موسوعة الشهيد الثاني المجلد 12

هوية الکتاب

موسوعة الشهید الثانی

الجزء الثانی عشر

المقاصد العلیّة فی شرح الرسالة الالفیّة و حاشیتا الالفیّة

المرکز العالی للعلوم و الثقافة الاسلامیّة

مرکز احیاء التراث الاسلامی

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثاني عشر (المقاصد العلية وحاشيتا الألفيّة)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م

الكميّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 245

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534 ص. ب 37185/38585 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911-966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة. 1434ق. = 2013م.

30ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-87-8. (ج12)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا.

کتابنامه.

مندرجات : ج 12، المقاصد العلية وحاشيتا الألفيّة.

1. اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان.

8 م BP4/6/92

297/08

المحرر الرقمي: سيد محمد رضوي

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

موسوعة الشهید الثانی

الجزء الثانی عشر

المقاصد العلیّة فی شرح الرسالة الالفیّة و حاشیتا الالفیّة

المرکز العالی للعلوم و الثقافة الاسلامیّة

مرکز احیاء التراث الاسلامی

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الثاني عشر (المقاصد العلية وحاشيتا الألفيّة)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأُولى 1434 ق / 2013م

الكميّة: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 245

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534 ص. ب 37185/38585 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911-966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة. 1434ق. = 2013م.

30ج.

978-600-5570-74-8 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-87-8. (ج12)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا.

کتابنامه.

مندرجات : ج 12، المقاصد العلية وحاشيتا الألفيّة.

1. اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش 4. اخلاق اسلامی .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی ب عنوان.

8 م BP4/6/92

297/08

ص: 4

دلیل موسوعة الشهيد الثاني

المدخل - الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ . البداية .6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7) - 30) الرسائل /2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميّت؛ 9. العدالة؛ 10 ماء البئر ؛ 11 تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13. النيّة؛ 14. صلاة الجمعة 15 الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17 نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار 18. أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة؛ 19 نيّات الحجّ والعمرة؛ 20 مناسك الحجّ والعمرة .21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23. الحبوة؛ 24 أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25 أجوبة مسائل السيّد ابن طرّاد الحسيني ؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27 أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة ؛ المدني؛ 28 أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29 أجوبة مسائل السيّد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفيّة.

الجزء الرابع = (31 - 43) الرسائل /3 : 31 تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34 وصيّةً نافعةً : 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36 تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38 ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية خلاصة الأقوال»؛ 40. حاشية «رجال ابن داود» 41 الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة

الجزء الرابع عشر = (51 و52) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون - الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ... 17

نماذج من مصوّرات النسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق ... 28

المقاصد العليّة

و

حاشيتا الألفية

مقدمة الشارح ... 3

شرح ديباجة الرسالة ... 5/ 397

المقدّمة ... 19/ 404

تعريف الصلاة ... 19/ 404

إشكالات المصنّف على تعريف الماتن للصلاة ... 21

أدلّة وجوب الصلاة اليوميّة، وكفر مستحلّها ... 23/ 406

حديثان يدلّان على ثواب الصلاة اليوميّة، ومناقشة المصنّف لهما ... 24/ 409

وجوب الصلاة على البالغ العاقل، وما يشترط في صحّتها ... 32/ 409

بما أنّ مواضيع المقاصد العلية مطابقة لمواضيع الحاشيتين الوسطى والصغرى لذلك لم نضع فهرساً مستقلاً للحاشيتين تجنّباً من التكرار بل فصلنا بينهما بخط مائل فالرقم الذي قبله للمقاصد العلية والذي بعده للحاشيتين.

ص: 7

ما يجب معرفته قبل الصلاة ومناقشة المصنّف له وتفريعاته عليه ... 36/ 410

تعريف علم الكلام وسبب تسميته بهذا الاسم ... 45/ 411

انقسام الرعيّة في زمان الغيبة إلى مجتهد ومقلّد، ومناقشة المصنّف

لهذا الموضوع وتفريعاته عليه ... 46/ 412

تقليد الميّت ... 51

أصناف الصلاة ... 54/ 414

الفصل الأول في المقدّمات

المقدّمة الأُولى: الطهارة ... 59/ 417

تعريف الطهارة ... 59/ 417

مناقشة واستشكال المصنّف على تعريف الماتن للطهارة ... 60

موجبات الوضوء ... 62/ 418

موجبات الغسل ... 67/ 422

موجبات التيمّم ... 68/ 423

غاية الطهارات الثلاث ... 71/ 423

واجبات الوضوء ... 79/ 426

الأوّل: النيّة ... 79/ 426

الثاني: غسل الوجه ... 85/ 426

الثالث : غسل اليدين ... 88/ 426

الرابع: مسح مقدّم شعر الرأس ... 90/ 433

:الخامس: مسح بشرة الرجلين ... 95/ 435

السادس: الترتيب ... 100/ 438

السابع: الموالاة ... 102/ 438

الثامن: المباشرة ... 103/ 439

التاسع: طهارة الماء وطهوريّته ... 104/ 439

ص: 8

العاشر: إباحة الماء ... 106 / 441

الحادي عشر : إجراء الماء على العضو المغسول ... 106 / 441

الثاني عشر: إباحة المكان ... 108 / 442

واجبات الغسل ... 110/ 443

الأوّل: النيّة ... 110/ 443

الثاني: غسل الرأس والرقبة ... 115/ 444

الثالث: غسل الجانب الأيمن ... 116

الرابع: غسل الجانب الأيسر ... 116/ 445

الخامس: تخليل ما لا يصل إليه الماء ... 117/ 446

السادس: عدم تخلّل حدث في أثنائه ... 117/ 446

السابع: المباشرة بنفسه اختياراً ... 121

الثامن: الترتيب ... 122/ 447

التاسع: طهارة الماء وطهوريّته ... 122/ 447

العاشر: إباحة الماء ... 123/ 447

الحادي عشر : إجراء الماء كغسل الوضوء ... 123

الثاني عشر: إباحة المكان ... 123/ 448

واجبات التيمّم ... 124/ 448

الأوّل: النيّة ... 124/ 448

الثاني: الضرب على الأرض بكلتا يديه ... 128/ 449

الثالث: مسح الجبه ... 130/ 450

الرابع: مسح ظهر كفّه اليمنى ... 131

الخامس إلى السابع: مسح ظهر كفّه اليسرى ونزع الحائل والترتيب ... 132

الثامن: الموالاة ... 132/ 450

التاسع: طهارة التراب المضروب عليه ... 133/ 451

العاشر: إباحة التراب المضروب عليه ... 135/ 452

ص: 9

الحادي عشر : إباحة المكان ...135

الثاني عشر : إمرار الكفّين معاً على الوجه ... 135/ 452

المقدّمة الثانية: إزالة النجاسات ... 140/ 456

النجاسات العشر ... 140/ 456

إزالة النجاسات العشر ... 145/ 459

أحكام الاستنجاء ... 146/ 459

ما يجب على المتخلّي فعله ... 152/ 460

المطهّرات ... 154/ 461

وجوب عصر الثياب إذا غسلت في الماء القليل ... 158/ 465

تغسيل الميّت ... 159/ 466

وجوب تعفير الإناء عند نجاسته بولوغ الكلب والخنزير ... 162/ 469

الغسالة وأحكامها ... 164/ 470

النجاسات المعفوّ عنها ... 166/ 471

المقدّمة الثالثة: ستر العورة ... 170/ 475

ما يجب ستره في الصلاة للرجل والمرأة والخنثى ... 170/ 475

يعتبر في الساتر امور خمسة: ... 171/ 477

الأول والثاني: أن يكون طاهراً وأن لا يكون ميتة ... 171/ 477

الثالث: أن لا يكون جلد غير المأكول أو صوفه أو وبره ... 172/ 478

الرابع: أن لا يكون مغصوباً ... 174/ 479

الخامس: أن لا يكون حريراً ولا ذهباً ... 175/ 480

المقدّمة الرابعة: وقت الصلاة ... 177/ 482

وقت صلاة الظهر ... 177/ 482

وقت صلاة العصر ووقت صلاة المغرب ... 180/ 484

وقت صلاة العشاء ... 181/ 485

وقت صلاة الصبح ... 182/ 486

ص: 10

المقدّمة الخامسة: مكان المصلّى ... 488/184

بيان المقصود من مكان المصلّي ... 184

اشتراط كون مكان المصلّي غير مغصوب ... 488/184

اشتراط طهارة مكان المصلّي ... 186

اشتراط كون محلّ السجود أرضاً أو نباتاً غير مأكول أو ملبوس ... 489/187

المقدّمة السادسة: القبلة ... 491/189

وجوب توجّه المصلّي إلى القبلة وبيان معنى جهة القبلة ... 491/189

مناقشة المصنّف لعبارة الماتن في بيان جهة القبلة ... 190

أمارات قبلة العراقي ... 493/195

أمارات قبلة الشامي ... 495/199

أمارات قبلة المغربي ... 496/202

وجوب تقليد الغير عند فقد الأمارات ... 497/203

توجه المصلّي إلى أربع جهات إن جهل القبلة ... 498/205

بيان الستّين فرضاً الموجودة في المقدّمة... 208/ 500

بيان المحقّق الكركي للستّين فرضاً الموجودة في المقدّمة ... 208/ 500

مناقشة المصنّف للمحقّق الكركي في بيانه للستّين فرضاً الموجودة في المقدّمة ......209

أحكام القصر ... 211/ 501

الفصل الثاني في الفروض المقارنات للصلاة

الأُولى: النيّة ... 226/ 509

تعريف النيّة ... 226/ 509

يجب في النيّة سبعة أشياء: ... 226/ 510

أحدها: القصد إلى التعيين ... 226/ 510

ثانيها: القصد إلى الوجوب ... 226/ 510

ثالثها: القصد إلى الأداء ... 227/ 510

ص: 11

رابعها القصد إلى الوجوب المجعول عليه ... 510/227

خامسها: القربة ... 511/227

سادسها : المقارنة للتحريمة ... 511/228

سابعها: الاستدامة حكماً إلى الفراغ ... 512/230

بیان صفة النيّة المستجمعة للأُمور المعتبرة فيها ... 512/232

عدم وجوب التلفّظ في النيّة ... 514/235

الثانية: التحريمة، ويجب فيها أحد عشر: ... 515/238

الأوّل: التلفّظ بها ... 515/238

الثاني: عربيّتها ... 238

الثالث والرابع: الموالاة ومقارنتها للنيّة ... 516/239

الخامس والسادس: عدم المدّ بين الحروف ... 516/239

السابع: ترتيبها ... 517/240

الثامن والتاسع: إسماع نفسه وإخراج حروفها من مخارجها ... 518/241

العاشر والحادي عشر: قطع العمرة من «الله»ومن «أكبر» ... 518/242

الثالثة: القراءة، وواجباتها ستّة عشر: ... 519/244

الأوّل: تلاوة الحمد والسورة ... 244

الثاني: مراعاة إعرابها ... 244/ 519

الثالث: مراعاة ترتيب كلماتها و آيها ... 246

الرابع: الموالاة ... 246/ 520

الخامس: مراعاة الوقف على آخر الكلمة ... 247/ 521

السادس: الجهر للرجل في الصبح وأوليين العشاءين ... 249/ 523

السابع: تقديم الحمد على السورة ... 251/ 524

الثامن: البسملة في أوّل الحمد والسورة ... 251/ 525

التاسع: وحدة السورة ... 251/ 524

العاشر: إكمال كلّ من الحمد والسورة ... 252/ 524

ص: 12

الحادي عشر: كون السورة غير عزيمة ... 526/253

الثاني عشر : القصد بالبسملة إلى سورة معيّنة عقيب الحمد ... 527/253

الثالث عشر : عدم الانتقال من السورة إلى غيرها إن تجاوز نصفها ... 527/254

الرابع عشر : إخراج كلّ حرف من مخرجه المنقول بالتواتر ... 528/255

الخامس عشر: عربيّتها ... 529/256

السادس عشر : ترك التأمين ... 530/257

الرابعة: القيام، وواجبه أربعة: ... 530/261

الأوّل: الانتصاب ... 531/261

الثاني: الاستقلال ... 531/262

الثالث: الاستقرار ... 532/262

الرابع: أن يتقارب القدمان ... 534/263

الخامسة: الركوع، وواجبه تسعة: ... 537/267

الأوّل: الانحناء ... 537/267

الثاني: الذكر فيه ... 538/267

الثالث: عربيّة الذكر ... 539/268

الرابع: موالاته ... 539/268

الخامس: الطمأنينة ... 540/269

السادس: إسماع الذكر نفسه ... 540/270

السابع: رفع الرأس منه ... 541/270

الثامن: الطمأنينة فيه ... 541/270

التاسع: عدم إطالة الطمأنينة ... 541/270

السادسة: السجود وواجبه أربعة عشر: ... 543/271

الأوّل: السجود على الأعضاء السبعة ... 542/271

الثاني: تمكين الأعضاء من المصلّى ... 543/271

الثالث: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ... 272

ص: 13

الرابع: مساواة مسجده لموقفه ... 272/ 543

الخامس: وضع ما يصدق عليه الوضع من العضو ... 273/ 544

السادس: الذكر فيه ... 273/ 545

السابع: الطمأنينة يقدره ساجداً ... 274/ 545

الثامن: عربيّة الذكر ... 274

التاسع: موالاته ... 274

العاشر: إسماع نفسه ... 274

الحادي عشر: رفع الرأس منه ... 274

الثاني عشر : الطمأنينة فيه ... 274/ 546

الثالث عشر : عدم إطالة السجود ... 275

الرابع عشر: تثنية السجود ... 275

السابعة: التشهّد وواجبه تسعة: ... 276/ 546

الأوّل: الجلوس له ... 276

الثاني: الطمأنينة یقدره ... 276/ 547

الثالث: الشهادتان ... 276

الرابع: الصلاة على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ... 276

الخامس: الصلاة على اله علیهم السلام ... 276

السادس: عربيّته ... 277/ 547

السابع والثامن: ترتيبه وموالاته ... 277

التاسع: مراعاة المنقول ... 277/ 547

الثامنة: التسليم وواجبه تسعة: ... 280/ 549

الأول والثاني: الجلوس له والطمأنينة يقدره ... 280

الثالث: لفظه ... 280/ 549

الرابع: الترتيب بين کلماته ... 281

الخامس عربيّته ... 282

ص: 14

السادس: موالاته ... 282

السابع: مراعاة الصيغتين مادة وصورة ... 282/ 551

الثامن: تأخيره عن التشهّد ... 282/ 552

التاسع: جعل المخرجة ما يقدّمه من إحدى العبارتين ... 283/ 552

بيان عدد الواجبات من الفصل الثاني ... 284/ 553

الفصل الثالث في المنافيات للصلاة

الأوّل: نواقض الطهارة مطلقاً ... 289/ 557

الثاني: استدبار القبلة مطلقاً ... 290/ 558

الثالث: الفعل الكثير عادة ... 293/ 559

الرابع: السكون الطويل عادة ... 293/ 560

الخامس: عدم حفظ عدد الركعات ... 293/ 560

السادس: الشكّ في الركعتين الأوليين أو الثنائيّة أو المغرب ... 294/ 560

السابع: نقص ركن من الأركان الخمسة ... 294/ 561

الثامن: نقص ركعة فصاعداً ثمّ يذكر بعد المنافي مطلقاً ... 299/ 562

التاسع: زيادة ركعة ولم يقعد آخر الرابعة بقدر التشهّد ... 299/ 562

العاشر: عدم حفظ الأُوليين ... 301/ 563

الحادي عشر : إيقاعها قبل الوقت ... 301/ 564

الثاني عشر : إيقاعها من مكان أو ثوب نجسين ... 302/ 564

الثالث عشر: منافاتها لحقّ آدمي مضيّق ... 304/ 566

الرابع عشر : البلوغ في أثنائها ... 305/ 568

الخامس عشر : تعمّد وضع إحدى اليدين على الأُخرى ... 306/ 568

السادس عشر: تعمّد الكلام ... 307/ 569

السابع عشر: تعمّد الأكل والشرب ... 309/ 570

الثامن عشر: تعمّد القهقهة ... 311/ 571

ص: 15

التاسع عشر : تعمّد البكاء لأمور الدنيا ... 311/ 571

العشرون: تعمّد ترك واجب ... 312/ 573

الواحد والعشرون: تعمّد الانحراف عن القبلة ... 312/ 573

الثاني والعشرون: تعمّد زيادة واجب مطلقاً ... 313/ 574

الثالث والعشرون: تعمّد الرجل عقص شعره ... 313/ 574

الرابع والعشرون: تعمّد وضع إحدى الراحتين على الأُخرى ... 313/ 574

الخامس والعشرون: تعمّد كشف العورة ... 314/ 575

الخاتمه

البحث الأوّل في الخلل الواقع في الصلاة وهو خمسة أقسام ... 318/ 577

الأوّل: ما يفسدها ... 318/ 577

الثاني: ما لا يوجب شيئاً ... 318/ 578

الثالث: ما يوجب التلافي بغير سجود ... 329/ 586

الرابع: ما يوجب التلافي مع سجود السهو ... 332/ 588

الخامس: ما يوجب الاحتياط في الرباعيّات ... 338/ 596

البحث الثاني في خصوصيات باقي الصلوات ... 352/ 613

صلاة الجمعة ... 353/ 613

صلاة العيد ... 362/ 624

صلاة الآيات ... 366/ 627

صلاة الطواف ... 371/ 631

صلاة الجنائز ... 373/ 633

صلاة الملتزم ... 377/ 636

صلاة القضاء ... 380/ 640

ص: 16

مقدمة التحقيق

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّ الرحمة والعدل محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم وعلى أهل بيته الطاهرين.

يبدو أنّ بين الشهيدين الأوّل والثاني وجه مشابهة في الجمع بين منقبة العلم والسعادة ومرتبة العمل والشهادة. وكأنّما أُلقي في روع الثاني بأنّه سوف يفوز ويبقى اسمه مخلّداً مقروناً باسم الأوّل.

ولعلّ هذا الإحساس وهذه الرابطة الروحيّة جعلته يميل إلى مؤلّفاته ومصنّفاته.

يقول تلميذه ابن العودي:

ولمّا علمَ النسبة بينه وبين الشهيد من المشاركة في نيل درجة السعادة بخاتمة الشهادة، أُلقي في قلبه الميل إلى إحياء آثاره والتعلّق بشرح مصنّفاته، وإظهار تحقيقاته. ولقد كانت نفسه كأنّها ممزوجة بنفسه، وكثيراً ماكان يبنى على مباحثه، ويرجع إلى عباراته، ويصوّب ما اعتمده من ترجيحاته(1).

ومن أهمّ مؤلّفات الشهيد الأوّل التي اهتمّ بها الشهيد الثاني هي الرسالة الألفيّة. وهي رسالة وجيزة في فرض الصلاة مرتّبةٌ على مقدّمة وثلاثة فصولٍ وخاتمةٍ، قد سمّاها في أوّل الرسالة باسم الرسالة الألفيّة، وكذلك في إجازته لا بن نجدة. وصرّح

ص: 17


1- حكاه عنه في الدرّ المنثور، ج 2، ص 184 - 185

بهذا الاسم أيضاً الشهيد الثاني في الروضة، وسمّى شرحه لها المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة.

لم يذكر الشهيد في آخر الرسالة الألفيّة تاريخ تأليفه لها؛ ولكنّه ذكرها في إجازته لا بن نجدة في عاشر شهر رمضان عام 770ه- بقوله: «فممّا سمعه عليّ من مصنّفاتي... الرسالة الألفيّة في فقه الصلاة»(1). وصفها الشهيد الثاني بأنّها: «من أوّل تصنيفه».

وتتّضح أهمّيّة هذه الرسالة من خلال الشروح والحواشي الكثيرة التي كتبها العلماء عليها:

منها: المسالك الجامعيّة، لابن أبي جمهور الأحسائي.

ومنها: المحاكمات بين شارحي الألفيّة، للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي.

ومنها: شرح الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد الحلّي.

ومنها شرح الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي.

وقد كتب الشهيد الثاني عليها شرحاً وحاشيتين، أشهرها وأهمّها المقاصد العليّة في شرح الرسالة. ويظهر في مواضع منها أنّه كانت عند الشهيد الثاني نسخة من الألفيّة مقروءة على الشهيد الأوّل وعليها خطّه، حيث قال: وهي موجودة في النسخة التي عندنا، وهي مقروءة على المصنّف وعليها خطّه(2).

المقاصد العلية

وهو شرح مزجي لجميع المتن، ويعدّ من أهمّ شروح الألفيّة وأشهرها وأتقنها، اشتمل على مباحث شريفة وتحقيقات لطيفة.

ويجدر في المقام ذكر عدّة نقاط :

الأُولى: ذكر الشهيد تاريخ الانتهاء من تأليفه في آخر الكتاب، كما جاء في نهاية

ص: 18


1- موسوعة الشهيد الأوّل، ج 19، ص 301
2- المقاصد العلية، ص 306.

جميع النسخ الخطّيّة والمطبوعة؛ حيث قال:

وفرغ من تأليفه مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد بن جمال الدين بن تقيّ الدين صالح بن مشرف العاملي (أحسن الله تعالى معاملته وشرّف خاتمته) زوال يوم الأحد مقارناً لأذان المؤذّن تاسع عشر ربيع الآخر سنة خمسين وتسعمائة حامداً مصلّيّاً مستغفراً مسلّماً. والحمد لله ربّ العالمين.

فمن جعله في ربيع الأوّل، أو في اليوم التاسع(1) أخطأ.

الثانية: يشير الشهيد فيه إلى بعض مصنّفاته الأخرى، كروض الجنان الذي يعبّر عنه بشرح الإرشاد، وبعض الرسائل المفردة.

ومنه يعلم أنّه شرع في تأليف المقاصد العليّة بعد هذه الرسائل، وكتاب روض الجنان، كما ذكره ابن العودي حيث قال: فأوّل ما أفرغه في قالب التصنيف الشرح المذكور - روض الجنان .... ثمّ قطع على آخر كتاب الصلاة، والتفت إلى التعلّق بأحوال الألفيّة(2).

الثالثة: بالرغم من أنّ المصنّف قد مدح الرسالة الألفيّة وأثنى عليها كثيراً، إلّا أنّه قد انتقدها، وبيّن مواضع الضعف فيها، نذكر هنا موارد على وجه المثال:

1. عند شرح قول الشهيد: «أمّا الكثيف من الشعور قال: وكيف كان فالعبارة خالية من المتانة وحسن التأدية للمعنى المراد.

2. وعند شرح قوله: «مسح مقدّم شعر الرأس حقيقة أو حكماً أو بشرته» قال: اعلم أنّ هذه العبارة من مشكلات الرسالة دلالةً على المطلوب منها، وقد اضطربت فيها الأفهام تنزيلاً وجرحاً وتسديداً.

3. عند شرح قوله: «والغسالة كالمحلّ قبلها» قال وقد كان على المصنّف

ص: 19


1- كالميرزا عبد الله الأفندي في تعليقة أمل الآمل، ص 50؛ والشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة ، ج 21. ص 382، الرقم 5568
2- الدّر المنثور، ج 2، ص 184 .

أن يستثني ماء الاستنجاء فإنّه غسالة طاهرة مع عدم تغييره بالنجاسة، وعدم ملاقاته لنجاسة خارجة عن حقيقة الحدث أو محلّه.

4. عند شرح قوله: «تقديم الحمد على السورة، فلو عكس بطل» قال: وكان الأولى تأنيث الضمير ليعود على الصلاة جرياً على القاعدة ولايهامه عدم بطلان الصلاة، حيث عدل عن ضميرها وخالف الباب المطّرد.

الرابعة: تأثّر المصنّف (رحمه الله) في تأليف هذا الشرح بالآثار الكثيرة لمن سبقه من الأعلام كالعلّامة الحلّي والمحقّق الكركي في شرحه للرسالة الألفيّة وحاشيته على الشرائع وشرحه على القواعد، حيث عبّر عنه بالشارح المحقّق.

وقد ادّعى بعضٌ بأنّ الشهيد الثاني اعتمد في شرحه هذا على شرح المحقّق الكركي للرسالة الألفيّة اعتماداً تامّاً حيث قال: إنّ أكثره مأخوذٌ من شرح الشيخ علي المحقّق حرفاً بحرف(1).

وهذا الادّعاء مردودٌ، حيث إنّ الشهيد اعتمد على شرح المحقّق الكركي كغيره من الأعلام، وأخذ عن هذا الشرح كما أخذ عن غيره، وهذا لا يعني أنّه أخذه عنه حرفاً بحرف كما أنّ هناك عبارات كثيرة لم يشرحها المحقّق الكركي وشرحها الشهيد الثاني، وهناك عبارات شرحها الكركي بشكل مختصرٍ، وشرحها الشهيد الثاني بشكل مفصّل.

وما ذكرناه يتّضح بأدنى تأمّل لمن قارن بين الشرحين.

الخامسة: أشار الشهيد في مقدّمته إلى أنّه أعرض في الغالب عن إقامة الدليل؛ حذراً من الإطناب والتطويل، وهذا يعني أنّه لم يسلك في هذا الكتاب إلى بيان أدلّة الأحكام وذكر الأقوال مثل سائر الكتب الاستدلاليّة، بل جعله شرحاً خالياً عن الاستدلال.

ص: 20


1- راجع: روضات الجنّات، ج 3، ص 374؛ تكملة أمل الآمل، ص 293؛ وراجع أيضاً المقاصد العليّة، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، الطبعة الأولى، مقدّمة التحقيق

الحاشية الوسطى

وهي ثاني مصنّفاته على الرسالة الألفيّة، وللوقوف عليها نشير إلى عدّة نقاط:

الأُولى: الصحيح في اسمها «الحاشية» لا «الشرح»، كما ذكره المصنّف في آخرها. وتبعه في هذه التسمية بعض المؤلّفين؛ كتلميذه ابن العودي حيث قال: حاشية وسطى تتعلّق بمهمّات(1)، والشيخ الطهراني في الذريعة(2).

الثانية: لم يذكر المصنّف تاريخ تأليفه لها، والذي عثرنا عليه في المصادر هو ثلاثة تواریخ:

الأول : 27 رجب سنة ،929ه_ ذكره السيّد محسن الأمين(3).

الثاني: قبل عام 948ه_ ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً:

وقد أحال إليه - المقاصد العليّة - في هذه الحاشية عند الكلام في اشتراط الإمام أو نائبه في الجمعة فقال: (وفيه نظر؛ لإطلاق الآية والأخبار - إلى أن قال: - وقد بسطنا الكلام في شرح هذه الرسالة) ومراده المقاصد العليّة الذي هو شرح هذه الرسالة - ثمّ قال: - وعند شهاب الدين بقم نسخة على ظهرها إجازة الشهيد للشيخ عزّالدين حسين بن زمعة المدني في 948ه_ ، كما كتبه إلينا(4).

الثالث: يوم الاثنين 27 27 رجب سنة 952ه_ ، ذكره الميرزا عبدالله أفندي الأصفهاني حيث ورد في هامش رياض العلماء ما يلي: «في هامش نسخة المؤلّف: فرغ منه ضُحى يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر رجب سنة 952ه_ »(5).

ص: 21


1- حكاه عنه في الدّر المنثور، ج 2، ص 184.
2- الذريعة، ج 1، ص 23، ح 68.
3- أعيان الشيعة، ج 7، ص 155.
4- الذريعة ، ج 6 ، ص 23 ح86
5- رياض العلماء، ج 2، ص 369 الهامش 2

أمّا التاريخ الأوّل، فيمكن حمله على الصحّة ولكن لا يعلم مستند السيّد الأمين فيه، لأنّ الشهيد كان في عنفوان شبابه وأيّام نشاطه التعليمي.

أمّا كلام الشيخ الطهراني، فغير صحيح قطعاً، وأوّله مُخالف لآخره، فقوله: «إنّه أحال في هذه الحاشية إلى شرحه المقاصد العليّة» يعني أنّه ألّفها بعده، ومعلوم أنّ تاريخ تأليف المقاصد العليّة هو سنة 950ه_ ، كما بيّناه سابقاً، علماً بأنّا لم نعثر على هذه الإحالة في النسختين الخطّيتين المتوفّرتين لدينا.

وقوله أخيراً: وعند شهاب الدين.... يعني أنّه ألفها قبل سنة 948ه_ .

ومنشأ اشتباه الطهراني ناشئ من أنّه شاهد حاشية المولى عبدالله الشوشتري على الألفيّة، فتصوّر أنّها للشهيد الثاني؛ علماً بأنّ العبارة التي حكاها عن حاشية الشهيد - عند كلامه في اشتراط الإمام أو نائبه في صلاة الجمعة - موجودة نصّاً في حاشية الشوشتري(1).

وأمّا التاريخ الثالث الذي ذكره الميرزا الأصفهاني، فهو أيضاً غير صحيح وغير مستند ولعلّ ما ذكره الأصفهاني متّحد مع ما ذكره السيّد الأمين، وهو 27 رجب، فيحتمل وقوع تصحيف أو خطأ مطبعي في رياض العلماء، فصُحف إلى 952ه_ . الثالثة: لم يختلف منهج المصنّف في هذه الحاشية عن منهجه الذي اتّبعه في شرحه الكبير المقاصد العليّة من حيث الاستدلال بالكتاب والسُنّة، وذكر أقوال العلماء، وترجيح بعضها على البعض الآخر. إلّا أنّ كلّ ذلك جرى وكُتب بعبارة أُخرى غير ممزوجةٍ بالمتن. فهذه الحاشية متوسّطة بين التفصيل والاختصار.

