلامهنّ ليس سبباً تاماً في الحلّ، بل لابدّ معه من الاختيار، فإذا متن قبل تمام السبب المبيح ينبغي البطلان، كما لو مات أحد المتعاقدين قبل تمام السبب المملك بالقبول أو القبض.

وجوابه: منع نقصان السبب الموجب للإرث؛ فإنّه الزوجية، وهي متحققة في جملتهن. والمانع كان هو الكفر وقد زال غايته زيادتهنّ عن العدد المعتبر، وأمره إليه لا إليهن؛ إذا التعيين موكول إلى اختياره.

فإذا ماتت إحداهنّ أو متن فسبب الإرث موجود، وإنّما يتوقف

ص: 367

ولو مات ومتن، قيل: يبطل الخيار والوجه استعمال القرعة؛ لأنّ فيهنّ وارثات وموروثات.

على اختيار العدد، والاختيار تعيين لذات العقد الصحيح المتحقق في ضمن الجميع لا استئناف عقد حتّى يبطل بالموت قبل تمامه.

قوله: «ولو مات ومتن قيل : يبطل الخيار إلى آخره.

إذا مات الزوج والنسوة الزائدات عن العدد فإن كان موتهنّ قبله فمنهنّ أربع موروثات له.

وإن متن بعده فهنّ وارثات وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده فمنهن وارثات وموروثات.

وقد فات الاختيار بموته، فلا سبيل إلى القول بعدم الإرث؛ لأنّ الزوجية متحققة في ضمنهنّ، وإنما فيهنَّ زيادة عن العدد مشتبهة بسبب فوات التعيين للزوجات قبل

موته؛ لأنّ منهنّ أربعاً وارثات للثمن أو الربع قطعاً. وحينئذ ففي كيفية الإرث أوجه: أحدها - وهو الذي اختاره المصنّف - استعمال القرعة بينهن، فمن أخرجتها للزوجية ورثته أو ورثها؛ ووجه القرعة اشتباه المستحق أو المستحق عليه مع انحصاره في جملتهن، والقرعة لكلّ أمر مشتبه(1).

والوجه الثاني: الإيقاف حتى يصطلح ورثتهنّ على الحصّة بالتساوي أو التفاوت؛ لأنّ الحق منحصر فيهم، وفيهم من يستحق وفيهم من لا يستحق، والقرعة إنما تكون لتعيين ما هو معيّن عند الله مشتبه في الظاهر وهنا ليس كذلك ؛ لأنّ التعيين موكول إلى اختيار الزوج لا إلى الله تعالى، وإن كان هو الذي يلهمه الاختيار ، فإذا مات قبل التعيين اشتبه المستحق منهم. ولم يذكر المصنّف هذا الوجه هنا، وذكره فيما يأتي حيث يموت الزوج دونهنّ(2)؛ لإمكان إيكال الاصطلاح إليهن لانحصار المستحق فيهن، بخلاف ما إذا متن؛ لقوات محلّ التعيين من الجانبين.

ص: 368


1- الفقيه،ج 3، ص 92، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 593، وفيهما: «كلّ مجهول ففيه القرعة».
2- يأتي في ص 373.

ولو مات الزوج قبلهنّ كان عليهنّ الاعتداد منه ؛ لأنّ منهنّ من تلزمه العدّة. ولما لم يحصل الامتياز الزمن العدّة احتياطاً بأبعد الأجلين؛ إذ كلّ واحدة يحتمل أن تكون هي الزوجة وأن لاتكون. فالحامل تعتد بعدة الوفاة ووضع الحمل والحائل تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة.

ولكن لما كان الوارث قائماً مقام المورّث أمكن إيقاف الحصة إلى أن يصطلح الورثة أيضاً؛ إذ ليس للمورّث هنا مزية في التعيين زائدة على الوارث؛ لاشتباه الحال على الجميع.

وهذا أجود.

والثالث: أنّ الحصّة من الربع أو الثمن تقسم بينهنّ بالسّويّة، ويأخذ وارث كلّ واحدة نصيبها؛ لأنّ البيانَ غير متوقع، وهنّ جميعاً معترفات بأن الإشكال ثابت في الجميع، وأنه لا مزية لإحداهنّ على الأخرى. بخلاف المستحق المعلوم عند الله تعالى إذا اشتبه بغيره عندنا، فإنّ استخراجه بالقرعة متوجه؛ إذ لايمكن هنا أن يقال: إنه تعالى يعلم المختارات منهنّ مع أنّه لم يوجد منه اختيار؛ لأنّه تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فالمعين في نفسه يعلمه معيّناً وإن اشتبه علينا، والمبهم في نفسه يعلمه مبهماً، فلايمكن تخصيص إحداهنّ بالميراث عندنا ولا عندالله تعالى.

قوله: «ولومات الزوج قبلهن كان عليهنّ الاعتداد منه - إلى قوله - عدة الطلاق والوفاة». هذا حكم آخر مترتب على الزوجات قبل التعيين، وهو أنه على تقدير موته قبل التعيين

يلزمهنّ جميعاً العدّة؛ لأنّ منهنّ زوجات قطعاً، فحيث لم يتعيّن وجبت العدة على الجميع. ثم إن لم يكن دخل بهنّ وجب على كلّ واحدة أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام؛ لأنّ كل واحدة منهنّ يحتمل أن تكون زوجةً. ويتصوّر بقاء الزوجية مع عدم الدخول بهن على تقدير إسلامهن مقارناً لإسلامه، وإلا فلا عدة هنا كما تقدم. وإن كان قد دخل بهن، فإن كان قد حمل بعضهن أو كلّهنَّ اعتدت الحامل بأبعد الأجلين من وضع الحمل ومضي أربعة أشهر وعشراً.

ص: 369

التاسعة:إذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجميع

اذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجمیع حتى يختار أربعاً، فتسقط نفقة البواقي ؛ لأنّهنّ في حكم الزوجات وكذا لو أسلمن أو بعضهن وهو على كفره. ولو لم يدفع النفقة كان لهنّ المطالبة بها عن الحاضر والماضي، سواء أسلم أو بقي على الكفر. ولا تلزمه النفقة لو أسلم دونهنّ؛ لتحقق منع الاستمتاع منهنّ.

وقول المصنّف «إنّ الحامل تعتدّ بعدة الوفاة ووضع الحمل»، متجوز؛ لأنّ عدةَ الوفاة للحامل هي أبعد الأجلين، فإطلاقه عدتها على الأربعة أشهر، والعشرة خاصةً إطلاق لاسم المجموع على بعض أفراده؛ ووجه إطلاقه ذلك اشتهارها في ذلك القدر وتصريح القرآن به دون أبعد الأجلين.

وأما الحائل فإن كانت من ذوات الأشهر - كالآيسة والصغيرة - اعتدت بأربعة أشهر وعشرة؛ لأن كل واحدة منه يحتمل أن تكون مختارةً أو مفارقة، وعدة المفارقة ثلاثة

أشهر، وعدة المختارة أربعة أشهر وعشرة أيام، فوجب الاعتداد بأقصاهما.

وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة، ومن ثلاثة أقراء. وإنّما اكتفى المصنف بالتداخل في العدتين؛ لأنّ المعتبر عدة واحدة، وإنما كلفت بأزيد الأمرين للاشتباه.

قوله: «إذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجميع - إلى قوله - لتحقق منع الاستمتاع منهن». هذا حكم آخر مترتب على الزائد عن العدد قبل الاختيار، وهو وجوب الإنفاق عليهن إلى أن يختار أربعاً؛ لأنّ الإنفاق على الزوجات واجب بشرطه، ولا يتم الواجب إلا بالإنفاق على الجميع؛ للاشتباه.

وتحرير المبحث أن المشرك المزوّج بمشركة إما أن يسلم قبلها أو تسلم هي قبله، أو يسلما معاً.

فالصور ثلاث:

الأولى: أن يسلم قبلها، ويضرب لها العدة، فلا نفقة لها زمانها؛ لأنّها ناشر بالتخلّف عن الإسلام، ممتنعة عن التمكين المقتضي لاستحقاق النفقة؛ لأن وطأها في تلك الحال ممتنع.

ص: 370

وهی قادرة على إزالة المانع. فإن أسلمت في العدة استحقت النفقة من وقت الإسلام؛ لاستمرار النكاح ولا نفقة لها عن الماضي وإن كشف إسلامها عن استمرار النكاح وتبين أنها زوجة. زوجة في ذلك الزمان؛ لما بيناه من فوات الاستمتاع من قبلها المنزل منزلة النشوز، فلا ينفعها بذل نفسها كافرةً مع وجود المانع من قبلها، كما لو سافر وأمرها برفقته فتخلّفت وبذلت التمكين، فإنّ ذلك غير نافع.

هذا كله إذا كانت وثنيّةٌ، أما لو كانت كتابية استمرت النفقة لبقاء النكاح والتمكين؛ لأنه

الفرض، وهو يقتضي استحقاق النفقة.

الثانية: أن تسلم هي دونه، فيجب لها عليه النفقة زمن العدة، سواء أسلم بعد ذلك أم لم يسلم. فإذا انقضت العدة ولم يسلم سقطت النفقة؛ لحصول البينونة منها وخروجها عن كونها زوجةً. وإنما وجبت النفقة عليه زمن العدّة مع تحريم وطئه؛ لأنه متمكن من الاستمتاع بإسلامه، والمانع منه، فكان كالمطلق رجعيّاً حيث يتمكن منها بالرجعة. والتحريم وإن جاء من قبل إسلامها إلا أنه فرض مضيّق عليها، فلا تسقط به النفقة، كما لو كان المانع اشتغالها بالصلاة أو الصوم الواجب المضيق. فلا يقدح ما يقال: إنّها فارقت الرجعية بكون البينونة فيها من قبله، وهنا من قبلها؛ لما ذكرناه من أن فعل الواجب لا يمنع وإن كان من قبلها. والنفقة وإن كانت في مقابلة التمكين ولا تمكين هنا، إلا أنّه مشروط بوقوعه على وجه التعدّي، ولا تعدّي هنا.

الثالثة: أن يسلما معاً، فيستمر وجوب الإنفاق ولا إشكال لو لم يزدن على أربع. أما لو زدن عليها، أو كان فيهنَّ أُختان، فإنّ الإنفاق عليهنَّ جُمع واجب قبل الاختيار؛ لأنّهنّ في حكم الزوجات كما مرّ، ولأنّهنّ محبوسات لأجله وتحت حجره إلى زمان الخيار، فإذا اختار أربعاً أو إحدى الأختين اندفع البواقى وسقطت نفقتهنّ وكذا لو كن جميعاً كتابيّات ولم يسلمن.

ص: 371

ولو اختلف الزوجان في السابق إلى الإسلام فالقول قول الزوج؛ استصحاباً للبراءة الأصلية.

إذا تقرّر ذلك فحيث يثبت عليه النفقة فلهنّ المطالبة بها عن الزمن الحاضر والماضي؛ لأنّ نفقة الزوجة ثبتت في الذمة إذا فاتت كالدين، بخلاف نفقة غيرها. وسيأتي(1).

قوله: «ولو اختلف الزوجان في السابق إلى الإسلام - إلى قوله - للبراءة الأصلية». المراد أنّهما اختلفا في السابق إلى الإسلام منهما مع اتفاقهما على أن أحدهما سابق فادعت الزوجة السبق؛ لتبقى نفقتها، وادّعاه الزوج؛ لينفيها، فالقول قول الزوج بيمينه؛ لأصالة براءة ذمّته من النفقة ؛ لأنّها إنّما تجب يوماً فيوماً ، فالاختلاف حينئذ حاصل في أصل الوجوب، والزوج ينكره، فيكون الأصل معه، والزوجة تدعي خلاف الأصل فعليها البينة.

ويحتمل تقديم قولها؛ لأنّ النفقة كانت واجبةً، والأصل البقاء. والزوج يدعي المسقط فكان كما لو ادعى عليها النشوز فأنكرت بعد تحقق التمكين. ويؤيده أن الأصل عدم سبق كلّ منهما، فمدّعيه يدّعي خلاف الأصل، فيتكافئان؛ لعدم إمكان الحكم بالتقارن حيث تدافع الأصلان؛ لاتفاقهما على عدم التقارن، فلا يتم معه أصالة البراءة. وهذا الاحتمال قول لبعض العامة(2)، والأصحاب معرضون عنه، مع أنه متوجه.

وما يقال - من الفرق بين هذا وبين دعوى النشوز أنه مع تحقق التمكين لا شبهة في أنّ مدّعي النشوز مدّع، بخلاف ما إذا تحقق المانع من الاستمتاع، وهو بقاء أحدهما على الكفر؛ فإنّه لا تمكين حينئذ، فإذا ادعت معه كونها غير ناشز لم تقبل منها إلّا بالبيّنة.

فيه: أنّ هذا المانع لا يعلم كونه منها، والأصل عدم كونه منها. فإذا ادّعته فهو كدعوى

ص: 372


1- يأتي في ج 7، ص 180 – 181.
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 539 المسألة 5439 وروضة الطالبين، ج 5، ص 507.

ولو مات ورثه أربع منهنّ، لكن لما لم يتعيّن وجب إيقاف الحصة عليهن حتى يصطلحن والوجه القرعة أو التشريك.

. ولو مات قبل إسلامهنّ لم يوقف شيء؛ لأنّ الكافر لا يرث المسلم. ويمكن أن يقال: ترث من أسلمت قبل القسمة.

عدم النشوز من الممكنة، فلا يضرها وجود المانع في الجملة الذي لا يعلم استناده إليها، والأصل يقتضيه. وهذا كله إذا كان الاختلاف في المتقدّم منهما مع الاتفاق على عدم التقارن. أما إذا اختلفا في التقدم والتقارن فإنّه يبنى على تقديم الأصل أو الظاهر،فإن قدمنا الظاهر جاء البحث السابق هنا، وإن قدّمنا الأصل فالنفقة لازمة كما كانت.

قوله: «ولو مات ورثه أربع منهنّ - إلى قوله - والوجه القرعة أو التشريك». الكلام في هذه كما سبق بعينه، إلا أنه هناك فرض موتهنّ معه فترجّح القرعة(1)، ولم يذكر غيرها، وهنا بقين بعده فأمكن إيقاف الحصّة حتّى يصطلحن. وقد عرفت أنّ ذلك ممكن في ورثتهن، فالحكم واحد والأوجه الثلاثة محتملة في المسألتين. وقد عرفت وجه كلّ واحد، وأنّ الإيقاف إلى الصلح أجود. وقوله: «والوجه القرعة أو التشريك» إشارة إلى وجهين في المسألة، لا إلى التخيير بين الأمرين.

قوله: « ولو مات قبل إسلامهنّ لم يوقف شيءٌ - إلى قوله - ترث من أسلمت قبل القسمة».

ما ذكره من الإمكان هو المتعيّن فى المسألة؛ عملاً بمقتضى القاعدة المتفق عليها. ولا ينافيه كون الكافر لا يرث المسلم؛ لأنه ما دام كافراً لا يرثه، وإنما يرثه بعد إسلامه. ولا يرد أن الإرث لا يستحق إلا بعد الموت بلا فصل، وهو حينئذ كافر؛ لأنّ هذه الدعوى ممنوعة، بل المعتبر كونه مسلماً قبل القسمة كما سيأتي(2)، وهو حاصل هنا.

ص: 373


1- سبق في ص 367 - 368.
2- يأتي في ج 10، ص 288.
العاشرة:روى عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(علیه السلام):

قال ابا عبدالله(علیه السلام): «أن إباق العبد طلاق امرأته، وأنّه بمنزلة الارتداد، فإن رجع وهي في العدة فهي امرأته بالنكاح الأوّل، وإن رجع بعد العدة وقد تزوّجت فلا سبيل له عليها». وفي العمل بها تردد مستنده ضعف السند.

قوله: «روی عمار الساباطي عن أبي عبدالله(علیه السلام)- إلى قوله - مستنده ضعف السند». أفتى الشيخ في النهاية بمضمون الرواية(1)، وتبعه ابن حمزة مقيداً بكون الزوجة أمة غير سيّده، تزوّجها بإذن السيدين ثمّ أبق(2)، إلى آخره. وعلّل الحكم مع الرواية بأن الارتداد خروج العبد عن طاعة السيد، وهذا المعنى حاصل في الإباق؛ فإنّه كما يجب على المكلّف الحرّ طاعة الله تعالى، كذلك يجب على العبد طاعة سيّده، فيتحد الحكم مع اتحاد علته.

وفي طريق الرواية ضعف. وفي التعليل فساد؛ لمنع كون الارتداد خروج العبد عن سيّده مطلقاً، بل خروجه عن طاعة الله تعالى معتقداً عدم وجوب الطاعة، أو ما في معنى ذلك، والإباق ليس كذلك، وإلا لزم قتل الآبق كما يقتل المرتد. والحق بقاء الزوجية ووجوب النفقة على مولاه؛ لعدم دليل صالح يخرجهما عن الأصل.

ص: 374


1- النهاية، ص 498؛ والرواية وردت في الفقيه، ج 3، ص 454، ح 4574؛ وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 207، ح 731.
2- الوسيلة، ص 307.
مسائل من لواحق النكاح
اشارة

و هی سبع:

الأولى: الكفاءة

الکفاءة شرط في النكاح وهي التساوي في الإسلام وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإن تأكد استحباب الإيمان. وهو في طرف الزوجة أتمّ؛ لأن المرأة تأخذ من دين بعلها.

قوله: «الكفاءة شرط فى النكاح إلى قوله - لأن المرأة تأخذ من دين بعلها». الكفاءة - بالفتح والمد - مصدر بمعنى المماثلة(1)، ولا خلاف في اشتراط الكفاءة في النكاح بين الزوجين، ولكن اختلفوا في تفسيرها، فذهب المصنّف والمفيد وابن حمزة إلى الاكتفاء بالإسلام(2) للإجماع على اعتباره، وعدم الدليل الصالح لاعتبار غيره. ووافقهم ابن الجنيد في غير من تحرم عليه الصدقة(3).

وذهب الأكثر إلى اعتبار الإيمان الخاص معه في جانب الزوج، وفي جانب الزوجة يكفي الإسلام؛ لقول الصادق علیه السلام: «إنّ الله عزّ وجلّ لم يترك شيئاً ممّا يحتاج إليه إلا علمه نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكان من تعليمه إياه أن صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ جبرئيل علیه السلام أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك

ص: 375


1- راجع المصباح المنير، ص 537، «كفاً».
2- المقنعة، ص 512 الوسيلة، ص 290.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 299، المسألة 212.

النساء فليس لهنّ دواء إلا البعولة، وإلا لم يؤمن عليهن الفساد؛ لأنّهنّ بشر. فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، فمن نزوّج؟ قال: الأكفاء. قال: يا رسول الله، من الأكفاء؟ قال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»(1)

دل الحديث على أنّ غير المؤمن لا يكون كفواً للمؤمنة، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(2) وغير المؤمن لايرضى دينه.

ولقول الصادق(علیه السلام): «تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم؛ لأن المرأة تأخذ من أدب

زوجها، و يقهرها على دينه(3).

وروى الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إن لامرأتي أُختاً عارفة على رأينا. وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال: «لا ، ولا نعمة، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ»(4).

وفي صحيحة عبدالله بن سنان عنه علیه السلام النهي عن تزويج المستضعف مؤمنة(5). وعنه : «إن العارفة لا توضع إلا عند العارف»(6).

فهذه جملة الروايات للقول المشهور في هذا الباب. وفي الاستدلال بها نظر.

ص: 376


1- الكافي، ج 5، ص 337، باب ما يستحب من تزويج النساء...،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 397- 398؛ح 1588.
2- الكافي، ج 5، ص 347، باب آخر منه، ح 32؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 394، ح 1578، وص 395،ح 1580 ، وص 396، ح 1584 و 1586.
3- الكافي، ج 5، ص 349، باب مناكحة النصاب والشكاك،ح: الفقيه، ج 3، ص 408، ح 4429؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 304 ، ح 1266؛ الاستبصار، ج 3، ص 184، ح 670.
4- الكافي، ج 5، ص 349، باب مناكحة النصاب والشكاك،ح 6: والآية في سورة الممتحنة (60): 10.
5- الكافي، ج 5، ص 349 ، باب مناكحة النصاب والشكاك، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 303302،ح 1261؛ الاستبصار، ج 3، ص 183 ، ح 665. وفيه عن عبدالله بن مسكان.
6- الكافي، ج 5، ص 350، باب مناكحة النصاب والشكاك، ح 11.

أما الأولى فمن حيث السند والمتن. أمّا السند؛ فلأنها مرسلة رواها الكليني عن

أبي عبدالله(علیه السلام) وقال: «سقط عنّي إسناده»(1). وأما من حيث دلالة المتن؛ فلأنّ المراد ب- «المؤمن المسلم أو المصدّق بقلبه لما جاء به النبي ، لا الإيمان الذي يعتبره أصحابنا؛ فإنّه اصطلاح متأخر لا يراد عند إطلاقه في كلام الله تعالى ونبيه إجماعاً. وأيضاً فليس فيه ما يدلّ على حصر الجواز، بل غايته حصر المأمور بتزويجه، وهو أمر آخر.

وكذا الكلام في دلالة الثانية؛ وقرينته إضافة «الخلق» إلى «الدين»، والخلق ليس معتبراً فی الكفاءة إجماعاً، فدلّ على أن المقصود الأمر بتزويج من هو كذلك لكماله، ولا يلزم منه تحريم تزويج غيره. والكلام نبويّ أيضاً كالسابق.

والخبر الثالث في طريقه سهل بن زياد، وهو فاسد المذهب(2)، وعبد الكريم بن عمرو، وهو واقفي(3). وأبو بصير، وهو مشترك بين الثقة والضعيف. مع أنها لا تدلّ على المطلوب؛ فإنّ النهى عن الشكاك لا يستلزم النهي عن غيرهم.

ورواية الفضيل في طريقها ابن فضال، وهو فطحي(4). وعليّ بن يعقوب ومروان بن مسلم وهما مجهولان والحسين بن موسى الحنّاط(5)، وهو واقفي أو مجهول(6).

وأما رواية عبد الله بن سنان فإنّها وإن كانت صحيحة إلا أن المستضعف يطلق على ،معانٍ، منها ما هو أسوء حالاً من المخالف العارف، فلا يلزم من النهي عن نكاح المستضعف

ص: 377


1- الكافي، ج 5، ص 337، باب ما يستحب من تزويج النساء...، ح 2.
2- راجع رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490؛ وخلاصة الأقوال، ص 356-357، الرقم 1411.
3- راجع رجال النجاشي، ص 245، الرقم 645: وخلاصة الأقوال، ص 381، الرقم 1532.
4- راجع رجال النجاشي، ص 35 الرقم 72؛ وخلاصة الأقوال، ص 98، الرقم 223.
5- في أكثر النسخ «الخياط» بدل «الحناط»، وما أثبتناه موافق لبعض النسخ والمصادر.
6- راجع رجال ابن داود، ص 446 الرقم 148؛ ورجال الطوسي، ص 183، الرقم 2220؛ وخلاصة الأقوال ص 338، الرقم 1336؛ وفي حاشية «و»: «وجه الترديد أن الحسين بن موسى واقفي، بغير قيد الحناط، فإن كان هو فهو ضعيف، وإن كان غيره فهو مجهول؛ إذ ليس في القسمين غير المذكور(منه رحمه الله)».

نعم، لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت ؛ لارتكابه ما يعلم بطلانه من دين الإسلام.

النهي عن نكاح غير المؤمن مطلقاً، وإن كان في أفراده ما هو أحسن حالاً من المخالف. وأما الرواية الأخيرة ففي طريقها إرسال وضعف بجماعة. ومع ذلك فيمكن حمل النهي على الكراهة، فقد روى الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن المرأة العارفة أزوّجها الرجل غير الناصب ولا العارف؟ قال: «غيره أحبّ إلىّ منه»(1).

وروى عبدالله بن سنان - في الصحيح - قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) بم يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته و موارثته؟ وبم يحرم دمه؟ فقال: «يحرم دمه بالإسلام إذا أظهر، وتحلّ مناكحته وموارثته»(2). وهو أصح ما في الباب سنداً وأظهر دلالة. فقد ظهر بذلك قوة ما اختاره المصنف، وإن كان الاحتياط في الفروج أولى.

قوله: «نعم، لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت علیهم السلام» إلى آخره. هذا الحكم لا شبهة فيه؛ لأنّ الناصب كافر فلا تصح مناكحته. وفي صحيحة عبد الله بن سنان السابقة(3) قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الناصب الذي عرف نصبه وعداوته هل يزوجه المؤمن وهو قادر على ردّه؟ قال: «لا يتزوج المؤمن الناصبة، ولا يتزوّج الناصب مؤمنة»، وغيرها من الأخبار(4).

واعلم أنه لا يشترط في المنع من الناصب إعلانه بالعداوة، كما ذكره المصنّف، بل متى عرف منه البغض لأهل البيت(علیهم السلام) فهو ناصبي وإن لم يعلن به ، كما نبه عليه في خبر عبدالله بن سنان. وعلى التقديرين فهذا أمر عزيز فى المسلمين الآن لا يكاد يتفق إلا نادراً، فلا تغترُ بمن

ص: 378


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 303، ح 1263؛ الاستبصار، ج 3، ص 184، ح 667.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 303 ، ح 1265؛ الاستبصار، ج 3، ص 184 ، ح 669.
3- سبق تخريجها في ص 376، الهامش 5.
4- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 549 - 554، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر.

وهل يشترط تمكّنه من النفقة ؟ قيل: نعم. وقيل: لا. وهو الأشبه.

يتوهّم غير ذلك. ولا فرق في الناصب المحرَّم نكاحه بين الذكر والأنثى؛ لاتصافه بالكفر المانع من التناكح من الجانبين.

والخوارج من جملة النواصب؛ لإعلانهم ببغض سيّد أهل البيت(علیهم السلام). وقد روى زرارة عن أبي جعفرعلیه السلام قال: «دخل رجل على عليّ بن الحسين(علیهماالسلام) فقال: إن امرأتك الشيبانية خارجية تشتم عليّاًعلیه السلام، فإن سرّك أن أسمعك ذلك منها أسمعتك، فقال: نعم، قال: فإذا كان غداً حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعد فاكمُن في جانب الدار قال: فلما كان من الغد كمن في جانب الدار وجاء الرجل فكلّمها، فتبين ذلك منها، فخلّى سبيلها، وكانت تعجبه»(1).

قوله: «وهل يشترط تمكنه من النفقة؟ قيل: نعم. وقيل: لا. وهو الأشبه». اختلف الفقهاء في أنّ التمكن من النفقة هل هو معتبر في الكفاءة أم لا؟ فذهب المصنف والأكثر إلى عدم اعتباره؛ لعموم الأخبار السالفة(2)، وقوله تعالى: (وَأَنكِحُواْ الْأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَابِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)(3).

وذهب الشيخ في المبسوط(4)، والعلّامة في التذكرة(5) إلى اعتباره؛ لقول الصادق(علیه السلام): «الكفؤ أن يكون عفيفاً و عنده يسار»(6). وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أنّ معاوية طلبها: «أما معاوية فصعلوك لا مال له»(7)، ولأنّ إعسار الرجل مضرّ

ص: 379


1- الكافي، ج 5، ص 351 باب مناكحة النصاب والشكاك، ح 14 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 303 ، ح 1262؛الاستبصار، ج 3، ص 183 - 184، ح 666.
2- سبقت في ص 375 - 376.
3- النور (24): 32.
4- المبسوط، ج 3، ص 409.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 603 (الطبعة الحجرية).
6- الكافي، ج 5 ، ص 347، باب الكفؤ، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 394، ح 4389؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 394، ح 1577.
7- المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 74 ، ح 6966.

بالمرأة جداً؛ فإنّه إذا كان معسراً لاينفق على الولد وينفق عليها معه نفقة المعسرين، وإذا كانت موسرةً أنفقت هي على الولد، وذلك ضرر عظيم، فكان اعتباره أليق بمحاسن الشرع، ولأنّ ذلك معدود نقصاً في عرف الناس. والأقوى الأول. وجواب هذه الأدلّة: أنّ الرواية الأولى مرسلة. والثانية - مع كونها عامية - تدلّ على جواز العدول عن الفقير، لا على أنّ الكفاءة تتوقف على المال. وعموم الأدلة السمعية ينفي الاعتبارات الأخر. والفقر شرف فى الدين، وقد قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم أحيني مسكيناً وأمتنى مسكيناً»(1).

وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتزويج جويبر(2)، وغيره(3) من الفقراء والتأسي به راجح، والمال غاد ورائح، لايفتخر به أهل المروات والبصائر. واعلم أنّ هذا الشرط على تقدير اعتباره ليس على نهج ما قبله؛ لجواز تزويج الفقير المؤمن اتفاقاً، وإنّما تظهر فائدة اشتراطه فى الوكيل المطلق، وفى الولى؛ فإنه ليس لهما أن يزوّجاها إلا من كفءٍ. فإن اعتبرنا اليسار لم يصح تزويج الفقير. ولو زوجاها به فلها الفسخ، كما تفسخ لو زوجاها بذي العيوب. وقد تقدم(4).

واختلف كلام العلّامة، ففي التذكرة اعتبر في الكفاءة اليسار. وجوّز للولي أن يزوجها بالفقير. ولو كان الذي يزوجها السلطان لم يكن له أن يزوجها إلا بكفء في الدين واليسار(5). وفي المختلف لم يعتبر اليسار، واكتفى بالإيمان. ومع ذلك حكم بأنّها لو تزوجت

بالفقير جاهلةً بحاله كان لها الخيار إذا علمت(6).

ص: 380


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1381، ح 4126؛ المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 459، ح 7981.
2- الكافي، ج 5، ص 340-343، باب أن المؤمن كفؤ المؤمنة، ح 1.
3- راجع الكافي، ج 5، ص 343، باب أن المؤمن كفؤ المؤمنة، ح 2.
4- تقدّم في ص 167.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 604 و 607 (الطبعة الحجرية).
6- مختلف الشيعة، ج 7، ص 300، المسألة 21.

ولو تجدّد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلّط على الفسخ فيه روايتان،أشهرهما أنه ليس لها.

وفي القواعد(1) لم يجعله شرطاً، ولا أثبت لها الخيار.

وعلى المختار فهو شرط في وجوب الإجابة عليها أو على الولي لا في جوازها؛ لأنّ الصبر على الفقر ضرر يدفع الوجوب. وكذا القول في شرط الإيمان عند من لا يعتبره في الجواز.

والمعتبر في التمكن من النفقة كونه مالكاً لها بالفعل أو بالقوة القريبة منه بأن يكون قادراً على تحصيلها بتجارة أو حرفة ونحوهما. ولا يشترط اليسار بالمهر عندنا، وإنما الخلاف في النفقة خاصة.

قوله: «ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلّط على الفسخ ؟ فيه روايتان أشهرهما أنه ليس لها». إذا تجدّد عجز الزوج عن النفقة ففي تسلّط الزوجة على الفسخ قولان: أحدهما - وبه قال ابن الجنيد(2) أنّ لها الخيار؛ لرواية ربعي والفضيل بن يسار جميعاً عن الصادق(علیه السلام) قال: «إن أنفق عليها ما يقيم حياتها مع كسوة، وإلّا فرّق بينهما(3)، ولظاهر قوله تعالى: (فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَنِ)(4)؛ والإمساك بدون النفقة خلاف المعروف، فتعين الآخر فإذا تعذر صدوره من الزوج فسخ الحاكم؛ لأنّه الوليّ. والثاني - وهو المشهور بين الأصحاب - عدم جواز الفسخ؛ لأن النكاح عقد لازم - فيستصحب، ولظاهر قوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)(5). وبما روي عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، وكان زوجها معسراً

ص: 381


1- راجع قواعد الأحكام، ج 3، ص 14.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 327، المسألة 238.
3- الفقيه، ج 3، ص 441، ح 4533؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 462، ح 1853.
4- البقرة .(2) 229.
5- البقرة (2) 280.

ويجوز إنكاح الحرّة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي وبالعكس. وكذا أرباب الصنائع الدنية بذوات الدين والبيوتات.

فأبى أمير المؤمنين(علیه السلام) أن يحبسه، وقال: «إن مع العسر يسراً»(1). ولو كان لها الفسخ لعرّفها به ليدفع عنها الضرر الذي استعدت لأجله.

وأجابوا عن حجّة الآخرين بأنّ الرواية لم تدلّ على التسلّط على الفسخ بخصوصه، فلعل التفريق بأمر آخر - وكذا التسريح في الآية - مع المعارضة بالرواية الأخرى.

- واعلم أنّ الفاضل فخر الدين بنى الخلاف على أنّ اليسار بالنفقة ليس شرطاً في لزوم العقد(2)؛ إذ لو جعلناه شرطاً تسلّطت بتجدد العجز بغير إشكال. وهذا البناء ليس ببعيد، إلّا أنّ عبارات الأصحاب مطلقة، بحيث يحتمل كون الخلاف هنا جارياً على القولين؛ إذ يحتمل على القول بأنّ اليسار جزء من الكفاءة أن يختص بالابتداء، ولا يلزم مثله في الاستدامة، كما في العيوب الموجبة للخيار ابتداءً، ولا يثبت مع تجدّدها، كما سيأتي(3). وعلى كل حال فكلام فخر الدين موجه.

قوله: «ويجوز إنكاح الحرّة العبد - إلى قوله - بذوات الدين والبيوتات». لما تقرّر أنّ الكفاءة المعتبرة في التناكح هي الإسلام أو الإيمان، ولم يجعل الحرّية وغيرها من صفات الكمال شرطاً صح تزويج العبد للحرّة، والعربية للعجمي، والهاشمية لغيره، وبالعكس، إلا في نكاح الحرّ الأمة ففيه ما مرّ(4)؛ وكذا أرباب الصنائع الدنية، كالكناس والحجام بذوات الدين من العلم والصلاح والبيوتات من التجار وغيرهم؛ لعموم الأدلّة الداّلة على تكافؤ المؤمنين بعضهم لبعض(5).

ص: 382


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 299 300، ح 837 .
2- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 24.
3- يأتي في ص 558 وما بعدها. المقصد الثاني في أحكام العيوب.
4- مرّ في ص 304.
5- راجع الكافي، ج 5، ص 337، باب ما يستحب من تزويج النساء، ج 2، وص ،339، باب أن المؤمن كفؤ المؤمنة. ح 1؛ والفقيه، ج 3، ص 393، ح 4388 وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 397 - 398، ح 1588.

وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا زوّج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فتكلّمت في ذلك بنو هاشم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّى إنّما أردت أن تتّضع المناكح»(1). وزوّج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ابنته عثمان وزوّج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع(2)، وليسا من بني هاشم.

وكذلك زوّج علي(علیه السلام) ابنته أُمّ كلثوم من عمر(3)، وتزوّج عبدالله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين(علیه السلام)(4)، وتزوّج مصعب بن الزبير أختها سكينة(5) ، وكلهم من غير بني هاشم واوضع نسباً.

وخالف ابن الجنيد منّا، واعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة أن لا يتزوج فيهم إلا منهم؛ لئلّا يستحلّ بذلك الصدقة من حرمت عليه إذا كان الولد منسوباً إلى من تحلّ له الصدقة(6). واعتبر بعض العامة في الكفاءة زيادة على ما ذكر الحرّية والنسب والحرفة(7). وفرّع على النسب: أن العجمي ليس كفواً للعربية، وغير القرشي ليس كفواً له، ولا مطلق القرشي كفواً للهاشمي. وعلى الحرفة: أن أصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء للأشراف ولا السائر المحترفة(8).

والكلّ ضعيف. والأخبار النبوية والأفعال تنفيه.

ص: 383


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 395، ح 1581.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 141 - 142، ح 223.
3- الاستيعاب، ج 4، ص 509 الرقم 3638: سير أعلام النبلاء، ج 5، ص 22-23، الرقم 336.
4- غاية الاختصار السيد محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني، ص 42.
5- وفيات الأعيان، ج 2، ص 394، الرقم 268.
6- حکاه عنه العلّامة فی مختلف الشیعة،ج7 ص، 299- 300، المسألة 212؛ والسیوری فی التنقیح الرائع،ج 3،ص،109.
7- حلية العلماء، ج 6، ص 351-353؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 374-377، المسألة 5190،و 5192 و 5194: روضة الطالبين، ج 5، ص 424- 426.
8- راجع روضة الطالبين، ج 5، ص 425- 426.

ولو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسباً.

ولو امتنع الولي كان عاصياً.

ولو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ. وقيل: ليس لها. وهو أشبه.

قوله: «ولو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته» إلى آخره. إنّما تجب الإجابة مع عدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة. وإنما يكون عاصياً مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه، وإلا جاز العدول إليه، وكان وجوب الإجابة تخييرياً، فلا يكون الوليّ عاصياً بذلك، وإنما يتعلق الحكم بالولى على القول بأنّ له الولاية على البكر البالغ، وإلا فالتكليف متعلّق بها لا بالولى. وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة، أم يجب على الولي الإجابة لمن ذكر وإن كانت صغيرة؟ وجهان، من إطلاق الأمر، وانتفاء الحاجة والأصل في تخصيص الأولياء بالحكم أنه المجيب والمانع غالباً، وإن لم يكن له الولاية شرعاً. والأمر في الأخبار متعلق به لذلك. وفي صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب عليّ بن أسباط إلى أبي جعفرعلیه السلام في أمر بناته،

وأنّه لايجد أحداً مثله فكتب إليه أبو جعفرعلیه السلام: فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وأنّك لاتجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه. إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(1). وفي هذا الخبر دلالة على جميع ما ذكره المصنّف من الأحكام؛ لاقتضاء الأمر الوجوب.

واستلزام مخالفته المعصية، وتناوله الأخفض نسباً.

قوله: «ولو انتسب الزوج إلى قبيلةٍ فبان من غيرها - إلى قوله - وهو أشبه». القائل بجواز فسخها إذا ظهر خلاف ما أخبر به الشيخ في النهاية(2) وأتباعه(3)؛ استناداً

ص: 384


1- الكافي، ج 5، ص 347، باب آخر منه، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 396، ح 1586.
2- النهاية، ص 489.
3- كابن البراج في المهذب، ج 2، ص 239؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 311.

ويكره أن يزوّج الفاسق. ويتأكّد في شارب الخمر.

إلى صحيحة الحلبي قال في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك، قال: «تفسخ النكاح» أو قال: «ترد»(1).

والرواية موقوفة لا تصلح للحجيّة على فسخ مثل هذا العقد اللازم المعتضد بقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2)، وأصالة بقاء النكاح.

نعم، لو شرط ذلك في متن العقد توجه التسلّط على الفسخ بالإخلال بالشرط، وإن لم يرد في ذلك رواية؛ عملاً بالعموم(3).

وفي المختلف وافق الشيخ على الفسخ بدون الشرط بزيادة قيد آخر، وهو ظهوره أدنى ممّا انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة(4).

والأقوى عدم الخيار بدون الشرط في متن العقد. وهو فتوى الشيخ في المبسوط(5)والأكثر.

قوله: «ويكره أن يزوّج الفاسق، ويتأكد في شارب الخمر». لا شبهة في كراهة تزويج الفاسق حتى منع منه بعض العلماء(6): لقوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ)(7)، ومفهوم قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه»(8)، الدّال على أن من لا يرضى دينه لا يزوّج، والفاسق كذلك.

ص: 385


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 432 ، ح 1724.
2- المائدة (5): 1.
3- راجع الكافي، ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 202، ح 3768؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 22، ج 93-94، وص 467، ح 1872، وص 371،ح 1503:الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.
4- مختلف الشيعة،ج7،ص 208،المسألة 134.
5- المبسوط، ج 3، ص 423.
6- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 374-375، المسألة 5190، ولم نعثر على قائل به من علمائنا.
7- السجدة (32): 18.
8- تقدّم في ص 384.

وأن تزوّج المؤمنة بالمخالف. ولا بأس بالمستضعف، وهو الذي لا يعرف بعناد.

الثانية:إذا تزوج بامرأةٍ ثمّ علم أنها كانت زنت

إذا تزوّج بامرأةٍ ثمّ علم أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد، ولا الرجوع على الولي بالمهر.

وروي أنّ له الرجوع، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها.

وهو شاذّ.

وتتأكّد الكراهة في شارب الخمر؛ لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله تعالى فليس بأهل أن يزوج إذا خطب»(1)، وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب»(2).

وقول الصادق(علیه السلام) من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها»(3).

قوله: «وأن تزوّج المؤمنة - إلى قوله - وهو الذي لا يعرف بعناد». قد تقدم ما يدلّ على النهى عن تزويج المخالف(4)؛ الّذي أقلّ مراتبه الكراهة إن لم يدلّ على المنع. وتقدم تزويج نسوة كثيرة بغير الموافق في الدين(5). وحمله على وقوعه كرهاً خلاف الظاهر. وما ورد في بعض الروايات(6) ممّا يدلّ عليه ضعيف السند جداً. والله أعلم بما كان من ذلك. قوله: «إذا تزوّج بامرأةٍ ثمّ علم أنّها زنت لم يكن له فسخ العقد - إلى قوله - وهو شاذّ». اختلف الأصحاب فيمن تزوج امرأة ثمّ ظهر له أنها كانت زنت هل له أن يفسخ نكاحها أم لا؟ وهل يرجع على من زوجه إياها بشيء أم لا؟ فقال ابن بابويه في المقنع: يفرّق بينهما ولا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها(7). وروى به حديثاً عن علي(علیه السلام)(8).

ص: 386


1- الكافي، ج 5، ص 348، باب كراهية أن ينكح شارب الخمر، ج 3، تهذيب الأحكام، ج 7، ص 398، ح 1589.
2- الكافي، ج 5، ص 348، باب كراهية أن ينكح شارب الخمر، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 398، ح 1591.
3- الكافي، ج 5 ص 347، باب كراهية أن ينكح شارب الخمر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 398، ح 1590.
4- تقدّم في ص 376.
5- تقدّم في ص 382 - 383.
6- الكافي، ج 5، ص 346، باب تزويج أُم كلثوم، ح 1-2.
7- المقنع، ص 326.
8- الفقيه، ج 3، ص 416، ح 4456؛ وأيضاً رواه الكليني في الكافي، ج 5، ص 566، باب نوادر، ح 45؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 473، ح 1897.

وقال المفيد(1) وابن الجنيد(2) وجماعة(3): ترد المحدودة في الزنى. وقال الشيخ في النهاية : لا تردّ. وكذلك التي كانت قد زنت قبل العقد، إلا أن له أن يرجع على وليّها بالمهر(4).

وقريب منه قول ابن إدريس، إلا أنه قيّد الرجوع عليه بعلمه بحالها(5).

واختار المصنّف (رحمه الله) والمتأخرون(6) عدم الفسخ وعدم الرجوع للأصل وصحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام)قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل»(7). واحتجّ القائلون بجواز الفسخ باشتماله على العار، فكان موجباً للتسلّط على الفسخ. ويضعف بأنه يتسلّط عليه بالطلاق، فيندفع به الضرر.

واحتجّ القائلون بالرجوع على الولي برواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت زنت، قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها»(8).

وهذه الرواية ضعيفة السند في طريقها أبان والقاسم مطلقين، وهما مشتركان بين الثقة والضعيف.

ص: 387


1- المقنعة ص 519.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 196، المسألة 125.
3- منهم سلّار في المراسم، ص 150؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 231؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقیه،ص،295.
4- النهاية، ص 486.
5- السرائر، ج 2، ص 613.
6- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 152؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 112.
7- الكافي، ج 5 ، ص 406، باب المدالسة في النكاح...،ح 6: الفقيه، ج 3، ص 433. ح 4501: تهذيب الأحكام،ج 7، ص 424. ح 1693؛ الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 880، وص 247، ح 886.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 425، ح 1698: الاستبصار، ج 3، ص 245، ح 879.
الثالثة: لايجوز التعريض بالخطبة لذات العدّة الرجعية؛

لأنّها زوجة. ويجوز للمطلقة ثلاثاً من الزوج وغيره. ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره. أمّا المطلّقة تسعاً للعدّة ينكحها بينها رجلان فلا يجوز التعريض لها من الزوج، ويجوز من غيره. ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا من غيره. وأما المعتدة البائنة - سواء كانت عن خلع أم فسخ - يجوز التعريض من الزوج

وغيره، والتصريح من الزوج دون غيره.

وقد رواه الكليني بسند صحيح عن معاوية بن وهب عنه(علیه السلام)بلفظه(1). وعلى هذا فشذوذه من حيث العمل بمضمونه؛ لأنّ القائل به قليل، لا في نفسه؛ لأنه معتبر الإسناد، فلو عمل بمضمونه لم يكن به بأس. وحمله على ما لو شرط الزوج كونها عفيفة خلاف الظاهر. وكون مقتضى النكاح أن المهر على الزوج دون الولي لا ينافي ذلك؛ لأنّه على الزوج، وإنّما يرجع به على الوليّ؛ لأنّه غرّه بإخفاء عيب عظيم يوجب تحمّله الضرر، خصوصاً بمهر العفيفة.

قوله: «لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدّة الرجعية - إلى قوله - والتصريح من الزوج دون غيره الخطبة - بالكسر - هي طلب الزوجة من نفسها أو وليها.

وهي قد تكون باللفظ الصريح، وقد تكون بالتعريض. وسيأتي الفرق بينهما. والغرض هنا الحكم بالجواز وعدمه. والضابط في جميع ما ذكر أنّ التصريح بالخطبة للمعتدة حرام مطلقاً، إلا من الزوج في العدة التي يجوز له نكاحها بعدها حيث لا تكون محرّمةً عليه.

والتعريض جائز من كلّ من يجوز له تزويجها بعد العدة ومن الزوج، وإن لم يجز له تزويجها حينئذ ما لم تكن محرّمةً عليه مؤبداً. وكلّ من حرمت عليه المرأة مؤبداً تحرم عليه

الخطبة لنفسه تصريحاً وتعريضاً.

ص: 388


1- الكافي، ج 5 ، ص 355، باب الزاني والزانية، ح 4.

وصورة التعريض أن يقول: «ربّ راغب فيك»، أو «حريص عليك»، وما أشبهه. والتصريح: أن يخاطبها بما لا يحتمل إلا النكاح، مثل أن يقول: «إذا انقضت عدتك تزوّجتك».

. ولو صرّح بالخطبة في موضع المنع ثمّ انقضت العدة فنكحها لم تحرم.

قوله: «وصورة التعريض أن يقول - إلى قوله - إذا انقضت عدتك تزوّجتك». أشار بذلك إلى الفرق بين التعريض والتصريح. فالتصريح مأخوذ من الصراحة وهو الخلوص، ومنه الصريح وهو اللبن الخالص الذي لم يمذق، وقولهم صرّح فلان بالأمر، أي كشفه وأوضحه.

والمراد به هنا الخطاب بما لا يحتمل إلا النكاح، مثل: أريد أن أتزوجك بعد العدّة ونحو ذلك.

والتعريض هو الإشارة بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيره وإن كان في النكاح أغلب، مثل: «ربّ راغب فيك»، أو «حريص عليك»، أو «لا تبقين بلا زوج أو أرملة». ونحو ذلك؛ لأنّه يحتمل الرغبة في النكاح وغيره. ولو صرّح بالنكاح وأبهم الخاطب أو بالعكس كان تعريضاً؛ لكون الأول تعريضاً بالنسبة إلى الخاطب، والثاني تعريضاً بالنسبة إلى النكاح.

واعلم أنّ كلّ موضع يجوز التعريض فيه من الرجل يجوز من المرأة، ومتى حرم منه حرم منها وكذا التصريح قوله: «ولو صرّح بالخطبة في موضع المنع ثم انقضت العدة فنكحها لم تحرم». لأن النكاح متجدد بعد المعصية فلا يؤثر، كما لو نظر إليها محرّماً ثم تزوجها وللأصل.

وخالف في ذلك بعض العامة(1). وليس بشيء.

ص: 389


1- منهم مالك بن أنس. راجع المدوّنة الكبرى، ج 2، ص 439؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 526، المسألة 5419.
الرابعة: إذا خطب فأجابت

اذا خطب فأجابت قيل: حرم على غيره خطبتها. ولو تزوّج ذلك الغير كان العقد صحيحاً.

قوله: «إذا خطب فأجابت قيل: حرم على غيره خطبتها. ولو تزوّج ذلك الغير كان العقد صحيحاً».

القول بالتحريم للشيخ (رحمه الله)(1)؛ للنّهي عنه في قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا يخطب أحدكم على : خطبة أخيه»(2)، والنهي ظاهر في التحريم. ويؤيده النهي الوارد بالدخول في سومه(3)، ولما في ذلك من إيذاء المؤمن، وكسر خاطره، وإثارة الشحناء والبغضاء بينهما. ونسبه المصنّف إلى القول مشعراً بعدم اختياره؛ لعدم ثبوت الحديث عنده، ولإمكان حمله على الكراهة. والمراد بإجابتها إظهار قبولها له بأن تقول: «أجبتك إلى ذلك»، أو تأذن لوليها أو وكيلها في التزويج إن كانت ثيباً ، أو تسكت إذا استأذنها فيه إن كانت بكراً وجعلنا لها الولاية. وفي حكم إجابتها إجابة وليها حيث يكون له الولاية. أما من لا ولاية له فلا حكم لإجابته.

ولو أجابت بما يؤذن بالرضى من غير تصریح به، مثل: «لا رغبة عنك»، ففي التحريم

وجهان. وكذا لو لم توجد إجابة ولا ردّ. ووجه التحريم فيهما تناول الخبر لهما؛ لتعلّق النهي بالخطبة بعد الخطبة. نعم، لو صرّح بالرّد لم يحرم ولم يكره إجماعاً.

والحكم مختص بخطبة المسلم، كما يدل عليه قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «على خطبة أخيه». فلو كان الخاطب ذمّيّاً لذمّيّة لم يمنع من خطبة المسلم لها؛ للأصل.

ص: 390


1- المبسوط، ج 3، ص 461؛ الخلاف، ج 4، ص 322، المسألة 101.
2- مسند أحمد، ج 2، ص 308، ح 6240: سنن الدارمي ، ج 2، ص 135، باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 291، ح 14031.
3- الفقيه ، ج 4، ص 5 ضمن الحديث .1.
الخامسة: إذا تزوّجت المطلقة ثلاثاً،

اذا تزوّجت المطلقة ثلاثاً فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد. وربما قيل يلغو الشرط.

إذا تقرّر ذلك، فلو أقدم ذلك الغير على الخطبة في موضع النهي وعقد صح النكاح؛ إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة، وصحة العقد، كما لو عقد في وقت يضيق فيه وقت الصلاة، خلافاً لبعض العامة؛ تمسكاً بالنهي الدال على الفساد(1). وهو ممنوع.

قوله: «إذا تزوجت المطلقة ثلاثاً - إلى قوله - وربما قيل يلغو الشرط».

القول ببطلان العقد للأكثر ، بل ادعى عليه الشيخ الإجماع(2): لفساد الشرط حيث كان منافياً لمقتضى العقد؛ إذ مقتضاه بقاء علاقة التزويج إلى أن يحصل ما يزيلها من طلاق ونحوه ممّا عيّنه الشارع لرفعه، فإذا شرط ارتفاعه بنفسه على وجه معيّن فقد شرط ما ينافي مقتضاه، وإذا فسد الشرط تبعه العقد؛ لأن التراضي بالعقد إنما وقع على هذا الوجه المخصوص ولم يتم لهما، فلو لم يبطل النكاح لزم صحته بدون التراضي، وهو باطل.

والقول بصحة العقد دون الشرط لم يظهر قائله وينسب إلى الشيخ وقد صرّح بخلافه(3).

نعم، هو بابن إدريس أنسب؛ لأنه صرّح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد(4)؛ محتجاً عليه بعموم: ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)(5)، ولأنّهما شيئان كلّ منهما منفك عن الآخر، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.

وجوابه: أنّ الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة وبطلان.

ص: 391


1- راجع بداية المجتهد، ج 2، ص 3 - 4: والحاوي الكبير، ج 9، ص 252-253؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 523 المسألة 5415.
2- المبسوط،ج 3، ص 494.
3- المبسوط ، ج 3، ص 495.
4- السرائر، ج 2، ص 469 470 و 575 .
5- المائدة (5): 1.

ولو شرطت الطلاق قيل : يصح النكاح ويبطل الشرط، وإن دخل بها فلها مهر المثل.

أما لو لم يصرّح بالشرط في العقد، وكان ذلك في نيته أو نية الزوجة أو الوليّ لم يفسد.

وكلّ موضع قيل يصح العقد فمع الدخول تحلّ للمطلّق مع الفرقة وانقضاء العدة.

وكلّ موضع قيل يفسد لا تحلّ ؛ لأنه لا يكفي الوطء ما لم يكن عن عقد صحيح.

سلّمنا أن المراد به العمل بمضمونه، لكنه مشروط بوقوعه صحيحاً بالتراضي، ولم يحصل هنا. وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلّم، لكنّه في العقد المخصوص مرتبط به؛ لأنّ التراضي إنّما وقع كذلك.

والأقوى بطلان العقد أيضاً.

قوله « ولو شرطت الطلاق إلى قوله فلها مهر المثل.

الكلام في اشتراط الطلاق كالسابق، وبطلان الشرط متفق عليه، وإن كان أمره هنا أسهل من حيث إنّ الطلاق أمر شرعي، بخلاف انفساخ العقد وانتهائه بنفسه. والأقوى بطلانهما كالسابق. وعلى القول بصحة العقد يبطل المهر؛ لأنّ الشرط محسوب منه، فيصير المهر مجهولاً حيث فات منه ما يجهل نسبته إلى المجموع فيبطل. ويجب مع الدخول مهر المثل. وعلى المختار يجب بالدخول مهر المثل مع جهلها بالتحريم وإلا فلا. قوله: «أما لو لم يصرّح بالشرط في العقد - إلى قوله - أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد». هذا الحكم موضع وفاق وهو الدليل، مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود(1) حيث لم يثبت المخصص. ونيّة الطلاق من حين العقد لم يثبت كونها مانعة من الصحة، وإنما المانع اشتراطه في متن العقد. قوله: «وكلّ موضع قيل يصح العقد - إلى قوله - ما لم يكن عن عقد صحيح».

ص: 392


1- المائدة (5): 1.
السادسة: نكاح الشغار باطل.

وهو أن تزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحدة نكاح الأُخرى.

أما لو زوّج الوليّان كلَّ منهما صاحبه، وشرط لكلّ واحدة مهراً معلوماً فإنه يصحّ.

لمّا كان التحليل مشروطاً بتزويج المحلّل ووطئه لم يتحقق الحل إلا حيث يجتمع الأمران، فإذا حكم بصحة العقد وحصل معه الدخول يتحقق الحل؛ لوجود الشرط. ومتى انتفى أحد الشرطين كالصورتين الماضيتين - لا يحصل الحلّ لفقد أحد الشرطين، وهو العقد. ومن قال فيهما بصحة العقد وفساد الشرط قال بصحة التحليل على تقدير الدخول، ومن أبطل العقد لم يفده الدخول.

قوله: «نكاح الشغار باطل - إلى قوله - مهر كلّ واحدة نكاح الأخرى».

الشغار - بكسر الشين وفتحها والغين المعجمتين - نكاح كان في الجاهلية، معناه أن يجعل بضع امرأة مهراً لأخرى. وأصل الشغر الرفع، يقال: شعر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول(1). ومنه قولهم: «أشغراً وفخراً». وشغرت الأرض لم يبق بها أحد يحميها، فهي شاغرة. ستي به هذا النكاح لما يتضمن من رفع المهر أو من خلوّه عنه.

والأصل في تحريمه قبل الإجماع ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشغار(2). والشغار أن يقول: «زوجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهر

الأخرى.

قوله: «أما لو زوّج الوليّان كلُّ منهما صاحبه، وشرط لكلّ واحدة مهراً معلوماً فإنه يصحّ».

لوجود المقتضي للصحّة، وانتفاء المانع؛ لأنّه في الباب جعل البضع مهراً، وهو منتفٍ هنا.

ص: 393


1- راجع الصحاح، ج 2، ص 700؛ ولسان العرب، ج 4، ص 417، «شفر».
2- الكافي، ج 5، ص 361، باب الشغار، ح 2 - 3: الفقيه، ج 4، ص 6، ضمن الحديث 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 355. ح 1445 - 1446.

ولو زوّج أحدهما الآخر وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المهر؛ لأنّه شرط مع المهر تزويجاً، وه-و غ-ي-ر لازم، والنكاح لا يدخله الخيار فيكون لها مهر المثل. وفيه تردّد.

قوله: «ولو زوّج أحدهما الآخر وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر - إلى قوله - وفيه تردد». اعلم أنّ نكاح الشغار الباطل يشتمل على ثلاثة أشياء: شرط عقد في عقد، واشتراك في البضع بجعله صداقاً، وتعليق عقد على عقد على وجه الدور. فالمثال الأول جمع الثلاثة، والثاني خلا من جميعها، وهذا الثالث اشتمل على الأمر الأوّل.

وقد اختلف العلماء في المبطل لنكاح الشغار: فمنهم من جعل المنع من جهة التعليق، ومنه أخذ الشغار؛ لأنه من الرفع كأنه شرط أن لا يرفع رجل ابنته حتّى يرفع هو رجل الأُخرى(1).

ومنهم من جعل المنع من جهة تشريك البضع بين كونه مهراً للزوجة المنكوحة وملكاً للزوج(2). وهذا هو الأظهر.

وعليه تتفرّع هذه المسألة وما بعدها، فإنّه لا تشريك هنا في البضع فيصحّ النكاح على الثاني ولكن يبطل المهر؛ لأنّه شرط معه تزويج والشرط من جملة العوض المقترن به في سائر المعاوضات. وشرط التزويج غير لازم بناءً على أن العقد اللازم إذا اقترن به شرط صار جائزاً لا لازماً، أو لأنه غير متعلّق بالعاقد؛ إذ لا يجب على المرأة الأخرى الوفاء بذلك، فيكون الشرط فاسداً؛ لأن فواته يوجب الخيار، وهو منتفٍ في النكاح، فيجب أن يرد إلى المسمّى ما نقص منه لأجل الشرط، وهو مجهول أُضيف إلى معلوم فيصير الكلّ مجهولاً، فيبطل الصداق للجهالة، فيجب مهر المثل؛ لأنّ النكاح لايفسد بفساد الصداق.

ص: 394


1- راجع السرائر، ج 2، ص 580.
2- كالشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 492؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 12، ص 487.

وكذا لو زوجه وشرط أن ينكحه الزوج فلانة ولم يذكر مهراً.

تفريع: لو قال: «زوجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهراً لبنتك صح نكاح بنته وبطل نكاح بنت المخاطب.

ولو قال: «على أن يكون نكاح بنتك مهراً لبنتي» بطل نكاح بنته وصح نكاح بنت المخاطب.

هذا خلاصة ما وجهه الشيخ في المبسوط لذلك واختاره (1)، والمصنّف نقله ثم تردّد فيه. ووجه التردّد ممّا ذكر، ومن أنّه شرط سائغ يمكن الوفاء به إذا كان الزوج كفواً والعاقد وليّاً. وعلى تقدير عدم الولاية لا يجب القطع بفساده، بل مع تعذر الشرط؛ لإمكان إجابتها إلى ذلك. ولا نسلّم أن الشرط في اللازم يجعله جائزاً. وقد تقدّم(2)، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد(3). و«المؤمنون عند شروطهم(4)، يشمله.

ويمكن أن يجعل منشأ التردّد من جهة أخرى، وهو أنّ الشرط المذكور فاسد كما تقرّر أوّلاً، وقد اشتمل عليه العقد، فينبغي أن يفسد العقد بفساده. ولا ينفعه كونه جعل مع المهر، فإنّه كما انضم إلى المهر فهو شرط في أصل العقد. والمشهور الصحة وفساد المسمّى بل لم يذكر غير المصنّف فيه إشكالاً .

قوله: «وكذا لو زوجه وشرط أن ينكحه الزوج فلانة ولم يذكر مهراً». الكلام في هذه المسألة كالسابقة، فإن تزويج فلانة وقع مضافاً إلى مهر الزوجة، فيأتي فيه جميع ما سبق وإن لم يسمّ لها مهراً.

قوله: «لو قال: زوجتك بنتي - إلى قوله - وصح نكاح بنت المخاطب». هذه أيضاً من فروع ما سبق، فإنّ من جعل مهرها بضعاً يبطل نكاحها، ومن جعل لها مهر

معين غير البضع أو فوضت يصح نكاحها؛ لعدم المانع.

ص: 395


1- المبسوط، ج 3، ص 492-493.
2- تقدم في ج 3، ص 186 - 187.
3- المائدة (5): 1.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.
السابعة:يكره العقد على القابلة إذا ربّته وبنتها.

والضابط أنّ البضع المشترك يبطل نكاحه، والبضع المنفرد يصح؛ عملاً بقاعدة الشغار.

قوله: «يكره العقد على القابلة إذا ربّته وبنتها».

وجه الكراهة النهي عنها في أخبار(1) حمل على الكراهة جمعاً .

ويدلّ على أصل الحلّ الأصل، وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت للرضاءعلیه السلام: يتزوج الرجل المرأة التي قبلته؟ فقال: «سبحان الله ما حرّم الله عليه من ذلك؟!»(2). وعلى الكراهة رواية إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن القابلة تقبل الرجل أله أن يتزوّجها؟ فقال: «إن كانت قبلته المرّة والمرّتين والثلاث فلا بأس، وإن كانت قبلته وربته وكفلته فإنّي أنهى نفسي عنها وولدي»(3). وفي خبر آخر: «وصديقي»(4) وقال الصدوق في المقنع: لا تحلّ القابلة للمولود ولا ابنتها. وهي كبعض أمّهاته(5)؛ استناداً إلى رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام): «لا يتزوّج المرأة التي قبلته ولا ابنتها»(6). ورواية عمرو بن شمر عن جابر قال سألت أبا جعفر(علیه السلام)عن القابلة أيحلّ للمولود أن ينكحها؟ قال: «لا، ولا ابنتها، هي بعض أمّهاته»(7).

وجوابه - مع ضعف سندهما - حملهما على الكراهة جمعاً. هذا إذا قبلت وربّت، فلو

قبلت ومرت لم يكره، كما ورد في بعض الأخبار(8).

ص: 396


1- راجع وسائل الشيعة، ج 20، ص 500 - 502، الباب 39 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 455، ح 1821؛ الاستبصار، ج 3، ص 176، ح 637.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 456455 ، ح 1824؛ الاستبصار، ج 3، ص 176، ح 640.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 456. ح 1825؛ الاستبصار، ج 3، ص 176 ، ذيل الحديث 640.
5- المقنع، ص 326.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 455، ح 1822؛ الاستبصار، ج 3، ص 176، ح .638.
7- الكافي، ج 5، ص 448447، باب نكاح القابلة، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 410، ح 4434: تهذيب الأحكام، ج 7،ص 455، ح 1823؛ الاستبصار، ج 3، ص 176، ح 639.
8- الكافي، ج 5، ص 447 - 448، ذيل الحديث 2: الفقيه، ج 3، ص 410، ح 4435: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 455 - 456. ح 1824؛ الاستبصار، ج 3، ص 176، ح 640.

وأن يزوّج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته. ولا بأس بمن ولدتها قبل نكاح الأب.

. وأن يتزوّج بمن كانت ضرةٌ لأُمه قبل أبيه.

قوله: «وأن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته» إلى آخره. تدلّ على الكراهة رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قال محمد بن علي في الرجل يتزوج المرأة، ويزوج ابنتها ابنه فيفارقها ويتزوج بها آخر بعد فتلد منه بنتاً، فكره أن يتزوجها أحد من ولده؛ لأنها كانت امرأته فطلقها، فصار بمنزلة الأب، وكان قبل ذلك أباً لها»(1).

وتدلّ على أصل الجواز صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته، ثمّ خلف عليها رجل بعده، ثم ولدت للآخر، هل يحل ولدها من الآخر لولد الأوّل من غيرها؟ قال: «نعم». قال: وسألته عن رجل أعتق سُرّيّة له، ثمّ خلّف عليها رجل بعده، ثم ولدت للآخر، هل يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال: «نعم»(2). وقد ورد ما يؤذن بالنهي عن ذلك في أخبار أُخر(3) محمولة على الكراهة جمعاً. ولو عبر المصنّف (رحمه الله) ب- «المنكوحة» بدل «الزوجة» ليشمل الأمة، وأبدل الابن» و «البنت» ب- «الولد» ليشمل الذكر والأنثى كما ورد فى هذا الخبر كان أجود

قوله: «وأن يتزوج بمن كانت ضرةٌ لأُمّه قبل أبيه».

لا وجه للتقييد بقبلية الأب، بل لو كانت ضرّةً بعد أبيه كره ذلك. والمستند رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام)يقول: «ما أُحبّ للرجل المسلم أن

ص: 397


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 453. ح 1812: الاستبصار، ج 3، ص 175، ح 635.
2- الكافي، ج 5، ص 399، باب الرجل يتزوج المرأة...، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 451-452، ح 1808: الاستبصار، ج 3، ص 173-174، ح 630.
3- الكافي، ج 5، ص 399 400 ، باب الرجل يتزوج المرأة...،ح،3-4: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 452،ح 1810 - 1811؛ الاستبصار، ج 3، ص 174 ، ح 633- 634.

وبالزانية قبل أن تتوب.

يتزوّج ضرّةً كانت لأمه مع غير أبيه»(1). وهذه شاملة لما ذكرناه، فلو عبر المصنف بها كان أجود.

قوله: «وبالزانية قبل أن تتوب».

هذا هو المشهور بين الأصحاب. ومستندهم على عدم التحريم الأصل، وأنه لو منع ابتداءً لمنع في الدوام والتالي باطل؛ لما تقدم من أنّ الزوجة لا تحرم بالإصرار على الزني(2).

ووجه الملازمة اشتراكهما في المقتضي، وهو خوف اختلاط الأنساب.

وعلى الكراهة صحيحة أبي الصباح الكناني وغيره قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)(3) فقال: «كن نسوة مشهورات بالزني ورجال مشهورون بالزنى قد عرفوا بذلك، والناس اليوم بتلك المنزلة، فمن أقيم عليه حدّ الزنى أو شهر به لا ينبغي لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة»(4). و«لا ينبغي» ظاهر في الكراهة. وخالف في ذلك أبو الصلاح فحرّم تزويج الزانية قبل التوبة(5)؛ عملاً بظاهر الآية(6). وبقوله: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(7).

وجوابه بالحمل على شدة الكراهة؛ لدلالة الخبر الصحيح وغيره(8) عليه.

وقد قيل: إن الآية منسوخة بقوله تعالى:«وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ»(9).

ص: 398


1- الفقيه، ج 3، ص 409، ح 4432؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 472 - 473، ح 1895، وص 489 ، ح 1964.
2- تقدّم في ص 320.
3- النور (24) 3.
4- الكافي، ج 5، ص 354 ، باب الزاني والزانية، ح 1-2: الفقيه، ج 3، ص 406405، ح 4420؛ تهذيب الأحكام. ج 7، ص 406، ح 1625.
5- الكافي في الفقه، ص 286.
6- النور (24) 3.
7- النور (24) 3.
8- راجع وسائل الشيعة،ج20، ص 438436، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
9- قاله سعيد بن المسيب على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان، ج 7، ص 361، ذيل الآية 3 من سورة النور (24)،والآية الناسخة هي الآية 32 من تلك السورة.

وما ذكر في الأخبار أجود، وهو أولى من النسخ.

* * *

تمّ المجلّد الثالث من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام بحمد الله تعالى؛

ومنه وحسن توفيقه وله الحمد أولاً وآخراً وعلى كلّ حال(1).

ص: 399


1- في نسخة «ل ، و»: «اعلم أنّ الشارح الشهيد السعيد (قدس الله روحه ونوّر ضريحه ونفعنا به في الآخرة كما نفعنا به في (الأولى) كان قد جزاً أولاً هذا الشرح ستة أجزاء، وجعل خاتمة هذا الجزء - وهو الجزء الثالث - عند قول المصنف (رضي الله عنه) «ويلحق بالنكاح النظر في أمور». ثمّ لما كمل الشرح ورأى أنّ الجزءين الأخيرين سيما الجزء الأخير ضخم جداً جزاه ثانياً سبعة أجزاء بأن اقتطع من الأربعة الأجزاء الأواخر من كلّ جزء قطعة، فانقطع الجزء الثالث هنا عند قول المصنف (رضي الله تعالى عنه) «القسم الثاني في النكاح المنقطع». وألحق هذا الكلام وهو قوله: «تم المجلد الثالث» إلى آخره هنا. واتفق الفراغ من نسخه يوم الأحد مقارن أذان العصر لثلاث ليالي بقين من شهر ربيع الثاني سنة ست وستين وستمائة بالبلدة الطيبة المباركة مدينة النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم الّلهمّ أدم لنا الإقامة بها والاستفاضة من الأرواح التي حلت بها. ناسخه أحوج الخلق إلى عفو ربه الغني وإلى شفاعة سيّده ومولاه النبي العربي الهاشمي وشفاعة آله الذين لا يخفى منزلتهم إلا على كلّ غبي دني، والحمدلله وحده وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين أجمعين». وفي نسخة «و»: «في آخر المجلّد بخط السيد علي الصائغ (رحمه الله) ما صورته: «هذا آخر كلامه بلغه الله أعلى مراتبه وحشره مع نبيه وإمامه، وانتقم ممن كان سبباً في سفك دمائه، ولا جعل له نصيباً في ذمامه، فإن كان آخذاً بالحق قابضاً بذمامه ولم يعطفه عنه خوف ملامه، وناهيك بكيفية شهادته دلالة على فضله وإعظامه وتبجيله وإكرامه فإنه أسير وهو طائف حول البيت، واستشهد يوم الجمعة في رجب رجب تالياً للقرآن على محبّة أهل البيت(علیهم السلام والحال أنه غريب ومهاجر إلى الله سبحانه الذي هو على كل شيء رقيب وختم له بحج بيت الله الحرام وزيارة النبي (عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام)، ليت نفسي كانت له الفداء، ومهجتی تقيه من الردا قدّس الله نفسه وطهر رمسه، ونفعنا به، وجعلنا من خلّص أصحابه، إنه جواد كريم. انتهى کلامه(رحمه الله). نقلته من خط الشيخ الفاضل المرحوم الشيخ علي سبط الشارح الشهيد السعيد (قدس الله روحهما بالنبيّ والوصيّ وآلهما)».

القسم الثاني: في النكاح المنقطع

اشارة

وهو سائغ في دين الإسلام؛ لتحقق شرعه، وعدم ما يدلّ على رفعه.

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين محمّد وآله الطاهرين)؛(1)

القسم الثاني في النكاح المنقطع.

قوله: «وهو سائغ في دين الإسلام؛ لتحقق شرعه، وعدم ما يدلّ على رفعه». اتفق المسلمون على أنّ هذا النكاح كان سائغاً في صدر الإسلام، وفعله الصحابة في زمن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، وزمن أبي بكر، وبرهة من ولاية عمر، ثمّ نهى عنه وادعى أنه منسوخ، وخالفه جماعة من الصحابة، ووافقه قوم، وسكت آخرون(2).

وأطبق أهل البيت(علیهم السلام) على بقاء مشروعيّته. وأخبارهم(3) فيه بالغة حد التواتر لا تختلف فيه مع كثرة اختلافها في غيره، سيّما فيما خالف فيه الجمهور.

والقرآن ناطق بشرعه(4)؛

ص: 400


1- ما بين القوسين أضفناها من نسخة «و».
2- راجع المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 571 - 572؛ المسألة، 5488 والجامع لأحكام القرآن القرطبي،ج 5، ص 130 - 133، ذيل الآية 24 من سورة النساء (4).
3- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 5 - 16، الباب 1 و 2 من أبواب المتعة. 4.
4- النساء (4): 24.

والنظر فيه يستدعي بيان أركانه، وأحكامه.

اشارة

وقد اضطربت رواياتهم في نسخه، فروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنا نغزو مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ؟ ثم رخص لنا بَعْدُ أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله: ﴿يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَنتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)(1).

وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إنما كانت المتعة في أوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها ،معرفة، فيتزوّج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى نزلت هذه الآية: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ)(2).

ورووا في الصحيحين عن عليّ(علیه السلام): «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر»(3).

ورووا عن سلمة الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها(4). ورووا عن سبرة الجهني: أنّه غزا مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة. قال: فأقمنا بها خمسة عشر يوماً فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء، ثمّ لم يخرج عنها حتى نهانا عنها، رواه مسلم(5).

وروى أبو داود وأحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع نهى عنها(6).

فتأمل هذا الاختلاف العظيم في رواية نسخها، وأين النهي عنها في خيبر، والإذن فيها في أوطاس، ثمّ النهي عنها بعد ثلاثة أيام، مع الحكم بأنها كانت سائغة في أوّل الإسلام - إلى

ص: 401


1- صحيح البخاري، ج 4، ص 1687، ح 4339: صحیح مسلم، ج 2، ص 1022، ح 1404/11؛ والآية في سورة المائدة (5): 87.
2- الجامع الصحيح، ج 3، ص 430، ح 1122؛ والآية في سورة المؤمنون (23): 6.
3- صحيح البخاري، ج 5، ص 1966، ح 4825: صحیح مسلم، ج 2، ص 1027، ح 1407/30.
4- صحیح مسلم،ج2، ص 1023، ح 1405/18: السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 332،ح 14161.
5- صحیح مسلم، ج 2، ص 1024، ح 1406/20.
6- سنن أبي داود، ج 2، ص 226-227، ح 2072؛ مسند أحمد، ج 4، ص 407، ح 14914.
أركانه أربعة:
اشارة

الصيغة، والمحلّ، والأجل، والمهر.

أما الصيغة:

فهي اللفظ الذي وضعه الشرع وصلة إلى انعقاده. وهو إيجاب وقبول.

وألفاظ الإيجاب: «زوجتك» و«متعتك» و«أنكحتكَ» أيّها حصل وقع الإيجاب به ولا ينعقد بغيرها، كلفظ «التمليك» و«الهبة» و«الإجارة».

والقبول: هو اللفظ الدال على الرضى بذلك الإيجاب، كقوله: «قبلت النكاح»،

أو «المتعة».

ولو قال: «قبلت» واقتصر او «رضیت» جاز.

آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة شرعيتها - ثم الإذن فيها في فتح مكة، وهي متأخرة عن الجميع ثم النهي عنها في ذلك الوقت، ثمّ في حجة الوداع، وهي متأخرة عن الجميع؟! فيلزم على هذا أن تكون شرعت مراراً ونسخت كذلك.

ثمّ لو كان نسخها حقاً لما اشتبه ذلك على الصحابة في زمن خلافة أبي بكر، وصدر من خلافة عمر، ثمّ شاع النهي عنها. وما أحسن ما وجدته في بعض كتب الجمهور:

أنّ رجلاً كان يفعلها، فقيل له: عمّن أخذت حلّها؟ فقال: عن عمر ، فقالوا له: كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها، وعاقب على فعلها ؟ فقال لقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأنا أُحرمهما وأُعاقب عليهما، متعة الحج، ومتعة النساء. فأنا أقبل روايته

في شرعيتهما على عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا أقبل نهيه من قبل نفسه(1).

قوله: «وألفاظ الإيجاب «زوجتك» - إلى قوله - أو «رضيت» جاز». لما كان هذا العقد من العقود اللازمة أعتبر فيه ألفاظ صريحة، دالّة على المقصود، واقعة بالعربية، إلى آخر ما ذكر في العقد الدائم.

وقد اتفقوا على الاجتزاء هنا بأحد الألفاظ الثلاثة، وإن اختلفوا في بعضها في الدائم.

ولا يخفى أنّ لفظ «التمليك» و«الإجارة» و«الهبة» كنايات بعيدة عن حقيقة عقد النكاح،

ص: 402


1- محاضرات الأدباء، ج 2، ص 214.

ولو بدأ بالقبول فقال: «تزوّجت» فقالت: «زوجتك» صح. . ويشترط الإتيان بهما بلفظ الماضي، فلو قال: «أقبل» أو «أرضى» وقصد الإنشاء لم يصح.

وقيل: لو قال: «أتزوجكِ مدة كذا بمهر كذا وقصد الإنشاء، فقالت: «زوجتك» صح. وكذا لو قالت: «نعم».

فلا يقع بها عندنا. وقد تقدّم الكلام في ذلك كله(1).

وخالف في ذلك جماعة من الأصحاب، فجوّز أبو الصلاح(2) وابن البراج(3) في الإيجاب أن يقع من الرجل بقوله : «متعيني نفسك بكذا إلى آخره، فتقول المرأة: «قبلت»، أو «رضيت».

والمرتضى جعل تحليل الأمة عقد متعة، فيكون منعقداً بلفظ «أبحت»(4). والاقتصار على ما ذكره المصنف طريق اليقين.

قوله: «ولو بدأ بالقبول فقال: «تزوّجت» فقالت: «زوجتك» صح». المراد بالبدأة بالقبول بدأة الرجل بالصيغة بلفظ «تزوّجت» أو «نكحت» وشبهه، لا بلفظ «قبلت»؛ فإن ذلك غير مجزي اتفاقاً. ولا بد من ذكر جميع ما يعتبر في العقد من المتقدم. سواء كان هو الرجل أو المرأة. ومن هذا يظهر أنّ ذلك بمنزلة الإيجاب، وإطلاق القبول عليه لا يخلو من تكلّف وبه يظهر ضعف قول المانع من تقديمه.

قوله: «ويشترط الإتيان بهما بلفظ الماضي - إلى قوله - وكذا لو قالت: «نعم». المشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين منهم اعتبار اللفظ الماضي في عقد النكاح

مطلقاً؛ لأنه صريح في الإنشاء، بخلاف المستقبل المحتمل للوعد. وقد تقدم الكلام فيه(5).

ص: 403


1- تقدّم في ص 100.
2- الكافي في الفقه، ص 298.
3- المهذب، ج 2، ص 240.
4- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 627 والمحقق في المختصر النافع، ص 288؛ وراجع الانتصار ص 282، المسألة 157.
5- تقدم في ص 91.
وأما المحلّ:
اشارة

فيشترط أن تكون الزوجة مسلمةً أو كتابيّة، كاليهوديّة والنصرانيّة، والمجوسيّة على أشهر الروايتين.

ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرّمات.

وخالف جماعة(1) منهم هنا فاكتفوا فيها بصيغة المستقبل؛ استناداً إلى روايات كثيرة. منها: رواية أبان بن تغلب، قال، قلت لأبي عبد الله : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجكِ متعةً على كتاب الله وسنّة نبيه لا وارثة ولا موروثة، كذا وكذا يوماً، بكذا وكذا درهماً، وتسمّي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قالت: نعم، فقد رضيت فهي امرأتك، وأنت أولى الناس بها»(2).

والأخبار مع كثرتها في سندها ضعف، فالوقوف على موضع الوفاق أجود. قوله: «فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة - إلى قوله - على أشهر الروايتين». قد تقدم البحث في ذلك(3)، وأنّ الروايات الدالة على جواز نكاح المجوسية مطلقاً(4)

ضعيفة. فالقول بعدم الجواز أجود، كما أن القول بجوازه بالكتابية قوي.

قوله « ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات.

ينبغي أن يكون ذلك على وجه الاستحقاق إن بلغ شرب الخمر إلى حد الإسكار، وتناول المحرمات إلى حد الاستقذار، وبدون ذلك يشكل جواز المنع؛ حيث هو مباح في دينها،

ولا تتظاهر به وإنّما يشترط إسلام المرأة أو كونها كتابية أو مجوسيّةً على تقدير كون الزوج مسلماً.

ص: 404


1- منهم ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 126؛ ويظهر من ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 574.
2- لكافي، ج 5، ص 455، باب شروط المتعة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 265- 266، ح 1145؛ الاستبصار، ج 3، ص 150-151،ح 551.
3- تقدّم في ص 335 وما بعدها.
4- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256، ح 1106 - 1107؛ والاستبصار، ج 3، ص 144، ح 521- 522.

أما المسلمة فلا تتمتّع إلا بالمسلم خاصةً. ولايجوز بالوثنيّة ولا الناصبيّة المعلنة بالعداوة، كالخوارج.

. ولا يستمتع أمةً وعنده حرّة إلّا بإذنها، ولو فعل كان العقد باطلاً. وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت أختها إلا مع إذنها، ولو فعل كان العقد باطلاً.

فلو كان من إحدى الفرق الثلاث جاز بغير إشكال. وينبه على أنّ المراد ذلك جعله الجواز على أشهر الروايتين. وكذا لا يمنع الوثني وشبهه من التمتع بمثله من الكافرات مطلقاً.

قوله: «أما المسلمة فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة».

بناءً على ما اختاره من جواز تزويج المسلمة مطلقاً بالمسلم مطلقاً. وعلى المشهور - من عدم جواز تزويج المؤمنة بالمخالف - لا يجوز هنا أيضاً.

قوله: «ولا يجوز بالوثنية ولا الناصبية المعلنة بالعداوة، كالخوارج.

إنّما يمنع التزويج بالوثنية للمسلم خاصةً كما مرّ لا مطلقاً. وكذا بالناصبية. ولا يشترط في المنع من الناصبية الإعلان بالعداوة، بل متى عرف منها ذلك لم يجز. وقد تقدّم التنبيه عليه(1).

وجعله الخوارج من أمثلة النواصب أولى من عطفهم عليهم في أكثر العبارات المؤذن بالمغايرة، فإنّ النواصب أعم من الخوارج مطلقاً؛ لما علم من أنّ النواصبَ هم المبغضون الأحد من أهل البيت(علیهم السلام)، والخوارج يبغضون عليّاًعلیه السلام، فهم من جملة ،أفرادهم، بل من أكبرهم ووجه المنع من نكاحهم واضح؛ لكفرهم المانع من التناكح بينهم وبين المسلمين؛ إذ قد علم ضرورةً من دين الإسلام كمال أهل البيت(علیهم السلام) وشرفهم، وجعل مودتهم أجر الرسالة(2). قوله: «ولا يستمتع أمةً وعنده حرّة إلّا بإذنها - إلى قوله - ولو فعل كان العقد باطلاً». الوجه في ذلك كله ما تقدّم من النهي عنه في النكاح المتناول لأقسامه كلّها(3). وخروج

ص: 405


1- تقدم في ص 378.
2- اقتباس من سورة الشورى (42): 23.
3- تقدّم في ص 310 وما بعدها.

ويستحبّ أن تكون مؤمنةً عفيفةً، وأن يسألها عن حالها مع التهمة. وليس شرطاً في الصحة.

بعض الأحكام من هذا النكاح بدليل خارج كالإرث والنفقة والقسمة لا يوجب خروج غیره، حيث يشمله إطلاق الأدلة وعمومها ولا فرق بين كون الحرّة والعمة والخالة بعقد الدوام والمتعة، كما أنّ الداخلة كذلك. والكلام في بطلان العقد أو وقوفه ما تقدم(1)، والمختار .واحد. وقد اقتصر المصنّف على بعض ما يعتبر في عقد الدوام، وذكر بعض المحرمات دون أن يستوفى الأقسام من المحرّمات جمعاً وعيناً اكتفاء بما تقدم.

قوله: «ويستحب أن تكون مؤمنة عفيفة - إلى قوله - وليس شرطاً في الصحة». ما سبق حكم الأمور المعتبرة في صحتها، وهذه أمور معتبرة في كمالها، وقد ذكر منها ثلاثة:

الأوّل: كونها مؤمنةً. ويدل عليه قول الرضا علیه السلام: «المؤمنة أحبّ إلي»(2).

وقول الصادق(علیه السلام) لما سأله محمّد بن العيص(3). عن المتعة، فقال: «نعم، إذا كانت عارفةً»، قلنا: فإن لم تكن عارفةً . قال: «فاعرض عليها وقل لها، فإن قبلت فتزوجها، وإن أبت أن ترضى بقولك فدعها»(4).

وقد روي في خبر مرسل عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنه قال: «لا تمتع بالمؤمنة فتذلّها»(5).

وحمله الشيخ على ما إذا كانت المرأة من أهل بيت(علیهم السلام) شرف فإنّه يكره؛ لما يلحق أهلها من

العار ويلحقها من الذلّ(6)، مع قصوره عن مقاومة السابق.

ص: 406


1- تقدم في ص 310 وما بعدها.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 256-257، ح 1108؛ الاستبصار، ج 3، ص 145، ح 524.
3- هكذا في النسخ ولكن في المصادر: «الفيض» بدل «العيص».
4- الكافي، ج 5، ص 454، باب أنه لا يجوز التمتع إلا بالعفيفة، ح 5 الفقيه، ج 3، ص 459، ح 4589: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 252، ح 1088؛ الاستبصار، ج 3، ص 143، ح 514.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 253، ح 1089؛ الاستبصار، ج 3، ص 143، ح 515.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 253، ذيل الحديث 1089؛ الاستبصار، ج 3، ص 143، ذيل الحديث 515.

ويكره أن تكون زانيةٌ، فإن فعل فليمنعها من الفجور، وليس شرطاً.

الثاني: كونها عفيفةٌ غير زانية. روى إسحاق بن عمار عن أبي سارة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عنها فقال لي: «حلال ولا تتزوج إلا عفيفة، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ)(1). فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على در همك»(2).

الثالث: أن يسألها عن حالها مع التهمة بأنّ لها زوجاً أو معتدة؛ لرواية أبي مريم عن الباقرعلیه السلام أنه سئل عن المتعة فقال: «إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم كن يومئذ يؤمن واليوم لا يؤمن، فاسألوا عنهنّ»(3).

وهذه تقتضي الأمر بالسؤال عن حالها ولو لغيرها، وهو أجود من تعبير المصنّف بسؤالها. وليس السؤال شرطاً في الصحة؛ للأصل، وحمل تصرّف المسلم على الصحيح، وقد روى أحمد بن أبي نصر وغيره، قال، قلت للرضاعلیه السلام: الرجل يتزوّج بالمرأة فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً، قال: «ما عليه؟ أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج»(4).

قوله: «ويكره أن تكون زانية، فإن فعل فليمنعها من الفجور، وليس شرطاً». قد تقدم ما يدل على أصل الجواز وعلى الكراهة(5)، ويزيد هنا ما تقدم من النهي عن غير العفيفة. وفي رواية محمّد بن العيص السابقة: «وإياكم والكواشف والدواعي، والبغايا، وذوات الأزواج قلت وما الكواشف؟ قال: «اللواتي يكاشفن وبيوتهن معلومة ويزنين» قلت: فالدواعي؟ قال: «اللواتي يدعون إلى أنفسهن وقد عرفن بالفساد» قلت: والبغايا؟ قال: «المعروفات بالزنى»، قلت: فذوات الأزواج؟ قال: «المطلّقات على غير السنّة»(6).

ص: 407


1- المؤمنون (23) 5.
2- الكافي، ج 5، ص 453، باب أنّه لايجوز التمتع إلا بالعفيفة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 252، ح 1086.
3- الكافي، ج 5، ص 453، باب أنّه لايجوز التمتع إلا بالعفيفة، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 459، ح 4588: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 251، ح 1084.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 253-254، ح 1094.
5- تقدم في ص 398.
6- سبق تخريجها في ص 406، الهامش 4.

ويكره أن يتمتع ببكر ليس لها أب، فإن فعل فلا يفتضها، وليس بمحرم.

وعلى أصل الجواز - مضافاً إلى ما سبق - رواية علي بن يقطين قال، قلت لأبي الحسن(علیه السلام): نساء أهل المدينة، قال: «فواسق». قلت: فأتزوج منهنّ؟ قال: «نعم»(1). وأما منعها من الفجور فهو واجب من باب الحسبة، وليس شرطاً في صحة النكاح؛للأصل، والأخبار(2).

ومنع الصدوق من التمتع بها مطلقاً(3)، وابن البراج إذا لم يمنعها من الفجور(4)؛ لقوله تعالى:الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً)(5)، وللنهي السابق في الخبر. وروى محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتع منها يوماً أو أكثر؟ فقال: «إذا كانت مشهورة بالزني فلا يتمتع بها، ولا ينكحها(6)، ولأنه لا يؤمن من اختلاط الأنساب. وقد تقدّم الجواب عن ذلك، وأن الجمع بين الأدلّة يوجب حمل ذلك على الكراهة(7).

قوله: «ويكره أن يتمتع ببكر ليس لها أب فإن فعل فلايفتضها، وليس بمحرم». يدلّ على جوازه ما تقدّم من ارتفاع الولاية عنها ببلوغها ورشدها وإن كانت بكراً(8).

وعلى الكراهة صحيحة ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يتزوّج البكر متعة، قال: «يكره للعيب على أهلها»(9). وهو يشمل من لها أب من دون

ص: 408


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 253، ح 1091: الاستبصار، ج 3، ص 143-144، ح 517.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 27 30، الباب 8 و 9 من أبواب المتعة.
3- المقنع، ص 338.
4- المهذب، ج 2، ص 241.
5- .5 النور (24) 3.
6- الكافي، ج 5، ص 454 باب أنه لا يجوز التمتع إلا بالعفيفة، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 252، ح 1087؛ الاستبصار، ج 3، ص 142، ح 513.
7- تقدم في ص 398.
8- تقدّم في ص 122 وما بعدها.
9- 9. الكافي، ج 5، ص 462، باب الأبكار، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 461، ح 4595: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 255، ح 1101.
فروع ثلاثة:
الأوّل: إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع

ادا أسلم المشرک وعنده کتابیة بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتاً. وكذا لو كنّ أكثر. ولو سبقت هي وقف على انقضاء العدة إن كان دخل بها، فإن انقضت ولم يسلم بطل العقد، وإن لحق بها قبل العدّة فهو أحق بها ما دام أجله باقياً. ولو انقضى الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل.

إذنه، ومن ليس لها أب، وكلاهما مكروه، بل الروايات فيمن لها أب بدون إذنه(1) أكثر، فلو عمّم المصنّف كان أولى.

ويدلّ على كراهة الافتضاض أيضاً رواية أبي سعيد القماط، عمّن رواه قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها فأفعل ذلك؟ قال: «نعم، واتق موضع الفرج» قال قلت: فإن رضيت؟ قال: وإن رضيت؛ فإنّه عار على الأبكار»(2). وفي الصحيح عن زياد بن أبي الحلال قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام)يقول: «لا بأس أن يتمتّع بالبكر ما لم يفض إليها؛ كراهية العيب على أهلها»(3). وأما عدم تحريمه فيظهر من الكراهة، ومن أنّها مالكة أمرها، ومتى صح النكاح ترتبت عليه أحكامه.

ومنع جماعة من الأصحاب(4) من التمتّع بالبكر مطلقاً إلا بإذن أبيها. والجدّ هنا كالأب.

قوله: «إذا أسلم المشرك وعنده كتابية - إلى قوله - لم يكن له عليها سبيل».

لما كان عقد المتعة صحيحاً عندنا فإذا أسلم المشرك على منكوحة به يجوز استدامة

ص: 409


1- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 3532 ، الباب 11 من أبواب المتعة.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 254، ح 1096.
3- الكافي، ج 5، ص 462، باب الأبكار، ح 2.
4- منهم الشيخ الصدوق في المقنع، ص 338؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 299: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 241.
الثاني: لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول

لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدّة. وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة، فأيهما حصل قبل إسلامه انفسخ به النكاح.

الثالث: لو أسلم وعنده حرّة وأمة

ثبت عقد الحرّة، ووقف عقد الأمة على رضى الحرّة.

نكاحها كالكتابية، أقرّ عليه كما يقرّ على الدائم. وكذا لو كنّ أكثر من واحدة لما سلف من عدد أنه لا ينحصر شرعاً في ولو انعكس الفرض بأن أسلمت هي دونه توقف فسخ النكاح على العدة؛ لأن نكاح المسلمة لا يصح لكافر مطلقاً. فإن انقضت العدة أو المدة التي جعلاها أجلاً للمتعة ولم يسلم تبين انفساخ النكاح من حين الإسلام. أما مع انقضاء العدة فلانفساخ النكاح حينئذ . وأما مع انتهاء المدة فلاقتضائه البينونة. وإن أسلم في العدة وقد بقي من المدة شيء فهو أملك بها ما دامت المدة باقية. وعلى التقديرين يثبت المسمّى؛ لاستقراره بالدخول؛ لأنه المفروض.

ولو كان الإسلام قبل الدخول فإن كان منه فالحكم بحاله. وإن كان منها انفسخ النكاح ولا مهر كما مرّ(1)؛ لأنّ الفسخ من قبلها.

قوله: «لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول - إلى قوله انفسخ به النكاح». لما لم يجز نكاح غير الكتابية للمسلم دواماً ومتعةً، ابتداءً واستدامة، وامتنع نكاح الكافر وإن كان كتابياً للمسلمة ابتداءً واستدامة، وجب فيما إذا كانت الزوجة غير كتابية - أعم من أن تكون وثنيةً أو غيرها من فرق الكفر - الحكم بانفساخ النكاح إن كان قبل الدخول مطلقاً. وتوقفه على انقضاء العدّة أو المدة إن كان بعده، فأيهما خرج يحكم بانفساخ النكاح أو انتهائه.

ويثبت المهر المسمى مع الدخول وبدونه إن كان المسلم الزوج كما مرّ. قوله: «لو أسلم وعنده حرّة وأمة ثبت عقد الحرّة ووقف عقد الأمة على رضى الحرّة».

ص: 410


1- مرّ في ص 342.
وأما المهر:

فهو شرط في عقد المتعة خاصة، يبطل بفواته العقد.

ويشترط فيه أن يكون مملوكاً، معلوماً، إما بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف.

ويتقدّر بالمراضاة قل أو كثر، ولو كان كفّاً من برّ.

أما ثبوت عقد الحرّة؛ فلوجود المقتضي له؛ لأنّ نكاح الكفر صحيح يقرّون عليه. وأما وقوف عقد الأمة على رضى الحرّة؛ فلأنّ الجمع بينها وبين الحرّة موقوف على رضى الحرّة، فإذا لم ترض انفسخ نكاح الأمة. ويبقى الكلام في بناء صحة عقد الأمة - على القول بجواز نكاحها بدون الشرطين، أو على أنّ المانع منه ابتداءً عقدها لا استدامته - ما مرّ في إسلامه عنهما في الدائم. وقد تقدّم(1).

قوله: «وأمّا المهر فهو شرط في عقد المتعة خاصة، يبطل بفواته العقد». الأصل في اشتراط المهر في عقد المتعة دون الدائم مع النصوص الدالّة عليه(2) - أنّ الغرض الأصلي منه الاستمتاع وإعفاف النفس، فاشتد شبهه بعقود المعاوضات التي يشترط فيها ذكر العوض من الجانبين، بخلاف الدائم، فإنّ الغرض الأصلي منه بقاء النسل وغيره من الأغراض المترتبة عليه التي لا تقصد من المتعة؛ فلذا لم يشترط فيه ذكر المهر. وقد نبّه عليه الباقرعلیه السلام في خبر محمدبن مسلم: «إنّما هي مستأجرة»(3)، وقول الصادق(علیه السلام): «فإنهن مستأجرات»(4). وروى زرارة - في الصحيح - عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لا تكون متعة إلا بأمرين: بأجل مستى، وأجر مستى»(5).

قوله: ویشترط فيه أن يكون مملوكاً معلوماً - إلى قوله - ولو كان كفّاً من برّ».

ص: 411


1- تقدم في ص 354.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 42 - 45 و 48 - 51، الباب 17 - 18 و 21 من أبواب المتعة.
3- الكافي، ج 5، ص 451، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259. ح 20؛الاستبصار، ج 3، ص 147،ح 539.
4- الكافي، ج 5 ص 452، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء...،ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 258-259، ح 1119؛ الاستبصار، ج 3، ص 147، ح 538.
5- الكافي، ج 5، ص 455 ، باب شروط المتعة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 262، ح 1132.

اشتملت العبارة على ثلاثة أحكام:

أحدها: كون المهر مملوكاً. فلا يصحّ العقد على ما لايملك مطلقاً، كالخنزير والخمر غير المحترمة. ولا على غير المملوك للعاقد، فلو عقد على مال الغير لم يصح؛ لامتناع أن يملك البضع بمال غيره، وإن رضي المالك بعد ذلك، بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات؛ فإنّ الإجازة تؤثر في نقله إلى ملك المالك، وهنا لا يتصوّر ذلك

وثانيها: العلم بقدره، إما بالكيل إن كان مكيلاً، أو بالوزن إن كان موزوناً، أو بالعد إن كان معدوداً، أو بالمشاهدة وإن كان من أحد الثلاثة كصبرة الحنطة؛ لاندفاع الغرر المطلوب دفعه في هذه المعاوضة وإن لم يندفع في غيرها؛ لأنها ليست معاوضةً محضة بحيث تبنى على المغابنة والمكايسة، بل يعتبر دفع الغرر في الجملة؛ لأن الركن الأظهر فيها الاستمتاع ولواحقه، ومن ثَمّ أطلق عليه اسم الصدقة والنحلة. هذا إذا كان العوض حاضراً، ولو كان غائباً اعتبر وصفه بما يرفع الجهالة، فيبطل العقد بدونه.

وثالثها: أنّه لا تقدير له في جانب القلّة ولا الكثرة، فيجوز على كل ما يعد مالاً عادةً، كما

يجوز جعله عوضاً في البيع والإجازة. ولايجوز على ما لا يتموّل عادةً، كحبة الحنطة. وأشار المصنّف بالكفّ من البرّ إلى ما رواه سعيد الأحول عن الصادق(علیه السلام)- وقد سأله عن أدنى ما يتزوّج به المتعة - قال: «كفّ من برّ»(1)، وهو مبالغة في القلّة عرفاً، لا لانحصار القلّة فيه، فلو اعتيد أقلّ منه متموّلاً كفى. وإنما جرى على الغالب أو التقريب، كقوله: «تصدقوا ولو بتمرة»(2) وفي حديث آخر: «ولو بشق تمرة»(3). ويدلّ على إجزاء مطلق المتموّل رواية محمّدبن مسلم قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام)

ص: 412


1- الكافي، ج 5، ص 457، باب ما يجزئ من المهر فيها، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 260، ح 1124.
2- الكافي، ج 4، ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.
3- الأمالي الشيخ الطوسي، ص 458، ح 29/1023.

ويلزم دفعهُ بالعقد.

كم المهر؟ - يعني في المتعة - قال: «ما تراضيا عليه إلى ما شاء من الأجل»(1).

وقال ابن بابويه : لا يجزئ أقلّ من درهم فما فوقه(2)؛ لصحيحة أبي بصير عن الباقرعلیه السلام عن متعة النساء قال: «حلال، وإنّه يجزئ الدرهم فما فوقه»(3). ولا دلالة فيها على عدم إجزاء ما دون الدرهم إلا بالمفهوم الضعيف، فيرجع فيما دونه إلى الأدلة؛ لعدم التنافي.

قوله: «ويلزم دفعه بالعقد».

