موسوعة الشهيد الثاني المجلد 19

هوية الکتاب

موسوعة

الشهیدالثاني

الجزء التاسع عشر

مسالك الافهام

إلى تنقيح شرائع الإسلام /3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع عشر (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 3)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 262

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534 ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-6005570-74-8 ISBN . (دوره)

(11). ISBN 978-600-5570-94-6 (ج19)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه .

مندرجات : ج. 17 - 28 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام .-

1.اسلام - مجموعه ها 2 محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. شرح .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8م92ش /BP4/6

297/08

محرر الرقمي: عبدالعلي محسني

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع عشر

مسالك الأفهام

إلی تنقیح

شرائع الإسلام /3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء التاسع عشر (مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام / 3)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى: 1434 ق / 2013م

الكمّيّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 262

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس : 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534 ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 965ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-6005570-74-8 ISBN . (دوره)

(11). ISBN 978-600-5570-94-6 (ج19)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه .

مندرجات : ج. 17 - 28 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام .-

1.اسلام - مجموعه ها 2 محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام - نقد و تفسير. 3. فقه جعفری - قرن 7ق. 4. محقّق حلّی، جعفر بن حسن، 602 - 676 ق. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. شرح .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8م92ش /BP4/6

297/08

ص: 4

دلیل

موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد .5 البداية 6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7-30) الرسائل 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميّت؛ العدالة؛ 10 ماء البئر؛ 11 تيقن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة ؛ 13. النية؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17 نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة؛ 19 نيّات الحج والعمرة .20 مناسك الحج والعمرة .21 طلاق الغائب 22 ميراث الزوجة؛ 23 الحبوة 24 أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25 أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28 أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29 أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفية.

الجزء الرابع - (31 - (43) الرسائل /3 : 31 تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية : 33 الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34 وصيّةٌ نافعة؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية

رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات : 42. الإنهاءات والبلاغات 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقيّة

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد الملية لشرح الرسالة النفليّة

الجزء الرابع عشر = (51 و 52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب التجارة

الفصل الأوّل فيما يكتسب به...18

المحرّم أنواع:...19

الأوّل: الأعيان النجسة، كالخمر والأنبذة والفقّاع ...19

الثاني: ما يحرم لتحريم ما قصد به كآلات اللهو ... وهياكل العبادة...22

الثالث: ما لا ينتفع به، كالمسوخ ...24

الرابع: ما هو محرّم في نفسه، كعمل الصور المجسّمة...26

الخامس: ما يجب على الإنسان فعله كتغسيل الموتى و....31

المكاسب المكروهة...33

مسائل ...36

بيع الكلاب...36

الرشا حرام ...38

حكم الولاية من قِبَل السلطان...39

حكم جوائز السلطان...43

حكم ما يأخذه السلطان الجائر باسم المقاسمة أو الخراج ...44

ص: 7

الفصل الثاني في عقد البيع وشروطه و آدابه...47

حقيقة البيع...47

شروط المتعاقدين: البلوغ والعقل والاختيار ...58

أن يكون البائع مالكاً أو ...61

ولاية الأب والجدّ للأب في التصرّف مادام الولد غير رشيدٍ...69

ولاية الحاكم وأمينه على أموال المحجور عليه ...71

شرائط المبيع :...73

الأوّل: أن يكون المبيع مملوكاً...73

الثاني: أن يكون المبيع طِلْقاً...74

الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه...78

الرابع: أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف ...80

الخامس : أن يكون المبيع معلوماً...81

كفاية مشاهدة المبيع عن وصفه ولو غاب وقت الابتياع...84

آداب البيع ...90

تلقّى الركبان ...96

حكم النجش ...98

حكم الاحتكار وبيان ما يكون فيه...99

الفصل الثالث في الخيار ...101

الأوّل: خيار المجلس ...101

الثاني: خيار الحيوان ...107

الثالث: خيار الشرط ...109

الرابع: خيار الغبن ...111

ص: 8

الخامس :خيار التأخير...117

أحكام الخيار ...120

حق الخيار يورَثُ...123

خيار الرؤية ...128

الفصل الرابع في أحكام العقود...132

النظر الأوّل في النقد والنسيئة... 132

النظر الثاني فيما يدخل في المبيع ...137

النظر الثالث في التسليم ...147

حقيقة القبض ...148

يتعلّق بهذا الباب مسائل ...154

حكم بيع ما لم يقبض ...158

إذا طالب المبيع في بلد غير البيع ...164

النظر الرابع في اختلاف المتبايعين...169

إذا اختلفا في قدر الثمن ...169

إذا اختلفا في المبيع ...178

النظر الخامس في الشروط...180

النظر السادس في لواحق من أحكام العقود...189

لو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد بثمن واحد ...193

الفصل الخامس في أحكام العيوب...195

لو اشترى اثنان شيئاً...199

إذا وطئ الأمة ثمّ علم بعيبها ...201

القول في أقسام العيوب...204

ص: 9

التصرية تدليس يثبت به الخيار...205

الثيوبة ليست عيباً...209

القول في لواحق هذا الفصل، وفيه مسائل...212

الفصل السادس في المرابحة والمواضعة والتولية ...220

شروط المرابحة...221

أحكام المرابحة ...222

ألفاظ عقد التولية ...228

ألفاظ عقد المواضعة ...228

الفصل السابع في الربا...231

ما يثبت فيه الربا...231

الأوّل في بيان الجنس ...232

الثاني: اعتبار الكيل والوزن...238

لا ربا بين الوالد وولده ... ولا بين الرجل وزوجته و...242

الثالث: بيع الصرف وهو بيع الأثمان بالأثمان...248

في شرائط الصحّة...249

بيع الأواني المصوغة بالذهب والفضّة ...262

الفصل الثامن: بيع الثمار...270

النظر في بيع ثمرة النخل...270

النظر في بيع ثمرة الأشجار...274

النظر في بيع الخضر...276

فى اللواحق ...278

بيع المزابنة ...281

ص: 10

بيع المحاقلة...282

بيع العرايا...283

في جواز أكل المارّة من ثمرة النخل أو الفواكه...290

الفصل التاسع في بيع الحيوان ...293

الأوّل فيمن يصح تملكه من الإنسان ...293

الثاني في أحكام الابتياع ...297

الثالث في لواحق هذا الباب، وهي مسائل...302

من اشترى عبداً له مال...302

استبراء الأمة قبل البيع ...305

حرمة التفرقة بين الأطفال وأُمهّاتهم قبل استغنائهم ...309

الفصل العاشر: السلف...325

المقصد الأوّل في العقد ...325

المقصد الثاني في شرائطه ...328

الأوّل والثاني: ذكر الجنس والوصف...328

الثالث: قبض رأس المال قبل التفرّق...334

الرابع: تقدير السلم بالكيل أو الوزن ...335

الخامس: تعيين الأجل ...336

السادس: أن يكون وجوده غالباً...337

عدم اشتراط ذكر موضع التسليم...343

المقصد الثالث في أحكام السلف...346

المقصد الرابع في الإقالة ...358

المقصد الخامس في القرض...361

ص: 11

الأوّل في حقيقة القرض وعقده...361

الثاني: ما يصحّ إقراضه...368

الثالث في أحكام القرض...373

المقصد السادس في دين المملوك...385

خاتمة: أجرة الكيال والدلال وناقد الثمن ووزّانه...393

كتاب الرهن

الفصل الأوّل في الرهن...397

عقد الرهن ...399

هل القبض شرط في الرهن ؟ ...401

الفصل الثاني في شرائط الرهن...411

الفصل الثالث في الحقّ الذي يصحّ الرهن عليه...419

الفصل الرابع في الراهن...424

الفصل الخامس في المرتهن ...426

الفصل السادس في اللواحق...439

المقصد الأوّل في أحكام متعلّقة بالراهن...439

المقصد الثاني في أحكام متعلّقة بالرهن...444

المقصد الثالث في النزاع الواقع فيه، وفيه مسائل ...465

إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث...465

لو اختلفا فيما على الرهن ...467

لو اختلفا في متاع ...469

إذا أذن المرتهن للراهن في البيع ثمّ اختلفا... 470

ص: 12

إذا اختلفا فيما يباع به الرهن... 472

كتاب المفلس

تعريف المفلّس...477

شروط الحجر على المفلّس:...479

الأوّل: أن تكون ديونه ثابتةً...479

الثاني: أن تكون أمواله قاصرةً من ديونه...479

الثالث: أن تكون الديون حالًة...480

الرابع: أن يلتمس الغرماء الحجر عليه...480

القول في منع التصرّف...482

القول في اختصاص الغريم بعين ماله...492

القول في قسمة ماله...514

إذا جنى عبد المفلّس ...521

النظر في حبس المعسر ...521

كتاب الحجر

الفصل الأوّل: موجبات الحجر...532

ما يعلم به البلوغ ...533

الرشد المعتبر في رفع الحجر...542

السفيه :ما يصح منه وما لا يصحّ ...544

الحجر على المملوك...547

الحجر على المريض...548

ص: 13

الفصل الثاني في أحكام الحجر ...550

مسائل ...550

الولاية في مال الطفل والمجنون و ...554

إذا أحرم السفيه بالحجّ ... 555

اختبار الصبي قبل البلوغ ...558

ص: 14

القسم الثاني

في العقود

وفيه خمسة عشر(1) كتاباً :

1 .كتاب التجارة

2 .تاب الرهن

3 .کتاب المفلّس

4 .کتاب الحجر

5. كتاب الضمان

6. كتاب الصلح

7 .كتاب الشركة

8 .كتاب المضاربة

9 .كتاب المزارعة والمساقاة

10 .كتاب الوديعة

11 .كتاب العارية

12 .كتاب الإجارة

13 .كتاب الوكالة

14 .كتاب الوقوف والصدقات

15 .كتاب السكنى والحبس

16 .كتاب الهبات

17 .كتاب السبق والرماية

18 .كتاب الوصايا

19 .كتاب النكاح

ص: 15


1- كذا في مختلف النسخ، ولعلّه سهو من النسّاخ ؛ إذ المصنّف جعل هذا القسم تسعة عشر كتاباً.

ص: 16

كتاب التجارة

[الفصل] الأوّل فيما يكتسب به

و هو مبنيٌّ علي فصول:

--------------

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

القسم الثاني في العقود، وفيه خمسة عشر(1) كتاباً:

قوله: «كتاب التجارة»

قد سبق في كلام المصنّف في زكاة التجارة (2) - كغيره(3) - ما يدلّ على أنّ المراد بالتجارة عقد المعاوضة بقصد الاكتساب عند التملّك، فاعتبروا فيها قصد الاكتساب.

فإن أرادوا بها هنا هذا المعنى، ففي كثيرٍ ٍ من أفرادها المذكورة في هذا الكتاب استطراد، فإنّ هذه الأقسام المعدودة لها أعمّ من كونها بقصد الاكتساب والقوت والادّخار.

وإن أرادوا بها هنا ما هو أعمّ مما سبق لتطابق جميع الأفراد المذكورة، كانت التجارة في اصطلاحهم من الألفاظ المشتركة، وهو خلاف الظاهر ، بل المعروف كون التجارة مأخوذاً في مفهومها إرادة الاسترباح والتكسّب، كما سبق(4)، فالاستطراد فيما خرج عن ذلك أولى.

ص: 17


1- كذا في جميع النسخ ونسخ شرائع الإسلام والصحيح: «تسعة عشر».
2- سبق في ج 1، ص 416.
3- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 205، المسألة 136.
4- سبق في ج 1، ص 416.

[الفصل]الأوّل فيما يكتسب به

•وينقسم إلى محرّمٍ، ومكروهٍ، ومباحٍ.

--------------

وبقي في العبارة أمر آخَر، وهو أنّ المصنّف (رحمه الله) قد جعلها في صدر الكتاب شاملةً للبيع والصلح والإجارة وغيرها من عقود المعاوضات، كما يُعلم ذلك من تضاعيف الأقسام، ثمَّ عقدها بعد ذلك للبيع خاصةً إلى آخر الكتاب.

ولا يخفى ما فيه من التجوّز، وكان الأنسب_ كما فَعَل الشيخ (1)والشهيد (رحمه الله) في الدروس (2)- أن يعنون الفصل الأوّل من الكتاب بكتاب المكاسب، فإنّ الأقسام المذكورة كلّها أفراد المكاسب أعم من البيع وغيره، ثمَّ يذكر بعد ذلك كتاب البيع الذي هو بعض ما يحصل به على بعض الوجوه، وهو ما لو قصد به التكسب فلو قصد به القنية أو القوت لم يكن داخلاً في المكاسب بالمعنى المتقدّم، وحينئذٍ فبين البيع والمكاسب عموم و خصوص من وجهٍ، يجتمعان في بيع الأعيان للتكسّب بها، وينفرد البيع بقصد القنية ونحوها، وتنفرد المكاسب بتحصيلها بالمنافع والصلح ونحوه.

قوله - فيما يكتسب به - : «وينقسم إلى محرّم ٍومكروهٍ ومباحٍ».

قد جعل المصنّف الأقسام ثلاثةً كما ترى، وذكر جماعة (3) انقسامها إلى الأحكام الخمسة بإضافة الوجوب والندب، وعدّوا من الواجب ما يضطرّ إليه لمؤونته ومؤونة عياله، ومن المندوب ما يقصد به التوسعة عليهم حيث تندفع الحاجة بغيره.

وكلٌّ من التقسيمين حسن، وإن كان ما هنا أحسن؛ إذ لا خلل في الثلاثة، ولا تداخل في الخمسة، فإنّ مورد القسمة في الثلاثة ما يكتسب به، وهو العين والمنفعة، وظاهر أنّ

ص: 18


1- راجع النهاية، ص 356.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 145 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11) .
3- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 5 والسيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 4: وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 334.

فالمحرّم أنواع:

الأوّل: الأعيان النجسة، كالخمر . •والأنبذة، والفُقّاع • وكلّ مائعٍ نجسٍ،عدا الأدهان لفائدة الاستصباح بها تحت السماء.

--------------

الوجوب والندب لا يرد عليهما من حيث إنّهما عين خاصّةً ومنفعةً، بل بسبب أمرٍ ٍ عارضٍ ٍ، وهو فعل المكلّف، ومورد الخمسة الاكتساب الذي هو فعل المكلّف، ومن شأنه أن يقبل القسمة إلى الخمسة فيما يمكن فيه تساوي الطرفين باعتبار العوارض اللاحقة له.

واعلم أنّ غرض الفقيه بالذات من بحث العقود حكمها من حيث تصحّ وتفسد، وأمّا من حيث تجب أو تندب ليترتّب عليها الثواب فهو من وظائف العبادة، أو من حيث تحرم،فيترتّب عليها العقاب، فهو بالعبادة أشبه من حيث وجوب تركها، لكن لا محذور في ذكر ذلك؛ استطراداً باعتبار اختلاف جهة المكاسب، فإنّها قد تكون عبادةً من جهةٍ، ومعاملة من أخرى، وكذا باقي العقود كالصلح والإجارة، ومثله النكاح.

قوله: «والأنبذة».

جمع نبيذ، وهو الشراب المخصوص المسكر المعمول من التمر، وجمعه باعتبار تعدّد أفراده، أو غلب على باقي المسكرات المعمولة من الأرز والذرّة وغيرهما اسم النبيذ وإن اختصّت باسمٍ آخَر.

وضابط المحرَّم هنا كلّ مسكر ٍمائع ٍبالأصالة، وفي حكمه الجامدات، كالحشيشة إن

لم يفرض لها نفع آخَر، وقصد ببيعها المنفعة المحلّلة.

قوله: «وكلّ مائعٍ ٍنجسٍ ٍ، عدا الأدهان لفائدة الاستصباح بها تحت السماء».

بناءً على أنّ المائعات النجسة لا تقبل التطهير بالماء، فإنّه أصحّ القولين.

ولو قلنا بقبولها الطهارة جاز بيعها مع الإعلام بحالها.

ولا فرق في عدم جواز بيعها على القول بعدم قبولها الطهارة بين صلاحيّتها للانتفاع على بعض الوجوه، وعدمه، ولا بين الإعلام بحالها وعدمه على ما نصّ عليه الأصحاب وغيرهم.

ص: 19

وأمّا الأدهان النجسة بنجاسةٍ عارضةٍ كالزيت تقع فيه الفأرة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها، وإنّما أخرج هذا الفرد بالنصّ(1)، وإلّا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات النجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه.

وقد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بها بيعها لتُعمل صابوناً، أو ليدهن بها

الأجرب، ونحو ذلك(2).

ويشكل بأنّه خروج عن مورد النصّ المخالف للأصل، فإن جاز لتحقّق المنفعة فينبغي

مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها، كالدبس يطعم للنحل ونحوه.

والمشهور بين الأصحاب تقييد جواز الاستصباح بها بكونه تحت السماء، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع (3).

وفي الحكم بالتخصيص نظر، وفي دعوى الإجماع منع، والأخبار الصحيحة مطلقة. والمقيّد لها بحيث يجب الجمع بينهما غير معلوم، فالقول بالجواز مطلقاً متّجه، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط،(4) والعلّامة في المختلف(5).

وموضع الخلاف ما إذا كان الدهن متنجّساً بالعرض، فلو كان نفسه نجاسةُ كأليات الميتة، والمبانة من الحيّ لم يصحّ الانتفاع به مطلقاً؛ لإطلاق النهي عن استعمال الميتة(6).

ونقل الشهيد (رحمه الله) عن العلّامة جواز الاستصباح به تحت السماء كغيره (7)، وهو ضعيف.

ص: 20


1- راجع وسائل الشيعة، ج 17، ص 97 - 98 ، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.
2- المحقق الكركي في حاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 123 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 11).
3- السرائر، ج 2، ص 222
4- المبسوط، ج 4، ص 680 .
5- مختلف الشيعة، ج 8، ص 349، المسألة 47.
6- الكافي، ج 6 ، ص 259 ، باب ما ينتفع به من الميتة.... ح 7.
7- نقله الشهيد عنه في حاشية القواعد، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

• والميتة، والدم، • وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، وربما قيل: بتحريم الأبوال كلّها إلّا بول الإبل خاصّةً، والأوّل أشبه، والخنزير وجميع أجزائه،

--------------

واعلم أنّه على القول باختصاص جواز الاستصباح بالدهن النجس بتحتية السماء فهو تعبّد محض، لا لنجاسة دخانه ، فإنّ دخان الأعيان النجسة عندنا طاهر لاستحالته، كرماده.

وفي المختلف استبعد استحالة كلّه، وجوّز تصاعد شيءٍ من أجزاء الدهن قبل إحالة النار له بسبب السخونة المكتسبة من النار إلى أن يلقى الظلال فيتأثّر بنجاسته، وجعله وجه المنع من الاستصباح به تحت الظلال، ثمّ أفتى بالجواز مطلقاً ما لم يعلم أو يظنّ بقاء شيءٍ من أعيان الدهن(1)

وحيث جاز استعماله على بعض الوجوه جاز بيعه للعالم بحاله. ولو باعه من دون الإعلام قيل: صحّ البيع وفَعَل حراماً، ويتخيّر المشتري لو علم(2) .

ويشكل الجواز: بناءً على تعليله بالاستصباح، فإنّ مقتضاه الإعلام بالحال، والبيع لتلك الغاية. قوله: «والميتة».

أي مجموعها من حيث هو مجموع. وفي حكمه أجزاؤها التي تحلّها الحياة، وهي التي يصدق عليها الموت حقيقةً، أما ما لا تحلّه الحياة، منها فيجوز بيعه إذا كانت طاهرةً. ويمكن أن يريد بالميتة مسلوب الحياة مما تحلّه منها، فيشمل الجملة والأجزاء والمبان من الحيّ.

قوله: «وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه - إلى قوله - والأوّل أشبه».

لا إشكال في عدم جواز بيع بول وروث ما لا يؤكل لحمه؛ لنجاسته وخبثه وإن فُرض له نفع الندوره.

وأمّا روث وبول ما يؤكل لحمه، فقد ذهب جماعة (3) إلى جوازه مطلقاً، نظراً إلى أنّه عين طاهرة يُنتفع بها.

ص: 21


1- مختلف الشيعة، ج 8، ص 349، المسألة 47.
2- قاله السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 7-8
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 219؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 38 المسألة 1 و 2 : ومنتهى المطلب ، ج ،15، ص 351 .

•وجلد الكلب وما يكون منه.

الثاني: • ما يحرم لتحريم ما قصد به كآلات اللهو، مثل العود والزمر ،

--------------

وآخَرون(1) إلى المنع من بيع العذرات والأبوال كلّها؛ لاستخبائها، إلا بول الإبل للاستشفاء بها، وللنصّ عليها(2) .

والأوّل أقوى، خصوصاً في العذرات؛ للانتفاع بها في الزرع وغيره نفعاً بيّناً مع طهارتها.

وأمّا الأبوال فكذلك إن فُرض لها نفع مقصود، وإلّا فلا.

وقول المصنّف «والأوّل أشبه» يريد بالأوّل ما دلّ عليه القول الأوّل بمفهومه؛ إذ منطوقه المنع من بيع أرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، وهذا ممّا لا شبهة فيه، وإنّما الكلام في اختصاص الحكم به، حتّى يجوز بيع ذلك ممّا يؤكل لحمه. وذلك غير مذكور في القولين معاً، لكنّه مفهوم من القول الأوّل، فإنّ مفهومه الوصفي جواز بيع ذلك ممّا يؤكل لحمه، فيعود الأشبه إليه، باعتبار دلالته المفهوميّة، لا باعتبار منطوقه، وهو تحريم ذلك ممّا لا يؤكل لحمه، فإنّه موضع ،وفاق، وغير منافٍ للقول الثاني

قوله: «وجلد الكلب وما يكون منه».

نبّه بتخصيص جلد الكلب وما يكون منه بعد تعميم الحكم في الخنزير وجميع أجزائه، على أنّ جملة الكلب يجوز بيعها على وجه من الوجوه، بخلاف أجزائه منفردةً كجلده، فإنّه لا يجوز بيعها كالخنزير. وضمير «ما يكون منه» يمكن عوده إلى الجلد، بمعنى تحريم بيع ما يُتّخذ من جلده من آلةٍ وغيرها؛ لعدم وقوع الذكاة عليه فيستوي في الحكم جميع الآلات ،وإلى الكلب، بمعنى تحريم بيع ما يكون منه، أي من الكلب، بمعنى تحريم بيع جميع أجزائه من عظم وغيره، فيكون إشارةً إلى المنع من بيع الأجزاء دون الجملة، بخلاف الخنزير. وكلا المعنيين صحيح.

قوله: «ما يحرم لتحريم ما قصد به كآلات اللهو، مثل العود والزمر ».

ص: 22


1- منهم المفيد في المقنعة، ص 587 ؛والشيخ في النهاية، ص 364؛ وسلّار في المراسم، ص 170.
2- الكافي، ج 6 ، ص 338، باب ألبان الإبل، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 100 ، ح 437.

• وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم، وآلات القمار كالنرد والشطرنج،

• وما يفضي إلى المساعدة على محرَّمٍ، كبيع السلاح لأعداء الدين،

--------------

آلات اللهو ونحوها إن لم يمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرَّم، ولم يكن لمكسورها قيمة، فلا شبهة في عدم جواز بيعها؛ لانحصار منفعتها في المحرَّم، وإن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرَّم على تلك الحالة منفعة مقصودة، واشتراها لتلك المنفعة، لم يبعد جواز بيعها، إلّا أنّ هذا الفرض نادر، فإنّ الظاهر أنّ ذلك الوضع المخصوص لا ينتفع به إلّا في المحرَّم غالباً، والنادر لا يقدح، ومن ثُمَّ أطلقوا المنع من بيعها.

ولو كان لمكسورها قيمة، وباعها صحيحة لتُكسر ، وكان المشتري ممّن يوثق بديانته ففي جواز بيعها حينئذٍ وجهان. وقوّى في التذكرة جوازه مع زوال الصفة (1). وهو حسن. والأكثر أطلقوا المنع.

وهل الحكم في أواني الذهب والفضّة كذلك؟ يحتمله؛ بناءً على تحريم عملها والانتفاع بها في الأكل والشرب، وعدمه؛ لجواز اقتنائها للادّخار، وتزيين المجلس، والانتفاع بها في غير الأكل والشرب، وهي منافع مقصودة. وفي تحريم عملها مطلقاً نظر.

قوله: «وهياكل العبادة المبتدعة، كالصليب والصنم».

الأصل في الهيكل أنّه بيت الصنم؛ كما نصّ عليه الجوهري(2) وغيره(3)، وأمّا إطلاقه على نفس الصنم، فلعلّه من باب المجاز؛ إطلاقاً لاسم المحلّ على الحالّ.

قوله: «وما يفضي إلى المساعدة على محرَّم كبيع السلاح الأعداء الدين».

لا فرق في أعداء الدين بين كونهم مسلمين أو كفّاراً؛ لاشتراكهم في الوصف، وهو

ص: 23


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 36، المسألة 16 .
2- الصحاح، ج 3، ص 1851)، «هكل)».
3- لسان العرب، ج 11، ص 701، «هکل».

• وإجارة المساكن والسُفُن للمحرَّمات، وكبيع العنب ليعمل خمراً، وبيع الخشب ليعمل صنماً، ويكره بيع ذلك لمن يعملهما.

الثالث: • ما لا ينتفع به كالمسوخ، برّيّةً كانت كالقرد والدبّ،

--------------

الإعانة على المحرَّم المنهيّ عنها (1)، ومنهم قُطّاع الطريق ونحوهم.

وإنّما يحرم مع قصد المساعدة، أو في حال الحرب، أو التهيّؤله، أمّا بدونها فلا. ولو باعهم ليستعينوا به على قتال الكفّار لم يحرم، كما دلّت عليه الرواية (2).

وهذا كلّه فيما يُعدّ سلاحاً، كالسيف والرمح، أمّا ما يُعدّ جُنَّةً - كالبيضة والدرع ولباس الفرس، المسمّى بالتجفاف، بكسر التاء - فلا يحرم.

وعلى تقدير النهي عن البيع، لو باع هل يصحّ ويملك الثمن، أم يبطل؟ قولان أظهرهما الثاني؛ لرجوع النهي إلى نفس المعوّض.

قوله: «وإجارة المساكن والسُفُن للمحّرَمات - إلى قوله - ويكره بيع ذلك لمن يعملها(3) .

المراد ببيعه لأجل الغاية المحرَّمة، سواء اشترطها في نفس العقد، أم حصل الاتّفاق عليها، فلو باعها لمن يعملها بدون الشرط، فإن لم يعلم أنّه يعملها كذلك لم يحرم على الأقوى وإن كره، وإن علم أنّه يعملها ففي تحريمه وجهان، أجودهما ذلك.

والظاهر أنّ غلبة الظنّ كذلك، وعليه تُنزّلَ الأخبار (4)المختلفة ظاهراً. قوله: «ما لا ينتفع به كالمسوخ».

بناءً على عدم وقوع الذكاة عليها، أمّا لو جوّزناه جاز بيعها لمن يقصد منفعتها مذكّاةٌ وكذا لو اشتبه القصد؛ حملاً لفعل المسلم على الصحيح.

ص: 24


1- المائدة (5): 2
2- الكافي، ج 5، ص 112 باب بيع السلاح منهم ، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 175 ، ح 3664؛ تهذيب الأحكام، ج 6. ص 353 - 354 ، ح 1004؛ الاستبصار، ج 3، ص 58، ح 189.
3- في بعض نسخ المتن والشرح: لمن يعملهما» بدل «لمن يعملها».
4- راجع وسائل الشيعة، ج 17، ص 174 و 229 - 232 ، الباب 39 و 59 من أبواب ما يكتسب به.

• وفي الفيل تردّد والأشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه أو بحريّةً •كالجرّي والضفادع والسلاحف • والطافي• والسباع كلّها إلّا الهرّ والجوارح، طائرة كانت كالبازي، أو ماشيةً كالفهد، وقيل: يجوز بيع السباع كلّها تبعاً؛ للانتفاع بجلدها أو ريشها، وهو الأشبه.

ولو علم منه قصد منفعةٍ محرَّمةٍ - كلعب الدبّ والقرد - لم يصحّ. ولو قصد منه حفظ المتاع أمكن جوازه لذلك، وعدمه؛ لأنّه منفعة نادرة وغير موثوق بها، وبه قطع العلّامة (1).

قوله: «وفي الفيل تردّد والأشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه».

وجه التردد من عدم وقوع الذكاة عليه كباقي المسوخ بناءً على ذلك، ومن عظم الانتفاع بعظمه وورود النصّ به، وأنّ الصادق علیه السلام كان له منه مشط (2) والأقوى جواز بيعه.

قوله: «كالجرّي والضفادع والسلاحف».

هو - بكسر الجيم وتشديد الراء مكسورة - سمك طويل أملس لا فلس له (3).

وليس من المسوخ بحريّة غيره وغير الدعمُوص(4)، فقوله «والضفادع والسلاحف» معطوف على المسوخ وهو مغاير لها، والتقدير لا يجوز بيع ما لا ينتفع به كالمسوخ والضفادع والسلاحف.

قوله: «والطافي».

هو من السمك المحلَّل ما مات في الماء، وصف بذلك؛ لأنه إذا مات فيه طفا على وجهه.

قوله: «والسباع كلّها ... وقيل: يجوز بيع السباع كلّها تبعاً للانتفاع بجلدها أو ريشها، وهو الأشبه».

ص: 25


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 7؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 262 - 263، الرقم 3027. 2.
2- الكافي، ج 5، ص 226، باب جامع فيما يحلّ الشراء والبيع منه وما لا يحلّ ، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 6. ص 373، ح 1083 : وج 7، ص 133 ، ح 585.
3- راجع القاموس المحيط، ج 1، ص 403، «جرر».
4- في حاشية «م»: «وهي دويبة تكون في مستنقع «المياه». راجع الصحاح، ج 2، ص 1040، «دعمص».

الرابع ما هو محرَّم في نفسه، •كعمل الصُوَر المجسّمة

--------------

هذا القول هو الأقوى؛ لوقوع الذكاة عليها، وكونها طاهرةً منتفعاً بها، وقول المصنّف «إلّا الهرّ والجوارح »استثناء من القول بالمنع من بيع السباع، ويُفهم منه أنّها مستثناة على القولين. وليس بجيّدٍ، بل قد قيل بعدم جواز بيع شيءٍ من السباع البتّة(1)، ومنهم مَن استثنى الفهد خاصّةً(2)، ومنهم مّن استثنى الفهد وسباع الطير خاصةً(3)، فما حكاه المصنّف أوّلاً من المنع والاستثناء هو أحد الأقوال في المسألة.

ولعلّ تخصيصه من بين الأقوال لقوّته حيث وقع النصّ الصحيح على جواز بيع الفهد وسباع الطير(4)، فاستضعف حكاية خلافه، خصوصاً مع ضعف مستنده.

وأما الهرّ فنسب جواز بيعه في التذكرة إلى علمائنا(5)، وهو يعطي الاتّفاق عليه، فاستثناؤه

هنا حسن .ويؤيّد ذلك قول الصادق علیه اسلام: لا بأس بثمن الهر»

قوله « كعمل الصور المجسمة».

إطلاق الصُوَر يشمل ذوات الأرواح وغيرها، كصُور الشجر، والتقييد ب «المجسّمة» يخرج الصُور المنقوشة على نحو البساط والورق. وقد صرّح جماعة من الأصحاب (6) بتحريم التماثيل المجسّمة وغيرها. وخصه آخرون(7) بذوات الأرواح المجسّمة. والذي رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال - في الصحيح - عن أبي عبد الله علیه اسلام أنّه قال: «ثلاثة يُعذَّبون يوم القيامة» وعدّ منهم« مَنْ صوّر صورةً من الحيوان يُعذَّب حتّى ينفخ

ص: 26


1- قال به ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 41، المسألة 4.
2- كالشيخ في النهاية، ص 364.
3- كالمفيد في المقنعة، ص 589 .
4- الكافي، ج 5، ص 226، باب جامع فيما يحلّ الشراء والبيع منه وما لا يحلّ، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 6. ص 373، ح 1085، وص 386 ، ح 1148 : وج 7، ص 133، ح 584.
5- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 29، الفرع الخامس من المسألة 9.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 356، ح 1017.
7- منهم السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 11.

•والغناء، • ومعونة الظالمين بما يحرم،

--------------

فيها، وليس بنافخ فيها»(1)، وهذا يدلّ بإطلاقه على تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقاً، ولا دليل على تحريم غيرها، وهذا هو الأقوى.

قوله: «والغناء».

الغناء - بالمدّ - مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فلا يحرم بدون الوصفين أعني الترجيع مع الإطراب - وإن وجد أحدهما كذا عرفه جماعة من الأصحاب (2). وردّه بعضهم (3)إلى العرف، فما سُمّى فيه غناء يحرم وإن لم يُطرب، وهو حسن. ولا فرق في ذلك بين كونه في شعرٍوقرآنٍ وغيرهما.

واستُثني منه الحداء بالمدّ - وهو سوق الإبل بالغناء لها، وفعل المرأة له في الأعراس إذا لم تتكلّم بالباطل، ولم تعمل بالملاهي، ولم يسمع صوتها الأجانب من الرجال. وذهب جماعة من الأصحاب منهم العلّامة في التذكرة إلى تحريم الغناء مطلقاً (4)؛ استناداً إلى أخبار مطلقة (5).

ووجوب الجمع بينها وبين ما دلّ على الجواز هنا من الأخبار الصحيحة(6) متعيّن؛ حذراً من اطراح المقيد.

قوله: «ومعونة الظالمين بما يحرم».

احترز به (7)عن مساعدتهم بالأعمال المحللة كالخياطة وغيرها، فإنّه جائز وإن كان

ص: 27


1- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص 266 ، باب عقاب مَنْ صوّر صورة .... ح 1.
2- منهم العلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 5، ص 251 الرقم 6629 والشهيد في الدروس الشرعية، ج2،ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 10) ،
3- كالسيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 11.
4- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 140، ذيل المسألة 645.
5- وسائل الشيعة، ج 17، ص 303 - 312، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به.
6- وسائل الشيعة، ج 17، ص 120 - 122، الباب 15 من أبواب ما يكتسب به.
7- في أكثر النسخ «بهم» بدل «به»، والمثبت من «ق».

• ونوح النائحة بالباطل • وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض، • وهجاء المؤمنين • وتعلّم السحر،

--------------

أخذ الأُجرة منه مكروهاً من حيث معاملة الظالمين.

قوله: «ونوح النائحة بالباطل».

يتحّقق نوحها بالباطل بوصفها للميّت بما ليس فيه، ويجوز بالحقّ إذا لم يسمعها الأجانب. قوله: « وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض».

المراد حفظها من التلف أو على ظهر القلب، وكلاهما محرَّم لغير النقض والحجّة على أهلها لمن له أهليّتها، لا مطلقاً؛ خوفاً على ضعفاء البصيرة من الشبهة. ومثله نسخها.

وكذا يجوزان للتقيّة، وبدونها يجب إتلافها إن لم يمكن إفراد مواضع الضلال، وإلّا اقتصر عليها؛ حذراً من إتلاف ما يُعدّ مالاً من الجلد والورق إذا كان لمسلمٍ أو محترم المال.

قوله: «وهجاء المؤمنين».

هو - بكسر الهاء والمدُ - ذكر المعايب بالشعر، وخرج ب-«المؤمنين» غيرهم، فيجوز هجاؤه، كما يجوز لعنه.

ولا فرق في المؤمن هنا بين الفاسق وغيره، اللهمّ إلّا أن يدخل هجاء الفاسق في مراتب النهي عن المنكر، بحيث يتوقّف ردعه عليه، فيمكن جوازه حينئذٍ إن فُرض.

قوله: «وتعلّم السحر».

هو كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام أو عزائم ونحوها، يحدث بسببها ضرر على الغير، ومنه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها، وإلقاء البغضاء بينهما، ومنه استخدام الملائكة والجنّ واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب ،واستحضارهم وتلبّسهم ببدن صبيٍّ أو امرأةٍ وكشف الغائب على لسانه، فتعلّم ذلك وأشباهه وعمله وتعليمه كلّه حرام والتكسّب به سحت ويُقتل مستحلّه.

ولو تعلّمه ليتوقّى به أو ليدفع به المتنبّي بالسحر فالظاهر جوازه، وربما وجبت على

ص: 28

• والكهانة . والقيافة • والشعبذة • والقمار ،

--------------

الكفاية، كما اختاره الشهيد (رحمه الله) في دروسه (1)

ويجوز حلّه بالقرآن والأقسام، كما ورد في رواية العلاء(2).

وهل له حقيقة، أو هو تخيّل؟ الأكثر على الثاني.

ويشكل بوجدان أثره في كثير من الناس على الحقيقة، والتأثّر بالوهم إنما يتمّ لو سبق للقابل علم بوقوعه، ونحن نجد أثره فيمن لا يشعر به أصلاً حتّى يضرّ به، ولو حمل تخييله على ما يظهر من تأثيره في حركات الحيّات والطيران ونحوهما أمكن، لا في مطلق التأثير به وإحضار الجانّ وشبه ذلك، فإنّه أمر معلوم لا يتوجه دفعه.

قوله: «والكهانة».

هي - بكسر الكاف - عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له واتّباعه له، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة، وهو قريب من السحر.

قوله: «والقيافة».

هي الاستناد إلى علامات ومقادير يترتّب عليها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه، وأنّما يحرم إذا جزم به أو رتّب عليه محرَّماً .

قوله: «والشعبذة».

عرّفوها(3) بأنّها الحركات السريعة التي يترتّب عليها الأفعال العجيبة، بحيث يلتبس على الحسّ الفرق بين الشيء و شبهه؛ لسرعة الانتقال منه إلى شبهه.

قوله: «والقمار».

ص: 29


1- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 150 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- كما في الدروس الشرعية، ج 3، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ وفي الكافي، ج 5، ص 115، باب الصناعات ، ح 7 عن عيسى بن شفقي ؛ وفي الفقيه، ج 3، ص 180، ح 3680 : وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 364 . ح 1043 عن عيسى بن شقفي.
3- في حاشية «و»: «إنّما قال »«عرّفوها »لينبّه على تمريض التعريف، فإنّ الظاهر من حال الشعبذة أنّه خلاف ما عرّفوه منه رحمه الله)».

• والغشّ بما يخفى كشوب اللبن بالماء • وتدليس الماشطة • وتزيين الرجل بما يحرم عليه.

--------------

هو اللعب بالآلات المعدة له ،كالنرد والشطرنج، ومنه اللعب بالخاتم والجوز ونحوهما.

وما يترتّب على ذلك كلّه من التكسب حرام يجب ردّه على مالكه، ولو فَعَله الصبيان فالمكلّف بردّه الوليّ.

ولو جهل مالكه أصلاً، تصدّق به عنه، ولو انحصر في قومٍ معيّنين وجب محاللتهم ولو بالصلح.

قوله :«والغشّ بما يخفى ،كشوب اللبن بالماء».

احترز به عمّا لا يخفى كمزج الحنطة بالتراب، وجيّدها برديئها، ونحو ذلك، فإنّه لا يحرم وإن كره.

ثمَّ على تقدير الخفاء فالبيع صحيح، وحكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب من غير الجنس.

وربما احتُمل البطلان؛ بناءُ على أن المقصود بالبيع هو اللبن، والجاري عليه العقد هو المشوب، فيكون كما لو باعه هذا الفرس فظهر حماراً .

وقد ذكروا في هذا المثال إشكالاً من حيث تغليب الإشارة أو الاسم والفرق بينه وبين ما نحن فيه واضح.

قوله: «وتدليس الماشطة».

أي تدليسها المرأة بإظهار محاسن ليست فيها، من تحمير وجهها ووصل شعرها ونحوه.

وهو محرَّم إذا أريد به التدليس، كما دلّت عليه العبارة. ومثله ما لو فَعَلَته المرأة بنفسها من غير ماشطة.

ولو انتفى التدليس كما لو كانت مزوّجةً فلا تحريم. واشترط جماعة(1) في ذلك إذن الزوج. :قوله:« وتزيين الرجل بما يحرم عليه».

المحرّم عليه من الزينة هو المختصّ بالنساء كلبس السوار والخلخال والثياب

ص: 30


1- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 25.

الخامس • ما يجب على الإنسان فعله ،كتغسيل الموتى وتكفينهم، ودفنهم. وقد يحرم الاكتساب بأشياء أخَر، تأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى.

--------------

المختصّة بها بحسب العادة. ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والأصقاع، ومنه تزيينه بالذهب وإن قلّ، وبالحرير زيادة عمّا استثني له، وكذا يحرم على المرأة التزيين بزينة الرجل والتحلّي بحليته المختصّة به، كلبس المنطقة والعمامة والتقلّد بالسيف.

ولا فرق في الأمرين بين مباشرة الفاعل لذلك بنفسه، وتزيين غيره له، إلّا أنّ المناسب للعبارة هنا فعل الغير بهما ليتكسّب به، أمّا فعلهما بأنفسهما فلا يعدّ تكسباً، إلّا على تجوّز بعيد.

قوله: «ما يجب على الإنسان فعله كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وعليه الفتوى. وذهب المرتضى إلى جواز أخذ الأجرة على ذلك لغير الولي؛ بناء على اختصاص الوجوب به(1) .

وهو ممنوع؛ فإنّ الوجوب الكفائي لا يختصّ به وإنّما فائدة الولاية توقّف الفعل على إذنه، فيبطل منه ما وقع بغيره مما يتوقف على النيّة.

وخرج ب- «ما يجب ... فعله» من ذلك ما يستحبّ ،كتغسيله بالغسلات المسنونة من تثليث الغسل، وغسل يديه وفرجه، ووضوئه - على القول بندبه - وتكفينه بالقطع المندوبة، وحفر قبره قامة مع تأدّي الفرض بدونها، ونقله إلى ما يُدفن فيه مع إمكان دفنه في القريب، فإنّ أخذ الأجرة على ذلك كله جائز للأصل، وعدم المانع، خلافاً لبعض الأصحاب (2)؛ محتجاً بإطلاق النهى(3).

ص: 31


1- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعية ، ج 3، ص 157 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- كابن البرّاج في المهذب، ج 1، ص 345، وعبارته مطلقة.
3- أي إطلاق النهي عن أخذ الأجرة في بعض الأفعال، ولم يقيّد بالواجب أو المستحبّ، وإلّا فلم نقف على نهي في هذا الباب.

مسألة: • أخذ الأجرة على الأذان حرام، ولا بأس بالرزق من بيت المال، وكذا الصلاة بالناس . والقضاء على تفصيل ياتي.

--------------

قوله: «أخذ الأجرة على الأذان حرام، ولا بأس بالرزق من بيت المال». هذا هو المشهور بين الأصحاب، وعليه العمل.

وذهب المرتضى إلى جواز أخذ الأجرة عليه (1)تسوية بينها وبين الارتزاق، وهو متروك. والفرق بينهما أنّ الأجرة تفتقر إلى تقدير العمل والعوض وضبط المدّة والصيغة الخاصة، وأما الارتزاق فمنوط بنظر الحاكم، لا يقدّر بقدرٍ.

و محلّه من بيت المال ما أُعدّ للمصالح من خراج الأرض ومقاسمتها ونحوهما.

ولا فرق في تحريم أخذ الأجرة بين كونها من معيّن ومن أهل البلد والمحلّة وبيت المال. وهل يوصف أذان آخذ الأجرة بالتحريم فلا يُعتدّ به، أم يكون أخذ الأجرة خاصةً محرَّماً ؟ نص بعض الأصحاب (2) على الأول.

ووجّهه العلّامة في المختلف بأنّ الأذان على هذا الوجه لا يكون مشروعاً، فيكون محرماً (3).

وهو متّجه لكن يشكل بأنّ النيّة غير معتبرةٍ فيه ، والمحرَّم هو أخذ المال، لا نفس الأذان، فإنّه عبادة أو شعار.

وأمّا أخذ ما يُعدّ للمؤذنين من أوقاف مصالح المساجد ونحوها فليس بأجرةٍ وإن كان مقدراً وكان هو الباعث على الأذان. نعم، لا يثاب فاعله عليه إلّا مع تمحّض إرادة القربة إلى الله تعالى به .قوله: «والقضاء على تفصيل يأتي».

التفصيل الموعود به هو أنّه إن تعيّن عليه بتعيين الإمام، أو بعدم قيام أحدٍ به غيره

ص: 32


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 134.
2- كابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 345.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 49، ذيل المسألة 12.

• ولا بأس بأخذ الاُجرة على عقد النكاح.

والمكروهات ثلاثة:

• ما يكره لأنّه يفضي إلى محرّم أو مكروهٍ غالباً، كالصّرف، وبيع الأكفان ،والطعام، والرقيق، واتّخاذ الذبح والنحر صنعةً.

--------------

حرم عليه أخذ الاُجرة عليه مطلقاً؛ لأنّه حينئذٍ يكون واجباً، والواجب لا يصحّ أخذ الاُجرة عليه، وإن لم يتعيّن عليه، فإن كان له غنىً عنه لم يجز أيضاً، وإلّا جاز.

وقيل: يجوز مع عدم التعيّن مطلقاً (1). وقيل: يجوز مع الحاجة مطلقاً (2).

ومن الأصحاب (3) مَنْ جوّز أخذ الاُجرة عليه مطلقاً.

والأصحّ المنع مطلقاً، إلّا من بيت المال على جهة الارتزاق، فيتقيّد بنظر الإمام.

ولا فرق في ذلك بين أخذ الاُجرة من السلطان ومن أهل البلد والمتحاكمين، بل الأخیر هو الرشوة التي وردت في الخبر أنّها كفر بالله وبرسوله .(4)

قوله: «ولا بأس بأخذ الأُجرة على عقد النكاح».

أي على مباشرة الصيغة من أحد الجانبين أو منهما، فإنّ ذلك غير واجب.

أمّا تعليم الصيغة وإلقاؤها على المتعاقدين فهو من باب تعليم الواجب، فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه، وكذا غيره من العقود.

وأمّا الخطبة - بالضمّ - بمعنى حمد الله تعالى، والصلاة على رسوله، وذكر ما يناسب مقام العقد عنده، و بالكسر - بمعنى طلب الزوجة من نفسها أو وليّها أو أقاربها ومحاورتهم في ذلك، فيجوز أخذ الأُجرة عليه أيضاً؛ لأنّه ليس بواجب.

قوله: «ما يكره لأنّه يفضي إلى محرَّم أو مكروهٍ - إلى قوله - واتّخاذ الذبح والنحر صنعةً».

ص: 33


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 48 المسألة 11.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 48 المسألة 11.
3- كالمفيد في المقنعة، ص 588 والشيخ في النهاية، ص 367.
4- الكافي، ج 5، ص 126 و 127، باب السحت ، ح 1 و 3؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 368 ، ح 1062.

--------------

قد علّل في الأخبار إفضاء هذه المذكورات إلى المحرَّم أو المكروه، فعلّل الصرف بأنّه لا يسلم فاعله من الربا، وبيع الأكفان بتمنّي الوباء، والطعام بتمنّي الغلاء. وورد في بيع الرقيق بأنّ شرّ الناس مَنْ باع الناس، وأنّ الجزّار تسلب الرحمة من قلبه (1).

والمستفاد من الأخبار أنّ المكروه اتّخاذ هذه الأُمور حرفةً وصنعةً، لا مجرّد فعلها، كما لو احتاج إلى صّرف دينار ٍ أو ذبح شاةٍ ونحو ذلك، والتعليل يقتضيه أيضاً في غير بيع الرقيق.

ويظهر من العبارة أنّ كراهة ما عدا الذبح والنحر عامّة لمتّخذها صنعةً وغيره، بقرينة تقييدهما باتّخاذهما صنعةً، ومقتضى الدليل عدم الفرق.

واعلم أنّ هذه العواقب المفضي إليها بعضها محرَّم، وهو الربا ومحبّة الوباء وتمنّي الغلاء، وبعضها مكروه، كعاقبة بيع الرقيق، فإنّ المراد من قوله: شرّ الناس مَنْ باعهم» أقلّهم خيراً وبركةٌ، لا أنّ فيه شرّاً يترتّب عليه محرَّم، هذا هو الظاهر.

وإن اُريد به هذا المعنى، وأنّ بيعهم يفضي إلى فعل المحرَّم المستلزم للشرّ، فهو أيضاً من قبيل المحرّم.

وأمّا عاقبة الجزارة - وهى قسوة القلب - فالظاهر أنّها مكروهة لا غير، وقد ورد أنّ قاسي القلب بعيد من رحمة الله تعالى (2).

وفي بعض الأخبار تعليل بيع الطعام بأنّه لا يسلم من الاحتكار (3)، وحينئذٍ فيبنى على أنّ الاحتكار هل هو مكروه أو محرّم؟ فيلحق بأحد الوصفين.

وقد ظهر بذلك معنى قول المصنّف بأن هذه الأمور تفضي إلى محرَّم أو مكروهٍ، وأنّ أكثرها محرَّم أو كلها، وهو السرّ في تقديم ذكره .

ص: 34


1- الكافي، ج 5، ص 114، باب الصناعات، ح 4: تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 361 - 362 ، ح 1037 - 1038؛ الاستبصار، ج 3، ص 62 - 63، ح 208.
2- الكافي، ج 2، ص 329، باب القسوة، ح 1.
3- الكافي، ج 5، ص 114 ، باب الصناعات ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 361 - 362، ح 1037: الاستبصار، ج 3، ص 62 - 63 ، ح 208.

•وما يكره لضعته، كالنساجة• والحجامة إذا اشترط ،•وضراب الفحل.

--------------

قوله: «وما يكره لضعته كالنساجة».

أراد بالنساجة هنا ما يعمّ الحياكة، وكلاهما مكروه مؤكداً في الأخبار (1)، حتّى ورد في بعضها عن الصادق علیه السلام:«إن ولد الحائك لا ينجب إلى سبعة بطون»(2).

وهل اللفظان مترادفان،كما يشعر به اقتصار المصنّف على أحدهما، أو يختصّ النساجة ببعض الأجناس كالرقيق، والحياكة بغيره، أو يكون النساجة أعمّ من الحياكة مطلقاً ؟ احتمالات.

وفي الصحاح : نَسَجَ الثوبَ وحاكَهُ، واحد (3).

قوله: «والحجامة إذا اشترط».

أي اشترط الأُجرة على فعله، سواءٌ عيّنها أم أطلق، فلا يكره لو عمل بغير شرطٍ وإن بُذلت له بعد ذلك، كما دلّت عليه الأخبار (4).

هذا في طرف الحاجم، أمّا المحجوم فعلى الضدّ، يكره له أن يستعمله من غير شرطٍ، ولا يكره معه، فكراهة كسب الحجّام مخصوصة باشتراطه.

قوله:« وضراب الفحل».

أي يكره التكسّب به، بأن يؤاجره لذلك. ومَنَع منه بعضُ العامّة(5) .

والنصوص (6) مصرِّحة بجوازه.

ص: 35


1- الكافي، ج 5، ص 115، باب الصناعات، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 363 - 364 ، ح 1042؛ الاستبصار، ج 3، ص 64 . ح 213.
2- لم نعثر على هذه الرواية في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.
3- الصحاح، ج 3، ص 1582، «حوك».
4- الكافي، ج 5، ص 115 و 116 ، باب كسب الحجام، ح 1 و 4؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 354 و 355، ح 1008 و 1011: الاستبصار، ج 3، ص 58 و 59. ح 190 و 193.
5- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 300، المسألة 3098؛ وج 6، ص 148، المسألة 4315.
6- الكافي، ج 5، ص 115 - 116، باب كسب الحجام، ح 2 و 5: تهذيب الأحكام، ج 6 . ص 354 - 355، ح 1009 و 1012؛ الاستبصار، ج 3، ص 58 - 59. ح 191 و 194.

وما يكره لتطرّق الشبهة •ككسب الصبيان، ومن لا يتجنّب المحارم.

وقد تكره أشياء تُذكر فى أبوابها إن شاء الله تعالى.

وما عدا ذلك مباح.

مسائل :

الاُولى: • لا يجوز بيع شيءٍ من الكلاب إلّا كلب الصيد، وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردّد، والأشبه المنع. نعم، يجوز إجارتها.

--------------

ولا بدّ من ضبطه بالمرّة والمرّات، أو بالمدّة.

ولو دفع إليه صاحب الدّابة على جهة الهديّة والكرامة فلا كراهة.

قوله: «ككسب الصبيان».

أي الكسب المجهول أصله، فإنّه يكره لوليّهم التصرّف فيه على الوجه السائغ، وكذا يكره لغيره شراؤه من الوليّ؛ لما يدخله من الشبهة الناشئة من اجتراء الصبيّ على ما لا يحلّ له الجهله، أو لعلمه بارتفاع القلم عنه.

ولو علم يقيناً اكتسابه له من المباح فلا كراهة، كما أنّه لو علم تحصيله أو بعضه - حيث لا يتميّز - من حرامٍ كالقمار - وجب اجتنابه.

وفي حكم الصبيان مَنْ لا يتورّع عن المحارم، كالإماء في بعض البلاد.

قوله: «لا يجوز بيع شيءٍ من الكلاب إلّا كلب الصيد - إلى قوله - والأشبه المنع».

لا خلاف في جواز بيع كلب الصيد في الجملة، لكن خصّه الشيخ (رحمه الله) بالسلوقي(1) ، كما لا خلاف في عدم صحّة بيع كلب الهراش، وهو ما خرج عن الكلاب الأربعة ولم يكن جِرْواً.

ص: 36


1- النهاية، ص 364.

• ولكلّ واحدٍ من هذه الأربعة دية لو قتله غير المالك.

--------------

والأصحّ جواز بيع الكلاب الثلاثة؛لمشاركتها لكلب الصيد في المعنى المسوّغ لبيعه. ودليل المنع(1)ضعيف السند قاصر الدلالة. وفي حكمها الجرْو القابل للتعليم. ولا يشترط في جواز اقتنائها وجود ما اُضيفت إليه، فلو هلكت الماشية أو باعها، أو حصد الزرع واستغلّ الحائط، لم يزل ملكه عنها.

وكلب الدار ملحق بكلب الحائط.

واعلم أنّ العلّامة في النهاية استشكل جواز بيع كلب الصيد مطلقاً(2)، وفي القواعد (3) ما يؤذن بالخلاف فيه، لكن ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع(4) عليه، كما بيّنّاه.

ولا نعلم خلافاً لأحدٍ منهم في غير السلوقي، فإن كان فيه خلاف فهو ضعيف جداً، بل الظاهر عدمه. ويمكن كون الإشكال والخلاف عائدين إليه بالنظر إلى مجموع أفراده، وإن حصل الاتّفاق على بعضها.

وأمّا إجارتها فلا إشكال في جوازها؛ لأنّ لها منافع محلَّلة مقصودة، وهو الفارق بين البيع والإجارة؛ نظراً إلى نجاسة أعيانها.

قوله: «ولكلّ واحدٍ من هذه الأربعة دية لو قتله غير المالك».

ربما فهم بعضهم(5) من ثبوت دياتها جواز بيعها ؛ نظراً إلى أنها أموال محترمة كباقي الحيوانات.

وفيه منع ظاهر؛ فإنّ ثبوت الديات لها ربما دلّ على عدم جواز بيعها؛التفاتاً إلى أن ذلك في مقابلة القيمة، فإنك تجد كلّ ما له دية لا قيمة له، كما في الحرّ، وما له قيمة لادية له، كما في الحيوان المملوك غير الآدمي.

ص: 37


1- ذكره بعض العامّة، مثل ابن ماجة في سننه ، ج 2، ص 730 - 731 ، ح 2159 و 2160.
2- نهاية الإحكام، ج 2، ص 461 - 462.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 6.
4- منهم الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 182، المسألة 302؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 43 - 44. المسألة 5.
5- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 44. المسألة 5.

الثانية: • الرُشا حرام، سواء حكم لباذله أو عليه، بحقٍّ أو باطلٍ.

الثالثة: • إذا دفع الإنسان مالاً إلى غيره ليصرفه في قبيل ٍوكان المدفوع إليه بصفتهم، فإن عيّن له عمل بمقتضى تعيينه، وإن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادةٍ.

--------------

قوله: «الرشا حرام سواء حكم لباذله أو عليه، بحقٍّ أو باطلٍ».

الرشا - بضمّ أوّله وكسره مقصوراً - جمع رشوة - بهما - وهو أخذ الحاكم مالاً لأجل الحكم. وعلى تحريمه إجماع المسلمين.

و عن الباقر علیه السلام: « أنّه الكفر بالله تعالى وبرسوله»(1).

وكما يحرم على المرتشي يحرم على المعطي؛ لإعانته على الإثم والعدوان، إلّا أن يتوقّف عليه تحصيل حقّه فيحرم على المرتشي خاصّةً.

قوله: «إذا دفع الإنسان مالاً إلى غيره ليصرفه في قبيل - إلى قوله - من غير زيادة».

قد اختلف في هذه المسألة كلام المصنّف (رحمه الله)، فجوّز هنا للوكيل الأخذ، ومَنَعه في النافع (2).

وكذلك اختلف فيها كلام الشيخ(3)، ثمَّ ابن إدريس(4)، ثمَّ العلّامة(5)بعد المصنّف.

و وجه هذا الاضطراب من أصالة الجواز،وكون الوكيل متّصفاً بما عيّن له من أوصاف المدفوع إليهم؛ لأنّه المفروض.

ويدلّ على الجواز ما رواه الحسين بن عثمان عن الكاظم علیه السلام، في رجل أعطي ما لا يفرّقه فيمن يحلّ له ،أله أن يأخذ شيئاً لنفسه ولم يُسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره»(6).

ص: 38


1- الكافي، ج 5، ص 126، باب السحت، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 368 ، ح 1062.
2- المختصر النافع، ص 197.
3- النهاية، ص 366، قال فيه: يجوز؛ المبسوط، ج 2، ص 397، قال فيه: لا يجوز.
4- السرائر، ج 1، ص 463 وج 2، ص 223 .
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 54 المسألة ،19؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 267، الرقم 3042.
6- الكافي، ج 3، ص 555 باب الرجل يُدفع إليه الشيء..... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 4، ص 104 ، ح 295 .

الرابعة: الولاية من قِبَل السلطان العادل جائزة، وربما وجبت كما إذا عيّته إمام الأصل، أو لم يمكن دفع المنكر أو الأمر بالمعروف إلّا بها، وتحرم من قِبَل الجائر إذا لم يأ من اعتماد ما يحرم ،

--------------

ومثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم علیه السلام(1). لكن في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس، وفي هذا السند كلام.

وهاتان الروايتان ذكرهما الشيخ في التهذيب في كتاب الزكاة، وقلّ مَنْ تعرّض لهما في الاحتجاج، مع كونهما معتبرتي الإسناد.

ومن رواية عبد الرحمن بن الحجّاج الدالّة على المنع وهي صحيحة السند، غير أنّها مقطوعة لم يصرّح فيها باسم الإمام، فإنّه قال فيها: سألته عن رجلٍ أعطى رجلاً مالاً ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج،أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: «لا يأخذ منه شيئاً حتى يأذن له صاحبه»(2).

والظاهر أنّ المسؤول هو الصادق أو الكاظم علیهما السلام؛ لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج روى عنهما، فمن ثمَّ عمل بها الجماعة، وأيضاً فجلالة حال هذا الراوي وثقته توجب الظنّ الغالب يكون المسؤول هو الإمام علیه السلام ، لكن لتطرّق الاحتمال قام الإشكال.وقلّ مَنْ ذكر من الأصحاب أنّ وجه مخالفتها كونها مقطوعةً، وإنّما يعترفون بصحّتها ساكتين عليها.

واعلم أنّ العلّامة قال في تحرير الأحكام عند ذكر الرواية: إنّها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق علیه السلام(3)، وهو شهادة بالاتّصال. ولعلّه (رحمه الله) اطّلع على المسؤول من محلٍّ آخَر غير المشهور من كتب الحديث.

ص: 39


1- الكافي، ج 3، ص 555، باب الرجل يُدفع إليه الشيء..... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 104، ح 296.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 352 ، ح 1000؛ الاستبصار، ج 3، ص 54، ح 176.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 267، الرقم 3042.

• ولو أمن ذلك وقدر على الأمر بالمعروف استحبّت.

--------------

والشيخ (رحمه الله) جمع بين الروايات بحمل هذه على الكراهة(1)، ولا بأس به.

ولو دلّت القرائن الحاليّة أو المقاليّة على تسويغ أخذه قوي القول بالجواز، وحينئذٍ فيأخذ كغيره لا أزيد، هكذا شرطه كلّ مَنْ سوّغ له الأخذ، وصرّح به في الروايتين المجوّزتين.

وظاهر هذا الشرط أنّه لا يجوز له تفضيل بعضهم على بعض؛ لأنه من جملتهم، ويتّجه ذلك إذا كان المعيّن للصرف محصوراً ، أمّا لو كانوا غير محصورين كالفقراء - فجواز التفاضل مع عدم قرينة خلافه أوضح، خصوصاً إذا كان المال من الحقوق الواجبة كالزكاة، فإنّ التسوية فيها ليست بلازمة، والمسألة مفروضة فيما هو أعم من الواجب والندب.

ويجوز له أن يدفع إلى عياله وأقاربه كما يدفع إلى غيرهم على القولين؛ اقتصاراً في موضع المنع على مدلول الرواية، وهو نفسه.

ولا فرق على القولين بين أن يقول له الآمر: اقسمه، أو اصرفه، أو ادفعه إليهم، أو ضَعْه فيهم، أو غيره؛ لاشتراك الجميع عرفاً في المعنى.

ومنهم مَنْ فرّق فجوز له الأخذ إن كانت الصيغة«ضعه فيهم» أو ما أدّى معناه، ومَنَعه إن كانت الصيغة بلفظ «ادفعه» أو «اصرفه» ونحوهما. وليس بشيءٍ.

قوله: «ولو أمن ذلك وقدر على الأمر بالمعروف استحبّت».

هذه المسألة قد سبق شطر منها في كتاب الأمر بالمعروف (2)، وأنه يجوز إقامة الحدود على الوجه الذي فصّلناه، وقد أطلقوا هنا جواز التولية أو استحبابها في الفرض المذكور مع الأمن من اعتماد المحرّم والقدرة على الأمر بالمعروف، ومقتضى هذا الشرط وجوب التولية؛ لأنّ القادر على الأمر بالمعروف يجب عليه وإن لم يولّه الظالم.

ولعلّ وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم، وعموم النهي عن الدخول معهم(3)،

ص: 40


1- الاستبصار، ج 3، ص 54 ، ذيل الحديث 176.
2- سبق في ج 2، ص 515.
3- تفسير العياشي، ج 1، ص 392، ح 111/953 ، ذيل الآية 29 من سورة النساء (4).

ولو أكره•جاز له الدخول دفعاً للضرر اليسير على كراهية، وتزول الكراهية لدفع الضرر الكثير، كالنفس، أو المال، أو الخوف على بعض المؤمنين.

الخامسة • إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصّي، إلّا في الدماء المحرّمة فإنّه لا تقيّة فيها.

--------------

وتسويد الاسم في ديوانهم (1)، فإذا لم يبلغ حدّ المنع فلا أقلّ من الحكم بعدم الوجوب. ولا يخفى ما في هذا التوجيه.

قوله: «جاز له الدخول دفعاً للضرر اليسير على كراهيةٍ، وتزول الكراهية لدفع(2) الضرر الكثير، كالنفس أو المال» إلى آخره.

قد تقدّم في باب الأمر بالمعروف أنّ ضابط الإكراه المسوّغ للولاية الخوفُ على النفس أو المال أو العرض، عليه أو على بعض المؤمنين، على وجه لا ينبغي تحمّله عادةً، بحسب حال المكرَه في الرفعة والضعة بالنسبة إلى الإهانة(3) .

وأما ما ذكره المصنّف هنا من الضرر اليسير والكثير في الحكم بالكراهة وعدمها فيمكن الرجوع فيه إلى العرف، فما عُدّ يسيراً منه ينبغي تحمّله، دون الكثير. ولا يخفى أنّ المراد مع عدم تمكّنه من الأمر بالمعروف، وعدم أمنه من الدخول في المحرَّم، والّألم يكره وإن لم يكره، بل يجوز الدخول مع الإكراه وإن علم الدخول في المحرَّم، كما سيأتي (4)؛

قوله: «إذا أكرهه الجائر على الولاية - إلى قوله - فإنّه لا تقيّة فيها».

قد ذكر المصنّف (رحمه الله )في هذه المسألة شرطين: أحدهما الإكراه والثاني عدم قدرة المأمور على التفصّي، وهما متغايران، فإنّ الإكراه يجوز أن يجامع القدرة كما عرفت من تعريفه- فالثاني أخص من الأوّل.

ص: 41


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392، ح 913.
2- في بعض النسخ: «بدفع» بدل لدفع».
3- تقدّم في ج 2، ص 519.
4- سيأتي عن قريب.

--------------

والظاهر أنّ مشروطهمامختلف، فالأوّل شرط لأصل قبول الولاية، والثاني شرط للعمل بما يأمره من المظالم، وهما متغايران أيضاً؛ لأنّ التولية لا تستلزم الأمر بالمظالم، بل يجوز أن يولّيه شيئاً من الأحوال ويرد أمره إلى رأيه، كما قد عُلم في المسألة السابقة من جواز قبول الولاية بل استحبابها إذا تمكّن من إقامة الحقّ، وأمّا أمره بشيءٍ من المحرّمات فقد يكون مع الولاية، وقد ينفكّ عنها، كما إذا ألزم الظالم شخصاً بأخذ شيء من الأموال المحرمة أو الأعمال كذلك.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: إن أخذت الولاية منفكّةً عن الأمر فجواز قبولها لا يتوقّف على الإكراه مطلقاً، كما ذكره هنا، بل قد يجوز، وقد يكره، وقد يستحبّ، بل قد يجب، كما تقدّم، فجعل الإكراه شرطاً في قبول الولاية مطلقاً غير جيّد.

وأمّا العمل بما يأمره به من الأمور المحرّمة فإنّه مشروط بالإكراه خاصّةً - كما سلف في باب الأمر بالمعروف 1- ما لم يبلغ الدماء، ولا يشترط فيه الإلجاء إليه بحيث لا يقدر على خلافه، وقد صرّح الأصحاب بذلك في كتبهم، فاشتراطه عدم القدرة على التفصيّ غير واضح، إلّا أن يريد به أصل الإكراه، فيكون التعبير عنه بذلك غير حسن.

فتبيّن أنّ كلّ واحدٍ من الشرطين غير جيّدٍ لمشروطه إن جعلنا المشروط متعدّداً، وإن جعلناه متّحداً مركّباً من الأمرين - بمعنى جواز الولاية والعمل بما يأمره مع الإكراه وعدم القدرة على التفصيّ - حسن قيد الإكراه، وغاير ما سبق، لكن يبقى الكلام في الشرط الثاني، فإنّ الإكراه مسوّغ لامتثال الأمر وإن قدر على المخالفة مع خوف الضرر المتقدّم.

ويبقى أيضاً مسألة ما لو أكره على الفعل وإن لم يكن متولّياً لولاية، فإنّه يجوز له الامتثال وبقي في العبارة أمرٌ آخَر ، وهو تعليق العمل بما يأمره مطلقاً على شرطٍ مع ظهور أنّ أمره قد لا يكون بمحرَّمٍ، الذي هو مناط الاشتراط.

ص: 42

السادسة • جوائز الجائر إن عُلمت حراماً بعينها فهى حرام. وإن قبضها أعادها على المالك، • فإن جهله أو تعذّر الوصول إليه تصدّق بها عنه.

--------------

لكن الأمر هنا سهل لظهور المراد.

ومقتضى استثناء الدماء أنّه لا فرق فيها بين أن يكون بطريق القتل أو الجرح، وبه صرّح الشيخ (رحمه الله) في الكلام. (1).

وربما قيل بقصره على القتل. وقد تقدّم الكلام فيه(2).

وشمل قوله «والعمل بما يأمره ... إلّا في الدماء »كونه بطريق المباشرة للفعل - مثلاً - أو التسبيب كالإفتاء فيها والأمر بها.

وبهذا حصلت المغايرة بين هذه المسألة والمتقدّمة في كتاب الأمر بالمعروف، فإنّ تلك مخصوصة بالحكم؛ لأنّه فرضها في القضاء.

قوله: «جوائز الظالم (3) إن عُلمت حراماً بعينها فهي حرام».

التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها وإنّ علم أنّ في ماله مظالم، كما هو مقتضى حال الظالم، ولا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع ،للنصّ على ذلك(4) نعم، يكره أخذها حينئذ.

قوله: «فإن جهله أو تعذّر الوصول إليه تصدّق بها عنه».

المراد بالمالك ما يعمّ المأخوذ منه ووارثه؛ لأنّه يصير بعد موته مالكاً .

وإنّما يجوز الصدقة عنه بها مع اليأس من معرفته والوصول إليه، ولو ظهر بعد ذلك ولم يرض بالصدقة ضمن له القيمة أو المثل.

ويجوز له دفعها إلى الحاكم، وإبقاؤها أمانةً في يده، ولا ضمان فيها.

ص: 43


1- تمهيد الأصول، ص 673 - 674
2- تقدم في ج 2، ص 515 .
3- في المتن: «الجائر» بدل «الظالم».
4- وسائل الشيعة، ج 17، ص 213 - 218 ، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به

ولا تجوز إعادتها على غير مالكها مع الإمكان. السابعة: • ما يأخذه السلطان الجائر من الغّلات باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة، يجوز ابتياعه،

--------------

ولو اشتبه المالك في قوم محصورين(1) تعيّن عليه التخلّص منهم ولو بطريق الصلح.

قوله: «ولا تجوز إعادتها على غير مالكها مع الإمكان.

احترز به عمّا لو أخذها الظالم المذكور أو غيره منه قهراً، فإنّه لا يحرم عليه؛ لعدم الاختيار. وهل يضمن حينئذٍ؟ قيل : نعم؛ لعموم قوله علیه السلام: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».(2)

والأقوى التفصيل، وهو أنّه إن كان قبضها من الظالم عالماً بكونها مغصوبةًضمن ،واستمرّ الضمان وإن أخذت منه قهراً، وإن لم يعلم حالها حتّى قبضها ثم تبيّن كونها مغصوبةً ولم يقصّر في إيصالها إلى مالكها ولا في حفظها لم يضمن.

والفرق بين الحالتين واضح؛ فإنّ يده في الأوّل عادية، فيستصحب حكم الضمان، كما لو تلفت بغير تفريط، وفي الثاني أمانة، فيستصحب، كما لو تلفت بغير تفريط، والفرض كون الأخذ قهريّاً.

وعبارة المصنّف تشمل الأمرين، وتدلّ بمفهومها على جواز دفعها مع عدم الإمكان، ولا كلام فيه إنّما الكلام في الضمان وصرّح بعض الأصحاب (3) بالضمان في الصورتين، والتفصيل أجود.

قوله: «ما يأخذه السلطان الجائر من الغلّات باسم المقاسمة» إلى آخره. المقاسمة حصة من حاصل الأرض تؤخذ عوضاً عن زراعتها، والخراج مقدار من المال يضرب على الأرض أو الشجر حسبما يراه الحاكم.

ص: 44


1- في .«م»: «مخصوصين» بدل «محصورين».
2- سنن أبي داود، ج 3، ص 296، ح 3561؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 566. ح 1266؛ مسند أحمد، ج 5. ص 632. ح 19582.
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 44.

وقبول هبته، ولا تجب إعادته على أربابه وإن عرف بعينه.

--------------

ونبّه بقوله «باسم المقاسمة وباسم الخراج »على أنّهما لا يتحققان إلّا بتعيين الإمام العادل، إلّا أنّ ما يأخذه الجائر في زمن تغلّبه قد أذن أئمتناعلیه السلام في تناوله منه (1)، وأطبق عليه علماؤنا لا نعلم فيه مخالفاً، وإن كان ظالماً في أخذه، ولاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر والحرج العظيم على هذه الطائفة.

ولا يشترط رضى المالك ولا يقدح فيه تظلّمه ما لم يتحقّق الظلم بالزيادة عن المعتادأخذه من عامّة الناس في ذلك الزمان.

واعتبر بعض الأصحاب(2) في تحقّقهما اتفاق السلطان والعمّال على القدر. وهو بعيد الوقوع والوجه.

وكما يجوز ابتياعه واستيها به يجوز سائرالمعاوضات.

ولا يجوز تناوله بغير إذن الجائر.

ولا يشترط قبض الجائر له، وإن أفهمه قوله «ما يأخذه الجائر» فلو أحاله به، أو وكّله في قبضه، أو باعه وهو في يد المالك أو ذمّته حيث يصح البيع كفى، ووجب على المالك الدفع.

وكذا القول فيما يأخذه باسم الزكاة، ولا يختص ذلك بالأنعام كما أفادته العبارة - بل حكم زكاة الغلّات والأموال كذلك، لكن يشترط هنا أن لا يأخذ الجائر زيادةً عن الواجب شرعاً في مذهبه، وأن يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم، بحيث لا يُعدّ عندهم غاصباً؛ إذ يمتنع الأخذ منه عندهم أيضاً.

ويحتمل الجواز مطلقاً؛ نظراً إلى إطلاق النص (3)والفتوى.

ويجيء مثله في المقاسمة والخراج؛ لأنّ مصر فهما بيت المال، وله أرباب مخصوصون عندهم أيضاً.

ص: 45


1- الفقيه، ج 3، ص 175 . ح 3665؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338، ح 40 9.
2- كالسيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 19.
3- الكافي، ج 5، ص 228، باب شراء السرقة والخيانة، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 375 ، ح 1094.

--------------

وهل تبرأ ذمّة المالك من إخراج الزكاة مرّة أخرى؟ يحتمله، كما في الخراج والمقاسمة، مع أنّ حقّ الأرض واجب لمستحقَّ مخصوص، وللتعليل بكون دفع ذلك حقّاً واجباً عليه، وعدمه؛ لأّن الجائر ليس نائب المستحقّين فتتعذّر النيّة، ولا يصحّ الإخراج بدونها.

وعلى الأوّل تعتبر النية عند الدفع إليه، كما يعتبر في سائر الزكوات.

والأقوى عدم الاجتزاء بذلك، بل غايته سقوط الزكاة عمّا يأخذه إذا لم يفرّط فيه، ووجوب دفعه إليه أعمّ من كونه على وجه الزكاة أو المضيّ معهم في أحكامهم، والتحرّز عن الضرر بمباينتهم.

ولو أقطع الجائر أرضاً ممّا تقسم أو تخرج، أو عاوض عليها فهو تسليط منه عليها، فيجوز للمقطع أو المعاوض أخذها من الزارع والمالك، كما يجوز إحالته عليه.

والظاهر أنّ الحكم مختصُّ بالجائر المخالف للحقّ؛ نظراً إلى معتقده، من استحقاقه ذلك عندهم، فلو كان مؤمناً لم يحلّ أخذ ما يأخذه منهما؛ لاعترافه بكونه ظالماً فيه، وإنّما المرجع حينئذ إلى رأي حاكمهم الشرعي، مع احتمال الجواز مطلقاً؛ نظراً إلى إطلاق النص والفتوى .

ووجه التقييد أصالة المنع، إلّا ما أخرجه الدليل، وتناوله للمخالف متحقّق، والمسؤول عنه للأئمّة علیه السلام و إنّما كان مخالفاً للحقّ فيبقى الباقي. وإن وجد مطلق(1)فالقرائن دالّة على إرادة المخالف منه ؛ التفاتاً إلى الواقع أو الغالب.

ص: 46


1- في بعض النسخ: «مطلقاً».

[الفصل] الثاني في عقد البيع وشروطه، وآدابه

•العقد هو اللفظ الدّال على نقل الملك من مالكٍ إلى آخر بعوض معلوم.

--------------

الفصل الثاني في عقد البيع .

قوله: «العقد هو اللفظ الدّال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم».

اختلفت عبارات الأصحاب في حقيقة البيع، فَجَعَله جماعة - منهم المصنّف في النافع (1)، والشهيد (رحمه الله) (2) نفس الإيجاب والقبول الناقلين لملك الأعيان، واحتجّوا عليه بأنّ ذلك هو المتبادر عرفاً من معنى البيع؛ فيكون حقيقةً فيه.

وذهب آخرون(3)إلى أنّه أثر العقد، وهو انتقال العين، إلى آخره.

وردّه الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته إلى الأوّل؛ نظراً إلى أنّ الصيغة المخصوصة سبب في الانتقال، فأطلق اسم المسبّب على السبب، وعرّف المغيّى بالغاية (4)؛ وفيه نظر؛ لأنّ الإطلاق المذكور مجازي يجب الاحتراز عنه في التعريفات الكاشفة للماهية. إلّا مع قيام قرينةٍ واضحةٍ، وهو منتفٍ. وأمّا التعريف بالغاية بهذا المعنى فغير جائزٍ؛ لأنّ حملها على المغيّى حمل المواطاة أعني حمل هو هو، والغاية ممّا لا يصحّ حملها كذلك، وإنّما تدخل الغاية في التعريفات على معنى أخذ لفظٍ يمكن حمله على المعرّف، يشير إلى الغاية وغيرها من العلل التي

ص: 47


1- المختصر النافع، ص 199.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 76؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 240؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 275، الرقم 3067.
4- حاشية القواعد، ص 218 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

لا يصحّ حملها عليه حمل المواطاة، وهو هنا منتف.

إذا تقرّر ذلك، فعُدْ إلى عبارة المصنّف ، فقوله «العقد هو اللفظ الدّال» إلى آخره، بحسب ظاهره تعريف لعقد البيع، لا للبيع نفسه، فلا يكون أحد التعريفين، بل تعريف لمعنى آخر، ويشعر بكون البيع ليس هو العقد، فيكون اختياراً للمعنى الآخر، وهو الانتقال أو ما قاربه، فيختلف نظره في الكتابين (1)، كما اختلف نظر العلّامة، حيث عرّفه في كثير من كتبه بالمعنى الأوّل (2)، واختار في المختلف الثاني (3).

ويمكن حمل عبارة المصنّف على ما يوافق النافع بجَعل الإضافة في قوله «عقد البيع» بيانيّةٌ، واللام في قوله «العقد للعهد الذكري، فيكون العقد عبارةٌ عن البيع «وهو اللفظ الدالُ» إلى آخره.

ثمّ اللفظ فى التعريف بمنزلة الجنس البعيد للبيع؛ إذ جنسه القريب - على هذا التقدير- نفس الإيجاب والقبول المقيّدين بما يخرج غيره من العقود، وباقى التعريف بمنزلة الخاصّة المركّبة، يخرج بها غيره من العقود الدالّ لفظها على إباحة منفعةٍ، أو تسلّطٍ على تصرّفٍ، أو نقل الملك بغير عوضٍ كالهبة والوديعة والعارية والمضاربة والوكالة والوصيّة وغيرها من العقود التي لا تجمع ما ذُكر من المحترزات.

ودخل في إطلاق الملك ما كان ملكاً للعاقد ولغيره، فدخل بيع الوكيل والوليّ.

وخرج بقيد «المعلوم» الهبةُ المشترط فيها مطلق الثواب، وهبة الأدنى للأعلى على قول مَنْ أوجب العوض، ومطلق الهبة على قول الشيخ في المبسوط (4)، ودخل فيه بيع المكره حيث يقع صحيحاً، فإنّه لم يعتبر التراضي، كما فَعَل غيره.

ص: 48


1- أي المختصر النافع وشرائع الإسلام.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 275 ، الرقم 3067: قواعد الأحكام، ج 2، ص 16؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 447.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 83، المسألة 43.
4- المبسوط، ج 3، ص 138.

--------------

وبقي فيه أُمُور:

الأوّل: يرد على طرده اللفظ الدالّ على ما ذُكر بلفظ الإخبار، فإنّه ليس ببيعٍ؛ لأنه من قبيل الإنشاء، وليس في التعريف ما يُخرجه.

الثاني: أنّ الملك يشمل الأعيان والمنافع، فينتقض في طرده أيضاً بالإجارة، فإنّ عقدها أيضاً لفظٌ دالٌّ على نقل الملك - وهو المنفعة - بعوض معلوم.

الثالث ينتقض أيضاً بالهبة المشروط فيها عوض معيّن، فإنّ التعريف يشملها وليست بيعاً.

الرابع: يدخل فيه أيضاً الصلح المشتمل على نقل الملك بعوض ٍمعيّن ٍ، فإنّه ليس بيعاً عند المصنّف.

الخامس: ينتقض في عكسه بإشارة الأخرس ونحوه، المفيدة للبيع، فإنّها ليست لفظاً مع صحّة البيع إجماعاً، فلا بدّ من إدخاله في التعريف،بأن يقول «اللفظ أو ما قام مقامه» ونحوه.

السادس: إن كان المعرّف البيع الصحيح، وأُريد ذكر شرائط صحته في التعريف، لم يحسن الاقتصار على معلوميّة العوض؛ فإنّ المعوّض كذلك وغيرهما من الشروط.

وقد يستغنى عن الجميع بقوله «اللفظ الدّال على النقل» فإنّ البيع الذي لا تجتمع فيه شرائط صحّته لا تدلّ صيغته على نقل الملك.

وإن أريد الأعمّ من الصحيح والفاسد استغني عن التعرّض لمعلومية العوض.

والتحقيق أنّه يستغنى عنها مطلقاً؛ لأنّ شرط الشيء غير داخل ٍفي حقيقته، فلا يكون له دَخُل في تعريف ماهيَته.

ويمكن أن يقال: إنّ ذكر معلوميّة العوض ليس على وجه الاشتراط، بل تخصيص لمورد المعرّف، لئلّا ينتقض باللفظ الدّال على نقل العين بعوض ٍ مجهول ٍ، فإنه ليس بيعاً صحيحاً، والمقصود تعريف الصحيح، لكن يبقى فيه الإخلال بمعلوميّة المعوّض وكمال المتعاقدين، فإنّ ذكرهما يحقّق مورد البيع، ويمنع من دخول غير المقصود فيه، فلا وجه لتخصيص معلوميّة العوض.

ص: 49

• ولا يكفي التقابض من غير لفظٍ وإن حصل من الأمارات ما يدلّ على إرادة البيع.

--------------

ويبقى الكلام في دلالة «اللفظ الدالّ على النقل» على ذلك كلّه، فإنّه بدون الأُمور المعتبرة في صحّة البيع شرعاً لا يدلّ على النقل المذكور؛ لأنّ الغرض الدلالة شرعاً بحيث يتحقّق معه النقل، وإلّا فمجرّد إفهام النقل مع عدم وقوعه شرعاً غير كافٍ في تحقّق المعرَّف.

قوله: «ولا يكفي التقابض من غير لفظٍ - إلى قوله - على إرادة البيع».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعاً، غير أنّ ظاهر كلام المفيد (رحمه الله) يدلّ على الاكتفاء في تحقّق البيع بما دلّ على الرضى به من المتعاقدين إذا عرفاه وتقابضا (1). وقد كان بعض مشايخنا المعاصرين (2) يذهب إلى ذلك أيضاً، لكن يشترط في الدّال كونه لفظاً، وإطلاق كلام المفيد أعمّ منه.

والنصوص المطلقة من الكتاب (3)والسُنّة(4) الدالّة على حلّ البيع وانعقاده من غير تقييدٍ بصيغةٍ خاصّةٍ يدلّ على ذلك، فإنّا لم نقف على دليل ٍ صريح ٍ في اعتبار لفظٍ معيّن ٍ، غير أنّ الوقوف مع المشهور هو الأجود، مع اعتضاده بأصالة بقاء ملك كلّ واحدٍ لعوضه إلى أن يعلم الناقل، فلو وقع الاتفّاق بينهما على البيع، وعرف كلٌّ منهما رضى الآخرَ بما يصير إليه من العوض المعيّن، الجامع لشرائط البيع غير اللفظ المخصوص، لم يفد اللزوم.

لكن هل يفيد إباحة تصرّفِ كلُّ منهما فيما صار إليه من العوض؛ نظراً إلى إذن كلُّ منهما للآخر في التصرّف، أم يكون بيعاً فاسداً من حيث اختلال شرطه وهو الصيغة الخاصّة؟ المشهور الأوّل، فعلى هذا يباح لكلِّ ً منهما التصرف، ويجوز له الرجوع في المعاوضة ما دامت العين باقية، فإذا ذهبت لزمت.

ص: 50


1- المقنعة، ص 591 .
2- في حاشية «و»: «هو السيّد حسن ابن السيّد جعفر منه .(رحمه الله)».
3- البقرة (2) 275 .
4- الكافي، ج 5، ص 170 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح 4 و 5.

--------------

أمّا جواز التصرّف فلما مرّ من تسليط كلَّ منهما الآخر على ما دفعه إليه وأذن له فيه، ولا معنى لإباحة التصرّف إلّا ذلك.

وأمّا لزومها مع التلف فلرضاهما بكون ما أخذه كلُّ منهما عوضاً عمّا دفعه، فإذا تلف ما دفعه كان مضموناً عليه، إلّا أنّه قد رضي بكون عوضه هو ما بيده، فإن كان ناقصاً فقد رضي به، وإن كان زائداً فقد رضي به الدافع، فيكون بمنزلة ما لو دفع المديون عوضاً عمّا في ذمّته، ورضي به صاحب الديْن وفيه نظر.

وإذا تقرّر ذلك، فتنقيح المحلّ يتمّ بمباحث:

الأوّل: هل المراد بالإباحة الحاصلة بالمعاطاة قبل ذهاب العين إفادة ملكٍ متزلزلٍ كالمبيع في زمن الخيار وبالتصرّف يتحقّق لزومه، أم الإباحة المحضة التي هي بمعنى الإذن في التصرّف، وبتحقّقه يحصل الملك له وللعين الأُخرى؟يحتمل الأوّل؛ بناءً على أنّ المقصود للمتعاقدين إنّما هو الملك، فإذا لم يحصل كانت فاسدةً، ولم يجز التصرّف في العين، وأنّ الإباحة إذا لم تقتض ِ الملك فما الذي أوجب حصوله بعد ذهاب العين الأُخرى؟!

وعبارة العلّامة في التحرير كالصريحة في إفادة هذا المعنى؛ لأنّه قال: الأقوى عندي أنّ

المعاطاة غير لازمةٍ، بل لكلًّ منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية (1).

ومقتضى تجويز الفسخ ثبوت الملك في الجملة. وكذا تسميتها معاوضةً، والحكم باللزوم بعد الذهاب.

ويحتمل الثاني؛ التفاتاً إلى أنّ الملك لو حصل بها لكانت بيعاً، ومدعاهم نفي ذلک، واحتجاجهم بأنّ الناقل للملك لابدّ أن يكون من الأقوال الصريحة في الإنشاء، المنصوصة من قِبَل الشارع، وإنّما حصلت الإباحة باستلزام إعطاء كلَّ منهما الآخر سلعته مسلّطاً له عليها الإذنَ في التصرّف فيها بوجوه التصرّفات، فإذا حصل كان الآخرَ عوضاً عمّا قابله؛ لتراضيهما على ذلك، وقبله يكون كلّ واحدٍ من العوضين باقياً على ملك مالكه ،فيجوز له

ص: 51


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 275 ، الرقم 3067.

--------------

الرجوع فيه. ولو كانت بيعاً قاصراً عن إفادة الملك المترتّب عليه لوجب كونها بيعاً فاسداً؛ إذ لم تجتمع شرائط صحّته، وما جاء من قِبَل الشارع أنّ البيع على قسمين، فما حصل فيه الإيجاب والقبول على وجههما لازم، وما حصل فيه التراضي بدونه جائز، ومن ثمَّ ذهب العلّامة في النهاية إلى كونها بيعاً فاسداً، وأنّه لا يجوز لأحدهما التصرّف فيما صار إليه أصلاً(1).

وعلى الوجهين يتفرّع النماء، فإن قلنا بالأوّل، كان تابعاً للعين في الانتقال وعدمه، وإن قلنا بالثاني، احتُمل كونه مباحاً لمن هو في يده كالعين وعدمه.

وأمّا وطء الجارية فالظاهر أنّه كالاستخدام يدخل في الإباحة ضمناً.

وأمّا العتق فعلى الأوّل يكون جائزاً؛ لأنّه مملوك، وعلى الثاني يتّجه العدم؛ إذ لا عتق إلّا في ملكٍ، وهذا مما يؤيّد الأوّل؛ لأنّ مَنْ أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرّفات.

الثاني: لو تلفت العينان معاً،تحقق الملك فيهما، ولو تلفت إحداهما خاصّةً فقد صرّح جماعة (2) بالاكتفاء به في تحقّق ملك الأُخرى؛ نظراً إلى ما قدّمناه من جعل الباقي عوضاً عن التالف، لتراضيهما على ذلك.

ويحتمل هنا العدم؛ التفاتاً إلى أصالة بقاء الملك لمالكه، وعموم: «الناس مسلّطون على أموالهم»(3).

والأوّل أقوى؛ فإنّ مَنْ بيده المال مستحقٌّ قد ظفر بمثل حقّه بإذن مستحقّه فيملكه وإن كان مغايراً له في الجنس والوصف؛ لتراضيهما على ذلك.

الثالث: لو تلف بعض إحداهما، احتُمل كونه كتلف الجميع، وبه صرّح بعض الأصحاب؛

ص: 52


1- نهاية الإحكام، ج 2 ص 449.
2- منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 172 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 25؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 58 .
3- أورده الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177، المسألة 290؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 248 ؛ذيل المسألة 217؛ وج 6، ص 240، ذيل المسألة 10.

--------------

محتجاً بامتناع الترادٌ في الباقي ؛ إذ هو موجب لتبعّض الصفقة، وبالضرر؛ لأنّ المطلوب هو كون إحداهما في مقابل الأُخرى(1).

وفيه نظر؛ فإنّ تبعّض الصفقة لا يوجب بطلان أصل المعاوضة، بل غايته جواز فسخ الآخر، فيرجع إلى المثل أو القيمة، كما في نظائره، وأمّا الضرر الحاصل من التبعيض المنافي لمقصودهما من جَعْل إحداهما في مقابلة الأُخرى فمستند إلى تقصيرهما في التحفّظ بإيجاب البيع، كما لو تبايعا بيعاً فاسداً.

ويحتمل حينئذٍ أن يلزم من العين الأُخرى في مقابلة التالف، ويبقى الباقي على أصل الإباحة بدلالة ما قدّمناه.

الرابع: لو نقل أحدهما العين عن ملكه، فإن كان لازماً، كالبيع والهبة بعد القبض والوقف والعتق، فكالتالف، وإن كان جائزاً، كالبيع في زمن الخيار، فالظاهر أنّه كذلك؛ لصدق انتقال الملك عنه، فيكون كالتلف، وعودها بالفسخ إحداث ملكٍ آخَر، بناءً على أن المبيع يملك بالعقد وإن كان هناك خيار.

أمّا الهبة قبل القبض فالظاهر أنّها غير مؤثرةٍ؛ لأنّها جزء السبب المملّك، مع احتماله؛ لصدق التصرّف، وقد أطلق جماعة (2) كونها تملّك بالتصرّف.

الخامس: لو تصرّف فيها تصرّفاً غير ناقل ٍ للملك ولا جزء سببه، فإن لم تتغيّر العين به عن صفتها - كالاستخدام والانتفاع بالإناء ولُبس الثوب - فلا أثر له في اللزوم، وإن أوجب تغيراً إلى حالةٍ أُخرى - كطحن الحنطة وصبغ الثوب - احُتمل كونه كذلك؛ لأصالة بقاء الملك مع بقائه، ولزوم المعاطاة بذلك، وبه جزم بعض الأصحاب(3) ؛ لما تقدّم من امتناع الترادٌ بسبب الأثر المتجدد، وعندي فيه إشكال.

ص: 53


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 58.
2- كالشيخ في النهاية، ص 603 وابن البرّاج في المهذّب، ج 2، ص 95؛ وابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 173.
3- كالمحقق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان، ص 334 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9).

--------------

السادس: لو اشتبهت بغيرها أو امتزجت بحيث لا تتميّز ، فإن كان بالأجود فكالتلف، وإن كان بالمساوي أو الأردأ احتمل كونه كذلك ؛ لامتناع الترادٌ على الوجه الأوّل، واختاره جماعة(1).ويحتمل العدم في الجميع؛ لأصالة البقاء.

السابع: لو رجع في العين أو بعضها وقد استعملها مَنْ هى في يده لم يرجع عليه بالأجرة. ولو كانت قد نمت فإن كان باقياً رجع به، وإن كان تالفاً فلا؛ لتسليطه على التصرّف فيه بغير عوض.

الثامن: على تقدير لزومها بأحد الوجوه المذكورة ، فهل تصير بيعاً أو معاوضةً برأسها؟ يحتمل الأوّل؛ لأنّ المعاوضات محصورة، وليست أحدها، وكونها معاوضةً برأسها يحتاج إلى دليلٍ.

ويحتمل الثاني؛ لإطباقهم على أنّها ليست بيعاً حال وقوعها، فكيف تصير بيعاً بعد التلف؟! وتظهر الفائدة في ترتّب الأحكام المختصّة بالبيع عليها_ كخيار الحيوان - لو كان التالف الثمن أو بعضه، وعلى تقدير ثبوته، فهل الثلاثة من حين المعاطاة أم من حين اللزوم ؟ كلُّ محتمل. ويشكل الأوّل بقولهم: إنّها ليست بيعاً، والثاني بأنّ التصرّف ليست معاوضة بنفسه. اللهمّ إلّا أن تجعل المعاطاة جزء السبب، والتلف تمامه.

والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا، بناءً على أنّها ليست لازمةً، وإنّما يتمٌ على قول المفيد(2) ومن تبعه (3)، أمّا خيار العيب والغبن فيثبتان على التقديرين، كما أنّ خيار المجلس منتفٍ.

التاسع: لو وقعت المعاملة بقبض أحد العوضين خاصّةً كما لو دفع إليه سلعةً بثمنٍ.

ص: 54


1- لم نقف على من صرّح بذلك، قال في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 157 بعد نقله للعبارة: «لعله فهمه من إطلاقهم» وهو يفيد بعدم وجود مصرّح للتفصيل الذي ذكره.
2- المقنعة. ص 591.
3- كالسيد حسن ابن السيّد جعفر، كما تقدّم ذكره .

•سواءٌ كان في الحقير أو الخطير ،

--------------

وافقه عليه، أو دفع إليه ثمناً عن عينٍ موصوفةٍ بصفات السلَم - فتلف العوض المقبوض، ففي لحوق أحكام المعاطاة، ولزوم الثمن المسمّى والمثمن الموصوف نظر، من عدم صدق اسمها؛ لأنّها مفاعلة تتوقّف على العطاء من الجانبين ولم يحصل، والاقتصار بما خرج عن الأصل على موضع اليقين إن كان ،ومن صدق التراضي على المعاوضة، وتلف العين المدّعى كونه كافياً في التقابض من الجانبين، والظاهر أنّ الحكم واحد.

وقد ذكر أوّلهما شيخنا الشهيد (رحمه الله) في الدروس، وألحقه بها (1).

العاشر: ذكر بعض الأصحاب ورود المعاطاة في الإجارة والهبة، بأن يأمره بعمل معيّن ويعيّن له عوضاً، فيستحقّ الأجر بالعمل، ولو كان إجارة فاسدةً لم يستحق شيئاً مع علمه بالفساد، بل لم يجز له العمل والتصرف في ملك المستأجر، مع إطباقهم على جواز ذلك واستحقاق الأجر، إنّما الكلام في تسميته معاطاةً في الإجارة. وذكر في مثال الهبة: ما لو وهبه بغير عقدٍ، فيجوز للقابض إتلافه، ويملكه به، ولو كانت هبةً فاسدةً لم يجز(2).

ولا بأس به ،إلّا أنّ في مثال الهبة نظراً من حيث إنّ الهبة لا تختصّ بلفظٍ، بل كلّ لفظٍ يدلّ على التمليك بغير عوض ٍ كافٍ فيها، كما ذكروه في بابه، وجواز التصّرف في المثال المذكور موقوف على وجود لفظٍ يدلّ عليها، فيكون كافياً في الإيجاب.

اللهمّ إلّا أن يعتبر القبول القولي مع ذلك، ولا يحصل في المثال، فيتّجه ما قاله.

قوله: «سواء كان في الحقير أو الخطير (3)».

ردٌ به على بعض العامة، حيث اكتفى بالمعاطاة في المحقّرات ،وأقامها فيه مقام البيع(4) ؛

ص: 55


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 172 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- كما في جامع المقاصد، ج 4، ص 59 .
3- في بعض النسخ: سواء في ذلك الحقير والخطير».
4- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4 ص 5 المسألة 2751: المجموع شرح المهذب، ج 9، ص 162 و 163: العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 11.

• ويقوم مقام اللفظ الإشارةُ مع العذر.

•ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي؛ فلو قال: اشتر أو ابتع أو أبيعك لم يصحّ وإن حصل القبول.

--------------

واختلفوا في تحديدها ،فقال بعضهم: ما لم يبلغ نصاب السرقة (1)، وأحالها آخَرون على العرف،كر طل خبز ٍ وغيره ممّا يعتاد فيه بالمعاطاة(2) وهو تحكّم.

والذي اختاره متأخّر و الشافعيّة (3)وجميع المالكيّة (4)، انعقاد البيع بكلّ ما دلّ على التراضي، وعدّه الناس بيعاً ، وهو قريب من قول المفيد وشيخنا المتقدّم(5). وما أحسنه وأمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

قوله: «ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر».

كما في الأخرس ومَنْ بلسانه آفة، فإنّه يكفي في انعقاد بيعه وقبوله له الإشارة المفهمة. وفي حكمها الكتابة على ورقٍ، أو لوح ٍ، أو خشب، أو ترابٍ، ونحوها.

واعتبر العلّامة في الكتابة انضمام قرينةٍ تدلّ على رضاه (6).

قوله: «ولا ينعقد إلا بلفظ الماضي - إلى قوله - لم يصحّ».

إنّما اعتبر في العقد لفظ الماضي؛ لأنّ الغرض منه الإنشاء، وهو صريح فيه؛ لاحتمال الوعد بالمستقبل، وعدم اقتضاء الأمر إنشاء البيع من جانب الآمر، وإنّما أنشأ طلبه، وأمّا الماضي فإنّه وإن احتمل الإخبار، إلا أنه أقرب إلى الإنشاء، حيث دلّ على وقوع مدلوله في الماضي، فإذا لم يكن ذلك هو المقصود كان وقوعه الآن حاصلاً في ضمن ذلك الخبر، والغرض من العقود ليس هو الإخبار، وإنّما هذه الصيغة منقولة شرعاً من الإخبار إلى الإنشاء، والماضى ألصق بمعناه.

ص: 56


1- المجموع شرح المهذّب، ج 9، ص 164؛ العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 10.
2- المجموع شرح المهذّب، ج 9، ص 164؛ العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 10.
3- كفاية الأخيار، ج 1، ص 147.
4- راجع حلية العلماء، ج 4، ص 14؛ وانظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 5، المسألة 2751.
5- المراد به السیّد حسن ابن السیّد جعفر،کما ورد في حاشیة«و».
6- نهایة الاحکام،ج 2 ،ص 451.

• وكذا في طرف القبول، مثل أن يقول: بعني أو تبيعني؛ لأنّ ذلك أشبه بالاستدعاء أو الاستعلام.

• وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد، والأشبه عدم الاشتراط.

--------------

قوله: «وكذا في طرف القبول - إلى قوله -بالاستدعاء».

نبّه بذلك على خلاف ابن البرّاج، حيث جوّزه بهما (1). والمشهور خلافه.

قوله: «وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد، والأشبه عدم الاشتراط». وجه العدم من أصالة الجواز، وأنّه عقد فيجب الوفاء به، ولتساويهما في كون كلٌّ منهما ينقل ملكه إلى الآخر، فإذا جاز للبائع التقدّم جاز للمشتري، ولأنّ الناقل للملك هو الرضى المدلول عليه بالألفاظ الصريحة، ولا مدخل للترتيب في ذلك، ولجواز تقديمه في النكاح بغير إشكال فليكن في غيره كذلك، فإنّ النكاح مبنيَّ على الاحتياط زيادةً على غيره. وذهب جماعة من الأصحاب (2) إلى اعتبار تقديمه، بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع (3)؛ للشكّ في ترتب الحكم مع تأخيره مع أنّ الأصل خلافه، فإنّ القبول مبني على الإيجاب؛ لأنّه رضى به، فلا بدّ من تأخره، وتجويز التقديم في النكاح لمصلحة استحياء المرأة، والأقوى الأوّل.

وموضع الخلاف ما لو كان القبول بلفظ «ابتعت» أو «اشتريت» أو «شريت» أو «تملكت منك كذا بكذا»، بحيث يشتمل على ما كان يشتمل عليه الإيجاب، أمّا لو اقتصر على القبول أو قال: قبلت وإن أضاف إليه باقي الأركان لم يكف بغير إشكال، وحينئذٍ فلا فرق بين

ص: 57


1- المهذب، ج 1، ص 350: وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 85، المسألة 46.
2- منهم الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 39 المسألة 56: وابن حمزة في الوسيلة، ص 237 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 249 - 250؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 8 المسألة 2 ومختلف الشيعة، ج 5، ص 84، المسألة 45 والمحقّق الكركي في حاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 128 (ضمن حياة المحقق الكركي و آثاره، ج 11).
3- الخلاف، ج 3، ص 39 - 40 المسألة 56 .

• ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان مضموناً عليه.

وأما الشروط:

فمنها ما يتعلّق بالمتعاقدين، وهو البلوغ، والعقل، والاختيار،• فلا يصحّ بيع

--------------

الإيجاب والقبول، وإنّما كلُّ منهما أحد شقّي العقد، وفي الحقيقة هذه الألفاظ المتقدّمة المعدّة قبولاً قائمة مقامه لا نفسه، وإنّما القبول على الحقيقة «قبلت» وهو ممّا لا يصح الابتداء به. قوله: «ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان مضموناً عليه».

لا إشكال في ضمانه إذا كان جاهلاً بالفساد؛ لأنّه أقدم على أن يكون مضموناً عليه، فيحكم عليه به وإن تلف بغير تفريط، ولقوله علیه السلام: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1)، ومن القواعد المقرّرة في هذا الباب أنّ كلّ عقدٍ يُضمن بصحيحه يُضمن بفاسده، وأن ما لا يُضمن بصحیحه لايُضمن بفاسده ولا فرق - مع جهله - بين كون البائع عالماً بالفساد أو جاهلاً، مع احتمال عدم الضمان لو علم؛ لتسليطه على إتلافه، مع علمه بكونه باقياً على ملكه. وكذا لو كانا عالمين بالفساد.

ولو كان البائع جاهلاً به والمشتري عالماً،فالضمان أولى. والأقوى ثبوته في جميع الصُوَر، فيترادّان العينين مع بقائهما، وبدلهما مع تلفهما، ويرجع صاحب المنافع المستوفاة بها، ولو فاتت بغير استيفاء ،فوجهان، ولو زادت العين فللمالك، إلّا أن تكون الزيادة بفعل الآخر جاهلاً، فهى له ،عيناً كانت كالصبغ أو صفةً كالصنعة.

قوله: «فلا يصحّ بيع الصبيّ ولا شراؤه ولو أذن له الوليّ».

لا فرق في الصبيّ بين المميّز وغيره، ولا بين كون المال له أو للوليّ أو لغيرهما، أذن مالكه أم لا، فلا يصحّ لبائعه التصرف فيما صار إليه وإن كان مالكه قد أذن؛ لأنّه بيع فاسد.

فيلزمه الحكم السابق في الرجوع على القابض

1.

ص: 58


1- تقدّم تخريجه في ص 44 الهامش 2 .

--------------

الصبيّ ولا شراؤه ولو أذن له الوليّ • وكذا لو بلغ عشراً عاقلاً على الأظهر، وكذا المجنون، والمغمى عليه والسكران غير المميّز والمكره • ولو رضي كلُّ منهم بما فَعَل بعد زوال عذره، عدا المكره؛ للوثوق بعبارته.

ولو باع المملوك أو اشترى بغير إذن سيّده لم يصحّ، فإن أذن له جاز.

--------------

نعم، ليس له على الصبيّ رجوع بعوض ماله لو تلف أو أتلفه؛ لأنّه فرّط فيه بتسليطه عليه مع عدم أهليته.

ولو أمره وليّه بالدفع إليه فدفع، فإن كان مال الولّي برئ من ضمانه، وكان هو المفرّط، وإن كان مال الصبيّ لم يبرأ، ولو كان عوض ما ابتاعه من الصبيّ أو باعه فالمال للدافع وهو المضيّع، فلا عبرة بإذن الوليّ في ضمانه ولا ضمان الصبيّ.

قوله :«وكذا لو بلغ عشراً عاقلاً على الأظهر».

هذا هو الأقوى، وقيل بجواز بيعه بالوصفين (1)، وهو ضعيف.

والمراد بالعقل هنا الرشد، فغير الرشيد لا يصحّ بيعه وإن كان عاقلاً، اتفاقاً.

قوله: «ولو رضي كلُّ منهم بما فَعَل بعد زوال عذره عدا المكره؛ للوثوق بعبارته».

الفرق بينهم وبين المكره واضح؛ إذ لا قصد لهم إلى العقد، ولا أهليّة لهم؛ لفقد شرطه وهو العقل، بخلاف المكره فإنّه بالغ عاقل، وليس ثُمَّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، وهو مجبور بلحوقه له بالإجازة، فيكون كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه الذي يعتبر قصده حين العقد، فلمّا لحقه القصد بالإجازة صحّ.

وحينئذ، فلا مانع من الصحّة إلّا تخيّل اشتراط مقارنة القصد للعقد، ولا دليل عليه. وينبّه على عدم اعتباره عقد الفضولي، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد(2) يشمله، فلا يقدح فيه اختصاص عقد الفضولي بنصَّ.

ص: 59


1- المبسوط، ج 2، ص 106 ولفظه: «ورُوي أنه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيداً كان جائزاً».
2- المائدة (5) : 1

--------------

وبهذا يظهر ضعف ما قيل هنا من انتفاء القصد أصلاً ورأساً مع عدم الرضى، وأنّ الظاهر من كون العقود بالقصود القصد المقارن لها دون المتأخّرا(1).

ويمكن أن يقال: إنّ القصد من المكره حاصل دون مَن سبق؛ لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ ولا إلى مدلوله بخلاف المكره، فإنّه باعتبار كونه عاقلاً قاصد إلى ما يتلفظ به ويفعله بشعوره، لكنّه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله، وذلك كافٍ في صلاحيتّه وقبوله للصحّة إذا لحقه القصد إلى مدلوله بإجازته.

ومثله القول في عقد الفضولي، فإنّه قاصد إلى اللفظ الصادر منه؛ لأنّ المفروض أهليتّه وجمعه للشرائط المعتبرة في صحّة العقد إلّا الملك، ولا يتحقّق منه قصد مدلوله - أعني نقل الملك والتسليط على التصرّف وغيرهما من أحكام العقد - لأنّ ذلك من وظائف المالك، فإذا أجازه المالك وقصد إلى ذلك صحّ.

ويتفرّع عليه ما لو عقد الفضولي في حالةٍ لا يكون فيها أهلاً للقصد إلى اللفظ كالنائم والسكران والصبيّ والمجنون - فإنّ الإجازة اللاحقة له من المالك لا تؤثّر، ومن ثُمَّ حكموا بأنّ الوليّ لو أجاز عقد الصبيّ لم يصحّ، وهذا واضح بيّن.

وقد نبّه الشهيد (رحمه الله) في الدروس على ما يوافق ذلك وإن كان في نفسه لا يخلو من مناقشةٍ، فقال في بيع الفضولي إذا لحقه الرضى:

والأقرب أنّ الرضى كافٍ فيمن قصد إلى اللفظ دون مدلوله، فلو أكره حتّى ارتفع قصده لم يؤثّر الرضى كالسكران(2).

وهو تنبيه حسن، إلّا أنّ في تحقّق ذلك في المكره بحيث يتلفّظ بالعقد غير قاصدٍ إلى لفظه كالسكران نظراً؛ فإنّ الإكراه على اللفظ بحيث يكون حركة اللسان من المكره

ص: 60


1- قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 62 .
2- 2. الدروس الشرعية، ج 3، ص 172 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

• ولو أمره أمر أن يبتاع له نفسه من مولاه قيل: لا يجوز، والجواز أشبه.

وأن يكون البائع مالكاً، أو ممّن له أن يبيع عن المالك، كالأب، والجدّ للأب، والوكيل، والوصيّ، والحاكم، وأمينه.

--------------

غير متحقّقٍ ولا مقدورٍ للمكره، وإنما يتحقّق الإكراه بحمل المكره للمكره على الفعل باختياره؛ خوفاً من المكره على نفسه أو ماله أو ما في حكمهما، مع حضور عقله وتمييزه، بخلاف المجنون والسكران ونحوهما، غير أنّ ما ادّعاه (رحمه الله) إذا بلغ الإلجاء إليه وتحقّق وقوعه فالأمر فيه كما قاله.

لكن يبقى في هذا كلّه إشكال من وجهٍ آخر، وهو أنّ الهازل قد حكموا بفساد عقده، ولم يذكروا لزومه لو لحقه الرضى به وظاهر حاله أنّه قاصد إلى اللفظ دون مدلوله؛ لأنّه بالغ عاقل، فاللازم حينئذٍ إمّا إلحاقه بالمكره في لزوم عقده مع لحوق الرضى، أو إبداء الفرق بكونه غير قاصدٍ للفظ، وفيه تأمّل.

واعلم أنّ بيع المكره إنّما يتوجه إليه البطلان إذا كان بغير حقٌّ، فلو أكره بحقِّ بأن توجّه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه، أو شراء مال أسلم إليه فيه، فأكرهه الحاكم عليه صح بيعه وشراؤه. فإنّه إكراه بحق.

ومثله تقويم العقد على معتق نصيبه منه، وتقويمه في فكّه من الرق ليرث، وإكراهه على البيع لنفقته ونفقة زوجته مع امتناعه، وبيع الحيوان إذا امتنع من الإنفاق عليه، و العبد إذا أسلم عند الكافر ،والعبد المسلم والمصحف إذا اشتراهما الكافر وسوّغناه، فإنّهما يباعان عليه قهراً، والطعام عند المخمصة يشتريه خائف التلف والمحتكر مع عدم وجود باذل غيره واحتياج الناس إليه. فكلّ هذه الصُوَر مستثناة من قولهم: إنّ بيع المكره غير صحيحٍ. وضابطها الإكراه بحقِّ، كما قدّمناه.

قوله: «ولو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه قيل: لا يجوز، والجواز أشبه».

وجه المنع اعتبار التغاير بين المتعاقدين ،وعبارة العبد كعبارة سيّده، أو اشتراط إذن المولى في تصرّف العبد ، ولم يسبق له منه إذن.

ص: 61

• فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه، على الأظهر. ولا يكفي

--------------

ويندفع الأوّل بأنّ المغايرة الاعتبارية كافية، ومن ثُمَّ اجتزأنا بكون الواحد الحقيقي موجباً قابلاً، فهنا أولى.

والثاني بأنّ مخاطبة السيّد له بالبيع في معنى التوكيل له في تولّي القبول.

وبه يظهر جواب ما قيل من أنّ قوله «من مولاه» مستدرك؛ لأنّه لا يشتري نفسه إلا منه، فإنّه ربما احترز به عن شرائه نفسه من وكيل ،مولاه، فإنّه قد لا يصحّ؛ نظراً إلى وقوعه بغير إذن المولى، بخلاف ما لو وقع مع المولى، فإنّه في معنى الإذن(1) والأقوى الجواز.

قوله: «فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه على الأظهر».

هذا قول الأكثر ، ويدلّ عليه وجود المقتضى للصحّة ، وهو العقد الجامع للشرائط، وليس ثُمَّ مانع إلّا إذن المالك، وبحصولها بعدُ يزول المانع وتجتمع الشرائط. واشتراط المالكيّة في المبيع أعمّ من كونه شرطاً للزوم أو للصحّة.

ويؤيّده حديث عروة البارقي، حيث أمره النبي صلی الله علیه واله والسلم بشراء شاةٍ ،بدینار، فاشتری شاتین به ثمَّ باع إحداهما به ورده مع الأخرى، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وبارك له في صفقة يمينه (2). وفي المنع أحاديث (3).

وهي من الطرفين عامية، إلّا أنّ ما هنا أشهر وأدلّ على المطلوب ولا فرق في ذلك بين البيع والشراء وإن كانت المسألة والرواية مفروضةً في البيع.

ثمَّ على تقدير الإجازة ولزوم العقد فهل هي ناقلة لملك مَنْ بيده المال من حينها، أم كاشفة عن حصوله من حين عقد البيع؟ الأقوى الثاني.

ص: 62


1- جامع المقاصد، ج 4، ص 68.
2- . الجامع الصحيح، ج 3، ص 559 ، ح 1258؛ سنن الدارقطني ، ج 2، ص 578 ، ح 29/2787
3- سنن أبي داود، ج 3، ص 283، ج 3503؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 543، ح 1232.

سكوته مع العلم، ولا مع حضور العقد.

--------------

وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بينهما

، وفي أحكام أُخر تأتي إن شاء الله تعالى.

ثمَّ إن اتّحد العقد فالحكم واضح، وإن تٌرتبت العقود على الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجميع صحّ أيضاً، وإن أجاز أحدهما، فإن كان هو المثمن صحّ في المجاز وما بعده من العقود، وإن كان هو الثمن صحّ وما قبله، كذا أطلقه جماعة من الأصحاب (1).

والفرق بين المقامين أنّ إجازة المبيع توجب انتقاله عن ملك المالك المجيز إلى المشتري، فتصحّ العقود المتأخّرة عنه المترتّبة على فعل المشتري، وتبطل السابقة؛ لعدم الإجازة، وإجازة الثمن توجب انتقاله إلى ملك المجيز، فتبطل التصرّفات المتأخّرة عنه فيه حيث لم يجزها، وتصحّ السابقة؛ لأنّ ملك الثمن المتوسّط يتوقّف على صحّة العقود السابقة،وإلّا لم يمكن تملّك ذلك الثمن.

مثاله ما لو كان الفضولي قد باع مال المالك بكتابٍ مثلاً، ثمَّ باع الكتاب بسيفٍ، ثم باع السيف بثوبٍ، ثمَّ باع الثوب بفرسٍ، فأجاز المالك بيع الثوب بالفرس، فإن ملكه حينئذٍ للفرس يتوقّف على تملّك الثوب، وإنّما يملك الثوب إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو السيف، وإنّما يملك السيف إذا ملك العوض الذي اشترى به وهو الكتاب، فظهر أنّ إجازته للعقد المتأخّر تستلزم إجازة العقود السابقة، وإلّا لم يتمّ ، فيحكم بصحّة ذلك كلّه؛ حملاً لفعل المسلم على الوجه المعتدّ به شرعاً.

وهذا الحكم صحيح في هذا المثال ونظائره، إلّا أنّ مسألة ترتّب العقود على الثمن أعمّ منه، فإنّ من صُوره ما لو بيع الثمن - وهو الكتاب في هذا المثال - مراراً، كما لو باعه ذلك الفضولي بمائة، ثمَّ باعه المشتري بمائتين، ثمَّ باعه المشتري الثاني بثلاثمائة، فأجاز المالك العقدَ الأخير، فإنّه لا يقتضي إجازة ما سبق، بل لا يصحّ سواه، مع أنّه يصدق عليه أنّ العقود ترتٌبت على الثمن، ولم يتم الحكم بصحّة ما قبل المجاز.

ص: 63


1- منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418: والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 70.

•فإن لم يُجز كان له انتزاعه من المشتري، ويرجع المشتري على البائع بما دفع إليه وما اغترمه من نفقةٍ أو عوضٍ عن أجرةٍ أو نماءٍ إذا لم يكن عالماً أنّه لغير البائع، أو ادّعى البائع أنّ المالك أذن له.

--------------

وأمّا مسألة سلسلة العقود على المثمن، فصحّة العقود اللاحقة للمجاز مبنيّة على أنّ الإجازة كاشفة، ليظهر ملك كلّ بائع متأخر حين بيعه وإن كان في ثاني الحال، أمّا لو جعلناها ناقلةً للملك من حين الإجازة فالبائع لم يكن مالكاً حين بيعه، وإنّما ملك حين بيعه، وإنّما ملك بعده بالإجازة، والإجازة كانت لمالك العين ولم يحصل ، وعند إجازته للعقد السابق خرج اللاحق عن ملكه فلم يمكنه الإجازة، فتبني صحّة البيع المتأخّر حينئذٍ على مَنْ باع فضوليّاً ثمَّ انتقل إليه الملك، فإنّ في لزوم البيع حينئذٍ، أو توقّفه على إجازته ثانياً وجهين.

وقد ظهر بذلك أنّ إطلاقهم الحكم في السلسلتين يحتاج إلى تنقيحٍ.

قوله: «فإن لم يُجز كان له انتزاعه من المشتري - إلى قوله - أو ادعى البائع أنّ المالك اذن له».

إذا لم يُجز المالك البيع يرجع في عين ماله ونمائها - متّصلاً ومنفصلاً - وعوض منافعها المستوفاة ،وغيرها وبقيمة الهالك من ذلك أو مثله.

والمعتبر بالقيمة يوم التلف على الأقوى، إن كان التفاوت بسبب السوق، وبالأعلى إن

كان بسبب الزيادة العينيّة كالسمن أو الوصفيّة كالعلم بصنعةٍ ثمَّ نسيانها.

ثمَّ المشتري يرجع بذلك كلّه على البائع مع أحد الوصفين، وهُما الجهل بكونها لغير

البائع، وادّعاء البائع الإذن في البيع.

ولو رجع عليه المالك بالقيمة مع التلف رجع بها على البائع وإن زادت على الثمن

المدفوع إليه.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد حصل للمشتري نفع في مقابلة ما غرم أو لا، على

الأقوى؛لغروره، ودخوله على أن يكون ذلك له بغير عوضٍ.

ص: 64

•وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم، •وقيل : لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب.

--------------

قوله: «وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم».

لأنّه حينئذٍ غاصب مفرّط، فلا يرجع بشيءٍ يغرمه للمالك مطلقاً.

قوله: «وقيل: لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، مطلِقين الحكم فيه، الشامل لكون الثمن باقياً وتالفاً. ووجّهوه بكون المشتري قد دفعه اليه وسلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له، فيكون بمنزلة الإباحة.

وهذا يتمّ مع تلفه، أمّا مع بقائه فلا؛ لأنّه ماله وهو متسلّط عليه بمقتضى الخبر(1). ولم يحصل منه ما يوجب نقله عن ملكه؛ لأنّه إنما دفعه عوضاً عن شيءٍ لا يسلم له، لا مجاناً، فمع تلفه يكون آذناً فيه، أمّا مع بقائه فله أخذه؛ لعموم النصوص الدالّة على ذلك، بل يحتمل الرجوع بالثمن مطلقاً - وهو الذي اختاره المصنّف (رحمه الله) في بعض تحقيقاته (2) _لتحريم تصرّف البائع فيه، حيث إنّه أكل مالٍ بالباطل فيكون مضموناً عليه، ولولا ادّعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف (3) لكان في غاية القوّة، وحيث لا إجماع عليه مع بقاء العين، فليكن القول به متعيّناً.

فإن قيل: كيف يجامع تحريم تصرّف البائع في الثمن عدم رجوع المشتري به في حال ،فإنّه حينئذٍ لا محالة غاصب آكل للمال بالباطل، فاللازم إمّا جواز تصرّفه، أو جواز الرجوع عليه مطلقاً.

قلنا: هذا الإلزام في محلّه، ومن ثُمَّ قلنا: إنّ القول بالرجوع مطلقاً متّجه، لكن لمّا أجمعوا على عدمه مع التلف كان هو الحجّة.

ص: 65


1- أورده الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177 ، المسألة 290؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 248، ذيل المسألة 217: وج 6، ص 240 ، ذيل المسألة 10.
2- راجع المسائل الطبرية، ضمن الرسائل التسع، ص 306 وما بعدها.
3- لم نعثر عليه في مظانّه من تذكرة الفقهاء؛ نعم وجدناه في مختلف الشيعة، ج 5، ص 88 المسألة 48.

وكذا لو باع ما يملك وما لا يملك مضى بيعه فيما يملك، • وكان فيما لا يملك موقوفاً.

• ويقسّط الثمن بأن يقوّما جميعاً، ثمَّ يقوم أحدهما، ويرجع على البائع بحصّته من الثمن إذا لم يُجز المالك.

--------------

وحينئذٍ نقول: إن تحقّق الإجماع فالأمر واضح، وإلّا فمن الجائز أن يكون عدم جواز رجوع المشتري العالم عقوبة له، حيث دفع ماله معاوضاً به على محرَّمٍ، وعلى هذا يكون البائع مخاطباً بردّه أو ردّ عوضه مع التلف، فإن بذله أخذه المشتري، وإن امتنع منه بقي للمشتري في ذمّته وإن لم يجز له مطالبته به.

ونظير ذلك ما لو حلف المنكر على عدم استحقاق المال في ذمته، فإنّه لا يجوز حينئذ للمدعي مطالبته ولا مقاصته وإن كان الحق مستقراً في ذمة المنكر في نفس الأمر؛ وذلك لا يمنع من تكليفه برده، وعقوبته عليه لو لم يردّه.

ولا فرق في هذا الحكم بين كون البائع غاصباً صرفاً مع علم المشتري به، أو فضوليّاً ولم يُجز المالك كما هو مقتضى الفرض.

قوله: «وكان فيما لا يملك موقوفاً».

الموقوف هو البيع المضمر في «كان»، أي كان البيع فيما لا يملك موقوفاً على إجازة المالك، ولا بعْد في كون البيع الواحد لازماً موقوفاً باعتبارين، حيث يشتمل على شيئين مختلفين في الحكم.

قوله: «ويقسّط الثمن بأن يقوّما جميعاً، ثمَّ يقوّم أحدهما» إلى آخره.

المراد أنّه يُقوّم أحدهما منفرداً، ثمَّ يُنسب إلى المجموع، ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، لا أنّه يسقط من الثمن بقدر ما يقوّم به ،كما قد يشعر به إطلاق العبارة؛ لأنّ القيمة المذكورة قد تستوعب مجموع الثمن أو تزيد عليه.

مثال ذلك أن يقوما معاً، فإذا قيل: قيمتهما عشرون، ثمَّ يقوّم أحدهما المستحقّ أو غيره؛

ص: 66

•ولو أراد المشتري ردّ الجميع كان له ذلك.

--------------

إذ لا تفاوت هنا ،لتحقّق العلم بقيمة المردود، فإذا قيل: قيمة أحدهما عشرة، فنسبتها إلى المجموع النصف، فيرجع بنصف الثمن كائناً ما كان، وهكذا، فلو فرض كون مجموع الثمن عشرةً، كان الرجوع في المثال بخمسةٍ، وهي نسبة أحدهما إلى المجموع، فلولا اعتبار النسبة لزم أخذ الثمن والمثمن الباقي بغير عوضٍ.

وإنّما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كلّ واحدٍ منفرداً، كعبدين وثوبين مثلاً، أمّا لو استلزم اجتماعهما زيادة القيمة كمصراعي باب كلّ واحدٍ لمالك، فإنّهما لا يقوّمان مجتمعين؛ إذ لا يستحقّ مالك كلّ واحدٍ حصّته إلا منفرداً.

فلا يستحقّ ما يزيد باجتماعهما.

وطريق تقويمهما على هذا أن يُقوّم كلّ واحدٍ منهما منفرداً، ويُنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة، فإذا قُوّم كلُّ منهما منفرداً بعشرةٍ يؤخذ نصف الثمن؛ لأنّه نسبة إحداهما إلى المجموع.

وهذا الحكم كلّه في مثال المصنّف واضح؛ لأنّه فرضه في بيع ما يملكه البائع وما لا يملكه في عقدٍ، فلو فرض كونهما لمالكٍ واحد، كما لو باع الفضولي المصراعين معاً، فأجاز مالكهما في أحدهما دون الآخَر، ففي تقديرهما مجتمعين كالغاصب - أو منفردين - كما لو كانا لمالكين - نظر.

قوله: «ولو أراد المشتري رد الجميع كان له ذلك».

لتبعّض الصفقة عليه، وهذا يتمّ مع جهله بكون أحدهما ملكاً لغير البائع. أمّا مع علمه فلا خيار له. وكذا القول في كلّ موضعٍ يثبت فيه الخيار لتبعيض الصفقة، فإنّه مقيّد بجهل ذي الخيار بالحال قبل البيع.

فإن قيل: كيف يصح البيع في البعض مع أنّ التراضي إنّما وقع على المجموع، وبدونه يمتنع صحّة العقد ؟

قلنا: العقد في نفسه صحيح، لكنّه غير لازم، فإذا طرأ على الصحّة بطلان البيع في البعض

ص: 67

•وكذا لو باع ما يملك وما لا يملكه المسلم، أو ما لا يملكه مالك، كالعبد مع الحُرّ، والشاة مع الخنزير والخَلّ مع الخمر.

--------------

بسبب عدم الإجازة بقي الباقي محكوماً بصحّته؛ إذ لا دليل على بطلانه بعد الحكم بالصحّة، غاية ما في الباب جبره بالخيار مع جهله.

ولو كان عالماً فلا إشكال في صحّة ذلك البعض؛ لقدومه على ذلك.

قوله: « وكذا لو باع ما يملك وما لا يملكه المسلم» إلى آخره.

طريق تقويم ذلك أن يقوّم الحُرّ لو كان عبداً بالوصف الذي هو عليه، من كبر ٍ وصغر ٍ،

وبياض ٍ وسوادٍ وغيرها.

وأمّا الخمر والخنزير فيرجع فيهما إلى قيمتهما عند مستحلّيهما، لا بمعنى قبول قولهم في القيمة؛ لاشتراط عدالة المقوّم، بل يمكن فرضه في تقويم عدلين قد أسلما عن كفرٍ يشتمل على استحلالهما، أو مطّلعين على قيمتهما عندهم؛ لكثرة المخالطة لهم، وعدم احتشامهم فيهما.

ولو قيل بقبول إخبار جماعةٍ منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب، ويحصل بقولهم الظنّ الغالب المقارب للعلم أمكن.

وبقي في المسألة إشكال من وجهين:

أحدهما: أنّ المشتري لهذين الشيئين إن كان جاهلاً بما لا يملك توجّه ما ذُكر؛ لقصده إلى شرائهما، فإذا لم يتمّ له الأمران وُزّع الثمن، أمّا إذا كان عالماً بفساد البيع فيما لا يملك، أشكل صحّة البيع مع جهله بما يوجبه التقسيط؛ لإفضائه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع؛ لأنّه في قوّة بعتك العبد بما يخصّه من الألف إذا وُزّعت عليه وعلى شيءٍ آخَر، وهو باطل.

وقد نبّه على ذلك العلّامة في التذكرة ، وقال: إنّ البطلان حينئذٍ ليس ببعيدٍ من الصواب(1) . والثاني: أنّ هذا الحكم - أعني التوزيع - إنّما يتمّ أيضاً قبل إقباض المشتري الثمن، أو بعده مع جهله بالفساد، أمّا مع علمه فيشكل التقسيط ليرجع بقسطه؛ لتسليطه البائع عليه

ص: 68


1- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 11، المسألة 553.

•والأب والجدّ للأب يمضي تصرّفهما ما دام الولد غير رشيدٍ، وتنقطع ولايتهما بثبوت البلوغ والرشد.

•ويجوز لهما أن يتولّيا طرفي العقد، فيجوز أن يبيع عن ولده، وعن نفسه من ولده، وعن ولده من نفسه.

--------------

وإباحته له، فيكون كما لو دفعه إلى بائع مال غيره،كالغاصب، وقد تقدّم أنّ الأصحاب لا يجيزون الرجوع بالثمن(1)، إمّا مطلقاً أو مع تلفه، فينبغي هنا مثله، إلّا أن يقال: ذلك خرج بالإجماع، وإلّا فالدليل قائم على خلافه، فيقتصر فيه على مورده. وهو حسن إن تمَّ.

قوله: «والأب والجدّ للأب يمضي تصرّفهما ما دام الولد غير رشيدٍ» إلى آخره.

مفهوم صدر العبارة زوال ولا يتهما عنه بثبوت الرشد وإن لم يبلغ ؛ لأنّه جعل (مدّة)(2) هذه الولاية في زمن عدم الرشد، ومفهوم عجزها أنّ ولا يتهما لا تنقطع ما لم يجتمع الوصفان: البلوغ والرشد، والثاني هو الصواب، وأمّا الأوّل فمفهومه لا يُعمل به على ما حقّق في الأصول.

وكأنّ الموجب لتعبيره كذلك قصد إثبات حكم الولاية لهما عليه وإن بلغ وطعن في السنّ ما دام غير رشيدٍ، وترك الاحتراز من تحقّق الرشد قبل البلوغ؛ لظهور حكم الحجر على الصبيّ مطلقاً.

ويشترط في ثبوت ولايتهما على غير الرشيد استمرار سفهه قبل البلوغ،ليستصحب حكم الولاية لهما عليه من الصغر؛ فلو بلغ ورشد ثمَّ زال رشده لم تعد ولايتهما، بل تكون للحاكم.

وكذا القول في المجنون .

قوله: «ويجوز لهما أن يتولّيا طرفي العقد».

هذا هو الأصحّ.

وكذا يجوز تولّي طرفيه في كلّ موضع ٍ يثبت للمتولّي الولاية من الجانبين ولو بالاستنابة، فإنّ المغايرة الاعتباريّة كافية في ذلك.

ص: 69


1- تقدّم في ص 65 .
2- ما بين القوسين أثبتناه من «ق».

والوكيل يمضى تصرّفه على الموكل ما دام الموكّل حيّاً جائز التصرّف.

• وهل يجوز أن يتولّى طرفي العقد ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وقيل: إن أعلم الموكّل جاز، وهو الأشبه، فإن أوقع قبل إعلامه وقف على الإجازة.

• والوصيّ لا يمضي تصرّفه إلّا بعد الوفاة. والتردّد في تولية طرفي العقد،كالوكيل.

--------------

قوله: «وهل يجوز أن يتولّى طرفي العقد؟ - إلى قوله - وهو الأشبه».

جواز تولّي الوكيل طرفي العقد يقع فيه الإشكال في موضعين:

أحدهما مطلق مباشرة الإيجاب والقبول معاً، والأصحّ جوازه، كما تقدم(1).

والثاني: بيعه ما وُكلّ فيه من نفسه، فقد قيل: إنّه لا يجوز مع عدم إذن الموكّل فيه صريحاً(2)، بأن يقول له بِعْه ولو من نفسك، أو يُعلمه هو فيقول: أبيعه ولو من نفسي، فيرضى الموكّل بذلك.

والثاني : الجواز مع الإطلاق، وهذا هو الذي نقل المصنّف الخلاف فيه دون الأوّل.

والأصحّ الجواز مع الإعلام، ومع القرينة الدالّة على أنّ الموكّل إنّما يريد البيع، لا خصوصيّة المشتري.

أمّا لو تولّى الطرفين بالوكالة عن المشتري أيضاً فإنّه يصحّ؛ نظراً إلى جواز تولّي الطرفين في غيره، وإن كانت العبارة هنا وقعت مطلقةً. قوله: «والوصيّ لا يمضي تصرّفه إلّا بعد الوفاة، والتردّد في تولية طرفي العقد كالوكيل».

أي تولية طرفيه لنفسه كما تقدّم (3)، أمّا لغيره فيصحّ بغير تردّدٍ من المصنّف في المسألتين. والأصحّ الجواز مطلقاً.

ص: 70


1- تقدّم آنفاً.
2- الخلاف، ج 3، ص 346. المسألة 9 النهاية، ص 374؛ السرائر، ج 2، ص 97؛ وحكاء العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 518 المسألة 204 عن ابن الجنيد.
3- تقدّم آنفاً.

• وقيل : يجوز أن يقوّم على نفسه، وأن يقترض إذا كان مليّاً.

• وأمّا الحاكم وأمينه فلا يليان إلّا على المحجور عليه، لِصِغَرٍ، أو سَفَةٍ، أو فَلَسٍ، أو حكمٍ على غائب.

• وأن يكون المشتري مسلماً إذا ابتاع عبداً مسلماً.

--------------

قوله: «وقيل: يجوز أن يقوّم على نفسه، وأن يقترض إذا كان مليّاً».

هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، وكثير منهم لم يذكر خلافاً.

وشرط بعضهم - مع ملاءته - الرهن عليه؛ حذراً من إفلاسه وزيادة ديونه، فيحفظ الرهن مال الطفل (1). وهو حسن.

وكذا يعتبر الإشهاد؛ حفظاً للحقٌ.

وإنّما يصحّ له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحةٌ للطفل؛ إذ لا يصحٌ بيع ماله بدونها مطلقاً.

أمّا الاقتراض فشرطه عدم الإضرار بالطفل وإن لم تكن المصلحة موجودةً.

وقد تقدّم تعريف الملاءة في الزكاة(2).

قوله: «وأما الحاكم وأمينه فلا يليان إلّا على المحجور عليه» إلى آخره.

يشترط في الصغير عدم الأب والجد له وإن علا، وفى السفيه ذلك أو تجدّده بعد البلوغ والرشد، فلو بلغ سفيهاً لم تزل عنه ولاية الأب والجدّ.

وكذا القول فى الجنون والفلس.

قوله: «وأن يكون المشتري مسلماً إذا ابتاع عبداً مسلماً».

يمكن أن يريد بالمسلم مَنْ حكم بإسلامه ظاهراً؛ لأنّ ذلك هو المتبادر من لفظ «المسلم» وإجراء أحكامه عليه، فيدخل فيه فِرَق المسلمين المحكوم بكفرهم، كالخوارج والنواصب.

ص: 71


1- المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4 .ص 86 .
2- تقدّم في ج 1، ص 369 .

• وقيل: يجوز ولو كان كافراً، ويُجبر على بيعه من مسلم والأوّل أشبه.

• ولو ابتاع الكافر أباه المسلم هل يصحّ؟ فيه تردّد، والأشبه الجواز؛ لانتفاء السبيل بالعتق.

--------------

ويمكن أن يريد به المسلم حقيقةً؛ نظراً إلى أنّ غيره إذا حُكم بكفره دخل في دليل المنع الدّال على انتفاء السبيل للكافر على المسلم(1)، وهذا هو الأولى، لكن لم أقف على مصرّحٍ به.

وفي حكم العبد المسلم المصحف وأبعاضه، دون كتب الحديث النبويّة.

وتردّد في التذكرة فيها (2).

قوله: «وقيل: يجوز ولو كان كافراً، ويُجبر على بيعه من مسلم، والأوّل أشبه».

الأشبه أشبه، فإنّ الجبر لا ينفي أصل السبيل.

قوله: «ولو ابتاع الكافر أباه المسلم هل يصحّ ؟» إلى آخره.

هذا هو الأقوى، وفي حكم الأب كلّ مَنْ ينعتق على الكافر، فلو عمّم كان أولى.

وفي حكمه كلّ شراءٍ يستعقب العتق كما لو أقرّ بحُرّيّة عبد غيره ثمَّ اشتراه، فإنّه ينعتق عليه بمجرّد الشراء.

ومثله لو قال لغيره: أعتق عبدك المسلم عنّي و عليَّ ثمنه، إن سوّغناه، فإنّه شراء ضمني. وإنّما يمتنع دخول العبد المسلم في ملك الكافر اختياراً، كالشراء والاستيهاب ونحوهما،أمّا غيره كالإرث وإسلام عبده الكافر - فلا، بل يُجبر على بيعه بثمن المثل على الفور إن وُجد راغب، وإلّا حِيل بينهما بمسلم إلى أن يوجد الراغب، ونفقته زمن المهلة عليه، وكسبه له.

وفي حكم البيع الإجارة الواقعة على عينه، أمّا على ذمته فالأجود الصحّة، كما لو استدان منه، وكذا رهنه عنده، أمّا لو وضع على يد مسلمٍ فلا.

وفي عاريته له قولان، أجودهما: المنع، وفي إيداعه له وجهان ،أجودهما: الصحبة؛ لأنّه

فيها خادم لا ذو سبيل.

ص: 72


1- النساء (4): 141.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 23، الفرع «يأ» من المسألة 6.

ومنها ما يتعلّق بالمبيع، وقد ذكرنا بعضها في الباب الأوّل، ونزيدها هنا شروطاً:

الأوّل: أن يكون مملوكاً، فلا يصحّ بيع الحُرّ ، وما لا منفعة فيه •كالخنافس والعقارب، والفضلات المنفصلة عن الإنسان كشعره وظفره ورطوباته، • عدا اللبن، • ولا ما يشترك المسلمون فيه قبل حيازته، كالكلاً والماء والسموك والوحوش قبل اصطيادها، •والأرض المأخوذة عنوةً.

وقيل: يجوز بيعها، تبعاً لآثار المتصرّف.

--------------

قوله «کالخنافس والعقارب» إلى آخره.

لعدم عدّها مالاً عرفاً وشرعاً، ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها، فإنّها مع ذلك لا تُعدّ مالاً.

قوله: «عدا اللبن».

لأنّه ظاهر يُنتفع به نفعاً ظاهراً، فيجوز بيعه، وأخذ العوض عليه في إجارة الظئر؛ خلافاً لبعض العامّة (1).

قوله: «ولا ما يشترك المسلمون فيه قبل حيازته كالكلأ والماء».

هذا إذا كانت في مباحٍ ليتوقّف ملكها على الحيازة، أمّا لو كانت في ملكه فالوجه إنّها له تبعاً للملك فيصحّ بيعها، ويحرم على غيره أخذها منه بغير إذنه، وبه صرّح في التذكرة (2). فعلى هذا لو باع الأرض لم يدخل الكلأ ولا الماء إلّا أن ينصّ عليهما أو يذكر لفظاً يعمّهما.

قوله: «والأرض المأخوذة عنوةً، وقيل: يجوز بيعها تبعاً لآثار المتصرّف».

هذا القول قويٌ. وقد تقدّم البحث فيه في الجهاد(3).

ص: 73


1- حكاه ابنا قدامة عن عدة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 330. المسألة 3174؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 14.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 39، ذيل المسألة 19.
3- تقدّم في ج 2، ص 468.

•وفي بيع بيوت مكّة تردّد، والمرويٌ المنع.

•أمّا ماء البئر فهو ملك لمن استنبطه، وماء النهر لمن حفره، ومثله كلّ ما يظهر في الأرض من المعادن فهي لمالكها تبعاً لها.

الثاني: أن يكون طِلْقاً ، •فلا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه لاختلافٍ بين أربابه، ويكون البيع أعود، على الأظهر،

--------------

قوله: «وفي بيع بيوت مكّة تردّد، والمرويٌ المنع».

مَنَع الشيخ (رحمه الله) من بيع بيوت مكّة وإجارتها، ومنع المسلمين من سكناها إذا كانت خاليةً، محتجاً بالخبر(1)، وآية الإسراء من المسجد الحرام (2)، (3) مع أنّه كان في دار أُمّ هاني.

والمشهور الجواز، وعليه العمل، وتسمية مكّة مسجداً مجاز؛ للحرمة والشرف والمجاورة، وقد أضاف الله سبحانه دورها إلى أربابها في قوله:(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِمْ )(4)، والمفهوم منه الملك.

قوله: «أمّا ماء البئر فهو ملك لمن استنبطه، وماء النهر لمن حفره».

فيجوز بيعه جملةً وبيع بعضه كيلاً ووزناً وجزافاً ولو على الشاطئ لأنّه مال مملوك متموّل.

قوله: «فلا يصحّ بيع الوقف - إلى قوله - ويكون البيع أعود على الأظهر».

قد اضطربت فتوى الأصحاب في هذه المسألة اضطراباً عظيماً، حتّى من الرجل الواحد في الكتاب الواحد، كما وقع للمصنّف (رحمه الله) فإنّه هنا شرط في جواز بيعه ثلاثة شرائط: اختلاف أربابه بحيث يؤدٌي بقاؤه إلى خرابه، وكون البيع أعود، وفي الوقف اكتفى في الجواز بوقوع الخلف بين أربابه بحيث يخشى خرابه(5)، فاكتفى بخوف الخراب،

ص: 74


1- 1. المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 363، ح 2374.
2- الإسراء (17) 1.
3- الخلاف، ج 3، ص 188 - 189، المسألة 316.
4- الحشر (59) 8.
5- راجع ج 5، ص 106 .

--------------

وهنا شرط الأداء إليه، ولم يشترط مع ذلك كون البيع أعود.

والأقوى في هذه المسألة ما دلّت عليه صحيحة عليّ بن مهزيار من جواز البيع إذا وقع بين أرباب الوقف خلف شديد ، وعلله علیه السلام بأنّه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس(1).

والظاهر أنّ خوف أدائه إليهما أو إلى أحدهما ليس بشرطٍ، بل ظاهره أنّه عرضة لذلك، وما عدا هذه الصورة لا دليل عليه.

نعم، في رواية جعفر بن حيّان (2) جواز بيعه مع حاجة أربابه إليه بحيث لا يكفيهم غلّته إذا اتّفقوا عليه كلّهم وكان البيع خيراً لهم(3). وعمل بها بعض الأصحاب (4).

وفي سندها ضعف؛ لجهالة جعفر بن حيّان.

وزاد بعضهم(5) : ما لو خرب وتعطّل ولم يبقَ فيه نفع على ذلك الوجه أصلاً.

وهو حسن لفوات مقصود الوقف حينئذٍ من تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وذلك كما لو خَلِقَتْ حُصُر المسجد أو جِذعه بحيث لا يصلحان للانتفاع فيه، فيجوز بيعهما للوقود ونحوه.

وباقي الأقوال كلّها مدخولة، ودليل المنع عامُّ.

وحيث يجوز البيع يشترى بثمنه ما يكون وقفاً على ذلك الوجه إن أمكن، ويجب تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف الأوّل فالأقرب، والمتولّي لذلك الناظرُ الخاصّ إن كان، أو الموقوف عليه إن كان منحصراً، وإلّا فالناظر العامٌ.

ص: 75


1- الكافي، ج 7، ص 36 ، باب ما يجوز من الوقف... . ح 30 الفقيه، ج 4، ص 240 - 241، ح 5578؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 130، ح 557؛ الاستبصار، ج 4، ص 98 - 99، ح 381.
2- في بعض النسخ: «جعفر بن حنّان» والصحيح ما أثبتناه، وهو ما ورد في سند الكافي.
3- الكافي، ج 7، ص 35 باب ما يجوز من الوقف.... ح 29: الفقيه، ج 4، ص 242 - 243، ح 5580؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 133 - 134 ، ح 565: الاستبصار، ج 4 ص 99 ، ح 382.
4- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4 ص 98.
5- كالسيّد المرتضى في الانتصار، ص 468. المسألة 264؛ والسيّد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 298؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 97.

•ولا بيع أُمّ الولد ما لم يمت ولدها، أو في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، وفي اشتراط موت المالك تردّد.

•ولا بيع الرهن إلّا مع الإذن.

--------------

قوله: «ولا بيع أُمّ الولد ما لم يمت ولدها، أو في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، وفي

اشتراط موت المالك تردّد».

الأقوى عدم اشتراط موته؛لإطلاق النصّ (1).

والمراد بإعساره أن لا يكون له من المال ما يوفّي ثمنها زائداً على المستثنيات في وفاء الدين.

وهذان الفردان المستثنيان مورد النصّ(2) .

وقد ألحق بهما الأصحاب مواضع أخَر ، كبيعها إذا مات قريبها لتعتق وترث، وبيعها على مَنْ تنعتق عليه، وبشرط العتق على قولٍ(3)، وإذا جنت على غير المولى ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية، وإذا كان علوقها بعد الارتهان أو بعد الإفلاس، وإذا عجز عن نفقتها، وإذا مات مولاها ولم يخلّف سواها وعليه دَيْنٌ مستغرق؛ إذ لا يتصوّر عتقها حينئذ، وفي كفنه إذا لم يخلّف سواها، وإذا أسلمت قبل مولاها الكافر، وإذا كان ولدها غير وارثٍ.

وزاد بعضهم ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطاً (4).

قوله: «ولا بيع الرهن إلّا مع الإذن».

يجوز كون المحكوم بعدم جواز بيعه للرهن هو الراهن والمرتهن.

أمّا الراهن فظاهر أنّه لا يجوز بيعه للرهن إلّا مع إذن المرتهن؛لأنّه ممنوع من التصرّف فيه.

ص: 76


1- الكافي، ج 6، ص 192، باب أُمهات الأولاد، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 238، ح 859؛ الاستبصار، ج 4، ص 12، ح 35 .
2- الكافي، ج 1، ص 197، باب نوادر، ح ،15، وكذا المصادر المذكورة في الهامش السابق.
3- القول للمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 99.
4- .4 في جامع المقاصد، ج 4 ص 98 إذا قتلت مولاها ، وإذا جنت على غيره على قولٍ.

•ولا يمنع جناية العبد من بيعه ولا من عتقه، عمداً كانت الجناية أو خطاً، على تردّد.

--------------

وأمّا المرتهن فلا يجوز له بيع الرهن إذا لم يكن وكيلاً فيه، بل يتوقّف بيعه على إذن المالك، فإن امتنع استأذن الحاكم، فإن تعذر جاز له حينئذ البيع بنفسه على الأقوى.

وكيف كان، فلا يجوز له بيع الرهن مطلقاً، بل على بعض الوجوه، أو لا يجوز مطلقاً - كما أطلقه جماعة منهم المصنّف في بابه(1) - أي لا يجوز بيعه من حيث هو مرتهن، وحينئذٍ فلا ينافي جواز بيعه إذا كان وكيلاً؛ لأنّ الجواز من حيث كونه وكيلاً لا غير.

قوله: «ولا يمنع جناية العبد من بيعه ولا من عتقه» إلى آخره.

التردّد في العمد، فقد أبطل الشيخ بيعه فيه؛ لتخيّر المجنيّ عليه بين استرقاقه وقتله(2).

وهو غير مانعٍ من صحّة البيع؛ لعدم اقتضائه خروجه عن ملك مالكه.

نعم، يصير لزوم البيع مراعىٌ برضى المجني عليه بفدائه بالمال، فإن قَبِل وفكّه المولى لزم البيع، وإن قتله أو استرقه بطل.

ولو كان المشتري جاهلاً بالجناية تخيّر بين الفسخ والإمضاء قبل استقرار حاله؛ لأنّه

عيب في الجملة، وفي معرض التلف.

ولو كانت الجناية خطأ كان التخيير للمولى بين بذله وفدائه بأقلّ الأمرين من قيمته وأرش الجناية، فإن كان الأرش أقل من قيمته فهو اللازم بمقتضاها، وإن كانت القيمة أقل فالجاني لا يجني على أكثر من نفسه فيصحّ البيع، ويكون التزاماً بالفداء على أصحّ القولين، ثمَّ إن فداه، وإلّا جاز للمجنيّ عليه استرقاقه، فينفسخ البيع؛ لأنّ حقه أسبق.

وللمشتري الخيار أيضاً إذا لم يعلم ببقاء الحقّ في رقبته، فإن فسخ رجع بالثمن، وكذا إن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبته فأخذ بها، فإنّ المشتري يرجع بالثمن أيضاً.

وإن كانت غير مستوعبةٍ لرقبته رجع بقدر أرشه.

ص: 77


1- راجع ص 426 وما بعدها.
2- المبسوط، ج 2، ص 74.

الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه •فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً، ويصحّ منضمّاً إلى ما يصحّ بيعه،•ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع، وكان الثمن مقابلاً للضميمة.

--------------

ولو كان عالماً بعيبه راضياً بتعلّق الحقّ به لم يرجع بشيءٍ؛ لأنّه اشترى معيباً عالماً بعيبه. ثمَّ إن فداء السيد أو المشتري فالبيع بحاله، وإلّا بطل مع الاستيعاب، وفداء المشتري له كقضاء دَيْن غيره يعتبر في رجوعه عليه إذنه فيه.

قوله: «فلا يصحّ بيع الآبق منفرداً ويصح منضمّاً إلى ما يصحّ بيعه».

أي إلى ما يصحّ بيعه منفرداً لتخرج(1) ضميمته إلى ابق آخَر، وما لا ينفرد بالبيع ؛ لقلّته ونحوه.

ويعتبر كونها من مالك العبد ليستحقّ جميع الثمن؛ إذ لو كانت من غيره لم يستحقّ شيئاً فيمتنع صحّة بيعه. وفي صحيحة رفاعة عن الكاظم علیه السلام (2)دليل عليه.

وكما يجوز بيع الواحد منضمّاً فكذا الأكثر .

ولو كان مع الثمن المتموّل ابق آخَر صحّ أيضاً؛ لوجود المقتضي في الجميع.

وإنّما يمتنع بيع الآبق مع تعذّر تسليمه، فلو أمكن صحّ وإن سمّي ابقاً. ولو أمكن للمشترى خاصّةً فالأقوى الجواز.

ولا يلحق به غيره ممّا في معناه،كالبعير الشارد والفرس العائر على الأقوى؛اقتصاراً

فيما خالف الأصل على المنصوص، فعلى هذا يبطل البيع؛للغرر.

ويحتمل الصحّة مراعاةً بالتسليم.

قوله: «ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع، وكان الثمن مقابلاً للضميمة».

بمعنى أنّه لا يوزّع عليها وعلى الآبق ويرجع بحصّته منه، بل ينزّل الآبق بالنسبة إلى

الثمن منزلة المعدوم.

ص: 78


1- في «ق»: «فيخرج».
2- الكافي، ج 5، ص 194 ، باب بيع العدد والمجازفة.... ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 124. ح 541.

• ويصحّ بيع ما جرت العادة بعوده، كالحمام الطائر ،

--------------

وليس المراد أنّ الآبق يخرج عن كونه مبيعاً لينحصر الثمن في الضميمة إذا تعذّر تحصيله_كما يقتضيه ظاهر العبارة، بل ظاهر عبارة الجميع - لأنّ الآبق جزء من المثمن، والبيع قد وقع عليهما، والقدرة على تسليمه ليست شرطاً في صحّة البيع، ومقتضى البيع توزيع الثمن على جميع المثمن، فلما تخيّل من ذلك رجوع المشتري بشيء عند تعذّر ،قبضه، نبّهوا عليه بقولهم: إنّ الثمن في مقابلة الضميمة، والمراد أنّه مستحقٌّ بأسره بإزاء ما دفع من الضميمة.

وتظهر الفائدة في دخول الآبق في ملك المشتري وإن لم يقدر على تحصيله، فيصحّ له عتقه عن الكفّارة وغيرها ممّا يترتّب على الملك.

