موسوعة الشهید الثانی
الْجُزْءُ الثَّالِثِ عَشَر
الفوائدُ المليّة لشرح الرسالة النفليّة
المَركز العَالي لِلعُلوم والثقافةِ الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الثالث عشر (الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.
الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة نگارش
الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م
الكمّيّة: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل: 246
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534
ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 966ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)
ISBN 978-600-5570-88-5 (ج13)
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا
کتابنامه.
مندرجات : ج 13 الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة -
1. اسلام - مجموعه ها 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان
8 م 92ش /6 / 4 BP
297/08
محرر الرقمي: سيد عبدالله رضوي
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الثالث عشر
الفوائد المليّة
لشرح الرسالة النفليّة
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية
مركز إحياء التراث الإسلامي
ص: 3
المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة
موسوعة الشهيد الثاني
الجزء الثالث عشر (الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة)
الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.
الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي
الطباعة: مطبعة نگارش
الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م
الكمّيّة: 1000 نسخة
العنوان: 143 : التسلسل: 246
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42
التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534
ص. ب: 37185/3858، الرمز البريدي: 16439 - 37156
وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir
شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 966ق.
موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية 1434ق. = 2013م.
30 ج.
978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)
ISBN 978-600-5570-88-5 (ج13)
فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا
کتابنامه.
مندرجات : ج 13 الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة -
1. اسلام - مجموعه ها 2. دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3. اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی. الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان
8 م 92ش /6 / 4 BP
297/08
ص: 4
المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره
الجزء الأوّل = (1) منية المريد
الجزء الثاني = (2) - (6) الرسائل / 1 : 2. كشف الريبة 3. التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ 5. البداية؛ 6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.
الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل 2 : 7 تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8 تقليد الميّت؛ 9. العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11. تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة ؛ 13. النية؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار؛ 18. أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة 19. نيّات الحجّ والعمرة؛ 20. مناسك الحجّ والعمرة؛ 21 طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23 الحبوة ؛24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25. أجوبة مسائل السيّد ابن طرّاد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28 أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيّد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفيّة.
الجزء الرابع = (31 - 43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34 وصيّةٌ نافعةٌ؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية «خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41 الإجازات 42. الإنهاءات والبلاغات 43. الفوائد.
ص: 5
الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد
الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة
الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان
الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة
الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة
الجزء الرابع عشر = (51 و52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع
الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)
الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان
الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام
الجزء التاسع والعشرون = الفهارس
ص: 6
مقدّمه التحقیق... 33
نماذج من مصوّرات النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق...42
الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية
شرح الخطبة ... 3
المقدمة... 9
تعريف النافلة ... 9
ثواب صلاة النافلة ... 9
معنى «الصلاة خير موضوع»... 12
فى جبران الفرائض بالنوافل ... 16
أقسام النوافل ... 18
1- النوافل الراتبة في كلّ يوم وليلة... 18
بحث حول أفضل الرواتب... 19
تبعيّة قصر النوافل لقصر الفريضة ... 21
2 - النوافل المطلقة وهي خمسة أقسام:... 22
الأوّل: المتعلّقة بالأشخاص كصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... 22
الثاني: المشروعة بسبب كالاستسقاء ... 22
الثالث: المتعلّقة بالأزمان كنافلة شهر رمضان ... 22
الرابع: المتعلقة بالأحوال كإعادة الجماعة ... 22
ص:7
الخامس: ماعدا ذلك كابتداء النافلة ... 23
مبدأ تمرين الصبيّ على الصلاة ... 23
وقت النافلة المبتدئة ... 24
شروط النوافل وكيفيّتها ...26
تبعيّة الصلاة المعادة للسابقة في الكيفيّة...27
القيام والقرار من مكمّلات النوافل... 28
جواز السنن قعوداً وركوباً... 28
اشتراط الاستقبال في النافلة في غير السفر والركوب... 29
عدم تعيّن السورة في النافلة ... 29
عدم كراهية القِران بين السورتين في النافلة ...29
الاحتياط في النافلة بالبناء على اليقين ... 29
لا جماعة في النافلة إلّا في موارد معيّنة ... 29
لا أذان ولا إقامة في النافلة ... 30
كراهية ابتداء النافلة عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها وبعد صلاتي الصبح والعصر ...30
معنى مكروه النافلة ... 31
الفصل الأوّل: سنن المقدّمات
المقدمة الأُولى في وظائف الخلوة ...33
مستحبّات الخلوة ... 33
مكروهات الخلوة ...41
المقدّمة الثانية: فيما يستحبّ له الوضوء... 46
سنن الوضوء أربعة وخمسون... 50
بحث لغوي حول حرف «الباء» في «بيميني» و «بشمالي»... 62
المقدّمة الثالثة: فيما يستحبّ له الغسل:66
سنن غسل الحيّ ...72
سنن غسل الميّت ...77
ما يكره للجنب وشبهه ...80
ص: 8
فيما يكره للجنب خاصة...82
المقدّمة الرابعة فيما يستحبّ له التيمّم ...83
سنن التيمم... 85
المقدّمة الخامسة في سنن الإزالة ...87
المقدّمة السادسة في سنن الستر...91
المقدّمة السابعة في سنن المكان ...108
المقدّمة الثامنة في سنن الوقت ...121
موارد أفضلية تأخير الصلاة عن أوّل وقتها...122
الإيراد بالظهر يسيراً في قطر حارّ... 122
انتظار الجماعة ...123
السعي إلى مكان شريف ...124
ذهاب الحمرة المغربية في العشاء ... 124
صيرورة الظل مثله في العصر ... 124
تأخيره قدر النافلة في الظهر للمتنفّل... 125
الجمع بين الصلاتين للمستحاضة والسلس والمبطون... 125
توقع نزول المسافر... 126
درك آخر الليل لسنّته ... 126
بيان موارد أخرى لأفضلية تأخير الصلاة عن أول وقتها . .. 128
الضجعة بعد صلاة الليل ...128
ترتيب الفوائت غير اليومية ...130
تقديم الحاضرة على مشاركها من الفرائض... 131
تعجيل قضاء الفائت ...131
المقدّمة التاسعة في سنن القبلة... 132
المشاهدة للكعبة أو محراب الرسول أو محراب الإمام أو محراب المسجد ...132
التياسر للعراقي...132
الاستقبال في النافلة سفراً وركوباً ...133
كشف الوجه عند الإيماء بسجوده ... 133
ص: 9
تجديد الاجتهاد لكل فريضة ...133
المقدمة العاشرة في الأذان والإقامة ... 133
استحباب الأذان والإقامة للخمس اليوميّة... 133
تأكّد استحبابهما في الغداة والمغرب ...134
تأكّد استحبابهما لافتتاح كلّ من الليل والنهار ...134
أحكام الأذان...134
سقوط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية قبل تفرّق الأُولى...137
سقوطهما عن الجماعة بأذان مَنْ يسمعه الإمام...139
شروط الاجتزاء بأذان الغير: ...139
تأكد استحباب الأذان والإقامة حضراً أو صحةٌ ...143
جواز إفراد فصول الأذان والإقامة سفراً... 143
الاقتصار على الإقامة لمريد أحدهما...144
الترتيل للأذان والحَدر للإقامة ...144
الفصل بين الأذان والإقامة بركعتين في الظهرين...145 صورة الدعاء في الجلسة أو السجدة بينهما... 147
رفع الصوت بالأذان للرجل والإسرار به للمرأة... 150
إسماع المؤذّن نفسه...150
الاستقبال في حالة الأذان والإقامة... 151
إعادة الأذان والإقامة مع الكلام خلالهما...151
عدالة المؤذن...151
علوّ المؤذن على مرتفع...151
فصاحة المؤذن...151
نداوة صوت المؤذن وطيبه ومبصريّته ...152
طهارة المؤذن من الحدث وتأكدها في الإقامة ...152
لزوم سمت القبلة في جميع الأذكار وقيام المؤذن فيهما...152
جعل المؤذن إصبعيه في أذنيه ...153
تقديم أعلم المؤذّنين بالمواقيت عند التشاحّ والقرعة عند التساوي ...153
ص: 10
استحباب تتابع المؤذنين في الأذان...153
إظهار «ها» الله وإله وأشهد والصلاة و «حاء» الفلاح...153
حكاية السامع لفصول الأذان...154
التلفظ بالفصل المتروك ...154
الدعاء عند الشهادة الأولى ...154
القيام عند : «قد قامت الصلاة» ...155
استحباب تلا فيهما للناسى ما لم يركع ...155
ترك الأذان والإقامة راكباً ...157
ترك الحيعلتين بين الأذان والإقامة ...157
حكم الكلام أثناء الإقامة...157
حكم الإيماء باليد عند لفظها ...158
المقدمة الحادية عشرة في سنن القصد إلى المصلى...158
السكينة والوقار والخضوع والخشوع وإحضار عظمة الخالق سبحانه...158
الدعاء بالمأثور عند القيام إلى المصلى...158
تقديم الرِجل اليمنى عند دخول المسجد والدعاء بالمأثور عند الدخول...159
الفصل الثاني في سنن المقارنات
الاولی: سنن التوجّه...161
التكبيرات الست أمام التحريمة أو بعدها أو التفريق... 161
رفع اليدين بكل تكبيرة إلى حذاء شحمتي الأذنين واستقبال القبلة ببطونهما... 161
بسط الكفّين وضمّ الأصابع إلا الإبهامين ... 161
ابتداء وضع اليدين عند انتهاء التكبير ... 162
الدعاء بالمأثور بعد التكبيرات الثلاث ... 162
الدعاء بالمأثور بعد التكبيرة السابعة ... 162
الاقتصار في التكبيرات على خمس أو ثلاث ... 164
الإسرار بالتكبيرات الستّ للإمام والمؤتم ... 164
مواضع اختصاص التكبيرات الست ... 164
ص: 11
بيان الإمام علي علیه السّلام لمعنى التكبيرات الست ...165
الثانية: سنن النيّة ...167
الاقتصار بالنيّة على القلب دون اللسان ...167
تعظيم الله تعالى مهما استطاع ...167
نية القصر والإتمام ...167
نيّة الجماعة من الإمام...168
حكم قطع النافلة ...168
عدم نيّة المكروه في الصلاة ...168
إحضار القلب في جميع الأفعال...168
الثالثة: سنن التحريمة ...168
استشعار عظمة الله عند الحكم بكونه أكبر...168
استحضار أنّه تعالى أكبر من أن يحيط به وصف الواصفين...169
الخشوع والاستكانة ومعناهما ...170
الوقف على «أكبر» بالسكون ...170
إخلاء التكبيرة من شائبة المدّ فى همزة «الله» وباء «أكبر» ...170
جهر الإمام بالتكبيرة وإسرار المأموم بها ...170
الإخطار بالبال عند الرفع: الله أكبر ... الذي ليس كمثله شيء ...171
الرابعة: سنن القيام ...171
الخشوع ...171
الاستكانة ...171
عدم الكسل والنعاس والاستعجال...172
إقامة الصلب والنحر...172
النظر إلى موضع السجود بغير تحديقٍ...172
التفريق بين القدمين قدر ثلاث أصابع مفرّجات...172
التحاذي بين القدمين ...172
جمع المرأة بين قدميها والتخيير للخنثى ...173
إرسال الذقن على الصدر ...173
ص: 12
استقبال القبلة بالإبهامين ...173
لزوم السمت بلا التفات إلى الجانبين ...173
عدم التورّك والتخصّر...173
جعل اليدين مبسوطتين مضمومتي الأصابع على الفخذين ...173
وضع المرأة كلّ يد على الثدي المحاذي لها ...174 القنوت والاختلاف في محلّه...174
استحباب القنوت في الفرائض والنوافل...174
تأكّد استحباب القنوت في الفرائض...175
قول بعض الفقهاء بوجوبه وأدلتهم ...176
التكبير له رافعا يديه، وإطالته...176
أفضل القنوت كلمات الفرج ...176
حكم الدعاء بغير اللغة العربيّة...176
أقل القنوت ثلاث تسبيحات وخمس على رواية ...178
الاستغفار في قنوت الوتر ...178
اختيار الدعاء بالمرسوم في القنوت ...178
متابعة المأموم الإمام في القنوت ...178
رفع اليدين في القنوت وكيفيّته ...178
عدم مسح الوجه واللحية باليدين عند الفراغ من الدعاء ...179
جهر الإمام والمنفرد بالقنوت وإسرار المأموم ...179 استحباب قضاء القنوت للناسي له في محلّه ...179
تربّع المصلّي قاعداً في حال القراءة ...180
ثني الرجلين حال الركوع ...180
التورّك في التشهد ...180
الخامسة: سنن القراءة. ...181
التعوّذ قبل القراءة في الركعة الأولى ...181
الإسرار بالتعوّذ ولو في الجهريّة ...181
الفرق اللغوي بين «أعوذ» و «أستعيذ» ...182
ص: 13
إحضار القلب حال القراءة ...183
الشكر عند آية النعمة والسؤال عند آية الرحمة وهكذا ...183
استحضار التوفيق للشكر عند أوّل الفاتحة ...183
استحضار التوحيد عند ربّ العالمين ...184
استحضار التمجيد وذكر الآلاء عند «الرحمن الرحيم»...184
استحضار اختصاص الله بالخلق والملك عند «مالك يوم الدين» ...184
استحضار الإخلاص عند «إيّاك نعبد» ...185
الاستزادة من توفيقه و.... عند «وإياك نستعين» ...185
استحضار الاسترشاد به تعالی و... عند «اهدنا الصراط المستقيم» ...185
تنوّع هداية الله ويجمعها أربعة أجناس مترتّبة: ...185
التأكيد في السؤال والرغبة عند «صراط الذين...» ...187
انحصار نعّم الله في جنسين ...187
استحضار الاستدفاع لكونه من المعاندين عند باقي السورة ...188
الاستحضارات القلبية فى رواية الفضل بن شاذان ...188
الترتيل في القراءة ومعناه ...189
الوقف عند فراغ النفّس مطلقاً ...189
مواضع الوقوف في الفاتحة ...190
تعمّد الإعراب وحركات البناء ...190
المدّ المنفصل وتوسّطه مطلقاً ...190
تشديد الحرف المشدّد بلا إفراط ...190
إشباع كسرة كاف «ملك» وضمّة دال «نعبد» ...191
إخلاص الدال في «الدين» والياء» في «إيّاك» و. ...191
التحرّز من تشديد الباء في «نعبد» و تشديد التاء في «نستعين» ...191
تصفية الصاد في «الصراط» ...191
تمكين حروف المد واللين بلا إفراط ...191
فتحة طاء «صراطّ الذين» وفتحة نون «الذين» ...192
اجتناب تشديد تا «أنعمت» و ضاد «المغضوب» ...192
ص: 14
اجتناب تفخيم الألف في جميع محال القراءة ...192
المراد بحروف التفخيم ...192
اجتناب إخفاء الهاء ...192
ترك الإدغام الكبير وعلّة تسميته كبيراً. ...193
إسماع الإمام قراءته مّن خلفه ...194
معنى الجهر والمخافتة ...194
توسط المنفرد بين الجهر والإخفات ...194
التسبيح ثلاثاً بالتسبيحات الأربع في الأخيرتين ...195
الجهر في النافلة الليلة والإسرار في غيرها ...196
الجهر بالبسملة في السرّية ...196
إسرار النساء في الجهريّة ...196
السكوت بعد قراءة الفاتحة وكذا بعد السورة بقدر نَفَس ...196
التخفيف في القراءة لضيق الوقت ...196
الاقتصاد في القراءة للإمام ...196
مواطن قراءة المطوّلات من المفصّل ...197
قراءة الجمعة والتوحيد في صبح يوم الجمعة...197 قراءة الجمعةوالمنافقون في صلاة الجمعة وظهريها ...197
مواطن قراءة سورة الجحد ...199
في معنى المصبح وحد الإصباح ...199
قراءة سورة التوحيد في أوليي صلاة الليل ...199
القراءة بالمرسوم في النوافل ...200
إعادة الفاتحة للقائم عن سجدة التلاوة آخر السورة ...200
التغاير في السورة في الركعتين ...200
كراهة القرآن بين سورتين في ركعة واحدة ...201
إبقاء المؤتم آية يركع بها ...202
عدول المرتج عليه إلى الإخلاص، ومعنى المرتج عليه ...202
15
السادسة: سنن الركوع ...203
استشعار عظمة الله تعالى وتنزيهه عمّا يقول الظالمون ...203
الخشوع والاستكانة والتكبير للركوع قائماً قبل أن يهوي له ...203
التجافى وعدم إلصاق يديه ببدنه ...204
ردّ الركبتين الى الخلف وبروز اليدين ...204
تسوية الظهر ومد العنق موازياً له ...205
استحضار آمنت بك ولو ضربت عنقي ...205
عدم رفع المرأة عجيزتها ...205
وضع اليدين على عينّي الركبتين وتفريج الأصابع ...205
البدأة بوضع اليمني قبل اليسرى ...206
وضع المرأة يديها فوق ركبتيها . ...206
ترتيل التسبيح واستحضار التنزيه لله عند قوله سبحان ربي ...206
استحضار الشكر لإنعامه عند قوله وبحمده ...206
تكرار التسبيح ثلاثاً مطلقاً، وخمساً وسبعاً لغير الإمام ...206
إطالة التسبيح للإمام مشروطة بحبّ المأموم ذلك ...206
هل يستحب في الزيادة الوقوف على وتر ؟ ...207
الدعاء بالمأثور أمام الذكر في الركوع ...207
إسماع الإمام مّن خلفه الذكر وإسرار المأموم ...208
زيادة الطمأنينة في رفع الرأس وقول: سمع الله لمن حمده...208
الدعاء بالمأثور بعد قوله: سمع الله لمن حمده ...209
بحث لغوي في الدعاء المتقدم، والاختلاف في نقله ...210
الجهر في الأذكار للإمام والإسرار للمأموم والتخيير للمنفرد ...210
جواز قصد العاطس بالتحميد للوظيفتين وأولوية التكرار....210
السابعة سنن السجود ...210
استشعار نهاية العظمة والتنزيه لله ...210
دعاء النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في سجوده ...210
ص: 16
الخضوع والخشوع والاستكانة فوق ماكان في الركوع والقيام بواجب الشكر ...211
استقبال الرجل الأرض بيديه معاً بخلاف المرأة ...211
المبالغة في تمكين أعضاء السجود ...212
إبراز الأعضاء للرجل دون المرأة. ...212
السجود على الأرض وخصوصاً التربة الحسينيّة ...213
ندب سلبار إلى اللوح المتخذ من التربة الشريفة ومن خشب قبور الأئمّة علیهم السّلام ...214
الإفضاء بجميع المساجد إلى الأرض ...214
أقلّ الفضل في الجبهة مساحة درهم بغليّ ...215
الإرغام بالأنف ومعناه ...215
استواء الأعضاء في الوضع مع إعطاء التجافي حقه وتجنيح الرجل بمرفقيه ...216
جعل المرفقين حيال المنكبين وجعل الكفّين بحذاء الأذنين ...216
ضم أصابع اليدين والتفريج بين الركبتين ...216
النظر ساجداً إلى طرف الأنف وقاعداً إلى الحجر...216
ترك كفّ الشعر عن السجود ...217
سبق المرأة بالركبتين عند الهّوي وبدأتها بالقعود ...217
افتراش المرأة ذراعيها وأن لا تتخوّى في الهويّ إلى السجود ...217
عدم رفع المرأة عجيزتها حالة السجود ...217
ترتيل التسبيح واستشعار التنزيه عند قوله: سبحان الله ...217
الدعاء بالمأثور أمام التسبيح ...218
التكبير للرفع معتدلاً في القعود ...218
الدعاء جالساً، وأدناه ...218
أفضل الدعاء بين السجدتين ...218
التورّك بين السجدتين غير مُقع ...219
ضمّ المرأة فخذيها ورفع ركبتيها ...219
التكبير للسجدة الثانية معتدلاً ...219
لا تكبير لسجود القرآن ... 220
سجود القرآن خمس عشرة سجدة ... 220
ص: 17
تكرّر السجود بتكرّر سببه ... 221
استحباب الطهارة في سجود القرآن ... 221
فيما يقال عند سجود القرآن ... 221
هل تصير السجدة قضاء أم تبقى أداء مدة العمر؟... 222
رواية كراهة قضاء السجدة في الأوقات المكروهة ... 221
جلسة الاستراحة عقيب السجدة الثانية والطمأنينة فيه ... 221
قول: بحول الله وقوته... عند القيام في كلّ ركعة
... 222
آداب القيام وكيفيّته للرجل والمرأة. ... 223
كراهة مسح الجبهة من التراب حالة الصلاة ... 223
الثامنة: سنن التشهّد ... 223
كيفية الجلوس وما يستحضره المصلّي فيه ... 223
ما يقول المصلّي قبل التشهد وبعده ... 224
فيما يختصّ به تشهّد آخر الصلاة ... 224
عدم شرعيّة التحيّات في التشهّد الأوّل ... 226
التاسعة: سنن التسليم ... 226
التورّك في الجلوس... وقصد الخروج من الصلاة ... 226
هل يعتبر في التسليم نيّة الوجوب والقربة أو القربة خاصة؟ ... 227
استحضار اسم الله عند قوله : (السلام) واستحضار السلامة من الآفات ... 227
القصد بالسلام عليكم إلى الأنبياء والأئمة والملائكة ... 227
قصد الإمام بسلامه المؤتم وبالعكس ... 227
قصد الإمام أنّه مترجم عن الله بالأمان ... 228
المشهور تسليم الإمام والمنفرد مرّة واحدة ... 228
حكم الإيماء بالتسليم إلى القبلة ... 228
اختصاص الإمام بالإيماء بصفحة وجهه عن يمينه ... 228
تقديم السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على السلام على الأنبياء ... 229
خصائص السورة في الصلوات، وهي تسع:... 230
تحديد السنن في الصلوات الخمس ... 231
ص: 18
الفصل الثالث في منافيات الأفضل
مقاربة القدمين حال القيام ... 233
الدخول في الصلاة متكاسلاً أو مشدود اليدين اختياراً ... 233
إحضار غير المعبود بالبال ... 233
التنخم والبصاق ... 233
الامتخاط والجشاء والتنحنح... 234
فرقعة الأصابع ... 234
التأوّه بحرف والأنين به اختياراً ... 234
مدافعة الأخبثين والريح ومدافعة النوم... 235
رفع البصر إلى السماء وتحديد النظر إلى شيء بعينه ... 235
مسح التراب عن الجبهة إلّا بعد الصلاة ... 235
تفريج الأصابع في غير الركوع ... 235
لبس الخُف الضيّق ... 235
حلّ الأزرار لفاقد الإزار ... 235
الإيماء بالرأس ونحوه.... 236
التصفيق وضرب الحائط إلّا لضرورة. ... 236
التبسّم، ومعناه ... 236
الاستناد إلى ما لا يُعتمد عليه ... 236
استحباب استحضار أنّها صلاة وداع. ... 236
استحباب تفريغ القلب من الدنيا وترك حديث النفس ... 236
استحباب الملاحظة لملكوت الله تعالى عند ذكره ... 237 استحباب ذكر الرسول كلّما ذكر الله والصلاة عليه وعلى آله ... 237
استحباب إسماع نفسه جميع الأذكار المندوبة ... 237
استحباب التباكي، ومعناه ... 237
استحباب حمد الله عند العطاس منه أو من غيره ... 237
استحباب تسميت العاطس ... 238
ص: 19
استحباب إبراز اليدين ... 238
جواز قتل الحيّة والعقرب ودفع القملة والبرغوث ... 238
جواز إرضاع الطفل ما لم يكثر ... 238
جواز ردّ السلام بالمثل في الصلاة ... 238
استحباب ردّ التحيّة مطلقاً بقصد الدعاء. ... 239
استحباب الإشارة بالإصبع عند ردّ السلام ... 240
استحباب تخفيف الصلاة لكثير السهو ... 240
إعادة الوتر لو أعاد الركعتين المنسية من الليلية ... 240
جواز القراءة من المصحف ... 241
عدّ الركعات بالحصى أو الأصابع ... 241
في أن المجتمع من الوظائف أربعة آلاف متعلقة بالصلاة ... 241
الخاتمة، وفيها بحثان
البحث الأوّل في التعقيب ... 245
تأكد استحباب التعقيب كتاباً وسنّة ... 245
وظائف القنوت ... 246
إقبال القلب في الدعاء ... 246
البقاء على هيئة التشهّد وعدم الكلام والحدث ... 246
أهم ما ورد من التعقيبات ... 247
التكبير ثلاثاً عقيب التسليم رافعاً يديه ... 247
تسبيح فاطمة الزهراء علیها السّلام ... 248
قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و.... أربعين مرّةً ... 249
قراءة الحمد وآية الكرسي. ... 249
قراءة آية «شهد الله» وآيتي الملك والسخرة ... 249
قراءة التوحيد اثنتي عشرة مرّةً ... 250
سجدتا الشكر ... 251
كيفية سجدتَيِ الشكر. ... 251
ص: 20
سؤال الله من فضله عند السجود ... 252
رفع اليدين فوق الرأس عند إرادة الانصراف ... 252
فيما يختص به الصبح والمغرب من التعقيب. ... 253
اختصاص الصبح بالإكثار من: سبحان الله العظيم ...253
اختصاص المغرب بثلاث مرّات: الحمد لله الذي يفعل. ...253
اختصاص العصر والمغرب بالاستغفار سبعين مرّة ...254
اختصاص العشاء بقراءة الواقعة قبل النوم ...254
كراهة النوم بعد صلاة الصبح ...254
كراهة النوم بعد العصر والمغرب قبل العشاء. ...255
الاشتغال بعد العشاء بما لا يُجدي نفعاً ...255
البحث الثاني في خصوصيات باقي الصلوات ...256
خصائص صلاة الجمعة: ...256
الغسل وما يستحبّ من القول حالته ...256
حلق الرأس وتسريح اللحية ...256
..
تقليم الأظفار والأخذ من الشارب وما يُقال قبل تقليم الأظفار ...256
لبس أفضل النياب وأحبّها إلى الله تعالى ...257
مباكرة المسجد والتطيّب ...257
التعمم شتاء وقيظاً. ...258
التحنّك والتردّي تأسياً بالنبي صلی الله علیه و آله و سلّم ...258
الدعاء بالمأثور أمام التوجّه ...258
السكينة والوقار والمشي إلا لضرورة فيركب ...258
الجلوس حيث ينتهي به المكان ...259
حضور مَن لا تجب عليه الجمعة ...259
إخراج المحبوسين للصلاة ...259
زيادة أربع ركعات على راتبتي الظهرين وتفريقها ستّةٌ ستّةٌ ...259
زيادة ركعتين بعد العصر على رواية الأشعري ستّةٌ ... 260
صلاة الظهر في المسجد الأعظم لمن لم تجب عليه الجمعة ... 260
ص: 21
سكوت الخطيب عما سوى الخطبة ... 260
اختصار الخطبة عند خوف فوت الفضيلة ... 260
وقت صلاة الجمعة ... 260
كون إمام الجمعة أفضل الحاضرين ... 261
اتصافه بالفصاحة والبلاغة. ... 261
مواظبته على أوائل الأوقات ... 262
صعوده المنبر بالسكينة والوقار واعتماده حال الخطبة على عَنَزَة أو سلاح ... 262
سلامه على الناس أوّل ما يصعد المنبر ووجوب ردّ سلام الإمام كفاية ... 262
تعقيب الأذان بقيامه بغير فصل واستقبال الناس بوجهه حال الجلوس والخطبة ... 263
لزومه السمت من غير التفات ... 263
استقبال الحاضرين للإمام ... 263
ترك صلاة التحية للداخل حال الخطبة ... 263
ترك الكتف للخطيب ... 263
الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ... 263
إطالة الإمام القراءة لو أحسّ بداخل ... 263
ترك السفر بعد الفجر ... 263
الإكثار من الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله و سلّم وآله إلى ألف مرة ... 264
الإكثار في يوم الجمعة من العمل الصالح ... 264
خصائص صلاة العيد ... 265
فعلها حيث تختلّ الشرائط المعتبرة في وجوبها ... 265
وقت الخروج إلى المصلّى ... 266
تأخير الخروج في الفطر عن الخروج في الأضحى. ... 266
لبس البُرد للتأسّي. ... 266
المشي إلى المصلى والسكينة والوقار ومغايرة طريقي الذهاب والإياب ... 267
خروج المؤذّنين بين يدي الإمام بأيديهم العَنّز. ... 267
التحفّي في المشي خارجاً إلى الصلاة وذكر الله تعالى ... 267
الإصحار بها إلّا بمكّة ... 267
ص: 22
أن يَطْعَم قبل الخروج في الفطر و بعد عوده في الأضحى ممّا يضحّي به ... 268
حضور من سقطت الصلاة عنه لعذر ... 268
عدم السفر بعد الفجر قبل الصلاة ... 268
قيام الخطيب حال الخطبة والاستماع له وترك الكلام ... 269
ترك التنقل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد النبي صلى الله عليه وآله سلم ... 269
ترك الخروج بالسلاح مع عدم الضرورة ... 269
ما يقرأ من السور في صلاة العيد والجهر بها ... 269
القنوت المرسوم في صلاة العيد ... 269
الحثّ على الفطرة في خطبة الفطر وما يتعلّق بها ... 269
كون الخطبتين من مأثور الأئمة علیهم السّلام ... 269
السجود على الأرض بلا حائل كسجّادة وغيرها ... 270
المشهور أنّ التكبير والقنوت محلّه بعد القراءة ... 270
التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات ... 270
التكبير في الأضحى عقيب عشر صلوات ... 271
تكبير الناسك بمنى عقيب خمس عشرة. ... 271
قضاء التكبير الفائت عقيب بعض الصلوات ... 271
استحباب الطهارة في التكبير ... 271
خصائص صلاة الآيات ... 271
استشعار الخوف من الله تعالى ... 271
تأكد الجماعة في الكسوف المستوعب ... 271
إيقاعها في المساجد ومطابقة الصلاة للآية. ... 271
قراءة السور الطوال إلا مع عذر المأمومين ... 272
الجهر في القراءة ... 272
مساواة الركوع والسجود للقراءة ... 273
جعل صلاة الكسوف أطول من الخسوف ... 273
فيما يفعله لو فرغ قبل الانجلاء ... 273
التكبير للرفع من الركوع في غير الخامس و العاشر ... 273
ص: 23
القنوت على الأزواج. ... 274
تكرار التكبير إن كانت الآية ريحاً ... 274
الكلام في القضاء مع الفوات ... 274
صلاة النساء الجميلات في البيوت جماعة ... 274
ما ينبغي فعله لرفع الزلزلة ... 274
مقارنات صلاة الطواف ... 275
قراءة الجحد في الأولى والإخلاص في الثانية ... 275
القرب من المقام لو منع منه ... 275
الصلاة خلف المقام مع الإمكان ... 275
جواز إيقاع نقلها في بقاع المسجد ... 275
خصائص صلاة الميت: ... 276
الطهارة من الحدث والخبث ... 276
الصلاة في المواضع المعتادة تبرّكاً ... 276
استحضار الشفاعة للميّت ... 276
رفع اليدين في كل تكبيرة إلى شحمتى الأُذنين ... 276
رفع اليدين مبسوطتين حالة الدعاء للميت ... 276
الدعاء بالمأثور بعد التكبيرة الرابعة ... 276
حكم الصلاة على من نقص عن ستّ سنين إذا وُلد حياً ... 277
تلافي الصلاة على من لم يُصلُّ عليه بعد الدفن ... 277
النهى عن تثنية الصلاة على الميت ... 277
تقديم الأَوّلى بالإرث في صلاة الميّت ... 278
حكم ما لو تعدّد الأولى بالإرث ... 278
الزوج أولى من كلّ وارث ... 278
لو اجتمع الأولياء المتعدّدون في مرتبة واحدة قدّم الأفقه ثمّ الأقرأ ثم ... 278
أولوية الهاشمي من غيره والمراد منها ... 279
أولوية إمام الأصل مطلقاً. ... 279
مكان وقوف الإمام ... 280
ص: 24
نزع الإمام نعله واستثناء الخُفّ ... 280
لزوم المصلّي موقفه حتى ترفع الجنازة ... 280
وقوف المأموم الواحد خلف الإمام. ... 280
تقديم الأفضل من الصفّ الواحد أو المتعدّد. ... 281
انفراد الحائض بصفٌ ... 283
تشييع الجنازة وكيفية المشي معها ... 283
التفكّر في أمر الآخرة وإعلام المؤمنين بموته ... 283
حمل الجنازة بالأركان الأربعة ... 284
أفضل الحمل البدء بالجانب الأيمن ... 284
الدعاء بالمأثور عند رؤية الجنازة ... 284
عدم جلوس المشيّع حتّى يوضع الميت في قبره ... 285
عدم المشي أمام الجنازة ولا الركوب إلّا لضرورة ... 285
عدم التحدّث في أُمور الدنيا والضحك ... 285
خصائص الملتزم من الصلاة بنذر وشبهه: ... 286
المبادرة في أوّل الوقت في المعين وفي أوّل أوقات الإمكان في المطلق ... 286
قضاء فائت النافلة المؤقتة مطلقاً ... 286
حكم قضاء فائت الفريضة عاجلاً ... 286
عدم الاشتغال بغير الضروري فيهما ... 286
الوصيّة بالقضاء لمن حضره الموتُ قبله ... 286
الموارد التي يستحب فيها الوفاء بالنذر ... 286
تخفيف الخائف أداءً وقضاء ... 288
نية المقام للمسافر عشراً مع الإمكان ... 288
الإتمام في الحرمين والحائرين ... 288
جبرالصلاة المقصورة بالتسبيحات الأربع ... 289
خصائص صلاة الجماعة ... 289
الصلاة التي اختصت باستحباب الجماعة فيها ... 289
تأكد استحباب الجماعة في الفريضة ... 289
ص: 25
الروايات المؤكّدة على صلاة الجماعة ... 289
المقصود من: «العلماء ورثة الأنبياء » ... 291
المراد بالقرشي والعربي والمولى المذكورة في رواية «الصلاة خلف العالم...» ... 291
بيان شرائط إمام الجماعة ... 292
اعتبار قرب الإمام من المأموم عادةً ... 294
انتفاء الحائل بين الإمام والمأموم إلا في المرأة ... 294
اشتراط علم المأموم بانتقالات الإمام في وجود الحائل والبعد ... 295
انتفاء علوّ الإمام على المأموم بالمعتدّ به عرفاً... 295
توافق نظم الصلاتين في الإمام والمأموم ... 295
عدم اعتبار اتفاقهما في عددهما ... 295
متابعة المأموم الإمام ولو مساوقة ... 295
استمرار المتقدّم على الإمام في الفعل إلى أن يلحقه الإمام ... 295
عودة الناسي إلى المتابعة ما لم يكثر ... 295
لو عاد العامد بطلت صلاته مطلقاً ... 296
تخفيف المتأخر سهواً صلاته ولحوقه بالإمام ولو بعد التسليم ... 296
تحريم المأموم بعد الإمام لامعه ... 296
تعيين الإمام بالاسم أو الصفة ولو بكونه الحاضر ... 296
نية الاقتداء من المأموم... 297
استحباب نية الإمام الإمامة ... 297
المراد من: «المؤمن وحده جماعة ... 297
اعتبار إدراك الركوع مع ركوع الإمام ... 297
مدرك السجدتين يستأنف الصلاة بعد تسليمه أو قيامه ... 297
مدرك القعدة من غير سجود يبني على تكبيرة ... 297
وظائف الجماعة مائة وخمس ... 298
فعلها في المسجد الجامع ... 298
ما يُرجح به المساجد ... 298
فعلها في مسجد لا تتمّ جماعته إلّا بحضوره ... 298
ص: 26
إعادة المنفرد صلاته جماعة إماماً أو مأموماً ... 299
الاقتداء بإمام الأصل أو نائبه ثمّ الراتب و... ... 299
يقدّم مختار المأمونين بعد انتفاء الخمسة ... 300
لو اختلفوا في التعيين قدّم الأقرأ فالأفقه ... 300
عند التساوي في المرجّحات يقدّم الأشرف نسباً ثمّ الأقدم هجرةً ... 300
وعند التساوي يقدّم الأسنّ فالأصبح وجهاً. ... 301
وعند التساوي في جميع ما تقدّم فالقرعة ... 301
سلامة إمام الجماعة من العمى والجذام والبرص والفالج والعرج والقيد والحدّ ... 301
عدم كون الإمام أعرابيّاً ... 302
عدم كون الإمام أسيراً أو مكشوف غير العورة ... 303
عدم كون الإمام حائكاً أو حجاماً أو دبّاغاً ... 303
عدم كون الإمام أدراً أو مدافع الأخبئين أو جاهلاً لغير الواجب ... 303
هل تعتبر نيّة الاقتداء فيما لو كان المستخلف الإمام؟... 305
فيما لو حصل العارض قبل القراءة ... 305
فيما لو كان العارض في أثناء القراءة ... 305
فيما لو كان العارض بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع ... 305
قصد الصف الأول لأهله وإطالة الصف إلا مع الإفراط ... 305
التخطى إلى الصف الأول ما لم يؤذ أحداً . ... 305
اختصاص الفضلاء بالصّف الأوّل ... 305
تقدّم الأشراف من كل صنف على من سواهم ... 306
منع الصبيان والعبيد والأعراب من الصف الأول ... 306
توسط الإمام الصفوف ... 306
وقوف الجماعة خلف الإمام وتأخّر الأنثى والمؤنّث ... 306
وقوف الذكر الواحد عن يمين الإمام ... 306
مسامتة جماعة العراة والنساء للإمام ... 306
إقامة الصفوف وتسويتها بمحاذاة المناكب ... 307
تباعد الصفوف بعضها عن بعض بمربض عنز ... 307
ص: 27
عدم الحيلولة بنهر أو مخرم أو زقاق ... 307
القرب من الإمام لمن هو أهله ... 307
تأخر المرأة عن الصبي والعبد والخنثى ... 307
عدم دخول الإمام المحراب الداخل في المسجد أو الحائط كثيراً إلا لضرورة. ... 307
عدم وقوف المأموم وحده في صفّ ... 308
وقوف المرأة وحدها خلف الصفوف ... 308
المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام من الإمام ... 308
قطع الصلاة بتسليمة لو كبر قبله أو معه ... 308
جواز المشي راكعاً للمسبوق للالتحاق بالصف ... 308
ترك القراءة في الجهرية المسموعة ولو همهمة ... 309
القراءة لغير السامع القراءة الجهرية ولو بالهمهمة ... 309
القراءة لمدرك الركعتين الأخيرتين ... 309
إبقاء المأموم آيةً يركع بها ... 310
التأخر عن أفعال الإمام باليسير ... 310
عدم الانتمام بمَن يُجَنّ أدواراً حال الإفاقة وبمن يكرهه المأموم ... 311
قيام المأموم عند : «قد قامت الصلاة» ... 311
عدم صلاة نافلة بعد الإقامة ... 311
نقل الفريضة إلى النافلة لو أُقيمت وهو فيها. ... 311
حكم قطع الفريضة مع وجود إمام الأصل واستئنافها معه ... 314
جلوس المسبوق في تشهّد الإمام مستوفزاً متجافياً ... 314
جلوس المسبوق متشهداً ناوياً الذكر ... 314
قنوت المسبوق مع الإمام ناوياً به ذكر الله تعالى ... 314
انتظار المسبوق تسليم الإمام ... 314
لزوم الإمام مكانه حتّى يتمّ المسبوق صلاته ... 315
عدم تسليم المأموم قبل الإمام إلا لعذر فينوي الانفراد ... 315
حكم ما لولم ينو الانفراد ... 315
اجتزاء الناسي والظانّ بسلامهما قبل سلام الإمام ... 315
ص: 28
الدخول فيما أدرك من صلاة الإمام ولوسجدة أو جلسة ... 315
إدراك فضيلة الجماعة بالسجدة مطلقاً ... 315
محافظة الإمام على رفع اليدين بالتكبير ... 316
انحراف الإمام عن مصلاه بالنافلة ... 316
تفريق النوافل في الأمكنة للإمام وغيره ... 316
جهر الإمام بالأذكار خصوصاً القنوت ... 317
دعاء الإمام لعامة المؤمنين ... 317
التخفيف بتثليث التسبيح مع وجود ضرورة ... 317
رواية صلاة الإمام على أضعف من خلف ... 317
حكم مالو أحس الإمام في الصلاة بشغل لبعض المأمومين ... 317
في انتظار الإمام بمقدار ركوعين إذا أحسّ بداخل ولا يفرق بين الداخلين ... 318
حكم ما لو أحس الإمام بداخل بعد رفع رأسه من الركوع ... 318
لوكان الداخل في التشهد الأخير استحب تطويله للداخل ... 318
حكم مالو أحس بداخل في أثناء القراءة ... 318
التعقيب مع الإمام ... 318
بيان أحكام المساجد ... 319
الاستحباب المؤكد في بناء المساجد ... 319
استحباب رمّها عند التلف وإعادتها عند الفساد ... 319
استحباب كشفها ولو بعضها ... 319
توسط المساجد في العلوّ... 319
إسراجها ليلاً وكنسها... 320
تعاهد النعل وكلّ ما يحتمل إصابته النجاسة ... 320
تقديم الرجل اليمنى والخروج باليسرى ... 320
ترك الشرف والمحراب الداخل ... 320
ترك توسط المنارة وتعليتها ... 321
ترك استطراق المساجد ... 321
لا بأس بالنوم في المسجد لو كان لأجل التهجّد ... 321
ص: 29
ترك البصاق والامتخاط ... 321
ترك قصع القمل وسلّ السيف وتعليم الصبيان وعمل الصنائع ... 322
ترك كشف العورة، والمراد بها ... 322
ترك الخذف بالحصى والمراد به ... 322
ترك البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان فيها إلا من يوثق به في الطهارة ... 322
ترك إنفاذ الأحكام في المساجد وذكر ماقيل في المقام ... 323
ترك تعريف الضالة إنشاداً ونشداناً. ... 323
ترك إقامة الحدود وإنشاد الشعر ... 323
ترك رفع الصوت ولو في قراءة القرآن فيها ... 324
ترك الدخول برائحة خبيثة ... 324
ترك إدخال نجاسة غير ملوّثة ... 324
عدم حرمة إدخال غير الملوثة للمسجد فيه ... 324
جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث ... 324
ترك نقش المساجد بالزخرف ... 324
كراهة نقش المساجد بالصور إلا تصوير ذي الروح فيحرم ... 325
كراهية جعل الميضأة وسطها بل على بابها ... 325
حرمة إخراج الحصى منها إذا كانت منها ... 325
حرمة تلويثها بنجاسة والإجماع على ذلك ... 326
ترك الدفن فيها ... 326
ترك تغييرها بعد خرابها وقبله ... 326
الدعاء بالمأثور عند دخول المساجد ... 326
صلاة التحيّة عند الدخول وقبل الجلوس ... 326
تكرّر التحية بتكرّر الدخول ولو عن قرب ... 326
خصائص النوافل ... 326
خصائص الرواتب ... 326
إيقاع الظهرية عند الزوال قبل الظهر إلى زيادة الفيء قدمين ... 326
تسمية نافلة الظهر بصلاة الأوّابين ... 327
ص: 30
إيقاع العصرية قبل العصر إلى مقدار أربع أقدام ... 327
اتباع الظهر بركعتين من راتبة العصر ... 327
إيقاع المغربية بعد المغرب إلى ذهاب الحمرة ... 327
إيقاع العشائية بعد العشاء إلى نصف الليل ... 327
إيقاع الليلية بعد نصف الليل وأفضلية القرب من الفجر الثاني ... 327
تقديم الليليّة على نصف الليل للمسافر والمريض والشاب ... 328
قضاء الليلية بعد الإصباح أفضل من تقديمها ... 328
ركعتا الشفع والوتر بعد الليليّة ... 328
إيقاع الفجريّة قبل صلاة الفجر إلى ظهور الحمرة المشرقيّة ... 328
مزاحمة الظهرين للفريضة بركعة يدركها في آخر وقتها ... 328
مزاحمة الليلية وما بعدها للصبح بإدراك أربع ركعات من آخر وقتها ... 328
لا مزاحمة في المغربية والفجرية بل يقطعها متى خرج وقتها ... 328
خصائص صلاة الاستسقاء. ... 328
شرعيتها عند الحاجة إلى المطر والنبع ... 328
الجهر فيها ... 328
قنوتها سؤال الرحمة وتوفير المياه والنبوع والاستغفار ... 328
الصيام قبلها ثلاثة أيام ثالثها الإثنين ثمّ الجمعة ... 328
إعلام الناس وأمرهم بالتوبة والصدقة وردّ المظالم ... 329
آداب الخروج إلى الصلاة. ... 329
إخراج الشيوخ والشيخات والأطفال ... 329
التفريق بين الأطفال وبين الأُمهات ... 329
تحويل الرداء بجعل ما على الأيمن على الأيسر للإمام خاصّة ... 329
كيفية إقامة الصلاة ... 330
الدعاء بماورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستسقاء، ودعاء الأئمة علیهم السلام ... 331
عدم مشروعيّة استسقاء أهل الخصب بالصلاة لغيرهم ... 331
الدعاء بالصحو والقلّة عند إفراط المطر ... 331
كراهية قول: مُطرنا بنوء كذا إذا لم يعتقد تأثيره وإلّا يحرم ... 331
ص: 31
المراد من النوء اصطلاحاً وأنّ الأنواء ثمانية وعشرون نجماً ... 332
خصائص نافلة شهر رمضان ... 332
أنّها ألف ركعة موزّعة على مجموع الشهر ... 332
في كيفية تفريقها في كلّ ليلة ... 333
في وظائف كلّ ليلة من العشر الأخير... 333
في وظائف كل ليلة من ليالي القدر ... 333
جواز الاقتصار في الليالي الفرادى على المائة ركعة ... 333
زيادة مائة ركعة على ذلك ليلة نصف شهر رمضان ... 334
خصائص نافلة عليّ علیه السّلام ... 334
خصائص نافلة فاطمة علیها السّلام ... 335
خصائص نافلة جعفر (سلام الله عليه) ... 335
تكرار نافلة جعفر (سلام الله عليه كلّ ليلة وكل جمعة ثمّ كلّ سنة مرّة ... 335
جواز احتساب من الرواتب ومن قضاء النوافل ... 335
كيفية صلاة جعفر سلام الله عليه ... 335
صور الاستخارة ... 336
الخيرة بالرقاع وكيفيته ... 336
خصائص صلاة الشكر ... 337
سجدتا الشكر وما يقوله فيهما ... 337
ص: 32
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ السلام على سيبدنا ونبيّنا المصطفى الأمين، وعلى آله الهداة الميامين.
وبعد، فلم نجد اختلافاً يُذكر حول هويّة الكتاب وصحة نسبته إلى الشهيد الثاني، فقد ذكره آقا بزرك الطهراني بقوله: شرح النفلية، مزجاً، الموسوم بالفوائد المليّة للشيخ السعيد زين الدين بن علي بن أحمد العاملي.(1)
كما ذكره صاحب البحار (2)وصاحب الرياض وابن العودي في رسالته وغيرهم من المؤرّخين والمترجمين الذين يعتبر اتّفاقهم وإجماعهم كافياً في صحّة نسبة الفوائد المليّة للشهيد الثاني.
وقد جدنا في آخر المخطوطة «ه » التي كتبها العلّامة الفقيه الشيخ حسين العاملي الكركي (رحمه الله ) ما صورته:
فرغ مؤلّفه العبد الفقير إلى عفو الله تعالى وكرمه زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي عامله الله بلطفه وفضله ضُحى يوم الخميس خامس عشر شهر صفر، ختم بالخير والظفر (عام خمس وخمسين وتسعمائة) حامداً مصلّيّاً مسلّماً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ص: 33
وقيمة الكتاب العلميّة واضحة، إذ أنّ الصلاة واحدة من أهمّ العبادات والشعائر الدينيّة، وهى ركن من أركان الإسلام، وقد أمر الله بها وحذّر تاركها في مواضع عديدة من القرآن الكريم ، لذا كانت عناية الفقهاء واهتمامهم بهذه الشعيرة العباديّة والاجتماعيّة كبيراً وبالغاً.
ولا شكّ أنّ قيمة الكتاب ترتفع بارتفاع موضوعه وهل ثمّة موضوع فقهي يمتلك قيمةً معنويةً ساميةً ورفيعةً كالذي تمتلكه الصلاة؟
خاصّة وأنّ الأسرار التي أودعت فيها عظيمة، نذكر منها:
1. التذكير الدائم للإنسان بعبوديته لله تعالى.
2. تعميق الشعور بضرورة شكر المنعم الحقيقي.
3. تمثّل أشبه بواحة خضراء يلجأ إليها الإنسان كلّما أَعیَتهُ مشاكل الحياة؛ ليعيش فيها صفاء العلاقة مع الله، فيحاسب نفسه على التقصير، فتكون تنزيهاً لنفسه وتطهيراً لقلبه. ولذا شبّهها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بالنهر الجاري الذي يُغتسل منه خمس مرّات في اليوم فلا يبقى دَرَنٌ على جسم الإنسان، فهي تطهّر القلب من القذارة المعنويّة.
4. كما تمثّل الرافد الذي يغذّي العقيدة ويرسّخها في النفس، فالعقيدة كالشجرة التي إذا لم تُسقَ بين حين وآخر مآلها الذبول، والصلاة هي التي تقوّي العقيدة وتساهم استحكامها.
وهذا الكتاب ألّفه المصنّف كشرح لكتاب الشهيد الأوّل الموسوم بالنفلية والذي قصد منه التعريف بنوافل الصلاة
النفل لغةً : الغنيمة والهبة، قال لبيد:
إنَّ تَقَوْى رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ وبإذن اللهِ رَيْثِى والعَجَلْ
والجمع أنفال ونفال... ونَفَّلْتُ فُلاناً تَنْفِيلاً: أعطيتُهُ نَفَلاً وغُنْماً، وقد تكرر ذكر النفل والأنفال في الحديث، وبه سُمّيت النوافل في العبادات؛ لأنّها زائدة على الفرائض، وفي الحديث القدسي: «ما زال العبد يتقَرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أُحبَّهُ .. ) . (1)
ص: 34
وأمّا في الشرع فتعني أن يأتي المسلم بشيء من الطاعات ممّا لم يفترضه الله عليه فيستحقّ بذلك الجزاء الجميل من ربّه.
وثواب النافلة عظيم، إذ ورد في القرآن الكريم مدح المصلّين واستثناؤهم من المذمومين في سورة المعارج في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُم عَلى صَلاتِهِم دائِمُونَ )(1) ، ثمّ قال: (وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحافِظُونَ).(2) وورد عن الباقر علیه السّلام في تفسير هاتين الآيتين: أنّ الآية الأُولى للمداومة على النافلة والثانية للمحافظة على الفرائض.
ونظراً لأهمّية الصلاة في تحقيق الاستقرار النفسي للفرد والمجتمع فقد اهتم علماء الشريعة بهذه العبادة وبيّنوا أحكامها وحدودها وشروطها، وتجد كلّ هذا في المصنّفات الفقهيّة المطوّلة والمختصرة التي تبحث في الصلاة ومتعلّقاتها.
والنفليّة وشرحها الموسوم بالفوائد المَليّة من بين تلك الكتب التي قصد بها التعريف بنوافل الصلاة على ترتيب جديد لم يسبق إليه سابق، حيث وزّع المصنف البحث إلى ثلاثة فصول، ذكر في الأوّل المقدّمات، ثمّ وسط المقارنات وانتهى بالمنافيات، فكان مجموع ما ذكره ثلاثة آلاف نافلة.
ولذا وجدنا من الضروري تحقيق هذا الكتاب القيّم وطبعه ونشره في الآفاق لما يضمّ من فوائد عظيمة تنفع أهل العلم والباحثين المختصّين.
وقد توفّرت لدينا عدة نسخ للكتاب الأصل النفليّة ولم نقتصر على ما أورده الشارح في الفوائد المليّة من متون والنفليّة، بل راجعنا بعض مخطوطات النفلية، ونذكرها مرتّبة بحسب أهمّيتها:
أوّلاً: مخطوطة مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي (قدس سره) المرقّمة (1126)، ورمزنا لها برمز (ف). وكُتب عليها ما يلي:
هذه الأسطر بخطّ شيخنا الأجل العالم العامل أفضل المتأخرين، وأكمل المتبحّرين.
ص: 35
نادرة الخلف وبقية السلف الجامع بين معارج الفضل والكمال وبين مراتب العلم والعمل والجلالة والكرامة العالم الربّاني الشيخ زين الدين بن عليّ بن احمد الملقّب بالشهيد الثاني (قدّس الله رمسه) ورزقني من علمه، وقد حرّره الأحقر عبّاس بن محمد رضا القمّي (عفا الله عنه) سنة 1342.
وعلى حاشية الورقة الأخيرة من هذه النسخة إنهاءُ الشهيد الثاني:
أنهاها أحسن الله توفيقه في [...] مجالس آخرها يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر سنة خمسين وتسعمائة وكتب الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد بن الحاجة حامداً مصلياً مسلماً.
ثانياً: المخطوطة المرقمة (69) ضمن مجموعة من المكتبة المذكورة أعلاه، وعليها بعض التعليقات المختصرة التي تعبّر عن فتاوى كاتبها أمّا تاريخ كتابتها فهو يوم الثلاثاء غرّة ذي القعدة سنة 1063 .
ثالثاً: المخطوطة المرقمة (680) ضمن مجموعة، وعليها الإنهاء التالي:
قد فرغ من تحرير هذه الرسائل في يوم الإثنين 14 شهر ذي الحجّة الحرام سنة تسع وثلاثين وتسعمائة صاحبه وكاتبه الفقير الحقير ابن سلطان بایزید علیجان كوكبي. اللهم اغفر لصاحبه وكاتبه بحقّ محمد وآله.
وأمّا نسخ الفوائد المليّة، فهي مرتبة بحسب أهمّيتها:
أوّلاً: المخطوطة المرقّمة (2531) والتي تليها منية المريد للشهيد الثاني أيضاً وكتب عليها آية الله السيّد المرعشي (قدس سره): «وهاتان النسختان بخطّ العلامة الشيخ حسين العاملي الكركي»
كما أنّ عليها علامات البلاغ، وعليها بعض الاستظهارات بخطّ كاتبها، وهي لا تخلو من بعض الأخطاء اليسيرة، ورمزنا لها ب-«ه». وورد في آخرها:
فرغ مؤلّفه العبد المفتقر إلى عفو الله تعالى وكرمه زين الدين بن عليّ بن أحمد الشامي العاملي (عامله الله بفضله) ضُحى يوم الخميس حادي عشر شهر صفر
ص: 36
ختم بالخير عام خمس وخمسين وتسعمائة حامداً مصلّيّاً مستغفراً حسبنا الله ونعم الوكيل.
ثانياً: المخطوطة المرقمة (3648)، وهي نسخة واضحة ومزيَّنة، قد وُضع خط أحمر على رؤوس المباحث، والنسخة قُوبلت على نسخة مقابلة على المؤلّف.
وعليها نفس إنهاء الشهيد المتقدّم. وقد فُرغ من تحريرها سنة 979، وعليها ختمان: أحدهما في أوّل النسخة غير مقروء، والثاني في الورقة الأخيرة ويحمل اسم «عبد الواحد [كذا]». كما كتب عليها ملك صالح الحسيني. ورمزنا لها ب-«و».
ثالثا: طبعة حجرية تمّت طباعة الكتاب عليها ابتداءً لوضوحها، وهي لا تخلو من الأخطاء والتقديم والتأخير، وهذه النسخة قد طُبعت في إيران بمباشرة ومقابلة الشيخ
أحمد الشيرازي الذي انتهى منها في شهر رجب 1314. وقد رمزنا لها ب-«ح».
وبعد أن تمّ الحصول على النسخ شرعنا مقابلة النسخ التي أشرنا إليها، وحدّدنا موارد الاختلاف بينها، ولم نضع القراءات المختلفة في الهوامش ، بل أدخلنا ما هو أكثر ملاءمة ومناسبة مع النصّ بعد القطع بصحّته، الأمر الذي كلّفنا زيادة تدقيق وإعمال فكر لأجل الحفاظ على سلامة النص وصحته.
وقد تمّ ضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط ،وعَنينا بالآيات القرآنية وما يشكل الألفاظ اللغوية والعبارات المُوهِمَة.
هذا، وكان المعوّل في تخريج الروايات على المصادر الحديثية كالكتب الأربعة وغيرها، وعند فقدانها في هذه المصادر رجعنا إلى المصنبفات الفقهيّة وأحياناً اللغويّة لتخريج الحديث.
والملاحظ فى النفلية أنّ الشهيد قد يتفرّد في نقل رواية، وعند التفتيش عنها في مصادر الحديث وشروحها نجد مأخذها عن النفليّة، ومنها: رواية: «الصلاة جماعة ولو
على رأس زُجّ» حيث عُزيت في المصادر الحديثية إلى النفليّة.
وفي هذه المرحلة من العمل أرجعنا أكثر ما أورده المصنّف (رحمه الله) من
ص: 37
الأدلّة والاعتراضات إلى قائليها في حدود المصادر المتوفّرة لدينا، وهناك بعض الموارد اليسيرة لم نعثر على قائلها أشرنا لها في الهامش، وكان اعتمادنا بالدرجة الأولى على المصادر الرئيسيّة وأُمّهات الكتب، ولم نرجع إلى غيرها إلّا عند الضرورة.
أما بالنسبة الى أقوال بعض الفقهاء ممن لم تصل آثارهم إلينا، فقد أرجعناها إلى المصادر التي نقلت أقوالهم وآراءهم كالسرائر والمختلف وغيرهما، وهناك بعض الآراء لم يصرّح الشهيدان بقائلها، وقد وردت بلفظ «قيل» أو «نقل» أو «أُجيب» أو «نسب» أو «ذكرها بعض» أو هي «محلّ وفاق» وما شاكل ذلك، وقد بذلنا الجهد في التعرّف على أصحابها.
وفي المسائل التي تحتاج إلى توثيق من أكثر من فقيه ذكرنا ثلاثة مصادر لثلاثة فقهاء كحد أدنى.
كما أوضحنا بعض الموارد التي ربما التبس فيها الأمر، وأيّدنا كلامنا بأقوال الفقهاء أنفسهم الذين نُسب إليهم الأمر:
فقد عقّب الشهيد الثاني على قول المصنّف باستحباب غسل القيء قائلاً: «ونجّسه الشيخ»(1) علّقنا على ذلك قائلين: لم نعثر على قول للشيخ بنجاسة القيء، وإنّما نسب الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 64 ، القول بنجاسته إلى الأصحاب، وفي البيان ، حكم المصنّف بطهارة القيء فقال : خلافاً لما نقله الشيخ، ولم ينسب القول بالنجاسة إليه .(2)
وفي مسألة الإجماع المنقول عن ابن أبي عمير والمونسي على تقديم التكبير والقنوت في العيدين على القراءة في الركعة الأولى - كما ذكر الماتن ذلك - لم نجد من ينقل الإجماع غيره، وفي المعتبر والمختلف والبيان نُسب إلى ابن الجنيد، مع أنّ معظم
ص: 38
الفقهاء على خلاف هذا الإجماع كما يظهر لمن راجع الانتصار (1)والخلاف"،(2) الأمر الذي أثار استغراب صاحب الجواهر في دعوى هذا الإجماع (3).
هذا، وقد جرت عادة الفقهاء المتقدّمين أن لا يشيروا كثيراً إلى المصادر التي أخذوا منها، وقد يتم النقل عن مصادر ثانوية نقلت تلك الأقوال والآراء.
وفي الفوائد المليّة أشار الشارح (رحمه الله) إلى بعض تلك المصادر، وأحياناً إلى أسماء مصنِّفيها ولم يشر في البعض الآخر إلى المصادر التي تأثر بها وأخذ عنها،
وسنذكر نموذج من تلك المصادر على سبيل المثال لا الحصر:
قال الفاضل المقداد السُيوري في معنى الصلاة على محمّد وآله:
إنّ هذا القسم من أقسام الدعاء تعبد، ونفعه عائد إلى الداعي؛ لأنّ الله تعالى أعطى نبيه صلی الله علیه و آله و سلّم من علو القدر وارتفاع المنزلة ما لا يؤثر فيه دعاء داعٍ، فحينئذ يصير هذا كالإخبار عمّا أعطى الله تعالى نبيه صلی الله علیه و آله و سلّم ، كما يشهد به القرآن العزيز والسنة القويمة والإخبار لا توقّع فيه (4).
وقال الشارح:
والمراد بالقبول والرفع ترتب الثواب الموعود عليها، وهو أمر زائد على الإجزاء ..... وهو على مذهب المرتضى (رحمه الله) - من عدم تلازمهما وجواز انفكاك القبول عن الإجزاء - ظاهر(5) .
ثم ساق الأدلة على جواز الانفكاك مع الإشكالات الواردة عليها بصورة مختصرة.
وقال الفاضل المقداد:
فائدة تظهر من كلام المرتضى أنّ قبول العبادة وإجزاءها غير متلازمين، فيوجد
ص: 39
الإجزاء من دون القبول وبالعكس وهو قول بعض العامة؛ لأنّ المجزئ ما وقع على الوجه المأمور به شرعاً، وبه يخرج عن العهدة ويبرئ الذمّة، ويسمّى فاعله مطيعاً، والقبول: ما يترتب عليه الثواب.
ثمّ ذكر الوجوه الدالّة على انفكاك القبول عن الإجزاء والإشكالات الواردة عليها بصورة مفصّلة.
ومن هذه النصوص والتشابه الموجود في المباحث، يمكن أن نستنتج تأثر الشهيد الثاني بالفاضل ،المقداد الذي يُعدّ من أبرز تلامذة الشهيد الأوّل، الذي كان محققاً مدققاً أصولياً متكلّماً، له باع في أكثر من حقل من حقول المعرفة.
وتأثر الشهيد الثاني بالشهيد الأوّل وأخذه عنه خصوصاً من كتاب الذكرى غير خاف. فعلى سبيل المثال قال الشهيد الثاني في مبحث جواز تقديم الأذان على الوقت: ومنع المرتضى وجماعة أصل التقديم؛ لعدم ثبوت شرعيته عنده، نظراً إلى أنّ طريقه آحاد وأنّ الأذان دعاء إلى الصلاة وإعلام بحضورها، ولا يتم ذلك قبله. وأجيب بجواز تقديم الأمارة على الحضور للتأهب بالطهارة، وبأنّ الفائدة غير منحصرة فيما ذكر، فإنّ منها امتناع الصائم عن الجماع ومبادرته إلى الغسل... (1) .
وقال الشهيد الأوّل في الذكرى:
واحتج المرتضى بأنّ الأذان دعاء إلى الصلاة وعَلَمٌ على حضورها، ففعلها قبل وقتها وضع للشيء في غيرموضعه....
وأُجيب بجواز تقدّم الأمارة على الحضور؛ للتأهب للصلاة بالطهارة من الجنب والحدث، وبأن فيه امتناع الصائم من الجماع واحتياطه بعدم الأكل إلى غير ذلك.... (2).
ونظراً إلى أنّ الشهيد الثاني لم يَدَعْ علماً من العلوم إلّا واغترف منه وقرأ فيه كتاباً أو أكثر على مشاهير العلماء كالنحو والصرف والبيان والمنطق واللغة والأدب والعروض والقوافي والأصول والفقه والتفسير وعلم الحديث وعلم الرجال وعلم التجويد وعلم العقائد والحكمة
ص: 40
العقلية والهيئة والحساب والطبّ وغيرها - نجده في الفوائد المليّة يستوعب كل ما يتعلّق بهذه العلوم من أبحاث استيعاباً دقيقاً نافعاً لا يخرجه عن نقطة البحث، وعلى الرغم من أنّ الرسالة النفلية وشرحها يدوران حول المسائل الفقهية إلا أن الشهيد الثاني له استطرادات نافعة في شرحه اشتملت على بعض المباحث العقائديّة والتفسيريّة والبلاغيّة وعلم التجويد وغيرها، وذلك يعكس سعة اطلاعه ومعرفته بمختلف علوم عصره وإحاطته بها.
ويذكر أنّ الكتاب قد تم طبعه منذ سنوات عديدة، قام بهذا الأمر مركز إحياء التراث الإسلامي الأغرّ، ولما عزم المركز على تحقيق مشروع يقضي بجمع آثار وذخائر هذا الفقيه البارع الشهيد (الثاني) وإعادة النظر بها وبنسخها الجديدة، وطبعها ضمن قالب موسوعي شامل على أحدث الأساليب المعاصرة في مجال الطبع والإخراج والنشر، وبما يليق بصاحبه الذي كانت - وما زالت - له مكانة مترامية الأطراف في الفكر والإبداع الإسلامي، ومقام رفيع في الفقه الاستدلالي الإمامي، صار الأمر أن قمنا بمراجعة المتون مرّة أخرى وبمساعدة أفراد المركز، وتغيير ما حقه التغيير، وتبديل ما حقه التبديل ؛ نظراً لظهور طبعات جديدة، وإمكانات حديثة على مستوى إرجاعات الهوامش ومطابقتها بالطبعات الجديدة، وتنقيح بعض المطالب الواردة فيها، حتى ظهر بهذه الطبعة الأنيقة والحديثة.
نسأل المولى القدير أن يمن علينا بالتوفيق لمواصلة هذا الدرب والاستمرار عليه حتى النهاية.
وإذ نثمن جهود مركز إحياء التراث الإسلامي الجبارة في تقديم الأجود والأفضل دائماً، نشكر جميع الإخوة الذين ساعدونا في هذا الأمر، ولم يبخلوا في تقديم ما يلزم،
وجزاهم الله جزاء المحسنين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
مركز إحياء التراث الإسلامي
27 رمضان المبارك 1431ه
ص: 41
الصورة
ص: 42
الصورة
ص:43
الصورة
ص: 44
الصورة
ص: 45
ص: 46
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي ونعم الوكيل
الحمدُ للهِ الذي شَرَعَ لنا معالِمَ ِدينِهِ الفَرْضِيّة والنَفْلِيَّة، وشَرَحَ صُدورَنا بِلُمْعَةٍ من بيانِ دروس الأحكام التكليفية، والصلاة على نبيّه وحَبِيبهِ مُحمّد المُوصِلِ إلى غايةِ المُرادِ وذِكْرى السدادِ من الملة الحنيفية، وعلى آله مؤسّسي القواعد الشرعيّة والفوائد الدينيّة، وعلى أصحابه وأزْواجِه وأَتباعِهِ المَرْضِيّة.
وبعد، فهذه كلماتٌ قليلةٌ وتنبيهات جَليلةٌ وفوائد مَلِيَّةٌ تُنقَّحُ الرِسالةَ النَّفْلِيةَ، وتُوضَحُ مبانيها، وتُحقِّقُ مَعانِيها، وتَكشِفُ مُلْتَبِسَها، وتَشْغَفُ مُلْتَمِسَها، مُقتَصِراً على مناسبة مُقتَضى الحال من الإعراض عن تَطويل المقال بمأخَذِ الأحكام بطريق الاستدلال؛ فإنّ الغَرَضَ من الرسالة مجرّد الإعمال والتَنْبِيهِ على جَمِيلِ الخِصالِ وحَمِيدِ الخِلالِ، جَعَلَها الله تعالى سبباً لثوابه الجسيمِ وفَضْلِهِ العَمِيم، إنه الجَوادُ الكريم، وسَمِّيتها الفوائد الملية لشرح الرسالة النقليّة ومِنَ الله أَسْتَمِدُّ التوفيق، إنّه بِذلِكَ حقيق.
قالَ المُصَنِّفُ الشيخ الإمام السعيد أبو عبد الله الشهيد (رفع الله درجته كما شرَّفَ خاتِمَتَه) : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم متيمّناً بتصدير رسالتِهِ باسم الله تعالى العظيم، متأسياً بكتابِهِ الكَرِيمِ، مُمْتَتِلاً للأثرِ الواردِ في ذلك عن النبي وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام،) مُقْتَدِياً بِمَنْ سَلَفَ من العلماء (متعهم الله بثوابه الجسيم)، مُرْدِفاً لَها بقوله: (الحَمْدُ لِلّه) أداءً لبعض ما يجب عليه شكره من نِعَمِهِ الظاهرة وآلائِهِ المُتَظَافِرَةِ، التي
ص: 3
تَصْنيفُ هذه الرسالة الشريفة العذراء التي لم تسمح فكرة بمثالها ولا نَسَجَ ناسِجٌ على مِنْوالِها - أَثَرٌ من آثارها وقطرةٌ من تَيَارِ بِحارِها.
ومِنْ ثَمَّ عَدلَ عن أسلوب هذا التركيب - حيث كان حَقَّهُ انتصاب «الحمدِ» على المصدريّة المُوجِبِ للجملة الفعلية - إلى الرفع بالابتدائية؛ لِتَصير جملة اسمية، مُقْتَرِناً باللامين الدالّة إحداهما على الاستغراق أو الجنسيّة، والثانية على اختصاص الحمدِ بالذات الإلهية، وإنه حَقِيق بجميع أفرادِ الشكر الجَلِيَّةِ والخَفيّة؛ لرجوع جميع النعم إلى مقدَّسِ حَضْرَتِه الأزليّة، وحينئذٍ فتَقْصُر عنها السِنَةُ الحامدين وجوارح الشاكرين، وتنهضمُ لديها مقامات العاملين فيوجب ذلك البعد عن منازل المقرّبين فناسَبَ جَعْل النسبة مقترنة بِغَيْبَةِ المحمودِ الواحد؛ لبُعْدِ مقام الحامدين.
وهذه الجُملَةُ من صِيَغِ الحَمْدِ، وهو الوصفُ بالجميل؛ إذ القصد بها الثناء على الله بمضمونها مِنْ أنه مالِكُ لِجَميعِ الحمدِ من الخَلْقِ، أو مُسْتَحقُّ لأن يحمدوه، لا الإخبار بذلك.
(الذي ضَمَّ النَشَرَ) - بالتحريك - وهو المُنْتَشِرُ ، أَي أَلَّفَهُ بِجَمْعِ الشَّتاتِ) أي شَتاته، واللام عوض عن المضاف إليه، ولاحَظَ بتَخْصِيص هذه الصفَةِ بَراعَةَ الاستهلال(1) حيث وفّقه في هذه الرسالة لجمع أشتاتِ السُّنَنِ على وجْهِ بَدِيعِ وسَبِيلٍ منيع لم يَسْبقُهُ إِليها سابق، ولا رَكَضَ فِي حَلَبَتِها سابِقٌ.
ولَمّا أشار إلى حَمْدِ الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، مع التنبيهِ على النِعَمِ الحاضِرَةِ، أَرْدَفَهُ بالثناء على الأرواحِ المُقَدَّسَةِ المتوسطة بين المُنْعِمِ المطلق والمُنْعَمِ عليه بتبليغ التكليف، والحمل على الوصف الشريف، وهم الأنبياء والرسل (صلوات الله وسلامه عليهم فقال: وأرسَلَ خَيْرَ البشر) بالتحريك - وهو الخلق (ب) الآيات (البيِّنات) اكتفى بالصفة عن الموصوف؛ إشعاراً بظهوره على وجه لا التباس فيه
ص: 4
وتفخيماً لشأنه، ومنه قوله تعالى: «أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ »(1)«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ »(2) وفي هذه الفقرة ثناءان:
أحدهما على الله تعالى من حيث عطفها على الصلة، ووجه الثناء على الله تعالى بإرسال الرُّسُل واضِح من حيث جعلهم سبباً قريباً لتبليغ الأحكام التكليفية، وحملهم الخَلْقَ على الشِيمِ المَرضيَّة، وتكميل نفوسهم البشرية الموجب للفوز بالسعادة الأبدية. والثاني: على الرسل ، بِجَعْلِهِم خَيْرَ الخلق الشامل لجنسهم وغيره حتى الملائكة ذلك رُسُلَ اللهِ تعالى بالآياتِ البيِّنات وسبيل تحصيل الكمالات إلى وكونهم مع غير ذلك.
واكتفى بهذا القدر من الثناء عليهم عما هو المعروف من الصلاة عليهم؛ لأنّ غايتها ترجع إلى الثناء العائد نفعه إلى المصلّي المُثْنِي عليهم بما هم أهله، لا طلب علق المنزلة لهم بالدعاء، فإنّ الله تعالى قد أعطاهم من المنزلة الرفيعة والمقامات المنيعة ما لا تؤثر فيه صلاة مصلِّ من أوّل الدهر إلى آخره، كما ورد في الأخبار(3) وصرح به العلماء الأخيار (4).
وفي «النَّشَرِ» و«البَشَرِ» الجناس المصحَف كَجُبَّة وجُنَّة من قولهم: «جُبَّةُ البُرْدِ جُنَّةُ البَرْدِ»(5)، وكقول عليّ علیه السّلام : «قَصِّرْ ثِيَابَكَ فإنّه أبقى وأتقى»(6).
وخَتَمَهُمْ) بمحمّدصلی الله علیه و آله و سلّم ) ، أي جعله آخرهم، وفي تخصيصه من بينهم ونَعْتِه بالختم لهم تَفْخِيمٌ لشأنه وتعظيمٌ كما هو اللائق بمقامه صلی الله علیه و آله و سلّم ، خصوصاً في وصفه بالختم، فإنّ فيه إيذاناً بأنّ شريعته باقية إلى آخر الزمان وأنّها ناسخة لما سبقها من الشرائع والأديان،
ص: 5
كما هو اللازم لكلّ شريعة متأخرة في كلّ أوانٍ ( عليهم) أي على المُرْسَلِينَ الذين هم خيرُ البَشر.
(وعلى آلهم) أصل «آل» أهل بدليل تصغيره على أهيل، خص استعماله فيما له شَرَفٌ وخَطَرٌ ممّن يعقل ولو بالادعاء، فلا يقال آل حجّام، ولا آل المضر، ولا آل الله ويقال: أهل في الجميع، وكذا يقال آل فرعون؛ لخطره عند قومه.
ويمكن اشتقاقه من: آلَ يَؤُولُ: إذا رجع.
والمراد - هنا : من يرجع إليهم (صلوات الله عليهم) بِنَسَبٍ رَحِمِي أو سَبَبٍ شَرَفي، أو مَنْ جَمعَ الوَصْفَيْنِ كأَهْل بَيتِ نَبِيِّنا صلی الله علیه و آله و سلّم .
وعلى التقديرين، فالآل عندنا أخصُّ ممن ذكر؛ إذ المرادُ بِهِ بِالنسبة إلى نبينا صلی الله علیه و آله و سلّم مَنْ دَخَلَ في آية الطهارة (1)، ويُلْحَقُ بهم باقى الأئمّة تبعاً.
(أفضل الصلوات) جمع صلاة وهي لغةً: الدعاء (2)من الله وغيره، لكنّها منه مجاز في الرحمة، وجمعها نظراً إلى كثرة أفرادها بسبب اختلاف المصلي، أو إلى اختلاف الله الرّحْمَةُ، ومن غيره طَلَبُها ، أو لاختلاف حقيقة دعاء الملائكة أصنافها حيث هي من والجن والإنس بسبب اختلاف آلات دعائهم من لسان وغيره.
(أمّا بعد) ما ذكر من الثنا علی الله تعالی وعلی رسله وآلهم و فی «اما» معنی الشرط؛ ولذلك لَزِمَتْ الفاء في جوابها.
والتقدير: مهما يكن من شيء بعد الحمد والصلاة، (فإنّي لمّا وَقَفْتُ) أي اطَّلَعْتُ (على الحديثين المشهورين عن أهل بيت النبوّة أعظم البيوتات: أحدهما) رواه الثقة الجليل حمّاد بن عيسى في الحسن ( عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه وعلى آبائه وأبنائه أكمل التحيّات) أنه قال: «للصلاة أربعة آلاف حدّ» (3)
ص: 6
(و) الحديث (الثاني) رواه الشيخ في التهذيب مرسلاً ( عن الإمام الرضا أبي الحسن علي بن موسى) الرضا (عليهما الصلوات المباركات ) أنّه قال: «الصلاة لها أربعة آلاف باب،»(1) .ووفق الله سبحانه لإملاء الرسالة الألفية في الواجبات المتعلّقة بالصلوات الواجبة المشتملة على ألف واجب للصلوات الخمس تقريباً متقدمةً ومقارِنَةً ومُنافِيَةً، أَلْحَقْتُ بها بيان المستحبّات)، وأَفْرَدْتُ منها ما يزيد على ثلاثة آلاف مقارنة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى - وإنّما فَعَلْتُ ذلك (تَيَمُّناً بالعدد) المذكور في الخبرين (تقريباً، وإن كان المعدود في الخبرين (لَمْ يَقَعْ في الخَلَدِ) بالتحريك - وهو البال والقلب تحقيقاً)؛ إذ لا يعلم أنّ المُراد بالأبواب والحدودِ م-ا ذكره، بل يحتمل أن يريد بها ما ذكر أو بعضه مع شيء آخر أو غيره، فتمّت الأربعة) آلاف في الرسالتين من نفس المقارنات كما سَيرِدُ عليك مفصلاً إن شاء الله تعالى. (وأَضَفْتُ إليها سائر) أي باقي (المتعلّقات)؛ تَثْمِيماً للرسالتين وتحقيقاً للمقامين وإن استغني عنه في تحصيل العدد المطلوب والله حسبي) أي محسبي وكافيَّ (في جميع الحالات.
(وهي) أي الرسالة التي يُريدُ تأليفها المعلومة من سياق الكلام، وإنْ لم يتقدّم لها ذِكْرٌ ( مرتَّبَةٌ ترتيب) الرسالة (القادمة) الألفية.
والترتيب: جعل الشيء في مرتبته كما يظهر لك في ترتيب الرسالتين، حيث قدّم المقدّمات، ووسَّطَ المُقارنات وأخر المنافيات، وابتدأ باليومية المقصودة بالذات، وأتبعها باقي الصلوات، ونحو ذلك من الملاحظات التي رتبها (على مقدمة) - بكسر الدال - من قدم بمعنى تقدّم أو - فتحها - لاستحقاقها أنْ تُقدّم.
والمراد بها هنا طائفة من الكلام تتقدّم على المقصود بالذات لمعنى أوجبَ سَبْقَها كمقدمة الجيش للجماعة المتقدّمة منه ومن هنا يظهر أنّ الكَسْرَ أَجودُ.
ص: 7
(وفصول ثلاثة) جمع فصل وهو لغةً: الحاجز(1)، واصطلاحاً: ما جَمَعَ المسائل المتحدة جنساً المختلفة نوعاً بحسب اعتبار المُعْتَبِر، ومن ثُمَّ اختلف تعبير المصنفين في الأبواب والفصول.
(وخاتمة) وهي تَتميمُ ما يُقصدُ جَمعُهُ من مطالب أُخّر عنها؛ لمناسبةِ اقتضاها الحال.
ووجه حصر الرسالة في الخمسة أنّ البحث إمّا عن المقصود بالذات أوَ لا، والأوّل إما أن يكون البحث فيه عن الشرط أو عن المشروط أو عن المنافي، فالأول هو الفصل الأوّل، والثاني الثاني والثالث الثالث والثاني إما أن يتعلّق بالمقصود تعلّق السابق أو اللاحق والأوّل المقدّمة والثاني الخاتمة.
ص: 8
فتشتمل على تعريف النافلة ونُبْذَةٍ من الترغيب فيها والترهيب من تركها، كما يستفاد من الصلاة الملفوفة وتقسيمها، وما يليق بها.
(فالصلاة المندوبة أفعال غير محتومة، تحريمُها التكبيرُ وتحليلها التسليمُ تقرباً إلى الله تعالى).
فالأفعال بمنزلة الجنس يشمل الواجبَ منها والمندوب، ويشمل أفعالَ القلوب والجوارح؛ ليدخل فيه صلاة المريض المومئ، ومَنْ يجري الأذكار على قلبه، وصلاة الأخرس، ويدخل فيه ما ليس بصلاة من الأفعال ويخرج به من العبادات ما هو تَرْكُ مَحْضَ، أو شِبه الفعل.
وقوله: «غير محتومة» إلى آخره، كالفصل تخرج به الأفعال الواجبة بأسْرِها صلاةً كانت أم غيرَها.
وبالمحرّم والمحلّل يخرج ما عدا الصلاة ممّا كان داخلاً من العبادات وغيرها. والتقرّب إشارة إلى الغاية، كما أنّ في الخصوصين ذكر الصورة، وفي الأفعال ذكر المادّة، والفاعل مدلول عليه التزاماً.
ففي التعريف إشارة إلى العِلل الأربع التي لا يخلو منها مركب صادر عن فاعل مختار وهو من محاسن التعريف.
ص: 9
وفيه - مع ذلك- : أنه صالح لتعريف الصلاة الواجبة بحذف «غير»، وللمطلقة بحذف «محتومة» معها (1).
ولكن يبقى فيه الانتِقاضُ بكل أفعال غير واجبة افتُتحَتْ بالتكبير واختُتِمَتْ بالتسليم ولو على بعض الناس على وجه الاتّفاق أو القصد؛ فإن التعريفَ مُنطَبِقٌ عليه، وليس فيه ما يُخْرِجُه إلّا بتكلّف حَمْلِ التكبير على التكبير المخصوص المُتَعارَفِ بين الفقهاء وهو تكبيرُ الافتتاحِ، والتسليم كذلك على المخصوص المتعارف المحلّل لا مُطلق التحيّة، وجعل اللام فيهما للعهد الذهني عند الفقهاء.
ويعضده إطلاق قوله: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» فإنّ المراد بهما في نحو هذا الإطلاق المعهودان لا مُطلَقَهما، وفيه بحث حقّقناه في موضع آخر.
وبَقِيَ هنا بَحثٌ آخر وهو أنّ التعريف المصَدَّرَ به الكتاب حَقَّه أنْ يكونَ للأمر المطلوب بحثه فيه، كما هو المعروف وكما صنع المصنّف في الرسالة الألفية، فإنّه لمّا كان غَرضُه بَيانَ واجباتِ الصلاةِ الواجبة عرفها في صدر الرسالة.
وهذه الرسالة ليست بصدد حصر الصلوات المندوبة ،وبحثها، بل مندوبات الصلوات الواجبة بالذات والباقي بالعَرَض بل اليوميّة منها كما هو الظاهر من مبحثه في مواضع بل عقد باب جمع للعدد المذكور في الخبرين عليه أو مندوبات مطلق الصلوات فتخصيص الصلاة المندوبة بالتعريف - هنا - ليس بذلك الوجه.
وكأنّ المصنّفَ يخرج من ذلك بتصدير الرسالة بذكر تقسيم النوافل وأعدادِها وجُملةٍ من أحكامها حتّى كأنّ الرسالةَ معقودةٌ لذلك.
وما ذكر في أبواب المقدمات والمقارنات غير منافٍ لها؛ لأنه آتٍ في الفرض والنفل، إلّا أنّه بالفرض بل باليوميّة اليَقُ، كما يُستفاد من ذكره خصوصيات باقي
ص: 10
الصلوات في الخاتمة، وجَرْياً على سُنَنِ الألفية، والأمرُ في ذلك سَهْلٌ.
(وثَوابُها) أي ثَوابُ الصلاةِ المندوبة (عَظيمٌ، قال الله تعالى) في السورة التي يذكر فيها المعارج مادحاً للمصلّين مستثنياً لهم من المذمومين : «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» (1)، ثمّ قال تعالى في تلك السورة: «والَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِم يُحافظون»(2) .
قال الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه الصلاة والسلام) فيما رواه عنه الفضيل بن يسار في الصحيح حين سأله عن الآيتين ما حاصله: أنّ الآيةَ الأُولى في النافلة، والثانية في الفريضة (3)؛ ونحوه روى زرارة (4)عنه . وكفى بهذا مدحاً للنافلة وحتّاً عليها. (وهو) أي حَمْلُ الآية الأولى على النافِلَةِ (أَوْلَى من اتّحاد الموضوع) بجعل الصلاة المحدَّثِ عنها هي الفريضة فيهما.