الأولى جعل «الباء» في قوله بالعقد» سببية، بمعنى كون العقد سبباً في وجوب وذلك لا ينافي اشتراط الوجوب بأمر آخر؛ لأنّ المسبب قد يتخلف عن سببه لفقد الشرط. وإنما اعتبرنا ذلك؛ لأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه على أحدهما قبل أن يتسلّم العوض الآخر، بل إمّا أن يلزم بدفعه قبل تسليمها نفسها بيسير، أو يتقابضا معاً كما هو الواجب في غيره. وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في باب المهر(4).

وعلى التقديرين لا يلزم دفعه مصاحباً للعقد مطلقاً، بل مع تسليمها نفسها. ويحتمل جعل «الباء» للمصاحبة، ويراد منه وجوب دفعه إليها بمجرّد العقد، وهو الذي اختاره جماعة من الأصحاب(5). ولكن دليله غير واضح.

ويدلّ على عدم وجوب المبادرة بدفعه بالعقد صحيحة عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): أتزوج المرأة شهراً أو شهرين، فتريد منّي المهر كملاً وأتخوّف أن تخلفني

ص: 413


1- الكافي، ج 5، ص 457، باب ما يجزئ من المهر فيها ، 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 260، ح 1126؛ الاستبصار، ج 3، ص 149، ح 547.
2- المقنع، ص 339.
3- الكافي، ج 5، ص 457، باب ما يجزئ من المهر فيها، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 260 ، ح 1125.
4- يأتي في ص 590 وما بعدها.
5- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 298 وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 241؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 52 وتحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 523، الرقم 5119.

ولو وهبها المدّة قبل الدخول لزمه النصف.

فقال: «يجوز أن تحبس ما قدرت عليه، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك فيه»(1). وعلى تقدير وجوب دفعه على أي وجه كان لا يستقر ملكها له بالقبض، بل بمضي المدة ممكنة، كما سيأتي(2).

قوله: «ولو وهبها المدّة قبل الدخول لزمه النصف». تصح هبة المدة جميعها أو بعضها قبل الدخول وبعده، فيكون ذلك إبراء؛ لأنه إسقاط لما في الذمة، فلا يعتبر فيه القبول على الخلاف في الإبراء. وفيه تنبيه على تأدي الإبراء بلفظ الهبة»؛ لدلالتها على المقصود منه. وقد يشكّ في جوازه من حيث تجدّده شيئاً فشيئاً،

والثابت في الذمة حال البراءة ليس هو الحق المتجدّد. ثمّ الهبة إما أن تكون قبل الدخول أو بعده. فإن كان قبل الدخول وجب لها نصف المهر، ويسقط النصف الآخر، كما لو طلّق الزوجة الدائمة قبل الدخول. هذا هو المشهور بين الأصحاب، وربما ادعي عليه إجماعهم(3). وقد تقدم مراراً ما يقدح في هذا الحكم إن لم يكن إجماع. واستشهدوا له مع ذلك بمقطوعة سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جاريةٌ أو تمتع بها، ثم جعلته في حلّ من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال: «نعم، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج

نصف الصداق»(4).

ولو دخل ثمّ وهبها باقي المدّة أو بعضها صح ولا يسقط من المهر شيء؛ لاقتضاء العقد وجوبه أجمع، وسقوط شيء منه يحتاج إلى دليل. ومن ثم وقع النظر في هبتها قبل الدخول

ص: 414


1- الكافي، ج 5، ص 460، باب حبس المهر إذا أخلفت، ح 1.
2- سيأتي في ص 415.
3- كما في السرائر، ج 2، ص 623 وجامع المقاصد، ج 13، ص 23.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 261، ح 1129.

ولو دخل استقرّ المهر بشرط الوفاء بالمدّة، ولو أخلت ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها.

من قصور الدلالة على المسقط، وأما بعد الدخول فلا دليل على سقوط شيء منه، وإن اقتضى توزيعه على المدة في بعض الصور لدليل، فإنّه لا يوجد يوجب تعديه.

واعلم أنّ الظاهر من هبة المدة قبل الدخول هبة جميع ما بقي منها عند الهبة، وذلك هو المقتضي لسقوط نصف المهر إذا وقع قبل الدخول. وهل المقتضي له هو مجموع الأمرين، أو حصول الفرقة قبل الدخول ؟ وجهان من ظهور اعتبار الدخول وعدمه في ذلك كالطلاق ومن الوقوف على موضع اليقين فيما خالف الأصل. وتظهر الفائدة فيما لو وهبها بعض المدة كنصفها مثلاً، وقد بقي منها أكثر من النصف، ولم يتفق بها دخول حتى انقضى ما بقي منها بغير هبة، فعلى الأوّل يثبت لها المجموع، وعلى الثاني النصف. وإطلاق الرواية يدلّ على الثاني لو كانت معتبرةً في الدلالة. قوله: «ولو دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة - إلى قوله المهر بنسبتها».

مستند هذا الحكم أخبار كثيرة، منها صحيحة عمر بن حنظلة السابقة(1) وفي حديث آخر عنه صحيح السند في الكافي دون التهذيب وفيه: «خذ منها بقدر ما تخلفك ، إن كان نصف شهر فالنصف، وإن كان ثلثاً فالثلث(2). وفي حديث آخر عن إسحاق بن عمّار مثله، واستثنى منه أيام الطمث، فإنّها لها،ولا يكون عليها إلا ما أحل له من فرجها(3).

وفي استثناء غير أيّام الحيض من الأعذار كالمرض والحبس وجهان، من المشاركة في المعنى، ومن كون ذلك على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورده. أما الموت فلا يسقط بسببه شيء كالدائم.

ص: 415


1- سبق تخريجها في ص 414، الهامش 1.
2- الكافي، ج 5، ص 461، باب حبس المهر إذا أخلفت، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 260، ح 1127.
3- الكافي، ج 5، ص 461،باب حبس المهر إذا أخلفت، ح 4.

ولو تبين فساد العقد، إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أُخت زوجته أو أُمها، وما شاكل ذلك من موجبات الفسخ، ولم يكن دخل فلا مهر لها. ولو قبضته كان له استعادته. ولو تبين ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت وليس عليه تسليم ما بقى ولو قيل لها المهر إن كانت جاهلةً، ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمةً كان حسناً.

قوله: «ولو تبين فساد العقد إلى قوله - ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمةً كان حسناً».

إذا تبين فساد عقد المتعة بوجه من وجوه الفساد، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها اتفاقاً، فإن كانت أخذت المهر أو بعضه استعاده منها. وإن كان بعد الدخول فللأصحاب فيه أقوال: أحدها: قول الشيخ في النهاية: أنّ لها ما أخذت، ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي(1). ولم يفرّق بين ما لو كانت عالماً أو جاهلة ، بل الأظهر أن تكون عالمة ؛ لأن الزوج مما لا يخفى عليها غالباً.

ومستنده حسنة ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا بقي عليه شيء من المهر، وعلم أن لها زوجاً، فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، ويحبس عنها ما بقي عنده»(2). وهذه الرواية أيضاً شاملة لما إذا كانت عالمةً بالحال وجاهلة. وهو القول الذي أشار إليه المصنّف أوّلاً. ولا ينافيه إطلاقه التبيّن المؤذن بالجهل قبله؛ لأنه يتحقق بجهل الزوج بذلك، كما هو الظاهر. ومن نسب إلى الشيخ تخصيص الحكم بالجاهلة(3) فقد خصص قوله بغير مراده وإن كان مناسباً للأصل. وإطلاق الرواية يشمل ما إذا كان المدفوع إليها قليلاً أو كثيراً، وما لو كان بقدر ما مضى من المدة أو أقل أو أكثر. وموردها دفع شيء وبقاء شيء، فلو لم يكن دفع إليها شيئاً أو دفع

ص: 416


1- النّهاية، ص 491.
2- الكافي، ج 5، ص 461، باب حبس المهر إذا أخلفت، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 261، ح 1128.
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 24.

الجميع فلا دلالة لها على حكمه، فيرجع فيه إلى الأصول المقررة في نظائره، ومقتضاها عدم استحقاق شيء مع علمها. لكن يشكل باستحقاقها مع قبض البعض وإن كان أكثر المهر، وعدم استحقاقها شيئاً مع عدمه أو مع قبض الجميع. وفيها إشكال آخر وهو أنّ استحقاقها شيئاً بسبب استحلال فرجها كما تضمنته الرواية، وذلك لا يتقدر بما دفع؛ لشموله للقليل والكثير.

وثانيها: أنها إن كانت عالمةٌ فلا شيء لها مطلقاً؛ لأنّها بغي. وإن كانت جاهلةً فلها مجموع المسمّى، فإن كانت قبضته، وإلّا أكمل لها. وهو الذي اختاره المصنف هنا وجماعة(1). وعليه حمل في المختلف الرواية، وحمل قوله فيها: ويحبس عنها ما بقى عنده على ما إذا كان قد بقى عليها من الأيام بقدره(2). ويشكل ذلك بأنّ العقد فاسد في نفس الأمر ، فكيف يترتب عليه حكم الصحيح الذي من جملته توزيع المهر على أجزاء المدة؟! بل ينبغي إيجاب الجميع مع الجهل إن جعل عوض وطء الشبهة الصادر بالعقد هو المسمّى فيه، مع أنه اختار ذلك في أوّل كلامه، وجعله التحقيق.

ويمكن توجيه كلامه بأنّ التراضي إنّما وقع منهما على المهر المعين موزعاً على المدّة؛ لأنه لازم عقد المتعة، فإذا تبيّن فساده يلزم مقتضاه كما يلزم المسمّى مع الجهل في الدائم مطلقاً.

وفيه أيضاً: الإشكال الوارد على لزوم المسمّى في وطء الشبهة مطلقاً؛ لأنّ مجرد التراضي لا يقتضي وجوب المسمّى، بل العقد الصحيح.

وثالثها: وجوب مهر المثل مع جهلها مطلقاً، ولا شيء مع علمها مطلقاً؛ لأنّ ذلك هو

ص: 417


1- منهم العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 524 الرقم 5119: وقواعد الأحكام، ج 3، ص 52؛ ونسبه إلى أكثر الأصحاب فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 128.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 249. المسألة 172.
وأما الأجل:

فهو شرط في عقد المتعة. ولو لم يذكره انعقد دائماً.

عوض البضع في وطء الشبهة، والواقع هنا كذلك. وهذا هو الذي اختاره المصنف في النافع(1)، وهو الأقوى.

ويعتبر فيه مهر مثلها بحسب حالها لتلك المدة التي سلّمت نفسها فيها متعة. ويمكن تنزيل الرواية عليه بجعل المقبوض بقدر مهر المثل مع جهلها بالفساد.

وقيل: المعتبر حينئذ مهر المثل للنكاح الدائم؛ لأنّ ذلك هو قيمة البضع عند وطء الشبهة، من غير اعتبار العقد المخصوص أو غيره(2). وليس ببعيد. وربما قيل بأن الواجب هنا أقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل؛ لأن مهر المثل إن كان أقل فهو عوض البضع حيث تبين بطلان العقد، وإن كان المسمّى هو الأقل فقد قدمت على أن لا تستحق غيره. وعلى هذا لو كان في أثناء المدّة فالمعتبر الأقل من قسطها من المسمّى ومهر المثل بأحد الاعتبارين.

ولا بأس بهذا القول لو قال به أحد يعتد به من الفقهاء، بحيث لا يخرق الإجماع إن اعتبر في الأقوال الحادثة مثل هذا كما هو المشهور.

قوله: «وأمّا الأجل فهو شرط في عقد المتعة، ولو لم يذكره انعقد دائماً». لا خلاف في أنّ ذكر الأجل شرط في صحة نكاح المتعة، وهو المائز بينها وبين الدائم. وقد دلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا تكون متعة إلا بأمرين: بأجل مسمّى وأجر مستى»(3). ولو قصد المتعة وأخلّ بذكر الأجل فالمشهور بين الأصحاب أنه ينعقد دائماً، وهو الذي اختاره المصنف؛ لأنّ لفظ «الإيجاب» صالح لكلّ منهما، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل، وللدوام بعدمه، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني، ولأنّ الأصل في العقد الصحة، والفساد على

ص: 418


1- المختصر النافع، ص 289.
2- قاله فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 128؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 25.
3- تقدمت في ص 411.

خلاف الأصل، ولموثقة عبدالله بن بكير عن الصادق(علیه السلام) قال: «إن سمّى الأجل فهو متعة، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح باتّ»(1).

وفيه نظر؛ لأن المقصود إنّما هو المتعة؛ إذ هو الفرض، والأجل شرط فيها، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط.

وصلاحية العبارة غير كافية مع كون المقصود خلاف ما يصلح له اللفظ. والمعتبر اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد، وهو غير حاصل هنا؛ لأن المقصود هو المتعة، والمطابق للفظ هو الدائم، وذلك يقتضي البطلان؛ لقوات شرط المقصود وقصد الملفوظ. والأصل إنّما يكون حجة مع عدم الناقل، وهو موجود. والخبر - مع قطع النظر عن سنده - ليس فيه دلالة على أنّ من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائماً، بل إنّما دلّ على أنّ الدوام لا يذكر فيه الأجل، وهو كذلك، لكنّه غير المدعى. وحينئذ فالقول بالبطلان مطلقاً أقوى. وهو القول الثانى فى المسألة.

وفصل ابن إدريس ثالثاً فقال: إن كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد(2)؛ لأنّ اللفظين الأولين صالحان لهما، بخلاف الثالث، فإنّه مختص بالمتعة، فإذا فات شرطها بطل.

وفيه: أن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو الأجل، فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه وهو القصد إليه ؛ فإنّه الركن الأعظم في صحة العقود. وفصل رابع: بأن الإخلال بالأجل إن وقع على وجه النسيان أو الجهل بطل، وإن وقع عمداً انقلب دائماً.

وقد ظهر ضعفه ممّا تقدّم؛ فإنّه مع التعمّد وقصد المتعة يكون قد أخل بركن من أركان عقدها عمداً، ولم يقصد غيرها.

ص: 419


1- الكافي، ج 5، ص 456، باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط بعد عقد النكاح، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 262، ح 1133.
2- السرائر، ج 2، ص 550 و 620.

وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر، كالسنة والشهر واليوم.

ولابدّ أن يكون معيناً محروساً من الزيادة والنقصان.

ولو اقتصر على بعض يوم جاز، بشرط أن يقرنه بغاية معلومة كالزوال والغروب.

وبالجملة، فالأصل في القول بالصحة والانقلاب دائماً هو الرواية السابقة على أي وجه اعتبر، وقد عرفت قصورها عن تأسيس مثل هذا الحكم المخالف للأصل متناً وسنداً.

قوله: «وتقدير الأجل إليهما - إلى قوله - محروساً من الزيادة والنقصان». لا شبهة في اعتبار ضبط الأجل على وجه يكون محروساً من احتمال الزيادة والنقصان كقدوم المسافر وإدراك الثمرة كغيره من الآجال ولا يتقدّر في جانب القلة والكثرة بقدر بل بما تراضيا عليه. فلو جعلاه إلى وقت طويل بحيث يعلم عادةً عدم بقائهما إليه صح للعموم وعدم المانع؛ لأنّ الموت قبله غير قادح في صحته شرعاً.

وأمّا في جانب القلّة فيظهر من ابن حمزة تقديره بما بين طلوع الشمس ونصف النهار(1). وهو غير لازم ولا دليل على اعتبار ذلك؛ ولعله أراد التمثيل لا الحصر، فلو جعلاه أقل من ذلك جاز.

ولايشترط أن يكون بقدر يمكن فيه الجماع؛ لأنه غير معتبر فيه، وإنما هو بعض ما يترتب عليه. فلو جعلاه لحظةً واحدةً مضبوطة صح، وترتب عليه حكم العقد من إباحة النظر، وتحريم المصاهرة كالأم، ونحو ذلك مما يترتب على صحة العقد وإن كان المقصود ذلك؛ لأنّه أحد الأغراض المقصودة من النكاح للعقلاء؛ إذ لا يعتبر في العقد قصد جميعها ولا أهمها في صحته. ولا فرق في ذلك بين كون الزوجة في محلّ الاستمتاع وعدمه.

قوله: «ولو اقتصر على بعض يوم جاز إلى قوله كالزوال والغروب». حيث لا تقدير للمدة في جانب النقصان يجوز جعلها بعض يوم - وإن قل كما قرّرناه

ص: 420


1- الوسيلة، ص310.

ويجوز أن يعيّن شهراً متصلاً بالعقد ومتأخّراً عنه. ولو أطلق اقتضى الاتصال بالعقد، فلو تركها حتى انقضى قدر الأجل المسمّى خرجت من عقده، واستقر لها الأجر.

بشرط أن يكون ذلك البعض مضبوطاً، إما بغاية معروفة كالزوال، أو بمقدار معين كنصف يوم وثلثه. فإن اتفق معرفتهما بذلك عملا بما يعلمانه، وإلّا رجعا فيه إلى أهل الخبرة به.

ويشترط في المخبر العدالة. وفي اشتراط العدد وجه كالشهادة. ويمكن جعله من باب الخبر. فإن اشتبه الحال لم يخف طريق الاحتياط وفي تعيينه نظر، من أصالة عدم انقضاء المدة إلى أن يعلم.

ولا يشترط ذكر وقت الابتداء ولا العلم به حيث يجعلانه إلى الزوال مثلاً، أو إلى آخر النهار ونحو ذلك، بل يكون أوّله وقت العقد كيف ما اتفق. ويغتفر الجهل بمقدار ما يبقى من النهار أو من الأجل، كما يغتفر اعتبار زيادة النهار ونقصانه ونقصان الشهر حيث يجعلانه شهراً فصاعداً. ولو جعلاه ساعة مثلاً فكما لو جعلاه يوماً أو شهراً، فيقتضي الإطلاق الاتصال بالعقد. ويجوز جعلها منفصلةً عنه معيّنةً.

قوله: ويجوز أن يعيّن شهراً متصلاً بالعقد - إلى قوله - واستقر لها الأجر». إذا شرطا أجلاً معيناً كشهر مثلاً فلا يخلو إما أن يعينه كشهر رجب أو هذا الشهر، أو يطلقه كشهر.

فالبحث يقع في أمرين:

أحدهما: أن يعينه، فإن كان متصلاً بالعقد كهذا الشهر - سواء كان في أول جزء منه، أم في أثنائه مريدين بقيته - فلا إشكال في الصحة؛ لاقتران العقد بترتب أثره الذي هو لازم الصحة. وإن عيناه منفصلاً صح أيضاً على الأقوى؛ عملاً بالأصل، ولوجود المقتضي للصحة - وهو العقد المشتمل على الأجل المضبوط - وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا تأخره عن العقد، ولم يثبت شرعاً كون ذلك مانعاً. ويشهد له إطلاق رواية بكار بن كردم قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسك شهراً، ولا يسمّي الشهر بعينه، ثم يمضي

ص: 421

فيلقاها بعد سنين قال فقال: «له» شهره إن كان سمّاه، وإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها(1)؛ فإنّ ظاهرها أنّ الشهر الذي سمّاه لو كان بعد سنين لوجب بمقتضى الخبر أن يكون ذلك له،وهو يقتضي الصحة.

وربما قيل بالبطلان؛ لأن صحة العقد توجب ترتب أثره عليه، وأثره هنا هو تحقق الزوجية، وذلك ممتنع مع تأخر الأجل، فيكون فاسداً؛ لأنا لا نعني بالفاسد إلا ما لا يترتب أثره عليه، ولأنه لو صح العقد كذلك لزم كونها زوجةً للعاقد، وخليّة من الزوج في المدة. فيلزم جواز تزويجها فيها لغيره، خصوصاً على تقدير وفاء المدة بالأجل والعدّة. والرواية المذكورة وإن دلّت بإطلاقها على الجواز لكنّها ضعيفة السند مجهولة الراوي، مرسلة فلاتصلح للدّلالة.

ويمكن الجواب بأن الأثر مترتب على العقد، ومن ثم حكمنا بالزوجية في المدة، فلو كان غير مترتب لما صح في ذلك الوقت، وتخلفه عن العقد بحسب مقتضى العقد. وإنما يتم ما ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثمّ لا يوجد الأثر. وأما استلزامه جواز العقد عليها فيمكن منع الملازمة أوّلاً، من حيث إنّها ذات بعل والعقد على ذات البعل لا يجوز. ويمكن التزام الجواز لما ذكر، ومنع كونها ذات بعل مطلقاً، بل في المدة المعيّنة. ويترتب على ذلك ثبوت المحرمية قبل المدة، وثبوت المهر لو مات قبلها. فعلى الأوّل يمكن القول به، وعلى الثانى ينتفيان وأما الحكم بنفى ذلك مع الجزم بعدم جواز التزويج كما اتفق لبعضهم - فغير جيد.

والرواية المذكورة جعلت شاهداً للاعتبار لا مستنداً للحكم، فلا يضر ضعفها. وكيف كان فالقول بجواز النكاح مع تأخر المدة عن العقد قوى.

الثاني: لو شرطا أجلاً مطلقاً كشهر ففي صحة العقد وحمله على الاتصال أو بطلانه

ص: 422


1- الكافي، ج 5، ص 466، باب النوادر، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 465 ، ح 4612؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 267 ، ح 1150.

ولو قال: مرّةً أو مرتين ولم يجعل ذلك مقيداً بزمان لم يصح، وصار دائماً.

وفيه رواية دالّة على الجواز، وأنّه لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه.

وهي مطرحة؛ لضعفها. ولو عقد على هذا الوجه انعقد دائماً.

ولو قرن ذلك بمدة صح متعةً.

قولان أجودهما الأوّل؛ لدّلالة العرف عليه وأصالة صحة العقد، ولأن أثر العقد يجب أن يترتب عليه حين وقوعه إلا أن يمنع مانع، كما لو جعل متأخراً، والمانع هنا منتف؛ لأنّ المطلق يوجد في ضمن المتصل. ولدلالة قوله في الخبر السابق: «وإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها؛ لأنّ المفروض وقوع المطالبة بعد الشهر؛ إذ لو لا الحكم بالاتصال لبقي الشهر، إلا أن يجعل نفي السبيل كناية عن بطلان العقد؛ لاستلزام البطلان نفي السبيل أيضاً. والقول بالبطلان لابن إدريس؛ محتجاً بأنّ الأجل مجهول(1)، حيث إنّه يحتمل الانفصال والاتصال.

و جوابه منع المجهوليّة، فإنّ العرف والاعتبار دلا على اتصاله كما مرّ، وذلك يقتضى المعلومية. ومثله ما لو أجّله إلى الخميس أو الربيع، فإنّه يحمل على الأقرب؛ لدلالة العرف عليه.

:قوله: «ولو قال: مرّةً أو مرتين - إلى قوله - ولو قرن ذلك بمدة صح متعةً». إذا شرطا مرّةً أو مرّات معينة، فإما أن يقتصرا على ذلك، أو يقيداه بزمان معين بحيث يكون أجلاً وظرفاً للفعل، أو يقيداه بزمان معين بحيث يكون ظرفاً خاصةً كمرة في هذا اليوم من غير أن يجعلا آخره منتهى الأجل. فالأقسام ثلاثة الأوّل: أن يقتصرا على ذكر العدد كالمرّة والمرتين فصاعداً، على وجه يضبط العدد من غير تقييد بزمان وفيه قولان:

أحدهما: أنه يصح وينقلب دائماً. وهو مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب(2). والمستند رواية هشام بن سالم قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) أتزوّج المرأة متعةً مرّةً

ص: 423


1- السرائر، ج 2، ص 623.
2- النهاية، ص 491: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 267، ذيل الحديث 1150.

مبهمةً ؟ قال فقال: «ذلك أشدّ عليك، ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين»(1) الحديث.

وفيه ضعف السند؛ فإنّ في طريقه موسى بن سعدان وعبد الله بن القاسم، وهما ضعيفان؛ وأنّ الأجل شرط في عقد المتعة وقد أخلّا به والمشروط عدم عند عدم شرطه. والدوام غير مقصود لهما، فكيف يقع ؟! وليس هذا كما لو لم يذكر الأجل، بل هو أضعف حكماً؛ لأنّ المرّة تقتضي وقتاً مجهولاً، وهو يقتضى البطلان أيضاً.

والثاني: البطلان ذهب إليه الأكثر، ومنهم المصنف في النافع(2).

ووجهه ما ذكرناه في ترك الأجل فى المتعة أو جهالته(3)، وهو أقوى.

وفيه رواية أُخرى - وهي التي أشار إليها المصنف - أن ذلك يصح، ويتبع شرطه ولا يكون دائماً، وتبين منه بالفراغ من المرّة الأخيرة.

والرواية في طريقها سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن القاسم بن محمد، عن رجل سمّاه :قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة على عود واحد، قال: «لا بأس، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر»(4).

وهذه الرواية - كما قال المصنف - مطرحة؛ لضعفها بجميع من ذكرناه في سندها، فإنّ سهلاً ضعيف، وابن فضّال فطحي(5)، والقاسم بن محمد ضعيف أو مشترك بينه وبين جماعة كلّهم غير ثقات، والرجل المبهم يوجب إرسالها. ومع ذلك هي مخالفة لما دلّ على اشتراط الأجل في هذا العقد.

ص: 424


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 267، ح 1151؛ الاستبصار، ج 3، ص 152، ح 556.
2- المختصر النافع، ص 289.
3- راجع ص 418 - 419.
4- الكافي، ج 5، ص 460، باب ما يجوز في الأجل، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 267، ح 1149؛ الاستبصار، ج 3، ص 151، ح 555.
5- راجع رجال النجاشي، ص 35، الرقم 72؛ وخلاصة الأقوال، ص 98، الرقم 223.

الثاني: أن يشترطا العدد في زمان معين بحيث يكون الزمان أجلاً مضبوطاً كيوم وشهر.

ولكن ذكر العدد شرط زائد على ذلك. ولا إشكال في الصحة؛ لوجود المقتضي - وهو العقد المستجمع للشرائط - وانتفاء المانع؛ إذ ليس هنا إلا اشتراط ما ذكر، ولا دليل على منافاته

:وعموم «المؤمنون عند شروطهم»(1) يشمله، وحينئذ فيجب.

وتظهر الفائدة في عدم جواز الزيادة عن العدد المشروط بغير إذنها؛ عملاً بمقتضى الشرط، لا لزوم فعل المشروط؛ إذ لا يجب الوطء في هذا العقد. ولا تخرج عن الزوجية إلا بانقضاء المدة. ولا منافاة بين بقائها وتحريم الوطء. ويجوز الاستمتاع بها في بقية المدة بغير الوطء؛ لأنّها زوجة في الجملة.

وفي جواز الوطء بإذنها وجه؛ لأنّ ذلك حقها، فإذا أذنت جاز مع كونها زوجته. ويحتمل المنع؛ لأنّ العقد لم يتضمّن سوى ذلك العدد، ولم يتشخّص إلا بما ذكر. ولو فرض زيادته بغير إذنها فعل حراماً وعزر. والظاهر أنه لا يلزمه عوض؛ لأنها زوجة في الجملة.

ولم يتعرّض الأصحاب لذلك، بل أطلقوا عدم جواز الزيادة، ولا إشكال فيه. الثالث: أن يشترطاه في وقت معين بحيث يكون ظرفاً له كاليوم مثلاً، بمعنى أنه لا يقع خارجه منه شيء، ومتى انتهى العدد المشروط فيه بانت منه، كما أنها تبين بانقضائه وإن لم يفعل. وفي صحته قولان أصحهما البطلان؛ لجهالة الأجل؛ إذ يحتمل الزيادة والنقصان حيث كان مقيّداً بانقضاء العدد.

ويظهر من الشيخ في النهاية الصحة حيث قال: فإن ذكر المرّة والمرتين جاز إذا أسنده إلى يوم معلوم(2)؛ فإنّ إسناده إلى اليوم أعمّ من جعله بمجموعه أجلاً، وجعل اليوم ظرفاً كما ذكرناه.

ص: 425


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.
2- النهاية، ص 491.
وأما أحكامه فثمانية:
الأوّل: إذا ذكر الأجل والمهر صحّ العقد.

ولو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد.

ولو أخلّ بالأجل حسب بطل متعة وانعقد دائماً.

الثاني:كلّ شرط يشترط فيه فلابدّ أن يقرن بالإيجاب والقبول.

ولاحكم لما يذكر قبل العقد ما لم يستعد فيه ولا لما يذكر بعده ولا يشترط مع ذكره في العقد إعادته بعده. ومن الأصحاب من شرط إعادته بعد العقد. وهو بعيد.

وهذا هو الذي فهمه منه العلّامة في المختلف، فإنّه قال - بعد نقله لكلامه بصحة ذلك والبطلان مع إبهام المرّة : والحق البطلان في الجميع، وعدّل البطلان بأنّه ذكر أجلاً مجهولاً(1). ويجيء على قول الشيخ بانعقاد المشروط بالعدد المبهم صحته دائماً أن يصح هنا كذلك؛ لأنّ الأجل المجهول باطل فيساوي غير المذكور.

وجوابه: الفرق، ومنع الأصل.

قوله: «إذا ذكر الأجل والمهر صحّ العقد - إلى قوله - وانعقد دائماً».

لا إشكال في صحة العقد حيث يذكر فيه الأجل والمهر؛ لأنّهما ركنا هذا العقد، كما دلّ عليه صحيح زرارة: «لا متعة إلا بأمرين بأجل مسمّى وأجر مسمّى»(2). ومقتضى اشتراطهما بطلان العقد بالإخلال بهما وبأحدهما. وهو كذلك فيما عدا الإخلال بالأجل إجماعاً، وفيه ما تقدّم من الخلاف، وأنّ الأصح البطلان كما لو أخل بالمهر(3). وإنّما أعاد المسألة لمناسبة استيفاء أقسام الإخلال بالشرطين.

قوله: «كلّ شرط يشترط فيه فلا بد أن يقرن بالإيجاب والقبول إلى قوله - وهو بعيد». لا ريب في جواز اشتراط كلّ شرط لا ينافي مقتضى العقد ولا بدلّ على نفيه دليل؛

ص: 426


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 229 المسألة 156.
2- تقدم في ص 411.
3- تقدّم في ص 419.

لعموم: المؤمنون عند شروطهم»(1).

وإنّما يلزم الوفاء به إذا وقع مصاحباً للإيجاب والقبول؛ ليكون من جملة العقد المأمور بالوفاء به، فإنّ جملته الإيجاب والقبول وما يقترن بهما. فما يتقدم على العقد أو يتأخر عنه لا عبرة به؛ لأنّ الوفاء إنما يجب بالعقد لا بما يتقدم عليه أو يتأخر. وكما يعتد بما يقع في العقد من الشروط ويجب الوفاء به لما ذكرناه لا يعتبر إعادته بعده للأصل. والقول الذي ذكره المصنّف عن بعض الأصحاب من اشتراط إعادته بعد العقد للشيخ في النهاية ، فإنّه قال فيها:

كل شرط يشترط الرجل على المرأة إنّما يكون له تأثير بعد ذكر العقد، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها، فإن كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط(2).

وإنّما ذكرنا العبارة؛ لأنّها تدلّ على أن الشروط المتأخرة عن العقد كافية، وكذا المكرّرة قبله أو بعده، وليس فيها تعرّض لاعتبار تكرير ما يذكر منها فيه إلا بتكلف إرادة تكرار ما سبق أعم من السابق على العقد والمقارن. ونقل المصنّف قد يغاير بظاهره ذلك، وأن المعتبر عند الشيخ تكرير ما وقع في العقد. وفي التهذيب صرّح بأنّ المعتبر من الشروط ما يقع بعد العقد، ولم يعتبر تكريرها؛

لأنه قال: وشروط النكاح تكون بعد العقد؛ لأنّ ما يكون قبل العقد لا اعتبار به، وإنما الاعتبار بما يحصل بعده(3).

وحجته على العبارتين رواية بكير بن أعين قال قال أبو عبدالله(علیه السلام): «إذا اشترطت على

ص: 427


1- تقدم تخريجه في ص 425 الهامش 1.
2- النهاية، ص 493.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 263، ذيل الحديث 1138.
الثالث: للبالغة الرشيدة أن تمتّع نفسها،

وليس لوليّها اعتراض بكراً كانت أو ثيباً على الأشهر.

المرأة شروط المتعة فرضيت بها وأوجبت عليها التزويج فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإن أجازته جاز، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح»(1). وفى طريق الخبر ضعف وجهالة، مع أنه يحتمل أن يريد بالنكاح هنا الإيجاب، كما يظهر من قوله: «وأوجبت عليها التزويج فاردد عليها شرطك الأول» يعني في القبول، بقرينة «الفاء» المقتضية للتعقيب بغير مهلة، لا ذكره بعد العقد مطلقاً. والمراد بإجازتها لما يذكره لها في القبول رضاها به؛ لأنها إذا لم ترض بما شرطه عليها يظهر منها حينئذٍ ما يدلّ على عدم إجازته بلفظ يدلّ عليه.

وإنما اعتبر رضاها؛ لأنّ إيجابها أوّلاً كان مجرداً عن الشروط؛ لأن الشروط واقعة من الزوج قبل العقد، كما دلّ عليه الخبر. وعلى هذا فلا دلالة للخبر - مع قطع النظر عن سنده - على مدعاه.

ويمكن الاحتجاج لقول الشيخ بحسنة عبد الله بن بكير أو موثقته عن أبي عبدالله(علیه السلام):قال: ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، وما كان بعد النكاح فهو جائز»(2). وهذه أوضح سنداً ودلالةً، ولم يذكرها الشيخ في الاستدلال على ما ذكر، بل اقتصر على الرواية الأُولى.

ويمكن حمل هذه الرواية على ما ذكر في الأولى، بأن يريد بالنكاح الإيجاب مجازاً. وذكر الشرط بعده كناية عن ذكره في القبول، وهو جزء من العقد، فلا ينافي غيره من العقود.

قوله: «للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها - إلى قوله - على الأشهر».

ص: 428


1- الكافي، ج 5، ص 456 و 457، باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط بعد عقدة النكاح، ح 3 و 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 263-264، ح 1138.
2- الكافي، ج 5، ص 456، باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط بعد عقدة النكاح، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 262، ح 1133.
الرابع:يجوز أن يشترط عليها الإتيان ليلاً أو نهاراً،

وأن يشترط المرّة أو المرّات في الزمان المعين.

الخامس:يجوز العزل للمتمتّع ولايقف على إذنها.

ويلحق الولد به لو حملت وإن عزل؛ لاحتمال سبق المني من غير تنبّه.

ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهراً، ولم يفتقر إلى لعان.

قد تقدم البحث في هذه المسألة محرّراً(1)، وإنّما أعاد هاهنا للخلاف في عقد المتعة،بخصوصه وورود روایات بجوازها هاهنا بخصوصها(2)، وفيما سلف كفاية. قوله: «يجوز أن يشترط عليها الإتيان - إلى قوله - أو المرّات في الزمان المعين». لأنّ ذلك شرط لا ينافي مقتضى العقد؛ إذ قد يتعلّق الغرض بالاستمتاع في وقت دون آخر، إما طلباً للاستبداد، أو غيره من الأغراض. وعموم: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

يشمله.

وما يقال: إن مقتضى العقد إباحة الاستمتاع في كل وقت، فتخصيصه ببعض الأوقات ينافيه. مندفع بأنّ مطلق العقد لا يقتضي الاستمتاع في كل وقت؛ لأن ذلك حيث لا يشترط خلافه، وإنما يقتضيه العقد المطلق، أعني المجرّد عن الشرط، وهو غير المتنازع. والكلام فيما لو أذنت في الوقت المشروط عدم الوطء فيه أو زائداً عن العدد كما تقدّم(4)

وسيأتي في كلام المصنف في باب المهر ما يفيد الجواز في نظيره(5).

قوله: «يجوز العزل للمتمتع - إلى قوله ولم يفتقر إلى لعان».

اشتملت هذه المسألة على ثلاثة مطالب:

الأوّل: جواز العزل عن المتمتع بها وإن لم تأذن وظاهرهم أنه محل وفاق والدليل

ص: 429


1- تقدّم في ص 122 - 123.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 3532، الباب 11 من أبواب المتعة.
3- تقدم تخريجه في ص 425 الهامش 1.
4- تقدّم في ص 425.
5- يأتي في ص 673 - 674 .

عليه بخصوصه من النص ضعيف. وكأنّ وجهه أنّ الغرض الأصلي فيه الاستمتاع دون النسل، بخلاف الدوام. ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بما روي: «أنّهنّ بمنزلة الإماء»(1).

ولا خلاف في جواز العزل عن الأمة، وبأن الوطء لا يجب لهن، والعزل كالجزء منه. وليس فيه من الأخبار بخصوصه إلا مقطوعة ابن أبي عمیر قال: «الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إذا جاء بولد لم ينكره، وشدّد في إنكاره الولد»(2). وقد سمعت في العزل عن مطلق الزوجات ما هو أجود من ذلك.

الثاني: أنّ الولد يلحق به وإن عزل. وهذا الحكم لا يختص بالمتعة، بل بكل واطئ صحيحاً. والوجه فيه ما ذكر من احتمال سبق المني من حيث لم يشعر، والولد يلحق بالفراش وفي مقطوعة ابن أبي عمير السابقة ما يدلّ عليه. وكذا إطلاق رواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال، قلت له: أرأيت إن حبلت؟ قال: «هو ولده»(3)، حكم بإلحاقه به من غير استفصال وهو دليل العموم

الثالث: لو نفى ولد المتعة انتفى ظاهراً ولم يتوقف على اللعان، بخلاف الدائم.

وهو موضع وفاق، ولأن فراشها ضعيف كالأمة. وقد تقدّم تشبيهها بها وبالمستأجرة في الأخبار(4). والحكم بانتفائه عنه حينئذٍ مبني على الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يجوز له نفيه بمجرّد العزل ولا التهمة بل مع العلم بانتفائه عنه، فيجب عليه فيما بينه وبين الله ملاحظة ذلك. وإن قبل قوله ظاهراً.

ص: 430


1- الكافي، ج 5، ص 451، باب أنّهنّ بمنزلة... ح 1 و 6.
2- الكافي، ج 5، ص 464 ، باب وقوع الولد، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 269، ح 1155؛ الاستبصار، ج 3، ص 152، ح 558.
3- الكافي، ج 5، ص 464، باب وقوع الولد، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 269، ح 1154؛ الاستبصار، ج 3، ص 152، ح 557.
4- تقدم تشبيهها بالمستأجرة في ص 327، الهامش 3 و 5؛ وتشبيهها بالأمة في ص 328، الهامش 4.
السادس:لا يقع بها طلاق،

لایقع بها طلاق وتبيّن بانقضاء المدّة، ولا يقع بها إيلاء ولا لعان على الأظهر.

وفى الظهار تردّد أظهره أنّه يقع.

قوله: «لا يقع بها طلاق - إلى قوله - وفي الظهار تردّد أظهر أنه يقع».

اشتملت هذه الجملة على مسائل:

الأولى: أنّها لا يقع بها طلاق، وهو موضع وفاق، بل تبين بانقضاء المدة. وفي معناه هبته إياها، فيقوم ذلك مقام الطلاق إذا أراد تعجيل البينونة. وفي صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضاءعلیه السلام قال، قلت: وتبين بغیر طلاق؟ قال: «نعم» (1).

الثانية: أنه لا يقع بها إيلاء على أشهر القولين؛ لقوله تعالى في قصة الإيلاء: ﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَقَ)(2) الدال على قبول المولى منها للطلاق، والمتعة ليست كذلك، ولأنّ من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء، وهو منتف فيها، وانتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم. وقال المرتضى (رحمه الله): يقع بها الإيلاء(3)؛ لعموم قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَآبِهِمْ)(4)، فإنّه جمع مضاف، وهو من صيغ العموم. وأجيب(5) بأنّه مخصوص بقوله تعالى:

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَق)؛ فإنّ عود الضمير إلى بعض أفراد العام يخصصه. وفيه نظر والمسألة موضع خلاف بين الأصوليين، وقد ذهب جماعة من المحققين(6) إلى أنّه لا يخصّص.

ص: 431


1- الكافي، ج 5، ص 459، باب ما يجوز من الأجل، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 266، ح 1147؛ الاستبصار،ج 3، ص 151، ح 553.
2- البقرة (2) 227.
3- لم نعثر على قوله في كتبه ولكن حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 131؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 35 وصرّح بخلافه في الانتصار، ص 277، المسألة 153.
4- البقرة (2): 226.
5- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 35.
6- منهم القاضي عبد الجبار وبعض المعتزلة على ما حكاه عنهم أبو الحسين البصري في المعتمد، ج 1 283-284: والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام، ج 2، ص 535؛ والعلّامة في تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 153.

وحيث نقول بعدم وقوع الإيلاء يراد به اليمين الخاصّ المترتّب عليه حكم الإيلاء المذكور في بابه، وذلك لا يمنع وقوع مطلق اليمين حيث لايكون ترك متعلّقه أولى، فيلحقه أحكام اليمين المطلق، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في محلّه(1).

الثالثة: أنّه لا يقع بها لعان، أمّا لنفي الولد فظاهر؛ لانتفائه بغير لعان، وهو موضع وفاق. وأما مع القذف؛ فلصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «لا يلا عن الرجل المرأة التي يتمتع منها»(2) . واحتجّوا عليه أيضاً بصحيحة(3) ابن سنان عن الصادق(علیه السلام) قال: «لا يلا عن الحرّ الأمة،ولا الذميّة، ولا التي يتمتّع بها»(4)، وبرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام)(5) وفی صحّة الأولى منع؛ لأن ابن سنان مشترك بين عبدالله وهو ثقة، وبين محمد وهو وفى ضعيف، والاشتراك يمنع الوصف بالصحة. والثانية قاصرة السند والدلالة.

وقال المفيد والمرتضى بالوقوع(6)؛ لأنّها زوجة فتدخل في عموم: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)(7)

ص: 432


1- يأتي في ج 9، ص 47 وما بعدها، كتاب الأيمان.
2- الكافي، ج 6، ص 166، باب اللعان، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 472، ح 1892؛ وج 8، ص 189 - 190، ح 659.
3- في حاشية «و»: «ذكرها الشهيد في شرح الإرشاد، وفخر الدين في شرحه، والشيخ علي في شرحه، وقد رواه الشيخ في كتابي الحديث عن ابن سنان مبهماً مثل ما ذكرناه ولم يحتج أحد منهم برواية ابن أبي يعفور مع أنّها صحيحة بغير إشكال، لكن في التهذيب رواها موقوفة، وفي الكافي وصلها إلى أبي عبد الله كما ذكرناه هنا(منه رحمه الله). راجع غاية المراد، ج 3، ص 78 - 79 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3)؛ وإيضاح الفوائد ج 3، ص 445 وجامع المقاصد، ج 13، ص 35؛ وللرواية راجع الكافي، ج 1، ص 169، باب اللعان، ح 17؛ وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 188، ج 653: والاستبصار، ج 3، ص 373، ح 1332.
4- الفقيه،ج3، ص 538 ،ح 4858؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 188، ح 653.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 476 ، ح 1912؛ وج 8 ص 189 ، ح 658: الاستبصار، ج 3، ص 374، ح 1337.
6- الانتصار، ص 276، المسألة 153؛ وحكاه عن المفيد في العزّية المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 35.
7- النور (24): 6.
السابع: لايثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين

لایثبت بهذاالعقد میراث بین الزّوجین، شرطا سقوطه أو أطلقا. ولو شرطا التوارث أو شرط أحدهما قيل: يلزم؛ عملاً بالشرط. وقيل: لا يلزم؛ لأنّه لايثبت إلا شرعاً، فيكون اشتراطاً لغير وارث، كما لو شرط للأجنبي.والأول أشهر.

وجوابه: أنّ عموم القرآن يخص بالسنّة وإن كانت آحاداً، والتخصيص بما ذكرناه من الأخبار.

والجواب مبني على أصل المفيد، وإلا فالمرتضى لا يعتبر خبر الواحد في نفسه(1)، فأولى أن لا يعتبره في تخصيص القرآن.

وقد ظهر مما بيناه من الخلاف في الإيلاء واللعان معاً أن الجارّ في قول المصنف «على الأظهر» يتعلّق بالفعل في قوله: «لا يقع» الشامل للأمرين.

الرابعة في وقوع الظهار بها تردد عند المصنّف وخلاف بين الأصحاب، فذهب جماعة منهم ابن إدريس(2) إلى عدم الوقوع؛ لأصالة بقاء الحلّ، ولأن المظاهر يلزم بالفيئة أو الطلاق ولا طلاق في المتعة، ولايجب الوطء فيلزم بالفيئة، مع أن إيجابها وحدها لا دليل عليه.

وإقامة هبة المدّة مقام الطلاق قياس، ولأنّ أمره بأحد الأمرين موقوف على المرافعة المتوقفة على وجوب الوطء. وذهب الأكثر ومنهم المصنف إلى وقوعه بها؛ لعموم الآية(3)؛ فإن المتمتع بها زوجة ولم يخص هنا بخلاف ما سبق.

والإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص، فجاز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين وهو الدائم.

وكذا المرافعة. ويبقى أثر الظهار باقياً في غيره، كوجوب اعتزالها. وهذا هو الأقوى.

قوله: «لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين - إلى قوله - والأول أشهر».

ص: 433


1- راجع الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 2، ص 554.
2- السرائر، ج 2، ص 624.
3- المجادلة (58): 3.

اختلف العلماء في توارث الزوجين بالعقد المنقطع على أقوال:

أحدها: أنّه يقتضي التوارث كالدائم، حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط، كما لو شرط عدمه في الدائم، ولا يمنعه إلا موانعه المشهورة، ويعبر عنه بأنّ المقتضي للإرث هو العقد لا بشرط شيء. وهذا قول القاضي ابن البرّاج(1). ومستنده عموم الآية الدالة على توريث الزوجة(2)، وهذه زوّجة وإلّا لم تحلّ؛ للحصر في الآية بقوله: (إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)(3)، وملك اليمين منتفٍ عنها قطعاً، فلو لم يثبت الآخر لزم تحريمها، ولأنّ الزوجة تقبل التقسيم إليها وإلى الدائمة، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام وحينئذ فيدخل في عموم: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَجُكُمْ... وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم)(4)، والجمع المضاف للعموم كما سبق.

ولايرد منع توريث الذمية والقاتلة فليس بعام؛ لأنّ العام المخصوص حجة في الباقي.

والأخبار الواردة بذلك مردودة؛ إما لتعارضها كما ستقف عليه(5)، أو للطعن في سندها فتسقط، وإما لأن خبر الواحد لا يخصص عموم القرآن.

وعليه يترتب حكم ما لو شرطا سقوطه فإنه كاشتراط عدم إرث الدائمة - لا يصح؛ لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد و الكتاب والسنة، ولأنّ كلّ ما تقتضيه الماهية من حيث هي يستحيل عدمه مع وجودها.

ولقد كان هذا القول بالسيّد المرتضى أشبه ، وبأصوله أنسب لكنّه عدل عنه لما ظنّه من الإجماع على عدمه(6).

ص: 434


1- المهذب، ج 2، ص 240 و 243.
2- النساء .(4): 12.
3- المؤمنون (23): 6.
4- النساء (4): 12.
5- سيأتي عن قريب.
6- الانتصار، ص 275 المسألة 153.

وثانيها: عكسه، وهو أنه لا توارث فيه من الجانبين، سواء شرطا في العقد التوارث أو عدمه، أو لم يشترطا شيئاً منهما. وإلى هذا القول ذهب جماعة منهم أبو الصلاح الحلبي(1).

وابن إدريس(2)، والعلّامة في أحد قوليه(3)، وولده فخر الدين(4)، والمحقق الشيخ عليّ(5). وحجتهم التمسك بالأصل، فإنّ الإرث حكم شرعي فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع. ومطلق الزوجية لا يقتضي استحقاق الإرث، فإنّ من الزوجات من ترث، ومنهنّ من لاترث كالذميّة.

ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعةً ولم يشترط الميراث، قال: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط »(6). وهي نصّ في الباب. وقريب منها رواية جميل بن صالح، عن عبدالله بن عمر و قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المتعة، فقلت: ما حدّها؟ قال: «من حدودها أن لا ترثك ولا ترثها»(7). فجعل نفى الميراث من مقتضى الماهية، فوجب أن لا يثبت بها توارث مطلقاً، أما مع عدم الاشتراط أو مع اشتراط العدم فواضح.

وأما مع اشتراط الإرث؛ فلأنّه شرط ينافي مقتضى العقد على ما دلّ عليه الحديث، فوجب أن يكون باطلاً، ولأنّ الشرط لغير وارث محال؛ إذ سببية الإرث شرعيّة لا جعلية ولأن الزيادة هنا على النصّ نسخ؛ لأن الله تعالى عيّن فروض أرباب الفروض بجزء معلوم النسبة إلى كلّ التركة وكيفية قسمة غيرهم، فلو زاد أو نقص بخبر الواحد لزم نسخ القرآن

ص: 435


1- الکافی فی الفقه، ص،298.
2- السرائر،ج2،ص 624.
3- مختلف الشیعة،ج7،ص،237؛المسألة،160؛تحریرالاحکام الشرعیة،ج3،ص 525،الرقم،5124.
4- ایضاح الفوائد،ج3، ص،132.
5- جامع المقاصد،ج 13،ص 37.
6- تهذیب الأاحکام،ج7، ص264- 265،ح، 1141؛الاستبصار،ج3،ص 149- 150،ح 548.
7- هذیب الأاحکام،ج7، ص265،ح، 1143؛الاستبصار،ج3،ص150،ح 549.

بخبر الواحد، وهو غير جائز. وهذا أقصى حججهم مجتمعة الأطراف. وفيه نظر.

قولهم ( فإن قيل )(1): الأصل يقتضي عدمه.

قلنا: قد ارتفع الأصل بآية إرث الزوجة(2) إن كانت داخلةً، وبما يأتي من الأخبار(3) إن لم تكن، وبأنكم قد أدخلتموها في عموم الأزواج في الأحكام الماضية إلا ما أخرجه الدليل الخارجي، فتوظيف الشارع حاصل على هذا.

قوله: «ومطلق الزوجيّة لا يقتضي الاستحقاق»(4) إلى آخره.

قلنا: بل يقتضي الاستحقاق إلا مع وجود أحد الموانع، وهي محصورة، وكون هذا منها عين المتنازع والعام إذا خصص بغير الكافرة والقاتلة ونحوهما بقي حجّةً في الباقي.

وأما رواية سعيد بن يسار فهي أجود ما في الباب دليلاً، ولكن في طريقها البرقي مطلق، وهو مشترك بين ثلاثة: محمد بن خالد ، وأخوه الحسن ، وابنه أحمد، والكلّ ثقات على قول الشيخ أبي جعفر الطوسي(5)، ولكنّ النجاشي ضعّف محمّداً(6). وقال ابن الغضائري: حديثه يعرف وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل(7). وإذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح مقدّم. وظاهر حال النجاشي أنه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرجال. وأما ابنه أحمد فقد طعن عليه كما طعن على أبيه من قبل. وقال ابن الغضائري كان لايبالي عمّن أخذ. ونفاه أحمدبن محمدبن عيسى عن قمّ لذلك ولغيره(8).

ص: 436


1- في بعض النسخ: «فإن قيل: قولهم».
2- النساء (4): 12.
3- يأتي عن قريب.
4- راجع الصفحة السالفة.
5- رجال الطوسي، ص 363، الرقم 5391(محمدبن خالد: الفهرست، الشيخ الطوسي، ص 51، الرقم 65.(أحمد بن محمد)، ولم نجد توثيق من الشيخ على أخيه الحسن.
6- رجال النجاشي، ص 335، الرقم 898.
7- حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال، ص 237، الرقم 813.
8- حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال، ص 63، الرقم 72.

وبالجملة فحال هذا النسب المشترك مضطرب لا تدخل روايته في الصحيح ولا ما في معناه.

والشيخ في كتابي الأخبار حمله على ما إذا اشترط نفي الميراث، أو لم يشترط فإنّها لا ترث، بل مع الشرط(1)؛ جمعاً بينه وبين ما يأتي من الأخبار الدالة على ثبوته مع الشرط. ولايخفى أنّه خلاف الظاهر، إلا أنه لطريق الجمع خير من اطراح البعض، وكيف كان فليس نصاً كما قيل بل ظاهراً. وأما رواية عبدالله بن عمرو فهي مجهولة السند بسببه(2)، وإن كان باقي طريقها واضحاً، فلا تصلح حجّةٌ في مقابلة عموم القرآن(3). ويمكن حملها على حالة الإطلاق من الشرط جمعاً، كما سيأتي.(4).

وأما منافاة شرط الميراث لمقتضى العقد فهو حسن إن لم يدل دليل شرعي على جوازه فلا يكون منافياً، وسننظر فيه. ومنه يظهر الجواب عن قولهم: إن الشرط لغير وارث مُحال؛ فإنّه إنما يكون مُحالاً شرعاً حيث لايدل دليل على صحته.

قوله: «إنّ الزيادة على النصّ على تقدير اشتراط الإرث يكون نسخاً»(5) إلى آخره.

فيه: منع كون الزيادة نسخاً، وقد حقّق في الأصول(6).

ص: 437


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 264-265، ذيل الحديث 1141؛ الاستبصار، ج 3، ص 149 150 ، ذيل الحديث 548.
2- تقدمت روايته في ص 435.
3- النساء (4): 12.
4- يأتي في ص 441.
5- راجع ص 435.
6- راجع الذريعة إلى أُصول الشريعة، ج 1، ص 443- 444: ومعارج الأصول، ص 163 – 165؛ والإحكام في أصول الأحكام، ج 3، ص 154 وما بعدها.

سلّمنا لكن لا نسلّم استحالة النسخ بخبر الواحد، وقد حقق في الأصول أيضاً(1).

سلّمنا لكن نمنع الزيادة على النص على تقديره؛ لأنّ من جملة المنصوص الزوجة، فإن قيل بالإرث مطلقاً فواضح، وإن قيل به مع الشرط فيكون العقد المذكور من موانع الإرث إلا مع الشرط، فيرجع إلى عموم الآية والرواية(2).

وثالثها: أنّ أصل العقد لايقتضي التوارث، بل اشتراطه، فإذا شرط ثبت تبعاً للشرط. أما عدم اقتضائه الإرث بدون الشرط فللأدلة السابقة.

وأما ثبوته مع الشرط؛ فلعموم: «المسلمون عند شروطهم»(3)؛ و خصوص صحيحة محمدبن مسلم عن الصادق(علیه السلام) في حديث آخره: «فإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما»(4). وحسنة أحمدبن محمدبن أبي نصر عن الرضاءعلیه السلام قال: «تزويج المتعة نكاح بميراث، ونكاح بغير ميراث، إن اشترطت الميراث كان، وإن لم تشترط لم يكن»(5). وهذا الحديث كما دلّ على ثبوت الإرث فيه مع شرطه دلّ على نفيه بدونه، فهو ن-ص فيهما. وهو من أجود طرق الحسن؛ لأنّ فيه من غير الثقات إبراهيم بن هاشم القمي، وهو جليل القدر، كثير العلم والرواية، ولكن لم ينصوا على توثيقه مع المدح الحسن فيه(6).

وبهذين الخبرين يجاب عن أدلّة الفريقين الأولين؛ لدلالتهما على كون اشتراط الميراث

ص: 438


1- راجع الذريعة إلى أُصول الشريعة، ج 1، ص 460 - 461؛ وتهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 193 - 194.
2- في بعض النسخ هنا إضافة: «ثمّة» وفي بعضها الآخر: «ثُمَّ».
3- الكافي، ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع،ح 1، و ص 404، باب الشرط في النكاح...،ح 9: وج 6، ص 187 باب المكاتب، ح 9، و ص 188، ح 13؛ و ج 7، ص 150 - 151، باب بدون عنوان، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 48 ، ح 3304، وص 128،ح 3479، وص 202، ح 3768، وص 0543ح 4873؛ وج 4، ص 379، ح 5807؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 22، ح 93 و 94، و ص 373 ، ح 1507 وص 467، ح 1872: و ج 8، ص 268، ح 975، و ص 269، ح 979؛ وج 9، ص 338، ح 1215؛ الاستبصار، ج 4، ص 35 ، ح 118.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 264، ح 1140؛ الاستبصار، ج 3، ص 149، ح 547.
5- الكافي، ج 5 ، ص 465، باب الميراث، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 264، ح 1139.
6- راجع خلاصة الأقوال، ص 49. الرقم 9.

سائغاً لازماً، فيثبت به. وعلى أنّ أصل الزوجيّة لايقتضيه، فتكون الآية(1)، مخصوصةً بهما، كما خصصت في الزوجة الذمية برواية: «أنّ الكافر لايرث المسلم»(2). ويظهر أنّ سببيّة الإرث مع اشتراطها تصير ثابتة بوضع الشارع، وإن كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث كما لو أسلم الكافر.

وكذا يظهر جواب ما قيل إنّه لا مقتضى للتوارث هنا إلا الزوجية، ولا يقتضي ميراث الزوجية إلا الآية، فإن اندرجت هذه في الزوجة في الآية ورثت وإن لم يشترط ثبوته، وبطل شرط نفيه. وإن لم يندرج في الزوجة في الآية لم يثبت بالشرط؛ لأنه شرط توريث من ليس بوارث وهو باطل.

ووجه الجواب عنه: تسليم اندراجها في الآية إلا أنّها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المعتبرتي الإسناد، وبالشرط داخلة في العموم؛ لعدم المقتضي للتخصيص. وهذا وإن كان غريباً في النظائر إلا أنه خير من اطراح الخبرين المعتبرين بل الأخبار؛ لأن الأخبار الدالة على نفي التوارث به(3) تحمل على عدم اشتراطه جمعاً .

ويبقى خبر سعيد بن يسار يحمل على ما حمله عليه الشيخ(4)، وإن كان خلاف الظاهر؛ لأنّه محتمل، وبه يحصل الجمع بينه وبين هذين؛ إذ ليس في الباب خبر معتبر الإسناد غير هذه الثلاثة، وليس فيها صحيح السند غیر خبر محمّد بن مسلم الدال على ثبوت الإرث بالشرط (5).

ولعلّ هذا أجود الأقوال. وهو مختار المصنّف هنا، وقبله الشيخ(6) وأتباعه(7) إلا القاضي

ص: 439


1- النساء (4): 12.
2- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 368367، ح 1313؛ الاستبصار، ج 4، ص 191، ح 717.
3- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 6866، الباب 32 من أبواب المتعة.
4- راجع ص 437 الهامش .1.
5- راجع ص 438 الهامش 1.
6- النهاية، ص 492.
7- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 309؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 4.

كما عرفت(1)، واختاره الشهيد(رحمه الله) في اللمعة(2).

ويتفرع على هذا أنهما لو شرطاه لأحدهما دون الآخر فمقتضى الخبرين اتباع شرطهما. وربما أشكل بأنّ أغلبية الإرث كونها من الجانبين عند وجوده من واحد. ولكن وقع مثله في إرث المسلم الكافر دون العكس وإرث الولد المنفي باللعان إذا اعترف به الزوج بعد ذلك، فإنّ الولد يرثه وهو لايرث الولد. ولاستبعاد مثل ذلك حمل بعض الأصحاب(3) الخبرين على إرادة الوصية باشتراط الإرث لا الإرث الحقيقي. ولايخفى ما فيه.

ورابعها: عكسه، وهو اقتضاء العقد الإرث ما لم يشترط سقوطه، فيكون المقتضي للإرث هو العقد بشرط لا شيء. وإذا شرطا ثبوته كان تأكيداً واشتراطاً لما يقتضيه العقد.

وهذا القول خيرة المرتضى(4)، وابن أبي عقيل (5).

ووجهه العمل بعموم الآية(6)، وعموم: «المسلمون عند شروطهم»(7).

ويؤيّده قول الباقر(علیه السلام) في موثقة محمّدبن مسلم في الرجل يتزوّج المرأة متعةً: «إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط بعد النكاح»(8).

وجوابه أنّ عموم الآية قد خص بما تقدم من الأخبار(9). وعموم الأمر بالوفاء بالشرط نقول بموجبه وخير محمد بن مسلم ضعيف السند.

وفيه - مع ذلك - مخالفة للقواعد المعلومة،

ص: 440


1- في ص 434، الهامش 1.
2- اللمعة الدمشقية، ص 228-229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 39.
4- الانتصار، ص 275 المسألة 153.
5- حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 157؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 235. المسألة 160.
6- النّساء (4): 12.
7- راجع تخريجه في ص 438، الهامش 3.
8- الكافي، ج 5، ص 456-457، باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط بعد عقدة النكاح، ح 4، وص 465، باب الميراث ح 1،تهذيب الأحكام، ج 7، ص 265، ح 1144؛ الاستبصار، ج 3، ص 150، ح 550.
9- تقدمت في ص 435، مع تخريجها في الهامش 6و7.
الثامن:إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان.

اذا انقضی أجلها بعد الدخول فعدّتها حیضتان. وروي حيضة. وهو متروك. وإن كانت لا تحيض ولم تيأس فخمسة وأربعون يوماً.

وهو كون الاعتبار بالشرط المتأخّر عن عقد النكاح، وقد تقدم أن المعتبر بما كان فيه(1). والشيخ في كتابي الأخبار حمله على أن المراد أنهما يتوارثان ما لم يشترطا الأجل(2). فلا إرث حينئذ مع الإطلاق؛ ليكون موافقاً للأخبار الدالّة على أنّ عقد المتعة لايقتضي الإرث بذاته. وهو وإن كان خلاف الظاهر إلا أنه طريق للجمع.

ولو اطرح لضعف سنده وقوّة مخالفه أمكن.

وقد تقدم القول في اعتبار الشيخ جعل الشرط بعد العقد(3)، وما فيه.

قوله: «إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان إلى قوله فخمسة وأربعون يوماً».

إذا دخل الزوج بها وانقضت مدتها أو وهبها إيَّاها لزمها الاعتداد إن لم تكن يائسةً.

وقد اختلف في تقديرها بسبب اختلاف الروايات الواردة في ذلك، فذهب المصنف

وجماعة منهم الشيخ(4)، وأتباعه(5) إلى أنّ عدّتها حيضتان إن كانت من ذوات الحيض.

وقال المفيد(6) وابن إدريس(7) وجماعة(8): إنّها طهران وإن كان بينهما حيضة.

وقال ابن بابويه في المقنع: حيضة ونصف(9).

ص: 441


1- تقدّم في 426 - 427.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 265 ، ذيل الحديث 1144؛ الاستبصار، ج 3، ص 150، ذيل الحديث 550.
3- تقدم في ص 427.
4- النهاية، ص 492.
5- منهم سلّار في المراسم، ص 166: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 243-244.
6- المقنعة . ص 536.
7- السرائر، ج 2، ص 625.
8- منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 160؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 240، المسألة 163؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 41.
9- المقنع، ص 341.

وقال ابن أبي عقيل: عدّتها حيضة(1) .

ولكلّ قول من هذه الأقوال رواية أو أكثر.

فمستند الأوّل رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام) قال: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدّتها حيضتان»(2). وروى زرارة في الصحيح عن الباقر(علیه السلام): أنّ على المتمتعةَ ما على الأمة(3). فيجتمع من الروايتين أن عدّة المتعة حيضتان.

وحجة المفيد وأتباعه حسنة زرارة عن الباقر(علیه السلام): «وإن كان حرّ تحته أمة فطلاقها تطليقتان، وعدتها قرءان»(4). مضافاً إلى صحيحة زرارة. وهذه أوضح دلالةً من الأولى؛ لأنّها حسنة، ومحمدبن الفضيل الذي يروي عن الكاظم(علیه السلام)(5) ضعيف، وإن كان العمل بها أحوط؛ لأنّ العدّة بالحيضتين أزيد منها بالقرأين. ويبقى على تمام الحجة بيان أن المراد ب«القرء» الطهر لا الحيض، وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه(6). واحتج له في المختلف أيضاً برواية ليث بن البختري المرادي قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام):

كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال: «حيضة»(7).

ووجه الاستدلال به أنّ الاعتبارَ بالقرء الذي هو الطهر ، فبحيضة واحدة يحصل القرءان،

ص: 442


1- حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 160؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 240، المسألة 163.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 135، ح 467: الاستبصار، ج 3، ص 335، ح 1193.
3- الفقيه، ج 3، ص 465، ح 4610؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 157، ح 545: الاستبصار، ج 3، ص 350، ح 1252.
4- الكافي، ج 1، ص 167، باب طلاق الحرّة تحت المملوك...،ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 134، ح 466: الاستبصار، ج 3، ص 335، ح 1192.
5- في حاشية «و»: «احترز بقوله: «الذي يروي عن الكاظم(علیه السلام) عن محمدبن فضیل بن غزوان، فإنّه ثقة يروي عن الصادق(علیه السلام) وأما الذي يروي عن الكاظم(علیه السلام) اثنان ضعيفان(منه رحمه الله)».
6- يأتي في ج 7، ص 383، في العِدد.
7- مختلف الشيعة، ج 7، ص 240، المسألة 163؛ والرواية رواها الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 8، ص 135،ح 468؛ والاستبصار، ج 37، ص 335،ح 1194.

القرء الذي طلقها فيه، والقرء الذي بعد الحيضة والمتمتع بها كالأمة على ما تقدّم. وبما رواه عبدالله بن عمرو عن الصادق(علیه السلام) قال قلت: فكم عدتها ؟ - يعني المتمتع بها -

قال: «خمسة وأربعون يوماً، أو حيضة مستقيمة»(1). والتقريب ما تقدم.

وفي الاستدلال بهما على المطلوب نظر؛ لأنّ الحيضة تتحقق بدون الطهرين معاً، فضلاً عن أحدهما، كما لو أتاها الحيض بعد انتهاء المدة بغير فصل، فإنّ الطهر السابق منتفٍ، وإذا انتهت أيام الحيض تحققت الحيضة التامة وإن لم يتم الطهر ، بل يمضي لحظة منه، ومثل هذا لا يسمّى طهراً في اعتبار العدة، وإن اكتفي به لو كان سابقاً على الحيض. والأولى الاحتجاج بما ذكرناه، وجعل هاتين الروايتين حجة لمن اعتبر الحيضة الواحدة. مع أن في طريق الروايتين ضعفاً.

نعم، ما ذكره العلامة من التأويل للرّوايتين جعله الشيخ في التهذيب(2) طريقاً للجمع بين الأخبار حذراً من التنافي.

ومثل هذا لابأس به فى الحمل، لا أن يجعل مستنداً برأسه.

وحجة ابن بابويه - على اعتبار الحيضة ونصف - صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(علیه السلام) عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ؟ - إلى أن قال: - «وإذا انقضت أيامها وهو حيّ اعتدت بحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة»(3).

وهذا أجود من الجميع سنداً، لكنّ الأوّل أشهر بين الأصحاب.

ويمكن حمل الحيضة والنصف على اعتبار الطهرين وهما لا يتحققان إلا بالدخول في الحيضة الثانية ، فأطلق على الجزء من الحيضة الثانية اسم النصف مجازاً.

وهو أنسب بطريق الجمع بين الأخبار وأولى من اطراح بعضها.

ص: 443


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 265، ح 1143؛ الاستبصار، ج 3، ص 150، ح 549.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 135، ذيل الحديث 468.
3- الفقيه، ج 3، ص 464.ح 4609: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 157، ح 544: الاستبصار، ج 3، ص 350 ، ح 1251.

وتعتدّ من الوفاة ولو لم يدخل بها بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وبأبعد الأجلين إن كانت حاملاً على الأصح ولو كانت أمةً كانت عدتها حائلاً شهرين وخمسة أيّام.

هذا كله إذا كانت المرأة ممن تحيض، ولو لم تحض وكانت في سنها اعتدت بخمسة وأربعين يوماً اتفاقاً ولا فرق فيهما بين الحرّة والأمة.

قوله: «وتعتدّ من الوفاة ولو لم يدخل بها - إلى قوله شهرين وخمسة أيّام».

إذا مات زوج المتمتع بها فالبحث في عدتها للوفاة يقع في موضعين: الأوّل: أن تكون حرّة. وقد اختلف الأصحاب في مقدار عدتها، فالأشهر بينهم ما اختاره المصنف من أنّها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وبأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل إن كانت حاملاً، كالدائم.

ووجهه عموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَجًا)(1) الآية، وصدق الزوجة عليها قبل الدخول وبعده، فتكون عدتها كما ذكر في الدائم.

وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق(علیه السلام) قال : سألته عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفّى عنها، هل عليها العدة؟ قال: «تعتد أربعة أشهر وعشراً»(2) الحديث.

وصحيحة زرارة عن الباقرعلیه السلام قال: سألته ما عدّة المتمتعة إذا مات عنها الذي تمتّع بها؟ قال: «أربعة أشهر وعشراً»، ثمّ قال: يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الرجل فعلى المرأة حرّةً كانت أو أمةً، وعلى أي وجه كان النكاح منه متعةً أو تزويجاً أو ملك يمين، فالعدّة أربعة أشهر وعشراً»(3) الحديث.

ص: 444


1- البقرة (2): 234.
2- الفقيه، ج 3، ص 464، ح4609؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 157، ح 544؛ الاستبصار، ج 3، ص 350،ح 1251.
3- الفقيه، ج 3، ص 465، ح 4610؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 157 ، ح 545: الاستبصار، ج 3، ص 350. ح 1252.

وذهب جماعة منهم المفيد(1) والمرتضى(2) إلى أن عدتها شهران وخمسة أيام استناداً إلى رواية عبيدالله بن علي بن أبي شعبة الحلبي، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعةً ثم مات عنها ما عدّتها؟ قال: «خمسة وستون يوماً»(3). ولأنها كالأمة في الحياة فكذلك في الموت.

وفيه أنّ الخبر مرسل، وفي طريقه علي بن الحسن الطاطري، وهو ضعيف.

ومساواتها للأمة مطلقاً لادليل عليه.

وقول المصنف على الأصحّ» راجع إلى الحكم باعتدادها أربعة أشهر وعشراً، وأبعد الأجلين متفرع عليه؛ لأنّ من اعتبر ذلك يجعل عدّة الحامل الأكثر منه ومن وضع الحمل. ومن اعتبر نصفها يجعل أبعد الأجلين منها ومن الوضع، فالنزاع إنما هو في عدة الحائل ويتفرع عليه عدة الحامل.

الثاني: أن تكون أمةً. وقد قطع المصنّف بأنّ عدّتها منه شهران وخمسة أيام، نصف عدة الحرّة على تقدير كونها حائلاً. وهو مذهب الأكثر؛ للأخبار الكثيرة - الدالة على أنّ عدّة الأمة من وفاة زوجها هذا القدر، من غير فرق بين الدوام والمتعة .

منها: صحيحة محمدبن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «الأمة إذا توفّي عنها زوجه فعدّتها شهران وخمسة أيام»(4). ومثلها صحيحة الحلبي(5).

ص: 445


1- المقنعة، ص 536.
2- الانتصار، ص 275 المسألة 153.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 158، ح 547: الاستبصار، ج 3، ص 351،ح 1254.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 154، ح 536؛ الاستبصار، ج 3، ص 347، ح 1239.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 154، ح 535: الاستبصار، ج 3، ص 346-347، ح 1238.

وفي معناهما كثير(1). وعليها حمل الشيخ رواية ابن أبي شعبة السابقة، فخصص المرأة بالأمة؛ لمناسبتها في العدة(2). ولا بأس به.

وذهب جماعة من الأصحاب منهم ابن إدريس(3) والعلامة في المختلف(4) إلى أنّ عدّة الأمة في الوفاة كعدة الحرة مطلقاً. وفي صحيحة زرارة السابقة ما يدلّ عليه. ويشكل بمعارضتها بهذه الأخبار الكثيرة، وربما كانت أصح سنداً، وإن شاركتها في وصف الصحة. ومع ذلك ففيها إشكال آخر، وهو تضمّنها أنّ عدة الأمة في الدوام كالحرّة، ولا قائل به وكونها في الدوام على النصف يقتضي أولويته في المتعة؛ لأن عدتها أضعف في كثير من أفرادها، وأصل نكاحها أضعف فلا يناسبها أن تكون أقوى هنا، وإن كان العمل بها أحوط.

ولو كانت الأمة حاملاً اعتدت بأبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل. ولم ينبه عليه المصنّف اتكالاً على ما ذكره في الحرّة. أما إذا كانت الأشهر أبعد فظاهر؛ للتحديد بها في الآية(5) والرواية(6). وأما إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج من العدّة مع بقاء الحمل؛ لأنّه أثر ماء الميت الذي يقصد بالعدّة إزالته، ولعموم قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(7)، فلابدّ من مراعاة العامين، وذلك بأبعد الأجلين. وسيأتي فيه إن شاء الله مزید تحقیق(8)

ص: 446


1- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 154، ح 533، وص 154 - 155،ح 537؛ والاستبصار، ج 3، ص 346، ح 1236، وص 347، ح 1240.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 158 ، ذيل الحديث 547: الاستبصار، ج 3، ص 351، ذيل الحديث 1254.
3- السرائر، ج 2، ص 625 و 735.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 242، المسألة 164، وذهب إلى قول آخر في ص 467 - 468، المسألة 117.
5- البقرة (2) 234.
6- تقدّم تخريجها في ص 444 الهامش 2.
7- الطلاق (65) 4.
8- يأتي في ج 7، ص 430 في أحكام العِدد.

القسم الثالث: في نكاح الإماء

اشارة

وهو إما بالملك أو العقد.

والعقد ضربان: دائم ومنقطع.

وقد مضى كثير من أحكامهما.

وتلحق هنا: مسائل

[المسألة]الأولى:

لايجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلا بإذن المالك،

القسم الثالث في نكاح الإماء.

قوله: «وهو إما بالملك أو العقد».

المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد وإن كان حقيقة في العقد، وقرينة المجاز أن وطأهنّ بالملك لا يدخل في العقد.

ووجه الحصر في الأمرين المنع من تجاوزهما في قوله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ)(1)، فإنّ الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر. والنكاح بالتحليل يرجع إلى أحدهما، إذ الأظهر أنّه تمليك المنفعة فيدخل في الملك. وقيل: إنه عقد فيدخل فيه(2).

قوله: «لايجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما - إلى قوله - والأوّل أظهر».

ص: 447


1- المؤمنون .(23): 6.
2- قال به السيّد المرتضى في الانتصار، ص 281 - 282، المسألة 156.

فانّ عقد أحدهما من غير إذن وقف على إجازة المالك. وقيل: بل تكون إجازة المالك كالعقد المستأنف.

وقيل: يبطل فيهما، وتلغى الإجازة.

وفيه قول رابع مضمونه اختصاص الإجازة بعقد العبد دون الأمة والأوّل أظهر.

قد تقدّم الكلام فى أن عقد النكاح مطلقاً إذا وقع فضولاً هل يكون باطلاً، أو موقوفاً على الإجازة؟(1) فمَن قال ببطلانه(2) ثمّ أبطله هنا، ومن قال بوقوعه موقوفاً اختلفوا هنا، فمنهم من أوقفه هنا أيضاً على إجازة السيد، فإن أجازه صح وإلا بطل(3).

وهذا هو الذي اختاره المصنّف والأكثر . وهو الأقوى. وقد تقدّم ما يدلّ عليه(4). ويدلّ عليه بخصوصه حسنة زرارة عن الباقرعلیه السلام قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده، قال: «ذاك إلى السيّد إن شاء أجاز، وإن شاء فرق بينهما»(5).

والقول بكون إجازة المالك كالعقد المستأنف للشيخ في النهاية، فإنّه قال: مَن عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلاً، فإن رضي المولى بذلك العقد كان رضاه به كالعقد المستأنف يستباح به الفرج(6).

وقد اختلف في تنزيل كلامه، حيث إن ظاهره التناقض؛ لحكمه ببطلان العقد ثم الاكتفاء فيه بالإجازة، وجعلها مبيحة للنكاح كالعقد. فالعلّامة فى المختلف نزّل كلامه على أن المراد بكونه باطلاً أنه يؤول إلى البطلان لأنّ ما يقع باطلاً في نفسه لا يصح بإجازة المولى(7).

وعلى هذا فيكون قوله كالقول الأوّل.

ص: 448


1- تقدّم في ص 155 - 156.
2- كالشيخ في الخلاف، ج 4، ص 257 - 258، المسألة 11.
3- العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 503، الرقم 5065.
4- تقدّم فی ص،155- 156.
5- الكافي، ج 5، ص 478، باب المملوك يتزوج بغير إذن،مولاه،ح3؛ الفقيه،ج3، ص 541، ح 4865؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351،ح 1432.
6- النهاية، ص 476.
7- مختلف الشيعة، ج 7، ص 259، المسألة 180.

وقريب منه تأويل المصنّف له في نكت النهاية ، بمعنى عدم الإفادة لملك البضع لا بمعنى سقوطه أصلاً، فإذا أجاز المولى العقد ملك البضع قال:

وربما تبع الشيخ رواية الوليد بن صبيح عن الصادق(علیه السلام): إن كان الذي تزوّجها من غير إذن مولاها فالنكاح فاسد»(1).

تم لما أجمعنا على أن إجازة المولى العقد الفضولي ماضية في النكاح جمع بين الأمرين بذلك. وهذا التنزيل لا يطابق جعله في الكتاب القول مغايراً للقول بوقوفه على الإجازة. ومنهم من أوّل كلام الشيخ بأمر آخر، وهو أن العقد يكون باطلاً بدون الإذن كما ذكر أولاً. لكن الإجازة تقوم مقام التحليل، فيكون الرضى عبارة عن التحليل، ومن ثُمّ فرضها في الأمة، لأن العبد لا يأتي فيه ذلك(2). وفيه نظر؛ لأنّ التحليل منحصر في عبارات وليس الرضى منها، فليس بتحليل ولا عقد لأنه حكم ببطلانه.

والأولى تنزيل كلام الشيخ على المعنى الأول، وجعلهما قولاً واحداً؛ لأن إطلاق البطلان على الموقوف كثير شائع ومجاز مشهور من حيث اشتراكهما في عدم ترتب الأثر.

ويؤيده مع ذلك أنّ المصنف جعل القول المذكور شاملاً للعبد والأمة مع أنّ الشيخ فرضه في الأمة، وتخصيصها لا يحسن إلا على التأويل الأخير.

والقول بالبطلان فيهما لابن إدريس(3) مع حكمه بصحّة نكاح الفضولي في غير المملوك محتجّاً بالنهي المقتضي للفساد(4). وقد عرفت فساد كليته ويرد عليه منعه من كلينه.

ص: 449


1- الكافي، ج 5، ص 404 - 405، باب المدالسة في النكاح...،ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 349، ح 1426؛ الاستبصار، ج 3، ص 216 - 217، ح 787 وعبارة الحديث:هكذا إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها...» و نكت النهاية، ج 2 ص 339 - 340.
2- غاية المراد، ج 3، ص 45 - 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3).
3- السرائر، ج 2، ص 596.
4- السرائر، ج 2، ص 564 - 565.

ولو أذن المولى صحّ، وعليه مهر مملوكه ونفقة زوجته وله مهر أمته.

وأما الاحتجاج له بما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أيما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل»(1) فلايناسب أصل ابن إدريس؛ لأنّ طريقه عامي، وهو لا يكتفي به لو كان خاصياً. والقول بالفرق بين نكاح العبد والأمة بغير إذن المولى - فيقف الأول ويبطل الثاني - لا بن حمزة(2). ومستنده على البطلان ما تقدّم(3). وعلى الصحة في العبد رواية زرارة السابقة (4) المتضمّنة وقوف تزويج المملوك على إجازة سيّده، وهو ظاهر في الذكر. وفي آخرها ما يزيده إيضاحاً؛ لأنّه قال قلت له: أصلحك الله إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، فلا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفرعلیه السلام: «إنّه لم يعص الله إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(5). وربما قيل: بأنّ المملوك شامل للذكر والأنثى فيفيد الحكمين. وقد ورد التصريح بحكم العبد في رواية زرارة أيضاً عنه(علیه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثمّ اطلع على ذلك مولاه، قال: «ذلك لمولاه إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما»(6).

قوله: «ولو أذن المولى صح وعليه مهر مملوكه ونفقة زوجته وله مهر أمته».

قد تقدم الخلاف في مهر زوجة المملوك ونفقتها هل هي على المولى، أو في كسب العبد؟(7)

ص: 450


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 63، ح 1959 و 1960؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 205، ح 13729 و 13730، وعبارة الحديث فيهما هكذا: «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر»؛ وأورد الحديث كما في المتن فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 137 - 138؛ وهكذا المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 61.
2- الوسيلة، ص 304 و 306، ولم يفرق بينهما.
3- تقدّم في ص 449.
4- سبقت في ص 448.
5- الكافي، ج 5، ص 478 ، باب المملوك يتزوج بغير إذن،مولاه،ح3: الفقيه، ج 3، ص 541، ح 4865: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351، ح 1432.
6- الكافي، ج 5، ص 478، باب المملوك يتزوج بغير إذن مولاه، ح 2 ؛ الفقيه، ج 3، ص 446 - 447، ح 4551: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351، ح 1431.
7- تقدّم في ص 179.

وكذا لو كان كلّ واحد منهما لمالك أو أكثر، فإذن بعضهم لم يمض إلا برضى الباقين أو إجازتهم بعد العقد، على الأشبه.

[المسألة] الثانية:

إذا كان الأبوان رقاً كان الولد كذلك، فإن كانا لمالك واحد فالولد له، وإن كانا لاثنين كان الولد بينهما نصفين. ولو اشترطه أحدهما أو شرط زيادة عن نصيبه لزم الشرط.

وبيان المختار في ذلك، وإنّما أعاده لمناسبته الباب وأما كون مهر الأمة لمولاها فلأنّ بضعها ومنافعها مملوكة له فيكون المهر الذي هو عوضه كذلك.

قوله: « وكذا لو كان كلّ واحدٍ منهما لمالك أو أكثر - إلى قوله - على الأشبه».

لافرقَ في توقف نكاح المملوك على إذن مالكه بين كونه متحداً أو متعدّداً؛ لتحقق المالية لكلّ واحد، وقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلاً وشرعاً. والقول بوقوع النكاح موقوفاً على إذن جميع الملّاك أو باطلاً كالقول في المالك المتحد. وكذا القول في المهر،والنفقة فيوزّع على كلّ واحد بمقدار ما يخصه من قوله: «إذا كان الأبوان رقاً كان الولد كذلك - إلى قوله - لزم الشرط». لا خلاف فى أنّ الولد إذا كان أبواه رقيقين يكون رقيقاً؛ إذ لا وجه لحريته، وإنما هو تابع لهما. فإن كانا لمالك واحد فالولد له وإن كان كلّ واحد منهما لمالك فالولد بينهما نصفان؛ لأنه نماء ملكهما لا مزية لأحدهما على الآخر، بخلاف باقي الحيوانات، فإنّ الولدَ لمالك الأُمّ.

وفرّقوا بينهما بأنّ النسب مقصود في الآدمي، وهو تابع لهما فيه، بخلاف غيره من الحيوانات، فإنّ النسب فيه غير معتبر، والنمو والتبعية فيه لاحق بالأمّ خاصة.

وفي الفرق خفاء إن لم يكن هناك إجماع، مع أن أبا الصلاح ذهب إلى أنه يتبع الأم كغيره من الحيوانات(1).

ص: 451


1- الكافي في الفقه، ص 297.

ولو كان أحد الزوّجين حرّاً لحق الولد به، سواء كان الحرّ هو الأب أو الأُمّ،

إلا أن يشترط المولى رقّ الولد فإنّ شرط لزم الشرط على قول مشهور.

ولو شرط أحد الموليين انفراده بالولد أو زيادة عن نصيبه صح الشرط ولزم لعموم «المسلمون عند شروطهم»(1).

قوله: «ولو كان أحد الزوجين حرّاً لحق الولد به - إلى قوله - على قول مشهور». إذا كان أحد الأبوين حرّاً والآخر مملوكاً فالمشهور بين الأصحاب كون الولد حرّاً مطلقاً؛ للأخبار الكثيرة الدالة عليه.

منها حسنة ابن أبي عمير، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام) له في العبد تكون

تحته الحرّة، قال: «ولده أحرار، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه»(2).

وفي حسنة أُخرى لابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل الحرّ يتزوّج بأمة قوم، الولد مماليك أو أحرار؟ قال: «إذا كان أحد أبويه حرّاً فالولد أحرار»(3). وفي رواية أُخرى عن جميل بن دراج، في طريقها الحكم بن مسكين، عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «إذا تزوّج العبد الحرّة فولده أحرار، وإذا تزوّج الحرّ الأمة فولده أحرار»(4). وغير ذلك من الأخبار(5)، إلا أن أجودها طريقاً ما تقدم. وخالف في الحكم ابن الجنيد، فجعل الولد رقاً تبعاً للمملوك من أبويه إلا مع اشتراط

ص: 452


1- راجع تخريجه في ص 438 الهامش 3.
2- الكافي، ج 5، ص 493 ، باب الولد إذا كان أحد أبويه مملوكا...،ح 6.
3- الكافي، ج 5، ص 493، باب الولد إذا كان أحد أبويه مملوكا...،ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 336، ح 1376؛ الاستبصار، ج 3، ص 203، ج 733.
4- الكافي، ج 5، ص 492، باب الولد إذا كان أحد أبويه مملوكاً...،ح3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 336، ح، 1375؛ الاستبصار، ج 3، ص 203، ح 732.
5- وسائل الشيعة، ج 21، ص 121 - 125، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

حرّيّته؛ لأنّه نماء مملوك فيتبعه(1)، ولأنّ حق الآدمي يغلب إذا اجتمع مع حق الله تعالى، ولرواية أبي بصير، قال: «لو أنّ رجلاً دبّر جارية ثمّ زوّجها من رجل فوطئها كانت جاريته وولدها منه مدبّرين، كما لو أنّ رجلاً أتى قوماً فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك»(2).

ورواية الحسن بن زياد قال قلت له: أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها، ما منزلة ولدها؟ قال: «منزلتها، إلا أن يشترط زوجها»(3).

وأجيب بضعف الروايتين وقطعهما، فيقصران عن مقاومة الروايات الكثيرة الدالة على تبعية الولد للحرّ. وبمنع تقديم حق الآدمي هنا؛ لأنّ الحرّية أقوى، ومن ثم بني العتق على التغليب والسراية، ولأنّ الأصلَ في الإنسان الحرية، خرج منه ما أخرجه الدليل فبقي ما سواه(4).

هذا كلّه مع الإطلاق، أما إذا شرطت الحرية فلا إشكال في تحققها. وإذا شرطت الرقية فالمشهور بين الأصحاب صحة الشرط؛ لعموم قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (5).

وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «المسلمون عند شروطهم»(6)، ولرواية أبي بصير السالفة، فإنّ الشيخ نزلها على الشرط (7). وموردها وإن كان مخصوصاً بالأمة إلا أنه لا قائل بالفرق.

والمصنّف نسب القول إلى الشهرة إيذاناً بضعف مستنده. وهو كذلك، فإنّ عموم الأخبار السابقة يتناول محلّ النزاع. ووجه عمومها من حيث إنّها حكاية أحوال لم يستفصل فيها فتعمّ.

ص: 453


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 268 - 269، المسألة 187.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 336 ، ح 1378؛ الاستبصار، ج 3، ص 203، ح 735.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 214، ح 763؛ الاستبصار، ج 3، ص 203، ح 736.
4- المجيب العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 269، المسألة 187.
5- المائدة (5): 1.
6- راجع تخريجه في ص 438، الهامش 3.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 336، ذيل الحديث 1378.

ورواية أبي بصير - مع ما فيها من ضعف السند والقطع - لا تدلّ على مطلوبهم، وإنّما حملها الشيخ على غير ظاهرها لئلّا تنافي الأخبار السالفة.

وأما عموم الآية والخبر فمشروط يكون الشرط مشروعاً، والحرية أمر يتحقق بجعل الله تعالى، ومن ثم كان حرّاً بدون الشرط، فلامدخل للشرط في تغييرها،كما لو شرط رقية ولدالحرّين.

ولأنّ الولد ليس ملكاً للحرّ حتى يصح اشتراط رقيته، وإنما الحق فيه لله تعالى، ومن ثَمّ لم يجز اشتراط رقيّة حرّ الأصل. فلا يشرع اشتراط الرقيّة، وبذلك يكون مستثنى من العموم. وهذا هو الأقوى، وإن كان المشهور خلافه.

ثم على تقدير فساد الشرط ينبغي أن يتبعه فساد العقد، لعدم وقوع التراضي بدونه، ولم يحصل.

ويحتمل صحة العقد مع فساد الشرط. وقد تقدّم له نظائر . ويتفرع على ذلك ما لو وطئها بهذا العقد وأولدها ، فإن صححنا العقد فالولد حرّ. وكذا إن قلنا بفساده وكان جاهلاً بالفساد. ولو كان عالماً فهو زان والولد رق تبعاً للأمة لا بسبب الشرط.

وإن قلنا بصحة الشرط لزم، ولم يسقط بالإسقاط، وإنما يعود إلى الحرية بسبب جديد، كملك الأب له ونحوه. واعلم أنّ الرواية المذكورة رواها الشيخ في التهذيب مقطوعة، وتبعه العلماء على ذلك فوصفوها بالقطع، سواء عملوا بها أم لا، مع أنه في الاستبصار أوصلها إلى أبي عبدالله(علیه السلام)، فجبرت بذلك، لكن لم تخرج به عن الاضطراب من حيث إنّ الراوي واحد ويبقى فيها ضعف السند، فإنّ في طريقها أبا سعيد، وهو مجهول أو مشترك بين الثقة والضعيف(1) .

ص: 454


1- أبو سعيد الخراساني مجهول راجع خلاصة الأقوال ص ،421 الرقم 1711 وأبو سعيد القماط ثقة. راجع رجال النجاشي، ص 149 الرقم 387 وأبو سعيد الآدمي الرازي، سهل بن زياد ضعيف. راجع رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490.
[المسألة] الثالثة:

إذا تزوّج الحرّ أمة من غير إذن المالك، ثمّ وطئها قبل الرضى عالماً بالتحريم كان زانياً، وعليه الحدّ ولا مهر إن كانت عالمةً مطاوعة.

ولو أتت بولد كان رقاً لمولاها. وإن كان الزوج جاهلاً أو كان هناك شبهة فلا حد ووجب المهر، وكان الولد حراً، لكن يلزمه قيمته لمولى الأمة يوم سقط حياً.

قوله: «إذا تزوّج الحرّ أمة من غير إذن المالك - إلى قوله - يوم سقط حياً». إذا تزوّج الحرّ أمة من غير إذن مالكها ثمّ وطئها قبل الرضى فلايخلو، إما أن يكونا عالمين بالتحريم، أو جاهلين، أو بالتفريق. فالصور أربع:

الأولى: أن يكونا عالمين بالتحريم، فالوطء زني، فيثبت عليهما الحد بحسب حالهما.

وفي ثبوت المهر للمولى قولان:

أحدهما - و وبه قطع المصنّف - عدمه(1) ؛ لأنّها زانية ولا مهر للزانية، لقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا مهر لبغي»(2) وهو نكرة في سياق النفي فيعم موضوع النزاع. واللام هنا للاختصاص الدال على مطلق المقابلة، مثلها في قولك: لا أجرة للدار، ولا للدّابة، ولا للعبد، ونحو ذلك، فيشمل الملك والاستحقاق. ولأن البضع لا يثبت لمنافعه عوض إلا بعقد أو شبهه أو إكراه لها لتخرج عن كونها بغياً.

والثاني: ثبوت المهر للمولى(3)؛ لأن البضع ملكه، فلا يؤثر علمها ورضاها في سقوط حقه.

والخبر - مع تسليمه - لا يتناول محل النزاع من وجهين: أحدهما: أنّ المهر مختص بالحرّة، ولا يقال لعوض بضع الأمة مهراً إلا مجازاً، بل يطلق

ص: 455


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 504 ، الرقم 5067.
2- الكافي، ج 5، ص 127، باب السحت، ح 2 ، وفيه هكذا: «السحت ثمن الميتة... ومهر البغي»؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 135 ، ح 599 ، وفيه هكذا: «ثمن الخمر ومهر البغي... من السحت»؛ مسند أحمد، ج 1، ص 586، ح 3334 و 3335، وفيه هكذا: «ثمن الكلب ومهر البغي... حرام» صحيح البخاري، ج 2، ص 779، ح 2122 ، و ص 797، ح 2162، وفيه هكذا ... نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي ...»؛ سنن النسائي، ج 7، ص 330. ح 4675 ، وفيه هكذا: «نهى... عن ثمن الكلب ومهر البغي...».
3- المختصر النافع، ص 291.

عليه اسم العقر ، أو العشر، أو نصفه، ونحو ذلك. ومن ثُمّ يطلق على الحرّة اسم المهيرة، فعيلة بمعنى ممهورة. وسيأتي عن قريب قولهم: لو زوجه بنت مهيرة فأدخل عليه بنت أمة(1).

والثاني: من جهة اللام، فإنّ المنفي إنّما هو ملك البغي للمهر، أو استحقاقها، أو ،اختصاصها، والثلاثة منتفية عن الأمة؛ لأنّ المختص به إنّما هو المولى، واستحقاقه أو ملكه له واضح.

وعلى تقدير استعمالها في مطلق المقابلة فمعناها مشترك، والمشترك لا يحمل على أحد معانيه بدون القرينة، وهي منتفية إن لم يكن في الاستحقاق أو الملك أظهر، بقرينة المهر المتعيّن للحرّة.

وهذا القول متجه إلا أنه يتوقف على إثبات كون البضع مضموناً على هذا الوجه، فإنّ ماليته ليست على نهج الأموال الصرفة ليكون مطلق الانتفاع به موجباً للعوض، وإنّما يستحق العوض به على وجه مخصوص، فإنّه لو قبل أحد مملوكة الغير أو استمتع بها بما دون الوطء لم يكن له عوض بخلاف ما لو استخدمها، والفرض عدم نقصانها بسببه. والثابت على الزاني العقوبة الدنيوية والأخروية، وما سواه يحتاج إلى دليل، وهو حاصل مع العقد أو الشبهة.

نعم لو كانت بكراً لزمه أرش البكارة؛ لأنّها جناية فلا تدخل في المهر هنا وإن دخلت فيه على بعض الوجوه. وربما احتمل كونه مهراً؛ لأنّ الشارع جعله تبعاً للوطء، فيأتي الخلاف السابق. والأصح الأوّل؛ لأنّ الجناية على المال المملوك الموجبة لنقص المالية مضمونة بغير إشكال، بخلاف المهر. وأما حكم الولد الناشئ من ذلك فإنّه يكون رقاً لمولاها بغير إشكال، كما في كلّ ولد يحدث للأمة عن زني. الثانية: أن يكونا جاهلين بالتحريم، إما بأن لم يعلما تحريم التزويج بغير إذن مالك الأمة، أو يعلماه ولكن حدثت لهما شبهة أوجبت ذلك، كأن وجدها على فراشه فظنّها زوجته أو أمته، وإن كان قد عقد عليها أولاً، فإن مجرد العقد لا أثر له، وظنت هي أنه مولاها

ص: 456


1- يأتي في ص 578.

ونحو ذلك. ولا حد على أحدهما للشبهة الدارئة له. وعليه المهر هنا قطعاً. وهل هو المسمّى أو مهر المثل؟ قولان، تقدّم مثلهما في باب الرضاع وغيره(1). ويظهر من المصنّف أنّه المسمّى؛ لأنّه العوض الذي تراضيا عليه بالعقد، وهو صحيح ظاهراً بسبب الشبهة.

وفيه نظر؛ لفساد العقد في نفس الأمر ، ولا أثر لظهور صحته والأمر بخلافه، فثبوت مهر المثل أقوى.

وفيه قول ثالث: أنه العشر، أو نصفه(2)، وسيأتي(3). وإنما لم يذكره المصنّف هنا قصراً له على مورد النص(4)، فإنّه لم يرد إلا في مدعية العتق إذا تزوّجها الحرّ. وإن أتت بولد كان حرّاً تابعاً لأبيه، ولكن على الأب قيمته للمولى؛ لأنه نماء ملكه. وتعتبر القيمة يوم سقوطه حيّاً ؛ لأنه وقت الحيلولة وإفراده بالتقويم والحكم عليه بالمالية لو كان رقّاً. ولو سقط ميتاً فلا شيء له؛ لأنه لا قيمة للميت، وفي حال كونه جنيناً لا ينفرد بالتقويم.

الثالثة: أن يكون الحرّ جاهلاً والأمة عالمة. والحكم في سقوط الحد ولحوق الولد به ووجوب القيمة كالسابقة. وكذا في وجوب المهر على ما أطلقه المصنف والجماعة(5)، بناءً على أنه وطء محترم من قبله من حيث الشبهة فيثبت عوضه.

ص: 457


1- تقدم في ص 261 - 262 في باب الرضاع، وفي ص 416 - 418 في باب المتعة.
2- وهو قول الشيخ في النهاية، ص 477 وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 217؛ وابن حمزة في ص، 303.
3- سیأتی فی ص 460.
4- الکافی،ج5، ص404، باب العدالة فی النکاح...، ح1؛تهذیب الاحکام، ج7،ص 349 ح1426 و ص 422- 423، ح 1690؛ الاستبصار، 3،ص 216- 217،ح 787.
5- الوسیلة،ص 303؛السرائر،ج2،ص 596؛قواعدالاحکام،ج3، ص 56؛تحریرالاحکام الشرعیه،ج3،ص 504، الرقم:5067.

وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرّية لزمه المهر. وقيل: عشر قيمتها إن كانت بكراً، أو نصف العشر إن كانت ثيباً. وهو المروي.

ولو كان دفع إليها مهراً استعاد ما وجد منه، وكان ولدها منه رقاً، وعلى الزوج أن يفكهم بالقيمة، ويلزم المولى دفعهم إليه، ولو لم يكن له مال سعى في قيمتهم.

وظاهرهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين علمها وجهلها في ذلك هنا(1). ولا يخلو من إشكال؛ لأنّها مع العلم بغي، فينبغي مجيء الخلاف السابق، لكن لم يسوقوه هنا. الرابعة عكسه، بأن يكون هي الجاهلة خاصة، فالحدّ عليه. وينتفي عنه الولد؛ لأنّه عاهر له الحجر(2). ويثبت عليه المهر لمولاها، والولد رق له. وهذا كله إذا لم يجز المولى العقد، فإن أجازه قبل الوطء فواضح.

وإن كان بعده بني على أنّ الإجازة هل هي كاشفة عن صحة العقد من حينه، أم مصححة له من حينها؟ فعلى الأوّل - وهو الأقوى - يلحق به الولد وإن كان عالماً حال الوطء بالتحريم، ويسقط عنه الحد وإن كان قد وطئ محرّماً حالته ويلزمه المهر؛ لانكشاف كونها زوجة حال الوطء.

وإقدامه على المحرّم يوجب التعزير لا الحد.

وعلى الثاني تبقى الأحكام السابقة بأسرها؛ لأنها حين الوطء لم تكن زوجة ظاهراً ولا في نفس الأمر، وإنما كان قد حصل جزء السبب المبيح، ولم يتم إلا بعد الوطء، فكان كما لو لم يكن هناك عقد أصلاً .