ويشترط في الآبق ما يشترط في سائر المبيع ، غير القدرة على القبض، ويلحقه أحكام المبيع كذلك، فيعتبر كونه معلوماً عند المشتري بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، موجوداً عند العقد ، فلو ظهر تالفاً ،قبله ، أو مستحقاً لغير البائع ، أو مخالفاً لوصف البائع، أو معيباً، ففي إلحاقه بتعذّره فلا يؤثّر في صحّة البيع ولا يستحقّ أرشاً ولا ردّاً، أو يلحق كلّ واحدٍ حكمه، فيبطل في الأوّلين ما قابله، ويتخيّر في الأخيرين،نظر.

قوله: «ويصحّ بيع ما جرت العادة بعوده، كالحمام الطائر».

تنزيلاً للعادة منزلة الواقع، فيكون بمنزلة بيع العبد المنفذ في الأشغال، والدّابة المرسلة في المرعى.

وتردّد العلّامة في النهاية في الصّحة بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم، وأنّ

عوده غير موثوقٍ به؛ إذ ليس له عقل باعث(1) .

وهو احتمال ،موجه، وإن كان الأوّل أقوى.

ص: 79


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 481.

•والسموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة.

•ولو باع ما يتعذّر تسليمه إلّا بعد مدّةٍ فيه تردّد، ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّاً.

الرابع :أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف. فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد.

ولو تسلّمه المشتري فتلف •كان مضموناً عليه بقيمته يوم قبضه، وقيل: بأعلى القِيَم من قبضه إلى يوم تلفه.

--------------

قوله: «والسموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة».

المعتبر من المشاهدة ما يزول به الغرر، فلا يعتبر عدّه في الماء؛ لأنّ ذلك غير شرطٍ في صحّة بيع السمك في الماء،صرّح به العلّامة في التذكرة (1).

واشترط - مع ما ذُكر - شرطاً آخَر، وهو إمكان صيده، فلو كان الماء في بركةٍ محصورةٍ لكنّها كبيرة جدّاً وفيها ما يمنع من صيده عادةً لم يجز. وهو حسن.

قوله: «ولو باع ما يتعّذر تسليمه إلّا بعد مدّة فيه تردّد» إلى آخره.

منشأ التردّد من العجز الحالي، وإمكان التسليم في الجملة، غايته مع نقص وصفٍ، وهو فوات المنفعة قبل الإمكان. والأقوى الجواز.

ثمَّ إن كان المشتري عالماً بالحال فلا خيار له، وإلّا ثبت له الخيار.

قوله: «كان مضموناً عليه بقيمته يوم قبضه، وقيل: بأعلى القِيَم».

قد تقدّم أنّ المقبوض بالبيع الفاسد مضمون على القابض (2)، لكن لم يذكر كيفيّة الضمان،فلذا أعاده.

ووجه ما اختاره من ضمانه بقيمة يوم القبض أنّه مضمون عليه من ذلك الوقت بسبب فساد البيع المضمون به كما يُضمن بصحيحه.

ص: 80


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 50، المسألة 27.
2- تقدم في ص 58.

وإن نقص فله أرشه ، •وإن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإن لم يكن عيناً.

و [الخامس] : أن يكون المبيع معلوماً ، • فلا يجوز بيع ما يكال أو يُوزن أو يعدّ جزافاً •ولو كان مشاهداً كالصبْرة، ولا بمكيالٍ مجهولٍ.

--------------

ووجه الثاني أنّ زيادة العين مضمونة مع بقائها، فكذا مع تلفها، ولأنّه في كلّ وقتٍ مخاطب بأداء العين، فالانتقال إلى القيمة إنّما هو عند تعذّر دفعها، فضعف القول بضمانها بالقيمة عند القبض، وظهر أنّ الثاني أقوى، لكن بشرط أن يكون التفاوت بسبب نقصٍ في العين أو زيادةٍ، فلو كان باختلاف السوق لم يضمن، واعتبر قيمتها يوم التلف.

ولا يخفى أنّ هذا كلّه في القيمي، أما المثلي فيضمن بمثله، فان تعذّر فبقيمته يوم الإعواز على الأقوى.

وكما تُضمن العين تُضمن منافعها سواء استوفاها أم لا، على الأقوى.

قوله: «وإن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإن لم يكن عيناً».

هذا مع جهله، أمّا مع علمه فليس له إلّا الزيادة العينيّة التي يمكن فصلها، فالوصفيّة كالصنعة لا يستحقّ بسببها شيء، وبالجملة فحكمه مع العلم حكم الغاصب، وهذا هو أصحّ الأقوال في المسألة.

والمصنّف لم يذكر فيها خلافاً؛ استضعافاً لها، مع أنّه أشار إليه في مختصره (1).

قوله:«فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعدّ جزافاً».

هذا هو المشهور، وعليه الفتوى. وذهب بعض الأصحاب (2) إلى جوازه مع المشاهدة. وهو ضعيف.

قوله: «ولو كان مشاهداً كالصبرة».

ص: 81


1- المختصر النافع، ص 200.
2- الظاهر أن مراده ابن الجنيد كما صرّح باسمه في العبارة التالية.

ويجوز ابتياع جزءٍ من معلوم بالنسبة مشاعاً، سواء كانت أجزاؤه متساويةً أو متفاوتةً.

•ولا يجوز ابتياع شيءٍ مقدّرٍ منه إذا لم يكن متساوي الأجزاء، كالذراع من الثوب، • أو الجريب من الأرض، أو عبد من عبدين أو من عبيدٍ، أو شاة من قطيعٍ.

وكذا لو باع قطيعاً واستثنى منه شاةً أو شياهاً غير مشارٍ إلى عينها.

ويجوز ذلك في المتساوي الأجزاء كالقفيز من كُرّ، • وكذا يجوز لو كان من أصلٍ مجهول، كمكّوكٍ من صبرةٍ مجهولة القدر.

--------------

جوّز ابن الجنيد بيع الصُبْرة مع المشاهدة(1)دون غيرها ، فلذا خصّها المصنّف بالذكر، وهو ضعيف.

قوله: «ولا يجوز ابتياع شيءٍ مقدّرٍ منه - إلى قوله كالذراع من الثوب».

أي شيء مقدّر غير معيّنٍ كذراعٍ منه، أمّا لو عيّنه في جهةٍ، كما لو قال: من هذا الطرف إلى حيث ينتهي ، ففي صحّته قولان أجودهما الصحّة؛ لانتفاء الغرر بذلك.

ولو قصدا بالمعيّن الإشاعة وكان المجموع معلوم القدر، كذراعٍ من ثوب عشرة أذرع،

صحّ أيضاً، وكان شريكاً بالنسبة.

ولو اختلفا في القصد قدّم قول مدّعي الإشاعة؛ ترجيحاً لجانب الصحّة.

قوله: «أو الجريب من الأرض».

الجريب - من الأرض والطعام - مقدار معلوم قاله الجوهري (2).

وقيل: إنّ مقداره من الأرض عشرة أذرع (3). قوله: «وكذا يجوز لو كان من أصل مجهولٍ، كمكّوكٍ(4)من صبرةٍ مجهولة القدر».

ص: 82


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 268 - 269 ، المسألة 237 .
2- الصحاح، ج 1، ص 98، «جرب».
3- لسان العرب، ج 1، ص 260، «جرب».
4- في بعض نسخ المتن: «كبيع مكوك».

•وإذا تعذّر عدّ ما يجب عدّه جاز أن يعتبر بمكيالٍ، ويؤخذ بحسابه.

--------------

إذا علم اشتمالها على المبيع، وإلّا فلا.

وهل ينزّل على الإشاعة أو يكون المبيع مكّوكاً في الجملة؟ وجهان، أقربهما الثاني.

وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة،وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدر المبتاع.

قوله: «وإذا تعذّر عد ما يجب عدّه جاز أن يعتبر بمكيالٍ ويؤخذ بحسابه».

ينبغي أن يراد بالتعذّر هنا المشقة والتعسّر على وجه التجوّز، لا حقيقة التعذّر، وقد عبّر الشهيد(رحمه الله) بالتعسّر(1)، وهو أجود.

وإنّما عبّر المصنّف وغيره بالتعذّر تبعاً للحديث عن الصادق علیه السلام حين سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه، فيكال بمكيالٍ ثمَّ يعدّ ما فيه، ثمَّ يكال ما بقي على حساب ذلك من المعدود، فقال: «لا بأس به»(2).

وفي حكمه الموزون والمكيل حيث يشقّ وزنهما وكيلهما، وقد سئل الصادق علیه السلام الرجل اشترى مائة راوية زيتاً ، فاعترض راوية أو راويتين فاتّزنهما، ثمَّ أخذ سائره على قدر ذلك؟ فقال: «لا بأس»(3).

وليس في هذه الرواية تقييد بالعجز ولا بالمشقّة، فينبغي القول بجوازه مطلقاً؛ للرواية، ولزوال العذر بذلك وحصول العلم ،والتفاوت اليسير مغتفر كما في اختلاف المكاييل والموازين، ولا قائل بالفرق بين الثلاثة حتّى يتوجه القول بالإجزاء في الموزون خاصّةً؛ للرواية، ولأنّ المعدود أدخل في الجهالة وأقلّ ضبطاً.

ص: 83


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الكافي، ج 5، ص 192، باب بيع العدد والمجازفة.... ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 223 ، ح 3831؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 122 ، ح 533.
3- الكافي، ج 5، ص 194. باب بيع العدد والمجازفة.... ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 226، ح 3839؛ تهذيب الأحكام. ج 7، ص 122 - 123، ح 534: الاستبصار، ج 3، ص 102، ح 357.

•ويجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا، ولو مسحا كان أحوط؛ لتفاوت الغرض في ذلك، وتعذّر إدراكه بالمشاهدة.

•وتكفي مشاهدة المبيع عن وصفه ولو غاب وقت الابتياع، إلّا أن يمضي مدّة جرت العادة بتغيّر المبيع فيها، وإن احتمل التغيّر كفى البناء على الأوّل. ويثبت له الخيار إن ثبت التغيّر .

--------------

قوله: «ويجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا» إلى آخره.

نقل في التذكرة الإجماع على جواز بيعهما بالمشاهدة(1) .

والظاهر أنّه أراد به من أهل العلم كافّةً، فما ذكره المصنّف من الاحتياط ليس على جهة الخلاف، بل لتأكيد الوضوح.

ونقل في الدروس عن ظاهر الخلاف المنع (2)، فلعلّه أشار بالاحتياط إليه.

والمراد بمشاهدة الثوب الكافية في صحّة بيعه مشاهدته منشوراً، فلو كان مطويّاً لم يكف إلّا مع تقليبه على وجهٍ يوجب معرفته، كما لو كان غير متفاوت ولا منقوش نقشاً يختلف ويخفى في مطاويه. ومثله القول في البسط والزلالي (3)ونحوها.

قوله: «وتكفي مشاهدة المبيع عن وصفه ولو غاب وقت الابتياع» إلى آخره.

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة؛ حيث اشترط مقارنة الرؤية للبيع، فلو تقدّمت بطل عنده (4).

وإجماعنا وأكثر أهل العلم على خلافه، لكن بشرط أن لا يكون ممّا يتغيّر في تلك المدّة عادةً، وإلّا بطل البيع؛ لأنّه حينئذٍ مجهول.

ص: 84


1- تذكرة الفقهاء، ج 10 ، ص 84 و 86 ، المسألة 47، والفرع «ز» منها.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 177(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ وراجع الخلاف، ج 3، ص 198، المسألة 4.
3- البسُط : جمع بساط ، والزلالي : جمع زِلّيّة، وهو نوع من الفرش المعجم الوسيط، ص 56، «البساط» وص 398، «الزلّيّة».
4- العزيز شرح الوجيز ، ج 4، ص 55: المجموع شرح المهذب، ج 9، ص 296.

•وإن اختلفا فيه فالقول قول المبتاع مع يمينه على تردّد.

فإن كان المراد منه الطعم أو الريح فلابدّ من اختباره بالذوق أو الشمّ.

ويجوز شراؤه من دون ذلك بالوصف، كما يشتري الأعمى الأعيان المرئية.

•وهل يصحّ شراؤه من غير اختبارٍ ولا وصفٍ على أنّ الأصل الصحّة؟ فيه تردّد، والأولى الجواز.

--------------

قوله: «وإن اختلفا فيه فالقول قول المبتاع مع يمينه، على تردّد».

وجه التردّد من أنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع على المبيع على الصفة الموجودة والرضى به، والمشتري ينكره، فيكون القولُ قولَه؛ لأصالة عدمه، ومن تحقّق الاطّلاع القديم المجوّز للبيع، وأصالة عدم التغيّر، ولزوم العقد، فيكون القولُ قولَ البائع.

والأوّل أقوى؛ لِما ذُكر، ولأنّ الأصل عدم وصول حقّه إليه، فيكون في معنى المنكر وإن

كان بصورة المدّعي، فيحلف على أنّ المبيع ليس بالصفة التي اشتراه عليها.

والمعتبر من التغيّر الموجب للتخيير هنا ما اختلف بسببه الثمن اختلافاً لا يتسامح بمثله غالباً، أو يوجب اختلاف الرغبات.

وبالجملة، فالرؤية بمثابة الشرط للصفات الكائنة عند الرؤية، فكلّ ما فات منها كان كما لو تبيّن الخلف بالشرط.

فرع لو اتّفقا على تغيّره، لكن اختلفا في تقدّمه على البيع وتأخّره، فإن شهدت القرائن بأحدهما حُكم به من غير يمين،و إن احتمل الأمران فالوجهان، من أصالة عدم وصول حقٌ المشتري إليه، وأصالة عدم تقدّم التغيّر.

قوله: «وهل يصحّ شراؤه من غير اختبارٍ ولا وصفٍ على أنّ الأصل الصحّة؟ فيه تردّد،

والأولى الجواز».

موضع الخلاف ما لو كان المبيع مشاهَداً بحيث ترتفع الجهالة عنه من جهة القوام واللون وغيرهما، وإنّما تخلّف عنه الطعم والريح، وحينئذٍ فالأقوى صحّة البيع إحالةً له على

ص: 85

وله الخيار بين الردّ والأرش إن خرج معيباً ، ويتعين الأرش مع إحداث حدث فيه. •ويتساوى في ذلك الأعمى والمبصر.

وكذا ما يؤدّي اختباره إلى إفساده، كالجوز والبطّيخ والبيض، •فإنّ شراءه جائز مع جهالة ما في بطونه. ويثبت للمشتري الأرش بالاختبار مع العيب دون الردّ.

--------------

مقتضی طبعه، فإن ظهر بخلاف المعروف منه تخيّر المشتري، فإنّ طعم العسل والدبس وریح المسك ونحوها أمر مضبوط عرفاً، فيجوز الاعتماد على مقتضى طبعه؛ إذ ليس المراد بأصل شرط العلم بالمبيع أن ترتفع الجهالة عنه بكلّ وجهٍ، فإنّ رؤية ظاهر الصبرة ونحوها كافية مع احتمال المخالفة، وكذلك البيع بالوصف.

قوله: «ويتساوى في ذلك الأعمى والمبصر».

نبّه بذلك على خلاف سلّار، حيث ذهب إلى تخيّر الأعمى بين الردّ والأرش وإن تصرّف(1)، وحينئذٍ ف-«ذلك» في العبارة إشارة إلى قوله «ويتعيّن الأرش مع إحداث حدثٍ فيه» المتّصل به.

قوله: «فإنّ شراءه جائز مع جهالة ما في بطونه» إلى آخره.

مقتضى إطلاق العبارة جواز شرائه مطلقاً من غير اشتراط الصحّة، ويكون الإطلاق منزّلاً عليه. وفي بعض عبارات الأصحاب جاز شراؤه بشرط الصحّة(2). وفي عبارة الشيخ (3) وجماعة(4): بشرط الصحّة والبراءة من العيوب وعبارة المصنّف أجود.

ثمَّ إن أطلق اقتضى الصحّة ورجع بأرش العيب مع ظهوره بعد الكسر، ولا ردّ؛ للتصرّف. وإن شرط البائع البراءة من العيوب صحّ، ولا خيار لو ظهر معيباً، كذا أطلقه الجماعة.

ص: 86


1- المراسم، ص 180.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 22.
3- النهاية، ص 404.
4- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 246 - 247؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 331.

•وإن لم يكن لمكسوره قيمة رجع بالثمن كلّه.

•ولا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكاً؛ لجهالته وإن ضمّ إليه القصب أو غيره، على الأصحّ.

--------------

ويشكل فيما لو ظهر كلّه معيباً ولم يكن لمكسوره قيمة كالبيض، فإنّ مقتضى الشرط رجوعه بالثمن كلّه؛ لعدم وجود ما يقابله، وهو منافٍ لمقتضى العقد؛ إذ لا شيء في مقابلة الثمن حينئذٍ، فيكون أكل مالٍ بالباطل، فيتّجه حينئذٍ بطلان الشرط، وقد نبّه على هذا في الدروس(1).

قوله: «وإن لم يكن لمكسوره قيمة رجع بالثمن كلّه».

بمعنى بطلان البيع ؛ لعدم وجود عوضٍ في مقابلة الثمن، لكن هل يُحكم ببطلان البيع من أصله؛ نظراً إلى عدم تقوم المثمن في نفس الأمر من حين العقد، أم من حين ظهور الفساد؛ لأنّه كان مالاً متقوّماً ظاهراً؟ وجهان.

وتظهر الفائدة فيما لو تبرّأ البائع من عيبه، وفيما لو افتقر إلى مؤونةٍ لنقله وكسره.

والذي يظهر أنّ المؤونة على المشتري مطلقاً؛ لعدم المقتضي لرجوعه بها وإن كان الفعل في ملك غيره، وقد عرفت حكم التبرّي من العيب في ذلك، فتنتفي فائدة الخلاف.

قوله: «ولا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكاً »إلى آخره.

المراد به السمك الذي ليس بمشاهَدٍ ولا محصورٍ، كما يظهر من إضافته إلى الآجام. والآجام جمع أجمة - بالتحريك - وهي غابة القصب.

والقول بالجواز مع الضميمة مذهب الشيخ وجماعة (2)؛ استناداً إلى أخبار (3) ضعيفة.

والذي اختاره المتأخّرون (4)، أنّ المقصود بالبيع إن كان هو القصب وجعل السمك تابعاً له

ص: 87


1- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- منهم ابن البرّاج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 275، المسألة 245؛ وابن حمزة في الوسيلة. ص 246 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 126 ، ح 550 و 551.
4- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 276، المسألة 245.

• وکذا في الضرع و لو ضمّ إلیه ما یحتلب منه.

• وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ولو ضمّ إليه غيره،

• وكذا ما في بطونها، وكذا إذا ضمّهما، وكذا ما يلقح الفحل.

--------------

صحّ البيع، وإن انعكس أو كانا مقصودين لم يصحّ، وهو الأقوى.

وكذا القول في كلّ مجهولٍ ضمّ إلى معلومٍ، كالحمل واللبن الذي في الضرع وغيرهما. قوله: «وكذا اللبن في الضرع ولو ضمّ إليه ما يحتلب منه».

جوّزه الشيخ مع الضميمة ولو إلى ما يوجد في مدّةٍ معلومة (1)1؛ استناداً إلى روايةٍ (2) ضعيفة. والوجه المنع، إلّا على التفصيل السابق (3).

نعم، لو صالح على ما في الضرع، أو على ما سيوجد في مدّة معلومة فالأجود الصحّة.

قوله: «وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ولو ضمّ إليه غيره».

أي لا يصحّ بيع جميع ذلك، ولا كلّ واحدٍ منها منفرداً، ولا مع ضمّ شيءٍ آخَر إليه؛ لجهالته، ولأنّ ما عدا الجلود من المذكورات موزون فلا يباع جزافاً.

والأقوى جواز بيع ما عدا الجلد منفرداً ومنضمّاً مع مشاهدته وإن جهل وزنه؛ لأنّه حينئذٍ غير موزونٍ كالثمرة على الشجرة وإن كان موزوناً لو قلع كالثمرة، وفي بعض الأخبار (4)؛ دلالة عليه. وينبغي مع ذلك جزّء في الحال، أو شرط تأخيره إلى مدّةٍ معلومة.

قوله: «وكذا ما في بطونها، وكذا إذا ضمّهما».

الضمير المثنّى يعود إلى النوعين السابقين، وهما ما في بطونها وما على ظهورها من

ص: 88


1- النهاية، ص 400.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 123، ح 538؛ الاستبصار، ج 3، ص 104، ح 364.
3- سبق قبيل هذا.
4- الكافي، ج 5، ص 194، باب بيع العدد والمجازفة ...، ح 8؛ الفقيه، ج 3، ص 231، ح 3856؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 123 - 124، ح 539.

مسألتان:

الأُولى: • المسك طاهر يجوز بيعه في فأره وإن لم يفتق، وفتقه أحوط.

الثانية: • يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة، ولا يجوز وضع ما يزيد إلّا بالمراضاة، ويجوز بيعه مع الظرف من غير وضعٍ.

--------------

الصوف والشعر والوبر. والمراد أنّه لا يصحّ بيع كلّ واحدٍ منهما منفرداً ولا منضمّاً إلى غيره، ولا أحدهما منضمّاً إلى الآخَر.

وحيث عرفت أنّ بيع ما على الظهور من المذكورات صحيح، فيجوز ضمّ ما في البطن إليه إذا كان المقصود بالذات هو ما على الظهر، كما تقدّم في القاعدة. وكذا يصحّ بيعه مع ضميمته إلى كلّ مقصودٍ، كالحامل وغيرها.

قوله: «المسك طاهر يجوز بيعه في فأره وإن لم يفتق، وفتقه أحوط».

الفأر بالهمز، جمع فأرة بها أيضاً، كالفأرة في غيره، وهي الجلدة المشتملة على المسك، يجوز بيعه فيه وإن لم يفتق، بناءً على أصل السلامة، فإن ظهر بعد الفتق معيباً لزمه حكمه.

والمراد بفتقه - على ما ذكره جماعة (1) - إدخال خيط فيه ثمَّ إخراجه وشمّه.

قوله: «يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة - إلى قوله - من غير وضع». الإندار - بالدال المهملة - الإسقاط، والمراد إسقاط قدرٍ معيّنٍ للظروف يحتمل كونها بذلك القدر أو يزيد يسيراً أو ينقص يسيراً، فلو علم يقيناً زيادة المسقط على وزنها لم يصحّ إلّا بتراضي المتبايعين؛ لأنّ في ذلك تضييعاً لمال أحدهما، بخلاف ما إذا كان برضاهما.

وكما لا يجوز وضع ما يزيد كذا ما ينقص؛ لاشتراكهما في المعنى.

والمراد ببيعه بالظروف من غير وضعٍ جعل مجموع الموزون من الظرف والمظروف

بسعرٍ واحد.

ص: 89


1- منهم الشهيد في اللمعة الدمشقيّة، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).

وأمّا الآداب:

• فيستحبّ أن يتفقّه فيما يتولّاه، • وأن يسوّي البائع بين المبتاعين في الإنصاف،

• وأن يقيل مَن استقاله.

--------------

ولا يضرّ جهل وزن كلّ واحدٍ؛ لأنّ معرفة الجملة كافية، كنظائره ممّا يباع منضمّاً.

قوله: يستحبّ أن يتفقّه فيما يتولّاه».

المراد بالتفقّه هنا العلم بالأحكام الشرعيّة المتعلّقة بما يزاوله من المتجر ولو بالتقليد، ليعرف صحيح العقد من فاسده، ويسلم من الربا، ويعمل بمقتضى أحكامه. وقد قال عليٌّ علیه السلام: «مَن اتّجر بغير علمٍ فقد ارتطم في الربا ثمَّ ارتطم» (1).

وكان علیه السلام يقول على المنبر : «يا معشر التجّار! الفقه ثمَّ المتجر، الفقه ثمَّ المتجر، والله للربا في هذه الأُمة أخفى من دبيب النملة على الصفاء، التاجر فاجر، والفاجر في النار، إلّا مَنْ أخذ الحقّ، وأعطى الحقّ» (2).

قوله: «وأن يسوّي البائع بين المبتاعين في الإنصاف».

بمعنى أنّه لا يفاوت بينهم بسبب المماكسة وعدمها، ولا بين الصغير والكبير ونحوهما، أمّا لو فاوت بينهما بسبب الفضل والدين فلا بأس.

قوله: «وأن يقيل مَن استقاله».

عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيعٍ أقاله الله عثرته يوم القيامة» (3).

ص: 90


1- الكافي، ج 5، ص 154، باب آداب التجارة، ح 23؛ الفقيه، ج 3، ص 193، ح 3728؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 5، ح 14.
2- الكافي، ج 5، ص 150، باب آداب التجارة، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 194 - 195 ، ح 3734؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 6 . ح 16.
3- الكافي، ج 5، ص 153، باب آداب التجارة، ح 16؛ الفقيه، ج 3، ص 196، ح 3741؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 08 ح 26.

• وأن يشهد الشهادتين، ويكبّر الله سبحانه إذا اشترى، • وأن يقبض لنفسه ناقصاً ويعطي راجحاً.

• ويكره مدح البائع لِما يبيعه، وذمّ المشتري لِما يشتريه، • واليمين على البيع، • والبيع في موضعٍ يستتر فيه العيوب،

--------------

قوله: «وأن يشهد الشهادتين، ويكبّر الله تعالى إذا اشترى».

وليكن التكبير ثلاثاً، وليقل بعده: «اللهم إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً، اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقاً فاجعل لي فيه رزقاً» (1). ومحلّه بعد الشراء.

قوله: «وأن يقبض لنفسه ناقصاً ويعطى راجحاً».

ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قدّم من بيده الميزان أو المكيال.

قوله: «ويكره مدح البائع لِما يبيعه، وذّم المشتري لِما يشتريه».

لقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «مَنْ باع واشترى فليحفظ خمس خصال، وإلّا فلا يشتر ولا يبع، الربا، والحلف، وكتمان العيب، والحمد إذا باع، والذمّ إذا اشترى» (2).

ولو ذمّ سلعة نفسه صادقاً فلا بأس.

قوله: «واليمين على البيع».

وكذا الشراء، قال الكاظم علیه السلام: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم، أحدهم رجل اتّخذ الله عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلّا بيمينٍ، ولا يبيع إلّا بيمينٍ» (3).

قوله: «والبيع في موضع يستتر فيه العيوب». كالموضع المظلم؛ حذراً من الغشّ.

ص: 91


1- كما ورد في الكافي، ج 5، ص 156، باب القول عند ما يشترى للتجارة، ح 1؛ والفقيه، ج 3، ص 200، ح 3760؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 9 ح 33.
2- الكافي، ج 5، ص 150 - 151، باب آداب التجارة، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 194، ح 3730؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 6 ، ح 18.
3- الكافي، ج 5، ص 162، باب الحلف في الشراء والبيع، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 13، ح 56.

• والربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، • وعلى مَنْ يعده بالإحسان، • والسوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والدخول إلى السوق أوّلاً،

--------------

قال هشام بن الحكم كنت أبيع السابري في الظلال، فمّر بي الكاظم علیه السلام فقال: «يا هشام! إنّ البيع في الظلال غشّ، والغش، لا يحلّ» (1).

ومثله إظهار جيّد المتاع وكتم رديئه، فقد قال النبيّ صلى الله عليه واله وسلم لفاعل ذلك: «ما أراك إلّا قد جمعتَ خيانة و غشّاً للمسلمين» (2).

قوله: «والربح على المؤمن إلّا مع الضرورة».

فيربح قوت يومه موزّعاً على سائر المعاملين المؤمنين في ذلك اليوم.

هذا إذا اشترى منه للقوت وكان بمائة درهم فصاعداً، أمّا لو اشترى للتجارة فلا بأس.

قال الصادق علیه السلام: «ربح المؤمن على المؤمن حرام (3) إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم» (4).

قوله: «وعلى مَنْ يعده بالإحسان».

بأن يقول له: هلم أحسن إليك، فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه.

قال الصادق علیه السلام: «إذا قال الرجل للرجل؛ هلمّ أحسن بيعك، يحرم عليه الربح» (5).

قوله: «والسوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس».

أي الاشتغال بالتجارة ذلك الوقت؛ لأنّه وقت دعاءٍ ومسألةٍ. وفي الحديث: «إنّ الدعاء

فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» (6).

ص: 92


1- الكافي، ج 5، ص 160 - 161، باب الغش، ح 6؛ الفقيه، ج 3، ص 271، ج 3983؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 13، ح 54.
2- الكافي، ج 5، ص 161، باب الغشّ، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 13، ح 55.
3- ورد في بعض المصادر الحديثيّة: «ربا» بدل «حرام».
4- الكافي، ج 5، ص 154، باب آداب التجارة، ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 7، ح 23؛ الاستبصار، ج 3، ص 69، ح 232.
5- الكافي، ج 5، ص 152، باب آداب التجارة، ح 9؛ الفقيه، ج 3، ص 272، ح 3987؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 7، ح 21.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 104، ح 391؛ الخصال، ص 616، حديث أربعمائة ضمن الحديث 10 بتفاوت فيهما.

• ومبايعة الأدنين • وذوي العاهات • والأكراد، • والتعرّض للكيل أو الوزن إذا لم يحسنه،

--------------

وفي خبرٍ آخر: «نهى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (1). قوله: «ومبايعة الأدنين».

فسّروا بمن لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه، وبالذي لا يسرّه الإحسان ولا تسوؤه الإساءة، وبالذي يحاسب على الدون. والسفلةبمعناهم.

وفي الحديث النهي عن معاملة ومخالطة مَنْ لم ينشأ في الخير (2).

قوله: «وذوي العاهات».

أي ذوي النقص في أبدانهم، وعُلّل في عدّة أخبار بأنّهم أظلم شيءٍ(3) .

قوله: «والأكراد».

للحديث عن الصادق علیه السلام، وفيه النهي عن مخالطتهم، وعلّله بأنّ الأكراد حيّ من أحياء الجن كشف الله الغطاء (4). عنهم

قوله: «والتعرّض للكيل أو الوزن إذا لم يحسنه».

حذراً من الزيادة والنقصان المؤدّيين إلى المحرَّم؛ وفي الأخبار النهي عنه(5) وحرمه بعض الأصحاب (6).

ص: 93


1- الكافي، ج 5، ص 152. باب آداب التجارة، ح 12؛ الفقيه، ج 3، ص 196، ج 3744؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 8، ح 28.
2- الكافي، ج 5، ص 158 و 159 ، باب مَنْ تكره معاملته... ح 5 و 8؛ الفقيه، ج 3، ص 164، ح 3604: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 10 ، ح 36 و 37.
3- الكافي، ج 5، ص 158، باب مَنْ تكره معاملته... ، ح 3 و 6، وص 159 ، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 10 ح 35، وص 11. ح 40.
4- الكافي، ج 5 ص 158، باب مَنْ تكره معاملته... . ح 2: الفقيه، ج 3، ص 164، ح 3606؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 11 ، ح 42.
5- الكافي، ج 5، ص 159 - 160، باب الوفاء والبخس، ح4: الفقيه، ج 3، ص 97، ح 3728؛ تهذيب الأحكام.ج 7، ص 12، ح 47.
6- لم نعثر على قائلٍ به فيما لدينا من المصادر.

قوله «والاستحطاط من الثمن بعد العقد» •والزيادة في السلعة وقت النداء• ودخول

المؤمن في سوم أخيه على الأظهر،

--------------

قوله « والاستحطاط من الثمن بعد العقد».

لنهي النبي صلى الله عليه واله وسلم عنه(1)، وعن الصادق علیه السلام : «الوضيعة بعد الصفقة حرام»(2)، والمراد تأكيد الكراهة.

قوله: «والزيادة في السلعة وقت النداء».

بل يصبر حتّى يسكت، ثمَّ يزيد إن أراد.

قال الصادق علیه السلام: «كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، وإنّما يحرّم الزيادة النداء، ويحلّها السكوت»(3).

قوله: «ودخول المؤمن في سوم أخيه على الأظهر».

المراد بالدخول في سومه أن يطلب المتاع الذي يريد أن يشتريه، بأن يزيد في الثمن ليقدّمه، أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو والبائع، وقد نهي عنه في الأخبار.

قال علیه السلام: «لا يسوم الرجل على سوم أخيه»(4). وهو خبر معناه النهي، والأصل في

التحريم. فمن ثَمَّ ذهب الشيخ (5) وجماعة(6)إلى تحريمه.

واستظهر المصنّف الكراهة؛ للأصل،والجهل بسند الحديث، ولو صحّ تعيّن القول بالتحريم. وإنّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو ظهر منه ما يدلّ على عدم الرضى وطلب الزيادة أو جهل حاله، لم يحرم ولم يكره اتّفاقاً.

ص: 94


1- الكافي، ج 5، ص 286، باب الاستحطاط بعد الصفقة، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 231، ح 3855؛ تهذيب الأحكام ج 7، ص 080 ح 345، وص 233، ح 1017؛ الاستبصار، ج 3، ص 73 ، ح 243 .
2- الكافي، ج 5، ص 286 ، باب الاستحطاط بعد الصفقة، ح 2: الفقيه، ج 3، ص 232 - 233، ح 3860؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 80 - 81 ، ح 346، بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- الكافي، ج 5، ص 305 - 306، باب النوادر ، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 227 - 228، ح 994.
4- مسند أحمد، ج 3، ص 134، ذيل الحديث 9077: الجامع الصحيح، ج 3، ص 587، ذيل الحديث 1292؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 5، ص 563 ، ح 10891.
5- النهاية، ص 374: المبسوط، ج 2، ص 102 .
6- منهم الراوندي في فقه القرآن، ج 2، ص 45: وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 235.

• وأن يتوكّل حاضر لبادٍ، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه.

--------------

ولو طلب الداخل من الطالب الترك له لم يحرم، وفى كراهته وجه. ولا كراهة في ترك الملتمس منه قطعاً، بل ربما استحبّ إجابته إذا كان مؤمناً.

قوله: «وأن يتوكّل حاضر لبادٍ، وقيل: يحرم، والأوّل أشبه».

المراد بالبادي الغريب الجالب للبلد، أعمّ من كونه من البادية أو قرويّاً.

ومعناه أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى بلدٍ فيأتيه البلدي ويقول: أنا أبيعه لك

بأغلى ممّا تبيعه به، قيل: أو يعرّفه السعر ويقول: أنا أبيع لك وأكون سمساراً (1).

وقد ورد النهي عنه أيضاً. قال علیه السلام: «لا يبيع حاضر لبادٍ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعضٍ»(2). والكلام في دلالته على التحريم وفي سنده كما تقدّم.

وقد شرطوا في تحريمه أو كراهيته شروطاً خمسة:

الأوّل: أن يكون الحاضر عالماً بورود النهى، وهو شرط يعمّ جميع المناهي.

الثاني: أن يظهر من ذلك المتاع سعة (3)في البلد، فلو لم يظهر إمّا لكبر البلد أو لعموم

وجوده ورخص السعر فلا تحريم ولا كراهة؛ لأنّ المقتضي للنهي تفويت الربح وفقد الرفق (4)؛ على الناس، ولم يوجد هنا.

الثالث: أن يكون المتاع المجلوب ممّا يعمّ الحاجة إليه، فما لا يحتاج إليه إلّا نادراً

لا يدخل تحت النهي.

الرابع: أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه، فإن التمس الغريب ذلك

لم يكن به بأس.

الخامس: أن يكون الغريب جاهلاً بسعر البلد، فلو علم به لم يكره، بل يكون مساعدته محض الخير.

ص: 95


1- راجع نهاية الإحكام، ج 2، ص 516؛ ومنتهى المطلب، ج 15 ، ص 319 .
2- الأمالي الشيخ الطوسي، ص 396 - 397، المجلس 14، ح 27/879.
3- في بعض النسخ ورد سعر » بدل «سعة» وكلاهما محتمل.
4- في بعض النسخ: «الرزق» بدل «الرفق».

ويلحق بذلك مسألتان:

الأُولى: • تلقّي الركبان مكروه، وحدّه أربعة فراسخ إذا قصده، ولا يكره إن اتّفق.

--------------

وفي اشتراط ما عدا الأخير نظر؛ لإطلاق النصّ، وعدم منافاة التعليل له ،أمّا الأخير فالتعليل يشعر به.

وعلى القول بالتحريم لو أوقع البيع صحّ وإن أثم. ولا بأس بشراء البلدي له؛ للأصل

وعدم تناول النهي له.

قوله «تلقّى الركبان مكروه، وحدّه أربعة فراسخ إذا قصده ولا يكره إن اتّفق».

أطلق المصنّف القول بالكراهة هنا، والخلاف فيه والكلام كما سبق، فقد ذهب جماعة (1) إلى تحريمه؛ عملاً بظاهر النهي الوارد في الأخبار، روى منهال القصّاب عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «لا تتلقّ ولا تشتر ما يتلقّى ولا تأكل منه»(2).

والأصل فيه التحريم، فحمله على الكراهة ليس بجيّدٍ. نعم، يمكن ردّه بجهالة بعض سنده. ومنه يظهر وجه ما اختاره المصنّف وجماعة (3)من الكراهة؛ عملاً بالأصل، ويكفي في إثبات الكراهة أمثال ذلك.

والمراد بالتلقّي الخروج أربعة فراسخ فما دون إلى الركب القاصد إلى بلدٍ،للبيع عليهم أو الشراء منهم، فهنا قيود:

الأوّل: كون الخروج بقصد ذلك، فلو خرج لاله فاتّفق الركب لم يكره ولم يحرم.

الثاني: تحقّق مسمّى الخروج من البلد،فلو تلقّى الركب في أوّل وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم وإن لم يكن قد عرف السعر.

ص: 96


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 103؛وابن البرّاج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ح 5،ص 73 المسألة 35؛وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 237 و 238.
2- الكافي، ج 5، ص 168 ، باب التلقي، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 158، ح 696.
3- منهم المفيد في المقنعة، ص 616: والشيخ في النهاية،ص:375 ؛وابن حمزة في الوسيلة، ص 260 .

ولا يثبت للبائع الخيار ،إلّا أن يثبت الغبن الفاحش،والخيار فيه على الفور مع القدرة ،وقيل : لا يسقط إلّا بالإسقاط، وهو الأشبه.

--------------

ولو دخل بعض الركب فتلقّى البعض الخارج قيل: يسقط النهي أيضاً(1).

ويشكل بصدق التلقّي للخارج منه، إلّا أن يقال: لا يصدق على بعضه اسم الركب.

الثالث: أن لا يتجاوز أربعة فراسخ، فلو زاد كان سفراً للتجارة لا بأس به.

الرابع: جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه ويشتريه، فلو علم بهما أو بأحدهما لم يثبت الحكم فيه، كما يشعر به التعليل في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا يتلقّ أحدكم تجارة خارجاً من المصر، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض»(2) .

والظاهر أنّ الاعتبار بعلم مَنْ يعامل خاصّةً.

الخامس: أن يكون التلقّي للبيع عليه أو الشراء منه، فلو خرج لغيرهما من المقاصد ولو في بعض المعاملات كالإجارة، لم يثبت الحكم.

وفي إلحاق الصلح ونحوه من عقود المغابنات (3)يحتمله؛ للعلّة، وعدمه؛اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن، ولعلّ إلحاق الصلح هنا أقوى.

ويحتمل قصر الحكم على الشراء منهم خاصّةً ؛ نظراً إلى ظاهر قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا يتلقّ أحدكم تجارةً ».

ولو قلنا بالتعميم فينبغي قصر المنع(4)على ما فيه حظر وغين، فلو خرج ليبيع عليهم المأكول ونحوه فلا بأس.

إذا تقرّر ذلك فنقول: لو خرج واشترى منهم أو باع عليهم انعقد البيع وإن قلنا بالتحريم؛

ص: 97


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 163 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- الكافي، ج 5، ص 168، باب التلقي، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 158، ح 697.
3- في «م» زيادة:«والإيقاعات».
4- في بعض النسخ :«البيع» بدل «المنع».

• وكذا حكم النجش ، وهو أن يزيد لزيادة مَنْ واطأه البائع.

--------------

لأنّ النهي عن أمرٍ خارجٍ عن حقيقة البيع؛ خلافاً لابن الجنيد (1).

ثمَّ إن ظهر فيه غبن تخيّر الركب بين فسخ البيع وإمضائه.

والأقوى أنّه على الفور ؛ اقتصاراً في مخالفة عموم لزوم البيع والوفاء بالعقد على موضع اليقين.

ووجه التراخي أنّ ثبوت أصل الخيار إجماعيٌ، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل، واختاره المصنّف هنا، وهو وجيه.

قوله « وكذا حكم النجش وهو أن يزيد لزيادة من واطأه البائع».

يحتمل كون المشبه به المشار إليه ب-«ذا» مجموع الحكم السابق، وهو الكراهة مع صحّة البيع،وثبوت الخيار، وكونه على التراخي على الخلاف. وهذه الجملة أحد الأقوال في المسألة.

ويمكن كونه الأخير، وهو كون الخيار فيه على التراخي، وهو يستلزم صحّة البيع، ولا يكون متعرّضاً لحكمه من حيث التحريم أو الكراهة.

والأقوى تحريمه؛ لأنّه غشٌّ وخديعةٌ، وثبوت باقي الأحكام السابقة.

وما عرّفه به المصنّف غير جيّدٍ؛ لأن الزيادة لزيادة مَنْ واطأه البائع تكون من المشتري المخدوع، وهو لا يتعلّق به تحريم ولا كراهة إجماعاً، وإنّما المحرَّم نفس تلك الزيادة من الخارج التي أوجبت انخداع المشتري، فالأجود في تعريفه أنّه الزيادة في السلعة ممّن لا يريد شراءها ليحضّ غيره عليه وإن لم يكن بمواطأة البائع، فإذا اتّفق ذلك فالبيع صحيح، ويتخيّر المشتري مع ظهور الغبن، كما تقدّم (2).

وقيل: لا خيار هنا (3)، وقيل بثبوته مع مواطأة البائع لا غير (4)، والأوّل أقوى.

ص: 98


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 74، المسألة 37.
2- تقدّم قُبيل هذا.
3- قال به الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 101 - 102.
4- قال به ابن البّراج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 75، المسألة 38.

المسألة الثانية:• الاحتكار مكروه، وقيل: حرام والأوّل أشبه.

• وإنّما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن، وقيل: وفي الملح،

--------------

وفي حكمه ما لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا، وصدّقه المشتري، فإنّه يتخيّر لو ظهر الغين وإن كان البائع صادقاً، ولو كان كاذباً فكالنجش في التحريم، ويزيد عنه بالكذب. ولا يلحق به ترك الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل؛ للأصل.

قوله: «الاحتكار مكروه، وقيل: حرام، والأوّل أشبه».

الاحتكار افتعال من الحكرة - بالضمّ - وهو جمع الطعام وحبسه يتربّص به الغلاء.

والأقوى تحريمه؛ لصحيحة إسماعيل بن [أبي](1) زياد عن الصادق علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ»(2)، والمراد به فاعل الذنب.

وقال صلی الله علیه و آله وسلم : «الجالب مرزوق،والمحتكر ملعون»(3).

والقول بالكراهة للشيخ في المبسوط(4)،وجماعة(5)؛ لقول الصادق علیه السلام: «يكره أن يحتكر الطعام»(6).

وجوابه: القول بالموجب، فإنّ المكروه أحد معاني الحرام، فإذا دلّت تلك الأخبار على

التحريم، تعيّن حمل المكروه عليه.

قوله: «وإنّما يكون في الحنطة والشعير - إلى قوله - وقيل: وفي الملح».

ص: 99


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر، وإسماعيل هذا هو السكوني.
2- تهذيب الإحكام، ج 7، ص 159، ح 701؛الاستبصار، ج 3، ص 114، ح 403.
3- الكافي، ج 5، ص 165، باب الحكرة، ح 6: الفقيه، ج 3، ص 266، ح 3964؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 159. ح 702؛ الاستبصار، ج 3، ص 114 . ح 404.
4- المبسوط، ج 2، ص 145.
5- منهم المفيد في المقنعة، ص 616؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 283 و 360؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 69 المسألة 31 .
6- الكافي، ج 5، ص 165، باب الحكرة، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 160، ح 708: الاستبصار، ج 3، ص 115 - 116 ،ح 411.

• بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن، وأن لا يوجد بائع ولا باذل.

• وشرط آخَرون أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام، وفي الرخص أربعين. ويُجبر المحتكر على البيع،•ولا يسعّر عليه، وقيل: يسعّر، والأوّل أظهر.

--------------

هذا القول قويٌّ، وفي رواية إضافة الزيت (1)، وهو حسن.

قوله: «بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن، وأن لا يوجد بائع ولا باذل».

إطلاق كلامه مع شرطيه يقتضي عدم الفرق بين كون هذه الأشياء من غلّته أو شرائها لذلك.

وقد صرّح العلّامة بأنّ الاحتكار لا يتحقّق إلّا بشرائها وحبسها(2)، وفي حسنة الحلبي(3)،دلالة عليه. والأقوى عموم التحريم مع استغنائه عنه وحاجة الناس إليها، فمع حاجته إليها ولو في المآل؛ لمؤونته ووفاء دَيْنه ونحوهما، أو وجود باذلٍ غيره لا يحرم. نعم، يستحبّ مساواة الناس حالة الغلاء ولو ببيع ما يزيد عن حاجته وما عنده من الجيّد إذا لم يكن عند الناس إلّا الردى واستعمال ما يأكلون، كما روى من فعل الصادق علیه السلام(4).

قوله: «وشرط آخَرون أن يستبقيها».

أي شرطوا ذلك مضافاً إلى ما تقدّم،والأقوى تقييده بالحاجة لا بالمدّة.

قوله: «ولا يسعّر عليه، وقيل: يسعّر ، والأوّل أظهر».

الأظهر أظهر، إلّا مع الإجحاف (فيؤمر بالنزول عنه إلى حدٍّ ينتفي به الإجحاف)(5)، وإلّا لانتفت فائدة الإجبار؛ إذ يجوز أن يطلب في ماله ما لا يقدر على بذله، أو يضرّ بحال الناس، والغرض دفع الضرر.

ص: 100


1- الفقيه، ج 3، ص 265، ح 3957.
2- نهاية الإحكام، ج 2، ص 513 .
3- الكافي، ج 5، ص 164 - 165، باب الحكرة، ح : الفقيه، ج 3، ص 266، ح 3959؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 160، ح 706: الاستبصار، ج 3، ص 115، ح 409.
4- الكافي، ج 5، ص 166، باب، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 160 - 161 ، ح 709 .
5- ما بين القوسين سقط من الحجريّتين.

[الفصل] الثالث في الخيار

والنظر في أقسامه، وأحكامه.

أما أقسامه فخمسة:

الأوّل • خيار المجلس.

فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع• ولكلٍّ من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس.

--------------

الفصل الثالث في الخيار

قوله: «خيار المجلس».

إضافة هذا الخيار إلى المجلس إضافة إلى بعض أمكنته، فإنّ المجلس موضع الجلوس، وليس بمعتبر في تحقّق هذا الخيار، بل المعتبر فيه مكان العقد مطلقاً، أو ما في معناه.

والأصل فيه قول النبي صلی الله علیه واله وسلم: البيّ«عان بالخيار ما لم يفترقا» (1).

وهو أوضح دلالةً من عبارة الفقهاء، إلا أنّه قد صار بمنزلة الحقيقة العرفية وإن كان للتسمية فيه خصوص لغة. ونظيره في التجوّز ما تقدّم في شرائط القصر أن لا يكون سفره أكثر من حضره، وقد حرّرناه في محله(2).

قوله: «ولكلٍّ من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس»

ص: 101


1- الكافي، ج 5، ص 170، باب الشرط والخيار في البيع، ح 4 - 6 : السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 442، ح 10434 ، وفيه: «ما لم يتفرّقا».
2- تقدم في ج 1، ص 357، فيصلاة المسافر.

--------------

إطلاق المتبايعين يشمل المالكين والوكيلين والمتفرّقين؛ لأنّ المتبايعين مَنْ فَعَلا البيع وهو إن كان عبارةٌ عن الإيجاب والقبول، فظاهر إطلاقه على مَنْ أوقع الصيغة، سواء كان مالكاً أم وكيلاً، وإن كان عبارة عن نفس «انتقال الأعيان» إلى آخره، ففاعل الانتقال و محدثه هو المتعاقدان أيضاً.

لكن الحكم في المالكين واضح، وأمّا الوكيلان، فإن لم ينصّ لهما الموكّل على الخيار لم يكن لهما الفسخ فينتفي الحكم عنهما. وإن وكّلهما فيه، فإن كان قبل العقد، بني على التوكيل فيما لا يملكه الموكّل هل يصحّ بوجه أم لا؟ وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.

فإن لم نجوّزه لم يكن لهما ذلك أيضاً، وإن جوّزناه أو كان التوكيل فيه بعد العقد في

المجلس كان لهما الخيار ما لم يتفرّقا، عملاً بإطلاق الخبر.

وهل يثبت مع ذلك للموكّلين إذا حضراالمجلس ؟ قيل : نعم (1)؛ لأنّ الخيار لهما بالأصالة، ولأنّهما بيّعان عرفاً؛ إذ يصدق على البائع عرفاً أنه باع متاعه إذا كان قد وكل في بيعه وباعه الوكيل وكذا المشتري .

ويحتمل العدم؛ لأنّهما ليسا بائعين بمعنى موقعي الصيغة، ولا ناقلين للملك، وإنّما أوقعها ونقله الوكيلان.

ويحتمل أن لا يكون الخيار إلا لهما؛ لأنّهما المالكان حقيقة المستحقّان للخيار؛ إذ الأصل في الوكيلين أن لا يستحقا خياراً، فلا يتناولهما الخبر.

ثمَّ على تقدير ثبوت الخيار للجميع أو للمالكين فهل المعتبر تفرّق الوكيلين، أم المالكين، أم الجميع ؟ كلُّ محتمل.

ويشكل تثنية(2) ضمير يفترقا (3) في بعض الموارد، ومن ثُمَّ قيل بأنّ المراد بهما المالكان

ص: 102


1- . 1ممن قال به المحقّق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان ، ص 389 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره ، ج 9).
2- في بعض النسخ: «بسبب» بدل «تثنية».
3- في «ق»: «يتفرّقا» بدل «يفترقا» وهكذا فيما يأتي.

• ولو ضرب بينهما حائل لم يبطل الخيار. • وكذا لو أكرها على التفرّق ولم يتمكّنا من التخاير.

--------------

والضمير لهما، ودخول الوكيلين في الحكم بأمر خارج (1).

والوجه ثبوته لكلّ واحدٍ منهما، واعتبار تفرّق كلّ واحدٍ منهما في خيار نفسه، لا في خيار الآخر، والمسألة من المشكلات.

قوله: «ولو ضرب بينهما حائل لم يبطل الخيار».

لا فرق في الحائل بين الرقيق كالستر والغليظ كالحائط، والمانع من الاجتماع كالنهر العظيم وغيرها؛ لعدم صدق الافتراق بذلك، فإنّ المفهوم منه تباعدهما عن الحدّ الذي كانا عليه.

ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث أبطله به (2).

قوله: «وكذا لو أكرها على التفرّق ولم يتمكّنا من التخاير»

المراد بالتخاير اختيار العقد والبقاء عليه، بأن يقولا: تخايرنا، أو اخترنا إمضاء العقد، أو أمضيناه، أو التزمنا به، وما أدّى هذا المعنى.

ويتحقّق ذلك بمنعهما من الكلام بأن يسدّ فوهما، أو هدّدا على التكلّم، فإنّه حينئذ لا يسقط خيارهما بالتفرّق، بل لهما الفسخ عند زوال المانع لكن هل يعتبر حينئذٍ مجلس الزوال، أو يكون الخيار على الفور؟ وجهان.

ولو أُخرج أحدهما كرهاً ومُنع فالحكم فيه ما ذُكر.

واعلم أنّ قيد التخاير هنا كناية عن الفسخ؛ لأنّ التزام العقد واختياره لا يتوقّف على الكلام، بل لو تفرّقا ساكتين لزم، وإنما يتوقّف عليه الفسخ، فيكون المنع معتبراً فيه لا في التخاير.

ص: 103


1- لم نتحقّق القائل به فيما توفّر لدينا من المصادر، ولعله قول منقول عن بعض مشايخه.
2- كالنووي في المجموع شرح المهذّب، ج 9، ص 181.

• ويسقط باشتراط سقوطه في العقد، وبمفارقة كلّ واحدٍ منهما صاحبه ولو بخطوة، وبإيجابهما إيَّاه أو أحدهما ورضى الآخر.

ولو التزم أحدهما سقط خياره، دون صاحبه.

قوله: «ويسقط باشتراط سقوطه في العقد».

مسقطات هذا الخيار أربعة، ذكر المصنف منها ثلاثة:

الأوّل: اشتراط سقوطه في متن العقد، فإنّه يسقط كغيره؛ لأنّه شرط سائغ يتعلّق به

غرض صحيح فيصحّ؛ لقوله علیه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

ولو شرط أحدهما خاصةً سقوطه سقط بالنسبة إليه، دون صاحبه.

الثاني : مفارقة كل منهما صاحبه، ويتحقق بانتقال أحدهما من مكانه بحيث يبعد عن صاحبه وإن قلّ، فلو انتقلا أو أحدهما لا كذلك، بأن تماشيا مصطحبين أو تقرّب كلّ واحدٍ إلى صاحبه لم يضرّ.

الثالث: إيجابهما العقد واختيارهما له ،بأن يقولا: اخترنا العقد، أو التزمناه، أو أسقطنا

الخيار.

ولو أوجبه أحدهما خاصةً سقط خياره ،وبقي خيار الآخر.

ولو رضي بما اختاره صاحبه فهو في حكم الاختيار، إذ لا يختصّ بلفظ، بل كلّ ما دلّ

على الرضی به کافِ.

الرابع: التصرّف، فإن كان من المشتري كان التزاماً بالبيع وبطل خياره وبقي خيار البائع، وإن كان من البائع كان فسخاً للبيع وبطل خيارهما.

ولا فرق بين التصرّف الناقل للملك وغيره، لكن لو وقع الناقل من المشتري مع بقاء خيار البائع. ففي صحته إشكال.

ص: 104


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503؛ الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.

• ولو خيّره فسكت فخيار الساكت باقٍ، وكذا الآخر، وقيل: فيه يسقط، والأوّل أشبه.

• ولو كان الواحد عاقداً عن اثنين، كالأب أو الجدّ، كان الخيار ثابتاً ما لم يشترط سقوطه، أو يلتزم به عنهما بعد العقد، أو يفارق المجلس الذي عقد فيه، على قول.

--------------

قوله: «ولو خيره فسكت فخيار الساكت باقي إلى قوله - والأول أشبه».

أمّا بقاء خيار الساكت فظاهر. وأمّا القائل فالأقوى أنه كذلك؛ لعدم حصول أحد الأمور المسقطة، فإنّ تخييره صاحبه لا يدلّ على اختياره الإمساك بإحدى الدلالات، وحديث «ما لم يفترقا متناول له.

والقول بسقوط خياره للشيخ (رحمه الله)(1) : استناداً إلى ما روي عنه علیه السلام بعد قوله

«ما لم يفترقا»: «أو يقل أحدهما لصاحبه اختر».

وفي هذه الزيادة نظر.

قوله: «ولو كان الواحد عاقداً (2) عن اثنين - إلى قوله - يفارق المجلس الذي عقد فيه، على قول.

عقد الواحد عن اثنين يشمل ما لو كانا خارجين عنه، كالوكيل عن المتبايعين، وما لو كان أحدهما، كالأب يعقد للصبيّ على ماله أو بالعكس، وكما لو كان أحد المتبايعين وكيلاً عن الآخَر، فإنّه يصدق أيضاً أنّ الواحد عاقد عن اثنين وقائم مقامهما وإن كان هو و أحدهما.

والخيار المحكوم بثبوته أعمّ من كونه لذلك العاقد ولو بالولاية، كما لو كان أباً أو جدّاً يبيع من نفسه، فإنّ الخيار له وللطفل، وله مراعاة الجانبين، لكن في الطفل يراعي مصلحته،

ص: 105


1- نسبه إليه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 285 وفي المبسوط، ج 2، ص 12؛ والخلاف، ج 3، ص 21، المسألة :27: عدم سقوط الخيار؛ وللمزيد راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 94 - 95. المسألة 55.
2- في نسخة «أ» من الشرائع:« ولو كان العاقد واحداً».

--------------

وكونه كغيره، كما لو كان وكيلاً في العقد خاصةً، فإنّ الخيار للمتبايعين لا له إن قلنا به. وقوله «ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما »إنّما يتمّ فيمن له الاشتراط والالتزام، كالأب والجدّ الذي مثّل بهما، فلو كان وكيلاً في إيقاع الصيغة لم يكن له ذلك.

ولو أريد العموم كان المراد ما لم يشترط أو يلتزم حيث يكون له ذلك.

وأيضاً فالالتزام عنهما لا يدخل فيه ما لو كان هو أحدهما إلّا بتكلّفٍ، ففي العبارة قصور عن تأدية الحكم المطلوب من المسألة.

إذا تقرّر ذلك، ففي حكم خيار المجلس هنا ثلاثة احتمالات :

الأوّل: ما حكاه المصنّف من ثبوته ما لم يحصل أحد الأمرين أو يفارق العاقد المجلس الذي عقد فيه.

ووجهه أنّ المعتبر في سقوط خيار المتعاقدين مفارقة أحدهما مجلس العقد، ولمّا كان ذلك متعذّراً هنا؛ لأنّ الواحد لا يفارق نفسه اعتبر فيه الممكن، وهو مفارقته مجلس العقد؛ لأنّه مشبه لمفارقة أحد المتعاقدين.

وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط(1) ، ولم يذكر قائله.

ويضعّف بأنّ الواقع في الحديث هو الافتراق، لا مفارقة مجلس العقد، فلو خرجا منه

مصطحبين لم يبطل خيارهما وإن بقيا مدّةً طويلةً، فلا يتمّ ما وجّهه.

الثاني : ثبوته دائماً ما لم يلتزماه أو يشترطا سقوطه.

ووجهه قد علم من السابق، فإنّ المسقط هو المفارقة ولم تتحقّق، والمفهوم من قوله علیه السلام : «ما لم يفترقا »إرادة السلب ،لا عدم الملكة، أي عدم الافتراق عمّا من شأنه الافتراق، أو محتمل لهما، فيثبت الخيار بمقتضى صدر الحديث، ويحصل الشكّ في المسقط، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل.

ص: 106


1- المبسوط، ج 2، ص 7.

الثاني: خيار الحيوان.

•والشرط فيه كلّه ثلاثة أيّام• للمشتري خاصةً، دون البائع على الأظهر.

--------------

وهذا الاحتمال قطع به العلّامة في التذكرة (1) وهو ظاهر اختيار الدروس، فإنّه حَكَم بثبوت الخيار وأبطله بما يبطل به خيار المتعاقدين(2)، ومن جملته التفرّق، ولم يتحقّق هنا، مع احتماله - على بُعْدٍ - القول الأوّل.

الثالث: عدم ثبوته أصلاً، عملاً بظاهر الحديث من اعتبار المغايرة بين المتعاقدين، الموجب لترتّب التفرّق عليهما. وهذا الاحتمال لم يذكره في التذكرة ، ولا أشار إليه في الدروس ، بل جزم بثبوت الخيار (3).

وكذلك عبارة الكتاب ليس فيها إشعار به، فإنّ قوله «على قولٍ» يشير به إلى ما جرت عادتهم به من نقل القول الذي ذكره في المبسوط وهو سقوط الخيار بمفارقة العاقد المجلس فيرجع إلى قوله «أو يفارق المجلس» مع أنّ ظاهر الحديث أدلّ عليه من الآخرين.

والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان القول الأوسط أوسط.

قوله: «والشرط فيه كلّه ثلاثة أيّام».

أراد بالشرط هنا الخيار في الثلاثة مجازاً، وأخذ ذلك من لفظ الحديث الصحيح عن الصادق علیه السلام «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري»(4).

ونبّه بقوله «كلّه» على خلاف أبي الصلاح، حيث ذهب إلى أنّ الخيار في الأمة مدّة

الاستبراء(5). والحديث حجّة عليه.

قوله: «للمشتري خاصّةً دون البائع على الأظهر».

ص: 107


1- تذكرة الفقهاء ، ج 11، ص 10 ، المسألة .226 .
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 235 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 235 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11)
4- .4 . الفقيه، ج 3، ص 201، ح 3764؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 24، ح 101، بتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.
5- ه . الكافي في الفقه، ص 353 .

--------------

نبّه بالأظهر على خلاف المرتضى، حيث ذهب إلى أنّ الخيار لهما (1).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام قال: «البائعان (2) بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان» (3) صريحة الدلالة على ما يدّعيه.

وما تقدّم في صحيحة الحلبي(4) من إثبات خياره للمشتري غير منافٍ لثبوته للبائع، إلّا من حيث المفهوم المخالف، وهو ضعيف، فالقول به في غاية القوّة إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

وحُملت الرواية على ما لو باع حيواناً بحيوانٍ. وهو تخصيص بغير مخصّصٍ.

وعلى أنّ الخيار للمشتري وعلى البائع، فهو بالنسبة إليهما مدّة ثلاثة أيّام.

ويضعّف بأنّ مقتضى الخبر كونه لهما، كما في قوله علیه السلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا». وعلى أنّ إثبات الخيار للمجموع من حيث هو مجموع، فلا يدلّ على ثبوته للأفراد. وفيه ما مرّ، وفي الدروس الشهرة بل الإجماع على خلافه(5)، وهو يؤذن بدعوى الإجماع، فإن ثبت فهو الحجّة، وإلّا فلا.

ويبقى الكلام فيما لو باع حيواناً بحيوانٍ، فقد قيل بثبوته لهما كما مرّ؛ نظراً إلى تحقّق الحكمة من الجانبين، فإنّ اختصاص الحيوان بالخيار لاشتماله على أمور باطنة لا يطلّع عليها غالباً إلّا بالتروّي والاختبار مدّةً، وفيه جمع بين الأخبار المختلفة ظاهراً.

وقيل بعدمه، وأنّ الخيار للمشترى مطلقاً (6)؛ التفاتاً إلى الحديث السابق، والشهرة أو الإجماع. والأوّل أقوى، ولو كان الثمن خاصّةً حيواناً ثبت الخيار للبائع خاصةً على الأقوى.

ص: 108


1- الانتصار، ص 433 المسألة 245.
2- . في المصدر: «المتبايعان».
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 23 - 24، ح 99.
4- تقدّم تخريج صحيحته في ص 107، الهامش 4.
5- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 245 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
6- جامع المقاصد، ج 4، ص 291 .

ويسقط باشتراط سقوطه في العقد، وبالتزامه بعده • وبتصرّفه فيه، سواء كان تصرّفاً لازماً كالبيع، أو لم يكن كالهبة قبل القبض والوصيّة.

الثالث: خيار الشرط.

وهو بحسب ما يشترطانه أو أحدهما، • لكن يجب أن يكون مدة مضبوطة، ولا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان، كقدوم الحاجّ

--------------

قوله: «وبتصرفه فيه، سواء كان تصرّفاً لازماً كالبيع، أو لم يكن كالهبة قبل القبض والوصية».

لا خلاف في سقوطه بالتصرّف، ولأنّه دليل على الرضى. ولقول الصادق علیه السلام: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل ثلاثة أيّام فذلك رضى منه فلا شرط له» قيل: وما الحدث؟ قال: «إن لامس أو قبّل، أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء (1)». وإطلاق التصرّف والحدث يشمل الناقل وغيره، بل مطلق الانتفاع، كركوب الدابّة وتحميلها، أو حلب ما يحلب، ولُبس الثوب وصبغه وقصارته، وسكنى الدار ونحو ذلك.

ولو قصد به الاستخبار، ففي منعه من الرّد قول(2) لا بأس به.

فإن استثناه اعتبر منه ما يعلم به الحال بأن يركب الدابّة قدراً يظهر به فراهتها وعدمه، ويحلب الشاة بحيث يعلم حالها، ونحو ذلك، فلو زاد عنه منع.

ولو ساق الدابّة إلى منزله، فإن كان قريباً بحيث لا يُعدّ تصرّفاً عرفاً فلا أثر له، وإن كان بعيداً كثيراً احتُمل قويّاً منعه.

وبالجملة فكلّ ما يُعدّ تصرفاً وحدثاً يمنع، وإلّا فلا.

قوله: «لكن يجب أن يكون مدّةُ مضبوطةٌ».

لا فرق في المدّة المشترطة بين كونها متّصلةً بالعقد ومنفصلةً عنه مع ضبطها، فلو

ص: 109


1- 1. الكافي، ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 24، ح 102، بتفاوت في بعض الألفاظ.
2- حكاه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 291 عن بعضهم، ولم يستبعده.

• ولو شرط كذلك بطل البيع.

ولكلّ منهما أن يشترط الخيار لنفسه ولأجنبي وله مع الأجنبي.

• ويجوز اشتراط المؤامرة،

--------------

شرطاها متأخّرةً صار العقد لازماً بعد المجلس وجائزاً فيها.

وفي جواز جعلها متفرّقةً كذلك وجهان، أجودهما ذلك.

وخرج بقوله «مدّةً مضبوطة» ما لو جعلاها محتملةً للزيادة والنقصان، فإنّه لا يصحّ قولاً واحداً، وما لو أطلقا، فإنّه لا يصحّ على الأقوى، خلافاً للشيخ (رحمه الله) حيث جعله مع الإطلاق ثلاثة أيّام، مدّعياً فيه النصّ والإجماع(1).

وهما ممنوعان، أمّا الإجماع فواضح، وأمّا النصّ فلم نقف عليه كذلك إلّا في خيار الحيوان.

قوله :«ولو شرط كذلك بطل البيع».

بناءً على بطلانه بالشرط الفاسد، وهو الأقوى.

وقيل: مع فساد الشرط يصحّ العقد مجرّداً عنه (2). وهو ضعيف.

قوله: «ويجوز اشتراط المؤامرة».

هي مفاعلة من الأمر بمعنى اشتراط البائع أو المشتري أو هما استيمار مَنْ سمّياه في العقد، والرجوع إلى أمره.

ولا بّد من تعيين مدّةٍ مضبوطةٍ لذلك، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقّف على أمره، فليس للشارط أن يفسخ حتّى يستأمره ويأمره بالردّ؛ لأنّه جعل الخيار له دونه، خلافاً للتحرير(3). والفرق بين المؤامرة وجَعل الخيار للأجنبي أنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره لا جعل الخيار له، فلو اختار المؤامر الفسخ أو الإمضاء لم يؤثر، بخلاف مَنْ جعل له الخيار.

ص: 110


1- الخلاف، ج 3، ص 20، المسألة 25.
2- المبسوط ، ج 2، ص 89؛ وحكاه العلّامة عن ابن الجنيد وابن البرّاج في مختلف الشيعة ، ج 5، ص 321، المسألة .295
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 288 ، الرقم 3108 .

• واشتراط مدّة يردُ البائع فيها الثمن إذا شاء، ويرتجع المبيع.

الرابع: [خيار الغبن].

• مَن اشترى شيئاً ولم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به،

--------------

قوله: «واشتراط مدّةٍ يردّ البائع فيها الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع».

هذا راجع إلى اشتراط الخيار للبائع مدّةً مضبوطة، لكن مع قيد زائد، وهو ردّ الثمن. والأصل في جوازه - قبل الإجماع - الأخبار (1) عن أهل البيت علیه السلام.

وحينئذٍ فإذا ردّ البائع الثمن أو مثله مع الإطلاق فسخ البيع، ولا يكفي مجرّد الرّد.

ولو شرط ارتجاع بعضه ببعض الثمن، أو الخيار في البعض، ففي صحّته نظر، من مخالفة النصوص، وعموم: «المؤمنون عند شروطهم(2)»، وهو أوجه.

ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا ردّ المبيع صحّ، ويكون الفسخ مشروطاً برده.

ولا يتعدّى إلى مثله. بخلاف الثمن.

قوله :«مَن اشترى شيئاً ولم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجرِ العادة بالتغابن به».

المشهور بين الأصحاب - خصوصاً المتأخّرين منهم - ثبوت خيار الغبن، وكثير من المتقدّمين لم يذكره. ونُقل عن المصنّف في الدروس القول بعدمه (3).

والأخبار بخصوصه خالية منه. نعم ورد في تلّقي الركبان تخيّرهم إذا غبنوا (4). واستدلّوا

ص: 111


1- منها ما في الكافي، ج 5، ص 172، باب الشرط والخيار في البيع، ح 14؛ والفقيه، ج 3، ص 204 - 205، ح 3773؛ وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 22 - 23، ح 95.
2- تقدّم تخريجه في ص 104، الهامش 1 .
3- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 248 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- صحیح مسلم، ج 3، ص 1157، ح1519/17؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 269، ح 3437: الجامع الصحيح، ج 3، ص 524، ح 1221.

--------------

عليه أيضاً بخبر الضرار(1) . ويظهر من التذكرة (2)عدم الخلاف بين علمائنا فيه وكيف كان، فالأجود ثبوته.

إذا تقرّر ذلك، فثبوته مشروط بأمرين ذكرهما المصنّف:

أحدهما: جهالة المغبون بالقيمة، والمراد بها وقت العقد، فلو عرف القيمة ثمّ زاد أو نقص مع علمه، أو تجدّدت الزيادة أو النقيصة ،بعده فلا غبن ولا خيار له إجماعاً.

ولا فرق في الجاهل بها بين مَنْ يمكنه معرفتها ولو بالتوقيف، وغيره.

وثانيهما: الزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتسامح الناس بمثلها عادةً، بأن يبيعه ما يساوي مائةً بخمسين ونحوها، فلو تبيّن التفاوت اليسير الذي يتسامح به في العادة، كالدرهم في المائة بل الخمسة دراهم فيها، فلا غبن.

وبالجملة، فلا تقدير لذلك شرعاً، وما هذا شأنه يرجع فيه إلى العادة.

وطريق معرفة الثاني ظاهر؛ لأنّه يمكن إقامة البيّنة على القيمة فيناط بها.

وأمّا الأوّل فإن أمكن إقامة البيّنة عليه فواضح، ولكن هل يقبل قول مدّعيه في الجهالة حيث تمكّن في حقه؟ الظاهر ذلك؛ لأصالة عدم العلم، ولأنّ العلم والجهل من الأمور التي تخفى غالباً، فلا يطّلع عليها إلّا من قِبَل مَنْ هي به.

ويحتمل عدم قبول قوله؛ لأصالة لزوم العقد ووجوب الوفاء به، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل.

ويشكل بأنّه ربما تعذّر إقامة البيئة، ولم يمكن معرفة الخصم بالحال، فلا يمكنه الحلف على عدمه، فتسقط الدعوى بغير بيّنةٍ ولا يمين.

ص: 112


1- الكافي، ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح4، وص 292 - 294، باب الضرار، ج 2، 6 و 8: الفقيه، ج 3، ص 76، ح 3371، وص 233، ح 3862: وج 4، ص 334، ح 5721: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147، ح 651، وص 164 ، ح 727 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 68، المسألة 252.

• كان له فسخ العقد إذا شاء.

• ولا يسقط ذلك الخيار بالتصرّف إذا لم يخرج عن الملك، أو يمنع مانع من ردّه، کالاستيلاد في الأمة، والعتق،

--------------

نعم، لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان بحيث لا تخفى عليه قيمته لم يلتفت إلى قوله.

قوله: «كان له فسخ العقد إذا شاء».

قد يستفاد من إطلاق المشيئة أنّ الخيار فيه على التراخي، كما هو أحد القولين في المسألة، ووجهه ثبوت أصل الخيار فيستصحب إلى أن يثبت المزيل؛ لانتفاء الدليل على خصوص الفوريّة.

والأقوى أنّه على الفور؛ لما تقدّم في نظيره من عموم الأمر بالوفاء بالعقد(1) ، وأنّ الأصل بناء العقود على اللزوم، فيقتصر فيما خالفه على موضع اليقين، وهو القدر الذي يمكن حصوله فيه، ولإفضاء التراخي إلى الإضرار بالمردود عليه حيث يختلف الزمان ويؤدّي إلى تغير المبيع. نعم، لو جهل أصل الخيار أو الفوريّة، عذّر إلى حين العلم بها.

قوله: «ولا يسقط ذلك الخيار بالتصرّف إذا لم يخرج عن الملك» إلى آخره.

إطلاق العبارة يشمل ما لو كان المتصرّف الغابن فيما وصل إليه من العوض والمغبون في العين المغبون فيها، ومقتضى قوله «إذا لم يخرج عن الملك» أنه مع الخروج يسقط الخيار، وهو يتمّ إذا كان التصرّف المخرج من ذي الخيار، فإنّه لا يمكنه ردّ العين المنتقلة عنه، وأمّا الآخر فيمكنه الفسخ حينئذ، والرجوع بالمثل أو القيمة على مَنْ نقل العين، وبهذا صرّح جمع من الأصحاب . (2) وتحرير أقسام المسألة أنّ التصرّف إما أن يكون في المبيع خاصة، أو في الثمن خاصةً،

ص: 113


1- المائدة (5): 1 .
2- منهم ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 376 - 277 والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4.ص 295 - 296.

--------------

أو فيهما، وعلى التقادير الثلاثة فالمغبون إمّا البائع أو المشتري أو هما، وعلى التقادير التسعة فالتصرّف إمّا أن يخرج عن الملك، أو ما في حكمه وهو المانع من الردّ ، أو لا، ثمَّ المخرج وما في حكمه إمّا أن يزول بحيث يعود الملك إلى الناقل بغير مانعٍ أو يستمرّ، ثمَّ التصرّف المانع من الردّ إمّا أن يرد على العين أو المنفعة كالإجارة، وزوال المانع من الردّ إمّا أن يكون قبل العلم بالغين أو بعده، فأقسام المسألة خمسة وأربعون قسماً.

وتحقيق الحكم فيها جملةً أنّ المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره بتصرّف المشتري، سواء أخرج المبيع عن ملكه أم لا؛ لأصالة بقاء الخيار، وعدم الدليل الدالّ على سقوطه، فإنّ ضرر البائع لا يسقط اعتباره بتصرّف مَنْ لا ضرر عليه، فإن فسخ ووجد العين باقيةً على ملك المشتري ولم يتغيّر بفعله تغيّراً يوجب زيادة القيمة ولا مانع من ردّها، أخذها، وإن وجدها متغيّرةً بأن وجد الثوب مقصوراً أو مصبوغاً، أو الحنطة مطحونةً، أو البستان محروثاً ونحو ذلك، فإن كان العمل صفةً محضةً أخذ العين، وفي استحقاق المشتري اُجرةعمله وجه قوي، وإن كان عيناً كالصبغ كان شريكاً بنسبته.

ولو وجد العين ناقصةً، فإن لم يكن النقص بفعل المشتري أخذها إن شاء ولا شيء له، وإن كان بفعله فالظاهر أنّه كذلك ؛ لأنّه تصرّف في ملكه تصرّفاً مأذوناً فيه فلا يتعقّبه ضمان.

ولو وجدها ممتزجةً بغيرها، فإن كان بمساءٍ أو أرداً صار شريكاً، ولو كان بأجود ففي سقوط خياره، أو كونه شريكاً بالنسبة، أو الرجوع إلى الصلح ونحوه، احتمالات، والثالث لا يخلو من قوّةٍ؛ لبقاء ماله، وأصالة بقاء خياره، ولو مزجها بغير الجنس بحيث لا تتميّز فكالمعدومة.

وإن وجدها منتقلةً عنه بعقدٍ لازمٍ كالبيع، أو ما في حكمه كالعتق، رجع إلى المثل أو القيمة.

وكذا لو وجدها على ملكه مع عدم إمكان ردّها، كما لو وجد الأمة أمّ ولد. ولو زال المانع من الرد قبل الحكم بالعوض بأن رجع إلى ملكه، أو مات الولد، احتُمل أخذ العين ،والعدم ؛لبطلان حقّه بالخروج فلا يعود.

ويحتمل الفرق بين انتقالها بالبيع ونحوه ومانع الاستيلاد، فيبطل في الأوّل دون الثاني؛

ص: 114

--------------

لزوال الملك في الأوّل المبطل للرجوع في العين، بخلاف الثاني، فإنّ الملك باقٍ، وإنّما منع من الردّ مانع وقد زال. وهذا الوجه لا يخلو من قوّة.

ولو كان العود بعد الحكم بالعوض، سواء قبضه أم لا، لم يرجع إلى العين، مع احتماله لو كان قبل أخذ العوض.

ولو كان العقد الناقل ممّا يمكن إبطاله كالبيع بخيار للمشتري، والهبة قبل القبض، احتُمل قويّاً إلزامه بالفسخ، فإن امتنع فسخ الحاكم، فإن تعذّر قيل: يفسخ المغبون(1) ، بل قيل: إنّ له الفسخ مطلقاً (2). وهو بعيد.

وإن وجد المانع من الردّ نقل المنافع على وجه اللزوم كالإجارة والتحبيس جاز له الفسخ، وانتظار انقضاء المدّة، وتصير ملكه من حينه. وتظهر الفائدة في ملك ما لا يدخل في تلك المنفعة المنقولة من حمل، وثمرةٍ، واستخدام ،وعتقٍ، ونحوها.

وهل يردّ العوض عاجلاً؟ يحتمله؛ لعود الملك إليه بالفسخ ودخوله على تحمّل الصبر

وعدمه؛ نظراً إلى المانع من الانتفاع التامّ. والأوّل أقوى.

ومثله يأتي في الشفيع إذا أخذ بها ووجد العين مشغولةً بنظائر ذلك.

ولو لم يكن النقل لازماً كالإعارة، فللمغبون الفسخ وإعادة العين.

هذا كلّه إذا لم يكن قد تصرّف في الثمن تصرّفاً يمنع من ردّه، فلو تصرّف كذلك احتُمل قوياً سقوط خياره، كما لو تصرّف المشتري المغبون في العين.

وأطلق جماعة من الأصحاب (3) الحكم ببطلان رجوع المغبون مع تصرّفه المانع، وتعليلهم يشمله.

ص: 115


1- . لم نتحقّق القائل به فيما لدينا من المصادر.
2- . لم نتحقّق القائل به فيما لدينا من المصادر.
3- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 71، ذيل المسألة 255؛ وقواعد الأحكام، ج 2، ص 67 وتحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 288، ذيل الرقم 3109؛ وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 2، ص 376.

•ولا يثبت به أرش

--------------

وإن كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرّف البائع في الثمن مطلقاً، فيرجع إلى العين أو المثل أو القيمة. وما تقدّم من التفصيل (1) آتٍ هنا.

وأمّا تصرّفه فيما غبن فيه قبل علمه بالغين، فإن كان ناقلاً للملك لازماً، أو مانعاً من الردّ كالاستيلاد سقط خياره .

اللهمّ إلّا أن يعود إلى ملكه بحيث لا ينافي الفوريّة، أو يموت الولد كذلك ولم يحصل تغيّر في العين ،أو تنقضي مدّة الإجارة كذلك، فيحتمل قويّاً جواز الردّ.

وما تقدّم من الاحتمالات آتٍ هنا.

ولو كان غير لازم فسخ العقد وردّها.

ولو نقصت العين أو تغيّرت قبل العلم بالغبن أو قبل الفوريّة، ففي منعه من الردّ احتمال.

وممّا ذكرناه يُعلم حكم ما لو كانا مغبونين، وما لو تصرّفا معاً بوجوه التصرّفات

واعلم أنّ هذه المسألة من المهمّات وفروعها متكثّرة، والأصحاب لم يحرّروها على وجهها، وفي كثيرٍ من فروعها إشكال ناشٍ من عدم النصّ والفتوى.

قوله: «ولا يثبت به أرش».

بمعنى أنّ اللازم من الغبن الخيار، لا التفاوت بين الثمن والقيمة الموجب للغبن، سواء بذله الغابن أم لا.

وقد استشكل في التذكرة في ثبوت الخيار للمغبون لو بذل الغابن التفاوت، مع دعواه الإجماع على عدم ثبوت الأرش به(2). ووجه التردّد من انتفاء موجب الغبن وهو النقص مع بذله، ومن ثبوت الخيار فلا يزول إلّا بدليلٍ ، ولم يثبت أنّ زوال الضرر يقتضي زواله.

والأصحّ: بقاء الخيار. نعم لو تراضيا على كون التفاوت في مقابلة الفسخ صحّ، وكان

معاوضةً أخرى.

ص: 116


1- تقدّم في ص 113 - 114.
2- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 71 المسألة 255.

الخامس: [خيار التأخير].

• مَنْ باع ولم يقبض الثمن، ولا سلّم المبيع، ولا اشترط تأخير الثمن، فالبيع لازم ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن، وإلّا كان البائع أولى بالمبيع.

--------------

قوله: «مَنْ باع ولم يقبض الثمن، ولا سلّم المبيع، ولا اشترط تأخير الثمن» إلى آخره.

هذا النوع من الخيار ممّا أطبق الجمهور على عدمه، كما أطبق أصحابنا على ثبوته،

وأخبارهم (1)به متظافرة، وخبر الضرار (2) يرشد إليه.

وهو مشروط بثلاثة شروط:

الأوّل: عدم قبض الثمن.

الثاني: عدم تقبيض المبيع.

الثالث: عدم اشتراط التأجيل في الثمن والمثمن وبعض كلّ واحدٍ منهما ولو ساعةً؛

اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده.

وقبض بعض كلّ واحدٍ منهما كلا قبض مجتمعاً ومنفرداً؛ لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن، فيتناوله النصّ.

ولو قبض الجميع أو أقبض الجميع فلا خيار، وإن عاد بعد ذلك إليه.

وشرط القبض المانع من الخيار كونه بإذن مالكه، فلو وقع بدونه فلا أثر له.

وكذا لو ظهر مستحقّاً لغير المشتري أو بعضه.

ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كان قرينة الرضى بالعقد؛ عملاً بالاستصحاب.

ولو بذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ احتُمل سقوط الخيار، وهو الذي قطع به

العلّامة في كتبه؛ محتجّاً بزوال المقتضي لثبوته، وهو الضرر بالتأخير (3).

ص: 117


1- راجع وسائل الشيعة، ج 18، ص 21 - 23، الباب 9 من أبواب الخيار.
2- تقدّم تخريجه في ص 112 ، الهامش 1.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 73 - 74 الفرع «ب» من المسألة 258: قواعد الأحكام، ج 2، ص 67.

• ولو تلف كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها، على الأشبه.

• وإن اشترى ما يفسد من يومه، فإن جاء بالثمن قبل الليل، وإلّا فلا بيع له.

--------------

ويحتمل بقاؤه؛ عملاً بالاستصحاب، وزوال مقتضيه بعد ثبوته لم يؤثّر في نظائره.

واعلم أنّ للشيخ (رحمه الله) قولاً بجواز الفسخ متى تعذّر الثمن (1)، وقوّاه الشهيد (رحمه الله) فی الدروس(2) وكأنّ مستنده خبر الضرار(3) إذ لا نصّ فيه بخصوصه.

وليس ببعيدٍ، إلّا أنّ التمسّك بلزوم العقد ووجوب الوفاء به أقوى.

وأخذه مقاصٌةً يرفع الضرر إن تمكّن من أخذ العين وإلّا فلا يرفع بالفسخ .

قوله: «ولو تلف كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها، على الأشبه».

الخلاف في تلفه قبل الثلاثة، فقد قال المفيد (رحمه الله) (4) ومَنْ تبعه(5) إِنّه من المشتري ؛ لأنّ المبيع انتقل إليه والتأخير لمصلحته، وذهب الأكثر إلى أنّه من ضمان البائع؛ لعموم الدليل الدالّ على أنّ كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (6)وهو الأقوى.

قوله: «وإن اشترى ما يفسد من يومه، فإن جاء بالثمن قبل الليل، وإلّا فلا بيع له».

مستند ذلك ما روي عن الصادق والكاظم علیهماالسلام فيمن اشترى ما يفسد من يومه وتركه حتّى يأتيه بالثمن، قال: «إن جاء فيما بينه وبين الليل، وإلّا فلا بيع له»(7)

وعبارة المصنّف أجود عبارات الأصحاب قبل الشهيد (رحمه الله) وأنسب بمدلول الرواية، وأكثرهم عبّر عن ذلك بعبارةٍ رديئةٍ لا تؤدّيٍ إلى المطلوب، بل ضدّه، فقال: والخيار فيما يفسد

ص: 118


1- المبسوط، ج 2، ص 88.
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- تقدّم تخريجه في ص 112، الهامش 1.
4- المقنعة، ص 592.
5- كسلّار في المراسم، ص 172؛ وأبي الصلاح في الكافي في الفقه، ص 353.
6- الكافي، ج 5، ص 171 - 172، باب الشرط والخيار في البيع، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 21، ح 89.
7- الكافي، ج 5، ص 172، باب الشرط والخيار في البيع، ح 15 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25 - 26 ، ح 108: الاستبصار، ج 3، ص 78 ، ح 262.

• وخيار العيب يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.

--------------

ليومه إلى الليل، والفرض كما عُلم من الرواية أنّ البيع لازم إلى الليل، ثُّم يثبت للبائع الخيار. ويبقى في المسألة إشكال عامّ، وهو أنّ الغرض من إثبات هذا الخيار تلافي ضرر البائع قبل تلف المبيع، بأن يفسخ البيع ويبيعه لغيره قبل تلفه، وهذا المعنى يقتضي أنّ الفسخ يكون قبل التلف، وإذا كان مبدأ الخيار دخول الليل فليس المبيع ممّا يفسد ليومه الذي هو بياض نهار البيع، فإنّه بمضيّه يثبت الخيار والحال أنّ المسألة مفروضة فيما يفسد ليومه، والرواية أيضاً دالّة عليه، وحينئذٍ فثبوت الخيار بعد فساده لا وجه له، وإنّما ينبغي ثبوته إذا خيف فساده بحيث يتلافي أمره قبله.

وأجود ما اتفّق هنا عبارة الدروس ، فإنّه فرض المسألة فيما يفسده المبيت ،وأثبت الخيار عند انقضاء النهار، ثمّ استقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك، وأنّه لا يتقيّد بالليل، واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوت الرغبة، كما في الخضراوات واللحم والعنب وكثير من الفواكه، واستشكل فيما لو استلزم التأخير فوات السوق(1) .

وهذا التفريع كلّه حسن إلّا أنّ فيه خروجاً عن موضع النصّ. نعم، يمكن استفادته من إيمائه، ومن خبر الضرار المنفي (2)، مع أنّ المستند مرسل، لكنّه لا رادّ له.

وعلى هذا لو كان ممّا يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوف الفساد. واحتمل في التذكرة ثبوته من الليل(3)، وهو بعيد.

قوله: «وخيار العيب يأتي في بابه (4) ».

إنّما أفرده في بابٍ عن باقي أنواع الخيار؛ لكثرة مباحثه وتشعّب مسائله، فحسن جَعْله فصلاً برأسه، بخلاف غيره فإنّ مباحثه متقاربة.

ص: 119


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 247 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تقدّم تخريجه في ص 112، الهامش 1.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 72 ذيل المسألة 257.
4- يأتي في ص 195.

وأمّا أحكامه فتشتمل على مسائل:

الأولى: • خيار المجلس لا يثبت في شيءٍ من العقود عدا البيع، • وخيار الشرط يثبت في كلّ عقدٍ عدا النكاح والوقف، وكذا الإبراء والطلاق والعتق إلّا على رواية شاذةٍ.

--------------

قوله: «خيار المجلس لا يثبت في شيءٍ من العقود عدا البيع».

هذا ممّا لا خلاف فيه بين علمائنا، ويدلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا (1).

والأصل في غيره اللزوم، ووجوب الوفاء بالعقد.

ونبّه بذلك على خلاف الشافعي؛ حيث أثبته فيما شابه البيع من عقود المعاوضات، كصلح المعاوضة، والإجارة ،والمزارعة، والمساقاة على خلافٍ في ذلك عندهم (2).

وأمّا الشيخ (رحمه الله)، فأثبته في المبسوط في عقودٍ جائزةٍ، مثل الوكالة، والمضاربة، والوديعة (3).

وهو غير جيّدٍ؛ لأنّ العقود الجائزة يصحّ فسخها في المجلس وبعده، فلا معنى لإثبات خيار المجلس فيها.

قوله: «وخيار الشرط يثبت في كلّ عقدٍ عدا النكاح والوقف» إلى آخره.

أمّا جواز الشرط في العقود؛ فلعموم الأخبار الدالّة على جواز الاشتراط (4). ونبّه بذلك على خلاف الشافعي، حيث نفاه في كثيرٍ من العقود(5) .

ص: 120


1- سبق تخريجه في ص 101 الهامش 1.
2- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 170؛ روضة الطالبین، ج 3، ص 100؛ المجموع شرح المهذّب، ج 9، ص 175 .
3- -المبسوط، ج 2، ص 10 - 11.
4- وسائل الشيعة، ج 18، ص 16 - 17، الباب 6 من أبواب الخيار.
5- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 173 - 174 و 193؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 110 - 111؛ المجموع شرح المهذب، ج 9، ص 175، 178 و 192.

الثانية • التصرّف يُسقط خيار الشرط ، كما يُسقط خيار الثلاثة.

--------------

ويستثنى من البيع ما يتعقّبه العتق، كشراء القريب، فإنّه لا يثبت فيه خيار الشرط ولا

المجلس. وكذا شراء العبد نفسه إن جوّزناه؛ لأنّه منافٍ لمقتضاه.

وأمّا استثناء ما ذُكر ؛ فلأنّ النكاح لا يُقصد فيه المعاوضة، والوقف إزالة ملكٍ على وجه القربة، ومثله العتق، وقريب منه الإبراء، وهذه المواضع محلّ وفاقٍ، وهو الحجّة.

وأمّا التعليل فلا يصلح لتخصيص النصّ العامّ.

وكذا القول في الطلاق، وفي معناه الخلع والمبارأة.

وفي معنى العتق التدبير وإن كان جائزاً في حال الحياة، والمكاتبة المطلقة، أمّا

المشروطة فجوّز جماعة(1) فيها خيار الشرط للمولى، وللعبد عند الشيخ(2).

واستثنى الشيخ (رحمه الله أيضاً من العقود الصرف، مدعياً الإجماع(3).

وأطبق المتأخّرون على ثبوته فيه، ومنع الإجماع، وهو حسن؛ لعموم الخبر.

واعلم أنّ استثناء المصنّف الطلاق والعتق من العقود إمّا منقطع؛ لأنّهما من باب الإيقاع ،أو محمول على إطلاق العقد على ما يعمّ الإيقاع تجوّزاً. وكذا القول في الإبراء إن لم نشترط فيه القبول.

قوله: «التصرّف يُسقط خيار الشرط، كما يُسقط خيار الثلاثة».

قد تقدّم الكلام في التصرّف(4)، وضابطه ما يُعدّ تصرّفاً عرفاً، كلُبس الثوب للانتفاع وركوب الدابّة له، واستخدام العبد، وحلب الشاة، ونقله عن الملك وإن لم يكن لازماً.

وقد استثني من ذلك ركوبها لدفع الجموح إذا عسر قودها وسوقها في طريق الردّ، وعلف

ص: 121


1- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 357؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 246؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 294، الرقم 3136.
2- -المبسوط، ج 2، ص 11؛ الخلاف، ج 3، ص 18، المسألة 21.
3- المبسوط، ج 2، ص 7
4- تقدم في ص 109.

• ولو كان الخيار لهما وتصرّف أحدهما سقط خياره • ولو أذن أحدهما وتصرّف الآخر سقط خيارهما.

--------------

الدابّة وسقيها فيه وقبل التمكّن من الرد، واستعمال المبيع للاختبار قدراً يظهر به حاله، فلو زاد ولو خطوةً منع.

ولو وضع على الدابّة سرجاً ونحوه وركبها للاختبار بادر بعد تحصيل الغرض إلى نزعه،

فإن أبقاه منع؛ لأنّه انتفاع واستعمال.

ويعذر في ترك العذار واللجام لخفّتهما، وللحاجة إليهما في قودها، وكذا نعلها مع

حاجتها إليه بحيث يضرّها المشي إلى المالك بغير نعلٍ، وإلّا كان تصرّفاً.

ولو وقع التصرّف نسياناً ففي منعه من الردّ نظر، من صدقه، وعدم قصده.

قوله: «ولو كان الخيار لهما وتصرّف أحدهما سقط خياره».

هذا في طرف المشتري واضح؛ فإنّ تصرّفه يوجب البيع له، ويسقط خياره وأما في طرف البائع فهو فسخ للبيع، فإنّ الضابط أنّ ما كان إجازةً من المشتري كان فسخاً من البائع. وإطلاق سقوط الخيار حينئذٍ تكلّف.

نعم، يمكن ثبوت الحكم في طرف البائع إذا تصرّف في الثمن، فإنّه يسقط خياره في

المبيع، ومعه يصحّ الحكم.

قوله: «ولو أذن أحدهما وتصرّف الآخر، سقط خيارهما».

أمّا خيار المتصرّف فواضح، وأمّا الآذن فوجه سقوط خياره؛ دلالة الإذن على الرضى بالتصرّف، فيكون التزاماً من البائع بالبيع. وأمّا من المشتري؛ فلأن تصرّف البائع يبطل البيع. فلا يبقى لخيار المشترى أثر.

ولو لم يتصرّف المأذون لم يبطل خياره.

وفي بطلان خيار الآذن نظر، من دلالته على الرضى المزيل لحقّه، ومن عدم استلزام الرضى بالتصرّف زوال الخيار؛ لأنّ غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده ولا يقتضي الزوال بالفعل.

ص: 122

الثالثة: • إذا مات مَنْ له الخيار انتقل إلى الوارث منْ أيّ أنواع الخيار كان.

--------------

وأطلق جماعة (1)كونه مبطلاً، وعدم البطلان أوضح.

ولو كان التصرّف غير ناقلٍ ٍ للملك، ففي إبطاله لخيار الآذن أيضاً نظر؛ لعين ما ذُكر.

قوله: «إذا مات مَنْ له الخيار انتقل إلى الوارث من أيّ أنواع الخيار كان».

لا شبهة في كون الخيار - مطلقاً - موروثاً؛ لأنّه حقّ من الحقوق كالشفعة والقصاص.

ثمَّ إن كان الخيار خيار شرطٍ ثبت للوارث في بقية المدة المضروبة، فلو كان غائباً أو حاضراً ولم يبلغه الخبر حتّى انقضت المدّة سقط خياره بانقضائها، كالمورّث.

وإن كان خيار غبنٍ ٍ اعتبرت الفوريّة فيه حين بلوغه الخبر وعلمه بالفوريّة وإن طالت المدّة.

وإن كان خيار مجلسٍ ٍ وكان الوارث حاضراً في مجلس البيع قام مقامه في الخيار.

وهل يقوم في اعتبار التفرّق، أو يبقى الحكم معلّقاً بمفارقة الميّت أو الآخر؟ وجهان، أجودهما الثاني؛ عملاً بظاهر النص(2)، فإنّ ضمير يتفرّقا» عائد إلى المتبايعين، والتفرّق يصدق هنا بانتقال الحيّ، وبنقل الميّت مع عدم المصاحبة، ومعها يبقى إلى أن يتفرّقا. وربما احتمل هنا سقوط الخيار بالموت ؛ لأنّ مفارقة الدنيا أبعد من مفارقة المجلس.

وفي الأولويّة منع؛ فإنّ المتبادر من التفرّق التباعد بالمكان كما سبق، وإنّما هو ظاهر في الجسم لا في الروح مع أنّ الروح لا يُعلم مفارقتها للمجلس، فيستصحب الحكم.

ولو كان الوارث غائباً عن المجلس، ففي ثبوته له حين بلوغه الخبر فوريّاً، أو امتداده بامتداد مجلس الخبر، أو سقوط الخيار بالنسبة إلى الميت أوجه.

ولو قيل بثبوت الخيار للوارث إذا بلغه الخبر، وامتداده إلى أن يتفرّق الميّت ومبايعه كان وجهاً.

ص: 123


1- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 358 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 249.
2- تقدّم تخريجه في ص 101. الهامش 1.

• ولو جنّ قام وليّه مقامه، ولو زال العذر لم ينقض تصرّف الوليّ، ولو كان الميّت مملوكاً مأذوناً ثبت الخيار لمولاه.

الرابعة: • المبيع يُملك بالعقد، وقيل: به وبانقضاء الخيار، والأوّل أظهر، فلو تجدّد له نماء كان للمشتري، ولو فسخ العقد رجع على البائع بالثمن، ولم يرجع البائع بالنماء.

--------------

هذا كلّه مع اتّحاد الوارث، فلو تعدّد فكذلك، إلّا أنّ ثبوت الخيار لكلّ واحدٍ في مجلسه إذا كان غائباً بعيد.

ولو اختلفا في الفسخ والإجازة قدّم الفاسخ، وفي انفساخ الجميع أو في حصّته خاصّةً، ثمَّ يتخيّر الآخَر لتبعّض الصفقة، وجهان، أجودهما الأوّل.

ولو اعتبرنا تفرّق الوارث والآخَر ففارق أحد الورثة، لم يؤثّر؛ لعدم صدق الافتراق بين

المتبايعين؛ نظراً إلى قيام الجميع مقام المورّث.

وفي هذه الفروع كلّها إشكال.

قوله: «ولو جنّ قام وليّه مقامه».

الكلام هنا كالموت بالنظر إلى حضور الوليّ وغيبته لو كان خيار المجلس.

ومثله ما لو خرس ولم يمكنه الإشارة المفهمة، وإلّا اعتبرت إشارته، كاللفظ.

قوله: «المبيع يُملك بالعقد وقيل به وبانقضاء الخيار والأوّل أظهر».

ما اختاره المصنّف هو مذهب الأكثر، وعليه العمل.

والمشهور أنّ القول المحكيّ للشيخ (رحمه الله) إلّا أنّه صرّح بأنّ ذلك مع كون الخيار

للبائع أولهما، فلو كان للمشتري مَلَك من حين العقد (1)، وحينئذٍ فلا يصلح نسبة إطلاق القول بتوقّف الملك على انقضاء الخيار إليه.

ص: 124


1- الخلاف، ج 3، ص 22، المسألة 29 .

الخامسة • إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، وإن تلف بعد قبضه وبعد انقضاء الخيار فهو من مال المشتري.

--------------

ويظهر من ابن الجنيد إطلاق القول بذلك(1)، فلعلّ القول المحكيّ إشارة إليه.

ثمَّ على القول به مطلقاً أو مقيداً فهل يكون انقضاء الخيار مع عدم الفسخ كاشفاً عن ملك المشتري من حين العقد أم ناقلاً له؟ كلّ محتمل.

ويظهر من الشيخ اختيار الأوّل.

وتظهر الفائدة في النماء المنفصل، كاللبن، والحمل، والثمرة المتجدّدة زمن الخيار، فعلى المشهور للمشتري، وكذا على الكشف إذا لم يفسخ، وعلى الآخر للبائع، وفي الأخذ بالشفعة زمنه، وفي جريانه في حول الزكاة لو كان زكوياً، وفيما لو اشترى زوجته، فإنّه يبطل النكاح على القول بالانتقال، وعلى الآخَر لا يبطل حتّى ينقضي الخيار.

ثمَّ إن كان الخيار له جاز له وطؤها وبطل خياره، وكان النكاح الذي تحقّق به التصرّف واقعاً بالزوجية على الثاني (2)، وبالملك على الآخرين. وتظهر الفائدة فيما لو رتّب على أحدهما حكماً من الأحكام.

ولو كان الخيار لهما أو للبائع ففي جواز وطئه وجهان، وعلى الوجهين يترتّب عليه أثره

من حكم الاستيلاد وغيره.

ولو طلّقها في زمن الخيار قبل الوطء، وقع على القول بعدم الملك وكون انقضاء الخيار ناقلاً له من حينه، وعلى القولين الآخَرين لا يقع؛ لعدم مصادفته الزوجية.

قوله: «إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه» إلى آخره.

المراد أنّه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ويرجع الثمن إلى ملك المشتري، فلو كان قد تجدّد

ص: 125


1- حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 242 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11) وابن فهد الحلّي في المقتصر، ص 170 .
2- في «م» زيادة «وعلى الكشف في الثاني».

• وإن كان في زمن الخيار من غير تفريطٍ، وكان الخيار للبائع، فالتلف من المشتري، وإن كان الخيار للمشتري فالتلف من البائع.

--------------

له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة وإن كان الحكم بكونه من مال البائع يوهم ذلك. وإنّما عبّروا بذلك تبعاً للنصّ، والمراد منه ما ذكرناه، وحينئذٍ فيقدّر دخوله في ملك البائع قبل التلف آناً مّا، ويكون التلف كاشفا عنه.

ومثله دخول الدية في ملك الميّت والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.

وحكى فى التذكرة وجهاً بأنّ الفسخ هنا يكون من أصله(1)، وعليه فلا يحتاج إلى التقدير.

وهذا كلّه إذا كان تلفه من الله تعالى، أمّا لو كان من أجنبي أو من البائع تخيّر المشتري بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة.

ولو كان التلف من المشتري ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض فيكون التلف منه.

قوله: «وإن كان في زمن الخيار من غير تفريطٍ - إلى قوله - فالتلف من البائع».

إذا تلف المبيع بعد القبض في زمن الخيار، سواء كان خيار الحيوان أم المجلس أم الشرط، فلا يخلو إمّا أن يكون التلف من المشتري، أو من البائع، أو من أجنبي، وعلى التقادير الثلاثة فإمّا أن يكون الخيار للبائع خاصّةً، أو للمشتري خاصّةً، أو للأجنبي، أو للثلاثة، أو للمتبايعين، أو للبائع والأجنبي، أو للمشتري والأجنبي، فجملة أقسام المسألة أحد وعشرون.

وضابط حكمها أنّ التلف إن كان من المشتري، فلا ضمان على البائع مطلقاً، لكن إن كان له خيار أو لأجنبي واختار الفسخ رجع على المشتري بالمثل أو القيمة.

وإن كان التلف من البائع، أو من أجنبي تخيّر المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن، وبين

ص: 126


1- تذكرة الفقهاء، ج 10 ، ص 114. المسألة 63.

فرعان :

[الأوّل:] • خيار الشرط يثبت من حين التفرّق، وقيل من حين العقد وهو أشبه.

--------------

مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة إن كان له خيار، وإن كان الخيار للبائع والمتلف أجنبي، تخيّر كما مرّ، ورجع على المشتري أو الأجنبي.

وإن كان التلف بآفةٍ من عند الله تعالى فإن كان الخيار للمشتري، أو له ولأجنبيٍ ٍ فالتلف من البائع، وإلّا فمن المشتري.

قوله: «خيار الشرط يثبت من حين التفرّق، وقيل من حين العقد، وهو الأشبه».

القول الأوّل للشيخ (رحمه الله)(1) ومَنْ تبعه(2)؛ نظراً إلى أنّ اجتماع الخيارين يوجب تأكيد الحكم والحكمة التي هي مناط الخيار وهي الارتفاق، والتأسيس خير منه، واجتماع المثلين وأنّ الخيار بعد ثبوت العقد، ولا يثبت إلّا بعد التفرّق.

والأقوى الثاني؛ لأنّه قضيّة اللفظ، ولعدم العلم بغاية المجلس، فيحصل الشكّ في مبدأ خيار الشرط، واحتماله الزيادة والنقصان، وهو يوجب الغرر.

وأجيب عن حجّة الشيخ بأنّ الخيار أمر واحد غايته في المجلس أن يكون له جهتان(3).

ولا بُعد فيه، كما أنّه قد يجتمع خيار المجلس والعيب عند الشيخ أيضاً.

ومثله القول في مبدأ خيار الحيوان.

ولو كان الشرط للمشتري في حيوانٍ فلازم دليلهم أنّ مبدأ خيار الشرط انقضاء الثلاثة

بعد التفرّق، ولكن لم يصرّحوا به.

والأقوى أن مبدأ الجميع العقد، فقد يجتمع للخيار جهات كثيرة حسب تعدّد الخيار.

ص: 127


1- المبسوط، ج 2، ص 14؛ الخلاف، ج 3، ص 33، المسألة 44.
2- كابن زُهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 220 وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 247.
3- أجاب به العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 99، المسألة 62.

الثاني: إذا اشترى شيئين • وشرط الخيار في أحدهما على التعيين صحّ، وإن أبهم بطل .

ويلحق بذلك خيار الرؤية.

وهو بيع الأعيان من غير مشاهدة ،فيفتقر ذلك إلى ذكر الجنس، • ونريد به هنا اللفظ الدالّ على القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة، كالحنطة مثلاً، أو الأرز، أو الإبريسم.

--------------

فعلى ما اخترناه لو شرطا كونه من حين التفرّق لم يصح الشرط؛ لأنه مجهول، ويبطل

معه العقد.

ولو شرطاه بعد الثلاثة في الحيوان صحّ؛ لأنّه معلوم.

وعلى قول الشيخ لو شرطاه من حين العقد صحّ؛ لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»(1) وهو شرط مضبوط.

ويحتمل البطلان؛ نظراً إلى ما ذكروه في بعض أدلّته من اجتماع المثلين وتوقّفه على

ثبوت العقد.

قوله: «وشَرَط الخيار في أحدهما على التعيين، صحّ».

فيثبت الخيار فيه دون الآخر، فإن فسخ البيع فيه لم يكن للآخر الفسخ لتبعّض الصفقة؛ لأنّه قدم على ذلك، وخياره مشروط بالجهالة.

قوله: «ونريد به هنا اللفظ الدالّ على القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة» إلى آخره. نبّه بقوله «هنا» على أنّ الجنس المصطلح عليه عند الفقهاء ليس هو الجنس المنطقي، بل اللفظ الدالّ على الحقيقة النوعيّة، وبالوصف اللفظ الدالّ على أصناف ذلك النوع، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

ص: 128


1- تقدم تخريجه في ص 104، الهامش 1.

وإلى ذكر الوصف، وهو اللفظ الفارق بين أفراد ذلك الجنس، • كالصرابة في الحنطة • أو الحدارة، أو الدقّة.

• ويجب أن يذكر كلّ وصفٍ تثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه.

ويبطل العقد مع الإخلال بذينك الشرطين أو أحدهما، ويصحّ مع ذكرهما، سواء كان البائع رآه دون المشتري، أو بالعكس، أو لم يرياه جميعاً، بأن وصفه لهما ثالث.

فإن كان المبيع على ما ذكر، فالبيع لازم، • وإلّا كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع وبين التزامه.

--------------

قوله: «كالصرابة في الحنطة».

الصرابة فيها خلوّها من الخليط المعتبر، كالشعير.

وإنّما يعتبر وصفه إذا كان النوعان موجودين متعارفين بين المتبايعين، فلو لم يتعارف بينهما غير الصرب كما يتّفق في بعض البلاد، لم يفتقر إلى ذكره.

قوله: «أو الحدارة أو الدقّة».

الحدارة تقابل الدقّة، وإنّما يعبّر بها وبغيرها لمن علم بمعناها، فلو جهلاه أو أحدهما

لم يكف، بل لو وقع في نفس العقد أبطله؛ للجهالة.

قوله: «ويجب أن يذكر كلّ وصفٍ تثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه».

المراد جهالة توجب اختلاف أثمان تلك الأصناف المشتركة، بحيث لا يتسامح عادةً

بذلك التفاوت، لا مطلق الجهالة.

والضابط في ذلك الأوصافُ المعتبرة في السلّم، وستأتي مفصلةً إن شاء الله تعالى.

قوله: «وإلّا كان المشتري بالخيار».

أي إذا ظهر ناقصاً عن تلك الأوصاف، وإلّا لم يكن له خيار.

وكذا القول في البائع لو ظهر المبيع زائداً.

ص: 129

وإن كان المشتري رآه دون البائع كان الخيار للبائع.

• ولو لم يكونا رأياه كان الخيار لكلّ واحدٍ منهما.

ولو اشترى ضيعةَ رأى بعضها ووصف له سائرها،

--------------

قوله: «ولو لم يكونا رأياه كان الخيار لكلّ واحدٍ منهما».

إذا ظهر زائداً من وجهٍ وناقصاً من آخَر - كما لو وصف لهما الثوب بأنّ طوله عشرون ذراعاً، وعرضه ذراعٍ، فظهر خمسة عشر طولاً في عرض ذراعٍ ونصفٍ مثلاً، أو وصف لهما العبد بأنّه كاتبٌ خاصّةً، فظهر خيّاطاً خاصّةً - فيتخيّران، أمّا لو ظهر زائداً خاصّةً أو ناقصاً كذلك تخيّر البائع أو المشتري خاصّةً.

وإنّما ترك المصنّف التقييد بالزيادة والنقصان في الأقسام الثلاثة؛ اتّكالاً على ظهورها. قوله: ولو اشترى ضيعةً رأى بعضها ووصف له سائرها».

أراد بسائرها باقيها، وهو الذي لم يكن رآه. وإطلاق لفظ «سائر» على الباقي هو الموافق للوضع اللغوي (1).

وأمّا إطلاقه على الجميع فقد نسبه في درّة الغوّاص إلى أوهام الخواصّ (2).

ومنه قول النبي صلى الله عليه و اله سلم لغيلان حين أسلم وعنده عشر نسوة «اختر أربعاً منهنّ، وفارق سائرهنّ»(3) أي مَن بقي بعد الأربع التي يختارهنّ.

ومن شواهد کتاب سیبویه:

ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه *** وسائره باد إلى الشمس أجمع (4).

وعلى تقدير إطلاقه على الجميع أيضاً - كما ادّعاه بعضهم - فالمراد هنا الأوّل.

والضيعة العقار، بالفتح، قاله الجوهري (5).

ص: 130


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 327، «سار».
2- درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ، ص 4، الرقم 1.
3- درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ، ص 4، الرقم 1.
4- كتاب سيبويه، ج 1 ، ص 240 ، الرقم 148.
5- الصحاح، ج 3، ص 1252، «ضيع».

• ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم تكن على الوصف.

--------------

قوله: «ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم تكن على الوصف».

أي الذي رآه والذي وُصف له. وليس له الفسخ فيما ظهر مخالفاً خاصةً، وهو الذي

لم يره؛ لأنّه مبيع واحد.

وهذا الخيار - أعني خيار الرؤية - على الفور في أجود القولين، وثبوته لدفع الغرر، فلو

شرطا إسقاطه لم يصحّ.

ص: 131

[الفصل] الرابع في أحكام العقود

والنظر في أمور ستة:

الأوّل • في النقد والنسيئة

--------------

الفصل الرابع في أحكام العقود

قوله: «في النقد والنسيئة».

النقد مأخوذ من قولك: «نقدته الدراهم ونقدت له أي أعطيته فانتقدها، أي قبضها. والمراد به البيع بثمنٍ حالٍّ، فكأنّه مقبوض بالفعل أو القوّة.

والنسيئة مأخوذة من النسء، وهو تأخير الشيء.

قال الهروي: سمعت الأزهري يقول: أنسأت الشيء إنساءً نسأً، اسم وُضع موضع

المصدر الحقيقي (1).

والمراد بها البيع مع تأجيل الثمن وتأخيره.

واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق أربعة أقسام: فالأوّل بيع النقد والثاني بيع الكالي بالكالى، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو النسيئة، وبالعكس السلف، وكلّها صحيحة عدا الثاني، فقد ورد النهي عنه في الأخبار (2).

وهو - بالهمز - بيع النسيئة بالنسيئة على ما فسّره جماعة من أهل اللغة(3)، اسم فاعل من

ص: 132


1- الغريبين في القرآن والحديث، ج 6، ص 1829 ؛ وراجع تهذيب اللغة الأزهري، ج 13، ص 83.
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 5، ص 474 - 475 ، ح 10537،10536، 10539 و 10540.
3- العين، ج 5، ص 407؛ الصحاح، ج 1، ص 69؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 194؛ المصباح المنير، ص 540، «كلاً».

• مَن ابتاع مطلقاً، أو اشترط التعجيل كان الثمن حالاً، • وإن اشترط تأجيل الثمن صحّ. ولا بدّ أن تكون مدّة الأجل معيّنةً، لا يتطرّق إليها احتمال الزيادة والنقصان.

ولو اشترط التأجيل ولم يعيّن أجلاً، أو عيّن أجلاً مجهولاً كقدوم الحاجّ، كان البيع باطلاً.

--------------

المراقبة، كأنّ كلّ واحدٍ من المتبايعين يكلأ ،صاحبه أي يراقبه لأجل ماله الذي في ذّمته وفيه حينئذٍ إضمار، أي بيع مال الكالي بمال الكالئ، أو اسم مفعول كالدافق، فلا إضمار.

قوله :«مَن ابتاع مطلقاً أو اشترط التعجيل كان الثمن حالّاً».

اشتراط التعجيل مطلقاً يفيد تأكيده؛ لحصوله بدونه.

نعم لو عيّن زمانه وأخلّ به المشتري ولم يمكن إجباره عليه أفاد تسلّط البائع على

الفسخ، وفاقاً للدروس.(1)

ويحتمل قوياً جوازه مع الإطلاق، كغيره من الشروط.

واعلم أنّ اشتراط التعجيل في الثمن من المشتري كما تقتضيه العبارة - خالٍ عن النكتة في الأغلب، فكان نسبته إلى البائع أو الإطلاق أولى.

قوله: «وإن اشترط تأجيل الثمن صحّ، ولا بدّ أن تكون مدّة الأجل معيّنةً».

لا فرق في المدّة المعيّنة بين الطويلة والقصيرة، فلو شرطاها ألف سنةٍ ونحوها صحّ، وإن علم أنّهما لا يعيشان إليها عادةً للعموم (2)، ولأنّ الوارث يقوم مقامهما، لكن يحلّ بموت المشتري.

وفي ثبوت الخيار لوارثه - نظراً إلى أن للأجل قسطاً من الثمن وقد فات - نظر.

ولا فرق في ذلك بين تسليم البائع المبيع في المدّة وعدمه، فلو منعه منه ظلماً حتّى

انقضت المدّة جاز له أخذ الثمن حينئذٍ، وانقطع الأجل.

ص: 133


1- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 1503: الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835 .

• ولو باع بثمنٍ حالاً وبأزيد منه إلى أجلٍ، قيل: يبطل، والمرويّ أنّه يكون للبائع أقلّ الثمنين فى أبعد الأجلين.

ولو باع كذلك إلى وقتين متأخّرين كان باطلاً.

وإذا اشترط تأخير الثمن إلى أجل، ثمَّ ابتاعه البائع قبل حلول الأجل جاز، بزيادةٍ كان أو نقصانٍ، حالاً أو مؤجّلاً،• إذا لم يكن شرط ذلك في حال بيعه، وإن حلّ الأجل فابتاعه بمثل ثمنه من غير زيادة جاز.

--------------

قوله: «ولو باع بثمن حالّاً وبأزيد منه إلى أجلٍ ٍ إلى قوله - في أبعد الأجلين.

الرواية المذكورة عن علي علیه لسلام(1) ، وفي سندها جهالة أو ضعف، وقد عمل بها جماعة من الأصحاب(2) ، وعدّوها إلى ما لو باع إلى وقتين متأخّرين والأقوى البطلان.

وقول المصنّف «فى أبعد الأجلين» تبع فيه الرواية، وسمّى الحالّ أجلاً باعتبار ضمّه إلى الأجل في التثنية، وهو قاعدة مطّردة، ومنه الأبوان والقمران، وتثنيتهما بالأجلين؛ لأنّه ،أخفّ، كالحسنين والعمرين والمراد بأبعدهما الأجل. وفيه تجوّزُ آخرَ من حيث ثبوت أفعل التفضيل مع عدم الاشتراك في المصدر؛ لأنّ الحال لا بُعْد فيه.

قوله: «إذا لم يكن شرط ذلك في حال بيعه».

لا فرق في البطلان مع الاشتراط بين المؤجَّل وغيره.

والمراد بشرطه في حال البيع شرطه في متن العقد، فلو كان في أنفسهما ذلك

ولم يشترطاه لم يضرّ.

ولو شرطاه قبل العقد لفظاً، فإن كانا يعلمان بأنّ الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له، وإلّا اتّجه بطلان العقد، كما لو ذكراه في متنه؛ لأنّهما لم يقدما إلّا على الشرط، ولم يتمّ لهما، فيبطل العقد.

واختلف كلامهم في تعليل البطلان مع الشرط المذكور فعللّه في التذكرة باستلزامه

ص: 134


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 53، ح 230.
2- منهم المفيد في المقنعة ص 595 والشيخ في النهاية، ص 388 .

وكذا إن ابتاعه بغير جنس ثمنه، بزيادة أو نقيصة، حالاً أو مؤجّلاً.

• وإن ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة، فيه روايتان أشبههما الجواز. ولا يجب على من اشترى مؤجّلاً أن يدفع الثمن قبل الأجل وإن طولب، ولو دفعه تبرّعاً لم يجب على البائع أخذه.

• فإن حلّ فمكنّه منه وجب على البائع أخذه، فإن امتنع من أخذه ثمَّ هلك من غير تفريطٍ ولا تصرّفٍ من المشتري، كان من مال البائع على الأظهر.

--------------

الدور(1) ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكه له المتوقّف على بيعه.

ورُدّ بأنّ الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال، ويُمنع توقف تملك المشتري على تملّك البائع، بل تملّكه موقوف على العقد المتأخّر عن ملك المشتري، ولأنّه وارد في باقي الشروط كشرط العتق والبيع للغير، مع صحّته إجماعاً.

وعُلّل أيضاً بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع.

ويُضعّف بأنّ الغرض حصوله، وإرادة شرائه بعد ذلك لا ينافي حصول قصد النقل، وإلّا

لم يصحّ إذا قصدا ذلك وإن لم يشترطاه، وقد صرّحوا بصحّته.

قوله: «وإن ابتاعه بجنس ثمنه بزيادةٍ أو نقيصةٍ، فيه روايتان أشبههما الجواز».

الجواز مطلقاً قويٌّ، والرواية (2) المستدلّ بها على المنع قاصرة عن الدلالة لو سُلّم سندها.

قوله: «فإن حلّ فمكّنه منه وجب على البائع أخذه إلى قوله - على الأظهر».

هذا هو الأقوى، لكن بشرط تعذّر الوصول إلى الحاكم، وإلّا رفع أمره إليه، فإن أخلّ به

لم يبرأ من ضمانه.

قيل (3): ويجوز للمشتري التصرّف فيه بعد تعيينه فيرجع إلى ذمّته، ولو تجدّد له نماء فهو له.

ص: 135


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 253 - 254، المسألة 417.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 33، ح 137؛ الاستبصار، ج 3، ص 76 - 77، ح 255.
3- . القائل هو الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

وكذا في طرف البائع إذا باع سلماً.

وكذا كلّ مَنْ كان له حقٌّ حالٌّ أو مؤجَّلُ فحلّ، ثُمَّ دفعه وامتنع صاحبه من أخذه، فإنّ تلفه من صاحبه الذي يجب عليه قبضه على الوجه المذكور.

• ويجوز شراء المتاع حالاًّ ومؤجّلاً بزيادةٍ عن ثمنه إذا كان المشترى عارفاً بقيمته.

ولا يجوز تأخير ثمن المبيع، ولا شيء من الحقوق المالية بزيادة فيها، • ويجوز تعجيلها بنقصانٍ منها.

ومَن ابتاع شيئاً بثمن مؤجل •وأراد بيعه مرابحةً، فليذكر الأجل، فإن باع

--------------

ومقتضى ذلك أنّه لا يخرج عن ملكه، وإنّما يكون تلفه من البائع عقوبةً له، وفيه نظر.

قوله: «ويجوز شراء(1) المتاع حالاًّ ً ومؤجلاً - إلى قوله - عارفاً بقيمته».

مقتضى الشرط أنّه لو لم يكن عارفاً بالقيمة لا يصحّ البيع، وليس بجيّدٍ، بل يجوز شراؤه مطلقا وإن ثبت له خيار الغبن.

ويمكن أن يريد بالجواز اللزوم مجازاً، ومع الجهل لا يلزم حيث يثبت الغبن.

ولابدّ من تقييد الصحّة مع الزيادة بعدم استلزامه السفه بأن يتعلّق بالزيادة غرض صحيح عند العقلاء، إما لقلّتها، أو لترتّب غرضٍ آخر يقابل الزيادة، كالصبر عليه بدين حال، ونحو ذلك.

قوله: «ويجوز تعجيلها بنقصان منها».

بإبراءٍ أو صلحٍ ٍ - وهو المسمّى بصلح الحطيطة - ونحوهما، وبدون ذلك لا يلزم الوفاء.

قوله: «وأراد بيعه مرابحةً فليذكر الأجل».

وكذا لو أراد بيعه توليةً أو مواضعةً ؛ لأنّ للأجل قسطاً من الثمن، وإنّما خص المرابحة لأنّها مورد النصّ(2)،وللخلاف الآتي.

ص: 136


1- في بعض نسخ المتن: «بيع» بدل «شراء».
2- الكافي، ج 5، ص 198، باب بيع المرابحة، ح : الفقيه، ج 3، ص 213، ح 3797؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 56 - 57 ، ح 245 .

ولم يذكره، كان المشتري بالخيار بين ردّه وإمساكه بما وقع عليه العقد.

• والمرويّ أنّه يكون للمشتري من الأجّل مثل ما كان للبائع.

النظر الثاني فيما يدخل في المبيع

• والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغةً أو عرفاً، •فمَنْ باع بستاناً دخل الشجر والأبنية فيه، وكذا مَن باع داراً دخل فيها الأرض والأبنية، والأعلى

--------------

قوله: «والمرويّ أنّه يكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع».

روى ذلك هشام بن الحكم - في الحسن - عن الصادق علیه السلام(1)، وفي معناها روايات أُخر.

وعمل بها جماعة من الأصحاب (2).

والأقوى ما اختاره المصنّف من تخييره بين أخذه حالّاً بالثمن - لأنّه الذي وقع عليه

العقد - وبين الفسخ؛ للتدليس.

قوله: «والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغةً أو عرفاً».

ينبغي أن يراد بالعرف ما يعمّ الخاصّ والعامّ، ويمكن أن يدخل فيه عرف الشرع، فإنّه من أفراد العرف الخاصّ، فإن لم يدخل فلا بدّ من إدخاله أيضاً بلفظ يدلّ عليه، بل هو مقدَّم على العرف. كما أنّ العرف مقدَّم على اللغة وإن كان في العبارة مؤخَّراً.

وقد حقّق العلّامة قطب الدين الرازي رحمه الله بأنّ المراد تناول اللفظ بالدلالة

المطابقيّة والتضمّنية لا الالتزاميّة، فلا يدخل الحائط لو باع السقف(3)، وهو حسن.

قوله «فمَنْ باع بستاناً دخل الشجر والأبنية فيه».

لا إشكال في دخول الشجر فيه؛ لأنّه داخل في مفهومه لغةً وشرعاً، وكذا الأرض، أمّا البناء فإن كان حائطاً له دخل أيضاً؛ لما ذُكر، وإن كان غيره ففي دخوله وجهان، من أنّه من

ص: 137


1- الكافي، ج 5، ص 208 ، باب بيع النسيئة، ح 3: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 47 ، ح 203.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 389 وابن حمزة في الوسيلة، ص 243 .
3- ذكره الشهيد في حاشية القواعد ، ص 253 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

والأسفل، إلّا أن يكون الأعلى مستقلاًّ ً بما تشهد العادة بخروجه ،مثل أن يكون مساكن منفردة.

• وتدخل الأبواب والأغلاق المنصوبة في بيع الدار وإن لم يسمّها، وكذا الأخشاب المستدخلة في البناء والأوتاد المثبتة فيه، والسُلّم المثبت في الأبنية

على حذو الدرج.

--------------

توابعه، وإطلاق البستان عليه ظاهراً إذا قيل: باع فلان بستانه وفيه بناء، ومن عدم دخوله في مسمّاه لغةٌ، ولهذا يُسمّى بستاناً وإن لم يكن فيه بناء، بخلاف ما لو لم يكن فيه شجر، فتنتفي دلالة المطابقة والتضمّن، وأمّا انتفاء دلالة الالتزام فلعدم كونه لازماً له بحيث يلزم من تصوّره تصوّره.

والأقوى في ذلك الرجوع إلى العرف، فإن عُدّ فيه جزءاً منه أو تابعاً له دخل، وإلّا فلا.

ويختلف ذلك باختلاف البقاع والأزمان وأوضاع البناء.

واعلم أنّ البستان أعمّ من الكرم في اللغة والعرف العامّ، فلو باعه الكرم بلفظ البستان دخل فيه الشجرُ والأرضُ كما ذُكر، والبناءُ على التفصيل، والعريش الذي يوضع عليه القضبان ونحوها إذا كانت مثبتةً دائماً أو أكثريّاً، ولو كانت ممّا تُنقل في أكثر الأحيان إلى غيره رجع فيه إلى العرف.

وكذا يدخل الطريق والشرب؛ لدلالة العرف على ذلك كلّه وإن لم يدخل في مفهومه.

وإن باعه بلفظ الكرم دخل شجر العنب قطعاً؛ لدلالة الكرم عليه لغةً ،مطابقةً وأمّا الأرض والعريش والطريق والشرب والبناء فيرجع فيها إلى العرف، فإن أفاد دخولها في مسمّاه دخل، وإلّا فلا، ولو أفاد دخول بعضها خاصّةً اختصّ به.

وكذا القول في باقي الأشجار النابتة معه، ومع الشكّ في تناول العرف لها لا تدخل. قوله: «وتدخل الأبواب والأغلاق المنصوبة في بيع الدار وإن لم يسمّها» إلى آخره.

الوجه في دخول جميع هذه اقتضاء العرف كونها من أجزاء الدار وتوابعها ومرافقها.

ص: 138

• وفي دخول المفاتيح تردّد، ودخولها أشبه.

• ولا تدخل الرحى المنصوبة إلّا مع الشرط.

--------------

ولو كان في الدار حمّام مُعدُّلها أو حوض أو بشر دخل أيضاً.

وفي حكمها الخوابي المثبتة في الأرض أو الحيطان، بحيث تصير من أجزائها وتوابعها عرفاً.

وقد قيل في كثيرٍ من ذلك بعدم الدخول. ففي التذكرة نفى دخول السلالم المستقرّة

والرفوف والأوتاد المثبتة (1)؛ لخروجها عن اسم الدار. والأوّل أقوى؛ لقضاء العرف به.

وفي أكثر كتبه(2) نفى دخول الخوابي مطلقاً (3).

وهو يتمّ في المنقولة دون المثبتة المدلول على دخولها بالعرف.

ولو كان السُلّم غير مثبتٍ، لم يدخل قطعاً.

قوله: «وفي دخول المفاتيح تردّد، ودخولها أشبه».

وجه التردّد من خروجها عن اسم الدار وكونها منقولةٌ، فتكون كالآلات المنتفع بها فيها، ومن أنّها من توابع الدار وكالجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها.

والأقوى الدخول، إلّا أن يشهد العرف بغيره، كمفاتيح الأقفال ونحوها، كما لا يدخل القفل نفسه.

ومثلها في الإشكال ألواح الدكاكين المجعولة أبواباً منقولةً للارتفاق بسعة الباب.

والأقوى دخولها أيضاً.

قوله «ولا تدخل الرحى المنصوبة».

أي التي ثبت حجرها الأسفل، وإنّما لم تدخل؛ لأنّها لا تُعدّ من الدار لغةً ولا عرفاً، وإنّما

ص: 139


1- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 58، المسألة 576.
2- أي العلّامة الحلّي.
3- راجع تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 328، ذيل الرقم 3244؛ وقواعد الأحكام، ج 2، ص 81؛ ومختلف الشيعة، ج 5، ص 297، المسألة 269.

• ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في المبيع، فإن قال: «بحقوقها» قيل: يدخل، ولا أرى هذا شيئاً، بل لو قال: «وما دار عليها حائطها» أو ما شاكله لزم دخوله.

• وإن استثنى نخلةً فله الممرّ إليها، والمخرج منها، ومدى جرائدها من الأرض.

--------------

أُثبتت لسهولة الارتفاق بها كي لا تتزعزع وتتحرّك عند الاستعمال.

وللشيخ قول بدخول الرحى المثبتة؛ لصيرورتها من أجزاء الدار وتوابعها بالتثبيت، والأعلى تابع للأسفل (1).

قوله: «ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في المبيع» إلى آخره.

القول للشيخ (رحمه الله) بل يُفهم منه أنّها تدخل، وإن لم يقل: «بحقوقها» محتجّاً بأنّها من حقوقها (2). والمنع متوجّه إلى الأمرين معاً.

والأقوى عدم الدخول مطلقاً إلّا مع دلالة اللفظ أو القرائن عليه، كقوله: «وما اشتملت عليه»، أو «ما أغلق عليه بابها» أو لمساومته على الشجر أيضاً، أو بذل ثمناً لا يصلح إلّا لهما، ونحو ذلك.

ولو كثر الشجر بحيث يطلق عليه اسم البستان ونحوه فأولى بعدم الدخول مع الإطلاق.

قوله: «وإن استثنى نخلةً فله الممرّ إليها والمخرج منها ومدى جرائدها من الأرض».

إذا استثنى شجرةً من البستان ونحوه، أو اشتراها من مالكها خاصةً لم تدخل الأرض في البيع، لكن يستحقّ من منفعتها ما يتوقّف عليه الانتفاع بالشجرة وثمرتها، من الدخول إليها، وسقيها، وحرثها، وجمع ثمرها، ووضعه في المكان المعتاد له.

ويستحقّ أيضاً مدى جرائدها في الهواء، وعروقها في الأرض، فليس لمالك الأرض عطف شيءٍ منها، ولا قطعه، ولا العمل في الأرض بما يضرّ بالعروق، ولا الانتفاع بما استحقّته زمن بقائها بالزرع ونحوه إن أضرّ بها، ولو لم يضرّ بها ففي جوازه احتمال وجيه؛

ص: 140


1- المبسوط، ج 2، ص 39؛ الخلاف، ج 3، ص 82 المسألة 133.
2- المبسوط، ج 2، ص 38.

• ولو باع أرضاً وفيها نخل أو شجر كان الحكم كذلك، وكذا لو كان فيها زرع، سواء كانت له أُصول تستخلف أو لم تكن، لكن تجب تبقيته في الأرض حتّى يحصد.

• ولو باع نخلاً قد أُبّر ثمرها فهو للبائع؛ لأنّ اسم النخلة لا يتناوله، ولقوله علیه السلام: «مَنْ باع نخلاً مؤبّراً فثمرته للبائع، إلّا أن يشترطه المشتري».

--------------

لأنّه مالك للأرض، وإنّما استحقّ مالك الشجرة ما يحتاج إليه بطريق الاستتباع؛ لتوقّف الانتفاع عليه لا الملك، فيقتصر فيه على موضع اليقين. وكذا لا يجوز لمالك الشجرة الانتفاع بما يخرج عن متعلّقاتها من الزرع تحتها، والإقامة عندها زيادة على المعتاد في أمثالها، مع احتماله أيضاً.

قوله: «ولو باع أرضاً وفيها نخل أو شجر، فالحكم كذلك».

أي لا يدخل في بيع الأرض مع الإطلاق، كما لا يدخل في بيع الدار وإن قال: «بحقوقها» إلّا على قول الشيخ (رحمه الله).

ولو قال: « وما دار عليه حائطها» أو «ما اشتملت عليه» أو «ما أغلق عليه بابها» ونحوه دخلت.

والظاهر أنّه لا يعتبر هنا كون الأرض ذات حائطٍ أو بابٍ، بل هذه الألفاظ دالّة على دخول ما اشتملت عليه بطريق الحقيقة إن كان لها ذلك، وإلّا فبطريق الكناية، وقد ذكر ذلك جماعةً من الأصحاب (1)، ولا بأس به.

قوله: «ولو باع نخلاً قد أُبر ثمرها فهو للبائع».

التأبير تشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه ليجي، رطبها أجود ممّا لم يؤثَّر، والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقّق بنفسه وتهبّ ريح الذكور إليه، وقد لا يؤثَّر شيء ويتشقق الكلّ ويتأبّر بالرياح، خصوصاً إذا كانت الذكور في ناحية الصبا، فهب الصبا وقت التأبير.

ص: 141


1- منهم السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 62 - 63.

• ويجب على المشتري تبقيته؛ نظراً إلى العرف.

وكذا لو اشترى ثمرةً كان للمشتري تبقيتها على الأُصول؛ نظراً إلى العادة.

• وإن باع النخل ولم يكن مؤبَّراً فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب.

--------------

ومستند الحكم النصّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة علیه السلام (1) وإجماع المسلمين عليه، إلّا مَنْ شذّ من العامّة (2).

قوله: «ويجب على المشتري تبقيته؛ نظراً إلى العرف».

ظاهر العبارة أنّ النظر إلى العرف دليل وجوب التبقية على المشتري، وليس ببعيدٍ، فإنّ الثمرة المقطوعة قبل أوانها لا قيمة لها في الأغلب، خصوصاً ثمرة النخل، فالعادة تقتضي إبقاءه للبائع إذا باع الشجرة.

ويمكن أن يريد به وجوب تبقيته بما دلّ العرف عليه بحسب تلك الشجرة في ذلك المحلّ.

فما كانت عادته أن يؤخذ بُسْراً يبقى إلى أن تتناهى حلاوته، وما يؤخذ رطباً إذا تناهى ترطيبه، وما يؤخذ تمراً إذا انتهى نشافه.

وهذا المعنى هو المقصود في أكثر العبارات، إلّا أنّ تفصيله يأتي في عبارة المصنّف عن قريبٍ، فهو إمّا تفصيل بعد الإجمال، أو تأسيس لمعنى آخر، إذا أريد الأوّل.

قوله: «وإن باع النخل ولم يكن مؤبَّراً فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب».

إنّما نسب القول إلى فتوى الأصحاب؛ لقصور المستند النقلي عن إفادة الحكم المذكور، فإنَّه إنّما دلّ على أنّ النخل المؤثَّر ثمرته للبائع، لا على أنّ ما لا يؤبَّر ثمرته للمشتري، إلّا من حيث المفهوم الضعيف.

ص: 142


1- الكافي، ج 5، ص 177 و 178، باب بيع الثمار وشرائها، ح 12، 14 و 17؛ تهذيب الأحكام، ح 7، ص 87، ح 396 371؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 768، ح 2090، وص 838، ح 2250، و ص 968، ح 2567؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1172 ، ح 1543/77.
2- هو ابن أبي ليلى كما في حلية العلماء، ج 4، ص 201؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 206، المسألة 2876.

• ولو انتقل النخل بغير البيع فالثمرة للناقل، سواء كانت مؤبَّرةً أو لم تكن،

--------------

والأصل يقتضي بقاء الملك لبائعه، و عدم انتقاله إلى المشتري؛ إذ العقد إنّما وقع على الأُصول، وهي مغايرة للثمرة.

والنص الوارد في ذلك من طريق العامة قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم: «مَنْ باع نخلا قد أُبْرت فثمرتها للبائع، إلّا أن يشترط المبتاع» (1).

ومن طريق الخاصّة قول الصادق علیه السلام: «مَنْ باع نخلاً قد لقّح فالثمرة للبائع، إلّا أن يشترط المبتاع، قضى رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم بذلك» (2).

وعنه علیه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام: مَنْ باع نخلاً قد أبّره فثمرته للذي باع، إلّا أن يشترط المبتاع» (3).

وعنه علیه السلام قال: «قضى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنّ ثمرة النخل للذي أبّرها، إلّا أنّ يشترط المبتاع (4).

وهذه الأحاديث كلّها كما ترى إنّما تدلّ على أنّ الثمرة قبل التأبير للمشتري من حيث المفهوم، ودلالته ضعيفة، فمن ثُمَّ أسنده المصنّف إلى فتوى الأصحاب، وهو يؤذن بدعوى الإجماع عليه.

وفي المختلف قال - بعد اعترافه بضعف دلالة الأخبار - : لكن الإجماع يعضدها، مع أنّه نقل عن ابن حمزة أنّ الاعتبار في دخول الثمرة وعدمه ببدوّ الصلاح وعدمه، فمتى باعها بعده فالثمرة للبائع، وقبله للمشتري إلّا مع الشرط (5)، فكأنّهما لم يعتبرا خلافه.

قوله: «ولو انتقل النخل بغير البيع فالثمرة للناقل» إلى آخره.

لا خلاف في ذلك عندنا، ولأنّ هذا الحكم - وهو كون الثمرة بعد ظهورها للمشتري -

ص: 143


1- صحيح البخاري، ج 2، ص 768، ح 2090؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1172، ح 1543/77.
2- الكافي، ج 5، ص 177، باب بيع الثمار وشرائها. ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87، ح 369.
3- الكافي، ج 5، ص 177، باب بيع الثمار وشرائها. ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87، ح 370.
4- الكافي، ج 5، ص 178، باب بيع الثمار وشرائها، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87، ح 371.
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 226 - 227، المسألة 197؛ ولقول ابن حمزة راجع الوسيلة، ص 250.

وسواء انتقلت بعقد معاوضةٍ كالإجارة والنكاح، أو بغير عوضٍ كالهبة وشبهها.

والإبار يحصل ولو تشقّقت من نفسها فأبَّرتها اللواقح، وهو معتبر في الإناث، • ولا يعتبر في فحول النخل، • ولا في غير النخل من أنواع الشجر؛ اقتصاراً على موضع الوفاق، فلو باع شجراً فالثمرة للبائع على كلّ حالٍ.

وفي جميع ذلك، له تبقية الثمرة حتّى تبلغ أوان أخذها، وليس للمشتري إزالتها إذا كانت قد ظهرت، سواء كانت ثمرتها في كمامٍ كالقطن والجوز، أو لم تكن، إلّا أن يشترطها المشتري، وكذا إن كان المقصود من الشجر وَردُهُ، فهو للبائع، تفتَّح أو لم يتفتّح.

--------------

على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع النصّ، وهو البيع.

ونبّه به على خلاف الشافعي، حيث ألحق بالبيع ما شابهه من عقود المعاوضات؛ قياساً عليه (1).

قوله «ولا يعتبر في فحول النخل».

لِما تقدّم من أنّ الحكم معلّق على التأبير (2)، ولا يتحقّق في الذكور؛ لأنّه على ما عرفت ذرّ طلع الفحل في كمام الأُنثى بعد شقّه، والعكس وإن كان ممكناً إلّا أنّ الغالب خلافه، والإطلاق محمول على الغالب، بل منزَّل عليه، فعلى هذا متى ظهرت أكمة الفحول فهي للبائع وإن لم تتشقّق.

قوله: «ولا في غير النخل من أنواع الشجر - إلى قوله - تفتَّح أو لم يتفتّح».

هذا شرط لكونها للبائع، والمراد أنّ ثمرة غير النخل متى ظهرت - أي وُجدت - عند العقد، سواء كانت بارزةً كالتين، أم مستترةً في كمام كالجوز، أم في وردٍ كالتفّاح قبل تناثر نَوْره، فإنّ جميع ذلك لا يدخل في بيع الأصل متى كانت الثمرة موجودةَ.

ص: 144


1- نقله عنه السبکي في تکلمة المجموع شرح المهذّب،ج 11،ص 345.
2- تقدّم في ص 142 - 143.

فروع:

الأوّل: • إذا باع المؤبَّر وغيره كان المؤبَّر للبائع والآخَر للمشتري، وكذا لو باع المؤبَّر لواحدٍ وغير المؤبَّر لآخَر.

--------------

وكذا القول فيما يكون المقصود منه الوَرْد أو الورق.

ولو كان وجوده على التعاقب، فالموجود منه حال البيع للبائع، والمتجدّد للمشتري، ومع الامتزاج يرجع إلى الصلح.

قوله: «إذا باع المؤبر وغيره، كان المؤبَّر للبائع والآخَر للمشتري».

إطلاق الحكم يشمل ما لو كان المؤبَّر بعض البستان كشجرات معيّنة، وغير المؤبَّر الباقي، وما لو كان التبعيض في الشجرة الواحدة بأن يؤبَّر بعض النخلة ويُترك الباقي، فيكون المؤبَّر فيهما للبائع، والآخَر للمشتري؛ عملاً بظاهر النصّ، فإن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّيّة، فيكون التأبير هو العلّة، فمتى وُجد ترتّب عليه حكمه، ويتخلّف عن الباقي.

وبهذا الإطلاق أفتى الشهيد (رحمه الله) في الدروس (1).

وفرّق في التذكرة بين تأبير بعض النخلة وتأبير بعض النخلات، فحَكَم في الأوّل بكون الجميع للبائع؛ محتجّاً عليه بأنّه يصدق عليه أنّه قد باع نخلاً قد أُّبّر، فيدخل تحت نصّ أنّه للبائع، وبما في افتراقهما في الحكم من العسر وعدم الضبط، وفي الثاني بتفريق الحكم (2)، كما ذُكر هنا.

ويحتمل هنا ثالث، وهو دخول الجميع في البيع؛ لصدق عدم التأبير في المجموع الذي هو مورد النصّ، والأقوى الأوّل.

ص: 145


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 188 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 70 - 71، المسألة 591.

الثاني: • تبقية الثمرة على الأُصول يرجع فيها إلى العادة في تلك الثمرة، فما كان يُخترف بُسراً يقتصر على بلوغه، وماكان لا يُخترف فى العادة إلّا رطباً فكذلك.

الثالث: • يجوز سقي الثمرة والأُصول، فإن امتنع أحدهما أُجبر الممتنع، فإن كان السقي يضرّ أحدهما رجّحنا مصلحة المبتاع، لكن لا يزيد عن قدر الحاجة، فإن اختلفا رجع فيه إلى أهل الخبرة.

--------------

قوله: «تبقية الثمرة على الأُصول، يرجع فيها إلى العادة في تلك الثمرة» إلى آخره.

الاختراف اجتناء الثمرة، ومنه سُمّي فصل الخريف؛ لأنّ الثمر يخترف فيه.

وهذا الحكم مع اتّفاق العادة واضح، فلو اضطربت عُمل بالأغلب، ومع التساوي يحتمل الحمل على الأقّل؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل عليه، فإنّ الأصل تسلّط المشتري على ملكه ومنع غيره من الانتفاع به، والأكثر؛ لثبوت أصل الحقّ، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل، ووجوب التعيين؛ للاختلاف المؤدّي إلى الجهالة، فيبطل العقد بدونه.

قوله: «يجوز سقى الثمرة والأُصول - إلى قوله - رجّحنا مصلحة المبتاع».

إنّما رُجّحت مصلحته؛ لأنّ البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه ببيع الأصل وتسليط المشتري عليه.

واحتمل في الدروس تقديم البائع (1).

ووجهه أنّ حقّه أسبق، وكان يقتضي الاستمرار كيف شاء، فإذا باع الأصل وكان بقاء

الثمرة مستثنىً لم يخرج ما كان له من الحقّ.

وذهب بعض الأصحاب (2) إلى جواز فسخ العقد بينهما مع التشاحّ والأشهر الأوّل.

لكن يشكل فيما لو كان نقص الأُصول يحيط بقيمة الثمرة وزيادة، فإنّه حينئذٍ ينبغي

تقديم مصلحته مع ضمانه لقيمة الثمرة؛ جمعاً بين الحقَّين.

ص: 146


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- كالشيخ في المبسوط، ج 2، ص 36.

الرابع: • الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض؛ لأنّها من أجزائها، وفيه تردّد.

النظر الثالث في التسليم

• إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن، فإن امتنعا أُجبرا، وإن امتنع أحدهما

--------------

قوله: «الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض» إلى آخره.

وجه التردّد في الحجارة من كونها من أجزاء الأرض لغةً، ومن عدم صدق اسمها عليها عرفاً، وفي المعادن من كونها كالحجارة، وخروجها عن حقيقة الأرض، وعدم دلالتها عليها بإحدى الدلالات.

والأقوى دخول الحجارة دون المعادن.

والفرق أنّ الحجارة من أجزاء الأرض، بخلاف المعادن؛ لخروجها عن حقيقتها وطبيعتها.

ثمَّ إن كانت الحجارة مضرّةً بالزرع أو الغرس ولم يعلم بها المشتري تخيّر، وإلّا فلا.

ولو اشتملت على منفعةٍ زائدةٍ على وضعها، كما لو ظهرت مصنعاً أو معصرةً للزيت أو

العنب ونحوهما، فإن علم بها البائع، وإلّا تخيّر أيضاً.

واحترز بالمخلوقة عن الموضوعة فيها والمدفونة، فإنّها لا تدخل، بل هي كالمتاع فيها

يجب على البائع تفريغها منه قبل التسليم، وتسوية الحفر إن كانت.

ثمَّ إن علم المشتري بها فلا خيار له، وإلّا فإن استلزم التفريغ فوات شيءٍ من المنافع معتدٍّ به تخيّر. ولا يجب على المشتري قبول تملّكها لو بُذلت له، بل على المالك المبادرة إلى النقل، ولا أُجرة للمشتري عن زمانه.

قوله: «إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن».

احترز بالإطلاق عمّا لو شرط تأجيل أحدهما، أو تسليمه قبل الآخَر، فإنّه حينئذٍ يختصّ وجوب التسليم بالحالّ وما شرط تقديمه أوّلاً.

ص: 147

أجبر الممتنع، • وقيل: يجبر البائع أوّلاً، والأوّل أشبه، سواء كان الثمن عيناً أو دَيْناً.

ولو اشترط البائع تأخير التسليم إلى مدّةٍ معيّنةٍ، جاز، كما لو اشترط المشتري تأخير الثمن.

وكذا لو اشترط البائع سكنى الدار، أو ركوب الدابّة مدّةً معيّنةً، كان أيضاً جائزاً.

• والقبض هو التخلية، سواء كان المبيع ممّا لا يُنقل كالعقار، أو ممّا يُنقل ويُحوّل كالثوب والجوهر والدابّة، وقيل: فيما يُنقل القبضُ باليد، أو الكيل فيما يكال، أو الانتقال به في الحيوان، والأوّل أشبه.

--------------

ولو شرط تأجيلهما وكانا عينين، صحّ أيضاً، وكان خارجاً من الإطلاق، ولو كانا في الذمّة بطل؛ لأنّه بيع الكالي بالكالئ كما مرّا (1).

قوله: «وقيل: يُجبر البائع أوّلاً، والأوّل أشبه».

القول للشيخ (رحمه الله)؛ محتجّاً بأنّ الثمن تابع للمبيع (2) .

وفيه منع؛ لاستواء العقد في إفادة الملك لكلِّ منهما، فيُجبرهما الحاكم معاً مع إمكانه، كما يُجبر الممتنع منهما من قبض ماله، فإن تعذّر فالظاهر أنّه كالدَين إذا بذله المديون فامتنع من قبوله.

قوله: «والقبض هو التخلية، سواء كان المبيع ممّا لا يُنقل كالعقار» إلى آخره.

اعلم أنّ القبض من المعاني المعتبرة شرعاً المترتّب عليها أحكام، فمن أحكامها في البيع انتقال ضمان المبيع إلى المشتري بعده إن لم يكن له خيارّ وكونه على البائع قبله، وجواز بيع ما اشتراه بعد القبض مطلقاً، وتحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه، وامتناع فسخ البائع بتأخير الثمن كما مرّ (3)، ولم يرد له تعريف من قِبَل الشارع شامل لجميع أفراد المبيع.

ص: 148


1- مرّ في ص 132.
2- المبسوط ، ج 2، ص 88.
3- مرّ في ص 117.

--------------

نعم، روى معاوية بن وهب - في الصحيح - قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه؟ فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه، إلّا أن تولّيه»(1)، فجعل علیه السلام قبض المكيل والموزون كيله أو وزنه بالنسبة إلى جواز بيعه. وروى عقبة بن خالد، عنه علیه السلام في رجلٍ اشترى متاعاً من آخر، وواجبه، غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، فسُرق المتاع، من مال مَنْ يكون؟ قال: «من مال صاحب المتاع حتّى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه» (2)، فجعل النقل علیه السلام هو القبض بالنسبة إلى نقل الضمان .

وهذان الخبران حجّة على مَن اكتفى فيه بالتخلية مطلقاً، والثاني حجّة على مَن اكتفى بها في نقل الضمان، لا في زوال التحريم أو الكراهة قبل القبض، كالشهيد في الدروس حيث نفى عنه البأس (3)، فإنّ الخبر مصرّح بأنه لا يخرج من ضمان البائع حتّى يُنقل.

نعم، يمكن ردّه؛ نظراً إلى سنده، فيبقى الكلام في تسميتها قبضاً.

والأجود الرجوع في معناه إلى العرف في غير المنصوص، وهو المكيل والموزون؛ لأنّ القاعدة ردّ مثل ذلك إليه حيث لم يرد له تحديد شرعي، والعرف يدلّ على أنّ إقباض غير المنقول يتحقّق بالتخلية مع رفع يد البائع عنه، وعدم مانع للمشتري من قبضه، وأمّا في المنقول فلا يتحقّق إلا باستقلال يد المشتري ،به سواء نقله أم لا، وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن.

وهذا مطّرد في المكيل والموزون وغيرهما، إلّا أنّهما خرجا عنه بالنصّ الصحيح، فيبقى الباقي، وهذا هو الأقوى.

ص: 149


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35 . ح 146 .
2- . الكافي، ج 5، ص 171 - 172، باب الشرط والخيار في البيع، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 21، ح 89 وص 230 ، ح 1003.
3- الدروس الشرعية ، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

--------------

و تنقيح ذلك يتّم بمباحث:

الأوّل: المراد بالتخلية - حيث يعتبر - رفع المانع للمشتري من قبض المبيع إن كان، والإذن له فيه، ولا يختصّ ذلك بلفظٍ ، بل كلّ ما دلّ عليه كافٍ فيه، وقد لا يكتفى فيها باللفظ الصريح مع وجود المانع منها.

الثاني: لو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع، فإن كان بغير إذن البائع فلا بدّ من تجديد الإذن في تحقّقه بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة، وأمّا بالنسبة إلى نقل الضمان فيحتمل قويّاً تحقّقه ،بدونه، كما لو قبضه بعده بغير إذن البائع.

ويحتمل توقّف الأمرين على تجديده لفساد الأوّل شرعاً، فلا يترتب عليه أثر.

ولو كان بإذنه كالوديعة والعارية - لم يفتقر إلى تجديد إذن ولا تخلية.

الثالث: ما يكتفى فيه بالتخلية إن كان عقاراً، فقبضه رفع يد البائع عنه مع تمكّن المشتري كما مرا(1)، ولا يشترط مع ذلك مضيٍّ ٍ زمانٍ يمكن فيه وصول المشتري إليه أو وكيله؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في القبض عرفاً.

نعم، لو كان بعيداً جدّاً بحيث يدلّ العرف على عدم قبضه بالتخلية - كما لو كان ببلاد

أخرى - اتّجه اعتبار مضيّ الزمان.