فهناك موارد كثيرة من المتن لم يشرحها هنا، وشرحها في المقاصد العليّة.

وهناك موارد من المتن شرحها في هذه الحاشية بشكل مختصر، وفي المقاصد العليّة وضّحها بشكل مفصّل.

ص: 22


1- انظر مخطوطته المحفوظة في المكتبة الرضوية في مدينة مشهد المقدسة برقم 2780، ورقة 63.

الرابعة: لقد ذكرنا سابقاً في حديثنا عن المقاصد العليّة، أنّ الشهيد الثاني قد تأثّر بكتب الأعلام ممّن سبق، خصوصاً شرح الألفيّة للمحقّق الكركي ومؤلّفات الشهيد الأوّل، وبما أنّ هذه الحاشية مختصرة من ذلك الشرح، فمن الطبيعي أن يكون بينهما تشابه كبير. وما قلناه في المقاصد العليّة يأتي هنا أيضاً.

الحاشية الصغرى

وهي حاشية صغيرة كتبها على هامش نسخة من الرسالة الألفيّة، اقتصر فيها على مجرّد الفتوى لعمل المقلّدين، خالية عن الاستدلال وعرض الآراء الفقهيّة وحكاية الأقوال الشاذة، إلّا في موردٍ واحدٍ عند شرح قول الماتن: (إلّا الخزّ الخالص والسنجاب) حيث قال:

وذكرّ بعض الشرّاح أنّه احترز بها عن ميتة السمك فإنّها طاهرة ولا يجوز الستر بجلدها. وخطأ الشارح المحقّق بنقل المصنّف في الذكرى عن المعتبر إجماع الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وإن كانت ميتة(1).

والصحيح في تسميتها «الحاشية» كما سمّاها تلميذه ابن العودي حيث قال: حاشية مختصرة تكتب على الهامش(2). وتبعه في ذلك كثير من المؤلّفين والمترجمين للشهيد

الثاني.

وسمّاها الشيخ الطهراني في موضع من ذريعته بالشرح الصغير(3)، وكذلك السيّد محسن الأمين قائلاً: شرح الألفية مختصر بمنزلة الحاشية تُكتب على الهامش(4).

و تاريخ تأليفها مجهول، لم يتعرّض له مَن ترجم للشهيد الثاني وذَكَرَ مصنّفاته، ولعلّها

ص: 23


1- حاشيتا الألفيّة، ص 482.
2- حكاه عنه في الدّر المنثور، ج 2، ص 184.
3- الذريعة، ج 13، ص 111.
4- أعيان الشيعة، ج 7، ص 155.

كانت أوّل ما كَتَبَهُ على حاشية الرسالة الألفيّة حين كان في مرحلة المطالعة والدرس ثمّ فصّلها وكتب الحاشية الوسطى، ثمّ جدّد النظر وجمع بين الحاشيتين وأضاف إليها بعض الزوائد والتوضيحات، وحرّر كلّ ذلك بتحرير جديد ومزج المتن والشرح كما أشار في مقدّمة الشرح: «مازجاً للأصل بالزوائد تكثيراً للفوائد. وتصييراً لهما ككتاب واحد».

هذا، ويذكر أنّه قد طبعت هذه المجموعة - أي الشرح مع الحاشيتين - محقّقة لأوّل مرّة في مركزنا سنة 1420ه- اعتماداً على اثنتي عشرة نُسخة خطيّة مُعتبرة: ثلاث نُسخ للألفيّة، وأربع للمقاصد العليّة، واثنتان للحاشية الوسطى، وثلاث للحاشية الصغرى.

فنُسَخ الألفيّة موجودة في المكتبة العامّة لآية الله العظمى المرعشي النجفي (رحمه الله) في مدينة قم المقدّسة، وهي:

1 - النسخة المرموز لها ب-«ش 1»؛ ضمن المجموعة المرقّمة 680، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ج 2، ص 273، كتبها بخطّ النسخ عليّ جان بن سلطان بایزید کَوکَدي، في سنة 939ه_ .

2 - النسخة المرموز لها ب-«ش 2»؛ ضمن المجموعة المرقّمة 67، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ج 1، ص 80، ناقصة من أوّلها صفحة واحدة مجهولة التاريخ، كتبها بخطّ النسخ محمّد بن عليّ الصفي، وفي الصفحة الأخيرة منها إجازة من جلال بن عليّ بن حسن الحسيني الحائري إلى الشيخ شمس الدين أحمد بن شمس الدین.

3 - النسخة المرموز لها ب- «ش3»؛ ضمن المجموعة المرقّمة 2074، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ج 6، ص 87 كتبها بخطّ النسخ محمّد بن شهاب في سنة 953ه_ .

ونُسخ المقاصد العليّة هي:

4 - النسخة المرموز لها ب-«ع»؛ المحفوظة في مكتبة المسجد الأعظم في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقّمة 245. والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة،

ص: 24

ص 433، كتبها بخطّ النسخ ابن محمد رفيع مظفّر الحسيني الديهوكي الطبسي الكيلكي 110ه_ في مدرسة النوّاب الواقعة في مدينة أصفهان، وعليها تملّك باسم محمّدمهدي بن محمّد سعيد حسيني، وتملّك آخر تأريخه سنة 1157ه- باسم محمّد عليّ بن عبدالحقّ الحسيني الطبسي وفي حواشيها عبارات تدلّ على أنّها نُقلت من نسخة الأصل التي بخطّ مصنّفها:

ففي الورقة رقم 2 «كذا في نسخة الأصل» و «كذا في نسخة فيها خطّ الشارح».

وفى الأوراق المرقّمة 6 و 9 و 14: (بخطّه رحمه الله).

وفي الورقة رقم 7 توجد جملة (هذه العبارة موجودة في نسخة الأصل).

وفي الأوراق المرقّمة 30 و 32 و 33 و 36 و 37 و 40 و 50 : (كذا بخطّه).

وفي الورقة رقم 34: (ليس في كثير من النُسخ لفظة «غسلات» إلّا أنّي وجدتها في نسخة فيها خطّ الشارح بخطّه رحمه الله) و (كذا بخطّه رحمه الله بصيغة اسم الفاعل عُفي عنه).

وفي الورقة رقم 50 : (فكّر : بالفاء والكاف المشدّدة والراء، كذا بخطّه رحمه الله).

5 - النسخة المرموز لها ب-«ش» ؛ المحفوظة في المكتبة العامّة لآية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي (رحمه الله) في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقّمة 8431، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ج 22، ص 25، كتبها بخطّ النستعليق نور الدين محمّد بن لطف الله المشهور بشاه ملاحافظ القارئ في سنة 964ه-، وفي حواشيها تصحيحات وعلائم البلاغ، وعليها تملّك باسم حسين بن مرتضى حسيني، وفي مواضع منها خاتم بيضوي يحتوي على عبارة (عبده الراجي محمّد حسن بن محمّد جواد).

6 - النسخة المرموز لها ب- «ق» ؛ المحفوظة مكتبة الإمام الرضا علیه السلام فی مدينة مشهد المقدّسة، المرقّمة 2846، والمذكورة فهرس مخطوطات المكتبة (فهرست الفبایی کتب خطّى)، ص 544 كتبها بخطّ النستعليق عبد العظيم بن

ص: 25

كمال الدين الحسيني في مدينة مشهد المقدّسة في سنة 980ه_ ، ناقصة عدّة أوراق من أوّلها.

7 - النسخة المرموز لها ب_ «د» ؛ المحفوظة في مكتبة كلّيّة العلوم الإسلاميّة في طهران، ضمن المجموعة المرقّمة 844 ، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ص724، كُتبت بخطّ النسخ، مجهولة الكاتب والتاريخ، والظاهر من خطّها أنّها كُتبت في القرن الثالث عشر الهجري، عليها تملّك باسم محمّد بن علوان الخاقاني الجزائري.

ونُسختا الحاشية الوسطى هما:

8 - النسخة المرموز لها ب-«ع»؛ المحفوظة في مكتبة مدرسة الآخوند في غرب همدان المرقّمة 762، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ص 93، كُتبت بخطّ النستعليق مجهولة الكاتب والتاريخ، عليها علامة إهداء سنة 993ه. وفيها قرائن تدلُّ على أنّ كتابتها كانت في حياة مصنّفها، ففي آخرها كَتَبَ ناسخها: (تمّت الحواشي المزيّنة الزينيّة، أبقاه الله لتزيين العلوم الدينيّة)، وفي الورقة رقم 30 توجد حاشية توضيحية وفي آخرها عبارة «منه سلّمه الله».

9 - النسخة المرموز لها ب_ «ك»؛ المحفوظة في مكتبة مدرسة آية الله العظمى السيّد الكلبايكاني (رحمه الله) في مدينة قم المقدّسة، ضمن المجموعة المرقّمة ، كتبها بخطّ النستعليق حسين المدعوّ بشاه مير الحسيني مجهولة التاريخ.

و نُسخ الحاشية الصغرى هي:

1 - النسخة المرموز لها ب_ «ش» المحفوظة فى المكتبة العامّة لآية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي (رحمه الله) في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقّمة 53، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة، ج 1، ص 63، مجهولة الكاتب والتاريخ، كُتبت بخطّ النستعليق عليها تملّك نصر الله بن محسن بن مير إبراهيم بن میر جعفر بن ميرهادي.

11 - النسخة المرموز لها ب- «ض 1»؛ المحفوظة في المكتبة الخاصّة لسماحة آية الله

ص: 26

السيّد محمّد عليّ الروضاتي (حفظه الله ورعاه) في مدينة أصفهان كتبها بخطّ النستعليق محمّد تقي بن ميرزا محمّد باقر بن ميرزا سيّد حسن بن خليفة سلطان الحسيني في سنة 1104ه_ .

12 - أيضاً النسخة المرموز لها ب-«ض 2»؛ المحفوظة في المكتبة الخاصّة لسماحة آية الله السيّد محمّد عليّ الروضاتي (حفظه الله ورعاه) في مدينة أصفهان، كتبها بخطّ النستعليق غلام عليّ في سنة 1229ه_ ، عن نسخةٍ تاريخها سنة 1019ه_ .

ولمّا تقرّر طبع الكتاب ضمن قالب موسوعة آثار الشهيد الثاني، قام مركزنا بمراجعته، وملاحظة ما يلزم من تبديل أو تصحيح، ومراجعة المصادر بما يتناسب وقالب الموسوعة، ثمّ إجراء الأُمور الفنّيّة فى هذا الإطار.

نسأل الله العليّ العظيم أن يوفّقنا إلى تقديم الأجود لكلّ علمائنا وطلبتنا الأعزّاء، وخدمة مذهب الحقّ، مذهب أهل بيت محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم.

وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربّ العالمين.

مركز إحياء التراث الإسلامي

12 رمضان المبارك 1431ه_ .

ص: 27

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المقاصد العلية، نسخة «ع»

ص: 28

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المقاصد العليّة، نسخة «ع»

ص: 29

الصورة

صورة الصفحة الأولى من الحاشية الوسطى، نسخة «غ»

ص: 30

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من الحاشية الوسطى، نسخة «غ»

ص: 31

الصورة

صورة الصفحة الأولى من الحاشية الصغرى، نسخة «ش»

ص: 32

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من الحاشية الصغرى، نسخة «ش»

ص: 33

ص: 34

المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفية

اشارة

ص: 1

ص: 2

مقدّمة الشارح

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين(1)

الحمد لله الذي شرّع(2) فرائضَ الصلاة، وجعلها بعد الإيمان أفضلَ طاعاتِ(3) العالمين(4)، وشَرحَ غوامضَها(5) بالبيّنات إزاحةً لعلل المكلّفين، وأطرى في جلالة قدرها بقوله في كتابه المُبين تنبيهاً؛ للغافلين وإرشاداً للجاهلين: «حَنفِظُوا عَلَى الصَّلَوَتِ وَالصَّلَوَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَنِتِينَ»(6).

والصلاة والسلام على أفضلِ المصلّين(7) والسابقين، وسيّد الأوّلين والآخرين، محمّد النبيّ وآله الطاهرين، صلاةً وسلاماً دائمينِ إلى يوم الدين.

وبعد فهذه كلمات قليلةٌ مُشتملةٌ على فوائد جليلةٍ علّقتها على الرسالة الشهيرةِ السائرةِ في الأقطار مسيرَ الشمس المنيرة المشتملةِ على فروض الصلاة العينيّة، الموسومةِ بالدرّة(8) الألفيّة، تَفتح من معانيها مُغلقها، وتُقَيِّد من مبانيها مُطلقها، وتحلّ عقد معظلها، وتبيّن جُمل مشكلها.

ص: 3


1- لم ترد في «ش»، وفي «ع»: وبه ثقتي وحاجتي.
2- في «د»: شرّع لعباده.
3- في «د»: طاعة.
4- في هامش «ع»: العاملين (خ ل).
5- في «د» وشرح فرائضها وكشف غوامضها.
6- البقرة (2): 238
7- في هامش «ع»: المرسلين (خل).
8- في «د»: بالرسالة.

وضعتُها مع قلّة فراغ البال وكثرة اختلال الحال، راجياً أن ينفع الله بها - كما نفع بأصلها - الطالبين، وأن يثبّت لي بها قدم صدقٍ يوم الدين، مازجاً للأصل بالزوائد؛ تكثيراً للفوائد وتصييراً لهما ككتاب واحد مُعرضاً في الغالب عن إقامة الدليل؛ حذراً من الإطناب والتطويل، وسمّيته المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة، والله يهدي السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

قال المصنّف، الشيخ الإمام العلّامة المحقّق السعيد، أبو عبدالله الشهيد (رفع الله درجته، وأعلى منزلته):

ص: 4

شرح دیباجة الرسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقتدياً في الابتداء بالبسملة بكتاب الله تعالى وبالخبر المشهور عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم: «كلّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»(1). وروي: «أقطع»(2).

ولا يعارضه الخبر المتضمّن لكون الابتداء بالحمد لله(3)؛ لأنّ الابتداء حقيقي وإضافي فجاز الجمع بينهما، أو أنّ البسملة مشتملة على الحمدلة؛ إذ المراد منه الثناء الآتي، لا لفظ الحمد، وهو متحقّق في البسملة.

و«الباء» إمّا زائدةٌ لا تتعلّق بشيء، أو للاستعانة، أو للمصاحبة متعلّقة بمحذوفٍ هو مصدر مبتدأ خبره محذوف، أي ابتدائي باسم الله ثابت ولا يضرّ حذف المصدر وإبقاء معموله؛ للتوسّع في الجار والظرف بما لا يتوسّع في غيرهما.

أو فعل أي أَؤلّف أو أبتدئ.

أو حال من فاعل الفعل المحذوف، أي أبتدئ مستعيناً، أو متبرّكاً.

وتقديم المعمول هنا أهمّ وأدلّ على الاختصاص، وأدخل في التعظيم، وأوفق للوجود.

ص: 5


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام. ص 24 و 25.
2- سنن الدار قطني، ج 1، ص 502، ح 1/187: الجامع الصغير، ضمن جامع الأحاديث، ج 1، ص 430، ح 15760.
3- سنن ابن ماجة، ج 1 ، ص 610 ، ح 1894.

والاسم لغةً: ما دلّ على مُسمّىِّ(1). وعرفاً: ما دلّ مُفرداً على معنى في نفسه، غير متعرّض ببنيته لزمانٍ.

والتسميةُ جعلُ اللفظ دالّاً على ذلك المعنى.

وأُدخل الجارّ على الاسم وإن كان المقصود مدلوله؛ لحصول الدلالة، فإنّ الحُكم الوارد على الاسم وارد على مدلوله إلّا بقرينة كَضَرَبَ فِعْلٌ، وللتحرّز عن إيهام القَسم؛ وللإشعار بتعميم الحكم لجميع أسمائه، أو بأنّه تعالى في غاية الكمال بحيث يُتبرّك باسمه المُتعال.

و (الله) أصله إله(2) حُذفت الهمزة وعوّض عنها(3) حرف التعريف، ثمّ جُعل علماً للذات الواجب الوجود الخالق لكلّ شيء، لا اسماً لمفهوم الواجب لذاته ؛ لأنّه أمرٌ كلّي، فلا يُفيد التوحيد في مثل «لا إله إلّا الله؛ لأنّ المفهوم من حيث هو يحتمل الكثرة.

ووصفه بالأحديّة في قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(4) لا ينافي الجزئيّة الحقيقيّة؛ لأنّ المراد بها نفي التعدّد الذاتي كالواحديّة. والأحديّة تقتضي نفي التعدّد مطلقاً - الاعتباري وغيره - حتّى الصفات التي هي اعتبارات ونسب، كما قال عليّ علیه السلام : وتمام توحيده نفي الصفات عنه»(5) مع إمكان كون «أَحَدٌ» في الآية بدلاً من «اللَّهُ» وهو خبر للضمير.

و«الرحمن الرحيم» وصفان بُنيا من الرحمة للمبالغة. وقدّم الرحمن؛ لأنّه أبلغ، فإن زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، كما في قَطَعَ وقَطَّعَ وبين اللفظين عموم من وجه،

ص: 6


1- انظر مفردات الراغب، ص 244، «سمو»؛ شرح المفصّل، ج 1، ص 22؛ مجمع البحرین، ج 1، ص 229، «سما».
2- في «ش»: الإله. انظر الصحاح، ج 1، ص 2223؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 339، «أله»؛ شرح المفصّل، ج 1، ص 3: تفسیر جوامع الجامع، ج 1، ص 5 ذيل الآية 1 من الفاتحة (1).
3- في «د ، ش: منها .
4- الإخلاص (112): 1.
5- نهج البلاغة، ص 14، الخطبة 1.

فإنّ «الرحمن» أعمّ من حيث المتعلّق، وأخصّ من جهة المورد. و«الرحيم» بالعكس، كما قال الصادق علیها السلام «الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة والرحيم بالعكس»(1).

(الحمدُ) وهو لغةً: الثناء باللسان على الجميل،(2) ولا يحتاج إلى التقييد بجهة التعظيم والتبجيل(3)؛ لترادفهما؛ ولأنّ الثناء حقيقة في الخير؛ لأنّ الثناء على الجميل غير الثناء به. والتقييد باللسان تخصيص لمورده، وإطلاق الجميل تعميم لمتعلّقه، وبذلك يمتاز عن الشكر وهو الفعل المُنبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه، فإنّه أعمّ مورداً وأخصّ مُتعلّقاً وفيه تعليل للثناء، ومن ثمّ اختار الحمد عليه.

وقد يستغنى الحمد عن قيد اللسان؛ لأنّ الثناء حقيقةً لا يكون إلّا به، وثناء الله على نفسه مجاز إلّا أنّه لا يمنع من التصريح به والمدح يرادف الحمد على هذا التعريف وقد يخصّ جميل الحمد ،بالاختياري، فيكون أخصّ من المدح مطلقاً.

والحمد عرفاً: هو الشكر اللغوي والشكر فيه: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، فحصل من ذلك ستّة أقسام:

حمد لغوي وعرفي وشكران كذلك، ومتعاكسان. فبين الحمدين وبين الحمد اللغوي والشكر اللغوي عموم من وجه وبين الشكرين وبين الحمد والشكر العرفيّين وبين الحمد اللغوي والشكر العرفي عموم مطلق، وقد عرفت أنّ بين الحمد العرفي والشكر اللغوي تساوٍ، واللام في «الحمد»(4) للاستغراق أو الجنس.

وعلى التقديرين فالحمد مختصّ وثابت (الله) لا يشركه فيه غيره إلّا على وجه التوسّع والتجوّز؛ لأنّه فاعل الآلات من القدرة والعلم وغيرهما.

وإنّما تساوى القولان هنا - مع أنّ الجنس لا يُفيد الشمول - لوجود لام الاختصاص

ص: 7


1- التوحيد، ص 230 باب 31، ح 2 - 3.
2- انظر كتاب العين، ج 3، ص 188؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 299 لسان العرب، ج 3، ص 155، «حمد».
3- كما قيّده به المحقّق الكركي في حاشيته على الألفيّة، ص 17 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
4- في الحمد لم ترد في «ع».

في «الله»، فلا فرد من الحمد لغيره على تقدير الجنس، وإلّا لوجد الجنس معه، فلا يكون مُختصّاً به.

وعدلَ إلى الجملة الاسميّة؛ لدلالتها على الثبوت وضعاً والدوام عقلاً. وقدّم الحمد؛ لاقتضاء المقام له وإن كان تقديم اسم الله مناسباً للاهتمام الذاتي.

(ربّ) أي مالك العالمين أو سيّدهم، وقد يُطلق على غير الله كربٌ الدار والعبد لكن مع القيد، ومنه قوله تعالى: «أَرْجِعْ إِلَى رَبِّكَ»(1).

و (العالمين) جمع ل_ «عالم»، وهو اسم لما يُعلم به الصانع من الجواهر والأعراض.

(والصلاة) وهي الدُعاء من الله ،وغيره لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة، وهو أولى ممّا قيل من أنّها منه تعالى بمعنى الرحمة، ومن غيره الدعاء بطلبها.

أو أنّها منه كذلك، ملائكته الاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء(2)؛ لاستلزامهما الاشتراك، والمجاز خير منه، والمعنى الأصلي أولى من النقل.

وعطف الرحمة على الصلاة في قوله تعالى: «أُولَبِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» (3)لا يقدح في كونها بمعناها؛ لجواز عطف الشيء على مُرادفه، كقوله تعالى: «إِنَّمَا أَشْكُوا بَنِى وَحُزْنِي إِلَى اللهِ»(4)، و «لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتا»(5)،وهو كثير.

(على أفضل المُرسلين) جمع مُرسَل وهو بالنسبة إلى البشر إنسان أوحي إليه بشرعٍ وأُمِر بتبليغه، فإن لم يُؤمر به فنبيُّ.

ص: 8


1- يوسف (12): 50
2- انظر القاموس المحيط، ج 4، ص 355 تاج العروس، ج 19، ص 606 - 607: المحيط في اللغة، ج 8، ص 184 ، «صلو»؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 5.
3- البقرة (2): 157
4- يوسف (12): 86
5- طه (20): 107

وقيل: إنّه - مع ذلك - مَن كان له كتابٌ أو نسخٌ لبعض شرع من قبله، فإن لم يكن كذلك فنبيّ(1).

فالرسول أخصّ من النبيّ مُطلقاً، ولوحظ فيه مُطلق الرسول بحيث يشمل الملك كان خصوصه من وجه وكيف كان فنبينا صلی الله علیه و آله و سلّم أفضل المرسلين مُطلقاً، وهو يستلزم أفضليته من سائر الأنبياء.

(محمّد) بدل من «أفضل»، أو عطف بيانٍ. وهو عَلَمٌ منقول من اسم المفعول، المضعّف للمبالغة في الوصف، الذي سمّي باعتباره نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم، إلهاماً من الله تعالى، وتفاؤلاً بأنّه يكثر حمد الخلق له؛ لكثرة خصاله الحميدة، وقد ورد أنّه قيل لجدّه عبدالمطّلب - وقد سمّاه في يوم سابع ولادته؛ لموت أبيه قبلها : لِمَ سمّيت ابنك محمّداً، وليس من أسماء آبائك ولاقومك؟ قال: رجوتُ أن يُحمد في السماء والأرض(2)، وقد حقّق الله رجاءه.

(وعترته) وهم - كما قال الجوهري : نسلُه و رهطه الأدنون(3)، والمراد هنا: الأئمّة الاثنا عشر، وفاطمة (صلوات الله عليهم).

(الطاهرين) من النقائص والرذائل الخُلقيّة والنفسيّة، على وجهٍ يبلغ حدّ العصمة، كما دلّت عليه آية الطهارة(4).

(وبعد) الحمد والصلاة (فهذه) إشارة إلى العبارة الذهنيّة التي كتبها أو يُريد كتابتها، الدالّة على المعاني المخصوصة، نزّلها منزلة الشخص المُشاهد المحسوس، فأشار إليها ب_ «هذه».

وليس المراد بالرسالة النقوش المخصوصة الدالّة على المعاني الخاصّة، حتّى تكون

ص: 9


1- انظر التفسير الكبير، ج 12، جزء 23، ص 49: مجمع البیان، ج 7، ص 163.
2- السيرة النبويّة ابن كثير، ج 1، ص 210؛ المواهب اللدنيّة، القسطلاني، ج 1، ص 181
3- الصحاح، ج 2، ص 735، «عتر».
4- الأحزاب (33): 33

الإشارة إلى المدوّن في الخارج إن كان وضع الديباجة بعد الرسالة، وإلى المرتّب الحاضر في الذهن إن كان قبله؛ لأنّ النقش الخاصّ يتعدّد تعدّد الرسالة، بل المراد بها العبارات المعيّنة الدالّة على المعاني المخصوصة، سواء نُقشت أم لا، وسواء تعدّد نقشها أم اتّحد.

و«الفاء» هنا من قبيل عطف التوهّم؛ لدخول «أمّا » هنا كثيراً، وفيها معنى الشرط الموجب لدخول الفاء في جوابها، ومن الباب قول زهير:

بدا ليَ أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى *** ولا سابقٍ(1) شيئاً إذا كانَ جائِيا(2)

بكسر «سابقٍ» على توهّم دخول الباء على خبر ليس؛ لوقوعه كثيراً.

وقول الآخر:

مَا الحازِمُ الشَّهْمُ مِقْدَاماً وَلا بَطَلٍ.(3)

وتقدير «أمّا» المحذوفة هنا - مهما يكن من شيء - بعد الحمد والصلاة:

فهذه (رسالةٌ) وهي جملة يسيرة من الكلام (وجيزةٌ) مؤدّية للمقصود بأقلّ من عبارة المتعارف بين الأوساط الذين ليسوا في مرتبة البلاغة، ولا في غاية الفقاهة(4).

ووصفها بالوجازة المؤذنة بالمدح؛ لعدم اقتضاء الحال الإطناب؛ إذ الغرض من التصنيف إيصال المعنى إلى فهم المتعلّم، فترك التطويل أقلّ كُلفة، وأسهل على الحافظ، وإلّا فقد يقتضى الحال كون البلاغة هي الإطناب.

(في فرض الصلاة) أي في واجبها؛ لمرادَفَة الفرض للواجب عندنا. وأراد به

ص: 10


1- في المصدر: سابقاً. وفي هامش المصدر أشار محقّقه إلى أنّ في نسخة منه: سائق.
2- شعر زهير بن أبي سلمى صنعة الأعلم الشنتمري، ص 169.
3- شطر بيتٍ مجهول قائله استشهد به ابن هشام الأنصاري في مغني اللبيب، ج 2، ص 171 الرقم 727 وتمام البيت مَا الحَازِمُ الشَّهِمُ مِقْدَاماً وَلَا بَطَلٍ *** إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْهَوَى بِالحَقِّ غَلابا
4- في «ع»: الفصاحة.

الجنس؛ إذ الغرض بيان جميع واجبات الصلاة الواجبة.

وأطلق الصلاة وإن كان المراد الواجبة لخروج المندوبة بذكر الفرض؛ إذ النافلة لا فرض فيها.

صنّفتها (إجابة لالتماس) أي طلب المساوي من مساويه حقيقةً أو ادّعاءً، كما يقتضيه مقام الخطاب.

(مَنْ)، أي شخصٍ أو الشخص الذي (طاعته)، وهي(1) امتثال مُلتمسه (حتمٌ)، أي واجبة محتومة. وفي الإخبار بالمصدر دون اسم المفعول مبالغة وتأكيد، كما في قولك: «رجلٌ عدلٌ»، في العدول عن اسم الفاعل.

ولاستواء المذكّر والمؤنّث في المصدر اكتفى به عن إظهار تأنيث الخبر عن «طاعته» المؤنثة.

(وإسعافه) بحاجته وهو قضاؤها له، تقول: «أسعفتُ الرجل بحاجته إذا قضيتَها له».

(غَنْمٌ) وهو مصدر «غَنَمَ»، والاسم «الغنيمة». بقي في العبارة فوائد:

الأولى: الإجابة مصدر قولك: «أجابَ يُجيب» والاسم الجابة بغير همز، وانتصابه على المفعول لأجله، والعامل فيه محذوف أي صنّفتها إجابةً. والمراد بالإجابة الانقياد والتسليم وامتثال الأمر وأخويه(2).

الثانية: الالتماس - حقيقةً - هو الطلبُ من المساوي، كما أنّ الأمر طلب الأعلى. والدعاء والسؤال طلب الأدنى، لكن قد يتجوّز في كلّ من الثلاثة بحسب مقتضى المقام، فيستعمل أحدها مكان الآخر.

والمناسب لأبواب الخطابة تعظيمُ الطالب وتفخيمه، فلذلك أطلق الالتماس في موضع السؤال: لدلالة الظاهر على أنّ الواقع هنا طلب الأدنى لا المساوي.

ومثله في استعمال بعضها في موضع بعض قوله تعالى لنبيّه: «وَسْتَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن

ص: 11


1- في «ع»: أي
2- هما الدعاء والالتماس

قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا»(1)، وقوله تعالى: «فَمَاذَا تَأْمُرُونَ»(2)؛ لاقتضاء مقام المُستعلم للحال التعبير بالسؤال وإن كان في ذاته أشرف، واقتضاء الاستشارة والاحتياج إلى إخراج الرأي السديد التواضع وإن كان مقام الملك أعلى من مقام الرعيّة.