قوله: «وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرّية - إلى قوله - سعى في قيمتهم». ما تقدّم حكم ما إذا تزوّج الحرّ الأمة من غير أن تدعي هي الحرّية، وهذه حكم ما

ص: 458


1- انظر تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 504، الرقم 5067؛ ولم نعثر على من صرّح به من المتقدمين على الشهيد الثاني.
2- إشارة إلى الحديث النبوي صلی الله علیه وآله وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر». راجع الكافي، ج 5، ص 491 - 492، باب الرجل يكون لها الجارية...،ح2 و 3؛ والفقيه، ج 3، ص 450 - 451، ح 456؛ وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 169 ح 588 ؛ ومسند أحمد، ج 1، ص 95، ح 418.

لو ادّعتها. وإنّما جعلهما مسألتين مع اتحادهما في الحكم عنده لوقوع الخلاف في هذه الصورة بخصوصها.

وتحقيقها أنّ الأمة إذا ادعت الحرّية فعقد عليها الحرّ النكاح، فإن كان عالماً بفساد دعواها وبالتحريم فحكمه كالصورة الأولى من المسألة السابقة.

وإن كان جاهلاً بالحال، إمّا لدعواها أنّها حرّة الأصل - وهو لا يعلم بالحال فيبني على الظاهر، أو مع علمه بكونها مملوكة ولكن ظهر له قرائن كثيرة تثمر الظنّ بصدقها، فتوهّم الحلّ بذلك، أو توهم الحلّ بمجرد دعواها، وبالجملة حصل له شبهة جواز تزويجها على تلك الحال، فالحكم كما مرّ من عدم الحدّ، ولزوم المهر؛ لأنّه عوض عن الوطء المحترم، إذ هو ليس بزنئ ولا بملك يمين.

هكذا أطلق الجميع، بل ادّعى عليه بعضهم إجماع المسلمين(1). ولم يفرّقوا بين كونها عالمة بالتحريم وجاهلة.

ولو قيل بعدم لزوم المهر على تقدير علمها كالسابق أمكن، لوجود العلة، وهي كونها بغياً. وقدومه على المهر - مع فساده في نفس الأمر وعموم نفي المهر في الخبر(2) على القول به - لا يوجب ثبوته. لكنّ الأمر في الاتفاق كما ترى.

ثمّ في تقديره أقوال:

أحدها: أنه المسمّى؛ لأنّه عقد صحيح قبض فيه أحد العوضين فيجب الآخر، وعروض

الفسخ لا يوجب فساده من أصله. وهو ظاهر اختيار المصنّف والأكثر .

وفيه نظر؛ لأنه واقع بغير إذن السيد، ولا أثر لصحته ظاهراً إذا تبين فساده بعد ذلك. ودعوى كون الفسخ لا يفسده من أصله غير سديدة.

ص: 459


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 142.
2- راجع تخريجه في ص 455 الهامش 2.

والثاني: أنّه مهر المثل. ذهب إليه الشيخ في المبسوط(1)، ونقله فخر الدين عن ابن حمزة، كما نقل الأوّل عن القاضي ابن البراج(2). وردّهما الشهيد في شرح الإرشاد ، وحكم بأنهما قائلان بالثالث(3).

ووجه هذا القول قد أشرنا إليه سابقاً من أنّها ملك الغير والنكاح موقوف على رضاه، فحيث لم يرض بطل من أصله فكان كالفاسد، وقد حصل الوطء المحترم بسبب الجهل فوجب مهر المثل وهو واضح.

هذا إذا لم يجز المولى، وإلا فالمسمّى وإن كان الوطء قبل الإجازة، بناء على القول الأصح من أنّها كاشفة.

والثالث: وجوب عشر قيمتها إن كانت بكراً، ونصفه إن كانت ثيباً. وهو مختار الشيخ في النهاية(4)، والقاضي ابن البراج(5)، وابن حمزة(6). و مستنده صحيحة الوليد بن صبيح عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل تزوج امرأةٌ حرّةً فوجدها أمةً دلّست نفسها، قال: «إن كان الذي زوجها إيَّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد». قلت: كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: «إن وجد مما أعطاها شيئاً فليأخذه، وإن لم يجد شيئاً فلا شيء له عليها، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكراً، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها». قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال: «أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي(7).

ص: 460


1- المبسوط ، ج 3، ص 505.
2- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 142؛ وراجع الوسيلة، ص 303؛ والمهذب، ج 2، ص 236.
3- غاية المراد، ج 3، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- النهاية، ص 477.
5- المهذب، ج 2، ص 217.
6- الوسيلة، ص 303.
7- تقدم تخريجها في ص 457، الهامش 4.

وينبغي أن يكون العمل بها؛ لصحّتها. وربما حملت على ما إذا طابق العشر أو نصفه لمهر المثل. وهو بعيد. ومن الجائز اختصاص الأمة بهذا الحكم وجعل مهر المثل للحرّة، أو للأمة أيضاً في غير موضع النصّ.

وقول المصنّف بعد ذلك: «ولو كان دفع إليها مهراً استعاد ما وجد منه إلى آخره تتمّة هذا القول؛ لأنه مذكور معه في روايته، ومع ذلك يجري على مختار المصنف أيضاً، بل على الأقوال كلّها؛ لأنّا إن جعلنا الواجب مهر المثل أو العشر أو نصفه فهو للمالك، لايتعين إلا بقبضه، فما دفعه إليها لم يتعيّن؛ لأنّه بمنزلة الدين لايتعيّن إلا بقبض المالك أو وكيله، فيكون باقياً على ملكه فله استعادة ما يجده منه، ويتبعها بما تلف بعد عتقها.

وأما على القول بلزوم المسمّى - وكان المدفوع هو المسمّى أو بعضه - فهو مضمون على الدافع إلى أن يصل إلى السيد أو وكيله، فإن تلف قبل ذلك غرم للسيد بدله، ويتبعها بالتالف كذلك.

وإنما جعلنا هذا الحكم من تتمة القول بوجوب العشر أو نصفه خاصةً مع جريانه على الجميع؛ لأنّ ما بعده من الأحكام مخصوص بهذا القول، فلا يلائم توسط حكم مغاير له بين أحكامه والأحكام الباقية، وهي قوله: «وكان ولدها منه رقاً». وهذا مذهب الشيخ(1) وأتباعه(2).

وأما المصنّف فقد تقدّم حكمه بأنّ الولد مع الشبهة الجارية على الأب يكون حراً(3) وإن لزمه القيمة، وهذا منه؛ لأنّ المفروض اشتباه الحال عليه، ومن ثم لحق به. وقد صرّح بكونه حرّاً في الرواية السابقة التي هي مستند الشيخ على وجوب العشر أو نصفه، لكنّه خالف في

ص: 461


1- النهاية، ص 477.
2- المراسم، ص 150: المهذب، ج 2، ص 216؛ الوسيلة، ص 303.
3- تقدّم في ص 455.

الحكم بحرية الولد، وحكم بكونه رقاً، وعلى الأب فكه بقيمته يوم سقط حياً، وعلى المولى دفعه إليه، ومع إعساره يستسعى في القيمة.

ومستند ذلك كله رواية زرارة - في الحسن - قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرّة، فوثب عليها حينئذ رجل فتزوجها، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولاداً، فقال: «إن أقام البينة الزوج على أنه تزوجها على أنّها حرّة أعتق ولدها، وذهب القوم بأمتهم، وإن لم يقم البيئة أوجع ظهره، واسترقّ ولده»(1). وموثقة سماعة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرّة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً، ثمّ إنّ مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكته، وأقرت الجارية بذلك، فقال: «تُدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه». قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال: «يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤدّيه ويأخذ ولده». قلت: فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال: «على الإمام أن يفتديه ولا يملك ولد حرّ»(2). وحمل الشيخ الرواية الأولى الدالة على أن الولد حرّ على ما إذا أدى الأب ثمنه، أو على ما إذا شهد شاهدان أنّها حرّة(3)، جمعاً بين الأخبار.

لكنّ الرواية الدالة على حريته أصح سنداً، فالعمل بها أولى وتظهر فائدة القولين - مع اتفاقهما على وجوب دفع القيمة، وحريته بدفعها - فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره، فعلى القول بحريته تبقى ديناً في ذمته والولد حرّ، وعلى القول الآخر يتوقف على دفعها.

ص: 462


1- الكافي، ج 5، ص 405، باب المدالسة في النكاح...،ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 350، ح 1428: الاستبصار، ج 3، ص 217، ح 789.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 350، ح 1429؛ الاستبصار، ج 3، ص 217 - 218،ح 790.
3- الاستبصار، ج 3، ص 217، ذيل الحدیث 787 و 789.

فإن أبى السعي فهل يجب أن يفديهم الإمام؟ قيل: نعم؛ تعويلاً على رواية فيها ضعف.

وقيل: لا يجب؛ لأن القيمة لازمة للأب، لأنه سبب الحيلولة. ولو قيل بوجوب الفدية على الإمام فمن أي شيء يفديهم؟ قيل: من سهم الرقاب. ومنهم من أطلق.

وأما الحكم باستسعاء الأب في القيمة فمبني على رواية سماعة، وسندها ضعيف به(1).

وهو من جملة الديون ولا يجب الاستسعاء فيها، بل ينظر إلى اليسار؛ لعموم قوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)(2).

وهذا هو الأقوى. ويمكن حمل الأمر بالاستسعاء على الاستحباب.

قوله: «فإن أبى السعي فهل يجب أن يفديهم الإمام؟ - إلى قوله - ومنهم من أطلق». هذا البحث متفرّع على قول الشيخ بكون الولد رقاً، وأن أباه يستسعى. قال الشيخ: فإن

امتنع من السعي فداهم الإمام من سهم الرقاب(3). والمستند رواية سماعة السابقة(4) وزاد الشيخ فيها كون فدائهم من سهم الرقاب، ولم يتعرّض في الرواية لمحلّه هل هو بيت المال، أو الزكاة؟ والشيخ (رحمه الله) نظر إلى أنّ الولد رق، وفكه واجب، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وَفِي الرِّقَابِ)(5). وبهذا التوجيه يندفع إنكار ابن إدريس فك الإمام له من السهم المذكور، بناءً على أنّ الولد حرّ فكيف يُشترى من سهم الرقاب؟(6)

وهذا الإنكار مصادرة؛ لأنّ الشيخ لا يقول بحرّيّة الولد حتى يرد عليه ذلك. نعم، قول ابن إدريس جيّد بناءً على القول بالحرّية، لا بهذه الطريقة التي ردّها على الشيخ

ص: 463


1- لأنّه كان واقفياً. راجع خلاصة الأقوال، ص 356، الرقم 1410.
2- البقرة (2) 280.
3- النهاية، ص 477.
4- سبقت في ص 462.
5- التوبة (9): 60.
6- السرائر، ج 2، ص 597.

والمصنّف جعل هذا البحث مستقلّاً جارياً على القولين. وجعل عديل قول الشيخ عدم وجوب فكهم على الإمام؛ لأن القيمة دين لازم للأب، فلا يجب عليه دفعه عنه كغيره من الديون. وهذا القول قويّ(1) ؛ لضعف مستند الحكم بوجوبه على الإمام.

ثم القائلون بوجوبه على الإمام اختلفوا في محلّه، فقيل: سهم الرقاب، كما نقلناه عن الشيخ(2). وهو حسن على مذهبه من رقّيّة الولد.

وقيل: من بيت المال؛ لأنه معد للمصالح، وهذا منها، وإن قلنا بكون الولد حراً(3). ولابأس به حيث يكون في بيت المال سعة لمثل ذلك.

وهذا هو مراد من أطلق وجوبه على الإمام. واعلم أنّ محل الخلاف في وجوب الفكّ على الإمام وعدمه هو المسألة الأخيرة، كما هو منطوق الرواية وكلام الشيخ، وأما غيرها مما يجب على الأب فيه فك الولد فليس فيه ما يدل على وجوبه على الإمام حيث يتعذر أخذه من الأب.

ويمكن تمشي الوجوب من حيث التساوي في العلة، وقصره على مورده لحكمه في الرواية بكون الولد رقاً، فتخليصه من الرقية منهم أقوى ممن انعقد حرّاً.

وإنّما وجب على الأب قيمته لا من حيث كونه رقاً في وقت من الأوقات، بل لأنه عوض ما فات على المولى من نماء الأمة. والطريق إلى معرفته هو تقويم الولد، فتكون قيمته ديناً من ديون الأب لا تعلّق للإمام بها، ولا لآية الزكاة. وهذا هو الوجه.

وقد تلخص مما ذكرناه أنّ القول بغداء الإمام له ضعيف المستند، وأنا لو قلنا به لكان محله بيت المال إن جعلنا الولد حرّاً، وسهم الرقاب إن جعلناه رقاً، وأنّ الأقوى كونه حرّاً،

وقيمته على الأب تؤخذ منه مع يساره، وينظر بها مع إعساره.

ص: 464


1- في بعض النسخ: «أقوى».
2- النهاية، ص 477.
3- قال به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 261، المسألة 181؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3،ص 143؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 82.
[المسألة] الرابعة:

إذا زوّج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئاً من ماله ؟ قيل: نعم، والاستحباب أشبه.

قوله: «إذا زوّج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئاً من ماله؟» إلى آخره. ذهب الشيخان(1) وأتباعهما(2) إلى وجوب الإعطاء؛ لحسنة الحلبي، قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال، يقول: قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه، ولو مداً من طعام أو درهماً أو نحو ذلك»(3).

وقريب منها رواية الحلبي(4)، عن الباقرعلیه السلام.

وذهب المصنّف والأكثر إلى الاستحباب؛ لعدم صراحة الرواية في الوجوب، ولما فيه من جبر قلبها مع أنّ مهر المملوكة ملك للمولى، فلا وجه لوجوب صرف شيء من ملكه إلى وجه آخر من ملكه، وما يدفعه العبد هو من مال المولى أيضاً؛ لأنّ ما بيده من كسبه أو غيره هو للمولى، وليس هذا كالنفقة الواجبة للمملوك على المولى؛ لأنّ النفقة لم تجب في مقابلة شيء، وإنّما هي من توابع المالية التي لايتمّ بقاؤها إلا بها، بخلاف المهر الذي هو عوض البضع، وهو مملوك للمولى، فلا معنى لاستحقاق المولى على نفسه شيئاً في مقابلة ملك آخر له.

واعلم أنّ الظاهر من حال هذا المدفوع أنّه ليس على جهة كونه مهراً، بل مجرد الصلة والبرّ وجبر الخاطر للمملوكين، ولهذا لم يتقدّر بقدر مهر المثل مع الدخول، ولا بغيره. وحينئذ فلا فرق على القول بوجوبه أو استحبابه بين القول بكون تزويج المولى عبده بأمته

ص: 465


1- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 507 والشيخ الطوسي في النهاية، ص 478.
2- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 297؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 218؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 305.
3- الكافي، ج 5، ص 479 - 480، باب الرجل يزوّج عبده أمته، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 345 - 346، ح 1415.
4- لم نعثر على روايته، ولعلّ مراده رواية محمد بن مسلم عن الباقرعلیه السلام، الا في الكافي، ج 5، ص 480، باب الرجل يزوّج عبده أمته، ح 2؛ والفقيه، ج 3، ص 449،ح 4556؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 346، ح 1416.

ولو مات كان الخيار للورثة في إمضاء العقد وفسخه، ولا خيار للأمة.

[المسألة] الخامسة:

إذا تزوّج العبد بحرّة مع العلم بعدم الإذن لم يكن لها مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم، وكان أولادها منه رقاً. ولو كانت جاهلة كانوا أحراراً، ولا يجب عليها قيمتهم، وكان مهرها لازماً لذمة العبد إن دخل بها، يتبع به إذا تحرّر.

عقداً وإباحة. ومن ثمّ أطلق المصنف وغيره القول بالوجوب أو الاستحباب(1).

وربما قيل: إنّه مخصوص بالقول بكونه عقداً ليكون ذلك مهراً، أما على القول بالإباحة فلا وجه للوجوب. وإطلاق النصّ والفتوى يأبى هذا التفصيل والحكمة متحققة على التقديرين قوله: «ولو مات كان الخيار للورثة في إمضاء العقد وفسخه ولا خيار للأمة». أما ثبوته للوارث فلأنّه ملكه فأمره بيده، ولأنّ ذلك ثابت في كل من يتلقى الملك وإن لم يكن وارثاً، فهنا أولى لقيامه مقام المورّث الذي كان أمره بيده. وأما انتفاء الخيار للأمة فلعدم المقتضي له.

قوله: «إذا تزوّج العبد بحرة مع العلم بعدم الإذن إلى قوله - يتبع به إذا تحرّر».

هذه المسألة عكس السابقة الثالثة، وكان إتباعها بها من غير تخلّل الرابعة أوفق، تحقيقاً للمقابلة.

وحاصل الحكم فيها أن العبد إذا تزوج بحرة من دون إذن مولاه، فإما أن تكون عالمةً بأنه رق أو لا. وعلى تقدير علمها برقيته إما أن تعلم تحريم نكاحه والحال هذه، أم لا. فإن علمت بالتحريم فلا مهر لها ولا نفقة لتضييعها حقها بعلمها بحاله، فكانت بغيّاً لا مهر لها. ويشهد له مع موافقته للأصول الشرعيّة - رواية السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أيما امرأة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها، ولا صداق لها»(2).

ص: 466


1- العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 506، الرقم 5069.
2- الكافي، ج 5 ، ص 479، باب المملوك يتزوج بغير إذن مولاه، ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 450، ح 4558؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 352 . ح 1435. وفي الفقيه رواها عن إسماعيل بن أبي زياد.

ولم يذكروا هنا أنّ عليها الحدّ مع العلم فيمكن اتكاله على القواعد المقررة من وجوبه على الزاني العالم، وهو صادق عليها. ومجرّد العقد لا يعدّ شبهةً عندنا مع العلم بفساده

وضعف عقلها لا يوجب إخراجها من القواعد الكلية مع دخولها في التكليف. وربما قيل: لا حدّ عليها، وحمل كلامهم على ظاهره من عدم الوجوب، من حيث إنّ هذا العقد فضولي موقوف على الإجازة، فلا يبعد عده شبهةً بالنسبة إلى المرأة؛ لضعف عقلها دون الرجل.

ويضعّف بأنّ ذلك وارد في عقد الفضولي على الحرّ المولى عليه إذا علمت بالتحريم دونه.

ويمكن الاستئناس له بظاهر حسنة زرارة عن الباقرعلیه السلام قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده، فقال: «ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما - إلى قوله في الحديث - إنّه لم يعص الله إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1). و في رواية أخرى عن زرارة عنه(علیه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها. ثمّ اطلع على ذلك مولاه، قال: «ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما» إلى قوله - فقلت لأبي جعفر(علیه السلام): إن أصل النكاح كان عاصياً، فقال أبو جعفر(علیه السلام): «إنّما أتى شيئاً حلالاً، وليس بعاص الله ، وإنّما عصى سيّده، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه»(2).

ولعلّ هذه النصوص هى الموجبة لعدم ذكر الحد، إلا أن فى مقاومتها لعمومات الأدلة الدالة على ثبوته نظراً(3)، فإنّ الأولى ليست صريحة، والثانية في طريقها موسى بن بكر، وهو ضعيف(4) .

ص: 467


1- الكافي، ج 5، ص 478، باب المملوك يتزوج بغير إذن مولاه، ح 3 الفقيه، ج 3، ص 541 ، ح 4865؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351، ح 1432.
2- الكافي، ج 5، ص 478، باب المملوك يتزوج بغير إذن ،مولاء، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 446 - 447، ح 4551: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 351، ح 1431.
3- النور (24): 2؛ وسائل الشيعة، ج 28، ص 61 وما بعدها، الباب 1 من أبواب حدّ الزنى.
4- وهو واقفي، قاله الشيخ في رجاله، ص 343، الرقم 5108.
[المسألة] السادسة:

إذا تزوّج عبد بأمة لغير ،مولاه، فإن أذن الموليان فالولد لهما. وكذا لو لم يأذنا. ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن. ولو زنى بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة.

ثم إن اتفق ولد في هذه الحالة فهو رق لمولاه لعدم لحوقه بها بسبب بغيها، فلا وجه لحريته

وهو نماء العبد. وفي بعض الروايات(1) دليل عليه.

ولعلّ هذا ممّا يؤيّد كونها زانية محضة. ولو جهلت التحريم، إما لجهلها بالرق أو بالحكم، فالولد حرّ؛ لأنه لاحق بها فيتبعها في الحرّية، لما تقدّم من تبعيته لأشرف الطرفين. ولا قيمة عليها هنا للمولى؛ لأنه نماؤها حقيقة، وإنما حكم بالقيمة حيث ينسب إليها وهي أمة.

وما قيل في الفرق: إنّ الأب سبب فاعلي بالنسبة إلى الولد، فهو المباشر، والأم قابل ومتى اجتمع المباشر وغيره في الإتلاف فالضمان إنّما هو على المباشر، ولما امتنع أن يثبت للسيد على مملوكه مال امتنع استحقاق القيمة هنا(2) فهو تكلّف ظاهر.

وأمّا المهر فإنّه مع الجهل يثبت في ذمة العبد؛ لأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر، فيتبع به إذا أُعتق. والمراد به المسمّى أو مهر المثل على ما مرّ من الخلاف. ولو أجاز المولى بعد

ذلك فلا ريب في كونه المسمّى.

وأما النفقة فهي تابعة لصحة العقد بالإجازة، فإن انتفت انتفت لعدم الزوجية التي هي مناطها هنا.

قوله: «إذا تزوّج عبد بأمة لغير مولاه - إلى قوله كان الولد لمولى الأمة».

هذا التفصيل ذكره الأصحاب كذلك، وظاهرهم الاتفاق عليه، ويظهر من بعضهم أنّه منصوص، ولم نقف عليه. والحكم فيه مع إذن الموليين واضح؛ لأنه نماء الأبوين فناسب أن يكون للموليين. مع أنّ أبا الصلاح(رحمه الله) جعل الولد لمولى الأمة خاصةً كغيرها

ص: 468


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 353، ح 1437.
2- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 85.
[المسألة] السابعة:

لو تزوّج أمة بين شريكين ثمّ اشترى حصة أحدهما بطل العقد وحرم عليه وطؤها. ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصحّ. وقيل: يجوز له وطؤها بذلك. وهو ضعيف.

من الحيوانات، إلا أن يشترطه مولى العبد فيكون له بحسب شرطه(1). والمشهور ما ذكره المصنف.

وأمّا مع عدم إذنهما معاً فقد تقدّم من الأخبار ما يؤنس بأنه ليس كالزنى المحض(2). فلذلك الحقوه بما لو أذنا.

وأما لحوقه بمن لم يأذن إذا أذن أحدهما دون الآخر فقد علّلوه بأن الإذن للمملوكة في التزويج مطلقاً مقدم على فوات الولد منه؛ لأنه قد يتزوج من ليس برق فينعقد الولد حراً، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصةً.

وأما حكم الزنى وإلحاق الولد بالأمة فظاهر؛ لأنّ الزاني لا يلحق به ولد وإن شاركته الأمة في ذلك، إلا أنّه نماؤها وإن كان أصله محرّماً.

وبالجملة فهذه أحكام متوقفة على نص أو إجماع، وإلا فللبحث فيها مجال. قوله: «لو تزوّج أمة بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما - إلى قوله - وهو ضعيف». أما بطلان العقد؛ فلأن ملك الجزء يبطل عقده، لامتناع أن يعقد الإنسان لنفسه على أمته عقداً، وهو يستلزم بطلان الاستدامة. ولا يمكن الحكم ببقاء العقد في الجزء الآخر؛ لأنّ العقدَ لايتبعض ليبطل في بعضه ويصح في بعض آخر، فتعين بطلانه في الجميع. وأما تحريم وطئها حينئذ فلاستلزامه التصرف في مال الغير بغير إذنه الممتنع عقلاً وشرعاً. وحينئذ فلا طريق إلى حلّها له إلا بشراء الجميع، أو بيع الجميع ثم تجديد سبب مبيح له.

ولا يكفي رضى الشريك بالعقد السابق؛ لما ذكرناه من بطلانه.

ص: 469


1- الكافي في الفقه، ص 297.
2- تقدّم في ص 467.

ولو حلّلها له قيل: تحل. وهو مروي. وقيل: لا ؛ لأن سبب الاستباحة لا يتبعض.

وخالف في ذلك الشيخ في النهاية حيث قال: حرمت عليه إلا أن يشتري النصف الآخر، أو يرضى مالك نصفها بالعقد، فيكون ذلك

عقداً مستأنفاً(1) . وتبعه تلميذه القاضي (2)

واستضعفه المصنّف هنا، وهو الظاهر؛ لأنه إن كان قد بطل بالشراء - كما هو الظاهر - فکیف بصیر صحيحاً بمجرد الرضى ؟! وإن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه بعد العقد؛ لأنّه وقع أوّلاً برضاه، ولم يتجدّد له ملك، فلا يقف على إجازته.

وتأوّله المصنّف في نكت النهاية بالحمل على إيقاع البيع على النصف الثاني، ويكون الطريق إلى حلّها في كلام الشيخ أمراً واحداً، وهو شراء النصف الآخر. والتقدير: إلا أن يشتري النصف الآخر من البائع ويرضى مالك ذلك النصف بالعقد، فتكون الإجازة له كالعقد المستأنف، ويكون الألف من قوله «أو» وقعت سهواً من الناسخ، أو يكون «أو» بمعنى الواو(3).

وهذا التأويل وإن كان بعيداً إلا أنّ بناء حكم الشيخ على ظاهره أبعد. قال العلّامة في المختلف بعد نقله لذلك: الوجه عندي أن الإشارة ب-«ذلك» إلى العقد الأوّل، وبطلانه في حقّ الشريك ممنوع(4).

وهذا الوجه ضعيف جداً؛ لأن العقد إذا لم يكن باطلاً في حقّ الشريك لا معنى لاعتبار رضى الشريك به بعد العقد مع ما فيه من لزوم تبعض سبب الإباحة.

قوله: «ولو حلّلها له قيل: تحلّ. وهو مروي. وقيل: لا؛ لأنّ سبب الاستباحة لا يتبعّض». هذا من جملة الأسباب المقتضية لإباحة الأمة المذكورة حينئذ للمشتري، وهو تحليل

ص: 470


1- النهاية، ص 480.
2- المهذب، ج 2، ص 219.
3- نكت النهاية، ج 2، ص 350.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 267، المسألة 185.

الشريك. وقد اختلف في إفادته الإباحة. فذهب الأكثر إلى عدم حلها بذلك، لاستلزامه تبعض سبب الإباحة، بمعنى حصوله بأمرين، مع أن الله تعالى حصره في أمرين: العقد والملك في قوله: (إِلّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم)(1)، والتفصيل قاطع للشركة. فلا يكون الملفّق منهما سبباً. والمعلوم من الآية منع الخلق والجمع معاً؛ لأنّ المنفصلة وإن احتملت الأمرين إلا أنّ هذا المعنى متيقن، ومنع الخلوّ خاصةً غير متيقن والأصل تحريم الفروج بغير سبب محلّل، وإذا احتمل الأمران وجب الاقتصار على المتحقق منهما. وذهب ابن إدريس إلى حلّها بذلك(2)، ولا يلزم التبعض؛ لأنّ التحليل شعبة من الملك من حيث إنه تمليك المنفعة، ومن ثمّ لم يخرج عن الحصر المذكور في الآية وإلا لما حلّت به.

وحينئذ فيكون حلّ جميعها بالملك.

ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه السلام في جارية بين رجلين دبراها جميعاً، ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لصاحبه، قال: «هو له حلال»(3).

وهذه الرواية تصلح شاهداً لغير ابن إدريس، فإنّه لا يستند إلى مثل هذه الأخبار مع صحتها فكيف مع ضعفها؟ وكلام ابن إدريس متوجه وإن كان المنع أولى.

و ما قيل - من بقاء التبعّض - من حيث إنّ بعضها يستباح بملك الرقبة والآخر بملك المنفعة وهما متغايران أو أنّ التحليل إما عقد أو إباحة وكلاهما مغاير لملك الرقبة فيلزم التبعّض(4) - فيه أنّ التبعّضَ الممنوع ما خرج عن القسمين المذكورين في الآية لا مطلق التبعيض؛ لأنّ الغرض رجوع ما قيل بأنه سبب للحلّ إلى ما ذكر في الآية من القسمين من

ص: 471


1- المؤمنون (23) : 6.
2- السرائر، ج 2، ص 603.
3- الكافي، ج 5، ص 482، باب نكاح المرأة التي بعضها حرّ وبعضها رق، ح 3: الفقيه، ج 3، ص 457، ح 4582: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 245 ، ح 1067. وفي الكافي رواها عن محمد بن قيس.
4- قاله ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 603.

وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرّاً لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد الدائم. فإن ها ياها على الزمان قيل يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها. وهو مرويّ. وفيه تردّد؛ لما ذكرناه من العلّة.

غير أن يكون مجتمعاً منهما معاً. ولمّا جعل التحليل راجعاً إلى ملك اليمين - لئلا يخرج عن القسمين كان مجموع ما يقع من أفراده سبباً واحداً، سواء كان مستنداً إلى ملك الرقبة، أم إلى التحليل، أم إليهما، أم إلى جملة أمور مجتمعة منهما أو من أحدهما، كما لو اشترى بعض الأمة واتهب البعض الآخر ، أو حلل له جميع الشركاء الأمة التي ليس له فيها شركة، أو اجتمع الأمران كما هنا، فيرجع الأمر كله إلى استباحة جميعها بالملك وإن اختلفت أسبابه. وأما ما قيل في وجه الإباحة بذلك والخروج عن التبعيض - من أنّ الأمة قبل التحليل من الشريك محرّمة بأجمعها وبالتحليل حلّت فليس السبب المحلل إلا التحليل، وهو واحد(1) - ففيه أنّ تحريمها قبل التحليل إنما كان لعدم تمام السبب، حيث إنّ بعضها مملوك له وبعضها لغيره، وتحليل الشريك أوجب تمام السبب لا أنه سبب تام في الحلّ، فإنّ الشريك لم يحلّل إلّا نصيبه، ولهذا لو كانت لشريكين فأحلّها أحدهما لم تحلّ. فظهر أنّ حلّها حيث كان من أحد الشريكين لصاحبه إنّما هو لتمام السبب به، لا لأنه سبب تام، وفرق بين الأمرين، والمدعى لا يتم إلا بالأمر الثاني دون الأول.

قوله: «وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرّاً إلى قوله - لما ذكرناه من العلّة». لا شبهة في أنّ وطء المالك للأمة التي قد انعتق بعضها غير جائز بالملك؛ لأن النصف الآخر حرّ، وليس تملك البعض كافياً في الحلّ. ولمّا عرفت أن الفرج لا يستباح بسببين مختلفين ظهر أنه لا يباح وطؤها أيضاً بالعقد، لاستلزامه تعدد السبب. وأولى منه أن لا يباح بالإباحة لذلك، ولأنّ المرأة ليس لها تحليل نفسها، بخلاف الشريك. وأما إذا ها يأها وعقد عليها متعة في أيامها فالأكثر على منعه؛ لأنه لا يخرج عن كونه

ص: 472


1- حكاه الشهيد عن العلّامة في غاية المراد، ج 3، ص 84 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

ومن اللواحق الكلام في الطوارئ

اشارة

وهي ثلاثة: العتق والبيع، والطلاق.

مالكاً لذلك البعض بالمهاياة، وهو يمنع من العقد؛ لاستحالة العقد على ملكه، وتعدّد السبب. وإليه أشار المصنّف بقوله: «لما ذكرناه من العلة ولأن منافع البضع لا تدخل في المهايأة، وإلا لحلّ لها المتعة بغيره في أيامها، وهو باطل اتفاقاً.

وقال الشيخ في النهاية بالجواز(1)؛ لرواية محمّدبن مسلم السابقة عن الباقرعلیه السلام في جارية بين شريكين دبّراها جميعاً، ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لشريكه، فقال: «هو له حلال». ثمّ قال: «وأيّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرّاً من قبل الذي مات ونصفها مدبّراً». قلت: أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسها أله ذلك؟ قال: «لا، إلا أن يثبت عتقها ويتزوجها برضى منها متى أراد». قلت: أليس قد صار نصفها حرّاً، وقد ملكت نصف رقبتها، والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال: «بلی». قلت: فإن هي جعلت مولاها في حلّ من فرجها له ذلك؟ قال: «لا يجوز ذلك». قلت: ولم لايجوز له ذلك كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحلّ فرجها لشريكه منها ؟ قال: «إنّ الحرّةَ لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلّله، ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم، فإنّ أحبّ أن يتزوّجها متعة في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشيء قلّ أو كثر»(2). وفي الطريق ضعف، فالقول بالمنع أصح. واعلم أنه لا يخفى أنّ المولى لو أذن لها في النكاح صح دواماً ومتعة؛ لاتحاد سبب الإباحة بالعقد. والمهر بينهما بقدر الاستحقاق.

قوله: «ومن اللواحق الكلام في الطوارئ، وهي ثلاثة: العتق والبيع، والطلاق». سمّيت هذه الأمور الثلاثة بذلك؛ لأنّها تطرأ على عقد الأمة فتوجب حكماً لم يكن قبل ذلك، من التسلّط على فسخ العقد، وتحريمها في بعض الموارد، كما ستقف عليه مفصّلاً.

ص: 473


1- النهاية، ص 494 - 495.
2- سبق تخريجها في ص 471 الهامش 3.
أما العتق:

فإذا أُعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها، سواء كانت تحت حرّ أو عبد ومن الأصحاب من فرّق. وهو أشبه والخيار فيه على الفور.

وإطلاق الطوارئ عليها أولى من إطلاق المبطلات للعقد كما ذكره غيره(1)؛ لأنّها لا تبطله مطلقاً كما لايخفى، بل قد تبطله، وقد يؤول إلى الإبطال.

وإنما خص الأمور الثلاثة - مع أنّ الطارئ على نكاح المماليك غير منحصر فيها - لكثرة مباحثها وتشعب أحكامها، فناسب تخصيصها بالذكر، وذكر الباقي في ضمنها أو في محلّ

آخر يناسبه.

قوله: «فإذا أُعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها» إلى آخره.

إذا تجدد عتق الأمة بعد تزويجها بعبد كان لها الخيار بإجماع المسلمين. والأصل فيه أن بريرة أعتقتها عائشة فخيّرها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(2)، واختلفت الروايات في أنّ زوجها - واسمه مغيث - هل كان حرّاً أو عبداً؟(3).

والقدر المتفق عليه تخييرها لو كان عبداً. وهو أيضاً موافق للحكمة، لحدوث الكمال لها

وبقاء نقصه بالعبودية المقتضي لتضرّرها من حيث إنّ سيّده يمنعه عنها بحقوقه، ولا ينفق

على ولدها ولا ولاية له عليهم، ولا ترث منه إلى غير ذلك من الموجبات للضرر. واختلفوا في ثبوت الخيار لها إذا كان الزوج حرّاً، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية(4)، والمصنّف فى النافع(5) إلى ثبوته أيضاً؛ لعموم صحيحة أبي الصباح الكناني

ص: 474


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 57.
2- الكافي، ج 5، ص 485 - 486، باب الأمة تكون تحت المملوك فتعتق...،ح 1، و ص 486، ح 2 و 4، و ص 487، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 341 - 342، ح 1396.
3- مسند أحمد، ج 7، ص 64، ح 23630، و ص 166، ح 24318، و ص 243، ح 24838 و 24839، و ص 247، ح 24865 ، و ص 251، ح 24898، و ص 299، ح 25227؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 670 - 671. ح 2074 - 2076 السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 358 - 365 . ح 14255 - 14280.
4- النهاية. ص 479.
5- المختصر النافع، ص 292.

عن الصادق(علیه السلام)، قال : «أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها، إن شاءت أقامت ، وإن شاءت فارقته(1).

ورواية زيد الشحام عنه(علیه السلام) قال: «إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيّرت وإن كانت تحت حرّ أو عبد»(2).

وقريب منه رواية محمد بن آدم عن الرضاعلیه السلام(3).

وذهب المصنف(رحمه الله) في هذا الكتاب وقبله الشيخ في المبسوط والخلاف(4) إلى عدم الخيار؛ لأصالة لزوم العقد، فحدوث الخيار يحتاج إلى دليل، وهو منتف في الحرّ؛ لما روي من أنّ زوج بريرة كان عبداً، وهو أصل الحكم.

و جوابه أنّ الدليل موجود وهو الرواية الصحيحة السابقة الدالة بعمومها عليه.

وخصوص الروايتين الأخيرتين شاهد صريح وإن ضعف طريقهما(5).

وأما زوّج بريرة فقد اختلفت الروايات فيه، ففي بعضها: أنه كان عبداً(6)، وفي آخر أنه كان حرّاً(7). وعلى هذا فدالّة(8) على مطلوبنا، وعلى الأوّل لا يدلّ إلّا من حيث المفهوم المخالف، وهو ضعيف، فكيف مع معارضته للمنطوق ؟! ولو كان مبعضاً فأولى بالثبوت. وكذا المدبّر والمكاتب.

ص: 475


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 341 ، ح 1394.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 342، ح 1401.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 342، ح 1400.
4- المبسوط، ج 3، ص 508: الخلاف، ج 4، ص 353 - 354، المسألة 134.
5- أما ضعف الأولى فبأبي جميلة المفضّل بن صالح كما في رجال ابن داود، ص 518، الرقم 496؛ وأما ضعف الثانية فالظاهر بمحمد بن آدم؛ لأنّه مجهول لم يمدح ولم يذم راجع رجال الطوسي، ص 368، الرقم 5470، وبالإرسال.
6- مسند أحمد، ج 7، ص 166، ح 24318، و ص 243، ح 24839، و ص 299، ح 25227.
7- مسند أحمد، ج 7، ص 64 ، ح 23630، و ص 243، ح 24838، و ص 247، ح 24865.
8- في المطبوع وبعض النسخ: «فدلالته».

إذا تقرر ذلك فهذا الخيار على الفور، ويظهر من الجماعة(1) الاتفاق عليه؛ اقتصاراً في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين والضرورة، والظاهر قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) البريرة: «ملكتِ بضعكِ فاختاري»(2) فإنّ «الفاء» للتعقيب بغير مهلة. ويحتمل كونه على التراخي، لثبوت الخيار في الجملة إجماعاً، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل والفاء اقتضت ثبوت الخيار من حين العتق بلا فصل ونحن نقول به لكنه لا ينافي امتداده ويؤيّده ما روي أنّ مغيثاً كان يطوف خلفها في سكك المدينة يترضاها لتختاره، وطلب من النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) أن يشفع له إليها فشفع فلم تقبل(3)، ولو كان على الفور لبطل حقها بالتأخير واستغنى عن الشفاعة.

وأجيب(4)، بأنّ ظاهر الحديث أن الشفاعة كانت بعد فسخها، ولذلك روي أنه كان يطوف ويبكي، ولم يأمرها صلى الله عليه وآله وسلم بترك الفسخ، بل قال لها: «لو راجعته فإنه أبو ولدك» فقالت: يا رسول الله تأمرني بأمرك ؟ فقال: «لا، إنما أنا شافع» فقالت: لا حاجة لي فيه. والظاهر أن المراد من المراجعة تجديد النكاح.

وفيه نظر؛ لأنّ ما ذكر من الرواية ليس صريحاً في وقوع الفسخ وكون ذلك على وجه المراجعة، وفي بعض ألفاظ الرواية تصريح بكون ذلك طلباً للاختيار، فعن ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: كان زوج بريرة يقال له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف وراها في سكك

ص: 476


1- منهم المفيد في المقنعة ، ص 507 ؛ والشيخ في النهاية ، ص 476: وابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 216: وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 596.
2- الحاوي الكبير، ج 9، ص 357.
3- صحيح البخاري، ج 5، ص 2023 ، ح 4977 و 4978 و 4979؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 671، ح 2075 المعجم الكبير، ج 11، ص 345 ، ح 11962؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 362 ، ح 14267؛ المصنف، الصنعاني، ج 7، ص 250، ح 13010.
4- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 102؛ وللرواية راجع صحيح البخاري، ج 5، ص 2023، ح 4979، مع اختلاف والسنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 362، ح 14267.

المدينة، وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضّاها لتختاره، فلم تفعل(1). وفي رواية أخرى أنه قال لبريرة: «إن قَرَبَكِ فلا خيار لَكِ»(2). وهو دليل على التراخي. وفي روايات الأصحاب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: «اختاري» بغير فاء، رواه عبد الله بن سنان في الصحيح(3) وغيره(4)، والأمر لا يفيد الفور. وعلى كل حال فلا خروج عمّا عليه الأصحاب.

بقي في المسألة مباحث يتم بها أحكامها:

الأوّل: الحكم معلّق على عتق مجموع الأمة، فلو أعتق بعضها فلا خيار لها، وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده. ولا فرق بين كون الأكثر هو بعض الحرّية أو الرقية؛ لانتفاء

المقتضي فيهما. ولو كمل عتقها تخيّرت حينئذ ، لوجود المقتضي في هذه الحالة.

الثاني: لو كان الزوج عبداً، وقلنا باختصاص الحكم به، فلم تتخيّر حتى أُعتق، مع عدم منافاته الفورية كما لو لم تعلم بالعتق حتى أعتق، ففي بقاء خيارها أو زواله وجهان، أصحهما الأوّل، لثبوته بالعتق، والأصل بقاؤه كما في سائر الحقوق، ولم يثبت أن تجدد الحرّية من مسقطاته.

ووجه السقوط زوال الضرر بحريته، وأن سبب الخيار على هذا القول مركب من تجدد حريتها ورقيته، والمركب يرتفع بانتفاء بعض أجزائه. ويضعف بتمامية السبب قبل عتقه. وكونه شرطاً في الثبوت لايقتضي شرطيته في البقاء.

الثالث: لو كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال. وليس للولي هنا تولّي الاختيار؛ لأنّه منوط بالشهوة والميل القلبي، فلا يعتد بوقوعه من غيرها. فإذا كملت كان لها

ص: 477


1- سنن الدارقطني ، ج 3، ص 222 ، ح 13717 / 183 و 3718 / 184؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 361،ح، 14263 - 14265 مع اختلاف يسير.
2- سنن الدارقطني، ج 3، ص 222 - 223، ح 3719 / 185.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 341، ح 1395؛ مسند أحمد، ج 7، ص 258، ح 24940.
4- الكافي، ج 5، ص 487، باب الأمة تكون تحت المملوك...،ح 5 عن سماعة.

الخيار حينئذٍ على الفور. وللزوج الوطء قبل الاختيار لبقاء الزوجيّة ما لم تفسخ وكذا القول في وطئه قبل اختيارها وهي كاملة حيث لا ينافي الفورية.

الرابع: لا فرق في ثبوت الخيار بين كونه قبل الدخول وبعده. ثم إن كان قبله سقط المهر؛ لأنّ الفسخ جاء من قبلها كما مرّ. وإن كان بعده فهو بحاله؛ لاستقراره بالدخول، سواء كان العتق قبل الدخول أم بعده على الأصح؛ لأنّ الفسخ إنّما يرفع النكاح من حينه وإن كان سببه قبل الدخول. وحينئذ فقد استقر المسمى. وحيث يستقر باختيارها الزوج أو بالدخول قبل الفسخ فهو للسيد؛ لوجوبه بالعقد على الأصح، وكونها حالة العقد مملوكة.

الخامس: لو أخّرت الفسخ جهلاً بالعتق لم يسقط خيارها. وكذا مع علمها به وجهل الخيار، أو الفورية على الأقوى. وكذا لو نسيت أحدها وتقبل دعواها الجهل والنسيان مع

إمكانه في حقها مع اليمين؛ لأنّ ذلك لا يعرف إلا من قبلها، وأصالة الجهل مستصحبة. وربما فرّق بين الجهل بأصل الخيار والجهل بفوريته، وحكم بعذرها في الأول دون الثاني من حيث اندفاع الضرر مع العلم بالخيار، ولإشعاره بالرضى حيث أخرت حينئذ. وجوابه: أنّ التأخير جاز أن يكون لفائدة التروّي ونحوه، فحيث لا تعلم باشتراط الفورية لم يكن التأخير دليلاً على الرضى، وغايته كونه أعم فلا يدلّ على الخاص.

السادس: يستثنى من الحكم بتخييرها على الإطلاق صورة واحدة، وهي ما إذا كان قد زوجها بمقدار ثلث ماله، وقيمتها ثلث آخر، وترك بقدر قيمتها، ثمّ أعتقها في مرضه، أو أوصى بعتقها ووقع العتق قبل الدخول، فإنّ تخيّرها الفسخ يوجب سقوط المهر كما مرّ فلا ينفذ العتق في جميعها؛ لانحصار التركة حينئذ في الجارية ومقدار قيمتها، فيبطل العتق فيما زاد على الثلث فيبطل خيارها؛ لاشتراطه بعتق جميعها كما سلف، فيؤدي ثبوته إلى عدم ثبوته وهو دور.

ولا فرق في ذلك بين وقوع التزويج في مرضه وعدمه؛ لأن تزويجها لا يتضمن إتلافاً بل اكتساباً للمهر.

ص: 478

ولو عتق العبد لم يكن له خيار، ولا لمولاه، ولا لزوجته، حرّةً كانت أو أمة؛ لأنها رضيته عبداً.

. ولو زوّج عبده أمته ثمّ أعتق الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار. وكذا لو كانا المالكين فأُعتقا دفعةً.

نعم يشترط وقوع العتق في المرض إذا جعلنا منجزات المريض من الثلث، أو كونه بطريق الوصية كما مثلناه. ولو كان العتق في حال الصحة أو بعد الدخول فالتخيير بحاله.

قوله: «ولو عتق العبد لم يكن له خيار - إلى قوله - لأنها رضيته عبداً».

إنّما لم يكن له خيار كالأمة؛ لوجود النص المثبت لخيارها دونه(1)، ولأنّ تخلّصه منها بالطلاق بيده بخلافها. وأثبت له الخيار بعض العامة قياساً عليها(2). وكما لايثبت له الخيار لايثبت لمولاه لانتفاء المقتضى فى حقه. وكذا لا خيار لزوجته، حرّة كانت أم أمة؛ لأنّها رضيته عبداً فأولى أن ترضى به حراً. وهذا التعليل موجود في رواية علي بن حنظلة عن أبي عبدالله(علیه السلام) إلى قوله: «لا، قد تزوّجته عبداً ورضيت به، فهو حين صار حراً أحق أن ترضی به»(3).

قوله: «ولو زوّج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار» إلى آخره. وجه الخيار مع تقدم عتقها واضح؛ لأنه حينئذ عبد فيثبت لها الخيار إجماعاً، عملاً بالأدلة السابقة. وأما إذا اعتقا دفعةً - سواء كانا لمالك واحد أم مالكين - فثبوت الخيار لها مبني على تخيّرها لو كانت تحت حرّ؛ لأن عتقهما دفعةً اقتضى كون الحكم بخيارها حال حرّيته، فلا يتم لها الخيار إلا على القول به والمصنّف قد نفاه فيما سبق. وقد نبه العلّامة في القواعد(4) على ترتّب الحكم بتخييرها حينئذ على الخلاف. وهو أجود مما ذكره المصنف من

ص: 479


1- راجع ص 474 الهامش 2 و 3، وفي ص 475، الهامش 1 - 3.
2- الحاوي الكبير، ج 9، ص 367؛ وراجع حلية العلماء، ج 6، ص 423، وفيه: «لم يثبت له الخيار في أحد الوجهين».
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 343 ، ح 1405.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 57.

ويجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها. ويثبت عقده عليها بشرط تقديم لفظ العقد على العتق، بأن يقول: «تزوّجتك وأعتقتك، وجعلت عتقك مهرك»؛ لأنه لو سبق بالعتق لكان لها الخيار في القبول والامتناع.

وقيل: لا يشترط؛ لأنّ الكلام المتصل كالجملة الواحدة. وهو حسن. وقيل: يشترط تقديم العتق؛ لأن بضع الأمة مباح لمالكها، فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك والأوّل أشهر.

هذا الوجه. وفي التحرير وافق على اختصاص التخيير بما لو كان الزوج عبداً، وأثبت الخيار لها على تقدير عتقهما معاً كما هنا(1)

قوله: «ويجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها إلى قوله - لها الخيار في القبول والامتناع». من القواعد المعلومة أن تزويج الإنسان بأمته بأي مهر كان باطل، إلا إذا جعل مهرها عتقها، فإنّه يجوز عند علماء أهل البيت(علیهم السلام) قاطبةً ، قال في المختلف: لا نعرف فيه مخالفاً من علمائنا(2).

والأصل فيه أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) اصطفى صفيّة بنت حييّ بن أخطب من ولد هارون بن عمران في فتح خيبر، ثمّ أعتقها وتزوّجها وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة(3).

والأخبار من طرق أهل البيت(علیهم السلام) في ذلك كثيرة دالة على تعدية الجواز إلى غيره(صلی الله علیه وآله وسلم) خلاف ما يقوله كثير من العامّة أنّ ذلك من خصائصه(صلی الله علیه وآله وسلم)(4)، فروى محمد بن مسلم عن الباقرعلیه السلام قال: «أيّما رجل شاء أن يعتق جاريته ويتزوجها ويجعل صداقها عتقها فعل»(5).

ص: 480


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 510، الرقم 5080.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 285، المسألة 204.
3- إعلام الورى، ج 1، ص 278؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 221، ح 2054؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 93،ح 13367 مع اختلاف.
4- الحاوي الكبير، ج 9، ص 22 روضة الطالبين، ج 5، ص 355.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 706: الاستبصار، ج 3، ص 209، ح 756.

وروى عبيد بن زرارة عن الصادق(علیه السلام) قال قلت له: رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك، فقال: «جائز»(1).

وروى الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يعتق الأمة ويقول: مهرك عتقك، فقال: «حسن»(2). وغير ذلك من الأخبار(3).

وقد أورد المصنف (رحمه الله) في النكت على ذلك سؤالات وأجاب عنها. وحاصلها: أنه كيف يجوز أن يتزوّج جاريته وهي مملوكة البضع بغير التزويج؟! وكيف يتحقق الإيجاب والقبول وهي مملوكته؟! ثم المهر يجب أن يكون متحققاً قبل العقد، ومع تقديم التزويج - الذي هو مذهب الأكثر - لا يكون متحققاً. ثمّ يلوح منه الدور، فإنّ العقدَ لايتحقق إلا بالمهر الذي هو العتق والعتق لا يتحقق إلا بعد العقد.

وأجاب(رحمه الله): بأنّه إنّما يمنع من العقد على مملوكته مع بقاء الرقيّة، وليست باقية هنا؛ لأن العقد والعتق متقارنان، ولأنّه كما جاز أن يعقد لغيره عليها لعدم تملّك ذلك الغير، جاز أن يعقد عليها لنفسه لعدم استقرار ملكه، فإنّها تصير حرّ ونمنع وجوب تحقق المهر قبل العقد، ولم لايجوز أن يكتفى بمقارنته للعقد؟ وهو هنا كذلك، فإنّ المهر العتق، وهو يقارن العقد، سواء تقدّم التزويج أم تأخر.

والدور غير لازم ؛ لأنّا نمنع توقف العقد على المهر وإن استلزمه ، فإنّ العقد عليها في نفسه ،جائز، ولها صلاحيّة الإصداق كغيرها ، فلم لا يجوز جعلها أو جعل فك ملكها مهراً لها ؟(4)

ص: 481


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 707؛ الاستبصار، ج 3، ص 209، ح 757.
2- الكافي، ج 5، ص 475 ، باب الرجل يعتق جاريته...،ح 1.
3- الكافي، ج 5، ص 476، باب الرجل يعتق جاريته...، ح 2 و 3 و 5؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 708.
4- نكت النهاية، ج 2، ص 393 - 395.

نعم، لو سلّمنا منافاة هذه المسألة للأُصول فقد ورد النقل المستفيض عن أهل البيت(علیهم السلام)بجوازه على وجه لا يمكن ردّه، فوجب المصير إليها، وتصير أصلاً بنفسها، كما صار ضرب الدية على العاقلة أصلاً.

إذا تقرّر ذلك فقد اختلف الأصحاب في اشتراط تقديم التزويج على العتق وعكسه و جواز كلّ منهما، فالمشهور بينهم اشتراط تقديم التزويج ذهب إليه الشيخ في النهاية(1) وأتباعه(2) وجماعة(3) ومنهم المصنف في النافع(4) ؛ لرواية علي بن جعفر عن أخيه(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك مهرك فقال: «عتقت، وهي بالخيار إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت فلا، فإن تزوّجته فليعطها شيئاً، وإن قال: قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإنّ النكاح باطل، ولا يعطيها شيئاً»(5). ورواية محمّد بن آدم عن الرضا(علیه السلام) في الرجل يقول لجاريته: قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك، قال: «جاز العتق والأمر إليها إن شاءت زوجته نفسها، وإن شاءت لم تفعل، فإن زوجته نفسها فأحب له أن يعطيها شيئاً»(6).

وفي دلالتهما على المطلوب - مع قطع النظر عن سندهما - بُعد ؛ لأنّ القائلَ بالصحّة على تقدير تقديم العتق يعتبر معه التصريح بالتزويج وهو منتف في الروايتين، فإنّه لم يذكر فيهما سوى العتق والمهر ولم يصرّح بالتزويج.

ص: 482


1- النهاية، ص 497.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 247؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 304؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 412.
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 638: ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 442 والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 59.
4- المختصر النافع، ص 293.
5- الفقيه، ج 3، ص 413، ح 4447؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 710؛ الاستبصار، ج 3، ص 210،ح 760، وفيها: «فإنّ النكاح واقع».
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 201، ح 709؛ الاستبصار، ج 3، ص 210، ح 759.

ويدلّ عليه تصريحه بالبطلان في رواية عليّ بن جعفر مع تقديم التزويج الذي هو مطلوبهم، فكيف يستدلّون على اشتراط تقديمه بها؟

واستدلوا أيضاً بما ذكره المصنّف من أنّ العتق لو سبق صارت حرّةً، فلم يتعين تزويجها بدون رضاها، بل كان لها الخيار في القبول والامتناع.

وجوابه ما سيأتي من أنّ الكلام لا يتمّ إلّا بآخره(1)، فلايقع العتق بدون التزويج، كما لو قال: «أعتقتك وعليك خدمة سنة» فإنّه يصح العتق، وتلزمه الخدمة.

وذهب الشيخ في الخلاف(2) وأبو الصلاح(3) إلى اشتراط تقديم العتق، واختاره العلّامة في المختلف والإرشاد(4)، وولده فخر الدين في شرحه(5)؛ لرواية عبيد بن زرارة السابقة عن الصادق(علیه السلام) المتضمنة لتقديم قوله: أعتقتك، فقال: «جائز»(6).

وأورد عليها أنّ المطلوب اللزوم، والجواز أعم منه.

وأجيب(7) بأنّ المتبادر من مثل هذا الجواز إرادة الصحة؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن حكم هذا العقد من حيث صحته وفساده، فإذا أُجيب بالجواز كان معناه الصحة، وهو مجاز شائع. ولأنه يلزم من صحته وأن يكون جائزاً، ويمتنع أن يراد بالجواز التزلزل؛ لأنّ النكاح على هذا التقدير غير متزلزل، بل إمّا واقع لازماً أو غير واقع. وأيضاً فالمسؤول عنه اللزوم، فلو أريد غيره لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو وقت السؤال.

وفي الرواية أيضاً خلوها من لفظ التزويج كالأوليين.

ص: 483


1- سيأتي في ص 484.
2- الخلاف، ج 4، ص 268، المسألة 22.
3- الكافي في الفقه، ص 317.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 286. المسألة 204: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 13.
5- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 155.
6- سبق تخريجها في ص 481 الهامش 1.
7- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 122 - 123.

وأجيب بأنّ اعتبار لفظه لا خفاء فيه، فلعل السائل اعتمد على ظهوره واقتصر في السؤال على موضع الحاجة(1) .

وفيه أنّه وارد فى الأوليين، وقد رُدّتا بذلك.

واحتجوا له أيضاً بما ذكره المصنّف من أن بضع الأمة مباح لمالكها بدون العقد فلا يستباح بالعقد، فلا بد من تقديم العتق ليقع العقد على الحرّة.

ويضعف بأنّ الكلام إنما يتم بآخره، ولو لا ذلك لم يصح جعل العتق مهراً؛ لأنه لو حكم بوقوعه بأوّل الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المأتي به بعده. ومن دليل الفريقين وجوابهما ظهر أنّ الحق عدم الفرق بين تقديم العتق والتزويج.

وهو الذي استحسنه المصنّف وأكثر المتأخرين. بقي في المسألة بحث آخر، وهو أنه هل يفتقر في صحة النكاح مع الصيغة الواقعة من المولى إلى لفظ من الأمة يدلّ على الرضى أم لا؟ الظاهر من إطلاق النصوص والفتاوى عدمه، ولأنّ حلّ الوطء ثابت له فهو بمنزلة التزويج فإذا أعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها كان في معنى استثناء حلّ نكاحها من مقتضيات العتق؛ لأنّ مقتضاه بدون التحريم، ولأنها حال الصيغة رقيقة لا اعتبار برضاها فلو اعتبر لزم بطلان ما وقع من المولى؛ لأنه قائم مقام القبول من حيث إنه وظيفته، ووظيفة الإيجاب من جانبها. ولابدّ من كمال المتعاقدين حال الإيجاب والقبول معاً ، وهو منتف هنا.

وقيل: يشترط قبولها بعد ذلك، لاشتمال الصيغة على عقد النكاح، وهو مركب شرعاً من الإيجاب والقبول ولا يمنع منه كونها رقيقة؛ لأنّها بمنزلة الحرّة حيث تصير حرّة بتمامه، فرقينها غير مستقرة، ولولا ذلك لامتنع تزويجها. والواقع منها منزل منزلة الإيجاب وإن كان بلفظ القبول؛ لحصول ما يعتبر في العقد من اللفظ الواقع من المولى، فكان المعتبر من جانبها

ص: 484


1- جامع المقاصد، ج 13، ص 123.

وأُمّ الولد لاتنعتق إلا بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها. ولو عجز النصيب سعت في المتخلف ولا يلزم ولدها السعى فيه. وقيل: يلزم. والأول أشبه.

مجرد الرضى به سواء سميناه إيجاباً أم قبولاً والأوّل أقوى(1).

قوله: «وأمّ الولد لا تنعتق إلا بعد وفاة مولاها - إلى قوله - والأوّل أشبه لا ريب أنّ مجرّد الاستيلاد ليس سبباً في العتق نعم، تتشبث به بالحرية. وإنما تعتق بموت المولى؛ لأنّ ولدها ينتقل إليه منها شيء، أو ينتقل جميعها إذا كان هو الوارث خاصة فتنعتق عليه ما يرثه منها؛ لما علم من أنّ ملك الولد لأحد أبويه يوجب عتقه عليه مطلقاً. ولو بقي منها شيء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به، وإلا عتق بقدره. ولو عجز النصيب عن المتخلّف منها سعت فيه هي، ولا يلزم ولدها السعي فيه. ولا يسري عليه لو كان له مال من غير التركة، لما سيأتي إن شاء الله تعالى أن السراية مشروطة بالملك الاختياري(2) والإرث ليس منه وإنّما سرى عليه في باقي نصيبه من التركة لإطلاق النصوص الكثيرة أنها تعتق من نصيبه من التركة(3) وإلّا لكان الأصل يقتضي أن لا يعتق عليه سوى نصيبه منها.

والقائل بوجوب سعي الولد في فك باقيها ابن حمزة(4)، وقريب منه قول الشيخ في المبسوط، فإنّه أوجب على الولد فكها من ماله(5). وقال في النهاية: يجب السعي على الولد إذا كان ثمنها ديناً على مولاها ، ولم يخلّف غيرها(6). والأقوى الأوّل؛ لأصالة البراءة من وجوب السعي عليه، وعدم المقتضي للسراية عليه حتى يجب عليه فكها من بقيّة ماله لعدم الاختيار في ملكها.

ص: 485


1- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 119.
2- يأتي في ج 8، ص 365 في بحث السراية من كتاب العتق.
3- راجع الكافي، ج 1، ص 192، باب أمهات الأولاد، ح 3؛ والفقيه، ج 3، ص 140، ح 3516 - 3517؛ وتهذيب الأحكام، ج 8، ص 227 . ح 815، و ص 238، ح 860؛ والاستبصار، ج 4، ص 12، ح 37.
4- الوسيلة، ص 343.
5- المبسوط، ج 4، ص 566.
6- النهایة،ص،547.

ولو مات ولدها وأبوه حتى جاز بيعها وعادت إلى محض الرقّ.

ويجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها. وقيل: يجوز بيعها بعد وفاته فى ديونه وإن لم يكن ثمناً لها، إذا كانت الديون محيطة بتركته بحيث لا يفضل عن الدين شيء أصلاً.

وهذه المسألة بباب الاستيلاد أنسب، وسنذكرها فيه مرّةً أُخرى(1)، وإنما ذكرها هنا ليفرع عليها ما سيأتي من قوله: «ولو كان ثمنها ديناً فتزوّجها المالك»(2) إلى آخره، فإنّه من مسائل النكاح.

قوله: «ولو مات ولدها وأبوه حيّ جاز بيعها وعادت إلى محض الرقّ». التقييد بموته في حال حياة أبيه ليخرج ما لو مات بعده، فإنها حينئذ تعتق عليه كما مرّ. ونبه بقوله: «عادت إلى محض الرقّ» على أنّها بالاستيلاد لم تخرج من أصل الرقّ، وإنّما تشبثت بالحرّية من حيث صلاحيتها حينئذ للعتق بموت سيدها وولدها حيّ، فإذا م--ات الولد في حياة أبيه زالت تلك العلاقة التي تشبثت بها، ورجعت إلى الرق المحض المجوز للبيع وغيره. وهذا مذهب ،علمائنا، وخالف فيه الجمهور(3).

قوله: «ويجوز بيعها مع وجود ولدها - إلى قوله - لا يفضل عن الدين شيء أصلاً».

لا خلاف في جواز بيعها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلّف سواها. واختلفوا فيما إذا كان حيّاً في هذه الحالة. والأقوى جواز بيعها في الحالين، وهو الذي قطع به المصنّف ولم يفرّق بين الأمرين، ولم ينقل خلافاً فيه، لندور القائل به، وضعف مستنده. ويدلّ على جواز بيعها في ثمن رقبتها مطلقاً رواية عمر بن يزيد عن أبي الحسن(علیه السلام).

ص: 486


1- يأتي في ج 8، ص 522، في الاستيلاد.
2- سيأتي في ص 488.
3- الحاوي الكبير، ج 18، ص 308 - 312؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 12، ص 505، المسألة 8861.

قال: سألته عن أم الولد تباع في الدين؟ قال: «نعم، في ثمن رقبتها»(1) وروى عمر بن يزيد في الصحيح، قال قلت لأبي إبراهيم(علیه السلام): أسألك؟ قال: «سل» قلت: لم باع أمير المؤمنين(علیه السلام) أمهات الأولاد؟ قال: «في فكاك رقابهن». قلت: وكيف ذلك؟ قال: «أيّما رجل اشترى جارية فأولدها، ثمّ لم يؤد ثمنها، ولم يدع من المال ما يؤدى عنه، أخذ

ولدها منها وبيعت فأدّي عنها». قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال: (لا)(2) وهذه الرواية كما دلّت على جواز بيعها في ثمن رقبتها في هذه الحالة مطلقاً - الشاملة لموت المولى وعدمه - دلّت على عدم جواز بيعها في غيره من الديون الشامل لما لو استغرقت التركة.

والقول المحكيّ بجواز بيعها في دينه - وإن لم يكن ثمناً لها - مع موته واستغراق الدين للتركة لابن حمزة(3)، واختاره الشهيد في اللمعة(4)، وتوقف في المختلف(5). ووجهه أنّ عتقها بعد موت مولاها إنّما هو من نصيب ولدها، ولا نصيب له على تقدير استغراق الدين التركة؛ لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)(6)، ولرواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام) وفي آخرها قال: «وإن مات وعليه دين قدمت على ابنها، فإن كان ابنها صغيراً انتظر به حتى يكبر، ثمّ يجبر على قيمتها»(7).

ص: 487


1- الكافي، ج 6، ص 192، باب أُمهات الأولاد، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 238، ح 859؛ الاستبصار، ج 4،ص 12، ح 35.
2- الكافي، ج 1، ص 193، باب أمهات الأولاد، ح 5: الفقيه، ج 3، ص 139، 3515؛ تهذيب الأحكام، ج 8،ص 238، ح 862 الاستبصار، ج 4، ص 12، ح 36.
3- الوسيلة، ص 343.
4- اللمعة الدمشقية، ص 138 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 157، المسألة 121.
6- النساء (4): 12.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 80، ح 344 : و ج 8، ص 214، ح 764 ، و ص 239 - 240، ح 865؛ الاستبصار، ج 4، ص 14، ح 41.

ولو كان ثمنها ديناً فتزوجها المالك وجعل عتقها مهرها ، ثمّ أولدها وأفلس بثمنها ومات، بيعت في الدين وهل يعود ولدها رقاً؟ قيل: نعم؛ لرواية هشام بن سالم والأشبه أنّه لا يبطل العتق ولا النكاح ولا يرجع الولد رقاً؛ لتحقق الحرّيّة فيهما.

وجوابه: أنّ الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقاً، وإن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدين فينعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين، ويلزمه أداء مقدار قيمة النصيب من ماله. والرواية قاصرة سنداً ودلالةً، ومشتملة من الأحكام على ما لا يوافق الأصول، فلا اعتداد بها.

قوله: «ولو كان ثمنها ديناً فتزوجها المالك - إلى قوله - لتحقق الحرّية فيهما». القول المذكور للشيخ في النهاية(1) وأتباعه(2)، وقبله لابن الجنيد(3)؛ تعويلاً على صحيحة هشام بن سالم عن أبي بصير، قال: سئل أبو عبدالله(علیه السلام) عن رجل باع من رجل جارية بكراً(4) إلى سنة، فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوّجها، وجعل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك بشهر، فقال أبو عبد الله(علیه السلام): «إن كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإنّ عتقه ونكاحه جائز، وإن لم يملك مالاً أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلاً؛ لأنه عتق ما لا يملك، وأرى أنها رق لمولاها الأول». قيل له: وإن علقت من الذي أعتقها وتزوجها ما حال ما في بطنها؟

فقال: «الذي في بطنها مع أُمه كهيئتها»(5).

ص: 488


1- النّهاية، ص 498.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 248 و 361؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 412 - 413.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 291، المسألة 204؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 159.
4- في بعض النسخ وكذا في الكافي: «بكذا» بدل «بكراً».
5- الكافي، ج 1، ص 193، باب نوادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 202، ح 714، و ص 213، ح 762؛ الاستبصار، ج 4، ص 10، ح 29.

قال المصنف(رحمه الله) في النكت:

إن سلّم هذا النقل فلا كلام؛ لجواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة لا نتعقلها. لكن عندي أن هذا خبر واحد لا يعضده دليل، فالرجوع إلى الأصل أولى(1) . وهنا صرّح بردّها، وقبله الفاضل ابن إدريس(2)؛ لمخالفتها الأصول الشرعيّة المقتضية لصحة التزوّيج والعتق لمصادفتهما الملك الصحيح، وصدورهما من أهلهما في محلّهما الموجب لصحتهما وحرية الولد.

وقد اختلف المتأخرون في تأويلها لاعتنائهم بها من حيث صحة السند، فحملها العلّامة على وقوع العتق والنكاح والشراء في مرض الموت بناءً على مذهبه من بطلان التصرف المنجز مع وجود الدين المستغرق(3). وحينئذٍ فترجع رقّاً، وتبين بطلان النكاح.

واعترضه السيد عميد الدين ب: أنّ الرواية اقتضت عودها وولدها رقاً كهيئتها، وتأويله لا يتم إلا في عودها إلى الرق لا

في عود الولد؛ لأنّ غايته بطلان العتق في المرض فتبقى أمته، فإذا وطئ الحر أمته لا ينقلب ولده رقاً، بل غايته أن أُمّه تباع في الدين(4) .

وأجاب ولده فخر الدين عن ذلك ب: أنه ليس في الرواية ما يدلّ على رقية الولد. إذ ليس فيها إلّا قوله: «كهيئتها» وهو أعم من أن يكون كهيئتها في حال الحكم بحريتها قبل ظهور عجزه عن الثمن فيكون حراً، أو بعده فيكون رقاً، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات(5).

ص: 489


1- نكت النهاية، ج 2، ص 397.
2- السرائر، ج 2، ص 639.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 291. المسألة 204.
4- كنز الفوائد، ج 2، ص 436 - 437.
5- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 160.

ورده الشهيد (رحمه الله)في شرح الإرشاد ب: أنّ هذا كلام على النص، فإنّ المفهوم من قوله: «كهيئتها» ليس إلا أن حكمه حكمها في حال السؤال، وقد حكم قبل ذلك بأنها رق فيكون الولد رقاً، فهو دال على رقيّة الولد بالمطابقة؛ إذ هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى. وتجويز مثل هذا التأويل يمنع التمسك بجميع النصوص، وفي التزامه ما لا يخفى(1).

وقد ظهر بذلك أنّ الحمل لا يتم في الولد. ويشكل في الأُمّ أيضاً من وجه آخر، وهو أنّ الرواية دلّت على عودها رقاً للبائع، ومقتضى الحمل جواز بيعها في دينه لا عودها إلى ملكه.

وحملها بعضهم على فساد البيع وعلم المشتري به، فإنّه يكون زانياً وتلحقه الأحكام(2). ورد بأنّ الرواية تضمّنت أنه إذا خلّف ما يقوم بقضاء ما عليه يكون العتق والنكاح جائزين، ومع القول بفساد البيع لا يمكن جوازهما، سواء خلف شيئاً أم لا. وحملها ثالث على أنّه فعل ذلك مضارّة، والعتق يشترط فيه القربة(3). وردّ بأنّه لا يتمّ أيضاً في الولد.

وأقول: إنّ الموجب لهذا الاعتبار والتكلّف لهذه الرواية المخالفة للأصول هو ما اعتقدوه صحة سندها ، وقد صرّح بصحتها جماعة من الأصحاب المعتبرين، كالعلّامة(4)، وتلميذيه

من

ص: 490


1- غاية المراد، ج 3، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
2- نقله الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 90؛ والدروس الشرعية، ج 2، ص 159 (ضمن موسوعة الشهيد الأول.ج 3 و 10)؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 157.
3- في حاشية «و»: «هذا الحمل للشيخ طومان بن أحمد العاملي المناري، حكاه عنه الشهيد في شرح الإرشاد س م . راجع الهامش ،2، ولكن لم يسمّ القائل كما في الشرح وقال الشهيد الثاني في الروضة البهية، ج 3. ص 379 (ضمن الموسوعة، ج 8: وهذا الحمل نقله المصنف عن الشيخ طومان بن أحمد العاملي المناري ورده... وراجع أيضاً التنقيح الرائع، ج 3، ص 158.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 291 ، المسألة 204.

الفخر(1) والعميد(2)، والشهيد(3) وغيرهم(4). وفي صحّتها عندي نظر من وجهين: أحدهما: أنّ أبا بصير الذي يروي عن الصادق(علیه السلام) مشترك بين اثنين، ليث بن البختري المرادي، وهو المشهور بالثقة(5) على ما فيه، ويحيى بن القاسم الأسدي، وهو واقفي ضعيف مخلّط(6).

وكلاهما يطلق عليهما هذه الكنية، ويكنّيان بأبي محمد وربما قيل: إنّ الأوّل أسدي أيضاً. وكلاهما يروي(7) عن أبي عبدالله(علیه السلام). فعند الإطلاق يحتمل كونه كلّاً منهما، وقد يحصل التمييز بإضافة الاسم، فإنّه واقع في كثير من الروايات، وقد يحصل بالوصف كقول أبي بصير في رواية الصلاة في دم القروح: «إنّ قائدي أخبرني أنّك صلّيت وفي ثوبك دم»(8) فإنّه حينئذٍ يدلّ على كونه أبا بصير الضعيف؛ لأنّه كان مكفوفاً يحتاج إلى القائد. وهذا الإشكال آتٍ في كل رواية يرويها أبو بصير ويطلق، فينبغي التنبه له، فقد أطلق الأصحاب الصحة على روايات كثيرة في طريقها أبو بصير مطلقاً، والأمر ليس كذلك. هذا مع قطع النظر عن حال هشام بن سالم وما كان عليه من الاعتقاد المشهور(9). والله تعالى يتولّى أسرار عباده.

الثاني: أنّ الشيخ (رحمه الله) ذكر هذه الرواية في التهذيب في ثلاثة مواضع، اثنان منها رواها عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)(10) كما ذكرناه سابقاً، والثالث

ص: 491


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 159.
2- کنز الفوائد، ج 2، ص 436 .
3- غاية المراد، ج 3، ص 89 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
4- كشف الرموز، ج 2، ص 169؛ التنقيح الرائع، ج 3، ص 157؛ جامع المقاصد، ج 13، ص 136.
5- خلاصة الأقوال، ص 234، الرقم 798.
6- رجال الطوسي، ص 346، الرقم 5172.
7- في هامش «و» بدل «يروي»: «روى وكذا في الأصل».
8- الكافي، ج 3، ص 58، باب الثوب يصيبه...،ح 1 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 258، ح 747 بتفاوت فيهما.
9- اختيار معرفة الرجال، ص 281، ح 501.
10- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 202، ح 714، و ص 213، ح 762.

عن هشام عن أبي عبدالله(علیه السلام) بغير واسطة(1). ورواها الكليني في الكافي أيضاً عن هشام عنه بغير واسطة(2). وهذه الرواية هي التي يظهر من المصنّف اختيارها؛ لأنه نسبها إلى هشام خاصةً. وكذا فعل فيما سيأتي من كتاب العتق(3)، فإنه أعادها مرةً أُخرى.

وحينئذ فتكون الرواية مضطربة الإسناد، والاضطراب في الإسناد يمنع من صحة الرواية، كما قرّر في علم دراية الحديث(4).

والغرض أنّ هذه الرواية ليست مقطوعة الصحة في سندها كما ذكروه، فلا يصعب اطراحها حيث تخالف الأمور القطعية التي تشهد لها الأصول الشرعية.

واعلم أيضاً أنّ الرواية تضمّنت كون الثمن نسيئة، وكان ينبغي لمن عمل بمضمونها جموداً على النصّ - التقييد به؛ لأنّ الإلحاق هنا ممتنع ولو بمخالفة وجه ما. ولكن الشيخ في النهاية أطلق الحكم في الثمن حيث يكون ديناً، سواء كان نسيئة أم حالاً(5)، فتبعه المصنّف وغيره(6) في نقل القول.

وكذلك قيد في الرواية الأمة بكونها بكراً، وبموته وهي حامل، وبكون النسيئة إلى سنة. والشيخ لم يعتبر ذلك؛ نظراً إلى عدم مدخلية مثل ذلك في اختلاف الحكم. ويمكن الفرق بين موته حاملاً(7) كما ذكر وموته بعد وضعها، لتبعية الحمل للحامل في كثير من الأحكام أو مطلقاً عند قوم.

ولو كان بدل الأمة عبداً فاشتراه نسيئة أو مطلقاً وأعتقه، ففي لحوق الحكم به نظر، ممّا

ص: 492


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 231 - 232، ح 838 .
2- الكافي، ج 1، ص 193، باب نوادر، ح 1.
3- يأتي في ج 8، ص 346.
4- الرعاية لحال البداية في علم الدراية، ص 416 - 417(ضمن الموسوعة،ج2، الرسائل /1).
5- النهاية، ص 498.
6- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 639؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 60.
7- كذا في النسخ، ولعلّ الصحيح: «وهي حامل».
وأما البيع:
اشارة

فإذا باع المالك الأمة كان ذلك كالطلاق. والمشتري بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه. وخياره على الفور، فإذا علم ولم يفسخ لزم العقد.

ذكر، واتحاد طريق المسألتين. وعلى المختار من ردّ الرواية مطلقاً يسهل الخطب، وإن كان ولابد فالاقتصار على المنصوص.

قوله: «وأمّا البيع فإذا باع المالك الأمة كان ذلك كالطلاق. والمشتري بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه» إلى آخره. المراد بكون البيع كالطلاق تساويهما في السببية في التسلّط على فسخ النكاح لا من كلّ وجه؛ إذ لا يعد ذلك في الطلقات المحرّمة، ولايوجب انفساخ النكاح بنفسه، بل يوجب الخيار للبائع والمشتري بخلاف الطلاق والأصل في هذه العبارة الروايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) قال: «طلاق الأمة بيعها، أو بيع زوجها». وقال في الرجل يزوّج أمته رجلاً آخر ثم يبيعها، قال: «هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعها»(1). وربّما توهّم انحصار الطلاق في البيع من حيث إنه وقع مبتدأ وخبره البيع، والمبتدأ منحصر في الخبر.

ويندفع بمنع الانحصار، وإنّما المراد التشبيه به كما ذكرناه. ويؤيّده قوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر بريد بن معاوية وغيره(2): من اشترى مملوكة لها زوج فإنّ بيعها طلاقها إن شاء المشتري فرّق بينهما، وإن شاء تركهما على نكاحهما(3) فَعَكس الإسناد.

والأصل في الحكم - بعد النص - أنّ بقاء النكاح لازماً على هذه الحالة مظنة تضرّر المالك، إذ قد لايناسبه بقاء النكاح، فجعل له طريق إلى التخلّص بالفسخ. ولافرق بين كون

ص: 493


1- الكافي، ج 5، ص 483، باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد، ح 4: الفقيه، ج 3، ص 542،ح 4871؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 337 - 338، ح 1382؛ الاستبصار، ج 3، ص 208، ح 752.
2- وسائل الشيعة، ج 21، ص 154 - 156، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
3- الكافي، ج 5، ص 483، باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 337 ح 1381 و ج 8، ص 199، ح، 700؛ الاستبصار، ج 3، ص 208،ح 751.

وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة. ولو كان تحته حرّة فبيع كان للمشتري الخيار على رواية فيها ضعف.

البيع قبل الدخول وبعده، ولا بين كون الزوج حراً ومملوكاً، ولا بين كون المالك واحداً وأكثر. وهذا الخيار على الفور، اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على ما يندفع به الضرورة، فلو أخر لا لعذر سقط الخيار والجاهل بأصل الخيار معذور؛ لأنه ممّا يخفى على كثير من الناس.

وأما الجهل بالفورية ففي كونه عذراً الوجهان السابقان في العتق.

قوله: «وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة - إلى قوله - على رواية فيها ضعف».

كما يثبت الخيار لمشتري الأمة كذا يثبت لمشتري العبد المتزوّج؛ لوجود العلة فيهما، ولتناول النصوص لهما. وقد تقدّم في صحيحة محمد بن مسلم ما يدلّ على الحكمين معاً. وهذا الحكم مع كون الزوجة أمة كما ورد في الرواية وغيرها(1).

ولو كانت حرّةً فالأكثرون على ثبوت الخيار أيضاً؛ لتساويهما في المعنى المقتضي له، وهو توقع الضرر ببقاء التزويج ولرواية محمد بن عليّ عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: «إذا تزوّج المملوك حرّة فللمولى أن يفرّق بينهما، فإن زوجه المولى حرّة فله أن يفرّق بينهما»(2) وليس بغير البيع إجماعاً، فيحمل على أن له أن يفعل ما يؤول إلى التفريق، بأن يبيع فيثبت الخيار المتجر إلى التفريق مجازاً.

ولا يخفى عليك بعد هذا التأويل، مع كون الرواية ضعيفة كما أشار إليه المصنّف، فإنّ في طريقها موسى بن بكر وهو واقفي(3)، ومحمد بن عليّ مشترك بين الثقة(4)، وغيره(5).

ص: 494


1- الكافي، ج 5، ص 483، باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد،ح 1 و 2 و 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8،ص 199، ح، 700؛ الاستبصار، ج 3، ص 208، ح 752.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 339، ح 1387؛ الاستبصار، ج 3، ص 206، ح 744.
3- خلاصة الأقوال، ص 406، الرقم 1639.
4- الفهرست الشيخ منتجب ،الدین، ص 178 ، الرقم 444.
5- وهو محمّد بن علي بن إبراهيم أبو سمينة. راجع خلاصة الأقوال، ص 398، الرقم 1603.

وأنكر الحكم ابنُ إدريس وجعل الرواية شاذة والقياس على الأمة باطلاً(1). وشنّع عليه في المختلف بحمله على القياس(2)؛ لأنّه لو فقدت النصوص في هذا الباب لأمكن استناد مساواة العبد للأمة في ذلك إلى أن الشارع لم يفرق بينهما في مثل هذه الأحكام، كما لم يفرّق في التقويم وغيره.

ولا يخفى عليك ما في هذا البحث. وقول ابن إدريس متوجه؛ لعدم دليل صالح على ثبوت هذا الحكم المخالف للأصل. ويمنع من تساوي الحرّة والأمة في هذا المعنى؛ لأنّ الحرة أشرف، ولا يلزم من ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى.

والرواية قد عرفت ضعفها وبعدها عن الدلالة.

ويظهر من المصنّف اختيار قول ابن إدريس على احتمال وللتوقف مجال. واعلم أنّ ظاهر حكمه بالخيار للمشتري في العبد والأمة إذا كان الآخ-ر رقاً يقتضي انحصار الخيار في المشتري، فليس لمولى الآخر اعتراض وهذا أحد القولين في المسألة، وهو الذي اختاره ابن إدريس(3)؛ لأنّ الدليل إنّما دلّ على ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الملك، فيبقى غيره على أصل اللزوم. وقال الشيخ في النهاية: إنّ الخيار حينئذ للمشتري ولمولى الآخر(4). ومال إليه في المختلف؛ محتجاً ب:

أنّ الذي لم يبع إنّما رضي بالعقد مع المالك الأول، والأغراض تختلف باختلاف الملاك. وبأن البائع أوجد سبب الفسخ، وهو الخيار للمشتري، فيكون للآخر ذلك أيضاً؛ لأنه

مالك فيثبت له ما يثبت له(5).

ص: 495


1- السرائر، ج 2، ص 598.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 263، المسألة 182.
3- السرائر، ج 2، ص 601.
4- النهاية ص 479.
5- مختلف الشيعة، ج 7، ص 267، المسألة 184.

ولو كانا لمالك فباعهما لاثنين كان الخيار لكلّ واحد من المبتاعين وكذا لو اشتراهما واحد.

وكذا لو باع أحدهما كان الخيار للمشتري والبائع، ولا يثبت عقدهما إلا برضى المتبايعين.

ولو حصل بينهما أولاد كانوا لموالي الأبوين.

وفيهما نظر؛ لأنّ الحكم بالتسلّط على الفسخ يحتاج إلى دليل صالح، وعدم رضاه بالعقد مع المشتري ليس من الأدلة المفيدة لذلك. وإيجاد البائع سبب الفسخ لا يوجب ثبوته للآخر، بل في مورد النص وهو المشتري، فإنّ هذه السببية تابعة للنصّ لا للمناسبات. وكلام ابن إدريس في غاية الجودة؛ لأنّ الأصل لزوم العقد في غير ما دلّت النصوص على خلافه، وهو متحقق في المتنازع قوله: «ولو كانا لمالك فباعهما - إلى قوله - ولو حصل بينهما أولادكانو الموالي الأبوين».

هنا :مسائل الأولى: لو كان كلّ واحد من العبد والأمة المتزوجين لمالك واحد فباعهما لاثنين سواء باع أحدهما لواحد والآخر لآخر كما هو الظاهر، أم باعهما معاً لاثنين على وجه الاشتراك، كان الخيار في فسخ عقدهما وإمضائه للمشتري المتعدّد كما ثبت للواحد؛ لوجود المقتضي في الجميع، ودلالة النصوص على أن بيع كلّ منهما بمنزلة الطلاق(1)، ولا أثر في ذلك لتعدّد المشتري واتحاده. الثانية: لو باع أحدهما خاصةً كان الخيار في فسخ العقد وإمضائه لكلّ من البائع والمشتري. أما للمشتري فظاهر ممّا سلف. وأما للبائع فلإطلاق النص السابق في كون البيع كالطلاق(2)، ومعناه ثبوت التسلّط على فسخ العقد المتناول لهما، ولاشتراكها في المعنى المقتضي لجواز الفسخ، فإنّ المشتري كما يتضرّر بتزويج مملوكته بغير مملوكه كذلك البائع. وحينئذٍ فيتوقف عقدهما على رضى المتبايعين معاً، فإن اتفقا على إبقائه لزم وإن اتفقا على فسخه أو طلب أحدهما فسخه والآخر إمضاءه انفسخ. أمّا الأوّل فظاهر.

وأما الثاني؛ فلأنّ رضى أحدهما به يوجب تقرّره من جانبه، ويبقى من جانب الآخر متزلزلاً، فإذا فسخه انفسخ، كما لو لم يكن للآخر خيار.

ومثله ما لو اشترك الخيار بين البائع

ص: 496


1- راجع تخريجها في ص 493، الهامش 1.
2- راجع تخريجها في ص 493، الهامش 1.
مسائل ثلاث
[المسألة]الأولى:

إذا زوّج أمته ملك المهر؛ لثبوته في ملكه. فإن باعها قبل الدخول سقط المهر لانفساخ العقد الذي ثبت المهر باعتباره فإن أجاز المشتري كان المهر له.

والمشتري، فاختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ.

الثالثة: حيث يتفقان على إبقاء العقد فما يتجدّد من الأولاد يكون للموليين على السواء؛ لأنهم نماء ماليهما فيكون بينهما كالأصل. وقال ابن البرّاج يكون الولد لسيّد الأمة(1). وقد تقدّم أنّ أبا الصلاح قال كذلك في نظيره (2).

قوله: «إذا زوّج أمته ملك المهر - إلى قوله - والمحصل ما ذكرناه».

لما كان المهر عوض البضع، وفي النكاح شائبة المعاوضة، فحق العوض أن يكون لمالك المعوّض، وحيث كان بضع الأمة مملوكاً لسيدها فالمهر له.

فإن باعها بعد الدخول فقد استقر المهر للمولى البائع، سواء أجاز المشتري النكاح أم لا، وسواء قبض البائع شيئاً من المهر أم لا، فلا يؤثر فيه البيع ولا الطلاق ولا غيرهما من أنواع الفسخ وإن كان البيع قبل الدخول فقد تقرّر أن للمشتري الخيار، فإن فسخ سقط المهر؛ لأنّ الفرقة قبل الدخول إذا كانت من قبل المرأة توجب سقوطه، وهي هنا من المولى، وهو مالك البضع، فيكون ذلك كما لو كان من قبلها؛ لأنها المالكة في غيره. وإن أجاز النكاح لزم وكان المهر له؛ لأنّ الإجازة كالعقد المستأنف، فيطالب بجميع المهر.

فإن كان الزوج قد أقبضه للبائع استرده منه ودفعه إلى الثاني.

هذا هو الذي أصله ابن إدريس(3)، وارتضاه المصنّف وجماعة المتأخرين(4).

ص: 497


1- المهذب، ج 2، ص 217 - 218.
2- تقدم في ص 451.
3- السرائر، ج 2، ص 641 - 642.
4- منهم العلامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 60؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 162؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 143 - 144.

لأنّ إجازته كالعقد المستأنف. ولو باعها بعد الدخول كان المهر للأوّل، سواء أجاز الثاني أو فسخ؛ لاستقراره في ملك الأول. وفيها أقوال مختلفة، والمحصل ما ذكرناه.

وقال الشيخ في النهاية :

إذا زوج الرجل جاريته من غيره وستى لها مهراً معيناً، وقدم الرجل من جملة المهر شيئاً معيناً، ثم باع الرجل الجارية، لم يكن له المطالبة بباقي المهر، ولا لمن يشتريها، إلا أن

يرضى بالعقد(1).

وتبعه ابن البراج(2).

واستند في هذا التفصيل إلى رواية(3) ضعيفة السند(4) لاتصلح لإثبات مثل هذا الحكم الذي لايوافق الأصول. وللشيخ في المبسوط تفصيل آخر في المسألة(5) ليس بجيّد. وكيف كان فما ذكره المصنف أجود الأقوال في المسألة.

نعم، لو قيل: إنه مع عدم الدخول وإجازة العقد يكون المهر للأول، لوجوبه وهي في ملكه، أو نصفه بناءً على أنّ البيع بمنزلة الطلاق، كما ذكر في النصوص، فينتصف المهر بالنسبة إلى البائع أمكن. وقد تقدّم مثله في الأمة المزوّجة إذا أعتقت قبل الدخول فأجازت أن المهر للسيد إن أوجبناه بالعقد(6).

ولعلّ الوجه في العدول عنه: أن المهر لم يجب بالعقد مجاناً، بل في مقابل العوض وهو منافع البضع وقد خرجت عنه بالبيع قبل التسليم، وتعذر عليه تسليمها للزوج الذي هو

ص: 498


1- النهاية، ص 499.
2- المهذب، ج 2، ص 250.
3- الفقيه، ج 3، ص 453، ح 4572؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 484، ح 1945: وج 8، ص 209، ح 744.
4- في حاشية «و»: «رواها الشيخ في أواخر باب الزيادات من التهذيب والصدوق في باب أحكام المماليك والإماء من نكاح الفقيه، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أحدهما(علیهماالسلام)(منه رحمه الله)».
5- راجع المبسوط، ج 3، ص 336.
6- تقدّم في ص 478.
[المسألة]الثانية:

لو زوّج عبده بحرّة ثم باعه قبل الدخول ، قيل : كان للمشتري الفسخ وعلى المولى نصف المهر. ومن الأصحاب من أنكر الأمرين.

باذل المهر في مقابلها، فلا يتصوّر بقاؤه للأول. والفرق بين البيع والعتق أن البيع معاوضة تقتضي تمليك المنافع تبعاً للعين، بخلاف العتق فإنّه لا يقتضي تمليكاً، وإنّما هو فكّ ملك، فتكون المنافع كالمستثناة للسيّد، وفي البيع ينتقل إلى المشتري.

لا يقال: إنه على تقدير البيع بعد التزويج يكون انتقلت المنافع عن ملك البائع، فلم يتضمّن البيع إلا العين خاصةً بالنسبة إلى هذه المنفعة الخاصة، وهي منفعة البضع، ويبقى غيرها من المنافع تابعة للعين، كما لو باع العين المؤجرة أو المحبسة على القول بالجواز، فلا ينافي البيع كون المهر للبائع في مقابلة ما نقله من المنافع قبله. لأنا نقول: هذا التوجيه يتمّ لو قلنا بلزوم عقد النكاح وعدم تسلّط المشتري على فسخه كما تقوله العامة(1)، أمّا على ما يقوله الأصحاب من جعله بيد المشتري ، بل إطلاق النصوص(2) تنزيل البيع منزلة الطلاق من غير تقييد بفسخ المشتري، لا تكون المنافع التي نقلها البائع في مقابلة المهر سالمة للزوج، بل جاء رفعها من قبل المولى البائع، فكان ذلك كفسخ الزوجة قبل الدخول الموجب لسقوط المهر. ومن ثم قيل بأنّ إجازة المشتري كالعقد المستأنف(3).

قوله: «لو زوّج عبده بحرّة ثم باعه إلى قوله - ومن الأصحاب من أنكر الأمرين قد تقدّم الكلام فى هذه المسألة من جهة الفسخ، وأنّ ابن إدريس المنكر له(4). وأما المهر فقد عرفت ممّا سلف(5) أنّه يلزم المولى.

ص: 499


1- راجع الحاوي الكبير، ج 9، ص 356.
2- الكافي، ج 5، ص 483، باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد، ح 1 - 4 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 337 - 338، ح 1382، وص 484، ح 1945؛ الاستبصار، ج 3، ص 208، ح 752.
3- قال به الشيخ في النهاية، ص 476.
4- تقدّم في ص 495.
5- سبق في ص 177.
[المسألة]الثالثة:

لو باع أمته وادعى أنّ حملها منه، وأنكر المشتري، لم يقبل قوله في إفساد البيع، ويقبل في التحاق الولد؛ لأنه إقرار لا يتضرّر به الغير. وفيه تردّد.

ثم إنّ كان البيع بعد الدخول فقد استقر عليه المهر، فلا إشكال في وجوبه بأجمعه على المولى البائع. وإن كان قبله فقد اختلف الأصحاب فيه.

فذهب الشيخ(1) وجماعة (2) إلى وجوب نصفه على المولى، كما تقدم في نظيره من أنه فرقة قبل الدخول فأوجب تنصيف المهر كالطلاق(3). ويزيد هنا رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن(علیه السلام) في رجل يزوّج مملوكاً له امرأة حرّة على مائة درهم، ثمّ إنّه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: «يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها، إنّما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده»(4).

وابن إدريس أنكر تنصيف المهر كما أنكر الأصل(5)؛ لما تقدّم مراراً من ثبوت المهر بالعقد، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول على خلاف الأصل لايوجب إلحاق غيره به. وهذه الرواية ضعيفة السند بابن أبي حمزة(6). وقول ابن إدريس وجيه في الموضعين. والجماعة زعموا أنّ ضعف الرواية منجبر بالشهرة، فوافقوا الشيخ هنا وإن خالفوه في غيرها، لعدم النص.

ويظهر من المصنّف التوقف في المسألة وله وجه، مراعاة لجانب الأصحاب. قوله: «لو باع أمته وادعى أن حملها منه وأنكر المشتري - إلى قوله - وفيه تردّد».

إنّما لم يقبل قوله في فساد البيع؛ لأنه قد حكم بصحته ظاهراً، فلا يقدح فيه دعوى البائع ما يوجب فساده، كما في كلّ موضع يدّعي أحدهما الفساد والآخر الصحة، فإنّ مدّعي

ص: 500


1- النهاية، ص 499.
2- منهم ابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 250؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 446.
3- تقدم في ص 414.
4- الفقيه، ج 3، ص 455، ح 4577؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 210، ح 745.
5- السرائر، ج 2، ص 643.
6- راجع اختيار معرفة الرجال، ص 403 - 405، ح 754 - 760؛ ورجال ابن داود، ص 478 - 479 ، الرقم 313 وخلاصة الأقوال، ص 362 - 363 ، الرقم 1426.

الصحّة مقدّم حيث لا بيّنة. نعم ، لو ادعي عليه العلم بذلك حلف على نفيه.

هذا كله إذا كان الحمل موجوداً حال البيع قطعاً، كما لو ولد لأقل من ستة أشهر من حينه، أو ظاهراً كما لو ولد لأقصى الحمل فما دون ولم يدخل بها المشتري، أما مع دخوله وإمكان

كونه منه فإنّ الولد ملحق به.

ولا شبهة في أن دعوى البائع هذه لو سمعت لحكم بفساد البيع لعدم صحة بيع أُمّ الولد في غير ما استثني، وهذا ليس منه، فلا يقبل في فساد البيع. ثم إن لم يكن شرط إدخال الحمل في البيع فإقراره بالولد نافذ بغير إشكال ، لعموم:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1) ولا معارض فيه لحق أحد.

وإن كان الحمل داخلاً في البيع إما بالأصل على قول أو بالشرط، ففي قبول دعواه تردّد، من انتفاء المانع، حيث إنّ مجرّد إلحاق الولد به لا ضرر فيه على الغير؛ إذ لا ضرر على المشتري في كون عبده ابناً للبائع، حيث لا يمنع استرقاقه وهو الفرض.

ومن توقع الضرر بنفوذ هذا الإقرار لإمكان أن يموت المقرّ عن غير وارث ويخلّف تركة، فإنّه على تقدير ثبوت النسب يشترى من التركة قهراً على سيده ليرث، وذلك ضرر على السيد، فلا يكون الإقرار نافذاً. والأقوى نفوذه على المقرّ خاصةً، ولا ينفذ على المشتري مطلقاً. وتظهر الفائدة فيما لو انتقل إلى ملك البائع بوجه من الوجوه، فإنّه يحكم بعتقه، وبدون ذلك لا ينفذ على المشتري مطلقاً. وتظهر الفائدة فيما لو انتقل إلى ملك البائع بوجه من الوجوه، فإنّه يحكم بعتقه، وبدون ذلك لا ينفذ في حق المشتري، فلا يشترى في الصورة المفروضة منه قهراً. نعم، لو رضي ببيعه اختياراً جاز أداء الثمن من تركة المقرّ وعتقه؛ عملاً بعموم قبول مثل هذا الإقرار على المقرّ.

ص: 501


1- تقدّم تخريجه في ص 105، الهامش 3.
وأما الطلاق:

فإذا تزوّج العبد بإذن مولاه حرّةً أو أمةً لغيره، لم يكن له إجباره على الطلاق ولا منعه ولو زوجه أمته كان عقداً صحيحاً لا إباحة، وكان الطلاق بيد المولى، وله أن يفرّق بينهما بغير لفظ الطلاق، مثل أن يقول: «فسخت عقدكما» أو يأمر أحدهما باعتزال صاحبه. وهل يكون هذا اللفظ طلاقاً؟ قيل : نعم ، حتى لو كرّره مرتين وبينهما رجعة حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره. وقيل: يكون فسخاً، وهو أشبه.

وأما التردّد في نفوذ الإقرار فيه - من حيث تبعض القبول في الدعوى الواحدة، فيقبل في بعضها وهو الولد، دون بعض وهو كون أُمه أُمّ ولد - فلا يقدح ذلك في القبول؛ لأن العمل بالأصلين المتنافيين في حقوق الناس واجب، فيعطى كلّ واحد من الأقسام ما يقتضيه. ومثله في أبواب الفقه كثير . قوله: «فإذا تزوج العبد بإذن مولاه حرّةً أو أمةٌ لغيره، لم يكن له إجباره على الطلاق ولا منعه - إلى قوله - وقيل يكون فسخاً وهو أشبه».

إذا تزوّج العبد بإذن سيده فلا يخلو إما أن تكون الزوجة أمة للمولى أو لا بأن كانت أمة لغيره، أو حرّة. فإن كان الأوّل فأمر النكاح بيد المولى فله أن يطلق ويأمره به، ويفرّق بينهما في كلّ وقت. وهو موضع وفاق.

ويدلّ عليه بخصوصه صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عن رجل ينكح أمته من رجل، أيفرّق بينهما إذا شاء؟ فقال: «إذا كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء، إنّ الله تعالى يقول: (عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)(1) فليس للعبد شيء من الأمر»(2).

ص: 502


1- النحل .(16) 75.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 340، ح 1392: الاستبصار، ج 3، ص 207، ح 749.

وفي صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم، قال: سألت الباقرعلیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (وَالْمُحْصَنَنتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُكُمْ)(1) قال: «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته ،أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثمّ يحبسها حتى تحيض، ثم يمسّها»(2).

وغيرهما من الأخبار الكثيرة.

وإن كان الثاني فالمشهور بين الأصحاب أنّ طلاقه بيده، ليس للسيد إجباره عليه ولا نهيه عنه؛ لعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(3). وخصوص رواية محمد بن الفضيل عن الكاظم عليه السلام قال: «طلاق العبد إذا تزوّج امرأة حرّة أو تزوّج وليدة قوم آخرين إلى العبد، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرّق بينهما إن شاء، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق»(4).