(وحمل الدوام) في الآية الأولى ( على المواظبة على الأداء و) حمل (المحافظة) في الثانية (على الشرائط والأركان) كما ذكره المفسرون. (5)
وإنّما كان الأوّل مع كونه مرويّاً أولى (لكثرة الفائدة) الحاصلة من الآيَتَين (بتغاير الموضوع)، فإنّ المحافظة يمكن شمولها لمجموع ما ذكره المفسّرون في الآيتين وزيادة بأن تزيد المحافظة على الأداء والشرائط والأركان وغيرها، بل هو اللائق بإطلاق المحافظة، فإذا حُمِلَتْ الصلاةُ المُداوَمُ عليها على النافلة كثُرَت الفائدة.
ويمكن أنْ تُرتَّبَ كثرةُ الفائدة منهما مع اتّحاد الموضُوع بأن يُراد منهما مطلق الصلوات ويُرادَ بالدوام ما هو المعروف منه من المواظبة عليها آناءَ الليل وأطرافَ
ص: 11
النهار، فإنّ الفريضةً وإن لم تحتمل التكرار - أيضاً - من حيث إنّ لها أوقاتاً مخصوصةً، فلا يزيد الدوام فيها على المواظبة على أدائها - كما قالوه - إلّا أنّ مطلق الصلاة المتناول للنافلة المطلقة - التي لا تتقيّد بوقت. بل هي «خير موضوع، فمن شاء اسْتَقَلَّ، ومن شاء استَكْثَرَ» - يستدعى الدوام بالمعنى المذكور، مُنضمّاً إليها ما يَخصُّ الفريضَةً من الوقت.
ويرادُ بالمحافظة معنىً آخرُ إما المذكورُ سابقاً عاماً أو خاصاً، وإمّا تعهُّدُها ومراعاتُها والاهتمامُ بها على وجهٍ لا يحصل معه تَضیِيعُها والتقصيرُ في شأنها من قبيل قولهِ تعالى: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى»(1) فتكثر الفائدة، وتدخلُ النافلةُ مع اتحادِ الموضوع، ومناسبة مقتضى الدوام، والمحافظة وإطلاق الصلاة فيهما فالأولويَّةُ من هذه الحيثيَّة غيرُ واضحةٍ.
نعم، هو أولى من حيث إنّ مفسِّرَهُ أعلمُ بمراد الله تعالى، وصاحبُ البيت أدرى بالذي فيه.
واعلم أنّ في إطلاق الموضوعية على الصلاة في هذا المقام توسّعاً كما لا يخفى.
(وعن النبيّ (صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله: «الصلاة خيرُ موضوع» (2) بالوصف لا بالإضافة؛ لأنّ الإيمان من الخيرات الموضوعة وهو خير منها، اللهمّ إلّا أنْ يخصّ الموضوع بالأعمال البدنيّة، فيمكن إجراء فعل التفضيل على بابه، وتتمّ الإضافة والوصف، ويتأيَّدُ حينئذ بما رُوي أنّه ما تقرّب العبد إلى الله تعالى بشيء بعد المعرفة أفضلَ من الصلاة»(3).
ولكن يبقى فيه أنّ الظاهر من هذا الخبر إرادة الصلاة اليوميّة، كما حقّقناه في الرسالة الألفيّة(4).
وظاهر الخير الموضوع مضافاً إلى قوله: (فَمن شاء استقلّ ومَنْ شاء استكثر) (5)
ص: 12
إرادة النافلة كما يقتضيه ظاهر المشيئة أو الأعمّ.
فإن قلت يمكن استفادة تفضيل مطلق الصلاة اليوميّة على غيرها من العبادات من هذا الحديث مقيّداً بالإضافة واستفادة تفضيل الصلاة اليومية على غيرها حتّى الصلوات الواجبة والمندوبة من ذلك الحديث، ولا منافاة بين الأمرين.
قلت: هذا وإن كان محتملاً من هذه الجهة إلّا أنّه لا يعارض ما قد دلّ على تفضيل غير الصلاة المتنازع فيها من الأخبار الصحيحة أو المستفيضة، كخبر: «أفضل الأعمال أحمزها»(1)، و «أفضل الأعمال بعد الإيمان جهادٌ في سبيل الله»(2) إلى آخره.
وإنّّما لم يعارضه هذا الحديث؛ لأنّه لا يدلّ على ما يوجب المعارضة، إلّا إذا قرئ بالإضافة وإرادتها من الشارع غير معلومة وإنّما المعلوم منه القدر الحاصل من الوصف؛ لأنّه قدر مشترك بين المعنيين المشتركين المحتملين، وما زاد عليه مشكوكٌ فيه، فكيف يعارض مادلّ عليه غيره صريحاً؟!
فإن قلت على الوصف لا يبقى للصلاة مزيّةٌ على غيرها من العبادات، بل مطلق الخيرات الماليّة والبدنيّة؛ فإنّها بأسرها مشتركةٌ في الخيريّة، وإذا لم يَبْقَ فيها إلا إثبات أصل الخيريّة، وهو معنى يشاركها فيه إطعام لقمة وكلمة طيّبة وما دون ذلك، ضعف ذكره في مقام المدح العظيم والاختصاص بمزيد التكريم بل هذا يضعّف هذا الإعراب، ويرجّح أنّ إعراب الإضافة أليَقُ بمقام الكلام النبوي الآخذ بِحُجْزَةِ (3) البلاغة.
قلت: يُمكِنُ استفادةُ المدح الموجب لزيادة الخيرية للصلاة على تقدير الوصف باعتبار آخر وهو تنكيرُ الخير؛ فإنّه قد يراد كذلك؛ لزيادة التفخيم والتعظيم، أي خير
ص: 13
عظيم موضوع لمن أراده، ومن قوله علیه السّلام : فمَنْ شاء استقلَّ ومن شاء استكثر»، فإنّه يُشعِرُ أيضاً بتعظيم شأن هذا الخير، وإنّه أهلٌ لأن يُستكثَرَ منه وتُصرف فيه الأوقات.
وبذلك تظهرُ مَزيَّةُ الصلاة على غيرها، ويقعُ الشکَّء في الإضافة، فلا يستقيمُ الاحتجاج بها كما مرّ.
ووصف الخير بكونه موضوعاً لا يُخرجُه عن أصل التنكير الموجِبِ للفائدة في المُسْنَد وإن قرب به إلى المعرفة.
و عن الباقرعلیه السّلام : «إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفُُها وثلثُها وربعُها وخمسُها، فلا يرفع له منها إلّا ما أقبل عليه بقلبه وإنّما أُمروا بالنوافل ليتمّ لهم بها ما نقص من الفريضة») (1). والظاهر أنّ الرفع كناية عن القبول.
ويؤيّده الخبر الآخر عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : «إنّ مِنَ الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها إلى العشر، وإنّ منها لما يُلفُّ كما يُلفُّ الثَوْبُ الخَلَقُ، فَيُضَرَبُ بها وَجْهُ صاحِبِها»(2) .
والمراد بالقبول والرفع ترتب الثواب الموعود عليها، وهو أمر زائد على الإجزاء، ومن ثَمَّ قَبِلَ التبعيض في الصلاة الواحدة مع أنّ الإجزاء فيها لا يُتبَعض إجماعاً، وهو على مذهب المرتضى (رحمه الله)(3) من عدم تلازمهما وجواز انفكاك القبول عن الإجزاء ظاهر، بل الحديث من جملة أدلّته عليه، مضافاً إلى قوله تعالى: « إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(4) مع أن عبادة غير المتّقي مجزئة إجماعاً، وسؤال إبراهيم وإسماعيل علیهما السّلام (5)التقبّل مع أنّهما لا يعملان إلّا عملاً مجزئاً وغير ذلك من الأدلة.
وأمّا على مذهب الجمهور من تلازمهما (6)، فهو كناية عن نقصان ثواب ما لا يقبل
ص: 14
عليه بالقلب منها، وذلك في المجزئة ظاهر.
وأمّا الملفوفة، فهي كناية عن حرمان معظم الثواب بحيث يضمحلّ ما يحصل في جانب الفائت وينزل منزلة العدم؛ لكثرة الفائت وجلالته لا لعدم الحاصل جمعاً بين ذالک وبين ما دلّ على التلازم من الدلائل العقليّة المقرّرة في الكلام الدالّة على أنّ امتثال التكليف لا بدّ أن يستتبع الثواب؛ لئلّا يكون عَبثاً، مع الإجماع على أنّ الإقبال بالقلب على العبادة لا تتوقَّف صِحَّتُها عليه.
وحديث الرفع (1) أقرب إلى التأويل من حديث القبول (2)؛ لجواز كونه كنايةً عن اعتبار العبادة في نظر الشارع ونظر الله تعالى إليها ورفعه لشأنها وإن حصل بها أصل الثواب بدونه.
ومن الجائز كون القبول والرفع موجبَيْنِ للتفضّل بأجرٍ زائدٍ على ما يستحقّ من الثواب الحاصل من الإجزاء، وكون الملفوفة كنايةً عمّا لا تَفَضُُّّل بسببها أصلاً.
وأما سؤال إبراهيم وإسماعيل علیهما السّلام ، فقد وقع بما هو واقع ومتحقّق، وهو قولهما: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ »(3) مع أنهما كانا مُسْلِمَيْن، وسؤال الواقع واقعٌ انقطاعاً وتعبداً.
ويجوز أن يُريدَ بالمطلوب من القبول والإسلام الفردَ الكامِلَ منهما، وإطلاقُ أصلِ الحقيقة على الفردِ الأكمل منها واقعٌ أيضاً، وهو أولى والصَقُ بمقام الدعاء، ومثلُهُ القولُ في قبول عَملِ المتَّقينَ.
وأُجيب (4)عنه أيضاً بأنّ المراد بهم المؤمنون، كما نبّه عليه تعالى بقوله: « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى»(5) وبأنّ المرادَ المتَّقين في نفس ذلك العمل بحيث لا يقع في معصيةٍ، وهو بصورة العبادة، كالمتصدّق بما سرق زاعماً أن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فيفضل له تسعةُ أمثال.
ص: 15
واعلم أنّ ظاهر الخبر(1) يقتضي أنّ النوافل تكمّل ما فات من الفريضة بسبب ترك الإقبال بها وإن لم يقبل بالنوافل، بل متى كانت صحيحة؛ إذ لولا ذلك لاحتاجتِ النوافلُ حينئذ إلى مكمّلٍ آخرَ، ويتسلسل ويبقى حينئذ حُكمُ النافلةِ التي لم يقبل بها عدم قبولها في نفسها، وعدم ترتّب أصل الثواب أو كثيره عليها وإن حصل بصحيحها جبر الفريضة وقبولها.
ولو أقبلَ بالنافلة لَحَصَل بها جَبْرُ الفريضة مع الثواب الجزيل عليها.
ولو أقبل بهما تضاعف الثواب وتمّ القرب والزلفي.
ونحو هذا الحديث رواه أبو حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين علیه السّلام يصلّي، فسقط رداؤه عن منكبه، فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك، فقال: وَيْحَكَ أَتَدْرِي بين يَدَيْ مَنْ كُنْتُ؟ إنّ العبد لا يُقبلُ منه صلاة إلّا ما أقبل فيها» فقلت: جعلت فداك - هلكنا فقال: «كلا إنّ اللهَ يُتمّ ذلك بالنوافل»(2).
وهذا أوضح من الأوّل فيما ذكرناه (3)من جبر النوافل للفريضة مطلقاً، ومِنْ أنّ الرفع كناية عن القبول.
ويحتمل أن يراد بالرفع في الخبر السالف رفعه من سماء إلى سماء إلى أنْ يُعرض على الله تعالى، كما وقع مصرّحاً في خبر(4) معاذ الطويل، وهو يستدعي زيادة التفات من الله تعالى، ومضاعفة الثواب بسببها، وذلك لا ينافي إثبات أصل الثواب عليها وإن لم يُرفَع على ذلك الوجه أصلاً.
ص: 16
(و) روى معاوية بن عمار عن إسماعيل بن بشّار، قال: (قال الصادق علیه السّلام ): «إيّاكم والكسلَ إنّ ربَّكُم رحيمٌ يشكرُ القليلَ (إنّ الرجل ليصلّي الركعتين) تطوّعاً (يريد بهما وجه الله، فيدخله الله) بهما (الجنة)، وإنّه ليتصدّق بالدرهم تطوعاً يريد به وجه الله، فيدخله الله به الجنّة، وإنَّه ليصوم اليوم تطوعاً يريد به وجه الله، فيدخله به الجنّة».(1)
هذا جملة الحديث أخذ المصنّف منه موضع الحاجة؛ نظراً إلى مقصده هنا.
والمراد من الرجل المذكور المؤمن، ليمكن الحكم باستحقاقه الجنّة، إذ غيره لا يدخلها على ما تحقّق في محلّه (2)، ولا يقبل منه عمل وإن كثر.
وعلى هذا، فالحكم بدخوله الجنّة بسبب الركعتين، وبالدرهم، والصوم مع أنّه مستحقٌ لدخولها بإيمانه قطعاً وإن استحقّ معه عقاباً، فإنّه يُستَوْفَى منه أوّلاً إنْ لم يحصل له مُسقِط ، ثمّ يدخلها حتماً وإن لم يفعل المذكورات، إما بمعنى أنّ كلّ واحد منها سبب الاستحقاق والدخول بواسطة امتثال الأمر، وقبول التكليف الموجب للثواب الذي لا يحصل إلّا في الجنّة وإن كان ذلك مشروطاً بالإيمان الموجب لها أيضاً، وغايته تعدّد أسباب دخولها الموجب لتأكّد الدخول.
أو بمعنى أنه يدخلها قبل مَنْ لم يفعل ذلك وإنِ استحقَّ الدخولَ، نظير ما قيل فيما رُوي: «أنّ المتكبّر لا يدخل الجنّة»؛ (3):لأنّ المراد ب« لا يدخلها» قبل دخول غير المتكبّر ولا معه، بل بعده وبعد العذاب في النار على معصيته.
أو بمعنى أنّ هذه الأعمال تكفّرُ السيّئات الموجبةِ للنار قبل دخول المؤمن الجنّة، فإنّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ لكن لا مطلقاً، بل على بعض الوجوه، فيمكن كون هذا منها.
والمراد حينئذ أنّه يدخل الجنّة بسبب ذلك من غير عذاب سبق، أو يريد بها جنّة خاصة، فإنّ الجنان متعدّدة المحلّ والاسم والخاصيّة والهيئة، فلعلّه يدخل بإيمانه جنّة
ص: 17
مخصوصةً منها، وبعمله الصالح جنّةً أخرى، أو يراد به محلّ آخر، ومن المشهور المستفيض أنّ الجنان ثمان بأسماء مشهورة(1) .
(ثمّ النوافل قسمان: راتبة) في كلّ يوم وليلة، (وهي أربع وثلاثون ركعةً حَضَراً) ضعف الفريضة.
ثمان للظهر قبلها، وثمان للعصر كذلك، وأربع للمغرب بعدها، واثنتان من جلوس يُعَدّان بواحدة للعشاء بعدها، واثنتان للفجر قبلها.
والوتر ليلاً أحد عشر منها ثمان تخصّ باسم صلاة الليل، وركعتان يسمّيان الشفع، والحادية عشرة ركعة الوتر، وقد يطلق على الثلاث الوتر، فهذه أربع وثلاثون.
(ونصفها سَفَراً) بإسقاط نوافل ماقصر من الفريضة وهو سبع عشرة، هذا هو المشهور روايةً (2) المعمول عليه فتوىً (3).
(وما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السّلام (4) أنّها سبع وعشرون) ركعة (و) ما رواه (يحيى بن حبيب عن الرضا علیه السّلام (5) أنّها تسع وعشرون بنقص) النافلة (العصريّة)، وهى الثمان (ستّاً) على الرواية الأُولى، (أو أربعاً) على الرواية الثانية، (و) نقص (الوتيرة) على الروايتين (محمول) خبر «ما» أي ما رووا من النقص المذكور محمول (على المؤكِّد منها) لا على انحصار السنّة فيما ذكر من العدد.
بل ليس في الخبرين إشعارٌ بذلك؛ لأنّ عبد الله بن سنان قال في خبره: سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: «لا تصلِّ أقلَّ من أربع وأربعين ركعة» (6).
ص: 18
وهو كما ترى ليس فيه نهي عمّا زاد عن الأربع والأربعين، ولا نفى لرجحانه، وإنّما نهى علیه السّلام أن ينقص عنها.
فإذا ورد في غيره من الأحاديث الأمر بما زادَ كان مقبولاً غَيْرَ منافٍ، ويكون حَثُّه علیه السّلام على الأربع والأربعين؛ لتأكّدها وشدّة استحبابها.
ويحيى بن حبيب قال في حديثه: سألت الرضا علیه السّلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله من الصلاة، قال: «ستّ وأربعون ركعة فرائضه ونوافله» (1)
وظاهر أنّ هذا الحديث ليس فيه نفي استحباب ما زاد عليها، وإنّما دلّ على أنّ هذا العدد أفضلُ من غيره، فإذا ورد الأمر بالزائد لم يكن منافياً.
والأخبار (2) الصحيحة بالإحدى والخمسين فرضاً ونفلاً، وبالأربع والثلاثين نقلاً على الترتيب الذي قدّمناه كثيرة جدّاً، وعليها عمل الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً، بل صرّح الشيخ (3) فيه بالإجماع منّا.
(وأفضل الرواتب راتبة الفجر، ثمّ الوتر، ثم الزوال، ثمّ راتبة المغرب، ثمّ نافلة الليل، ثمّ) نافلة (النهار) أي بقيّة نافلتهما.
نقل المصنّف القول بذلك على هذا الترتيب في الذكرى عن ابن بابويه (4)، واعترف بأنّه ليس عليه دليل صالح. وفي الخلاف: ركعتا الفجر أفضل من الوتر إجماعاً (5) فإن تمّ الإجماع فهو الحجّة.
واحتجّ في المعتبر (6) لأفضليّة ركعتَيِ الفجر على الوتر بما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم: «صلّوهما ولو طَرَدَتْكُم الخيل» (7).
ص: 19
وعن عائشة: لم يكن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم على شيء من النوافل أشدَّ معاهدةً منه على ركعتين
قبل الصبح (1).
وروينا عن عليّ علیه السّلام في قوله تعالى: «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً» (2) قال: «ركعتا الفجر تَشْهَدُهُما ملائكةُ الليل والنهار» (3).
وعلى أفضليّة الوتر بعدهما بقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «من كان يؤمن بالله فلا يَبِيتَنَّ إلاّ بوتر» (4).
وعلى نافلة المغرب بعدهما بقول الصادق علیه السّلام : «لا تَدَعْ أربع ركعاتٍ بعد المغرب في سفرٍ ولا حضرٍ وإنْ طَلَبَتكَ الخيلُ» (5).
وعلى صلاة الليل بقول عليّ علیه السّلام : «قيامُ الليل مصحّةٌ البدن، ورضَى الربّ، وتمسّك بأخلاق النبيّين، وتعرّض لرحمته» (6).
وأنت خبير بأنّ هذه التمسّكات غايتها الفضيلة، أمّا الأفضليّة فلا.
(وقيل) والقائل ابن أبي عقيل (7): (أفضلها الليليّة) محتجّاً على ذلك بكثرة ما ورد في صلاة الليل من الثواب، مثل ما روي أنّ جبرئيل علیه السّلام قال للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «شرفُ المؤمن صلاتُه بالليل» (8)، وقوله لعليّ علیه السّلام : «عليك بصلاة الليل» (9) ثلاثاً، ولأبي ذرّ (رضي الله عنه): «مَنْ خُتِمَ له بقيام الليل ثمّ مات فله الجنّة» (10)، وقول الصادق علیه السّلام: «إنّ من روح الله
ص: 20
التهجّد بالليل» (1)، وقوله علیه السّلام: «إنّ البيوت التي يُصَلَّى فيها بالليل بتلاوة القرآن تُضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.
وهذا كلّه إنّما يدلّ على فضيلتها العظيمة، أمّا أفضليّتها فلا، كما مرّ.
(وقصرها تابع لقصر الفريضة) إلّا أنّ معنى قصرها، سقوطها رأساً بخلاف قصر الفريضة.
ومنه يَظهر كونها في السفر سبعَ عشرةَ ركعةً، وأنّ الساقِطَ منها ما هو فهو كالمتمّ لِما سَبَقَ من الحكم بتنصِيفها في السفر والمبيّنِ له، وهذا الحكم في غير الوتيرة موضع وفاقٍ (3)، وفيها على المشهور (4)، بل كاد يكون إجماعاً.
وربما قيل بعدم سقوطها سَفَراً (5)؛ لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السّلام: «إنّما صارَتِ العِشاءُ مقصورةً وليس تُتركُ ركعتاها؛ لأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً، ليتمّ بها بدل كلّ ركعةٍ من الفريضة ركعتان من التطوّع». (6)
قال المصنّف في الذكرى: وهذا قويّ؛ لأنّه خاصّ ومعلّل، إلّا أنْ يَنْعقدَ الإجماع على خلافه (7) انتهى.
ونبّه بالاستثناء على دعوى ابن إدريس الإجماع على سقوطها (8)، ولم يثبت كيف، والشيخ قد صرّح في النهاية بعدمه (9)، ولا دليل صريحاً على سقوطها بحيث يعارض
ص: 21
خبر الفضل، بل الأخبار إمّا مطلقة أو عامّة بحيث يمكن استثناؤها، فالقول بثبوتها ليس ببعيد لولا مخالفة المشهور.
(و) القسم (الثاني) من أقسام النوافل (مطلقة) في مقابلة الراتبة المقيّدة بكلّ يوم، لا مطلقة من الزمان بحيث لا تختصّ بوقت؛ لئلّا يخرج منها القسم الثالث المتعلّق بالأزمان، كنافلة شهر رمضان (وهي) أي المطلقة (خمسة) أقسام:
[القسم] (الأوّل: المتعلّقة بالأشخاص، كصلاة النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم وصلاة عليّ وفاطمة وأبنائهما) علیه السّلام (و) صلاة (جعفر) بن أبي طالب علیه السّلام (و) صلاة (الأعرابي).
[القسم] (الثاني: المشروعة بسببٍ خاصّ كالاستسقاء والزيارة والشكر والاستخارة والحاجة والنذر المندوب)، وهو المنوي من غير تلفّظٍ وغير المتقرّب به (وندب الطواف والتحيّة) للمسجد حين يدخله.
[القسم] الثالث: المتعلّقة بالأزمان كنافلة شهر رمضان و) يوم (المبعث) و السابع والعشرون من رجب (والغدير) وهو الثامن عشر من ذي الحجّة، (ونصفي رجب وشعبان و) الصلاة (الكاملة)، فإنّها مختصّة بيوم الجمعة قبل الصلاة.
قيل (1): ووجه تسميتها كاملة لتكرّر الحمد في كلّ ركعةٍ منها عشر مرّات، ولم ينقل ذلك في غيرها.
(والعيد ندباً) عند عدم اجتماع شرائط الوجوب
[القسم] (الرابع: المتعلّقة بالأحوال كإعادة الجماعة) صلاتهم جماعةً إذا كانوا قد صلّوا فُرادى أو جَماعةً على الأقوى؛ فإنّ الصلاةَ المُعادةَ تكون مندوبةً في هذه الحالة وإن كانت في الأصل واجبةً؛ لبراءة الذمّة بالأُولى.
وفي حكم إعادة الجماعة إعادة الواحد إذا كان قد صلّى وحده ثمّ دخل جماعة
ص: 22
مبتدئة، وبذلك يظهر أنّ لفظ الجماعة في العبارة ليس بذلك البعيد.
ولو جعل المضاف إلى الجماعة محذوفاً مُقَدَّراً بالصلاة لم يحسن أيضاً؛ لأنّ ذلك هو الفرد الأضعف المختَلَفُ فيه، فلا وجه لتخصيصه بالذكر، بل ذكر الفُرادي أو الأعمّ أَوْلَى.
ويمكن كون المصدر - وهو الإعادة - بمعنى المفعول، أي المعادة جماعةً، ولا يشكل ذلك بقوله - بَعْدُ : (والكسوف والجنائز)، فإنّهما معطوفان على الجماعة، والمراد إعادتهما؛ لأنّ مُعادَهُما أيضاً موصوفٌ بالنَدْبِ.
(والاحتياط في موضع الغنى) عنه بأنْ يَنْكَشِفَ للمصلّي أنّ صلاتَهُ تامّةٌ لا تفتقر إلى الاحتياط، فإنّه حينئذٍ يصير نافلة وإن كان منويّاً به الفرض، فيجوز حينئذٍ قطعه كالنافلة.
[القسم] (الخامس: ما عدا ذلك) المذكور في الأقسام الأربعة (كابتداء النافلة) من غير سبب (فإنّ الصلاة قربان كلّ تقي) (1).
وفي رواية موسى بن بكر عن الكاظم علیه السّلام: «صلاة النوافل قربان كلّ مؤمن» (2)، والقربان - بالضمّ -: ما تقرَّبْتَ به إلى الله تعالى، تقول منه : قرّبتُ إلى الله تعالى قرباناً.
(ويُشبِهه) أي يُشبهُ ابتداءَ النافلة في كونه مندوباً بغير سبب (التمرِين) للصغير بالصلاة، وهو حَمْلُهُ عليها؛ لِيَتعَوَّدَها فلايشقّ عليه فِعْلُها إذا بلغ.
ومبدأ التمرين عليها (لستّ) سنين (مطلقاً) أي في الذَكَر والأُنثى.
وإنّما نبّه عليه؛ لئلّا يُتَوهَّمَ اختلافهما في التمرين كما اختلفا في البلوغ؛ ولأنّ مورد النصّ الصبيّ، فيمكن دخول الصبيّة معه بطريق أولى؛ لأنّ أمرها التكليفي سابق عليه.
وقد روى التمرين لستٌ إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السّلام (3).
وروى الصدوق عن الباقرين علیهما السّلام التمرين عليها لسبع (4).
والجمع بحمل التمرين لسبعٍ على المؤكَّد.
ص: 23
ويضرب عليها لتسع، وروي لعشرٍ (1).
واختار المصنِّف في البيان (2) كلّ واحد من القولين على الموضعين في محلّ.
(ووقتها) أي وقت النافلة المبتدئة (حين الإرادة ما لم يكن وقت فريضة)؛ فإنّ المبتدئة لا تشرع حينئذٍ (مطلقاً) سواء أضرَّتْ بها أم لا؛ لإطلاق النصِّ بنفي الصلاة عمّن عليه صلاة (3)، والمراد منه نفي الصحّة؛ لأنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة حيث لم تكن مراده، أو يراد من الخبر النهي كَ_ «لا رَفتَ في الحَجّ» (4)، وما اختاره من المنع من المطلقة مطلقاً أحد القولين في المسألة، والثاني الجواز ما لم يضرّ بالفريضة، واختاره المصنّف في اللمعة (5)، وعليه شواهد من الأخبار (6).
(ويجوز إيقاع الرواتب لأوقاتها في وقت الفريضة، الموسّع) كرواتب الصبح والظهرين (وكذا سنّة الإحرام) يجوز إيقاعها في وقت الفريضة كفريضة الظهر؛ فإنّها توقع قبلها ثمّ تعقّب بالظهر وتحرم بعدها.
وروى الكليني عن أبي بصير عن الصادق علیه السّلام : «خمس صلوات تصليهنّ في كلّ وقت» (7)، وعَدَّ منها صلاة الإحرام.
(والأقربُ جوازُ إيقاع ذوات الأسباب حيث لا تضرّ بالفرائض وهو مرويّ في نافلة شهر رمضانَ) (8) حيث يُصلَّى منها ثمان في وقت العشاء قبلها (و) في (ركعتي الغفيلة) (9) حيث يُصَلّى فى وقت العشاء أيضاً.
ص: 24
(ورواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام : «لا صلاة في وقتِ صلاةٍ» (1) محمولةٌ على ما: يضرّ بها كعند تكامل الصفوف وحضور الإمام). وكذا رواية زرارة عن أبي جعفر علیه السّلام: «لا يتطوّع بركعة حتّى يقضِيَ الفريضة» (2). وإنّما حملت على ذلك؛ جمعاً بين الأخبار.
ونبّه بقوله: «كعند تكامل الصفوف» على أنّ الإضرار لا ينحصر في ضِيقِ وقتها، بل يتحقّق بمنافاة كمالها كالمثال. وقد روي: «أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم رقد فغلبَتهُ عيناه، فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس، فركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح» (3). قيل: وإنّما صلّى الركعتين؛ ليجتمع الناس ليصلّوا جماعةً (4).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: سألتُه عن رجل نامَ عن الغَداةِ حتّى طلعَتِ الشمسُ، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغَداةَ» (5). وهي دالّة على جواز النافلة مطلقاً لِمن عليه فريضة.
ويمكنُ حَملُ أخبارِ النهي على الكراهة، وهو أشبَهُ بطريق الجَمْعِ وأَدْخَلُ في معنى النهي ممّا ذكره المصنِّفُ من الحَملِ.
وروى سماعة عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: سألتُه عن الرجل يأتي المسجِدَ وقد صلّى أَهْلُه، أيبتدئُ بالمكتوبة أم يتطوّعُ؟ فقال: «إنْ كان في وقتٍ حسنٍ فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، فإن خافَ فوتَ الوقت فليبدأ بالفريضة» (6).
وعن إسحاق بن عمّار قال، قلت: أُصَلّي في وقت فريضةٍ نافلةً؟ قال: «نعم في أوّل الوقت إذا كُنْتَ مع إمام تقتدي به، فإذا كنتَ وحدَكَ فابدأ بالمكتوبة» (7).
ص: 25
وهذه الأخبار يستفاد منها جواز النافلة في وقت الفريضة مطلقاً، خصوصاً إذا كانت الجماعة منتظرة، فالأولى حَمْلُ ما عارَضَها على الكراهة جَمْعاً.
وحيث ذكر أصناف النوافل مطلقة شرع في ذكر كيفيتها وشرائطها (و) شيء من أحكامها، فقال: ركعة (الوتر) وحدها (بتسليمة) قائماً.
(وصلاة الأعرابي كالصبح والظهرين) كيفيّةً وترتيباً بمعنى أنّها عشر ركعاتٍ: ركعتان أوّلاً بتسليم، ثمّ أربع بتسليم، ثمّ أربع بتسليم. نُسِبَتْ هذه الصلاة إلى الأعرابي؛ لأنّهُ السببُ في ظهورِ شرعيّتِها، كصلاة جعفر علیه السّلام.
وروى الشيخ مرسلاً عن زيد بن ثابت، قال: «أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فقال: بأبي أنت وأمّي يارسولَ اللهَ إنّا نكون في هذه البادية بعيداً من المدينة ولا نقدر أن نأتيك في كلّ جمعةٍ، فَدُلَّنِي على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيتُ إلى أهلي خبّرتُهم به، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين تقرأ في أوّل ركعة «الحَمْدُ» مرّةً و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ» سبع مرّات، واقرأ في الثانية «الحَمْدُ» مرّةً و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاس» سبع مرّات، فإذا سلّمت فاقرأ آيَة الكرسي سبع مرات، ثمّ تصلّي ثمان ركعات بتسليمتين، وتقرأ في كلّ ركعة منها «الحَمْدُ» مرّةً و «إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ» مرّةً و «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» خمساً وعشرين مرّةً، فإذا فرغتَ من صلاتك فقل: سُبحانَ رَبِّ العرشِ الكريمِ، لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلّا باللِه العليّ العظيم، فَوَالذي اصطَفى محمّداً بالنبوّة، ما مِنْ مؤمِنٍ ولا مؤمنةٍ يصلّي هذه الصلاة يومَ الجمعة كما أقولُ إلّا وأنا ضامنٌ له الجنّة، ولا يقومُ من مقامه حتّى يغفرَ اللهُ له ذنوبَهُ ولأبويه ذنوبَهُما » (1)) .
ص: 26
(و) الصلاة (المعادة تابعةٌ) للسابقة في الكيفيّة، فإن كانت ركعتين فهي بتسليم أو أربعاً فهي بتسليمة، (والبواقي) من النوافل (ركعتان بتسليمة).
وهذا الحصر إضافى نظراً إلى المشهور، وإلّا فقد روى الشيخ في المصباح عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال: «من صلّى ليلة الجمعة إحدى عشرة ركعةً بتسليمةٍ واحدةٍ يقرأ في كلّ ركعةٍ بفاتحة الكتاب، و «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» مرّة، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ» مرّة، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناسِ» مرّةً، فإذا فرغ من صلاته خرّ ساجداً، وقال في سجوده سبع مرّات: لا حول ولا قوة إلّا بالله العلىّ العظيم، دخل الجنّة يوم القيامة من أيّ أبوابها شاء» (1) ... إلى آخر الخبر.
وروى السيّد رضي الدين بن طاوس في تتماته (2) عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم في أوّل ليلة من رجب
صلاة أربع ركعات بتسليم وغير ذلك.
وهذه الروايات مع صلاة الأعرابي مشتركة في الإرسال، وداخلة فيما رُوي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أنّ مَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ من أعمالِ الخيرِ فعَملَ به أعطاه الله ذلك وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قاله» (3) بل قال المصنّف (رحمه الله) في الدروس عن صلاة الأعرابي:
لم أسْتَثْبِتْ طريقَها في أخبارنا (4).
ويُستَثنى من ذلك أيضاً ما استثناه بقوله: (إلّا قضاء العيد في قول) عليّ بن بابويه حيث ذهب إلى أنّها تُقضى أربعاً بتسليمٍ إذا صُلِّيت بغير خطبةٍ (5)، وإلّا صلاة جعفر علیه السّلام في قول ولده أبي جعفر حيث ذهب إلى أنّها أربعٌ بتسليمٍ (6)، وهما نادران.
(وشروطها) أي شروط النافلة مطلقاً (وأفعالها ك_) الصلاة (الواجبة، إلّا أنّه
ص: 27
ينوي في النافلة (النفل) بدل الواجب في تلك، (و) ينوي (السبب المخصوص) من كونها صلاةَ استسقاءٍ أو زيارةٍ أو تحيّةٍ، وتعيين المنسوبِ إليه في المنسوبةِ كصلاة النبيّ وعليّ والأعرابي لِتَتميَّز عن غيرها، ومثله النافلة المنسوبة إلى الصلوات والأوقات.
وفي استثناء ذلك من الفريضة تَوسُّعٌ، فإنّ مرجِعَهُ إلى التمييز في المشتَركِ وهو مشتركٌ.
(والقيام والقرار من مكمّلاتها)، فيجوزُ من قيام وما دونه وبقرارٍ وغيره (إلّا الوتيرة): فإنّ القيامَ ليس من مُكَمِّلاتها، بل فعلُها جالساً أفضلُ على المشهور (1).
وقيل (2): هي كغيرها. وعَدُّ ركعتيها بركعة؛ بناءً على أنّ الجلوس ثابت لها بالأصل بخلاف غيرها.
ومن ثُمَّ ذهب بعض الأصحاب (3) إلى منع الجلوس في غيرها.
وخبر سليمان بن خالد عن الصادق علیه السّلام (4) صريح في أفضليّة القيام فيها.
وروى الحارث عنه علیه السّلام : «كان أبي يصلّيهما وهو قاعد، وأنا أُصلّيهما وأنا قائم» (5).
وروى أحمد بن أبي نصر عن الكاظم علیه السّلام أنّها من قعوداً (6).
قال المصنِّفُ في الذكرى: والجمع بينهما بجوازها من قعود وقيام (7).
وفيه أنّ الجمع مع التنافي، وهو مَنْفِيٌّ هنا؛ إذ ليس في أخبار الجلوس ثبوت أفضليّة، فتبقى أفضليّة القيام لا مُعارِضَ لها.
أمّا القرارُ، فإنّه من مكمّلات النافلة مطلقاً إن لم يكن شرطاً، (فتجوز السنن قعوداً
ص: 28
وركوباً) يمكن كون ذكر الركوب بياناً لِما أجمله من عدم اشتراط القرار، بمعنى أنّ القرار ليس واجباً فيها مطلقاً؛ فإنّه في حالة الركوب غيرُ شرطٍ، أمّا في غيره، فيُشترطُ، ولولا ذلك لخلا قَيْدُ الركوب عن الخصوصيّةِ، وكذا يُعْتَفَرُ الاستقرار حالة المشي.
(والاستقبال شرط) في النافلة (في غير السفر والركوب على الأصحّ) لإطلاق الأدلّة المتناول لموضع النزاع، خلافاً للمحقّق (1) والخلاف (2) حيث جعلاه من مكمّلاتها مطلقاً، وفي حكم السفر والركوب المشي؛ للخبر (3).
(ولا تتعيّن السورة فيها) أي في النافلة مطلقاً، ويشكل فيما نصّ فيه على سورة معيّنة كصلاة الأعرابي وصلاة جعفر، فإنّ الظاهِرَ تعيّنُها لِيتَحقَّق الامتثالُ خصوصاً فيما نصّ على تعدّد القراءة أو السورة، وعلى ظاهر العبارة فالسورةُ من مكمّلاتها.
( ولا يُكرهُ القِرانُ) فيها، بل قد يستحبّ كما ورد (4) في كثير منها. (والاحتياط فيها البناء على اليقين) وهو الأقلّ عند الشك في عدد الركعات، والمشهور جواز البناء على الأكثر (5).
(ولا جماعة فيها)؛ لنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم عن الجماعة في النافلة (6)، ونهي أمير المؤمنين علیه السّلام عنها في نافلة شهر رمضان (7) (إلّا في العيدين) مع اختلال شروط الوجوب (والاستسقاء والإعادة) جماعة لمن صلّى فرادى اتّفاقاً، وجماعةً على الأقوى.
ص: 29
(والغدير في قول الشيخ أبي الصلاح (رحمه الله) (1)). ويظهر من المفيد (رحمه الله) (2) أيضاً، ولا نعلم المأخذ، ولعلّه أدخَلَها في صلاة العيد؛ لِما رُويَ من طرقنا منّ أنّه أفضلُ الأعياد (3).
(ولا أذان فيها ولا إقامة)؛ لاختصاصهما باليوميّة والجمعة إجماعاً.
(ويكره ابتداؤها عند طلوع الشمس) إلى أن ترتَفِعَ وتذهبَ الحُمرةُ ويكملَ ظهورُ شُعاعِها (و) عند (غروبها) أي مَيْلها إلى الغروب، وهو اصفِرارُها حتّى يكملَ غروبُها بذهابِ الحُمرة، (و) عند (قيامها) في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار المعلوم بانتهاء نقصان الظلّ إلى أنْ تَزولَ، ويأخذ الظلُّ في الزيادة، (وبعد صلاتي الصبح والعصر) حتّى تطلعَ الشمسُ وتغربَ.
وهذان الموضعان مختصّانِ بمن صلّاهما، وتختلف حينئذٍ بتقديم الفعل وتأخيره.
وتتّصل الكراهة فيهما بالطلوع والغروب، فترجع الخمسة إلى ثلاثةٍ وجعلت خمسةً؛ لاختلاف المسبّب بالفعل والوقت، وتبعاً للنصّ.
ولا يحتاج إلى استثناء يوم الجمعة من القيام؛ لأنّ النافلةَ يومئذٍ من ذواتِ الأسباب، والكلام في المبتدئةِ.
والأصلُ في كراهة النافلة في هذه المواضع ماروي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم من النهي عنها فيها (4)؛ معلّلاً بأنّ الشمسَ تطلعُ ومعها قَرْنُ الشيطان، فإذا ارتفعَتْ فارَقَها، فإذا استَوَتْ قارَنَها ، فإذا زالت فارَقَها، فإذا دَنَتْ إلى الغروب قارَنَها، فإذا غَربَتْ فارَقَها.
وفُسِّرَ قَرْتُه بحزبه (5) وهم عبدةُ الشمس يسجدُونَ لها في هذه الأوقات.
واحترز بالمبتدئة عن ذات السبب، سواء تقدّم على هذه الأوقات أم تأخّر، كصلاة
ص: 30
الطواف، والإحرام، والزيارة، والتحيّة، والشكر، وقضاء النوافل، وصلاة ركعتين عقيب الطهارة عن حدث.
والمراد بمكروه النافلة هنا ما خالف الأَولى كباقي العبادات المكروهة فتنعقد؛ لعدم المنافاة، وينعقدُ نَذْرُها، وهو اصطلاح خاصّ لا ينافي رُجحانَ الفعلِ بخلاف المكروهِ المطلق.
(وفي التوقيعِ الشريف) من صاحب الأمر علیه السّلام - الذي أخرجَهُ محمّد بن عثمان العمري إلى أبي الحسين الأسدي -: «(لا تكره) النافلةُ فى هذه الأوقات مطلقاً معلّلاً بأنّه إنْ كان كما يقول الناس: إنّ الشمس تطلع بين قَرْنَي شيطان وتغرب بين قَرْنَي شيطان، فما أُرغِمَ أنفُ الشيطانِ بشيء أفضل من الصلاة، فَصَلِّها وأَرْغم الشيطان» (1).
(وقيل بكراهة غير المبتدئة أيضاً) نقله الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا (2)، وهو ظاهر ابن أبي عقيل (3) وبعض المتقدّمين.
(بل رُوي نادراً) بإزاء التوقيع ( كراهة قضاء الفريضة فيها) مضافاً إلى النافلة رواه أبو بصير (4) والحسن بن زياده (5) عن أبي عبد الله علیه السّلام (ولم يَثبُنَا) أي القول بكراهة النافلة مطلقاً والمروي نادراً؛ لعدم العلم بمأخذه وجهالة بعض سنده، هذا ما تعلّق به الغرض من المقدّمة.
ص: 31
ص: 32
(وهي) أي المقدّمات أو سننها (إحدى عشرة)؛ والأمر على الأوّل واضح، وعلى الثاني باعتبار تعدّد المقدّمات واختلاف أصنافها.
(وهي أربعة وستون) - كذا بخطّ المصنّف، وكان الأَولى ترك التاء من أربعة؛ لأنّها مؤنَّتٌ لفظي -:
(ارتياد) أي طلب (موضعٍ مناسبٍ للاستنجاء)، أي لطلب النجو وهو الحدث المخصوص، عدل إليه استهجاناً للتصريح به (بأن يكون) الموضِعَ (مرتفعاً أو ذا تراب كثير فإنّه من الفقه) روي ذلك عن الرضا علیه السّلام ، قال: «من فقه الرجل أن يرتادَ لبوله» (1).
وعن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «إذا بالَ أحَدُكُم فَلْيَرْتَد لبوله» (2).
(وستر البدن) بأشرِهِ (عن النَظَّارَةِ) بدخول بيت أو الإبعاد؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّه
لم يُرَ على بول ولا غائط.
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «مَن أتى الغائط فليستَتِرُ» (3).
ص: 33
(والدخول ب_ ) الرِجل (اليسرى والخروج باليمنى عكس المسجد) ونحوه من الأمكنة الشريفة؛ للمناسبة.
ثمّ إن كان المكان بيتاً قدَّمها عند أوّلِ دخولهِ وخروجهِ، وإن كان صحراءَ جعل اليسرى آخرَ قَدَمٍ عندَ موضع جلوسه، فإذا قام ابتدأ بنقل اليمني.
(والاعتماد على) الرِجل (اليسرى وفتح اليمنى) للخبر (1) عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم.
(وتغطية الرأس) إن كان مكشوفاً؛ حَذَراً من وصول الرائحة الخبيثة إلى دَماغِهِ.
(والتقنّع) مع تغطية الرأس (مرويّ) (2) عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه كان يفعله.
(ومسح بطنه قائماً بيده اليمنى بعد الفراغ) منه ومن الاستنجاء.
(والاستبراء) وهو طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد الذي يأتي.
(والتنحنح فيه) أي في الاستبراء (ثلاثاً) نسبه المصنّف في الذكرى (3) إلى سلّار (4)، وهو يشعر بعدم وقوفه على مأخذه.
(ووضع) الإصبع (الوسطى في الاستبراء تحت المقَعدة والمسح بها إلى أصل القضيب، ثمّ يضع) الإصبع (المسبّحة تحتَه والإبهام) - بكسر الهمزة - (فوقه وينتره باعتماد، ثمّ يعصر الحشفة) كلّ واحد من المسح والنتر والعصر (ثلاثاً ثلاثاً).
وهذا الحكم مختَصٌّ بالرجل ومثله الخنثى في ذَكَره. أمّا الأُنثى، فقيل: تستبرئ عرضاً (5)، ونفاه جماعة (6)؛ للأصل.
ص: 34
(و تقديم غسل اليدين) من الزَّنْدَيْنِ (قبل إدخالهما الإناء، كالغُسل أمامَ الوضوء) فيغسلهما للبول مرّة، والغائط مرّتين (والغَسل في غير المتعدّي) من الغائط حيث يجزئ المَسْحُ لثناء الله تعالى على أهل قُبا.
(والجمع في المتعدّي بين الأحجار والماء) مُقَدِّماً للمقدَّم؛ للمبالغة في التطهير، وتنزيه اليد من الخبائث، وكذا يُستحبّ الجَمعُ في غير المتعدّي لذلك.
ورُوي أنّ مدحَ أهلِ المسجد كانَ لجمعهم بين الأحجار والماء (1).
(والصرير) وهو أنْ يظهَر بين اليدين والمحلّ صَوتٌ (حيث يمكن) كما لو كان الماء بارداً، وأوْجَبَهُ سلّار (2).
(وإيتار عدد الأحجار لولم يَنْقَ بالثلاثة) بأن ينقَطِعَ على وتر كالخمسة والسبعة لو نقي على مزدوج؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «من استَجْمَرَ فَلْيُوتِرُ» (3).
(والاقتصار على الأرض أو نباتها)؛ خروجاً من خلاف من عيّنهما لذلك من الأصحاب حتّى مَنَعَ من الآجر والخزف، إلّا أنْ يُلابِسَهُ طِينٌ أو ترابٌ يابِسٌ.
(وتعدّد الثلاثة بالشخص) من دون أن يجتزئ بثلاثِ مسحاتٍ بواحد أو اثنين. خروجاً من خِلافِ مَنِ اعتبرَ التعدُّدَ الشخصي، اعتباراً بالأخبار الدالّة عليه، كقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «إذا ذَهَبَ أحدُكُم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار أبكار» (4).
وقول الصادق علیه السّلام: «جَرَتْ السنّة بثلاثة أحجار أبكار» (5).
وقول سلمان (رضي الله عنه): نهانا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم أن نستنجِيَ بأقلّ من ثلاثة أحجار (6).
ص: 35
وحَمَلَها المصنّف (رحمه الله) على المسحات؛ لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: «إذا جلس
أحدُكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات» (1).
ولا يخفى ما فيه؛ فإنّه مطلق، فَحَمْلُه على المقيَّد أَوْلى من عكسه.
(واستيعاب المحلّ بكلّ واحد) من غير أن يوزّعَها عليه ويمسحَ بكلّ واحد جزءاً، فإنّ ذلك وإن أجزأ - نظراً إلى تحقّق الامتثال وحصول الغرض وهو النقاء - إلّا أنّ الاستيعابَ أفضل؛ للخلاف في الأوّل؛ ولِما فيه من زيادة المبالغة بتكرار الآلة على المحلّ الواحد وهو السرّ في اعتبار الثلاثة.
(وجعله على طريق الإدارة والالتقاط) بأنْ يَضَعَ الحَجَرَ على موضعِ طَاهِرٍ، فإذا انتهى إلى النجاسة أدارَهُ عليها قليلاً قليلاً ليلتقطَ كلُّ جزء منه جزءاً منها، ودونه إمراره عليها من غير إدارة، فإنّه يُجزِئ على الأقوى إن لم تَنتقِلِ النجاسة عن محلّ الاستجمار.
( وبَدأة) الحجر (الأوّل بصفحة اليمنى) بادِئاً بمقدَّمِها، ويُمرّه إلى مؤخّرها ثمّ يُدِيرُه إلى الصفحة اليسرى، فيمسحها به من مؤخّرها إلى مقدّمها.
(والثاني) يبدأ فيه (باليسرى) من مقدّمها إلى مؤخّرها ثمّ من مؤخّر اليمني إلى مقدّمها عكس الأولى.
(والثالث بالوسط) بمعنى أنّه يمسح به المجموع جملةً واحدةً، كذا فصّله العلّامة (2)، واستحسنه المصنِّف في الذكرى (3) مع استيعابه في كلّ مرّةٍ، وفي أفضليّته نظر، بل عسر وحرج.
(واستعمال بارد الماء) في الاستنجاء (لذوي البواسير) فإنّه يقطعه، رواه أبو بصير عن الصادق علیه السّلام (4).
ص: 36
(والاستنجاء باليسار) سواء في ذلك الماء والأحجار؛ لأنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كانت اليمني
لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى.
وعن الصادق علیه السّلام : «الاستنجاء باليمين من الجفاء» (1).
(وبِنِصِرها) - بكسر الباء والصاد - وهي الإصبع التي تلي الخِنصِر، بكسرهما.
(وتقديم الدُبُر) على القُبُل في الاستنجاء، رواه عمّار عن الصادق علیه السّلام (2).
(وإزالة الرائحة مطلقاً) سواء استنجى بالماء أم بالأحجار؛ لأنّه أبلغ في الاستظهار.
(وإزالة الأثر) وهو الأجزاء القليلة المتخلِّفة على المحلّ يزول بالماء بسهولة، وبالأحجار بعسر (لو استجمر)، ومن ثمّ تجب إزالته بالماء دون الاستجمار.
(والمبالغة للنساء في الغَسل)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم لبعض نسائه: «مُرِي نساء أُمّتي
المؤمنات أنْ يَسْتَنْجِينَ بالماء ويبالغن، فإنّه مِطَهَرة للحواشي ومُذهِبةٌ للبواسير» (3).
والمطهرة - بفتح الميم وكسرها - في الأصل: الإداوة (4)، والمراد بها هنا المزيلة للنجاسة.
والحواشي جوانب المخرج. والبواسير: جمع باسور - بالباء الموحّدة - : علّة تحدث في المَقْعَدة.
والناسور - بالنون -: عِلّةٌ تحدث بها أيضاً، ويقال له: الناصور.
(والزيادة على المِثْلَيْنِ في مَخْرَج البول) والمراد بالمثلين مِثلا ما على الحَشَفَةِ من البَلَلِ الباقي بعد البول، كما صرّح به في رواية نشيط بن صالح (5) عن أبي عبد الله علیه السّلام، التي هي مستند حُكم المثلين، الذي لا يجزئ من الماء أقلّ منهما، وإنّما يكونان
ص: 37
مجْزِئَيْنِ مع تحقُق الفصل بكلّ واحدٍ منهما وزوال عين النجاسة.
وقد يُطلق في كثير من الأخبار (1) اعتبار غَسلتين في البول، فلعلّ المثلَيْنِ إشارةٌ إلى أقلِّ ما يَتحقّق به الغَسلُ، فإنّ القطرة المتخلِّفة على رأس الحشفة - مثلاً - إذا وقع عليها قطرةُ ماء أمكن جريانُها عليه وانفصالُها عنه، فإذا تَعقَّبَها مثلُها كذلك كفى في طُهر المحلّ ويتحقّق أقلُّ الغَسلتين.
وربما قيل : إنّهما كناية عن الغسلتين؛ للتوافق بين الأخبار.
وكيف كان، فتستحبّ الزيادة عليهما ؛ لبُعدِ تحقّق الغسلتين بهما، أو ضعفه.
(واستنجاء الرجل طولاً والمرأة عرضاً). وكذا قيل: تستبرئ المرأة عرضاً إذا قلنا به.
(والدعاء) في أحواله المذكورة (فللدخول) إلى محلّ الحدث (بِسمِ اللهِ وباللهِ أعوذُ باللهِ مِنَ الرِجْسِ) وأصله القَذر (2)، والمراد به هنا الشيطان؛ استقذاراً له كما عبّر به عن الأوثان في قوله تعالى: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ» (3)، وكما عَبّر به عن المعصية ومساوئ الأخلاق في قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ» (4).
وقد يُطلَقُ الرجس على العقاب، كما في قوله تعالى: «وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (5).
وحيثُ أرادَ به الأوّل أكَّدَهُ بقوله: (النجس) - وهو بكسر النون وسكون الجيم - اتّباعاً للرِجس، ويجوز إبقاؤه على أصله - وهو فتح النون والجيم أو كسرها - (الخبيث) في نفسه (المخبث) - بكسر الباء - لغيره.
ص: 38
(الشيطان) من ألقاب إبليس اللعين وهو إمّا «فيعال» من شَطَنَ: إِذا بَعُدَ؛ لبُعدِهِ عن رحمة الله أو من الخير، أو «فعلان» من شاطَ يشيطُ : إذا بطل وهو منصرف على الأوّل دون الثاني.
(الرجيم) فعيل بمعنى مفعول من الرجم وهو الرمي، أي المُرمَى بالشهب الثاقبة أو باللعنة.
وإنّما قدّمت البسملة هنا على الاستعاذة بخلاف القراءة؛ لأنّ التعوّذ هناك للقراءة، كما دلّ عليه الأمر في الآية (1)، والبسملة من القرآن، فقَدَّمَ التعوّذ عليها بخلاف مانحن فيه؛ فإنّه من الأمور المقصودة، فيبدأ بالتسمية؛ امتثالاً للأمر بها ويعقّب بالاستعاذة، و محلّ الدعاء بعد الدخول.
وعن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم: «إذا انكشفَ أحَدُكُم لبولٍ أو غير ذلك، فَلْيَقُلْ: بسم الله، فإنّ الشيطانَ يغضُّ بَصَرَهُ » (2).
(وبعده) أي بعد الدعاء السابق (الحمد لله الحافظ المودي) والوصف هنا بالحافظ المودي للإشارة إلى ما أنعم الله تعالى به من حفظ الغذاء بالقوّة الماسكة والهاضمة إلى أنْ يأخذَ كلُّ عضو منه حاجَتَهُ، وكلُّ خَلْطٍ منه ما يناسِبُهُ، ثمّ يُودي الباقي الذي لا فائدةَ في بقائه، ويخرج في وقته عند الغنى عنه، أو الحافظ له بالقوّةِ الماسكة، والمودي له بالقوّة الهاضمة والمتصرّفة والجاذبة ونحو ذلك.
(وعند الفعل: اللهم أطْعِمْنِي طيّباً في عافية، وأَخْرِجْهُ مِنّي خبيثاً في عافيةٍ، وعند النظر إليه) أي إلى الخارج منه - اكتفى بدلالة المقام على معاد الضمير، استهجاناً للتصريح به -: (اللهم ارْزُقْنِي الحَلالَ وجَنِّبْنِي الحرام، وعند رؤية الماء: الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الماءَ طَهُوراً ولم يجعله نجساً، وعند الاستنجاء: اللهمّ حَصِّنْ فَرْجِي، واسترْ عَورتي ، وحَرِّمْهُما على النار) أي الفرج والعورة، ثنّاهما باعتبار اختلاف
ص: 39
ويُحتمل أن يُريد بالعورة غير الفرج، وهو الدُبُر، أطلقَ العامّ على الخاصّ، أو يريدَ بالعورة ما يعمّ الفرج، وجَمَعَهما بسبب اختلاف المطلوب، فإنّه سأل تحصين الفرج بأن لا يزنى به وأن يَسترَ عَورَتَهُ، وهو أمرٌ مغاير للتحصين وشامل للفَرْجَيْنِ.
ويمكنُ عَوْدُ الضميرِ المثنّى إلى العورتَيْنِ إِمّا بجعل الياء مشدّدة بإدغام ياء الإعراب في ياء الإضافة، أو بدلالة المقام عليها.
(ووفّقني لما يقرّبُنِي مِنكَ ياذا الجلالِ والإكرام) أي الذي لاجلال ولا كمال إلّا وهو له، ولا كرامة ولا مَكْرُمَةَ إِلَّا وهي صادِرَةٌ منه، فالجلال له في ذاته، والكرامة فائضة منه على خلقه، وفنون إكرامه على خلقه لا يكاد ينحصر ولا يتناهى، كما أنّ جلالته كذلك.
(وعند مسح بطنه) بيده اليمني إذا قام من موضعه: (الحمدُ للهِ الذي أماطَ) أي أَذْهَبَ (عنِّي الأذى وهنأني طعامي) يقال: هَنَأَنِي الطعام - بتخفيف النون مفتوحة - ودفع الطعام: إذا صار هنيئاً، وهنأتي الله طعامي، إذا صيّره لي هنيئاً، والمراد هنا الثاني بقرينة ما قبله وبعده.
(وعافاني من البلوى) هي بمعنى البلاء، والجمع البلايا.
(وعند الخروج: الحمد لله الذي عرّفَنِي لذّته) أي لذّة الطعام المذكور في الدعاء السابق، المدلول عليه بالهاء (وأبقى في جسدي قوّته، وأخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمةً، يالَها نعمةً)، و«يا» هنا حرف تعجّب، مثلها: يالَكِ من قبّرة (1)، وضمير لها عائد إلى النعم المذكورات سابقاً، أو إلى ما دلّ عليه المقام من النعم، و«نعمة» منصوب على التمييز.
(لا يقدر القادرون قدرها) أي لا يقدرون على واجب شكرها لعِظَمِها، ولا يقدرون مَبلَغَها ولا يُحصونَ مِقدارَ جلالَتِها ومَبْلَغَ نَفْعِها ، قال الله تعالى: «وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ
ص: 40
قَدْرِهِ» (1)، أي ما عظّموه حقٌ تعظيمه، وعليه ينزّل الأوّل، وتقول: قدرت الشيء أقدره قدراً من التقدير.
وفي الحديث: «إذا غمّ عليكم الهلال فاقدروا له» (2)، أي أتمّوا ثلاثين، وعليه ينزّل الثاني.
(ويُكره) - بالبناء للمجهول - أي يُكره شرعاً (استقبال) قُرْصَي (النيّرَيْنِ): الشمس والقمر وإن كانا منكسفين، (و) استقبال (الريح بالبول) أي بمحلّه، وهو القُبُل والجارّ يتعلّق بالاستقبال، فتخصّ الكراهة البول في الثلاثة. ومُستَندُ الحكمِ قولُ الصادق علیه السّلام: «نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم أنْ يَستقبِلَ الرجلُ الشمسَ أو القمر بِفَرْجِهِ، وهو يبول» (3).
ومنه تظهر فائدةُ إرادة الفَرج من البول؛ لأنّه متعلَّقُ النهيِ، وأمّا الريحُ، فالروايةُ عن الحسن علیه السّلام حين سُئِلَ ما حدُّ الغائط ؟ قال: «لا تستقبل الريح ولا تستدبرها» (4)، فيدخل فيه ما ذكر، وكان ينبغي التعميم، وعلّل استقباله مع ذلك بخوف ردّه عليه، والخبر أعم.
(و) البول (في) الأرض (الصُّلْبة) بضم الصاد وسكون اللام - أي الشديدة؛ لئلّا تردّه عليه. قال الصادق علیه السّلام: «كان رسولُ الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أَشَدَّ الناس توقّياً من البول، كان إذا أراد البول يَعمَدُ إلى مكانٍ مرتَفِعٍ من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أنْ ينضَحَ عليه البول» (5).
(وقائماً)؛ حذراً مِنْ أنْ يخبّلَهُ الشيطانُ روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (6).
ص: 41
(والتطميح) به في الهواء ، لنهيه عنه (1).
(وفي الماء) جارياً وراكداً؛ للنهي عنه في الأخبار (2)؛ معلّلاً بأنّ للماء أهلاً. (والجاري أخفّ) كراهةً؛ لقول الصادق علیه السّلام: «لا بأس بأن يَبولَ الرجل في الماء الجاري» (3)، ومورد النصّ البول ، ومن ثُمَّ خصّه، وأُلْحِقَ به الغائط؛ لِلعِلّة.
(وفي الجحرة) - بكسر الجيم وفتح الحاء والراء المهملتين - جمع جحر بالضمّ والسكون - وهو بيوت الحشار؛ للنهى عنه (4)؛ ولأنّه لا يؤمن أن يؤذيها أو تؤذِيَهُ. (ومجرى الماء) وهو محلّه وإن لم يكن فيه حينئذٍ ماء ليغاير ما قبله، (والشارع) وهو الطريق النافذة مطلقاً (والمشرع) وهو طريق الماء للواردة، (والفناء) - بكسر الفاء -
وهو ما امْتَدَّ من جوانب الدار، وهو حَرِيمُها خارج المملوك منها.
(والمَلْعَن وهو مَجمع الناس) كما نصّ عليه أهل اللغة (5). وفي الصحاح: الملعنة:
قارعة الطريق ومنزل الناس (6). وفي الحديث: «اتقوا الملاعن» (7) يعني عن الحدث.
(أو أبواب الدور) كما روي عن زين العابدين عليّ بن الحسين علیهما السّلام ، حين قال له رجل: أين يتوضّأ الغرباء؟ فقال: «تتّقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المُثمِرَةِ، ومواضع اللعن». قيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: «أبواب الدور» (8).
(وتحت) الشجرة (المُثمِرَةِ) اسم فاعل من الثمر وهي متناولة لِما مِنْ شأنه الثمر سواء كانت مثمرةً بالفعل أم مضى زمانُ ثَمَرتها أم يأتي.
ص: 42
ويدلّ - أيضاً - على تناولها للخالية منها إذا كانت قد أثمرت وقتاً ما ما قد اشتهر من القاعدة عندنا من أنّ بقاء المعنى المشتقّ منه ليس بشرط في صحّة الاشتقاق، كما يصدق الضارب على مَنْ انقضى منه الضرب.
وقد ورد التعبير بالمثمرة في حديث عليّ بن الحسين علیهما السّلام، السابق، والمراد بتحتيّة الأشجار ما هو أسفل منها من الأرض بحيث تصل الثمرة إليه إذا سقطت، وفي حكمها ما يبلغه من الأرض عادةً وإن لم يكن تحتها حقيقة.
ويدلّ عليه ورود مساقط الثمار في بعض الأخبار روى محمّد بن يعقوب في الكافي أنّ أبا حنيفة خرج من عند أبي عبد الله علیه السّلام وأبو الحسن موسى علیهما السّلام قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضَعُ الغريبُ ببَلَدِكُم؟ فقال: «اجْتَنِبْ أَفْنِيةَ المساجد، وشُطوطَ الأنهار، ومَساقِطَ الثمار، ومنازِلَ النُزِّالِ، ولا تستقبل القِبلةَ بغائطٍ ولا بولٍ، وارْفَعْ تُوبَكَ، وَضَعْ حيثُ شِئْتَ» (1).
وقيل : إنّ الحُكمَ مختصٌّ بزمان الثَمَرةِ (2)؛ لأنّه يوجِبُ النَّفْرَةَ بسببه، ويرشدُ إليه من الأخبار ما رواه الشيخ في زيادات التهذيب عن السكوني، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم أن يُتَغَوّطَ تحت شجرةٍ فيها ثمرتها» (3).
والأوّل أجود؛ لعدم التنافي بينهما الموجِبِ لحَمْلِ ذلك المُطلق على هذا المقيّد، ولا يخفى أنّ ذلك حيثُ تكون الثمرةُ له أو مُباحةً، فلو كانت مملوكةً للغير لم يَجُزْ إِلاّ بإذنه، ويضمنُ ما يتلف بسببه.
(وفَيْءُ النزال) وهو موضع الظلّ المعدّ لنزول القوافل والمتردّدين، كشجرة، وموضع ظلّ جبل، أو ما هو أعمّ من ذلك، وهو الموضع المعدّ لنزولهم مطلقاً، نظراً إلى أنّهم
ص: 43
يرجعون إليه في النزول من فاء يفيء: إذا رجع، ويرشد إليه الحديث السابق عن الكاظم علیه السّلام حيث عبّر ب_ِ «منازل النزّال».
(ومواضع التأذّي) هذا تعميم بعد التخصيص، فإنّه يشمل ما تقدّم، ويَزِيدُ عليه ما هو بحكم ما يُوجِبُ تأذّي الناس من مواضع تردّداتهم وحاجاتهم، بل يدخل فيه ما يُوصل رائحَتَهُ إليهم بحيث يُؤذِيهم وإنْ لم يحتاجوا إلى مَوضِعِهِ.
(والاستنجاء باليمين) مطلقاً؛ لما رُوِيَ عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : أنّه نهى عنه، وقال: «إنّه من الجفاء» (1) أي البعد عن الآداب الشرعيّة، ولا يخفى أنّ ذلك مع عدم الحاجة إليها وإلّا زالَتِ الكراهَةُ.
(وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى أو ) اسم (أحد المعصومين) علیهم السّلام في حالة كون ذلك الاسم الشريف (مقصوداً بالكتابة)، فلا يحرم مَسُّ الاسمِ الموافقِ له کاسم محمّدٍ مع عدم قصد المعصوم به، أمّا اسم الله تعالى فلا يُشترطُ في حُرمتِهِ القَصْدُ؛ لعدم مشاركة غيره فيه، وفي مقطوع ابن عبدربّه إلحاقُ خاتم فصّه من حجر زمزم (2)، وفي رواية بدل زمزم زُمُرُّد (3)- بالزاي والذال المعجمتين والضمّات وتشديد
الراء - وهو الزبرجد.
(بل) يُكره (إدخاله) أي الخاتم الذي عليه اسم الله... إلى آخره (الخلاء أيضاً) وإنْ لم يكن في يده، (والجماع به) أيضاً روى ذلك كلّه عمّار عن الصادق علیه السّلام (4)، فلا تزولُ الكراهة بتحويله من اليسار إلى اليمين كما ذكره بعض الأصحاب (5).
و«أيضاً» في هذا التركيب وشبهه مصدر آضَ يَبيضُ أي عاد، يقال: آضَ فُلانٌ إلى
ص: 44
أهله، أي رجع (1)، وهو منصوب على المصدريّة بفعل محذوف، أي عُد بالحكم السابق على هذا عَوْداً.
(والكلام) حالة التخلّي (إلّا بذكر الله أو آية الكرسي أو حكاية الأذان) إذا سمعه، (أولحاجة يخاف فوتهَا) إنْ أخّر الكلام إلى أن يفرغَ؛ لنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (2) عن الكلام حينئذٍ.
ووجه استثناء ما ذكر: أمّا الذِكْرُ، فَلِما رُويَ عن الصادق علیه السّلام: «أنّ موسى قال: ياربّ تمرّ بي حالات أستحي أن أذكرَكَ فيها، فقال: ياموسى ذِكْري على كلّ حال حَسَنٌ» (3). وأمّا آية الكرسي، فلقوله علیه السّلام: «لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي وحمد الله أو آية» (4)، وأمّا حكايةُ الأذان، فلا نصّ على استثنائها بخصوصها.
وحكاه المصنّف في الذكرى بقوله: وقيل (5)؛ نظراً إلى ذلك.
وربما عُلَّل بعموم الأمر بالحكاية، وبأنّه ذِكرٌ.
واستُثني أيضاً الصلاة على النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم عند ذكره (6)؛ لِما ذُكر.
ولا يخفى وجوب ردّ السلام وإن كره السلام عليه.
ويستحبّ له الحمد عند العطاس؛ لأنّه ذكر.
وفي استحباب تسميته فاعلاً وقائلاً نَظَرٌ، وقطع بعض الأصحاب باستحبابه (7).
(وإطالة المكث) خوفاً من البواسير رواه الصادق علیه السّلام عن حكمة لقمان في صغره (8)
ص: 45
وأنّه كتب ذلك على باب الحَشّ (1).
(ومسّ الذكر باليمين)؛ لما رُوي من أنّه من الجفاء (2).
(واستصحاب دراهم بيض) إلّا أن تكون مصرورة رواه غياث عن الصادق عن أبيه علیهما السّلام (3).
(والاستنجاء بماكُرِهَ استعماله من المياه) وهي الحارّة الكبريتيّة؛ لِما روي أنّها من فوح جهنّم (4). (والسواك) لِما روي أنّه يُورِثُ البخر (5).
(والأكل والشرب)؛ لفحوى ما روي عن الباقر علیه السّلام أنّه وجد لقمةً في القذر لمّا دخل الخلاء، فأخذَها وغسلها ودفعها إلى مولىً له، وقال: «تكون معك لآكُلَها إذا خَرَجْتُ»، فلمّا خرج علیه السّلام قال له: «أين اللقمة؟» فقال: أكلتُها يا ابن رسول الله، فقال: «إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وَجَبَتْ له الجنّة، فَاذْهَبْ فأنتَ حُرٌّ لوجهِ الله، فإنّى أكرهُ أنْ أستخدِمَ رجلاً من أهل الجنّة»؛(6) فإنّ تأخيره علیه السّلام أكلها إلى الخروج مع ما فيه من الثواب يُؤْذِنُ بالكراهة حينئذٍ.
وأَلْحَقَ به الشرب؛ لاشتراكهما في المعنى، ولما فيه من مهانة النفس.
(يستحبّ الوضوء لإحدى وثلاثين:)
(ندب الصلاة و) ندب (الطواف) بمعنى الشرطيّة في الصلاة والكماليّة في الطواف .
ص: 46
على الأقوى، وقيل (1) بالشرطيّة فيهما.
(ومسّ كتاب الله) بمعنى الشرطيّة أيضاً، فلا يباح بدونه؛ للآية (2)، لكن إذا كان الأصل مستحبّاً يكون شرطه كذلك، وربما أُطلق على هذا النوع الوجوب مجازاً؛ نظراً إلى تحريم الفعل بدون الشرط (وحمله) ولو بغلافه وكيسه للتعظيم، (وقراءته) أو شيء منه.
(ودخول المسجد)؛ للخبر (3)، ولاستحباب التحيّة على الفور، وهى لا تحصل بدون الطهارة، (وصلاة الجنازة) واجبةً كانت أو مندوبةً، (والسعي في حاجةٍ)؛ للخبر (4).
وفيه: أنّه سبب لقضائها.
(وزيارة القبور) خصوصاً قبور الأنبياء والصالحين، وفي الخبر تقييدها بقبور المؤمنين (5).
(والنوم) مطلقاً (وخصوصاً نوم الجنب، وجماع المحتلم) أي المجنب عن احتلام قبل الغُسل.
وفي الخبر: «إنّه لا يؤمن أن يجيءَ الولَدُ مجنوناً لو حَمَلَتْ من ذلك الجماع» (6).
وليس الحكم مقصوراً على وقت احتمال الحَمْلِ؛ لإطلاقِ النصّ وإن كان التعليلُ أخصَّ منه مع احتماله، واحترز بالاحتلام عن الجماع، فلا يُكره تكرّره من غير وضوء.
(وجماع الحامل) مخافةَ أن يجيءَ الولد أعمى القلب، بخيلَ اليد لو لم يتوضّأ، (و جماع غاسل الميّت، وذكر الحائض) في مصلّاها وقت الصلاة بقدرها، (وتجديده
ص: 47
بحسب الصلوات) فرضاً كانت أم نفلاً، وأُلحِقَ بها الطواف وسجود الشكر والتلاوة، ونفاه المصنّف.
وفي استحبابه للصلاة الواحدة وتعدّده لها وجهان، وإطلاق النصوص (1) يرجّح الاستحباب.
(وللمذي) وهو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل وشبههما.
(والوذي) - ضبطه المصنّف (رحمه الله) بالذال المعجمة - وهو ما يخرج عقيب المني. ولو جعل بالمهملة وهو الذي يخرج عَقِيبَ البول، كان أَوْلى؛ لأنّه هو المأمورُ بالوضوء منه في الأخبار (2)، معلّلاً بأنّه يخرج من دريرة البول، وإنّما استحبّ الوضوء لهذه؛ حملاً للأمر الوارد بالوضوء منها على الندب وإن ضعف طريقه؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على عدم الوجوب من الأخبار الصحيحة (3).
(والتقبيل بشهوة، ومسّ الفَرْجِ): الرواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «إذا قَبَّلَ الرجل المرأة بشهوة أو مَسَّ فرْجَها أعادَ الوضوء» (4) بحملها على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبينَ صحيحِ زُرارة عن الباقر علیه السّلام بنفيه (5)، وغيره من الأخبار (6).
(ومع الأغسال المسنونة)؛ للخبر (7)، (ولما لا تشترط فيه الطهارة من مناسك الحجّ)، كالسعي، ورمي الجمار، والوقوفَينِ.
(وللخارج المشتبه بعد الاستبراء)؛ لمقطوعة محمّد بن عيسى (8)، الدالّة على وجوب الوضوء منه بحمله على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبَيْنَ ما دلّ على نَفْيِهِ صريحاً.
ص: 48
(وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضّئ قبله ولو كان قد استجمر)؛ للأخبار الدالّة على الأمر بإعادة الوضوء (1) المحمول على الاستحباب جمعاً.
(ولِمَنْ) توضّاً معذوراً إمّا لكونه مَسحَ على جبيرة، أو غسل لتقيّة ونحو ذلك ثمّ (زالَ عُذرُه) خروجاً من خِلاف من أوجَبَهُ (2). وربما قيل باختصاص الحكم بغير التقيّة.
(وروي) استحباب الوضوء (للرعاف، والقيء، والتخليل المُخْرِج للدم إذا كرههما الطبع).
روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد الله علیه السّلام (3)، والرواية أنّه ينقض الوضوء، وحُمِلَتْ على الاستحباب جمعاً (4).
(و) روى سماعة نقضه (للزيادة على أربعة أبيات شِعراً باطلاً) (5)، وحملت (6) على الاستحباب أيضاً مع كون الرواية مقطوعة، لكن أحاديث السُنَن يُتسامح بها.
والمراد من الشِعر الباطل ما ليس بصحيح، كالمشتَمِلِ على مَدْحٍ وذَمّ كاذبَيْنِ، كما يُستفاد من الخبر.
(و) يستحبّ الوضوء أيضاً (للكون على طهارة) وليس ذلك داخلاً في جملة المنقول رواية، بل هو موضع وفاق.
ومعنى استحبابه للكون على طهارة، أي للبقاء على حكمها. وهذه غايَةٌ صحيحةٌ مستلزِمَةٌ للرفع أو الاستباحة، فكأنّ المنويَّ أحدُهما، وعلى هذا لا فساد في التركيب من حيث إنّه في قوّة استحباب الوضوء؛ للكون على وضوء، أو استحباب الطهارة
ص: 49
للكون على طهارة (1)، كما ذكره المصنِّف في بعض تحقيقاته (2).
(وللتأهّب لصلاة الفرض) قبل دخول وقتها، ليوقعها في أّوّل الوقت؛ وهذا وإن استلزم الكون على طهارة، إلّا أنّ الغاية فيه ليس هو الكون، بل الصلاة أو التأهّب لها، فإنّه في نفسه عبادة.
والوضوء في هذه المواضع كلّها يبيح العبادة المشروطة به، ويرفع الحدث حيث يمكن، عَدا الأربعة الأوَل من العشرة المتوسّطة، فإنّهما لا يتصوّران فيها لمجامعة الحدث الأكبر.
هذا إن اكتفينا في الوضوء بالقربة، أو اعتبرنا الوجه أو أحد الأمرين ونواه، وفي بعضها خلاف، والمحصّل ما اخترناه.
واعلم أنّ جُملَةَ ما ذكرَهُ من المواضع التي يستحبّ لها الوضوء ثلاثون، وإنّما يتمّ العدَدُ الذي ذكره إذا جعلنا نَوْمَ الجُنب منها مغايِراً لمطلق النوم بسبب كونه آكد، كما نبه عليه بقوله: «خصوصاً نوم الجنب»، وفيه تكلّفٌ.
(ثمّ سنن الوضوء أربعة وخمسون: التسمية والدعاء بعدها، وصورتها: بسمِ الله وباللهِ، اللهمّ اجْعَلْنِي من التوّابِينَ واجعلنِي من المتطهّرِينَ) أي المتنزّهين عن الرذائل الخُلقيّة، والنقائص النفسانيّة، أو دعاء بقبول الطهارة، وترتّب الثواب الجزيل عليها، أمّا أصل وصفها، فهو واقع بجعل المكلّف وفعله، فالسؤال له دعاء بما هو الواقع، ومثله الدعاء بالتوبة، أو دعاء بالتوفيق لإكمالها، فإنّه واقِعٌ في ابتدائها.
(وغسل اليدين إلى الزندين مرّة من النوم والبول والغائط)؛ لإطلاق الأمر بغسلهما (3) من غير تقييد بعدد، فيقتصر على المرّة؛ فإنّ الأمرَ المطلق لا يُفِيدُ التكرار.
ص: 50
(والمشهور فيه) أي في الغائط أو في الغسل منه (مرّتان) (1) وبه قطع المصنّف في الذكرى (2) وهو الأقوى؛ لصحيحة الحلبي (3)، ورواية حريز عن الباقر علیه السّلام (4)، ولعلّ المصنِّف هنا نظر إلى قطع الأُولى وجَهالةِ بعضِ سَنَدِ الثانية، إلاّ أنّ السنن تثبت بدون ذلك، كما اتّفق للمصنّف في كثير منها هنا، خصوصاً فيما سبق من أعداد الوضوء المسنون.
ووقت الغسل (قبل إدخالهما الإناء) المشتمل على الماء القليل، تعبداً أو دفعاً للنجاسة الوهميّة، كما نبّه عليه بقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «فإنّه لا يدري أين باتت يده» (5).
وظاهر النصّ والفتوى اختصاص استحباب غسلهما بكون الوضوء من إناء يغترف منه يشتمل على ماء قليل.
فلو كان كثيراً أو ضيّق الرأس لم يستحبّ؛ لزوال الوهم، وتحقّق الغسل بمجرّد وضعهما في الكثير مع احتماله في الثاني؛ لدفع الوهميّة عن أعضاء الوضوء إن انتفى عن الإناء، والمقصود بالذات هو الطهارة لا الماء.
(والدعاء عند رؤية الماء بما تقدّم) من الدعاء عند رؤية الماء إذا أراد الاستنجاء وهو الحمدُ لله الذي جَعلَ الماءَ طَهُوراً، ولم يَجعلهُ نَجِساً.
(ووضع الإناء على اليمين) إن كان ممّا يغترف به، كما مرّ.
(وأخذ الماء بها) لغسل الوجه، (ونقله) منها (إلى اليسار) لغسل اليمين؛ لما روي أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يحبّ التيامن في طَهُورِه وتنعّله (6) وشأنِه كلّه (7)؛ ولفعلِ الباقر علیه السّلام ذلك
ص: 51
وصف وضوء رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم (1).
ولو كان الإناء لا يغترف منه وضع على اليسار للصبّ منه في اليمين.
(والمضمضة) وهي إدخال الماء الفم وإدارته فيه (ثلاثاً، والاستنشاق) وهو جَذْبُ الماء إلى الأنف (ثلاثاً، والاستنثار) وهو إخراج الماء منهما لزيادة التنظيف بذلك (كذلك) أي ثلاثاً وهو سنّة ثالثة.
فلو تركه بأنْ ابْتَلَعَ الماء بعد المضمضة وتركه حتّى خرجَ بنفسه في الاستنشاق تأدَّتْ سنّتهما دونه.
(وجعل كلّ) من المضمضة والاستنشاق (على حِدَتِهِ) بأنْ يتَمضْمَضَ ثلاثاً ثمّ يَستنشِق ثلاثاً، وعدمه أنْ يدخل أحدهما على الآخر كأن يتمضمض مرّة ثم يستنشق مرّة، وهكذا حتّى يكمل كلّاً منهما ثلاثاً ويتأدّى به سنّتُهما، لكنّه أدونُ فضلاً. أمّا الاستنثار، فإنّه تابع لدخول الماء في الفم أو الأنف، فلا يدخل في الكلّيّة.
(و) جعل كلّ واحد منهما (بثلاث غُرفات) كلَّ مرّة بغُرفَةٍ سواء وَصَلَها أو فَرَّقها.
ولو جعل الثلاث بغُرفَةٍ أجزاً، وأدون منه أن يجعلَ الستّ بها سواء فَصلَ أو وَصَلَ، (وإدارة المسبّحة والإبهام في الفم) لتنظيف ماهناك مع إيصال الماء إلى أقصى الحنك، وجَنْبَتَي الأسنان واللثّات في المضمضة، وإدخال الإصبع في الأنف، وإزالة ما به من الأذى، وإصعاد الماء بالنَفَسِ إلى الخيشوم في الاستنشاق إلّا أنْ يكونَ صائماً، فلا يبالغ في الاستنشاق.
(والبَدأةُ بالمضمضة) للإتيان في تعاطفهما ب_ «ثُمّ» في بعض الأخبار (2)، بل قيل: إنّه متعيّن (3) وهو متّجه؛ لأنّ المطلق من الأمر بهما محمول على المقيَّد.
ص: 52
(وتثنية غسل الأعضاء) الثلاثة بعد تمام الغَسلة الأُولى في أشهر القولين (1)؛ لصحّة الأخبار الدالّة عليها (2)، فلا عبرة بإنكار الصدوق (3) الثانية طاعناً في خبرها الذي رواه بالقطع.
(ومسح الرأس مُقْبِلاً) خروجاً من خلاف من أوجبه (4) (و) المسح (بثلاث أصابع) مضمومة (عرضاً) أي فى عرض الرأس، خروجاً من خلاف من أوجبها (5). وظاهر الخبر أنّ المعتبر في الثلاث كونها في طول الرأس بأن يمرّ منه على مقدار ثلاث أصابع وإن كان بإصبع.
(وغسل الوجه باليمنى وحدها) لا باليسرى، ولا بهما وإن أجزأ الجميع على كراهية؛ لِما تقدّم من كون اليمنى كانت الطهور النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (6). (ومسح الرأس والرجل اليمنى بها) أي باليد اليمنى؛ لِما مرّ، أمّا اليسرى فباليسرى كما يظهر من العبارة، وصرّح به في البيان (7).
(وتقديم اليمنى في المسح)؛ خروجاً من خلاف مَن (8) أوجبه من الأصحاب وهو الأقوى دليلاً، فيكون تقديمها متعيّناً.
(وجعله) أي مسح الرجلين (بجميع الكفّ)؛ الصحيحة البزنطي عن الرضا علیه السّلام حين سأله عن المسح على القدمين، فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين، فقلت: لو
ص: 53
أنّ رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين؟ قال: «لا، إلا بكفّه» (1).
وهذا بخلاف مسح الرأس؛ إذ لم يَرِد النصّ فيه بأزيد ثلاث أصابع وإن كان جائزاً حتّى صرّح به بعض الأصحاب بالمنع من الزائد عليها (2).
(وتقديم النيّة عند غسل اليدين على قول مشهور) (3)؛ لأنّه من كمال الوضوء وسننه (أو عند المضمضة والاستنشاق)؛ لِما ذكر، بل هو أولى؛ لقربهما إلى الواجب.
وتوقّف فيه بعض الأصحاب (4)؛ نظراً إلى أنّ مسمّى الوضوء الحقيقي خارج عنهما، و للقطع بالصحّة إذا قارن بها غسل الوجه دونها، ولذلك قال المصنّف: (والأولى عند غسل الوجه) بعد أنْ نَسبَ التقديم إلى الشهرة؛ لعدم دليل صالح.
وعلى القول بجواز تقديمها أو استحبابه عند غسل اليدين فهو مشروط بكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط، وكونه من إناء قليل ماؤه يمكن الاغتراف منه، إذ لا يستحبّ غسلهما بدونه.
(وقصر النيّة على القلب) من دون ضمّ اللسان إليه، فإنّ القلب أصلها والتلفّظ بها بدعةٌ حادثةٌ.
(وحضور القلب عند جميع الأفعال)؛ فإنّه روح العبادة، وبسببه تعلو درجتها ويرتّب قبولها كما ورد في الأخبار (5)، والمراد بحضوره عندها تدبّر حكمتها وأسرارها
ص: 54
وغايتها في كلّ شيء منها بحسبه، كما حقّقناه في رسالة أسرار الصلاة (1)، وكذلك بيّنّا المراد من القلب الذي يتصوّر إحضاره على وجه ، دقيق فراجعه هناك.
(وذكر الله تعالى والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم في أثنائه، وبَدأة الرجل في) الغسلة
(الأولى بظهر الذراع، وفي) الغسلة (الثانية بباطنه، وبدأة المرأة بالعكس).