ومثله القول في اقتضاء باب الخطابة، وهذا هو المُعبّر عنه بالادّعاء، وجعله قسيماً للحقيقة.

الثالثة: في إبهام اسم(3) المُسند إليه بجعله موصولاً أو نكرةً موصوفةً، والكشف عنه بالصلة أو الصفة، وجعلها طاعة واجبةً تعظيم وتفخيم للطالب، مضافاً إلى ما تقدّم من جعله مُلتمِساً.

ومن التعبير بالموصول لمقام التفخيم قوله تعالى: «فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمَ مَا غَشِيَهُمْ»(4) وما ذكر في الآية من المثال موافق للمذكور هنا نوعاً.ومن التعبير بالموصول على وجه التعظيم الموافق لشخصٍ مثال المصنّف قول أبى العلاء:

أعبَادَ المَسيحِ يَخافُ صَحْبي *** وَنَحنُ عَبيدُ مَنْ خَلَقَ المَسيحا(5)

وهذا باب محقّق في محلّه.

الرابعة: الذي يقتضيه السياق ومقام الخطابة كون التعبير عن إجابة الطاعة بكونها واجبةً على سبيل المبالغة والتعظيم، كما قد عرفته في نظائره.

وفي بعض قيود الرسالة - وربما نُسب إلى المصنِّف(6) - أنّ طاعته إنّما كانت حتماً؛

ص: 12


1- الزخرف (43): 45
2- الأعراف (7): 110؛ الشعراء (26): 35
3- اسم لم ترد في «د».
4- طه(20): 78.
5- سقط الزند، ص 75
6- نسبه المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 17 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7) إلى بعض الحواشي على الألفيّة.

لأنّه سأل واجباً وهو صحيح في نفسه وإن كان فيه خروج عن مقاصد أبواب الخطابة، ولعلّه اكتفى فى مقاصدها بما تقدّم من الالتماس والطاعة.

وردّه الشارح المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله) رأساً، وجعله فاسداً لفظاً ومعنىٌ، أمّا اللفظ ؛ فلانّه مُفوّت لجزالة الكلام والغرض من المبالغات المقصودة بما قبله وما بعده. وأمّا من جهة المعنى، فلانّه إنّما يستقيم ذلك من اللفظ إن لو قال: مَن طاعته في ذلك حتمٌ. والصورة التي أتى بها مُطلقة، فكيف يقتصر بها على المسؤول؟ قال: ولو سلّم ذلك لم يتمّ الوجوب؛ لأنّ الواجب هو التعليم لا التصنيف(1).

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ الجزالة المطلوبة من الخطابة قد تأدّت بجعله ملتمساً، وجعل إجابته طاعةً، ولا يجب البلوغ إلى الغاية في ذلك، بل على تقدير تفويت الجزالة رأساً لا يوجب الخلل، فكيف مع وجودها؟ والعدول عن باب الخطابة إلى مقام الترغيب والترهيب في تعليم المتعلّم وتنبيه الغافل، ووجوب إرشاد العالم الجاهل - كما قد أرشدُت إليه الأدلّة من الكتاب والسنّة(2) - أمر مطلوب.

وعن الثاني بأنّ حذف مثل ذلك مع دلالة السياق والسباق عليه من قوله: «فهذه رسالة في فرض الصلاة»، وكونها قد صُنّفت إجابةً لالتماس الطالب وغير ذلك جائز، بل مقتضى الوجازة حذف ما دلّ عليه المقام، واستفيد المحذوفُ من باقي الكلام، وقد جاء في القرآن وفصيح كلام العرب من أنواع الحذف التي لا يدلّ على بعضها دليلٌ من اللفظ ما أفرد له أبواب ومن أراد معرفته مستقصاةً فليطالع المغني(3).

وعن الثالث بأنّه إن أراد بالتعليم إلقاء اللفظ الدالّ على المعنى إلى المُتعلّم،

فانحصار الوجوب فيه ممنوعٌ، بل هو أحد أفراد الواجب، فإنّ الواجب عند المفتی(4)

ص: 13


1- شرح الألفيّة، ص 17 - 18 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- البقرة (2): 159؛ آل عمران (3): 187؛ الكافي، ج 1، ص 41، باب بذل العلم، ح 1: مجمع البیان، ج 1، ص 447 : وج 2 ص 467.
3- مغني اللبيب، ج 2، ص 360 وما بعد.
4- في «ع»: على المعلم (خل).

إيصال المعنى إلى ذهن السامع بحيث يستفيد منه مطلوبه، وهو أمر كلّي يحصل في ضمن التصنيف والتعليم باللفظ وغيرهما، فيكون كلّ واحد من التعليم والتصنيف واجباً على التخيير، ويبقى فرد التصنيف أفضل الواجبين وأكملهما؛ لعموم النفع به، واستمراره على مرور الأزمان، فلا جرم صدق وصف التصنيف بالوجوب؛ لأنّه أحد أفراد الواجب المخيّر إن لم يكن أكملّها.

وإن أراد بالتعليم الواجب هو هذا المعنى الكلّي، فنفي الوجوب عن التصنيف ممنوعٌ؛ لأنّه أحد أفراده.

وكيف كان، فرعاية أبواب الخطابة يقتضي كون الوجوب على جهة المبالغة وإن كان المعنى الآخر صحيحاً أيضاً.

(والله المستعان) على تصنيف الرسالة ،وغيره، وترك ذكر المُستعان عليه إمّا اختصاراً من قبيل قوله تعالى: «أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ»(1)، أو لإرادة التعميم من قبيل قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَام»(2).

(وهي)، أي الرسالة (مرتّبةً) ترتيباً، وهو الأشياء المختلفة، وجعلها بحيثُ يُطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعضها نسبةً إلى بعض بالتقدّم والتأخّر في النسبة العقليّة وإن لم تكن مؤتلفةً وهو أعمّ من التأليف من وجهٍ؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفةٌ، سواء كانت مرتّبة الوضع أم لا وهما أخصّ من التركيب مطلقاً؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفة كانت أم لا، مرتّبة الوضع أم لا. وقد يُستعمل الترتيب أخصّ مطلقاً من التأليف، وقد يُجعلان مترادفين.

(على مقدِّمة) - بكسر الدال - وبناؤها مِن قدّم بمعنى تقدّم، ومنه قوله تعالى: «لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(3)، فهي كمقدّمة الجيش للجماعة المتقدّمة منه.

ص: 14


1- الأعراف (7): 143
2- يونس (10): 25
3- الحجرات (49): 1

ويجوز الفتح على ضعفٍ؛ لإيهامه كون استحقاق التقديم بجعل الجاعل لا بالذات.

والمراد بها هنا طائفة من الكلام تكون أمام المقصود بالذات؛ لارتباط بينهما.

(وفصولٍ ثلاثةٍ) جمع فصل، وهو لغةً: الحاجز بين الشيئين(1).

واصطلاحاً: قيل: هو الجامع للمسائل المتّحدة جنساً، المختلفة نوعاً(2). وهو لا يتمّ مُطلقاً؛ لعدم اتّفاق الكتب على عنوان المسائل بل كثيراً ما يُعبِّرون بالفصل مقام غيره من المقاصد والأبواب، وبالعكس. وقد يُعرِّفون الكتابَ بذلك، والفصلَ: بما جمع المسائل المتّحدة نوعاً، المختلفة صنفاً.

والحقّ أنّ جنسيّة المسائل المختلفة ونوعيّتها أمرٌ اعتباري يختلف باختلاف الاصطلاح، ومن ثمَّ اختلفت عباراتهم في ذلك.

(وخاتمةٍ) وهي تتمّة يؤتى بها لاستدراك ما فات ذكره من المباحث السالفة؛ لعدم انتظامه معها في بابها.

وحصر الرسالة في ذلك أمرٌ جعلي لا استقرائي ولا عقلي، وقد اختلف النظر في وجه حصرها فيه، فالذي ذكره الشارح المحقّق:

أنّ المبحوث عنه في الرسالة إمّا أن يكون مقصوداً بالذات، أو لا. والأوّل إمّا أن يكون البحث فيه عن الشرط، أو عن المشروط، أو عن المانع. فالأوّل هو الفصل الأوّل وكذا الثاني والثالث والثاني إمّا أن يتعلّق بالمقصود تعلّق السابق، أو اللاحق. الأوّل المقدّمة، والثاني الخاتمة(3).

وهذا الوجه هو الأغلب في ترتيب الكتب، والأنسب بمقام المقدّمة والخاتمة، إلّا أنّه لا يُناسب غرض هذه الرسالة، فإنّ غرضها الذاتي فروض الصلاة الواجبة اليوميّة وغيرها، كما صرّح به مراراً.

ص: 15


1- القاموس المحيط ، ج 4، ص 30 تاج العروس، ج 15، ص 573، «فصل»؛ مفردات الراغب، ص 381.
2- قاله المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 18 ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- شرح الألفية، ص 18 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

ولا يخفى أنّ في الخاتمة كثيراً من فروض الصلاة سيّما الأنواع الستّة غير اليوميّة؛ فإنّ أكثر الخصوصيات فروض مقارنةٍ فضلاً عن الشروط، وهي أدخل الفروض في المقصود بالذات، بل هي المقصود بالذات، كما فهمه بعضّ(1). وأحكام السهو والشكّ لا تقصر عن المنافيات، خصوصاً على القول بأنّ معرفتها شرطُ في صحة الصلاة.

وكيف كان فمعرفتها واجبةٌ، وخروجها عن ذات الصلاة وشرطها أقرب من المانع للصحّة في الجملة، كفصل المنافيات، وقد أدخله فيها.

وأيضاً فإنّ الشارح (قدّس الله سرّه) ذكر في بيان عدد الستّين فرضاً المقدِّمة: أنّ في المقدِّمة منها تسعةً(2)، كما سيرد عليك تفصيلُه(3). وحينئذٍ، لا يتمّ خروج جميع المقدِّمة من المقصود بالذات، خصوصاً قوله: «ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى... إلى آخره»، فإنّ ذلك معدود من جملة الشروط ، وكذا القول فى أخذ أفعالها بالدليل أو التقليد. فقد ظهر عليك من ذلك أنّ المقدّمة والخاتمة داخلتان في المقصود بالذات في الجملة وإن خرج عنه بعض مسائلهما، فلا يتمّ تخصيص الفصول بالمقصود الذاتي. وبالغ بعضُهم فزعم أنّ المقصود الذاتي هو باب المقارنات، وما سواه خارجٌ(4)، وفساده واضح؛ لما عرفت من أنّ كلّ ما تعلّق بفرض الصلاة غرضٌ ذاتي والمصنّف قد صرّح بعدها في الفصل الأوّل والثالث في عدد الفروض حيث قال: «فهذه ستّون فرضاً مقدَّمة»(5)، وقال أخيراً بعد ذكر الخمسة والعشرين المنافية: «صار جميع ما يتعلّق بالخمس ألفاً وتسعةً»(6).

فعُلِم أنّه يُريد بواجبات الصلاة أعم ممّا تلتإم منه الحقيقة وهو فصل المقارنات،

ص: 16


1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 6.
2- شرح الألفيّة، ص 105 - 106 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- يأتي في ص 208 - 209.
4- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد الملية: 5-6.
5- يأتي في ص 208.
6- يأتي في ص 315.

وممّا يكون شرطاً في تحقّقها، وأنّه مع ذلك إمّا وجودي وهو فصل المقدّمات، أو عدمي وهو فصل المنافيات. ولولا تصريحه بإرادة إدخال هذه الفصول في الفروض التي هي غرض الرسالة، أمكن تمشّي ذلك.

ويرد عليه أيضاً ما تقدّم من اشتمال الخاتمة على فروضٍ كثيرةٍ لغير اليوميّة، ولا يمكن القول بأنّ المقصد الذاتي هو اليوميّة، والباقي من الصلاة الواجبة مقصودٌ بالعرض؛ لعدم إشعار عبارته ومطلبه به، بل بما هو أعمّ، كقوله: «فهذه رسالة في فرض الصلاة»(1).

وقال: (وأصنافها سبعة)(2)، وذكر الفروض المشتركة، ثمّ ذكر الفروض المختصّة بكلّ صلاةٍ واجبةٍ.

فإن قيل: جمعهُ الفروض، وتعرّضه لحصرها في الفصول الثلاثة لاغير يُؤذِن بأنّ غرضه الذاتي مُنحصر في الفصول الثلاثة دون المقدّمة والخاتمة؛ لعدم التفاته إلى ما اشتملتا عليه من الواجبات وذلك يؤيّد ما ذكره الشارح المحقّق من وجه الحصر، مضافاً إلى ما هو المطبوع والمألوف في نظائر ذلك من المؤلِّفات.

قلنا : ذلك هو الظاهر، لكنّه لا دليل على اختصاصه بالذكر من بين الواجبات الباقية - كما قد بيّنّاه - خصوصاً على ما اختاره هذا المحقّق من دخول جملةٍ من الفروض المعدودة في المقدِّمة، فكلامه حينئذٍ لا يتوجّه على تقريره وإن أمكن الحصر في الفصول بوجه آخر، وهو أن يجعل الستّين من الفصل الأوّل خاصّةً، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ولو أردتَ بيان وجه الحصر على تقدير دخول المقدِّمة والخاتمة أو الخاتمة لاغير، أمكنك ذلك بضربٍ من تغيير الأوّل، إلّا أنّ البحث في ذلك كلّه قليل الجدوى، لكن اقتضى الحال ذكر ما أوردناه فيه.

وحيث فرغنا من ديباجة الرسالة، فلنشرع في المقصود بالذات.

ص: 17


1- تقدّم في ص 9 - 10.
2- يأتي في ص 54

ص: 18

(أمّا المقدّمة)

تعریف الصلاة

فنقول : فاعلم أنّ من حقّ طالب كثرةٍ تضبطها جهة واحدةٌ أن يعرّفها بتلك الجهة، وأن يعرّف غايتها؛ ليزداد فيها نشاطاً، ولا يكون سعيه عبثاً، فلذلك جرت عادة العلماء بتقديم تعريف ما يقصدون البحث فيه من العلوم(1)، وذكر غايته وموضوعه على الشروع فی مسائله، فسلك المصنّف (رحمه الله تعالى) هذا النهج القويم، وابتدأ بتعريف الصلاة الواجبة التي غرض الرسالة هو البحث عن فروضها، وأشار في ضمن التعريف إلى الغاية المطلوبة منها، ثمّ عقّبه بذكر موضوع الرسالة، وهو ما يبحث فيها عن أعراضه الذاتيّة، وعقّب ذلك بجملة من الترهيب والترغيب فيها؛ ليزيد الطالب لها نشاطاً، فقال:

(فالصلاة الواجبة أفعال معهودة) أي معلومة شرعاً على وجه معيّن (مشروطة بالقبلة والقيام اختياراً تقرّباً إلى الله تعالى). فالأفعال بمنزلة الجنس تشمل العبادات وغيرها وأفعال القلب والجوارح ، فيدخل في التعريف صلاة المريض المستلقي العاجز عن الإيماء، فإنّ أفعاله كلّها قلبيّة. وصلاة شدّة الخوف مع العجز عن الإيماء، فإنّ أفعالها حينئذٍ لسانيّة وقلبيّة لاغير. وصلاة الغريق قد تُلحق بالأوّل، وقد تُلحق بالثاني، وبقيّة القيود بمنزلة الفصل.

فخرج ب_ «المعهودة» ما لا يُنقل شرعاً على وجهٍ معيّنٍ كالمباحات.

ص: 19


1- في «ش»: من العلوم قبل الشروع

وب_ «المشروطة بالقبلة» الطواف والسعي ونحوهما من العبادات المعهودة شرعاً، مع عدم توقّفها على الاستقبال بها، فإنّ الطائف يجعل القبلة على يساره فلا يصدق الاستقبال بذلك.

وبالمشروطة ب_ «القيام» يخرج الذبح وأحكام الموتى التي يشترط فيها الاستقبال، كالاحتضار، والتغسيل على المختار، والدفن إجماعاً.

قال الشارح المحقّق و «اختياراً»: مصدرٌ وُضِع موضع الحال، والعامل فيه الصفة، وصاحبه الضمير المستكن فيها أي مشروطة تلك الأفعال بالقبلة، والقيام في حالة اختيار المكلّف، وقدرته عليهما(1).

ويشكل بعدم إمكان حمله على ذي الحال حمل المواطأة ولو بتأويلٍ؛ ليكون نفس صاحبه في المعنى، وهو على تفسيره حال من المكلّف.

ويمكن جعل المصدر بمعنى المفعول، أي فى حالة كون تلك الأفعال مختارةً للمكلّف مقدورةً له، فتصحّ الحاليّة. وسَوّغ مجيء الحال للنكرة قربها إلى المعرفة بالوصف، ولو جعل منصوباً بنزع الخافض أمكن أيضاً.

قال الشارح المحقّق: وبه تندرج صلاة المضطرّ في القبلة والقيام كالمتحيّر والمريض، ولولا القيد لخرجت فلم ينعكس التعريف(2).

و «تقربّاً» منصوب على المفعول لأجله، وهو بيان للغاية لا للإدراج، ولا للإخراج، وسوّغ ذكره الإشارة إلى العلل الأربع التي لا تتمّ إلّا به، أعنى المادّة والصورة والفاعل والغاية التي لا ينفكّ عنها مركّب صادر عن فاعلٍ مختارٍ، فالأفعال إشارة إلى المادّة، ومع(3) القيود إلى الصورة، والتقرّب إلى الغاية والأفعال تدلّ على الفاعل التزاماً. وإن

ص: 20


1- شرح الألفيّة، ص 20 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره ، ج7). وفي «ش»
2- شرح الألفيّة، ص 20 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- في «ع»: وبقيّة.

لم يكتف فى القيد بذلك أمكن جعله احترازاً من صلاة الرياء عند المرتضى (رحمه الله تعالى)، فإنّه يرى صحّتها بمعنى حصول الامتثال بها وإن لم يترتّب على فعلها ثواب(1)، وليس احترازاً عنها مطلقاً؛ لفسادها عند باقي الأصحاب، والمُعرَّف هو الصحيحة، فتخرج بالشروط المتقدّمة.

واعلم أنّ كون القيود المذكورة خاصّةً مركّبةً أولى من كونها فصلاً؛ لأنّها أُمور عَرَضيّة خارجة عن ذات الصلاة، ومع ذلك، كلّ واحدٍ منها أعمّ من الآخر من وجهٍ، فإنّ المشروطة بالقبلة وهي الصلاة، وأحكام الميّت، والذبح، أعمّ من المشروطة بالقيام، وهي: الصلاة والطواف والسعي ونحوها وبالعكس، وكذلك الفعل المتقرِّب به أعمّ منهما، ويجتمع من الجميع خاصّة للصلاة الواجبة مركّبة من القيود المذكورة، فيكون التعريف رسماً لا حدّاً، والأمر في ذلك سهل.

وهذا التعريف للصلاة الواجبة من خصوصيات الرسالة، وقد عرّف المصنّف الصلاة المندوبة خاصّةً في رسالة النفل(2). والمستعمل من ذلك تعريف مطلق الصلاة حسب غرض المعرّفين، وربما خلا المعرِّف من قيد الواجبة في كثير من نسخ الرسالة ولابدّ منه؛ لتخرج المندوبة؛ إذ لا يشترط فيها القيام ولا القبلة على بعض الوجوه، اللهمّ إلّا أن تُحمل اللام على العهد الذكري، وهو السابق في الديباجة.

وهذا التعريف - مع كونه من أجود التعريفات وملاحظة المصنّف الاطّراد والانعكاس فيه - ترد عليه أُمور:

الأوّل: أنّ قيد «المعهودة مُجمل لاشتراكه بين المعهود شرعاً وعرفاً، وبين جماعةٍ خاصّةٍ وفي ذهن شخصٍ خاصّ، ولا دليل يدلّ على إرادة أحدها، وإنّما حملناه على المعهود شرعاً؛ لعدم تماميّته بدونه لا لقيام دليل واضح يدلّ عليه. واستعمال مثل هذه الألفاظ في التعريفات محذور، وليس ذلك من باب الموضوع لغةً وعرفاً وشرعاً حتّى

ص: 21


1- الانتصار. ص 100، المسألة 9
2- الرسالة النفليّة، ص 164 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ج 18)

يقدّم المعنى الشرعي ويتمّ المراد؛ لأنّ الوضع هنا واحد وهو اللغوي، لكنّه مشترك بين كونه معهوداً عند مطلق أهل اللغة أو غيرهم كما فصّل، فالإجمال واقع مع أنّ خروج المباحات بالقيد - كما ذكر أوّلاً - موضع نظر، فإنّ المباح أحد الأحكام الخمسة الشرعيّة، فهو معهود(1) شرعاً أيضاً.

الثاني: ينتقض في طرده ما لو نذر(2) ذكر الله تعالى أو الصلاة على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم وآله، أو النظر إلى وجه العالم ونحوه من العبادات المعهودة شرعاً مستقبلاً قائماً اختياراً، تقرّباً إلى الله تعالى فإنّ نذر ذلك منعقد؛ لكونه عبادةٌ راجحةٌ مقدورةٌ للناذر، وكذلك القيود مطلوبة شرعاً.

الثالث: ينتقض في طرده أيضاً بأبعاض الصلاة المشترطة بالقيام كالقراءة، فإنّها ليست صلاةً مع صدق التعريف عليها، ولا يرد كونها فعلاً واحداً فيخرج بجميع الأفعال؛ لأنّ التلفظ بكلّ حرف فعل من أفعال اللسان مغاير للآخر وإن اتّفقت في الصنف(3). الرابع: ينتقض في عكسه بصلاة الاحتياط المُخيَّر فيها بين القيام والقعود اختياراً، فإنّها من أصناف الصلاة الواجبة، وأحد أفراد المُلتزم، كما سيأتي(4)، فلابدّ من قيدٍ يُدخلها في التعريف.

الخامس: ينتقض في عكسه أيضاً بما لو نذر صلاةً مقيّدةً بحالة الجلوس أو مخيّراً فيها بين القيام والقعود، فإنّ ذلك جائز، كما سيأتي من أنّها هيئة مشروعة(5)، بل قيل بالتخيير في الصلاة المنذورة وإن لم يشترط اعتباراً بأصلها. وأمّا مع ملاحظة التخيير أو قيد الجلوس فالمصنّف قاطع بجوازه، وذلك وارد على التعريف؛ لأنّها حينئذٍ صلاة واجبة من أفراد الملتزم بل هي أظهرها والقيام غير شرط فيها.

ص: 22


1- في «د»: فهي معهودة
2- في «د»: بناذر.
3- في «د» فيتحقّق الجمع.
4- يأتي في ص 379 عند قول الماتن: ويدخل في شبه النذر العهد واليمين وصلاة الاحتياط
5- يأتي في ص 377.

السادس: ينتقض في عكسه أيضاً بما لو نذر صلاةً إلى غير القبلة ماشياً أو راكباً، فإنّ ذلك جائز منعقد عند المصنِّف(1) وغيره(2) إن لم تَجُز النافلة إلى غير القبلة مطلقاً، ويتبعه النذر في ذلك، وهذا أيضاً من أفراد الملتزم.

وقد ينتقض بأُمور أُخر، وليس ذلك يبدع من التعريفات، فإنّها عُرضة للنقوض والتزييفات(3).

(و) الصلاة (اليوميّة واجبةٌ بالنصّ) وهو لغةً: الظهور(4).

واصطلاحاً: قول دالّ على المعنى مع عدم احتمال النقيض. وبالقيد الأخير خرج الظاهر؛ لأنّه القول الدالّ على المعنى دلالةً راجحةً غير مانعةٍ من النقيض.

وقد يُطلق النصّ على ما دلالته راجحة مطلقاً، وهو المراد هنا.

(و) كما أنّ وجوبها ثابت بالنصّ من الله(5) ورسوله(6) ومَن قام مقامه(7)، كذا هو ثابت ب_ (الإجماع) من المسلمين والمراد به اتّفاق أهل الحلّ والعقد منهم على حكم شرعي. وإنّما خَصّ اليوميّة بالذكر بعد تعريفه الصلاة الواجبة مطلقاً؛ لأنّ وجوب غيرها من الصلوات ليس كذلك، وليترتّب عليه كفر مستحلّها، فإنّ صلاة الجمعة مختلف في شرعيّتها في حال الغيبة عندنا(8)، والكسوف غير واجبةٍ عند العامّة(9)، واختلفوا في

ص: 23


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 129 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 4، ص 200. المسألة 505
3- في «ع»: والاعتراضات (خ ل)
4- القاموس المحيط ، ج 2، ص 331؛ تاج العروس، ج 9، ص 369؛ لسان العرب، ج 7، ص 97، «نصص»
5- النساء (4): 103
6- سنن أبي داود، ج 1، ص 106، ح 391، وص 117، ح 430.
7- الكافي، ج 3، ص 271 ، باب فرض الصلاة، ح 1
8- انظر مختلف الشيعة، ج 2، ص 250، المسألة 147: إيضاح الفوائد، ج 1، ص 119؛ غاية المراد، ج 1، ص 114 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
9- انظر المجموع شرح المهذّب ، ج 5، ص 43 - 44 : المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 280، المسألة 1469

وجوب صلاة العيد مطلقاً(1)، وباقي الآيات مختلف فيها عندنا(2)، إلى غير ذلك من الصلوات، فليس إجماع المسلمين حاصلاً إلّا على وجوب اليوميّة.

(ومستحِلّ تركها كافر)؛ لأنّ وجوبها معلوم من دين الإسلام ضرورةً، وكلّ حكم شرعي شأنه ذلك فمنكره كافر. وإنّما لم يفرّع الحكم بالكفر على ثبوت الوجوب بالنصّ والإجماع ليُنبّه على أنّ مناط الكفر ليس معلّقاً على مخالفة الإجماع مطلقاً، بل لابدّ مع ذلك من ثبوت الحكم بالضرورة، فلو كان المُجمع عليه من الأُمور التي يمكن خفاؤها على بعض الناس لم يحكم بكفره على تقدير إنكاره.

واللازم من كُفر مُستحلّ تركها كونه مرتدّاً إن سبق له إسلام عن فطرة إن انعقد حال إسلام أحد أبويه، فيقتل إن كان رجلاً ما لم يدّع شُبهةً محتملة في حقّه، كقرب عهده بالإسلام، أو نشوئه في باديةٍ بعيدةٍ عن معرفة فروع الإسلام ولوازمه وعن ملّةٍ إن لم يكن كذلك، فيُستتاب، فإن تاب وإلّا قُتل. والمرأة لا تُقتل مطلقاً، بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت.

وفي حكم استحلالها استحلال ترك شرطٍ مُجمع عليه، كالطهارة، أو جزءٍ، كالركوع، فإنّ وجوب ذلك كلّه مع الإجماع عليه ضروري أيضاً.

ولو تركها غير مُستحلٍّ عُزِّر، فإن عاد إلى الترك عُزِّر ثانياً، وقتل في الثالثة، والأولى قتله في الرابعة. وكفى بما ذكر ترهيباً من تركها، وتفخيماً لشأنها، وعقّب ذلك بالترغيب فيها، وقدّم عليه الترهيب؛ لأنّ دفع الضرر أولى من جلب النفع، فقال: (وفيها)، أي في اليوميّة (ثوابٌ جزيلٌ) مترتّب(3) على فعلها.

(ففي الخبر بطريق أهل البيت علیهم السلام) الذي رواه أبو بصير عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «صلاة فريضة خير من عشرين حجّةً» بكسر الحاء على غير قياس، («وحجّةٌ خير

ص: 24


1- انظر المجموع شرح المهذّب، ج 5، ص 2؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 223، ذيل المسألة 1393
2- انظر الكافي في الفقه، ص 155 مختلف الشيعة، ج 2، ص 290، المسألة 179
3- في «ع»: يترتب.

من بيتٍ مملوء ذهباً يتصدّق منه حتّى يفنى»)(1). الذهب.

و متن الحديث في الكافي: «خير من بيت ذهب».

والفريضة وإن كانت مُطلقةً إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بها اليوميّة، وعبارة المصنّف مُشيرة إلى ذلك حيث ذكر الحديث في سياق اليوميّة.

ووجه التقييد أنّ اليوميّة هي الفرد الذي يتبادر إليه الذهن من إطلاق الصلاة وماسيأتي في الخبر الآخر(2)، وأنّ حمله على العموم يوجب الفساد، حيث إنّ الحجّة مشتملة على صلاة فريضة فيلزم تفضيل الشيء على نفسه بمراتب، فتخصيص الصلاة بالیومیّة مع هذه القرائن، أولى من تخصيص الحجّة بالمجرّدة عن صلاة الطواف، أو بالحجّة المندوبة، أو بالواقعة في غير ملّتنا، أو أنّ المتفضّل به في الصلاة أزيد من المُستحقّ في الحجّ مع قطع النظر عن المتفضّل به في الحجّ؛ لعدم الدليل على ذلك كلّه.

وقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «أفضل الأعمال أحمزُها»(3) - أي أشقُّها، المقتضي لكون الحجّة أفضل من الصلاة - يُحمل على ما عدا اليوميّة؛ جمعاً بين الأخبار؛ واختصاراً في تخصيص هذا الخبر على ما تندفع به المنافاة، وتخصيص اليوميّة من بين الأفراد؛ لما تقدّم ولدلالة الأذان والإقامة على كونها أفضل الأعمال؛ لاختصاصهما باليوميّة.