ورواية ليث المرادي عن الصادق(علیه السلام) قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن العبد هل يجوز طلاقه ؟ فقال: «إن كانت أمتك فلا إنّ الله تعالى يقول: (عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)(5) وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة جاز طلاقه»(6).

والأولى أوضح دلالة على المطلوب من الثانية ؛ لتصريحها بأن أمر الطلاق إلى العبد.

وأما الثانية فليس فيها إلا جواز طلاق العبد، وليس فيها دلالة على منع السيّد

ص: 503


1- النساء (4): 24.
2- الكافي، ج 5، ص 481، باب الرجل يزوّج عبده أمته...،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 346، ح 1417.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 672 ، ح 2081؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 590 - 591، ح 15116 و 15117،بتفاوت يسير فيهما.
4- الفقيه، ج 3، ص 540 - 541 ، ح 4862؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 338، ح 1383؛ الاستبصار، ج 3، ص 205. ح 740.
5- النحل .(16) 75.
6- الكافي، ج 6، ص 168، باب طلاق العبد إذا تزوّج بإذن مولاه، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 348، ح 1423؛ الاستبصار، ج 3، ص 216، ح 785.

من الطلاق. لكن لما دلّت على جواز وقوعه منه ولا قائل بالتشريك بينهما في الطلاق اقتضى المطلوب.

وذهب جماعة منهم ابن الجنيد(1) وابن أبي عقيل إلى نفي ملكيّة العبد للطلاق من رأس(2)؛ لصحيحة بريد بن معاوية وغيره عن أبي جعفرعلیه السلام وأبي عبدالله(علیه السلام) أنّهما قالا في العبد المملوك: «ليس له طلاق إلا بإذن مواليه»(3).

وصحيحة زرارة عنهماعلیهماالسلام، قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده». قلت: فإنّ السيّد كان زوجه بيد من الطلاق ؟ قال: «بيد السيّد (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّعْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)(4) أفشىء الطلاق؟»(5). وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم(علیه السلام) قال: «لا طلاق للعبد إلّا بإذن مواليه»(6). وصحيحة شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: سئل - وأنّا عنده أسمع - عن طلاق العبد، قال: «ليس له طلاق ولا نكاح وقرأ الآية (7)، ثم قال: «لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مولاه»(8) والنكرة المنفية للعموم.

وأجيب(9) بحملها على ما إذا تزوج بأمة مولاه جمعاً بينها وبين ما تقدم، فإنه خاص وهذه عامة والخاص مقدّم.

ص: 504


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 370 - 371،لمسألة،21.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 271، المسألة ،192، و ص 370، المسألة 21.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 338، ح 1384؛ الاستبصار، ج 3، ص 206، ح 742.
4- النحل (16): 75.
5- الفقيه، ج 3، ص 541 ، ح 4863 ؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 347، ح 1419، وفيهما: «الشيء الطلاق»؛ الاستبصار، ج 3، ص 214، ح 780.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 347 ، ح 1420؛ الاستبصار، ج 3، ص 214 - 215، ح 781، وفيهما: «بإذن مولاه».
7- النحل (16) 75.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 347، ح 1421؛ الاستبصار، ج 3، ص 215، ح 782.
9- المجيب العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 371، المسألة 21؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 153.

وفيه نظر؛ لأنّ هذه الأخبار صحيحة وتلك ضعيفة؛ لأنّ الأول عامي، ومحمدبن الفضيل في الثاني مشترك بين الثقة(1) وغيره(2) . وفي طريق الثالث ابن فضال، وفيه ما فيه (3)، والمفضّل بن صالح، وهو ضعيف بالاتفاق(4).

فكيف يخصص بها عموم تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة. واستدلوا على المذهب الأوّل برواية عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم(علیه السلام)، عن آبائه، عن علي(علیه السلام): أنّه أتاه رجل بعبده، فقال: إنّ عبدي تزوّج بغير إذني، فقال عليّ(علیه السلام) لسيّده: «فرق بينهما».

فقال السيد لعبده: يا عدو الله طلق. فقال عليّ(علیه السلام): «كيف قلت له؟» قال، قلت له: طلق. فقال عليّ(علیه السلام): الآن فإن شئت فطلّق، وإن شئت فأمسك». فقال السيد: يا أمير المؤمنين(علیه السلام) أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟! قال: «ذلك لأنك حيث قلت له: طلق أقررت له بالنكاح»(5).

ووجه الدلالة أنه(علیه السلام) فوّض الطلاق إلى مشيئة العبد، وظاهره أنه تزوج بأمة غير مولاه. وقد ذكر العلّامة في المختلف(6) والشهيد في شرح الإرشاد(7) وجماعة(8) أنّ طريق هذا الحديث ،حسن فيكون أجود من الأخبار السابقة.

وعندي في دلالته وسنده نظر:

أمّا الأوّل؛ فلأنّ السيد أمره بالطلاق فكان ذلك إذناً له فيه.

فقول عليّ(علیه السلام) له:«الآن فإن شئت فطلّق وإن شئت فأمسك» لايدلّ على مطلوبهم؛ لجواز كون التخيير نشأ من أمر

ص: 505


1- خلاصة الأقوال، ص 236 ، الرقم 804، وهو محمد بن فضيل بن غزوان.
2- وهو محمدبن فضيل الكوفي الأزدي، ضعيف. راجع خلاصة الأقوال، ص 393، الرقم 1584.
3- اختيار معرفة الرجال، ص 565 ، ح 1067 .
4- وهو أبو جميلة الأسدي ضعيف كذاب، يضع الحديث. راجع خلاصة الأقوال، ص 407، الرقم 1648.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 352 ، ح 1433.
6- مختلف الشيعة، ج 7، ص 271، المسألة 192.
7- غاية المراد، ج 3، ص 64(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 3).
8- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 162؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 152.

السيّد له بالطّلاق، فإنّه يقتضي الإذن فيه. فإن طلّق وقع بالإذن، وإن أمسك لم يجبر عليه؛ لأنّ القائل بوقوفه على إذن السيّد لا يقول بأنّ له إجباره عليه؛ إذ ليس في الأخبار التي استدلّ بها ما يدلّ على جواز إجباره عليه.

نعم، لأبي الصلاح قول ثالث في المسألة، وهو أنّ للسيد أن يجبره عليه، مستدلاً بأنّ طاعته واجبة عليه(1). وهذا الخبر يصلح حجّةٌ عليه، ويمنع من وجوب طاعته مطلقاً. وعلى ما قرّرناه لا يلزم من الخبر كون الطلاق بيد العبد مطلقاً. وهو الظاهر.

وأمّا الثاني؛ فلأن في سند الحديث بنان بن محمد وحاله مجهول، ولم ينص الأصحاب فيه بمدح ولا جرح(2). نعم، ذكروا بيان - بالياء المثناة بعد الباء المفردة - الجزري، ومدحوه، ولم يذكروا أباه(3)، فلا يلزم أن يكون هو. وقال الكشي في كتابه: عبدالله بن محمدبن عیسی الأسدي الملقب ببنان(4). ولم يضبطه، ولم ينص عليه بشيء، ولا ذكره غيره في القسمين فوصف الرواية حينئذ بالحسن غير واضح. إذا تقرر ذلك ففي المسألة مباحث:

الأوّل: في قول المصنف إذا زوج عبده أمته كان عقداً صحيحاً لا إباحة» إشارة إلى أن إنكاح السيد عبده أمته ضرب من ضروب النكاح كتزويجه غيرها، يفتقر إلى العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، فلا يكفي مجرد الإذن له في نكاح الأمة. وهو أشهر القولين في المسألة.

واستدلوا عليه بصحيحة محمد بن مسلم عن الباقرعلیه السلام قال: سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال: «يجزيه أن يقول: قد أنكحتك فلانة، ويعطيها شيئاً من قبله أو من قبل مولاه، ولابد من طعام أو درهم أو نحو ذلك»(5).

ص: 506


1- الكافي في الفقه، ص 297؛ والاستدلال موجود في التنقيح الرائع، ج 3، ص 165.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 521 ، ح 989.
3- رجال النجاشي، ص 113، الرقم 289.
4- اختيار معرفة الرجال، ص 508 ، ح 981.
5- الفقيه، ج 3، ص 449، ح 4556.

وجه الاستدلال به أنّه(علیه السلام) سمّاه نكاحاً، والنكاح حقيقة في العقد كما مر. وأمر بإعطاء شيء، ولا يجب المهر إلا في العقد دون الإباحة. وحيث دلّ ذلك على أنه عقد كان الواقع من المولى إيجاباً، فيعتبر معه القبول من السيد أو العبد بإذنه ليتم العقد؛ لأن تسميته نكاحاً يستلزم اعتبار القبول.

وفي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن(علیه السلام) أنّه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحلّ له مولاه؟ قال: «لا يحلّ له»(1). فنفى حلّ الوطء بالتحليل من دون التزويج، فانحصر الحلّ في العقد؛ لأنّه لا واسطة في حلّ الفرج بين العقد والملك. والقول الثاني لابن إدريس أنّه إباحة(2)، فلا يفتقر إلى الإيجاب والقبول المعتبرين في النكاح، بل يكفي اللفظ الدال عليها من المولى؛ لأنه لو كان نكاحاً حقيقياً لم يرتفع إلا بالطلاق، مع أنه ينفسخ بمجرد تفريق المولى بينهما.

ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) وقد تقدّمت(3). وفيها: «أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول: اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثم يحبسها حتى تحيض، ثمّ يمسها».

ووجه الاستدلال به من وجهين:

أحدهما: عدم توقف رفعه على الطلاق، بل يكفي فيه مجرد الأمر بالاعتزال الرافع للإباحة السابقة.

والثاني: جعل رفع الحلّ بيد المولى ولو كان نكاحاً لكان رفعه بيد الزوج؛ للحديث النبويّ(صلی الله علیه وآله وسلم) السابق(4) .

ويؤيّده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) في المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة

ص: 507


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 243 - 244، ح 1062؛ الاستبصار، ج 3، ص 137 - 138، ح 495.
2- السرائر، ج 2، ص 600 - 601.
3- تقدمت في ص 503، مع تخريجها في الهامش 2.
4- سبق في ص 503، مع تخريجه في الهامش 3.

فيريد أن يجمع بينهما، أينكحه نكاحاً، أو يجزيه أن يقول: قد أنكحتك فلانة ويعطى من قبله شيئاً، أو من قبل العبد؟ قال: «نعم، ولو مد» وقد رأيته يعطى الدراهم(1).

والجواب ب«نعم» ظاهر في الاجتزاء بما ذكر دون أن يكون نكاحاً. والمراد بالنكاح المنفي اعتباره ما اشتمل على الإيجاب والقبول؛ لأنّ المثبت مشتمل على الإيجاب خاصةً. وهذا يؤيّد أنّ المراد بالنكاح في صحيحة محمد بن مسلم السابقة هو هذا الإيجاب خاصةً، مع أنّ ظاهرها يدلّ عليه، وإنما تكلّفوا لاعتبار العقد فيها من إطلاق لفظ النكاح.

وكلا القولين له وجه وجيه. ولا يخلو كلام ابن إدريس من قوّة، وإن كان الوقوف مع المشهور أولى بمقام الفروج وما ينبغي فيها من مراعاة الاحتياط.

واعلم أنّ القول الأوّل يقتضي اعتبار الإيجاب والقبول، قضيّة لجعله عقداً. ويظهر من المختلف أنّه عقد ومع ذلك لا يفتقر إلى القبول؛ لأنّه بعد رد كلام ابن إدريس واحتجاجه عليه بالأخبار السابقة، قال:

لا يقال: النكاح يفتقر إلى القبول، ولا يفتقر هذا إلى القبول، فلا يكون نكاحاً. لأنا نقول: القبول إنّما يشترط في حق من يملك القبول والعبد لا يملك القبول؛ لأن للمولى إجباره على النكاح، فله هنا [ولاية طرفي العقد](2).

ويتحصل من ذلك ثلاثة أقوال في المسألة: اشتراط وقوع النكاح المذكور بالإيجاب والقبول، والاكتفاء بالإيجاب مع تسميته نكاحاً، وكونه إباحة يكفي فيه كل ما دلّ على الإذن.

والأوسط متجه؛ لأنّ اعتبار قبول العبد ساقط، وإيجاب المولى دال على قبوله والمعتبر من القبول الدلالة على رضاه، وهو متحقق فيه بما يصدر عنه من اللفظ المفيد للنّكاح.

ص: 508


1- الكافي، ج 5، ص 480، باب الرجل يزوّج عبده أمته، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 346، ح 1416.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 265 ، المسألة 183، وما بين المعقوفين من المصدر.

الثاني: يكفي في فسخ المولى لهذا النكاح كلّ لفظ دلّ عليه من الطلاق والفسخ وأمرهما بالتفريق وغير ذلك، كما دلّت عليه الأخبار السابقة(1). وهو ظاهر على القول بكونه إباحة؛ لأنّها ترتفع بكلّ لفظ دلّ على الرجوع عنها. وأما على القول بكونه عقداً؛ فلأن مقتضى النصوص كون رفع هذا العقد بيد المولى فلا بعد حينئذٍ في ارتفاعه بغير الطلاق، كما يرتفع النكاح بالفسخ ونحوه في مواضع كثيرة.

ثم إن رفعه بلفظ الطلاق وجمع شروطه عدّ طلاقاً فحقّ الزوّجين. هذا إن جعلنا الأصل نكاحاً، وإن جعلناه إباحة فالمتجه أن لا يكون رفعه طلاقاً مطلقاً. وإن لم يجمع شروطه بأن لم يسمعه شاهدان، ولا وقع في طهر آخر لم يواقعها فيه ونحو ذلك، عد فسخاً، بل هو أبلغ من أمره باعتزالها المعدود فسخاً في النصوص الصحيحة، فلا يلحقه أحكام الطلاق وأولى منه لو أوقعه بصيغة الفسخ أو غيرها، سواء جعلناه نكاحاً أم إباحة.

أما إذا قلنا إنه إباحة فظاهر؛ لأن وقوع الطلاق فرع ثبوت النكاح وأما على أنه نكاح؛ فلأنه لم يقع بلفظ الطلاق، والطلاق لا يقع بالكناية. وعلى تقدير وقوعه بلفظ الطلاق الذي لم يستجمع الشرائط لا يعتد به في كونه ،طلاقاً ، لكنّه يفيد الفسخ كما ذكرناه، والنكاح لو كان حقيقياً يرتفع بالفسخ في موارد فهنا أولى.

وقيل: يكون جميع ما يفسخ به النكاح طلاقاً؛ لإفادته فائدته كالخلع ، ولأن المولى مخيّر فى كلّ منهما، وهو يشعر بتأدي المقصود من الطلاق بالفسخ ونحوه(2).

وبهذا يفرّق بينه وبين الفسخ بالعيب ونحوه، فإنّ البدليّة عن الطلاق هنا حاصلة دون غيره من ضروب الفسخ.

ص: 509


1- سبقت في ص 503 - 504.
2- قال به الشيخ المفيد في المقنعة، ص 507؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 478؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 297؛ وابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 218.

ويضعّف بأنّه لا يلزم من زوال قيد النكاح به أن يكون كالطلاق في جميع الأحكام.

ويتفرع على القولين اعتبار شرط الطلاق فيه، وعده في الطلقات.

وفى المسألة قول آخر، وهو أنه إن وقع بلفظ الطلاق كان طلاقاً مطلقاً، فإن اتفق خلل في بعض شروطه وقع باطلاً لا فسخاً، وإن جمع الشروط كان طلاقاً حقيقياً. وإن وقع الفسخ بغير لفظ الطلاق لم يكن طلاقاً(1). والأول أظهر.

الثالث: لو لم يباشر المولى الطلاق ولكن أمر به العبد فهل يكون مجرد الأمر فسخاً للنكاح أم لا ؟ فيه وجهان، من دلالته عليه كما دلّ عليه ما هو أضعف منه كالأمر بالاعتزال ونحوه، ومن أنّ المفهوم إرادة إيجاده من العبد فلا يحصل قبله. وأن الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجيّة إلى حين إيقاعه فلو دلّ على الفسخ قبلها لتنافى مدلول اللفظ ولأنّه لو دلّ على الفسخ لامتنع فعل مقتضاه.

ووجه الملازمة أنّ الفسخ لو وقع لامتنع الطلاق، مع أنه مأمور به فلا يكون ممتنعاً. وجوابه: أنّ دلالته على إرادة إيجاد الطلاق مطابقة، فلا ينافي دلالته بالالتزام على كونه فسخاً وهو المدعى. ويمنع كون الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجية إلى حينه، وإنّما يستدعيه الطلاق الصحيح، والقائل بكون الأمر فسخاً لا يجعل الطلاق الواقع بعده صحيحاً. وهو جواب الثالث، فإنّ الأمر إذا دلّ على الفسخ لا ينافيه امتناع فعل مقتضاه من حيث انفساخ النکاح به، فلايتوقّف على فسخ آخر.

ثم على تقدير إفادته الفسخ هل يكون طلاقاً أم فسخاً؟ يبنى على كون الفسخ والأمر بالاعتزال طلاقاً أم لا؟ فإن قلنا به فهنا أولى؛ لأنّه أقوى دلالة عليه من ذاك والأقوى عدمه بل غايته أن يكون فسخاً. نعم، لو لم نجعله فسخاً وامتثل العبد الأمر فطلق كان طلاقاً على الأقوى؛ لوقوع صيغته

ص: 510


1- راجع السرائر، ج 2، ص 600 : وقواعد الأحكام، ج 3، ص 61 وجامع المقاصد، ج 13، ص 155.

ولو طلّقها الزوج ثم باعها المالك أتمّت العدّة.

وهل يجب أن يستبرئها المشتري بزيادة عن العدّة؟ قيل: نعم؛ لأنّهما حكمان، و تداخلهما على خلاف الأصل. وقيل: ليس عليه استبراء؛ لأنها مستبرأة، وهو أصح.

من أهلها باعتبار الأمر، فوجد المقتضي له وانتفى المانع. ووجه العدم ظاهر الحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم(1) في أمر السيّد بالاعتزال.

ويضعّف بالإجماع على عدم الانحصار فوقوعه على تقدير القول بعدم كون الأمر فسخاً قويّ.

قوله: «ولو طلقها الزوج ثم باعها - إلى قوله - لأنها مستبرأة، وهو أصح». القول بعدم التداخل للشيخ(2) وأتباعه(3) وابن إدريس(4)؛ استناداً إلى ما أشار إليه المصنّف من أنّ العدّة والاستبراء حكمان مختلفان، ولكلّ منهما سبب يقتضيه، وتعدد الأسباب يقتضي تعدّد المسبب إلا بدليل يوجب التداخل. والأقوى ما اختاره المصنف من التداخل؛ لوجود الدليل المقتضي له، وهو أن الغرض من الاستبراء إنما هو العلم ببراءة الرحم كيف اتفق ، ولهذا اكتفى باستبراء البائع، ويسقط لو كانت امرأة أو حائضاً، والعدة أدلّ على ذلك، ولأنّها بقضاء العدة مستبرأة، فلا يجب عليها استبراء آخر. ولأنّ وجوب الاستبراء بالبيع إنما هو من احتمال وطء البائع لفرض(5) ، وطء المشتري، وكلاهما ممتنع في صورة النزاع.

والمصنف فرض البيع بعد الطلاق، والظاهر عدم الفرق بينه وبين العكس، حيث يقع الطلاق قبل الفسخ ولو أتى بالواو عوض «ثمّ» كان أنسب، حتّى يفيد مطلق الجمع دون الترتيب.

ص: 511


1- تقدّمت صحيحته مع تخريجها في ص 503، الهامش 1.
2- المبسوط، ج 4، ص 308.
3- منهم ابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 333.
4- السرائر، ج 2، ص 636.
5- في إحدى الحجريتين: «لغرض» بدل «الفرض»، ويحتمل قراءتها كذلك في بعض النسخ الخطّيّة.
وأما الملك فنوعان:
اشارة

ملک الرقبة و الملک المنفعة.

[النوع]الأول:ملك الرقبة
اشارة

يجوز أن يطأ الإنسان بملك الرقبة ما زاد عن أربع من غير حصر.

وأن يجمع في الملك بين المرأة وأُمّها، لكن متى وطئ واحدة حرمت الأُخرى عيناً. وأن يجمع بينها وبين أختها بالملك. ولو وطئ واحدة حرمت الأخرى جمعاً ، فلو أخرج الأولى عن ملكه حلّت له الثانية.

قوله: «وأما الملك فنوعان - إلى قوله - ما زاد عن أربع من غير حصر». قد تقدّم أنّ نكاح الإماء يستباح بأمرين: العقد والملك، وقد ذكر حكم العقد(1)، وهذا الباب لبيان أحكام الوطء بالملك، ولمّا كان منقسماً إلى ملك العين وملك المنفعة بين أحكامه في موضعين، وابتدأ بملك الرقبة؛ لأنه الأصل.

واعلم أنّ النصّ(2) والإجماع متطابقان على جواز النكاح بملك اليمين، وعلى عدم انحصاره في عدد بخلاف نكاحهنّ بالعقد. ولعلّ الوجه فيه خفة حقوق المملوكة، وكون استحقاق منافع البضع بالمالية،فيكون كالتصرف في مطلق الأموال، فلايتطرق إليه ما يتطرّق إلى النكاح بالعقد من محذور الحيف والميل.

قوله: «وأن يجمع في الملك بين المرأة وأُمها - إلى قوله - حلّت له الثانية». لما كان الأغلب في ملك اليمين مراعاة جانب المالية، وكان الوطء تابعاً له، جاز الجمع بالملك بين من يحرم الجمع بينهما بالعقد، كالأم وابنتها والأختين، لكن لا يجوز الجمع بينهما في الوطء ؛ لتحقق المنافاة.

ص: 512


1- تقدم في ص 447.
2- النساء (4): 24: المؤمنون (23): 6: الكافي، ج 5، ص 541 ، باب أنّهنّ بمنزلة الإماء وليست من الأربع، ح 6: الفقيه، ج 3، ص 461، ح 4598: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 259، ح 1123؛ الاستبصار، ج 3، ص 148،ح،541.

ويجوز أن يملك موطوءة الأب، كما يجوز للوالد أن يملك موطوءة ابنه.

ويحرم على كلّ واحد منهما وطء من وطئها الآخر عيناً.

ويحرم على المالك وطء مملوكته إذا زوجها حتى تحصل الفرقة وتنقضى عدتها إن كانت ذات عدة. وليس للمولى فسخ العقد إلّا أن يبيعها، فيكون للمشتري الخيار.

وكذا لا يجوز النظر منها إلى ما لا يجوز لغير المالك.

فإن وطئ واحدة من الأم والبنت حرمت عليه الأخرى قطعاً، تحريماً مؤبداً، بأي نوع كان من أنواع الوطء.

وأمّا الأختان فإن وطء إحداهما يوجب تحريم الأخرى جمعاً لا عيناً، بمعنى أنّه ما دامت الموطوءة في ملكه يحرم عليه وطء الأخرى، فإذا أخرجها حلّت الأخرى.

وقد سبق الكلام في ذلك(1).

قوله: «ويجوز أن يملك موطوءة الأب، كما يجوز للوالد - إلى قوله - من وطئها الآخر عينا».

قد عرفت أن ملك اليمين يغلب فيه جانب المالية(2) ، فكما لا يمتنع أن ينتقل إلى كلّ من الأب والابن مال الآخر، كذا لا يمتنع أن ينتقل إليه مملوكته وإن كان موطوءة؛ لأن تحريم الوطء لا يقدح في صحة التملك، كما لو ملك بعض من يحرم عليه بالنسب.

وأما تحريم موطوءة كلّ واحد على الآخر فلعموم: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم)(3).

وَحَلَٰئِلُ أَبْنَابِكُمْ)(4).

قوله: «ويحرم على المالك وطء مملوكته - إلى قوله - ما لا يجوز لغير المالك».

إذا زوج الرجل أمته لعبده أو غيره صارت من مولاها بمنزلة الأجنبية، لايحل له منها إلّا أمة غيره، كنظر الوجه والكفين بغير شهوة، ويحرم عليه جميع وجو ما يحلّ له من

ص: 513


1- سبق في ص 297 - 298.
2- . راجع ص 512.
3- النساء(4)22و 23.
4- النساء(4)22و 23.

ولايجوز له وطء أمة مشتركة بينه وبين غيره بالملك. . ولا يجوز للمشتري وطء الأمة إلا بعد استبرائها.

ولو كان لها زوج فأجاز نكاحه لم يكن له بعد ذلك فسخ وكذا لو علم فلم يعترض، إلا أن تفارق الزوج، وتعتد منه إن كانت من ذوات العدد. ولو لم يجز نكاحه لم يكن عليها عدة، وكفاه الاستبراء في جواز الوطء.

الاستمتاع ونظر ما يحلّ منها بشهوة. والنصوص به كثيرة(1). والوجه في ذلك مع النص - أنّ وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج فتحرم على غيره لامتناع حلّ الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعاً. وفي معناها المحللة للغير بالنسبة إلى المالك مع كون التحليل متناولاً للوطء. وغاية التحريم خروجها من النكاح بطلاق أو موت أو فسخ، أو انقضاء مدته إن كان موقتاً بمدة، وانقضاء عدتها، سواء كانت بائنة أم رجعية.

قوله: «ولا يجوز له وطء أمة مشتركة بينه وبين غيره بالملك».

لا شبهة في تحريم وطئها بالملك؛ لأنه ليس تاماً. ويمكن شمول الملك لملك المنفعة ليشمل ما إذا حلّلها له الشريك، فإنّها لا تحلّ أيضاً؛ لأنّ سبب الحلّ لا يتبعض. وقد تقدم البحث في ذلك(2).

قوله: «ولا يجوز للمشتري وطء الأمة إلا بعد استبرائها».

هذا إذا كانت في سنّ الحيض كما سيأتي(3). ويستفاد من تخصيصه تحريم الوطء جواز غيره من الاستمتاع. وهو كذلك على الأقوى.

قوله: «ولو كان لها زوج فأجاز نكاحه لم يكن له بعد ذلك فسخ» إلى آخره.

ص: 514


1- الكافي، ج 5، ص 480، باب الرجل يزوّج عبده أمته، ح 3 و ص 555، باب نوادر، ح 7: الفقيه، ج 3، ص 451،ح 4562؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 457. ح 1827؛ و ج 8، ص 199، ح 698، و ص 208، ح 736.
2- تقدم في ص 470 - 471.
3- سيأتي في ص 517.

ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وكذا بناتهم، وما يسبيه أهل الضلال منهم.

لا إشكال في لزوم العقد إذا أجازه المشتري؛ لأنّ المانع من لزومه كان هو الخيار، وقد زال بإجازته. وكذا لو علم فلم يتعرّض له ، لما تقدّم من أنّ الخيار على الفور، فإذا أخر عالماً بطل خياره(1). وكذا القول في ملك الزوج، سواء كان هو البائع أم غيره. وحيث يفسخ المشتري العقد لا تحلّ له حتى تنقضي عدتها من الفسخ كالطلاق بمضي قرأين أو شهر ونصف إن لم تحض ومثلها تحيض. وفي أخبار كثيرة إطلاق الطلاق على هذا البيع(2)، لكونه سبباً في التسلّط على الفسخ، فإذا حصل الفسخ كان طلاقاً بطريق أولى. وقيل: يكفي استبراؤها بحيضة أو خمسة وأربعين يوماً؛ لإطلاق النصوص باستبراء الأمة للمشتري إذا اشتراها، وهو متحقّق هنا(3). وهو الذي اختاره العلّامة(4)، ولم ينقل غيره. والأقوى الأوّل، وهو الذي اختاره المصنف، ولم ينقل غيره.

قوله: ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب» إلى آخره.

لاخلاف في جواز شراء النساء ذوات الأزواج من أهل الحرب ولو من الزوج لورود الأخبار به(5) ولأنّهم فيء للمسلم في الحقيقة لا يتوقف أخذهم على الشراء، وإنما جعل الشراء وسيلة إليه لا شرطاً في الجواز. وكذا شراء بناتهم وأبنائهم ولو من الآباء. ويترتب على هذا الملك أحكامه التي من جملتها حلّ الوطء، وهو المقصود في الباب.

ص: 515


1- تقدم في ص 494.
2- . الكافي، ج 5، ص 483 باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حرّ أو عبد، ح 1 - 4: الفقيه، ج 3، ص 542، ح 4871؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 337 - 338، ح 1381 و 1382؛ و ج 8، ص 199، ح 700؛ الاستبصار، ج 3، ص 208، ح 751 و 752.
3- الكافي، ج 5، ص 472، باب استبراء الأمة، ح 1 و 2 و 4، و ص 473 ، ح 5 و 7: الفقيه، ج 3، ص 0445 ح 4548، و ص 446، ح 4550: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 177، ح 621، و ص 172، ح 603، وص 212 - 213، ح 759: الاستبصار، ج 3، ص 359 - 360 ، ح 1289، و ص 363، ح 1303.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 515 ، الرقم 093 5: قواعد الأحكام، ج 2، ص 32؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 13.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 77، ح 329 و 330 و ج 8، ص 200، ج 702 و 705؛ الاستبصار، ج 3، ص 83، ح 280.
تتمة:
اشارة

تشتمل على مسألتين:

[المسألة]الأولى:

كلّ مَنْ ملك أمة بوجه من وجوه التملك حرم عليه وطؤها حتى يستبرئها بحيضة فإن تأخرت الحيضة وكان في سنها من تحيض اعتدت بخمسة وأربعين يوماً.

ويسقط ذلك إذا ملكها حائضاً إلا مدة حيضها. وكذا إن كانت لعدل وأخبر باستبرائها. وكذا إن كانت لامرأة أو يائسة أو حاملاً على كراهية.

وإطلاق البيع على ذلك بطريق المجاز باعتبار صورته، وإلا فهو بالاستنقاذ أشبه منه بالبيع. والأقوى أنّه لا يترتب عليه أحكامه من طرف المشتري، حتى لو كان المبيع قريبه الذي ينعتق عليه عتق بمجرّد البيع وتسليطه عليه؛ لإفادة اليد الملك المقتضى للعتق. وكذا يجوز شراء ما يسبيه أهل الضلال من أهل الحرب وإن كان جميعه أو بعضه للإمام للإذن في ذلك من قبلهم في أخبار كثيرة(1). وروى إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن سبي الأكراد إذا حاربوا، ومن حارب من المشركين، هل يحلّ

نكاحهم وشراؤهم؟ قال: «نعم»(2).

قوله: «كلّ من ملك أمة بوجه من وجوه التملك - إلى قوله - أو حاملاً على كراهية». المشهور بين الأصحاب أنّ كلّ من ملك أمة بوجه من وجوه التملك، من بيع أو هبة أو إرث أو صلح أو قرض أو استرقاق أو غير ذلك، لم يجز له وطؤها قبل الاستبراء. ورواياتهم به كثيرة(3)، لكنّها وردت في البيع والشراء والاسترقاق، وعدّوها إلى غيرها من المملكات لاشتراكها في المقتضي له وهو العلم ببراءة رحمها من ماء الغير، والاحتفاظ على الأنساب من الاختلاط .

ص: 516


1- راجع وسائل الشيعة، ج 15، ص 129 - 131 ، الباب 50 من أبواب جهاد العدو ...، وج 21، ص 189 - 190. الباب 69 من أبواب نكاح العبيد والإماء؛ والاستبصار، ج 2، ص 58 ، ح 189.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 200، ج 703.
3- راجع ص 515 الهامش 3.

وقصر ابن إدريس ذلك على مورد النص(1)، مطالباً بدليل التعدي؛ مستدلاً على نفيه في غيره بالأصل وعموم:(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ)(2). والمذهب اعتباره مطلقاً. وقد وافق ابن إدريس الأصحاب في موضع آخر من كتابه(3)، فصار إجماعاً إن كان قد تحقق الخلاف.

ثمّ الأمة إن كانت ممن تحيض فاستبراؤها بحيضة، وعليه عمل الأصحاب.

وفي رواية سعد الأشعري عن الرضا(علیه السلام): «أنّ البائع يستبرئها قبل بيعها بحيضتين» (4)

وحملت على الاستحباب.

وإن كانت في سنّ من تحيض ولم تحض فاستبراؤها بخمسة وأربعين يوماً؛ لرواية منصور بن حازم قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن عدّة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها، فقال: «خمس وأربعون ليلة»(5). ومثله روى عبد الرحمن بن أبي عبدالله عنه(علیه السلام)(6) . وقال المفيد تستبرأ بثلاثة أشهر(7). وهو متروك. ويعتبر في الحيضة حيث تعلّق عليها الحكم أن تكون معلومة، فلا يكفي أيام التحيض للمتحيّرة بالروايات ونحوها، كما لو نسيت العدد والوقت معاً ، أو علمت العدد خاصةً؛ لأنّ المطلوب من الاستبراء العلم ببراءة الرحم، وإنّما يظهر ذلك مع تعين الحيض لا بما حكم به للضرورة لبعض الأحكام حذراً من الحرج بالاحتياط في جميع الأزمان.

وهل يعتبر فيمن هي كذلك مضي شهر؛ لأنه بدل الحيضة فيمن ليست مستقيمة الحيض، أو خمسة وأربعين يوماً، إلحاقاً لها بمن لا حيض لها، أو مضيّ زمان يقطع بحصول الحيض

ص: 517


1- السرائر، ج 2، ص 346 - 347.
2- المؤمنون (23): 6.
3- السرائر، ج 2، ص 634.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 594: الاستبصار، ج 3، ص 359، ح 1287.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172 ، ح 599: الاستبصار، ج 3، ص 358، ح 1282.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172، ح 600؛ الاستبصار، ج 3، ص 358، ح 1283.
7- المقنعة، ص 600.

فيه، كما لو أضلت عادتها في شهر فتتربص شهراً، أو في أكثر فتتربص بقدره؟ أوجه أجودها الأخير إن اتفق القطع وإلا فالثاني.

إذا تقرر ذلك فقد استثنى المصنّف ممن لا استبراء عليها مواضع:

الأول: أن تكون عند انتقال ملكها إليه حائضاً، فيكتفي بإكمال حيضها، لحصول الغرض بذلك، وهو العلم ببراءة الرحم من الحمل عادةً. ومثل هذا لا يعد استبراء لا عرفاً ولا شرعاً، وإنما المانع الحيض كغيرها. ولصحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن رجل اشترى جارية وهي حائض، قال: «إذا طهرت فليمسها إن شاء»(1). ومثلها مقطوعة سماعة(2)، بل هي أوضح دلالة. وقال ابن إدريس: لابدّ من استبرائها بعد هذه الحيضة بقُرأين(3)؛ لعموم الأمر بالاستبراء.

وجوابه القول بموجبه، فإنّ الاستبراء قد حصل بذلك كما دلّت عليه الرواية. وحكمه فيها بالقُرأين لا وجه له لتصريح الروايات بالاكتفاء بالحيضة(4). وقد تقدم رواية بالحيضتين(5)، وحملت على الاستحباب جمعاً.

الثاني: أن تكون لعدل وأخبر باستبرائها ؛ لصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إني لم أطأها، فقال : «إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها»(6).

ص: 518


1- الكافي، ج 5، ص 473 ، باب استبراء الأمة، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 595: الاستبصار، ج 3،ص 357، ح 1278.
2- الكافي، ج 5، ص 473. باب استبراء الأمة، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174، ح 606: الاستبصار، ج 3،ص 359، ح 1286.
3- السرائر، ج 2، ص 635.
4- الكافي، ج 5، ص 447، باب في نحوه، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 445، ح 4548: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 293 ح 1230؛ و ج 8، ص 176 ، ح 615، و ص 212 - 213، ح 759.
5- تقدمت الرواية في ص 517، مع تخريجها في الهامش 4.
6- الكافي، ج 5، ص 472، باب استبراء الأمة، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 603: الاستبصار، ج 3،ص 359 - 360، ح 1289.

وصحيحة ابن سنان عنه(علیه السلام)، وفيها : قلت: أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهر، زعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت؟ فقال: «إن كان عندك أميناً فمسّها»(1).

وصحيحة أبي بصير عنه(علیه السلام) مثلها، وجوابه(علیه السلام): «إن أمنته فمسّها»(2).

وقد اشتركت الأخبار في الوثوق به وفي استئمانه ولم يذكر العدالة، ولكن المصنف وجماعة(3) حملوه على العدل: لأنه لا وثوق بالفاسق.

وفيه نظر؛ لجواز الوثوق واستثمان من ليس بعدل؛ إذ من شروط العدالة ما لايخلّ فواته بالثقة والاستئمان. ولا يلزم من عدم الوثوق بخبر الفاسق اشتراط العدالة؛ لأن بينهما

واسطة. وقد تقدم تعبير المصنف بالثقة موافقاً للرواية في بيع الحيوان ، وهو أنسب(4).

وخالف ابن إدريس هنا أيضاً وأوجب الاستبراء(5)؛ لعموم الأمر به، وخصوص رواية عبدالله بن سنان، قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) : أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمئت عنده وطهرت، قال: «ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة. ولكن يجوز لك ما دون الفرج، إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهنّ قبل أن يستبروهنّ فأولئك الزناة بأموالهم»(6).

وجوابه أنّ عموم الأوامر(7) قد خص بما ذكر من الروايات. والرواية الأخيرة - مع ضعف سندها بعبدالله بن القاسم(8) - يمكن حملها على الكراهة جمعاً، مع أن عبدالله بن سنان

ص: 519


1- الكافي، ج 5، ص 473، باب استبراء الأمة، ح 7: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172، ح 601؛ الاستبصار، ج 3، ص 358، ح 1285.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 604: الاستبصار، ج 3، ص 360، ح 1290.
3- منهم المفيد في المقنعة، ص 600 - 601؛ والشيخ في النهاية، ص 410؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 62.
4- تقدّم في ج 3، ص 306.
5- السرائر، ج 2، ص 634.
6- الفقيه، ج 3، ص 445 - 446. ح 4548: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 212 - 213، ح 759.
7- وسائل الشيعة، ج 21، ص 104 - 105، الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
8- خلاصة الأقوال، ص 370، الرقم 1462.

روى الجواز أيضاً، وفي آخرها ما يؤذن بالكراهة؛ لأنه قال: «إنّ ذا الأمر شديد، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فتحفّظ لا تنزل عليها(1).

واعلم أنّ في صحّة الروايتين الأخيرتين من روايات الجواز عندي نظر؛ لأنّ ابن سنان مطلق مشترك بين عبد الله ومحمّد، والأوّل ثقة(2) دون الثاني(3). وأبو بصير تقدم عن قريب أنه مشترك أيضاً (4)؛ والطريق بسواهما صحيح، فمن شهد بصحتهما يطالب بالتعيين.

الثالث: أن تكون منتقلة عن امرأة، فلا يجب استبراؤها لرواية ابن أبي عمير، عن حفص، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الأمة تكون للمرأة فتبيعها، قال: «لا بأس بأن يطأها من غير أن يستبرئها»(5). ورواية زرارة قال: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فأخبرتني أنّه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم أستبرئها، فسألت عن ذلك أبا جعفر فقال: «هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود»(6). ورواية الحسن بن محبوب عن رفاعة، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها فقال: «لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها (7).

والرواية الأخيرة أوضح سنداً من الأوليين، وهى من الحسن أو الصحيح. وكيف كان فالعمل بمضمونها أظهر.

وخالف ابن إدريس هنا أيضاً(8)، ودليله وجوابه كما مرّ(9).

الرابع: أن تكون الأمة يائسة من المحيض لانتفاء المقتضي له. وفي رواية منصور بن حازم،

ص: 520


1- الكافي، ج 5، ص 473، باب استبراء الأمة، ح7: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172، ح 601.
2- رجال النجاشي، ص 214، الرقم 558.
3- رجال النجاشي، ص 328، الرقم 888.
4- تقدم في ص 491.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174 ، ح 608؛ الاستبصار، ج 3، ص 360، ح 1293.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174، ح 609: الاستبصار، ج 3، ص 361، ح 1294.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174، ح 607؛ الاستبصار، ج 3، ص 360 ، ح 1292.
8- السرائر، ج 2، ص 634.
9- مرّ في ص 519 .

قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الجارية التي لا يخاف عليها الحمل، قال: «ليس عليها عدّة»(1).

ومثلها رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عنه (علیه السلام)(2).

وفي رواية ابن سنان السابقة قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الرجل يشتري الجارية لم تحض قال: «يعتزلها شهراً إن كانت قد يئست(3). ويمكن حملها على الاستحباب. وفي معناها الصغيرة التي لم تبلغ المحيض ولم يذكرها معها، وذكرها في باب البيع(4).

ويمكن أن يكون وجه تركها أنّ المراد منها عند الإطلاق من سنّها دون تسع سنين، ومتى كانت كذلك فوطؤها حرام مطلقاً، وغيره لا يحرم في زمن الاستبراء.

لكنّها مذكورة في روايات كثيرة، وفيها تصريح بجواز وطئها حينئذ بغير استبراء، فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: في رجل ابتاع جارية ولم تطمث، قال: «إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحبل فليس عليها عدّة، وليطأها إن شاء، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإن عليها العدّة»(5). ولا يمكن تنزيلها على من تجاوز سنّها التسع ولم تحض، بناءً على الغالب من عدم حيضهن بعد التسع أيضاً، ليجمع بين جواز وطئها وعدم بلوغها الحيض؛ لأنّ هذا الحمل ينافي قوله: «وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدة» لأنّ بلوغها عند الأصحاب يحصل بالتسع. وفي صحيحة عبدالله بن أبي يعفور عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحمل إذا اشتراها الرجل، قال: «ليس عليها عدة يقع عليها»(6). وقريب منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عنه(علیه السلام) قال: «إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة عليها»(7).

ص: 521


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 596: الاستبصار، ج 3، ص 357، ح 1279.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172، ح 598؛ الاستبصار، ج 3، ص 357، ح 1281.
3- الكافي، ج 5، ص 473، باب استبراء الأمة، ح 7: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 172، ح 601.
4- تقدّم في ج 3، ص 387، في بيع الحيوان المسألة الرابعة.
5- الكافي، ج 5، ص 473، باب استبراء الأمة، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 595.
6- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 597 و 598 : الاستبصار، ج 3، ص 357، ح 1280 و 1281.
7- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 171، ح 597 و 598؛ الاستبصار، ج 3، ص 357، ح 1280 و 1281.

وفي هذه الروايات المعتبرة دلالة على أنّ الأمة التي بلغت التسع ولم تحض لا استبراء عليها، وليس فيها ما ينافي ذلك، بخلاف رواية الحلبي. وهي أيضاً موافقة لحكمة الاستبراء؛ لأنّ بنت العشر سنين وما قاربها لا تحبل عادة، فلا مقتضي لاستبرائها كالآيسة. ولو حرّمنا في زمن الاستبراء مطلق الاستمتاع ظهرت الفائدة في الصغيرة في غير الوطء من ضروبه.

الخامس: أن تنتقل إليه وهي حامل فيسقط استبراؤها. ومفهوم كلامه هنا جواز وطئها حينئذ مطلقاً على كراهية، وهو الذي اختاره الشيخ في الخلاف(1) وكتابي الأخبار(2) مدعياً عليه الإجماع، مع أنه اختار في النهاية التحريم قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيّام(3). وهذا هو الذي تقتضيه الأخبار المعتبرة الإسناد، ففي صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل، قال: «سئل أبي عن ذلك فقال: أحلّتها آية وحرمتها أخرى، وأنا ناءٍ عنها نفسي وولدي». فقال الرجل: فأنا أرجو أن أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك(4). وهذا ظاهر في الكراهة.

ووردت أخبار تتضمّن النهي عنه(5). لكن في طريقها محمدبن قيس، وهو مشترك بين الثقة(6) وغيره(7)، وفي طريق آخر إسحاق بن عمار، وحاله معلوم(8). ويمكن حمل النهي فيها على الكراهة جمعاً.

ص: 522


1- الخلاف، ج 5، ص 85، المسألة 46.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 177، ذيل الحديث 620؛ الاستبصار، ج 3، ص 362 - 363، ذيل الحديث 1302.
3- النهاية، ص 496.
4- الكافي، ج 5، ص 474 - 475، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176، ح 616؛ الاستبصار، ج 3، ص 362، ح 1298.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176، ح 617 و 619: الاستبصار، ج 3، ص 362، ح 1301.
6- وهو محمّد بن قيس الأسدي، أبو نصر. راجع خلاصة الأقوال، ص 252، الرقم 860.
7- وهو محمد بن قيس بن أحمد. راجع خلاصة الأقوال، ص 400، الرقم 1611.
8- راجع الفهرست الشيخ الطوسي، ص 39 الرقم 52 ورجال ابن داود، ص 52 الرقم 161، وكان فطحياً ؛ ومعالم العلماء، ص 22، الرقم 131.
[المسألة]الثانية:

إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها ووطؤها من غير استبراء، والاستبراء أفضل.

وقد اختار المصنف في باب البيع التحريم قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام(1)، كمذهب الشيخ في النهاية(2). ويدلّ عليه رواية رفاعة أيضاً الصحيحة أو الحسنة عن أبي الحسن موسى(علیه السلام) قلت: أشتري الجارية - إلى أن قال قلت: فإن كانت حاملاً فمالي منها إن أردت؟ فقال: «لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج»(3). وظاهر الرواية تحريم الوطء في المدة المذكورة، لكنّه بالمفهوم لا بالمنطوق.

وبالجملة فالتفصيل لا بأس به. ويعضد هذا المفهوم ما ورد من النهي عن وطئها مطلقاً(4)؛ فيكون شاهداً على التحريم وعاضداً وإن ضعف طريقه، ويخص التحريم بما دون الأربعة أشهر وعشرة لتصريح هذا الخبر بجوازه، فيحمل النهي عمّا زاد على الكراهة جمعاً، ويكفي في إثبات الكراهة مثل ذلك وإن ضعف طريقه، بخلاف التحريم. وأما القول بالتحريم مطلقاً عملاً بتلك الأخبار - كما اختاره جماعة (5) وحمل ما دلّ على الجواز على كون الحمل من زنى، فبعيد جداً؛ لضعف مأخذه. وفي المسألة أقوال أُخر، وقد مضى جملة من مباحثها في بيع الحيوان(6).

قوله: «إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها ووطؤها من غير استبراء» إلى آخره. هذا أيضاً من المواضع التي يسقط فيها استبراء الأمة. ومستنده صحيحة محمد بن مسلم

ص: 523


1- راجع ج 3، ص 307.
2- النهاية، ص 496.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 468 ، ح 1878 : و ج 8، ص 177، ح 622 : الاستبصار، ج 3، ص 364 ، ح 1305.
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176، ح 619، و ص 198، ح 696: الاستبصار، ج 3، ص 362، ح 1301.
5- منهم العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 283، المسألة 202؛ وابن فهد في المهذب البارع، ج 2، ص 452: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 154 - 156.
6- سبق في ج 3، ص 301.

عن أبي جعفر(علیه السلام) في الرجل يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوجها هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال: «يستبرئ بحيضة». قلت: فإن وقع عليها؟ قال: «لا بأس»(1). ومثله رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام)(2) ورواية أبي العباس عنه(علیه السلام)(3). وهي كما الله تدلّ على جواز الوطء بغير استبراء تدلّ على أن الاستبراء أفضل.

وظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

ويدلّ عليه أيضاً أنّ الاستبراء إنما ثبت وجوبه في المملوكة، وقد خرجت بالعتق عن كونها مملوكة والاستبراء وإن ثبت بالشراء قبل العتق لكنه سقط بعتقها لصيرورتها أجنبية بالنسبة إليه وإلى غيره فإذا أراد إنشاء النكاح كانت كغيرها من الأجنبيات.

نعم، قيّده بعض الأصحاب بأن لا يعلم لها وطء محترم(4)، وإلا وجب الاستبراء بحيضة.

ولا بأس به، لوجود المقتضي له حينئذ، بخلاف ما لو جهل الحال، فإنّ الأصل عدم الوطء إلا ما دلّ الدليل على وجوب الاستبراء فيه ولو مع الجهل، وذلك في المملوكة، فيبقى غيرها على الأصل.

وألحق بعضهم بالعتق تزويج المولى للأمة المبتاعة(5)، فإنّه لايجب على الزوج استبراؤها ما لم يعلم سبق وطء محترم في ذلك الطهر، وذلك لأنّ الاستبراء تابع لانتقال الملك، وهو منتف هنا. وعلى هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء عن المولى أيضاً، بأن يزوجها من غيره، ثمّ يطلقها الزوج قبل الدخول، فيسقط الاستبراء بالتزويج، والعدّة

ص: 524


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 175، ح 612: الاستبصار، ج 3، ص 361، ح 1295.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 175 ، ح 613؛ الاستبصار، ج 3، ص 361، ح 1296.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 175، ح 614: الاستبصار، ج 3، ص 361، ح 1297.
4- العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 62 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 173.
5- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 175 - 176.

ولو كان وطئها وأعتقها لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدّة، وهي ثلاثة أشهر إن لم تسبق الأطهار.

بالطلاق قبل المسيس، وإن وجد ما يظنّ كونه علّة للاستبراء، وهو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق، فإنّ العلة مستنبطة لا منصوصة. ومثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة

ونحو ذلك.

قوله: «ولو كان وطئها وأعتقها لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدة وهي ثلاثة أشهر إن لم تسبق الأطهار».

ما تقدّم حكم الأمة المعتقة بالنسبة إلى المولى المعتق، وهذا حكمه بالنسبة إلى غيره. وحاصل الحكم أن المولى إذا أعتق أمته فلايخلو إما أن يكون بعد وطئها أو قبله. فإن كان قبل الوطء جاز لغيره تزويجها بغير عدة ولا استبراء، وإن أمكن أن تكون موطوءة في ذلك الطهر لغير المعتق، بأن يكون المعتق اشتراها ثمّ أعتقها قبل أن تحيض عنده.

ووجه جواز تزويجها حينئذ لغيره بغير استبراء ما تقدّم من جواز تزويج مولاها بها من غير استبراء(1)، من حيث إنّه مختص بالمالك وتابع لنقل الملك، وهو هنا منتفٍ؛ لأنّها حرّة. بل تقدم جواز تزويجها للغير قبل العتق(2)، فبعده أولى.

وهذا الحكم يستفاد من مفهوم العبارة لا من منطوقها؛ لأنه جعل مورد المنع من تزويج الغير بها كونها موطوءة للمولى قبل العتق، ومفهومه أنه لو لم يطأها حلّ تزويجها لغيره من غير استبراء. ويؤيّده ما ذكر في الحكم السابق.

وإن كان عتقها بعد وطء المولى لم يجز لغيره تزويجها في ذلك الطهر قطعاً؛ لأنه وطء محترم فلا بد من مراعاة التخلّص من حرمته حذراً من اختلاط الأنساب والمعتبر حينئذ عدة الطلاق؛ لرواية زرارة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل أعتق سريته أله أن يتزوجها

ص: 525


1- تقدم في ص 524 .
2- تقدّم في ص 479.
[النوع]الثاني: ملك المنفعة
اشارة

والنظر فی الصیغة و الحکم:

أما الصيغة:

فأن يقول: «أحللت لك وطأها» أو «جعلتك في حلّ من وطئها». ولا تستباح بلفظ العارية. وهل تستباح بلفظ الإباحة؟ فيه خلاف أظهره الجواز. ولو قال: «وهبتك ووطأها» أو «سوغتك» أو «ملكتك» فمن أجاز الإباحة يلزمه الجواز هنا، ومن اقتصر على التحليل منع.

بغير عدة؟ قال: «نعم» قلت فغيره؟ قال: «لا ، حتّى تعتدّ ثلاثة أشهر»(1). ومثله روى الحسن عنه(علیه السلام)(2) . وهي تدل بإطلاقها على توقف تزويج غير المولى بها على العدّة مطلقاً،لكنّها محمولة على ما لو علم الوطء، لقصورها عن إفادة الحكم مطلقاً. وإنّما تعتبر الثلاثة الأشهر على تقدير سبقها على الأقراء، أو أنّها كناية عن الأقراء؛ لأنّها غالباً لا تكون إلا في ثلاثة أشهر، وإلا فالمعتبر عدة الطلاق.

ويظهر من الجماعة(3) أنه لا خلاف في ذلك، وإلا فالمستند لا يخلو من ضعف؛ لأنّ في طريق الرواية الأولى محمّدبن عيسى، وفي حاله نظر.

والثانية: في سندها جهالة، ولكن مثل ذلك ينجبر بالشهرة عند الأصحاب. مع أن الأولى ليست بمرتبة قوية في الضعف؛ لأنّ محمدبن عيسى قد رجّحَ بعض الأصحاب العمل بروايته(4)؛

قوله: «أمّا الصيغة فأن يقول - إلى قوله - ومن اقتصر على التحليل منع». لا إشكال في اعتبار صيغة خاصة لهذا النوع من النكاح كما يعتبر في غيره؛ لأنّ مجرّد

ص: 526


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 175 ، ح .611.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 175، ح 610.
3- منهم الشيخ في الخلاف، ج 5، ص 79 المسألة 35؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 744.
4- رجال النجاشي، ص 333 - 334، الرقم 896؛ خلاصة الأقوال، ص 242 ، الرقم 821.

التراضي لايكفي في حلّ الفروج إجماعاً، ولا أي لفظ اتفق. وقد اتّفقوا على الاجتزاء بلفظ التحليل، وهو الوارد في الروايات، ففي صحيحة الفضيل بن يسار قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت: إذا أحلّ الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال؟ فقال: «نعم يا فضيل»(1) الحديث.

وعن محمدبن إسماعيل بن بزيع - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن امرأة أحلت لي جاريتها، قال: «ذلك لك»(2). وغيرهما من الأخبار الكثيرة.

ولابد مع لفظ التحليل من مراعاة ما يعتبر في العقود، من لفظ الماضي الدال ع-ل-ى الإنشاء، كقوله: «أحللت لك وطئها» أو «جعلتك في حلّ من وطئها». فلا يكفي مثل: «أنت في حلّ من وطئها لعدم كونه صريحاً في الإنشاء. كذا قال الجماعة(3).

وقد تقدّم في باب عقود النكاح ما فيه(4).

وأولى بالإشكال هنا؛ لأن التحليل نوع إباحة، ودائرتها أوسع. ولا يكفي لفظ العارية وإن كان متعلّقها إباحة المنفعة مع بقاء العين على ملك المالك؛

لأصالة بقاء التحريم فيما عدا المنصوص عليه. ولرواية أبي العباس البقباق عن الصادق(علیه السلام) قال: سأله رجل عن عارية الفروج، فقال: «حرام» ثم سكت قليلاً وقال: «لكن لا بأس بأن يحلّ الرجل جاريته لأخيه»(5).

ص: 527


1- الكافي، ج 5، ص 468، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه.... ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 455، ح 4579؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 244 . ح 1064.
2- الكافي، ج 5، ص 469. باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 242، ح 1058؛ الاستبصار، ج 3، ص 136 ، ح 491.
3- منهم الشيخ في النهاية، ص 494؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 244، ذيل الحديث 1062؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 360 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 633.
4- تقدم في ص 91-92.
5- الكافي، ج 5، ص 470، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 244، ح 1063؛ الاستبصار، ج 3، ص 140 - 141، ح 505.

واختلفوا في الاستباحة بلفظ الإباحة، فالأكثر - ومنهم الشيخ في النهاية(1) وأتباعه(2). والمرتضى(3) والعلّامة في أحد قوليه (4)- على أنه لا يفيد الحلّ؛ وقوفاً مع ظاهر النصوص(5).

وتمسكاً بالأصل.

وذهب الشيخ في المبسوط(6) وابن إدريس(7) والمصنّف والعلّامة في القول الآخر(8) إلى الاكتفاء به؛ لمشاركتها للتحليل في المعنى، ويجوز إقامة كلّ من المترادفين مقام الآخر كما ذكر في الأُصول(9). ورد بمنع الاكتفاء بالمرادف فإنّ في النكاح شائبة العبادة، وكثير من أحكامه توقيفية،

والاحتياط فيه من أهم المطالب.

ويتفرّع على القولين ما لو قال: «وهبتك وطأها» أو «سوغتك» أو «ملكتك» فمن أجاز الإباحة اكتفى بأحد هذه؛ لأنّها بمعناها، ومن اقتصر على التحليل منع هنا. والأقوى المنع منها مطلقاً؛ لأنّ الهبة والتمليك يتناولان الأعيان أمّا الهبة فقطعاً وأمّا التمليك فغالباً، وليس الوطء عيناً. وأما التسويغ فهو بمعنى الإباحة وأخفى.

ص: 528


1- النهاية، ص 494.
2- منهم ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 360.
3- رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 297، المسألة 49.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 516، الرقم 5096، قال: فيه قولان.
5- الكافي، ج 5، ص 468، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...، ح 1، و ص 469، ح 5 و 6، و ص 470، ح 16؛ الفقيه، ج 3، ص 455، ح 4578 و 4579: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 247، ح 1073، و ص 241 - 242، ح 1053، و ص 242، ح 1056. و ص 244، ح 1063.
6- المبسوط، ج 2، ص 468.
7- السرائر، ج 2، ص 633.
8- مختلف الشيعة، ج 7، ص 280، المسألة 200؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 62 إرشاد الأذهان، ج 2، ص 14: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 644 (الطبعة الحجرية).
9- تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص 70.

وهل هو عقد أو تمليك منفعة ؟ فيه خلاف بين الأصحاب منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك. ولعلّ الأقرب هو الأخير.

والحق أنّ صيغ العقود اللازمة أو النكاح إن كانت توقيفية لم يصح بكلّ واحد من هذه الألفاظ؛ لعدم ورودها، بل يقتصر على التحليل. وإن اكتفي في العقد بما أدى المعنى جاز بلفظ الإباحة والتسويغ دون الهبة لما ذكر من تناولها الأعيان.

أما التمليك فإنه وإن غلب استعماله في نقل الأعيان إلا أنه يستعمل في نقل المنافع. ومن تم استدلّ على جواز هذا النوع من النكاح بدخوله في قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ)(1) بجعل الملك هنا للمنفعة، وجعل الملك منقسماً إليهما، فإذا استعمل في هذا المعنى كان قرينة على إرادة المنفعة منه خاصةً، فيتجه الاكتفاء به حينئذ.

قوله: «وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ - إلى قوله - ولعلّ الأقرب هو الأخير». لما كان حلّ الفروج منحصراً في العقد أو الملك؛ لقوله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ)(2) وكان القول بحلّ الأمة بالتحليل ثابتاً عند علمائنا، وجب أن لا يكون خارجاً عن الأمرين. وقد اختلفوا في ردّه إلى أيهما، فذهب المرتضى إلى أنه عقد والتحليل عبارة عنه(3) . والأكثر - ومنهم المصنف - على أنه تمليك منفعة مع بقاء الأصل؛ لأن الحل دائر مع الأمرين كما ذكرناه، وخواص العقد منتفية عنه؛ لأنه إن كان عقد دوام توقف رفعه على الطلاق أو الفسخ في موارده، ووجب المهر بالدخول، ونحو ذلك من خواصه، وكلّها منتفية عنه. وإن كان متعة توقف على ذكر الأجل والمهر ، ولا مهر مع التحليل، ولا يشترط فيه الأجل على الأصح للأصل.

وعلى القولين يعتبر القبول، أما على العقد فظاهر، وأما على التمليك؛ فلأنه في معنى هبة المنفعة، فيكون أيضاً من قبيل العقود، وإنّما نفينا عنه اسم عقد النكاح لا مطلق العقود. فالتحقيق أنه عقد في الجملة على التقديرين.

ص: 529


1- المئومنون(23) 6.
2- المؤمنون (23) : 6.
3- الانتصار، ص 281، المسألة 156.

وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان إحداهما المنع. ويؤيدها أنه نوع من تمليك، والعبد بعيد عن التملّك.

والأخرى الجواز إذا عيّن له الموطوءة. ويؤيدها أنه نوع من الإباحة وللمملوك أهلية الإباحة والأخير أشبه.

قوله: «وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان - إلى قوله - والأخير أشبه». اختلف الأصحاب فى أن المولى إذا حلّل أمته لعبده هل تحلّ له بذلك أم لا ؟ على قولين: أحدهما واختاره الشيخ في النهاية(1) ، والعلّامة في المختلف(2)، وولده فخر الدين(3) العدم؛ لصحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن(علیه السلام) أنه سئل عن المملوك أيحلّ له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحلّ له مولاه؟ قال: «لايحلّ له»(4)؛ ولأنّه نوع تمليك والعبد ليس أهلاً له. والثاني - وهو مذهب ابن إدريس(5)، واختاره المصنّف - الحل؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا كونه لا يملك، ونفي ملكه مطلقاً ممنوع. سلّمنا لكن المراد بالملك هنا الإباحة، بمعنى استحقاق البضع وإباحته له، لا الملك بالمعنى المشهور؛ لأنّ ملك البضع لا معنى له إلا الاستحقاق المذكور. ومن ثُمّ لو تصرّف فيه متصرّف كالواطئ بالشبهة - يكون عوضه وهو المهر للمرأة لا لمالك البضع. وهذا على حد قولهم: فلان يملك إحضار فلان مجلس الحكم ونحو ذلك، فإنّ المراد به أصل الاستحقاق، والعبد يملك هذا النوع.

والرواية التي أشار المصنّف إلى دلالتها على الجواز لم نقف عليها، ولا ذكرها غيره(6).

ولو تمّت لأمكن حمل رواية المنع على الكراهة.

ص: 530


1- النهاية، ص 494.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 278 ، المسألة 199.
3- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 167.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 243 - 244، ح 1062؛ الاستبصار، ج 3، ص 137 - 138، ح 495 .
5- السرائر، ج 2، ص 633.
6- لعلّه يدلّ عليه هذه الرواية التي أوردها الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 238، ح 1040؛ والاستبصار،ج 3، ص 138 . ح 496.

ويجوز تحليل المدبّرة وأم الولد. ولو ملك بعضها فأحلّته نفسها لم تحلّ. ولو كانت مشتركة فأحلّها الشريك قيل: تحلّ. والفرق أنه ليس للمرأة أن تحلّ نفسها.

وأما الحكم فمسائل:
[المسألة]الأولى:

يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ، وما شهد الحال بدخوله تحته، فلو أحلّ له التقبيل اقتصر عليه، وكذا لو أحلّ له اللمس، فلا يستبيح الوطء ولو أحلّ له الوطء حلّ له ما دونه من ضروب الاستمتاع. ولو أحلّ له الخدمة لم يطأ. وكذا لو أحل له الوطء لم يستخدم.

وأما حملها على تحليل المولى لعبده أمة الغير ، أو أنه أراد التحليل بدون الصيغة ، فبعيد . نعم ، حملها على التقية لا بأس به ؛ لأنّ العامة يمنعون التحليل مطلقاً(1). ومع ذلك ففي تكلّف الحمل مع عدم وجود المعارض إشكال.

واعلم أنه لا فرق على القولين بين تحليل أمته لعبده وعبد غيره إذا أذن سيده، وإنما خص المصنف عبده لموضع النص.

قوله: «ويجوز تحليل المديرة وأُمّ الولد».

لأنهما لم تخرجا بالتدبير والولادة عن المملوكية، فيتناولهما عموم النص كما يتناول القنّ. ويؤيّده رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعلیه السلام قال: سألته عن جارية بين رجلين دبّراها جميعاً، ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لصاحبه، قال: «هو له حلال»(2).

قوله: «ولو ملك بعضها فأحلّته نفسها لم تحلّ» إلى آخره.

قد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى، والرواية التي دلّت على الحكم(3)، فلا وجه لإعادته. قوله: «يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ - إلى قوله - وكذا لو أحلّ له الوطء لم يستخدم«.

ص: 531


1- الحاوي الكبير، ج 9، ص 187؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 10، ص 152، المسألة 7165.
2- الكافي، ج 5، ص 482، باب نكاح المرأة التي بعضها حرّ...،ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 245، ح 1067.
3- تقدّم في ص 470 - 471.

ولو وطئ مع عدم الإذن كان عاصياً، ولزمه عوض البضع، وكان الولد رقاً لمولاها.

لما كان هذا النوع من الاستمتاع تابعاً للفظ الدال عليه وجب مراعاة اللفظ، فكلّ ما تناوله ودلّ عليه بإحدى الدلالات ملكه المحلل له، وما خرج عن ذلك لا يحلّ. فإذا حلل له النظر لم يتناول غيره من ضروب الاستمتاع؛ لعدم دلالته عليها بوجه؛ لأنّه أضعفها.

ولو أحلّ له الوطء دلّ عليه بالمطابقة، وعلى لمسها بالتضمّن، وعلى باقي مقدمات الاستمتاع من اللمس والنظر والقبلة وغيرها بالالتزام، فيدخل جميع ذلك في تحليله. ووجه لزومه لها كونها محسوبة من مقدّماته، ولا ينفك عنها غالباً، فهو لزوم عرفي وإن لم يكن عقليّاً، ومثل ذلك كافٍ في مثل هذا.

ولو أحلّ له بعض مقدّماته غير النظر دخل فيه ما استلزمه دون غيره. فإذا أحلّ له القبلة استباح اللمس المتوقف عليه.

وقد دلّ على ذلك كله رواية الحسن بن عطية عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا أحل الرجل من جاريته قبلة لم يحلّ له غيرها، وإن أحلّ له منها دون الفرج لم يحلّ له غيره، فإن أحلّ له الفرج حلّ له جميعها»(1).

وفي صحيحة الفضيل عنه(عليه السلام): «ولو أحلّ له قبلة منها لم يحلّ له سوى ذلك»(2).

وهذا كلّه فيما يتناوله التحليل. أما الخدمة فلا تدخل في تحليل الوطء، ولا مقدماته، ولا العكس لانفكاك كلّ منهما عن الآخر حسّاً وعقلاً.

قوله: «ولو وطئ مع عدم الإذن كان عاصياً، ولزمه عوض البضع» إلى آخره.

ص: 532


1- الكافي، ج 5 ص 470. باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه .... 15؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 245، ح 1066.
2- الكافي، ج 5، ص 468، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...،ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 455، ح 4579: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 244، ح 1064.
[المسألة]الثانية:

ولد المحلّلة حرّ. ثمّ إن شرط الحرّية مع لفظ الإباحة فالولد حرّ، ولا سبيل على الأب. وإن لم يشرط قيل: يجب على أبيه فكه بالقيمة. وقيل: لا يجب. وهو أصحّ الروايتين.

إذا حلل له ما دون الوطء أو الخدمة كان الوطء بالنسبة إليه كغيره من الأجانب، فإن وطئ حينئذٍ عالماً بالتحريم كان عاصياً، وكان الولد لمولاها كما في نظائره، لانتفائه عن الزاني.

وينبغي ترتب حكم الزنى من الحدّ وغيره عليه، لكن يظهر من الرواية عدمه. وأما ثبوت عوض البضع فيبنى على ضمانه من الأمة مطلقاً أو مع عدم البغي وقد تقدّم

الخلاف فيه(1)، وأنّ المصنّف يشترط في ثبوته جهلها أو إكراهها.

وحيث يثبت العوض فهو العشر إن كانت بكراً، ونصفه إن كانت ثيّباً، وأرش البكارة مضافاً إلى العشر كما سلف. وقد دلّ على ذلك صحيحة الفضيل السالفة وفيها: قلت: أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضها؟ قال: «لا ينبغي له ذلك». قلت: فإن فعل يكون زانياً؟ قال: «لا، ولكن يكون خائناً، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً، وإن لم تكن بكراً فنصف عشر قيمتها»(2). ولعلّ إطلاق المصنّف الحكم بالعشر أو نصفه تبعاً لإطلاق الرواية، وكذا حكمه بكونه عاصياً، ولم يقل : زانياً، وعدم تعرّضه للحد - كما ذكره غيره(3) - لتضمن الرواية جميع ذلك. ولو وطئ جاهلاً فالولد حرّ، وعليه قيمته يوم سقط حياً لمولاها كما سلف.

قوله: «ولد المحللة حرّ - إلى قوله - وهو أصح الروايتين».

إذا حصل من تحليل الوطء ولد، فإن شرط في صيغة التحليل كونه حرّاً كان حرّاً، ولا قيمة على الأب إجماعاً. وإن شرط كونه رقاً بني على صحة هذا الشرط في نكاح

ص: 533


1- تقدم في ص 455.
2- سبقت في ص 532، مع تخريجها في الهامش 2.
3- جامع المقاصد، ج 13، ص 193.

الأمة وعدمه. وقد تقدّم(1). وإن أطلقا العقد ولم يشترطا رقيّته ولا حريته فللأصحاب قولان:

أحدهما: وهو الذي اختاره المصنف، وجعله أصح الروايتين(2) - أنّه حر، ولا قيمة على أبيه. وهو مذهب الشيخ في الخلاف (3) والمتأخّرين(4) لبناء الحرّيّة على التغليب والسراية، والولد متكوّن من النطفتين فيغلب جانب الحرّية ولعموم الأخبار السالفة المتضمنة أن ولد الحر لا يكون إلا حرّاً، وخصوص حسنة زرارة، قال قلت لأبي جعفر (علیه السلام): الرجل يحلل جاريته لأخيه؟ قال: لا بأس». قال قلت: فإنّها جاءت بولد، قال: «يضم إليه ولده، وتردّ الجارية على صاحبها».

قلت له: إنّه لم يأذن في ذلك، قال: «إنّه قد أذن له وهو لا يأمن أن يكون ذلك»(5).

وموثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله(علیه السلام) ا وفيها قلت فجاءت بولد، قال: يلحق بالحرّ من أبويه»(6) . وغيرهما من الأخبار(7).

وقال الشيخ في المبسوط والنهاية وكتابي الأخبار(8) الولد رقّ؛ لرواية ضريس بن

ص: 534


1- تقدم في ص 452 - 453.
2- الكافي، ج 5، ص 469، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...،ح 5 و 6: الفقيه، ج 3، ص 456، ح 4581؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246، ح 1070، و ص 247، ح 1071 - 1073؛ الاستبصار، ج 3، ص 139، ح 499 - 502.
3- الخلاف، ج 3، ص 232، المسألة 23: وج 6، ص 426، المسألة 3.
4- منهم ابن إدريس في السرائر ، ج 2، ص 628؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 277، المسألة 198؛ إرشاد الأذهان ، ج 2، ص 14: قواعد الأحكام، ج 3، ص 63؛ وولده فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 168: والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 176 - 177: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 195.
5- الكافي، ج 5، ص 469، باب الرجل يحلّ جاريته لأخيه...،ح 6: الفقيه، ج 3، ص 456، ح 4581؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 247، ح 1073؛ الاستبصار، ج 3، ص 139، ح 502.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246 - 247، ح 1070 - 1072؛ الاستبصار، ج 3، ص 139، ح 499 - 501.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246 - 247، ح 1070 - 1072؛ الاستبصار، ج 3، ص 139، ح 499 - 501.
8- المبسوط، ج 3، ص 494 ؛ النهاية، ص 494؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246، ذيل الحديث 1067: الاستبصار، ج 3، ص 139 - 140 ، ذيل الحديث 502.
[المسألة]الثالثة:

لا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره، وأن ينام بين أمتين.

ويكره ذلك في الحرّة. ويكره وطء الفاجرة ومن ولدت من الزني.

عبد الملك عن الصادق(علیه السلام) وفيها : قلت: فإن جاءت بولد قال: «هو لمولى الجارية، إلّا أن يكون قد اشترط حين أحلّها له إن جاءت بولد فهو حرّ»(1).

ومثلها رواية الحسن العطار (2)، ورواية إبراهيم بن عبد الحميد(3).

وفي طريق الأولى عليّ بن فضّال(4)، والثانية مجهولة بالعطار(5)، والثالثة بعبد الرحمن بن حماد(6)، وإبراهيم ضعيف(7). فلذلك قال المصنف: إنّ الأوّل أصح الروايتين. ولو قال: أوضح الروايتين سنداً كان أجود؛ لاشتراكهما في عدم الوصف بالصحة فضلاً عن كون الأولى أصح. قوله: «لا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره - إلى قوله - ومن ولدت من الزنى». هنا أحكام ختم بها مسائل نكاح الإماء الأولى: نفي البأس عن وطء الأمة وفي البيت غيرهما وإن رآهما وسمع نفسهما. وقد تقدّم كراهة ذلك في الحرّة(8)، وأنّه من غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ما أفلح أبداً، إن كان غلاماً كان زانياً، وإن كانت جارية كانت زائية. وفي الأمة

ص: 535


1- الفقيه، ج 3، ص 456، ح 4580؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246، ح 1068 ، و ص 248، ح 1074؛ الاستبصار، ج 3، ص 138، ح 497، و ص 140، ح 503.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 246، ح 1069؛ الاستبصار، ج 3، ص 138، ح 498، و ص 141، ح 506.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 248، ح 1075؛ الاستبصار، ج 3، ص 140 . ح 504.
4- وكان فطحيّاً. راجع رجال النجاشي، ص 257 - 258، الرقم 676.
5- راجع رجال النجاشي، ص 47، الرقم :96 وخلاصة الأقوال، ص 103، الرقم 234.
6- عبد الرحمن بن أبي حماد، رمي بالضعف والغلو. راجع خلاصة الأقوال، ص 375، الرقم 1493.
7- إنّه واقفي. راجع رجال الشيخ الطوسي، ص 332، الرقم 4947، وص ،351 ، الرقم 5159؛ وخلاصة الأقوال،ص 313، الرقم 1228.
8- تقدم في ص 42 و 44.

روى عبدالله بن أبي يعفور - في الصحيح - عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل ينكح الجارية من - جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمعه، قال: «لا بأس»(1). ونفي البأس وإن لم يناف الكراهة من حيث إنّ مدلوله نفي التحريم، إلا أنه ظاهر في ذلك حيث اقتصر عليه من غير نكير ولا تشديد.

الثانية: نفي البأس أيضاً عن أن ينام بين أمتين بخلاف الحرة، فإنه مكروه؛ لما فيه من

الامتهان. وقد روى عبد الرحمن بن أبي نجران أنّ أبا الحسن(علیه السلام) كان ينام بين جاريتين(2). الثالثة: يكره وطء الأمة الفاجرة - أي الزانية - بالملك كما يكره بالعقد؛ لما فيه من العار وخوف اختلاط الماءين. روى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعلیه السلام، عن الخبيثة يتزوجها الرجل، قال: «لا». وقال: «إن كان له أمة وطئها ولا يتخذها أُمّ ولد»(3) والمراد بذلك أن يعزل عنها حذراً من حملها.

الرابعة: يكره وطء من ولد من الزنى وإن كانت في نفسها عفيفة، روى الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال : سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زني، عليه جناح أن يطأها؟ قال: «لا، وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلى»(4).

وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) في الرجل يشتري الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ويتخذها لنفسه، فقال: «إن لم يخف العيب على ولده فلا بأس»(5)

ص: 536


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 208، ح 735.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 459 ، ح 1838.
3- الكافي، ج 5، ص 353، باب نكاح ولد الزنى، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 207، ج 733.
4- الكافي، ج 5، ص 353، باب نكاح ولد الزنى، ح 5.
5- الكافي، ج 5، ص 353، باب نكاح ولد الزني، ح 2. في «م، ل»: «صورة خطه: تمّ المجلد الثالث من كتاب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. واتّفق الفراغ منه - مع تراكم صروف الحدثان المكدّرة للأفكار والأذهان الموجبة لمزيد السهو والنسيان ومَن

أطلع منها على عشر العشير أقام عذري ما عساه أن يقف فيه على خلل أو سهو أو تقصير - يوم الأحد عشرين شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وتسعمائة أحسن الله تعالى بنقصها في يسر وعافية على يد مؤلّفه الفقير إلى الله تبارك وتعالى. زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي عامله الله تعالى بفضله وعا عن سيئاته ووفقه لإكماله بمحمّد وآله سلام الله تعالى عليه». وزاد في نسخة «ل»: «هذا آخر كلامه (قدس سره) والحمد لله الذي وفقنا للفراغ من نسخه وجعل لنا أُسوة حسنة بمصنّفه حيث صنّف الجزء الثالث وما بعده إلى آخر الشرح زمان اختفائه من الطغاة البغاة لما قصدوه ودخلوا بيته ونهبوه، وكان (قدس سره) هارباً من شرهم. وأنا نسخته في زمان اختفائي، فإنّهم لما حبسوا الشارح (رحمه الله) وكنت ساعياً في خلاصه فحبسوني، وأخذوه إلى الروم، وكان مدة حبسي اثنين وأربعين يوماً، ثمّ أطلقت يوم العشرين من جمادى الأولى سنة خمس وستين وتسعمائة، وكنت متظاهراً بمكة وحواليها إلى أن جاء خبر قتل الشيخ الشهيد المبرور السعيد في ذي القعدة من السنة المذكورة، فقصدوني ثانياً فانهزمت منهم واختفيت، وبعد الفراغ من الحج والعمرة على الخفية، اشتغلت بكتابة الشرح، وسافرت في أواخر شهر صفر من مكة المشرفة إلى الطيبة، ووفق الله تعالى لإكمال هذا المجلد غرّة يوم الأحد لأربع ليال خلون من شهر جمادى الأولى سنة ستّ وستين وتسعمائة.

وأنا أحوج الخلق إلى عفو ربه الغني محمود بن محمد بن علي بن حمزة اللاهجاني. والحمد لله وحده، وصلى الله على خير خلقه محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين وسلّم تسليماً».

ص: 537

ملحقات النکاح

اشارة

ويلحق بالنكاح النظر في أُمور خمسة:

النظر الأول:مایردّ به النکاح

اشارة

ما يردّ به النكاح وهو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد:

المقصد الأوّل: في العيوب
اشارة

وهي إما في الرجل، وإما في المرأة:

عیوب الرجل ثلاثة:

فعیوب الرجل ثلاثة: الجنون، والخصاء، والعنن.

فالجنون سبب لتسلّط الزوجة على الفسخ، دائماً كان أو أدواراً.

وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطء، أو بعد العقد والوطء.

وقيل: يشترط في المتجدّد أن لا يعقل أوقات الصلوات. وهو في موضع التردّد.

قوله: ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة - إلى قوله - فعيوب الرجل ثلاثة». أي العيوب المتفق على جواز الفسخ بها، وإلا فسيأتي أنّ مختار المصنّف كون الجبّ من عيوبه أيضاً(1) ، فتكون أربعة، لكنّه أفرده للخلاف فيه. وسنبيّن إن شاء الله تعالى أن عيوبه ستة بزيادة الجذام والبرص(2).

قوله: «فالجنون سبب لتسلّط الزوجة على الفسخ - إلى قوله - وهو في موضع التردّد».

ص: 538


1- سيأتي في ص 543.
2- سيأتي في ص 547546.

لاخلافَ في كون الجنون من عيوب الرجل المجوّزة لفسخ المرأة النكاح في الجملة. ثمّ إن كان متقدماً على العقد أو مقارناً له ثبت لها به الفسخ مطلقاً، سواء كان مطبقاً أم أدواراً وسواء عقل أوقات الصلوات أم لا، وإن كان متجدّداً بعد العقد، سواء كان قد وطئ أم لا، فإن كان لا يعقل أوقات الصلوات فلها الفسخ أيضاً، وإن عقل حينئذ فأكثر المتقدمين كالشيخ(1) وأتباعه(2) على عدم الفسخ.

والأقوى عدم اشتراطه لعدم وجود دليل يفيد التقييد، وتناول الجنون بإطلاقه لجميع أقسامه، فإنّ الجنون فنون والجامع بينها فساد العقل كيف اتّفق.

وليس في الباب حديث سوى صحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(3) وهو شامل لما قبل العقد وبعده، ولما يعقل معه أوقات الصلاة وغيره. ورواية علي بن أبي حمزة، قال: سئل أبو إبراهيم(علیه السلام) عن امرأة يكون لها زوج أصيب في عقله بعد ما تزوّجها، أو عرض له جنون؟ قال: «لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت»(4)، وهي صريحة في المتجدّد، وشاملة بإطلاقها لما قبل الدخول وبعده. وفيها ترك الاستفصال من الإمام وهو دليل العموم.

لكن طريقها ضعيف، وعمدة الأمر على الاتفاق على كون الجنون عيباً مطلقاً، مع عدم وجود دليل مخصص.

وقول المصنف «وقيل: يشترط في المتجدّد أن لا يعقل أوقات الصلوات» يقتضي أنّ

ص: 539


1- المبسوط، ج 3، ص 500 - 501: الخلاف، ج 4، ص 349، المسألة 127؛ النهاية، ص 486.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 235؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 354.
3- الكافي، ج 5، ص 406، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة ، ح 6 ؛ الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4501 : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 424، ح 1693، وص 426. ح 1701؛ الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 880، و ص 247، ح 886.
4- الكافي، ج 6 . ص 151، باب في المصاب بعقله بعد التزويج، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 522، ح 4821: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 428 ، ح 1708.

والخصاء سلّ الأُنثيين. وفي معناه الوجاء. وإنما يفسخ به مع سبقه على العقد.

وقيل: وإن تجدّد. وليس بمعتمد.

المتقدم لا خلاف في جواز الفسخ به سواء عقل أم لا. وما ذكره هو المشهور في كلام الأصحاب، فإنّهم لم يقيدوا الجنون بذلك إلا في المتجدّد بعد العقد. ولكن ابن حمزة أطلق أن الجنون الموجب للخيار في الرجل والمرأة هو الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات(1) .

وهو يشمل المتقدم منه والمتجدّد.

وكيف كان فلا دليل على اعتبار ذلك وإن كان مشهوراً. وتردّد المصنّف في ذلك لشهرة القول لا لقوّة دليله، فإنّه يراعي جانب الشهرة. ويمكن على هذا أن يتمسك في المتجدد بعد العقد مطلقاً باستصحاب لزوم العقد في غير موضع الوفاق، لكن الرواية الصحيحة مطلقة في الجنون(2)، فتشمل موضع النزاع.

قوله: «والخصاء سلّ الأُنثيين. وفي معناه الوجاء إلى قوله - وليس بمعتمد». الخصاء - بكسر أوّله وبالمد - والوجاء - بالكسر والمد أيضاً - هو رض الخصيتين

بحيث تبطل قوتهما(3)، بل قيل: إنّه من أفراد الخصاء، فيتناوله لفظه.

والمشهور بين الأصحاب كونه عيباً، والنصوص به كثيرة، منها صحيحة ابن مسكان(4)، وموثّقة ابن بكير عن أحدهماعلیهماالسلام(5)، وموثّقة سماعة عن أبي عبدالله(علیه السلام) أن خصياً دلّس نفسه لامرأة، فقال: يفرّق بينهما، وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجع ظهره كما دلّس نفسه»(6). وظاهر الأخبار كون العيب موجوداً قبل العقد، ولكنّه محتمل للمتجدد منه قبل الدخول

ص: 540


1- الوسيلة، ص 311.
2- تقدّمت الرواية في ص 539، مع تخريجها في الهامش 3.
3- لسان العرب، ج 1، ص 191، «وجاً».
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 432، ح 1722.
5- الكافي، ج 5، ص 410، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 424. ح 4476: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 432 ، ح 1720، وفيها: عن ابن بكير، عن أبيه.
6- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 432، ح 1721.

والعنن مرض تضعف معه القوّة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج. ويفسخ به وإن تجدّد بعد العقد، لكن بشرط أن لا يطأ زوجته ولا غيرها فلو وطئها ولو مرّةً ثمّ عنّ، أو أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها، لم يثبت لها الخيار على الأظهر. وكذا لو وطئها دبراً وعنّ قبلاً.

فلذلك قطع بكونه عيباً مع سبقه، واختلف في المتجدّد. والأقوى أنّ المتجدّد بعد الدخول لا يثبت به فسخ استصحاباً للزوم العقد وعدم تناول النصوص له، فإنّ التدليس إنّما يتحقق قبل الدخول. ويبقى الإشكال في المتجدّد بين العقد والدخول من تناول النصوص له بإطلاقها، وظهور إرادة المتقدّم، وأصالة اللزوم مع ما في النصوص من ضعف في السند أو قطع.

وقال الشيخ في المبسوط (1)والخلاف(2): إنّ الخصاء ليس بعيب مطلقاً ، محتجاً بأن الخصي يولج ويبالغ أكثر من الفحل حالته، وإنّما لا ينزل وعدم الإنزال ليس بعيب. وهو مردود بتعاضد النصوص وكثرتها، وعمل الأصحاب بمضمونها.

وأما التعليل - بأنّ أهمّ مقاصد النكاح التناسل وهو مفقود في الخصي، فلا يكفي أصل القدرة مع فواته - فمنقوض بالفحل الذي لاينزل مع الإجماع على عدم الفسخ فيه. وإنّما الاعتماد على النصوص الدالة على الفسخ بعيب الخصاء.

قوله: «والعنن مرض تضعف معه القوة - إلى قوله - وكذا لو وطئها دبراً و عن قبلاً. العنن - بالفتح - هو الضعف المخصوص بالعضو، والاسم العنة - بالضم - ويقال للرجل إذا كان كذلك: عنّين(3) كسكّين. وهو من جملة عيوب الرجل التي تُسلّط المرأة على فسخ نكاحه بالنّص والإجماع. ويثبت الفسخ به مع تقدّمه على العقد إجماعاً. وكذا مع تجدده قبل الوطء على المشهور

ص: 541


1- المبسوط، ج 3، ص 497، وفيه ذكر القولين فقط، وفي ص 518 اختار ثبوت الخيار.
2- الخلاف، ج 4، ص 348 المسألة ،125 و ص 357، المسألة 141، قال بثبوت الخيار.
3- العنين: الذي لا يأتي النساء ولا يريدهن لسان العرب، ج 13، ص 291، «عنن».

لتناول النص له، كرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «العنين يتربص به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت أقامت»(1) .

ولو تجدّد بعد الوطء ولو مرّةً فلا فسخ للأصل. وهو قول الشيخ(2) والأكثر ولرواية إسحاق بن عمار عن الصادق(علیه السلام): «أن عليّاً (علیه السلام) كان يقول: إذا تزوّج الرجل امرأة فوقع عليها مرّةً ثمّ أعرض عنها فليس لها الخيار، لتصبر فقد ابتليت»(3).

ورواية غياث الضبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال في العنّين إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء: «فرّق بينهما، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما»(4).

وذهب المفيد(5) وجماعة(6) إلى أنّ لها الفسخ أيضاً؛ للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس الوطء، وإطلاق الروايات بثبوت الخيار للمرأة من غير تفصيل، كصحيحة محمد بن من مسلم السابقة، ورواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت»(7). وغيرهما من الأخبار الكثيرة المعتبرة الإسناد(8). وأُجيب بأنّ تلك مفصلة وهذه مطلقة، فيحمل على ما إذا لم يدخل جمعاً (9).

ص: 542


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 431، ح 1716؛ الاستبصار، ج 3، ص 249، ح 891.
2- المبسوط، ج 3، ص 515 النهاية، ص 487.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 430، ح 1715: الاستبصار، ج 3، ص 250، ح 897.
4- الكافي، ج 5، ص 410 - 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح ،4، وفيه رواه عن عباد الضبي؛ الفقيه، ج 3، ص 550، ح 4897؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 430، ح 1714؛ الاستبصار، ج 3، ص 250، ح 896.
5- المقنعة، ص 520.
6- منهم ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 354.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 431 ، ح 1717؛ الاستبصار، ج 3، ص 249، ح 892.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 431، ح 1718 و 1819؛ الاستبصار، ج 3، ص 249، ح 893 و 894.
9- راجع الاستبصار، ج 3، ص 249 - 250، ذيل الحديث 894.

وهل تفسخ بالجب؟ فيه تردّد منشؤه التمسك بمقتضى العقد. والأشبه تسلّطها به لتحقق العجز عن الوطء، بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة.

وهو جيد لو اعتبرت تلك، فإنّ إسحاق بن عمّار فطحي، وغياث الضبي مجهول. وتوقف في المختلف(1). وله وجه.

وحيث كانت العنة هي المرض المقتضى للعجز عن الإيلاج، ظهر أنه لو عجز عن وطنها دون غيرها لا يكون عنيناً. وكذا لو عجز عن وطئها قبلاً خاصةً حيث يجوز غيره، إذ لا عجز.

فلا عنة، وإن حصل الضعف في الجملة.

ويظهر من المفيد أن المعتبر قدرته عليها، ولا عبرة بغيرها؛ لأنه قال: فإن وصل إليها ولو مرّةً واحدة فهو أملك بها، وإن لم يصل إليها في السنة كان لها الخيار(2). وإن حدث بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم كما ذكرناه. والأصحاب لم ينقلوا الخلاف عنه إلا في العنة المتجددة مع العجز مطلقاً.

قوله: «وهل تفسخ بالجب؟ فيه تردّد - إلى قوله - ولو قدر الحشفة». المشهور بين الأصحاب أنّ الجبّ من جملة عيوب الرجل، لم ينقل أحد منهم فيه خلافاً ، ولكنّ المصنّف تردّد فيه هنا. ووجهه عدم النص عليه بخصوصه، وإنما ورد في النصوص الفسخ بالخصاء والعنن من عيوب الجماع.

ولما كان الحكم بالخيار في هذه العيوب على خلاف الأصل فلا بد لمثبتها من دليل صالح ليخرج عن حكم الأصل، وإلا فالأصل في العقد اللزوم، وليس على الجب

دليل صالح. ويمكن إثباته من النصوص الدالة على حكم الخصاء، فإنّه أقوى عيباً منه، لقدرة الخصيّ على الجماع في الجملة، بل قيل: إنه يصير أقوى من الفحل بواسطة عدم خروج المني منه (3)،

ص: 543


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 206، المسألة 131.
2- المقنعة، ص 520.
3- راجع المبسوط، ج 3، ص 497 - 498.

ولو حدث الجب لم تفسخ به. وفيه قول آخر.

ومن ثَم ذهب بعضهم إلى عدم كونه عيباً لذلك (1)، بخلاف المجبوب، فإنه قد انتفى عنه القدرة على الجماع رأساً؛ لعدم الآلة. وكذلك استفادته من العنين، لمشاركته له في المعنى وزيادة؛ لأنّ العنّين يمكن برؤه، والمجبوب يستحيل. ويمكن استفادته أيضاً من عموم الأخبار، كقوله في رواية أبي الصباح الكناني السابقة(2): في امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع» إلى آخره، فإنّه يشمل بإطلاقه المجبوب؛ لأنّه لا يقدر على الجماع. مضافاً إلى لزوم الضرر بالمرأة على تقدير عدم إثبات الخيار لها، وهو منفي.

وحينئذ فالمذهب كونه عيباً، وهو الذي اختاره المصنف بعد التردد، بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء ولو مقدار الحشفة؛ لأن الوطء يحصل بمقدار ذلك، ومن ثم يترتب عليه أحكامه، من وجوب الغسل والمهر والحدّ والإباحة للزوج المطلق ثلاثاً، وإفساد العبادات كالحج والصيام ووجوب الكفارات وغير ذلك.

قوله: «ولو حدث الجبّ لم تفسخ به. وفيه قول آخر».

إذا تجدّد الجبّ بعد العقد سواء كان قبل الوطء أم بعده، هل يجوز للمرأة الفسخ به كما لو سبق على العقد ؟ اختلف كلام الأصحاب، فذهب الشيخ في المبسوط (3) وابن البرّاج(4)، وجماعة(5) إلى ثبوت الخيار به متى وجد.

واستدل عليه في المبسوط بالإجماع وعموم الأخبار، مع أنه في موضع آخر من المبسوط قال: وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به إلا الجنون(6).

ص: 544


1- الخلاف، ج 4، ص 348، المسألة 125.
2- سبقت في ص 542، مع تخريجها في الهامش 7.
3- المبسوط، ج 3، ص 515.
4- المهذب، ج 2، ص 235، نسبه إلى الأصحاب ولم يرده.
5- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 204، المسألة 130؛ وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 175.
6- المبسوط، ج 3، ص 500.

ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ. وقيل لها ذلك. وهو تحكّم مع إمكان الوطء.

وهذا يشعر بدعوى الاتفاق عليه، وهو غريب. وكذلك ذهب في الخلاف إلى عدم الخيار بالحادث(1).

وهو مذهب ابن إدريس(2)

وكذلك اختلف مذهب العلّامة فيه، ففي المختلف قوّى جواز الفسخ بالجب والخصاء والعنة وإن تجدّدت بعد الدخول(3). وفي الإرشاد قطع بعدم ثبوته بالمتجدّد منها مطلقاً(4)؛ وكذا في التحرير(5). ثمّ في موضع آخر منه قرّب جواز الفسخ بالمتجدّد من الجبّ بعد الوطء(6)، وأبقى الخصاء على الحكم الأوّل من عدم الفسخ بالمتجدّد منه بعد العقد مطلقاً. وفي العنة جوّز بالمتجدّد بعد العقد وقبل الدخول خاصةً. وفي القواعد جزم بالخيار للمتجدد منه بعد العقد وقبل الوطء، وتردّد في المتجدّد بعد الوطء(7).

وشرط في الخصاء سبقه على العقد، ونسب الحكم في المتجدّد إلى قول(8)، مشعراً بتردّده فيه . وفي العنة شرط عدم الوطء(9) .

وقد عرّفناك بعد هذا الاختلاف أن ليس للجبّ أخبار تخصه، وإنّما مرجعه إلى الأخبار السابقة، وقد عرفت حالها، وأنّ طريق الجمع بينها مطلقاً يقتضي اشتراط عدم الدخول ومراعاة المعتبر منها سنداً يوجب الحكم بالعيب المذكور مطلقاً، ومن هنا ينشأ الخلاف وأما الشيخ فلا عذر له فيما وقع له من الاختلاف.

قوله: «ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ ، وقيل لها ذلك وهو تحكّم مع إمكان الوطء».

ص: 545


1- الخلاف، ج 4، ص 349، المسألة 127.
2- السرائر، ج 2، ص 612.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 204، المسألة 130.
4- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 28 بالنسبة إلى الجبّ والخصاء مطلقاً وبالنسبة إلى العنّة بعدالوط.
5- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 537 الرقم 5153.
6- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 537 الرقم 5153.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 65.
8- قواعد الأحكام، ج 3، ص 65.
9- قواعد الأحكام، ج 3، ص 109.

ولايردّ الرجل بعيب غير ذلك.

القائل بجواز الفسخ لو بان الزوج خنثى الشيخ في المبسوط في موضعين منه(1)، مع أنّه قال فيه أيضاً - في موضع ثالث : إنه ليس بعيب، وإنّما هو بمنزلة الإصبع الزائدة(2)، وهذا هو الأقوى.

وكذا لو ظهرت المرأة خنثى؛ لأنّ الزائد فيها كالإصبع الزائدة والزائد في الرجل كالثقبة الزائدة، لا كما مثل به ،الشيخ، وكلاهما ليس بعيب.

وموضع الخلاف ما إذا كان محكوماً له بالذكورية أو الأنوثية، أما لو كان مشكلاً تبين فساد النكاح ووجه الخيار مع وضوحه وجود النفرة منه، وكون العلامات ظنّية لا تدفع الشبهة والانحراف الطبيعي. والشيخ صرّح في المبسوط بكون الخلاف في الخنثى الواضح ؛ لأنه قال في الموضعين لو بان خنثى وحكم بأنّه ذكر فهل لها الخيار أم لا ؟ (3) لكنّه ذكر في ميراث الخنثى أنه لو كان زوجاً أو زوجة أُعطي نصف النصيبين(4)، فبنى بعضهم(5) حكمه هنا نصاً عليه، إلا أنه ضعيف جداً، فالمبني عليه كذلك. وفرضه في الواضح أوضح.

قوله: «ولا يرد الرجل بعيب غير ذلك».

ما ذكره من اختصاص الرجل بالأربعة هو المشهور بين الأصحاب، وكثير منهم كالمصنّف لم ينقل خلافاً في ذلك. واستدلوا عليه بأصالة لزوم العقد، فلا يثبت الخيار إلا بدليل يقتضيه، ولا دليل في غير ذلك، وبرواية غياث الضبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) وفي آخرها «والرجل لا يرد من عيب» فإنّه حجة فيما لم يخرجه دليل.

وذهب ابن البراج في المهذب إلى اشتراك الرجل والمرأة في كون كل من الجنون

ص: 546


1- المبسوط، ج 3، ص 514 و 519.
2- المبسوط، ج 3، ص 498.
3- المبسوط، ج 3، ص 497 و 514.
4- المبسوط، ج 3، ص 332.
5- هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 233.

والجذام والبرص والعمى موجباً للخيار في النكاح (1). وكذلك ابن الجنيد، وزاد: العرج والزني(2). ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح، أما فيهما ففي غاية الجودة؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام): يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(3) وهو متناول بإطلاقه للرجل والمرأة، ولأن ثبوتهما عيباً في المرأة - مع أن للرجل وسيلة إلى التخلّص منها بالطلاق - يوجب كونهما عيباً في الرجل بالنسبة إليها بطريق أولى، لعدم قدرتها على التخلّص لولا الخيار، وحصول الضرر منه بالعدوى باتفاق الأطباء وأهل المعرفة، مضافاً إلى ما اشتهر من قوله علیه السلام: فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»(4)، ولأنّ النفرة الناشئة من ذلك المنافية للمقصود من الاستمتاع أزيد من غيره من العيوب المتفق عليها. ويبقى الكلام في اعتبار سبقه على العقد والاكتفاء بالمتجدّد منه مطلقاً أو قبل الدخول كما سبق في نظائره، بل العموم هنا أولى لإطلاق النص الصحيح المتناول لجميع الأقسام، بخلاف عيب العنن والخصاء والجب، لما في الأخبار من التعارض فيه كما عرفت.

والتمسك بلزوم العقد والاستصحاب وغير ذلك كله مدفوع بعموم الخبر الصحيح. وأما الاستناد إلى خبر غياث الضبي في مثل هذه المطالب - كما اتفق لجماعة من المحققين(5) - فمن أعجب العجائب، لقصوره في المتن والسند.

أمّا السند؛ فلأنّ غياثاً هذا لا يعرف في كتب الرجال بحال، فكيف يجعل حديثه متمسكاً في هذه الأحكام، بل معارضاً لغيره من الأخبار، خصوصاً الصحيح منها؟

ص: 547


1- المهذب، ج 2، ص 231.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 196، المسألة 125، وص 198، المسألة 126، بالنسبة إلى المرأة فقط.
3- تقدم تخريجها في ص 539 الهامش 3.
4- الفقيه، ج 3، ص 557، ح 4917: وج 4، ص 357، ح 5765.
5- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 205، المسألة 131؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 178؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 234.

عيوب المرأة سبعة:

الجنون، والجذام، والبرص، والقرن، والإفضاء والعمى، والعرج.

أما الجنون فهو فساد العقل ولا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله، ولا مع الإغماء العارض مع غلبة المُرّة. وإنّما يثبت الخيار فيه مع استقراره. وأمّا الجذام فهو الذي يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم. ولا تجزي قوّة الاحتراق، ولا تعجّر الوجه، ولا استدارة العين.

وأما المتن فلاقتضائه نفي ردّ الرجل من عيب أصلاً، وهو خلاف إجماع المسلمين. والاعتناء بالتمسك به فيما لا يدل دليل على كونه عيباً واقع في غير موقعه، لما عرفت من حاله.