وهذا من الأحكام التعبّديّة التي لم يظهر لها علّة، والموجود في الرواية بدأة النساء بباطن الذراع والرجال بظاهره (2) من غير فرق بين الأُولى والثانية، وعليه أكثر الأصحاب (3)، وأمّا الفرق الذي ذكره المصنّف، فشيء ذكره الشيخ في المبسوط (4)، وتبعه جماعة عليه (5)، وباقي كتب الشيخ (6) على الإطلاق كما هو المنصوص. (والوضوء بمُدّ) قدره رطلان وربع بالعراقي، لِما روي من أنّ وضوء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
کان به (7).
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «الوضوء بمُدٍّ، والغسل بصاعٍ، وسيأتي أقوام يَسْتَقِلُونَ ذلك، فأُولئك على
خلاف سُنَّتي، والثابت على سنّتي معي في حظيرة القدس» (8).
وقال المصنِّف في الذكرى : هذا المُدّ لا يكاد يبلغه الوضوء، فيمكن أن يدخلَ فيه ماء الاستنجاء (9). وهو حسن، وفي بعض الروايات (10) إرشاد إليه.
ص: 55
(والسواك قبله) وقيل : سُنّة (1) (وبعده)، والمراد به دَلكُ الأسنان بِعُودٍ وخِرْقَةٍ وإصبعٍ ونحوها، وأفضله الغصن الأخضر، وأكمله الأراك.
والسواك مطلقاً من السنن المؤكَّدةَ. قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ما زال جبرئيل علیه السّلام يوصيني بالسواك حتّى خشيتُ أُن أحفي أو أدرَد» (2) وهما رقَةُ الأسنان وتَساقُطُها.
وقال صلّی الله علیه و السّلام: «لو لا أنْ أشُقَّ على أُمّتى لأمرتُهم بالسواك عِندَ وضوء كلّ صلاة» (3).
وقال الباقر والصادق علیهما السّلام: «صلاة ركعتين بسواکٍ أفضلُ من سبعين ركعةً بغير سواك».
وقال الصادق علیه السّلام: «في السواك اثنتا عشرة خصلةً هو من السُنَّة: ومِطَهَرة للفم، ومَجلاة للبصر، ويُرضي الرحمنَ، ويُبَيِّض الأسنان، ويُذهِبُ الحفر، ويَشدُّ اللثّةَ، ويُشهّي الطعامَ، ويُذهِبُ بالبَلْغَم، ويَزيدُ في الحفظ، ويُضاعِفُ الحسنات، وتفرح به الملائكة» (4).
وغيرها من الأخبار (5).
(وترك الاستعانة) على أفعال الوضوء بنحو صبّ الماء على اليد ليغسل به؛ لِماروي من أنّه إشراك في العبادة (6).
وفي تحقّقها بطلب ما يتوضّأ به أو إسخانه حيث يفتقر إليه قولٌ قوي.
والمراد من الاستعانة هنا مطلق الإعانة وإن لم يطلبها المتوضّئ، كما دلّ عليه خبر الوَشّاء عن الرضا علیه السّلام (7). وكما يكره ذلك للمتوضّئ يكره للمُعِين الإعانة عليه.
ص: 56
(و) ترك (التمندل) هو مسح بلل الوضوء بمنديلٍ ونحوه من الثياب، وفي تعديته إلى ما أزالَ البلل من كُمّ ونحوه، بل النار والشمس قول - نظراً إلى المشاركة في إزالة أثر العبادة والاقتصار على مدلول اللفظ - قويّ. (ووضع المرأة القناع) حالة الوضوء، (ويتأكّد في) وضوء (الصبح والمغرب)؛ للخبر (1).
(وتقديم غسل الرجلين) على الوضوء (لو احتاج إليه لتنظيف أو تبريد) خروجاً عن التشبه بأهل البدع. (ولو نسیه) قبل الوضوء (تراخی به عن المسح) لئلّا يوهم كونه جزءاً منه.
(والدلك باليد) لمحلّ الغسل استظهاراً.
(وضَرْب الوجه بالماء شتاءً وصيفاً) رواه ابن المغيرة مرسلاً عن الصادق علیه السّلام، وعلّله بأنّه «إن كان ناعساً فزع واستيقظ، وإن كان البرد فزع ولم يجد البرد» (2).
وعارضه الشيخ في التهذيب بخبر السكوني عنه علیه السّلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضّأتم» (3)، وجمع بينهما بحمل هذا على الأولى، والأوّل على الجواز بالمعنى الأعمّ.
ويمكن تخصيص الأوّل بالحالتين المذكورتين في العلّة، والثاني بما عداهما مع ما قد عرفت من حال سندهما.
(وغسل مسترسل اللحية) عن الوجه؛ للأخبار الدالّة عليها، كصحيح زرارة عن الباقر علیه السّلام في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: «غَمَس كَفَّه بالماء، ثمّ وَضَعه على جبينه وسَيَّلَهُ على أطراف لحيته» (4).
ص: 57
(وتقديم الاستنجاء على الوضوء) فيعيد الوضوء لو قدّمه استحباباً؛ حملاً لخبر (1) سليمان بن خالد عن الباقر علیه السّلام بإعادته لو قدّمه على الاستحباب، جمعاً بينه وبين ما دلّ صريحاً على عدمها من الأخبار الصحيحة (2).
(ومسح الأقطع ما بقي من المرفق) إن قلنا بأنّ غسل المرفق إنّما وجبَ تبَعاً من باب المقدّمة، حملاً ل_ «إلى» على الانتهاء، فإنّه حينئذ يستحبّ مسح رأس العضد، وهو بقيّة المرفق لو قطعت من المفصلِ؛ خروجاً مَن خلاف من أوجَبَهُ (3).
ولو جعلت بمعنى «مع» وجب غسل باقي المرفق نصّاً (4) وهو الأقوى، وخيرة المصنّف (رحمه الله) في باقي كتبه، نعم لو قطعت من فوق المرفق استحبّ غسل باقي العضد؛ للنصّ (5)، وكذا لو قطعت من المفصل وقلنا: إنّ المرفق طرف عظم الساعد لا مجموع العظمين، لكن الأصحّ الثاني؛ لنصّ أهل اللغة عليه (6).
(وتحريك غير المانع) من وصول الماء إلى البشرة التي تحته كالخاتم الواسع؛ استظهاراً في الغسل. ومثله تخليل ما لا يمنع الماء كمعاطف الأُنثيين، وعُكَنِ البطن، وما تحت الإبطين، وتحت ثدي المرأة.
(وترك استعمال المشمّس) من الماء في الآنية؛ لِما روي أنّه يورث البرص (7)، قيل (8): لأنّ الشمس بحدّتها تفصل منه زهومة تعلو الماء، فإذا لاقَت البدن بسخونتها خِيفَ أنْ تقبضَ عليه فتحبس الدم فيحصل البرص، بخلاف المسخّن بالنار، فلا يُكره؛
الذهاب الزُهُومَةِ بها.
ص: 58
وهذا التعليل بالأواني المنطبعة كالحديد والنحاس ألصَق.
ولا فرق في البلدان وأنواع الآنية؛ لإطلاق النصّ. وفي حكم استعماله للطهارة اتّخاذه للأكل والشرب.
(والسؤر المكروه) كسؤر الحيوان المكروه أكل لحمه، وسؤر الفأر، والسنّور.
(والماء الآجن) وهو المتغيّر لطول مكثه (والمستعمل في) الحدث (الأكبر)؛ خروجاً من خلاف مَنْ مَنَعَ من طهوريّته (1).
(والطهارة من إناء فيه تماثيل) أي صور ذوات الأرواح لا مطلق التماثيل، (أو) فيه (فضّة) بحيث لا يصدق على المجموع أنّه من فضّة؛ للنهي عنه في الأخبار (2).
(والوضوء في المسجد من غير الريح والنوم) من الأحداث، أمّا منهما، فلا يستحبّ تركه، ولا يخفى أنّ ذلك مشروطٌ بعدم أذى أهل المسجد بحيث يعطّل على المصلّين والّاحرم؛ لمنافاته لمقتضاه.
وفي بعض الأخبار: «إن كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء فيه» (3).
وفيه إيماء إلى التفصيل المشهور؛ لأنّ الريح والنوم من الأحداث يقعان في المسجد اختياراً، بخلاف البول ونحوه وإن كان بحسب إطلاقه أعمّ من منه.
(و) ترك الوضوء (عند المُستَنْجى) (4) بل يَتَنَحّى عنه ثمّ يتوضّأ؛ للخبر (5).
(و) ترك (التكرار في المسح) على أصحّ القولين، وقيل: يحرم (6). وموضع النزاع ما إذا لم يعتقد الشرعيّة وإلّا حرم قطعاً.
(وقول: الحمد لله ربّ العالمين عند الفراغ) من الوضوء، رواه زرارة عن أبي
ص: 59
عبد الله علیه السّلام (1)، وزاده المفيد: اللهُمَّ اجعلنِي من التوابين، واجعلني من المُتَطَهِّرِينَ (2).
(وفتح العينين) عند الوضوء (على الرواية) التي وردت عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «افتَحوا عُيونَكُمْ عند الوضوء لعلّها لا تَرى نارَ جهنّم» (3).
وإنّما نسبه إلى الرواية مع أنّها كافية في مدارك السنن، كنظائرها المذكورة هنا؛ لنفي الشيخ في الخلاف استحبابَ إيصال الماء إلى داخل العينين، محتجّاً بالإجماع (4)، مع أنّه لا منافاة بين فتح العين وعدم إدخال الماء إليها.
(والدعاء عند الأفعال) بما رُوِيَ عن عليّ علیه السّلام وقال لولده محمّد: «إنّ مَنْ قال ذلك خَلَقَ اللهُ من كلّ قطرةٍ ملكاً يُقَدِّسه ويُسبِّحه ويُكَبِّره ويُهلِّله، فيكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة» (5).
وفي بعض ألفاظ الدعاء اختلاف في الروايات (6)، والمصنّف (رحمه الله) اختار منها ما استوضَح طريقه.
(فعند المضمضة: اللهمّ لقّنّي حُجَّتِي يَومَ أَلقاكَ ، وأَطْلِقْ لِساني بِذِكْراكَ)، وفي رواية الكافي: «اللهمَّ أَنطِق لساني بذكرك ، واجعلني ممّن ترضى عنه» (7)، والذكرى والذكر واحد، تقول: ذكرت ذكراً وذكرى، واختيارها هنا عليه أوفق؛ لوزان الفقرة.
(وعند الاستنشاق: اللهمّ لا تَحْرِمْني طَيِّبات الجِنان، واجعلني مِمَّنْ يَشَمُّ) - بفتح الشين - أصلها يَشْمَمَ - بسكونها ففتح الميم - نقلت حركة الميم إليها وأُدغمت، والماضي منه شَمِمَ - بكسر الميم -.
ص: 60
(رَوحها) _ بفتح الراء _ وهو نسيم الريح الطيّبة (ورِيحها) أي رائحتها، قال الجوهري: تقول: وجدت ريح الشيء ورائحته (1).
ويحتمل أن يُريدَ بها هواها من عَطْفِ العامّ على الخاصّ، لكن الأوّل أثبت.
(وریحانها) وهو نباتها المخصوص ذو الرائحة الطيّبة.
وفي رواية الكافي: «اللهمّ لا تحرّم عليّ ريح الجنّة، واجعلني ممّن يَشَمّ ريحها وطيبها وريحانها» (2). ومثله في التهذيب (3) ومن لا يحضره الفقيه (4) إلّا أنّ آخره فيهما:
«واجْعَلْنِي مِمَّنْ يَشَمُّ رِيحَهَا ورَوْحَها وطِيبَها».
والذي اختاره المصنِّف هنا ما ذكره الشيخان في المقنعة (5) والمصباح (6)، إلّا أنّهما قدّما ريحها على روحها.
وجملة ما ذكرناه من الروايات نقله المصنّف في الذكرى (7) أيضاً عن محالّها، وليس في أحدها تقديم الروح كما اتّفق هنا، لكنّه أعلم بما قال، والكلّ حسن.
و محلّ الدعاء في هذين بعد الفعل؛ لتعذّر النطق حالتهما غالباً.
وفي الرواية: «ثمّ تمضمض» وقال: «ثمّ استنشق» وقال... إلى آخره.
أمّا الدعاء عند الفعل الآتي والمسح، فحالته أو بعده.
(وعند غسل الوجه: اللهُمَّ بَيِّضُ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ فِيهِ الوُجُوهُ) يمكن كون «الوجوه» مرفوعة على الفاعليّة ل_ «تَسْوَدُّ» والدال مشدّدة بعد الواو المفتوحة وقبلها السين ساكنة، وهو الأشهر روايةً وضبطاً.
ص: 61
ويمكن كونها مفتوحةً، والفاعل ضمير مستتر فيه، والتشديد على الواو مكسورة (ولا تُسَوِّد وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُ فِيهِ الوُجُوهُ) والكلام فيه كالسابق.
(وعند غسل) اليد (اليمنى: اللهمّ أعطِني كتابي بِيَمِيني، والخُلدَ فِي الجِنان بشمالي) الباء في «بيميني» ظرفيّة - مثلها في قوله تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ» (1) أي أعطيته في يميني.
ولا يجوز كونها للاستعانة كما في قولك: أعطيت بيدي؛ لأنّ اليد هنا ليست آلة للفعل الذي هو الإعطاء المنسوب إلى الله تعالى وهو شرط بالاستعانة بخلاف المثال.
وأمّا الباء في قوله «بشمالي»، فتحتمل الظرفيّة أيضاً على وجه التوسّع؛ لأنّ اليد من شأنها أنْ يُنسب إليها أخذ الأشياء وإن كانت معنويّة.
ومن هذا الباب رفع اليدين إلى الله تعالى بسؤال كلّ ما يحتاج إليه من أحوال الدنيا و الآخرة، و منه حدیث الهذلي حین سأل النبيّ علیه السّلام عن دعاء ينتفع به - إلى قوله -: فقبض عليها بيده (2)، وسيأتي (3).
والمراد هنا طلب ملء اليدين من الخير، فطلب لليمنى الكتاب؛ للمناسبة والدلالة على الرضى عنه، فلمّا شغلت به بقیت الیسار، فطلب لها الخلد في الجنان.
ويجوز بناؤه على حذف المضاف وهو براءة الخلد أو بشارته ونحو ذلك، أي أعطني كتابي، وهو كتاب الحسنات بيميني وصحيفة أُخرى تتضمّن براءة الخلد وبشارته بشمالي. ويحتمل كونها سببيّة، أي بسبب غسلها، أو نحوه من أعمال الخير، كأنّه طلب إعطاء الكتاب باليمنى جزاءً لغسلها، والخلد في الجنان بسبب غسل اليسار.
ص: 62
وباء السببيّة ملحوظ في اليمين أيضاً لتطابق الجملتين، لكن حذفت لاشتغالها بالباء الأولى.
ونقل المصنِّف (رحمه الله) (1) عن بعض الفضلاء في هذا التركيب مَعْنَيَيْنِ غير ما ذَكَرْنا هنا : أحدهما: أن يكون المعنى سَهِّلْ لى الخلد حتّى أنالَهُ صفواً عفواً مفروغاً، كما يقول القائل في الأمر المفروغ منه: جعلته على يساري وورائي وخلف ظهري، وتقديره: اجعلني فارغ القلب من خوف فقدان الخلد.
والثاني: أن يكون تقديره «وضع الجنّة على هذا المثال، فيأخذ الكتاب بيمينه، ويأخذ من هذا الجانب الذي هو اليسار متوجّهاً إلى الجنّة».
وفيهما نظر:
أمّا الأوّل: فلمنع اطّراد المثال في اليسار، وإنّما المسموع منه والمعقول الوراء وما شاكله ووجهه واضح؛ لأنّ ما كان إلى الوراء لا ينظر إليه، وإنّما ينصرف النظر إلى خلاف جهته، فكأنّه يقال في ما وراء: قطعت نظري عنه واهتممت بغيره، وأمّا اليسار فلا، بل هو كاليمين في ذلك.
ومعلوم أنّ الموضوع عليه لا تدلّ اللغة ولا العرف على انصراف النفس عنه وتوجّهها إلى غيره، بل ربما كان من جهات التوجّه ومواضع الاهتمام وإن كان الأمام أقوى توجّهاً وأشدّ عنايةً.
وأمّا الثاني: فلأنّ التوجّه إلى الجنان نحو اليسار خالٍ عن النكتة؛ إذ لا شرف فيها، بل هي مرجوحة في تلك الدار، كما نبّه عليه بقوله: «وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمال فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ» (2). فكان الانصراف نحو اليمين أولى، كما نبّه تعالى عليه في قسيم الشمال.
واقتراح الجهة الخالية عن النكتة في مثل الدعاء البليغ الصادر عن ترجُمانِ
ص: 63
الفصاحة وإمام البلاغة غيرُ لائقٍ، خصوصاً مع ظهور المزيّة في غيرها من الجهات كاليمين والأمام.
تمام الدعاء: (وحاسِبْنِي حِساباً يَسِيراً) لم يطلب دخول الجنّة بغير حساب، هَضماً المقامه واعترافاً بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب؛ فإنّه مقام الأصفياء، بل طَلَبَ سهولة الحساب، تفضّلاً من الله تعالى، وعفواً عن المناقشة بما يستحقّه، وتحرير الحساب بما هو أهله.
وفيه مع ذلك اعتراف بحقّية الحساب، مضافاً إلى الاعتراف بأخذ الكتاب، وذلك بعضُ أهوالِ يوم الحساب.
(وعند غَسلِ اليُسرى: اللهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتابِي بِشمالي) قد جعل الله تعالى علامَةَ رضاه - في ذلك اليوم الشديد والعفو عن التوبيخ والتهديد - إعطاءَ الكتاب الذي قد كتبه عليه الحَفَظَةُ في دار الدنيا بيمينه، وعلامةَ سخطِهِ وإعراضِهِ عن العبد - لكثرة ذنوبه وسوء وسوء أعماله - إعطاءَه الكتاب بشماله، وهو من قرائن العذاب والتنويه بقبائح الكتاب.
وفي بعض الروايات (1) بدل «بشمالي» «بيساري».
(ولا تَجعلها مَغلولةً إلى عُنُقِي) خصّها بذلك مع أنّ اليمين تشاركها في الغُلّ عند إرادة عذابه، كما ورد في الأخبار (2)؛ للاشتغال عند ذكر اليمين بطلب أنواع الخير - كما قد عرفت - وسؤال صرف السوء عند الشمال فناسب تخصيصها بذكر الغلّ وإن لم تختصّ بالغلّ.
(وأعوذُ بك من مُقَطّعات النار)، وفى بعض الروايات (3): «النيران» بالجمع.
والمقطّعات - بالقاف والطاء المهملة المشدّدة المفتوحة - ثياب أهل النار، قال
ص: 64
الجوهري: «المقطعات من الثياب شبه الجِباب ونحوها»، وقال أبو عمرو: «ومقطّعات الثياب قصارها» (1).
ومثله نقل الهروي في الغريبين عن أبي عبيد ونقل عن غيره:
أنّها كلّ ثوب يقطع من قميص وغيره، فإنّ من الثياب ما لا يقطع كالأُذُر والأردِيَة. ومنها ما يقطع - قال: - وممّا يقوّي ذلك حديث ابن عبّاس في وصف سعف نخل الجنّة، منها مقطّعاتهم (2).
ولم يكن يصف ثيابهم بالقصر؛ لأنّه عيب.
والمُقَطَّعات اسم واقع على الجنس لا يُفْرَدُ له واحد من لفظه، فلا يقال للجبّة: مُقَطَّعة، بل يقال لجملة الثياب: مُقَطَّعات وللواحد: ثوب، كالإبل واحدها، بعير، والمعشر واحدها، رجل.
وربما ضبطه بعضهم في الدعاء بالفاء والظاء المعجمة جمع - «مِفظعة» - بالكسر يقال: فَظُعَ الأمر - بالضمّ - فظاعةٌ فهو فظيعٌ، أي شديد شنيع جاوَزَ المقدار، وكذلك أفظع فهو مُفظِع .
والمشهور المعروف هو الأوّل.
(وعند مسح الرأس : اللهُمَّ غَشَّنِي بِرَحْمَتِكَ وَبَرَكاتِكَ) عَشّني أَي غَطَّنِي وَاسْتُرْنِي. قال الجوهري: استغشى ثوبه وتغشّى أي تغطّى به (3). والمراد: اجعل رحمَتَكَ وبركاتِكَ شامِلَيْنِ لي بحيث لا يخرج منّي شيء عنهما.
(وعند مسحِ الرجلين: اللهمَّ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ على الصِراطِ المستقيمِ يومَ تَزلُّ فيه الأقدامُ واجعل سَعْيِي في ما يُرضِيكَ عَنِّي). هذا القدر هو المشهور في الرواية (4).
ص: 65
وزاد المفيد: (يا ذا الجلال والإكرام) (1) وتبعه الشيخ في المصباح (2).
(وعند الفراغ) أي بعده: (اللهمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ تَمامَ الوضوء، وتمامَ الصلاةِ، وتمامَ رضوانِكَ والجنّةَ) ذكره الصدوق، وقال: «إنّه زكاة الوضوء» (3)، ومثله لا ينقل ذلك إلّا برواية.
وروى زرارة عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه يقول: «الحمد لله ربّ العالمين» (4)، وزاد المفيد: «اللهم اجعلني من التّوابين، واجعلني من المتطهِّرين» (5).
وفي مقطوعة معاوية بن عمّار: «إذا توضّأت فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، اللهمّ اجعلني من التّوابين، واجعلني من المُتَطَهِّرين، والحمد للهِ رَبِّ العالَمِينَ» (6).
(وقراءة) سورة (القدر ثلاثاً) فإنّه يعدّ من الشاكرين.
(يستحبّ الغُسل لخمسين)
(للجمعة) ووقته من فجر الجمعة إلى الزوال، (ويعجّل ) یوم (الخميس الخائف يوم الفوت) يوم الجمعة، ( ويقضي) يوم (السبت). هذا هو الموجود في النصوص (7)، ومن ثَمّ اقتصر عليه.
وبقي الكلام في فعله ليلة الجمعة ويومها بعد الزوال إلى دخول السبت، فيحتمل قويّاً إلحاقهما بالسابق واللاحق، فيُعَجِّل في الليلة ويُقضى في النهار؛ لانتفاء الأداء
ص: 66
بسبب التوقيت الفائت، وكونهما أقرب إليه ممّا يعجّل فيه ويقضى، فيكونان أولى بذلك وفي بعض الأخبار (1) ما يُؤْذِنُ بالثاني.
والعدم؛ لعدم النصّ، وتوقّف الحكم بالشرعيّة على التوقيف.
وأفضلُ الوقتين أقربُه إلى وقت الأداء، وأفضلُ وقت الأداء أقربُه إلى الزوال.
والظاهر أنّه مع التقديم أداء، وإنّما يفرق عنه بكونه مشروطاً بخوف فواته في الوقت. ويحتمل أنْ يُنوى به التعجيل أو التقديم؛ نظراً إلى أنّه غيرُ الوقت الحقيقي.
(وفُرادى شهر رمضان) الخمس عشرة، وهي العدد الفرد من أوّله إلى آخره (وآكده) منها (ليلة تسع عشرة) فقد روي (2) أنّ وفد الحجّ في تلك الليلة يكتب فيها.
(و) ليلة (إحدى وعشرين) وهي الليلة التي أُصيب فيها أوصياء الأنبياء، وفيها رُفِعَ عيسى بن مريم، وقُبِضَ
موسى علیه السّلام.
(و) ليلة (ثلاث وعشرين) يُرجى فيها ليلة القدر، روى ذلك بعلله محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام (3).
والأعداد في هذه الثلاثة بخطّ المصنّف مذكورة بإلحاق علامة التأنيث مع أنّ الليالي المضافة إليها مؤنّثة؛ والوجه في ذلك أنّ العددَ كِنايةٌ عن اليوم، والليلة مضافة إليه، كأنّه قيل: ليلة اليوم الفلاني، وهو تركيب صحيح.
(وبعدها) أي بعد هذه الثلاثة في الفضيلة ليلة (أوّله و) ليلة (نصفه و) يستحبّ (غُسل آخر ليلة ثلاث وعشرين) بجعل أحد الغسلين أوّل الليل والثاني آخره؛ لمقطوعة بريد (4)، (وليلة الفطر) عند غروب الشمس، (ويَوْمَي العيدين) ووقته النهار، والأفضل جعله قبل الصلاة كالجمعة.
ص: 67
(وليلَتَيْ نصف رجب و) نصف (شعبان)، أمّا الأوّل، فهو مشهور (1) ولكن لم يصِل إلينا فيه أثرٌ، وأمّا الثاني، فمرويٌّ عن الصادق علیه السّلام (2)، وعن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (3) بطريقٍ ضعيفٍ.
(و) يوم (المبعث) على المشهور (4)، (و) يوم (الغدير) وهو مرويّ (5) وإجماعي.
(و) يوم (المباهلة) (6) وهو (رابع وعشرين) من (ذي الحجّة في الأصحّ)، وقيل: خامس وعشرين منه (7)، واستحبابه مؤكّد، بل روى سماعة أنّه واجب (8)، وكأنّه أراد تأكيد الاستحباب.
(و) يوم (الدحو) - وهو بسط الأرض من تحت الكعبة - خامس عشرين ذي القعدة على المشهور (9)، (و) يوم (التروية) وهو ثامن ذي الحجّة سُمِّي بذلك؛ لأنّ الحاجّ كان ترتوي فيه الماء وتحمله إلى عرفة، ولم يكن ثُمَّ فيها ماء كما هو اليوم.
(و) يوم (عرفة) (10) وإن لم يكن المغتسِل بها.
(والنيروز) رواه المعلّى بن خُنيس عن الصادق علیه السّلام (11)، واختلفوا في تعيينه،
ص: 68
والمشهور الآن أنّه أوّل نزول الشمس الحَملَ وهو الاعتدال الربيعي وأوّل فصله.
(والإحرام) للحجّ والعمرة، (والطواف، وزيارة أحد المعصومين، وترك) صلاة (الكسوف المستوعب عمداً)، فلو كان نسياناً أو لم يستوعب لم يستحبّ، والجاهل عامد.
(والسعى إلى رؤية المصلوب عمداً بعد ثلاثة) أيّام من صَلْبِه مع الرؤية. واحترز بالعمد عمّا لو رآه اتّفاقاً، فإنّ الغسل لا يستحبّ حينئذٍ. ويمكن الغِنى عنه بالسعي إلى رؤيته، فإنّه يستلزمه عرفاً. والظاهر عدم الفرق بين المصلوب بحقّ وغيره؛ لإطلاق النصّ (1).
(وللتوبة مطلقاً) عن أيّ ذنب كان صغيراً أو كبيراً، (وقيّده المفيد (2) بالكبائر)، والمرويّ (3) فيه استماع الغِناء، وظاهر الرواية أنّه كبيرة.
(وللحاجة والاستخارة) على بعض الوجوه لا مطلقاً؛ فإنّ لكلّ واحدة منها أنواعاً من الصلوات والدعوات، وليس جميعها يستحبّ لها الغسل.
فأمّا صلاة الحاجة المخصوصة بالغُسل، فمنها: ما رواه مقاتل بن مقاتل قال، قلت للرضا علیه السّلام: جعلت فداك - عَلَّمْنِي دعاءً لقضاء الحوائج، قال، فقال: «إذا كانت لك حاجة إلى الله مهمّة، فاغتسل والبس أَنظفَ ثيابك، وشَمَّ شيئاً من الطيب، ثمّ ابرُز تحت السماء، فصلّ ركعتين تفتتح الصلاة، فتقرأ فاتحة الكتاب و«قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» خمس عشرة مرّةً، ثمّ تركع وتقرأها خمس عشرةَ مرّةً على مثال صلاة التسبيح غير أنّ القراءة خمس عشرة مرّةً، ثمّ تسجد وتقول في سجودك: اللهُمَّ إِنَّ كُلَّ مَعبُودٍ من لَدُنِ عَرْشِكَ إلى قَرارِ أَرضِكَ فَهُوَ باطِلٌ مُضمَحِلُّ سِواكَ، فإنَّكَ أَنتَ اللهُ الحَقُّ المُبِينُ اقْضِ لي حاجة كذا وكذا، الساعة الساعة، وتلحّ فيما أرَدْتَ» (4).
ص: 69
وفي المصباح (1) صلوات أُخر بعضها بغسلٍ وبعضها بغير غُسلٍ.
وأمّا الاستخارة، فهي أنواع أيضاً أكثرها بغير غُسلٍ، وروى الشيخ في التهذيب بإسناده إلى زرارة عن أبي عبد الله علیه السّلام في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: «يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً، على كلّ مسكين صاع بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الثاني ويلبس أدنى ما يلبس» - وذكر الحديث إلى أن قال - : «فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية استخار الله مائة مرّة يقول...» (2) وذكر الدعاء.
وقد ذكر المصنِّف في آخر الرسالة (3) أنّ الاستخارة بالرقاع الستّ يستحبّ لها الغُسل.
(والمولود) حين يُولد، والظاهر أنّه لا يسقط بالتراخي؛ لإطلاق النصّ.
(ودخول الحرمين) مكّة والمدينة (مطلقاً) سواءً دخلهما لأداء عبادة أم لا، (وقيّد المفيد (4) دخول المدينة لأداء فرض أو نفل)، والأخبار مطلقة به، (و) دخول (المسجدين) الشريفين بمكّة والمدينة، (والحرم) الشريف بمكَّةَ، وقد كان يغني عنه ما سبق؛ لأنّه أحدُ الحرمين، ولعلّه خَصَّهُ لكون الغُسل له أفضل من الغسل لحَرَمِ المدينة.
وقد عرفتَ أنّه يخصّ المؤكّد الخاصّ من العامّ، كما قد تكرّر منه، لكن نبّه عليه، وهنا أطلق.
ووجه كونه أكدَ أنّ خبر محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام (5) تضمّن غسل دخول الحرمين، وخبر سماعة (6) تضمّن غسل دخول الحرم، فكان مذكوراً في الخبرين معاً
ص: 70
بخلاف حرم المدينة، وآكديّة بعض فُرادى رمضان السابقة من هذا القبيل.
(و) دخول (الكعبة والاستسقاء وقتل الوزغة) - بالتحريك - ذكره الصدوق (1)، وعلّله بخروجه من ذنوبه، (وإعادة الغُسل بعد زوال الرخص) الموجب لإيقاعه على وجه ناقص، خروجاً من خلاف من أوجب الإعادة (2).
(والغُسل عند الشكّ في الحدث) مع تيقّن الطهارة (كواجد المني في الثوب المشترك) والفراش ونحوهما احتياطاً، وليكن غُسلاً مبيحاً لتحصل الفائدة المطلوبة منه، فينوي الاستباحة إن اعتبرناها وكذا غيرها من المعتبرات.
(وإعادة غُسل الفعل) كالإحرام ودخول مكّة ونحوهما (إنْ أَحْدَثَ قبله) وهو مرويّ (3) في دخول مكّة، وفي النوم قبل الإحرام، وألحَقَ غيره من الأحداث به.
ولو أحْدَثَ في أثنائه فأولى بالإعادة مع احتمال العدم؛ لعدم اشتراطها بالطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وذكر الإعادة في بعضها بجواز اختصاصه بها.
(ولم يثبت) استحباب الغسل (للإفاقة من الجنون عندنا) وإن استُحبَّ عند العامّة (4)، بناءً على ما قيل مِنْ أنّ مَنْ زال عقله أَنْزَلَ، فإذا أَفاقَ اغتسل احتياطاً.
واستقرب العلّامة في النهاية الاستحباب (5) لهذه العلّة، والمصنّف (رحمه الله) نبّه بذلك على خلافه، قال المصنّف في الذكرى: والحكم لا نعرفه والتعليل لا يثبته (6).
نعم روى العامّة: أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يُغمى عليه في مرضِ موتِه فيغتسل (7). فيكون
ص: 71
الجنون بطريق أولى، وظاهرٌ ضعف هذا التمسّك.
واعلم أنّ جملة المذكور في هذا الباب ظاهراً تسعة وأربعون، والمصنّف ذكر أنّها خمسون، فيمكن أن يكون المتخلّف مندرجاً في بعضها إمّا بأن يكون هو المؤكّد من الفرادي بحيث يجعل الجميع واحداً، فقد استعمل المؤكّد عدداً مغايراً في باب الوضوء.
ويشكل بأنّ محلّه متعدّد، فلا يحسن جعله واحداً، أو يكون الإحرام شاملاً لاثنين بسبب الحجّ والعمرة، أو يكون الكسوف شاملاً لاثنين أيضاً بسبب تناوله للشمس والقمر، أو يكون أحدهما الإفاقة من الجنون وإن نفاه؛ نظراً إلى حكم العلّامة باستحبابه (1).
ويمكن أن يكونَ نَسِيَ واحداً من الأعداد فقد تخلّف عمّا ذكره في مواضعَ أُخرَ ذكرها المصنّف في الذكرى (2) منها: الغسل لتكفين الميّت، ولرمي الجمار، ولِمَنْ مسّ ميّتاً بعد الغُسل رواه عمّار عن الصادق علیه السّلام (3)، ولمن مات جُنُباً مقدّماً على غسل الميّت؛ لخبر العيص عن الصادق علیه السّلام (4).
[السنن في غسل الحيّ]
(والسنن في غسل الحيّ أربعون: الاستبراء بالبول على الرجال والنساء).
ويشكل الحكم في النساء؛ لأنّ البول لا يُصادِفُ مَخْرَجَ المني، فلا يؤثّر في إزالة أثره بخلاف الرجال، وكذا لو كان سببُ الغسل للرجال غيرَ الإنزال، ومِن ثَمَّ حَصَّهُ بعض الأصحاب (5) ومنهم المصنّف في الذكرى والدروس (6) بالرجل المُنْزِلِ.
ص: 72
(أو الاجتهاد) بالمسح المتقدّم والعصر (على الرجال) دون النساء؛ لعدم غايته.
وأطلق جماعة الاستبراء: ومنهم من صرّح باستبرائها أيضاً، وجعله عرضاً (1).
(والتسمية) والأكثر لم يذكروها في الغسل، وخبر زرارة عن أبي جعفر علیه السّلام: «إذا وضَعْتَ يدَكَ في الماء فقل: بسمِ اللهِ وباللهِ، اللهُمَّ اجعلني من التّوابين، واجعلني من المُتَطَهِّرِين» (2) يشمله.
(وتقديم غسل اليدين من المرفقين ثلاثاً)؛ لقول الكاظم علیه السّلام في غسل الجنابة : «تَغسِلُ يدَكَ اليمنى من المرفق إلى أصابعك» (3). ونحوه رواية سُماعة عن الصادق علیه السّلام (4).
وقيل: من الزَندين كالوضوء؛ لخبر الوضوء (5)، فإنّه تضمّن ثلاثاً من الجنابة، واختاره المصنّف في الذكرى (6) وجماعة (7). والأوّل أَوْلَى.
(والمضمضة والاستنشاق والغَسل) لكلّ عضو من أعضاء البدن (مثلّثاً) أي ثلاثاً ثلاثاً وهو بيان لعدد الثلاثة.
و تخليل ما يصل إليه الماء من شعر أو خاتم أو نحوهما) كَمَعَاطِفِ الأُذُنَيْنِ والإِبْطَيْنِ، وعَكَنِ بَطْنِ السمين، وما تحت ثدي المرأة والسرّة؛ استظهاراً في الغسل.
(ونقضها) أي المرأة وإن لم يتقدَّم لها ذكر؛ لدلالة الحال كما في قوله تعالى: «حَتَّى تَوارَتْ بِالحِجابِ» (8) أو المدلول عليها بالنساء تضمّناً (الضفائر) جمع ضفيرة
ص: 73
وهي العقيصة المجدولة من الشعر. وخصّ المرأة؛ لأنّها مَوْردُ النصّ (1) وإلاّ فالرجل المربِي كذلك؛ لأنّ الواجب غسل البشرة دون الشعر، وإنّما يستحبّ النقض؛ للنصّ والاستظهار.
(وإمرار اليد على الجسد) حالة الغسل؛ لما فيه من المبالغة في غسله، وتحقيقاً لوصوله إلى منابت الشعر، وإزالة ماهناك من المانع عن الجريان.
( والولاء) بين الأعضاء بحيث كلّما فرغ من عضو شَرعَ في الآخر، وفي غسل نفس العضو أيضاً؛ لِما فيه من المسارعة إلى الخير وموجب المغفرة والتحفّظ من طريان المفسد، ولأنّ ذلك هو المعلوم من صاحب الشرع (2) وذرّيّته علیهم السّلام (3).
(وستر البدن) عن الناظر المحترم؛ لما فيه من استشعار الحياء، وإظهار المروّة، والتأسّي بالشارع (صلوات الله عليه وآله).
وغسل الشعر) لفحوى قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «تحت كلّ شعرة جنابة فَبُلُوا الشَعْرَ وأَنْقُوا البَشَرَة» (4)، وهو محمول على الندب؛ لدلالة الأخبار على عدم نقض الشعر.
(والغسل بصاع) (5)؛ لأنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يغتسل به، وقد تقدّم (6) الوعيد على من استقلّه.
(وغسل الرأس ب_ ) اليد (اليمنى)؛ لأنّها للأعلى كما تقدّم، (والسواك) قبله أو بعده، كما تقدّم (7).
ص: 74
(وتقديم النيّة عند غسل اليدين) بالشرائط السابقة (على القول المشهور) (1) الذي ليس عليه دليل واضح، ومثله إيقاعها عند المضمضة والاستنشاق، (والأولى) إيقاعها (عند غسل الرأس)؛ لأنه أوّلُ أفعاله.
(وقصر النيّة على القلب) من دون أنْ يُضِيفَ إليه اللسان؛ إذ لا مدخل له في القصد والإرادة، وتخيّل إعانته له عليه من الوساوس الشيطانيّة، والحكم باستحباب الجمع ليتعبّد بها القلب واللسان تحكّم لا أصل له.
(وحضوره) أي القلب (عند جميع الأفعال) فإنّه موجب لقبول العبادة ورفعها إلى الله تعالى وإيجابها الزيادة في الثواب.
(والدعاء في أثنائه) بقوله: (اللهُمَّ طَهِّرْ قَلبِي، وَاشْرَحْ لِي صَدرِي).
أصل الشرح: التوسعة، ويعبّر عن السرور بشرح القلب، وعن الهَمِّ بِضِيقِه؛ لأنّه يورث ذلك، وهو كناية عن انفساحه وقبوله للإيمان والعلم والحكمة والصبر والاحتمال وغير ذلك من درجات الكمال.
(وأَجْرِ على لِسانِي مِدْحَتَكَ والثناء عليك، اللهُمَّ اجْعَلْهُ لِي طَهُوراً وشفاءً ونُوراً، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ). نسب المصنّف في الذكرى (2) هذا الدعاء إلى المصباح (3)؛ لعدم وقوفه على إسناده في كتب الحديث، وذكره المفيد (4)، لكن جعله بعد الغسل.
والذي رواه الشيخ في التهذيب بإسناده إلى عمّار قال، قال أبو عبد الله علیه السّلام : «إذا اغتسلتَ من جنابة فقل: اللهمَّ طَهِّر قَلْبِي، وتَقَبَّلْ سَعْيِي، واجْعَلْ ما عِندَكَ خَيْراً لي، اللهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التوّابين، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِين، وإذا اغتسلت للجمعة فقل: اللهُمَّ طَهِّرْ
ص: 75
قَلبِي مِن كُلِّ آفَةٍ تَمْحَقُ دِيني، وتُبطل عملي، اللهُمَّ اجْعَلْني مِنَ التَّوابين واجعلني مِن المُتَطَهِّرِين» (1).
(وبعد الفراغ: اللهُمَّ طَهِّرْ قَلبي، وزَکِّ عملي، واجْعَلْ ما عِندَكَ خَيْراً لي، اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِين ، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ).
(وجلوس الحائض) في أوقات الصلاة (في مُصَلّاها متوضّئَةً، مُسْتَقْبِلَةً) للقبلة، (مُسَبِّحةً بِ_) التسبيحات (الأربع، مُسْتَغْفِرَةً، مُصَلِّيَةً على النبيّ وآله بقدر الصلاة) للنصّ (2) والتمرين على العبادة بقدر المُكْنَةِ؛ فإنّ الخير عادةٌ.
والأخبار خالية عن تعيين المكان، فتتأدّى السنّة بجلوسها لِلذِكر بعد الوضوء حيث شاءت.
(وقضاؤها صوم النفل) الذي فات وقته المخصوص حال الحيض، وهاتان المسألتان لا مزيّة لهما في هذا الباب؛ لأنّ الكلام في سنن الغسل لا سنن المحدث، لكن استطردهما لتتميم سنن المحدثين؛ ولأنّهما كالمقدّمة لغُسل الحيض وإن تأخّر قضاء الصوم عنه، إلّا أنّ الاستحباب ثابت قبله، فيحصل بتوطين النفس عليه حينئذٍ امتثالُ الأمرِ الموجِبِ للثواب.
(وتقديم المستحاضة الغسلَ على تجديد القطنة والخرقة)؛ تخفيفاً للخبث بقدر الإمكان (قاله المفيد (رحمه الله) (3)) ونسبه إليه؛ لعدم وقوفه على نصٍّ عليه، وإشعاراً بتوقّفه فيه؛ لتعارض الحدث والخبث، وربما كان تخفيف الحدث هو الأَولى؛ لأنّه أقوى.
(واختيار المغتسِل الترتيب) على الارتماس وشبهه ؛ لحكم الأصحاب بكراهته (4)؛
ص: 76
ومنع بعضهم من شبه الارتماس (1) وإن لم يظهر مأخَذُه.
(وتقديم الوضوء على غسله في غير الجنابة) للنصوص الدالّة عليه، بل أوجبه بعض الأصحاب؛ للأمر به، وهو محمول على الندب.
(والغسل بمِثْزَر) - بكسر الميم والهمزة الساكنة - وهو الإزار الساتر للعورة وإن لم يكن ثُمَّ ناظر [عن] أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه نهى أن يدخل الرجل الماء إلّا بمئزر (2). وعنه علیه السّلام قال: «إذا تَعَرّى أحدُكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستزلّه» (3).
السنن في غسل الميّت]
(وأمّا غسل الميّت، فيستحبّ فيه توجيه الميّت إلى القبلة كالمحتضر) بأن يُجعل على ظهره وأخمصه إلى القبلة بحيث لوجلس كان مستقبلاً، والحكم باستحباب الاستقبال به في هذه الحالة أحد (4) القولين في المسألة، وفي بعض الأخبار (5) دلالة عليه.
وأوجبَهُ جماعةٌ (6) منهم المصنّف في الدروس (7)، ويدلّ عليه خبر الكاهلي (8) وسليمان بن خالد (9)، والإسناد من الطرفين غير نقيٍّ، ولا رَيْبَ أنّ الوجوبَ أوْلَى.
(وغسل فرجِه بالحُرُض) - بضمّ أوّله وثانِيِه أو سكونه - وهو الأُشنان - بضمّ أوّله -
ص: 77
(والسدر) ثلاثاً قبل الغسل (ولفّ خرقةٍ على يد الغاسل إلى الزند) ليغسل بها عورته (وطرحها عند كلّ غسلة).
وظاهر العبارة والرواية (1) أن يغسله أجمع بها.
(وشقّ جَيبه ونَزع ثوبه من تحته) قبل الغسل، وليَكن ذلك بإذن الوارث له مع احتمال عدمه؛ للإذن فيه شرعاً (2) (وجَعلُ حُفَيرةٍ) ليجتمع فيها الماء (وتليّن أصابعه برفق و توضئته) بعد ذلك على المشهور (3) بغير مضمضة ولا استنشاق.
(وغسل رأسه برغوة السدر) قبل النيّة (والبدأة) فى غسله (بشقّه) أي بشقّ رأسه (الأيمن ثمّ) بشقّه (الأيسر) في كلّ غسلة (وتثليث الغسل) لكلّ عضو.
(وغمز بطنه قبل كلّ) واحدة (من الغسلتين الأُوليين) ليرد الماء على ما يخرج منه، تحفّظاً من خروج شيء بعد الغسل؛ لضعف القوّة الماسكة.
(والإسباغ) وهو المبالغة في التطهير بتكثير الماء وإيصاله إلى أجزاء ظاهر البدن ومَعاطِفِه (وخصوصاً تحت الإِبطين والوَركَيْنِ والحَقْوَيْنِ).
(و) الغسل (بسبع قِرَبِ؛ تأسّياً بما غُسِّل به النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم) فإنّه قال لعليّ علیه السّلام: «إذا أنا متُّ فاستقِ لي سبع قِرَبٍ من بئر غَرْس» (4) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء والسين المهملة، وكانت منازل بني النضير، وروي ستّ قِرَبٍ (5) (وأن يقصد تكرمة الميّت في النيّة).
(والذكر) - بالرفع - ( والاستغفار) حالة الغسل، روى الكليني بإسناده إلى الباقر علیه السّلام قال: «أيّما مؤمن غَسَّل مؤمناً فقال إذا قَلَّبَهُ: اللهُمَّ إِنَّ هذا بَدَنُ عَبدِك المؤمن قد أخرجتَ
ص: 78
رُوحَهُ منه وفَرَّقْتَ بينهما فعفوك عفوك، إلّا غفر الله عزّ وجلّ له ذنوب سَنَة إِلَّا الكبائر» (1).
وعن الصادق علیه السّلام : «ما من مؤمن يغسّل مؤمناً ويقول وهو يغسله: ربّ عفوَك عفوَك إلّا عفا الله عنه (2).
(والوقوف على) الجانب (الأيمن) من الميّت (ومغايرة الغاسل للصابّ) تأسّياً بمن غسّل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم .
ويظهر من العبارة أنّ الغاسل غير الصابّ وهو المقلّب.
وفيه نظر، بل الظاهر أنّ الصابّ هو الغاسل خاصّة؛ لأنّه فاعل الغسل، والمقلّب كالآلة، وتظهر الفائدة في النيّة؛ فإنّها من الغاسل.
والمصنّف في الذكرى (3) اجتزأ بها من كلٍّ منهما، وهو مع ذلك لا يدفع المناقشة العبارة، حيث خصّ الغاسل بغير الصابٌ.
(وغسل اليدين) أي يَدَيِ الغاسل (إلى المرفقين مع كلّ غسلة)، وكذا يستحبّ غسل يدي الميّت قبل الغسل إلى نصف الذراع، كما يغتسل من الجنابة رواه يونس (4) في حديثه الطويل.
(و تجفيفه) بعد الغسل وقبل التكفين بثوب (صوناً للكفن، واغتساله) أي اغتسال الغاسل (قبل تكفينه) وإن لم يكن عليه غسل المسّ (أو الوضوء إن خاف عليه) الضرر لو اغتسل (فإن تعذَّرَ) الوضوء (غسل يديه إلى المرفقين. وتغسيل الميّت جنباً مرّتين)؛ للأمر به في بعض الأخبار (5) المحمول على الندب جمعاً، وإلا فإنّ غسل
ص: 79
الجنابة يسقط بالموت؛ لسقوط التكليف، خصوصاً إذا قلنا بوجوبه لغيره كما هو الأقوى؛ لسقوط العبادة عنه.
(ويُكره للجنب وشبهه) الغسل (بِمُشَمَّس) من الماء في الآنية وإن لم يقصده أو زالَتِ السخونة، وكذا يُكره مطلقُ الاستعمال، (وبِسُؤرِ المكروه) أكله، كالخيل والبغال والحمير أو المكروه سوره فتدخل الفأرة والوزغة، بل الحائض المُتَّهمة ونحوها، إلّا أنّ العبارة تصير مُجْمَلَةً.
ويمكن أن يكون ذلك من باب إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع، أي سؤر المكروه.
(والارتماس في كثير الراكد احتياطاً). قال المفيد (رحمه الله):
لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد؛ فإنّه إن كان قليلاً أفْسَدَهُ، وإنْ كان كثيراً خالف السُنّة بالاغتسال فيه (1).
وروي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من
جنابة» (2).
وحَمَلَهُ في المعتبر على الكراهة (3)؛ تنزيهاً عمّا تعافه النفس، أو على التعبّد المحض، وربما كان ذلك دليلاً على سلب الطهوريّة، كما ذهب إليه بعض الأصحاب (4) والعامّة (5).
(والمستعمل في فرضٍ أو سنّةٍ) من وضوء أو غسل، أما مع كونه رافعاً لحدث أكبر، فللنهى عنه (6) - الذي أقلّ مراتبه الكراهة - وللخروج من خلاف من سلبه الطهوريّة
ص: 80
إن كان قليلاً ، وأمّا غيرُه، فلم نَقِفْ على مأخَذِه.
نعم نقل المصنّف (1) عن المفيد كراهة المستعمل في الوضوء (2) ساكتاً عليه، فهو يُشعِرُ بالتمريض، وعدم العلم بالمَأخَذِ.
ويتحقّق كون الماء مستعملاً بانفصاله عن البدن، وفى الارتماس عند تمامه وإنْ لم ينفصل عنه، فيصير مستعملاً بالنسبة إلى غيره.
(والادّهان)؛ لخبر حَريز عن الصادق علیه السّلام، قلت : الجُنُبِ يَدَّهِن ثمّ يغتسل ؟ قال : «لا» (3).
(والخضاب)؛ للنهي عنه في الأخبار (4) المحمولة على الكراهة جمعاً، وعلّل في رواية أبي بصير بخوف الشيطان على الحائض (5).
(ومَسٌ غير الكتابة من المصحف) کهامشه و بين سطوره حتّى جلده وخيطه (وحَمْله) وتعليقه. وكذا يُكره ذلك للمُحدِثِ حدثاً أصغر؛ لنهى الكاظم علیه السّلام عنه (6)، وتلا قوله: «لا يَمَسَّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ» (7) وحمل على الكراهة توفيقاً (8).
(وقراءة غير) سُوَر (العزائم) الأربع من القرآن؛ للنهي عنه (9) (إلّا سبعَ آياتٍ للجنب خاصةً، فإنّها غيرُ مكروهةٍ؛ لأنّها مستثناة له في بعض الأخبار (10)، وأمّا سور العزائم
ص: 81
وأبعاضها - حتّى البسملة إذا قصدها لإحداها .. فمحرّمة على الجميع إجماعاً (1).
(ويختصّ) الجُنُبُ (بكراهة الأكل والشرب) قَبْلَ الغسل (إلّا بعد غسل اليدين والوجه والمضمضة والاستنشاق)، فتزول الكراهة حينئذٍ؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام (2)، والمشهور (3) المضمضة والاستنشاق خاصّةً.
وفي بعض الأخبار «حتّى يتوضّأ» (4)، ولو أكَلَ بدون ذلك خِيفَ عليه البرص، وروي:
«أنّ الأكل على الجنابة يُورِث الفقر» (5).
( والنوم إلّا بعد الوضوء)؛ للخبر(6) .
وليس هذا تكرارٌ لِما سلف من استحباب الوضوء لنوم الجنب، بل للنوم مطلقاً؛ لأنّ الاستحباب لا يقتضي كراهة تركه في اصطلاحهم (7)، وإنّما هو خلاف الأَوْلى، والمكروهُ ما نُصَّ على مرجوحيّته على وجه لا يمنع من النقيض.
(ودخول المستحاضة المسجد) وإنْ لَبِثَتْ فيه؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام (8) (وخصوصاً الكعبة)، بل حرّم ابنُ حمزة عليها دخولها (9). وإنّما يُكره (مع أَمْنِ التلويث) وبدونه يحرم، وكذا يُكره للحائض والجنب الاجتياز حيثُ يجوز معه.
(وغسل الميّت تحت السماء اختياراً) روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (10).
ص: 82
قيل : ولعلّ ذلك لكراهة مقابلة السماء بعورته (1).
(وب_) الماء (المُسَخَّن بالنار) ؛ لنهي الصادق علیه السّلام (2) عنه ؛ ولاستدعائه إرخاء الميّت وإعداده لخروج النجاسة منه، وللتفأّل بالحميم. (إلّا لضرورة) إلى المسخّن كما لو كان البرد شديداً يشقّ على الغاسل فلا يُكره.
وفي الحديث: «تُوقِي الميّت في البرد كما توقي نفسك» (3). وحينئذٍ فيُقْتَصَرُ على ما يدفع الضرورة من السخونة ويُكره الزائد.
(وغَمز بطنه في) الغسلة (الثالثة، و) غَمْز (بطن الحُبْلي) التي ماتَ وَلَدُها (مطلقاً) في الثالثة وغيرها؛ للخبر (4)؛ وللخوف من الإجهاض، (وركوبه) بأن يجعلَهُ بين رِجْلَيْهِ، (وقصّ أظفاره، وترجيل شعره) وهو تَسْرِيحُهُ.
وحرّمهما الشيخ مدّعياً الإجماع (5)، وكذا قال في تنظيف أظفاره من الوسخ (6)، والمشهور الكراهة (7)، فإنْ فَعَلَ دَفَنَ ما ينفصل من الشعر والأظفار معه وجوباً (وإدخال الماء أُذُنَيْهِ ومَنْخِرَيْه وإرسال الماء في الكنيف) وهو الموضِعُ المُعَدُّ القضاء الحاجة.
( يستحبّ التيمّم لما يُستحبُّ له الوضوء الحقيقي) وهو المُبِيحُ للصلاة ونحوها، سواء
ص: 83
كان واجباً أم مندوباً (عند تعذّره) أي تعذّر الوضوء المذكور، (وللإحرام عند تعذّر الغسل) ذكره الشيخ (1) وتبعه عليه جماعةٌ (2)، والمصنّف في باقي كتبه (3) نسبه إلى الشيخ (4)؛ لعدم العلم بمأخذه.
(وربما قيل باطّراده في مواضع استحباب الوضوء والغسل) وإن لم يكن الوضوء رافعاً ولا مبِيحاً، والغسل غسل الإحرام؛ لأنّ قيامه مقام الرافع يُفيد أولويّة قيامه مقام غيره، ووجه العدم فقد النصّ، ومنع الأولويّة، وبطلان القياس.
(و) يُستحبُّ أيضاً (للجنازة) أي لصلاتها ( والنوم ولو مع إمكان الطهر فيهما). وقيّد بعض الأصحاب (5) الأوّلَ بخوف فوت الصلاة لو توضّأ، والمشهور الإطلاق (6). ويختصّ الثاني بعدم اشتراطه بالأرض، بل يجوز على ما حضره من الوحل؛ للرواية (7).
وهل ينوي فيهما البدليّة كغيرهما؟ يحتمله؛ لأنّ وضع التيمّم على البدليّة، ولا منافاة بين كونه بدلاً وجوازه مع إمكان المُبْدَل. وعدمه؛ لأنّ المفهوم من البدل في نظائره توقّفه على تعذّر المُبدل، والفرض انتفاؤه، فيكون عبادة مستقلّة.
(و) يستحبّ (تجديده بحسب الصلاة)؛ حملاً للأمر به في بعض الأخبار (8) على الندب.
ص: 84
[سنن التيمّم]
(والسنن ثمانية عَشَر) - كذا بخطّ المصنّف - وكان الأَولى تأنيث العدد بِإعطاء تاء الثمانية للعشر -:
(تأخيره) إلى آخر الوقت (في صورة جوازه مع السعة) إمّا مطلقاً، كما ذهب إليه الصدوق (1)، أو مع عدم الرجاء، كما هو المشهور بين المتأخّرين (2)، أو مع استدامة التيمّم وإن قلنا بالمضايقة على أصحّ القولين.
(وقصد الرُبَى) جمع رابية وهو ما ارتفع من رابية وهو ما ارتفع من الأرض (والعوالي) عطف تفسير، وعُلّل الاستحباب بِبُعْدِهما عن النجاسة.
(والتراب الخالص) دون المُمتَزِج بغيره بحيث يستهلكه التراب، ويُطلَقُ على المجموع اسم التراب، ومنه السَبَخ؛ لامتزاجه بشيء من الملح.
(وتجنّب الإقامة في بلد يحوج إلى التيمّم) غالباً (في الأصحّ)؛ لصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام (3)، وقيل: يحرم (4).
وفي تعديته إلى سفر يحوج إلى التيمّم وجه، ما لم يكن واجباً أو مضطرّاً إليه فتنتفي الكراهة.
(و) تجنّب (الحجر) في التيمّم مع إمكان التراب (والرمل والسبخ) وهو التراب النشّاش الذي يعلوه الملح. ومَنَعَ بعضُ الأصحاب من الثلاثة مطلقاً (5). وشرَطَ
ص: 85
الشيخ (1) وجماعة (2) في التيمّم بالحجر تعذّرَ التراب.
(والمهابط) ؛ لأنّها تقابل العوالي المسنونة، (ومظانّ النجاسة) احتياطاً.
(وتراب القبر) الجديد؛ وهو المختلط منه بالميّت ما لم يعلم نجاسته، كاختلاطه بالصديد، لا باللحم والعظم مع استهلاكه؛ لطهارتهما بالغسل إن كان.
(وتجديد الطلب بحسب الفرائض) استظهاراً (ما لم يعلم العدم)، فإنّه يكون عبثاً.
(و تفريج الأصابع حالَ الضرب) لتمكّن اليد من الصعيد، وهذا يتمّ لو كان المضروب عليه تراباً ناعماً وإلا انتفت الفائدة.
(ونفض اليدين): تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم فإنّه نفض يديه (3). وفي رواية: «نفخ فيهما» (4)؛
والأخبار (5) به كثيرة، وزاد الشيخ (رحمه الله ) (6) على النفض مسحَ إحداهما بالأخرى.
(ومسح الأقطع رأس العضد) لو قطعت من المَفْصِلِ؛ لسقوط محلّ الفرض؛ فإنّ الزند- الذي هو الغاية - هو المَفْصِلُ لا العظمان كما في المِرْفَقِ.
(وإعادة ما صلّاه بالتيمّم عن الجنابة عَمداً) سواءً تعمّد الجنابة حال عجزه عن المائيّة أم لا، (وعن زحام الجمعة) المانع له من الخروج للطهارة المائية، (أو) زحام (عرفة، و) مَنْ على بدنه أو ثوبه (نجاسة لا يمكن إزالتها)، لعدم الماء، وعدم إمكان نزع الثوب فتيمم وصلّى.
ووجه استحباب الإعادة في هذه المواضع ورود أخبار بها (7) حتّى عمل بها بعض
ص: 86
الأصحاب (1) على وجه الوجوب، والأقوى عدمه؛ لضعف المستند، أمّا السنّة، فيمكن تأدّيها به؛ للتسامح بدليلها.
(وهي أربعة وأربعون) كذا بخطّه (رحمه الله)، والأَولى حذف التاء من أربعة.
(تثليث الغسل) فيما لا يجب بلوغه الثلاث.
(والإزالة في) الماء (الكثير) البالغ كُرّاً فصاعداً، (أو الجاري) النابع إن لم يعتبر في عدم انفعاله بملاقاة النجاسة الكُرّيّة كما هو المشهور، وإلّا اعتبر فيه الكثرة.
(ونضح بول البعير والشاة) وهو مرتبة دون الغسل والصبّ والرشّ على ما صرّح به العلّامة (2)، ونقله عنه المصنّف في الذكرى (3) ساكتاً عليه، والمراد بالنضح إصابة الماء للمحلّ من غير غلبةٍ ولا استيعابٍ ولا انفصالٍ، ويُعتبر في الرشّ الأمر الثاني خاصّة، وفي الصبّ الثالث، وفي الغسل الرابع.
ومحلّ النضح شكّ النجاسة والمذي ومماسّة الكلب والخنزير والكافر يابسة، والكلب ميّتاً، والفأرة الرطبة، وبول الخيل والبغال والحمير، وعرق الجنب، وذو الجرح المقعدة يجد الصُفرة بعد الاستنجاء، وما ذكره المصنّف هنا والشيخ عمّمه في كلّ نجاسة يابسة (4).
(وعصر بول الرضيع) فإنّه يكفي صبّ الماء عليه من غير انفصال، ولو عبّر بالانفصال ونحوه كان أولى ليشمل ما لا يُعصر كالبدن، (ورشّ الثوب الملاقي
ص: 87
لليابس من النجاسات وخصوصاً نجس العين)، والمشهور هنا النضح (1) كما مرّ (2).
(ومسح البدن الملاقي لذلك) أي لليابس منها (بالتراب وإزالة دون الدرهم دماً)؛ حملاً للأمر بغسله في رواية المثنّى بن عبد السلام عن أبي عبد الله علیه السّلام (3) على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين صحيح عبد الله بن أبي يعفور (4)، وغيرها (5).
(وصبغ الثوب الملوّن بالدم بعد الغَسل المزيل للعين بما ) أي بشيء من الأصباغ (يغيّر لونه والمِشْق) - بكسر الميم وإسكان الشين - وهو المغَرة - بتحريك الغين المعجمة - (أفضل) ؛ للنصّ (6)، ولتزول صورته من النفس.
(وإزالة بول البغال والحمير والدوابّ) وهي الخيل (وروثها، وذرق الدجاج غير الجلّال، وسُؤر آكل الجِيَف مع خلوّ الملاقي عن العين)؛ للأمر بالغسل منها في بعض الأخبار (7)، المحمول على الندب؛ جمعاً، وللخروج من خلاف بعض الأصحاب القائل بنجاسة هذه الأشياء (8).
(وسؤر الحائض المتّهمة) بعدم التحفّظ من النجاسة؛ لنهي الصادق علیه السّلام (9) عن الوضوء بفضلها.
ص: 88
(ومن لا يتوقّى النجاسة) وهو مرويّ في مَنْ أَعَارَ تَوبَهُ لِمَنْ لا يتقيها عن الصادق علیه السّلام: «لا تصلّ فيه حتّى يغسله» (1). (و) سؤر (الحيّة والفأرة والوَزَغة) - بالتحريك - (والدجاجة) - مثلّثة الدال - (والثعلب والأرنب والحشرات) الأرضيّة.
(وعرق الجنب)؛ لأمر الصادق علیه السّلام (2) بغسل ثوبه، المحمول على النَدب (وخصوصاً) الجنب (من الحرام) لحكم الشيخ بنجاسته (3)؛ استناداً إلى رواية ضعيفة مع إمكان حملها على الندب كما مرّ (4).
(و) عرق (الحائض) للأمر بغسل ثوبها منه في رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السّلام (5).
وفي المعتبر: عرق الحائض والنفساء والمستحاضة طاهر إجماعاً (6).
(و) عرق (الإبل الجلّالة)؛ لأمر الصادق علیه السّلام بغسله (7)، المحمول على الندب، وخروجاً من خلاف من نجّسه (8).
(ولعاب المسوخ) خروجاً من خلاف الشيخ بنجاستها (9)؛ لتحريم بيعها. وفيه منع التحريم والملازمة، ولا أقلّ من استحباب اجتنابه.
(والدم المتخلّف في اللحم) بعد ذبحه والقذف المعتاد، وأَولى منه المتخلِّف في العروق.
ص: 89
( والقيء)؛ لرواية عمّار (1) بإزالته، ونجّسه الشيخ (2).
(والقيح والوسخ والحديد) إذا باشره برطوبة؛ لما روي من أنّه نجس وأمر مَنْ حَلقَ شعره أو قَصَّ ظفره بالحديد أنْ يَمْسحَهُ بالماء (3).
(ولَبَن البِنت في المشهور) (4)؛ للرواية عن عليّ علیه السّلام (5)، الدالّة على غسل ما لاقاه، المحمولة على الندب، وقيل: إنّه نجس (6).
(وطين الطريق) الذي لا يعلم نجاسته (بعد ثلاثة) أيّام من انقطاع المطر، أمّا قبله، فلا يستحبّ التطهير منه. والْحَقَ العلّامة في النهاية (7) بيقين النجاسة فيه غلبةَ الظنّ بها.
(والإزالة بماكره به الطهارة) من الماء كالمسخّن والآجن والكبريتي. والمقصود ترك الإزالة بما يكره به الطهارة، وفي عطف هذه الجملة على ما قبلها التفات إلى المعنى.
(والنضح عند الشكّ في النجاسة)، فإنّ استحباب إزالة المذكورات يرجع إلى كراهة الصلاة بها بوجهٍ.
(واستعمال المغسول العددي بعد الجفاف) ليحترز عن الأجزاء المُتَخَلَّفَة فيه بعد العصر وما في حكمه، فإنّها ماء قليل لاقى النجاسة، والعفو عنه؛ للحرج، حتّى ذهب
ص: 90
بعض الأصحاب (1) إلى أنّ المتخلَّفَ مِن الماء نجس وإنْ كَملَ العدد، فلو بالغ مبالِغٌ في إخراجه فالخارج نجس وإن كان قد اكتفى بما سبق. وحكم بطهره لو لم يبالغ.
(وغسل المذي) للأمر بغسل الثوب منه في رواية الحسين بن أبي العلاء (2) عن الصادق علیه السّلام. ونجّسه ابن الجنيد إذا خرج عقيب الشهوة (3)؛ للرواية (4).
(والوذي) ضبطه المصنّف - بالمعجمة - وهو الخارج عقيب المنيّ، ولا نعلم وجه استحباب غسله، ولكن روى ابن سنان عن أبي عبد الله علیه السّلام : «أنّ في الودي - بالمهملة - الوضوء؛ لأنّه يخرج من دريرة البول» (5)، وأشار بالعلّة إلى أنّه إمّا بول أو مُخالِطٌ له. فلعلّ ذلك آتٍ في الوذي - بالمعجمة - بالنسبة إلى المنيّ، أو يكون المراد الودي - بالمهملة - والمنقّطة وقعت سهواً.
(وغسل ثوب ذي القروح كلَّ يومٍ مرّةً)؛ لمقطوعة سماعة «لا يغسل ثوبه كلّ إلاّ مرّة؛ فإنّه لا يستطيع أن يغسلَ ثوبه كلّ ساعة» (6).
(وهي أربعة وسبعون). كذا بخط المصنف، والأجود ترك التاء من الأربعة. الصلاة في أحسن الثياب بالمهملتين - قال الله تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (7) .
ص: 91
وقال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «إنّ الله جميل يحبّ أنْ يُتَجمَّلَ له» (1).
وفى خبر آخر: «إنّ اللهَ أحقُّ أنْ يُتَزَيَّنَ له» (2).
وكما يستحبّ ذلك في الصلاة، فكذا في غيرها.
قال الصادق علیه السّلام : «إذا أَنْعَمَ اللهُ على عبدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أنْ يراها عليه؛ لأنّه جميلٌ يحبُّ الجمال» (3).
وعنه علیه السّلام: «إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم أبصرَ رجلاً شَعثاً شعر رأسه وسخةً ثيابه، فقال صلّی الله علیه و آله و سلّم: من الدين المتعة» (4)، «بئس العبد القاذورة» (5) والأخبار فيه كثيرة.
(ورُوي الأخشن) - بالمعجمتين - رواه الحسين بن كثير، قال: رأيت على أبي عبد الله علیه السّلام جبّةَ صوف بين ثوبين غليظين، فقلت له في ذلك، فقال: «رأيتُ أبي يلبسها، إنّا إذا أردنا أن نصلِّي لَبَسْنا أخشَنَ ثِيابنا» (6). والأوّل أشهر (7)، وسند هذه الرواية مجهول، وحُمِلَتْ مع ذلك على المبالغة في الستر مع إضافة الجميل (وأجودها وأطهرها وأصفقها) مبالغة في الستر.
(واستصحاب ذي الرائحة الطيّبة)، فقد كان موضع سجود أبي عبد الله علیه السّلام (8) يُعرفَ بطيب ريحه؛ لكثرة ما كان علیه السّلام يتطيّب في الصلاة ، وقال علیه السّلام : «صلاة بتطيّب أفضلُ من سبعين صلاةً بغير طيبٍ» (9).
ص: 92
(والتعمّم)، فقد روي: «أنّ ركعةً بالعمامة تَعدل أربعاً بغيرها» (1).
(والتحنّك) وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك؛ لأمر النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (2) به.
وعن الصادق علیه السّلام: «من تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواءَ له، فلا يَلُومَنَّ إلّا نفسَه» (3)، وأوجبه الصدوق (4)؛ لهذا الخبر.
وكما يستحبّ في الصلاة، فكذا في غيرها، خصوصاً لِمن خرج في حاجةٍ أو سفرٍ.
قال الصادق علیه السّلام: «ضَمِنْتُ لِمَنْ خرج من بيته مُعتِمّاً تحت حنكه أن يرجع إليهم سالماً» (5).
وقال علیه السّلام : «إنّي لأعجبُ مِمَّنْ يأخذ في حاجته وهو على وضوء كيف لا تُقضى حاجتُه، وإنّي لأعجب ممّن يأخذ في حاجةٍ وهو متعمِّم تحت حنكه كيف لا تُقضى حاجتُه» (6).
(والتَرَدّي) بثوب أو ما في حكمه، بجعله على الكتفين، والأفضل مع ذلك جعل طرفيه على اليمين، بمعنى ردّ ما على الأيسر منه على الأيمن.
وتتأدّى سنّته (ولو بطرف العمامة) يُجعل على الكتفين رواه جميل عن الصادق علیه السّلام (7)، بل بجعل التكّة على العاتق رواه عبد الله بن سنان عنه علیه السّلام (8).
(و) يستحبّ الرداء لجميع المصلّين (خصوصاً الإمام)؛ لدخوله في إطلاق الروايات (9) به، واختصاصه برواية سليمان بن خالد عنه علیه السّلام حين سأله عن رجل أَمَّ قوماً
ص: 93
في قميص ليس عليه رداء، قال: «لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداءٌ» (1)، فعلى هذا يستحبّ الرداء للجميع، ويكره تركه للإمام.
(والتَسَروُل) فقد روي: «أنّ ركعةَ بسراويل تعَدل أربعاً بغيره» (2). (وستر الأمة والصبيّة) التي لم تَبْلُغَ (رَأْسَيْهِما).
والمراد بالرأس هنا العنق ومافوقه على ما اختاره المصنِّف.
والقول باستحباب ستره للأَمَةِ نقله المحقّق في المعتبر (3) عن عطاء واستحسنه، فإنّ الستر أنسبُ بالحياء المطلوب من الحُرَّةِ والأمَة.
ويظهر من المصنّف في الذكرى ضعفه (4)؛ لأنّه روى (5) من طرقنا وطرق مخالفينا ما یخالفه.
وفي الدروس (6) روى استحباب كشف الرأس للأمَةِ، وأشار بها إلى ما روي عن الصادق علیه السّلام قال: «كان أبي إذا رأى الجارية تصلّي مُقنّعَةٌ ضربها، لتُعْرَفَ الحُرَّة من المملوكة» (7) وحيث لا نصّ على استحبابه، فلا أقلّ من نَفْيِه إن لم يُحكَم باستحباب تركه.
(وستر المرأة قدمَيها)؛ لعموم قول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «المرأة عورة» (8)، حتّى حكم بعض
الأصحاب بمنع كشفها وكشف اليدين لهما (9)؛ للخبر.
ص: 94
(وصلاتها في ثلاثة أثواب: دِزع) وهو القميص، (وإِزارٍ) فوقه، (وقِناع) تغطّي رأسَها، روى ذلك ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السّلام (1)، وروى جميل عنه علیه السّلام (2) بدل الإزار ملحفة. (وفي الحُليِّ لا عُطُلاً) رواه غياث عن الصادق علیه السّلام عن عليّ علیه السّلام «لا تصلّي المرأة عُطُلاً» (3).
قال المصنِّف في الذكرى: وهي بضمّ العين والطاء والتنوين، وهي التي خلا جِيدُها من القلائد (4).
وفي هذه الرسالة ضبطها المصنِّف بالمدّ، وفي الصحاح ما يناسب ضبط الذكرى، قال:
العَطَل مصدر عطلت المرأة وتعطّلت: إذا خلا جِيدُها من القلائد، فهي عُطِل - بالضمّ - وعاطل ومِعطاله (5).
(وجعل العاري والمُؤْتَزِر والمُتَسَرُوِل والفاقِدِينَ للثوب خيطاً على العاتِقِ أو شِبهِهِ)؛ للخبر (6)، (وإعارة الساتر القارئ من العراة) ليؤمَّ بهم؛ إذْ يستحبّ لهم الصلاة جماعة كغيرهم.
ولو لم يصلح القارئ للإمامة استحبّ إعارته لِمَنْ يصلح لها. هذا كلّه مع ضيق الوقت، وإلّا وجب تأخّر مَنْ ليس بمستتر إن حصلت له نوبة في الوقت، ويستحبّ حينئذ تقديم القارئ أيضاً وذي المزيّة الدينيّة.
(والصلاة في) الثياب (البيض)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «البسوا البِيضَ، فإنّه أَطيبُ وأَطهرُ،
وكَفِّنُوا فيه موتاكم» (7).
ص: 95
وعنه: «إنّها من خيرِ ثيابكم» (1).
(لا السود)؛ لِما روي مِنْ أَنَّها لباس أهل النار (2).
وقال الصدوق (رحمه الله) (3): لا تصلّ في السواد، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم قال: «لا تلبسوا لباس أعدائي، فتكونوا أعدائي» (4).
(وخصوصاً القُلُنسوة) فإنّ كراهتها سوداءً أشدّ (إلّا العمامة والكِساء والخُفّ) فإنّه لا تكره الصلاة فيها إذا كانت سوداء؛ لما روي (5) أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يَكرهُ السوادَ إِلّا في ثلاثة : الخُفِّ، والعمامِة، والكساء وهي - بالمدّ: ثوب من صوف، ومنه العباءة، ذكره الجوهري.
واستثناء الثلاثة من الكراهة لا يقتضي رجحان السواد فيها، بل الأفضل العمامة البيضاء.
وأمّا لُبس الصوف من كساء وغيره، فقد نهي عنه (6) إلّا من علّةٍ.
نعم، الخُفّ الأسود مُستحبُّ، روي ذلك عن الباقر (7) والصادق علیهما السّلام (8).
(وفي النَغل العربيّة)؛ لقول الصادق علیه السّلام: «إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ فِي نَعْلَيْكَ إِذا كانت طاهرة؛ فإنّه يقال: ذلك من السنّة» (9).
(و) في (غير الحرير في صورة الجواز)، كما في المرأة والمضطرّ وما لا تتمّ
ص: 96
الصلاة فيه منه؛ لإطلاق النهي عن الصلاة فيه في بعض الأخبار (1)، الذي أقلّ مراتبه الحملُ على الكراهة حتّى مَنَعَ الصدوق صلاة المرأة فيه (2)؛ لرواية زرارة أنّه سمع الباقر علیه السّلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء (3).
(وغير المكفوف به، و) غير (الممتزج) به؛ للرواية (4).
(و) الصلاة في (غير الرقيق) تحصيلاً لكمال الستر، والمراد بالرقيق الذي لا يَحْكي ما تحته، وإلّا لم تصحّ فيه، (و) غير (المُزَعْفَر): لنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (5).
ومثله المُعَصْفَر (والأحمر والمقْدَم) - بسكون الفاء وفتح الدال -: المصبوغ بالحُمْرَة مشبعاً، وعطفه على الأحمر تخصيص بعد تعميم.
والمستند رواية حمّاد بن عثمان عن الصادق علیه السّلام أنّه قال: «تُكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع بالمفدم» (6).
ويمكن أن يريدَ بالمَقْدَمِ المصبوغ المشبع بأيّ لون كان كما ذكره جماعة من الأصحاب.
قال في المبسوط : ولُبس الثياب المقدمة بلون من الألوان مكروه في الصلاة (7)، وتبعه عليه التقي (8) وابن الجنيد (9) وابن إدريس (10).
ص: 97
قال المصنّف فی الذکری:
والأولى حملُ رواية حمّاد عليه والتخصيص بالحمرة أخذَهُ المحقّقُ من ظاهر كلام الجوهري (1).
وإنّما يكره ذلك (للرجل) دون المرأة، والخبر مطلق.
(و) يستحبّ تركُ (الإزار فوق القميص) وهو معطوف على ما تقدّم؛ لأن معنى الصلاة في غير المذكور سابقاً في قوّة استحباب ترك المذكور، وقد تقدّم نظيره.
وإنّما كره الاتّزار فوق القميص؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية أبي بصير: «لا ينبغي أنْ يتوشّحَ فوق القميص، فإنّه من زيّ الجاهليّة» (2).
قال المصنّف: ولأنّ فيها تشبيهاً بأهل الكتاب وقد نُهِينا عن التشبّه بهم (3).
وقد روي نفي البأس عنه عن الرضا علیه السّلام (4).
وروى موسى بن القاسم، قال: رأيت أبا جعفر الثاني علیه السّلام يصلّي في قميص قد اتّزر فوقه بمنديله (5).
قال في المعتبر:
والوجه أنّ التوشّح فوق القميص مكروه، أمّا شدّ المِنْزَر، فليسَ بمكروه (6).
ونفى في الذكرى عنه البأس (7)؛ لِما ذكر، ولإمساس الحاجة إليه في الثوب الشافٌ. وأمّا جعل المئزر تحت القميص، فقد ادّعى المصنّف الإجماعَ (8) على عدم کراهته.
ص: 98
(والوشاح فوقه) أي فوق القميص، وهو أنْ يُغَلِّي أَحَدٍ كَتِفَيْهِ بثوب دون الآخر (وخصوصاً الإمام؛ إماطةً) أي إزالة (للتجبّر)؛ لِما روي عن الباقر علیه السّلام حين سئل عن الذي يتوشّح فوق القميص، قال: «هذا من التجبّر» (1).
(والرداء فوق الوشاح ) رواه الشيخ في التهذيب عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهم علیهم السّلام قال: «الارتداء فوق التوشّح في الصلاة مكروه، والتوشّح فوق القميص مكروه (2).
(والسدل وهو أنْ يلتفّ بالإزار ولا يرفعه على كَتِفَيْهِ)؛ لنهي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم عنه (3).
وقيل: إنّه من فعل اليهود (4).
(واشتمال الصَمّاء) والمشهور في تفسيره أن يلتحفَ بالإزار ويُدخِل طرفَيه تحت يده ويجمعهما على مَنْكِبٍ واحدٍ، وهذه الهيئة مروية في أخبارنا (5) وأخبار العامّة (6).
وفي كتب اللغة خلاف ذلك، ففي الصحاح:
هو أنْ تُجَلَّلَ جَسدَكَ بثوبك نحو شَمْلَة الأعراب بأكْسِيَتِهِم، وهو أن يردّ الكساء من قِبَلِ يِمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانية من خَلْفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطّيهما جميعاً (7).
وقال الهروي:
هو أن يتجلَّلَ الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانباً. قال القُتَيْبِي: وإنّما قيل: صَمّاء؛
ص: 99
لأنّه إذا اشتمل به سَدَّا (1) على يديه ورجليه المنافذ كلّها كالصخرة الصمّاء (2).
(ووضع طرفي الرداء على اليسار)؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمعَ طَرَفَيْ ردائه على يساره؟ قال: «لا يصلح جمعهما على اليسار ، لكن اجْمَعْهُما على يمينِكَ أو دَعْهُما» (3).
(واستصحاب وعاء من جلد حمارٍ أو نعلٍ) منه، رواه أيضاً عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام، وسأله في الرجل يصلّي ومعه دَبَّة من جلد حمارٍ وعليه نعل من جلد حمار فصلّى، هل تجزئه صلاته أو عليه الإعادة؟ قال: «لا يصلح أن يصلّي وهي معه إلّا أنْ يتخوّف عليها ذهاباً فلا بأس أن يصلّي وهي معه» (4). والدَبّة - بفتح الدال والتشديد - وعاء مخصوص من جلد.
(والحديد بارِزاً)، أمّا مستوراً، فلا كراهة فيه. روى موسى بن أكيل عن الصادق علیه السّلام : «لا بأس بالسكّين والمِنطقة للمسافر في وقت ضرورة، ولا بأس بالسيف وكلّ آلة سلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد؛ فإِنّه مَسْخٌ نجس» (5).
وروى عمّار: «إذا كان الحديد في غلافه فلا بأس به» (6).
وتعليل المنع بنجاسته محمول على كراهة استصحابه مجازاً، كما أُطلق النجس على الشيطان والأوثان وقد تقدّم (7)، وإنّما حمل على ذلك هنا للاتّفاق على طهارته.
(وفي القَباء المُمَثَّل) فيه مثال حيوان أو شجر، وخصّه بعض الأصحاب بصور
ص: 100
ذوات الأرواح (1)؛ لجواز تصوير غيرها.
والحقّ عدم المنافاة بين جواز المثال وكراهة الصلاة فيه، فلا يصلح لتخصيص ما أطلق فيه من النصّ.
ولا فرق في ذلك بين القباء وغيره من الثياب؛ لأنّ الرواية بالثوب المُمثَّل (2).
(والخاتم الحديد)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «لا يصلّ الرجلُ وفي يده خاتم حديد» (3).
وروى عمّار عن أبي عبد الله علیه السّلام : «لا تتختَّم به فإنّه من لباس أهل النار» (4).
والأكثر لم يذكروا الخاتم بخصوصه، بل كرهوا مطلق الحديد البارز دون المستور، وكأنّهم حملوا حديث الخاتم أيضاً على المقيّد السابق.
وفي هذا المقام بحث وهو أنّ المقيّد في هذا المقام هو الحديد في غلاف، وذلك لا يتحقّق إلّا في حديد من شأنه ذلك كالسيف والسكّين، وأمّا الخاتم وشبهه فليس له غلاف لغةً ولا عرفاً، فلا يدخل في التقييد، بل يبقى مطلقه على حاله.
ومن ثَمَّ ذكر المصنّف هنا الخاتم منفرداً بعد أنْ قَيَّدَ الحديد بالبروز، لكن يبقى فيه إطلاق تقييده بالبروز، فإنّه ممّا لا يدلّ دليل عليه؛ لِما قد عرفت أنّ المستثنى إنّما هو الحديد في غلاف وبينهما واسطة، فعلى هذا كلّ حديد ليس في غلاف يُكره وإن كان مستوراً بغيره، فلا يتمّ حينئذٍ إطلاقهم الحكم في البارز والمستور إلا أن يتكلّفوا من الغلاف إرادة الساتر مطلقاً، وهو بعيد.
وعلى تقدير تمامه يتقيّد حديث الخاتم، فإنّه مطلق، ولا يتمّ ذكر المصنّف له على حِدَة.
(و) الخاتم (المصوّر) بصورة ذي روح؛ لرواية عمّار عن الصادق علیه السّلام حين سأله في
ص: 101
الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك، قال: «لا تجوز الصلاة فيه» (1).
و حرّم الصلاة فيه بعض الأصحاب (2)؛ لظاهر الرواية.
والموجود في كلام المصنّف وغيره أنّ الحكم في الثوب والخاتم واحد، فإن كره مطلق المثال في الثوب كره في الخاتم وإن اختصّ اختصّ.
وإطلاق هذه الرواية يدلّ عليه؛ لأنّه قال: «مثال الطير أو غير ذلك» وهو شامل.
ولعلّه خصّ الخاتم بالصورة؛ نظراً إلى قرينة صورة الطير بحمل غير ذلك على صور الحيوان، أو يريد بالصورة مطلقاً المثال، وغَيَّر العبارة تفنّناً، لكنّه بعيد.
(والخلخال المصوّت) للمرأة؛ لمنافاته الخشوع بسبب سماعها لصوته. وروى عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام (3): كراهة لُبسِه لها مطلقاً فتدخل فيه الصلاة، وعلى التعليل الأوّل يتعدّى إلى كلّ مصوِّت شاغل.
(وفي واسع الجيب إلاّ مع زرّه أو شعار تحته) وهو ثوب ملاصِقٌ للجلد تحته، (واستصحاب الدراهم المُمَثَّلَة) بمثال حيوان أو شجر، (وخصوصاً البارزة)، وكذا يكره وضعها بين يديه رواه ليث المرادي عن الصادق علیه السّلام (4).
(واللثام) على الفم (غير المانع من القراءة)، ولو منع شيئاً منها أو من الأذكار الواجبة حرم؛ للخبر (5). والمفيد أطلق المنع من اللثام (6).
(والنقاب للمرأة كذلك) أي إذا لم يمنع شيئاً من الواجبات وإلّا حرم.
(والقباء المشدود) على المشهور بين الأصحاب (7)، ومستنده غير معلوم.