والحاصل أنّ مرجع الأمر إلى العرف حيث لم يضبطه الشرع.

وإن كان منقولاً كالحيوان، فعلى ما اخترناه من اشتراط نقله أو وضع اليد عليه، الحكم واضح، وعلى الاكتفاء بالتخلية، يحتمل كونه كالعقار؛ لما مرّ(2) ، واعتبار مضيّ زمانٍ يتمكّن من قبضه ونقله؛ لإمكان ذلك فيه، بخلاف العقار.

الرابع: لو كان المبيع مشغولاً بملك البائع، فإن كان منقولاً كالصندوق المشتمل على

أمتعة البائع واعتبرنا نقله، فنقله المشتري بالأمتعة، كفى في نقل الضمان مطلقاً.

ويحتمل توقّفه على إذن البائع في نقل الأمتعة.

ص: 150


1- مرّ آنفاً.
2- مرّ آنفاً.

--------------

وإن كان عقاراً كالدار، ففي الاكتفاء بالتخلية قبل نقل المتاع وجهان، أجودهما ذلك، وهو خيرة التذكرة (1).

الخامس: لو كان مشتركاً بين البائع وغيره ،فعلى ما اخترناه إن كان منقولاً، فلا بدّ من إذن الشريك في تحقّق القبض؛ لتوقّفه على إثبات اليد والتصرّف في حصّة الشريك، وإن كان غير منقولٍ، ففي توقّفه عليه قولان أجودهما العدم؛ لأنّ حقيقة قبض ما هذا شأنه رفع يد المالك عنه، وتخلية المشتري بينه وبينه، وهذا لا يقتضي التصرّف في مال الشريك.

ووجه الاشتراط أنّ وضع اليد والتسلّط على التصرّف لا يمكن بدون التصرّف في حصّة الشريك.

وعلى تقدير التوقّف على إذنه بوجهٍ، فإن أذن الشريك فيه، وإلّا نصب الحاكم مَنْ يقبضه أجمع، بعضه أمانةً وبعضه لأجل البيع.

واختار العلّامة في المختلف الاكتفاء حينئذٍ بالتخلية؛ لأن المانع الشرعي من النقل

كالمانع العقلي في العقار، ذكر ذلك في باب الهبة (2)، والحكم واحد، بل فيها أقوى. السادس: لو كان المبيع في مكان لا يختصّ بالبائع كفى في المنقول نقله من حيّز إلى آخر. وإن كان في موضع يختصّ به، فإن نقله فيه من مكانٍ إلى آخر بإذنه كفى أيضاً، وإن كان بغير إذنه، كفى في نقل الضمان خاصّةً، كما مرّ (3).

ولو اشترى المحلّ معه كفت التخلية في البقعة، وفيه وجهان، أصحّهما الافتقار إلى

النقل، كما لو انفرد بالبيع.

ولو أحضره البائع، فقال له المشتري : ضَعْه، ففَعَل تمَّ القبض؛ لأنّ البائع حينئذٍ كالوكيل فيه، وإن لم يقل شيئاً، أو قال: لا أريده، ففي وقوعه بذلك وجهان.

ص: 151


1- مرّ في ص 150.
2- مختلف الشيعة، ج 6، ص 244، المسألة 20.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 392 - 393، المسألة 545 .

--------------

وينبغي الاكتفاء به في نقل الضمان، كما لو وضع المغصوب بين يدي المالك دون غيره. السابع: لو كان المبيع مكيلاً أو موزوناً، فلا يخلو إمّا أن يكون قد كيل قبل البيع أو وُزن أو لا، بأن أخبر البائع المشتري بكيله أو وُزنه، أو باعه قدراً منه معيّناً من صُبرةٍ مشتملةٍ عليه. فإن كان الأخير، فلا بدّ في تحقّق قبضه من كيله أو وزنه؛ للنصّ المتقدّم(1).

وإن كان الأوّل، ففي الافتقار إلى اعتباره ثانياً لأجل القبض، أو الاكتفاء بالاعتبار السابق وجهان من إطلاق توقّف الحكم على الكيل أو الوزن وقد حصلا، وقوله علیه السلام: «لا تبعه حتّى تكيله أو تزنه» لا يدلّ على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع، ومن كون الظاهر أنّ ذلك لأجل القبض، لا لأجل صحّة البيع، فلا بدّ له من اعتبارٍجديدٍ بعد العقد، وبه صرّح العلّامة والشهيد (2) وجماعة، وهو الأقوى.

ويدلّ عليه قوله علیه السلام في الخبر السابق (3): «إلّا أن تولّيه» فإنّ الكيل السابق شرط لصحّة لا البيع أو ما قام مقامه، فلا بدّ منه في التولية وغيرها، ومقتضى قوله علیه السلام : «إلّا أن تولّيه» أنّه معها لا يتوقّف على كيلٍ أو وزن، فدلّ ذلك على أنّهما لأجل القبض، لا لأجل صحّة البيع.

وأمّا الثاني فإن اكتفينا في الأوّل بالاعتبار الأوّل كفى الإخبار فيه، واختارهما في التذكرة (4)، وإن لم يُكتف بالسابق في الأوّل لم يِكتف بالإخبار في الثاني بطريق أولى.

، وقد روى محمّد بن حمران قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام : اشترينا طعاماً، فزعم صاحبه أنّه كاله، فصدّقناه، وأخذناه بكيله؟ فقال: «لا بأس» فقلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: «لا ، أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله»(5).

ص: 152


1- تقدّم تخريجه في ص 149 الهامش 1 .
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 85 ،الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11) .
3- سبق تخريجه في ص 149 الهامش 1.
4- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 369 ، المسألة 525.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 37، ح 157.

وإذا تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري، كان من مال البائع• وكذا إن نقصت قيمته بحدث فيه، كان للمشتري ردّه، وفي الأرش تردّد.

--------------

الثامن: ألحق في الدروس المعدودَ بالمكيل والموزون(1) ، فاعتبر في قبضه عدّه بعد البيع، ولم يكتف بعدّه السابق.

وفيه نظر؛ لعدم النصّ، وتحقّق القبض فيه عرفاً مع نقل المشتري له، كغيره من المنقولات، وإلحاقه بهما نظراً إلى اشتراط اعتباره في صحة بيعه لا يوجب ذلك عندنا. واكتفى فيه أيضاً عن اعتبار المكيل والموزون والمعدود بنقله (2). والخبر الصحيح حجّة عليه.

وقريب منه مختار العلّامة في المختلف، فإنّه اكتفى فيهما بأحد أمور ثلاثة: النقل، والقبض باليد، والاعتبار بالكيل أو الوزن (3).

وفي النقل ما مرّ، وفي القبض باليد ما دلّ عليه خبر عقبة بن خالد (4)، من اعتبار النقل.

ومال في الدروس أيضاً إلى أنّ التخلية كافية مطلقاً في نقل الضمان(5)لا في زوال التحريم

أو الكراهة عن البيع قبل القبض.

وخبر عقبة حجّة عليه إن اعتبره. والتحقيق هنا أنّ الخبر الصحيح دلّ على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما، لا على أنّ القبض لا يتحقّق بدونهما.

وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك؛ لأنّ الاعتبار بهما قبض وزيادة، وحينئذٍ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل؛ عملاً بمقتضى العرف والخبر الآخر، وبتوقّف البيع ثانياً على الكيل أو الوزن أمكن إن لم يكن إحداث قول ثالث.

وهذه المسألة من المهمّات، ومما تعمّ به البلوى فى كثيرٍ ٍ من أبواب الفقه، كالرهن والهبة والوصيّة وغيرها، فلذلك خرجنا فيها عن موضع التعليق وبقي فيها مباحث آخر مهمة.

قوله: «وكذا إن نقصت قيمته بحدثٍ فيه، كان للمشتري ردّه، وفي الأرش تردّد».

ص: 153


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 301 المسألة 278 .
4- تقدم تخريج خبره في ص 149، الهامش 2.
5- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 192 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11.

ويتعلّق بهذا الباب مسائل:

الأولى: • إذا حصل للمبيع نماء، كالنتاج أو ثمرة النخل أو اللقطة كان ذلك للمشتري، فإن تلف الأصل سقط الثمن عن المشتري وله النماء، ولو تلف النماء من غير تفريطٍ لم يلزم البائع دركه.

الثانية: • إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطاً لا يتميّز، فإن دفع الجميع إلى المشتري جاز، وإن امتنع البائع، قيل: ينفسخ البيع؛ لتعذّر التسليم.

وعندي أنّ المشتري بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء كان شريكاً للبائع، كما إذا اختلط بعد القبض.

--------------

موضع التردّد ما لو كان التعيّب من قِبَل الله تعالى، ومنشؤه من تعيّبه على ملك المشتري لا من قبل أحدٍ، ومن أنّه مضمون على البائع بأجمعه فضمان أجزائه أولى.

والأقوى أن له الأرش إن لم يفسخ.

ولو كان التعيّب من أجنبي أو من البائع تخيّر المشتري بين الرجوع على المتلف بالأرش، وبين فسخ العقد، فإن فسخ رجع البائع على الأجنبي بالأرش.

قوله: «إذا حصل للمبيع نماء، كالنتاج أو ثمرة النخل أو اللقطة كان ذلك للمشتري»

إلى آخره .

لأنّ التلف إنّما يُبطل البيع من حينه، فيكون النماء السابق وما في حكمه كلقطة العبد التي يمكن تملّكها ولو بعد التعريف للمشتري، ويكون هذا النماء في يد البائع أمانةً؛ اقتصاراً فيماخالف الاصل - وهو ضمان مال الغير مع عدم العُدوان - على ما دلّ عليه الدليل.

قوله: «إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطاً لا يتميز» إلى آخره.

ما اختاره المصنّف هو الأقوى؛ لأنّ التسليم ممكن كما في بيع الجزء المشاع، وثبوت

الخيار يجبر عيب الشركة.

ص: 154

الثالثة: • لو باع جملةً فتلف بعضها، فإن كان للتالف قسط من الثمن كان للمشتري فسخ العقد، وله الرضى بحصّة الموجود من الثمن، كبيع عبدين، أو نخلةٍ فيها ثمرة لم تؤبّر. وإن لم يكن له قسط من الثمن كان للمشتري الردّ، أو أخذه بجملة الثمن، كما إذا قُطعت يد العبد.

--------------

ولا فرق بين أن يختلط بمثله وأجود وأدون ،باختيار البائع وبغير اختياره.

وينبغي فيما لو مزج بالأجود بغير اختياره ثبوت الخيار له أيضاً؛ لتضرّره بذلك، مع اختيار المشتري الشركة.

وحيث يفتقر القسمة إلى مؤونةٍ فهي على البائع؛ لأنّ هذا العيب مضمون عليه،

والتخليص واجب عليه؛ لوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

ولا يسقط الخيار ببذل البائع له ما امتزج به.

قوله: «لو باع جملةً فتلف بعضها - إلى قوله - أخذه بجملة الثمن».

ضابط الأوّل ما يمكن إفراده بالبيع، كأحد العبدين والقفيزين، والثاني ما لا يمكن إفراده به كيد العبد.

والفرق بينهما الموجب لاختلاف الحكم أنّ الأوّل لا يبقى مع فواته أصل المبيع بل بعضه،والأرش جزء من الثمن، والثمن موزّع على أجزاء المبيع، والثاني يبقى معه أصل المبيع، والجزء التالف بمنزلة الوصف، كيد العبد ونحوها من أعضائه التي فواتها لا يُخلّ ببقاء العبد، فإذا فات لم يكن له قسط من الثمن، ولا أرش له؛ لأنّ الأرش هو مقدار حصّته من الثمن، هذا وجه ما اختاره المصنّف.

والأقوى ثبوت الأرش فيه كالأوّل؛ لأنّ القيمة تزيد بوجوده وتنقص بعدمه، ففواته من أظهر العيوب، ولأنّ المبيع هو المجموع وقد فات بعضه، فيتخيّر المشتري بين الردّ - لتبعّض الصفقة في الموضعين - والأرش.

وهذا كلّه إذا كان الفائت جزءاً من المبيع، أمّا لو كان وصفاً محضاً، كما لو كان العبد كاتباً

ص: 155

الرابعة: • يجب تسليم المبيع مفرّغاً، فلو كان فيه متاع وجب نقله، أو زرع قد احصد وجب إزالته.

• ولو كان للزرع عروق تضرّ كالقطن والذرّة، أو كان في الأرض حجارة مدفونة أو غير ذلك وجب على البائع إزالته وتسوية الأرض.

وكذا لو كان فيها دابّة أو شيء لا يخرج إلّا بتغيير شيءٍ من الأبنية وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم.

الخامسة: • لو باع شيئاً فغُصب من يد البائع، فإن أمكن استعادته في الزمان اليسير لم يكن للمشتري الفسخ وإلّا كان له ذلك،

--------------

فنسي الكتابة قبل القبض فللمشتري الردّ خاصّةً، أو الإمساك بجميع الثمن؛ لأنّ الفائت ليس جزءاً من المبيع، ومن ثمَّ لو شرط كونه كاتباً فظهر بخلافه لم يستحقّ سوى الردّ.

قوله: «يجب تسليم المبيع مفرّغاً، فلو كان فيه متاع وجب نقله» إلى آخره.

المراد وجوب كلّ واحدٍ من التسليم والتفريغ، ولكن لا يتوقّف صحّة التسليم عليه، فلو سلّمه مشغولاً فتسلَّمه، حصل القبض عندنا، ويجب التفريغ مع ذلك.

واحترز بقوله «قد أُحصد» عمّا لو لم يكن قد بلغ ذلك، فإنّه يجب الصبر عليه إلى أوان حصاده إن اختار البائع إبقاءه.

ثمَّ إن كان المشتري عالماً بالحال، وإلّا تخيّر بين الفسخ والصبر إن احتاج إلى مضيّ

زمانٍ يفوت فيه شيء من النفع معتدّبه.

قوله: «ولو كان للزرع عروق تضرّ» إلى آخره.

لا ريب في وجوب الإخراج والتفريغ؛ لتوقّف التسليم عليه.

ثمَّ إن استلزم نقصاً في المبيع، كان على البائع أرشه؛ لأنّه إتلاف لبعض المبيع بحقٍّ

وجب عليه. ومع جهل المشتري بالحال فله الفسخ.

قوله: «لو باع شيئاً فغُصب في يد البائع» إلى آخره.

ص: 156

• ولا يلزم البائع أجرة المدّة، على الأظهر •فأما لو منعه البائع عن التسليم، ثمَّ سلّم بعد مدّةٍ كان له الأجرة.

--------------

المراد هنا باليسير ما لا يشتمل على منفعة مقصودةٍ، بحيث يستلزم فواتها نقصاً معتبراً، وفوات غرضٍ مقصودٍ عرفاً على المشتري، والكثير يقابله.

ويجب على البائع استعادته مع الإمكان مطلقاً؛ لأنّ التسليم واجب عليه، ولا يتمّ إلّا بها. ويشمل قوله «وإلّا كان له ذلك» ما لو تعذّر استعادته أصلاً، وما لو أمكن لكن بعد مضيّ زمان كثير، فإنّ المشتري يتخيّر حينئذٍ بين الفسخ والرجوع إلى الثمن، وبين الرضى بالمبيع وارتقاب حصوله، وله حينئذٍ الانتفاع بما لا يتوقف على القبض كعتق العبد ونحوه. ثمَّ إن تلف في يد الغاصب فهو ممّا تلف قبل قبضه فيبطل البيع وإن رضي بالصبر، مع احتمال كون الرضى به قبضاً ، وكذا لو رضي بكونه في يد البائع.

قوله: «ولا يلزم البائع أجرة المدّة على الأظهر».

إنّما لا يضمن الأجرة مع كون العين مضمونةٌ عليه؛ لأنّها بمنزلة النماء، وقد تقدّم أنّه

غير مضمون (1).

ووجه اللزوم أنّ ذلك نقص دخل على المبيع قبل القبض، فيكون في ضمان البائع، ولأنّ المنفعة كالنماء المتّصل، وقد قيل: إنّه مضمون(2) ، كما لو سمن في يد المشتري ثمَّ هزل. والأوّل الأقوى، وحينئذٍ فيختصّ ضمانها بالغاصب.

قوله «أمّا لو منعه البائع عن التسليم، ثمّ سلّم بعد مدّة كان له الأجرة».

ينبغي تقييده بما إذا كان الحبس بغير حقٌّ، فلو حبسه ليقبض الثمن أو ليتقابضا معاً ونحوذلك، فلا أجرة عليه؛ لإذن الشارع له فيه، فلا يتعقّبه الضمان.

وحيث يكون الحبس سائغاً فالنفقة على المشتري؛ لأنّه ملكه، فإن امتنع منها رفع البائع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر أنفق بنيّة الرجوع، ورجع بها عليه، كما في نظائره.

ص: 157


1- . تقدم في ص 154.
2- لم نتحقق القائل به.

ويلحق بهذا بيع ما لم يقبض وفيه مسائل:

الأولى: • مَن ابتاع متاعاً ولم يقبضه ثمَّ أراد بيعه كره ذلك إن كان مما يكال أو يُوزن، وقيل: إن كان طعاماً لم يجز. والأوّل أشبه.

--------------

قوله: «مَن ابتاع متاعاً ولم يقبضه - إلى قوله - والأوّل أشبه».

إنّما كان أشبه؛ لأنّ فيه جمعاً بين الأخبار المختلفة التي دلّ بعضها على الجواز، كرواية جميل (1)، وابن الحجاج الكرخي (2) ، عن الصادق ، وبعضها على المنع مطلقاً، كصحيحة الحلبي(3)، ومنصور بن حازم(4)، عنه علیه السلام ، وبعضها على المنع إلّا توليةُ، كصحيحة معاوية بن وهب عنه علیه السلام (5)بحمل النهى على الكراهة؛ لئلّا تسقط أخبار الجواز.

وهذا الجمع إنّما يتمّ لو كانت الأخبار متكافئةً في وجوب العمل بها، لكنّ الأمر هنا ليس كذلك؛ لأنّ أخبار المنع صحيحة متظافرة، وخبر التسويغ في طريق أوّلهما عليّ بن حديد، وهو ضعيف، والآخر مجهول، فالقول بالمنع أوضح، وهو خيرة العلّامة في التذكرة والإرشاد(6) ، والشيخ في المبسوط، بل ادعّى عليه الإجماع (7)، وجماعة من الأصحاب(8) .

نعم، تبقى الأخبار الدالّة على النهي مطلقاً مقيّدةً بغير التولية؛ جمعاً بينها وبين ما قيّد به

مع صحّة الجميع.

ثمَّ على القول بالمنع مطلقاً - كما اختاره جماعة - أو على بعض الوجوه - وهو في

ص: 158


1- الكافي، ج 5، ص 179، باب شراء الطعام وبيعه، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 36، ح 151.
2- الفقيه، ج 3، ص 209 ، ح 3783؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 39، ح 164.
3- الكافي، ج 5، ص 178، باب شراء الطعام وبيعه، ح 2.
4- الفقيه، ج 3، ص 206، ح 3775؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35 ، ح 147.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35، ح 146 .
6- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 122 ذيل المسألة 66: إرشاد الأذهان، ج 1، ص 382 .
7- المبسوط، ج 2، ص 55 .
8- منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 385 وابن حمزة في الوسيلة، ص 252.

--------------

غير التولية أو ما أُلحق بها - لو باع هل يقع باطلاً، أو يأثم خاصةً؟ صرّح ابن أبي عقيل بالأوّل، فإنّه قال: وبالبطلان وردت السُنّة عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم(1)، ويؤيّده أنّ النهي هنا راجع إلى نفس المبيع فيبطل، كبيع المجهول ونحوه، ولتعلّق النهي فيه بمصلحةٍ لا تتمّ إلّا بإبطاله.

وبالثاني قطع العلّامة في المختلف، قال فيه: ولو قلنا بالتحريم، لم يلزم بطلان البيع (2)

ولم يذكر دليله. وكأنّه نظر إلى أنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، ويشكل بما مرّ. واعلم أنّ أكثر الأصحاب جعلوا موضع الخلاف هو الطعام، وأكثر الأخبار المانعة مصرّحة به.

وأطلق في صحيحة منصور بن حازم، ومعاوية بن وهب النهي عن بيع المكيل أو الموزون إلّا توليةً، وبه صرّح ابن أبي عقيل (3)، وهو الظاهر؛ لعدم التنافي بين المطلق والمقيّد حتى يُجمع بينهما بالحمل على المقيّد، كما في حمل ما أُطلق فيه النهي على غير التولية لتحقّق المنافاة.

ثمَّ على القول باختصاص النهي بالطعام، فهل يعمّ كلّ ما أُ عِدّ للأكل - كما هو موضوعه لغةً(4) - أو يختصّ بالحنطة والشعير؛ لأنّه معناه شرعاً، كما نبّه عليه في موارد منها في حلّ طعام أهل الكتاب في الآية الشريفة(5) ؟ كلُّ محتمل.

وبالثاني صرّح الفاضل فخر المحقّقين في بعض فوائده(6)، ولعلّه الأجود؛ اقتصاراً في الحكم بما خالف الأصل على المتيقّن.

ص: 159


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 303، المسألة279 .
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 305 ذيل المسألة .279 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 303 المسألة 279 .
4- الصحاح، ج 4، ص 1974، «طعم».
5- المائدة ( 5 ) : 5
6- حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 398 نقلاً عن بعض الفوائد المنسوبة إليه.

• وفي روايةٍ يختصّ التحريم بمَنْ يبيعه بربحٍ فأمّا التولية فلا.

•ولو مَلَك ما يريد بيعه بغير بيعٍ ٍ،كالميراث والصداق للمرأة والخلع جاز وإن لم يقبضه.

--------------

قوله: «وفي روايةٍ يختص التحريم بمَنْ يبيعه بربحٍ، فأمّا التولية فلا».

وهي رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام، قال: سألته عن الرجل يشتري الطعام، أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: «إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض، وإن كان توليةً فلا بأس.»(1).

وهذه الرواية ذكرها في التهذيب بغير إسنادٍ، لكن في معناها أخبار (2)كثيرة صحيحة، إلّا أنّها مصرّحة بالمنع ممّا عدا التولية، وهذه جعل محلّ المنع فيها المرابحة، وبينهما واسطة.

قوله: «ولو مَلَك ما يريد بيعه بغير بيعٍ» إلى آخره.

المنع - على القول به - مشروط بأمرين انتقاله بالبيع، ونقله به، فلو انتقل بغيره أو نقله بغيره لم يحرم.

أمّا الأوّل فلا نعلم فيه خلافاً.

وأمّا الثاني فهو المشهور، غير أنّ الشيخ (رحمه الله) ألحق به الإجارة؛ محتجاً ب- «أنّها

ضرب من البيوع»(3)، وهو ممنوع.

وكذلك مَنَع من الكتابة (4)؛ بناءً على أنّها بيع العبد من من نفسه.

وهو مع تسليمه لا يستلزم المنع؛ لأنّ العبد ليس ممّا يكال أو يوزن، وغاية المنع عندنا أن يكون المبيع مقدّراً بهما.

وقد استثنى بعض المانعين من الميراث ما لو كان الموروث مبيعاً للمورّث قبل قبضه له.

فإنّه لا يجوز للوارث بيعه حينئذٍ(5).

ص: 160


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 36 - 37، ح 153.
2- وسائل الشيعة، ج 18، ص 65 - 71 الباب 16 من أبواب أحكام العقود.
3- المبسوط، ج 2، ص 56.
4- المبسوط، ج 2، ص 56.
5- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 297؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 196؛ المجموع شرح المهذب، ج 9، ص 265 .

الثانية: • لو كان له على غيره طعام من سلمٍ، وعليه مثل ذلك، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخَر، فعلى ما قلناه يكره، وعلى ما قالوه يحرم؛ لأنّه قبضه عوضاً عمّا له قبل أن يقبضه صاحبه.

--------------

وفيه نظر؛ لأنّ انتقاله إلى الوارث بالإرث واسطة بين البيعين.

وكذا القول في الصداق إذا كان المصدِق قد اشتراه ولم يقبضه ثمَّ أصدقه وأرادت المرأة أن تبيعه قبل القبض.

ومثله عوض الخلع من جانب المرأة المشترية له قبل القبض إذا أراد الزوج بیعه.

والاستثناء في الجميع غير واضحٍ؛ لثبوت الواسطة.

قوله: «لو كان له على غيره طعام من سَلَم - إلى قوله - قبل أن يقبضه صاحبه».

قد عرفت أنّ المنع أو الكراهة مشروط بشرطين انتقاله بالبيع، ونقله به، وما ذُكر في هذا الفرض وإن كان بيعاً حيث إنّ السلم فرد من أفراده إلّا أنّ الواقع من المسلم إمّا حوالة لغريمه في القبض، أو وكالة له فيه، وكلاهما ليس ببيعٍ، إلّا أنّ الشيخ (رحمه الله) ذكر هذا الحكم في المبسوط والخلاف، وقطع بعدم صحّته (1)، وتبعه عليه جماعة (2).

ويظهر من المصنّف وجماعة (3) اختيار صحّته؛ تحريماً على القول به، أو كراهةً على القول الآخَر.

وفيه نظر واضح، والجواب بأنّ الواقع حوالة، وأنّ الحوالة ملحقة بالبيع، في حيّز المنع. وأجاب الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته عن الإشكال بأنّ مورد السلم لمّا كان ماهيّةً كلّيّةً ثابتةً في الذمّة منطبقة على أفراد لا نهاية لها، فأيّ فردٍ عيّنه المسلم إليه تشخّص ذلك الفرد وانصبّ العقد عليه، فكأنّه لمّا قال الغريم: اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد المسَلَم معه وارداً على ما في ذمّة غريمه المستلف منه ولمّا يقبضه بَعْدُ، ولا ريب أنّه مملوك

ص: 161


1- المبسوط، ج 2، ص 58؛ الخلاف، ج 3، ص 99، المسألة 162.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 388.
3- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 86-87 .

•وكذا لو دفع إليه مالاً، وقال: اشتر به طعاماً، فإن قال: اقبضه لى ثمَّ اقبضه لنفسك صحّ الشراء دون القبض؛ لأنّه لا يجوز أن يتولّى طرفي القبض، وفيه تردّد.

--------------

له بالبيع، فإذا جعل مورد السلَم الذي هو بيع يكون بيعاً للطعام قبل قبضه، فيتحقّق الشرطان، ويلتحق بالباب قال وهذا من لطائف الفقه.

وهذا التحقيق غاية ما يقال في توجيه كلام الشيخ ومَنْ تبعه، إلّا أنّه مع ذلك لا يخلو من نظرٍ؛ لأنّ مورد السلَم ونظائره من الحقوق الثابتة في الذمّة لما كان أمراً كليّاً، كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلّي، وما يتعيّن لذلك من الأعيان الشخصيّة بالحوالة وغيرها ليس هو نفس المبيع وإن كان الأمر الكلّي إنّما يتحقّق في ضمن الأفراد الخاصّة، فإنّها ليست عينه،ومن ثمَّ لو ظهر المدفوع مستحقاً أو معيباً رجع الحقّ إلى الذمّة، والمبيع المعيّن ليس كذلك، ونظير ذلك ما حقّقه الأُصوليّون من أنّ الأمر بالكلّي ليس أمراً بشيءٍ من جزئيّاته الخاصّة وإن كان لا يتحقّق إلّا بها، وحينئذٍ فانصباب العقد على ما قبض، وكونه حينئذٍ بيعاً غير واضحٍ، فالقول بالتحريم عند القائل به في عند القائل به في غيره غير متوجّهٍ.

نعم، لا بأس حينئذٍ بالكراهة؛ خروجاً من خلاف الشيخ والجماعة، وتحرّزاً ممّا هو

مظنّة التحريم.

قوله: « وكذا لو دفع إليه مالاً - إلى قوله وفيه تردّد».

منشأ التردّد من منع الشيخ تولّى الواحد طرفي القبض؛محتجّاً عليه بأنّه لا يجوز أن يكون وكيلاً لغيره في قبض حقّ نفسه من نفسه(1)، وتبعه عليه ابن البرّاج(2)، ومن أصالة الجواز، ولأنّه وكله في الإقباض، والمغايرة الاعتباريّة في القابض والمقبوض منه كافية،ومثله تولّى طرفي العقد، وهو الأقوى.

ص: 162


1- المبسوط، ج 2، ص 57 .
2- المهذب، ج 1، ص 387.

•ولو قال اشتر لنفسك لم يصحّ الشراء، ولا يتعيّن له بالقبض.

الثالثة: • لو كان المالان قرضاً، أو المال المحالّ به قرضاً، صحّ ذلك قطعاً.

الرابعة • إذا قبض المشتري المبيع ثمَّ ادّعى نقصانه، فإن لم يحضر كيله ولا وزنه فالقول قوله فيما وصل إليه مع يمينه إذا لم يكن للبائع بيّنة، وإن كان حضر فالقول قول البائع مع يمينه،والبيّنة على المشتري.

--------------

قوله: «ولو قال : اشتر لنفسك لم يصحّ الشراء، ولا يتعيّن له بالقبض».

لأنّ مال الغير يمتنع شراء شيءٍ به لنفسه ما دام على ملك الغير، وهذا هو الفارق بين هذه والسابقة.

واستقرب في المختلف جواز ذلك، وجَعَله قبضاً للطعام بجنس الدراهم، أو قرضاً

للدراهم(1).

والأقوى ما هنا؛ لعدم وجود ما يدلّ على مدّعاه.

نعم،لو علم من الدافع إرادة أحد الأمرين، وقبل القابض ذلك، صحّ، وكذا لو علم منه إرادة معنى غيرهما يصحّ، كما لو كان التعبير بكون الشراء له لكونه آيلاً إلى ذلك، والقصد استيفاؤه بعد الشراء وقبضه له، ونحو ذلك.

قوله: «لو كان المالان قرضاً، أو المال المحالّ به قرضاً، صحّ ذلك قطعاً».

لانتفاء الشرطين معاً في الأوّل والثاني في الثاني، ولا وجه لتخصيص القرض بالمحالّ به،بل متى كان أحدهما قرضاً صحّ؛ لعين ما ذُكر.

قوله: «إذا قبض المشتري المبيع ثمّ ادّعى نقصانه - إلى قوله فالقول قول البائع».

إنّما كان القول قول البائع في الثانية، مع أنّ الأصل عدم وصول حقّ المشتري إليه في الصورتين؛ عملاً بالظاهر من أنّ صاحب الحقّ إذا حضر استيفاء حقّه يحتاط لنفسه ویعتبر مقدار حقّه، فيكون هذا الظاهر مرجّحاً لقول البائع، ومقوّياً لجانبه، ومعارضاً للأصل، فيقدّم

ص: 163


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 308 المسألة 283.

الخامسة: • إذا أسلفه في طعامٍ بالعراق، ثمَّ طالبه بالمدينة لم يجب عليه دفعه، ولو طالبه بقيمته قيل : لم يجز؛ لأنّه بيع الطعام على مَنْ هو عليه قبل قبضه، وعلى ما قلناه يكره.

--------------

قوله بيمينه، وهذه ممّا رجّح فيها الظاهر على الأصل، وهو قليل .

ويمكن توجيهه بوجهٍ لا يحصل به التعارض، بأن يقال: إنّه عند قبضه للحقّ وقبل دعواه الاختبار المؤدّي إلى النقصان كان يعترف بوصول حقّه إليه وقبضه له كملاً، فإذا ادّعى بعد ذلك النقصان كان مدّعياً لِما يخالف الأصل ؛ إذ الأصل براءة ذمّة البائع من حقّه بعد قبضه، ويخالف الظاهر أيضاً كما قلناه، فيبقى الأصل والظاهر على خلاف دعواه.

فإن قيل: هذا يستلزم قبول قول البائع مطلقاً؛ لعين ما ذكرتم من التعليل.

قلنا: إذا لم يحضر المشتري الاعتبار لا يكون معترفاً بوصول حقّه إليه؛ لعدم اطّلاعه عليه، حتّى لو فُرض حصول ما يقتضي الاعتراف يكون مبنيّاً على ظاهر الحال، ومعتمداً على قول غيره الذي يمكن تطرّق الخلل إليه كثيراً، بخلاف ما لو حضر.

وأيضاً فإنّ البناء على ظاهر الحال لا يقتضي الإقرار بوصول حقّه إليه بوجهٍ، حتّى لو صرّح بأنّ الذي وصل إلَيَّ تسلّمته على أنّه مجموع المبيع؛ بناءً على الظاهر وركوناً إلى قول الغير، لم يكن إقراراً بوصول جميع حقّه إليه بخلاف ما لو أقرّ بقبض الجميع؛ بناءً على حضوره الاعتبار، فإنّه يكون إقراراً صحيحاً، فتحقّق الفرق.

ولو أنّه مع فرض حضوره ادّعى عدم قبض جميع حقّه محوّلاً لها عن دعوى الغلط، قبل قوله أيضاً؛ لأصالة عدم قبض الجميع، وما ذُكر من الأصل الآخر والظاهر منتفٍ هنا؛ إذ لا يلزم من حضور المشتري الاعتبار قبضه لجميع حقّه، وهو واضح.

وهذه من الحِيَل التي يترتّب عليها الحكم الشرعي، فإنّه مبنيُّ على القواعد الظاهرة

المنضبطة.

قوله: «إذا أسلفه في طعام بالعراق - إلى قوله - وعلى ما قلناه يكره».

إنّما لم يكن عليه دفعه في غير بلده؛ لأنّ مال السلَم يتعيّن دفعه في بلده عند الإطلاق،

ص: 164

--------------

وفي موضع التعيين إن فُرض، على ما يأتي من التفصيل.

وعلى كلّ حال فدفعه في غير بلدٍ يتعيّن دفعه فيه غير واجبٍ، سواء كانت قيمته في بلد المطالبةً مخالفة لقيمته في بلده أو مساويةً، وهذا لا شبهة فيه؛ إنّما الكلام فيما لو طالبه بقيمته في البلد التي يجب عليه دفعه فيها، فإنّ البحث فيها حينئذٍ في موضعين:

أحدهما:أن يرضى المسلم إليه بدفعها، وفي جوازه قولان:

أحدهما:العدم؛ نظراً إلى أنّ القيمة عوض عن مال السلم قبل قبضه وبيعه له، وهو غير جائزٍ؛ لأنّ المفروض كونه طعاماً .

والثاني - وهو الأقوى - : الجواز؛ لمنع كون ذلك بيعاً، بل استيفاء للحق، غايته بغير

جنسه،ومثل هذا لا يُسمّى بيعاً ، فلا يحرم.

نعم،ربما قيل بكراهته خروجاً من خلاف الشيخ (1)، وتخلّصاً من عرضة التحريم. والثاني: أن يطلب القيمة، ولا يرضى المسلم إليه بدفعها، فهل يُجبر عليه، بناءً على الجواز في الأوّل ؟ الأكثر على العدم؛ لأنّ الواجب في ذمّته هو الطعام لا القيمة، وما في ذمّته لا يجب دفعه في البلد المذكور، فأولى أن لا يجب دفع ما لم يَجْر عليه المعاوضة ولم يقتضه عقد السلَم .

وذهب بعض الأصحاب (2) ومنهم العلّامة في التذكرة (3) إلى وجوب دفع القيمة حينئذٍ؛ محتجّاً بأنّ الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم ، فكان كما لو عدم الطعام في بلدٍ يلزمه التسليم فيه.

وفيه منع ظاهر؛ إذ ليس ثُمَّ طعام يلزم دفعه حتّى ينتقل إلى القيمة.

وعُدّل أيضاً بأنّ منع المالك من المطالبة بحقٍّ حالٍّ وجَعْله متوقّفاً على الوصول إلى بلد

ص: 165


1- المبسوط، ج 2، ص 60.
2- كالشيخ في المبسوط ، ج 2، ص 60.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11 ، ص 374 المسألة 529.

--------------

السلَم ضرر ،ظاهر، فإنّه ربما لم يكن له عزم العود إلى تلك البلد أصلاً، أو أنّ الوصول إليه يحتاج إلى أضعاف المسلَم فيه من المُؤن، أو أنّ المسلَم إليه قد لا يظفر به بعد ذلك فيفوت حقّه بالكلّيّة، وما يقتضيه العقد من ارتفاق المسلَم إليه بالتسليم في البلد المعيّن قد يحمله المسلَم إليه، فلو لا الانتقال إلى القيمة لضاع حقّه؛ إذ ليس له المطالبة بالعين، فلو لم يجعل له المطالبة بالقيمة على الوجه الذي ينتفي به ضرر المسلم لأدّى إلى ضياع حقّه رأساً.

وأنت خبير بأنّ هذه العلل لا توجب الانتقال إلى القيمة متى طلبها المسلم، بل مع خوف ضياع حقّه بدونه؛ للعلم بأنّه يتخلّف الضرر في موارد كثيرة غير ما ذُكر، كما لو كان المسلَم إليه مصاحباً له في الطريق إلى البلد المعيّن للتسليم، أو وكلّ في تسليمه فيه، ونحو ذلك، فإنّ ذلك هو الذي اقتضاه الأمر الشرعى، فالعدول عنه إلى القيمة مطلقاً غير جيّد.

نعم، لو فُرض الضرر في بعض موارده، كما لو علم بالقرائن أنّ المديون لا يرجع إلى تلك البلد ولم يوكلّ في الإيفاء توكيلاً يوجب تحصيل الحقّ وأنّ الحقّ يفوت بالتأخير، اتّجه حينئذٍ رفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على أحد الأمرين دفع العين أو القيمة في بلد التسليم، أو دفع العين فيها بوجهٍ يمكن.

وربما قيل بجواز المطالبة بالعين إن كانت القيمة في تلك البلد مثل قيمته في بلد التسليم أو أدون، وبالقيمة في بلد التسليم إن كانت أكثر.

أمّا الأوّل؛ فلأنّ المفروض كون الحقّ حالّاً والاستحقاق له ثابت،وتعيّن بلد التسليم إنّما كان للارتفاق، ومع تساوي القيمة في البلدين أو نقصانها في بلد المطالبة لا يزول الارتفاق، بل يزيد في بعض صُوره، فلا وجه لتأخيره.

وأمّا الثاني فلوجوب التسليم؛ لِما ذُكر مع تعذّر المثل شرعاً بسبب الزيادة.

وهذا القول ليس بعيداً من الصواب،إلّا أنّ فيه منع حصول الارتفاق فيما ذُكر مطلقاً؛لجواز أن يكون المديون قادراً على عين الحقّ في بلد التسليم عاجزاً عنها في الآخَر وإن كان أنقص قيمةً ، فيحصل الضرر عليه بذلك، مع مخالفة ما شرط له من الارتفاق، أو دلّ عليه

ص: 166

• ولو كان قرضاً جاز أخذ العوض بسعر العراق.

• وإن كان غصباً لم يجب دفع المثل، وجاز دفع القيمة بسعر العراق.

والأشبه جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان، وبالقيمة الحاضرة عند الإعواز

--------------

الإطلاق، و«المؤمنون عند شروطهم إلّا مَنْ عصى الله»(1)، فالقول بالمنع من المطالبة عيناً وقيمةً أوجه، وهو الأشهر.

قوله: «ولو كان قرضاً جاز أخذ العوض».

لا شبهة في جواز أخذ عوض القرض إذا تراضيا عليه؛ لانتفاء المانع منه، وهو بيع الطعام المنتقل بالبيع قبل قبضه.

وإنّما الكلام في وجوب دفع العوض في غير بلد القرض؛ لأنّ إطلاقه منزَّل على قبضه في بلده، فليس للمقرض المطالبة به في غيره، كما أنّه لو بذله له المقترض لم يجب عليه قبضه أيضاً؛ لِما في نقله إلى ما عيّنه الشارع موضعاً للقبض من المؤونة، وإذا لم يجب عليه دفع عين الحقّ فكذا قيمته؛ لعدم وقوع المعاوضة عليها.

وقد تقدّم تحرير المقام فيما سبق (2)،والحكم واحد.

واختار في المختلف وجوب دفع المثل وقت المطالبة، فإن تعذّر فالقيمة ببلد القرض(3). وفيهما معاً نظر.

قوله: «وإن كان غصباً لم يجب دفع المثل - إلى قوله - عند الإعواز».

القول الأوّل للشيخ (رحمه الله)،وساوى بينه وبين القرض في الحكم (4).

ص: 167


1- تقدّم تخريجه في ص 104، الهامش 1.
2- تقدّم في ص 164 وما بعدها.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 311، المسألة 288.
4- المبسوط، ج 2، ص 59 - 60.

السادسة: • لو اشترى عيناً بعينٍ، وقبض أحدهما ثمَّ باع ما قبضه، وتلفت العين الأُخرى في يد بائعها، بطل البيع الأوّل، ولا سبيل إلى إعادة ما بِيع ثانياً، بل يلزم البائع قيمته لصاحبه.

--------------

وما اختاره المصنّف هو الأقوى؛ لأنّه حقُّ ثبت عليه بعدوانه، فيعمّ كلّ مكان، وهو

مؤاخذ بأسوأ الأحوال(1).

ووجه وجوب القيمة عند الإعواز أنّه وقت الانتقال من المثل إلى القيمة في المثلي. واستقرب في المختلف في القيمة قول الشيخ، وهو قيمة بلد القرض؛ لأنّه غصبه هناك، فإذا تعذّر المثل وجب عليه قيمته فيه، ونقل ما اختاره المصنّف هنا عن والده (2). ويشكل بما قلناه.

ويحتمل وجوب أعلى القِيَم من حين الغصب إلى حين الدفع.

قوله: «لو اشترى عيناً بعينٍ - إلى قوله - يلزم البائع قيمته خاصّة(3)».

إنّما لم يفسخ البيع الثاني؛ لأنّ العين المبيعة كانت ملكاً خالصاً للبائع، وإنّما طرأ البطلان على العقد بعد انتقال العين، فلا يؤثّر فيما سبق من التصرّفات، بل يلزم البائع الثاني دفع المثل إن كانت العين مثليّةً، والقيمة إن كانت قيميّةً، كما لو تلفت العين.

وهل المعتبر قيمته يوم البيع، أو يوم تلف العين الأُخرى؟ يحتمل الأوّل؛ لأنّه وقت تعذّر المثل، والثاني؛ لأنّ القيمة حينئذٍ لم تكن لازمةً للبائع، وإنّما لزمت بتلف العين الأُخرى الموجب لبطلان البيع، وهو الأجود.

ويستفاد من ذلك أنّ تلف المبيع قبل قبضه إنّما يُبطل العقد من حينه لا من أصله، وإلّا لاسترّد العين، وتظهر الفائدة في ذلك، وفي النماء.

ص: 168


1- في بعض النسخ: «بأشقّ الأحوال».
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 311، المسألة 288.
3- في المتن: «لصاحبه» بدل «خاصّة».

النظر الرابع في اختلاف المتبايعين

إذا عيّن المتبايعان نقداً وجب، وإن أطلقا انصرف إلى نقد البلد • إن كان فيه نقد

غالب، وإلّا كان البيع باطلاً، وكذا الوزن.

فإن اختلفا فهنا مسائل :

الأولى: • إذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع باقياً، وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفاً.

--------------

قوله: «إن كان فيه نقد غالب، وإلّا كان البيع باطلاً».

إذا تعدّد النقد في البلد كان بمنزلة المشترك لا يُحمل على أحد معانيه إلّا بقرينةٍ، فإن غلب أحد النقود حُمل عليه؛ لأنّ الأغلبيّة تكون قرينة أحد أفراد المشترك، وإن تساوت ولم يعيّن بطل العقد؛ لعدم الترجيح واختلاف الغرض. ثمَّ الغلبة قد تكون في الاستعمال، وقد تكون في الإطلاق، بمعنى أنّ الاسم يغلب على

أحدهما وإن كان غيره أكثر استعمالاً، كما يتّفق ذلك في زماننا في بعض أسماء النقود.

فإن اتّفقت الغلبة فيهما، فلا إشكال في الحمل عليه، وإن اختلفت بأن كان أحدهما أغلب استعمالاً، والآخر أغلب وصفاً(1)، ففي ترجيح أحدهما أو يكون بمنزلة المتساوي؛ نظراً إلى تعارض المرجّحين نظر وإن كان ترجيح أغلبيّة المتعارف أوجَه.

وكذا القول في الكيل والوزن.

قوله: «إذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه - إلى قوله - مع يمينه إن كان تالفاً».

هذا هو المشهور بين الأصحاب. بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع(2)، وبه رواية مرسلة عن

ص: 169


1- في «م»: «أغلب وضعاً».
2- الخلاف، ج 3، ص 147 - 148 ، المسألة 236.

الصادق علیه السلام، في الرجل يبيع الشيء، فيقول المشتري: هو بكذا وكذا بأقلّ ممّا قال البائع؟ قال: «القول قول البائع إذا كان الشيء قائماً بعينه مع يمينه» (1).

وهذه الرواية تدلّ بمنطوقها على الأوّل، وهو تقديم قول البائع مع قيام عين المبيع، واستفيد الثاني من مفهومها، ولأنّه موافق للأصل، ولأنّه لا قائل فيه بخلافه مع القول في الشقّ الآخَر بما دلّت عليه، ومُرسلها أحمد بن أبي نصر، وقد استثناه بعض الأصحاب من المنع من المراسيل مع مَن استثني(2)، وعلى تقدير عدمه فهو منجبر بالشهرة بين الأصحاب وعملهم بمضمونها.

واحتجّوا له أيضاً بأنّ المشتري مع قيام السلعة يدّعي تملّكها وانتقالها إليه بما ادّعاه من العوض، والبائع ينكره، فيقدّم قوله؛ لأنّه منكر، وأمّا مع تلفها فإنّ البائع يدّعي قدراً زائداً في ذمّة المشتري وهو ينكره، فيكون القول قوله.

وفيه نظر؛ لاتّفاقهما على انتقال العين إلى المشتري وملكه لها، وإنّما الخلاف بينهما فيما يستحقّ في ذمة المشتري، فلا وجه لتقديم قول البائع، بل المشتري هو المنكر في الموضعين ،فالمعتبر حينئذٍ هو النصّ.

وفي المسألة أقوال أُخَر:

منها : إنّ القول قول مَنْ هي في يده، إلّا أن يحدث المشتري فيها حدثاً، فيكون القول قوله مطلقاً، وهو خيرة ابن الجنيد (3)، ونفى عنه البأس في التذكرة (4).

ووجه الأوّل أنّ مَنْ ليس في يده يدّعي انتزاعه بما يقرّبه من الثمن وذو اليد ينكر ذلك،

ص: 170


1- الكافي، ج 5، ص 174 ، باب إذا اختلف البائع والمشتري، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 26، ح 109، وص 229 - 230، ح 1001.
2- كما في عدّة الأُصول، ج 1، ص 154؛ وذكرى الشيعة، ج 1، ص 13 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 315، المسألة 292 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 84، المسألة 600.

--------------

فيكون القول قوله ترجيحاً لذي اليد، فإنّ الخارج هو المدّعي. وأمّا حدث المشتري فهو دليل اليد وفيه ما مرّا(1).

ومنها: إنّ القول قول المشتري مع قيام السلعة أو تلفها في يده، أو في يد البائع بعد الإقباض، والثمن معيّن، والأقلّ لا يغاير أجزاء الأكثر، ولو كان مغايراً تحالفا وفسخ البيع، اختاره في المختلف.

واحتجّ على الأول بأنّ المشتري منكر، وعلى الثاني بأنّ التخالف في عين الثمن وكلُّ منهما ينكر ما يدّعيه الآخر فيتخالفان (2).

وهذا القول يرجع إلى تقديم قول المشتري مطلقاً حيث يكون الاختلاف في كمّيّة الثمن وسيأتي (3) وتغايره مع عدم تعيين الثمن خاصّةً، وظاهرِ أن مدخليّته ضعيفة.

ومنها: إنّهما يتحالفان مطلقاً؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ٍ ومنكرٌ، وذلك لأنّ العقد الذي تضمّن الأقلّ وتشخّص به ينكره البائع، والعقد الذي تضمّن الثمن الأكثر وتشخّص به ينكره المشتري، فيكون هذا النزاع في قوّة ادّعاء كلٍّ منهما عقداً ينكره الآخر، فيتحالفان ويبطل البيع.

وفيه منع المغايرة الموجبة لماذُكر: لاتّفاقهما على عقدٍ واحد، وعلى انتقال المبيع إلى المشتري به ،وثبوت الثمن الأقلّ في ذمّته، وإنّما يختلفان في الزائد وأحدهما يدّعيه والآخَر،ينكره، فلا وجه للتحالف.

وهذا القول احتمله العلّامة في كثير من كتبه(4) ، وصحّحه ولده في الإيضاح(5)، ونسبه

ص: 171


1- مرّ آنفاً.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 316 - 317 المسألة .292 .
3- سيأتي في ص 172 .
4- منها قواعد الأحكام، ج 2، ص 95؛ ومختلف الشيعة، ج 5، ص 317، المسألة 292 .
5- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 520.

--------------

في الدروس إلى الندور (1)، مع أنّه اختاره في قواعده (2).

ومنها (3): إنّ القول قول المشتري مطلقاً؛ لاتّفاقهما على وقوع البيع وانتقال المبيع إلى المشتري، وإنّما الخلاف بينهما فيما يستحقّ في ذمّته، فيكون القول قوله في نفي الزائد مطلقاً؛ لأنّه منكر.

وهذا القول لم يذكره أحد من أصحابنا في كتب الخلاف، وذكره العلّامة في القواعد

احتمالاً (4)، ونقله في التذكرة عن بعض العامة وقواه(5)

والذي يظهر أنّه أقوى الأقوال إن لم يتعين العمل بالأول؛ نظراً إلى الخبر أو الإجماع غير أن فيهما ما قد عرفت. وتنقيح المسألة يتم بأمور:

الأوّل: هذا البحث كلّه إذا وقع النزاع بعد قبض المشتري، أو قبله مع بقاء عين المبيع، أمّا لو وقع بعد تلفه في يد البائع، فإنّ العقد ينفسخ، ولا يظهر للنزاع أثر إن لم يكن البائع قد قبض الثمن، ولو كان قبضه كان كالدَيْن في ذمّته أو الأمانة عنده، فيقدم قوله في قدره.

ومثله ما لو اختلفا في قدر الثمن بعد قبض البائع له والإقالة أو الفسخ بأحد وجوهه. الثاني: موضع الخلاف أيضاً ما لو كان الثمن في الذمّة، ليمكن جريان الأقوال، فلو كان معيّناً، كما لو قال البائع: بعتك بهذا العبد أو الدينار، فقال: بل بهذه الأمة أو الدراهم، فإنّه يتعيّن التحالف قطعاً؛ لأنّ كلّاً منهما مدّع ومنكرٌ، وهو ضابط التحالف، وهذا لا يطلق عليه اختلاف في القدر.

ص: 172


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 220 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11) .
2- القواعد والفوائد، ص 190 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15).
3- في حاشية «و»: «هذه الأقوال كلّها للعلّامة، ما عدا الرابع. (منه رحمه الله)».
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 95 .
5- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 86، المسألة 600؛ وراجع حلية العلماء، ج 4، ص 329؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 288، المسألة 3065 والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 118.

--------------

نعم، قد يتّفق مع التعيين الاختلاف في القدر، كما لو قال: بعتك بهذين الدينارين، أو

الثوبين مثلاً، فقال: بل بأحدهما معيّناً، فإنّ الحكم فيه كالذمّة، والأقوال جارية فيه. وبهذين الأمرين يظهر أنّ ما فصله العلّامة في المختلف(1) يرجع إلى تقديم قول المشتري مطلقاً، فيكون موافقاً لما قوّاه في التذكرة (2).

الثالث على القول المشهور الفارق بين قيام العين وتلفها، لو كانت العين باقيةً لكنها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً كالبيع والعتق والوقف والهبة اللازمة، فهل ينزّل منزلة التلف أم لا؟ قيل بالأول(3)؛ لٍما تقدّم من التعليل.

وقد عرفت ما فيه.

ولمساواته للتلف في الخروج عن حدّ الانتفاع بالنسبة إلى المشتري، فيكون تلفاً حكميّاً.

ويشكل بمنع ذلك وكونه علّة الحكم، فإنّ من الجائز كون التلف الحقيقي علّةً لقبول قول المشتري في الأقلّ؛ نظراً إلى امتناع الرجوع إليها في اعتبار ما يدّعيه، وصيرورته منكراً بكل وجهٍ، مع أنّ الحكم إنّما تعلّق في تقديم قول البائع على قيام العين من غير اعتبار بالعلة.

وهو متحقّق مع انتقالاًها عن ملكه بأي وجه فُرض.

ولو انتقلت انتقالاً غير لازمٍ - كالبيع في زمن الخيار للبائع، والهبة قبل القبض، أو بعده

حيث يجوز له الفسخ - ففي قيامه مقام التلف احتمالان، وأولى بالعدم.

الرابع: لو تلف بعض المبيع خاصّةً، أو انتقل عن ملكه، ففى تنزيله منزلة تلف الجميع، أو بقاء الجميع، أو إلحاق كلّ جزءٍ بأصله احتمالات وإن كان الأوّل أوجه؛ نظراً إلى عدم صدق قيام عين المبيع الذي هو مناط تقديم قول البائع، كما صرٍّح به في الخبر (4)، ولأنّ هذا الحكم

ص: 173


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 316-317، المسألة 292 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 12 ، ص 86، المسألة 600.
3- قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 11 - 112، المسألة 620.
4- راجع ص 170، الهامش 1.

--------------

على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع اليقين، وهو قيام جميع العين، ويبقى فيما عداه على الأصل من قبول قول المنكر وهو المشتري.

ولا ترد المعارضة بأنّ تقديم قوله مخصوص بتلف المبيع وهو غير متحقّقٍ ٍ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ هذا الحكم إنّما أخذ من مفهوم الخبر لا من منطوقه.

والتحقيق أنّه أخصّ من المفهوم، وموضع النزاع داخل فيه، فإنّ ضابطه على ما اقتضاه المنطوق أنّه متى لم تكن عين الشيء قائمةً لا يكون القول قول البائع، وهو مفهوم الشرط المعتبر عند المحقّقين، فيدخل فيه ما لو تلف البعض مضافاً إلى ما حقّقناه من موافقته للأصل.

الخامس: لو امتزج المبيع بغيره، فإن بقي التميّز فعينه قائمة، وإن لم يتميّز احتُمل بقاؤه كذلك؛ لأنّه موجود في نفسه، وإنّما عرض له عدم التميّز من غيره، والمفهوم من قيام عينه وجوده، خصوصاً عند مَنْ جَعَل التلف في مقابلته، فإنّه ليس بتالفٍ قطعاً. ويحتمل عدمه؛ نظراً إلى ثبوت الواسطة، وعدم ظهور عينه في الحس، ويمنع إرادة

الوجود من قيام العين.

وهذا كله مع مزجه بجنسه كالزيت يخلط بمثله، والنوع الواحد من الحنطة كالصفراء - تخلط بمثلها، أما لو خلط بغير جنسه بحيث صارا حقيقةً أخرى كالزيت يُعمل صابوناً - فإنّه حينئذٍ بمنزلة التالف.

وأمّا تغيّر أوصافه بزيادةٍ ونقصان، فلا يقدح في قيام عينه بوجه.

السادس: حيث حكمنا بالتحالف إمّا مطلقاً، أو مع الاختلاف في عين الثمن، حلف كلُّ منهما يميناً واحدة على نفى ما يدّعيه الآخر، لا على إثبات ما يدّعيه ولا جامعة بين الأمرين، فإذا حلفا انفسخ العقد، ورجع كلُّ منهما إلى عين ماله إن كانت موجودةً، ومثلها أو قيمتها إن كانت تالفةً.

والبادئ باليمين منهما من ادعي عليه أولاً على سبيل الاستحقاق، فإن حلف الأوّل ونكل الثاني عن اليمين فإن قضينا بالنكول ثبت ما يدّعيه الحالف، وإلّا حلف يميناً ثانيةً على إثبات ما يدّعيه.

ص: 174

--------------

وإنّما لم يكتف باليمين الجامعة مع تحقّق فائدتها في مثل ذلك؛ لأنّ يمين الإثبات بعد النكول، فلا يتقدّم عليه.

السابع: إذا وقع الفسخ بالتحالف فهل يبطل العقد من أصله وينزّل البيع منزلة المعدوم أم من حين التحالف أو الفسخ ؟ وجهان

اختار أوّلهما العلّامة في التذكرة : محتجّاً عليه بأنّ اليمين قد أسقطت الدعوى من رأسٍ فكأنّه لم يبع، كما لو ادّعى على الغير بيع شيءٍ أو شراءه فأنكر وحلف، فإنّ الدعوى تسقط، ويكون الملك باقياً على حاله، ولم يُحكم بثبوت عقدٍ حتّى يُحكم بانفساخه (1).

ويشكل باتّفاقهما على وقوع عقدٍ ناقلٍ ٍ للملك، أمّا في الثمن الموصوف فظاهر، وأمّا في المعيّن الذي أوجب التحالف لاختلافه، فالمبيع أيضاً متّفق على انتقاله من البائع إلى المشتري، وإنّما الاختلاف في انتقال الثمن المعيّن، فيمكن أن يتوجّه ذلك في هذا الثمن دون المثمن في الموضعين.

واختار ثانيهما في القواعد(2)، وتبعه في الدروس(3).

والتحقيق ما أشرنا إليه من أنّ البيع لا يبطل إلّا من حينه، وأمّا الثمن فيبقى على حكم الملك بالحلف، كما مثّل به في التذكرة ، فالإطلاق في الموضعين غير جيّدٍ. وتظهر فائدة القولين فيما لو وقع التحالف بعد انتقال العين من المشتري بعقدٍ لازمٍ كالبيع وشبهه، أو خرجت عن ملکه بعتقٍ ٍ ووقفٍ ونحوهما، فعلى الأوّل تبطل العقود وغيرها. وترجع العين إلى البائع، وبه قطع في التذكرة(4) تفريعاً على أصله، وعلى الثاني يرجع إلى

ص: 175


1- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 103 - 104. المسألة 615 .
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 95، ولم نلحظ تصريحاً بذلك، ولعلّه يُفهم من حكمه بالرجوع إلى القيمة بعد الانتقال.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 221 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 111 - 112، المسألة 620.

--------------

القيمة يوم الانتقال، وبه قطع في القواعد(1) تفريعاً على أصله، ولو تلف رجع بقيمته على القولين.

الثامن: لو تلف البعض أو انتقل عن ملك المشتري انتقالاً لازماً، رجع على البائع في الموجود قطعاً، وبقيمة التالف وفي المنتقل الوجهان، وهذا بخلاف ما تقدّم في البحث الرابع(2).

والفرق أنّ الحكم هناك معلّق في النص على قيام العين، وهو غير متحقّقٍ ٍ مع تلف

البعض، وهنا يرجع بالتحالف إلى ماله، فيأخذ منه الموجود كيف كان وقيمةالذاهب.

ولو امتزج صار شريكاً بالنسبة. ولو تعيّب رجع بأرش العيب.

ولو وجد العين مستأجرةً أو مرهونةً، انتظر انقضاء المدّة، أو الفكّ، وفي تخييره بينه وبين القيمة معجّلةً وجه.

التاسع: لو اختلفا في قيمة التالف، فالذي تقتضيه أصول المذهب قبول قول منكر الزائد مع يمينه، كما في نظائره حتّى الغصب وفيه قول آخَر بتقديم قول المالك.

وقد أغرب العلّامة هنا، فحَكَم بالرجوع إلى قيمة مثله موصوفاً بصفاته (3).

وهو بأصول العامّة أليق؛ نظراً إلى أنّ الوصف يفيد أهل الخبرة ظنّ القيمة، فيكون مناسباً الرفع النزاع.

العاشر: الظاهر أنّ العقد يبطل بمجرّد التحالف وإن لم يفسخه فاسخ وبه قطع في التذكرة (4)؛ محتجّاً بما أسلفناه عنه من أنّ يمين كلُّ منهما تُسقط دعوى الآخَر، فيكون الملك باقياً على حاله ولم يحكم بثبوت عقدٍ حتّى يحكم بانفساخه.

ص: 176


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 95 .
2- تقدم في ص 173 - 174 .
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 96 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 103 - 104، المسألة 615.

الثانية: • إذا اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله، أو في قدر الأجل، أو في

اشتراط رهنٍ من البائع على الدرك، أو ضمين عنه فالقول قول البائع مع يمينه.

--------------

وهذا على القول ببطلانه من أصله، وأمّا على القول ببطلانه من حينه، فالظاهر أنّه كذلك؛ لانتفاء دعوى كلٍّ ٍ منهما بيمين صاحبه فينفسخ حينئذٍ، ولأنّ إمضاءه على وفق اليمينين متعذّر، وعلى وفق أحدهما تحكّم، وهو ظاهر فتوى القواعد.(1) .

وحكى في التذكرة (2) عن الشافعي القائل بالتحالف وجهين في انفساخه به، أو توقفه على الفسخ (3).

وتوقّف في الدروس في الوجهين، فعلى الثاني يفسخه المتعاقدان أو أحدهما، أو يرضى أحدهما بدعوى الآخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما وامتنعا من فسخه لئلّايطول النزاع(4).

ثمَّ إن توافقا على الفسخ، أو فسخه الحاكم انفسخ ظاهراً وباطناً، وإن بدر أحدهما فإن كان المحقّ فكذلك، وإلّا انفسخ ظاهراً.

قوله: «إذا اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله - إلى قوله - فالقول قول البائع مع يمينه». لأنّه في هذه المواضع كلّها منكر، وذلك لأنّهما اتّفقا على صدور العقد وحصول الملك والثمن المعيّن، وإنّما اختلفا في قدرٍ ٍ زائدٍ والبائع ينكره، فيقدم قوله في نفيه.

وربما قيل بالتحالف هنا؛ بناءً على القول في المسألة السابقة؛ لاشتراكهما في الوجه الذي اقتضاه، وهو دعوى امتناع العمل بالمتّفق عليه، إذ ليس هناك متّفق عليه؛ لأنّ أحدهما يسند الملك إلى سببٍ مخصوص، والآخَر ينفيه، ويسنده إلى سببٍ آخر، ففي الحقيقة الملك بقول أحدهما غير الملك بقول الآخَر، وكلُّ منهما مدّعٍ ٍ ومدّعى عليه، فيتحالفان.

ص: 177


1- . قواعد الأحكام، ج 2، ص 95.
2- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 104، المسألة 615.
3- حلية العلماء، ج 4، ص 325 - 326: العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 384: روضةالطالبين، ج 3، ص 236. .4
4- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 221 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

الثالثة: • إذا اختلفا في المبيع، فقال البائع: بعتك ثوباً، فقال: بل ثوبين، فالقول قول البائع أيضاً، • فلو قال: بعتك هذا الثوب، فقال: بل هذا الثوب، فهاهنا دعويان، فيتحالفان وتبطل دعواهما.

--------------

وليس بواضحٍ ٍ ؛ لأنّ السبب الناقل للملك - وهو العقد - لا نزاع بينهما فيه ولا تعدّد، وإنّما الخلاف فيما صاحبه من الأمور المذكورة، وهو أمر خارج عن السبب.

نعم، هو مقيّد بما يذكر فيه منها، فما ثبت منها كان قيداً له، ولا يلزم من ذلك اختلافه فتنازعهما يرجع إلى وجود تلك القيود وعدمه، فيقدّم المنكر. وهذا بعينه آتٍ في المسألة السابقة.

قوله: «إذا اختلفا في المبيع - إلى قوله - فالقول قول البائع أيضاً».

هذا النزاع نظير النزاع في قدر الثمن.

ووجه تقديم قول البائع فيه من حيث إنّه منكر لبيع الزائد مع اتفاقهما على أمر مشترك وهو بيع الثوب الواحد. واحتمال التحالف آتٍ هنا بتوجيهه السابق وجوابه.

ولا يخفى أن ذلك كله حيث لا يكون المتنازع معيناً كهذا الثوب، فيقول المشتري: بل هذان لغير المذكور، فإنّه حينئذٍ يتعيّن القول بالتحالف، ولو كان الأوّل أحدهما، فالقول قول البائع كالأوّل، وحيث لا يكون ذلك مستلزماً للاختلاف في الثمن، ك-«بعتك ثوباً بألف»، فقال المشتري: «بل ثوبين بألفين»، فإنّه يقوى التحالف أيضاً؛ إذ لا مشترك هنا يمكن الأخذ به.

قوله: «فلو قال: بعتك هذا الثوب - إلى قوله - وتبطل دعواهما».

الحكم هنا واضح بعد الإحاطة بما سلف، فإذا حلف البائع على نفي ما يدّعيه المشتري، بقي على ملكه، فإن كان الثوب المذكور في يده، وإلّا انتزعه من يد المشتري، وإذا حلف المشتري على نفي ما يدّعيه البائع، وكان الثوب في يده، لم يكن للبائع مطالبته به؛ لأنّه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع لم يكن له التصرّف فيه؛ لأنّه معترف بأنّه للمشتري، وله ثمنه

ص: 178

•ولو اختلف ورثة البائع وورثة المشتري كان القول قول ورثة البائع في المبيع، وورثة المشتري في الثمن.

--------------

في ذمّته، فإن كان البائع قد قبض الثمن ردّه على المشتري، ويأخذ الثوب قصاصاً وإن لم يكن قبضه أخذ الثوب قصاصاً أيضاً بذلك الثمن، ولو زاد فهو مال لا يدّعيه أحد، كذا فصّل في التذكرة (1).

وعلى ما تقدّم من التفصيل في الفسخ ظاهراً وباطناً (2) - على بعض الوجوه - ينتفي ذلك.

واعلم أنّ ضابط التحالف المقطوع به ادّعاء كلٍّ منهما على صاحبه ما ينفيه الآخر، بحيث لا يتّفقان على أمرٍ كما هنا. ومثله ما لو اختلفا في الثمن المعيّن، أو فيهما معاً. ومثله ما لو ادّعى أحدهما البيع والآخر الصلح.

ولو اتّفقا على أمرٍ، واختلفا في وصفٍ زائدٍ أو قدرٍ، بحيث كانت الدعوى من طرفٍ

واحدٍ، حلف المنكر. ويتعدّى ذلك إلى غير البيع من العقود اللازمة، كالصلح والإجارة. قوله: «ولو اختلف ورثة البائع وورثة المشتري - إلى قوله - وورثة المشتري في الثمن.

أي لو اختلفا في قدر الثمن أو المثمن فالقول قول ورثة البائع في قدر المبيع، كما أنّ القول فيه قول مورثّهم، وقول ورثة المشتري في الثمن وإن لم نقل به في مورثّهم؛ لأنّهم منكرون، واقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده.

وذهب جماعة من الأصحاب(3) إلى أنّ حكمهم حكم المورّث في جميع الأحكام، وهو حسن.

ولو قلنا بالتحالف بين المورّثين ثبت بين الورثة قطعاً.

ولو اختلف الورثة في عين المبيع أو عين الثمن - حيث يثبت التحالف - فالحكم فيهم

ص: 179


1- تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 96، المسألة 611.
2- . تقدم في ص 177.
3- منهم العلامة في العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 12، ص 86، المسألة 601: وقواعد الأحكام، ج 2، ص 96؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 220 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

المسألة الرابعة: • إذا قال: بعتك بعبدٍ، فقال: بل بحُرٍّ ، أو بخلٍّ، فقال: بل بخمرٍ، أو قال: فسخت قبل التفرّق، وأنكره الآخَر، فالقول قول مَنْ يدّعىِ صحّة العقد مع يمينه، وعلى الآخر البيّنة.

النظر الخامس في الشروط

• وضابطه ما لم يكن مؤدياً إلى جهالة المبيع أو الثمن، ولا مخالفاً للكتاب والسُنّة.

--------------

كذلك، فإطلاق المصنّف تقديم قول ورثة البائع في المبيع وورثة المشتري في الثمن منزَّل على ما ذكرناه.

قوله: «إذا قال: بعتك بعبدٍ - إلى قوله - فالقول قول مَنْ يدّعي صحّة العقد».

نبّه بقوله «فالقول قول من يدّعي صحّة العقد» على علة الحكم، وهو أصالة الصحة في العقود، فإنّ الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحّة، فيكون قول مدّعي الصحّة موافقاً للأصل.

وهذا يتمّ في المسألة الأولى، وأما الثانية فمدّعي الفسخ لا ينكر صحّة العقد، بل يعترف به ويدّعي أمراً آخَر، لكن لمّا كان الأصل عدم طروء المبطل الموجب لاستمرار الصحّة أطلق عليه الصحّة مجازاً، وأراد به بقاءها.

وربّما استشكل الحكم في الأوّل مع التعيين، ك «بعتك بهذا العبد» فيقول: «بل بهذا الحُرّ» فإنّ منكر نقل العبد إن كان هو المشتري فهو ينفي ثبوت الثمن في ذمّته، وإن كان هو البائع فهو ينفي انتقال عبده عنه، فالأصل معهما في الموضعين؛ ولأنّه يرجع إلى إنكار البيع، فيقدّم قول منكره.

نعم، لو لم يعيّنا في الصورتين توجّه ما ذُكر.

قوله: «وضابطه ما لم يكن مؤدّياً إلى جهالة المبيع - إلى قوله - للكتاب والسنّة».

ضمير «ضابطه» يعود إلى الشرط المدلول عليه بالشروط تضمّناً، والمراد منه ما هو أخصّ من ذلك، وهو الشرط السائغ، وحينئذٍ فالعبارة لا تخلو من تكلّفٍ، فإنّ الشروط

ص: 180

•ويجوز أن يشترط ما هو سائغ داخل تحت قدرته، كقصارة الثوب وخياطته.

--------------

المعقود لها الباب أعمّ من الصحيحة والباطلة، والضابط مختصُّ بالصحيح.

والمراد أنّ ضابط ما يصحّ اشتراطه ما لم يكن مؤدّياً إلى جهالة المبيع أو الثمن، وذلك کاشتراط تأجيل أحدهما مدّةً مجهولةً، فإنّ للأجل قسطاً من الثمن، وهو مجهول، فيتجهّل العوضان.

وقوله «ولا مخالفاً للكتاب والسُنّة» كان مغنياً عن ذكر المؤدّي إلى جهالة العوضين؛

لاستلزامه الغرر المنهيّ عنه في السُنّة المطهّرة(1).

ومثال ما خالف الكتاب والسُنّة - مع ما ذكر : اشتراط أن لا يبيعه، أو لا يعتقه، أو لا يطأ، أو لا يهب.

وضابطه ما ينافي مقتضى العقد، بأن يقتضي عدم ترتّب الأثر الذي جَعَله الشارع للعقد من حيث هو هو، بحيث يقتضيه ورتّبه عليه، كذا حقّقه جماعة(2).

ويشكل باشتراط عدم الانتفاع زماناً معينّاً، فإنّ مقتضى العقد إطلاق التصرّف في كلّ وقتٍ.

وباشتراط إسقاط خيار المجلس والحيوان وما شاكل ذلك ممّا أجمع على صحة اشتراطه.

وعبارة المصنّف لا تنافي ذلك؛ لأنّ كلّ ما صحّ اشتراطه فليس منافياً للكتاب والسُنّة. قوله: «ويجوز أن يشترط ما هو سائغ داخل تحت قدرته كقصارة الثوب وخياطته».

أي يشترط ذلك على البائع، فإنّ إطلاق العقد وإن لم يقتضيه إلّا أنّه شرط سائغ مقدور غير منافٍ لمقتضى العقد، فيدخل تحت عموم الأمر بالوفاء بالشرط 3(3).

ومثله ما لو شرط البائع على المشتري قصارة ثوبٍ معيّنٍ، أو خياطته.

والمراد من شرطه المذكور تحصيل تلك المنفعة بنفسه أو بغيره؛ ليصحّ إطلاق كونه

ص: 181


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 1153. ح 1513/4 ؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 254، ح 3376؛ الجامع الصحيح، ج 3،ص532سنن الدارقطنی ج2،ص585 ح 2805 /47 .
2- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 414.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 371، ح 150؛الاستبصار، ج 3، ص 232، ح 835.

• ولا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع على أن يجعله سُنبلاً، أو الرطب على أن يجعله تمراً. • ولا بأس باشتراط تبقيته.

•ويجوز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه،

--------------

مقدوراً، فلو شرط فعله بنفسه اعتبر في صحّته قدرته عليه، بأن يكون عالماً بالصنعة قادراً عليها، فإن عيّن زماناً لا يمكن فيه تحصيل الشرط فهو باطل؛ لأنّه غير مقدورٍ .

قوله: «ولا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع على أن يجعله سُنبلاً». فإنّ ذلك غير مقدورٍ للبائع، بل لله تعالى.

ولا فرق في البطلان بين أن يشترط عليه أن يجعله هو أو الله تعالى؛ لاشتراكهما في عدم المقدوريّة.

وفي بعض حواشي الشهيد (رحمه الله): أنّ المراد به اشتراط أن يجعل الله الزرع سُنبلاً. لا اشتراط أن يجعله البائع سُنبلاً، فإنّ ذلك وإن كان باطلاً أيضاً إلّا أنّه غير مرادٍ هنا؛ لأنّهم إنّما تعرَّضوا لِما يجوز أن يتوهّمه عاقل لا ما يمنعه (1). وهذا حسن إذا أرادوه وإن اشترك الأمران في البطلان.

قوله «ولا بأس باشتراط تبقيته».

لأنّ ذلك مقدور له.

وهل يشترط تعيين المدّة، أم يحال على المتعارف من البلوغ؛ لأنّه مضبوط عرفاً؟

الظاهر الاكتفاء بالثاني، وإطلاقهم يدلّ عليه.

قوله: «ويجوز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه».

إطلاق الحكم يشمل ما لو شرط عتقه عن المشتري (2) وأطلقه، أو شرطه عن البائع عن كفّارةٍ، تبرّعاً، وبعوضٍ .

ص: 182


1- في بعض النسخ «على المشتري».
2- حاشية القواعد، ص 257 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

--------------

والحكم في الأوّلين إجماعيُ.

وأمّا الثالث فقال في التذكرة : إنّه يجوز أيضاً عندنا؛ لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسُنّة(1) . وفي القواعد: يجوز اشتراطه مطلقاً، أو عن المشتري (2)، ومفهومه عدم الجواز عن البائع، وبه قطع في الدروس(3).

ويؤيّده قوله صلی الله علیه واله وسلم: «لا عتق إلّا في ملك» (4)، والبائع ليس مالكاً.

وأمّا عتقه عن الكفّارة، فإن كانت على المشتري وشرط البائع عتقه عنها صحّ، وفائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق، وإن لم يشرط بُني على أنّ العتق هل هو حقُّ لله تعالى أو للبائع أو للعبد أو للجميع؟ فإنّه من حيث إنّ فيه معنى القربة والعبادة يرجّح الأوّل، ومن حيث الاشتراط من البائع وتعلّق غرضه به وأنّ الشرط من جملة العوضين يدلّ على الثاني، ومن استلزامه زوال الحجر عن العبد وتحريره يكون حقاً له.

والتحقيق أنّه لا منافاة بين هذه الحقوق، فيجوز اجتماعها فيه، ويتفرّع على ذلك

المطالبة بالعتق فَمن كان له الحقّ فله المطالبة به.

وأما عنقه عن الكفّارة فإن قلنا: الحقّ فيه لله تعالى لم يجز كالمنذور، وإن قلنا: إنّه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقّه، وإن أسقطه جاز؛ لسقوط وجوب العتق حينئذٍ. وكذا إن قلنا: إنّه للعبد. وعلى ما اخترناه لا يصحّ مطلقاً.

وشرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقّها، وأولى بالمنع لو كانت على البائع أو غيره.

ص: 183


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 266، الفرع «أ» من المسألة 124 .
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 91.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 195 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
4- الكافي، ج 6، ص 179، باب أنّه لا عتق إلّا بعد ملكٍ ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 217، ح 774 الاستبصار، ج 4، ص 5، ح 15.

• أو يدبّره،

--------------

وأمّا عتقه تبرّعاً فلا شبهة في جوازه بشرط أن يكون بسببٍ مباح، فلو نکّل به فانعتق لم يأتِ بالشرط، ويكون بمنزلة التالف.

وظاهر الشرط يقتضي إيقاعه مباشرةً اختياراً مجاناً، فلو شرط عليه عوضاً من خدمةٍ وغيرها لم يأتِ به.

وحيث يفوت الشرط يتخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء، كباقي الشروط، لكن لو فسخ هنا رجع إلى القيمة كالتالف أيضا، لبناء العتق على التغليب مع احتمال فساده؛ لوقوعه على خلاف ما وجب.

ويحتمل ضعيفاً سقوط الشرط هنا ونفوذ العتق.

وهل يشترط وقوعه من المشتري مباشرةً، أم يكفي وقوعه مطلقاً؟ وجهان.

وتظهر الفائدة فيما لو باعه بشرط العتق، فعلى الأوّل يحتمل بطلان البيع؛ لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه، فلا يجوز نقله إلى غيره، وصحّته مع تخيّر البائع، ثمَّ إن أعتق المشتري الثاني قبل فسخه، نفذ، وقُدّر كالتالف، وإلّا أخذه، وعلى الثاني يصحّ، كما لو أعتقه بوكيله.

والذي يدلّ عليه الإطلاق والحكم في باقي الشروط أنّه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلّا

مع التعيين وهذا الشرط لا يزيد على غيره.

قوله: «أو يدبره».

فإن شرط تدبيراً مطلقاً أو معيّناً ،تعيّن، وإن أطلق تخيّر بين المطلق والمقيّد، فإن اختار الثاني ، كتعليقه بوفاته في هذه السنة ولم يتّفق الشرط، وجب عليه التدبير ثانياً؛ لأنّ الغرض ترتّب العتق ولم يحصل مع احتمال العدم؛ لقيامه بالشرط المطلق.

وهل يجوز للمشتري الرجوع في هذا التدبير ؟ يحتمله؛ نظراً إلى أصله، وعدمه؛ التفاتاً إلى وجوب الوفاء بالشرط وعدم حصول غرض البائع والرجوع به إبطال ،له وهو ينافي صحّة الشرط.

ص: 184

• أو يكاتبه.

• ولو شرط أن لا خسارة، أو شرط أن لا يعتقها، أو لا يطأها قيل يصحّ البيع ويبطل الشرط.

--------------

ولو أخلّ المشتري بالتدبير تخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء، فيرجع بالتفاوت، كما سيأتي في شرط العتق إن شاء الله(1) .

قوله: «أو يكاتبه».

فيتخيّر المشتري مع الإطلاق بين الكتابة المطلقة والمشروطة، ومع التعيين يتعيّن

ما شرط.

وكذا القول في الأجل والقدر.

ولو تشاحّ المشتري والعبد فيه رجع إلى القيمة السوقيّة، فلا يجب على المشتري

النقصان عنها.

ولو طلب الزيادة أجبر على القيمة إن أمكن، وإلّا تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء.

وفي جواز رجوعه في المشروط عند عجزه وجهان؛ نظراً إلى الأصل، والوفاء بالشرط ،

مع احتمال براءة المشتري من الشرط لوفائه به ، والفسخ طار سائغ له شرعاً.

قوله: «ولو شرط أن لا خسارة، أو شرط أن لا يعتقها - إلى قوله - يصحّ البيع ويبطل الشرط».

أي شرط أن لا خسارة على المشتري لو باع المبيع فخسر، بل يكون على البائع، فإنّ هذا الشرط باطل لمنافاته لمقتضى العقد وثبوت الملك.

وكذا القول في شرط البائع عدم عتق المشتري ووطئه.

وهل يبطل البيع أيضاً، أم يختص البطلان بالشرط؟ قولان أجودهما الأوّل؛ لأنّ التراضي لم يقع إلّا على المجموع من حيث هو مجموع، فإذا بطل بعضه وامتنع نفوذه شرعاً انتفى

ص: 185


1- يأتي في ص 186.

• ولو شرط في البيع أن يضمن إنسان بعض الثمن أو كله صح البيع والشرط.

تفريع: • إذا شرط العتق في بيع المملوك، فإن أعتقه فقد لزم البيع، وإن امتنع كان للبائع خيار الفسخ.

--------------

متعلّق التراضي، فيكون الباقي تجارةً لا عن تراضٍ .

ووجه صحّة البيع أنّ التراضي قد تعلّق بكليهما، فإذا امتنع أحدهما بقي الآخر، وهو مذهب الشيخ (رحمه الله)(1) .

والقولان آتيان في كلّ بيعٍ تضمّن شرطاً فاسداً، ومثله ما شابهه من العقود اللازمة. قوله: «ولو شرط في البيع أن يضمن إنسان بعض الثمن أو كلّه صحّ البيع والشرط». لأنّ ذلك وإن لم يقتضه العقد لكنّه شرط يعود على المتعاقدين فيه مصلحة كالأجل فيصحّ اشتراطه للعموم(2) .

ومثله اشتراط ضمين للبائع على بعض المبيع أو كلّه لو كان سَلَماً، بل غير حاضرٍ ٍ مطلقاً. ويشترط تعيين الضامن بالمشاهدة أو الوصف ، كرجلٍ موسر ثقة ، ونحو ذلك ، أو يميّزه بنسبة، فلو أطلق بطل على الأقوى. ويحتمل الجواز، ويُحمل على ما دلّ عليه الوصف.

ومثله ما لو شرط رهناً على أحدهما.

ولو هلك المعيّن منهما أو مات، فإن كان بعد الرهن أو الضمان لم يؤثّر، ولو كان قبله ثبت الفسخ لمن شرط له لفوات الشرط.

قوله: «إذا شرط العتق في بيع المملوك - إلى قوله -كان للبائع خيار الفسخ».

ظاهره ثبوت الخيار بمجرّد امتناع المشروط عليه وإن قدر المشروط له على إجباره

على الوفاء. وهو أحد القولين في المسألة.

ووجهه أصالة عدم وجوب الوفاء وللمشروط له وسيلة إلى التخلّص بالفسخ، ففائدة

ص: 186


1- المبسوط، ج 2، ص 89؛ الخلاف، ج 3، ص 157، المسألة 249 .
2- تقدّم تخريجه في ص 104، الهامش 1.

--------------

الشرط حينئذٍ جَعْل البيع اللازم عرضةً للزوال عند فقد الشرط، ولزومه عند الإتيان به.

والقول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، وعدم تسلّط المشروط له إلّا مع تعذّر تحصيله؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد(1) ، و«المؤمنون عند شروطهم إلّا مَنْ عصى الله ، وهذا هو الأجود(2).

فعلى هذا لو امتنع من الوفاء ولم يمكن إجباره رفع أمره إلى الحاكم ليُجبره إن كان مذهبه ذلك، فإن تعذّر فسخ.

ولشيخنا الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته تفصيل ثالث، وهو أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه ولا يحتاج بعده إلى صيغةٍ، فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة في عقد الرهن ونحوه ، وإن لم يكن كافياً في تحقّقه بل يحتاج إلى أمرٍ ٍ آخَر وراء ذكره في العقد فليس بلازمٍ، بل يقلب العقد اللازم المشروط فيه جائزاً، كشرط رهن شيءٍ على الثمن، فإنّه لا يصير رهناً بمجرّد الشرط، بل لو جعله رهناً لم يصحّ؛ لعدم لزوم الثمن لذمّة المشتري حينئذٍ الذي هو شرط صحّة الرهن، بل لا بدّ له من صيغةٍ أخرى بعد البيع.

وجَعَل السرّ فيه أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزء من الإيجاب والقبول، فهو تابع لهما في الجواز واللزوم، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد وقد علّق عليه العقد، والمعلّق على الممكن ممكن. وبذلك يندفع التعجّب من أنّ اشتراط الجائز في اللازم يجعل الجائز لازماً ، واشتراط اللازم فى اللازم يجعل اللازم جائزا.

وهذا التفصيل حسن، وهو أجود من القول بجوازه مطلقاً، لكن القول باللزوم مطلقاً أجود؛ لٍما أسلفناه.

واعلم أنّ الخيار المذكور حيث يثبت فهل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان، تقدّم

ص: 187


1- المائدة (5): 1.
2- تقدّم تخريجه في ص 104، الهامش 1.

• وإن مات العبد قبل عتقه كان البائع بالخيار أيضاً.

--------------

مثلهما ووجههما (1)، وأصالة عدم الفوريّة بعد ثبوت أصل الخيار يرجّح الثاني (2).

قوله: «وإن مات العبد قبل عتقه، كان البائع بالخيار أيضاً».

لا إشكال في ثبوت الخيار مع موته، فإن اختار الفسخ رجع بجميع القيمة، وردّ الثمن إن كان قبضه، وإنّما الكلام فيما لو اختار الإمضاء، هل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة، فإنّه يقتضي نقصاناً من الثمن، أم يلزم مع الإجازة ما عيّن من الثمن خاصّةً؟ ذهب العلّامة (3) وجماعة (4) إلى الأوّل؛ لاقتضاء الشرط نقصاناً ولم يحصل. ويظهر من الدروس الثاني؛ محتجّاً عليه بأنّ الشروط لا يوزّع عليها الثمن (5).

وردّ بأنّ الثمن لم يوزّع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلاً له، وإنّما الشرط محسوب مع الثمن، وقد حصل باعتباره نقصان في القيمة، وطريق تداركه ما ذُكر.

وطريق معرفة ما يقتضيه الشرط أن يقوّم العبد بدون الشرط، ويقوّم معه، وينظر التفاوت بين القيمتين، وينسب إلى القيمة التي هي مع شرط العتق، ويؤخذ من المشتري - مضافاً إلى الثمن - بمقدار تلك النسبة من الثمن، فلو كانت قيمته بدون الشرط مائةً، ومعه ثمانين فالتفاوت بعشرين نسبتها إلى الثمانين الربع، فيؤخذ من المشتري مقدار ربع الثمن مضافاً إليه، وذلك هو الذي تسامح به البائع في مقابلة شرط العتق.

وإن اختار الفسخ والرجوع بالقيمة، ففي اعتبار وقتها أوجُه، أجودها يوم التلف؛ لأنّه وقت الانتقال إلى القيمة؛ إذ قبله كان الحكم متعلّقاً بالعين، ولأنّ ضمان العين لا يقتضي ضمان القيمة مع وجودها، فلا ينتقل إلى القيمة إلّا وقت القيمة.

ص: 188


1- تقدّم في ص 113، في بحث خيار الغبن.
2- في بعض النسخ: «يترجّح الأوّل»، كما في حاشية «و»: كذا بخطّ ع ل. والصحيح ما أثبتناه.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 91 - 92.
4- منهم ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 403؛ والمحقّق الكركي في حاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 141 - 142 (ضمن: حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 11).
5- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 95 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

النظر السادس في لواحق من أحكام العقود

الصُبْرة لا يصحّ بيعها إلّا مع المعرفة بكيلها أو وزنها، فلو باعها أو جزءاً منها مشاعاً مع الجهالة بقدرها لم يجز.

• وكذا لو قال: بعتك كلّ قفيزٍ منها بدرهم، أو بعتكها كلّ قفيز بدرهمٍ.

ولو قال: بعتك قفيزاً منها أو قفيزين مثلاً صحّ.

--------------

وثانيها: يوم القبض؛ لأنّه أوّل دخوله في ضمان المشتري.

وثالثها: أعلى القِيَم من حين القبض إلى التلف؛ لأنّه في جميع جميع ذلك مضمون عليه.

وقد ظهر من وجه الأوّل جواب الآخَرين.

قوله: «وكذا لو قال: بعتك كلّ قفيز منها بدرهمٍ، أو بعتكها كلّ قفيزٍ بدرهمٍ».

وجه البطلان في الأوّل واضح؛ لعدم العلم بقدر المبيع مطلقاً؛ لأنّ مرجع هذا العقد إلى تخيّر المشتري في أخذ ما شاء منها، بحيث يكون ضابط سعر ما يأخذه أنّ كلّ قفيزٍ منه بدرهمٍ، فإن أخذ قفيزاً لزمه درهم، وإن أخذ قفيزين لزمه در همان، و هكذا، ولا فرق في البطلان بهذا الوجه بين كون الصُبْرة معلومةً أو مجهولةً.

وأمّا الثاني فوجه بطلانه مع الجهالة بقدر الصُبرة أنّه لا يعلم قدر ما يشتمل عليه من

المقادير المذكورة، فيكون غرراً حال البيع وإن علم بعد ذلك.

وللشيخ (رحمه الله) قول بجواز البيع حينئذٍ (1)؛ لأنّ التقدير المذكور يزيل الغرر. والمشهور خلافه.

نعم لو باعه عدداً معيّناً من المكيل كعشرة أقفزة منها مع علمهما باشتمالها عليها صحّ، ولا فرق حينئذٍ بين المعلومة القدر والمجهولة.

ولو كانت معلومة القدر وباعها كلّ قفيزٍ بدرهمٍ صحّ أيضاً.

ص: 189


1- الخلاف، ج 3، ص 162. المسألة 259.

• وبيع ما يكفى فيه المشاهدة جائز، كأن يقول: بعتك هذه الأرض، أو هذه الساحة، أو جزءاً منها مشاعاً.

• ولو قال: بعتكها كلّ ذراعٍ بدرهمٍ لم يصحّ، إلّا مع العلم بذُرعانها.

--------------

والحاصل أنّ المعلومة يصحّ بيعها جملةً، وجزءاً منها مشاعاً ومعيّناً، وبيعها كلّ قفيزٍ بكذا، والمجهولة لا يصحّ بيع شيءٍ ممّا ذُكر، سوى الجزء المعيّن الذي علم اشتمالها عليه، وأنّ بيع كلّ قفيزٍ من الصُبرة بكذا باطل مطلقاً.

قوله: «وبيع ما يكفي فيه المشاهدة جائز - إلى قوله - أو جزءاً منها مشاعاً».

نبّه بالمثال على أنّ الأرض يكفي فيها المشاهدة وإن لم تُمسح، وهو أشهر القولين

وأقربهما، ومثلها الثوب. ويظهر من الخلاف (1) المنع فيهما.

ونقل بعض تلامذة المصنّف (رحمه الله) أنّ الساجة في العبارة بالجيم، قال: ولا يجوز

بالحاء المهملة.

قوله: «ولو قال: بعتكها كلّ ذراعٍ بدرهم لم يصحّ، إلّا مع العلم بذرعانها».

لمّا اكتفى في الأرض بالمشاهدة أمكن كونها مجهولة الأذرع حال البيع، فإذا باعها كلّ ذراعٍ بدرهم ولا يعلم قدر ذُرعانها، لم يصحّ من حيث الجهل بكمّيّة الثمن وإن كانت هي معلومةً على وجهٍ يصحّ البيع.

وهذا هو الفارق بينها وبين الصُبرة المعلومة حيث صحّ بيعها كلّ قفيزٍ بدرهم؛ لأنّ

معلوميّتها إنّما تكون من جهة الكيل، فيستلزم العلم بقدر الثمن.

ولو اكتفينا بالمشاهدة فيها - كما ذهب إليه ابن الجنيد (2) - اشترط في بيعها كل قفيزٍ بدرهمٍ معرفة ما يشتمل عليه منه.

ص: 190


1- الخلاف، ج 3، ص 198، المسألة 4.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 266، المسألة 34، وص 268 - 269، المسألة 237؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 175 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

• ولو قال: بعتك عشرة أذرع منها، وعيّن الموضع جاز، ولو أبهمه لم يجز؛ لجهالة المبيع، وحصول التفاوت في أجزائها بخلاف الصُبْرة.

• ولو باعه أرضاً على أنّها جُزبان معيّنة، فكانت أقلّ، فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع وأخذها بحصّتها من الثمن، وقيل: بل بكلّ الثمن، والأوّل أشبه.

--------------

قوله: «ولو قال: بعتك عشرة أذرع منها ، وعيّن الموضع جاز، ولو أبهمه لم يجز».

يمكن أن يريد بتعيين الموضع تعيين المبدأ والمنتهى والجواز حينئذٍ موضع وفاق.

ويمكن أن يريد به تعيين مبدأ المبيع، سواء أضاف إليه تعيين المنتهى أم لا؛ لارتفاع

الجهالة في الجملة بسبب التعيين المذكور وضبط الأذرع.

وفي صحّته حينئذٍ خلاف، والأجود الصحّة.

ومثله القول في الثوب، وقد تقدّم(1).

ويجب تقييد الصحّة بتساوي الأرض أو تقاربها، وإلّا فالبطلان أجود.

قوله: «ولو باعه أرضاً على أنّها جُربان معيّنةً - إلى قوله - والأوّل أشبه».

القول الأوّل مذهب الأكثر ، ووجهه أنّ المبيع مقدَّر بقدرٍ معينٍ ولم يحصل ذلك القدر، فيقسّط الثمن عليه وعلى الفائت إن اختار المشتري الإمضاء، وله الفسخ لفوات بعض المبيع، وهو لا يقصر عن فوات وصفٍ.

ويشكل التقسيط بأنّ الفائت لا يُعلم قسطه من الثمن؛ لأنّ المبيع مختلف الأجزاء، فلا تمكن قسمته على عدد الجُربان.

ووجه الثاني أنّ المبيع الذي تناولته الإشارة هو الأرض المعينّة لا غير، فإن رضي بها أخذها بما وقع عليه عقدها من الثمن؛ لأنّ العقد وقع عليه.

وعلى الأوّل لو لم يعلم البائع بالنقصان هل يثبت له الخيار أيضاً؟ يحتمله؛ لأنّه لم يرضَ إلّا ببيعها بالثمن أجمع ولم يسلم له.

ص: 191


1- تقدّم أنفاً.

• ولو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجازة بكلّ الثمن، وكذا كلّ ما لا يتساوى أجزاؤه.

--------------

وعلى تقدير الثبوت هل يسقط ببذل المشتري جميع الثمن؟ يحتمله؛ لحصول ما رضي به، و به قطع في المختلف(1)، وعدمه؛ لثبوت الخيار، فلا يزول بذلك، كالغبن لو بذل الغابن التفاوت.

وللشيخ قولٌ ثالثٌ بأنّ البائع إن كان له أرض تفي بالناقص بجنب الأرض المبيعة فعليه الإكمال منها، وإلّا أخذه المشتري بجميع الثمن أو فسخ (2).

واستند في ذلك إلى رواية (3) لا تنهض حجّةٌ في ذلك.

قوله: «ولو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجازة بكلّ الثمن». وجهه أنّ المبيع هو العين الشخصيّة الموصوفة بكونها مقداراً مخصوصاً بالثمن المعيّن وفوات الوصف لا يُخرج المبيع(4) ؛ عن كونه مبيعاً .

نعم، يتخيّر البائع لفوات الوصف.

ويحتمل كون الزيادة للبائع، فيتخيّر المشتري بين الفسخ والرضى في الباقي بجميع الثمن. واستقرب في المختلف تخيّر البائع بين تسليم المبيع زائداً وبين تسليم القدر المشروط، فإن رضي بالجميع فلا خيار للمشتري ؛ لأنّه زاده خيراً، وإن اختار الثاني تخيّر المشتري بين الفسخ والأخذ بجميع الثمن المسمّى، فإن رضي بالأخذ فالبائع شريك له.

ثمَّ احتمل حينئذٍ تخيّره؛ لتضرره بالشركة، وعدمه؛ لأنّه رضي ببيع الجميع بهذا الثمن،

فإذا وصل إليه الثمن في البعض كان أولى، ولأنّ الضرر حصل بتغريره (5).

ص: 192


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 289 ، المسألة 261 1.
2- النهاية، ص 420 .
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 153. ح .675 .
4- في بعض النسخ: لا يخرج الجميع».
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 290 ، المسألة 262 .

• ولو نقص ما يتساوى أجزاؤه ثبت الخيار للمشتري بين الردّ وأخذه بحصّته من الثمن.

•ولو جمع بين شيئين مختلفين في عقدٍ واحدٍ بثمن واحدٍ كبيع وسلفٍ أو إجارةٍ وبيعٍ أو نكاحٍ وإجارةٍ صحّ، ويقسّط العوض على قيمة المبيع وأجرة المثل ومهر المثل.

--------------

ويحتمل بطلان البيع من رأسٍ ٍ؛ لأنّ البائع لم يقصد بيع الزائد، والمشتري لم يقصد شراء البعض، وهذه آتية في متساوي الأجزاء، كالحنطة.

قوله: «ولو نقص ما يتساوى أجزاؤه - إلى قوله بحصّته من الثمن».

وجه ذلك قد عُلم ممّا سبق في مختلف الأجزاء (1)، ويزيد هنا أنّ التقسيط ممكن بسبب تساوي الأجزاء.

ويشكل بما مرّ أيضاً من أن مجموع المثمن المقابل لمجموع الثمن هو ذلك الموجود غاية ما في الباب أنّه لم يعلمالنقصان.

واختار العلّامة في القواعد تساوي المسألتين في طرفي الزيادة والنقصان في الحكم

بتخيّر البائع أو المشتري بين الفسخ والإمضاء بالجميع (2)، وهو متّجه.

قوله: «ولو جمع بين شيئين مختلفين في عقدٍ واحدٍ بثمن واحدٍ إلى قوله -ومهر المثل» لا خلاف عندنا في صحّة ذلك كلّه؛ لأنّ الجميع بمنزلة عقدٍ واحد، والعوض فيه معلوم بالإضافة إلى الجملة وهو كافٍ في انتفاء الغرر والجهالة وإن كان عوض كلٍّ منهما بخصوصه غير معلومٍ حال العقد، وكون كلّ واحدٍ بخصوصه بيعاً في المعنى (3)، أو بعضه إجارةً أو غيرها، الموجب لعوضٍ معلومٍ لا يقدح؛ لأنّ لهذا العقد جهتين، فبحسب الصورة هو عقد،واحد فيكفي العلم بالنسبة إليه.

ص: 193


1- سبق في ص 191.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 92 - 93 .
3- في بعض النسخ: «في المعين».

• وكذا يجوز بيع السمن بظروفه، ولو قال: بعتك هذا السمن بظروفه كلّ رطلٍ بدرهم كان جائزاً.

--------------

ثمَّ إن احتيج إلى التقسيط قُسّط على ما ذُكر ؛ لأنّ العوض المبذول في مقابلة المتعدّد إنّما بُذل في مقابلة كلّ واحدٍ، كما لو باع أمتعةً متعدّدةً في عقدٍ واحدٍ بثمنٍ واحد.

واعتبار ثمن المثل وأجرته موضع ،وفاق، أمّا مهر المثل فربما استُشكل بما سيأتي (1)- إن شاء الله تعالى - من أنّ المفوّضة ترجع إلى مهر السنّة لو زاد مهر المثل عنه، وهنا لما لم يتعين لها مهر مقدَّر ابتداءً أشبهت المفوّضة، فيحتمل كونها كذلك، ولا يتم إطلاق مهر المثل. والأصح اعتباره مطلقاً؛ لأنها ليست مفوضةً، بل مسماة المهر، غايته عدم العلم بقدر ما يخصه ابتداءً.

وعلى تقدير التفويض فالرجوع إلى مهر السُنّة - على تقدير زيادة مهر المثل - في موضع المنع.

قوله: «وكذا يجوز بيع السمن بظروفه، ولو قال: بعتك هذا السمن بظروفه كلّ رطل

بدرهم كان جائزاً».

لابد في المسألتين من معرفة وزن الظرف والمظروف جملةً، وإنّما يمتازان بأن يُقسط الثمن عليهما في الأولى على ثمن مثلهما، وفي الثانية عليهما باعتبار الوزن.

وتظهر الفائدة لو كان كلّ واحدٍ منهما لواحد، أو ظهر أحدهما مستحقاً، وأُريد معرفة ما يخص كلّ واحدٍ منهما ، فعلى الأوّل يُقسّط الثمن على ثمن مثلهما، بأن يقال: قيمة الظرف - مثلاً - درهم، وقيمة السمن تسعة، فيخص الظرف عُشر الثمن كائناً ما كان، وعلى الثاني يوزن الظرف منفرداً ويُنسب إلى الجملة، ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة.

ص: 194


1- يأتي في ج 6، ص 644.

[الفصل] الخامس في أحكام العيوب

• مَن اشترى مطلقاً أو بشرط الصحّة اقتضى سلامة المبيع من العيوب، فإن ظهر فيه عيب سابق على العقد فالمشتري خاصّةً بالخيار بين فسخ العقد أو أخذ الأرش.

• ويسقط الردّ بالتبرّي من العيوب.

--------------

الفصل الخامس في أحكام العيوب

قوله: «مَن اشترى شيئاً مطلقاً أو بشرط الصحّة، اقتضى سلامة المبيع من العيوب». اشتراط الصحّة يفيد مجرّد التأكيد؛ لأنّ الإطلاق يقتضي السلامة؛ لأنّها الأصل في

الأعيان، فإذا ظهر عيب، تخيّر كما سيأتي (1).

وربما قيل: إنّ فائدة اشتراط الصحّة جواز الفسخ وإن تصرّف لو ظهر عیب، فيفيد فائدةً زائدة على الإطلاق، كاشتراط الحلول.

قوله: «ويسقط الردّ بالتبرّي من العيوب».

لا فرق في ذلك بين علم البائع والمشتري بالعيوب، وجهلهما، والتفريق، ولا بين الحيوان وغيره، ولا بين العيوب الباطنة وغيرها عندنا، ولا بين الموجودة حالة العقد والمتجدّدة التي توجب ردّاً أو أرشاً.

ولا يقدح في الثاني كون البراءة ممّا لم يجب بَعْدُ؛ لأنّ التبري إنّما هو من الخيار الثابت بسببها بمقتضى العقد لا بالعيب. وهل يدخل المتجدّد بعد العقد وقبل القبض أو في زمن خيار المشتري في البراءة

ص: 195


1- سيأتي في ص 198.

•وبالعلم بالعيب قبل العقد، • وبإسقاطه بعد العقد. • وكذا الأرش.

•ويسقط الردّ بإحداثه فيه حدثاً، كالعتق وقطع الثوب، سواء كان قبل العلم بالعيب او بعده،

--------------

السابقة المطلقة؟ وجهان، من العموم (1)، ومن أنّ مفهومه التبرّي من الموجود حال العقد.

قوله: «وبالعلم بالعيب قبل العقد».

أي علم المشتري به قبله، فإنّ قدومه عليه حينئذٍ رضى بالعيب.

قوله: «وبإسقاطه بعد العقد».

أي إسقاط المشتري خيار العيب، ولا يختصّ بلفظٍ ، بل كلّ ما دلّ عليه من الألفاظ كافٍ فيه، وبه يسقط الردّ والأرش؛ لأنّهما متعلّق الخيار ولازمه، فإذا أسقط الملزوم تبعه اللازم.

ولو قيّد الإسقاط بأحدهما اختصّ به.

قوله: «وكذا الأرش».

عطف على قوله «ويسقط الردّ» الشامل للمواضع الثلاثة. والحكم في الأوّلين مطلق، أمّا الأخير فإنّما ينتفيان مع الإطلاق أو التصريح بالتعميم، أمّا لو خصّ أحدهما اختصّ بالحكم، كما قلناه.

قوله: «ويسقط [الردّ] بإحداثه فيه حدثاً، كالعتق وقطع الثوب» إلى آخره.

نبّه بالمثالين على أنّه لا فرق في الحدث بين الناقل عن الملك وغيره، وقد تقدّم تفصيله في باب الخيار (2) . ومنه ركوب الدابّة ولو في طريق الردّ، وحلبها، ونقلها إلى بلدٍ بعيد، دون سقيها وعلفها.

ولو توقّف ردّها على ركوبها لجماحها بحيث يعسر قودها وسوقها لم يقدح ركوبها.

ونبّه بقوله «سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده» على خلاف ابن حمزة؛ حيث جعل

ص: 196


1- أي عموم التبري من العيوب.
2- تقدّم في ص 109، في خيار الحيوان.

• وبحدوث عيبٍ بعد القبض، • ويثبت الأرش.

--------------

التصرّف بعد العلم مانعاً من الأرش، كما يمنع من الردّ (1) .

وهو ضعيف؛ إذ لا دلالة للتصرّف على إسقاطه، والأصل يقتضي بقاءه.

نعم، يدلّ على الالتزام بالعقد، فيسقط الردّ.

قوله: «وبحدوث عيبٍ بعد القبض».

فإنّه مانع من الردّ بالعيب السابق، دون الأرش. ولا فرق في العيب الحادث بين كونه من جهة المشتري أو غير جهته. ويستثنى منه ما لو كان المبيع حيواناً وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، فإنّه حينئذٍ لا يمنع من الردّ ولا الأرش؛ لأنّه حينئذٍ مضمون على البائع.

والظاهر أنّ كلّ خيارٍ مختصّ بالمشتري كذلك.

قوله: «ويثبت الأرش».

في الصورتين، ويثبت أيضاً في صورتين أُخريين:

إحداهما: إذا اشترى مَنْ ينعتق عليه، فإنّه ينعتق بنفس الملك، ويتعيّن الأرش لو ظهر معيباً، وفي ردّه إلى صورة التصرّف تكلّف.

والثانية: ما تقدّم من إسقاطه الردّدون الأرش.

وقد ينعكس الحكم في بعض الموارد، فيثبت الردّدون الأرش، كما لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح، أو نقصت القيمة، كما لو ظهر العبد خصيّاً، فإنّ المشتري يتخيّر بين الردّ والإمساك مجّاناً.

ولو حصل مانع من الردّ، كحدوث عيب وتصرّف سقط الأمران معاً.

ويشكل حينئذٍ الصبر على العيب والردّ، فإنّهما إضرار.

ويمكن ترجيح البقاء؛ اعتباراً بالماليّة، وهي باقية، وكما لو اشترى ربويّاً بجنسه وظهر عيب من الجنس، فله الردّ دون الأرش؛ حذراً من الربا، ومع التصرّف يسقطان - كما مرّ - على إشكالٍ.

ص: 197


1- الوسيلة، ص 257.

• ولو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الردّ.

• وإذا أراد بيع المعيب فالأولى إعلام المشتري بالعيب، أو التبرّي من العيوب

مفصّلةً • ولو أجمل جاز.

--------------

قوله: «ولو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الردّ».

فيتخيّر بينه وبين الأرش على المشهور؛ لأنّ ضمان البائع للجملة قبل القبض يقتضي

ضمان الأجزاء.

وشرط الشيخ (رحمه الله) في رجوع المشتري حينئذٍ بالأرش رضى البائع به، مدّعياً فيه الإجماع (1).

وهما ممنوعان، وحُمل على أنّه أراد به إجماع العامّة، وهو حمل بعيد.

قوله: «وإذا أراد بيع المعيب فالأولى إعلام المشتري بالعيب، أو التبرّي من العيوب

مفصّلةً».

الأصل في «الأولى» أن يكون على وجه الاستحباب، وهو يتمّ في العيب الظاهر، وهو الذي يمكن للمشتري أن يطّلع عليه، أمّا الخفيّ - كشوب اللبن بالماء - فالأقوى وجوب الإعلام به، وقد تقدّم تحريمه.

ومقتضى جعله التبرّي قسيماً للإعلام أنّه لو تبرّى من العيب الخفيّ مجملاً أو مفصّلاً سقط وجوب الإعلام أيضاً وتبرّى به - وبه صرّح في الدروس (2) - وإن كان قد فَعَل محرَّماً.

ويشكل في مزج اللبن بالماء، فإنّ الماء ليس من جنس اللبن، وقد باعه على أنّه لبن، فينبغي بطلان البيع فضلاً عن البراءة؛ لأنّ المبيع المقصود غير معلوم القدر للمشتري.

ولو قيل بالصحّة؛ نظراً إلى أنّ الجملة معلومة القدر، كما لو باع ماله ومال غيره، فينبغي عدم سقوط الخيار.

قوله: «ولو أجمل جاز».

ص: 198


1- الخلاف، ج 3، ص 109، المسألة 178.
2- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 255 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

وإذا ابتاع شيئين صفقةً وعلم بعيبٍ في أحدهما لم يجز ردّ المعيب منفرداً،

وله ردّهما أو أخذ الأرش.

• وكذا لو اشترى اثنان شيئاً كان لهما ردّه أو إمساكه مع الأرش، وليس لأحدهما ردّ نصیبه دون صاحبه.

--------------

المراد بالإجمال ذكرها مطلقةً أو عامّةً كبرئت من عيبه، أو من جميع العيوب، أو من العيوب، فإنّه يتناول كلّ عيبٍ؛ نظراً إلى العموم.

وخالف فيه بعض الأصحاب، فحَكَم بأنّه لا يبرأ بإجمال العيوب؛ لأنّه بيع مجهول (1).

وهو ضعيف؛ إذ لا جهل مع المشاهدة واعتبار ما يجب اعتباره في صحّة البيع، والعيب الحاصل فيه غير مانعٍ من صحّة البيع.

قوله: «وإذا ابتاع شيئين صفقةً وعلم بعيبٍ في أحدهما» إلى آخره.

لِما يتضمّن ردّ أحدهما خاصّةً من ضرر تبعّض الصفقة على البائع، فلا يندفع إلّا بردّهما معاً إن لم يتصرّف فيهما ولا في أحدهما، أو بأخذ أرش المعيب، ومتى تصرّف في أحدهما - وإن كان الصحيح - سقط ردّ المعيب؛ لأنّهما بمنزلة مبيعٍ واحد.

قوله: «وكذا لو اشترى اثنان شيئاً كان لهما ردّه أو إمساكه مع الأرش» إلى آخره.

هذا هو المشهور بين الأصحاب، ووجهه ما تقدّم من التعيّب بالتشقيص (2) ، مع أنّه عقد واحد.

وذهب الشيخ (3) وجماعة(4) إلى جواز التفرّق هنا؛ للعموم، ولجريانه مجری عقدين بسبب تعدّد المشتري، فإنّ التعدّد في البيع يتحقّق بتعدّد البائع، وبتعدّد المشتري، وبتعدّد العقد؛

ص: 199


1- حكاه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 296 - 297 عن بعض أصحابنا؛ ونسبه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 198، المسألة 157 إلى ابن الجنيد؛ وراجع المهذّب، ج 1، ص 392.
2- الشِقْصُ : القطعة من الشيء. راجع المعجم الوسيط، ص 489.
3- المبسوط، ج 2، ص 336؛ الخلاف، ج 3، ص 333، المسألة 10.
4- منهم ابن البرّاج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 213 - 214، المسألة 178؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 345؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 334.

--------------

ولأنّ التعيّب جاء من قِبَله حيث باع من اثنين. وهذا إنّما يتمّ مع علمه بالتعدّد.

ولو قيل بجواز التفرّق مع علمه بالتعدّد دون جهله كان وجهاً، واختاره العلّامة في

التحرير (1)، وإن كان القول بالجواز مطلقاً متوجهاً.

وينبغي على القول به أن يثبت للبائع الخيار في الباقي؛ لتبعّض الصفقة، مع جهله بالتعدّد. ولا فرق على القولين بين تعدّد العين واتّحادها، ولا بين أن يقتسما قبل التفرّق وعدمه.

ولو كان المبيع عينين لكلّ واحدٍ من المشتريين واحدة معيّنة، و علم البائع بالحال وباعهما في عقدٍ واحدٍ، فجواز التفرّق هنا أوضح وإن أمكن تمشّى الخلاف فيه؛ نظراً إلى اتّحاد العقد.

هذا كلّه إذا ظهر العيب في المبيع، أمّا لو ظهر العيب في الثمن، فإن كان في جميعه فلا إشكال في التخيير، وإن كان في بعضه ففي جواز ردّه خاصّةً - نظراً إلى ما ادّعي من أنّ العقد في قوّة المتعدّد بسبب تعدّد المشتري - وجه، وربما اختاره بعض الأصحاب.

ويضعّف بأنّ التعدّد بالنسبة إليه غير واضحٍ، والفرق بين المبيع والثمن أنّ المشتري الذي يردّ إنّما يردّ تمام حصّته، فيكون كأنّه ردّ تمام المبيع؛ نظراً إلى تعدّده بالنسبة إليه، وهذا لا يأتي في الثمن؛ لأنّ البائع إذا ردّه إنّما يردّه عليهما معاً؛ إذ الفرض كونه مشتركاً بينهما، فإذا ردّ المعيب فقد ردَّ على مستحقّه بعض حقّه وبقي البعض الآخَر عنده، وهو ممتنع.

نعم، لو دفع كلُّ من المشتريين جزءاً من الثمن متميّزاً، واشتريا بالمجموع شيئاً مشتركاً، فظهر بأحدهما عيب وكان المعيب مساوياً لحصّة صاحبه اتّجه جواز ردّه خاصّةً لمالكه؛ لتحقّق التعدّد.

واعلم أنّ هذا الحكم كلّه فيما لو تعدّد المشتري، أمّا لو تعدّد المستحقّ للمبيع مع اتّحاد المشتري ابتداءً، كما لو تعدّد وارث المشتري الواحد، فإنّه ليس لهم التفرّق؛ لاتّحاد الصفقة، والتعدّد طارٍ، مع احتماله.

ص: 200


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 3، ص 236، الرقم 4517.

• وإذا وطئ الأمة ثمَّ علم بعيبها لم يكن له ردّها، فإن كان العيب حبلاً جاز رّدها، ويرّد معها نصف عُشْر قيمتها لمكان الوطء، ولا تردّ مع الوطء بغير عيب الحبل.

--------------

قوله: «وإذا وطئ الأمة ثمَّ علم بعيبها لم يكن له ردّها - إلى قوله - بغير عيب الحبل».

تحرير هذه المسألة يتوقف على مقدّمات:

الأُولى: أنّ تصرّف المشتري في المبيع المعيب يمنع من ردّه وإن جاز له أخذ الأرش.

الثانية: أنّ الحمل في الأمة عيب، سواء شرط خلوّها من الحمل أم لا؛ لأنّ ولادتها تشتمل على الخطر، وهو نقص محض إن قلنا: إنّ الحمل لا يدخل في بيع الأمة، كما هو المشهور، وإلّا كان نقصاً من وجهٍ وزيادةً من وجهٍ، وهو كافٍ في ثبوت الخيار أيضاً. الثالثة: أنّ الوطء تصرّفٌ، بل هو من أقوى أنواع التصرّف، فالأصل فيه أن يكون مانعاً من الردّ.

الرابعة: أنّ وطء المالك حال الوطء لا يستعقب عليه ضماناً للبُضْع؛ لأنّه تصرّف في ماله، وإن فسخ في المبيع بعد ذلك بوجهٍ من الوجوه المجوّزة له.

الخامسة: أنّ المولى لو وطئ أمته جاز له بيعها مع عدم تبيّن الحمل، ثمَّ إن ظهر بها حمل منه تبيّن بطلان البيع؛ لكونها أُم ولدٍ، وهذه المقدّمات كلّها إجماعيّة.

السادسة: أنّ وطء أمة الغير جهلاً بتحريمه يوجب على الواطئ عشْر قيمتها إن كانت

بكراً، ونصف العشْر إن كانت ثيّباً؛ لدلالة النصوص (1) على هذا التقدير.

السابعة: أنّ الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لا من أصله؛ لتحقّق الملك بالعقد، وجواز الاستمرار عليه، فلا معنى لرفع ما قد ثبت.

إذا تقرّرت هذه المقدّمات فنقول: إذا اشترى أمةً وتصرّف فيها ثمَّ علم فيها بعيب سابق، لم يجز له ردّها بل يتعيّن الأرش.

ص: 201


1- منها ما في الكافي، ج 5، ص 214، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عیب.... ذيل الحديث 3.

--------------

لكن وردت النصوص هنا باستثناء مسألةٍ، وهي ما لو كان العيب حبلاً، وكان التصرّف

بالوطء، فإنّه حينئذٍ يردّها ويردّ معها نصف العُشْر؛ لمكان الوطء (1).

وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدّمات من حيث جواز الرّد مع التصرّف و في وجوب شيء على المشتري، مع أنّه وطئ أمته، وفي إطلاق وجوب نصف العُشْر، مع أنّ ذلك عقر الثيّب، والمسألة مفروضة فيما هو أعمّ منها.

ولأجل هذه المخالفات التجأ بعض الأصحاب إلى حملها على كون الحمل من المولى البائع، فإنّها تكون حينئذٍ أُمّ ولدٍ، ويكون البيع باطلاً، والوطء في ملك الغير جهلًا فيلزم فيه العقر (2).

وإطلاق نصف العُشْر مبنيُّ على الأغلب من كون الحمل مستلزماً للثيبوبة، فلو فُرض -

على بعْدٍ - كونها حاملاً بكراً كان اللازم العُشْر.

وفي هذا الحمل دفع لهذه الإشكالات، إلّا أنّه مدافع لإطلاق النصوص بالحمل، وبنصف العُشر من غير تقييدٍ بكونه من المولى وكونها ثيّباً.

وفيه أيضاً أنّه لا وجه لتقييد التصرّف بكونه بالوطء، بل اللازم حينئذٍ الردّ على كلّ حالٍ؛ لبطلان البيع، وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب وكون المردود نصف العُشْر خاصةً أولى من استثناء هذا النوع من التصرّف من بين سائر التصرّفات.

وكون المنفعة مضمونةً على المشتري، إمّا بناءً على أنّ الفسخ يُبطل العقد من أصله؛ نظراً إلى أنّ العيب يقتضي تزلزل العقد، فمع اختيار الردّ يكشف لنا عن عدم الملك، وأنّ العقد موقوف على اختيار الرضى بالعيب، أو أنّ ضمان المنفعة قد وجد في المصرّاة المردودة،

ص: 202


1- الكافي، ج 5، ص 214، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عيب.....،ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 61 - 63، ح 266، 271 و 272؛ الاستبصار، ج 3، ص 80 - 81 ، ح 270، 272 و 273.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 206 - 207، المسألة 165.

--------------

على ما سيأتي (1)، ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العُشْر موافقته للغالب الأكثر من كون الحامل لا تكون بكراً.

وبالجملة، فالعدول عن ظواهر هذه النصوص الكثيرة - مع عمل أكثر الأصحاب بها - لمناسبة الأُصول غير واضح وعلى هذا فيكون الردّ على وجه الجواز لا اللزوم إن لم يكن الحمل من المولى، ويختصّ بالوطء.

وهل تلحق به مقدّماته من اللمس والقُبْلة والنظر بشهوةٍ؟ وجهان، من الأولويّة،

واستلزامه لها غالباً، ومن الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النصّ.

وتوقف في الدروس (2). وله وجه إن كان وقوع تلك الأشياء على وجه الجمع بينها

وبين الوطء.

ولو اختصّ التصرف بها، فالإلحاق به من باب مفهوم الموافقة أوجَه وإن كان استثناؤها مطلقاً متوجهاً؛ للملازمة.

وهل يختص الحكم بالوطء المتعارف فى القُبُل أم يعمّ الدُبُر؟ وجهان، أجودهما،

الإلحاق؛ لأنّه وطء في الجملة، فيتناوله النصّ.

وهل الواجب معه العُشْر أو نصفه؟ وجهان أيضاً، من صدق وطء البكر الموجب للعُشْر.

ومن أنّ الظاهر المتبادر إلى الفهم تعليله بإزالة البكارة، وهو الفارق بينها وبين الثيّب. والأجود الثاني: عملاً بإطلاق الأمر بالنصف في النصّ معلقاً على الوطء، فيتناول صورة النزاع.

ولو كان العيب غير الحبل فلا ردّ مع الوطء؛ اقتصاراً على موضع اليقين، كما أنّه لو

تصرّف بغيره فلا ردّ وإن كان العيب الحمل.

ص: 203


1- سيأتي في ص 205.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 253 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

القول في أقسام العيوب

• والضابط أنّ كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فالزيادة كالإصبع الزائدة، والنقصان كفوات عضوٍ، ونقصان الصفات كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي، مستمرّاً كان كالممراض، • أو عارضاً ولو كحمّى يوم.

وكلّ ما يشترطه المشتري على البائع ممّا يسوغ فأخلّ به يثبت به الخيار

--------------

قوله: «والضابط أنّ كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب».

المراد بأصل الخلقة الموجود في خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك بالنظر إلى الذات والصفات، ولا يعتبر مع ذلك كون الزائد أو الناقص موجباً لنقصان الماليّة؛ لإطلاق النصّ (1)، والاتّفاق على أنّ الخصاء عيب مع إيجابه زيادة الماليّة، وكذا عدم الشعر على الركْب، وهو واقعة ابن أبي ليلى مع محمّد بن مسلم (2).

وزاد العلّامة على الضابط قيد كونه موجباً له (3)، مع موافقته على ما ذكرناه ممّا لا یوجبه، فعدم القيد أجود.

قوله: «أو عارضاً ولو كحمّى يوم».

المعروف من حمّى يوم أنّها التي تأتي في يوم من الأيّام وتذهب فيه ثمَّ لا تعود، فلو عادت كلّ يومٍ لم تُسمّ حمّى يومٍ، بل حمّى الورد، أو يوماً بعد يومٍ، فحمّى الغبّ إلى آخر الأُسبوع، وحينئذٍ فثبوت العيب بحمّى اليوم، يتحقّق بأن يشتريه فيجده محموماً، أو يحمّ قبل القبض، فإنّه يجوز له الفسخ وإن ذهبت عنه الحمّى في ذلك اليوم، وليس المراد بها ما ينوب يوماً معيّناً من الأُسبوع، كما فسّره بعضهم (4)، فإنّ تلك لا تُسمّى حتى يومٍ، ولا ما تأتي كلّ يومٍ، كما مرّ.

ص: 204


1- الكافي، ج 5، ص 215 - 216، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عيب....، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 65 - 66. ح 282.
2- الكافي، ج 5، ص 215 - 216، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عيب....، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 65 - 66. ح 282.
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 365، الرقم 3353.
4- لم نتحقّقه.

وإن لم يكن فواته عيباً، كاشتراط الجعودة في الشعر، • والتأشير في الأسنان، والزجج في الحواجب.

وهاهنا مسائل:

الأُولى : • التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الردّ والإمساك.

--------------

قوله: «والتأشير في الأسنان والزجج».

في الصحاح: تأشير الأسنان: تحزيزها وتحديد أطرافها (1)، والزجج: دقّة في الحاجبين وطول، وزجّجت المرأة حاجبها: دقّقته وطوّلته (2). وإطلاق اشتراط ذلك يقتضي كونه خلقيّاً لا متكلّفاً. نعم، لو شرط ما يشمل التكلّفي صحّ، وثبت له الخيار لو وجده على الخلاف.

قوله: «التصرية تدليس».

التصرية مصدر قولك: صرَّيت إذا جمعت، من الصري وهو الجمع، تقول: صرى الماء في الحوض ونحوه إذا جمعه (3)، وصرّيت الشاة تصريةً إذا لم تحلبها أيّاماً حتّى يجتمع اللبن في ضرعها، والشاة مصرّاة (4). وتسمّى المصرّاة محفّلةٌ أيضاً (5)، وهو من الحفل، وهو الجمع، ومنه قيل للجمع: محفل.

والمراد هنا أن تربط أخلاف (6) الشاة ونحوها ولا تحلب يومين أو أكثر فيجتمع اللبن بضرعها، ويظنّ الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه كلّ يومٍ، فيرغب في شرائها بزيادةٍ. والأصل في تحريمه - مع الإجماع - النصّ عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم، وهو من طُرق العامّة (7)، وليس

ص: 205


1- الصحاح، ج 2، ص 579، «أشر».
2- الصحاح، ج 1، ص 319، «زجج».
3- معجم مقاييس اللغة، ج 3، ص 346، «صري».
4- معجم مقاييس اللغة، ج 3، ص 346، «صري».
5- الصحاح، ج 4، ص 1671، «حفل».
6- الأخلاف : جمع خِلْف - بكسر المعجمة وسكون اللام وبالفاء - حلمة الضرع. المعجم الوسيط ، ص 251، خلف.
7- صحیح مسلم، ج 3، ص 1155، ح 1515/11؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 270، ح 3443.

• ويردّ معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذّر، وقيل: يردّ ثلاثة أمداد من طعام.

--------------

في أخبارنا تصريح به، لكّنه في الجملة موضع وفاق.

والتدليس تفعيل من الدلس - محرّكاً - وهو الظلمة، كأنّ المدلّس بمخادعته آتٍ في الظلمة، والمراد به إخفاء عيب السلعة.

قوله: «ويردّ معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذّر، وقيل: يردّ ثلاثة أمداد من طعام». «مع التعذّر» قيد في المردود بقسميه، وهما المثل والقيمة، أي يردّ مثل اللبن مع تعذّره؛ لأنّه مثلي، فإن تعذّر فقيمته وقت الدفع ومكانه، فإنّه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي.

والمراد باللبن الموجود حال البيع؛ لأنّه جزء من المبيع، فإذا فسخ البيع ردّه كما يردّ المصّراة.

أمّا المتجدّد بعد العقد ففي وجوب ردّه وجهان، من إطلاق الردّ في الأخبار (1)، ومن أنّه نماء المبيع الّذي هو ملكه، والعقد إنّما ينفسخ من حينه، وهو الأقوى، فعلى هذا لو امتزج الموجود حالته بالمتجدّد صار شريكاً ورجعا إلى الصلح.

والمراد بتعذّر رد اللبن عدمه أصلاً، أما لو تغيّر في ذاته أو صفته، بأن عمله جبناً أو حمض ونحو ذلك ففي الانتقال إلى بدله، أو ردّه مع الأرش إن أوجب نقصاً وجهان،

أجودهما الثاني.

ولو عمل فيه عملاً قبل العلم بالعيب صار شريكاً بنسبته.

والقول بردّ المثل أو القيمة مع التعذّر هو مقتضى ضمان الأموال حيث لا دليل على ما يخالفه. والقول برد ثلاثة أمداد من طعام للشيخ (رحمه الله) (2)؛ استناداً إلى رواية (3).

وله قول آخَر بردّ صاع من تمر أو صاع من برٍّ (4)؛ لأنّ ذلك هو المنصوص عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم في حكم المصرّاة (5)، إلّا أنّه ليس من طُرقنا، فالرجوع إلى الأُصول المتّفق عليها أولى.

ص: 206


1- صحیح مسلم، ج 3، ص 1155، ح 1515/11؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 270، ح 3443.
2- نكت النهاية، ج 2، ص 140 - 142.
3- الكافي، ج 5، ص 173، باب مَنْ يشتري الحيوان وله لبن.... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 25 ، ح 107.
4- راجع المبسوط، ج 2، ص 62؛ والخلاف، ج 3، ص 104. المسألة 169.
5- تقدّم تخريجه آنفاً.

• وتختبر بثلاثة أيّام.

• وتثبت التصرية في الشاة قطعاً، وفي الناقة والبقرة على تردّد.

--------------

قوله: «وتختبر بثلاثة أيّام».

يريد أنّه إذا لم يعلم كونها مصرّاة تختبر بثلاثة أيّام، فإن اتّفقت فيها الحلبات اتّفاقاً تقريبيّاً لا يخرج عن العادة بحسب حالها في نفسها ومكانها فليست مصرّاةً، وإن اختلفت الحلبات في الثلاثة، بأن كانت ما عدا الأُولى أقلّ، فهي مصرّاة.

وكذا لو كان بعضها ناقصاً والآخَر زائداً عن الأُولى أو مساوياً.

هذا كلّه إذا لم يثبت كونها مصرّاةٌ بغير الاختبار، فلو ثبت بإقرار البائع أو البيّنة جاز الفسخ قبل الثلاثة، لكن بشرط النقصان، فلو تساوت أو زادت هبةً من الله تعالى فالأشهر زوال الخيار؛ لزوال الموجب له، مع احتمال بقائه.

ومثله ما لو لم يعلم بالعيب حتّى زال، أو لم تعلم الأمة بالعتق حتّى مات الزوج، أو طلّق.

وحيث ثبتت التصرية بالاختبار فالخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور، وبالإقرار أو

البيّنة يمتدّ بامتداد الثلاثة، بشرط عدم التصرّف بغير الاختبار.

وفي كلام الأصحاب في هذا المقام اختلاف كثير، والمحصّل ما ذكرناه.

قوله: «وتثبت التصرية في الشاة قطعاً، وفي الناقة والبقرة على تردّد».

وجه التردّد من عدم النصّ عندنا ظاهراً على هذا الحكم، لكن الشاة محلّ وفاقٍ، فيحتمل إلحاق الناقة والبقرة بها؛ لمساواتهما لها في العلّة الموجبة للخيار، وهي كون اللبن مقصوداً مع التدليس.

وادّعى الشيخ الإجماع على إلحاقهما بها (1)، فإن ثبت فهو الحجّة، وإلّا ففي إثبات الحكم المخالف للأصل بغير نصٍّ ولا إجماع إشكال.

وطرّد ابن الجنيد الحكم في سائر الحيوانات حتّى الآدمي (2)، وفي بعض الأخبار من طُرق

ص: 207


1- الخلاف، ج 3، ص 105، المسألة 170.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 205. المسألة 164.

• ولو صرّى أمةً لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد.

• وكذا لو صرّى البائع أتاناً.

• ولو زالت تصرية الشاة وصار ذلك عادةً قبل انقضاء ثلاثة أيّام سقط الخيار، ولو زال بعد ذلك لم يسقط.

--------------

العامّة (1) ما يدلّ عليه، وهو مناسب لمقابلة المدلّس، وفي الدروس أنّه ليس بذلك البعيد (2).

قوله: «ولو صرّى أمةً لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد».

لعدم النصّ، وكون التصرّف مانعاً منه.

نعم، مع الشرط يثبت الخيار إن لم يتصرّف ولو بالحلب، وإلّا فالأرش.

ويُفهم من العبارة ثبوته وإن تصرّف به كما في المصرّاة.

قوله: «وكذا لو صرّى البائع أتاناً».

هي - بفتح الهمزة - الحمارة، ولا يقال فيها: أتانة. والحكم فيها كالأمة من حیث عدم النصّ، وكون زيادة اللبن غير مقصودٍ غالباً، إلّا مع الشرط فيلزم حكمه.

قوله: «ولو زالت التصرية (3) - إلى قوله - ولو زال بعد ذلك لم يسقط».

هذا يتوجّه إذا كان ثبوت التصرية بغير الاختبار، أمّا به فقد تقدّم أنّها لا تعلم إلّا

بمضيّ الثلاثة.

وأمّا زوال التصرية بعد الثلاثة فيمكن فيه فرضها بالاختبار أيضاً، بأن ينقص اللبن في الثلاثة ثمَّ يزيد بعدها على الحدّ الذي كان أوّلاً، فإنّه لا يسقط الخيار السابق؛ لسبق استقراره، وقد تقدّم أنّ الخيار حينئذٍ يكون بعد الثلاثة (4) بلا فصل على الفور، فيجب أن

ص: 208


1- سنن أبي داود، ج 3، ص 271، ح 3446؛ مسند أحمد، ج 2، ص 490، ح 7333.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- كذا في النسخ، وفي المتن: «تصرية الشاة».
4- تقدّم آنفاً.

الثانية: • الثيبوبة ليست عيباً.

• نعم، لو شرط البكارة فكانت ثيّباً، كان له الردّ إن ثبت أنّها كانت ثيّباً، وإن جهل ذلك لم يكن له الردّ؛ لأنّ ذلك قد يذهب بالخطوة.

--------------

يحمل بقاؤه في هذه الصورة على وجهٍ لا ينافي الفوريّة، بأن يصحّ الفسخ الفوري بعدها وإن تحقّق الزوال بعد ذلك، بمعنى أنّ الزيادة المتجدّدة لا تكون كاشفةً عن بطلان الاختبار ولا مبطلةً له، ويمكن مصاحبته لزمانها في جاهل الفوريّة والخيار.

قوله: «الثيبوبة ليست عيباً».

هكذا أطلق الأصحاب والأكثر من غيرهم؛ نظراً إلى أنّ أكثر الإماء لا يُوجَدْنَ إلّا ثيّبات،

فكانت الثيبوبة بمنزلة الخلقة الأصليّة وإن كانت عارضةً.

ويشكل ذلك في الصغيرة التي ليست محلّ الوطء، فإنّ أصل الخلقة والغالب في مثلها البكارة، فينبغي أن تكون الثيوبة عيباً.

ونقل مثل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعيّة (1)، ونفى عنه البأس (2)، وهو كذلك، بل يمكن القول بكونها عيباً مطلقاً؛ نظراً إلى الأصل، وهو ظاهر ابن البّراج (3).

قوله: «نعم، لو شرط البكارة فكانت ثيّباً - إلى قوله - قد يذهب بالخطوة».

لا ريب أنّ البكارة وصف مقصود للعقلاء، فيصحّ اشتراطه، ويثبت بمخالفته التخيير بين الردّ والإمساك؛ لفوات الشرط إن ثبت أنّها كانت ثيّباً حال البيع بالبيّنة أو إقرار البائع، أو قرب زمان الاختبار من زمان البيع بحيث لا يمكن تجدّد الثيوبة فيه.

وهل يثبت له الأرش مع اختيار الإمساك؟ الأقوى ذلك؛ لأنّ فواته ممّا يؤثّر في نقصان القيمة تأثيراً بيّناً.

ص: 209


1- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 216؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 120.
2- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 200، المسألة 362.
3- المهذّب، ج 1، ص 395.

الثالثة: • الإباق الحادث عند المشتري لا يردّ به العبد، أمّا لو أبق عند البائع كان للمشتري ردّه.

الرابعة: • إذا اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر ومثلها تحيض، كان ذلك عيباً؛ لأنّه لا يكون إلّا لعارضٍ غير طبيعي.

--------------

ويحتمل العدم؛ لأنّ الأرش جزء من الثمن، وهو لا يوزّع على الشروط. وذهب بعض

الأصحاب إلى عدم التخيّر بفوات البكارة مطلقاً (1). والمشهور الأوّل.

ولو انعكس الفرض بأن شرط الثيبوبة فظهرت بكراً فالأقوى تخيّره أيضاً بين الردّ

والإمساك، لكن بغير أرشٍ؛ لجواز تعلّق غرضه بذلك، كعجزه عن البكر.

وقيل: لا ردّ هنا؛ لزيادة قيمة البكر (2).

قوله: «الإباق الحادث عند المشتري لا يُردّ به العبد» إلى آخره.

ظاهر العبارة الاكتفاء في عيب الإباق بوقوعه مرّةً عند البائع، وبه صرّح في التذكرة (3).

وشرط بعض الأصحاب (4) اعتياده ذلك، وهو أقوى، وأقلّ ما يتحقّق بمرّتين.

ولا يشترط في جواز الردّ به إباقه عند المشتري بل متى تحقّق ذلك عند البائع

جاز الردّ.

ولو تجدّد الإباق عند المشتري في الثلاثة من غير تصرّفٍ فهو كما لو وقع عند البائع. قوله: «إذا اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر - إلى قوله - إلّا لعارضٍ غير طبيعي». الحكم بكون ذلك عيباً مذهب الأكثر، وهو موافق للأصل من كون ذلك وصفاً مطلوباً

يترتّب عليه قبول الحمل وصحّة المزاج. واستدلّوا عليه بصحيحة داود بن فرقد عن الصادق علیه السلام، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 210


1- الشيخ في النهاية، ص 394 - 395؛ والخلاف، ج 3، ص 112، المسألة 184؛ وابن البّراج في المهذّب، ج 1، ص 395.
2- احتمله العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 201، المسألة 362.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 191، المسألة 353.
4- لم نتحقّقه فيما توفّر لدينا من المصادر.

الخامسة: • مَن اشترى زيتاً أو بزراً فوجد فيه ثُفلاً، فإن كان ممّا جرت العادة بمثله، لم يكن له ردّ ولا أرش، وكذا إن كان كثيراً وعلم به.

--------------

رجلٍ اشترى جاريةً مدركةً، فلم تحض عنده حتّى مضى لها ستّة أشهر، وليس بها حمل، قال: «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبرٍ فهذا عيب تردّ به» (1).

وفي دلالته على اعتبار ستّة أشهر نظر؛ فإنّه علیه السلام إنّما علّق الحكم على حيض مثلها، وأراد به نفي الصغر واليأس، وإن كان ذلك مستفاداً من إثبات الإدراك ونفي كونه عن كبرٍ، فإنّ من المعلوم أنّ مثلها تحيض في تلك المدّة وأقلّ منها، والسؤال وقع عن تأخّر الحيض ستّة أشهر، والجواب لم يتقيّد به، وحينئذٍ فلو قبل بثبوت الخيار متى تأخّر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد كان حَسَناً.

ويظهر من ابن إدريس نفي الحكم رأساً (2)، والحقّ خلافه.

قوله: «مَن اشترى زيتاً أو بزراً فوجد فيه ثُفلاً - إلى قوله - وكذا إن كان كثيراً و علم به».

البزر - بكسر الباء وفتحها - زيت الكتّان وأصله محذوف المضاف، أي دهن البزر،

والثفل - بالضمّ - والثافل: ما استقرّ تحت الشيء من كدره.

والحكم باستثناء ما جرت العادة به لا شبهة؛ فيه؛ لأنّ مثل ذلك ليس عيباً؛ لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالباً.

وربما أشكل الحكم فيما لو كان كثيراً وعلم به، باعتبار الجهل بقدر المقصود بالذات

الموجب للغرر، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية.

وربما اندفع بأنّ معرفة مقدار الجميع كافية، كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملةً من دون العلم بالتفصيل.

ص: 211


1- الكافي، ج 5، ص 213، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عيب...، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 450، ح 4559: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 65 ، ح 281.
2- السرائر، ج 2، ص 304 - 305.

السادسة: • تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس يثبت به الخيار دون

الأرش، وقيل: لا يثبت به الخيار، والأوّل أشبه.

القول في لواحق هذا الفصل

وفيه مسائل:

الأُولى: • إذا قال البائع: بعتك بالبراءة، وأنكر المبتاع، فالقول قوله مع يمينه إذا لم يكن للبائع بيّنة.

الثانية: • إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البائع فلي ردّه، وأنكر البائع، فالقول قوله مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بيّنة ولا شاهد حال يشهد له.

--------------

قوله: «تحمير الوجه ووصل الشعر وما شابهه تدليس - إلى قوله - والأوّل أشبه». القول بعدم الخيار في ذلك وشبهه للشيخ (رحمه الله) في الخلاف؛ محتجّاً عليه

بوجوب الوفاء بالعقد، فيحتاج الخيار إلى دليلٍ، ولم يثبت كون هذه الأشياء عيوباً (1). والأكثر على ثبوت الخيار بذلك؛ لأنّه تدليس، ولأنّ الأغراض تختلف في ذلك، فربما رغب المشتري فيما شاهده أوّلاً ولم يسلم له، وهو الأجود.

نعم، لو شرط أحد هذه فظهر بالخلاف، تخيّر بين الردّ والإمساك إجماعاً.

وكيف كان، فلا أرش له؛ لأنّه ليس عيباً.

قوله: «إذا قال البائع: بعتك بالبراءة، وأنكر المبتاع فالقول قوله مع يمينه».

لأصالة عدم التبرّي ومثله ما لو ادّعى عليه العلم بالعيب.

وزاد في التذكرة دعواه عليه التقصير في الردّ (2)، وهو يتمّ في خيارٍ فوري، لا في خيار العيب.

قوله: «إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البائع فلي ردّه، وأنكر البائع فالقول قوله

مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بيّنة ولا شاهد حال يشهد له».

ص: 212


1- الخلاف، ج 3، ص 111، المسألة 182.
2- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 212 ، ذيل المسألة 374.

الثالثة: • يقوم المبيع صحيحاً ومعيباً، وينظر في نسبة النقيصة من القيمة،

فيؤخذ من الثمن بنسبتها.

--------------

أي قول البائع؛ لأصالة عدم التقدّم.

والمراد بشاهد الحال نحو زيادة الإصبع، واندمال الجرح مع قصر زمان البيع بحيث

لا يحتمل تأخّره عادةً، ويعتبر كونه مفيداً للقطع، فيقدّم قول المشتري بغير يمين. ولو شهد الحال للبائع كذلك، كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع، فلا يمين عليه أيضاً. وحيث يفتقر البائع إلى اليمين يحلف على القطع بعدم العيب، لا على عدم العلم إن كان اختبر المبيع قبل البيع، واطلع على خفايا أمره، كما يشهد بالقطع على الإعسار، وبالعدالة وغيرهما ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر.

ولو لم يكن اختبره، ففي جواز حلفه على القطع؛ عملاً بأصالة العدم، واعتماداً على

ظاهر السلامة، نظر.

واستقرب في التذكرة هنا الاكتفاء بالحلف على نفي العلم (1)، وهو حسن؛ لاعتضاده

بأصالة عدم التقدّم، فيحتاج المشتري إلى إثباته.

قوله: «يقوّم المبيع صحيحاً ومعيباً، وينظر في نسبة النقيصة من القيمة، فيؤخذ من الثمن بنسبتها».

أشار بذلك إلى كيفيّة معرفة قدر الأرش حيث يثبت، وهو تارةً يكون للمشتري بأن

يجده معيباً، وتارةً يكون للبائع بأن يفسخ بخياره بعد تعيّبه في يد المشتري عيباً مضموناً.

وقوله «فيؤخذ من الثمن بنسبتها» يتمّ في الأوّل دون الثاني؛ لأنّ البائع لا يأخذ من

الثمن، بل يأخذ تفاوت ما بين القيمتين.

وفي قوله «وينظر في نسبة النقيصة» وقوله «بنسبتها» حذفٌ تقديره: إلى قيمته صحيحاً، وإلى قيمة الصحيح، فإنّ النسبة ممكنة إلى القيمتين معاً، والمعتبر هو قيمة الصحيح.

وإنّما احتيج إلى هذه النسبة؛ لجواز اختلاف الثمن والقيمة، فلو أخذ تفاوت ما بين

ص: 213


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 211، ذيل المسألة 373.

• فإن اختلف أهل الخبرة في التقويم عمل على الأوسط.

--------------

القيمتين لأمكن أخذ الثمن والمثمن، كما إذا كان الثمن خمسين، وقوم المبيع صحيحاً بمائة، ومعيباً بخمسين، فعلى اعتبار النسبة يؤخذ نصف الثمن، وهو خمسة وعشرون ولو أخذ التفاوت كان مجموع الثمن.

وما أطلقه المتقدّمون من أخذ تفاوت ما بين المعيب والصحيح مبنيٌّ على الغالب من بيع الشيء بقيمته.

والأمر الضابط ما ذُكر من اعتبار النسبة.

والمعتبر في قيمته صحيحاً حالة العقد؛ لأنّه حين الانتقال إلى ملك المشتري، ووقت استحقاق الأرش.

ويحتمل حين القبض؛ لأنّه حين استقرار الملك، وانتقال الضمان؛ إذ المبيع قبله معرَّضٌ للانفساخ لو حصل التلف.

ويضعَّف بأنّ ذلك لا دخَلْ له في اعتبار القيمة، مع كون استحقاق الأرش قبله. وقوى الشيخ اعتبار أقلّ الأمرين من قيمته يوم العقد والقبض (1)؛ أخذاً من العلّتين، وهو ضعيف.

قوله: «فإن اختلف أهل الخبرة في التقويم، عمل على الأوسط».

المراد بالأوسط قيمة منتزعة من مجموع القِيَم، نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القِيَم، فمن القيمتين نصف مجموعهما، ومن الثلاث ثلثه وهكذا.

وإنّما اعتبر ذلك لانتفاء الترجيح لقيمةٍ على أُخرى، ولانتفاء الوسط في نحو القيمتين والأربع، فلم يبقَ إلّا أن يراد بالوسط معنىً آخَر وهو انتزاع قيمةٍ من المجموع بحيث لا يكون القيمة المنتزعة أقرب إلى واحدةٍ منها.

وطريقه أن تجمع القِيَم الصحيحة على حدة، والمبيعة كذلك، وتنسب إحداهما إلى

الأخرى ويؤخذ بتلك النسبة.

ولا فرق في ذلك بين اختلاف المقوّمين في القيمة الصحيحة والمعيبة معاً وفي إحداهما.

ص: 214


1- المبسوط، ج 2، ص 70.

--------------

وتوضيح ذلك يتمّ بصُوَر:

الأولى: أن يختلف المقوّمون فيهما معاً، بأن قالت إحدى البينتين: إنّ قيمته اثنا عشر صحيحاً وعشرة معيباً، والأُخرى ثمانية صحيحاً وخمسة معيباً، فالتفاوت بين مجموع القيمتين الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع، فيرجع بربع الثمن، فلو كان الثمن، اثني عشر، فالأرش ثلاثة.

ويحتمل أن ينسب معيب كلّ قيمةٍ إلى صحيحها، ويجمع قدر النسبة، ويؤخذ من المجتمع بنسبة القِيَم، ففي المثال تفاوت ما بين المعيبة والصحيحة على قول الأُولى السدس، وعلى قول الثانية ثلاثة أثمان، ومجموع ذلك من الاثني عشر ستّة ونصف، يؤخذ نصفها ثلاثة وربع.

ولو كانت البيّنات ثلاثاً، فقالت إحداها كالأُولى، والثانية قيمته عشرة صحيحاً وثمانية معيباً، والثالثة ثمانية صحيحاً وستّة معيباً، فالقيم الصحيحة ثلاثون، والمعيبة أربعة وعشرون، والتفاوت بينهما ستّة هي خُمْس الصحيحة، فيرجع بخُمس الثمن.

وعلى الاحتمال يجمع سدس الثمن وخمسه وربعه، ويؤخذ ثلث المجموع، وهو يزيد عن الأوّل في المثال بثلث خُمس.

الثانية: أن تتّفق البينات على القيمة الصحيحة، وتختلف في المعيبة، كأن اتّفقت على أنّ قيمته اثنا عشر صحيحاً، ثمَّ قالت إحداهما: عشرة معيباً، وقالت الأُخرى ستّة، فطريق أخذ التفاوت إمّا بتنصيف المعيبتين ونسبة النصف إلى الصحيحة فيظهر الثلث، أو بجمع القيمتين وتكرير الصحيحة مرّتين ونسبة المجموع إلى المجموع.

وعلى الاحتمال بنسبة العشرة إلى الاثني عشر وأخذ السدس، ثمَّ الستّة إلى الاثني عشر وأخذ النصف، ويؤخذ نصف المجتمع وهو الثلث، وهنا يتّحد الوجهان.

ولو كانت البينات ثلاثاً واتّفقت على الاثني عشر صحيحاً، وقالت الثالثة: إنّ قيمته ثمانية معيباً، كرّرت الصحيحة ثلاثاً وضممت الثمانية إلى الأُخريين، أو ضممت نسبة

ص: 215

الرابعة: • إذا علم بالعيب ولم يردّ، لم يبطل خياره ولو تطاول، إلّا أن يصرّح بإسقاطه، وله فسخ العقد بالعيب،

--------------

الثمانية إلى الاثني عشر إلى مجموع النسبتين، وأخذت ثلث المجموع، وهو الثلث على الوجهين أيضاً، وعلى هذا القياس.

الثالثة: أن تتّفق البيّنات على المعيبة دون الصحيحة، كأن اتّفقت على أنّ قيمته ستّة

معيباً، وقالت إحدى البيّنتين: قيمته ثمانية صحيحاً، وأُخرى عشرة.

فإن شئت جمعت الصحيحتين ثمانية عشر، والمعيبتين اثني عشر، والتفاوت بينهما الثلث، وهو الأرش، وإن شئت أخذت نصف الصحيحتين، ونسبته إلى المعيبة، وهو الثلث أيضاً.

وعلى الاحتمال تجمع التفاوت وهو ربع وخمسان، وتأخذ نصفه، ويحصل الاختلاف

بين الأمرين.

ولو كانت البيّنات ثلاثاً بأن قالت ثالثة: إنّ قيمته إثنا عشر صحيحاً، فإن شئت جمعت الصحيحة ثلاثين، وأخذت ثلثها وجعلته القيمة الصحيحة ونسبته إلى المعيبة، وأخذت من الثمن بنسبة التفاوت، وهو خمسان، وإن شئت ضاعفت المعيبة إلى ثمانية عشر ونسبتها إلى الثلاثين.

وعلى الاحتمال تجمع تفاوت ما بين الثمانية والستّة وهو الربع، وبينها وبين العشرة وهو الخمسان، وبينها وبين الاثني عشر وهو النصف، وتأخذ ثلث الجميع، ويظهر بين الأمرين تفاوت أيضاً، وِقسْ على هذا ما شئت.

قوله: «إذا علم بالعيب ولم يردّ لم يبطل خياره ولو تطاول».

هذا هو المعروف في المذهب لا نعلم فيه خلافاً. نعم، جعله في التذكرة أقرب (1)، وهو يشعر بالخلاف، لكن لا نعلم قائله، وإنّما خالف فيه الشافعي، فجَعَلَه على الفور (2)، وهو محتمل إن لم يثبت الإجماع بتقريب الدليل السابق في نظائره.

ص: 216


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 120، المسألة 299.
2- العزيز شرح الوجيز، ج 4. ص 250؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 138؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4. ص 258، المسألة 3000.

• سواء كان غريمه حاضراً أو غائباً.

الخامسة: • إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري ردّه، وفي

الأرش تردّد.

• ولو قبض بعضه ثمَّ حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض.

--------------

قوله: «سواء كان غريمه حاضراً أو غائباً».

نبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة؛ حيث شرط حضور الغريم في جواز الفسخ (1).

قوله: «إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري ردّه، وفي الأرش تردّد».

منشؤه من أنّ ضمان الجملة يقتضي ضمان الأجزاء، والأوّل ثابت في التلف قبل القبض، فيكون الثاني كذلك، ومن أصالة اللزوم وبراءة البائع، خرج منه التلف فيبقى الباقي، وهو خيرة الشيخ وابن إدريس (2).

والأوّل أصحّ، وقد تقدّم مثله (3).

قوله «ولو قبض بعضه ثمَّ حدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض». بمعنى أنّه لو تعيّب يتخيّر المشتري بين أخذ أرشه وردّ الجميع، وليس له الاقتصار على ردّ المعيب خاصّةً، وإن كان ظاهر العبارة قد يدلّ عليه، وهذا هو أصحّ القولين.

وربما قيل بجواز الاقتصار على ردّ المعيب؛ نظراً إلى أنّ سبب الردّ هو العيب الحادث في البعض، وقد حدث حين كان ذلك البعض مضموناً وحده، فيتعلّق به جواز الردّ دون المقبوض.

واستلزام تبعض الصفقة يردّه.

ص: 217


1- حلية العلماء، ج 4، ص 237؛ والعزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 251.
2- الخلاف، ج 3، ص 109، المسألة 178؛ السرائر، ج 2، ص 305.
3- تقدّم في ص 198.

• وما يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الردّ في الثلاثة. السادسة: • روى أبو همّام عن الرضا علیه السلام قال: «يردّ المملوك من أحداث

السنة: من الجنون والجذام والبرص».

وفي رواية عليّ بن أسباط عنه علیه السلام: «أحداث السنة: الجنون والجذام والبرص، والقرن يردّ إلى تمام السنة من يوم اشتراه». وفي معناه رواية محمّد بن عليّ عنه علیه السلام أيضاً.