قوله: «وعيوب المرأة سبعة - إلى قوله - وإنّما يثبت الخيار فيه مع استقراره». لما كان الحكم في النصوص معلّقاً على مسمّى الجنون، وكان متحققاً بفساد العقل بأيّ سبب اتفق وعلى أي وجه كان دائماً أو أدواراً، مفيقاً أوقات الصلاة أو لا، تحقق الحكم معه على ذلك الوجه، لأصالة عدم اعتبار أمر آخر.

نعم، يشترط استقراره، فلا عبرة بعروض زوال العقل وقتاً من الأوقات ثم لا يعود؛ لأنّ مَنْ حصل له ذلك لا يطلق عليه عرفاً أنه مجنون وأولى بعدم الاعتبار من يعرض له السهو إذا كان زواله سريعاً، ولا الإغماء العارض لمرض كغلبة المُرّة ونحوها.

قوله: «وأما الجذام فهو الذي يظهر معه يبس معه يبس الأعضاء - إلى قوله - ولا استدارة العين». هذا المرض ممّا يخفى أمره قبل استحكامه. ولمّا كان الخيار على خلاف الأصل متوقفاً على أسباب خاصةً اشترط فى ثبوته تحقق السبب فإذا تحقق وجود هذا المرض - أعاذنا الله منه - بتناثر اللحم وسقوط بعض الأطراف كالأنف فلا إشكال فيه، وبدونه وظهور علاماته من ضيق النفس وبحة الصوت(1) وكمودة العين (2) إلى حمرة ونحو ذلك مما ذكره

ص: 548


1- أي غلظ في الصوت وخشونة. لسان العرب، ج 2، ص 406، «بحح».
2- كَمِدَ الشيء أي تغيّر لونه. لسان العرب، ج 3، ص 380؛ المصباح المنير، ص 541، «کمد».

وأما البرص فهو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم.

ولا يقضى بالتسلّط مع الاشتباه.

المصنّف(1) وغيره يرجع فيه إلى أهل الخبرة من الأطباء. ويشترط فيهم العدالة والتعدد والذكورة كغيرها من الشهادات، أو حصول الشياع المتاخم للعلم وإن لم يكن المخبر بذلك الوصف. فإن انتفى ذلك كله وادعى أحدهما على الآخر وجوده واشتبه الحال فعلى المنكر اليمين. وتعجر الوجه في عبارة المصنّف - بالراء المهملة - أن يظهر فيه العجرة - بضم العين وهو الشيء الذي يجتمع في الجسد كالسلعة(2).

ومثلها البجرة(3). وقد يطلقان على العيب كيف اتفق، تقول: أفضيتُ إليه يُعْجَري وبجري، أي أطلعته من ثقتي على معايبي، قاله الهروي(4) .

والمراد به هنا ما يبدو في الوجه من آثار هذه العلة.

قوله: «وأما البرص فهو البياض الذي يظهر على صفحة البدن» إلى آخره. البرص مرض معروف يحدث في البدن يغيّر لونه إلى السواد أو إلى البياض؛ لأنّ سببه قد يكون غلبة السوداء فيحدث الأسود، وقد يكون غلبة البلغم فيحدث الأبيض. والمعتبر منه ما يتحقق كالجذام، فإنّه قد يشتبه بالبهق(5)؛ لأنّه يشبهه في القسمين والسببين. والفرق بينهما أنّ البرص يكون غائصاً في الجلد واللحم والبهق يكون في سطح الجلد خاصةً ليس له غور. وقد يتميّزان بأن يغرز فيه الإبرة، فإن خرج منه دم فهو بهق، وإن خرج منه رطوبة بيضاء فهو برص. ومع اشتباه الحال يرجع فيه إلى طبيبين عارفين كما مر؛ لأن المقتضي

لثبوت الخيار وجود السبب الموجب له، فمع الاشتباه يرجع إلى أصل اللزوم.

ص: 549


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 66 والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 180؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 235.
2- لسان العرب، ج 4، ص 542 حكاه عن الأصمعي، «عجر».
3- لسان العرب، ج 4، ص 40. «بجر».
4- لم نعثر عليه في غريب الحديث للهروي، ولعله في كتبه الأخرى. نعم هو موجود في الصحاح، ج 2، ص 585،من دون نسبة إليه؛ وراجع أيضاً لسان العرب، ج 4، ص 40، «بجر».
5- البهق: بياض دون البرص لسان العرب، ج 10، ص 29، «بهق».

وأما القرن فقد قيل: هو العفل. وقيل: عظم ينبت في الرحم يمنع الوطء. والأوّل أشبه فإن لم يمنع الوطء قيل: لا يفسخ به لإمكان الاستمتاع ولو قيل بالفسخ؛ تمسكاً بظاهر النقل أمكن.

قوله: «وأما القرن فقد قيل: هو العقل - إلى قوله - تمسكاً بظاهر النقل أمكن». قد اختلف كلام أهل اللغة وتبعه كلام الفقهاء في أنّ القرن هل هو العقل، أو شيء آخر غيره؟ ففي نهاية ابن الأثير : القرن - بسكون الراء - شيء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطء يقال له: العقل(1) .

وقريب منه قال الجوهري(2)، إلا أنه قال في موضع آخر: العَفَلُ شيء يخرج من قبل النساء وحياء الناقة شبيه بالأُدرة التي للرجل(3).

وهذا الأخير يقتضي المغايرة بينهما، وأن العقل أعم؛ لإطلاقه على العظم واللحم. وقال ابن دريد في الجمهرة : إنّ القرناء هي المرأة التي تخرج قرنة من رحمها. قال: والاسم القَرَن(4) ؛ وضبطه محرّكاً مفتوحاً. وقال في العقل إنه غلظ في الرحم(5).

وأما الروايات فقد سبق منها صحيحة الحلبي أنّ العفل عيب(6)، ولم يذكر القرن. وكذلك في رواية أبي عبيدة عن أبي عبدالله(علیه السلام)(7) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبد الله(علیه السلام)(8).

وفي رواية أخرى عنه (علیه السلام)قال: «المرأة تردّ من البرص والجذام والجنون والقرن وهو

ص: 550


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 54، «قرن».
2- الصحاح، ج 4 ، ص 2180 ، «قرن»؛ وج 3، ص 1769، «عفل».
3- الصحاح، ج 4 ، ص 2180 ، «قرن»؛ وج 3، ص 1769، «عفل»
4- جمهرة اللغة، ج 2، ص 122، «قرن»؛ وج 3، ص 127، «عفل».
5- جمهرة اللغة، ج 2، ص 122، «قرن»؛ وج 3، ص 127، «عفل».
6- سبقت في ص 539، مع تخريجها في الهامش 3.
7- الكافي، ج 5، ص 408، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 425،ح 1699: الاستبصار، ج 3، ص 247، ح 885، وفيها : عن أبي جعفرعلیه السلام.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 425 ، ح 1698.

العقل»(1) . وفي رواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) له عن رجل تزوج امرأة فوجدها قرناء، قال: «هذه لا تحبل، ولا يقدر زوجها على مجامعتها، يردّها على أهلها

صاغرة (2) فذكر القرن ولم يذكر العفل.

ويمكن أن يجمع بين الأخبار كلّها بحمل القرن على العقل كما ورد في رواية عبد الرحمن، ولذلك كان الأشبه عند المصنف ذلك - ويراد من العيبين معنى واحد وهو أن يكون في الفرج شيء من العظم أو اللحم يمنع الوطء. وهذا هو الأنسب.

وتظهر فائدة الاختلاف في عدد عيوب المرأة، فإن جعلناهما متغايرين زاد العدد واحداً.

إذا تقرر ذلك فاعلم أنّ القرن إن منع الوطء أصلاً فلا إشكال في ثبوت الخيار به، لتطابق النصوص وكلام أهل اللغة والفقهاء عليه. وإن لم يمنعه، بأن يمكن حصوله بعسر، فهل یبیح الفسخ ؟ فيه قولان:

أحدهما: العدم، وهو الذي قطع به الشيخ(3) والأكثر ؛ لعدم المقتضي له، فإنّ الخيار إنما نشأ من حيث المنع من الوطء الذي هو أهم المطالب من التزويج.

والثاني. وهو الذي مال إليه المصنف من غير تصريح - ثبوت الخيار أيضاً تمسّكاً بظاهر النص حيث علّق الخيار على وجود الاسم المذكور، الشامل لما يمكن معه الوطء حينئذ وعدمه.

وفي بعضها تصريح بذلك، كصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل الا تزوّج امرأة من وليها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال، فقال: «إذا دلست العقلاء نفسها

ص: 551


1- الكافي، ج 5، ص 409، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 16؛ الفقيه، ج 3، ص 432 ، ح 4498؛تهذيب الأحكام، ج 7، ص 27 4 ، ح 1703؛ الاستبصار، ج 3، ص 248، ح 889.
2- الكافي، ج 5، ص 409. باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة ، ح 18؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 427. ح 1704؛ الاستبصار، ج 3، ص 249، ح 890.
3- المبسوط، ج 4، ص 250.

وأمّا الإفضاء فهو تصيير المسلكين واحداً.

وأما العرج ففيه تردّد أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد.

والبرصاء والمجنونة والمفضاة وما كان بها من زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق»(1) الحديث.

وصحيحة أبي الصباح المتقدمة وفي آخرها قلت: فإن كان دخل بها، قال: «إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها - يعني المجامعة - ثمّ جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها فإن شاء بعد أمسك وإن شاء طلّق»(2).

وهذا القول قوي إن لم يكن الإجماع على خلافه، إذ لا يظهر به قائل صريحاً، كما يظهر من عبارة المصنّف بقوله: «ولو قيل بالفسخ... أمكن». وحمل الدخول والجماع في

النصوص على غير الجماع في الفرج في غاية البعد.

قوله: «وأمّا الإفضاء فهو تصيير المسلكين واحداً».

أي تصيير مسلك البول والحيض واحداً على خلاف في تفسيره. وقد تقدّم(3).

قوله: «وأمّا العرج ففيه تردّد، أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد». اختلف الأصحاب في أنّ العرج في المرأة هل هو عيب يجوز الفسخ أم لا ؟ على أقوال:

أحدها: أنه عيب مطلقاً. ذهب إليه الشيخان في التهذيب(4)، والنهاية (5) والمقنعة(6)، وابن الجنيد(7)، وأبو الصلاح(8)، وأكثر الأصحاب؛ لصحيحة داود بن سرحان عن الصادق(علیه السلام) في

ص: 552


1- تقدمت الصحيحة في ص 550، مع تخريجها في الهامش 7.
2- تقدّمت الصحيحة في ص 551 مع تخريجها في الهامش 2.
3- تقدّم في ص 74.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 425.
5- النهاية، ص 485.
6- المقنعة، ص 519.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 198 ، المسألة 126.
8- الكافي في الفقه، ص 295.

الرجل يتزّوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: «ترد على وليّها»(1) الحديث. ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام)قال: «ترد البرصاء والعمياء والعرجاء»(2).

وثانيها: ثبوته بشرط كونه بيّناً. ذهب إليه العلّامة في المختلف والتحرير(3)، ونقله عن ابن إدريس واستدلّ عليه بالروايتين السابقتين (4). وفي التحرير نسبه إلى الشيخ في النهاية والتهذيب(5)، مع أن الشيخ لم يقيد بذلك.

وهذا يدلّ على أنّ مراده بالبين ما كان ظاهراً في الحسّ وإن لم يبلغ حداً يمنع من التردد إلا بالمشقة الكثيرة؛ لأنّ الرواية لاتدلّ على أزيد من كونه بيناً في الحس بحيث يتحقق مسمّى العرج.

وكذا كلام الشيخ(6) والجماعة (7). وعلى هذا فربما رجع القولان إلى قول واحد. ويمكن أن يكونا مختلفين بأن يريد بالبين ما كان ظاهراً متفاحشاً بحيث يعسر معه التردّد عادةً؛ لأنّ العرج اليسير جداً لا يعد عيباً عادة. إلا أن إطلاق الروايتين لا يساعد على هذا.

وثالثها: تقييده ببلوغه حد الإقعاد. وهو الذي ذهب إليه المصنّف، والعلّامة في القواعد(8) والإرشاد(9) والظاهر من معناه أن يبلغ حداً يعجز معه عن المشي.

وفي تسمية مثل هذا عرجاً نظر. والحامل لهم على هذا التقييد أمران:

أحدهما: استبعاد كون مطلق العرج عيباً موجباً للخيار، خصوصاً مع وقوع الخلاف فيه،

ص: 553


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 424، ح 1694، و ص 434 ، ح 1732؛ الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 884.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 424. ح 1696؛ الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 883.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 199، المسألة 126؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 535، الرقم 5148.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 199، المسألة 126؛ ولقول ابن إدريس راجع السرائر، ج 2، ص 612-613.
5- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 3، ص 535 الرقم 5148.
6- النهاية، ص 485.
7- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 295 وسلار في المراسم، ص 150؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 311.
8- قواعد الأحكام، ج 3، ص 66.
9- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 28.

وحصول الشكّ في خروج العقد من اللزوم إلى الجواز، ومعارضة صحيحة الحلبي السابقة الدالة على عدم الرد بغير ما ذكر فيها من العيوب.

والثاني: ورود كون الزمانة عيباً في صحيحة داود بن سرحان: «وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة النساء عليها(1)، فإنّ ظاهرها أنّ الردّ منوط بالزمانة؛ عملاً بمفهوم الشرط.

وكذا رواية أبي عبيدة السالفة(2). فيجب حمل المطلق على المقيد.

وفيه نظر؛ لأنّ مفهوم الزمانة أمر آخر غير المفهوم من العرج. ومقتضى النصوص كون كلّ واحد منهما عيباً برأسه، وليس ذلك من باب المطلق والمقيد في شيء، بل الظاهر من الزمانة أمر آخر خفيّ لا يطلع عليه الرجال، والعرج ليس كذلك. وسيأتي النقل عن الصدوق أنّه جعلهما أمرين، وأثبت الخيار بالزمانة دون العرج(3).

واستبعاد كون العرج عيباً مطلقاً غير مسموع بعد ورود النصّ الصحيح(4) ؛ والشكّ في خروج العقد من اللزوم منتف بعد ورود النص الصحيح وعمل أكثر الأصحاب. نعم، لا بأس بتقييده بالبين ليخرج اليسير الذي لا يعبأ به، ولا يظهر غالباً، ولا يوجب نقصاً. وأما حمل العرج البين على الزمانة كما ذكره بعض الفضلاء(5) فلا شبهة في ،فساده، خصوصاً بعد ما نقلناه عن قائله من الاستشهاد.

ورابعها: أنّه ليس بعيب مطلقاً. وهو الظاهر من كلام الشيخ في المبسوط والخلاف(6).

فإنّه لم يعده من عيوب المرأة. وكذلك ابن البراج في المهذب(7) .

ص: 554


1- تقدمت الصحيحة في ص 552 - 553، مع تخريجها في الهامش 1.
2- سبقت الرواية في ص 550 ، مع تخريجها في الهامش 7.
3- سيأتي في ص 555 الهامش 1 و 2.
4- راجع ص 552 - 553، الهامش 1 و 2.
5- راجع جامع المقاصد، ج 13، ص 242 - 243.
6- المبسوط، ج 3، ص 496 : الخلاف، ج 4، ص 346، المسألة 124.
7- المهذب، ج 2، ص 231.

وقيل : الرتق أحد العيوب المسلّطة على الفسخ . وربما كان صواباً إن منع الوطء أصلاً ؛ لفوات الاستمتاع إذا لم يمكن إزالته، أو أمكن وامتنعت من علاجه.

وهو الظاهر من الصدوق، فإنّه في المقنع عد العيوب ولم يذكره، ثمّ قال: إلّا أنّه روي في الحديث أنّ العمياء والعرجاء تردّ(1)، وقال قبل ذلك:

فإن تزوّج الرجل بامرأة فوجدها قرناء، أو عفلاء، أو برصاء، أو مجنونة، أو كان بها زمانة ظاهرة، فإنّ له ردّها على أهلها بغير طلاق(2).

وحجتهم على ذلك أصالة لزوم العقد، وظاهر الحصر في صحيحة الحلبي في قوله(علیه السلام):

«إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل» (3) فإنّ «إنّما» تدلّ على الحصر. ولا يخفى ضعف الدليلين، فإنّ الأصل قد عدل عنه بما ثبت في النصوص الصحيحة من الخيار فيه وفي غيره من العيوب.

والحصر في الرواية غير مراد، لخروج كثير من العيوب عنها. وإثبات الخارج بدليل خارجي يشاركه العرج فيه.

والكليني رواها عن الحلبي مجرّدة عن أداة الحصر(4) ؛ وهو أوضح.

قوله: «وقيل: الرتق أحد العيوب المسلّطة على الفسخ . وربما كان صواباً إن منع الوطء أصلاً ؛ لفوات الاستمتاع إذا لم يمكن إزالته، أو أمكن وامتنعت من علاجه. الرتق - بالتحريك - مصدر قولك: امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع نكاحها، قاله الجوهري(5) .

ص: 555


1- المقنع، ص 314.
2- المقنع، ص 311.
3- راجع تخريجه في ص 539 الهامش 3.
4- الكافي، ج 5، ص 406، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 6.
5- الصحاح، ج 3، ص 1480، «رتق».

ولا تردّ المرأة بعيب غير هذه السبعة.

والمراد منه التحام الفرج على وجه لايصير فيه مدخلاً للذكر، ويخرج البول معه من ثقبة ضيقة، سواء كان بالخلقة أو بالخياطة. وليس فيه نص بخصوصه، فمن ثُمّ جعله المصنف عيباً بلفظ «قيل».

وما قيده به عن كونه عيباً على تقدير منعه الوطء أصلاً هو المذهب؛ لأنه حينئذ يصير أولى بالحكم من القرن والعفل اللذين لا يوجبان انسداد المحل أصلاً، مع اشتراكهما في العلة الموجبة للفسخ وهو فوات الاستمتاع فجرى ذلك مجرى فوات المنفعة فيما يطلب بالعقد منفعته.

وذكر بعضهم أنّ الرتق مرادف للقرن والعفل، وأنّ الثلاثة بمعنى واحد(1). فعلى هذا يكون داخلاً في النص ولو لم يبلغ الارتتاق حد المنع من الوطء ولو لصغر الآلة، فلا خيار لبقاء المقصود بخلاف ما لو منع مطلقاً. وعلى القول بمرادفته للقرن يأتي فيه مع إمكان الوطء بعسر ما في ذلك من الخلاف. وإنّما يثبت الخيار أيضاً إذا لم يمكن إزالة المانع عادةً بفتق الموضع، أو أمكن وامتنعت منه. ولو رضيت به فلا خيار. وليس للزوج إجبارها على ذلك؛ لأن ذلك ليس حقاً له، ولما في الإقدام على الجراحة من تحمّل الضرر والمشقة. كما أنها لو أرادت ذلك لم يكن له منعها؛ لأنّه تداو لا تعلّق له به.

قوله: «ولا تردّ المرأة بعيب غير هذه السبعة».

ما ذكره من اختصاصه بالسبعة هو المشهور بين الأصحاب، وعليه العمل لعدم دليل صالح لغيره. وما حكم به في الرتق على تقدير مغايرته للقرن كما هو الظاهر - فتكون ثمانية، وما ذكرناه من مغايرة العرج للزمانة فتكون تسعة وبقي أمور وقع الخلاف في كونها

ص: 556


1- العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 534، الرقم 5145.

عيباً لم يعتبرها المصنف، واكتفى عنها بنفي الحكم عن كون ما سوى المذكور عيباً. فمنها ما إذا زنت المرأة قبل دخول الزوج بها، فإنّ الصدوق ذهب إلى أنها تردّ بذلك ولا صداق لها(1) ؛ لقول عليّ(علیه السلام) في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوّجها: «يفرّق بينهما، ولا صداق لها؛ لأنّ الحدث كان من قبلها » (2) . وسند الرواية ضعيف(3)

ومنها: مطلق الزنى من الرجل والمرأة قبل العقد وبعده. قال ابن الجنيد: الزنى قبل العقد

وبعده يردّ به النكاح(4) . فلو زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرّق بينهما، وكذلك إن كان الزاني رجلاً فلم ترض المرأة فرّق بينهما؛ للرواية السابقة.

ولما روي عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أيضاً أنه فرّق بين رجل وامرأة زني قبل دخوله بها(5). ولرواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(علیه السلام) ، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعدما تزوّجها أنّها كانت ،زنت، قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، وله-ا الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها»(6).

وهذه الرواية قاصرة عن إفادة الحكم، فإنّ جواز الرجوع بالصداق لا يقتضي جواز الردّ، ولا تعرّض فيها لحكم الرجل.

ومنها: المحدودة في الزنى.

ص: 557


1- المقنع، ص 326.
2- الكافي، ج 5، ص 566 ، باب نوادر ، ح 45: الفقيه، ج 3، ص 416، ح 4456؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 473. ح 1897، و ص 490 ، ح 1968 : وج 10، ص 36 ، ح 126.
3- الضعف بالسكوني، راجع رجال ابن داود ص 55 الرقم 172 ؛ وبالنوفلي ، راجع رجال النجاشي ، ص 37 ، الرقم 75.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 215، المسألة 143.
5- الفقيه، ج 3، ص 416 ، ح 4455: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 481 ، ح 1932.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 425، ح 1698: الاستبصار، ج 3، ص 245، ح 879 .
المقصد الثاني: في أحكام العيوب
اشارة

وفيه مسائل:

الأولى:العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ.

وما يتجدد بعد العقد والوطء لا يفسخ به. وفي المتجدّد بعد العقد وقبل الدخول تردّد، أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكاً بمقتضى العقد السليم عن معارض.

ذهب أكثر قدماء الأصحاب(1) إلى أنّه يجوز للزوج فسخ نكاحها؛ لأن ذلك من الأمور الفاحشة التى يكرهها الأزواج. ونفور النفس منه أقوى من نحو العمى والعرج. ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمّله ضرراً عظيماً. وللرواية السابقة. وفيها - مع قصور الدلالة عن جواز الرد - عدم دلالتها على محل النزاع. ومن ثَمّ ذهب المتأخرون(2) إلى أنّ ذلك كله ليس بعيب يجوّز الفسخ والطلاق بيد الزوج يجبر ما ينشأ من الضرر والمشقة بتحملها.

وللشيخ قول آخر بعدم الفسخ لكن يرجع الزوج بالمهر على وليّها العالم بحالها (3)؛ عملاً بمدلول الرواية.

ورده في المختلف بأن الضمان إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج، فإن كان عيباً

أوجب الفسخ، وإلا لم يجب المهر (4)؛.

قوله: «العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ. وما يتجدد بعد العقد والوطء لا يفسخ به» إلى آخره.

ص: 558


1- منهم المفيد في المقنعة، ص 519؛ وسلار في المراسم، ص 150؛ وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 231،وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 295.
2- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 197، المسألة 125؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، 125؛ ص 178 - 179؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 183 - 184.
3- النهاية، ص 486.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 198، المسألة 125.

العيوب الحاصلة في المرأة لا تخلو إمّا أن تكون موجودة قبل العقد، أو متجدّدة بعده قبل الدخول، أو بعده.

ففي الأوّل يثبت للرجل الفسخ إجماعاً؛ لدلالة النصوص عليه قطعاً، وبناء العقد ابتداء على التزلزل.

وفي الأخير لا خيار اتفاقاً على ما يظهر من المصنّف وغيره(1)، لجريان الدخول مجرى

التصرّف المانع من الردّ بالعيب. ولسبق لزوم العقد فيستصحب. ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء من البرص والجذام والجنون والقرن ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا »(2).

وهي شاملة بإطلاقها لوقوعه عليها قبل وجود العيب وبعده.

ولا يضرها قصرها على الأربعة؛ لعدم القائل بالفرق، وعدم ما يدلّ على الحصر. وهي في ذلك أجود من صحيحة الحلبي الدالة على الحصر(3)، وأصح سنداً، وإن اشتركا في الصحّة.

ويظهر من الشيخ في المبسوط والخلاف جواز الردّ بالمتجدد بعد العقد من غير تقييد بكونه قبل الدخول فيشمل ما يتجدّد منه بعد الوطء(4). وعبارة المبسوط :

فإن حدث بها العيب فكلّ العيوب يحدث بها الجنون والجذام والبرص والرتق والقرن، فإذا حدث فهل له الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا خيار له، والثاني له الخيار،

هو الأظهر؛ لعموم الأخبار(5).

ص: 559


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 67؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 537، الرقم 5153.
2- الكافي، ج 5، ص 409، باب المدالسة في النكاح ... ، ح 16؛ الفقيه، ج 3، ص 432 ، ح 4498؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 427، ح 1703؛ الاستبصار، ج 3، ص 248، ح 889.
3- الكافي، ج 5، ص 406، باب المدالسة في النكاح...،ح 6: الفقيه، ج 3، ص 433، ح 1693؛ تهذيب الأحكام. ج 7، ص 424، ح 1693 . و ص 426، ح 1701؛ الاستبصار، ج 3، ص 246، ح 880، و ص 247، ح 886.
4- الخلاف، ج 4، ص 349 - 350 ، المسألة 128.
5- المبسوط ، ج 3، ص 501.

وأراد بالأخبار صحيحة الحلبي، وصحيحة داود بن سرحان، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله الأخرى، ورواية أبي الصباح، وكلّها قد تقدمت(1)، وهي مطلقة في ثبوت الخيار بهذه العيوب حيث يجدها الزوج، فيتناول ما بعد الدخول. والحق حملها على ما قبل الدخول: حملاً للمطلق على المقيد، حذراً من التنافي. وفي موضع آخر من المبسوط صرّح بأنّ العيب الحادث بعد الدخول يثبت به الفسخ؛ لأنّه قال:فأيّهما فسخ نظرت، فإن كان قبل الدخول سقط المهر - إلى أن قال: وأما إن كان العيب حدث بعد الدخول استقرّ المسمّى؛ لأنّ الفسخ إذا كان كالموجود حين حدوث العيب فقد حدث بعد الإصابة، فاستقر المهر، ثمّ فسخ بعد استقراره(2).

انتهى المقصود من كلامه (قدس سره). وإنما نقلناه كذلك ؛ لأنّ المشهور عنه العبارة الأولى لا غير.

وأمّا الحادثة بعد العقد وقبل الدخول، ففيها قولان:

أحدهما: الثبوت، صرّح به الشيخ في المبسوط والخلاف(3)، وتقدمت عبارته فيه(4)؛

لشمول الأخبار السابقة(5) لهذه الحالة من غير معارض.

وذهب ابن إدريس(6) والمصنّف وباقي المتأخّرين(7) إلى عدم الفسخ به محتجّين بأنّ

ص: 560


1- تقدمت في ص 547 و 550 و 555.
2- المبسوط، ج 3، ص 501.
3- المبسوط ، ج 3، ص 501: الخلاف، ج 4، ص 349 - 350، المسألة 128.
4- تقدمت في ص 559.
5- وسائل الشيعة، ج 21، ص 207 - 210، الباب 1 من أبواب العيوب والتدليس. ح 1، 9,6,4، 10 و 13.
6- السرائر، ج 2، ص 613.
7- منهم العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 202، المسألة 129؛ وولده فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 179 ؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 185؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 252.
الثانية:خيار الفسخ على الفور

فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد.

وكذا الخيار مع التدليس.

العقد وقع لازماً فيستصحب. وبأن أمر النكاح مبني على الاحتياط، فلا يتسلّط على فسخه بكلّ .

وأجابوا عن الأخبار بأنّها ليست صريحة في ذلك، وفي صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام) ما يقتضي كون العيب سابقاً؛ لأنّه قال: «إذا دلّست العفلاء نفسها»(1) إلى آخره. والتدليس يقتضي وجود العيب قبل العقد، ومفهومه يقتضي عدم الرد مع انتفاء التقدم، عملاً بمفهوم الشرط، فتحمل تلك الأخبار على ما لو سبق العيب العقد، جمعاً بين الأدلة ولا بأس بهذا القول، وإن كان القول الآخر لا يخلو من قوّة أيضاً.

ويظهر من ابن الجنيد اختيار قول ثالث، وهو ثبوت الفسخ بالجنون المتجدد وإن كان بعد الدخول كالرجل؛ لأنه قال: ولو حدث ما يوجب الردّ قبل العقد بعد الدخول لم يفرّق بينهما، إلا الجنون فقط(2).

فجعل الجنون موجباً للخيار في كلّ منهما وإن حدث بعد الدخول. ووجه عمومه أنّ-ه شرك من أول كلامه بين الرجل والمرأة في العيوب التي ذكرها. ومفهوم عبارته أيضاً ثبوت

الخيار بباقي العيوب لو حدثت قبل الدخول، كقول الشيخ (رحمه الله).

قوله: «خيار الفسخ على الفور - إلى قوله - وكذا الخيار مع التدليس. ظاهر الأصحاب الاتفاق على كون هذا الخيار على الفور، ولأن الغرض من الخيار دفع الضرر بالتسلّط على الفسخ، وهو يحصل بذلك، فيقتصر فيما خالف الأصل على مقدار ما يحصل به وليس لهم في ذلك نص بخصوصه.

ثم إن كان العيب ظاهراً لا نزاع فيه بينهما فالفورية معتبرة في الفسخ. وإن توقف ثبوته

ص: 561


1- سبق تخريجها في ص 550 الهامش 7.
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 210، المسألة 128.

الثالثة: الفسخ بالعيب ليس بطلاق

الفسخ بالعيب ليس بطلاق فلا يطّرد معه تنصيف المهر ولا يعدّ الثلاث.

الرابعة:يجوز للرجل الفسخ من دون الحاكم.

وكذا للمرأة. نعم، مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل. ولها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطء.

على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في المرافعة إلى الحاكم، فإذا ثبت صار الفسخ فورياً. وفي التحرير أطلق أنّ الفوري هو المرافعة إلى الحاكم وإن كانا متفقين على العيب(1). وكذلك عبّر الشيخ في المبسوط(2). وهو حسن حيث يتوقف الأمر على الحكم. ويعذر جاهل أصل الخيار. وفي جاهل الفورية وجهان تقدّم نظيرهما(3).

قوله: «الفسخ بالعيب ليس بطلاق فلا يطرد معه تنصيف المهر ولا يعد في الثلاث». لا شبهة في أنّ هذا الفسخ وغيره ليس بطلاق؛ لأن الطلاق يفتقر إلى لفظ خاص، كقوله: أنت طالق ونحوه، بخلاف الفسخ، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق من الشروط، ولا يعدّ الثلاث المحرّمة، ولا يطّرد معه تنصيف المهر إذا وقع قبل الدخول، بمعنى أنه متى حصل تنصف المهر له كالطلاق وإنّما عبّر بقوله: «ولا يطرد» دون أن يقول: «ولا ينتصف» للتنبيه على أنه قد ينتصف به المهر في بعض الموارد، كما سيأتي في العنّة(4)، إلا أنّ ذلك بدليل خاصٍ لايوجب اطراده في غيره من موارد الفسخ بالعيب، فالمنفي اطراده لا ثبوته في الجملة.

قوله: «يجوز للرجل الفسخ من دون الحاكم - إلى قوله - عند انقضائه وتعذر الوطء». لمّا دلّت النصوص على أنّ هذا الفسخ حق ثابت لكلّ واحد من الزوجين في مورده لم يتوقف على كونه بحضور الحاكم أو بإذنه، كغيره من الحقوق. وهذا هو المشهور

ص: 562


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 538، الرقم 5155.
2- المبسوط، ج 3، ص 502.
3- تقدم في ص 478.
4- يأتي في ص 572.
الخامسة:إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع عدم البينة.

بين الأصحاب، وخالف في ذلك ابن الجنيد حيث قال: إذا أريدت الفرقة لم تكن إلا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته، أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد هدنة أو سلطان متغلّب(1) .

واختلف كلام الشيخ في المبسوط ، فقال في موضع منه لسنا نريد بالفور أنّ له الفسخ بنفسه، وإنما نريد أن المطالبة بالفسخ على الفور، يأتي إلى الحاكم على الفور ويطالب بالفسخ ، فإن كان العيب متفقاً عليه فسخ الحاكم، وإن اختلفا فيه فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، فأما الفسخ فإلى الحاكم؛ لأنه فسخ مختلف فيه. - ثم قال : - ولو قلنا على مذهبنا أنّ له الفسخ بنفسه كان قوياً . والأوّل أحوط ، لقطع الخصومة(2). وقال في موضع آخر ولا يجوز أن يفسخ بغير حاكم لأنه فسخ مختلف فيه(3).

وفي موضع ثالث جوز لهما الاستقلال بالفسخ، محتجاً بأن الأخبار مطلقة (4).

هذا، وقد استثنى المصنّف وغيره(5) من هذا الحكم العنّة، فإنّ الفسخ بها يتوقف على الحاكم لا لأجل الفسخ، بل لأنّه يتوقف على ضرب الأجل على ما سيأتي(6)، ولا يكون ذلك إلا بحكم الحاكم. فإذا ضرب الأجل ومضت المدّة استقلت المرأة بالفسخ حينئذ.

قوله: «إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع عدم البينة». العيب منه جليّ ومنه خفيّ. فالجليّ كالعمى والعرج والجنون المطبق والإقعاد وهذا

ص: 563


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 216، المسألة 145.
2- المبسوط، ج 3، ص 502.
3- المبسوط، ج 3، ص 513 .
4- المبسوط، ج 3، ص 496.
5- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 68: وإرشاد الأذهان، ج 2، ص 28؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 266.
6- يأتي في ص 572 - 573.
السادسة:إذا فسخ الزوج بأحد العيوب،

فإن كان قبل الدخول فلا مهر

وإن كان بعده فلها المسمّى؛ لأنه يثبت بالوطء ثبوتاً مستقراً، فلا يسقط بالفسخ. وله الرجوع به على المدلّس. وكذا لو فسخت الزوجة قبل الدخول فلا مهر إلا في العنن. ولو كان بعده كان لها المسمّى وكذا لو كان بالخصاء بعد الدخول، فلها المهر كملاً إن حصل الوطء.

لا يفتقر إلى البيّنة، ولا إلى اليمين، بل ينظر الحاكم فيه ويعمل بمقتضى ما يظهر منه. وأما الخفيّ كالعنة والقرن والجنون الدوري والجذام والبرص الخفيين، فإذا ادعاه أحدهما على الآخر وأنكر رجع فيه إلى القاعدة الشرعيّة، وكان القول قول منكره؛ لأصالة الصحة، والبينة على المدعي، إلى آخر ما يترتب في القاعدة، من حكم النكول واليمين المردودة وغيرهما. وأما العنن فللنزاع فيه بحث يخصه وسيأتي(1).

قوله: «إذا فسخ الزوج بأحد العيوب - إلى قوله - فلها المهر كملاً إن حصل الوطء». إذا فسخ أحد الزوجين بالعيب فلا يخلو إما أن يكون قبل الدخول، أو بعده حيث يجوز إما لجهله حينئذٍ بالحال، أو مطلقاً على بعض الأقوال. وعلى التقديرين إما أن يكون العيب متقدماً على العقد، أو متأخراً عنه قبل الدخول أو بعده، بناءً على جواز وقوعه والفاسخ إما الزوج أو الزوجة . وعلى كل تقدير إما أن يكون هناك مدلّس أم لا. فالصور أربعة وعشرون. وخلاصة الحكم فيها: أنّ الفسخ إن كان بعد الدخول استقرّ المسمّى؛ على الزوج أما وجوب المهر فللدخول الموجب له. وأما كونه المسمّى؛ فلأن النكاح صحيح وإن فسخ بالخيار؛ لأنّ ثبوت الخيار فرع على صحة العقد في نفسه. وإن كان قبل الدخول فلا شيء. أما إذا كان الفاسخ المرأة فظاهر؛ لأن الفسخ جاء من قبلها، وقد تقرر غير مرّة أنّ الفسخ من قبلها قبل الدخول يسقط المهر. وأما إذا كان هو الزوج فلاستناده إليها، باعتبار أنّ العيب بها. ويستثنى من ذلك فسخها بعنته قبل الدخول

ص: 564


1- سيأتي في ص 566 - 567.

فإنّه يوجب نصف المهر عند الأكثر؛ لصحيحة أبي حمزة عن الباقرعلیه السلام(1). ويؤيدها من حيث الحكمة إشراف الزوج على محارمها وخلوته بها سنة، فناسب أن لا يخلو ذلك من عوض، ولم يجب الجميع لانتفاء الدخول. وقال ابن الجنيد: إذا اختارت الفرقة بعد تمكينها إيّاه من نفسها وجب المهر وإن لم يولج(2)

وجعله في المختلف بناءً على أصله من أن المهر يجب كملاً بالخلوة كما يجب بالدخول(3).

وأما حكم وجوب المهر كمّلاً على الخصي بعد الدخول فواضح؛ لأن الدخول يوجب استقراره. ويؤيده رواية سماعة عن أبي عبدالله(علیه السلام) أن خصيّاً دلّس نفسه لامرأة، فقال: يفرّق بينهما، وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجع ظهره كما دلّس نفسه»(4). ومقتضى القواعد الشرعيّة أنّه لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين كون العيب الذي فسخ به حادثاً قبل العقد وبعده؛ لما قلناه من أنّ الفسخ لا يبطله من أصله، ولهذا لا يرجع بالنفقة الماضية وإن بقيت عينها.

وقال الشيخ في المبسوط:إن كان الفسخ بالمتجدّد بعد الدخول فالواجب المسمّى؛ لأنّ الفسخ إنما يستند إلى العيب الطارئ بعد استقراره. وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل؛ لأنّ الفسخ وإن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب، فيكون كأنه وقع مفسوخاً حين حدث العيب فيصير كأنه وقع فاسداً، فيلحقه أحكام الفاسد، إن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة، وإن كان بعده فلا نفقة للعدّة، ويجب مهر المثل(5).

ص: 565


1- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429 ، ح 1709؛ الاستبصار، ج 3، ص 251، ح 899.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 207، المسألة 133.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 207، المسألة 133.
4- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 434، ح 1731.
5- المبسوط، ج 3، ص 500 وما بعدها.
السابعة:لايثبت العنن إلا بإقرار الزوج

لايثبت العنن إلّا بإقرار الزوج، أو البينة بإقراره، أو نكوله.

ولو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه.

ولا يخفى ضعفه؛ لأنّ النكاح وقع صحيحاً، والفسخ وإن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من أصله، بل من حين الفسخ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه، خصوصاً إذا كان العيب حادثاً بعد العقد، فإنّ دليله لا يجيء عليه.

إذا تقرّر ذلك فمهما غرم الزوج من المهر وكان هناك مدلّس رجع به عليه، سواء كان وليّاً أم غيره، حتى لو كان المدلّس هو المرأة رجع عليها أيضاً، بمعنى أنه لا يثبت عليه لها مهر، إذ وجه لإعطائها إياه ثم الرجوع عليها به ولو انتفى التدليس، بأن كان العيب خفياً لم تطلع

عليه المرأة ولا من زوجها فلا رجوع لانتفاء المقتضي.

ويظهر من العبارة الرجوع بجميع المهر حيث يرجع، وهو الذي يقتضيه إطلاق النصوص (1). واستثنى جماعة(2) منه ما إذا كان الرجوع على المرأة، فإنّه حينئذ يستثنى منه أقل ما يصلح أن يكون مهراً، وهو ما يتموّل عادةً، لأن لا يخلو البضع عن عوض.

:وقيل: أقل مهر مثلها؛ لأنّه عوض البضع(3). والأشهر الأول. وإنما لم يستثن ذلك لو كان الرجوع على غيرها لسلامة المهر لها على تقديره، فلا محذور، بخلاف ما إذا كان الرجوع عليها، فإنّه لولاه لخلا النكاح المحترم عن العوض والنصوص خالية عن هذا الاستثناء.

قوله: «لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج إلى قوله - وليس بشيء».

ص: 566


1- الكافي، ج 5، ص 406 ، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة ، ح 7 ، و ص 407، ح 9 و 10 ، و ص 408، ح 14؛ الفقيه، ج 3، ص 433، ح 4501؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 424 - 425، ح 1694 و 1697، و ص 425 426 ، ح 1699، و ص 426 ، ح 1701؛ الاستبصار، ج 3، ص 245، ح 878، و ص 246 - 247، ح 884، و ص 247، ح 885 و 886.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 500 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 216، المسألة 144؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 258.
3- قال به ابن الجنيد كما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 216، المسألة 144.

وقيل: يقام في الماء البارد، فإن تقلّص حكم بقوله، وإن بقي مسترخياً حكم لها. وليس بشيء.

لما كانت العنة من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها غير من هي به اطلاعاً يقطع به - فإنّ استناد الامتناع من الوطء إلى العجز بحيث يضعف العضو عن الانتشار أمر خفي لا يطلع عليه الغير على وجه يمكنه الشهادة به، حتى لو أقامها مقيم بالعنة على هذا الوجه لم تسمع - كان الطريق إلى إثباته إما إقرار الرجل بها، أو البينة على إقراره، فإن انتفيا وادعتها المرأة فالقول قوله في عدمها، عملاً بأصالة السلامة. فإن حلف استقرّ النكاح، وإن نكل عن اليمين بني على القضاء بالنكول، فيثبت العيب. وإن أوقفنا القضاء معه على يمين المدعي، فإذا حلفت المرأة قضي بثبوته أيضاً، وإلا فلا.

والمصنف اقتصر في الحكم على نكوله، بناءً على مذهبه من القضاء به من غير يمين، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابه(1). والحكم على هذا القول واضح؛ لأنّ النكول ينزل منزلة الإقرار بالحق. وأما على القول بالقضاء بيمين المدعي فيشكل ثبوت هذا العيب به على القول بكون اليمين حينئذ كالبينة من المدعي، فإنّها لو أقامتها عليه بأصل العيب لم تسمع كما قلناه، فكذا ما قام مقامها، وإنما تسمع البينة بإقراره، وهي هنا ما ادعت الإقرار حتى ينزّل يمينها منزلته، وإنّما ادعت العيب فينزل يمينها منزلة البيّنة به. اللهمّ إلّا أن يقال: تنزيل اليمين منزلة البينة على وجود العنة على وج-ه يسمع لا عليها مطلقاً؛ لأنّ ذلك هو مقتضى تنزيله منزلة البيّنة المسموعة بالدعوى.

ولو جعلناها بمنزلة الإقرار فلا إشكال فى الثبوت.

ثمّ إنّ دعوى المرأة لهذا العيب وحلفها يتوقف على علمها بوجود العيب؛ إذ ليس لها الحلف بدون العلم.

ولايحصل العلم لها بمجرد اطلاعها على ضعفه عن الإيلاج مطلقاً، لجواز استناده إلى أمر آخر من العوارض النفسانية والخارجيّة، بل لا بد من ممارستها له في

ص: 567


1- يأتي في ج 11، ص 125 - 126.

ولو ثبت العنن ثمّ ادّعى الوطء فالقول قوله مع يمينه وقيل: إن ادعى الوطء قبلاً وكانت بكراً نظر إليها النساء وإن كانت ثيباً حشي قبلها خلوقاً، فإن ظهر على العضو صدّق. وهو شاذ.

الأوقات المختلفة والأحوال المتكثّرة على وجه يحصل لها بتعاضد القرائن ما يفيدها القطع بالعنّة، فحينئذٍ يجوز لها الحلف على تقدير نكوله. وبهذه الممارسة التي لا تتفق لغيرها يفرّق بينها وبين غيرها ممن يشهد بأصل العيب حيث قلنا إنه لایسمع. والقول بأنّ الرجل المدعى عليه العنة يقام في الماء البارد، ويختبر بالتقلّص فيحكم بقوله، أو بالاسترخاء فيحكم بقولها، لابني بابويه(1) وابن حمزة(2) . ومعنى تقلّص انضمّ وانزوى(3).

ولفظ الصدوق «وإن تشنّج» والمراد به: تقبّض الجلد(4).

وأنكر هذه العلامة المتأخّرون(5)؛ لعدم الوثوق بالانضباط ، وعدم الوقوف على مستند صالح نعم، هو قول الأطباء، وكلامهم يثمر الظنّ الغالب بالصحة، إلا أنّه ليس طريقاً شرعياً.

قوله: «ولو ثبت العنن ثمّ ادّعى الوطء فالقول قوله مع يمينه - إلى قوله - وهو شاذ». إنّما كان القول قوله هنا مع أنه مدع؛ لأنّ المفروض ثبوت العنن قبل ذلك، لأنّ هذا الفعل لا يعلم إلا من قبله كدعوى المرأة انقضاء العدة بالأقراء.

ولصحيحة أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفرعلیه السلام يقول: «إذا تزوّج الرجل المرأة الثيّب

ص: 568


1- المقنع، ص 322؛ وحكاه العلّامة عن الصدوق وأبيه في مختلف الشيعة، ج 7، ص 209، المسألة 136.
2- الوسيلة، ص 311.
3- الصحاح، ج 2، ص 1053؛ لسان العرب، ج 7، ص 79، «قلص».
4- لسان العرب، ج 2، ص 309، «شنج».
5- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 615 ؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 539 الرقم 5157 : وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ، ج 3، ص 180 : والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13. ص 263.

التي قد تزوّجت غيره، فزعمت أنه لا يقربها منذ دخل بها، فالقول قول الزوج، وعليه أن يحلف بالله تعالى لقد جامعها؛ لأنّها المدّعيّة»(1).

وفي دلالة الرواية على موضع النزاع نظر؛ لأنّ موضعه ما إذا ثبت عننه، ومورد الرواية دعواها عليه ذلك مع عدم ثبوت ذلك، وقبول قوله هنا واضح كما مرّ في المسألة الأولى(2). لأنّها المدّعيّة وهو المنكر، لموافقة قوله أصل السلامة بخلاف موضع النزاع، لتحقق العيب فهو فيه المدعي لزوال ما كان قد ثبت. اللهم إلا أن يدعى تناولها بإطلاقها لموضع النزاع حيث إن موردها اختلافهما على حصول الوطء وعدمه الشامل لما لو سبق معه عه العنة وعدمه. إلا أن تعليله بكونها المدعية لا يلائمه؛ لأنه مع ثبوت العنة لا يكون منكراً، بل مدعياً وإن تعذر إقامة البينة. فالأولى التعليل بما ذكرناه. وهذا هو قول الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية(3) .

والقول الذي حكاه المصنّف بالتفصيل للشيخ في الخلاف(4)، والصدوق في المقنع (5)وجماعة(6): استناداً إلى رواية عبد الله بن الفضل عن بعض مشیخته قال قالت امرأة لأبي عبدالله(علیه السلام) أو سأله رجل عن رجل تدعي عليه امرأته أنه عنين وينكر الرجل، قال: «تحشوها القابلة الخلوق ولا يعلم الرجل، ويدخل عليها الرجل، فإن خرج وعلى ذكره الخلوق صدق وكذبت، وإلا صدّقت وكذّب»(7).

ص: 569


1- تقدم تخريجها في ص 565 الهامش 1.
2- مرّ في ص 567.
3- النهاية، ص 487.
4- الخلاف، ج 4، ص 357، المسألة 140.
5- لم نعثر عليه في المقنع، لكن حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 180.
6- منهم الكيذري في إصباح الشيعة، ص 416.
7- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 8؛ الفقيه، ج 3، ص 549 - 550 ، ح 4894، رواه عن عبدالله بن الفضل الهاشمي؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429، ح 1710؛ الاستبصار، ج 3، ص 251، ح 900.

ومثله روى غياث بن إبراهيم عنه(علیه السلام) قال : ادعت امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه لا يجامعها، وادعى هو أنه يجامعها، فأمرها أمير المؤمنين(علیه السلام) أن تستثفر بالزعفران ثمّ يغسل ذكره، فإن خرج أصفر وإلّا أمره بطلاقها(1).

وفيهما ضعف السند، وزيادة الأولى بالإرسال، وعدم دلالتهما على محل النزاع صريحاً ؛ لأنّ ظاهرهما دعواها العنة وإنكاره، فيكون قولاً في أوّل المسألة، لا بعد ثبوتها، كما ذكر في الرواية الأُخرى.

ولا بد على القول بذلك من الوثوق بعدم وضعه الخلوق، إما بشدّ يديه بحيث يؤمن ذلك، أو عدم علمه بالحال كما ذكر في الرواية، مضافاً إلى الأمن من فعله ذلك.

ويدلّ على حكم البكر صحيحة أبي حمزة السابقة، قال فيها: «فإن تزوجها وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها، فإنّ مثل هذا تعرفه النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهن، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله سنة(2) الحديث.

والكلام في دلالتها على موضع النزاع كالسابق . وينبغي أن يجعل ذلك قولاً في المسألة الأُولى، مضافاً إلى القول بوضعه في الماء، عملاً بدلالة ظاهرها على النزاع ف--ي

العنن ابتداء. والمصنّف أطلق قبول قول منكر العنن من غير فرق بين البكر والثيب.

ووجهه موافقة دعواه للأصل فيهما. وعدم الوطء في القُبل على تقدير ثبوت البكارة لا يستلزم العنن، لإمكان وطئه غيرها، فإنّ العجز عن البكر مع القدرة على وطء الثيب يكفي في دفع العنن

ص: 570


1- الكافي، ج 5، ص 412 باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 430، ح 1713، وفيهما: «تستذفر»؛ الاستبصار، ج 3، ص 251، ح 901.
2- سبق تخريجها في ص 565 الهامش 1.

ولو ادعى أنّه وطئ غيرها أو وطئها دبراً كان القول قوله مع يمينه. ويحكم عليه إن نكل.

وقيل: بل تردّ اليمين عليها. وهو مبني على القضاء بالنكول نعم، لو ادعى وطأها قبلاً وكانت بكراً رجع إلى شهادة النساء، فإن شهد أربع بالبكارة لم تسمع دعواه

وإن ادعى عود البكارة على الأقوى؛ عملاً بالأصل والظاهر. ويدلّ عليه رواية أبي حمزة السابقة؛ لأنّه قال في آخرها : «ولو تزوجها وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها، فإنّ مثل هذا تعرفه النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهنّ(1) الحديث.

قوله: «ولو ادعى أنه وطئ غيرها - إلى قوله - وهو مبني على القضاء بالنكول». دعواه وطء غيرها أو وطأها دبراً كدعواه وطأها قبلاً في قبوله منه في المسألتين السابقتين، عملاً بالتعليل المذكور، وهو أصالة الصحة في الأُولى، وتعذر إقامة البينة في الثانية. ومثل هذا التجويز هو المضعف للقول بنظر النساء إلى البكر في السابق حيث لا يدعي وطأها؛ لإمكان صدقه بوطء غيرها أو وطئها دبراً مع بقاء البكارة.

وأما الحكم عليه مع نكوله عن اليمين أو ردّ اليمين عليها، فمبني على أنه هل يقضى على المنكر بمجرد النكول عن اليمين أم ترد اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت وإلا فلا ؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى في القضاء(2).

والضمير في قول المصنّف وهو مبني على القضاء بالنكول» عائد إلى قوله ويحكم عليه بالنكول لا إلى القول المحكي؛ لأن القول مبني على عدم القضاء بالنكول. ويمكن عوده إلى الحكم المتردّد في المسألتين، والمراد أن الحكم في ذلك بالقضاء عليه بمجرد النكول أو مع يمينها مبني على القضاء بالنكول وعدمه، فإن قلنا به فالحكم

ص: 571


1- سبق تخريج الرواية في ص 565 الهامش 1.
2- يأتي في ج 11، ص 125 وما بعدها.
الثامنة:إذا ثبت العنن فإن صبرت فلا كلام

إذا ثبت العنن فإن صبرت فلا كلام، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها سنة من حين الترافع، فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار، وإلا كان لها الفسخ ونصف المهر.

الأوّل، وإن لم نقل به فالثاني. أو يريد أنه مبني على بحث القضاء بالنكول وعدمه الشامل للقولين.

إذا تقرر ذلك فحيث لا يقضى بالنكول ويرد اليمين عليها إنما يمكن في حقها اليمين على تقدير كون النزاع في وطئها دبراً، لإمكان حلفها حينئذ، أما لو كانت دعواه وطء غيرها لم يمكنها الحلف على عدمه مطلقاً؛ لأنّه حلف على نفي فعل الغير على وجه لا ينحصر . نعم، لو انحصرت الدعوى على وجه يمكنها العلم بحالها - كما لو ادعى وطء غيرها في وقت مخصوص ، وادعت أنه في ذلك الوقت كان حاضراً عندها على وجه لا يحتمل معه وطء غيرها - قبلت الدعوى وأمكن حلفها على نفيه؛ لأنّه نفي محصور كنظائره.

قوله: «إذا ثبت العنن - إلى قوله - وإلا كان لها الفسخ ونصف المهر». إذا ثبت العنن بأحد وجوهه، فإن صبرت المرأة ولم تطالب بالحق مع علمها بالحكم فلا كلام في سقوط حقها، لإخلالها بالفورية، إذ لا كلام في الحكم؛ لأن الحق لها. فإذا لم تطالب به لا تعترض. وهذا التقرير أعم من الأوّل، لشموله سكوتها مع بقاء حقها وعدمه.

ثمّ على تقدير علمها بالخيار والفورية وصبرت لزم العقد، ولم يكن لها بعد ذلك مرافعته ولا الفسخ، لتضمنه الرضى بالعيب، وهو أمر واحد لا تعدّد فيه، بخلاف المطالبة في الإيلاء، فإنّ حق الاستمتاع يتجدّد في كل وقت، فلا يسقط بتأخيره.

وبالجملة فمرافعة المرأة فورية، كما أنّ فسخها فوري. وقد صرّح به الشيخ في المبسوط(1)

ص: 572


1- المبسوط ، ج 3، ص 502.

والعلّامة في التحرير(1)، كما حكيناه عنهما سابقاً(2). وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجله سنة.

وهو موضع وفاق.

ورواه أبو البختري عن الباقرعلیه السلام عن أبيه: «أن علياً (علیه السلام) كان يقول: يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته، فإن خلص إليها وإلا فرّق بينهما»(3) .

وعلّلوه مع ذلك بأنّ تعذر الجماع قد يكون بعارض حرارة فيزول في الشتاء، أو برودة فيزول في الصيف، أو يبوسة فيزول في الربيع، أو رطوبة فيزول في الخريف(4) . ومبدأ الأجل من حين المرافعة، فإذا مضت المدّة مع عدم الإصابة علم أنه خلقي. وهذه الرواية تضمّنت اشتراط سقوط خيارها بمواقعته لها، وليس ذلك شرطاً، وإنّما جرى على الغالب من أنّه إذا قدر على مواقعتها قدر على غيرها.

وفي بعض الروايات اعتبار إصابتها أو إصابة غيرها (5). وعليه العمل.

ويؤيّده أنّ العنن إنّما يكون مع العجز المحقق، وهو لا يختلف باختلاف النسوة، فأما مع العجز عن امرأة فإنّه قد يتفق لانحباس الشهوة عنها بسبب نفرة عنها أو حياء، أو لاختصاص المقدور عليها بالأُنس بها، أو وجود الميل إليها، وانتفائه عن غيرها، فلا يثبت الخيار حينئذ عندنا. ولا فرق بين كون العنة خلقيّة أو عارضيّة، ولا في العارضة بين كونها قبل العقد وبعده قبل الدخول. وحيث تفسخ العقد فلها نصف المهر؛ لصحيحة أبي حمزة عن الباقرعلیه السلام(6).

ص: 573


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 538، الرقم 5155.
2- سبق في ص 562.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 431 ، ح 1719؛ الاستبصار، ج 3، ص 249، ح 894، وفيهما: عن جعفر عن أبيه(علیه السلام).
4- حكى هذا التعليل المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 267، ولم نعثر عليه عند من تقدّمه.
5- الكافي، ج 5، ص 411 - 412، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 551، ح 4900؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429، ح 1711؛ الاستبصار، ج 3، ص 250، ح 898.
6- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429، ح 1709:الاستبصار، ج 3، ص 215، ح 899.
المقصدالثالث: في التدليس
اشارة

وفيه مسائل:

الأولى:إذا تزوج امرأة على أنّها حرّة فبانت أمة

إذا تزوّج امرأة على أنّها حرّة فبانت أمة كان له الفسخ ولو دخل.

وقيل: العقد باطل والأوّل أظهر .

ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ، ولها المهر بعده. وقيل: لمولاها العشر أو نصف العشر ويبطل المسمّى والأوّل أشبه.

قوله: «إذا تزوج امرأة على أنّها حرّة فبانت أمة - إلى قوله - والأوّل أشبه». التدليس تفعيل من الدلس وهو الظلمة، وأصله من المخادعة(1)،كأنّ المدلّس لما أتى بالمعيب أو الناقص إلى المخدوع وقد كتم عليه عيبه أتاه به في الظلمة وخدعه.

والفرق بينه وبين العيب أن التدليس لا يثبت إلا بسبب اشتراط صفة كمال موجودة، أو ما هو في معنى الشرط، ولولاه لم يثبت الخيار، بخلاف العيب، فإن منشأه وجوده وإن لم يشرط الكمال وما في معناه. فمرجع التدليس إلى إظهار ما يوجب الكمال، أو إخفاء ما يوجب النقص. ومنشأ الخيار فوات مقتضى الشرط أو الظاهر. إذا تقرر ذلك فمن فروعه ما إذا تزوج امرأة على أنها حرّة فظهرت أمة، فإن كان ذلك بالشرط في نفس العقد فلا شبهة في أنّ له الفسخ؛ لأنّ ذلك فائدة الشرط، سواء دخل أم لا. لأن التصرّف لا يسقط خيار الشرط كما سبق.

وقيل : يبطل العقد(2) - بناءً على بطلان نكاح الأمة بغير إذن مولاها - وقد تقدّم الخلاف فيه(3)؛ لأنّ المفروض هنا ذلك. ولو كان العقد بإذنه لم يتوجه البطلان، بل الخيار للزوج

ص: 574


1- لسان العرب، ج 6، ص 86 «دلس».
2- القائل به هو الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 352، المسألة 132؛ والمبسوط، ج 3، ص 194، 424 و 504.
3- تقدّم في ص 448 .

خاصةً. هذا إذا كان الزوج ممّن يجوز له تزويج الأمة، وإلا كان العقد باطلاً بغير إشكال. ثم على تقدير صحنه موقوفاً، فإن رضي الزوج بالعقد والسيد أيضاً حيث لم يأذن فلا بحث. وإن فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شيء كما سبق في العيوب (1)، وإن كان بعده وجب المهر. وهل هو المسمّى، أو مهر المثل، أو العشر ونصفه على التقديرين؟ أقوال تقدّم الكلام فيها أيضاً(2). والوجه أنه مع إذن السيد يلزم المسمّى، وبدونه تجري الأقوال. هذا إذا لم تكن عالمةً بالتحريم، وإلا جاء فيه الخلاف أيضاً في مهر البغي إذا كان مملوكاً.

ويلزم أرش البكارة على القولين إن كانت بكراً. وقد تقدم البحث في ذلك كله (3). ولو وقع ذلك بغير شرط، بل أخبرته أنّها حرّة أو أخبره المتولّي لنكاحها، فتزوجها لذلك على وجه حصل به التدليس، بأن وقع الخبر في معرض التزويج، ففي إلحاقه بالشرط قولان من تحقق التدليس، وأصالة لزوم العقد، والفرض أنّه لا شرط هناك يتبع. وعبارة المصنّف وجماعة(4) تحتمل إرادة القسمين. وكذلك الرواية التي هي منشأ الحكم وهي رواية وليد بن صبيح عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل تزوج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلست نفسها(5). إلى آخره.

والشيخ في المبسوط صرّح باختصاص الحكم بما لو شرط ذلك(6). وفي القواعد صرّح بالمساواة بين الأمرين(7). وينبغي الاقتصار على الشرط، وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقن.

ص: 575


1- سبق في ص 564.
2- تقدم في ص 459 - 460.
3- تقدم في ص 456.
4- منهم المفيد في المقنعة ص 519 والشيخ في النهاية، ص 484؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع ص 462 والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 234 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
5- الكافي، ج 5 ص 404، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 422،ح 1690: الاستبصار، ج 3، ص 216 - 217، ح 787.
6- المبسوط، ج 3، ص 504.
7- قواعد الأحكام، ج 3، ص 70.

ويرجع بما اغترمه على المدلّس ولو كان مولاها دلّسها قيل: يصح وتكون حرّة بظاهر إقراره. ولو لم يكن تلفّظ بما يقتضي العتق لم تعتق، ولم يكن لها مهر.

ولو دلّست نفسها كان عوض البضع لمولاها، ورجع الزوج به عليها إذا أعتقت. ولو كان دفع إليها المهر استعاد ما وجد منه، وما تلف منه يتبعها به عند حرّيّتها.

قوله: «ويرجع بما اغترمه على المدلّس. ولو كان مولاها دلّسها - إلى قوله - وما تلف منه يتبعها به عند حرّيّتها.

إذا تزوجها على أنّها حرّة فبانت أمة، إما بالشرط أو بدونه على القولين، وكان ظهور ذلك بعد الدخول بحيث وجب عليه المهر أو ما في حكمه، رجع بما اغترمه على المدلّس؛ للغرور. تم لا يخلو إما أن يكون المدلّس المرأة أو المولى أو أجنبياً. فإن كانت هي لم يمكن الرجوع عليها حال الرقية؛ لأنه يكون كالرجوع على المولى، وهو باطل، بل إنّما يرجع عليها بعد العتق واليسار. فإن لم يكن دفع المهر إليها غرمه للمولى، ورجع به كما قلناه. وإن كان قد دفعه إليها رجع به إن كانت عينه باقية، أو بعضه ويتبعها بالباقي. وإن كان المدلّس المولى، فإنّ تلفّظ بما يقتضي العتق، كقوله: هي حرة، حكم عليه بحريتها، سواء جعله إنشاء أم إخباراً، إعمالاً للسبب بحسب مقتضاه. وحينئذ فيصح العقد، ويكون المهر لها دون السيد. ويعتبر في صحة النكاح حينئذ إذنها سابقاً، أو إجازتها لاحقاً. كغيرها من الحرائر.

وإن لم يتلفظ بما يقتضي العتق بل تكلم بكلام يحتمل الحرية وغيرها، ففهم الزوج منه الحرّية، ونحو ذلك، فلا شيء للسيد ولا لها؛ لأنّ الزوج يرجع به على تقدير الغور على المدلّس، ولا وجه لغرامته له ثم الرجوع عليه به. ولم يذكر المصنف استثناء ما يصلح أن يكون مهراً كما ذكره غيره(1)؛ لعموم الدليل الدال على رجوعه على المدلّس بما غرم(2)، وللأصل.

ص: 576


1- کالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 70؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 3، ص 198.
2- راجع وسائل الشيعة، ج 21، ص 211 - 214، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس.
الثانية:إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حرّ

إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حرّ فبان مملوكاً كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول، ولها المهر بعده.

وقول المصنّف فيما لو كان المدلّس المولى وقد تلفّظ بما يقتضى الحرّية: «قيل: يصح وتكون حرّة (1).

يؤذن بعدم ترجيحه القول.

وجهه أنّ العتق يتوقف على الصيغة الخاصة بشرائطها ولم تحصل. والوجه أنّه يحكم عليه بظاهر الإقرار إن لم يتلفظ بصيغة تصلح للإنشاء، وإلا فبظاهر اللفظ الدال على الإنشاء، ولا يعتبر ما في نفس الأمر كغيرها من الصيغ. وهذا هو الذي قطع به الشيخ(2) والجماعة(3) من غير نقل خلاف.

قوله: «إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حرّ فبان مملوكاً إلى قوله - ولها المهر بعده». هذه المسألة عكس السابقة. والحكم فيها بجواز الفسخ مع الشرط واضح عملاً بمقتضاه وبدونه الوجهان والعبارة محتملة للأمرين كالسابقة. ولا فرق في جواز الفسخ على تقديره بين الدخول وعدمه.

ثم إن كان قبله فلا مهر؛ لأنّ الفسخ من قبلها كما مرّ. وإن كان بعده فلها المهر؛ لأنّ الوطء محترم فلا يخلو من مهر. فإن كان النكاح برضى السيد كان لها عليه المسمّى، وإلا كان لها مهر المثل يتبع به العبد بعد العتق واليسار. والأصل في ذلك صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفرعلیه السلام عن امرأة حرّة تزوجت مملوكاً على أنه حرّ فعلمت بعد أنّه مملوك، قال: هي أملك بنفسها إن شاءت أقرّت معه، وإن شاءت فلا فإن كان دخل بها فلها الصداق، وإن لم يكن دخل بها فليس لها شيء»(4).

ص: 577


1- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 504.
2- المبسوط، ج 3، ص 504.
3- منهم الکیذری فی اصباح الشیعه،ص 418، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرایع،ص446، والعلّامه فی ارشاد الأذهان،ج2ص،29.
4- الکافی، ج5،ص 410، باب الرجل یدلّس نفسه والعنّن،ح2؛تهذیب الاحکام،ج 7،ص 28،ح 1707.
الثالثة:قيل:إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة

اذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة كان له الفسخ والوجه ثبوت الخيار مع الشرط لا مع إطلاق العقد. فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر ولو فسخ بعده كان لها المهر ، ويرجع به على المدلّس أباً كان أو غيره.

والمصنف عبر بقوله على أنه حرّ الشامل لشرطه في العقد وعدمه تبعاً للرواية.

ولو ظهر البعض رقاً في الصورتين فالخيار بحاله، إلا أنه مع الدخول وإذن السيّد يلزمه هنا منه بنسبة ما فيه من الرقية. قوله: «قيل: إذا عقد على بنت رجل إلى قوله - ويرجع به على المدلّس أباً كان أو غيره». المراد بالمهيرة الحرّة، قاله الجوهري(1) وغيره(2) من أهل اللغة، سمّيت بذلك؛ لأنّها لا تنكح إلا بمهر بخلاف الأمة، فإنّها تنكح بالملك.

إذا تقرر ذلك فإذا تزوّج الرجل امرأة على أنّها بنت مهيرة فظهرت بنت أمة قال الشيخ كان له ردّها(3) . ثم إن كان قبل الدخول فلا شيء لها عليه، ولكن لها على أبيها المهر. وإن كان قد دخل كان عليه المهر بما استحلّ من فرجها.

والمصنّف (رحمه الله) قيد جواز الفسخ بكونه قد شرط ذلك في العقد، وإلا فلا خيار له. وهذا هو الأقوى. ويظهر من تقييده هنا بالشرط - مع كونه قد ذكر العبارة فيه كالعبارة في المسألتين السابقتين - أنّه لا يفرّق فيهما بين الشرط وغيره، كما صرح به العلّامة في القواعد(4). ويمكن الفرق بينها وبين ما سبق من وجهين أحدهما: كون الرواية التي هي مستند الحكم في الأُولى أعم من اشتراط الحرية في متن العقد وعدمه؛ لأنّه قال فيها: رجل تزوج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلّست نفسها، إلى

ص: 578


1- الصحاح، ج 2، ص 821، «مهر».
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 142 ، «مهر».
3- النهاية، ص 485.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 70.

آخره، فعمل بها عامةً. والرواية في الثانية أظهر في الإطلاق وموافقة عبارته. وقد تقدّمت(1).

والثاني: أنّ وصف الحرّية أمر مهم، وفواته نقص بين، بحيث يصلح لتسلّط من قدم عليه على الرد إذا ظهر خلافه، بخلاف الحرّة التي أمها أمة أو حرّة، فإن التفاوت بينهما ليس كالتفاوت بين الأمة والحرّة ، ولا قريباً منه، بل ربما لا يظهر التفاوت بينهما، أو يكون الكمال في جانب بنت الأمة مع اشتراكهما في الوصف بالحرّية، فلم يكن لفواته أثر إلا مع الشرط في متن العقد؛ عملاً بعموم الوفاء بالشرط، وبفواته يظهر تزلزل العقد.

ثم إن كان الفسخ قبل الدخول فمقتضى القواعد السابقة أنه لا مهر لها عليه. وإن كان بعده كان لها المهر على الزوج، ويرجع هو به على من دلّسها أباً كان أم غيره حتى لو كانت هي المدلّسة فلا شيء لها إلا أقل ما يصلح أن يكون مهراً كنظائره على قول(2). ونبه المصنّف بقوله: «أباً كان أو غيره على خلاف الشيخ(3) ومَنْ تبعه(4)، حيث حكم برجوعها على أبيها بالمهر قبل الدخول ؛ تعويلاً على رواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(علیه السلام)(5). ولا يخلو من قصور في الدلالة على ما ادعاه. وما اختاره المصنّف هو الموافق للقواعد الشرعية.

واعلم أنه لا فرق في بنت المهيرة بين كون أُمها حرة في الأصل أو معتقة، لما عرفت من أنّ المراد منها لغة الحرّة، وهي شاملة لهما. ويحتمل ضعيفاً الفرق، بناء على أنّ المعتقة يصدق

ص: 579


1- تقدّمت الرواية الأولى في ص 575 مع تخريجها في الهامش 5 والرواية الثانية في ص 577، مع تخريجها في الهامش 4.
2- قال به الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 500 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 216، المسألة 144.
3- النهاية، ص 485.
4- نسبه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 200 إلى القاضي في المهذب، ج 2، ص 237؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 418: وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 614 - 615 ، لكنهم قالوا: «روي أنّ المهرَ على أبيها وهو غير واجب».
5- الكافي، ج 5، ص 406، باب المدالسة في النكاح...، 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 423 ، ح 1691.
الرابعة:لو زوجه بنته من مهيرة

وأدخل عليه بنته من الأمة فعليه ردّها. ولها مهر المثل إن دخل بها، ويرجع به على من ساقها إليه.

ويردّ عليه التي تزوجها. وكذا كلّ من أدخل عليه غير زوجته فظنّها زوجته، سواء كانت أرفع أو أخفض.

عليها أنها كانت أمة؛ إذ لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه. ولا يخفى ضعفه؛ إذ لا اشتقاق هنا بل الأمة اسم للرقيقة وهو منتف بعد العتق وتعريف أهل اللغة ينافيه (1).

قوله: «لو زوجه بنته من مهيرة - إلى قوله سواء كانت أرفع أو أخفض». الفرق بين هذه والسابقة أنّ العقد وقع في السابقة على بنت الأمة مع دخوله على أن تكون بنت الحرّة، فلذا كان له الخيار؛ لفوات شرطه أو ما قدم عليه. وهنا العقد وقع على بنت الحرّة باتفاقهما، وإنّما أدخل عليه بنت الأمة بغير عقد.

وحكم المصنّف حينئذ بوجوب ردّ الداخلة ظاهر؛ لأنها ليست زوجته. ولها مهر المثل إن كان دخل بها جاهلاً بالحال؛ لأنّه وطء شبهة، ومهر المثل عوضه، ويرجع به على المدرّس الذي ساقها إليه لغروره. ولا بد من تقييده بكونها أيضاً جاهلة بالحال، فلو كانت عالمةً بأنّها غير الزوجة فلا شيء لها؛ لأنّها زانية. ولو علم هو وجهلت هي كان زانياً ولها مهر المثل. وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها عليه ولا على غيره؛ لأنها ليست معقوداً عليها ولا موطوءة. ويجب أن يردّ عليه زوجته المعقود عليها. وهذا الحكم لا يختص بهذا الفرض بل يأتي في كل من أدخلت عليه غير زوجته. وفي قول المصنّف «فظنّها زوجته إشارة إلى أن فرض المسألة سابقاً كذلك، وإلا كان زانياً عليه الحد. وعليه مهر المثل مع جهلها على التقديرين، لكن مع العلم لايرجع به على أحد.

وإنّما فرض المصنف المسألة في بنت المهيرة والأمة تبعاً للرواية الواردة في ذلك،

ص: 580


1- لسان العرب، ج 14، ص 44، «أما».
الخامسة:إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكراً فوجدها ثيباً

إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكراً فوجدها ثيباً لم يكن له الفسخ؛ لإمكان تجدّده بسبب خفيّ. وكان له أن ينقص من مهرها م-ا ب-ي-ن م-ه-ر البكر والثيب. ويرجع فيه إلى العادة. وقيل: ينقص السدس. وهو غلط.

وتنبيهاً على ما ينبغي في فقه المسألة، حيث وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب بسبب الرواية، فإنّ الشيخ (رحمه الله) قال في النهاية بعد فرضه المسألة ودخول بنت الأمة عليه: كان له ردّها، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحلّ من فرجها. وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر. وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة. وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأوّل قد وصل إلى ابنته الأولى.

وإن لم يكن وصل إليها ولايكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج(1) .

واستند في ذلك إلى رواية محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) قال: سألته عن رجل خطب إلى رجل بنتاً له من مهيرة، فلمّا كان ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه بنتاً له من أمة قال تردّ على أبيها، وتردّ إليه امرأته، ويكون مهرها على أبيها»(2). ولا يخفى أن في فتوى الشيخ زيادات عن مدلول الرواية لا توافق الأصول، مع أن في طريق الرواية ضعفاً.

قوله: «إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكراً فوجدها ثيباً - إلى قوله - وهو غلط». إذا تزوج امرأة على أنّها بكر فخرجت ثيباً، فلا يخلو إما أن يكون قد شرط ذلك في العقد أو لا. وعلى تقدير عدم شرطه إما أن يكون قد أخبر بكونها بكراً فدلّست عليه، أو قدم عليه على وجه العادة الغالبة في النساء قبل أن يتزوّجن. وعلى التقادير الثلاثة: إما أن يظهر كونها ثيباً قبل العقد أو بعده، أو يشتبه الحال. فالصور تسع.

وخلاصة حكمها: أنه بدون الشرط والتدليس لا خيار له ولا يرجع بشيء مطلقاً؛ لأنّ

ص: 581


1- النهاية، ص 485.
2- الكافي، ج 5، ص 406، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 4: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 435، ح 1733.

الثيوبة في نفسها ليست عيباً بحيث تردّ بها المرأة، وقد قدم على احتمال الأمرين بالمهر المعيّن، فيلزمه ذلك. وإن كان قد شرطها بكراً، فإن تجدّدت الثيوبة بعد العقد فلا خيار له؛ ولا رجوع أيضاً، لعدم المقتضي، وما تجدّد حصل أثناء نكاحه من جملة العوارض اللاحقة لها. وإن تحقق سبقها على العقد فالأقوى تخيّره في الردّ لفوات الشرط المقتضي للتخيير كنظائره. فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء لها. وإن كان بعده استقرّ المهر ورج-ع ب-ه ع-ل-ى المدلّس. فإن كانت هي المرأة فلا شيء لها إلا أقلّ ما يصلح أن يكون مهراً كما قيل في

نظائره. وإن اختار البقاء معها ففي وجوب المهر كملاً، أو نقصانه شيئاً، أقوال تأتي. ويثبت سبق الثيوبة على العقد بإقرارها، أو البينة أو بقرائن الأحوال المفيدة للعلم، كما لو

كان دخوله بها بعد العقد بمدة لا يحتمل تجدّد الثيوبة على الوجه الذي وجدت عليها. وإن اشتبه الحال ولم يعلم هل كانت متقدّمة على العقد، أو متأخرة؟ فلا خيار له؛ لأصالة عدم تقدّم الثيوبة، ولإمكان تجدّدها بسبب خفيّ، كالركوب والنزوة، وتجدّدها غير منافٍ للشرط.

ويؤيّده رواية محمّد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن(علیه السلام) في الرجل يتزوج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيباً، أيجوز له أن يقيم عليها ؟ قال فقال: «تفتق البكر من المركب والنزوة»(1)، ومفهومها عدم ثبوت الخيار. وحيث لا يفسخ، إما لعدم الخيار أو لاختياره البقاء مع كونه قد شرط البكارة فلم يجدها ولم يعلم تأخرها، فهل ينقص من مهرها شيء؟ قولان:

أحدهما : العدم، وهو قول أبي الصلاح(2) وابن البرّاج(3)؛ لوجوب جميعه بالعقد،

والأصل بقاؤه.

ص: 582


1- الكافي، ج 5، ص 413، باب الرجل يتزوّج بالمرأة على أنها بكر فيجدها غير عذراء، ح 1؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 428. ح 1705.
2- الكافي في الفقه، ص 296.
3- نسب إليه في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 185، ونسب إليه أيضاً القول بالنقص ولم نجده في المهذب.

والثاني: أنه ينقص وهو المشهور، ولكن اختلفوا في قدره على أقوال: أحدها: أنّه ينقص شيء في الجملة، ولم يرد من الشارع تقديره، وهو اختيار الشيخ في النهاية (1)؛ لصحيحة محمد بن جزك قال: كتبت إلى أبي الحسن(علیه السلام) أسأله عن رجل تزوّج جارية بكراً فوجدها ثيباً، هل يجب لها الصداق وافياً، أم ينقص؟ قال: «ينقص»(2). ووجه دلالته استلزام النقص تقدير منقوص والمناسب تقدير لفظ «شيء» مبهم،

لاقتضاء المقام إياه.

وثانيها: أنه ينقص السدس، ذكره القطب الراوندي في شرح النهاية(3) ؛ لأنّ الشيء في عرف الشرع السدس، كما ورد في الوصية به(4)؛ وغلّطه المصنف في ذلك (5)؛ لأنّ الشيء لم يذكر في الرواية، وإنّما وجب تقديره لاقتضاء اللفظ نقصان قدر مبهم، وهو شيء منكر لا الشيء المعيّن الذي هو السدس. ثم كون الشيء سدساً في الوصية لا يقتضيه في غيرها، لانتفاء الدليل عليه، مع كونه أعمّ. ولا شبهة في أنّ مثل هذا الحمل غلط فاحش لا يليق بالمجتهدين في الأحكام الشرعية المستنبطين للأحكام من مداركها لا من كلام الفقهاء.

وثالثها: أنّه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب عادة، أي بنسبة ما بينهما لا مجموع ما بينهما ؛ لئلا يلزم استيعاب المسمّى في بعض الموارد، بل الزيادة عليه. فلو فرض كون مهر مثل البكر مائة والثيب خمسين نقص في الفرض نصف المسمّى.

ص: 583


1- النهاية. ص 486.
2- الكافي، ج 5، ص 413، باب الرجل يتزوج بالمرأة...،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 428، ح 1706.
3- حكاه عنه المحقق في نكت النهاية، ج 2، ص 361.
4- الكافي، ج 7، ص 40، باب من أوصى بشيء من ماله، ح 1 و 2؛ الفقيه، ج 4، ص 204، ح 5476؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 211، ح 835 و 836.
5- نكت النهاية، ج 2، ص 361 - 362.
السادسة: إذا استمتع امرأة فبانت كتابية

لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة، ولا له إسقاط شيء من المهر. وكذا لو تزوجها دائماً على أحد القولين. نعم، لو شرط إسلامها كان له الفسخ إذا وجدها على خلافه.

وهذا قول ابن إدريس (1)، ورجحه المصنّف والعلّامة في التحرير(2). ووجهه أنّ الرضى بالمهر المعيّن إنّما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة، ولم تحصل إلّا خاليّة من الوصف فيلزم التفاوت كارش ما بين كون المبيع صحيحاً ومعيباً.

ويضعّف بأنّ ذلك إنّما يتمّ حيث يكون فواته قبل العقد، أما مع إمكان تجدّده فلا؛ لعدم العلم بما يقتضي السقوط.

ورابعها: إحالة تقدير ذلك على نظر الحاكم لانتفاء تقدير النقص شرعاً مع الحكم بأصله بالرواية الصحيحة، فيرجع فيه إلى رأي الحاكم. وهذا القول منسوب إلى المصنف أيضاً(3). وهو أوجه الأقوال، لثبوت النقص بالرواية الصحيحة(4)، وعدم تقديره لغةً ولا شرعاً، فلا شيء أنسب له من نظر الحاكم. وحينئذ فينظر في أصل المسألة برأيه.

قوله: «إذا استمتع امرأة فبانت كتابية - إلى قوله إذا وجدها على خلافه. متى جوّز نكاح الكتابية، إمّا متعةً على رأي المصنف(5)، أو مطلقاً على القول الآخر(6). فتزوج امرأة فظهرت كتابية، فإن كان قد شرط في العقد كونها مسلمة فلا شبهة في جواز فسخه؛ عملاً بمقتضى الشرط. وإن لم يشترط ذلك فلا خيار له؛ لأن الكفر في الزوجة على

ص: 584


1- السرائر، ج 2، ص 591.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 534، الرقم 5169.
3- نكت النهاية، ج 2، ص 362.
4- راجع ص 583 الهامش .2.
5- راجع ص 335.
6- كما عن الصدوق في المقنع، ص 308؛ وابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 90. المسألة 35.

هذا الوجه ليس عيباً في النكاح، ولا ينقص بسببه الاستمتاع، فلا ينقص من المهر بسببه شيء بخلاف ما لو ظهرت تيباً.

وقوله فليس له الفسخ من دون هبة المدة يدلّ بمفهومه على أنه لو وهبها المدة جاز له الفسخ، وليس كذلك، بل المراد أنه إن أراد مفارقتها وهبها المدة، فكان ذلك بمنزلة الفسخ وحيث يثبت له الفسخ، لكونه شرطه في العقد، فلا مهر لها قبل الدخول، ويستقر بعده كنظائره. ولو انعكس الفرض بأن تزوّجها على أنّها كتابية فظهرت مسلمة، فإن لم يكن شرط ذلك في العقد فلا خيار أيضاً بطريق أولى؛ لأن الإسلام صفة كمال. وإن شرطه في العقد، فإن وقع على وجه يصح لو قصدها، كما لو وقع متعةً أو دواماً على القول الآخر، ففي تخييره قولان(1): من ظهور الكمال فضلاً عن النقص الذي لا يبلغ العيب، ومن وقوعه خلاف ما شرط والشرط يقتضي انقلاب العقد من اللزوم إلى الجواز وعموم: «المسلمون عند شروطهم»(2) يتناوله وجواز أن يتعلّق بذلك غرض صحيح؛ لضعف حقها على تقدير الدوام، وسهولة تكليفها بما كلّف به المسلمون. وفي التحرير قرب سقوط الخيار(3).

ولو وقع على وجه لا يصح مع العلم بحالها، كما لو تزوّجها دائماً على القول المشهور فظهرت مسلمة، ففي صحة العقد وجهان، من مطابقته الواقع في نفس الأمر، ومن قدومه على عقد يعتقد بطلانه، فكأنه لم يقصد إلى العقد الصحيح.

وهو الذي قوّاه الشيخ في المبسوط (4). ولايخلو من قوّة.

والوجهان يجريان مع الشرط

ص: 585


1- من القائلين بسقوط الخيار العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 544، الرقم 5170؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 71؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 189؛ ومن القائلين بثبوت الخيار المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 318.
2- تقدّم تخريجه في ص 438، الهامش 3.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 544، الرقم 5170.
4- المبسوط، ج 3، ص 503.
السابعة:إذا تزوّج رجلان بامرأتين،

اذا تزوّج رجلان بامرآتین وأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطئها، فلكلّ واحدة منهما على واطئها مهر المثل.

وتردّكلّ واحدة على زوجها وعليه مهرها المسمّى.

وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطء الأول.

ولو ماتنا في العدة أو مات الزوجان ورث كلّ واحد منهما زوجة نفسه وورثته.

في العقد وعدمه؛ لأنها متى ذكرت أنّها كتابية فعقد عليها معتقداً بطلانه جاء فيه الإشكال. قوله: «إذا تزوج رجلان بامرأتين - إلى قوله - ورث كل واحد منهما زوجة نفسه

وورثته».

ما ذكره المصنّف من حكم المسألة هو الموافق للقواعد الشرعية، فإن وطء الإنسان زوجة الآخر لشبهة منهما يوجب لها مهر المثل، ولا تزول الزوجية بذلك. والاعتداد من وطء الشبهة لا ينافي الزوجية أيضاً، بل تحريمها حينئذ على الزوج بسبب عارض للفرق بين الماءين كتحريمها عليه في زمان الحيض، فلا يؤثر في الإرث لومات أحدهما، ولا يوجب نقص المهر، سواء كان قد دخل بزوجته أم لا.

ثمّ إن كان هناك غارّ رجع الغارم عليه بما اغترمه من مهر، سواء كان هو الأب أم غيره. ولو كان الغرور منها فلا شيء لها، ولا يستثنى لها حينئذ أقل ما يصلح مهراً كما توهّمه بعضهم(1)؛ لأنّها ليست زوجة، بل بغيّ فلا مهر لها.

ولو فرض علم الرجل بالحال وجهل المرأة فالمهر والاعتداد بحاله، ويحد الرجل لزناه.

ولو انعكس حدّت دونه ولا مهر لها، وعليها العدة لوطئه المحترم. ولو علما معاً كانا زانيين فلا مهر ولا عدة. ولو فرض دخول أحدهما دون الآخر، أو العلم

من أحد الجانبين دون الآخر، اختص كلّ بما يلزمه من الحكم.

ص: 586


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 308.

والأصل في ذكر هذه المسألة رواية وردت بها اشتمل حكمها على ما يخالف القواعد الشرعية، وعمل بمضمونها الشيخ (1)ومن تبعه(2)،

فذكرها المصنّف ونبه على ما يوافق الأُصول من حكمها، ولم يتعرّض للمخالف.

قال الشيخ في النهاية: إذا عقد الرجلان على امرأتين، فأدخلت امرأة هذا على هذا، والأخرى على الآخر، ثمّ علم بعد ذلك، فإن كانا قد دخلا بهما فإنّ لكلّ واحدة منهما الصداق، فإن كان الولي تعمّد ذلك أُغرم الصداق. ولا يقرب كلّ واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها.

فإن ماتنا قبل انقضاء العدّة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، ويرثانهما الزوجان وإن مات الزوجان وهما في العدّة فإنّهما ترثانهما، ولهما المسمّى(3).

والمستند رواية جميل بن صالح عن بعض أصحاب أبي عبدالله(علیه السلام) في أُختين أُهديتا إلى أخوين في ليلة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وأُدخلت امرأة هذا على هذا، قال: «لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان وإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق. ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة، فإذا انقضت العدّة صارت كلّ واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول». قيل له فإن ماتنا قبل انقضاء العدّة؟ قال فقال: «يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، ويرثانهما الرجلان».

قيل: فإن مات الرجلان وهما في العدّة ؟ قال : تر ثانهما ، ولهما نصف المهر المسمّى لهما، وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأُولى، تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها»(4).

ص: 587


1- النهاية، ص 488.
2- المهذب، ج 2، ص 238؛ إصباح الشيعة، ص 418.
3- النهاية، ص 488.
4- الكافي، ج 5، ص 407، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح 11؛ الفقيه، ج 3، ص 422، ح 4472؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 434 ، ح 173.

وقد ظهر أنّ الرواية ضعيفة بالإرسال والقطع معاً. ومع ذلك فالشيخ لم يعمل بموجبها في الزوجين؛ لتضمّنها ثبوت نصف المهر بالموت في كلّ منهما، والشيخ خصه بموت الزوجة، وأوجب مع موت الزوج المسمّى. ولعلّ لفظ المسمّى وقع سهواً، وكان حقه «نصف المسمّى» كما في الرواية؛ لأنها هي مستند ذكره لها في النهاية.

وقد ذكرها الصدوق في المقنع(1) كما ذكرها في التهذيب باللفظ الذي حكيناه، ولكنّ الصدوق لم يجعلها مقطوعة، بل قال : وسئل الصادق(علیه السلام) عن أُختين أُهديتا لأخوين إلى آخر الحديث.

وفي المختلف اقتصر في نقل الرواية على ما تضمنه كلام الشيخ، وترك حكاية آخرها المتضمّن لثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوج، فلم يجعل فيها مخالفة إلا في موضع واحد، وهو ثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوجة كما ذكره في النهاية (2). ثم حمل الرواية على أن المرأتين ليس لهما ولد، فيرجع الزوجان بالنصف مما دفعاه مهراً على سبيل الميراث(3). ورضيه منه المتأخرون(4).

وهذا الحمل - مع بعده - يتم في جانب الزوج دون الزوجة؛ لحكمه لها أيضاً بالنصف. مع أنّ أوّل الرواية تضمن حصول الغشيان ووجوب الصداق، وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت وحملها على ما لو وقع ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها. وعلى كل تقدير فاطراح الرواية لما ذكر من وجه الضعف أولى من تكلف حملها على ما لا تدلّ عليه.

ص: 588


1- المقنع، ص 315.
2- النهاية، ص 488.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 214، المسألة 141.
4- راجع التنقيح الرائع، ج 3، ص 202؛ وجامع المقاصد، ج 13، ص 308.
الثامنة:

كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطء مهر المثل لا المسمّى وكذا كلّ موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطء المسمّى وإن

الحقه الفسخ وقيل: إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطء لزم مهر المثل، سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده. والأوّل أشبه.

:قوله كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد - إلى قوله - والأوّل أشبه». وجه وجوب مهر المثل مع البطلان أنّه عوض البضع المحترم حيث لا عقد، ومع بطلان العقد ينزل كعدمه، فيكون كالوطء بالشبهة المجرّدة عن العقد. وأما المسمّى فإنّه تابع لصحة العقد وقد انتفى.

وقد وقع الخلاف في بعض أفراده. وتقدّم الكلام عليه في محلّه(1) . وأما مع الفسخ فيثبت المسمّى على كل تقدير؛ لوجوبه بالعقد، والفسخ إنّما يرفع من حين الفسخ لا من أصله، فلا يبطل المسمّى فيه الذي قد استقر بالدخول، سواء كان الفسخ بعيب سابق له أم لاحق.

والقول بالتفصيل المذكور للشيخ في المبسوط(2). وقد تقدّم نقله والكلام عليه في بابه(3).

ص: 589


1- تقدّم في ص 259 - 260 و 317 - 318.
2- المبسوط، ج 3، ص 500 وما بعدها.
3- تقدم في ص 5.

النظر الثاني: في المهور

اشارة

وفيه أطراف:

قوله: «النظر الثاني في المهور».

هو جمع مهر، وهو مال يجب بوطء غير زنى منها ولا ملك يمين، أو بعقد النكاح، أو تفويت بضع قهراً على بعض الوجوه، كإرضاع ورجوع شهود.

وله أسماء كثيرة:

منها: الصداق(1) - بفتح الصاد وكسرها - سمّي به؛ لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه.

والصدقة (2) - بفتح أوله وضمّ ثانيه - والنحلة، والأجر، والفريضة. وقد ورد بها القرآن، قال الله تعالى: (وَءَاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَةً)(3) وقال: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئٰاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(4)؛ وقال: (وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)(5).

وليس المراد من النحلة ما هو بمعنى العطية المتبرع بها؛ لأنه عوض البضع، بل إما من الانتحال، وهو التدين، أو لأنه في حكم التبرع من حيث تحقق الاستمتاع للزوجين، فكان للزوجة في معنى النحلة وإن كان عوضاً. أو لأن الصداق كان للأولياء في غير شرعنا، كما ينبه

ص: 590


1- صداق المرأة ما تعطى من مهرها. المفردات في غريب القرآن، ص278؛ لسان العرب، ج 10، ص197، «صدق».
2- الصدقة الصداق. جمع : صَدقات. المعجم الوسيط، ص 511، «صدق».
3- النساء (4): 4.
4- النساء (4): 24.
5- البقرة .:(2) 237.
الطرف الأول: في المهر الصحيح

وهو كلّ ما يصحّ أن يملك عيناً كان أو منفعة.

ويصح العقد على منفعة الحرّ، كتعليم الصنعة والسورة من القرآن وكلّ عمل محلل، وعلى إجارة الزوج نفسه مدة معينة. وقيل بالمنع استناداً إلى رواية لا تخلو من ضعف مع قصورها عن إفادة المنع.

عليه قصة شعيب وجعل مهر ابنته رعي غنمه(1)، فكان جعله لهنّ في شرعنا بمنزلة النحلة. والعليقة والعلائق. وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أدوا العلائق». قيل: وما العلائق؟ قال: «ما تراضى به الأهلون»(2).

والعقر(3) بالضم، والحباء(4)، بالكسر.

ويقال من لفظ الصداق والصدقة: صدقتها، ومن المهر مهرتُها. ولا يقال: أصدقتها وأمهرتُها.

ومنهم من جوزه(5). وقد استعمله المصنّف وغيره من الفقهاء(6). واعلم أنّ المهر ليس ركناً في النكاح كالمبيع والثمن في البيع؛ لأن المقصود الأظهر منه الاستمتاع ولواحقه وأنّه يقوم بالزوجين، فهما الركن، فيجوز إخلاء النكاح عن المهر. ولكن الأحبّ تسميته مهراً كيلا يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) وليكون أدفع للخصومة.

قوله: «وهو كلّ ما يصح أن يملك - إلى قوله - مع قصورها عن إفادة المنع».

ص: 591


1- القصص (28) 27.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 289، «علق»؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 174، ح 3544 / 10؛السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 390 ، ح 14375، و ص 391، ح 14378.
3- العُقر: ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة. لسان العرب، ج 4، ص 595، «عقر».
4- الحِباء: عطاء بلا من ولا جزاء كتاب العين، ج 3، ص 309؛ لسان العرب، ج 14، ص 162، «حبو».
5- لسان العرب، ج 5، ص 184 ، «مهر»؛ و ج 10، ص 197، «صدق».
6- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 530 - 532: ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 264 و 440:والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 74؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 348.

احترز بقوله «ما يصحّ أن يملك» عمّا لا يقبل الملك أصلاً كالخنزير، وما هو ملك للغير حيث لا يرضى بنقله عن ملكه، فإنّه لا يصح أن يملك لغيره على هذا الوجه، فلا يصح لغير مالكه جعله مهراً. ودخل فيه ما لا يتموّل عادةً، فإنّه ممّا يصح أن يملك وإن لم تصح المعاوضة عليه، حتّى أنّه لا يصح أخذه بغير إذن المالك، ويضمنه الآخذ كغيره من الأموال. ويمكن أن يريد ب«ما يصح أن يملك ما يقبل نقله بالملك إلى غيره، فيخرج عنه ما لا يتموّل.

ولا فرق فيه بين العين والمنفعة؛ لأنّها مال يصح أن يملك، حتى منافع الحر، كتعليم صنعة محللة، أو سورة من القرآن، أو بعضها، أو غيره من الحكم والآداب، أو عمل محلل

مقصود، أو إجارة الزوج نفسه مدة معينة، سواء كان زمانها مشخصاً أم لا. ولا خلاف في ذلك كله إلا في العقد على منفعة الزوج مدة معينة، فقد منع منه الشيخ(1) وجماعة(2)؛ استناداً إلى حسنة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال قلت لأبي الحسن(علیه السلام) : الرجل يتزوّج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك؟ فقال: «إنّ موسی(علیه السلام) قد علم أنه سيتمّ له شرطه، فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي؟ وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوّج المرأة على السورة من القرآن وعلى الدرهم وعلى القبضة من الحنطة»(3). وأجاب المصنف عنها بأمرين:

أحدهما: ضعف السند، فإنّها ليست من الصحيح؛ لأنّ في طريقها سهل بن زياد، وهو ضعيف(4). ولها طريق آخر حسن فيه إبراهيم بن هاشم ولم يبلغ حدّ الثقة وإن كان ممدوحاً (5).

ص: 592


1- النهاية، ص 469.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 201؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 422.
3- الكافي، ج 5، ص 414، باب التزوّيج بالإجارة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 366 ، ح 1483.
4- رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490.
5- خلاصة الأقوال، ص 49 الرقم 9.

ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير صح؛ لأنهما يملكانه. ولو أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض دفع القيمة، لخروجه عن ملك المسلم، سواء كان عيناً أو مضموناً.

وثانيهما: قصورها في الدلالة عن إفادة المنع.

أمّا أوّلاً؛ فلأنّ شعيباً استأجر موسى(علیه السلام) ليرعى له لا، لابنته، وقد كان جائزاً في شرعهم وليس بجائز في شرعنا، والمتنازع فيه إجارته نفسه لها.

وأما ثانياً: فلأنها ليست صريحة فى المنع، فإنّ قوله: «إنّ موسى(علیه السلام) علم ومن أين لهذا لال أن يعلم ؟ ليس دالاً على اشتراط العلم وإن أشعر به، ولعله أراد أنه لا ينبغى التعرّض لتحمّل ما لا يثق بالوفاء به على جهة الكراهة لا المنع، بدليل جريانه في كلّ مهر قبل تسليمه، فإنّه لا وثوق بالبقاء إلى أن يوفيه، مع أنه غير قادح في الصحة إجماعاً. فالقول بالجواز أصح؛ للأصل ووجود المقتضي ، وهو كونها منفعة مقصودة موجودة، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا كونها منفعة الزوج وهو غير صالح للمانعيّة. وقد دلّ على جواز جعل منفعته مهراً خبر سهل الساعدي الذي زوّجه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المرأة بأن يعلمها سورة مخصوصة من القرآن(1).

قوله: «ولو عقد الذميان على خمرٍ أو خنزير صح - إلى قوله سواء كان عيناً أو مضموناً». لا فرق في الحكم بالصحة بين الذميين وغيرهما من أصناف الكفار؛ لأنّ الحكم بالصحة بالنسبة إلى ما بينهم، ولا يجب على المسلم البحث عنه، وهو مشترك بين أصناف المشركين. ثم إن أسلما أو أسلم أحدهما بعد التقابض فلا شيء للزوجة؛ لأن الزوج قد برئ بما دفعه قبل الإسلام بحسب ما عندهما من الحكم، خلافاً لبعض العامة حيث ذهب إلى أنّ لها مهر المثل لفساد ذلك القبض (2).وإن كان الإسلام قبل الدفع لم يجز دفع المعقود عليه؛ لأنهما إن كانا قد أسلما معاً

ص: 593


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 236، ح 2111؛ سنن الدارقطني، ج 3، ص 177 - 178، ح 3555 / 21؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 7، ص 385، ح 14358، و ص 385 - 386، ح 14359.
2- المدوّنة الكبرى، ج 2، ص 297؛ المبسوط، السرخسي، ج 5، ص 41 - 42.

ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلماً قيل: يبطل العقد. وقيل: يصح، ويثبت لها مع الدخول مهر المثل. وقيل: بل قيمة الخمر. والثاني أشبه.

فواضح؛ لعدم صحة قبضه ولا إقباضه في دين الإسلام حينئذ . وكذا إن كان المسلم الزوج؛ لأنه لا يصح له إقباضه ولا دفعه ديناً. وإن كان هو الزوجة لم يصح لها قبضه. فينتقل إلى القيمة عند مستحلّيه؛ لأنها أقرب شيء إليه، ولأن المعين يراد منه شخصه وماليته، فإذا تعذر أحدهما يصار إلى الآخر.

ويؤيده رواية عبيد بن زرارة، قال قلت لأبي عبد الله : النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنّاً خمراً أو ثلاثين خنزيراً، ثمّ أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: «ينظر كم قيمة الخنازير، وكم قيمة الخمر ويرسل به إليها، ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول»(1).

وفي المسألة أقوال أُخر قد تقدم البحث فيها وفي المختار منها في باب نكاح الكفار(2). وأشار المصنّف بقوله: «سواء كان عيناً أو مضموناً إلى خلاف بعض العامة حيث فرّق بينهما، وحكم في العين أنها لا تستحق غيره(3).

قوله: «ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلماً - إلى قوله - والثاني أشبه».