ص: 102
قال الشيخ في التهذيب:
ذكره عليّ بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرةً، ولم أجد به خبراً مسنداً (1).
قال المصنّف في الذكرى - بعد حكاية كلام الشيخ - :
قد روى العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم قال: «لا يُصَلِّ أحدكم وهو مُحَزَّم» (2). وهو كناية عن
شدّ الوسط (3).
وأراد بذلك أنّ القَباءَ المشدود داخل في ذلك وهو حسن، لكن يبقى الكلام في تخصيص القباء المشدود بالحكم.
(ولُبس السيف في غير الحرب للإمام) الذي يؤمّ في الصلاة. رواه عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام قال: سألته عن السيف هل يجري مجرى الرداء، يُؤَمُّ القوم في السيف؟ قال: «لا يصلح أن يؤمّ القوم في السيف إلاّ في حرب» (4).
واعلم أنّ قَيدَ الحرب في السيف منصوصٌ، كما رأيت، وفي القباء المشدود مشهور (5)، كأصل الحكم حتّى أنّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَهُ قيدَهُ به.
ويشكل الأمر في تركيب الرسالة؛ لأنّ الجارّ في قوله «في غير الحرب» إن تعلّق بالفعلين معاً أعني المقدّر في القباء والملفوظ في السيف، وافق النصّ والشهرة، لكن يشكل في قوله «الإمام»، فإنّه مختصّ بلُبْسِ السيف، وإن تعلّق بالثاني خاصّة خلا القَباء عن القيد وهو موجود في كلامهم به، ولكنّ الأنسب تعلّقه بالثاني وإنْ خلا الأوّل منه؛ لِما ذكرناه.
ص: 103
ويبقى الكلام في وجه خلوّه ما نبّه عليه المصنّف في الذكرى (1) من المأخذ من النهي عن صلاة المحرّم؛ فإنّه خالٍ عن قيد الحرب.
ويبقى استثناؤه في كلامهم لمكان الضرورة وهو كافٍ وإن لم يصرّح به، فيكون ترك إشارته هنا إليه للتنبيه على المأخذ حيث هو خالٍ عنه.
(والصلاة في السنجاب) خروجاً من خلاف الأكثر حيث منعوا من الصلاة فيه؛ ولرواية زرارة عن الصادق علیه السّلام، وقد سأله عن الصلاة في أشياء منها السنجاب، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: «إنّ كلّ شيء حرم أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى تَصَلّى في غيره» (2).
وإنّما حملت على الكراهة بالنسبة إلى السنجاب؛ لدلالة أخبار (3) صحيحة على جواز الصلاة فيه، وغايته مع سلامة الرواية أنّ فيه استعمال المشترك في معنييه.
(وجلد الخزّ)؛ تخلّصاً من خلاف بعض (4) الأصحاب حيث منع منه؛ والخبر السابق دليل عليه، ويخصّص بقول الرضا علیه السّلام في خبر سعد بن سعد: «إذا حلّ وبره حلّ جلده» (5)، مع الإجماع (6) على جواز الصلاة في وبره. ويشترط في جواز الصلاة في السنجاب مطلقاً التذكية؛ لأنّه ذو نفس، وكذا في جلد الخرّ، وذَكاتُه إخراجُهُ مِن الماء حيّاً، أمّا وبره، فلا يشترط فيه التَذكِيةُ إجماعاً، نصّ عليه المصنّف في الذكرى (7) والمحقّق في المعتبر (8).
ص: 104
(والوقوف على الحرير) بأن يكونَ الفراش الذي يُصلّي عليه حريراً محضاً؛ خروجاً من خلاف المحقّق (1)، نظراً إلى عموم تحريمه على الرجال، وهو مخصوص بحديث عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام: «يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه» (2). (وَجَعْل رأس التكّة منه) وكذا جميع التكّة؛ لرواية محمّد بن عبد الجبّار عن العسكري علیه السّلام (3).
(والصلاة في ثوب المُتَّهَم بالنجاسة)؛ لرواية عبد الله سنان قال: سألت أبا بن عبد الله علیه السّلام عن الذي يُعِيرُ ثوبه لِمَنْ يعلم أنّه يأكل الجرّي، ويشرب الخمر فيردّه، أيُصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: «لا يُصلِّ فيه حتّى يغسله» (4). والنهي محمول على الكراهة؛ لرواية هذا الراوي بعينه جواز الصلاة فيه قبل غسله، معلّلاً ب_«أنّك أعَرْتَهُ إيَّاه وهو طاهر، ولم تستَيْقِنْ أنّه نجَّسهُ فلا بأس بأنْ تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» (5) (أو) المتّهم ب_ِ ( الغصبيّة) في لباسه، أمّا لو كان متنزّهاً عنها فيه، فلا وإن لم يتنزّه عنها في غيره.
(و) الثوب (الملاصق لوَبَر الأرانب والثعالب) فوقه أو تحته (في الأصحّ) ؛ لبُعد تخلّصه منه ؛ وللأخبار الدالّة على النهي عن الصلاة فيه (6)، المحمولة على الكراهة مع قصورها عن المستند، خلافاً للشيخ في النهاية (7)؛ فإنّه منع من الصلاة فيه.
(وما) أي الثوب الذي (عمله الكافر مع جهل الرطوبة) حالة المباشرة؛ خروجاً
ص: 105
من خلاف الشيخ في المبسوط بالمنع من الصلاة فيه (1)، بل في ثوب كلّ من يستحلّ شيئاً من النجاسات أو المنكرات، مع أنّه روى في التهذيب عن معاوية بن عمّار في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس، وهم أخباث يشربون الخمر، ونساؤهم على تلك الحال، ألبسُها ولا أغسلُها وأُصلّي فيها؟ قال: «نعم» قال معاوية: فقطعت له قميصاً وخطتُه وفتلتُ له رداءً من السابري ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار، فكأنّه عرف ما أُريد، فخرج فيها إلى الجمعة (2).
(ونجس معفوّ عنه كالتكّة) جواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً ممّا لا نعلم فيه خلافاً، إلّا أنّ الرواية (3) به مرسلة، وهي منجبرة بعمل الأصحاب بمضمونها، فيمكن كون استحباب اجتنابها لذلك، أو لإطلاق النصوص (4) باعتبار طهارة الثوب والبدن في الصلاة.
(ونفس الخضاب للرجل والمرأة)؛ لرواية أبي بكر الحضرمي، قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن الرجل يصلّي وعليه خضابه؟ قال: «لا يصلّي وهو عليه، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي»، قلت: إنّ حنّاه وخرقته نظيفة؟ قال: «لا يصلّي وهو عليه، ولكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي والمرأة أيضاً لا تصلّي وعليها خضابها» (5).
وهو محمول على الكراهة؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على الجواز صريحاً.
واحترز بنفس الخضاب عن أثره، فلا كراهة فيه، بل هو من الآثار الصالحة والأعمال الراجحة.
ص: 106
(وجعل اليدين تحت الثوب) إن لم يكن عليه ثوب آخر إزار أو سراويل؛ لرواية عمار عن أبي عبد الله علیه السّلام في الرجل يصلّي فيدخل يده في ثوبه؟ قال: «إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك، وإن أدخلَ يداً واحدة ولم يُدخِل الأخرى فلا بأس» (1).
ومنع الجواز هنا يريد به الكراهية؛ جمعاً بينها وبين رواية محمّد بن مسلم عن عن أبي جعفر علیه السّلام في الرجل يصلّي ولا يُخرِج يدَيه من ثوبه؟ فقال: «إن أخرج يديه فحسن، وإنْ لم يُخرِج فلا بأس» (2) . وإنّما لم يقيّد المصنِّف الحكم بما ذكر في الرواية من القيود؛ إيجازاً مع إيمائه إليها؛ إذ المفهوم من تعليق الحكم على اليدين انتفاؤه عمّا دونهما أعمّ من إدخال الواحدة وعدم الإدخال، ومن توحيد الثوب تعلّق الحكم بالواحدة خاصّة لكن بتكلّف، وإنّما يكره جعلهما تحت الثوب (الا في الكُمَّيْنِ) أمّا فيهما فلا؛ إذْ لا يصدق على وضعهما فيهما إدخالهما في ثوبه عرفاً.
(وإبقاء شيء من البدن غير مستور) للرجل، بل يستر جميع بدنه المعتاد ستره.
قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم: «إذا صلّى أحدكم فليَلبس ثوبَيه، فإنّ الله أحقُّ أَنْ يُتَزَيَّن له» (3).
وقد تقدّم رواية العمامة والرداء والسراويل (وخصوصاً من السرّة إلى الركبة)؛ خروجاً من خلاف مَنْ جعل ذلك هو العورة من الأصحاب (4).
(وآكده للإمام فلا يقتصر على السراويل والقلنسوة)؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤمّ في سراويل وقلنسوة؟ قال: «لا يصلح» (5).
ص: 107
(وسننه مائة:)
(إيقاعها) أي الفريضة بقرينة ما سيأتي من أن الفضل للمنزل في النافلة (في المسجد) أيّ مسجد كان خصوصاً إذا كان المصلّي جاره، فقد ورد : «أنّ صلاته لا تقبل في غيره» (1).
(والأفضل الأربعة) المعهودة المشهورة في باب الاعتكاف وهي المسجد الحرام، ومسجد النبيّ (عليه الصلاة والسلام) ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة (و) المسجد (الأقصى) لقّب بذلك؛ لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام المذكور معه الذي الذي هو مبدأ الإسراء.
وممّا ورد في فضلها ما رواه خالد القلانسي عن الصادق علیه السّلام : «أنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم بعشرة آلآف، وفي مسجد الكوفة بألف» (2)، وكذا رُوِيَ في المسجد الأقصى (3)، وأمّا مسجد البصرة، فقد صلّى فيه عليّ علیه السّلام، وصار له بذلك مَزيَّة.
(و) في (المشاهد الشريفة) للأئمة علیهم السّلام وللأنبياء علیهم السّلام إن فرض تحقّقها (لا في مسجد الضرار) وهو ما بُنِيَ مضارّة لمسجدٍ آخرَ؛ لنهي الله تعالى لنبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم عن القيام فيه وأمره بتخريبه فخرّبه (4).
(وفي كثير الجماعة)؛ لزيادة فضله بزيادتها؛ إذ ثوابها يتضاعف كلّما زادت واحداً بقدر جميع ما سبق إلى العشرة، ثمّ لا يحصي ثوابها إلّا الله تعالى.
ص: 108
(و) إيقاع (النافلة في المنزل)؛ الأمر النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أصحابه بصلاتها في بيوتهم (1).
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم : «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» (2).
(وخصوصاً الليليّة)؛ لأنّ فعلها فيه أَبعدُ من تَطَرُّق الرياء، وتستثنى النافلة يوم الجمعة؛ لفضيلة البكور، وركعتا الطواف وركعتا الإحرام إذا كان الميقات مسجداً.
(و) صلاة الفريضة (في الحرم) الشريف حول مكّة، (و) في (مواقيت الحجّ والعمرة) التي يحرم بها منها (والمشاعر الشريفة) جمع مشعر وهو موضع العبادة، كعرفة والمشعر الحرام ومنى.
(وصلاة المرأة في دارها) الشاملة للصحن والبيت، (وأفضلها) أي أفضل الدار (البيت)؛ لأنه أستر. وقد قال الصادق علیه السّلام: «أفضلُ مساجد نسائكم البيوتُ» (3).
(وأفضله) أي أفضل البيت (المخدع) - بكسر الميم وضمّها - وهو الأصل - وفتح الدال - وهو الخزانة في البيت، (والصُفّة) - بضمّ الصاد ثمّ الفاء المشدّدة - وهو المستور من الدار (لها) أي للمرأة (أفضل من الصحن) وهو غير المستور منها. (وهو) أي الصحن أفضل (من السطح المحجر) - بالمهملة أخيراً - أي المبني حوله حائط ونحوه، ليمنع من رؤية مَنْ على السطح. (وهو) أي السطح المحجر أفضل (من غيره) وهو السطح غير المحجر ونحوه، كلّ ذلك للخبر (4)، ومراعاة للستر.
(وطهارة المصَلَّى جمع) خروجاً من خلاف المرتضى (5) حيث اشترط طهارته استناداً إلى حديث (6) لا يَنْهَضُ حجّةً، خصوصاً في مقابلة أخبار (7) تدلّ على الصحّة.
ص: 109
ويمكن حملُه على الاستحباب كما اختاره المصنّف هنا.
(وصلاة راكب السفينة على الجَدَد) - بالفتح - وهو الأرض الصلبة. والمراد هنا الأرض التي لا ماء عليها (مع تمكّنه فيها) من الصلاة مستقرّاً بأن تكون السفينة مستقرّة.
ولو لم تكن مستقرّة لم تصحّ الصلاة فيها مع القدرة على الخروج على أجود القولين؛ لرواية حمّاد بن عيسى عن الصادق علیه السّلام : «إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجَدَد فاخرُجوا، فإن لم تقدروا فصلّوا قياماً، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحرّوا القبلة» (1)، ولأنّ القرارَ ركنٌ في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك.
(والسُترة) بضمّ السين - أمام المصلّي في مسجد أو بيت ثباتاً لحريم صلاته ومحلّ حركاته؛ لئلا يمرّ فيه أحد أو يشغل فكره، فإن كانت الصلاة في مسجد أو بيت فحائطه أو عمود، وإن كان في فضاء أو طريق جعل شاخصاً بين يديه (ولو قدر ذراع أو بالسهم) منصوباً إن أمكن وإلّا فمعترضاً (أو الحجر أو العَنَزَة) - محرّكة - وهي العصا في أسفلها حديد مركوزة على الأفضل. وتجزئ (ولو معترضة أو كومة تراب أو خطّ) في الأرض (أو حيوان ولو) كان (إنساناً غير مواجه) للمصلّي.
كلّ ذلك ورد في النصوص.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «كان طولُ رَحْلِ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم ذراعاً،
وكان إذا صلّى وضعه بين يديه يستترُ به عَمَّنْ يمرُّ بين يديه» (2).
وعنه علیه السّلام قال: كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يجعل العَنَزَة بين يديه إذا صلّى» (3).
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم : «إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة، فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرَحْلِ، فإنْ
لم يجد فحَجَراً فإنْ لم يجد فسَهماً، فإن لم يجد فيخطّ في الأرض بين يديه» (4).
ص: 110
وعنه علیه السّلام : «إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم وضع قلنسوة وصلّى إليها» (1).
(والدنوّ من السُترة مريض عنز إلى مريض فرس)؛ لِما روي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلّم: «إذا صلّى أحدكم إلى سُترة فَلِيَدْنُ منها لا يقطع الشيطان صلاته» (2).
وروى سهل الساعدي قال: «كان بين مُصَلّى النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم وبين الجدار ممرّ الشاة. (3)
(وسُترة الإمام) كافية (للمأموم)؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم لم يأمرِ المؤتمّين به بسترة، وأيضاً
فظَهْرُ كلّ واحد منهم سُترة لِمَنْ خلفه.
(ودرء المارّ بين يديه)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا يقطع الصلاة شيء فادرأوا ما استطعتم» (4).
وعنه : «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أن يجتاز بين يديه فليدافعه» (5).
ومحلّ الدرء ما بين المصلّى والسترة، وهل يختصّ بمن له سترة أو يعمّ؟
الأقوى الأوّل؛ لدلالة الأخبار عليه (6)، وما أطلق منها محمول على المقيّد.
ولو احتاج الدفع إلى قتال تَركَهُ. وما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم : «فإن أبى فليقاتله، فإنّما
شیطان» تغليظ في التهديد أو - قتالاً لا يؤدّي إلى جرحٍ ولا ضررٍ.
وإنّما يُستحبّ الدفع مع دنوّه من السترة، فلو بعد عنها فَكَفاقِدِها.
ولو لم يجد المارّ سبيلاً سوى ذلك لم يدفع؛ للضرورة والحرج، (وروى سليمان بن حفص المِرْوَزِي) - بسكون الراء وفتح الواو - ( عن أبي الحسن علیه السّلام أنّه لو مَرَّ قَبْل)
ص: 111
دعاء (التوجّه أعاد التكبير ) مقارناً للنيّة فعلاً. وليس بمعتمد، والراوي مجهول.
(ورشّ البيعة والكنيسة وبيت المجوسي لِمُرِيدِ الصلاة فيها)؛ الصحيحة عبد الله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السّلام حین سأله عنها، فقال: «رُشَّ وصَلّ» (1).
وينبغي أن يترك حتّى يجفّ، نبّه عليه في المبسوط (2).
(ومساواة المَسْجَدِ) - بفتح الجيم - وهو محلّ السجود (للمَوْقِفِ أو خفضه) أي المَسْجَد عن الموقف (باليسير)؛ لقول الصادق علیه السّلام : «إنِّي أُحبّ أنْ أضع وجهي موضع قدمي» (3)؛ ولأنّه أمكنُ في السجود، وأدخلُ في الإذعان للمعبود.
والزيادة على موضع القدم وإنْ لم ينفه النصّ إلّا أنّه أبلغ.
(وبُعد المرأة والخنثى عن الرجل بعشرة أذرع أو مع حائل) إن كانت قدّامه أو يمينه أو يساره، أمّا لو كانت خلفه كفى تأخّرها بمسقط جسدها بأسره عملاً، بظاهر رواية (4) عمّار، وخروجاً من خلاف جماعة (5) من أصحابنا حيث منعوا من الصلاة بدون ذلك.
ولا فرق بين المحرّم والأجنبيّة والمقتديةِ والمنفردةِ. نعم، يشترط كون الصلاتين صحيحتين.
(وكذا المرأة عن الخنثى)؛ لاحتمال ذكوريّته، (والخنثي عن مثله)؛ لاحتمال ذكوريّة المتأخّر وأحد المتوازيين.
(وتقديم الرجل في الصلاة لوزاحمه الخنثى أو المرأة) مع سعة الوقت، أمّا مع ضیقه، فتزول كراهة الاقتران أو تحريمه حيث لا يمكن الافتراق، (وتقديم الخنثى على المرأة) كذلك.
ص: 112
(وتجنّب الكعبة في الفريضة)؛ لرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام قال: «لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة» (1)؛ وخروجاً من خلاف بعض الأصحاب (2) حيث منع منه؛ نظراً إلى الرواية، وإلى ظاهر قوله تعالى: «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (3) أي نحوه، وإنّما يتحقّق في الخارج عنه، وحمل النهي على الكراهة، والنحو يتحقّق بجزء منها داخلاً أو خارجاً.
واحترزنا ب_«الفريضة» عن النافلة فلا تكره فيها، بل تستحبّ خصوصاً في زواياها وعلى الرخامة.
(و) تجنّب (الحبل المشدود بنجاسة) بحيث لا يستقلّ بحمل الجزء النجس منه وإن تحرّك بحركته، ومثله طرف العمامة والثوب الطويل الذي يتّصل ذيله بالنجاسة، ولا يحمل ذلك الجزء في حال الصلاة.
(والحمام)؛ لأنّه مظنّة النجاسة ومأوى الشياطين؛ وللرواية (4).
(لا المَسْلَخ) في أجود القولين؛ لعدم تسميته حمّاماً؛ إذ المراد به موضع الاغتسال؛ لأنّ اشتقاقه من الحميم، وهو الماء الحارّ الذي يغتسل به فلا يتعدّى إلى غيره.
والْحَقَهُ به العلّامة في النهاية (5)، فكانَ ينبغى للمصنِّف إدخاله؛ خروجاً من خلافه كما هو شأنه في غيره.
أمّا سطحه وباقي مرافقه، فلا يتعدّى إليه قطعاً إلا أنْ يُكرَهَ بوجه آخرَ كبيت ناره.
(وبين القبور لا بحائل) بينه وبينها من جميع الجهات ولو عَنَزَة أو قدر لبنة ونحوه، (أو بعد عشر أذرع) كذلك.
(وعلى القبر) الواحد (وإليه) لا أمامه وعن أحد جانبيه، وفي حكمه القبران، أمّا
ص: 113
المقابر المجتمعة فحكمها ما تقدّم. ولو جعلها بأجمعها خلفه أو عن أحد جانبيه، فالظاهر عدم الكراهة مع احتمال اعتبار التباعد المذكور أيضاً، كما لوصلّى بينها.
واستحباب اجتناب الصلاة على هذا الوجه ثابت (وإن كانت نافلة إلى قبور الأئمّة علیهم السّلام)؛ لإطلاق النصوص بالنهي (1) (إلّا على رواية بجوازها) (2) أي النافلة، صلاة الزيارة من غير كراهية (إليها) أي إلى قبور الأئمّة علیهم السّلام بأن يجعل القبر في قِبْلَتِهِ ويصلّى، والمشهور عموم الكراهية (3).
(وعند الرأس) أي رأس المَزُور (أفضل) من غيره من جوانب المشهد. ولو كانت الزيارة للنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فالأفضل صلاتها في الروضة.
(وتجنّب) الصلاة على (الحنطة) إكراماً لها، (وكُدْسها) - بضمّ الكاف وسكون الدال - واحد الأكداس (المَطِيْن) - بفتح الميم وكسر الطاء فسكون الياء - الموضوع عليه الطين، وفيه لغة أُخرى ضعيفة وهي ضمّ الميم وفتح الطاء وتشديد الياء مفتوحة.
ومستند الكراهة رواية محمّد بن مصادف، عن الصادق علیه السّلام (4) بالنهي عن الصلاة فوق الكُدْس من الحنطة المَطِين وإنْ كان مُسَطّحاً، وهو للكراهة تعظيماً لها.
(والمَعطِن) - بكسر الطاء - واحد المعاطن، وهي مَبارِك الإبل عند الماء لتشرب عَلَلاً بعد نَهَلٍ؛ لما روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح غنم فصلّ فيه؛ فإنّها سكينة وبركة، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل، فاخرج منها وصَلِّ، فإنّها جنّ من جنّ خلقت» (5).
ص: 114
وقيل: إنّ عَطَنَها مواطن الجنّ (1)، والكراهة ثابتة فيه.
(ولو غابت الإبل)؛ لتعليق الحكم على المحلّ من غير تقييد، ولا بأس بالمواضع التي تَبِيتُ فيها الإبل وتُناخ فيها لعلفها ؛ لأنها لا تُسمّى معاطن مع احتمال عموم الكراهة لها.
(ومرابط الخيل والبغال والحمير)؛ المقطوعة سماعة (2)؛ ولكراهة فضلاتها، وبُعد انفكاكها منها. والمرابط - جمع مربط بكسر الباء وفتحها -: موضع ربطها ومأواها.
ولا فرق بين أن تكون غائبة وحاضرة، ولا في الحمير بين الإنسيّة والوحشيّة.
(و مَرابِض الغنم) - بالضاد المعجمة - جمع مَريِض، وهو مأواها ومقرّها عند الشرب، كمَعطِن الإبل، وإنّما يكره فيها (في قول) أبي الصلاح (رحمه الله) (3)، بل ربما قال بالتحريم.
والمشهور عدم الكراهة (4)؛ لما ذكر في الرواية؛ ولقول الصادق علیه السّلام: «لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (5).
(وبيت المجوسي) وإن لم يكن فيه، وتزول الكراهة برشّه؛ لقول الصادق علیه السّلام «رشّ وصلّ» (6) لمّا سئل عن الصلاة في بيت المجوسي (أو بيت فيه مجوسي) وإن لم يكن بيته؛ لرواية أبي جميلة عن الصادق علیه السّلام: «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي، ولا بأس أنْ تصلّي في بيت فيه يهودي أو نصراني» (7).
(أو) بيت فيه (كلب)؛ لرواية عمرو بن خالد عن الباقر علیه السّلام قال: «قال جبرئيل:
ص: 115
يا رسول الله، إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان، ولا بيتاً يُبالُ فيه، ولا بيتاً فيه كلب» (1).
وهذا الخبر ليس صريحاً في كراهة الصلاة فيه، إلّا أنّ القرب إلى الملك لمّا كان محبوباً - خصوصاً في الصلاة ليكتبها الملك ويرفعها، ويحصل بمجاورته فيها الخشوع والإقبال والتَنَوُّرُ - ناسب الكراهية.
(وبيت الغائط) ؛ لرواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله علیه السّلام في العذرة قال: «تَنَحَّ عنها ما استطعت» (2)، فيكون بيت الغائط أَولى؛ ولأنّها مَظَنَّةُ النجاسة.
(والمزبلة)؛ لأنها محلّ النجاسة أو العذرات المكروهة، وفيما تقدّم إيماء إليه.
(وبيت يُبال فيه)؛ للخبر السالف (لا على سطحه) إذا لم يَكِف (3) منه شيء فيدخل النصوص. وأمّا نفس السطح الذي يُبالُ فيه، فيُكرَهُ إنْ اتَّخِذ لذلك وإلا فلا. رواه حديد بن حكيم عن الصادق علیه السّلام (4).
(وبيت المسكر)؛ لرواية عمّار عن الصادق علیه السلام: «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» (5). وفي تعديته إلى الفقّاع وجه؛ لِما روي أنّه خمر مجهول (6)، وخمر استصغره الناس (7).
(و) في بيت (النار) وهو المُعدّ لإضرامها فيه، كالأتون، والفرن، والمطبخ، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداد البيت لها بالذات، كالمسكن إذا أوقِدَ فيه نار. ولا فرق بين كونها موجودة فيه حالة الصلاة وعدمه. ولو غيّر البيت عن حالته وأعدّه لغيرها زالَت الكراهة.
ص: 116
(وإليها) أي إلى النار بأن تكون في قبلة المصلّي ولا حائل (ولو) كانت (جَمراً) أو جمرة (أو سِراجاً)؛ الصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام قال: سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال: «لا يَصْلحُ أنْ يستقبل النار» (1).
وفي رواية عمّار (2) النهي عن الصلاة إلى النار ولو كان في مجمرة أو قنديل معلق.
(وإلى السلاح مشهورا)، بل إلى مطلق الحديد كذلك؛ لقول الصادق علیه السّلام : «لا يصلّ الرجل وفي قبلته نار أو حديد» (3). بل كره بعض الأصحاب (4) الصلاة إلى الحديد والسلاح المتواري.
(أو إنسان مواجه) - بالبناء للفاعل والمفعول - ذكره جماعة من الأصحاب (5)، ولم نقف على نصّ فيه، وعُلِّلَ بحصول التشاغل به، وبأنّ فيه تشبيهاً بالسجود لذلك الشخص.
(أو باب مفتوح) والقول فيه كالسابق من عدم ظهور نصّ فيه، وعلّلهما في التذكرة (6) والنهاية (7) باستحباب السترة بينه وبين ممّر الطريق.
(أو مصحف منشور) أي مفتوح؛ لرواية عمّار عن الصادق علیه السّلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته، قال: «لا» (8).
والْحَقَ به العلّامة (9) التوجّهَ إلى كلّ شاغل ممّا يشبهه من كتابة ونقش وغيرهما؛ لاشتراك الجميع في علّة شغل القلب. وينبغي تقييده بعدم المانع من الإبصار كالعمى والظلمة.
ص: 117
وألْحَقَ المصنِّف به الكتابةَ خاصّة، كما نبّه عليه بقوله: (أو قرطاس مكتوب) مع توجّهه إلى الكتابة بدلالة المقام.
(أو) في (طريق) لا إليه، كما هو مقتضى السياق؛ لقول الصادق علیه السّلام : «لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجَوادّ، فأمّا على الجوادّ، فلا تصلّ فيها» (1).
ولا فرق في الكراهة بين كون الطريق مشغولة بالمارّة وقت الصلاة أو لم تكن.
نعم، لو تعطّلتِ المارّة أو تأذّت بصلاته فسدت؛ للنهي عنها بمنافاة وضعها.
(أو) في (حديد) وقد تقدّم.
(أو) إلى (امرأة نائمة) بين يديه ذكره أبو الصلاح (2)، ولم نقف على مستنده، لكن لا بأس باتّباعه فى ذلك؛ لأنّه من الأَجِلّاء.
والحكم على تقديره مختصّ بالبالغة، فلا يُكره إلى الصبيّة الصغيرة ولا غيرها إلّا مع المواجهة.
(أو) إلى (حائط يَنزّ من بالوعة البول)؛ لِما فيه من تعظيم شعائر الله، وقول الصادق علیه السّلام: «إن كان نَزُّهُ من بالوعة فلا تصلّ فيه، وإن كان من غير ذلك فلا بأس» (3).
وفي تعديته إلى ما أشبهه من النجاسات وجه.
(أو) في (قُرى النمل) جمع قرية وهي مجتمع ترابها؛ لقول الصادق علیه السّلام: «عشرة مواضع لا يُصلّى فيها: الطين، والماء والحمّام، والقبور، ومَسانّ الطرق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخ والثلج» (4).
(وبطن الوادي) علّله في الذكرى (5) بكونه مجرى الماء، فجاز أن يهجم عليه.
(و) على (الثلج والجمد والسبَخة) - بفتح الباء - واحدة السباخ وهو الشيء الذي
ص: 118
يعلو الأرض كالملح، أو - بكسرها - وهي الأرض ذات السباخ.
(و مجرى الماء) وهو المكان المعدّ لجريانه وإن لم يكن فيه ماء. وكذا يكره في نفس الماء وإن لم يكن جارياً.
(و) في (الطين مع الماء) كلّ ذلك للنصّ وقد تقدّم أكثره، وإنّما يجوز على كراهية (للمتمكّن من الأفعال) والكيفيّات وإلّا لم يصحّ.
(و) في (المذبح)؛ لنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (1) عن الصلاة في سبعة مواطنَ، وعَدَّ منها المجزرة. (وضَجْنان) - بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة - (وهو جبل بمكّة، والبيداء وهي على) رأس (ميل من ذي الحليفة) إلى جهة مكّة.
ونقل المصنّف عن بعض العلماء: أنّها الشرف الذي أمام ذي الحليفة ممّا يلي مکّة سُمّيت بذلك؛ لأنّها تبيد جيش السفياني الذي يخرج آخر الزمان (2).
(وذات الصلاصل) جمع صلصال (وهي الطين الحرّ المخلوط بالرمل) فصار يتصلصل إذا جفّ، أي يصوّت، فإذا طبخ بالنار فهو الفخار نقله الجوهري عن أبي عبيدة (3).
ومقتضى العبارة أنّ كلّ أرض كانت كذلك كرهت الصلاة فيها.
وقال العلّامة: إنّها أرض مخصوصة خسف بها (4) وعدى الحكم إلى كلّ موضع خسف به (5)، أي عُذِّبَ أهله بالخسف لا مطلق الخسف.
وقول الصادق علیه السّلام : «تُكره الصلاة في ثلاثةِ مواطنَ بالطريق: البيداءِ وهي ذات الجيش، وذاتِ الصلاصل، وضجنان» (6) يُشعِرُ بذلك.
(والشَقِرة - بكسر القاف) بعد الشين المفتوحة - (وهي الشقيقة)، أي الأرض
ص: 119
التي فيها شقائق النعمان، (والشُقرة - بضمّ الشين - وهي من بادية المدينة، وأرض خسف بها) كالثلاثة المتقدّمة.
والمستند مرسلة ابن فضّال عن الصادق علیه السّلام بالنهي عن الصلاة فيها (1)، وهي محتملة للأمرين. وقد قيل (2) بكلٍّ منهما فيصلح للكراهة.
(و) على (الرمل) المنهال؛ لعدم تمام التمكّن كما سبق في نظائره.
(والسجود على قرطاس مكتوب)؛ لرواية جميل بن دُرّاج عن الصادق علیه السّلام (3)، وعلّلَهُ باشتغاله بقراءته، وهو يؤذن باختصاصه بالقارئ المبصِر، فلا يُكره في حقّ الأُمّي، ولا القارئ الممنوع من البصر.
ويجب تقييد الجواز بسلامة ما يصدق عليه اسمه من الكتابة؛ لأنّ المِداد لا يصحّ السجود عليه، بخلاف القرطاس؛ للنصّ.
(و) السجود (على ما مَسَّتْهُ النار وعلى ما أشْبَه المستحيل من الأرض) كالخزف والأجرّ إن لم نقل باستحالته؛ خروجاً من خلاف من (4) قال به.
ومن هذا الباب ما يُشوَى بالنار من السبح الحسينيّة (صلوات الله وسلامه عليه) ونحوها ممّا يتخذ من تربته الشريفة؛ فإنّ السجود عليه مكروه؛ لأنّه إن لم يكن مستحيلاً فهو ممّا يشبه المستحيل، ومع مُماسَّة النار له تجتمع فيه كراهتان.
ومَنْ حَكَمَ مِن الأصحاب (5) بطهر الخَزَف والآجرّ النجِسَيْنِ قبل الإحراق - بناء على
ص: 120
الاستحالة - يمنع من السجود على ما يصير من التربة خَزَفاً؛ لتحقق الاستحالة عنده، وحيث لا نقول بالاستحالة فلا أقل من الكراهة.
(وسننه اثنتان وأربعون:)
(التقدّم فى أوّله) بأنْ يَسْتَغِلَ فى أوّل الوقت بمقدّمات الصلاة وبمعقّباتها، وأولى منه أنْ يُقدّمَ ما يمكن تقديمه على الوقت لِيُوقع الصلاة في أوّل الوقت.
وقد روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «أفضل الأعمال الصلاة لأوّل وقتها» (1).
وروى قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «إنّ فضل أوّل الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا» (2).
وعن محمّد بن مسلم عنه علیه السّلام : «إذا دخل وقت الصلاة فُتِحَت أبواب السماء لصعود الأعمال، فما أُحبُّ أنْ يصعد عَمَلُ أولَى من عملي، ولا يُكتَبُ في الصحيفة أحدٌ أولى منّي» (3).
وروى زرارة عن الباقر علیه السّلام قال: «أَحَبُّ الوقت إلى الله تعالى حين يدخل وقت الصلاة» (4).
وعن أبي عبد الله علیه السّلام: «لكلّ صلاة وقتان، فأوّل الوقت أفضله» (5).
وعنه علیه السّلام : «أوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» (6).
(وخصوصاً الغداة والمغرب)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّه كان يصلّي الصبح فينصرف
ص: 121
إلى النساء وهُنَّ مُتَلَفِّعات بِمِروطهنّ لا يُعرَفْن من الغَلَس (1).
التلفيع: التغطية يقال: لفّع رأسه - بالتشديد - تلفيعاً، أي غطّاه، وتلفّعت المرأة بمِرْطِها أي تَلحّفت به. والمروط جمع مِرط - بكسر الميم - وهو كساء من صوف كان يُؤْتَزَرُ به. ذكره الجوهري (2).
وعن إسحاق بن عمّار قال، قلت للصادق علیه السّلام: أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر؟ فقال: «مع طلوع الفجر، إنّ الله يقول: «وَقُرآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً» (3) يعني صلاة الصبح، فإذا صلّاها مع طلوع الفجر أثبَتَها له ملائكة الليل وملائكة «النهار» (4).
وأمّا المغرب، فقد روي: «أنّ لكلّ صلاة وقتين إلّا المغرب فإنّ لها وقتاً واحداً» (5). وذلك حين تغرب الشمس، حتّى ذهب بعض الأصحاب (6) إلى تأثيم مَنْ أخّرها عن أوّل المغرب اختياراً.
(والاستظهار فيه) وهو طلب الظهور، بأن يؤخّر الصلاة إلى أنْ يَتَحقَّقَ أو يغلب على الظنّ غَلَبة قويّة (عند الاشتباه) بغيم وحبس ونحوهما.
(والتأخير) عن أوّل الوقت أفضل في مواضع ذكر المصنّف هناك أكثرها (للإبراد بالظهر يسيراً في قطر حارّ).
ص: 122
وزاد المصنّف في غير الرسالة (1) تبعاً للشيخ (2) لِمَن يريد الصلاة في المسجد وهو خارج عنه (وخصوصاً الجامع): لِما روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «إذا اشتدّ الحَرّ إلى وقوع الظلّ الذي يمشي الساعي فيه للجماعة فأبردوا بالصلاة؛ فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم» (3).
فهنا قيود:
أحدها: شدّة الحرّ كما صرّح به في الخبر.
وثانيها: في البلاد الحارّة وضابطه المشقّة بالحَرّ؛ فإنّه يسلب الخُشوعَ والإقبالَ بالقلب، وهما روح العبادة.
وثالثها: كون الإبراد يسيراً، وضابطه مقدار ما يصير للحائط ظلّ يمشي فيه الساعي.
ورابعها: الصلاة في المسجد، فلو صلّى في بيته فلا إبراد مع احتماله، وكذا لوكان في المسجد في ذلك الوقت. وخامسها: التقييد بالظهر، ولا شبهة في انتفائه في الأربع الأُخر. أمّا الجُمُعَة، فيمكن إلحاقها بها للمشاركة في المعنى؛ ولإطلاق الخبر (4)، وعدمه بشدّة الخطر في فواتها، وقول الباقر علیه السّلام : «وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول» (5).
(ولانتظار الجماعة) من الإمام والمأموم. والمراد انتظار مَنْ يُحتمل حضوره من المأمومين عادة، (وخصوصاً الإمام) إذا غاب، فإنّه ينتظر وليُراسَل ليحضر أو يستنيب إنْ كان راتباً وإنْ بَعُد منزله ما لم يخرج وقت الفضيلة؛ (للرواية) التي رواها جميل بن صالح عن أبي عبد الله علیه السّلام (6).
ص: 123
(و للسعي إلى مكان شريف) كالمسجد (وخصوصاً المشعر) الحرام (بالعشاءين) ما لم يتثلّث الليل.
(ولذهاب) الحمرة (المغربيّة في العشاء الآخرة)؛ للأمر بتأخيرها إليه، بل إنّه أوّل وقتها في عدّة أخبار (1) حتّى قيل بوجوبها (2)، فلا أقلّ من الاستحباب (إلّا لعذر) يَشقّ معه تأخيرها (كالمرض والمطر) والوَحَل والثلج والظلمة الشديدة والخوف (والسفر، وللصبي) إذ يشقّ معه تأخير النوم إلى وقت العشاء.
وهذه الأسباب ترخّص الجمع بين الصلاتين في وقت المغرب، وكذا بين الظهرين وإنْ كان المصلّي منفرداً في بيته؛ لإطلاق النصّ (3)؛ ولأنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (4) جمع في المطر وليس بين المسجد وبين حجرته شيء؛ ولأنّ العذر إذا تعلّقَت به الرخصة استوى فيه وجود المشقّة وعدمها، كالسفر بالنسبة إلى القصر وباقي الأعذار في معنى المطر، وأمّا رخصة الصبيّ، فمخصوصة بالعشاءين، ومستنده رواية الفضيل بن يسار، قال: كان علىّ بن الحسين علیه السّلام يأمر الصبيان يجمعون بين المغرب والعشاء، ويقول: «هو خير من أن يناموا عنها» (5).
(ولصيرورة الظلّ) الحادث بعد الزوال (مثله) أي مثل الشخص المدلول عليه بالظلّ؛ لاستلزامه جسماً ذا ظلّ (في العصر كذلك في الأظهر).
يمكن كون «الأظهر» إشارة إلى خلاف الشيخ (6) وجماعة (7) حيث ذهبوا إلى أنّ وقتَ العصرِ صيرورةُ الظِلّ على قدمين، وإنّما كان ما ذكر أظهر؛ لدلالة الأخبار
ص: 124
عليه (1)، وذهابِ الأكثر إليه (2).
ويمكن كونه إشارةً إلى أنّ جماعة من الأصحاب (3) لم يذكروا استحبابَ تأخيرِ العصر أصلاً، وربما صرّح بعضهم بنفيه (4). والأخبار شاهِدَةٌ بما ذكره، بل المعروف في المذهب ذلك، إلّا أنّه لا قائل هنا بمنع تقديم العصر إذا فرغ من الظهر كما قيل به في العشاء (5)، وإنّما الكلام في الاستحباب.
(وقدر النافلة في الظهر للمتنفّل)، وكذا قدرها بعد المثل للعصر إن لم يكن فعلها قبل ذلك، وإنّما لم يستثنها؛ لأنّ الأفضَلَ فِعلها بعد الفراغ من الظهر.
وقد روي (6) أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يصلّي منها أربعاً قبل الظهر ويؤخّر أربعاً، وربما قدّم ستاً
وأخر اثنين يجعلهما بين أذان العصر وإقامتها.
وكيف كان، فمتى أخّر منها شيئاً فتأخير العصر إلى أن يفعله أفضل، ومثله تأخير الصبح إلى أن يصلّي نافلتها إن لم يكن قدّمها ما لم تطلع الحمرة، وتأخير الظهر إلى آخر وقتها.
(و) المغرب إلى آخره (للجمع) بينها وبين العصر والعشاء (في المستحاضة والسلس والمبطون).
(و) التأخير من أصحاب الأعذار، كفاقد المسجد أو الساتر أو وصفه (الزوال العذر)
ص: 125
مع الرجاء بالتأخير ليقع على الوجه الأكمل إن لم نوجبه مطلقاً، كما ذهب إليه المرتضى (1)، أو للمتيمّم عند جماعة (2).
(وتوقّع المسافر النزول) إذا كان فعلها بعده أرفق له وأجمع لقلبه.
(ولآخر الليل لسنّته وقدره الربع أو السدس) الأخير (وقضاؤها) أي نافلة الليل (في صورة جواز التقديم) لها على انتصاف الليل، وذلك لِمَنْ يخاف عدم الإتيان بها في وقتها، أو يشقّ عليه لشباب أو سفر أو مزاج ونحوها، وخائف البرد والجنابة ومريدها بحيث يتعسّر عليه الغسل آخره وإن أمكن.
وهذه المسألة من صور التأخير المستحبّ عن أوّل الوقت ؛ لأنّ أوّله مع هذه الأعذار أوّل الليل، والقاضي يؤخّرها عنه في الجملة وإن كان يفعلها خارج الوقت.
(والختم بالوتر والوتيرة) بأن يجعله خاتمة لصلاته الليليّة، ويجعلها خاتمة التعقيب بعد العشاء وما يتعلّق بها من الوظائف حتَّى سَجْدَتَي الشكر.
وهذا من صور أفضليّة التأخير أيضاً؛ لأنّ أوّل وقتها قبل ذلك. وقد كان في نسخة الأصل: بعد الوتيرة (إلّا في نافلة شهر رمضان، فإنّ الوتيرة تقدّم عليها)، ثمّ كَشَطَها وبقي رسمها هكذا، وهي موجودة في كثير من النسخ. والمراد أنّ النافلة المتأخّرة عن العشاء وهى الاثنتا عشرة أو الاثنتان والعشرون تؤخّر عن الوتيرة؛ لأنّها نافلة الليل لا تعلّق لها بوظائف العشاء إلّا من حيث إنّها مؤخّرة عنها، وبذلك وردت رواية محمّد بن سليمان عن الرضا علیه السّلام (3)، وصرّح به سلّار في رسالته (4).
ص: 126
وإنّما ضرب عليها؛ لأنّ المشهور بين الأصحاب - كما نقله المصنّف في الذكرى (1) -: أنّ الوتيرة مؤخّرة عن تلك الوظيفة أيضاً؛ لتكون خاتمة النوافل. وفي الذكرى: الظاهر جواز الأمرين (2) وهو حسن.
(و تأخير ركعتي الفجر إلى طلوع أوّله) هكذا بخطّ المصنّف، وهو بدل من الضمير. والمراد أنّ أول وقت ركعتي الفجر الفراغ من صلاة الليل والوتيرة وإن لم يطلع الفجر.
وفي بعض الأخبار: «احشِ بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر» (3).
وفي كثير من الأخبار: «هما من صلاة الليل» (4).
وروى سعد الإسكاف عن الصادق علیه السّلام: «دسَّهُما في صلاة الليل دَسّاً» (5) ويسمّيان لذلك الدسّاستَيْنِ، ولكنّ الأفضل جعلهما بين الفجرين ؛ لدلالة كثير من الأخبار عليه (6).
وهذا آخر ما ذكره هنا من صور أفضليّة تأخير الصلاة عن أوّل وقتها، ولقد أحسن في جمعها وأبدع، لكن بقي مواضعُ أُخرُ يسيرةٌ:
منها: تأخير الظهر أو غيرها من الفرائض إذا أراد الإحرام عقيبها عن سنّة الإحرام.
ومنها: تأخير مُدافِع الأخبَتَيْنِ والريح الصلاةَ إلى أن يُخرجهما، وكذا النوم وإن فاتته فضيلة الجماعة والمسجد كما ذكره المصنّف في البيان (7)، وتردّد فيما لو استلزم فوات الطهارة المائيّة واضطرّ بعد زوالها إلى التيمّم.
ومنها: تأخير المربّية ذات الثوب الظهرين إلى آخر الوقت، لتغسل الثوب قبلهما
ص: 127
وتصلّي فيه أربع صلوات بغير نجاسة أو بنجاسة قليلة.
ومنها: تأخير المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة الحاضرةَ إلى آخر وقتها إن لم نقل بوجوبه؛ للأخبار (1) الدالّة على تقديم الفائتة إلى أن يضيق وقت الحاضرة، المحمولة على الندب؛ جمعاً بين الأخبار.
ومنها: تأخير الصائم المغرب إذا نازعته نفسه إلى الإفطار، أو كان مَنْ يتوقّع إفطاره.
وروى سماعة عن أبي عبد الله علیه السّلام في الصلاة تحضر وقد وضع الطعام، قال: «إن الله كان أوّلُ الوقت فليبدأُ بالطعام، وإن خاف تأخير الوقت فليبدأ بالصلاة» (2) وهو مطلق في سائر الصلوات، وقد تقدّم (3) منها استدراك موضعين آخرين، وهما تأخير العصر والصبح عن نافلتيهما إذا لم يقدّمهما على وقتيهما.
فجملة المواضع التي ذكرها المصنّف وما أكملناها أربعة وعشرون، ومع إضافة ما دلّت عليه رواية سماعة خمسة وعشرون، وهذا الحصر ممّا لا تجده في غير هذا الكتاب مطلقاً.
(والضجعة بعدهما) على جانبه الأيمن ووضع الخدّ الأيمن على اليد اليمنى (بلا نوم) فإنّ النوم بعد صلاة الليل مكروه كراهة شديدة حتّى روي: «أنّ فاعله لا يُحمد على ما قدّم من صلاته» (4) (والدعاء فيها بالمرسوم) وهو «استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها» (5) إلى آخره. (وقراءة خمس من آل عمران) من قوله: «إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَواتِ والأَرضِ» - إلى قوله - «إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعَاد» (6) (و تجزئ السجدة عن
ص: 128
الضجعة)؛ لرواية إبراهيم بن أبي البلاد قال: صَلَّيْتُ خلف الرضا علیه السّلام في المسجد الحرام صلاة الليل فلمّا فرغ جعل مكان الضجعة سجدة (1).
(و) من سنن الوقت (قضاء مَنْ أدرك) منه (دون ركعة) لا خلاف بين أصحابنا في عدم وجوب أداء الصلاة إذا أدرك من وقتها دون ركعة ولا قضائها، وممّن نقل الإجماع في ذلك الشيخ (رحمه الله) في الخلاف (2)، ولكنّه مذهب بعض العامّة (3).
لكن ورد في بعض أخبارنا: «أنّ الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء» (4)، وحملها الشيخ على الاستحباب إذا كان الطهر بعد خروج الوقت (5)، فلذلك ألْحَقَ المصنّف هنا استحباب قضاء مَنْ أدرك دون ركعة.
(وإتمام الصبيّ لو بلغ مع قصور الباقي) من الوقت بعد بلوغه (عن الطهارة وركعة)؛ للنهي عن قطع العمل، وأقلّ أحواله الكراهة، فيستحبّ له المضيّ فيها؛ لأنّه الآنَ مُخاطَبٌ بالتكليف، والاستحباب أحَدُ أقسامه.
(والعدول إلى النافلة لطالب الجماعة) مع خوف فواتها لو أكملها، وليكن النقل عند أذان المؤذّن كما دلّت عليه الرواية (6)؛ ليفوز بتمام الصلاة جماعة، ومتى عدل إلى النافلة أتَمَّها ركعتين، وهذا إذا لم يستلزم إكمالها ركعتين فوات الجماعة وإلّا قطعها بعد النقل إليها.
وإنّما يعدل إليها إذا كانت الفريضة ثنائية أو لم يركع في الثالثة وإلّا فالأجود الاستمرار عليها.
ص: 129
ولو كان إمامُ الأصل قَطَعَها مطلقاً.
(و) أي وكذا يعدل إلى النافلة طالب (الأذان) إذا نسيه قبل الشروع فيها، ومثله الإقامة. ولو لم يركع جاز له قطعها ليستدرك وإن كان العدول إلى النافلة أفضل.
ومعنى العدول أنْ ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة قد صَيَّرَها نافلةً قُربةً إلى الله، ولا يجوز التلفّظ إلّا حيث يجوز القطع، ومعه ينقطع.
(و) أي وكذا يعدل إلى النافلة استحباباً طالب (قراءة الجمعتين) أعني الجمعة والمنافقين فى الجمعة وظهريها إذا نسيهما، وقرأ غيرهما، وتجاوز محلّ العدول.
(و) أي العدول (إلى) الفريضة (الفائتة من) الفريضة (الحاضرة إذا كثرت الفائتة) وأمْكَنَ العدول بأنْ لا يركَعَ في ركعة تزيد مع ما قبلها عن عدد المعدول إليها ودخل في الحاضرة غَير عامدٍ.
واحترز بكثرة الفائتة عمّا لو كانت واحدة؛ فإنّ العدول إليها حينئذ واجبٌ كما هو أحد (1) الأقوال في المسألة. والذي اختاره المصنّف في باقي كتبه (2) - وهو الأقوى -: عدم وجوب العدول إلى الفائتة مطلقاً؛ نعم يستحبّ.
(وبالدخول غير عامد) عمّا لو شَرَعَ فيها عامداً، فإنّه لا يجوز له العدول إلى الفائتة مطلقاً؛ لتفويته نفسه الفضيلة ابتداءً، والنهى عن إبطال العمل، وعلى ما اختاره هنا لو كانت واحدة لا تنعقد الحاضرة لو تعمّدها .
ولو تجاوز محلّ العدول فلا عدول مطلقاً.
(وترتيب الفوائت غير اليوميّة بحسب الفوات في قول) العلّامة (3) ومن تبعه (4)؛
ص: 130
اقتصاراً بوجوب الترتيب على محلّ الوفاق، وإنّما استحبّ؛ لعموم قوله علیه السّلام: «فليقضها كما فاتته» (1). ونسبته إلى القول يشعر بتمريضه والميل إلى الوجوب مع أنّه قول نادر، أوّل مَنْ نقله من المتأخّرين الوزير مؤيّد الدين العلقمي عن بعض مشايخه (2). وجعله في التذكرة احتمالاً (3)، ونفى عنه المصنّف في الذكرى البأس (4).
(وتقديم الحاضرة على مشاركها من الفرائض) بأن اجتمع صلاة آية مع يوميّة أو جنازة كذلك أداءً - وهو محلّ وفاق - وقضاءً على الخلاف السابق؛ فإنّ مَنْ قال بترتّب غيرها من الفرائض قال به بينها وبينها على حسب الفوات.
(وتعجيل قضاء الفائت) وجوباً وندباً على أقوى الأقوال في الوجوب، والمشهور (5) بين المتقدّمين وجوب المبادرة بقضائها حين التمكّن ما لم يتضيّق وقت حاضرة (و عدم تحرّي مثل زمان فوات المندوب) من الليل والنهار، بل يقضي ما فات منها ليلاً نهاراً أو نهاراً ليلاً؛ لِما فيه من المسارعة إلى القربة؛ ولأنّ الله تعالى قد جعل الليل والنهار خِلْفَةً، أي يَخلَفُ كلّ منهما الآخر في ذلك، كما روي عنهم علیهم السّلام (6).
وروى الصادق علیه السّلام عن آبائه، عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أنّ الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، يقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي كيف يقضي صلاة الليل بالنهار ما لم أفترض عليه، أشهدكم أنّي قد غفرت له» (7). وقد (8) روي شاذّاً تحرّي قضاء ما فات ليلاً في الليل.
ص: 131
(وسننها تسعة:)
(المشاهدة للكعبة أو محراب الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم) بالمدينة الشريفة (أو محراب الإمام علیه السّلام) بجامع الكوفة والبصرة والمدائن وإن لم يكن الإمام نصبه، فإنّ صلاتَهُ فيه إقرارٌ له. والتجديد الطارئ في المسجد لا يؤثّر في المحراب؛ لأصالة عدم التغيير.
(أو محراب المسجد) المبنيّ في بلد يشتمل على جماعة كثيرة ولو في أوقات متفرّقة، أو في طريق يكثر طروقه (للمتمكن) فيه في الجميع، والفرد الآخر المرجوح ما كان على سمته مع عدم المشاهدة، فلو لم يتّفق ذلك لم تصحّ الصلاة إِلَّا مع المُشاهَدَةِ ولو بالصعود إلى سَطْحِ وجَبَل ونحوهما ممّا لا يَشقّ ويَعسُر عادةً.
ولا يكفي فيه الاجتهاد بالعلامات؛ لأنّه عدول من يقين إلى ظنّ.
وبهذا تبيّن عدم صحّة الصلاة إلى محراب المشهد المقدّس الغروي (على ساكنه السلام)؛ لأنّه مخالف جدّاً لمحراب مسجد الكوفة الذي نصبه أمير المؤمنين علیه السّلام، وصلّى إليه الحسنان علیهما السّلام مع جماعة جماعة من الأئمّة مع أنّي اعتبرتهما بالمقاييس المعتبرة شرعاً والأعمال المستنبطة من الهيئة وغيرها، فوجدت محراب مسجد الكوفة مطابقاً لها على أتمّ وجه، ومحراب المشهد متيامناً عنها كثيراً.
(والتياسر للعراقي) عن سمته المقرّر له شرعاً على المشهور بين الأصحاب (1)، وهو مبنىّ على أنّ قبلة البعيد الحرم، وجهاته ،مختلفة، فإنّها عن يسار الكعبة أكثر منها عن يمينها، وعلى هذا فالتياسر انحراف عن القبلة إليها لا منها عنها، ولا من غيرها إليها، إلّا أنّ المبنى عليه ضعيف.
ص: 132
ومستَنَدُ التياسر أضعف؛ لأنّها أخبار (1) ضعيفة ومرسلة لا تصلح لترتّب الحكم، فالقول بعدم الاستحباب، بل الجواز أوجه.
(والاستقبال في النافلة سفراً وركوباً)؛ لِما تقدّم (2) من الرخصة في عدم اشتراطها فيهما استناداً إلى أخبار وإنْ أُثبت بها سنّة إلّا أنّها لا تنافي أفضليّة الاستقبال.
(وكشف الوجه عند الإيماء بسجوده)، وهذا الحكم بسنن السجود أَوْلَى منه هنا.
(وتجديد الاجتهاد لكلّ فريضة في صورة جواز تركه) وهي ما إذا لم يَعرض له شكّ فيما دلّ عليه اجتهاده السابق، فإنّ أجودَ القولين عدم وجوب تجديده؛ عملاً بأصالة بقاء مدلول الظنّ الأوّل حتّى يَتَبَيَّنَ خلافه، وإنما استحبّ خروجاً من خلاف من (3) أوجبَ التجدِيدَ، ولا نصّ من الجانبين.
(يستحبّ الأذان والإقامة للخمس) اليوميّة (أداءً وقضاءً وخصوصاً الجامع) أي المصلّي جماعة، بل أوجبهما في الجماعة جماعة (4) من الأصحاب حتّى صرّح بعضهم بكونهما شرطاً فيها (5)؛ لرواية أبي بصير عن أحدهما علیهما السّلام : «إِنْ صَلَّيْتَ جماعة لم يُجْزِ إِلَّا أذان وإقامة» (6)، وهو محمول على التأكيد فى النَذب؛ للأخبار الصحيحة (7) الدالّة على كونه مطلقاً سُنَّة (و) خصوصاً (الجاهر) بصلاته أيضاً وهي الصبح والعشاءان.
ص: 133
(ويتأكّد) الاستحباب في (الغداة والمغرب؛ لعدم قصرهما) هكذا علّل في رواية أبي بصير، السالفة، قال - بعد ذكر الجماعة -: «وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة إلّا في الفجر والمغرب، فإنّه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم من أجل أنّه لا يقصر فيهما» (1).
(ولافتتاح كلّ من الليل والنهار بأذان وإقامة) هكذا علّل في رواية زرارة عن الباقر علیه السّلام قال: «أدنى ما يجزئ من الأذان أن يفتتح الليل بأذانٍ وإقامةٍ. ويفتتح النهار بأذانٍ وإقامةٍ» (2).
(وأحكامه) أي الأذان الشامل للإقامة تبعاً، وكثيراً ما يطلق الأذان ويُراد به الأذان والإقامة (مع ذلك) المذكور سابقاً (مائة واثنا عشر : الاجتزاء بالإقامة) وَحدها (عند مَشقَّة التكرار في القضاء) لليوميّة (فيه غير أوّل وِرْدِه)، أمّا فيه فيؤذِّنُ ويُقيم.
والمراد أنّ القضاء المكرّر يوجب مشقّة تكرار الأذان لكلّ فريضة فيسقط، لا أنّ السقوط فيه مشروط بالمشقّة حتّى لو لم يجد القاضي مشقّة لم يسقط.
وقد حكم المصنّف (3) وجماعة (4) بكون الأذان والإقامة لكلّ فريضة أفضل، فيكون معنى الاجتزاء هنا أنّه لا يتأكّد الأذان لكلّ واحدة تأكّده في غيرها وإن كان أدونُ فضلاً من تكراره، وهذا بخلاف الاجتزاء في الصُوَر الآتية.
وقيل (5): إنّ الأفضل هو ترك الأذان لغير الأُولى؛ لِما روي (6) أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم شغل يوم
الخندق عن أربع صلوات، فأمر بالأذان أوّلاً ثمّ بالإقامة لباقي الصلوات، وهكذا روي (7) عنه
ص: 134
حيث جمع بين صلاتين أداءً وقضاء، ولعلّه الأقرب.
(و) أي كذا يجتزئ بالإقامة (المُعِيد صلاته لمُبطلٍ مع الكلام)، وهذا الاجتزاء لا لخصوصيّة الإعادة على الوجه المذكور، بل لأنّ الأذان لا يبطل بالكلام بعده بخلاف الإقامة، فتعاد الإقامة مع الكلام دونه.
(و) أي كذا المعيد صلاته (العُرُوضِ شَكٍّ) أوجَبَ الإعادة، (والجامع لعذر كالسَلَس والبَطَن) - التحريك -.
والضابِطُ أنّه متى اسْتُحِبَّ الجمع سَقَط الأذان للثانية (لا الجامع مطلقاً) أي ليس مطلق الجامع يجتزئ بالإقامة، فإنّ مَنْ جَمَع أَقْراحاً لا لعذر ولا لاستحباب لا يجتزئ بالإقامة للثانية، بل يؤذّن ويُقيمُ لكلّ واحدة؛ لأنّ الأذان إذا ثبت لكلّ واحدة من الصلوات المقضيّة - كما مرّ (1) - فالأداء أولى.
وفي الذكرى جعل سقوط الأذان ثانياً لِمَنْ جمع مطلقاً (2) وهو المشهور (3) والمرويّ (4)، وأيّده بأنّ الأذان إعلامٌ بدخول الوقت وقد حصل بالأوّل.
واعتذر في الدروس (5) - بَعد نَقلِ ما هو المشهور - للسقوط هنا مع الثبوت للقضاء بأنّ الساقط أذان الإعلام؛ الحُصولِ العِلْم بأذان الأوّل، لا الأذان الذكري، وأنّ الثابِتَ في القضاء الأذان الذكري، وحاوَلَ بدفع ذلك دَفْعَ المُنافاةِ. وعلى ما اخْتَرْناهُ مِنْ سُقُوطِ الأذان ثانياً حيث يجمع اداءً وقضاءً لا منافاة، ويستغنى عمّا ذكره من التكلّف، مع أنّ الأذان الذكري لا يتحصّل له معنى:
أمّا أوّلاً: فلأنّ الأذان إنّما وضع شرعاً للإعلام بدخول الوقت، واسمه مأخوذ منه،
ص: 135
وتخلّفه فى بعض أفراده لعارض لا يوجب الاطّراد.
وأمّا ثانياً: فلأنّ من فصوله ما لا ذكر فيه كالحيعلات، وما فيه ذكر لا يتحقّق به الأذان.
وأمّا ثالثاً: فلأنّ الكلام في العبادة الخاصّة واعتقاد كونها مشروعة على الوجه الخاصّ لا مع قصد الذكر المطلق. ويؤيّد السقوط أيضاً ما ذكره المصنّف هنا من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم بقوله: (وفي رواية) عبد الله سنان عن الصادق علیه السّلام (1): (أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم جمع بين الظهرين والعشاءين حضراً بلا علّة ولا أذان للثانية) بل أذّن للأولى وأقامَ، ثمّ أقام للثانية، وكذا روي عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم (2) في القضاء. فلا تتّجه شرعيّة الأذان ثانياً؛ لعدَمِ نقلِ شرعيّتهِ، وإطلاق النصوص بالأذان لكلّ فريضةٍ يتخصّص بفعله صلّی الله علیه و آله و سلّم، مضافاً إلى ما علّل، وعلى هذا يكون الأذان مع الجمع لصاحبة الوقت، فإن كان في وقت الأُولى أذّن لها وأقام ثمّ أقام للثانية وإن كان في وقت الثانية أذّن أوّلاً بنيّة الثانية، ثمّ أقام للأولى وصلّاها لمكان الترتيب، ثمّ أقام للثانية.
(و تجزئ الإقامة أيضاً) حيث يستحبّ الجمع بشرف المكان أو الزمان، وذلك (في عصر الجمعة).
فالسنّة يوم الجمعة الجمع بينها وبين العصر في أوّل الوقت، وعلّل في الخبر (3) بالتخفيف على من حضر الجمعة لينصرف إلى منزله، فإنّ من شأنها حضور البعيد.
(و) كذا في عصر يوم (عرفة وعشاء المزدلفة)؛ لِما روي (4) من أنّ السنّة في هذه الثلاثة الجمعُ بين الصلاتين، وأن لا يؤذّن للثانية، والروايات السابقة في الجمع أيضاً آتية فيها.
ص: 136
ويفهم من حكمه بالاجتزاء بالإقامة - مع مساعدة ما سبق - أنّ الأذان الثاني في هذه المواضع أيضاً ليس بساقط أصلاً، بل رخصةً وتخفيفاً، فلو أذّن لها لم يكن به بأس.
وبهذا المفهوم صرّح في الذكرى، فإنّه بعد أنْ حَكَم بسقوطه وذكر الأخبار الدالّة عليه قال:
وهل يُكره الأذان هنا؟ لم أقف فيه على نصّ ولا فتوى، ولا ريب في استحباب ذكر الله على كل حال فلو أذن من حيث إنه ذكر فلا كراهية (1).
ثمّ قال - بعد نقل عدم جواز الأذان للعصر يوم الجمعة عن الشيخ (2)، ونقل الخبر الدالّ عليه -: «والأقرب الجزم بانتفاء التحريم» (3).
وقريب من ذلك حكمه في الدروس (4)، فإنّه نفى الاستحباب في الثلاثة؛ لعدم ثبوت الشرعيّة، وعدم تحقّق الأذان الذكري كما مرّ، وهو خيرة المصنّف في البيان (5)، وقد عَرْبَ (6) المصنّف في قوله: «إنّه لم يقف فيه على فتوى» مع أنّ العلّامة قد جزم بالتحريم في الثلاثة في المنتهى (7) والتحرير (8).
(ويَسقطانِ) أي الأذان والإقامة جميعاً (عن الجماعة الثانية) إذا حَضَرَتْ في مكان لتصلّي فوجدت جماعةً أُخرى قد أذَّنَتْ وأقامت وصلّت، وكان حضور الثانية (قبل تفرّق الأُولى مطلقاً) أي سواء كانت الصلاة في مسجد أو غيره.
ص: 137
ويحتمل أن يريد به تفرّق الجميع بحيث لا يبقى منهم واحد (ولو حُكماً) بأن ينصرفوا عن التعقيب وإن لم يتفرّقوا بالأبدان.
وفي حكم الجماعة الثانية المنفرد، بل أَولى والنصّ (1) ورد فيهما، خلافاً لابن حمزة (2) حيث خصّ الحكم بالجماعة.
وسقوط الأذان هنا ليس رخصةً، بل مراعاة لجانب الجماعة الأُولى والإمام. وقد رُوِيَ عن الصادق علیه السّلام، وقد قال له أبو عليّ: صلّينا الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجدَ فأذن فمنعناه، فقال الصادق علیه السّلام : «أحسنتَ عن ذلك وامنعه أشدَّ المنع» فقلت: فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال: «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمامٌ» (3).
ويظهر من هذه الرواية أنّ الحكم في ذلك ما ذكرناه، ويمكن حينئذٍ أن يختصَّ الحكم بالمسجد، فلا يتعدّى إلى غيره كالصحراء؛ لأَصالة الشرعيّة، وعدم تحقّق المانع، وفقد الحكم، وهو مراعاة جانب إمام المسجد الراتب في عدم تصوير الصلاة الثانية بمزايا الصلاة، وما يوجب الحثّ على الاجتماع لها ثانياً.
واستقرب المصنّف عدم الفرق بين المسجد وغيره.
نعم يشترط اتّحاد المكان عرفاً، فلو كانت الصلاتان في مسجدين أو مسجد وخارجه لم يسقطا، واتّحاد الصلاة إن اختلف الوقت كالظهر والمغرب، أمّا لو اتّحد كالظهرين، فالأجود السقوط مع احتمال السقوط مطلقاً؛ نظراً إلى إطلاق النصّ.
ويعلم من قوله في الرواية «وبقي بعض» (4) أنّ التفرّق لا يتحقّق إلّا بانصراف الجميع،
ص: 138
فلو بقي واحد مُعَقِّبٌ كَفى؛ لأنه من جملة البعض، وينسحب الحكم إلى الجماعة الثالثة وما بعدها، والشرط واحد وهو عدم تفرّق ذات الأذان، ولا عبرة بما بعدها.
(و) كذا يسقطان (عن الجماعة بأذان من يسمعه الإمام مُتِمّاً) كان المؤذّن (أو مُخِلّاً) ببعض الفصول (مع حكايته) الأذان (متلفّظاً بالمتروك).
وأراد بالأذان ما يشمل الإقامة؛ إذ لا تسقط الإقامة بسماع الأذان وحده.
نعم ضمير «حكايته» يرجع إلى الأذان خاصّة على الظاهر؛ إذ لا حكاية للإقامة، وحينئذٍ فيتشوّش الضمير.
[شروط الاجتزاء بأذان الغير ]
وقد شرط المصنّف في هذا الحكم - وهو اجتزاء الإمام والمأمومين بأذان غيرهم وإنْ كان منفرداً عنهم بصلاته - شروطاً:
أحدها: أنْ يسمع الأذانَ الإمامُ، فلو لم يسمعه لم يَجْتَزِ به وإِنْ عَلمَ به بعد ذلك، والمستند فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم ومَنْ بعده ذلك.
وروى عمرو بن خالد عن الباقر علیه السّلام قال: كنّا معه فسمع إقامة جارٍ له بالصلاة، فقال: «قوموا» فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال: «يجزئكم أذان جاركم» (1).
والطريق ضعيف، لكنّه معتضد بعمل السَلَف.
وروى أبو مريم الأنصاري قال صلى بنا أبو جعفر علیه السّلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة، فلما انصرف قلت له في ذلك، فقال: «إنّ قميصي كَثِيفٌ فهو يجزئ أن لا يكون علَيَّ إزار ولا رداء، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» (2).
ويعلم من ذلك أصل الحكم، وأنّه لا يشترط في المؤذّن قصد الجماعة بأذانه ولا
ص: 139
الصلاة معهم، وأنّ سماع الإمام معتبر دون المأمومين. وتزيد الرواية الثانية أنّ الكلام يقدح في الاجتزاء بهما، والظاهر أنّ قدحه في الإقامة لا غير؛ لما سيأتي (1).
وثانيها: أن يحكيه فلو لم يَحْكِهِ لم يُجْزِ عنه واستحبّ له الأذان والإقامة، وهذا القيد لم يذكره المصنّف في غير الرسالة ولا غيره، ولم نقف على مأخذه، والنص السابق خالٍ من اعتباره.
وعلى تقديره فإنما يعتبر في الأذان دون الإقامة؛ إذ لا نص على حكايتها مطلقاً.
ويمكن أن يكون قوله مع حكايته قيداً للأذان المُخلِّ خاصة بأنْ يريد به أَذانَ المخالف ؛ فإنّه مُخِلِّ فيه ببعض الفصول فلا يُعتَدُّ به ولاشتراط الإيمان فيه أيضاً كما يدلّ عليه بعض الأخبار (2)، وتكون الحكاية مع الإتيان بالمتروك قائمة مقام الأذان، ولكنّه خلاف الظاهر والمروي.
والموجود في الفتاوى (3) الاكتفاء بالإتيان بما نقص خاصة إن اجتزأنا به، وعدم الاعتداد به أصلاً إن اعتبرنا الإيمان.
ويمكن على هذا أن يرجع ضمير «حكايته» إلى المخلّ به المدلول عليه بالمخلّ فيوافق ما ذكر في الأوّل.
وقد روى عبد الله بن الصادق علیه السّلام : «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت سنان عن تريد أن تصلّى بأذانه، فأتِمَّ ما نقص هو من أذانه» (4)، مع أن كلامه يشمل الناقص سهواً، بل عمداً أيضاً، ولا يتم ذلك منه.
وفي قوله علیه السّلام : «وأنت تريد أن تصلّي بأذانه» إشارة إلى التخيير بين الاجتزاء به مع
ص: 140
الإتيان بما ترك وبين عدم الاعتداد به وأذانه بنفسه.
ويمكن أن يكون ذلك إشارةً إلى كونه مؤمناً، أي إن كان مؤمناً مُعْتَداً بأذانه ونقص فاتِمَّ ما نقص، وحينئذ فيحمل ذلك على الإخلال سهواً ليصح الأذان.
وينبّه على إرادة المؤمن رواية عمّار عنه علیه السّلام أنّه قال: «لا يستقيم الأذان ولا يجوز أنْ يُؤذِّنَ به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يُجْزِ أذانه، ولا إقامته ولا يُعتَدُّ به» (1)، والظاهر أنّ المراد بالعارف المؤمن، كما هو مستعمل في مواضع كثيرة.
وثالثها: تلفظ الإمام بالفصل المتروك من الأذان إما نسياناً أو مع كونه مخالفاً كما ذكرناه ووجهه قد علم مما ذكر، ورواية عبد الله بن سنان صريحة فيه، وكان ينبغي بيان وجه الإخلال؛ لئيدخل فيه العامد به، فإنّ أذانه باطل، فلا يكفي الإتيان بما أخل به قطعاً، وليعلم منه حكم المخالف.
والذي اختاره المصنف في غير الرسالة (2) عدم الاعتداد بأذان المخالف مطلقاً.
ولا يشترط في المؤذّن الذي يُجتزأ بأذانه - هنا وفي غيره - البلوغ، بل يجزئ (و) أي (لو) كان صغيراً (مُمَيِّزاً) إجماعاً (3)، ولقوله علیه السّلام : « لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم» (4)، وكما يسقطان عن الجماعة بذلك يسقطان عن المنفرد السامع بطريق أَولى.
واعلم أنّ المراد بسقوط الأذان والإقامة في هذين الموضعين سقوط شرعيّتهما واستحبابهما رأساً، والأمر في الأوّل واضح، والرواية (5) صريحة فيه وفي الأمر بالمنع منه ثانياً، وأمّا الثاني، فظاهر المصنّف فيه ذلك أيضاً.
ص: 141
وفي الذكرى جعل بقاء الاستحباب للإمام السامع احتمالاً قال: أما المؤذن للجماعة
والمقيم لهم، فلا يستحبّ معه الأذان والإقامة لهم قطعاً (1).
ويؤيّد ما ذكره ما نقل من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم ومَنْ بَعْدَه من الأئمّة الراشدين والعلماء الصالحين، فإنّهم لم يؤذّنوا ثانياً، ولو كان مستحبّاً لما واظبوا على تركه.
ولو قيل ببقاء الاستحباب مع سعة الوقت كان وجهاً؛ فإنّه لا يقصر عن تعدّد المؤذّنين في المكان الواحد مجتمعين أو مُتَراسِلِينَ وقد أجمع(2) على جوازه، واقتصار السلف على الأذان لتأدّي السنّة به، وأنّ الركن الأعظم فيه الإعلام وقد حصل، واشتغالهم بما هو أهمّ منه وإن بقيت الشرعيّة.
(و) من أحكامه (إعادة مريد الجماعة) أذانه بعد أنْ أذَّنَ ليصلّى منفرداً على المشهور (3) بين الأصحاب.
والمستند رواية عمّار عن الصادق علیه السّلام في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّيَ وحدَهُ، فيجيء رجل آخر فيقول له: تصلّى جماعة؟ هل يجوز أنْ يُصَلِّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: «لا، ولكن يؤذّن ويقيم» (4).
وردّها المحقّق (رحمه الله) في المعتبر (5) بضعف السند، وبأنه قد ثبت اجتزاء الإمام بأذان غيره وإنْ كان منفرداً فَبِأذان نفسه أَولى.
ص: 142
وأجاب المصنِّف عنه بأنَّ الضعف ينجبر بعمل الأكثر وتَلَقِّيهم لها بالقبول، بل لم نعلم لها راداً سواه، واجتزاؤه بأذان غيره؛ لكونه صادَفَ نيّة السامع للجماعة، فكأنه أذن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد، وبأنَّ الغير أذن بقصد الجماعة أو لم يؤذن ليصلّي وحده بخلاف صورة الفرض.
ويشكل بأنّ فيه تخصيصاً للأوّل؛ إذ ليس من شرطه كون المؤذّن قاصداً للجماعة أو لغيره، بل هو أعمّ منه، وكذلك الأخبار (1) الدالّة عليه.
اللهمّ إلّا أنْ يرادَ من ذلك الجمع بين الأخبار فهو حسن، لكن لا بّد من التنبيه على الشرط في المسألة السابقة، ومع هذا ففي معارضة هذه الرواية الضعيفة بجماعة الأخبار الصحيحة والحكم المتفق عليه بمضمونها - بمجرد اشتهارها بين جماعة - نظر وإن كان العمل بها أولى؛ فإنّ مضمونها تكرار الأذان والإقامة وهو حسن.
ويستحبّ الأذان والإقامة للصحيح والمريض حضراً أو سفراً، (ويتأكّدان حضراً وصحة) لِما رُوي من الرخصة في تركهما (2)، وترك الأذان للمسافر والمريض (3).
(وإخطار المريض أذكاره بباله) إذا عسر عليه الكلام؛ لقوله علیه السّلام : «لا بدّ للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم به» (4).
(ويجوز إفرادهما سفراً) بأن يقتصر في كلّ فصل من فصولهما على مرّة. روى بُرَيد بن معاوية عن الباقر علیه السّلام قال: «الأذان يقصر في السفر كما تقصرُ الصلاة، الأذان واحداً واحداً والإقامة واحدة» (5).
(وإتمام الإقامة أفضل من إفرادها) ذلك الصادق علیه السّلام مرسلاً قال: «لأن
ص: 143
أُقيم مَثنى مثنى أَحَبُّ إليَّ من أنْ أُؤذّن وأُقيم واحداً واحداً (1)».
وهذا التفصيل يتمّ في السفر؛ لجواز إفرادهما فيه. ومثله حالة الاستعجال؛ لرواية أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر علیه السّلام (2) أمّا في غيرهما، فلا يصحّ الإفراد في الأذان مطلقاً ولا في الإقامة لغير تقيّة، فلا يقع التفصيل موقعه.
(و) كذا يجوز إفرادهما (للنساء) ولم أقف على مأخذه، ولا ذكره المصنّف في غير هذه الرسالة ولا غيره (تجتزئ) النساء أو المرأة المدلول عليها بهنّ عن كمال الأذان (بالشهادتين بعد التكبير)، روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (3) (أو بدونه) أي بدون التكبير بأن تقتصر على الشهادتين مرّة مرّة رواه زرارة عن الباقر علیه السّلام قال: «إذا شَهدَتْ الشهادتين فحسبها» (4).
(و) يجتزئ (المتّقي الخائف الفوات) أي فوات الركوع معهم كما يستفاد من رواية معاذ بن كثير عن الصادق علیه السّلام (5)، التي هي مستند الحكم (بِقَد قامت) الصلاة (إلى آخر الإقامة، وروي التعميل) (6) وهو «حيّ على خير العمل» مرّتين (قبلها)، أي قبل «قد قامت»؛ لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك.
(وليقتصر على الإقامة إذا أريد أحدهما) خاصّة، فإنّها أفضل منه (ويرتّله) أي يقف على فصوله متأنّياً ويُبيِّن حروفه، (ويَحْدرُها) بأنْ يقصر الوقف على فصولها مع الإتيان بمسمّاه ليزول الإعراب عن أواخرها؛ فإنّه مكروه فيهما.
قال الباقر علیه السّلام : «الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حَدْرٌ» (7).
ص: 144
والمراد ب_«الألف» ألف الله التي قبل الهاء، وهي التي لا تكتب، و«الهاء» ما بعده في آخر الشهادتين، ومثلها «الهاء» في الصلاة وفي الحَيْعَلَة. وعن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم : «لا يؤذّن لكم مَن يُدغِمُ الهاء» (1).
(وترتيبهما) بأن يرتّب فصولهما على الوجه المنقول.
وكذا يرتّب بينهما بأن يقدّم الأذان على الإقامة (وإِنْ وَجَبَ) الأذان الشامل للإقامة، إن وجب فعلهما (فمشروط) بالترتيب، ولا وجه لتعليق الشرط على الوجوب، بل صحته في نفسه مشروطة بالترتيب، وإن لم يجب فلا يُعتَدُّ به بدونه، ويحرم اعتقاد كونه أذاناً، وقد يعبّر عن هذا الاشتراط بالوجوب تجوّزاً.
(وإعادة الفصل المنسيّ وما بعده) إلى الآخر؛ مراعاةً للترتيب. (والوقوف على فصولهما) من غير إعراب؛ لقول الصادق علیه السّلام : الأذان والإقامة مجزومان» (2). وفي خبر آخر «موقوفان» (3).
ولو أعربهما فعل مكروهاً وأجزاً.
وفي حكم الإعراب الرّوْم والإشمام والتضعيف، فإنّ فيها شائبة الإعراب.
(والفصل بينهما بركعتين في الظهرين خاصّة) يجعلهما (من راتبتهما) روي ذلک (4) عن الصادق علیه السّلام أو الكاظم علیه السّلام (إلّا من فاته سنّة فقضاها فركعتان) منها (بين أذاني الغداة والعشاء) دون المغرب؛ لأنّها مضيّقة.
ولو فعلها فيها جاز أيضاً كما يجوز الفصل بالركعتين السابقتين.
(وروى) محمّد بن عذافر عن الصادق علیه السّلام (الفصل بين أذانَي الغداة بركعتيها (5)،
ص: 145
ويجوز) الفصل بينهما في جميع الصلوات (على الإطلاق بسجدة، أو جِلسةٍ، أو دعاءٍ، أو تحميدة، أو خطوة، أو تسبيحة، أو سكتة بقدر نَفَسِ)، أمّا الجلسة والتسبيحة والتحميدة، فمرويّة (1)، وكذا الفصل بمطلق الكلام.
ويمكن دخول الدعاء فيه، ودخول السجدة في الجلسة؛ فإنّها جلوس وزيادة.
وأمّا الخطوة أو السكتة فذكرهما الأصحاب (2)، ولم نقف فيهما على نصّ، وقد اعترف به أيضاً في الذكرى (3).
(ويختصّ المغرب في المشهور بالثلاثة الأخيرة) وهي الخطوة، والتسبيحة، والسكتة، ونسبه إلى المشهور (4)؛ لعدم وقوفه على مأخذ الجميع، ولا على ما يوجب الاختصاص، وإلّا فإنّ السكتة بقدر نَفَسٍ مرويّ عن الصادق علیه السّلام قال: «بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب، فإنّ بينهما نفساً» (5).
وعنه علیه السّلام : «افصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح» (6).
وقال: «إنّه يجزئه الحمد لله» (7)، وهو شامل لجميع الصلوات.
(وروي الجلسة) بين أذاني المغرب عن الصادق علیه السّلام أنّه قال: «من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله» (8).
ص: 146
(والدعاء في الجلسة أو السجدة) بينهما، وهو (اللهُمَّ اجعل قلبي بارّاً) (1) البارّ: المطيع والمحسن، والمعنى عليهما (2) سؤال الله أن يجعل قلبه مطيعاً لسيّده وخالقه، ومحسناً في تقلباته وحركاته وسكناته، فإنّ الأعضاء تتبعه في ذلك كلّه.
وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «إنّ في البدن لمضغةً إِنْ صَلُحَتْ صلح سائر الجسد، وإن فسدت فسد سائر البدن» (3) أي باقيه، فإذا أحسن القلب وأطاع أطاعت سائر الجوارح كما أنّه إذا فسدَ فسدت.
(وعيشي قارّاً) الأجود كون القارّ هنا متعدّياً، والمفعول محذوفاً، أي قارّاً لعيني، يقال: أقرّ الله عَينَكَ، أي صادَفَ فؤادك ما يُرضيكَ من العيش فتقرّ عينك من النظر إلى غيره. قاله الهرويّ (4).
ويجوز كونه لازماً، أي مثوى لا يحوج إلى الخروج إليه في سفر ونحوه.
وقد روي: «أنّ من سعادة الرجل أن تكون معيشته في بلده» (5) أو قارّاً في الحالة المهنّاة لا يتكدّر بشيء من المُنَغِّصاتِ فيضطرب.
(ورزقي دارًا) أي يَزِيدُ ويَتجدّد شيئاً فشيئاً كما يَدرُّ اللين.
(واجعل لي عند قبر رسولك مستقرّاً وقراراً) المستقر المكان، والقرار المقام، أي اجعل لي عنده مكاناً أُقرّ فيه.
وقيل: هما مترادفان (6).
ونقل المصنّف في بعض تحقيقاته:
إنّ المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة، كأنّه يسأل أن يكون المَحْيا والمَماتُ
ص: 147
عنده، واختَصّ الدنيا بالمستقرّ؛ لقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» (1)
والآخرة بالقرار؛ لقوله تعالى «وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دارُ القَرارِ» (2) (3).
وفيه أنّ القبر لا يكون في الآخرة، وإطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد.
نعم، في بعض روايات الحديث «واجعل لي عند رسولك» إلى آخره بغير ذكر القبر (4).
ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه بأنْ يَكُونَ السؤال بأن يكون مَقامُهُ في الدنيا والآخرة في جواره صلّی الله علیه و آله و سلّم.
(وغير ذلك) من قوله في السجدة: لا إله إلا الله ربّي سجدتُ لك خاشعاً خاضعاً ذليلاً، وفي الجلسة: سبحان من لا تَبِيدُ مَعالِمُهُ، سبحان من لا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ، سبحانَ مَنْ لا يَخِيبُ سائِلُهُ، سبحانَ مَنْ ليس له حاجِبُ خْشَى، ولا بوّاب يُرْشَى، ولا تُرجُمان يُناجَى سبحانَ مَنْ اختار لنفسه أحسن الأسماء سبحانَ من فَلقَ البحر لموسى، سبحان مَنْ لا يَزدادُ على كثرَةِ العَطاء إلّا كَرَماً وجُوداً ، سبحان مَنْ هُوَ هكذا لا هكذا غيرُه (5).
(وإيقاعه أوّل الوقت)؛ لرواية عبد الله بن سنان «السنة أن ينادي مع طلوع الفجر» (6)، وليحصل بسببه المبادرة إلى الصلاة في أوّل الوقت.
(وتقديمه) على الوقت جائز (في الصبح خاصّة)؛ ليتأهَّبَ الناس للصلاة (ثمّ
ص: 148
إعادته)؛ ليعلم به دخوله، ولئلّا يتوهّم طلوع الفجر بالأوّل، وللتأسّي بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (1)، فقد كان له مؤذّنان أحدهما يؤذّن بالليل وهو ابن أُمّ مكتوم، والآخر مع الفجر وهو بلال.