--------------

قوله: «وما يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الردّ في الثلاثة».

المفهوم من قوله «لا يمنع الردّ» وجعل الثلاثة ظرفاً له أنّ الردّ بخيار الثلاثة، لا بهذا

العيب الحادث.

ووجه عدم منعه من ذلك ظاهر؛ لأنّ العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري

مضمون على البائع كالسابق، فلا يكون مؤثراً في رفع الخيار.

وهذا هو المنقول من مذهب المصنّف في المسألة (1).

ونُقل عن شيخه ابن نما ثبوت الخيار في المسألة المفروضة بالعيب الحادث (2)، بناءً على ما ذُكر من التعليل، فإنّ العيب الحادث في الثلاثة لمّا كان مضموناً على البائع كالسابق لزمه التخيير بين الردّ به وأخذ أرشه.

وتظهر فائدة الخلاف في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة وعدمه، فعلى الأوّل يرتفع دون الثاني؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة، غايته حصول الخيار فيها بعلّتين، وهو غير قادحٍ؛ إذ ليست عللاً حقيقيّةً حتّى يمتنع اجتماعها، وإنّما هي معرّفات، كما في خيار المجلس والحيوان والشرط والغبن والعيب، فإنّه يمكن اجتماعها على عينٍ واحدة.

وتظهر الفائدة فيما لو شرط إسقاط بعضها. وقول ابن نما هنا أوجَه.

قوله: روى أبو همّام عن الرضا علیه السلام - إلى قوله - والقرن يردّ إلى تمام السنة».

ص: 218


1- نقله عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- نقله عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

فرع هذا الحكم يثبت مع عدم الإحداث • فلو أحدث ما يغيّر عينه أو صفته ثبت الأرش وسقط الردّ.

--------------

المراد أنّ هذه الأمراض إذا حدثت ما بين البيع وتمام السنة يردّ بها المملوك وإن لم يكن الردّ في السنة؛ لأنّ خيار العيب ليس على الفور. والعبارة قد تدلّ على خلاف ذلك.

والمشهور ثبوت الحكم للأربعة، ولكن يبقى في حكم الجذام إشكال، فإنّه يوجب العتق على المالك قهراً، كما سيأتي (1)، وحينئذٍ فإن كان حدوثه في السنة دليلاً على تقدمه على البيع، لما قيل في تعليل الردّ بهذه الأحداث: إنّ وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع؛ لأنّها تكمن في البدن سنةً ثمَّ تخرج (2)، فيكون عتقه على البائع، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع، فلا يتّجه الخيار، وإن عمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشتري موجباً لعتقه قبل أن يختار الفسخ؛ إذ ليس له اختيار حتّى يتحقّقه، ومتى تحقّقه حكم بعتقه شرعاً قبل الفسخ، فيشكل جوازه بعد العتق، وقد تقدّم نظيره (3).

ويمكن حلّه بأنّ الحكم بعتقه بالجذام مشروط بظهوره بالفعل، كما هو ظاهر النصّ (4)، ولا يكتفى بوجوده في نفس الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه لعدم ظهوره، ولا بعده قبل الفسخ لعدم ملكه، وعتقه على المشتري موقوف أيضاً على ظهوره، وهو متأخّر عن سبب الخيار، فيكون السابق مقدّماً فيتخيّر، فإن فسخ عتق على البائع بعده، وإن اختار الإمضاء عتق على المشتري بعده، فينبغي تأمّل ذلك.

قوله: «فلو أحدث ما يغيّر عينه أو صفته ثبت الأرش».

الأجود أنّ مطلق التصرّف مانع من الردّ كغيرها من العيوب وإن لم يوجب تغيّراً.

ص: 219


1- سيأتي عن قريب.
2- المقنعة، ص 600.
3- تقدّم في ص 206.
4- الكافي، ج 5، ص 216 - 217، باب مَنْ يشتري الرقيق فيظهر به عيب....، ح 16 و 17؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 63 - 64، ح 273 - 275.

[الفصل] السادس في المرابحة والمواضعة والتولية

والكلام فى العبارة والحكم.

أمّا العبارة فأن يخبر برأس ماله، فيقول: بعتك - وما جرى مجراه - بربح كذا،

• ولابدّ أن يكون رأس ماله معلوماً وقدر الربح معلوماً.

--------------

الفصل السادس في المرابحة والمواضعة والتولية

المرابحة مفاعلة من الربح، وهي تقتضي فعلاً من الجانبين.

ووجهه هنا أنّ العقد لمّا توقّف على الرضى والصيغة من الجانبين كان كلٌّ منهما فاعلاً

للربح وإن اختصّ بملك أحدهما. ومثله القول في المواضعة.

واعلم أنّ العقد باعتبار الإخبار برأس المال وعدمه أربعة أقسام؛ لأنّه إمّا أن يخبر به أو لا، والثاني المساومة، وهي أفضل أقسامه، والأوّل إمّا أن يبيع معه برأس المال، أو بزيادةٍ عليه، أو نقصانٍ عنه، والأوّل التولية، والثاني المرابحة، والثالث المواضعة.

وقد يجتمع في عقدٍ واحدٍ الأقسام الأربعة، بأن تكون العين ملكاً لأربعةٍ، اشترى أحدهم ربعها بعشرين، والآخَر بخمسة عشر، والثالث بعشرة، وأخبروا بذلك، والرابع لم يبيّن الحال، وباعوها بستّين، فإنّ الثمن يقسّط على أجزائها لا على ثمنها، فالبيع بالنسبة إلى الأوّل مواضعة، وإلى الثاني تولية، وإلى الثالث مرابحة، وإلى الرابع مساومة.

قوله: «ولا بدّ أن يكون رأس ماله معلوماً وقدر الربح معلوماً».

أي معلوماً للمتعاقدين معاً حالة البيع، ولا يكفي علم أحدهما، ولا تجدّد علمهما بعد

ص: 220

• ولا بدّ من ذكر الصرف والوزن إن اختلفا.

وإذا كان البائع لم يحدث فيه حدثاً، ولا غيره فالعبارة عن الثمن أن يقول: اشتريت بكذا، أو رأس ماله أو تقوّم علَيَّ، أو هو علَيَّ، وإن كان عمل فيه ما يقتضي الزيادة قال: رأس ماله كذا، وعملت فيه بكذا، وان كان عمل فيه غيره بأُجرةٍ، صحّ أن يقول: تقوّم علَيَّ، أو هو علَيَّ.

• ولو اشترى بثمنٍ ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقي، بأن يقول: رأس مالي فيه كذا.

ولو جنى العبد ففداه السيّد لم يجز له أن يضمّ الفدية إلى ثمنه.

• ولو جُني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن.

--------------

العقد وإن اقتضاه الحساب المنضبط، كما لو علما بالثمن وجعلا ربح كلّ عشرةٍ درهماً

ولا يعلمان ما يتحصّل من المجموع حالة العقد.

قوله: «ولا بدّ من ذكر الصرف والوزن».

هذا إذا تعدّدت النقود واختلف صرفها ووزنها، بأن كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم، وبعضها أكثر، وكذا الوزن، أمّا لو اتّحد النقد لم يفتقر إلى أحدهما.

قوله: «ولو اشترى بثمنٍ ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقى».

لأنّ الأرش جزء من الثمن، فلا بدّ من بيانه. وإن كان قوله: اشتريته بكذا - وهو الثمن الأصلى - حقّاً؛ الطروء النقصان الذي هو بمنزلة الجزء.

قوله: «ولو جُني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن».

الفرق بين الجناية والعيب أنّ أرش العيب ثابت بأصل العقد، وكأنّه مستثنى من الثمن، بخلاف أرش الجناية الطارئة، فإنّها حقٌّ آخَر كنتاج الدابّة.

ولا يرد مثله في العيب الحادث بعد العقد، وقبل القبض، أو بعده في زمن الخيار؛ لأنّ ذلك كلّه مستحقٌّ بأصل العقد ومقتضاه، فكان كالموجود حاله.

نعم، لو نقص بالجناية وجب عليه الإخبار بالنقص.

ص: 221

وكذا لو حصل منه فائدة كنتاج الدابّة وثمرة الشجرة. • ويكره نسبة الربح إلى المال.

وأمّا الحكم ففيه مسائل:

الأُولى: مَنْ باع غيره متاعاً جاز أن يشتريه منه بزيادةٍ ونقيصة، حالّاً ومؤجّلاً، بعد قبضه، • ويكره قبل قبضه إذا كان ممّا يكال أو يوزن على الأظهر.

• ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز.

• وإن كان ذلك من قصدهما ولم يشترطاه لفظاً كره.

--------------

قوله: «ويكره نسبة الربح إلى المال».

لأنّه يصير بصورة الربا، ولا يحرم؛ للأصل، خلافاً للشيخ في أحد قوليه 1(1) استناداً إلى روايةٍ (2) لا دلالة لها عليه، مع إمكان حملها على الكراهة.

قوله: «ويكره قبل قبضه إذا كان ممّا يكال أو يوزن على الأظهر».

قد تقدّم أنّ المنع أقوى(3).

قوله: «ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز».

قد تقدّم الكلام في ذلك وفي علله(4)، وأنّها كلّها مدخولة.

وضمير «لم يجز» ينبغي عوده إلى البيع ليقع باطلاً كما هو الواقع، لا إلى الشرط، فإنّ عدم جوازه قد لا يُبطل العقد، وإنّما يبطل لو كان الشرط أن يبيعه بعد العقد بلا فصلٍ، فلو شرط بيعه بعد مدّةٍ أو إقالته فيه بعدها صحّ.

قوله: «وإن كان ذلك من قصدهما ولم يشترطاه لفظاً كره».

أي لم يشرط في نفس العقد، فلا عبرة بشرطه قبله.

ص: 222


1- النهاية، ص 389 .
2- الكافي، ج 5، ص 197، باب بيع المرابحة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 54. ح 234.
3- تقدم في ص 158.
4- تقدم في ص 158.

إذا عرفت هذا، • فلو باع غلامه سلعةٌ ثمَّ اشتراها منه بزيادة جاز أن يُخبر بالثمن الثاني إن لم يكن شرط إعادته، ولو شرط لم يجز؛ لأنّه خيانة.

--------------

نعم، لو توهّم لزوم ذلك أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله اتّجه الفساد، كما لو شرطه فيه.

قيل عليه: إنّ مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد؛ لأنّ العقود تتبع القصود، فكيف يصحّ العقد مع مخالفة اللفظ للقصد؟!

وأُجيب بأنّ القصد وإن كان معتبراً في الصحّة فلا يعتبر في البطلان؛ لتوقّف البطلان على اللفظ والقصد، وكذلك الصحّة، ولم يوجد في الفرض.

وفيه منع ظاهر، فإنّ اعتبارهما معاً في الصحّة يقتضي كون تخلّف أحدهما كافياً في البطلان، ويرشد إليه عبارة الساهي والغالط والمكره وغيرها، فإنّ المتخلّف الموجب للبطلان هو القصد خاصّةً، وإلّا فاللفظ موجود.

والذي ينبغي فهمه أنّه لا بدّ من قصدهما إلى البيع المترتّب عليه أثر الملك للمشتري على وجهٍ لا يلزمه ردّه، وإنّما يفتقر (1) قصدهما لردّه بعد ذلك بطريق الاختيار؛ نظراً إلى وثوق البائع بالمشتري أنّه لا يمتنع من ردّه إليه بعقدٍ جديد بمحض اختياره ومروءته.

قوله: «فلو باع غلامه سلعةً ثمَّ اشتراها منه بزيادةٍ جاز أن يخبر بالثمن» إلى آخره.

المراد بغلامه الحُرّ، ليتصوّر صحّة بيعه، ومع ذلك يشكل الجواز مع قصد زيادة الثمن

بذلك ليربح فيه، من حيث إنّه تدليس وغرور منهيٌّ عنه (2).

واستقرب الشهيد (رحمه الله) التحريم (3)، وهو حسن.

ص: 223


1- في بعض النسخ: «يقتضي» بدل «يفتقر».
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج 2، ص 50 الباب 31، ح 168؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1153، ح 1513/4؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 254، ح 3376.
3- راجع الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 197؛ واللمعة الدمشقيّة ، ص 152 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11 و 13).

الثانية: • لو باع مرابحةً فبانَ رأس ماله أقلّ، كان المشتري بالخيار بين ردّه وأخذه بالثمن، وقيل: يأخذه بإسقاط الزيادة.

--------------

وقوله «ولو شرط لم يجز؛ لأنّه خيانة» يقتضي التحريم مع عدم الشرط أيضاً إذا كان قصدهما ذلك؛ لتحقّق الخيانة، ومجرّد عدم لزوم الإعادة على تقدير عدم شرطها لا يرفع الخيانة مع اتّفاقهما عليها، بل ينبغي فرض التحريم في صورة عدم شرط الإعادة؛ لأنّ التحريم لا يتحقّق إلّا مع صحّة البيع ليمكن فرض الزيادة، ومع شرط الإعادة يقع البيع باطلاً، كما سلف عن قريبٍ (1)، فلا تتحقّق الخيانة ولا التحريم.

ويمكن أن يقال بالتحريم وإن قلنا بفساد العقد؛ نظراً إلى قصد الغرور والسعي على

تحصيل المحرَّم، كما يقال في النجش والربا: إنّه حرام ويفسد البيع.

وضابط التحريم قصد الحيلة بذلك على الزيادة، فلو اشتراه منه ابتداءً من غير

مواطأة جاز.

وحيث يتحقّق النهي وباع بالإخبار، تخيّر المشتري بين ردّه وأخذه بالثمن ، كما سيأتي.

ولا فرق في تحريم الحيلة بين كون غريمه غلامه أو ولده أو أجنبي.

قوله: «لو باع مرابحةً فبانَ رأس ماله أقلّ - إلى قوله - وقيل: يأخذه بإسقاط الزيادة». ما اختاره المصنّف هو الأقوى؛ لأنّه الثمن الذي وقع عليه العقد، فلا يثبت غيره. وثبوت الكذب في الإخبار ينجبر بلحوق الخيار.

والأقوى أنّ بقاءه على ملك المشتري غير شرطٍ في الخيار، فله الفسخ مع تلفه أو خروجه عن ملكه مع ردّ مثله أو قيمته؛ لأصالة بقاء الخيار.

وعلى القول بإسقاط الزيادة يسقط ربحها أيضاً، ولا خيار له؛ لأنّه قد رضي بالأكثر، فأولى أن يرضى بالأقلّ.

ص: 224


1- سبق في ص 222 .

• ولو قال اشتريته بأكثر، لم يقبل منه ولو أقام بيّنةً، ولا يتوجّه على المبتاع يمين إلّا أن يدّعى عليه العلم.

الثالثة : • إذا حطّ البائع بعض الثمن جاز للمشتري أن يخبر بالأصل. وقيل: إن كان قبل لزوم العقد صحّت، وأُلحق بالثمن، وأخبر بما بقي، وإن كان بعد لزومه كان هبةً مجدّدةً، وجاز له الإخبار بأصل الثمن.

--------------

ويحتمل ثبوت الخيار أيضاً؛ لغروره وكذبه، وقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ،

لإبرار قسم، أو إنفاذ وصيّةٍ.

قوله: «ولو قال: اشتريته بأزيد (1)- إلى قوله - إلّا أن يدّعى عليه العلم».

إنّما لم يُقبل منه؛ لأنّ قوله الثانى مناف للأوّل فيلغى، ولا تُقبل بينته (2) على ذلك؛ لأنّه كذّبها بإقراره الأوّل.

ويشكل بجواز الغلط، والاستناد إلى أمر كإخبار الوكيل ثمَّ يظهر خلافه، فيتّجه القبول إن أظهر لإنكاره تأويلاً محتملاً، بمعنى سماع بيّنته عليه، لا توجّه اليمين عليه بمجرّد الدعوى و ثبوت مقتضاها.

ولو ادّعى على المشتري العلم بكون الثمن زائداً، توجّهت عليه اليمين بنفيه، سواء ادّعى الغلط أم لا، وهو مقتضى إطلاق العبارة.

وربما قيل بسماع دعواه مطلقاً؛ نظراً إلى إمكان الغلط، ولا بأس به.

قوله: «إذا حطّ البائع بعض الثمن جاز للمشتري أن يخبر بالأصل» إلى آخره.

القائل بذلك الشيخ (3)؛ نظراً إلى أنّ الملك لمّا كان عنده لا يحصل إلّا بانقضاء الخيار فاللاحق به قبله بحكمه.

ص: 225


1- في المتن: «بأكثر».
2- في «م»: «منه بيّنة».
3- المبسوط، ج 2، ص 84.

الرابعة: • مَن اشترى أمتعةً لم يجز بيع بعضها مرابحةً، تماثلت أو اختلفت، سواء قوّمها أو بسط الثمن عليها بالسويّة أو باع خيارها، إلّا بعد أن يُخبر بذلك.

• وكذا لو اشترى دابّةً حاملاً فولدت وأراد بيعها منفردةً عن الولد.

الخامسة: • إذا قوّم على الدلّال متاعاً، وربح عليه أو لم يربح، ولم يواجبه البيع لم يجز للدلّال بيعه مرابحةً إلّا بعد الإخبار بالصورة، ولا يجب على التاجر الوفاء،

--------------

ويضعَّف بمنع اللزوم؛ فإنّ الثمن ما وقع عليه العقد، ولا أثر لوقت انتقاله في ذلك.

قوله: «مَن اشترى أمتعةً لم يجز بيع بعضها مرابحةً - إلى قوله - إلّا بعد أن يُخبر بذلك». المستند مع النصّ (1) أنّ المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد وإن تقوّم بها وقُسّط الثمن عليها في بعض الموارد، كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقّاً، وهذا التعليل شامل للمتماثلة والمختلفة.

ورُدّ بالتسوية على ابن الجنيد، حيث جوّزه في المتماثلة (2)، كقفيزي حنطةٍ، وهو ضعيف. ومقتضى الاستثناء أنّه لو أخبر بالحال، جاز بيعه مرابحةً، وليس كذلك، ولعلّ المسامحة لكونه حينئذٍ بصورة المرابحة، فاستثناها مجازاً.

قوله: «وكذا لو اشترى دابّةً حاملاً فولدت وأراد بيعها منفردةً عن الولد».

لأنّ الثمن مع وجود الحمل حالة البيع يقابل المجموع، وليس للأبعاض ثمن، بخلاف ما لو تجدّد الحمل، فإنّه حينئذٍ يكون الثمن في مقابلة الأُمّ خاصّةً، كالثمرة المتجدّدة.

قوله: «إذا قوّم على الدلّال متاعاً - إلى قوله - إلّا بعد الإخبار بالصورة».

الكلام في هذا الاستثناء كما مرّ (3)، فإنّ مفهومه جواز البيع مرابحةً مع الإخبار، وليس كذلك؛ لعدم تحقّق البيع بالتقويم، بل هو بصورة المرابحة، ومن ثَمَّ لا يجب على التاجر الوفاء.

ص: 226


1- الكافي، ج 5، ص 197، باب بيع المرابحة، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 216، ح 3804: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 55، ح 239 .
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 187، المسألة 144؛ وكذا السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 59.
3- مرّ في ص 225.

بل الربح له، وللدلّال أُجرة المثل، سواء كان التاجر دعاه أو الدلّال ابتدأه.

--------------

قوله: «بل الربح له، وللدلّال أُجرة المثل، سواء كان التاجر دعاه أو الدلّال ابتدأه».

إنّما كان له الأُجرة في الموضعين؛ لانتفاء البيع فيهما، مع كونه مأموراً بعملٍ له أُجرة في العادة، فإذا فات المشترط رجع إلى أُجرة المثل.

ونبّه بالتسوية بين الأمرين على خلاف الشيخ (رحمه الله)، حيث فرّق بينهما، فحَكَم يكون الزائد للدلّال إن كان التاجر ابتدأه بذلك، وأنّه لو لم يزد شيئاً فلا شيء له، وإن كان الدلّال ابتدأ التاجر بذلك فالزيادة للتاجر، ولا شيء للدلّال(1)؛ استناداً إلى أخبار صحيحة(2).

ويمكن تنزيلها على كون الواقع من التاجر - على تقدير ابتدائه - جعالةً، فيلزم ما عيّنه، ولا يقدح فيها الجهالة كما اعترضه ابن إدريس(3)؛ لأنّ الجهالة في مال الجعالة إذا لم تؤدّ إلى النزاع غير قادح، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(4) ، وصحيحة محمّد بن مسلم(5) وزرارة(6) تؤذنان به.

ومثله ما لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله ثيابه، ولو لم يحصل زيادة فلا شيء له، كما لو لم يوجد على العبد ثياب.

وأمّا إذا كان المبتدئ هو الدلّال فيحمل عدم وجوب شيءٍ عليه على أنّه لم يشترط له شيئاً، وإلّا فلو عقّب كلام الدلّال بلفظٍ يدلّ على الرضى بما عيّنه كان كما لو ابتدأه، كما لو قال لمن ذهب عبده: «أردّ عبدك على أنّ لي نصفه أو ثيابه» ابتداءً منه، فقال مولى العبد: «نعم لك ذلك» فإنّه يستحقّ ما عيّن له، فعلى هذا يتمّ كلام الشيخ (رحمه الله)

ص: 227


1- النهاية، ص 389 - 390 .
2- الكافي، ج 5، ص 195، باب بيع المتاع وشرائه، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 53 - 54 ، ح 231، و ص 235، ح 1026.
3- السرائر، ج 2، ص 294.
4- يأتي في ج 9، ص 26.
5- الكافي، ج 5، ص 195، باب بيع المتاع وشرائه، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 53 - 54، ح 231.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 54 ، ح 232.

وأمّا التولية فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادةٍ، •فيقول: ولّيتك، أو بعتك، أو ما شاكله من الألفاظ الدالّة على النقل.

وأمّا المواضعة فإنّها مفاعلة من الوضع، •فإذا قال: «بعتك بمائةٍ ووضيعة درهمٍ من كلّ عشرةٍ». فالثمن تسعون، • وكذا لو قال: «مواضعة العشرة».

--------------

والروايات من غير منافاة لكلام الأصحاب.

نعم، يبقى فيه البحث عن كون جهالة عوض الجعالة على هذا الوجه هل هو قادح أم لا؟

ثمَّ على تقدير قدحه تجب أجرة المثل في الموضعين.

قوله: «فيقول: ولّيتك، أو بعتك أو ما شاكله».

إن وقع بلفظ «بعتك» ونحوه من الألفاظ المعتبرة في مطلق البيع أكمله بذكر الثمن، أو ب-«ما قام علَيَّ» ونحوه، وإن وقع بلفظ «ولّيتك» جعل مفعوله العقد واقتصر عليه.

ولو قال: ولّيتك السلعة، احتمل الإجزاء.

قوله: «فإذا قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كلّ عشرة، فالثمن تسعون».

لأنّ الوضع من نفس العشرة يقتضي ذلك، حملاً ل-«من» على الظاهر من التبعيض.

وذكر جماعة من الأصحاب (1)احتمال كون الثمن أحداً وتسعين إلّا جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم، حملاً ل-«من» على ابتداء الغاية، ويكون التقدير من كلّ عشرةٍ تسلم لي.

ومثله ما لو قال:لكلّ عشرة درهم؛ لأنّ الوضيعة للعشرة غير العشرة، فهو بمنزلة ما لو :قال من كلّ أحد عشر.

قوله «وكذا لو قال: مواضعة العشرة».

حملاً للإضافة على معنى «من» أي من كلّ عشرة.

ص: 228


1- منهم العلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 373؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 70 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج (2)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 260 - 261.

ولو قال: «من كلّ أحد عشر» كان الثمن أحداً وتسعين إلّا جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهمٍ.

--------------

ويحتمل كونها بمعنى اللام، أي لكلّ عشرة، فيكون الثمن أحداً وتسعين إلّا جزءاً من أحد عشر، كما مرّ.

وربما قيل ببطلان العقد؛ لتكافؤ الاحتمالين الموجب لجهالة الثمن.

وربما رجّح الأوّل بأنّ وضيعة العشرة لا تكون إلّا من نفس العشرة دون ما عداها؛ لأنّ الموضوع من جنس الموضوع منه، فتكون الإضافة بمعنى «من»، والثاني بأنّ المواضعة على حدّ المرابحة؛ للتقابل بينهما، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة. ويضعّف الأوّل بأنّ اللفظ لا بدّ فيه من تقدير وكلا التقديرين محتمل ،والثاني بمنع الملازمة وقيام الاحتمال إن لم تدلّ القرينة على أحدهما.

هذا غاية ما قرّروه في المسألة، وفيه بحث؛ لأنّ المراد من الجنس الذي تكون الإضافة المعنويّة فيه بمعنى «من» أن يكون المضاف جزئيّاً من جزئيات المضاف إليه، بحيث يصحّ إطلاقه على المضاف وعلى غيره أيضاً والإخبار به عنه، كخاتم فضّةٍ، وباب ساجٍ، لا جزءاً كلٍّ، حيث لا يصحٍ إطلاقه عليه، كبعض القوم، ويد زيد، فإنّك تريد بالقوم الكلّ، والكلّ لا يطلق على بعضه، وكذا القول في يد زيد.

والحاصل أنّ «من» التي تتضمّنها الإضافة هي التبيينيّة لا التبعيضيّة، كما في خاتم فضّةٍ، وأربعة دراهم، وشرط «من» التبيينيّة أن يصحّ إطلاق المجرور بها على المبيّن، كما في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَنِ»(1)، وقد صرّح بهذا التحقيق الشيخ الرضيّ(2)وابن هشام (3)، وناهيك بهما، وحينئذٍ فينتفي القول بحمل الإضافة في المسألة على معنى «من» رأساً؛ لأنّ الموضوع المضاف بعض العشرة ولا يصحّ الإخبار به عنه، فيتعيّن كونها بمعنى اللام.

ص: 229


1- الحج (22): 30 .
2- شرح الرضيّ على الكافية، ج 2، ص 207، فصل الإضافة المعنوية.
3- شرح شذور الذهب، ص 329 - 330.

--------------

نعم ، يمكن مع ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة ، كما يستفاد ذلك من إضافته إلى الثمن (1).

وكذا نظائره من المرابحة وغيرها.

واعلم أنّ التعبير بالوضيعة هنا أولى من المواضعة؛ لأنّها مفاعلة لا تدخل في الباب،وإنّما الغرض وضع الدرهم من العشرة، أو لها، والوضيعة تؤدّي هذا المعنى بحمل الفعيل على المفعول.

ص: 230


1- في «م» زيادة: «في الربا».

[الفصل] السابع في الربا

• وهو يثبت في البيع مع وصفين: الجنسيّة، والكيل أو الوزن، وفي القرض مع اشتراط النفع.

--------------

الفصل السابع في الربا

الربا، لغةً : الزيادة (1)، قال الله تعالى:(فَلَا يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ)(2)، وشرعاً: بيع أحد المتماثلين _ المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع صلی الله علیه و آله وسلم أو في العادة - بالآخَر، مع زيادةٍ في أحدهما حقيقةً أو حكماً، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدّرين بهما إذا لم يكن باذل الزيادة حربيّاً، ولم يكن المتعاقدان والداً مع ولده، ولا زوجاً مع زوجته.

وعلى القول بثبوته في كلّ معاوضةٍ يبّدل البيع بالمعاوضة على أحد المتماثلين، إلى آخره. وقد يُعرَّف بأنّه زيادة أحد العوضين المتماثلين، إلى آخره؛ نظراً إلى مناسبة المنقول عنه.

وتحريمه ثابت بالنصّ (3)والإجماع، وهو من أعظم الكبائر الموبقات،حتّى أنّ الدرهم منه أعظم من سبعين زنيةً كلّها بذات محرمٍ، رواه هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام(4).

قوله: «وهو يثبت في البيع».

ظاهره اختصاص الربا بالبيع، وهو أحد القولين في المسألة، إلّا أنّ المصنّف (رحمه الله)

ص: 231


1- الصحاح، ج 4 ، ص 2349. «ربا»؛ معجم مقاييس اللغة، ج 2، ص 483، «ربو».
2- الروم (30): 39 .
3- البقرة (2) 275.
4- الكافي، ج 5، ص 144 ، باب الربا، ح 1: الفقيه ، ج 3، ص 274، ح 3995؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 14، ح 61.

أمّا الثانى فسيأتى، وأمّا الأوّل فيقف بيانه على أُمور:

الأوّل في بيان • الجنس،وضابطه كلّ شيئين يتناولهما لفظ خاصّ، كالحنطة بمثلها، والأُرز بمثله،•ويجوز بيع المتجانس وزناً بوزنٍ نقداً، ولا يجوز مع زيادةٍ،

--------------

قد صرّح في باب الغصب بثبوته في كلّ معاوضةٍ (1)، وهو ظاهر اختياره في الصلح أيضاً(2)، وهو الأقوى؛ عملاً بإطلاق قوله تعالى: (حَرَّمَ اَلرِّبَوا)(3).

قوله: «الجنس، وضابطه كلّ شيئين يتناولهما لفظ خاصّ».

المراد باللفظ الخاصّ ما يكون مفهومه نوعاً بالإضافة إلى ما تحته، فالجنس في هذا الباب هو المعبَّر عنه في المنطق بالنوع، وأهل اللغة يسمّونه جنساً أيضاً، ولا مشاحّة في الاصطلاح. والمراد بالشيئين اللذين يتناولهما اللفظ أفراد ذلك النوع، كالصفراء والحمراء في الحنطة، ويستثنى من ذلك الشعير، فإنّه هنا من أفراد الحنطة، مع عدم تناول لفظها له. وخروجه بالنصّ (4).

وأمّا العلس والسلت - على القول بأنّهما من أفراد الحنطة والشعير - فدخولهما فيهما ظاهر وإن اختصّا باسمٍ آخَر، وإلّا فمقتضى الاسم عدم اللحاق.

قوله: «ويجوز بيع المتجانسين(5)وزناً بوزن نقداً».

هذا إذا كان أصلهما الوزن، أمّا لو كان أصلهما الكيل ففى الاكتفاء بتساويهما وزناً خاصّةً نظر، من كون الوزن أضبط، حتّى قيل: إنّه أصل للكيل(6)، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل، فلا يعتبر بغيره

ص: 232


1- راجع ج 9، ص 497 - 498.
2- راجع ج 4، ص 109 - 110.
3- البقرة :(2) 275 .
4- الكافي، ج 5 ، ص 187 - 188، باب المعاوضة في الطعام، ح 1 و 5؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 96، ح 409 - 410.
5- في المتن: «المتجانس».
6- ممن قال به الشهيد في الدروس الشرعية، ج 3، ص 266 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (11)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4 ص 272 .

•ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخَر على الأظهر.

ولا يشترط التقابض قبل التفرّق إلّا فى الصرف.

ولو اختلف الجنسان جاز التماثل والتفاضل نقداً، • وفي النسيئة تردّد، والأحوط المنع.

--------------

وظاهر كلام المصنّف اختيار الأوّل، وهو متّجه، بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزناً، مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده صلی الله علیه و آله وسلم(1).

قوله: «ولا يجوز إسلاف أحدهما في الآخَر على الأظهر».

هذا هو المشهور لا نعلم فيه خلافاً، إلّا ما يظهر من الشيخ في الخلاف والمبسوط (2)، فإنّه

يشعر بكراهة السلف،ولا نعلم مأخذه.

وربما حُمل على إرادة التحريم، فإنّه بعض معاني المكروه، و قد استعمله الشيخ في ذلك وقد في غير موضع (3).

قوله: «وفي النسيئة تردّد، والأحوط المنع».

الجواز أقوى؛ للأخبار الصحيحة (4). والقول بالمنع للشيخ (رحمه الله) في أحد قولَيه (5)؛ استناداً إلى خبرٍ (6)ظاهرٍ في الكراهة، ونحن نقول بها.

ص: 233


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 272 - 273 .
2- الخلاف، ج 3، ص 46. المسألة 65: المبسوط، ج 2، ص 19.
3- كالخلاف، ج 1، ص 69 المسألة 15 .
4- لعلّ المراد بها الإطلاقات الدالّة على جواز التفاضل مع اختلاف الجنسين، وما ورد من تصريح بالكراهة إذا كان نسيئة. راجع الكافي، ج 5، ص 191، باب المعاوضة في الحيوان .... ح 4، وص 192، باب فيه جمل من المعاوضات، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 279، ح 4010؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 117 - 118، ح 510: الاستبصار، ج 3، ص 100، ح 346 و 348.
5- المبسوط، ج 2، ص 19.
6- الكافي، ج 5، ص 191، باب المعاوضة في الحيوان... . ح 6: الفقيه، ج 3، ص 279، ح 4009؛ تهذيب الأحكام.ج 7، ص 93، ح 396.

•والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأظهر؛ لتناول اسم الطعام لهما،وثمرة النخل جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، وكذا ثمرة الكَرْم.

•وكلّ ما يُعمل من جنسٍ يحرم التفاضل فيه، كالحنطة بدقيقها، والشعير بسويقه،والدبس المعمول من التمر بالتمر، وكذا ما يُعمل من العنب بالعنب.

--------------

قوله: «والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأظهر؛ لتناول اسم الطعام لهما».

نبّه بقوله «في الربا» على أنّهما في غيره - كالزكاة - جنسان إجماعاً؛ لاختلاف مفهومهما لغةً وعرفاً، وأمّا في الربا فالأظهر أنّهما جنس واحد؛ لصحيحة الحلبي(1)، وأبي بصير(2). وهشام بن سالم(3)، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق علیه السلام(4)، بل ادّعى الشيخ في الخلاف عليه الإجماع(5)، وهو الحجّة على مَنْ خالف؛ نظراً إلى اختلافهما صورةً وشكلاً ولوناً وطعماً وإدراكاً وحسّاً واسماً، فإنّ ذلك كلّه غير مسموعٍ في مقابلة النصوص

الصحيحة.

وفي احتجاج المصنّف (رحمه الله) بتناول اسم الطعام لهما على الاتّحاد نظر؛ فإنّه لا يلزم منه اتّحادهما مع تحقّق الاختلاف المذكور، وإنّما الموجب للاتّحاد النصُّ والإجماع.

قوله: «وكلّ ما يُعمل من جنسٍ يحرم التفاضل فيه كالحنطة بدقيقها» إلى آخره.

فلا يجوز بيع أحدهما بالآخَر متفاضلاً إذا كانا مكيلين أو موزونين.ولو كان أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً، كالحنطة ودقيقها، والسمسم والشيرج ففي اعتبار تساويهما بالوزن أو بالكيل وجهان يأتيان.

ص: 234


1- الكافي، ج 5، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 94، ح 399 .
2- الكافي، ج 5، ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 2؛ الفقيه، ج 3، ص 281 ، ح 4016؛ تهذيب الأحكام. 281، ج 7، ص 95، ح 402.
3- الكافي، ج 5، ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 96. ح 409.
4- الكافي، ج 5، ص 188، باب المعاوضة في الطعام 5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 96. ح 410.
5- الخلاف، ج 3، ص 47. المسألة 66 .

•وما يُعمل من جنسين يجوز بيعه بهما ، وبكلّ واحدٍ منهما، بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجانسه.

•واللحوم مختلفة بحسب اختلاف أسماء الحيوان، فلحم البقر والجواميس جنس؛ لدخولهما تحت لفظ البقر. ولحم الضأن والمعز جنس؛ لدخولهما تحت لفظ الغنم، والإبل •عرابها وبخاتيّها جنس واحد.

--------------

قوله: «وما يُعمل من جنسين يجوز بيعه بهما ، وبكلّ واحدٍ منهما»إلى آخره.

لا يشترط في جواز بيعه بهما مساواة جملة الثمن له قدراً؛ لأن كل جنس ينصرف إلى ما يخالفه، ولا يعتبر معرفة كلّ واحدٍ من الجنسين، بل يكفي معرفة المجموع.

وأمِّا إذا بيع بأحدهما، فإنّه يشترط زيادته على مجانسه زيادةً متموّلةً، بحيث يمكن فرض كونها عوضاً في البيع منفردةً.

وقد يفرض هنا أيضاً الجهل بقدر المجانس للثمن مع العلم بزيادته عليه، بأن يعلم أنّ المجانس لا يبلغ النصف، فيبيعه بقدر ثلثي المجموع مثلاً.

وفي حكم المعمول من جنسين ضمّ أحدهما إلى الآخَر وبيعهما في عقدٍ واحدٍ وإن تميّزا؛ لتساوي الفرضين في العلّة المسوّغة للبيع عندنا.

قوله: «واللحوم مختلفة بحسب اختلاف أسماء الحيوان» إلى آخره.

هذا الحكم محلّ وفاقٍ، والمراد أنّهما داخلان تحت البقر لغةً، وإلّا فالعرف يأبى ذلك،مع أنّه مقدّم على اللغة، وقد تقدّم أنّ مناط الاتّحاد تناول اللفظ الخاصّ لهما، فلولا الإجماع على الحكم لكان فيه نظر، وينبّه عليه ما قوّاه المصنّف في أفراد الحمام المختصّ باسمٍ، كما سيأتي.

قوله: «عرابها وبخاتيّها».

هو - بفتح الباء وتشديد الياء المثنّاة من تحتٍ - جمع يُختيّ - بضمّ الباء وتشديد الياء أيضاً - الإبل الخراسانيّة.

ص: 235

•والحمام جنس واحد، ويقوى أنّ كلّ ما يختصّ منه باسمٍ فهو جنس على انفراده ،كالفخاتي والورشان،•وكذا السموك .

والوحشي من كلّ جنسٍ مخالف لأهليّه. والألبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف.

--------------

قوله: «والحمام جنس واحد - إلى قوله كالفخاتي والورشان».

قد تقدّم في الحجّ (1) تعريف الحمام على اختلافٍ فيه، وأنّ الفخاتي والورشان من أفراده.

ووجه الخلاف هنا الشكّ في أنّ مقوليّة الحمام على ما تحته مقوليّة النوع على الأصناف، أو الجنس على الأنواع، فعلى الأوّل يحرم بيع بعضها ببعض مطلقاً، وعلى الثاني يختصّ كلّ نوع بحكمه، ولمّا كان الوقوف على ذاتيّات الحقائق عزيزاً جدّاً، ولم يكن من جهة الشرع قاطع بشيءٍ، حصل الخلاف.

وبهذا يحصل الفرق بين أفراد الحمام وأفراد البقر بالنسبة إلى الجاموس، فإنّه قد ثبت شرعاً أنّهما نوع واحد، ومن ثمَّ ضمّ أحدهما إلى الآخَر في الزكاة.

وعموم قوله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)(2) يقتضي جواز بيع بعضها ببعض كيف كان إلى أن يتحقّق المنع. ويؤيّده أنّ العرف أيضاً لا يُسمّي هذين الفردين حماماً، ولا شكّ أنّ الحكم باتّحاد النوع أولى. واعلم أنّ الطير - من حمامٍ وغيره - إنّما يتصوّر الربا فيه إذا بيع لحمه وزناً، أمّا لو بيع جزافاً فلا. ولو بيع عدداً كما هو الغالب - ففي ثبوت الربا فيه خلاف يأتي(3)، والأقوى عدمه.

قوله « وكذا السموك».

الحكم المشبّه به المشار إليه ب-«ذا» هو ما سبق في الطير، أي هو جنس واحد. ويقوى أنّ ما يختصّ باسمٍ منه فهو جنس على انفراده. ويحتمل كون المشار إليه هو كونه جنساً واحداً.

ص: 236


1- تقدم في ج 2، ص 342.
2- المائدة (5): 1.
3- يأتي في ص 238.

•ولا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن وبينه، كزبد البقر - مثلاً - بحليبه ومخيضه وأقطه.

والأدهان تتبع ما تستخرج منه،•فدهن السمسم جنس، وكذا ما يضاف إليه، كدهن البنفسج والنيلوفر، ودهن البزر جنس آخَر.

والخلول تتبع ما تُعمل منه،•فخَلّ العنب مخالف لخَلّ الدبس، ويجوز التفاضل بينهما نقداً، • وفي النسيئة تردّد.

--------------

والحاصل أنّ في اتحاد جنس السمك أو تعدّده بتعدّد أسمائه خلافاً؛ نظراً إلى الشكّ في مقوليّته، كما تقدّم في الحمام (1).

قوله: «ولا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن وبينه» إلى آخره.

هذا الحكم محلّ وفاقٍ نقله في التذكرة عن علمائنا أجمع(2)، ولولا ذلك لا نقدح فيه الإشكال السابق؛ نظراً إلى اختلاف الاسم والطبيعة.

قوله: «فدهن السمسم جنس وكذا ما يضاف إليه كدهن البنفسج».

إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد نوع الدهن،فإنّه ليس مركّباً منه وممّا يضاف إليه، بل هو عين الدهن يكتسب باختلاطه به مدّة خاصّيّته ثمَّ ينزع منه.

قوله: «فخَلّ العنب مخالف لخَلّ الدبس».

أي خلّ دبس التمر، وقد يطلق الدبس على ما يعمّ دبس العنب، ويختصّ خَلّ العنب بخَلّ الخمر.

قوله: «وفي النسيئة تردّد».

هذا هو الخلاف المتقدّم (3)في بيع أحد الربويّين بالآخَر المخالف متفاضلاً نسيئةً ، والأقوى جوازه.

ص: 237


1- تقدّم في ص 236.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 163 - 164. المسألة 84.
3- تقدم في ص 233.

الثاني: اعتبار الكيل والوزن.

فلا ربا إلّا في مكيل أو موزونٍ، وبالمساواة فيهما يزول تحريم الربويّات، فلو باع ما لا كيل فيه ولا وزن متفاضلاً جاز•ولو كان معدوداً - كالثوب بالثوبين والثياب، والبيضة بالبيضتين والبيض - نقداً، وفي النسيئة تردّد، والمنع أحوط.

•ولا ربا فى الماء؛ لعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه.

•ويثبت في الطين الموزون كالأرمنى على الأشبه.

--------------

قوله: «ولو كان معدوداً كالثوب بالثوبين - إلى قوله - وفي النسيئة تردّد».

ظاهره أنّ الخلاف مختصٌّ بالنسيئة، وليس كذلك، بل قد ذهب جماعة من الأصحاب(1) إلى ثبوته في المعدود مطلقاً؛ استناداً إلى إطلاق رواية (2)ظاهرة في الكراهة. والأقوى اختصاصه بالمكيل والموزون مطلقاً؛ للأخبار الصحيحة(3) الدالّة على الحصر فيهما.

قوله: «ولا ربا في الماء؛ لعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه».

لا فرق في ذلك بين بيعه جزافاً ومكيلاً وموزوناً؛ لانتفاء اعتبارهما فيه، وفي حكمه التراب والحجارة والحطب ولا عبرة ببيعه موزوناً في بعض البلاد.

قوله: «ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه». الأقوى اتّباع العادة فيه، فإن استقرّت على كيله أو وزنه كما هو الواقع - ثبت فيه الربا،

ص: 238


1- منهم المفيد في المقنعة، ص 605 وسلّار في المراسم، ص 179 وابن الجنيد على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5. ص 114، المسألة 77.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 120 ، ح 521: الاستبصار، ج 3، ص 101، ح 352.
3- الكافي، ج 5، ص 146، باب الربا، ح 10: الفقيه، ج 3، ص 275، ح 3999؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 17 ح 74، وص 19، ح ،81، وص 94 ، ح 397، وص 118، ح 515: الاسبتصار، ج 1، ص 101، ح 350 .

•والاعتبار بعادة الشرع، فما ثبت أنّه مكيل أو موزون في عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم بني عليه، وما جُهل الحال فيه رجع إلى عادة البلد.

•ولو اختلفت البلدان فيه، كان لكلّ بلدٍ حكم نفسه. وقيل: يغلّب جانب التقدير ويثبت التحريم عموماً.

--------------

وإلّا فلا. وكذا القول في غيره من التراب، كالطين الخراساني.

قوله: «والاعتبار بعادة الشرع - إلى قوله رجع إلى عادة البلد».

قد ثبت أنّ أربعةً كانت مكيلةً في عهده صلی الله علیه و آله وسلم، وهي الحنطة والشعير والتمر والملح، فلا يباع بعضها ببعضٍ إلّا كيلاً وإن اختلفت في الوزن.

واستثنى في التذكرة ما يتجافى منه في المكيال كالقِطَع الكبار من الملح، فيباع وزناً لذلك(1).

وما عداها إن ثبت له في عهده صلی الله علیه و آله وسلم أحد الأمرين وإلّا رجع فيه إلى عادة البلد.

ولو عرف أنّه كان مقدَّراً في عهده صلی الله علیه و آله وسلم، وجُهل اعتباره بأحدهما، احتُمل التخيير، وتعيّن الوزن؛ لأنّه أضبط، واختاره في التذكرة (2)، وهو حسن.

ولا فرق بين بلده صلی الله علیه و آله وسلم وما أقرّ أهله عليه في غيره.

قوله: «ولو اختلفت البلدان فيه كان لكلّ بلدٍ حكم نفسه» إلى آخره.

ما اختاره المصنّف هو الأقوى؛ لأنّ المعتبر هو العرف عند عدم الشرع، وكما أنّ عرف تلك التقدير فيلزمه حكمه، فعرف الأخرى الجزاف فيلزمه حكمه؛ صَرفاً للخطاب إلى المتعارف من الجانبين.

ووجه عموم التحريم صدق اسم المكيل والموزون على ذلك النوع في الجملة.

ص: 239


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 195 ، المسألة 96.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 196، المسألة 96.

•والمراعى في المساواة وقت الابتياع،فلو باع لحماً نيّاً بمقدَّدٍ متساوياً جاز، وكذا لو باع بسْراً برطبٍ، وكذا لو باع حنطةً مبلولةً بيابسةٍ؛ لتحقّق المماثلة. وقيل بالمنع؛ نظراً إلى تحقّق النقصان عند الجفاف، أو إلى انضياف أجزاء مائية مجهولة.

•وفي بيع الرطب بالتمر تردّد، والأظهر اختصاصه بالمنع؛ اعتماداً على أشهر الروايتين.

--------------

قوله: «والمراعى في المساواة وقت الابتياع - إلى قوله - وقيل بالمنع؛ نظراً إلى تحقّق النقصان».

هذه المسألة من جملة أفراد منصوص العلّة، وقد اختلف الأصحاب في تعديته إلى غيره ممّا شاركه فيها، والأخبار الصحيحة(1) ظاهرة في التعدية، وهو الأقوى.

قوله:«وفي بيع الرطب بالتمر تردّد»إلى آخره.

هذا هو مورد النصّ من منصوص العلّة، لما سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر، فقال:

«أينقص إذا جفّ؟» فقالوا: نعم، فقال: «لا إذن»(2).

وعن الباقر علیه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام: ويكره أن يباع التمر بالرطب عاجلاً بمثل كيله من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله»(3).

وعن الصادق علیه السلام:« لا يصلح التمر بالرطب؛ لأنّ الرطب رطب والتمر يابس، فإذا يبس الرطب نقص»(4).

فأشاروا علیه السلام إلى أنّ علّة المنع النقصان بالجفاف،فمن الأصحاب مَنْ عداه إلى المنع

ص: 240


1- الكافي، ج 5، ص 189، باب المعاوضة في الطعام، ح 12؛ الفقيه، ج 3، ص 281 ، ح 4018؛ تهذيب الأحكام. ج 7، ص 090 ح 384، وص 4 - 96، ح 398 و 408: الاستبصار، ج 3، ص 93، ح 314 و 315.
2- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 340 ، ح 2311.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 95-96، ح 408 .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 90 ، ح 384؛ الاستبصار، ج 3، ص 93، ح 315.

فروع :

الأوّل: • إذا كانا في حكم الجنس الواحد، وأحدهما مكيل والآخَر موزون كالحنطة والدقيق، فبيع أحدهما بالآخَر وزناً جائز، وفي الكيل تردّد، والأحوط تعديلهما بالوزن.

--------------

من بيع كلّ رطبٍ بيابسه (1)، كالعنب بالزبيب، ومنهم مَنْ اقتصر على المنصوص(2).

وبالغ ابن إدريس فجوّز الجميع (3)، وإلى قوله أشار المصنّف بقوله «وفى بيع الرطب بالتمر تردّد»حيث جعله موضع التردّد، ثمَّ حَكَم بتحريمه وعدم تعديته. وأشار المصنّف في دليله ب-«أشهر الروايتين» إلى رواية سماعة قال: سئل أبو عبدالله علیه السلام عن العنب بالزبيب، فقال: «لا يصلح إلّا مِثْلاً بِمثلٍ، والتمر بالرطب مِثْلاً بِمثْلِ»(4).

وجوابه القدح في سند الرواية.

والأقوى التحريم والتعدية إلى كلّ ما فيه العلّة المذكورة، ومحلّ تحقيق المسألة الأصول.

قوله: «إذا كانا في حكم الجنس الواحد - إلى قوله - وفي الكيل تردّد».

منشأ التردّد من أنّ الكيل أصل للحنطة فيستصحب في فروعها، ومن أنّ الوزن أضبط، وأنّه أصل للكيل، ولأنّ من أفراد هذه القاعدة ما لا يمكن فيه القول بالكيل، كالحنطة بالخبز، والسمسم بالشيرج.

واختار الفاضل اعتبار الكيل فيما هو أصله (5)، وأطلق، وهو حسن. لكن يشكل بنحو ما ذكرناه، فإنّ اعتباره بالوزن حينئذٍ أحسن.

ص: 241


1- كالعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 125، المسألة 81.
2- كالشيخ في الخلاف، ج 3، ص 64. المسألة 105.
3- السرائر، ج 2، ص 259.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 97، ح 417.
5- مختلف الشیعة، ج 5، ص 128، المسألة 83.

الثاني: • بيع العنب بالزبيب جائز ، وقيل : لا ؛ طرداً لعلّة الرطب بالتمر ، والأوّل أشبه.

وكذا البحث في كلّ رطبٍ مع يابسه.

الثالث: يجوز بيع الأدقّة بعضها ببعض، مِثْلاً بِمِثْل،•وكذا الأخباز والخلول وإن جهل مقدار ما في كلّ واحدٍ من الرطوبة؛ اعتماداً على ما تناوله الاسم.

تتمة فيها مسائل ستّ:

الأولى: • لا ربا بين الوالد وولده، ويجوز لكلٍّ منهما أخذ الفضل من صاحبه،

--------------

قوله: «بيع العنب بالزبيب جائز إلى آخره.

المنع أقوى وقد تقدّم(1).

قوله: «وكذا الأخباز والخلول وإن جهل مقدار ما في كلّ واحد من الرطوبة».

لابدّ في الجواز من اشتراكهما في أصل الرطوبة، فلو كان أحد الخبزين رطباً والآخَر يابساً لم يصحّ؛ بناءً على ما سلف من القاعدة (2).

وفي العبارة إشارة إليه ،حيث أثبت لكلّ واحدٍ رطوبةً جهل مقدارها.

ولو علم أنّ رطوبة أحدهما أكثر من رطوبة الآخَر مع اشتراكهما في الأصل ففي الجواز نظر ،من صدق الاسم في المثلين ،ومن العلم بزيادة حقيقة أحدهما على الآخَر.

ولعلّ الأقرب الجواز؛ لأنّ الرطوبة غير مقصودةٍ، والحقيقة مطلقة عليهما.

وكذا لو عُلمت الرطوبة في أحدهما وانتفت من الآخَر، كخّل الزبيب وخَلّ العنب الخالص.

قوله:«لا ربا بين الوالد وولده - إلى قوله - ولا بين الرجل وزوجته».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه الإجماع، فإنّ المرتضى (رحمه الله) وإن خالف

ص: 242


1- تقدّم آنفاً.
2- سبق آنفاً.

ولا بين المولى ومملوكه، ولا بين الرجل و زوجته،

--------------

في بعض كتبه وحَكَم بثبوت الربا بينهم (1)، حملاً للخبر المنفيّ (2) على النهي، كقوله تعالى:(فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)(3)وعملاً بعموم القرآن الوارد بتحريم الربا(4)، إلّا أنّه رجع عنه محتجّاً بوجود الإجماع على خلافه(5) .

ونبّه بقوله «ويجوز لكلّ منهما أخذ الفضل»على خلاف ابن الجنيد، حيث نفي الربا بين الوالد وولده، بشرط أن يأخذ الوالد الفضل، وأن لا يكون للولد وارث ولا عليه دَيْن(6).

وإطلاق النصّ (7) حجّة عليه.

والحكم مختصٌّ بالولد النسبي بالنسبة إلى الأب، فلا يتعدّى الحكم إلى الأُمّ، ولا إلى الجدّ مع ولد الولد، ولا إلى ولد الرضاع على إشكالٍ فيهما؛ اقتصاراً بالرخصة على مورد اليقين.

ووجه العدم إطلاق اسم الولد عليهما، ومن ثَمَّ حرمت امرأته على الأب والجدّ من آية حلائل الأبناء (8).

ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع على الظاهر؛ لإطلاق النصّ(9)، خلافاً للتذكرة حيث خصّها بالدائم؛ معلّلاً بأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت في حقّ العقد الدائم، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم (10).

ص: 243


1- رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 181 - 184 .
2- الكافي، ج 5 ص 147، باب أنه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح 1 و 3؛ الفقيه، ج 3، ص 277 _278. 278 . ح 4004؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 18 ، ح 76.
3- البقرة (2) 197.
4- البقرة :(2) 27: آل عمران (3) 130.
5- الانتصار. ص 441 - 442. المسألة 253.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 110، المسألة 75.
7- راجع الهامش2.
8- النساء .(4): 23 .
9- الفقيه ، ج 3، ص 278، ح 4005.
10- تذكرة الفقهاء ، ج 10، ص 209، ضمن الفرع «ج» من المسألة 105.

•ولا بين المسلم وأهل الحرب.

•ويثبت بين المسلم والذمّي على الأشهر.

--------------

وفي معارضة مثل ذلك للنصّ (1) منع ظاهر.

والحكم بنفي الربا بين السيّد ومملوكه إمّا لعدم صحّة البيع؛ بناءً على أنّه لا يملك فيصدق عدم الربا، وإمّا بناءً على أنّه يملك. وكان الأُولى بالقائل بعدم ملكه ترك ذكره، لكن لمّا ورد النصّ به تعرّضوا له. ويشترط مع القول بملكه أن لا يكون مشتركاً، فلو كان كذلك ثبت بینه و بين كلٍّ من الشركاء.

والمدبَّر وأمّ الولد في حكم القِنّ أمّا المكاتَب بقسميه فلا على الظاهر، مع احتماله.

قوله"«ولا بين المسلم وأهل الحرب».

هذا إذا أخذ المسلم الفضل، وإلّا حرم.

ولا فرق بين الحربي المعاهد وغيره، ولا بين كونه في دار الحرب والإسلام.

وأطلق جماعة (2)نفي الربا هنا من غير فرقٍ بين أخذ المسلم الزيادة والحربي، والتفصيل أقوى.

قوله: «ويثبت بين المسلم والذمّى على الأشهر».

هذا هو المشهور (3)؛ لعموم الأدلّة (4). وذهب السيّد المرتضى (5) وابنا بابويه (6) وجماعة (7)من الأصحاب إلى عدم ثبوته؛ للرواية (8)المخصّصة له كما خصّصت غيره مّمن سبق.

والأوّل أولى، فإن قلنا بعدم ثبوته لزم تقييده بما مرّ من أخذ المسلم الزيادة.

ص: 244


1- راجع ص 243، الهامش 1.
2- منهم ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 372؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 204.
3- في بعض النسخ: «الأشهر».
4- البقرة :(2) 27: آل عمران (3): 130 .
5- الانتصار، ص 442 المسألة 253.
6- المقنع، ص 374؛ وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 112، المسألة 76.
7- منهم الشيخ المفيد على ما حكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 252 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 112، المسألة 76 .
8- الفقيه، ج 3، ص 278 ، ح 4005. وفي حاشية «و»: «فراجع الرواية فإنّ الصدوق رواها، ولم يحضرني حالها فإن صحت تعيّن القول منه رحمه الله)».

الثانية: • لا يجوز بيع لحم بحيوانٍ من جنسه، كلحم الغنم بالشاة، ويجوز بغير جنسه، كلحم البقر بالشاة، لكن بشرط أن يكون اللحم حاضراً .

الثالثة: • يجوز بيع دجاجةٍ فيها بيضة بدجاجةٍ خالية، وبيع شاةٍ في ضرعها لبن بشاةٍ في ضرعها لبن أو خالية، •أو بلبنٍ ولو كان من لبن جنسها.

الرابعة:• القسمة تمييز أحد الحقّين، وليست بيعاً، فتصحّ فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما الفضل.

--------------

قوله: «لا يجوز بيع لحم بحيوانٍ من جنسه، كلحم الغنم بالشاة، ويجوز بغير جنسه».

هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وخالف فيه ابن إدريس، فَحَكم بالجواز؛ لأنّ الحيوان غير مقدَّرٍ بأحد الأمرين(1).

وهو قويٌّ مع كونه حيّاً، وإلّا فالمنع أقوى، والظاهر أنّه موضع النزاع.

قوله: «يجوز بيع دجاجةٍ فيها بيضة بدجاجةٍ خاليةٍ وبيع شاةٍ في ضرعها لبن» إلى آخره.

الوجه في ذلك أنّ الدجاجة والشاة ليستا مقدّرتين بالوزن حال حياتهما، وما في بطنهما غير مقدَّرٍ أيضاً ما دام كذلك، كالثمرة على الشجرة، ولأنه تابع.

ونبّه بذلك على خلاف الشافعي، حيث مَنَع منه؛محتجّاً بأنّ له قسطاً من الثمن (2)، وهو ممنوع.

قوله: «أو بلبنٍ وإن كان من لبن جنسها».

لا فرق بين كون الثمن زائداً عمّا فيها من اللبن وناقصاً؛ لِما تقدّم من التعليل، وإن كان الفرض بعيداً.

ومثله بيع نخلةٍ فيها تمرٍ بتمر.

قوله: «القسمة [تمييز أحد الحقّين و](3) ليست بيعاً، فتصحّ فيما فيه الربا ولو أخذ أحدهما الفضل».

ص: 245


1- السرائر، ج 2، ص 258 .
2- الحاوي الكبير، ج 5، ص 125؛ حلية العلماء، ج 4، ص 186 : التهذيب البغوي ، ج 3، ص 353 : العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 99 روضة الطالبين، ج 3، ص 61.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من الشرائع.

وتجوز القسمة كيلاً وخرصاً.

ولو كانت الشركة في رطبٍ وتمرٍ متساويين فأخذ أحدهما الرطب جاز.

الخامسة: • يجوز بيع مكّوكٍ من الحنطة بمكوك وفي أحدهما عقد التبن ودقائقه،وكذا لو كان في أحدهما زُؤان أو يسير من تراب؛ لأنّه ممّا جرت العادة بكونه فيه. السادسة: • يجوز بیع درهمٍ و دینارٍ بدینارین و در همين، ويصرف كلّ واحدٍ منهما إلى غير جنسه، وكذا لو جعل بدل الدينار أو الدرهم شيء من المتاع. وكذا مُدُّ من تمرٍ ودرهمٍ بمُدّين وأمداد ،و در همين أو دراهم.

--------------

هذا موضع وفاقٍ. ونبّه به على خلاف الشافعي في أحد قوليه، حيث جعلها بيعاً يثبت فيه الربا كالبيع (1).

قوله: «يجوز بيع مكّوكٍ من الحنطة بمكّوكٍ» إلى آخره.

أشار بذلك إلى اشتراط قلّته بحيث تجري العادة بتبعيّته، فلو زاد عن ذلك لم يجز.

ومثله الدردي في الخَلّ والدبس، والثفل في البزر، ونحو ذلك.

قوله: «يجوز بيع درهمٍ ودینارٍ بدينارين ودرهمين» إلى آخره.

هذا الحكم موضع وفاقٍ بين أصحابنا.

وخالف فيه الشافعي ؛ محتجّاً بحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه، كما لو بيع مُدُّ و درهم بمُدّين، والدرهم ثمن لمُدٍّ ونصفٍ بحسب القيمة الحاضرة (2).

وجوابه أنّ الزيادة حينئذٍ بمقتضى التقسيط لا بالبيع، فإنّه إنّما وقع على المجموع بالمجموع.

ويشكل الحكم لو احتيج إلى التقسيط شرعاً، كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض، أو

ص: 246


1- الحاوي الكبير، ج 5، ص 126.
2- الحاوي الكبير، ج 5، ص 113؛ حلية العلماء، ج 4، ص 170: العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 84: روضة الطالبين، ج 3، ص 53: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 169. المسألة 2836.

--------------

ظهر مستحقاً مطلقاً، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا، فإنّه حينئذٍ يحتمل بطلان البيع من رأسٍ؛ للزوم التفاوت في الجنس الواحد، كما لو باع مُدّاً ودرهماً بمُدّين و در همین مثلاً، فإنّ الدرهم التالف إذا كان نصف المبيع، بأن كانت قيمة المدّ درهماً ، يبطل البيع في نصف الثمن، فيبقى النصف الآخَر، وحيث كان منزّلاً على الإشاعة كان النصف في كلٍّ من الجنسين، فيكون نصف المُدّين ونصف الدرهمين في مقابل المُدّ فيلزم الزيادة کل الموجبة للبطلان .

ويحتمل البطلان في مخالف التالف خاصّةً، والصحّة في مخالف الباقي ؛ لأنّ كلّاً من الجنسين في المبيع قوبل به مخالفه في الثمن، فإذا بطل أحد الجزءين بطل فيما قوبل به؛ لأنّ صحّة المبيع منزّلة على ذلك، فكذا بطلانه، والمرجّح لذلك نصّ الأصحاب على أنّ كلّ جنسٍ في مقابل ما يخالفه.

ويحتمل الصحّة فيما بقى من الثمن وما قابله كائناً ما كان ،فيقسّط الثمن على التالف من المبيع والباقي، ففي المثال السابق يصحّ البيع في نصف المبيع بنصف الثمن، ولا يُنظر إلى الزيادة؛ لأنّها إنّما صارت بسبب التقسيط، وليس التقسيط بيعاً، وفي حال البيع لم تكن زيادة.

ويشكل بأنّه وإن لم يكن بيعاً فهو معاوضة، وقد تقدّم أنّ الربا يعمّ كلّ معاوضةٍ.

ويندفع بأنّه لا معاوضة إلّا بالبيع السابق، وقد كان في وقته جامعاً للشرائط، فيستصحب حكم الصحّة.

وربما نزّل بعضهم التقسيط على وجهٍ لا يلزم منه الربا (1)، كما إذا كانت قيمة المُدّ - مثلاً - در همين، فإنّ الثمن يكون أثلاثاً من الفضّة والتمر، وكذلك المثمن، فيكون ثلث الدرهم بإزاء ثلث درهم، وثلثا مدّ التمر بإزاء ثلثي مدّ تمر، ويبقى ثلث مدّ تمر بإزاء درهم وثلثين، وثلثا درهم بإزاء مُدّ وثلث تمر، فإذا تلف المُدّ أو الدرهم سقط ما ذُكر بإزائه.

ووجه التقسيط - على هذا الوجه - أنّ أجزاء المبيع لمّا قوبلت بأجزاء الثمن على طريق

ص: 247


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 275.

•وقد يتخلّص من الربا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها، ثمَّ يشتري الأُخرى بالثمن، ويسقط اعتبار المساواة، وكذا لو وهبه سلعته ثمَّ وهبه الآخَر، أو أقرضه صاحبه ثمَّ أقرضه هو وتبارءا.

وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة، وكلّ ذلك من غير شرطٍ.

الثالث: • الصرف، وهو بيع الأثمان بالأثمان.

--------------

الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط على وجهٍ يلزم معه المحذور؛ صيانةً للعقد عن الفساد ما أمكن السبيل إليه. ويشكل بأنّ مقتضى التقسيط مقابلة كلًّ من الجنسين بمقابله على النسبة، فالعدول عنه بمجرّد العناية تحكّم. والذي يوافق أُصول الأصحاب هو الاحتمال الوسط، فإنّه هو المصحِّح لأصل البيع، وإلّا كان مقتضى المقابلة لزوم الربا من رأس.

قوله: «وقد يتخلّص من الربا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها» إلى آخره.

ولا يقدح في ذلك كون هذه الأُمور غير مقصودةٍ بالذات، والعقود تابعة للقصود؛ لأنّ قصد التخلّص من الربا إنّما يتمّ مع القصد إلى بيعٍ صحيحٍ، أو قرض، أو غيرهما من الأنواع المذكورة، وذلك كافٍ في القصد؛ إذ لا يشترط في القصد إلى عقدٍ قصد جميع الغايات المترتّبة عليه، بل يكفي قصد غايةٍ صحيحةٍ من غاياته، فإنّ مَنْ أراد شراء دار - مثلاً - ليؤاجرها ويكتسب بها، فإنّ ذلك كافٍ في الصحّة وإن كان لشراء الدار غايات أُخر أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء. وكذا القول في غير ذلك من أفراد العقود. وقد ورد في أخبار (1) كثيرة ما يدلّ على جواز الحيلة على نحو ذلك.

قوله: «الصرف وهو بيع الأثمان بالأثمان».

ص: 248


1- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 98 ، ح 422، وص 117، ح 509.

•ويشترط في صحّة بيعها زائداً على الربويّات التقابض في المجلس، فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر.

--------------

والصرف لغةً: الصوت (1)، وشرعاً: بيع الأثمان - وهي الذهب والفضّة - بالأثمان، كأنّه سُمّي بذلك لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء.

وإنّما سُمّي الجنسان ثمناً؛ لأنّهما يقعان عوضاً عن الأشياء، ويقترنان (2) بباء العوض غالباً، بل نقل العلّامة قطب الدين الرازي عن الفاضل أنّهما ثمن وإن اقترنت الباء بغيرهما، حتّى لو باعه ديناراً بحيوانٍ ثبت للبائع الخيار؛ مدعياً على ذلك الاتّفاق (3).

قوله: «ويشترط في صحّة بيعها زائداً على الربويّات - إلى قوله - على الأشهر».

زيادة أحكامها على الربويّات باعتبار مجموع أفراد بيع الربويات لا جميع أفراده، فإنّ من جملتها بيع الذهب بالفضّة، وهذا لا يتعلّق به ربا، بل حكم الصرف خاصّةً. والحاصل أنّ بين حكم الربا والصرف عموماً وخصوصاً من وجه، يجتمعان في بيع أحد النقدين بجنسه، ويختصّ الربا بغير الأثمان، ويختصّ الصرف ببيع أحد الأثمان بالآخَر.

والمراد بالمجلس محلّ الاجتماع وإن تعدّد، كما مرّ في خيار المجلس، حتّى لو فارقا مجلس العقد مصطحبين لم يبطل، ولو قال: «التقابض قبل التفرّق» كان أولى. ونبّه بالأشهر على خلاف الصدوق ابن بابويه (4)؛ حيث لم يعتبر المجلس؛ استناداً إلى رواياتٍ (5)ضعيفة.

والأصحاب كلّهم على خلافه، فربما كان الشرط إجماعيّاً.

ص: 249


1- العين، ج 7، ص 110 ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 25، صرف».
2- في «و»: يفترقان، وفي هامش «و»: يقترنان كذا بخطّ ع ل.
3- حاشية القواعد، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14).
4- الفقيه، ج 3، ص 287 - 288 ، ح 4039؛ وحكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 497؛ والزهدري في إيضاح تردّدات الشرائع، ج 1، ص 282 .
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 100 - 101، ح 431 - 435: الاستبصار، ج 3، ص 94 - 95، ح 321 - 325 .

• ولو قبض البعض صحّ فيما قبض حسب، ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل.

• ولو وكّل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرّقهما صحّ، ولو قبض بعد التفرّق بطل.

--------------

واعلم أنّه على تقدير الحكم بالبطلان مع التفرّق، هل يجب تحصيل هذا الشرط بحيث يأثمان لو أخلّا به اختياراً ؟ ليس في اعتبار شرطيّته ما يدلّ عليه، بل غايته الحكم بالبطلان مع الإخلال به.

وفي التذكرة قطع بوجوب الوفاء به والتأثيم بتركه اختياراً، وجعله بمنزلة الربا، حتّى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرّق لو تعذّر عليهما التقابض ، وجعل تفرّقهما قبله بمنزلة بيع الربوي نسيئة، فإنّ بطلانه لا يغني عن الإثم به(1).

وهو ظاهر عبارة الدروس ، حيث حَكَم بوجوب التقابض قبل التفرّق(2)، وإن كان الوجوب في هذا الباب قد يعبَّر به عن الشرط مجازاً.

وفي الأخبار(3)ما ينبّه على التحريم، لكن لم يتعرّض له الأكثر .

قوله «ولو قبض البعض، صحّ فيما قبض حسب».

ويتخيّر كلٌّ منهما في فسخ الباقي وإمضائه؛ لتبعّض الصفقة إن لم يكن حصل منهما تفريط في تأخير القبض، وإلّا فلا ولو اختصّ أحدهما بعدم التفريط، اختصّ بالخيار.

قوله: «ولو وكّل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرّقهما صح» إلى آخره.

الضابط في ذلك أنّ المعتبر حصول التقابض قبل تفرّق المتعاقدين، فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين اعتبر قبضه قبل تفرّق المتعاقدين، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين.

ص: 250


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 416، الفرع «ط» من المسألة 202.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 269 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- الكافي، ج 5، ص 247 - 248، باب الصروف، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 99 - 100 ، ح 430.

• ولو اشترى منه دراهم ثمَّ ابتاع بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصحّ الثاني ،ولو افترقا بطل العقدان.

•ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صحّ وإن لم يتقابضا، وكذا لو كان له دنانير فاشتری بها دراهم؛ لأنّ النقدين من واحدٍ.

--------------

ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس، أو تقابض المالكين قبل تفرّق الوكيلين.

قوله: «ولو اشترى منه دراهم ثمّ ابتاع بها دنانير - إلى قوله - بطل العقدان».

إنّما لم يصحّ الثاني؛ لأنّ ملك العوض في الصرف موقوف على التقابض ولم يحصل، فيكون قد باع ثانياً ما لم يصر ملكاً له.

ويجيء على القول بالمنع من بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه وجهٌ آخَر لعدم الصحّة هنا. وبذلك يظهر بطلان العقدين لو افترقا قبله، هذا قول الأكثر.

وفصّل ابن إدريس هنا فقال:

إن كان النقد المبتاع أوّلاً معيّناً صحّ العقد الثاني إذا تقابضا في المجلس، وإن كان في الذمّة بطل الثاني؛لأنّه ديْنٌ بديْنٌ (1).

وينبغي القول بالصحّة مطلقاً إذا تقابضا قبل التفرّق، وغاية ما يحصل في البيع الثاني أن يكون فضوليّاً، فإذا لحقه القبض صحّ، وسيأتي أنّ بيع الديْن بالديْن على هذا الوجه غير ممتنع (2).

قوله: «ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صحّ - إلى قوله _ لأنّ النقدين من واحدٍ». هذا التقدير مصحِّح لهذه المسألة؛ لأنّ ما في الذمّة بمنزلة المقبوض، وهو وارد في المسألة السابقة أيضاً، إلّا أنّ هذه انفصلت عن تلك بأنّ ما في الذمة أوّلاً كان ثابتاً مستقرّاً

ص: 251


1- السرائر، ج 2، ص 267 - 268.
2- سيأتي في ص 266 وما بعدها.

ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد ولو تقابضا، ويجوز في الجنسين.

ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور، وجيّد الجوهر ورديئه.

--------------

بخلاف السابقة، فإنّ الدراهم المشتراة أوّلاً لم تستقرّ في الذمّة بسبب توقّفه على القبض، فلم يكن حصول النقدين من واحدٍ كافياً.

واعلم أنّ المصنّف فرض المسألة فيمن اشترى دنانير ممّن عليه الدراهم، فيبقى موضع الإشكال فيها اشتراط التقابض أو الاكتفاء بالعقد.

وجماعة من الأصحاب(1) فرضوها - تبعاً للرواية (2)- فيمن قال لمن في ذمّته الدراهم: حوّلها إلى دنانير، وحكموا بالتحوّل وإن لم يتقابضا؛ لعلّة أنّ النقدين من واحد.

وأنكر ذلك ابن إدريس (3) من حيث عدم التقابض، ومن أنّ مجرد هذا الأمر لا يقتضي التحوّل.

وربما بنوا حكمهم على مقدّماتٍ يلزم من صحّتها صحّة الحكم هنا:

الأُولى: أنّ الأمر بالتحويل توكيل فى تولّى طرفي العقد، فإنّ التوكيل لا ينحصر في لفظ.

الثانية: أنّه يصحّ تولّي طرفي العقد من الواحد.

الثالثة : أنّه يصحّ أيضاً تولّيه طرفي القبض.

الرابعة: أنّ ما في الذمّة مقبوض.

الخامسة: أنّ بيع ما في الذمّة للغير من الديْن الحالّ بثمنٍ في ذمّته ليس بيع ديْنٍ بديْنٍ.

السادسة: أنّ الوكيل في البيع إذا توقّفت صحّته على القبض يكون وكيلاً فيه، وإلّا فإنّ مطلق التوكيل في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض، فإذا سُلّمت هذه المقدّمات صحّت المسألة.

ص: 252


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 380؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 255.
2- الكافي، ج 5، ص 245 ، باب الصروف، ح 2 ، وص 247، ح :12 الفقيه، ج 3، ص 291، ح 4049؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 102، ح 411.
3- السرائر، ج 2، ص 265.

•وإذا كان في الفضّة غشٌّ مجهول لم تبع إلّا بالذهب أو بجنسٍ غير الفضّة، وكذا الذهب، •ولو علم جاز بيعه بمثل جنسه مع زيادةٍ تقابل الغشّ. •ولا يباع تراب معدن الفضّة بالفضّة احتياطاً، ويباع بالذهب، وكذا تراب معدن الذهب.

--------------

قوله: «إذا كان فى الفضّة غشٌّ مجهول لم تبع إلّا بالذهب (1)» إلى آخره.

هذا مبنيٌّ على الغالب من أنّ المغشوش لا يباع بوزنه خالصاً؛ لأنّ البيع مبنيّ على المكايسة والمغالبة، فلا يدفع المشتري بوزن المغشوش صافياً، وإلّا فلو فُرض وقوع ذلك صحّ بيعه بجنسه أيضاً، بل متى علم زيادة الخالص عن مجانسه المغشوش صحّ وإن لم يبلغ قدر المجموع من النقد والغشّ.

قوله: «ولو علم جاز بيعه بمثل جنسه مع زيادةٍ تقابل الغشّ».

وكذا لو جهل كما بيّناه، بأن جهل قدره ولكن علم أنّه لا يزيد عن النصف، فيجوز بيعه بزيادةٍ يسيرةٍ عن النصف من جنسه، ويصرف الزائد إلى مقابلة الغشّ.

ومعنى قوله «تقابل الغشّ» أن تكون الزيادة على النقد يصلح عوضاً في مقابلة الغشّ بحيث يتموّل وإن لم تقابله قيمةً.

قوله: «ولا يباع تراب معدن الفضّة بالفضّة احتياطاً، ويباع بالذهب».

أي للاحتياط في التحرّز من الربا إذا بِيع بجنسه؛ لجواز زيادة أحدهما على الآخَر؛ إذ الفرض كون النقد مجهولاً. ولو بيع التراب هنا بمساويه نقداً لم يصحّ، كما في المغشوش؛ لأنّ التراب لا قيمة له فيبقى الزائد في الثمن بغير عوضٍ.

وكما يجوز بيعه بالنقد الآخَر يجوز بمخالفهما بطريق أولى؛ لأنّه أبعد عن الربا. وكان عليه أن يذكره أيضاً.

ص: 253


1- في حاشية «و»: «لو قال «في المغشوش» كان أولى. وسيأتي في عبارته في مسألة الطازج، والغلّة نحو ما قلناه. (منه رحمه الله)». يأتي في ص 262 و 268 .

•ولو جمعا في صفقةٍ جاز بيعهما بالذهب والفضّة معاً.

•ويجوز بيع جوهر الرَصاص والصُفر بالذهب والفضّة وإن كان فيه يسير فضّةٍ أو ذهبٍ؛ لأنّ الغالب غيرهما.

--------------

قوله: «ولو جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضّة معاً».

الظاهر من المعيّة كون الذهب والفضّة مجعولين معاً ثمناً واحداً، وجواز بيعهما بهما حينئذٍ واضح على أُصولنا؛ لانصراف كلّ واحدٍ إلى ما يخالفه.

وكذا يجوز بيعهما بأحدهما مع زيادة الثمن على مجانسه بحيث يقابل تراب معدن الآخر.

ولو بيعا بغيرهما صحّ أيضاً بطريق أولى، كما مرّ.

قوله: «ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضّة» إلى آخره.

في قوله «وإن كان فيه» لفّ ونشر مرتّب، أي وإن كان في جوهر الرصاص يسير فضّة، وفي جوهر الصفر يسير ذهب.

ولا يشترط العلم بزيادة الثمن عن ذلك اليسير ؛ لأنّه مضمحلّ وتابع غير مقصودٍ بالبيع ، فأشبه الحلية على سقوف الجدران، ولحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج عن

الصادق علیه السلام(1).

وما ذكرناه من التعليل أجود من تعليل المصنّف بأنّ الغالب غيرهما، فإنّ مجرّد الأغلبيّة غير كافٍ في جواز البيع بذلك النقد كيف اتّفق،حتّى لو كان الخليط عشراً يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه إلّا مع زيادة الثمن عليه بحيث تقابل الآخَر، كما مرّ (2).

وكأنّه أراد الغلبة المستولية على النقد بحيث اضمحلّ معه مجازاً، كما تجوّزوا في قولهم في باب الأحداث: النوم الغالب على الحاسّتين.

والرصاص بفتح أوّله، والصفر بضمّه.

ص: 254


1- الكافي، ج 5، ص 248، باب الصروف، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 111 - 112، ح 481.
2- مرّ آنفاً.

•ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغشّ إذا كانت معلومة الصرف بين الناس، وإن كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها إلّا بعد إبانة حالها.

مسائل عشر :

الأولى: • الدراهم والدنانير تتعيّنان، فلو اشترى شيئاً بدراهم أو دنانير لم يجز دفع غيرها ولو تساوت الأوصاف.

--------------

قوله: «ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغشّ - إلى قوله إلّا بعد إبانة حالها».

المراد بكونها معلومة الصرف كونها متداولةً بين الناس مع علمهم بحالها، فإنّه يجوز حينئذٍ إخراجها وإن لم يعلم بقدر ما فيها من الغشّ، فلو كانت مجهولة الصرف، بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها، وجب على مخرجها إبانة حالها، بأن يقول: إنّها مغشوشة، وإن لم يبيّن قدر غشّها .

ولو أخرجها من دون الإعلام على الجاهل بحالها جاز له ردّها إذا علم، ولو لم يردّها بقي في ذمّة المخرج لها قدر التفاوت بينها وبين النقد المطلوب.

ولا يخفى أنّ المراد هنا الغشّ المعتبر، دون ما يستهلك لقلّته، نبّه عليه في التذكرة (1).

قوله: «الدراهم والدنانير تتعيّنان فلو اشترى شيئاً بدراهم أو دنانير لم يجز» إلى آخره.

هذا موضع وفاقٍ بين أصحابنا وأكثر مَنْ خالفنا؛ لعموم الأمر بالإيفاء بالعقود (2)، فإذا اشتملت على التعيين لم يتمّ الوفاء بها إلّا بجميع مشخّصاتها، ولأنّ المقتضي لتعيّن العروض العقد، وهو حاصل في الثمن، فيتعيّن كالعرض، فعلى هذا يجب دفع العين، ولا يجوز

هو إبدالها.

ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع، ولم يكن له دفع عوضها وإن ساواه مطلقاً، ولا للبائع طلبه.

وإن وجد البائع بها عيباً لم يستبدلها، بل إمّا أن يرضى بها أو يفسخ العقد.

ص: 255


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 424 المسألة 213 .
2- المائدة (5): 1 .

الثانية: • إذا اشترى دراهم بمثلها معيّنةً•فوجد ما صار إليه من غير جنس الدراهم كان البيع باطلاً، وكذا لو باعه ثوباً كتّاناً فبانَ صوفاً.

--------------

ونبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة، حيث ذهب إلى أُنّها لا تتعين بالعقد، بل بالقبض، وأثبت به نقيض هذه الأحكام (1).

قوله: «إذا اشترى دراهم بمثلها معيّنة».

الثمن والمثمن إمّا أن يكونا معيّنين أو مطلقين أو مختلفين، فالأقسام أربعة، ثمَّ إمّا أن يظهر العيب فيهما أو في أحدهما، بحيث يكون جميعه معيباً أو بعضه، ثمَّ إمّا أن يكون العيب من الجنس أو من غيره، ثمَّ إمّا أن يكون الظهور قبل التفرّق أو بعده، فالصُور ستّ وتسعون صورةً.

وهذه المسألة قد اشتملت على حكم المعيّن منها، وهي ثمان وأربعون، والتي بعدها اشتملت على حكم غير المعيّن، ومنهما يُعلم حكم ما لو تفرّقا فيه.

وكلّ هذه الأحكام متفرعة على تعيّنهما بالتعيين.

قوله: «فوجد ما صار إليه من غير جنس الدراهم كان البيع باطلاً».

كما لو ظهرت الدراهم رصاصاً أو نحاساً.

ووجه بطلان البيع ظاهر؛ لأنّ ما وقع عليه العقد غير مقصود بالشراء، فيقع العقد باطلاً؛ التخلّف القصد عمّا وقع عليه العقد.

ولا فرق في ذلك بين الصرف وغيره، كما أشار إليه المصنّف بقوله«وكذا لو باعه ثوباً كتّاناً فبانَ صوفاً».ومثله ما لو باعه بغلةً فظهرت فرساً ، ونحو ذلك. فيجب هنا ردّ الثمن، وليس له الإبدال؛ لوقوع العقد على عينٍ شخصيّةٍ، فلا يتناول غيرها، ولا الأرش؛ لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين.

ص: 256


1- حلية العلماء، ج 4، ص 156؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 184، المسألة 2848؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 190.

•ولو كان البعض من غير الجنس بطل فيه حسب، وله ردّ الكلّ؛ لتبعض الصفقة، وله أخذ الجيّد بحصّته من الثمن، وليس له بدله؛ لعدم تناول العقد له.

• ولو كان الجنس واحداً وبه عيب ، كخشونة الجوهر أو اضطراب السكّة كان له ردّ الجميع أو إمساكه، وليس له ردّ المعيب وحده ولا إبداله؛ لأن العقد لم يتناوله.

--------------

قوله: «ولو كان البعض من غير الجنس بطل فيه حسب، وله ردّ الكلّ» إلى آخره.

هذا الحكم واضح بنحو ما قلناه سابقاً، وحيث يأخذ المشتري الجيّد بحصّته من الثمن يتخيّر البائع أيضاً مع جهله بالعيب؛ لتبعّض الصفقة، كما يتخيّر المشتري. وإنّما فرض خيار التبعيض للمشتري؛ بناءً على الظاهر من أنّ المشتري يجهل بالعيب دون البائع؛ لثبوته في ملكه، واطّلاعه على أحواله، فلو فُرض خلاف ذلك بأن اشتراه وكيله وباعه بسرعة من غير تأمّلٍ، أو كان العيب ممّا يخفى على مثله، ثبت له الخيار، كما أنّ المشتري لو اطّلع عليه فلا خيار له.

قوله: «ولو كان الجنس واحداً وبه عيب - إلى قوله - لأنّ العقد لم يتناوله».

إذا كان العيب من الجنس كما مثّله المصنّف ومنه ظهور السكّة مخالفةً لسكّة السلطان حيث تكون هي الغالب في المعاملة والمقصودة بها، ونحو ذلك، فإن كان العيب شاملاً للجميع تخيّر المشتري بين ردّه أجمع وإمساكه، وليس له ردّ البعض؛ لتبعّض الصفقة على صاحبه، ولا الإبدال؛ للتعيين.

وإن كان مختصّاً بالبعض تخيّر أيضاً بين ردّ الجميع وإمساكه.

وهل له ردّ المعيب وحده ؟ قيل: لا؛ لإفضائه إلى تبعّض الصفقة على الآَخر، فيمنع منها كما لو كان بأجمعه معيباً، فإنّ كلّ جزء منه موجب للخيار، وبه قطع المصنّف وجماعة (1).

ص: 257


1- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 25؛ والخلاف، ج 3، ص 68، المسألة 112؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 317، الرقم 3216؛والصيمري في تلخيص الخلاف، ج 2، ص 31، المسألة 95 .

الثالثة: • إذا اشترى دراهم في الذمّة بمثلها ووجد ما صار إليه غير فضّةٍ قبل التفرّق كان له المطالبة بالبدل، وإن كان بعد التفرّق بطل الصرف.

•ولو كان البعض بطل فيه وصحّ في الباقي.

--------------

وقيل: له الاقتصار على ردّ المعيب (1)؛ لانتقال الصحيح بالبيع ،وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب لا يوجب فسخ البيع فيه، ورجّحه في التذكرة (2).

وأمّا الأرش فهو منفيٌّ في جميع هذه الصُوَر؛ لأنّها مفروضة في بيع الفضّة بالفضّة، وهما متجانسان متساويان في القدر، فلو أخذ أرش المعيب لزم زيادة قدر المعيب عن الصحيح، ولا يجبره عيبه الجنسي؛ لِما عرفت من أنّ جيّد الجوهر ورديئه جنس واحد.

نعم، لو كانا مختلفين كالدراهم بالدنانير جاز له اختيار الأرش أيضاً ما داما في المجلس ،فإن فارقاه لم يجز أن يأخذ من الأثمان لئلّا يُعدّ صَرفاً بعد التفرّق، ويجوز من غيرها.

قوله: «إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها» إلى آخره.

إنّما كان له البدل هنا لأنّ العوض في الذمّة، وهو أمر كلّي، والمدفوع لمّا لم يكن من الجنس امتنع كونه أحد العوضين، فيطالب بحقّه؛ لانتفاء المانع حيث لم يحصل التفرّق قبل القبض.

ووجه البطلان مع التفرّق فوات شرط صحّة الصرف، وهو التقابض قبله.

قوله: «ولو كان البعض بطل فيه وصحّ في الباقي».

أي ظهر كون البعض من غير الجنس وكان تبيّنه بعد التفرّق، فإنّه يبطل فيه؛ لما مرّ(3).

ولو كان قبله طالب بالبدل، وهو غير داخلٍ في العبارة، ولو قال: «ولو كان البعض اختصّ بالحكم» لكان أشمل وأخصر.

ص: 258


1- هو أحد قولَي الشافعي راجع حلية العلماء، ج 4، ص 156: والعزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 284؛ وروضة الطالبين، ج 3، ص 155 - 156.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 429،المسألة 216.
3- مرّ في ص 256 - 257.

•وإن لم يخرج بالعيب من الجنسيّة كان مخيّراً بين الردّ والإمساك بالثمن من غير أرشٍ، وله المطالبة بالبدل قبل التفرّق قطعاً، وفيما بعد التفرّق تردّد.

الرابعة: • إذا اشتری دیناراً بدینارٍ و دفعه فزاد زيادة لا تكون إلّا غلطاً أو تعمّداً، كانت الزيادة في يد البائع أمانةً، وكانت للمشتري في الدينار مشاعة.

--------------

قوله: «وإن لم يخرج بالعيب من الجنسيّة - إلى قوله - وفيما بعد التفرّق تردّد».

أمّا التخيّر فللعيب، وأمّا عدم الأرش فلاستلزامه الربا، وحيث كان ما في الذمّة أمراً كلّيّاً محمولاً على الصحيح كان له إبداله قبل التفرّق قطعاً ؛ لأنّ المقبوض لا يقصر عن عدمه، وأمّا بعده ففيه تردّد من حيث إنّ الإبدال يقتضي عدم الرضى بالمقبوض قبل التفرّق، فإنّ الأمر الكلّي الثابت في الذمّة قد وُجد في ضمن البدل الحاصل بعد التفرق، فيؤدّي إلى فساد الصرف، فلا يصحّ البدل، ومن تحقّق التقابض في العوضين قبل التفرّق؛ لأنّ المقبوض وإن كان معيباً فقد كان محسوباً عوضاً؛ لأنّ العيب من الجنس، فلا يخرج عن حقيقة العوض المعيّن، غايته كونه بالعيب الجنسي مفوّتاً لبعض الأوصاف، واستدراكه ممكن بالخيار، ومن ثمَّ لو رضي به استقرّ ملكه عليه، ونماؤه له على التقديرين، فإذا فسخ رجع الحقّ إلى الذمّة، فيتعيّن حينئذٍ عوضاً صحيحاً.

وقد ظهر بذلك أنّ التفرّق قبل قبض العوض الصحيح لا يقدح في المعاوضة، وكذا لا يقدح الفسخ الطارئ، وهذا هو الأقوى، لكن هل يجب قبض البدل في مجلس الردّ؛ بناءً على أنّ الفسخ رفع العوض، وصيّر الفسخ عوض الصرف غير مقبوضٍ، فإذا لم يقدح في صحّة السابقة يتعيّن القبض حينئذٍ ليتحقّق التقابض. أو يسقط اعتباره، من حيث صدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحّة، والأصل براءة الذمّة من وجوب قبضٍ آخَر؛ ولأنّ الصرف قد حكم بصحته بالقبض السابق، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل؟ وجهان، أجودهما الثاني. وقد ظهر ممّا قلناه وجه الترجيح.

قوله: «إذا اشترى ديناراً بدينارٍ ودفعه - إلى قوله للمشتري في الدينار مشاعة».

المراد أنّه اشترى ديناراً في الذمّة بدينارٍ كذلك وإن كان قوله: «ودفعه» قد يوهم التعيّن؛

ص: 259

--------------

إذ لو كانا معيّنين لبطل الصرف، من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادةٍ عينيّة.

وكذا لو كان الزائد معيّناً، والمطلق مخصوصاً بقدرٍ ينقص عن المعيّن بحسب نوعه.

والحكم بكون الزائد أمانةً هو أجود القولين؛ لأصالة البراءة من الضمان، ولأنّه لم يقبضها بسببٍ مضمون من سومٍ ولا غصب ولا بيع فاسد، وإنّما قبضها بإذن مالكها، فيكون كالودعي.

والقول الآخَر: إنّها تكون مضمونةً ؛ لأنّه قبضه على أنّه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة فيكون مضموناً، نظراً إلى مقتضى العقد، ولأنّه أقرب إلى الضمان من المقبوض بالسوم، ولعموم:«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1).

وفيه أنّ قبضه على نيّة العوض غير قادحٍ مع ظهور عدمه، ومقتضى العقد لم يدلّ على ضمان غير العوضين، وكونه أقرب من المقبوض بالسَوم إنّما يجري لو سُلّم كون المقبوض بالسوم مضموناً، وهو محلّ النزاع، وعموم الخبر بحيث يشمل محلّ النزاع في حيّز المنع ،فإنّ الثابت على الآخذ بمقتضى الخبر غير مبيّنٍ، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ نحوه إلى أن تؤدّي، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد مع عدم الحكم بضمانها، وإنّما القدر المتّفق عليه وجوب حفظها.

ونبّه بقوله «لا تكون إلّا غلطا أو تعمّداً» على التسوية بين الأمرين في الأمانة، وهو في صورة التعمّد محلّ وفاقٍ، ولأنّه وكيل له ونائب في الحفظ.

ثمَّ الأمانة في الصورتين - على تقديرها - مختلفة، فعلى تقدير التعمّد هي أمانة مالكية لا يجب ردّها إلّا مع طلب مالكها وإن وجب حفظها، وعلى تقدير الغلط هي شرعيّة وإن كانت مدفوعةً من المالك؛ لعدم علمه بها، فيكون كما لو أعاره صندوقاً فوجد فيه متاعاً، فإنّه يكون أمانةً شرعيّةً، مع استناد دفعه إلى المالك؛ نظراً إلى جهله به.

ويحتمل كونها مالكيّةً؛ نظراً إلى استناد دفعها إليه وتعريفها المشهور بينهم صادق على محلّ النزاع؛ لأنّهم جعلوا مناطها كونها مستندةً إلى المالك أو مَنْ هو في حكمه.

ص: 260


1- تقدّم تخريجه في ص 44، الهامش 2.

الخامسة: • روي جواز ابتياع درهمٍ بدرهمٍ مع اشتراط صياغة خاتم، وهل يتعدّى الحكم ؟ الأشبه لا.

--------------

وتظهر الفائدة في وجوب ردّها على الفور أو إعلام المالك بها، فإنّ ذلك من أحكام الأمانة الشرعيّة.

ثمَّ على تقدير الغلط إمّا أن يتبيّن الحال قبل التفرّق أو بعده، فإن كان قبله فلكلِّ منهما استرداد الزائد وإبداله، وليس للآخَر الامتناع تحرّزاً من الشركة، وإن كان بعد التفرّق، فإن جوزنا الإبدال للمعيب من الجنس - كما مرّ(1)- فكذلك، وإلّا ثبت الخيار لكلّ واحدٍ منهما؛لعيب الشركة.

ولو كانت الزيادة يسيرةً بسبب اختلاف الموازين فهي للقابض.

قوله: «روي جواز ابتیاع درهمٍ بدرهمٍ مع اشتراط صياغة خاتم» إلى آخره.

هذه الرواية رواها أبو الصباح الكناني عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأُبدّل لك درهماً طازجيّاً بدرهم غلّة، قال: «لا بأس»(2).

وقد اختلفوا في تنزيل هذه الرواية والعمل بمضمونها. فالشيخ (رحمه الله) عمل بها في البيع المذكور في الكتاب، وعدّاها إلى اشتراط غير صياغة الخاتم (3)؛ نظراً إلى تضمّن الرواية جواز الصياغة مع البيع، وعدم الفرق بينها وبين غيرها من الشروط.

وكذلك ابن إدريس، إلّا أنّه نظر من جهةٍ أُخرى، وهي أنّ الصياغة ليست زيادةً عينيّةً، والممتنع في الربا هي خاصّة، دون الحكميّة (4)؛

والمصنّف (رحمه الله) وجماعة (5)نقلوها بلفظ «روی» متردّدين فيها.

ص: 261


1- مرّ في ص 257 .
2- الكافي، ج 5، ص 249. باب الصروف، ح 20؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 110 ، ح 471.
3- النهاية، ص 381 .
4- السرائر، ج 2، ص 267 .
5- منهم العلامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 368: وقواعد الأحكام، ج 2، ص 41 .

السادسة • الأواني المصوغة من الذهب والفضّة إن كان كلّ واحدٍ منهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادةٍ، وبغير الجنس وإن زاد، وإن لم يعلم وأمكن تخليصهما لم تبع بالذهب ولا بالفضّة، وبِيعت بهما أو بغيرهما، وإن لم يمكن وكان أحدهما أغلب بِيعت بالأقلّ، وإن تساويا تغليباً بِيعت بهما.

--------------

والحقّ أنّها لا دلالة لها على مدّعاهم من جواز بیع درهمٍ مطلقاً بدرهمٍ مع شرط الصياغة، بل إنّما تضمّنت جعل إبدال الدرهم المذكور فيها بالدرهم شرطاً في الصياغة، لا البيع بشرط الصياغة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الإبدال يرجع إلى الصرف، وإنّه لا فرق بين الزيادة إذا جُعلت شرطاً في الربوي، وبين جعل الربوي شرطاً فيها، مع حصولها في الحالين.

وأجود ما تنزّل عليه الرواية أنّها تضمّنت إبدال درهمٍ طازج بدرهم غلّة، مع شرط الصياغة من جانب الغلّة، ومع ذلك لا تتحقّق الزيادة؛ لأنّ الطازج - على ما ذكره بعض أهل اللغة (1)، ونقله جماعة من الفقهاء (2)- : الدرهم الخالص، والغلّة غيره، وهو المغشوش. وقد تطلق الغلّة على المكسّرة، ولكن هنا يتمّ مع التفسير الأوّل؛ لأنّ الزيادة الحكميّة مشروطة مع المغشوش، وهي تقابل بما زاد في الخالص عن جنسه في المغشوش.

وهذا الوجه لا مانع منه في البيع وغيره، وفي شرط صياغة خاتم، وغيره من الصنائع والأعيان، فعلى هذا يصحّ الحكم ويتعدّى.

وأمّا ما أطلقوه فالمنع إليه متوجّه، سواء فيه شرط الصياغة وغيرها؛ للإجماع على المنع من الزيادة العينيّة، وكذا الحكميّة على المذهب الحقّ، ولا دليل يعارض ذلك على ما عرفت من الرواية.

قوله: «الأواني المصوغة من الذهب والفضّة - إلى قوله - وإن تساويا تغليباً بِيعت بهما». قد عرفت من القواعد السالفة أنّ المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسهما مطلقاً،

ص: 262


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 123؛ لسان العرب، ج 2، ص 317، «طزج».
2- منهم الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 58 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 202؛ وحاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 151 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 11).

--------------

وبهما معاً، سواء علم قدر كلّ واحدٍ من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة، وسواء أمكن تخليصهما أم لا، وبكلّ واحدٍ منهما إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح ثمناً للآخَر وإن قلّ، سواء أمكن التخليص أم لا، وسواء علم قدر كلّ واحدٍ أم لا.

وهذه المسألة جزئيٌ من جزئيّات القاعدة، وما ذكره فيها من الحكم كلام الشيخ (رحمه الله)(1)، وتبعه عليه جماعة (2)، وهو محتاج إلى التنقيح في جميع أقسامه كما لا يخفى.

ولتنبّه منه على أمورٍ:

الأوّل: قوله : «إن كان أحدهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادةٍ، وبغير الجنس وإن زاد».

إن أراد من بيعه بيع ذلك الجنس خاصّةً فهذا لا وجه له؛ لأنّ المبيع إنّما هو المركّب منهما لا الجزء ،فلا معنى لإفراده بالبيع، وإن كان المراد به المجموع اشترط في بيعه بجنس أحدهما زيادة الثمن على جنسه لتقابل الآخَر، وإن أراد بيع المجموع بجنسه - أي بالجنسين معاً - فلا وجه لاشتراط عدم زيادته أيضاً؛ لانصراف كل جنس إلى مخالفه، فيجوز زيادته ونقصانه، ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم قدر كلّ واحدٍ منهما أو يجهل كما مرّ (3)، فلا وجه للتقييد بالعلم بهما.

الثاني: قوله: «وإن لم يعلم وأمكن تخليصهما لم تبع بالذهب ولا بالفضّة، وبيعت بهما أو بغير هما».

فيه أنّ بيعه بوزنه ذهباً أو فضة جائز مطلقاً، وكذا مع زيادة الثمن على قدر المركّب.

ويمكن جوازه مع نقصانه إذا علم زيادة الثمن على جنسه بما يتموّل، فمنعه من بيعه

ص: 263


1- النهاية، ص 383 .
2- منهم ابن إدريس في السرائر ، ج 2، ص 271 ؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعية ، ج 2، ص 316، الرقم 3213.
3- مرّ قريباً.

السابعة • المراكب المحلّاة إن علم ما فيها بِيعت بجنس الحلية، بشرط أن يزيد الثمن عمّا فيها، أو توهب الزيادة من غير شرطٍ، وبغير جنسها مطلقاً.

--------------

بأحدهما على تقدير إمكان التخليص لا وجه له، بل يجوز حينئذٍ بيعه بهما وبأحدهما وبغيرهما، سواء أمكن التخليص أم لا.

الثالث: قوله:«وإن لم يمكن وكان أحدهما أغلب بِيعت بالأقلّ».

فيه :أنّه يجوز بيعه بهما وبغيرهما وبالأقلّ والأكثر إذا علم زيادة الثمن على جنسه، كما مرّ(1)، فالتقييد بالأقلّ عارٍ عن النكتة.

واعتذر الشهيد (رحمه الله) لهم عن ذلك بأنّ ذكر الأقلّ محافظة على طلب الزيادة (2).

ولا يخفى أنّ الزيادة المعتبرة في الثمن عن جنسه يمكن تحقّقها مع الأقلّ والأكثر، ومع ذلك فالإرشاد إلى الزيادة غير كافٍ في التخصيص الموجب لتوهّم المنع من غيره.

الرابع: قوله: «وإن تساويا تغليباً بِيعت بهما».

فيه: أنّه مع تساويهما يجوز بيعه بهما، وبأحدهما مع الزيادة، وبغيرهما، فلا وجه للتخصيص بهما.

ولا فرق في ذلك أيضاً بين إمكان التخليص وعدمه، ولا بين العلم بقدر كلّ واحدٍ منهما وعدمه، بل المعتبر العلم بالجملة.

ويمكن فرض العلم بتساويهما مع جهالة قدر كلّ واحدٍ منهما ، بأن يكون معهما ثالث من نحاسٍ وغيره، بحيث يوجب الجهل بقدرهما مع العلم بتساويهما قدراً. وفي قوله «وإن تساويا تغليباً» تجوّز، فإنّ التغليب لا يكون إلّا مع زيادة أحدهما، لا مع تساويهما.

قوله: «المراكب المحلّاة إن علم ما فيها بِيعت - إلى قوله - وبغير جنسها مطلقاً».

ص: 264


1- مرّ آنفاً.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 271 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)

•وإن جهل ولم يمكن نزعها إلّا مع الضرر بِيعت بغير جنس حليتها، وإن بِيعت بجنس الحلية قيل: يجعل معها شيء من المتاع، وتباع ،بزيادةٍ عمّا فيها تقريباً؛ دفعاً لضرر النزع.

--------------

الكلام في هذه المسألة نحو ما تقدّم، فإنّه مع العلم بقدر الحلية يجوز بيعها بغير جنسها مطلقاً، وبجنسها مع الزيادة.

وكذا يجوز ذلك مع الجهل بقدرها إذا علم زيادة الثمن عن الحلية، فإنّه يمكن تصوّر العلم بالزيادة وإن جهل القدر.

ولا فرق في ذلك بين إمكان نزعها وعدمه.

وقوله «من غير شرطٍ» أي من غير شرط الاتّهاب في عقد البيع؛ لاستلزامه الزيادة في أحد الجنسين؛ لأنّ الشرط زيادة حكميّة، كما عرفت في اشتراط صياغة الخاتم.

وإنّما يصحّ مع شرط هبة الزيادة إذا وقع البيع بالثمن على الحلية خاصّةً، إذا فُرضت قدره، أو زائدة على قدره، كما لا يخفى.

ولو وهبه الزائد قبل البيع صحّ أيضاً، ويجب تجريده عن شرط بيع الباقي بمثله، كما لو تأخّرت الهية.

قوله: «وإن جهل ولم يمكن نزعها - إلى قوله - دفعاً لضرر النزع».

قد عرفت ممّا سلف(1)أنّه مع الجهل بقدرها يجوز بيعها بغير جنس حليتها مطلقاً، وبجنسها مع العلم بزيادة الثمن عليها، فإنّه قد يفرض سواء جعل معها شيء أم لا، ومع عدم العلم بزيادته عليها إذا ضمّ إليه شيء ليصرف الثمن إلى غير الحلية والضميمة إليها.

وأمّا قوله «قيل: يجعل معها شيء» فأشار به إلى قول الشيخ (رحمه الله)، فإنّه ذكر ذلك وجعل الضمير مؤنثاً (2)كما هنا، وظاهره أنّ الضميمة تكون مع الحلية، وحينئذٍ يظهر ضعف

ص: 265


1- سبق في ص 262 وما بعدها.
2- النهاية، ص 384.

الثامنة : • لو باع ثوباً بعشرين درهماً من صرف العشرين بالدينار لم يصحّ؛ لجهالته.

--------------

القول، فمن ثَمَّ ذكره بصيغة «قيل»؛ لأنّ ضميمة شيءٍ إلى المركّب(1) توجب الضرر (2)، حيث يحتاج إلى مقابلة الثمن بها مع الباقي، وإنّما المحتاج إلى الضميمة الثمن.

والشيخ تبع في ذلك روايةً (3). وردت بهذه الصيغة ونُسبت إلى وَهْم الراوي، وأنّ الصواب «معه».

واعتذر له الشهيد (رحمه الله) بأنّه أراد أنّ بيعها منفردة لا يجوز، فيضمّ إليها المحلّى أو شيئاً آخَر، أو يضمّ إليها وإلى المحلّى؛ تكثيراً للثمن من الجنس (4).

وقد عرفت أنّ ذلك كلّه مستغنىً عنه، فإنّ بيعها منفردةً - وإن كانت مجهولةً - بالجنس يمكن مع العلم بزيادة الثمن عليها، سواء ضممنا إليها شيئاً أم لا.

وكان الأُولى عود الضمير إلى الثمن ولو بضربٍ من التجوّز ، فإنّه المحتاج إلى الضميمة إذا لم يعلم زيادته عن الحلية، لكن على تقدير إرادة الثمن-بتأويل الأثمان ونحوه - لا يلتئم (5)مع قوله بعد ذلك: «و تباع بزيادةٍ عمّا فيها تقريباً» لأنّه مع الضميمة إلى الثمن - والحال أنّ المحلّى منضمّ إلى الحلية - يستغني عن زيادة الثمن ؛ لانصراف كلٍّ من جزءي العوضين إلى المخالفة.

قوله: «لو باع ثوباً بعشرين درهماً من صرف العشرين بالدينار لم يصحّ؛ لجهالته».

تعليله المنع بالجهالة يقتضي إثباتها وإن وجد في المعاملة منها نوعٌ صرفه ذلك وعلم به. وبهذا التعميم صرّح في التذكرة ، حتّى قال لو كان نقد البلد صرف عشرين بدينار لم يصحّ

ص: 266


1- في «م»: «المراكب».
2- في بعض النسخ: «الغرر».
3- هي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج، كما في الكافي، ج 5، ص 251 ، باب الصروف، ح 29؛ وتهذيب الأحكام ج 7، ص 113، ح :487 والاستبصار، ج 3، ص 98، ح 337، وفيها: «معه» بدل «منها».
4- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 272 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
5- في «م»: «لا يتم».

التاسعة: • لو باع مائة درهم بدينار إلّا در هماً لم يصحّ؛ للجهالة،• وكذا لو كان ذلك ثمناً لِما لا ربا فيه.

ولو قدّر قيمة الدرهم من الدينار جاز؛ لارتفاع الجهالة.

--------------

أيضاً؛ لأنّ السعر يختلف، ولا يختصّ ذلك بنقد البلد (1).

ويشكل بأنّ المانع من الصحّة إنّما هو مجهوليّة الدراهم، وهي على هذا التقدير معلومة، والإطلاق منزَّل على نقد البلد أو الغالب إن تعدّد، فمتى كان نقد البلد معيّناً لذلك الصرف أو الغالب، أو عيّن نوعاً لذلك صحّ، وإلّا فلا.

قوله: «لو باع مائة درهم بدينار إلّا درهماً لم يصحّ؛ للجهالة».

هكذا أطلق الشيخ (2) وجماعة (3)، ويجب تقييده بجهالة نسبة الدرهم من الدينار، بأن جعله ممّا يتجدّد من النقد حالاًّ ومؤجَّلاً، أو من الحاضر مع عدم علمهما بالنسبة ،فلو علماها صحّ.

وإلى القيد أشار المصنّف بقوله«للجهالة»، وبقوله «ولو قدّر قيمة الدرهم من الدينار جاز؛ لارتفاع الجهالة» وأراد بالتقدير العلم بالنسبة وإن لم يصرّح بها، فإنّه مناط الصحّة وإن كان التصريح بالتقدير أولى بالصحّة.

وفي رواية السكوني عن الصادق عن عليّ علیه السلام في الرجل يشتري السلعة بدينارٍ غير درهم إلى أجل، قال: «فاسد، فلعلّ الدينار يصير بدرهم»(4) إشارة إلى أنّ العلّة هي الجهالة.

ولا فرق بين استثناء الدرهم من الدينار، وغيره منه، وغيره من غيره، فإنّ ضابط الصحّة في الجميع علم النسبة، والبطلان عدمه.

قوله: «وكذا لو كان ثمناً لِما لا ربا فيه».

ص: 267


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 442 - 443. الفرع «د» من المسألة 222.
2- المبسوط، ج 2، ص 30.
3- منهم ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 370 - 371؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 272.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 116، ح 502 .

العاشرة:•لو باع خمسة دراهم بنصف دينارٍ قيل: كان له شقّ دينارٍ، ولا يلزم المشتري صحيح، إلّا أن يريد بذلك نصف المثقال عرفاً. وكذا الحكم في غير الصرف.

--------------

بأن باعه ثوباً بدينار غير درهمٍ، فإنّ الحكم واحد في الصحّة مع علم النسبة، والبطلان لا معه. وقد روى حمّاد عن الصادق عن أبيه علیه السلام: «أنّه كره أن يشتري الثوب بدينارٍ غير درهمٍ؛ لأنّه لا يدري كم الدينار من الدرهم»(1) .

وهو محمول على جهالة النسبة كما يقتضيه التعليل، فلو علم بها صحّ.

قوله: «لو باع خمسة دراهم بنصف دينارٍ - إلى قوله - إلّا أن يريد بذلك نصف المثقال عرفاً».

القول للشيخ (رحمه الله )(2)، وهو حقٌّ؛ لأنّه حقيقة فيه لغةً، إلّا أن يدلّ العرف على غيره فيُحمل عليه، وأولى منه لو صرّح بإرادة الصحيح.

وقول المصنّف «إلّا أن يريد بذلك نصف المثقال عرفاً »أي نصفه صحيحاً وإن كان اللفظ أعمّ منه.

وكذا القول في نصف الدرهم وغيره من الأجزاء.

وحيث كان الإطلاق منزّلاً على الإشاعة إلّا مع دلالة العرف على خلافه، فلو اختلف العرف في أحدهما حُمل الإطلاق على الشقّ؛ إذ لا معارض للّغة، بسبب عدم انضباط العرف، خلافاً للتذكرة، حيث حَكَم بالبطلان هنا مع عدم التعيين؛للجهالة (3).

ولو باعه شيئاً آخَر بنصف دينارٍ آخَر فإن حملناه على الشقّ تخيّر بين أن يعطيه شقّی دينارين، ويصير شريكاً فيهما، وبين أن يعطيه ديناراً كاملاً، وإن حُمل على الصحيح لم يجب قبول الدينار الكامل .

ص: 268


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 116 ، ح 504.
2- المبسوط ، ج 2، ص 30 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 442 الفرع «ج» من المسألة 222.

•وتراب الصياغة يباع بالذهب والفضّة معاً، أو بعرضٍ غيرهما، ثمَّ يتصدّق به؛ لأنّ أربابه لا يتميّزون.

--------------

قوله: «وتراب الصياغة يباع بالذهب والفضّة معاً، أو بعرضٍ غيرهما، ثمَّ يتصدّق به؛ لأنّ أربابه لا يتميّزون». إنّما وجب بيعه بهما حذراً من الربا لو بِيع بأحدهما؛ لجواز زيادة ما فيه من جنس الثمن عنه، أو مساواته له، وعلى هذا لو علم زيادة الثمن عن جنسه صحّ بيعه بأحدهما خاصّةً.

والعرْض - بفتح العين وسكون الراء - غير الدراهم والدنانير من الأمتعة والعقار ،فالوصف بكونه غيرهما موضّح ؛ إذ العرض لا يكون إلّا غيرهما.

وقوله « ثمَّ يتصدّق به» معلّلاً بأنّ أربابه لا يتميّزون، محمول على ذلك، فلو تميّزوا بأن كانوا منحصرين ردّه إليهم.

ولو كان بعضهم معلوماً فلا بدّ من محاللته ولو بالصلح؛ لأنّ الصدقة بمال الغير مشروط باليأس من معرفته، وعلى هذا فيجب التخلّص من كلّ غريم يعلمه، وذلك يتحقّق عند الفراغ من عمل كلّ واحدٍ، فلو أخّر حتّى صار مجهولاً أثم بالتأخير، ولزمه ما ذُكر من الحكم.

ولا يتعيّن بيعه قبل الصدقة_كما يشعر به ظاهر العبارة - بل يتخيّر بين وثمنه، وإنّما ذكر البيع لينبه على تعيين الطريق إلى بيعه، سواء أراد الصدقة أم لا.

و مصرفه مصرف الصدقات الواجبة - وقيل : المندوبة(1) - وإن كانوا عياله، لا نفسه وإن كان الصائغ بالوصف مع احتماله.

ولو ظهر بعد الصدقة بعض المستحقّين ولم يرض بالصدقة ضمن حصّته ،مع احتمال العدم.

ولو دلّت القرائن على إعراض مالكه عنه جاز للصائغ تملّكه كغيره من الأموال المعرض عنها. والأصل في ذلك رواية عليّ بن ميمون الصائغ عن الصادق علیه السلام(2). ويلحق به أرباب باقي الحِرَف، كالحداد والخيّاط والطحّان والخبّاز.

ص: 269


1- قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 188.
2- الكافي، ج 5، ص 250، باب الصروف، ح 24؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 111، ح 479.

[الفصل] الثامن في بيع الثمار

والنظر في ثمرة النخل، والفواكه، والخضر، واللواحق.

•أمّا النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاماً، وفي جواز بيعها كذلك عامين فصاعداً تردّد، والمرويّ الجواز.

ويجوز بعد ظهورها وبدو صلاحها عاماً وعامين، بشرط القطع وبغيره، منفردةً ومنضمّةً.

--------------

الفصل الثامن في بيع الثمار

قوله: «أمّا النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاماً - إلى قوله - والمرويّ الجواز». لا خلاف في المنع من بيع الثمرة قبل ظهورها عاماً واحداً من غير ضميمةٍ.

والمشهور المنع مع الضميمة أيضاً حيث لا تكون الضميمة هي المقصودة بالبيع؛ لأنّه غرر. وأمّا بيعها أكثر من عام فالمشهور عدم جوازه أيضاً، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع؛للغرر المنهيّ عنه (1).

ولرواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سئل عن النخل والثمرة يبتاعها الرجل عاماً واحداً قبل أن تثمر ؟ قال: «لا، حتّى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام إن شئت مع ذلك العام، أو أكثر من ذلك، أو أقلّ»(2)، ومفهوم الشرط

ص: 270


1- تقدّم تخريجه في ص 181، الهامش 1.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 91، ح 387؛ الاستبصار، ج 3، ص 88 - 89، ح 302 .

--------------

يدلّ على المنع من بيعها قبل ظهور الثمرة، وهو حجة عند المحققّين.

وقريب منها رواية أبي الربيع الشامي عنه علیه السلام (1). لكن في الرواية الأولى ضعف، والثانية من الحسن.

وأشار المصنّف (رحمه الله) بقوله «المرويّ الجواز» إلى صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شراء النخل، فقال: «كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمره، ولكن السنتين والثلاث، كان يقول: إن لم تحمل في هذه السنة حمل في السنة الأُخرى» وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن تطلع ،فيشتري سنتين أو ثلاث سنين أو أربعاً، فقال: «لا بأس، إنّما يكره شراء سنة واحدة قبل أن تطلع مخافة الآفة حتّى تستبين »(2).

وعمل بمضمون هذه الرواية الصدوق (رحمه الله )(3)، ويظهر من المصنّف الميل إليه.

وهو قويٌّ إن لم يثبت الإجماع على خلافه؛ لصحّة روايته، وترجيحها على ما يخالفها من الروايات، مع إمكان حمل روايات المنع على الكراهة؛ جمعاً.

والمراد بظهور الثمرة خروجها إلى الوجود وإن كانت في طلعها.

وفي حديث سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: «لا، إلّا أن يشتري معها غيرها رطبةً أو بقلاً، وإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل»(4) تنبيه على أنّ المراد بالظهور ما يشمل خروجه في الطلع، وفيه دليل على جواز بيعه عاماً مع الضميمة، إلّا أنّه مقطوع، وحال سماعة مشهور.

والمراد بالعام هنا ثمرة العام وإن وُجدت في شهر واحدٍ أو أقلّ.

ص: 271


1- الفقيه، ج 3، ص 249، ح 3906؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87، ح 372؛ الاستبصار، ج 3، ص 86 ، ح 293 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 87 - 88 ، ح 373؛الاستبصار، ج 3، ص 86 ، ح 292 .
3- المقنع، ص 366.
4- الكافي، ج 5، ص 176 ، باب بيع الثمار وشرائها، ح 7؛ الفقیه، ج 3، ص 212، ج 3792؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84. ح 360؛ الاستبصار، ج 3، ص 86 - 87 ، ح 295 .

•ولا يجوز بيعها قبل بدّو صلاحها عاماً، إلّا أن يضمّ إليها ما يجوز بيعه، أو بشرط القطع أو عامين فصاعداً.

• ولو بِيعت عاماً من دون الشروط الثلاثة قيل: لا يصحّ، وقيل: يكره، وقيل: يراعي السلامة، والأوّل أظهر.

--------------

قوله: «ولا يجوز بيعها قبل بدّو صلاحها عاماً - إلى قوله - أو عامين فصاعداً».

من الضميمة بيعها مع الأصل.

وألحق العلّامة بالثلاثة بيعها على مالك الأصل، وبيع الأصل مع استثناء الثمرة (1).

وفي الأخير نظر؛ إذ ليس هناك بيع ولا نقل للثمرة بوجهٍ، ودليل الأوّل غير واضحٍ، والتبعيّة للأصل إنّما تجرى (2) لو بِيعا معاً.

ونبّه بقوله «ما يجوز بيعه» على اشتراط كون الضميمة ممّا يمكن إفراده بالبيع بأن يكون متموّلاً جامعاً لباقي شرائط البيع.

واعلم أنّ في عبارة المصنّف تسامحاً، فإنّه جعل متعلّق المنع بيعها عاماً، واستثنى منه الثلاثة التي منها بيعها عامين فصاعداً، وفساده ظاهر، وكان الأولى ترك قوله: «عاماً» ليكون المنع عاماً في غير الثلاثة.

ومثله قوله «ولو بِيعت عاماً من دون الشروط الثلاثة»، واللازم ترك لفظة «عاماً» هنا أيضاً.

قوله: «ولو بِیعت عاماً من دون الشروط الثلاثة - إلى قوله - والأوّل أظهر».

القول بالمنع للأكثر، وبه روايات (3) معارضة بما هو أصحّ منها، وطريق الجمع حملها على

ص: 272


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 33.
2- في بعض النسخ: «تجدي». وفي هامش «و»: تجدي نفعاً، «صحّ».
3- الكافي، ج 5، ص 175 و 176، باب بيع الثمار وشرائها، ح 3 و 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84، 290 ح 359، وص 85، ح 363 ، وص 87 ، ح 372، وص 88، ح 374: الاستبصار، ج 3، ص 85 87 ، ح 290، 293، 294 و 298.

•ولو بِيعت مع أُصولها جاز مطلقاً.

•وبدوّ الصلاح أن تصفرّ أو تحمرّ، أو تبلغ مبلغاً يؤمن عليها العاهة.

--------------

الكراهة، وهو القول الثاني (1)، والقول بمراعاة السلامة لسلّار (رحمه الله)(2)في ظاهر كلامه، والأوسط أوسط.

قوله: «ولو بِيعت مع أُصولها جاز مطلقاً».

سواء بدا صلاحها، أو شرط القطع، أو ضمّ إليها شيئاً، أم لا، وهذا في الحقيقة راجع إلى الضميمة، كما مرّ (3) ، فليس فى أفراده نكتة.

قوله: «وبدوّ الصلاح أن تصفرّ أو تحمرّ، أو تبلغ مبلغاً يؤمن عليها العاهة».

بدوّ صلاح ثمرة النخل المجوّز لبيعها - على القول بالمنع من بيعها قبله على الوجه السابق - أحد الأمرين المذكورين؛ عملاً بما دلّت عليه الروايات (4)، فإنّ كثيراً منها دلّت على الأوّل، وفي رواية أبي بصير السابقة (5)ما يدلّ على الثاني.

واقتصر جماعة من الأصحاب(6) على العلامة الأُولى ؛ لصحّة دليلها . وقيل بالثاني خاصّةً (7).

وربما نزّل كلام المصنّف في الجمع بين العلامتين على القولين، لا على الجمع بينهما. والأقوى اعتبار العلامة الأولى خاصّةً؛ لِما ذكرناه.

ص: 273


1- ممّن قال به الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 7، ص 88 ذيل الحديث 375؛ والاستبصار، ج 3، ص 88، ذيل الحديث 301 .
2- المراسم، ص 177 .
3- مرّ في ص 272.
4- منها ما في الكافي، ج 5، ص 175، باب بيع الثمار وشرائها، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 85 ، ح 363 الاستبصار، ج 3، ص 87. ح 298 .
5- سبق تخريجها في ص 270، الهامش 2 .
6- منهم الشيخ في النهاية، ص 414 - 415: وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 361؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 33.
7- ذكره الشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 42 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).

•وإذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع. ولو أدركت ثمرة بستانٍ لم يجز بيع ثمرة البستان الآخَر ولو ضمّ إليه، وفيه تردّد.

وأمّا الأشجار فلا يجوز بيعها حتّى يبدو صلاحها، •وحدّه أن ينعقد الحبّ، ولا يشترط زيادة عن ذلك على الأشبه.

--------------

والمرجع في الأمن من العاهة - على القول بها - إلى أهل الخبرة.

ونقل في التذكرة عن بعض العلماء أنّ حدّه طلوع الثريا؛ محتجّاً عليه بروايةٍ عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم (1)، ولم يثبت النقل.

قوله: «وإذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع - إلى قوله - وفيه تردّد».

أمّا الأُولى فموضع وفاقٍ، ولأنّ بيع ما لا يدرك جائز مع الضميمة، كما مرّ(2)، وما أدرك ضميمة لما لِما يدرك. وأمّا الثانية فالأقوى إنّها كذلك؛ لتحقّق الضميمة المسوّغة للبيع.

ويؤيّده رواية إسماعيل بن الفضل عن الصادق علیه السلام(3).

ووجه المنع أنّ لكلّ بستان حكمَ نفسه؛ لتعدّده، ورواية عمّار عنه علیه السلام(4)، الدالّة على اعتبار إدراك كلّ نوعٍ من الأنواع المتفرّقة، وهو قول الشيخ(5)، وضعف مستنده واضح.

هذا كلّه على القول بالمنع من بيع ما لم يبد صلاحه، وعلى ما اخترناه فلا إشكال.

قوله: «وحدّه أن ينعقد الحبّ، ولا يشترط زيادة عن ذلك على الأشبه».

ص: 274


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 359 المسألة 165؛ والرواية في مسند أحمد، ج 2، ص 146، ح 5086؛ والسنن الكبرى البيهقي ، ج 5، ص 489، ح 10592.
2- مر في ص 272.
3- الكافي، ج 5، ص 175 - 176، باب بيع الثمار وشرائها، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84 ، ح 361 : الاستبصار، ج 7، ص 87 ، ح 296 .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 92 ح 391؛ الاستبصار، ج 3، ص 89، ح 304.
5- الخلاف، ج 3، ص 88 ، المسألة 144؛ المبسوط، ج 2، ص 48.

• وهل يجوز بيعها سنتين فصاعداً قبل ظهورها ؟ قيل : نعم ، والأولى المنع ؛ لتحقق الجهالة.

--------------

عنى بالزيادة المنفيّة قول الشيخ في النهاية(1) وجماعة(2) : إنّ حدّه مع انعقاد الحبّ تناثر الورد، وقوله في المبسوط :

إنّه التلوّن فيما يتلوّن، وصفاء اللون، وأن يتموّه، وهو أن ينمو فيه الماء الحلو فيما يبيضّ، والحلاوة وطيب الأكل في مثل التفّاح والنضج في مثل البطّيخ، وفيما لا يتلوّن ولا يتغيّر طعمه بل يؤكل صغيراً وكبيراً كالقنّاء والخيار تناهى عظم بعضه(3).

وهذا البحث فائدته عند مَنْ يمنع البيع قبل بدوّ الصلاح.

وعلى ما اختاره المصنّف من تفسيره يتّحد وقت الظهور المجوّز للبيع عندنا وبدوّ الصلاح المجوّز عند الباقين؛ إذ ليس بينهما واسطة، وإنّما تظهر الفائدة على القولين المنفيّين.

وعلى تقدیر اعتباره فما اختاره المصنّف أجود. ومستند القولين أخبار(4)لا تبلغ حدّ الصحّة.

قوله: «وهل يجوز بيعها سنتين فصاعداً قبل ظهورها؟ قيل: نعم، والأولى المنع». الخلاف هنا والمختار ما مرّ في النخل (5).

ويظهر من فتوى المصنّف في الموضعين الميل إلى الجواز؛ لأنّه جعله في الأوّل مرويّاً ولم ينبّه على خلافه، وفي الثاني جعل الأولى المنع، وهو لا يبلغ حدّ المنع، وقد تقدّم ما يدلّ عليه(6) .

ص: 275


1- النهاية، ص 414.
2- منهم : ابن البرّاج على ما حكاه عنه الشهيد في غاية المراد ، ج 2، ص 42 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول ، ج 2) : وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 361؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 394، الرقم 3441.
3- المبسوط، ج 2، ص 48.
4- . الكافي، ج 5، ص 175 و 176، باب بيع الثمار وشرائها ، ح 3 و 8؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 84 ، ح 359 وص 85 . ح 363 ، وص 91 ، ح 388؛ الاستبصار، ج 3، ص 86 ، ح 294 . و ص 87 ، ح 298 ، وص 89، ح 303.
5- مرّ في ص 270 في قوله: «أما النخل».
6- تقدم في ص 270.

•وكذا لو ضمّ إليها شيئاً قبل انعقادها.

وإذا انعقد جاز بيعه مع أصوله ومنفرداً، سواء كان بارزاً كالتّفاح والمشمش والعنب، أو في قشرٍ يحتاج إليه لادّخاره، كالجوز في القشر الأسفل، وكذا اللوز، أو في قشرٍ لا يحتاج إليه كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء الأخضر والهرطمان والعدس .

وكذا السنبل، سواء كان بارزاً كالشعير، أو مستتراً كالحنطة، منفرداً أو مع أُصوله، قائماً وحصيداً.

وأمّا الخضر فلا يجوز بيعها قبل ظهورها.

•ويجوز بعد انعقادها لقطةً واحدةً ولقطاتٍ، وكذا ما يقطع ،فيستخلف،

--------------

قوله: «وكذا لو ضمّ إليها شيئاً قبل انعقادها».

يمكن كون المشبّه به الحكم بأولويّة المنع، فيكون ميلاً إلى الجواز، لكن لم يذكره فيما سبق.

ويمكن أن يريد ثبوت أصل الخلاف فيه من غير تعرّضٍ للفتوى والأوّل أولى.

وكيف كان، فالأجود المنع، وموضعه ما لو كانت الضميمة غير مقصودةٍ بالبيع، بحيث تكون تابعةً، أو هما مقصودان، أمّا لو كانت الضميمة مقصودةٌ والثمرة تابعة صحّ، كما مرّا (1).

قوله: «ويجوز بعد انعقادها لقطةً ولقطاتٍ».

مقتضى اشتراط الانعقاد كون جميع اللقطات موجودة حالة البيع.

والأقوى الاكتفاء بوجود الأولى، وتكون الباقية بمنزلة المنضمّ، فلو باع الثانية خاصةً أو ما بعدها ممّا لم يوجد لم يصحّ؛ للجهالة. ويرجع في تعيين اللقطة وما يصلح للقطع إلى العرف.

وكذا القول في الخرطة والجزّة.

ص: 276


1- مر في ص 272 .

• كالرطبة والبقول جزّةً وجزّاتٍ، وكذا ما يخرط كالحِنّاء . والتوت.

ويجوز بيعها منفردةً ومع أصولها.

• ولو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في البيع إلّا بالشرط،•ووجب على المشترى إبقاؤها إلى أوان بلوغها، وما يحدث بعد الابتياع للمشتري.

--------------

قوله «كالرطبة».

هي - بفتح الراء وسكون الطاء : الفصّة(1) ، وهي أيضاً القضب(2). وإنّما يجوز بيعه إذا ظهر ورقه؛ لأنّه المقصود بالبيع، فلو لم تكن موجودةً كان المبيع مجهولاً.

قوله: «والتوت».

هي بالتاء بن المثنّاتين من فوقٍ، قال في الصحاح : ولا يقال: التوث بالثاء المثلّثة(3).

والمراد بالخرط أخذ الورق وترك الأغصان، تقول: خرطت الورق أخرطه، وهو أن تقبض على أعلاه ثمَّ تمرّ يدك عليه إلى أسفله.

وفي المثل: «دونه خرط القتاد» وهو شجر له شوك لا يتيسّر خرطه لذلك.

قوله: «ولو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في البيع».

أمّا قبله فتدخل وإن كان ورداً، خلافاً للشيخ(4) .

قوله: «ووجب على المشتري إبقاؤها إلى أوان بلوغها».

ويرجع في ذلك إلى المتعارف في تلك الشجرة من أخذ ثمرها بسراً أو رطباً أو تمراً، عنباً أو زبيباً أو دبساً وغير ذلك. ولو اضطرب العرف فالأغلب، ومع التساوي يجب التعيين، فإن أطلق احتُمل البطلان والتنزيل على أقلّ المراتب لأنّه المتيقّن، وعلى أعلاها صيانةً لمال البائع (5).

ص: 277


1- لسان العرب، ج 1، ص 419 - 420، «رطب».
2- الصحاح، ج 1، ص 136، رطب» وص 203، «قضب».
3- الصحاح، ج 1، ص 245، «توت».
4- المبسوط، ج 2، ص 35.
5- في بعض النسخ: «المشتري» بدل «البائع».

وأما اللواحق فمسائل

الأولى: • يجوز أن يستثني ثمرة شجراتٍ أو نخلاتٍ بعينها، وأن يستثني مشاعةً، أو أرطالاً معلومة• . ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.

--------------

وليس هذا الإبقاء كالأجل حتّى يتطرّق إليه احتمال الفساد للجهل بقدره، بل هو حكمٌ شرعيٌ مترتّب على عقد البيع وثبوته من مقتضيات المعاوضة، فيرجع في تقديره إلى العرف حيث لا مقدّر له شرعاً.

وكذا القول لو استثنى البائع الثمرة حيث تدخل.

ويجوز لكلِّ منهما التردّد إلى ملكه وسقيه ما لم يتضرّر الآخَر فيُمنع، إلّا أن يتقابل الضرران فترجّح مصلحة المشتري؛ لأنّ حقّه على البائع حيث قدم على البيع المقتضي لوجوب الإبقاء والسقي.

قوله: «يجوز أن يستثنى ثمرة شجراتٍ أو نخلاتٍ بعينها - إلى قوله أو أرطالاً معلومةً».

ذكر النخلات بعد الشجرات من باب عطف الأخصّ على الأعمّ، ولقد كان ذكر الشجرات مغنياً عنها.

وكذا يجوز استثناء جزءٍ معيّنٍ من الشجرة كعذقٍ معيّن منها.

وجواز استثناء ذلك كلّه موضع ،وفاقٍ، إلّا الأرطال المعلومة، فقد منعه أبو الصلاح (1)؛ للجهل بقدر المبيع حيث لا يعلم قدره جملةً، والأصحاب على خلافه.

قوله: «ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه».

هذا في الحصّة المشاعة والأرطال ،دون الشجرات؛ لامتياز المبيع عنها.

وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة ظاهر، وأمّا في الأرطال المعلومة فيعتبر

ص: 278


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 226، المسألة 196 : لكن في المطبوع من الكافي في الفقه، ص 356 تصريح بالجواز.

الثانية: إذا باع ما بدا صلاحه فأُصيب قبل قبضه كان من مال بائعه، • وكذا لو أتلفه البائع، وإن أُصيب البعض أخذ السليم بحصّته من الثمن، ولو أتلفه أجنبيٌّ كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع ومطالبة المتلف.

• ولو كان بعد القبض - وهو التخلية هنا - لم يرجع على البائع بشيءٍ على الأشبه.

--------------

الجملة بالخرص والتخمين، فإذا قيل: ذهب ثلث الثمرة أو نصفها سقط من الثنيا بتلك النسبة.

قوله: «وكذا لو أتلفه البائع».

أي يكون إتلافه فسخاً للبيع، كما لو تلف بآفةٍ؛ نظراً إلى صدق التلف، وأنّ الواقع منه كذلك من مال البائع، بمعنى انفساخ العقد به.

والأقوى تخير المشتري بين الفسخ وإلزام البائع بالمثل. أمّا الفسخ؛ فلأنّ المبيع مضمون على البائع قبل القبض. وأمّا إلزامه بالعوض؛ فلأنّه أتلف ماله؛ لأنّ المبيع قد انتقل إلى المشتري وإن كان مضموناً على البائع، كما لو أتلفه الأجنبي؛ تمسّكاً بأصالة بقاء العقد،واقتصاراً بالانفساخ على موضع الوفاق.

وهذا إذا لم يكن للبائع خيار، وإلّا كان إتلافه فيه فسخاً، فإنّ كلّ ما يُعدّ إجازةً من المشتري يكون فسخاً من البائع.

قوله: «ولو كان بعد القبض - وهو التخلية - لم يرجع إلى البائع بشيءٍ على الأشبه».

نبّه بالأشبه على خلاف بعض الأصحاب (1) حيث ذهب إلى أنّ الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع وإن أقبضها بالتخلية؛ نظراً إلى أنّ بيعها بعد بدّو صلاحها بغير كيلٍ ولا وزنٍ على خلاف الأصل؛ لأنّ شأنها بعده النقل والاعتبار بالوزن أو الكيل بالقوّة القريبة من

ص: 279


1- لم نتحقّقه فيما توفّر لدينا من المصادر. قال صاحب الجواهر، ج 25، ص 176: قلت لم نعرف القائل بذلك منّا ،نعم حكاه في التذكرة عن الشافعي راجع تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 388، المسألة 184.

•ولو أتلفه المشتري في يد البائع استقرّ العقد وكان الإتلاف كالقبض.

•وكذا لو اشترى جاريةً وأعتقها قبل القبض.

--------------

الفعل، وإنّما أُجيز بيعها كذلك للضرورة، فيراعى فيها السلامة، حينئذٍ ف-«على الأشبه» متعلّق بقوله «لم يرجع».

وربما يحتمل كونه تنبيهاً على ما اختاره من كيفيّة القبض، وهو التخلية، فقد تقدّم فيها خلاف(1)، ومختار المصنّف أنّه التخلية مطلقاً، كما مرّ.

والقول الآخَر: إنّه الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن (2)، وهذه الثمرة بعد بدّو صلاحها قد صارت صالحةً للاعتبار بهما، كما قلناه.

والخلاف في هذه المسألة بخصوصها غير موجودٍ في عبارات المتأخّرين، ولا في كتب الخلاف، فلذلك أشكل المراد منه هنا.

وإنّما يكون التلف بعد التخلية من المشتري إذا لم يكن الخيار مختصّاً به، وإلّا فمن البائع.

قوله: «ولو أتلفه المشتري في يد البائع استقرّ العقد وكان الإتلاف كالقبض».

إتلاف المشتري للمبيع في يد البائع أعمّ من كونه بإذن البائع وعدمه، فإن كان بإذنه فهو قبض يترتّب عليه أحكام القبض مطلقاً، وإن كان بغير إذنه - كما هو الظاهر - فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري وإن تخلّف عنه باقي الأحكام، والغرض هنا هو انتقال الضمان.

وإنّما شبّه الإتلاف بالقبض ولم يجعله قبضاً؛ لأنّ الإتلاف قد يكون بمباشرة المتلف فيكون قبضاً حقيقةً، وقد يكون بالتسبيب فيكون في حكم القبض خاصّةً.

قوله:«وكذا لو اشترى جاريةً وأعتقها قبل القبض».

أي يكون العتق قبضاً، ويقع صحيحاً؛ لأنّ الملك حاصل قبله، والعتق بمنزلة الإتلاف.

ص: 280


1- تقدّم آنفاً.
2- قال به العلّامة في تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 334، الرقم 3263.

الثالثة: يجوز بيع الثمرة في أُصولها بالأثمان والعروض • ولا يجوز بيعها بثمرةٍ منها وهي المزابنة، وقيل: في النخل بتمرٍ ولو كان موضوعاً على الأرض، وهو الأظهر.

• وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه ؟ قيل لا؛ لأنّه لا يؤمن من الربا.

--------------

قوله: «ولا يجوز [بيعها] بثمرةٍ منها وهي المزابنة - إلى قوله - وهو الأظهر».

المزابنة مفاعلة من الزبن، وهو الدفع (1)، ومنه الزبانية؛ لأنّهم يدفعون الناس إلى النار.

وسُمّيت بذلك؛ لأنها مبنيّة على التخمين، والغبن فيها يكثر، وكلُّ منهما يريد دفعه عن نفسه إلى الآخر، فيتدافعان. وتحريمها في الجملة إجماعيٌ منصوصٌ عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة علیهم السلام (2). وإنما الخلاف في معناها.

وأصحّ القولين الثاني، وهو أنّها بيع ثمر النخل الموجود بتمرٍ ولو من غيرها؛ لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «نهى رسول الله صلّی الله علیه و آله وسلّم عن المحاقلة والمزابنة» قلت : وما هو ؟ قال: «أن يشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة» (3). وعُلّل مع ذلك بأنّهما ربويّان، فيتطرّق احتمال الزيادة إلى كلّ واحد، والمساواة المحتملة نادرة، وعلى تقدير اتّفاقها فشرط الصحة العلم بالتساوي.

وفيه منع كون الثمرة على الشجرة ربويّةً وإن كانت من جنسه؛ لأنّها ليست مكيلةً ولا موزونة وإنّما تباع جزافاً.

قوله: «وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه؟» إلى آخره.

ص: 281


1- الصحاح، ج 4، ص 2130، «زبن».
2- راجع وسائل الشيعة، ج 18، ص 239، الباب 13 من أبواب بيع الثمار، ح 1، 2 و 5.
3- الكافي، ج 5، ص 275، باب بيع الزرع الأخضر ... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 143، ح 633؛ الاستبصار، ج 3، ص 11، ح 308

• وكذا لا يجوز بيع السنبل بحبٍّ منه إجماعاً، وهي المحاقلة. وقيل: بل هي بيع السنبل بحبٍّ من جنسه كيف كان ولو كان موضوعاً على الأرض، وهو الأظهر.

--------------

ما ورد من تعريف المزابنة في الأخبار وكلام الفقهاء - ممّا ذُكر هنا وغيره - يقتضي اختصاص الحكم بالنخل، ويبقى غيره على أصل الجواز، وتعليل التعدّي بالربا، عرفت أنّه غير تامٍّ؛ لأنّ الثمرة على الشجرة ليست ربويّة.

نعم، يمكن تعليله بالعلة المنصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر، وهي نقصانه عند الجفاف، فإنّها قائمة هنا، وقد تقدّم ترجيح التعدية (1)، فيثبت الحكم هنا، وهو الأقوى.

ويمكن استفادة التعليل بالربا منها أيضاً فإنّه جعل علّة المنع النقصان عند الجفاف، فيؤديّ إلى زيادة الثمن عن المثمن المؤدّي إلى الربا؛ إذ لا يضرّ الاختلاف في غير الربوي.

ويؤيّده كونه من جنس الربوي وإن لم يكن الآن عينه.

إلّا أنّه يبقى في اختصاص الحكم بالمكيل والموزون - حتّى دخل في تعريف الربوي - منع، إلّا أن يريد به ما يعمّ القوة والفعل، ومعه ينتقض من وجهٍ آخر.

قوله: «وكذا لا يجوز بيع السنبل بحبٍّ منه إجماعاً - إلى قوله - وهو الأظهر».

المحاقلة مفاعلة من الحقل، وهي الساحة التي تزرع، سُمّيت بذلك لتعلّقها بزرع في حقلٍ، وأُطلق اسم الحقل على الزرع مجازاً، من إطلاق اسم المحلّ على الحالّ، أو المجاور على مجاوره، فكأنّه باع حقلاً بحقل.

و تحريمها في الجملة إجماعيٌ منصوص. وقد تقدّم ما يدلّ عليه في صحيحة عبدالرحمن، وأن القول الثاني أقوى(2).

وقد اختلفت عبارات النصوص والفقهاء في اسم المبيع فيها، فبعضهم (3) عبّر عنه بالزرع،

ص: 282


1- تقدّم في ص 241.
2- . تقدّم في ص 281.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 603 وسلّار في المراسم، ص: 178؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 506 - 507: والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 35.

الرابعة: • يجوز بيع العرايا بخرصها تمراً، والعريّة هي النخلة تكون في دار الإنسان، وقال أهل اللغة: أو في بستانه، وهو حسن.

--------------

ومنه الرواية السابقة، ومنهم مَنْ عبّر عنه بالسنبل(1) ، كعبارة المصنّف.

ويظهر من كلامهم الاتّفاق على أنّ المراد به السنبل وإن عبّروا بالاعمّ.

قال في التذكرة :

لو باع الزرع قبل ظهور الحبّ بالحبّ فلا بأس؛ لأنّه حشيش، وهو غير مطعومٍ ولا مكيل، سواء تساويا جنساً أو اختلفا، ولا يشترط التقابض في الحال (2).

ثمّ السنبل لا يختصّ بالحنطة، بل يعمّ الشعير والدخن والأُرز وغيرها، ومقتضى التعريف دخولها في المحاقلة.

وفي التذكرة :

إنّ أكثر تفاسير المحاقلة أنّها بيع الحنطةٍ في السنبل بحنطةٍ إما منها أو من غيرها، فيختصّ بالحنطة، ويدخل فيه الشعير إن جعلناه من جنس الحنطة، أو علّلنا المنع بالربا، وإلّا فلا. قال:-وفي بعض ألفاظ علمائنا هي بيع الزرع بالحبّ من جنسه، فيكون ذلك كلّه محاقلة (3). انتهى.

وفي صحيحة عبد الرحمن - السابقة - ما يرشد إلى الأوّل.

ويبقى الكلام في إلحاق الباقي بالحنطة، كما مرّ، فإن علّلنا بالربا - كما يظهر من المصنّف وجماعة (4)- لحق، وإلّا فلا.

قوله: «يجوز بيع العرايا بخرصها تمراً - إلى قوله - وهو حسن».

العرايا جمع عريّة، والعريّة ما ذكره المصنّف متّفقاً عليه، ومنقولاً عن أهل اللغة (5)؛ لأن

ص: 283


1- كالشيخ في المبسوط، ج 2، ص 53: وابن حمزة في الوسيلة، ص 250.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 399، الفرع «ه-» من المسألة 187.
3- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 398. الفرع «د» من المسألة 187.
4- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 53: وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 383.
5- الصحاح، ج 4، ص 2423 - 2424: لسان العرب، ج 15، ص 49 - 50، «عرا».

--------------

أهل اللغة يرجع إليهم في مثل ذلك، ولمسيس الحاجة إليها، كالتي في الدار.

والعريّة مستثناة من المزابنة عند أهل العلم أجمع، خلا أبا حنيفة (1). وقد صحّ عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم الإذن فيها (2).

وجملة ما يشترط في بيعها أُمور:

الأوّل: الوحدة، فلا تجوز في دارٍ أو بستانٍ أزيد من واحدة، فلو كان لمالكٍ واحدٍ اثنتان لم يجز بيع ثمرتهما ولا ثمرة إحداهما؛ لانتفاء العريّة فيهما.

نعم، لو تعدّد البستان أو الدار جاز تعدّدها من الواحد.

الثاني: كون الثمن من غيرها، لئلّا يتّحد الثمن والمثمن، على أصحّ القولين.

الثالث: كونه حالّاً.

الرابع: عدم المفاضلة حين العقد، وأمّا كونه معلوم القدر مشاهداً أو موصوفاً فالأمر فيه كغيرها.

والرخصة مقصورة على النخلة، فلا يتعدّى إلى غيرها من الشجر؛ اقتصاراً بالرخصة على موردها.

وقد أشار المصنّف إلى الشرط الأوّل بقوله «ولا يجوز بيع ما زاد على الواحدة»، وإلى الثاني بقوله «الأظهر لا»، وإلى الثالث بقوله «ولا يشترط» إلى آخره، وفي قوله «ولا يجب أن يماثل» إلى آخره، إشارة إلى الرابع.

وقول المصنّف «تكون في دار الإنسان أو بستانه» يشمل مالك ذلك ومستأجره، ومشتري الثمرة، والمستعير على الأقوى؛ لصدق الإضافة في ذلك كلّه، ولاشتراك الجميع في العلّة، وهي مشقّة دخول الغير عليهم.

ص: 284


1- حكى عنه القفّال في حلية العلماء، ج 4، ص 174 - 176: وابنا قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 197، المسألة 2866؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 165.
2- الكافي، ج 5، ص 275 - 276، باب بيع الزرع الأخضر .... ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 143، ح 634: الاستبصار، ج 3، ص 91 - 92، ح 311.

• وهل يجوز بيعها بخرصها من تمرها؟ الأظهر لا، ولا يجوز بيع ما زاد على الواحدة. نعم، لو كان له في كلّ دار واحدة جاز.

• ولا يشترط في بيعها بالتمر التقابض قبل التفرّق، بل يشترط التعجيل، حتّى لا يجوز إسلاف أحدهما في الآخّر.

• ولا يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها؛ عملاً بظاهر الخبر.

--------------

قوله: «وهل يجوز بيعها بخرصها من تمرها؟ الأظهر لا».

وجه الجواز إطلاق الإذن في النصوص ببيعها بخرصها تمراً، وهو متناول لموضع النزاع، ولوجود المقتضي، وهو الرخصة.

والأقوى المنع؛ لوجوب مغايرة الثمن للمثمن، وهو المعروف في المذهب.

قوله: «ولا يشترط في بيعها بالتمر التقابض قبل التفرّق، بل يشترط التعجيل».

نبّه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله)، حيث اشترط التقابض قبله تخلّصاً من الربا (1). والأقوى العدم؛ للأصل.

قوله: «ولا يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها» إلى آخره.

أي لا يجب مطابقة ثمرتها جافّةً لثمنها، بل المعتبر في الجواز بيعها بما يقتضيه ظنّ الخارص لها تمراً بقدره، بمعنى أنّها تقدّر رطباً أو يُسراً أو نحوهما كم يبلغ تمراً إذا جفّت. فيباع تمرها بهذا المقدار تمراً.

ثمَّ لا يج يجب مطابقة هذا التقدير للثمن عند الجفاف، فلو زادت عند الجفاف عمّا خرصها به أو نقصت لم يكن ذلك قادحاً في الصحة؛ عملاً بإطلاق النصّ.

وقيل: يعتبر المطابقة، فلو اختلفا تبيّن بطلان البيع. وهو ضعيف بل لا يجب جعل ثمرتها

ص: 285


1- المبسوط، ج 2، ص 54.

• ولا عريّة في غير النخل.

فرع: • لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلّة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء لم يصحّ ولو تساويا عند الاعتبار، إلّا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع. وقيل: يجوز وإن لم يعلما، فإن تساويا عند الاعتبار صحّ، وإلّا بطل. ولو كانتا من جنسين جاز إن تساويا، أو تفاوتا ولم يتمانعا، بأن بذل صاحب الزيادة، أو قنع صاحب النقيصة، وإلّا فسخ البيع.

والأشبه أنّه لا يصحّ على تقدير الجهالة وقت الابتياع.

--------------

تمراً، ولا اعتباره بعد ذلك بوجهٍ؛ لأصالة عدم الاشتراط. هذا هو المشهور من معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها.

وفي التذكرة : إنّ المعتبر المماثلة بين ما عليها رطباً وبين الثمن تمراً، فيكون بيع رطبٍ بتمرٍ متساوياً. وجعل هذا مستثنىً من بيع الرطب بالتمر متساوياً (1).

ولم نجد هذا التفسير للمصنّف في غير هذا الكتاب، ولا لغيره صريحاً، وإن كان أكثر عبارات العلّامة لا تنافيه والمختار الأول.

قوله: «ولا عريّة في غير النخل».

هذا موضع وفاق، وإنّما تظهر الفائدة لو منعنا من بيع ثمر باقي الشجر بجنسه جافّاً، كما هو المختار، وأمّا على ما ذهب إليه المصنّف من الجواز فمعنى نفي العرية أنّه لا خصوصية لها حتّى تتقيّد بقيودها، بل يجوز بيع الثمرة - اتّحد الشجر أم تعدّد، في الدار وغيرها - بجنس ثمرها متماثلاً.

قوله: «لو قال: بعتك هذه الصبرة...بهذه الصبرة - إلى قوله - وقت الابتياع».

ما اختاره المصنّف هو الأقوى، ولا خصوصيّة في هذه المسألة بهذا الباب، وإنّما محلّها شرائط المبيع في أوّل الكتاب.

ص: 286


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 402 - 403، المسألة 191.

الخامسة: • يجوز بيع الزرع قصيلاً، فإن لم يقطعه فللبائع قطعه، وله تركه والمطالبة بأجرة أرضه.

• وكذا لو اشترى نخلاً بشرط القطع.

السادسة • يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادةٍ عمّا ابتاعه أو نقصان، قبل قبضه وبعده.

--------------

والمخالف في ذلك الشيخُ وابن الجنيد (1)، إلّا أنّ الشيخ شرط في الصحّة التطابق عند الاعتبار مع تساوي الجنس، وعدم المانع مع اختلافه، بأن يبذل صاحب الزيادة، أو يقبل صاحب النقيصة (2).

قوله: «يجوز بيع الزرع قصيلاً - إلى قوله - والمطالبة بأُجرة أرضه».

إذا شرط قطعه قصيلاً وعيّن للقطع مدّةً تعيّن قطعه فيها، وإن أطلق قطع في أوّل أوقات قطعه عادةً، فإن اشتراه قبل أوان قطعه وجب الصبر إليه مجّاناً، كما لو باع الثمرة.

وإنّما يجوز للبائع قطعه بإذن المشتري إن أمكن، وإلّا رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر جاز له حينئذٍ مباشرة القطع؛ دفعاً للضرر المنفي (3)، وله المطالبة بأُجرة الأرض عن الزمان الذي تأخّر فيه القطع عن وقته، سواء طالب بالقطع أم لا، وسواء رضي ببقائه أم لا.

وكذا له أرش الأرض إن نقصت بسببه إذا كان التأخير بغير رضاه.

قوله: «وكذا لو اشترى نخلاً بشرط القطع».

وكذا غيره من الثمر، ولا فرق في ذلك بين أن يكون للمقطوع قيمة كالحِضرم واللوز، أو لا كالجوز والكمّثرى وبعض أنواع النخل.

قوله: «يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادةٍ عمّا ابتاعه أو نقصان قبل قبضه وبعده».

ص: 287


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 267، المسألة 235. ويظهر من تجويزه بيع الصبرة مطلقاً.
2- المبسوط، ج 2، ص 54 - 55.
3- تقدّم تخريجه في ص 112، الهامش 1.

السابعة: • إذا كان بين اثنين نخل أو شجر، فتقبّل أحدهما بحصّة صاحبه بشيءٍ معلوم، كان جائزاً.