البحث هنا يقع في موضعين أحدهما في صحة العقد وفساده، فقد ذهب جماعة - منهم الشيخان في المقنعة (4)؛ والنهاية(5)، والقاضي(6) والتقيّ(7) - إلى البطلان؛

لوجوب اقتران الرضى بالعقد، ولم يقع الرضى

ص: 594


1- الكافي، ج 5، ص 437، باب نكاح أهل الذمة والمشركين يسلم بعضهم...،ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 458. 4585 ؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 356، ح 1448.
2- تقدّم في ص 362.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 7، ص 560، المسألة 5471، حكاه عن أبي حنيفة.
4- ولقول الشيخ المفيد راجع المقنعة، ص 508 والهامش منها.
5- الشيخ الطوسي في النهاية، ص 469.
6- المهذّب، ج 2، ص 200.
7- الكافي في الفقه، ص 293.

إلّا على الباطل، فما وقع عليه الرضى لم يصح، وما هو صحيح لم يتراضيا عليه. ولقول الباقرعلیه السلام: «المهر ما تراضى عليه الزوجان»(1) وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا «ما لا يتراضيان عليه لا يكون مهراً». وهو يوجب كون كلّ ما عدا المذكور لايكون صداقاً، لعدم التراضي عليه، ولايمكن إخلاء البضع من مهر بعد الدخول، فلم يبق إلّا البطلان، ولأنّه عقد معاوضة، فيفسد بفساد العوض كالبيع. ويظهر كونه معاوضة من قوله تعالى: (فَتَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(2) ومن قوله: «زوجتك بكذا» فإنّ الباء في مثل ذلك للعوض.

واختار المصنف وجماعة - منهم الشيخ في كتابي الفروع (3)، وابن إدريس(4) - وأكثر

؛ المتأخرين(5) الصحة؛ لوجود المقتضي لها وهو الإيجاب والقبول وعدم المانع، إذ ليس إلا بطلان المهر، لكن بطلانه لا يؤثر في بطلان العقد؛ لصحة عرائه عنه، بل صحة العقد مع شرط عدمه، فلايكون ذكر المهر أبلغ من اشتراط عدم المهر، ولأن العقد والمهر، غیران، ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر. والغيرية تظهر فيما لو عقد بغير مهر، فإنّه يصح بلا خلاف.

وأجيب بالفرق بين عدم التسمية وتسمية الفاسد؛ لأنّهما في الأوّل قد تراضيا على عدم المهر فصح العقد، للرضى به خالياً عن العوض، ويثبت مهر المثل؛ لأنه العوض شرعاً في مثل ذلك، بخلاف الثاني؛ لأنّ التراضي لم يقع بالعقد خالياً عن العوض، والمسمّى باطل شرعاً، وغيره غير مرضي به فلايصلح للعوضية. ولا يلزم من تغايرهما مع التفويض تغايرهما مع

ص: 595


1- الكافي، ج 5، ص 378 باب أن المهر اليوم ما تراضى عليه الناس قل أو كثر، ح 3 مع اختلاف قليل؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 353، ح 1438 - 1439 مع اختلاف يسير.
2- النساء (4): 24.
3- المبسوط، ج 3، ص 527؛ الخلاف، ح 4، ص 363، المسألة 1.
4- السرائر، ج 2، ص 577.
5- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 441؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 185؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 76: وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 201.

التسمية؛ لأنّ التراضى إنّما وقع على العقد المشخص بالمهر المعين، فكانا أمراً واحداً مركباً، فيفوت بفوات بعض أجزائه(1) .

وعن حجّة الأوّلين بأن بطلان المسمّى لاينفي أصل الرضى بالنكاح، وإلا لم يصح لو ظهر كونه مستحقاً. وبهذا يظهر أنه ليس كالمعاوضة المحضة من كل وجه؛ لأنّها تفسد باستحقاق أحد العوضين إذا كان معيّناً. ومن ثمّ سمّاه الله نحلة وهي العطية. وركن العقد يقوم بالزوجين كما مرّ (2). وبأنّ المراد من المهر الذي تراضى عليه الزوجان في الحديث المهر الذي يذكرانه في العقد لا مطلق المهر؛ لأن المهر الواجب مع عدم ذكره في العقد لم يتراضيا عليه وقد صح مهراً. وبأن الظاهر منه كون التراضى فى جانب القلة والكثرة مع التعيين أيضاً. بقرينة قوله: «قلّ أو كثر». وتوقف العلّامة في المختلف(3). وله وجه وإن كان جانب الصحة لا يخلو من رجحان ما.

الثاني: على تقدير الصحة ما الذي يجب؟ فيه أقوال:

أحدها - وهو الذي اختاره المصنّف - وجوب مهر المثل مع الدخول كالمفوضة. وهو مذهب الشيخ في الخلاف(4)، وابن إدريس(5) والعلامة(6)، إلا أنه لم يقيد بالدخول في غير الإرشاد، فيحتمل أن يريد المُطلق وجوب مهر المثل بالعقد بدل المسمى حيث تعدّر. وتظهر الفائدة فيما لو طلّق قبل الدخول فيجب نصف مهر المثل، أو مات أحدهما فيجب

ص: 596


1- أجاب به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 148، المسألة 78 591.
2- مرّ في ص 591.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 149 المسألة 78.
4- الخلاف، ج 4، ص 363 المسألة ،1، والشيخ لم يقيد بالدخول في هذه المسألة، لكن يستفاد هذا القيد من المسألة 17 في ص 376، والمسألتين 18 و 19 في ص 378.
5- السرائر، ج 2، ص 577، ولم يقيد بالدخول.
6- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 14 - 15؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 546 ، الرقم 5174: قواعد الأحكام. ج 3، ص 76.

الجميع بخلاف قول من قيّد بالدخول، فإنّه مع الموت قبله لا شيء. وعلى هذا فيكون القول بوجوب مهر المثل منقسماً إلى قولين. وقد نبه عليهما الشهيد

في شرح الإرشاد، ونقل القول بوجوب مهر المثل بنفس العقد عن الشيخ(1). ووجه القول بمهر المثل أن عدم صلاحية المسمّى لأن يكون صداقاً يقتضي بطلان التسمية، فيصير العقد خالياً عن المهر، فيجب بالوطء مهر المثل؛ لأنّه قيمة البضع، وهذا وجه القول الأوّل. أو لأنّ العقد واقع بالعوض فلا يكون تفويضاً، لكن لما تعدر العوض المعين بفوات ماليته شرعاً انتقل إلى بدله، وهو مهر المثل. وهو وجه القول الثاني. لكنّه يضعّف بأنّ مهر المثل إنّما يكون عوضاً للوطء لا لمجرّد العقد، فالقول الثاني ضعيف جداً.

وثانيها: أنّ الواجب قيمته عند مستحلّيه، حتى لو كان المهر حراً قدر على تقدير عبوديته. وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط (2). ووجهه أنّ الزوجين لما ذكرا في العقد عوضاً كان مقصودهما ذلك العوض دون قيمة البضع وهو مهر المثل، ولذلك العوض خصوص وهو عينه، وعموم وه-و م-اليته باعتبار مقابلته البضع وهو متقوّم في الجملة، فإذا لم يمكن اعتبار خصوصيته لمانع بقي اعتبار المالية، فيعتبر قيمته على ذلك التقدير.

ورد بأن تقدير المالية هنا ممتنع شرعاً، فيلغو كما لغا التعيين. وبأنّه لمّا بطل تعيينه لم يكن اعتبار ماليته مستلزماً لوجوب قيمته؛ لأنّ وجوب المال المخصوص عوضاً إنّما يكون بذكره في العقد، فإذا فات لم يبق إلا مهر المثل.

وثالثها: الفرق بين كون المهر المتعذر اعتبار قيمته متقوّماً في الجملة كالخمر والخنزير، وغير متقوم كالحرّ، فيعتبر قيمة الأوّل ومهر المثل في الثاني.

ص: 597


1- غاية المراد، ج 3، ص 99 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3)؛ ولقول الشيخ راجع الخلاف، ج 4، ص 363، المسألة 1: والمبسوط، ج 3، ص 551.
2- المبسوط، ج 3، ص 551ن.

ولاتقدير فى المهر، بل ما تراضى عليه الزوجان وإن قل، ما لم يقصر عن التقويم كحبّة من حنطة. وكذا لا حد له في الكثرة. وقيل بالمنع من الزيادة عن مهر السنّة، ولو زاد رد إليها. وليس بمعتمد.

ووجه الفرق أنّ الحرّ ليس مالاً أصلاً، فيكون ذكره كالمعدوم، بخلاف الخمر، فإنّ ماليّته منفيّة للمسلم لا عليه؛ لأنّه مضمون عليه للذمّي المستتر، وللذمّي على مثله، فتكون المالية فيه ملحوظة في الجملة، فلا يكون العقد خالياً عن المهر أصلاً، بخلاف الحرّ.

واعلم أنه على القول الثاني يكون وجوب القيمة منوطاً بمجرد العقد وإن لم يدخل بغير خلاف، بخلاف القول الأوّل، فإنّ فيه وجهين وكذا على الثالث، فإنّ الجهة التي توجب فيه القيمة تلحقه بالثاني، والتي توجب مهر المثل تلحقه بالأول.

قوله: «ولا تقدير في المهر بل ما تراضى عليه الزوجان - إلى قوله - وليس بمعتمد». لا خلاف في أن المهر لا يتقدّر في جانب القلة إلا بأقل ما يتموّل. وأما في جانب الكثرة فالأشهر بينهم عدم تقديره أيضاً، فيصح العقد على ما يتفقان عليه من غير تقدير، وبه صرّح عامة المتقدمين والمتأخرين ما عدا السيد المرتضى، فإنه ذهب في الانتصار إلى أنّه لا يجوز تجاوز مهر السنّة، وهو خمسمائة درهم قدرها خمسون ديناراً، فمن زاد عليه ردّ إليه(1) . ونسب هذا القول إلى ظاهر ابن الجنيد(2)، وليس كذلك، فإنّ ابن الجنيد صرّح بجواز جعل المهر كلّ ما يتموّل من قليل وكثير، ينتفع به في دين أو دنياً، من عين وغيرها. ثم حكى بعد ذلك رواية المفضّل بن عمر الدالة على أنه لا يتجاوز مهر السنّة بلفظ الرواية مبيّناً للراوي(3). وهذا لا يدلّ على اختيارها؛ لأنّه كثيراً ما ينقل في كتابه أخباراً من طرق العامّة

ص: 598


1- الانتصار، ص 292 المسألة 164.
2- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 338.
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 145 المسألة 77؛ وللرواية راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 361 ، ح 1464؛ والاستبصار، ج 3، ص 224، ح 810.

والخاصة لمناسبة المقام لا للفتوى بمضمونها، خصوصاً مع التنبيه على الراوي الضعيف المؤذن برد روايته، وسيأتي الكلام عليها(1).

حجّة الأصحاب على جواز الكثير من غير تقييد قوله تعالى: (وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا)(2). والقنطار المال العظيم، من قنطرت الشيء إذا رفعته، ومنه القنطرة(3). وفي القاموس:

القنطار وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف دينار، أو ألف ومائتا أوقية، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف درهم، أو مائة رطل من ذهب أو فضة، أو ملء مسك ثور ذهباً أو فضّة(4).

وعموم قوله تعالى:(فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(5) وقوله: ﴿وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)(6) وقوله: ﴿فَثَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(7).

وروى الفضيل بن يسار عن الباقر(علیه السلام) قال: «الصداق ما تراضى عليه الناس قليلاً كان أو كثيراً فهو الصداق»(8). ومثله روى زرارة عنه(علیه السلام)(9).

ص: 599


1- يأتي في ص 602.
2- النساء (4): 20.
3- لسان العرب، ج 5، ص 118، «قنطر».
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 127، «قنطر».
5- البقرة (2) 237.
6- النساء (4): 4.
7- النساء (4): 24.
8- الكافي، ج 5، ص 378 باب أن المهر اليوم ما تراضى عليه الناس قلّ أو كَثُر،ح 3، تهذيب الأحكام، ج 7،ص 354 ، ح 1442.
9- الكافي، ج 5، ص 378 باب أنّ المهر اليوم ما تراضى عليه الناس قلّ أو كثر، ح 4،تهذيب الأحكام، ج 7، ص 353، ح 1438 - 1439.

وروى أبو الصباح الكناني عن الصادق(علیه السلام)، قال: سألته عن المهر، فقال: «هو ما تراضى عليه الناس»(1). وروى الوساء - في الصحيح - عن الرضا(علیه السلام) قال : سمعته يقول: «لو أنّ رجلاً تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزاً، والذى سماء لأبيها فاسداً»(2).

وقضيّة عمر مع المرأة التي حجّته حين نهى عن المغالاة في المهر، واحتجاجها بآية القنطار(3) مشهورة.

وروى الشيخ في المبسوط (4)وغيره(5) أن عمر تزوّج أُم كلثوم بنت علىّ(علیه السلام) فأصدقها أربعين ألف درهم، وأنّ أنس بن مالك تزوّج امرأة على عشرة آلاف(6)، وتزوّج الحسن(علیه السلام) امرأة فأصدقها مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم(7).وروي غير ذلك(8) ممّا هو أزيد مهراً منه في عهد الصحابة والتابعين، ولم ينكره أحد.

ولأنه نوع معاوضة فيتبع اختيار المتعاوضين في القدر كغيره من المعاوضات. واحتجّ السيّد المرتضى على مذهبه بإجماع الطائفة (9). وهو عجيب، فإنّه لا يعلم له موافق فضلاً عن أن يكون مما يدعى فيه الإجماع. وقد اتّفق له ذلك في الانتصار في مسائل كثيرة

ص: 600


1- الكافي، ج 5، ص 378، باب أنّ المهر اليوم ما تراضى عليه الناس قل أو كثر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 354، ح 1441.
2- الكافي، ج 5، ص 384، باب الرجل يتزوج المرأة بمهر معلوم ويجعل لأبيها شيئاً، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 361 ، ح 1465: الاستبصار، ج 3، ص 224، ح 811، وفيها: «جعله» بدل «سماه».
3- السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 380، ح 14335 و 14336؛ الكشاف، ج 1، ص 491، ذيل الآية 20 من سورة النساء (4).
4- المبسوط، ج 3، ص 528.
5- كشف الرموز، ج 2، ص 183؛ التنقيح الرائع، ج 3، ص 209؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 381، ح 14341.
6- السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 381، ح 14343، وفيه: على عشرين ألف.
7- المعجم الكبير، ج 3، ص 27 - 28، ح 2564: حلية الأولياء، ج 2، ص 38، باب الحسن بن علي(علیه السلام).
8- راجع الحاوي الكبير،ج9،ص397.
9- الانتصار، ص 292، المسألة 164.

ادعى فيه الإجماع وليس له موافق ذكرنا جملة منها في بعض الرسائل(1). واحتج أيضاً بأن المهر تتبعه أحكام شرعيّة، فإذا وقع العقد على مهر السنة فما دون ترتّبت عليه الأحكام بالإجماع، وأما الزائد فليس عليه إجماع ولا دليل شرعي، فيجب نفيه. وأنت قد عرفت الدلائل الشرعية الدالة على جواز جعل المهر قليلاً وكثيراً، فيجب إثباته، خصوصاً الدلالة من جهة الآيات، فإنّها حجة عند المرتضى. أما الأخبار فإنه لا يعتبر منها إلا المتواتر، وهو منتف هنا. ويمكن على قاعدته الأصولية من أن العموم ليس له صيغة تخصه(2) أن يدعى في جميع الآيات كونها محتملة للعموم والخصوص، ولما كان الخصوص غير متعيّن بقدر لم يكن دلالتها على مطلوب الخصم معلومة؛ لجواز أن يكون المراد من الخصوص ما يوافق مهر السنة فما دون، فيرجع الأمر معه إلى أن وجوب الاقتصار على مهر السنّة لا دليل عليه، لانتفاء ما جعله دليلاً.

وإن استند إلى الإجماع - فإنّه حجّة عند الجميع، وهو متحقّق في مهر السنّة فما دون، غيره قلنا بموجبه ومنعنا تحققه فيما ذكر، بل هو ظاهر في كلّ قليل وكثير، لما عرفت

من انحصار المخالف فيه.

وأما الاحتجاج لقوله برواية محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر - قال : دخلت على أبي عبدالله(علیه السلام) فقلت له: أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يجوزه، قال، فقال: «السنة المحمدية خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك ردّ إلى السنّة، ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم» (3)- فهو من عجيب الاحتجاج؛ لأنّ المرتضى لا يرتضي خبر الواحد وإن كان صحيحاً مشهوراً موافقاً للأصول(4)، فكيف بخبر نادر في طريقه محمد بن سنان؟!

ص: 601


1- راجع صلاة الجمعة، ص 211 - 212 (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل /2).
2- الذريعة إلى أُصول الشريعة، ج 1، ص 198.
3- راجع ص 598 الهامش 3.
4- الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 1، ص 280 وما بعدها؛ و ج 2، ص 517 و ص 528 وما بعدها.

ويكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضراً ولو جهل وزنه وكيله، كالصبرة من الطعام، والقطعة من الذهب.

وهو ضعيف غال مطعون عليه بأمور كثيرة(1)، منها أنّه قال عند موته لا ترووا عنّي ممّا حدثت شيئاً، فإنّما هي كتب اشتريتها من السوق(2).

والمفضّل بن عمر مثله في الضعف، وقد قال عنه النجاشي: إنّه فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقيل: كان خطابيّاً (3). فهذا حالها من جهة الإسناد.

وأمّا من جهة المتن فمخالفتها فيما ذكر لعموم الكتاب(4)، والسنّة(5) ظاهرة.

وبقي فيها أنه قال فيها بعد ذلك: «فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهماً أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شيء عليه». قال، قلت: فإن طلقها بعد ما دخل بها قال: «لا شيء لها. إنما كان شرطها خمسمائة درهم، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق فلا شیء لها، إنّما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شيء لها».

فانظر إلى هذه المخالفات العجيبة والأحكام الغريبة في هذا الخبر الواهي، وكيف يحسن بعد ذلك الاستناد إليه في حكم من هذه الأحكام مع مخالفة مدلوله في جميعها لما عليه علماء الإسلام؟! بل مثل هذا لا ينبغي إبداعه كتب الحديث فضلاً عن أن يجعل سنداً لحكم.

قوله: «ويكفي في المهر مشاهدته إلى قوله - والقطعة من الذهب».

لمّا كان النكاح ليس على حد المعاوضات الحقيقية، والركن الأعظم فيه الزوجان والمهر دخيل على العقد، لم يعتبر في العلم به ما يعتبر في غيره من أعواض المعاوضات

ص: 602


1- رجال النجاشي، ص 328، الرقم 888.
2- رجال ابن داود ص 504 - 505 ، الرقم 440.
3- رجال النجاشي، ص 416. الرقم 1112.
4- النساء (4): 20.
5- وسائل الشيعة، ج 21، ص 239 - 241، الباب 1 من أبواب المهور.

ويجوز أن يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد، ويكون المهر بينهنّ بالسويّة.

وقيل يقسّط على مهور أمثالهنّ. وهو أشبه.

كالبيع، بل يكفي مشاهدته عن اعتباره بالكيل والوزن والعد، وإن كان الأصل فيه الاعتبار بأحدها، لزوال معظم الغرر بالمشاهدة، واغتفار الباقي في هذه المعاوضة.

ولأن الله تعالى سمّاه نحلة(1)، وهي العطية، ومن شأنها تحمّل مثل هذا الغرر وأزيد. ولعموم الأخبار الدالة على جواز جعل المهر ما تراضى به الزوجان الشامل لذلك. وقول الكاظم(علیه السلام): كان الرجل يتزوّج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على القبضة من الحنطة»(2). ثمّ إن قبضته ولم يتوقف الأمر على العلم بقدره، أو علماه بعد ذلك فلا كلام، وإن استمر مجهولاً واحتيج إلى معرفته لتلفه قبل التسليم، أو بعده وقد طلقها قبل الدخول ليرجع بنصفه، فالوجه الرجوع إلى الصلح، إذ لا طريق غيره. و احتمال وجوب مهر المثل كما ذكره بعضهم(3) - لايوافق مذهبنا من أنّ ضمان المهر ضمان يد لا ضمان معاوضة. ومن ثمّ كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة. نعم، هو مذهب العامة(4) وليس هذا كما لو تزوّجها على مهر مجهول ابتداءً. ومن ثمّ صح في الابتداء، بخلاف المجهول. وسيأتي تحقيقه (5). قوله: «ويجوز أن يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد ويكون المهر بينهن بالسوية» إلى آخره.

إذا تزوج امرأتين فصاعداً عقداً واحداً بعين واحدة أو مبلغ واحد صح النكاح عندنا لوجود المقتضي له وهو العقد الجامع لشرائطه، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا جمع المهور على

ص: 603


1- النساء (4): 4.
2- الكافي، ج 5، ص 414، باب التزويج بالإجارة ، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 366 ، ح 1483.
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 341.
4- راجع الحاوي الكبير، ج 9، ص 420؛ وروضة الطالبين، ج 5، ص 576.
5- يأتي في ص 611.

شيء واحد، وهو لا يصلح للمانعية؛ لأنه على تقدير الصحة يظهر حق كل واحدة بالتوزيع،وعلى تقدير البطلان لا يؤثر في العقد كما سيأتي(1).

وهل يصح المهر أم لا؟ فيه وجهان:

أحدهما - وهو الذي قطع به المصنّف والأكثر - الصحة؛ لأنّه معلوم جملة وحصة كلّ واحدة يمكن علمها بعد ذلك كثمن المبيعين في عقد واحد.

والثاني البطلان؛ لأن المهر هنا متعدد في نفسه وإن كان مجتمعاً، وحصة كل واحدة منه ليست معلومة عند العقد. وعلمها بعد ذلك لا يفيد الصحة، كما لو كان مجهولاً منفرداً وعلم بعد ذلك.

ونمنع صحة البيع للملكين غير المشتركين بثمن واحد كما هو مذهب الشيخ في الخلاف(2) وغيره(3). ولأنّه كعقدين والثمن غير معلوم بالنسبة إلى كلّ واحد منهما. واختاره في المبسوط إذا اختلفت القيمتان (4).

والأشهر الجواز ؛ لقوله(علیه السلام) : «المهر ما تراضى عليه الزوجان(5)، وهذا يصدق عليه ذلك، ولأن المسمّى في مقابلة البضعين من حيث الاجتماع، ولا يلزم من التقسيط الحكمي التقسيط اللفظي. وهو الجواب عن بيع الملكين ولو سلّم المنع في البيع لأمكن انفراد المهر بالصحة؛ لأنه ليس على حد المعاوضات المحضة وإن أشبهها ولحق بها في بعض الأحكام، ويحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره منها. والوجهان حكاهما الشيخ في المبسوط(6). ولم يتعرّض المصنف لوجه البطلان.

ص: 604


1- يأتي في ص 605.
2- الخلاف، ج 3، ص 335، المسألة 13.
3- الجامع للشرائع، ص 312.
4- المبسوط، ج 2، ص 341.
5- تقدم تخريجه في ص 599 الهامش 8 و 9، وص 600، الهامش 1.
6- المبسوط، ج 3، ص 552.

ويتفرّع على الصحة تقسيط المسمّى على كلّ واحدة ليعرف مقدار ما يخصها منه، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه يقسط على عدد رؤوسهن بالسوية؛ لأنه الأصل في إطلاق الاستحقاق إذا قيل لفلان وفلان كذا، والترجيح على خلاف الأصل، ولأن النكاح لا يعتبر فيه قيمة البضع ؛

إذ ليس معاوضة محضة. وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط(1) ومن تبعه(2).

الثاني: أنّه يقسّط على مهور أمثالهنّ، ويعطى كلّ واحدة ما يقتضيه التقسيط، كما لو باع عبده وعبد غيره بثمن واحد، أو جمع بين بيع ونكاح؛ لأنه إذا ذكر المهر قصدت المعاوضة فوجب مقتضاها، وهي تابعة لقيمة المعوّض، ومن ثَمّ يكون زيادة العوض ونقصانه ناشئاً عن زيادتها ونقصانها، وقيمة البضع هي مهر المثل، فيكون قسط كلّ واحدة بحسبه. وهذا اختيار المصنّف والأكثر وهو الأقوى.

وعلى القول بفساد المهر فلكلّ واحدة مهر مثلها، كما لو أصدقها مجهولاً يتعذر تقويمه كعبد ودابة وشيء؛ لأن الصداق وإن لم يكن عوضاً في أصله إلا أنه إذا ذكر في العقد جرت عليه أحكام المعاوضات والجهالة من موانع ،صحتها فيثبت مهر المثل. ويحتمل الفرق وتوزيع المسمّى هنا على مهور أمثالهنّ، ولكلّ واحدة منه ما يقتضيه التوزيع. ويكون الحاصل لهنّ على هذا القول كالحاصل إذا قلنا بصحة المسمّى والفرق بينه وبين المجهول المطلق تعذر تقويم ذلك وإمكان تقويم هذا. واعلم أنه لو زوّج أمتيه من رجل على صداق واحد صح النكاح والصداق قولاً واحداً؛ لأنّ المستحق هنا واحد فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد.

ولو كان له بنات ولآخر بنون فزوجهنّ صفقة واحدة بمهر واحد، بأن قال: زوّجت بنتي فلانة من ابنك فلان وفلانة من فلان إلى آخره بألف ففي صحة الصداق كالسابقة - وجهان

ص: 605


1- المبسوط، ج 3، ص 553.
2- كابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 209.

ولو تزوّجها على خادم غير مشاهدة ولا ،موصوفة، قيل: كان لها خادم وسط، وكذا لو تزوجها على بيت مطلقاً ؛ استناداً إلى رواية عليّ بن أبي حمزة، أو دار، على رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن(علیه السلام) وأولى بالبطلان هنا لوقيل به ثمّ؛ لأنّ تعدّد العقد هنا أظهر ، لتعدّد من وقع العقد له من الجانبين.

قوله: «ولو تزوّجها على خادم - إلى قوله - عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن . لا خلاف في أنه إذا عقد على مهر مجهول بحيث لا يمكن استعلامه في نفسه، كعبد ودابة وشيء، يبطل المسمّى ويثبت مهر المثل؛ لامتناع تقويم المجهول على هذا الوجه ولكن استثنى الشيخ(1) وجماعة (2). ما ذكره المصنّف من الخادم والبيت والدار؛ استناداً في الأولين إلى رواية عليّ بن أبي حمزة، قال، قلت لأبي الحسن(علیه السلام): رجل تزوج امرأة على خادم، قال: لها وسط من الخدم قال، قلت: علی بیت، قال: «وسط من البيوت» (3) وفي الأخير إلى رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن(علیه السلام)، في رجل تزوج امرأة على دار، قال: لها دار» وسط»(4).

ولا يخفى ضعف الرواية الأولى بعلي المذكور(5)، فإنّه رأس الواقفية. والثانية مرسلة، لكن مرسل ابن أبي عمير قبله الأصحاب اعتماداً منهم على أنّه لا يرسل إلا عن الثقة، مع أنّه راوي الرواية الأولى عن ابن أبي حمزة، فإن تمَّ ما قالوه فهو يتسامح في الرواية مع ذكر المروي عنه لا مع تركه، ولا بد لهذه الدعوى من إثبات والأقوى بطلان المهر كغيره، والرجوع إلى مهر المثل ، لما ذكر، ولأن الوسط من هذه الأشياء لا ينضبط، بل هو مختلف اختلافاً شديداً، خصوصاً مع عدم تعيين بلد الدار والبيت.

ص: 606


1- النهاية، ص 473 المبسوط، ج 3، ص 585 - 0586
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 206؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 424.
3- الكافي، ج 5، ص 381 باب نوادر في المهر، ح : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 366 - 367 ، ح 1485.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 375 ، ح 1520.
5- اختيار معرفة الرجال، ص 403 - 405، ح 754 - 760؛ رجال ابن داود، ص 478 - 479 ، الرقم 313.

ولو تزوّجها على كتاب الله وسنة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) ولم يسم مهراً، كان مهرها خمسمائة درهم.

قوله: «ولو تزوّجها على كتاب الله وسنّة نبيه ولم يسم مهراً» إلى آخره. هذا الحكم مشهور بين الأصحاب. والأخبار بكون مهر السنّة خمسمائة درهم مستفيضة (1)، وأما كونه على كتاب الله كذلك فليس فيه ما يدلّ عليه بخصوصه، لكنه تعالى قال: ﴿وَمَا ءَاتَنكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)(2) وممّا أتانا به كون السنة في المهر ذلك. وقد روي أنّ صداقه(صلی الله علیه وآله وسلم) لأزواجه وبناته كلهن كان ذلك(3).

وروى هذا الحكم بخصوصه أسامة بن حفص - وكان قيماً لأبي الحسن موسى(علیه السلام) قال. قلت له: رجل يتزوّج ولم يسم مهراً، وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) فمات عنها أو أراد أن يدخل بها فما لها من المهر؟ قال: «مهر السنّة»(4)، الحديث. لكن في طريقه محمدبن عيسى(5) وعثمان بن عيسى(6)، فإن كان على الحكم إجماع وإلا فلا يخلو من إشكال؛ لأنّ تزويجها على الكتاب والسنة أعمّ من جعل المهر مهر السنة كما لا يخفى، إذ كلّ نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله وسنّة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم). ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنّة ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر، كما لو قال: تزوّجتك على المهر الذي تزوّج به فلان. ثمّ الزوجان قد يعلمان أن مهر السنة هذا المقدار، وقد لا يعلمانه، وقد يعلمه أحدهما

ص: 607


1- الكافي، ج 5، ص 375 - 376 ، باب السنة في المهور، ج 1 - 5 و 7: الفقيه، ج 3، ص 398، ح 4402؛ تهذيب - الأحكام، ج 7، ص 356 - 357، ح 1449 - 1451.
2- الحشر (59): 7.
3- الكافي، ج 5، ص 376، باب السنة في المهور، ح 5.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 363 ، ح 1470؛ الاستبصار، ج 3، ص 225 - 226، ح 816.
5- راجع الفهرست الشيخ الطوسي، ص 402 الرقم 612، قال: وقيل: إنه كان يذهب مذهب الغلاة.
6- اختيار معرفة الرجال، ص 597، ح 1117، قال: كان واقفياً ؛ رجال النجاشي، ص 300، الرقم 817.

ولو سمّى للمرأة مهراً ولأبيها شيئاً معيناً، لزم ما سمّى لها وسقط ما سمّى لأبيها. ولو أمهرها مهراً وشرط أن يعطي أباها منه شيئاً معيناً، قيل: ص-ح ال-م-ه-ر والشرط، بخلاف الأولى.

دون الآخر. والحكم بالصحة مطلقاً يحتاج إلى مستند صالح. وكثير من المتقدمين كابن الجنيد وابن بابويه وسلّار لم يذكروا هذه المسألة.

ومقتضى الحكم ومستنده أنّ المهر المذكور يثبت بالعقد كما لو عيناه فيه، لا بالدخول كمهر السنة الثابت به للمفوّضة على بعض الوجوه ويدلّ عليه إثباته بالموت قبل الدخول

كما يظهر من الرواية(1).

قوله: «ولو سمّى للمرأة مهراً ولأبيها شيئاً معيناً - إلى قوله - بخلاف الأولى». لا شبهة في أنّ المهر نفسه لا يصح فرضه لغير الزوجة، ولا يستحقه ابتداء سواها؛ لأنه عوض البضع شرعاً. فإذا سمى لها في العقد شيئاً ولأبيها أو غيره من الأولياء أو الواسطة أو الأجنبي شيئاً آخر فلا يخلو، إما أن يكون المشروط لغيرها من جملة المهر أو خارجاً عنه. فالبحث يقع في موضعين: أحدهما: أن يكون المشروط لغيرها خارجاً عن المهر وهي المسألة الأولى، بأن يجعل مهرها ألفاً مثلاً فيعقدان على ذلك، ويشترطان لأبيها في نفس العقد شيئاً آخر. وقد قطع المصنّف والأصحاب بلزوم ما جعل لها، وعدم صحة ما جعل لغيرها؛ لصحيحة الوشاء عن الرضا(علیه السلام) قال: «لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف،كان المهر جائزاً، والذي جعله لأبيها فاسداً»(2). وإطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق بين كون المجعول لأبيها تبرّعاً محضاً أو لأجل وساطة وعمل محلّل، ولا بين كون المجعول له مؤثراً في تقليل مهر الزوّجة بسبب جعله في العقد وقصدها إلزامه به وعدمه، ولم يخالف

ص: 608


1- تقدّم تخريجها في ص 607، الهامش 4.
2- تقدم تخريجها في ص 600، الهامش 2.

في ذلك أحد من الأصحاب إلا ابن الجنيد، فإنّه قال:

ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها لولي أو واسطة، ولو وفي الزوج بذلك تطوعاً كان أحوط؛ لقول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «أحقّ الشروط ما نكحت به الفروج»(1). فإن طلّقها قبل الدخول لم يكن عليه إلّا نصف الصداق دون غيره، فإن كان قد دفع ذلك يرجع عليها بنصف المهر، وكلّ الجعالة على الواسطة (2).

وقال في المختلف: الوجه أن نقول: إن كان قد جعل للواسطة شيئاً على فعل مباح وفعله لزمه، ولم يسقط منه شيء بالطلاق؛ لأنّها جعالة على عمل محلّل مطلوب في نظر العقلاء، فكان واجباً بالعقد كغيره. وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه شيء، سواء طلّق أو لا (3).

وما ذكره جيّد، إلا أنه خارج عن محلّ الفرض؛ لأن الكلام فيما يشترط في العقد ويلتزم به بمجرّده. وكذلك كلام ابن الجنيد، وإنّما جعل الوفاء به على وجه الاحتياط رعاية للحديث النبوي. وإذا دفعه على هذا الوجه لا يملكه القابض بمجرّد الدفع، فيجوز الرجوع فيه بعده، سواء طلق أم لا، لكن فرضه مع الطلاق نظراً إلى فوات المطلوب من النكاح، فلم يجد في الرجوع مخالفة للحديث. وما ذكره في المختلف إنما يلزم من حيث الجعالة لا من حيث ذكره في العقد، بل ذكره في العقد بدون لفظ يقتضي الجعالة لغو، فهو خارج عن محلّ الفرض. وبتقدير وقوعه بالجعالة على عمل محلّل لا إشكال في لزوم-ه بالفعل وعدم الرجوع فيه بالطلاق حيث لا يكون له مدخل في ذلك.

ص: 609


1- الفقيه، ج 3، ص 399، ح 4404: صحيح البخاري، ج 5، ص 1978، ح 4856؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 244، ح 2139: الجامع الصحيح، ج 3، ص 434 . ح 1127؛ سنن الدارمي ، ج 2 ص 143، وبتفاوت فيها.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 182 - 183، المسألة 106.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 183، المسألة 106.

وقد يشكل الحكم في بعض فروض المسألة، كما لو شرطت لأبيها شيئاً وكان الشرط باعثاً على تقليل المهر وظنّت لزوم الشرط، فإنّ الشرط حينئذ يكون كالجزء من العوض الذي هنا هو المهر ، فإذا لم يتمّ لها الشرط يشكل تعيّن ما سمته من المهر خاصة، كما سبق في نظائره من المعاوضات، وذلك لا ينافي الرواية؛ لأنّ ما عيّنته من المهر ثابت على التقديرين، وإنّما الكلام في شيء آخر. ولولا الرواية الصحيحة لكان القول بفساد المهر ووجوب مهر المثل قويّاً؛ لاشتمال المهر على شرط فاسد فيفسده، كما يفسد العقد لو كان العوض من

لوازمه كالبيع.

الثاني: أن يكون المشروط لأبيها أو ما في حكمه جزءاً من المهر. والمشهور بين الأصحاب عدم صحته أيضاً.

ووجهه ما أشرنا إليه سابقاً من أن المهر حقه أن يكون للزوّجة(1)، فشرطه لغيرها مناف لمقتضى العقد.

وقال ابن الجنيد بعدما نقلناه من العبارة عنه سابقاً (2).

فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها ونصف ما أخذه من شرطت له ذلك؛ لأنّ ذلك كله بعض الصداق الذي لم ترض بنكاحها إلا به (3).

وعنى به مع الطلاق وهو يدلّ على جواز اشتراطها لغيرها من المهر شيئاً. وحجته الخبر السابق، وعموم: «المسلمون عند شروطهم»(4)، ولأنّ عطيتها من مالها جائزة، فاشتراطه في العقد لا يخالف السنّة. ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد(5) الميل إليه؛ لما ذكر. وكذلك

ص: 610


1- سبق في ص 608.
2- سبق في ص 609.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 183. المسألة 106.
4- تقدم تخريجه في ص 438، الهامش 3.
5- غاية المراد، ج 3، ص 101 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

ولابدّ من تعيين المهر بما يرفع الجهالة، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها.

ولو أبهم فسد المهر، وكان لها مع الدخول مهر المثل.

المحقق الشيخ عليّ(1). وعلى هذا فلو طلّقها رجع بنصف المجموع كما ذكره ابن الجنيد؛ لأنّ جميعه هو المهر.

ولا فرق بين الأب وغيره في ذلك.

واعلم أنّ الباعث على مثل هذه الشروط لابدّ من كونه على وجه الاختيار المحض والغرض الصحيح، فما يفعله أهل هذا الزمان من حمل المرأة أو الزوج على تمليك بعض الأعيان عند التزويج وشرط شيء من المهر، على وجه تشهد القرائن بكونه واقعاً على وجه لو لا فعله لما سمح للمرأة أو للزوّج بالتزويج، أو نحو ذلك من الأغراض الفاسدة، فالحيلة على ذلك لا تفيد ملكاً ولا تثمر حلاً، بل هي من ضروب الإكراه، فإنّ مرجعه إلى توعد القادر بشيء لولا الفعل المكره عليه لفعل ما توعد به ولو ظنّاً، وهذا في الغالب منه، فبطلانه ممّا لاخلاف فيه.

قوله: ولابد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها» إلى آخره.

من جملة المفسدات للمهر جهالته فمتى عقد على مجهول كدابة وتعليم سورة غير معينة بطل المسمّى؛ لأن الصداق وإن لم يكن عوضاً في أصله إلا أنه مع ذكره في العقد تجري عليه أحكام المعاوضات، والجهالة من موانع صحتها.

فيثبت مهر المثل مع الدخول والمتعة مع الطلاق كالمفوّضة، لا بمجرد العقد؛ لأن فساد المهر باعتبار الجهل به الموجب لتعذر تقويمه صيّر العقد كالخالي عن المهر، فلا يثبت مهر المثل بمجرد العقد كما صرّح به المصنّف وغيره(2)، وفهم خلاف ذلك وهم.

ص: 611


1- جامع المقاصد، ج 13، ص 397 - 398 1.
2- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 592 والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 14 - 15.

وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل: نعم. وقيل: لا، ويلقنها الجائز. وهو أشبه.

قوله: «وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل: نعم. وقيل: لا، ويلقنها الجائز. وهو أشبه». المراد بالحرف القراءة المخصوصة، كقراءة عاصم وغيره. ووجه وجوب التعيين

اختلاف القراءات في السهولة والصعوبة على اللسان والذهن. والأقوى ما اختاره المصنّف من عدم وجوب التعيين ويجتزئ بتلقينها الجائز منها سواء كان إحدى القراءات المتواترة أم الملفّق منها؛ لأنّ ذلك كله جائز أنزله الله تعالى والتفاوت بينها مغتفر. والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما زوّج المرأة من سهل الساعدي عل-ى ما يحسن من القرآن لم يعيّن له الحرف(1)، مع أنّ التعدّد كان موجوداً من يومئذ. واختلاف القراءات على ألسنة العرب أصعب منه على ألسنة المولّدين.

ووجه تسمية القراءة بالحرف ما روي من أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نزل القرآن على سبعة

أحرف»(2) وفسّرها بعضهم بالقراءات(3).

وليس بجيّد؛ لأنّ القراءات المتواترة لا تنحصر في السبعة، بل ولا في العشرة، كما حقق فى محله(4). وإنّما اقتصروا على السبعة تبعاً لابن مجاهد حيث اقتصر عليها تبرّكاً(5) بالحديث.

وفي أخبارنا أنّ السبعة أحرف ليست هي القراءات، بل أنواع التركيب من الأمر والنهي والقصص وغيرها(6).

ثم إن لم نوجب التعيين كان التخيير إليه؛ لأنّ الواجب في ذمته أمر كلّي، وتعيينه موكول إليه كغيره من الدين الكلى.

ص: 612


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 236، ح 2111؛ سنن الدارقطني ، ج 3، ص 177 - 178، ح 3555 / 21؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 385، ح 14358، و ص 385 - 386، ح 14359.
2- غريب الحديث، الهروي، ج 1، ص 450، «حرف»؛ مسند أحمد، ج 2، ص 580، ح 7929؛ جامع البيان الطبري، ج 1، ص 23 و 24. وفيه: «أنزل القرآن ...».
3- تفسير القرطبي، ج 1، ص 46؛ شرح صحيح مسلم، النووي، ج 1، ص 99؛ غرائب القرآن، ج 1، ص 31؛ لباب التأويل، ج 1، ص 11.
4- الإتقان في علوم القرآن، ج 1، ص 83.
5- الإتقان في علوم القرآن، ج 1، ص 83.
6- راجع التبيان، ج 1، ص 7؛ ومجمع البیان، ج 1، ص 13.

ولو أمرته بتلقين غيرها لم يلزمه؛ لأن الشرط لم يتناولها.

ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة جاز؛ لأنّه ثابت في الذمة. ولو تعذر التوصل كان عليه أجرة المثل.

قوله: «ولو أمرته بتلقين غيرها لم يلزمه؛ لأن الشرط لم يتناولها».

ضمير «غيرها» يرجع إلى الحرف؛ لتضمّنه معنى القراءة المخصوصة، أو إلى الجائز منها؛ لأنه في معنى القراءة الجائزة، وكلاهما مؤنّث.

والمراد أنه مع تعيين القراءة المخصوصة، أو الإطلاق وحملناه على الجائزة، لو طلبت منه غير ما عيّن شرعاً، إمّا لكونه قد اختاره أو شرطه أو أراد تعليمها الجائز وهو المتواتر، فأرادت غيره لم يلزمه إجابتها، بل يعلمها ما شاء من الجائز أو الحرف المعين حيث يتعيّن؛ لأنّ الشرط لم يتناول ما طلبته وأراد بالشرط ما اقتضاه الشرع من شرط التعليم، سواء كان ذلك من جهة التعيين أم الإطلاق.

قوله: «ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة جاز» إلى آخره. أشار بقوله «لأنه ثابت في الذمة» إلى تعليل جواز إصداق ما لايحسنه من الصنعة والقراءة، فإنّ المعتبر فيه كونه معيّناً في حدّ ذاته مقدوراً عليه عادةً، سواء أمكنه تحصيله بنفسه أم بغيره، كما لو أصدقها مالاً لا يملكه، فإنّه يثبت في ذمته ويلزمه تحصيله حيث تطالبه به كيفما اتفق فعلى هذا إن أمكنه التوصل إلى تعليمها الصنعة والسورة بغيره وجب. وإن تعذر كان عليه أجرة مثل ذلك العمل؛ لأنه قيمة المهر حيث تعدّر عينه. وهل يعتبر في المعلّم لها غيره المحرمية ؟ وجهان، من استلزامه سماع صوت الأجنبي المحرّم ونظره كذلك، ومن تقييده بخوف الفتنة واستثناء نظر يمكن معه التعليم، وقد تقدّم بحثه في بابه (1)، خصوصاً تعليم القرآن إذا كان واجباً، فإنّه مستثنى للضرورة. ولا إشكال لو أمكن من وراء حجاب.

ص: 613


1- تقدم في ص 53 وما بعدها.

ولو أصدقها ظرفاً على أنه خل فبان خمراً، قيل: كان لها قيمة الخمر عند مستحلّيه ولو قيل لها مثل الخلّ كان حسناً. وكذا لو تزوّجها على عبد فبان حرّاً أو مستحقاً.

ولو توقّف تعليمها على تعلمه ففي وجوبه وجهان، من أنه تكسب لوفاء الدين، ومن توقف الواجب عليه. نعم، لو شرط تعليمها بنفسه فلا إشكال في الوجوب. قوله: «ولو أصدقها ظرفاً - إلى قوله - وكذا لو تزوجها على عبد فبان حراً أو مستحقاً». إذا عقدا على هذا الظرف على أنّه خل في زعمهما فبان خمراً، أو على هذا الشخص المعيّن على أنّه عبد فبان حرّاً أو مستحقاً، وبالجملة عقدا على ما يظنان صلاحيته للمهر فبان عدمها، صح العقد قولاً واحداً. وأما المهر المعين فلا شبهة في فساده. وفيما يجب ثلاثة أقوال:

أحدها: - وهو الذي اختاره المصنّف - مثل الخلّ ؛ لأنّ تراضيهما وقع على الجزئي المعين الذي يظنّان كونه خلاً، وهو يستلزم الرضى بالخلّ الكلّي مهراً؛ لأنّ الجزئي يستلزم الكلّي، فالرضى به يستلزم الرضى به فإذا فات الجزئي لعدم صلاحيته للملك بقي الكلّي؛ لأنه أحد الأمرين اللذين وقع التراضي بهما، ولأنّه أقرب إلى المعقود عليه؛ لأنه مثله. وهو خيرة ابن الجنيد أيضاً (1) وابن إدريس(2) والعلامة في المختلف(3).

إن قيل: إنّ الكلّي الذي وقع التراضي عليه بالعقد على الجزئي هو الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة، وهذا يمتنع بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات، والمحكوم بوجوبه هو الكلي في ضمن شخص آخر، وهذا لم يقع التراضي عليه أصلاً أصالة ولا تبعاً، فإيجابه في العقد إيجاب لما لم يتراضيا عليه. وكونه أقرب إلى المعقود عليه - مع تسليمه - لا يستلزم

ص: 614


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 171، المسألة 92.
2- السرائر، ج 2، ص 592 - 593.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 171، المسألة،92.

وجوبه؛ لأنّ المهر الذي يجب بالعقد هو ما تراضيا عليه، ولا يلزم من التراضي على أحد المثلين التراضي على الآخر.

قلنا: الجزئي الذي وقع التراضي عليه وإن لم يساوه غيره من أفراد الكلّي، إلّا أنّ الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل أو قيمة الخمر أو مثل الخلّ كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة؛ لأنّ العقد على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء: ذلك المعين بالمطابقة، وإرادة الخل الكلي بالالتزام، وكون المهر واجباً بالعقد بحيث لا تنفك المرأة عن استحقاقه، حتى لو طلقها كان لها نصفه، أو مات أحدهما فجميعه.

وإذا فات أحد الثلاثة - وهو الأول - يجب المصير إلى إبقاء الآخرين بحسب الإمكان، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور(1)، وعموم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(2). وهما لايوجدان معاً في ضمن وجوب مهر المثل؛ لأنّه لايجب إلا بالدخول عند القائل به وإمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر يفسد بما سنبينه من ضعف دليله، فلم يبق إلا المثل. ولاشبهة فى أنّ الرضى بالخلّ المعين في الظرف يستلزم إرادة كون المهر خلاً،بخلاف القيمة ونحوها.

وثانيها: وجوب مهر المثل اختاره العلّامة في أكثر كتبه؛ مستدلاً عليه بأنّ الكلّي غير مرضي به إلا في ضمن الجزئي المشترط، فهو منفي بتغليب الشخصي عليه، والشخصي باطل؛ لخروجه عن المالية، فيرجع الأمر إلى شرط عوض لم يسلم لها، فينتقل إلى مهر المثل(3). ويشكل بما مرّ، وبأنّ مهر المثل ربما كان زائداً عن قيمة الخلّ كثيراً فلا يكون مقصوداً

ص: 615


1- إشارة إلى الرواية التي وردت في عوالي اللآلي ، ج 4، ص 58، ح 205.
2- مسند أحمد، ج 2، ص 507 - 508، ح 7449: السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 533 - 534، ح 8615.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 76؛ مختلف الشيعة، ج 7، ص 172، المسألة 92؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 551 - 552 ، الرقم 5183.

للزوّج أصلاً، أو ناقصاً كثيراً فلا يكون مقصوداً للزوجة ولا مرضيّاً به، وقد قال : «المهر ما تراضى عليه الزوّجان»(1). ولا يرد مثله في وجوب مثل الخل؛ لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل لها في المقصود ولا في المالية، فيلغو عند حصول مثل هذا العارض.

وثالثها: وجوب قيمة الخمر عند مستحلّيه، اختاره الشيخ في المبسوط والخلاف(2)؛ لأنّ قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذره، ولأنّهما عقدا على شخص باعتبار ماليته، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه - يصار إلى القيمة.

وفيه منع بين؛ لأنّ الخمر غير مقصود أصلاً، ولا وقع عليه التراضي، فكيف ينتقل إلى قيمته؟ واعتبارها فرع صحة العقد على العين، بخلاف ما لو عقدا على الخمر عالمين به فإنّهما قد تراضيا على العين، فلا يمتنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين كما تقدّم(3). وظاهر الحال أن قول المصنّف أقرب الأقوال إلى مراد المتعاقدين، فينبغي أن يكون العمل عليه. هذا كله في المثلي كالخمر. أما القيمي كالعبد إذا ظهر حراً فالانتقال إلى قيمته، لقيامها مقام المثل في المثلي.

وليس هذا كالقول الثالث؛ لأنّ ذلك يعتبر فيه قيمة العين بالوصف الواقع الذي امتنع صحته عليه بواسطته، وهنا اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما. وعلى هذا فيسقط القول الثالث في القيمي ؛ لأنّ الحرّ لا قيمة له. نعم، لو ظهر مستحقاً كان اعتبار قیمته جارياً على القولين. وعلى هذا فالقول بالمثل متعذّر في القيمي مطلقاً، وبقيمة الواقع متعذّر في الحرّ، فليس فيه إلا القول بقيمته أو مهر المثل.

فإطلاقهم تشبيه الحكم في مسألة الحرّ بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه، بل يحتاج إلى تنقيح.

ص: 616


1- وسائل الشيعة، ج 21، ص 239 وما بعدها الباب 1 من أبواب المهور، وفيه: «ما تراضى عليه الناس».
2- المبسوط، ج 3، ص 551 ؛ الخلاف، ج 4، ص 371، المسألة 10.
3- تقدّم في ص 593 - 594.

وإذا تزوّجها بمهر سرّاً وبآخر جهراً كان لها الأول.

قوله: «وإذا تزوّجها بمهر سرّاً وبآخر جهراً كان لها الأول».

هذه هي المسألة المعروفة بمهر السر والعلانية، ولها صورتان:

إحداهما: ما ذكرها المصنف، وهى أن يعقدا سراً على مهر وجهراً على غيره، إما بأزيد كما إذا أراد أن يجمّلها به مع اتفاقهما على الناقص في الأوّل، أو بالعكس، فالاعتبار عندنا بالسابق منهما سواء كان السابق هو العقد المشتمل على مهر السرّ أو العلانية؛ لأنها بالعقد تصير زوجة ويجب المسمّى، فيكون العقد الثاني باطلاً وخالف فيه بعض العامة(1)، ولهم فيه تنزيلات مختلفة، والمحصل ما ذكرناه.

الثانية: أن يتفقا على ذكر ألفين ظاهراً، وعلى الاكتفاء بألف باطناً في عقد واحد، بأن يتواطئا على إرادة الألف بعبارة الألفين. وفيه وجهان مبنيّان على أن اللغات هل هي توقيفية، أو اصطلاحية؟ وعلى أنّ الاصطلاح الخاص هل يؤثر في الاصطلاح العام ويغيّره أم لا؟ فعلى الأوّل يفسد المهر؛ لأنّ الألف غير ملفوظة، والألفين غير مقصودة، ولم تقع عبارة عنها؛ لمباينتها لها، وينتقل إلى مهر المثل. وعلى الثاني يحتمل الصحة، ويكون المهر الألف؛ لاصطلاحهما عليه، وكونه الألفين لوقوع العقد عليه باتفاقهما، والوضع العام لا يتغير. وهذا الاحتمال يجرى أيضاً على الأوّل.

وقطع في المبسوط بوقوع ما تلفظا به ولا يلتفت إلى ما اتفقا عليه سراً: محتجاً بأن العقد وقع صحيحاً، سرّاً كان أو علانية (2). وفيه نظر يعلم مما قرّرناه. ولو قيل بثبوت الألف خاصةً، اعتباراً بما تواضعا واصطلحا عليه؛ لأنّ الألفاظ لا تعنى بأعيانها، وإنّما ينظر إلى معانيها ومقاصدها، كان حسناً.

وهذه الصورة لم يتعرض إليها من أصحابنا غير الشيخ، وكانت أحق بالبحث من الأولى،لدقة مدركها وخفاء حكمها.

ص: 617


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 82 - 83، المسألة 5638.
2- المبسوط، ج 3، ص 551 - 552.

والمهر مضمون على الزوج، فلو تلف قبل تسليمه كان ضامناً له بقيمته وقت تلفه على قول مشهور لنا.

قوله: «والمهر مضمون على الزوج - إلى قوله - على قول مشهور لنا». لا إشكال في كون المهر مضموناً على الزوج إلى أن يسلّمه إلى الزوجة. ولك-ن جه-ة الضمان مختلفة، فإنّ من المال ما يضمن ضمان معاوضة، كالمبيع في يد البائع والثمن في يد المشتري قبل التسليم، ومنه ما يضمن ضمان يد كالمستعار المضمون والمقبوض بالسوم. وفي النكاح شبه من الأمرين: فمن حيث إنه عوض كما يظهر من قوله تعالى: (فَتَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(1) وقولهم زوجتك بكذا» كقوله بعتك بكذا» ولأنها تتمكن من رده بالعيب،

و تحبس نفسها لتستوفيه، وهما من أحكام الأعواض - يناسب القول الأول.

ومن حيث جواز إعراء النكاح عنه، وعدم انفساخ النكاح بتلفه ولا برده، ولا يسقط بمنعها نفسها إلى موتها، ويدخل عليه اسم النحلة كما قال تعالى: (وَءَاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً)(2) يناسب الثاني.

والمعروف من مذهب الأصحاب هو الثاني، وإليه أشار المصنّف بقوله «في قول مشهور لنا ونبه بنسبته إلى القول على عدم تعينه واحتمال القول الآخر.

ويتفرّع على الوجهين مسائل كثيرة: منها ما ذكره هنا من تلف المهر قبل تسليمه إلى الزوجة. فعلى المشهور بين الأصحاب يكون مضموناً على الزوج بالمثل أو القيمة، كغيره من الأموال المضمونة ضمان اليد. وعلى الأوّل يجب مهر المثل، كما لو تلف أحد العوضين في البيع قبل القبض، فإنّ البيع ينفسخ ويجب مثل المبيع أو قيمته، ولا سبيل هنا إلى فساد أصل النكاح؛ لأن الصداق ليس ركناً فيه كما مرّ. وقد أطلق الأصحاب هنا ضمان المهر التالف بمثله أو قيمته من غير أن ينقلوا وجوب مهر المثل قولاً أو وجهاً

ص: 618


1- النساء .(4) 25.
2- النساء (4) 4.

قال الشيخ في المبسوط بعد نقل القولين عن العامة والذي يقتضيه مذهبنا في كلّ مهر معيّن إذا تلف فإنّه تجب قيمته ولا يجب مهر المثل(1).

ولكنّ العلّامة أوجب مهر المثل في مواضع نزّل فيها المهر منزلة التالف، منها: ما لو تزوّجها على ظرف خلّ فظهر خمراً(2)، وما لو تزوّج المسلم على خمر أو خنزير عالماً بالحال(3). واعترضه الشهيد (رحمه الله) بأن الحكم بمهر المثل في مثل ذلك مبني على كون ضمانه ضمان المعاوضة، من حيث إنّ هذا في حكم التلف، مع أنه لا يقول به في التلف الحقيقي فكأن الحكمين مبنيّان على الأصلين المتنافيين(4). والحق أنّ هذا الإيراد مدفوع؛ لأنّ موضع النزاع في الأصلين إنما هو عروض التلف بعد الحكم بالصحة كما في مسألتنا، أما مع فساد المهر ابتداء فلا إشكال عند الأصحاب في وجوب مهر المثل، وقد قال الشيخ في المبسوط عقيب ما ذكرناه بلا فصل: وأما المهر إذا كان فاسداً فإنّه يوجب مهر المثل بلا شك(5) وكذلك ذكر غيره (6)، ومضى في الكتاب ذلك(7)، ويأتي أيضاً(8).

وعليه تتفرع المسألتان المذكورتان، فإنّ العلامة يرى أن المهر فاسد من أصله، وذلك يوجب مهر المثل، ومن حيث إنّه لم يقصد في الثانية إلى الفساد وإنّما أراد المالية فاقتضى اعتبار القيمة،

ص: 619


1- المبسوط، ج 3، ص 533.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 76؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 551 - 552، الرقم 5183.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 76.
4- راجع حاشية القواعد، ص 466 - 467 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
5- المبسوط، ج 3، ص 533.
6- كابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 577 وابن حمزة في الوسيلة، ص 295 - 296؛ ويحيى بن سعيدالحلّي في الجامع للشرائع، ص 441.
7- سبق في ص 594 - 595.
8- يأتي في ص 705.

وهذا بحث آخر لا ينافي تلك القاعدة، بل يمكن ردّه إليها وإلى القاعدة الأخرى بالاعتبار. إذا تقرر ذلك فنقول: إذا ثبت على الزوج ضمان المهر بالقيمة بسبب تلفه قبل التسليم ما الذي يعتبر من قيمته؟ الذي ذكره المصنّف اعتبار وقت تلفه، كما هو المعتبر في ضمان اليد. ووجهه أنّ العين ما دامت موجودة لا تجب القيمة قطعاً، وإنما ينتقل إليها مع تلف العين، فيكون المعتبر فيها وقت الانتقال إليها. ولا ينافي ذلك كون العين مضمونة عليه حينئذ ؛ لأنّ معنى ضمانها أنّها بحيث لو تلفت وجب الانتقال إلى البدل. وهذا هو الأقوى.

وقيل: يعتبر أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف؛ لأنه مضمون في جميع هذه الأوقات ومن جملتها زمان علوّ القيمة، خصوصاً مع مطالبتها بالتسليم ومنعها؛ لأنه حينئذ يصير غاصباً فيؤخذ بأشق الأحوال. وقال الشيخ في المبسوط : إنه مع المطالبة يلزمه الأعلى من حين المطالبة إلى وقت التلف؛ لأنه غاصب(1). وقد ظهر من تعليل الأوّل جواب الثاني. والتعدي بعدم التسليم لا يوجب ضماناً زائداً على ما دلّ عليه الدليل وإن أوجب الإثم. واعلم أنّه لا يتوهّم متوهّم أنّ قول المصنّف على قول مشهور» راجع إلى ضمان قيمته يوم التلف، حيث إنّه موضع خلاف أيضاً؛ لأن القول بضمانه يوم التلف ليس هو المشهور وإن كان هو المنصور، بل المشهور خلافه. وسيأتي في الغصب نقل المصنف عن الأكثر ضمان المغصوب بقيمته يوم الغصب لا يوم التلف(2)، فيناسبه القول هنا بضمان قيمته يوم العقد، لكن لا قائل به هنا معلوماً.

وكيف كان فاعتبار يوم التلف ليس هو القول المشهور، ولا محلّ توقف من المصنف، فإنّ اقتصاره على نسبته إلى القول يؤذن بتوقف فيه أو تمريض. وإنما المراد به ما ذكرناه سابقاً من حكم ضمان القيمة أو المثل(3). لا مهر المثل، فإنّه محل البحث والإشكال.

ص: 620


1- المبسوط، ج 3، ص 544.
2- يأتي في ج 9، ص 494، كتاب الغصب، النظر الثاني في الحكم.
3- سبق في ص 618.

ولو وجدت به عيباً كان لها رده بالعيب. ولو عاب بعد العقد قيل: كانت بالخيار أخذه أو أخذ القيمة. ولو قيل: ليس لها القيمة، ولها عينه وأرشه، كان حسناً. ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها، سواء كان الزوج موسراً أو معسراً.

وهل لها ذلك بعد الدخول ؟ قيل : نعم. وقيل: لا. وهو الأشبه؛ لأنّ الاستمتاع حق لزم بالعقد.

قوله: «ولو وجدت به عيباً كان لها ردّه بالعيب - إلى قوله كان حسناً». إذا أصدقها عيناً مخصوصة فوجدتها معيبة، فإن كان العيب موجوداً حين العقد ولم تكن عالمة به كان لها ردّه بالعيب والرجوع إلى قيمته بناءً على ضمان اليد، ولها إمساكه بالأرش؛لأن العقد إنّما وقع على السليم، فإذا لم تجده كذلك أخذت عوض الفائت، وهو الأرش. وإن تجدّد العيب بعد العقد وقبل تسليمها كان مضموناً على الزوج؛ لأنّ ضمان الجملة يقتضي ضمان الأجزاء. فالمشهور - وهو الذي اختاره المصنّف - أن لها حينئذ أرش النقصان من غير ردّ؛ لأنّه عين حقها، ونقصه ينجبر بضمان أرشه. وقال الشيخ في المبسوط :

تتخيّر بين أخذه بالأرش وردّه، فتأخذ القيمة كما لو تلف، لأنه مضمون عليه، وقد وقع العقد عليه سليماً ، فإذا تعيب كان لها ردّه(1).

ويضعف بأن كونه مضموناً ضمان اليد يوجب بقاءه على ملكها وضمان الفائت لا غير كما لو عابت العين عند الغاصب. نعم، يتم ذلك على القول بضمان المعاوضة. مع أنه في

المبسوط قوّى في موضع آخر عدم الخيار وتعيّن أخذه بالأرش(2).

واعلم أن القائل بضمان المعاوضة أوجب هنا مع الردّ مهر المثل: لأنّه قيمة العين كنظائره قوله: «ولها أن تمتنع من تسليم نفسها - إلى قوله - لأن الاستمتاع حق لزم بالعقد.

ص: 621


1- المبسوط، ج 3، ص 547 .
2- المبسوط، ج 3، ص 540 و 545 .

لابدّ قبل تحرير المسألة وبيان أقسامها من تمهيد مقدمات يترتب عليها أحكامها، ويظهر وجه الخلاف منها وهي أمور:

الأوّل: أنّ النكاح على تقدير ذكر المهر في العقد معاوضة، إما محضة أو شبيهة بها. وقد تقدّم(1) ما يظهر به وجه المشابهة. ومع عدم ذكره لا يكون كذلك، لعدم العوض من الجانب الآخر، ما لم يدخل فيلزم العوض، ويلحق بالمعاوضة حينئذ.

الثاني: أنّ في المعاوضة لكلّ من المتعاوضين الامتناع من تسليم ما في جانبه من العوض حتى يسلّم إليه الآخر، سواء كان موسراً أم معسراً، لتحصل فائدة التعويض. فيجبرهما الحاكم على التقابض معاً حيث يتعاسران، لعدم الأولوية. ولا خفاء في أن النكاح كذلك حيث يذكر المهر في العقد.

الثالث: أنه مع قبض أحدهما بإذن الآخر يسقط حق القابض من الإمساك وحق الآخر أيضاً لاستقرار ملك القابض فلا يستعاد منه.

الرابع: أنّ الوطء في النكاح هو القبض؛ إذ البضع لا يدخل تحت اليد وإن كانت الزوجة أمة؛ لأنّ ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع، ولهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب ما لم يطأ. ويحتمل كون الوطء ليس قبضاً تاماً كقبض المبيع؛ لأن المعتبر منه قبض مجموع العوض الواقع في مقابلة الآخر، والواقع في مقابلة المهر ليس هو الوطء مرّةً واحدة، بل مجموع حق البضع، وحيث لا يمكن دخوله بأجمعه تحت اليد لا يتصوّر التقابض من الجانبين، فيبقى حق قبضه ما دامت منفعته متجدّدة، بخلاف ما يمكن قبضه جملة، كالمهر والمبيع.

الخامس: أنّ المهر يجب جميعه بالعقد وإن توقف استقراره على الدخول. وهو أشهر القولين والروايتين. ويكفي في استقراره الدخول ولو مرّةً إجماعاً.

وهو يؤيّد الأول من وجهي السابقة.

السادس: أنه ليس في مقابلة باقي الوطئات مهر في الدائم؛ للاتفاق على وجوب

ص: 622


1- تقدّم في ص 611 و 618.

جميعه بالوطء الواحد، وإن كان متعلّق المعاوضة هو البضع الذي يتجدد منافعه في كل وقت من أوقات وجوده، بخلاف المنقطع، فإنّ المهر في مقابلة مجموع المدة. ومن ثم يسقط من المهر بحساب ما تفوته عليه من المدة اختياراً.

السابع: هل يشترط في القبض وقوعه طوعاً، أم يكتفى به مطلقاً؟ وجهان، من حصول الغرض وانتفاء الضمان به كيف اتفق، ومن تحريم القبض بدون الإذن، فلا يترتب عليه أثر الصحيح. والحق أن بعض أحكام القبض ،متحققة، كاستقرار المهر بالوطء كرهاً، وبعضها غير متحقق قطعاً، كالنفقة. ويبقى التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها كرهاً، هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتى تقبض المهر أم لا؟.

الثامن: الحكم بوجوب التقابض في العوضين من الجانبين إنّما يتحقق مع استحقاق كلّ من المالكين للعوضين معجّلاً، فلو انتفى استحقاق التعجيل عن أحدهما أو عنهما معاً انتفى الحكم، كما لو كان أحد العوضين مؤجلاً، أو هما معاً. وحيث يختص أحدهما بمانع التعجيل يختص الآخر بحكم استحقاق تعجيل إقباضه من غير تربّص. ويتصوّر عدم الاستحقاق في المسألة المفروضة من جانب المهر بتأجيله، ومن جانب الزوجة بصغرها وغيره من موانع الاستمتاع.

وإذا تمهّدت هذه المقدّمات فنقول : الزوجان بالنسبة إلى استحقاق طلب المهر وتسليم الزوجة وجواز الامتناع فيهما أو في أحدهما، لا يخلو إما أن يكونا صغيرين بحيث لم يبلغا حد الاستمتاع، أو كبيرين، أو بالتفريق، بأن كانت الزوجة صغيرة والزوج كبيراً، أو بالعكس. وعلى التقادير الأربعة: إما أن يكون الزوج معسراً بالمهر أو موسراً. وعلى التقادير: إما أن يكون قد دخل، أم لا.

ويمكن فرض دخول الصغير بالكبيرة الثيب أو مطلقاً، وبالصغيرة كذلك. وعلى التقادير الستة عشر إما أن يكون المهر حالاً، أو مؤجّلاً، أو بعضه حالاً وبعضه مؤجّلاً. وعلى تقدير

تأجيله أو بعضه إما أن يحلّ قبل الدخول أو بعده. فصور المسألة ثمانون صورة.

ص: 623

وخلاصة القول فيها أنّ الزوجة إن كانت كاملة صالحة للاستمتاع، ولم يكن قد دخل بها الزوج، والمهر حال وهو موسر فلها الامتناع من التمكين حتى تقبض مهرها بتمامه اتفاقاً، لا بمعنى وجوب ابتداء الزوج بتسليم المهر أولاً، بل إمّا بذلك، أو بتقابضهما معاً، بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق في يد من يتفقان عليه أو يد عدل، وتؤمر بالتمكين، فإذا مكنت سلّم العدل الصداق إليها. وهذا في الحقيقة في معنى إقباض المهر أولاً، إلا أنّ ما يخافه الزوج من فواته بوصوله إليها يستدرك بوضعه على يد العدل، فيصير في معنى التقابض معاً، حيث إنّ القابض نائب عنهما. وإنّما اعتبر ذلك لما تقرر في المقدمة الأولى أن في النكاح معنى المعاوضة، وفي الثانية أنّ لكلّ من المتعاوضين الامتناع من الإقباض حتى يقبض الآخر،

وطريق الجمع ما ذكر. وفي المسألة وجهان آخران:

أحدهما: أنّه يجبر الزوج على تسليم الصداق أولاً، فإذا سلّم سلّمت نفسها.

والفرق بينهما : أنّ فائت المال يستدرك، وفائت البضع لا يستدرك. أنه لا يجبر واحد منهما، ولكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم أُجبر الآخر على تسليم ما عنده.

وأصحهما الأوّل؛ لما فيه من الجمع بين الحقين وبه يحصل الجواب عن الوجه الثاني. وفي الثالث أنّه قد يؤدّي إلى بقاء النزاع بعدم بدأة أحدهما، ولابد من نصب طريق شرعي يحسم مادته. وهذه الأوجه قد مضى مثلها في البيع(1).

وفيه وجه رابع لا يأتي هنا، وهو أن البائع يجبر على التسليم أولاً، فإذا استقر البدل في يد المشتري ألزم بتسليم العوض.

وهنا لا يمكن الابتداء بالمرأة؛ لأنّ منفعة البضع إذا فاتت تعذر استدراكها، والمال يمكن استرداده.

ولا فرق في هذه الحالة بين كون الصداق عيناً ومنفعة، متعيّناً وفي الذمة.

ص: 624


1- راجع ج 3، ص 147 - 148.

وهل يختلف ذلك بإعسار الزوج ويساره؟ الأكثرون على عدمه، وهو الذي تقتضيه القاعدة الثانية؛ لأنّ عجز أحد المتعاوضين لا يسقط حق الآخر ممّا يثبت له.

ويظهر من ابن إدريس أنه ليس لها الامتناع مع الإعسار لمنع مطالبته(1).

ويضعف بما ذكرناه، فإنّ منع المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم قبل قبض العوض، لكن يختلف الحال حينئذٍ، فإنّه مع يساره ومطالبتها يأثم الزوج بالمنع، وتستحق النفقة وإن لم تسلّم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط تسليم المهر؛ لأنّ المنع حينئذ بحق، فلا يقدح في التمكين. وأمّا مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير.

وفي استحقاقها النفقة حينئذٍ وجهان، من انتفاء التمكين؛ إذ هو معلّق بأمر امر ممتنع عادةً وهو الذي جزم به الشهيد في شرح الإرشاد(2)، ومن أنّ المنع بحق كالموسر؛ لاشتراكهما في بذل التمكين بشرط تسليم المهر. وامتناع التسليم عادةً لا دخل له في الفرق مع جواز الاجتماع بالاقتراض ونحوه. وهذا متجه. ولا فرق مع عدم الدخول بين كونها قد مكنت منه فلم يقع وعدمه، فلها العود إلى الامتناع بعد التمكين إلى أن تقبض المهر ويعود الحكم إلى ما

كان قبله؛ لما تقرّر في المقدمة الرابعة أنّ القبض لا يتحقق في النكاح بدون الوطء. ولو لم تكن المرأة مهيأة للاستمتاع، بأن كانت مريضة أو محبوسة لم يلزمه تسليم

الصداق، لما تقدّم من اشتراط وجوبه عليه بالتقابض من الجانبين(3).

ولو كانت صغيرة لا تصلح للجماع، وطلب الولي المهر ، فهل يلزمه التسليم قبل كمالها؟ و جهان، من تعذر التقابض من الجانبين؛ لعدم إمكان الاستمتاع، وهو خيرة الشيخ في المبسوط(4)، ومن أن الصداق حق ثابت وقد طلبه المستحق فوجب دفعه إليه. وعدم قبض

ص: 625


1- السرائر، ج 2، ص 591.
2- غاية المراد، ج 3، ص 104 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
3- تقدّم في ص 624.
4- المبسوط، ج 3، ص 582.

مقابله من العوض قد أقدم الزوج عليه حيث عقد عليها كذلك، وأوجب على نفسه المال في الحال، كالعكس لو كان المهر مؤجّلاً. وهذا هو الأقوى.

ومحل الإشكال ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقاً. أمّا لو صلحت لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك، ففي وجوب إجابته وجهان من تحقق الزوجية المقتضية لجواز الاستمتاع، فلا يسقط بعضه بتعذر بعض، فيجب التسليم للممكن، ومن أنّ القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء والباقي تابع، فإذا تعذر المتبوع انتفى التابع. وإمساكها لغير ذلك حضانة، والزوج ليس أهلاً لها، وإنّما هى حق للأقارب. ولأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرر. وعلى هذا فلو بذلت له لم يجب عليه القبول؛ لأنّ حقه الاستمتاع ولم يخلق فيها. ولو وجب للزمه نفقة الحضانة والتربية وهو منتف. وهذا أقوى، وهو خيرة المبسوط (1).

ولو كانا معاً صغيرين فطلب المهر من وليه فالوجهان في الكبير مع الصغيرة، وأولى بعدم الوجوب لو قيل به ثُمّ. وأجودهما استواؤهما فيه. ولو انعكس، فكانت كبيرة والزوج صغير، فالوجهان. واختار في المبسوط عدم وجوب تسليم المهر في الجميع، كما لا تجب النفقة؛ محتجاً بأن الاستمتاع غير ممكن(2). وهو يتم في النفقة لا في المهر؛ لما قرّرناه. هذا كله إذا كان المهر حالاً ، فلو كان مؤجّلاً لم يكن لها الامتناع قبل حلوله قطعاً؛ إذ لا يجب لها عليه شيء حينئذ، فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض، ولدخولها على الرضى بتسليم نفسها قبل ،قبضه كالبيع إذا كان بثمن مؤجل.

ثمّ إن سلمت نفسها إليه فلا كلام. وإن دافعت وأقدمت على فعل المحرم حتى حلّ الأجل ووجب المهر ففي جواز امتناعها بعد ذلك كالحال وجهان، من اشتراكهما حينئذ في المعنى

و من استقرار وجوب تسليمها قبله فيستصحب.

ص: 626


1- المبسوط ، ج 3، ص 581.
2- المبسوط، ج 3، ص 582.

ولأنّها لما رضيت بالتأجيل ثبت أمرها على أن لا حق لها في الامتناع، فيمتنع ثبوته بعد ذلك؛ لانتفاء المقتضي وهذا هو الأقوى، وبه قطع في المبسوط(1) ، وتبعه الأكثر ومنهم المصنف. وسيأتي البحث فيه في الكتاب(2)، لكنّا ذكرناه هنا لمناسبة استيفاء الأقسام. وظاهر كلام الشيخ في النهاية يقتضي جواز الامتناع هنا، حيث أطلق جواز امتناعها حتى تقبض المهر(3).

والظاهر أنّ إطلاقه محمول على الحال؛ لأنه محل الخلاف، لا المؤجل مطلقاً. ولو كان بعضه حالاً وبعضه مؤجّلاً فلكلّ واحد منهما حكم نفسه.

فلها أن تمتنع حتى تقبض الحال دون المؤجل وإن حلّ، كما قرّر.

وجميع هذا البحث على تقدير عدم الدخول. وأما بعده فهل لها الامتناع إذا أرادته حتى تقبض المهر كما كان لها ذلك قبله ؟ قولان:

أحدهما: العدم، وهو الذي اختاره المصنّف وجماعة من المتأخرين(4)، ومن المتقدمين الشيخ في الخلاف(5) والمرتضى(6) وأبو الصلاح (7). وهو الأقوى؛ عملاً بمقتضى القواعد السابقة، فإنّ المهر قد استقر بالوطء، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها، ومتى سلّم أحد المتعاوضين الذي قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه

ومَنْ حكم بما ذكرناه من الاحتمال في المقدمة الرابعة جوّز امتناعها بعد الدخول أيضاً؛

ص: 627


1- المبسوط، ج 3، ص 579.
2- يأتي في ص 697.
3- النهاية. ص 475.
4- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 440؛ والصيمري في تلخيص الخلاف، ج 2، ص 367، المسألة 37 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 354؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 197؛ والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 234 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
5- الخلاف، ج 4، ص 393، المسألة 39.
6- الانتصار، ص 287، المسألة 160.
7- الكافي في الفقه، ص 294.

ويستحب تقليل المهر. ويكره أن يتجاوز السنة، وهو خمسمائة درهم.

لعدم التقابض، ولم يخالف باقي القواعد وهو خيرة الشيخ في النهاية (1) والمبسوط(2) ، وقبله المفيد(3) وبعده القاضي(4).

وفرّق ابن حمزة بين تسليمها نفسها اختياراً وإكراهاً، فحكم بسقوط حقها من الامتناع في الأول دون الثاني(5). وهو مبني على ما ذكر في المقدمة السابعة. وفي قوله قوة. وفي معناه ما لو سلّم الوليّ مَنْ ليست بكاملة ولم يقبض الصداق، فهل لها الامتناع بعد الكمال حتى تقبضه ؟ وجهان، وأولى بعدم الجواز هنا؛ لأنّ تسليم الولي شرعي، إلا أن يمنع من جواز تسليمه لها قبل قبض المهر كغيره من المعاوضات، فتساوي المكرهة في الحكم. فهذه جملة الأحكام المتعلقة بصور المسألة كلّها.

قوله: ويستحب تقليل المهر ويكره أن يتجاوز السنة، وهو خمسمائة درهم». لا خلاف في استحباب تقليل المهر، وأن لا يتجاوز مهر السنّة الذي تزوج به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) نساءه وزوج به بناته، للتأسي به، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «أفضل نساء أمتي أصبحهنّ وجهاً، وأقلّهنّ مهراً»(6). وقوله : «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة»(7).

وقال الباقرعلیه السلام: «ما زوّج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سائر بناته ولا تزوّج شيئاً من نسائه على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش وهو نصف الأوقية، والأوقية أربعون والنش عشرون درهماً.

فذلك خمسمائة درهم»(8).

ص: 628


1- النهاية، ص 475.
2- المبسوط، ج 3، ص 579.
3- المقنعة، ص 510.
4- جواهر الفقه، ص 174، المسألة 618.
5- الوسيلة ص، 299.
6- الكافي، ج 5، ص 324، باب خير النساء، ح 4 الفقيه، ج 3، ص 385 - 386، ح 4359: تهذيب الأحكام، ج 7، ص، 404، ح 1615.
7- مسند أحمد، ج 7، ص 121، ح 24008.
8- الكافي، ج 5، ص 376، باب السنة في المهور، ج 5 مع اختلاف، والجملة الأخيرة من حديث آخر.

وأن يدخل بالزوجة حتى يقدّم مهرها ، أو شيئاً منه، أو غيره ولو هدية.

وعن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن عن مهر السنة كيف صار خمسمائة؟ فقال: «إنّ الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة، ويسبّحه مائة تسبيحة، ويحمده مائة تحميدة، ويهلله مائة تهليلة، ويصلّي على محمّد وآله مائة مرّة، ثمّ يقول: اللهمّ زوّجني من الحور العين إلا زوجه الله حوراء، وجعل ذلك مهرها. ثم أوحى الله تعالى إلى نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم): أن سُنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم ففعل ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وأيّما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته فبذل خمسمائة درهم فلم يزوّجه فقد عقه، واستحق من الله عزّ وجل أن لا يزوجه حوراء»(1).

وظاهر الأخبار أنّ الكراهة متعلقة بالمرأة ووليها لا بالزوج، وعبارة المصنّف شاملة لهما. وقد يمكن تعلّق الكراهة به من حيث الإعانة على المكروه إن أمكنه النقصان، وإلا فلا

كراهة من قبله. مع أنه قد تقدّم إمهار الحسن(علیه السلام) امرأة مائة جارية وغيره(2).

قوله: «وأن يدخل بالزوجة حتى يقدم مهرها أو شيئاً منه أو غيره ولو هدية».

مستند الحكم رواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له

فرجها حتى يسوق إليها شيئاً درهماً فما فوقه، أو هدية من سويق أو غيره»(3).

قال الشيخ في التهذيب: وهذه الرواية وردت على جهة الأفضل، فأما أن يكون ذلك واجباً وتركه محظوراً فلا؛ لما رواه عبد الحميد الطائي قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئاً، فقال: «نعم، يكون ديناً عليك»(4).

ص: 629


1- الكافي، ج 5، ص 376 ، باب السنة في المهور،ح 7: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 356 - 357، ح 1451.
2- تقدّم في ص 600، مع تخريجه في الهامش 7.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 357، ذيل الحديث 1452 ، وح 1452؛ الاستبصار، ج 3، ص 220 ، ح 799.
4- تهذيب الأحكام ، ج 7، ص 357، ح 1453 : ورواه الكليني أيضاً في الكافي، ج 5، ص 413، باب الرجل يتزوّج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً ، ح 3.
الطرف الثاني:في التفويض
اشارة

وهو قسمان: تفويض البضع وتفويض المهر.

[القسم] الأوّل:[تفویض البضع]
اشارة

فهو أن لا يذكر في العقد مهراً أصلاً، مثل أن يقول: «زوجتك

فلانة»، أو تقول هي: «زوجتك نفسي» فيقول: «قبلت».

مع أنّ الرواية الأولى قاصرة عن إفادة التحريم من حيث السند، أما الكراهة فيكفي فيها مثل ذلك كالاستحباب. والشيخ عبر في النهاية بلفظ الرواية(1)، فاعترضه ابن إدريس بأن الفرج يستباح بالعقد لا بما يقدمه(2). وعذره - مع متابعة الرواية - التجوز في تعليق الحلّ على ما يقدمه مبالغة في الاستحباب

قوله: «في التفويض وهو قسمان: تفويض البضع، وتفويض المهر» إلى آخره. التفويض لغةً: ردّ الأمر إلى الغير أو الإهمال(3)، ومنه:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا(4).

وشرعاً: ردّ أمر المهر والبضع إلى أحد الزوجين أو ثالث، أو إهمال ذكره في العقد. وتسمّى المرأة مفوضة - بكسر الواو - لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولى بلا مهر، أو لأنها أهملت المهر، ومفوضة - بفتحها - لأن الوليّ فوض أمرها إلى الزوج، أو لأنّ الأمر في المهر مفوّض إليها إن شاءت نفته وإلا فلا.

ثم التفويض نوعان: تفويض للبضع وتفويض للمهر. فالأوّل إخلاء العقد عن ذكر المهر بفعل الزوجة أو من يقوم مقامها، مثل: «زوجتك نفسي» أو «فلانة»، فيقول: «قبلت». وهو

عقد صحيح إجماعاً، والثاني يأتي.

ص: 630


1- النهاية، ص 469 - 470.
2- السرائر، ج 2، ص 581.
3- لسان العرب، ج 7، ص 210، «فوض».
4- البيت للأفوه الأودي. راجع الشعر والشعراء، ابن قتيبة، ص 143.
مسائل:
الأولى: ذكر المهر ليس شرطاً في العقد،

فلو تزوّجها ولم يذكر مهراً، أو أفي شرط أن لا مهر صح العقد.

فإن طلّقها قبل الدخول فلها المتعة، حرّةً كانت أو مملوكة، ولا مهر. وإن طلّقها بعد الدخول فلها مهر أمثالها ولا متعة فإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا مهر لها ولا متعة.

ولا يجب مهر المثل بالعقد، وإنما يجب بالدخول.

قوله: «ذكر المهر ليس شرطاً في العقد - إلى قوله - وإنّما يجب بالدخول. قد قررنا في أوّل الباب أن المهر ليس ركناً من أركان النكاح(1)، بخلاف العوضين في البيع ونحوه من عقود المعاوضات، وأنه يقوم بالزوجين وإن كان العوض لازماً في الجملة. فإذا تزوج ولم يذكر في العقد مهراً، سواء أطلق أم شرط أن لا مهر عليه في الحال أو مطلقاً صح؛ لأنّ عدم ذكره في معنى نفيه في الحال، وذلك لا ينافي حكم التفويض ووجوبه في المآل نعم، لو صرّح بنفيه في الحال والمآل على وجه يشمل ما بعد الدخول فسد العقد في قول قوي، لمنافاته مقتضاه؛ لأنّ من مقتضياته وجوب المهر في الجملة، إما بالعقد أو بالفرض أو بالدخول وما في معناه، فإذا شرط نفيه في جميع هذه الأحوال فقد شرط ما ينافي مقتضى عقد النكاح، فيفسد. وفيه وجه آخر بالصحة، وإلحاقه بما لو نفاه مطلقاً ؛ لأن قوله على أن لا مهر» يفيد نكرة منفية، وهي من صيغ العموم، فيتناول الحال والمآل وقد حكم بالصحة وتخصيصها بمقتضيات التفويض فيكون الحكم فيما لو صرّح بالعموم كذلك، لاشتراكهما في قبول التخصيص.

ص: 631


1- راجع ص 591.

وفيه: أنّ إطلاق العموم لا ينافي التخصيص، أما التصريح بنفيه كصورة الفرض فمنافاته

للتخصيص ظاهرة لظهور أنّ نفي المهر في الحالين ينافي ثبوته في أحدهما. وفيه وجه ثالث بفساد التفويض دون العقد، فيجب مهر المثل، كما لو شرط في المهر ما يفسده.

إذا تقرّر ذلك فنقول: من حكم التفويض أن لا يجب المهر لها بالعقد عندنا ولا المتعة، بل إنما تجب المتعة بالطلاق قبل الدخول، ومهر المثل بالدخول، أو ما يتفقان من المهر قبل الدخول، فإذا طلّقها بعده فلها نصف ما يفرض.

أمّا وجوب مهر المثل بالدخول فيدلّ عليه أخبار كثيرة، منها رواية منصور بن حازم قال، قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) في رجل يتزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً، قال: «لا شيء لها من الصداق، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها»(1).

ويدلّ على وجوب المتعة بالطلاق، ونصف الفرض إن اتفقا عليه، وجميعه إن لم يطلق قوله تعالى: لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(2) وسياقها وقوع الطلاق قبل المسيس وقبل الفرض وأمّا بعده فالواجب ما دلّ عليه قوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(3). وبعد الدخول يجب مهر المثل، سواء طلّق أم لا. فقول المصنف: «وإن طلقها بعد الدخول فلها مهر أمثالها» یغنی عنه قوله : « ولا يجب مهر المثل بالعقد، وإنّما يجب بالدخول»؛ لأن الدخول إذا كان موجباً له فلا أثر للطلاق ولا لعدمه في ذلك، فكان تركه أنسب، لئلا يوهم كون الطلاق حينئذ له مدخل في ثبوته، من حيث إن تعليق الحكم على وصف يشعر بعليته. وبقي من أحكام المفوّضة ما لو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق، فإن كان الموت قبل

ص: 632


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 362 ، ح 1467؛ الاستبصار، ج 3، ص 225، ح 813.
2- البقرة (2): 236.
3- البقرة (2) 237.
الثانية:المعتبر في مهر المثل حال المرأة

المعتبر في مهر المثل حال المرأة: في الشرف والجمال وعادة نسائها، ما لم يتجاوز السنّة، وهو خمسمائة درهم.

الفرض فلا شيء لها، لانتفاء سبب الوجوب؛ لأنه منحصر في الفرض والدخول، فبدونه يتمسك بأصالة العدم وبراءة الذمة. وإن كان بعد الفرض ثبت المفروض بتمامه؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول: «إن كان فرض لها زوجها مهراً فلها وإن لم يكن فرض مهراً فلا مهر»(1). ولا يخفى أنّ الميراث يثبت على كل حال، لتحقق الزوّجية المقتضية له.

قوله: «المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال - إلى قوله - وهو خمسمائة درهم.

مهر المثل هو قيمة المثل بالنسبة إلى البضع المخصوص، وهو ما يبذل في مقابلة نكاح أمثال المرأة من المشتملات على مثل صفاتها التي يزيد المهر وينقص باعتبارها؛ لأنّ ذلك المفهوم من المثل لغةً وعرفاً. وقد ذكر المصنّف من صفاتها الشرف والجمال وعادة نسائها. ولا شبهة في اعتبار ذلك، لكن تعتبر معه رعاية باقي الصفات التي يتفاوت بتفاوتها المهر من العقل والأدب والبكارة وصراحة النسب واليسار وحسن التدبير وما جرى مجرى ذلك، وأضدادها؛ لأنّ ذلك ممّا يختلف المهر باختلافه. وبهذا صرّح المحققون(2) وإن اختلفت عباراتهم فيما يعتبر به المهر، فالمحصل ما ذكرناه. والمعتبر في أقاربها من الطرفين على الأقوى لاختلاف المهر باختلافهنّ فيهما، ولأنّ النساء جمع مضاف فيعم الجميع.

وقيل: يعتبر جانب الأب خاصةً؛ لعدم اعتبار الأُمّ في الفخر(3). وهو ممنوع. ويعتبر في

ص: 633


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 146، ح 505: الاستبصار، ج 3، ص 341، ح 1215.
2- منهم الشيخ في المبسوط ، ج 3، ص 561 - 562: وابن حمزة في الوسيلة، ص 295 - 296؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 581؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 564، الرقم 5209 ؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 79؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 423 - 424.
3- قال به ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 210؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 440.

الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو ما قاربه ممّا لا يختلف باختلافه المهر عادةً على الأقوى. وقد قيّد المصنّف والأكثر ذلك بما إذا لم يتجاوز مهر السنّة، وهو خمسمائة درهم كما سلف؛ استناداً إلى رواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها، قال: «السنّة، والسنّة خمسمائة درهم»(1). وفيها - مع ضعف السند(2) - قصور الدلالة؛ لأنّ الكلام في المفوضة، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمّي صداقها، وهو يقتضي كونه أراد التسمية فنسيها، وهذا ليس من التفويض في شيء، وإن كان العقد قد وقع بصورة التفويض، فجاز اختلاف الحكم لذلك. ومن ثَم ذهب بعض علمائنا إلى أن مهر المثل لا يتقدر بقدر؛ لإطلاق الأخبار في ذلك(3)، مثل رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(علیه السلام) في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ثمّ دخل بها، قال: «لها صداق نسائها»(4).

وموثقة منصور بن حازم، قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) - وقد تقدمت(5) - وفيها: «فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها». وصحيحة الحلبي، قال سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهراً ثمّ طلّقها، قال: «لها مثل مهور نسائها»(6).

وهذه الأخبار وإن كانت لا تخلو من ضعف في الطريق أو قطع إلا أنها مؤيدة لما تقتضيه

ص: 634


1- تهذیب الاحکام،ج7،ص 362،ح 1469؛الاستبصار،ج3،ص 225،ح 815.
2- فی حاشیة«و»:«فی طریقها أبان بن عثمان، وکان من الناووسیّة، الّا انّ الکشّی فال: انّ العصابة اجمعت علی تصیحی ما یصحّ عنه. وهذا الخبر صحیح عنه، فلیس له الّا اثبات هذه الدعوای(المجلسی قدس سره) راجع رجال این داود، ص 11- 12 الرفم،6.
3- حکاه عن بعض العلماء فی مختلف الشیعه، ج7، ص 181، المسألة 100.
4- الکافی ج5، ص 381، باب نوادر فی المهر، ح 10؛ تهذیب الاحکام،ج7،ص362،ح 1466؛الاستبصار،ج3،ص،225،ح 812.
5- تقدّمت فی ص 632،مع تخریجها فی الهامش 1.
6- تهذیب الاحکام،ج7، ص 632، ح 1468؛الاستبصار،ج3،ص،814.

والمعتبر في المتعة بحال الزوج فالغني يمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة دنانير والمتوسط بخمسة دنانير أو الثوب المتوسط، والفقير بالدينار أو الخاتم وما شاكله.

الأدلة من كون مهر المثل عوض البضع، وكونه ملحقاً بالأموال، وهو يقتضي كونه ما يبذل عادة لأمثال تلك المرأة بالغاً ما بلغ كسائر الأموال.

ووافق جماعة من الأصحاب(1) في عدم تقدّره بذلك حيث يجب مهر المثل لما أشبه الجناية، كالنكاح الفاسد، ووطء الشبهة، والإكراه. وإنما الشبهة في هذه المسألة، وه-ي مسألة التفويض لا غير، من حيث ذهاب معظم الأصحاب إلى التقييد وقصور دليله. وتوقف في المختلف لذلك، مقتصراً على حكاية القولين(2). وله وجه؛ لمعارضة الشهرة لقوة الدليل.

واعلم أنّ مهر المثل يثبت في مواضع كثيرة:

منها: ما ذكر هاهنا، وفي بابه اقتصر على بيان كيفيته.

ومنها: التسمية الفاسدة، وإذا نكح عدة نساء بمهر واحد. وقد تقدما في الباب(3).

ومنها: الوطء في النكاح الفاسد، والشبهة، والإكراه، وغير ذلك. قوله: «والمعتبر في المتعة بحال الزوج إلى قوله والفقير بالدينار أو الخاتم وما شاكله». المعتبر في المتعة الواجبة لمطلق المفوضة قبل الدخول وقبل أن يفرض لها فريضةً بحاله في اليسار والإقتار، كما نبه عليه تعالى بقوله: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعَ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(4). وروى الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) «إذا كان الرجل موسعاً عليه متع امرأته بالعبد والأمة، والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم»(5) الحديث.

ص: 635


1- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 80 وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 216؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 430.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 180 - 181، المسألة 100.
3- تقدما في ص 594 - 595 و 603 - 604.
4- البقرة (2): 236.
5- الكافي، ج 6 ، ص 105، باب متعة المطلقة، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 139 ، ح 484.

ولا تستحق المتعة إلّا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها.

وعن أبي بصير، قال قلت لأبي جعفر(علیه السلام): (وَلِلْمُطَلَّقَتِ مَتَنعُ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(1) ما أدنى ذلك المتاع إذا كان الرجل معسراً لا يجد؟ قال: «الخمار وشبهه»(2). وقد استفيد من الآية والرواية انقسام حاله إلى أمرين اليسار والإعسار، والأصحاب قسموها إلى ثلاثة نظراً إلى الواقع عرفاً، وعيّنوا لكلّ مرتبة أشياء على مقتضى العرف ومناسبة مدلول الأخبار، وهي غير منافية للقسمين؛ لأن مرجع الثلاثة إليهما. والمراد بالدابة الفرس. وهي قريبة من تمتيع الغني بالعبد والأمة. وفي معناها البغل والبعير المقارب لها في القيمة؛ لأنّ الحكم في ذلك التقريب العرفي لا التحديد. ويعتبر في الخاتم مسمّاه من ذهب وفضة. ويعتبر في الأحوال الثلاثة العرف بحسب حال البلد والوقت والشخص.

قوله: «ولا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها». الوجه في اختصاصها بذلك ثبوت الحكم لها بقوله تعالى: لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ)(3) مع أصالة البراءة في غير ما دلّت عليه الآية، فإنّ الظاهر من نفي الجناح عدم لزوم المهر أو بعضه بالطلاق على هذه الحالة، وهي طلاق المفوضة قبل المسيس وفرض مهر لها، وإلا فالجناح منفي عن الطلاق مطلقاً.

ثم أمر بالمتعة حينئذ، والأمر للوجوب. وروى الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، قال: «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً، وإن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء»(4) الحديث.

ص: 636


1- البقرة (2): 241.
2- الكافي، ج 6، ص 105 - 106، باب متعة المطلقة، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 140 ، ح 486.
3- البقرة (2): 236.
4- الكافي، ج 6 ، ص 106 ، باب ما للمطلقة التي لم يدخل بها من الصداق، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 142. ح 493.

ولا تجب المتعة لغير المذكورة، فلو حصلت البينونة بينهما بفسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله أو قبلها أو منهما فلا مهر ولا متعة؛ للأصل.

وقوى الشيخ في المبسوط ثبوتها بما يقع من قبله من طلاق وفسخ، أو من قبلهما، دون ما كان من قبلها خاصةً(1). وقوّى في المختلف وجوبها في الجميع(2).

والأقوى اختصاصها بالطلاق؛ عملاً بمقتضى الآية، ورجوعاً في غيره إلى الأصل. ومجرّد المشابهة قياس لا نقول به. وهذا هو الذي اختاره المصنّف والأكثر ومنهم الشيخ في الخلاف(3). نعم، يستحبّ المتعة لكلّ مطلقة وإن لم تكن مفوّضةٌ.

ولو قيل بوجوبه أمكن؛ عملاً بعموم الآية، فإن قوله تعالى: (وَمَتِّعُوهُنَّ)(4)، يعود إلى النساء المطلقات، وتقييدهنّ بأحد الأمرين لا يمنع عود الضمير إلى المجموع، ولقوله بعد ذلك: (مَتٰعَاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)(5) مع قوله: (وَلِلْمُطَلَّقَتِ مَتَٰعُ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المتّقِينَ)(6).

والمذهب الاستحباب. ويؤيّده رواية حفص بن البختري عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يطلق امرأته أيمتعها؟ قال: «نعم، أما يحب أن يكون من المحسنين؟ أما يحب أن يكون من المتّقين؟»(7). وهو يشعر بالاستحباب، وكذلك الإحسان يشعر به، مع أنّها لا تنافي الوجوب وروى الحلبي في الصحيح قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهراً ثمّ طلّقها، فقال: «لها مثل مهور نسائها ويمتّعها»(8). وهي صريحة في مجامعة المتعة

ص: 637


1- المبسوط، ج 3، ص 586.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 192 ، المسألة 21.
3- الخلاف، ج 4، ص 400، المسألة 46.
4- البقرة (2): 236.
5- البقرة (2): 236.
6- البقرة (2) 241
7- الكافي، ج 6، ص 104 - 105، باب متعة المطلقة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 8، ص 140 - 141، ح 487.
8- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 362 ، ح 1468؛ الاستبصار، ج 3، ص 225، ح 814.
الثالثة:لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز؛

لأنّ الحق لهما، سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل، وسواء كانا عالمين أو جاهلين أو كان أحدهما عالماً لأنّ فرض المهر إليهما ابتداءً فجاز انتهاء.

للمهر. والخبر معناه الأمر إلا أنّ الرواية مقطوعة، وربما وجدت متصلة بأبي عبدالله(علیه السلام). وسيأتي الخلاف في ثبوتها لو مات الحاكم قبل الحكم بالمهر في مفوضة المهر(1) . ولا فرق في ثبوت المتعة بين كون الزوج حرّاً وعبداً، والزوجة حرّةً وأمةً.

قوله: «لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز - إلى قوله فجاز انتهاء». قد عرفت أنّ المفوّضة لا تستحق المهر بنفس العقد(2)، ولكنّها ملكت أن تملك، فلها المطالبة بفرضه وتعيينه قبل الدخول لتعرف ما تستحق بالوطء أو الموت وما تنتظر بالطلاق قبله أو الفسخ. ثم إن اتفقت هي والزوج على قدر معيّن صح ولم يكن لها غيره؛ لأنّ الحق لهما ولا فرق بين كونه بقدر مهر المثل وأقلّ منه وأكثر، ولا بين علمهما بمقدار مهر المثل وجهلهما والتفريق، كما لا يشترط علمهما به لو عيناه في العقد. وليس لأحد منهما بعد اتفاقهما على الفرض الرجوع فيه مطلقاً.

وإن اختلفا، بأن فرض لها الزوج أقلّ ولم ترض به، فإن كان مفروضه بقدر مهر السنة فصاعداً ففي لزومه في طرفها وجهان، من أنه لو فوّض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه، وكذا الحاكم كما سيأتي(3)، ومن أنّ البضع يقتضي مهر المثل، والخروج عنه في بعض الموارد على خلاف الأصل فيقتصر عليه. وكون ذلك للحاكم مممنوع.