والعامّة (2) عكسوا.
وينبغي تغايرهما؛ لتحصل الفائدة باختلاف الصوت كما فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، ولا حدّ لهذا
التقديم عندنا بل ما قارَبَ الفجر.
ولا فرق في ذلك بين شهر رمضان وغيره.
ومنع المرتضى (3) وجماعة (4) أصل التقديم؛ لعدم ثبوت شرعيّته عنده، نظراً إلى أنّ طريقه آحاد، وأنّ الأذان دعاءٌ إلى الصلاة وإعلامٌ بحضورها، ولا يتمّ ذلك قبله.
وأجيبَ بعد- إثبات الحجّة بالطريق - بجواز تقديم الأمارة على الحضور للتأهّب بالطهارة، وبأنّ الفائدة غير منحصرة فيما ذكر، فإنّ منها امتناع الصائم عن الجماع، ومبادرته إلى الغسل، واحتياطه بعدم الأكل كما أشارَ إليه صلّی الله علیه و آله و سلّم بقوله: «إنّ ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل فَكُلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال» (5).
ويمكن أن يكون منه التنبيه لصلاة الليل إلى غير ذلك، وإعادته تأتى على ما ذكره الفائدة.
(ولا تقديم فيها) أي في الصبح (للجماعة)، بل للمؤذّن لنفسه أو للبلد بغير قصد الجماعة؛ لرواية عمران بن عليّ عن الصادق علیه السّلام في الأذان قبل الفجر: «إذا كان في جماعة فلا، وإن كان وحده فلا بأس» (6).
ص: 149
والأكثر - ومنهم المصنّف في غير الرسالة - لم يذكروا هذا الشرط.
(و) ينبغي (جعل ضابط) للتقديم (يستمرّ عليه كلَّ ليلةٍ) ليعتمد عليه الناس في أغراضهم، ولا يتقدر ذلك بسُدس الليل أو نصفه عندنا؛ لعدم الدليل.
(ورفع الصوت) بالأذان (الرجل)؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية معاوية بن وهب «ارفع صوتك، وإذا أَقَمْتَ فَدونَ ذلك» (1). وعنه علیه السّلام: «إنّ الله يؤجِرُكَ على مدّ صوتك فيه» (2)؛ ولأنّ الغرض الإبلاغ ولا يتمّ إلّا بذلك، واستحباب رفع الصوت به ثابت (ولو) فعله (في بيته لإزالة السَقَم) - بالفتح - (والعقم) - بضم العين وفتحها وسكون القاف - مصدر عقم على ما لم يُسَمَّ فاعله إذا لم يقبل الولد.
روى محمّد بن راشد قال: حدّثني هشام بن إبراهيم أنّه شكى إلى الرضا علیه السّلام سُقْمَه. وأنه لا يولد له، فأمرهُ أن يرفعَ صوتَهُ بالأذان في منزله، قال: ففعلتُ فأَذْهَبَ الله عنّي سقمي، وكَثرَ ولدي. قال محمّد بن راشد: وكنتُ دائم العلة ما أَنفَك منها في نفسي وجماعة خَدَمِي، فلما سمعتُ ذلك من فلما سمعتُ ذلك من هشام عملتُ به فأذهب الله عنّي وعن عيالي العِلَلَ (3).
(وإسرارها) أي المرأة بقرينة الرجل في السابق.
(ولا بدّ) في الأذان والإقامة (من إسماعهما) أي الرجل والمرأة (نفسيهما)؛ لقول الباقر علیه السّلام : «لا يُجزئك من الأذان والإقامة إلّا ما أَسمعتَ به نفسك أو فَهمتَهُ» (4).
(والإقامة في ثوبين أو رداء ولو خرقة) كما يُستحبّ ذلك في الصلاة؛ لما روي أنّ «الإقامة من الصلاة» (5).
ص: 150
(والاستقبال) في حالة الأذان والإقامة إجماعاً (1)، (وخصوصاً الإقامة) حتّى أوجبه فيها المرتضى (2) والمفيد (3): لما مرّ (و) خصوصاً (الشهادتين فيهما) أي في الأذان والإقامة، فإنّ الاستقبال فيهما آكد؛ لرواية محمّد بن مسلم، عن أحدهما علیهما السّلام : «إذا كان المتَشَهِّدُ مستقبل القبلة فلا بأس» (4).
(وإعادتهما مع الكلام) خلالهما (وخصوصاً الإقامة) أمّا الإقامة، فالنصّ (5) والفتوى (6) ناطقان بكراهة الكلام خلالها وبعدها وإعادتها به. وأمّا الأذان، فلم أقف فيه على شيء منهما حتّى من المصنّف في غير الرسالة، وهو أعلمُ بما قاله. نعم، لو طال الكلام بحيث لا يذكر أنّ الثاني مبنيّ على الأوّل أعاده، ومثله السكوت.
(وعدالة المؤذّن)؛ ليعتدّ ذوو الأعذار به؛ ولإشعار قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «المؤذنون أُمناء» (7).
(وعلوّه) على مرتفع؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم لبلال: «اعلُ فوق الجدار، وارفع صوتك بالأذان، فإنّ الله عزّ وجلّ قد وكّل بالأذان ريحاً ترفعه إلى السماء، وإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا: هذه أصوات أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله و سلّم بتوحيد الله عزّ وجلّ، ويستغفرون لأمّة محمّد صلّی الله علیه و آله و سلّم حتّى يفرغوا من تلك الصلاة» (8). رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السّلام.
(وفصاحته)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «يؤذّن لكم أفصحكم» (9). والأَولى أن يراد بالفصاحة هنا
ص: 151
معناها اللغوي (1)، بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما بحيث تُبيّن حروفه بياناً كاملاً؛ لا المعنى الاصطلاحي (2)؛ لأنّ الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقاة من غير زيادة ولا نقصان.
(ونداوة صوته) أي ارتفاعه ليعمّ النفع به؛ ولقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم لعبد الله بن زيد: «ادع بلالاً؛ فإنّه أندى منك صوتاً» (3) كذا احتجّ المصنّف (4)، وفيه نظر. (وطيبه) لتقبل القلوب على سماعه.
(ومبصريّته) لمكان المعرفة بالأوقات (إلّا بمسدّد) فلا يضرّ العمى؛ تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم في جعل ابن أُمّ مكتوم مؤذّناً وكان أعمى.
(وبصيرته) بالأوقات، ليأ من الغلط ويقلّده ذوو الأعذار.
(وطهارته) من الحدث؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «حقّ وسنّة ألّا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر» (5) وغيره. (وتتأكّد الإقامة)؛ لأنّها ألصَقُ بالصلاة كما مرّ؛ ولقول الصادق علیه السّلام في صحيح عبد الله بن سنان: «لا بأس أن يؤذّن وهو جنب، ولا يقيم حتّى يغتسل» (6).
(ولزوم سمت القبلة) في جميع أذكارهما خصوصاً الإقامة، بل أوجبه فيها المرتضى (7) كما أوجب الطهارة.
ويُكره الالتفات يميناً وشمالاً بالحيعلتين ولو في المنارة؛ لمنافاته الاستقبال، وعدم
ص: 152
ثبوت شرعيّته، فيكون فعله معتقداً رجحانه بدعة.
(وقيامه) فيهما ( وفيها أتمّ) استحباباً؛ للرواية عن الكاظم علیه السّلام (1).
(وجعل إصبعيه في أُذنيه؛ حَذَراً من الضرر ) كذا عُلّل في الرواية عن الصادق علیه السّلام (2). وفي رواية أخرى عنه علیه السّلام: «إنّه من السنّة» (3).
(وتقديم الأعلم) من المؤذّنين (بالمواقيت مع التشاحّ)؛ لأمنِ الغلط معه، وتقليد أرباب الأعذار له، فإن تساووا فيه، فالأعدل، فالأشدّ محافظةً على الأذان في الوقت، فالأندى صوتاً، فمن يرتضيه الجيران، وكذا تقديم المبصر على المكفوف.
ولو تعارضت الصفات قدم الأجمع لها. والقرعة مع التساوي)؛ لأنّها لكلِّ أمرٍ مجهول.
وإنّما يتحقّق التشاحّ للارتزاق من بيت المال حيث لا يحتاج إلى التعدّد وإلّا أذّن الجميع.
(و) يُستحبّ حينئذٍ (تتابع المؤذّنين) بحيث يبتدئ كلّ واحد منهم بعد فراغ الآخر إلى أنْ يُتِمّوا، ولا يُعَدّ ذلك أذاناً ثانياً؛ لأنّ المقصود من المجموع أذان واحد يَتعدّدُ فاعله، وإنما يتحقق الثاني بتكراره من الواحد أو من غيره بحيث يُعدُّ موظفاً (إلّا مع الضيق حقيقة أو حكماً باجتماع الإمام والمأمومين، فيؤذنوا دفعةً.
(وإظهارها الله و) هاء (إله و) هاء (أشهد و) هاء (الصلاة وحاء الفلاح)؛ لما تقدّم من الرواية (4)، أنّه بإفصاح الهاء؛ ولأنّهما حرفان مهموسان رخوان، فإذا وقعا بعد السكون زادا ضعفاً، فاحتيج إلى التنبيه عليهما. وقد روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا يؤذّن لكم مَنْ يُدعم الهاء» (5).
ص: 153
(وحكاية السامع) لفصول الأذان بأن يتلفّظ بكلّ فصلٍ سمعه عند تلفّظ المؤذّن به ، أو بعد فراغه منه بلا فصل ؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذّن» (1).
وليترك السامع كلامه وقراءته ودعاءه وغيرها حتّى ابتداء الصلاة وإن كانت تحيّة عند دخول المسجد إلى أن يفرغ.
(والتلفّظ بالمتروك) نسياناً أو اعتقاداً لا عمداً؛ لبطلان الأذان به.
وتستحبّ الحكاية (ولو في الصلاة)؛ لأنّه ذكر الله تعالى، فلا ينافيها (إلّا الحيعلات) فلا يحكيها (فيها)؛ لأنّها ليست ذكراً، فلو حكاها بطلت.
ومن هنا يُعلَم ضعف ما رتّبه المصنّف من الأذان الذكري، ويجوز إبدالها فيها بالحوقلة، بل رُوي ذلك في غيرها (2) أيضاً.
وظاهر العبارة استحباب حكاية الإقامة أيضاً؛ لأنّ أكثر الأحكام مشتركة، ولا نصّ فيه على الخصوص كما اعترف به المصنّف في غير الرسالة. وفي استحبابه نظر.
(والدعاء عند الشهادة الأُولى) بقوله: «أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسولُ الله أُكْفى بها عن كلّ من أبى وجحد، وأُعينُ بها مَن أَقرَّ وشهد، ليكون له من الأجر عدد الفريقين». روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (3).
وليقل عند سماع الشهادتين: «وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه، رَضِيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمّد رسو رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّةً ، اللهمَّ صَلّ على محمدٍ وآل محمّد، اللهم رَبَّ هذهِ الدعوةِ التامّةِ، والصلاةِ القائمة آتِ محمّداً الوَسيلةَ والفَضِيلةَ وابعثهُ المقامَ المحمودَ الذي
ص: 154
وعدْتَهُ وارْزُقْنِي شَفاعَتَهُ يومَ القيامة» (1).
(وإسرار المتّقي بالمتروك) لا تركه؛ إذ لا تقيّة في الإسرار. نعم، لو خاف من التلفّظ به - وإن كان سرّاً بسبب ظهور حركة شفَتَيْهِ أو طول زمانه - أجراه على قلبه.
(والقيام عند قد قامت الصلاة) على المرويّ (2) والمشهور (3).
وقيل : عند «حَيَّ على الصلاة»؛ لأنّه دعاء إليها (4)، وهو غير مسموع في مقابلة النصّ (5)؛ لجواز كونه دعاءً إلى الإقبال والتأهّب، وقد قامت» دعاء إلى القيام؛ لأنّه وقت المبالغة في الاستدعاء إلى القيام بلفظ الماضي كإيجاب العقود، وللشيخ قول بأنه عند الفراغ منها (6).
(وتلافيهما أو تلافي الإقامة للناسي) لهما أوّلها (ما لم يركع) على المشهور (7).
ويدلّ على حكم نسيانهما صحيحة الحلبي عن الصادق علیه السّلام (8)، وعلى نسيان الإقامة صحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السّلام (9)، وتضمّنها العود ما لم يفرغ من الصلاة محمول على المقيد بعدم الركوع.
أمّا العامد، فيستمرّ على صلاته؛ لتقصيره. (وفي صحيحة) محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام في ناسي الأذان والإقامة: «يرجع إليهما بعد أنْ يُسَلّم على النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم» (ما لم
ص: 155
يقرأ) «فإن كان قد قرأ فليتم صلاته» (1).
وهي محمولة على الاستحباب المؤكّد قبل القراءة دون ما بعدها وإن استحبّ الرجوع ما لم يركع كما سبق (2)؛ جمعاً.
ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد.
(وترك الأذان فيما يختصّ بالإقامة) وذلك في حالة استحباب الجمع، وربما شمل حالة إباحته؛ لِما روي من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (3)، وحكمه هنا بتركه على جهة الاستحباب خاصّة، فيكره فعله، وهو الموافق لِما سبق؛ ولِما عطف عليه من قوله: (وفي الصومعة) يمكن أن يريد بها المأذنة؛ لأنّها محدثة خصوصاً مع علوّها على سطح المسجد، ويظهر ذلك من رواية عليّ بن جعفر عن أخیه علیه السّلام أَسُنّةٌ هو؟ فقال: «إنما كان يؤذَّن للنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم في الأرض» (4).
وروى السكوني عن عليّ علیه السّلام أنّه مَرَّ على منارةٍ طويلة فأَمَرَ بهدمها ثمّ قال: «لا تُرفع المنارة إلّا مع سطح المسجد» (5).
ويمكن أن يُريد بها بناءً خاصاً غير المنارة؛ لأنّه قد ثبت وضعها في الجملة، وهي تشتمل على بعض مرجّحات الأذان واستحبّها جماعة من الأصحاب (6)، وقد صرّح ابن حمزة باستحبابه في المأذنة وكراهته في الصومعة (7).
ويمكن أن يريد بها صومعة النصارى؛ لأنّها المعروف منها لغةً (8) وعرفاً.
ص: 156
(وتكرير التكبير والشهادتين) زيادةً عن المُوَظَّف (لغير الإشعار) للمصلّين بأن يقصد بذلك تنبيههم وجمعهم، وإنّما يستحبّ تركه مع عدم اعتقاد توظيفه وإلّا كان فعله ،بدعة، وهو المعبّر عنه بالترجيع.
واستثنى من ذلك قصد الإشعار؛ للرواية (1)، ولم يقيّد فيها بما ذكره هنا، ولذلك عمّم المصنّف في الذكرى (2)، ففسّره بأنّه تكرير الفصل زيادةً عن الموظّف، والحكم واحد.
(و) ترك فعلهما (راكباً خصوصاً الإقامة)؛ لرواية أبي بصير عن الصادق علیه السّلام : «لا بأس أن تؤذِّن راكباً أو ماشياً أو على غير وضوء، ولا تُقِم وأنت راكب أو جالس إلّا من علّة، أو يكون في أرض مَلَصَّةٍ (3)» (4).
(و) ترك (الحيعلتين بين الأذان والإقامة)؛ لأنه بدعة أحدثها بعض العامّة، وهذا إذا لم يعتقد توظيفها وإلّا حرم.
(والكلام فيهما مطلقاً) أي بعد قوله: قد قامت الصلاة وقبلها.
وحرّمه جماعة (5) بعده إلّا لمصلحة الصلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ ونحوهما؛ لقول الصادق علیه السّلام: «إذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تَقدَّمْ يا فلان» (6).
وحمل على تأكّد الكراهة جمعاً.
(و) كذا ينبغي ترك الكلام (بينهما) أيضاً (في) أذاني (الصبح، وفي الإقامة آكد)؛
ص: 157
للنهي عن الكلام فيها دون الأذان في رواية أبي بصير (1) وغيرها (وبعد لفظها) وهو «قد قامت الصلاة» (أتمّ) تأكيداً (في الأشهر ) (2) وقيل: إنّه حينئذ محرّم؛ للخبر السالف، ذهب إليه الشيخان (3) والمرتضى (4) (رحمهم الله).
(وفي حكمه) أي حكم الكلام (الإيماء باليد عند لفظها إلا لمصلحة) الصلاة، استثناء من الكلام وما في حكمه وقد تقدّم (5) وجهه، ومعناه (والدعاء بعدها بقوله: اللهُمَّ رَبَّ هذهِ الدعوةِ التامّةِ... إلى آخره)، وتمامه: «والصلاة القائمة بلّغ محمّداً صلّی الله علیه و آله و سلّم الدرجةَ، والوسيلةَ، والفَضلَ والفَضيلة، باللهِ أسْتَفتِحُ وبالله أستَنْجِحُ، وبِمحمّد صلى الله عليه و آله و سلّم أَتُوجَّهُ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجْعَلْنِي بِهم وَجيهاً في الدنيا والآخِرَةِ ومن المُقَرَّبِينَ» (6).
[ المقدمة ] (الحادية عشرة)
(سنن القصد إلى المُصَلَّى وهي عشرة: السكينة) وهي الطمأنينة في البدن والاعتدال في الحركة، (والوقار) في نفسه بمعنى طمأنينتها وإقبالها.
(والخضوع) وهو التطامن والتواضع.
(والخشوع) وهو لغةً بمعنى الخضوع (7)، وكأنّه هنا مؤكّد له.
(وإحضار عظمة المقصود إليه سبحانه، والدعاء عند القيام إلى المُصَلّى) وهو
ص: 158
(اللهُمَّ إِنِّي أُقدِّمُ إليكَ محمّداً...) إلى آخره تمامه: «بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِي، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِهِ، فاجْعَلْنِي به وَجيهاً في الدنيا والآخِرَةِ ومِنَ المُقَرَّبِينَ، واجْعَلْ صَلاتِي مَقْبُولةً، وذَنْبي مغفوراً، ودعائي مُستجاباً، إنَّكَ أنتَ الغَفورُ الرَّحِيمُ» (1).
(وتقديم) الرجل (اليُمنى عند دخول المسجد، والدعاء داخلاً) بقوله: «بسمِ اللهِ، وباللهِ، ومِنَ اللهِ، وإلى اللهِ وخَيْرُ الأَسماءِ كُلُّها للهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلا حَوْلَ ولاقوة إِلَّا بالله، اللهُمَّ صَلّ على محمّدٍ وآلِ مُحمّد، وافْتَحْ لى أبوابَ رَحْمَتِكَ وتَوْبَتِكَ، وأغْلِقُ عَنِّى أبواب مَعصِيَتِكَ واجْعَلْنِي مِن زُوّارِكَ وعُمّارِ مَساجِدِكَ، ومِمَّنْ يُناجِيكَ بالليل والنهار. ومِنَ الذِينَ هُم فِي صَلاتِهم خاشعونَ ، وادْحَرْ عَنِّي الشيطان الرجيم وجُنودَ إبليس أجْمَعِين» (2).
وفي بعض الأخبار: «بسم الله والسلام على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، [إنّ اللهَ ] (3) وملائكته [يصلّون] (4) على محمّد وآل محمّد، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته، اللهُمَّ اغفرلي ذنوبي، وافْتَحْ لي أبوابَ رحمَتِكَ، واجْعَلْنِي مِن عُمّار مساجدك جلَّ ثناءُ وَجْهِكَ» (5) أو بما سيأتي.
(وخارجاً) بقوله: «اللهم اغْفِرْ لي وافتح لي أبوابَ فَضلِكَ» (6)، أو بما سيأتي.
وليكن خروجه (باليسار) وقد سبق.
ص: 159
ص: 160
(وهي تسع:)
(وهي إحدى وعشرون : التكبيرات الستّ أمام التحريمة أو بعدها أو التفريق) بأن يكبّر بعضها قبلها وبعضها بعدها كيف شاء.
ورفع اليدين بكلّ) تكبيرة (إلى حِذاء شَحْمَتَي الأُذنين)، ولو اقتصر على محاذاة الوجه أجزأ؛ لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله علیه السّلام (1). وإن كان الأوّل أفضل (ثمّ يرسلهما إلى فخذيه واستقبال القبلة ببطونهما) ؛ لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله علیه السّلام (2) (وبسطهما ، وضمّ الأصابع إلّا الإبهامين) فيفرّقهما عن الأصابع على أشهر (3) القولين.
وقيل (4) : «يضمّهما إليها».
ولو كان بهما أو بأحدهما عُذرٌ رَفَعَ المقدور، ومقطوع اليدين يرفع الذراعين.
ولو قطع الذراعان رفع العضدين.
ص: 161
(ولو نسي الرفع) في ابتداء التكبير (تَدارَكَهُ) في أثنائه (ما لم يفرغ التكبير ولا يتجاوز بهما) أي باليدين (الأُذنين)؛ للنهي عنه عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (1)، ورواه أبو بصير عن الصادق علیه السّلام (2).
وهذه الكيفيّة المذكورة للرفع في هذه التكبيرات السبع (كباقي التكبيرات) الواقعة في الصلاة للركوع والسجود وغيرهما. والغرض من التشبيه مع عدم سبق ذكر حكمها إدراجه في ما ذكره هنا.
(و)ابتداء (وضعهما عند انتهاء التكبير كما أنّ ابتداء رفعهما عند ابتدائه في الأصح لظاهر خبر عمّار (3) ، قال : رأيت أبا عبد الله علیه السّلام يرفع يديه حيال وجهه حين یستفتح.
والقول الآخر جعل التكبير بأجمعه حال قرارهما مرفوعتين (4).
وفي ثالث أنّه حال إرسالهما (5).
(والدعاء بعد) التكبيرات (الثلاث) بقوله: «اللهمّ أنت الملك الحقّ، لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت» (ثمّ بعد الاثنتين) بقوله: «لبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيرُ في يَدَيْكَ، والشرُّ ليس إليك، والمَهْدِيُّ من هَدَيْتَ لا ملجأ منك إلا إليكَ، سُبحانَكَ وحَنانَيْكَ تَبارَكْتَ وتَعالَيْتَ، سُبحانَكَ ربَّ البَيْتِ».
(ثمّ) يدعو (بعد) التكبيرة (السابعة) سواء كانت تكبيرة الإحرام أم غيرها بقوله: «وَجَّهْتُ وَجْهي للذي فَطَرَ السَّماواتِ والأرض عالم الغيب والشهادةِ حَنِيفاً مُسلِماً وما
ص: 162
أنا مِن المُشْرِكِينَ» (1) اقتصر الحلبي في رواية عن الصادق علیه السّلام على ذلك.
وروى زرارة عن الباقر علیه السّلام في التوجّه: «وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملّة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ، وأنا من المسلمين» (2).
وزاد الشيخ في المصباح بعد قوله: «ملّة إبراهيم» «ودين محمّد ومنهاج عليّ» (3).
وروی الدعاء عقيب السادسة بقوله: «يا محسن قد أتاك المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، فصلّ على محمّد وآل محمّد، وتجاوز عن قبيح ما تعلم منّي» (4).
وورد (5) أيضاً أنّه يقول: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلوَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي الآية» الآیة (6)، والكلّ حسن.
(والأفضل تأخير التحريمة) عن الجميع، (ويجوز الولاء) بين التكبيرات بغير دعاء، بمعنى تأدّي وظيفة الاستفتاح بذلك، وأنّها ليست عبادة واحدة لا يتعبّد ببعضها بخصوصه؛ إذ لا شبهة في جواز ترك الدعاء وبعض التكبيرات؛ لأنّه مسنون، ولولا النصّ على ذلك، لكان ترك البعض مُخِلّاً بجملة الوظيفة، وإنّما يُعَدُّ ذاكراً مُطلقاً لا بخصوصيّة شرع ذلك، والمستند رواية زرارة عن الباقر علیه السّلام أنّه سمعه استفتح الصلاة بسبع تكبيرات وِلاءً (7).
ص: 163
(و) كذا يجوز (الاقتصار على خمس أو ثلاث)؛ لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر، إن شئتَ واحداً، وإن شئت ثلاثاً، وإن شئت خمساً، وإن شئت سبعاً، فكلّ ذلك يُجزئك» (1).
وروى محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام قال: «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ، والثلاث أفضل والسبع أفضل» (2).
(وروي إحدى وعشرون) تكبيرةً رواه زرارة عن الباقر علیه السّلام قال: «إذا كبرت في أوّل الصلاة بعد الاستفتاح إحدى وعشرين تكبيرة ثمّ نسيت التكبير أجزاك» (3).
(وإسرارها) أي الستّ تكبيرات (للإمام والمؤتمّ) أمّا المؤتمّ، فواضح؛ لأنّ أذكاره كلّها سرّ، وأمّا الإمام، فلرواية أبي بصير السابقة، فإنَّ في آخرها «إنّك إذا كنت إماماً لم تجهر إلّا بتكبيرة (4)، أي من السبع وهي تكبيرة الافتتاح؛ ليعلم المأموم بتحرمته بالصلاة.
(وتختص) التكبيرات الستّ (بأوّل كلّ فريضة والأُولى من) نوافل (الليل والوتر و) الأولى من (نافلة الزوال و) الأولى من نافلة (المغرب و) الأُولى (من نافلة الإحرام والوتيرة) ذكر ذلك الشيخان (5)، ولم نقف على مستندهما على
التخصيص.
قال الشيخ في التهذيب - بعد حكايته عن المفيد -: ذكر ذلك عليّ بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد به خبراً مسنداً (6).
ص: 164
والأجود عموم الاستحباب في جميع الصلوات؛ لإطلاق النص، وهو خيرة المصنّف في الكتب الثلاثة (1).
(وأُوّلَ في الرواية) التي رواها أحمد بن عبد الله عن عليّ علیه السّلام (2): (التكبير الأول) من هذه التكبيرات السبع (أن يُلمس بالأخماس) (3)، أي بالأصابع الخمس، (أو يدرك بالحواسّ) الخمس الظاهرة، أمّا الباطنة، فيمكن إدراكه بها بوجه، (أو أنْ يُوصفَ بقيام أو قعود.
والثاني : أن يوصف بحركة أو جمود) أي سكون ؛ مراعاة للمقابلة وإن كان الجمود أعمّ.
(والثالث: أن يوصف بجسم أو يشبّه بشبه.
والرابع: أنْ تحلّه الأعراض أو تؤلمه الأمراض) أي لا تتعلّق به الأمراض فتؤلمه لا أنّه يجوز تعلّق أمراض به ولكن لا تؤلمه، كما هو ظاهر التركيب.
ومن قبيل هذا التركيب قوله تعالى: «الَّذِي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (4) «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ» (5) وَ «لا يَسْتَلُونَ النّاسَ إلحافاً» (6) أي لا عمد لها فَتُرى، ولا تكفروا به، ولا مسألة تقع منهم بضرب من التأكيد.
ومنه قولهم: فلان لا يهتدي بمنارة، ولا يُرجى خيره، أي لا منار له يهتدي به، ولا خير فيه فيرجى، ومن الشعر قولهم:
مِن أُناسٍ ليس في أخلاقهم *** عاجِلَ الفُحْشِ ولا سوءَ الجَزَع
ص: 165
والمراد نفي الفحش والجزع لا نفي الفحش العاجل والجزع السيّء خاصّة.
(والخامس: أن يوصف بجوهر أو عرض، أو يحلّ في شيء.
والسادس: أنْ يجوز عليه الزوال) وهو العدم، (أو الانتقال) من مكان إلى مكان، (أو التغيير من حال إلى حال.
والسابع : أنْ تحلّه الخمس الحواسّ) الظاهرة التي هي الباصرة، والسامعة، والشامة، والذائقة، واللامسة التي هي من لوازم الأجسام بل الحيوان.
والخمس الحواسّ الباطنة التي هي الحسّ المشترك، والخيال والوهم والحافظة والمتخيّلة وإن كانت منفيّة عنه تعالى أيضاً إلّا أنّ الإطلاق لا ينصرف إليها، وإرادة الخمس منها بعيدة، وفي تحققها شك - أيضاً - مُحَقَّق في محلّه.
وإنّما نسب التأويل إلى الرواية؛ لجواز إرادة عموم المعنى في كلّ واحدة بجميع ما ذكر بل لما هو أعمّ منه.
واستدعاء الاختلاف تأسيس معنى وهو خير من تأكيده يندفع بأنَّ أكثر ما ذكر متداخل معنىَّ ومرجعاً وبأنّ الأخبار الدالّة على الشرعيّة ظاهرها إرادة التأكيد، كرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام : «أنّ الحسين علیه السّلام أبطأ عن الكلام فخرج به النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم إلى الصلاة فأقامه عن يمينه، وافتتح صلّی الله علیه و آله و سلّم فكبّر الحسين علیه السّلام، فأعاد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم التكبير، فأعاد الحسين علیه السّلام وهكذا سبعاً فجَرَتْ السُنّة بذلك» (1) وغيرها من الأخبار (2) المعلّلة.
(وروي التسبيح بعده سبعاً والتحميد سبعاً) ذكره ابن الجنيد (3)، ونسبه إلى الأئمة علیهم السّلام، ولم نقف عليه. وكذا اعترف المصنّف في الذكرى (4) بذلك.
ص: 166
(وهي خمس:)
(الاقتصار) بها على القلب من غير أنْ يَضمّ إليه اللسان، إذ لا مدخل للّسان في حقيقة النيّة ولا في تحقّقها، وكيف يتصوّر العاقل أنّ قصد أمرٍ من الأُمور يحتاج إلى الاستعانة عليه باللسان!؟ ونبّه بذلك على خلاف بعض (1) الأصحاب حيث استحبّ في النيّة الجمع بين القلب واللسان، وهو بالإعراض عنه حقيق؛ إذ لا دليل عليه من الشارع، والتلفّظ بها مطلقاً أمر حادث.
(وتعظيم الله جلّ جلاله مهما استطاع)؛ ليتحقّق الإخلاص المأمور به في العبادة، فإنّ المراد منه خلوص السرّ عن كلّ ما سوى الله بالعبادة، وهو يستدعي غاية التعظيم للمعبود عزّ وجلّ.
(ونيّة القصر والإتمام)؛ ليحصل بها زيادة التمييز.
والظاهر من كلام الأصحاب (2) أنّه لا خلاف بينهم في عدم وجوب تعيين أحدهما في غير موضع التخيير بينهما، وحينئذٍ فوجه استحبابه في موضع الوفاق غير واضح، وما ذكر غير كافٍ فيه.
أمّا مواضع التخيير كالأماكن الأربعة، وقاصد أربعة فراسخ من غير أن يريد الرجوع ليومه على قولٍ (3)، ومَنْ خرج من منزله بعد وجوب الصلاة وصلاها مسافراً في قول (4)،
ص: 167
فقد ذهب بعض (1) الأصحاب إلى وجوب نيّة أحدهما، فيكون حكمه بالاستحباب؛ خروجاً من خلافه.
ولو اشتبه الفائت بين القصر والتمام، وجب في القضاء تعيين أحدهما حيث يجب الجمع بينهما وإن لم يوجبه في السابق.
(و) نيّة (الجماعة) من الإمام ليفوز بثوابها، فإنّما لكلّ امرئ ما نوى.
أمّا المأموم، فيشترط في انعقاد صلاته مأموماً نيّتها، (وأن لا ينوي القطع في النافلة ولا فعل المنافي فيها)؛ لبطلانها بهما على الأقوى، وهو مكروه؛ لأنّه أقلّ مراتب النهي الوارد في إبطال العمل.
(وربما قيل: بتحريم قطعها) (2)؛ نظراً إلى ظاهر النهي، وعمومه في قوله تعالى: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» (3)، (ولا) نيّة (المكروه في الصلاة)؛ فإنّ نيّة المكروه مكروهة.
(وإحضار القلب في جميع الأفعال)، فإنّ مدار القبول - الذي هو المقصود - عليه. وقد قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إنّما لك من صلاتك ما أقبلْتَ عليه بقلبك» (4).
(وهي تسع):
(استشعار عظمة الله) عند الحكم بكونه أكبر؛ ليطابق العقد اللفظ، فإنّ الحكم عليه بالأكبريّة من دون ملاحظة عظمته وجلالته - التي يقصر بل يضمحلّ دونها كلّ كبير - ومن دون التبرّي وصرف النفس عن كلّ محبوب حكم على الواقع بمجرّد اللسان، وهو
ص: 168
من آيات النفاق لا من خصائص الإيمان.
وما أقبح حال مَنْ كانت الدنيا في عينه أعظمَ و هواه في نفسه أكبرَ، فافتتح صلاته بالكذب والبهتان، فإنّ ذلك عين الخسران.
قال الصادق علیه السّلام: «إذا كبّرت فاستَصغر ما بين العلى والثرى دون كبريائه، فإنّ الله إذا اطّلع على قلب العبد وهو يكبّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال: يا كاذب أتخدعُني؟ وعزّتي وجلالي لأحرِ منَّكَ حلاوة ذكري، ولأحجبنَّكَ عن قُربِي، والمسارّة بمناجاتي» (1). والمراد بالاستشعار إحضاره بالبال وإضماره فيه.
قال الجوهري: استشعر فلان خوفاً أي أضمره (2).
ويمكن أن يكون استفعال من الشِعار - بالكسر - : وهو ما يَلِى الجسد من الثياب، يقال: اجعل الأمر الفلاني شِعارك ودِثارك، أي ألزمه والتصق به كما يلتزم الشعار والدثار، أو من الشعور وهو الفطنة تقول: شَعَرتُ بالشيء - بالفتح - أَشْعُرُ به بالضمّ - شعراً، أي فطنت له.
ومنه قولهم: ليت شعري، أي ليتني علمت.
والمراد بالاستفعال هنا الفعل أي التفطّن لما ذكر.
(واستحضار أنّه أكبر من أن يحيط به وصفُ الواصفين، ويلزمه احتقارُ جميع ما عداه من الشيطان، والهوى المُطعِيَيْن، والنفس الأمّارة بالسوء)، فإنّ العبد متى عرض له أمران أحدهما مراد لله والآخر مراد للشيطان أو للهوى أو للنفس الأمّارة، فاختار مرادَ غير الله، فهو عنده أكبر من الله التزاماً، بل يكون عبداً له على الحقيقة وإن كان يعترف لله بالعبوديّة باللسان.
قال الله تعالى: «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَيهُ» (3)، وقال: «تعس عبد الدرهم تعس
ص: 169
عبد الدينار» (1). وأطلقَ عليه العبوديّة لها؛ لإيثاره لهما وميله إليهما وإن اعتقد معبوديّة الله تعالى، نسأل الله العافية والمسامحة.
(والخشوع) وهو هنا الخضوع والتطامن والتواضع كما مرّ.
(والاستكانة ) - استفعالة من الكون، أو افتعالة من السكون - وهي الذلّة والمسكنة (عند التلّفظ بها والإفصاح بها مبيّنة الحروف والحركات).
(والوقف على أَكْبَرُ بالسكون) ؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «التكبير جزم» (2).
والمراد من عدم سكونه الذي هو خلاف الأولى إعرابه مع وصله بكلام بعده - أمّا دعاء الاستفتاح أو القراءة، فإنّه حينئذٍ جائز - لا إعرابه مع الوقف عليه، فإنّه لحن مبطل.
وفي حكم الإعراب هنا الروْمُ والإشمام والتشديد؛ لأنّها ليست بِجَزم.
(وإخلاؤها من شائبة المدّ في همزة الله، وباء أكبر، بل يأتي بأكبر على وزن أفعل)، واحترز بالشائبة المذكورة عمّا لو تحقّق المدّ في الموضعين، فإنّ التكبير يبطل به وإن لم يقصد الاستفهام بالأوّل، والجمع بالثاني على أصحّ القولين؛ إذ لا اعتبار للقصد في دلالة اللفظ على معناه الموضوع له.
وكذا يستحبّ ترك المدّ الزائد على الطبيعي على الألف الذي قبل الهاء في الله، ولا يجوز إسقاطه رأساً؛ لوجوب المدّ الطبيعي، فتبطل به الصلاة.
(وجهر الإمام بها)؛ للخبر السالف؛ وليعلم به المأموم فيتحرّم بعده، تحقيقاً للقدوة. ولو لم يجهر بها لم يصحّ تحريم المأموم إلى أن يتحقّق تحريم الإمام بإشارة وشروع في قراءة ونحوهما.
ص: 170
(وإسرار المأموم) بها كما يسرّ بباقي أذكاره مطلقاً، (ورفع اليدين بها كما مرّ) (1) خلافاً للمرتضى (2) حيث أوْجَبَهُ؛ تأسّياً بالنبيّ والأئمة علیهم السّلام.
والأمر به في قوله تعالى: «وَانْحَرْ» 3، فقد روى ابن سنان عن الصادق علیه السّلام أنّه رفع اليدين حِذاء الوجه (3).
وأُجيب بأنّ الفعل أعمّ من الواجب، والأمر هنا للندب إن ثَبتَ إرادته، وسيأتي له تفسیر آخر.
(وأنْ يَخطرَ بباله عند الرفع الله أكبر الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء، لا يلمس بالأخماس، ولا يُدرك بالحواسّ) كما روي عن عليّ علیه السّلام (4)، فسّر بذلك التكبيرة الأُولى أعمّ من تكبيرة الإحرام.
(وهي أربع وعشرون)
(الخشوع) وقد تقدّم (5) تفسيره، ويجوز أن يرادَ به هنا الخوف من الله تعالى والتذلّل إليه، كما فسّر به قوله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ» (6) بحيث لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، بل يجعل نظره إلى موضع سجوده.
وقد روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته، فلمّا نَزَلَت الآية
طأطأ رأسه، ورمى ببصره إلى الأرض (7).
ص: 171
وروي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته، فقال: «أمّا إنّه لو خشع
قلبه خشعت جوارحه» (1).
وفيه دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون في القلب والجوارح، فأمّا بالقلب، فهو أن يفرغه بجمع الهمّة لها، والإعراض عمّا سواها، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود. وأمّا الجوارح، فهو غضّ البصر، والإقبال عليها، وترك الالتفات، والعبث، ونحوهما.
(والاستكانة) وقد تقدّم (2) تفسيرها، وهي ترجع إلى الخشوع.
(والوقار والتشبّه بقيام العبد) الذليل بين يدي مولاه الجليل، فإن لم يكن المصلّي يرى الله فإنّ الله يراه.
(وعدم الكسل والنعاس) ونحوهما من منافيات الإقبال.
(و) عدم (الاستعجال)، فإنّ المصلي إذا استعجل بصلاته يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي كأنّه يرى أنّ رزقه بيد غيري.
(وإقامة الصُلب والنحر) . روى حَريز عن الباقر علیه السّلام في قوله تعالى: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (3) قال: «النحر : الاعتدال في القيام أن يقيم صُلبه ونَحره» (4).
(والنظر إلى موضع سجوده بغير تحديق) إليه، بل يجعل بصره خاشعاً، وقد تقدّم وجهه.
(وأنْ يفرّق بين قدميه قدر ثلاث أصابع مفرّجات إلى شِبْرٍ أو فِترٍ) روى الحدَّ الأوّل حمّاد (5)، والثاني زرارة (6) في خبريهما الجليلين، (وأنْ يُحاذي بينهما).
ص: 172
(وأن تجمع المرأة بين قدمَيها) لا تفرّج بينهما، رواه زرارة (1).
(ويتخيّر الخنثى) بين جمع قدمَيها كالمرأة، وتفريقهما كالرجل.
(وأن يرسل الذقن على الصدر عند أبي الصلاح (2)) نسبه إليه؛ لعدم وقوفه على مستنده أنّه ينافي إقامة النحر المأمور بها غالباً (3).
(وأن يستقبل بالإبهامين القبلة) رواه حمّاد في حديثه الطويل ولم يخصّ بالإبهامين، بل قال: «واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرّفها عن القبلة» (4). وكان التعميم أولى.
(ولزوم السمت) الذي يستقبله (بلا التفات إلى الجانبين)، فقد قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا تلتفتوا في صلاتكم، فإنّه لا صلاة لملتفت» (5).
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أما يخاف الذي يُحوّل وجهه في الصلاة أنْ يُحوِّلَ الله وَجْهَهُ وَجْهَ حِمارٍ» (6).
ووجه التخويف العظيم أنّ الغرض من الصلاة الالتفات إلى الله تعالى، والملتفت فيها يميناً وشمالاً ملتفت عن الله، وغافل عن مطالعة أنوار كبريائه، ومَنْ كان كذلك فيُوشَك أن تدوم تلك الغفلة عليه فيتحوّل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة عقل للأمور العلوية، وعدم اكتراثه بشيء من العلوم والقُرب إلى الله تعالى.
(وعدم التورّك وهو الاعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الأخرى أُخرى . والتخصّر وهو قبض خصره بيده، وأن يجعل يديه مبسوطتين مضمومتي الأصابع، جمع) من غير استثناء الإبهامين (على فخذيه محاذياً عيني ركبتيه)
ص: 173
روي ذلك في خبر حمّاد (1) وغيره (2).
(ووضع المرأة كلّ يد على الثدي المحاذي لها لِينْضَمّا إلى صدرها) رواه زرارة في حديث وصف صلاة المرأة (3).
(والقنوت) وهو مستحبّ عند الأكثر (4)، ومحلّه (في قيام) الركعة (الثانية بعد القراءة قبل الركوع) على المشهور (5).
وخيّر في المعتبر بين فعله قبله أو بعده (6)؛ لرواية معمّر بن يحيى عن الباقر علیه السّلام: «القنوت قبل الركوع وإن شئت بعد الركوع» (7).
وحملت على القضاء أو التقيّة.
ويشكل بأنّ التخيير ينافيهما.
وهو مستحبّ (في الفرائض والنوافل) روى محمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام:
«القنوت في كلّ ركعتين في التطوّع أو الفريضة» (8). ومثله روى زرارة عنه علیه السّلام (9).
(و) يتعدّد (في الجمعة في القيامين إلّا أنّه في الثاني بعد الركوع)، أمّا في الأوّل، فقبله كغيره؛ لرواية أبي بصير عن الصادق علیه السّلام (10)، وقيل : كلاهما فيها قبل الركوع (11).
ص: 174
و قیل: بعده فیهما (1).
(وفي مفردة الوتر مطلقاً) في النصف الأخير من شهر رمضان وغيره؛ خلافاً لبعض العامة حيث خصّه به (2)، وإنّما خصّها المصنّف بالذكر ؛ لعدم دخولها فيما تقدّم (3)، لأنّه جعل محلّه الثانية ولا ثانية هنا، ولم يذكر استحباب تعدّده فيها قبل الركوع وبعده، كما ذكره في الدروس (4)، وجماعة (5)؛ لعدم تسمية الثاني قنوتاً في الأخبار (6)، وإنّما روي عن الكاظم علیه السّلام أنّه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر، قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك» (7)... إلى آخره.
قال في الذكرى: الظاهر استحباب الدعاء في الوتر بعد الركوع أيضاً؛ للرواية، قال: وسمّاه في المعتبر (8) قنوتاً (9).
وحيث ثبت استحباب الدعاء، والقنوت عبارة عنه، فالنزاع في الاسم سهل.
وقد تظهر فائدته في لحوقِ أحكام القنوت من استحباب رفع اليدين له بخصوصه، واستحباب قضائه لو نسيه بعد الصلاة ولو في الطريق وغيرهما.
(ويتأكّد) استحباب القنوت (في الفرض، وآكده) أي أكد الفرض (ما أُكّد أذانه)
ص: 175
وهو الصلاة الجهريّة؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام: «أمّا ما جهرتَ فيه فلا تشكّ» (1). وآكده في الغداة والمغرب؛ لرواية سعد الأشعري عن الرضا علیه السّلام (2).
(وأوجَبَهُ بعض الأصحاب) وهو الصدوق (3) مطلقاً، وابن أبي عقيل (4) في الجهريّة، حتّى صرّح الصدوق ببطلان الصلاة بالإخلال به عمداً؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية وهب: «من ترك القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له» (5)، وغيره من الأخبار (6)، ولظاهر الأمر في قوله تعالى: «وَقُومُوا لِلهِ قانِتِينَ» (7) وحمل على تأكّد الندب؛ جمعاً مع إمكان إرادة غير القنوت المعهود من الآية، فقد قيل: إنّ معناه طائعين (8).
(والتكبير له) قبل الشروع فيه (رافعاً يديه) كما مرّ (9)، وأنكره المفيد (10)، والأخبار (11) شاهدة للأوّل.
(وإطالته) ؛ لقولهم علیهم السّلام: «أفضلُ الصلاة ما طالَ قنوتها» (12).
ص: 176
(وأفضله كلمات الفرج) ذكر ذلك جماعة من الأصحاب (1)، وقال ابن إدريس: «إنّه مروي» (2) (وليقل بعدها اللهُمَّ اغْفِرْ لنا، وارْحَمْنا، وعافنا، واعْفُ عنا في الدنيا والآخرة) رواه سعد بن أبي خلف عن الصادق علیه السّلام ، وزاد في آخره إنك على كلّ شيء قدير» (3). (ثمّ ما سنح من) الدعاء (المباح) للدنيا والآخرة. روى إسماعيل بن الفضل :قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن القنوت وما يقال فيه، فقال: «ما قضى الله على لسانك ولا أعلم فيه شيئاً مؤقتاً» (4).
(وإن كان بالعجميّة على) القول (الأصحّ)؛ لصدق اسم الدعاء عليه، ولقول الصادق علیه السّلام: «كلّ شيء ناجيتَ به ربّك في الصلاة فليس بكلام» (5)، وقول أبي جعفر الثاني علیه السّلام : «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي به ربّه عزّ وجلّ» (6).
ونبّه بالأصحّ على خلاف الشيخ الجليل سعد بن عبد الله من المنع من ذلك على ما نقله الصدوق (7) عن شيخه محمّد بن الحسن عنه.
(وكذا) القول (في جميع الأحوال عدا القراءة والأذكار الواجبة) فإنّها لا تجوز بغير العربيّة مع الاختيار؛ تأسّياً بصاحب الشرع صلّی الله علیه و آله و سلّم، وقد قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «صلّوا كما رأيتموني أُصَلّي» (8).
ص: 177
(وأقله ثلاث تسبيحات) رواه ابن أبي شمال عن أبي عبد الله علیه السّلام (1) . (وروى) أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام: «إنّ أدنى القنوت (خمس) تسبيحات» (2) (وروي البسملة ثلاثاً، وحملت على التقيّة)؛ لدلالة ظاهر الرواية عليها حيث قال الكاظم علیه السّلام:
«إذا كان ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل ثلاث مرّات بسم الله الرحمن الرحيم» (3).
ويمكن القول بكونه أقلّ القنوت أيضاً؛ فإنّ البسملة ذكر الله تعالى مستلزمة للثناء عليه كالتسبيح.
(والاستغفار في قنوت الوتر) سبعين مرة، فقد فسّر الصادق به قوله تعالى: «وَبِالأَسْحَارِ هُم يَسْتَغْفِرُونَ» (4)، وقال: «استغفر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في وتره سبعين مرّة» (5).
(واختيار ) الدعاء (المرسوم) في القنوت، وهو مخرج في كتب الحديث والدعاء. ومتابعة المأموم المسبوق (الإمام فيه؛ لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق علیه السّلام : في الرجل يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام فيقنت الإمام أَيَقْنُتُ معه؟ قال: «نعم، ويجزئه عن القنوت لنفسه» (6).
(ورفع اليدين موازياً لوجهه، جاعلاً بطونهما إلى السماء، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع إلّا الإبهامين)، فيُفَرِّقُهما عنها، قاله جماعة من الأصحاب (7)، والذي رواه عبد الله سنان عن الصادق علیه السّلام: «ترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك» (8) وتتلقّى بباطنهما السماء.
ص: 178
وقال المفيد: يرفع يديه حِيالَ صدره (1).
وحكى في المعتبر (2) قولاً بجعل باطنهما إلى الأرض.
ويستحبّ نظره إلى بطونهما، ذكره جماعة (3).
ويجوز ترك الرفع للتقيّة رواه عليّ بن محمّد عن الكاظم علیه السّلام في الخبر السابق (4).
(ولا يتجاوز (بهما أي بيديه (وجهه) ؛ لعدم نقل مثله، والمرويّ سابقاً كونهما بحيال الوجه (5)، (ولا يمسح بهما) وجهه ولا لحيته ولا صدره (عند الفراغ) من الدعاء؛ لعدم النقل، خلافاً للجعفي حيث استحب مسح جميع ما ذكرناه (6).
(والجهر) فيه (للإمام والمنفرد والسّر للمأموم)؛ لقول الباقر علیه السّلام في صحيحة زرارة: «القنوت كلّه جهار» (7).
وإنّما أخرج المأموم من العموم؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية أبي بصير: «ينبغي للإمام أنْ يُسمِعَ مَنْ خلفه كلّ ما يقول ولا ينبغي لِمَن خلفه أنْ يُسمعه شيئاً ممّا يقول» (8). ومثله رواية حفص بن البختري عن عليّ علیه السّلام (9).
ويشكل بأنّهما عامّان، فلا وجه لتخصيص الأوّل منهما دون الثاني، إلّا أن يمنع من عموم الفرد المعرّف فيبقى الثاني على عمومه ويخرج من الأوّل قنوت المأموم، وهو الأجود.
(ويقضيه الناسي) له في محلّه (بعد الركوع) قائماً إذا ذكره في تلك الحال، رواه
ص: 179
عبید بن زرارة (1) وغيره (2) عن الصادق علیه السّلام . (ثمّ ) يقضيه إن لم يذكره حتّى تجاوز تلك الحال ( بعد الصلاة جالساً).
وكذا لو ذكره في حاله الأُولى ولم يقضه؛ لعموم رواية أبي بصير عن الصادق علیه السّلام قال في الرجل إذا سها في القنوت: «قَنَتَ بعد ما ينصرف وهو جالس» (3).
(ثمّ يقضيه في الطريق) مستقبلاً إذا لم يذكره حتّى صار فيها؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام في ناسي القنوت وهو في الطريق، قال: «يستقبل القبلة ثمّ لِيَقُلْهُ، إِنِّي لأَكْرَهُ للرجل أن يرغب عن سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم أو يَدَعَها» (4).
(ومريد إزالة النجاسة يقصد أمامه لا خلفه)؛ للرواية (5).
(و تربّع المصلّي قاعداً في) حال (القراءة) بأنْ يجلس على أَلْيَتَيْهِ وينصب ساقَيْهِ ووَرِكَيْهِ كما تجلس المرأة حال التشهد (والثني) للرجْلَيْنِ (في) حال (الركوع) جالساً بأنْ يَمدَّهما ويُخرِجَهما من ورائه كالمُقْعِي، إلا أنه ينبغي هنا أن يرفع ألبيه عن عقبيه، ويجافي فخذيه عن ركبتيه، وينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه.
(والتورّك في التشهّد) بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجَليه جميعاً من تحته، ويجعل رجله اليسرى على الأرض، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، ويفضي بمَقْعَدتِه إلى الأرض (سواء كان فى فرض) بأن كان عاجزاً عن القيام (أو نفل) في الأحوال الثلاثة.
وأمّا التورّك متشهّداً، فمشترك بين المصلّي قاعداً وقائماً.
وهذه المسائل ذُكرت هنا استطراداً، وسيأتي ذكرها في محالّها مرّة أُخرى.
ص: 180
(وهي خمسون:)
(التعوّذ) قبل القراءة (في) الركعة (الأولى) خاصة من كل صلاة؛ لعموم «فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّحِيمِ» (1)، أي أردت قراءته. ومثله قوله تعالى: «إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» (2)، والمثل المشهور «إذا لَقِيتَ الأمير فخذ أهبتك».
وذهب أبو عليّ بن الشيخ إلى وجوبه (3)؛ نظراً إلى ظاهر الأمر، وهو محجوج بالإجماع (4).
وليكن التعوّذ (سرّاً) ولو في الجهرية عند الأكثر (5)، بل ادّعى الشيخ عليه الإجماع (6) (وصورته: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وهذه الصيغة محلّ ،وفاق، ورواها أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (7) (أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) رواه أحمد بن أبي نصر عن معاوية بن عمّار، عن الصادق علیه السّلام (8).
(وروی) هشام بن سالم عن أبي عبد الله علیه السّلام : «استعيذ بالله السميع العليم من
ص: 181
الشيطان الرجيم أعوذُ بالله أنْ يَحضُرونِ إنّ الله هو السميع العليم)» (1) والمعنى في «أعوذ» و«استعيذ» واحد. قال الجوهري: «عُذْتُ بفلان واستعدتُ به أي لجأتُ إليه» (2).
وفى «أستعيذ» موافقة للفظ القرآن إلا أنّ «أعُوذ» في هذا المقام أدخَلُ في المعنى وأوفقُ لامتثال الأمر الوارد بقوله «فَاسْتَعِذْ» (3) لنكتة دقيقة هي أنّ السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب فوردتا في الأمر إيذاناً بطلب التعوّذ، فمعنى استعذ أي أطلب منه أنْ يُعيذَك، فامتثال الأمر أنْ يقول: أَعوذُ بالله، أي التجئ إليه؛ لأن قائله متعوّذ قد عاذ والتجأ، والقائل «أستعيذ» ليس بعائد إنّما هو طالب العياذ به، كما يقول: أستخير الله، أي أطلب ،خيرته، وأستقيله أي أطلب إقالته وأستغفره أي أطلب مغفرته، لكنّها قد دخلت هنا في فعل الأمر وفي امتثاله بخلاف الاستعاذة.
وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله : أستغفر الله دون أستعيذ بالله؛ لأنّ المغفرة إنّما تكون من الله فيحسن طلبها، والالتجاء يكون من العبد فلا يحسن طلبه، فتدبر ذلك، فإنه لطيف.
ويظهر منه أنّ كلام الجوهري ليس بذلك الحسن، وقد ردّه عليه جماعة من المحقّقين (4). (وروی) حنان - بالتخفيف - بن سدير عن أبي عبد الله علیه السّلام (الجهريّة)، وأنّه
ص: 182
سمعه علیه السّلام حين صلّى خلفه يتعوّذ بإجهار ثمّ جهر بِ_«بسم الله الرحمن الرحيم» (1). ويُحمل على الجواز.
(وإحضار القلب) حال القراءة (ليعلم ما يقول) ويتدبّره، فإنّ المقصود بالذات من تلاوة القرآن تدبره، قال الله سبحانه: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» (2). «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» (3).
وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم : «لا خَيْرَ في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها» (4).
وليُخَصِّص نفسه بكلّ خطاب في القراءة من أمرٍ ونهي ووعدٍ ووعيد، ويقدر أنه هو المقصود به وكذلك إن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن مجرد السماع غير لا مقصود، وإنّما المقصود الاعتبار، وليعلم أنّ القرآن كله ن-زل من باب «إياكَ أَعْنِي واسْمَعِي يا جارَه» (5)، فلا يتّخذ مجرّد الدراسة عملاً، بل يجعلها قراءةً كقراءة العبد كتاب مولاه الذي كَتَبَهُ إليه ليتدبره ويعمل بمقتضاه.
(والشكر والسؤال والاستعاذة والاعتبار عند النعمة والرحمة والنقمة والقصص) على طريق اللفِّ والنَّشْرِِ المُرَتَّبِ، أي يجعل الشكر عند آية النعمة، والسؤال عند آية الرحمة ،وهكذا، وحينئذٍ فيتأثر القلب بآثار مختلفة اختلاف الآيات بحسب فيكون له بحسب كلّ فهم حال ووجه يتصف به عند ما يوجه نفسه في كل حالة إلى الجهة التي فهمها.
(واستحضار التوفيق للشكر عند أوّل الفاتحة و) عند (كلّ شكر)؛ لأنّ التوفيق بقوله «الحمد لله» المشتمل على غرائب المعاني، وجعل الشكر نعمة من الله تعالى على
ص: 183
القارئ وفّقه لها بتعليمه له الشكر له بهذه الصيغة الشريفة وليستحضر أنّ جملة الأفراد المحمود عليها والنعم الظاهرة والباطنة عليه كلّها من الله تعالى إمّا بواسطة أو غير واسطة: فإنّ الواسطة فيها رَشْحَةٌ من رَشَحاتِ جُوده، ونَفْحَةٌ من نَفَحاتِ فضله؛ ليناسب كون جملة الحمد لله الجواد، ويطابق المعنى المدلول عليه الاعتقاد.
(و) استحضار (التوحيد عند قوله ربّ العالمين) حيث وصفه بكونه ربّاً ومالِكاً لجميع العالمين من الإنس والجن والملائكة وغيرهم.
(واستحضار التمجيد) وهو النسبة إلى المجد والكرم، (وذكر الآلاء) وهي هنا النعماء مطلقاً (على جميع الخلق عند «الرحمن الرحيم») الدالَّينِ على إفاضة النِعَمِ الدقيقةِ والجليلة على القوابل في الدنيا والآخرة، إذ كلّ من تنسب إليه الرحمة فهو مستفيض من لطفه وإنعامه، ومرجع الكلّ إلى ساحل جوده وإكرامه، وعند ذلك ينبعث الرجاء، وهو أحد المقامين القلبييّن.
(و) استحضار (الاختصاص لله تعالى بالخلق والملك عند «مالك يوم الدين») فإنّه وإن كان مالكاً لغيره من الأيّام وغيرها إلّا أنه ربما يظهر على الجاهل مشاركة غیره بواسطة تغلّب ظاهري بخلاف ذلك اليوم، فإنّه المنفرد فيه بنفوذ الأمر وحقيقة الملك بغير منازع «لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهَّارِ» (1).
(مع إحضار البعث والجزاء والحساب وملك الآخرة) الواقعة في ذلك اليوم، فينبعث لذلك الخوف وهو المقام الثاني ويثبت في القلب؛ لطروه وعدم المعارض له؛ فيغلب على الرجاء وهو الحالة اللائقة بالسالكين عند المحققين، وفي هذا الترتيب العجيب إشارة إلى برهانه.
وليعلم أن هذه الأوصاف الثلاثة جامعة لمراتب الوجود من ابتدائه إلى انتهائه متصلاً باليوم الآخر الذي هو الغاية الدائمة، فالأوّل إشارة إلى وصف الإبداع والإيجاد وهو
ص: 184
أوّل النعم المستحقّة للحمد، والوصفان الوسطان إشارة إلى حالة دوام-ه وم-ا يشتمل عليه من النعم في حالة بقائه، والثالث إشارة إلى آخر حالاته ونهاية أمره، التي لا آخر لها.
وحَقِيقٌ بِمَن جَرتْ عليه هذه الأوصاف - من كونه مُوجِداً مُنْعِماً بالنعم كلّها، ظاهرها وباطنها، عاجلها وأجلها على جميع العالمين مالكاً لأمورهم يوم الدين من ثواب وعقاب - أن يكون مختصاً بالحمد لا أحد يشاركه فيه على الحقيقة.
وإذا أحطت بذلك وفزت بفضيلتي الرجاء والخوف فَتَرَقَّ منه إلى (استحضار الإخلاص والرغبة إلى الله وحده عند «إِيَّاكَ نَعْبُدُ ») حيث قد خَصَصْتَهُ تعالى بالعبادة التي هي أقصى غاية الخضوع والتذلّل - ومن ثَمّ لم يستعمل إلا في الخضوع لله تعالى - والتفت من مقام البعد عن مقاربة جنابه إلى مقام الفوز بلذيذ خطابه.
(والاستزادة من توفيقه وعبادته واستدامة ما أنعم الله على العباد عند «وإيّاكَ نَسْتَعِينُ» حيث قدّمت الوسيلة على طلب الحاجة؛ ليكون أدعى للإجابة، واستعنت به في جميع أمورك من غير التفات إلى فرد منها ولا إلى جميعها؛ لقصور الوهم عن الإحاطة بتفاصيل ما يحتاج إليه تعالى فيه، ويفتقر إلى عونه عليه. (و) استحضار الاسترشاد به والاعتصام بحبله والاستزادة في المعرفة به سبحانه، والإقرار بعظمته وكبريائه عند «اهْدِنَا الصِّراطَ المُستَقِيمَ».
وأشار بكون طلب الهداية متناولاً للاسترشاد والاعتصام والاستزادة من المعرفة والإقرار بالعظمة، إلى مطلب شريف وهو أن هداية الله تعالى تتنوّع أنواعاً كثيرة يجمعها أربعة أجناس مُتَرَتِّبة:
أوّلها إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية، والحواسّ الباطنة، والمشاعر الظاهرة.
وثانيها: نصب الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار
ص: 185
تعالى بقوله: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» (1)، وقال تعالى: «فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهدى» (2).
وثالثها: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإليه أشار تعالى بقوله: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» (3)، وقوله تعالى: «إِنَّ هذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» (4).
ورابعها: أن يكشف عن قلوبهم السرائر، ويُريهم الأشياءَ بالوحي الإلهي كما هي، أو بالإلهام والمنامات الصادقة، وهذا القسم يختصّ بنيله الأنبياء والأولياء، وإليه أشار تعالى بقوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهُ» (5)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» (6).
فَ_ «الاسترشاد به» إشارة إلى الجنس الأوّل، وهو واضح.
و «الاعتصام» إلى الثاني، فإنّ أصله الامتناع بالشيء (7)، ولا شكّ أنّ نَصْبَ الأدلّة وإقامة السبل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد، عِصْمَةٌ لمَن تمسَّكَ بها من الهلكة، وجُنّة له من الضلالة.
و «الاستزادة في المعرفة إلى الثالث؛ فإنّ العقل وإن كان دليلاً على الله تعالى بآثاره الظاهرة وآياته الباهرة المتظافرة، إلا أنّ الأنبياء والرسل علیهم السّلام والكُتُبَ المطهّرة تهدي للتي أَقْوَمُ، وتزيد في المعرفة على الوجه الأتم، وترشد إلى ما لا يفي العقل بدَرْكِهِ.
والإقرار بعظمته وكبريائه إلى المقام الرابع؛ فإنّ من ارتقى إلى تلك الغاية، ووصل إلى شريف تلك المرتبة، وانغمس في أنوار تلك الهيبة، واغترف من أسرار تلك البحار
ص: 186
الإلهيّة، اعترف بمزيد الكبرياء والعظمة، بل اضمحلّ وفنى في تلك المرتبة، وعرف أنّ كلّ شيء هالك إلّا وجهه، فإذا طلب العارف الهداية إلى الصراط المستقيم، فمطلبه هذه المنزلة، لتمكّنه ممّا سبق والناس فيها على حسب مراتبهم، والصراط المستقيمُ المُسْتَوي مُشْتَرِكٌ بين الجميع.
(و) إذا تَوجَّهَ المصلّي إلى ذلك الجَنابِ العَلِيّ وسألَ ذلك المَطلبَ السَّنِي فَلْيَتَرَقَّ إلى استحضار (التأكيد في السؤال والرغبة والتذكير؛ لما تقدّم من نعمه على أوليائه، وطلبه مثلها عند) قوله: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» من النبيّين والصدّيقين والصالحين.
وإنّما طَلَبَ الهداية إلى سلوك طريق المذكورين، التي هي نِعَمٌ أُخروية، أو ما كان وسيلةً إليها؛ صَرْفاً لِما سواها من النعم الدنيوية عن درجة الاعتبار، وتحقيقاً وتفخيماً لها من بين سائر الأغيار؛ فإنّ أصل النعمة الحالة التي يستلذها الإنسان.
ونِعَمُ اللهِ وإن كانت لا تُحصى كما قال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها» (1) تنحصر في جنسين: دنيوي وأُخروي.
والأوّل قسمان: موهبي وكسبي.
والموهبي قسمان: روحاني كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى، كالفهم والفكر والنطق. وجسماني، كتخليق البدن والقوى الحالة فيه، والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء.
والكَسْبِي: تَرْكِيَةُ النفس وَتَخْلِيَتُها عن الرذائل، وتحليتُها بالأخلاق والمَلَكاتِ الفاضلة، وتَزيينُ البدنِ بالهيئاتِ المطبوعة والحُلِيِّ المستحسنة وحصول الجاه والمال.
والثاني: أنْ يَرضى عنه، ويغفر ما سلف منه، ويوديه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين.
والمراد من النعمة المطلوبة هنا التي تؤكد الرغبة فيها، وسؤال مثلها هو القسم
ص: 187
الأخير، وما يكون وصلة إلى نيله من القسم الأوّل، وما عدا ذلك يشترك في نيله المؤمن والكافر.
(و) استحضار (الاستدفاع لكونه من المعاندين الكافرين المستخفّين بالأوامر والنواهي عند الباقي) من السورة، والمعنى طلب سبيل مَنْ أفاض عليهم نعمة الهداية دون الذين غضب عليهم من الكفّار والزائغين من اليهود والنصارى وغيرهم من الضالين.
وجملةُ ما فَرَّقَهُ (رحمه الله) على الفاتحة من سنن الاستحضارات القلبيّة رواه الفضل بن شاذان في عِلَلَهِ عن الرضا علیه السّلام قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة، لئلّا يكون القرآن مَهْجُوراً مُضَيَّعاً، وليكون محفوظاً مدروساً، وإنما بدأ بالحمد؛ لأنّه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد، وذلك أن قوله تعالى: «الحَمْدُ لِلَّهِ» إِنَّما هو أداء لما أوجب الله على خلقه من الشكر، وشكر لما وفّق
عبده من الخير.
«ربّ العالمين» توحيد له وتمجيد وإقرار بأنّه الخالق المالك لا غيره.
«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» استعطاف وذكر آلائه ونعمائه على جميع خلقه.
«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» إقرار بالبعث والحساب والمجازاة. وإيجاب ملك الآخ-رة له كإيجاب ملك الدنيا.
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» رغبة وتقرّب إلى الله تعالى وإخلاص له بالعمل دون غيره.
«وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» استزادة من توفيقه وعبادَتِه، واستدامة لِما أنْعَمَ عليه.
«اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ» استرشاد واعتصام بحبله، واستزادة في المعرفة لربّه عزّ وجلّ، ولعظمته وكبريائه. «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» توكيد في السؤال والرغبة، وذكر لما تقدّم من نعمه على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم.
«غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» استعاذة مِنْ أنْ يَكونَ من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه.
ص: 188
«وَلا الضَّالِّينَ» اعتصام من أنْ يكونَ من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة فهم يحسبون أنَّهم يحسنون صنعاً» (1).
(والترتيل)؛ لقوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» (2) (وهو) بناءً على أنّ الأمرَ هنا للنَدب (تبيين الحروف بصفاتها المعتبرة) عند علماء التجويد (3) وأهل العربيّة (4) (من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق والغُنّة وغيرها) من الصفات وأضدادها.
(والوقف) عطف على «تبيين»؛ لأنّه أحد شِقَّي الترتيل؛ فإنّه كما روي عن عليّ علیه السّلام : «حفظ الوقوف وبيان الحروف» (5).
وليس المراد مطلق الوقف، بل الوقف (التامّ) هو الذي لا يكون للكلام قبله تعلّق لفظاً ولا معنى (والحسن) وهو الذي يكون له تعلّق من جهة اللفظ دون ذلك يعرف وجه الوصف بالتام والحسن، فإنّ الوقف على الحسن حسن في نفسه، مفيد لحُسنِ النظم وسهولة الفهم، لكن لا يحسن الابتداء بما بعده للتعلّق اللفظي فهو دون التامّ.
(و) الوقف (عند فراغ النفس مطلقاً) سواء كان حينئذٍ أحدهما أم غيرهما من الأنواع المرخصة أم الممنوعة.
ومن هنا يُعْلَم أنّ مُراعاةَ صفاتِ الحروف المذكورة وغيرها ليس على وجه الوجوب، كما يذكره علماء فنّه، مع إمكان أن يريدوا به تأكيد الفعل كما اعترفوا به في اصطلاحهم على الوقف الواجب، فإنّهم قالوا: إنّ الوجوب فيه ليس بالمعنى المصطلح شرعاً بحيث يأثم بتركه، ولو حمل الأمر بالترتيل على الوجوب كأنّ المراد ببيان الحروف إخراجها من مخارجها على وجه يتميّز بعضها عن بعض بحيث لا يدمج
ص: 189
بعضها في بعض، وبحفظ الوقوف مراعاة ما لا يحيل المعنى ويفسد التركيب، ويخرج عن أسلوب القرآن الذي هو معجز بغريب أسلوبه وبلاغة تركيبه.
(وفي الفاتحة أربعة) وقوف (توامّ) على البسملة، و«مالك يوم الدين»، و «نستعين»، وآخرها. وعشرة حسنة على «بسم الله»، وعلى «الرّحمن»، وعلى «الحمد لله»، وعلى رَبِّ العالمين»، وعلى «الرّحمنِ»، وعلى «الرَّحِيمِ»، وعلى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ»، وعلى «المُستَقِيم»، وعلى «أَنْعَمْتَ عليهم»، وعلى «غَيْرِ المَغضُوبِ»، (وعلى أواخر آي الإخلاص) أي كلّ واحدة من آيِها الخمس.
(وتعمّد الإعراب وحركات البناء) أي إظهار حركاتهما بحيث يتميّز بعضها عن بعض من غير إفراط)؛ لئلّا تخرج الحركة إلى الحرف المجانس للحركة.
ويمكن أن يريد بتعمّد الإعراب أن لا يكثر الوقف فيؤدّي إلى ترك الإعراب؛ إذ لا يكون الوقف إلّا على ساكن أو ما في حكمه خصوصاً الوقف على ما لا ينبغي الوقف عليه، فإنه وإن كان جائزاً إلا أن تركه مستحبّ؛ تخلّصاً من المرجوح.
(والمدّ المنفصل) وهو ما كان حرف مدّ آخر الكلمة، وشرطه أوّل كلمة أُخرى، فإنّه حينئذٍ يجوز القصر والمدّ وهو أفضل؛ لِما فيه من تحقيق الحرف.
(وتوسّطه مطلقاً) سواء كان مدّاً منفصلاً أم غير منفصل، واجب المدّ أمْ جائِزَهُ، فإنّ زيادته عن التوسّط كمدّ ورشّ - يكاد يخرج عن حدّ الفصاحة، وتفوت لذاذة استماعه ومحاسن أدائه. ودون التوسط لا يَبِينُ معه حرفُ المدّ بياناً شافياً، ولا يتضح معه إيضاحاً كافياً، وخير الأُمور أوسطها.
ولا يشكل بأنّ الجميع متواتر؛ إذ لا بُعد في تفضيل بعضه على بعض وإن اشترك الجميع في أصل البلاغة ووصف الفصاحة، ومن البيّن أنّ في بعض تركيب القرآن العزيز ما هو أفصح من بعض وأجمع لدقائق البلاغة ومزايا الفصاحة.
(والتشديد) للحرف المشدّد (بلا إفراط) والسنّة هنا هي ترك الإفراط به، أمّا أصله فواجب؛ لأنّه قائم مقام الحرف.
ص: 190
(وإشباع كسرة كاف «ملك») للانتقال بعدها إلى فتحة، فيخاف بسببها من الإجحاف بها. (وضمّة دال «نعبد»)؛ لتوالي الضمّتين وإتباعهما الواو المجانس لها، فلابدّ من إعطاء كلّ واحدة حقّها.
(والإتيان بالواو بعدها سلساً)؛ فإنّه مَظَنّهُ التشديد عند الغفلةِ من حيث إنّ الضمّتين قبله بمنزلة واو، فيصير كاجتماع مثلين.
(وإخلاص الدال في «الدين» والياء في «إيّاك» وإخلاص الفتحة في الكاف من إيّاك بلا إشباع مفرط)؛ لئلّا يبلغ الألف فتفسد.
(والتحرّز من تشديد الباء في «نعبد» ونحوه) من نونها ودالها، فكثيراً ما يقع فيه مَنْ يبالغ في تجويده من غير معرفة.
(و) التحرّز من تشديد (التاء في «نستعين») أي التشديد الذي هو بدل حرف داخل في الحرف المشدّد لا التشديد الوصفي، فإنّ التاء حرف شديد قد حرص علماء التجويد على التحفّظ بتشديده؛ لئلّا يصير رخواً كما ينطق به كثير، حتّى أدخلها لذلك سيبويه (1) في حروف القلقلة.
(وتصفية الصاد في «الصراط» لمُختارِهِ) أي لمختار الصاد، فإنِ اختار السين فَلْيُحافِظ على تَسَفُّلِهِ وانفتاحهِ؛ لئلّا يلتبسَ بالصاد فإنّه يشارِكُهُ مَخْرَجاً ورَخاوةً وصَغِيراً، وعلى هَمْسِهِ؛ لئلّا يلتبس بالزاي المشارِكَةِ له في جميع ما ذكر. وإن اختار إشمام الصاد زاياً فيخلصها من تَمَحْضِها حقيقةً وصِفَةً.
(وتمكين حروف المدّ واللين)، وهى الألف، والواو والياء الساكنتان بعد تحريك مجانس لهما كياء العالمين والرحيم والدين ونستعين ونظائِرِها، فإن كان مُخالفاً فهمُا حرفا لين فقط.
وعلى التقديرين، فليحافظ على تمكينها؛ لأنها حروفٌ جوفيّة خَفِيَّة تضمحلّ عند
ص: 191
التقصير في تحقيقها، ومن ثَمَّ وَجَبَ مَدُّها عند الهَمْزِ أو يُرَبَّحُ؛ مُحافَظَةً على بيانها (بغير إفراط) كغيرها، فإنّ الحرف كالميزان لا يُطغى فيه ولا يخسر.
(وفتحة طاء «صراط الذين» بلا إفراط) وكذا المعرفة قبلها (وكذا فتحة نون «الذين» واجتناب تشديد تاء «أنْعَمْتَ» وضاد «المغضوب») تشديداً لا يبلغ حَدّه ليدخل الحكم في السنن وإنّما خصّهما؛ لأنّها مظنّه ذلك عند غفلةِ
المُجَوِّدِ لهما.
(و) اجتناب (تفخيم الألف) في جميع محال القراءة.
هذا هو المشهور (1) بين أئمّةِ القراءة، وكأنّهم أرادوا التحذير ممّا يفعله بعض الأعاجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيّروها كالواو، وإلّا فالتحقيق الذي اختاره فضلاؤهم ونَقَّحَهُ محققوهم كابن الجزري (2) وغيره أنّها لا تُوصف بترقيقٍ ولا تفخيمٍ، بل بحسب ما يتقدّمها، فإنّها تَتْبَعُهُ تَرقيقاً وتفخيماً.
والمراد بحروف التفخيم الحروف المستعلية السبعة، وأقواها تفخيماً حروفُ الإطباق. فعلى هذا ألف «الضَّالِّينَ» مفخّمة، وما قبلها من أَلِفات الفاتحة مُرَقَّقَة، وقش على ذلك غيرها.
ولا يجوز كون قوله «وتفخيم» عطفاً على «اجتناب»، ليكون مأموراً بتفخيم الألف، ويكون المراد الألف التي بعد ضاد «الضَّالِّينَ»؛ لأنّ ذلك وإن صحَّ هنا، لكن يفسد قوله ذلك «وإخفاء الهاء» بل تكون ظاهرة؛ فإنّه معطوفٌ على ما أُضيف إلى الاجتناب ليدخل في غيره قطعاً.
(و) اجتناب (إخفاء الهاء، بل تكون ظاهرة)؛ لأنّها حرفٌ خَفِيُّ بعيدُ المَخْرَج فينبغي المحافظة عليها، فكم مِنْ مُقَصِّر فيها سيّما إذا كانت مكسورة كَ_«عَلَيْهِم»، أو
ص: 192
جاورها ما قاربها صفةً أو مخرجاً كَ_ «اهْدِنَا» و «وعْدَ اللهِ حَقٌّ» (1) و «مَعَهُم الكِتاب» (2)، أو وقعت بين ألِفَيْنِ كَ_ «بنها» (3) و «ضحها» (4)؛ لاجتماع ثلاثة أَحْرفٍ خفِيّة، فليكن التحفّظ ببيانها خصوصاً مع سكونها كَ_«اِهْدِنَا» أثبت.
(وترك الإدغام الكبير) وهو ما كان الحرف الأوّل فيه - سواء كانا مِثْلَيْنِ أم جِنْسَيْنِ أم مُنقارِبَيْن - متحرّكاً.
سمّي كبيراً؛ لكثرة وقوعه، إذ الحركة أكثر من السكون، أو لتأثيره في إسكان المتحرّك قبل إدغامه، أو لما فيه من الصعوبة، أو لشموله نَوْعَي المِثْلَينِ والجنسين والمتقاربين.
ومثاله في الفاتحة «الرَّحِيمِ مالِكِ» بإدغام الميم في الميم في قراءة أبي عمرو ويعقوب (5)، وإنما كان تركه أفضل (في الصلاة)؛ لأنّ التَفكيكَ أَفصحُ وأكثرُ حروفاً فيكثر معه ثواب القراءة؛ ولأنّ فيه إيتاء كلّ حرف حقّه من إعرابه أو حركته التي يستحقّها.
والإدغام يلبس على كثير من الناس وجه الإعراب، ويوهم غير المقصود من المعنى في نحو قوله تعالى: «يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ» (6) ، «المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى» (7).
وأكثر القرّاء تركوه وبعضهم - وهو أبو عبيد القاسم بن سلام - لم يذكره في مصنّفاته لكراهته له، وقال في بعض كتبه: القراءة عندنا هي الإظهار ؛ لكراهتنا الإدغام
إذ كان تركه ممكناً.
ص: 193
(وإسماع الإمام) قراءته مَن خلفه؛ لعموم قول الصادق علیه السّلام في رواية أبي بصير: «ينبغي للإمام أنْ يُسْمِعَ مَنْ خلفه كلّ ما يقول» (1). (ما لم يَعْلُ)؛ للنهي (2) عن العلوّ في القراءة. وقد روي عن أبي عبد الله علیه السّلام في تفسير قوله تعالى: «وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلا تُخافِتْ بها» (3): «أنّ الجَهْرَ رَفْعُ الصوتِ شديداً» (4). والمخافتة ما لم تسمع أُذُنَيْكَ. ويقرأ قراءة وسطاً ما بين ذلك.
(وتوسّط المنفرد، وقراءة الإمام وناسي الحمد في) الركعتين (الأُولَيَيْنِ في) الركعتين (الأخيرتين) الحمد.
أمّا الأوّل، فهو المشهور (5)، وفيه جمع بين أخبار دلّ بعضها على أفضليّة القراءة مطلقاً، كرواية محمّد بن حكيم، عن الكاظم علیه السّلام (6). وبعضها على التسبيح مطلقاً، كرواية الحلبي عن الصادق علیه السّلام (7)، وبعضها على قراءة الإمام فيهما كرواية منصور بن حازم (8) ومعاوية بن عمّار (9) عن الصادق علیه السّلام: «يقرأ الإمام ويتخير المنفرد».
ولا شكّ أنّ حمل إطلاق القراءة على الإمام والتسبيح على المنفرد طريق الجمع، وتقييد للمطلق منهما بما قيّد في الروايتين الأخيرتين. لكن يبقى في الباب رواية عمر بن حنظلة (10)،
ص: 194
عنه علیه السّلام «هما و اللهِ سواء إنْ شِئتَ سَبِّحْتَ وإِنْ شِئتَ قرأت» (1) مع أنه سأله عن الأفضل.
ويمكن حملُها على المنفرد أيضاً، لكن يبقى فيه التنافي ظاهراً بين التسوية بينهما وأفضليّة التسبيح له كما في الرواية (2) الأُخرى.
ويُمكنُ أَنْ يَكُونا سواء في الإجزاء، وفيه عدول عن السؤال بغرض من الأغراض. أمّا التخيير السابق، فغير منافٍ للأفضلية.
وأمّا الثاني وهو حكم ناسي الحمد في الأُوليين؛ فلئلا تخلو الصلاة الفاتحة، من ولا صلاة إلا بها، وللأمر به في بعض الأخبار (3) حتّى قيل بتعيّن القراءة حينئذٍ عليه (4)، والمشهور (5) الاستحباب.
ومثله المؤتمّ فى الركعتين الأخيرتين من الرباعية أو الأخيرة من الثلاثيّة خاصّة إذا لم يقرأ فيها الإمام.
(والتسبيح ثلاثاً) بالتسبيحات الأربع في الأخيرتين (إذا لم نُوجِبْهُ)، كما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) (6)؛ إمّا للخروج من خلافه، وإمّا للأخبار (7) الواردة به التي أقلّ مراتبها الاستحباب.
(وضمّ السورة) إلى الفاتحة (في النَفل)، وخلافُ المندوب هنا الاقتصارُ على الفاتحة ؛ إذ لا تصحّ النافلة بدونها في أصحّ القولين، أمّا الاقتصار عليها فيها، فجائز إجماعاً (8).
ص: 195
(والجهر في النافلة (الليليّة والسرّ في غيرها) من النوافل الراتبة وغيرها على المشهور (1)؛ لقول الصادق علیه السّلام: «السنّة في صلاة النهار بالإخفات والسنّة في صلاة الليل بالإجهار» (2).
(والجهر بالبسملة في السرّيّة) سواء في ذلك الأُولَيان والأخيرتان على أصحّ القولين، والأخبار به متظافرة (3). وفي بعضها: «أنّه من علامة المؤمن» (4)، بل أوجبَهُ بعض الأصحاب (5).
(وإسرار النساءِ في الجهريّة) وإنْ جازَ لَهُنَّ الجهر فيها إذا لم يَسمَعْهُنَّ مَن يَحرُمُ إسماعه؛ لأنه أدخل في الستر، وهو أوفقُ بحالهنّ.
(والسكوت بعد قراءة الفاتحة وبعد السورة كلّ سكتة بقدر نَفَس) روي ذلك من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (6).
ولا فرق في ذلك بين الأوليين والأخيرتين؛ لإطلاق النصّ، واستحبّ المصنّف السكوت بعدَ التسبيح فيهما (7) أيضاً. (والتخفيف) في القراءة (الخوف الضيق) احتياطاً في الوقت، أمّا مع ظنّه فيجب.
(والاقتصاد) وهو التوسّط في القراءة (للإمام)؛ تخفيفاً على المأموم، بل الاقتصار على السُوَر القِصار مع احتياجِ بعض المأمومين إلى التخفيفِ بها؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السّلام قال: «ينبغي للإمام أنْ تكونَ صلاته على أضعف مَنْ خلفه» (8).
ص: 196
(و) قراءة السور (المُطَوَّلاتِ من المُفَصَّلِ (1) في) صلاة (الصبح كالقيامة وعَمَّ) وهي حَدُّها الأخير. واختلف فى حَدِّها من الجانب الآخر، فالمشهور سورة محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم (2).
(و) كذا يُستحبّ قراءة طوال المفصّل في (نفل الليل والمتوسّطات) منه (في الظهر والعشاء كالأعلى والشمس) وما بينهما وفوقهما إلى عمّ (والقصار) منه، وهي ما بعد الضحى إلى الآخر (في العصر والمغرب ونفل النهار)، سُمِّيَ بذلك؛ لكَثرَةِ الفُصولِ بين سُوَرِهِ.
وليس في أخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديد، وإنّما الموجود ما ذكره المصنّفُ (رحمه الله) هنا من أمثلة السُوَر ونحوها في تلك الصلوات.
(و) قراءة (الجمعة والأعلى في عشاءيها) أي عشاءي الجمعة على طريقة الاستخدام من قبيل:
فَسَقَى الغَضَا وَالسّاكِنِيهِ وإِنْ *** هُمْ شَبُوهُ بَيْنَ جَوانِحَ وَقُلُوب (3)
إذ المراد من الجمعة أوّلاً السورة، وبضميرها اليوم، والمعنيان مستعملان للفظ الجمعة.
وقد سَبَقَهُ إلى هذا الاستخدام المحقّق في النافع (4). ونبّه عليه الصفيّ في شرح بديعيته (5).