--------------

هذه المسألة محلّ ،وفاقٍ، وهي منصوصة في صحيحة الحلبي (1) ومحمد بن مسلم (2)عن الصادق علیه السلام.

وفيه تنبيه على أنّ الثمرة حينئذٍ ليست مكيلةٌ ولا موزونةٌ، فلا يحرم بيعها قبل القبض - لو قلنا بتحريمه قبله - فيما يعتبر بأحدهما.

قوله: «إذا كان بين اثنين نخل أو شجر - إلى قوله كان جائزاً».

هذه القبالة معاوضة مخصوصة مستثناة من المزابنة والمحاقلة معاً.

والأصل فيها ما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق علیه السلام قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمّى، وتعطيني نصف هذا الكيل، زاد أو نقص، وإمّا أن آخذه أنا بذلك وأردّ عليك، قال: «لا بأس بذلك» (3).

وكذا روي أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم قبّل أهل خيبر نخلهم وخيّرهم كذلك (4).

وظاهر الأصحاب أنّ الصيغة تكون بلفظ القبالة، وأنّ لها حكماً خاصاً زائداً على البيع والصلح؛ لكون الثمن والمثمن واحداً، وعدم ثبوت الربا لو زاد أو نقص، ووقوعه بلفظ

التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين.

وفي الدروس: إنّه نوع من الصلح (5).

ص: 288


1- الفقيه، ج 3، ص 211، ح 3790؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 88 - 89، ح 376.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 89، ح 377.
3- الفقيه، ج 3، ص 225 - 226، ح 3837؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 125، ح 546.
4- الكافي، ج 5. ص 266 - 267. باب قبالة الأرضين....، ح 1 و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 193 - 194، ح 855 و 856.
5- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

--------------

ولا دليل عليه، كما لا دليل على إيقاعه بلفظ التقبيل أو اختصاصه به. وإنّما المعلوم من الرواية أنّه معاملة على الثمرة، وأنّه لازم بحيث يملك المتقبِّل الزائد، ويلزمه لو نقص، ويلزم ذلك أن يكون مضموناً في يده، ولعموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (1)، ولأنّه لم يدفعه مجاناً بل بعوض، ولو قلنا : إنّ المقبوض بالسوم مضمون، فهنا أولى. وفي الدروس: إنّ قراره مشروط بالسلامة (2)، حتّى لو هلكت الثمرة بأجمعها فلا شيء على المتقبّل ودليله غير واضح.

وربما وُجّه بأن العوض إذا كان من المعوّض ورضي به المقبّل، فقد رضي بكون حقّه في العين، لا في الذمّة، فإذا تلف بغير تفريطٍ احتاج ثبوت بدله في الذمة إلى دليلٍ. وفيه نظر.

نعم، لو كان النقص بغير آفةٍ، بل لنقصان الخرص فلا نقصان، كما أنّه مع الزيادة يملك الزائد ولو كان العوض غير مشروطٍ منها.

وتردّد في التذكرة في سقوط شيءٍ من المال لو تلفت الثمرة بآفةٍ سماوية، وكذلك تردّد في لزوم العقد، وفي لزوم الناقص له على تقديره، وفي جواز العقد بلفظ البيع (3). و موجب هذا الاشتباه أنّ النصوص الدالّة على أصل القبالة لا تعرّض لها إلى هذه الأحكام، وإنّما مدلولها أصل الجواز، وإثبات هذه الأحكام بمجرّد الاحتمال لا يخلو من مجازفة.

وأورد ابن إدريس على أصل الحكم بأنّ هذا التقبيل إن كان بيعاً لم يصحّ؛ لكونه مزابنةً، وإن كان صلحاً لم يصحّ كون العوض مشروطاً من نفس الثمرة؛ للغرر، وإن كان في الذّمة فهو لازم، سواء بقيت الثمرة أم تلفت (4).

ص: 289


1- تقدم تخريجه في ص 44، الهامش 2.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 217 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 408، المسألة 197.
4- نقله عنه السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 113؛ وعبارة السرائر في ج 2، ص 372 لا تطابقه.

الثامنة : • إذا مرّ الإنسان بشيءٍ من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتّفاقاً جاز أن يأكل من غير إفسادٍ، ولا يجوز أن يأخذ معه شيئاً.

--------------

وأُجيب (1) بالتزام كونه صلحاً، والغرر محتمل؛ للنصّ، وحينئذٍ فإذا تلف منه شيء يلزم تلف بعض العوض المشروط، فإذا لم يتحقّق ضمانه لم يجب العوض.

وأُجيب (2) أيضاً بالتزام أنّه ليس بصلح ولا بيع، بل هو معاملة خاصّة ورد بها النصّ، فلا يُسمع ما يرد على طرفي الاحتمال؛ لخروجها عنهما.

والمصنّف (رحمه الله) اقتصر في هذا الكتاب على أصل الجواز، وفي النافع على الصحّة 3(3) نظراً إلى أنّ النصّ لا يستفاد منه أزيد من ذلك، وهذا هو الأولى.

قوله: «إذا مرّ الإنسان بشيءٍ من النخل - إلى قوله - ولا يجوز أن يأخذ معه شيئاً».

الأصل في هذه المسألة ما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمر فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورةٍ أو غير ضرورةٍ؟ قال: «لا بأس»(4).

وروی محمّد بن مروان قال، قلت لأبي عبد الله علیه السلام : أمرّ بالثمرة فآكل منها، قال: «كُلْ ولا تحمل» قلت: جُعلت فداك، إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم»(5) .

وبذلك عمل أكثر الأصحاب، ونقل في الخلاف فيه الإجماع(6).

ولكن قد ورد ما يخالف ذلك، وهو صحيحة الحسن بن يقطين (7)، قال: سألت أبا الحسن علیه السلام

ص: 290


1- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 178.
2- المجيب هو السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 113 .
3- المختصر النافع، ص 216 .
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 93 ، ح 393؛ الاستبصار، ج 3، ص 90، ح 306.
5- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 89 ، ح 380، وص 93، ح 394؛ الاستبصار، ج 3، ص 90، ح 305.
6- الخلاف، ج 6، ص 98 المسألة 28.
7- في المصدر : عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أخيه الحسين بن عليّ بن يقطين عن عليّ بن يقطين.

--------------

عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر يحلّ له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيّم ؟ وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً.(1)»

وبه أخذ جماعة من المتأخّرين(2)، والمرتضى في المسائل الصيداويّة(3)، لاعتضادها بالقرآن الكريم المتضمّن للنهي عن أكل المال بغير تراضٍ(4)، ولقبح التصرّف في مال الغير، و باشتمالها على الحظر، وهو مقدّم على ما تضمّن الإباحة عند التعارض؛ لأنّ دفع الضرر أولى من جلب النفع.

وحَمَل العلّامة الأخبارَ السابقة وما شاكلها على ما إذا علم بشاهد الحال الإباحة(5) وهو بعيد.

والشيخ (رحمه الله) حَمَل خبر النهي على الكراهة، أو على النهي عن الحمل؛ جمعاً بين الأخبار(6)، وهو جمع حسن.

والمصنّف (رحمه الله) قَطَع بالجواز من غير نقل خلافٍ؛ لندور المخالف قبل زمانه، حتى أنّ ابن إدريس - مع إطراحه لأخبار الآحاد رأساً - حَكَم بالإباحة(7) ، إمّا استناداً إلى الإجماع، أو إلى تواتر الأخبار؛ نظراً إلى طريقته في الاستدلال.

ص: 291


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 92، ح 392؛ الاستبصار، ج 3، ص 90، ح 307.
2- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 56 المسألة 21: والمحقّق الكركي في حاشية شرائع الإسلام، ج 2، ص 156 (ضمن: حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 11).
3- فقدت ولم تصل إلينا.
4- النساء (4): 29 .
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 57، المسألة 21.
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 92 - 93، ذيل الحديث 392؛ الاستبصار، ج 3، ص 90، ذيل الحديث 307.
7- السرائر، ج 2، ص 371 ص: 291 .

--------------

وقد شرط المصنّف للجواز ثلاثة شروط:

أحدها: كون المرور اتّفاقاً، فلو قصدها ابتداءً لم يصحّ؛ اقتصاراً في الرخصة المخالفة للأصل على موضع اليقين، ودلالة ظواهر النصوص على ذلك.

والمراد بالمرور بها أن تكون الطريق قريبةً منها، بحيث لا يستلزم قصدها البُعْد الخارج عن المعتاد، بحيث يصدق عرفاً أنّه قد مرّ بها، لا أن تكون طريقه على نفس الشجرة، أو ملاصقةً لحائط البستان.

وثانيها: أن لا يفسد، والمراد أن لا يأكل منها شيئاً كثيراً بحيث يؤثّر فيها أثراً بيناً ويصدق معه الإفساد عرفاً، ويختلف ذلك بحسب كثرة الثمرة وقلّتها، وكثرة المارّة وقلّتهم، أو يهدم حائطاً، أو يكسر غصناً يتوقّف الأكل عليه، لا إن وقع ذلك خطأ، فإنّه لا يحرم الأكل وإن ضمنه، مع احتماله.

و مستند هذا الشروط رواية عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام قال:« لا بأس أن يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد»(1) .

وثالثها: أن لا يحمل معه شيئاً، بل يأكل في موضعه، وقد دلّ على هذا الشرط خبر محمّد بن مروان السابق صريحاً، وصحيحة ابن يقطين حملاً.

وزاد بعضهم رابعاً، وهو عدم علم الكراهة (2) ، وخامساً، وهو عدم ظنّها، وهو حسن، وإن كانت الأخبار مطلقةً ، بل فيها ما يشعر بعدم اعتبارهما، وسادساً، وهو كون الثمرة على الشجرة، فلو كانت محرزةً ولو في الجرين (3) حرم (4) ، ولا بأس به.

ص: 292


1- الكافي، ج 3، ص 569 ، باب نادر ، ح 1 .
2- كما في المهذّب البارع، ج 2، ص 446.
3- الجرين: الموضع الذي يجمع فيه البرّ وغيره. لسان العرب، ج 13، ص 87، «جرن».
4- ممّن قال به ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 7، ص 359، المسألة 57.

[الفصل] التاسع في بيع الحيوان

والنظر فيمن يصح تملكه، وأحكام الابتياع، ولواحقه.

أمّا الأوّل فالكفر الأصلي سبب • لجواز استرقاق المحارب وذراريه، ثمَّ يسري الرقّ في أعقابه وإن زال الكفر ما لم تعرض الأسباب المحرّرة.

• ويملك اللقيط من دار الحرب. ولا يملك من دار الإسلام.

--------------

الفصل التاسع في بيع الحيوان

قوله: «يجوز (1) استرقاق المحارب وذراريه» إلى آخره.

المراد بالمحارب الكافر الأصلي من غيرِ فِرَق المسلمين، الذي لم يلتزم بشرائط الذمّة، وأُطلق عليه وصف الحرب بسبب خروجه عن طاعة الله تعالى ورسوله وثبوته على الكفر وإن لم يقع منه الحرب بمعنى القتال، وإلى هذا المعنى أشار تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا جَزَؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴾(2) الآية.

قوله: «ويملك اللقيط من دار الحرب».

إذا لم يكن فيها مسلم يمكن انتسابه إليه ولو كان أسيراً ، وإلّا حُكم بحُرّيّته ؛ لإطلاق الحكم بحُرّيّة اللقيط في النصوص (3)، خرج منه ما عُلم انتفاؤه عن المسلم ، فيبقى الباقي.

ص: 293


1- كذا، مع تفاوت لما في المتن.
2- المائدة (5): 33.
3- الكافي، ج 5، ص 224، باب بيع اللقيط ....، 2: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 78، ح 334 و 336.

• ولو بلغ فأقرّ بالرقّ قيل: لا يُقبل، وقيل: يُقبل، وهو أشبه.

--------------

قوله: «ولو بلغ فأقرّ بالرقّ قيل: لا يُقبل، وقيل: يُقبل، وهو أشبه».

أي أقرّ مَنْ حُكم بحرّيّته ظاهراً، لكونه ملقوطاً من دار الإسلام مطلقاً، أو من دار الكفر إذا أمكن انتسابه إلى المسلم، بعد بلوغه، ففي قبول إقراره قولان:

أحدهما: العدم؛ لسبق الحكم بحُرّيّته شرعاً، فلا يتعقبها الرقّ.

والآخر - و هو الأقوى - القبول ، لإمكانه ، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

ولا يخفى أنّ ذلك في غير معروف النسب، وإلّا لم يُقبل قطعاً. وكذا القول في كلِّ مَنْ أقرّ على نفسه بالرقّيّة مع بلوغه وجهل نسبه، سواء كان مسلماً أم كافراً، وسواء كان المقر له مسلماً أم كافراً وإن بيع عليه قهراً.

وهل يعتبر مع ذلك رشده؟ يظهر من المصنّف عدمه؛ لعدم اشتراطه. واختلف كلام غيره، فمنهم من اشترطه (2)، ومنهم مَنْ لم يشترطه 7(3) من غير تعرّضٍ لعدمه.

وفي التذكرة في هذا الباب اشترطه (4)، وفي باب اللقطة اكتفى بالبلوغ والعقل (5).

ووجه اشتراطه واضح؛ لأنّ غير الرشيد لا يعتبر قوله في المال، وهو نفسه مال.

ووجه العدم أنّ إقراره بالرقّيّة ليس إقراراً بنفس المال وإن ترتّب عليه، كما يُسمع إقراره بما يوجب القصاص وإن أمكن رجوعه إلى المال بوجه.

ويشكل فيما لو كان بيده مال، فإنّ إقراره على نفسه بالرقّيّة يقتضي كون المال للمقرّ له،

ص: 294


1- أورده العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 259، المسألة 226، وص 370، المسألة 337، وص 543، المسألة 258؛ وكذا في عوالي اللآلي، ج 1، ص 2223، ح 104؛ ج 3، ص 442. ح 5.
2- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 126.
3- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 28.
4- تذكرة الفقهاء ، ج 10، ص 306، ذيل المسألة 131.
5- تذكرة الفقهاء، ج 17، ص 405، ذيل المسألة 469.

• ويصحّ أن يملك الرجل كلّ أحد عدا أحد عشر، وهُم الآباء، والأُمّهات، والأجداد، والجدّات وإن علوا، والأولاد، وأولادهم ذكوراً وإناثاً وإن سفلوا، والأخوات، والعمّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأُخت.

• وهل يملك هؤلاء من الرضاع ؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو الأشهر.

ويكره أن يملك مَنْ عدا هؤلاء من ذوي قرابته، كالأخ، والعمّ، والخال، وأولادهم.

وتملك المرأة كلّ أحدٍ، عدا الآباء وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا نسباً، • وفي الرضاع تردّد، والمنع أشهر.

--------------

إلّا أن يقال بثبوته تبعاً لثبوت الرقّية، لا لأنّه إقرار بالمال.

والأقوى اعتبار الرشد.

قوله: «ويصحّ أن يملك الرجل كلّ أحدٍ عدا أحد عشر» إلى آخره.

أي ملكاً مستقرّاً، وإلّا فملك مَن استثناء صحيح أيضاً، غايته أنّه يعتق عليه بالشراء، فلا يستقرّ ملكه عليه.

قوله: «وهل يملك هؤلاء من الرضاع؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وهو أشبه (1)».

أي ملكاً مستقراً، كما مرّ.

والقول بالعدم هو الأقوى؛ لصحيحة ابن سنان عن الصادق علیه السلام، معلّلاً فيها بقوله صلی الله علیه و آله وسلم:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (2) ولقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الرضاع لحمة كلحمة النسب» (3).

قوله: «وفي الرضاع تردّد، والمنع أشبه (4)»

الخلاف فيه والفتوى كما سبق.

ص: 295


1- في المتن: «الأشهر» بدل «أشبه».
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 326، ح 1342.
3- أورده ابن حمزة في الوسيلة، ص 302 من دون إشارة إلى الرواية.
4- في المتن: «أشهر» بدل «أشبه».

• وإذا مَلَك أحد الزوجين صاحبه استقرّ الملك، ولم تستقرّ الزوجية.

• ولو أسلم الكافر في ملك مثله أُجبر على بيعه من مسلم، ولمولاه ثمنه.

• ويُحكم برقٌ مَنْ أقرّ على نفسه بالعبوديّة إذا كان مكلّفاً غير مشهور بالحُرّيّة، • ولا يلتفت إلى رجوعه، ولو كان المقرّ له كافراً.

--------------

قوله: «وإذا مَلَك أحد الزوجين صاحبه استقرّ الملك، ولم تستقرّ الزوجيّة».

هذا موضع وفاقٍ، ولمنافاة الملك العقد؛ لأن المالك إن كان هو الزوجة حرم عليها وطء مملوكها، وإن كان الزوج استباحها بالملك، ولأنّ التفصيل يقطع الشركة.

وعُلّل مع ذلك بأنّ بقاءه يستلزم اجتماع علّتين على معلولٍ واحدٍ شخصي.

وهو ضعيف؛ لأنّ عِلَل الشرع معرّفات، وبأنّ اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسبّبات.

ويندفع بجواز ذلك في أسباب الشرع، وبعدم تماميّتها في جانب الزوجة. وملك البعض كملك الكل؛ للمنافاة، واستحالة تبعّض البُضع، وقطع الشركة بالتفصيل.

قوله: «ولو أسلم الكافر في ملك مثله أُجبر على بيعه من مسلم، ولمولاه ثمنه».

لانتفاء السبيل للكافر على المسلم (1)، وفي حكم إسلام العبد إسلام أحد أبويه صغيراً أو أحد أجداده على الأقوى؛ لثبوت حكم الإسلام له، فينتفي سبيل الكافر عليه.

قوله: «ولا يلتفت إلى رجوعه».

لاشتماله على تكذيب إقراره، ورفع ما ثبت عليه، حتى لو أقام بيّنة لم تُسمع؛ لأنّه بإقراره أولاً قد كذّبها، كذا قطع في التذكرة (2).

ويشكل ذلك فيما لو أظهر لإنكاره تأويلاً محتملاً، كأن قال : إنّي تولّدت بعد إعتاق أحد الأبوين، وما كنت أعلم بذلك حين أقررتُ ، فإنّه ينبغي القبول، وسيأتي له نظائر.

ص: 296


1- كما في الآية 141 من سورة النساء (4).
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 306، ذيل المسألة 131.

• وكذا لو اشترى عبداً فادّعى الحُرّيّة، لكن هذا تُقبل دعواه مع البيّنة.

الثاني في أحكام الابتياع

• إذا حدث في الحيوان عيب بعد العقد وقبل القبض كان المشتري بالخيار بين ردّه وإمساكه، وفي الأرش تردّد.

--------------

وأولى بالقبول ما لو أقرّ بالرقّيّة لمعيّنٍ فأنكر المقرّ له، وسيأتي مثله في الإقرار (1)، كما لو أقرّ لأحد بمالٍ فأنكر المقرّ له، فادّعاه المقرّ حين إنكاره، وعلى هذا فينبغي سماع بيّنته بطريق أولى.

وقوله: «وكذا لو اشترى عبداً فادعى الحُرّيّة، لكن هذا تُقبل دعواه مع البيّنة».

أي اشترى عبداً ثابت العبوديّة بأن وجده يُباع في الأسواق، فإنّ ظاهر اليد والتصرّف يقتضي الملك، ولصحيحة ابن حمران عن الصادق علیه السلام (2). ومثله الجارية، بل هي مورد النصّ (3)، فكان التعميم أولى.

أمّا لو وجده في يده وادّعى رقّيّته، ولم يعلم شراءه ولا بيعه، فإن كان كبيراً وصدّقه فكذلك، وإن كذّبه لم تُقبل دعواه إلّا بالبيّنة؛ عملاً بأصالة الحُرّيّة، وإن سكت أو كان صغيراً فوجهان.

واستقرب في التذكرة العمل بأصالة الحُرّيّة (4)، وفي التحرير بظاهر اليد (5)، وهو أجود.

قوله: «إذا حدث في الحيوان عيب بعد العقد - إلى قوله - وفي الأرش تردّد».

ص: 297


1- يأتي في ج 8، ص 615 وما بعدها.
2- الكافي، ج 5، ص 211، باب شراء الرقيق، ح 13؛ الفقیه، ج 3، ص 222، ح 3827؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 74. ح 318.
3- الكافي، ج 5، ص 211، باب شراء الرقيق، ح 13؛ الفقیه، ج 3، ص 222، ح 3827؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 74. ح 318.
4- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 307، المسألة 132.
5- راجع تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 405، ذيل الرقم 3478 حيث إنّه قوله: ولو اشترى عبداً فادّعى الحرّيّة لم يقبل إلّا بالبيّنة، يشعر بذلك.

ولو قبضه ثمّ تلف، أو حدث فيه حدث في الثلاثة كان من مال البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثاً.

ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري لم يكن ذلك العيب مانعاً من الردّ بأصل الخيار • وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردّد، والظاهر لا.

• ولو حدث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق.

• وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر، إلّا أن يشترطه المشتري. ولو اشتراهما فسقط الولد قبل القبض رجع المشتري بحصّة الولد من الثمن.

--------------

قد تقدّمت هذه المسألة في مطلق البيع، وتقدّم أنّ الأقوى ثبوت الأرش (1).

قوله: «وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردّد، والظاهر لا».

قد تقدّم الكلام في هذه المسألة أيضاً، وأن الأجود ثبوت الأرش(2).

قوله: «ولو حدث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق».

ولا يمنع الأرش.

قوله: «وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر، إلّا أن يشترطه المشتري».

هذا هو المشهور، وعليه الفتوى.

وخالف فيه الشيخ (رحمه الله) (3) وتبعه جماعة (4)؛ محتجّاً بأنه جزء من الحامل فيدخل، ولا يصحّ استثناؤه كما سيأتي - حتّى حَكَم بفساد البيع لو استثناه البائع، كما لو استثنى جزءاً معيّناً.

وحيث يشترطه المشتري يدخل وإن كان مجهولاً؛ لأنّه تابع للمعلوم، ولا فرق حينئذٍ بين أن يقول البائع: بعتكها وحملها، أو: وشرطت لك حملها ونحوه.

ص: 298


1- تقدّم في ص 198، في أحكام العيوب.
2- تقدّم في ص 197، في أحكام العيوب.
3- المبسوط، ج 2، ص 97 - 98.
4- منهم ابن البّراج في جواهر الفقه، ص 60 ، المسألة 221؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 248.

• وطريق ذلك أن تقوّم الأمة حاملاً وحائلاً ويرجع بنسبة التفاوت من الثمن. ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعاً، كالنصف والربع.

• ولو باع واستثنى الرأس والجلد صحّ، ويكون شريكاً بقدر قيمة ثنياه على رواية السكوني.

وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم لنفسه الرأس والجلد كان شريكاً بنسبة رأس ماله.

--------------

ولو لم يكن الحمل معلوماً وأراد إدخاله فالعبارة الثانية لا غير، وإن لم يشترط وكان متحقّق الوجود عند البيع فهو للبائع.

وإن احتمل الأمرين، بأن ولدته في وقتٍ يحتمل كونه عند البيع كان موجوداً وعدمه فهو للمشتري؛ لأصالة عدم وجوده سابقاً، فلو اختلفا في وقت البيع لذلك قُدّم قول البائع مع اليمين وعدم البيّنة.

وليس بيض البائض كالحمل، بل هو للمشتري مطلقاً؛ لأنّه تابع كسائر أجزائه.

قوله: «وطريق ذلك أن تقوّم الأمة حاملاً وحائلاً ويرجع بنسبة التفاوت».

بل تقوّم الأمة حاملاً ومجهضاً ؛ لأنّه المطابق للواقع، بخلاف الحاقئل، ولتحقّق التفاوت بينهما؛ إذ الإجهاض في الأمة عيب ربما نقص القيمة.

قوله: «ولو باع واستثنى الرأس والجلد صحّ - إلى قوله - على رواية السكوني».

لم يفرّق بين المذبوح وما يراد ذبحه وغيره، وهو أحد الأقوال في المسألة؛ لإطلاق الرواية (1)، إلّا أنّ المستند ضعيف، والجهالة متحقّقة، والشركة المشاعة غير مقصودة، فالقول بالبطلان متّجه إلّا أن يكون مذبوحاً أو يراد ذبحه فتقوى صحّة الشرط، وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة وشرط أحدهم ذلك.

ص: 299


1- الكافي، ج 5، ص 304، باب النوادر، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 7، ص 81 . ح 350.

• ولو قال: اشتر حيواناً بشركتي، صحّ، ويثبت البيع لهما، وعلى كلّ واحد نصف الثمن. ولو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه صحّ، ولو تلف كان بينهما، وله الرجوع على الأمر بما نقد عنه.

• ولو قال له : « الربح لنا ، ولا خسران عليك»، فيه تردّد، والمرويّ الجواز.

• ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها.

--------------

قوله: «ولو قال: اشتر حيواناً بشركتي صحّ - إلى قوله - أن ينقد عنه صحّ».

لا شبهة في صحّة الإنقاد، إنّما الكلام في رجوعه عليه، والحقّ أنّه يرجع عليه بمجرّد الإذن فيه وإن كان ذلك أعمّ منه؛ لدلالة القرائن عليه، وعدم حصول ما يقتضي التبرّع، وكأنّه اكتفى بما يأتي من الحكم بالرجوع بعد التلف.

ويحصل الإذن صريحاً، كقوله: «ادفع عنّي الثمن»، وفحوىّ بأن يوكّله في شرائه من مكانٍ بعيدٍ لا يسلّم فيه البائع بدون قبض الثمن عادةً، ونحو ذلك.

قوله: «ولو قال له: الربح لنا ولا خسران عليك فيه تردّد، والمرويّ الجواز».

وجه التردّد من الرواية الدالّة على الجواز (1)، وعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (2)، و من كونه مخالفاً لمقتضى الشركة بل مقتضى المذهب، فإنّ الربح والخسران تابعان لرأس المال، وهو الأقوى، والرواية - مع كونها واردةً في مبيعٍ خاصٍّ - يمكن تأويلها بما يوافق الأصل.

قوله: «ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها».

المراد بمحاسنها مواضع الحسن والزينة، كالكفّين والرٍجلين والشعر، ولا يشترط في ذلك إذن المولى، ولا يجوز الزيادة على ذلك إلّا بإذنه، فيكون تحليلاً يتبع منه ما دلّ عليه اللفظ حتى العورة.

ص: 300


1- الكافي، ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 71، ح 302.
2- تقدّم تخريجه في ص 104 ، الهامش 1.

• ويستحبّ لمن اشترى مملوكاً أن يغيّر اسمه، وأن يُطعمه شيئاً من الحلاوة، وأن يتصدّق عنه بشيء.

• ويكره وطء مَنْ وُلدت من الزنى بالملك أو العقد، على الأظهر، • وأن يرى المملوك ثمنه في الميزان.

--------------

وكذا يجوز له مسّ ما يجوز له النظر إليه مع الحاجة.

وجوّز في التذكرة النظر إلى ما عدا العورة بدون الإذن للمشتري (1).

قوله: «ويستحبّ لمن اشترى مملوكاً أن يغيّر اسمه» إلى آخره.

للنصّ فى ذلك كلّه (2). وقُدّرت الصدقة فيه بأربعة دراهم.

قوله: «ويكره وطء مَنْ وُلدت من الزني بالملك أو العقد على الأظهر».

هذا هو الأجود؛ حملاً للنهى (3) على الكراهة، وعُلّل بأنّ ولد الزنى لا يفلح، وبالعار.

وحرّمه ابن إدريس؛ بناءً على أنّ ولد الزنى كافر، وأنّ وطء الكافرة محرَّم (4).

والمقدّمتان ممنوعتان.

قوله: «وأن يرى المملوك ثمنه في الميزان».

علّل في النصّ بأنّه إذا رآه لا يفلح (5)، وظاهر النصّ أنّ الكراهة معلّقة على رؤيته، فلا يكره في غيره.

وربما قيل بأنه جرى على المتعارف من وضع الثمن فيه، فلو رآه في غيره كره أيضاً، وفيه نظر.

ص: 301


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 338، المسألة 151.
2- الكافي، ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 70 - 71، ح 302.
3- الكافي، ج 5، ص 353، باب نكاح ولد الزنى، ح 1 و 4.
4- السرائر، ج 2، ص 353.
5- الكافي، ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 71، ح 303.

الثالث في لواحق هذا الباب، وهي مسائل:

الأولى: • العبد لا يملك، وقيل: يملك فاضل الضريبة - وهو المرويّ - وأرش - الجناية على قول. ولو قيل: يملك مطلقاً لكنّه محجور عليه بالرقّ حتّى یأذن المولى كان حسناً.

الثانية: • من اشترى عبداً له مال كان ماله لمولاه، إلّا أن يشترطه المشتري، وقيل: إن لم يعلم به البائع فهو له، وإن علم فهو للمشتري، والأوّل أشهر.

--------------

قوله: «العبد لا يملك - إلى قوله كان حسناً».

القول بالملك في الجملة للأكثر، ومستنده الأخبار (1).

وذهب جماعة (2) إلى عدم ملكه مطلقاً، واستدلّوا عليه بأدلّة كلّها مدخولة، والمسألة موضع إشكال، ولعلّ القول بعدم الملك مطلقاً متوجّه.

ويمكن حمل الأخبار على إباحة تصرّفه فيما ذُكر، لا بمعنى ملك رقبة المال، فيكون وجهاً للجمع.

قوله: «مَن اشترى عبداً له مال كان ماله لمولاه - إلى قوله - والأوّل أشهر».

ما اختاره المصنّف واضح؛ بناءً على أنّه لا يملك شيئاً، فإذا باعه لم يدخل ماله إلّا مع الشرط؛ لأنّ الجميع مال المولى في الحقيقة، وإنّما نسب إليه بسبب الملابسة.

ويؤيّده أيضاً صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام: «المال للبائع، إنّما باع نفسه، إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مالٍ أو متاع فهو له» (3).

ص: 302


1- وسائل الشيعة، ج 18، ص 255 - 257، الباب 9 من أبواب بيع الحيوان.
2- منهم الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 180، ذيل المسألة 297 : وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 353؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 317، المسألة 141؛ ومختلف الشيعة، ج 8، ص 43، ضمن المسألة 5.
3- الكافي، ج 5، ص 213، باب المملوك يباع وله مال، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 71، ح 306.

--------------

والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه لابن البّراج (1)؛ محتجاً عليه بحسنة زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام (2).

ويضعّف بأنّ الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرّد العلم من دون صيغةٍ تدلّ عليه. ويمكن حمل الرواية على اشتراط البائع للمشتري ذلك.

وبقي في المسألة أُمور:

الأوّل: أنّ هذه المسألة ذكرها مَنْ قال بملك العبد ومَنْ أحاله، ونسبة المال إلى العبد علی الأوّل واضحة، وعلى الثاني يراد به ما سلّطه عليه المولى وأباحه له ونسبه إليه من كسوةٍ وفراشٍ وغيرهما، فإنّ الإضافة تصدق بأدنى ملابسةٍ.

الثاني: أنّ الخلاف في دخول المال المذكور على القول بأنّه لا يملك يتّجه فرضه؛ لأنّه ملك للبائع فيمكن دخوله في البيع ونقله له، وإذا حكم بكونه له يكون استصحاباً للملك السابق، أمّا إذا قلنا بملكية العبد فيشكل الحكم بكونه للبائع بمجرّد البيع، أو للمشتري، فإنّ ملك مالكٍ لا ينتقل عنه إلّا برضاه، والحال أنّ العبد لا مدخل له في هذا النقل.

وقد ذكر هذه المسألة مَنْ ملّكه ومَنْ أحاله، ولا يندفع الإشكال إلّا إذا قلنا بأنّ المراد بملكيّة العبد تسلّطه على الانتفاع بما قيل بملكه له لا ملك الرقبة، كما نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك (3)، فيكون الملك على هذا الوجه غير منافٍ لملك البائع لرقبته على وجهٍ يتوجّه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه على ملكه.

الثالث: أنّ المصنّف (رحمه الله) حَكَم هنا بأنّ العبد يملك وإن كان محجوراً عليه، ثمَّ حَكَم بأنّ ماله - إذا بيع - لمولاه.

والحكم فيه أقوى إشكالاً؛ لأنّ مقتضى الملك على هذا الوجه ملك الرقبة بطريق الحقيقة

ص: 303


1- المهذّب، ج 1، ص 402.
2- الكافي، ج 5، ص 213، باب المملوك يباع وله مال ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 71 ، ح 307.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 204 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

• ولو قال للمشتري: «اشترني ولك عَليَّ كذا لم يلزمه وإن اشتراه. وقيل: إن كان له مال حين قال له لزم، وإلّا فلا، وهو المروي.

--------------

وإن حجر عليه في الانتفاع به، فلا يناسب ما نقله في الدروس ولا يتمّ الحكم بكون ماله للبائع أو المشتري بمجرّد بيعه. اللهمّ إلّا أن يُحمل على ظاهر النصّ الدالّ على هذا الحكم، فيردّ حينئذٍ بأنّه دالُّ على عدم ملك العبد، لئلّا يناقض الحكم المتّفق عليه من عدم ملكيّة شخصٍ مال غيره إلّا برضاه، والمناسب للقول بملكه لرقبة المال أن يتبع العبد أين كان ولا يكون للبائع ولا للمشتري.

والأقوى - تفريعاً على القول بأنّه لا يملك - أنّ ماله المنسوب إليه للبائع مطلقاً، إلّا أن يشترطه للمشتري، فيكون له بشرط علمهما بقدره، أو كونه تابعاً، وسلامته من الربا بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي، أو زائداً عليه مع قبض مقابل الربوي في المجلس.

قوله: «ولو قال للمشتري: اشترني ولك عَليَّ كذا - إلى قوله - وهو المرويّ».

ما اختاره المصنّف هو الأقوى، بناءً على أنّه لا يملك، وعلى القول بملكه فهو محجور عليه يتوقّف جعالته على إجازة المولى.

والقول المذكور للشيخ (رحمه الله) (1)، واستند فيه إلى رواية الفضيل عن الصادق علیه السلام (2). ومدلولها أنّه جعل ذلك لمولاه ليبيعه، ولا دلالة فيها على ما ادّعاه الشيخ؛ للفرق بين الأجنبي والمولى، فإنّ حكم الأجنبي ما ذكرناه، وأمّا المولى فإن قلنا إنّ العبد لا يملك فماله لمولاه، وإلّا فحجره زائل برضى المولى، فيمكن العمل بالرواية من دون القول، ولا يلزم ما ردّه ابن إدريس من أنّ الرواية لا يجوز العمل بها، وأن الشيخ أوردها إيراداً لا اعتقاداً (3).

ص: 304


1- النهاية، ص 412.
2- الكافي، ج 5، ص 219 - 220، باب العبد يسأل مولاء أن يبيعه....، ح 1 و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 74، ح 315 و 316.
3- السرائر، ج 2، ص 352 - 353.

الثالثة: • إذا ابتاعه وماله، فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقاً، وكذا يجوز بجنسه إذا لم يكن ربويّاً، ولو كان ربويّاً وبِيع بجنسه فلا بدّ من زيادةٍ عن ماله تقابل المملوك.

الرابعة: • يجب أن يستبرئ الأمة قبل بيعها إن كان وطئها المالك بحيضة، أو خمسةٍ وأربعين يوماً إن كان مثلها تحيض ولم تحض.

• وكذا [يجب على] المشتري إذا جهل حالها.

--------------

قوله: «إذا ابتاعه وماله فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقاً» إلى آخره.

هذا إذا قلنا إنّه لا يملك، أو قلنا به بمعنى جواز تصرّفه خاصّةً، أمّا لو قلنا بملكه حقيقةً لم يشترط في الثمن ما ذُكر؛ لأنّ ماله حينئذٍ ليس جزءاً من المبيع فلا يقابل بالثمن.

قوله: «يجب أن يستبرئ الأمة قبل بيعها إن كان وطئها المالك».

الاستبراء استفعال من البراءة، والمراد هنا طلب براءة الرحم من الحمل، فإنّه إذا صبر عليها هذه المدّة تبيّن حملها أو خلوّها منه؛ لئلّا تختلط الأنساب، وهذا هو الحكمة في وجوب الاستبراء، ومن ثَمَّ انتفى الحكم عمّن لا يأتي؛ لانتفاء الحكمة.

وفي حكم البيع غيره من الوجوه الناقلة للملك، وكذا القول في الشراء، فيجب بكلّ ملك زائل وحادث؛ خلافاً لابن إدريس حيث خصه بالبيع (1).

ولو لم يستبرئ الناقل أثم، وصحّ البيع وغيره من العقود وإن أثم؛ لرجوع النهي إلى أمر خارج، ويتعيّن حينئذٍ تسليمها إلى المشتري ومَنْ في حكمه إذا طلبها؛ لأنّها قد صارت ملكاً وحقّاً له، مع احتمال بقاء وجوب الاستبراء قبله ولو بالوضع على يد عَدْلٍ؛ لوجوبه قبل البيع، فيستصحب، وأمّا إبقاؤها عند البائع فلا يجب قطعاً؛ لأنها صارت أجنبيّةً منه.

قوله: «وكذا يجب على المشتري إذا جهل حالها».

إنّما يجب على البائع ومَنْ في حكمه الاستبراء إذا كان قد وطئها، سواء عزل أم لا،

ص: 305


1- السرائر، ج 2، ص 346.

• ويسقط استبراؤها إذا أخبر الثقة أنه استبرأها.

--------------

وأمّا المشتري ومَنْ في حكمه فإنّما يجب عليه الاستبراء إذا علم بوطء السابق أو جهل الحال، فلو علم الانتفاء لم يجب؛ لانتفاء الفائدة، وللنصّ عليه (1).

وإنّما خص المصنّف الحكم بجهله الحال لدخول القسم الآخر فيه بطريق أولى، ولو قال: «وإن جهل حالها» لشمل القسمين بأبلغ نظم؛ لإفادته الحكم في المسكوت عنه بذلك.

والمعتبر من الاستبراء ترك الوطء في القُبل والدُبُر دون باقي الاستمتاع؛ لصحيحة محمّد بن بزيع (2)، خلافاً للمبسوط حيث حرّم الجميع (3).

ولو وطئ في زمن الاستبراء أثم وعزّر مع العلم بالتحريم، ويلحق به الولد؛ لأنّه فراش. وهل يسقط الاستبراء حينئذٍ؟ نظر من انتفاء فائدته وحكمته حيث قد اختلط الماءان، ولحق به الولد الذي يمكن تجدّده، ومن إطلاق الأمر بالاجتناب في المدّة، وهي باقية.

قوله: «ويسقط استبراؤها إذا أخبر الثقة أنه استبرأها».

إنّما عبّر بالثقة؛ لوروده في النصوص المذكورة في هذا الباب، وهي واردة في إخبار البائع أنّه لم يطأها، وفي حكمه إخباره بأنّه استبرأها، وهو الذي فرضه المصنّف.

والظاهر أنّ المراد بالثقة العدل؛ لأنّه الثقة شرعاً، وبه صرّح في النافع (4)، مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه ويثق بخبره، وفي صحيحة أبي بصير: «إن أمنته فمسَّها» (5).

وأوجب ابن إدريس استبراءها وإن أخبر الثقة بها (6)، وتبعه الإمام فخر الدين في الشرح (7).

ص: 306


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 602 - 604؛ الاستبصار، ج 3، ص 359 - 360، ح 1288 - 1290.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 605؛ الاستبصار، ج 3، ص 360، ح 1291.
3- المبسوط، ج 2، ص 79.
4- المختصر النافع، ص 218.
5- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 173، ح 604؛ الاستبصار، ج 3، ص 360، ح 1290.
6- السرائر، ج 2، ص 346.
7- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 165.

• وكذا لو كانت لامرأةٍ، أو في سنّ مَنْ لا تحيض لصغرٍ أو كبرٍ، أو حاملاً، أو حائضاً إلّا زمان حيضها.

• نعم، لا يجوز وطء الحامل قبلاً قبل أن يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيّام، ويكره بعده، ولو وطئها عزل عنها استحباباً.

--------------

قوله: «وكذا لو كانت لامرأةٍ».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وخالف فيه ابن إدريس - كما مرّ - وتبعه فخر المحقّقين (1). وحجّتنا - مع الشهرة - الأخبار المتظافرة (2).

وهل يلحق بها أمة العنّين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقّه الوطء؟ نظر من المشاركة فيما ظُنّ أنّه علّة الحكم، وهو الأمن من الوطء، ومن أنّه قياس، والمناسب للأُصول الشرعيّة عدم اللحاق.

وليس من مواضع الإشكال ما لو باعتها المرأة لرجلٍ في المجلس فباعها حينئذ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعاً، للعلم بعدم وطء البائع.

وقد يحتال لإسقاط الاستبراء ببيعها لامرأةٍ ثمَّ اشتراؤها منها؛ لاندراجها حينئذٍ في أمة المرأة؛ نظراً إلى إطلاق النصّ من غير تعليل.

وكذا لو باعها لرجلٍ ثمَّ اشتراها منه قبل وطئه لها حيث يجوز ذلك.

قوله: «نعم، لا يجوز وطء الحامل قُبُلاً قبل أن يمضي لحملها أربعة أشهر» إلى آخره.

قد اختلف كلام الأصحاب في تحريم وطء الأمة الحامل أو كراهته بسبب اختلاف الأخبار في ذلك، فإنّ في بعضها إطلاق النهي عن وطئها (3)، وفي بعضها: «حتّى تضع ولدها» (4)،

ص: 307


1- إيضاح الفوائد، ج 3، ص 165.
2- راجع تهذيب الأحكام، ج 8، ص 174. ح 607 - 609؛ والاستبصار، ج 3، ص 360 - 361، ح 1292 - 1294.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176 - 177، ح 619 و 620: الاستبصار، ج 3، ص 362. ح 1301 و 1302.
4- الكافي، ج 5، ص 475، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176، ح 617: الاستبصار، ج 3، ص 362، ح 1299.

--------------

وفي بعضها: «إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيّام فلا بأس بنكاحها» (1)، فمن الأصحاب من جمع بينها بحمل النهي المغيّا بالوضع على الحامل من حلٍّ أو شبهةٍ أو مجهولاً، والمغيّى بالأربعة أشهر وعشرة على الحامل من زنى (2)، ومنهم مَن ألحق المجهول بالزنى في هذه الغاية (3)، ومنهم مَنْ أسقط اعتبار الزني، وجعل التحريم بالغايتين لغيره (4).

والمصنّف (رحمه الله) أطلق الحكم بالتحريم قبل الأربعة والعشرة، والكراهة بعدها، وهو أوضح وجوه الجمع.

أمّا الإطلاق بحيث يشمل الجميع فلإطلاق النصّ الشامل لها.

وأمّا الحكم بالتحريم قبل المدّة المذكورة فلاتّفاق الأخبار أجمع عليه، والأصل في النهي التحريم.

وأمّا بعدها فقد تعارضت الأخبار، فيجب الجمع بينها، وحمل النهي حينئذٍ على الكراهة لتصريح بعضها بنفي البأس - طريق واضح في ذلك ونظائره، فالقول به أقوى.

نعم، يبقى في الحمل من الزنى أنّ المعهود من الشارع إلغاء اعتباره من العدّة والاستبراء في غير محلّ النزاع، فلو قيل بالجواز فيه مطلقاً كان حسناً.

وتخصيص المصنّف الوطء بالقُبُل هو الظاهر من النصوص، فإنّ النهى فيها معلّق على الفرج، والظاهر منه إرادة القُبُل، وفي رواية أبي بصير عن الباقر علیه السلام : «له منها ما دون الفرج» (5). وربما قيل بإلحاق الدُبُر به، بدعوى صدق اسم الفرج عليهما، وبأنّ في بعض الأخبار:

«لا يقربها حتّى تضع» الشامل للدُبُر، وغيرهما خارج بدليل آخر، وهو أولى.

ص: 308


1- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 177، ح 622؛ الاستبصار، ج 3، ص 364 ، ح 1305.
2- كالسيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 124.
3- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 3، ص 62.
4- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4 ص 154.
5- الكافي، ج 5، ص 475، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 176، ح 618: الاستبصار، ج 3، ص 362 ، ح 1300.

• ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، واستحبّ له أن يعزل له من ميراثه قسطاً. الخامسة: • التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم قبل استغنائهم عنهنّ محرّمة، وقيل: مكروهة، وهو الأظهر.

--------------

قوله: «ولو لم يعزل كره له بيع ولدها، واستحبّ له أن يعزل له من ميراثه قسطاً».

كذا ورد في الأخبار، وفيها التعليل بتغذية الولد بنطفة الواطئ، وأنّه شارك في إتمام الولد (1) .

وليس في الأخبار تقدير القسط بقدرٍ، وفي رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم علیه السلام : «إنّه يعتقه ويجعل له شيئاً يعيش به، لأنّه غذّاه بنطفته» (2) .

قوله: «التفرقة بين الأطفال وأُمّهاتهم قبل استغنائهم عنهنّ محرّمة ، وقيل : مكروهة ، وهو الأظهر» .

القول بالمنع أجود؛ لتظافر الأخبار بالنهي عنه.

فمنها قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث سبي اليمن لمّا سمع بكاء الأمة: «بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً» ثمَّ بعث بثمن ابنتها فأُتي بها (3) ، والأمر للوجوب المقتضي للنهي عن التفريق.

وروى أبو أيّوب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « مَنْ فرّق بين والدةٍ وولدها فرق الله بينه وبين أحبّته (4) .

ص: 309


1- الكافي، ج 5 ، ص 487 - 488 ، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى، ح 1 - 3: الفقيه، ج 3، ص 447 - 448، ح 4553: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 178 - 179، ح 624 - 626.
2- الكافي، ج 5، ص 487، باب الرجل يشتري الجارية الحامل ....، ح 1: الفقيه، ج 3، ص 447 - 448. ح 4553، تهذيب الأحكام، ج 8، ص 178، ح 624.
3- الكافي، ج 5، ص 218، باب التفرقة بين ذوي الأرحام من المماليك، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 218 - 219، ح 3813، تهذيب الأحكام، ج 7، ص 73، ح 314.
4- مسند أحمد، ج 6، ص 575 ، ح 23002؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 580، ح 1283؛ وج 4، ص 134. ح 1566 ؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 366 ، ح 2381.

--------------

وفي صحيحة ابن سنان (1) عن الصادق علیه السلام في الرجل يشتري الجارية أو الغلام، وله أخ أو أُخت أو أب أو أُمّ بمصرٍ من الأمصار، فقال: «لا يخرجه من مصر إلى مصر آخَر إن كان صغيراً، ولا يشتريه، وإن كانت له أُمٌّ فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت» (2) .

وهذه هي العمدة في ذلك، وغيرها شاهد.

ومقتضى إطلاق الحكم بالتفريق في كلام المصنّف عدم الفرق بين رضاهما وعدمه، وفي خبر ابن سنان ما يدلّ على اختصاص النهي بعدم رضاهما، وهو أجود.

والظاهر عدم الفرق بين البيع وغيره وإن كان في بعض الأخبار ذكر البيع؛ لإيمائها إلى العلّة الموجودة في غيره، فيتعدّى إلى كلّ ناقلٍ للعين حتّى القسمة والإجارة

الموجبة للفرقة.

وحيث كانت علّة المنع الفرقة، فلو لم يستلزمها العقد، كما لو باع أحدهما وشرط استخدامه مدّة المنع، أو على مَنْ لا يحصل منه التفريق بينهما، لم يحرم، مع احتماله في الثاني إذا لم يكن الاجتماع لازماً له شرعاً.

وحيث حُكم بالتحريم فهل يقع البيع ونحوه صحيحاً؛ نظراً إلى أنّ النهي في غير العبادة لا يقتضي الفساد، ولرجوعه إلى وصفٍ خارجٍ عن ذات المبيع، كالبيع وقت النداء، أم باطلاً؛ التفاتاً إلى الأحاديث الدالّة على الردّ من غير اعتبار رضى المتبايعين، ولأنّ تحريم التفريق أخرجهما عن صلاحيّة المعاوضة؟ قولان، أجودهما الثاني.

ص: 310


1- في حاشية «و»: «وحكم جماعة من الأصحاب بصحّة رواية ابن سنان. وهو كذلك بالنظر إلى جميع من عداه من الرواة، وأمّا هو فورد فيها كما نقلناه من غير ذكر اسمه، مع أنّه مشترك بين محمّد وعبدالله، فإن كان الثاني فهي صحيحة، وإن كان الأوّل فهي ضعيفة، فيمكن أن يكونوا اطّلعوا على أنّ المراد به الثاني، وأن يكونوا سمّوها صحيحة باعتبار من سبق عليه، فإنّهم يطلقون ذلك في بعض الاصطلاحات منه. (رحمه الله)».
2- الكافي، ج 5، ص 219 باب التفرقة بين ذوي الأرحام من المماليك، ح : الفقيه، ج 3، ص 223، ح 3830؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 67 - 68. ح 290 .

• والاستغناء يحصل ببلوغ سبع ، وقيل : يكفي استغناؤه عن الرضاع، والأوّل أظهر.

--------------

وهل يختصّ نهي التفريق بالولد مع الأُمّ، أم يعمّ غيرها من الأرحام المشارك لها الاستيناس والشفقة؟ استقرب في التذكرة الأوّل (1) ، وصحيحة ابن سنان دالّة على الثاني، وهو أجود.

وموضع الخلاف بعد سقي الأُمّ اللِبأ (2) ، أمّا قبله فلا يجوز قطعاً؛ لِما فيه من التسبيب إلى إهلاك الولد، فإنّه لا يعيش بدونه، صرّح به جماعة (3) .

ولا يتعدّى الحكم إلى البهيمة؛ اقتصاراً بالمنع على موضع النصّ، فيجوز التفرقة بينها وبين ولدها بعد استغنائه عن اللبن و قبله إن كان ممّا يقع عليه الذكاة، أو كان له ما يمونه من غير لبن أُمّه.

قوله: «والاستغناء يحصل ببلوغ سبع وقيل: يكفي استغناؤه عن الرضاع، والأوّل أظهر».

هذا الخلاف لم نقف له على مستندٍ بخصوصه، ولا ادّعاه مدّعٍ من الأصحاب، وإنّما نقلوا الخلاف هنا مقتصرين عليه. وذكر جماعة من المتأخّرين (4) ، أنّه مترتّب على الخلاف في الحضانة، الآتي في باب النكاح، وهو الظاهر.

وقد اختلفت الروايات ثمَّ في تقدير المدّة، ففي بعضها: سبع مطلقاً (5) ، وفي بعضها : مدّة الرضاع (6) . وبكلٍّ منهما قائل.

ص: 311


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 336 ، الفرع «ز» المسألة 150.
2- اللِبَأ: أوّل اللبن في النتاج الصحاح، ج 1، ص 70، «لباً».
3- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 335، الفرع «ه-» من المسألة 150؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 158 .
4- منهم ابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 2، ص 458.
5- الفقيه ، ج 3، ص 435 ، ح 4507 .
6- الكافي، ج 6، ص 103، باب نفقة الحبلى المطلّقة، ح 3.

السادسة:• مَنْ أولد جاريةً ثمَّ ظهر أنّها مستحقّة، انتزعها المالك، وعلى الواطئ عُشْر قيمتها إن كانت بكراً، ونصف العُشْر إن كانت ثيّباً، وقيل: يجب مهر أمثالها، والأوّل مرويٌّ، والولد حُرٌّ، وعلى أبيه قيمته يوم وُلد حيّاً، ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد.

• وهل يرجع بما اغترمه من مهرٍ وأُجرة؟ قيل: نعم؛ لأنّ البائع أباحه بغير عوضٍ، وقيل: لا؛ لحصول عوضٍ في مقابلته .

--------------

وجمع جماعة (1) بين الروايات بحمل السبع على الأُنثى والحولين على الذكر؛ لمناسبة الحكمة في احتياج الأُنثى إلى تربية الأُمّ زيادةً على الذكر، ولأنّه أولى من إطراح بعضها إذا عمل ببعضٍ، وهذا هو الأجود.

وحيث كان ذلك حكم الحُرّة فليكن في الأمة كذلك؛ لأنّ حقّها لا يزيد على الحُرّة، ولأنّ ذلك هو الحقّ المقرّر للأُمّ في كون الولد معها في نظر الشارع.

قوله: «مَنْ أولد جاريةً ثمَّ ظهر أنّها مستحقّة - إلى قوله - والأوّل مرويُّ».

المراد أنّه أولدها جاهلاً بكونها مستحقةً ، كما ينبّه عليه قوله «ثمَّ ظهر أنّها مستحقّة».

والقول بوجوب العُشْر أو نصفه هو الأقوى والمشهور.

ولو كان عالماً بالاستحقاق فالولد رقُّ للمالك. والواطئ زانٍ، فيلزمه العُقْر، ولا يرجع به ولا بغيره ممّا يغترمه.

قوله: «وهل يرجع بما اغترمه من مهرٍ أو أُجرة؟ قيل: نعم لأنّ البائع أباحه بغير عوضٍ. وقيل: لا؛ لحصول عوضٍ في مقابلته».

الأقوى رجوعه بالجميع، وقد تقدّم (2) .

ص: 312


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 503 - 504؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 288 .
2- تقدّم آنفاً.

السابعة:• ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملّكه في حال الغيبة، ووطء الأمة، ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره وإن كان فيها حقٌّ للإمام، أو كانت للإمام.

--------------

قوله: «ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملّكه في حال الغيبة - إلى قوله - وإن كان فيها حقّ الإمام أو كانت للإمام».

الترديد بين القسمين للتنبيه على الفرق بين المأخوذ ، فإنّه إن كان سرقةً وغيلةً ونحوهما ممّا لا قتال فيه فهو لآخذه وعليه الخمس، وإن كان بقتالٍ فهو بأجمعه للإمام علیه السلام ؛ لرواية البزنطي (1) .

وعلى التقديرين يباح تملّكه حال الغيبة، ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من الهاشميّين منه ؛ لإباحة الأئمة علیه السلام ذلك لشيعتهم، لتطيب مواليدهم (2).

وكذا يجوز شراؤه من السابي والآخذ وإن كان مخالفاً. ويمكن أن يكون الترديد بسبب الخلاف في أنّ المغنوم بغير إذن الإمام هل هو له علیه السلام - كما هو المشهور ووردت به الرواية (3) - أم لآخذه وعليه الخمس؛ نظراً إلى كون الرواية مقطوعةً، كما ذكره المصنّف في النافع (4)متوقّفاً في الحكم بسبب ذلك؟ إلّا أنّ المعروف من المذهب هو العمل بمضمونها لا نعلم فيه مخالفاً، وحينئذٍ فلا يضرّ القطع، فيكون التفسير الأوّل أولى، وبه صرّح في الدروس (5)، وتبعه عليه جماعة من المتأخرين (6).

ص: 313


1- الكافي، ج 3، ص 512 - 513، باب أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 38، ح 96 . وص 118 - 119، ح 341 و 342.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 136، ح 382؛ الاستبصار، ج 2، ص 57، ح 187.
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 135، ح 378 .
4- المختصر النافع، ص 126.
5- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
6- منهم السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 127؛ وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 460 - 461؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 129.

الثامنة:• إذا دفع إلى مأذونٍ مالاً ليشتري به نسمةً ويعتقها ويحجّ عنه بالباقي، فاشترى أباه، ودفع إليه بقيّة المال فحجّ به، واختلف مولاه وورثة الآمر ومولى الأب، فكلٌّ يقول: اشترى بمالي، قيل: يردّ إلى مولاه رقّاً، ثمَّ يحكم به لمن أقام البيّنة، على رواية ابن أشيم، وهو ضعيف، وقيل: يردّ على مولى المأذون ما لم يكن هناك بيّنة، وهو أشبه.

--------------

قوله: «إذا دفع إلى مأذونٍ مالاً ليشتري به نسمةً ويعتقها - إلى قوله - وهو أشبه».

هذه المسألة بمعنى ما حكاه المصنّف أوّلاً رواها عليّ بن أشيم عن الباقر علیه السلام ، وفيها: «إنّ الحجّة مضت بما فيها» (1)، وعمل بمضمونها الشيخ (رحمه الله) (2).

وردّها المتأخّرون بضعف ابن أشيم، فإنّه غالٍ، وبمخالفتها لأُصول المذهب من حيث الحكم بردّ العبد إلى مواليه، مع اعترافه ببيعه ودعواه فساد البيع، ومدّعي الصحّة - وهو الآخران - مقدّم، وبحكمه بمضيّ الحجّة مع أنّ ظاهر الأمر حجُّه بنفسه وقد استناب فيها، و مجامعة صحّة الحجّ لعوده رقاً وكونه قد حجّ بغير إذن سيّده، واعتذر العلّامة للأوّل بحملها على إنكار مولى الأب البيع؛ لإفساده (3)، ويردّه منافاته لمنطوقها الدالّ على كونه اشترى بماله، فلا تسمع.

ونزّلها في الدروس على أنّ المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على مالكه، ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحّة على الفساد؛ لأنّ دعوى الصحّة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فيتساقطان، قال: «وهذا واضح لا غبار عليه» (4).

ص: 314


1- الكافي، ج 7، ص 62 - 63، باب النوادر ، ح 20؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 334 - 335 ، ح 1023: وج 8، ص 249، ح 903؛ وج 9، ص 243 - 244، ح 945.
2- النهاية، ص 414.
3- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 323، المسألة 142.
4- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 211 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

--------------

وفيه نظر واضح، بل الغبار عليه لائح؛ لمنع تكافؤ الدعاوي أوّلاً على تقدير تسليم أن يكون بيده مال للجميع؛ لأنَّ مَنْ عدا مولاه خارج، والداخل مقدّم، فسقط مولى الأب وورثة الآمر، فلم يتمّ الرجوع إلى أصل بقاء الملك على مالكه.

وبذلك يظهر فساد دعوى كون دعوى الصحَّة مشتركةً بين متقابلين متكافئين، فإنّ الخارجة لا تكافئ الداخلة، فإذا قُدّمت لم يبق لردّ الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع؛ إذ لم ينقدح توجّهها إلّا بسبب تساقط تينك الدعويين، ولم يتمّ.

ثمّ لَو سُلّم أن يكون بيد المأذون أموال لغير مولاه، فإنّ إقراره بها لغيره غير مقبولٍ مع تكذيب المولى وإن كان مأذوناً؛ لأنّ المأذون إنّما يُقبل إقراره بما يتعلّق بالتجارة لا مطلقاً، كما سيأتي (1).

وحينئذٍ فلا بدّ من إطراح الرواية لهذه المنافيات لقبولها، والرجوع إلى أصل المذهب، والذي يناسبه إطراح دعوى مولى الأب؛ لاشتمالها على الفساد، ويبقى المعارضة بين مولى العبد وورثة الآمر؛ لاشتراكهما في دعوى الصحّة، فيقدَّم قول المولى؛ لأنّه ذو اليد.

وقال المصنّف في النافع: الذي يناسب الأصل إمضاء ما فَعَله المأذون (2).

وفيه ما مرّ، إلّا أن يقال: إنّ العبد المأذون يصير كالوكيل، يُقبل إقراره على ما في يده، ويمضى تصرّفه كالوكيل، وليس ببعيد مع تناول الإذن لذلك، كما هو المفروض، ومختار المصنّف هنا أقوى.

هذا كلّه مع عدم البيّنة، ومعها إن كانت لواحدٍ حُكم بها، وإن كانت لاثنين أو للجميع، فإن قدّمنا بيّنة الداخل عند التعارض فكالأوّل، وإن قدّمنا الخارج أو لم يكن للداخل بيّنة، ففي تقديم بيّنة ورثة الآمر؛ نظراً إلى الصحّة، أو بيّنة مولى الأب؛ لأنّه خارج بالإضافة إلى ورثة الآمر؛ لادّعائه ما ينافي الأصل، وجهان، أجودهما: الأوّل؛ لأنّهما خارجان بالنسبة إلى مولى المأذون ومدّعيان، ويبقى مع ورثة الآمر مرجّح الصحّة.

ص: 315


1- يأتي في ج 8، ص 597.
2- المختصر النافع، ص 219.

التاسعة: • إذا اشترى عبداً في الذمّة ودفع البائع إليه عبدين، وقال: اختر أحدهما، فأبق واحد قيل: يرتجع نصف الثمن، فإن وجده اختار، وإلّا كان الموجود لهما.

وهو بناءٌ على انحصار حقّه فيهما.

ولو قيل: التالف مضمون بقيمته، وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمّة، كان حسناً.

--------------

قوله: «إذا اشترى عبداً في الذمّة ودفع البائع إليه عبدين - إلى قوله _ كان حسناً».

هذا الحكم ذكره الشيخ (رحمه الله) (1)، وتبعه عليه بعض الأصحاب (2). ومستنده رواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام (3). وفي طريقها ضعف يمنع من العمل بها، مع ما فيها من مخالفة الأُصول الشرعيّة من انحصار الحقّ الكلّي قبل تعيينه في فردين، وثبوت المبيع في نصف الموجود المقتضي للشركة مع عدم الموجب لها، ثمَّ الرجوع إلى التخيير لو وُجد الأبق.

ونزّلها الأصحاب على تساويهما قيمةٌ، ومطابقتهما للمبيع الكلّي وصفاً، وانحصار حقّه فيهما حيث دفعهما إليه وعيّنهما للتخيير، كما لو حصر الحقّ في واحدٍ، وعدم ضمان الآبق إمّا بناءً على عدم ضمان المقبوض بالسوم، أو تنزيل هذا التخيير منزلة الخيار الذي لا يضمن التالف في وقته. ويشكل الحكم بانحصار الحقّ فيهما على هذه التقادير أيضاً؛ لأنّ المبيع أمر كلّي لا يتشخّص إلّا بتشخيص البائع، ودفعه الاثنين ليتخيّر أحدهما ليس تشخيصاً وإن حصر الأمر فيهما؛ لأصالة بقاء الحقّ في الذمّة إلى أن يثبت المزيل، ولم يثبت شرعاً كون ذلك كافياً، كما لو حصره في عشرة فصاعداً.

ص: 316


1- النهاية، ص 411.
2- كابن البراج على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 252، المسألة 221.
3- الكافي، ج 5، ص 217، باب نادر ، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 148، ح 3546؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72، ح 308.

--------------

ونزّلها في المختلف على تساوي العبدين من كلّ وجهٍ، ليلحق بمتساوي الأجزاء، حتّى استوجه جواز بيع عبدٍ منهما، كما يجوز بيع قفيزٍ من الصُبْرة، وينزّل على الإشاعة، فيكون التالف منهما والباقي لهما (1).

ويشكل بمنع تساوي العبدين على وجهٍ يلحقان بالمثلي، ومنع تنزيل بيع القفيز من الصبرة على الإشاعة، وقد تقدّم (2)؛ ومع ذلك فاللازم عدم ارتجاع نصف الثمن.

والأولى الإعراض عن الرواية؛ لِما ذُكر، والرجوع إلى أصل المذهب، فيُنظر حينئذٍ في العبدين إن كانا بوصف المبيع وتخيّر الآبق، ردّ الباقي، ولا شيء له، وإن اختار الباقي، بني ضمان الآبق على أنّ المقبوض بالسوم هل هو مضمون أم لا؟ فإن قلنا به - كما هو المشهور - ضمنه، وإلّا فلا، وأمّا بناؤه على التالف في زمن الخيار فليس بشيءٍ؛ إذ لا خيار هنا، وإن كان أحدهما بالوصف خاصّةً، فله اختياره، وحكم الآخر ما مرّ، وإن لم يكونا بالوصف، طالب بحقّه وردّ الباقي، وفي ضمان الذاهب ما مرّ.

وعلى هذا لا فرق بين العبدين والعبيد وغيرهما من الأمتعة وغيرها، وعلى الرواية لا يتعدّى إلى غير العبيد؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنصوص؛ لبطلان القياس، وبه قطع الشيخ (رحمه الله) (3).

ولو تعدّدت العبيد، ففي انسحاب الحكم وجهان، من صدق العبدين في الجملة، والخروج عن نفس المنصوص، فإن قلنا به وكانوا ثلاثةً فأبق واحد، فات ثلث المبيع، وارتجع ثلث الثمن، مع احتمال بقاء التخيير؛ لبقاء محلّه، وعدم فوات شيءٍ.

ولو كانا اثنين، أو عبداً وأمةٌ ففيه الوجهان. وقطع في الدروس بانسحاب الحكم هنا (4).

ص: 317


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 254، ذيل المسألة 221 .
2- تقدّم في ص 81 .
3- الخلاف، ج 3، ص 217، ذيل المسألة 38 .
4- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 209 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

•وأمّا لو اشترى عبداً من عبدين لم يصحّ العقد، وفيه قول موهوم.

العاشرة: • إذا وطئ أحد الشريكين مملوكةً بينهما سقط الحدّ مع الشبهة، ويثبت مع انتفائها، لكن يسقط منه بقدر نصيب الواطئ.

--------------

ولو هلك أحد العبدين، ففي انسحاب الحكم الوجهان، والأولى العدم في ذلك كلّه لو قلنا به؛ لما ذكرناه.

قوله: «أمّا لو اشترى عبداً من عبدين لم يصحّ العقد، وفيه قول موهوم».

أشار بالقول إلى ما ذكره الشيخ (رحمه الله) في الخلاف من الجواز (1)؛ أخذاً من ظاهر الرواية السابقة (2).

ودلالتها على ذلك ممنوعة؛ لما قد عرفته، فلذلك نسبه المصنّف (رحمه الله) إلى الوهم. وحمله العلّامة في المختلف على تساوي العبدين من كلّ وجهٍ، ونفى استبعاد بيع أحدهما لا بعينه حينئذٍ، كما لو باعه من متساوي الأجزاء بعضه (3)، ويشكل بما مرّ (4)، والأقوى المنع مطلقاً .

قوله: «إذا وطئ أحد الشريكين مملوكةً بينهما سقط الحدّ» إلى آخره.

ظاهر النصوص (5) والفتاوى أنّ الواجب هنا من الحدّ الجلد خاصّةً وإن كان محصناً؛ لأنّه الحدّ الذي يقبل التبعيض. وكأنّ الوجه فيه أنّه ليس زنىً محضاً، بسبب ملكه لبعضها، ومن هنا توجّه الحكم أيضاً بلحوق الولد به وإن كان عالماً بالتحريم، مع أنّ الزاني العالم لا يلحق به الولد.

ص: 318


1- الخلاف، ج 3، ص 38، المسألة 54 .
2- وهي رواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام المتقدّم تخريجها في ص 316، الهامش 3.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 254، ذيل المسألة 221.
4- مرّ في ص 316.
5- راجع الكافي، ج 5، ص 217، باب نادر، ح 2 ؛ وج 7، ص 194 و 195، باب الرجل يأتي الجارية ولغيره فيها شرك ....، ح 1، 6 و 8 ؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72 ، ح 309؛ وج 10، ص 29 - 30، ح 96-98.

•ولا تقوّم عليه بنفس الوطء على الأصحّ.

•ولو حملت قُوّمت عليه حِصص الشركاء، وانعقد الولد حُرّاً، وعلى أبيه قيمة حِصصهم يوم وُلد.

--------------

ولا يخفى أنّه يستثنى من الحدّ بسبب نصيب الشريك ما لو كان ولد الواطئ فإنّه لا حدّ على الأب بسبب نصيبه، كما لا حدّ عليه لو كانت بأجمعها للولد، كما سيأتي (1).

قوله: «ولا تقوّم عليه بنفس الوطء على الأصحّ».

أوجب الشيخ تقويمها بنفس الوطء (2)؛ استناداً إلى ظاهر رواية عبد الله بن سنان (3).

والأقوى ما اختاره المصنّف؛ لأنّ الإحبال تصير به أُمّ ولده فتقوّم عليه معه، لا بدونه.

قوله: «ولو حملت قُوّمت عليه حِصص الشركاء، وانعقد الولد حُرّاً، وعلى أبيه قيمة حِصصهم يوم وُلد».

إذا حملت الأمة المذكورة تعلّق بها حكم أُمّهات الأولاد، فتقوّم عليه؛ لأنّ الاستيلاد بمنزلة الإتلاف؛ لتحريم بيعها، وانعتاقها بموت سيّدها، فكان عليه غرامة الحِصص.

وهل المعتبر قيمتها عند الوطء، أو التقويم، أو الأكثر ؟ الأنسب الأخير.

ولا تدخل في ملكه بمجرّد الحمل، بل بالتقويم ودفع القيمة، أو الضمان مع رضى الشريك، فكسبها قبل ذلك للجميع ، وكذا حقّ الاستخدام. ولو سقط الولد قبل التقويم استقرّ ملك الشركاء.

وإنّما يلزم أباه قيمة حِصصهم يوم وُلد إذا لم تكن قُوّمت عليه حاملاً، وإلّا دخلت قيمته معها.

ونبه المصنّف بقوله «انعقد الولد حُرّاً» على أنّ فكّه بالقيمة ليس على حدّ فكّ الوارث الرقّ، بل هو محكوم بحُرّيّته من حين الانعقاد وإن لم يبذل قيمته.

ص: 319


1- يأتي في ج 6، ص 273 - 274 .
2- النهاية، ص 412 .
3- الكافي، ج 5، ص 217، باب نادر، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72، ح 309 .

الحادية عشرة: • المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كلّ واحدٍ منهما صاحبه من مولاه حُكم بعقد السابق، فإن اتّفقا في وقتٍ واحدٍ بطل العقدان، وفي روايةٍ : يُقرع بينهما، وفي أُخرى: يذرع الطريق ويُحكم للأقرب، والأوّل أظهر.

--------------

وتظهر الفائدة فيما لو أوصى له حملاً، فإنّ الوصيّة صحيحة ولو قيل بانعقاده رقّاً، وتوقّف تحريره على دفع قيمته أو ما قام مقامها لم يصحّ، وفيما لو سقط بجناية جانٍ، فإنّه يلزمه دية جنين حُرِّ للأب عُشْر ديته، وعليه للشركاء دية جنين الأمة عُشْر قيمتها إلّا قدر نصيبه، ويجب على الأب مضافاً إلى ذلك العُقْر بسبب الوطء، سواء كانت بكراً أم ثيّباً، وهو العُشر أو نصفه، مضافاً إلى ذلك أرش البكارة مستثنى منه قدر نصيبه، على أصحّ القولين.

قوله: «المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كلّ واحدٍ - إلى قوله - والأوّل أظهر».

ما اختاره المصنّف هو الأقوى، ووجه تقديم السابق واضح؛ لأنّ عقده صدر من أهله في محلّه بخلاف المتأخّر ؛ لبطلان إذنه بانتقاله عن ملك مالكه، فلا يمضي عقده.

ثمّ إن كان شراء كلٍّ منهما لنفسه، وقلنا بملكه، فبطلان الثاني واضح؛ لامتناع أن يملك العبد سيّده، وإن أحلنا الملك، أو كان شراؤه لسيّده، صحّ السابق، وكان الثاني فضوليّاً ؛ لبطلان إذنه، فيقف على إجازة من اشتري له.

ولو كان وكيلاً له، وقلنا بأنّ وكالة العبد لا تبطل ببيع مولاه له صحّ الثاني أيضاً، وإلّا فكالمأذون.

والفرق بين الإذن والوكالة أنّ الإذن ما جُعلت تابعةً للملك، والوكالة ما أباحث التصرّف المعين مطلقاً، والمرجع فيهما إلى ما دلّ عليه كلام المولى.

ولو اقترن العقدان بطلا، أي لم يمضيا، بل يكونان موقوفين على الإجازة؛ لاستحالة الترجيح إذا لم يكونا وكيلين، كما مرّ.

ويتحقّق الاقتران بالاتّفاق في القبول بأن يُكملاه معاً؛ لأنّ به يتمّ السبب، ويحصل الانتقال عن الملك الموجب لبطلان إذن المتأخّر، لا بالشروع في العقد؛ لعدم دلالة قصد

ص: 320

--------------

إخراج العبد عن الملك على القصد إلى منعه من التصرّف بإحدى الدلالات، حتّى لو شرع في العقد فحصل مانع من إتمامه بقيت الإذن، وإنّما المزيل لها خروجه عن ملكه؛ عملاً بالاستصحاب، وتمسّكاً ببقاء المقتضي.

والرواية بالقرعة ذكرها الشيخ (رحمه الله)، وفرضها في صورة تساوي المسافة واشتباه الحال (1)، وهو لا يستلزم الاقتران وإن احتمله.

والقول بها حينئذٍ ليس بعيداً من الصواب؛ لاشتباه الحال في السبق والاقتران، وقد روي أنّ القرعة لكلّ أمرٍ مشكل (2). واختارها العلّامة في التذكرة والمختلف مع الاشتباه - كما قلناه - لا مع علم الاقتران (3).

ويشكل بأنّه مع احتمال الاقتران والسبق كما يحتمل السبق الخارج بالقرعة يحتمل الاقتران المبطل للعقد، وليس في القرعة ما يخرجه، فإنّ ظاهر المؤدّى منها إخراجها على السابق منهما، وحينئذٍ فلا يتوجّه إلّا مع اشتباه السابق.

نعم، لو قيل - مع اشتباه السبق والاقتران كما هو ظاهر فرض المسألة - إنّه يكتب ثلاث رقاع في أحدها الاقتران ليحكم بالبطلان إن ظهر كان حسناً، إلّا أنّهم لم ينبّهوا عليه، ولا هو ظاهر ما نُقل من الرواية.

والرواية المشتملة على ذرع الطريق رواها الشيخ (رحمه الله) عن أبي خديجة عن الصادق علیه السلام (4) ، وفيها أنّ ذلك مع اشتباه الحال، فلو علم السابق قدّم وإن كان أبعد طريقاً. وظاهرها أنّ كلّاً منهما اشترى الآخَر لنفسه، بناءً على أنّ العبد يملك، والمختار ما قدّمناه.

بقي في العبارة شيء، وهو أنّه بعد حكمه بتقديم السابق، والبطلان مع الاقتران روى

ص: 321


1- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 73 ، ح 311؛ الاستبصار، ج 3، ص 82 - 83، ذيل الحدیث 279.
2- ورد نحوه في الفقيه، ج 3، ص 92، ح 3392؛ وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 593.
3- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 325، الفرع «ب» من المسألة 143؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 257، المسألة 223.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 72 - 73 ، ح 310؛ الاستبصار، ج 3، ص 82 ، ح 279.

الثانية عشرة: • مَن اشترى جاريةٌ سُرقت من أرض الصلح كان له ردّها على البائع واستعادة الثمن، ولو مات أخذ من وارثه، ولو لم يخلّف وارثاً استُسعيت في ثمنها.

وقيل : تكون بمنزلة اللقطة. ولو قيل: تسلّم إلى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه.

--------------

القرعة ومسح الطريق ثمَّ رجّح الأوّل، وهو يشعر بكونهما في مقابلة مختاره، والحال أنّهما وردتا في صورة الاشتباه، والمصنّف لم يذكر حكم هذا الفرض، فلا تكونان في مقابلة حكمه، بل في الثانية تصريح بتقديم السابق، ولا تعرّض لهما لحالة تيقّن الاقتران.

والظاهر أنّ المصنّف جعلهما في مقابلة الاقتران تبعاً للشيخ (رحمه الله)، فإنّه صرّح في النهاية بالقرعة عند الاقتران؛ محتجّاً بالرواية (1)، وهي لا تدلّ على مطلوبه؛ لأنّه فرضها في كتابي الحديث فيما إذا كانت المسافة متساويةً واشتبه الحال، لا فيما إذا علم الاقتران، والله أعلم.

قوله: «مَن اشترى جاريةٌ سُرقت من أرض الصلح كان له ردّها على البائع واستعادة الثمن» إلى آخره.

القول الأوّل للشيخ (رحمه الله) (2)، وأتباعه (3)، ومستنده رواية مسكين السمّان، عن الصادق علیه السلام (4).

والقول الثاني لابن إدريس (5)؛ نظراً إلى ردّ الرواية بناءً على أصله، ولمخالفتها لأُصول المذهب من جهة ردّها على بائعها وليس مالكاً ولا وكيلاً له، واستسعائها في ثمنها مع أنّ كسبها لمولاها، والثمن لم يصل إليه، فكيف يؤخذ من غير آخذه؟!

ص: 322


1- النهاية، ص 412.
2- النهاية، ص 414.
3- منهم ابن البرّاج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 262، المسألة 229.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 83 ، ح 355 .
5- السرائر، ج 2، ص 356.

--------------

هذا، مع جهالة حال مسكين، الموجب لترك العمل بروايته وإن وافقت الأُصول.

وفي الدروس استقرب العمل بالرواية، واعتذر عن الإشكالين بأنّ ردّها على البائع تكليف له بردّها إلى أهلها، إمّا لأنّه سارق، أو لأنّه ترتّبت يده عليه - وزاد في شرح الإرشاد بأنّ يده أقدم، ومخاطبته بالردّ ألزم، خصوصاً مع بعد دار الكفر (1) - وأنّ في استسعائها جمعاً بين حقّ المشتري وحقّ صاحبها. والأصل فيه أنّ مال الحربي فيءٌ في الحقيقة، وبالصلح صار محترماً احتراماً عرضيّاً، فلا يعارض ذهاب مالٍ محترم في الحقيقة (2).

وهذا التنزيل تقريبٌ للنصّ وتوجيهٌ له حيث يكون النصّ هو الحجّة، وإلّا فلا يخفى أنّ مجرّد ما ذكره لا يصلح للدلالة؛ لأنّ تكليف البائع بالردّ لا يقتضي جواز الدفع إليه، كما في كلّ غاصبٍ، وقدم يده لا أثر له في هذا الحكم أيضاً، وإلّا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الردّ على الغاصب، وهو باطل إجماعاً، ولأنّ البائع إن كان سارقاً لم يكن أهلاً للأمانة: لخيانته، وإن لم يكن سارقاً فليس وكيلاً للمالك ولا وليّاً له، فلا يجوز الدفع إليه، كما في كلّ مبيع يظهر استحقاقه.

وأمّا الفرق بين احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل له شرعاً في الحكم، بل لا تفاوت في نظر الشارع بينهما، بل كلٌّ منهما مضمون على المتلف، مع أنّ المتلف للمال المحترم حقيقةً ليس هو مولى الجارية، بل البائع الذي غرّه إن كان عالماً، أو مَنْ غرّه، فلا يرجع على غيره (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (3).

ولو تمَّ ذلك لزم منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة بالأصل من مال المحترم بالعرض، كأهل الذمّة، وهو واضح البطلان.

ص: 323


1- غاية المراد ج 2، ص 57 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 2) .
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول ، ج 11).
3- الأنعام (6): 164 .

--------------

والوجه ما قلناه من أنّ ذلك تنزيلٌ للنصّ وتقريب له إلى العقل، لا تعليل بعلّة معتمدة، وإنّما الاعتماد على الرواية؛ لصحّة طريقها في غير مسكين، وعمل الشيخ وجماعة من الأعيان بها (1).

والأقوى وجوب التوصّل إلى مالكها أو وكيله أو وارثه كذلك، ومع التعذّر تُدفع إلى الحاكم، وهذا هو مراد المصنّف ممّا اختاره أخيراً، وإنّما ترك ذكر المالك لتعذّر الوصول إليه غالباً.

وأمّا الثمن فيطالب به البائع مع بقاء عينه مطلقاً، ومع تلفه إن كان المشتري جاهلاً بسرقتها، وكذا القول في الوارث، ولا تستسعى الجارية مطلقاً وإن ضاع الثمن.

ص: 324


1- راجع ص 322 .

[الفصل] العاشر في السلف

والنظر فيه يستدعي مقاصد:

[المقصد] الأوّل:

• السلَم هو ابتياع مالٍ مضمونٍ إلى أجلٍ معلوم بمالٍ حاضرٍ، أو في حكمه.

• وينعقد بلفظ «أسلمت» و «أسلفت» وما أدّى معنى ذلك، وبلفظ «البيع» و«الشراء».

--------------

الفصل العاشر في السلف

قوله: «السلَم هو ابتياع مالٍ مضمونٍ إلى أجلٍ معلومٍ بمالٍ حاضرٍ، أو في حكمه».

أراد بالحاضر المعيّن ثمناً المقبوض في المجلس، وبما في حكمه المقبوض في المجلس مع كونه موصوفاً غير معيّنٍ وإن كان المقبوض حاضراً عندهما؛ لأنّ الثمن إذا كان موصوفاً غير منحصرٍ في المقبوض بل هو أمر كلّي، والكلّي لا حضور له، لكن بتعيينه في ، المجلس وقبضه يصير في حكم الحاضر.

وينبّه على أنّ المراد بالحاضر المعيّن ثمناً اقترانه ب-«الباء» فإنّ الحاضر عندهما إذا قبض في المجلس ولم يكن معيّناً في العقد ليس هو متعلّق «الباء» وإن كان بعض أفراده؛ لأنّ الأمر الكلّي مغاير لأفراده وإن لم يوجد بدونها.

قوله: «وينعقد بلفظ أسلمت وأسلفت».

السلم والسلف بمعنىّ، أشار إليهما المصنّف بجعل العنوان في السلف ثمَّ عرّف السلَم،

ص: 325

• وهل ينعقد البيع بلفظ السلَم، كأن يقول: أسلمت إليك هذا الدينار في هذا الكتاب؟ الأشبه نعم؛ اعتباراً بقصد المتعاقدين .

--------------

ويقال: «أسلفت وسلّفت» يتعدّى بالهمزة والتضعيف، و«أسلمت» بالهمزة.

قال في التذكرة : ويجيء سلّمت، إلّا أنّ الفقهاء لم يستعملوه (1).

وينبغي القول بجوازه؛ لدلالته صريحاً على المقصود، ووروده لغةٌ فيه (2).

هذا إذا كان الإيجاب من المسلم، ولو كان من المسلم إليه - الذي هو البائع في الحقيقة - صحّ بلفظ البيع والتمليك على قولٍ، وب-«استلمت منك كذا» أو «تسلّفت»، أو «تسلّمت» على ما مرّ، إلى آخر الصيغة.

والقبول هنا من المسلم «قبلتُ» وشبهه.

وهذا الحكم من خواص السلم بالنسبة إلى أنواع البيع. ومثله في صحّة الإيجاب من كلّ من المتعاقدين الصلح.

قوله: «وهل ينعقد البيع بلفظ السلَم - إلى قوله - اعتباراً بقصد المتعاقدين».

أي قال ذلك المشتري، فيكون ذلك على نهج السلَم من كون المسلم هو الثمن والمسلم فيه هو المبيع.

ومثله ما لو قال البائع: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا الدينار، كما فرضه في القواعد (3).

ووجه الأشبه أنّ البيع يصحّ بكلّ ما أدّى ذلك المعنى المخصوص، والسلّم نوع من البيع اعتبره الشارع في نقل الملك، فجاز استعماله في الجنس مجازاً تابعاً للقصد.

ولأنّه إذا جاز استعماله لما في الذمّة المحتمل للغرر كان مع المشاهدة أدخل؛ لأنّه أبعد من الغرر؛ إذ مع المشاهدة يحصل العلم أكثر من الوصف، والحلول يتيقّن معه إمكان التسليم والانتفاع، بخلاف الأجل، فكان أولى بالصحّة.

ص: 326


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 258، المسألة 423.
2- الصحاح، ج 4، ص 1950، «سلم».
3- قواعد الأحكام، ج 27، ص 44.

• ويجوز إسلاف الأعراض في الأعراض إذا اختلفت، وفي الأثمان وإسلاف الأثمان في الأعراض، ولا يجوز إسلاف الأثمان في الأثمان ولو اختلفا.

ولأنّ البيع ينعقد ب-«ملّكتك كذا بكذا» على ما ذكره بعض الأصحاب (1)، ولا ريب أنّ السلّم أقرب إلى حقيقة البيع من التمليك المستعمل شرعاً - استعمالاً شائعاً - في الهبة، فإذا انعقد بالأبعد لتأديته المعنى المراد، فالأقرب إذا أدّاه أولى، وهذا هو اختيار الأكثر.

ووجه العدم أنّ لفظ السلَم موضوع حقيقةً للنوع الخاصّ من البيع، فاستعماله في غير ذلك النوع مجاز، والعقود اللازمة لا تثبت بالمجازات.

ولأنّ الملك إنّما ينتقل بما وضعه الشارع ناقلاً، ولم يثبت جَعْل الشارع هذا ناقلاً في موضع النزاع.

والحقّ أنّا إن قلنا باختصاص البيع بما يثبت شرعاً من الألفاظ لم يصحّ هنا، وإن جوّزناه بكلّ لفظ دلّ صريحاً على المراد صحّ؛ لأنّ هذا اللفظ مع قصد البيع صريح في المطلوب.

وكلام الأصحاب في تحقيق ألفاظ البيع مختلف، والقول بعدم انعقاد البيع بلفظ السلَم لا يخلو من قوّةٍ.

وعلى القول بالصحّة فيما ذكره المصنّف لو جعل متعلّق البيع عيناً موصوفةً بصفات السلَم حالّاً كان أولى بالصحّة؛ لأنّه أقرب إلى السلَم وإنّما يخالفه بالأجل، وعلى المنع

يحتمل الصحّة هنا.

والأقوى الصحّة في الموضعين.

قوله: «ويجوز إسلاف الأعراض في الأعراض إذا اختلفت - إلى قوله - ولو اختلفا».

نبّه بالأوّل على خلاف ابن الجنيد، حيث مَنَع من إسلاف عرضٍ في عرضٍ إذا كانا مکيلين أو موزونين أو معدودين، كالسمن في الزيت (2)، وبالثاني على خلاف ابن أبي عقيل،

ص: 327


1- كالعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 16؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 171، المسألة 124.

[المقصد] الثاني في شرائطه

وهي ستّة:

الأوّل والثاني: ذكر الجنس والوصف.

• والضابط أنّ كلّ ما يختلف لأجله الثمن، فذكره لازم.

--------------

حيث مَنَع من إسلاف غير النقدين (1)، وهما نادران.

وأمّا الثالث - وهو إسلاف الأثمان في الأعراض - فموضع وفاقٍ، كما أنّ المنع من الرابع موضع وفاقٍ بين مَنْ أوجب قبض عوض الصرف في المجلس؛ لأنّ السلَم يقتضى تأجيل المسلم فيه، وهو ينافي قبضه في المجلس، وفيه مع تماثل العوضين مانع آخَر، وهو الزيادة الحكميّة في الثمن المؤجَّل باعتبار الأجل، فإنّ له حظّاً من الثمن، فيوجب الربا.

ويشكل على القول بجوازه حالاً كما سيأتي (2)، وبإمكان الجمع بين الأجل والقبض في المجلس على تقدير اشتراطه، فإنّ الأجل لا يتقدّر في جانب النقصان.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه مع الحلول يكون بيعاً بلفظ السلَم لا سَلَماً، وسيأتي تحقيقه (3).

وأُجيب عن الثاني بأنّ الجمع بين الأجل والتقابض وإن كان ممكناً إلّا أنّ الأجل مانع من التقابض مدّته، فيكون العقد معرضاً للبطلان في كلّ وقتٍ من أوقات الأجل، وعدم حصول التفرّق قبل التقابض لا يدفع كونه معرضاً لذلك.

ويشكل بأنّ الشرط - وهو التقابض في المجلس - إذا حصل تمَّ العقد، والعُرضة المذكورة لم يثبت شرعاً كونها قادحةً في الصحة بوجهٍ.

قوله: «والضابط أنّ كلّ ما يختلف لأجله الثمن فذكره لازم».

المراد اختلاف الثمن بسببه اختلافاً لا يتغابن به، فلا يقدح الاختلاف اليسير التسامح بمثله عرفاً.

ص: 328


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 165 المسألة 121 .
2- يأتي في ص 337.
3- يأتي في ص 337.

• ولا يطلب في الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم.

ويجوز اشتراط الجيّد والرديء، • ولو شرط الأجود لم يصحّ؛ لتعذّره، وكذا لو شرط الأردأ. ولو قيل في هذا بالجواز كان حسناً؛ لإمكان التخلّص.

--------------

والمرجع في هذه الأوصاف إلى العرف، وربما كان العامّي أعرف بها من الفقيه، وحظّ الفقيه منها البيان الإجمالي.

قوله: «ولا يطلب فى الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم».

أي لا يجب الاستقصاء في الوصف، بل يجوز الاقتصار منه على ما يتناوله اسم الموصوف بالوصف الذي يزيل اختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعيّن، فإن استقصى كذلك ووجد الموصوف صحّ السلَم، وإن عزّ وجوده بطل، فعلى هذا، النهي والأمر الواقعان في العبارة قد يكونان على وجه المنع واللزوم، كما إذا استلزم الاستقصاء عزّة الوجود، وقد يكونان على وجه نفي اللزوم والجواز، كما إذا لم يستلزم ذلك، وهي عبارة صحيحة.

وقد تجوّز في القواعد، فجمع بين الفردين المختلفين في الصحّة وعدمها، حيث قال: ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء؛ لعسر الوجود (1)، فإنّ التعليل بعسر الوجود لعدم الجواز، لا لعدم الوجوب، كما قد عرفته.

قوله: «ولو شرط الأجود لم يصحّ؛ لتعذّره، وكذا لو شرط الأرداً» إلى آخره.

أمّا عدم صحّة الضبط بالأجود فظاهر؛ لأنّه ما من فردٍ جيّدٍ إلّا ويمكن أن يكون فوقه ما هو أجود منه، فلا يتحقّق كون المدفوع من أفراد الحقّ.

وأمّا شرط الأردأ فالمشهور المنع منه؛ لِما ذكرناه في الأجود.

وأشار المصنّف بقوله «لإمكان التخلّص» إلى الجواب عن ذلك بأنّ الأردأ وإن لم يمكن الوقوف عليه لكن يمكن التخلّص من الحقّ بدونه، وطريقه أن يدفع فرداً من الأفراد،

ص: 329


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 45.

• ولا بدّ أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة بين المتعاقدين ظاهرةً في اللغة، حتّى يمكن استعلامها عند اختلافهما.

وإذا كان الشيء ممّا لا ينضبط بالوصف لم يصحّ السلَم فيه، كاللحم نيّه ومشويّه، والخبز.

• وفي الجلود تردّد. وقيل: يجوز مع المشاهدة، وهو خروج عن السلَم.

--------------

فإن كان هو الأردأ فهو الحقّ، وإن لم يكنه كان قد دفع الجيّد عن الرديء، وهو جائز، فيحصل التخلّص، بخلاف ما لو شرط الأجود.

ويشكل بأنّ إمكان التخلّص بهذا الوجه لا يكفي في صحّة العقد، بل يجب مع ذلك تعيين المسلم فيه بالضبط، بحيث يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، ويمكن تسليمه ولو بالقهر، بأن يدفعه الحاكم من مال المسلم إليه عند تعذّر تسليمه، وظاهر أنّ هذين الأمرين منتفيان عن الأردأ؛ لأنّه غير متعيّنٍ، ولا يمكن الحاكم تسليمه، والجيّد غير مستحقٍّ عليه، فلا يجوز لغيره دفعه، ولا يجب عليه مع المماكسة، فيتعذّر التخلّص، وحينئذٍ فالأقوى عدم الصحّة.

قوله: «ولا بدّ أن تكون العبارة الدالّة على الوصف معلومةً» إلى آخره.

المراد بظهورها في اللغة كونها على وجه يمكن الرجوع إليها عند اختلافهما، كما قيده به، وإنّما يتمّ ذلك إذا كان مستفاضاً، أو يشهد به عدلان.

وفي حكم اللغة العرف، فمتى كان المعنى متعارفاً جازت الحوالة عليه كذلك.

ولا بدّ مع ذلك من علم المتعاقدين بالمعنى المراد، كما نبّه عليه في العبارة باشتراط الأمرين معاً علمهما وظهور المراد في اللغة، فلو جهلاه أو أحدهما بطل العقد وإن كان معناه معروفاً لغةً وعرفاً.

قوله: «وفي الجلود تردّد، وقيل: يجوز مع المشاهدة، وهو خروج عن السلَم».

المشهور المنع من السلَم في الجلود؛ للجهالة، واختلاف الخلقة، وتعذّر الضبط حتّى بالوزن؛ لأنّ القيمة لا ترتبط به.

ص: 330

ولا يجوز في النبل المعمول • ويجوز فى عيدانه قبل نحتها،• ولا فى الجواهر واللآلئ؛ لتعذّر ضبطها، وتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها، ولا في العقار والأرضين.

ويجوز السلَم في الخضر والفواكه، وكذا [كلّ] ما تنبته الأرض • وفي البيض والجوز واللوز، وفى الحيوان كلّه والأناسى والألبان والسمون والشحوم

--------------

والقول بالجواز مع المشاهدة للشيخ (رحمه الله) (1)؛ لارتفاع الجهالة بها.

وردّه المصنّف بأنه مع المشاهدة يخرج عن وضع السلَم. ويمكن الجواب بأنّه إنّما يخرج مع تعيين المبيع، وكلام الشيخ أعمّ منه، فيمكن حمله على مشاهدة جملةٍ كثيرةٍ يكون السلم فيه داخلاً في ضمنها، وهذا القدر لا يخرج عن السلَم، كما لو شرط الثمرة من بلدٍ معيّنٍ، أو الغلّة من قريةٍ معيّنةٍ لا تخيس عادة.

والأجود (2) المنع مطلقاً؛ للاختلاف، وعدم الانضباط.

قوله: «ويجوز في عيدانه قبل نحتها».

لإمكان ضبطها حينئذٍ بالعدد وبالوزن، وما يبقى فيه من الاختلاف لا يقدح؛ لعدم اختلاف الثمن بسببه، بخلاف المعمول .

قوله: «ولا في الجواهر واللآلئ؛ لتعذّر ضبطها، وتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها».

لم يفرّق بين اللآلئ الصغيرة والكبيرة؛ لاشتراكهما في علّة المنع، وهو تعذّر الضبط الموجب لرفع اختلاف الثمن.

وفرّق جماعة (3) بينهما، فجوّزوه في الصغار؛ لأنّها تُباع وزناً، ولا يعتبر فيها صفات كثيرة تتفاوت القيمة بها تفاوتاً بيّناً، بخلاف الكبار، وهو أجود. ولا فرق بين المتّخذ للتداوي وغيره.

قوله: «وفي البيض والجوز واللوز».

ص: 331


1- النهاية، ص 397؛ الخلاف، ج 3، ص 210، المسألة 21.
2- في بعض النسخ: «والأحوط».
3- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 276، المسألة 435؛ وقواعد الأحكام، ج 2، ص 45: والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4 ، ص 212 .

والأطياب والملابس والأشربة • والأدوية، بسيطها ومركّبها ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها، وفي جنسين مختلفين صفقةً واحدة.

• ويجوز الإسلاف في شاة لبون ، ولا يلزم تسليم ما فيه لبن ، بل شاة من شأنها ذلك.

--------------

شرط الشيخ في جواز السلف في البيض والجوز ضبطه بالوزن؛ لاختلافه (1).

والأقوى الاكتفاء بالعدد مع ذكر النوع الذي يقلّ الاختلاف فيه بحيث يختلف بسببه الثمن ؛ لأنّ الغرض العلم بالقدر، وهو حاصل بذلك، حيث لم يرد من الشارع تعيين الاعتبار، والعرف يدلّ عليه.

قوله: «والأدوية بسيطها ومركّبها ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها».

بأن لا يكون لها ضابط معيّن فى مقدار كلّ واحدٍ من أجزائها، فلو أمكن ضبطها بالقدر صحّ وإن لم يكن ذلك لازماً فيها. وعقاقير الدواء أجزاؤه التي يتركّب منها.

ويُعلم من اشتراط العلم بمقدار عقاقيرها العلم بها نفسها بطريق أولى؛ لترتفع الجهالة.

و في اعتبار ذلك في المشاهد نظر من توقّف العلم عليه ، ومن مشاهدة الجملة، وهو أجود.

قوله: «ويجوز الإسلاف في شاة لبون، ولا يلزم تسليم ما فيه لبن، بل شاة من شأنها ذلك».

نبّه بذلك على خلاف الشافعي، حيث مَنَع في أحد قوليه من السلف في شاة لبون، محتجّاً بمجهوليّة اللبن المعين (2).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الواجب ما من شأنها أن يكون لها لبن وإن لم يكن موجوداً بالفعل حال البيع، بل لو كان لها لبن حينئذٍ لم يجب تسليمه، بل له أن يحلبها ويسلّمها، ولو سُلّم وجود اللبن بالفعل فهو تابع لا يضرّ جهالته ، كما مرّ.

ص: 332


1- المبسوط، ج 2، ص 138؛ الخلاف، ج 3، ص 209، المسألة 19.
2- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 412: روضة الطالبين، ج 3، ص 259 .

• ويجوز في شاةٍ معها ولدها، وقيل: لا يجوز؛ لأنّ ذلك ممّا لا يوجد إلّا نادراً. وكذا التردّد في جاريةٍ حاملٍ؛ لجهالة الحمل.

• وفي الإسلاف في جوز القزّ تردّد.

--------------

وضابط اللبون ما يمكن أن تحلب في زمانٍ يقارب زمان التسليم، فلا يكفي الحامل وإن قرب إبّان (1) ولادتها.

قوله: «ويجوز في شاةٍ معها ولدها وقيل: لا يجوز إلى قوله لجهالة الحمل».

القول بالمنع للشيخ (رحمه الله)؛ محتجّاً على الأوّل بعزّة الوجود، وعلى الثاني بجهالة الحمل، وعدم إمكان وصفه (2).

والمشهور والأجود الأوّل؛ لإمكان وصف الأوّل بالصفات المعتبرة في السلَم من غير أدائه إلى العسر، واغتفار الجهالة في الحمل؛ لأنّه تابع.

ووافقه العلّامة في الجارية الحسناء مع ولدها؛ لعزّة وجودها كذلك (3)، وفي الفرق نظر، وضابط المنع و عدمه عزّة الوجود وعدمه.

قوله: «وفى الإسلاف في جوز القزّ تردّد».

مَنَع الشيخ (رحمه الله) من الإسلاف في جوز القزّ؛ محتجّاً بأنّ في جوفه دوداً ليس مقصوداً ولا فيه مصلحة، فإنّه إذا ترك فيه أفسده؛ لأنّه يقرضه ويخرج منه، وإن مات فيه لم يجز من حيث إنّه ميتة (4).

والأصحّ الجواز؛ لأنّ المقصود بالبيع خالٍ من هذه الموانع، والدود ليس بمقصودٍ، وهو في حكم النوى الذي لا فائدة فيه.

ومنشأ تردّد المصنّف ممّا ذكرناه في الوجهين.

ص: 333


1- في «م»: «أوان».
2- المبسوط، ج 2، ص 123 و 124.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 284، المسألة 439.
4- المبسوط، ج 2، ص 130.

الشرط الثالث: • قبض رأس المال قبل التفرّق شرط في صحّة العقد، ولو افترقا قبله بطل، • ولو قبض بعض الثمن صحّ في المقبوض وبطل في الباقي.

• ولو شرط أن يكون الثمن من دَيْنٍ عليه قيل: يبطل؛ لأنّه بيع دَيْنٍ بمثله، وقيل: يكره، وهو أشبه.

--------------

قوله: «قبض رأس المال قبل التفرّق شرط في صحّة العقد». هذا هو المشهور، بل إجماع، وظاهر ابن الجنيد جواز تأخير القبض ثلاثة أيّام (1)، وهو متروك.

قوله: «ولو قبض البعض صحّ في المقبوض وبطل في الباقي».

ثمَّ إن كان عدم الإقباض بتفريط المسلم إليه فلا خيار له، وإلّا تخيّر؛ لتبعّض الصفقة.

قوله: «ولو شرط أن يكون الثمن من دَيْنِ عليه قيل: يبطل» إلى آخره.

القول بالبطلان للشيخ (2) والأكثر، لِما ذكر؛ إذ لا شكّ في إطلاق اسم الديْن عليه.

ووجه الكراهة أنّ ما في الذمّة بمنزلة المقبوض.

وبقى في المسألة قسمٌ آخَر، وهو ما لو لم يعيّنه من الديْن ثمَّ تقاصّا في المجلس مع اتّفاق الجنس والوصف، أو تحاسبا مع الاختلاف، فإنّ الأجود هنا الصحّة؛ لأنّ ذلك استيفاء محض قبل التفرّق، مع عدم ورود العقد على ما في الذمّة.

وقيل بالبطلان هنا أيضاً؛ لأنّ الثمن قد تشخّص بما في الذمّة، فيكون بيع دَيْنٍ بدَيْنٍ، أو لأنّ هذه معاوضة على ثمن السلَم قبل قبضه، فتكون فاسدةً (3).

وهما ضعيفان؛ لأنّ الثمن هنا أمر كلّي، وتعيينه في شخصٍ لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد. ومثل هذا التقاصّ والتحاسب استيفاء لا معاوضة، وحيث يكون الجنس والوصف واحداً فالتقاصّ قهري، وإلّا توقف على التراضي.

ص: 334


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 177 ، المسألة 128 .
2- المبسوط، ج، ص 138 - 139؛ الخلاف، ج 3، ص 210 - 211، المسألة 22.
3- جامع المقاصد، ج 4، ص 229.

الشرط الرابع: • تقدير السلَم بالكيل أو الوزن العامَّين، ولو عوّلا على صخرةٍ مجهولةٍ، أو مكيالٍ مجهول لم يصحّ ولو كان معيّناً.

• ويجوز الإسلاف في الثوب أذرعاً، وكذا كلّ مذروع.

• وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدداً؟ الوجه لا.

• ولا يجوز الإسلاف في القصب أطناناً، ولا في الحطب حزماً، ولا في المجزوز جزّاً، ولا في الماء قرباً.

--------------

قوله: «تقدير السلَم بالكيل أو الوزن العامّين».

لا فرق في ذلك بين ما يعتاد كيله ووزنه، وما يعتاد بيعه جزافاً؛ لأنّ المشاهدة تدفع الغرر، بخلاف السلَم المعوّل فيه على غائبٍ أو معدومٍ، وسيأتي في حكم السلَم في الحطب والقصب ما ينبّه عليه.

قوله: «ويجوز السلَم في الثوب أذرعاً».

هذا الحكم ثابت أيضاً وإن قلنا بجواز بيعه مع المشاهدة بدون الذرع؛ لانتفاء الغرر، كما مرّ (1).

قوله: «وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدداً؟ الوجه لا».

وجه الوجه عدم انضباط المعدود، فلا يحصل العلم بقدره بدون الوزن، وهذا يتمّ في بعض المعدودات كالرمّان ، أمّا النوع الخاصّ من البيض والجوز فالأجود جوازه بالعدد والوزن.

وفي اللوز نظر من عدم انضباط نوعه الخاصّ غالباً، والأولى اعتباره بالكيل أو الوزن.

والضابط للصحّة الانضباط الرافع لاختلاف الثمن.

قوله: «ولا يجوز الإسلاف في القصب أطناناً - إلى قوله - ولا فى الماء قرباً».

الوجه في ذلك كلّه اختلاف مقدار المذكورات، الموجب للغرر في عقد السلف، بخلاف ما لو بِيع مشاهداً، فإنّ المشاهدة ترفع الغرر عنه.

ص: 335


1- مرّ في ص 82.

وكذا لا بدّ أن يكون رأس المال مقدّراً بالكيل العامّ، أو الوزن • ولا يجوز الاقتصار على مشاهدته، ولا يكفي دفعه مجهولاً، كقبضةٍ من دراهم، أو قبّة من طعامٍ.

الشرط الخامس: تعيين الأجل، فلو ذكر أجلاً مجهولاً كأن يقول: متى أردت، أو أجلاً يحتمل الزيادة والنقصان، كقدوم الحاجّ كان باطلاً.

• ولو اشتراه حالاًّ قيل: يبطل، وقيل: يصحّ، وهو المرويّ، لكن بشرط أن يكون عامّ الوجود في وقت العقد.

--------------

قوله: «ولا يجوز الاقتصار على مشاهدته».

هذا إذا كان مما يكال أو يوزن أو يُعدّ، فلو كان مما يُباع جزافاً جاز الاقتصار على مشاهدته، كما لو بيع.

ولو كان مذروعاً كالثوب، ففي الاكتفاء بمشاهدته عن ذرعه نظر من جوازه لو بِيع - كما مرّ (1) - فكذا إذا كان ثمناً، ومن الجهالة. وقطع الشيخ باشتراط ذرعه (2). وتوقّف الفاضل في المختلف (3). والأولى بناؤه على جواز بيعه كذلك، فإن قلنا به ثمَّ أجزناه هنا. وخالف المرتضى في ذلك كلّه، فاكتفى بالمشاهدة في الثمن مطلقاً (4). والعمل على المشهور.

قوله: «ولو اشتراه حالاً وقيل: يصحّ» إلى آخره.

موضع الخلاف ما إذا قصد الحلول، سواء صرّح به أم لم يصرّح ، فإنّه حينئذٍ يكون بيعاً بلفظ السلّم؛ لأنّه بعض جزئيّاته، وقد تقدّم جوازه في العين الحاضرة (5)، ففي الكلّيّة أولى.

ص: 336


1- مرّ في ص 82.
2- المبسوط، ج 2، ص 115؛ الخلاف، ج 3، ص 198، المسألة 4.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 167، ذيل المسألة 122 4.
4- المسائل الناصريّات، ص 369 - 370، المسألة 175.
5- تقدم في ص 327.

الشرط السادس: • أن يكون وجوده غالباً وقت حلوله ولو كان معدوماً وقت العقد.

--------------

ووجه المنع حينئذٍ أنّ وضع السلَم على التأجيل، حتّى ادعى الشيخ عليه الإجماع (1)،

وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: «مَنْ أسلف فليسلف في كيل أو وزن معلومٍ وأجلٍ معلومٍ» (2).

وأجاب في المختلف بالقول بموجّب هذه الأدلّة، فإنّه مع قصد السلم يجب ذكر الأجل، وليس صورة النزاع، بل البحث فيما لو تبايعا حالاً بلفظ السلَم(3)، ومقتضى ذلك أنّ موضع الخلاف ما إذا لم يقصد السلَم. وظاهر هذه العبارة أنّ الخلاف في السلَم أيضاً؛ لأنّ ضمير «اشتراه» ناسب كونه المسلم فيه، وهو ظاهر الدروس (4) أيضاً، وهذا هو الأجود.

قوله: «أن يكون وجوده غالباً وقت حلوله».

أي يكون الأغلب وجوده عند الأجل عادةً، فلا يكفي وجوده فيه نادراً، وفي القواعد جعل الشرط إمكان وجوده (5)، فيدخل فيه النادر إلّا على تكلّفٍ بعيد، وما هنا أجود.

والحاصل أنّ الشرط تحقّق وجوده عادةً عند الأجل، بحيث يقدر على تسليمه.

وبقيد «العادة» يندفع تخيّل كون ما هو معدوم الآن مستصحب العدم، فلا يحصل بوجوده في ثاني الحال إلّا الظن فإنّ هذا الظنّ الغالب المستند إلى قرائن الأحوال المستمرة يُفيد العلم العادي وإن لم يُفد العلم الحقيقي، ومن هنا أطلق في الدروس أنّ الشرط هو القدرة على التسليم عند الأجل (6).

واعلم أنّ وجوده عند الأجل - بأي معنى اعتُبر - أعمّ من كونه متجدّداً فيه مع كونه الآن

ص: 337


1- الخلاف، ج 3، ص 197، المسألة 3.
2- صحيح البخاري، ج 2، ص 781، ح 2124 و 2126؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1227، ح 1604/127: الجامع الصحيح، ج 3، ص 602 - 603، ح 1311.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 164، ذيل المسألة 118.
4- الدروس الشرعية، ج 3، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
5- قواعد الأحكام، ج 2، ص 52.
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 232 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

• ولا بدّ أن يكون الأجل معلوماً للمتعاقدين.

• وإذا قال: إلى جمادى، حُمل على أقربهما، وكذا إلى ربيع، وكذا إلى الخميس والجمعة.

--------------

معدوماً، ومن كونه موجوداً من الآن إلى ذلك الوقت، فما عبّر به في الدروس أجود وأدلّ على المقصود.

قوله: «ولا بدّ أن يكون الأجل معلوماً للمتعاقدين».

هذا وما بعده من فروع الأجل المعيّن، فكان ذكره في بابه أجود، وكأنّه أضرب عن الشرط السادس، وهو آخر الشروط، وشرع في تكميل مباحث الشروط السابقة.

والمراد أنّه لابدّ - مع كون الأجل مضبوطاً في نفسه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان - من كونه معلوماً لهما على ذلك الوجه، فلا يكفي تعيّنه في نفسه، بحيث يرجعان في معرفته إلى غيرهما، كالنيروز والمهرجان والفصح، ونحو ذلك من الأوقات المضبوطة التي لا يعرفها كثير من الناس؛ لأنّ الأجل كجزءٍ من العوضين، وتجهيله حالة العقد - وإن تجدّد العلم به - كتجهيل أحدهما حالته وإن تجدّد العلم به.

ومثله ما لو قال العارف للعامّي في الأجل إلى سلخ الشهر الفلاني، أو غُرّته، ونحو ذلك، إذا لم يكونا عارفين بمعناه.

قوله: «وإذا قال: إلى جمادى، حمل على أقربهما».

إنّما حُمل على أوّلهما مع كونه مشتركاً؛ لتعليقه الأجل على الاسم المعيّن، وهو يصدق بالأوّل.

ويعتبر علمهما بذلك قبل العقد ليتوجّه قصدهما إلى أجلٍ مضبوط، فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به، كما مرّ، ومثله التأجيل إلى يومٍ معيّن من أيّام الأُسبوع، كالخميس والجمعة، مع احتمال البطلان في الجميع مع عدم التعيين؛ للاشتراك، والشكّ في حمله على الأوّل.

ص: 338

• ويُحمل الشهر عند الإطلاق على عدّةٍ بين هلالين، أو ثلاثين يوماً.

--------------

وفرّق في التذكرة بين الأوّل والثاني، فحَكَم في الثاني - وهو اليوم - بحمله على الأوّل؛ لدلالة العرف عليه، وتردّد في الأول (1)، والمعتمد التسوية بينهما في الحمل على الأوّل. فإن قلت: قد شرطت في الصحّة علمهما بذلك، وقصدهما إليه، ومع ذلك كيف يتّجه احتمال البطلان؟! لأنّهما إذا قصدا إلى الأوّل أو الثاني واتّفقا عليه صحّ قطعاً؛ لعدم الاشتباه والاختلاف، ومع عدم القصد إلى معيّنٍ لا مجال للصحّة، فكيف يتوجّه الوجهان على نحوٍ واحدٍ؟!

قلت: منشأ الاحتمالين من الشكّ في دلالة اللفظ المشترك على معنيين (2) من معانيه أم لا، فمَنْ حمله على الأوّل زعم أنّ إطلاق اللفظ دالّ عليه، إمّا عرفاً، أو مطلقاً. نظراً إلى تعليقه على اسم، فمتى دخل الأوّل صدق الاسم، فلا يعتبر غيره، وإذا كان الإطلاق دالاً على الأوّل حُمل عليه اللفظ؛ لأنّه مدلوله، ومَنْ حَكَم بالبطلان نظر إلى اشتراك اللفظ واحتماله للأمرين على السواء، فلا يمكن حمل الإطلاق على أحدهما.

وإذا تقرّر ذلك وكان اعتقاد المتعاقدين وفهمهما انصرافه إلى الأوّل، كان إطلاقهما في قوّة إرادة الأوّل، وإن لم يكن لهما اعتقاد ذلك، سواء اعتقد نقيضه أم لا، كان ما جعلاه من الأجل محتملاً للزيادة والنقصان، فلا يصحّ العقد وإن كان له محمل شرعي عند الفقيه، فإنّ ذلك غير كافٍ في صحّة العقد من دون أن يعلمه المتعاقدان، هذا هو الذي تقتضيه القواعد المتقدّمة، ويقتضيه الدليل.

ويحتمل ضعيفاً الاكتفاء في الصحّة وعدمها بما يقتضيه الشرع في ذلك، قصداه أم لم يقصداه؛ نظراً إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً، وإطلاق اللفظ منزَّل على الحقائق الشرعيّة، وقد ظهر مما سبق ضعفه.

قوله: «ويُحمل الشهر عند الإطلاق على عدّةٍ بين هلالين، أو ثلاثين يوماً».

ص: 339


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 271، الفرع «ح» من المسألة 430.
2- في بعض النسخ: «معيّنين».

• ولو قال: إلى شهر كذا حلّ بأوّل جزءٍ من ليلة الهلال؛ نظراً إلى العرف.

--------------

أي يُحمل الشهر على شهرٍ هلالي إن اتّفق الأجل في أوّله، سواء كان ثلاثين يوماً أم أقلّ، أو على ثلاثين يوماً إن كان العقد وقع في أثناء شهر، فالترديد باعتبار التفصيل، لا ترديد إشكالٍ في اعتبار أيّهما.

ويعتبر في أوّليّة الشهر وأثنائه العرف لا الحقيقة؛ لانتفائها غالباً أو دائماً؛ إذ لا تتّفق المقارنة المحضة لغروب ليلة الهلال، فعلى هذا لا يقدح فيه نحو اللحظة، ويقدح فيه نصف الليل ونحوه، وحيث كان المرجع فيه إلى العرف فهو المعيار، والظاهر أن الساعة فيه غير قادحة.

قوله: «ولو قال: إلى شهر كذا، حلّ بأوّل جزءٍ من ليلة الهلال نظراً إلى العرف».

إنّما أسنده إلى العرف؛ لأنّ الشهر معيّن وقع غايةً للأجل، والغاية - لغةً - قد تدخل في المغيّا، كما في قولك: «قرأت القرآن» إلى آخره، وبعت الثوب إلى طرفه، وقد لا تدخل، ك-{أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} (1)، وقد تحتملهما، كآية غسل اليدين إلى المرافق (2)، لكن هنا دلّ العرف على خروج الغاية، وهو الشهر المعيّن، فيُحكم به؛ لأنّه المرجع حيث لا يكون للفظ حقيقة شرعية، وهذا بخلاف ما لو كان الشهر مطلقاً، كما لو جعل الأجل إلى شهرٍ، فإنّه يتمّ بآخره؛ لدلالة العرف عليه أيضاً، وبقرينة أنّه لولا ذلك لخلا السلَم من الأجل، وقد صرّحا به.

وفرّق الشهيد (رحمه الله) بينهما في بعض تحقيقاته، مع اشتراكهما في انتهاء الغاية، بأنّ المغيّا في المبهم مسمّى المدّة، وهو لا يصدق إلّا بالمجموع، والمغيّا في المعيّن مسمّى المعين، وهو يصدق بأوّل جزءٍ منه، ضرورة صدق الشهر كصفر مثلاً - بأوّل جزء منه (3).

وفيه نظر؛ لأنّ المطلق لمّا حمل على الشهر المتّصل، وهو الهلالي إن اتّفق، وإلّا فثلاثون يوماً، كان مسمّى المدّة المبهمة هو المجموع المركّب من الأيّام المخصوصة المتّصل بالعقد،

ص: 340


1- البقرة (2): 187.
2- المائدة (5) : 06.
3- حاشية القواعد، ص 239 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

• ولو قال : إلى شهرين، وكان فى أوّل الشهر، عدّ شهرين أهلّة.

وإن أوقع العقد في أثناء الشهر أتمّ من الثالث بقدر الفائت من شهر العقد، وقيل:

يُتمّه ثلاثين يوماً، وهو أشبه.

--------------

فإن صدقت الغاية بأوّلها ثبت الحكم فيهما، وإنّما الفارق العرف الدالّ على خروج الأوّل ودخول الثاني، كما دلّ على خروج بعض الغايات ودخول بعضٍ في نظائره.

ويشكل الحكم في المعيّن لو كان العقد في أوّله، وجعلاه الغاية، فإنّ الحكم بخروجه يوجب خلوّ العقد من الأجل، وقد ذكراه، والحكم بدخوله أجمع يخالف القاعدة الحاكمة بخروج المعيّن.

ويمكن السلامة من المحذور الأوّل - إن لم يعتبر الأجل في صحّة العقد - بأنّ ذكر الأجل على هذا الوجه بمنزلة التصريح بالحلول؛ لأنّه لازمه، وإن كان بصورة الأجل، فيصحّ حالاً، كما لو صرّحا به، أمّا مع اعتبار ذكر الأجل فيمكن ترجيح آخره تحصيلاً للصحّة وإن خالف الظاهر، والبطلان لفقد شرط الصحّة، ومخالفة الظاهر لتحصيل حكم شرعي غير لازم؛ لأنّ البطلان حكمٌ شرعيٌ أيضاً، وهذا هو الأجود، بناءٌ على اعتبار الأجل.

قوله: «ولو قال: إلى شهرين وكان في أوّل الشهر - إلى قوله - وهو أشبه». الأصل في الشهر عند الإطلاق الهلاليُ، وإنّما يعدل عنه إلى العددي عند تعذّر حمله على الهلالي، فمتى كان الأجل شهر واحداً، وكان العقد في أوّله اعتبر الهلالي، وإن كان في أثنائه فالعددي.

ولو كان الأجل شهرين فصاعداً ووقع في أثنائه ففي اعتبار الشهر بأيّهما ثلاثة أقوال، أشار المصنّف إلى اثنين منها: أحدها: اعتبار الشهرين بالهلالي، أمّا الثاني فظاهر؛ لوقوعه بأجمعه هلاليّاً. وأمّا الأوّل فلصدق مضيّ القدر الحاصل منه عرفاً، كنصفه وثلثه مثلاً، فيتمّ من الثالث قدر ما فات منه، حتّى لو كان ناقصاً كفى إكمال ما يتمّ تسعة وعشرين يوماً؛ لأنّ النقص جاء في آخره، وهو من جملة الأجل، والفائت من الأوّل لا يختلف بالزيادة والنقصان، وهذا هو الذي حكاه المصنّف أولاً.

وثانيها: اعتبار ما عدا الأوّل هلاليّاً، ويتمّ الأوّل ثلاثين، أمّا الأوّل فلصدق الشهر

ص: 341

• ولو قال: إلى يوم الخميس، حلّ بأوّل جزءٍ منه.

--------------

الهلالي عليه، وأمّا الثاني - وهو الأوّل المنكسر - فلأنّه بإهلال الثاني لا يصدق عليه أنّه شهر هلالي، فيكون عدديّاً، ولا يمكن اعتبار الجميع بالهلالي، لئلّا يلزم إطراح المنكسر، وتأخّر الأجل عن العقد مع الإطلاق، وحينئذٍ فيكمل الأوّل ثلاثين بعد انقضاء المقصود من الهلالي من شهرٍ أو أكثر، وهذا هو قول الأكثر.

وثالثها: انكسار الجميع بكسر الأوّل، فيعتبر الكلّ بالعدد. ووجهه أنّ الشهر الثاني لا يعقل دخوله إلّا بعد انقضاء الأوّل، فالأيام الباقية إمّا أن لا تحسب من أحدهما، أو من الثاني، وكلاهما محال، أو من الأوّل فلا يعقل دخول الثاني حتّى يتمّ الأوّل بعدد ما فات منه من الثاني، فينكسر الثاني، وهكذا. وإلى هذا القول ذهب الشيخ في أحد قوليه (1). والأوسط أوسط؛ لِما مرّ، ولأنّ الأشهر الباقية يمكن إجراؤها على حكم الأصل، وهو اعتبارها بالهلال فيتعيّن، ولا يلزم إكمال الشهر الأوّل من الذي يليه؛ لأنّ الإكمال صادق، سواء أكمل من الذي يليه أم من غيره؛ إذ لا يلزم محذور لو أكمل من غيره، بخلاف ما لو أكمل من الذي يليه، فإنّه يلزم اختلال الشهر الهلالي مع إمكان اعتباره بالهلالي، ولأنّ الأجل إذا كان ثلاثة أشهر مثلاً، فبعد مضي شهرين هلاليّين وثلاثين يوماً ملفقة من الأوّل والرابع يصدق أنّه قد مضى ثلاثة أشهر عرفاً، فيحلّ الأجل، وإلّا كان أزيد من المشترط، ولأنّه إذا وقع العقد في العقد في نصف الشهر مثلاً، ومضى بعده شهران هلاليّان، يصدق أنّه مضى من الأجل شهران ونصف وإن كانت الثلاثة ناقصةً، وهذا أمر ثابت في العرف حقيقةً، فيكفي إكمالها خمسة عشر يوماً لصدق الثلاثة معها.

واعلم أنّ المعتبر في الأوليّة والأثناء العرف - كما مرّ (2) - لا اللغة، فلا يقدح فيه اللحظة والساعة مع احتماله.

قوله: «ولو قال: إلى يوم الخميس، حلّ بأول جزء منه».

ص: 342


1- مرّ في ص 340.
2- لم نعثر عليه فيما توفّر لدينا من كتبه (رحمه الله).

• ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه وإن كان في حمله مؤونة.

--------------

الوجه فيه ما تقّدم من الغاية المعيّنة (1)، فإنّه وإن كان مطلقاً إلّا أنّه قد تعيّن شرعاً وعرفاً بأوّل خميس، فصار كالمعيّن ابتداءً، فيصار في الاكتفاء بدخوله إلى العرف، ويشكل بما إذا كان العقد في أوّله، فإنّ ما تقدّم من الاحتمال والبحث (2) آتٍ فيه.

قوله: «ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه وإن كان في حمله مؤونة».

اختلف الأصحاب في اشتراط ذكر موضع التسليم في العقد، مع اعترافهم بأنه لا نصّ فيه على الخصوص، على أقوال:

أحدها: عدمه مطلقاً، كما اختاره المصنّف والشيخ في النهاية، والعلّامة في التحرير والإرشاد (3)، وجماعة (4)؛ لأصالة البراءة من اشتراطه وإطلاق الأوامر بالوفاء بالعقود (5)، وحلّ البيع (6)، وللإجماع على عدم اشتراطه في باقي أنواع البيع وإن كان مؤجّلاً، بل ادّعى ابن إدريس الإجماع عليه هنا (7)أيضاً، وهي دعوى في محلّ النزاع.

وثانيها: اشتراطه مطلقاً، اختاره الشيخ في الخلاف (8)، وتبعه عليه جماعة (9)، واستقربه الشهيد (رحمه الله) (10).

ص: 343


1- تقدّم في ص 340.
2- تقدم في ص 341.
3- النهاية، ص 395؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 430، الرقم 3554؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 372.
4- منهم ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 178، المسألة 130؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 317 - 318.
5- المائدة (5)؛ 1.
6- البقرة (2)؛ 275.
7- السرائر، ج 2، ص 318.
8- الخلاف، ج 3، ص 202، المسألة 9.
9- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 241؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 238.
10- الدروس الشرعية، ج 3، ص 235 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

--------------

ووجهه أنّ مكان التسليم ممّا تختلف فيه الأغراض ويختلف باعتباره الثمن والرغبات، فإنّه قد يكون بعيداً عن المشتري فلا يرغب في تكثير الثمن ولا في الشراء على بعض الوجوه، وقد يكون قريباً فينعكس الحكم، وكذا القول في البائع، ولأنّ المطالبة بالمبيع فرع ثبوته في الذمّة واستحقاق المطالبة به، وذلك في السلَم المؤجَّل غير معلومٍ؛ لأنّه إنّما يكون عند الحلول، ولا يعلم في أيّ مكانٍ تحقّق الحلول على البائع، وبهذا يفرّق بينه وبين القرض، حيث انصرف إلى مكان العقد. وكذا البيع.

ولا يلزم مثله في بيع النسيئة؛ لخروجه بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محلّه، وإلّا لكان الدليل قائماً فيه، فلا يلحق به المختلف فيه.

وثالثها: التفصيل، فإن كان في حمله مؤونة وجب تعيين محلّه، وإلّا فلا اختاره الشيخ في المبسوط (1).

ووجهه يُعلم ممّا تقدّم، فإنّ الأغراض إنّما تختلف في محلٍّ يفتقر إلى المؤونة، أمّا غيره فلا.

ورابعها: إنّهما إن كانا في برّيّةٍ أو بلد غربةٍ قصدهما مفارقته اشترط تعيينه، وإلّا فلا، وهو اختيار العلّامة في القواعد والمختلف (2).

ووجهه أنّه متى كان البلد كذلك لم يمكن التسليم في مكان العقد، وليس أحد الأمكنة في غيره أولى من الآخر، فيفضي إلى التنازع؛ لجهالته، بخلاف ما إذا كانا في بلدٍ يجتمعان فيه، فإنّ إطلاق العقد يقتضي التسليم في بلده.

وخامسها: إن كان لحمله مؤونة، أو لم يكن المحلّ صالحاً كالغربة اشترط تعيينه، وإلّا فلا، وهو خيرة العلّامة في التذكرة (3)، ووجهه مركّب من القولين السابقين.

ص: 344


1- المبسوط، ج 2، ص 118 - 119.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 53؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 178، المسألة 130.
3- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 343 - 344، المسألة 502.

--------------

ولكلٍّ من الأقوال وجه، إلّا أنّ الأخير يضعّف السابقين عليه، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الثلاثة، فأصالة البراءة وحمل الإطلاق في نظائره على موضع العقد يرجّح الأوّل، و اختلاف الأغراض وعدم الدليل الدالّ على تعيين موضع العقد في المتنازع يؤيّد الثاني، ووجه الأخير ظاهر، ولا ريب أنّ التعيين مطلقاً أولى، وأنا في ترجيح أحدها من المتردّدين.

بقي هنا أُمور:

الأوّل: موضع الخلاف ما لو كان السلَم مؤجَّلاً، فلو كان حالاً لم يعتبر تعيين المحلّ قطعاً، بل كان كغيره من البيوع يستحقّ المطالبة به في محلّ العقد، أو في محلّ المطالبة إن فارقاه.

الثاني: على القول بعدمٍ اشتراط تعيينه مطلقاً، أو على بعض الوجوه، فمكانه موضع العقد أيضاً، إلّا أن يعيَّن موضعٌ آخَر فيتعيّن.

الثالث: لو عيّنا محلاً وقلنا باشتراطه صحّ العقد وتعيّن، ولو لم يعينا بطل، ولو لم نشترطه فعيّنّاه تعيّن أيضاً، وفاء بالشرط.

ولو اتّفقا على التسليم في غير الموضع المعيّن جاز. وكذا القول لو عيّنا موضعاً غير ما عيّنه الشارع.

الرابع: لو كانا في مكانٍ من قصد أحدهما مفارقته دون الآخر، فهو كما لو قصداها معاً؛ لِما ذُكر من العلّة، وإن كان كلامهم في التمثيل بخلاف ذلك، وكذا لو كان أحدهما غريباً دون الآخَر.

الخامس: ليس المراد من البرّيّة وبلد الغربة حقيقتهما خاصّةً، بل هما على سبيل، المثال، وإنّما المعتبر بلدهما وما في حكمه، فمتى كانا خارجين عنه وعمّا في حكمه عرفاً اعتبر تعيين المكان عند مَن اشترطه؛ لاقتضاء الدليل ذلك.

السادس: المعتبر في تشخّص المكان ذكر محلٍّ لا يختلف الحال في جهاته وأجزائه عرفاً، كالبلد المتوسّط فما دونه، والقطعة من الأرض كذلك، بحيث لا يفرّق بين أجزائها، ولا يحصل كلفة زائدة في جهةٍ منها دون جهةٍ لا مطلق البلد، ولا الموضع الشخصي الصغير.

ص: 345

المقصد الثالث في أحكامه

وفيه مسائل:

الأُولى: إذا أسلف في شيءٍ لم يجز بيعه قبل حلوله، • ويجوز بعده وإن لم يقبضه على مَنْ هو عليه، وعلى غيره على كراهية، وكذا يجوز بيع بعضه وتولية بعضه، ولو قبضه المسلم ثمَّ باعه زالت الكراهية.

الثانية: إذا دفع المسلم إليه دون الصفة ورضي المسلم صحّ وبرئ، سواء شرط ذلك لأجل التعجيل أو لم يشرط، وإن أتى بمثل صفته وجب قبضه أو إبراء المسلم إليه. • ولو امتنع قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك.

• ولو دفع فوق الصفة وجب قبوله، ولو دفع أكثر لم يجب قبول الزيادة، أمّا لو دفع من غير جنسه لم يبرأ إلّا بالتراضي.

--------------

قوله: «ويجوز بعده وإن لم يقبضه على مَنْ هو عليه - إلى قوله - على كراهية».

هذا إذا كان مما يكال أو يوزن، أمّا لو كان ممّا يُعدّ ففي الكراهة نظر؛ لعدم الدليل.

وقد تقدّم الكلام في ذلك (1)، وأنّ الأقوى التحريم إذا كان طعاماً، أو إذا كان ممّا يكال أو يوزن، على ما فُصّل.

ويجوز الصلح عليه قبل الحلول وبعده، وقبل القبض وبعده، على الأقوى، بناءً على أنّ الصلح أصل لا فرع البيع ونحوه.

قوله: «ولو امتنع قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك».

هذا مع إمكانه، ومع تعذّره يخلّى بينه وبينه ويبرأ منه وإن تلف، وكذا يفعل الحاكم لو قبضه إن لم يمكن إلزامه بالقبض.

قوله: «ولو دفع فوق الصفة وجب قبوله، ولو دفع أكثر لم يجب قبول الزيادة».

ص: 346


1- تقدم في ص 148.

الثالثة • إذا اشترى كُرّاً من طعامٍ بمائة درهم وشرط تأجيل خمسين بطل في الجميع على قول.

• ولو دفع خمسين وشرط الباقي من دَيْنٍ له على المسلم إليه صحّ فيما دفع، وبطل فيما قابل الدين، وفيه تردّد.

--------------

الفرق بين العين والصفة أنّ زيادة الصفة لا تنافي عين الحقّ، بل تؤكّده؛ إذ المفروض كونه مساوياً للحقّ في النوع وغيره وتزيد الصفة، أمّا العين فهي خارجة عن الحقّ زائدة عليه، فلا يجب قبولها؛ لأنّها عطيّة جديدة يمكن تخليصها، والحقّ معها غير متعيّنٍ.

وخالف ابن الجنيد في الأوّل، وسوّى بينهما في عدم وجوب القبول (1)؛ عملاً بظاهر رواية سليمان بن خالد (2).

قوله: «إذا اشترى كُرّاً من طعامٍ بمائة درهم إلى قوله - على قولٍ».

أمّا بطلانه في المؤجَّل فظاهر، وأمّا في غيره؛ فلأنّ الثمن المعجَّل يقابل من المبيع قسطاً أكثر ممّا يأخذه المؤجّل؛ لأنّ للأجل قسطاً منه، والتفاوت غير معلومٍ عند العقد، فإذا بطل البيع في المؤجَّل يجهل ما قابل المعجَّل، فيبطل أيضاً.

ووجه الصحّة إمكان العلم بالتقسيط ولو بعد العقد، كما لو باع سلعتين فظهرت إحداهما مستحقّةً، فإنّ التقسيط اللاحق كافٍ وإن جهل ما يخصّ كلّ واحدةٍ حالة العقد.

وأقرب منه ما لو باع ما يصحّ تملكه وغيره، وقد تقدّم (3) في بحثهما توجيه البطلان فيهما أيضاً مع علم المشتري بالحال.

قوله: «ولو دفع خمسين وشرط الباقي - إلى قوله - وفيه تردّد».

قد تقدّم الخلاف في ذلك (4)، وما يُعلم به وجه التردّد، وأنّ المصنّف اختار الصحّة على

ص: 347


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 181، ذيل المسألة 134.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 41، ح 173.
3- تقدّم في ص 68.
4- تقدّم في ص 334.

الرابعة: • لو شرطا موضعاً للتسليم، فتراضيا بقبضه في غيره جاز، وإن امتنع أحدهما لم يجبر.

الخامسة: • إذا قبضه فقد تعيّن وبرئ المسلَم إليه، فإن وجد به عيباً فردّه زال ملكه عنه وعاد الحقّ إلى الذمّة سليماً من العيب.

--------------

كراهةٍ، وهنا تردّد في البطلان، والأقوى الصحّة في الجميع.

قوله: «لو شرطا موضعاً للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره جاز» إلى آخره.

لا فرق في ذلك بين كون ذكر الموضع شرطاً في صحّة السلَم وعدمه، فإنّ العقد إذا انضبط أصله جاز التراضي على غير ما عيّن من الموضع وغيره.

قوله: «إذا قبضه فقد تعيّن وبرئ المسلَم إليه» إلى آخره.

إذا قبض المشتري المسلَمَ فيه فوجد به عيباً فلا أرش له؛ لأنّه لم يتعيّن للحق،ّ بل يقع عوضاً عن الحقّ الكلّي مملوكاً له ملكاً متزلزلاً يتخيّر معه بين الرضى به مجاناً فيستقرّ ملکه علیه، وبين أن يردّه فيرجع الحقّ إلى ذمة المسلم إليه سليماً بعد أن كان قد خرج عنها خروجاً متزلزلاً.

ونبّه بقوله «عاد» على ذلك، حيث إنّ العود يقتضي الخروج بعد أن لم يكن، فإنّه مصير الشيء إلى ما كان عليه بعد خروجه.

وتظهر الفائدة في النماء المنفصل المتجدّد بين القبض والردّ، فإنّه يكون للقابض؛ لأنّه نماء ملكه، كنظائره من النماء المتجدّد زمن الخيار، أمّا المتّصل فيتبع العين.

ويتفرّع عليه أيضاً ما لو تجدّد عنده عيب قبل الردّ، فإنّه يمنع من الردّ؛ لكونه مضموناً عليه، ولم يمكنه بعده ردّ العين، كما قبضها، وبه قطع في التذكرة، وزاد: أنّ له حينئذٍ أخذ أرش العيب السابق (1) وإن لم يكن ثابتاً لو لا الطارئ، فإنّ المنع منه إنّما كان لعدم انحصار الحقّ فيه، حيث إنّه أمر كلّي، والمعيب غير تامّ في جملة أفراد الحقّ، فلمّا طرأ العيب المانع من الردّ تعيّن قبوله، فصار كالمبيع المعيّن إذا كان معيباً، فإنّه يجوز أخذ أرشه، ويتعيّن عند مانعٍ من ردّه.

ص: 348


1- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 357، المسألة 512.

--------------

وربما قيل بجواز ردّه هنا؛ لعدم تعيينه ابتداءً، والعيب الطارئ لم يوجب تعيّنه، غاية ما في الباب أن يلزم بأرشه.

وقد ظهر ممّا قرّرناه جواب ما قيل على العبارة من أنّ زوال الملك عند ردّه إنّما يكون بعد ثبوته، والمعيب ليس المسلم فيه، فلا ينتقل عن المسلم إليه، وإنّ عود الحقّ إنّما يكون بعد زواله، وهو مستلزم لأحد محذورين إمّا الحكم بالشيء مع وجود نقيضه، أو إثبات الحقيقة من دون لوازمها، وذلك لأنّ الحكم بالبراءة إن كان صادقاً لزم الأوّل، وإلّا لزم الثاني (1).

فإنّا نلتزم بأنّ المقبوض معيباً يصلح أداءً عن الحقّ إذا رضي به المستحقّ؛ لأنّه من جنس الحقِّ، وعيبه ينجبر بالخيار، فيتمّ الزوال والعود، ومن ثمَّ كان النماء له، كما بيّنّاه، ولا بُعْد في تحقّق الملك متزلزلاً لمكان العيب، فإذا علم به كان له الفسخ وطلب السليم.

ولو فُرض أنّه لم يعلم بالعيب وتصرّف فيه وذهبت عينه برئ المسلم إليه من الحقّ فيما بينه وبين الله تعالى ممّا زاد على أرش عيبه، وفي ثبوت مقدار الأرش في ذمّته ما تقدّم.

وما حقّقناه أجود ممّا أجاب به الشهيد (رحمه الله) عن الإيراد في بعض تحقيقاته، بأنّ الحكم بالزوال والعود مبنيٌّ على الظاهر، حيث كان المدفوع من جنس الحقّ، وصالحاً لأن يكون من جملة أفراده قبل العلم بالعيب، فإذا علم بالعيب زال ذلك الملك الذي حصل ظاهراً وإن لم يثبت في نفس الأمر، فصحّ إطلاق الزوال والعود بهذا الاعتبار (2).

وأنت خبير بأنّه لا ضرورة إلى التزام ذلك، بل الملك حصل ظاهراً وباطناً، غاية أمره التزلزل، وهو غير مانعٍ منه، كنظائره.

ص: 349


1- حاشية القواعد، ص 240 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14).
2- لم نعثر عليه في مظانّه، ولكن حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 4، ص 251.

السادسة: • إذا وجد برأس المال عيباً، فإن كان من غير جنسه بطل العقد، وإن كان من جنسه رجع بالأرش إن شاء، وإن اختار الردّكان له.

السابعة: • إذا اختلفا في القبض هل كان قبل التفرّق أو بعده؟ فالقول قول مَنْ يدّعى الصحّة.

--------------

قوله: «إذا وجد برأس المال عيباً - إلى قوله - وإن اختار الردّكان له».

إنّما يبطل العقد مع ظهور العيب من غير الجنس إذا كان ظهوره بعد التفرّق، وكان الثمن بأجمعه معيباً من غير الجنس، أو كان معيّناً، أمّا لو كان في الذّمة وتبيّن العيب قبل التفرّق لم يبطل العقد، بل يمكن إبداله، وكذا لو كان بعده والعيب غير مستوعبٍ، كما هو الظاهر من العبارة، فإنّ العيب من غير الجنس إذا كان مستوعباً لم يكن المدفوع ثمناً ولا رأس مالٍ و إن أُطلق عليه ذلك بتوهم كونه هو.

وإذا كان من الجنس فإنّما يرجع بالأرش - كما ذكروه - مع تعيّنه، أمّا مع إطلاقه فلا، بل له إبداله قبل التفرّق وبعده، على إشكال تقدّم الكلام على نظيره في باب الصرف (1). وجملة أقسام المسألة إنّ العيب إمّا أن يكون من الجنس، أو من غيره، ثمَّ إمّا أن يكون في جملة الثمن، أو في بعضه، ثمَّ إمّا أن يظهر قبل التفرّق، أو بعده، ثمَّ إمّا أن يكون الثمن معيّناً، أو كلّيّاً، فالأقسام ستّة عشر، وحكمها قد عُلم ممّا أسلفناه هنا وفي باب الصرف (2).

قوله: «إذا اختلفا في القبض هل كان قبل التفرّق أو بعده ؟ فالقول قول مَنْ يدّعى الصحّة».

إنّما قُدّم قول مدّعى الصحّة مع أنّها معارضة بأصالة عدم القبض قبل التفرّق؛ لأنّ هذه الأصالة معارضة بأصالة عدم التفرّق قبل القبض المتّفق على وقوعه، فيتساقط الأصلان، ويحكم باستمرار العقد، وفي الحقيقة لا نزاع بينهما في أصل الصحّة، وإنّما النزاع في طروء المفسد، والأصل عدمه، وهذا بخلاف ما لو اختلفا في أصل قبض الثمن، فإنّ القول قول

ص: 350


1- تقدّم في ص 258.
2- سبق في ص 255 وما بعدها.

• ولو قال البائع: قبضته ثمَّ رددته إليك قبل التفرّق، كان القول قوله مع يمينه؛ مراعاةً لجانب الصحّة.

--------------

منكر القبض وإن تفرّقا واستلزم بطلان العقد؛ لأنّه منكر لقبض ماله الذي هو الثمن الثابت عند المسلم؛ لما قلناه من اتّفاقهما على صحّة العقد في الحالين، وإنّما الخلاف في طروء المفسد، وحيث كان الأصل عدم القبض كان المقتضي للفساد قائماً، وهو التفرّق قبل القبض، فلا يقدح فساد العقد به، حيث إنّه مترتّب على ما هو الأصل مع تحقّق الصحّة سابقاً، وليس هذا من باب الاختلاف في وقوع العقد صحيحاً أو فاسداً.

ومثله ما لو اختلفا في قبض أحد عوضي الصرف قبل التفرّق.

ولو أقام كلٌّ منهما في المسألة الأُولى بيّنةٌ، بني على تقديم بينة الداخل - وهو هنا مدّعي الصحّة أو الخارج، والأجود الثاني.

وقدّم العلّامة هنا بيّنةً الأوّل (1)؛ القوّة جانبه بدعوى أصالة عدم طروء المفسد، ولكون دعواه مثبتةً والأُخرى نافيةً، وبيّنة الإثبات مقدّمة.

قوله: «ولو قال البائع: قبضته ثمَّ رددته إليك قبل التفرّق» إلى آخره.

المراد أنّهما اتّفقا الآن على كون الثمن في ذمّة المشتري أو عنده، ولكن اختلفا في كون ذلك على وجه مفسد للعقد، بأن لا يكونا تقابضا أصلاً، أو على وجهٍ مصحّحٍ بأن يكون البائع قبضه ثمَّ ردّه إليه.

والمصنّف هنا قدّم قول البائع؛ ترجيحاً لجانب الصحّة، مع أنّ الأصل عدم القبض أيضاً، وتحقّق صحّة العقد سابقاً، كما مرّ (2).

ويمكن أن يقال حينئذٍ: تعارض الأصلان، فيحصل الشكّ في طروء المفسد، والأصل عدمه، فيتمسّك بأصل الصحّة لذلك.

لكن يبقى في المسألة شيء، وهو أنّ دعوى البائع الردّ غير مقبولةٍ، كنظائرها؛ إذ لا دخل

ص: 351


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 183، المسألة 141.
2- مر آنفاً.

الثامنة : • إذا حلّ الأجل وتأخّر التسليم لعارضٍ ثمَّ طالب بعد انقطاعه كان بالخيار بين الفسخ والصبر.

--------------

له في الصحّة، وإنّما قدّم قوله في أصل القبض مراعاةً لجانبها، وحينئذٍ فمع قبول قوله في القبض هل له مطالبة المشتري بالثمن؟ يحتمل عدمه؛ لما قلناه من عدم قبول قوله في الردّ مع اعترافه بحصول القبض.

ويحتمل جواز المطالبة؛ لاتّفاق المتبايعين على بقاء الثمن عند المشتري الآن، أمّا على دعوى البائع فظاهر، وأمّا على دعوى المشتري فلاعترافه بعدم القبض، فإذا قدّم قول البائع في صحّة العقد أُلزم المشتري بالثمن.

ويشكل بأنّ المشتري حينئذٍ لا يعترف باستحقاق الثمن في ذمّته؛ لدعواه فساد البيع، فلا يبقى إلّا دعوى البائع، وهي مشتملة على الاعتراف بالقبض ودعوى الردّ، وهي غير مقبولةٍ في الثاني.

والمسألة موضع إشكالٍ، ولعلّ عدم قبول قوله في الردّ أوجَه.

قوله: «إذا حلّ الأجل وتأخّر التسليم لعارض» إلى آخره.

احترز بالعارض عمّا لو كان تأخّر التسليم باختيار المشتري مع بذل البائع له؛ فإنّه لا فسخ له؛ لاستناده إلى تقصيره، و لكن تشمل العبارة بمفهومها ما لو كان التأخير اقتراحاً من البائع خاصّةً. والحقّ حينئذٍ أنّ الخيار يثبت للمشتري، كما لو كان التأخير لعارضٍ؛ لاشتراكهما في المعنى بالنسبة إليه، ولا فرق حينئذٍ بين أن يطالب بالأداء وعدمه.

نعم، لو رضي بالتأخير ثمَّ عرض المانع، فالمتّجه سقوط خياره، كما مرّ (1).

وتخيّره بين الأمرين خاصّةً هو المشهور، وبه أخبار (2) بعضها صحيح، وحينئذٍ فلا يلتفت إلى إنكار ابن إدريس الخيار (3).

ص: 352


1- مرّ آنفاً.
2- وسائل الشيعة، ج 18، ص 303 - 310، الباب 11 من أبواب السلف.
3- السرائر، ج 2، ص 317.

• ولو قبض البعض كان له الخيار في الباقي، وله الفسخ في الجميع.

--------------

وزاد بعضهم ثالثاً، وهو أن لا يفسخ ولا يصبر، بل يأخذ قيمته الآن.

وهو حسن؛ لأنّ الحقّ هو العين، فإذا تعذّرت رجع إلى القيمة حيث يتعذّر المثل.

والخيار ليس على الفور؛ لأصالة العدم، وحينئذٍ فلا يسقط بالتأخير، بل لو صرّح بالإمهال، فالأقوى عدم سقوط خياره.

وتوقّف في الدروس (1).

ولو كان الانقطاع ببلده خاصّةً وأمكن تحصيله من غيرها، فإن قلنا بوجوب تعيين البلد، فلا كلام؛ إذ لا يجب قبول غيره، فلا تجب المطالبة به، ولا يجب قبولها، وإن لم نوجب مطلقاً أو على بعض الوجوه فإن نقله البائع باختياره وإلّا لم يُجبر عليه مع المشقّة، ويُجبر مع عدمها. وفي حكم انقطاعه بعد الأجل مع العارض موت المسلم إليه قبل الأجل ووجود المسلَم فيه.

وفي إلحاق ما لو تبيّن العجز قبل الحلول عن الأداء بعده، فيتخيّر الخيار، أو يتوقّف على الحلول، وجهان أجودهما الثاني؛ لعدم وجود المقتضي الآن؛ إذ لم يستحقً شيئاً حينئذٍ.

قوله: «ولو قبض البعض كان له الخيار في الباقي، وله الفسخ في الجميع».

المراد أنّه يتخيّر بين ثلاثة أشياء: الصبر، وإنّما تركه لوضوحه، والفسخ في الجميع هرباً من تبعّض الصفقة التي هي عيب؛ إذ المسلّم فيه إنّما هو المجموع وقد تعذّر، وفي المتخلّف خاصّةً، لأنّه الذي تعذّر، فله الرجوع إلى ثمنه؛ لأنّ الصبر ضرر لا يلزم به؛ ولحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام (2).

فإن اختار الثالث فالأصحّ أنّ للبائع الفسخ أيضاً؛ لتبعّض الصفقة عليه أيضاً إن لم يكن التأخير بتفريطه، وإلّا فلا خيار له؛ وما تقدّم من التخيير بين أخذ القيمة الآن مع ما ذُكر آتٍ هنا.

ص: 353


1- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الكافي، ج 5، ص 185، باب السلّم في الطعام، ح 3؛ الفقيه، ج 3، ص 264. ح 3954؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 28، ح 122.

التاسعة: • إذا دفع إلى صاحب الدين عروضاً على أنّها قضاء ولم يساعره، أُحتسبت بقيمتها يوم القبض.

العاشرة : • يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه وعلى غيره،

--------------

قوله: «إذا دفع إلى صاحب الدين عروضاً على أنّها قضاء - إلى قوله - يوم القبض».

لأنّ جَعْلها قضاء يقتضي كونها من جنس الدين، فلمّا لم يكن عند الدفع - الذي هو وقت القضاء - من جنسه فلا بدّ من احتسابها على وجهٍ تصير من الجنس، وذلك باعتبار قيمتها يومئذٍ، سواء كانت قيميّةً أم مثليّةً.

ولو كان الدين من غير النقد الغالب احتسب أيضاً به يوم دفع العرض قضاءً، ويدخل في ملك المدين بمجرّد القبض وإن لم يساعره عليه في الموضعين، ولا يختصّ ذلك بباب السلَم، بل ذكر هذه المسألة في باب الدين أولى، وهذا الحكم مع الاتّفاق عليه مرويٌّ في مكاتبة الصفّار (1).

قوله: «يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه وعلى غيره».

احترز ببعدية الحلول عمّا قبله، فلا يصح بيعه حينئذٍ؛ إذ لا استحقاق للبائع في الذمّة حينئذٍ.

ويشكل بأنّه حقٌّ مالىٌ إلى آخر ما يعتبر في المبيع، فينبغي أن يصحّ بيعه على حالته التي هو عليها وإن لم تجز المطالبة به قبل الأجل، وهو خيرة التذكرة (2).

وربما أشكل بعدم إمكان قبضه الذي هو شرط صحّة البيع.

ويندفع بمنع اشتراط إمكان القبض حين العقد، بل إمكانه مطلقاً، ويمكن تحقّقه بعد الحلول، كما لو باعه عيناً غائبةً منقولةٌ لا يمكن قبضها إلّا بعد مضيّ زمانٍ يمكن فيه

الوصول إليها.

ص: 354


1- الكافي، ج 5، ص 181، باب الرجل يشتري الطعام .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 35، ح 144.
2- تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 359، المسألة 514.

• فإن باعه بما هو حاضر صحّ، وإن باعه بمضمونٍ حالّ صحّ أيضاً، وإن اشترط تأجيله قيل: يبطل؛ لأنّه بيع دينٍ بدين، وقيل: يكره، وهو الأشبه.

--------------

ونبّه بقوله «وعلى غيره» على خلاف ابن إدريس (رحمه الله)، حيث مَنَع من بيعه على غير الغريم (1)، وهو ضعيف.

قوله: «فإن باعه بما هو حاضر صح - إلى قوله - وهو الأشبه».

أراد بالحاضر المشخّص، سواء كان حاضراً حين العقد أم لا، وبالمضمون ما في الذمّة، ولا إشكال في جواز بيعه بالمضمون الحالّ؛ إذ لا يصدق عليه بيع الدين بالدَين، ولا بيع الكالئ بالكالئ؛ لأنّ المراد به - على ما فسّره به أهل اللغة (2) - بيع المضمون المؤجَّل بمثله.

وأمّا بيعه بمؤجَّلٍ فقد ذهب جماعة (3) إلى المنع منه؛ اعتماداً على أنّ المؤجَّل يقع عليه اسم الدين.

وفيه أنّهم إن أرادوا إطلاق اسم الدين عليه قبل العقد وحالته فظاهرٌ منعه؛ لأنّه لا يُعدّ دَيْناً حتى يثبت في الذمة، ولا يثبت إلّا بعد العقد، فلم يتحقّق بيع الدين بالدين، وإن أرادوا أنّه دَين بعد ذلك لزم مثله في المضمون الحالّ، ولا يقولون ببطلانه.

وأمّا دعوى إطلاق اسم الدين على المؤجَّل قبل ثبوته في الذمّة دون الحال، فهو تحكّم. والحقّ أنّ اسم بيع الدين بالدَين لا يتحقّق إلّا إذا كان العوضان معاً دَيناً قبل المعاوضة، كما لو باعه الدين الذي في ذمّته بدينٍ آخر له في ذمّته، وفي ذمة ثالثٍ، أو تبايعا دَيناً في ذمّة غريم لأحدهما بدَينٍ في ذمّة آخر غريمٍ للآخر، ونحو ذلك؛ لاقتضاء الباء كون الدين نفسه عوضاً، والمضمون الذي لم يكن ثابتاً في الذمّة قبل ذلك لا يُعدّ جعله عوضاً بيع دَيْنٍ بدَيْنٍ.