نعم، ورد عنه صلی الله علیه و آله و سلّم أنّهُ سُئل أيّ الأعمال أفضل ؟ فقال «إيمانٌ بالله»، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: «جهادُ في سبيل الله»، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: «حجُّ مبرور»(4).وأُجيب بجواز اختلافه باختلاف الأشخاص، كما نُقِل أنّه سُئِل أيّ الأعمال أفضل؟

ص: 25


1- الكافي، ج 3، ص 265 - 266 ، باب فضل الصلاة ، ح 7؛ الفقيه، ج 1، ص 209، ح 630؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 236 - 237، ح 935
2- يأتي في ص 28.
3- القواعد والفوائد ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15 بتفاوت يسير : النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 440، «حمز»: الفروق، القرافي، ج 2، ص 3.
4- صحیح مسلم، ج 1، ص 88، ح 83/135؛ مسند أحمد، ج 2، ص 519، ح 7536 : سنن الدارمي، ج 2، ص 201، باب أيّ الأعمال أفضل.

فقال: «بِرُّ الوالدين، وسُئل أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: «الصلاة لأوّل وقتها»(1)، وسُئل أيضاً أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: «حجُّ مبرور»(2)، فيختصّ بما يَليق بالسائل من الأعمال، فيكون للسائل الأول والدان يحتاجان إلى برّه، والمُجاب بالصلاة عاجزاً عن الحجّ والجهاد، وبالجهاد قادراً عليه محتاجاً فيه إليه(3).

وهى حكمة منه صلی الله علیه و آله و سلّم(4) يداوي كلّ مريضٍ بما يليق به، مع أنّ طريق هذه الأخبار لیست کطريق خبرنا، فهو مرجّح.

واعلم أنّه لا يحتاج إلى تقييد البيت المملوء من الذهب بكونه مجتمعاً من الصدقات الواجبة، كما قيّده به الشارح المحقّق؛ بناءً على أنّ المندوب لا مزيّة في تفضيل بعض الواجبات عليه(5)؛ لأنّ الواجب القليل إذا فُضِّل على المندوب الكثير تتمّ به المزيّة، وأيّ ترغيب أعظم وأتمّ من أنّ صلاة ركعتين خفيفتين أفضل وأكثر ثواباً من عشرين بيتاً من الذهب يتصدّق بها الإنسان بأسرها حتّى يحصل له منها مائتا بيتٍ، ما هذا إلّا تمام الفضل من الله تعالى والرحمة.

وأمّا القول بأنّ مُطلق الواجب أفضل من مُطلق المندوب، بحيث تكون تسبيحةٌ واحدة واجبة أكثر ثواباً من ألف حجّة فما زاد، فممّا لا يدلّ عليه دليل، ولا يقتضيه نظرٌ، ولا يقبله العقل.

وقد ذكر المحقّقون جملة من المندوبات أفضل من مساويها من الواجب، فضلاً عمّا هو أنقص منها، كالابتداء بالسلام، فإنّه مُستحبّ، وهو أفضل من الردّ، وإبراء المُعسر من الدين مُستحبّ وهو أفضل من إنظاره به وشو واجب، وإعادة المُنفرد صلاته جماعة،

ص: 26


1- مسند أحمد، ج 1، ص 28، ح 4273؛ سنن الدار قطني، ج 1، ص 519، ح 4/955.
2- مسند أحمد، ج 2، ص 519، ح 7536؛ فتح الباري، ج 1، ص 77، ح 26
3- من المجيبين بهذا الجواب الماتن الشهيد الأول في القواعد والفوائد، ص 334 - 335 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15)
4- في هامش (ع) ورد بدل (منه): نبيّنا (خ ل).
5- شرح الألفيّة، ص 23 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

فإنّها مندوبة، وهي أفضل من الأُولى الواجبة(1).

والتحقيق في هذا المقام ما ذكره بعض الأفاضل: من أنّ المراد بكون الواجب أفضل من المندوب مع تساويهما في الكمّيّة، كصلاة ركعتين واجبةً. فإنّها أفضل من ركعتين سُنّةً، ودرهم صدقة واجبةً أفضل من مثله مندوباً، وهكذا. ومع ذلك يُستثنى منه ما قد ذكرناه، وأمّا مع الاختلاف، فلا دليل عليه.

نعم، ورد في الحديث القدسي: «ما تقرّب إليَّ عبدي بمثل ما افترضت عليه»(2)،

ورد أيضاً : «إنّ الواجب أفضل من سبعین مثلاً من النفل» إلّا أنّهما ليسا من الأدلّة الثابتة بسندٍ يُعتمد عليه بحيث يُخصِّصان مادلّ عليه النقل والعقل من الأدلّة من أنّ «أفضل الأعمال أحمزها»(3)، فإنّ الثواب المستحقّ يزيد بزيادة العبادة، وينقص بنقصانها؛ لأنّ المشقّة أصل التكليف المؤدّي إلى الثواب ومداره، وكلّما عظمت عظم، إلّا ما أخرجه الدليل الخاصّ.

وعلى تقدير تمام الثاني يكون الكلام فيما زاد على السبعين، مع أنّه لوكان الواجب أفضل من الندب مُطلقاً لم يكن للتقييد بالسبعين فائدة.ٌ

وقد ورد أيضاً في بعض النوافل وجوهٌ تترجّح بها على الفرائض من وجه وإن كانت الفرائض تترجّح من وجه آخر ، كما ورد عنه علیه السلام أنّه «إذا أذّن المؤذّن أدبر الشيطان وله ضراط» إلى قوله: «فإذا أحرم العبد بالصلاة جاء الشيطان فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا حتّى يُضلِّ الرجل كذلك، فلا يدري كم صلّى»(4)، مع أنّ الأذان والإقامة من وسائل الصلاة ومقدّماتها المستحبّة.

ص: 27


1- انظر الفروق القرافي، ج 2، ص 127؛ القواعد والفوائد، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 15)
2- مسند أحمد، ج 7، ص 365 . ح 25661؛ إتحاف السادة المتّقين، ج 8، ص 477: عوالي اللآلي، ج 1، ص 408، ح 74
3- انظر القواعد والفوائد، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15 معارج الأصول، ص 215: الفائق. الزمخشري ، ج 1، ص 278؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 440، «حمز».
4- صحيح البخاري، ج 1، ص 220، ج 583؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 142 - 143، ح 516.

وبالجملة؛ فلا قاطع على أفضليّة مُطلق الواجب على جميع المندوبات، وللنظر فيه مجال. وكيف كان فحديث أفضليّة الفريضة الواحدة على عشرين بيتاً من الذهب لا يحتاج إلى التقييد.

(وعنهم علیهم السلام : («ما تقرّب العبد إلى الله تعالى بشيء بعد المعرفة») بالله تعالى، ورسوله، ومابه يتحقّق الإيمان («أفضلَ من الصلاة»).

وهذا معنى الحديث المروي، ولفظه ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن وهب قال: سألتُ أبا عبد الله علیه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم، وأحبّ ذلك إلى الله (عزّ وجلّ) ما هو ؟ فقال: «ما أعلمُ شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم علیه السلام قال: «وَأَوْصَنِي بِالصَّلَوَةِ وَالزَّكَوْةِ مَا دُمْتُ حَيَّا»(1).

وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ المُراد بالصلاة المفضّلة هي اليوميّة، وموضع الدلالة قوله: «هذه الصلاة»، فإنّه إشارة إلى الفرد المُتعارف المتكرّر وهو الصلاة اليوميّة.

وفي الاقتصار من اسمه على الإشارة تنبيهُ على تعظيمه وتمييزه أكمل تمييز، كما هو مقرّر في محلّه من علم المعاني، وحيث لم يكن غير هذه الصلاة أفضل منها في علم الإمام علیه السلام دلّ على عدم وقوعه وتحقّقه، وإلّا لكان معلوماً له علیه السلام؛ لأنّه من أحكام الدين التي يجب إحاطته بها، فتعبيره علیه السلام بعدم العلم كنايةٌ عن العدم. وهذا هو الذي تقدّم الوعد به من دلالة هذا الخبر على أنّ الصلاة المفضّلة هي اليوميّة(2)، فإنّ ما كان أفضل من غيره من العبادات يكون أفضل من الحجّ بأزيد من العدد المتقدّم فضلاً عنه، وتنقيح الحديث يتمّ بمباحث:

الأوّل: ظاهر إطلاق الحديث ومقتضى استدلال المصنِّف أنّ الصلاة أفضل الأعمال

ص: 28


1- الكافي، ج 3، ص 264 ، باب فضل الصلاة، ح 1 ؛ الفقيه، ج 1، ص 210، ج 634 تهذيب الأحكام، ج 2 ص 236 ، ح 932؛ والآية 31 من سورة مريم (19)
2- تقدم في ص 25

مطلقاً، سواء كانت واقعةً في أوّل وقتها أم في وقت إجزائها.

وقد ورد في هذا المقام خبرٌ آخرُ مقيّد، وهو ما رواه ابن مسعود عنه علیه السلام أنّه سُئل عن أفضل الأعمال، فقال: «الصلاة في أوّل وقتها»(1)، وحيث كان هذا الخبر مُقيّداً وجب حمل المُطلق عليه، كما تُقرِّر في الأُصول؛ لاستلزامه إعمال الدليلين، فعلى هذا لا يتمّ المُدّعى كذا أورده بعض الفضلاء.

وجوابه: منع المنافاة الموجبة للجمع بينهما بتقييد المُطلق بموضع التقييد، فإنّ الخبر الأوّل اقتضى كون الصلاة مطلقاً أفضل من غيرها من العبادات، سواء وقعت في أوّل وقتها أم في آخره. والحديث الآخر دلّ على كون الصلاة في أوّل وقتها أفضل الأعمال مطلقاً، والعمل بهما معاً ممكن من غير منافاةٍ، فإنّ الصلاة مطلقاً إذا كانت أفضل من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال قطعاً بالنسبة إلى باقي أفرادها وإلى غيرها مع أنّ خبر ابن مسعود ليس في قوّة خبرنا الصحيح، بل إسناده غير معلوم، فلا يصلح للتقييد لو توقّف الأمر عليه.

الثاني: ظاهر الحديث يقتضي نفي أفضليّة غير الصلاة عليها، والمطلوب أفضليّتها على غيرها، وأحدهما غير الآخر، فإنّ قوله علیه السلام : «لا أعلم أفضل منها»(2) لو سُلّم منه نفي وجود الأفضل لا يدلّ على نفي وجود المساوي، والمطلوب لا يتمّ بدونه، فإنّ الفرق واضحٌ بين إثبات أفضليّة شيء من غيره، وبين نفي أفضليّة غيره منه.

ويمكن الجواب بأنّ نفي المساوي وإن لم يُعلم من نفس الجواب لكن عُلِم بوجهٍ آخر، وهو أنّ السؤال إنّما وقع عن الأفضل كما في قوله: «سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله (عزّ وجلّ) ما هو؟»(3) فلو كان غير الصلاة مساوياً

ص: 29


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 296، ح 426؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 354، ح 1100؛ سنن الدار قطني ج 1، ص 0546 ح 4/955
2- تقدّم في ص 28.
3- تقدّم في ص 28.

لها في الفضيلة، لزم منه عدم مطابقة الجواب للسؤال، وخبر ابن مسعود أوضح دلالةً من الحديث الأوّل، بل السؤال ساقط عنه رأساً؛ لأنّه سأله عن أفضل الأعمال، فأجاب بأنّه الصلاة(1)، وفي سقوط السؤال عن الحديث الآخر بحثٌ.

ويمكن أن تُستفاد الأفضليّة من مثل هذه العبارة من العرف العامّ، فإنّ أهل اللسان كثيراً ما يستعملون ذلك في شيء ويريدون أنّه أفضل من غيره لا نفي أفضليّة غيره عليه خاصّة، ويتأكّد ذلك بدلالة المقام عليه، وإرشاد أوّل السؤال إليه، كما بيّنّاه.

الثالث: قد تُحقّق فى الأُصول أنّ المعرفة من العبادات التي لا تَتحقّق فيها القربةُ، ولا تتوقّف على النيّة؛ لتوقّف نيّة القربة على معرفة المتقرّب إليه، فلو تَوقَّفت المعرفة عليها دار، والسؤال في الحديث وقع عن أفضل ما يَتقرّب به العباد إلى ربّهم، وذلك يقتضي كون المراد به من العبادات الواقعة بعد المعرفة وفي قوله علیه السلام: «ما أعلمُ شيئاً بعد المعرفة أفضلَ هذه الصلاة»، دلالة على كون المعرفة أفضل من الصلاة، فيكون التقرّب بها أتمَّ، وذلك يخالف ما تُقرِّر في القاعدة.

وجوابه أنّ في قوله علیه السلام : «ما أعلم أفضل» إلى آخره عدولاً عمّا اقتضاه السؤال، وتحقيقاً للحال بوجهٍ آخر، وهو أنّ المعرفة بالله تعالى أفضل من الصلاة، بمعنى إنّ الله تعالى جعل جزاءها أفضل(2) الجزاء، وهو الخلود في الجنّة. ولا يلزم من ذلك كونها متقرّباً بها منويّة قبل وقوعها، ففي كلامه علیه السلام تنقيحٌ للسؤال، وتقريرُ له بوجهٍ آخر على غير جهة التقرّب.

والحاصل أنّ المعرفة موجبةٌ للقرب لا للتقرّب، وما بعدها من العبادات موجبةٌ للتقرب؛ لأنّ «تفعّل» في هذا المقام غير «فعل» وإن أمكن ردّهما إلى معنىّ واحدٍ في بعض الموارد.

واعلم أنّ الحكمة في أفضليّة الصلاة على باقي العبادات مع النصّ، أنّ الأعمال

ص: 30


1- تقدّم في ص 29
2- في «ع»: أعظم.

البدنيّة أفضل من الماليّة وأشدّ مشقّةً، ومن ثمَّ قَبِلت الماليّة النيابة في حال الحياة اختياراً.

ثمّ الأفعال البدنيّة منها الحجّ وفيه - مع التكليف به بالبدن - شائبة الماليّة؛ لاشتراطه بالاستطاعة بخلاف الصلاة ووجوب ستر العورة فيها ليس على حدّ شرط الحجّ؛ لسقوطه عند العجز عنه، ووجوب الصلاة عارياً، بخلاف استطاعة الحجّ. ومثله الجهاد، ومن ثمّ قَبِل النيابة حال الحياة مع الضرورة.

والصوم وإن كان عبادةً بدنيّةً لكنّه ليس فعلاً محضاً؛ لأنّه عبارةٌ عن الإمساك عن المفطِرات على وجه مخصوص وهو من قبيل التروك، ونسبته إليه تعالى في الحديث القدسي، وأنّه يختصّ بالجزاء به(1) وتسميته عملاً، ليس صريحاً في أفضليّته على الصلاة، بل على اشتماله على مزيّةٍ لا تحصل في غيره، مع أنّ الصلاة جمعت بين خصوصيّة الصوم والاعتكاف والحجّ وغيرها من العبادات، مع اختصاصها بفضيلة الركوع والسجود وغيرهما.

(واعلم أنّها ) أي الصلاة اليوميّة - بقرينة ما تقدّم من قوله: «واليوميّة واجبةٌ» ثمّ قوله: «ومستحلّ تركها كافرُ»، ثمّ قوله: وفيها ثوابٌ جزيل». ولعدم صحّة استثناء الحائض والنفساء من جميع أفراد الصلاة الواجبة؛ إذ الجنازة لا يشترط فيها الطهارة فتجب عليهما، ومثلها الجمعة فإنّها لا تجب على المرأة مُطلقاً، ولا على المسافر ونحوه على بعض الوجوه.

ويُحتمل - على بُعدٍ - عوده إلى الصلاة المعرّفة؛ لاشتراك أفرادها في هذا المعنى فإنّ صلاة الجنازة واجبةٌ في الجملة، وكذلك الملتزم بالنذر وشبهه واجب عيناً على مَن التزم به ممّن جمع الوصفين وتوقّف وجوبُها مع ذلك على اجتماع شرائط الالتزام، كتوقّف وجوب غيرها من الصلوات على حصول أسبابها ونحوها.

ويُضعّف بما مرّ إن جعلنا إطلاق الصلاة على الجنازة على طريق الحقيقة كما هو

ص: 31


1- صحيح مسلم، ج 2، ص 807، ج 1151/163؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 525. ح 1638.

الظاهر من مذهب المصنّف، وسيأتي ما فيه.

ولعلّ تخصيص اليوميّة بالذكر لمزيد شرفِها كما خَصّها سابقاً؛ ولعدم انتظام دخول جمیع الأقسام إلّا بتكلّفٍ، بخلاف اليوميّة فإنّها - (تجب على كلّ بالغٍ عاقلٍ)، سواء كان ذكراً أم أُنثى، ودخولها في العبارة ليس بالتبعيّة، بل لاشتراك الوصف هنا بين المذكّر والمؤنّث.

ولا يشترط حصول الوصفين في جميع وقت العبادة المؤقّتة، بل يكفي حصولهما في بعض الوقت إذا أدرك من أوّله أو وسطه قدر الصلاة وشرائطها التي ليست حاصلةً له، أو من آخره قدر ركعةٍ مع الشرائط المفقودة.

(إلّا الحائض والنفساء)، فلا تجب عليهما الصلاة في حال الحيض والنفاس، بل تحرم عليهما مادامتا كذلك، فإذا زال وقد بقى من الوقت ولو قدر الطهارة وركعة - كما تقدّم - وجبت وكذا لو عرضا بعد أن مضى من أوّل الوقت مقدارُ الصلاة بعد الشرائط.

(ويشترط في صحّتها)، أي اليوميّة وإن كان غيرها أيضاً كذلك؛ لئلا يلزم اختلاف مرجع الضمائر وهو مُستهجن (الإسلام)، فلا تصحّ من الكافر مادام على كفره إجماعاً، ولامتناع تقرّبه على الوجه المُعتبر شرعاً ولا فرق بين الكافر المعطِّل وغيره.

واعلم أنّه كما يشترط في صحّتها الإسلام كذا يشترط الإيمان وهو التصديق القلبي والإقرار اللساني بالمعارف الآتية، فلا تصحّ عبادة المُخالف وإن حكم بإسلامه، وسيأتي التنبيه على اشتراط الإيمان أيضاً في عبارة المصنِّف بقوله: «فمَن لم يعتقد ما ذكرناه فلا صلاة له»(1).

وتحقيق المقام يقع في موضعين:

أحدهما: إثبات المغايرة بين الإيمان والإسلام والمراد بالإسلام الانقياد والإذعان بإظهار الشهادتين، سواء اعترف مع ذلك بباقي المعارف أم لا، فهو أعمّ من الإيمان.

ص: 32


1- يأتي في ص 54.

وممّا يدلّ على التغاير بينهما قوله تعالى: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَنُ فِي قُلُوبِكُمْ»(1)، نفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، وهو دالّ على التغاير.

واحتجّ على اتّحادهما بقوله تعالى: «فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ»(2)، حيث استثنى المسلمين من المؤمنين، وهو دالّ على الاتّحاد.

وأُجيب بأنّ الاستثناء المُتّصل يقتضى تصادق المستثنى والمستثنى منه في الفرد المستثنى، لا في كلّ فرد، والحال هنا كذلك، فإنّ الإسلام لمّا كان أعمّ من الإيمان كان مشتركاً بينهما، فصحّ تسمية المؤمن مسلماً واستثناؤه منه، فلا دلالة حينئذٍ فيها على الاتّحاد، وتبقى دلالة الأُولى على التغاير خاليةً عن المُعارض(3).

وذهب بعض الشارحين إلى أنّ اعتقاد الأُصول الآتية التي من جملتها الإمامة هو الإسلام، وجعل قوله: «وتجب أمام فعلها....» إلى آخره تفسيراً للإسلام المذكور في قوله: «ويشترط في صحّتها الإسلام»(4)، وهو ضعيف، بل لا دليل عليه.

وثانيهما: أنّ الإيمان بالمعنى المذكور مُعتبرٌ في صحة الصلاة، كما يشترط الإسلام، والدليل عليه إجماع الأصحاب على عدم دخول غير المؤمن الجنّة، فلو صحّت الصلاة من غير المؤمن لأُثيبَ عليها، ولزم وجوب دخول الجنّة لإيصال الثواب إليه؛ إذ لا يقع إلّا فيها إجماعاً، والأخبار من طرقنا متظافرة بذلك، وفي بعضها أنّه : لو عَبَدَ اللهَ ألف عامٍ بين الركن والمقام لم يَقبل منه شيئاً، ودخل النار خالداً فيها»(5)، وسيأتي حكمُ

ص: 33


1- الحجرات (49): 14
2- الذاريات (51): 35 - 36
3- المجيب هو المحقّق الكركي في شرحه للألفية، ص 24 - 25 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).
4- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفية المطبوعة مع الفوائد الملية، ص 11.
5- ثواب الأعمال، ص 250 - 251، ح 16؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 123 ، الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 16

المصنِّف في هذه الرسالة بذلك أيضاً(1)، ولا نعلم قائلاً بخلاف ذلك(2).

نعم، ربما يُتَوهّم من قولهم: «إنّ المُخالف إذا استبصر لا تجب عليه إعادةً ما صلّاه صحيحاً عنده وإن كان فاسداً عندنا» أنّ عبادته صحيحة مع إتيانه بالشرائط المُعتبرة فيها عندهم، وهو بعيد عن الدلالة؛ لأنّ عدم وجوب الإعادة أعمّ من الصحّة، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ؛ ولأنّه لو كان كذلك لم تجب عليه إعادة ما صلّاه صحيحاً عندنا مع فساده عنده بطريق أولى؛ لموافقته مطلوب الشارع وليس كذلك، بل قد اختلف الأصحاب في عدم إعادة هذا الفرد مع اتّفاقهم على عدم إعادة الأوّل.

والوجه أنّ مُستندَ عدم الإعادة عليه النصوص الواردة عن الباقر والصادق علیهما السلام، وفي بعضها إشارة إلى أنّ ذلك تفضّل من الله تعالى وإسقاط لما هو واجب استتباعاً للإيمان الطارئ(3)، كما يسقط عن الكافر ذلك بإسلامه، فلو مات المُخالف على خلافه عُذِّب عليها كما يُعذَِّب الكافر.

فإن قيل : الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها، والمُخالف إنّما تسقط عنه إعادة ما فعله صحيحاً دون ما تركه، بل يجب عليه قضاؤه إجماعاً، وذلك قد يدلّ على الصحّة.

قلنا: هذا إنّما يدلّ على عدم المساواة بينهما في الحكم شرعاً، لا على صحّة فعله على ذلك الوجه، ولعلّ السرّ في ذلك - مع النصّ(4) - أنّ الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة، فليس عنده في تركها جُرأة على الله تعالى، فأسقط ذلك الإسلام بالنصّ والإجماع،

ص: 34


1- يأتي في ص 37.
2- جملة ولا نعلم قائلاً بخلاف ذلك» لم ترد في «د»، وفي «ع» كُتب فوقها هذه العبارة موجودة في نسخة الأصل
3- الكافي، ج 3، ص 545، باب الزكاة لا تعطى غير أهل الولاية، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 4 ص 54 ، ح 143 وج 5، ص 9، ح 23؛ الاستبصار، ج 2، ص 145، ح 472
4- مسند أحمد، ج 5، ص 223، ج 17323، وص 231، ح 17357 و ص 234، ح 17372 ؛ الجامع الصغير، ضمن جامع الأحاديث، ج 3، ص 11، ح 6971؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 54. ح 145.

بخلاف المُخالف، فإنّه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها، فإذا فعلها على الوجه المُعتبر عنده كان ذلك منه كترك الكافر، بخلاف ما لو تركها، فإنّه قادمٌ على الجرأة والمعصية لله تعالى على كلّ حالٍ فلا يسقط عنه القضاء مع دخوله في عموم: «مَن فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(1).

ويؤيّد ذلك حكمهم بعدم إعادة ما صلّاه صحيحاً بحسب معتقده وإن كان فاسداً عندنا، واستشكالهم فى عدم إعادة ما صلّاه صحيحاً عندنا فساده ،عنده ولو كان السبب هو الصحّة، كان الجزم بهذا الفرد أولى من عكسه.

وقد استشكل بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمّن صلّى منهم أو صام؛ لاختلال الشرائط والأركان، فكيف يُجزئ عن العبادة الصحيحة مع وقوع الاتّفاق، ودلالة النصوص على بطلان الصلاة بالإخلال بشرطٍ أو فعلٍ منافٍ من غير تقييدٍ(2).

وهذا الإشكال يندفع بالنصّ الدالّ على السقوط، وما وقع منهم ليس مُجزئاً عن الصحيح، وإنّما أسقط الله تعالى عنهم إعادة ما أخلّوا بفعله على وجهه؛ تفضّلاً منه بسبب الإيمان الطارئ، فلم يؤاخذهم على ما سبق.

وعلى تقدير إثابتهم(3) على ذلك فهو على سبيل التبعيّة للإيمان، لا لكونه صحيحاً في نفسه. وفي هذه المسألة مزيد بحثٍ لا يليق بهذه الرسالة قد حرّرناه في شرح الإرشاد(4)، وأفردناه في محلٍّ آخره(5).

وإنّما يشترط في صحّتها الإسلام (لا في وجوبها)، بمعنى أنّها تجب على الكافر كما تجب عليه سائر التكاليف السمعيّة عندنا؛ لدخوله تحت الأوامر العامّة، لكن لا تصحّ

ص: 35


1- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو .... ح : تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350؛ عوالي اللآلي. ج 2. ص 54. ح 143.
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 5، ص 262 - 263. المسألة 176
3- في «ع»: جزائهم.
4- روض الجنان، ج 2، ص 576 - 577 (ضمن الموسوعة، ج 11).
5- وهي رسالة كتبها المصنف في الولاية وأن الصلاة لا تقبل إلا بها. انظر الدر المنثور، ج 2، ص 188

منه مادام على كفره. ثمّ إن مات على الكفر عذّب على تركها، أو على فعلها على غير وجهها، كما يُعذِّب على ترك الإيمان.

وخالف في ذلك أبو حنيفة(1) حيث ذهب إلى كونه غير مكلّفٍ بفروع الشريعة حالة انتفاء شرطها عنه وهو الإيمان.

لنا: لو كان حصول شرط الفعل شرطاً للتكليف به لم تجب صلاةٌ على مُحدثٍ؛ لانتفاء شرطها وهو الطهارة، ولم تجب صلاةً قبل النيّة؛ لأنّها شرطها، وذلك معلوم البطلان ،بالضرورة، ووقوعه دليل على جوازه.

ويدلّ عليه قوله تعالى: «مَا سَلَكَكُمْ فِي سَفَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ»(2) صرّح بتعذيبهم بترك الصلاة.

واحتجاجه بأنّه لو كُلّف بالفروع لصحّت منه - لأنّ الصحّة موافقة الأمر واللازم منتفٍ، ولأمكن الامتثال؛ لأنّه شرط التكليف فلا ينفكّ عنه وهو غير متحقِّق؛ لأنّه في حالة الكفر غير ممكنٍ وبعده يسقط الأمر عنه - ضعيف؛ لأنّا لا نُريد أنّه مأمور بفعله حال كفره، بل بأن يؤمن ويفعل كالمحدِث وهو ممكن في حال الكفر - غايته أنّه مع الكفر لا يمكن، وذلك ضرورة بشرط المحمول - لا ينافي الإمكان الذاتي كقيام زيد في وقت عدم قيامه، فإنّه ممكن وإن امتنع بشرط عدم قيامه وتحقيق المسألة في الأُصول وهذا البحث كلّه آتٍ عندنا في المخالف، كما بيّنّاه.

(ويَجب أمام فعلها) وقبل الاشتغال بها وجوباً أوّليّاً(3) بالذات (معرفةُ الله تعالى) وهو التصديق بوجوده، (وما يصحّ عليه) من صفاته الثبوتيّة (ويمتنع) من صفاته السلبية (وعدله وحكمته) بمعنى كونه لا يفعل القبيح(4)، ولا يخلّ بالواجب(5)، ويتفرّع

ص: 36


1- أحكام القرآن الجصّاص، ج 1، ص 186 : بدائع الصنائع، ج 1، ص 276 .
2- المدّثّر (74): 42 - 43.
3- وجوباً أوّليّاً: لم ترد في «د».
4- في «د»: قبيحاً.
5- في «د» بواجبٍ.

عليه خلق الأفعال وجزاء الأعمال.

(ونبوّة نبينا محمد، وإمامة الأئمّة) الاثني عشر (عليهم السلام والإقرار بجميع ما جاء به النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم) من أحوال التكليف، والمعاد، والصراط، والميزان وغيرها.

(كلّ ذلك) المتقدّم من المعارف يجب كونه (بالدليل)، والمراد به هنا ترتيب ما تطمانّ به النفس من الأُمور الموجبة لإثبات هذه المعارف، والجزم بها بأيّ ترتيب اتفق (لا بالتقليد) المحض وهو الأخذ بقول الغير من غير حجّة، وتحقيق هذه الجملة يتمّ بأُمور:

الأوّل: هذا الوجوب المتعلّق بهذه المعارف معدود من جملة مقدّمات الصلاة، فكان حقّه أن يُذكر معها، وإنّما ذكره هنا لقلّة مباحثه الخاصّة من حيث إنّه مقدّمة للصلاة وإن كانت مباحثه عظيمةً من حيثيّةٍ أُخرى، وهي من تلك الحيثية تُذكر في علم آخر.