(والجمعة والتوحيد في صبحها مع السعة) أي سعة الوقت. أمّا مع ضيقه، فالسنّة الجحد والتوحيد كما سيأتي (6). (والجمعة والمنافقون فيها) أي في صلاة الجمعة، وهو استخدام آخر (وفي
ص: 197
ظهريها) أي ظهرها وعصرها، ثنّاهما باسم إحداهما، قاعدة مطّردة مع تساويهما تذكيراً وتأنيثاً، وخفّة وثقلاً وإلّا اختصّ به أوّلهما.
وكذا القول في عشاءيها سابقاً (1).
وأوجب المرتضى قراءتهما فيها (2) وجماعة فيها وفي ظهرها (3)، والأخبار بالحثّ عليهما هنا كثيرة (4)، وفي بعضها: «أنّ من تركهما متعمّداً فلا صلاة له» (5) وفي بعض: «أعاد الصلاة» (6) وهما حجّة المُوجِبِ لهما، وليس في الأخبار ولا الفتوى تعيّن إحداهما لركعة مخصوصة فيتخيّر فيهما.
(والعدول عن غيرهما إليهما) لو شرع فيه عمداً أو سهواً (ما لم ينتصف) وإن لم يتجاوز النصف، (و) العدول (إلى النفل) وإكماله ركعتين (إن تنصّفت) سواء في ذلك الجحد والتوحيد وغيرهما.
(وروى) الكناني عن الصادق علیه السّلام: «أنّ مغربها وعصرها كصبحها» (7) في استحباب قراءة الجمعة والتوحيد فيهما.
(و) روى حريز وربعي مرفوعاً إلى أبي جعفر علیه السّلام: «أنّ صبحها كظهرها» (8) في استحباب قراءة الجمعة والمنافقين.
قال في المعتبر: وهذا مقام استحباب فلا مشاحّة في اختلاف الروايات؛ إذ العدول إلى غيره جائز (9).
ص: 198
(و) قراءة سورة (الإنسان والغاشية في صبح الاثنين والخميس) فقد روي «أنّ من قرأهما فيهما وقاه اللهُ شَرَّ اليومين» (1).
(و) قراءة سورة (الجحد في) الركعة (الأُولى) في سبعة مواطنَ: في الأُولى (من سُنَّة الزوال، والمغرب، والليل، والفجر في الطواف، والإحرام، وفَرْض الغَداة مُصبِحاً؛ وفي) الركعة (الثانية) أي من هذه المواطن (التوحيد)، رَواه معاذ بن مسلم عن الصادق علیه السّلام (2).
والمراد بالمُصبح أنْ يفعلَ بَعْدَ انتشار الصبح وظهوره كثيراً؛ إذ قبله يُستحب قراءة طوال المُفَصَّل فيها.
والظاهر أنَّ حدّ الإصباح ظهور الحمرة أو ما قاربه بحيث تَطْلُعُ ولمّا يفرغ؛ لأنّ تأخيرها إلى ذلك الوقت مكروه، فإذا خافَ الوصول إليه خَفَّفَها. وكذا إذا وصل إليه بالفعل.
(وقراءتها) أي التوحيد (ثلاثين) مرّة (في أولَيَيْ) صلاة (الليل) أي في كلّ واحدة من الركعتين الأولين، (أو في الركعتين السابقتين) عليهما؛ فإنّه يُستحبّ صلاة ركعتين قبل الشروع في صلاة الليل، وإنّما ردّد المصنّف بينهما؛ لِما تقدّم من استحباب قراءة الجحد في أوّل صلاة الليل، فاستحباب قراءة غيرها فيها يظهر منه التنافي، فحَمَلَه بعضُهم على الركعتين السابقتين عليها ونقله المصنّف في بعض فوائده عن شيخه عميد الدين.
والواقع في الرواية (3) إنّما هو صلاة الليل، فردّد المصنِّف لذلك، مع أنّه يمكن دفع المنافاة بكون كلّ واحد منهما مستحبّاً، فيتخيّر المصلّي فيهما أو بأن يجمع بينهما؛ فإنّ غايته القِرآن وهو في النافلة جائز بغير خلاف (4)، بل غير مكروه.
ص: 199
ورواية الثلاثين ذكرها الشيخ في التهذيب (1)، والصدوق في الفقيه بصيغة «وروي أنّ من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كلّ ركعة الحمدَ مرَّةً وقل هو الله أحد ثلاثين مرّةً انتقل وليس بينه وبين الله ذنبٌ إلّا غُفِر له» (2).
قال المصنِّف في الذكرى بعد حكمه بحسن جميع ما وردت به النصوص في ذلك «وينبغي للمتهجّد أنْ يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال» (3).
(والقراءة بالمرسوم في النوافل)؛ إذ قد وَرَدَتْ في كثير من النوافل سُوَرٌ مخصوصة، فالفضل في مراعاة المنقول.
ويفهم من العبارة أنّه لو خالف أو اقتصر فيها على أقلّ ما يجزئ في النافلة تأدَّتْ الوظيفة.
ويشكل ذلك في الصلوات المخصوصة التي لم تَرِدْ مشروعيّتها إلا بتلك السُّوَرِ، كصلاة عليّ وفاطمة وجعفر علیهم السّلام، والغدير، وقد تقدّم في صدر الرسالة ذلك مرّة أُخرى (4).
(و) إعادة (الفاتحة للقائم عن سجدة) التلاوة (آخر السورة)؛ ليركع عن قراءة، رواه الحلبي عن الصادق علیه السّلام (5)، إلا أنّه لم يقيّد بالنافلة، وهو محمول عليها؛ إذ قراءة العزيمة محرّمة في الفريضة ومبطلة بخلاف النافلة، والمطلق محمول على المقيّد.
(والتغاير في السورة) في الركعتين.
(وروي كراهة تكرار الواحدة) فيها إذا أحسنَ غيرها، وإنْ لم يُحْسِنْ غَيرَها فلا بأس روى ذلك كلّه عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام (6).
ص: 200
و في عدم اكتفاء المصنّف باستحباب تغاير السورة عن حَدٌ كراهةِ تَكرار الواحدة تَنبيهٌ على أنّ ترك المستحبّ لا يكون مكروهاً، وإنّما المكروه ما نُصَّ على عينه بالمرجوحيّة لا على استحباب نقيضه.
ويُطلق على تركِ المندوبِ خلاف الأَولَى. وقد يُطلق عليه المكروه إذا كان فعلاً، وكثيراً ما يستعمله المصنِّف في هذه الرسالة.
وربما استثني من تكرار الواحدة التوحيد لرواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر علیه السّلام: أُصلّي بِ_ِ «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» فقال: «نعم، قد صلّى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في كلتا الركعتين ب_ِ «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» لم يصلّ قبلَها ولا بعدَها ب_ِ«قُل هُوَ الله أَحَدٌ» أَتمَّ منها» (1).
ولعلّ استثناءها من البين؛ لاختصاصها بمزيد الشرف.
ويُمكن حَملُ فعله علیه السّلام على بيان الجواز، فلا ينافي الكراهة.
قال في الذكرى:
وأمّا كون السورة الثانية بعد الأُولى على ترتيب المصحف، فلا يعرفه الأصحاب، فلا يُكرهُ عندهم التقديم والتأخير ، نعم الروايات المتضمّنة للتعيين غالبها على ترتيب القرآن. وقد روي تقديم التوحيد على الجحد في المواضع السبعة المتقدّمة (2).
(ويكره القِران) وهو قراءة أزيد من سورةٍ في الركعة الواحدة (في الفريضة) على أصحّ القولين (3)؛ لأنّ فيه جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضُها على النهي عنه (4)، وبعضُها على نفي البأس (5)، وهذا في غير ما نُصَّ فيه على استحباب قراءته (6)،
ص: 201
فقد ورَدَ ذلك في كثير من الصلوات.
(والعدول عن السورة) التي شرع فيها ولم يبلغ نِصفَها (إلى غيرها عدا المستثنى) فيما سبق، والجحد والتوحيد؛ فإنّه لا يُعدل عنهما مطلقاً إلّا إلى الجمعتين.
(وإبقاء المؤتمّ آية) من قراءته حيث يقرأ خلف الإمام جوازاً أو استحباباً (يركع بها)؛ لرواية زرارة عن الصادق علیه السّلام قلت: أكونُ مع الإمام فأفرغُ من القراءة قبله؟ قال: «أمسِك آيةً ، ومَجّدِ الله تعالى وأَثنِ، فإذا فَرغَ فاقرأ الآية» (1).
وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء، ودليل على جواز القراءة خلف الإمام.
وكذا يستحبّ إبقاء آية لو قرأ خلف مَن لا يُقتدى به.
(وعدول المرتج عليه) أي المُغْلَقُ عليه بحيث لا يحسن إكمال القراءة. قال الجوهري: أَرْتَجْتُ الباب أغلقتُه وأَرْتِجَ على القارئ على ما لم يُسَمَّ فاعله إذا لم يَقدِر على القراءة كأنه أطبق عليه كما يُرتجُ الباب (2) فإذا أرتج على القارئ في السورة انتقل إلى غيرها وإن كان قد تجاوز نصفها.
ويستحبّ عدوله (إلى الإخلاص) أي سورة الإخلاص؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السّلام قال: «مَن غَلطَ في سورة فليقرأ «قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ» ثمّ ليركع» (3).
(وقول: «صدق الله وصدق رسوله» خاتمة الشمس، وكذلك «الله ربّي» ثلاثاً خاتمة التوحيد والتكبير ثلاثاً خاتمة الإسراء، وقول: «كذب العادلون بالله» عند قراءة «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (4)، وقول: «الله خير، الله أكبر» عند قراءة «الله
ص: 202
خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ» (1)) روى ذلك عمّار عن الصادق علیه السّلام (2)، إلّا ما بعد التوحيد، فقد رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق علیه السّلام: «إنّ أباء كان إذا قرأ «قُل هُوَ اللهُ أَحَده» وفرغ منها قال: كذلك الله، أو كذلك الله ربّي» (3). وروى عبد العزيز المهتدي قال: سألت الرضا علیه السّلام عن التوحيد؟ فقال: «كلّ من قرأ «قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ» وآمن بها فقد عرف التوحيد». قلت: كيف يقرأها؟ قال: «كما يقرأ الناس - وزاد فيه - كذلك الله ربّي كذلك الله ربّي كذلك الله ربّي» (4).
(وهي ثلاثون:)
(استشعار عظمة الله) تعالى وكبريائه، وذلّ نفسك حتّى يكون ركوعك تعظيماً له وذلاً بين يديه؛ فإنّ الأصل الباعث عليه هو ذلك، فقد روي (5) أنّ قريشاً وسائر العربه كانوا يستنكفون من الانحناء تجبّراً منهم، واستكباراً، حتّى كان الرجل يسقط منه الشيء فلا فلا ينحني لأخذه كراهة لذلك، فجاءت الشريعة المطهرة بالأمر بالركوع ثمّ بالسجود الذي هو أبلغ في الذلّ، فينبغي استشعار عظمة الله تعالى لذلك.
(وتنزيهه عمّا يقول الظالمون) من الأوصاف المنافية للتعظيم، تعالى الله علوّاً كبيراً.
(والخشوع والاستكانة، والتكبير له قائماً) قبله بحيث يقع بتمامه قبل أن يهوي له (رافعاً يديه) كما مرّ (6)، (ثمّ يرسلهما) بعد الفراغ منه. والضمير يعود إلى اليدين
ص: 203
والمدلول عليهما بالرفع. هذا هو المشهور (1)، ورواه زرارة عن الباقر علیه السّلام: «إذا أردتَ أنْ تركع فَقُلْ وأنت منتصب الله أكبر» (2).
وجوّز الشيخ (رحمه الله) في الخلاف الهُوِيَّ به (3)، والظاهر جوازه وإن كان أدون فضلاً.
وبه صرّح المصنّف في الذكرى (4)، والدروس (5)، وأوجب جماعة التكبير له (6)، وبعضهم الرفع معه (7)؛ عملاً بظاهر الأمر والفعل، وهو محمول على الندب جَمعاً.
(والتجافي) وأصله النُبُوُّ والارتفاع. قال الجوهري: يقال: جافي جنبه عن الفراش أي نبا (8)، والمراد هنا عدم الصاق يديه ببدنه، بل يُخرجِهما عنه بالتجنيح الآتي، وفتح ،الإبطين وإخراج الذراعين عن الإبطين.
وقد يُطلَقُ التجنيحُ على جميع ذلك.
(وردّ الركبتين إلى خلف، وبروز اليدين)، والظاهر أنّ حَدَّهُما ما اعْتِيدَ بُروزُهُ، وهو الراحة والأصابع وما جاوَزَهُما إلى الزند (ودونه) أنْ يكونا (في الكُمَّيْنِ) نَسَبَ ذلک في الذكرى إلى الأصحاب (9)؛ لعدم وقوفه على مستنده.
(وأن لا يكونا تحت ثيابه) هذا هو المشهور (10)، ولم أقِف على رواية بخصوصه.
ص: 204
نعم، روى عمّار عن الصادق علیه السّلام في الرجل يُدخِل يديه تحت ثيابه فقال: «إن كان عليه ثوبٌ آخر فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز ذلك، وإن أدخل يداً وأخرج أخرى فلا بأسَ» (1).
(و تسوية الظهر بحيث لو قُطِرَ عليه ماء لم يَزُلْ) روي (2) ذلك من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، ورواه حمّاد في وصف صلاة الصادق علیه السّلام (3)، (ومدّ العنق موازياً للظهر) وذلك في خبر حمّاد (4).
(واستحضار «آمنتُ بِكَ ولو ضُرِبَتْ عُنُقِي» وأنْ لا يخفضَ رأسَه ويرفع ظهرَهُ) مُقَوِّساً (وهو التصويب، ولا بالعكس) بأن يرفع رأسه ويجعَله أعلى من جسده (وهو الإقناع)، فقد روي (5) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم كان إذا ركع لا يُصَوِّبُ رأسه ولا يقنِّعه، فالتصويب: خفضه من قولهم: صاب المطر يصوب إذا نزل، والإقناع: رفعه أعلى من الجسد، ومنه قوله تعالى: «مُقْنِعِي رُوسِهِمْ» (6).
(ولا ترفع المرأة عجيزتَها) بأن تتطأطأ كثيراً رواه زرارة في حديث صلاة المرأة (7)، (و نظره إلى ما بين رِجْلَيْهِ، وجعلهما) أي الرِجلين مُنْتَصِبتَين (على هيئة القيام، والتجنيح بالعَضُدين) والمرفقين بأنْ يُخرِجَهُما عن بدنه كالجناحين؛ لخبر حمّاد (8).
(ووضع اليدين على) عيني (الركبتين وتفريج الأصابع) رواه حمّاد (9) أيضاً.
(ولو منع) من وضع (إحداهما وضع الأخرى)؛ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، ولو منع منهما سقط .
ص: 205
(والبَدأة بوضع اليمنى قبل اليسرى) رواه زرارة عن الباقر علیه السّلام (1)، (وتمكينهما من الركبتين) بأن لا يقتصر على وضع أطرافهما؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام : «وتمكّن راحتيك من ركبتيك» (2) (وإبلاغ أطرافهما عَيْنَي الركبتين)؛ لاستلزام التمكين ذلك.
(ووضع المرأة يديها فوق ركبتيها): لرواية زرارة (3)، ولكن يجب أن تنحني قدر ما ينحني الرجل. وإنّما يختلفان في الوضع مع احتمال اجتزائها بدون انحناء الرجل، بل القدر الذي تصل معه يداها إلى فخذيها فوق ركبتيها كما تشعر به الرواية؛ لأنّها معلّلة بعده بقوله: «لئلّا تتطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتُها».
(وترتيل التسبيح) رواه حمّاد (4)، (واستحضار التنزيه لله) عن النقائص وصفاتِ المُحدثات عند قوله: «سُبحانَ ربّي»؛ إذ معنى التسبيح التنزيه، تقول: سَبَّحْتُ تسبيحاً وسبحاناً ، أي نَزَّهتُ تنزيهاً، وأطلق التنزيه؛ ليتناول كلّ ما يليق وصفه به ويذهب كلّ مذهب.
(و) استحضار (الشكر لإنعامه) عند قوله : وبِحَمْدِهِ، أو مطلقاً؛ لأنّ ذلك ضَرْبٌ من الشكر.
(وتكراره ثلاثاً مطلقاً) سواء كان إماماً أم غيره؛ لرواية أبي بكر الحضرمي عن الباقر علیه السّلام «تقول: سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع، وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثُلثَي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له» (5)، والمراد نقص الكمال والفضيلة.
(وخمساً وسبعاً، فما زاد لغير الإمام) وهو المنفرد؛ فإنّ المأموم تابع للإمام لا يتخلف عنه (إلّا مع حبّ المأموم الإطالة) أي جميع المأمومين، فيُستحبّ حينئذٍ
ص: 206
للإمام الإطالةُ كغيره؛ لأنّ تحقيقه كان لمكان المأموم؛ لِما تقدّم (1) من استحباب صلاة الإمام على أضعفِ مَنْ خَلْفه، فمع حُبِّهِ الإطالة يستحبّ للإمام التطويل بما يَحْتَمِلُه المأموم ويُحبُّهُ ولا يؤدّي إلى السَأَمِ.
(فقد عَدَّ) حمزة بن حمران والحسن بن زياد (على الصادق علیه السّلام) في حال كونه (راكعاً إماماً)؛ لأنّهما أخبرا (2) أنّهما صَلَّيا معه تلك الصلاة (سبحان ربّي العظيم وبحمده أربعاً وثلاثين مرّة)، وستأتى رواية أبان بن تغلب (3) أنّه عدّ عليه ستّين تسبيحةً.
وهل يستحبّ مع الزيادة الوقوف على وتر؟
يحتمل عدمه؛ لظاهر الخبرين، وعدم الدليل على إيتار ما زاد على المنصوص.
وفي الذكرى: الظاهر استحباب الوتر؛ لظاهر الأحاديث. وعدّ الستّين لا ينافي الزيادة عليه (4).
(والدعاء أمام الذكر: اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ ولَكَ خَشَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأَنْتَ رَبِّي خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وبَصَرِي، ومُنِّي، وَعَصَبِي، وعظامي، وما أَقَلَّتْهُ قَدَمَايَ ِللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ) هكذا رواه الشيخ في المصباح (5) إلا أنه ذکر موضع قدماي الأرض منّى».
والذي رواه زرارة عن الباقر علیه السّلام، ذكره الشيخ في التهذيب (6) والمصنّف في الذكرى (7) وغيرهما من الأصحاب (8) «رَبِّي لَكَ رَكَعْتُ ولَكَ أسْلَمتُ وبِكَ آمَنْتُ، وعليك تَوَكَّلْتُ،
ص: 207
وأنتَ رَبِّي خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وبَصَرِي وَشَعْرِي وبَشَرِي ولَحْمِي، ودَمِي، ومُخي وعَصَبِي، وعِظَامِي، وما أَقَلَّتْهُ قَدَماي غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ ولا مُستكبرٍ ولا مُستَحْسِرٍ».
ومعنى «أقَلَّتْهُ قدماي» أي حملتاه وقامتا به، ومعناه جميع جسمي.
وفي الإتيان بها بعد قوله «خشع لك سمعي وبصري... إلى آخره، تعميم بعد التخصيص.
وقوله: «لله ربّ العالمين» يمكن كونه خبر مبتدأ محذوف، أي جميع ذلك لله تعالى وإن كان قد ذكر أنّ بعضه لله؛ فإنّ بعضه وهو قوله وبك آمنتُ وعليكَ تَوَكَّلْتُ» لم يدلّ لفظه على كونه له.
ويمكن كونه بدلاً من قوله «لك سمعي»... إلى آخره، أبدل الظاهر من الضمير والتفتَ من الخطاب إلى الغيبة.
والظاهر أنّ هذا الدعاء يختص بالمنفرد إلا مع حبّ المأموم الإطالة، فيستحبّ للإمام والمأموم. ويشترط انحصار المأمومين واتّفاقهم عليها.
(وإسماع الإمام مَنْ خلفه الذكرَ، وإسرار المأموم) وقد تقدّم، وأمّا المنفرد، فذكره تابع لقراءته استحباباً.
(وزيادة الطمأنينة في رفع الرأس منه بغير إفراطٍ)، بل بقدر الذكر الواقع فيه مستحبّاً، (و) هو (قول: سمع الله لمن حمده) ضمّن «سمع» معنى استجاب، فعدّي باللام وإلا فالسمع متعد بنفسه، كما قال الله تعالى: «يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ» (1)، كما أن قوله: «لا يَسَّمَّعُونَ إِلى المَل الأَعْلَى» (2) ضمن معنى يصفون، فعدّي ب_ِ«إلى» وهذه الكلمة
خبر معناه الطلب والدعاء لا ،ثناء، كما دَلَّتْ عليه رواية المفضّل عن أبي عبد الله علیه السّلام حيث قال له: - جعلت فداك - علّمني دعاءً جامعاً، فقال لي: «احمدِ اللهَ، فإنّه لا يبقى أحدٌ يصلّي إلا دعا لك، يقول: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». (3)
ص: 208
(و) يقول بعده: (الحمد لله ربّ العالمين، أهل الكبرياء والجود والعظمة، الله ربّ العالمين) - هكذا وجدته بخطّ المصنّف (رحمه الله تعالى) - بإثبات الألف في الله أخيراً. وفي بعض نسخ الرسالة بخطّ غيره «لله» بغير ألف، وهو الموافق لرواية زرارة عن الباقر علیه السّلام برواية التهذيب (1) وخطّ الشيخ أبي جعفر (رحمه الله تعالى).
ثُمّ على ماهنا يمكن كون «أهل الكبرياء» مبتدأ و «الله» خبره، ويمكن كون «أهل» صفةً ثانيةً لله و«الله ربّ العالمين» مستأنف إمّا مبتدأ أو خبر، أو خبر مبتدأ محذوف تقدیره «ذلك»، أو «هو» ونحو ذلك، وعلى حذف الألف يمكن كون «لله ربّ العالمين» تأكيداً لِما سبق، ويكون «الجود والعظمة» معطوفين على «الكبرياء» مجرورين، وكونه خبراً ل_«الجود»، و«العظمة» معطوفة عليه، وكونه خبراً ل_«العظمة»، فتكون مرفوعة، و«الجود» مجروراً على ما سبق.
وفي الذكرى (2) اقتصر على قوله «ربّ العالمين» وهو أفصح.
واتّفق كثير على أنّ صدر الرواية: «الحمد لله ربّ العالمين، أهل الجبروت والكبرياء والعظمة» (3) خلاف ما ذكر في الرسالة.
وفي المصباح «أهل الكبرياء والجود والجبروت» (4)، وحَذَفَ «لله ربّ العالمين».
(وليكن) هذا الذكر (بعد تمكين القيام)؛ لرواية زرارة المذكورة «قل: سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله» (5) ... إلى آخره.
ص: 209
وذكر بعض أصحابنا أنّه يقول: سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه، وباقي الأذكار بعده (1)، والرواية تدفعه.
(والجهر للإمام، والإسرار للمأموم، ويتخيّر المنفرد في جميع الأذكار)، وتقدّم مراراً ( ويجوز قصد العاطس بهذا التحميد الوظيفتين) وظيفة العطاس والصلاة؛ لاشتراكهما في استحباب التحميد، وانضمام النيّة لا يغير شيئاً، والوجه متّحد (والتَكرار أولى)؛ لزيادة الثواب بزيادة الذكر.
(وهي خمسون:)
(استشعار نهاية العظمة والتنزيه للبارئ عَزَّ اسمه) حيث إنّه غاية التواضع بالصاق أشرف الأعضاء وهو الجبهة على أخشن الأشياء وهو التراب، ومن ثَمَّ كان مُوجِباً للقرب إلى الله تعالى، والزُلفى لديه زيادة عن غيره من أفعال الصلاة، كما نَبَّة عليه بقوله تعالى لنبيه في أمره له بأن يسجد ويقترب (2)، وبسببه يَتَرقّى في الحالة الواحدة من المرتبة الدنيا من مراتب الفرار المأمور به وهي الفرار من بعض آثاره إلى بعض إلى مرتبة الغنى عن مشاهدة الأفعال إلى مصادر الصفات، ففرّ من بعضها إلى بعض، ثمّ إلى مرتبة الذات وملاحظتها، ففرّ منها إليها، ثمّ إلى الغني عن ذلك كله، والسباحة في لجّة الوصول إلى ساحة العزّة المشتملة على ما لا يتناهى من الدرجات ثم إلى مقام التجريد المطلوب وكمال الإخلاص الذي به هو هو من غير أنْ يَلْحَقَهُ حُكم لغيره وهمي أو عقلي.
وقد جَمَعَها صلّی الله علیه و آله و سلّم في دعائه في سجوده بقوله: «أعوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقابِكَ، وأعوذُ
ص: 210
بِرِضاكَ مِن سَخَطِكَ، وأعوذُ بِكَ منكَ، لا أُحْصِي ثناءً عليك، أنت كما أثنَيتَ على نفسك» (1).
(والخضوع والخشوع والاستكانة من المصلّي فوق ما كان في ركوعه)؛ لما قد عرفته.
(والقيام بواجب الشكر) حيث قد اشتمل على نِعَم غزيرة وفوائد كثيرةٍ ومراتبَ حقيقيّةٍ عاليةٍ تستوجب من الشكر المزيد، فينبغي ملاحظتها ليقوم بحقّها.
(وإحضار «اللهُمَّ إِنَّكَ مِنها) أي من الأرض التي قد سجد عليها (خَلَقْتَنا» عند السجود الأول، و«منها أخْرَجْتَنا» عند رفعه منه، و «إليها تُعِيدُنا» في) السجود (الثاني، و«منها تُخْرِجُنا تارةً أُخرى» في الرفع منه، واستقبال الرجل الأرض بيديه معاً) قبل ركبتيه بخلاف المرأة، وسيأتي (2).
ورُوي ذلك من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (3) والصادق علیه السّلام (4)، وأمَرَ به الباقر علیه السّلام في خبر زرارة (5) الجليل.
(وروى عمّار السبق باليمنى) (6) واختاره الجعفي (7)، والعمل على المشهور (8). (والتكبير له قائماً رافعاً) به يديه كما مرّ (9) (معتدلاً) أي مطمئناً قبل أن يأخذ في
ص: 211
الهُوِيِّ، روي ذلك من فعل النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (1)، وأمَرَ به الباقر علیه السّلام في الخبر السالف، ووصفه حمّاد عن الصادق علیه السّلام (2).
ولو كبّر في هُوِيِّهِ جازَ وتَرَكَ الأفضل. ورواه المعلّى بن خنيس عن الصادق علیه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين علیه السّلام إذا هَوَى ساجداً انكَبَّ وهو يكبّر» (3).
وخيّر في الخلاف (4) بينه وبين التكبير قائماً.
والأوّل أفضل؛ لشهرته، وصحّة إسناده.
(والمبالغة في تمكين الأعضاء)؛ ليحصل أثر السجود الذي مدحه الله تعالى عليه بقوله: «سيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» (5).
وعن الصادق علیه السّلام قال: «قال عليّ علیه السّلام : إنّي لأكرهُ للرجل أن أرى جبهته جَلَحاً (6)، ليس فيها أثر السجود» (7).
وروى إسحاق بن الفضل عن الصادق علیه السّلام : «أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم كان يُحِبُّ أَنْ يُمكِّنَ
جبهته من الأرض» (8).
وهذه الأدلّة مختصّة بالجبهة.
(واستغراق ما يمكن استغراقه) بالوضع (منها)؛ لما فيه من المبالغة في الخضوع. (وإبرازها للرجل) دون المرأة؛ لِما ذكر (9)، ولمناسبة الستر المرأة.
ص: 212
(والسجود على الأرض)؛ لأنّه أبلغ في الخشوع، وأقوى في الذلّ بين يدي البارئ عزّ اسمه، وأنسب بمقام الذكر المشتمل على وصفه تعالى بالعلوّ.
وروى الصدوق في الفقيه عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «السجود على الأرض فريضة، وعلى غيرها سنّة» (1).
وكأنّه أراد بالسنّة الجائز أو ما دونها في الفضل
(وخصوصاً التربة الحسينيّة) المقدّسة (على مُشَرِّفِها السلام) (ولو لَوْحاً) متَّخَذاً منها.
روى إسحاق بن عمّار قال: كان لأبي عبد الله علیه السّلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة الله الحسين علیه السّلام، وكان إذا حضرَت الصلاة صَبَّهُ على سجّادته وسجد عليه، ثمّ قال: «السجودُ على تربة أبي عبد الله علیه السّلام يَخرقُ الحُجُبَ السَبْع» (2).
وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق علیه السّلام : «السجود على طين قبر الحسين علیه السّلام ينوّر إلى الأرض السابعة، ومن كان معه سبحة من طين قبره علیه السّلام كتب مُسَبِّحاً وإنْ لم يسبّح بها» (3).
وهذا الحديث كما دلّ على استحباب السجود عليها، دلّ على استحباب استصحاب السبحة منها أيضاً، وأنه يكتب ذاكراً.
ومثله روي عن الكاظم علیه السّلام أنّه قال: «لا تستغني شيعتنا عن أربع: خُمْرَة (4) يصلّي عليها، وخاتَمٍ يتختّم به وسِواكٍ يستاك به، وسُبْحَةٍ من طين قبر أبي عبد الله علیه السّلام له فيها ثلاث وثلاثون حبّة، متى قلبها فذكر الله كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة، وإذا قلبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة» (5).
ص: 213
والأخبار في ذلك كثيرة.
(وندب سلّار إليه) أي إلى اللوح من التربة الشريفة، (وإلى المتّخذ من خشب قبورهم عليهم الصلاة والسلام) (1) سواء في ذلك الحسين علیه السّلام وغيره من الأئمّة علیهم السّلام. ولم أقِف على مَأْخَذِه بخصوصه وإن لم يكن في شرف ذلك وفضله بواسطتهم شبهة.
ولا فرق في التربة الشريفة بين ما شُوِيَ منها بالنار وغيره في أصل الأفضليّة؛ لشمول التربة الواردة في الخبر السابق لهما، لكن يكره السجود على المشويّ خصوصاً إذا بلغ حدّ الخَزَف على الأقوى، وقد تقدّم الكلام فيه (2).
ويمكن أن يريد المصنِّف (رحمه الله) بالتربة المقدّسة ما يعمّ المُتَّخَذة من تربة غير الحسين علیه السّلام من الأئمة والأنبياء علیهم السّلام الذي ثبت لهم تربة معيّنة، بل الشهداء والصالحين؛ إذ لا شكّ في تقديسها بواسطتهم كما تقدّست التربة الحسينيّة بذلك وإن كانت النصوص (3) متظافرة بها.
وقد روي (4) أنّهم كانوا يتّخذون السبح من تربة حمزة علیه السّلام قبل قتل الحسين علیه السّلام، وأنّ فاطمة علیهما السّلام كان لها سبحة منها ، فلمّا قتل الحسين علیه السّلام اتُّخِذُتْ من تربته الشريفة. ونَدَبَ إليها الأئمة علیهم السّلام.
ومن قرائن إرادة العموم نقله عن سلّار (رحمه الله) (5) بعد ذلك اللوح المتّخذ من خشب قبورهم علیهم السّلام، ولأنّ شرف التربة أقوى من شرف الخشب.
(والإفضاء بجميع المساجد إلى الأرض) وليس هذا تكرار لِما سبق من قوله: «واستغراق ما يمكن استغراقه منها»؛ لأنّ الغرض من السابق مجرّد وضعها وإن لم تكن
ص: 214
على الأرض، وهنا زيادة كونها على الأرض.
(وأقلّ الفضل في الجبهة مساحة درهم) بغليّ، بل ذهب المصنّف في الذكرى (1) إلى عدم جواز النقصان فيها عنه، أمّا غيرها من المساجد، فأقلّ الفضل فيه ما يزيد عن المُسَمّى بيسير؛ إذ لا خلاف (2) في إجزاء المُسَمّى منه.
وفي العبارة شائبة قصور عن المراد؛ إذ المقصود من الفضل - في ذلك ونظائره -: المزية الزائدة عن أقلّ الواجب، ومع ذلك لا ينطبق على القولين؛ لأنّا إذا اعتبرنا في الجبهة قدر الدرهم، فأقلّ الفضل فيها ما يزيد عنه يسيراً، وإنْ اكْتَفَيْنا بالمسَمَّى كغيرها، فأقلّ الفضل فيها ما يزيد عن المسمّى يسيراً كغيرها.
وكأنّه حاوَلَ بذلك الخروجَ من الخلاف مع تجويزه النقصان عن درهم، فجعل أقلّ الفضل فيه ليخرج به من الخلاف، فجعل مافيه من الخلاف لا فضل فيه زائداً على أصل الواجب.
(والإرغام بالأنف) وهو وضعه على الرّغام - بالفتح - وهو التراب مضافاً إلى الأعضاء السبعة؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «السجود على سبعة أعظم... ويرغم بالأنف إرغاماً» (3)، ورواه حمّاد (4) في خبره الجليل.
وعن عليّ : «لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف منها ما يصيب الجبين» (5). والمراد نفي الإجزاء الكامل.
والظاهر تأدّي السنّة بوضعه على ما يصحّ السجود عليه وإن لم يكن رَغاماً؛ لدلالة
ص: 215
قول عليّ علیه السّلام وإن كان التراب أفضل.
وتجزئ إصابة جزء من الأنف؛ لصدق الاسم.
واعتبر المرتضى (رحمه الله) (1) إصابة الطرف الذي يَلِي الحاجِبَيْنِ.
(واستواء الأعضاء) في الوضع (مع إعطاء التجافي حقّه) بحيث لا يقع شيء من جسده على شيء، (وتجنيح الرجل بِمَرْفِقَيْهِ) بأن يرفعهما عن الأرض ولا يفترشهما كافتراش الأسد، فقد روي (2) أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان إذا سجد جافي بين يديه حتّى أنّ بهيمة لو أرادت أن تمرّ بين يديه لمرّت.
(وجعلهما حِيالَ المنكبين ، وجعل الكفّين بحِذاءِ الأذنين، وانحرافهما عن الركبتين يسيراً، وضمّ أصابعهما جمع، والتفريج بين الركبتين)، روي ذلك كلّه في خبر زرارة عن الباقر علیه السّلام (3)، وبعضه في خبر حمّاد (4).
(والنظر ساجداً إلى طرف أنفه، وقاعداً) بين السجدتين، وبعدهما (إلى حجره)، قاله جماعة (5)، وخصّه المفيد (رحمه الله) (6) بين السجدتين.
(وأنْ لا يُسَنِّمَ ظهره. ولا يفترش ذراعيه) وقد تقدّم ما يدلّ عليه، (والسجود على الأنف) وقد تقدّم (7)، وكأنّه أعادَهُ؛ لكونه أعمّ مما سبق، فإنّ السجودَ عليه قد لا يكونُ على الرَغام وإن كان الإرغامُ يوجِبُ السُجودَ، لكن أرادَ بيان انفكاكِ إحدى السُنَّتين عن الأخرى، وقد سلف في خبر عليّ علیه السّلام (8) ما يدلّ على هذا العام.
ص: 216
(وترك كفّ الشَعرِ عن السجود) الذي ذكره المصنّف في الذكرى (1) والدروس (2) في هذه السنّة استحباب كشف المرأة شعرها عن جبهتها؛ لزيادة التمكين وإن كان يصيب الأرض بعضها.
والمستند رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السّلام قال: سألته عن المرأة تطول قصّتها، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعضها يغطّيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: لا، حتّى تضع جبهتها على الأرض» (3).
وعبارة الرسالة يعسر منها تأدية المراد.
(وسبق المرأة بالركبتين) عند هویّها إلى السجود، (وبدأتها بالقعود) قبل أن تسجد (وافتراشها ذراعيها) حالة السجود، (وأن لا تتخوّى) في الهُوِيّ إليه كما يفعل الرجل، فإنّه يستحبّ له بأن يسبق بيديه ثمّ يهوي بركبتيه؛ لِما روي (4) أنّ عليّاً علیه السّلام كان إذا سجد يَتَخَوَّى كما يتخوّى البعير الضامر يعني بروكه.
ويمكن أن يريد بالتخوِيَةِ المَنفيّة التجافي المذكور سابقاً؛ لأنّه إبقاء الخواء من الأعضاء.
(ولا تَرفع عجيزتَها) حالة السجود، بل تسجد لاطِيةً بالأرض. ورد جميع ذلك في موثّقة زرارة (5)، وعليها عمل الأصحاب (6).
(وترتيل التسبيح) رواه حمّاد (7). (واستشعار التنزيه) عند قوله: «سبحان الله» ليطابق اللفظ القلب.
ص: 217
(والزيادة فيه كما مرّ) في الركوع (1) بأن يَقولَهُ ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً فما زاد مع كونه منفرداً، أو حبّ المأموم الإطالة (فقد عدّ أبان بن تغلب على الصادق علیه السّلام ستّين تسبيحةً في الركوع والسجود) (2)، ولا يتقيّد في جانب الكثرة بذلك، بل تستحبّ الزيادة ما دام القلب مقبلاً.
(والدعاء أمامه) أي أمام التسبيح: (اللهمّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكّلت وأنت ربّي سجد لك سمعي وبصري، وشعري وعصبي ومخي وعظامي، سجد وجهي البالي الفاني للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين) كذا خرّجه الشيخ في المصباح (3) مع تغيير يسير، والذي رواه في التهذيب عن الصادق علیه السّلام (4) ونقله المصنِّف في الذكرى ما ذكره هنا إلى قوله: «وأنت ربّي سجد وجهي للذي خلقه، وشقّ سمعه وبصره، والحمد لله ربّ العالمين تبارك الله أحسن الخالقين» (5).
(والتكبير للرفع معتدلاً في القعود) رواه حمّاد (6) (رافعاً يديه فيه) كما مرّ، (ثمّ الدعاء جالساً) بين السجدتين (وأدناه: أستغفر الله ربّي وأتوب اليه) رواه حمّاد (7). وليس في التهذيب (8) بخطّ الشيخ (رحمه الله) لفظ «الله» بعد «أستغفر»، وتبعه المصنّف في الذكرى (9)، والمحقّق في المعتبر (10).
(وفوقه) في الفضل أن يقول ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله علیه السّلام : (اللهمّ اغفر لي،
ص: 218
وارْحَمْنِي، واجْبُرْنِي، وادْفَعْ عَنِّي، وعافِنِي، إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِن خَيْرٍ فقير، تَبَارَكَ الله رب العالمين) (1).
(والتَوَرُّك بينهما) بأن يجلسَ على وَرِكِهِ الأيسر، ويُخرجَ رِجْلَيْهِ جميعاً من تحته، ويَجْعَلَ رِجْلَهُ اليُسرى على الأرض وظاهِرَ قَدمه اليمنى على باطِنِ قدمه اليسرى ويُفْضي بِمَقْعَدَتِهِ الى الأرض، رواه حمّاد كذلك عن الصادق علیه السّلام (2)، وابن مسعود عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (3).
(غير مُقْعِ) في جلوسه، وهو أنْ يعتمد بصُدورِ قَدَمَيْهِ على الأرض ويجلسَ على عَقِبَیهِ.
ونقل في المعتبر (4) عن بعض أهل اللغة (5) أنّ الجلوس على الْيَتَيْهِ ناصباً فَخِذَيْهِ مثل إقعاء الكلب، وجعل المعتمد الأوّل.
(ولا جالِسٍ على) وَرِكِهِ (الأيمن، وضمّ المرأة فخذيها) حالة الجلوس، (ورفع ركبتيها، ووضع اليدين على الفَحْذَيْنِ مَضمومتي الأصابع جمع، مبسوطتين ظاهرهما إلى السماء) وباطنهما على الفخذين (لا الباطن) إلى السماء (والتكبير للثانية معتدلاً) قبل الهُوِيّ إليها؛ لرواية حمّاد (6).
( ولو قدّمه ) أي قدّم التكبير على المحلّ الذي عيّن له بأن كبر للأُولى قبل أن يصِيرَ معتدلاً، (أو أخره) بأن كبَّرَ للثانية بعد أخذه في الهُويّ تَرَكَ الأَوْلَى)
ص: 219
و أجزأَ کما سبق (1) فی تکبیر الرکوع.
(ولا يكبّر لسجود القرآن) الواجب والمندوب لا لابتدائه ولا لرفعه للأصل، فإنّ الأمر بالسجود لا يتناول غيره.
(وقيل) والقائل الشيخ (رحمه الله): إنّه (يكبّر لرفعه) (2) واختاره في الذكرى (3)؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام : لا يكبّر حين يسجد، ولكن يكبّر حين يرفع» (4). ومثله رواية سماعة عن أبي عبد الله علیه السّلام (5)، وإثبات السنن يتمّ بدون ذلك.
(وهو خمس عشرة) سجدة، أربع منها واجبة، وهي في سورة سجدة لقمان (6)، وحم فصّلت، والنجم، واقرأ، وإحدى عشرة مندوبةً وهي في الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحجّ في موضعين والنمل، والفرقان، وص، والانشقاق.
وذكرها في الرسالة ليتفرّع على بيانها ما يتعلّق بها من السنن كالتكبير وما سنذكره.
ويتعلّق الحكم وجوباً واستحباباً على القارئ والمستمع إجماعاً (7)، والمراد به المنصت للاستماع، وأمّا السامع بغير إنصات، فلا إشكال في الاستحباب عليه، وإنّما الخلاف في وجوب الأربع، فالأكثر على نفيه (8)، وبه رواية (9) في طريقها ضعف، والوجوب أقوى.
ص: 220
وموضع السجود عند التلفّظ به في جميع الآيات والفراغ من الآية.
(ويتكرّر بتكرّر السبب) سواء تعدّد السجود أم لا (وإن كان) تعدّده (للتعليم)؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام قال: سألته عن الرجل يتعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرّات في المقعد الواحد؟ قال: «عليه أن يسجد كلّما سمعها، وعلى الذي يعلمه أيضاً أن يسجد» (1).
(ويستحبّ فيه الطهارة) وليست شرطاً على الأظهر الرواية أبي بصير عن الصادق علیه السّلام : «إذا قُرِئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسْجُدْ وإنْ كنتَ جُنباً وإِنْ كانت المرأة لا تصلّي» (2).
وكذا لا يشترط خلوّ الثوب والبدن عن النجاسة، ولا استقبال القبلة، ولا ستر العورة؛ لإطلاق الأمر بها، فالتقييد خلاف الأصل.
والظاهر أنّ السجود على ما يصحّ السجود عليه، وعلى الأعضاء السبعة غير الجبهة كذلك، وتردّد المصنّف في الذكرى (3).
ويستحبّ فيها الذكر، ويجزئ مطلقه (و) الأفضل (قول: لا إله إلا الله حقّاً حقّاً، لا إله إلّا الله إيماناً وصِدقاً، لا إله إلا الله عبوديّةً ورِقّاً، سجدتُ لك يارب تعبداً ورِقّاً (4)، وروى عمّار فيها ذكر السجود) للصلاة (5)، وروي أنّه يقول في سجدة اقرأ: إلهي آمنّا بما كفروا، وعرفنا منك ما أنكروا، وأجبنا إلى ما دعوا، إلهي العفو العفو» (6).
ووقتها حين حصول السبب على الفور. ولو أخلّ به أَثِمَ مع وجوبها.
ص: 221
وهل تصيرُ قضاءً أم تبقى أداءً مدة العمر؛ لعدم التوقيت الحقيقي؟ الظاهر الثاني، وهو خيرة المعتبر (1)، وردّه المصنّف في الذكرى بأنّها واجبة على الفور، فوقتها وجود السبب، فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها، ولا نعني بالقضاء إلّا ذلك (2).
ولا يخفى أنّ ما ذكره لا يفيد التوقيت الحقيقي، بل غايته وجوب المبادرة إليها في أوّل الوقت، وينبه عليه حكمه - كغيره - بوجوب الفورية بصلاة الزلزلة عند وجود سببها مع حكمهم بأنّها إذا لم تفعل على الفور تبقى أداءً مدّة العمر.
(وروي (3) كراهته في الأوقات المكروهة) والعمل على خلافه؛ لما تقدّم من أنّ الكراهة مخصوصة بالصلاة المندوبة التي لا سبب لها.
وحيث ذكر نبذة من أحكام سجود التلاوة رجع إلى تتمة سنن سجود الصلاة، فقال:
(والجلوس عقيب) السجدة (لثانية)، وهو المسمّى بجلسة الاستراحة، والأخبار (4) به متظافرة حتّى أوجبه المرتضى (رضي الله عنه) (5)، وهو كالجلوس بين السجدتين.
(و) يستحبّ (الطمأنينة فيه) روي ذلك عن عليّ علیه السّلام (6).
(وقول: بحول الله وقوته أقومُ وأقعد، ورُوِيَ) الراوي عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السّلام مضافاً إلى ذلك: (واركع واسجد (7)، عند القيام في كلّ ركعة).
وفي المعتبر: أنّه يقوله في جلسة الاستراحة (8)، والنصوص ناطقة بالأوّل (9)؟.
ص: 222
(والسبق) عند النهوض (برفع ركبتيه، والاعتماد على يديه مبسوطتين مضمومتي الأصابع) رواه محمد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام (1).
(ورفع) اليد (اليمنى أوّلاً وجعلهما آخر ما يرفع. وانسلال المرأة في القيام، ولا ترفع عجيزتها أوّلاً).
(وأن لا ينفخ موضع السجود)؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام (2).
وكذا يكره مسح الجبهة من التراب حالة الصلاة، ولا بأس به بعد الصلاة، روى عبد الله الحلبي عن الصادق علیه السّلام قال: «كان أبو جعفر علیه السّلام يمسح جبهته في الصلاة إذا أَلصقَ بها التراب» (3).
وفي الفقيه: يكره أن يتركه بعد ما يصلّى (4).
(واستحضار وحدانيّة الله تعالى ونفي الشريك عنه) عند الشهادة له بالوحدانيّة. (وإحضار معنى الرسول) عند الشهادة له بالرسالة.
(و) إحضار (اليقين في كلٍّ من الشهادتين وعدم الإقعاء) في الجلوس له، وقد تقدّم تفسيره (1).
(و) عدم (الجلوس على) الورك (الأيمن، بل على الأيسر والأيمن فوقه)، كما مرّ (2) (مستحضراً) في رفع الأيمن وانخفاض الأيسر (اللهُمَّ أَمِتِ الباطل وأَقِمِ الحقّ، وقول: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله) هكذا رواه أبو بصير، عن الصادق علیه السّلام (3) مع ما بعده من التحيّات والدعاء.
وأكثر الأصحاب (4)؛ ومنهم الشيخ في المصباح (5) افتتحوه بقولهم: بسم الله وبالله، والأسماء الحسنى كلّها لله.
(وبعد) قوله: وأشهد أنّ محمّداً (عبدُه ورسولُه) يقول: (أرسلَهُ بالحقِّ بَشيراً ونَذيراً بين يَدَيْ الساعة، وأشهدُ أنَّ رَبِّي نِعْمَ الربُّ، وأنَّ محمداً نِعْمَ الرسُولُ ، وبعد الصلاة على النبيّ وآله صلّى الله عليه وعليهم) في التشهّد الأوّل يقول: (وتقبَّلْ شفاعَتَهُ في أُمَّتِهِ وارْفَعْ دَرَجَتَهُ، ثمّ يقول: الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ مرّةً، وأَكْمَلُهُ ثلاث) مرّاتٍ.
(ويختصّ تشهّد آخر الصلاة) سواء لم يكن سواه كالثنائيّة أم كان ثانياً كغيرها (بعد قوله : نِعْمَ الرسول بقوله: التحياتُ لله، الصلواتُ الطاهراتُ الطيّبات الزاكيات
ص: 224
الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله، ما طابَ وطَهُرَ وزكى وخَلُصَ وَصَفا فلله، ثم يكرّر التشهّد)، فيقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُهُ ورسولُهُ (إلى) قوله : (نِعْمَ الرسولُ) ثم يقول: (وأشهد أنّ الساعةَ آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وَما كُنا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله الحمدُ لله رَبِّ العالَمِينَ، اللهُمَّ صَلّ على محمد وآل محمد وبارِكْ على محمّد و آل محمد وسلّم على محمّد و آل محمد، وترحم على محمد و آل محمد كما صلَّيْتَ وباركت وترحّمْتَ على إبراهيمَ وآل إبراهيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
روى ذلك كله أبو بصير، عن الصادق علیه السّلام وزاد بعد ذلك: «اللهم صلّ على محمّد وآلِ محمد، واغْفِرْ لنا ولإخواننا الَّذِينَ سَبَقُونا بالإيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وامْنُنْ عليّ بالجنّة وعافني من النار، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد، واغْفِرْ للمؤمِنِينَ والمؤمناتِ، وَلِمَنْ دَخلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وللمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً» (1).
وفي التهذيب (2) بخطّ الشيخ (رحمه الله) في كلّ واحدة من الصلاة والسلام والترحّم أعاد العطف ب_«عَلَى» وزادها رابعاً في قوله: «كما صلّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم»، وخامساً: فيما ذكرناه من قوله بعد ذلك: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد.
وفي الذكرى (3) ذكرَ الدعاءَ بأسْرِهِ وأسقَطَها من الجميع كما هنا، والكلُّ جائِزٌ.
والتحيّاتُ جمع تحيّة ما يُحَيّا به من سلام وغيره، والقصد الثناء على الله تعالى؛ فإنّه مالك لجميع التحيّات من الخَلْق.
ص: 225
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله : ما معنى قول الرجل: التحيات لله؟ قال: «المُلكُ لِلّه» (1).
وما ذَكَرَهُ المصنِّفُ من اختصاص التحيات بالتشهد الأخير موضعُ وفاقٍ بين الأصحاب، فلا تحيّات في التشهد الأوّل إجماعاً (2)، فلو أتى فيه بها لغير تقيّةٍ معتقداً الشرعيّتها مستحبّاً أَثِمَ، واحتمل البطلان.
ولو لم يعتقد استحبابها فلا إثْمَ من حيثُ الاعتقاد، وتوقّف المصنّف في الذكرى (3) في بطلان الصلاة حينئذٍ. وعدم البطلان مُتَّجِهُ؛ لأنّها ثناءٌ على الله تعالى.
(وروي مُرسَلاً عن الصادق علیه السّلام جواز التسليم على الأنبياء ونبيّنا (صلّى الله عليه وعليهم) في التشهّد الأوّل (4). ولم يثبت) ذلك من حيث إرسال خبره وعدم القائل به من الأصحاب.
وربما قيل بوجوبه (1)؛ ليحصل التحلّل به منها كما يجب ذلك على الحاج والمعتمر بجميع محلّلاتهما.
وعلى القولين، فهي بسيطة لا يعتبر فيها سوى قصد الخروج من الصلاة به، أو ما أدّى معناه، ولا يعتبر فيها تعيين الصلاة بمميزاتها السابقة في النيّة.
وفي اعتبار نيّة الوجوب والقربة أو القربة خاصّةً معه نظر.
و وقته قبل التسليم مقارناً له، ولا يجوز التلفّظ به على القول بوجوب التسليم فیبطل به.
ولو قلنا بندبيّته كان التلفّظ به كفعل المنافي.
(واستحضار اسم الله تعالى) عند قوله: السلام؛ لأنّه اسم من أسمائه.
(و) استحضار (السلامة من الآفات)؛ لأنّ وَضْعَ الاسم الخاصّ في ذلك المحلّ بشارةٌ بها من الله تعالى. روي عن الصادق علیه السّلام: أنّ معنى السلام في دبر كلّ صلاة: الأمان، أي مَن أدّى أمرَ الله وسنَّةَ نبيهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم خاضعاً له، خاشعاً منه، فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة من عذاب الآخرة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودَعَهُ خَلَقَهُ ليستعملوا معناه» (2). الحديث.
(والقصد به) عند قوله: «السلام عليكم» بصيغة الخطاب (إلى الأنبياء والأئمّة والملائكة وجميع مسلمي الإنس والجنّ) بأنْ يُحضِرَهُم بباله، ويُخاطِبَهُم به وإلّا كان تسليمه بصيغة الخطاب من غير قصد كاللغو من الكلام.
(و) يقصد (الإمام) بسلامه مع مَنْ ذكر (المؤتمّ، وبالعكس) أي يقصد المأموم بتسليمه مقصد الإمام لغير المأموم والإمام (على طريق الردّ) عليه حيث قد حيّاه بسلامه، وإنّما كان رَدُّهُ هنا مستحبّاً؛ لأنّ سلام الإمام ليس تحيّةً محضةً، (وقصد
ص: 227
الإمام) زيادة على ماذكر (أنّه مترجم عن الله تعالى بالأمان لهم من العذاب)، كما نبّه عليه في الخبر (1).
(والتسليمة الثانية) للمصلّي إماماً كان أم غيره؛ لرواية عليّ بن جعفر أنّه رأى إخوته ومنهم موسى علیه السّلام يسلّمون على الجانِبَينِ: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله (2).
والمشهور بين الأصحاب أنّ الإمام والمنفرد يسلّمان مرّة واحدة (3)، وأمّا المأموم، فَعَلى ما سيأتي، ولكن المصنّف (رحمه الله) جرى في ذلك على عادته في الرسالة من إثبات السُنن بما ورد في الخبر وإنْ شدّ.
(والإيماء) بالتسليم (إلى القبلة)، هذا الحكم لم نَقِف على مأخَذِهِ، وقد أنْكَرَهُ المصنّف في الذكرى، وادّعى الإجماع على عدمه، فقال: لا إيماءَ إلى القبلة بشيء من صِيغَتَيِ التسليم المُخْرِجِ من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعاً (4)، ثمّ ذكر الإيماء إلى اليمين على ما سيأتي.
(ويختصّ الإمام) بالإيماء (بصفحة وجهه عن يمينه، وكذا المأموم إن لم يكن على يساره أحد أو حائط وإلّا فَ_) الأفضل أنْ يُسلَّمَ (أُخرى إلى يساره).
أمّا اعتبار التسليمة والتسليمتين للمأموم إذا كان على يساره أحد، فمرويّ (5)، وأمّا الإيماء بصفحة الوجه، فذكره الشيخ (6) وتبعه الجماعة (7)، وأمّا الاكتفاء بالحائط،
ص: 228
فذكره ابن بابويه 1، ولا دليل ظاهراً عليه.
(والمنفرد) يومئ (بمؤخّر عينه يميناً)، والكلام فيه كما مرّ، (وروي أنّ المأموم يقدّم تسليمه للردّ على الإمام ويقصده ومَلَكَيْه ثمّ يسلّم) تسليمتين (أُخريين) عن جانبيه (1). واختاره الصدوق ابن بابویه (2) (وليس بمشهور).
(و تقديم السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، السلام على أنبياءِ اللهِ ورُسُلِهِ السلامُ على جبرئيلَ وميكائيلَ والملائكةِ المقرّبينَ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين لا نَبِيَّ بعده) رواه أبو بصير عن الصادق علیه السّلام خاتمة التشهّد السابق، وزاد فيه بعد ذلك: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» (3). ولم يذكره المصنّف (رحمه الله) هنا؛ هرباً ممّا ورد في الأخبار أنّه يقطع الصلاة (4)، فلا يكون من التسليم المستحبّ، مع أنّ المصنّف في غير الرسالة (5)اختار ذكره معه استحباباً، وحَكَمَ بعدم قَطعِه للصلاة. وفيه بحث لا يقتضيه المقام.
فهذه جملةُ السُنَن حسب ما اقتضاه الحال.
(ومجموع هذه الأعداد على سبيل التقريب) دون التحقيق؛ إذ يحتمل اشتمال الأفعال المذكورة على زيادة عليها كالتشهّد والتسليم؛ فإنّه لم يذكر فيهما استحباب الجهر بهما للإمام والإسرار للمأموم وتخيّر المنفرد، كما ذكره في غيرهما من الأذكار مع مشاركتهما لها في الحكم وغير ذلك، لكن ما ذكر يحصل به الغرض من العدد الموافق للخبرين تقريباً، فإنْ أُريد حصره (ففي الركعة الأولى مائة وثمانون). كذا بخَطّ المصنّفِ (رحمه الله).
.. المقنع، ص 96: الفقيه، ج 1، ص 318 - 320، ذيل الحديث 944.
ص: 229
والمُحَصَّلُ منها إنّما هو مائة وتسع وسبعون، وهو الموافِقُ لِما سيأتي في بقيّة الركعات وجملة الصلوات، وكأنّه أرادَ بالتقرِيبَ أيضاً.
توضيحُ ذلك: أنّ في التوجّه إحدى وعشرين سنّةً، وفي النّية خمساً، وفي النية خمساً، وفي التحريمة تسعاً، وفي القيام أربعاً وعشرين، وفي القراءة خمسين، وفي الركوع ثلاثين، وفي السجود خمسين. وجملة ذلك مائة وتسع وثمانون ينقص منها عشر؛ (السقوطِ وظائف القنوتِ العَشر) من جملة أعداد القيام، يبقى منه أربع عشرة، فالمجتمع ما ذَكَرناهُ.
(وفي) الركعة (الثانية مائة وأربع وخمسون؛ لسقوط) سنن (التوجّه والتكبير والنيّة عدا إحضار القلب)، وذلك أربع وثلاثون، (وسقوط التعوّذ) وهو سنّة واحدة، فالساقط خمس وثلاثون. (وإضافة) سنن (القنوت) العشر يصيّر الناقص خمساً وعشرين من جملة أعداد الركعة الأُولى وهي مائة وتسع وسبعون. يبقى ما ذكر، (وفي كلٍّ من الثالثة والرابعة مائة وخمس وثلاثون؛ لسقوط القنوت) منهما، وسننه عشر.
(وخصائص السورة) وهي تسع:
أ) مُطَوَّلاتُ المُفَصَّل في الصبح.
ب) مُتَوسِّطاته في الظهر والعشاء.
ج) قِصارُهُ في العصر والمغرب.
د) الجمعة والأعلى في عِشاءَيْها .
ه_) الجمعة والتوحيد في صُبحِها.
و) الجمعة والمنافقين فيها وفي ظهريها.
ز) العدول عن غيرهما إليهما ما لم ينتصف.
ح) الإنسان والغاشية في صبح الاثنين والخميس.
ط) استحبابُ التغايُرِ في السورة.
فهذه تسع، فإذا سقط تسع عشرة من مائة وأربع وخمسين يبقى مائة وخمس
ص: 230
وثلاثون كما ذكر، (ففي الصبح ثلاثمائة وخمس وخمسون بضمّ) سنن (التشهّد)، وهي اثنتا عشرة (و)سنن (التسليم) وهي تسع (مع التحيّات) وهي واحدة، وجملتها اثنتان وعشرون إلى ما اجتمع في الركعتين الأُوليين، وهو ثلاثمائة وثلاث وثلاثون يبلغ ما ذكره.
(وفي المغرب خمس مائة واثنتان) بإضافة سنن الركعة الثالثة - وهي مائة وخمس وثلاثون - وسنن التشهّد الأوّل - وهي اثنتا عشرة - إلى ما اجتمع في الصبح يبلغ ما ذكر، (وفي كلّ رباعيّة) من الرباعيّات الثلاث (ستّ مائة وسبع وثلاثون) بإضافة سُنَن الركعة الرابعة، وهي مائة وخمس وثلاثون إلى المجتمع في الثلاثيّة يبلغ ما ذكر، (ففي) الصلوات (الخمس ألفان وسبع مائة وثمان وستون سُنّة) منها في الرباعيات الثلاث ألف وتسع مائة وإحدى عشرة ، وفي الصبح والمغرب ثمانمائة وسبع وخمسون. وجملة ذلك ما ذكر، وهو ألفان وسبع مائة وثمان وستون سُنّة.
ص: 231
ص: 232
(وهي اثنتان و خمسون:)
(مُقارَبَةُ القَدَمين) في حال القيام زيادة على ما ذكر) وهو قدر ثلاث أصابع مُفَرَّجاتٍ إلى شبر. (والدخول في الصلاة متكاسلاً)؛ لأنَّ الله تعالى قد ذمّ ذلك، فقال: «وَإِذا قامُوا إِلى الصَّلوة قامُوا كُسَالى» (1) (أو ناعساً أو مشغول الفكر) بشيء من أمر الدنيا، بل الآخرة. وبالجملة كلّ ما ينافي الإقبال عليها بالقلب.
(أو مشدود اليدين اختياراً، وإحضار غير المعبود بالبال)، روى أبو بصير عن الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنّك بين يدي الله فإنْ كنتَ لا تراه فاعلم أنّه يَراكَ، فأقبل على صلاتك، ولا تَمتَخِطْ، ولا تبصق، ولا تنقض أصابعك، ولا تورك، فإنّ قوماً عُذَّبُوا بتنقيض الأصابع والتورّك في الصلاة» (2).
(والتثاؤب والتمطّى)؛ لقول الصادق علیه السّلام فيهما: «إنّهما من الشيطان» (3).
(والعبث باللحية والرأس والبدن)؛ لفحوى رواية أبي بصير السالفة.
(والتنخّم والبُصاق) - بضمّ الباء - (وخصوصاً إلى القبلة واليمين وبين يديه، أمّا تحت القدمين أو اليسار، فلا)؛ لرواية طلحة بن زيد عن الصادق، عن أبيه علیهما السّلام قال:
ص: 233
«لا يَبزقَنّ أحَدُكم في الصلاة قِبَل وجهه ولا عن يمينه، وليبزقنّ عن يساره وتحت قدمه اليسرى» (1).
والأولى أخذ النخامة في ثوب تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (2).
(والامتخاط والجِشاء) بكسر الجيم والمدّ.
(والتَنَحْنُح) على وجه لا يَسْتَبِين معه حرفان، وإلّا فالمشهور (3) التحريم والإبطال.
(وفرقعة الأصابع) وقد تقدّم (4) في الخبر السالف أكثر ذلك صريحاً والباقي فحوىً.
والمراد من تنقيض الأصابع فيه فَرقَعَتُها فيسمع لها صوت.
قال الجوهري: إنقاض العِلك تصويته وهو مكروه (5).
ونقل في الغريبين عن الأزهري في قوله تعالى «أنْقَضَ ظَهْرَكَ» (6): أي أثقله حتّى سمع نقيضه، أي صوته (7).
وروي أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم سمع فرقعةَ رجلٍ خلفَه في الصلاة، فلمّا انصرف قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أما إنّه حَظّه من صلاته» (8).
(والتأوّه بحرف والأنين به) اختياراً؛ لقربه إلى الكلام. وعن عليّ علیه السّلام: «مَنْ أَنَّ في صلاته فقد تكلّم» (9).
وأصل التأوّه قول «أوه» عند الشكاية والتوجّع. والمراد هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان.
ص: 234
والأنين مثله على ما ذكره أهل اللغة (1) وقد يُخَصُّ الأنين بالمريض.
(ومدافعة الأخبثين) البول والغائط (والريح) ؛ لاستلزامه سلب الخشوع؛ ولقول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين» (2)، وعن الصادق علیه السّلام: «لا صلاة لحاقِنٍ ولا حاقنةٍ، وهو بمنزلة مَنْ هو في ثوبه» (3).
ومثله مدافعة النوم، وقد ورد أَنَّه المراد بالسكر في قوله تعالى: «لا تَقْرَبُوا الصَّلوةَ وأَنْتُمْ سُكارى» (4)، وإنّما يُكره إذا عَرَضَت المُدافَعةُ قبل الصلاة والوقت متّسع، أمّا لو عرضت في أثناء الصلاة لم يُكره الإتمام؛ لعدم الاختيار، وتحريم القطع.
نعم، لو عجز عن المدافعة أو خشى ضرراً جاز، وكذا مع ضيق الوقت.
(ورفع البصر إلى السماء)؛ للنهي عنه (وتحديد النظر إلى شيء بعينه) وإن كان بين يديه، بل ينظرُ نظر خاشعٍ.
(والتقدّم والتأخّر إلا لضرورة)، فيفعل ما لا يكبر منه.
(ومسح التراب عن الجبهة إلّا بعد الصلاة، فإنّه سنّة)؛ لرواية الحلبي عن الصادق علیه السّلام أنّ أبا جعفر علیه السّلام كان يمسح جبهته إذا ألصق بها التراب، وقد تقدّم (5).
(وتفريج الأصابع في غير الركوع) روي ذلك في جملة أخبار (6) دلّت على الضمّ في الحالات غيره.
(ولُبس الخُفّ الضَيِّقِ)؛ لمنافاته الخشوع.
(وحلّ الأزرار لفاقد الإزار)؛ لقول علىّ علیه السّلام: «لا يصلّ الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار (7).
ص: 235
(و الإیماء) بالرأس و نحوه.
(والتصفيق وضرب الحائط )؛ لمنافاة جميع ذلك الإقبال (إلّا لضرورة) فلا يكره؛ لرواية الحلبي عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة؟ فقال: «يومئُ برأسه ويُشِيرُ بيده والمرأة إذا أرادَت الحاجة وهي تصلّي تصفق بيدها» (1).
وروي أنّ أبا عبد الله علیه السّلام كان يصلّي فمرّ به رجل وهو بين السجدتين، فرماه علیه السّلام بحصاة، فأقبل إليه الرجل (2).
وروى أحمد بن مد بن أبي نصر عن أبي الوليد قال: كنتُ جالساً عند أبي عبد الله علیه السّلام فسأله ناجية، فقال له: جعلني الله فداك، إنّ لي رَحيَّ أطحن فيها، فربّما قمتُ في ساعةٍ من الليل فأعرف من الرحى أنّ الغلام نام فأضرب الحائط لأوقظه؟ فقال: «نعم، أنت في طاعة الله عزّ وجلّ تطلب رزقه» (3).
(والتبسّم) وهو الضحك الذي لا يشتمل على الصوت.
(والاستناد إلى ما لا يُعتمد عليه) من حائط ونحوه، ويتحقّق عدم الاعتماد بأن لا يَسقطَ المصلّى لو قُدِّرَ سقوط السناد. (ويستحب استحضار أنّها صلاة الوداع)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إذا صَلَّيْتَ فَصَلَّ صلاةَ مُوَدِّع» (4).
(و تفريغ القلب من الدنيا وترك حديث النفس)، وقد تقدّم في صدر الرسالة ما روي من «أنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها، فلا يرفع له من صلاته إلّا ما أقبل عليه منها بقلبه» (5).
ص: 236
(والملاحظة لملكوت الله تعالى عند ذكره)؛ ليقع في القلب تعظيمه، والخشية منه، والإقبال عليه.
(وذكر رسوله) صلّی الله علیه و آله و سلّم (كلّما ذكر) أى الله تعالى؛ لأنّ الله تعالى أكرمه صلّی الله علیه و آله و سلّم بأن لا يذكر إلّا ويذكر معه كما ورد في الخبر (1)، (والصلاة عليه) صلّی الله علیه و آله و سلّم (عند ذكره) من المصلّي عليه ومن غيره إذا سمعه؛ للأخبار الدالّة عليه (2)، بل قيل بوجوبه (3).
(و) الصلاة (على آله صلّى الله عليه وعليهم) كلّما صُلِّي عليه؛ للأخبار المتظافرة من طرقنا وطرق العامة بالأمر به (4)، ووصف الصلاة عليه من دونهم بالبتراء وفاعله بالجفاء.
(وإسماع نفسه جميع الأذكار المندوبة ولو تقديراً) مع حصول مانع من السمع الأُذنين أو من خارج.
(والتباكي) وهو تكلّف البكاء والتكيّف بصورته لِمَنْ لم يقدر عليه، قال الصادق علیه السّلام لعنبسة العابد: «إن لم يكن بك بكاءٌ فتَباكَ» (5).
وقال سعيد بن يسار له علیه السّلام : إنّي أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء؟ فقال: «نعم، ولو مثل رأس الذباب» (6). (وحمد الله عند العطاس) منه أو من غيره، روى الحلبي عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «إذا عطس الرجل وهو في الصلاة فليقل: الحمد لله» (7).
ص: 237
وروى أبو بصير قال: قلت له: أسمع العطسة فأحمد الله، وأُصلّي على النبي صلى الله عليه و آله و سلّم وأنا الصلاة؟ قال: نعم، وإن كان بينك وبين صاحبك اليَمّ» (1).
(والتسميت) - بالسين المهملة والمعجمة - للعاطس بأن يقول له: يرحمك الله.
قال ثعلب: «الاختيار بالسين؛ لأنّه مأخوذٌ من السَمْت وهو القصد والمحجّة». وقال أبو عبيد: «السين أعلى في كلامهم وأكثر» (2).
(وإبراز اليدين) وقد تقدّم (3) مِراراً .
(ويجوز قتل الحيّة والعقرب)؛ لرواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن الرجل يرى الحيّة والعقرب وهو يصلّي المكتوبة؟ قال: «يقتلها» (4).
(ودفع القملة والبرغوث)؛ لرواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن رجلٍ يقوم في الصلاة فيرى القملة؟ قال: «فليدفنها في الحصى؛ فإنّ عليّاً علیه السّلام كان يقول : إذا رأيتها فادفنها في البطحاء» 5.
(وإرضاع الطفل) رواه عمّار عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: لا بأس أن تحملَ المرأة صبيَّها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تتشهّد» (5).
(ما لم يكثر ذلك) قيد لجواز جميع ما سبق، فمع استلزام شيء منه فعلاً كثيراً يحرم. وكذا غيره من المنافيات كالاستدبار.
(وردّ السلام بالمثل) بأن يقول في الردّ : سلام عليكم، أو سلام عليك إذا سُلِّمَ عليه كذلك.
ص: 238
ولو سُلِّم عليه بغير الصيغتين لم يَجُز الردّ بمثله، بل تكون تحيّة مطلقاً، وسيأتي (1) حكمها.
وروى محمّد بن مسلم في الصحيح قال: دخلت على أبي جعفر علیه السّلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك، فقال: «السلام عليك» قلت: كيف أصبحت؟ فسكت فلمّا انصرف قلت أيردُّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال: «نعم، مثل ما قيل له» (2).
وعن أبي عبد الله علیه السّلام : «يردّ، يقول: سلام عليكم ولا يقول: وعليكم السلام» (3).
ولمّا استشعر المصنّف (رحمه الله) على ذكره ردّ السلام في الرسالة سؤالاً بأنّ الردّ واجب وهو خارج عن موضوع الرسالة، أجاب عنه بقوله (ووجوبه خارج عن أفعال الصلاة) بمعنى أنّ الرسالة معقودة لبيان سنن الصلاة، ولا يذكر فيها واجباتها، والواجب من التسليم ليس من أفعال الصلاة، بل هو أمر خارج عنها جاء من قِبَلِ قوله تعالى: «وَإِذا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوها» (4)، ولا ارتباط له بالصلاة وإن اتّفق مجامعته لها، فليس في ذكره خروج عن المقصود منها.
ولكن يبقى فيه أيضاً أنّ الجواز ليس من مبحث الرسالة، وقد استطرده كثيراً، وكأنّه يذكره على وجه التبعيّة و الاستطراد؛ تتميماً لأحكام الصلاة في الرسالتين حسبما تقتضيه المناسبة.
والمراد بالجواز فى هذه المذكورات معناه الأعمّ، فإنّه في قتل الحيّة وما بعده بمعنى الإباحة، وفي ردّ التحيّة بمعنى الوجوب.
(وردّ التحية مطلقاً) أي كلّ ما أُطلق عليه تحيّة عرفاً كتحيّة الصباح والمساء؛ عملاً بظاهر الآية (5)، لكن إنّما يجوز الردّ (بقصد الدعاء)؛ لجوازه في الصلاة لنفسه وغيره.
ص: 239
وكذا يجوز بلفظ السلام المعهود؛ للإذن فيه شرعاً، ولأنه لفظ القرآن.
(والإشارة بإصبعه عند ردّ السلام) عطف على إبراز اليدين سابقاً؛ فإنّه من جملة السنن، وكذا ما بعده.
والمستند ما روي (1) أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان إذا سلّم عليه أشار بیده.
وحُمِلَ على جواز الجمع بينهما مع إخفاء اللفظ؛ لتكون الإشارة مُؤْذِنَةً به.
وقد روى منصور بن حازم عن الصادق علیه السّلام : «إذا سلَّمَ عليك رجلٌ وأنت تصلّي فَرُدَّ عليه ردّاً خفياً» (2).
(وتخفيف الصلاة لكثير السهو)؛ لرواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن السهو فإنّه يكثر عليّ؟ فقال: «أدرج صلاتك إدراجاً» قلت: وأيّ شيء الإدراج؟ قال: «ثلاث تسبیحات في الركوع والسجود» (3).
(وليطعن) أي كثير السهو (فخذه اليسرى بمُسَبِّحة اليمنى عند الشروع في الصلاة قائلاً: بسم الله وبالله توكَّلْتُ على الله، أَعوذُ بالله السميع العليم مِنَ الشيطان الرجيم) رواه الصدوق بإسناده إلى إسماعيل بن مسلم عن الصادق علیه السّلام: «أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم علّمه الرجل شكا إليه كثرة الوسوسة حتّى لا يعقل ما صلّى»، ثمّ قال في آخره: «فإنك ترجمه و تطرده عنك» (4).
(وإعادة الوتر لو أعاد الركعتين المنسيّة من الليليّة) ليكون الوتر خاتمة صلاته، (ونيّة حذف الزائد سهواً، ويجوز القراءة من المصحف).
الظاهر أنّ الكلام في النافلة؛ لمنعه في سائر كتبه (5) من القراءة منه في الفريضة، ولكنّ
ص: 240
مذهب المحقّق (1) والعلّامة جوازها منه مطلقاً (2)، ويبعدُ أنْ يكونَ مختاره هنا من غير إشارة إلى خلاف.
ومستند الجواز رواية الحسن الصيقل عن الصادق علیه السّلام في المصلّي يقرأ في المصحف يضع السِراج قريباً منه؟ قال: «لا بأس» (3).
وحُمِل إطلاقه مع تسليم سنده على النافلة أو الضرورة.
(وجعل خرز) أو ما أشبهه (في فيه غير شاغل) عن واجب القراءة والأذكار الواجبة.
(وعدّ الركعات بالحصى أو بأصابع)؛ لرواية حبيب الخثعمي قال: شكوتُ إلى أبي عبد الله علیه السّلام كَثرةَ السهو في الصلاة فقال: «اخصِ صلاتك بالحصى» أو قال: «احْفَظها بالحَصى» (4).
(فيكمل) العدد بجملة المنافيات الاثنين والخمسين (ألفين وثمانمائة وعشرين) بإضافتها الى ما سبق وهو ألفان مائة وثمان وستّون، (ويضاف إليها ما وقع في أبواب المقارنات ممّا لا يتكرر دائماً، وذلك ثمان وخمسون) في التوجه منها ست: تَدارُكُ الرفع ما لم يفرغ الذكر ، وجواز الولاء والاقتصار على خمس أو ثلاث، وإسرار
الإمام والمؤتمّ.
وفي النيّة واحدة نيّة الجماعة.
وفي التحريمة اثنتان: جهر الإمام بها، وإسرار المأموم.
وفي القنوت أربع عشرة: أوّلها الاستغفار في قنوت الوتر، وآخرها التورّك في التّشهد.
ص: 241
وفي القراءة عشرون: إسماع الإمام، وتوسّط المنفرد، وقراءة الإمام، وناسي الحمد في الأُوليين في الأخيرتين، وضمّ السورة في النفل، والجهر في الليليّة، والسرّ في غيرها، والجهر بالبسملة في السرّيّة، وإسرار النساء في الجهريّة، والتخفيف لخوف الضيق، والاقتصار للإمام، وقراءة الجحد في الأولى من فرض الغداة مُصْبِحاً، وفي الثانية التوحيد وإبقاء المؤتمّ آية ليركع بها، وعدول المرتج عليه إلى الإخلاص، وقول ما ذكر من الأذكار في السور الخمس.
وفي الركوع سبع: إسماع الإمام مَنْ خلفه الذِكْرَ، وإسرار المأموم، والجهر للإمام بالتسميع وما معه، والإسرار للمأموم، وتخيّر المنفرد، وتَكرار التحميد للعاطس، وجواز قصده بالواحد الوظيفتين؛ فإنّ الجواز هنا يرجع إلى الاستحباب بتأديتهما.
وفي السجود اثنتان: الطهارة في سجود التلاوة، والذكر.
وفي التسليم ستّ: قَصدُ الإمام المؤتمّ، وبالعكس، وقصد الإمام أنّه مُتَرجِمٌ عن الله سبحانه، وإيماؤه بصفحة ، وجهه، وكذا المأموم، وتسليمة أُخرى على يساره إن كان عليه أحد.
وجملة ذلك ثمان وخمسون لا يتكرّر في كلّ صلاة، بل بحسب ما يتّفق من الأسباب المذكورة.
(و) يضاف إليها (المقارن من سنن الجمعة) وهو ستّ، (و) من سنن (العيد) وهو سبع (و) من سنن (الكسوف) وغيره من الآيات، وهو أربع عشرة، (و) من (سنن الطواف) وهو ستّ، (و) من سنن (الجنازة) وهو عشرون (و) من (سنن الملتزم) وهو خمس عشرة، (و) وظائف (الجماعة) بأسرها وهي مائة وخمس، (وهو) أي المجتمع من ذلك (مائة وثلاث وسبعون يصير الجميع ثلاثة آلاف وإحدى وخمسين سُنّة). وذلك واضح (يضاف إلى المقارنات الواجبة) المذكورة في الرسالة الألفيّة (1):
ص: 242
(فعلاً) وهي المذكورة في فصل المقارنات الواجبة؛ (وتركاً) وهي المذكورة في فصل المنافيات، (وهي تسع مائة وتسع وأربعون؛ إذ ينقص من الألف والتسع) التي حصرها في آخر فصل المنافيات جملة فروض (المقدّمات وهي ستّون)، كما أشار إليها ثُمّ بقوله: «فهذه ستّون فرضاً».
(وذلك) المجتمع من الوظائف الواجبة والمندوبة المقارنة (تقريباً) بالنظر إلى ما اختار ذكره، وتحقيقاً في العدد نفسه (أربعة آلاف كاملة متعلّقة بالصلاة التامّة ولله الحمد).
لكن في الحصر أنّه ذكر هنا مقارنات الصلوات الواجبة كلّها المندوبة، ولم يذكر من العدد الواجبة سوى مقارنات اليوميّة، ولقد كان ذكر الواجب أَوْلى إلّا أنّه لمّا تمّ معه العدد من المندوب دون الواجب اقتصر عليه؛ رعايةً لمناسبة المقصود منه.
ص: 243
ص: 244
(ففيها بحثان:)
والمراد به الاشتغال عقيب الصلوات بدعاءٍ أو ذكرٍ أو ما أشبهه.
(وهو مؤكّد الندبيّة)، محثوث عليه في الكتاب والسنّة ورد في تفسير قوله تعالى: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» (1) «أي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانْصَبْ إلى ربّك في الدعاء وازغَبْ إليه في المسألة يُعْطِكَ» (2).
روي ذلك عن الصادِقَين علیهما السّلام، وعن جماعة من المفسّرين (3).
وروي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «مَن عَقَّبَ في صلاته فهو في صلاة» (4).
وعن أبي عبد الله علیه السّلام: «ما عالج الناس شيئاً أشدّ من التعقيب» (5).
وعنه علیه السّلام: «التعقيب أبلغُ في طلب الرزق من الضَرْبِ في البلاد» (6).
ص: 245
وروى زرارة قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام يقول: «الدعاءُ بعد الفريضة أفضلُ من الصلاة تَنقُّلاً» (1).
(وخصوصاً عقيب الغداة والعصر والمغرب). روى جابر عن الباقر علیه السّلام قال: «قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: قال الله عزّ وجلّ : يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعةً، واذكرني بعد العصر ساعةً أُكْفِكَ ما أهمَّكَ» (2).
(ووظائفه عشر: الإقبال عليه بالقلب)، قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إنّ الله لا يستجيب دعاء من قلبُهُ لاهٍ» (3).
وعن سليمان بن عمرو قال: سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: «إنّ اللهَ عزّ وجلّ لا يستجيبُ دعاءً بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوتَ فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة» (4).
وقال علیه السّلام : «إذا دَعَوْتَ فأَقْبِلْ بقلبك وظُنَّ حاجَتَكَ بالباب» (5).
و قال علیه السّلام : «سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم عن اسم الله الأعظم فقال: كلّ اسم من أسماء الله تعالى أعظم، ففرِّغ قلبك عن كلّ ما سواه، وادعُه بأيّ اسم شئت» (6).
(والبقاء على هيئة التشهّد وعدم الكلام) قبله وخلاله، (والحدث) هذه وظائف كماله، وإلّا فإنّه يتحقّق بدونها، (بل) قد روی هشام بن سالم عن الصادق علیه السّلام : «إنّ الباقي على طهارته مُعقِّبٌ وإن انصرف)» (7).
(وعدم الاستدبار و) عدم (مزايلة المصلّى) أي مفارقته (وكلّ منافٍ في صحّة
ص: 246
الصلاة أوكمالها) هذا كلّه من وظائف الكمال.
(وملازمة المصلّى في الصبح إلى الطلوع). روي عن الصادق علیه السّلام عن أبيه، عن الحسن بن عليّ علیهم السّلام قال: «مَنْ صلّى فجلس في مصلّاه إلى طلوع الشمس كان له ستراً من النار» (1).
وعنه علیه السّلام قال: «سمِعتُ أبي عليّ بن أبي طالب علیه السّلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم: أيّما امرئ مسلم جلس في مصلّاه الذي صلّى فيه الفجر فذكر الله حتّى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاجّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإن جلس فيه حتّى تكون ساعة تحلّ فيه الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعاً غفر الله له ما سلف، وكان له من الأجر كحاجّ بيت الله» (2).
(وفي الظهر والمغرب حتّى تحضر الثانية). قال الصادق علیه السّلام: «من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى أُخرى، فهو ضيفُ الله، وحَقٌّ على الله أنْ يُكرمَ ضيفَه» (3).
(وهو غير منحصر) ؛ لكَثرةِ مارُوي منه عن أهل البيت علیهم السّلام. وقد اشتمل المصباح الكبير وتتمّاته للسيّد السعيد رضيّ الدين بن طاوس على شيء كثير منه لا يكاد يَسَعُه الوقت.
(ومن أهمّه أربعون: التكبير ثلاثاً عقيب التسليم رافعاً) يديه (كما مرّ) (4) واضعاً لهما في كلّ مرّة على فَخِذَيه أو قريباً منهما.
وقال المفيد (رحمه الله): يرفعهما حيال وجهه مستقبلاً بظاهرهما وجهه وبباطنهما القبلة ثمّ يخفض يديه إلى نحو فخذيه (5)، وهكذا ثلاثاً.
(وقول: لا إله إلّا الله إلها واحداً ونحنُ له مسلمون، لا إله إلّا الله ونحن له
ص: 247
مخلصون، لا إله إلّا الله لا نعبدُ إلّا إيَّاه مخلصين له الدين ولو كَرِهَ المشركون، لا إله إلا الله ربُّنا وربُّ آبائنا الأولِينَ، لا إله إلّا الله وَحْدَهُ وحده، صَدقَ وَعْدَه، وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحزاب وحدَه، فَلَهُ المُلكُ وله الحمدُ يُحيِي ويميتُ
ويُمِيتُ ويحيي وهو حَيٌّ لا يَموتُ بيدِهِ الخَيرُ وهو على كلّ شيء قدير.
اللهمّ اهدِني من عِندِكَ، وأَفِضْ عَلَيَّ مِن فَضلِكَ، وانشرْ عَلَيَّ مِن رحمتك، وأُنزِلْ علَيَّ مِن بركاتِكَ، سُبحانَكَ لا إله إلّا أنت، اغفر لي ذُنُوبي كلّها جميعاً، فإنّه لا يغفرُ الذنوبَ كُلَّها جَميعاً إلّا أنتَ.
اللهُمَّ إِنِّي أسألُكَ مِن كلّ خيرٍ أحاط به علمُكَ، وأعُوذُ بِكَ مِن كلِّ سُوء أَحاطَ به علمُكَ.