وإن كان أقلّ منه لم يقع بغير رضاها اتفاقاً. فحينئذ إن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر المثل من غير زيادة ولا نقصان، ما لم يتجاوز السنّة فيرد إليها، إن اعتبرنا ذلك في

ص: 638


1- سيأتي في ص 646.
2- تقدم في ص 632.
3- سيأتي في ص 644.
الرابعة:لو تزوّج المملوكة ثم اشتراها فسد النكاح

لو تزوّج المملوكة ثم اشتراها فسد النكاح ولا مهر لها ولا متعة.

الخامسة: يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة

ولا يتحقّق في الصغيرة ولا في الكبيرة السفيهة. ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهراً صح العقد، وثبت لها مهر المثل بنفس العقد. وفيه تردد، منشؤه أن الولي له نظر المصلحة، فيصح التفويض وثوقاً بنظره. وهو أشبه. وعلى التقدير الأوّل لو طلقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل.

وعلى ما اخترناه لها المتعة.

مهر المثل، وإلا لم يتقيّد بذلك. وهو الأقوى. وقد تقدّم(1). ويشترط حينئذ في صحة فرضه معرفته بمقدار مهر مثلها، وإلا لم يصح فرضه؛ لأنّ ذلك بمنزلة تقويم المتلفات، فيعتبر فيه معرفة القيمة وتقدير النفقات حيث ينتهي إليه. وقيل: لايصحّ فرض الحاكم مطلقاً؛ لأن الغرض منه إثبات المهر في ذمة الزوج، وذلك

منوط بتراضي الزوجين، ولا مدخل لغيرهما فيه(2).

ويضعّف بأن ذلك تعيين له لا إحداث، بل سببه حاصل منهما بالعقد، وإنّما الحاكم يقطع الخصومة بذلك بينهما ويرفع المنازعة، كما يقدّر النفقة الواجبة بالعقد أو مع التمكين المستند إلى الزوجين.

قوله: «لو تزوّج المملوكة ثم اشتراها فسد النكاح، ولا مهر لها ولا متعة. المراد أنه اشتراها قبل الدخول؛ إذ لو دخل وجب المهر قبل الشراء للبائع، سواء كانت مفوّضة أم لا. أما إذا اشتراها قبله فلا مهر لها عليه إن كان مسمّى بالعقد؛ لأن المهر لو ثبت لكان له كما سبق. ولا متعة على تقدير كونها مفوّضة لما ذكرناه، ولأنّ المتعة مختصة بالطلاق كما مرّ(3). قوله: «يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة - إلى قوله - وعلى ما اخترناه لها المتعة».

ص: 639


1- تقدّم في ص 633.
2- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 434.
3- مرّ في ص 637 .

لا كلام في صحّة التفويض من غير المولّى عليها؛ لأنّ الحق في ذلك لها، وأمر النكاح إليها، فلها الخيرة فيما شاءت من وجوهه الصحيحة شرعاً، والتفويض منها. وكذا مع تعيين المهر بدون مهر المثل. وأما المولّى عليها لصغر أو سفه أو بكارة - على القول به - فهل للولي أن يزوجها مفوّضة أو بدون مهر المثل؟ قولان، سبق الكلام في الثاني منهما (1)، وأن الأقوى جوازه مع المصلحة. وقد حكى المصنف فيهما هنا قولين: أحدهما: صحة العقد ويثبت لها مهر المثل بنفس العقد، ولا يتوقف على الدخول

كالمفوّضة. ونسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط(2). ووجهه أنّ تصرّف الولى منوط بمهر المثل وثمن المثل؛ لأن النكاح ملحق بالمعاوضات فيجب مراعاة عوض البضع، فإذا فرض دونه وقع فاسداً، فوجب مهر المثل كما لو فسد المهر بغيره. وقد تقدّم له نظائر(3). وكذا مع التفويض؛ لاشتماله على المعاوضة على البضع بدون مهر المثل على تقدير عدم الدخول، وهو ممتنع، ولو لم يجب مهر المثل بالعقد لكان تفويضاً صحيحاً، والمفروض عدمه.

والذي وجدته في المبسوط في موضعين الصحة ولزوم مهر المثل بالدخول. فأوّل الموضعين قوله فيه:

فأما من تجبر على نكاح لصغر أو بكارة فلا تكون مفوّضة البضع ومتى عقد وليّها مفوّضة لم تكن مفوّضة، ووجب مهر المثل بالعقد عند قوم وعندنا بالدخول(4).

ص: 640


1- سبق في ص 151 وما بعدها.
2- نسبه إليه السيد عميد الدين في كنز الفوائد، ج 2، ص 493؛ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 214: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 417؛ ويظهر ذلك من المبسوط، ج 3، ص 576؛ والخلاف، ج 4، ص 392 - 393، المسألة 37.
3- تقدّم في ص 596 و 611 وغيرهما.
4- المبسوط،ج3،ص 556.

وقال في الموضع الثاني:

من تجبر على النكاح من الصغيرة والبكر الكبيرة يجبرها أبوها أو جدها على النكاح. فمتى زوّجها مفوّضة البضع كان الحكم فيه كالحكم فيمن لا تجبر .سواء. وقال قوم لها

مهر المثل لا غير. ثم قال بعد ذلك:

فإذا ثبت هذا فإن أجبرها فزوجها مفوّضة لم يجب عليه ضمان المهر؛ لأنه قد وجب بالعقد(1).

وهذا الكلام الأخير ربما أوهم ما نقلوه عنه إلا أنه باتصاله بالأول ومنافاته له ظاهراً يمكن حمله على وجود سبب وجوبه بالعقد، لا على وجوبه حقيقة؛ لأنه ذكر في غير موضع

، أنّ المفوّضة ملكت بالعقد أن تملك المهر (2) وقال: كل موضع حكمنا بأنّها مفوّضة لم يجب لها بالعقد مهر ولا المطالبة بالمهر؛ لأن المهر ما وجب لها، لكن لها المطالبة بفرض المهر، والمهر يجب لها بالفرض أو بالدخول(3).

وكذلك صرّح في باب الأولياء بصحة تزويج الولي بدون مهر المثل؛ محتجاً بأن له العفو عن الصداق، فله أن يعقد على بعضه(4). وهذا كلّه موافق لما اختاره المصنّف من جواز تفويض الوليّ بضع المولى عليها. وزاد المصنف التقييد برعاية المصلحة. وهو حسن. إذا تقرر ذلك فنقول: إذا طلقها قبل الدخول في صورة التفويض بني على القولين، فإن جعلنا الواجب مهر المثل بالعقد كما نقله الشيخ عن بعضهم وجب لها نصف مهر المثل؛ لأنّ الواجب بالعقد يتنصف بالطلاق. وعلى القول بصحة التفويض تجب المتعة كما في كلّ مفوّضة.

ص: 641


1- المبسوط ، ج 3، ص 560.
2- المبسوط، ج 3، ص 558 و 560.
3- المبسوط، ج 3، ص 556.
4- المبسوط، ج 3، ص 411.

ويجوز أن يزوّج المولى أمته مفوّضة؛ لاختصاصه بالمهر.

السادسة: إذا زوجها مولاها مفوّضة ثم باعها

إذا زوجها مولاها مفوّضة ثم باعها كان فرض المهر بين الزوج والمولى الثاني إن أجاز النكاح. ويكون المهر له دون الأول.

ولو أعتقها الأول قبل الدخول فرضيت بالعقد كان المهر لها خاصة.

وأما على تقدير تزويجها بدون مهر المثل، فإنّ جوّزناه بالمصلحة فلها مع الطلاق قبل الدخول نصف المسمّى وإن أوقفناه على رضاها به بعد الكمال كما هو المشهور، فإن طلقها قبل الكمال فلها نصف المسمّى. وإن طلقها بعده روعي في الواجب رضاها به أو فسخه فيرجع إلى مهر المثل. وإن جعلنا الواجب حينئذ مهر المثل بالعقد، إلحاقاً لهذه التسمية

بالفاسدة حيث وقعت بغير عوض المثل، وجب بالطلاق نصف مهر المثل.

قوله: «ويجوز أن يزوّج المولى أمته مفوضة؛ لاختصاصه بالمهر». هذا كالمستثنى من الحكم السابق في تزويج المولى عليها مفوضة، حيث وقع فيها الخلاف بخلاف هذه، فإنّ جواز تفويض بضع الأمة اتفاقي وإن شاركت في الولاية عليها. والفرق ما أشار إليه المصنّف من أنّ المانع هناك لحق المولى عليه حيث عاوض على البضع بدون عوض مثله، وهنا الحق للسيّد؛ لاختصاصه بالمهر وهو الذي اختار ذلك فكان لازماً.

إذا تقرر ذلك، فإن بقيت على ملكه إلى أن دخل بها الزوج استقر ملكه على مهر المثل. وإن اتفق على فرضه هو والزوج قبل الدخول صح؛ لأنه يملك بالعقد ما تملكه المفوضة. ولحق المفروض حينئذ حكم المسمى في العقد.

قوله: «إذا زوجها مولاها مفوّضة ثم باعها - إلى قوله كان المهر لها خاصةً». هذا كالتتمة للمسألة السابقة، فإنّها دلّت على جواز تفويض المولى بضع أمته. ثم إن بقيت على ملكه فالحكم واضح. وإن خرجت عن ملكه، فإما أن تخرج بالانتقال إلى ملك آخر كالمشتري وشبهه أو تملك نفسها كالمعتقة. فإن كان الأوّل فقد تقدّم أنّ المنتقل إليه

ص: 642

[القسم]الثاني:تفويض المهر.

فهو أن يذكر على الجملة، ويفوّض تقديره إلى أحد الزوجين، فإذا كان الحاكم هو الزوج لم يتقدّر في طرف الكثرة ولا القلّة. وجاز أن يحكم بما شاء. ولو كان الحكم إليها لم يتقدّر في طرف القلّة، ويتقدّر في الكثرة؛ إذ لا يمضي حكمها فيما زاد عن مهر السنّة، وهو خمسمائة درهم.

يتخيّر في إجازة العقد وفسخه(1)، فإن فسخه بطل العقد، وتبعه المهر. وإن أجازه كان فرض المهر إليه وإلى الزوج. وإن أعتقت فتقديره إليها وإليه، فإن قدراه قبل الدخول استقرّ به و ملكته بالتقدير وإن بقيت مفوّضة إلى أن دخل فلها مهر المثل أو للمشتري. وهذا بخلاف ما لو أعتقت بعد تزويجها وتعيين المهر في العقد، فإنه يكون للمولى كما مرّ(2). والفرق أنّ المهر مع التعيين يملك بالعقد، والمالك لمهر الأمة هو السيد، بخلاف المفوّضة، فإن ملك المهر يتوقف على الفرض أو الدخول كما مرّ، فقبله لا مهر، وقد حصل الانتقال عن ملكه قبل تحققه فيكون لها لحدوثه على ملكها.

وأما المشتري فإنّه يملكه مع الإجازة على التقديرين. وقد سبق ما يفيد الوجه في ذلك(3).

قوله: «وأمّا الثاني وهو تفويض المهر - إلى قوله - وهو خمسمائة درهم». هذا هو القسم الثاني من قسمي التفويض، وهو أن يذكر المهر في العقد إجمالاً ويفوّض تقديره فيه إلى أحد الزوجين - وعليه اقتصر المصنف - أو إليهما معاً، ولا إشكال في جوازه أيضاً، وألحق بعضهم جعله لأجنبي غيرهما؛ لأنه وإن لم يكن منصوصاً بخصوصه إلا أنه في معنى التوكيل وقد تراضيا عليه، ولعموم قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «المؤمنون عند شروطهم»(4). ووجه المنع أن المهر حق يتعلّق بالزوّجين، فلا يتعدى إلى غيرهما بغير إذن شرعي. وهذا أجود.

ص: 643


1- تقدم في ص 493.
2- مرّ في ص 478.
3- سبق في ص 497 وما بعدها.
4- تقدّم تخريجه في ص 425، الهامش 1.

إذا تقرّر ذلك فعلى تقدير تفويضه إلى الزوج فتقديره إليه في جانب القلة والكثرة. أما في الكثرة فظاهر؛ لأنّ حكمه به على نفسه. وأما في جانب القلّة فلا يتقيد إلا بما يجوز جعله مهراً. وعلى تقدير تفويضه إليها لا يتقدّر في جانب القلة كما مرّ؛ لأنه حقها فلها الاقتصار على القليل. ويتقدّر في جانب الكثرة بمهر السنة عند جميع الأصحاب.

ومستند ذلك أخبارهم، كرواية زرارة عن الباقر(علیه السلام) في رجل تزوّج امرأة على حكمها، قال: «لا يجاوز بحكمها، مهر نساء آل محمد اثنتي عشرة أوقية ونش، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة». قلت: أرأيت إن تزوّجها على حكمه ورضيت؟ قال: «ما حكم به من شيء فهو جائز لها قليلاً كان أو كثيراً». قال، قلت: كيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها ؟ قال فقال: «لأنه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وتزوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السنّة، ولأنها هي حكمته وجعلت الأمر في المهر إليه ورضيت بحكمه في ذلك، فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً»(1).

وفي الحقيقة الفرق الواقع في الرواية بنفس الدعوى والسؤال قائم في جواز نقصانه عن مهر السنة وعدم جواز زيادتها، مع أنّ أبا بصير روى أيضاً عن أبي عبدالله(علیه السلام) وسأله عن الرجل يفوّض إليه صداق امرأته فنقص عن صداق نسائها - قال: «يلحق بمهر نسائها»(2) والشيخ جمع بين الروايتين بحمل هذه على ما إذا فوّض إليه الصداق على أن يجعله مثل مهر نسائها فقصر عنه، فإنه يلحق به، والأولى على ما إذا فوض إليه الأمر مطلقاً (3).

والظاهر أنّ الحكم المذكور موضع وفاق، وإلا فالرواية به لا تخلو من ضعف(4). وعلى تقدير تفويضه إلى الزوجين معاً يتوقف على اتفاقهما معاً عليه، كاتفاقهما على

ص: 644


1- الكافي، ج 5، ص 379 باب نوادر في المهر، 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 365 ، ح 1480.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 366 ، ح 1482: الاستبصار، ج 3، ص 230، ح 831.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 366، ذيل الحديث 1482؛ الاستبصار، ج 3، ص 230، ذیل الحدیث 831.
4- في حاشية «و»: «في طريقها الحسن بن زرارة، ولم ينص الأصحاب عليه بشيء من مدح ولا غيره. (المجلسي قدس سره)».

ولو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم أن يحكم، وكان لها النصف. ولو كانت هي الحاكمة فلها النصف ما لم تزد في الحكم عن مهر السنّة.

فرضه في القسم الأوّل. فإن اختلفا قال الشيخ في المبسوط : وقف حتى يصطلحا(1)، وتبعه العلامة(2). ولم يذكروا الرجوع هنا إلى الحاكم، ولو قيل به كان حسناً؛ لوجود المقتضي فيهما، مع اشتراكهما في عدم النصّ على الخصوص. ولم يذكروا حكم ما لو فوّض إلى أجنبي على القول بصحته، ولا نص يقتضيه. وينبغي له وللحاكم الاقتصار على مهر المثل؛ لأنّه عوض البضع ولأن الحاكم إذا كان غير الزوج أشبه المرأة فناسب أن لا يزيد عليه ويؤيد عدم النقصان عنه الرواية السابقة، وهي موافقة للحكم. ولم يوافقنا أحد من العامة على هذا القسم(3) بل جعلوه كالمهر الفاسد، وأوجبوا به مهر المثل(4).

قوله: «ولو طلقها قبل الدخول إلى قوله - ما لم تزد في الحكم عن مهر السنّة». إذا طلّق مفوّضة المهر - سواء كان قبل الدخول أم بعده - لم يبطل الحكم لكن إن كان الطلاق قبل الدخول ألزم من إليه الحكم به، وثبت لها نصفه. وحيث كان حكمها لا يتجاوز مهر السنة في حال الزوجية فبعدها أولى. وهذا بخلاف المطلقة في القسم الأول. ووجه خروجها عنها - مع شمول الآية لها من حيث العموم(5)، لصدق الطلاق قبل المسيس والفرض المقتضي للمتعة - صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعلیه السلام في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه - إلى أن قال : «فإن طلقها وقد تزوجها على حكمها لم تجاوز بحكمها على خمسمائة درهم فضّة مهور نساء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(6) .

ص: 645


1- المبسوط، ج 3، ص 560.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 567 ، الرقم 5214.
3- في حاشية «و»: «وهو تفويض المهر. (منه رحمه الله)».
4- مختصر المزني، ص 195 (ضمن الأُم، ج 9): المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 48، المسألة 5599.
5- البقرة (2): 236.
6- الكافي، ج 5، ص 379 باب نوادر في المهر ، ح 2: الفقيه، ج 3، ص 415، ح 4452؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 365، 1481؛ الاستبصار، ج 3، ص 230، ج 830.

ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول قيل : سقط المهر، ولها المتعة.

وقيل : ليس لها أحدهما. والأوّل مروي.

والرواية وإن اختصت بما لو كان الحاكم الزوجة في حالة الطلاق إلا أنه لا قائل بالفرق. واعلم أنّ ظاهر النصّ والفتوى أنها لو تجاوزت مهر السنّة حيث يكون الفرض إليها في الموضعين يقتصر على مهر السنّة بذلك الفرض ويبطل الزائد من غير أن يتوقف على فرض آخر. ويؤيده أن فرض المجموع يقتضي فرض بعضه، فيقتصر من إبطاله على ما دلّ عليه الدليل، ويبقى الباقي. ويحتمل إلغاء اللفظ حينئذ ، لمخالفته المشروع، وتوقف الفرض على حكم آخر. وتظهر الفائدة فيما لو ماتت قبله.

قوله: «ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول إلى قوله - والأوّل مروي». إذا مات الحاكم في مفوّضة المهر قبل الحكم فأكثر الأصحاب - ومنهم الشيخ في النهاية (1) وأتباعه (2)، والعلّامة فى المختلف(3)، وولده في الشرح(4)، والشهيد في شرح الإرشاد(5) - على أنّ لها المتعة؛ لصحيحة محمّد بن مسلم السابقة(6). عن الباقرعلیه السلام في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل دخوله بها: «لها المتعة والميراث، ولا مهر لها.

لا يقال: لا صراحة في الرواية على المدعى؛ لأن الميت يحتمل كونه الحاكم وكونه المحكوم عليه، ومع قيام الاحتمال يسقط الاستدلال؛ لأنّ المطلوب منها موت الحاكم.

ص: 646


1- النهاية، ص 472.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 206؛ والكيذري في إصباح الشيعة، ص 426؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 296.
3- مختلف الشيعة، ج 7، ص 161، المسألة 84.
4- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 219.
5- غاية المراد، ج 3، ص 107 - 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
6- سبقت في ص 645، مع تخريجها في الهامش 5.

لأنّا نقول: لفظها وإن احتمل ذلك بمجرده إلّا أنّ فيها ما ينفي كون الميت المحكوم عليه؛ لأنه ذكر فيها أن المحكوم عليه لو مات قبل الحكم لا يبطل الحكم، ويحكم الحاكم بعد ذلك، ويثبت ما يحكم به، وإذا كان الطلاق لا يسقط الحق مع بقاء الحاكم فلأن لا يسقط مع موت أحدهما مع بقائه أولى.

ووجه الأولوية بقاء حكم الزوجية بالموت دون الطلاق، ولا يضر اختلاف الحق حيث إنه هنا المتعة وهناك المهر المحكوم به لاشتراكهما في أصل الاستحقاق وإنّ فرق النص بينهما في المقدار.

وأيضاً فموت المحكوم عليه خارج بالإجماع على أنه لا أثر له في وجوب المتعة، فيبقى الآخر.

وأيضاً فإنّ حضور المحكوم عليه غير شرط في صحة الحكم، وحيث شرط تقدير المهر للحاكم ولزم في الابتداء استصحب إلى أن يثبت المزيل، فما دام الحاكم حيّاً لا يثبت المزيل، وإذا مات تعذر الحكم فناسب وجوب المتعة، حيث إنهما لم يقدما على عدم المهر هنا، فلا يجوز خلوّ البضع عن عوض، وهو إما مهر المثل أو المتعة، فإذا ثبت الثانية بالنصّ انتفى الآخر، بخلاف مفوّضة البضع ؛ لقدومها على عدم المهر بدون الدخول أو الفرض، فإذا مات الحاكم فيها فلا شيء.

وذهب العلّامة في القواعد إلى ثبوت مهر المثل هنا(1). ووجهه أن المهر مذكور في العقد ! غايته أنه لم يتعيّن، فإذا تعذر تعيينه بموت الحاكم وجب الرجوع إلى مهر المثل؛ لأنه عوض البضع حيث لا معين سواه. ويضعف بأنّ مهر المثل إنّما يكون عوضاً للبضع مع استيفائه بالوطء أما مع تجرّده عنه فلا.

ومجرّد العقد لا يقتضيه شرعاً. وليس هذا كشرط المهر الفاسد أو المبهم حيث وجب

ص: 647


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 82.

مهر المثل؛ للاتفاق على كونه شرطاً صحيحاً غايته كون تعيين المهر موقوفاً على بيان الحاكم، فإذا مات المبين لا يلزم الانتقال إلى مهر المثل.

وأيضاً فقد بيّنا أنّ مهر المثل إنّما يلزم على تقدير إبهام المهر بالدخول لا بالعقد، وهو منتف هنا.

وذهب ابن إدريس إلى عدم ثبوت شيء مع موت الحاكم قبله، ولا يقدح فيه موت المحكوم عليه، فيحكم الحاكم بعده، ويلزمه إن كان هو الزوج، ويرث ما يحكم به هو وورثتها. إلا أنه فرض كلّ قسم في صورة مخصوصة، ففرض عدم ثبوت شيء مع موتها وكونها الحاكمة، وبقاء الحكم مع موتها وكون الزوج هو الحاكم (1). فألزمه في المختلف خرق الإجماع حيث ذهب إلى الفرق بين كون الميت الرجل والمرأة(2). وهو غير لازم له؛ لأنّه لم يفرّق بينهما من حيث كون الميت حاكماً أو محكوماً عليه، وإنما لم يستوف الأقسام كما ذكرناه. وما ذكره مذهب الشيخ في الخلاف(3) وظاهر ابن الجنيد (4). وحجته أن مهر المثل لا يجب إلا بالدخول، والمتعة لا تجب إلا بالطلاق كما تقتضيه الآية(5). والأصل براءة الذمة من شيء آخر في غير ذلك. وإلحاق الموت بالطلاق قياس(6).

وجوابه: أنا لم نلحقه بالطلاق قياساً،بل بالرواية الصحيحة (7). نعم، هو لايعتبر خبر

ص: 648


1- السرائر، ج 2، ص 587.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 162، المسألة 84.
3- الخلاف، ج 4، ص 378، المسألة 18.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 161، المسألة 84.
5- البقرة (2) 236.
6- السرائر، ج 2، ص 587.
7- راجع ص 645،الهامش 5.

الواحد، فلا تفيد الرواية عنده، لكنّها عند غيره كافية في الدلالة.

والعلّامة في الإرشاد اقتصر على نقل القول بالمتعة وعدم وجوب شيء من غير ترجيح (1). وفي التحرير اقتصر على المتعة ناسباً لها إلى الرواية، مؤذناً بالتردّد(2). وكذلك المصنف نسب الحكم بها إلى الرواية.

ووجه التردّد النظر إلى صحتها، والالتفات إلى أن المتعة مخصوصة بالطلاق. واعلم أن القول بوجوب مهر المثل لا نعلمه لغير العلّامة في القواعد(3)، ولكنّه في المختلف نسب إلى المبسوط أنه جعل في المسألة قولين:

أحدهما: مهر المثل، والآخر عدم المهر، واختار الثاني(4)؛ وكذلك نقل عنه الشهيد في الشرح.

وزاد: أنّه غير دال على سقوط المتعة، لصدق نفي المهر وثبوت المتعة(5). وفي هذا النقل نظر؛ لأنّ الشيخ إنما ذكر هذه العبارة والخلاف المذكور في مفوّضة البض وأما مفوّضة المهر فلم يذكر حكم موت الحاكم فيها أصلاً.

وعذره واضح؛ لأنّه متتبع فيه لفروع المخالفين وغير ملتفت إلى فروع أصحابنا، كما ذكره في غير موضع منه، وهم لا يرون لمفوّضة المهر هذه الأحكام، بل يجعلونها كفارضة المهر المجهول فيوجبون لها مهر المثل، واختلفوا في ثبوته بالدخول أو بالعقد.

وفرّعوا عليه ما لو طلّقها قبل الدخول، فمنهم من أوجب نصف مهر المثل(6)، ومنهم من

ص: 649


1- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 16.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 567، الرقم 5214.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 82.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 161. المسألة 84؛ ولقول الشيخ راجع المبسوط ، ج 3، ص 557.
5- غاية المراد، ج 3، ص 107 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).
6- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 52 المسألة 5604.
الطرف الثالث: في الأحكام
اشارة

وفيه مسائل:

مسائل:
الأولى:إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر

اذا دخل الزوّج قبل تسليم المهر كان ديناً عليه ولم يسقط بالدخول، سواء طالت مدتها أو قصرت طالبت به أو لم تطالب. وفيه رواية أخرى مهجورة.

أوجب المتعة (1)؛ عملاً بعموم الآية(2). وفي المبسوط اقتصر على نقل ذلك ثم قال: والذي تقتضيه أخبارنا أنّه إذا علّق بمشيئة الرجل فمهما حكم به وجب، وإن علق بها لم تتجاوز مهر السنّة، وإن علّق بهما وقف حتى يصطلحا(3).

فهذا جملة ما ذكره في مفوّضة المهر، ومع ذلك فنقله للقولين المذكورين في المسألة الأولى عن المخالفين لا عن أصحابنا، لما نعلم من عادته في هذا الكتاب. فظهر أن القول في هذه المسألة بمهر المثل لا يعرف إلّا للعلّامة في القواعد(4).

قوله: «إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان ديناً عليه - إلى قوله - وفيه رواية أُخرى مهجورة».

أراد بالرواية الجنس وإلا فهي روايات كثيرة معتبرة الإسناد، متضمّنة أنّ الدخول يهدم العاجل ويوجب براءته من المهر، سواء كانت قد قبضت منه شيئاً أم لا، منها صحيحة الفضيل عن أبي جعفر(علیه السلام) في رجل تزوج امرأة فدخل بها وأولدها ثم مات عنها، فادعت شيئاً من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث، قال فقال: «أمّا الميراث فلها أن تطلبه، وأما الصداق فإنّ الذى أخذت من الزوج قبل أن تدخل عليه فهو

ص: 650


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 52 المسألة 5604.
2- البقرة (2): 236.
3- المبسوط، ج 3، ص 560.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 82.

الذي حلّ للزوج به فرجها، قليلاً كان أو كثيراً، إذا هي قبضته منه وقبلته ودخلت عليه فلا شيء لها بعد ذلك»(1).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن الرجل والمرأة يهلكان جميعاً، فتأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق، فقال: «وقد هلكا وقسم الميراث؟» فقلت: نعم. قال: «ليس لهم شيء». قلت: فإن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها، فقال: «لا شيء لها وقد أقامت معه مقرّة حتّى هلك زوجها» - إلى أن قال - قلت: متى حدّ ذلك الذي إذا طلبته لم يكن لها ؟ قال: «إذا أهديت إليه ودخلت بيته وطالبت بعد ذلك فلاشيء لها، إنّه كثير لها أن تستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير»(2).

وموثّقة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يدخل بالمرأة ثم تدعي عليه مهرها، فقال: «إذا دخل بها فقد هدم العاجل»(3).

ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفرعلیه السلام، في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعي عليه مهرها، قال: «إذا دخل عليها فقد هدم العاجل»(4). وفي معناها غيرها.

وعمل بمضمون هذه الأخبار بعض الأصحاب(5)، لكنّها بعيدة عن أُصول المذهب، بل

ص: 651


1- الكافي، ج 5، ص 385، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 359،ح 1459: الاستبصار، ج 3، ص 222، ح 805.
2- الكافي، ج 5، ص 385 - 386، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 359 . ح 1460؛ الاستبصار، ج 3، ص 222، ح 806.
3- الكافي، ج 5، ص 383 باب أن الدخول يهدم العاجل، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 359، ح 1461؛الاستبصار، ج 3، ص 222، ح 807.
4- الكافي، ج 5، ص 383 باب أنّ الدخول يهدم العاجل، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360 ، ح 1462؛الاستبصار، ج 3، ص 223، ح 808.
5- منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه ص 294.

إجماع الأمّة، معارضة لما دلّ على ثبوت المهر في ذمة الزوج على كل حال من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: (وَءَاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَةً)(1) الشامل بعمومه لموضع النزاع. وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في الحسن قال، قلت لأبي الحسن(علیه السلام): الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم فيدخل بها قبل أن يعطيها ؟ فقال: «يقدّم إليها ما قل أو كثر، إلا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث أُدي عنه فلا بأس»(2).

وروى الفضيل بن يسار - في الصحيح - عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يتزوج المرأة ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زنى(3). وغير ذلك من الأخبار الكثيرة.

والشيخ حمل الأخبار السابقة على دعوى الزوجة المهر بغير بيّنة(4)، فإنّها لا تسمع. واستشهد عليه برواية الحسن بن زياد عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا دخل الرجل بامرأته ثمّ ادعت المهر، وقال: قد أعطيتك، فعليها البينة وعليه اليمين»(5).

قال الشيخ: ولو كان الأمر على ما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنه إذا دخل بها هدم الصداق لم يكن لقوله: « عليها البينة وعليه اليمين معنى؛ لأن الدخول قد أسقط الحق فلا وجه

لإقامة البينة ولا اليمين(6) . وفي هذا الحمل نظر؛ لأنّ الخصم يستند إلى تلك الأخبار، وهي صريحة في إسقاط الدخول المهر، ولا يضره هذا الخبر؛ لأنّها أصح منه سنداً وأكثر. مع أنّ في هذا الخبر - مع

ص: 652


1- النساء (4): 4.
2- الكافي، ج 5، ص 413، باب الرجل يتزوج فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 358 ، ح 1455؛ الاستبصار، ج 3، ص 221، ح 801، وفيها: «كثر» بدل «أكثر».
3- الكافي، ج 5، ص 383 باب من يمهر المهر ولا ينوي قضاءه، ح 3.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360، ذيل الحديث 1462.
5- الكافي، ج 5، ص 386، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360، ح 1463، و ص 376 ، ح 1521؛ الاستبصار، ج 3، ص 223، ح 809.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360، ذيل الحديث 1463؛ الاستبصار، ج 3، ص 223، ذیل الحدیث 809.

والدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلاً أو دبراً. ولا يجب بالخلوة. وقيل: يجب. والأوّل أظهر.

تسليم سنده - إشكالاً، من حيث إنّ المهر إذا تعيّن في ذمّة الزوج فهو المدعي للإيفاء وهي المنكرة، فتكون البينة عليه لا عليها . نعم، لو كان النزاع في التسمية وعدمها مع عدم الدخول أمكن توجّه ذلك. وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى(1).

قوله: «والدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلاً أو دبراً - إلى قوله - والأول أظهر». اتفق الأصحاب على أنّ الوطء الموجب للغسل يوجب استقرار ملك جميع المهر للمرأة. واختلفوا في أنه هل يقوم غير الوطء من مقدماته كالخلوة - مقامه في ذلك؟ على أقوال منشؤها اختلاف الأخبار أيضاً، فذهب الأكثر إلى عدمه، وأن الخلوة وباقي المقدمات لا تكفي في إيجاب المهر.

وذهب جماعة من المتقدمين(2) إلى أنّ الخلوة توجب المهر ظاهراً حيث لا يثبت شرعاً عدم الدخول، وأما باطناً فلا يستقر المهر جميعه إلا بالدخول. وأطلق بعضهم كالصدوق وجوبه بمجرّد الخلوة(3). وأضاف ابن الجنيد إلى الجماع إنزال الماء بغير إيلاج، ولمس العورة، والنظر إليها، والقبلة متلذذاً بذلك(4). والمعتمد الأول لنا: قوله تعالى: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(5). والمراد من المش هنا الجماع للإجماع على أن مطلق المس غير موجب للجميع، فتنتفي إرادة مطلق المس، وهو منحصر في الأمرين إجماعاً. ويؤيده روايات كثيرة، كرواية محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) يجب المهر؟ قال: «إذا دخل بها»(6).

ص: 653


1- يأتي في ص 720.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 471: وابن البراج في المهذب، ج 2، ص 204.
3- المقنع، ص 327.
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 156، المسألة 82.
5- البقرة (2) 237.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464. ح 1860: الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 818.

ورواية يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج»(1).

ورواية حفص بن البختري عنه(علیه السلام) في رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة»(2).

ورواية محمّد بن مسلم عنه(علیه السلام) قال : سألته عن الرجل والمرأة متى يجب عليهما الغسل؟

قال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم»(3). وروى زرارة - في الصحيح - قال: سألت أبا جعفرعلیه السلام، عن رجل تزوج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها، أو تزوّج رتقاء، فأدخلت عليه، فطلقها ساعة أدخلت عليه؟ قال: «هاتان ينظر إليهن من يوثق به من النساء، فإن كن كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها، ولا عدة عليهن منه»(4).

ويؤيّده الروايات الواردة في العنّين وأنه ينظر سنةً فإن واقع فيها وإلا فسخت نكاحها ولها نصف المهر مع تحقق الخلوة في السنة (5) وغيرها من المقدّمات. واحتج الفريق الثاني بروايات كثيرة أيضاً، منها رواية زرارة عن أبي جعفر علیه السلام، قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة ثمّ خلا بها، فأغلق عليها باباً أو أرخى ستراً، ثمّ طلّقها فقد وجب الصداق، وخلاؤه بها دخول»(6).

ص: 654


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464، ح 1859: الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 817.
2- الكافي، ج 6، ص 109، باب ما يوجب المهر كملاً، ح 2 مع تفاوت يسير؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464،ح 1861؛ الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 819.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464، ح 1862؛ الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 820.
4- الكافي، ج 6 ، ص 107، باب ما للمطلقة التي لم يدخل بها من الصداق، ح 5 مع تفاوت كثير؛ تهذيب الأحكام ج 7،ص 465،ح 1866.
5- الكافي، ج 5، ص 411، باب الرجل يدلّس نفسه والعنين، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 429 ، ح 1709؛ الاستبصار، ج 3، ص 251، ح 899.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464. ح 1863؛ الاستبصار، ج 3، ص 227،ح 821.

ورواية إسحاق بن عمّار عن الصادق(علیه السلام) عن أبيه أن علياً كان يقول: «من أجاف من الرجال على أهله باباً أو أرخى ستراً فقد وجب عليه الصداق»(1).

ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعلیه السلام، قال: سألته عن المهر متى يجب؟ قال: «إذا أُرخيت الستور وأُجيف الباب»(2) الحديث. وفي معناها غيرها(3).

والصدوق عبّر في المقنع (4)بمتن رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام، قال، قلت له: الرجل يتزوّج المرأة فيرخي عليه وعليها الستر أو يغلق الباب، ثمّ يطلقها، فتسأل المرأة هل أتاك؟ فتقول: ما أتاني، ويسأل هو هل أتيتها؟ فيقول: لم آنها. فقال: «لايصدقان، وذلك لأنها تريد أن تدفع العدة عن نفسها، ويريد هو أن يدفع المهر»(5).

ونقل الشيخ(رحمه الله) عن الثقة الجليل محمد بن أبي أنه كان يقول:

عمير إن الأحاديث قد اختلفت في ذلك، فالوجه في الجمع بينها أن على الحاكم أن يحكم بالظاهر ويلزم الرجل المهر كله إذا أرخى الستر، غير أن المرأة لا يحل لها فيما بينها وبين

الله تعالى أن تأخذ إلا نصف المهر(6).

وتبعه عليه الشيخ(7) وأتباعه(8).

والحقّ أنه ليس في الأخبار على كثرتها واختلافها خبر صحيح إلّا خبر زرارة الذي

ص: 655


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464 ، ح 1864؛ الاستبصار، ج 3، ص 227، ح 822.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 465 - 466، ح 1867؛ الاستبصار، ج 3، ص 228، ح 825 .
3- الكافي، ج 1، ص 109، باب ما يوجب المهر كملاً،ح 7 : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464، ح 1863:الاستبصار، ج 3، ص 227 ، ح 821.
4- المقنع، ص 327.
5- الكافي، ج 6، ص 110، باب ما يوجب المهر كملاً، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 465، ح 1865؛ الاستبصار، ج 3، ص 227، ج 823.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 467، ذيل الحديث 1869.
7- راجع تهذيب الأحكام، ج 7، ص 467 ، ذيل الحديث 1869؛ والنهاية، ص 471.
8- منهم ابن البراج في المهذب، ج 2، ص 204: وابن حمزة في الوسيلة، ص 298.
الثانية: قيل: إذا لم يسم لها مهراً

اذا لم یسم لها مهراً وقدم لها شيئاً، ثم دخل بها كان ذلك مهرها. ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول، إلا أن تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره. وهو تعويل على تأويل رواية، واستناد إلى قول مشهور.

نبهنا على صحته(1)، وهو دالّ على المذهب الأول، إلا أن فيه إشكالاً؛ لأنه حكم في آخره أنّ موت الزوج يوجب تنصيف المهر كالطلاق، والأشهر خلافه.

فبقي الاعتماد في القول الأول على الآية (2) والأصل. وأما إلحاق ابن الجنيد بالوطء ما ذكره من مقدماته(3). فلم نقف له على شاهد بخصوصه.

قوله: «قيل: إذا لم يسمّ لها مهراً وقدم لها شيئاً - إلى قوله - واستناد إلى قول مشهور». هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، خصوصاً المتقدمين منهم(4)، ولاشتهاره وافقهم ابن إدريس عليه مستنداً إلى الإجماع. قال ابن إدريس: دليل هذه المسألة الإجماع المنعقد منهم بغير خلاف، وفيه الحجة ولا وجه لذلك إلا الإجماع (5). و مستندهم على ذلك الروايات السابقة الدالة على أن الدخول يوجب سقوط المطالبة بالمهر ، كرواية الفضيل بن يسار الصحيحة عن الباقرعلیه السلام(6)، فإن الشيخ حملها على ما إذا لم يكن قد سمّى مهراً معيناً، وساق إليها شيئاً ودخل ولم يفرض، فيكون ذلك مهرها. ق--ال الشيخ: يدلّ على صحة التأويل قوله في رواية الفضيل: «الذي أخذته قبل أن يدخل بها فهو الذي حلّ له به فرجها، وليس لها بعد ذلك شيء»(7).

ص: 656


1- في ص 654.
2- البقرة (2) 237.
3- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 156، المسألة 82.
4- منهم الشيخ المفيد في المقنعة ص 509؛ والشيخ الطوسي في النهاية، ص 470.
5- السرائر، ج 2، ص 581.
6- سبق تخريجها في ص 652 الهامش 1.
7- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360، ذيل الحديث 1463: الاستبصار، ج 3، ص 223، ذيل الحديث 809.

ونبّه المصنّف بقوله «وهو تعويل على تأويل رواية على أنّ ذلك ليس مدلول الرواية. وإنّما هو مجرد التأويل. ولا فرق في مخالفة القواعد الشرعية بين حملها على المعنى السابق من أنّ الدخول يهدم المهر وبين حملها على جعل ما يقدمه مهراً خاصةً، سواء رضيت به أم لم ترض؛ لأنّ سكوتها والدخول بها لا يقتضي رضاها به مهراً، بل هو أعم منه والعام لا يدلّ على الخاص.

والموافق للأُصول الشرعيّة أنّها إن رضيت به مهراً لم يكن لها غيره، وإلا فلها مع الدخول مهر المثل. ويحتسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرّع كالهدية. ويمكن حمل الرواية على الشق الأوّل لئلا تخالف غيرها من الأدلّة.

وأما تعليل المفيد لها ب: أنّها لو لم ترض به مهراً ما مكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه أو توافقه على ذلك، وتجعله ديناً عليه في ذمته(1).

فمنعه ظاهر؛ إذ لا يلزم من عدم رضاها عدم تمكينها من نفسها، وجاز اعتمادها في ذلك على ما يلزم شرعاً بالدخول، وهو مهر المثل.

وفي المختلف حملها على أنه قد كان في الزمن الأوّل لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر، فلعل منشأ الحكم العادة، قال:

والعادة الآن بخلاف ذلك، فإن فرض أن كانت العادة في بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدّم، وإلا كان القول قولها(2).

وأما دعوى ابن إدريس الإجماع على ذلك(3) فمبني على جعل المشهور أو ما لا يظهر فيه المخالف إجماعاً ، وحجيته على هذا الوجه ممنوعة، خصوصاً على قواعد ابن إدريس.

ص: 657


1- المقنعة ص 509 - 510.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 155، المسألة 81 مع اختلاف.
3- السرائر، ج 2، ص 581.
الثالثة:إذا طلّق قبل الدخول كان عليه نصف المهر.

ولو كان دفعه استعاد نصفه إن كان باقياً، أو نصف مثله إن كان تالفاً، ولو لم يكن له مثل فنصف قيمته. ولو اختلفت قيمته في وقت العقد ووقت القبض لزمها أقل الأمرين. ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة قيل: كان له نصف القيمة، ولا يجبر على أخذ نصف العين. وفيه تردّد.

أما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعاً. وكذا لو زادت

قيمته لزيادة السوق، إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين. ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف قيمته من دون الزيادة، ولا تجبر المرأة على دفع العين على الأظهر. ولو حصل له نماء كاللبن والولد كان للزوجة خاصةً، وله نصف ما وقع عليه العقد.

قوله: «إذا طلّق قبل الدخول كان عليه نصف المهر - إلى قوله - وله نصف ما وقع عليه العقد.

إذا طلق الزوج قبل الدخول وكان قد سمّى مهراً رجع إليه نصف المهر واستقر ملكه عليه، على ما سيأتي من الخلاف في أنه هل يخرج جميعه عن ملكه ثم يعود إليه النصف، أم لا يخرج سوى النصف(1)؟ فإنّ ملكه حينئذ للنصف متحقق على القولين. ثم لا يخلو إما أن يكون ديناً أو عيناً. وعلى الثاني إما أن يكون قد دفعه إليها قبل الطلاق أم لا. وعلى التقديرين إما أن يجد عينه باقية، أم تالفة وعلى تقدير وجودها باقية إما أن تكون بحالها، أو زائدة، أو ناقصة أو هما بأن تكون زائدة من وجه وناقصة من آخر. وعلى تقدير الزيادة إما أن تكون في العين أو الصفة، أو المشوبة بهما، أولا ولا كزيادة السوق. وزيادة العين إما متصلة، أو منفصلة. والنقصان إما في العين، أو الصفة، أو في القيمة كنقصان

ص: 658


1- سيأتي في ص 669.

السوق والمصنّف قد أشار إلى أقسام المسألة إجمالاً، ونحن نشير إليها تفصيلاً في مباحث:

ال الأوّل: أن يكون ديناً في ذمته، فإذا طلقها قبل الدخول برئ من نصفه، ووجب عليه دفع النصف. وهو واضح.

الثاني: أن يكون عيناً ولم يسلّمها، فإن كانت باقية إلى حين الطلاق بغير زيادة ولا نقصان استحق نصفها حينئذ، وصارا شريكين. وإن زادت فالزيادة لها إن كانت بفعل الله تعالى. وسيأتي بحثها(1). وإن زادت بفعله كما لو صبغ الثوب فهو بمنزلة الغاصب؛ إذ الأصح كما سيأتي (2)- أنها تملك المهر بأجمعه بالعقد، فليس له حينئذ التصرف فيه بغير إذنها كغيره. ولم يقع البحث في ذلك هنا؛ لأنّ ذلك خارج عن الفرض، وإنما يرجع إلى تصرف الأجنبي في مال الغير، ومحلّه باب الغصب. وإن نقصت كان النقص مضموناً عليه. وقد تقدّم(3) . وإن تلفت رجعت عليه بقيمة النصف أو مثله. وقد تقدّم أيضاً ما يدلّ عليه(4).

الثالث: أن يكون قد سلّمه، وهو موضع البحث هنا، فإن وجده تالفاً رجع بنصف مثله إن

كان مثليّاً ونصف قيمته إن كان قيميّاً.

ثم إن اتفقت قيمته من حين العقد إلى حين القبض فلا إشكال. وإن اختلفت رجع بأقل القيم؛ لأنّ قيمته يوم العقد إن كانت هي الأكثر منها حين قبضها فما نقص قبل القبض ك-ان مضموناً عليه فلا يضمنها ما هو في ضمانه، وإن كانت القيمة يوم القبض أكثر فما زاد بعد العقد لها، فلا يضمنها ما هو ملكها.

وفي حكم التلف ما لو انتقل عن ملكها انتقالاً لازماً كالعتق والبيع والهبة اللازمة، وإن عادت العين بعد أخذه العوض. ولو كان الانتقال غير لازم لها فالأقوى تخيّرها بين الرجوع

ص: 659


1- سيأتي في ص 661 - 662.
2- يأتي في ص 683.
3- تقدّم في ص 620.
4- تقدّم في ص 618.

فيرجع في العين، وعدمه فينتقل إلى البدل. وحكمه لو عاد بعده كالسابق. ولو كان الانتقال غیر مخرج عن الملك كالرهن والإجارة تخيّر بين الصبر إلى الفك وتعجيل أخذ البدل. وحيث يرجع بالقيمة ففي رجوعه بنصف قيمته أو قيمة نصفه وجهان أجودهما الثاني؛ لأنّ حقه النصف فإذا فات قدر كذلك لا منضماً إلى الجملة؛ إذ لا يلزمها تقويم ملكها معه، وربما كانت القيمة للمجموع أكثر من قيمة النصف منفرداً.

واختار المصنّف كالأكثر الثاني(1).

الرابع: أن يجد العين ناقصة، فإن كان نقصان عين كعور الدابة، أو صفة كنسيان الصنعة، ففي كيفية رجوعه أقوال:

أحدها: و هو الذي حكاه المصنّف، أنّ الزّوج يتخيّر بين الرجوع بنصف القيمة سليماً وبين أخذ نصف العين من غير أرش. وهو اختيار الشيخ في المبسوط(2). أما أخذ نصف العين؛ فلقوله تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(3) وهذه هي المفروضة وإن كانت قد نقصت. وأما عدم الأرش فلحدوث النقص في يدها والعين ملكها فلا يكون مضموناً عليها، بخلاف ما لو تعيبت العين في يده، فإنه حينئذ ملكها فيكون مضموناً عليه، فلها أن ترجع عليه بالأرش كما مرّ(4).

وأما الرجوع بالقيمة فلتنزيل العين بالتغيير منزلة التالفة؛ لأنّها على هذه الحالة غير ما فرض.

وحينئذ فيرجع عليها بأقل الأمرين من نصف قيمته يوم الصداق ويوم القبض كما مرّ(5).

ص: 660


1- لظاهر أن قوله: «الثاني» سهو من قلمه الشريف، والصحيح: الأول؛ إذ المصنّف صرّح بلزوم نصف القيمة.
2- المبسوط، ج 3، ص 535.
3- البقرة (2) 237.
4- مرّ في ص 621.
5- مرّ في ص 659.

ويشكل بأنّ العين المفروضة إن كانت بهذه الحالة قائمة فاللازم أخذها من غير انتقال إلى القيمة. وإن كانت بهذا التغيير غير المفروضة - كما اعترفوا به - فلا وجه للرجوع بالعين. وأيضاً فالعين على تقدير تلفها مضمونة على الزوجة كما مرّ، فتكون أجزاؤها وصفاتها كذلك. وكما أنّ ضمان أصل العين بالقيمة فضمان الصفة والجزء بالأرش.

والحق أنّ العين لا تخرج عن حقيقتها بالتعيب، فيرجع بنصفها وبنصف الأرش. وهذا هو القول الثاني في المسألة(1). ومما قرّرناه يظهر وجه تردّد المصنف.

وثالثها: التفصيل بأنّ النقص إن كان من فعلها أو بفعل الله تخيّر بين أخذ نصفه ناقصاً وبين تضمينها نصف قيمته، وإن كان من قبل أجنبي لم يكن له سبيل على المهر، وضمنها نصف القيمة يوم قبضه. وهو قول ابن البرّاج (2). وضعفه يظهر مما تقدم.

وإن كان نقصان جزء كما إذا أصدقها عبدين فتلف أحدهما في يدها، ففيه أوجه أصحها أخذ نصف الباقي ونصف قيمة التالف. وسيأتي البحث فيه(3). وإن وجده ناقصاً نقصان قيمة مع بقاء العين على حالها رجع بنصف العين من غير شيء آخر قطعاً؛ لأنّها عين ما فرض بغير إشكال.

الخامس: أن يجده زائداً، فإن كانت الزيادة بمجرد قيمة السوق أخذ نصف العين كما لو نقصت كذلك.

وإن كانت منفصلة كالولد واللبن والكسب فهي للمرأة؛ لأنّها نماء ملكها، سواء حدث في يدها أو يد الزوج، ويختص الرجوع بنصف الأصل.

وإن كانت متصلةً، سواء كانت الزيادة عيناً كالسمن أو صفة كتعليم الصنعة والسورة وقصارة الثوب، أم عيناً من وجه وصفة من آخر كصبغ الثوب، لم يستقل الزوج بالرجوع إلى

ص: 661


1- قال به العلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 82 83 ، واختاره الشارح.
2- المهذب، ج 2، ص 208.
3- يأتي في ص 680 - 681.

نصف عين الصداق؛ لأنّ الزيادة ملكها ولا يمكن فصلها، ولا تجبر على بذلها مجاناً ولا بالعوض، لكنها تتخيّر حينئذ بين دفع نصف العين المشتمل على الزيادة، وبين بذل نصف القيمة مجرّدةً عنها.

فإن سمحت ببذل العين أجبر على القبول؛ لأنّ النفع عائد إليه، وأصل حقه في العين؛ عملاً بظاهر الآية(1)، وإنّما منع تعلّق حقها بها الذي لا يمكن فصله، فإذا سمحت ببذله زال المانع. ويحتمل عدم وجوب قبوله العين، لما فيه من المنّة. وفيه: أنّ الصفة تابعة لا تفرد بالتصرف، فلا تعظم فيها المنّة على وجه يمنع من قبول الحق. ولا يمنع الزيادة المتصلة الاستقلال بالرجوع إلا في هذا الموضع. أما في غيره، كما إذا أفلس المشتري بالثمن وأراد البائع الرجوع في المبيع مع الزيادة المتصلة، أو أراد الواهب الرجوع في العين مع الزيادة، أو ردّ المشتري المبيع بالعيب وأراد الرجوع في العوض المشتمل على الزيادة المتصلة، فلا منع في الجميع. والفرق أنّ الملك فى هذه المسائل يرجع بطريق الفسخ والفسخ إما أن يرفع العقد من أصله أو من حينه . فعلى الأوّل يصير الأمر كأنّه لا عقد وحدثت الزيادة على ملك الأوّل. وعلى الثاني فالفسوخ محمولة على العقود ومشبهة بها، والزيادة تتبع الأصل في العقود فكذلك في الفسوخ.

وعود الملك في تشطير الطلاق ليس على سبيل الفسخ بل ملك مبتدأ. ألا ترى أنّه لو سلّم العبد الصداق من كسبه ثمّ أعتق وطلّق قبل الدخول يكون الشطر له لا للسيد؟ ولو كان سبیله سبيل الفسوخ لعاد إلى الذي خرج عن ملكه. وإنّما هو ابتداء ملك يثبت فيما فرض ،صداقاً، قال الله تعالى:(فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(2) وليست الزيادة الحادثة ممّا فرض، فلايعود إليه شيء منها.

ونبه المصنّف بقوله «ولا تجبر المرأة على الأظهر على خلاف الشيخ في المبسوط

ص: 662


1- البقرة (2) 237.
2- البقرة (2) 237.

ولو أصدقها حيواناً حاملاً كان له النصف منهما.

حيث قال - بعد أن قوّى تخيّرها - ويقوى في نفسي أنّ له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا تتميز، لقوله تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(1).

ولا يخفى ضعف هذا الدليل، لما ذكرناه من أن الزيادة ليست ممّا فرض، فلا تدخل في مدلول الآية.

السادس: أن يتغير بالزيادة والنقصان معاً، إما بسبب واحد، كما إذا أصدقها عبداً صغيراً فكبر، فإنّه نقصان من جهة نقصان القيمة، ومن جهة أنّ الصغير يصلح للقرب من الحرم، وأنه أبعد من الغوائل وأشدّ تأثراً بالتأديب والرياضة وزيادة من جهة أنه أقوى على الشدائد والأسفار وأحفظ لما يستحفظ. وإما بسببين، كما إذا أصدقها عبداً فتعلّم سورة ونسى أُخرى، وتعلّم واعور أو كان يحفظه فنسيه وسمن واستوى. فالأمر موقوف هنا على تراضيهما، فإن تراضيا بر النصف فذاك، وأيهما امتنع لم يجبر الآخر عليه للزيادة على تقدير طلب الزوج، والنقيصة على تقدير طلبها. وحينئذ فتتخيّر المرأة بين دفع قيمة النصف مجرّداً عن الزيادة والنقيصة، وبين دفع نصف العين مع أرش النقص.

أمّا الأوّل؛ فلأنّ فيه جمعاً بين الحقين، حيث لم يمكن وصوله إلى العين إلا بأخذ حقها في الزيادة، ولا دفعها إليه إلا بالنقيصة التي ليست العين معها نصف المفروض. وأما الثاني؛ فلأنّها إذا دفعت نصف العين كانت باذلة للزيادة، فيجبر على قبولها كما مرّ، وهي عين ما فرض فيجبر عليها، والنقصان ينجبر بالأرش؛ لأنّه قيمة الفائت كالتالف.

وليس لها جبر النقص بالزيادة بدون رضاه، لاختلاف الحقين.

قوله: «ولو أصدقها حيواناً حاملاً كان له النصف منهما».

إذا أصدقها حيواناً حاملاً وحكمنا بدخول الحمل في الصداق، إما بالشرط كمذهب

ص: 663


1- المبسوط، ج 3، ص 535.

ولو أصدقها تعليم صناعة ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة تعليمها.

ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأُجرة.

المصنف، وهو المراد هنا، أو مع الإطلاق كمذهب الشيخ(1)، صارا معاً مهراً.فإذا طلقها قبل الدخول، فإن كان قبل أن تضع رجع إليه نصفهما بغير إشكال؛ لأنّ ذلك هو عين نصف ما فرض. وإن كان بعد الوضع فالأمر كذلك على قاعدة المصنّف؛ لأنه دخل مع الأُمّ مهراً بالشرط، فكان كما لو أصدق شيئين، فإنّه يرجع بنصفهما. والشروط توزّع عليها القيمة وتلحظ بالمالية. وهذا هو الذي جزم به المصنّف.

وعلى قول الشيخ من دخوله تبعاً يحتمل ذلك أيضاً؛ لأنّ الحمل وإن دخل تبعاً إلا أنه يفرد بالملك، كما لو أذن مولى الأمة في النكاح دون مولى العبد، فإنه يكون الولد لمولى الأب على القولين، فيرجع الزوج بنصف الأُمّ ونصف الولد؛ لأنهما معاً المهر المفروض، فيدخلان في عموم: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(2).

ويحتمل اختصاص الأُمّ به؛ لأنه زيادة ظهرت بالانفصال على ملكها، فإنّه قبل الوضع لا يفرد بالتقويم، ولم يقابله قسط من الثمن. وهذا هو الذي اختاره فخر الدين في شرحه(3). ويظهر منه جريانه على القولين وفى القواعد أطلق جعله احتمالاً(4).

ويتفرع عليه رجوع الزوج بنصف الأُمّ خاصةً وأرش نقصانها بالولادة إن قلنا بضمانها نقصان العين كما هو المختار. ثمّ إن كانت أمةً وحرمنا التفريق بينها وبين الولد غرمت له نصف قيمتها وأخذت الأم والولد، وإلا فلا.

قوله: «ولو أصدقها تعليم صناعة - إلى قوله - رجع بنصف الأجرة».

وجه الرجوع بنصف الأجرة في الموضعين أنه في الأوّل يتعذر تعليمها نصف الصنعة

ص: 664


1- المبسوط، ج 2، ص 97.
2- البقرة (2) 237.
3- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 228.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 85.

ولو كان تعليم سورة قيل: يعلّمها النصف من وراء الحجاب. وفيه تردّد.

خاصةً؛ إذ ليس للنصف حدّ يوقف عليه، أو لا نصف لها مطلقاً، فينزل ذلك منزلة ما لو تلف الصداق في يده، فيرجع عليه بنصف الأجرة، ولأنه صار أجنبياً لا يصلح تعلمها منه لو

فرض إمكان التوصل إلى الحق. وأما في الثاني فلتعذر رجوعه بعين ما فرض، إذ لا يمكن تخليص نصف الصنعة منها، فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها، فيرجع بنصف الأجرة. والحكم في الموضعين ممّا لا إشكال فيه.

قوله: «ولو كان تعليم سورة قيل: يعلّمها النصف من وراء الحجاب. وفيه تردّد». إذا كان الصداق تعليم سورة وطلقها قبل الدخول، فإن كان قد علّمها رجع عليها بنصف الأجرة كالصنعة. وإن لم يكن علّمها فليس الحكم فيها كالصنعة؛ لأنّ تعليم نصف السورة حينئذ أمر ممكن في نفسه، ولكن الزوج صار أجنبياً منها، فإن حرمنا على الأجنبي سماع صوت المرأة مطلقاً، أو جوزناه ولكن خيف الفتنة، أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرمة، رجعت عليه بنصف الأجرة كالصنعة، لتعذر الرجوع إلى نصف المفروض بمانع شرعي، فيكون كالمانع العقلي. وإن أمكن ذلك بدون محظور قيل: جاز تعليمها النصف من وراء حجاب؛ لأنه موضع ضرورة، كمعاملة الأجنبية، أو لأنه تعليم واجب أو لأنّ مطلق سماع صوتها ليس بمحرّم وهذا هو الوجه. وهو خيرة المبسوط(1).

وقيل: ترجع عليه بنصف الأجرة مطلقاً؛ لما ذكر من الموانع، ولأن النصف يعسر الوقوف عليه لاختلاف الآيات في سهولة التعليم وصعوبته(2). وعلى الأوّل تقسّم السورة بالحروف لا بالآيات ولو كان الطلاق بعد الدخول وقبل التعليم فالكلام في وجوب تعليم جميع السورة كما في النصف، وأولى بالصحة لانتفاء المانع الأخير في النصف.

ص: 665


1- المبسوط ، ج 3، ص 532.
2- قال به العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 15؛ وقواعد الأحكام، ج 3، ص 86.
الرابعة:لو أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها

لو أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع بنصفه. وكذا لو خلعها به أجمع.

قوله: «لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه» إلى آخره. هنا مسألتان إحداهما إذا أبرأته من الصداق قبل الدخول ثمّ طلّقها قبله فالمشهور بين الأصحاب - وهو الذي قطع به المصنّف - أنّه يرجع عليها بنصف المهر، لتصرّفها فيه قبل الطلاق تصرّفاً ناقلاً له عن ملكها بوجه لازم، فلزمها عوض النصف، كما لو نقلته إلى ملك غيره وأتلفته.

وهذا هو المذهب.

وحكى في القواعد وجهاً بعدم الرجوع(1)، وقبله الشيخ في المبسوط(2)، وهو قول لبعض العامة(3) ، لأنّها لم تأخذ منه مالاً ، ولا نقلت إليه الصداق، ولا أتلفته عليه، فلا تضمن. أما الأوّل فظاهر. وأما الثاني فلاستحالة أن يستحق الإنسان في ذمة نفسه شيئاً، فلا يتحقق نقله إليه.

وأما الثالث فلأنه لم يصدر منها إلا إزالة استحقاقها في ذمّته، وهو ليس بإتلاف عليه. وينبه عليه ما إذا رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمر و بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء، وكان قد أبرأ المشهود عليه لم يرجع على الشاهدين، فلو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمته غرما له.

وجوابه: اختيار الأمر الثاني ومنع توقف نقله على استحقاقه شيئاً في ذمة نفسه؛ لأنّ الصداق كان مستحقاً لها في ذمته، وهو أمر ثبوتي فيها غايته أنه كلّي، ومن ثم يضاف إلى مالك معيّن فيقال: لها في ذمته كذا، ولا تتحقق الإضافة بدون المضافين، فلما أبرأته منه انتقل عن ملكها إليه، لكن لما كان متعلّقه الذمة لا فرد خاص من المال لم يتحقق استحقاقه شيئاً في ذمته، بل سقوط ما كان فيها للمرأة.

ص: 666


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 86.
2- المبسوط، ج 3، ص 572.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 74، المسألة 5627: روضة الطالبين، ج 5.ص،633.

ويمكن على هذا اختيار الثالث أيضاً؛ لأنّها بإسقاطه من ذمته بعد أن كان ثابتاً فيها قد أتلفته عليه بنقله عن ملكها، إذ لا شبهة في أنّه كان ملكها ثم خرج عنه، فتغرم له البدل. والفرق بين مسألة رجوع الشاهدين والمتنازع أنّ حق المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً، فإسقاط الحق بعد ثبوته متحقق، بخلاف مسألة الرجوع؛ لأنه لا ثبوت فيها، فالبراءة مستمرة، ولا أثر للإبراء. وفي الفرق نظر.

الثانية: لو خلعها بمجموع المهر قبل الدخول، سواء كان عيناً أم ديناً، قال المصنف: يكون حكمه حكم ما لو أبرأته منه قبل الطلاق، فيرجع عليها بنصفه مثلاً أو قيمةٌ؛ لأنه ملكه بالخلع فلم يصادف استحقاقه النصف بالطلاق وجوده على ملكها، فينتقل إلى عوض النصف. هذا هو الظاهر من عبارة المصنّف وغيره.

وعبارة القواعد صريحة في ذلك؛ لأنّه شرّك في الحكم بين ما لو وهبته المهر المعين أو أبرأته منه إذا كان ديناً أو خلعها به أجمع، وحكم بالرجوع بنصف القيمة (1).

ولا يخلو الحكم هنا من إشكال؛ للفرق بين الهبة والإبراء له قبل الطلاق وبين الخلع لانتقال الملك فيهما قبله، فلم يصادف الطلاق الموجب لعود النصف إليه ملكاً، فانتقل إلى العوض. وأمّا الخلع فانتقال ملك المهر به إلى الزوج لا يحصل بمجرد البذل من المرأة، بل به وبالخلع؛ لأنّها جعلته عوضاً عن البينونة، فلا يملك إلا بتمام السبب وهو الطلاق، وبه يحصل أيضاً استحقاقه للنصف، فيتمّ(2) السببان في حالة واحدة وإن تقدم جزء السبب في ملك عوض الخلع، فلايتمّ ما قالوه من سبق ملكه له على استحقاقه النصف بالطلاق فضلاً عن سبقه على الطلاق كالهبة ويمكن ترجيح جانب الخلع؛ لسبق سببه وهو البذل وإن توقف تمام الملك على الطلاق، ويكون كما لو وه-بته ولم يقبضه أو دبرته، فقد

ص: 667


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 86.
2- في بعض النسخ والطبعة الحجرية: «فيقع» بدل «فيتم».

الخامسة:إذا أعطاها عوضاً عن المهر عبداً أبقاً

إذا أعطاها عوضاً عن المهر عبداً أبقاً وشيئاً آخر ثم طلقها قبل الدخول، كان له الرجوع بنصف المسمّى دون العوض. وكذا لو أعطاها متاعاً أو عقاراً فليس له إلّا نصف ما سمّاه.

قيل بسقوط حقه عن العين بذلك وإن كان تمام الملك في الهبة يتوقف على القبض والعتق في التدبير على الوفاة. والحق أنّ هذا لا يحسم مادة الإشكال والحكم في الأمرين ممنوع والوجه واحد، وهو عدم انتقاله عن ملكها بذلك، فلا مانع من أخذه العين ويمكن توجيه رجوعه هنا بنصف القيمة بوجه آخر(1)، وهو أن يجعل هذا الخلع بمنزلة ما لو خلعها على عين لا تستحق سوى نصفها ، فإنّ الخلع يصح مع جهله، ويرجع إلى قيمة النصف أو مثله كما سيأتي(2). وهنا لما كان انتقال مال الخلع لا يحصل إلا بالطلاق، وبه يتحقق انتقال النصف إليه ،به نزّل ذلك منزلة ما لو خلعها على عين مشتركة بينهما. ويشكل الحكم مع علمه بالحال، إلا أنّ الأمر هنا أسهل من السابق، والإشكال فيه أقل.

قوله: «إذا أعطاها عوضاً عن المهر عبداً - إلى قوله - فليس له إلّا نصف ما سمّاه». المراد برجوعه بنصف المسمّى هنا رجوعه بمثله أو قيمته؛ لأنّه بالمعاوضة صار ملكه والعائد إليه بالطلاق نصف ما جعله مهراً؛ لقوله تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(3) أي لكم، على حد قوله: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَجُكُمْ)(4)، وقد وجد النصف المحكوم بعوده إليه قد انتقل عن ملكها بالمعاوضة الجديدة عليه فيرجع إلى مثله أو قيمته، كما لو انتقل عنها إلى غيره.

ولا فرق في ذلك بين انتقاله بعوض يساوي قيمته أو ينقص أو يزيد، ولا بين أنواع الأعواض؛ لاشتراك الجميع في المقتضي،وهو خروجه بذلك عن ملكها، كما لو خرج بغير عوض كالهبة.

ص: 668


1- في حاشية «و»: «هذا التوجيه الأخير هو الذي اعتمده الشافعية في المسألة ولم يذكروا غيره(منه رحمه الله)».
2- يأتي في ج 7، ص 537 في فدية الخلع.
3- البقرة (2) 237.
4- النساء (4): 12.
السادسة:إذا مهرها مدبّرة ثمّ طلّقها

إذا مهرها مدبّرة ثمّ طلّقها صارت بينهما نصفين، فإذا مات تحرّرت. وقيل: بل يبطل التدبير بجعلها مهراً، كما لو كانت موصى بها. وهو أشبه.

قوله: «إذا مهرها مدبّرة ثمّ طلّقها صارت بينهما نصفين - إلى قوله وهو أشبه». إذا دبّر مملوكاً ذكراً كان أم أنثى، ثم جعله مهراً، ثمّ طلّق قبل الدخول ورجع إليه النصف، فهل يبقى التدبير في النصف العائد إليه فيتحرّر بموته أم يبطل من حين جعله مهراً؟ يبنى على أن المرأة هل تملك جميع المهر بالعقد، وإنّما يعود إلى الزوج النصف بالطلاق، أم لا تملك إلا النصف بالعقد والنصف الآخر بالدخول؟ فعلى الثاني يتجه عدم البطلان في النصف؛ لأنه لم يوجد هناك عقد ناقل له عن حكم التدبير أو غيره؛ لأنه لم يخرج عن ملك المولى. ويحتمل البطلان؛ لوجود العقد الدال على الرجوع، كما لو وهب الموصى به قبل الإقباض. وأمّا على القول الآخر والنصف الآخر فلا وجه لبقاء التدبير فيه بناءً على أنّه وصيّة فيبطل بخروج المدبّر عن الملك. وكذا يقوى خروج النصف الآخر وإن لم نقل بخروجه عن ملكه ؛ لأنّ ذلك يبطل الوصيّة كما مرّ، والتدبير كذلك. وهذا قول ابن إدريس ، (1)واختاره المصنّف والمتأخرون(2).

والقول بعدم البطلان للشيخ في النهاية(3)، وتبعه عليه القاضي في المهذّب(4)؛ استناداً إلى رواية المعلى بن خنيس، قال: سئل أبو عبدالله(علیه السلام) وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبّرة قد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك، فطلقها قبل أن يدخل بها، قال فقال:«أرى للمرأة نصف خدمة المدبّرة يكون للمرأة يوم في الخدمة، ويكون لسيدها الذي كان دبّرها يوم في الخدمة» قيل له: فإن ماتت المدبّرة قبل المرأة والسيّد لمن يكون

ص: 669


1- السرائر، ج 2، ص 588.
2- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 163 ، المسألة 85؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز،ج 2، ص 190؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 3، ص 242؛ وجمال الدين الأسدي الحلّي في المقتصر من شرح المختصر،ص،260.
3- النّهایه،ص473.
4- المهذّب،ج 2،ص 206.
السابعة: إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع،

إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع، مثل أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى، بطل الشرط وصح العقد والمهر. وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلّمه كان العقد باطلاً، لزم العقد والمهر وبطل الشرط.

الميراث؟ قال: «يكون نصف ما تركته للمرأة، والنصف الآخر لسيّدها الذي دبّرها»(1). وهذه الرواية - مع ضعف سندها - لا تدلّ على انعتاقها بموت السيد كما ادعاه الشيخ(2). وإنّما تضمّنت صحة جعلها مهراً، وعود نصفها إلى المولى، وكونها مشتركة بينه وبين المرأة، و ما تركته بينهما كذلك. وهذا كله لا كلام فيه. نعم، يظهر منها رائحة البقاء على التدبير من قوله وتقدمت على ذلك، وقوله: فإن ماتت المدبّرة، وشبه ذلك، ومثل هذا لا يكفي في إثبات الحكم المخالف للأصل.

وحملها ابن إدريس على ما إذا كان التدبير واجباً بنذر وشبهه(3)، فإنّه حينئذ لايصحّ رجوع المدبّر فيه.

ورده في المختلف ببطلان جعلها مهراً حينئذ وقيد بقاء التدبير بما لو شرط بقاء التدبير، فإنّه يكون لازماً(4)؛ لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»(5)، ولأنّه كشرط العتق في البيع ونحوه. ويظهر من قوله في الرواية قد عرفتها وتقدمت على ذلك، كونه قد شرط عليها بقاء التدبير. فعلى هذا تتم الرواية وفتوى الشيخ؛ لأنه عبر في النهاية بلفظ الرواية(6). واعلم أنّ تعبير المصنّف بالمدبّرة مؤنثة تبع فيه الرواية وكلام الشيخ والحكم في الذكر

والأُنثى واحد. قوله: «إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع إلى قوله - لزم العقد والمهر وبطل الشرط».

ص: 670


1- الكافي، ج 5، ص 380، باب نوادر في المهر، ح : تهذيب الأحكام، ج 7، ص 367 ، ح 1486.
2- النهاية، ص 473.
3- السرائر، ج 2، ص 588.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 163 ، المسألة 85.
5- تقدم تخريجه في ص 425، الهامش 1.
6- النهاية، ص 473.

لا إشكال في فساد الشرط المخالف للمشروع لذلك، وإنّما الكلام في صحة العقد بدون الشرط، من حيث إنّهما لم يقصدا إلى العقد إلا مقيداً بالشرط المذكور، وقد سبق غير مرّة أنّ فساد الشرط يوجب فساد العقد عند المصنّف(1) والأكثر ، ولكن ظاهرهم هنا الاتفاق على صحة العقد؛ لأنهم لم ينقلوا فيه خلافاً. وقال الشيخ في المبسوط: ولا يفسد المهر عندنا(2). وهو ظاهر في الاتفاق عليه، وصحة المهر إنما تكون مع صحة العقد.

والفرق بين النكاح وغيره من العقود المقتضي فساد الشرط لفسادها أنّ الشرط ف- النكاح يكون جزءاً من العوض الذي هو المهر فيما يعود إلى المرأة، كالمذكور هنا في عدم التزوّج والتسرّي، وحق فساد الشرط على هذا الوجه أن يفسد المهر لا العقد؛ لما عرفت من عدم التلازم بينهما.

ثمّ المشهور بينهم أنّ المهر أيضاً لايفسد؛ بناءً على وجود المقتضي لصحّته، والمانع ليس إلا الشرط، وهو شيء آخر معه، وفساد أحد الشيئين لايقتضي فساد الآخر؛ لما علم من التّوسع في حال عقد النكاح والمهر ، واحتمالهما من الغرر ما لا يحتمله غيرهما. والأصل في الحكم بصحة العقد والمهر مع هذين الشرطين رواية محمد بن قيس عن أبي جعفرعلیه السلام، في رجل تزوّج امرأة وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرّية فهي طالق فقضى في ذلك: «أن شرط الله قبل شرطكم، فإن شاء وفي لها بالشرط، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها»(3).

وهذا يقتضي شرط عدم التزويج والتسري وزيادة، وهو شرط الطلاق بالفعل المساوي للشرط في الثاني، حيث شرط إن لم يسلّم المهر في الأجل كان العقد باطلاً.

ويدلّ عليه أيضاً بخصوصه رواية محمد بن قيس عن أبي جعفرعلیه السلام، قال: «قضى

ص: 671


1- راجع ج 4، ص 187 و 206 و 207.
2- المبسوط، ج 3، ص 566.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 370. ح 1500: وج 8، ص 51 ، ح 164؛ الاستبصار، ج 3، ص 231، ج 832.

ولو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط. ولو أذنت بعد ذلك جاز؛ عملاً بإطلاق الرواية. وقيل: يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع. وهو تحكّم.

أميرالمؤمنين(علیه السلام) في رجل يتزوّج المرأة إلى أجل مسمى، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، وإن لم يجيء بالصداق فليس له عليها سبيل، شرطوا بينهم حيث أنكحوا، فقضى أنّ بيد الرجل بضع امرأته وأحبط شرطهم»(1).

وفى الروايتين ضعف السند وكون الثانية أخص من الدعوى؛ لاشتمالها على كون العقد إلى أجل مسمى، إلا أنه لا قائل بالفرق، والمقتضي للصحة وعدمها واحد.

و فی المسألة وجه أو قول بصحة العقد دون المهر؛ لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق حيث يكون من المرأة، أو كجزء من العوض، والصداق مبذول في مقابلة الجميع، وبفساد الشرط يفوت بعض العوض أو المعوّض وقيمته مجهولة، فلا يعلم قدر الصداق في الأوّل ولا نصيب الباقي في الثاني فيثبت مهر المثل. وهو متجه إلا أن يزيد المسمّى عنه والشرط لها، أو ينقص والشرط عليها، فيجب المسمّى؛ لأنّه في الأوّل قد رضي ببذله مع التزام ترك حق، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضى به أولى ولأنها في الثاني قد رضيت به مع ترك حق لها، فبدونه أولى. ومع ذلك فينبغي احتساب المسمّى من مهر المثل، وإكماله من غيره حيث يفتقر إليه، لا تفاقهما على تعيينه في العقد.

قوله: «ولو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط - إلى قوله - وهو تحكّم».

ما اختاره المصنف من جواز العقد والشرط مطلقاً مذهب الشيخ في النهاية(2). ومستنده رواية إسحاق بن عمار عن الصادق(علیه السلام) قال، قلت له: رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضها، ثمّ أذنت له بعد ذلك، قال: «إذا أذنت له فلا بأس»(3).

ص: 672


1- الكافي، ج 5، ص 402 ، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز،ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 370 ، ح 1498.
2- النهاية، ص 474.
3- الفقيه، ج 3، ص 466 ، ح 4615؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 369، ح 1496.

ورواية سماعة عنه(علیه السلام)قال، قلت له: رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها، فقالت: أزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر والتماس، وتنال منّي ما ينال الرجل من أهله، إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي، فإنّي أخاف الفضيحة، قال: «ليس له منها إلا ما اشترط»(1). وهذه الرواية تدلّ على جواز اشتراط عدم الوطء مطلقاً وإن لم يكن بطريق الاقتضاض وهما معاً شاملتان بإطلاقهما للعقد الدائم والمنقطع.

ويؤيد الصحة عموم: «المؤمنون عند شروطهم»(2)، والأمر بالوفاء بالعقد(3)، وجواز الوطء مع الإذن؛ لأنّها زوجة في الجملة، وعدم جواز الوطء لكونه شرطها لا لمانع آخر، فإذا أذنت فيه جاز.

والقول الذي حكاه المصنّف من اختصاص لزوم الشرط بالنكاح المنقطع وبطلان العقد لو كان دائماً للشيخ في المبسوط(4)، وتبعه عليه جماعة من المتقدمين والمتأخرين، منهم العلّامة في المختلف(5) وولده فخر الدين في الشرح(6): استناداً في بطلان الشرط إلى منافاته لمقتضى العقد، وفي بطلان العقد إلى عدم الرضى به بدون الشرط ولم يحصل، وفي جوازهما في المتعة إلى عدم منافاة الشرط لها؛ لأنّ المقصود الأصلي منها التمتع والتلذّذ وكسر الشهوة دون التوالد والتناسل المقصودين من الدائم، وذلك لايستدعي الوطء. وعليه نزلوا الروايتين. وهذا لا يخلو من تحكّم كما قاله المصنّف؛ لأنّ النص مطلق، والمقاصد في النكاح مطلقاً مختلفة، وجاز أن يكون المطلوب من الدائم ما ادعوه في المنقطع، وبالعكس. ولايعتبر في صحة العقد تتبع غاياته ولا رعاية مقاصده الغالبة، بل يكفي قصد بعضها، وهو متحقّق في

ص: 673


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 369 ، ح 1495.
2- تقدّم تخريجه في ص 425 الهامش 1.
3- المائدة (5):1.
4- المبسوط، ج 3، ص 566.
5- مختلف الشیعة،ج7 ص164، المسألة 86.
6- لم نجده فيه، راجع إيضاح الفوائد،ج 3، ص 207.
الثامنة:إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها

إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل: يلزم وهو المرويّ.

المتنازع فيهما. ويمكن جعل الروايتين شاهدتين للجواز وإن لم يكونا مستنداً؛ إذ يكفي في إثباته ما تقدّم من عموم الآية والرواية المستفيضة. ولابن إدريس قول ثالث ببطلان الشرط فيهما وصحّة العقد(1). أما الشرط فلما تقدّم من منافاته لمقتضى العقد، و أما العقد فلأصالة صحته وعدم بطلانه بالشروط الفاسدة كما عرفت مما سبق، فأولى أن لا يبطل عند ابن إدريس حيث لا يبطل مطلق العقد ببطلان الشرط. وفي المسألة قول رابع لابن حمزة(2) كقول ابن إدريس في الدائم مع الحكم بصحتهما في المنقطع. وما وقفت على قائل ببطلانهما فيهما مع كونه متوجهاً أيضاً؛ نظراً إلى منافاة الشرط لمقتضى عقد النكاح مطلقاً، فإنّه يقتضي حلّ الوطء وإن حصل التلذّذ في المتعة بدونه إلا أنّه المقصد الأصلي، كما ادعوه من أنّ التوالد والتناسل هو المقصد الأصلي للدائم، ويتبعه العقد لما ذكر . ولو اشترطت ترك بعض مقدمات الوطء ففي إلحاقه باشتراط تركه وجهان من مساواته له في المقتضي ، واختصاص الوطء بالنص. وفي الأوّل قوة، لضعف المخصص.

قوله: «إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل: يلزم، وهو المرويّ». القول بلزوم الشرط للشيخ في النهاية(3)، وتبعه عليه جماعة منهم العلّامة في المختلف(4). والإرشاد(5) والشهيد في اللمعة(6) والشرح(7)؛ لصحيحة أبي العبّاس عن الصادق(علیه السلام) في الرجل يتزوّج المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها، قال: «يفي لها بذلك» أو قال: «يلزمه

ص: 674


1- السرائر، ج 2، ص 589.
2- الوسيلة، ص 297.
3- النهاية، ص 474.
4- مختلف الشيعة، ج 7، ص 166 ، المسألة 87.
5- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 17.
6- اللمعة الدمشقية، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
7- غاية المراد، ج 3، ص 113 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3).

ذلك»(1). ودلالتها على الثاني ظاهرة. وعلى الأوّل من حيث إنّ الخبر فيه معناه الأمر والأصل فيه الوجوب المقتضي للزوم. ولعموم: «المؤمنون عند شروطهم»(2)، ولأنّ ذلك شرط مقصود للعقلاء، والأغراض تتعلّق باللبث في المنازل، والاستيطان في البلدان التي حصل بها الأنس والنشو، وملازمة الأهل ورعايتهم مصلحتها، وذلك أمر مهم، فجاز شرطه في النكاح توصلاً إلى هذا الغرض المطلوب المشتمل على الحكمة الواضحة. ونسبة المصنف الحكم إلى القول والرواية تؤذن بتوقف فيه.

وصرّح ابن إدريس ببطلان الشرط مع صحّة العقد(3)، وتبعه جماعة من المتأخّرين(4). والشيخ في المبسوط(5) والخلاف(6) منع من اشتراط أن لا يسافر بها. وجعلوه من جملة القائلين بالمنع في المسألة. وليس كذلك؛ لأن السفر أمر آخر غير الخروج من البلد كما لا يخفى، والخروج من البلد قد يصدق من دون السفر. وحجّة المانع أنّ الاستمتاع بالزوجة في جميع الأزمنة والأمكنة حق للزوج بأصل الشرع، وكذا السلطنة عليها، فإذا شرط ما يخالفه وجب أن يكون باطلاً. وحملوا الرواي--ة على الاستحباب ولا يخفى أنّ ذلك في مقابلة النص غير مسموع. ونمنع من كون الاستمتاع في جميع الأمكنة حقاً للزوج؛ لأنّ ذلك عين المتنازع وكذلك سلطنته على إخراجها حيث شاء، فإنّه لا يتم إلا مع عدم الشرط، ومعه عين المتنازع، فلا يؤخذ في الدليل، ولأنّ ذلك آتٍ في كلّ

ص: 675


1- الكافي، ج 5، ص 402، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 372 - 373، ح 1506.
2- تقدم تخريجه في ص 425 الهامش 1.
3- السرائر، ج 2، ص 590.
4- منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 209؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 398 - 399.
5- المبسوط، ج 3، ص 566.
6- الخلاف، ج 4، ص 388، المسألة 32.

ولو شرط لها مهراً إن أخرجها إلى بلاده، وأقلّ منه إن لم تخرج معه، فأخرجها إلى بلد الشرك لم تجب إجابته ولزم الزائد. وإن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازماً. وفيه تردّد.

شرط، فإنّه يمنع مباح الأصل، ومع ذلك ليس منافياً للكتاب والسنة، وحمل الرواية على الاستحباب بمجرد ذلك غير جائز؛ إذ لا معارض لها، والمعارضات العامة غير كافية في الحمل.

إذا تقرّر ذلك فعلى القول بصحة الشرط هنا هل يتعدّى إلى شرط أن لا يخرجها من منزلها أو محلّتها؟ وجهان، من مشاركته للمنصوص في الحكمة الباعثة على الحكم أو لاتحاد الطريق وعموم الأدلة الأخرى، ومن عدم النص وبطلان القياس. وقطع الشهيد بإلحاق ذلك بالبلد(1). وفيه قوة.

قوله: «ولو شرط لها مهراً إن أخرجها إلى بلاده - إلى قوله - وفيه تردد». هذه المسألة متفرعة على السابقة، فإن منعنا من اشتراط عدم إخراجها من بلدها منعنا هنا بطريق أولى، وإن جوزنا الشرط ثمّ احتمل الجواز هنا أيضاً. وهو الذي اختاره المصنّف في النافع (2) والشيخ في النهاية(3) وجماعة منهم العلّامة في أكثر كتبه(4)؛ عملاً بعموم الأمر بالوفاء بالشرط.

ويدلّ على التفصيل المذكور بخصوصه حسنة عليّ بن رئاب عن الكاظم(علیه السلام) قال: سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون ديناراً، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال، فقال: «إن أراد أن

ص: 676


1- اللمعة الدمشقية، ص 233 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 13).
2- المختصر النافع، ص 300.
3- النهاية، ص 474.
4- تحریر الأحكام الشرعية، ج 3، ص 559، الرقم 5197 مختلف الشيعة، ج 7، ص 165 - 166، المسألة 87، إرشاد الأذهان، ج 2، ص 17 - 18.

يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الإسلام ودار الإسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها أو ترضى من ذلك بما رضيت وهو جائز له»(1).

والمراد بقوله «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك» أن بلاده كانت بلاد الشرك، ولا يجب عليها اتِّباعه في ذلك وإن كان داخلاً في الشرط، لما في الإقامة ببلاد الشرك من الضرر بالمسلم في دينه المنفي شرعاً. وبقوله: «وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الإسلام أن بلاده كانت بلاد الإسلام، وطلبها إلى بلاده لا إلى مطلق بلاد الإسلام، بقرينة قوله: «فله ما اشترط عليها لأنّه لم يشترط عليها إلا الخروج إلى بلاده لا إلى مطلق بلاد الإسلام، وإن كان لفظ الرواية أعمّ من ذلك.

وهذه الرواية - مع حسن سندها - مخالفة للأصل في مواضع: منها: عدم تعيين المهر ، حيث جعله مائة على تقدير وخمسين على تقدير، وذلك يقتضي تجهيله في الجملة ، حتى لو شرط ذلك على خلاف الجهة المنصوصة فلا شبهة في فساد المهر.

ومنها: حكمه بلزوم المائة على تقدير إرادته منها الخروج إلى بلاد الكفر وإن لم تخرج ، وذلك مناف لمقتضى الشرط على تقدير صحته، فإنّه اقتضى كون المهر خمسين مع عدم خروجها.

ومنها حكمه بعدم جواز إخراجها إلى بلاده مع كونها دار الإسلام إلا بعد أن يعطيها مهرها، الشامل لما لو كان ذلك قبل الدخول وبعده، وقد تقدّم الحكم بأنه مع الدخول لا يجوز لها الامتناع(2)، بل ولا يجب عليه إعطاء المهر مطلقاً من دون أن تطلبه، وقد حكم

ص: 677


1- الكافي، ج 5، ص 404، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز، ح 9 تهذيب الأحكام، ج 7،ص 373 ، ح 1507.
2- تقدّم في ص 627.

بعدم جواز خروجه من دون أن يعطيها مطلقاً.

وهذا يصلح منشأ لتردّد المصنف في الحكم مع عدم تردّده في السابقة.

والذي يوافق الأصل بطلان الشرط المذكور؛ لما ذكرناه، وبطلان المهر؛ لكونه غير معين، وصحة العقد؛ لعدم ارتباطه به كما سلف في نظائره، ولعدم القائل ببطلانه، وإن كان محتملاً. وعلى هذا فيثبت لها مهر المثل؛ لكونه مجهولاً ابتداء. لكن يشكل فيما لو زاد عن المفروض على التقديرين لقدومها على الأقل. وكذا مع زيادته على الأقل إذا لم يخرجها من بلدها. وكذا يشكل بما لو نقص عن المقدّر على التقديرين، لالتزامه بالأزيد منه مع الشرط عليه، فلزوم المقدّر مع عدم لزوم الشرط عليه أولى. والقائلون بفساد الشرط اقتصروا في البحث عليه، وأهملوا البحث عن المهر.

ولو عملنا بالرواية لجودة سندها كان حسناً، وسلمنا من هذا الإشكال. ويمكن الاعتذار عن المخالفة الأولى بأنّ التعيين متحقق على التقديرين.

ومثل هذا الاختلاف مغتفر في المهر، لاحتماله من الغرر ما لا يحتمله غيره من عقود المعاوضات. ومن ثم اكتفي بمشاهدته من دون معرفة مقداره، بل جعله ظرف خلّ مثلاً مع عدم مشاهدة الخلّ أصلاً - كما سبق(1) - حيث ظهر خمراً. ومثل هذا الاختلاف قد تقدم اغتفاره في عوض الإجارة(2)، كما لو قال: «إن خطته كذا فلك كذا» أو «كذا فلك كذا» أو «إن جئت به اليوم فلك كذا مع أنّها أضيق دائرةً منه، لكونها معاوضةً محضة. وعن الثانية بأن العقد وقع على مائة كما دلّ عليه أوّل الرواية، وشرط نقصان خمسين إن لم تخرج معه إلى بلده حيث يطلبها ويجب عليها الخروج معه، وذلك إذا كانت بلده في دار الإسلام، فأما إذا كانت في بلاد الشرك وأراد إخراجها إليها فالمهر باقي على ما انعقد عليه؛ لأن ذلك ليس له، ولا عليها مطاوعته، فهو بمنزلة ما إذا لم يرد إخراجها، فإنّه يلزمه المائة،

ص: 678


1- سبق في ص 614 - 615.
2- تقدّم في ج 4، ص 411 - 412، في شرائط الإجارة.
التاسعة: لو طلقها بائناً ثم تزوّجها في عدّته

لو طلقها بائناً ثم تزوّجها في عدّته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر.

العاشرة:لو وهبته نصف مهرها مشاعاً ثمّ طلقها

لو وهبته نصف مهرها مشاعاً ثمّ طلقها قبل الدخول فله الباقي ولم يرجع عليها بشيء، سواء كان المهر ديناً أو عيناً، صرفاً للهبة إلى حقّها منه.

فيصير حينئذ شرط الخمسين منحصراً في حال إقامتها ببلدها مع طلبه خروجها إلى بلده التي هي دار الإسلام.

وعن الثالثة بأنه مع طلبه خروجها إلى بلاده التي يجب عليها الخروج إليها يزيد المهر حينئذ، وتجب المائة كملاً بعد أن كانت متزلزلة، فنبّه(علیه السلام) على أنّه لا يخرجها حتى يعطيها صداقها - وهو المائة - لئلا يتوهّم عدم لزومها من حيث ترديدها. ومع ذلك فليس منافياً لما سلف؛ لأنه لم يقل: إنّ لها الامتناع من الخروج معه قبل قبض المهر. ولو سلم فوجوب الجمع بين القاعدتين يوجب حمل هذه على ما إذا كان قبل الدخول، لو اضطررنا إليه.

قوله: «لو طلقها بائناً ثم تزوجها في عدته ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف المهر». وجهه خروجها عن الزوجية بالطلاق البائن، ولا ينافيه جواز تزويجها في العدة، من حيث إنّ العدّة حق للزوج لأجل حرمة مائه، فلا مانع من تزويجه لها فيها، وإنّما يمنع غيره لحرمة مائه. فإذا تزوجها بمهر جديد ثبت المهر في ذمته كغيره من عقود النكاح، فإذا طلقها قبل الدخول بها عاد إليه نصف المهر؛ عملاً بالعموم(1).

ونبه به على خلاف بعض العامة حيث أوجب لها جميع المهر، تنزيلاً للعقد منزلة الرجعة المقتضي لصيرورتها مدخولاً بها، لوجوده قبل الطلاق، ومن ثمّ لم يجز تزويج غيره بها(2).

وضعفه ظاهر. قوله: «لو وهبته نصف مهرها مشاعاً - إلى قوله - صرفاً للهبة إلى حقها منه».

ص: 679


1- الكافي، ج 1، ص 106 ، باب ما للمطلقة التي لم يدخل بها من الصداق، ح 1 و 3، و ص 108، ح 11؛ تهذیب الأحكام، ج 8، ص 142، ح 493 و 494، و ص 144، ح 500؛ الاستبصار، ج 3، ص 399، ح 1208.
2- حلية العلماء، ج 6، ص 476 حكاه عن أبي حنيفة: البحر الرائق، ج 3، ص 153.
الحادية عشرة:لو تزوّجها بعبدين فمات أحدهما

لو تزوّجها بعبدين فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود ونصف قيمة الميّت.

وجه استحقاقه الباقي أنه استحق النصف بالطلاق وقد وجده فيأخذه، ، فيأخذه، وتنحصر هبتها في نصيبها ولأنّ الله تعالى جعل لها نصف ما فرض وذلك يقتضي استحقاقه في العين ما لم يجدها تالفة أو يمنع مانع منها، وهما منتفيان هنا، فلا وجه للانتقال إلى البدل.

و فی المسألة وجه بأنّ له نصف الباقي - وهو الربع - مع ربع بدل الجملة؛ لأنّ الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع، وينزل هذا النصف منزلة التالف، فلم يبق من الذي فرض سوى نصفه، فيأخذ نصفه كما هو مقتضى الشركة وبدل الفائت كما لو فات الجميع.

وفيه ما مرّ، فإنّ الانتقال إلى البدل مشروط بتعذر العين، وهو منتف.

ووجه ثالث بتخییره بین أخذ نصف بدل الجملة وترك الباقي، وبين أخذ نصف الباقي وهو الربع - مع ربع بدل الجملة؛ لإفضاء الثاني إلى تبعض حقه، وهو ضرر عليه فيجبر بتخييره. هذا إذا كان المهر عيناً. أما لو كان ديناً فليس فيه إلا الوجه الذي ذكره المصنف.

واحترز بقوله «مشاعاً» عمّا لو وهبته نصفاً معيناً، فإنّ له نصف الباقي ونصف بدل ما وهبته وجهاً واحداً؛ لأنّ حقه بالطلاق مشاع في جميع العين، وقد ذهب منها جزء معين فينتقل إلى بدل ما يستحقه منه، بخلاف ما لو كان مشاعاً، فإنّ حقه في الأوّل مشاع وفي الثاني كذلك فلا ترجيح، ويتجه استحقاقه حينئذ الجميع كما ذكر. ويستفاد من قوله «وهبته» مع قوله «سواء كان المهر عيناً أو ديناً» جواز وقوع الإبراء بلفظ الهبة، وهو كذلك.

وقد تقدم بحثه في باب الهبة(1).

قوله: «لو تزوجها بعبدين فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود» إلى آخره. الحكم هنا كما لو وهبها نصفها معيّناً؛ لأنّ الانتقال عن ملكها والتلف حكمهما واحد في

ص: 680


1- تقدّم في ج 5 ص 149 شرائط الهبة.
الثانية عشرة:لو شرط الخيار في النكاح

لو شرط الخيار في النكاح بطل وفيه تردّد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية؛ لوجود المقتضى وارتفاعه عن تطرّق الخيار، أو الالتفات إلى عدم الرضى بالعقد؛ لترتبه على الشرط ولو شرطه في المهر صح العقد والمهر والشرط.

ذلك. ووجه ما ذكره ظاهر؛ لأنّ حقه بالطلاق نصف ما فرض مشاعاً، فما وجده من العين باقياً فله نصفه، وما ذهب ينتقل إلى بدله بناءً على أنه مضمون عليها، سواء ذهب بالتلف أو بنقله عن ملكها إليه أو إلى غيره.

ولم يذكر المصنّف هنا ولا غيره وجهاً بانحصار حقه في الموجود مع تساويهما قيمة. وهو وجه في المسألة للشافعية كالمشاع(1) ؛ لأنه يصدق على الموجود المساوي للتالف قيمة أنه نصف ما فرض فلا ينتقل إلى البدل مع إمكان العين ولهم وجه بالتخيير كالسابقة(2). والأصحّ الأوّل.

قوله: «لو شرط الخيار في النكاح بطل - إلى قوله - صح العقد والمهر والشرط». المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار فيه، قطع بذلك الشيخ في المبسوط (3) وغيره من المتأخرين(4)، محتجين بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات القابلة

الخيار الشرط بل فيه شائبة العبادة، فالشرط يخرجه عن وضعه.

وخالف في ذلك ابن إدريس فحكم بصحة العقد وفساد الشرط(5) . ووجهه ما أشار إليه من وجود المقتضى لصحة العقد، لاجتماع شرائط الصحة فيه؛ لأنه

ص: 681


1- روضة الطالبين، ج 5 ، ص 614.
2- روضة الطالبين، ج 5 ، ص 614.
3- المبسوط ، ج 3، ص 567.
4- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 441: والعلامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 17؛ والشهيد في اللمعة الدمشقية، ص 110 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (13)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 13، ص 394 - 395.
5- السرائر، ج 2، ص 575.

الفرض، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلا اشتراط الخيار فيه، وإذا كان العقد غير قابل للخيار لغا شرطه وعمل بمقتضى العقد؛ لأصالة الصحة وعموم؛ (وأَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) كما لو اقترن بغيره من الشروط الفاسدة، فإنّ كلّ واحد من العقد والشرط أمر منفك عن الآخر، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر. وبالغ ابن إدريس في أنّه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل الإجماع على الصحة؛ لأنّه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا، وإنما هو تخريج المخالفين وفروعهم، اختاره الشيخ على عادته في الكتاب.

ووجه البطلان أنّ التراضي لم يقع على العقد إلا مقترناً بالشرط المذكور، فإذا لم يتمّ الشرط لم يصح العقد مجرّداً؛ لعدم القصد إليه كذلك، وصحة العقود مترتبة على القصود، فليس إلّا الحكم ببطلانهما معاً أو صحتهما معاً، لكن لا سبيل إلى الثاني، لمنافاته وضع النكاح، فتعين الأول. وهذا هو الأقوى.

وأمّا اشتراطه في الصداق فلا مانع من صحته؛ لأن الصداق ليس ركناً في النكاح، بل هو عقد مستقل بنفسه، ومن ثمّ صح إخلاؤه عنه، فإدخاله فيه بشرط أولى. وحينئذ فيصح الصداق والشرط معاً. ويشترط ضبط مدة الخيار كغيره، ولا يتقيد بثلاثة وإن مثل بها الشيخ فى المبسوط (2)؛ لعدم إفادته الحصر.

ثمّ إنّ استمرَ عليه حتى انقضت مدته لزم. وإن فسخه ذو الخيار رجع إلى مهر المثل كما لو عری العقد عن المهر، وإنما يجب بالدخول كما مرّ. وقد تقدم البحث في هذه المسألة في

أوّل الكتاب(3).

ص: 682


1- مائدة (5): 1.
2- المبسوط، ج 3، ص 567.
3- تقدّم في ص 104.
الثالثة عشرة: الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين.

قوله: «الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين».

اختلف الأصحاب في أنّ المرأة هل تملك الصداق جميعه بالعقد وإن لم يستقر الملك قبل الدخول، أو تملك نصفه خاصةً والنصف الآخر يتوقف على الدخول؟ بسبب اختلاف الروايات في ذلك وظواهر الأدلّة، فالمشهور بينهم الأول؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَءَاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَةً)(1) الشامل لما قبل الدخول وبعده، ولأنها إن ملكت نماء الصداق بنفس العقد وجب أن تملك الصداق به والملازمة ظاهرة؛ لأن النماء تابع للأصل، فملكيته تستلزم ملكية الأصل. ويدلّ على حقيّة المقدّم موثقة عبيد بن زرارة عن الصادق(علیه السام) في رجل ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً فولدت عندها، وطلّقها قبل أن يدخل بها، فقال: «إن كن حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها، وإن كنّ حملن عندها فلا شيء له من الأولاد»(2)، ولأنّ الصداق عوض البضع، فإذا ملك البضع بالعقد وجب أن تملك المرأة عوضه به؛ لأنّ ذلك مقتضى المعاوضة كالبيع وغيره.

وقال ابن الجنيد:

الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف، والذي يوجب النصف الثاني من المهر - بعد

الذي وجب بالعقد منه - هو الوقاع أو ما قام مقامه(3).

وحجته رواية يونس بن يعقوب عن الصادق(علیه السلام) قال: «لايوجب المهر إلا الوقاع في الفرج»(4).

ص: 683


1- النساء (4): 4.
2- الكافي، ج 6، ص 106 - 107، باب ما للمطلقة التي لم يدخل بها من الصداق، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 7،ص 368، ح 1491 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 172، المسألة 94. وفي حاشية «و»: «قد مرّ في [ص 653] باب وجوبه بالخلوة أو بالدخول بيان ما يقوم مقامه في كلام ابن الجنيد. (منه رحمه الله)».
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464. ح 1859؛ الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 817؛ ورواه أيضاً الكليني في الكافي، ج 6، ص 109، باب ما يوجب المهر كملاً، ح 5 مع تفاوت.