وأمّا ما يقال: اشترى فلان كذا بالدَيْن، مريدين به أنّ الثمن في ذمّته لم يدفعه، فهو مجاز يريدون به أن الثمن بقي في ذمّته ديناً بعد البيع، ولولا ذلك لزم مثله في الحالّ؛ لإطلاقهم فيه ذلك.

ص: 355


1- السرائر، ج 2، ص 38.
2- الصحاح، ج 1، ص 69، «كلا».
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 55 و 314.

الحادية عشرة: إذا أسلف في شيءٍ وشرط مع السلَف شيئاً معلوماً صحّ.

• ولو أسلف في غنمٍ وشرط أصواف نعجاتٍ معيّنة قيل: يصحّ، وقيل: لا، وهو أشبه.

--------------

نعم الدين المبيع يطلق عليه اسم الدين قبل حلوله وبعده، فلا بدّ في المنع من دَيْنٍ آخَر يقابله.

فظهر أنّ ما اختاره المصنّف من جواز ذلك على كراهيةٍ أوضَح، وإنما كره خروجاً من خلاف مَنْ مَنَع منه.

قوله: «ولو أسلف في غنمٍ وشرط أصواف نعجاتٍ معيّنة قيل: يصحّ» إلى آخره.

القول بالمنع لابن إدريس (1)، وهو مبنيٌّ على المنع من بيع الصوف على ظهور الغنم استقلالاً، بناءً على أنّه موزون لم يعلم كمّيّته؛ وقد تقدّم الكلام فيه (2)، وأنّ الأقوى الجواز مع المشاهدة. ويمكن بناؤه أيضاً على اشتراط الأجل في عقد السلَم، والأصواف المعينة هنا حالّةً، فيكون بعض السلَم حالّاً، وابن إدريس صرّح بالمنع منه أيضاً (3).

والأصل ممنوع، ولو سلم فاشتراط الأصواف هنا ليس سلماً، بل شرط فيه، وهو جائز، كما تقدّم في صدر المسألة من جواز شرط المعلوم مع السلم، وهو هنا كذلك، وحينئذٍ فالجواز - مع مشاهدة الصوف وشرط جزّه حالّاً أو الإطلاق - قويُّ.

ولو شرط تأجيل الجزّ إلى أجل السلَم، فلا يخلو إمّا أن يشترط دخول المتجدّد أو لا. وفي الأوّل يحتمل الصحة؛ لأنه شرط مضبوط.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب بجواز مثل ذلك في الصوف واللبن استقلالاً (4).

ص: 356


1- السرائر، ج 2، ص 316.
2- تقدم في ص 88.
3- السرائر، ج 2، ص 316.
4- صرّح به ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 269، المسألة 238؛ والشيخ المفيد في المقنعة، ص 609 وابن حمزة في الوسيلة، ص238.

• ولو شرط أن يكون الثوب من غزل امرأةٍ معيّنةٍ، أو الغلّة من قراحٍ بعينه لم يضمن.

--------------

ونحن فيما سلف شرطنا فيه كون المجهول تابعاً، فحينئذٍ لا إشكال أيضاً مع الشرط. وفي الثاني يبنى على أمرين:

أحدهما: أنّ شرط تأجيل الثمن إذا كان عيناً هل هو جائز أم لا؟ والحق جوازه، بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع (1)، و مثله الثمن المعيّن.

والثاني: أنّ اختلاط مال البائع بالمبيع هل هو مانع من صحّة البيع أم لا؟ ولا شبهة في عدم منعه، وقد تقدّم نظيره فيمن اشترى لقطةً أو جزّةً وأخّر قطعها فامتزجت بمال البائع (2). وحينئذٍ فطريق التخلّص الصلح.

وهذه الوجوه كلّها متوجهة شرعاً إلّا أنّها غير محرّرةٍ في كلامهم، وإنّما ذكروا أصل المسألة واختلفوا فيها.

نعم، ذكر بعض المتأخّرين (3) هنا أنّ شرط تأجيل الجزّ إلى أمد السلف باطل قولاً واحداً.

وكأنّه نظر إلى ظاهر ما وقع فيه الخلاف، وإلّا فدعوى الإجماع هنا في حيّز المنع.

قوله: «ولو شرط أن يكون الثوب من غزل امرأةٍ معينةٍ أو الغلّة من قراحٍ بعينه لم يضمن».

أي لم يصحّ السلَم، فلا يضمن المسلم فيه؛ لأن الضمان لازم للصحّة، فأطلق اللازم وأراد الملزوم.

ووجه عدم الصحّة إمكان أن لا يتّفق ذلك للمرأة، بأن تمرض، أو تموت، أو تترك العمل، إمكاناً مساوياً لنقيضه.

وكذا القراح يمكن أن يخيس، أو لا يظهر منه ما يطابق الوصف.

والضابط اعتبار ما لا يتخلّف عنه المسلم فيه عادةً، كالبلد الكبير بالنسبة إلى الأرض والأهل.

ص: 357


1- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 256، المسألة 120.
2- تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 256، المسألة 120.
3- كابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 2، ص 478 - 479.

• المقصد الرابع في الإقالة

• وهي فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما.

--------------

قوله: «المقصد الرابع في الإقالة».

جَعل الإقالة من مقاصد السلَف غير حسنٍ، فإنّها لا تختصّ به بل ولا بباب البيع؛ لجريانها في سائر العقود المتقوّمة من الجانبين بالمال، فكان الأولى جَعلها قسماً برأسه بعنوانٍ خاصّ، كالتتمّة لباب البيع، حيث إنّه الركن الأعظم لمتعلّقها.

وأبعد منه جَعله القرض ودَيْن المملوك من مقاصد السلَف أيضاً، كما سيأتي (1)، ولقد كان الصواب جَعله كتاباً منفرداً، لا من فصول البيع ومقاصده، فضلاً عن السلَف.

قوله: «وهي فسخ في حقّ المتعاقدين وغيرهما».

نبّه بقوله «فسخ» على خلاف بعض العامّة (2)، حيث زعم أنّها بيع مطلقاً، وعلى بعضٍ آخَر، حيث زعم أنّها بيع إن وقعت بلفظ الإقالة، وفسخ إن وقعت بلفظه، فيلحقها أحكامه، وبقوله «في حق المتعاقدين وغيرهما» على خلاف بعضهم أيضاً، حيث زعم أنّها بيع بالنسبة إلى الشفيع خاصّةً، فيستحقّ الشفعة بها وإن كانت فسخاً في حقّ المتعاقدين (3).

وبطلانه ظاهر؛ إذ لا يطلق عليها اسم البيع في جميع الصُوَر، وللبيع ألفاظ خاصّة ليست منها.

ص: 358


1- يأتي في ص 361 و 385.
2- في حاشية «و»: «القائل بأنّها بيع في حقّ المتعاقدين أبو حنيفة، والقائل بالتفصيل بالفسخ وغيره بعض الشافعيّة، والقائل بأنّها بيع مطلقاً جماعة منهم مالك، والشافعي في القديم. (بخطّه قدّس سرّه)». راجع المجموع، ج 9، ص 269: وج 13، ص 160؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 244. المسألة 2966؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 132.
3- تحفة الفقهاء، ج 2، ص 110 - 111، حلية العلماء، ج 4، ص 385؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 244. المسألة 2966؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 132.

• ولا تجوز الإقالة بزيادةٍ عن الثمن ولا نقصان، وتبطل الإقالة بذلك؛ لفوات الشرط.

• وتصحّ الإقالة في العقد، وفي بعضه، سلماً كان أو غيره.

--------------

وصيغتها أن يقول كلُّ منهما: تقابلنا، أو تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقبل الآخَر. ولا فرق في ذلك بين النادم وغيره.

ولا يكفي التماس أحدهما عن قبوله، ولا يعتبر فيها سبق الالتماس، بل لو ابتدأ أحدهما بالصيغة فقَبِل الآخَر صحّ.

قوله: «ولا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن ولا نقصان» إلى آخره.

لمّا كانت الإقالة فسخاً فمقتضاه رجوع كلّ عوضٍ إلى صاحبه، فإذا شرط فيها زيادة أو نقصان في أحد العوضين فقد شرط فيها ما يخالف مقتضاها، فيفسد الشرط، ويترتّب عليه فسادها، كما في كلّ شرطٍ فاسد؛ لأنّهما لم يتراضيا على الفسخ إلّا على ذلك الوجه، ولم يحصل.

ولا فرق في المنع من الزيادة والنقيصة بين العينيّة والحكميّة، فلو أقاله على أن ينظره بالثمن، أو يأخذ الصحاح عوض المكسّر ونحوه لم يصحّ.

قوله: «وتصحّ الإقالة في العقد، وفي بعضه، سَلَماً كان أو غيره».

نبّه بالتسوية بين السلَم وغيره على خلاف بعض العامّة (1)، حيث مَنَع من الإقالة في بعض السلَم؛ لأنّه حينئذٍ يصير سلماً وبيعاً، وقد نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عنه (2).

وبطلانه ظاهر، وإطلاق الإذن في الإقالة بل استحبابها يشمل الكلّ والبعض.

ومتى تقايلا في البعض اقتضى تقسيط الثمن على المثمن، فير تجع في نصف المبيع بنصف الثمن، وفي ربعه بربعه، وهكذا.

ص: 359


1- في حاشية بعض النسخ ورد: هو مالك بن أنس (بخطّه قدّس سرّه)». راجع حلية العلماء، ج 4، ص 387؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 372، المسألة 3238.
2- الفقيه، ج 4، ص 8، ضمن الحديث 4971؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 230، ح 1005؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 570. ح 10922.

فروع ثلاثة:

الأوّل: • لا تثبت الشفعة بالإقالة؛ لأنّها تابعة للبيع.

الثاني: • لا تسقط أُجرة الدلّال بالتقابل؛ لسبق الاستحقاق.

الثالث: إذا تقايلا رجع كلّ عوض إلى مالكه، • فإن كان موجوداً أخذه، وإن كان مفقوداً ضمن بمثله إن كان مثليّاً، وإلّا بقيمته، وفيه وجهٌ آخر.

--------------

قوله: «لا تثبت الشفعة بالإقالة؛ لأنّها تابعة للبيع».

قد تقدّم الكلام في ذلك (1)، وهذا بمنزلة التفريع على ما سبق من الحكم على أنّها ليست بيعاً في حقّ المتعاقدين وغيرهما، كما أنّ الخصم فرّع الثبوت على ما حكم به.

قوله: «لا تسقط أُجرة الدلّال بالتقابل؛ لسبق الاستحقاق».

أي استحقاقه الأُجرة، فإنّه كان على السعي المتقدّم، وقد حصل، ومثله أُجرة الكيّال والوزّان والناقد.

قوله: «فإن كان موجوداً أخذه إلى قوله - وفيه وجهٌ آخَر».

يدخل في الموجود ما حصل له نماء منفصل، فإنّه لا يرجع به، بل بأصله، أما المتصل فيتبع الأصل والولد منفصل وإن كان حملاً، أمّا اللبن فى الضرع ففى كونه متّصلاً نظر.

وأمّا الصوف والشعر قبل الجز فالظاهر أنّه متصل،مع احتمال كونه كاللبن.

ولو وجده معيباً، أخذ أرش عيبه مطلقاً؛ لأنّ الجزء الفائت بمنزلة التالف، فيضمن،كما يضمن الجميع.

ولو وقعت الإقالة بعد أن أحدث المشتري حدثاً، فما وقع منه بأعيان من عنده فهي له ولو كانت من المبيع، فإن زاد بفعله كالعمارة - فهي للبائع وللمشتري ما زاد بفعله، بأن يقوّم قبل الإحداث وبعده، ويرجع بالتفاوت.

ص: 360


1- تقدّم آنفاً.

• المقصد الخامس في القرض

والنظر في أُمور ثلاثة:

الأول في حقيقته، •وهو عقد يشتمل على إيجاب، كقوله: «أقرضتك»،

--------------

والمعتبر في قيمة القيمي يوم تلف العين،كنظائره؛ لأنّ الضمان متعلّق بالعين ما دامت، فإذا تلفت تعلّق بقيمتها يومئذٍ، مع احتمال اعتبار يوم القبض، ويوم الإقالة، والأعلى. والوجه الآخر الذي أجمله المصنّف هو أن القيمي يُضمن بمثله أيضاً، وهو ضعيف.

المقصد الخامس في القرض

وهو بفتح القاف وكسرها.

قوله: «وهو عقد يشتمل على إيجابٍ، كقوله: «أقرضتك».

لا شبهة في اشتراط الإيجاب والقبول فيه بالنسبة إلى تحقّق الملك إن قلنا: إنّه يملك بهما وبالقبض، ولو قلنا بتوقّف الملك على التصرّف كان قبله بمنزلة الإباحة، فينبغي أن لا يتوقّف على العقد،إلّا أن يقال: إنّ ترتّب الأثر بعد التصرّف - على الوجه الآتي المغاير للإباحة - يتوقّف على ما يدلّ عليه، وهو العقد.

وعلى القول بالاكتفاء في البيع بالمعاطاة يكتفى بها هنا بطريق أولى، من حيث إنّه عقد جائز يدخله من الرخص ما لا يدخل في العقد اللازم، وعلى هذا فالمعاطاة تفيد فيه إباحة التصرّف كالبيع، ولا يتحقّق الملك التامّ إلّا بالتصرّف.

والكلام في كونه إباحةً محضةً أو عقداً متزلزلاً ما مرّ في البيع، إلا أنه يشكل هنا بأنّه لا معنى للعقد المتزلزل إلّا ما يفيد جواز رجوع كلّ واحدٍ فيه، وهذا المعنى حاصل وإن كانت الصيغة تامّةٌ.

ويمكن اندفاع ذلك بأنّ معنى جواز رجوع كلّ منهما ليس على حدّ العقود الجائزة المحضة، كالعارية والوديعة، فإنّ الرجوع في تلك يوجب أخذ عين المال، بخلافه هنا،

ص: 361

• أو ما يؤدّي معناه، مثل «تصرّف فيه» أو «انتفع به وعليك ردّ عوضه».

--------------

فإنّه إنّما يفيد وجوب تخلّص المقترض من حقّ المقرض بمطالبته بتلك العين أو بغيرها، كما سيأتي(1)، فليس ذلك في الحقيقة فسخاً للعقد، بل مطالبة بالحقّ الثابت في الذمّة.

نعم على القول بوجوب ردّ العين الباقية لو طلبها المالك يتّجه كونه عقداً جائزاً محضاً، لكن سيأتي ضعفه (2)، ومعه يشكل كونه عقداً جائزاً، فإنّ مطالبة المقرض للمقترض بما في ذمّته متى شاء أمرٌ آخَر غير كون العقد جائزاً أو لازماً.

قوله: «أو ما يؤدّى معناه، مثل تصرّف فيه، أو انتفع به وعليك ردّ عوضه».

من المؤدّي لمعناه «خُذ هذا» أو «اصرفه»، أو «تملّكه»، أو «ملّكتك»، أو «أسلفتك - ونحوه - وعليك ردّ عوضه أو مثله» ونحو ذلك.

والحاصل أنّ صيغته لا تنحصر في لفظٍ، كالعقود الجائزة، بل كلّ لفظٍ دلّ عليه كفى، إلّا أنّ «أقرضتك» صريح في معناه، فلا يحتاج إلى ضميمة «عليك ردّ عوضه» ونحوه، وغيره يحتاج إليها، فلو تركها وكان بلفظ التمليك أفاد الهبة وإن لم يطّلع على قصده؛ لأنّه صريح فيها.

وإن كان بلفظ السلَف ونحوه كان فاسداً لا يترتّب عليه حكم عقدٍ؛ لأنّه حقيقة في السلَم ولم يجمع شرائطه.

وإن كان بغيره من تلك الألفاظ الدالّة على الإباحة فهو هبة مع قصد الموجب لها لا بدونه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فلو اختلفا في القصد فالقول قوله؛ لأنّه أبصر به.

أمّا لو اختلفا في قصد الهبة مع تلفّظه بالتمليك فقد قطع في التذكرة بتقديم قول صاحب المال؛محتجّاً بأنّه أعرف بلفظه، وأنّ الأصل عصمة ماله وعدم التبرّع، ووجوب الردّ على الآخذ ؛ لقوله علیه السلام: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(3)».

ثمَّ احتمل تقديم دعوى الهبة قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوضٍ هبة(4)؛

ص: 362


1- يأتي في ص 375.
2- يأتي في ص 376.
3- تقدّم تخريجه في ص 44، الهامش 2.
4- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 32 - 33، ذيل المسألة 30.

• وعلى قبول، وهو اللفظ الدالّ على الرضى بالإيجاب، ولا ينحصر في عبارةٍ.

• وفي القرض أجر، ينشأ من معونة المحتاج تطوّعاً.

--------------

وتوقّف في القواعد (1).

ويشكل ما احتجّ به على الأوّل بأنّ لفظ التمليك حقيقة في الهبة؛ لأنّه تمام مفهومه الشرعي، وأمّا كونه بمعنى القرض فيفتقر إلى ضميمةٍ أُخرى، فيكون جزء مفهومه، فإطلاقه عليه معنى مجازي لا يصار إليه إلّا بقرينةٍ، والفرض انتفاؤها، ولا شبهة في أنّ دعوى خلاف الظاهر والحقيقة في سائر العقود لا التفات إليها، والقصد وإن كان معتبراً إلّا أنّ الظاهر في الألفاظ الصريحة اقترانها بالقصد، فيُحمل الإقرار عليه، ومن هنا أجمعوا على أنّه لو ادّعى عدم القصد إلى البيع ونحوه مع تصريحه بلفظه لم يلتفت إليه.

وبهذا يظهر ضعف باقي أدلّته، فإنّ أصالة العصمة قد انقطعت بما وقع من اللفظ الصريح.

ومثله القول في الحديث، فإنّ مع وجود السبب الناقل للملك شرعاً، الرافع للضمان، يخرج موضع النزاع عن ذلك.

قوله: «وعلى قبولٍ، وهو اللفظ الدالّ على الرضى بالإيجاب، ولا ينحصر في عبارة».

الكلام هنا كما مرّ (2) في أنّ ذلك شرط في صحّة العقد على وجهٍ يترتب عليه جميع ما يأتي من آثاره، فلا ينافي وقوعه معاطاة على ذلك الوجه.

وهل يقوم القبول الفعلي هنا مقام القولي ؟ الظاهر ذلك بالنسبة إلى إباحة التصرّف، وفي الاكتفاء به في تمام الملك نظر. وقطع جماعة (3) بالاكتفاء مطلقاً.

قوله: «وفى القرض أجر».

لا شبهة في ثبوت الأجر فيه؛ لما فيه من معونة المحتاج كما ذُكر، والمعاونة على البرّ،

ص: 363


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 104.
2- مرّ في ص 361.
3- منهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 33 ذيل المسألة 30؛ وقواعد الأحكام، ج 2، ص 103؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

--------------

وكشف كربة المسلم، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ كشف عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة مَن كرب يوم القيامة» (1).

و عن الصادق علیه السلام قال: «قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: ألف درهم أُقرضها مرّتين أحبّ إلَيَّ من أن أتصدّق بها مرّةً» (2).

وروي: «أنّ درهم الصدقة بعشرة، ودرهم القرض بثمانية عشر» (3) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عظم ثوابه. وحينئذٍ فتنكير المصنّف للأجر إمّا للتعظيم من قبيل «له حاجب عن كلّ أمر يشينه» أو للتكثير من قبيل «إنّ له إبلاً وإنّ له غنماً».

وفي ظاهر الخبرين الأخيرين تدافع. وطريق التأليف حمل الصدقة الراجحة عليه على صدقة خاصّة، كالصدقة على الأرحام والعلماء والأموات، والمرجوحة على غيرها. فقد

روي أنّها على أقسام كثيرة، منها ما أجره عشرة ومنها سبعون وسبعمائة إلى سبعين ألفاً (4).

وقد روي أيضاً أنّ القرض أفضل من الصدقة بمثله في الثواب، ذكره الشيخ (رحمه الله) (5)، ونقله في كتب الفقه جماعة منهم العلّامة في كتبه (6)، وهو يحتمل أمرين: أحدهما - وهو الظاهر - أنّ الجارّ في «بمثله» يتعلّق ب- «أفضل»، والمعنى أنّ القدر المقرض أفضل من المتصدّق به بمقدار مثله في الثواب، فالصدقة لمّا كان القدر المعروف من ثوابها والمشترك بين جميع أفرادها عشرةً فيكون درهم القرض - مثلاً - بعشرين، إلّا أنّه يرجع إلى ثمانية عشر، ويوافق الخبر السالف، وذلك لأنّ الصدقة بدرهم - مثلاً - ما صارت

ص: 364


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 383، المسألة 3254.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 192 - 193، ح 418.
3- ورد مؤدّاه في سنن ابن ماجة، ج 2، ص 812 ، ح 2431.
4- أوردها العلّامة في الرسالة السعديّة، ص 134؛ وراجع أيضاً عوالي اللآلي، ج 4، ص 354 ، ح 21.
5- النهاية، ص 311 - 312.
6- قواعد الأحكام، ج 2، ص 103؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 449، الرقم 3605؛ تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 25 ذيل المسألة 23.

• والاقتصار على ردّ العوض.

--------------

عشرةً و حصلت لصاحبها حتّى أخرج درهماً ولم يعد إليه، فالثواب الذي كسبه في الحقيقة تسعة، فيكون القرض بثمانية عشر؛ لأنّه أفضل منه بمثله، لأنّ درهم القرض يرجع إلى صاحبه، والمفاضلة إنّما هي في الثواب المكتسب. وعلى هذا فالجار في قوله في الخبر: «في الثواب» متعلّق ب-«أفضل» أيضاً؛ لأنّ المفاضلة في الحقيقة ليست إلّا فيه، وإن كان الحكم جارياً على القرض والصدقة، إلّا أنّ الثواب لازم لهما، فالتقدير بمثل المتصدّق به يستلزم التقدير بمثل ثوابه، وحينئذٍ فلا يرد ما قيل من أنّه على هذا التقدير يلزم استدراك قوله «في الثواب» لأنّ الأفضلية لا تكون إلّا باعتباره (1) ، فإنّه - على تقدير تسليمه - يجوز كون القيد لبيان الواقع، من قبيل «قتل النبيين بغير حقٍّ» و«يطير بجناحيه» ومن أنّ المتفاضل فيه هو مقدار ثواب المتصدّق به، لا مقدار مثله؛ لِما بيّنّاه من التلازم بينهما.

والأمر الثاني: أنّ الجار في قوله «بمثله» متعلق ب-«الصدقة» فيكون المعنى أنّ القرض بشيءٍ أفضل من الصدقة بمثل ذلك، وقوله «في الثواب» متعلق ب-«أفضل»، وحينئذٍ فإنّما يدلّ على أرجحيّة القرض على الصدقة مطلقاً، لا على تقدير الرجحان، وهو محتمل بحسب اللفظ، إلّا أنّ الأوّل ألطف وأوفق بمناسبة الخبر الآخر، ويشتمل على سرٍّ لطيفٍ وبلاغةٍ في الكلام تناسب حال الكلام الصادر عن مشكاة النبوّة التي أوتيت جوامع الكلم.

واعلم أنّ تحقق أصل الثواب في القرض، فضلاً عن أفضليّته بوجهٍ إنّما يكون مع قصد المقرض بفعله وجه الله تعالى كما في نظائره من الطاعات التي يترتّب عليها الثواب، فلو لم يتّفق هذا القصد، سواء قصد غيره من الأغراض الدنيويّة والريائيّة أم لم يقصد، لم يستحقّ عليه ثواباً، كما لا يخفى.

قوله «والاقتصار على ردّ العوض».

الأولى كون «الاقتصار» خبر مبتدأ محذوف، تقديره «وشرطه الاقتصار» ونحوه، فيكون عطف جملةٍ على جملة؛ إذ لم يتقدّم من المفردات ما يحسن عطف هذا المفرد عليه،

ص: 365


1- كما في جامع المقاصد، ج 5، ص 19.

• فلو شرط النفع حرم، ولم يُفد الملك.

• نعم، لو تبرّع المقترض بزيادةٍ في العين أو الصفة جاز.

--------------

سيّما بتفريع قوله «فلو شرط النفع حرم عليه» فإنّ أربط ما سبق به قوله «معونة» وبعطفه عليها مجروراً يكون علّةً للأجر، وذلك لا يستلزم الحكم بتحريم شرط النفع، وهو واضح.

قوله: «فلو شرط النفع حرم، ولم يُفد الملك».

هذا الحكم إجماعي، ومستنده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «كلّ قرضٍ يجرّ منفعةً فهو

حرام» (1) والمراد مع الشرط؛ إذ لا خلاف في جواز التبرّع بالزائد، وغيره من الأخبار.

ولا فرق في النفع بين كونه عيناً وصفةً، ولا بين الربوي وغيره عندنا؛ لإطلاق النصوص (2)، ولأنّ الغرض من القرض مجرّد الإرفاق والإحسان، بخلاف البيع.

ومتى فسد العقد لم يجز للمقترض أخذه، فلو قبضه كان مضموناً عليه، كالبيع الفاسد؛ للقاعدة المشهورة من أنّ كلّ ما ضمن بصحيحه ضمن بفاسده؛ خلافاً لابن حمزة هنا، فإنّه ذهب إلى كونه أمانةٌ (3)، وهو ضعيف.

قوله: «نعم، لو تبرّع المقترض بزيادةٍ في العين أو الصفة جاز».

لا فرق في الجواز بين كون ذلك من نيّتهما وعدمه، ولا بين كونه معتاداً وعدمه. بل لا يكره قبوله؛ للأصل، ولإطلاق النصوص بذلك.

وقد روي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم اقترض بَكْراً (4) فرد بازلاً (5) رباعيّاً (6)، وقال: «إنّ خير الناس أحسنهم قضاء» (7).

ص: 366


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 5، ص 573، ح 10933 بتفاوتٍ.
2- منها ما تقدّم آنفاً من الرواية عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم.
3- الوسيلة، ص 273.
4- البَكْر: الفتى من الإبل. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 149، «بكر».
5- البازل من الابل: الذي تمّ ثماني سنين ودخل في التاسعة. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 125، «بزل».
6- يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته: رَباع. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 188، «ربع».
7- صحيح مسلم، ج 3، ص 1224، ح 1600/118.

• ولو شرط الصحاح عوض المكسرة قيل: يجوز والوجه المنع.

--------------

وروي مثله كثيراً عن الصادق علیه السلام (1).

وبذلك يُجمع بين ما تقدّم من النهي عن قرضٍ جرّ منفعةً، وبين ما روي عن الصادق علیه السلام: «أنّ خير القرض الذي يجر المنفعة» (2).

إذا تقرّر ذلك، فإن كانت الزيادة حكميّةً، كما لو دفع الجيّد بدل الرديء، أو الكبير بدل الصغير، كما صنع النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم (3)، مَلَكَه المقرض ملكاً مستقرّاً بقبضه، وكان بأجمعه استيفاء.

وإن كانت عينيّةً كما لو دفع اثني عشر مَنْ عليه عشرة، ففي كون المجموع وفاء کالحكمي، بناءً على أنّه معاوضة عمّا في الذمّة، غايته كونه متفاضلاً وهو جائز بالشرط، وهو عدم الشرط، أو يكون الزائد بمنزلة الهبة، فيلزمه حكمها من جواز الرجوع فيه على بعض الوجوه الآتية؛ التفاتاً إلى أنّ الثابت في الذّمة إنّما هو مقدار الحقّ، فالزائد تبرّع خالص وإحسان محض وعطيّة منفردة، احتمالان، ولم أقف فيه على شيءٍ، ولعلّ الثاني أوجَه، خصوصاً مع حصول الشكّ في انتقال الملك عن مالكه على وجه اللزوم.

قوله: «ولو شرط الصحاح عوض المكسّرة قيل: يجوز، والوجه المنع».

هذا الشرط جزئي من جزئيات ما تقدّم، وقد عرفت فساد شرطه والقرض.

والقول بالجواز هنا وإخراج هذا الفرد من القاعدة للشيخ (رحمه الله) في النهاية (4)، وتبعه عليه جماعة (5)، استناداً إلى صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 367


1- الكافي، ج 5، ص 253 - 254، باب الرجل يقرض الدراهم...، ح 1 - 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 200 - 201، ح 447 - 450: وج 7، ص 109 - 110، ح 470، وص 115. ح 499.
2- الكافي، ج 5، ص 255، باب القرض يجرّ المنفعة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 202، ح 453؛ الاستبصار، 5 ج 3، ص 9، ح 22.
3- تقدّم ذكره آنفاً.
4- النهاية، ص 312.
5- منهم ابن البّراج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 407. المسألة 24؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 273.

الثاني: ما يصحّ إقراضه، وهو كلّ ما يُضبط وصفه وقدره • فيجوز إقراض الذهب والفضّة وزناً، والحنطة والشعير كيلاً ووزناً • والخبز وزناً وعدداً، نظراً إلى المتعارف.

--------------

الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه، قال: «لا بأس» وذكر ذلك عن عليٍّ علیه السلام (1).

ولا يخفى بُعده عن الدلالة على المدّعى؛ إذ ليس فيه أنّه شرط ذلك، فيُحمل على ما لو لم يشترط، بل الظاهر منها ذلك؛ جمعاً، وقد تقدّم جواز أخذ الزائد قدراً ووصفاً مع عدم الشرط، وحينئذٍ فالقول ضعيف. والمراد بالطازج الخالص، وبالغلّة غيره، وقد تقدّم في الصرف (2).

قوله: «فیجوز اقتراض الذهب والفضّة وزناً والحنطة والشعير كيلاً ووزناً».

الضابط في المثلي اعتبار ما يعتبر في السلَم من الكيل والوزن والعدد، فيجوز اقتراض المكيل وزناً؛ لأنّه أضبط، والموزون كيلاً مع عدم الاختلاف المؤدّي إلى الجهالة، بأن يكون قِطَعاً كباراً يتجافى في المكيال، ونحو ذلك، وحينئذٍ فلو اقترض المقدّر غير معتبرٍ لم يُفد الملك، ولم يجز التصرّف فيه وإن اعتبره بعد ذلك، ولو تصرّف فيه قبل الاعتبار ضمنه، ويخلص منه بالصلح، كما هو وارد في كلّ ما يجهل قدره.

وسيأتي الخلاف في بعض الموارد التي لا يصحّ السلم فيها؛ لعدم انضباطها بالوصف.

قوله: «والخبز وزناً وعدداً».

لا شبهة في جواز اقتراض الخبز وزناً؛ لانضباطه، وإنّما الكلام في العدد، فعندنا أنّه جائز أيضاً؛ للعادة، ولرواية الصبّاح بن سيابة عن الصادق علیه السلام (3)، ويظهر من التذكرة (4) أنّه عندنا إجماعيٌ.

ص: 368


1- الكافي، ج 5، ص 254، باب الرجل يقرض الدراهم...، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 285، ح 4034: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 201، ح 450؛ وج 7، ص 115، ح 499.
2- تقدّم في ص 262.
3- الفقيه، ج 3، ص 188، ح 3710.
4- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 37 و 38، المسألة 34.

• وكلّ ما تتساوى أجزاؤه يثبت في الذمّة مثله، كالحنطة والشعير، والذهب والفضّة.

--------------

ويغتفر التفاوت اليسير المتسامح بمثله عادةً.

ومثله الجوز والبيض.

وشرط في الدروس في جواز اقتراض الخبز عدداً عدم علم التفاوت، وإلّا اعتبر وزناً (1).

وينبغي تقييده بتفاوتٍ لا يتسامح به عادةً، لا مطلق التفاوت؛ لتحقّقه غالباً، والرواية مصرّحة بالجواز معه.

قوله: «وكلّ ما تتساوى أجزاؤه يثبت في الذّمة مثله، كالحنطة».

أشار بذلك إلى ضابط المثلي، وهو ما تتساوى أجزاؤه في القيمة والمنفعة، وتتقارب صفاته، بمعنى أنّ قيمة نصفه تساوي قيمة النصف الآخر، وتقوم مقامها في المنفعة، وتقاربها في الوصف، وهكذا كلّ جزء بالنسبة إلى نظيره، لا مطلقاً، وذلك كالحبوب والأدهان.

وقد جرت العادة بتحقيق ذلك في باب الغصب، إلّا أنّ المصنّف (رحمه الله) أشار هنا إلى الفرق؛ لمكان الحاجة إليه.

ولا خلاف في اعتبار المثل في المثلي مع وجوده، ومع تعذّره ينتقل إلى القيمة.

وفي اعتبارها يوم القرض، أو التعذّر، أو المطالبة، أوجُه، أوجهها الأخير؛ لأنّه وقت الانتقال إلى القيمة؛ إذ الثابت في الذّمة إنّما هو المثل إلى أن يطالب به.

ووجه الأوّل: سبق علم الله بتعذّر المثل وقت الأداء، فيكون الواجب حينئذٍ هو القيمة.

وضعفه ظاهر؛ إذ لا منافاة بين وجوب المثل وقت القرض؛ طرداً للقاعدة الإجماعيّة والانتقال إلى القيمة عند المطالبة لتعذّره.

ووجه الثاني أنّه وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة.

وفيه أنّ التعذّر بمجرّده لا يوجب الانتقال إلى القيمة؛ لعدم وجوب الدفع حينئذٍ، فيستصحب الواجب إلى أن يجب دفعه بالمطالبة، فحيث لم يوجد الآن ينتقل إلى قيمته.

ص: 369


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 288 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

• وما ليس كذلك يثبت في الذّمة قيمته وقت التسليم، ولو قيل: يثبت مثله أيضاً، كان حسناً.

--------------

قوله: «وما ليس كذلك يثبت في الذّمة قيمته وقت التسليم» إلى آخره.

الكلام (1) هنا في موضعين:

أحدهما: إنّ الواجب في عوض القيمي - وهو ما تختلف أجزاؤه في القيمة والمنفعة، كالحيوان - ما هو ؟ أقوال:

أحدها - وهو المشهور - قيمته مطلقاً؛ لعدم تساوي أجزائه (2)، واختلاف صفاته، فالقيمة فيه أعدل، وهو قول الأكثر.

وثانيها: ما مال إليه هنا، ولعلّه أفتى به، إلّا أنّه لا قائل به من أصحابنا، كما يشعر به قوله «ولو قيل»، وهو ضمانه بالمثل مطلقاً؛ لأنّ المثل أقرب إلى الحقيقة.

وقد روي أن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أخذ قصعة امرأةٍ كسرت قصعة أخرى (3)، وحَكَم بضمان عائشة إناء حفصة وطعامها - لمّا كسرته وذهب الطعام - بمثلهما (4).

والخبران عاميان، ومع ذلك فهما حكاية حالٍ لا تعمّ، فلعلّ الغريم رضي بذلك، وموردهما مطلق الضمان، وعورضا بحكمه صلی الله علیه و آله وسلم بالقيمة في معتق الشقص (5).

وثالثها: ضمان المثل الصوري فيما يضبطه الوصف، وهو ما يصحّ السلَم فيه، كالحيوان والثياب، وضمان ما ليس كذلك بالقيمة، كالجواهر والقسي، اختاره في التذكرة؛ محتجّاً على الأوّل بأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم استقرض بَكْراً فردّ بازلاً، وأنّه استقرض بَكراً فأمر برد مثله (6).

ص: 370


1- في حاشية «و»: «هذه المسألة لم يذكرها في المختلف مع أنّ الخلاف فيها شهير. (منه رحمه الله)»
2- في بعض النسخ بلفظ: «جزئيّاته».
3- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 159، ح 11521 و 11522.
4- السنن الكبرى، البيهقي، ج 6، ص 159، ح 11521 و 11522.
5- السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 463 - 464، ح 21322.
6- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 30 - 31، المسألة 30؛ وللرواية راجع صحيح مسلم، ج 3، ص 1224، ح 1600/118 - 1600/119.

• ويجوز إقراض الجواري.

--------------

وفيه - على تقدير صحّة السند - : أنّ مطلق الدفع أعمّ من الوجوب، ولا شبهة في جواز ذلك مع التراضي، كيف! وقد زاده خيراً فيما دفع. وما أمر به - لو صحّ - لم يقع؛ إذ لم ينقل ذلك، فلا يدلّ على تحقّق البراءة به، بل يجوز كونه مشروطاً بالتراضي، والأقوى المشهور.

والثاني: على تقدير اعتبار القيمة مطلقاً، أو على بعض الوجوه، فالمعتبر قيمته وقت التسليم، على ما اختاره المصنّف هنا؛ لأنّه وقت الملك؛ لِما سيأتي من أنّ الأقوى تحقّقه بالقبض (1)، فيكون وقت الثبوت في الذّمة.

وقيل : وقت القرض، ذكره الفاضل في القواعد (2)، وعلّله الشارح بما ذكرناه سابقاً من أنّه وقت الثبوت في الذمّة (3)، وليس بواضحٍ؛ إذ لا انتقال إليها قبل القبض عنده، ولعلّه تجوّز في إطلاق القرض على القبض، بناءً على الغالب من اتّصال القبض باللفظ الدالّ على القرض الذي هو الإيجاب، ومن أنّ القبض هو القبول، بناءً على الاكتفاء بالفعلي، كما اختاره (4)، وهو الغالب في العادة، فيكون القرض مستلزماً للقبض عادةً أو غالباً.

وقيل: الاعتبار بالقيمة وقت التصرّف (5)، بناءً على انتقال الملك به، وسيأتي (6).

ولا اعتبار بقيمته يوم المطالبة هنا قولاً واحداً، إلّا على القول بضمانه بالمثل ويتعذّر، فيعتبر يوم المطالبة، كالمثلي على أصحّ الأقوال، وقد تقدّم (7).

قوله: «ويجوز إقراض الجواري».

ص: 371


1- سيأتي في ص 373.
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 104.
3- جامع المقاصد، ج 4، ص 24.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 103؛ تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 33، ذيل المسألة 30.
5- لم نعثر على قائله ممّن هو قبل الشهيد الثاني (رحمه الله). نعم، ذكره البحراني في الحدائق الناضرة، ج 20، ص 140؛ وحكاه العاملي ناسباً له إلى القيل في مفتاح الكرامة، ج 15، ص 149؛ وراجع أيضاً رياض المسائل، ج 9، ص 164.
6- سيأتي في ص 373.
7- تقدّم آنفاً.

• وهل يجوز إقراض اللآلئ ؟ قيل: لا، وعلى القول بضمان القيمة، ينبغي الجواز.

--------------

لا خلاف عندنا في جواز إقراض الجواري؛ للأصل، والضبط، وجواز السلف فيهنّ، فجاز قرضهنّ كالعبيد.

وخالف في ذلك بعض العامّة (1)، مع إطباقهم على جواز اقتراض العبد والجارية التي لا يحلّ للمقترض وطؤها بنسب أو رضاعٍ أو مصاهرة.

وحيث جاز اقتراضها يحلّ وطؤها بالقبض، كما يباح غيره من المنافع إن قلنا بانتقال الملك بالقبض، ولو أوقفناه على التصرّف لم يحلّ.

ولو كانت ممّن تنعتق عليه عتقت أيضاً، بناءً على ذلك.

وأمّا ارتجاعها بعد الوطء مع بقاء المماثلة فيبنى على ما سلف من ضمان القيمي بمثله أو بقيمته.

وأولى بالجواز لو ردّ العين؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما وضع بدلاً عن العين، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب إلى الحقِّ من القيمة. وكذا القول في غيرها (2).

قوله: «وهل يجوز اقتراض (3) اللآلئ قيل: لا، وعلى القول بضمان القيمة، ينبغي الجواز».

القول بعدم الجواز للشيخ (رحمه الله) في المبسوط (4)؛ بناءً على أنّ الوصف لا يضبطه.

وهو يتمّ على القول بوجوب ردّ المثل في مثل ذلك، أمّا على القول بالقيمة فيه أو مطلقاً، فالقول بالجواز أجود، لانضباطه بالقيمة.

فعلى هذا هل يعتبر في صحّة القرض العلم بقيمته عنده لينضبط حالة العقد، فإنّ ذلك بمنزلة تقدير ما يقدر بالكيل والوزن، أم يكفي في جواز اقتراضه مشاهدته على حدّ

ص: 372


1- العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 431؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 274؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4،ص 386، المسألة 3259؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 385.
2- في حاشية «و»: «وسيأتي الكلام فيه. (منه رحمه الله)».
3- في المتن: «إقراض».
4- المبسوط، ج 3، ص 104.

الثالث في أحكامه، وهي مسائل:

الأُولى: • القرض يُملك بالقبض لا بالتصرّف؛ لأنّه فرع الملك، فلا يكون مشروطاً به.

--------------

ما يعتبر في جواز بيعه ويبقى اعتبار القيمة بعد ذلك أمراً وراء الصحّة، على المقترض معرفتها؛ مراعاةً لبراءة ذمّته حتّى لو اختلفا في القيمة فالقول قوله؟ وجهان، وإطلاق كلام الأصحاب يدلّ على الثاني، وللأوّل وجه، وربما كان به قائل. قوله: «القرض يُملك بالقبض لا بالتصرّف؛ لأنّه فرع الملك، فلا يكون مشروطاً به».

هذا هو المشهور بين الأصحاب، وكثير منهم لم يذكروا فيه خلافاً.

وقيل : لا يملك إلّا بالتصرّف، ونسبه الشهيد (رحمه الله) في بعض حواشيه إلى الشيخ (1).

وفي الدروس نسب المشهور إلى الشيخ (رحمه الله)، وحكى الآخَر بلفظ «قيل» (2).

ووجه الأوّل: ما أشار إليه المصنّف من أنّ التصرّف فرع الملك وتابع له، فيمتنع كونه شرطاً فيه، وإلّا لزم كون الشيء الواحد سابقاً على آخَر ولاحقاً له، وهو دَوْرٌ.

وقد يوجّه بوجهٍ آخر، وهو أنّ التصرّف فيه لا يجوز حتّى يصير ملكاً؛ لقبح التصرّف في مال الغير، ولا يصير ملكاً له حتّى يتصرّف فيه، فيلزم توقّف التصرّف على الملك والملك على التصرّف.

وفيه نظر واضح؛ لمنع تبعيّة التصرّف للملك، مطلقاً وتوقّفه عليه، بل يكفي في جواز التصرّف إذن المالك فيه، كما في غيره من المأذونات، ولا شكّ أنّ الإذن للمقترض حاصل من المالك بالإيجاب المقترن بالقبول، فيكون ذلك سبباً تاماً في جواز التصرّف، و ناقصاً في إفادة الملك، وبالتصرّف يحصل تمام سبب الملك.

ص: 373


1- لم نعثر عليه في مظانّه، نعم نسبه إليه السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 156؛ والموجود في المبسوط، ج 2، ص 104؛ والخلاف، ج 3، ص 177، المسألة 291 خلاف ذلك
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

--------------

ثمَّ إن كان التصرّف غير ناقل للملك واكتفينا به فالأمر واضح، وإن كان ناقلاً أفاد الملك الضمني قبل التصرّف بلحظةٍ يسيرة، كما في العبد المأمور بعتقه عن الأمر غير المالك، بل نقل في الدروس أنّ هذا القائل يجعل التصرّف كاشفاً عن سبق الملك مطلقاً (1)، وعلى هذا فلا إشكال من هذا الوجه.

ويؤيّد هذا القول أصالة بقاء الملك على أصله إلى أن يثبت المزيل، وأنّ هذا العقد ليس تبرّعاً محضاً؛ إذ يجب فيه البدل، وليس على طريق المعاوضات، فيكون كالإباحة بشرط العوض لا يتحقّق الملك معه إلا مع استقرار بدله، وكالمعاطاة.

ومع ذلك كلّه فالعمل على المشهور، بل لا يكاد يتحقّق الخلاف.

وتظهر فائدة القولين في جواز رجوع المقرض في العين ما دامت باقيةً، ووجوب قبولها لو دفعها المقترض، وفي النماء قبل التصرّف إن قلنا بكون التصرّف ناقلاً للملك حقيقةً أو ضمناً، فإنّه يكون للمقترض على المشهور، وللأوّل على الآخَر. ولو قلنا بالكشف احتُمل كونه كذلك، بمعنى كون التصرّف كاشفاً عن سبق الملك قبله بلا فصلٍ، كالملك الضمني.

ويمكن - بل هو الظاهر - أن يريد به كونه كاشفاً عن سبق الملك من حين القبض، فالنماء للمقترض على القولين.

وتظهر الفائدة أيضاً في نفقته لو كان حيواناً، وفي وقت انعتاقه لو كان ممّن ينعتق على المقترض، وفي جواز وطء الأمة؛ إذ لم يحصل من اللفظ ما يفيد التحليل ولم يتحقّق الملك، ووطء الأمة منحصر فيهما، بخلاف غيره من التصرّفات مع احتمال جواز الوطء على القولين، كما لو اشترى الأمة معاطاة.

إذا تقرّر ذلك، فما المراد بالتصرّف الموجب للملك على هذا القول؟ ليس في كلام

ص: 374


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

• وهل للمُقرض ارتجاعه؟ قيل: نعم، ولو كره المقترض، وقيل: لا، وهو الأشبه؛ لأنّ فائدة الملك التسلّط.

--------------

أصحابنا تصريح بشيءٍ، وكأنَّ الباعث عليه عدم الاهتمام بشأن القول ليفرّع عليه، ولكن تعليله يشعر بأنّ المراد بالتصرّف، المتلف للعين أو الناقل للملك، كما يستفاد من جَعله إباحة إتلافٍ مضمون.

ويظهر من الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته أنّ المراد مطلق التصرّف وإن لم يزل الملك. إلّا أنّه علّل في دروسه القول بما يأبى ذلك (1).

وفي التذكرة نقل عن الشافعيّة في التصرّف ثلاثة أوجُه.

الأوّل والثاني ما ذكرناهما.

والثالث كلّ تصرّف يستدعي الملك، فلا يكفي الرهن على الثالث، ويكفي هو والإجارة وطحن الطعام وخبز الدقيق وذبح الشاة على الثاني، ويكفي البيع والإعتاق والإتلاف على الجميع (2)، ولم يرجّح شيئاً منها.

قوله: «وهل للمُقرض ارتجاعه؟ قيل: نعم، ولو كره المقترض» إلى آخره.

الحكم هنا مبنيٌّ على الخلاف السابق، فإن قلنا: إنّ المقترض لا يملك إلّا بالتصرّف، بأيّ معنىّ اعتبرناه فللمُقرض الرجوع في العين قبله؛ لأنّها ملكه، وإن قلنا: يملك بالقبض، فهل يمكن القول بذلك؟ ظاهر القواعد العدم؛ لأنّه جعل هذه المسألة مفرّعةً على تلك بالفاء (3).

ص: 375


1- في حاشية «و»: «لأنّه علّله بقوله: لأنّه ليس عقداً محققاً، بل هو راجع إلى الإذن مع الإتلاف المضمون، والإتلاف يحصل بإزالة الملك أو العين، فهو كالمعاطاة. انتهى. وهذا يدلّ على إرادة ما نقلناه عن تعليل المصنّف. (منه رحمه الله)». راجع الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 45 - 46. المسألة 43؛ وراجع العزيز شرح الوجيز، ج 4، ص 435 - 536؛ وروضة الطالبين، ج 3، ص 277.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 104.

--------------

ويظهر من المصنّف هنا أنّ الخلاف في هذه المسألة جارٍ وإن قلنا: يملك بالقبض، وهذا هو الظاهر.

و تنقيح المسألة أنّه على القول بملكه بالقبض لو طلب المقرض عين ماله مع بقائها هل يلزم إجابته ؟ قال الشيخ (رحمه الله): نعم؛ محتجّاً بأنّه عقد يجوز الرجوع فيه، كالهبة في موضع الجواز (1).

وهذا التعليل ظاهر في كونه متفرّعاً على ملك المقترض كالهبة.

وجوابه المنع من المساواة؛ فإنّ ملك المقترض العين يقتضي تسلّطه عليها، واللازم له إنّما هو العوض، فيتخيّر فيه، ولا يلزم من ثبوت التخيّر في الهبة بدليلٍ خارجٍ إلحاق غيرها بها.

ويمكن تعليله أيضاً بالاتّفاق على أنّ القرض عقد جائز، ومن شأن العقد الجائز أنّ مَن اختار فسخه رجع إلى عين ماله لا إلى عوضه، كالهبة والبيع بخيار، فلو جاز فسخ القرض من دون أخذ العين لأدّى إلى لزومه؛ لأنّ العوض الثابت في الذمّة في الحقيقة هو أحد العوضين في هذه المعاملة من قِبَل المقترض والعوض الآخر هو العين المنتقلة من المقرض، ومقتضى فسخ العقد الجائز بالأصل أو بالعارض أن يرجع كلُّ منهما إلى عوضه مع بقائه، وإلى بدله مع تلفه، فخروج تلفه، فخروج هذا العقد عن هذا الحكم مع جوازه لا وجه له، وأمّا رجوعه بالعوض الذي يثبت في ذمّة المقترض بالقبض فهو أحد عوضي المعاوضة، كما ذكرناه، وانحصار الحقّ فيه إنّما يناسب لزوم المعاوضة لا جوازها، وهذا توجيه حسن لم ينبّهوا عليه.

نعم، في التذكرة لمّا نقل عن بعض الشافعيّة القولَ بجواز الرجوع في العين - محتجّاً بأنّ

ص: 376


1- في حاشية «و»: «هذه الحجّة نقلها عنه في المختلف. (منه رحمه الله». راجع مختلف الشيعة، ج 5، ص 409، المسألة 27؛ المبسوط، ج 2، ص 104.

--------------

المقرض يتمكّن من أخذ بدل حقّه، فلأن يتمكّن من مطالبته بعينه أولى، ولا ينافيه ملك غيره له، كما يرجع الواهب في الهبة (1) - أجاب بأنّ القبض أوجب الانتقال إلى الذمّة، كما يملك البائع الثمن بعقد البيع، وليس له الرجوع في العين، قال: والفرق بينه وبين الهبة أنّ الواهب ليس له الرجوع على المتّهب بعوض الهبة، بخلاف القرض (2). انتهى.

وأنت خبير بجواب هذا كلّه إذا أحطتَ بما حرّرناه، واستشهاده على ذلك بالبيع عجيب، فإنّ البيع من العقود اللازمة، بخلاف القرض، ولو فُرض جوازه كالبيع بخيارٍ فإنّ الفاسخ يرجع إلى عين ماله، كما بيّنّاه، ويصير مناسباً للقرض، لا ما استشهد به.

وأمّا فرقه بينه وبين الهبة بما ذُكر فهو حقٌّ، إلّا أنّه لا يفيد المطلوب؛ لأنّ الهبة عطيّة محضة لا يقابلها من الجانب الآخَر عوض لازم، بخلاف القرض، فإذا رجع الواهب في الهبة لا مجال له إلّا في عين ماله، وإذا رجع المتّهب تعيّن عليه ردّ العين؛ إذ ليس غيرها، بخلاف القرض، فإنّ هناك عوضاً هو المثل أو القيمة، ومعوّضاً وهو العين، فمَنْ فسخه رجع إلى حقّه.

وقد يُعلّل أيضاً بأنّ الانتقال إلى المثل أو القيمة إنّما كان لتعذّر العين ولو بالملك، فإذا أمكن الرجوع إلى العين بفسخ الملك حيث يمكن، لا يعدل عن الحقّ إلى بدله، هذا غاية ما يوجّه به هذا القول.

ويمكن الاحتجاج للمشهور، بناءً على الملك بالقبض بأنّ الأصل في ملك الإنسان أن لا يتسلّط عليه غيره إلّا برضاه، والثابت بالعقد والقبض للمقرض إنّما هو البدل، فيستصحب الحكم إلى أن يثبت المزيل، ولا سند له يعتدّ به إلّا كون العقد جائزاً يوجب فسخه ذلك.

ص: 377


1- العزيز شرح الوجيز، ج 4 ص 435؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 277.
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 44 - 45. المسألة 41.

الثانية: • لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم.

--------------

وفيه منع ثبوت جوازه بالمعنى الذي يدّعيه؛ إذ لا دليل عليه، وما أطلقوه من كونه جائزاً لا يعنون به ذلك؛ لأنه قد عبّر به مَنْ ينكر هذا المعنى، وهو الأكثر، وإنّما يريدون بجوازه تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء، وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحّة في الاصطلاح وإن كان مغايراً لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه، وحينئذٍ فلا اتّفاق على جوازه، بمعنىً يثبت به المدّعى، ولا دليل صالحاً على ثبوت الجواز له بذلك المعنى المشهور، فيبقى الملك وما يثبت في الذمّة حكمهما إلى أن يثبت خلافه، وهذا هو الوجه.

قوله: «لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم».

أي شرط تأجيل مال القرض في عقده، ويمكن أن يريد ما هو أعمّ، بأن يشرط في عقد القرض تأجيل مالٍ حالٍّ، سواء كان القرض أم غيره.

والحكم فيهما واحد؛ لأنّ عقد القرض - كما مر (1) - من العقود الجائزة، لا يلزم ما يشترط فيها.

ويجيء على ما قرّرناه من لزومه على ذلك الوجه احتمال لزوم هذا الشرط، مضافاً إلى عموم قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون عند شروطهم» (2) وغير ذلك ممّا دلّ على لزوم ما شرط في العقد اللازم؛ إذ ليس هذا العقد على حدّ العقود الجائزة ليقطع فيه بعدم لزوم الشرط، ولا على حدّ اللازمة ليلحقه حكمها، ويمكن على هذا أن يرجع إلى عموم الأدلّة الدالّة على لزوم الالتزام بالشروط (3) والوفاء بالعقود (4). ولو شرط تأجيله في غير القرض من العقود اللازمة، بأن باعه شيئاً وشرط عليه تأجيل قرضه إلى شهرٍ مثلاً، فالأقوى لزومه، ووجوب الوفاء به، لما تقدّم من عموم الأمر بالوفاء بالعقود والشروط، وهي كالجزء منها.

ص: 378


1- مرّ في ص 361.
2- تقدم تخريجه في ص 104، الهامش 1.
3- تقدم تخريجه في ص 104، الهامش 1.
4- المائدة (5): 1.

• وكذا لو أجّل الحالّ لم يتأجّل. وفيه رواية مهجورة تُحمل على الاستحباب. ولا فرق بين أن يكون مهراً، أو ثمن مبيع، أو غير ذلك.

--------------

وقيل: لا يلزم الوفاء بها، بل يقلب العقد اللازم جائزاً، بمعنى أنّ المشروط عليه لو أخلّ بالشرط تسلّط الآخر على فسخ العقد المشروط فيه.

وجعلوا ذلك قاعدةَ كلّيّةً هي أنّ شرط الجائز في اللازم يقلب اللازم جائزاً، ومثله شرط اللازم في اللازم، واللزوم مطلقاً أجود، وقد تقدّم البحث فيه (1).

نعم، لو امتنع مَنْ شرط عليه من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجباره، تسلّط المشروط له على الفسخ، إلا أنّ هذا الأمر العارض للعقد لا ينافي لزومه في أصله، وبذلك يُجمع بين الأدلّة والحقّين.

قوله: «وكذا لو أجّل الحالّ لم يتأجّل وفيه رواية مهجورة تحمل على الاستحباب» إلى آخره.

المراد بتأجيل الحالّ أن يعبّر صاحب الدين بعبارةٍ تدلّ عليه من غير ذكره في عقدٍ كما مرّ، بأن يقول: أجّلتك في هذا الدين مدّةً كذا. ووجه عدم اللزوم بذلك واضح؛ إذ ليس ذلك بعقدٍ يجب الوفاء به، بل هو وعد يستحبّ الوفاء به. والرواية المذكورة رواها الحسين بن سعيد (2)، ومحصّلها إنّ مَنْ مات وقد اقترض إلى أجلِ يحلّ، وهي مشعرة بجواز التأجيل، وحملها على الندب كما قلناه أولى.

وأشار بالتسوية بين الأُمور المذكورة إلى خلاف بعض العامّة، حيث ذهب إلى ثبوت التأجيل في ثمن المبيع والأُجرة والصداق وعوض الخلع، دون القرض وبدل المتلف، وإلى خلاف آخرين منهم إلى ثبوته في الجميع (3).

ص: 379


1- تقدّم في ص 187.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 190، ح 409.
3- في حاشية «و»: «القائل بالتفصيل أبو حنيفة وبإطلاق الثبوت مالك. (بخطّه قدّس سرّه)». راجع حلية العلماء، ج 4، ص 402؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 384، المسألة 3257؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 387.

ولو أخّره بزيادةٍ فيه لم تثبت الزيادة ولا الأجل: • نعم، يصحّ تعجيله بإسقاط بعضه.

الثالثة • مَنْ كان عليه ديْنٌ، وغاب صاحبه غيبةً منقطعةً يجب أن ينوي قضاءه، وأن يعزل ذلك عند وفاته، ويوصي به ليوصل إلى ربّه أو إلى وارثه إن ثبت موته.

--------------

قوله: «نعم، يصحّ تعجيله بإسقاط بعضه».

مع تراضيهما بذلك، وكما يعتبر التراضي في إسقاط البعض يعتبر في تعجيله بغير إسقاطٍ؛ لأنّ الأجل أيضاً حقٌّ لهما؛ لتعلّق غرض كلٍّ منهما به، فإنّ التعجيل قد لا يرضى به صاحب الحقّ، لحصول ضررٍ بالقبض لخوفٍ ونحوه، وبالنسبة إلى الآخَر واضح، لكن إسقاط الأجل يكفي فيه مجرّد الرضي.

أمّا إسقاط بعض الحقّ فيحتمل كونه كذلك، كما يقتضيه ظاهر إطلاقهم، ويكون الرضى بالبعض قائماً مقام الإبراء، فإنّه كما يظهر من تضاعيف كلامهم في مواضع متفرّقة - لا يختصّ بلفظٍ، وفي كتاب الجنايات يقع بلفظ العفو ونحوه، فيكون هذا منه.

ويحتمل قويّاً توقّف البراءة على لفظٍ يدلّ عليه صريحاً، كالبراءة والإسقاط والعفو والصلح، لا مطلق الرضى؛ لأصالة بقاء الملك إلى أن يتحقّق المزيل له شرعاً.

قوله: «مَنْ كان عليه ديْنٌ و غاب صاحبه غيبةً منقطعةً» إلى آخره.

وجوب نيّة القضاء ثابت على كلّ مَنْ عليه حقٌّ، سواء كان ذو الحقّ غائباً أم حاضراً؛ لأنّ ذلك من أحكام الإيمان، كما قالوا في العزم على الواجب في الوقت الموسّع لا لكونه بدلاً عن التعجيل.

وإنّما ذكر الوجوب مع الغيبة المنقطعة تأكيداً، وليس المراد أنّه يجب تجديد العزم السابق حينئذٍ؛ لعدم دليلٍ على هذا الوجوب.

وأمِّا وجوب العزل عند الوفاة فهو مناسب لتميّز الحقّ، وأبعد عن تصرّف الورثة فيه.

ص: 380

• ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه، ومع اليأس يتصدّق به عنه على قول.

--------------

وربما قيل بوجوب العزل عند اليأس من الوصول إليه وإن لم تحضر الوفاة، وهو أحوط.

وأمّا العزل عند الوفاة فظاهر كلامهم - خصوصاً على ما يظهر من المختلف (1) - أنّه لا خلاف فيه، وإلّا لأمكن تطرّق القول بعدم الوجوب؛ لأصالة البراءة، مع عدم النصّ.

قوله: «ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه ومع اليأس يتصدّق به عنه على قول».

المعتبر في الاجتهاد هنا بذل الوسع في السؤال عنه في الأماكن التي يمكن كونه أو خبره بها، ويستمرّ كذلك على وجهٍ لو كان لظهر، فإذا يئس منه قال الشيخ (رحمه الله): يتصدّق به عنه (2)، وتبعه عليه جماعة من الأصحاب (3).

وتوقّف المصنّف هنا، والعلّامة في كثير من كتبه (4)؛ لعدم النصّ على الصدقة، ومن ثمَّ ذهب ابن إدريس إلى عدم جوازها؛ لأنّه تصرّفٌ في مال الغير غير مأذونٍ فيه شرعاً (5).

ولا شبهة في جوازه، إنّما الكلام في تعينه (6).

ووجه الصدقة أنّها إحسان محض بالنسبة إلى المالك؛ لأنّه إن ظهر ضمن له عوضها إن لم يرضَ به،ا وإلّا فالصدقة أنفع له من بقائها، المعرّض لتلفها بغير تفريطٍ، المؤدّي إلى سقوط حقّه، وقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} (7)، خصوصاً وقد ورد الأمر بالصدقة في نظائر كثيرة لها (8).

وحينئذٍ فالعمل بهذا القول أجود، خصوصاً مع تعذّر قبض الحاكم لها، أمّا معه فهو

ص: 381


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 395، المسألة 11.
2- النهاية، ص 307.
3- منهم ابن البّراج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 391، المسألة 7.
4- منها قواعد الأحكام، ج 2، ص 102؛ وتذكرة الفقهاء، ج 13، ص 17، المسألة 14.
5- السرائر، ج 2، ص 37.
6- كذا في النسخ، والملاحَظ أنّ العبارة هي إجمال ما فصّله آنفاً.
7- التوبة .(9) 91.
8- راجع على سبيل المثال: الفقيه، ج 4، ص 331 ، ح 5714.

الرابعة: • الدين لا يتعيّن ملكاً لصاحبه إلّا بقبضه، فلو جعله مضاربةً قبل قبضه، لم يصحّ.

--------------

أحوط. وحيث يمكن مراجعته فهو أولى من الصدقة بغير إذنه وإن كان جائزاً؛ لأنّه أبصر بمواقعها.

ومصرفها مصرف الصدقة المندوبة وإن وجبت على المديون أو وارثه بالعارض، فإنّه بمنزلة الوكيل والوصيّ الذي يجب عليه الصدقة وإن كانت في أصلها مندوبةً. وقد عرفت أنّه يضمن مع ظهور المالك وعدم رضاه بها.

ولو دفعها إلى الحاكم فلا ضمان وإن تلفت في يده بغير تفريط و لم يرضَ المالك.

أمّا مع بقائها معزولةً في يده أو يد وارثه فينبغي أن يكون حكمها حكم ما لو كانت في يد الحاكم؛ لأنّ الإذن الشرعي في عزلها يصيّرها أمانةً في يده، فلا يتبعه الضمان، مع احتماله؛ لأنّ الأمانة هنا شرعيّة لا مالكيّة، والأمانة الشرعيّة قد يتبعها الضمان.

قوله: «الديْن لا يتعيّن ملكاً لصاحبه إلّا بقبضه - إلى قوله - لم يصحّ».

هذه المسألة بباب المضاربة أليق، وإنّما ذكرها هنا لمناسبةٍ مّا.

والحاصل أنّ المضاربة لا تصحّ إلّا بعين النقدين، فلا تصحّ بالدَيْن وإن كانت المضاربة للمديون؛ لأنّ ما في الذمّة وإن كان مقبوضاً أو بمنزلته إلّا أنّ شرط المضاربة تشخُّصه، لا كونه مقبوضاً على وجهٍ كلّي كالدَيْن، وحينئذٍ تقع المضاربة به باطلةٌ، فإن كان العامل هو المديون ثمَّ ميّزه واتّجر به فالربح كلّه له؛ لأنّ المال لم يتعيّن للمالك بتعيينه، إذ لم يجعله وكيلاً في التعيين، وإنّما جعل معه مضاربةً فاسدةً، وإن كان ثالثاً فالربح للمالك؛ لأنّه وكيل المالك في قبض الديْن، فيتعين بتعيين المديون وقبض الوكيل.

ولا يرد أنّ فساد المضاربة يستلزم فساد القبض؛ لأنّه تابع لها؛ لمنع الملازمة، فإنّ فساد المضاربة إنّما يقتضي فساد لوازمها، وقبض المال من المديون أمرٌ أخَر وراء المضاربة

ص: 382

الخامسة: • الذمّي إذا باع ما لا يصحّ للمسلم تملّكه كالخمر والخنزير جاز دفع الثمن إلى المسلم عن حقّ له، ولو كان البائع مسلماً لم يجز.

--------------

وأحكامها، فيكون بمنزلة الوكيل بالنسبة إلى قبض المال، والمضارب بالنسبة إلى العمل، فيبطل متعلّق المضاربة خاصّةً، كما لو جمع في عقدٍ واحدٍ بين شيئين ففسد أحدهما، فإنّه لا يقتضي فساد الآخَر، وحينئذٍ فيكون للعامل أُجرة المثل، كما هو مقتضى المضاربة الفاسدة مع جهله، والربح للمالك مع إجازته الشراء بالعين، ولو كان الشراء في الذمّة، فالربح للعامل إن نوى الشراء لنفسه، وإلّا فلا.

واعلم أنّ في الفرق بين المديون والثالث - حيث صحّحوا قبضه دونه - نظراً؛ لأنّ المضاربة الفاسدة إن اقتضت وكالةً في القبض خارجة عن حقيقتها، فليكن في المديون كذلك، فإنّ الصيغة إنّما اقتضت المعاملة على الديْن الذي في الذمّة، وكما لا يمكن للأجنبي العمل به ما دام في الذمّة؛ لأنه حينئذٍ أمر كلّي لا وجود له في الخارج، فاقتضى ذلك الإذن له في قبضه الذي زعموا كونه وكالةً، كذلك نقول في المديون، فإنّه لا يمكنه العمل بنفس ديْن المالك الذي في ذمّته، بل لا بدّ من إفرازه والشراء به، كما سيأتي من أنّ العامل لا يصحّ له أن يشتري إلّا بالعين، وحينئذٍ فالمضاربة الفاسدة إن كانت مجامعةً لوكالةٍ في تعيّن المال، فهي واقعة في الموضعين، وإلّا فلا.

وأيضاً فكون ذلك أمرا خارجاً عن مقتضيات المضاربة في محلّ النظر، بل الظاهر أنّه بعض لوازمها وتوابعها، فينبغي أن يتبعها في الفساد.

قوله: «الذمّي إذا باع ما لا يصحّ للمسلم تملّكه كالخمر والخنزير» إلى آخره.

التقييد بالذمّي لإخراج الحربي؛ إذ لا يجوز أخذ ثمن ذلك منه، لعدم إقرار الشريعة له على ذلك.

ولا بدّ من تقييد الذمّي بكونه مستتراً في بيع ذلك، كما هو مقتضى إقرار الشريعة، فلو تظاهر به لم يجز.

ص: 383

السادسة: • إذا كان لاثنين مال في ذِمَمٍ، ثمَّ تقاسما بما في الذمَم، فكلّ ما يحصل لهما، وما يتوى منهما.

السابعة: • إذا باع الديْن بأقلّ منه لم يلزم المدين أن يدفع إلى المشتري أكثر ممّا بذله على روايةٍ.

--------------

قوله: «إذا كان لاثنين مال في ذِمَمٍ، ثمّ تقاسما بما في الذمَم» إلى آخره.

المراد أنّ قسمة ما في الذمم غير صحيحةٍ، وعبّر عن البطلان بلازمه، وهو كون الحاصل لهما والذاهب عليهما.

والحيلة في تصحيح ذلك أن يحيل كلُّ منهما صاحبه بحصّته التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخَر، بناءً على صحّة الحوالة ممّن ليس في ذمّته ديْن.

ولو فُرض سبق ديْنٍ له عليه فلا إشكال في الصحّة.

ولو اصطلحا على ما في الذمم بعضاً ببعضٍ، فقد قرّب في الدروس صحّته (1)، وهو حسن بناءً على أصالته.

و «يتوى» في قول المصنّف - بالتاء المثنّاة من فوقٍ - بمعنى يهلك، يقال: توي المال - بكسر الواو - يتوى إذا هلك (2).

قوله: «إذا باع الديْن بأقلّ منه لم يلزم المدين - إلى قوله - على روايةٍ».

الرواية رواها محمّد بن الفضيل عن الرضا علیه السلام (3)، وقريب منها روى أبو حمزة عن الباقر علیه السلام (4).

وإنّما اقتصر المصنّف على رواية واحدة؛ لأنّ الثانية ليست صريحةً في المطلوب.

ص: 384


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 381 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- راجع لسان العرب، ج 14، ص 106، «توا».
3- الكافي، ج 5، ص 100، باب بيع الدين بالدَيْن، ح 2 و 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 189 و 191، ح 401 و 410.
4- الكافي، ج 5، ص 100، باب بيع الدين بالدَيْن، ح 2 و 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 189 و 191، ح 401 و 410.

المقصد السادس في دَيْن المملوك

• لا يجوز للمملوك أن يتصرّف في نفسه بإجارةٍ ولا استدانةٍ ولا غير ذلك من العقود، ولا بما في يده ببيعٍ ولا هبةٍ إلّا بإذن سيّده ولو حُكم له بملكه.

--------------

وعمل بمضمونها الشيخ (رحمه الله) 1(1) وتبعه على ذلك ابن البّراج (2).

والمستند ضعيف؛ مخالف لأُصول المذهب، ولعموم الأدلّة وإطلاقها من الكتاب والسُنّة.

وربما حُملنا على الضمان مجازاً؛ لأنّه معاوضة يشبه البيع، أو على فساد البيع، فيكون دفع ذلك الأقل مأذوناً فيه من البائع في مقابلة ما دفع، ويبقى الباقي لمالكه.

والأقوى أنّه مع صحّة البيع يلزمه دفع الجميع.

ولا بدّ من رعاية السلامة من الربا، ورعاية شروط الصرف لو كان أثماناً. ولو وقع ذلك بصيغة الصلح صحّ أيضاً، وسلم من اعتبار الصرف لا من الربا، على الأقوى فيهما؛ لدخول الربا في كلّ معاوضةٍ، عملاً بإطلاق الآية (3)، واختصاص الصرف بالبيع. ومَنَع ابن إدريس من بيع الديْن على غير مَنْ هو عليه مطلقاً (4)، وهو ضعيف.

المقصد السادس في دين المملوك

قوله: «لا يجوز للمملوك أن يتصرّف في نفسه بإجارةٍ ولا استدانةٍ ولا غير ذلك - إلى قوله - ولو حُكم له بملكه». جعل الإجارة تصرّفاً في نفسه واضح، أمّا الاستدانة ونحوها من العقود الموجبة لجعل شيءٍ في ذمّته، فوجه إلحاقه بالتصرّف في نفسه أنّه يجعل نفسه مديوناً، ففيه مناسبة

ص: 385


1- النهاية، ص 311.
2- لم نعثر عليه في المهذّب، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 389، المسألة 6.
3- البقرة (2): 275.
4- السرائر، ج 2، ص 38.

•وكذا لو أذن له المالك أن يشترى لنفسه، وفيه تردّد؛ لأنّه يملك وطء الأمة المبتاعة مع سقوط التحليل في حقّه فإن أذن له المالك في الاستدانة، كان الدين لازماً للمولى،

--------------

للتصرّف فيها بوجهٍ، وإنّما لم يجز التصرّف فيما في يده على تقدير الحكم بملكه له؛ لأنّه على ذلك التقدير محجور عليه، كما سيأتي (1)، فلا ينفذ تصرّفه بدون إذن المولى.

قوله: «وكذا لو أذن له المالك أن يشتري لنفسه، وفيه تردّد» إلى آخره.

لا بدّ قبل الكلام على العبارة من تحرير المسألة، فنقول:

إذا أذن السيّد لعبده في أن يشتري لنفسه - أي لنفس العبد - فهل يصحّ هذا الإذن بمعنى وقوع الشراء للعبد، أم لا يصحّ ؟ يبنى على أنّ العبد هل يمكن أن يملك مثل هذا أم لا؟ والأصحّ العدم.

فإذا لم نقل بملك العبد واشترى، هل يقع الشراء للسيّد أم لا ؟ يحتمل الأوّل؛ لأنّ الشراء لنفسه تضمّن أمرين الإذن في الشراء، وتقيّده بكونه لنفسه، فإذا بطل القيد بقي المطلق؛ لأنّ المطلق جزء المقيّد، فيقع للمولى؛ لأنّه أذن في الابتياع في الجملة.

ولهذه المسألة نظائر كثيرة في الفقه وغيره يدّعى فيها أنّ المقيّد يدلّ على المطلق من الجهة التي أشرنا إليها.

ويحتمل الثاني ؛ لأنّ الإذن في الشراء لنفسه وقع فاسداً، فلا يترتّب عليه صحّة البيع، ونمنع من كون المقيّد يدلّ على المطلق، فإنّ الإذن إنّما تعلّق بأمرٍ واحدٍ، وهو المقيّد المخصوص بالعبد، فحيث لم يصحّ كان الابتياع باطلاً؛ لأنّه غير مأذونٍ فيه، فلا يثمر ملكاً للمولى؛ لأنّه لم يأذن فيه على هذا الوجه، وهذا هو الأقوى.

ثمَّ على القول بوقوعه للمولى لو كان المبيع أمةً هل يستبيح العبد بُضعها بهذا الإذن ؟ قيل: نعم؛ لاستلزام الإذن من المولى له في الشراء لنفسه الإذن له في الوطء؛ لأنّها إذا كانت

ص: 386


1- يأتي في ص 391.

--------------

مملوكةً للعبد كان جميع التصرّفات له حلالاً، ومن جملتها الوطء، فإذا بطل الإذن الأوّل لعارضٍ - وهو عدم أهليّته لملك الرقبة - بقي الثاني الداخل ضمناً أو التزاماً؛ لأنّ العبد أهل للإباحة، كما يستبيح الأمة التي يأذن له فيها المولى، فاستباحة الوطء بذلك الإذن لا من حيث الملك، بل لاستلزامه الإذن.

ويضعَّف بأنّ المأذون فيه هو الشراء لنفسه، فإن تحقّق استلزم إباحة التصرّفات، أمّا الإذن في التصرّف مع كونه غير مالكٍ للرقبة فغير حاصلٍ، ومن الجائز رضى المولى بكون العبد يطأ أمة نفسه ولا يرضى بوطئه أمة المولى، فلا ملازمة بين الأمرين، فإذا لم يقع الشراء للعبد لم يستبح الوطء، وهذا هو الأقوى، وحينئذٍ فاستباحة العبد وطء الأمة المذكورة ضعيف مبنيٌّ على ضعيفٍ، وهو وقوع الشراء للمولى، فهو ضعف في ضعفٍ.

إذا تقرّر ذلك، فلنعد إلى العبارة، فنقول: المشبّه به المشار إليه ب-«ذا» في قوله: «وكذا لو أذن له المالك» لا يجوز أن يكون هو الحكم السابق الذي حاصله أنّه لا يجوز التصرّف المذكور إلّا بإذن سيّده؛ لأنّه يصير التقدير أنّه لا يجوز شراء المأذون في شرائه لنفسه إلّا بالإذن، وظاهر فساده؛ لأنّ المفروض تحقّق الإذن، وأيضاً فالإشكال واقع مع الإذن كما عرفت بل الأولى كون المشبّه به هو أصل الحكم مجرّداً عن الاستثناء، وهو عدم جواز تصرّف العبد، فيصير التقدير وكذا لا يجوز تصرّفه لو أذن له سيّده أن يشتري لنفسه، لكن يبقى فيه إجمال من حيث إنّه مع عدم الجواز هل يقع باطلاً من رأسٍ أو يقع للمولى؟ وظاهر الإطلاق الأوّل.

ثمَّ قوله «وفيه تردّد» أي في الحكم المذكور، وهو عدم جواز شرائه ما أذن في شرائه لنفسه. وجعل منشأ التردّد أنّه - أي العبد - يملك وطء الأمة المبتاعة، وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يريد بالأمة المبتاعة التي يستبيح وطأها، هي هذه المأذون في شرائها لنفسه.

وتوجيه التردّد حينئذٍ أنّ في عدم الصحّة على هذا التقدير تردّداً من حيث إنّ المأذون فيه لو كان أمةً لَمَلَك وطأها، فلا تقع الإذن لاغيةً بحيث يطلق فيما تضمّنه عدم الجواز.

ص: 387

--------------

ولا يخفى فساد هذا المعنى، فإنّه عين المتنازع، فكيف يجعل منشأ التردّد؟!

والثاني: أن يريد بالأمة المبتاعة، التي ابتاعها العبد للمولى مع الإذن في وطئها، بأن يوكّله المولى في أن يشتري أمةً ويطأها.

وهذه لا إشكال في استباحة وطئها من الجهات المتقدّمة، فإنّ شراء العبد لمولاه صحيح، وإباحة المولى له وطء أمته صحيح أيضاً، وإذا كانت الإذن الضمنيّة المتقدّمة تفيد إباحة الوطء على قولٍ معتبر، مع فساد ما دخلت في ضمنه، فكيف الإذن الصريحة مع صحّة الشراء المضموم إليه الإذن ؟!

ووجه كون هذه منشأ للتردّد في المسألة المذكورة أنّ المسألة اقتضت بإطلاقها أنّ إذن المولى له أن يشتري لنفسه غير صحيحٍ، فتردّد المصنّف في إطلاق عدم الصحّة، من حيث إنّه قد يصحّ في بعض الصُوَر، وهي المذكورة.

وفيه أنّ المتردّد فيه الشراء لنفسه، لا الإباحة، وأين هذا من ذاك؟!

ثمَّ إن في صحّة الإذن في المثال نظراً، من حيث إنّه إذن فيما لا يملكه المولى حين الإذن، فيمكن القدح في الصحّة.

ثمَّ قول المصنّف بعد ذلك: «مع سقوط التحليل في حقّه» إشارة إلى أنّ هذه الإذن ليست تحليلاً من المولى لعبده؛ لأنّ العبد ليس قابلاً للتحليل، بناءً على أنّه تمليك منفعةٍ، والعبد لا يقبل التمليك، فصحّة وطئه للأمة المبتاعة ليس من حيث التحليل، بل من حيث الإباحة والإذن.

ويشكل بأنّ التحليل لا يُعلم كونه تمليكاً، بل يحتمل كونه عقداً أو إباحةً، كما سيأتي إن شاء الله، والعبد قابل لهما، فلا يُعلم انتفاء التحليل في الأمة المذكورة.

إلّا أن يقال: إنّ الإذن السابقة على شراء الأمة لا يمكن حملها على العقد؛ لأنّ المولى لا يملك العقد على أمة الغير، فبقي أن يكون إباحةً وإذناً محضاً، فدلّ على تأثير الإذن السابقة في الجملة. وعلى كلّ حال فعبارة المصنّف في تعليله ليست بجيّدة مطلقاً.

ص: 388

• إن استبقاه أو باعه، فإن أعتقه قيل: يستقر في ذمّة العبد، وقيل: بل يكون باقياً في ذمّة المولى، وهو أشهر الروايتين.

ولومات المولى كان الديْن في تركته، • ولو كان له غرماء كان غريم العبد كأحدهم. وإذا أذن له في التجارة اقتصر على موضع الإذن، فلو أذن له بقدرٍ معيّن لم يزدد.

--------------

قوله: «إن استبقاه أو باعه، فإن أعتقه قيل: يستقرّ في ذمّة العبد» إلى آخره.

محلّ النزاع ما إذا استدان العبد بإذن المولى لنفسه، أمّا لو استدان للمولى فهو على المولى قولاً واحداً، نبّه عليه في المختلف (1).

والقولان للشيخ (رحمه الله)، أوّلهما في غير الاستبصار (2)، وتبعه عليه جماعة منهم العلّامة في المختلف (3)؛ استناداً إلى روايتين (4) لا تنهضان حجّةً فيما خالف القواعد الشرعية، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل وإنفاقه للمال على نفسه في المعروف بإذن المولى إنفاق لمال المولى، فيلزمه كما لو لم يعتق. ويشهد للقول الثاني صحيحة أبي بصير عن الباقر علیه السلام (5)، وهو الأقوى.

قوله: «ولو كان له غرماء كان غريم العبد كأحدهم».

هذا التفريع واضح بعد الحكم بلزوم دَيْنه للمولى؛ لأنّ التقسيط هو مقتضى الاستحقاق في ذمّته، ورواية زرارة عن الباقر علیه السلام (6) تدلّ عليه أيضاً، وفي الحقيقة إطلاق غرماء العبد بطريق المجاز لوقوع الاستدانة منه، وإلّا فالجميع غرماء المولى.

ص: 389


1- مختلف الشيعة، ج 5، ص 403، المسألة 21.
2- النهاية، ص 311؛ والقول الثاني في الاستبصار، ج 3، ص 11، ذيل الحديث 30.
3- مختلف الشيعة، ج 5، ص 403، المسألة 21.
4- الكافي، ج 5، ص 303، باب المملوك يتّجر ....، ح 1، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 199، ج 443؛ وج 8، ص 248، ح 895؛ الاستبصار، ج 3، ص 11، ح 29؛ وج 4، ص 20، ح 64.
5- الكافي، ج 5، ص 303، باب المملوك يتّجر...، ح 3، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 200، ح 445؛ الاستبصار، ج 3، ص 11 - 12، ح 31.
6- الكافي، ج 5، ص 303، باب المملوك يتجر....، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 199، ح 444؛ الاستبصار، ج 3، ص 11، ح 30.

• ولو أذن له في الابتياع انصرف إلى النقد.

• ولو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمّة المولى. ولو تلف الثمن، وجب على المولى عوضه.

--------------

قوله: «ولو أذن له في الابتياع انصرف إلى النقد».

من القواعد الأُصولية أنّ الأمر بالكلّي ليس أمراً بجزئي معّينٍ وإن توقّف تحقّقه عليه بالعرض، ومقتضى الإطلاق التخيير، وإنّما اختصّ هنا بالنقد بواسطة قرائن خارجيّة عيّنت بعض أفراد الكلّي، وهو الإضرار بالمولى في النسيئة بثبوت شيءٍ في ذمّته، بخلاف النقد؛ الجواز أن لا يقدر المولى على غير ما دفعه إلى العبد من المال، أو لا عرض له فيه. وهذا هو حاصل ما أجاب به الفاضل (قدّس الله سرّه) لمّا اعترض عليه العلّامة المحقّق قطب الدين الرازي - حين قرأ عليه هذه المسألة من القواعد (1) - بأنّ البيع أمر كلّي والنسيئة جزئي فلم لا يدخل؟

أجاب أوّلاً: بأنّ البيع أعمّ، فلا يدلّ على النسيئة بإحدى الدلالات.

فأورد عليه العلّامة المحقّق بأنّه لا يلزم من نفي الدلالة نفي الاستلزام؛ لجواز كون اللزوم غير بيّنٍ، ثمَّ عارضه بالنقد، فعدل الفاضل إلى الجواب بما أشرنا إليه أوّلاً من أنّ في النسيئة إضراراً بالمولى بثبوت شيءٍ في ذمّته، بخلاف النقد (2).

قوله: «ولو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمّة المولى. ولو تلف الثمن، وجب على المولى عوضه».

أي لو تلف الثمن قبل تسليمه إلى البائع والحال أنّه قد اشترى نسيئةً، فإنّه يلزم المولى عوضه؛ لأنّ تلفه بيد العبد كتلفه بيد السيّد، وليس المراد به الثمن المعيّن؛ لأنّ تلفه يُبطل البيع، فلا يلزم المولى عوضه.

ص: 390


1- في حاشية «و»: «هذه المسألة أطلقها الأصحاب وغيرهم هنا وفي باب القراض وفي الوكالة. ولو لم يكن إجماعيّاً يمكن جعل جواز النسيئة وجهاً في المسألة. (منه رحمه الله)». راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 139.
2- نقله الشهيد الأوّل في حاشية القواعد، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14).

• وإذا أذن له في التجارة، لم يكن ذلك إذناً لمملوك المأذون؛ لافتقار التصرّف في مال الغير إلى صريح الإذن.

--------------

ولا فرق بين تلفه بيد العبد بتفريطٍ وغيره.

ولو لم يكن السيّد أذن في الشراء في الذمّة فاشترى بها ثمَّ تلف الثمن الذي دفعه إليه، لم يلزم السيّد بدله، وحينئذٍ فإن تبرّع السيّد ودفع ثانياً صحّ العقد له؛ لأنّ العبد حينئذٍ كالفضولي للسيّد، و البيع وقع له، فإذا دفع الثمن صحّ له، وإلّا فسخ البائع العقد.

قوله: «وإذا أذن له في التجارة لم يكن ذلك إذناً لمملوك المأذون؛ لافتقار التصرّف في مال الغير إلى صريح الإذن».

يمكن أن يريد ب-«مملوك المأذون» الحقيقة، تفريعاً على القول بأنّه يملك، بل هذا هو الظاهر.

ويمكن أن يريد به معناه المجازي؛ لأنّ الإضافة تصدق بأدنى ملابسة، فيريد بمملوكه مَنْ هو في خدمته من مماليك المولى حالة التجارة، بحيث يدخل تحت أمره، كما هو الواقع في كثيرٍ من التجار بالنسبة إلى بعض مواليهم. وعلى التقديرين لا يتناول الإذن له مملوكه بأيّ معنىً اعتُبر؛ لأنّ المولى إنّما اعتمد على نظره، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة، كالتوكيل.

وكذا ليس للمأذون أن يوكّل غيره؛ لعين ما قلناه.

ونبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة، حيث ذهب إلى أنّ للمأذون أنّ يأذن لعبده في التجارة (1)، مع أنّ أبا حنيفة لا يقول بأنّ العبد يملك (2)، فلذلك جعلنا العبد المذكور محتملاً

للمعنى المجازي بالنسبة إلى المأذون.

ص: 391


1- المبسوط السرخسي، ج 28، ص 299؛ روضة القُضاة، ج 2، ص 601، الرقم 3531.
2- حكاه عنه القفّال في حلية العلماء، ج 5، ص 360.

• ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة، فاستدان وتلف المال كان لازماً لذمّة العبد. وقيل: يستسعى فيه معجّلاً.

ولو لم يأذن له في التجارة ولا الاستدانة، فاستدان وتلف المال كان لازماً لذمّته يتبع به دون المولى.

فرعان:

الأوّل: إذا اقترض أو اشترى بغير إذنٍ، كان [موقوفاً على إذن المولى، فإن لم يجز كان] باطلاً وتستعاد العين، فإن تلفت يتبع بها إذا أعتق وأيسر.

الثاني: • إذا اقترض مالاً فأخذه المولى فتلف في يده، كان المقرض بالخيار بين مطالبة المولى، وبين إتباع المملوك إذا أُعتق وأيسر.

--------------

قوله: «ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة فاستدان وتلف المال» إلى آخره.

إذا استدان المأذون له في التجارة، فإن كان لضرورتها، كنقل المتاع وحفظه ونحوهما مع الاحتياج إلى ذلك يلزم المولى، وغير الضروري لها وما خرج عنها لا يلزم المولى، فإن كانت عينه باقيةً رجع إلى مالكه، وإلّا فالأقوى أنّه يلزم ذمّة العبد، فإن أعتق أتبع به بعده، وإلّا ضاع.

وقيل: يستسعى العبد فيه معجّلاً (1)؛ استناداً إلى إطلاق رواية أبي بصير (2). وحُملت على الاستدانة للتجارة.

ويشكل بأنّ ذلك يلزم المولى من سعي العبد وغيره. والأقوى أنّ استدانته لضرورة التجارة إنّما تلزم ممّا في يده، فإن قصر استُسعي في الباقي، ولا يلزم المولى من غير ما في يده، وعليه تُحمل الرواية.

قوله: «إذا اقترض مالاً فأخذه المولى فتلف في يده» إلى آخره.

ص: 392


1- قاله الشيخ في النهاية، ص 311.
2- الكافي، ج 5، ص 303، باب المملوك يتّجر ....، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 199، ح 445؛ الاستبصار، ج 3، ص 11 - 12، ح 31.

خاتمة: أُجرة الكيّال ووزّان المتاع على البائع، وأُجرة ناقد الثمن ووزّانه على المبتاع • وأُجرة بائع الأمتعة على البائع، ومشتريها على المشتري. • ولو تبرّع لم يستحقّ أُجرةً ولو أجاز المالك.

--------------

وجه التخيير أنّ كلاًّ منهما قد أثبت يده على ماله، فيرجع على مَنْ شاء، فإن رجع على المولى قبل أن يعتق العبد لم يرجع المولى على العبد وإن أُعتق؛ لاستقرار التلف في يده، ولأنّ المولى لا يثبت له مال في ذمّة عبده، وإن كان الرجوع على المولى بعد عتق العبد، فإن كان عند أخذه للمال عالماً بأنّه قرض فلا رجوع له على العبد أيضاً، وإن كان قد غرّه العبد بأنّ المال له اتّجه رجوعه على العبد؛ للغرور، ولو رجع المقرض على العبد بعد عتقه ويساره فله الرجوع على المولى؛ لاستقرار التلف في يده، إلّا أن يكون قد غرّ المولى، فلا رجوع له عليه، كما مرّ.

قوله: «وأُجرة بائع الأمتعة على البائع، ومشتريها على المشتري».

المراد أنّ أُجرة الدلّال على مَنْ يأمره، فإن أمره الإنسان ببيع متاعٍ فباعه له فأُجرته على البائع الأمر، لا على المشتري.

وإن أمره إنسان أن يشتري له متاعاً ولم يأمره مالكه ببيعه فأُجرته على المشتري الآمر.

وإنّما استحقّ الأُجرة وإن لم يشارط عليها؛ لأنّ هذا العمل ممّا يستحقّ عليه أُجرة في العادة، والدلّال أيضاً ناصب نفسه للأُجرة، فيستحقّ على آمره الأُجرة، كما سيأتي - إن شاء الله - في الإجارة (1).

قوله: «ولو تبرّع لم يستحق أُجرة ولو أجاز المالك».

أي تبرّع الدلال بالبيع أو بالشراء، أو تبرّع الكيّال والوزّان، ونحوهما، لم يستحقّ عليه أُجرة على مَنْ تلزمه الأُجرة لو أمر وإن أجاز البيع والشراء والفعل؛ لأنّه بالفعل لم يستحقّ؛ لمكان التبرّع، وبعد الإجازة لم يعمل عملاً، والأصل براءة الذمّة من استحقاق شيء.

ص: 393


1- يأتي في ج 4، ص 460.

• وإذا باع واشترى، فأُجرة ما يبيع على الآمر ببيعه، وأُجرة الشراء على الأمر بالشراء. ولا يتولّاهما الواحد.

--------------

قوله: «وإذا باع واشترى فأُجرة ما يبيع على الأمر ببيعه» إلى آخره.

المراد كون الدلّال باع أمتعة شخصٍ، واشترى أمتعةً لشخصٍ آخَر غير تلك الأمتعة، فهاهنا يستحقّ أُجرتين على العملين؛ لعدم المنافاة. وهذا قسم ثالث للمسألة السابقة التي اشتملت على استحقاقه أُجرةً واحدةً من البائع على ما باع له، وأُجرةً واحدةً من المشتري على ما اشتري له.

وأمّا قوله «ولا يتولّاهما الواحد» فظاهر سياق العبارة - كغيرها ممّا عبّر فيه بذلك - أنّ المراد بذلك أنّ الشخص الواحد لا يتولّى العملين في متاعٍ واحد، بحيث يستحقّ أُجرةً على البائع الذي أمره بالبيع والمشتري الذي أمره بالشراء، بل لا يستحقّ إلّا أُجرةً واحدةً؛ لأنّه عمل واحد، ولأنّ البيع مبنيُّ على المكايسة والمغالبة، ولا يكون الشخص الواحد غالباً ومغلوباً، والعمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالباً، فيتوقّف على رضاهما بذلك، وحينئذٍ فمن كايس له استحق عليه الأُجرة خاصّةً.

لكن يشكل إطلاقه بما لو كان السعر مضبوطاً عادةً، بحيث لا يحتاج إلى المماكسة، أو كانا قد اتّفقا على قدرٍ معلومٍ وأرادا تولّيه طرفي العقد، وحينئذٍ يكون عليهما أُجرة واحدة بالسويّة، سواء اقترنا في الأمر أم تلاحقا، مع احتمال كون الأُجرة على السابق.

هذا إذا جوّزنا للواحد تولّي طرفي العقد، وإلّا فعدم استحقاق الواحد لهما أوضح.

ويحتمل - على بُعْدٍ - أن يكون الضمير في «يتولّاهما» عائداً إلى الإيجاب والقبول المدلول عليهما بالمقام أو بالبيع والشراء تضمّناً، فيكون ذهاباً إلى المنع، أو يعود الضمير إلى الأُجرتين، بناءً على المنع من تولّي طرفي العقد، وعلى ذلك نزّل الشهيد (رحمه الله) كلام الأصحاب في هذه العبارة؛ لأنّها عبارة متداولة بينهم.

ويضعف بأنّ المصنّف وكثيراً ممّن عبّر بذلك لا يرى المنع من تولّي الواحد الطرفين،

ص: 394

• وإذا هلك المتاع في يد الدلّال لم يضمنه، ولو فرّط ضمن، ولو اختلفا في التفريط كان القول قول الدلّال مع يمينه ما لم يكن بالتفريط بيّنة، وكذا لو ثبت التفريط واختلفا في القيمة.

--------------

فتنزيل كلامه على ما لا يوافق مذهبه المعروف به - بمجرّد احتمال إرادته مع إمكان تنزيله على غيره - بعيد جدّاً.

وحيث كان تولّي الطرفين من الواحد جائزاً عند المصنّف لم يمتنع استحقاقه أُجرتين عليهما؛ لأنّهما عملان متغايران، أعني الإيجاب عن البائع، والقبول عن المشتري، فلو صرّحا له بذلك استحقّ على كلّ واحدٍ بحسبه، وهو راجع عرفاً إلى أُجرة واحدةٍ على البيع موزّعة عليهما، كما أسلفناه.

قوله: «وإذا هلك المتاع في يد الدلّال لم يضمنه» إلى آخره. الحاصل أنّ الدلّال أمين، فلا يضمن إلّا مع التعديّ أو التفريط، ويُقبل قوله في نفيهما، كما يُقبل من كلّ أمين؛ لأنّ الأصل في أفعال المسلمين الصحّة والسلامة عن الإثم والعدوان.

وعلى تقدير ثبوت الضمان عليه بإقراره أو البيّئة يُقبل قوله في قيمة المتاع؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته من الزائد عمّا يقرُّ به والله الموفّق.

ص: 395

ص: 396

كتاب الرهن

اشارة

والنظر فيه يستدعي فصولاً:

[الفصل] الأوّل في الرهن

• وهو وثيقة لدين المرتهن.

--------------

کتاب الرهن

قوله: «وهو وثيقة لدَيْن المرتهن».

الرهن لغةً: الثبوت والدوام (1)، يقال: رهن الشيء إذا ثبت ودام، ومنه: نعمة راهنة.

ويطلق على الحبس بأيّ سببٍ كان، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (2) أي محبوسة بما كسبته من خيرٍ وشرٍّ.

وأخذ الرهن الشرعي من هذا المعنى أنسب إن افتقر إلى المناسبة، من حيث إنّ الرهن يقتضي حبس العين عن مالكها ليستوفي الدين.

وعرّفه المصنّف شرعاً بأنّه وثيقة لدَين المرتهن، والوثيقة فعليّةٌ قد يكون بمعنى الفاعل

ص: 397


1- الصحاح، ج 4، ص 2128؛ لسان العرب، ج 13، ص 190، «رهن».
2- المدّثّر (74): 38.

--------------

والمفعول، والأنسب هنا الثاني؛ لأنّ الرهن موثوق به، واللام في «لِدَين» تعليليّة، أي لأجله، ويمكن كونها للتعدية.

هذا، وفي التعريف نظر من وجوه:

الأوّل: أنّ «وثيقة» في العبارة وقعت خبراً عن المبتدأ، وهو الضمير المذكّر المنفصل، وهو يقتضي عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث، وهو خلل لفظى.

الثاني: تخصيص الوثيقة بالدَيْن يرد على عكسه الرهن على الدرك، وعلى الأعيان المضمونة، كالمغصوب والمستعار مع الضمان، فإنّها ليست دَيْناً.

الثالث: أنّ إدخال المرتهن في التعريف يفضي إلى الدوْر؛ لأنّ المرتهن قابل الرهن، أو من له الرهن ونحوه، فيتوقّف تعريف كلٍّ منهما على الآخَر.

ويمكن دفع الأوّل بجعل «التاء» في الوثيقة لنقل اللفظ من الوصفيّة إلى الاسميّة، لا للتأنيث، كما في تاء الحقيقة والأكيلة والنطيحة، فتحصل المطابقة.

والثاني ببنائه على عدم جواز الرهن على المذكورات، فإنّ فيه خلافاً، وليس في كلامه الآتي إشعار بحكمه نفياً ولا إثباتاً، بل في تخصيصه الجواز بالدَيْن الثابت إشعار بعدم صحّة الرهن عليها.

وعلى تقدير الجواز يمكن تكلّف الجواب بأنّ الرهن عليها إنّما هو لاستيفاء الديْن على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذّر العين.

والثالث بإمكان كشف المرتهن بوجهٍ لا يدخل الرهن في مفهومه، بأن يقال: هو صاحب الديْن، أو من له الوثيقة، ونحو ذلك.

وعرّفه في الدروس بأنّه وثيقة للمدين يستوفي منه المال (1)، فسلم من بعض ما يرد هنا، ويزيد أنّه صرح بجواز الرهن على الأعيان المضمونة (2)، فذكر المدين ليس بجيّدٍ إلّا بالتأويل.

ص: 398


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 356 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

ويفتقر إلى الإيجاب والقبول، • والإيجاب كلّ لفظٍ دلّ على الارتهان كقوله: «رهنتك»، أو «هذه وثيقة عندك»، أو ما أدّى هذا المعنى.

--------------

قوله: «والإيجاب كلّ لفظ دلّ على الارتهان - إلى قوله أو ما أدّى هذا المعنى».

ممّا يؤدّي المعنى «وثّقتك»، و «هذا رهن عندك»، و«أرهنت» - بزيادة الهمزة - فإنّه لغةٌ قليلة فيه لا يبلغ شذوذها حدّ المنع، بل هي أوضح دلالة من كثيرٍ ممّا عدّوه. وزاد في الدروس:

إنّه لو قال: خذه على مالك أو بمالك، فهو رهن، ولو قال: أمسكه حتّى أُعطيك مالك، وأراد الرهن جاز، ولو أراد الوديعة أو اشتبه فليس برهنٍ (1).

وقد استفيد من ذلك كلّه أنّ الرهن لا يختصّ بلفظٍ، ولا بلفظ الماضي، بل كلّ ما دلّ على الرضى بالرهن من الألفاظ كافٍ.

والوجه فيه أنّ الرهن ليس على حدّ العقود اللازمة؛ لأنّه جائز من طرف المرتهن، فترجیح جانب اللزوم ولزوم ما يعتبر في اللازم ترجيح من غير مرجّحٍ، خصوصاً مع ما سلف من الكلام على اعتبار ما ذكروه في العقد اللازم.

واستقرب في التذكرة عدم اشتراط اللفظ العربي (2)، ووافقه في الدروس (3).

وفي التذكرة: الخلاف في الاكتفاء بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آتٍ هنا (4)، وهو حسن.

واعتبر في التذكرة مع ذلك كلّه وقوعه بلفظ الماضي مع أنّه أجاز «هذا رهن، أو وثيقة عندك» (5) وليسا ماضيين، بل هما جملتان اسميّتان.

ولو قيل: إنّهما بمعناه أو أدلّ منه من حيث دلالة الاسميّة على الثبوت ردّ بأنّه شرط

ص: 399


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 383 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 92، المسألة 88.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
4- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 91، الفصل الأوّل في الأركان.
5- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 92، المسألة 88.

• ولو عجز عن النطق كفت الإشارة، ولو كتب بيده والحال هذه، وعرف ذلك من قصده جاز.

•والقبول هو الرضى بذلك الإيجاب.

--------------

لفظ الماضي لا معناه، وبأنّ ذلك يستلزم جواز البيع بها، بأن يقول: هذا مبيع لك بكذا، وهُمْ لا يقولون به.

والظاهر أنّه احترز بالماضي عن المستقبل خاصّةً، كما يشعر به قوله بعده بلا فصل فلو قال: «أرهنك كذا أو أنا أقبل»، لم يعتّد به (1).

وقد تقدّم أنّ الشهيد (رحمه الله) أجازه بلفظ الأمر، ك-«خُذْه» و «أمسكه».

قوله: «ولو عجز عن النطق كفت الإشارة - إلى قوله - من قصده جاز».

يعتبر في الإشارة كونها مفهمةً للمقصود، ولا تنحصر في عضو.

ويُفهم من قوله بعد الكتابة «وعرف ذلك من قصده» أنّه لا تكفي الكتابة بمجرّدها، وهو كذلك؛ لعدم العلم بثبوت القصد إلى الرهن بها مجرّدةً، لإمكان العبث أو إرادة أمرٍ آخَر. ولا يرد مثله في الإشارة؛ لأنّا اعتبرنا فيها أيضاً إفهام المقصود، ولا يعتبر دفع إمكان غيره في الواقع؛ لاحتمال اللفظ الصريح له أيضاً، بل الإفهام للمقصود عرفاً.

وفي التذكرة اعتبر مع الكتابة الإشارة الدالّة على الرضى (2). وهو كما هنا، إلّا أنّ عبارة المصنّف أشمل.

قوله: «والقبول هو الرضى بذلك الإيجاب».

أشار ب-«ذلك» إلى أنّه لا ينحصر في لفظٍ، والقول فيه كما مرّ في الإيجاب.

ويمكن أن تدلّ العبارة على أنّه لا ينحصر في اللفظ أيضاً؛ لإمكان استفادة الرضى بالفعل والإشارة ونحوهما وإن لم يكف ذلك في الإيجاب، والفرق أنّ الرهن لازم من قِبَل الراهن؛ لأنّه يتعلّق بحقّ غيره، فيجوز أن يعتبر في حقّه ما لا يعتبر في حقّ المرتهن، حيث إنّه من قِبَله جائز؛ لأنّه يتعلّق بحقّه، فيكفي فيه ما يكفي في العقود الجائزة المحضة، ولكن

ص: 400


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 92، المسألة 88.
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 92، المسألة 88.

• ويصحّ الارتهان سفراً وحضراً.

• وهل القبض شرط فيه ؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأصحّ.

--------------

ظاهر الجماعة اعتبار القبول القولي، وهو أجود.

والكلام في اعتبار المضيّ أو ما يقوم مقامه، وعدم الفصل بين الإيجاب والقبول بما يعتدّ به كما مرّ؛ إذ يمكن القول باعتبارهما؛ نظراً إلى اللزوم بوجهٍ، وعدمه التفاتاً إلى الجواز من قِبَل القابل.

قوله: «ويصحّ الارتهان سفراً وحضراً».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث شرط في صحّته السفر؛ نظراً إلى ظاهر قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةٌ} (1)، فشرط السفر ومفهوم الشرط حجّةٌ (2).

وأُجيب بأنّه مبنيٌّ على الأغلب، فإنّ عدم الكاتب عادةً لا يكون إلّا في السفر ومثله قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ - إلى قوله - فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (3)، فإنّ عدم الماء يكون في السفر غالباً، مع أنّه معارض باشتراطه بعدم الكاتب، مع أنّه غير شرطٍ بموافقة الخصم.

وقد روي أن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم رهن درعه عند يهودي وهو حاضر بالمدينة (4).

قوله: وهل القبض شرط فيه ؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأصحّ».

اختلف أصحابنا في اشتراط القبض في الرهن، بمعنى كونه جزء السبب للزومه من قِبَل

ص: 401


1- البقرة (2) 283.
2- الحاوي الكبير، ج 6، ص 4 - 5: حلية العلماء، ج 4 ص 407؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 398، المسألة 3272.
3- النساء (4): 43.
4- صحيح البخاري، ج 2، ص 729، ح 1962 و 1963، وص 887 و 888، ح 2373، 2374 و 2378؛ سنن ابن ماجة ، ج 2، ص 815، ح 2437.

--------------

الراهن، كالقبض في الهبة في كونه كذلك بالنسبة إلى ملك المتّهب، وعدمه، فاختار المصنّف وجماعة (1) الاشتراط؛ استناداً إلى قوله تعالى: {فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةٌ} (2) من حيث إنّه تعالى أمر بالرهن المقبوض، فلا يتحقّق المطلوب شرعاً بدونه، كما اشترط التراضي في التجارة والعدالة في الشهادة، حيث قرنا بهما، وروى محمّد بن قيس عن الصادق علیه السلام: «لا رهن إلّا مقبوضاً» (3).

ويضعّف بأنّ دلالة الآية من حيث المفهوم الوصفي، وهو ضعيف، والرواية ضعيفة السند.

والحقّ أنّ وصف القبض في الآية للإرشاد، كما يرشد إليه اشتراطه بالسفر وعدم الكاتب، والإجماع على أنّ استدامة القبض ليست شرطاً، بل لو وكّل المرتهن الراهن في القبض كفى عند القائل به، فلا تتحقّق الغاية المطلوبة منه، ويبقى مع نافي الاشتراط أصالة العدم - حيث لا دليل صالحاً عليه - وعمومات الأوامر الدالّة على الوفاء بالعقد (4).

وربما استدلّ بالآية من حيث إنّه أمر بالرهن المقبوض، فدلّ على تحقّق الرهن بدون القبض؛ إذ لو لم يتحقّق بدونه لم يحسن وصفه به، كما لا يحسن أن يقول: رهن مقبولة أو موجبة.

ويضعّف بأنّ الصفة قد تكون كاشفةً، كوصف التجارة بالتراضي، وبأنّ القائل باشتراط القبض لا يجعله شرطاً للصحّة حتّى لا يتحقّق بدونه، بل للّزوم، كما أشرنا إليه، ولا شبهة في أنّ العقد الجائز من الطرفين يطلق عليه اسمه بطريق الحقيقة، بخلاف ما هو شرط الصحّة كالقبول؛ فإنّه لا يتحقّق بدونه.

وقد ظهر بما حرّرناه قوّة عدم الاشتراط.

ص: 402


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 431؛ وسلّار في المراسم، ص 192؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 339 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- البقرة (2): 283.
3- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 176، ح 779، والرواية عن أبي جعفر علیه السلام.
4- المائدة (5): 1.

--------------

بقي هنا بحث، وهو أنّ القائل باشتراط القبض لا يقول: إنّ الرهن بدونه يقع باطلاً، بل هو صحيح عنده إلّا أنّه غير لازمٍ كما أشرنا إليه.

قال في التذكرة:

ولو رهن ولم يقبض، كان الرهن صحيحاً غير لازم، بل للراهن الامتناع من الإقباض، والتصرّف فيه بالبيع وغيره؛ لعدم لزومه (1).

فعلى هذا ينقسم الرهن الصحيح إلى لازم من طرف الراهن وجائزٍ من الطرفين، وإطلاق الرهن إنّما ينزّل على الصحيح، ولا يقتضي أحد القيدين إلّا بأمرٍ خارج.

ويشكل حينئذٍ فيما لو شرط الرهن في عقد لازم، فإنّ ما يجب الوفاء به هو الرهن الصحيح أعمّ من اللازم، فينبغي أن يتحقّق الوفاء بالشرط بدون القبض وإن لم يلزم، وحينئذٍ، فللراهن فسخه بعد ذلك؛ لجوازه من طرفه، ولا تحصل الفائدة المطلوبة من اشتراطه، فينبغي التقييد في الاشتراط برهن مقبوض ونحوه. وفي الاكتفاء بدلالة القرائن عليه وجه.

ويظهر من الشهيد (رحمه الله) (2) أنّ الرهن المشروط في العقد اللازم يستحقّ القبض وإن قلنا بكونه شرطاً في اللزوم.

وفي القواعد استشكل في استحقاق المرتهن المطالبة به على القول بالاشتراط (3).

وللتوقّف مجال؛ إذ لم تدلّ القرائن على إرادته.

وعلى ما اخترناه من عدم اشتراط القبض يلزم من قِبَل الراهن بدونه، فلا يمكن فسخه، لكن في استحقاق المرتهن الإقباض ما مرّ، ومن قال به ثَمّ قال به هنا.

واعلم أنّ إطلاق الشرط على القبض بطريق المجاز، فإنّ الشرط مقدّم على المشروط في الوجود، وهنا لا يعتبر تقدّمه إجماعاً، فكونه جزء السبب أنسب.

ص: 403


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 187، المسألة 140.
2- راجع الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 341 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 116.

• ولو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد، وكذا لو أذن في قبضه ثمّ رجع قبل قبضه، • وكذا لو نطق بالعقد ثمّ جنّ، أو أُغمي عليه، أو مات قبل القبض.

--------------

قوله: «ولو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد».

أي لم ينعقد القبض بحيث يلزم منه لزوم الرهن، وليس المراد بالمنفي انعقاد الرهن؛ لأنّه منعقد بدون القبض وإن قلنا بكونه شرطاً، غايته أنّه لا يلزم بدونه كما مرّ.

ويمكن أن يريد أنّه لا ينعقد الرهن، بمعنى أنّه لا يلزم بذلك، ويكون الانعقاد كنايةً عن اللزوم، ويؤيّده عطفه حكم المسألة الآتية على هذا الحكم، وإنّما يتمّ مع إرادة انعقاد الرهن، وهذا أظهر في مقصوده.

قوله: «وكذا لو نطق بالعقد ثمّ جنّ، أو أغمي عليه، أو مات قبل القبض».

الضمير في الجميع يعود إلى الراهن، والمشبّه به في السابق الحكم بعدم الانعقاد، ولا معنى لكون الانعقاد المنفيّ هنا القبض؛ لأنّه لم يحصل أصلاً، بل المراد به الرهن كما أسلفناه.

ولا شبهة في كون عروض هذه الأشياء للراهن لا يقتضي انعقاد الرهن، بناءً على اشتراط القبض فيه، وإنّما الكلام في أنّه هل يبطل بذلك، بناءً على أنّه قبل القبض عقد جائز، ومن شأن الجائز بطلانه بعروض هذه الأشياء، كالهبة قبل القبض، وبه قطع في القواعد والدروس (1)، أو لا يبطل بذلك؛ لأنّه ليس على حدّ العقود الجائزة مطلقاً، بل هو آئل إلى اللزوم، كبيع الخيار؛ فإنّه لا يبطل بموت البائع زمنه، وبه قطع في التذكرة 2(2) ؟ فعلى الثاني يقوم الوليّ مقام الراهن في استحقاق الإقباض، لكن وليّ المجنون يراعي مصلحته، فإن كان الحظّ في الإقباض، بأن يكون شرطاً في بيع يتضرّر بفسخه أو غير ذلك من المصالح أقبضه، وإن كان الحظّ في تركه لم يجز له إقباضه.

ص: 404


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 116؛ الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 341 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 199 و 201، المسألة 146 و 147.

• وليس استدامة القبض شرطاً، فلو عاد إلى الراهن أو تصرّف فيه لم يخرج عن الرهانة،

--------------

وعبارة المصنّف قاصرة عن إفادة أحد الحكمين، فإنّ ما حَكَم به من عدم الانعقاد لا يشتبه أمره على أحد.

ولو عرض ذلك للمرتهن فأولى بعدم البطلان لو لم نقل به ثمّ، فينتقل القبض إلى وليّه.

ولو قلنا بالبطلان لو كان العروض للراهن فالأقوى أنّه لا يبطل هنا.

والفرق تعلّق حق الورثة والدُيّان بعد موت الراهن به، فلا يستأثر به أحد، بخلاف موت المرتهن؛ فإنّ الديْن باقٍ فيبقى وثيقةً.

وفي الدروس وافق هنا على عدم البطلان، مع حكمه به في الراهن معوّلاً على هذا الفرق (1).

ويحتمل البطلان فيه أيضاً؛ لما مرّ من كونه من العقود الجائزة قبل القبض (2).

وعلى تقدير بقاء الصحّة لا يجبر الراهن على الإقباض؛ لأنّه لم يلزم بَعْدُ، إلّا أن يكون مشروطاً في عقدٍ لازم، فالأقوى وجوبه وإلزامه به، خلافاً للشهيد والفاضل (3).

فإن لم يتّفق القبض إمّا لعدم إمكان إجباره عندنا، أو لعدم اختياره عندهما، تسلّط المرتهن على فسخ العقد المشروط فيه. وقد تقدّم الكلام فيه في باب القرض (4).

وهذا البحث كلّه ساقط عند من لا يشترط القبض؛ للزومه قبله، فلا تؤثر فيه هذه العوارض منهما.

قوله: «ولیس استدامة القبض شرطاً - إلى قوله - لم يخرج عن الرهانة».

هذا عندنا موضع ،وفاقٍ، نقل الإجماع عليه في التذكرة (5).

ص: 405


1- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 341 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- مرّ في ص 403.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 341 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 117.
4- تقدّم في ص 378.
5- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 197، المسألة 144.

• ولو رهن ما هو في يد المرتهن لزم ولو كان غصباً؛ لتحقّق القبض.

--------------

نعم، خالف فيه جماعة من العامّة (1)؛ نظراً إلى الوصف المتقدّم في الآية (2)، وعدم دلالتها على الاستمرار واضح.

قوله: «ولو رهن ما هو في يد المرتهن لزم ولو كان غصباً؛ لتحقّق القبض».

إذا اشترطنا القبض في الرهن، فالمعتبر تحقّقه ولو بالاستصحاب، كما لو كان في يد المرتهن قبل الرهن بعاريةٍ أو وديعةٍ أو إجارة؛ لتحقّق تماميّة السبب، لأنّ استدامة القبض قبض حقيقةً، فيصدق عليه أنّه رهن مقبوض، وأمّا كون القبض واقعاً مبتدأً بعد الرهانة فلا دليل عليه، فيكتفى بالسابق والمقارن.

وهذا كلّه واضح في قبض مأذونٍ فيه شرعاً كما مثلنا، فلو كان غير مأذونٍ فيه كقبض الغاصب والمستام والمشتري فاسداً، فقد أطلق المصنّف والأكثر الاكتفاء به؛ لما تقدّم من الدليل؛ إذ يصدق على الرهن أنّه مقبوض، ولأنّا إذا اشترطنا القبض في الرهن كان مستحقّاً على الراهن، فإذا كان في يد المرتهن وصل إلى حقّه، وعلى تقدير كون القبض المذكور منهيّاً عنه لا يقدح هنا؛ لأنّ النهي في غير العبادة لا يقتضي الفساد.

وقيل بعدم الاكتفاء به (3)؛ لأنّ القبض - على تقدير اشتراطه - ركن من أركان العقد من الجهة التي يعتبر لأجلها، وهو اللزوم، ولهذا أوجبوا عليه الإقباض لو كان الرهن شروطاً عليه، وإذا وقع منهيّاً عنه لا يعتدّ به شرعاً، وإنّما لا يقتضي النهي الفساد في مثل ذلك حيث يكمل أركان العقد مع أنّهم قطعوا بأنّه لو قبض بدون إذن الراهن لم يعتدّ به، وقد تقدّم في كلام المصنّف (4)، فلو كان مطلق القبض كافياً لزم مثله في ذلك القبض المبتدأ بغير إذنٍ، ويمنع استحقاقه على الراهن بمجرّد الصيغة، وقد تقدّم.

ص: 406


1- حلية العلماء، ج 4، ص 422؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 402، المسألة 3278؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 420 - 421.
2- البقرة (2): 283.
3- قال به الشافعي في أحد قوليه. راجع روضة الطالبين، ج 3، ص 310.
4- تقدّم في ص 404.

• ولو رهن ما هو غائب لم يصر رهناً حتّى يحضر المرتهن، أو القائم مقامه عند الرهن ويقبضه.

--------------

وقطع في التذكرة باشتراط الإذن ومضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض هنا (1)، وهو متّجه10.

بل ربما قيل باشتراطهما في المقبوض صحيحاً أيضاً؛ استناداً إلى أنّ القبض إنّما يعتبر بعد الرهن، وهو لا يتمّ إلّا بإذنٍ، ثمّ الإذن في القبض يستدعي تحصيله، ومن ضروراته مضيّ زمانٍ، فهو دالٌّ على القبض الفعلي بالمطابقة وعلى الزمان بالالتزام، ولمّا لزم من القبض الفعلي تحصيل الحاصل أو اجتماع الأمثال المحالان حُمل اللفظ على المعنى الالتزامي؛ لتعذّر المطابقي.

ويضعّف بمنع افتقاره إلى القبض والاذن المقيّدين ببعديّة الرهن؛ إذ لا دليل عليه، بل غايته الدلالة على الأعمّ، ومنع بقاء المعنى الالتزامي؛ لأنّ الزمان المدلول عليه التزاماً من توابع القبض، ضرورة افتقار تحصيله مع عدمه إلى الزمان، فمع حصوله لا معنى لاشتراط الزمان لتحصيله، بل التحقيق أنّ اعتبار الزمان من باب المقدّمة؛ لأنّ المطلوب إنّما هو الفعل، فحيث يتوقّف عليها يثبت، وإلّا فلا، كالمثال المشهور في الأمر بسقي الماء، فإن كان على مسافةٍ بعيدةٍ دلّ بالمطابقة على السقي وبالالتزام أو الاقتضاء على قطع المسافة، وإن كان المأمور حاضراً عنده لم يفتقر إليه.

وقد ظهر بذلك ضعف القول بالافتقار إليهما في المقبوض بإذنٍ، وعدمه في غيره.

وحيث يفتقر الغاصب إلى تجديد الإذن في القبض فالضمان باقٍ عليه إلى أن يتحقّق ما يزيله، وسيأتي الكلام - إن شاء الله - في باب حكم الضمان (2).

قوله: «ولو رهن ما هو غائب لم يصر رهناً حتى يحضر المرتهن».

المراد أنّه لا يصير رهناً لازماً بدون ذلك، وإلّا فقد تقدّم أنّ أصل الرهن يتحقّق بدون

ص: 407


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 193، المسألة 143.
2- يأتي في ص 449 - 450.

• ولو أقرّ الراهن بالإقباض قُضي عليه إذا لم يعلم كذبه.

• ولو رجع لم يُقبل رجوعه، وتُسمع دعواه لو ادّعى المواطاة على الإشهاد، ويتوجّه اليمين على المرتهن على الأشبه.

--------------

القبض (1)، بناءً على اشتراطه، غايته كونه عقداً جائزاً.

واعتبار حضور المرتهن عنده أو من يقوم مقامه ظاهر إن كان الرهن منقولاً؛ لأنّ المعتبر قبضه نقله، أو اعتباره بالكيل أو الوزن إن كان ممّا يدخله ذلك، وأمّا لو كان غير منقول فإنّه يكفي فيه التخلية.

ثمّ إن لم يطلق عليه اسم القبض بها، كما لو كان غائباً، فلا بدّ من وصول المرتهن أو وكيله إلى موضع الرهن، ليتصوّر قبضه عادةً؛ لأنّ المعتبر في القبض كونه تحت يده، ومع البُعْد عادةً يمتنع ذلك.

والحاصل أنّ القبض هنا كالقبض في البيع، فجميع ما تقدّم فيه آتٍ هنا.

ولو قلنا بعدم اشتراط القبض سقط البحث.

قوله: «ولو أقرّ الراهن بالإقباض، قضي عليه إذا لم يعلم كذبه».

كما لو قال: رهنته اليوم داري التي بالحجاز - وهما بالشام - وأقبضته إيّاها، فإنّه لا يلتفت إليه؛ لأنّه محال عادةً، بناءً على ما سلف من اعتبار وصول المرتهن، أو من يقوم مقامه إلى الرهن ويقبضه.

قوله: «ولو رجع لم يقبل رجوعه، وتُسمع دعواه - إلى قوله - على الأشبه».

أي لو رجع الراهن عن إقراره بالإقباض حيث يمكن لم يُقبل رجوعه، وحُكم عليه به، ولا تُسمع دعواه بحيث يتوجّه له على المرتهن اليمين.

نعم، لو ادّعى الغلط في إقراره، وأظهر تأويلاً ممكناً - بأن قال: إنّي أقبضته بالقول وظننتُ الاكتفاء به، حيث يمكن في حقّه توهّم ذلك، أو قال: استندت فيه إلى كتابٍ كتبه

ص: 408


1- تقدّم في ص 401 وما بعدها.

• ولا يجوز تسليم المشاع إلّا برضى شريكه - سواء كان ممّا يُنقل أو لا يُنقل - على الأشبه.

--------------

إلَيَّ وكيلي فظهر مزوّراً، ونحو ذلك - سُمعت دعواه، بمعنى توجّه اليمين على المرتهن بأنّ القبض حقيقي، أو على نفي ما يدّعيه الراهن؛ لأن الأصل صحّة الإقرار ومطابقته للواقع.

و استقرب في التذكرة توجّه اليمين له على المرتهن، وإن لم يظهر تأويلاً؛ محتجّاً بأنّ الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقّق ما فيها، فلا حاجة إلى تلفّظه به (1).

وأمّا دعوى المواطاة في الإشهاد إقامة لرسم الوثيقة - أي لأجل كتابتها والشهادة عليها؛ حذراً من تعذّر ذلك إذا تأخّر إلى أن يتحقّق القبض - فالأقوى أنّها مسموعة، بمعنى توجّه اليمين بها أيضاً على المرتهن بما تقدّم؛ لجريان العادة بوقوع مثل ذلك.

ويحتمل عدم السماع؛ لأنّه مكذب لإقراره الأول.

ولا يخفى أنّ سماع دعواه إنّما يتمّ لو شهد الشاهدان على إقراره، أمّا لو شهدا على نفس الإقباض وفعله لم تُسمع دعواه، ولم يثبت على المرتهن اليمين.

وكذا لو شهدا على إقراره به فأنكر الإقرار لم يُلتفت إليه؛ لأنّه تكذيب للشهود.

قوله: «ولا يجوز تسليم المشاع إلّا برضى شريكه» إلى آخره.

هذا يتمّ في المنقول؛ لاستلزامه التصرّف في مال الغير، فلا يصحّ إلّا بإذنه، أمّا ما يكفي فيه مجرّد التخلية ففي اشتراط إذنه نظر، أقربه العدم؛ لأنّ الغرض مجرّد رفع يد الراهن وتمكين المرتهن من قبضه، وهو لا يستدعي تصرّفاً في ملك الغير، وحينئذٍ فالقول بعدم التسوية أجود، وقد تقدّم في البيع أيضاً (2).

ثمّ على تقدير عدم الجواز في الصورتين لو قبضه بدون إذن الشريك وفَعَل محرّماً

ص: 409


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 337 المسألة 222.
2- تقدّم في ص 150 وما بعدها.

--------------

هل يتمّ القبض ؟ قيل: لا؛ للنهي (1)، كما لو قبضه بدون إذن الراهن. وهو اختيار الشهيد (2) (رحمه الله).

والأقوى تحقّقه؛ لأنّ النهي إنّما هو لحق الشريك فقط، للإذن في قبض حقّ الراهن، وكونه قبضاً واحداً لا ينافي الحكم بالوقوع، لاختلاف الجهة، واختاره العلّامة (3) وجماعة (4).

ولو اتّفقا على جَعْل الشريك وكيلاً في القبض جاز، فيعتبر سماع الشريك إذن الراهن في قبضه للرهن وإذن المرتهن فيه وإن لم يأذن الراهن للمرتهن في توكيل الشريك.

ص: 410


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 350، ح 992؛ وج 7، ص 192، ح 849.
2- الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 340 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 128 - 129. المسألة 113.
4- منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 29؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 107.

[الفصل] الثاني في شرائط الرهن

•ومن شرطه أن يكون عيناً مملوكاً يمكن قبضه ويصحّ بيعه، سواء كان مشاعاً أو منفرداً، • فلو رهن دَيْناً لم ينعقد.

--------------

قوله: «ومن شرطه أن يكون عيناً مملوكاً يمكن قبضه ويصحّ بيعه» إلى آخره.

هذه شرائط للرهن في الجملة، لكنّها ليست على وتيرةٍ واحدة، فإنّ المملوكيّة، شرط وقوعه لازماً مع باقي الشرائط، وإلّا فرهن ما لا يملك صحيح كما سيأتي(1)، ولكنّه موقوف على إجازة المالك، وأمّا باقي الشرائط فهي شرط للصحّة عنده.

قوله: «فلو رهن دَيْناً لم ينعقد».

بناء على ما اختاره المصنّف من اشتراط القبض، والديْن لا يمكن قبضه؛ لأنّه أمر كلّيٌ لا وجود له في الخارج، مع احتمال جواز رهنه على هذا القول، كهبة ما في الذمم، ويجتزأ بقبض ما يعيّنه المديون.

ولو لم نشترط القبض فالمتّجه جواز رهن الديْن؛ لوجود المقتضي - فإنّه مال مملوك، إلى آخر ما يثبت اعتباره وانتفاء المانع.

وقد صرّح العلامة في التذكرة ببناء المنع فيه على اشتراط القبض، فقال:

لا يصحّ رهن الدينْ إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنّه لا يمكن قبضه، لعدم تعيّنه حالة الرهن(2) .

ص: 411


1- سيأتي في ص 414.
2- تذكرة الفقهاء ، ج 13، ص 127، المسألة 111.

• وكذا لو رهن منفعةً، كسكني الدار وخدمة العبد.

--------------

لكنه في القواعد جَمَع بين الحكم بعدم اشتراط القبض وعدم جواز رهن الدين(1) .

فتعجّب منه شيخنا الشهيد (رحمه الله) في الدروس(2)، وتعجبه في موضعه، خصوصاً وقد صرّح بأنّ المنع من رهنه مبنىٌّ على اشتراط القبض(3).

واعتذر له المحقّق الشيخ عليّ بأنّ عدم اشتراط القبض لا ينافي اشتراط كون الرهن ممّا يقبض مثله؛ نظراً إلى أنّ مقصوده لا يحصل إلّا بكونه ممّا يقبض، كما أرشدت إليه الآية الكريمة(4)، فأحدهما غير الآخَر(5).

وفيه - مع ما أشرنا إليه من تصريح العلّامة ببناء الحكم على القبض - : منع اعتبار كون الرهن ممّا يقبض مثله معجّلاً؛ إذ لا دليل عليه، والآية قد تقدّم عدم دلالتها على اعتبار القبض، بل الإرشاد إليه.

والمعتذر (رحمه الله) قد بالغ في تحقيق دلالتها على ذلك، ومنع دلالتها على اعتبار القبض في محلّ البحث عنه(6).

ولو سلّم اعتبار صلاحية الرهن للقبض، فالديْن صالح لذلك بتعيين المديون له في فردٍ من أفراد ماله، فالمنع من رهنه على القول بعدم اشتراط القبض غير متوجّهٍ، ولو فُرض كونه محتملاً لما ذُكر لا يدفع التعجّب عند ضعف المأخذ.

قوله: «وكذا لو رهن منفعةً، كسكنى الدار وخدمة العبد».

وذلك لأنّ المطلوب بالرهن - وهو التوثّق على المال - لا يحصل بها؛ لأنّها تستوفي شيئاً فشيئاً، وكلّما حصل منها شيء عدم ما قبله، والمطلوب من الرهن أنّه متى تعذّر استيفاء الديْن استُوفي من الرهن.

ص: 412


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 109 و 116.
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 343 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- تقدّم آنفاً.
4- البقرة (2): 283.
5- جامع المقاصد، ج 5. ص 94 - 95 .
6- جامع المقاصد، ج 5. ص 94 - 95 .

• وفي رهن المدبّر تردّد، والوجه أنّ رهن رقبته إبطال لتدبيره.

•أمّا لو صرّح برهن خدمته مع بقاء التدبير قيل: يصحّ؛ التفاتاً إلى الرواية المتضمّنة لجواز بيع خدمته، وقيل: لا؛ لتعذّر بيع المنفعة منفردةً، وهو أشبه.

--------------

والأمر على مختار المصنّف من اشتراط القبض واضح؛ لأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلّا بإتلافها، ومع ذلك فالمنع من رهنها موضع وفاق.

قوله: «وفي رهن المدبّر تردّد، والوجه أنّ رهن رقبته إبطال لتدبيره».

منشأ التردّد من أنّ التدبير من الصيغ الجائزة التي يصحّ الرجوع فيها، كالوصيّة، فإذا تعقّبه الرهن أبطله، كما لو تعقّبه غيره من العقود، كالبيع والهبة؛ لكون ذلك رجوعاً عنه، لأنّ الغرض من العقود المملّكة ملك من انتقل إليه، ولا يتمّ إلّا بالرجوع، ومن الرهن استيفاء الديْن من قيمته، فهو منافٍ للتدبير، وهو قول الأكثر، ومن أنّ الرهن لا يستلزم نقله عن ملك الراهن ويجوز فكّه، فلا يتحقّق التنافي بين الرهن والتدبير بمجرّد الرهن، بل بالتصرّف فيه، وهو قول الشيخ؛ محتجاً عليه بعدم الدليل على بطلان كلّ واحدٍ منهما(1) ، وحينئذٍ فيكون التدبير مراعىً بفكّه فيستقرّ ، أو يأخذه في الديْن فيبطل، واستحسنه في الدروس(2).

وربما بني القولان على أنّ التدبير هل هو عتق بصفةٍ، أو وصيّة بالعتق؟ فعلى الأوّل لا يبطل؛ لأنّ العتق لازم، وعلى الثاني يبطل.

وهذا البناء ضعيف عندنا؛ لإجماعنا على جواز الرجوع في التدبير، فيكون وصيّةً. وإنّما بنى هذا البناء أصحاب الشافعي، ومن قال منهم بأنه عتق بصفةٍ، قطع بعدم جواز الرجوع فيه ومن قال منهم إنّه وصيّة، اختلفوا، فبعضهم جعله رجوعاً لما ذكرناه، وبعضهم منعه أيضاً(3) .

قوله: «أمّا لو صرّح برهن خدمته مع بقاء التدبير قيل: يصحّ - إلى قوله - وهو أشبه».

ص: 413


1- المبسوط، ج 2، ص 168 .
2- الدروس الشرعية، ج 3، ص 346 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).
3- المهذب الشيرازي، ج 1، ص 407؛ المجموع شرح المهذب، ج 13، ص 201.

ولو رهن ما لا يملك لم يمض، ووقف على إجازة المالك، وكذا لو رهن ما يملك وما لا يملك مضى في ملكه، ووقف في حصّة الشريك على إجازته.

ولو رهن المسلم خمراً لم يصحّ ولو كان عند ذمّى.

• ولو رهنها الذمّي عند المسلم لم يصحّ أيضاً ولو وضعها على يد ذمّي على الأشبه .

• ولو رهن أرض الخراج لم يصحّ؛ لأنّها لم تتعيّن لواحدٍ. نعم، يصحّ رهن ما بها من أبنيةٍ وآلاتٍ وشجرٍ.

--------------

هذه المسألة من جزئيات رهن المنافع، وقد تقدّم عدم جواز رهنها(1).

وإنّما خصّ منافع المدبَّر بالذكر؛ لما روي من جواز بيع خدمته (2)، فيصح رهنها؛ لأنّ ما جاز بیعه جاز رهنه. والأقوى عدم الجواز.

قوله: «ولو رهنها الذّمي عند المسلم لم يصحّ أيضاً، ولو وضعها على يد ذمّى على الأشبه».

جوّز الشيخ في الخلاف رهن الذّمي الخمر للمسلم إذا وضعها عند ذمّي(3)؛ لأنّ الحقّ في وفاء الديْن للذمّي، فيصحّ الرهن، كما لو باعها ووفّاه ثمنها؛ لأنّ الرهن لا يملك للمرتهن، وإنّما يصير محبوساً عن تصرّف الراهن. والأصحّ عدم الجواز؛ لأنّ يد الذمّي الودعي كيد المسلم، وله تسلّط على الرهن بالبيع والاستيفاء على وجهٍ، وهو هنا ممتنع.

قوله: «ولو رهن أرض الخراج لم يصحّ؛ لأنّها لم تتعيّن لواحدٍ» إلى آخره.

أرض الخراج هي المفتوحة عنوةً، والتي صالح الإمام أهلها على أن تكون ملكاً للمسلمين، وضرب عليهم الخراج، وقد تقدم حكمها مراراً(4)؛ والأصحّ جواز رهنها تبعاً لآثار المتصرّف من بناءٍ وشجرٍ ونحوهما، لا منفردةً.

ص: 414


1- تقدّم في ص 412.
2- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 260 ، ح 945: الاستبصار، ج 4، ص 29، ح 100.
3- الخلاف، ج 3، ص 248، المسألة 52.
4- تقدم في ص 73. وفي ج 2، ص 468.

•ولو رهن ما لا يصحّ إقباضه كالطير في الهواء، والسمك في الماء لم يصحّ رهنه.

•وكذا لو كان ممّا يصحّ إقباضه ولم يسلّمه.

•وكذا لو رهن عند الكافر عبداً مسلماً أو مصحفاً. وقيل: يصحّ ويوضع على يد مسلمٍ، وهو أولى.

--------------

قوله: «ولو رهن ما لا يصحّ إقباضه كالطير في الهواء والسمك في الماء لم يصحّ رهنه».

هذا على ما اختاره المصنّف من اشتراط القبض واضح، ومع ذلك ينبغي تقييد الطير بما لا يوثق بعوده عادةً، والسمك بكونه في ماءٍ غير محصور بحيث يتعذّر قبضه عادة، وإلّا صحّ، وقد تقدّم في البيع نظيره(1).

ولو لم يشترط القبض أمكن القول بالصحّة مطلقاً؛ لعدم المانع، وتخيّل تعذّر استيفاء الحقّ من ثمنه - لعدم صحّة بيعه - يندفع بإمكان الصلح عليه، وكلّيّة «ما صحّ بيعه صحّ رهنه» ليست منعكسةً كلّيّاً عكساً لغوياً، وقد تقدّم مثله في الديْن.

قوله: «وكذا لو رهن ما يصحّ إقباضه ولم يسلّمه».

هذا إنّما يتمّ لو كان القبض شرطاً للصحّة، وقد تقدّم أنّه شرط اللزوم خاصّةً (2). وقد صرّح به في التذكرة(3).

ويمكن أن يكون المصنّف تجوّز هنا في إطلاق عدم الصحّة على عدم اللزوم أو التمام.

قوله: «وكذا لو رهن عند الكافر عبداً مسلماً أو مصحفاً. وقيل: يصحّ ويوضع على يد مسلمٍ، وهو أولى».

وجه المنع أنّ ارتهانه له يقتضي الاستيلاء عليه على بعض الوجوه ببيع ونحوه وإن كان في يد غيره، وهو سبيل عليه منفىُّ بالآية (4).

ص: 415


1- تقدم في ص 78 وما بعدها.
2- تقدم في ص 401 وما بعدها.
3- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 187، المسألة 140.
4- النساء (4): 141.

• ولو رهن وقفاً لم يصحّ.

• ويصحّ الرهن في زمان الخيار، سواء كان للبائع، أو للمشتري، أو لهما؛ لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه.

• ويصحّ رهن العبد المرتدّ ولو كان عن فطرة،

--------------

وما اختاره المصنّف حسن؛ لمنع تحقّق السبيل بذلك؛ لأنّه إذا لم يكن تحت يده لم يستحقّ الاستيفاء من قيمته إلّا ببيع المالك أو من يأمره بذلك، ومع التعذّر يرفع أمره إلى الحاكم ليبيع ويوفيه، ومثل هذا لا يُعدّ سبيلاً؛ لأنّ مثله يتحقّق وإن لم يكن هناك رهن.

قوله: «ولو رهن وقفاً لم يصحّ».

لعدم إمكان استيفاء الديْن منه؛ إذ لا يجوز بيعه، وعلى تقدير جوازه على بعض الوجوه يجب أن يشتري بثمنه ملكاً يكون وقفاً، فلا يتّجه الاستيفاء منه مطلقاً.

نعم، لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله، أمكن رهن الوقف حيث يجوز بيعه.

قوله: «ويصحّ الرهن في زمن الخيار - إلى قوله - على الأشبه».

مقتضى التعليل أنّ الراهن هو المشتري، بناءً على انتقال الملك إليه وإن كان ثمّ خيار.

خلافاً للشيخ (رحمه الله)، حيث حَكَم بعدم انتقال الملك إليه لو كان الخيار للبائع أو لهما (1).

ويشكل حينئذٍ جواز رهن المشتري في الصورتين وإن قلنا بملكه؛ لما فيه من التعرّض لإبطال حقّ البائع.

ومثله بيعه وما أشبهه من الأُمور الناقلة للملك. وتحرير المسألة يحتاج إلى التطويل.

نعم، لو كان الخيار له خاصّةً فلا إشكال، ويكون الرهن مبطلاً للخيار.

وكذا يجوز للبائع رهنه لو كان الخيار له أو لهما، ويكون فسخاً للبيع.

قوله: «ويصحّ رهن العبد المرتدّ ولو كان عن فطرة».

الصحّة في غير الفطري وفي الأُنثى واضحة؛ لقبول توبته، فماليّته باقية فيه، أمّا الفطري

ص: 416


1- المبسوط ، ج 2، ص 165.

• والجاني خطأً، وفي العمد تردّد، والأشبه الجواز.

• ولو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه جاز، وإلّا بطل، وقيل: يصحّ ويجبر على بيعه.

--------------

فيشكل فيه الصحّة؛ لأنّه لا تُقبل توبته، ويجب إتلافه شرعاً، فتنتفي غاية الرهن، وهي التوثّق.

ووجه الجواز جواز بيعه وبقاء ماليّته حالة الرهن، وتعرّضه للإتلاف لا يصلح للمنع، كرهن المريض المدنف، وهو أجود.

قوله: «والجاني خطأً، وفي العمد تردّد، والأشبه الجواز».

منشأ التردّد في العمد من استحقاقه القتل، فهو في حكم التالف، كما مرّ، ومن بقاء الماليّة بالفعل، ولجواز العفو.

والأقوى الجواز، كما يصحّ بيعه، وقد تقدّم (1). ثمّ إن قتله بطل الرهن، وإن فداه مولاه أو عفا الوليّ بقي رهناً.

وأمّا في الخطأ فالماليّة باقية من حيث عدم جواز القتل، لكن معرّضة للزوال، باسترقاق المجنيّ عليه، له أو بقدر الجناية منه لو لم يُفده المولى؛ لأنّ حقّه مقدّم على المرتهن، فإن استرقّه أو بعضه بطل الرهن في ذلك أيضاً. ويُفهم من العبارة أنّ جواز رهن الجاني خطأً لا خلاف فيه، مع أنّ الشيخ مَنَع من رهنه أيضاً؛ محتجّاً بتعلّق الأرش برقبته (2).

وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاماً بالفداء وجهان، تقدّم مثلهما في البيع (3).

قوله: «ولو رهن ما يسرع إليه الفساد - إلى قوله - ويجبر على بيعه».

القول بالبطلان مع عدم شرط البيع للشيخ (رحمه الله) (4)؛ لعدم جواز بيعه بدون إذنه،

ص: 417


1- تقدّم في ص 77.
2- المبسوط، ج 2، ص 167.
3- تقدّم في ص 77.
4- المبسوط، ج 2، ص 170.

--------------

وفوات الماليّة بدونه، فهو في قوّة التالف.

وشمل قوله «وإلّا بطل» ما لو شرط عدم البيع، وما لو أطلق.

ووجه البطلان في الأوّل واضح؛ لمنافاته مقصود الرهن حينئذٍ، فيبطل.

وأمّا مع الإطلاق فيبعد البطلان؛ لأنّه حين الرهن مال مملوك يمكن بيعه، فلا مانع من رهنه، فإذا خِيف فساده باعه المالك وجعل ثمنه رهناً، فإن امتنع أجبره الحاكم؛ جمعاً بين الحقّين.

ويحتمل في صورة شرط عدم البيع ذلك أيضاً، بتقريب ما تقدّم، وشرط عدم البيع لا يمنع صحّة الرهن؛ لأنّ الشارع يحكم عليه به بعد ذلك، صيانةً للمال.

واحترز المصنّف بقوله «قبل الأجل» عمّا لو كان لا يفسد إلّا بعد حلوله، بحيث يمكن بيعه قبله، فإنّه لا يمنع، وكذا لو كان الدين حالّاً؛ لإمكان حصول المقصود منه.

ولو ترك المرتهن السعي في بيع ما يفسد - حيث صحّ رهنه - بمراجعة المالك أو الحاكم حيث يمكن، ضمن.

ولو تعذّر الحاكم، فإن نهاه المالك عن البيع لم يضمن، وإلّا احتمل الضمان؛ لجواز بيعه بنفسه حينئذٍ.

ولا يخفى أنّ المراد بما يسرع إليه الفساد - في المسألة المفروضة - ما لا يمكن إصلاحه بتجفيفه، كالعنب والرطب، وإلّاصحّ رهنه قولاً واحداً، ووجب على الراهن تجفيفه وإصلاحه؛ لأنّ ذلك من مؤونة حفظه، كنفقة الحيوان المرهون.

ص: 418

[الفصل] الثالث في الحقّ

• وهو كلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة كالقرض، وثمن المبيع، ولا يصحّ فيما لم يحصل سبب وجوبه، كالرهن على ما يستدينه، وعلى ثمن ما يشتريه،

--------------

قوله: «وهو كلّ دَيْن ثابت في الذمّة».

المراد بالثابت في الذمّة المستحقّ فيها وإن لم يكن ثبوته مستقرّاً، كالثمن في مدّة الخيار.

واحترز بالدَيْن عن العين، فلا يصحّ الرهن عليها، سواء كانت أمانة في يده، كالوديعة والعارية غير المضمونة، أم كانت مضمونةً، كالمغصوبة والمقبوضة بالسوم والمستعارة مع الضمان.

وعدم جواز الرهن على الأوّل موضع وفاقٍ، وإن احتمل طروء الضمان بالتعدّي.

وأمّا الثاني فقد أطلق المصنّف وجماعة (1) المنع؛ استناداً إلى أنّ مقتضى الرهن استيفاء المرهون به من الرهن، وفي الأعيان يمتنع ذلك؛ لامتناع استيفاء العين الموجودة من شيءٍ آخَر.

ويضعّف بأنّ الأمر ليس منحصراً في الاستيفاء عند وجود العين، بل يمكن التوثّق بالرهن بأخذ عوضها عند تلفها.

ولا يرد مثله في الأعيان التي ليست مضمونةً، حيث يحتمل تجدّد سبب الضمان؛ لعدم كونها عند الرهن مضمونةً، فإنّ الرهن إنّما يصحّ عند وجود سبب الضمان، إمّا بدَيْنٍ، أو ما

ص: 419


1- منهم قطب الدين الكيذري في إصباح الشيعة، ج 287؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 416؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 115.

ولا على ما حصل سبب وجوبه ولم يثبت، • كالدية قبل استقرار الجناية.

--------------

في حكمه، كالعين المضمونة، بخلاف ما يمكن تجدّد سببه، فإنّه كما سيتجدّد من الديْن، وإطلاق الأدلّة الدالّة على جواز الرهن على الحقوق يتناول محلّ النزاع.

نعم الآية الشريفة المنبّهة على الرهن متعلّقها الديْن، إلّا أنّها لا تمنع من غيره إلّا من باب المفهوم الضعيف، وهذا قويٌّ.

وهل يلحق بالأعيان المضمونة رهن المبيع وثمنه؛ لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما ونحوه، ونقصان قدرهما كيلاً أو وزناً؟ قيل: نعم، اختاره الشهيد (رحمه الله) (1) وجماعة (2)؛ لتحقّق الفائدة، وهي التوثّق والارتفاق.

وقيل: لا (3)؛ لعدم وجود المقتضي الآن، وما يتجدّد يكون كما يتجدّد في الأمانات السابقة، مع الإجماع على عدم جواز الرهن عليها.

ويمكن الفرق بأنّ ما يتجدّد من الأسباب الموجبة للضمان يكشف عن حصوله من حين العقد، كما هو واضح في نقصان المقدار واستحقاق العين، فيكون عند الرهن مضموناً في نفس الأمر على تقدير الحاجة إليه، بخلاف الأمانات، فإنّ سبب الضمان متجدّد ظاهراً وفي نفس الأمر، فلا يتحقّق المقتضي حين العقد.

وحيث جوّزنا الرهن على الأعيان المضمونة فمعناه الاستيفاء منه إذا تلفت أو نقصت أو تعذّر الردّ، وإلّا فلا، وقد تقدّمت الإشارة إليه.

قوله: «كالدية قبل استقرار الجناية».

أي قبل انتهائها إلى الحدّ الذي يوجب الدية وإن علم أنّها تأتي على النفس؛ لعدم ثبوت ذلك حين الرهن، وما حصل بالجناية في معرض الزوال بالانتقال إلى غيره، بل هو في

ص: 420


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 356 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- منهم ابن البّراج في المهذّب، ج 2، ص 45؛ والعلّامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 476، الرقم 3689؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 89.
3- قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 184، المسألة 138.

ويجوز على قسط كلّ حول بعد حلوله.

• وكذا الجعالة قبل الردّ، ويجوز بعده.

• وكذا مال الكتابة، ولو قيل بالجواز فيه، كان أشبه، ويبطل الرهن عند فسخ الكتابة المشروطة.

--------------

الحقيقة ليس بثابتٍ حينئذٍ؛ لأنّ الشارع لم يرتّب لها حكماً إلى أن يستقرّ.

ثمّ إن كانت حالّةً أو لازمةً للجاني كشبيه العمد، جاز الرهن عليها حالّةً ومؤجًّلةً، وإن كانت مؤجَّلةً، على العاقلة كالخطأ، لم يصحّ الرهن عليها إلى أن تحلّ؛ لأن المستحقّ عليه هنا غير مضبوطٍ؛ لأنّ المعتبر ثمّ بمن وجد منها عند الحلول جامعاً للشرائط، بخلاف الديْن المؤجَّل، ومنه الدية على غير العاقلة؛ لاستقرار الحقّ على مستحقّ عليه معيّن.

وربما قيل بجواز الرهن على الجناية التي قد استقرّ موجبها وإن لم تستقرّ هي، كقطع ما يوجب الدية، فإنّ غايته الموت ولا يوجب أكثر منها، بخلاف ما دون ذلك، وليس ببعيد.

قوله: «وكذا الجعالة قبل الردّ».

أي لا يصحّ الرهن على مالها؛ لعدم استحقاق المجعول له المال قبل تمام العمل وإن شرع فيه، كما سيأتي في بابه إن شاء الله (1).

واختار في التذكرة جوازه بعد الشروع وقبل الإتمام؛ لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم، كالثمن في مدة الخيار (2).

وفيه نظر؛ لما ذكرناه من عدم استحقاق شيءٍ الآن وإن عمل أكثره، والفرق بينها وبين البيع في زمن الخيار واضح؛ لأنّ البيع متى أُبقي على حاله انقضت مدّة الخيار وثبت له اللزوم، والأصل فيه عدم الفسخ عكس الجعالة، فإنّ العمل فيها لو ترك على حاله لم يستحقّ بسببه شيء، والأصل عدم الإكمال.

قوله: «وكذا مال الكتابة ولو قيل بالجواز فيه، كان أشبه».

ص: 421


1- يأتي في ج 4، ص 33 وما بعدها.
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 182، المسألة 137.

• ولا يصحّ على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن، كالإجارة المتعلّقة بعين المؤجر مثل خدمته، ويصحّ فيما هو ثابت في الذمّة كالعمل المطلق.

--------------

الكتابة إن كانت مطلقةً، فهى لازمة إجماعاً، فيجوز الرهن على مالها بغير خلاف، وإن كانت مشروطةً، فعند الشيخ (رحمه الله) (1) وجماعة (2) أنّها جائزة من العبد، فيجوز له تعجيز نفسه، فلا يصحّ الرهن على مالها؛ لانتفاء فائدة الرهن وهي التوثّق؛ إذ للعبد إسقاط المال متى شاء، ولأنّه لا يمكن استيفاء الديْن من الرهن؛ لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد؛ لأنّه من جملة مال المكاتب.

والأقوى المشهور من لزومها مطلقاً كالمطلقة؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (3)، فتتحقّق الفائدة، ويصحّ الرهن على ما لها، و لو قلنا بجوازها لا يمتنع الرهن، كالثمن في مدّة الخيار. وعلى ما قرّرناه فإطلاق المصنّف حكاية المنع أوّلاً، ثمّ حكمه بالجواز مطلقاً ثانياً غير جيّد.

قوله: «ولا يصحّ على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن» إلى آخره.

لمّا كان الغرض من الرهن استيفاء الديْن منه مع تعذّر الوفاء، أو لا معه، لم يصحّ الرهن على الحقّ المتعلّق بعينٍ مخصوصة، كما لو آجره نفسه شهراً معينّاً، أو داره كذلك، أو دابّته المعيّنة لحملٍ معيّن، ونحو ذلك؛ لأنّ تلك المنفعة لا يمكن استيفاؤها إلّا من العين المخصوصة، حتّى لو تعذّر الاستيفاء منها لموتٍ أو خرابٍ ونحوهما بطلت الإجارة بخلاف الإجارة المتعلّقة بالذمّة، كما لو استأجره على تحصيل خياطة ثوبٍ بنفسه أو بغيره، فإنّ الواجب تحصيل المنفعة على أيّ وجهٍ اتّفق، ومن أيّ عينٍ كان، فيصحّ الرهن عليها؛ لإمكان استيفائها منه.

ص: 422


1- المبسوط، ج 2، ص 149؛ وج 4، ص 465.
2- منهم ابن البراج في المهذّب، ج 2، ص 44؛ وابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 417: ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 287.
3- المائدة (5): 1.

• ولو رهن على مالٍ رهناً ثمّ استدان آخَر وجعل ذلك الرهن عليهما جاز.

--------------

قوله: «ولو رهن على مالٍ رهناً ثمّ استدان آخَر وجعل ذلك الرهن عليهما جاز».

لعدم المانع منه مع وجود المقتضي، فإنّ التوثّق بشيءٍ لشيءٍ آخر لا ينافي التوثّق لآخَر به خصوصاً مع زيادة قيمته على الأوّل.

ولا يشترط فسخ الرهن الأوّل ثمّ تجديده لهما، بل يضمّ الثاني بعقد جديد.

ويجوز العكس أيضاً، بأن يرهن على المال الواحد رهناً آخَر فصاعداً وإن كانت قيمة الأوّل تفي بالدَيْن الأوّل؛ لجواز عروض مانعٍ من استيفائه منه، ولزيادة الارتفاق.

ص: 423

[الفصل] الرابع في الراهن

ويشترط فيه كمال العقل، وجواز التصرّف، • ولا ينعقد مع الإكراه.

• ويجوز لوليّ الطفل رهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة مع مراعاة المصلحة، كأن يستهدم عقاره فيروم رمّه، أو يكون له أموال يحتاج إلى الإنفاق لحفظها من التلف أو الانتقاص، فيرهن بذلك ما يراه من أمواله إذا كان استبقاؤها أعود.

--------------

قوله: «ولا ينعقد مع الإكراه».

أي لا ينعقد انعقاداً تامّاً على حدّ ما يقع من المختار، لا أنّه يقع باطلاً؛ لأنّه لو أجازه بعد ذلك مختاراً صحّ، فهو كعقد الفضولي، لا كعقد غير كامل العقل، كالصبيّ والمجنون، حيث لا يقع وإن أجازاه بعد الكمال، ومن ثمّ فصله عنه بقوله «ولا ينعقد» بعد قوله «يشترط» تنبيهاً على اختلاف الحكم باختلاف العبارة.