اللهُمَّ إِنِّي أسألُكَ عافيتَكَ فِي أُمُورِي كُلّها، وأعوذُ بكَ من خِزْيِ الدنيا وعذابِ الآخرة، وأعوذُ بوجهك الكريم وعِزَّتِكَ التي لا تُرامُ، وقدرتِكَ التي لا يمتنع منها شيء من شرّ الدنيا وعذابِ الآخرة، وشرّ الأوجاع كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، توكّلتُ على الحيّ الذي لا يموتُ، وقل: الحمد لله الذي لم يتَّخِذْ وَلَداً ولم يكنْ لَهُ شَرِيكَ فِي المُلكِ ولم يكن له وليُّ مِنَ الذُّلِّ وكَبِّرْهُ تكبِيراً.
ثمّ يسبّح تسبيح الزهراء علیهما السّلام قبل تَنْيِ الرِجْلَيْنِ).
روى ابن سنان عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه قال: «مَنْ سَبَّحَ تسبيح فاطمة الزهراء علیهما السّلام قبل أن يثنىَ رِجلَيْهِ من صلاة الفريضة غفر له، ويبدأ بالتكبير» (1).
وروى صالح بن عقبة عن الباقر علیه السّلام قال: «ما عُبِدَ الله بشيء من التحميد أفضلُ من تسبيح فاطمة علیهما السّلام، ولو كان شيء أفضلَ منه لنَحَلَه رسولُ الله صلى الله عليه و آله وسلّم فاطمةَ علیها السّلام» (2).
و روی أبو خالد القمّاط قال: سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: «تسبيح فاطمة علیها السّلام في
ص: 248
كلّ يوم دَبر كلّ صلاة أَحبُّ إليَّ مِنْ صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» (1).
(ثمّ ليقل) بعدها: (سبحان الله، والحمد لِله، ولا إله إلّا الله والله أكبر، أربعين مرّةً) كذا ذكره الشيخ في المصباح (2)، والمشهور رواية ثلاثين مرة (3).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام : «أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قال لأصحابه ذات يوم: أَرأَيْتُمْ لو جَمَعْتُمْ ما عندَكُمْ من الثياب والآنية ، ثمّ وضَعْتُم بعضه على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا: لا، يارسول الله، فقال: يقولُ أَحَدُكُم إذا فرغ من صلاته: سُبْحانَ اللهِ، والحَمْدُ لله، ولا إله إلّا الله واللهُ أَكْبَرُ، ثلاثين مرّةً، وهُنَّ يدفعن الهدم، والغرق، والحرق، والتردّي في البئر، وأكل السبع، وميتة السوء، والبلية التي نزلت على العبد في اليوم» (4).
(ويقرأ الحمدُ و) آية (الكرسي) ولا نصّ هنا على تحديدها، والإطلاق يقتضي أَنّ آخِرَها «العليُّ العَظِيمُ» وإن كانت في بعض الموارد محدّدة إلى «خالِدُونَ» (5) فهو مختصّ به.
(و) آية «(شَهِدَ اللهُ) أَنَّهُ لا إلهَ إِلَّا هُوَ - إلى - العَزِيزُ الحَكِيمُ» (6)، (وآية الملك) «قُلْ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ - إلى - تَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» (7)، (وآية السخرة) «إِنَّ رَبَّكُمْ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ - إلى - رَبِّ العَالَمِينَ» (8). والأفضل إتباع
ص: 249
الآيتين بها إلى قوله : «إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ منَ المُحْسِنِينَ» (1).
روى الكليني (رحمه الله) بإسناده إلى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «لمّا أمرَ الله عزَّ وجلّ هذه الآياتِ أن يهبطن إلى الأرض تعلقن بالعرش وقلن: أي رب إلى أين تُهبطنا؟ إلى أهل الخطايا والذنوب، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهنّ: أن اهبطن فَوَعِزّتي وجلالي لا يُتْلُوكُنَّ أَحَدٌ في دبر ما افترضت عليه إلا نظرتُ إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرةً، أقضي له مع كلّ نظرة سبعين حاجة، وقبلته على ما فيه من المعاصي وهي أم الكتاب وشَهدَ الله، وآية الكرسي، وآية الملك» (2).
(ثُمّ) يقرأ سورة (التوحيد) وهي نِسبةُ الربّ (3) تباركَ وتعالى (اثنتي عشرة مرّة ويبسط كَفَّيْه داعياً اللهمّ إنّي أسألك باسمك المكنونِ المخزون الطاهر الطُهرِ المبارَكِ، وأسألُك باسمك العظيم وسلطانك القديم يا واهب العطايا، ويا مُطلِقَ الأسارى، ويافكاك الرقاب من النار، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تَعْتِقَ رَقَبَتِي من النار، وأنْ تُخرجني من الدنيا سالماً، وتُدخلني الجنة آمناً، وتجعلَ دُعائي أوّله فلاحاً وأوسطه نجاحاً وآخره صلاحاً، إنك أنت علام الغيوب). رواه الصدوق في الفقيه، والشيخ في التهذيب مرسلاً عن أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه قال: «مَنْ أَحبَّ أنْ يخرج من الدنيا وقد تخلّص من الذنوب كما يتخلّص الذهب الذي لا كدر فيه ولا يطلبه أحدٌ بِمَظْلَمة، فليقل في دبر كل صلاةٍ نسبة الرب تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرّةً، ثمّ يبسط يديه ويقول» (4) وذكر الدعاء. إلا أنه ذكر الطهر قبل الطاهر.
وقال بعد قوله «وسلطانك القديم»: «أنْ تصلّيَ على محمّد وآل محمّد، يا واهبَ العطايا ويا مُطلِقَ الأسارى يا فالّ الرقاب» بغير كاف بعد الفاء... إلى آخر الدعاء، ثمّ
ص: 250
قال أمير المؤمنين علیه السّلام : «هذا من المَخبَيّات ممّا علَّمَنِي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم وأَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَهُ الحسن والحسين علیهما السّلام».
قال المصنّفُ (رحمه الله): المَخبيّات من خبِيَ لما لم يُسمَّ فاعله، ولولاه لكان المخبوّات وكلاهما صحيح (1).
(ثم سجدتا الشكر) وثوابهما عظيم، روى مرازم عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «سجد تا الشكر واجبة على كلّ مسلم، تتمّ بها صلاتك، وترضي بها ربَّك، وتعجب الملائكة منك، وإنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجدَ سجدةَ الشُكر فَتحَ الربُّ تبارك وتعالى الحِجاب بين العبد والملائكة فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وأَتمَّ عهدي ثمّ سجد لي شُكراً على ما أنعمتُ به عليه، ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربَّنا رحمَتُكَ، فيقولُ الربُّ تعالى: ثُمَّ ماذا له ؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهماته، فيقول الرب تعالى ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة، ثمّ يقول الله تعالى: وأُقبِلُ إليه بفضلي وأُرِيهِ وجهي». أورده في الفقيه والتهذيب (2).
(مُعفِّراً خَدَّيْه وجبينه) العفر - بالتحريك - وهو التراب (3)، وفيه إشارة إلى استحباب ذلك على التراب. والظاهر تأدّي السنّة بوضعها على ما يُسجد عليه وإن كان التراب أفضل.
وليقدّم في الوضع (الأيمن) منهما (ثمّ الأيسر، مفترشاً ذراعيه وصدره وبطنه، واضعاً جبهته مكانها حال الصلاة، قائلاً فيهما: الحمد لله شكراً شكراً ، مائة مرّة، و) يقول (في كلّ عاشرة: شكراً للمجيب) بمعنى أنّه يتبع العشر بقوله: للمجيب.
(ودونه) في الفضل (شكراً مائة) من غير إضافة المجيب في كلّ عاشرة، والحمد لله أوّلاً (أو عفواً مائة، وأقلّه شكراً ثلاثاً).
ص: 251
(وليقل فيهما) ما رواه الشيخ في أماليه (1): (اللهمّ إنّي أسألك بحقّ من رواه ورُوي عنه، صلّ على جماعتهم وافعل بي كذا).
(ولا تكبير لهما) للهُويّ إليهما، ولا للرفع منهما.
(وإذا رفع رأسه) من السجود (أمرٌ يَدَهُ اليمنى على جانب خَدِّهِ الأيسر إلى جبهته إلى خدّهِ الأيمن ثلاثاً) بعد أن يمسحَ يدَهُ على موضع سجوده في كلّ مرّة و(يقول في كلّ مرّة: بسمِ اللهِ الذي لا إله إلّا هُوَ، عالِم الغيبِ والشهادةِ ، الرحمن الرحيم، اللهمَّ إنّي أعوذُ بِكَ من الهَمِّ والحُزْنِ والسقم والعدم والصغار والذلّ والفواحش ما ظهر منها وما بطن) رواه محمّد بن مروان عن أبي عبد الله علیه السّلام (2) ولم يذكر مسح يده على موضع سجوده كما نقل المصنّف.
وروى الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الصادق علیه السّلام مثله، إلّا أنّه اقتصر من الدعاء بعد «الرحمن الرحيم» على قوله: «اللهم أذهب عَنِّي الهَمّ والحزن» ثلاثاً وقال: «إنّه يدفع الهمّ» (3) وذكر فيه مسح يده على موضع سجوده.
(ويمرّ يده على صدره في كلّ مرّة، وإن كان به علَّة مَسَحَ مَوضعَ سجودِهِ وأَمرَّ يده على العلّة) سبع مرّات (قائلاً: يا من كَبَسَ الأرض على الماء، وسَدَّ الهواء بالسماء، واختارَ لنفسه أحسنَ الأسماء، صلّ على محمّد و آل محمّد، وافعل بي كذا وكذا، وارزقني وعافني من شرّ كذا وكذا) روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (4).
(وسؤال الله من فضله ساجداً وفي سَجْدَتَيْ) صلاة (الصبح آكد، ورفع اليدين فوق الرأس عند إرادة الانصراف، ثمّ ينصرف عن اليمين) رواه سماعة عن الصادق علیه السّلام (5).
ص: 252
(ويختصّ الصبح والمغرب بعشر مرّات: لا إله إلّا الله وحدَهُ لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويميت ويُميت ويُحيي، وهو حي لا يموتُ بيده الخير، وهوَ على كلّ شيء قدير، قبل أنْ يُثنى رجلَيه).
روى الكليني بإسناده إلى النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ «مَنْ قال ذلك عَقِيبَ الصبحِ والمغرب قبل أن يُثني وركيهِ لم يلق الله عزّ وجلّ عبد بعمل أفضل من عمله إلَّا مَنْ جاء بمثل عمله» (1).
وروى غيره عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم أنّ «مَنْ قالها عقيبهما قبل أنْ يُثني رجلَيه كتبَ الله له لكلّ واحدة عشر حسنات، ومُحِيَتْ عنه عشر سيّئات، ورُفِعَ له عشر درجات، وكانت حرزاً كلّ مكروه، وحرزاً من الشيطان الرجيم، وكان من أفضل الناس عملاً إلّا رجلاً يقول أفضل ممّا قال (2).
(ويختصّ الصبح بالإكثار من سبحان الله العظيم وبحمده، أستغفر الله وأسأله من فضله؛ فإنّه مثراة للمال) رواه هلقام الشامي عن الكاظم علیه السّلام قال: أتيتُه فقلت له: - جُعلتُ فِداك - علِّمْنِي دعاءً جامعاً للدنيا والآخرة، قال: «قل في دبر الفجر إلى أن تطلعَ الشمس: سُبحان الله العظيم وبحمده، أستغفر الله وأسأله من فضله» (3) قال هلقام: لقد كنت من أسوأ أهل بيتي حالاً فما أعلمتُ حتّى أتاني مِيراثٌ من قِبَلِ رجل ما ظننتُ أنَّ بيني وبينه قرابة، وإنّي اليوم أيسرُ أهل بيتي وما ذاك إلّا بما عَلَّمني مولاي العبدُ الصالحُ علیه السّلام.
(و) تختصّ (المغرب بثلاث) مرّات (الحمد لله الذي يفعلُ ما يشاءُ ولا يفعلُ ما يشاء غيره، فإنّه سببٌ للخير الكثير) روي ذلك عن الصادق علیه السّلام قال: «مَنْ قال إذا صلّى المغرب ثلاث مرّات - وذكر ما سبق - أُعطى خيراً كثيراً» (4).
ص: 253
(وتأخير تعقيبها إلى الفراغ من راتبتها) ذكر ذلك المفيد (رحمه الله) (1)، واحتجّ له الشيخ في التهذيب برواية أبي العلاء عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «من صلّى المغرب ثمّ عقّب لم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كُتِبَتا له في علّيّين، فإن صلّى أربعاً كتب له حجّة السلام مبرورة» (2)، وبرواية أبي الفوارس قال: نهائي أبو عبد الله علیه السّلام أن أتكلّم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب (3)، وبأخبار أخر (4) أبعد في الدلالة. وظاهرٌ عدم دلالة الجميع على المدّعى.
وفي الذكرى: الأفضل المبادرة بها - يعني نافلة المغرب - قبل كلّ شيء سوى التسبيح (5). ونقل عن المفيد (6) مثله.
(ويختصّ العصر والمغرب بالاستغفار سبعين مرّة (7)، صورته: أستغفرُ اللهَ ربّي وأتوبُ إليه) وروي سبعاً وسبعين (8)، وروي مائة (9).
(و) يختصّ (العشاء بقراءة الواقعة قبل نومه، لأمن الفاقة) رواه ابن مسعود (رضي الله عنه) عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (10). (ويُكْرَهُ النومُ بعد) صلاة (الصبح).
روى محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام : أنّ الرزق يُبسَطُ تلك الساعة فأنا أكرهُ أنْ يَنامَ الرجل تلك الساعة» (11).
ص: 254
وقال الصادق علیه السّلام: «نوْمَةُ الغداة مَشُومةٌ تطردُ الرزق، وتصفّر اللون وتقبّحه وتغيّره، وهو نوم كلّ مَشوم، إنّ الله تعالى يُقَسِّمُ الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وإيّاكم وتِلْكَ النومة، وكان المَنُّ والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال والطلب» (1).
وقال الصادق علیه السّلام في قول الله عزّ وجلّ: «فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً» (2) قال: «الملائكةُ تقسّمُ أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمَنْ نام فيما بينهما نام عن رزقه» (3).
(و) بعد (العصر و) بعد (المغرب قبل العشاء)؛ لِما رُوي عن الباقر علیه السّلام: «أنّ النومَ أوّل النهار خَرَقٌ - أي ليس برفق - والقائلة نعمة، والنوم بعد العصر حمق، والنوم بين العشاءين يحرم الرزق» (4).
(والاشتغال بعد العشاء بما لا يجدي نفعاً، وليكن النوم عقيب صلاة).
ص: 255
(الغسل) وقد تقدّم جملة ممّا فيه وفي وقته (1)، (قائلاً) حالة الغسل: (أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّی الله علیه و آله و سلّم، اللهمّ) صلّ على محمّد وآل محمّد، و (اجعلني من التّوابين، واجعلني من المتطهّرين، والحمد لله ربّ العالمين) فمن فعل ذلك كان له طهر من الجمعة إلى الجمعة، رواه أبو ولّاد الحنّاط - بالحاء المهملة والنون - عن أبي عبد الله علیه السّلام (2).
(وحلق الرأس وتسريح اللحية وتقليم الأظفار والأخذ من الشارب) روى عبد هلال قال: قال أبو عبد الله : «خذ مِن أظفارك وشاربك كلّ جمعة، وإن بن لم يكن فيها شيء فحكَّها فلا يصيبك جذام ولا برص ولا جنون» (3).
وروى هشام بن الحكم عنه علیه السّلام أنّه قال: «ليتزيّن أحدُكُم يوم الجمعة، يغتسل ويتطيّب ويُسرّح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيّأ للجمعة، وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار، وليحسن عبادة ربّه، وليفعل الخير ما استطاع، فإنّ الله يطلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات» (4).
ص: 256
(قائلاً قبل القَلمِ: بسم الله وبالله، وعلى سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم) والأئمة من بعده علیهم السّلام.
وروي (1) البَدأةُ يوم الجمعة بِخِنصر اليسرى والخَتم بخنصر اليمني، وقبل الأخذ من الشارب «بسم الله و بالله، وعلى ملّة رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّ») وعلّي أمير المؤمنين والأوصياء علیهم السّلام»).
والذي رواه الشيخ في التهذيب (2) ونقله المصنّف في الذكرى (3) - ولم يذكر غيره - عن محمّأ بن العلاء، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: سمعته يقول: «مَن أخذَ مِن شاربه وقلّم أظفاره يوم الجمعة ثمّ قال: بسم الله على سنّة محمّد وآل محمّد، كتب الله له بكلّ شعرة، وكُلّ قُلامة عِتقَ رقبةٍ، ولم يمرض مرضاً يصيبه إلّا مرض الموت».
تَسريحُ اللحْيَةِ سبعين مرّة معدودة، فمن فعل ذلك لم يَقْربُهُ الشيطانُ أربعين يوماً، روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (4). (ولُبس أفضل الثياب) وقد تقدّم ما يدلّ عليه (5). وعن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أحبُّ الثياب إلى الله تعالى البيض يلبسها أحياؤكم، ويكفّن فيها موتاكم» (6).
ويتأكّد التجمّل في حقّ الإمام
(ومباكرة المسجد)، فعن الباقر علیه السّلام (7) أنّه كان يبكّر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قِيدَ رمحٍ - بكسر القاف - أي قدره.
وروی عبد الله بن سنان قال: قال الصادق علیه السّلام : «إنّ الجنان لتزخرف وتُزيّن يوم
ص: 257
الجمعة لمن أتاها وإنّكم لتتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة» (1).
(والتطيّب) وقد تقدّم (2) في خبر هشام. وعن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طُهر، ويدهن من دهنه، أو يمسّ من طيب بيته ثمّ يخرج فلا يفرق بين اثنين ثمّ يصلّي ما كتب له ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام إلّا غفر الله له» (3).
و في خبر آخر عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم مثله، وزاد: «ولبس أحسن ثيابه ولم يتخطّ رقاب الناس كان
كفّارة بينها وبين الجمعة» (4).
(والتعمّم شتاء وقيظاً)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم وخلفائه.
(والتحنّك والتردّي) وقد تقدّم الكلام فيهما (5) وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم كان يعتمّ ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة (6). وليكن الرداء عَدَنِيّاً أو يَمَنِيّاً ؛ للتأسّى.
(والدعاء أمام التوجّه) «اللهُمَّ مَنْ تَهَيَّاً وتَعَبَّاً ...» إلى آخره، رواه أبو حمزة الثمالي عن الباقر علیه السّلام (7).
(والسكينة) في الأعضاء حالة الخروج إلى المسجد وفي جميع اليوم. (والوقار) في النفس كذلك.
(والمشي)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (8)، فإنّه لم يركب فى عيد ولا جنازة قطّ، والجمعة أولى إلّا أنّه لم ينقل فيها قول عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم؛ لأنّ باب حجرته في المسجد (إلّا لضرورة) فيركب؛ دفعاً للحرج.
ص: 258
(والجلوس حيث ينتهي به المكان، وأن لا يتخطّى رقاب الناس) سواء كان قبل خروج الإمام أم بعده، وسواء كان له موضعٌ معتاد أم لا؛ لما تقدّم؛ ولقوله صلى الله عليه و آله و سلّم لِمَنْ تَخَطّى رقاب الناس: «آذیت و آنيت» (1) أي أبطأت، (إلّا الإمام) فلا يُكره له التخطّى؛ لتوقّف التقدّم إلى الصلاة عليه (أو مع خلوّ الصفّ الأوّل) فإنّه لا يُكره لغير الإمام التقدّم إليه لإتمامه؛ لأنّ الناس قصّروا حيث لم يُتِمُّوه. وكذا القول في غير الصفّ الأوّل.
(و حضور من لا تجب عليه الجمعة)، كالمسافر ،والمرأة، ومَنْ شقّ عليه الحضور لكبر ومرض وعرج.
(وإخراج المحبوسين للصلاة)، ومتعلّق هذا الاستحباب الإمام أو نائبه على حبسهم. روى عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه قال: «على الإمام أن يُخرجَ المحبوسين في الدين يوم الجمعة ويوم العيد إلى العيد ويرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة ردّهم إلى السجن» (2).
قال في الذكرى:
وفيه تنبيه على أنّ المحبوس في غير الدين كالدم لا يخرج، ولعلّه للتغليظ في الدماء، على أنّ المحبوس بما هو أخفّ من الدين يخرج؛ لأنّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وظاهره الوجوب؛ لأن لفظة على تشعر به (3).
(وزيادة أربع ركعات على راتِبَتَى الظهرين) الستّ عشرة، (وجعلها سداسَ) أي تفريقها ستّةً ستّةً يصلّى منها ستّ (عند الانبساط) أي انبساط الشمس وارتفاعها بقدر ما يذهب شعاعها ويزول وقت الكراهة، (و) ستّ عند (الارتفاع، و) ستّ عند (القيام) أي قيام الشمس في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار تقريباً (قبل الزوال)
ص: 259
وهو مَيْل الشمس عن السماء وتجاوزها دائرة نصف النهار، (وركعتان عنده) أي بعده. وروي (1) قبله.
(وروى) سعد بن سعد الأشعري عن الرضا علیه السّلام (زيادة ركعتين) عن العشرين المذكورة (بعد العصر) (2) و به عمل المفيد (رحمه الله) (3).
وروي في تفريق العشرين جعل ستّ عند ارتفاع النهار وستّ قبل انتصافه وركعتين بعد زواله وستّ بعد الجمعة (4).
وجوّز الشيخ تأخير النوافل إلى بعد العصر (5).
(وصلاة الظهر في المسجد الأعظم لمن لم تجب الجمعة عليه)؛ لإطلاق أفضليّة المساجد؛ ولِما روي من أنّ الأئمة علیهم السّلام كانوا يُباكِرونَ إلى المسجد ولا يُصلُّونَ الجمعة (6).
(وسكوت الخطيب عمّا سوى الخطبة) من الكلام حالة الخطبة وبين الخطبتين؛ لِما روي من أنّ إعراض النبىّ صلّی الله علیه و آله و سلّم عمّن سأله وهو يخطب، وأمر الناس له بالسكوت، فأعاد الكلام فلم يجبه، فلمّا كان الثالثة قال له النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «وَيْحَكَ ماذا أعددتَ لها»؟ قال: حبُّ الله ورسولِهِ، فقال: «إنّك مع مَنْ أحببتَ» (7) فلولا كراهة الكلام لأجابه أوّلاً، ولو حرم لم يجبه ثانياً.
والأقوى التحريم عليه مع عدم الحاجة كما يحرم على غيره من الحاضرين.
(واختصارها) أي الخطبة (إذا خافَ فَوْتَ فضيلة الوقت) وهو مصير الظلّ مثله على القول بامتداد وقتها كوقت الظهر، فإنّه مختار المصنّف. وعلى المشهور من أنّ ذلك
ص: 260
آخِرُ وقتها (1)، ففي وقت فضيلتها خفاءٌ؛ لعدم تعيينه في النصّ والفتوى.
ويمكن القول بكونه ساعة بعد الظهر؛ لما روي عن أبي جعفر علیه السّلام أنّه قال: «وقت الجمعة إذا زالَتِ الشمس وبعده بساعة» (2) حملاً له على وقت الفضيلة.
والذي ذكره المصنّف في الذكرى (3) وغيره (4)؛ استحباب تقصير الخطبة مطلقاً؛ لِما روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «طولُ صلاة الرجل وقصر خطبته مَئنَّة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصّروا الخطبة» (5).
والمَئنّة - بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون - : العلامة والمخلقة.
قال الهروي نقلاً عن الأصمعي أنّه قال:
سألني شعبة عن هذا الحرف، فقلت: هو كقولك: علامة مخلقة ومجدرة، قال أبو عبيد: يعني أنّ هذا ما يستدلّ به على فقه الرجل (6).
(وكونه) أي الإمام (أفضلهم) أي أفضل القوم الحاضرين؛ تأسّياً بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله وسلّم و عليّ علیه السّلام في مباشرتهم الجمعة من غير استنابة، وليزيد الإقبال على قوله والامتثال لأمره والازدجار عن نهيه.
(واتّصافه بما يأمرُ به وخلوّه عمّا ينهى عنه)؛ ليتمّ الغرض من وَعْظِه كما مرّ.
(وفصاحته) أي اتّصافه بمَلَكَةٍ يَقتدرُ بها على التعبير عن مقصوده بلفظ فصيح، أي خالٍ عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد في مركّبه، ومن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس اللغوي في مفرده.
ص: 261
(وبلاغته) بمعنى اتّصافه بملكة يقتدر بها على التعبير عن الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال، واحترزنا بالملكة عمّن يحفظ خطبة بليغة؛ فإنّه لا يُسمّى بليغاً ولا فصيحاً، بل لا بدّ من كون ذلك ملكة نفسانيّة له، وعمّن يقدر على تأليفها بتكلّف شديد أو في حال نادر؛ فإنّ ذلك لا يكون ملكة، والمراد بمطابقة الحال أنْ يكونَ الكلامُ موافقاً للزمان والمكان والسامع بحيث يُلقي إلى كلّ سامع ما يليق بحالِه ويصلح لعِظَتِه، فإن اختلفوا في المقاصد راعى الأنفع.
(ومواظبته على أوائل الأوقات)؛ لأنّ ذلك أوفقُ لقبول عِظَتِه، وأدخلُ لقوله في القلوب.
(وصعوده) المنبر (بالسكينة) والوقار.
(واعتماده) حال الخطبة (على) عَنَزَةٍ أو قضيب أو (قوس أو سيف وشبهه)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّه كان يعتمدُ على عنزته (1).
وروي أنّه كان يخطب وفي يده قضيب (2).
وعن الصادق علیه السّلام : «يَتَوَكَّأُ على قوس أو عصاً» (3).
(وسلامه على الناس) أوّل ما يصعد المنبر ويستقبلهم؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم.
وعن عليّ علیه السّلام أنّه قال : «من السُنّة إذا صعدَ الإمامُ المنبرَ أنْ يُسلَّمَ إذا استقبل الناس» (4).
ونفاه الشيخ في الخلاف (5)؛ لضعف المستند وإطباق الناس على خلافه في ذلك، (فَ_) حيث يسلّم (يجب الردّ) عليه كفايةً على كلّ سامع؛ لعموم الأمر بردّ التحيّة (6).
ص: 262
(والقعود دون الدرجة العليا من المنبر)؛ ليجعل استراحته وجلوسه على العليا. (والجلوس) بعد السلام (للاستراحة حتّى يفرغ المؤذّن)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فقد روي (1) أنّه كان يفعل ذلك، وليستريح بقعوده عن تعب صعوده.
(وتعقيب الأذان بقيامه) بغير فَضل؛ لئلا يطول ذلك على الناس، (واستقبال الناس) بوجهه حالة الجلوس والخطبة.
(ولزومه السمت) وهو جهة الناس (من غير التفات) يميناً ولا شمالاً؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، خلافاً لأبي حنيفة حيث استحبّ التفاته كذلك كالمؤذّن (2)، والأصل ممنوع.
(واستقبالهم إيّاه، وترك) صلاة (التحيّة) للداخل (حال الخطبة)، بل يجلس وينصت لها؛ لقوله تعالى: «فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا» (3)، قال المفسّرون (4): المراد بالقرآن هنا الخطبة؛ ولقول أحدهما علیهما السّلام : «إذا صعد الإمام المنبر فَخَطَبَ فلا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر» (5)، ولأنّه مُنافٍ للغرض منها ، (وترك الكتف للخطيب)؛ لعدم ورود
شرعيّته.
(والجهر بالقراءة) في صلاة الجمعة وهو موضع وفاق (6). ولا يَتعدَّى إلى الظهر يومها على الأقوى.
(وإطالة الإمام القراءة لو أحسَّ بمُزاحِمٍ) أي داخل في الصلاة بحيث يخاف فوت الركعة؛ لِما فيه من الإعانة على البِرِّ والتقوى.
(وترك السفر) الموجب لإسقاطها ( بعد الفجر) وقبل الزوال؛ لِما فيه من تفويت
ص: 263
أكمل الفرضين؛ ولقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «مَنْ سافر مِنْ دار إقامته يوم الجمعة دَعَتْ عليه الملائكة: لا يصحب في سفره ولا يُعان على حاجته» (1). ولا يكره ليلة الجمعة إجماعاً (2)، كما أنّه يحرم بعد الزوال على من خُوطِبَ بها إجماعاً (3).
(والإكثار من الصلاة على النبيّ وآله (صلّى الله عليهم) يوم الجمعة إلى ألف مرّة).
روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله علیه السّلام : «إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذرّ في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضّة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلى الله عليهم)، فأكثر منها، ياعمر إن من السُنّة أنْ تصلي على محمّد وآل محمّد في كل جمعة ألف مرّة، وفي سائر الأيام مائة مرّة» (4).
وروى المفضّل عن أبي جعفر علیه السّلام قال: «ما من شيء يُعبد الله به يوم الجمعة أَحَبُّ إلى الله من الصلاة على محمّد وآل محمّد» (5).
(و) الإكثار فيه (من العمل الصالح) روى أبان عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «إنّ للجمعة لَحَقّاً، فإيّاكَ أنْ تُضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة الله والتقرّب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلّها؛ فإنّ اللهَ يضاعِفُ فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات - قال - : وذكر أنّ يومه مثل ليلته، فإن استطعت أن تُحييه بالصلاة والدعاء فافعل» (6).
ص: 264
وروى أحمد بن أبي نصر عن الرضا علیه السّلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم: إنّ يومَ الجمعة سيّد الأيّام يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السّيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات، ويكشف فيه الكربات، ويقضي فيه الحاجات العظام، وهو يومُ المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار، ما دعا الله فيه أحدٌ من الناس وعرف حقه وحرمته إلّا كان حقاً على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار، وإن مات في يومه أو ليلته مات شهيداً وبعث آمناً، وما استخفّ أحد بحرمته وضيّع حقه إلا كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يصليه نار جهنّم إلا أن يتوب» (1).
(وقراءة الإسراء، والكهف، والطواسين الثلاث): الشعراء، والنمل، والقصص، (والسجدة، ولقمان وفصّلت ،والدخان، والواقعة ليلتها، وقراءة التوحيد بعد الصبح مائة مرّة)، وكذا يستحبّ قراءتها مائة مرّة في سائر الأيّام وإن كان في الجمعة آكد، (والاستغفار مائة مرّة)، وكذا في غيرها.
(وقراءة النساء وهود والكهف والصافّات والرحمن. وزيارة الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام وخصوصاً نبيّنا علیه السّلام والحسين علیه السّلام) من قُرْب وبُعْدِ، (وزيارة قبور المؤمنين، وترك) إنشاد (الشعر، والحجامة، والهذر) - بالتحريك - وهو الإكثار من الكلام بغير فائدة.
(فعلها حيث تختّ الشرائط) المعتبرة في وجوبها، وهي شرائط الجمعة (جماعة وفُرادى) ، بخلاف الجمعة فإنّها مع اختلال شرائط الوجوب مطلقاً تسقط رأساً.
(و) أن تقدّم عليها (وظائف الجمعة) المتقدّمة (من الغسل والتعمّم وشبهه،
ص: 265
وروى) عمّار عن الصادق علیه السّلام (1): (إعادتها لناسي الغسل بعده) مادام الوقت باقياً، وإن مضى الوقت جازت.
(والخروج إلى المُصَلّى بعد انبساط الشمس وذهابِ شُعاعها)؛ لأنّ ذلك أفضل وقتها.
والذي دلَّت عليه رواية زرارة عن الصادق علیه السّلام (2)، وذكره المصنّف في غير الرسالة (3) وغيره (4): أنّ وقتَ الخروج بعد طلوع الشمس؛ لأنّه أوّل الوقت. وإن كان وقت فضيلتها بعده؛ لأنّه مع التأهّب له قبله يحصل الفوز بأوّله، بل ظاهر المفيده (5) أنّه يخرج قبل طلوعها وإن تأخّرت الصلاة؛ لعموم «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ» (6).
وعُورِض (7) بأنّ التعقيبَ في الصبح في المساجد إلى طلوع الشمس أَولى، وفضيلة الوقت - وهي انبساط الشمس - تحصل بالخروج بعده.
(و تأخير الخروج في الفطر عن الخروج في الأضحى) وكذا تأخير الصلاة؛ لاستحباب الإفطار قبل خروجه هنالك، ولاشتغاله بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، وليتّسع الزمان للتضحية بتقديم صلاة الأضحى.
(ولبس البُرْدِ)؛ تأسّياً برسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فقد كان له ثَوْبٌ جَيّد لجمعته وعيده، وكان يقول صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى تَوْبَي مهنَتِه لجمعته وعيده» (8).
ص: 266
وروى محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله صلى الله عليه و آله و سلّم قال: «لا بدّ مِنَ العِمامَةِ والبُردِ يوم العيد
والفطر، فأمّا الجمعة فإنّها تُجزِئ بغير عِمامة وبُرد» (1).
(والمشي) إلى المصلّى دون الركوب؛ للتأسّي، (والسكينة) فيه في الأعضاء (والوقار) في النفس، (ومغايرة طريقَي الذهاب والإياب)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، وعُلِّلَ ذلك بأنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يذهبُ في أَطول الطريقين؛ تكثيراً للأجر، ويرجع في أقصر هما؛ لأنّ رجوعَهُ إلى المنزل، أو ليتصدّق على فقرائهما، أو ليشهدَ له الطريقان، أو ليتساوى أهلُهُما في التبرّك، أو ليسأله أهلهما عن الأُمُور الشرعيّة.
(وخروج المؤذّنين بين يدي الإمام بأيديهم العَنَز) جمع عنزة - بالتحريك مفتوحاً - وهي عَصاةٌ طويلة فيها زُجّ كزُجّ الرمح، قال الهروي: والعكازة نحو منها (2).
(والتحفّي) في المشي خارجاً إليها، (وذكر الله تعالى)، رُوي ذلك من فعل الرضا علیه السّلام حين خرج في عهد المأمون لصلاة العيد (3).
وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم أَنّه قال: «مَن اغبَرَّتْ قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على
النار» (4)، فتبعه المأمون في المشي والحفاء والذكر.
(والإصحار بها إلّا بمكّة) (شرّفها الله تعالى تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّه كان يصلّيهما خارج المدينة بالبقيع (5). وعن الصادق علیه السّلام: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا في أمصارهم في العيدين إلّا أهل مكّة، فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» (6) هذا مع الاختيار أمّا مع العذر كالمطر والوحل والخوف فيُصَلَّى في البلد.
ص: 267
(وأنْ يَطْعَم) - بسكون الطاء وفتح العين كيعلم - مضارع طعم بالكسر - كعلم أي يأكل (قبل خروجه) إلى الصلاة (في الفطر )؛ لما فيه إلى المبادرة إلى الواجب وامتثال الأمر بعد أن كان مُحَرَّماً.
(وأفضله) أي ما يطعم من الحلو)؛ لِما روي (1) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أقلّ أو أكثر.
وروي (2) شاذّاً الإفطار بتربة الحسين علیه السّلام ، وهو حسن مع العلّة لا بدونها، ومعها لا يتجاوز قدر الحمّصة.
(وبعد عوده في الأضحى ممّا يضحّي به)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم فيهما، فقد روي أنّه كان لا يخرج يوم الفطر حتّى يفطر (3)، ولا يَطعَم يوم الأضحى حتّى يصلّي؛ ولأنّ الأكل من الأُضحيّة مستحبّ، وهي لا تكون إلّا بعد الصلاة.
وروى زرارة عن الباقر علیه السّلام قال: «لا تأكل يوم الأضحى إلا من أُضحيّتك إنْ قَوِيتَ، وإنْ لم تَقْوَ فمعذور» (4).
(وحضور من سقطت عنه لعذر) من سفر وغيره.
(وعدم السفر بعد الفجر قبلها)؛ لِما فيه من تفويت الصلاة، ولرواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام : «إذا أَرَدْتَ الشُّخُوص في يومِ عيدٍ فانفجرَ الصبحُ وأنتَ في البلد فلا تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» (5)، والنهي للكراهة.
(وإخراج المسجونين لها)؛ لِما تقدّم في الجمعة (6).
ص: 268
(وقيام الخطيب) حالة الخطبة (والاستماع، وترك الكلام) خلالها وإن كانت واجبة بخلاف الجمعة.
(و) ترك (التنقّل قبلها وبعدها إلّا بمسجد النبيّ علیه السّلام فيصلّي التحيّة) فيه (قبل خروجه منه إن كان خارجاً منه ودَخَلَه؛ (تأسّياً به علیه السّلام) ولو كان به استُحِبَّ صلاة ركعتين قبل الخروج، ولا تكونان تحيّةً.
(و) ترك (الخروج بالسلاح) مع عدم الحاجة إليه؛ لمنافاته الخشوع والاستكانة، ولنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يخرج السلاح في العيدين إلّا أن يكون عدوّاً ظاهراً (1)، ومع الحاجة تزول الكراهة.
(وقراءة) سورة (الأعلى)، أو الشمس (في) الركعة (الأولى، والشمس)، أو الغاشية (في) الركعة (الثانية). وما ذكره المصنّف أشهر فتوى (2)، وما ذكرناه أصحّ سنداً.
(والجهر بالقراءة والقنوت بالمرسوم) وهو «اللهمَّ أهل الكبرياء والعظمة» (3) إلى آخره.
(والحثّ على الفطرة في خطبة الفطر وبيان جنسها وقدرها) ووصفها، (ووقتها ومستحقّها والمكلّف بها.
(و) الحثّ ( على الأُضحيّة) - بضم الهمزة وتشديد الياء - (في) خطبة (الأضحى، و بیان جنسها) بأن يكون من أحد النعَم الثلاثة، (ووصفها) من كونها سَمِينةً سليمةً، (ووقتها) من كونه يوم العيد، ويومان بعده في غير مِنى، وبها ثلاثة بعده، (وفي مِنى بيان المناسك والنفر) من مِنى في الأوّل بشرطه، وفي الثاني بدونه.
(وكون الخُطبتين من مأثور الأئمّة علیهم السّلام) كَخُطبَةِ أمير المؤمنين علیه السّلام في كلّ واحد من
ص: 269
العيدين أوْرَدَها الصدوق في الفقيه (1) والشيخ في المصباح (2).
(والسجود على الأرض) بلا حائل؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (وأنْ لا يَفْتَرِشَ سواها) من
سجّادة وغيرها وإنْ سَجدَ على الأرض.
روئ الفضل عن الصادق علیه السّلام أنّه أُتي بخُمرة يوم الفطر فأمر بردّها وقال: «هذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يُحبّ أن ينظر إلى آفاق السماء، ويضع جبهته على الأرض» (3).
(والمشهور أنّ التكبيرَ ) الزائد عن غيرها من الصلوات (والقنوت) بعد كلّ تكبيرة منها مَحَلَّهُ (بعد القراءة في الركعتين)؛ وبه أخبار صحيحة.
(ونقل ابن أبي عمير والمونسي الإجماع على تقديمه) (4) على القراءة (في) الركعة (الأُولى، وهو في صحيح جميل بن درّاج عن الصادق علیه السّلام (5))، وفي صحيح عبد الله بن سنان عنه (6)، وفي غيرهما (7).
وحملها الشيخ على التقيّة (8)؛ لأنّه مذهب أبي حنيفة.
(والتكبير للجامع والمنفرد حاضراً أو مسافراً، رجلاً أو امرأة، حُرّاً أو عبداً في الفطر عقيب) أربع صلوات: (العشاءين والصبح والعيد).
(قيل) والقائل به ابن بابويه: (وعقيب الظهرين) من يوم الفطر (9) أيضاً، ولم نقف
ص: 270
على مأخذه. (وفي الأضحى عقيب عشر) صلوات (وللناسك بمنى) عقيب (خمس عشرة أوّلها) أي أوّل العشر والخمس عشرة (ظهر العيد) وآخرها صبح الثاني أو الثالث عشر.
(ويقضي لَو فات) منه شيء عقيب بعض الصلوات، وهل يختص حينئذٍ بعقب صلوات بعدد الفائت أم لا يعتبر ذلك؟ نظر، ولم أقف فيه على شيء.
(ولو فاتت صلاة) من تلك الصلوات التي يكبر عقيبها (قضاها وكبّر)؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «فليقضها كما فاتته» (1) (وإنْ كان قضاؤها في غير وقته)؛ لظاهر الخبر (2).
(ويستحبّ فيه الطهارة)؛ لأنّه من جملة تعقيب تلك الصلوات، بل أفضلها؛ لقول بعض الأصحاب بوجوبه (3)، فإذا استحبّت الطهارة في مطلق التعقيب ففيه أولى، وأمّا بخصوصه، فلم نقف على المأخذ.
(استشعار الخوف من الله تعالى) بتذكّر أهوال يوم القيامة وزلازلها، وتكوير الشمس والقمر وانشقاق السماء.
(وتأكّد الجماعة في) الكسوف (المستوعب)؛ لرواية عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق علیه السّلام: «إذا انكسفَتِ الشمس والقمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، وأيّهما كسف بعضه فإنّه يُجزئ الرجل أن يصلّيَ وحدَه» (4).
(وإيقاعها في المساجد)؛ تأسّياً بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، وليكُن مع ذلك تحت السماء في رَحبَتِهِ
ص: 271
المكشوفة؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام (1).
(ومطابقة الصلاة لها) أي للآية، فيجعلها في الكسوف من ابتدائه إلى تمام انجلائه على القول القويّ مِن أنّ مجموعَ ذلك وَقتُها (2)، وإلى ابتدائه على القول الآخر (3).
وإنّما يَتِمُّ ذلك لرَصَدىّ يطّلعُ على مقدار وقت الكسوف فيجعل الصلاة بقدره، أو من يخبره الرصديّ الموثوق به بحيث يظنّ صدقه، وإلّا ففي استحباب التطويل فضلاً المطابقة نظر؛ لتعرّضه لفوات الوقت من حيث لا يعلم خصوصاً على القول بأنّ آخِرَه الأخذُ في الانجلاء، فإنّه مُحتملٌ في كلّ آنٍ من آنات الكسوف.
وأصالةُ عدم الانجلاء لا تدفع هذه الفرصة التي محصل ما يقع فيها الاستحباب.
(وقراءته) السور (الطوال كالأنبياء والكهف)، وروي ذلك من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم (4) والأئمّة علیهم السّلام (5) (إلّا مع عذر المأمومين) فيستحبّ التخفيف لأجلهم.
والذي رواه عبد الله بن ميمون القداح عن الصادق علیه السّلام : «أنّ الشمسَ انكسفَتْ في زمن رسول صلى الله عليه و آله و سلّم ، فصلّى بالناس ركعتين، وطوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام» (6)
(والجهر) في القراءة سواء كانت ليلاً أم نهاراً.
ص: 272
(ومساواة الركوع والسجود للقراءة) رواه أبو بصير عن الصادق علیه السّلام (1) (2).
(وجعل صلاة الكسوف أطول من) صلاة (الخسوف) روي ذلك عن الباقر علیه السّلام .
وهل ينسحب ذلك إلى غيرهما من الآيات حتّى يكون الكسوفان أطول منها؟ توقّف المصنّف في الذكرى (3). والظاهر العدم، وظاهر خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق علیه السّلام (4) يرشد إليه.
(والإعادة لو فرغ قبل الانجلاء، أو التسبيح والتحميد) والدعاء؛ جمعاً بين صحيحة معاوية بن عمار الآمرةِ بالإعادة (5) (6)وصحيحةِ محمّد بن مسلم الآمرة بالدعاء (7)، وهو أولى من القولِ بوجوب الإعادة كما ذهبَ إليه جماعة (8): استناداً إلى الأُولى.
(والتكبيرُ للرفع من الركوع في غير الخامس والعاشر ، وفيهما: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِده) رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن الباقر علیه السّلام قال: «تركعُ بتكبيرةٍ، وترفعُ رأسَكَ بتكبيرةٍ إلّا في الخامسة التي تسجدُ فيها، فتقول: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فيها» (9) ومثله في الثانية.
وفيه إشارة إلى أنّ هذه الصلاة ركعتان لا عشر، (وروى) إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله علیه السّلام (10) (نادرا) مخالفاً للمشهور رواية وفتوى (11) (عمومه) أي قول «سمع الله
ص: 273
لِمن حمده» (إذا فرغ من السورة) وركع وإن لم يكن الخامس والعاشر (لامع التبعيض) والعمل على المشهور.
(والقنوت على الأزواج) وهو قرينة كونها عشر ركعات، بناءً على الغالب من القنوت على كلّ ثانية.
ويمكن دفعه بعدم انحصار القنوت فيها كما في الجمعة والوتر.
(وأقلّه على الخامس والعاشر) وهو أيضاً من الصور المخالفة للمشهور (1) من كون القنوت على الثانية.
(والتكبير المتكرّر إن كانت) الآية (ريحاً، والقضاء مع الفوات حيثُ لا يَجِبُ) القضاءُ؛ (لعدم العلم) بالكسوف، (و) عدم (الاستيعاب) لجميع القُرص؛ خروجاً من خلاف مَنْ أوجبَ القضاء مع الفواتِ مطلقاً (2).
(وصلاة ذوات الهيئات) الجميلة من النساء (في البيوت جماعةً) مع إمكانها وإلّا فُرادى؛ حذراً من افتتانِهنّ أو الفتنة بهنّ، أمّا غيرهنّ، فيُستحبُّ لَهُنَّ الجماعةُ ولو مع الرجال.
(وصوم الأربعاء والخميس والجمعة، والغسل والدعاء لرفع الزلزلة). روى عليّ بن مهزيار قال: كتبتُ إلى أبي جعفر علیه السّلام وشكوتُ إليه كَثرةَ الزلازل في الأهواز وقلت: ترى لى التحوّل عنها، فكتَبَ : «لا تَتحوَّلُوا عنها، وصُوموا الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسِلُوا وطهروا ثيابَكُم، وابرزوا يومَ الجمعةِ، وادعوا اللهَ فإنّه يدفَعُ عنكم» قال: فَفَعَلْنا فسكَنَتِ الزلازل (3).
(وأن يقولوا عند النوم: يامَنْ «يُمسِكُ السَّمواتِ والأَرضِ» الآية). وهي «أَنْ تَزُولا
ص: 274
وَلَئِنْ زَالَنَا إِنْ أَمْسَكَهُما من أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً» (1) (صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، وامْسِكْ عَنا السوءَ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، ليأمن سقوط البيت) رواه ابن يقطين عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «من أصابَتهُ زلزلة فليقرأ» ... إلى آخره، وقال: «إنّ مَنْ قَرَأَها عند النوم لم يسقط عليه البَيْتُ إن شاء الله تعالى» (2).
وظاهر الرواية وسياق الكلام هنا أنّ الاستحبابَ متعلّقٌ بِمَنْ يَخافُ ،الزلزلةَ، وإطلاقُ العبارة وكلامُ الإمام أخيراً ربما يُؤْذِنُ بعموم ذلك.
(وللطواف ستّة) كلّها مقارنة كما مرّ (3) في حسابه، وفي مقارنة بعضها تكلّفٌ.
(قراءة الجَحْد) في الركعة الأُولى، (والإخلاص) في الثانية (كما مرّ) (4) مِن قِراءَتِهما في المَواضع السبعة التي من جملَتِها رَكْعَتا الطواف.
(والقُرْب من المقام لو مُنِعَ منه). أرادَ بالمقام هنا ما حوله ممّا يجاوِرُه عُرفاً مجازاً، أو أرادَ به البناءَ المعمولَ على المقام الحقيقي الذي هو الصخرة التي كان إبراهيم لا يقوم عليها حال بنائه البيت فإنّ المقامَ الذي هو الصخرة لا يُمكن الصلاة عليه، وإنّما الواجب الصلاة خلفه أو إلى أحدِ جانِبَيْهِ، فقوله «القرب منه لو مُنِعَ منه»، نه»، أي من مُلاصَقَتِهِ ومُجاورتِهِ عُرفاً، وحينئذٍ فيصلّي بعيداً عنه، ويستحبّ حينئذٍ القُرْبُ منه بحسب الإمكان.
ومع ذلك إنّما يَتُمُّ الاستحباب مع صِدقِ اسم الصلاة خلفه أو مع أحد جانبيه على الصلاة التي هي أبعد مما قد حَكَمَ باستحباب القرب لها، وإلا كان القربُ المذكورُ واجباً.
(و) الصلاة (خلفه) مع الإمكان (ثمّ) أحد جانبيه وقربها إلى الطواف بحسب
ص: 275
الإمكان، (ويجوز إيقاع نفلها في) أيّ مكان كان من (بقاع المسجد) وإن كان فعلها في موضع الفريضة أفضل.
(الطهارة) من الحدث وأفضلها المائيّة، ومن الخبث.
(والصلاة في المواضع المعتادة) تَبَرُّكاً؛ لِكثْرَةِ من صلّى فيها؛ ولأنّ السامعَ بموته يقصدها.
(واستحضار الشفاعة للميّت) فإنّ المصلّي داعٍ، له وشافعُ كما يقعُ في بعض دَعَواتِهِ.
(ورفع اليدين في كلّ تكبيرة) إلى شَحْمَتَي الأذنين كما مرّ (1)، وكذا رفعُهُما مبسوطَتَيْنِ حالةَ الدعاء للميّت؛ تأسّياً بفعل الحسين علیه السّلام في صلاته (2)؛ ولعمومِ استحبابِ الرفعِ حالةَ الدعاء (3).
(وإضافة ما يناسِبُ الواجب من الدعاء كما رُوِيَ عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (4)، أنّه أوصى عليّاً علیه السّلام به: اللهم عبدك وابنُ عبدِكَ، ماضٍ فيه حُكمُكَ، خَلَقْتَهُ ولمْ يَكُ شَيْئاً مَذكُوراً ، وأَنْتَ خَيْرُ مَزُور. اللهم لقنه حجته، وألْحِقْهُ بنَبِيّه ، ونَوّر له قَبرَهُ، وأوسع عليه ،مداخِلَهُ، وثَبَتْهُ بالقول الثابت، فإنَّهُ افْتَقَرَ إلى رحمَتِكَ، واستَغْنَيْتَ عنه، وكان يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا أَنتَ فاغْفِرْ له، ولا تَحرِمْنَا أَجْرَهُ، ولا تَفْتِنَا بَعْدَهُ). ومحلّ هذا الدعاء بعد التكبيرة الرابعة؛ لأنه دعاء للميت إن أوجبنا الدعاء له ثُمَّ وإلا فحيثُ شاء.
ص: 276
(والصلاة على مَنْ نَقَص عن سِتِّ) سنين (إذا وُلِدَ حيّاً) في أشهر القولين (1).
(وتلافي) الصلاة على (من لم يصلّ عليه) هذا المصلّي (بعد الدفن، وخصوصاً إلى يوم وليلة)، أمّا لو لم يصلّ على الميّت فإنّ الصلاةَ عليه واجبةٌ وإِنْ دُفِنَ.
(والنهي عن تثنيِة الصلاة) على الميّتِ الواردِ في بعض الأخبار (2) (حُمِلَ على الجماعةِ)، والحامِلُ ابن إدريس (3) (لا الفرادى)؛ جمعاً بين النهي المذكور وما وَرَدَ مُستفيضاً من تكرارِ الصحابة الصلاةَ على النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم فرادى (4)، وما روي عن الصادق علیه السّلام أنّ رسولَ الله صلى الله عليه و آله و سلّم أَمَرَ به في الصلاة على بعض الجنائز (5).
وردّ المصنّف في الذكرى (6) هذا الحَمْلَ برواية الحلبي عن الصادق علیه السّلام قال: «كَبَّرَ أمير المؤمنين علیه السّلام على سهل بن حُنَيْف وكان بَدْرِيّاً خمسَ تكبيرات، ثمّ مَشَى سَاعَةً، ثمّ وضَعَهُ وكبَّرَ عليه خمسَ تكبيراتٍ أُخرى، وَصنَعَ ذلك حتى كبَّرَ عليه خمساً وعشرين تكبيرة» (7).
وخبر أبي بصير بصير عن الباقر علیه السّلام مثله، وزاد أنّه «كان كلّما أَدْرَكَهُ الناسُ قالوا: يا أميرَ المؤمنين لم تُدرِكِ الصلاةَ على سَهلٍ، فيضعه ويكبّر حتّى انتهى إلى قبره خمس مرّات» (8)، وغيرهما من الأخبار (9).
ص: 277
وربما حُمِلَ النهيُ على ما إذا نافى التعجِيلَ إنْ أُريد به الكراهة، وعلى ما إذا خِيفَ ضَرَرُ الميّت إن أُريد به التحريم، وعليهما ينتفي النهيُ بعد الدفن.
(وتقديم الأولى بالإرث) بمعنى كون مُباشَرته أفضلَ من إذْنِه لغيره مع استجماعه الشرائط الإمامة؛ لاختصاصه بمزيدِ الرِقَة التي هي مظنّةُ الإجابة، وإنّما يكونُ أولى بالتقديم مع صلاحيّته للإمامة وإلّا توقّف على إذنه، فإنْ امْتَنَعَ أو غابَ سَقَطَ اعتبارُهُ.
ولو تعدّد الأولى بالإرث فالذَكر منهم أولى من الأُنثى، والكبير من الصغير، والأب من الابن، ومَنْ يَمُتُّ بالأبوين من أحدهما، والأكثر نصيباً من الأقلّ، كالعمّ من الخال، كذا ذكره جماعة من الأصحاب (1). و المُستَنَدُ في بعض موارده غيرُ معلومٍ.
(والزوج أَوْلى) مِن كُلِّ وارثٍ.
(ولو اجتمعوا) أي الأولياء المتعدّدون في مرتبةٍ واحدةٍ (قدّم الأفقه) منهم، وهو الأعلمُ بفِقهِ الصلاة. والمشهور تقديمُ الأقرأ كاليوميّة (2)؛ لعموم قول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «يَؤُمُّكُم أقرأُكُم» (3).
ووجه تقديم المصنّف الأفَقَهَ هنا سقوط القراءة، فلا مزيّة في المتَّصِفِ بها، وبه أفتى المحقّق في الشرائع (4)، واستَوْجَهَهُ في الذكرى (5).
فإن تساووا في الفقه ( فالأقرأ ) أي الأحسنُ أداءً ، والأعرف بأصول القراءة وأحكامها.
ص: 278
فإن تساووا فيهما (فالأسنّ) في الإسلام؛ لِما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «لا تُرَدُّ دَعْوَةُ ذي
الشيبة المسلم» (1).
وفي دَلالَتِه على مطلوبهم نَظَرٌ؛ إذ لا يلزم من كونه أسَنّ شيبة قربه منها.
فإن تساووا فيها (فالأصبح) وجهاً؛ لدلالته على مزيد عناية الله تعالى به، وفي حكمه الأصبح ذكراً؛ لقول عليّ علیه السّلام: «إنّما يُسْتَدَلُّ على الصالحين بما يُجري اللهُ لهم على السِنَةِ عبادِه» (2).
واقتصر جماعة (3) من هذه المرجّحات على الثلاثة الأُولى وتَعْدِيَتُهُ إلى الأم الأصبح والنظر إلى المأخَذِ يوجِبُ التعدّي إلى جميع مرجّحات الإمامة اليوميّة، ومع التساوي في جميع ما يعتبر فيها يُقْرَعُ.
(والهاشمي أولى) من غيره، والأَولى أنْ يُرادَ بأولويّته بالنظر إلى هذه المرجّحات لا من الوليّ القريب، ويمكنُ أنْ يُرادَ مطلقاً، وإنّما يكون أَوْليَ إِذا قدَّمَهُ الولي فيُستحبّ له تقديِمُه.
ويظهرُ من الذكرى (4)، ضُعْفُ الترجيحِ به؛ لضُعفِ مأخَذِهِ.
(وإمامُ الأصل) علیه السّلام (أَوْلَى مطلقاً) من القريب وغيره؛ لقيامه مقام النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم الذي
هو أولى بالمؤمنين، وللأخبار (5).
وفي توقّفه مع ذلك على إذْنِ الوليّ قولان، فإن قلنا به وَجَبَ على الولي الإذن؛ تحصيلاً للغرض، فإن امتَنَعَ سَقَطَ اعتبار إذْنِهِ.
ص: 279
(ووقوفُ الإمام وسط الرجل و) حِذاءَ (صدرها ) أي المرأة بقرينة الرجل؛ للأمرِ بذلك فيما رُوِيَ عن عليّ علیه السّلام (1). (ويَتَخَيَّرُ في الخُنثى) المُشكِل؛ لاشتباءِ الحال وانحصاره فيهما، (ونَزْعُ نَعْلِهِ وخُصوصاً الحِذاء)؛ للنهي عنه عن الصادق علیه السّلام (2)، (أمّا الخُفّ، فجائزٌ)؛ لقوله علیه السّلام في الرواية «لا تُصَلِّ على الجنازة بحِذاءٍ ولا بأس بالخُفّ» (3). وإنّما جَعلَ الخُفَّ جائزاً؛ لعدم دلالةِ الحديث على نفي كراهَتِهِ صريحاً، فإنّ نَفْي البأس قد يُجامِعُ الكَراهَة وإِنْ خَفَّتْ.
وفي المعتبر (4) استحبّ الحَفاءَ ؛ لحديث «مَن اغْبَرَّتْ قَدَماهُ في سبيل الله» وقد تَقَدَّمَ (5).
(ولزومُ) المصلّي (موقِفَهُ حتَّى تُرفَعَ) الجنازةُ إماماً كان أو مأموماً، وخصَّهُ المصنّفُ في الذكرى بالإمام (6)؛ لِما رُوِيَ عن عليّ علیه السّلام أنّه كان إذا صلّى على جنازة لم يَبْرَحْ من مُصَلّاهُ حتّى يراها على أيدي الرجال (7).
ودَلالته على التعميمِ أَولى؛ للتأسّي.
نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استُثنِيَ منهم أقلّ ما يُمكِنُ به رفعُ الجنازة.
(ووقوف المأموم الواحد من وراء الإمام) بخلاف اليوميّة، فإنّه يَقِفُ عن يَمِينِهِ، والفارِقُ النَصُّ ، قال الصادق علیه السّلام هنا في الاثنين: «يقوم الإمام وحدَهُ والآخَرُ خَلْفَهُ ولا يقومُ إلى جَنبِه» (8).
ص: 280
(ومحاذاة صَدْرِها وسطه لو اتّفقا) أي اجْتَمَعا ليصلّي عليهما دفعةً لِيَقِفَ الإمامُ منهما مَوقِفَ الفضيلة.
(وتقديمه) أي الرجل (إلى) جانب (الإمام وتقديمها) إلى جانب الإمام (على الطفل) لو جامَعَها.
والمراد بالطفل ما نقص سِنُّه عن ستٍّ لتكون الصلاة عليه مستحبّة، ويقدّم عليها الواجبة، أمّا لو وَجَبَتْ عليه قُدِّمَ على المرأة، وأطلقَ جماعةٌ تقدِيمَها عليه (1).
(لا على العبد) البالغ (و) لا على (الخُنثى ، ولا الخنثى على العبد)، بل يُقَدّم العبد عليهما وإن كان أنقصَ مَرْتَبَةً بسبب وجوبِ الصلاةِ عليه، وعلى الخُنثى؛ لاحتمالِ انوثِيَّتِهِ.
وخلاصةُ الترتيب أنْ يُجعلَ الرجل مِمّا يلي الإمام، ثمّ الصبي لس، ثمّ العبد البالغ ، ثمّ العبد لست ، ثمّ الخنثى البالغ، ثمّ الخنثى الحُرّة لست ، ثم الأمة، ثم المرأة الحُرّة، ثمّ الأمة، ثمّ الطفل الحرّ لدون س، ثمّ العبد كذلك، ثمّ الخُنثى كذلك، ثمّ الطفلة كذلك، ويُراعى الصدر والوسط في الذكور والإناث. وتقديم الأفضل من الصف الواحد أو المتعدّد ممّا يلي الإمام (ومَعَ التساوي) في الفضيلة (القرعة).
ولو اختلَفت الفضيلةُ كالعلم والعمل قُدِّمَ الأعلم.
وينبغي الترجيح مع التساوي بفضيلة النَسَب؛ لعموم الخبر (2)، (وتَفرِيقُ الصلاةِ على
ص: 281
كلّ واحد)؛ لِما فيه من تَكرارِ ذِكْرِ الله، وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم إلا أنْ يُخافَ حُدوتُ أمر بالميت المتأخر، فالواحدة أولى.
(وأقلّه) أي التفريق مع الأمن أنْ يُصلِّي (على كلِّ طائفة)، فيجعل للرجال صلاة، وللنساء صلاة، وللأطفال الذين لا تجب عليهم الصلاة صلاةً خصوصاً الأخير؛ لاختلاف الوجه، وحيث تُجمَعُ على متعدّدٍ يُجتزأ بتكبير واحد ودعاء واحد كالصلاة على واحد، لكن يُراعى تثنية الضمير وجَمْعُهُ وتذكيرُهُ وتأنيتُهُ، ومع الاجتماع يُرَبَّحُ التذكير تغليباً أو مؤوّلاً بالميّت.
ولو اختلفوا في الدعاء كما لو كان فيهم مؤمن وطفل ومجهول، دعا لكلّ واحد بما هو وظيفته.
(وتقديمها على الحاضرة مع الخوف على الميّت)، ومع عَدَمِه تقديم الحاضرة إلّا أنْ يَضِيقَ وَقْتُها فَتُقدَّم.
والحاصل أنّ مع تضيّقِ أحدهما يُقدّم المضيَّقُ، ومع سعة وقتهما تقدم الحاضرة؛ لأفضليتها، وعُموم أحاديث أفضل الوقت (1)، وقول الصادق علیه السّلام : «إذا دَخَلَ وقت مكتوبة فائدأ بها قبل الصلاة على الميّت إلا أنْ يكونَ مَبطُوناً أو نفساء أو نحو ذلك» (2).
والاستثناء إشارة إلى تقديم الجنازة مع تضيقها خاصة، ومع تضيقهما قيل: تقدّم الحاضرة (3)؛ لأنّ الوقت لها بالأصالة، ولأفضليتها، ولأنّ الصلاة على الميت بعد الدفن يمكنُ استدراكُها.
وقيل : تُقَدَّمُ الجنازة (4)؛ مراعاةً لحقّ الآدمي كَمُنْقِذِ الغير من الغَرقِ عند ضيق الوقت، وخصوصاً مع عدم إمكان دفن الميت قبل صلاة الحاضرة واستلزامه المُثلَة به.
ص: 282
ويُفهم من العبارة أنّ تقديمها على الحاضرة حينئذٍ على وجه الاستحباب مع أنّه لم ينقل القول بذلك عن أحدٍ، وإنّما الخِلافُ في الوجوب وكأنه حاول بذلك الجَمْعَ بين الأدّلة والأخبار.
(وأنْ لا تفعلَ في المسجد)؛ للنهي عنه في خبر العلوي عن الكاظم علیه السّلام (1). ولا فرق بين مسجد الكوفة وغيره
(وقصد الصفّ الأخير) مطلقاً بخلاف اليوميّة؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «خيرُ الصفوف في الصلاة المُقَدَّمُ، وفي الجنازة المؤخَّرُ؛ لأنّه سُتْرَةٌ للنساء» (2).
(وانفراد الحائض) سواء كانت واحدة أم أكثر (بصفّ)؛ للإجماع.
(وتشييع الجنازة) وهو المَشْيُ معها إلى حُفْرَتِها أو إلى المُصلَّى، وليَكُنِ المشيُ (وراءها أو جانِبَيْها). قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا سنة أهل الكتاب» (3)، وعن أبي جعفر علیه السّلام: مَنْ أَحبَّ أنْ يمشي مَشْيَ الكرام الكاتبين فَلْيَمْشِ جَنْبَي السرير» (4).
(والتفكَّرُ فى أمر الآخرة) والاتّعاظُ بالموت، (وإعلام المؤمنين) بموته؛ ليَتَوَفَّرُوا على الحضور ويفوزوا بأخره ويفوز هو ببركة دعائهم.
قال الصادق علیه السّلام: «ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت يَشهدُونَ جنازَتَهُ، ويُصلّون عليه، ويستغفرون له، فيُكتَبَ لهم الأجر وللميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار» (5).
ص: 283
ولو كان حوله قرى أُوذِنُوا كما فَعلَ الصحابة في إيذانِ قُرى المدينة لِمّا مات رافع بن خديج (1).
وينبغي مراعاة الجمع بين السببين فيؤذن من المؤمنين والقرى من لا ينافي التعجيل وتربيعها وهو حملها بالأركان (الأربعة كيف اتفق، وأفضله التناوب، فيحمل الواحد بالجوانب الأربعة.
قال الباقر علیه السّلام : «من حمل جنازةً من أربع جوانبها غفر له أربعون كبيرة» (2).
وعن الصادق علیه السّلام : «من أخذ بقوائم السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة، وإذا ربّع خرج من الذنوب» (3).
وأفضله أنْ (يبدأ بالأيمن) من جانب السرير، وهو الذي يَلِي يسار الميّت فيحمله بالكتف الأيمن، ثمّ ينتقل إلى مؤخّر السرير الأيمن، فيحمله أيضاً بكتفه الأيمن، (ثمّ يدور من ورائها إلى) مؤخّر (الأيسر)، فيحمله بالكتف الأيسر، ثمّ ينتقل إلى مقدّمها الأيسر، فيحمله بكتفه الأيسر أيضاً.
(و) أنْ (يقول) عند مشاهدةِ الجنازة ما رُويَ عن عليّ بن الحسين علیهما السّلام أنّه كان يقول إذا رأى جنازةً: «الحمدُ لله الذي لم يَجعلْنِي من السواد المُخترم)» (4) والمراد بالسواد الشخص، والمقصود هنا جنسه، وبالمخترم الهالك أو المُستَأْصَلُ، والمعنى على الثاني واضح، وعلى الأوّل يكون الحمد لله على البقاء إما تفويضاً إلى الله سبحانه وتعالى والرضى بقضائه، فإنّه لمّا أحب بقاءَهُ أبقاه وأحبّ إماتة المشاهد أماته، فحمد الله على الواقع المقضي ، وهو مِنْ أعلى الدرجات وإمّا حَمْدٌ على ما يُوجِبُ الازدياد في الطاعة
ص: 284
والاستعداد للدار الآخرة، وهو أمر مطلوب.
ومن ثَمَّ وردَ في الخبر: «بقيّةُ عمرِ المؤمن لا ثمنَ لها، يُدرِكُ بها ما فاتَ، ويُحيي بها ما مات» (1). وحينئذٍ فلا ينافي حبُّ البقاء على هذا الوجه حبَّ لقاءِ الله تعالى، ولا يستلزم ذلك كراهة لقائه الموجب لكراهة الله تعالى لقاءه كما ورد في خبر (2) آخر؛ لأنّ المستعِدَّ للقائه بما يوجِبُ الرضى غيرُ كارهٍ له، ومن البيِّنِ أنْ حُبَّ لقاء أمرى غيرُ منافٍ للاستعداد له، بل يقتضِيهُ.
وفي الخبر تَصريحٌ بأنّ حُبَّ اللقاء المطلوب وكراهته عِندَ خُروج الروح ومعاينة الملائكة المُبَشِّرَة والمُنْذِرَة لا قَبْلَ ذلك.
(و أنْ لا يجلس) المشيّعُ (حتّى يُوضَع) الميّتُ في قبره؛ لقول الصادق علیه السّلام: «ينبغي لِمَنْ شيَّع جنازة أنْ لا يجلسَ حتَّى يُوضع في لَحْدِهِ» (3).
(و أنْ لا يمشي أمامها)؛ لِما تَقدّم، ولا يَركبَ)؛ لقول الصادق علیه السّلام: «مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فخرج رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، في جنازته يمشي، فقال له بعض أصحابه ألا تركب يارسول الله؟ فقال: إنّي لأكرَهُ أنْ أركب والملائكة يمشون» (4) (إلّا لضرورة)؛ ولقول عليّ علیه السّلام : «إني لأكرَهُ الركوب معها إلا من عذرٍ» (5) والحكم مخصوص بالذهاب فلا يكره الركوب في الرجوع.
(ولا يَتَحَدَّثَ في أُمور الدنيا، ولا يضحكَ، ولا يرفَعَ صَوْتَهُ)، بل يُلزِمُ قَلْبَهُ التَفَكَّرَ في حاله والتخشع، روي أن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أو عليّاً علیه السّلام شيّع جنازة فسمع رجلاً يضحك، فقال:
ص: 285
«كأنّ الموتَ فيها على غيرنا كُتِبَ» (1). الحديث.
(المبادرة في أوّل الوقت في المعيّن)؛ للأمر بالمسارعة إلى سبب المغفرة الذي أقلّ مراتبه هنا الندب (وأوّل) أوقات (الإمكان في) النذر (المطلق)، وإنّما لم يقيّد بالإمكان في المعيّن مع أنّه مُعتبرٌ فيه أيضاً؛ لأنّ الوجوب فيه مشروط بإمكانه، فلو لم يُمكن سقط الوجوب وإن أمكن بعده بخلاف المطلق؛ فإنّ المعتبر فيه الإمكانُ في أي وقت كان من العمر، فلذا غايَرَ بينهما وإن كان الإمكان مشترك الاعتبار.
(وقضاء فائت النافلة) المؤقّتة مطلقاً (وآكده الراتبة اليوميّة.
روى عبد الله بن سنان وغيره عن أبي عبد الله علیه السّلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرَتِهِ كيف يصنعُ ؟ قال: «فلْيُصَلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرَتِهِ فيكون قد قضى بقدر ما عليه قلت فإنّه ترك ولا يقدر على القضاء من ،شغله :قال إنْ كان شغله في طلب معيشة لابد منها أو حاجةٍ لأخ مؤمن فلا شيء عليه، وإن كان شغله للدنيا وتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لَقِيَ الله تعالى مستخفّاً متهاوناً مضيّعاً لسُنّة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم» (2).
وعنه علیه السّلام : «إنّ الربّ ليعجب ملائكته من العبد من عباده يراه يقضي النافلة فيقول: عبدي يقضي ما لم أفترض عليه» (3).
ص: 286
(والمسارعة إلى قضاء فائت الفريضة)؛ للأخبار الكثيرة الدالة على الأمر به (1)، المُنزَّل على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على جواز التراخي (2).
(و عدم الاشتغال بغير الضروري) فيهما كالأكل والشرب والنوم وغيرها.
(والوصيّة بالقضاء لِمنْ حَضَرَهُ الموتُ قبله)؛ محافَظَةً على تخليص الذمّة من عُهْدَتِهِ.
ولَمّا استَشْعَر المصنّف هنا إيراداً بأن الوصيّة بالواجب واجبةٌ فكيف تجعل هنا من قَبِيل السُنن؟! فأجاب بقوله: (وإن وجب ذكره للوليّ).
وحاصله منع وجوب الوصيّة بذلك عيناً، بل الواجب ذكره للوليّ ليَقْضِيَهُ عنه، أمّا الوصيّة، فإنّها استظهار زائد على الواجب.
وإطلاق قولهم: «إنّ الوصيّة بقضاء الواجب واجبة» مقيَّد بمن ليس له وَلِيٌّ، أوأطلق على ذكره للولي وصيّة؛ لأنّ المُرادَ بالوصيّة به الأمرُ بفعله بعد الموت أعم من كون المأمور وليّاً وغيره. لكن لا يخفى أنّ ذكره للولي أعم من أمره بالقضاء، بل يكفي فيه مجرد إعلامه بالفائت فكأنّ ما ذَكَره المصنِّفُ أَوْلى.
(وفعل المنذور القلبي والمنذور في حال الكفر) والنذر غير المتقرب به، هذه الثلاثة يستحبّ الوفاء فيها بالنذر، وما عداها يجب، (وقضاء العيد أربعاً على رواية) أبي البختري عن الصادق علیه السّلام (3)، والرواية مع ضعف سندها (حُمِلَتْ على مَنْ لا يُحسِنُ القنوت والتكبير)، والأصحّ عدم قضاء العيد مطلقاً.
(ولو لم يقض الراتبة تصدّق عن كلّ ركعتين) من الفائت ليلاً ونهاراً (بِمُدّ،
ص: 287
فإِنْ عَجَزَ فعَنْ كلّ أربع) ركعات بمُدّ، ثمّ عن صلاة الليل بمُدّ، وعن صلاة النهار بمُدّ، (ثمّ عن كُلّ يوم وليلة بمُدّ. وفي الرواية) المشتملة على هذا التفصيل - وهي رواية عبد الله سنان السابقة - (1) (تَفضِيلُ الصلاة) على الصدقة (ثلاثاً) أي قال ذلك الصادق علیه السّلام ثلاث مرات وصورة لفظه والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل».
(والصدقة في الفائتة لمرض أولى من القضاء)؛ جمعاً بين ما سبق وبين قوله علیه السّلام في رواية العيص بن القاسم - فيمن اجتمع عليه صلاة من مرض : «لا يقضي» (2)، وقول الباقر علیه السّلام له في رواية محمّد بن مسلم في مريض ترك النافلة: «إنْ قضاها فهو خَيرٌ له وإنْ لم يفعل فلا شَيْءَ عليه» (3).
(وقضاء المُعْمَى عليه بعد الإفاقة صلاة ثلاثة أيّام وأقله يوم وليلة) للرواية (4)، وروي أنّه يقضي صلاة شهر (5)، وروي أنّه يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه (6). وكان ينبغي جعل تلك سُنناً؛ لأنّ المُسْتَنَدَ متقارِبٌ.
(وتقديم قضاء النافلة) الليليّة (أوّل الليل ، وأداؤها آخره، وتخفيف الخائف) أداءً وقضاء. والغرض هنا القضاء؛ لأنه من أفراد الملتزم.
(ونيّة المقام للمسافر عشراً مع الإمكان) ليصلّي تماماً، (والإتمام في الحرمين) الشريفين بمكّة والمدينة، (والحائرين) أي الحائر ومسجد الكوفة، ثنّاهما باسم
ص: 288
أحدهما؛ تغليباً مع ظهور الأمر، فإنه وإن جاز فيها القصرُ على الأصل فإنّ الإتمام أفضلُ الفردَيْنِ الواجِبَيْنِ على التخيير (وجَبْر) الصلاة (المقصورة) وهي الرباعية (بالتسبيحات الأربع) عقيبها (ثلاثين مرّة).
وأطلق بعضُ الأصحاب جَبْرَ صلاة السفر بها (1)، والأوّلُ أَتْبَتُ؛ لأنّه صريح الرواية (2).
(وتختصّ الفرائض) مطلقاً، (و) صلاة (الاستسقاء والعيد والغدير) عند أبي الصلاح (3) (كما مرّ) في صدر الرسالة (باستحباب الجماعة) فيها، (وتتأكّد في الفريضة، فعن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: لا صلاةَ لِمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلّا مِن علّةٍ) (4) والمراد نفي الكمال لا نفي الصحّة؛ لإجماعنا على صحة الصلاة فرادی.
نعم ذهب جماعةٌ من العامّة إلى وجوبها كِفايةً (5)، وآخرون إلى وجوبها عيناً (6)، واحتجّوا له بهذا الحديث، وإنّما حملناه على خلاف ظاهره؛ جمعاً بينه وبين ما وَرَدَ من الأخبار صريحاً في الاستحباب كرواية زرارة قلنا له: الصلاة في جماعة أفريضة هي؟ قال: «الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها، ولكنّه سُنَّة، مَن تَركَها رغبةً عنها وعن جماعة المؤمنين من غير عِلَّةٍ فلا صلاة له» (7).
ص: 289
نعم لو أدّى تركه إلى الاستهانة بها، أو تركها ابتداءً مستهيناً توجَّهَ نفي الصحّة؛ لإفضائه إلى الكفر بالله تعالى.
ومن جملة العلّة كون إمام المسجد غيرَ مَرضيّ كما ورد في الرواية (1)، والتقييد بالمسجد؛ بناءً على الأغلب من وقوع الجماعة فيه، وإلا فالنفي المذكور متوجه إلى مطلق الفرادي، (وعنه صلّی الله علیه و آله و سلّم: الصلاة جماعة ولو على رأس زُجّ) (2) - بضمّ الزاي والجيم المشدّدة - وهو الحديدة في أسفل الرمح والعنزة، وهذا على طريق المبالغة في المحافظة عليها مع السعة والضيق نظير قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة الله له بيتاً فى الجنّة» (3). والصلاة منصوبة بتقدير احضروا ونحوه، أو مرفوعة على بنی الابتداء.
(وعنه صلّی الله علیه و آله و سلّم: إذا سُئلت عمّن لم يشهد الجماعة فقل : لا أعرفه) (4) أي لا تُزَكِّه بالعدالة وإنْ ظَهر منه المحافظة على الواجبات وترك المنهيات؛ لتهاونه بأعظم السنن وأجلها، وعدم المعرفة له كناية عن القدح فيه بالفشق وتعريض ،به، وقد وقع مُصَرَّحاً به في حديث آخر رويناه عن الصادق علیه السّلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قال: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يصلّ في لمسجد مع المسلمين إلّا من علّة، ولا غِيبَةَ لِمَنْ صلّى في بيته ورغب عن مع جماعتنا، ومَنْ رغب عن جماعة المسلمين سَقطَتْ عدالته ووَجَبَ هِجرانه، وإنْ رُفِعَ إلى إمام المسلمين أنذَرَهُ وحَذَّرَهُ، ومَن لَزِمَ جماعة المسلمين حَرُمَتْ عليهم غيبَتُهُ عدالَتُهُ» (5).
ص: 290
(وعن الصادق علیه السّلام: الصلاةُ خَلْفَ العالم بألف ركعةٍ، وخلفَ القرشي بمائة، و خلفَ العربي خمسون، وخلفَ المولى خمس وعشرون) (1).
والمراد بالعالِم هنا العالم بالعلوم الدينيّة والأحكام الشرعيّة، كالعلم بالله تعالى وبكتابه وسنة نبيه، وما يتوقف عليه من المقدّمات والعلم بكيفية طهارة القلب وتزكية النفس مع استعمالها على وجهها لا مطلق العالم كما نبه عليه صلّی الله علیه و آله و سلّم في قوله: «علماء كأنبياء بني إسرائيل» (2)؛ فإنّ العلماء لا يشبهون الأنبياء إلا على الوجه الذي ذَكَرْناهُ، وقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «العلماءُ وَرَثَةُ «الأنبياءِ» (3)؛ فإنّ الأنبياء لمْ يُوَرّثوا مجرّد الرسم، وغير مَنْ ذكر من العلماء لا تعلّق لهم بوراثة الأنبياء، بل هم إلى خلافة أضدادهم أشبَهُ وإليهم أميَلُ.
وأوضحُ دَلالة في ذلك قوله تعالى: «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ» (4) حصر الخشية فيهم على وجه العموم، وهو يدلّ على أنّ العِلْمَ الذي لا يوجِبُ القُربَ إلى الله تعالى والخَشْيَةَ منه لا يكون عِلماً على الحقيقة، وظاهر أنّ مُطلَقَ العلم لا يوجِبُ ذلك، إنّما يوجِبُهُ ما ذكرناه، بل القسم الأخير منه وأما ما قبله، فهو من شرائطه ومقدّماته.
والمراد بالقرشي المنسوب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة جدّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، والسادة الأشراف أجلُّ هذه الطائفة والعربي المنسوب إلى العرب يقابل العَجَمِي، المنسوب إلى غير العرب مطلقاً، والمولى يُطلق على معان كثيرة، والمراد منها هنا غير العربي بقرينة ما قبله.
وكثيراً ما يطلق المولى على غير العربي وإن كان حُرّ الأصل ويقال: فلان عربي وفلان من الموالى.
ص: 291
وعليه حُمِلَ أيضاً قول الشاطبي (1) في وصفه أئمة القراءة: إنّ أبا عمر وابن عامر عربيّان وباقيهم موالي.
وما أحسنَ ما جَمعَ المصنّف في هذه الأحاديث من الترهيب من تَرْكِها أولاً ثمّ الترغيب فيها ثانياً كما هو اللائق بالمقام.
(ويعتبر إيمان الإمام) والمراد به هنا: الإيمان الخاصّ، وهو كونه - مع إسلامه وإيمانه العامّ الذي هو التصديق القلبي - إماميّاً.
(وعدالته) بأن يكون معه مع الإيمان مَلَكَة راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمُروّة بحيث لا يفعل كبيرة، ولا يُصرُّ على صغيرة، ولا يرتكب ما يُؤْذِنُ بخَساسَةِ النفس ويدلّ على المهانة ممّا لا يَليقُ بعادة أمثاله بحسب زمانه ومكانه من الأفعال المُباحة والمكروهة في نفسه وهيئته.
(وختانه) مع إمكانه، ولذلك غايَرَ شَرْطَ العدالة، فإنّ تَرْكَ الختان إنما يوجِبُ الفِسَقَ مع الاختيار.
ويُعتبر الختان فى مطلق الإمام ذكراً كان أم خنثى إلّا المرأة)؛ فإنّ الختان فيها غيرُ شرط، لكنه فضيلةٌ وسنّة.
(وطهارة المولد) بأن لا يكونَ ولَدَ زنى على الحقيقة، أمّا وَلَدُ الشبهة ومَن تنالُهُ الألسن، فإمامَتُه جائِزَةٌ.
(والعقل) حالة الصلاة، فلا يقدح الجنون أدواراً مع السلامة حالتها وإن كان مكروهاً.
(والبلوغ) مع كون الصلاة فريضةً (إلّا الصبيّ بمثله) فتصح إمامته له مطلقاً.
(والرواية) الواردة (بإمامة ذي العشر ) (2) مع إرسالها وضعف سندها (تُحمل على) إمامته في (النفل، وحملت) أيضاً (على الضرورة) وليس بجيّد.
ص: 292
(والذكورة إذا أمَّ مثله) ذكراً (أو خنثى) أمّا لو أَمَّ امرأة لم تشترط، فيصحّ كون إمامها ذكراً أو خنثى.
(والإتيان بواجب القراءة) وهو ما يعتبر فيها شرعاً من إخراج الحروف من مخارجها وحركاتِ الإعراب والبناء ونحوها، فلا تصح إمامة اللاحن مع قدرته على الإصلاح مطلقاً، أما مع عجزه فتصح لمساويه في شخص اللحن والحرف الناقص لا بمخالفه وإن زاد لحن المأموم.
(والقيام) إذا أمَّ (بمثله) أمّا لو كان المأموم جالساً لم يُعتبر قيامُ ،إمامِهِ، وكذا باقي الحالات.
نعم يعتبر كون حالة الإمام مساوية لحالة المأموم في الرتبة أو أعلى، فتصحّ إمامة المضطجع لمثله وللمستلقي وهكذا.
(ومحاذاة المأموم موقف الإمام أو تقدُّمه) أي الإمام على المأموم (بعَقِبِه في) القول (الأصحّ) (1)، ونَبَّهَ بالأصحّ على خلاف ابن إدريس حيث اعتبر تأخّر المأموم (2)، ولم يكتف بالتساوي، وعلى خلاف العلامة حيث اعتبر عدم تقدم المأموم بالعَقِبِ والأصابع معاً (3).
ووجه التنبيه عليه أنّ المصنّف اعتبر أحد الأمرين إما تساويهما أو تقدّم الإمام بالعقب، وهو يشمل تساويهما في الأصابع وتقدّم الإمام بها، وتقدّم المأموم بأن يكون قدمه أطول، فعند المصنّف أنّ العَقِبَيْنِ متى كانا متساويين، أو عقب الإمام متقدّماً لم يضر تقدّم أصابع المأموم.
وبهذا الإطلاق صرَّحَ في الذكرى (4) فيكون الحُكْمُ باعتبار الشرط مطلقاً الشامل
ص: 293
الموضع النزاع مع العلّامة، تنبيهاً على خلافه.
وعلى القولين، فلو تقدّم عقب المأموم مع تساوي أصابعهما لم تصح القدوة؛ لفقد الشرط الذي هو مساواة المأموم لإمامه في العقب، أو تأخره عنه عند المصنف، وفقده الذي هو عدم التقدّم بالأمرين معاً عند العلّامة (1).
هذا كُلُّه بالنظر إلى الموقف، أمّا باقي الأحوال، فالظاهر أنّ حالةَ الركوعِ كحالةِ القيام، ولا اعتبار فيه بالرأس، وكذا السجود بالنسبة إلى الرأس، لكن ينبغي مراعاة أصابع الرِجل حينئذٍ.