وهل المعارف بأجمعها شرط في صحّة الصلاة، بحيث لو أخلّ المكلّف بشيء منها لم تصحّ صلاته، أم لا؟

الذي صرّح به المصنّف في هذه الرسالة الأوّل، كما نبّه عليه بقوله أخيراً: «فَمَن لم يعتقد ما ذكرناه فلا صلاة له» وهذا هو الظاهر؛ لعدم تحقّق الإيمان بدونها وهو مناط الثواب، وللنصّ(1)، وقد تقدّم الكلام فيه(2).

وقد نازع بعض الأفاضل في شرطيّتها في الصلاة؛ محتجّاً بأصالة براءة ذمّة المكلّف من أخذ هذه المعارف بالدليل في صحّة صلاته، وإن كان وجوبها في الجملة ممّا لا

شبهة فيه، وقد عرفت جوابه(3).

الثاني: محلّ المخاطبة بهذا الواجب بعد تحقّق التكليف بإحدى العلامات الدالّة

ص: 37


1- الكافي، ج 2، ص 405 ، باب المستضعف، ح 6: الأمالي الصدوق، ص 278 ، المجلس 054 ح 24؛ كمال الدين ص 379، ح 1.
2- تقدّم في ص 32.
3- تقدّم في ص 34.

عليه، فلا يجب الاشتغال بتحصيلها قبله؛ لأنّ الوجوب فرع التكليف ومع تحقّقه تجب المبادرة إليه على الفور، سواء كان ذلك في وقت صلاة أم لا؛ لأنّ ذلك وإن كان شرطاً في الصلاة فهو واجب مستقلّ برأسه، ولا بُعد في كون شيء واجباً في نفسه وشرطاً في شيء آخر، كغسل الجنابة عند القائل بوجوبه لنفسه، وغسل الميّت بالنسبة إلى الصلاة عليه ودفنه مع إمكانه، وأشباه ذلك كثيرة، ولا ريب في تحقّق الإيمان بعد تحصيل هذه المعارف، وهل يوصف به في زمان مهلة النظر ؟ إشكال، وقطع المرتضى (رحمه الله) بكونه حينئذٍ كافراً(1).

وفي تحقّق وقتٍ طويل للمهلة ندور؛ لأنّ القدر الواجب الذي يصير الإنسان به مؤمناً، ويحصّل فيه أقلّ ما يجب من المعرفة قصير جدّاً في الغالب، ومن هنا جاء ما ورد أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان يلقى الأعراب ويأمرهم بأن يُقِرّوا الله بالوحدانيّة، وله بالرسالة، فإذا فعلوا ذلك تركهم، وحَكَم بإسلامهم(2).

وفي الحديث المشهور أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال: «أُمرْتُ أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله»(3).

وهذا القدر وما فوقه ممّا يتحقّق به الإيمان ممكن تحصيله عقيب التكليف في زمنٍ يسيرٍ، وقد يتّفق نادراً خلاف ذلك بحيث يخرج وقت الصلاة قبل تحصيل القدر الواجب، كما لو بلغ آخر الوقت بمقدار الصلاة أو ركعة منها بعد تحصيل الشرائط. وفي قضاء الصلاة عليه حينئذٍ إشكالٌ من الشكّ في كفره حينئذٍ، واستلزام تكليفه

وجوب بالصلاة التكليف بما لا يطاق.

وليس نظر الكافر المحض - وهو معتقد خلاف الإسلام - في أدلّة الحقّ وبحثه عنه

ص: 38


1- جوابات المسائل الرسيّة الأُولى، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 2، ص 317.
2- انظر تأريخ المدينة المنوّرة، ابن شبة النميري، ج 2، ص 522.
3- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1295، ح 3927؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 191، ح 7377؛ مسند أحمدج 1، ص 20، ح 68 .

معدوداً من المهلة، بل هو حينئذ كافر بلا خلافٍ، وتحقيق المسألة في الكلام.

الثالث: المعرفة مرادفةٌ للعلم، بل ربّما كانت أخصّ منه؛ لأنّها تُطلق على مَن سبق له جهل بما عرفه والعلم لا يشترط فيه ذلك، ومن ثَمّ يُطلق على الله تعالى أنّه عالم، ولا يقال: إنّه عارف؛ لإشعاره بسبق جهل، وحينئذٍ نقول: العلم بهذه الأشياء والمعرفة لها قد تكون تصوريّة، وقد تكون تصديقيّة؛ لانقسام العلم إليهما، والواجب من ذلك هو المعرفةُ التصديقيّة لا التصوريّة؛ لأنّ تصوّرها لا يوجب الحكم بالإسلام أو الإيمان من دون الحكم الجازم بثبوت ما هو ثابتٌ منها وسلب ما هو منفيّ. وإنما لم يُقيّد المصنِّف المعرفة بالتصديقيّة - مع أنّ ذلك لازم كما قد عرفته - اكتفاءً بقوله أخيراً: «كلّ ذلك بالدليل»، فإنّ الدليل لا تُكتسب به إلّا المعارف التصديقيّة، كما أنّ التصوريّة تكتسب بالقول الشارح.

الرابع: جعل المعرفة بهذه الأشياء واجبة قبل الصلاة، أعمّ من أن يكون قبلها شيء آخر واجب أوّلاً، فلا يدلّ حينئذٍ على أنّها أوّل الواجبات، ويحتاج إلى التقييد بالواجب بالذات لئلّا يرد أنّ أوّل الواجبات هو النظر المعرّف لها؛ لأنّ النظر وإن كان وجوبه أسبق، لكن لا إشعار في العبارة بأنّ المعرفة هي أوّل الواجبات وإنّما خصّها بالذكر من دون النظر - مع أنّه أيضاً واجب - من باب مقدّمة الواجب المطلق؛ لأنّها مقصودة بالذات ووجوبه تابع لها، فيلزم من الحكم بوجوبها - مع كونها واجباً مطلقاً- وجوب مايتوقّف عليه، وإذا كان شرطاً فيها كان متقدّماً ضرورةً، فلا يحتاج في مثل هذا المحلّ الموضوع للاختصار والإشارة إلى هذه الأحكام بالعرض إلى التنبيه على أزيد من ذلك، وتحقيقه في الكلام، وما سيأتي من الإحالة عليه كافٍ في جواز الإجمال.

الخامس: المراد بمعرفة الله تعالى هنا التصديق بكونه موجوداً واجب الوجود لذاته، لا المعرفة التامّة التي لا تتمّ إلّا بمعرفة صفات جلاله ونعوت كماله؛ لما سيأتي بعده من عطف معرفة تلك المعارف على المعرفة به المقتضي للمغايرة.

ص: 39

وأشار بذلك إلى الباب الأوّل من أبواب علم الكلام المقصود بالذات الباحث عن أحكام الذات ووجوب وجوده، وبقوله: «وما يصحّ عليه» أي يصحّ وصفه به وهي الصفات الثبوتيّة الثمان «وبما يمتنع عليه» من الصفات السلبية.

وهذا بخلاف ما ذكره الفاضل في باب الحادي عشر(1)، فإنّه يريد فيه «بما يصحّ عليه ويمتنع» باب العدل والفرق بين الاصطلاحين ذكر الصفات بنوعيها في الباب قبل ذلك، وترك ذكر باب العدل، فعُلِم أنّه يريد به ذلك. وعكس ذلك في هذه الرسالة، فإنّه ذكر العدل في قوله: «وعدله وحكمته ولم يذكر الصفات، فعُلِم أنّه يُريد هذا المعنى.

السادس: لا ريب في اعتبار التصديق بصفاته الثبوتيّة وهي متعدّدة، وأصلها القدرة والعلم، ومرجعهما إلى وجوب الوجود.

وقد اختلف كلام أهل الكلام في عدد المُعتبر منها، فجعلها العلّامة المحقّق نصيرالدين في التجريد ثمانيةً: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والإدراك، والكلام، والصدق، والسرمديّة(2).

وجعل بعض العلماء الثمانية: هي القدرة والعلم والحياة، والإرادة والسمع والبصر، والكلام، والبقاء(3).

وذكر الفاضل في كثير من مصنّفاته الكلاميّة أنّ الصفات الثبوتيّة التي يجب على المكلّف معرفتُها بالدليل منحصرةً في ثمانٍ: الأوّل القدرة، الثاني العلم، الثالث الحياة، الرابع الإرادة والكراهة، الخامس الإدراك السادس أنّه قديم أزلي باقٍ أبدي السابع أنّه متكلّم، الثامن أنّه صادق(4).

وكأنّه ردّ الكراهة إلى الإرادة؛ لأنّها إرادة الترك، وجعل مرجع السادسة إلى

ص: 40


1- الباب الحادي عشر، ص 9-18.
2- تجريد الاعتقاد، ص 191 - 195.
3- كالشيخ في الاقتصاد، ص 27 وما بعد؛ وأبي الصلاح الحلبي في تقريب المعارف، ص 40 -50.
4- الباب الحادي عشر، ص 9 - 18: نهج الحقّ وكشف الصدق، ص 53 وما بعد : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص 281 - 290.

السرمديّة كما في التجريد، أو إلى بعضها وهو البقاء، كما في العدد الثاني.

وكيف كان، ففي تحقيق العدد الذي لابدّ من اعتباره في التوحيد نظر؛ لأنّه إن روعي فى ذلك ظاهر هذه الصفات وأسمائها المختلفة وجب اعتبار الكلّ، وإن نظر إلى الأصل الذي يرجع إليه كفى معرفة القدرة والعلم؛ لرجوع الكراهة والإرادة والسمع والبصر والإدراك إلى العلم والكلام إلى القدرة بل الكلّ راجع إلى وجوب الوجود، كما مرّ.

والتحقيق أنّ كلّ صفات الله تعالى الثبوتيّة وغيرها اعتبارات تُحدثها عقولنا عند مقايسة ذاته تعالى إلى غيرها وإلّا فذاته المقدّسة لا تركيب فيها، ولا صفة لها زائدة عليها، والكلّ راجع إلى كمال الذات المقدّسة وغنائها. لكن لمّا كانت عقول الخلق على مراتب من التفاوت لوحظت له هذه الصفات والاعتبارات؛ ليتوصّل بها الخلق(1) إلى معرفته على حسب استعدادهم، ثمّ ينتهي قولهم عند إحاطتها بحقائق هذه الأشياء ومطالعتها لأنوار كبريائه إلى أن تعتبر ذاته المقدّسة من غير ملاحظة شيء آخر، كما قال عليّ علیه السلام : «وتمام توحيده نفي الصفات عنه؛ لشهادة كلّ صفةٍ أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوفٍ أنّه غير الصفة»(2).

فعلى هذا لاحرج في اختلاف هذه الأعداد، فإنّ مرجعها إلى اعتبار المُعتبر، والغرض منها التقريبُ إلى أفهام أهل التوحيد بحسب تفاوتهم في مراتبهم، والمرجع واحد عند تحقيق الحال فكلّ واحدٍ من هذه الأعداد مُجزئ في أصل التوحيد، ومؤدٍّ للواجب إن شاء الله تعالى.

السابع: المراد بالعدل المنسوب إليه تعالى - بحيث صار باعتباره عادلاً - ما قابل الجور والظلم، وبكونه عدلاً أنّه لا يفعل القبيح، ولا يخلّ بالواجب.

وأمّا الحكمة، فتُطلق على معرفة الأشياء والعلم بحقائقها، وعلى الترك للقبيح، وعلى معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. وأفضل العلوم العلم بالله تعالى وأجلّ الأشياء هو

ص: 41


1- في هامش «ع»: الخلائق (خل).
2- نهج البلاغة، ص 14 الخطبة1

الله تعالى والله سبحانه لا يعرفه كنةَ معرفته غيره وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم، فهو الحكيم حقاً لعلمه بأجلّ الأشياء بأجلّ علمٍ.

والمراد بالحكمة في هذا المقام المعنى الثاني وإن دخلت في العدل، ومن ثمّ سمّي الباب الباحث عن ذلك في الكلام بباب العدل وهي بالمعنى الأوّل داخلة في العلم، وبالمعنى الأخير علمٌ خاصّ قويّ.

ويترتّب على وجوب اعتقاد كونه تعالى عدلاً أنّه لا يفعل القبيح، ولا يرضى به فما يصدر منّا من القبائح مستند(1) إلى قدرتنا واختيارنا وإن كانت القدرة من فعل الله تعالى فإنّ فاعل الآلة ليس فاعلاً لما يصدر بواسطتها من القتل والضرب والله منزّه عن ذلك.

ويتفرّع على عدم إخلاله بالواجب أو عليهما معاً تكليف المكلّفين، وإثابة المطيعين وإرسال المرسلين، وإنزال الكتب مبشّرين ومنذرين.

الثامن: لا ريب في اعتبار تقديم التصديق بنبوّة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم أمام الصلاة، بل هو شرط الإسلام، ولكنّ القدر الواجب منه هل هو مجرد اعتقاد نبوّته صلی الله علیه و آله و سلّم، كما هو ظاهر العبارة، أم لابدّ مع ذلك من اعتقاد عصمته وطهارته وختمه للأنبياء، ونحو ذلك ممّا يتفرّع على النبوّة من الأحكام ويلزمها من الشرائط ؟ ليس ببعيد الاكتفاء بالأوّل.

أمّا في الإسلام، فظاهر؛ لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلّا الله، وإنّي رسول الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها»(2)، ولأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان يكتفي من الأعراب وطالِبِ الإسلام بذلك.

وأمّا في الصلاة، فلِما ذُكر، وقد كانوا يصلّون بعد ذلك، ولم يأمرهم بإعادتها، ولا نَبَّههم(3)

ص: 42


1- في «د»: مستنده.
2- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1295، ح 3927؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 4 ، ص 119 ، ح 7377؛ مسند أحمد ج 1، ص 20، ح 68
3- في «د» ينهاهم وفي هامش «ع» أشار الناسخ إلى كونها نسخة بدل.

على عدم الاكتفاء بها، وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب ووقت الحاجة؛ ولأنّ الظاهر من جماعة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و اله و سلّم أنّهم ما كانوا يعتقدون فيه ذلك، بل ربّما اعترضهم وَهْمُ وَرَيْبٌ في بعض ما كلّفهم به كما يُعلم ذلك من كتب السِير الباحثة عن تلك الأحوال.

وربما اُجيب عن ذلك بأنّه صلی الله علیه و آله و سلّم كان يستدرجهم بالمعرفة شيئاً فشيئاً؛ ليستأنسوا بالإسلام، ولو كُلّفوا بذلك دفعةً واحدةً لنفرت نفوسهم عنه ومجّته طباعهم، ولم يقبلوه ابتداءً.

ويمكن اعتبار جميع ما ذُكر؛ لأنّ الغرض المقصود من الإرسال لا يتمّ إلّا به، فتنتفي الفائدة التي باعتبارها وجب الإرسال وهو ظاهر بعض كتب العقائد المصدّرة بأنّ من جهل ما ذكروه فيها فليس مؤمناً مع ذكرهم ذلك(1)، والأوّل غير بعيدٍ من الصواب.

التاسع: هل يشترط في تحقّق الإيمان الحاصل بالإقرار بالأئمّة الاثني عشر - مع ما تقدّم من الشهادتين - التصديق بزيادة عن كونهم أئمّة يهدون(2) بالحقّ، ويجب الانقياد إليهم، والأخذ عنهم وإن لم يعتقد كمالهم وعصمتهم وطهارتهم، كما ذُكر في النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم؟ فيه الوجهان، وأولى بالاكتفاء هنا.

وكذا الإشكال في وجوب معرفة عددهم وأسمائهم عن ظهر القلب، أو الاكتفاء بالتصديق والإذعان للعدد المخصوص وإن لم يحفظه كذلك، بل راجعه من كتاب ونحوه، ويمكن الاكتفاء بما يأمن معه التغيير والتبديل بحيث يخرج عن التقليد البحث(3)؛ لأصالة عدم التكليف بأزيد من ذلك، والله أعلم.

العاشر: القدر الذي يجب التصديق به ممّا جاء به النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ما عُلم مجيؤه به تواتراً

ص: 43


1- الباب الحادي عشر، ص 5.
2- في «د» الهدى
3- في «د»: المحض

من أحوال المبدأ والمعاد كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط والميزان والجنّة والنار ولا يجب العلم بكيفيّة ذلك وتفاصيله، فإنّه ممّا يخفى على الخواصّ، ولا قاطع بتعيّنه.

وأمّا ما ورد عنه علیه السلام من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقاً وإن كان طريقه صحيحاً؛ لأنّ خبر الواحد ظنّي قد اختُلِف في جواز العمل به في الأحكام الشرعيّة الظنّيّة، فكيف الاعتقاديّة العلميّة؟ ولاستلزامه التكليف بما لايُطاق وإن كان قد يجب العمل بمدلوله في بعض الموارد ، لكن لاعلى سبيل المعرفة.

الحادي عشر : الدليل لغة: الدال(1)، وهو الناصب للدليل، وقد يُطلق على ما فيه إرشاد.

وعند الفقهاء: ما يمكن أن يتوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوبٍ خبري، ولا ينحصر الدليل على هذه المعارف فيما ذكره العلماء، بل لا يشترط ترتيب مقدّماته على الوجه المُعتبر في الإنتاج عند أهل الحدّ والبرهان، وإنّما الواجب عيناً من ذلك إقامة ما تطمانّ به النفس بحسب استعدادها، ويسكن إليه القلب بحيث يمنع من تطرّق الشبهة عن عقيدة المكلّف ويخرج به عن التقليد البحت(2) والعمى الصرف، كدليل العجوز وغيرها.

وأمّا معرفة الدليل التفصيلي والاستعداد لدفع الشبهة وتحرير السؤال والجواب، فهو واجب كفايةً؛ لردّ شبهة الخصوم حراسةً للمذهب من تسلّط الخصم عليه، والواجب من هذا النوع أن يكون في كلّ قُطرُُ من أقطار المسلمين واحد يذبّ عنهم بحيث لا يعسر الوصول إليه عادةً عند الحاجة، وقد يجب ذلك أيضاً على المكلّف لدفع شبهة تعرض له في نفسه.

وقد تقدّم في البحث الثامن ما يدلّ على الاكتفاء بهذا القدر من المعرفة.

ص: 44


1- الصحاح، ج 3، ص 1698؛ تاج العروس، ج 14، ص 242: لسان العرب، ج 11، ص 248 ، «دلل».
2- في هامش «د»: المحض (خل).

الثاني عشر: نبّه المصنِّف بقوله: «لا بالتقليد» على خلاف جماعة من المحقّقين منّا ومن الجمهور، حيث اكتَفوا به في الأُصول(1)، فأراد المصنِّف بذلك التصريح بخلاف مقالتهم بعد إيجابه للمعارف بالدليل؛ لزيادة البيان؛ ولأنّه لا يلزم من إيجاب الدليل مطلقاً عدم إيجاب غيره؛ لجواز وجوب أحد الأمرين تخييراً، والواجب التخييري أحد أفراد الواجب بقولٍ مطلقٍ.

والمراد بالتقليد «الأخذ بقول الغير من غير دليلٍ» مأخوذ من تقليده بالقلادة، وجعلها في عنقه، كأنّه يجعل ما يعتقده من قول الغير من حقٍّ أو باطلٍ قلادةً في عنق مَن قلّده قلّده، ومن اشتقاقه يظهر اعتلاله وخطره.

(والعلم المتكفِّل) أي الضامن مجازاً (بذلك) الواجب من هذه المعارف بأدّلتها هو (علم الكلام) وهو العلم الباحث عن الذات الإلهيّة وصفاتها وأفعالها، والنبوّة، والإمامة، والمعاد، وما جاء به النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم من الشرائع والأحكام، وتفاصيل الأحوال على قانون الإسلام.

سمّي بذلك؛ لأنّه أوّل ما يجب من العلوم التى لا تُعلّم ولا تُتَعلّم إلّا بالكلام، فأُطلق عليه هذا الاسم لذلك.

ولأنّه يورث قدرةً على الكلام في تحقيق الشرعيّات، وإلزام الخصوم، وحلّ الشبهات، وإيراد السؤالات والجوابات.

ولأنّه أكثرُ العلوم خلافاً ونزاعاً، فيشتدّ افتقاره إلى الكلام مع المخالفين والردّ عليهم.

ولأنّ مسألة الكلام كانت أشهر مباحثِه وأكثرها نزاعاً وجدالاً حتّى قُتل بسببها خلقٌ كثير فضلاً عن العداوة فيها.

ص: 45


1- انظر عدّة الأصول، ج 2، ص 730؛ المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة. ص 11؛ المستصفى من علم الأُصول، ج 2، ص 401: الإحكام في أصول الأحكام، ج 4، ص 229؛ المحصول في علم الأصول، ج 1، ص 91.

ولأنّ عنوان مباحثه كان قولهم: «الكلام في كذا وكذا».

ولأنّه لقوّة أدلّته صار كأنّه هو الكلام دون ما عداه من العلوم، كما يقال للكلام المتين: «هذا هو الكلام».

ولأنّه لابتنائه على الأدلّة القطعيّة أشدّ العلوم تأثيراً في القلب، فسمّي بالكلام المُشتقّ من الكَلم وهو الجرح.

(ثمّ(1) المكلَّف بها) أي بالصلاة اليوميّة أو بالصلاة الواجبة، كما مرّ مثله في ضمير «واعلم أنّها» وما بعده.

(الآن) وهو لغةً: الزمان الحاضر(2)، والمراد هنا زمان المصنِّف وما ماثله من زمان غيبة الإمام.

(من الرعيّة) أي رعيّة الإمام علیه السلام، والألف واللام عوضٌ عن المضاف إليه.

واحترز ب_«الرعيّة» عن الإمام علیه السلام، فإنّه أجلّ من أن يكون من أحد القسمين؛ لأنّ طريق الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة ظنّي، والتقليد أضعف منه، فلا يكون الإمام مُجتهداً كالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم، خلافاً لبعض الأُصوليّين من العامّة حيث جوّزوا على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم الاجتهاد(3)، وتحقيق المسألة في الأُصول.

(صنفان): أحدهما (مجتَهِد) اسم فاعل من الاجتهاد وهو لغةً: فعل ما فيه مشقّة، مأخوذ من الجَهد - بالفتح - وهو المشقّة(4).

و اصطلاحاً: استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بحكمٍ شرعي.

والمجتَهِد : هو العارف بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلتها التفصيليّة بالقوّة القريبة من الفعل، وذلك يتوقّف على معرفة الكتاب والسنّة والإجماع ممّا يتعلّق بالأحكام

ص: 46


1- في «ش 1 ، ش 2»: ثمّ إنّ
2- الصحاح، ج 4، ص 2076: القاموس المحيط، ج 4، ص 202، «أين».
3- انظر الإحكام في أُصول الأحكام، ج 4، ص 172؛ المحصول في علم الأصول، ج 1، ص 7.
4- الصحاح، ج 1، ص 460 : القاموس المحيط ، ج 1، ص 296؛ تاج العروس، ج 4، ص 407، «جهد».

الشرعيّة، وكيفيّة الاستدلال بها، وذلك يتوقّف على علم العربيّة والأُصولَين والمنطق. والاعتماد على كتابٍ مُصحِّحٍ بجمع الأحاديث الشرعيّة، واللغة، وما نُسِخ من الآيات، وحال الرواة، وتفصيل ذلك كلّه في الأُصول.

(و) هذا المُجتهد (فرضه الأخذ بالاستدلال) بالأدلّة التفصيليّة المُستندة إلى الكتاب أو السنّة أو الإجماع، أو دلالة العقل (على كلّ فعلٍ من أفعالها)، واحترز بالأدلّة التفصيليّة عن المقلِّد، فأنّه قد يستدلّ في المسائل، لكن ليس ذلك بالأدلّة التفصيليّة، بل بدليل إجمالي يعمّ جميع المسائل، كقوله: هذا الحكم أفتاني به المفتي، وكلّ ما أفتى به المفتي فهو حقّ، فهذا حقّ.

(و) الصنف الثاني (مقلِّد) اسم فاعل من التقليد، وقد مرّ بيانه. والمراد به هنا المُستفتي، وهو مقابل المُفتي، أعني المجتهد.

(و) هذا المقلِّد (يكفيه الأخذ عن المجتهد) المذكور سابقاً، ولا يجب عليه زيادة على ذلك مع وجوده على وجه يجوز الأخذ عنه، بل ولا مشافهته، بل يجوز الأخذ عنه (ولو بواسطة أو وسائط) مع إمكان مشافهته على أصحّ القولين للأُصوليّين، وإنّما ترك ذكر الواسطتين للتنبيه عليهما بجواز رجوعه إلى الوسائط من باب مفهوم الموافقة، أو لدخولهما في الجمع حقيقة على قول أو مجازاً وتغليباً على آخر. ولو قال: «بواسطة وإن تعدّدت» شمل الواسطتين فما زاد.

(مع عدالة الجميع)، وهم المجتهد و الوسائط وتنقيح هذا المقام يتمّ بمباحث:

الأوّل: في عطف المصنِّف هذا البحث على ما قبله ب_«تمّ» الدالّة على التراخي، إشارة لطيفة إلى عدم ارتباطه به ومغايرته له مغايرةً بعيدةً والحال كذلك، فإنّ مرجع ما تقدّم إلى علم الكلام، ومرجع هذا البحث إلى أُصول الفقه، فهي مقدّمات مختلفة المأخذ والمرجع يناسبها التنبيه على اختلافها، وفي تأخير هذه المقدّمة عن تلك إشارة إلى تقدّم الأولى في المرتبة على هذه وهو كذلك، فإنّ المعرفة أوّل الواجبات المقصودة

بالذات.

ص: 47

الثاني: احترز المصنِّف ب-«الآن» في جعل المكلّفين صنفين عن زمان ظهور الإمام علیه السلام ونحوه، فإنّ الرعيّة فيه حينئذٍ ثلاثة أصنافٍ لا صنفان:

مَن يمكنه الوصول إلى الإمام والأخذ عنه قبل فوات الغرض المطلوب من المستفتى عنه كوقت الصلاة، وهذا يجب عليه الرجوع إليه، ولا يسمّى مجتهداً ولا مقلّداً؛ إذ ليس معرفته الأحكام عن استنباط، فينتفي الاجتهاد، ولا أخذه عن مستنبط حتّى يكون مقلِّداً، وإنّما أخذه عمّن لا ينطق عن الهوى، وهو مأخوذ عن صاحب الوحي علیه السلام بغير واسطة أو بواسطة معصوم، أو ما في حكم ذلك، ولا يتغيّر حكمه بموته.

ومَن لا يمكنه الوصول إليه على ذلك الوجه ففرضه الأخذ بالاجتهاد إن كان من أهله، والتقليد لأهله إن لم يكن كما مرّ(1).

الثالث: في قوله في المجتهد: «وفرضه» وقوله في المقلِّد: «ويكفيه» إشارةً لطيفةً إلى الفرق بين المرتبتين وأنّ الاجتهاد أشدّ مؤونةً وأكثر مشقّةً من التقليد، فإنّ الاجتهاد مأخوذ من الجَهد والمشقّة، كما مرّ(2)، فناسبه التعبير عنه بالفرض الواجب، وهو الأمر الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره ممّا هو أخفٌ منه بخلاف التقليد، فإنّه أمر سهل لا يتوقّف على تجسّم كلفةٍ، فلذا عبّر فيه بقوله: «ويكفيه» الدالّ على التنزّل إلى أمر سهل دون الأوّل وهو نوع من اللطف.

الرابع: يُستفاد من قوله: «على كلّ فعلٍ من أفعالها» أنّ الاجتهاد لا يتجزّأ، وإلّا لكان هنا قسم ثالث، وهو الاستدلال على بعض أفعالها، والتقليد في البعض الآخر. والأصحّ جواز التجزّؤ، فيثبت القسم الثالث، وقد كاد أن يكون النزاع في المسألة لفظياً وتحقيق المسألة في الأَُصول.

الخامس: في قوله أيضاً: «وفرضه... إلى آخره» إشارة إلى أنّ المجتهد لا يسوغ له ترك الاجتهاد والرجوع إلى التقليد كما هو القول الصحيح للأُصوليّين.

ص: 48


1- تقدّم في ص 47.
2- تقدّم في ص 46

و بيان ذلك، أنّ المراد بالمجتهد المُتهيّئ لمعرفة الأحكام ولو بالقوّة القريبة من الفعل، كما مرّ(1)، فيشمل حكمه بوجوب الاستدلال مَن قد نظر في المسألة بالفعل، ومَن لم ينظر مع التهيئة له كذلك.

السادس: في تعليقه الاستدلال على أفعال الصلاة دون ذاتها إشارةٌ إلى أنّ محلّ الاجتهاد هو الفروع الشرعيّة التي لم تُعلم ضرورة من الدين، فلا يُسمّى الاستدلال على وجوب الصلاة اجتهاداً؛ لأنّه معلوم ضرورة، وذلك ممّا يجب الاحتراز عنه في تعريف الفقيه والفقه، وهذا بخلاف تفاصيل أفعالها، فإنّ الاستدلال عليها واجب لا يجوز العدول عنه إلى التقليد وإن كان كثيراً منها قد أجمع المسلمون على وجوبه، كالركوع وإن اختلفوا في كيفيّته، وما يجب فيه إلّا أنّه ليس بضروري، فلابدّ من الاستدلال على وجوبه ولو بالإجماع.

السابع: لمّا كان موضوع الرسالة أفعال الصلاة الواجبة، كان المُراد بالأفعال ذلك بقرينة المقام وإن كان اللفظ أعمّ من ذلك، وكذلك يجب على المجتهد الاستدلال على ندب الفعل المندوب إن أراد فعله ليوقعه على وجهه، وإن كان لو ترك فعله لم يجب عليه النظر فيه فلو أوقعه بنيّة الندب من غير استدلال بطلت الصلاة؛ للنهي المقتضي للفساد، ولكن ذلك خارج عن الفرض هنا.