ولا يخفى أنّ ذلك كلّه في غير الإكراه الرافع للقصد، فإنّ عبارته حينئذٍ تصير كعبارة غير الكامل، وقد سبق تحقيق ذلك كلّه في البيع (1).

قوله: «ويجوز لوليّ الطفل رهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة» إلى آخره.

ضابط جواز الرهن حيث تكون الاستدانة له أولى من بيع شيء من ماله بحسب نظر الوليّ، ويتوقّف على الرهن، وكذا يجوز ذلك حيث يجوز البيع ولم يمكن.

ص: 424


1- تقدّم في ص 59.

--------------

وحيث يجوز الرهن يجب كونه في يد أمينٍ يجوز إيداعه منه، ولا فرق بين الأولياء في ذلك، نبّه عليه في التذكرة (1).

وهذا الحكم ممّا لا خلاف فيه عندنا، وإنّما خالف فيه بعض الشافعية فمَنَع من رهن ماله مطلقاً (2).

ص: 425


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 111 - 112، المسألة 98.
2- روضة الطالبين، ج 3، ص 305.

[الفصل] الخامس في المرتهن

ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرّف، • ويجوز لوليّ اليتيم أخذ الرهن له.

• ولا يجوز أن يسلف ماله إلّا مع ظهور الغبطة له، كأن يبيع بزيادةٍ عن الثمن إلى أجلٍ.

--------------

قوله: «ويجوز لوليّ اليتيم أخذ الرهن له».

يمكن أن يراد بالجواز معناه الخاصّ، فلا يجب؛ لأصالة العدم، خصوصاً إذا كان الديْن في ذمّة مليّ أو ثقة، ولجواز إيضاع ماله ولا يتصوّر فيه الرهن.

والأولى أن يراد به معناه الأعمّ، فيشمل الوجوب، وهو المراد هنا، وبه قطع في التذكرة، فإنّه قال:

ولو كان المشتري موسراً لم يكتف الوليّ به، بل لا بدّ من الارتهان بالثمن، قال: ولو لم يحصل، أو حسن الظنّ بيساره وأمانته أمكن البيع نسيئةً بغير رهنٍ، كما يجور إيضاع مال الطفل (1). انتهى.

وحيث يمكن الرهن يعتبر كونه مساوياً للحقّ أو زائداً عليه، ليمكن استيفاؤه منه، وكونه بيد الوليّ أو يد عدلٍ ليتمّ التوثّق والإشهاد عليه. ولو أخلّ ببعض هذه ضمن.

قوله: «ولا يجوز أن يسلف ماله إلّا مع ظهور الغبطة له».

وحيث يجوز يجب كون المديون ثقةً مليّاً، ويرتهن على الحقّ ما يفي بقيمته. كلّ ذلك مع الإمكان.

ص: 426


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 111، المسألة 97.

• ولا يجوز له إقراض ماله إذ لا غبطة فيه. نعم، لو خشي على المال من غرقٍ أو حرقٍ أو نهبٍ وما شاكله، جاز إقراضه وأخذ الرهن.

• ولو تعذّر اقتصر على إقراضه من الثقة غالباً.

--------------

قوله: «ولا يجوز له إقراض ماله إذ لا غبطة فيه - إلى قوله - وأخذ الرهن».

المراد إقراضه من غيره، فإنّ ذلك غير جائز إلّا مع مصلحة الطفل، كخوف تلف المال، فيقرضه من الثقة المليّ، ويرهن عليه ويشهد كما مرّ.

وأمّا إقراضه من نفسه فيحتمل كونه كذلك؛ لأنّه تصرّف في مال اليتيم، وهو مشروط بالمصلحة.

ويحتمل جواز اقتراضه مع عدم الضرر على الطفل وإن لم يكن له مصلحة؛ لإطلاق رواية أبي الربيع عن الصادق علیه السلام أنّه سئل عن رجلٍ ولي مال يتيمٍ فاستقرض منه، فقال: «إنّ علي بن الحسين علیه السلام قد كان يستقرض من مال أيتامٍ كانوا في حجره، فلا بأس بذلك» (1).

والرواية - مع تسليم سندها - مطلقة يمكن تقييدها بالمصلحة.

وفي التذكرة شرط في جواز اقتراضه الولاية والملاءة ومصلحة الطفل، واحتجّ عليه بالرواية المذكورة (2).

ومن مسوّغات إقراض مال اليتيم خوف تلفه، بتسويس الحنطة وشبهها، فيقرضها من الثقة المليّ - مع الإمكان - بالرهن، ليؤمن جحوده وتعذّر الإيفاء.

قوله: «ولو تعذّر اقتصر على إقراضه من الثقة غالباً».

أي تعذّر الرهن، وظاهره وجوبه حينئذٍ، لشرط تعذّره في إقراضه الثقة، فيؤيّد كون الجواز بمعناه الأعمّ.

ومقتضى العبارة أنّ مع إمكان الرهن لا يعتبر كون المقترض ثقةً ولا مليّاً؛ لانضباط الديْن بالرهن.

ص: 427


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 341، ح 953.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 252، المسألة 451.

• وإذا شرط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره، أو وضع الرهن على يد عدلٍ معيّن لزم، ولم يكن للراهن فسخ الوكالة، على تردّد.

--------------

وفي التذكرة اعتبر الرهن والملاءة والثقة جميعاً مع الإمكان (1)، وأسقط اعتبار الرهن مع عدم إمكانه.

وبقي فيها وفي العبارة ما لو تعذّر الثقة أيضاً، فظاهرهما عدم جواز الإقراض حينئذٍ.

ويشكل حيث يؤدّي تركه إلى تلف المال، فإنّه لا يزيد على أكل المقترض له، بل الظاهر أنّ المقترض كذلك أولى؛ لإمكان حصوله منه، بخلاف ما لو ترك.

وعلى تقدير تحقّق عدم الوفاء وتحقّق التلف بدونه يمكن أولويّة إقراضه؛ لثبوته في ذمّته، فيحتمل تخلّصه أو وارثه منه، أو أخذه منه في الآخرة، بخلاف التلف من الله، إلّا أن يتبت العوض عليه تعالى، فقد يحتمل ترجيحه؛ لأنّه أكثر.

والمراد بقول المصنّف «من الثقة غالباً» الثقة في ظاهر الحال، بمعنى الاكتفاء بظاهر أمره، ولا يشترط العلم بذلك؛ لتعذّره، فعبّر عن الظاهر بالغالب، نظراً إلى أنّ الظاهر يتحقّق بكون الغالب على حاله كونه ثقةً، لا أنّ المراد كونه في أغلب أحواله ثقةً دون القليل من أحواله، فإنّ ذلك غير كافٍ.

والظاهر أنّ المراد بالثقة في هذا ونظائره العدل؛ لأنّ ذلك هو المعتبر شرعاً، مع احتمال الاكتفاء بالثقة العرفيّة، فإنّها أعمّ من الشرعيّة، على ما يظهر الآن من عرف الناس.

قوله: «وإذا شرط المرتهن الوكالة في العقد - إلى قوله - على تردّد».

إطلاق الرهن لا يقتضي كون المرتهن وكيلاً في البيع، لكن يجوز اشتراط كونه وكيلاً في عقد الرهن؛ لأنّه من الشروط السائغة، وكذا يجوز اشتراطها لوارثه من بعده، والوصية إليهما بذلك بعد الموت؛ وكذا يجوز اشتراطها لغيره وغير وارثه، فإذا شرط ذلك فهل للراهن فسخها بعده؟ قولان أحدهما الجواز، إمّا لأنّ الوكالة من العقود الجائزة، ومن شأنها تسلّط

ص: 428


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 253 - 254، المسألة 451.

• وتبطل مع موته، دون الرهانة.

--------------

كلَّ منهما على الفسخ، أو لأنّ الشروط لا يجب الوفاء بها وإن كانت في عقد لازم، بل غايتها تسلّط المشروط له على فسخ العقد المشروط فيه إن كان، كما مرّ، أو لأنّ لزوم الشرط إنّما يكون مع ذكره في عقدٍ لازمٍ كالبيع، والرهن ليس كذلك، فإنّ ترجيح أحد طرفيه على الآخَر ترجيح من غير مرجّح.

ويضعّف الأوّل: بأنّ جواز الوكالة بحسب أصلها لا ينافي لزومها بسببٍ عارضٍ؛ كشرطها في عقد لازمٍ، وهو هنا كذلك.

والثاني بمنع عدم وجوب الوفاء بالشروط في العقود اللازمة، وقد تقدّم، مع أنّ الوكالة هنا ممّا العقد المشروط فيه كافٍ في تحقّقها، فلا يحتاج بعده إلى صيغةٍ أُخرى لها؛ لأنّ الغرض منها مجرّد الإذن بأيّ لفظ اتّفق، وقد تقدّم أيضاً أنّ مال العقد كافٍ في تحقّقه كجزءٍ من الإيجاب والقبول، فحيث يكون لازماً يلزم وإن قلنا بعدم وجوب الوفاء بشرطٍ لا يكفى العقد في تحقّقه.

والثالث: بأنّ عقد الرهن لمّا كان من طرف الراهن لازماً كان ما يلتزمه الراهن لازماً من قِبَله، عملاً بمقتضى اللزوم، والشرط وقع من الراهن على نفسه فيلزم، ولمّا كان من طرف المرتهن جائزاً كان ما يلتزمه كذلك، فيجوز له فسخ الوكالة، وهو واضح؛ لأنّها حقّه، فيجوز له تركه.

وأمّا فسخ العقد المشروط فيه فإنّه لا يتوجّه هنا؛ لأنّ فسخ المرتهن للرهن يزيده ضرراً. نعم، لو كان مشروطاً في بيع - مثلاً - توجّه فسخه، إلّا أنّ المقصود هنا شرطها في عقد الرهن خاصّةً.

قوله: «وتبطل مع موته دون الرهانة».

أي تبطل الوكالة المشروطة له أو لغيره بموت المشروط له، لا لكون الوكالة من العقود الجائزة، ومن شأنها أن تبطل بالموت، بل لأنّ الوكالة إذن في التصرّف، فيقتصر فيها على من أذن له، فإذا مات بطلت من هذا الوجه، كما تبطل العقود اللازمة كالإجارة - بموت من شرط عليه العمل بنفسه.

ص: 429

ولو مات المرتهن لم تنتقل إلى الوارث، إلّا أن يشرط، وكذا لو كان الوكيل غيره.

• ولو مات المرتهن ولم يُعلم الرهن كان كسبيل ماله، حتّى يُعلم بعينه.

--------------

وأمّا الرهن فلا يبطل؛ لأنّه وثيقة على الديْن، فما دام الديْن باقياً يبقى الرهن، ولا يقتضي إذناً بمجرّده في التصرّف، كما مرّ، فعلى هذا تنتقل الرهانة إلى الوارث لو كان الميّت المرتهن والوكالة له دون الوكالة، إلّا مع شرطها للوارث، كما مرّ.

قوله: «ولو مات المرتهن ولم يُعلم الرهن، كان كسبيل ماله حتّى يُعلم بعينه».

المراد أنّ الرهن لم يُعلم كونه موجوداً في التركة ولا معدوماً، فحينئذٍ يكون كسبيل مال المرتهن أي بحكم ماله، بمعنى أنّه لا يُحكم للراهن في التركة بشيءٍ، عملاً بظاهر حاله من کون ما تركه لورثته، وأصالة براءة ذمّته من حقّ الراهن، إذ الرهن لم يتعلّق بذمّته؛ لأنّه أمانة.

ولا بماله؛ لأصالة بقاء ماله على ما كان من عدم استحقاق أحدٍ فيه شيئاً.

هذا بحسب الظاهر وإن كان في نفس الأمر يمكن كونه من جملة التركة.

وقوله «حتّى يُعلم بعينه» المراد به أنّ الحكم المذكور ثابت إلى أن يعلم وجود الرهن في التركة يقيناً، سواء علم معيّناً، أو مشتبهاً في جملة التركة، وإن كان ظاهر العبارة يؤذن بخلاف ذلك، وأنّ الرهن إذا لم يعلم في التركة متعيّناً متميّزاً فهو كسبيل ماله، وليس بمرادٍ قطعاً؛ إذ لا فرق في ثبوت حقّ الراهن وغيره بين العلم بكون ماله متعيّناً في مالٍ آخَر، أو متيقّناً وإن كان مجهول العين، وطريق التخلّص حينئذٍ الصلح.

واعلم أنّ المصنّف وغيره ذكروا هذه المسألة هنا جازمين بحكمها على الوجه المذكور بعبارةٍ متقاربة أو متّحدة، وذكروا نظيرها في باب الوديعة وباب القراض، واستشكلوا

حكمها.

والأمر فيه كذلك، فإنّ أصالة براءة ذمّة المرتهن معارضة بأصالة بقاء المال، والحال أنّه في يد المرتهن، وقد قال صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (1)، فإذا مات ولم يعلم بعينه

ص: 430


1- تقدّم تخريجه في ص 44، الهامش 2.

• ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن،

--------------

فأصالة بقائه وثبوت يده يقتضي كونه في يده، فإذا لم يعلم عينه كان كالمعلوم بقاؤه وإن لم يتحقّق كونه من جملة التركة؛ لاحتمال كونه في محلٍّ آخَر، إلّا أنّ على المرتهن التخلّص منه، وحيث لم يتعيّن يكون مضموناً، خصوصاً إذا أمكنه الوصاية والإشهاد فلم يفعل.

وعلى هذا فيحتمل كون حقّ الراهن كالمال الموجود، فيقدّم بقدره على غيره من الدُيّان؛ لأنّه بمنزلة الشريك، حيث حكم ببقاء ماله.

ويحتمل كونه بمنزلة الدُيّان؛ لعدم العلم ببقاء عين المال، وأصالة بقائه بحسب الظاهر، فيكون بمنزلة الديْن(1).

ويمكن أن يقال - على أصل هذا الاشكال - لا تعارض بين الأصلين السابقين، فإنّ أصالة بقاء المال يمكن أن يجامع أصالة البراءة؛ لأنّ المال بيد المرتهن غير مضمونٍ، بل هو أمانة، ثمّ يمكن تلفه بغير تفريطٍ، فلا يكون مضموناً، وحديث «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(2)لابدّ من تخصيصه بالأمانات، ولم يعلم هنا ما يزيل الأمانة، فتبقى أصالة براءة الذمة رافعة لاستحقاق الراهن عن المال والذمّة؛ لعدم التعارض، فيتمّ ما أطلقوه حيث يشتبه الحال.

وهذا البحث جارٍ في كلّ أمانةٍ يمكن تلفها قبل الموت بغير تفريط.

قوله: «ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن».

موضع الشبهة الموجبة لذكر المسألة ما لو كان وكيلاً في البيع، فإنّه حينئذٍ يجوز له أن يبيعه من نفسه، ويتولّى طرفي العقد؛ لأن الغرض - وهو البيع بثمن المثل - حاصل ،وخصوصية المشتري ملغاة، حيث لم يتعرّض لها.

وربما قيل بالمنع؛ لأنّ ظاهر الوكالة لا يتناوله.

والأقوى الجواز، كما في كلّ وكالةٍ.

وكذا يجوز له أن يبيع على ولده بطريقٍ أولى.

ص: 431


1- في بعض النسخ: «الديان».
2- تقدّم تخريجه في ص 44 الهامش 2.

•والمرتهن أحق باستيفاء دَيْنه من غيره من الغرماء، سواء كان الراهن حيّاً أو ميّتاً على الأشهر، ولو أعوز ضرب مع الغرماء بالفاضل.

• والرهن أمانة في يده لا يضمنه لو تلف، ولا يسقط من حقّه شيء ما لم يتلف بتفريطه. •ولو تصرّف فيه بركوبٍ أو سكنىً أو إجارةٍ ضمن ولزمته الأُجرة.

--------------

ومَنَع ابن الجنيد من بيعه على نفسه وولده وشريكه ومن يجري مجراهما ؛ لتطرّق التهمة(1). قوله: «والمرتهن أحقّ باستيفاء دَيْنه - إلى قوله - على الأشهر».

يتحقق التعارض في الحيّ إذا كان مفلّساً محجوراً عليه؛ إذ بدونه يتخير في الوفاء، والخلاف في تقديم المرتهن على غرماء الميت، فقد روي أنه حينئذ وغيره سواء (2).

والأقوى تقديمه مطلقاً؛ لسبق تعلّق حقّه بالعين.

قوله: «والرهن أمانة في يده لا يضمنه لو تلف» إلى آخره.

هذا هو المشهور، بل ادّعى عليه الشيخ الإجماع(3) .

وقد روي أنّه لو تلف بغير تفريط يقع التقاصّ بين قيمته وبين الدين(4).

وهو متروك، وعليه نبّه المصنّف بقوله «ولا يسقط من حقه شيء» وإلّا فلولا الرواية لم يصحّ إطلاق سقوط شيءٍ من حقّه وإن حكم بضمان الرهن؛ لأنّ الدين قد لا يكون من جنس ما يضمن به التالف، فلا يسقط من الحقّ شيء وإن كان التالف مضموناً؛ لاختلاف الحقّین.

قوله: «ولو تصرّف فيه بركوبٍ أو سكنيً أو إجارة ضمن، ولزمته الأُجرة».

ضمان الأُجرة في الأوّلين واضح؛ لأنّه انتفاع بمال الغير بغير إذنه فيضمن أُجرته.

ص: 432


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 446، المسألة 89.
2- الفقيه، ج 3، ص 310، ح 4114؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 178 ، ح 784.
3- الخلاف، ج 3، ص 256 - 257، المسألة 66.
4- الكافي، ج 5، ص 234 ، باب الرهن، ح 6، 7 و 9؛ الفقيه، ج 3، ص 308، ح 4104، وص 311، ح 4117:تهذيب الأحكام، ج 7، ص 171، ح 760 و 761 ، وص 172، ح 763.

• وإن كان للرهن مؤونة كالدابّة أنفق عليها وتقاصّا، وقيل: إذا أنفق عليها كان له ركوبها، أو يرجع على الراهن بما أنفق.

--------------

وأمّا ضمان الأُجرة بالإجارة فإنّما يتمّ مع مضيّ مدّةٍ تقابلها أُجرة عادةً، لا بمجرّد عقد الإجارة، كما يقتضيه ظاهر العبارة، وإن كان ذلك يُعدّ تعدّياً، إلّا أنّ الأُجرة لا تترتّب عليه إلّا بمضيّ مدّة يحتملها، كما لا يخفى.

ثمّ على تقدير ضمان الأُجرة في الثلاثة تختلف كيفيّة الضمان، فإنّ المضمون في الأوّلين أُجرة المثل، وأمّا الثالث فإذا مضت مدّة الإجارة، أو ما يقابل بأُجرةٍ، فإنّ الراهن يتخيّر بين فسخ الإجارة والرجوع بأُجرة المثل، وبين الإجازة، فيرجع بالمسمّى.

قوله: «وإن كان للرهن مؤونة أنفق عليها وتقاصّا - إلى قوله - أو يرجع على الراهن بما أنفق».

القول للشيخ (رحمه الله) (1)؛ استناداً إلى رواية أبي ولاد (2). والمشهور أنّه ليس للمرتهن التصرّف في الرهن مطلقاً إلّا بإذن الراهن، فإن تصرّف لزمته الأُجرة فيما له أُجرة، والمثل أو القيمة فيما يضمن كذلك، كاللبن.

وأمّا النفقة فإن أمره الراهن بها رجع بما غرم، وإلّا استأذنه، فإن امتنع أو غاب رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر أنفق هو بنيّة الرجوع وأشهد عليه ليثبت له استحقاقه، فإن تصرّف مع ذلك في شيءٍ ممّا ذُكر سابقاً ضمنه مع الإثم، وتقاصّا، ورجع ذو الفضل بفضله، وهذا هو الأقوى، والرواية محمولة على الإذن في التصرّف والإنفاق مع تساوي الحقّين.

وربما قيل بجواز الانتفاع بما يخاف فوته على المالك عند تعذّر استئذانه واستئذان الحاكم، واستحسنه في الدروس (3)، وفي الرواية دلالة عليه.

ص: 433


1- النهاية، ص 425.
2- الكافي، ج 5، ص 236، باب الرهن، ح 16؛ الفقيه، ج 3، ص 307، ح 4101؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 176، ح 778.
3- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 349 - 350 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).

• ويجوز للمرتهن أن يستوفي دَيْنه ممّا في يده إن خاف جحود الوارث مع اعترافه، أمّا لو اعترف بالرهن وادّعى دَيْناً لم يُحكم له، وكلّف البيّنة، وله إحلاف الوارث إن ادّعى عليه العلم.

• ولو وطئ المرتهن الأمة مكرهاً كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر، وقيل: عليه مهر أمثالها،

--------------

قوله: «ويجوز للمرتهن أن يستوفي دَيْنه ممّا في يده إن خاف جحود الوارث مع اعترافه».

المراد أنّه لم يكن وكيلاً في البيع، إمّا لعدمها ابتداءً، وإمّا لبطلانها بموت الراهن كما مرّ، فإنّه حينئذٍ يجوز له أن يبيع بنفسه ويستوفي إن خاف جحود الوارث للديْن، والمراد الخوف المستند إلى القرائن المثمرة للظنّ الغالب، وكذا يجوز له ذلك لو خاف جحود الراهن أيضاً، ولم يكن وكيلاً، كلّ ذلك مع عدم البيّنة المقبولة عند الحاكم، وإلّا لم يجز، بل يثبت عنده الديْن والرهن ويستأذنه في البيع.

وربما ألحق بخوف الجحود احتياجه إلى اليمين، فيجوز الاستبداد بالبيع دفعاً له، وليس بمعتمد.

قوله: «ولو وطئ المرتهن الأمة مكرهاً كان عليه عشر قيمتها» إلى آخره.

المراد العُشْر إن كانت بكراً، ونصف العُشر إن كانت ثيّباً. وقيل: مهر أمثالها مطلقاً؛ لأنّه عوض الوطء شرعاً (1).

وربما قيل بتخيّر المالك بين الأمرين، ورجّحه الشهيد (رحمه الله) في بعض حواشيه (2).

وهل يجب مع ذلك أرش البكارة فلا يدخل في المهر؟ يحتمله؛ لأنّه عوض جزءٍ فائت، والمهر - على أيّ وجهٍ كان - عوض الوطء.

ص: 434


1- راجع المبسوط، ج 2، ص 162؛ وتذكرة الفقهاء، ج 13، ص 239، المسألة 168؛ ونسبه الشهيد أيضاً إلى قيل اللمعة الدمشقيّة، ص 168 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
2- لم نعثر عليه في مظانّه، وانظر حاشية القواعد، ص 326 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14)؛ ولمزيد الاطلّاع راجع مفتاح الكرامة، ج 15، ص 568.

• ولو طاوعته لم يكن عليه شيءٌ.

وإذا وضعاه على يد عدلٍ فللعدل ردّه عليهما، أو تسليمه إلى من يرتضيانه. ولا يجوز له تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم، ولا إلى أمينٍ غيرهما من غير إذنهما، ولو سلّمه ضمن، • ولو استترا أقبضه الحاكم.

ولو كانا غائبين وأراد تسليمه إلى الحاكم أو عدلٍ آخَر من غير ضرورةٍ لم يجز، ويضمن لو سلّم؛ وكذا لو كان أحدهما غائباً.

--------------

فإن قيل: إذا وجب أرش البكارة صارت ثيّباً، فيجب عليه مهر الثيّب خاصّةً.

قلنا: إذا وطئها بكراً فقد استوفى منفعتها على تلك الحال، وفوّت جزءاً منها، فيجب عوض كلٍّ منهما ولا يتداخلان؛ ولأن أحدهما عوض جزءٍ، والآخَر عوض منفعة.

وربما قيل بدخوله في العُشْر وعدم دخوله في مهر المثل. وأكثر عبارات الأصحاب هنا مطلقة.

قوله: «ولو طاوعته لم يكن عليه شيء».

هذا هو المشهور، ومستنده قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا مهر لبغيّ» (1) وهو نكرة في سياق النفي، فيعمّ.

وفيه منع دلالته على موضع النزاع؛ لأنّ الأمة لا تستحقّ المهر ولا تملكه، فلا ينافي استحقاق سيّدها له، مع كون التصرّف وقع في ملكه بغير إذنه، وأيضاً فالمهر شرعاً يطلق على عوض بُضْع الحُرّة، حتّى سُمّيت بسببه مهيرة، بخلاف الأمة، فالنفي محمول عليها لهذين الوجهين، مضافاً إلى ما ذكرناه، فثبوت المهر أقوى، والمراد به أحد الأمرين السابقين.

ثمّ على تقدير نفيه لا شبهة في ثبوت أرش البكارة هنا؛ لأنّها جناية على مال الغير، فيثبت أرشها.

قوله: «ولو استترا أقبضه الحاكم - إلى قوله - ويضمن لو سلّم».

المراد بالأوّل أنّهما استترا عمداً لئلّا يتسلّماه منه مع طلبه منهما تسلّمه، فإنّه حينئذٍ يرفع

ص: 435


1- صحيح البخاري، ج 2، ص 779، ح 2122، وفيه: «نهى عن ... مهر البغيّ».

وإن كان هناك عذر سلّمه إلى الحاكم، ولو دفعه إلى غيره من غير إذن الحاكم ضمن.

• ولو وضعه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما ولو أذن له الآخَر.

--------------

أمره إلى الحاكم؛ إذ لا يجب عليه الاستمرار على الاستيداع، والحاكم وليّ الممتنع، أمّا لو كانا غائبين اتّفاقاً فإنّ المستودع يجب عليه الصبر إلى أن يحضرا؛ إذ لم يحصل منهما تقصير.

فإن عرض له عذر عن إبقائه في يده كسفرٍ عزم عليه، أو مرضٍ خاف منه، دفعه إلى الحاكم حينئذٍ؛ لأنّه وليّ الغائب، وللحاكم حينئذٍ أن ينصب عدلاً يقبضه لهما.

لا يقال: إذا كان الحاكم وليّ الغائب فللعدل دفعه إليه مع غيبتهما وإن لم يكن له ضرورة، كما له دفعه إلى مالكه كذلك.

لأنّا نقول: إنّ ولاية الحاكم ليست كولاية المالك مطلقاً، بل هي منوطة بالحاجة والمصلحة، ومن القواعد المقرّرة - وسيأتي في بابها 1(1)- أنّ الودعي ليس له دفع الوديعة إلى الحاكم مع إمكان المالك، ولا مع غيبته إلّا مع الضرورة، وهذه من أفراد تلك، ولو كان الحاكم كالمالك لجاز الدفع إليه في الموضعين، وفي هذا الفرق بحث. ولو تعذّر الحاكم واضطرّ إلى الإيداع، أودعه الثقة وأشهد عليه عدلين، ولا ضمان.

قوله: «ولو وضعه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما ولو أذن له الآخَر».

لأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما منفرداً، فلا يجوز لأحدهما الانفراد وإن أذن الآخَر.

ومتى سلّمه أحدهما إلى صاحبه ضمن كلّ منهما في الجملة، لكن هل يضمن الجميع بناءً على أنّ كلّاً منهما يجب عليه حفظه أجمع، وقد حصل منه سبب الضمان للجميع، فيتخيّر المالك في تضمين أيهما شاء، أم يضمن النصف؛ لأنّهما بمنزلة أمينٍ واحد، والواجب عوض واحد، وهما متساويان في ثبوت سبب الضمان، أحدهما بالتفريط والآخَر بالعدوان؟ فيه وجهان أجودهما الأوّل؛ لما ذُكر.

ص: 436


1- يأتي في ج 4، ص 344.

• ولو باع المرتهن الرهن أو العدل ودفع الثمن إلى المرتهن ثمّ ظهر فيه عيب لم يكن للمشتري الرجوع على المرتهن، أمّا لو استحقّ الرهن استعاد المشتري

الثمن منه.

--------------

ويضعّف الثاني بمنع كونهما بمنزلة أمينٍ واحد، بل كلّ واحدٍ منهما أمين على الجميع وإن كان قد شرط انضمامه إلى الآخَر، وتساويهما في ثبوت سبب الضمان لا يقتضي التقسيط، كما لو ترتّبت أيدي الغاصبين على العين الواحدة، وعلى هذا فالأجود استقرار الضمان على من تلف في يده، مع احتمال استقراره على مَنْ ضمّنه المالك.

قوله: «ولو باع المرتهن الرهن أو العدل - إلى قوله - استعاد المشتري الثمن منه».

الفرق بين العيب والاستحقاق أنّ العيب لا يُبطل البيع، وإنّما يبطل بفسخ المشتري من حين الفسخ، وهو مسبوق بقبض المرتهن الثمن وتعلّق حقّ الوثيقة به، سواء كان قد أخذه من دينه أم أبقاه وثيقةً، بل تعلّق الوثيقة به في الحقيقة حصل بمجرّد البيع؛ لأنّه وقت نقل الثمن إلى الراهن، فلا يُبطله الفسخ الطارئ من المشتري، بل يرجع المشتري على الراهن بعوض الثمن، بخلاف ظهور استحقاق الرهن فإنّه يبطل البيع من أصله، فلا يدخل الثمن في ملك الراهن ولا يصحّ قبض المرتهن له وحينئذٍ فيطالب به من هو في يده من العدل والمرتهن.

ولو وجده تالفاً، فإن كان تلفه في يد العدل، والمشتري عالم بأنّه وكيل فالرجوع على الراهن، وإن لم يعلم رجع على العدل لأنّ المعاملة بينهما والثمن مملوك للمشتري، فيكون مضموناً على من هو في يده ظاهراً، ويرجع العدل على الراهن.

وإن كان التلف في يد المرتهن رجع عليه بالعوض أيضاً.

وهل يغرمه المرتهن، أو يرجع على الراهن؟ نظر، ومقتضى قواعد الغصب رجوعه مع جهله وعلم الراهن بالاستحقاق؛ لغروره.

والكلام آتٍ فيما لو تلف الرهن في يد المرتهن ثمّ ظهر مستحقّاً.

ص: 437

• وإذا مات المرتهن كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث، فإن اتّفقا على أمينٍ، وإلّا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه.

• ولو خان العدل نقله الحاكم إلى أمينٍ غيره إن اختلف المرتهن والمالك.

--------------

قوله: «وإذا مات المرتهن كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث».

وضع الرهن في يد المرتهن أو غيره مشروط باتّفاقهما عليه، فإن شرطا شيئاً في عقد الرهن تعيّن، وإلّا فعلى حسب ما يتّفقان عليه، فإذا كان في يد المرتهن بالاشتراط أو بالاتّفاق فمات لم يجب على الراهن إبقاؤه في يد وارثه، فإنّه قد يستأمن المورّث ولا يستأمن الوارث، وكذا للوارث الامتناع من تسليم الرهن له، وحينئذٍ فإن اتّفقا على أحدٍ ممّن يجوز توكيله وإن لم يكن عدلاً جاز، وإلّا تسلّمه الحاكم أو سلّمه إلى عدلٍ ليقبضه لهما.

وكذا لو مات الراهن فلورثته الامتناع من إبقائه في يد المرتهن والعدل؛ لأنّهما في القبض بمنزلة الوكيل تبطل وكالته بموت الموكّل وإن كانت مشروطةٌ في عقد الرهن، إلّا أن يشترط استمرار الوضع بعد موته، فيكون بمنزلة الوصيّ في الحفظ.

قوله: «ولو خان العدل نقله الحاكم إلى أمينٍ غيره إن اختلف المرتهن والمالك».

إذا اتّفقا على وضعه على يد عدلٍ فخان، فإن اتّفقا على بقائه في يده أو يد غيره فلا كلام، وإلّا رفع الممتنع أمره إلى الحاكم؛ ليخرجه من يده إلى يد عدلٍ غيره.

وكذا لو تجدّد للعدل عداوةً دنيويّةً لأحدهما، أو ضعف عن حفظه.

ولو اختلفا في التغيّر المجوّز للنقل بحث عنه الحاكم، فإن ظهر التغيّر نقله، وإلّا أقرّه.

وكذا لو كان في يد المرتهن فادّعى الراهن تغيّر حاله.

ص: 438

[الفصل] السادس في اللواحق

وفيه مقاصد:

[المقصد] الأوّل في أحكام متعلّقة بالراهن

• لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن باستخدامٍ، ولا سكنيً، ولا إجارةٍ، ولو باع أو وهب وقف على إجازة المرتهن.

--------------

قوله: «لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن باستخدامٍ ولا سكنى ولا إجارة».

لمّا كان الرهن وثيقةً لدين المرتهن، إمّا في عينه أو بدله، لم تتمّ الوثيقة إلّا بالحجر على الراهن وقطع سلطنته، ليتحرّك إلى الأداء، فمن ثمّ مُنع الراهن من التصرّف في الرهن، سواء أزال الملك كالبيع، أم المنفعة كالإجارة، أم انتقص المرهون به وقلّل الرغبة فيه كالتزويج، أم زاحم المرتهن في مقصوده كالرهن لغيره، أم أوجب انتفاعاً وإن لم يضرّ بالرهن كالاستخدام والسكنى.

ولا يُمنع من تصرّفٍ يعود نفعه على الرهن، كمداواة المريض، ورعي الحيوان، وتأبير النخل، وختن العبد، وخفض الجارية إن لم يؤدّ إلى النقص.

إذا تقرّر ذلك، فلو تصرّف الراهن بما يُمنع منه، فإن كان بعقدٍ كان موقوفاً على إجازة المرتهن، فإن أجازه صحّ، وإلّا بطل، وإن كان بانتفاعٍ منه أو ممّن سلّطه عليه ولو بعقدٍ لم يصحّ وفَعَل محرَّماً.

ثمّ إن قلنا: إنّ النماء المتجدّد يتبع الرهن يثبت عليه أُجرة ذلك إن كان ممّا له أُجرة عادةً، وكانت رهناً، وإن لم نقل بالتبعيّة لم يلزمه شيء.

ص: 439

• وفي صحّة العتق مع الإجازة تردّد، والوجه الجواز.

• وكذا المرتهن، • وفي عتقه مع إجازة الراهن تردّد، والوجه المنع؛ لعدم الملك • ما لم يسبق الإذن.

--------------

وأطلق الشيخ (رحمه الله) أنّه لو أجره فالأجرة له، وجوّز للراهن الإنزاء على الأُنثى مطلقاً (1).

وهو ضعيف؛ لتعرّضه للنقص، ولأنِّه انتفاع في الجملة ينافي الحجر.

هذا كلّه إذا لم يكن العقد أو الإذن من الراهن للمرتهن، فلو كان معه بأن أجره أو أسكنه أو حلّله الوطء أو باعه وشبه ذلك صحّ؛ لانحصار الحقّ فيهما، كما لو اتّفقا على ذلك للغير.

قوله: «وفي صحّة العتق مع الإجازة تردّد، والوجه الجواز». منشأ التردّد من كون العتق إيقاعاً، فلا يكون موقوفاً؛ لاعتبار التنجيز فيه، ومن أنّ المانع حقّ المرتهن وقد زال بإجازته، وهو أقوى.

ونمنع منافاة التوقّف المذكور للتنجيز، كغيره من العقود التي يشترط فيها ذلك أيضاً، فإنّ التوقّف الممنوع هو توقّف المقتضي على شرطٍ، لا على زوال مانعٍ، وعلى هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتكّ الرهن لزم.

قوله: «وكذا المرتهن».

عطف على أوّل المسألة، والمشبّه به عدم جواز تصرّف الراهن في الرهن بشيءٍ من الأُمور المذكورة سابقاً، لا على مسألة العتق؛ لأنّها تأتي.

قوله: «وفى عنقه مع إجازة الراهن تردّد، والوجه المنع».

وجه التردّد قريب ممّا سبق، إلّا أنّ المنع هنا أقوى، بل كثير من الأصحاب لم يتوقّف في حكمه؛ لأنّ المرتهن غير مالكٍ، ولا عتق إلّا في ملكٍ، فيكون كالفضولي لا يصحّح عتقه الإجازة.

قوله: «ما لم يسبق الإذن».

أي إذن الراهن للمرتهن في العتق، فإنّه يصحّ العتق حينئذٍ؛ لزوال المانع.

ص: 440


1- المبسوط، ج 2، ص 194 و 195.

ولو وطئ الراهن فأحبلها صارت أمّ ولده، ولا يبطل الرهن.

• وهل تباع؟ قيل: لا، ما دام الولد حيّاً، وقيل: نعم؛ لأنّ حقّ المرتهن أسبق، والأوّل أشبه.

--------------

وقد يشكل بأنّ المرتهن غير مالكٍ، وإذن الراهن له لا يصيّره ملكاً له، فيأتي ما تقدّم.

ويندفع بما سيأتي (1) - إن شاء الله تعالى - في العتق من أنّ المأذون والمأمور بعتق عبده عن غيره يصحّ عتقه، وينتقل إلى ملك الآمر المأذون له قبل إيقاع الصيغة آناً يسيراً، أو بالصيغة المقترنة بالأمر أو الإذن.

ولو كان إذن الراهن للمرتهن في عتقه مطلقاً أو عن الراهن فلا إشكال؛ لأنّ المرتهن حينئذٍ وكيل عن المالك. ولو حُملت العبارة على ذلك كان أولى، واسترحنا من ذلك الإشكال المتوقّف زواله على أُمورٍ خفيّة.

قوله: «وهل تباع؟ قيل: لا، ما دام الولد حيّاً وقيل: نعم - إلى قوله - والأوّل أشبه».

إذا وطئ الراهن أمته المرهونة فأحبلها صارت أُمّ ولدٍ سواء وطئ بإذن المرتهن أم لا، وإن لزمه الإثم في الثاني والتعزير، وعلى التقديرين لا يبطل الرهن؛ لعدم المنافاة بينه وبين الاستيلاد؛ لجواز موت الولد.

وهل يجوز بيعها مع حياته لأجل الديْن؟ أقوال:

أحدها: الجواز مطلقاً؛ لإطلاق الأوامر ببيع الرهن في الديْن (2)، وسبق حقّ المرتهن على الاستيلاد.

وثانيها: المنع مطلقاً؛ للنهي عن بيع أُمّ الولد (3)، وتشبّنها بالحُرّيّة، وبناء العتق

ص: 441


1- يأتي في ج 8، ص 348.
2- الكافي، ج 5، ص 233، باب الرهن، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 309، ح 4108؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 168 - 169 . ح 747.
3- الكافي، ج 6، ص 193، باب أُمّهات الأولاد، ح 5؛ الفقيه، ج 3، ص 139 - 140، ح 3515، تهذيب الأحكام. ج 8، ص 238 - 239، ح 862.

• ولو وطئها الراهن بإذن المرتهن لم تخرج عن الرهن بالوطء.

• ولو أذن له في بيعها فباع بطل الرهن، ولا يجب جعل الثمن رهناً.

--------------

على التغليب، كلّ ذلك ما دام ولدها حيّاً زمن الرهن.

وثالثها: التفصيل بإعسار الراهن فتباع، ويساره، فتلزمه القيمة من غيرها تكون رهناً؛

جمعاً بين الحقّين، اختاره في التذكرة (1)، وهو قول الشيخ في الخلاف (2).

ومرجع الأقوال إلى تعارض أدلّة منع بيع أُمّ الولد وتسويغ بيع الرهن، فمنهم من جمع بينهما، ومنهم من رجّح.

والأقوى ترجيح جانب الرهن؛ لسبق سببه، فتجويز البيع مطلقاً أقوى.

وربما قيل بجواز بيعها مع وطئه بغير إذن المرتهن، ومنعه مع وقوعه بإذنه. واختاره الشهيد (رحمه الله) في بعض حواشيه (3)، فتكون الأقوال أربعة.

قوله: «ولو وطئها الراهن بإذن المرتهن لم تخرج عن الرهن بالوطء».

لا شبهة في عدم خروجها عنه بمجرّد الوطء؛ إذ لا منافاة بينهما، بل لا تخرج بالحبل أيضاً -كما قدمناه - وإن منعنا من بيعها؛ لإمكان موت الولد، فإنّه مانع، فإذا زال عمل السبب السابق عملَه.

قوله: «ولو أذن له في بيعها فباع بطل الرهن، ولا يجب جعل الثمن رهناً».

لمّا كان حقّ المرتهن متعلّقاً بعين الرهن، فإذا أذن للراهن فيما فيه زوال الملك عنه، فإن كان بغير عوضٍ كالعتق والهبة فلا إشكال في عدم لزوم إقامة بدله؛ لزوال متعلّق الرهن - وهو العين - بإذن المرتهن، سواء كان الديْن حالاً أم مؤجَّلاً، وإن كان بعوضٍ كالبيع، فالمشهور أنّه كذلك؛ لعين ما ذُكر.

وللشيخ (رحمه الله) قول بأنّ الإذن إن كان بعد محلّ الحقّ يكون الثمن رهناً مكانه؛

ص: 442


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 218 - 219، المسألة 156.
2- الخلاف، ج 3، ص 229 - 230، المسألة 19.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

• ولو أذن الراهن للمرتهن فى البيع قبل الأجل، لم يجز للمرتهن التصرّف في الثمن إلّا بعد حلوله، ولو كان بعد حلوله صحّ.

• وإذا حلّ الأجل وتعذّر الأداء كان للمرتهن البيع إن كان وكيلاً، وإلّا رفع أمره إلى الحاكم، ليلزمه البيع، فان امتنع كان له حبسه، وله أن يبيع عليه.

--------------

لأنّ عقد الرهن يقتضي بيع الرهن عند محلّه، فينصرف الإذن إليه(1).

هذا كلّه مع عدم شرط جعل الثمن رهناً عند الإذن في البيع، وإلّا لزم قطعاً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : «المؤمنون عند شروطهم»(2).

ولا فرق في ذلك أيضاً بين أن يكون الدين حالّاً ومؤجّلاً. ومثله في الجواز ما لو كان الدين مؤجَّلاً، فأذن المرتهن في البيع بشرط أن يعجّل حقّه من ثمنه،فيلزم الشرط؛ لأنّه شرط سائغ تدعو الحاجة إليه، نبّه عليه في التذكرة . قوله: «ولو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل _إلى قوله_ولو كان بعد حلوله صحّ».

وجه عدم الجواز ظاهر؛ لعدم استحقاقه حينئذٍ، والإذن في البيع لا يقتضي الإذن في تعجيل الاستيفاء.

ولو كان ذلك بعد الحلول فقد أطلق المصنّف (رحمه الله) صحّة التصرّف للمرتهن.

وهو مبنيُّ على كون الحقّ موافقاً للثمن جنساً ووصفاً، فلو تخالفا لم يجز التصرف فيه إلّا بإذن المرتهن، كما لا يجوز له التصرف في نفس الرهن؛ لافتقاره إلى معاوضة أُخرى.

قوله: «وإذا حلّ الأجل وتعذّر الأداء كان للمرتهن البيع إن كان وكيلاً»إلى آخره.

هذا حكم استيفاء المرتهن حقّه من الرهن وحاصله إنّه إن كان وكيلاً باع الرهن بنفسه مع حلول الديْن إمّا بأصله أو بانقضاء أجله، حتّى لو كان حالّاً فله البيع في مجلس الرهن ما لم يشترط عليه تأخير التصرّف إلى مدّةٍ، فيقوم مقام تأجيل الديْن، وإن لم يكن وكيلاً طلب من الراهن البيع، أو الإذن فيه، فإن فَعَل وإلّا رفع أمره إلى الحاكم، والمصنّف (رحمه الله)

ص: 443


1- المبسوط، ج 2، ص 164 .
2- تقدم تخريجه في ص 104، الهامش 1.

[المقصد] الثاني في أحكام متعلّقةٍ بالرهن

• الرهن لازم من جهة الراهن، ليس له انتزاعه إلّا مع إقباض الديْن أو الإبراء منه ،أو تصريح المرتهن بإسقاط حقّه من الارتهان.

--------------

طوى هذه الواسطة؛ لظهور أمرها، فيلزمه الحاكم بالبيع أو يبيع عليه؛لأنّه وليّ الممتنع.

وهذا كلّه لا إشكال فيه، وإنّما يقع الاشتباه في موضعين: أحدهما: لو كان حقّه لا يمكنه إثباته عند الحاكم؛ لعدم بيّنةٍ مقبولةٍ أو حاضرة عنده، والثاني : ما لو تعذّر وصوله إلى الحاكم؛ لعدمه، أو لبُعْده، فيحتمل حينئذٍ قويّاً جواز استقلاله بالبيع بنفسه، ويستوفي حقّه، كما لو ظفر بغیر جنس حقّه من مال المديون وهو جاحد ولا بيّنة، وهو خيرة التذكرة ، بل فرضها فيما هو أبلغ من ذلك، وهو ما لو لم يكن في البلد حاكم(1).

والظاهر أنّ المعتبر بعده بحيث يشقّ التوصّل إليه عادةً، لا مطلق كونه في غير البلد.

ولو أمكن إثباته عند الحاكم بالبيّنة، لكن افتقر إلى اليمين؛ لكون المدّعى عليه غائباً ونحوه، فالظاهر أنّه غير مانعٍ، ولا يجوز له الاستقلال؛ لإمكان الاستيفاء من وكيل المديون ،وهو الحاكم، فلا يستبدٌ بنفسه مع احتمال الجواز، دفعاً لمشقّة الحلف بالله تعالى.

قوله:«الرهن لازم من جهة الراهن ليس له انتزاعه إلا مع إقباض الديْن» إلى آخره.

عقد الرهن ذو جهتين بالنسبة إلى الجواز واللزوم، فهو لازم من قِبَل الراهن، وجائز من قِبَل المرتهن،والفرق أنّ الراهن يُسقط حقّ غيره، والمرتهن يُسقط حقّ نفسه،وليس له نظير في العقود إلّا الكتابة المشروطة عند الشيخ (رحمه الله)، فإنّها لازمة من قبل السيّد جائزة من قبل العبد(2).

نعم، ربما ناسبه عقد الفضولي من أحد الجانبين، فإنّه لازم من قبل من عقد لنفسه، جائز من قبل من عقد عنه فضولاً، وعلى هذا يمكن تمشّيه في سائر العقود على هذا الوجه.

ص: 444


1- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 244، ذيل المسألة 169.
2- المبسوط، ج 4، ص 465.

--------------

إذا تقرّر ذلك، فلا يجوز للراهن انتزاعه بغير إذن المرتهن مطلقاً.

وما استثناه المصنّف يخرجه عن كونه رهناً، فالاستثناء فيه منقطع.

وجملة ما ذكره من مبطلات الرهن ثلاثة:

أحدها: إقباض الديْن، ولا يعتبر كونه من الراهن، بل لو أقبضه غيره - وإن كان متبرّعاً - فكّ الرهن.

وفي حكمه ضمان الغير له مع قبول المرتهن، والحوالة به.

وثانيها: إبراء المرتهن له من الديْن.

وفي حكمه الإقالة المسقطة للثمن المرهون به، أو الثمن المسلّم فيه المرهون به.

وبالجملة، فالضابط براءة ذمّة الراهن من جميع الديْن، فلو عبّر به المصنّف كان أشمل.

مضافاً إلى الثالث وهو إسقاط المرتهن حقّه من الرهانة، بمعنى فسخه العقدها،و أمره واضح؛ لجوازه من قِبَله. بقي في المسألة أمرٌ آخَر، وهو ما لو أقبضه البعض، أو أبرأه هو منه، فهل يكون حكمه حكم ما لو أقبض الجميع أو أبرأ منه؟ يحتمل ذلك؛ لأنّ الرهن إنّما وقع في مقابلة مجموع الديْن من حيث هو مجموع، وقد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع ضرورة ارتفاعه بارتفاع بعض أجزائه، فعلى هذا يبطل الرهن بسقوط جزءٍ مّا من الديْن وإن قلّ.

ويحتمل بقاؤه أجمع ما بقي من الديْن جزءٌ؛ نظراً إلى الغالب من تعلّق الأغراض باستيفاء الديْن عن آخره من الرهن ، وهذا هو الذي قوّاه في الدروس (1)، وادّعى في المبسوط أنه إجماع (2).

والأوّل مختار القواعد(3).

ص: 445


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 357( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- المبسوط، ج 2، ص 114.
3- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 126.

• وبعد ذلك يبقى أمانةً في يد المرتهن، ولا يجب تسليمه إلّا مع المطالبة.

--------------

نعم، لو شرط كونه رهناً على المجموع لا على كلّ جزءٍ منه، فلا إشكال في الأوّل، كما أنّه لو شرط كونه رهناً على كلّ جزءٍ، فلا إشكال في بقائه ما بقي جزءٍ.

وعلى الأوّل لو بذل الراهن شيئاً من الديْن، ففي وجوب قبوله في غير ما يلزم منه نقص الماليّة - كمال السلَم وثمن المبيع - نظر: من أدائه إلى الضرر بالانفساخ، ومن وجوب قبض بعض الحقّ في غير ما ذُكر.

ويمكن أن يلحق هذا الفرد بنقص الماليّة، فإنّ إبطال الرهن موجب للنقص، خصوصاً مع إعسار الراهن، فيؤدّي إلى الضرر المنفيّ (1).

وبقي في المسألة عند الإطلاق احتمال ثالث، وهو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الديْن وتقسيطه عليها، كما هو مقتضى كلّ معاوضةٍ، فإذا برئ من بعض الديْن ينفكّ من الرهن ،بحسابه فمن النصف النصف، ومن الثلث الثلث، وهكذا.

وهذا الاحتمال متوجّه؛ لأنّ إطلاق المقابلة بين الأمرين في المعاملة يقتضي ذلك، إلّا أنّه يشكل بما لو تلف جزء من المرهون، فإنّه يقتضي أن لا يبقى الباقي رهنا على مجموع الديْن، بل على جزءٍ يقتضيه الحساب.

ويمكن اندفاع هذا بما ذكروه في توجيه الاحتمال الثاني من تعلّق الغرض باستيفاء الديْن كلهّ من الرهن، ومرجعه إلى دلالة العرف على هذا المعنى.

قوله: «وبعد ذلك يبقى أمانةً في يد المرتهن لا يجب تسليمه إلّا مع المطالبة».

المراد أنّه يبقى في يد المرتهن بعد انفساخ الرهن أمانةً مالكيّةً لا شرعيّة، ومن لوازمها عدم وجوب تسليمها إلى مالكها إلّا بمطالبته، بخلاف الشرعيّة، وإنّما كان كذلك؛لأنّه مقبوض بإذن المالك، وقد كان وثيقةً وأمانةً، فإذا سقطت الوثيقة بقيت الأمانة، فتصير بمنزلة الوديعة، لا بمنزلة ما لو أطار الريح ثوباً إلى دار إنسانٍ، حيث يلزمه ردّه على مالكه ابتداءً

ص: 446


1- تقدّم تخريجه في ص 112، الهامش 1.

•ولو شرط إن لم يؤدّ أن يكون الرهن مبيعاً لم يصحّ.

--------------

أو إعلامه به، وهذا ونحوه هو المعبَّر عنه بالأمانة الشرعيّة، حيث إنّ الشارع جعله أميناً عليه دون المالك، فتجب المبادرة إلى أحد الأمرين؛ لأنّ المالك لم يرض بكونه في يده.

ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث ذهب إلى أنّه إذا قضاه يكون مضموناً ، وإذا أبرأه ثمَّ تلف الرهن في يده لا يضمنه استحساناً (1).

وهو تحكّم، بل ينبغي العكس،فإنّه مع القضاء يكون المالك عالماً بانفكاك ماله، فإذا لم يطالب به فقد رضي ببقائه أمانةً.

وأمّا الإبراء فقد لا يعلم به الراهن، فلا يكون تاركاً لماله باختياره.

قال في التذكرة :

وينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرأ الراهن من الديْن ولم يعلم الراهن، أن يُعلمه بالإبراء ويردّ الرهن عليه؛ لأنّه لم يتركه عنده إلّا على سبيل الوثيقة، بخلاف ما إذا علم؛ لأنّه قدئرضي بتركه في يده (2). وهو حسن.

قوله: «ولو شرط إن لم يؤدّ أن يكون الرهن مبيعاً لم يصحّ».

المراد أنّه رهنه الرهن على الديْن المؤجَّل، وشرط له إن لم يؤد الديْن في ذلك الأجل يكون الرهن مبيعاً له بالدَيْن أو بقدر مخصوص؛ فإنّه لا يصح الرهن ولا البيع، أما الرهن؛ فلأنّه لا يتوقّت إلّا بالوفاء وأمّا البيع؛فلأنّه لا يتعلّق.

وعبارة المصنّف مطلقة، إلّا أنّها منزّلة على ذلك، وإن كان الإطلاق مبطلاً أيضاً، إلّا أنّه حيث لم يعيّن وقتاً لا يتحقّق عدم الوفاء ما دام الراهن حيّاً، فيتعلّق البيع على الوفاء(3)، وهو غير صحيح أيضاً، إلّا أنّ الأصحاب وغيرهم فرضوها كما ذكرناه.

ص: 447


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 479، المسألة 3386؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 445-446.
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 323 المسألة 214.
3- في بعض النسخ «الوفاة».

--------------

وقد يكتفى في تعليل بطلان الرهن ببطلان البيع المعلّق، فهو شرط فاسد دخل على العقد فأفسده، كما تقدّم.

وخالف في ذلك بعضُ العامّة، فصحّح الرهن وأفسد البيع؛ لأنّ الراهن إذا رضي بالرهن مع هذا الشرط كان أولى أن يرضي به مع بطلانه (1).

وفساده ظاهر؛ لأنّ مجرّد الرضى غير كافٍ مع اختلال شرائط العقد.

إذا تقرّر ذلك، فلو قبضه المرتهن على هذا الوجه ضمنه بعد الأجل لا قبله؛ لأنّه في مدّة الأجل رهن فاسد، وبعده مبيع فاسد، وفاسد كلّ عقدٍ يتبع صحيحه في الضمان وعدمه، فحيث كان صحيح الرهن غير مضمونٍ كان فاسده كذلك، وحيث كان صحيح البيع مضموناً على المشتري ففاسده كذلك.

والسرّ في ذلك أنّهما تراضيا على لوازم العقد، فحيث كان مضموناً فقد دخل القابض على الضمان، ودفع المالك عليه، مضافاً إلى قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(2)وهو واضح.

وحيث يكون غير مضمونٍ يكون التسليم واقعاً على اعتقاد صحّة العقد، فلم يقصد المسلّم ضماناً، بل سلّم على قصد العدم، ولم يلتزم المتسلّم ضماناً أيضاً، فينتفي المقتضي له.

وهذا القسم إنّما يتمّ لو كانا جاهلين بالفساد، أو عالمين به؛ لأذن الدافع في القبض فيكون بمنزلة الأمانة، وكذا لو كان الدافع عالماً به والقابض جاهل(3)، أمّا لو انعكس أشكل من حيث إنّ القابض أخذ بغير حقٍّ، والدافع توهّم اللزوم، وإلّا لما رضى بدفع ماله، فينبغي أن يكون مضموناً؛ لعموم الخبر السالف، إلّا أنّ الأصحاب وغيرهم أطلقوا القول في هذه القاعدة لم يخالف فيها أحد.

ص: 448


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 466، المسألة 3365.
2- تقدم تخريجه في ص 44 الهامش 2.
3- كذا في النسخ، والظاهر «جاهلاً».

•ولو غصبه ثمّ رهنه صحّ، ولم يزل الضمان وكذا لو كان في يده ببیعٍ فاسد. ولو أسقط عنه الضمان صحّ.

--------------

ويمكن توجيهه أيضاً بأنّ المالك أذن في قبضه على وجهٍ لا ضمان فيه والمتسلّم تسلّمه منه كذلك، وعدم رضاه لو علم بعدم اللزوم غير معلومٍ، فالإذن حاصل، والمانع غير معلوم.

قوله: «ولو غصبه ثمّ رهنه صحّ، ولم يزل الضمان».

الضمير البارز في «غصبه» و «رهنه» يعود إلى المال المجعول رهناً، وأمّا المستكّن فيهما فلا يخلو من خفاءٍ، فيمكن حينئذٍ أن يكون الفعلان مبنيّين للمعلوم، فيعود ضمير «غصب» إلى فاعل الغصب المدلول عليه بالمقام اكتُفي به لأمن اللبس، وضمير «رهن» يعود إلى المغصوب منه المدلول عليه بالغصب؛ لاستلزامه غاصباً ومغصوباً منه، وعلى هذا فيصير ضمير «رهنه» البارز أحد مفعوليه، والثاني محذوف، والتقدير رهنه منه، أو إيّاه، أو الغاصب، ونحوه.

ويمكن بناء الصيغة الُأولى للمجهول، وضميره المستكنّ نائب الفاعل، وضمير «رهنه» المستكن يعود إليه، أي لو غصب إنسان ماله، ثمّ رهنه ذلك المغصوب منه، والتقدير أنهّ رهنه من الغاصب، إلّا أنّ فيه قصور العبارة عن تأدية هذا التقدير ولا بدّ منه؛ لأنّه مفروض المسألة، إلّا أنّه يظهر بمعونة ما يأتي من قوله «ولم يزل الضمان».

ويمكن العكس، بأن تبنى الصيغة الأولى للمعلوم، والثانية للمجهول، وتقدير الأولى كما مر، وضمير «رهنه» المستكنّ الذي هو نائب الفاعل يعود إلى الغاصب ،والبارز إلى المال المضمر في «غصبه»، ولا يحتاج إلى بيان الفاعل؛ لظهور أنّ الراهن شرعاً لا يكون إلّا المالك المغصوب منه.

وهذا الوجه الأخير أوجَه الثلاثة وإن اشتركت في الدلالة على صعوبة تأليف العبارة.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: قد عرفت فيما تقدّم(1) أنّه يجوز رهن العين المغصوبة عند الغاصب،

ص: 449


1- تقدّم في ص 406.

--------------

والخلاف في أنّ قبضه هل يتحقّق بمجرّد العقد، أو لابدّ فيه من إذنٍ جديد؟ وأنّ المصنّف اختار تحقّقه بمجرّد العقد؛ اكتفاءً بالقبض السابق.

وبقي الكلام هنا في أنّ الضمان الذي كان قد حصل بالغصب هل يزول بالرهن أم لا؟ وإنّما يقع الاشتباه لو اكتفينا بالقبض السابق، كما اختاره المصنّف، أمّا لو قلنا بافتقار الرهن إلى قبضٍ جديد فلا شبهة في أنّه قبله مضمون؛ لأنّه مقبوض بالغصب.

والمصنّف (رحمه الله) جزم ببقاء الضمان وإن تحقّق القبض المصحح للرهن.

ووجهه أنّ الضمان كان حاصلاً من قبل، ولم يحصل ما يزيله فيستصحب، وإنّما قلنا: إنّه لم يحصل ما يزيله؛ لأنّ الحاصل - وهو الرهن المقبوض - يجامع الضمان، كما لو تعدّى المرتهن في الرهن، فإنّه يصير مضموناً ضمان الغصب، وهو رهن كما كان، وإذا لم يكونا متنافيين استمرّ الضمان؛ لعدم المعارض، ولقوله صلى الله عليه وسلم :« على اليد ما أخذت حتى تؤدي»(1)، ولأنّ ابتداء كلّ شيءٍ أضعف من استدامته بناءً على احتياج المبتدأ إلى المؤثّر قطعاً، واستغناء الباقي عنه، أو الخلاف في احتياجه، فإنّ المتّفق على احتياجه أضعف المختلف فيه ، وإذا كانت حالة الرهن القويّة - وهي استدامته - لا تمنع حالة الضمان الضعيفة وهي ابتداؤه_كما إذا طراً التعدّي على الرهن، فلأن لا تمنع حالة الرهن الضعيفة - وهي ابتداؤه - حالة الضمان القوية - وهي استدامته - فيما لو طرأ ابتداء الرهن على استدامة الغصب أولى، خصوصاً وقد تقدّم أنّ وجه الاكتفاء بالقبض السابق - وإن كان غصباً - صدق قوله تعالى: (فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةً)(2) ، أعمّ من كونه مقبوضاً أمانة وعدواناً، وحينئذٍ فيبقى ضمان الغصب مستمرّاً إلى أن يقبضه المالك، ثمّ يردّه إليه أو يسقط عنه ضمانه.

واستقرب العلّامة في القواعد زوال الضمان هنا بمجرّد العقد (3)؛ لانصراف القبض

ص: 450


1- تقدم تخريجه في ص 44، الهامش 2.
2- البقرة (2) 283.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 116.

•وما يحصل من الرهن من فائدة فهي للراهن.

•ولو حملت الشجرة أو الدابّة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهناً كالأصل على الأظهر.

--------------

المستدام بعده إلى الرهن المقتضي لصيرورته أمانةً، ولزوال السبب المقتضي للضمان؛ لأنّه لم يبقَ غاصباً، فلا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سببٍ يخالف حكمه حكمه، وحدوث التعدّي في الرهن يوجب الضمان للعدوان لا للغصب والحال أنّ هنا قد زال الضمان ولم يحدث ما يوجبه.

والأقوى الأوّل، وقد عرفت أنّه لا منافاة بين انصراف القبض إلى الرهن وبقاء الضمان.

والوجهان آتيان فيما لو لم يكتف بالقبض السابق، وجدّد له المالك الإذن في القبض، يتقريب الدليل، إلّا أنّ زوال الضمان هنا أقوى؛ لأنّ إذن المالك له في قبضه بمنزلة قبضه إيّاه ثمّ دفعه إليه؛ لأنّه حينئذٍ كوكيله، بخلاف السابق.

وهذا البحث آتٍ في كلّ قبض مضمونٍ، كالمقبوض بالبيع الفاسد، والسوم على القول به، والمستعير المفرّط، والمشروط عليه الضمان؛ لاشتراك الجميع في المعنى.

قوله: «وما يحصل من الرهن من فائدةٍ فهي للراهن». المراد بما يحصل منه زوائده وفوائده متّصلةً كانت أم منفصلةً، متولّدةً كالثمرة، أم لا كالكسب، فإنّ جميعها ملك للراهن تبعاً للأصل، فإنّ حبسه لحقّ المرتهن لا يخرجه عن حقيقة الملك، ويبقى أنّه هل يدخل معه في الرهن أم لا ؟ وسيأتي (1).

قوله: «ولو حملت الدّابة أو الشجرة أو المملوكة بعد الارتهان» إلى آخره.

عدوله عن المسألة السابقة إلى الأمثلة المذكورة يوهم أنّ الخلاف فيما ذُكر، وقد كان الأولى تفريعها على السابق بأن يقول بعد الحكم بكون الفوائد ملكاً للراهن:وهل يدخل في الرهن تبعاً للأصل، أم لا؟ ويحكم بما يختاره.

ص: 451


1- سيأتي في ص 452.

--------------

والحاصل أنّ فوائد الرهن وزوائده المتجدّدة بعد الارتهان إن كانت متّصلةً اتّصالاً لا يقبل الانفصال كالسمن والطول دخلت إجماعاً ، وإن كانت منفصلةً كالثمرة والولد أو

يقبل الانفصال كالشعر والثمرة قبل الجذاذ، ففي دخولها قولان:

أحدهما - وهو المشهور، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع(1)، وقبله المرتضى في الانتصار (2) - ما اختاره المصنّف، وهو دخولها فيه.

ووجهه إمّا الإجماع المنقول بخبر الواحد، أو أنّ النماء من شأنه تبعيّة الأصل في الحكم ،كما يتبع ولد المدبّرة لها فيه.

والثاني: عدم الدخول، ذهب إليه الشيخ (3)، وتبعه العلّامة وولده، والمحقّق الشيخ عليّ(4)؛ لأصالة عدمه، ولأن الأصل في الملك أن يتصرّف فيه مالكه كيف شاء، خرج منه الأصل بوقوع الرهن عليه، فيبقى الباقي.

واحتجّ له العلّامة برواية السكوني(5) ، وصحيحة إسحاق بن عمّار عن الكاظم علیه السلام(6).

ولا شاهد فيهما؛ لأنّ الأُولى - مع ضعفها - تضمّنت كون المنفعة في مقابلة النفقة، والثانية أنّ الغلّة لصاحب الأصل، ولا نزاع فيه؛ إذ لا يلزم من دخوله في الارتهان خروجه عن الملك.

ويمكن أن يقال: على القول بعدم الدخول يلزم جواز انتفاع الراهن بالرهن؛ لأنّ المنفعة إذا لم تكن رهناً لا وجه؛ لمنعه من التصرّف فيها، لكن الإجماع على منعه.

ص: 452


1- السرائر، ج 2، ص 424.
2- الانتصار، ص 474. المسألة 267.
3- المبسوط، ج 2، ص 193 - 194؛ الخلاف، ج 3، ص 251، المسألة 58.
4- قواعد الأحكام، ج 2، ص 124 مختلف الشيعة، ج 5، ص 425 المسألة 45: إيضاح الفوائد، ج 2، ص 36؛ 5 جامع المقاصد، ج 5، ص 132.
5- .5 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 175 - 176 ، ح .775 .
6- الكافي، ج 5، ص 235 ، باب الرهن، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 173 . ح 767 مختلف الشيعة، ج 5 ص 425 المسألة 45.

ولو كان في يده رهنان بدَيْنين متغايرين ثمّ أدّى أحدهما، لم يجز إمساك الرهن الذي يخصّه بالدَيْن الآخَر.

• وكذا لو كان له دَيْنان وبأحدهما رهن، لم يجز أن يجعله رهناً بهما، ولا أن ينقله إلى ديْنٍ مستأنف.

•وإذا رهن مال غيره بإذنه، ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذّر إعادته.

--------------

ويندفع ذلك بأنّ منعه من التصرّف فيها، لا من حيث المنفعة، بل من حيث استلزامه التصرّف في المرهون؛ ولهذا لو انفصلت المنفعة كالثمرة والولد،لم يمنعه من التصرّف فيها.

ولعلّ هذا القول أقوى، والإجماع ممنوع، والتبعيّة في الملك مسلّمة، لا في مطلق الحكم، وتبعيّة ولد المدبّرة؛ لتغليب جانب العتق.

ولو شرط المرتهن دخولها، أو شرط الراهن خروجها، ارتفع الإشكال ولزم الشرط.

واستثنى في التذكرة من ذلك ما يتجدّد من المنافع ،بالاختيار كاكتساب العبد، فلا يصحّ اشتراط دخوله؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل(1)، فهى معدومة على الإطلاق.

قوله: «وكذا لو كان له دَيْنان وبأحدهما رهن لم يجز أن يجعله رهناً بهما، ولا أن ينقله إلى دَيْنٍ مستأنف».

أى لا يجوز للمرتهن ذلك بنفسه بغير رضى الراهن، وإلّا فقد تقدّم أنّه يجوز إدخال الديْن المتجدّد في الرهن، وجعل الرهن على دينٍ آخرَ مع التراضي(2).

قوله: «وإذا رهن مال غيره بإذنه ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذر إعادته».

أجمع العلماء على جواز رهن مال الغير بإذنه على دينه في الجملة، وسمّوه استعارةً للرهن،وجعلوها مضمونةً على الراهن وإن تلفت بغير تفريطٍ، ولازمةً لا يجوز للمعير الرجوع فيها بحيث يفسخ الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفكّ عند الحلول.

ص: 453


1- تذكرة الفقهاء ، ج 13، ص 100، ذيل المسألة 90.
2- تقدم في ص 419 وما بعدها.

•ولو بيع بأكثر من ثمن مثله كان له المطالبة بما بِيع به.

--------------

ثمّ إن فكّه الراهن وردّه إلى مالكه تامّاً فلا بحث، وإن تلف في يد المرتهن بغير تفريطٍ لم يضمن، وضمن الراهن مثله إن كان مثليّاً، وقيمته إن كان قيميّاً، والمعتبر في القيمة یوم التلف: لأنّه لم يخرج عن ملك المعير.

هذا إن اختلفت القيمة بتفاوت السوق، فإنّ تفاوته غير مضمون على الغاصب على الأقوى، فهنا أولى.

وإن كان التفاوت لنقصٍ في العين،ضمنه المستعير، كما يضمن الجملة.

وفي حكم التلف تعذّر ردّه لغصبٍ ونحوه، أمّا تعذّره لبيع المرتهن له فسيأتي حكمه، فإطلاق المصنّف تعدّر إعادته يحتاج إلى التقييد.

وإنّما يلحق هذه العارية الحكمان السابقان بعد الرهن، أمّا قبله فالأقرب انتفاؤهما، فلا يضمن إلّا بالتفريط، ويجوز للمعير الرجوع فيها، وكذا يجوز بعده قبل القبض إن جعلناه شرطاً في اللزوم.

ثّم إن سوّغ المالك للراهن الرهن كيف شاء، جاز رهنه ممّا شاء على أي مقدار شاء، بأيّ أجل شاء، وإن قيّد له بعضها تقيّد، وإن أطلق الإذن ففي جوازه قولان:

أحدهما: الجواز، ويتخيّر كما لو عمّم؛ عملاً بالإطلاق، وبه قطع في الدروس(1).

والثاني: المنع؛ لما فيه من الغرر والضرر بكثرة تفاوت الديْن والمرتهن والأجل، وهو أولى، فيذكر قدر الديْن وجنسه ووصفه، وحلوله أو تأجيله، وقدر الأجل، فإن تخطّى حينئذٍ كان فضوليّاً، إلّا أن يرهن على الأقلّ، فإنّه يدخل بطريقٍ أولى.

قوله: «ولو بِيع بأكثر من ثمن مثله كان له المطالبة بما بيع به».

إذا أراد المرتهن استيفاء دَيْنه من الرهن المستعار، فحكمه حكم غيره من جواز بيعه إن كان وكيلاً، وإلّا استأذن المالك، وإلّا الحاكم، كما مرّ، فإذا باعه على وجهٍ يصحّ فليكن بثمن

ص: 454


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 344 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11)

•وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة وإن لم تؤبّر.

--------------

المثل فصاعداً، كما في كلّ وكيلٍ، فإن باعه بأكثر فللمالك الأكثر؛ لأنّه ثمن ملكه؛ إذ العين باقية على ملكه إلى زمان البيع ،ولا يتصوّر بيعه بنقصانٍ عن قيمته، فعبارة المصنّف بثبوت الزيادة عن ثمن المثل أجود من عبارة القواعد بأنّه يرجع بأكثر الأمرين من القيمة وما بيع به(1): لإيهامه إمكان بيعه بدون القيمة، وهو ممتنع، بخلاف الزيادة؛ لإمكان اتفاق راغب فيها يزيد عن ثمن المثل، بحيث لو لا ظهوره لما وجب تحرّيه؛ لكونه على خلاف العادة المعروفة في ثمن مثله.

وربما فرض نقصان الثمن عن القيمة مع صحّة البيع بسبب قلّة الراغب في الشراء، مع كون قيمة المال في ذلك الوقت والمكان عند ذوي الرغبة أزيد ممّا بذل فيه.

ويشكل بأنّ المعتبر في القيمة ما يبذل في ذلك الوقت، لا ما يمكن بذله، فإن كان الذي باع به المرتهن يسوغ البيع به لم يثبت للمالك سواه، وإلّا لم يصحّ البيع.

قوله: «وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة وإن لم تؤبّر». زوائد الرهن الموجودة حال الرهن متى كانت منفصلةً كالولد واللبن، أو متّصلةً لكن تقبل الانفصال كالثمرة والشعر و الصوف المستجزّين، لم تدخل في الرهن على المشهور.

واستقرب في التذكرة دخول الصوف والشعر على ظهر الحيوان؛ محتجاً بأنه كالجزء منه، وتردّد في دخول اللبن في الضرع (2). وفي القواعد تردّد في الأمرين(3).

ولا فرق في ذلك بين ثمرة النخل وغيره، وإنّما خصّ المصنّف ثمرة النخل؛ لأنّها بعد الظهور وقبل التأبير تدخل في بيع الأصل، بخلاف غيرها من الثمار، فإنّها متى ظهرت لا تدخل في عقدٍ مطلقاً، ولمّا كان ذلك الحكم مختصّاً بالبيع نبّه المصنّف عليه هنا، ونبّه به

ص: 455


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 111 - 112
2- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 106، ضمن المسألة 94.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 124.

•وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع، ولا الشجر، ولا النخل، ولو قال: بحقوقها ،دخل، وفيه تردّد ما لم يصرّح.

•وكذا ما ينبت في الأرض بعد رهنها، سواء أنبته الله سبحانه أو الراهن أو أجنبيٌ، إذا لم يكن الغرس من الشجر المرهون.

--------------

أيضاً على خلاف بعض العامّة حيث أدخله؛ قياساً على البيع(1) ، كلّ ذلك مع عدم الشرط.

قوله:«وكذا لو رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا الشجر ولا النخل، ولو قال: بحقوقها، دخل، وفيه تردّد».

منشأ التردّد من توهّم كون الشجر من حقوق الأرض، كما فهمه الشيخ (رحمه الله)(2)،ومن ظهور عدمه؛ إذ لا يُعدّ من حقوقها لغةً ولا عرفاً.

والأصحّ عدم الدخول، وقد سبق مثله في البيع (3).

نعم، لو قال:بجميع ما اشتملت عليه، أو نحوه، دخلت على الظاهر.

قوله: «وكذا ما ينبت في الأرض بعد رهنها» إلى آخره.

إنّما خصّ ذلك بعد حكمه بعدم دخول النماء المتجدّد؛ للتنبيه على أنّ مثل هذا لا يعدّ نماءً للأرض، فلا يجري فيه الخلاف، وأمّا ما كان منه من الشجر المرهون فلا إشكال في بقائه على ما كان، لا أنّه يتجدّد له الدخول.

وهل يتوقّف غرسه حينئذٍ على إذن المرتهن؟ يحتمله؛ لأنّه تصرّف في الرهن وانتفاع به فيتوقّف، وعدمه؛ لأنّه مصلحة له وزيادة في قيمته كالسقي والدواء، وقد تقدّم.

نعم، لو أضرّ بالأرض، فلا ريب في توقّفه على إذنه.

وكذا لو كان الغرس من غير المرهون.

ص: 456


1- 1. المبسوط، السرخسي، ج 21، ص 69: حلية العلماء، ج 4، ص 435 و 436؛ العزيز شرح الوجيز، ج 4. ص 467: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 472 المسألة 3376
2- المبسوط، ج 2، ص 198.
3- سبق في ص 141.

• وهل يُجبر الراهن على إزالته ؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأشبه.

• ولو رهن لقطةً ممّا يلقط كالخيار، فإن كان الحقّ يحلّ قبل تجدّد الثانية صحّ، وإن كان متأخّراً تأخّراً يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لا يتميّز، قيل: يبطل. والوجه أنّه لا يبطل.

وكذا البحث في رهن الخرطة ممّا يخرط، والجزّة ممّا يجزّ.

--------------

قوله: «وهل يُجبر الراهن على إزالته ؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأشبه».

وجه ما اختاره المصنّف أنّ إبقاءه في المحلّ المرهون تصرّفٌ فيه، وهو ممنوع منه، كما لو وضع متاعه في الدار.

ووجه العدم أصالته، ومنع أنّ مثل ذلك يُعدّ تصرّفاً.

وقد يفرّق بينه وبين المتاع بأنّ وضع المتاع منه ،فهو سبب في بقائه، بخلاف ما أنبته الله تعالى.

نعم، لو كان ذلك بفعل الراهن، فإجباره على إزالته أقوى.

قوله «ولو رهن لقطةً ممّا يلقط كالخيار - إلى قوله - والوجه أنّه لا يبطل».

لا إشكال في الجواز حيث لا يحصل الاشتباه؛ لعدم المانع، ووجود المقتضي للصحّة، أمّا معه فقال الشيخ (رحمه الله):

إنه لا يصحّ الرهن؛ لتعذّر الاستيفاء بسبب عدم التميّز(1)، ولأنّه لا يصحّ بيعه عند الأجل لجهله، فلا يصحّ رهنه. ويضعّف بمنع تعذّر الاستيفاء؛ لإمكانه بالصلح، ولأنّ المعتبر اجتماع شرائط الصحّة وقت الرهن، وهي حاصلة، وصحّة البيع - لو سلّم شرطيّتها - فالمعتبر منها ما كان عند إنشاء الرهن؛ لأنّه وقت اعتبار الشرائط، وهي حاصلة أيضاً، فما اختاره المصنّف من عدم البطلان أصحّ.

ص: 457


1- المبسوط، ج 2، ص 199.

•وإذا جنى المرهون عمداً تعلّقت الجناية برقبته، وكان حقّ المجنيّ عليه أولى.

وإن جنى خطأً، فإن افتكّه المولى بقي رهناً، وإن سلّمه كان للمجنيّ عليه منه بقدر أرش الجناية، والباقي رهن.

وإن استوعبت الجناية قيمته، كان المجنيّ عليه أولى به من المرتهن.

--------------

قوله: «وإذا جنى المرهون عمداً تعلّقت الجناية برقبته، وكان حقّ المجنيّ عليه أولى».

إنّما كان حقّ المجنيّ عليه أولى مع أنّ سببه متأخّر عن حقّ المرتهن ومن شأن السابق التقدّم عند التعارض؛ لوجوه:

الأوّل: إنّ حقَّ المجنيّ عليه متعيّن في الرقبة، ومن ثمّ لو مات الجاني لم يلزم السيّد شيء، وحقّ المرتهن متعلّق بالرقبة وبذمّة الراهن، فلا يفوت حقّه بفواتها، ومرجع ذلك إلى أنّ للمرتهن بدلاً ولا بدل للمجنيّ عليه.

الثاني : إنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم على حق المالك، فلأن يتقدّم على حقّ المرتهن أولى.

الثالث: إنّ تعلّق المرتهن بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه، ومن ثم كان للمجنيّ عليه الاستيفاء بدون مراجعة المالك، بخلاف المرتهن.

وهذه الوجوه الثلاثة واردة في جناية العمد، وأمّا الخطأ فيختصّ بالأوّلين.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: جناية العبد المرهون إن كانت نفساً وأوجبت قصاصاً، فأمره إلى المجنيّ عليه، فإن اقتصّ بطل الرهن، وكذا إن استرقّه. وإن عفا عنه بقي رهناً؛ إذ لم يبطل الرهن بالجناية، وإنّما تزاحمت عليه الحقوق، وإن عفا على مالٍ، فإن بذله السيّد بقي رهناً أيضاً، وإلّا بيع العبد وبطل الرهن وإن عاد إلى ملك الراهن. وإن أوجبت قصاصاً في الطرف ونحوه، اقتُصّ منه، وبقي رهناً أيضاً(1) .

وإن أوجبت مالاً في بعض صُور العمد، أو في الخطأ مطلقاً، فالأمر كما قرّرناه من أنّه إن فداه السيّد بقي رهناً، وإن استُرقّ أو بِيع، فإن فضل منه شيء بقي كذلك، وإلّا بطل الرهن ،

ص: 458


1- في «ق» زيادة: «وحكم باقي الأقسام كما مرّ».

•ولو جنى على مولاه عمداً اقتُصَّ منه، ولا يخرج عن الرهانة، ولو كانت الجناية نفساً جاز قتله. أمّا لو كانت خطاً لم يكن لمولاه عليه شيء، وبقي رهناً.

• ولو كانت الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك ما ثبت للموروث من القصاص، أو انتزاعه فى الخطأ إن استوعبت الجناية قيمته، أو إطلاق ما قابل الجناية إن لم تستوعب.

--------------

ولو كان الواجب دون قيمة العبد ولكن تعذّر، بِيع البعض، أو انتقصت القيمة به، بيع الجميع، والفاضل من الثمن عن الجناية يكون رهناً، كما لو اضطرّ إلى بيع الرهن.

ولا فرق في ذلك كلّه بين كون الجناية من العبد ابتداءً، أو بأمر السيّد، وإن كان مكرهاً له عندنا، وإن كان مع الإكراه يحبس المكره حتّى يموت.

نعم، لو كان العبد غير مميّز، أو أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره، فقد قال في التذكرة :

إنّ الجاني هو السيد، وعليه القصاص أو الضمان، ولا يتعلّق برقبة العبد شيء، بل يبقى رهناً وإن كان السيّد معسراً (1).

قوله: «ولو جنى على مولاه عمداً اقتُصّ منه - إلى قوله - وبقي رهناً».

جناية العبد على سيّده إن كانت عمداً وأوجبت قصاصاً، تخيّر مولاه أو وليّه بين القصاص والعفو، فإن اقتُصّ وبقي حيّاً - كما لو كانت على طرفٍ - بقي رهناً، وإلّا فات.

وإن أوجبت مالاً في العمد - على بعض الوجوه - أو في الخطأ، لم يثبت للمولى شيء؛ لأنّ العبد ماله ،ولا يثبت له مال على ماله، وإلّا لزم تحصيل الحاصل، بخلاف القصاص في النفس والطرف؛ لأنّه شرّع للزجر والانتقام، والعبد أحقّ بهما سيّما عن سيّده.

قوله: «ولو كانت الجناية على من يرثه المالك» إلى آخره. إذا جنى العبد المرهون على من يرثه المالك، فإن كانت في غير النفس فأمره يتعلّق

ص: 459


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 302 - 303، ضمن المسألة 202.

•ولو أتلف الرهنَ متلفٌ اُلزم بقيمته، وتكون رهناً ولو أتلفه المرتهن، لكن لو كان وكيلاً في الأصل لم يكن وكيلاً في القيمة؛ لأنّ العقد لم يتناولها.

--------------

بالمجنيّ عليه، وهو في ذلك كالأجنبي، وقد تقدّم حكمه(1). وفي عبارة المصنّف بسبب ذلك تجوّز؛ لأنّه جعل الحكم في جميع الأقسام للمالك.

وإن كانت نفساً وأوجبت قصاصاً، فله قتله؛ لأنّه لا يخرج عن حكم القسمين السابقين (2). وهو واضح.

وإن اختار الاسترقاق، أو كانت خطاً، أو كان المورّث قدمات في القسم الأوّل قبل الاستيفاء، ثبت للمسالك ما كان يثبت لمورّثه من الحكم قصاصاً ومالاً ، فله فكّه من الرهن لأجل المال.

والفرق بين الجناية على المولى وعلى مورّثه - مع أنّ الحقّ للمولى في الموضعين - أنّ الواجب في الجناية على المولى له ابتداءٌ، ويمتنع أن يجب له على ماله ،مال، كما مرّ، أمّا الجناية على مورّثه فالحق فيها ابتداءٌ للمجنيّ عليه، وإنّما ينتقل الحقّ إلى الوارث من المورّث وإن كان ديةً؛ لأنّها محسوبة من تركته ،يوفى منها دَيْنه وينفّذ وصاياه، وكما لا يمتنع ثبوت مال للمورّث المولى على عبده لا يمتنع انتقاله عنه إليه، فيفكّه من الرهن لذلك.

ونبّه بالفرق على خلاف بعض الشافعيّة، حيث حَكَم بسقوط المال بانتقاله إلى سيّده، ويبقى رهناً (3)؛ للوجه الذي انتفى لو كان المال للسيّد ابتداءً.

قوله: «ولو أتلف الرهنَ متلفٌ أُلزم بقيمته، وتكون رهنا» إلى آخره.

الإتلاف مشعر بالمباشرة، وهو يقتضي الضمان.

والحاصل أنّ إتلاف الرهن متى كان على وجه يوجب عوضه مِثْلاً أو قيمةً، سواء كان المتلف الراهن أم المرتهن أم الأجنبى، كان العوض رهناً، لكن لو كان المرتهن وكيلاً في حفظ الأصل، أو في بيعه ،بطلت وكالته.

ص: 460


1- تقدّم آنفاً.
2- في حاشية «و»: «القسمان هما الجناية على نفس السيّد وعلى نفس الأجنبي. والقصاص ثابت فيهما. (منه رحمه الله )».
3- العزيز شرح الوجيز ، ج 4، ص 518: روضة الطالبين، ج 3، ص 343.

•ولو رهن عصيراً فصار خمراً بطل الرهن، فلو عاد خَلّاً عاد إلى ملك الراهن.

--------------

والفرق بين الرهن والوكالة - مع اشتراكهما في التعلّق ابتداء بالعين - أنّ الغرض من الرهن الاستيثاق بالعين ليستوفي الحقّ من قيمتها، فالقيمة لا تخرج عن غرض الرهن (1)، بخلاف الوكالة، فإنّها إذن منوطة بما عيّنه المالك، والأغراض تختلف كثيراً في حفظ الأموال وبيعها باختلاف الأشخاص، فربما استأمنه على عرضٍ ولا يستأمنه على قيمته، وربما كان عارفاً ببيع متاعٍ بحيث لا يغبن فيه، وليس بعارفٍ بغيره.

قوله: «ولو رهن عصيراً فصار خمراً بطل الرهن، فلو عاد خَلّاً عاد إلى ملك الراهن».

إنّما يبطل الرهن بذلك بطلاناً مراعىً ببقائه كذلك أو بتلفه، فلو عاد خلا عاد الرهن، وإن كانت عبارة المصنّف تؤذن بخلاف ذلك، من حيث البطلان ،ومن قوله «عاد إلى ملك الراهن»، فإنّه يشعر بعدم عوده رهناً، كما لو مَلَك الراهن الرهن بعد انتقاله عن الرهن بوجهٍ من الوجوه.

ولو قال: فلو عاد خَلّاً رجع رهناً ، كان أخصر، وأفاد الحكمين، فإنّ عوده رهناً يستلزم عود ملك الراهن.

والحاصل أنّهم لا يعنون ببطلان الرهن هنا اضمحلال أثره بالكلّيّة، بل ارتفاع حكمه ما دامت الخمريّة باقيةً، وتبقى علاقة الرهن؛ لبقاء أولويّة المالك على الخمر المتّخذ للتخليل، فكأنّ الملك والرهن موجودان فيه بالقوّة القريبة؛ لأنّ تخلّله متوقّع، والزائل المعبّر عنه بالبطلان الملك والرهن بالفعل؛ لوجود الخمريّة المنافية.

ونظير ذلك أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت خرجت بذلك من حكم العقد، وحرم وطؤها عليه، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة عاد حكم العقد. وكذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

ثّم إن كان الرهن مشروطاً في عقدٍ كبيعٍ، وكانت الخمريّة بعد قبضه، فلا خيار للمرتهن؛ الحدوث العيب في يده، وإن كان قبل القبض، فإن لم يشترط فالحكم كذلك؛ لعروض المبطل

ص: 461


1- في «ق»: «عوض الرهن».

•ولو رهن من مسلم خمراً لم يصحّ، فلو انقلب في يده خَلاًّ فهو له على تردّد.

•وكذا لو جمع خمراً مراقاً، •وليس كذلك لو غصب عصيراً.

--------------

بعد تمام الرهن، وإن اشترطنا القبض تخيّر المرتهن في العقد المشروط فيه.

قوله: «ولو رهن من مسلمٍ خمراً، لم يصحّ، فلو انقلب في يده خَلًّا، فهو له على تردّدٍ».

ضمیر «له» يعود على المرتهن المدلول عليه ب-«رهن»، فإنّه يقتضي راهناً ومرتهناً، والمراد أنّه إذا رهنه الخمر وأقبضه إيّاها لم يصحّ الرهن؛ لأنّ الخمر لا تملك للمسلم وإن اتَّخذت للتخليل، فإذا دفعها إلى المرتهن وتخلّلت في يده مَلَكها المرتهن؛ لاستيلاء يده عليها، كما يملك سائر المباحات التي لا يد لأحدٍ عليها بذلك.

ووجه التردّد في ذلك ممّا ذُكر، ومن أنّ يد الأوّل لم تزل بالرهن؛ لأنّ الراهن له يد على الرهن في الجملة، وهي أسبق.

ويقوى ذلك لو كانت محترمةً، وهي التي اتّخذها الراهن للتخليل، أمّا غيرها فالأوّل أقوى.

قوله: «وكذا لو جمع خمراً مراقاً».

أي جَمَعه وصار في يده خَلّاً، فإنّه يكون له على تردّد فيه، ممّا ذُكر سابقاً.

ويزيد احتمال كونه للأوّل ضعفاً بخروج أولويّة يده بإراقتها، فانتفى تعلّقه بها بالكلّيّة،فتكون ملكاً للثاني.

وربما وجّه ملك الأوّل بأنّ جمع الثانى لها محرّم، فلا تثبت يده عليها، فلا يصحّ تملّكها.

وهو ممنوع؛ لأنّ تحريم الجمع إنّما يتمٌ لو لم يرد التخليل، وأمّا لو أراده صحّ له ذلك، كما يصحّ إبقاؤها وحفظها لذلك، ومن ثمَّ سُمّيت محترمةً، أي يحرم غصبها وإتلافها على من هي في يده، ولولا احترامها لأدّى ذلك إلى تعذّر اتخاذ الخَلّ؛ لأنّ العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فالقول بملك الجامع لها أقوى.

واعلم أنّ الخمر مؤنّث سماعي، فحقّ الضمائر العائدة إليها أن تكون مؤنّثةً، وهي في عبارة المصنّف ليست كذلك، لكنّه جائز غير فصيح.

قوله: «وليس كذلك لو غصب عصيراً».

ص: 462

• ولو رهنه بيضةً فأحضنها فصارت فرخاً كان الملك والرهن باقيين، وكذا لو رهنه حبّاً فزرعه.

--------------

بمعنى أنّه لو غصب عصيراً فصار في يد الغاصب خمراً ثمّ عاد خَلّا، فإنّ الغاصب لا يملكه، بل يكون ملكاً للمغصوب منه؛ لأنّه غصبه وهو ملكه، فلم يكن ليد الغاصب أثر، وإن كان قد ينقدح احتمال ملكه، من حيث زوال ملك المغصوب منه بصيرورته خمراً، فتصير كالمعدوم، فإذا تخلّلت في يد الغاصب مَلَكها باليد الطارئة بعد التخليل، ولا يؤثّر كونه غاصباً قبل ذلك؛ لأنّ الغصب زال بالخمريّة، حيث لم يبقَ مالاً.

وهو ممنوع بما تقدّم من عدم بطلان اليد عليها حيث يراد التخليل كيف! وقد كانت من قبل مالاً محضاً.

ولقد كان على المصنّف أن يذكر قبل هذه المسألة حكم مَنْ غصب خمراً من غيره فتخلّل في يده، فإنّ في ملك الغاصب له خلافاً مشهوراً، ثمّ يقول: وليس كذلك لو غصب عصيراً؛ إذ لا خلاف في هذه.

وأيضاً فالحكم السابق ليس فيه حكم غصب الخمر، وإنّما فيه جمع المراق ورهنه وكلاهما لا يناسب سلب حكمه عن غاصب العصير وإن كان في الحقيقة مسلوباً؛ إذ ليس من شكله، وإنّما يناسبه سلب حكم غاصب الخمر إن حكم فيه بملك الغاصب، كما اختاره جماعة(1) .

قوله: «ولو رهنه بيضةً فأحضنها فصارت فرخاً كان الملك والرهن باقيين» إلى آخره.

وجهه واضح؛ فإنّ هذه الأشياء نتيجة ماله، ومادّتها له، فلم تخرج عن ملكه بالتغيّر والاستحالات المتجدّدة صفات حصلت فيها، وحصل بسببها استعدادات مختلفة لتكوّناتٍ متعاقبة خلقها الله تعالى فيها ووهبها له، فليس للمرتهن في ذلك شيء.

ص: 463


1- منهم العلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 111؛ وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 15.

•وإذا رهن اثنان عبداً بينهما بدَيْن عليهما كانت حصّة كلّ واحدٍ منهما رهناً بدَيْنه، فإذا أدّاه صارت حصّته طلقاً وإن بقيت حصّة الآخَر.

--------------

ونبّه بذلك على خلاف من قال: إنّ هذه التغيّرات تفيد ملك القابض، تنزيلاً للعين بمنزلة التالف، فغايته ضمان المثل أو القيمة، وهو ضعيف جدّاً.

وقد ذكروا هذه المسألة في باب الغصب، وخالف فيها جماعة من العامّة(1) والشيخ من أصحابنا في بعض أقواله(2).

قوله: «وإذا رهن اثنان عبداً بينهما بدَيْن عليهما - إلى قوله - وإن بقيت حصّة الآخر».

هذا عندنا موضع وفاقٍ، ووجهه إنّ رهن كلٍّ منهما عند الإطلاق ينصرف إلى دَيْنه لا إلى دَيْن صاحبه، فإنّ ذلك هو مقتضى العرف، إلّا أن يصرّحا بكون كلٍّ منهما قد رهن حصّته على دَيْنه ودَيْن صاحبه، فإنّه حينئذٍ لا ينفك إلّا بوفاء الديْنين.

ونبّه بذلك على خلاف أبي حنيفة، حيث حَكَم بأن الإطلاق منصرف إلى جَعْل كلّ منهما على الديْنين، فلا ينفكّ حتّى يوفيا معاً، ويكون حصّة كلٍّ منهما بالنسبة إلى دَيْن الآخَر بمنزلة المستعار للرهن(3).

وإنّما يقع الاشتباه في المسألة لو جعلنا إطلاق الرهن موجباً لكونه على كلّ جزءٍ من الديْن.

ولو قلنا بانفكاكه أجمع عند وفاء بعض الديْن، فلا شبهة هنا في الانفكاك، وقد تقدّم البحث في ذلك(4).

ص: 464


1- المبسوط، السرخسي، ج 11، ص 103؛ بدائع الصنائع، ج 7، ص 219؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 5. ص 405 المسألة 3965.
2- المبسوط، ج 3، ص 527 الخلاف، ج 3، ص 420 المسألة 38.
3- فتاوی قاضیخان المطبوع بهامش الفتاوى الهندية، ج 3، ص 599 : بدائع الصنائع، ج 6، ص 210.
4- تقدم في ص 445 - 446.

[المقصد] الثالث في النزاع الواقع فيه

وفيه مسائل:

الأُولى :• إذا رهن مشاعاً وتشاحّ الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم وأُجره إن كان له أُجرة، ثمّ قسّمها بينهما بموجب الشركة، وإلّا استأمن عليه من شاء، قطعاً للمنازعة.

الثانية:• إذا مات المرتهن انتقل حقّ الرهانة إلى الوارث، فإن امتنع الراهن من استثمانه كان له ذلك، فإن اتّفقا على أمينٍ، وإلّا استأمن عليه الحاكم.

--------------

قوله: «إذا رهن مشاعاً وتشاحّ الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم» إلى آخره.

لا فرق بين اختلافهما في إمساكه لأجل القبض وإمساكه لأجل الاستئمان إلى أن يحلّ الأجل، فإنّ الحاكم ينصب له عدلاً ليقبضه عن الرهن، وليكن بإذن الراهن، وللأمانة.

ثمّ إن كان ذا أجرةٍ آجره الحاكم أو من نصبه مدّةً لا تزيد عن أجل الحقّ، فلو زادت بطل الزائد، وتخيّر المستأجر مع جهله إلّا أن يجيز المرتهن.

ثمّ إنّ قلنا بدخول النماء المتجدّد في الرهن، تعلّق الرهن بحصة الراهن من الأُجرة، وإلّا فلا.

قوله: «إذا مات المرتهن انتقل حقّ الرهانة إلى الوارث» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ الرهن لا يبطل بموت كلٍّ منهما (1)؛ لأنّه لازم من جهة الراهن، وحقّ للمرتهن، ولكنّ الوكالة في حفظه وبيعه تبطل؛ لفوات متعلّقها وإن كانت مشروطةً في عقدٍ لازمٍ، فإنّ الأغراض تختلف في الاستثمان باختلاف الأشخاص، وحينئذ فإن اتفقا على أمين، وإلّا رجع (2) أمره إلى الحاكم؛ لأنّه وليّ الممتنع وهذا كلّه واضح.

ص: 465


1- تقدم في ص 429 - 430 .
2- في بعض النسخ «رفع» بدل «رجع».

الثالثة:• إذا فرّط في الرهن، لزمته قيمته يوم قبضه، وقيل: يوم هلاكه، وقيل:أعلى القيم.

--------------

قوله: «إذا فرّط في الرهن لزمته قيمته يوم قبضه» إلى آخره.

حكم المصنّف باعتبار قيمته يوم قبضه مبنيٌّ على أنّ القيمي يُضمن بمثله، ومع ذلك في اعتبار يوم القبض نظر؛ لأنّه ثمَّ لم يكن مضموناً، فينبغي على ذلك اعتبار المثل يوم الضمان.

والقول بضمانه يوم هلاكه للأكثر ، ومنهم المصنّف في النافع(1)؛ لأنّه وقت الحكم بضمان القيمة؛ لأنّ الحقّ قبله كان منحصراً في العين وإن كانت مضمونةً.

هذا إذا كان الاختلاف بسبب السوق، أو بسبب نقص في العين غير مضمونٍ، أما لو فرّط فنقصت العين بهزالٍ ونحوه ثمّ هلك، اعتُبر أعلى القِيَم من حين التفريط إلى حين التلف، كالغاصب؛ لأنّ ضمان الأجزاء تابع لضمان العين.

والقول بأعلى القِيَم يحتمل ما ذكرناه، ووجهه واضح، وأن يريد به الأعلى من حين التلف إلى الحكم عليه بالقيمة، وهو قول ابن الجنيد (2)، والأعلى من حين القبض إلى يوم التلف مساواةً للغاصب. حكاه في النافع (3)، ونُسب إلى الشيخ في المبسوط (4).

وأطلق جماعة الأعلى (5)كما أطلق المصنّف.

ويضعّف قول ابن الجنيد بأنّ المطالبة لا دَخْل لها في ضمان القيمي، والأخير بأنّه غير مضمونٍ قبل التفريط، فلا وجه لاعتبار قیمته.

هذا كلّه إذا كان قيميّاً، ولو كان مثليّاً ضمن بمثله إن وُجد، وإلّا فقيمة المثل عند الأداء على الأقوى؛ لأنّ الواجب قبله إنّما كان المثل، وإنّما انتقل إلى القيمة حينئذٍ لتعذّر المثل،

ص: 466


1- المختصر النافع، ص 229 .
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 419 - 420 ، المسألة 39.
3- المختصر النافع، ص 229.
4- لم نعثر عليه في المبسوط المطبوع، ونسبه إليه السيوري في التنقيح الرائع، ج 2، ص 174 .
5- راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 123؛ وإيضاح الفوائد، ج 2، ص 35.

•فلو اختلفا في القيمة كان القول قول الراهن، وقيل: قول المرتهن، وهو الأشبه .

الرابعة : • لو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن، وقيل: القول قول المرتهن ما لم تستغرق دعواه ثمن الرهن،والأوّل أشهر.

--------------

بخلاف القيمي، فإنّ القيمة استقرّت في الذمّة من حين التلف قطعاً، وإنّما يقع الاشتباه في قدرها حينئذٍ بسبب الاعتبارات السابقة.

قوله: «فلو اختلفا في القيمة فالقول قول الراهن، وقيل: قول المرتهن، وهو الأشبه».

الأشبه أشبه؛ لأنّه منكر للزائد، والأصل عدمه وبراءته منه. والقول الأول للأكثر؛ نظراً إلى كون المرتهن صار خائناً، فلا يُقبل قوله.

ويضعّف بأنّا لم نقبل قوله من هذه الحيثيّة، بل لما ذكرناه.

قوله: «فلو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن - إلى قوله - والأوّل أشهر».

الأوّل قول الأكثر، وهو الأقوى؛ لأصالة عدم الزيادة وبراءة ذمّة الراهن، ولأنّه منكر يكون القول قوله، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام(1)، وموثّقة عبيد بن زرارة عن الصادق علیه السلام(2).

والقول الثاني لابن الجنيد (3)؛ استناداً إلى رواية السكوني عن الصادق علیه السلام: «إنّ عليّاً علیه السلام قال : يصدّق المرتهن حتّى يحيط بالثمن؛ لأنّه أمينه»(4).

والرواية - مع ضعفها وندورها - معارضة للصحيح مخالفة للأصل.

ص: 467


1- الكافي، ج 5، ص 237، باب الاختلاف في الرهن، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174، ح 769؛ الاستبصار، ج 3، ص 121 ، ح 432 .
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174، ح 770؛ الاستبصار، ج 3، ص 121 - 122، ح 433.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 420 - 421، المسألة 40.
4- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 175، ح 774: الاستبصار، ج 3، ص 122، ح 435.

--------------

بقي في المسألة شيء، وهو أنّ المصنّف في هذا الكتاب نقل قول ابن الجنيد بأنّ القول قول المرتهن ما لم تستغرق دعواه الرهن، ومقتضاه أنّه مع الاستغراق لا يقدّم قوله، سواء ادّعى أنّ الديْن بقدر قيمة الرهن أم أزيد؛ لتحقّق الاستغراق فيهما.

وفي النافع نقل القيل بتقديم قوله: ما لم يدّع زيادة عن قيمة الرهن (1)، وكذا عبّر أكثر الجماعة، ومقتضاه أنّه لو ادّعى قدر الدیْن كان القول قوله.

والموجب لهذا الاختلاف عبارة ابن الجنيد، فإنّه قال:

المرتهن يُصدَّق في دعواه حتّى يحيط بالثمن، فإن زادت دعوى المرتهن على القيمة لا تُقبل إلّا ببيّنةٍ (2) .

فإنّه في أوّل العبارة جعل غاية التصديق إحاطة الدعوى بالثمن، والغاية خارجة عن المغيّا، فيقتضي عدم التصديق مع الإحاطة، وعقّبه بقوله: فإن زادت دعوى المرتهن عن القيمة لا تُقبل، ومفهوم الشرط أنه مع عدم الزيادة تُقبل، فقد تعارض في كلامه مفهوما الغاية والشرط، فاختلف النقل عنه لذلك.

وأمّا الرواية التي هي مستند الحكم فقد ذكرنا لفظها سابقاً لذلك، وحاصلها جعل الإحاطة غاية القبول، ولم يتعرّض للزيادة، وحينئذٍ فيبنى على أن الغاية هل هي داخلة في المغيّا حيث تنفصل منه حسّاً، أم لا؟ ويبنى على ذلك دلالة الرواية، لكن لمّا كان المختار والمتّضح خروجها جعل المصنّف في هذا الكتاب شرط القبول عدم الاستغراق، مضافاً إلى صدر كلام ابن الجنيد، والجماعة - ومنهم المصنّف في النافع - نظروا إلى مجرّد كلام ابن الجنيد واعتبروا منه مفهوم الشرط، وحملوا الغاية عليه جمعاً؛ لأنّه الأقوى.

ص: 468


1- المختصر النافع، ص 229.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 420، المسألة 40.

الخامسة: • لو اختلفا في متاع، فقال أحدهما: هو وديعة، وقال الممسك: هو رهن، فالقول قول المالك، وقيل: قول الممسك، والأوّل أشبه.

--------------

وإنّما يظهر أثر هذا الاختلاف لو قلنا بقوله وعملنا بالرواية، وحيث اطرحناهما سهل الخطب.

قوله: «لو اختلفا في متاع، فقال أحدهما: هو وديعة - إلى قوله - والأول أشبه».

القول الأوّل للأكثر وعليه العمل؛ لأصالة عدم الرهن، ولأنّ المالك منكر، فيكون القول قوله، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام(1).

والقول الثاني للشيخ (رحمه الله) في الاستبصار (2)، وقبله الصدوق(3)؛ لرواية عبّاد بن صهيب (4)، وابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام(5).

وفيهما - مع ضعفهما - مخالفة الأصل ومعارضة الصحيح.

وفصّل ابن حمزة، فقبل قول المرتهن إن اعترف الراهن له بالدَيْن، وقول الراهن إن أنكره(6)؛ للقرينة. وفيه أيضاً جمع بين الأخبار (7)، ولكن قد عرفت ما فيه.

واعلم أنّ المراد بقول المصنّف «أحدهما» هو المالك، بقرينة ما بعده، وبعدم الفائدة لو كان غيره، فلو أبدله به كان أولى.

ص: 469


1- 1. تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174 ، ذيل الحديث 769؛ الاستبصار، ج 3، ص 123، ح 438.
2- الاستبصار، ج 3، ص 122 - 123، ح 436 و 437.
3- المقنع، ص 384 - 385.
4- 4. الكافي، ج 5، ص 238، باب الاختلاف في الرهن، ح 4 الفقيه، ج 3، ص 306. ح 4100: تهذيب الأحكام ج 7 ، ص 176 ، ح 776: الاستبصار، ج 3، ص 122 - 123 ، ح 436.
5- الكافي، ج 5، ص 237، باب الاختلاف في الرهن، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 174، ح 771؛ الاستبصار، ج 3، ص 123 . ح 437.
6- الوسيلة، ص 266 .
7- في حاشية «و»: «هو ضعيف رواياته فلا يحتاج إلى الجمع لاقتضائه تخصيص الجانبين. ولا وجه لتخصيص الصحيح ليجمع بينه وبين الضعيف، ولو فرض أن إحداهما من الموثق فلا تعارض الصحيح أيضاً. (منه رحمه الله)».

السادسة • إذا أذن المرتهن للراهن في البيع ورجع، ثمّ اختلفا فقال المرتهن: رجعتُ قبل البيع، وقال الراهن:بعده ، كان القول قول المرتهن، ترجيحاً لجانب الوثيقة؛ إذ الدعويان متكافئتان.

--------------

قوله: «إذا أذن المرتهن للراهن في البيع ورجع_إلى قوله - متكافئان(1)».

وجه التكافؤ أنّ الراهن يدّعي تقدّم البيع على الرجوع، والأصل عدمه، والمرتهن يدّعي تقدّم الرجوع على البيع، والأصل عدم تقدّمه أيضاً، فتكافأ الأصلان فيتساقطان، ويبقى حكم الرهن على العين باقياً، وهو ترجيح جانب الوثيقة.

وفيه أنّ أصالة بقاء الرهن معارضة أيضاً بأصالة صحّة البيع؛ لأنّ وقوعه معلوم، كما أنّ وقوع الرهن معلوم، فيتعارضان أيضاً ويتساقطان، ويبقى مع الراهن ملكيّة المرهون وصحّة تصرّفه فيه، فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم (2).

فإن قيل: أصالة صحّة العقد مترتّبة على سبقه على الرجوع (3)، فإذا حكم بعدمه لم يمكن الحكم بصحّة العقد.

قلنا: وأصالة استمرار الوثيقة مترتّبة على سبقه على الرجوع للبيع، فإذا حكم بعدمه لم يمكن الحكم بترجيحها.

نعم، يمكن دفعه بوجهٍ آخَر، وهو أن صحّة العقد غير معلومةٍ؛ لقيام الاحتمال المذكور،وصحّة الرهن معلومة؛ لوقوعها سابقاً جامعةً للشرائط، وإنّما حصل الشكّ في طروء(4) المبطل فترجّح؛ لأنها أقوى من هذه الجهة.

فإن قيل: إنّ الأصل وإن كان عدم صدور البيع على الوجه الذي يدّعيه الراهن إلا أنّ

ص: 470


1- في نسخ المتن: «متكافئتان» بدل «متكافئان».
2- إشارة إلى الرواية التي أوردها الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 176 - 177 ، المسألة 290؛ والعلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 248، ذيل المسألة 217؛ وج 6، ص 240، ذيل المسألة 10.
3- في بعض النسخ: «الإذن»، والمثبت هو الظاهر.
4- في بعض النسخ: «طرف» بدل «طروء».

--------------

الناقل عنه قد حصل بصدور البيع مستجمعاً لشرائطه، وليس ثُمَّ ما يخلّ بصحّته إلّا كون الرجوع قبله، ويكفي فيه عدم العلم بوقوعه كذلك، والاستناد إلى أصالة بقاء الإذن السابق؛ لأنّ المانع لا يشترط العلم بانتفائه، بل يكفي عدم العلم بوقوعه، وإلّا لم يمكن التمسّك بشيء من العلل الشرعيّة؛ إذ لا قطع بانتفاء الموانع، وحينئذٍ فينتفي (1)حكم كلٍّ من الأصلين السابقين.

قلنا: لا نسلّم وقوع البيع جامعاً لشرائطه الشرعيّة؛ لأنّ من جملة شرائطه إذن المرتهن، وحصوله غير معلومٍ.

وتنقيح ذلك أنّ الرهن المانع للراهن من التصرّف لمّا كان متحقّقاً لم يمكن الحكم بصحّة البيع الواقع من الراهن إلّا بإذنٍ معلوم من المرتهن حالة البيع، ولما حصل الشكّ في حصولها حالته وقع الشك في حصول الشرط نفسه، لا في وجود المانع، ومعلوم أن الشرط لا يكفي فيه عدم العلم بانتفائه، بل لا بدّ من العلم بحصوله، ليترتّب عليه المشروط ولو بطريق الاستصحاب، كالصلاة مع يقين الطهارة سابقاً والشك في بقائها الآن، والأمر هنا كذلك، فإنّ الرهن المانع من صحّة البيع واقع يقيناً ومستصحبٌ الآن، والشرط المقتضي لصحّة البيع وإن كان معلوم الوقوع لكن لا في زمان البيع، لا باليقين ولا بالاستصحاب، فيرجّح جانب الوثيقة كما ذكروه.

بقي في إطلاق الحكم بذلك بحثٌ آخَر، وهو أنّ ذلك كلّه إنّما يتمّ حيث يطلقان الدعويين من غير اتّفاقٍ منهما على زمانٍ معين للبيع أو الرجوع، أو مع اتّفاقهما على وقتٍ واحد، ليتحقّق تعارض الأُصول المذكورة، أمّا لو اتّفقا على زمان أحدهما واختلفا في تقدّم الآخَر، فإنّ الأصل مع مدّعي التأخّر ليس إلّا.

ووجه ذلك أنّهما لو اتفقا - مثلاً - على وقوع البيع يوم الجمعة، وادّعى المرتهن الرجوع

ص: 471


1- في بعض النسخ: «فيبقى».

السابعة: •إذا اختلفا فيما يباع به الرهن بِيع بالنقد الغالب في البلد، ويُجبر الممتنع، ولو طلب كلّ واحدٍ منهما نقداً غير النقد الغالب وتعاسرا، ردّهما الحاكم إلى الغالب؛ لأنّه الذي يقتضيه الإطلاق.

--------------

قبله من غير تعيين زمانٍ، فالأصل يقتضي تأخّره؛ لأنّ ذلك حكم كلّ حادثٍ إلى أن يُعلم وجوده، وإنّما عُلم وجوده بعد البيع، فيقدّم قول الراهن.

ولو انعكس بأن اتّفقا على وقوع الرجوع يوم الجمعة، وادّعى الراهن وقوع البيع قبله، من غير اتّفاقٍ على وقت، فالأصل يقتضي تأخّره إلى أن يُعلم وجوده، وإنّما عُلم بعد زمان الرجوع، فيقدّم قول المرتهن.

وهذا التفصيل هو الأقوى، وهو خيرة الدروس(1) ، وفيما عداه يقدّم قول المرتهن كما ذكره الأصحاب؛ لقيام الدليل على ترجيح جانب الوثيقة، كما حقّقناه.

قوله: «إذا اختلفا فيما يباع به الرهن بِيع بالنقد الغالب في البلد» إلى آخره.

المراد أنّ أحدهما طلب بيعه بالنقد الغالب والآخَر بغيره، فإنّه يباع بالنقد الغالب في البلد؛ لانصراف الإطلاق إليه.

وإنّما فسّرنا بذلك ليحصل الفرق بينها وبين المسألة الآتية حيث قال:« ولو طلب كلّ واحد منهما نقداً غير النقد الغالب وتعاسرا، ردّهما الحاكم إلى الغالب» فإنّ اختلافهما مع اتّحاد النقد الغالب منحصر في كون أحدهما موافقاً والآخَر مخالفاً، أو كونهما مخالفين، فالأوّل هو الأُولى والثانى الثانية.

ولقد كان ذكر الأُولى مغنياً عن الثانية؛ لإمكان أخذها مطلقةً بحيث تشملهما.

وتوقّف ردّهما على الحاكم إنّما يحتاج إليه مع عدم كون المرتهن وكيلاً، أو معه وقد أراد بيعه بغير الغالب، أمّا لو كان وكيلاً وكالة لازمة وأراد بيعه بالغالب لم يتوقّف على إذن الحاكم، ولم يلتفت إلى معارضة الآخَر؛ لانصراف الإطلاق إلى ذلك شرعاً وعرفاً.

ص: 472


1- الدروس الشرعية، ج 3، ص 364 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

•ولو كان للبلد نقدان غالبان بيع بأشبههما بالحقّ.

الثامنة:• إذا ادّعى رهانة شيءٍ فأنكر الراهن - وذكر أنّ الرهن غيره وليس هناك بيّنة - بطلت رهانة ما ينكره المرتهن ،وحلف الراهن على الآخر، وخرجا عن الرهن.

--------------

قوله: «ولو كان للبلد نقدان غالبان بِيع بأشبههما بالحقّ».

أي يباع الرهن بما ناسب الحقّ المرهون عليه، وهو ما يكون من جنسه إن اتّفق موافقة أحدهما له، فإن بايناه عيّن الحاكم إن امتنعا من التعيين.

قال في الدروس: ولو كان أحد المتباينين أسهل صرفاً إلى الحقّ تعيّن(1)، وهو حسن.

وفي قول المصنّف «أشبههما بالحقّ» تجوّز، فإنّه مع مناسبة أحدهما له لا تتحقّق المشابهة، فإنّ الشيء الواحد لا يشبه نفسه، وإن خالفاه كان الأسهل صرفاً أولى، كما ذكره في الدروس(2)، أو كانا سواءً، كما اختاره في القواعد (3)، وأما مجرّد القرب إلى المشابهة مع تحقّق المباينة خصوصاً مع بُعدْه عن صرفه إليه عن الآخَر - فلا يصلح مرجّحاً، والظاهر أنّه أراد بالمشابهة الموافقة(4).

وفي التحرير: لو بايناه بيع بأوفرهما حظّاً(5).

وهو أقعد(6) من الجميع، فإنّه ربما كان عسر الصرف إلى الحقّ أصلح للمالك.

له: «إذا ادّعى رهانة شيءٍ فأنكر الراهن إلى قوله - وخرجا عن الرهن».

إنّما انتفى ما ينكره المرتهن؛ لأنّ الرهن لمحض حقّه، فإذا نفاه انتفى عنه بغير يمينٍ، وأيضاً فالعقد جائز من طرفه، فإنكاره يكون فسخاً لرهنه لو كان، وتبقى اليمين على الراهن

ص: 473


1- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 400 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 400 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 11).
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 120 - 121.
4- في بعض النسخ «الموافق».
5- تحرير الأحكام الشرعية ، ج 2، ص 484 ، الرقم 3117.
6- كذا،والظاهر: «أبعد».

التاسعة: • لو كان له دَيْنان أحدهما برهنٍ، فدفع إليه مالاً واختلفا، فالقول قول الدافع؛ لأنّه أبصر بنيّته.

--------------

لنفي ما يدّعيه؛ لرجوع النزاع إلى أنّ ما يدعيه المرتهن هل هو رهن أم لا؟ والقول قول المالك في عدمه.

ولا إشكال في ذلك إذا كان الرهن المتنازع فيه غير مشروطٍ في عقد، أمّا لو كان كذلك ففي بقاء الحكم السابق وجهان، من بقاء المعنى الذي أوجب ذلك الحكم، وهو انتفاء ما يدّعيه المرتهن، وقبول قول الراهن فيما ينكره، ومن أنّ إنكار المرتهن هنا يتعلّق بحق الراهن من حيث إنّه يدّعي عدم الوفاء بالشرط الذي هو ركن من أركان لزوم ذلك العقد. فيرجع الاختلاف إلى تعيين الثمن، فإنّ شرط الرهن من مكمّلات الثمن، فكلّ واحدٍ يدّعي ثمناً غير ما يدّعيه الآخَر، فهو كما لو قال: بعتك بهذا العبد،فقال: بل بهذه الجارية، وقد تقدّم أنّ الحكم في مثل ذلك التحالف وفسخ العقد.

وقرّب في القواعد تقديم قول الراهن(1).

ويشكل معه بقاء العقد المشروط فيه الرهن مع انتفاء الشرط، حيث انتفى كلّ واحدٍ من الفردين المتنازع في رهنهما، أحدهما بنفي المرتهن، والآخَر بإنكار الراهن والحال أنّهما متفقان على وقوع عقدٍ بشرطٍ ولم يحصل.

وكذلك يشكل فسخه في حقّ الراهن بمجرّد نفي المرتهن اشتراط رهن ما ينفيه، مع إطلاق الأدلّة بوجوب الوفاء بالعقد (2)الذي لم يدلّ على فسخه دليل، فالقول بالتحالف وفسخ العقد بعد ذلك إن أراد المرتهن أقوى.

قوله: «لو كان له دَيْنان أحدهما برهن - إلى قوله - فالقول قول الدافع؛ لأنّه أبصر بنيّته». لا شبهة في تقديم قوله؛ لأنّ النيّة من الأمور الخفيّة التي لا تُعلم إلّا من قِبَله، ولكن هل يلزمه مع ذلك يمين؟ يحتمل العدم؛ لأنّ دعوى غريمه غير معقولةٍ؛ إذ لا اطّلاع له على

ص: 474


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 128.
2- المائدة (5): 1.

•وإن اختلفا في ردّ الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه إذا لم تكن بيّنة.

--------------

نفسه، والحقّ ثبوته؛ لإمكان اطّلاعه عليه بإقراره، ولسماع الدعوى فيما يخفى بمجرّد التهمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ولا فرق حينئذٍ بين تنازعهما على النيّة ابتداءً وعلى اللفظ، بأن ادّعى عليه أنك قلت: إنّه عن الديْن الفلاني، وعبارة المصنّف ظاهرة في القسم الأوّل.

قوله: «ولو اختلفا في ردّ الرهن، فالقول قول الراهن». لأصالة عدم الرّد، فيلزم المرتهن بالمثل أو القيمة، لا بالعين؛ لإمكان أن لا يكون في يده، فيلزم تكليفه بما لا يطاق أو تخليده الحبس.

والفرق بين المرتهن والمستودع، حيث قُبل قوله في الردّ أنّ المستودع قبض لمصلحة المالك، فهو محسن محض و (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)(1)، بخلاف المرتهن، فإنّه قبض لمصلحة نفسه.

ومثله المستعير والمقارض والوكيل بجعلٍ، والله الموفّق.

ص: 475


1- التوبة .(9) 91 .

ص: 476

كتاب المفلّس

تعریف المفلّس

• المُفْلس هو الفقير الذي ذهب خيار ماله، وبقي فلوسه .

والمُفَلَّس هو الذي جُعل مفلّساً، أي مُنع من التصرّف في أمواله.

--------------

كتاب المفلّس

قوله: «المفلس هو [الفقير ] الذي ذهب خيار ماله، وبقي فلوسه» إلى آخره.

عرّف المصنّف المفلس بتعريفين، أحدهما لغويٌ والآخَر شرعي.

فأشار إلى الأوّل بقوله «هو الذي ذهب خيار ماله وبقي فلوسه»، فهو مأخوذ من الفلس واحد الفلوس، يقال: أفلس الرجل - بصيغة اللازم - فهو مفلس - بكسر اللام - إذا صار كذلك(1)، كما يقال : أذلّ الرجل إذا صار ذا ذلّ، وأسهل وأحزن إذا صار إلى السهل والحزن، كما صار هذا إلى الفلوس، وهذا على سبيل الكناية؛ لأنّ الغرض ذهاب ماله أو أكثره بحيث لا يبقى منه إلّا الرديء كالفلوس، ويقال له: مفلَّس بالفتح، يقال: فلّسه القاضي تفليساً إذا حكم بإفلاسه.

وإلى الثاني بقوله «والمفلّس» إلى آخره، وهو بفتح اللام أي المجعول مفلّساً، وهو الممنوع من التصرّف في أمواله، وهذا ليس على وجه التعريف الحقيقي، بل على وجه

ص: 477


1- الصحاح، ج 2، ص 959، «فلس».

--------------

الإيضاح لمعناه الشرعي، وإلّا فالممنوع من التصرّف في ماله أعمّ من المفلّس، بل من الستّة التي عقد لها كتاب الحجر، كما سيأتي (1).

وكلام المصنّف يؤذن بأنّه لا يُسمّى مفلّساً شرعاً حتى يُحجر عليه لأجل الفلس، بل فيه أنّ تفليسه هو الحجر عليه، كما يقال: فلّسه القاضي إذا صيّره مفلّساً بمنعه له من التصرّف. وكلام الفقهاء في هذا الباب مختلف، فإنَّ منهم من جعل التفليس هو الحجر المذكور، كما المصنّف، فقبل الحجر لا يُسمّى المديون مفلّساً وإن استغرقت ديونه أمواله وزادت عليها، ومنهم من اعتبره مفلّساً متى كان كذلك وإن لم يحجر عليه، ولهذا يقولون: الفلس من أسباب الحجر، ويقولون لو مات المفلس قبل الحجر عليه لم تترتب الأحكام، ويقولون: شرط الحجر على المفلس التماس الغرماء له، وسيأتي في عبارة المصنّف أنّه لا يحجر على المفلّس إلّا بحكم الحاكم(2)، وغير ذلك من الأحكام التي صار هذا الاسم بسببها حقيقةً؛ لكثرة استعمال الفقهاء له بهذا المعنى، وإطلاق هذا المعنى عليه بطريق المجاز إمّا بما يؤول إليه، أو باعتبار المعنى اللغوي، فإنّه مجاز شرعي بعيد.

وأكثر الفقهاء منّا ومن غيرنا عرّفوه شرعاً بأنّه من عليه ديون ولا مال له يفي بها، وهذا شامل لغير المحجور عليه.

والحق أنّ الفلس سابق على الحجر ومغاير له، وهو أحد أسبابه كما ذكروه، لا عينه، ولا الحجر جزء مفهومه.

نعم، قد يطلق التفليس على حجر الحاكم على المفلّس، كما يقال: فلّسه القاضي ، لكنّه من باب إطلاق اسم السبب على المسبّب، وعلى هذا لا مانع من اجتماع الفلس والصغر، كما إذا استدان الوليّ للصبيّ إلى هذه المرتبة، وكذا السفيه، ولا يمنع من ذلك عدم حجر الحاكم على الصبيّ للفلس؛ لأنّه ليس بشرطٍ في تحقق مفهومه شرعاً، كما حقّقناه.

ص: 478


1- يأتي في ص 532 .
2- يأتي في ص 550 .

شروط الحجر علی المفلّس:

ولا يتحقّق الحجر عليه إلّا بشروط أربعة:

الأوّل: أن تكون ديونه ثابتةً عند الحاكم.

الثاني: • أن تكون أمواله قاصرةً عن ديونه، • ويحتسب من جملة أمواله معوّضات الديون.

--------------

وعلى هذا فبين المعنى اللغوي والشرعي عموم وخصوص من وجهٍ، يجتمعان فيمن عليه الديون ولا مال له، وينفرد اللغوي بمن ذهب ماله وليس عليه دَیْنٌ، وينفرد الشرعي بمن له مال كثير ولكن عليه دَيْنُ يزيد عن ماله.

وعلى ما يظهر من تعريف المصنّف وبعضهم فهما متباينان.

قوله: «أن تكون أمواله قاصرةً عن ديونه».

فلو كانت مساويةً لها أو زائدةً لم يحجر عليه عند علمائنا أجمع، بل يطالب بالديون، فإن قضاها وإلّا تخيّر الحاكم مع طلب أربابها بين حبسه إلى أن يقضي المال وبين أن يبيع متاعه ويقضي به الديْن.

ولا فرق في ذلك بين من ظهرت عليه أمارات الفلس - مثل أن تكون نفقته من رأس ماله، أو يكون ما في يده بإزاء دَيْنه، ولا وجه لنفقته إلّا ما في يده - ومن لم يظهر، كمن كان كسوباً ينفق من كسبه، خلافاً للشافعي حيث جوّز الحجر على المساوي في أحد أقواله، وعلى من ظهرت عليه أماراته في آخَر ، ووافقنا في ثالثٍ(1).

قوله:« ويحتسب من جملة أمواله معوّضات الديون».

هي الأموال التي مَلَكها بعوضٍ ثابتٍ في ذمّته، كالأعيان التي اشتراها واستدانها ،وإنما احتُسبت من جملة أمواله؛ لأنّها ملكه الآن وإن كان أربابها بالخيار بين أن يرجعوا فيها وبين أن لا يرجعوا ويطالبوا بالعوض. وكما تحتسب من أمواله تحتسب أعواضها من جملة ديونه.

ص: 479


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 7 - 8؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 365.

الثالث: • أن تكون حالّةً.

الرابع: • أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه، ولو ظهرت أمارات الفلس

--------------

ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث زعم أنّها لا تقوّم؛ لأنّ لأربابها الرجوع فيها ، فلا تحتسب من ماله، ولا عوضها عليه من دَيْنه(1). واعلم أنّ ضمير «أمواله» يعود إلى المفلّس المبحوث عنه وإن كان هذا الحساب قبل الحجر؛ لما قد بيّنا من تحقّق الوصف قبل الحجر.

وعلى ما ذكره المصنّف يرجع إليه بطريق التجوّز، أو إلى المديون الذي يراد تعلّق الحجر به؛ لدلالة المقام عليه وإن لم يَجْر له ذكر.

قوله: «أن تكون حالّةً».

فلو كانت مؤجَّلةً لم يحجر عليه وإن لم يف ماله بها؛ إذ ليس لهم المطالبة في الحال،وربما يجد الوفاء عند توجّه المطالبة ، ولو كان بعضها حالّاً اعتُبر قصور ماله عنه خاصّةً، فلو وفى به لم يحجر عليه وإن لم يبق للمؤجّل شيء، وإن قصر عن الحالّ حجر عليه لها وقسّم عليها، ولا يدّخر للمؤجّل شيء.

قوله: «أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه».

لأنّ الحقّ لهم فلا يتبرّع الحاكم عليهم به.

نعم لو كانت الديون لمن له عليه ولاية كالطفل اليتيم والمجنون والسفيه كان له الحجر.

وكذا لو كان بعضها كذلك مع التماس الباقين.

ولو كانت الديون لغائبٍ، لم يكن للحاكم الحجر عليه؛ لأنّ الحاكم لا يستوفي ما للغائب في الذمم ، بل يحفظ أعيان أمواله، وإنّما يحجر عليه مع التماس البعض إذا كانت ديونهم بقدرٍ يجوز الحجر به عليه، ثمّ يعمّ الحجر الجميع؛ لثبوت الديون كلّها، واستحقاق أربابها المطالبة بها، بخلاف المؤجَّلة.

ص: 480


1- العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 8؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 366 .

لم يتبرّع الحاكم بالحجر ، • وكذا لو سأل هو الحجر.

وإذا حجر عليه تعلّق به منع التصرّف؛ لتعلق حقّ الغرماء، واختصاص كلّ غريمٍ بعين ماله، وقسمة أمواله بين غرمائه.

--------------

واستقرب في التذكرة جواز الحجر عليه بالتماس بعض أرباب الديون الحالة وإن لم يكن دَيْن الملتمس زائداً عن ماله (1).

قوله: «وكذا لو سأل هو الحجر عليه».

هذا هو المشهور؛ لأنّ الحجر عقوبة،والرشد والحُرّيّة ينافيانه، فلا يصار إليه إلّا بدليل

صالحٍ، وإنّما يتحقّق مع التماس الغرماء.

واستقرب في التذكرة جواز إجابته؛ محتجاً بأنّ في الحجر مصلحةً للمفلّس، كما فيه مصلحة للغرماء، فكما يجاب الغرماء إلى ملتمسهم حفظاً لحقوقهم، فكذا المفلّس ليسلم من حقّ الغرماء ومن الإثم بترك وفاء الدينْ، وقد روي أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم حجر على معاذ بالتماسه خاصّة(2).

ص: 481


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص ،21، الفرع «ب» من المسألة 267.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 21 - 22، الفرع «ج» من المسألة 267؛ والرواية أوردها البيهقي في السنن الكبرى، ج 6 ، ص 80. ح 11261 _ 11262 .

القول في منع التصرف

•ويُمنع من التصرّف احتياطاً للغرماء، • فلو تصرّف كان باطلاً،

--------------

قوله: «ويُمنع من التصرّف احتياطاً للغرماء».

إنّما يُمنع من التصرّف المبتدأ في المال لا من مطلق التصرّف، فلا يُمنع من الفسخ بالخيار والعيب؛ لأنّه ليس بابتداء تصرّفٍ - وسيأتي التنبيه عليه في كلام المصنّف(1) - ولا من التصرّف في غير المال كالنكاح والطلاق واستيفاء القصاص والعفو عنه ونحوها.

ولعلّ المصنّف نبه على ذلك بقوله «احتياطاً للغرماء» إذ لا ضرر على الغرماء في ذلك.

وكذا لا يُمنع ممّا يفيد تحصيل المال ولا يقتضي تصرّفاً فيه كالاحتطاب، والاتّهاب، وقبول الوصيّة، فيملك بذلك وإن مُنع من التصرّف فيه بعده، وكان على المصنّف أن ينبّه على ذلك.

قوله: «فلو تصرّف كان باطلاً».

أي تصرّف فيما يُمنع من التصرّف فيه.

والبطلان الذي حكم به يمكن أن يريد به حقيقته بمعنى بطلان التصرّف من رأسٍ؛ لمنعه منه شرعاً، فتكون عبارته مسلوبةً كعبارة الصبيّ، فلا تصحّ وإن لحقته الإجازة، وهذا هو المناسب للحجر، فإنّ معنى قول الحاكم: حجرت عليك، منعتك من التصرّفات، ومعناه تعذّر وقوعها منه، وهو أحد الوجهين في المسألة.

ويمكن أن يريد به عدم نفوذه بحيث لا يتوقّف على شيء على وجه المجاز، فلا ينافي صحّته لو أجازه الغرماء، أو فضل عن الديْن بعد قسمة ماله عليهم، وهو الوجه الثاني في

ص: 482


1- سيأتي في ص 486.

•سواء كان بعوضٍ، كالبيع والإجارة، أو بغير عوضٍ، كالعتق والهبة. •أمّا لو أقرّ بدینٍ سابق صحّ، وشارك المقرّ له الغرماء.

--------------

المسألة، فإنّه لا يقصر عن التصرّف في مال الغير، فيكون كالفضولي، وحينئذٍ فلا ينافيه منعه من التصرّف؛ لأنّ المراد منه التصرّف المنافي لحقّ الغرماء، كما مرّ؛ إذ لا دليل على إرادة غيره، ولأنّ عبارته لا تقصر عن عبارة السفيه المحجور عليه مع صحّة تصرّفه الملحوق بإجازة الوليّ، ولعلّ هذا أقوى.

فعلى هذا إن أجازه الغرماء نفذ، وإلّا أخّر إلى أن يقسّم ماله، لا يباع ولا يسلّم إلى الغرماء، فإن لم يفضل من ماله شيء بطل، وإن فضل ما يسعه صحّ، ويتصوّر الفضل مع قصوره وقت الحجر بارتفاع قيمة ماله وإبراء بعض الغرماء، ونحو ذلك.

قوله: «سواء كان بعوضٍ، كالبيع والإجارة، أو بغير عوضٍ، كالعتق والهبة».

المراد بالتصرّف الذي بغير عوضٍ ما صادف المال، كما ينبّه عليه التمثيل بالعتق والهبة، وإلّا فالتصرّف الذي لا يصادف المال كلّه بغير عوضٍ مع كونه صحيحاً، كما بيناه سابقاً.

قوله: «أمّا لو أقرّ بدَيْنٍ سابقٍ صحّ، وشارك المقرّ له الغرماء».

لا إشكال في صحّة الإقرار في الجملة؛ لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1).

وليس الإقرار كالإنشاء حيث قيل ببطلانه رأساً، فلا ينفذ بعد الحجر؛ لأنّ الغرض من إبطال التصرّف إلغاء الإنشاء الموجب لإحداث الملك، أمّا الإقرار فإنّه إخبار عن حقّ سابقٍ لم يبطل بالحجر (2)، فإذا تعلّق غرض المفلّس ببراءة ذمّته بالإقرار وجب قبوله منه.

وإنّما الكلام في أنّ المقرّ له هل يشارك الغرماء أم لا؟ فإنّ فيه خلافاً، فالمصنّف (رحمه الله) قطع بمشاركته، واستقر به العلّامة في التذكرة والتحرير(3)، وقبلهما الشيخ في المبسوط(4) ؛

ص: 483


1- تقدم تخريجه في ص 294. الهامش 1.
2- في «م ، و»: «لم يبطل به الحجر».
3- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 28، المسألة 275؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 509 الرقم 3782 .
4- المبسوط، ج 2، ص 236 .

--------------

لأنّه عاقل فينفذ [إقراره](1)، للخبر (2)، وعموم الخبر في قسمة ماله بين غرمائه (3)، والمقرّ له أحدهم، ولأنّ الإقرار كالبيّنة، ومع قيامها لا إشكال في المشاركة، ولانتفاء التهمة على الغرماء؛ لأنّ ضرر الإقرار في حقّه أكثر منه في حقّ الغرماء، ولأنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يُقرّ بدَيْنِ عليه مع عدمه.

ويشكل بمنع دلالة الخبر على المدّعى؛ لأنّا قبلناه على نفسه، ومن ثمّ ألزمناه بالمال بعد زوال الحجر، ولم يدلّ على أنّه جائز على غيره، ولو شارك المقرّ له الغرماء لنفذ عليهم؛لتعلّق حقّهم بجميع ماله، ولا معنى لمنعه من التصرّف إلّا عدم نفوذه في ماله الموجود، والمشاركة تستلزم ذلك.

ونمنع مساواة الإقرار للبيّنة في جميع الأحكام، ويظهر أثره فيمن لا يُقبل إقراره إذا أُقيمت عليه البيّنة، وإذا لم تكن القاعدة كلّيّةً لم تصلح كبرىً للشكل، فلا ينتج المطلوب.

والتهمة موجودة في حقّ الغرماء؛ لأنّه يريد إسقاط حقّهم بإقراره، وتحقّق الضرر عليه لا يمنع من إيجابه الضرر عليهم، ولإمكان المواطاة بينه وبين المقرّ له في ذلك، فلا يتحقّق الضرر إلّا عليهم، وعلى كلّ حالٍ لا يمكن الحكم بنفي التهمة على الإطلاق، بل غايته أنّه قد يكون متّهماً وقد لا يكون، فلا يصلح جَعْل عدم التهمة وجهاً للنفوذ مطلقاً.

والأقوى عدم المشاركة.

واحترز بالدَيْن السابق عمّا لو أسند الديْن إلى ما بعد الحجر، فإنّه لا ينفذ في حقّ الغرماء وإن صحّ الإقرار في نفسه، كما مرّ ؛ لأنّ المعاملة الواقعة بعد الحجر متى تعلّقت بأعيان أمواله كانت باطلةً أو موقوفةً، فلا يزيد الإقرار بها عليها، وينبغي تقييده بما يتعلّق بالمعاملة

ص: 484


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.
2- أي عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». راجع تخريجه في ص 294، الهامش 1.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 299، ح 833.

•وكذا لو أقرّ بعينٍ دفعت إلى المقرّ له، وفيه تردّد؛ لتعلق حقّ الغرماء بأعيان ماله.

--------------

ليحصل القطع بعدم المشاركة، أمّا لو أسنده إلى ما يلزم ذمّته كإتلاف مالٍ أو جنايةٍ ففيه الوجهان السابقان. والفرق أنّ الجناية والإتلاف وقعا بغير اختيار المالك والمجنيّ عليه، فلا يستند إلى تقصيره، بخلاف المعاملة لصدورها عن الرضى والاختيار من الجانبين.

قوله: «وكذا لو أقرّ بعينٍ دفعت إلى المقرّ له - إلى قوله - بأعيان ماله».

جمیع ما سبق في تحقيق الوجهين آتٍ هنا، ويزيد ما هنا إشكالاً بما أشار إليه المصنّف جميع من تعلّق حق الغرماء بأعيان أمواله.

وهذا الإشكال بعينه وارد في الديْن على القول بالمشاركة؛ إذ لا فرق بين أخذه بعض الأعيان بموجب التقسيط مساواة لهم، وبين أخذه ذلك البعض تقديماً له عليهم مع تعلّق حقهم بالعين، فالقول بعدم النفوذ معجّلاً فيهما أقوى. وممّا تنفرد به العين لو قلنا بنفوذ الإقرار معجّلاً تسليمها إلى المقرّ له وإن قصر باقي مال المفلّس عن ديون الغرماء؛ لأنّ الضرب إنّما هو بالدَيْن، وصاحب العين يختصّ بها.

واعلم أنّ جملة الأقوال في المسألة ارتقت على قدر الاحتمالات الممكنة، وهي أربعة: نفي نفوذه فيهما، واختاره العلّامة في الإرشاد (1)، والشهيد (2) وجماعة (3)، وإثباته فيهما، وهو خيرة التذكرة (4)، وثبوته في العين دون الديْن ذهب إليه ابن إدريس(5) ، وبالعكس، وهو ظاهر المصنّف في الكتاب وإن كان بعد ذلك تردّد.

ص: 485


1- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 398.
2- غاية المراد، ج 2، ص 143 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
3- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 234 - 235.
4- 4 . تذكرة الفقهاء، ج 14 ، ص 28 - 30، المسألة 275 - 277 .
5- في السرائر، ج 2، ص 499 ثبوته في الدين دون العين.

•ولو قال: هذا المال مضاربة لغائبٍ قيل : يُقبل قوله مع يمينه ويقرّ في يده، وإن قال الحاضرٍ، وصدّقه دفع إليه، وإن كذّبه قسّم بين الغرماء.

• ولو اشترى بخيارٍ، وفلّس والخيار باقٍ كان له إجازة البيع وفسخه؛ لأنّه ليس بابتداء تصرّفٍ.

--------------

قوله: «ولو قال: هذا المال مضاربة الغائبٍ، قيل: يُقبل قوله مع يمينه، ويقرّ في يده».

القول للشيخ (رحمه الله) في المبسوط(1)، وهو متفرّع على قبول إقراره بالعين.

ووجه إفراده بالذكر أنّ الإقرار بالعيّنٍ كان لمعيّنٍ فيأخذها عنده، وهاهنا الإقرار لغائبٍ، ويدلّ عليه قوله بعد ذلك« وإن قال: لحاضر وصدّقه دفع إليه، وإن كذبه قسّم بين الغرماء».

والحكم في ذلك قد سبق مع توجيه القولين.

ويبقى في حكم الشيخ هنا إشكال من وجهين:

أحدهما: إثباته اليمين على المقرّ مع أنّه لإثبات مال الغير.

والثاني: إقرارها في يده مع أنّه مسلوب أهليّة اليد؛ لأنّ الحجر عليه رفع يده عن السلطنة الماليّة.

والظاهر أنّ هذا هو منشأ إفراد المصنّف المسألة بالذكر، وإلا فقد عُلم حكمها ممّا تقدّم في غير هذين الحكمين.

ويمكن أن يدفع الإشكال الثاني بأنّ المفلّس إنّما ترفع يده عن ماله لتعلّق حق الغرماء به، أمّا مال الغير الذي هو وكيل فيه فلا وجه لرفع يده عنه؛ لأنّه مكلّف مختار رشيد، ويده ليست يد عدوانٍ.

قوله: «ولو اشترى بخيار وفلّس والخيار باقي - إلى قوله - بابتداء تصرّفٍ».

لم يتقدّم من المصنّف ما يدلّ على أنّ التصرّف الممنوع منه هو المبتدأ حتى يعلّل بذلك، ولكن قد عرف ممّا هنا أنه يريد بالسابق المبتدأ. وليس بجيد. فإنّ المناسب دلالة السابق على اللاحق، دون العكس.

ص: 486


1- المبسوط، ج 2، ص 244.

--------------

وحاصل المسألة إنّه لو كان قد اشترى بخيار قبل الحجر عليه وبقيت مدّته إلى بعد الحجر فله فسخ البيع؛ لأنّ هذا التصرّف أثر أمرٍ سابقٍ على الحجر، فلا يمنع منه، ولا فرق بين أن يكون له غبطة في الفسخ وعدمها، وكذا له الردّ بالعيب السابق مطلقاً.

وشرط العلّامة هنا اعتبار الغبطة(1).

وفرّق الشهيد (رحمه الله) بين الردّ بالعيب والخيار بأنّ الخيار يثبت بأصل العقد، لا على طريق المصلحة، فلا يتقيّد بها ، بخلاف الردّ بالعيب فإنّه يثبت على طريق المصلحة، فيتقيّد بها (2).

وفيه نظر؛ لأنّ كلّاً من الخيارين ثابت بأصل العقد، وإنّما افترقا بأنّ أحدهما ثبت بالاشتراط والآخَر بمقتضى العقد، ولم يقل أحد بتقيّد فسخ العيب في غير المفلس بالمصلحة، فاعتبار الغبطة فيه هنا - مع كونه ليس من التصرّفات المبتدأة - ليس بجيّد.

ولو قيل: إنّ الحكمة الباعثة على إثبات خيار العيب هي الغبطة، نظراً إلى نقص المعيب، قلنا: مثله في الخيار، فإنّ حكمة الخيار - مع أنّ الأصل في البيع اللزوم، لأنّه لم يوضع إلّا لتملّك كلّ من المتعاوضين مال الآخَر - إنّما هي إمكان أن يتجدّد لذي الخيار ما يوجب إرادة الفسخ فلا يجد السبيل إليه، فُشرّع الخيار لذلك، ومن ثَمّ ثبت في الحيوان ثلاثة أيّام من غير شرط؛ لأنّ الحيوان ممّا يشتمل على أمورٍ خفيّة لا يطّلع عليها ابتداء غالباً، بخلاف غيره، ولمّا أمكن في غيره ذلك شُرّع اشتراط الخيار.

وممّا قد تخلّف من أفراد العيب - ممّا لا غبطة في ردّه ، بل الغبطة في قبوله غالباً - خصاء العبد، فإنّه عيب، مع استلزامه زيادة القيمة، ومثله الفسخ بخيارٍ بمجرّد التشهّي، فالحكم فيهما واحد.

ص: 487


1- قواعد الأحكام، ج 2، ص 145.
2- حاشية القواعد، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14).

• ولو كان له حقٌّ فقبض دونه كان للغرماء منعه.

--------------

وبالجملة، فالقواعد الكلّيّة في الأحكام الشرعيّة أخرجت الأمور الحكمية عن بعض موضوعاتها الجزئيّة.

وفي التذكرة فرّق بين الخيار والعيب بأنّ العقد في زمن الخيار متزلزل لا ثبات له، فلا يتعلّق حقّ الغرماء بالمال، ويضعف تعلّقه به بخلاف ما إذا خرج معيباً، وإذا ضعف التعلّق جاز أن لا يعتبر شروط (1)الغبطة (2).

وفيه نظر؛ فإنّ التزلزل مشترك فيهما، فالفرق تحكّم.

ونقل فيها عن بعض الشافعيّة اعتبار الغبطة فيهما قياساً، وجعل عدم اعتبار الغبطة فيهما وجهاً (3)، وهو الوجه.

قوله: «ولو كان له حقٌّ فقبض دونه كان للغرماء منعه».

يمكن أن يريد بالاقتصار على قبض البعض إسقاط الباقي، وثبوت منعهم له عن ذلك ظاهرٌ؛ لأنّه تصرّف مبتدأ فلا يمكّن منه فيكون قبض البعض كنايةً عن الاقتصار عليه مع إسقاط الباقي.

ويمكن أن يريد به قبض بعض الحقّ في ذلك المجلس وتأخير الباقي إلى وقتٍ آخَر لا يفوت فيه غرض الغرماء، وإنّما يكون لهم منعه حينئذٍ حيث لا يلزم(4) قبض البعض إذا بذله من عليه الحق، كثمن المبيع، فلو كان الحق عوضاً عن دين أو إتلاف مال كان له قبض البعض، وقد تقدّم تفصيل ذلك في البيع.

واعلم أنّ نسبة القبض إليه على طريق المجاز، فإنّه لا يمكّن من قبض المال؛ لاقتضاء

الحجر ذلك، وإنّما المراد إثبات تسلّطه على الحكم المذكور وإن كان القابض غيره.

ص: 488


1- كذا في بعض النسخ وفي المصدر: «شرط».
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 36، المسألة 284.
3- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 36، المسألة 284 : ولقول بعض الشافعية راجع العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 14 - 15 روضة الطالبين، ج 3، ص 370.
4- في هامش «و» هكذا في النسخ والظاهر « يلزم» كما لا يخفى.

•ولو أقرضه إنسان مالاً بعد الحجر، أو باعه بثمنٍ في ذمّته لم يشارك الغرماء، وكان ثابتاً في ذمّته.

--------------

قوله:«ولو أقرضه إنسان مالاً بعد الحجر أو باعه بثمنٍ في ذمّته»إلى آخره.

هذا في العالم بحاله موضع وفاق، ولإقدامه على دَيْنه حيث علم إعساره وتعلّق حقّ الغرماء بأمواله، أمّا لو كان جاهلاً بحاله فقد جزم المصنّف بأنّه كذلك؛ لتعلّق حقّ الغرماء الموجودين عند الحجر بأمواله وإن كانت متجدّدةً، بناءً على تعلّق الحجر بالمتجدّد من ماله ،فلا يتوجّه له الضرب معهم، ولا أخذ عين ماله.

وفيه وجهان آخَران:

أحدهما:جواز فسخه واختصاصه بعين ماله؛ لعموم قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «صاحب المتاع أسقّ بمتاعه إذا وجده بعينه» (1).

والثاني: الضرب مع الغرماء؛ لأنّ له حقّاً ثابتاً في الذمّة، فهو غريم فيضرب به كسائر الغرماء، ولأنّه قد أدخل في مقابل الثمن مالاً فليضرب بالثمن؛ إذ ليس فيه إضاعة على الغرماء.

ويضعّف الوجهان بما تقدّم من تعلّق حقّ الغرماء بماله - وإن كان متجدّداً - قبل هذا الغريم، مع أنّ الوجهين متنافران؛ لأنّه إن كان غريماً اختصّ بعين ماله، وإن لم يكن غريماً لم يضرب.

وما اختاره المصنّف لا يخلو من قوّةٍ.

واحترز بكون الثمن في ذمّته عمّا لو اشترى بعينٍ من أعيان ،ماله فإنّ الشراء يقع باطلاً على ما سلف(2)، أو موقوفاً على إجازة الغرماء، أو على فكّ الحجر وسلامة تلك العين.

ص: 489


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 790 ، ح 2358 بتفاوت قليل.
2- سبق في ص 482.

•ولو أتلف مالاً بعد الحجر ،ضمن وضرب صاحب المال مع الغرماء.

•ولو أقرّ بمالٍ مطلقاً وجهل السبب، لم يشارك المقرّ له الغرماء؛ لاحتماله ما لا يستحقّ به المشاركة.

•ولا تحلّ الديون المؤجَّلة بالحجر، وتحلّ بالموت.

--------------

قوله: «ولو أتلف مالاً بعد الحجر ضمن، وضرب صاحب المال مع الغرماء».

إنّما يضرب صاحب المال المتلف - مع كون السبب متأخّراً عن الحجر - لانتفاء رضاه، وإنّما ثبت حقّه بوجه قهري، فيثبت له استحقاق الضرب، ومن ثمّ قيل في الجاهل بالمعاملة ذلك، إلّا أنّ بينهما فرقاً، وهو أنّ الجاهل مختار، وربما كان جهله مستنداً إلى تقصيره في البحث عن حال معامله؛ لأنّ المحجور عليه يشيع خبره على وجه لا يشتبه إلّا على المقصّر في البحث. وفي حكم إتلافه المال جنايته على نفس آدميٍ محترمةٍ أو طرفه.

قوله: «ولو أقرّ بمالٍ مطلقاً وجهل السبب لم يشارك المقرّ له الغرماء» إلى آخره.

قد عُلم ممّا تقدّم أنّ ثبوت المال في ذمّة المحجور عليه قد يكون مما يضرب به، كالذي سبق سببه، والواقع قهراً بعده كالإتلاف والجناية، وقد لا يكون كذلك، كالمتجدّد باختيار الغريم، فإذا أقرّ بمالٍ مطلقاً احتُمل كونه ممّا يضرب به مع الغرماء، وعدمه، ومتى احتمل الأمرين يضعف عن مقاومة ما عُلم تعلّقه شرعاً بماله، وهو حقّ الغرماء السابقين على الحجر ، فيختصّون به؛ لأصالة عدم استحقاق المقرّ له المشاركة.

وربما قيل بوجوب استفصاله ليعلم أ يستحقّ المقرّ له الضرب أم لا ؟

ولا شبهة في جوازه وأولويّته، أمّا وجوبه فيمكن دفعه بأنّ تعلّق حق الغرماء بعين ماله لما كان معلوماً، وتعلّق حقّ المقرّ له غير معلومٍ - لما ذكرناه - فيبقى على أصالة عدم المشاركة إلى أن يثبت خلافها.

قوله: «ولا تحلّ الديون المؤجلة بالحجر، وتحلّ بالموت».

هذا هو المشهور، وعليه العمل؛ لأصالة بقاء ما كان عليه.

ص: 490

--------------

وقال ابن الجنيد: إنّه يحلّ قياساً على الميّت(1).

وهو باطل، مع وجود الفارق بتحقّق الضرر على الورثة إن منعوا من التصرّف إلى حلوله،وصاحب الديْن إن لم يمنعوا، بخلاف المفلّس.

ولا فرق في دَيْن الميت بين مال السلَم والجناية المؤجَّلة عليه وغيرهما، على الأقوى؛ العموم النصّ (2).

ووجه احتمال خروجهما أنّ الأجل فى السلَم جزء من العوض، فلو حلّ مال السلَم لزم نقصان العوض، وأجل الجناية بتعيين الشارع، فبدونه لا تكون تلك الدية.

وعموم النصّ يدفع ذلك، ويسقط ما ادّعي تأثيره؛ لأنّهما فردان من أفراد الا يزن

فيتناولهما كغيرهما.

ص: 491


1- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 473، المسألة 135.
2- الكافي، ج 5، ص 99، باب أنه إذا مات الرجل حل دينه، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 189، ح 3713؛ تهذیب الأحكام، ج 6، ص 190 . ح 407.

القول في اختصاص الغريم بعين ماله

•ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها ولو لم يكن سواها، وله أن يضرب مع الغرماء بدَيْنه، سواء كان وفاء أو لم يكن على الأظهر.

--------------

قوله: «ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها ولو لم يكن سواها، وله أن يضرب مع الفرماء بدَيْنه، سواء كان وفاء أو لم يكن على الأظهر».

هذا هو المشهور، وعليه العمل، والنصوص (1)دالّة عليه.

وللشيخ (رحمه الله) قول بأنّه لا اختصاص إلّا أن يكون هناك وفاء (2)، استناداً إلى صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد الله علیه السلام(3).

ولا دلالة فيها؛ لأنّها واردة في غريم الميّت لا غريم المفلّس.