وأمّا حالة التشهّد فيمكن اعتبارُ الأعجاز بدل الأعقاب ومقاديم الركبتين بدل الأصابع، ويتفرّع الحكم على القولين.
(وقُربه) أي قُرْبُ الإمام من المأموم (عادةً) أي في العادة، وإنّما يعتبر ذلك بين الإمام وأقرب مأموم إليه، وأما غيره، فيكفي قُربه من مثله كذلك، وعلى هذا، فيعتبر حكم كلّ صفّ مع ما قبله، ويشترط صدق المأمومية على الواسطة بالفعل، فلو كانت صلاته باطلةً لم تصح صلاة البعيد المتأخّر .
وهل تكفي القدوة كما لو تَحَرَّمَ البعيد قبل القريب ؟ وجه استقربه المصنّف في البيان (2).
ولو انتهت صلاة الواسطة بطلت قدوة المتأخّر ؛ لفقد الشرط، ووافق المصنّف على الحكم هنا.
وفي الفرق نظر .
(وانتفاء الحائل) بين الإمام والمأموم (إلّا) في المرأة) المصلية (خلف الرجل) فلا يعتبر انتفاؤه والمراد بالحائل المانع من القدوة هو الجسم المانع من الرؤية في جميع أحوال الصلاة مع كونه غير مؤتم، فلا تَقدَحُ الظُّلْمَةُ المانِعةُ ولا المَخرم (3)، ولا ما
ص: 294
يمنع قائماً أو قاعداً خاصّة، ولا حيلولة المأموم لِمَنْ خلفه مع مشاهدته لِمَنْ يشاهد من المأمومين بواسطة أو وسائط.
نعم، يُشترَطُ هنا وفي البعد علمه بانتقالات الإمام في ركوعه وسجوده وقيامه على وجه لا يؤدّي إلى التخلّفِ الفاحش المخرج عن حد القدوة عادةً.
واحترز بكون المرأة خلف الرجل عمّا لو أمَّتْ مِثلَها، فإنّ المُشاهَدَةَ مُعتَبَرَةٌ كالرجل.
وكذا لو اقتدَتْ ،بخنثى، والخنثى المأموم كالرجل.
(وانتفاء العلوّ) أي علوّ الإمام - المُحَدّث عنه فيما سبق الذي عادت إليه الضمائر - على المأموم بالمعتد به عرفاً بحيث يسمّى علوّاً عرفاً، وقُدِّرَ بما لا يُتَخطّى عادة، وهو قريب منه، وبشبرٍ وهو في رواية (1) ضعيفة.
(والمطلق بالمقيد. وتوافق نظم الصلاتين)، فلا يُقتدى في اليومية بالكسوف، ولا بالجنازة ولا العيد؛ لاستلزامه مخالفة المأموم لإمامه وإنما جعل إماماً ليؤتم به - أو أنْ يفعل أفعالاً خارجةً عن الصلاة.
و (لا) يعتبر اتفاقهما في (عددهما) سواء اتفقتا نوعاً أم صنفاً أم لا لإمكان المتابعة على التقديرين إلى تمام إحدى الصلاتين، فيجوز اقتداء مصلّي الصبح بمصلّي الظهر وبالعكس، والأداء بالقضاء وبالعكس.
(ومتابعة) المأموم (الإمام ولو مساوقة) بحيث يقارنه في الأفعال، والأفضل أنْ يتأخّرَ شُروعُه عن شروعه؛ لتتحقق المتابعة.
ويشمل إطلاق العبارة اعتبار المتابعة في الأقوال كالأفعال، وصرّح به في غير (2) الرسالة. والأقوى عدمه وإن كان أحوط وأفضل، (فيستمرّ المتقدّم) عليه في الفعل بأن ركَعَ أو سجد أو قام قبله (عامداً) في ذلك الفعل الذي سبق إليه إلى أنْ يلحَقَهُ الإمام، ( ويعود الناسي) إلى المتابعة، ويغتفر ما زاده وإن كان ركناً (ما لم يكثر كالسبق
ص: 295
بركعة، فينوي الانفراد)؛ لانمحاء صورة المتابعة عرفاً (مع قوّة الانتظار)؛ لإطلاق النص (1) بعدم تأثير ذلك التقدّم من العامد والناسي. ولو تَرَكَ الناسي العَوْدَ فكالعامد. ولو عاد العامد بطلت صلاته مطلقاً .
(والمتأخّر سهواً يخفّف) صلاته بأن يقتصر على أقلّ الواجب، (ويلحق) الإمام (ولو بعد التسليم، والفضيلة والقدوة باقيتان على الرواية) التي رواها خالد بن سدير عن أبي عبد الله علیه السّلام في رجل دخل في صلاة في جماعة، فسها إلى أنْ ركَعَ الإمام وسجد سجدَتَيْهِ ونهض للركعة الثانية وهو قائم قال: «يركع ويسجد سجدتيه، وليلحق بالإمام في حال قيامه في الركعة الثانية، فإن لحقه وقد ركع في الثالثة فقد لحق، وإنْ لحقه في سُجوده فقد لحق فيقضي أبداً ما فاته في حال سهوه وليدرج صلاته حتّى يلحق بالإمام ولو في حال تشهده ما لم ينصرف، فقد لحق وله فضل الجماعة وإذا لحقه وقد سَلَّم، وهو يقضي ركعة بعد ركعة والإمام يشرع بصلاته ولم يلحقه إلّا مِنْ بعد تسليمه فقد لحقه في كلّ صلاته وله فضل الجماعة» الحديث.
(وظاهرها سقوط القراءة) ؛ لقوله علیه السّلام: «فقد لحقه في كلّ صلاته».
(وتحريم المأموم بعده لا معه في) القول (الأصحّ)؛ لارتباط صلاته بصلاته ولم يحصل، ولأنّ الإمام إنّما جُعِلَ إماماً ليُتَّبَعَ، وهذا كالمستثنى من تجويز المساوقة فيما تقدّم.
(وتعيين الإمام) بالاسم أو الصفة ولو بكونه الحاضر، فلو نوى الاقتداء بأحدهما لم يصح وإن اتفقا فى الأفعال.
ولو عيّن فأخطأ تعيينه بطلت وإن كان الثاني أهلاً للإمامة.
ولو جَمَعَ بين الاسم والإشارة فأخطأ الاسم ففي ترجيح أيّهما قولان.
ص: 296
(ونيّة الاقتداء) من المأموم، فلو تركها فهو منفرد، فإن ترك القراءة عمداً أو جهلاً وركع بطلت صلاته حينئذ، أما نية الإمام، فمستحبّةٌ حيثُ تُستحبُّ الجماعة.
(واشتراط اثنين فصاعداً) أحدهم الإمام والثاني مؤتمّ وإن كان امرأة أو صبيّاً مميّزاً.
وما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلّم في حديث الجهني مِنْ أنّ المؤمن وحده جماعةٌ (1)، فالمراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها إذا تعذَّرَتْ عليه كما أَشْعَرتْ به الرواية (إلّا في واجبها بالأصالة) كالجمعة والعيدين فلا يكفي الاثنان، بل تعتبر الخمسة أو السبعة.
(وإدراك الركوع مع ركوع الإمام) بأنْ يَصِلَ إلى حَدّ الراكع قبل أن يأخذ الإمامُ في الرفع منه وإن لم يجتمعا في الذكر الواجب، وهذا شرط لإدراك الركوع لا الجماعة، فإنّها تحصل بإدراك جزء من الصلاة فمُدْرِك (السجدتين بحيث يسجدهما مع الإمام (يستأنِفُ) الصلاة بعد تسليمه أو قيامه.
أمّا لو أدركهما ولم يسجد معه كأنْ كَبَّرَ قبلهما وانتظره جالساً أو قائماً إلى أن يسلّم أو قام - بنى على التكبير .
ولو أدرك سجدةً واحدة بالمعنى الأوّل، ففي الاستئناف قولان أجودهما وهو الذي اختاره المصنف الاستئناف.
(ومدرِك القعدة) من غير سجود (يبني) على تكبيرة (ولو تشهّد) معه، ثمّ إنْ كانت القعدة الأخيرة قام إلى صلاته بانياً على التكبير بعد تسليم الإمام، وإن كانت غيرها تابع الإمام، وجعلَ الركعة المتعقبة للجلسة أوّلَ صلاتِهِ.
فالحاصل أنّ مَنْ تحرَّمَ بالصلاة بعد ركوع الإمام يتخير بين أن يجلس ويتابعه في أفعال الجلوس وهو الأفضل، ثمّ يستأنف إنْ سَجَدَ، وإلا فلا، وبين أن يجلس ولا يتابعه في السجود فيبني وإن تشهد معه، وبين أن يَستمرَّ قائماً إلى
ص: 297
أنْ يسلَّمَ الإمام أو يقوم فيتابعه فيما بقي ويجعله أوّلَ صلاته، وهو أدْوَنُ الثلاثة فضلاً.
(ووظائفها) أي الجماعة (مع ذلك) المذكور من الشرائط والأحكام (مائة وخمس فعلها في المسجد (الجامع) أي الذي يجمع فيه أهل البلد جمعة وجماعة.
(و) فعلها (في الأجمع) أي الأكثر جمعاً مع التعدّد.
وكذا يرجح المسجد بأفضلية إمامه بورع أو فقه أو قراءة أو غيرها من المرجحات، فقد ورد عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : مَنْ صَلَّى خَلْفَ عالمٍ فَكَمَنْ صلى خلف رسول الله » (1) وتقدّم فيه خبر (2) آخر.
ولو تساوَتْ في المرجّحات، فهل الأقرب إلى المسجد أولى مراعاة للجواز أو الأبعد مراعاةً لكثرة الخُطا؟ نظر، أقْرَبُه الأول؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «لا صلاةَ لجار المسجد إلّا فيه» (3).
ورُوي عن أبي عبد الله علیه السّلام : «أن المساجِدَ شَكَتْ إلى الله تعالى الذين لا يَشْهَدُونَهَا من جيرانها، فأوحى الله تعالى إليها : وعِزَّتي وجلالي لا قَبلْتُ لهم صلاة واحدة، ولا أظْهَرْتُ لهم في الناس ،عدالة، ولا نالتهم ،رحمتي، ولا يجاوروني في جَنَّتي» (4).
(و) فعلها في (مسجد لا تتمّ جماعته إلّا بحضوره) بأنْ لا يكونَ له إمام غيره أو تكثر الجماعة بحضوره أو نحو ذلك؛ ليجتمع له مع الجماعة إعانة مَن فيه عليها و مسجد العامة؛ ليخرج بحسناتهم إذا صلّى معهم منفرداً، وتابعهم في أفعالهم مُظهراً الاقتداء بهم، ويغفر له بعدد من خالفه روي ذلك عن الصادق علیه السّلام (5) في أخبار متعدّدة.
ص: 298
وفي بعضها «أنّه كَمَنْ صلى خلف رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم» (1).
(وإعادة المنفرد) صلاته (جماعة و) كذا (الجامع في قول قويّ، إماماً) كان في كلّ واحدة منهما (أو مأموماً)؛ لإطلاق النصوص (2) باستحباب إعادة المصلّي من غير تفصيل. والأقوى استرسال الاستحباب؛ لعموم الأدلّة.
ثمّ على اعتبار نيّة الوجه ينوي المعيد الندب؛ لبراءة ذمّته بالأولى.
ولو نوى الوجوب صح أيضاً؛ لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثمّ يجد جماعة قال: «يصلّي بهم، ويجعلها الفريضة إن شاء» (3).
وربما أشكل ذلك بأنّ النية حينئذٍ غير مطابقة للواقع، وعلى ما اخترناه من عدم اعتبار التعرّض للوجه يسهل الخطب فينوي الصلاة المعيَّنة متقرّباً.
(والاقتداء بإمام الأصل أو نائبه ثمّ الراتب) لإمامة المسجد ونحوه، (وصاحب المنزل) سواء كان مالكاً لعينه أم لمنفعته حتّى المستعير (و) صاحب (الإمارة) العادلة.
والمراد باستحباب الاقتداء بالثلاثة كونهم أولى من غيرهم بها بعد إمام الأصل ونائبه وإنْ كان أفضل منهم؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: «لا يُؤَمَّنَّ الرجل في بيته ولا في سلطانه» (4). وقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «مَن زارَ قوماً فلا يَؤُمَّهُم» (5).
وأولوية الثلاثة ليست مستندةً إلى فضيلة ذاتية، بل إلى سياسة أدبيّة، فلو أذِنُوا لغيرهم انْتَفَت الكراهة.
ص: 299
وهل الأولى لهم الإذن للأكمل أو مباشرة الإمامة؟ تَردَّدَ المصنّف في الذكرى (1)؛ لعدم النصّ.
ولا تتوقّف ولاية الراتب في المسجد على حضوره، فلو تأخر رُوسِلَ لِيَحضَرَ أو يَسْتَنِيبَ إلى أنْ يخرج وقت الفضيلة، والظاهر في إخوته ذلك.
ولو اجتمع صاحب المنزل أو المسجد والإمارة قدما عليه، كما يُقدَّم مالِكُ منفعة الأرض على مالك رَقَبَتِها لو اجتمعا.
(ومختار المأمومين) بعد انتفاء الخمسة السابقة إن اتفقوا أجمع. (ولو اختلفوا) في التعيين (قُدّم الأقرأ) من المعيّنين والمراد به الأجود أداءً، وإتقاناً للقراءة، ومعرفةً لأُصولها المقرّرة وإن كان أقل حِفظاً، فإن تساووا في ذلك قُدِّمَ الأكثر حِفظاً، وإنْ تساووا في جميع ذلك (فالأفقه) في أحكام الصلاة.
فإن تساووا فيه ففي ترجيح الأفقه في غيرها نظر من صدق الأفقه فيه، ومن عدم تعلّقه بالصلاة المقصودة بالذات.
ورجّح المصنّف في الذكرى الثاني (2)، ولعلّ الأقوى الأوّل؛ فإنّ المرجّحات المذكورة لا تتعلّق كلّها بالصلاة كالهجرة والسنّ.
فالوجه اعتبار عموم الأدلّة، بل الفقه أدخَلُ في مزايا الصلاة مطلقاً؛ لما مرّ (3) من أفضلية الصلاة خلف العالِم.
فإن تساووا في جميع ذلك (فالأشرف) نَسَباً، كالهاشمي بالنسبة إلى غيره.
ويمكن شمولُ العبارة لتقديم الأشرف أباً من بني هاشم على قبيله، كالعلوي على العباسي، والحسني على الحنفي، وهكذا، وقد جعله في الذكرى احتمالاً (4).
ص: 300
فإن تساووا في جميع ذلك (فالأقدم هجرةً) من دار الحرب إلى دار الإسلام، هذا هو الأصل في الهجرة.
وربما جعلت في زماننا سكنى الأمصار؛ لأنّ ساكِنِيها أقربُ إلى تحصيل شرائط الإمامة ومكارم الأخلاق والكمالات من أهل القرى والبوادي.
وقد روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أنّ الجفاء والقسوة في الفدّادين» (1).
قيل هم أهل القرى والبواديّ (2) إمّا بتشديد الدال الأولى أو تخفيفها على حذف المضاف، أي أصحاب الفدادين، وقيل: هي في زماننا التقدّم في التعلّم قبل الآخر (3).
فإن تساووا في جميع ذلك (فالأسنّ) في الإسلام وإن كان أصغر سِنّاً من الآخر. فإن تساووا فيه (فالأصبح وجهاً أو ذِكراً)؛ لدلالته على مزيد عناية الله تعالى به، وكونه دليلاً على الصلاح، كما وَرَدَ في الخبر (4).
فإن تساووا في جميع ذلك (فالقرعة) ؛ لأنّها لكلّ أمرٍ مُشكِل، وهذا منه.
وما اختاره المصنّف من الترتيب هو أجودُ الأقوال في المسألة.
(وينبغي) في الإمام السلامة من العمى وخصوصاً) إذا صلّى (في الصحراء)؛ لقول علىّ علیه السّلام: «لا يؤمّ الأعمى فى البَرِيَّة، ولا يؤمّ المقيّد المُطْلَقِينَ» (5).
(والجذامِ والبَرَص وخصوصاً في الوجه)؛ لما روي من النهي عن إمامَةِ مَنْ في
ص: 301
وجهه أثر (1)، مع روايات كثيرة دلّت على النهي عن إمامتهما (2) مطلقاً.
(و) السلامة من (الفالج والعرج والقيد والحدّ مع التوبة)؛ للنهي عن إمامة المتَّصِفِ بذلك في الأخبار (3).
(وأنْ لا يكونَ) الإمامُ (أعرابيّاً) وهو المنسوب إلى الأعراب سكّان البادية؛ لنقصه بذلك عن مكارم الأخلاق، ومحاسن الشِيَمِ المُستفادةِ من الحضر، كما نبّه عليه في ترجيح الأقدم هجرةً.
وقد يُطلق الأعرابي على مَن لا يعرفُ محاسنَ الإسلام وتفاصيل الأحكام من سُكّان البوادي المعنيّ بقوله تعالى: «الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ» (4)، وعلى مَن عرف ذلك منهم، ولكن ترك المهاجرة مع وجوبها عليه وعلى هذين التفسيرين تمتنع إمامته، وهُما أو أحدهما المراد من قول مَنْ حَرَّم إمامته من الأصحاب (5).
(أو متيمماً) بالمُتَطَهِّرينَ بالمائيّة وضوء أو غشلاً.
(أو عبداً)؛ لِنَقْصِهِ عن كمال مرتبة الإمامة، واستثني من ذلك إمامته أهلَه؛ لقول عليّ علیه السّلام: «لا يومّ العبد إلّا أهله» (6).
والمراد بهم مواليه إذا كان أقرأهم، كما ورد في خبر آخر (7).
ص: 302
ومنع بعض الأصحاب من إمامته للأحرار مطلقاً (1).
(أو أسيراً)؛ للنص على ذلك (2).
(أو مكشوف غير العورة) من أجزاء البدن التي يستحب له سترها، (وخصوصاً الرأس).
ومستند ذلك كله الأخبار الواردة بالنهي عن إمامة من ذكر (3)، المحمول على الكراهة جمعاً.
(أو حائكاً ولو) كان (عالماً، أو حجّاماً ولو) كان (زاهداً، أو دبّاغاً ولو) كان (عابداً).
روى ذلك في الفقيه جعفر بن أحمد القمي في كتاب الإمام والمأموم بإسناده إلى الصادق علیه السّلام، عن أبيه، عن آبائه علیهم السّلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم : لا تصلّوا خلف الحائك وإن كان عالماً، ولا تصلّوا خلف الحجّام وإن كان زاهداً، ولا تصلّوا خلف دبّاغ وإن كان عابداً (4).
(أو أدراً) - بالهمزتين المفتوحة ثمّ الساكنة أوّلاً، وقد تقلب حرف مدّ كآدم - وهو ذو الأُدرَة - بضمّ الهمزة وسكون الدال ففتح الراء -. نفخة في الخُصية، بضمّ الخاء.
(أو مدافع الأخبثين) أو الريح أو النوم كما مرّ (5).
(أو جاهلاً لغير الواجب) - من المعارف التي تتمّ العدالة وصحة الصلاة بدونه - بمن
ص: 303
هو أعلم منه؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «مَن أمَّ قوماً وفيهم مَن هو أعلمُ منه لم يَزَلْ أمرُهم إلى سفال إلى يوم القيامة» (1).
(إلّا بمساويهم) استثناه من جميع مَنْ تقدّم ممن تُكره إمامته.
(ورُوي ولا ابناً بأبيه) وإنما نَسبَهُ إلى الرواية؛ لعدم صحّتها، وعدم تعرّض الأصحاب له في الفتاوى، ولكنّ المصنّف (رحمه الله) يثبت السنن بمثل ذلك في هذه الرسالة، ومَدرَكُ الكراهة قريب من مَدْرَكها، وأكثر المكروهات السابقة من هذا الباب.
(وليستنيب الإمام) إذا عَرَضَ له مانِعٌ من إكمال الصلاة أحداً من المأمومين (شاهد الإقامة)؛ لقول الصادق علیه السّلام: «إذا أحْدَثَ الإمام وهو في الصلاة، فلا ينبغي له أنْ يقدّم إلا مَنْ شهد الإقامة» (2). وحقّ الاستخلاف للإمام (سواء كانت صلاة الإمام باطلةً من أصلها) كما لو تبيّنَ له كونه غيرَ مُتَطَهِّرٍ (أو مِن حينها) كما إذا عَرَضَ له الحدثُ في الأثناء؛ لِما رُوي عن عليّ علیه السّلام: «مَن وجد أذى فليأخذُ بِيَدِ رَجُلٍ فليقدّمه» (3).
(وروي في) الصورة (الأُولى) وهي ما لو كانت صلاة الإمام باطلةً من أصلها (أنّ الاستنابة للمأموم) ، وتوجيهها أنّ الإمام المذكور لا حقّ له في الصلاة حيث لم يدخل فيها، بخلاف الآخر.
(ولْيُغَطِّ الإمامُ المُنْصَرِفُ للحَدثِ أنفَهُ)؛ ليُعْلِمَ المأمومين بالحال (على رواية (4)، ولا يُستناب المسبوق)؛ لاحتياجه إلى أنْ يَسْتخلِفَ مَنْ يسلّم بهم، وربما نَسِيَ وقامَ إلى تمام صلاته فقاموا معه سهواً. (قيل: ولا السابق)؛ لاختلاف مقادير الصلاة فيتعرّض للسهو كإمامة الحاضر بالمسافر وبالعكس.
ص: 304
ثمّ متى كانت الاستنابة من المأمومين فلابدّ لهم من نيّة الاقتداء بالثاني مقصورة على القلب، ولا يعتبر فيها سوى قصد الائتمام بالمعيّن متقرّباً.
وإن كان المستخلف الإمام، ففي اعتبار نيّة المأموم وجهان، من كون النائب خليفةَ الإمام فيكون بحُكْمِه، ومن بطلان إمامة السابق فلابد من نية الاقتداء بالحادث، وهو الأجود.
ثمّ إنْ كان العارِضُ حصل قبل القراءة قرأ المُستَخْلَفُ والمنفرد لنفسه جميع القراءة. وإن كان في أثنائها ففي البناء على ما وقع منها، أو الاستئناف، أو الاكتفاء بإعادة السورة التى فارَقَ فيها ؟ أوجه أعدلُها الأخير وأقواها الأول، إلا أن تتراخى القراءة بحيث يخلّ بالموالاة فالاستئناف.
وإن كان بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع، ففي الاكتفاء بقراءته أو استئناف القراءة لكونه في محلّها ولم يقرأ؟ وجهان أجودهما الأوّل.
(وقصد الصفّ الأوّل) لأهله، أمّا غيرهم، فيُكره له التقدّم إليه متى كان في الحاضرين من أهله مَنْ يكمله إلّا أنْ تُقام الصلاة ويقصروا في إقامته، (وإطالته إلّا مع الإفراط) في طوله عرفاً، (والتخطّي إليه) إذا وجد فيه فُرجَة (ما لم يُؤذِ أَحَداً).
قال صلّی الله علیه و آله و سلّم : «مَن استطاع أنْ يُتمّ الصفّ الأوّل من الذي يليه فليفعل، فإنّ ذلك أحبّ إلى
نبيّكم، فإنّ الله وملائكته يصلون على الذين يتمّون الصفوف» (1).
(واختصاص الفضلاء) في علمٍ أو عمل أو عقل (به)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ليَلِيَنِي ذَوُو الأحلام ثمّ الذين يَلُونَهم» (2).
و عن الباقر علیه السّلام : «لِيَكُنْ الذين يَلُونَ الإمام أولو الأحلام منكم والنهى، فإنْ نَسِيَ
ص: 305
الإمام أو تَعايا قَوَّمُوه، وليقدّم العلماء على الصلحاء والصلحاء على العقلاء» (1). وإن كان ظاهِرُ الخبر اعتبارَ الأخير خاصّة، فإنْ تَمَّ بهم الصفُّ الأوّل وإلا ففي الذي يليه وهكذا.
ولو لم يتمّوا الأوّل أكمل بمن يليهم.
ولْيَتَقَدَّمِ الأشرافُ مِن كُلّ صِنْفٍ على مَنْ سواهم، ومَنْ يصلح للنيابة عن الإمام عند الحاجة بالقرب منه.
(ومنع الصبيان والعبيد والأعراب منه، وتوسط الإمام الصفوف) بمعنى أنّه لا يكون في حاشيته، وقد رُويت رخصة في ذلك (2)، وأنّ أبا عبد الله علیه السّلام صلّى بقوم وهو إلى زاوية في بيت بقرب الحائط وكلّهم عن يمينه وليس عن يساره أحد.
(ووقوف الجماعة والمراد بهم هنا من فوق الواحد (خلفه، وتأخّر الأُنثى) عنهم وعن الصبيّ (والمؤنّث) وهو الخُنثى.
وحاصل الترتيب أنْ يتَقدَّمَ الفضلاء من الأحرار فيقِفُوا خَلْفَهُ، ثمّ الأحرار، ثمّ العبيد البالغون، ثمّ الصبيان، ثمّ الخُناثي، ثمّ النساء، ثمّ الصغار منهنّ.
(وتيامن الذكر الواحد) أي وقوفه عن يمين الإمام، ويتقدّم الإمام عنه بيسير، وقد روي أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم جذب ابن عباس من ورائه فأدارَهُ عن يمينه (3). (لا تأخّره) ولا تياسره؛ لأنّه خلاف سنّة موقف الواحد.
(ومسامتة جماعة العُراة والنساء للإمام) الموافِق بأن يكون عارياً أو امرأة.
ولو احتيج النساء إلى أزيَدَ مِن صَفٌ وَقفَتِ التي تؤُمُّ وسط الأوّل غير بارزة عنه ولو أَمَّهُنَّ رَجلٌ وَقَفْنَ خَلْفَهُ وإنْ كانت واحدة.
(ومساواة الإمام في الموقف أو علوّ المأموم) ومقابل ذلك علوّ الإمام بما لا يبلغ حدّ المنع.
ص: 306
(وإقامة الصفوف) وتسويتها (بمحاذاة المناكب). قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «سوّوا بين صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، لا يستحوذ عليكم الشيطان (1).
وكان صلّی الله علیه و آله و سلّم يمسحُ مناكِبَهُم في الصلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (2). (وتباعدها) أي الصفوف بعضها عن بعض (بمريض عنز).
وحاصله أن تكون متواصلة لا يكون بين كلّ صف وما يليه إلّا قدر مسقط الجسد إذا سجد.
(وعدم الحيلولة بنهر أو مخرم أو زقاق في الأصحّ)؛ للنهي عنه في الأخبار (3)، وفيها: «أنّ هذه المقاصير المخرّمة لم تكن في زمن أحد من الناس وإنّما أحدثها الجبّارون».
والخلاف في الجميع، فإنّ أبا الصلاح مَنَعَ من الصلاة بحيلُولَةِ النهر والمقصورة المشَبَّكَة (4)؛ لظاهر النهي، وهو محمولٌ على الكراهة.
( والقُرب من الإمام) لِمَنْ هو أهله (وخصوصاً اليمين) منه أو من الصفّ الأوّل؛ لِما رُوي أنّ الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثمّ إلى يسار الصفّ ثمّ إلى الباقي (5).
وينبغي اختصاصُ اليمين بأفضلِ الفُضلاء لذلك.
(و تأخّر المرأة عن الصبيّ والعبد) وقد تقدّم أنّ العبد البالغ مُقَدِّمٌ على الصبي (6). (و تأخّر المرأة عن الخنثي) وإن كان صغيراً؛ لاحتمال ذكوريّته، وقد تقدّم (7).
(وعدم دخول الإمام المحراب) الداخل في المسجد أو في الحائط كثيراً (إلّا)
ص: 307
لضرورة)؛ للنهي عنه (1)، ولتعرّضه لفسادِ صلاة من على يمينه ويساره على بعض الوجوه.
(ووقوف المأموم وحده)؛ للنهي عنه (2) ، بل ذهب بعض الأصحاب إلى تحريمه مع إمكان قيامه في الصفّ من غير أذيّة به (3).
وقد روي أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أمرَ رجلاً صلّى خلف الصفوف وحده بإعادة صلاته (4).
وإنّما يُكره إذا كان رجلاً يمكنه القيام في الصفّ، فلو كان امرأة واحدة أو لم يتمكّن من الصف انتفت الكراهةُ.
ولو وَجَدَ الرجل فُرْجَةً فله السَعْيُ إليها وإنْ لم يكن في الصف الأخير؛ لتقصير السابقين في سدها، ولو لم يجد فُرجة لم يُستحب له جَذْبُ رجلٍ ليصلّي معه؛ لما فيه من حرمانه الفضيلة بالتقدّم وإحداث الخلل بالصفّ.
(والمحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام من الإمام) بمعنى وقوفه قبلها واستعداده للتكبير بعدها بلا فصل؛ ليفوز بفضيلة جميع أفعال الصلاة جماعةً، بل روي أنّه يفوز بمقدار ثواب كلّ من تأخر تحرُّمُه عنه.
(وقطع الصلاة بتسليمة لو كبر قبله) تأسّياً أو ظاناً أنّه كبّر، (أومعه في) القول (الأصحّ)؛ لأنّ المعتبر التكبير بعده؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «إذا كبر فكبّروا» (5) والقول الآخر جواز مساوقته فيه كما يجوّزه بسائر الأفعال.
(ويجوز) للمسبوق إذا خاف فوات الركعة قبل وصوله إلى الصف وتحرمه التكبير قبله والركوع والذكر مستقراً (المشي) بعده أو قبله (راكعاً؛ ليلتحق بالصفّ) ما
ص: 308
لم يكثر فعله، بحيث يخرج عن اسم المصلّي، ويجوز له ترك المشي (والسجود مكانه) وإن كان وحده؛ للضرورة.
(وروی) عبد الله (بن المغيرة أنّه لا يتخطى وإنّما يجرّ رجليه، حكايةً لفعل الصادق علیه السّلام (1)) وهو أولى وإن كان المشي - أيضاً - جائزاً.
(وترك القراءة في الجهريّة المسموعة ولو هَمْهَمَةً)، وفي الإخفاتية مطلقاً؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية الحلبي: «إذا صلَّيْتَ خَلْفَ ِإمَامٍ تأتمُّ به فلا تقرأ خلفه سَمِعْتَ قراءته أو لم تسمع، إلا أن تكون صلاةً يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ» (2).
وفي رواية عبيد بن زرارة عنه علیه السّلام أنه «من سمع الهمهمة فلا يقرأ» (3).
وأصل الهمهمة: الصوت الخفي من غير أنْ يفصل سامعه حروفه (4).
وروى محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام قال: كان أمير المؤمنين علیه السّلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتمُّ به فمات بُعِثَ على غير الفطرة» (5).
(والقراءة لغير السامع) القراءة الجهريّة ولو بالهمهمة؛ لما تقدّم.
ويمكن أن يُريدَ غيرَ السامع مطلقاً حتى لو كانت سِرّيّةً؛ فإنّه أحد الأقوال في المسألة، إلّا أنّ الأشهر والمعروف من مذهب المصنّف هو الأوّل (6)، بل سيأتي مايدل على عدمه وهو استحباب التسبيح في الإخفاتيّة.
(و) القراءة (المُدرِك الأخيرتين) فيهما؛ لقول الصادق علیه السّلام في رواية عبدالرحمن بن الحجّاج حين سألَهُ عن الرجل يُدرِكُ مع الإمام الركعتين الأخيرتين، قال: «اقرأ فيهما
ص: 309
فإنّهما لك أوليان، ولا تجعل أوّلَ صلاتِك آخِرَها» (1).
(ورواية عمّار) الساباطي عن (الصادق علیه السّلام بإعادة من لم يقرأ، متروكة)؛ لشذوذها، وضعف سندها.
(والتسبيح) للمأموم (في) الصلاة (الإخفاتيّة) أجمع، كالظهرين، أو الركعة الإخفاتية كالأخيرتين، وليكن التسبيح بالأربع.
(و) كذا يستحبّ التسبيح لمن فرغ من القراءة قبل الإمام) حيث يستحبّ له القراءة، كما إذا لم يسمع في الجهرية الهمهمة، أو يجب كما لو صلّى خلف من لا يقتدى به.
(وإبقاء) المأموم (آية) إلى أن يبقى للإمام نحوها ( يركع بها)، ولا يضرّ التسبيح المتخلّل بين القراءة، كما لا يضرّ السكوت الطويل؛ للنصّ والضرورة.
(والتأخّر عن أفعال الإمام باليسير) بأن يؤخِّرَ الشُروعَ في الفعل إلى أن يشرعَ فيه الإمام لا التأخر عن جميع الفعل.
قال الصدوق (رحمه الله):
من المأمومين مَن لا صلاةَ له وهو الذي يسبقُ الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه، ومنهم مَنْ له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة وهو الذي يتبع الإمام في كل شيء فيركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده، ومنهم من له ثمان وأربعون ركعة وهو الذي يجد في الصف الأوّل ضيقاً فيتأخر إلى الصف الثاني (2).
والظاهر أنّ مثل هذا لا يقوله إلّا عن رواية.
ص: 310
(وعدم الائتمام بمن يُجَنُّ أدواراً حال الإفاقة)؛ لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة، وإمكان أن يكون قد عرض له احتلام حال جنونه، وقد تقدّم الكلام في نظيره (1). نعم لو وقع ذلك فعرض له الجنون في الأثناء بطلت صلاته وانفرد المأموم.
(وبمن يكرهه المأموم)؛ لقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم - وعَدَّ منهم - : مَنْ أمَّ قوماً وهم له كارهون» (2).
والظاهر أنّ المُرادَ كراهةُ المأموم كونه إماماً بأن يريد الاقتداء بغيره فيتقدّم هو؛ لِما تقدّم (3) من ترجيح مَنْ يختاره المأموم، وأنّه مُقدَّمٌ على جميع المرجّحات، فلا يتوجه حينئذٍ ما قاله العلّامة من التفصيل بأنه إن كان ذا دين يكرهه القوم؛ لذلك لم تكره إمامته، والإثم على مَنْ كَرهَهُ، وإلا كرهت (4).
(والقيام) من المأموم إلى الصلاة (عند) قول المؤذّن: (قد قامَتِ الصلاة، كما مرّه (5)، فيعيد) المأموم (الإقامة لو سبق) بالقيام قبل ذلك على رواية) شاذة، (وعدم صلاة نافلة بعدها أي بعد الإقامة؛ لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح، وحرمه بعض الأصحاب (6).
(وقطعها) لو أُقيمت الصلاة (لو كان فيها) وإن لم يخف فوت التكبير ؛ لما مرّ. والكراهة ترتفع بالتعويض بما هو أفضل.
(ونقل الفريضة إليها) لو أُقيمت وهو في فريضة، ويكملها ركعتين إن لم يَخف
ص: 311
فَوْتَ جزءٍ من الصلاة وإلّا قطعها بعد النقل.
ولو كانت الإقامة بعد تجاوز الركعتين ففي بقاء الحكم أو الاستمرار وجهان، وحيث ينقلها إلى النافلة يجوز له قطعها كما يقطع النافلة.
(وفيه دقيقة) هي أنّه يستفاد من جواز نقل الفريضة إلى النافلة المستلزم لجواز قطعها جواز قطع الفريضة ابتداءً؛ استدراكاً لفضيلة الجماعة؛ لاشتراكهما في المعنى فلأنّ العدول إلى النفل قطع لها، أو مُستَلْزِم له، ولا بُعْد في ذلك؛ فإنّ الفريضة تقطع لاستدراك فضيلة دون الجماعة، كالأذان والإقامة وهو قوي، وصرّح باختياره المصنف في كتبه الثلاثة (1).
ويمكن كون الدقيقة إشارةً إلى أنّ في نقل الفريضة إلى النفل سواء قطعها بعد ذلك أم أكملها ركعتين دليلاً على عدم جواز عدول المنفرد إلى الائتمام، كما يقوله الشيخ (رحمه الله) (2) وجماعة (3)؛ إذ لو جاز ذلك لم يجز قطعها؛ لإمكان تحصيل الفضيلة بالنقل إلى الجماعة.
لكن يضعف ذلك بما أجاب به المصنّف (4) وغيره (5) من جواز كون النقل والقطع لإحراز كمال الفضيلة، فإنّ ذلك لا يحصل بالعدول، بل غايته حصول الثواب لما بقي.
فإن قيل: إن المصنّف (رحمه الله) قد حكم في كتبه (6) حتّى في هذه الرسالة كما سيأتي (7)
ص: 312
بأنّ مُدْرِكَ السجدة الأخيرة بل جزء من الصلاة مطلقاً مُحَصِّلٌ لفضيلة الجماعة أجمع، فهاهنا أولى إذا كان مدركاً أزيد من ذلك.
قلنا: لا يلزم من إدراك فضيلة الجماعة كون ذلك بقدر من أدركها من أولها، كيف وقد يعبد السابق بعبادة لم يُشركه فيها اللاحق، ولا يلزم من اشتراكهما في أصل ثواب الجماعة مطلقاً تساويهما؛ فإنّ ثواب الجماعة مختلف اختلافاً كثيراً باختلاف أئمتها وكثير من أحوالها، فالقدر المشترك هو أق-ل م-ا ق-دّره الله تعالى المصلّي الجماعة، ومَن زادَ في أوصافها وكمالاتِها يَزيدُ ثوابه بواسطة ذلك، فَلْيكُن هنا كذلك.
وبهذا يظهر أنّ وجه الدقيقة هو الأول.
(وقطعها) أي قطع الفريضة (مع) إمام (الأصل) واستئنافها معه على المشهور (1)، وقد تقدّم ما يدلّ عليه بطريقٍ أَوْلى، ومَنَعَهُ بعضُ الأصحاب مطلقاً (2)، وبعضهم نقلها إلى النافِلَةِ (3)أيضاً ؛ لأنّه في معناه، (وقول المأموم سرّاً) كباقي الأذكار (الحمد لله ربّ العالمين، بعد) فراغ الإمام من الفاتحة وبعد (قول الإمام: سمع الله لِمن حمده).
ولو أكملَ الدعاءَ المتقدّمَ كان أفضل مع سعَةِ الزمان له بأن يقولَهُ الإمام أو يَقِفَ بمقدار ما يقوله المأموم، وإنَّما اقتصر المصنّف على ما ذكر؛ لاستحباب تخفيف الإمام المقتضي لترك مازاد.
وروى محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام: «إذا قال الإمام : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه قال
ص: 313
مَنْ خلفِه : ربَّنا لَكَ الحمدُ» (1).
وهو حَسَنُ أيضاً وإن أنكره في المعتبر (2).
وعلى تقديره فهو ذِكرٌ مطلقٌ، وإِنَّما الكلامُ في خصوصيَّتِهِ.
(وجلوس المسبوق في) حال (تشهّد الإمام ذاكراً لله) تعالى (مُستوفِزاً) أي غير مطمئنٍّ (متجافياً) عن موضع جلوسه بأن لا يتمكَّنَ به كثيراً.
روى عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن الرجل يُدرك الركعة الثانية مع الإمام، كيف يصنعُ إذا جلس الإمام؟ قال: «يتجافى ولا يتمكن من القعود» (3).
(وروى) ابن الحصين والحسين بن المختار عن الصادق علیه السّلام أنَّه يجلس (متشهّداً) (4) ناوياً (على أنّه ذكر) لِله تعالى لا تشهّد .حقيقي. وكلاهما جائز، ورواه إسحاق بن يزيد عنه علیه السّلام حيث قال: أَفَأَتَشهَدُ كلّما قعدتُ؟ فقال: «نعم، إِنَّما التشهدُ بَرَكَةٌ» (5).
(وكذا القنوت) للمسبوق في غير محله، أي يقنت مع الإمام ناوياً به الذكر، وقد تقدم (6). وفي رواية عبدالرحمن عن الصادق : «إنَّه يقنت مع الإمام ويجزئِهُ عن القنوت لنفسه (7).
(وانتظار المسبوق تسليم الإمام) بمعنى أَنَّه لا يقوم لإكمال صلاته حتّى يسلّم الإمام وإنْ لم يتابِعهُ فيه؛ حَذَراً من المُفارَقَةِ.
ص: 314
ولو قام بعد السجود وحيثُ لا تشهد له أو بعده كان أدْوَن فضلاً.
وفي حكم المسبوق هنا مَنِ اقتدى بصلاةٍ أنقص عدداً من صلاته كالمغرب والرباعيّة بالصبح.
(ولزوم) الإمام مكانه حتّى يُتمَّ) المسبوقُ صلاتَهُ، رواه إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعته يقول: «لا ينبغي للإمام أنْ يقوم إذا صلّى حتّى يقضي كلُّ مَنْ خلفه ما قد من الصلاةِ» (1)، أي يأتي بما بقي عليه من العدد سمّاه فائتاً؛ لمماثلته لما فات فاتَهُ في العدد.
(وأَنْ لا يُسلّمَ المأمومُ قبلَ الإمامِ إِلَّا لعُذْرٍ) فتزولُ كراهةُ مفارقَتِهِ حينئذ؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السّلام (2) (فينوي الانفراد) حينئذٍ؛ لأنّ القدوة باقية وإن لم تجب المتابعة في الأقوال.
ولو لم ينو الانفراد صح أيضاً؛ لأنّ التسليم انفراد بالفعل.
وهل يأثَمُ بذلك؟ يبنى على وجوب المتابعة في الأقوال، فإن قلنا به أيم وإلا فلا.
ولو نوى الانفِرادَ فلا إثمَ على التقديرَينِ.
(والناسي) أي المسلَّم قَبْلَ الإمام ناسياً (والظانّ) لكون الإمامِ قَدْ سلّم فسلّم فتبيّن عَدَمَ سلام الإمام ( يجتزئان) بسلامهما ؛ لتحقق المفارقة وعذرهما في السبق من غير نية الانفراد.
(والدخول) من المأموم (فيما أدرك) من صلاة الإمام (ولو) كان (سجدة) واحدة وهي الأخيرة، (أو) جلسة) وإن لم يكن فيها تشهد، كما إذا فرغ منه ولم يسلّم.
(ويدرك) المأموم (فضيلة الجماعة) بذلك (مطلقاً) سواء كان تأخره إلى ذلك عمداً أم لعُذرٍ؛ (الرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السّلام: «إذا أدركت الإمام في
ص: 315
السجدة الأخيرة من الركعة الرابعة فقد أدركت الصلاة») (1) وهي دليل الأوّل، (وفي رواية عمّار عن الصادق علیه السّلام : «إذا أدركَ الإمام ولمّا يقل: السلام عليكم، فقد أدرك الصلاة وأدرك الجماعة» (2)) وهي دليل الثاني.
وهذا يتمّ على القول بوجوب التسليم، أما على القول بندبيّته، ففي إدراكها بعد التشهد قبْلَهُ نظر من الشكّ في الخروج بالتشهد حينئذٍ.
والذي حقّقه المصنّف (3) وجماعة أنّه على ذلك القول لا يخرج من الصلاة إلّا بأحد أمورِ ثلاثة نية الخروج، أو التسليم، أو فعل المنافي (4)، فعلى هذا يتحقّقُ الدخول فيها قبل التسليم ما لم يحصل قبله أحد الأمرين.
(ومحافظة الإمام على الرفع) لليدين كما مرّ (5) (بالتكبير) الواجب والمندوب؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السّلام، قال، قال: «على الإمام أنْ يُرفعَ يَدَهُ في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» (6).
(وانحرافه) أي الإمام (عن مصلّاه بالنافلة)؛ لرواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله قال: «الإمام إذا انصرف فلا يصلّي في مقامه ركعتين حتى ينحرف عن مقامه ذلك» (7). ومثله روى هشام بن سالم عنه علیه السّلام (8).
بل يُستحب تفريق النوافل أيضاً في الأمكنة له ولغيره قبل الفريضة وبعدها؛ لرواية أبي كهمس قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام : يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها؟ قال:
ص: 316
«لا، بل هاهنا وهاهنا؛ فإنّها تَشْهَدُ له يوم القيامة» (1).
وقد ورد في تفسير قوله تعالى: «فَمَا بَكَت عَلَيهِم السَّمَاءُ والأَرضُ» (2) أنّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض وموضع عمله من السماء (3)، وهذه العلّة التي سبقت تقتضي أن ينتقل أيضاً إلى الغرض من موضع فعله، وينتقل لكل النوافل.
(وجهره بالأذكار كلّها) بحيث يسمع المأموم (خصوصاً القنوت) وقد تقدّم مِراراً.
(والتعميم) للإمام (بالدعاء)؛ لأنّه أقربُ إلى الإجابة، ولقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «من صلى بقوم فاخْتصَّ نَفْسَهُ بالدعاء فقد خانَهُم» (4). وكذا يستحبّ التعميم لكلّ داعٍ.
ثمّ إن كان الدعاءُ غير منصوص اللفظ فليعمّ ضمائره ناوياً نفسَهُ والمأمومين، وإن كان منصوصاً وضميره مطابق فكذلك، وإلّا أتى به ونوى أنّه معبّر بذلك عن كلّ واحد منهم؛ جمعاً بين وظيفتي التعميم المتحقق بالنية ومراعاة المنصوص.
(والتخفيف بتثليث التسبيح في الركوع والسجود بغير دعاء) فيهما، والاقتصار على أقصر السور الموظفة لتلك الصلاة (وخصوصاً إذا استشعر ضرورة مؤتمٍّ بمرض أو حاجة).
روى إسحاق بن عمّار عن الصادق علیه السّلام قال: «ينبغي للإمام أن تَكونَ صلاته على أضعفِ مَنْ خَلْفَه» (5).
ولو أحَسَّ بشغل لبعض المأمومين استحب له التخفيف أزيد من ذلك، روى ابن سنان عن الصادق علیه السّلام قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم الظهر والعصر، فخفّف الصلاة في الركعتين،
ص: 317
فلمّا انصرف قالوا: خَفَّفَ في الركعتين الأخيرتين، فقال لهم : ما سَمِعْتُم صُراخ الصبي؟» (1).
(و تسديس التسبيح إذا أحَسَّ بداخل) في الصلاة أو إلى المسجد ليصلّي؛ ليفوز بالركعة، وهو المعبَّر عنه بالانتظار بمقدار ركوعين، (ولا يطوّل انتظاراً لِمن سيجيء) بل يقتصر على مَن جاء؛ لما فيه من الإضرار بالباقين.
(ولا يفرّق بين الداخلين) بأن يفرّق بين مَن له قَدْرُ وبين غيره في الانتظار؛ لاستواء الجميع في المعونة على الفضيلة. أو لا يفرّق بينهم في مقدار الانتظار المتقدم بل ينتظر ذلك المقدار لمجموع الداخلين ولا يَزِيدُ عنه لو أحَسَّ بداخل آخر؛ لرواية جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السّلام «انتظر مثل ركوعك، فإن انقطعوا والا فارفع رأسك» (2). ولو أحَسَّ بالداخل بعد رفع رأسه من الركوع فلا انتظار؛ لقوات الغرض، وإدراك الجماعة يحصل بدونه.
نعم، لو كان في التشهد الأخير استحب تطويله للداخل إن توقَّفَ لُحوقُه عليه.
ولو أحَسَّ به في أثناءِ القراءةِ، فإن علم إدراكَهُ قبل تكبيرة الركوع لم يستحبّ له تطويلُها لأجْلِه، وإلّا استحبّ وإن أدركَه راكعاً وقلنا بإدراكه به خروجاً من الخلاف.
(والتعقيب مع الإمام)؛ لأن الاجتماعَ بالدعاء مَرْجُوُّ الإجابةِ خصوصاً مع الإمام، (والرواية) التي رواها الحلبي عن الصادق علیه السّلام (بأنّه) أي تعقيب المأموم مع الإمام (ليس بلازم، لا تدفع الاستحباب)، بل إنّما تضمّن نَفْي الوجوب؛ لأنّه علیه السّلام قال فيه:«یذهب من شاء لحاجته، ولا يعقب رجل لتعقيب الإمام» (3) أي ليس ذلك بلازم، فتبقى أدلّة استحباب التعقيب مطلقاً متناولة له.
ص: 318
(تتمة) لِما سَبقَ في جملة من أحكام المساجد ووظائفها ناسَب ذكرها هاهنا؛ تتمَّةً للسنن، وتكميلاً لمزايا الصلاة، وكونها من لوازم الجماعة غالباً.
(يستحبّ بناء المساجد) استحباباً مؤكّداً، قال تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ» (1).
وروى أبو عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: «من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة» (2).
وفي بعض الأخبار: «كمفحص قطاة» (3).
قال أبو عبيدة فمرّ بي أبو عبد الله علیه السّلام في طريق مكّة وقد سَوَّيْتُ أحجار المسجد، فقلتُ: - جُعِلتُ فِداكَ - نرجو أن يكون هذا من ذلك، فقال: «نعم» (4).
(و) كذا يستحبّ (رَمها ) عند تلف بعضها (وإعادتها) عند فسادها أجمع؛ لأن ذلك كله في معنى العمارة، وحيث يحتاج إلى نقضها وإعادتها لا تنقض إلا مع خوف السقوط، أو مع الظنّ الغالب بوجود العمارة. ولو أخر إلى حضور الآلات المعتبرة ونحوه كان أولى، ومثله ما لو أُريد توسعتها للمصلّين.
(و) يستحبّ (كشفها ولو بعضها)؛ لما روي (5) من كراهة القيام بالمظَلَّلَةِ.
ولكن لمّا كانت الحاجةُ ماسّةً إلى التظليل لدفع الحَرّ والبَرْدِ جَمَعَ بين الوظيفتين بكشف بعضها وتظليل بعض. (وتوسّطها في العلو)؛ اتباعاً لسنة النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم ،
ص: 319
فقد روي (1) أنّ مسجده صلّی الله علیه و آله و سلّم كان قامة.
(وإسراجها) ليلاً؛ لِما فيه من إعانة المتهجّدين على مآربهم.
روي عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من أَسرجَ في مسجد من مساجد الله تعالى سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج» (2).
(وكنسها وخصوصاً آخر الخميس)، روى عبد الحميد عن الكاظم علیه السّلام قال: «قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم : مَن كَنسَ المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخْرَجَ من التراب ما يذرّ في العين غفر الله له» (3).
(و تعاهد النعل) والعصا ونحوهما ممّا تُمَسُّ به الأرض ويحتمل إصابته النجاسة عند الدخول؛ احتياطاً للطهارة، ولقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم» (4).
والمراد بالتعاهد التحفّظ وتجديد العهد، والتعهد أفصح منه هنا.
(وتقديم) الرجل (اليمنى والخروج باليسرى كما مرّ) في صدر الرسالة.
وترك الشُّرَف؛ لِما روي عن عليّ علیه السّلام: «أنّ المساجِدَ تُبنى جُماً (5) لا تُشرَّفُ» (6) (والمحراب الداخل) في المسجد؛ لِما في هذه الرواية «أنَّ عليّاً علیه السّلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول: كأنها مذابح اليهود» (7)، وكذا تُكره الداخلة في الحائط كثيراً.
ص: 320
(و) ترك (توسّط المنارة) في المسجد بل في الحائط (وتعليتها)، بل تجعل مساوية لسطح المسجد؛ للخبر (1).
(واستطراقها) أي المساجد بحيث لا يلزم منه تغيير صورة المسجد ولا الإضرار به وإلّا حرم.
(والنوم) فيها، قاله الجماعة (2)، ولم نَقِف له على مأخذ خاصّ.
وقد روى زرارة عن أبي جعفر علیه السّلام قال: قلت له: ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: «لا بأس إلّا في المَسجِدَيْنِ: مسجد النبي صلى الله عليه و آله وسلّم ومسجد الحرام» قال: وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيَتَنَحّى ناحيةً ثمّ يجلس فيتحدّث في المسجد الحرام فربما نام فقلت له في ذلك، فقال: «إنّما يُكره أنْ يُنامَ في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فأمّا الذي في هذا الموضع فليس به بأس» (3).
ولو كان النوم لأجل التهجّد في الليل ونحوه من العبادات فأبْعَدُ من البأس.
(والبُصاق) بضمّ الباء - (والامتخاط) والنُخامة (فليُردّ) إلى الجوف ونحوه من محالّه، (وإلّا فليُدفن) فإنّه كفّارَتُه، قال عليّ علیه السّلام : «البُزاقُ في المسجد خطيئةٌ وكفّارته دفنه» (4).
وروى إسماعيل بن مسلم عن الصادق علیه السّلام ، عن أبيه عن آبائه علیهم السّلام قال: «من وقّر بنخامته المسجد لَقِيَ اللهَ يومَ القيامة ضاحكاً قد أُعطي كتابه بيمينه» (5).
وعن عبد الله بن سنان عنه علیه السّلام: «من تَنخَّعَ في المسجد ثمّ ردّها في جوفه لم تَمرّ
ص: 321
بداءٍ في جوفه إلّا أبرأتْهُ» (1).
(وقصع القمل) فيها (فيدفن) لو فعل، ذَكَره المصنّف (2) والأصحاب (3). ولم نَقِف على مَأخَذِه.
(وسلّ السيف)؛ لنهي النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (4).
(وتعليم الصبيان فيها، وعمل الصنائع وخصوصاً بَرْيُ النَّبْلِ)؛ لأنّ المساجدَ وُضِعت لغير ذلك، وإنما كان بَرْي النبل مخصوصاً بالحكم؛ لمشاركته للصنائع في صحيحة محمد بن مسلم (5)، المتضمنة للنهي عنه، وزيادته بتخصيص النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم بالنهي في حديث آخر (6).
(وكشف العورة) والمراد بها هنا السرّة والركبة وما بينهما.
(والخذف بالحصى)؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم فيمن فعل ذلك: «ما زالَتْ تَلْعَنُهُ حتى وقعت» (7).
والمراد بالخذف هنا رمي الحصى بالأصابع كيف أتّفق.
(والبيع والشراء، وتمكين المجانين والصبيان) فيها؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «جَنِّبُوا مساجِدَكُم صبيانَكُم ومجانينَكُم وشراءَكُم وبَيْعَكُم» (8).
وينبغي اختصاصُ الحكم بصبيّ لا يوثَقُ به في الطهارة، ولا يحصل به التمرين على أداء الصلوات وإلّا لم يُكره.
ص: 322
(وإنفاذ الأحكام) فيها؛ لِما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان.
وخصَّهُ بعض الأصحاب بما فيه جدل وخصومة (1)، وبعضهم بما لو دامَ لا بما يَتَّفِقُ نادراً (2)، وبعضهم بما إذا كان الجلوس فيه لأجل ذلك لا إذا كان لأجل العبادة فاتَّفَقت الدعوى، والباعث عليه ما استفاض من حُكم عليّ علیه السّلام بمسجد الكوفة (3)، ودَكَّة القضاء به معروفة.
(وتعريف الضالة إنشاداً) لها مِنْ واجِدِها (ونشداناً) من طالِبها - بكسر أوّله - للنهي عنه في الأخبار (4).
وروي أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم سمع رجلاً رجلاً ينشد ضالّة في المسجد فقال: «قولوا: لا رَدَّ اللهُ عليك؛ فإنّها لغيرِ هذا بُنِيَت» (5).
ولو أُرِيدَ وظيفة المجمع وكان في المسجد عُرِّفَت في بابه.
(وإقامة الحدود)؛ للنهي (6) عنه، ولأنّها مَظَنَّةُ خروج شيء من النجاسات فتُصِيبُ المسجد.
(وإنشاد الشعر)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «مَنْ سَمِعْتُموهُ يُنشِدُ الشعرَ في المساجدِ فقولوا
له: فَضَّ اللهُ فاكَ إِنَّما نُصِبَتِ المساجد للقرآن» (7).
وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السّلام : «لا بأس بإنشاد الشعر» (8).
ص: 323
قال المصنِّفُ في الذکری:
ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما نقل منه وتكثر منفعته كبيت حكمة أو شاهِدٍ على لغة في كتاب الله، أو سنة نبيه صلّی الله علیه و آله و سلّم وشبهه؛ لأنه من المعلوم أنَّ النبي صلى الله عليه و آله و سلّم كان يُنشَدُ بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (1).
(ورفع الصوت) ولو في قراءة القرآن والدعاء؛ للنهي عنه في الأخبار (2)، ولمنافاته الخشوع المطلوب في المسجد.
والدخول برائحة خبيثة وخصوصاً البقول الكريهة)، كالثوم، والبصل، والفجل؛ لقول عليّ علیه السّلام: «من أكل شيئاً من المؤذيات فلا يَقربَنَّ المسجِدَ» (3).
(وإدخال نجاسة غير ملوّثة)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «جَنبُوا مساجدكم النجاسة» (4)، وللخروج من خلاف (5) المانع. (ولا يحرم) إدخال غير الملوّثة للمسجد ولفرشه (في الأصحّ)؛ للإجماع على جواز دخول الصبيان والحيض من النساء اجتيازاً (6) مع عدم انفكاكهم من النجاسة غالباً.
وذكر الأصحاب جوازَ دخولِ المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث، وجواز القِصاصِ في المساجد مع فَرْش ما يمنع من التلويث (7).
(والزخرفة) وهي نقشها بالزخرف، وهو الذهب أو مطلقاً؛ لأنّه لم يكن في عهد النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم.
ص: 324
وحرَّمَهُ المصنّف في غير الرسالة (1) وجماعة (2)؛ لذلك فيكون بدعة.
(والنقش بالصور) وهو ضَرْبٌ من الزخرفة بالمعنى المطلق، قال الصادق علیه السّلام حين سُئل عن الصلاة في المساجد المصوَّرة: «إنّي أكرَهُ ذلك، ولكن لا يضرّكم ذلك اليوم، ولو قامَ العدلُ لرأيتُم كيف يصنع» (3).
وحرّمه المصنّف في البيان (4) إذا كانت الصورة لذي روح وكَرِهَ غيرها.
وأطلَقَ في الدروس (5) كراهةَ الجميع كما هنا.
ولا رَيْبَ في تحريم تصوير ذي الروح في غير المساجد، ففيها أَوْلى، وأما غيرُه، فالكراهة أجودُ.
(وجعل المِيضَأة) وهي المِطْهَرَةُ للحدث والخبث في (وسطها، بل على بابها)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «اجعلوا مَطاهِرَكُم على أبواب مساجدِكم» (6)، وللتأذّي بها داخلاً، هذا إذا وضعت ابتداءً، أمّا بعد تحقّق المسجديّة، فتحرم إزالةُ النجاسة داخِلَها على الوجه السابق.
(ويحرمُ إخراجُ الحصى منها، فيُعاد ولو إلى غيرها) من المساجد؛ لقول الصادق علیه السّلام: «إذا أخْرجَ أحدُكم الحصى من المسجد فلْيَردَّها إلى مكانها أو في مسجد آخر فإنّها تُسبِّحُ» (7).
وينبغي تقييده بما يكون جزءً من المسجد أو فرشاً، فلو كانت من جملة القماماتِ كان إخراجها مستحبّاً. وفي حكمها التراب.
ص: 325
(وتلويثها) أو تلويث فرشها (بنجاسة)، قال المصنّف في الذكرى: «والظاهر أنّ المسألة إجماعيّة» (1). ونَبَّة بذلك على أنّ في الأخبار الدالة عليه شيئاً.
(والدفن فيها) ؛ لأنّه استعمالٌ لها فى غير ما وُضِعَتْ له.
(وتغييرها) بعد خرابها وقبله؛ للزوم الوقف على التأبيد، وللآية (2).
(وليقل عند الدخول) إليها: (بِسمِ اللهِ وباللهِ السَلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ. اللهمَّ صَلّ على محمّد و آل محمّد ، وافْتَحْ لنا بابَ رَحْمَتِكَ، واجْعَلْنا مِن عُمّارِ مساجِدِكَ جَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ. وعند الخروج اللهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ مُحمّد وافتح لنا بابَ فَضلِكَ.
(وإذا دخل) إلى المسجد (فلا يجلس حتّى يصلّي التحية ولو في الأوقات الخمسة التي يُكرَهُ فيها ابتداء النافلة؛ لأنّ التحيّة من ذوات الأسباب فلا تكره، وتتأدى التحيَّةُ بِفَرْضٍ ونَفْلٍ، وتتكرّرُ بتكَرُّرِ الدخول ولو عن قرب. فهذه خصوصيات
الفرائض.
(وأمّا النوافل، فلاحَصْرَ لخصائصها)؛ لكثرة ما ورد منها في مختلف الأوقات، (وفي كتب العبادات منها قَدَرُ صالِحٌ وخصوصاً المصباحَينِ) للشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدّس الله روحه)، (وتتمّات ابن طاوس رحمه الله) المصباح المتهجد المجتمعة في نحو عشر مجلدات كبار المشتملة على فوائد غزيرة وأسرار.
(ولنذكر ) هنا (المُهِمَّ) من خصائص النوافل المشهورة:
(فَلِلرواتب) من الخصائص: (إيقاع الظهريّة) منها الثماني (عند الزوال) أي بعده
ص: 326
بلا فصل (قبل الفرض إلى زيادة الفيء) الحادث بعده مقدار (قدمين) أي شبعي الشخص ذي الظلّ، (وتُسمّى) نافلة الظهر (صلاة الأوّابين) واحِدُهُ أواب، أى راجع إلى الله تعالى من آبَ يَؤُوبُ إذا رَجعَ. ويطلق أيضاً على التائب، والأوّلُ أوفق هنا.
(والعصريّة قبلها) أي قبل العصر (إلى) مقدار (أربع أقدام) هذا هو المشهور (1)، وذهب المصنّف في مختَصَرَيْهِ (2) إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الاختيار للفرضين، وهو المِثْلُ والمِثْلانِ وهو حَسَنٌ.
(وينبغي إتباع الظهر بركعتين منها) أي من راتبة العصر؛ تأسياً بالنبي (والمغربيّة بعدها) أي بعد المغرب (إلى ذهاب الحُمرة) المغربيّة، وهو آخر وقت الاختيار للفرض، وينبغي فعلها (قبل الكلام).
(وروى) الصدوق (3) والشيخ في التهذيب (4) عن الصادق علیه السّلام (كتابة الركعتين ) منها إذا فعلها قبل الكلام في علّييّن و) كتابة (الأربع) إذا فعلها قبله (حجّة مبرورة).
والعشائية بعدها إلى نصف الليل) والجلوس فيها جائز أصالةً إجماعاً (5)، (ويجوز القيام فيها) بل روي أفضليته (6)، وقد تقدّم (7).
(والليليّة بعده) أي بعد نصف الليل، (والقرب) بها (من الفجر الثاني أفضل،
ص: 327
وتُقَدَّم على النصف للمسافر) الذي يشق عليه القيام آخره، (والمريض والشابّ) الذي يشقّ عليه القيام كذلك؛ لغَلَبَةِ الرطوبة، وغيرهم من ذوي الأعذار التي يشق معها كالبَرْدِ والجنابة بالنظر إلى الغسل (وقضاؤها) بعد الإصباح لِمَنْ يجوز له تَقدِيمُها (أفضل) من تقديمها.
(ثمّ) ركعتا (الشفع) بعد الليلية، (ثمّ) ركعة (الوتر وتقدّمها أيضاً للثلاثة) ومَنْ في معناهم.
(والفجريّة قبلها) أي قبل صلاة الفجر (إلى) ظهور (الحمرة المشرقيّة).
(ومزاحمة الظهرين) للفريضة ( بركعة) يدركها في آخر وقتها.
(و) مزاحمة (الليليّة) وما بعدها من الشفع والوتر للصبح (ب_ِ)إدراك (أربع) ركعات من آخر وقتها فيكون مؤدّياً للجميع، كَمُدْرك ركعة في وقت الفريضة.
وتَتَحقَّق الركعة بالفراغ من سجدتها الثانية وإن لم يرفع رأسه منها.
(ولا مزاحمة في المغربيّة والفجريّة) ، بل يقطعها متى خرج وقتها.
نعم لو كان في أثناء الصلاة فالأجود إكمال الركعتين؛ للنهي عن قطع العمل (1)، (وَلْيَدْعُ) بعد كلّ ركعتين من الراتبة (بالمنقول) عن أهل البيت علیهم السّلام.
(وللاستسقاء) من الخصائص (شرعيّتها عند الحاجة إلى المطر والنبع)، وهي (كالعيد) كيفيّةً ووقتاً، (ويجهر بها أيضاً) وهو داخل في المشابهة، (وقنوتها: سؤال الرحمة، وتوفير المياه، والنبوع، والاستغفار)، وهذا كالمستثنى من المشابهة؛ لئلا بوهم أن قنوت العيد بلفظه آتٍ هنا.
(وليَصُمْ قبلها ثلاثة) أيّام (ثالثها الاثنين) على الأفضل؛ لأمر الصادق علیه السّلام لمحمد بن خالد (2) (ثمّ) جعل ثالثها (الجمعة) وهو أدْوَنُ فضلاً، فلذا عطف ب_ِ«ثمّ» وليس عليه
ص: 328
نصّ بالخصوص لكن ورد: «أنّ العبد ليسأل الحاجة فتُؤَخَّر الإجابة إلى يوم الجمعة» (1).
(وإعلام الناس) بذلك ليصوموا كذلك، (وأمرهم بالتوبة والصدقة وردّ المظالم وإزالة الشحناء) وهي البغضاء فيما بينهم؛ ليتأهّلوا بذلك للإجابة.
(والخروج حفاةً إلى الصحراء)؛ لأنّه أبلغُ في الخشوع والتذلّل (إلّا بمكّة وفى المسجد) الحرام؛ لمزيّة شَرَفه.
وعن عليّ علیه السّلام: «قَضَت السُنّة أنّه لا يُستسقى إلّا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يُستسقى في المساجد إلّا بمكّة» (2).
(والمشي بسكينةٍ ووقار) ومبالغة في الخضوع والانكسار، وليكونوا مُطرِقي رؤوسهم مُخبِتِين مُكثِرِين ذِكْرَ الله عزّ وجلّ، والاستغفار من ذنوبهم، وسيء أعمالهم.
(وإخراج الشيوخ والشيخات والأطفال)؛ لقول النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لولا أطفال رُضّع وشيوخ رُكَّع وبها ثم رُنّع لصُبَّ عليكم العذاب صبّاً» (3).
وأبناء الثمانين أخرى بالإجابة؛ لِما رُوي عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم : «إذا بَلَغَ الرجل ثمانين سنةً غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» (4).
(والتفريق بينهم وبين الأمّهات)؛ لتكثير البكاء والعجيج إلى الله تعالى، ويتحقّق التفريق بينهم بأنْ يُعطى الولد لغير أُمّه.
(ولا يخرج الكافر)؛ لأنّه مغضوبٌ عليه؛ وقد قال تعالى: «وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» (5).
ص: 329
وكذا لا يخرج المتظاهِرُ بالفِسق والمُنكر من المسلمين، (و) لا (الشابّة) خوف الفتنة.
(وتحويل الرداء) بأن يجعل ما على المنكب الأيمن على الأيسر و بالعكس؛ تفوّلاً بتحويل الجدب خصباً، وتأسياً بالنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم.
ووقته (عند الفراغ منها) أي الصلاة، رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السّلام (1)، والتحويل (للإمام خاصّة)؛ للرواية السابقة، (ثمّ يكبّرون) جميعاً (والإمام مستقبل القبلة مائة) مرّة، (ويسبّحون وهو متيامن) متحوّل عن يمينه (مائةً، ويهلّلون وهو متياسر مائةً، ويحمدون) الله تعالى (وهو مستقبلهم مائة رافعي الأصوات في الجميع تابعي الإمام) في الأذكار دون الجهات، وقد علم ذلك من ظاهر الضمائر السابقة.
روي ذلك كلّه عن الصادق علیه السّلام تعليماً لمحمّد بن خالد أمير المدينة، فلمّا فعل ذلك سُقُوا وقالوا: هذا من تعليم جعفر علیه السّلام (2).
(ثمّ الخطبتان) بعد الصلاة (من المأثور) عن أهل البيت علیهم السّلام. ورُوي في الفقيه (3) والتهذيب (4) خطبة بليغة في ذلك لأمير المؤمنين علیه السّلام (أو ما اتّفق) من الخطب، فإنّ المأثور غيرُ مُتَعَيّن وإنْ كان أفضل. (وإلّا) أي وإلّا يتّفق خطبة (فالدعاء).
ويحتمل أن يُريدَ أنْ لا يتفقَ صلاة، فالدعاء بالاستسقاء خاصةً، وكلاهما حسن مجزئ.
(وتكرار الخروج لو لم يجابوا) مرّةً بعد أخرى، وعدم اليأس من روح الله تعالى، فقد اتفق ذلك للأنبياء فضلاً عن غيرهم.
ص: 330
(ولْيُدْعَى بدعاء النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (1)) في الاستسقاء: اللهمّ صلّ على محمّد وآله محمّد. (اللهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ ،وبهائِمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بِلادَكَ المَيْتَةَ. وكذا يُدعى بدعاء الأئمة علیهم السّلام) كدعاء زين العابدين علیه السّلام في الصحيفة (2) (ودعاء أهل الخصب لأهل الجدب) لِما فيه من الإعانة على البِرّ وقضاء حوائج المسلمين وإغاثة الملهوفين، وقد أثنى الله تعالى على مَنْ قال: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَان» (3). ويُفهم من قوله: «دعاء أهل الخصب» أنّ استسقاءَهُم لهم بالصلاة غير مشروع، وليس ببعيد لعدم النص، وكون الصلاة من الأمور التوقيفية، بخلاف الدعاء للغير، وتردّد في الذكرى (4).
(والدعاء بالصحو والقلّة عند إفراط المطر)؛ لأنَّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم (5) فعل ذلك.
ولو صلّى هنا ركعتين للحاجة كان حسناً.
أمّا الاستصحاء فلم ينقل.
وكذا يشرع صيام ثلاثة أيام أمام ذلك؛ لأنّها من متامّ الحوائج. (ويكره أن يقال: مطرنا بنَوْءٍ كذا) إذا لم يعتقد تأثيرَهُ وإلَّا حَرُمَ.
قال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم : «قال ربّكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، وكافر بي ومؤمن بالكواكب مَنْ قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب ومن قال مطرنا بنَوْءٍ كذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب» (6).
وحرّم الشيخ (رحمه الله) قولَ ذلك مطلقاً (7) لهذا الحديث.
ص: 331
وهو محمول على ما ذكرناه؛ إذ لو أُطلق ذلك باعتبار جريان العادة - بأنّ اللهَ يُمطِرُ في ذلك الوقت مع اعتقاد أن لا مدخل للنجم في التأثير، وأنّ الله تعالى هو المؤثر - فلا مانع منه، بل قيل: لا يُكره (1)؛ لوروده عن الصحابة (رضي الله عنهم)، والحكم بالكفر في الخبر يدلّ على ذلك التأويل.
والنَوْءُ: غَيْبُوبَةُ كوكب في المغرب وطلوع رقيبه من المشرق؛ سمّي بذلك، لأنّه إذا سقط الساقط منها بالمغرب. ناءَ الطالِعَ بالمشرق ينوء نوءً، وذلك النهوض يسمّى النوء، فسمّى النجم .به.
نقل الهروي عن أبي عبيد:
أنّ الأنواء ثمانية وعشرون نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة، يسقط منها كلّ ثلاث عشرة ليلةٍ نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخرُ يقابله من ساعته، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، فكانت العرب في الجاهليّة إذا سقط منها نجم وطلع آخرُ ينسبون كلّ غَيْثٍ يكون عند ذلك إلى النجم، فيقولون: مُطِرْنا بِنَوْءٍ كذا (2).
وقال ابن الأعرابي: لا يكون نَوْءٌ حتّى يكونَ معه مطر (3).
(ولنافلة شهر رمضان) من الخصائص (أنّها ألف ركعة) مفرّقة على مجموع الشهر (في) الليالي (العشرين) الأوَل كلَّ ليلة (عشرون) ركعةً (ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء والوتيرة) على المشهور (4)، وقيل بالعكس (5)،
ص: 332
وكلاهما مروي (1). وقد تقدّم أنّ الوتيرة مؤخّرة عمّا بعد العشاء على قولٍ، وكلاهما جائز.
وفي البيان: الأشهر أنّ الوتيرة بعد النوافل (2).
(وفي) كلّ ليلةٍ من (العشر الأواخر ثلاثون) ركعةً: ثمانٍ بعد المغرب كما مرّ، و(اثنتان وعشرون بعد العشاء، وفي كلّ من الفرادى) وهي التاسعة عشرة، والحادية والعشرون، والثالثة والعشرون (مائة) ركعة، وذلك ألف ركعة منها في العشرين أربع مائة وفي العشر ثلاث مائة وفي الفرادى ثلاث مائة، هذا مع تمام الشهر، ومع نقصانه تسقط وظيفة ليلة الثلاثين، ولا يشرع قضاؤها وإن نقصت الألف.
(ويجوزُ الاقتصارُ) في الليالي الفُرادى (عليها ) أي على المائة (وتفريق الثمانين) المتروكة على الرواية الأولى، وهي عشرون ليلة: التاسعة عشرة وثلاثون من كل ليلة من الأخيرَتَيْنِ (على الجمع)، فيصلّي في كل يوم جمعة عشر ركعات: أربع منها بصلاة فاطمة علیها السّلام الآتية، ثم ركعتان بصلاة عليّ علیه السّلام، الآتية، ثم أربع بصلاة جعفر، ثمّ يصلّي في ليلة الجمعة الأخيرة عشرين ركعةً بصلاة فاطمة علیها السّلام، وفي عشيّتها ليلة السبت عشرين ركعةً بصلاة عليّ علیه السّلام، المذكورة.
هذا، وإنما قيّدنا بذلك في هذه المواضع؛ لأنَّ المَروي في هذا الترتيب كونُ الأربع صلاة عليّ علیه السّلام، والركعتين صلاةَ فاطمة (3)، وفي الرسالة عَكَسَ - كما سيأتي - فلذلك أطلقنا الاسم على ما رتبه، فلا يتوهّم منافاة ذلك؛ لِما رُوي هنا.
ولو اتّفقتْ عَشِيَّةُ آخر جمعة ليلةَ العيد جعل العشرين في ليلة آخر سبت من الشهر.
ولو اتّفق في الشهر خَمْسُ جُمَعٍ ففي التفريق عليها أوجه، وليس ببعيد التخيير في
ص: 333
إسقاط واحدة خصوصاً الأخیرة.
(والدعاء فيها) وبين الركعات (بالمأثور) وهو مخرج في المصباح والتهذيب من كتب الشيخ (رحمه الله) (1).
(وزيادة مائةٍ) على ذلك (اليلة نصفه في كلّ ركعة) منها (بعد الحمد التوحيد إحدى عشرة مرّةً).
والذي رواه المصنّف في الذكرى (2) تبعاً للشيخ في التهذيب عن الصادق علیه السّلام، عن أمير المؤمنين علیه السّلام: أنّ القراءة في كلّ ركعة من هذه المائة عشر مرّات ب_ِ«قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» (3)، ثمّ قال: فذلك ألف مرّة في مائة، وجعل ثوابه أنّه لا يموت حتّى يرى في منامه مائة من الملائكة ثلاثين يبشِّرونَهُ بالجنّة، وثلاثين يؤمنونه من النار، وثلاثين تعصمه مِن أنْ يخطأ، وعشرة يَكِيدونَ من كاده» (4).
وفي خبر آخر: «أَهْبَطَ الله من الملائكة عشرةٌ يَدرَأُونَ عنه أعداءه من الجنّ والإنس، وأهبطَ اللهُ إليه عند موته ثلاثين ملكاً يؤمنونه من النار» (5).
(و نافلة عليّ علیه السّلام ركعتان في) الركعة (الأولى بعد الحمد القدر مائة) مرّة، (وفي) الركعة (الثانية بعد الحمد التوحيد مائة مرّة).
وفي الذكرى جعل هذه صلاةَ فاطمة علیها السّلام (6)، وكِلاهُما مرويّ (7)، وثواب مَن صلّاها بعد إسباغ الوضوء أنْ يَنتقِلَ حينَ ينتقل وليس بينه وبين الله ذنب إلاّ غفر له.
ص: 334
(ونافلة فاطمة علیها السّلام أربع ركعات في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد خمسين مرّة).
وفي الذكرى جعلها صلاة عليّ علیه السّلام (1)، وثوابها - عن الصادق علیه السّلام -: «أن يخرج من ذنوبه كيومِ وَلَدَتْهُ أُمُّه وتُقضى حوائجُهُ» (2).
(ولنافلة جعفر علیه السّلام) من الخصائص (تكرارها كلّ ليلة ) يغفر له ما بين الليلتين، (ودونه) في الفضل أن يصلِّيَها (في كلّ جمعة، ثمّ في الشهر) مرّة (ثمّ في السنة) مرّة يغفر الله له ما بينهما، روى ذلك أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السّلام (3).
(ويجوز احتسابُها من الرواتب)، فيُؤجَرُ على فعل الوظيفتين، روى ذلك ذُرَيْح عن أبي عبد الله علیه السّلام، وكذا يجوز جعلها من قضاء النوافل؛ لأنّ في هذه الرواية: «وإنْ شِئْتَ جعلتها من قضاء صلاة» (4)
وجوّز بعض الأصحاب جعلها من الفرائض (5) أيضاً؛ إذ ليس فيها تغيير فاحش.
(وهي أربع) ركعات بتسليمتين يقرأ (بعد الحَمْدِ في الأُولى) سورة (الزَلْزَالِ، وفي الثانية) بعد الحَمْدِ (والعادِياتِ، وفي الثالثة النَضر، وفي الرابعةِ التَّوْحِيد) على المشهور (6).
وروي (7) ب_ِ «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» في الجميع.
ص: 335
وروي في كل ركعة بالإخلاص والجَحْدِ (1).
وروي القراءة بالزَلْزَلَةِ والنَّصْرِ والقَدْرِ والتَوْحِيدِ (2).
والكلّ حَسَنٌ وإنْ كأن المشهور أولى.
(و) يقول (بعد كلّ قراءة) قبل أنْ يَركَعَ: (سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلّا اللهُ واللهُ أكبر، خمس عشرة مرّة، ثمّ) يقولها (عشراً في كلّ ركوع وسجود ورفع منهما، ففي) الركعات (الأربع ثلاث مائة) تسبيحة كلّ واحدة بأربع، وذلك ألف ومائتا تسبيحةٍ وتحميدةٍ وتهليلةٍ وتكبيرةٍ.
(و) يستحبّ (الدعاء) في (آخر سجدة) منها (بالمأثور) وهو: «سُبحانَ مَنْ لَبِسَ العِزَّ والوَقارَ، سُبحانَ مَنْ تَعَطَّفَ بالمَجْدِ وتَكَرَّمَ بِه سُبحانَ مَن لا يَنْبَغِي التَسبِيحُ إِلَّا لَهُ، سُبحانَ مَن أَحْصى كُلَّ شيءٍ عِلمُهُ، سُبحانَ ذِي المَنِّ والنِعَمِ، سُبحانَ ذِي القُدرَةِ والأمر. اللهُمَّ إِنِّي أسألُكَ بِمعاقِدِ العِزَّ مِن عَرشِكَ، ومُنتَهى الرحْمَةِ مِن كِتابِكَ. واسمك الأعظَم، وكلماتِكَ التامّةِ التي تَمَّتْ صِدْقاً وعَدْلاً، صلِّ على محمدٍ وأهل بيته، وافْعَلْ بِي كذا وكذا.
(ولو تعذّر التسبيح فيها) بأن كان مستعجِلاً صلّاها مجرّدةً عنه ثمّ (قضى بعدها) وإن كان ذاهباً في حوائجه، رواه أبان (3) وأبو بصير (4) عن الصادق علیه السّلام.
(وللاستخارة صورٌ كثيرةٌ: منها) الخيرة بالرقاع وهي التي اعتمدها السيّد السعيد رضيّ الدين بن طاوس في كتابه الذي صنّفه في الاستخارات (5)، وذكر فيه من آثارها غرائب وعجائب، وذكر أنّها من باب العلم بالمغيّبات.
ص: 336
وهي (أن يغتسل) ولم يذكر الغسل في الرواية، ولا ذكره السيّد في كتابه، ولا المصنّف في كُتُبِهِ في هذه الصفة، نعم ورد الغسل لضُروبٍ من الاستخارة كما مرّ، ولا رَيْبَ أنّه أكملُ.
(ثمّ يكتب في ثلاث رقاع بعد البسملة: خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل) كذا بخطّ المصنّف. والموجود في كثير من النسخ لهذه الصورة «افعله» بالهاء حتّى كتب المصنّف عليها في بعض كتبه لفظة «صح»؛ تأكيداً لإثباتها.
(وفي ثلاث) رقاع (بعد البسملة: خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل) هذه بغير هاء بالاتّفاق (ثمّ يجعلها) المستَخِير (تحت مصلّاه، ثمّ يصلّي ركعتين) يقرأ فيهما ما شاء (ويسجد بعدهما، ويقول) في سجوده (مائة مرّةً: أستخيرُ اللهَ برحمته خِيرَةً في عافية، ثمّ يرفع رأسه ويقول: اللهمّ خز لي في جميع أموري في يُسر منك وعافية، ثمّ يشوّش الرقاع) بيده (ويُخرِج) واحدةً واحدةً، (فإن توالَت ثلاث افعل أو لا تفعل فذاك) أتمّ ما يطلبُ كَشْفَهُ، فإنّه خيرٌ محض أو شرٌّ محض (وإنْ تفرّقَتْ) أخرج رابعةً فإنْ تَمَّ بها أحدُ العددين فذاك وإلا أَخْرَجَ خامسةً و (عمل على أكثر الخمس) من أمْرٍ أو نهيٍ.
قال السيّد السعيد (قدّس سرّه):
إنّ مع تفرّقها يكون الخير والشر موزّعاً بحسب تفرّقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتّبها ، وإن كان الخير أو ضدّه أغلب بحيث يُؤمر به (1).
ونحن قد جرّبنا ذلك فوَجَدْناهُ كما قال (رحمه الله).
(ولصلاة الشكر) من الخصائص (أنّها ركعتان عند تجدّد نعمة أو دفع نقمة أو قضاء حاجة، يقرأ في) الركعة (الأُولى منهما الحمدَ والتوحيدَ، وفي الثانية الحمدَ
ص: 337
والجحدَ، وليقل في الركوع والسجود: الحمد لله شُكراً شُكراً وحَمداً، وبعد التسليم: الحمد لله الذي قضى حاجتي، وأعطاني مسألتي، ثم يسجد سَجْدَتَي الشُكر).
والذي رواه الشيخ في التهذيب عن أبي عبد الله علیه السّلام وذكر الصلاة بعينها إلا أنّه قال: تقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك: «الحمدُ للهِ شكراً شكراً وحمداً»، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك: «الحمدُ للهِ الذي استجابَ دُعائي وأعطاني مسألتي...» (1) إلى آخره.
وعلى هذا الختام نقطعُ الكلام. اللهُمّ كما جَعَلْتَهُ مُفْتَتَحاً بأكملِ الحمدِ وأشرفِ الذِكرِ، حَسّن الختام به وبالشكر مبشّراً بالنجاح والفوز بالأمنيّة ووافرِ الأرباح، فصلّ على محمّد المصطفى وعِثرتِهِ النُجباء، وتقبّله منّا بفضلك وكرمك، وأسبِل على نفوسِنا الناقصةِ وابِلَ دَيْمِكَ وسابغَ نِعَمِكَ وهاطِلَ قَسْمِكَ، ونَبِّهنا من رَقْدَةِ الغافلين بحق محمّد وآله الطيبين واستعمِلْنا فى ما يُرضيك عَنّا، يا إله العالَمِينَ، والحمدُ لله حَمْدَ الشاكِرِينَ والصلاة على سيّدِ رُسُلِهِ وأشرف خلقِه محمّدٍ وآلهِ الطيّبين الطاهرِينَ.
فرغَ مؤلّفه العبد الحقير إلى عفو الله تعالى وكرمه زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي (عامله الله بلطفه وفضله) ضحى يوم الخميس خامس عشر شهر صفر، ختم بالخير والظفر عام خمس وخمسين وتسع مائة حامداً مصلِّياً مسلِّماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ص: 338