الثامن: اللام في قوله: «ويكفيه الأخذ» يمكن كونه للعهد الذكري، وهو الأخذ في كلّ فعل من أفعالها المتقدّم وإن كان ذلك ممتازاً بالاستدلال، لكنّ المائز قد خرج بقوله: «الأخذ عن المجتهد» وحينئذٍ، فيجب على المقلِّد التقليد في كلّ فعلٍ من أفعالها التي يجب على المجتهد الاستدلال عليها، ولولا محاولة إرادة ذلك كانت العبارة مُجملةً؛ إذ ليس فيها حينئذٍ بيان القدر المأخوذ بالتقليد، ويجوز الاستعانة على كون الأخذ لجميع الأفعال بقرينة المقام وإن لم نجعل اللام عهدية على تكلّفٍ.

ومقتضى الاقتصار بالوجوب على ذلك أنّ الإخلال بأخذ المنافيات ومسائل السهو

ص: 49


1- تقدّم في ص 46.

والشكّ ليس مؤثّراً في صحّة الصلاة بقرينة حكمه بعد ذلك ببطلان صلاة مَن لم يأخذ الأفعال بأحد الطريقين ويتّجه ذلك في المنافيات إذا خلا المكلّف عنها في الصلاة، ويمكن في الباقي ذلك.

وربما قيل بوجوب تعلم مسائل الشكّ الأُصول التي تعمّ بها البلوى قبل الشروع في الصلاة وإن لم تحصل الحاجة إليها؛ لأنّ طروءها في أثناء الصلاة يمنع من تعلّمها حينئذٍ؛ لتحريم قطعها والاستمرار عليها من غير أن يعلم الحكم به، وفي تأثير تركه في صحّة الصلاة وجهان.

التاسع: اللام في قوله: «عن المجتهد» للعهد الذكري، وهو المذكور قبله بيسير، أي عن المجتهد المتقدّم الآخذ بالاستدلال، وفيه إشارةٌ لطيفةٌ إلى اشتراط حياة المجتهد المأخوذ عنه، فإنّ ذلك هو المعروف من مذهب الإماميّة، لا نعلم فيه مخالفاً منهم وإن كان الجمهور قد اختلفوا في ذلك(1)، وتحقيق المسألة في الأُصول.

ويؤيّد إرادة ذلك أنّ جعل اللام للاستغراق هنا غير سديدٍ، إذ لا يسوغ تقليد كلّ مجتهدٍ، بل فيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى وحمل اللام على الجنس مع عدم

تماميّته أيضاً لا نكتة فيه، إذ التنكير يؤدّي معناه هنا.

العاشر: في توحيد لفظ المُجتهد بعد الإشارة إلى المعهود سابقاً إيماءً إلى اعتبار اتّحاد المأخوذ عنه، فمع تعدّد المجتهدين الأحياء يتعيّن تقليد الأعلم، ومع التساوي في العلم فالأورع، ومع التساوي فيهما يتخيّر في تقليد مَن يشاء وإن كان الفرض بعيداً، بل قيل بعدمه أصلاً، وعلى تقدير وقوعه، فإذا قلّد أحدهما في مسألةٍ ففي جواز رجوعه إلى غيره في غيرها أو فيها في واقعةٍ أُخرى أقوال أصحّها الجواز.

الحادي عشر: يُعلم الأعلم بالتسامع والقرائن لا بالبحث عن نفس العلم؛ إذ ليس على العامي - وهو المستفتي - ذلك.

وقريب منه العلم بالمجتهد فلا يجب على المستفتي العلم باجتهاد المفتي، بل يجب

ص: 50


1- انظر نهاية السُؤل في شرح منهاج الأُصول، ج 4، ص 577: المحصول في علم الأُصول، ج 6، ص 71

عليه تقليد مَن يغلب على ظنّه أنّه من أهل الاجتهاد، ويحصل هذا الظنّ برؤيته منتصباً للفتوى بمشهدٍ من الخلق، واجتماعٍ من المسلمين على استفتائه، والعمل بمقتضى قوله.

ويثبتان أيضاً بالممارسة المطّلعة على الحال من العالم بطريق الاجتهاد، ولا يشترط في الممارس أن يكون مجتهداً، بل يمكن ذلك في كثير من المقلّدة، فإنّ مناطه الظنّ.

وبشهادة عدلين بالممارسة، أو بحصول أحد الأسباب المفيدة له.

وبإذغان جماعةٍ من العلماء العارفين بالطريق بحيث يحصل بذلك الشياع إن لم يكن فيهم عدلان.

وتُعلم العدالة بالمعاشرة المطّلعة على الحال وبشهادة عدلين، وبالشياع.

والمراد بالعدالة ملكة نفسانيّة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

والمراد بالتقوى اجتناب الكبائِر - وهي ما توعّد عليه بخصوصه في الكتاب والسنّة - والإصرار على الصغائر وهي ما عداها من المعاصي.

وبالمروءة اجتناب ما يُسقط المحلّ من القلوب وإن كان مباحاً.

الثانى عشر: يُستفاد من اشتراط عدالة الجميع أنّه لابدّ من العلم بمجموع الوسائط، والإسناد إلى مجتهدٍ معيّنٍ، وثبوت عدالتهم شرعاً. فلا يكفي التعويل على حسن الظنّ بمن أخذ عنه العدل، وأنّه لا يأخذ إلّا عن عدل مع عدم الحكم بعدالة الواسطة بأحد الوجوه السابقة، واعتماد خلاف ذلك باطلٌ بالإجماع، خصوصاً في تقليد الموتى مع تقادم عهدهم وبُعد زمانهم، فما يفعله كثير من أهل زماننا غير جائز، بل هو غير معروف في المذهب أصلاً، وبيانه من وجوه:

الأوّل: اعتمادهم على تقليد الميّت، وقد بيّنّا أنّ القائل به غير معروف في أصحابنا، بل الذين توجد كتبهم منهم الآن، وتنقل فتواهم قد أكثروا في كتبهم الأُصوليّة والفروعيّة من إنكار ذلك، ونادوا بأنّ الميّت لاقول له، وأسمعوا به مَن كان حيّاً، فعلى مدّعي الجواز بيان القائل على وجهٍ يجوز الاعتماد عليه، فإنّا قد تتبعنا ما أمكننا تتبّعه

ص: 51

من كتب القوم فلم نظفر بقائل به من فقهائنا المُعتمدين، بل وجدنا لأصحابنا قولين:

أحدهما: قول كثير من القدماء، وفقهاءِ حلب، كأبي الصلاح(1)، وابن حمزة بوجوب الاجتهاد عيناً، وعدم جواز التقليد لأحدٍ البتّة، وهو قول غريبٌ عجيبٌ، مُستلزم للمحنة الكبرى، والطامّة العظمى.

وثانيهما: قول المتأخّرين والمحقّقين من أصحابنا أنّه واجب على الكفاية، وأنّه متى قام به أحدٌ وجب على من قصر عن مرتبة الاستدلال الرجوع، وإن أخلّ به الجميع اشتركوا جميعاً في الإخلال بالواجب(2)، ويستثنى منه مَن عجز عن بلوغ تلك المرتبة يقيناً؛ لئلّا يلزم تكليف ما لايُطاق، وتفصيل ذلك يتوقّف على بسط كلام لا يليق

بهذا المقام.

وعلى القولين فالتفقّه واجبٌ في الجملة إجماعاً، فترك الاشتغال بالتفقّه والإكباب على تقليد الموتى باطل بالإجماع، وما يتناقلونه بينهم من جواز تقليد الميّت باطل مردود عليهم ولا طريق لهم في إسناده إلى أحد من علمائنا الذين يُعتمد عليهم، وإنّما هو نقل مُرسل لا يجوز التعويل على مثله. وعلى تقدير إسناده الصحيح لا يمكن المصير إليه إلّا إذا أُسند إلى مجتهدٍ حيّ يجد له موافقاً عليه من الأموات على وجهٍ لا يستلزم خرق الإجماع، وأمّا إسناده إلى الميّت فجواز العمل به يتوقّف على جواز النقل عن الميّت، فلو توقّف جواز النقل عن الميّت على هذا النقل لزم الدور.

الثاني: على تقدير التنزّل وجواز الأخذ عن الميّت يكون مساوياً للمجتهد الحيّ، أو أضعف حالاً منه، وقد تقدّم أنّ المجتهد الحي مع تعدّده يتعيّن على المستفتي تقليد الأعلم إلى آخر ما فصّل، وذلك يقتضي وجوب العمل بقول أعلم المجتهدين الأموات من عصر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم إلى زماننا هذا مع اتّحاد قوله، وإلّا تعيّن العمل على آخر أقواله وهو

ص: 52


1- الكافي في الفقه، ص 509 - 510 ؛ وذهب إليه من فقهاء حلب ابن زهرة في غنية النزوع، ج 2، ص 414 - 415.
2- منهم: السيد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة، ج 2، ص 796 - 797؛ والمحقق في معارج الأصول ص 197؛ والماتن الشهيد الأول في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 6 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

الذي مات عليه، والعلم بذلك كاد أن يُلحق بالمحالات فلو جوّزنا العمل بقول أيّ ميّتٍ كان من المجتهدين، لزم منه أن يكون الميّت أعلى منزلةً وأحسن حالاً من الحيّ، وهو خلاف الإجماع، بل يلزم على ذلك القول بوجوب الرجوع إلى الأعلم من الأموات وإن كان الحيّ موجوداً إذا كان الميّت أعلم منه؛ لأنّ ذلك هو مقتضى إلحاقه بالحيّ، وذلك كلّه باطلٌ بالإجماع.

الثالث: أنّ جواز الرجوع إلى الميّت بالوسائط مشروط بعدالة الوسائط إجماعاً، وذلك يتوقّف على سقوط السعي على التفقّه عنهم، وجواز القعود عنه، والاتّكال على أقوال الميّت، وقد تقدّم الإجماع على خلافه، فترك الاشتغال بالتفقّه عند عدم العلم بالقائم به المؤدّي لفرض الكفاية، موجب لإخلال أهل العصر بالواجب المخلّ بالعدالة، فينسدّ عنهم باب التقليد.

لا يقال: يمكن فرض ذلك في الشيخ الكبير العاجز يقيناً عن الوصول إلى تلك المرتبة ونحوه، وفي المشتغل بطلب العلم قبل وصوله، فإنّ الإخلال بالواجب منتفٍ عنهما، فيمكن اتّصافهما بالعدالة، ويتصوّر الرجوع إليهما في أخذ الأحكام عن الميّت.

لأنّا نقول: إنّ الحال وإن بلغ هذا الحدّ لا يسوّغ الفتوى ونقل الأحكام، بل غايته جواز عمله هو لنفسه لنفسه بأقوال الموتى، فإنّ الإجماع واقع على أنّه لا يجوز الفتوى والحكم للقاصر عن درجة الاجتهاد، مع أنّ جواز عمل المتّصف بهذا الوصف لنفسه بقول الميّت موضع نظرٍ، بل قيل: إنّه يجب عليه الأخذ بالاحتياط التامّ والوقوف على مواضع الإجماع ما أمكن فالاستناد إلى مثل ذلك إحالة على غير الواقع.

قال المحقّق الشارح في حاشية الشرائع:

إنّ مَن هذا شأنه يأتي بالصلاة عند ضيق الوقت على حسب الممكن، كما يقال في مَن لا يُحسن القراءة ولا الذكر: يقف عند ضيق الوقت بقدر زمان القراءة ثمّ يركع،

وعلى هذا النهج حكم سائر التكاليف(1). انتهى.

ص: 53


1- راجع حاشية شرائع الإسلام، ص 155 - 156 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 10).

و نحن قد أفردنا لهذه المسألة رسالةً مفيدة(1)، فليقف عليها مَن أراد تحقيق الحال.

ولمّا كان حكم المصنّف بوجوب تقديم المعارف المذكورة على الصلاة - وأخذ أفعالها بأحد الوجهين أعمّ من كونه مع ذلك شرطاً في الصحّة، بحيث يلزم من الإخلال به بطلان الصلاة، أو واجباً مطلقاً بحيث يستلزم تركه مجرّد الإثم - نبّه على الشرطيّة بقوله: (فمن لم يعتقد ما ذكرناه) من المعارف المتقدّمة بالدليل، (ولم يأخذ كما وصفناه) له، وهو أخذ المجتهد بالدليل على كلّ فعلٍ من أفعالها، أو بالتقليد فيها للمجتهد إن لم يكن مجتهداً، (فلا صلاة له) أي فصلاته باطلة؛ لأنّ نفي الحقيقة هنا غير مراد، فيحمل على أقرب المجازات إليه، وهو عدم الصحّة.

وأورد عليه النقض بصلاة المخالفِ إذا استبصر، فإنّه لا يجب عليه قضاؤها، ولوكانت فاسدة لم يتمّ ذلك(2).

وأجاب المصنِّف بإمكان حمل النفي على المشترك بين نفي الكمال والصحّة، وأقلّ أحوال استعمال المشترك في كلا معنييه أنّه مجاز(3).

والحقّ أنّ السؤال ساقط أصله؛ لما عرفت من أنّ صلاة المخالف فاسدة وإن استبصر، وأنّ عدم وجوب القضاء لا يدلّ على الصحّة، فنفى الصحّة هنا على ظاهره مراد من غير اشتراك.

(ثمّ الصلاة إمّا واجبةً أو مندوبةً، وبحثنا هنا) أي في هذه الرسالة (في) الصلاة (الواجبة) لاغير، وقد تقدّم منه الإعلام بذلك في قوله: «في فرض الصلاة»، لكن أعاده ليترتّب عليه ما بعده من التقسيم.

(وأصنافها) أي الصلاة الواجبة (سبعة اليوميّة) وهي الصلوات الخمس الواقعة

ص: 54


1- هي رسالة تقليد الميت المطبوعة في الرسائل /2 (ضمن الموسوعة، ج 3).
2- عبارة (ولو كانت فاسدة لم يتم ذلك وردت في حاشية «ع» على أنها نسخة بدل، وكتب الناسخ فوقها عبارة : ليست هذه الحاشية في أكثر النسخ والظاهر أن النسخة التي انتسخت هذه منها كانت هذه العبارة مضروباً عليها فيها.
3- حكاه عنه المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 32 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

في كلّ يومٍ وليلةٍ، ولذلك نُسبت إليه.

(و) صلاة (الجمعة) بناءً على أنّها فرض مستقلٌ، لا ظهر مقصورة كما يظهر من بعض الأخبار(1) (والعيدان المعهودان، أعني الفطر والأضحى.

(والآيات) الشاملة للكسوفين والزلزلة وغيرها.

(و) صلاة (الأموات، و) صلاة (الطواف والملتزم) من الصلاة (بالنذر وشبهه) من العهد واليمين، وباقي الأسباب العارضة كالاستئجار، والتحمّل عن الأب، وهذا اصطلاح خاصّ؛ لشبه النذر غير المعهود في كلامهم.

وجعل أصناف الواجبة سبعةً أولى من جعلها تسعةً، كما صنع العلّامة(2) وغيره(3) بجعل الكسوف والزلزلة والآيات ثلاثة أقسام، فإنّ الآيات تشتمل على الثلاثة، والكيفيّة متّحدة، فجعلها قسماً واحداً أولى.

وكذلك جعل القضاء من الملتزم أولى من جعله من جملة اليوميّة، فإنّ ما استدرك منها في غير وقته ليس هو الأوّل وإنّما هو فعل مثله كما سيأتي، وموجبه تأخير الصلاة عن وقتها لعذر أو غيره، وإن كان نسياناً فيدخل في الملتزم.

وفي جعل الجنازة أحد الأصناف إشارة إلى أنّ إطلاق الصلاة عليها بطريق الحقيقة.

وفيه بحث ناشئ من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «تحريمُها التكبير، وتحليلها التسليم»(4)، وقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(5)، و «لا صلاة إلّا بطهورٍ»(6)، فجعلها حقيقةً لغويةً مجازاً شرعيّاً

ص: 55


1- الكافي، ج 3، ص 419، باب وجوب الجمعة و ... 6: الفقيه، ج 1، ص 409، ح 1220؛ تهذيب الأحكام ج 3، ص 21 ، ح 77
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 245: نهاية الإحكام، ج 1، ص 308؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 259، المسألة 1
3- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 10
4- نصب الراية لأحاديث الهداية، ج 1، ص 307: الجامع لأحكام القرآن، ج 19، ص 62 التمهيد. ابن عبد البرّ النمري، ج 10، ص 212
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 273 . ح 837 السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 320، ح 7840
6- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 100، ح 271؛ الجامع الصحيح، ج 1، ص 5. ح 1.

أولى من عكسه كما اختاره جماعة من الأصحاب(1).

(وما يتعلّق بها) أي بالصلاة الواجبة (قسمان: فرض) كالقراءة والركوع والسجود

(ونفلٌ) كالقنوت و تكبير الركوع والسجود.

(والغرض هنا) في هذه الرسالة (حصر الفرض) دون النفل المتعلّق بالفرض، (وللنفل) المتعلّق بالفرض والمستقلّ بنفسه كالصلوات المندوبة (رسالةٌ منفردةٌ) عملها المصنّف (قدّس سرّه)، وهي الموسومة ب_ : الرسالة النفلية.

ص: 56


1- كالمحقق في المعتبر، ج 2، ص 9

(الفصل الأول)

اشارة

ولمّا فرغ من المقدّمة أخذ في الفصول الموعود بها، فقال: (الفصل الأوّل). وكان حقّه عطفه بالواو على قوله في أوّل الرسالة: «أمّا المقدّمة»، كما هو حقّ التفصيل بعد الإجمال، وكذا الكلام في الفصل الثاني والثالث، لكن حذفه لفظاً - وإن استحقّه المقام - قاعدة مطّردة شائعة في الكلام ذكره ابن هشام في المغني وخرّج منه قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَذٍ نَّاعِمَةٌ»(1) أي ووجوه عطفاً على «وُجُوهٌ يَوْمَذٍ خَشِعَةٌ»(2)، وقوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»(3) فيمن فتح الهمزة، أي «وأنّ الدين» عطفاً على «أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَم»(4).

وحكي عن أبي زيد: أكلتُ خبزاً لحماً تمراً على حذف الواو، ومثله كثير(5).

وقد تقدّم أنّ الفصل لغةً هو الحاجز بين الشيئين(6)، ومنه فصل الربيع؛ لأنّه يحجز بين الشتاء والصيف، وكان حقّه أن يوصل ب_ «بين فيقال: فصل بين كذا وكذا، إلّا أنّ

ص: 57


1- الغاشية (88): 8
2- الغاشية (88): 2
3- آل عمران (3): 19
4- آل عمران (3): 18
5- مغني اللبيب، ج 2، ص 412.
6- القاموس المحيط ، ج 4، ص 30؛ تاج العروس، ج 15، ص 573، «فصل». وتقدّم في ص 15.

المصنّفين يضمّنونه معنى الباب فيصلونه ب_ «في»، فيقولون: فصل في كذا كما يقولون: باب أو أنّهم نقلوه عن ذلك المعنى، وجعلوه علماً على البحث المخصوص مع مراعاة المناسبة في النقل.

(في المقدّمات) والمراد بها هنا شروط الصلاة (وهي ستّ) باعتبار ماجعله وحسن عنده، وليس الحصر استقرائيّاً؛ لأنّ ما ذكر في المقدّمة من وجوب المعارف، والأخذ بالوجه المذكور شرط أيضاً، ويمكن جعله استقرائيّاً بعد إخراج الفردين.

ص: 58

[المقدمة] (الأولى: الطهارة)

اشارة

وبدأ بها؛ لعموم اشتراط الصلاة بها، وكثرة .أحكامها.

وهى لغةً: النزاهة(1)، قال الله تعالى: «يَمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَكِ وَطَهَّرَكِ»(2). وقد تُطلق على إزالة الخبث كقوله تعالى: «وَثِيَابَكَ فَطَهِرْ»(3)، وعلى رفع الحدث، وإباحة الصلاة، ومنه قوله تعالى: «وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُواْ»(4)، وهذا المعنى هو المراد هنا، كما نبه عليه بقوله: (وهي اسم لما يبيح الصلاة من الوضوء والغسل والتيمّم)، فقوله: «اسم لما يبيح الصلاة» كالجنس يندرج فيه طهارة الثوب والبدن من الخبث وستر العورتين، ويخرج عنه ما لا يبيح بوجه وإن كان بصورة الطهارة كوضوء الحائض، فليس بطهارة؛ كما دلّ عليه قول الصادق علیه السلام: «أمّا الطهر فلا، ولكنّها تتوضأ»(5)، وإدخاله في التقاسيم توسّعٌ.

وقوله: «من الوضوء والغسل والتيمّم» كالفصل يخرج به ما عدا الأنواع الثلاثة وإنّما اختار المُبيح على الرافع ليشمل أقسام الطهارة، فإنّ منها ما يُبيح ولا يرفع، وكلّ رافعٍ مبيحٌ. وأراد بالإباحة ما يعمّ الناقصة والتامّة، فيدخل وضوء الحائض وغسلها؛ لأنّ كلّ واحد منهما طهارة مع أنّه جزء المبيح.

وإنّما خصّ الصلاة بالإباحة دون غيرها من أفراد العبادة ودون العبادة المُطلقة؛ لأنّ

ص: 59


1- الصحاح، ج 2، ص 727 کتاب العين، ج 4 ص 19 لسان العرب، ج 4، ص 506، «طهر».
2- آل عمران (3): 42.
3- المدثر (74): 4.
4- المائدة .(5): 6
5- الكافي، ج 3، ص 100 - 1، باب ما يجب على الحائض في .... ح 1.

مُطلق العبادة لا يتوقّف على الطهارة، وبعض أفرادها قد يكون كذلك، وقد يتوقّف عليها بوجهٍ كالصوم المتوقّف على الكبرى والطواف المتوقّف واجبه عليها خاصّة والمسّ مختلف فى توقّفه بخلاف الصلاة، فإنّ واجبها ومندوبها مشروط بها إن لم تجعل الجنازة صلاةً حقيقةً، كما يقتضيه البحث، وإلّا فوجه التخصيص عموم البلوى بها، وكونها الفرد الأكمل.

وإنّما عَرّف مُطلق الطهارة ولم يقتصر على تعريف الواجبة كما صنع في الصلاة؛ لتأدّي الصلاة الواجبة بالطهارة المندوبة على بعض الوجوه، فهي شرط للصلاة وإن كانت مندوبة على وجه.

وأشار بكونه اسماً لما يُبيح - بحيث يدخل فيه الثلاثة - إلى أنّ مقوليّة الطهارة على أنواعها الثلاثة بالتواطؤ أو التشكيك لا بالاشتراك اللفظى ولا بالحقيقة والمجاز؛ لأنّه جعل الثلاثة مشتركة في معنى واحد وهو المبيح.

وفي التعريف إشارة إلى العلل الأربع: المادّة، والصورة بالترتيب المذكور، والغاية وهي إباحة الصلاة، والفاعل مدلول عليه التزاماً.

وبقي في التعريف أُمور:

الأوّل: أنّه ينتقض عكساً بخروج الوضوء المجدّد منه، ووضوء النوم، وجماع المُحتلم، وغيرها ممّا لا يبيح الصلاةَ، ولا مدخل له فيها، مع أنّه من جملة أفراد الطهارة، و اشتهارها في التقاسيم واضحٌ.

الثاني: إن أُريد بالإباحة التامّةٌ خرج وضوء الحائض وغسلها كما مرّ، وإن أُريد به ما يعمّ الناقصة دخل فيه أبعاضُ الثلاثة، فإنّ لها مدخلاً في الإباحة.

الثالث: إن كان المُعرِّف الطهارة الشرعيّة لم يفتقر إلى قيد الإباحة؛ لأنّها لا تكون إلّا كذلك، كما تقدّم من وقوع الاصطلاح عليه، وإن أُريد الأعمّ وهو اللغويّة استعمل المجاز الشرعي.

الرابع: أنّ الأقسام الثلاثة أنواعُ الطهارة، فتعريفها بها تعريفٌ للجنس بالنوع وهو

ص: 60

معيب؛ لتوقّف معرفة النوع على الجنس، فلو توقّف الجنس عليه دار.

الخامس: إن أراد ما يُبيح الصلاة بالفعل خرج منه الطهارةُ في غير وقت الصلاة بحيث لا يمكن فعلها في ذلك الوقت، وما لو تطهّر لأجل الطواف مثلاً مع ضيق وقته بحيث لا يسوغ له الاشتغال بالصلاة لذلك.

وإن أراد ما هو الأعمّ منه ومن القوّة - بمعنى أنه لو تجرّد عن الموانع وحصّل الشرائط أباح - ارتكب المجاز بغير قرينة.

ويمكن الجواب عن الجميع بشيءٍ واحدٍ وهو أنّ قوله: «وهي اسم» إشارة إلى أنّ التعريف لفظي - وهو تبديل لفظ بلفظ أجلى منه من غير اعتبار الاطّراد والانعكاس - لا صناعي، فمهما وقع فيه من المحترزات فهو تبرّعٌ غير لازم.

وقد يتكلّف للجواب عن الأوّل على تقدير إرادة الصناعي بحمل الإباحة على ما يعمّ القوّة القريبة، على معنى أنّه لو أتى ببقيّة الشروط المُعتبرة حصلت فيندرج فيه الأغسال المسنونة والوضوء المجدّد وغيره إلّا أنّ ذلك خروج عمّا يجب اعتباره فی التعريفات الصناعيّة من التحرّز عن المجاز والاشتراك المُخلِّ بالفهم؛ لعدم القرينة الدالّة على المراد.

وعن الثاني باختيار إرادة الأعمّ، والأبعاض خارجة بالتخصيص بالثلاثة، فإنّ الأبعاض لا تدخل فيها وإن توقّف تحقّقها عليها.

وعن الثالث بأنّ المُراد الشرعيّة، وقيد الإباحة لإخراج بعض الاصطلاحات الشرعيّة على إطلاقها على الأعمّ من المبيح.

وعن الرابع بأنّ معرفة النوع قد تكون ناقصةً لا تتوقّف على معرفة الجنس، ومعرفة الجنس تُستفاد من معرفة النوع الناقصة، فلا دور.

وعن الخامس بالتزام إباحة الصلاة بتلك الطهارة وإن لم يجز فعلها لمانعٍ آخرَ، فإنّ عدم جواز فعلها أعمّ من كونه لفقد شرطٍ مخصوص.

وهذه التكلّفات مشتركة بين أكثر التعريفات، سيّما تعريف الطهارة.

ص: 61

[موجبات الوضوء]

(وموجبات الوضوء) في الجملة، أعمّ من إيجابها الوضوء خاصّة أو هو مع الغسل (أحد عشر).

والمراد بالموجبات الأسباب المُستلزمة للطهارة وجوباً أو ندباً، وسمّاها «موجباتٍ» باعتبار وجودها عند تكليف المكلِّف بعبادةٍ مشروطةٍ بالطهارة.

وإنّما عبّر بالموجبات دون الأسباب كما صنع غيره(1)؛ لمناسبة الرسالة، فإنّ الموجب أخصُّ من السبب مطلقاً؛ إذ يصدق على الأحداث السببيّة عند وجودها حال براءةَ ذمّة المكلّف من مشروط بالطهارة، ولا تصدق الموجبة، بل تصدق السببيّة مع الصغر والجنون، فإنّ المُسبّب قد يتخلّف عن السبب؛ لفقد شرط أو وجود مانع، فإذا حصل الشرط أو زال المانع عمل السبب عمله، فيجب الوضوء والغسل عند البلوغ للسبب الحاصل قبله.

وقد يُطلق على هذه الأحداث اسم النواقض باعتبار تعقّبها لطهارةٍ سابقةٍ، وهي أخصّ من الأسباب أيضاً مُطلقاً لاجتماعهما في حدثٍ يعقب طهارةً، وتختلف الأسباب فيما عدا ذلك، وبينها وبين الموجبات عموم من وجهٍ؛ لصدق الناقض بدون الموجب في حدثٍ يعقب طهارةً صحيحةً مع خلوّ ذمّة المكلّف من مشروطٍ بها ويصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاةٍ واجبة من غير سبق طهارةٍ.

ولا يرد أنّ الوجوب حاصلٌ من قَبل، حيث لم يكن متطهّراً، فتعليق الوجوب على الحدث الطارئ مُستلزم لتحصيل الحاصل أو اجتماع علّتين على معلولٍ شخصي؛ لأنّ علل الشرع ،معرّفاتٌ وكلّ واحدٍ من السابق واللاحق لو انفرد لكان موجباً، وقد عُلم

ص: 62


1- كالعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 221 وقواعد الأحكام، ج 1، ص 179

من حدودها أنّ إطلاق اسم الموجب والناقض على جميع الأحداث بطريق المجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكلّ، وفي الموجب مجاز آخر، فإنّ الموجب حقيقةً هو الله تعالى والتعبير عنها بالأسباب أنسب.

والوضوء - بضمّ الواو : اسم للفعل المخصوص مأخوذ من الوضاءة. بالمدّ وهي النظافة والنظارة، وهو اسم مصدرٍ؛ لأنّ قياس المصدر التوضّؤ كالتعلّم والتكلّم(1) وبالفتح: اسم للماء الذي يُتوضّأ به.