وقد تقدّم أنّه يمكن تجدّد الوفاء - وإن كان فى ابتداء الحجر قاصراً عن الديْن - إمّا بارثٍ أو اكتسابٍ أو ارتفاع قيمة أمواله أو نمائها ،فلا يرد أنّ شرط الحجر القصور فكيف يتصوّر الوفاء معه؟

ويمكن هنا أيضاً أن تكون الديون إنّما تزيد عن أمواله مع ضميمة الديْن المتعلّق بمتاع واجده، فإذا أخرج دَيْنه من بين الديون ومتاعه من بين أمواله صارت وافيةً بالديون.

ص: 492


1- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 193 ، ح 420: والاستبصار، ج 3، ص 8 ، ح 19.
2- النهاية، ص 310؛ الاستبصار، ج 3، ص 8، ذيل الحديث 19.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 193، ح 421؛ الاستبصار، ج 3، ص 8، ح 20.

• أمّا الميّت فغر ماؤه سواء في التركة، إلّا أن يترك نحواً ممّا عليه، فيجوز حينئذٍ لصاحب العين أخذها.

• وهل الخيار في ذلك على الفور ؟ قيل: نعم، ولو قيل بالتراخي جاز.

--------------

قوله: «أمّا الميّت فغر ماؤه سواء في التركة» إلى آخره.

مستند ذلك صحيحة أبي ولّاد التي أشرنا إليها سابقاً (1).

والمراد بالنحو هنا المثل، بمعنى أن تكون تركته بقدر ما عليه فصاعداً، بحيث لا يحصل على باقي الغرماء قصور، وإنّما عبّر المصنّف بالنحو تبعاً للرواية.

ولا فرق بين أن يموت المديون محجوراً عليه أو لا؛ لأنّ الموت بمنزلة الحجر.

وقيل: الحكم مختصُّ بالمحجور عليه. وإطلاق النصّ يدفعه.

والحكمة في شرط الوفاء في مال الميّت دون الحيّ واضحة؛ لأنّ الميّت لا يبقى له ذمّة ،فلا يناسب الاختصاص إلّا مع الوفاء لئلّا يتضرّر الغرماء، بخلاف الحيّ، فإنّ ما يتخلّف من الديْن يتعلّق بذمته، فربما لا يضيع، والقول بذلك هو المشهور بين الأصحاب.

وخالف فيه ابن الجنيد فحَكَم بالاختصاص هنا ، وإن لم يكن وفاء ، كالحيّ (2). وهو ضعيف.

قوله: «وهل الخيار في ذلك على الفور ؟ قيل: نعم، ولو قيل بالتراخي جاز».

الإشارة بذلك إلى ما تقدّم في الحيّ والميّت، فإنّ في كون الخيار لواجد العين - حيث يجوز له أخذها على الفور أم التراخي قولين منشؤهما إطلاق النصّ(3)بثبوته، فيستصحب إلى أن يثبت المزيل - وهو الذي مال إليه المصنّف هنا - ووجوب الوفاء بالعقد وبناء البيع على اللزوم، فيقتصر في الخروج عن ذلك على موضع الضرورة؛ جمعاً.

والحقّ أنّ هذا الخيار خاصٌّ مخرج لِما ذُكر عن العموم أو مقيّد له، فيثبت مطلقاً وإن كان مراعاة الفوريّة أولى.

ص: 493


1- قبيل هذا.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 464، المسألة 120.
3- تقدم تخريجه في ص 492، الهامش 1.

•ولو وجد بعض المبيع سليماً أخذ الموجود بحصّته من الثمن، وضرب بالباقي مع الغرماء، وكذا إن وجده معيباً بعيبٍ قد استحقّ أرشه ضرب مع الغرماء بأرش النقصان، أمّا لو عاب بشيءٍ من قِبَل الله سبحانه أو جنايةٍ من المالك كان مخيّراً بين أخذه بالثمن وتركه.

--------------

قوله: «ولو وجد بعض المبيع سليماً أخذ الموجود بحصّته - إلى قوله - وتركه».

إذا وجد البائع بعضٍ مبيعه دون بعض فلا يخلو إمّا أن يكون البعض الفائت ممّا يتقسّط عليه الثمن، بمعنى بسطه عليه وعلى الباقي بالنسبة، وهو الذي يصحّ إفراده بالبيع كعبد من عبدين ونصف ثوبٍ، أو لا يكون كذلك، كيد العبد، وعلى التقديرين فالتالف إمّا أن يكون تلفه من قِبَل الله تعالى، أو بجناية أجنبي، أو من المشتري، أو من البائع، فالصوَر ثمان.

و محصّل حكمها أنّ البعض الفائت إن كان له قسط من الثمن - بالمعنى الذي ذكرناه (1)- فإنّ البائع يتخيّر بين أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن ويضرب مع الغرماء بحصّة التالف، وبين أن يضرب بجميع الثمن، وهذا هو القسم الذي صدّر به المصنّف، ولا خلاف في حكمه عندنا مطلقاً، ولأنّ الموجود يصدق عليه أنّه عين ماله فله أخذها، وإنّما خالف فيه بعض العامّة، فزعم أنّه ليس له الرجوع بالباقي ؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه (2).

وإن لم يكن للفائت قسط من الثمن، كما لو وجد العبد بغير يدٍ، فإن كان فواتها بآفةٍ من الله تعالى فليس للبائع إلّا الرضى به على تلك الحال، أو الضرب بالثمن، عند المصنّف وأكثر الأصحاب، حتّى أنّ المصنّف لم ينقل فيه هنا خلافاً، وإنّما لم يكن له هنا أرش؛ لأنّه لا حقّ

ص: 494


1- 1. في حاشية «و»: «نبه بقوله: بالمعنى الذي ذكرناه، على أن أجزاء المبيع مطلقاً لابد أن يخصها قسط من الثمن، فإن العبد - مثلاً - إذا بذل فيه ثمن معين لا بد أن يصيب يده شيء منه، ولهذا لو كان مقطوع اليد لا يشترى بذلك الثمن، فإطلاقهم أنّ مثل ذلك لا قسط له لا يخلو من تجوّز، وهنا فسّره بمعنى أنه لا يفرد بثمن بحيث يباع وحده. (منه رحمه الله).
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 498 - 499، المسألة 3412: الشرح الكبير المطبوع مع المغني. ج 4، ص 511 - 512.

--------------

له في العين إلّا بالفسخ المتجدّد بعد العيب، وإنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن، فلم تكن العين مضمونةً له، ولم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد.

وذهب ابن الجنيد إلى مساواة هذا القسم للسابق في استحقاق أرش النقصان (1)، وقواه العلّامة في المختلف(2)، والشيخ عليّ (رحمه الله)(3)، وهو حسن؛ لأنّ فسخ المعاوضة يوجب رجوع كلّ مالٍ إلى صاحبه فإن كان باقياً رجع به، وإن كان تالفاً رجع ببدله كائناً ما كان. وكون العين في يد المشتري غير مضمونةٍ للبائع معارضٌ بما له قسطٌ، على أنّا لا نقول: إنّها مضمونة مطلقاً، بل بمعنى أنّ الفائت في يد المشتري يكون من ماله؛ لأنّ ذلك هو مقتضى عقود المعاوضات المضمونة، فإذا ارتفع عقد المعاوضة رجع كلٌّ من العوضين إلى مالكه أو بدله.

وأمّا كون مثل اليد لا قسط لها من الثمن فإن أرادوا أنّ الثمن لم يبذل في مقابلتها منه شيء ففساده ظاهر؛ إذ لولاها لم يبذل جميعه قطعاً، وإنّ أرادوا أن الثمن لا يقسّط عليها وعلى باقى الأجزاء على نسبة الكثرة والقلّة، كالعُشْر في متساوي الأجزاء، فإنّه يقسّط عليه عُشْر الثمن، و تحسب قيمته فيما يمكن إفراده بالبيع كالعبد من عبدين، فلا دلالة فيه على مطلوبهم.

وإن كان فوات الجزء المذكور بجناية أجنبيٍ، تخيّر البائع بين أخذه والضرب بجزءٍ من الثمن على نسبة نقصان القيمة، وبين الضرب بجميع الثمن، وذلك لأنّ الأجنبي لمّا ثبت عليه أرش الجناية، والأرش جزء من المبيع، وقد أخذه المشتري فلا يضيع على البائع، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض كذا علّلوه.

وهو ينافي ما ذكروه سابقاً؛ لأنّه لمّا وقع في وقتٍ لم تكن العين مضمونةً عليه، ولم يستحقّها البائع إلّا بعد الفسخ - كما ذكروه في ذلك التعليل - ينبغي أن لا يكون له إلّا الرضى بالمعيب؛ لأنّه لم يجد سواه.

ص: 495


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 466. المسألة 123.
2- مختلف الشيعة، ج 5 ، ص 466 ، المسألة 123.
3- جامع المقاصد، ج 5، ص 274.

•ولو حصل منه نماء منفصل كالولد واللبن كان النماء للمشتري، وكان له أخذ الأصل بالثمن.

--------------

وعلى ما قرّرناه من أنّ الفسخ يوجب رجوع كّلٍ من المتعاوضين إلى ماله أو بدله فالإشكال منتفٍ.

واحترزنا بكون الأرش المرجوع به على نسبة نقصان القيمة، عمّا ضمنه الجاني، فإنّه يعتبر ؛ لأنّ ضمانه لأرش الجناية قد يكون بتقديرٍ شرعيٍ بحيث يكون بقدر قيمة المجنيّ عليه، فيلزم الرجوع بالعوض والمعوّض.

وكذا لو كان العبد يساوي مائتين - مثلاً - وقد اشتراه بمائةٍ، فجنى عليه الجاني بقطع يده، فإنّ أرشها نصف القيمة وهو مائة، فلا يرجع البائع بها وبالعبد لئلّا يجمع بينهما، بل الأرش الذي يرجع به جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقصان القيمة إليها؛ لأنّ هذا هو قاعدة الأرش، وأمّا حكم أرش الجناية فخارج بأمرٍ شرعي يستحقّه مالك العين حين الجناية.

وإن كان فوات الجزء بجناية البائع فهو كالأجنبي؛ لأنّه جنى على ما ليس بمملوكٍ له ولا في ضمانه، وهذا القسم داخل مع الأجنبي في قول المصنّف«قد استحقّ أرشه».

وإن كان بجناية المشتري، فقد قطع المصنّف بكونه كالفوات من قِبَل الله تعالى؛ لِما سبق من التعليل.

وعلى ما اخترناه لا فرق.

ويحتمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبي؛ لأنّ إتلاف المشتري نقص واستيفاء، فكأنّه صرف جزءاً من المبيع إلى غرضه، فهذه جملة أحكام الأقسام.

قوله: «ولو حصل منه نماء منفصل كالولد واللبن كان النماء للمشتري» إلى آخره.

هذا موضع وفاقٍ لم يخالف فيه إلّا بعض العامّة(1) ، ولأنّه انفصل في ملك المفلّس فلم يكن للبائع الرجوع فيه؛ لأنه ليس عين ماله.

ص: 496


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 507. المسألة 3424: الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 518 .

•ولو كان النماء متّصلاً، كالسمن أو الطول،فزادت لذلك قيمته، قيل له أخذه ؛لأنّ هذا النماء يتبع الأصل، وفيه تردّد.

--------------

ولا فرق في الولد بين الحمل والمنفصل، ولا في اللبن بين المحلوب وغيره، ومثله الثمرة المتجدّدة وإن لم تقطف.

قوله: «ولو كان النماء متّصلاً كالسمن أو الطول، فزادت لذلك قيمته، قيل: له أخذه لأنّ هذا النماء يتبع الأصل، وفيه تردّد».

القول للشيخ (رحمه الله)(1) وجماعة (2)منهم العلّامة في القواعد (3)، محتجّين بأنّ هذه الزيادة محض صفةٍ، وليست من فعل المفلّس، فلا تُعدّ مالاً له، ولأنّه يصدق أنّه وجد عين ماله فيرجع به.

ووجه التردّد مما ذُكر، ومن كون الزيادة ملكاً للمفلس وإن لم تكن بفعله؛ لأنّها نماء ملكه، وأنّ الرجوع في العين على خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما لا يستلزم فوات مالٍ للمفلّس، ولا نسلّم أنّ ما بقيت عين ماله، بل هي مع شيء آخَر.

وربما أشكل الفرق بين الزيادة هنا وفي زمن الخيار، حيث يرجع ذو الخيار بالعين مع هذه الزيادة، والفرق - بأنّ الخيار ثابت بأصل العقد بخلافه هنا، فإنّه طار بالحجر - لا يدفع؛ لاشتراكهما في أنّ الفسخ من حينه، فالسابق وقع في ملك المشتري.

وذهب جماعة منهم العلّامة في المختلف وابن الجنيد إلى أنّ الزيادة للمفلس (4)، فإن رجع البائع في العين يكون شريكاً للمفلّس بمقدار الزيادة. وفي التذكرة استقرب عدم جواز الرجوع في العين(5)، وأطلق، وأراد به «ولو مع ردّ الزيادة» لأنّه علّل بعد ذلك مسألة ما

ص: 497


1- المبسوط ، ج 2، ص 213 .
2- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 362؛ وابن البراج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 466. المسألة 124 .
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 150.
4- مختلف الشيعة، ج 5، ص 466 - 467، المسألة 124، وفيه أيضاً حكاية قول ابن الجنيد.
5- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 120، المسألة 360.

•وكذا لو باعه نخلاً وثمرتها قبل بلوغها وبلغت بعد التفليس.

•أمّا لو اشترى حبّاً فزرعه وأحصد،أو بيضةً فأحضنها وصار منها فرخ لم يكن له أخذه؛ لأنّه ليس عين ماله.

--------------

لو كان حبّاً فزرعه، فإنّه ليس له أخذه؛ لأنّه إذا لم يكن له أخذ العين مع الزيادة المتّصلة فهنا أولى(1)، وحينئذٍ فتصير الأقوال ثلاثة، وكلّها للعلّامة.

وقول المصنّف «قيل له أخذه» يحتمل كون الأخذ مجّاناً - وهو الظاهر - فيكون إشارةً إلى قول الشيخ، ويحتمل كون المراد مع ردّ الزيادة، فيكون إشارةً إلى قول ابن الجنيد، والظاهر أنّ مراده الأوّل.

قوله: «وكذا لو باعه نخلاً وثمرتها قبل بلوغها وبلغت بعد التفليس».

إن كانت الزيادة في الثمرة المذكورة في نفس العين ،فالحكم كما سلف، بل هي فرد من أفراد تلك المسألة، وهذا هو الذي يقتضيه حال الثمرة قبل البلوغ وبعده.

وإن كانت الزيادة في القيمة خاصّةً مع بقاء الثمرة على قدرها، ففي إلحاقها بها وجهان ،من كون الزيادة القيميّة حصلت في ملك المفلّس فلا يؤخذ منه مجّاناً، ومن بقاء عين مال البائع من غير تغيّرٍ فيدخل في عموم الخبر (2). واستقرب في التذكرة عدم جواز الرجوع في العين مطلقاً متى زادت قيمتها لزيادة السوق. وألحق به ما لو اشتراها المفلّس بدون ثمن المثل (3).

قوله: «أمّا لو اشترى حَبّاً فزرعه وأحصد - إلى قوله - لأنّه ليس عين ماله».

أشار بالتعليل إلى أنّ الخبر (4)الدالّ على الرجوع يقتضي اعتبار كون عين المال قائمةً ، وحينئذٍ فلا رجوع في الحبّ المزروع والبيضة؛ لأنّ الموجود الآن ليس عين المال وإن

ص: 498


1- تذكرة الفقهاء ، ج 14، ص 123. المسألة 361.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 193 ، ح 420؛ الاستبصار، ج 3، ص 8، ح 19.
3- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 168، المسألة 380.
4- المتقدم آنفاً.

•ولو باعه نخلاً حائلاً فأطلع، أو أخذ النخل قبل تأبيره لم يتبعها الطلع.

•وكذا لو باع أمةً حائلاً فحملت ،ثمّ فلّس وأخذها البائع، لم يتبعها الحمل.

--------------

كان أصله من ماله، وبهذا فارق الغاصب؛ لأنّ التغيّر في الغصب كان في ملك المغصوب منه،

فكان الموجود له كيف كان.

ومثله القول في زرع المرتهن للحبّ المرهون، وبالجملة، فالمرجع هنا إلى وجود العين، لا إلى مجرّد الملك.

وكذا القول في العصير إذا تخمّر في يد المشتري ثمّ تخلّل.

ولو قلنا بالمنع من الردّ في مسألة الزيادة المتّصلة، فهنا أولى.

قوله: «ولو باعه نخلاً حائلاً فأطلع، أو أخذ النخل قبل تأبيره لم يتبعها الطلع».

لأنّ الطلع ثمرة متجدّدة في حكم المنفصلة، فلا يتبع، وإنّما تبعت في البيع بنصٍّ خاصّ فلا يتعدّى.

ونبّه بذلك على خلاف الشيخ (رحمه الله) حيث حَكَم بجواز أخذ النخل مع الطلع (1)، وهو أحد قولَي الشافعي، إلّا أنّه قاسه على البيع (2)، والشيخ لا يقول بالقياس.

ولو كانت قد أُبّرت فلا خلاف في عدم التبعيّة؛ لأنّها حينئذٍ نماء حصل للمشتري على

ملكه، فلا يزول، ولا يتصوّر تبعيته بوجهٍ.

وكذا القول في باقي الثمار بعد الظهور.

وإنّما خصّ ثمرة النخل قبل التأبير للتنبيه المذكور.

وحيث تكون الثمرة للمشتري وأخذ البائع الشجر يجب عليه إبقاؤها إلى أوان قطعها

عادةً بغير أُجرة.

قوله: «وكذا لو باع أمةٌ حائلاً فحملت، ثمّ فلّس وأخذها البائع لم يتبعها الحمل».

ص: 499


1- المبسوط، ج 2، ص 214.
2- المهذب الشيرازي، ج 1، ص 428؛ العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 49: روضة الطالبين، ج 3، ص 396.

• ولو باع شقصاً وفلّس المشتري، كان للشريك المطالبة بالشفعة، ويكون البائع أسوةً مع الغرماء في الثمن.

--------------

القول في الحمل كما مرّ في الثمرة، وخالف فيه الشيخ (رحمه الله) أيضاً، فجعل الحمل كالجزء من الأمة (1)، وحَكَم بأنّ بيع الحامل يستتبع الحمل لذلك(2)، فيلزمه مثله هنا؛ لأنّ مذهبه أنّ الزيادة المتّصلة لا تمنع أخذ البائع مجّاناً (3)، فتكون هنا كذلك، ولكنّه لم يصرّح به، إلّا أنّ مقدماته تستلزمه، وحيث حُكم بكون الحمل للمشتري يجب على البائع إبقاؤه إلى الوضع بغير أُجرة، ويمكن اعتبار شرب اللباء أيضاً، وقد ذكروه في نظائره محتجين بأنّ الولد لا يعيش بدونه.

قوله: «ولو باع شقصاً وأفلس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة» إلى آخره.

قد اشتملت هذه المسألة على حكمين:

أحدهما: تقديم حقّ الشفيع على البائع ووجهه أنّ حقه أسبق من حقه؛ لأن الشفيع استحق العين بالبيع، وحقّ البائع إنما تعلّق بها بالحجر، وهو متأخر عن البيع، ولأنّ حقّ الشفيع لاحق للبيع لذاته، وحقّ البائع لاحقٌ له بواسطة الحجر، وما بالذات أولى ممّا بالعرض، ولأنّ حقّه أقوى؛ لأنّه يأخذ من المشتري وممّن نقله إليه وإن تعدّد، وتبطل جميع العقود، والبائع إنّما يتعلّق بالعين ما دامت باقيةً على ملك المشتري، ولأنّه يأخذها وإن زادت، والبائع لا يأخذها مع الزيادة، على ما تقدّم.

والثاني: إنّ الثمن لا يختصّ به البائع، بل يكون فيه أُسوة الغرماء، وذلك لأنّه إنّما يثبت للمشتري بالأخذ بالشفعة، وفي تلك الحال يكون مالاً للمشتري، فيتساوى فيه الغرماء، ولا يقدّم به البائع؛ لأنّه ليس عين ماله، بل عوضه، وهو لا يقدّم بالعوض.

ص: 500


1- في بعض النسخ: «الأم» بدل «الأمة».
2- المبسوط، ج 2، ص 97.
3- سبق ذكره في ص 497.

--------------

والمصنّف اقتصر على الحكمين طارحاً ما عداهما عن درجة الاعتبار؛ لضعفه.

وقد حكى الشيخ في المبسوط وجهين آخَرين(1)، وكذلك العلّامة(2)، وهُما قولان للشافعيّة (3): أحدهما: إنّ البائع يقدّم على الشفيع، فيفسخ ويأخذ العين؛ لعموم الخبر الدّال على اختصاص البائع بعين ماله (4)، ولأنّ الشفعة شُرّعت لدفع الضرر بالشركة التي لا يختارها الشريك، والضرر هنا يزول عن الشفيع؛ لأنّ البائع إذا رجع في الشقص عاد الأمر كما كان قبل البيع، ولم يتجدّد شركة غيره.

ويضعَّف بمنع شمول الخبر للمتنازع فيه؛ لسبق حقّ الشفيع، سلّمنا، لكن تعارض عموما فيقدّم الأسبق، ومراعاة دفع الضرر في الشفعة غير لازمةٍ وإن كان أصل الحكمة فيها ذلك، بل هي ثابتة بالنصّ والإجماع، فلا يندفعان بهذه الاعتبارات الوهميّة.

وثانيهما: تقديم الشفيع بالعين والبائع بالثمن على سائر الغرماء، حيث تعذّر أخذه للعين، وحيث إنّه عوض ماله الذي قد وجده في حالة الحجر بعينه وقد كان حقه المتقدم به لولا عروض مانعٍ سابق، فيرجع إلى بدله جمعاً بين الحقّين.

ويضعّف بأنّ الخبر إن أفاده حكماً أخذ العين، وإلّا لم ينفعه في الثمن؛لعدم تناول الخبر له، بل هو من جملة أموال المفلّس.

وللشيخ (رحمه الله) في هذه المسألة قولٌ مبنيٌّ على أصله السابق، وهو أنّه مع الوفاء يكون البائع أولى بالثمن، وإن لم يكن في ماله وفاء كان أُسوة الغرماء، اختاره في المبسوط (5).

ص: 501


1- المبسوط، ج 2، ص 211 .
2- تذكرة الفقهاء ، ج 14، ص 173 - 174، المسألة 385.
3- حلية العلماء، ج 4، ص 499: روضة الطالبين، ج 3، ص 391؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4 ص 522. المسألة 3438: الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 514 - 515.
4- راجع ص 498 الهامش 2.
5- المبسوط، ج 2، ص 211.

• ولو فُلّس المستأجر كان للمؤجر فسخ الإجارة، ولا يجب عليه إمضاؤها ولو بذل الغرماء الأجرة.

--------------

وهو ضعيف المأخذ، لكنّه غير مخالفٍ في فائدة الحكم؛ لأنّه مع وفاء ماله بدَيْن الغرماء يفضل له الثمن المذكور، إلّا أنّه لا يختصّ الفضل به.

قوله: «ولو فلّس المستأجر كان للمؤجر فسخ الإجارة» إلى آخره.

إذا أفلس المستأجر ولم يكن قد دفع الأجرة، جاز للمؤجر الفسخ وأخذ العين المؤجرة، تنزيلاً للمنافع منزلة الأعيان، ولأنه يدخل في عموم الخبر (1)؛ لأنّه قد وجد عين ماله، وله إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأجرة.

وتفصيل المسألة أنّ الحجر عليه لا يخلو إمّا أن يكون قبل مضيّ شيءٍ من المدّة أو بعده، وعلى الثاني إمّا أن تكون العين المؤجَرة فارغة من حقّ المفلّس كالدار، أو مشغولةً كالأرض يزرعها أو يغرسها، والدابّة قد حمل عليها وهو في أثناء المسافة، ثمّ إمّا أن تكون الإجارة واردةً على عينٍ أو ذمّة.

فإن كان الحجر قبل مضيّ شيءٍ من المدّة يقبل تقسيط الأجرة عليه، فإن فسخ المؤجر أخذ العين وسقطت الأجرة، وإن اختار إمضاء الإجارة ضرب مع الغرماء بالأجرة، وآجر الحاكم العين على المفلّس، كما يؤجر أعيان أمواله التي لا يمكن بيعها، وصرف الأجرة إلى الغرماء.

هذا إن كانت معيّنةً، ولو كانت في الذمّة واختار المؤجر الإمضاء أمره الحاكم بتعيينها ليؤجرها.

وإن كان بعد مضيّ شيءٍ من المدة له قسط من الأجرة، فإن كانت فارغة وفسخ المؤجر ضرب مع الغرماء بقسط المدة الماضية من الأجرة المسمّاة، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما ففسخ في الباقي، وإن اختار الإمضاء ضرب بجميع الأجرة.

ص: 502


1- تقدم تخريجه في ص 498، الهامش 2.

• ولو اشترى أرضاً فغرس المشتري فيها أو بنى ثمّ فلّس كان صاحب الأرض أحقّ بها، وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية.

--------------

وإن كانت مشغولةً، فإن كان بزرعٍ وقد استحصد واختار الفسخ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض، وإن كان قبله، فإن اتّفق مع الغرماء على قطعه قصيلاً قطع، وكان كالسابق، وإن اتّفقوا على التقيّة فلهم ذلك مع بذل أجرة المثل لبقيّة المدّة مقدمةً على الغرماء؛ إذ فيه مصلحة الزرع الذي هو حقّهم، كأجرة الكيّال والوزّان.

وإن كان دابّةً تحمل نقل الحمل إلى مأمنٍ بأُجرة المثل لذلك الحمل من ذلك المكان مقدّماً بها على الغرماء، كما مرّ، فإذا نقله سلّمه إلى الحاكم مع إمكانه، وإلّا وضعه على يد عَدْلٍ. وكذا لو كانت الأجرة لركوب المفلّس وحصل الفسخ في أثناء المسافة، فإنّه ينقل إلى المأمن بأجرةٍ مقدمةً، دفعاً للضرر عن نفسه الذي هو أولى من حفظ ماله.

ولا فرق في هذه المواضع بين كون مورد الإجارة العين أو الذمّة؛ لتحقّق التعيين (1).

قوله: «ولو اشترى أرضاً فغرس المشتري فيها أو بنى - إلى قوله - ولا الأبنية».

إنّما كان له الرجوع في الأرض مع تغيّرها بالغرس؛ لأنّها عين ماله، وهي متميّزة عن مال المفلّس لا يستلزم الرجوع فيها أخذ مال المفلّس ولا ضرراً عليه؛ لأنّه يبقى فيها إلى أن يفنى بغير أُجرةٍ، فيدخل في عموم الخبر (2).

وإنّما لم يكن له الإزالة لأنّها وُضعت بحقّ في زمن ملكه، فتكون محترمةً، ولا يجوز إزالتها، ولا مع الأرش على الأقوى.

والقول بجواز إزالتها مع الأرش للشيخ في المبسوط (3).

وربما استدلّ له بظاهر الخبر، حيث إنّ المتبادر من الرجوع في العين استحقاق منافعها،

ص: 503


1- في حاشية «و»: «ولم يذكر المصنّف حكم ما لو كان المفلّس المؤجر. وقد كان الأنسب ذكر أحكامه هنا. (منه رحمه الله)».
2- تقدّم تخريجه في ص 498، الهامش 2.
3- المبسوط، ج 2، ص 221.

وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل: نعم، والوجه المنع . •ثمّ يباعان، ويكون له ما قابل الأرض، وإن امتنع بقيت له الأرض، وبيعت الغروس والأبنية منفردةً.

--------------

فحيث وضع الغرس بحقّ يُجمع بين الحقّين بقلعه بالأرش، وعلى هذا ينبغي أن يجوز إبقاؤه بأجرةٍ لا مجّاناً؛ لأنّ ذلك هو مقتضي التعليل.

ولكن لم يذكر أحد استحقاقه الأجرة لو أبقاها. نعم، هو وجه لبعض الشافعيّة (1).

والفرق بين هذه وبين العين المؤجَرة إذا فسخ فيها المؤجر وقد اشتغلت بغرس المستأجر - حيث إنّه يستحقّ الأُجرة فيها كما تقدّم، دون هذه - أنّ المعقود عليه في البيع الرقبة، وإنّما تحصل له بالفسخ وإن لم يأخذ الأجرة، وفي الإجارة المعقود عليه هو المنفعة، فإذا فسخ العقد فيها واستوفاها المستأجر بغير عوضٍ خلا الفسخ عن الفائدة، ولم يعد إليه حقّه، فلم يستفد بالفسخ شيئاً، فجبرت المنفعة حيث لم يتمكّن من استيفائها بالأجرة.

وأيضاً فإنّ المشتري دخل على أن لا يضمن المنفعة، فلم يثبت عليه أُجرة، كما لو باع أصولاً دون ثمرتها، بخلاف المستأجر، فإنّ متعلّق ضمانه هو المنفعة، فتجب عليه الأُجرة. وفي حكم الغرس البناء، أمّا الزرع فيجب على البائع إبقاؤه إلى أوانه بغير أُجرة لو فسخ في الأرض قولاً واحداً.

والفرق أنّ للزرع أمداً قريباً ينتظر، فلا تُعدّ العين معه كالتالفة فينتظر، بخلاف الغرس والبناء.

وعلى القول بجواز قلع الغرس وإزالة البناء بالأرش، فطريق تقديره أن يقوّم الغرس قائماً إلى أن يفنى بغير أجرةٍ، والبناء ثابتاً كذلك ومقلوعاً، فالأرش هو التفاوت.

قوله: «ثمّ يباعان، ويكون له ما قابل الأرض إلى قوله - والأبنية منفردةً».

هذا تفريع على عدم استحقاق البائع إزالتهما، ولا بالأرش، فالطريق إلى وصوله إلى حقّه أن تباع الأرض بما فيها من البناء والغرس فله من الثمن ما قابل الأرض، وطريق معرفته

ص: 504


1- الوجيز ، ج 1، ص 342: العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 56 ؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 401.

•ولو اشترى زيتاً فخلطه بمثله لم يبطل حقّ البائع من العين، وكذا لو خلطه بدونه؛ لأنّه رضى بما دون حقّه.

--------------

أن يقوّما معاً ثمّ تقوّم الأرض مشغولة بهما ما بقيا مجّاناً، وتُنسب قيمتها كذلك إلى قيمة المجموع، ويؤخذ من الثمن لها بنسبة ذلك، والباقي للمفلّس.

هذا إن رضي البائع ببيع الأرض، وإلا لم يُجبر عليه، بل يباع مال المفلَّس على حالته التي هو عليها من كونه في أرض الغير مستحقّ البقاء إلى أن يفنى مجّاناً، وإن استلزم ذلك نقصاناً في قيمته لو ضمّ إلى الأرض وأخذ للأرض قسطها، فإنّ ذلك هو حق المفلّس ،فلا يؤثّر هذا النقصان.

وحيث يباع منفرداً يبقى حكمه حكم من باع أرضاً واستثنى شجرةً في جواز دخول مالكها إليها وسقيها، إلى آخر ما ذُكر من أحكامها. وقد تقدّمت في البيع (1).

قوله: «ولو اشترى زيتاً فخلطه بمثله لم يبطل حقّ البائع من العين» إلى آخره.

إنّما لم يبطل حقّ البائع بمزج المبيع الوجود عين ماله في جملة الموجود، غايته أنّها غير متميّزةٍ، وذلك لا يستلزم عدمها؛ إذ لا واسطة بين الموجود والمعدوم، ويمكن التوصّل إلى حقّه بالقسمة؛ لأنّ الزيت كلّه سواء، فيأخذ حقّه بالكيل أو الوزن.

هذا إذا خلطه بمثله أو أردأ، أمّا لو خلط بالأجود، فالأقوى أنّه كذلك لعين ما تقدّم، فإنّ العين موجودة أيضاً قطعاً، غاية ما هناك أنّه تعذّر تميّزها ، لكن يمكن التوصّل إلى قيمتها بأن يباعا، ويكون له بنسبة ما يخصّه من القيمة، وهو مختار العلّامة في المختلف والتحرير(2)، فعلى هذا لو كانت قيمة زيته درهماً، والممزوج به در همين، بيعا وأخذ ثلث الثمن، ويحتمل أن يكون له ذلك في الخلط بالأردأ أيضاً؛ لأنّه حقّه، والحال أنّ العين باقية وقد تعذّر التوصّل إليها، فيعدل إلى القيمة، واختاره في التحرير(3).

ص: 505


1- تقدّمت في ص 140.
2- مختلف الشيعة، ج 5، ص 469 - 470، المسألة 128؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 518 - 519، الرقم 3807.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 518 - 519 ، الرقم 3807.

ولو خلطه بما هو أجود، قيل: يبطل حقّه من العين، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

•ولو نسج الغزل أو قصّر الثوب أو خبز الدقيق، لم يبطل حقّ البائع من العين، وكان للغرماء ما زاد بالعمل.

--------------

والقول ببطلان حقّه لو مزجه بالأجود للشيخ (رحمه الله)(1)، وتبعه العلّامة في التذكرة و القواعد(2)، فيصير للعلامة في المسألة ثلاثة أقوال.

ووجه هذا القول: إنّ العين تصير حينئذٍ بمنزلة التالفة من طريق المشاهدة والحكم، أمّا الأوّل فللاختلاط، وأمّا الثاني؛ فلأنّه لا يمكنه الرجوع إلى عينه بالقسمة، وأخذ المقدار من الممتزج؛ للإضرار بصاحب الأجود.

وهو ضعيف؛ لأنّ العين موجودة، ويمكن التوصّل إلى الحقّ بالقيمة، ولو أثّر مثل هذا

الاختلاط في ذهاب العين لزم مثله في القسمين الأخيرين.

وحكى الشيخ (رحمه الله) في قسم الأجود قولاً ثالثاً، وهو أن يدفع إلى البائع من عين الزيت بنسبة قيمة ما يخصّه، فإذا خلط جرّة تساوي ديناراً بجرّةٍ تساوي دينارين فللبائع قيمة ثلث الجميع، فيعطى ثلث الزيت وهو ثلثا جرّة، ثمّ غلّطه باستلزامه الربا (3).

وهو يتمّ على القول بثبوته في كلّ معاوضةٍ، ولو خصّصناه بالبيع لم يكن القول بعيداً.

قوله: «ولو نسج الغزل أو قصّر الثوب أو خبز الدقيق لم يبطل حقّ البائع من العين، وكان للغرماء ما زاد بالعمل».

اعلم أنّ الزيادة اللاحقة للمبيع لا يخلو: إمّا أن يكون من نفسه أو من خارجٍ، والأوّل إمّا متّصلة محضاً كالسمن، أو منفصلة محضاً كالولد، أو متّصلة من وجهٍ دون آخَر كالحمل، وقد تقدّم حكم الثلاثة (4).

ص: 506


1- المبسوط، ج 2، ص 225.
2- . تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 152، ضمن المسألة 371؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 151 .
3- المبسوط، ج 2، ص 225.
4- تقدّم في ص 496 - 497.

--------------

والزيادة الخارجيّة إمّا أن تكون عيناً محضةً كالغرس،أو صفةً من وجهٍ وعيناً من آخَر كصبغ الثوب، وقد تقدّم حكم القسم الأوّل، وبقي الأخيران.

وهذه المسألة حكم الثاني والثالث بعدها بلا فصل.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: إذا اشترى عيناً وعمل فيها عملاً يزيد في صفتها لا في ذاتها، كأن يطحن الحنطة، أو يخبز الدقيق، أو يقصر الثوب، أو يخيطه بخيوطٍ منه، أو ينسج الغزل، أو ينشر الخشب ألواحاً، أو يعملها باباً، ونحو ذلك، لم يسقط حقّ رجوعه بالعين عندنا؛ لأنّ العين لم تخرج عن حقيقتها بتوارد هذه الصفات عليها، فكان واجداً عين ماله.

ثمّ إن لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات فلا شيء للمفلّس، سواء غرم المفلّس عليه شيئاً أم لا، وإن نقصت قيمته فلا شيء للبائع معه لو اختار أخذ العين، وإن زادت القيمة بسببه صار المفلّس شريكاً فيها كزيادة العين، فتباع العين، ويكون للمفلّس من الثمن بنسبة ما زاد، فلو كانت قيمة الثوب مائةً خاماً ، ومقصوراً مائةً ،وعشرين كان للمفلّس سدس الثمن،هذا هو الذي قطع به المصنّف، وهو أحد القولين في المسألة.

والقول الآخر: إنّ العين تسلّم إلى البائع مجّاناً، إلحاقاً لهذه الزيادة بالمتّصلة، كالسمن وغيره، بناءً على أنّ حكم المتّصلة ذلك، وقد تقدّم الخلاف فيها (1)، فمَنْ حَكَم هناك بأنّ الزيادة للمشتري يحكم هنا بطريق أَولى، ومن يحكم بكونها للبائع يمكن أن يحكم بأن هذه للمشتري؛ لأنّ هذه من فعله أو ما في حكمه، بخلاف السمن والكبر، فإنّهما من فعل الله تعالى وإن كان سببهما من فعل المكلّف، كالعلف والسقي، ومن ثمّ يتخلّف السمن عنهما في بعض الأحيان، وربما يحصل بدونهما في آخَر ، وعلى تقدير استناده إليهما فالفاعل هو الله تعالى، بخلاف طحن الحنطة وخبز الدقيق ونحوهما، ومن ثمّ جاز الاستئجار عليه ولم يجز الاستئجار على القسمين ونحوه، كما لا يخفى.

ص: 507


1- تقدّم في ص 496 - 497.

• ولو صبغ الثوب كان شريكاً للبائع بقيمة الصبغ إذا لم تنقص قيمة الثوب به.

--------------

والأقوى في الموضوعين أنّ الزيادة للمفلّس، وحينئذٍ فالمعتبر بالقيمة مع الزيادة حين الرجوع.

قوله: «ولو صبغ الثوب كان شريكاً للبائع بقيمة الصبغ إذا لم تنقص قيمة الثوب به».

هذا مثال ما لو كانت الزيادة عيناً من وجه وصفةً من آخَر، فإنّ الصبغ في نفسه عين، وأحدث للثوب صفةً من اللون لم تكن، وحينئذٍ فإمّا أن يزيد الثوب في القيمة بقدر قيمة الصبغ أو أقلّ أو أكثر، أو لا يزيد شيئاً، أو ينقص.

ففي الأوّل يكونان شريكين بنسبة المالين، كما لو كانت قيمة الثوب مائةً، والصبغ عشرين، وساوى بعض الصبغ مائة وعشرين فللمفلّس سدس الثمن، والقسمة هنا على الأعيان، ولا يتحقّق للصفة حكم؛ لانتفاء الزيادة بسببها.

وفي الثاني يكون للبائع بقدر قيمة الثوب، والنقصان على المفلّس؛ لأنّ الصبغ تتفرّق أجزاؤه في الثوب وتهلك والثوب قائم بحاله، فكانت نسبة النقصان إلى الصبغ أولى، لكن يشترط في ذلك أن لا يعلم استناد النقصان أو بعضه إلى الثوب، والّألحقه بحسبه.

وفي الثالث، وهو زيادة قيمته مصبوغاً عن قيمة الثوب والصبغ، كما لو صار في المثال يساوي مائةً وثلاثين، فلا شبهة في كون كلّ عينٍ محفوظةً بقيمتها، وإنّما الكلام في الزائد عنهما، فإنّه صفة محضة، فيجري فيها البحث في المسألة السابقة، فإن ألحقناها بالأعيان فهي بأجمعها للمفلّس، وهو الأقوى، وإن ألحقنا الأثر بالعين فهي للبائع. ويحتمل بسطها على نسبة المالين لعدم الأولويّة، حيث إنّها تابعة للمعنيين.

وإن لم تزد قيمة الثوب شيئاً بالصبغ أو نقصت لم يكن للمفلس شيء؛ لأنّ عين مال البائع وعين مال المفلس ذاهبة، كما مرّ، والصفة منتفية، فتنتفى الشركة فيه قولاً واحداً.

ويمكن شمول قول المصنّف «إذا لم تنقص قيمة الثوب به» للقسمين، وإن كان في

قائمة الثاني أوضح.

ص: 508

• وكذا لو عمل المفلّس فيه عملاً بنفسه، كان شريكاً بقدر العمل.

• ولو أسلم في متاعٍ ثمّ أفلس المسلم إليه، قيل: إن وجد رأس ماله أخذه، وإلّا ضرب مع الغرماء بالقيمة، وقيل: له الخيار بين الضرب بالثمن أو بقيمة المتاع، وهو أقوى.

--------------

قوله: «وكذا لو عمل المفلّس فيه عملاً بنفسه، كان شريكاً بقدر العمل».

هذا من أفراد الصفة المحضة، وقد كان يمكن الغنى عنه بالسابق، فإنّه أعمّ من كونه بنفسه وبغيره، وإنّما يكون شريكاً بقدر العمل مع زيادة العين بقدره خاصّةً، وإلّا جاء فيه ما تقدّم من الأقسام.

قوله: «ولو أسلم في متاع ثمّ أفلس المسلم إليه - إلى قوله - وهو أقوى».

القول الأوّل للشيخ (رحمه الله)(1)، ووجهه مع وجدان عين ماله دخوله في العموم، ومع عدمه يضرب بدَيْنه كما في كلّ غريمٍ، ودَيْنه هو المسلم فيه، فيضرب به، وإنّما اعتبر القيمة لأنّ الضرب باعتبارها، وإلّا فالمرجع إلى نفس الديْن. ووجه الثاني مع تلف عين ماله ما تقدّم في السلف من أنّه متى تعذّر المسلَم فيه في وقته تخيّر المسلِم بين الفسخ والصبر (2) ، فيكون هنا كذلك، إلّا أنّه مع الفسخ يضرب بالثمن، ومع عدمه يضرب بقيمة المسلَم فيه؛ إذ لا صبر هنا لأحدٍ من الغرماء. وهذا هو الأقوى، وهو اختيار الأكثر، ولكن يجب تقييده بما لو لم يكن مال المفلس من جنس المسلَم فيه، أو يشتمل عليه بحيث يمكن وفاؤه منه، فلو فرض ذلك لم يكن له الفسخ؛ إذ لا انقطاع للمسلَم فيه ولا تعذّر، ومن الممكن أن يصل إلى جميع حقّه، بأن يفرض عدم قصور المال حين القسمة وإن كان قاصراً، كما مرّ، فلا بدّ من ملاحظة مثل هذا القيد، وعلى تقدير وصول البعض فلا وجه للفسخ فيه أيضاً.

ص: 509


1- المبسوط، ج 2، ص 229.
2- تقدّم في ص 352.

• ولو أولد الجارية ثمّ فلّس جاز لصاحبها انتزاعها وبيعها، ولو طالب بثمنها جاز بيعها في ثمن رقبتها، دون ولدها.

• وإذا جنى عليه خطأ تعلّق حقّ الغرماء بالدية، •وإن كان عمداً كان بالخيار بين القصاص وأخذ الدية إن بذلت له، ولا يتعيّن عليه قبول الدية؛ لأنها اكتساب، وهو غير واجب.

--------------

وفيما قرّر به المصنّف القول الثاني إجمال، وتلخيصه إنّه مع وجود العين - وهو الثمن - يتخيّر المسلم بين الفسخ فيأخذه، وبين الضرب بدَيْنه وهو المسلِم فيه، وإن وجده تالفاً

تخيّر بين الفسخ فيضرب بالثمن، وبين الإمضاء فيضرب بالمسلم فيه.

قوله: «ولو أولد الجارية ثمّ فلّس جاز لصاحبها انتزاعها وبيعها» إلى آخره.

وجه جواز انتزاعها ظاهر، فإنّها عين ماله والاستيلاد المتجدّد لها لا يمنع رجوعه؛ إذ

يجوز بيعها في ثمنها حينئذٍ، وأخذها بمنزلته.

ولو اختار الضرب بالثمن جاز بيعها فيه أيضاً؛ لِما قلناه.

وأمّا الولد فهو حُرٌّ على كلّ حالٍ : لأنّه ولد من سيّدها حالة ملكه لها، فلا سبيل لأحدٍ عليه. قوله: «وإذا جنى عليه خطأ تعلّق حقّ الغرماء بالدية».

وفي حكمه الجناية على عبده ومورّثه، ولا يصحّ منه العفو هنا؛ لأنّه تصرّف في المال،وهو ممنوع منه.

قوله: «وإن كان عمداً كان بالخيار بين القصاص وأخذ الدية إن بذلت له» إلى آخره.

لمّا كان الواجب في العمد بالأصالة هو القصاص، والمال إنّما يلزم بالتراضي، كان التخيير للمجنيّ عليه - مع بذل الجاني المال - بين القصاص؛ لأنّه حقّه وبين أخذ المال ، وبين العفو، ولا يتعيّن عليه أخذ المال لو بذل له؛ عملاً بالأصل، ولأنّه اكتساب للمال ، وهو غير لازمٍ له الآن، كما لا يلزمه قبول الهبة، فإن اقتصّ فلا كلام، وإن رضي بالمال وبذله الجاني، تعلّق به حقّ الغرماء، وإن عفا مطلقاً سقط حقّه منهما.

ص: 510

• نعم، لو كان له دار أو دابّة وجب أن يؤاجرها، وكذا لو كانت له مملوكة ولو كانت أمّ ولد.

• وإذا شهد للمفلّس شاهد بمالٍ فإن حلف استحقّ، وإن امتنع هل يحلف الغرماء؟ قيل: لا، وهو الوجه. وربما قيل بالجواز؛ لأنّ في اليمين إثبات حقّ للغرماء.

--------------

قوله: «نعم، لو كان له دار أو دابّة وجب أن يؤاجرها، وكذا لو كانت له مملوكة ولو كانت

أُمّ ولدٍ».

ممّا يستثنى للمديون مطلقاً داره ودابّته ومملوكه المحتاج إليه منها، وهذه الثلاثة لا تباع ولا تؤاجر.

وما ذكره المصنّف يحمل على أحد أمرين: إمّا بأن تكون هذه الأشياء له على وجهٍ لا يمكن بيعه، بأن تكون موقوفةً وهي زائدة على ما يستثنى، وإما على مؤاجرتها زمن الحجر إلى أوان البيع.

وأمّا أُمّ الولد فلا تباع مطلقاً إذا لم تكن عين مال أحدٍ من الغرماء؛ فيمكن الحكم

بمؤاجرتها إذا كانت فاضلةً عن خدمته.

ولو كانت خدمته تحصل بها فالظاهر الاكتفاء بها عن مملوكةٍ أُخرى؛ لصدق المملوكيّة عليها وإن تشبثّت بالحُرّيّة فيباع ما سواها، مع احتمال عدمه.

وضمير «يؤاجرها» المستتر يعود إلى المالك بدلالة السياق، ولكن يجب تقييده بإذن الحاكم، ويمكن أن يعود إليه.

قوله: «وإذا شهد للمفلّس شاهد بمال - إلى قوله - إثبات حقّ للغرماء».

القول بالمنع للشيخ (1)والأكثر ، وهو الأقوى؛ لأنّ المال للمفلّس إلى أن يقتسمه الغرماء وإن تعلّق حقّهم به والحلف لإثبات مال الغير ممتنع.

ص: 511


1- المبسوط، ج 2، ص 240.

•وإذا مات المفلّس حلّ ما عليه، ولا يحلّ ما له، وفيه رواية أخرى مهجورة،

•وينظر المعسر، ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته، وفيه رواية أُخرى مطّرحة.

--------------

والقول بالجواز لابن الجنيد، بناءً على عود النفع إليهم، ويستحقّون المطالبة(1).

وهو ضعيف؛ إذا لم يخرج بذلك عن كونه مال المفلّس.

وفي حلفهم إشكال من وجهٍ آخَر، وهو أنّ كلّ واحد منهم إن حلف على مجموع المال كان حلفاً لإثبات مالٍ لغيره، وهو باقي الغرماء، وهو ممتنع أيضاً زيادةً على ما تقدّم، وإن حلف على بعضه، وهو القدر الذي يصيبه بالتقسيط ،لم يثبت له أجمع، بل بعضه؛ لأنّه مال المفلّس، فلا يلتئم ثبوت جميع المال بهذا الحلف.

والاعتذار عن حلفه على المجموع بأنّه إنّما يثبت به استحقاقه لا يدفع ما ذكرناه؛ لأنّه يتضمّن إثبات مال الغير أيضاً.

قوله: «وإذا مات المفلّس حلّ ما عليه، ولا يحلّ ما له، وفيه رواية أخرى مهجورة».

أمّا الأوّل فموضع وفاقٍ. وأمّا الثاني فالمشهور بقاؤه بحاله؛ لأصالة البقاء، وانتفاء الدليل، وللفرق بتحقّق الضرر في الأوّل على المالك إن تصرّف الوارث، وعلى الوارث إن منع منه إلى أن يحلّ، بخلاف موت من له الديْن.

والرواية المذكورة بخلافه رواها أبو بصير عن الصادق صلی الله علیه و آله وسلم قال: «إذا مات الميّت حلّ ما له وما عليه من الديون» (2)، وعمل بها الشيخ في النهاية (3)، وتبعه جماعة (4).

والرواية مرسلة، والأصحّ الأوّل.

قوله: «وينظر المعسر، ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته وفيه رواية أخرى مطّرحة».

ص: 512


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 472 - 473، المسألة 134.
2- الكافي، ج 5، ص 99، باب أنه إذا مات الرجل حلّ دينه، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 190، ح 407.
3- النهاية، ص310.
4- في حاشية «و»: «أبو الصلاح وابن البراج والطبرسي (رحمهم الله). (منه رحمه الله)». راجع الكافي في الفقه، ص 333؛ وحكاه عن ابن البرّاج والطبرسي العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 400، المسألة 16.

--------------

هذا هو المشهور، وعليه العمل، ويدلّ عليه ظاهر قوله تعالى:«وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»(1).

وأطلق جماعة من أصحابنا (2) أنّه لا يجب عليه الاكتساب أيضاً، ولا قبول الهبة ولا الصدقة ولا الوصيّة ونحوها.

ولو قيل بوجوب ما يليق بحاله كان حسناً.

والرواية بجواز مؤاجرته رواها السكوني عن الصادق علیه السلام عن أبيه: «إنّ عليّاً علیه السلام كان يحبس في الديْن، ثمّ ينظر فإن كان له ما أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء، فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم إن شئتم فاجروه، وإن شئتم استعملوه» (3)، وعمل بها ابن حمزة(4)، ومال إليه في المختلف(5)، واختاره الشهيد (رحمه الله)(6).

ص: 513


1- البقرة (2) 280.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 238 والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 61 - 62 ، المسألة 309؛ والشهيد في غاية المراد، ج 2، ص 148 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 2).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 300، ح 838: الاستبصار، ج 3، ص 47، ح 155.
4- الوسيلة، ص 274 .
5- مختلف الشيعة، ج 5، ص 403 المسألة 20.
6- الدروس الشرعية، ج 3، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 11).

• القول في قسمة ماله

يستحب إحضار كلّ متاعٍ في سوقه ليتوفّر الرغبة، • وحضور الغرماء، تعرّضاً للزيادة. • وأن يبدأ ببيع ما يخشى تلفه،

--------------

قوله: «يستحب إحضار كلّ متاعٍ في سوقه ليتوفّر الرغبة».

إنّما يستحبّ الإحضار إذا وثق بانتفاء الزيادة لو بيع في غير سوقه، وإلّا فالأولى الوجوب؛ لأنّ بيعه فيه أثر لطلّابه، وأضبط لقيمته، ولكن أطلق الجماعة الاستحباب.

قوله: «وحضور الغرماء تعرضاً للزيادة».

استحباب هذا القسم مناسب؛ إذ لا خصوصية لهم في الشراء.

ويمكن وجوبه (1)مع رجاء الزيادة بحضورهم.

وكذا يستحبّ حضور المفلّس أو وكيله، فإنّه أخبر بقيمة متاعه، وأعرف بجيّده من غيره، فيتكلّم عليه ويخبر بقدره، ويعرف المعيب من غيره، وربما كان أكثر للرغبة فيه، وأبعد عن التهمة، وأطيب لنفس المفلّس.

قوله: «وأن يبدأ ببيع ما يخشى تلفه».

جعل هذا من المستحبّ ليس بواضح ، بل الأجود وجوبه؛ لئلّا يضيع على المفلّس وعلى الغرماء، ولوجوب الاحتياط على الأمناء والوكلاء في أموال مستأمنيهم، فهنا أولى؛ لأنّ

ص: 514


1- في بعض النسخ: «ويمكن القول بوجوبه».

• وبعده بالرهن لانفراد المرتهن به .

• وأن يعوّل على منادٍ يرتضى به الغرماء والمفلّس، دفعاً للتهمة، فإن تعاسروا

عين الحاكم.

--------------

ولاية الحاكم قهريّة فهي أبعد عن مسامحة المالك، وحينئذٍ فيبدأ بما يخاف عليه الفساد عاجلاً كالفاكهة، ثمّ بالحيوان، ثمّ بسائر المنقولات، ثمّ بالعقارات، هذا هو الغالب، وقد يعرض لبعض ما يستحقّ التأخرّ التقدّم بوجهٍ.

قوله: «وبعده بالرهن لانفراد المرتهن به».

ولأنّه ربما زادت قيمته عن الدين فيضمّ الباقي إلى مال المفلّس، وربما نقصت فيضرب المرتهن بباقي دَينه مع الغرماء.

وفي حكم الرهن العبد الجاني؛ لتعلّق حقّ المجنيّ عليه برقبته واختصاصه، وربما فضل منه فضلة كالرهن.

ويفارقه بأنّه لو قصر عنها لم يستحق المجنيّ عليه الزائد؛ لأنّ حقّه لم يتعلّق بالذمّة بل بالعين، بخلاف الرهن فإنّه متعلّق بهما.

وهذا التقديم يناسب الاستحباب؛ لأنّ الغرض منه معرفة الزائد والناقص، وهو يحصل قبل القسمة. وفي التذكرة قدمه على بيع المخوف(1) ، وما هنا أولى.

قوله: «وأن يعوّل على منادٍ يرتضي به الغرماء والمفلّس دفعاً للتهمة ، فإن تعاسروا عين الحاكم».

هذا الحكم ينبغي أن يكون على سبيل الوجوب؛ لأنّ الحقّ في ذلك لهم؛ لكونه مال

المفلّس، ومصروفاً إلى الغرماء.

ويمكن مع ذلك الاستحباب؛ لأنّ الحاكم بحجره على المفلّس أسقط اعتباره، وكان

ص: 515


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 47 و 48، المسألة 293 و 294.

• وإذا لم يوجد من يتبرع بالبيع ولا بُذلت الأجرة من بيت المال وجب أخذها

من مال المفلّس؛ لأنّ البيع واجب عليه.

• ولا يجوز تسليم مال المفلّس إلّا مع قبض الثمن، وإن تعاسرا تقابضا معاً.

--------------

كوكيله، وحقّ الغرماء الاستيفاء من القيمة، وهي حاصلة بنظر الحاكم.

والحاصل أنّه يفوّض إليهم التعيين، فإن اتّفقوا عليه، وإلا عيّن هو.

هذا إذا كان معيّن كلّ واحدٍ متطوّعاً أو بأجرةٍ متحدة، وإلّا قدّم المتبرّع وقليل الأجرة مع صلاحيّته لذلك، وهذا في الحقيقة لا يخرج عن تعيين الحاكم.

قوله: «وإذا لم يوجد من يتبرّع بالبيع ولا بُذلت الأجرة من بيت المال وجب أخذها من مال المفلّس».

مقتضى العبارة جواز بذلها من بيت المال - وبه صرّح العلّامة في التذكرة (1)! - لأنّه معدّللمصالح وهذا من جملتها.

ومعنى قوله «ولا بُذلت الأجرة من بيت المال» أنّه إذا لم يكن في بيت المال سعة، إما لعدمه، أو للاحتياج إلى صَرفه إلى ما هو أهمّ من ذلك، جاز أخذها من مال المفلّس؛ لأنّ البيع حقٌّ عليه.

وفي القواعد أطلق أنّ الأجرة على المفلس(2) ، وما هنا أجود.

قوله: «ولا يجوز تسليم مال المفلّس إلّا مع قبض الثمن، وإن تعاسرا تقابضا معاً».

هذا الحكم واضح، فإنّ مال الغير يجب الاحتياط فيه كذلك.

وهل الحقّ في ذلك منحصر في المفلّس والغرماء، فيجوز مع رضاهم؟ يحتمله؛

لأنّ الحقّ الآن منحصر فيهم، وعدمه؛ لجواز ظهور غريمٍ آخر يتعلّق دينه بالمال وهو أجود.

ص: 516


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 49، ذيل المسألة 295
2- قواعد الأحكام، ج 2، ص 146 .

• ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة قيل: يجعل في ذمّة ملّي احتياطاً، وإلّا جعل وديعةً؛ لأنّه موضع ضرورة.

• ولا يجبر المفلّس على بيع داره التي يسكنها، ويباع منها ما يفضل عن حاجته، وكذا أمته التي تخدمه.

--------------

قوله: «ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة قيل: يجعل في ذمّة ملي احتياطاً» إلى آخره. إنّما كان ذلك احتياطاً؛ لأنّ القرض مضمون على المقترض، بخلاف الوديعة؛ فإنّها أمانة لا يؤمن تلفها.

واعتبر في التذكرة في المقترض مع الملاءة الأمانة(1) ، وهو حسن. وقوله «وإلّا» أي وإن لم يوجد مقترض ملّي جعل وديعةً، وليكن المستودع عدلاً. وينبغي مراعاة من يرتضيه الغرماء، والمفلّس، ومع الاختلاف يعيّن الحاكم.

ونسبة المصنّف الحكم إلى القيل يشعر بتوقّفه فيه. ووجه التوقّف من أنّ قرض الحاكم في الأموال التي يليها إنّما هو الاستيداع، كما هو في أموال اليتامى وغيرهم ممّن أمره أحوط من مال المفلّس، فينبغي أن يجوز الاقتصار على الوديعة وإن أمكن القرض. وبه قطع في التذكرة (2)، وهو حسن، وإن كان الأوّل أحوط.

قوله: «ولا يجبر المفلّس على بيع داره - إلى قوله - وكذا أمته التي تخدمه».

يعتبر في الدار كونها لائقةً بحاله كمّاً وكيفاً، فلو زادت في أحدهما وجب الاستبدال بما يليق به، أو بيع الفاضل إن أمكن إفراده بالبيع، وفي الأمة الحاجة إلى خدمتها، أو الأهليّة لها بحسب حاله، ومثلها العبد، وفي حكمها دابّة ركوبه، ولو احتاج إلى المتعدّد استثني بحسب كالمتّحد، وكذا يستثنى له دست ثوبٍ يليق بحاله شتاءً وصيفاً. قال في التذكرة :

والأولى اعتبار ما يليق بحاله في إفلاسه، لا في حال ثروته، ويترك لعياله من

ص: 517


1- تذكرة الفقهاء ، ج 14، ص 51 ، المسألة 298 .
2- تذكرة الفقهاء . ج 14، ص 52 المسألة 298.

• ولو باع الحاكم أو أمينه مال المفلّس، ثمّ طلب بزيادةٍ لم يفسخ العقد، ولو التمس المشتري الفسخ، لم تجب عليه الإجابة، لكن تستحبّ.

• وتجرى عليه نفقته ونفقة من تجب عليه نفقته وكسوته - ويتبّع في ذلك عادة أمثاله - إلى يوم قسمة ماله، فيعطى هو وعياله نفقة ذلك اليوم.

• ولو مات قدّم كفنه على حقوق الغرماء،ويقتصر على الواجب منه.

--------------

الثياب ما يترك له، قال: ولا يترك له الفرش والبسط، بل يسامح باللبد والحصير القليل القيمة (1).

ولا فرق فى المستثنيات بين كونها عين مال بعض الغرماء وعدمه عندنا.

قوله: «ولو باع الحاكم أو أمينه مال المفلّس - إلى قوله - لكن تستحبّ».

لاريب في استحباب الإجابة إلى كلّ إقالةٍ، فهنا أولى، ولكن لا تجب؛ لأنّه صار حقه.

هذا إذا لم يكن البيع بخيار للبائع، وإلّا جاز الفسخ، وفي وجوبه نظر، أقربه ذلك، وإن كان قد بيع بثمن المثل؛ للقدرة على تحصيل الزيادة بالفسخ، فيكون كما لو طلب بزيادةٍ عن ثمن المثل قبل البيع.

قوله: «وتجرى عليه نفقته ونفقة من تجب عليه نفقته - إلى قوله - نفقة ذلك اليوم». الظاهر أنّ المراد بعادة أمثاله من هو في مثل شرفه وضعته وباقي أوصافه بحسب ما هو عليه الآن.

ولو مات بعض من ينفق عليه في أثناء النهار، ففي ارتجاع بقيّة نفقته نظر من أنّ النفقة تمليك مطلق، أو بشرط استجماع شرائط الاستحقاق ،زمانها، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - الكلام فيه.

قوله: «ولو مات قدّم كفنه على حقوق الغرماء، ويقتصر على الواجب منه».

وكذا يقدّم كفن من تجب نفقته عليه ممّن يجب تكفينه عليه قبل الإفلاس.

ص: 518


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 58، المسألة 306.

مسائل ثلاث:

الأولى: • إذا قسّم الحاكم مال المفلَّس ثمّ ظهر غريم نقضها وشاركهم الغريم.

--------------

ويقتصر على الواجب، وهو ثلاثة أثواب.

ويعتبر فيها الوسط ممّا يليق به عادةً، ولا يقتصر على الأدون، مع احتماله، وبه قطع

في البيان(1).

ولو اكتفينا بالثوب الواحد في تأدّي الواجب، لزم الاقتصار عليه هنا.

وكذا يستثنى مؤونة التجهيز من سدرٍ وكافور وماء وغيرها.

قوله: «إذا قسّم الحاكم مال المفلَّس ثمّ ظهر غريم، نقضها وشاركهم الغريم.

إذا ظهر غريم بعد القسمة فلا يخلو إمّا أن يطالب بعين من مال المفلَّس بأن يكون بائعاً ومبيعه قائم، أو يطلب بدَيْنٍ، والأوّل إما أن يجدها مع بعض الغرماء، أو مع غيرهم، بأن يكون الحاكم قد باعها وجعل ثمنها في ماله، أو يجدها بأيدي الغرماء بالسوّية، وفيما عدا الصورة الأخيرة لا يتوجّه إلّا نقض القسمة؛ لأنّ العين إذا انتزعت من أحدهم بقي بغير حقِّ، وفي الأخير والمطالَب بدينٍ قولان:

أحدهما - وهو الذي جزم به المصنّف - أنّ القسمة تنقض؛ لتبيّن فسادها من حيث إنّ جميع الغرماء مستوون في المال، وقد وقعت القسمة بغير رضى البعض، فيكون كما لو اقتسم الشركاء ثمّ ظهر لهم شريك آخر. والثاني: أنّها لا تنقض، بل يرجع الغريم على كلّ واحدٍ بحصّةٍ يقتضيها الحساب؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم قد مَلَك ما هو قدر نصيبه بالإقباض الصادر من أهله في محلّه، فلا يجوز النقض؛ لأنّه يقتضي إبطال الملك الثابت، أمّا الحصّة الزائدة على قدر نصيبه باعتبار الغريم

الآخر فإنّها غير مملوكةٍ له، فتستعاد.

ص: 519


1- البيان، ص 69 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

الثانية: • إذا كان عليه ديون حالّةً ومؤجّلةً قُسّم أمواله على الحالّة خاصّةً.

--------------

ويضعّف بأنّ الملك كان مبنيّاً على الظاهر من انحصار الحقّ فيهم، وقد تبيّن خلافه، ولا فرق في نفس الأمرين سائر غرمائه.

فإن قيل: ذلك إنّما يتمّ في الشركاء، وهنا لا شركة؛ إذ المال للمفلّس. نعم، يستحقّون الإيفاء، فلا يستحقّ الغريم الآخَر سوى الحصّة، وما عداها لا حقّ له فيه، فيكون صَرفه إلى الديون معتبراً.

قلنا: هذه وإن لم نجعلها شركةً حقيقيّةً، لكن الإيفاء أيضاً مشروطة ببسط المال على نسبة جميع الغرماء، غاية ما فيه أنّه لم يكن ظاهراً سواهم، فصحّت ظاهراً، فلمّا تبيّن من يشاركهم في استيفاء المال لم تصحّ القسمة الأُولى، والغريم المتجدّد وإن لم يستحقّ سوى الحصّة إلّا أنّها مشاعة في جميع المال، فتميّزه بغير إذنه لا يصحّ، فكان القول بالنقض أجود، وحينئذٍ فلا فرق بين الأقسام السابقة كلّها.

وليس هذا الفسخ الطارئ على هذه القسمة مثل فسخ البيع بأحد أسبابه؛ لأنّ ذلك الفسخ يبطله من حينه، وظهور هذا الغريم أبطلها من رأس.

وتظهر فائدة القولين في النماء المتجدد بعد القسمة، فعلى النقض يشارك المتجدّد فيه دون الآخَر، وفيما لو تصرّف واحد في مقدار نصيبه، فعلى النقض تبيّن بطلانه دون الآخَر، وفي وجوب الزكاة لو بلغ نصيبه نصاباً، واجتمعت الشروط، فعلى النقض تبيّن سقوطها، وعلى الآخَر يجب، إلى غير ذلك من الفوائد.

قوله: «إذا كان عليه ديون حالّةً ومؤجَّلةً قُسّمت أمواله على الحالّة خاصّةً».

أي مؤجّلةً عند القسمة، فإنّه لا يقسّم عليها، أمّا لو كانت مؤجَّلةً عند الحجر وحلّت عند القسمة شاركت وإن كان الحجر في ابتدائه لأجل الحالّة.

ولو حلّ بعد قسمة البعض، شارك في الباقي، وضرب بجميع المال، وضرب باقي الغرماء ببقيّة ديونهم.

ص: 520

الثالثة: • إذا جنى عبد المفلّس، كان المجنيّ عليه أولى به، ولو أراد مولاه فكّه، كان للغرماء منعه.

ويلحق بذلك النظر في حبسه

• لا يجوز حبس المعسر مع ظهور إعساره، • ويثبت ذلك بموافقة الغريم،

--------------

قوله: «إذا جنى عبد المفلّس كان المجنيّ عليه أولى به» إلى آخره.

قد تقدّم أنّ المجنيّ عليه أحقّ بالعبد الجاني من الغرماء ومن المرتهن (1)؛ لانحصار حقّه في العين بخلافهم، وإنّما يكون أحقّ به مع استيعاب الجناية لقيمته، وإلّا استرقّ منه بقدرها و صرف الباقي إلى الغرماء.

وإنّما يُمنع المولى من فكّه مع عدم المصلحة في فكّه، فلو فُرضت بأن كان كسوباً يثمر مالاً إلى حين القسمة، وقيمته باقية، فله فكّه لمصلحته.

ولو كان الجاني المفلّسَ، كان غريمه أُسوة الغرماء، والفرق بين جنايته وجناية عبده واضح؛ فإنّ المجنيّ عليه في صورة العبد تعلّق حقّه بعين العبد، وهنا تعلّق بذمّة الجاني، فكان كغيره من الغرماء، وقد تقدّم وجه مشاركته لهم مع تأخّر سببه عن الحجر (2).

قوله: «لا يجوز حبس الغريم مع ظهور إعساره». عدل عن الضمير المذكور في العنوان - العائد إلى المفلَّس - إلى الاسم الظاهر - وهو الغريم - للتنبيه على أنّ هذا الحكم لا يختصّ بالمفلس، بل يأتي في المديون المعسر، وإنّما يحسن العدول لو اشترطنا في صدق التفليس الحجر، وإلّا فالمديون المعسر مفلّس أيضاً.

قوله: «ويثبت ذلك بموافقة الغريم».

إنّما يثبت بموافقة الغريم في حقّ الموافق خاصّةً، فلو تعدّد الغرماء ووافق بعضهم دون

ص: 521


1- تقدم في ص 458.
2- تقدّم في ص 490.

• أو قيام البيّنة.

• فإن تناكرا وكان له مال ظاهر أُمر بالتسليم، فإن امتنع فالحاكم بالخيار بين حبسه حتّى يوفي، وبيع أمواله وقسمتها بين غرمائه.

--------------

بعضٍ، فللمخالف البحث، إلّا أن يكون الموافق متعدّداً عدلاً، فيثبت مطلقاً.

قوله: «أو قيام البيّنة».

نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث جعل قيام البيّنة بالإعسار غير مانع من حبسه مدّةً يغلب على ظنّ الحاكم أنّه لو كان له مال لظهر (1)، وسيأتي الكلام على شرائط البيّنة وكيفيّة شهادتها (2).

قوله: «فإن تناكرا وكان له مال ظاهر أُمر بالتسليم - إلى قوله - وقسمتها بين غرمائه». أي لو تناكر الغريم والمديون في الإعسار، بأن ادّعاه المديون وأنكره الغريم، ومع ذلك فتفريع ظهور المال عليه منافر.

والحاصل أنّه مع عدم إيفاء المديون دَيْنه وظهور مالٍ له يأمره الحاكم بالوفاء، فإن امتنع منه تخيّر بين حبسه وإهانته إلى أن يوفي، وبين أن يوفي بنفسه، فإن كان ماله من جنس الحقّ صرفه فيه، و إن كان مخالفاً باعه عنه وأوفى.

ويحلّ لصاحب الديْن الإغلاظ له في القول، بأن يقول له: يا ظالم، ونحوه، قال صلی الله علیه و آله وسلم: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» (3)، والليّ: المطل، والعقوبة: الحبس، والعرض: الإغلاظ له في القول، فإن أصرّ على ذلك جاز للحاكم ضربه.

ص: 522


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 27؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 546، المسألة 3464؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 498.
2- يأتي في ص 523 وما بعدها.
3- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 811، ح 2427؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 313، ح 3628؛ المستدرك على الصحيحين، ج 5، ص 139، ح 7147.

• وإن لم يكن له مال ظاهر وادّعى الإعسار فإن وجد البيّنة قضي بها، وإن عدمها وكان له أصل مالٍ، أو كان أصل الدعوى مالاً حُبس حتّى يثبت إعساره.

• وإذا شهدت البيّنة بتلف أمواله قضى بها، ولم يكلّف اليمين ولو لم تكن البيّنة مطّلعةً على باطن أمره، أمّا لو شهدت بالإعسار مطلقاً، لم يُقبل حتى يكون مطّلعةٌ على أُموره بالصحبة المؤكّدة، وللغرماء إحلافه دفعاً للاحتمال الخفيّ.

--------------

قوله: «ولو لم يكن له مال ظاهر وادعى الإعسار - إلى قوله - حتّى يثبت إعساره».

المراد أنّه كان له قبل الآن مال وادّعى الآن تلفه. والمراد بكون أصل الدعوى مالاً أنّ غريمه الذي قد أثبت دَيْنه دفع إليه في مقابلته مالاً، بأن باعه سلعةً وهو يطالب بثمنها، أو أقرضه مالاً، ونحو ذلك، والمديون يدّعي تلفه، أو ينكر وصوله إليه مع قيام البيّنة به، فإنّه حينئذٍ يحبس حتّى يثبت (1) إعساره؛ لأنّ الأصل بقاء ذلك المال في يده.

وظاهر العبارة - ككثير - أنّه مع ذلك يُحبس بمجرّد ثبوت الديْن وامتناعه من إيفائه.

وفي التذكرة أنّه إذا لم يكن له بيّنة بذلك يحلف الغرماء على عدم التلف، فإذا حلفوا حُبس (2).

قوله: «وإذا شهدت البيّنة بتلف أمواله قضي بها - إلى قوله - بالصحبة المؤكّدة».

إذا شهدت البيّنة للمديون بالإعسار، فإمّا أن يكون مستند شهادتها علمها بتلف ماله، أو اطّلاعها على حاله، فإن كان الأوّل بأن شهد الشاهدان على تلف أمواله قُبلت وإن لم تكن مطّلعةً على باطن أمره؛ لأنّ الشهادة بذلك على الإثبات المحض، وبثبوت تلف ماله يحصل الغرض من فقره.

وإن شهدت بإعساره مطلقاً، أي من غير تعرّضٍ لتلف أمواله، فلا بدّ في ذلك من كون الشاهدين لهما صحبة مؤكّدة مع الشهود له، ومعاشرة كثيرة بحيث يطّلعان بها على باطن

ص: 523


1- في بعض النسخ: «يتبيّن» بدل « يثبت».
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 69، المسألة 316.

--------------

أمره غالباً، فإنّ الأموال قد تخفى، ولا يعرف تفصيلها إلّا بأمثال ذلك.

وإنّما اعتبر هنا ذلك دون ما لو شهدا بتلف ماله؛ لأنّ مرجع هذه الشهادة إلى الشهادة على النفي، فإنّ معنى إعساره أنّه لا مال له، ومن حقّ الشهادة على النفي أن لا تُقبل، حتّى ذهب بعض العامّة إلى عدم قبولها هنا لذلك (1).

وإنّما قُبلت عندنا وعند أكثر مَنْ خالفنا بضبطها على وجهٍ يلحقها بالإثبات، بأن يكون من أهل الخبرة بحاله، لكثرة خلطته وطول مجاورته حتّى اطلعت على باطن أمره، وشهدت مع ذلك بإثباتٍ يتضمّن النفي، لا على النفي الصرف، بأن تقول: إنّه معسر لا يملك إلّا قوت يومه وثياب بدنه، ونحو ذلك.

فإذا لم تكن مطّلعةً على الوجه المذكور، جاز أن تستند في إعساره إلى ظاهر حاله، ومع ذلك فللغرماء إحلافه، كما ذكره المصنّف والجماعة؛ لأنّ الاحتمال لا يزول معها رأساً، ولا صراحة فيها بتلف الأموال، فيُجبر باليمين، بخلاف بيّنة الإثبات، فإنّه لا يُكلف باليمين، كما قطع به المصنّف، وتبعه عليه العلّامة في غير التذكرة (2)، أمّا فيها فَعَكس الحكم، وأثبت عليه اليمين في بيّنة التلف دون بيّنة الإعسار؛ محتجّاً بأنّ البيّنة إذا شهدت بالتلف كان كمن ثبت له أصل مال واعترف الغريم بتلفه وادّعى مالاً غيره، فإنّه يلزمه اليمين (3)، وأفتى في موضع آخر منها بأنّه لا يمين في الموضعين؛ محتجّاً بأنّ فيه تكذيباً للشهود، ولقوله علیه السلام:

البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» (4)، والتفصيل قاطع للشركة.

ص: 524


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 445، المسألة 3342؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 498.
2- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 400؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 527 - 528، الرقم 3837؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 153.
3- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 75، المسألة 321.
4- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 70، المسألة 316، وص 72 المسألة 318؛ وأورد الرواية البيهقي في السنن الكبرى، ج 10، ص 427، ح 21201.

--------------

هذا خلاصة ما ذكروه من الحكم، وغاية ما تقرّر من الفرق بين الموضعين.

وأقول: إنّ تلخيص الحكم في ذلك لا يخلو من إشكال، والفرق لا يخلو من نظرٍ، وذلك لأنّ شهود تلف ماله إمّا أن تكون شهادتهم على تلف المال الظاهر لهم، من غير معرفةٍ لهم بحال باطن أمره، بحيث يحتمل أن يكون له مالٌ آخر لم يتلف، كما هو الظاهر من قول الجماعة، وتعليلهم المسألة، وتصريحهم بعدم اعتبار كونهم من أهل الخبرة بحاله، ويشكل مع هذا ثبوت إعساره؛ لأنّ حاله بالنسبة إلى المال باطناً مجهول مطلقاً، حتّى لو فرضنا أنّ هذا المال الظاهر لم يكن له لم يناف ثبوت مالٍ له باطناً، والحال أنّه لم يختبر.

وإن أرادوا بعدم اعتبار اطّلاعهم على باطن أمره أنّ الحاكم لا يعتبر اطّلاعه على ذلك - مع أنّ اطّلاعهم معتبر في نفس الأمر - اتّكالاً على عدالتهم، وأنّ العدل لا يجازف في شهادته كما صرّح بهذا المعنى بعض الأصحاب (1) - أشكل الفرق بين الأمرين؛ لأنّ ذلك آتٍ في الشهادة على مطلق الإعسار. وتحويلها نحو الإثبات لئلّا يتمحّض للنفي غير متوقّفٍ على هذا الشرط، فإنّ مرجعه إلى تحرير شهادتهم، لا إلى علمنا بأخبارهم.

وحكم اليمين متفرع على ما قرّرناه، فإن اكتفينا في بيّنة التلف بالاطّلاع على ظاهر حاله، فلابدّ من القول باليمين؛ لأنّه يصير بهذه البيّنة كمن لم يعلم له أصل مال مع احتماله، ويتوجّه عدم الافتقار إلى اليمين في بيّنة الإعسار المطّلعة على الحال؛ لأنّ ذلك أقصى ما يمكن اعتباره شرعاً في التفحّص فلا يكلف مع البيّنة أمراً آخَر؛ لأصالة البراءة، ولظاهر الخبر.

وإن اعتبرنا اطّلاع بيّنة التلف على باطن أمره - كما ذكره بعضهم - (2) توجّه عدم اعتبار اليمين معها؛ لما ذكرناه.

ص: 525


1- في حاشية «و»: «هو الشيخ عليّ في الشرح (منه رحمه الله)». راجع جامع المقاصد، ج 5، ص 300.
2- راجع تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 72 المسألة 318.

--------------

ويمكن أن يوجّه كلام الجماعة الدالّ على عدم اعتبار الخبرة الباطنة في شهادة التلف، لا بالنظر إلى الحاكم ولا بالنظر إلى الشهود بأنّ هذا المديون لمّا كان يعرف له أصل مالٍ ولو بكون الدعوى كذلك، فلا بدّ لهذا المال الثابت ظاهراً من أمرٍ يدفعه، فإذا شهدوا بتلف أمواله التي يطّلعون عليها فقد علم الانتقال عن ذلك الأصل الباقي في المال وإن أمكن بقاء بعضه، إلّا أنّه غير معلومٍ، والتكليف إنّما هو بالظاهر، بخلاف ما إذا شهدوا بإعساره، فإنّ المراد أنّهم لم يطّلعوا على ماله، وهذا لا يدفع ذلك، الأصل الذي هو بقاء المال السابق بوجهٍ، فلا بدّ مع ذلك من الخبرة الباطنة والعشرة المتأكّدة، ليحصل الظنّ بتلف ذلك المال، وإنّما يحصل بذلك، فظهر الفرق بين الحالين.

ويوجّه به أيضاً ما اختاروه من ثبوت اليمين في الأوّل دون الثاني: لأنّ الأوّل لا يدفع المال الباطني يقيناً ولا ظنّاً؛ لعدم الاطّلاع عليه، بخلاف الثاني؛ لأنّ كثرة ملابسته ومجاورته والاطّلاع على الصبر على ما لا يصبر عليه من يكون بيده مال عادةً تفيد الظنّ الغالب بعدم المال، فلا يتّجه مع ذلك انضمام اليمين إلى البيّنة.

نعم، لو ادّعى الغريم وجود مال مخصوصٍ للمديون، واعترف بعدم غيره، فشهد الشهود بتلفه، لم يجب اليمين في الأوّل أيضاً، ولم يعتبر اطّلاع الشهود على باطن أمره، إلّا أنّ هذه مادّة خاصّة، والمسألة أعمّ منها.

والظاهر من عبارة الأصحاب وغيرهم في هذه المسألة هو ما وجّهناه أخيراً من أنّ شهود التلف لا يعتبر اطّلاعهم على حاله في أنفسهم ولا عند الحاكم، بخلاف شهود الإعسار، ووجهه ما بيّنّاه.

لكن المحقّق الشيخ علي (رحمه الله) قرّر كلامهم على ما نقلناه من الوجه (1)، وهو أنّ المراد عدم علم الحاكم باطّلاعهم مع اشتراطه في نفس الأمر، فحصل الالتباس في الفرق

ص: 526


1- جامع المقاصد، ج 5، ص 300.

--------------

على تقريره، ونفي اليمين في الأوّل وإثباتها في الثاني على تقريرهم، فإنّ الاطّلاع على باطن أمره إن كان معتبراً فيهما، فإمّا أن يقال باشتراط علم الحاكم به أيضاً فيهما، أو نفيه فيهما؛ اتّكالاً على العدالة، فالفرق ليس بجيّدٍ، وإذا لم يطّلعوا على باطن أمره في التلف - على ما ذكروه - يكون إثبات اليمين فيه أوجَه من الآخر كما ذكره في التذكرة - دون العكس؛ لأنّ الخبرة الباطنة أفادت ظنّاً قوياً مضافاً إلى البيّنة بعدم المال.

ومختار التذكرة في إثبات اليمين في الأوّل دون الثاني (1) أجود.

واعلم أنّ الخبرة المعتبرة في شهود الإعسار إن اطّلع الحاكم عليها فلا كلام، وإلّا ففي الاكتفاء بقولهم له: إنّهم بهذه الصفة، وجه قويّ، وقطع به في التذكرة (2). وقد عرفت أنّه يعتبر كونها على الإثبات المتضمّن للنفي؛ لأنّ الشهادة على النفي الصرف غير موسوعةٍ؛ لأنّه غير محصورٍ، وهو آت في جميع الشهادات التي على هذا النهج، وقد تقدّم، منها: الشهادة على عدم إخراج المالك الزكاة، ومنها: الشهادة على نفي البيع أو القرض، ونحوهما من العقود، فإنّه لا يكفي قولهم ما باعه كذا، أو ما أقرضه، ونحو ذلك، بل لا بدّ من حصره على وجهٍ مضبوط، بأن يدّعي الخصم أنّه باعه يوم كذا عند الزوال في موضع كذا، فيشهد الشاهدان أنّه ما باعه في ذلك الوقت؛ لأنّه كان في ذلك الوقت في مكانٍ آخَر، أو في كلامٍ آخَر، ونحو ذلك، وكما لو ادّعى عليه قتلاً في وقتٍ معيّنٍ، فشهد الشاهدان أنّه في ذلك الوقت كان ساكن الأعضاء، أو في مكانٍ آخَر بعيدٍ عن المقتول، ونحو ذلك، وكما لو ادّعى المولّى عليه بعد زوال الولاية أنّ الوليّ باع على غير المصلحة، فلا تكفي شهادة الشاهدين بذلك؛ لعدم الحصر في هذا النفي، بل لا بدّ من بيانه على وجه محصور، بأن يدّعي الوليّ حاجته إلى النفقة، فيشهد الشاهدان بغناه بسبب كذا، أو يدعي الوليّ خوف التلف عليه

ص: 527


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 75 المسألة 321.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 72 المسألة 318.

• وإن لم يعلم له أصل مال وادّعى الإعسار، قُبلت دعواه، ولا يكلّف البيّنة، وللغرماء مطالبته باليمين.

• وإذا قسّم المال بين الغرماء وجب إطلاقه.

• وهل يزول الحجر عنه بمجرّد الأداء، أم يفتقر إلى حكم الحاكم؟ الأولى أنّه يزول بالأداء؛ لزوال سببه.

--------------

من وجهٍ فيشهد الشاهدان بانتفاء ذلك الوجه الخاصّ بوجهٍ مضبوط، ونحو ذلك ممّا لا ينحصر، والمرجع فيه إلى اعتبار انضباط النفي وحصره بالاعتبارات الثبوتيّة.

قوله: «وإن لم يعلم له أصل مالٍ وادّعى الإعسار قُبلت دعواه» إلى آخره.

المراد هنا بأصل المال ما يشمل كون الدعوى مالاً ليتمّ الحكم بقبول قوله، فلا يكون

بمعنى الأصل السابق في قسيمه، بل أعمّ منه.

والحاصل أنّه متى لم يعرف له مال قديم، ولا كان أصل الدعوى مالاً، بأن كان مالها أُجرة عملٍ، أو عوض إتلافٍ، أو أرش جنايةٍ، ونحو ذلك، قُبل قول المديون في عدم المال بغير بيّنةٍ؛ لأنّه منكر له، والأصل عدمه، خلافاً لبعض العامّة، حيث مَنَع من قبول قوله إلّا بالبيّنة، كالسابق، بناءً على أنّ الظاهر من حال الحُرّ أنّه يملك شيئاً قلّ أم كثر (1).

قوله: «وإذا قسّم المال بين الغرماء وجب إطلاقه».

أي إطلاقه من الحبس إن كان محبوساً، ولا يختصّ ذلك بالمفلّس كأكثر الأحكام

السابقة، وأمّا إطلاق المحجور من الحجر بمعنى فكّ حجره فسيأتي الكلام فيه.

قوله: «وهل يزول الحجر عنه بمجرّد الأداء - إلى قوله - لزوال سببه».

ضمير «عنه» يعود إلى المفلّس المحجور عليه، وفيه تشويش للضمائر، كما قد عرفت.

والأولى أن لا يعود الضمير إلى المحدّث عنه سابقاً، بل إلى المفلّس المدلول عليه

بالمقام المعقود له، الباب فإنّ دخول غيره بالعرض.

ص: 528


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 27.

--------------

وما رجّحه المصنّف هو الأقوى؛ لأنّ الحجر عليه إنّما كان الحقّ الغرماء ليقتسموا أمواله

الموجودة، وقد حصل.

ووجه توقّفه على حكم الحاكم أنّه لم يثبت إلّا بإثباته، فلا يرفع إلّا برفعه، كالسفيه، ولأنّه حجر يحتاج إلى نظر واجتهادٍ كحجر السفيه.

والملازمة ممنوعة؛ لما بيّناه من زوال المعنى المقتضي له، بخلاف السفيه، فإنّه لا يعلم

زواله إلّا بالاختيار المستند إلى الحاكم.

هذا كلّه مع اعتراف الغرماء بأنّه لا مال له سواه، أو عدم تعرّضهم أو بعضهم لغيره، فلو

ادّعوا أو بعضهم عليه مالاً آخَر، ففيه التفصيل السابق، والله الموفّق.

ص: 529

ص: 530

كتاب الحجر

اشارة

• الحجر هو المنع، والمحجور شرعاً هو الممنوع من التصرّف في ماله.

--------------

كتاب الحجر

قوله: «الحجر هو المنع، والمحجور شرعاً هو الممنوع من التصرّف في ماله».

ذكر المصنّف (رحمه الله) للحجر تعريفين، لغوي وشرعي. ففي اللغة هو المنع والتضييق (1)، ومنه سُمّي الحرام حجراً؛ لما فيه من المنع، قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّخجُوراً} (2) أي حراماً محرّماً، وسُمّي العقل حجراً؛ لأنّه يمنع صاحبه من ارتكاب القبيح وما تضرّ عاقبته، قال الله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} (3). وعرّفه شرعاً بأنّه الممنوع من التصرّف في ماله، والمراد مطلق التصرّف أعمّ من كونه في جمیع المال أو بعضه، فيشمل الحجر على الصبيّ ونحوه ممن يمنع من الجميع، والحجر على المريض الذي يمنع من التصرّف في بعض المال، فلا يرد ما قيل: إنّه إن أراد التصرّف في الجميع ورد كذا، أو في البعض ورد كذا، فإنّ «التصرّف» في العبارة جنس يصلح للجميع والبعض، ومثله القول في «ماله»، فإنّه مفرد مضاف لا يدلّ على العموم، ولكن يصلح له

ص: 531


1- الصحاح، ج 2، ص 623؛ لسان العرب، ج 4، ص 167، «حجر».
2- الفرقان (25): 22.
3- الفجر (89): 5.

والنظر في هذا الباب يستدعي فصلين:

[الفصل] الأوّل • في موجباته

هي ستّة: الصغر، والجنون، والرقّ، والمرض، والفلس، والسفه.

أمّا الصغير فمحجور عليه ما لم يحصل له وصفان: البلوغ والرشد.

--------------

لو أُريد، فيشمل من منع من التصرّف في جميعه كالصبيّ، وفي بعضه كالمريض.

ومذهب المصنّف أنّ العبد يملك وإن كان محجوراً عليه، كما سلف في البيع (1)، وحينئذٍ فيدخل في التعريف، وإنّما يرد النقض به على من لا يقول بملكه.

وبما قرّرناه سقط ما أُورد عليه أيضاً من أنّه إن أراد جميع المال خرج المريض، وإن أراد بعضه خرج الصبيّ والمجنون، و أنّ العبد خارج؛ لأنّه لا يملك شيئاً.

وكذلك ظهر جواب ما قيل من أنّ أحداً لا يمنع من التصرّف في ماله بالأكل والشرب ونحوهما من الأُمور الضروريّة، فإنّه ليس في التعريف ما يدلّ على التعميم أو التخصيص، بل مَنْ صدق عليه المنع من التصرّف في ماله على أيّ وجهٍ كان فهو محجور عليه.

نعم، ربما ينتقض في طرده بالممنوع من التصرّف فيه لغصبٍ ونحوه، فإنّه لا يُسمّى

محجوراً عليه شرعاً، فلو أضاف إليه ما يدلّ على المنع الشرعي كان حسناً.

واعلم أنّه عرف المفلّس بهذا التعريف مع أنّه أخصّ منه، فقد تجوّز في تشريكهما فيه.

قوله: «في موجباته، وهي ستّة».

حصر أسبابه في الستّة المذكورة جعليٌ، لا استقرائي ولا ما سواه.

وقد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن هذه الستّة، وعقد الباب لها، وبقي أقسام كثيرة سواها يتناولها التعريف ولا تُذكر هنا، كالحجر على الراهن، وعلى المشتري فيما اشتراه

ص: 532


1- سبق في ص 302، عند قوله: «ولو قيل: يملك مطلقاً، لكنّه محجور عليه ... كان حسناً».

• ويُعلم بلوغه بإنبات الشعر الخشن على العانة،

--------------

قبل دفع الثمن، وعلى البائع في الثمن المعيّن، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة،

وعلى المرتدّ الذي يسوغ عوده، وغير ذلك ممّا هو مذكور في تضاعيف الفقه.

ومرجع الصُوَر إلى قسمين: مَنْ يحجر عليه لحقّ نفسه، ومَنْ يحجر عليه لحقّ غيره، فالأوّل الصبيّ والمجنون والسفيه، والثاني الباقي. ثمّ الحجر إمّا عامٌّ في سائر التصرّفات، أو خاصٌّ ببعضها، والأوّل إمّا أن يكون ذا غاية يزول سببه فيها أو لا، والأوّل الصغر، والثاني الجنون، والخاصّ إمّا أن يكون الحجر فيه مقصوراً على مصلحة المحجور أو لا، والأوّل السفيه، والثاني إمّا أن يكون موقوفاً على حكم الحاكم، أو لا، والأوّل الفلس، والثاني المرض، وباقي الأسباب تُعرف بالمقايسة.

قوله: «ويُعلم بلوغه بإنبات الشعر الخشن على العانة».

احترز بالخشن عن الشعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن ثمّ يزول، ويعبّر عنه بالزغب، وبشعر العانة عن غيره، كشعر الإبط والشارب واللحية، فلا عبرة بها عندنا، وإن كان الأغلب تأخّرها عن البلوغ؛ إذ لم يثبت كون ذلك دليلاً شرعاً، خلافاً لبعض العامّة (1).

واستقرب في التحرير كون نبات اللحية دليلاً دون غيره من الشعور (2)، والعادة قاضية به.

ولا شبهة في كون شعر العانة علامةً على البلوغ، إنّما الكلام في كونه نفسه بلوغاً، أو دليلاً على سبق البلوغ، والمشهور الثاني؛ لتعليق الأحكام في الكتاب والسُنّة على الحلم والاحتلام، فلو كان الإنبات بلوغاً بنفسه لم يخصّ غيره بذلك، ولأنّ البلوغ غير مكتسبٍ، والإنبات قد يكتسب بالدواء، ولحصوله على التدريج، والبلوغ لا يكون كذلك.

ووجه الأوّل ترتّب أحكام البلوغ عليه، وهو أعمّ من المدّعى.

ص: 533


1- العزيز شرح الوجيز ، ج 5، ص 70.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 535، الرقم 3860.

• سواء كان مسلماً أو كافراً.

• وخروج المنيّ - الذي يكون منه الولد - من الموضع المعتاد كيف كان.

--------------

قوله: «سواء كان مسلماً أو كافراً».

نبه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث خصّه بالكافر (1)؛ نظراً إلى أنّه لا يمكن الرجوع إليهم في الإخبار بالسنّ والاحتلام، بخلاف المسلم، وربما نُسب هذا القول إلى الشيخ (رحمه الله)(2).

قوله: «وخروج المنيّ - الذي يكون منه الولد - من الموضع المعتاد كيف كان».

اشتملت هذه الجملة على ثلاثة أحكام، تخصيصٌ للمنيّ الموجب للبلوغ وتعميمٌ (3): أحدها كونه ما يكون منه الولد، وظاهر العبارة أنّ المنيّ ينقسم قسمين: ما يكون منه

الولد، وما لا يكون، وأنّ البلوغ لا يتحقّق إلّا بالأوّل، وقد فهم هذا المعنى جماعة (4).

وفي حاشية الشهيد (رحمه الله) على القواعد نقلاً عن بعض العلماء: يُعلم المنيّ الذي منه الولد ممّا ليس منه بأن يوضع في الماء فإن طفا فليس منه الولد، وإن رسب فمنه الولد (5). والظاهر أنّ هذا المعنى فاسد، بل المعتبر في البلوغ خروج المنيّ مطلقاً، سواء صلح لتخلّق الولد بحسب شخصه أم لا؛ لإطلاق النصوص (6)الدالّة على ذلك، المتناولة لمحلّ النزاع، والوجه في هذه الصفة أنّها كاشفة لا مقيّدة، والمراد أنّ المنيّ هو الذي من شأنه أن يخلق منه الولد وإن تخلّف في بعض الأفراد لعارضٍ.

ص: 534


1- الوجيز، ج 1، ص 344؛ العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 69.
2- نسبه إلى الشيخ فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 50.
3- كذا في النسخ، ولعلّ الصحيح: «تخصّص ... وتعمّم. بالصيغة الفعليّة».
4- كالشيخ في المبسوط، ج 2، ص 249؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 133؛ وتحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 534، الرقم 3856.
5- لم نعثر عليه في حاشية القواعد المطبوع ضمن موسوعة الشهيد الأوّل.
6- الكافي، ج 6، ص 3، باب فضل الولد، ح 8؛ وج 7، ص 197 - 198، باب حدّ الغلام والجارية... ح 1؛ الفقيه، ج 2، ص 122، ح 1909.

--------------

وفي بعض العبارات - منها التذكرة (1) - «خروج الماء الذي منه الولد» وهو جيّد، والصفة

فيه مقيّدة، فإنّ الماء شامل، فعدل المصنّف - وتبعه العلّامة - إلى المنيّ، ووصفه بذلك.

ولا بدّ فيه أيضاً من إرادة المعنى الذي ذكرناه من كون المراد ما من شأنه ذلك، لئلّا يُفهم منه اشتراط كونه بالفعل.

وثانيها: كونه من الموضع المعتاد، وإنّما اعتبر ذلك، مع إطلاق الأدلّة لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المعهود المتعارف، خصوصاً وفي بعضها بلوغ النكاح (2).

وإنّما يكون من المعتاد، فلو خرج من جرحٍ ونحوه لم يعتدّ به، ومنه ما لو خرج من أحد فرجي الخنثى.

وثالثها: أنّه لا يختصّ بحالةٍ، بل كيف خرج ليلاً أو نهاراً، يقظةً ونوماً، بجماعٍ وغيره، حكم به؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطفَلُ مِنكُمُ الْحُلُمَ} (3). والحلم هو خروج المنيّ من الذكر، أو قُبُل المرأة مطلقاً، ولا يختصّ بالاحتلام.

نعم، لا بدّ من كونه في وقتٍ يحتمل البلوغ فيه، فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك. وحدّه عندنا في جانب القلّة - في الأُنثى تسع سنين، وأمّا في جانب الذكر فما وقفتُ له على حدٍّ يُعتدّ به.

نعم، نقل في التذكرة (4)، عن الشافعي أنّ حدّه تسع سنين في الذكر والأُنثى (5).

وله فيه وجهان آخَران، أحدهما مضيّ ستّة أشهر من السنة العاشرة، والثاني: تمام

العاشرة (6).

ولا يبعد أنّ ما بعد العاشرة محتمل.

ص: 535


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 190، المسألة 400.
2- النساء (4): 6.
3- النور (24): 59.
4- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 191، المسألة 402.
5- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 69؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 412.
6- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 69؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 412.

• ويشترك في هذين الذكور والإناث.

• وبالسنّ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر، وفي أُخرى إذا بلغ عشراً وكان بصيراً أو بلغ خمسة أشبار جازت وصيّته، واقتصّ منه، وأُقيمت عليه الحدود الكاملة.

--------------

قوله: «ويشترك في هذين الذكور والإناث».

هذا عندنا وعند الأكثر موضع وفاقٍ، وإنّما نبّه به على خلاف الشافعي، فإنّ له قولاً بأنّ خروج المنيّ من النساء لا يوجب بلوغهنّ؛ لأنّه نادر فيهنّ، ساقط العبرة (1). وفساده واضح.

وأمّا الخنثى فتشاركهما في الأوّل إن نبت على فرجيها معاً، وإلّا فلا، وأمّا خروج المنيّ منها فسيأتي حكمه (2).

قوله: «وبالسنّ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر - إلى قوله - الحدود الكاملة».

المشهور بين أصحابنا بل كاد يكون إجماعاً هو الأوّل.

والمعتبر من السنين القمريّة دون الشمسيّة؛ لأنّ ذلك هو المعهود في شرعنا.

ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في الأُنثى، فلا يكفي الطعن فيها؛ عملاً بالاستصحاب وفتوى الأصحاب، ولأنّ الداخل في السنة الأخيرة لا يُسمّى ابن خمس عشرة لغةً ولا عرفاً.

والاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعيّة (3).

وأمّا رواية بلوغ العشر في جواز الوصيّة (4)، فهي صحيحة، وفي معناها روايات إلّا أنّها لا تقتضي البلوغ؛ لجواز اختصاصه بهذا الحكم، ومن ثَمَّ لم تعمّم.

ص: 536


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 69؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 413.
2- سيأتي في ص 539.
3- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 68؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 411.
4- الكافي، ج 7، ص 28 - 29، باب وصيّة الغلام والجارية.... ح 3 و 4؛ الفقيه، ج 4، ص 196، ح 5453، وص 197، ح 5455؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 181، ح 726 ، وص 182 . ح 730.

• والأُنثى بتسع،

--------------

وأمّا بلوغ خمسة أشبارٍ فهو في روايةٍ أُخرى (1) وإن كان المفهوم من العبارة أنّهما في واحدة.

ومعنى قوله «أُقيمت عليه الحدود الكاملة» أنّه لا ينقص منها شيء؛ لأنّ الصبيّ إذا فَعَل ما يوجب الحدّ على غيره إنّما يؤدَّب بما لا يبلغ الحدّ.

ولنا رواية أُخرى أنّ الأحكام تجري على الصبيان في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة

سنة وإن لم يحتلم (2)، وليس فيها تصريح بالبلوغ، مع عدم صحّة سندها.

وهذه الرواية قدّمها المصنّف في النافع، ثمَّ عقّبها بقوله «وفي أُخرى إذا بلغ عشراً» (3).

ومن هنا عبّر بالأُخرى من غير سبق روايةٍ، وليس بجيّد.

وأمّا الخنثى فلا نصّ فيها بالخصوص، ولكن أصالة عدم التكليف والبلوغ يقتضي استصحاب الحال السابق إلى أن يعلم المزيل، وهو بلوغ الخمس عشرة، إن لم يحصل قبله أمرٌ آخَر، كما سيأتي.

قوله: «والأُنثى بتسع».

هذا هو المشهور ، وعليه العمل.

وقد روي أنّه يحصل بعشر سنين (4).

وذهب ابن الجنيد - فيما يُفهم من كلامه - إلى أنّ الحجر لا يرتفع عنها إلّا بالتزويج (5).

وهُما نادران.

ص: 537


1- الكافي، ج 7، ص 302، باب نادر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 233. ح 922؛ الاستبصار، ج 4، ص 287، ح 1085.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 310، ح 856.
3- المختصر النافع، ص 231.
4- الكافي، ج 7، ص 68، باب الوصيّ يدرك أيتامه.... ح 5؛ الفقيه، ج 3، ص 412 - 413، ح 4443؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 391 ، ح 1566.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 452 المسألة 99.

• أمّا الحمل والحيض فليسا بلوغاً في حقّ النساء، بل قد يكونان دليلا على سبق البلوغ.

--------------

وأطبق مخالفونا على خلاف ما ذهبنا إليه في المرأة، وعلى أن بلوغها بالسنّ لا يكون

دون خمس عشرة سنة، وإنّما اختلفوا فيما زاد. قوله: «أمّا الحمل والحيض فليسا بلوغاً في حقّ النساء بل قد يكونان دليلاً على سبق البلوغ».

لا خلاف في كونهما دليلين على سبق البلوغ، كما لا خلاف في كونهما بلوغاً بأنفسهما.

أمّا الحيض فقد علّق الشارع أحكام المكلّف عليه في عدّة أخبارٍ، كقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا تُقبل صلاة حائضٍ إلّا بخمار» (1)، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلّا هذا وأشار إلى الوجه والكفّين (2).

وأمّا الحمل فهو مسبوق بالإنزال؛ لأنّ الولد لا يخلق إلّا من ماء الرجل وماء المرأة، كما نبّه عليه تعالى بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاج} (3) أي مختلطة ماء الرجل بماء المرأة، فهو دليل على سبق البلوغ، إلّا أنّ الولد لا يتيقّن إلّا بالوضع، فإذا وضعت حكمنا بالبلوغ قبل الوضع بستّة أشهر وشيءٍ إن ولدته تامّاً، لكن لا فرق بين كون ما ولدته تامّاً وغير تامّ إذا علم أنّه آدمى أو مبدأ نشوئه كالعلقة.

إذا تقرّر ذلك، فقول المصنّف «بل قد يكونان دليلاً» ليس لتردّده في دلالتهما؛ لأنّها

إجماعيّة، وإنّما أتى ب-«قد» التقليليّة؛ لأنّهما مسبوقان غالباً بغيرهما من العلامات، خصوصاً السنّ، فدلالتهما على البلوغ بحيث يتوقّف علمه عليهما نادر، فناسبه التقليل.

ويمكن أن يكون التقليل في الحيض إشارةً إلى فائدةٍ أُخرى، هي أنّه وغيره من

ص: 538


1- مسند أحمد، ج 7، ص 369، ح 25694؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 527، ح 957؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 95، ح 11311.
2- سنن أبي داود، ج 4، ص 62، ح 4104؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 7، ص 138، ح 13496.
3- الإنسان (76)؛ 2.

تفريع: • الخنثى المشكل إن خرج منيّه من الفرجين حُكم ببلوغه، وإن خرج من أحدهما لم يُحكم به، ولو حاض من فرج الإناث، وأمنى من فرج الذكور حُكم ببلوغه.

--------------

الأصحاب (1) حكموا في باب الحيض بأنّ الدم الحاصل قبل التسع لا يكون حيضاً وإن كان بصفته، وإنّما يعتبر في الحكم به ما كان بعدها، وإذا كان كذلك فتنتفي فائدة دلالته؛ لأنّه قبلها لا اعتبار به، وبعدها لا يفتقر إليه.

ويمكن أن يقال: تظهر فائدته في المجهول سنّها، فإنّها إذا رأت ما هو بصفته جامعاً لشرائطه في القلّة والكثرة يُحكم بكونه حيضاً، ويكون دليلاً على سبق البلوغ؛ لأنّ هذا لا يُحكم بكونه قبل التسع مع اقترانه بدلالة الغالب على أنّ مثله لا يقع إلّا بعد التسع سنين، ويتناوله دلالة النصوص (2) على كون الحيض موجباً للأحكام؛ لأنّه حيض لغةً وعرفاً، وحينئذٍ فتظهر مناسبة «قد» التقليليّة هنا.

ومعنى دلالتهما على سبقه أنّهما إذا وقعا يُحكم ببلوغ المرأة قبلهما، فلو أوقعت عقدا قبلهما بلا فصل يُحكم بصحته.

قوله: «الخنثى المشكل إن خرج منيّه من الفرجين حكم ببلوغه» إلى آخره.

لمّا كان الخنثى المشكل منحصراً في الذكوريّة أو الأُنوثيّة، وإنّما اشتبه حكمه في الإلحاق بأحدهما، فمتى حصل له وصف من أوصاف البلوغ يتحقّق فيهما، إمّا لاشتراكه بينهما كالإنبات، أو لإلحاق الآخر بطريقٍ أولى كبلوغ خمس عشرة، أو لكونه جامعاً للوصفين على التقديرين، كما لو أمنى من الفرجين يُحكم ببلوغه؛ لأنّه إن كان ذكراً فقد أمنى من فرجه المعتاد، وإن كان أُنثى فكذلك. ومثله ما لو أمنى من فرج الذكر بعد مضيّ تسعٍ وإمكان الإمناء من الذكر؛ لأنّه إن كان أُنثى فقد بلغ بالسنّ، وإن كان ذكرا فقد أمني

ص: 539


1- كابن حمزة في الوسيلة، ص 56.
2- راجع على سبيل المثال: وسائل الشيعة، ج 2، ص 304 - 305، الباب 14 من أبواب الحيض.

--------------

في وقت إمكانه، أمّا لو أمنى من أحدهما خاصّةً فإنّه لا يُحكم ببلوغه؛ لجواز كون ذلك الفرج زائداً، فلا يكون معتاداً، ومثله ما لو حاض من فرج النساء خاصّةً، هذا هو الذي اختاره أكثر العلماء.

ولبعض العامّة قول بأنّ ذلك كافٍ فى البلوغ؛ لأنّ بخروج المنيّ من فرج الذكر يُحكم بكونه ذكراً، كما يُحكم به لو خرج البول منه خاصّةً، وكذا القول في الحيض والمني من فرج الأُنثى، ولأن خروج منيّ الرجل من المرأة والحيض من الرجل مستحيل، فكان دليلاً على التعيين، ومتى ثبت التعيين كان دليلاً على البلوغ، ولأنّ خروجهما معاً دليل على البلوغ، فخروج أحدهما أولى؛ لأنّ خروجهما يفضي إلى تعارضهما وإسقاط دلالتهما؛ إذ لا يتصوّر أن يجتمع حيض صحيح ومنيّ رجل (1).

ونفى فى التذكرة البأس عن هذا القول 2(2)، وهو في محلّه.

نعم، لو صار ذلك معتاداً، قويت الدلالة.

وأمّا حيضه من فرج الإناث وإمناؤه من فرج الذكور فدلالته على البلوغ واضحة؛ لأنّه إمّا ذكر فقد أمنى، وإمّا أُنثى فقد حاضت.

وللعامّة قول بعدم ثبوت البلوغ بذلك؛ لتعارض الخارجين، وإسقاط كلّ واحدٍ منهما الآخَر، ولهذا لا يُحكم والحال هذه بالذكورة ولا بالأُنوثة، فتبطل دلالتهما كالبيّنتين إذا تعارضتا (3)، وهو وجه في المسألة.

وفي التذكرة: الأقرب دلالتهما على البلوغ (4)، وهو كذلك.

ص: 540


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 558 - 559 المسألة 3472؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 558.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 195، المسألة 403.
3- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 71؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 413؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4. ص 559، المسألة 3472.
4- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 195، المسألة 403.

الوصف الثاني: • الرشد، وهو أن يكون مصلحاً لماله.

• وهل يعتبر العدالة ؟ فيه تردّد.

--------------

قوله: «الرشد، وهو أن يكون مصلحاً لماله».

ليس مطلق الإصلاح موجباً للرشد، بل الحقّ أنّ الرشد (1) ملكة نفسانيّة تقتضي إصلاح المال، وتمنع من إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

واحترزنا ب- «الملكة» عن مطلق الكيفيّة، فإنّها ليست كافيةً، بل لا بدّ فيها من أن تصير ملكة يعسر زوالها، وب- «اقتضائها إصلاح المال» عمّا لو كان غير مفسدٍ له، لكن لا رغبة له في إصلاحه على الوجه المعتبر عند العقلاء، فإنّ ذلك غير كافٍ في تحقّق الرشد، ومن ثمَّ يختبر باعتنائه بالأعمال اللائقة بحاله، كما سيأتي، وب- «منعه من إفساده» عمّا لو كان له ملكة الإصلاح والعمل وجمع المال، ولكن ينفقه بعد ذلك في غير الوجه اللائق بحاله، فإنّه لا يكون رشيداً أيضاً.

قوله: «وهل تعتبر العدالة؟ فيه تردّد».

اعتبر الشيخ (رحمه الله) في تحقّق الرشد إصلاح المال والعدالة، فلو كان مصلحاً لماله غير عدلٍ في دينه، أو بالعكس، لم يرتفع عنه الحجر (2)، وهو مذهب جماعةٍ من العامّة منهم الشافعي (3). واحتجّوا على ذلك بقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَلَكُمْ} (4)، وقد روي أنّ شارب الخمر سفيه (5)، فيثبت في غيره؛ إذ لا قائل بالفصل، وروي عن ابن عبّاس في قوله

ص: 541


1- في حاشية «و»: «عرّفه في القواعد بأنّه كيفيّة نفسانيّة تمنع من إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء. وبما قرّرناه يظهر ما فيه من الخلل منه (رحمه الله)» راجع قواعد الأحكام، ج 2، ص 134.
2- المبسوط، ج 2، ص 251.
3- حلية العلماء، ج 4، ص 533 - 534؛ العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 72؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 566، المسألة 3476؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 559.
4- النساء (4): 5.
5- أورده الشيخ في المبسوط، ج 2، ص 253؛ وبتفاوت في تفسير العياشي، ج 1، ص 368، ح 22/864، ذيل الآية 6 من سورة النساء (4).

وإذا لم يجتمع الوصفان كان الحجر باقياً.

-------------- وكذا لو لم يحصل الرشد ولو طعن في السنّ.

• ويُعلم رشده باختباره بما يلائمه من التصرّفات؛ ليعلم قوّته على المكايسة

في المبايعات، وتحفّظه من الانخداع.

--------------

تعالى: ﴿فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً} (1): هو أن يبلغ ذا وقارٍ وحلمٍ وعقل (2).

وأكثر أهل العلم على عدم اعتبارها، والاكتفاء بإصلاح المال على الوجه الذي ذكرناه؛ لأنّ المفهوم من الرشد عرفاً ذلك، وهو المعتبر حيث لم يحدّ شرعاً، ولأنّ الرشد نكرة مثبتة، فلا تفيد العموم في كلّ ما يصلح له، بل يصدق في صورةٍ مّا، ولا ريب في ثبوته لمصلح ماله وإن كان فاسقاً؛ ولأنّ الكافر لا يحجر عليه بكفره، فالفاسق أولى.

وإنّما يعتبر - على القول بها - في الابتداء لا في الاستدامة، فلو عرض الفسق بعد العدالة، قال الشيخ (رحمه الله): الأحوط أن يحجر عليه (3)، ولم يجعله لازماً.

وعلى هذا يتوجّه أنّها لو كانت شرطاً في الابتداء لاعتبرت بعد ذلك؛ لوجود المقتضي. واعلم أنّه لو اعتبرت العدالة في الرشد لم يقم للمسلمين سوق، ولم ينتظم للعالم حال؛ لأنّ الناس - إلّا النادر منهم إمّا فاسق أو مجهول الحال، والجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط.

قوله : «وكذا لو لم يحصل الرشد ولو طعن في السنّ».

هذا عندنا موضع وفاق، ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث زعم أنّه متى بلغ

خمساً وعشرين سنة فكّ عنه الحجر، ودفع إليه ماله وإن كان سفيهاً (4).

قوله: «ويُعلم رشده باختباره بما يلائمه من التصرّفات» إلى آخره.

لمّا كان الرشد ملكة تقتضي إصلاحٍ المال على الوجه المتقدّم فلا بدّ من اختبار البالغ

ص: 542


1- النساء (4): 6.
2- أورده الشيخ في الخلاف، ج 3، ص 284، المسألة 3.
3- الخلاف، ج 3، ص 289، المسألة 8.
4- بدائع الصنائع، ج 7، ص 251؛ الفتاوى الهنديّة، ج 5، ص 56.

وكذا تختبر الصبيّة، ورشدها أن تتحفّظ من التبذير، وأن تعتني بالاستغزال - مثلاً - والاستنساج إن كانت من أهل ذلك، أو بما يضاهيه من الحركات المناسبة لها.

• ويثبت الرشد بشهادة الرجال في الرجال، وبشهادة الرجال والنساء في النساء دفعاً لمشقّة الاقتصار.

--------------

قبل فكّ الحجر عنه، ذكراً كان أو أُنثى، ليعلم اتّصافه بالملكة المذكورة، وإنّما يتحقّق ذلك بتكرّر الفعل منه على وجه يصير ملكةً له.

وكيفيّة الاختبار أن ينظر فيما يلائمه من التصرّفات والأعمال، فإن كان من أولاد التجّار.

فوضّ إليه البيع والشراء، لا بمعنى أن يبيع ويشتري، بل يماكس في الأموال على هذا الوجه، أو يدفع إليه المتاع ليبيعه، ويراعى إلى أن يتمّ المساومة ثمّ يتولّاه الوليّ، ونحو ذلك، وسيأتى الكلام فيه، فإذا تكرّر منه ذلك وسلم من الغبن والتضييع وإتلاف شيءٍ من المال وصرفه في غير وجهه فهو رشيد، وإن كان من أولاد الأكابر الذين يصانون عن مباشرة البيع والشراء، فاختباره بما يناسب حال أهله، إمّا بأن يسلّم إليه نفقة لمدّةٍ معيّنة لينفقها في مصالحه أو في مواضعها، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم، ونحو ذلك.

وإن كان أُنثى لم تُختبر بهذه الأُمور؛ لأنّ وضعها لم يكن لذلك، وإنّما تختبر بما يلائم عادة أمثالها من الأعمال، كالغزل والخياطة وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالها بغير غبنٍ، وحفظ مالٍ يتحصّل في يدها من ذلك، وحفظ ما تليه من آلات البيت وأسبابه، ووضعه على وجهه، وصون أطعمة البيت التي تحت يدها عن مثل الهرّة والفأرة، ونحو ذلك، فإذا تكرّرت هذه الأفعال من المختبر على وجهٍ أفاد الملكة ثبت الرشد، وإلّا فلا.

قوله: «ويثبت [الرشد] بشهادة الرجال في الرجال - إلى قوله - دفعاً لمشقّة الاقتصار». المراد أنّه يثبت بشهادة رجلين فيهما، وبشهادة أربع نساء في النساءٍ؛ لأنّ رشد المرأة ممّا لا يطلع عليه الرجال غالباً، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ على شهادة الرجال لزم

ص: 543

• وأمّا السفيه فهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة.

--------------

الحرج والضيق، وإليه أشار بقوله «دفعاً لمشقّة الاقتصار». وكذا يثبت رشدها بشهادة رجلٍ وامرأتين بطريقٍ أولى، وبشهادة أربع خناثي.

قوله: «وأمّا السفيه فهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة».

السفيه يقابل الرشيد، فلمّا عرّف المصنّف الرشيد بأنّه المصلح لماله، عرّف السفيه بأنّه الذي يصرف ماله في غير الأغراض الصحيحة، وقد عرفت أنّ الرشد لا يكفي فيه ذلك، بل لا بدّ من ملاحظة إصلاح الموجود وتحصيل المعدوم بالوجوه السابقة، فيكون السفه ترك ذلك، فيتحقق بترك الاشتغال بالأعمال التي ينبغي وقوعها من أمثاله.

ولا بدّ من تقييد صرف المال في غير الغرض الصحيح بكون ذلك ملكةً له، بأن يكون ذلك من شأنه، فلا يقدح الغلط والانخداع نادراً؛ لوقوعه من كثيرٍ من المتّصفين بالرشد.

والمراد بغير الأغراض الصحيحة ما لا يلائم تصرّفات العقلاء غالباً، كتضييع المال، واحتمال الغبن الفاحش في المعاملات، والإنفاق في المحرّمات، وصرف المال في الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله بحسب وقته وبلده وشرفه وضعته، ومثله شراء الأمتعة الفاخرة، واللباس كذلك، ونحوه.

وأمّا صرفه في وجوه الخير كالصدقات، وبناء المساجد، والمدارس، وإقراء الضيف، فإن كان لائقاً به عادةً لم يكن سفيهاً قطعاً، وإن زاد على ذلك فالمشهور أنّه كذلك؛ إذ لا

سرف في الخير، كما لا خير في السرف.

وفي التذكرة: إنّ ما زاد منه على ما يليق به تبذير؛ لأنّه إتلاف في المال (1)، وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (2) وهو مطلق، فيتناول

محلّ النزاع.

ص: 544


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 208، المسألة 411.
2- الإسراء (17): 29.

• فلو باع والحال هذه لم يمض بيعه، وكذا لو وهب أو أقرّ بمال.

• نعم، يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه وإقراره بالنسب وبما يوجب القصاص؛ إذ

المقتضي للحجر صيانة المال عن الإتلاف، ولا يجوز تسليم عوض الخلع إليه.

--------------

لكنّه لا يدلّ على مطلوبه؛ لأنّ الحكم بكونه تبذيراً يقتضي فساد التصرّف، والنهي هنا لا يقتضيه، ومن المستفيض خروج جماعةٍ من أكابر الصحابة وبعض الأئمة - كالحسن علیه السلام (1) - من أموالهم في الخير.

اللهمّ إلّا أن يمنع من كون ذلك لا يليق بهم، والكلام إنّما هو في ذلك، كما ذلك لا يليق بهم، والكلام إنّما هو في ذلك، كما لو صرف التاجر أمواله كلها في عمارة المساجد، وفكّ الرقاب، ونحو ذلك، كما مثل به المانع منه.

قوله: «فلو باع والحال هذه لم يمض بيعه، وكذا لو وهب أو أقرّ بمال».

الضابط أنّه يُمنع من جميع التصرّفات الماليّة، سواء في ذلك ما ذُكر وغيره، ولا فرق في ذلك بين ما ناسب أفعال العقلاء وغيره، ولا بين الذكر والأُنثى.

قوله: «نعم، يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه وإقراره - إلى قوله - صيانة المال».

وهذه الُأمور لا مال يضيع عليه فيها، أمّا الطلاق والظهار فظاهر؛ إذ ليس فيهما إلّا فوات الاستمتاع، ولو فاءَ المظاهر كفّر بالصوم.

وأمّا الخلع ففيه كسب للمال، فأولى بعدم المنع، ولا فرق بين كونه بمهر المثل ودونهِ، لجواز طلاقه بغير شيءٍ، فمهما كان من العوض أولى.

ويحتمل المنع بدونه؛ إجراءً له مجرى المعاوضة ، كالبيع بدون ثمن المثل، والفرق واضح.

وأمّا الإقرار بالنسب فإن لم يوجب النفقة فقبوله واضح، وإن أوجبها أشكل من حيث

استلزامه لوجوبها، فينبغي أن لا ينفذ؛ لأنّه تصرف في المال.

ص: 545


1- مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 18.

• ولو وكّله أجنبيٌ في بيعٍ أو هبةٍ جاز؛ لأنّ السفه لم يسلبه أهليّة التصرّف.

--------------

ويندفع بأنّ الإقرار حينئذٍ يتضمّن شيئين، أحدهما: إلحاق النسب، وهو ليس بمالٍ، فيجب أن يثبت، والثاني: الإنفاق عليه، وهو تصرف مالي، فلا يثبت وإن كان أحدهما لا ينفكّ عن الآخَر غالباً، إلّا أنّ تلازمهما غير معلوم.

ومثله - في الإقرار بمتلازمين غالباً، وثبوت أحدهما دون الآخَر - الإقرار بالسرقة مرّةً واحدةً من الحرز، فإنّه يثبت به المال دون القطع، وبالعكس لو أقرّ هذا السفيه بالسرقة، فإنّه يُقبل في القطع دون المال.

وحينئذٍ فينفق على من استلحقه من بيت المال؛ لأنّه معدّ لمصالح المسلمين، وهذا منها.

وللشهيد (رحمه الله) قول بأنّه ينفق عليه من ماله؛ لأنّه فرع على ثبوت النسب، ولأنّ في الإنفاق عليه من بيت المال إضراراً بالمسلمين (1)، فكما يمنع من الإضرار بماله كذلك يمنع من الإضرار بغيره.

ويضعّف بأنّ الإقرار إنّما نفذ فيما لا يتعلّق بالمال كما قدّمناه، وبيت المال معدّ لمصالح المسلمين، فكيف يقال: إنّ مثل ذلك يضرّ بهم؟ إذ ذلك آتٍ فى كلّ من يأخذ منه جزءاً، ولأنّه لو قبل في النفقة لأمكن جعله له وسيلةً إلى تضييع المال؛ لأنّ ذلك من مقتضيات السفه.

وأمّا إقراره بما يوجب القصاص فإن لم يستلزم فوات النفس أُلزم به؛ لأنّه مكلّف عاقل، ولا خلاف فيه، وكذا إن كان في نفس وطلب المقرّ له القصاص.

أمّا لو طلب المال، ففي إجابته إليه نظر من وجوب حفظ النفس التي هي أولي من حفظ المال، ومن أنّه مفوّت للغرض من الحجر؛ لإمكان أن يتواطأ مع المقرّ له على ذلك ليفوت المال والأقوى وجوب المال.

قوله: «ولو وكّله أجنبيٌ في بيع أو هبةٍ جاز؛ لأنّ السفه لم يسلبه أهليّة التصرّف».

أي لم يسلبه أهليّة التصرّف مطلقاً، وإنّما سلبه أهليّته في المال خاصّةً، وإيقاع صيغة

ص: 546


1- حاشية القواعد، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 14)؛ وحكاه عنه أيضاً المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 201.

• ولو أذن له الوليّ في النكاح جاز.

• ولو تصرّف فأجاز الوليّ فالوجه الجواز؛ للأمن من الانخداع.

• والمملوك ممنوع من التصرّفات إلّا بإذن المولى.

--------------

العقد ليس منه، فاللام في «التصرّف» إمّا للعموم، بناءً على أنّ المفرد المحلّى به يفيد العموم، أو أراد العموم بضرب من المجاز.

ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث مَنَع من تصرّفه بذلك (1).

قوله: «ولو أذن له الولى فى النكاح جاز».

إنّما يجوز الإذن له فيه إذا عيّنه على وجه يؤمن معه من إتلاف المال، بأن يعيّن الزوجة والمهر، مع احتمال الاكتفاء بتعيين الزوجة، وانصراف إطلاق الإذن إلى كونه بمهر المثل، إلّا أنّ الأوّل أنسب بالغرض من الحجر.

ولا يخفى أنّ جواز ذلك من الوليّ مشروط بالمصلحة، كما لو باشر بنفسه، بل هنا أولى، وكذا القول فيما لو أذن له في غيره من التصرّفات المضبوطة، كبيع الشيء الفلاني بكذا، فلو أطلق له الإذن كان لغواً؛ لاستلزامه فوات الغرض من الحجر عليه.

قوله: «ولو تصرّف فأجاز الولي فالوجه الجواز للأمن من الانخداع».

الوجه هو الوجه لِما ذكره من الوجه.

وخالف في ذلك الشيخ (رحمه الله) (2) وجماعة (3)، فحكموا بعدم صحّة تصرّفه وإن أذن له الوليّ، فضلاً عن إجازته له.

قوله: «والمملوك ممنوع من التصرّف إلّا بإذن المولى».

لا فرق في المنع من تصرّفه بدون إذنه بين أن نقول بملكه وعدمه.

ص: 547


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 77؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 417.
2- المبسوط، ج 2، ص 254 - 255.
3- منهم ابن البرّاج على ما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 5، ص 454، المسألة 104

• والمريض ممنوع من الوصيّة بما زاد عن الثلث إجماعاً ما لم يجز الورثة.

• وفي منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا، والوجه المنع.

--------------

ويستثنى من المنع من تصرّفه طلاقه، فيجوز بدون إذن مولاه، بل وإن كره؛ لأنّ الطلاق بيد مَنْ أخذ بالساق.

واستثنى في التذكرة أيضاً ضمانه؛ لأنّه تصرّف في الذمّة لا في العين (1).

ثمّ إن علم المضمون له بعبوديّته قبل الضمان فلا رجوع له، وإلّا فله الرجوع؛ لإعساره، وسيأتي الكلام فيه (2).

قوله: «والمريض ممنوع من الوصيّة بما زاد عن الثلث إجماعاً ما لم تجز الورثة».

أي ممنوع من إيقاعها على وجه النفوذ بدون إجازة الورثة، لا أنّها تقع باطلةً في نفسها.

والحاصل أنّ وصيّته بما زاد تكون موقوفةً على إجازتهم، فإن أجازوها ،صحّت، وإلّا بطلت، وهذا هو المشهور، بل المذهب، خلافاً لعليّ بن بابويه، فإنّه أجاز وصيّته بجميع ماله (3)؛ استناداً إلى رواية قاصرةٍ (4)، وحُملت على من لا وارث له، وعلى ما إذا

أجاز الورثة.

قوله: «وفي منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا، والوجه المنع».

احترز بالتبرّعات عن المعاوضات في مرض الموت كالبيع، فإّنه يصحّ إذا وقع بثمن المثل، ولو اشتمل على محاباة فهي من جملة التبرّعات والمنجزة المعجّلة في حال الحياة كالهبة، والعتق، والمحاباة في الثمن، وتزويج المرأة نفسها بدون مهر المثل، وإجارة نفسه كذلك.

ص: 548


1- تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 57 المسألة 56.
2- يأتي في ج 4، ص 15 وما بعدها.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 6، ص 350، المسألة 125.
4- الكافي، ج 7، ص 7، باب أن صاحب المال أحقّ بماله.... ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 202، ح 5468؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 187، ح 753؛ الاستبصار، ج 4، ص 121، ح 459.

--------------

وفي وقوع هذه وشبهها من أصل المال، أو من الثلث، قولان:

أحدهما: أنّها من الأصل، ذهب إليه جماعة من المتقدّمين منهم المفيد، والشيخ في أحد قوليه، وابن إدريس (1)؛ لأنّه مالك تصرّف في ملكه، فكان ماضياً، كما لو تصرّف صحيحاً، وعليه شواهد من الأخبار، إلّا أنّ في طريقها عماراً (2) أو سماعة (3)، وهما فاسدا الرأي، لكنّهما ثقتان.

والثاني: أنّها من الثلث، ذهب إليه جماعة من المتقدّمين، منهم الصدوق، والشيخ في أحد قوليه (4)، واختاره عامّة المتأخّرين، ومنهم المصنّف (رحمه الله)، وهو الأقوى؛ للنصوص (5) الكثيرة الدالّة عليه، بعضها بالمفهوم وبعضها بالمنطوق، واستثني منه مواضع تأتى إن شاء الله تعالى.

واعلم أنّ المصنّف بعد حصره أسباب الحجر في الستّة ذكر منها أربعة، وقد تقدّم ذكر المفلّس، وترك البحث عن المجنون، ولقد كان الأولى ذكره كغيره، ولعلّه تركه لقلّة مباحثه، إلّا أنّه غير كافٍ، وسيأتي له ذكر يسير لا يغني.

ص: 549


1- المقنعة، ص 671؛ النهاية، ص 620؛ السرائر، ج 3، ص 200.
2- الكافي، ج 7، ص 7، باب أن صاحب المال أحقّ بماله.... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 187 ، ح 753.
3- الكافي، ج 7، ص 8 و 9، باب أن صاحب المال أحقّ بماله.... ح 5 و 10؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 188، ح 755.
4- المقنع، ص 481 المبسوط، ج 3، ص 248.
5- منها ما في الكافي، ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصي به.... 3، وص 42، باب المريض يقرّ لوارثٍ بدَيْن، ح؛ والفقيه، ج 4، ص 185، ح 5422، وص 229، ح 5543؛ وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 160، ح 261، وص ،191، ح 770، وص 194، ح 781 وص 195، ح 783، وص 197، ح 786، وص 242 - 243، ح 939 و 940؛ والاستبصار، ج 4، ص 112 ، ح 431، وص 119 : ح 452، وص 120، ح 455، وص 122، ح 463.

[الفصل] الثاني في أحكام الحجر

وفيه مسائل:

الأُولى: • لا يثبت حجر المفلَّس إلّا بحكم الحاكم، وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردّد، والوجه أنّه لا يثبت، وكذا لا يزول إلّا بحكمه.

--------------

قوله: «لا يثبت حجر المفلَّس إلّا بحكم الحاكم» إلى آخره.

لا خلاف في توقّف الحجر على المفلَّس على حكم الحاكم، وفي توقّف رفعه على حكمه خلاف سبق (1).

وأمّا السفيه ففي توقّف الحجر عليه على حكمه، أو الاكتفاء بظهور سفهه، قولان، وكذا

اختلف في ارتفاعه بزوال سفهه، أو توقّفه على الحكم.

ووجه التوقّف عليهما - وهو الذي اختاره المصنّف - أنّ الحجر حكم شرعي لا يثبت ولا يزول إلّا بدليلٍ شرعي، وأنّ السفه أمر خفيّ، والأنظار فيه تختلف، فناسب كونه منوطاً بنظر الحاكم.

ووجه عدم التوقّف فيهما أنّ المقتضي للحجر هو السفه، فيجب تحقّقه، وإذا ارتفع زال المقتضي، فيجب أن يزول، ولظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ نَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَ لَهُمْ} (2) حيث علّق الأمر بالدفع على إيناس الرشد، فلو توقّف معه على أمرٍ آخَر لم يكن الشرط صحيحاً، ومفهوم الشرط حجّة عند المحقّقين، والمفهوم هنا أنّه مع عدم إيناس

ص: 550


1- تقدّم في ص 521 وما بعدها.
2- تقدّم في ص 521 وما بعدها.

الثانية: • إذا حجر عليه فبايعه إنسان كان البيع باطلاً، فإن كان المبيع موجوداً

استعاده البائع، وإن تلف وقبضه بإذن صاحبه كان تالفاً وإن فكّ حجره.

--------------

الرشد لا يدفع إليهم، فدلّ على أنّ وجود السفه وزواله كافيان في إثبات الحجر ورفعه؛ لأنّ السفه والرشد متقابلان، ولظاهر قوله تعالى: ﴿فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيها} (1) الآية، أثبت عليه الولاية بمجرّد السفه، فتوقّفها على أمرٍ آخَر يحتاج إلى دليل، والآية الأُخرى تساق لرفعه، كما مرّ، وهذا هو الأقوى.

وفي المسألة قولان آخَران:

أحدهما: عدم توقّف ثبوته على حكمه، وتوقّف رفعه عليه، وهو اختيار الشهيد في اللمعة (2).

والثاني عكسه، قيل: إنّ به قائلاً، ولا نعلمه.

نعم، في التحرير جزم بتوقّف الثبوت على حكمه، وتوقّف في الزوال (3).

قوله: «إذا حجر عليه فبايعه إنسان كان البيع باطلاً - إلى قوله - وإن فكّ حجره».

لا فرق في جواز استعادته مع وجوده بين من بايعه عالماً بحاله وجاهلاً؛ لأنّ البيع في نفسه باطل، فله الرجوع في ماله متى وجده.

وأمّا إذا تلف فلا يخلو إمّا أن يكون قد قبضه بإذن صاحبه، أو بغير إذنه، وعلى التقديرين إمّا أن يكون البائع عالماً أو جاهلاً.

فإن كان قبضه بإذن صاحبه، كان تالفاً عليه؛ لأنّه سلّطه على إتلافه مع كونه سفيهاً، ووجود السفه مانع من ثبوت العوض. وقوله «وإن فكّ حجره» وصلّي لِما قبله؛ لأنّه إذا لم يلزم حال الإتلاف لا يلزم بعد الفكّ.

وهذا كلّه في العالم ظاهر، أمّا الجاهل بحاله فإطلاق المصنّف يشمله.

ص: 551


1- البقرة (2): 282.
2- للمعة الدمشقيّة، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 538، الرقم 3871 و 3872.

• ولو أودعه وديعةً فأتلفها ففيه تردّد. والوجه أنّه لا يضمن.

--------------

ووجهه أنّ البائع قصّر في معاملته قبل اختبار حاله وعلمه بأنّ العوض المبذول منه

ثابت أم لا، فهو مضيّع لماله.

ونقل في التذكرة عن بعض الشافعيّة أنّ السفيه إذا أتلف المال بنفسه ضمن بعد رفع الحجر (1)، قال: ولا بأس به (2).

وإن كان السفيه قبض المبيع بغير إذن صاحبه وأتلفه، ضمنه مطلقاً؛ لأنّ البيع الفاسد لا يقتضي الإذن في القبض، فيكون متصرّفاً في مال الغير بغير إذنه، فيضمنه، كما لو أتلف مالاً أو غصبه بغير إذن مالكه.

قوله: «ولو أودعه وديعةً فأتلفها ففيه تردّد، والوجه أنّه لا يضمن».

وجه عدم الضمان تفريط المودع بإعطائه. وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: {وَلَا تُؤْتُواْ

السُّفَهَاءَ أَمْوَلَكُمْ} (3) فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر.

مَنْ وقيل: يضمن إن أتلفها أو تلفت بتفريطه؛ لأنّ المالك لم يسلّطه على الإتلاف وإنّما أمره بالحفظ، فقد حصل منه الإتلاف بغير اختيار صاحبها كما لو غصب، والحال أنّ السفيه بالغ عاقل، والأصل عصمة مال الغير إلّا بسبب، مع أنّ وضع اليد حال الإتلاف غصب، وهذا هو الأقوى، واختاره في التذكرة (4)، وهو ظاهر القواعد (5).

وفي حكم الوديعِة العارية.

والصبيّ والمجنون حكمهما فيما يقبض مضموناً - كالبيع والقرض والغصب وإتلاف

المال بغير اختيار المالك كأكله - حكم السفيه.

ص: 552


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 77؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 418.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 227، المسألة 423.
3- النساء (4): 5.
4- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 228، المسألة 424.
5- قواعد الأحكام، ج 2، ص 138.

الثالثة: • لو فكّ حجره ثمّ عاد مبذّراً حُجر عليه، ولو زال فكّ حجره، ولو عاد عاد الحجر، وهكذا دائماً.

--------------

وأمّا الوديعة والعارية إذا تلفت بتفريطهما أو أتلفاها، ففي ضمانهما قولان، أجودهما

ذلك في الثاني دون الأوّل.

أمّا الأوّل فإنّ الضمان باعتبار الإهمال إنّما يثبت حيث يجب الحفظ، والوجوب من باب خطاب الشرع المتعلّق بأفعال المكلّفين، فلا يتعلق بالصبيّ والمجنون.

ولا ترد المعارضة بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (1) فإنّ مفهومه على الوجوب والتكليف بالردّ، وهو منفيُّ عنهما.

وأمّا الثاني فإنّ إتلاف مال الغير مع عدم الإذن فيه سبب في ضمانه، والأسباب من باب خطاب الوضع لا تتوقّف على التكليف.

ومنهُ يعلم وجه ضمان ما يتلفانه من مال الغير بغير إذنه.

قوله: «لو فكّ حجره ثمّ عاد مبذّراً حجر عليه - إلى قوله - وهكذا دائماً».

لمّا كان السفه علّة الحكم بالحجر، إمّا بنفسه أو بحكم الحاكم على ما مرّ (2)، كان وجود العلّة يقتضي وجود المعلول، ورفعها رفعه، من غير فرق بين المرّة والمرّات، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

نعم، في خصوصيّة ذكره فائدة أُخرى، وهي أنّ علّة الحجر أوّلاً لما قيل: إنّها مركّبة من السفه والفسق، فلا يزول الحجر إلّا برفعهما معاً بالرشد والعدالة على ذلك القول، وأمّا بعد ارتفاعهما فلا تبقى العلّة للحجر إلّا التبذير خاصّةً، فعوده يعيد الحجر، وارتفاعه يرفعه، من غير اعتبار العدالة هنا على القولين كما حقّقناه سابقاً، فلذلك أطلق المصنّف أنّ مجرّد عود التبذير يوجب الحجر، ومجرّد رفعه يرفعه، وهكذا.

ص: 553


1- تقدّم تخريجه في ص 44، الهامش 2.
2- مرّ في ص 550.

الرابعة: • الولاية فى مال الطفل والمجنون للأب والجدّ للأب، فإن لم يكونا

فللوصيّ، فإن لم يكن فللحاكم.

• أمّا السفيه والمفلّس فالولاية في مالهما للحاكم لا غير.

--------------

قوله: «الولاية في مال الطفل والمجنون للأب - إلى قوله فإن لم يكن فللحاكم».

لا خلاف في كون الولاية عليهما للأب والجدّ له وإن علا، وإنّما الكلام في أنّهما إذا تعارضا وأوقعا العقد دفعةً، فهل يقع باطلاً؛ لاستحالة الترجيح، أو يقدّم عقد الجدّ أو عقد الأب؟ الذي اختاره في التذكرة في هذا الباب هو الثاني (1).

والكلام في المال، أمّا في التزويج فسيأتي.

وفي كتاب الوصايا من التذكرة قال:

إنّ ولاية الأب مقدّمة على ولاية الجدّ، وولاية الجدّ مقدّمة على ولاية الوصيّ للأب،

والوصيّ للأب والجدّ أولى من الحاكم (2).

ومقتضى قول المصنّف: إنّهما «لم يكونا فللوصيّ» أنّ وصيّ الأب لا حكم له مع الجدّ كما في التذكرة (3)، وهو كذلك وإن علا الجدّ. ويأتي في ترتّب الأجداد للأب أو اشتراكهم مع وجود الأعلى والأدنى ما مرّ (4) في الأب والجدّ من الخلاف.

ولو جعل الأب أو الجدّ للوصيّ أن يوصي، أو جوّزنا للوصيّ ذلك وإن لم ينصّ له، فحكم وصيّه حكمه، فيقدّم وصيّ الوصيّ - وإن تعدّد - على الحاكم.

والمراد بالحاكم حيث يطلق في أبواب الفقه الفقيهُ الجامع لشرائط الفتوى إجماعاً.

قوله: «أمّا السفيه والمفلّس فالولاية في مالهما للحاكم لا غير».

أمّا المفلّس فظاهر وأمّا السفيه فإطلاق المصنّف يشمل من تجدّد سفهه بعد الرشد، ومن بلغ سفيها، وهو أشهر القولين في القولين في المسألة.

ص: 554


1- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 244، المسألة 442.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 510 (الطبعة الحجريّة)
3- مرّ أنفاً في صدر هذا البحث.
4- مرّ أنفاً في صدر هذا البحث.

الخامسة : • إذا أحرم بحجّة واجبة لم يمنع ممّا يحتاج إليه في الإتيان بالفرض، وإن أحرم تطوّعاً، فإن استوت نفقته سفراً وحضراً لم يمنع، وكذا إن أمكنه تكسّب ما يحتاج إليه، ولو لم يكن كذلك حلّله الولي.

--------------

ووجهه - على ما اختاره سابقاً (1) من توقّف الحجر بالسفه على حكم الحاكم، ورفعه عليه

ظاهرٌ؛ لكون النظر حينئذٍ إليه.

وقيل:

إن بلغ سفيهاً، فالولاية للأب والجدّ ثمَّ وصيّ أحدهما ثم الحاكم كالصبيّ، وإن بلغ رشيداً ثمّ تجدّد سفهه فأمره إلى الحاكم دونهما (2).

وهو أجود؛ استصحاباً لحكم ولايتهما في الأوّل، وارتفاعها في الثاني، فيحتاج عودها

إلى دليل، والحاكم وليُّ عامّ لا يحتاج إلى دليلٍ.

نعم، يتخلّف إذا قدّم عليه غيره، وقد انتفى هنا.

قوله: «إذا أحرم بحجّةٍ واجبة لم يمنع ممّا يحتاج إليه - إلى قوله - حلّله الوليّ». السفيه حكمه في العبادات البدنيّة والماليّة الواجبة حكم الرشيد، إلّا أنّه لا يمكّن من صرف المال ولا تفريق الحقوق، فإذا كان الحجّ واجباً فلا اعتراض للوليّ عليه، سواء زادت نفقته سفراً عن الحضر أم لا؛ لتعيّنه عليه، ولكن يتولّى النفقة عليه الوليّ أو وكيله الثقة ولا فرق في ذلك بين الواجب بالأصل وبالنذر، كما إذا تقدّم سببه على الحجر.

وأمّا إذا كان الحجّ مندوباً فكذلك مع عدم زيادة نفقته على الحضر؛ لعدم الضرر، وأمّا إذا احتاج إلى زيادةٍ، فإن كان يكتسبها في السفر فكذلك؛ لانتفاء الضرر عن ماله المحجور عليه فيه.

وربما أشكل بأنّه يصير باكتسابه من جملة ماله، فيجب الحجر عليه فيه، فيكون كالسابق.

ص: 555


1- سبق في ص 550.
2- قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 197.

--------------

وأُجيب ب-:

أنّه قبله لم يكن مالاً، وبعده صار محتاجاً للنفقة، وبأنّ الاكتساب غير واجبٍ على السفيه، وليس للوليّ قهره عليه، فلا يلزم من صرف ما يحصل به إتلاف لشيءٍ من المال الذي تعلّق به الحجر (1).

والجواب الأوّل إنّما يتمّ لو لم يمكنه العود، أو أمكنه بنفقةٍ مساويةٍ لنفقة ،الإكمال، وإلّا لم ينفعه احتياجه إلى النفقة.

وفي الثاني أنّ الاكتساب عليه وإن كان غير واجبٍ إلّا أنّه إذا اكتسب باختياره تحقّق

المال ولزم الحجر فيه، فعاد المحذور.

نعم، لو كان ذلك الكسب الواقع في السفر لا يحصل في الحضر، وكان بعد التلبّس بالحجّ أو قبله، ولم يمكن العود إلّا بصرفه، زال الإشكال.

ويُفهم من قوله ولو لم يكن كذلك حلّله الوليّ» أنّ إحرامه ينعقد على كلّ حال.

ويشكل مع الإخلال بالشرائط؛ للنهي عنه حينئذٍ المقتضي للفساد في العبادة.

ويمكن دفعه بأنّ النهى هنا ليس عن ذات العبادة، ولا عن شرطها؛ لأنّ المندوب لا يشترط فيه المال فينعقد، وإنّما النهي عن إتلاف المال الزائد، فطريق استدراكه تحليل الوليّ له بالصوم؛ لأنّه حينئذٍ كالمحصر، حيث يحرم عليه الذهاب للإكمال وإن كان لأمرٍ خارج، كعجزه عن النفقة.

هذا إن جعلنا لدم الإحصار بدلاً، وإلّا بقي على إحرامه إلى زمان الفكّ، وعلى القول بالبدل فهو عشرة أيّام كما مرّ في الحجّ (2)، وروي: «ثمانية عشر يوماً» (3)، وأمّا بخصوص هذه المسألة فلا نصّ فيها عندنا.

ص: 556


1- أجاب به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 5، ص 202.
2- مرّ في ج 2، ص 300.
3- أوردها يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 222 - 223 عن كتاب المشيخة، لابن محبوب.

السادسة: • إذا حلف انعقدت يمينه، ولو حنث كفّر بالصوم، وفيه تردّد.

--------------

قوله: «إذا حلف انعقدت يمينه، ولو حنث كفّر بالصوم، وفيه تردّد».

لما كان السفيه إنّما يمنع من التصرّفات الماليّة، فإذا حلف على فعل شيءٍ أو تركه - حيث تكون اليمين منعقدة في غيره - تنعقد يمينه؛ لأنّه لا يتعلّق بالمال، ومثله نذر ذلك وعهده، أمّا لو كان متعلّق النذر نفس المال، بأن نذر أن يتصدّق بمالٍ مثلاً، فإن كان معيّناً بطل النذر، وإن كان في الذمّة صحّ، وروعي في إنفاذه الرشد.

إذا تقرر ذلك، فإذا حلف - مثلاً - على شيء وحنث وجبت عليه الكفّارة قطعاً؛ لأنّه بالغ عاقل.

وهل يكفّر بالصوم أم بالمال؟ تردّد المصنّف (رحمه الله).

ووجه التردّد من أنّه ممنوع من التصرّف المالي فيكفّر بالصوم، كالعبد والفقير، ومن أنّ الكفّارة تصير حينئذٍ واجبةً عليه، وهو مالك للمال، فتخرج من المال كما تخرج الواجبات من الزكاة والخمس ومؤونة الحج الواجب والكفّارة التي قد سبق وجوبها الحجر.

ويضعف بأنّ هذه الواجبات تثبت عليه بغیر اختیاره، فلا تصرّف له في المال، وإنّما الحاكم به الله تعالى، بخلاف الكفّارة في المتنازع؛ فإنّ سببها مستند إلى اختياره في مخالفة مقتضى اليمين، فلو أخرجها من المال أمكن جعل ذلك وسيلةً له إلى ذهابه؛ لأنّ مقتضى السفه توجيه صرفه على ما لا ينبغي.

والأقوى أنّه يكفّر بالصوم، وبه قطع العلّامة في كتبه (1)، حتى في التذكرة، من غير نقلٍ

لتردّدٍ ولا لخلاف.

وقريب من هذا البحث الكلام في الإنفاق على مَن استحلقه من الأنساب بإقراره.

ص: 557


1- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 397؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 138؛ تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 504، الرقم 3883؛ تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 239، المسألة 438.

السابعة: • لو وجب له القصاص جاز أن يعفو، ولو وجب له دية لم يجز.

الثامنة: • يختبر الصبيّ قبل بلوغه، وهل يصحّ بيعه؟ الأشبه أنّه لا يصحّ.

--------------

قوله: «لو وجب له القصاص جاز أن يعفو، ولو وجب له دية لم يجز».

هذا عندنا واضح؛ لأنّ موجب العمد القصاص خاصّةً، وهو ليس بمالٍ، وإنّما يثبت المال بالصلح والتراضي، بخلاف ما يوجب الدية؛ لأنّه تصرّفٌ مالي، فيمنع منه.

ونبّه بذلك على خلاف بعض العامّة، حيث جعل الواجب في العمد أحد الأمرين:

القصاص أو المال، فلا يصحّ عفوه (1).

ولو طلب في العمد القصاص، فله ذلك؛ لأنّه موضوع للتشفّي والانتقام، وهو صالح له. وإذا جاز له العفو عنه مطلقاً فعفوه عنه على مالٍ أولى، فحيث يثبت بصلحه لا يسلّم إليه بل إلى الوليّ.

قوله: «يختبر الصبيّ قبل بلوغه، وهل يصحّ بيعه؟ الأشبه أنّه لا يصحّ».

قد تقدّم أنّ الرشد لا يتحقّق إلّا باختباره بما يلائمه من التصرّفات والأعمال (2)، وبيّن هنا أنّ محلّ هذا الاختبار قبل البلوغ؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَمَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ انَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَلَهُمْ} (3).

ووجه دلالة الآية على ذلك من وجهين:

أحدهما: جعل متعلّق الابتلاء اليتامى، والمراد باليتيم لغةً (4) وشرعاً من لا أب له وهو دون البلوغ، فالبالغ ليس بيتيمٍ بطريق الحقيقة، وإطلاق اللفظ محمول على الحقيقة إذا لم يمنع منها مانع، وهو منتفٍ هنا.

ص: 558


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 573، المسألة 3488.
2- تقدّم في ص 542 _ 543.
3- النساء (4): 6.
4- الصحاح، ج 4، ص 2064؛ لسان العرب، ج 12، ص 645، «يتم».

--------------

والثاني: قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} جعل غاية اختبارهم البلوغ، فدلّ على

أنّ الاختبار قبله، ولأنّ تأخير الاختبار إلى البلوغ يؤدّي إلى الإضرار به، بسبب الحجر عليه ومنعه ماله، مع جواز كونه بالغاً رشيداً؛ لأنّ المنع يمتدّ إلى أن يختبر ويعلم رشده، وربما طال زمانه بسبب العلم بالملكة السابقة، فإذا أمكن دفع هذا الضرر بتقديم الاختبار كان أولى.

وهذا مما لا خلاف فيه عندنا، وإنّما خالف فيه بعض العامّة، وجعله بعده (1).

نعم، شارحا القواعد حملا عبارتها على أنّ الاختبار بعد البلوغ، وجعلا الخلاف في

صحّة البيع الواقع بالاختبار متفرّعاً على ذلك (2). ولا ضرورة داعية إليه.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: إذا كان الاختبار بمثل البيع لمن هو من أهله، فماكس الصبيّ فيه وظهر رشده وأوقعه، هل يكون صحيحاً أم لا؟ وجهان:

أحدهما: الوقوع؛ لأمره تعالى بالابتلاء، وهو يقتضي كون الفعل الصادر من الصبيّ معتبراً، خصوصاً على القول بأنّ أفعاله شرعيّة، ومع ذلك قد انضمّ إلى إذن الوليّ له؛ لأنّ إعطاء المال وأمره به إذن، فيجب أن يكون صحيحاً.

والثاني: عدمه؛ لمنع دلالة الأمر بالابتلاء على الصحّة، بل غايته استفادة الرشد بما به

الابتلاء، أمّا كونه صحيحا أم لا فهو خارج عن مقتضاه، وهذا هو الأقوى.

وعلى هذا فكيفيّة اختباره أن يأمره الوليّ بالمساومة في السلع، ويمتحنه بالممارسة والمساومة وتقرير الثمن، فإذا آل الأمر إلى العقد عقده الوليّ، فإذا رآه قد استقرّ رأيه على الشراء بثمن المثل وإرادة البيع به مرّة بعد أُخرى علم رشده.

ص: 559


1- العزيز شرح الوجيز، ج 5، ص 73؛ روضة الطالبين، ج 3، ص 415: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 4، ص 568، المسألة 3477؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 4، ص 562.
2- إيضاح الفوائد، ج 2، ص 52 كنز الفوائد، ج 1، ص 535.

--------------

وقريبٌ من ذلك أن يشتري الوليِ سلعةً ويتركها في يد البائع، أو يعطيه متاعاً من أمتعته ويواطئه على بيعه من الصبيِ، فإن اشتراه منه وفَعَل ما فيه الصلاح كذلك دلّ على الرشد.

واعلم أنّ العلّامة في التحرير رجّح صحِة البيع مع إذن الوليّ (1)، كما هو المفروض، وفي التذكرة والإرشاد قطع بعدمه (2)، وفي القواعد تردّد (3).

***

تمَّ الجزء الثالث - بحسب تجزئتنا - ويليه في الجزء الرابع كتاب الضمان

ص: 560


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 2، ص 540، الرقم 3879.
2- تذكرة الفقهاء، ج 14، ص 241، المسألة 439: إرشاد الأذهان، ج 1، ص 397.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 137.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.