ولها التصرّف فيه قبل القبض على الأشبه ورواية محمّد بن مسلم عن الباقرعلیه السلام، قال: سألته متى يجب المهر ؟ قال: «إذا دخل بها»(1). وهو يقتضي عدم الوجوب مع عدم الدخول.

والرواية من الجانبين من الموثق، ومع الأولى الترجيح بكونها أشهر بين الأصحاب، وباعتضادها بالآية(2) والاعتبار المذكور، وبإمكان الجمع بين الأخبار بحمل الوجوب في

الروايتين على المستقر، إما لضرورة الجمع، أو لكونه أغلب في الاستعمال. وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بين العقد والطلاق. وفي جواز تصرفها في الجميع وعدمه. وفيما لو حصلت الفرقة بغير الطلاق حيث لا نصّ على التنصيف كالفسخ بالرضاع والردّة وغير ذلك.

قوله: «ولها التصرّف فيه قبل القبض على الأشبه».

هذا متفرّع على القول بملكها له حينئذ بالعقد، فإن قلنا به جاز لها التصرف فيه قبل القبض وبعده؛ لأنّه مملوك لها فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «النّاس مسلّطون على أموالهم»(3) ومقتضى التسلّط جواز التصرّف فيه مطلقاً .

ونته ب«الأشبه» على خلاف الشيخ في الخلاف حيث منع منه قبل القبض؛ استناداً إلى ما روي عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض(4)، وبأن تصرفها بعد القبض جائز بالإجماع، ولا دليل على جوازه قبله(5). والرواية بالنهي مطلقاً ممنوعة، وإنّما وردت بالنهي عن بيع ما اشتراه قبل قبضه لا مطلقاً.

ص: 684


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 464، ح 1860؛ الاستبصار، ج 3، ص 226، ح 818.
2- النساء (4): 4.
3- لم نجده في الكتب الروائية المعتبرة، لكن نقله الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177، المسألة 290؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 248، المسألة 217؛ وتذكرة الفقهاء، ج 10، ص 247، المسألة 117.
4- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 399 - 400، المجلس 14، ح 39/891؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 252 - 253، باب النهي عن بيع الطعام قبل القبض.
5- الخلاف، ج 4، ص 370، المسألة، 7.

فإذا طلّق الزوج عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف، فلو عفت عمّا لها كان الجميع للزّوج.

سلّمنا لكن لا يلزم من النهي عن بيعه النهي عن مطلق التصرّف الذي ادعاه؛ لأنّ نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم. ويمكن حمل النهي على الكراهة جمعاً بين الأدلة. ونفي الدلالة على جواز التصرّف فيه قبل القبض ممنوع، وقد بيّناها. والدليل لا ينحصر في الإجماع. ونفي الدلالة على الجواز لا يدلّ على عدمه؛ لجواز الاستناد فيه حينئذ إلى الأصل. قوله: «فإذا طلق الزوج عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف، فلو عفت عمّا لها كان الجميع للزوج. هذا أيضاً متفرّع على ملكها للنصف، فإذا طلق الزوج قبل الدخول عاد إليه النصف قهراً وبقى النصف الآخر للمرأة، إلا أن تعفو عنه أجمع فيصير الجميع للزوج؛ لقوله تعالى: (وقنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ﴾(1) أي فلا يكون لكم النصف بل الجميع.

( ومقتضى إطلاق المصنّف صيرورة الجميع له بالعفو عدم الفرق بين كون المهر عيناً وديناً، فيصح انتقاله إليه بلفظ العفو عملاً بظاهر الآية المتناول للأمرين.

وبهذا صرّح الشيخ ان في المبسوط(2) والأكثر ، وجعلوا العفو بمعنى العطاء، فيتناول الأعيان وهو قوي لوروده بمعنى العطاء لغةٌ (3) كما سننبّه عليه(4). وقيل: إنّ ذلك مختص بالدين، أمّا العين فلا تنتقل إلا بلفظ الهبة أو التمليك ونحوه لا بالعفو؛ لأنّه لا مجال فيه للأعيان كالإبراء؛ لأنّ ظاهره إسقاط الحق فلا يتناول إلا الدين كالإبراء(5). وأجابوا عن الآية بأنّ المراد من العفو معناه لا لفظه بمعنى إرادة حصول الملك

ص: 685


1- البقرة .(2) 237.
2- المبسوط، ج 3، ص 570 - 571.
3- لسان العرب، ج 15 ، ص 74، «عفو».
4- يأتي في ص 688.
5- قال به فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 225؛ والفاضل المقداد في كنز العرفان، ج 2، ص 207.

وكذا لو عفا الذي بيده عقدة النكاح، وهو الولي، كالأب أو الجد للأب. وقيل:

أو من تولّيه المرأة عقدها.

للمعفو عنه بعبارة تفيده، ولو كان المراد لفظه لتعيّن في الموضعين، وهو منفي بالإجماع. وسمّى نقله منها عفواً تنبيهاً على حصول فضيلة العفو والمدح، وإن توقف الفعل له على صيغة شرعية، كما لو قال: ملكه هذا، فإنّه يريد نقل ملكه إليه بلفظ شرعي يفيده بأي لفظ أدى معناه وإن لم يكن بلفظ التمليك. وهذا أولى.

إذا تقرر ذلك فالمهر لا يخلو إما أن يكون عيناً أو ديناً. فإن كان ديناً صح عفوها عنه بلفظ العفو والإبراء والهبة والترك والإسقاط ، لإفادة كلّ واحد من هذه الألفاظ المعنى المراد، وهو إسقاط حقها عمّا في ذمته. وإن كان عيناً ، فإن كان في يده تأدى بلفظ التمليك والهبة والعفو على قول، ولا يصح بلفظ الإبراء والإسقاط والترك قطعاً؛ لأنّ الألفاظ الثلاثة ظاهرة في إسقاط ما في الذمة. وكذا إن كان في يدها، إلا أنهما يفترقان في اشتراط القبض في الثاني دون الأول.

ولا بد من القبول على التقديرين إذا كان عيناً. وسيأتى حكم ما لو عفا الزوّج (1).

قوله: «وكذا لو عفا الذي بيده عقدة النكاح إلى قوله - أو من توليه المرأة عقدها». اتفق العلماء على أنّ الذي بيده عقدة النكاح له أن يعفو عن المهر في الجملة؛ لقوله تعالى : (إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُواْ الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاح)(2) واختلفوا فيه من هو ؟ فذهب أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنّه وليّ المرأة، كالأب والجد له(3)، وذهب آخرون إلى أنّه الزوج(4).

ص: 686


1- سيأتي في ص 694.
2- البقرة .(2) 237.
3- الحاوي الكبير، ج 9، ص 513 و 514؛ المبسوط، السرخسي، ج 1، ص 73؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 70 المسألة 5623.
4- الحاوي الكبير، ج 9، ص 513 و 514؛ المبسوط، السرخسي، ج 1، ص 73؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 70 المسألة 5623.

ولكلّ واحد من الفريقين اعتبار من جهة الآية واستناد إلى الرواية.

واعتبار الأولين من الآية أنه صدرها بخطاب الأزواج فقال: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(1)، ثمّ قال تعالى: ﴿إِلَّا أَن يَعْفُونَ) وهو خطاب لغير الحاضر، والمراد به هنا النساء بغير خلاف، فكأنه قال: للزوج النصف ممّا فرض لها إذا طلقها قبل الدخول إلا أن تعفو عن النصف الباقي فيكون الكل للزوج، ثمّ قال: أَوْ يَعْفُواْ الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاحِ) فأتى به بلفظ الغيبة، فناسب كون المعطوف عليه هو الغائب؛ إذ لو أراد به الأزواج لما عدل من المخاطبة إلى المغايبة، بل قال: إلا أن يعفون أو

تعفوا أنتم.

ولأن العفو حقيقة في الإسقاط لا التزام ما سقط بالطلاق؛ إذ لا يسمّى ذلك عفواً. ولأنّ إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل، ولو أريد الأزواج لقيل: أو تعفو عمّا استحق لكم.

ولأنّ المفهوم من قولنا: بيده كذا تصرفه، والزوج لا يتصرّف في عقدة النكاح، وإنّما كان تصرفه في الوطء، وإنما يتصرف في العقد الولي.

ولأنّ المسند إليهنّ العفو أوّلاً الرشيدات، فيجب ذكر غير الرشيدات لتستوفى القسمة. ولأن قوله تعالى: (إِلَّا أَن يَعْفُونَ) استثناء من الإثبات فيكون نفياً، وحمله على الوليّ

يقتضي ذلك، ففيه طرد لقاعدة الاستثناء. ولو حمل على الزوج لكان إثباتاً، فيستثنى من الإثبات إثبات، وهو خلاف القاعدة.

ولأنّ قضيّة العطف التشريك، وعلى ما قلناه يشترك المعطوف والمعطوف عليه في النفي ولو أريد الزوج لكان إثباتاً، فلا يقع الاشتراك.

ص: 687


1- البقرة (2) 237.

وفي كلّ واحد من هذه الوجوه نظر:

أمّا الأوّل؛ فلأنّ العدول من المخاطبة إلى المغايبة والمخبر عنه واحد جاء في فصيح اللغة، وهو فنّ من فنون البلاغة يسمونه الالتفات، ومنه قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(1).

وأما الثاني فالعفو كما يطلق على الإسقاط يطلق على الإعطاء، كما أشرنا إليه سابقاً (2) ومن الأوّل قوله تعالى: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)(3) أي التاركين ما لهم عندهم من مظلمة. ومن الثانى قوله تعالى: (يَسْتَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)(4) أي الفضل من الأموال الذي يسهل إعطاؤه، وقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ)(5) أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أخلاقهم ولا تستقص(6) عليهم، وغير ذلك، فيصلح للأمرين. تمّ إنّ المهر قد يكون ديناً وقد يكون عيناً، والإسقاط من المرأة ووليها إنما يتحقق في الأوّل دون الثاني، فلا بد من الحاجة إلى المعنيين على ذلك التقدير.

وأمّا الثالث؛ فلأنّ إقامة المظهر مقام المضمر واقعة لغةً وراجحة حيث يشتمل على نكتة لا تتم بدونه، وهو هناك كذلك، فإنّ في العدول إلى التعبير بالموصول تنبيهاً على وجه بناء الحكم وسببه، فإنّ من بيده عقدة النكاح يصلح أن يكون بيده العفو، وهذا التنبيه لا يحصل بالتعبير بضمير المخاطب ولا بالتصريح باسمه، كما قرّر في علم المعاني(7).

وأما الرابع؛ فلأن المفهوم من من بيده العقدة من يقدر على حلّها وعقدها؛ لأن التصرف

ص: 688


1- يونس (10) 22.
2- سبق في ص 685.
3- آل عمران (3): 134.
4- البقرة (2): 219.
5- الاعراف،(7) 199.
6- في الطبعة الحجرية: «ولا تستنقص» بدل «ولا تستقص».
7- راجع الإيضاح في علوم البلاغة، ص 70 - 72؛ والمطوّل، ص 100 وما بعدها (الطبعة الحجرية).

فيها يتحقّق بالأمرين، وهذا معنى متبادر من ذلك، ظاهر الإرادة إذا قيل: فلان بيده عقدة كذا. وتحقق هذا المعنى في الزوج أوضح؛ لأنه بيده إثبات النكاح بالقبول ورفعه بالطلاق، فبيده حله وعقده، بخلاف ولي المرأة، فإنّه لا يقدر على مجموع ذلك كما لا يخفى. فقوله: «إنّ الزّوج لا يتصرّف في عقدة النكاح وإنّما يتصرّف في الوطء في حيّز الفساد. وأما الخامس فالأصل في العفو أن لا يليق بغير الرشيد؛ لأن الولي إنما يتصرف في مال المولّى عليه بالتحصيل لا بالإسقاط والتضييع. ولولا النص الوارد هنا من جهة الأخبار بجواز عفو وليّ المرأة لما أمكن الحكم به من جهة الآية؛ لأن تصرف الولي بهذه الطريق على خلاف الأصل، فاستيفاء القسمة لا ضرورة إليه هنا ولا يقتضيه المقام. وأما السادس فإنّ قوله «إلّا أن يعفون استثناء من الإثبات وينبغي أن يكون نفياً مبني على أن قوله: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(1) أي ثابت لهنّ ونحوه، ليصير التقدير: لهنّ النصف إلا أن يعفون فلا يكون لهنّ شيء. وهذا التقدير غير متعيّن، بل ولا يقتضيه المقام، وإن ذهب إليه جمع (2)؛ لأنّ الزوجة تستحق نصف المهر بالعقد إجماعاً وجميعه على أصح القولين(3). فالمحتاج إلى بيان استحقاقه بالطلاق النصف هو الزوج لا الزوجة؛ لأن الملك عائد إليه به بعد أن خرج عنه، فكان تقدير فلكم نصف ما فرضتم أولى من تقدير «فلهنّ». وعلى هذا فلا يتم ما ذكروه من أنّ الاستثناء يقتضي النفي من الإثبات. نعم، يمكن تقريره بوجه آخر يجري على التقديرين، بأن يقال: على ما ذكرناه من التقدير : فلكم النصف إلا أن يعفون فيكون لكم الجميع. ويمكن ردّه إلى النفي أيضاً؛ لأنّ النصف غير المجموع، ضرورة أنّ الكل مغاير للجزء، فيصير التقدير: لكم النصف إلّا

ص: 689


1- بقرة،(2) 237.
2- منهم الشهيد في القواعد والفوائد، ج 1، ص 390 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15؛ والفاضل المقداد في نضد القواعد الفقهيّة، ص 432 والقرافي في الفروق، ج 3، ص 138.
3- الوسيلة، ص 297؛ السرائر، ج 2، ص 585 - 586.

أن يعفون فلا يكون لكم النصف بل الجميع. وقوله: (أَوْ يَعْفُواْ الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاحَ)(1) على تقدير كونه الزوج يصير معه التقدير: فلكم النصف إلا أن تعفو فلا يكون لكم ذلك، وهذا نفي بعد إثبات كما ذكروه في مدّعاهم. وعلى تقدير كونه وليّ الزوجة يمكن فرضه نفياً أيضاً على التقدير الذي ادعوه من أنّ المراد لهنّ النصف وهو ظاهر. وعلى تقدير كونه الزوج بأن يراد لهنّ النصف إلا أن يعفو الزوج فلا يكون لهنّ النصف بل الجميع، كما ذكرناه أولاً من أنّ إثبات الجميع يوجب نفي النصف من حيث مغايرة الكلّ للجزء، فلا إخلال بالمراد على جميع التقادير.

وأمّا السابع فجوابه يظهر من جواب السادس، فإنّ المعطوف والمعطوف عليه يشتركان في النفي على التقديرين، وإن كان بصورة الإثبات على بعض الوجوه،خصوصاً على ما قرّرناه من أن تقدير نصف المفروض للأزواج أولى منه للزوجات، فلابدّ حينئذ من تكلف النفي في الاستثناء ليغاير المستثنى منه إن سلم الاحتياج إليه.

واحتجّ من جعل الَّذِي بِيَدِهِ، عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزوج من الآية بأن عقدة النكاح بيد الزوج حقيقة لا بيد ولي الزوجة؛ لما تقرّر من أن من بيده العقدة يقدر على حلّها وعقدها، وهذا

لا يكون لغير الزوج. وبأنه تعالى ذكر عفوها الموجب لخلوص الجميع له، ثمّ عقبه بعفوه الموجب لخلوص الجميع لها، وذلك يوجب المطابقة بين العفوين وتحققه من الجانبين، بخلاف ما إذا جعلناه ولتها، فإنّه يكون قد أهمل ذكر عفو الزوج رأساً. وبأنّه تعالى قال بعد ذلك: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(2) وهو يدلّ على دخول الزوج في العفو من وجهين:

أحدهما: وقوعه بصيغة الخطاب المطابق لخطاب الأزواج سابقاً كما زعموه في دليلهم

ص: 690


1- البقرة (2) 237.
2- البقرة (2) 237.

السابق(1)، والزّوجات وردت بصيغة الغائب.

والثاني: جعله العفو أقرب للتقوى، وعفو الولي لا يوصف بذلك؛ لأنه إسقاط لمال غيره، وغاية تكلّفه أنه يقع جائزاً لا موجباً للتقوى، بخلاف عفو الزوجين، والمناسب كون ذلك خطاباً للزوجين، وتقديره: وعفو بعضكم عن بعض أقرب للتقوى. وهذا واضح. والالتفات من صيغة الغيبة إلى الخطاب على تقدير إرادة كلّ من الأزواج والزوجات حسن أيضاً على حدّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بعد قوله: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ» إلى آخره.

وبأن العفو بجانب المستحق أولى منه بجانب الولى؛ لأنه منصوب لمصلحة المولى عليه وحفظ ما له لا لاسقاط حقه.

والحق أنّ الآية محتملة للقولين، وإثبات الحكم بمجرد الاحتمال غير مناسب. والنقض مسلّط على الأدلة من الجانبين، خصوصاً حكم عفو الولي، فإنّه مخالف للأصل والقياس، فلا يصح إثباته بمجرد اللفظ المحتمل إن لم يكن مرجوحاً من جانبه. والأولى الرجوع في تفسيره إلى دليل من خارج. وقد اختلفت الروايات أيضاً فيه بما يوافق القولين وأصحها عندنا ما دلّ على الأوّل.

فمنها رواية عبدالله بن سنان - في الصحيح - عن الصادق(علیه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها»(2). ورواية رفاعة في الصحيح - قال: سألتُ الصادق(علیه السلام) عن الذي بيده عقدة النكاح، فقال: «الوليّ الذي يأخذ بعضاً ويترك بعضاً، وليس له أن يدع كلّه»(3). وهذا يدل على ما اختاره المصنّف من القولين. وهو مذهب أكثر أصحابنا، ومنهم الشيخ في الخلاف مدعياً فيه الإجماع،(4)

ص: 691


1- سبق في ص 686-687.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 392، ح 1570.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 392، ح 1572.
4- الخلاف، ج 4، ص 389 المسألة 34.

والقول الثاني بتعديته إلى من توليه عقدها قول الشيخ أيضاً في النهاية(1) ، وتلميذه القاضي(2). ويدلّ عليه صحيحة محمدبن مسلم وأبي بصير، قال: سألت أبا جعفرعلیه السلام، عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: «هو الأب، والأخ، والموصى إليه، والذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري قال: فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه»(3). ومثله رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام)(4) إلّا أنّه لم يقيد من يجوز أمره في مالها بالقرابة. لكن هاتان الروايتان لا يقتصر فيهما على الوليّ والوكيل، بل يتعدّى إلى الوصي، ويدلّ على جواز تزويجه المولى عليها وعفوه.

وقد تقدّم الكلام في ولايته في بابها(5). وإدخاله الأخ في الرواية محمول على كونه وكيلاً، كما حمله الشيخ(6)، أو وصيّاً، ويكون تخصيصه على التقديرين تخصيصاً مع تعميم؛ لأنّ الأخ لا ولاية له عندنا، فلابد من حمله على أحد الأمرين. وهذا القول متجه لصحة روايته، إلا أنّ الاقتصار بالعفو المخالف للأصل على الأب والجد أولى، وقوفاً على موضع الوفاق، ولأنّ الوكيل ليس بيده عقدة النكاح حقيقة ولا أصالة، ومع ذلك فيده يد الموكل، فيده بالذات مرفوعة. واعلم أنّ الشيخ عبر في النهاية عن الوكيل بقوله أو وكّلته في أمرها(7) تبعاً للرواية. والمصنف عدل عنه إلى قوله: «تولّيه المرأة عقدها» وهو أجود؛ لأنّ الوكيل في أمرها من البيع والشراء لا يسوغ له العفو عن المهر، لعدم دخوله في متعلّق ولايته.

والرواية وإن كان ظاهرها ذلك إلّا أنّها محمولة على الوكيل على العموم بحيث تدخل فيه وكالة العقد.

ص: 692


1- النهاية، ص 468.
2- المهذب، ج 2، ص 196.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 484،ح 1946.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 393، ح 1573.
5- تقدّم في ص 145 وما بعدها.
6- النّهاية، ص 468.
7- النّهاية، ص 468.

ويجوز للأب والجدّ للأب أن يعفو عن البعض، وليس لهما العفو عن الكلّ.

ولايجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق؛ لأنه منصوب لمصلحته، ولا غبطة له في العفو.

واعلم أيضاً أنّ العلّامة في المختلف اختار اختصاصه بالولي دون الوكيل كما ذكره المصنّف محتجاً بأنّ رواية أبي بصير المتضمّنة لإدخال الوكيل مرسلة(1). وهو يدلّ على حصره الدلالة في الرواية الثانية، وقد عرفت أنّ الأولى من روايته ورواية محمّد بن مسلم تدلّ عليه، وهي صحيحة السند، ذكرها الشيخ في زوائد النكاح من التهذيب(2)، وذكر الباقي في باب الأولياء(3)، فلم يتفطن إليهما من لم يحتج بهما.

قوله: «ويجوز للأب والجد للأب أن يعفو عن البعض، وليس لهما العفو عن الكلّ». الوجه في اختصاصه بالبعض - مع إطلاق تسويغ عفوه في الآية، وجواز عفو المعطوف عليه وهو المرأة مطلقاً - ما تقدّم في صحيحة رفاعة(4) الدالّة صريحاً على عدم جواز عفوه عن الجميع، فكانت مقيدة لما أطلق في الآية (5). ولا فرق مع إبقاء بعضه بين القليل والكثير، لتحقق الامتثال بالجميع وإطلاق الآية والرواية يقتضي عدم الفرق في جواز عفوه عفوه بین کونه مصلحة للمولّى عليه وعدمه. نعم، يشترط كونه بعد الطلاق الواقع قبل الدخول، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع الدلالة.

قوله: «ولا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق؛ لأنّه منصوب لمصلحته ولا غبطة له في العفو لما كان العفو من غير مالك المال بغير إذن المالك على خلاف الأصل وجب الاقتصار فيه

ص: 693


1- مختلف الشيعة، ج 7، ص 133 - 134، المسألة 65.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 484، ح 1946.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 392 و 393، ح، 1570 و 1573.
4- تقدّمت صحيحته في ص 691، مع تخريجها في الهامش 3.
5- البقرة (2) 237.

وإذا عفت عن نصفها أو عفا الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرّد العفو؛ لأنّه هبة فلا ينتقل إلا بالقبض.

على مورد الإذن وهو ولي المرأة، فلا يجوز لولي الزوج العفو عن حقه ولا عن شيء منه؛ لأنه لا غبطة له في ذلك، وتصرّف الولي مقصور على المصلحة. وإنما خرج عنه ولي المرأة بالنّص الخاصّ (1).

ومن ثمّ منع بعضهم من عفوه لذلك(2).

وتتصوّر الولاية على الزوج مع وقوع طلاقه مولّى عليه فيما إذا بلغ فاسد العقل، فإنّ للولي أن يطلّق عنه مع المصلحة كما سيأتي(3)، بخلاف الصبي.

ولو فسّرنا من بيده عقدة النكاح بما يشمل الوكيل دخل وكيل الزوج في الحكم المذكور هنا أيضاً كما يدخل وليه. قوله: «وإذا عفت عن نصفها أو عفا الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما » إلى آخره.

نبّه بذلك على أنّ العفو الموجب لبراءة كلّ من الزوجين من حق الآخر ليس المراد منه كونه سبباً تاماً بمجرّده في نقل الملك أو البراءة منه، بل المراد كونه سبباً في ذلك أعم من كونه تاماً أو ناقصاً أو متوقفاً على شرط آخر، وإن كان قد أطلق في الآية(4) كون العفو موجباً لسقوط الحق أو نقله؛ لأنّ إطلاقه كذلك لا ينافي اعتبار أمر آخر. وهذا كما يقال: هذا الملك الفلاني لك أن تبيعه أو تملكه ونحو ذلك، فإنّه لا يدل على أن البيع والتمليك بأي وجه وقعا يوجبان نقل ملكه عنه، بل مع مراعاة ما يعتبر في نقل الملك بهما. إذا تقرّر ذلك فنقول : المهر إما أن يكون عيناً، أو ديناً. وعلى الأوّل إما أن يكون في يدها. أو في يده. والثاني إما أن يكون في ذمتها - بأن يكون قد قبضته وتلف في يدها - أو في ذمته. وعلى التقادير الأربعة:

إمّا أن يكون العافي الزوج أو الزوّجة، ومن يقوم مقامهما في

ص: 694


1- البقرة :(2) 237 وسائل الشيعة، ج 21، ص 315 وما بعدها، الباب 52 من أبواب المهور.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 84؛ كنز الفوائد، ج 2، ص 460.
3- يأتي في ج 7، ص 207 الركن الأول في المطلق.
4- البقرة (2) 237.

نعم، لو كان ديناً على الزوج، أو تلف في يد الزوجة كفى العفو عن الضامن له؛ معناهما فتحقيق حكم الملك وانتقاله وسقوطه عن الذمة يتم بثمان صور:

الأولى: أن يكون ديناً في ذمة الزوج والعافي المرأة، فتحصل براءة ذمته بمجرد عفوها؛ لأنّ العفو حينئذ منزّل منزلة الإبراء، فلا يشترط فيه سوى اللفظ الدال عليه، وإن لم يقبل من عليه الحق على الأقوى. وقد تقدّم تحقيقه في باب الهبة(1). ويصحّ ذلك بلفظ «العفو» و «الإبراء» و «الإسقاط» و «الترك» و«الهبة» و«التمليك»، لاشتراك الجميع في الدلالة عليه.

الثانية: الصورة بحالها ويكون عيناً في يده، فلا يكفي مجرّد العفو؛ لأنّ ذلك بمنزلة الهبة لعين، بل لا بد من لفظ يدلّ عليها، كلفظ الهبة والتمليك أو العفو على قول قوي، لا الإبراء والإسقاط وما شاكلهما. ويشترط أيضاً قبول المتهب ولا يشترط قبض جديد؛ لأنّه

مقبوض بيده بالفعل. وتلحقه حينئذٍ أحكام الهبة من اللزوم والجواز على ما سبق تفصيله(2).

الثالثة: الصورة بحالها بأن كان عيناً في يده لكن كان هو العافي عن حقه، فيشترط فيه ما اشترط في السابقة من الإيجاب والقبول. ويزيد اشتراط إقباضها إياه؛ لأنه خارج عن يدها.

الرابعة: الصورة بحالها بأن كان هو العافي ولكن كان ديناً في ذمته. ولا ينتقل بالإبراء وما في معناه قطعاً، لاختصاصه بالدين في ذمّة المعفو عنه لا العافي. وينتقل بلفظ الهبة لكن بشرط التسليم. وكذا بلفظ العفو على ما يظهر من المصنّف وغيره(3)، وهو أحد الوجهين؛

لتناول الآية له.

وظاهر العبارة كغيره أنه لو حصل العفو والتسليم كفى في نقل الملك.

ويشكل بأنّ غاية العفو إلحاقه بلفظ الهبة، فلا بد من القبول. وأيضاً فشرط الموهوب أن يكون عيناً أو ديناً في ذمّة المتهب لينزل منزلة الإبراء، وكلاهما منتف هنا.

ص: 695


1- تقدم في ج 5، ص 149 وما بعدها.
2- تقدّم في ج 5، ص 169 وما بعدها.
3- كالشيخ في المبسوط، ج 4، ص 306؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 84.

لأنّه يكون إبراء، ولا يفتقر إلى القبول على الأصح. أما الذي عليه المال فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلّمه.

والأظهر اشتراط تمييزه بعينه أولاً ثمّ إيقاع صيغة الهبة والقبول بعدها والقبض. هذا إذا وقع بصيغة الهبة أو التمليك. وإن وقع بلفظ العفو احتمل الاجتزاء به. وإن كان ديناً لم يفتقر إلى تعيينه وتسليمه بعد ذلك؛ عملاً بإطلاق الآية. والوجه اشتراط القبول أيضاً، تنزيلاً للعفو منزلة الهبة وإن زاد عنها بوروده على الدين.

الخامسة: أن يكون ديناً في ذمتها، وتكون هي العافية عنه. والحكم فيه كالسابقة. والأقوى افتقاره إلى العقد بعد التعيين فيهما؛ لأنّ ذلك مقتضى الهبة، ولا وجه هنا سواها. وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط(1)، وإن كان مقتضى قول المصنف: «أما الذي عليه المال فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلّمه الاجتزاء بالتسليم مع العفو وما في معناه. ولأن العفو غايته هنا قيامه مقام الهبة، وهي لا تصح على الدين، فما قام مقامها أولى.

وقد تقدّم أنّ المراد بالعفو في هذا المقام ما يشمل نقل العين وإسقاط الحق لا نفس لفظه(2).

السادسة: الصورة بحالها، وهو كونه ديناً في ذمتها، لكنّ العافي هو الزوج. وهنا ينزل منزلة الإبراء كما مرّ في نظيره(3). ويصح بجميع الألفاظ الستة. ولا يفتقر إلى القبول على الأقوى.

السابعة: أن يكون عيناً في يدها، وهي العافية أيضاً، فيشترط فيه ما يشترط في الهبة من العقد والإقباض.

الثامنة:الصورة بحالها، والعافي الزوج، فيشترط فيه عقد الهبة. ولايشترط تجديد الإقباض، لحصوله في يدها. واشترط الشيخ مضيّ مدّة يمكن فيها قبض مَن هي في يده (4).

ص: 696


1- المبسوط ، ج 3، ص 570.
2- تقدّم في ص 685.
3- مرّ في ص 695.
4- المبسوط، ج 3، ص 572، وفي ص 305، قال بخلاف ذلك.
الرابعة عشرة:المهر مؤجّل

لو كان المهر مؤجّلاً لم يكن لها الامتناع فلو امتنعت وحلّ هل لها أن تمتنع ؟ قيل: نعم.

وقيل: لا ؛ لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول . وهو أشبه والأقوى عدم اشتراطه. وقد تقدم البحث فيه في بابه(1).

والقول في الاجتزاء في هاتين الصورتين بالعفو وقيامه مقام التمليك ما تقدّم من الوجهين(2). وفي الاجتزاء به قوّة، لما عرفت من وقوعه لغةً بمعنى العطاء وبمعنى الإسقاط(3). فهو حقيقة في كلّ منهما، وقرينة المقام في كلّ محلّ منهما تعين حمله على ما يناسبه من المعنى، مضافاً إلى ظاهر الاجتزاء به في الآية.

قوله: «لو كان المهر مؤجّلاً لم يكن لها الامتناع إلى قوله - وهو أشبه».

هذه المسألة شعبة من مسألة جواز امتناع المرأة من تسليم نفسها قبل قبض المهر. وقد تقدّم البحث فيها(4)، وكان ذكرها عندها أولى. ولا خلاف في عدم جواز امتناعها قبل الحلول إذا كان مؤجّلاً ؛ لعدم استحقاقها المطالبة به حينئذ مع استحقاقه البضع حالاً. لكن لو امتنعت وفعلت محرّماً وحلّ الأجل فهل لها الامتناع حينئذ؟ الأظهر العدم؛ لما أشار إليه المصنّف من استقرار وجوب التسليم قبل الحلول والقول بجواز امتناعها حينئذ للشيخ في النهاية، حيث أطلق جواز امتناعها حتى تقبض المهر الشامل لمحل النزاع(5). أمّا بخصوص المسألة فلا نعلم به قائلاً، ولا ذكره أحد ممن تعرّض لنقل الأقوال.

وقد سبق البحث في ذلك(6).

ص: 697


1- تقدّم في ج 5، ص 158 وما بعدها.
2- تقدّم في ص 686.
3- راجع ص 688.
4- تقدّم في ص 627.
5- النهاية، ص 475.
6- سبق في ص 625.
الخامسة عشرة: لو أصدقها قطعة من فضّة

لو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها آنية ثمّ طلّقها قبل الدخول كانت بالخيار في تسليم نصف العين أو نصف القيمة؛ لأنه لا يجب عليها بذلك الصفة. ولو كان الصداق ثوباً فخاطته قميصاً لم يجب على الزوج أخذه وكان له إلزامها بنصف القيمة؛ لأنّ الفضّة لا تخرج بالصياغة عما كانت قابلة له، وليس كذلك الثوب.

قوله: «لو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها آنية - إلى قوله - وليس كذلك الثوب».

هذه المسألة من فروع زيادة العين في يدها، فإنّ الصنعة زيادة صفة، وهي في معنى الزيادة المتصلة. وقد تقدّم أنّ المرأة لا تجبر على دفعها كذلك، لمكان الزيادة، بل تتخير بين دفعها متبرعة بالزيادة وبين دفع القيمة(1).

هذا إذا أمكن إعادة العين إلى أصلها كالفضة. أما لو لم يمكن أصلاً كالخشب يعمل ألواحاً، أو أمكن بنقص في القيمة كالثوب يفصل قميصاً، فهو زيادة من وجه ونقص من آخر فلا يجبر كلّ منهما على أخذ العين. وقد أشار المصنّف إلى الفرق بين الأمرين ب«الفضة لا تخرج بالصياغة عمّا كانت قابلة له فهي زيادة محضة، وليس كذلك الثوب إذا فصلته وخاطته قميصاً. ويستفاد من الفرق أنّها فصلت الثوب أيضاً وإن كان قد اقتصر على ذكر الخياطة؛ لأنّ الخياطة بمجردها زيادة أيضاً لا توجب النقصان غالباً، وإنّما أوجبه التفصيل.

واعلم أنّ المصنّف مثل بصياغة الفضة آنية تبعاً للشيخ في المبسوط(2). وليس بجيد على مذهبهما؛ لأنهما لا يجوزان اتخاذ الآنية من الفضة، سواء اتخذها للاستعمال أم لا، فيكون عملها آنية غير محترم فله أخذ العين؛ لأنّ الصياغة على الوجه المحرّم لا قيمة لها شرعاً.

ص: 698


1- تقدّم في ص 661 - 662.
2- المبسوط، ج 3، ص 588.
السادسة عشرة:لو أصدقها تعليم سورة

لو أصدقها تعليم سورة كان حده أن تستقل بالتلاوة ولا يكفى تتبعها نطقه. نعم، لو استقلت بتلاوة الآية ثم لقنها غيرها فنسيت الأولى لم يجب عليه إعادة التعليم. ولو استفادت ذلك من غيره كان لها أجرة التعليم، كما لو تزوجها بشيء وتعذر عليه تسليمه.

وقد ذكر المصنّف وغيره(1) أنّ الغاصب لا يضمن قيمة الصياغة المحرّمة إذا كسرها، فالزوج هنا أولى. نعم، هذا يجري على قول من جوّز اتخاذ الآنية لغير الاستعمال كابن إدريس(2) ولو مثل المصنّف بعملها حليّاً كان حسناً.

قوله: «لو أصدقها تعليم سورة - إلى قوله - وتعذر عليه تسليمه».

قد تقدم جواز جعل تعليم القرآن مهراً وجملة من أحكامه(3).

وذكر هنا منه مسألتين:

إحداهما: بيان ما يصدق به التعليم وحده أن تستقل بتلاوته صحيحاً بغير مرشد،

فلا يكفي تتبعها لنطقه؛ لأنّ ذلك لا يعدّ تعلّماً عرفاً. ثم المعتبر استقلالها بجملة منها يصدق عليها عرفاً اسم التعلّم للقرآن، فلا يكفي استقلالها بنحو الكلمة والكلمتين قطعاً؛ لأن ذلك لا يعدّ تعلّماً.

و يظهر من وجماعة(4)، الاكتفاء بالآية، فلو استقلّت بها برئت ذمته منها، فلو اشتغلت بغيرها فنسيتها لم يجب عليه إعادة التعليم. واعتبر بعضهم ثلاث آيات مراعاة لما يحصل به الإعجاز، وأقله سورة قصيرة تشتمل على ثلاث آيات كالكوثر(5).

المصنّف

ص: 699


1- كالشيخ في المبسوط، ج 2، ص 476؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 487؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان،ج 1، ص 446 .
2- السرائر، ج 3، ص123.
3- تقدّم في ص 611 وما بعدها.
4- منهم الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 531.
5- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 195 - 196.

السابعة عشرة:يجوز أن يجمع بين نكاح وبيع في عقد واحد،

یجوز أن يجمع بين نكاح وبيع في عقد واحد، ويقسّط العوض على الثمن ومهر المثل.

والأجود الرجوع إلى العرف؛ لعدم تقديره شرعاً. وكون الإعجاز يتعلق بثلاث آيات

لا يستلزم نفي التعليم عمّا دونها.

ولأنّ الآيات تختلف بالطول والقصر، ففيها ما يزيد على ثلاث آيات قصيرة ويحصل بها الإعجاز، وفيها ما لا يصدق معه التعلّم عرفاً ك-: (مُدْهَامَّتَانِ)(1) (وأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ)(2). ثمّ إن كان شرطها التعلّم عن ظهر القلب اشترط ثبوته فيه وتكرّره على وجه يصدق عليه اسم الحفظ عرفاً، فلا يكفي قرائته عن ظهر القلب مرّةً، ولا تكرار قدر يسير كذلك.

وإن كان المراد التدرّب على قراءته من المصحف اعتبر استقلالها به بنفسها كذلك. ثمّ إن كان العرف منضبطاً حمل عليه وإلا وجب ضبطه على وجه يرفع الإبهام. هذا إن كان المعقود عليه آيات متعدّدة، فلو كان آية أو آيتين فلا إشكال في الاكتفاء بالاستقلال به.

الثانية: لو تعلّمت السورة المعينة من غيره فعليه أجرة مثل ذلك التعليم؛ لأنّه عوض المهر حيث تعدّر وفاؤه بعينه. ومثله ما لو مات أحدهما قبل التعليم وق-د ش-رط تعليمها بنفسه، أو تعذر تعليمها لبلادتها، أو أمكن بتكلف عظيم زيادة على المعتاد. ولا فرق مع تعلّمها من غيره بين بذله لها التعليم وعدمه، لاشتراكهما في المقتضي. وليس هذا كوفاء دين الإنسان بغير إذنه حيث حكم ببراءته منه؛ لأنّ تعليمه بنفسه لا يمكن إيفاؤه عنه بتعليم غيره؛ لأنّ ذلك غير التعليم المجعول ا، بخلاف الدين قوله: «يجوز أن يجمع بين نكاح وبيع - إلى قوله - ويقسط العوض على الثمن ومهر المثل».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامة حيث منع من الجمع بين العقود المختلفة بعوض

ص: 700


1- الرحمن (55): 64.
2- الأعراف (7): 120.

ولو كان معها دينار فقالت زوجتك نفسي وبعتك هذا الدينار بدينار» بطل البيع؛ لأنه ربا، وفسد المهر، وصح النكاح. أما لو اختلف الجنس صح الجميع.

واحد؛ نظراً إلى جهالة ما يخصّ كلّ واحد من العوض(1). ومجوّز ذلك ينظر إلى العلم بمقدار المجموع، ولا يعتبر معرفة ما يخص أجزاءه، كما لو باع أمتعة متعددة بثمن واحد مع الجهالة بما يقتضيه التقسيط لو وزّع عليها، وإن احتيج إليه لتعدّد المالك أو بتقدير ظهور بطلان البيع في بعضها.

وكما يجوز الجمع بين البيع والنكاح يجوز إضافة غيرهما، كالإجارة وغيرها، ويوزّع العوض المسمّى على مهر مثل المرأة وثمن مثل المبيع وأجرة مثل العين المستأجرة، ونحو ذلك. فلو كان العوض مائة مثلاً، وقيل مهر مثلها مائة وثمن مثله خمسون قسمت المائة بينهما أثلاثاً، وهكذا.

قوله: «ولو كان معها دينار - إلى قوله - أما لو اختلف الجنس صح الجميع».

إذا تزوج امرأة واشترى منها ديناراً بدينار فقد جمع بين نكاح وصرف بعوض واحد، فمن أبطل الجمع بين العقدين في السابق أبطلهما هنا، ومن صححهما - كأصحابنا - اختلفوا هنا، فقال الشيخ في المبسوط : يبطل عقد الصداق والصرف، ويصح النكاح بغير مهر(2).

فيثبت مهر المثل بالدخول. واختاره المصنف.

ووجه فسادهما باشتمال العقد على الربا، حيث إنّه قد باع ديناراً بدينار، وضم إلى أحدهما النكاح، فتبطل المعاوضة، ولا يبطل النكاح؛ لأنه لا يتوقف على ذكر العوض في

العقد، كما علم غير مرّة. وفيه نظر؛ لأنّ الدينار في مقابلة الدينار والبضع فيكون لكلّ منهما منه ما يقتضيه التقسيط ، كما هو شأن العقود المجتمعة في عقد واحد، واللازم من ذلك بطلان الصرف

ص: 701


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 86، المسألة 5641: روضة الطالبين، ج 5، ص 592.
2- المبسوط، ج 3، ص 550.
فروع:
الأوّل: لو أصدقها عبداً فأعتقته ثمّ طلّقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته.

لو أصدقها عبداً فأعتقته ثمّ طلّقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته. ولو دبرته قيل: كانت بالخيار في الرجوع والإقامة على تدبيره. فإن رجعت أخذ نصفه، وإن أبت لم تجبر، وكان عليها قيمة النصف.خاصةً وصحة النكاح بما يقتضيه تقسيط الدينار على مهر مثلها وعلى الدينار. فلو فرض مهر مثلها ديناراً كان ما يخص المهر منه نصف دينار لاتفاقهما على جعله في مقابلة ،دینارين، ويبطل البيع في نصف الدينار بالدينار الذي يقابله. ولو فرض مهر مثلها عشرة دنانير قسم الدينار على أحد عشر جزءاً، وكان المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من الدينار، فيلزم فيه، وبطل البيع في جزء من أحد عشر جزءاً من دينار. ومثل هذا آتٍ في كلّ مختلفين جمعا في عقد واحد بعوض واحد. ولا يلزم من بطلان الربا بطلان الأمرين؛ لوجود المقتضي للصحة وانتفاء المانع.

ولو اختلف الجنس بأن كان المنضم إليها درهماً بالدينار صح الصرف والنكاح، لانتفاء الربا حينئذ، لكن يعتبر التقابض في المجلس مراعاة لجانب الصرف فلو تفرّقا قبله بطل فيما يقابل الدرهم من الدينار وصح فيما اقتضاه المهر من التقسيط؛ لأن التقابض في المهر في المجلس غير معتبر. وذكر هاتين المسألتين في هذا الباب وإن لم يكن من مسائله عندنا؛ لأنّ العامة عدوه من مفسدات المهر(1).

قوله: «لو أصدقها عبداً فأعتقته - إلى قوله - وكان عليها قيمة النصف».

لا إشكال في رجوعه إلى قيمة النصف على تقدير عتقها له قبل الطلاق لانتقاله عن

ملكها انتقالاً لازماً ، بل خروجه عن أهليّة التملك، فنزل منزلة التالف، فيلزمها قيمة نصفه.

ص: 702


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 8، ص 86، المسألة 5641: روضة الطالبين، ج 5، ص 592.

ولو دفعت نصف القيمة ثم رجعت في التدبير، قيل: كان له العود في العين؛ لأن القيمة أخذت لمكان الحيلولة. وفيه تردّد، منشؤه استقرار الملك بدفع القيمة.

وإنّما الكلام فيما لو صادفها وقد دبّرته ، فإنّ التدبير ليس من الأسباب الناقلة عن الملک

قبل موت المدبّر ، ولا من اللازمة، وإنّما هو بمنزلة الوصيّة بالعتق أو هو وصيّة، هو وصيّة، فهو باقٍ على ملكها بغير مانع، وقد وجده الزوج فينتقل إلى ملكه ؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(1)، ولأن التدبير يبطل بزوال الملك اختياراً فبالاضطراري أولى.

وقيل: ليس له الرجوع في العين إلا أن ترجع هي في التدبير، وهي مخيّرة في الرجوع فيه فتدفع نصف العين أو إبقائه فتدفع قيمة النصف؛ نظراً إلى أن التدبير طاعة مقصودة قد تعلّقت بالعبد فكانت كالزيادة المتصلة، فلا تجبر على دفع العين بها. ولتعلّق حق الحريّة بالعين ولا عوض للعبد عنه، وللزوج عوض عنه، فيجمع بين الحقين بتقديم الأول. والأصح الأول.

قوله: «ولو دفعت نصف القيمة - إلى قوله - منشؤه استقرار الملك بدفع القيمة». هذا متفرع على القول بسقوط حقه من العين لو لم ترجع في التدبير، فإذا دفعت إلي-ه القيمة ثم رجعت هل يصح له الرجوع في العين إذا ردّ القيمة ؟ قيل: نعم(2)؛ لأنّ حقه في العين بالأصالة؛ لأنّها المفروض، وإنّما انتقل عنها إلى القيمة لمانع التدبير، فإذا زال المانع عاد إلى حقه، كما لو دفع الغاصب القيمة عن العين المغصوبة لتعذرها ثمّ قدر عليها، فإنّ الدفع لم يقع على وجه المعاوضة، بل لمكان الحيلولة بينه وبين حقه، فإذا أمكن الوصول إلى حقه تعيّن.

والأقوى عدم الرجوع؛ لأنّ حقه بالطلاق يتعلّق بالعين مع وجودها وعدم المانع من دفعها، وببدلها مع المانع، والفرض وجوده فيكون حقه في القيمة ويسقط من العين فيستصحب، كما لو وجدها قد باعته ثم عاد إلى ملكها بعد ذلك.

ص: 703


1- البقرة (2) 237.
2- قال به الشيخ في المبسوط، ج 3، ص 550.
الثاني: إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل

إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل قيل يبطل المهر ولها مهر المثل وقيل: يصح المسمّى. وهو أشبه.

الثالث:لو تزوّجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن

لو تزوّجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه، صحّ.

ويقوى الإشكال لو كان الرجوع بعد الطلاق وقبل دفع القيمة، من حيث إنه لم يقبض حقه حتى وجد عين ماله فيكون أحق به، ومن أنّ حقه وجب في القيمة حين الطلاق لوجود المانع فليس له نقله إلى غيرها. وقوّى في المبسوط تخييره هنا بين الرجوع إلى نصف العين أو نصف القيمة(1). وهذا كلّه بناءً على أنّ التدبير يمنع من الرجوع في العين. والأقوى عدمه، فيسقط التفريع.

قوله: «إذا زوجها الوليّ بدون مهر المثل قيل: يبطل المهر ولها مهر المثل» إلى آخره. قد تقدم البحث في هذه المسألة في باب الأولياء (2)، وأن المختار صحة العقد ولزوم المسمّى مع المصلحة وثبوت الخيار لها فيه مع عدمها فإن فسخت فلها مهر المثل مع الدخول كالمفوّضة. والمصنّف هنا اختار لزوم المسمّى، وفي السابقة اختار أنّ لها

الاعتراض فيه بمعنى ثبوت الخيار.

ولو كان المولى عليه ذكراً وزوجه الوليّ بأكثر من مهر المثل فالأقوى وقوفه ع-ل-ى الإجازة، كعقد الفضولي بالنسبة إلى المسمّى فإن أبطله ثبت مهر المثل كالسابق، ويتخير الآخر حينئذ في العقد هذا إذا كان الصداق من مال الولد فلو كان من مال الأب جاز؛ لأنه لا تخيير للولد حينئذ، وإن دخل في ملك الولد ضمناً. قوله: «لو تزوجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن، فتلف قبل قبضه» إلى آخره. المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء من المجهول؛ لأنه إسقاط ما في الذمة لا معاوضة، فلا يعتبر فيه ما يعتبر فيها من المعاينة. ومثله هبة المجهول الذي لا تمنع جهالته من تسليمه.

ص: 704


1- المبسوط ، ج 3، ص 551.
2- تقدّم في ص 151.

وكذا لو تزوّجها بمهر فاسد فاستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح ولو لم تعلم كميته؛ لأنه إسقاط للحق فلم تقدح فيه الجهالة.

ولو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم يصح؛ لعدم الاستحقاق.

وتردّد الشيخ في المبسوط ثمّ قوّى الجواز(1)، لكن بشرط كون ما في الذمة مجهولاً للمستحق ومَنْ عليه الحقِّ، فلو كان مَنْ عليه الحق عالماً بقدره والمستحق غير عالم، بحيث لو علم منه ما يعلمه المديون لما أقدم على البراءة، لم يصح. إذا تقرر ذلك فيتفرّع عليه ما لو تزوجها على مهر غير معلوم القدر مع كونه مشاهداً ليصح جعله مهراً، فتلف قبل قبضه، فلا وسيلة إلى التخلّص منه إلا بالصلح أو الإبراء منه إن اختارته. فعلى المختار من جواز الإبراء من المجهول يصح هنا، وإلا انحصر التخلّص في الصلح ولا فرق في هذه الصورة بين كون الإبراء قبل الدخول وبعده؛ لوجوب المهر بالعقد، والجهل بمقداره لا يمنع من ذلك. وكذا يجوز لها هبته إيَّاه لو كانت عينه باقية على الأقوى. ولو طلقها قبل الدخول فالبحث في التخلص من النصف بالإبراء أو الصلح كالجميع.

قوله: «وكذا لو تزوّجها بمهرٍ فاسدٍ - إلى قوله - لم يصح؛ لعدم الاستحقاق». نبّه بقوله «فاستقر لها مهر المثل» على أنّ وجوب مهر المثل في العقد على مهر فاسد كالمجهول وما لا يملك لا يحصل بالعقد بل بالدخول، وقد صرّح به سابقاً، فلا فرق في وجوب مهر المثل بين كون سببه ذلك أو بالتفويض، فقبل الدخول لا يكون لها في ذمة الزوج شيء. فلو أبرأته من مهر المثل حيث يكون هو الواجب، فإن كان قبل الدخول لم يصح مطلقاً؛ لأنه حينئذ إبراء ممّا لم يجب. ولا فرق في ذلك بين المفوضة وغيرها، فلذا أطلق قوله « ولو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم يصح الشامل للمفوّضة ومن مهرها فاسد بعد أن أشار إلى القسم الثاني سابقاً بقوله: «فاستقر».

وإن أبرأته منه أو من بعض منه مشاع كنصفه وثلثه بعد الدخول صح وإن لم يعلم كمّيّته

ص: 705


1- المبسوط، ج 3، ص 577.
تتمة

إذا زوّج ولده الصغير، فإن كان له مال فالمهر على الولد، وإن كان فقيراً فالمهر في عهدة الوالد ولو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته، سواء بلغ الولد وأيسر أو مات قبل ذلك.

بناءً على ما سلف من جواز الإبراء من المجهول.

ولو أبرأته من مقدار منه معيّن كعشرة دنانير مع جهلها بمجموعه صح أيضاً، وهو جارٍ على القولين إذا علمت اشتمال مهر المثل عليه فصاعداً. ويحتمل قوياً عدم اشتراط ذلك، بل إن اتفق كونه بقدرها وأزيد صح الإبراء مما عينت، وإن كان أنقص لغا الإبراء من الزائد. ومثله ما لو كان مهرها معيناً في العقد لكن نسيت مقداره. وكذا غير المهر. واعلم أنّ الشيخ في المبسوط أطلق القول بكون المهر الفاسد يوجب مهر المثل بالعقد، وأنه لو طلّق قبل الدخول لزمه نصفه، وخص وجوبه بالدخول بالمفوضة، وفرع عليه جواز إبرائها له من مهر المثل من غير تقييد بالدخول، وقيده في المفوّضة خاصةً(1). والمصنّف أطلق اشتراط الدخول بما يشمل الأمرين. وهو جيد على مذهبه. وكذلك صنع العلّامة في التحرير(2).

وأما في القواعد فجمع بين عبارة الشيخ في الأولى وعبارة المصنف، فأطلق الحكم بصحة البراءة من مهر المثل في الممهورة فاسداً من غير تقييد بالدخول، ثمّ أطلق القول بأنها لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم يصحّ(3)، فجاءت العبارة متدافعة ظاهراً محتاجة إلى التنقيح، بحمل الأولى على وقوع الإبراء بعد الدخول ليوافق مذهبه في التحرير، أو تخصيص الثانية بالمفوضة ليوافق مذهب الشيخ.

قوله: «إذا زوج ولده الصغير - إلى قوله أو مات قبل ذلك».

ص: 706


1- راجع المبسوط، ج 3، ص 533 و 577.
2- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 3، ص 580، الرقم 5240.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 87.

هذا هو المشهور بين علمائنا لا نعلم فيه مخالفاً. وأخبارهم الصحيحة دالّة عليه كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهماالسلام) قال: سألته عن رجل كان له ولد فزوج منهم اثنين وفرض الصداق ثم مات من أين يحسب الصداق، من جملة المال أو من حصتهما؟ قال: «من جميع المال، إنّما هو بمنزلة الدين»(1).

وصحيحة(2) الفضل بن عبد الملك، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير، قال: «لا بأس». قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا» . قلت: على من الصداق؟ قال: على الأب إن كان ضمنه لهم، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام، إلا أن لا يكون للغلام مال

فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن»(3).

وموثّقة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير، قال: «إن كان لابنه مال فعليه المهر، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن للمهر، ضمن أو

لم يضمن»(4). واستثنى في التذكرة من الحكم بضمان الأب له على تقدير فقر الابن ما لو صرّح الأب بنفي الضمان، فإنّه لايضمن. وحمل قوله في الرواية: «أو لم يضمن» على عدم اشتراط الضمان لا على اشتراط عدمه(5).

ولا يخلو من اشكال؛ لأنّ النصّ والفتوى متناول لما استثناه، وحمله على غيره يحتاج إلى دليل نقلي يعارضه حتى يوجب حمله على ذلك، ولأنّ الصبي لا يحتاج إلى النكاح

ص: 707


1- الكافي، ج 5، ص 400، باب تزويج الصبيان، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 368 - 369 ، ح 1493، و ص 389 ، ح 1557: وج 9، ص 169، ح 687.
2- في حاشية «و»: «الحديث الثاني وصفه في التذكرة [ ج 2، ص 608 (الطبعة الحجرية)] بالصحة وعندي فيه نظر؛ لأن في طريقه أبان وعلي بن الحكم، وفيهما بحث تقدّم [في ص 134 و 387] ذكره في هذا الكتاب. (منه قدّس سرّه)».
3- الكافي، ج 5، ص 400، باب تزويج الصبيان، ح 1؛ تهذيب الأحكام ، ج 7، ص 389، ح 1559.
4- الكافي، ج 5، ص 400 ، باب تزويج الصبيان، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 389 ، ح 1558.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 609 (الطبعة الحجرية).

فلا حظ له في التزام المهر في ذمته مع الإعسار عنه. وتزويج الولي له غير متوقف على وجود المصلحة، بل على انتفاء المفسدة. ولو قيّد ذلك بما إذا كان في إلزام الصبي بالمهر مصلحة له - بأن كانت الزوجة مناسبة له، وخاف فوتها بدون ذلك ونحوه قرب من الصواب، إلا أن تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال.

ولو كان الصبي مالكاً لبعض المهر دون بعض لزمه منه بنسبة ما يملكه، ولزم الأب الباقي. وإطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في مال الصبي بين كونه مما يصرف في

الدين على تقديره وغيره فيشمل ما لو كان له دار سكنى ودابة ركوب ونحو ذلك.

ووجه الإطلاق أن الحكم بوجوب المهر في ذمته حينئذ لا يقتضي صرف ماله المذكور في الدين، وإنّما تضمن ثبوته في ذمته على هذا الوجه، ويبقى الحكم بوفاء الدين من هذه الأشياء أمراً آخر ومقتضى القواعد الشرعية أن لا يوفّى منها وإن طلبته الزوجة، ويبقى في ذمّة الولد إلى أن يقدر على الوفاء جمعاً بين الأصلين. إذا تقرر ذلك فنقول: كلّ موضع لا يضمن الأب المهر فيه لو أدى تبرّعاً لم يرجع كما لو أداه الأجنبي. ولو ضمنه صريحاً تعلّق المهر بذمته، فلو أدى بعد ذلك هل يرجع به أم لا؟ اختلف كلام العلّامة في التذكرة ، ففي موضع منها جوّز رجوعه إذا قصد بالضمان الرجوع؛ محتجاً بأن قصد الرجوع هنا يجري مجرى إذن المضمون عنه في الضمان(1)، وفي موضع آخر قطع بعدم الرجوع محتجاً بأنه أدى مالاً وجب عليه بالشرع(2). وفي الفرق بين ضمانه كذلك وأدائه له ابتداءً نظر؛ لأنه بالنظر إلى الطفل متبرع في الموضعين، وبالنظر إلى كونه ولياً منصوباً للنظر ورعاية المصلحة للابن ينبغي عدم الضمان في الموضعين إذا أدّى وضمن بطريق الولاية على قصد الرجوع على الطفل.

ويتجه على

ص: 708


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 609 (الطبعة الحجرية).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 609 (الطبعة الحجرية).

فلو دفع الأب المهر وبلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف دون الوالد؛ لأنّ ذلك يجري مجرى الهبة له.

هذا أن يتقيّد بكون ذلك مصلحة للطفل، فإنّ مطلق وفاء الدين عن المعسر وانتقاله من مستحق إلى آخر لا يكون مصلحة مطلقاً، بل قد يكون، كما لو كان المستحق الثاني أسهل من الأوّل وأرفق بالمديون، وقد ينعكس. فإذا انضم إلى كون الأداء والضمان مصلحة للطفل قصد الرجوع عليه اتجه جوازه، وإلا فلا.

واعلم أن النصوص والفتوى موردهما الأب إذا زوج ولده الصغير. وفي تعدّي الحكم إلى الجد له وإن علا وجهان، من أنّه في معنى الأب، أو هو أب حقيقة، ولهذا كانت ولايته عليه أقوى من ولاية الأب، ومن منع كونه أباً حقيقة، ولهذا صح سلبه عنه، فيقال: ما هو أبوه بل جده، ومطلق الاستعمال أعمّ من الحقيقة والوجه الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين وهو الأب.

قوله: «فلو دفع الأب المهر وبلغ الصبي - إلى قوله - لأنّ ذلك يجري مجرى الهبة له».

إذا دفع الأب المهر عن الصغير مع يسار الولد تبرّعاً، أو مع إعساره لكونه ضامناً، ثمّ بلغ الصبي وطلق قبل الدخول زال ملك المرأة عن نصفه. وهل يعود إلى الأب أو إلى الابن؟ الأقوى الثاني - وهو الذي قطع به المصنف وإن تردّد فيه بعد ذلك - لأن المرأة ملكته بقبضها إياه منه، سواء كان قد لزمه من قبل أم لا، ومن ثم كان النماء لها. وخروج النصف بالطلاق ثابت للزوج بالنص، لا مبطل لملكها السابق حتى يقال: إنّه يعود إلى مالكه، وإنما ملكه الابن بالطلاق عن غير أبيه، فأشبه ما لو وهبه الأب لأجنبي ثم وهبه الأجنبي للابن. وقول المصنّف «لأنّ ذلك يجري مجرى الهبة له يحتمل أن يريد به ما ذكرناه من أنه يجري مجرى هبة المرأة للابن؛ لأنّ الملك إنّما انتقل عنها. وأن يريد به أنّ دفع الأب المهر عن الولد يجري مجرى هبته إياه، فلا يعود إلى ملك الأب؛ لأنّ الأب لا يرجع في هبة ولده. وعلى التقديرين فالتشبيه تقريب لا حاجة في الحكم إليه.

ووجه تردّد المصنّف في ذلك ما ذكرناه، ومن أن المهر عوض البضع وهو ملك للولد قطعاً.

ص: 709

فيكون عوضه عليه. ولزومه للأب من حيث إلزامه ذمة الصغير الذي لا يحتاج إلى النكاح لا يوجب كون دفعه هبة له وإن نزل منزلتها، فلا يلزم مساواتها في جميع الأحكام، وإنما القصد منه وفاء دين الولد، فإذا برئت ذمته من النصف بالطلاق ينبغي أن يعود إلى الأب. ولأنّ ظاهر قوله تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)(1) عوده إلى الفارض وهو الأب، وإن قيل: فلهنّ نصف ما فرضتم كان النصف الآخر باقياً على حكم الملك السابق.

وجوابه: منع استلزام ملك الولد البضع كون عوضه عليه، وانتقاضه ظاهر بالمتنازع، فإنّ العوض على الأب إجماعاً، إنما الكلام في عوده بعد خروجه عن ملكه ووجوب وفائه. ثمّ لا نقول إنّ دفع الأب له هبة حتّى يلزم ما ذكروه، وإنما فرضناه منزلاً منزلتها لما بيناه من المناسبة، وإلا فهو دين وفاه المستحق عليه، وانتقاله من المستحق بالطلاق ملك آخر قهري إلى الزوج لا اختيار فيه لأحد. وأما الآية فمقتضاها كون الفارض المطلق، وأن العائد إليه نصف ما فرض، ومسألة النزاع خارجة عنه.

إذا عرفت ذلك فمقتضى قول المصنف: «فلو دفع الأب المهر» إلى آخره أنه لو لم يكن دفعه لا يستحقه الولد بل تبرأ ذمّة الأب من النصف، ويلزمه دفع النصف إلى الزوجة. وبهذا قطع الشيخ في المبسوط (2) وبعده العلامة في القواعد(3). ووجهه ما سبق من أنّ دفع الأب المهر بمنزلة الهبة للولد، فبعد قبضها لا رجوع فيها، وقبله غير متحققة، فتبرأ ذمته من النصف، ولا يملكه الولد لعدم القبض.

وهذا يتم لو كان الأب متبرّعاً بالدفع عن الصغير، كما إذا كان الصغير موسراً أو معسراً وقد شرط الأب في العقد عدم الضمان على ذلك القول. وأما إذا لزمه ابتداء، كما إذا كان

ص: 710


1- البقرة (2) 237.
2- المبسوط، ج 3، ص 554.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 87-88.

فرع: لو أدّى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرّعاً ثمّ طلّق الولد رجع الولد بنصف المهر ، ولم يكن للوالد انتزاعه لعين ما ذكرناه في الصغير. وفي المسألتين تردّد.

الولد معسراً ولم يشترط عدم ضمانه، فإنّ المهر يلزمه بالعقد، سواء قبضته الزوجة أم لا، حتى لو كان عيناً ملكت نماءها كما سلف، فلا يظهر الفرق بين قبضها وعدمه هنا. والتعليل بالهبة لا يظهر إلا مع التبرع به لا مع لزومه ابتداء. قوله: «لو أدّى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرّعاً - إلى قوله - وفي المسألتين تردّد». ما تقدم من التعليل في الصغير(1) آتٍ في أدائه عن الكبير، بل هو به أولى؛ لأنّ الأب متبرّع محض عنه، فهو كإيفاء دين الغير بغير إذنه، وهو بمنزلة الهبة للولد، وانتقاله إلى ملك الزوجة

بالعقد بمنزلة تصرّف المتهب في الموهوب. والحق أنّ النصف يعود إلى الولد أيضاً؛ لما ذكرناه من انتقاله عن ملك الأب، وعوده إلى الولد المطلّق بملك جديد. وفي معناه ما لو دفعه عنه أجنبي. وهنا يظهر الفرق بين دفع الأب المهر إلى المرأة وعدمه؛ لأنّه لما لم يكن المهر لازماً له فهو متبرع بالإيفاء، فلا يخرج عن ملكه إلا بدفعه، فإن دفع الجميع كان الحكم كما سبق. وإن دفع النصف وطلّق الولد قبل الدخول سقط النصف الآخر عن ذمّة الزوج، فلم يجب على الأب دفعه إلى الولد بغير إشكال لانتفاء ما يقتضيه والمصنّف تردّد في حكم المسألتين، أعني دفعه عن الولد الصغير والكبير.

وقد سبق وجهه في الصغير. وأما وجهه في الكبير؛ فلما عرفته من أنّ دفعه قضاء دين عن الغير، وهو لا يستلزم أن يكون هبة حتى يقال: إنّ الولد ملكه ولا يصح للأب الرجوع في هبة .الولد. وعلى تقدير كونه أجنبياً لا يلزم تنزيل الهبة على هذا الوجه منزلة الهبة المتصرف فيها؛

ص: 711


1- تقدّم في ص 709 - 710.

إذ ليس في إيفاء المهر ما يدلّ على الهبة بوجه، فلا يلزم تعلّق حكمها به. والأصل بقاء الملك على مالكه حيث لم يتحقق قصد التمليك، بل غايته إرادة إبراء ذمته من الدين، فإذا برئت بالطلاق عاد المال إلى أصله.

وجوابه ما سبق من الحكم بانتقال ملكه على تقدير الدفع إلى المرأة قطعاً وإن لم نجعله تمليكاً للولد، والزوج يستحق النصف بالطلاق بحكم جديد لا بحكم الملك السابق، فعوده

إلى ملك الأوّل بعد العلم بانتقاله عنه يحتاج إلى الدليل وإن لم نقل بكونه هبة. وأما بناء الحكم على أن قضاء دين الغير هل يستلزم دخوله في ملكه ضمناً أم لا؟ وأنه على تقدير الملك يكون هبة أم لا؟ وأن تصرّف الموهوب هل يفيد منع الواهب من الرجوع أم لا؟ وأنّ المدفوع هل هو الواجب بالعقد أم لا؟ فكلّه تكلّف مستغنى عنه بالحكم بملك المرأة له قبل الطلاق، وكون الطلاق ناقلاً لملك النصف لا مبطلاً.

واعلم أنّ الشيخ في المبسوط قطع في المسألتين بعدم عود النصف المدفوع إلى الوالد(1) كما ذكره المصنّف - من غير تردّد واتفق كلام العلّامة في كتبه في أن الحكم في الصغير كذلك(2).

واختلف كلامه في الكبير، ففي التذكرة(3) والإرشاد(4) قطع بكون حكمه حكم الصغير في عود النصف إليه، وفي التحرير قوى رجوعه إلى الأب بعد أن حكم بكونه للولد(5)، وفي القواعد استشكل بعد حكمه بكونه للولد أيضاً(6).

ص: 712


1- المبسوط ، ج 3، ص 554.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 574، الرقم 5228: قواعد الأحكام، ج 3، ص 87: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 18.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 609 (الطبعة الحجرية).
4- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 18.
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 575، الرقم 5228.
6- قواعد الأحكام، ج 3، ص 87.
الطرف الرابع: في التنازع
اشارة

وفيه مسائل:

مسائل:
الأولى: إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج.
اشارة

ولا إشكال قبل الدخول، لاحتمال تجرّد العقد عن المهر. لكن الإشكال لو كان بعد الدخول، والقول قوله أيضاً نظراً إلى البراءة الأصلية. ولا إشكال لو قدر المهر ولو بأُرزة واحدة؛ لأنّ الاحتمال متحقق، والزيادة غير معلومة.

وبالجملة فلم يتحقق في الصغير خلاف، وإنّما هو ظاهر في الكبير. وإنّما تردّد المصنف نظراً إلى ما يظهر من عدم إفادة تعليلهم المدعى، فإنّ الشيخ(1) وغيره(2) إنّما علّلوه بكونه هبة، وأنّ الهبة لايرجع فيها بعد إقباضها للرحم أو بعد التصرّف فيها. ولا يخفى قصور التعليل.

قوله في التنازع: «إذا اختلفا في أصل المهر - إلى قوله - والزيادة غير معلومة». إذا اختلف الزوجان في أصل المهر، فإن ادعت الزوجة عليه المهر، فقال: لا مهر لك عندي أو ما أدّى ذلك، من غير أن يتعرّضا إلى القدر أو التسمية وعدمها، فقد أطلق المصنف وجماعة من الأصحاب(3) تقديم قول الزوج مطلقاً. أما إذا كان الاختلاف قبل الدخول فواضح؛ لأنّ مجرّد العقد لا يستلزم المهر، لانفكاكه عنه مع التفويض، ثم يمكن استمرار براءته إلى أن يموت أحدهما قبل الدخول. وأما إذا وقع بعد الدخول ففي قبول قوله إشكال؛ لأنّ العقد إن اشتمل على مهر فهو اللازم به، والأصل بقاؤه، وإلا فاللازم بالدخول مهر المثل. والمصنّف بعد أن استشكل الحكم أوّلاً عقبه بقبول قوله أيضاً، مستدلاً بالبراءة الأصلية. وتوجيهها أنّ العقد لا يستلزم المهر على الزوج ولا الدخول، بل هو أعم فلا يدل على

ص: 713


1- المبسوط ، ج 3، ص 554.
2- وهو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 609 (الطبعة الحجرية).
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 582.

الخاصّ. ووجه عمومه أنّ الزوج قد يكون صغيراً معسراً زوجه أبوه فكان المهر في ذمة الأب، أو كان عبداً زوجه مولاه فكان لازماً للمولى، فمجرد النكاح المشتمل على الدخول لا يقتضي وجوب المهر في ذمة الزوج، فيتمسك عند الاختلاف بأصالة براءة ذمة الزوج، ويدخل في عموم: «اليمين على من أنكر»(1). وهذا التوجيه حسن حيث يكون الزوج محتملاً لكونه بأحد الوصفين، فلو علم انتفاؤهما في حقه - بأن كانت حريته معلومة، ولم يتزوج المرأة المدعية إلا وهو بالغ، أو مات أبوه قبل أن يتزوّجها، ونحو ذلك - لم يتم التمسك بالبراءة الأصلية؛ للقطع حينئذ باشتغال ذمته بعوض البضع، لانحصار أمره حينئذ في الأمرين على سبيل منع الخلو؛ لأنه إن كان لم يسمّ مهراً فقد استقر عليه مهر المثل، وإن كان قد سمّى استقر المسمّى، والأصل عدم دفعه إليها. واللازم من ذلك أن لا يلتفت إلى إنكاره ، بل إمّا أن يحكم عليه بمهر المثل أو ما تدّعيه المرأة إن كان أقلّ؛ نظراً إلى أصالة عدم التسمية الموجب لذلك، وإما أن يطالب بجواب آخر غير أصل الإنكار، فإن ادعى تسمية حكم عليه بالمسمى إلى أن تثبت براءته منه أو عدمها فيثبت عليه مقتضى التفويض. ومن الأصحاب من نظر إلى ندور الأمرين الموجبين لبراءة ذمته من المهر بعد الدخول(2)، فلا يعارض بهما الأصل من إيجاب الوطء المحترم عوضاً ، فأوجب عليه مهر المثل وهو اختيار العلّامة في الإرشاد(3).

ولابد من تقييده بعدم زيادته على ما تدعيه؛ لأن الزائد عنه منفي بإقرار المدعي فلا يجب دفعه إليه.

فإن قيل: عوض البضع غير منحصر في مهر المثل؛ لأنّه كما يجوز ثبوته بالتفويض مع

ص: 714


1- تقدّم تخريجه في ص 113 ، الهامش 1.
2- الشهيد في غاية المراد، ج 3، ص 117 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (3).
3- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 18.

الدخول، وبتسمية مقداره مطلقاً، يحتمل تسمية أقلّ منه إلى أن يبلغ في القلة حد المتموّل، كما أشار إليه المصنف بقوله: «ولا إشكال لو قدّره بأرزة لأنّ الاحتمال ،متحقق والزيادة غير معلومة» وإذا كان عوض البضع محتملاً لجميع ذلك ومشتركاً بينها لا يحكم بالقدر الزائد عن المحتمل؛ لأصالة البراءة منه.

قلنا: ثبوت القدر الأقل موقوف على تسميته في العقد، ولم يدعه الزوج، والأصل عدمه، بل عدم التسمية مطلقاً، وإن كان خلاف الظاهر إلا أن الأصل مقدّم على الظاهر إلا في النادر.

ومقتضى الأصل وجوب مهر المثل؛ لأنّه المترتب على الدخول مع عدم التسمية. ويمكن موافقة الظاهر له بوجه آخر بأن يقال: إنّ الأصل عدم التسمية، والظاهر المعتاد التسمية، لكن مع هذا الظاهر فالظاهر أيضاً أن التسمية لا تقع بدون مهر المثل؛ لأنّ ما دون ذلك فى غاية الندور في سائر الأصقاع والأزمان، فالأصل والظاهر متطابقان على أنّ المرأة مع الدخول بها تكون مستحقة مهر المثل في ذمة الزوج عوض البضع فلامانع من الحكم به خصوصاً مع فرض انتفاء ذينك الأمرين النادرين حتى لا يبقى في الأصل شبهة. وأما احتمال تقدير ما دون ذلك فمنفى بالأصل والظاهر، ولأنه لم يدعه الزوج. فلا يلتفت إليه.

وللعلامة قول آخر في التحرير أنه إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر هل سمّى أم لا؟ فإن ذكر تسمية كان القول قوله مع اليمين، وإن ذكر عدمها لزم مهر المثل، وإن لم يجب بشيء حبس حتى يبيّن(1).

وفيه نظر من وجوه:

أحدها: أن الاستفسار إنّما يجب مع عدم إفادة الكلام فائدة بدونه، وقد عرفت أنّ مجرد الاعتراف بالنكاح مع الدخول له حكم يترتب عليه، فلا يجب الاستفسار وإن كان جائزاً.

ص: 715


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 581، الرقم 5242.

وثانيها: تقديم قوله لو ادعى التسمية. ولا يخفى ما فيه؛ لأنّ الأصل ،عدمها، فكيف يقدّم قوله فيها؟ وإنّما هو بالنسبة إليها مدّع لا منكر، فلا يكون القول قوله.

وفي القواعد أطلق تقديم قول الزوج في التسمية أيضاً(1)، ولم يذكر ذلك غيره،

وعموم: «اليمين على من أنكر» (2) ينفيه.

وثالثها: حبسه إذا لم يجب حتى يبيّن، فإنّه تعجيل عقوبة لا سبب لها؛ لما ذكرناه من أنّ الدخول يقتضي حكماً فيحكم بما يترتب عليه؛ لأن إقراره بالزوجية والدخول يستلزم إقراره بالحق حيث ينتفي عنه الاحتمالان النادران، فلا وجه لحبسه ثم إن كان الواقع خلاف ما يحكم به عليه فعليه أن يبيّنه ويدعيه، وإلا فإنّا نحكم بالظاهر وبما يطابق القواعد الشرعية، والله يتولّى السرائر.

وفى القواعد حكم بتفصيل آخر أقل إشكالاً من تفصيله في التحرير لكنه غير مستوف للأقسام، فقال:

التحقيق أنّه إن أنكر التسمية صدّق باليمين، لكن يثبت عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة، ومع الدخول مهر المثل. والأقرب أنّ دعواها إن قصرت عنهما ثبت ما ادعته. ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها التسمية، فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه(3). هذا لفظه.

والقسم الأوّل منه لا إشكال فيه.

وأما الثاني - وهو إنكاره الاستحقاق - فهو أصل المسألة؛ لأنّ القسم الأول - وهو إنكاره التسمية - مسألة أُخرى لا إشكال في قبول قوله فيه.

ثمّ على تقدير عدم سماع دعوى عدم الاستحقاق لم يبين ما ينبغي من الحكم هل يثبت

ص: 716


1- قواعد الأحكام، ج 3، ص 88.
2- تقدم تخريجه في ص 113، الهامش،1.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 88.

عليه شيء، أو يطالب بجواب آخر؟ وعلى تقدير المطالبة هل يضيق عليه لو لم يجب أم لا ؟ ومع ذلك بقي قسم آخر، وهو ما لو ادعى قدراً وإن قلّ، كما ذكره غيره(1)، وذكره هو في غيره(2). ولا يغني عنه ذكر اختلافهما في القدر وأنّه راجع إليه؛ لأنّ تلك مسألة أُخرى غير هذه؛ إذ أصل هذه دعواها عليه أصل المهر فيقرّ منه بدرهم مثلاً، وتلك فرضها دعواها قدراً واعترافه بأقلّ منه.

ويمكن أن يقال: إنّ دعوى أصل المهر غير مسموعة، بناءً على عدم سماع الدعوى المجهولة، فلابد من تحريرها بالقدر، فيرجع جوابه بالقدر إلى الاختلاف فيه. وعلى هذا فيكون تركه أجود من قوله في التحرير بعد ذلك: ولا إشكال لو قدره بأقل ما يصلح أن يكون مهراً (3)، وقول المصنّف «لو قدر المهر ولو باُرزّة».

وتحرير القول يتمّ بفرض المسألة على أربعة أوجه:

أحدها: أن تدعي عليه الزوجة بالمهر مطلقاً، فيقول: ليس لك عندي مهر. وهذا أصل

المسألة المفروضة.

الثاني: أن تدعي عليه المهر كذلك، فيقول: نعم، لك عندي درهم مثلاً.

الثالث: أن تدعي عليه ألفاً مهراً، فيقول: ليس لك عندي مهر.

الرابع: أن تدعي عليه كذلك، فيقول: مالك عندي سوى درهم مثلاً.

وهذا الرابع هو مسألة اختلافهما في القدر، وسيأتي(4). والثلاثة الأول ترجع إلى اختلافهما في أصل المهر.

والذي أعتمده في هذه المسألة أنّ جوابه عقيب دعواها المهر مطلقاً أو مقداراً إذا وقع بنفيه مطلقاً، وكان مما يمكن في حقه البراءة، بأن كان تزويجه مجهول الأصل بالنسبة

ص: 717


1- راجع كنز الفوائد، ج 2، ص 514.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 581، الرقم 5242.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 581، الرقم 5242.
4- يأتي في ص 720.

إلى مباشرة الأب له صغيراً ونحوه، فالقول قوله مع يمينه؛ لأصالة البراءة، وإن كان الفرض نادراً؛ لأنّ مجرد الاحتمال كاف في استصحاب الأصل السابق، وإنما ينقطع بثبوت ناقل له

عن حكمه.

وإن لم يحتمل تعلّق المهر بذمة غيره ابتداء، بأن علم أنه كان عند تزويجه بها بالغاً حراً، فإن كان قبل الدخول حكم عليه بمقتضى التفويض؛ عملاً بالأصل. فإن طلّق قبل الدخول لزمه المتعة، إلا أن يزيد عن مدعاها إن حلفت على ذلك. وإن مات أحدهما فلا شيء. وإن كان ذلك بعد الدخول حكم عليه بمهر المثل مع يمينها، إلا أن ينقص ما تدعيه فيقتصر في الحلف عليه، لتطابق الأصل والظاهر عليه كما أسلفناه. ولو عدل قبل إثبات ذلك عليه إلى دعوى لا تنافي الأولى بأن قال: كنا سمّينا قدراً ولكن وصل إليها أو أبرأتني منه ونحو ذلك، سمعت الدعوى، وترتب عليها حكمها من قبول قوله في القدر وقبول قولها في عدم القبض والإبراء. وإن وقع جوابه ابتداءً بالاعتراف بقدر معيّن قبل قوله فيه؛ لأصالة البراءة من الزائد على إشكال في هذا القسم يأتي. ولو استفسر أو اتفقا على التسمية أو عدمها ورتب عليه حكمه كان حسناً، إلا أنّه غير متعيّن.

بقي في المسألة أُمور ينبغي التنبيه عليها:

الأوّل: في قول المصنف وغيره «لا إشكال لو قدر المهر ولو بأرزة؛ لأن الاحتمال متحقق، والزيادة غير معلومة» نظر، بل الإشكال واقع أيضاً؛ لأنّ دعواه ذلك القدر إن كان مطلقاً - أي مجرّداً عن ضميمة تسميته وعدمها - فما سلف من موجب مهر المثل آت فيه. و احتمال كونهما قدراه بذلك ابتداءً يرجع إلى الاختلاف في التسمية والمقدّم قول منكرها لا مدعيها فكيف مع الإطلاق؟! وإن كان مقيّداً بدعوى تسميته وأنكرتها فالقول قولها بغير خلاف، ولأنّها منكرة، والأصل عدم التسمية وإن كان مع اتفاقهما على التسمية ودعواها أكثر من ذلك فهى مسألة الاختلاف في القدر، وسيأتي الكلام فيها.

ص: 718

الثاني: لو وقع هذا الاختلاف بين ورثتهما أو من أحدهما مع ورثة الآخر فحكمه حكم ما لو وقع بينهما. ومثله ما لو ادعته الزوجة وقال وارث الزوج: لا أعلم الحال، أو كان صغيراً أو غائباً.

الثالث: «الأرزة» في كلام المصنّف وقعت على وجه المبالغة في قبول قول الزوج لو ادعى قدراً قليلاً، وهي كناية عن قبول أقل متموّل، لا على وجه الحقيقة؛ لأنها غير متمولة، إلا أن يعتبر قدراً من الوزن لأحد النقدين، ومعه لا يحسن أيضاً، لزيادتها عن أقلّ متموّل والأولى جريانها على أصلها، وجعلها بطريق المبالغة في قبول القليل لا قبول نفسها، من قبیل قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «تصدّقوا ولو بشقّ تمرة»(1)، و «من بنى مسجداً كمفحص قطاة»(2) فإنّ ذلك على طريق المبالغة والكناية فى أنّ الله تعالى يقبل القليل والكثير.

الرابع: ربما توهّم بعض القاصرين(3) أنّ هذه المسألة إجماعيّة، وأنّ الأصحابَ متّفقون على قبول قول الزوج في المهر مطلقاً؛ نظراً إلى إطلاق المصنّف وجماعة قليلين منحصرين الحكم كذلك(4)، وأنّ قول العلّامة بخلافه نادر لا يقدح فيه. وهو ناشئ عن عدم تحرير حقيقة الإجماع على الوجه الذي يصير حجّة عند الأصحاب. ومع ذلك فكلام أكثر المتقدمين حتى الشيخ في المبسوط والنهاية (5) خالٍ عن فرض المسألة، وإنما ذكروا مسألة الاختلاف في قدره خاصةً ؛ تبعاً للنصّ الوارد فيه(6). والمتعرّضون لهذه المسألة ذكروها بطريق الاجتهاد،

ص: 719


1- الكافي، ج 4 ، ص 4 ، باب فضل الصدقة، ح 11.
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 183، المجلس 7، ح 8/306؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 244، ح 738.
3- لم نتحقّقه.
4- منهم الشيخ في الخلاف، ج 4، ص 383، المسألة 25 وابن البرّاج في المهذب، ج 2، ص 205، وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 582.
5- النهاية، ص 472؛ المبسوط، ج 3، ص 562.
6- سيأتي بعيد هذا.

ولو اختلفا في قدره أو وصفه فالقول قوله أيضاً.

واختلفت لذلك آراؤهم حتى من الواحد في أزمنة مختلفة، كما اتفق للعلّامة. والمرجع فيها إلى ما ساق إليه الدليل على الوجه الذي ذكروه أو غيره.

قوله: «ولو اختلفا في قدره أو وصفه فالقول قوله أيضاً».

هنا مسألتان:

الأولى: إذا اختلف الزوجان في قدر المهر، بأن ادعت أنها تستحق عنده من جهة المهر مائة دينار، سواء كان ذلك جميعه أو بعضه، وسواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده، فقال الزوج بل خمسون فالمشهور بين الأصحاب - لا نعلم فيه مخالفاً ظاهراً - أنّ القول قول الزوج مع يمينه. والأصل فيه قبل الاتفاق ظاهراً صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفرعلیه السلام، في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها، فادعت أن صداقها مائة دينار، وذكر الرجل أنّه أقلّ ممّا قالت، وليس لها بينة على ذلك، فقال: «القول قول الزوج مع يمينه»(1).

ويؤيّده أصالة براءة ذمّته من الزائد، وأنّه فيه مدعى عليه، وهو منكر، فالقول قوله ولا فرق بين كون مدّعاه ممّا يبذل مهراً عادة لأمثالها وعدمه عندنا؛ لعموم الأدلة، وإليه يرجع

قول المصنف: «ولا إشكال لو قدره بارزة» وإن جعله من أقسام المسألة الأولى.

ومقتضى إطلاق الأصحاب والرواية أنّه لا يستفسر هنا بكون ذلك تسمية أم من مهر المثل.

وللبحث في ذلك مجال؛ لأنه لو كان بعد الدخول مع اتفاقهما على عدم التسمية فالواجب مهر المثل، فإذا كان القدر الذي يعترف به أقل منه فدعواه في قوة إيفاء الزائد أو التخلّص منه بالإبراء ونحوه، ومثل ذلك لا يقبل قوله فيه.

وكذا مع اتفاقهما على التسمية واعترافه بأنها أكثر ولكن يدّعي التخلّص من الزائد. والحق حمل الفتوى والنصّ على ما لو أطلقا الدعوى، أو ادّعى تسمية هذا القدر وادّعت

ص: 720


1- الكافي، ج 5، ص 386، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 364،ح 1476، و ص 376، ح 1522.

هي تسمية الأزيد، بل الشيخ في المبسوط فرض المسألة في هذا القسم الأخير(1). ومع ذلك ففيهما معاً بحث؛ لأنه مع الإطلاق كما يحتمل كونه بطريق التسمية يحتمل كونه بطريق عوض البضع المحترم وعوضه مطلقاً مهر المثل، وإنّما يتعيّن غيره بالتسمية، والأصل .عدمها. وهذا الأصل مقدّم على أصالة البراءة لوجود الناقل عنها. ومع اختلافهما في قدر التسمية يكون كلّ منهما منكراً لما يدعيه الآخر منها، فلو قيل بالتحالف ووجوب مهر المثل كان حسناً، إلا أن إطلاق الرواية الصحيحة المتناول لمحل النزاع يؤنس بترجيح ما أطلقه الأصحاب على ما فيه من الحزازة. ومن ثَمّ قال العلّامة في القواعد:

وليس ببعيد من الصواب تقديم من يدعي مهر المثل، فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا وردّ إليه. ولو ادعيا الزيادة المختلفة احتمل تقديم قوله؛ لأنه أكثر من مهر المثل

ومهر المثل، ولو ادعيا النقصان احتمل تقديم قولها، ومهر المثل(2).

وعلى كل حال فلا خروج عمّا عليه الأصحاب وتناوله إطلاق النص الصحيح، وإن كان ما قربه العلّامة في محلّ القرب.

الثانية: إذا اختلفا في صفة المهر كالصحيح والمكسر، والجيد والرديء فالقول قول الزوج مع اليمين سواء كان ما يدعيه بقدر مهر المثل أم أقلّ، وسواء كان قبل الدخول أم بعده؛ لأصالة براءة ذمّته مما تدعيه المرأة من الوصف الزائد.

وألحق به بعض الأصحاب ما لو اختلفا في الحلول والتأجيل، أو في تقدير الأجل، بل جعلهما من أفراد الاختلاف في الصفة(3).

ويشكل بأنّ الأصل عدم التأجيل، وعدم زيادة الأجل عما تدعيه، فهي المنكرة وهو المدعي، فتقديم قوله فيهما ممنوع. ولو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة - لأن كلا منهما ينكر ما يدعيه الآخر، خصوصاً مع تصريح

ص: 721


1- المبسوط، ج 3، ص 562.
2- قواعد الأحكام، ج 3، ص 88.
3- فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 3، ص 242.

أما لو اعترف بالمهر ثم ادعى تسليمه ولا بينة فالقول قول المرأة مع يمينها.

كلّ منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجهاً، فيثبت مهر المثل، إلا أن يزيد عمّا تدعيه المرأة أو ينقص عمّا يدعيه الزوج. وألحق جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ في المبسوط(1) وابن إدريس(2) والعلّامة في التحرير(3) - اختلافهما في جنسه بالاختلاف في قدره، كما لو قالت: المهر مائة دينار، فقال: بل مائة درهم.

واستدلوا عليه بأن الزوج منكر، فيكون القول قوله. والإشكال فيه أقوى. ووجه التحالف فيه أولى، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه رأساً. وجماعة من العامة أثبتوه في أكثر هذه المسائل حتّى في الاختلاف في أصل المهر(4)؛ وما حقّقناه أظهر

ولم يتعرّض المصنّف لاختلافهما في الجنس، ولا العلّامة في غير التحرير.

قوله: «أما لو اعترف بالمهر ثم ادعى تسليمه ولا بيّنة فالقول قول المرأة مع يمينها». الثبوته في ذمته باعترافه وأصالة عدم التسليم، فيكون مدعياً له وهي المنكرة، فيقدّم قولها. وهذا ممّا لا إشكال فيه لكن في رواية الحسن بن زياد الموقوفة: «إذا دخل الرجل بامرأته ثمّ ادّعت المهر، وقال الزوج قد أعطيتك، فعليها البينة وعليه اليمين»(5).

وهي ضعيفة السند مقطوعة، لكن قد تقدّم في معناها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله(علیه السلام) وفي آخرها: «إذا أهديت إليه ودخلت بيته وطالبته بعد ذلك فلا شيء لها؛ لأنّه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير»(6). وعمل بمضمونها

ص: 722


1- المبسوط، ج 3، ص 562.
2- السرائر، ج 2، ص 582.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 581 الرقم 5243.
4- راجع المدوّنة الكبرى، ج 2، ص 239؛ والوجيز، ج 2، ص 37.
5- الكافي، ج 5، ص 386، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 360، ح 1463، و ص 376 ، ح 1521: الاستبصار، ج 3، ص 223 ، ح 809.
6- الكافي، ج 5، ص 385 - 386، باب اختلاف الزوج والمرأة وأهلها في الصداق، ج 2: تهذيب الأحكام، ج 7، ح ص 359،ح، 1460؛ الاستبصار، ج 3، ص 222، ح 806.
تفريع

لو دفع قدر مهرها فقالت دفعته هبةً فقال: بل صداقاً، فالقول قوله؛ لأنه أبصر بنيّته.

ابن الجنيد، فقدّم قول الرجل في البراءة من المهر بعد الدخول وقولها في ثبوته قبله(1)،

والمذهب هو الأوّل، فإنّه لا فرق بين وقوع الدعوى قبل الدخول وبعده.

قوله: «لو دفع قدر مهرها - إلى قوله - فالقول قوله؛ لأنّه أبصر بنيته». إذا دفع إليها شيئاً، سواء كان بقدر مهرها أم أقلّ منه، واختلفا فقال: دفعته صداقاً أو من الصداق، وقالت بل دفعته ،هبةً، فإن كانت دعواها عليه أنّه نوى بالدفع الهبة من غير أن يتلفّظ بما يدلّ عليها فالقول قوله بغير يمين؛ لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم تتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدلّ عليها، فلا يفتقر إلى اليمين. وإن ادعت تلفظه بما يدلّ على الهبة فالقول قوله مع اليمين؛ لأصالة العدم، ولأنّه منكر.

وتعليل المصنّف بكونه أبصر بنيته يدلّ على القسم الأوّل؛ لأن مرجعه إلى دعوى النية، ومعه لا يحتاج إلى التعليل بكونه أبصر بنيته؛ لأنه لو صرّح بالنية لم يكف في الحكم بكونه هبة، بل لابد من انضمام اللفظ الدال عليه، كقوله : خذيه هبة أو هدية ونحو ذلك. ولو أراد به القسم الثاني أو ما يشمل الأمرين - كما يقتضيه إطلاق اللفظ لولا التعليل - لم يحسن التعليل أيضاً؛ لأنّه إن وقع منه لفظ يدلّ على الهبة أو الصداق حكم عليه به ظاهراً وإن لم تعلم نيته. وإن لم يقع منه لفظ يدلّ عليه لم تكف النية. والظاهر أنّ المصنّف حاول الجمع بين الحكمين كما فعله في المبسوط(2) والقواعد(3) لكن التعليل لا يجري عليهما، بل يمكن جريانه على قسم ثالث، بأن يكون قد عبّر بلفظ يحتمل الهبة وغيرها كقوله خذي هذا، أو هذا لك، أو أعطيتك هذا، ونحو ذلك من الألفاظ غير الصريحة في الهبة، فإنّه لا يحكم بها إلا مع انضمام القصد، وإنّما يعلم ذلك من قبله،

ص: 723


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 176، المسألة .99.
2- المبسوط، ج 4، ص 301 - 302.
3- قواعد الأحكام، ج 3، ص 89.
الثانية:إذا خلا فادعت المواقعة،

إذا خلا فادّعت المواقعة، فإن أمكن الزوج إقامة البينة - بأن ادّعت أنّ المواقعة قبلاً وكانت بكراً - فلا كلام، وإلا كان القول قوله مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم المواقعة، وهو منكر لما تدعيه.

وقيل: القول قول المرأة؛ عملاً بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل والأول أشبه.

الثالثة:لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة،

لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت: علمني غيره، فالقول قولها لأنها منكرة لما يدعيه.

فإذا ادعت قصد الهبة بمثل ذلك فالقول قوله؛ لأنه أبصر بنيته. أم-ا م-ع التصريح بأحد القسمين، كقوله: خذيه هبة أو مهراً ، فلا يفتقر في الحكم بمدلوله إلى العلم بنيته؛ لأنه صريح في مدلوله ويمكن بناء كلام المصنّف على أنّ المعاطاة تكفي في الهدية، وهي نوع من الهبة، فإذا اختلفا في قصدها قبل قوله بيمينه؛ لأنه أبصر بنيته. وهذا أقرب إلى مراده (رحمه الله). وقد تقدّم البحث في ذلك في باب الهبة(1).

قوله: «إذا خلا فادعت المواقعة - إلى قوله - والأوّل أشبه».

إذا ادعت بعد الخلوة التامة الخالية من موانع الوقاع الدخول وأنكر، فإن كانت بكراً فلا إشكال لإمكان الاطلاع على صدق أحدهما باطلاع الثقات من النساء عليها، وذلك جائز لمكان الحاجة كنظر الشاهد والطبيب. وإن كانت ثيباً تعارض الأصل والظاهر، لكن الأقوى تقديم الأصل؛ لأنّ وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف مظنون لا معلوم، ومعها لابد لفعل القادر من ترجيح، والأصل عدمه. وقد تقدّم البحث في هذه المسألة، وما يدلّ من الأخبار على الطرفين في أنّ الخلوة هل تكفي في استقرار المهر من دون الجماع أم لا؟(2)

قوله: «لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة - إلى قوله - لأنها منكرة لما يدّعيه».

ص: 724


1- تقدّم في ج 5. ص 145 وما بعدها.
2- تقدّم في ص 653.
الرابعة: إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوّجها في وقتين بعقدين،

إذا أقامت المرأة بيّنة أنّه تزوّجها في وقتين بعقدين، فادعى الزوج تكرار العقد الواحد، وزعمت المرأة أنّهما عقدان، فالقول قولها؛ لأن الظاهر معها. وهل يجب عليه مهران؟ قيل: نعم، عملاً بمقتضى العقدين. وقيل: يلزمه مهر ونصف. والأوّل أشبه.

المراد أنه ادعى تعليمها وأنكرت وزعمت أنه علّمها غيره، واكتفى بدعواها ذلك لدلالة المقام على التنازع ودلالة التعليل. وأراد بقوله: «لأنها منكرة لما يدعيه» أنه بدعواه تعليمها يدعي إقباض المهر، وهي تنكره، فيرجع النزاع إلى الاختلاف في تسليمه، وقد علم أنّ القول قولها؛ لأصالة عدم الإقباض وحينئذ فيلزمه أُجرة مثل التعليم، لتعذره كما سبق. ومثله ما لو ادعى تعليمها السورة المعيّنة، وادّعت أنه علّمها غيرها.

قوله: «إذا أقامت المرأة بيّنة أنه تزوجها في وقتين بعقدين - إلى قوله - والأول أشبه». إذا اختلف الزوجان المتفقان على وقوع عقدي نكاح بينهما في وقتين، أو مع إقامة البينة على العقدين، فادعى الزوج التكرار المحض، إما على وجه الاحتياط في تصحيحه، لإشهاده أو مجرّداً، وادعت المرأة أنّ كلّاً منهما عقد شرعي وإن لم يذكر سبب الفرقة من العقد الأوّل؛ لأنّ الدعوى تدلّ عليه، ولأن دعوى المشروط تستلزم وقوع الشرط، قدّم قولها عملاً بالحقيقة الشرعيّة، فإنّ العقد حقيقة شرعيّة في السبب المبيح للبضع فاستعماله في نفس الإيجاب والقبول المجرّدين عن الأثر مجاز بحسب الصورة، كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرساً.

ومثله ما لو قال لغيره: بع هذا العبد منّي، ثمّ ادّعى أنه ملكه، فإنه لا يلتفت إليه، وتجعل الاستباحة إقراراً له بالملك، ولا يعتد بقوله: إنّي طلبت منه صورة البيع. ولا يعتبر التعرّض في الدعوى للوطء؛ لأنّ المهر المسمّى يجب بالعقد على أصح القولين.

والمراد بقول المصنف:«لأنّ الظاهر معها أنّ الظاهر من إطلاق اللفظ حمله على حقيقته دون مجازه، وأراد ب«الظاهر» معنى الأصل من حيث إن استعمال العقد في غير حقيقته

ص: 725

خلاف الظاهر في الاستعمال، وإن كان المجاز في نفسه كثيراً شائعاً.

إذا تقرر ذلك فالذي يلزمه بالعقدين فيه أوجه:

أحدها: - وهو الذي اختاره المصنّف - أنه يجب عليه مهران؛ لأنّ كلّ عقد سبب ب تام في وجوب المهر، والأصل استمراره، ولأنه لا ينتصف إلا بالطلاق، وفي سماع دعواه فيه نظر؛ لأنّها منافية للدعوى الأولى لو صرّح بها.

وثانيها: أنه مهر ونصف، وهو الذي حكاه المصنف ثانياً ، اختاره الشيخ في المبسوط (1). ونقله في المختلف عن والده سديد الدّين(2)؛ لأنّ الفرقة متحققة ليصح فرض العقد الثاني، والوطء غير معلوم، والأصل عدمه.

وثالثها: لزوم مهر واحد لأنّ من أسباب الفرقة ما لايوجب مهراً ولا نصفه كردتها ،وإسلامها، وفسخه بعيبها قبل الدخول، وفسخها بعيب غير العنّة قبله ويمكن فرضه أيضاً بالطلاق في الأول قبل الدخول، وفي الثاني كذلك.

والأقوى وجوب المهرين؛ لأصالة بقائهما في ذمّته إلى أن يحصل المزيل، وهو غير معلوم. ومجرّد الفرقة أعم من كونها مسقطة وعدمه، إلا أن يدعي عدم الإصابة في الأول والطلاق فيلزمه مهر ونصف، أو يدّعي الطلاق في الثاني أيضاً قبل الدخول فمهر واحد يجتمع منهما، أو يدّعي الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصةً، أو يدّعي الطلاق قبل الدخول في الثاني فنصفه لا غير.

لكن يشكل قبول دعواه الفسخ بالعيب لأصالة عدمه. ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد قبوله؛ محتجاً بأنّ تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني(3).

ص: 726


1- المبسوط، ج 3، ص 552.
2- مختلف الشيعة، ج 7، ص 189، المسألة 116.
3- غاية المراد، ج 3، ص 116 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 3).

وهذا بخلاف دعوى الطلاق، فإنّه بفعله ويرجع فيه إليه. وأما الدخول فالأصل عدمه،

كما أنّ الأصل استصحاب المهر كملاً إلى أن يدعي المزيل فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى.

وهذا كما يقال: إن المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بها ومحبوس عليها ما دام ساكتاً، فإن ادعى تلفاً أو ردّاً صدق بيمينه وانقطعت الطلبة.

***

تمّ الجزء السادس - بحسب تجزئتنا - ويليه في الجزء السابع

النظر الثالث: في القسم والنشوز والشقاق

ص: 727

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.