إذا تُقُرِّر ذلك، فأحد الموجبات الأحد عشر خروج (البول والغائط والريح من المعتاد(2)) لخروجه، وهو الموضع الطبيعي، ووصفه بالاعتياد توضيح لا تخصيص؛ إذ لا يشترط في سببيّة الخارج منه الاعتياد إجماعاً، ولو خرج من غيره اعتبر في نقضه الاعتياد مع عدم انسداد الطبيعي، ويمكن استفاده ذلك أيضاً من العبارة بجعل الاعتياد أعمّ من المُوضِّح والمُخصِّص.

ويتحقّق الاعتياد بالخروج منه مرّتين متواليتين فيوجب الوضوء في الثالثة، ولو أُستفيد الاعتياد من العرف بغير ذلك رُجع إليه، ولا فرق بين ما فوق المعدة وتحتها.

ويستفاد من الحصر في الثلاثة عدم الوجوب بالخارج غيرها من حَبّ ودودٍ وغيرهما مع عدم مصاحبته لشيء من الثلاثة، ومعها ينتقض لا باعتباره بل باعتبار ما خرج معه.

وإنّما ينقض الخارج مع انفصاله عن الباطن فلو خرجت المقعدة ملطّخة بالغائط ثمّ عادت ولمّا ينفصل، لم يجب الوضوء على أصحّ القولين.

(والنوم الغالب) غلبة مُعطّلة، لا مُطلق الغلبة (على الحاسّتين)، وهما السمع والبصر. وخصّهما من بين الحواسّ الخمس مع اشتراط زوال الجميع؛ لأنّهما أقوى الحواسّ، فغلبته عليهما يقتضي غلبته على باقي الحواسّ. ولو قال: المزيل للإحساس

ص: 63


1- والتكلّم لم ترد في «ق».
2- في «ش 1»: الموضع المعتاد.

كان أشمل وأدلّ على المراد.

وتعتبر الغلبة على الحاسّتين (تحقيقاً) على تقدير سلامتهما سلامتهما من الآفة وعدم المانع،(أو تقديراً) على تقدير وجود المانع.

(والمزيل للعقل) وهو الجنون والإغماء، وفي حكمه السكر، فإنّهُ مغطٍّ للعقل لا مزيل.

والفرق بين النوم والإغماء: أنّ النوم مغطٍّ للعقل خاصّةً ومُعطّل للحواس، والإغماء مُعطّل لهما وبتعطيله الحواسّ فارقَ السكر، وبتغطية السكر على العقل خاصّة فارقَ

الجنون.

ومن هنا يُعلم أنّ قول المصنّف: «والمزيل للعقل» لا يخلو من تسامح، ولو أبدل المزيل بالمغطّي كان أولى؛ لدخول المزيل بطريق أولى وإن لم يتناوله، كما زعم بعضهم من أنّ الجميع إنّما يُفيد التغطية خاصّةً.

وجعل هذه الأشياء موجباتٍ أولى من جعلها أسباباً وإن كان جعل غيرها أسباباً أولى؛ لأنّها أمور عدميّة، فإنّ النوم عبارة عن تعطّل الحواس الظاهرة بسبب استيلاء الرطوبة الفاضلة على الدماغ، وظاهر أنّه أمرٌ عدمي، وعدميّة الثلاثة الباقية قد عُلمت من خواصّها، والسببُ وصفٌ وجوديٌ منضبطٌ دلّ الدليل على كونه معرِّفاً لحكم شرعي، فلاتكون هذه الأشياء أسباباً حقيقةً، وهذه الخمسة موجباتُ للوضوء خاصّةً.

(والحيض والاستحاضة) بأقسامها الثلاثة (والنِفاس) - بكسر النون - والمراد أنّ الموجب خروج هذه الدماء الثلاثة؛ إذ لا يعقل كونها أنفسها هي الموجبة، كما مرَّ في

خروج الفضلتين، خصوصاً عند مَن عبّر بالأسباب؛ إذ ليست نفسها أوصافاً.

(ومسّ ميّت الآدمي) في حال كونه (نجساً) بأن يكون قد بردَ جسمه بالموت ولمّا يُغسّل غسلاً صحيحاً حيث يفتقر إليه.

فيدخل فيه مَن لم يُغسِّل بعد البرد، ومَن غُسِّل فاسداً، ومَن غسّله كافر، والكافر مطلقاً، والمُيمّم ولو عن بعض الغُسلات ومَن فُقد الخليطان أو أحدهما لغسلهِ، ومَن

ص: 64

تقدّم غُسله على موته؛ لاستحقاقه القتل ثمّ مات أو قتل بغير السبب الذي اغتُسل له والضابط في ذلك وجوب التغسيل لو أمكن قبل الدفن أو كونه كافراً.

ويخرج منه مَن لم يَبرد بعد موته وإن وجب غسل العضو اللامس على أصحّ القولين، ومَن كمل غسله الصحيح، لا مَن كمل غسل عضو منه فمسّ ذلك العضو على الأقوى، ومَن قُتل بالسبب الذي اغتُسل ،له ومَن غُسِّل مُحرِماً بغير الكافور، والشهيد والمعصوم.

وفي حكم الميّت القطعة ذات العظم، وألحق المُصنِّف بها العظم المُجرّد(1).

واحترز ب_«الآدمي» عن ميتة ماسواه من الحيوانات إذا كان له نفس، فلا يجب بمسّتها غسل، بل يجب غسل العضو اللامس مع الرطوبة إجماعاً، وعدمها على قول. والمراد بميتة الآدمي: مَن كمل له مِن حين انعقاده إلى حين موته أربعةٌ أشهرٍ فصاعداً، فالسقط قبل ذلك لا يُسمّى ميّتاً، ولا يوجب مسّه غسلاً.

(وتيقّن الحدث والشكّ في الوضوء)، وإطلاق الموجب على ذلك مجاز، فإنّ الموجب هو الحدث السابق المُتيقّن، وهو أحد الأعداد، والشكّ في الطهارة اقتضى الرجوع إلى الأصل، والأخذ بالاستصحاب.

(وتيقّنهما) أي تيقّن الحدث والوضوء (والشكّ في اللاحق) منهما للآخر، فإنّه يجب عليه الوضوء؛ لاحتمال كون اللاحق الحدث هذا مع عدم علمه بحاله قبلهما، او علمه بها مع احتمال تجديد الطهارة.

أمّا لو عَلم بحاله قبلهما بالطهارة أو الحدث ولم يحتمل التجديد، فإن استفاد من التعاقب والاتّحاد حكماً، بنى عليه ولم يكن من الشكّ في شيء، فيلزمه حكم الحالة المتقدّمة من طهارة أو حدث؛ لتيقّنه نقضها بالضدّ، ولحوق الضدّ الآخر وهو الفرد الموافق للحالة السابقة، وكذا القول مع تعدّد الطهارة والحدث مع القيدين.

ص: 65


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 477 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 37 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

وإن لم يتحقّق التعاقب ولا احتمل التجديد بأن جوّز وقوع الحدث عقيب الحدث، ولم يجوّز وقوع الوضوء عقيب الوضوء بنى على الطهارة على التقديرين.

أمّا مع فرض علمه بكونه متطهِّراً قبلهما؛ فلاقتضائه توسّط الحدث بين الطهارتين؛ لأنّ التقدير نفى احتمال التجديد، فيكون الآن مُتطهراً.

وأمّا مع فرض علمه بكونه مُحدثاً؛ فلتيقّنه الانتقال عن حكم الحدث إلى الطهارة الرافعة وشكّه في نقض هذه الطهارة؛ لاحتمال وقوع الحدث المتيقّن عقيب الحدث

السابق عليهما.

لا يقال: إنّ تيقّن الحدث مكافئ لتيقّن الطهارة فيتعارضان ويرجع الأمر إلى تيقّنهما مع الشكّ في الحال، فتجب الطهارة، كما أطلقه المصنِّف.

لأنا نقول: إنّ التكافؤ هنا ممنوع؛ لأنّ الطهارة قد عُلِم تأثيرها في رفع الحدث؛ لماقلناه من عدم فرض التجديد، وأمّا الحدث، فغير معلوم نقضه للطهارة؛ لاحتمال أن يقع بعد الحدث، كما قلناه؛ إذ الفرض عدم اشتراط التعاقب، فلا يزول المعلوم بالاحتمال بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشكّ في الحَدَث.

وبما فصّلناهُ يُعلَم أنّ إطلاق الحكم بوجوب الطهارة في هذه المسألة - كما ذكره المصنّف وأكثر الأصحاب(1) - غير جيّدٍ. وكذا الحكم باستصحاب حاله المعلوم قبلَهما، كما اختاره العلّامة(2)، وكذا الحكم بأخذه بضدّ ما عَلِمه من حاله، كما مال إليه المحقّق في المعتبر(3)، ومع ذلك كلّه، فمختار المصنِّف (رحمه الله) هو الأقوى، وقد أفردنا لتحقيق المسألة محلاً آخر(4).

ص: 66


1- كابن بابويه في المقنع، ص 19؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 104: والمحقق في المختصر النافع. ص 49.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 142 المسألة 94: قواعد الأحكام، ج 1، ص 205: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 211 المسألة 61: نهاية الإحكام، ج 1، ص 60.
3- المعتبر، ج 1، ص 171
4- هي رسالة تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق منهما، طبعت ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل /2.

(وتنقضه الجَنابةُ) - بفتح الجيم - أي تنقض الوضوءَ لو كان المُجنب على وضوءٍ (وإن لم توجبه)؛ لأنّ غسلها كافٍ عنه إجماعاً، بخلاف غيرها من موجبات أغسال الأحياء. وأشار بذلك إلى أنّها ليست معدودةً من الموجبات الأحد عشر وإن أمكن عدُّّها في النواقض عند مَن عبّر بها، فبين النواقض والموجبات حينئذٍ عمومٌ من وجه؛ لصدق الناقض بدون الموجب في الجنابة إذا نقضت الوضوءَ ولم توجِبه في مطلق الحدث المتعقِّب لطهارةٍ صحيحةٍ مع خلوّ ذمّة المكلّف من مشروطٍ بها ولصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الموجب للوضوء الحاصل عقيب التكليف في صلاةٍ واجبةٍ من غير سبق طهارةٍ، ويصدقان معاً في الحدث المُتعقّب لطهارة شرعيّةٍ مع اشتغال ذمّة المكلّف بمشروط بها.

ولمّا فرغ من موجبات الوضوء الأحد عشر، شرع في بيان موجبات الغسل، وهي سنّة، كما بيّنه(1) بقوله : (ويجب بها) أي بالجنابة بنوعيها. وهى لغةً : البُعد(2). وشرعاً : الحدث الحاصل من نزول المنيٌ مطلقاً، أو غيبوبة الحشفة أو ما في حكمها في قُبُل أو دُبُرٍ.

(الغسل، وبالدماء الثلاثة) المعهودة بالذكر سابقاً، وهي الحيض والاستحاضة والنفاس (إلّا قليل الاستحاضة) وهو القدر الذي لا يغمس القطنة، فإنّه يوجب الوضوء خاصّةً، كما دلّ عليه إطلاق الاستحاضة في موجبات الوضوء، ولا يحتاج إلى استثناء الاستحاضة المتوسّطة وهي التي تغمس القطنة ولا تسيل عنها بالنسبة إلى ماعدا الصبح؛ لأنّ هذا القسم موجب للغسل في الجملة وإن كان غير موجبٍ له على بعض الوجوه، إذ لو أُريد الاحتراز عن ذلك وجب استثناء الكثيرة أيضاً بالنسبة إلى العصر

والعشاء، فإنّها توجب الوضوء خاصّةً.

ص: 67


1- في «ق، د»: نبّه
2- الصحاح، ج 1، ص 103؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 302؛ تاج العروس، ج 1، ص 379 «جنب».

(و) يجب الغُسل (بالمسّ) المذكور سابقاً وهو مسّ ميّت الآدمي نجساً على ما فصّل.

(والموت) المعهود ذهناً وهو موت الآدمى المسلم ومَن بحكمه من غير الفِرَق الأربع وهي النواصب والخوارج، والغلاة، والمجسّمة، فلا يصحّ تغسيل أحدها فضلاً عن الوجوب، ويمكن كون اللام للعهد الذكري المدلول عليه ب_ «ميّت الآدمي نجساً» ويُستثنى منه الفِرق المذكورة، والأوّل أجود.

(ويجب التيمّم بموجباتهما)، أي موجبات الوضوء والغسل (عند تعذّرهما)(1)، فموجباته سبعة عشر، هذا كلّه في الموجبات بأصل الشرع.

(وقد تجب الثلاثة)، أي الوضوء والغسل والتيمّم بسبب عارضٍ من قِبل المكلّف، وذلك (بنذرٍ أو عهدٍ أو يمينٍ) إمّا بأن ينذر كلِّ واحدٍ منها بلفظٍ على حدةٍ، أو بلفظ يشملها كنذر الطهارة ملاحظاً إطلاقها على أنواعها الثلاثة.

أمّا لو نذر الطهارة مُطلقاً، ففي تخيّره بين الثلاثة أو حمله على المائيّة خاصّةً، أو الترابيّة أوجهٌ منشؤها الشكّ في أنّ مقوليّة الطهارة على الأفراد الثلاثة هل هو بطريق الاشتراك أو التواطؤ أو الحقيقة والمجاز بمعنى أنّه حقيقةٌ في المائيّة مجاز في الترابيّة أو التشكيك؟

فعلى الأوّلين الأوّل، وعلى الثالث الثاني، وعلى الأخير يُحتمل الأخير وهو انصرافه إلى فرده الأضعف وهو التيمّم؛ لأصالة البراءة من الزائد، وإلى الأقوى؛ لأنّه المتَيقَّن.

والأصحّ أنّه كالأوّلين، لكن إنّما يُجزئ التيمّم فيهما مع تعذّر الآخرين.

ويُضعّف الثالث بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «الصعيد طهور المسلم»(2)، و «جُعِلت لي الأرض مسجداً وترابُها طهوراً»(3) وغيرهما من الأحاديث الدالّة على إطلاق الطهارة على التيمّم.

ص: 68


1- في هامش «ع»: بأن يكون الماء مفقوداً «بخطّه».
2- سنن الدار قطني، ج 1، ص 433، ح 713؛ مجمع الزوائد، ج 1، ص 588 .
3- الفقيه ، ج 1، ص 240، ح 724 : صحيح مسلم ، ج 1، ص 371، ح 522/4 : عوالي اللآلي، ج 2، ص 13 ح 26.

وكلّ مَن أدخل التيمّم في تعريف الطهارة جعله منها حقيقةً، والأولى باشتراك الثلاثة في معنىً مشتركٍ بينها وهو صلاحيّة الإباحة للصلاة ولو بالقوّة القريبة كما مرّ، وهو ينفي الاشتراك اللفظي.

نعم، يقع الشكّ بين الآخرين؛ لاشتراكهما في هذا المعنى. والظاهر أنّ مقوليّتها على الثلاثة بالتشكيك وعلى فردي المائيّة بالتواطؤ.

ويشترط في انعقاد نذر كلّ واحدٍ منها رجحانه قبل النذر بأن يكون واجباً أو مندوباً، فالوضوء ينعقد نذره دائماً؛ لاستحباب فعله أو وجوبه كذلك.

ثمّ إن أطلق كان وقته طولَ العمر ويتضيّق عند ظنّ الوفاة. وإن قيّده بوقتٍ واتّفق فيه مُحدثاً فظاهر وإلّا وجب التجديد، ولو لم يشرع التجديد لم يجب الوضوء ولا الحدث؛ لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط.

وأمّا الغسل، فإن أطلقه أو قيّده بأحد أسبابه الراجحة انعقد، وإلّا فلا، فيوقعه مع الإطلاق على وجهٍ راجحٍ، وفي إجزاء الواجب نظر.

وأمّا التيمّم، فلمّا كانت مشروعيّته مشروطةً بعدم الماء أو عدمِ التمكّن من استعماله، اشترط ذلك في انعقاد نذره، فيتوقّع مع الإطلاق، ويبطل مع التعيين حيث لا يتعذّر

استعمال المائيّة فى الزمان المعيّن، ولا يجب عليه تحصيل سببه بالحدث، كما مرّ.

ويشترط في صحّة نذره إطلاقه أو تقييده بأحد أسبابه الراجحة، ففي بدل الوضوء يُشترط كون الوضوء رافعاً، وفي الغسل يختصّ بالواجب، وغسل الإحرام، والعهد واليمين في ذلك كالنذر.

وإنّما أتى ب_ «قد» التقليليّة في مثل هذا التركيب؛ لقلّة وقوع هذه الأسباب بالإضافة إلى الأسباب الأصليّة، فإنّ أكثرها جبليّةٌ لا ينفكّ المكلَِّف عنها غالباً، ولا يختصّ العارض بالنذر وأخويه، بل بها.

(أو تَحمُّل عن الغير)، كالمصلّي عن الأب ما يجب عليه تَحمُّله، فإنّه يجب عليه الطهارة له، وكذا المستأجر على عبادةٍ تتوقُّف على الطهارة، أو استؤجِرَ على الطهارة

ص: 69

نفسها، كما لو نذرها ناذر ومات بعد انعقاد نذره وقبل فعلها، فإنّه يجب فعلها عنه كالصلاة وغيرها.

وفي هذا المقام بحث وهو أنّ المصنّف (رحمه الله) جعل ما وجب من الطهارة بالنذر وما بعده قسيماً لما وجب منها بسبب الأحداث المذكورة، وهو يقتضي أنّ موجب ما وجب بالنذر وشبهه ليس هو الحدث المذكور، وإلّا كانت القسمة متداخلةً، وإنّما الموجب النذر أو ما بعده.

وهذا أُسلوبٌ خاصٌّ مغاير لما ذكره الأصحاب في تقاسيم الطهارة حيث جعلوا الواجب منها ما كانت غايته واجبةً، كالصلاة، والطواف الواجبين، ومسّ خطّ المصحف إن وجب، ثمّ قالوا: وقد تجب الطهارة بنذرٍ وشبهه بمعنى أنّ الطهارة قد تجب لا لأجل الصلاة ونحوها، بل لأجل النذر وإن لم يكن مخاطباً بعبادةٍ مشروطةٍ به.

وعلى اصطلاح المصنّف هنا يُفسَّر الوضوء الواجب بالنذر وشبهه بما لا يُستند وجوبه إلى الأحداث المذكورة، بل يجب مع عدم حصولها كالمجدّد. والغسل الواجب بالنذر أيضاً بما لا تكون أحد الموجبات الخمسة حاصلةً عنده فتختصّ بالأغسال المسنونة. والتيمّم بما لا يكون بدلاً من أحدهما بحيث يكون واجباً بسبب الحدث الموجب، وإنّما يتّفق ذلك في غسلٍ مسنونٍ يُشرع التيمّم بدلاً عنه، كغسل الإحرام.

ويفسّر الواجب منها بسبب التحمّل بما لو نذر الأب طهارةً ومات قبل فعلها، أونذرها ناذر كذلك فاستؤجر المتحمّل على فعلها، فإنّها تجب عليه وإن لم يكن أحد الموجبات واقعاً منه.

أمّا المتحمّل للصلاة عن الأب والمستأجر عليها أو على مشروط بالطهارة، فلا يتمّ الحكم بكونها عديلةً لما وجب منها بسبب الموجبات أعني الأحداث المذكورة، فإنّ الطهارة لا تجب على متحمّل الصلاة وشبهها إلّا مع اتّصافه بأحد الأحداث الموجبة لها؛ إذ الاستئجار على الصلاة يقتضي إيقاعها على طهارةٍ وإن لم يكن لأجلها، فلا يتمّ حينئذٍ التفسير الذي قدّمناه؛ جرياً على ما فهمه الشرّاح.

ص: 70

وعلى ما ذكروه في غير هذه الرسالة يُفَسّر الواجب من الطهارة بالنذر بما نذر منها في غير وقت عبادةٍ واجبةٍ مشروطة بالطهارة وإن كان مُحدِثاً.

ويمكن ردّ العبارتين إلى أمرٍ واحدٍ؛ بناءً على ما تقدّم من أنّ الأسباب المذكورة إنّما تكون موجبةً للطهارة إذا حصلت في وقت عبادةٍ مشروطةٍ بها كالصلاة، وما وقع منها قبل الوقت مثلاً لا يُسمّى موجباً.

وحينئذٍ، فيختصّ كلام المصنّف في الطهارة الواجبة(1) بما كان سببها واقعاً في وقت الصلاة؛ ليتحقّق كونه موجباً، ويوافق غرض الرسالة من قصرها على الواجب. وأمّا ما وقع من السبب قبل الوقت، فلمّا لم يكن موجباً(2) أمكنَ فرض نذر الطهارة عنده، والحكم بوجوبها بالسبب العارض.

وحينئذٍ، فلا فرق بين الاصطلاحين، لكن لا يخفى ما في الوقوف على معنى الموجب في هذه الأسباب، وتخصيص الأعداد المذكورة به من الإخلال، فإنّه يوجب خلوّ الرسالة من حكم ما وقع منها في غير وقت الصلاة وهو مُستهجن.

ولو قيل: إنّه يُريد بالموجبات الأسباب المذكورة حيث وقعت وسمّاها موجباتٍ باعتبار وقوعها في وقت العبادة الواجبة المشروطة بها، زال الإخلال وعادَ الإشكال وتغاير الاصطلاح، والأمر في ذلك سهل إن شاء الله تعالى.

(والغاية) وهي العلّة التي يوجَد الشيء لأجلها (في الثلاثة) وهي الوضوء والغسل، والتيمّم، هي (الصلاة) واجبةً كانت أو مندوبةً، (والطواف) كذلك، (ومسّ خطّ المصحف) واجباً كان المسّ، كما لو توقّف إصلاح غلطهِ عليه، أو بنذر وشبهه أم لا، بمعنى توقّف إباحة المسّ على الطهارة، فإن أرادَه تطهّر فهو غايةٌ لها وإن لم يجب.

وهذا أُسلوب خاصّ جيّد غير ما ذكره الأصحاب من أنّ الثلاثة تجب لكذا، وتُستحبّ لكذا، ولكن فيه خروج عن مصطلح الرسالة من قصرها على واجبات

ص: 71


1- في «د»: الواجبة بأصل الشرع.
2- في «د»: موجباً بأصل الشرع.

الصلاة. وممّا ينبّه على إرادة الأعمّ من الواجب - زيادةً على ما تقرر من المعنى المطابق - ذِكرُ مسّ خطّ المصحف، ودخول المسجدين واللبث في غيرهما، وغير ذلك ممّا لا تعلّق له بواجبات الصلاة.

واعلم أنّ غاية الصلاة والطواف ليست متّفقةً عند المصنِّف (رحمه الله) وأكثر الأصحاب، فإنّ الطهارة شرطٌ في صحّة مندوب الصلاة إجماعاً، وفي كمال الطواف

المندوب عند الأكثر وعبارة الرسالة لا تنافي ذلك، فإنّهما غايةٌ للثلاثة في الجملة.

ثمّ غاية الطهارة قد تكون مشتركةً بين الثلاثة وقد تختصّ بأحدها أو باثنين منها.

وحيث ذكرَ الغاية المشتركة شرعَ في ذكرِ المختصّة، فقال: (ويختصّ الأخيران) وهما الغسل والتيمّم (بغايةِ دخول المُجنب وشبهه)، وهو الحائض والنفساء مع انقطاع دمهما دون غيرهم من ذوي الأحداث الكبرى.

(المسجدين) وهما المسجد الحرام ومسجد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم سواء حصل معه بعه لبتٌ أم لا. و من ثمَّ أطلق الدخول الشامل للّبث وغيره؛ لأنّ اللبث داخلٌ في الدخول بطريق أولى، كما ذكره الشارح المحقّق(1).

(واللبث فيما عداهما) من المساجد، دون مجرّد الدخول الذي ليس معه لبثُ، كما لو كان للمسجد بابان فمرَّ من أحدهما إلى الآخر، فإنّه لا يتوقّف عليهما.

والأولى إلحاق المشاهد المشرّفة بالمساجد في ذلك؛ لاشتمالها على فائدة المسجديّة وزيادة الشرف بالنسبة إليه، ووجه العدم خروجها عن حقيقة المساجد، ومباينتها لها في بعض الأحكام قطعاً.

(وقراءة العزيمة) والمراد بها الجنس ليشمل العزائم الأربع، وهي سور السجدات الواجبة، وأبعاضها بحكمها حتّى البسملة إذا قصدها لأحدها وإن كانت الأبعاض ليست داخلةً في مفهوم العزيمة ولو قال: «وقراءة شيء من العزائم» كان أشمل.

و تسميتها عزيمةً باعتبار إيجاب الله تعالى السجود عند قراءة ما يوجبه منها، كما

ص: 72


1- شرح الألفيّة، ص 40 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

هو أحد معنييها لا بالمعنى المقابل للرخصة، وهو ما جاز فعله مع عدم قيام المانع منه.

وإطلاق العزيمة عليها بذلك المعنى من بين الواجبات بنوعٍ من المجاز، ورعايةٍ لحقّ هذا الواجب.

(ويختصّ الغسل بالصوم) واجباً كان أو مندوباً (للجنب) وهو مَن صادف حدث جنابتِه(1) جزءً من الليل يسع الغسل، لامَن صادف سبب جنابته الليل، كما ذكره الشارح(2)، فإنّ مَن أجنب نهاراً ولم يغتسل حتّى ضاق الليل إلّا عن غسله، كان الصوم غايةً لغسله، وإطلاق السبب - الذي هو نزول الماء أو غيبوبة الحشفة - على الحدث - الذي هو المانع من الدخول في العبادة المخصوصة - مجاز من باب إطلاق اسم السبب على المسبَّب.

واعلم أنّ الصوم لا يكون غايةً لغسل الجنابة إلّا مع تضيّق الليل بحيث لا يبقى منه إلّا قدر فعله علماً أو ظنّاً، فلو أوقعه المكلّف قبل ذلك لم يكن الصوم غايةً؛ لعدم المخاطبة بهِ حينئذٍ، فإنّ ضيق الوقت إلّا عن قدر الغسل في حكم دخول وقت الصلاة الموجب للغسل، فقبله لا تكون الصلاة المؤقّتة غايةً له.

ولا فرق في ذلك بين أن نقول: إنّ غسل الجنابة واجب لغيره كما هو الأصحّ، أو لنفسه. فلو أراد تقديمه على الوقت المذكور ولم يكن مُخاطباً بعبادةٍ واجبةٍ مشروطةٍ به نوى الندب ولو قلنا بوجوبه لنفسه نوى الوجوب وارتفع حدثه على التقديرين، كما يرفع الوضوء الحدث المتقدّم على الوقت عدا ما استثني منه.

(و) في حكم الجنب (ذات الدم) وهي الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار الغسل، والمستحاضة غير القليلة الدم. وإنّما أطلق القول فيها بحيث يشمل المستحاضة القليلة الدم؛ اتّكالاً على ما فصّله قبل.

والقول بأنّ المراد بذات الدم المستحاضة دون أُختَيها - بناءً على أنّ الغسل إنّما

ص: 73


1- في «ق»: صادفت جنابته.
2- شرح الألفيّة، ص 41 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

يجب عليهما بعد انقطاع دمهما، وحينئذٍ لا يصدق عليهما كونهما كذلك؛ لزوال المعنى المشتَقّ منه(1) - حقيقٌ بالإعراض عنه ؛ فإنّ الإجماع واقعٌ منّا على عدم اشتراط بقاء المعنى المشتقّ منه في صدق الاشتقاق حقيقةً، كما لا خلاف في وجوب الغسل عليهما للصوم، فلا وجه للإخلال بذكره.

(والأولى التيمّمُ) للصوم (مع تَعذّر الغسل) على الجنب وذات الدم؛ لعموم «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا»(2) وللإجماع على كون حدث الجنابة مانعاً من الصوم، فيتحقّق المانع إلى أن يحصل المُزيل وهو الغسل، أو ما يقوم مقامه في الإباحة وهو التيمّم عملاً بالاستصحاب، فبعد التيمّم يتحقّق الإذن إجماعاً، وقبله مشكوكٌ فيه، فيتحقّق فيه المنع؛ لتحقّق الشكّ المانع في الإباحة بدونه وليكن قبل الفجر كالغسل.

والظاهر وجوب البقاء عليه إلى أن يطلع الفجر؛ لأنّ النوم ناقضُ للتيمُم، كنقض الجنابة الغسل، فكما لا يجوز تعمّد الجنابة باقياً عليها إلى طلوع الفجر، كذا لا يجوز نقض التيمّم والعود إلى حكم الجنابة قبله، إلّا أن يتحقّق الانتباه قبل الفجر بحيث يتيمّم ثانياً، فإنّه يجوز حينئذٍ له النوم، كما يجوز له من دون أن يتيمّم.

ولا نتفاء فائدة التيمّم لو جاز نقضُه قبل الفجر والبقاء عليه؛ لأنّ الحدث بعده يُعيد حكم الجنابة كما كان نعم لو غلب عليه النوم على وجهٍ لا يمكنه دفعه فلا حرج، ثمّ إن انتبه قبل الفجر جدّده، وإلّا فلا.

ووجه عدم وجوب البقاء عليه أنّ انتقاصه بالنوم لا يحصل إلّا بعد تحقّقه، وحينئذٍ لا حرج؛ لاستحالة تكليف الغافل؛ ولأنّ نقض التيمّم لو كان كنقض الغسل بالجنابة لزم وجوب الاستمرار عليه طول النهار؛ إذ لا يجوز تعمّد الجنابة نهاراً.

ص: 74


1- قاله ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة ص 35 - 36.
2- النساء (4): 43

ويُضَعّف بأنّ النهي يتوجّه إلى توجيه النفس إلى النوم وتهيئة أسبابه ومقدّماته، كما يحرم فعل مقدّمات الجنابة المسببة عنها وإن كان قبل حصولها لا يتحقّق، وعند حصولها في الآن المقارن لها لا تكليف؛ للعجز عن دفعِها، ونقضُه نهاراً خارجٌ بالإجماع فيبقى الباقي، ولولا الإجماع لكانت المعارضة في محلّها.

ويُفهم من قوله: «والأولى» عدم تعيين التيمّم، بل هو احتياط، ويدلّ على إرادة الاحتياط أيضاً جعله الصوم غايةً مختصّة بالغسل، فليس فيه رجوع عن قريبٍ كما ادّعاه الشارح(1).

ووجه عدم الوجوب أصالةُ عدمِه؛ إذ لا دليل عليه ظاهراً، فإنّ الآية في سياق الصلاة، ولانزاع في وجوب التيمّم بدلاً عن الغسل لها، وقد تقدّم ما يصلح وجهاً للوجوب، وقد قرّبه المصنِّف في البيان(2).

(ويختصّ التيمّم بخروج الجنب والحائض من المسجدين) المعهودين إذا احتلم فيهما أو حاضت المرأة، كما هو مورد النصّ(3)، أو أجنب فيهما أو خارجهما ثمّ دخل عمداً أو نسياناً وإن أثم في الأوّلين.

وإنّما عَدلَ عن مورد النصّ؛ لعدم الفرق في تحريم قطع جزءٍ منهما بغير غُسلٍ أو تيمّمٍ بدلاً عنه بين كون الجنابة عن احتلامٍ أو غيره، وذكر الاحتلام في الخبر تبعاً للواقعة ويستفاد الباقي من دليل خارجي، وربما استفيد منه أيضاً بناءً على عدم تعقّل خصوصيّة الاحتلام، والأوّل أجود.

وربما قَصَره بعض الأصحاب على المُحتلم(4) اقتصاراً على مورد النصّ الخاصّ(5) وهو ضعيف.

ص: 75


1- شرح الألفيّة، ص 42 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- البيان، ص 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- الكافي، ج 3، ص 73 ، باب النوادر ، ح 14.
4- كالمحقّق في المعتبر ، ج 1، ص 189 ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 78
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 407. ح 1280.

وإلحاق المصنّفِ الحائضَ إذا أصابها الحيض به للنصّ وهو تعبّد محض؛ إذ لا يتصوّر فيها الطهارة.

ونَفى المحقّق (رحمه الله) الوجوب عن الحائض، وحَكم بالاستحباب بناءً على أنّه لا سبيل لها إلى الطهارة(1).

وردّه المصنّف بأنّه اجتهادٌ فى مقابلة النصّ، وعارضه باعترافه بالاستحباب(2).

ويُشكل بأنّ المحقّق طَعن في الرواية بالقطع، فلا حجّة فيها ويرجع إلى الاجتهاد، و دليل الاستحباب يتجوّز فيه بخلاف الوجوب.

والظاهر أنّ النفساء كالحائض هنا دون المستحاضة بل إمّا أن تكون كالجنب؛ لقبولها الطهارة، أو يجوز لها الخروج من غير تيمّمٍ بناءً على أنّ حدث الاستحاضة لا يمنع من دخول المساجد مع أمنِ التلويث.

وإطلاق الحكم بوجوب التيمّم للخروج من المسجدين من غير تقييدٍ بإمكان الغسل وعدمه، مُستند إلى إطلاق النصّ بالأمر به، وقد اقتصر عليه جماعةٌ من الأصحاب

مطلقاً(3).

والحقُّ تقييده بعدم إمكان الغسل داخل المسجدين بحيث لا يستلزم قطع جزءٍ منه بغير طهارةٍ. وعدم استلزامه تلويثَ المسجد بالنجاسة، كما لو كان الماء كثيراً.

وعدم زيادة زمانه على زمان التيمّم جمعاً بين ما أُطلق في هذا الخبر وما قُيِّد في النصوص الكثيرة من الكتاب والسُنّة، بل الإجماع على عدم صحّة التيمّم للقادر على المائيّة، والخبر مبنيّ على الغالب من عدم إمكان الغسل في المسجدين بهذه الشروط، بل لا يكاد يتّفق بغيرها أيضاً إلّا على احتمالٍ لا يكاد يتصوّر في نظر العالِم بحالهما،

ص: 76


1- المعتبر، ج 1، ص 223
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 156 - 157 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 117؛ والمحقّق في المختصر النافع، ص 32؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 221

وذلك كافٍ في الإطلاق والاتّكال في الفرد النادر على ما عُلِمَ من الكتاب والسُنّة.

وإنّما خصّ الحكم بالمسجدين؛ لأنّ الاجتياز في غيرهما غير مشروطٍ بالطهارة، فيبادر إلى الخروج عند العلم بالحدث، واستقرب المصنّف في الذكرى الاستحباب؛

للقرب إلى الطهارة، وعدم زيادة الكون فيها على الكون له في المسجدين(1).

وليَنوِ في التيمّم للخروج من المسجدين استباحةً، ولاريب في حصولها به، لكن هل يُبيح غيره من الغايات المشروطة بالغسل كالصلاة؟ قيل: لا(2)؛ لحكمهم بوجوب الخروج عقيبَه بغير فصلٍ، متحرّياً أقرب الطُرق. فلو أباح غير الخروج لأباح المكث؛ ولوجوبه على الحائض التي لا يتصوّر فيها الإباحة، وخصوصاً على القول بتعيّنه مع القدرة على الغسل جامعاً للشرائط المتقدّمة، فعلى هذا لا ينوي فيه البدليّة، وعلى ما اخترناه قد يتصوّر فيه الإباحة على وجهٍ.

وتحقيق المقام أن نقول: لا يخلو إمّا أن يكون الغسل مُمكناً في المسجد بالشرائط الثلاثة، أم لا، وعلى التقديرين، فإمّا أن يمكن الاغتسال خارج المسجد بأن لا يكون المجنِب متضرّراً بالغسل ولا فاقداً للماء على وجهٍ تسقط عنه المخاطبة به لو خرج أم لا.

فإن كان الغسل داخله ممكناً وقلنا بتقديم التيمّم عليه، تعيّن القول بعدم إباحته للصلاة خارج المسجد؛ للإجماع على عدم إباحة الصلاة بالتيمّم مع إمكان الغسل.

وإن قلنا بتقديم الغسل ولكن لم يمكن تحصيله في المسجد وأمكن خارجه، لم يتصوّر إباحته أيضاً؛ لوجوب المبادرة بالخروج من المسجد؛ إذ لا يجوز اللبتُ فيه للقادر على الغسل، وإنّما وجب التيمّم للخروج ؛ لعدم إمكان الغسل حينئذٍ، وتحريم قطع جزءٍ منه إلّا بالغسل أو بدله ، فتمتنع الصلاة في المسجد لذلك، وبعد الخروج يتمكّن من الغسل فيفسد التيمّم.

ص: 77


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 157 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)
2- قاله المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 78 - 79

وإن كان الغسل غير مقدورٍ خارج المسجد فالوجه كون هذا التيمّم مُبيحاً للصلاة وغيرها ممّا إباحته مشروطة بالتيمّم؛ لوجود المقتضي للإباحة، وفقدِ المانع.

أمّا الأوّل، فهو التيمّم الواقع في محلّه وهو تعذّر الغُسل، وقد أجمع الأصحاب على أنّ التيمّم الواقع كذلك يُبيح ما تبيحه الطهارةُ المائيّة، والمخالف في بعض الأفراد شاذٌّ معلوم النسب(1).

وأمّا الثاني، فلأنّ المانع من إباحة التيمّم كان قدرة المكلِّف على الغسل والتقدير عدمه، وحينئذٍ يمنع وجوب المبادرة إلى الخروج وتحرّي أقربِ الطرق؛ لأنّ ذلك مشروطٌ بإمكان الغسل خارج المسجد.

وبما قرّرناه يُجمع بين حكم مَن ذكر من الأصحاب في هذه المسألة وجوب الخروج مبادراً من أقرب الطرق، وبين قولهم في باب التيمّم: إنّه يُستَباح به ما يُستباح بالطهارة المائيّة، فإنّ من جملة ما تبيحه المائيّة اللبث في المسجدين وغيرهما، فيصحّ حينئذٍ اللبتُ والصلاة فيهما.

ص: 78


1- هو فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 66- 67.
[واجبات الوضوء]

(ثمّ واجبُ الوضوء) أي جنس الواجب(1). ليصحّ تعدّده (اثناعشر:)

(الأوّلُ: النيّة) وهي لغةً: مطلق العزم والإرادة(2).

وشرعاً إرادة مقارنةٍ للفعل على الوجه المأمور به شرعاً.

وقد علم من ذلك وجوب إيقاعها هنا.

(مقارنةً لابتداء غَسل الوجه) لأنّه أوّل واجباته، وليس وقتها مُنحصراً فيه، بل يجوز تقديمها عند غَسل اليدين المستحبّ للوضوء، وعند المضمضة والاستنشاق.

ولا يُخرج ذكره لذلك الرسالة عن تخصيصها بالواجب؛ لأنّ ذلك واجبٌ أيضاً، غايته أنّها من العبادات الموسّعة فأوّل وقتها أوّل غسل اليدين وآخره ابتداء غسل الوجه.

وإنّما ترك التعرّض لذلك؛ لأنّ تلك المواضع التي شرع تقديمها عندها ليست من أحكام الرسالة، فتَركَ ذكر النيّة عندها لذلك.

والمراد من النيّة بعث النفس والقصد إلى إيقاع العبادة المخصوصة على وجه التقرّب إلى الله تعالى.

(وصفتُها) حينئذ: (أتوضّأُ لاستباحة الصلاة لوجوبه قربةً إلى الله) وقد عُلِم من الكلمات الموضوعة للدلالة على القدر الذي يَستحضره ما يجب فيها، وهو قصد الفعل ونيّة الاستباحة للصلاة، أعني طلب رفع المنع من الصلاة المستندة إلى الحدث.

ص: 79


1- في «د»: الوضوء
2- العين، ج 8، ص 394 الصحاح، ج 4، ص 2516؛ تاج العروس، ج 20، ص 266، «نوی».

وفي حكم استباحة الصلاة استباحة ماتتوقّف استباحته على الطهارة، كالطواف، ومس القرآن.

وتعليل الفعل بكونه يُوقِعه لوجوبه والتقرّب به إلى الله تعالى بمعنى موافقة إرادته، أو طلب الرفعة عنده بواسطة نيل الثواب، تشبيهاً بالقرب المكاني.

وآثَرَ هذه الصيغة؛ لورودها في الكتاب والسُنّة كثيراً، كقوله تعالى: «وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ»(1) وقوله في الحديث القدسي: «ما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالصلاة حتّى أُحبَّه»(2).، وقوله علیه السلام : «أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو ساجد»(3).

وحقيقة النيّة من جميع ذلك هو القصد إلى الفعل واعتُبرت نيّة الاستباحة والوجه؛ لأنّ الامتثال في العبادة إنّما يتحقّق بإيقاعها على الوجه المطلوب، ولا يتحقّق ذلك الوجه في الفعل المأتيّ به إلّا بالنيَّة؛ لقوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ»(4)، أي لأجلها، وفيه نظرٌ حرّرناه في شرح الإرشاد(5).

وأمّا نيّة التقرّب، فلا ريب في اعتبارها، وقد قال سبحانه: «وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(6)، ولا يتحقّق الإخلاصُ إلّا بها.

وهذا الكلام وإن كان عن أهل الكتاب لكنّه ثابت في حقّنا؛ لقوله تعالى: «وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(7) أي المستمرّة في جهة الصواب كما ذكره المفسّرون(8)، فلا يصحّ النسخ

ص: 80


1- التوبة (9):99
2- فتح الباري ج 11، ص 340 - 341: الفروق، القرافي، ج 2، ص 130
3- سنن أبي داود، ج 1، ص 231 ، ح 875؛ مسند أحمد، ج 3، ص 150 ، ح 9165؛ سنن النسائي، ج 2، ص 242، ح 1133.
4- المائدة .(5): 6
5- روض الجنان، ج 1، ص 80 (ضمن الموسوعة، ج 11).
6- البيّنة (98): 5
7- البيّنة (98): 5
8- التبيان، ج 1، ص 389 - 390؛ مجمع البیان، ج 10، ص 522 - 523، ذيل الآية 5 من البينة (98).

عليها، ولا ريب أنّ اعتبار ماذكره المصنّف في هذه النيّة هو الأحوط.

والواجب إحضار النيّة بالبال فعلاً عند أوّل العبادة، ولا يجب استمرارها إلى آخرها؛ لتعذَُّره أو تعسُّره على المكلَِّفين (و) لكن (يجب استدامتها) واستمرارها (حكماً إلى الفراغ) من الوضوء، بمعنى أن لا يحدث نيّةً بعد النيّة الأُولى تنافيها أو تنافي بعض لوازمها، كأن ينوي قطع الطهارة، أو الرياء ببعض الأفعال، أو التبرّد، أو التنظيف بغسل بعض الأعضاء، فعلى هذا الاستدامة أمرٌ عدمي، فمتى لم يُحدِث نيّةً مخالفةً فالنيّة الأُولى بحالها.

وفسّرها المصنّف (رحمه الله) في الذكرى(1) والقواعد(2) بأمرٍ وجودي وهو البقاء على حكمها، والعزم على مقتضاها، أو تجديد العزم عليها كلّما ذكر؛ مستدلّاً بأنّ مقتضى الدليل الدالّ على اعتبار النيّة في العبادات كقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «إنّما الأعمال بالنيّات»(3) وجوب استصحاب النيّة فعلاً، لكن لمّا تعدّر فى العبادة الطويلة أو تَعسَّر اكتفى بالاستدامة الحكميّة.

وفي دلالة الدليل على ذلك نظر؛ لأنّ المراد بالنيّة إما العزم على الفعل وإن تقدّم كما ذكره أهل اللغة، أو القصد المقارن كما اختاره الفقهاء حتّى صار حقيقةً شرعيّةً فيه، وكلاهما لا يدلّ على اعتبار الاستمرار الفعلي.

والمراد بالأعمال المعهودة عند الشارع كالصلاة والطواف(4)، وإطلاق ذلك على أجزائها مجازٌ لا يصار إليه هنا مع أنّ مقتضى دليله وجوب الإتيان بالقدر الممكن فيها، إمّا باستصحابها فعلاً، أو بالرجوع إليها بحسب الإمكان؛ لعدم الدليل الدالّ على وجوب الاستدامة بالمعنى المذكور بحيث يجعلها بدلاً عن النيّة، ولا ينتقل إلى غيرها وإن أمكن.

ص: 81


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 26 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6.
2- القواعد والفوائد، ص 48 - 49 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15)
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83 ، ح 218: وج 4 ص 186، ح 519 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 262، ح 2201.
4- في «د»: والطهارة

والحقُّ في توجيه الاستدامة الحكميّة أنّ الواجب لمّا كان هو إيقاع العبادة على ذلك الوجه المخصوص وكانت إرادة الضدّ منافية لإرادة الضدّ الآخر، اقتضى ذلك وجوب الاستمرار على ذلك الوجه المطلوب شرعاً، ويتحقّق بعدم إحداث نيّةٍ تنافي الأُولى، فمتى لم ينوِ نيّةً مخالفةً حصل له مانواه أوّلاً؛ للامتثال، فلا يفتقر إلى تجديد العزم؛ لعدم الدليل عليه.

وقد بنى المُصنّف (رحمه الله) التفسيرين على مسألة كلاميّة اختُلِف فيها وهي أنّ الممكن الباقي هل هو مستغنٍ عن المؤثّر أو محتاج إليه؟ فعلى الأوّل يثبت التفسير الأوّل، وعلى الثاني الثاني.

والظاهر أنّ هذا البناء لا حقيقة له أمّا أوّلاً: فلعدم الدليل عليه.

وأمّا ثانياً؛ فلأنّ ذلك يقتضي وجوب استمرارها فعلاً إلى آخر العبادة؛ لأنّها تصير حينئذٍ علّةً للعبادة مؤثّرةً، فيلزم حينئذٍ انتفاء صحّة العبادة عند الذهول عنها وهو منتفٍ إجماعاً. والعزم على مقتضاها ليس هو عين النيّة الأُولى، فلا يكون مؤثّراً في العبادة؛ إذ الدليل إنّما دلّ على اعتبار النيّة المعهودة، وتعذّرها يوجب الإتيان بالقدر الممكن منها و تجديدها كذلك لا إقامة بدلها.

وأمّا ثالثاً؛ فلما بيّنّاه من أنّ الدليل إنّما يدلّ على اعتبار النية في أوّل العبادة، فيستمرّ حكمُها إلى أن يصرف القصد إلى ما يضادّها، فالتفسير الأوّل أجودُ.

إذا تقرّر ذلك، فلو نوى قطع الطهارة أو المنافيَ للنيّة بَطلَت النيّةُ بالنسبة إلى ما بقي من الأفعال لا الوضوء؛ لأنّه عبادةٌ منفصلة الأجزاء شرعاً لا تتوقّف صحّة بعضه على البعض الآخر مطلقاً. ولهذا لو أخلّ بغسل بعض الأعضاء على الوجه المعتبر شرعاً بطل ذلك العضو لاغير، فلو جدّده بحيث لايُخِلّ بعضها بالموالاة صحّ بخلاف الصلاة، فإنّ أفعالها متّصلةٌ مرتبطةٌ بحيث يؤدّي إفساد بعضها عمداً إلى فساد الصلاة، وبطلانِ ما تقدّم من الأفعال، فإذا أراد تمام الوضوء هنا والموالاة باقيةٌ استأنف النيّة لما بقي من الأفعال.

ص: 82

(ولو نوى المختار) وهو مَن ليس بذي حدثٍ دائمٍ (الرفعَ) أي رفع الحدث بدل نيّة الاستباحة، (أو نواهما) أعني(1). الرفع والاستباحة (جاز)؛ لتلازمهما في غير دائم الحدث؛ إذ المراد من الحدث هنا هو المانع من الدخول في العبادة، وهو أثر السبب الحاصل للمكلّف الذي يُطلق عليه أيضاً(2). اسم الحدث، لكنّه غير مرادٍ هنا؛ لعدم إمكان رفعه، وإنّما المرتفع أثره، وهو المانع من الصلاة ونحوِها.

والمراد بالاستباحة رفع المنع من الصلاة وهو أعمّ من رفع المانع، أعني الحدث؛ إذ قد يرتفع المنع ولا يرتفع المانع بالكلّيّة، كما في المتيمِّم، فإنّه يستبيح الصلاة مع عدم ارتفاع حدثه، ومن ثمَّ تجب عليه الطهارة المائيّة عند التمكّن منها، ولو كان الحدث مرتفعاً لم تجب الطهارة المائيّةُ، وكما في دائم الحدث، فإنّ الإباحة تحصل له بوضوءٍ للصلاة الواحدة، مع بقاء أثر الحدث المتأخّر عن الطهارة، سواء قارنها أم تقدّم عليها، حتّى لو فرض انقطاع الحدث بعد ذلك وجب عليه الطهارة للحدث المتأخّر عن الطهارة الأُولى، فدلّ ذلك على عدم ارتفاع حدثه، وإنّما حصل له بالطهارة إباحةُ الصلاة خاصّةً.

وقد ظهر من ذلك الفرق بين الرفع والاستباحة، وأنّهما متلازمان في حقّ المختار، فيتخيّر بين نيّة الرفع أو الاستباحة، أو نيّتهما معاً إمّا تأكيداً، وإمّا للخروج من خلاف القائل بوجوب الجمع بينهما؛ بناءً على عدم تلازمهما مطلقاً، وإمّا لتحصيل نيّة كلّ واحدٍ منهما مطابقة.

(أمّا المستحاضة ودائم الحدث، فالاستباحة أو هما لا غير) هذين الأمرين أعني نيّة الاستباحة أو نيّتهما؛ لما قد عرفتَ من عدم ارتفاع حدث دائم الحدث، فلا تُعقَل نيّة رفعه مع عدم ارتفاعه فينوي الاستباحة وتحصل له وإن بقي أثر الحدث ولو نواهما انصرف إلى السابق على الطهارة والاستباحة إلى المتأخّر عنها.

وذهب المصنِّف في بعض تحقيقاته إلى الاكتفاء بنيّة رفع الحدث؛ بناءً على أنّ

ص: 83


1- في «ق»: أي
2- أيضاً: لم ترد في «ق، د»

المراد منه هو المانع، ولو لا ارتفاعه لما أُبيحت الصلاةُ، أو بحمله على الحدث السابق، والمتأخّر من الحدث معفوّ عنه وإن لم ينو إباحته، بل لا يكاد يُعقل نيّة الإباحة منه قبل وقوعه، وإنّما هو عفوٌ من الله تعالى(1).

وهذا القول ليس بعيداً من الصواب، فإنّا لا نَعقل من الحدث إلّا الحالة التي لا يصحّ معها الدخول في الصلاة، فمتى أُبيحت الصلاة زالت تلك الحالةُ فارتفع الحدث بالنسبة إلى هذه الصلاة بمعنى زوال المانع وإن بقي في غيرها.

وأيضاً فإنّ النيّة إنّما تؤثّر فى الإباحة من الحدث السابق عليها كما قلناه لا المتأخّر: إذ لم يُعهد ذلك شرعاً، والمتأخّر مغتفرٌ في هذه الصلاة، والسابق لا مانع من رفعه بالنيّة، وأولى بالصحّة مالو نوى رفع الحدث الماضي؛ لإمكانه واغتفار الطارئ.

فإن قيل: مع الإطلاق يكون الرفعُ مشتركاً بين رفع الماضي ورفع الأثر المانع مطلقاً، وصرف المشترك إلى أحد معنيَيه لا يجوز بغير قرينةٍ؛ لأنّه صرفٌ إلى بعض

المعنى.

قلنا : الإطلاق ينصرف إلى رفع القدر المانع من الدخول في الصلاة الذي يمكن رفعه بالطهارة، وقد تقرّر أنّ ذلك ليس إلّا السابق، ولو سلّم أنّه الجميع لكان المرتفع القدر المشترك بينهما لا أحدهما ولا كلّ واحد منهما.

وأمّا تخصيص الحدث بنفس الأثر المانع والاستباحة بالمنع وتجويز انفكاك أحدهما عن الآخر، فهو اصطلاح خاصّ، وليس في الدليل النقلي ما يدلّ عليه، بل إنّما اقتضى كون المراد بالحدث هو الحالة المانعة من العبادة وبالإباحة إزالتها ورفعها غاية ما في الباب أنّها قد ترتفع مطلقاً بالنسبة إلى جميع الصلوات، وقد ترفع بالنسبة إلى صلاةٍ واحدةٍ، وهذا لا يكفي في تخصيص كلّ قسمٍ باسمٍ بحيث لا ينصرف إلى غيره وإن كان الوقوف مع المشهور أولى.

واعلم أنّ عطف دائم الحدث على المستحاضة من باب عطف العامّ على الخاصّ،

ص: 84


1- راجع غاية المراد، ج 1، ص 26 ؛ حاشية القواعد، ص 69 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1 و 14)

فإنّ المستحاضةَ بعض أفراد دائم الحدث، وخصّها بالذكر لمزيد الاهتمام بشأنها بسبب كثرة وقوعها، والحاجة إلى معرفة حكمِها بخلاف السلس والمبطون، وهذا القدر مسوّغ لتخصيص بعض أفراد العامّ مع ذكر العامّ الواجب.

(الثاني: غَسل الوجه)، وحدّه (من قصاص) - مثلّث القاف - وهو منتهى منبت (شعر الرأس حقيقةً)، كما في مستوي الخلقة، (أو حكماً) كما في الأنزع والأغمّ، فإنّ حدّ وجههما من أعلى منبت شعر رأس مستوي الخلقة (إلى محادر) - بالدال المهملة- : موضع انحدار (شعرالذقن) - بالذال المعجمة والقاف المفتوحتين - : مجمع اللحيين - بفتح اللام - (طولاً) أي في طول الوجه.

وأطلق - على بُعدِه - من أسفل إلى أعلى الطول؛ لمناسبة طول البدن، وإلّا فالطول هو البُعد الزائد أو المفروض أوّلاً، سواء كان من الأعلى أم لا.

وقد استُفيد من رجوع الأنزع والأغمّ إلى مستوي الخلقة عدم وجوب غسل النَزَعتين - بالتحريك - : وهما البياضان المكتنفان للناصية، كما لا يجب غَسل الناصية.

وأمّا الأغمّ، فيجب عليه غَسل ظاهر الشعر الكائن على الجبهة؛ لانتقال اسم الوجه إليه وغسل البشرة الظاهرة في خلال الشعر دون المستورة.

(وما حواه الإبهامُ) - بكسر الهمزة - وهي الإصبع الغليظة المتطرّفة، وجمعها أباهيمُ.

(و) الإصبع (الوسطى عرضاً) أي في عرض الوجه.

(حقيقة) في مستوي الخلقة بالنسبة إلى الوجه واليدين (أو حكماً)، كما في كبير الوجه وصغيره، وطويل الأصابع وقصيرها، فإنّه يغسل من الوجه ما يغسله مستوي الخلقة، ويدخل في هذه الحدود شعر الحاجبين والشارب والعنفقة، وشعر الخدّين فيجب غَسل ظاهره.

وكذا يجب غسل ظاهر الأهداب - بالدال المهملة - وهي شعر الأجفان. والعارضين وهما الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن، نابتاً على اللحية من الجانبين، والذقن

ص: 85

تحتهما وهو مجمع اللحيين؛ لانتقال اسم الوجه إلى ذلك كلّه، ولا يجب غسل ماتحته. نعم يجب غسل البشرة الظاهرة خلاله كما مرّ.

والأحوط غسل العذار وهو ما حاذى الأذن يتّصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض وكذا غسل موضع التحذيف - بالذال المعجمة - وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين العذار والنزعة، سُمّي بذلك لحذف النساء والمترفين الشعر منه.

(ويجب تخليل ما) أي الشعر الذي (يمنع وصول الماء) إلى ماتحته على وجه الغسل (إذا خفٌ) الشعر المانع بأن كانت البشرة تُرى من خلاله في مجلس التخاطب، وربما فُسّر بما لا يعسر وصول الماء إلى منابته.

(أمّا الكثيف من الشعور) وهو ما قابل الخفيف بمعنييه (فلا) يجب تخليله، بل يغسل ظاهره الكائن منه على الوجه خاصّةً؛ لانتقال اسم الوجه إليه.

وإنّما فسّرنا الموصول بالشعر مع أنّه أعمّ منه؛ لعدم استقامة المعنى مع إرادة العموم؛ لأنّ ما يمنع غير الشعر من خاتمٍ ونحوِه يجب تخليله مطلقاً مع الإمكان، بل لا يكاد يُطلق عليه اسم الخفّة ومقابلها.

اللهمّ إلّا أن يقال بأنّ مفهوم الشرط ليس بحجّة، ويكون حكم الشعر الخفيف مسكوتاً عنه.

أو نقول: إنّ اقتصاره على إخراج الكثيف من الشعور يُؤذِن بتعميم الحكم في غيره أو يوجب تدافع المفهومين ويبقى حكم غير الشعر مسكوتاً عنه.

وربما أُعيد ضمير «خفٌ» إلى قوله: «تخليل» بمعنى وجوب تخليل كلّ ما يمنع وصول الماء إلى ما تحته إذا خفّ تخليله بمعنى انتفاء الضرر بتخليله.

ومعنى تمام الكلام أمّا الكثيف من الشعور ، فلا يجب تخليله مُطلقاً، سواء كان في تخليله ضرورة أم لا.

وفيه تفسير الخفّة في هذا الباب بغير المصطلح، فإنّ الواقع في عبارة القوم كونه من أوصاف الشعر، وتفسير الخفّة بانتفاء الضرر مع أنّها أعمّ منه، وليس في العبارة إشعار

ص: 86

بالتخصيص، وجعل كثيف الشعر قسيماً لما لاضرر في تخليله، والمطابق كون القسيم ما فيه ضرر ولا ريب أنّ اختلال العبارة بتلك الوجوه السابقة أولى بها من حملها على هذا المعنى البعيد.

وكيف كان، فالعبارة خاليةٌ عن المتانة وحسن التأدية للمعنى المراد منها، وما حكم به هنا - من وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه إذا خفٌ بالمعنى الأوّل - هو أحوط القولين، والمشهور والذي اختاره المصنِّف في غير هذه الرسالة عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه، سواء خفّ كلّه أم كثف أم تبعّض لرجل كان أم لا مرأه(1)؛ لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ظاهراً فلا يتّبع به غيره، ولعموم قول الباقر علیه السلام في صحيح زرارة: «كلّ ما أحاط به الشَعر فليس على العباد أن يَطلبوه، ولا أن يبحثوا عنه، لكن يجري عليه الماء»(2).

والمراد بما أحاط به الشعر من البشرة ما لا يُرى من خلاله في جميع كيفيات مجالس التخاطب، فلا اعتبار بإحاطته به في حالةٍ دون أُخرى ممّا يصدق عليه اسم المجالسة؛ لعدم تحقّق الإحاطة حقيقةً؛ إذ يصدق انتفاؤها أيضاً، وما يمكن سلب الاسم عنه فتسميته به مجازيّةٌ، مع احتمال عدم اشتراط ذلك.

واعلم أنّ الخلاف في غَسل بشرة الخفيف إنّما هو في المستور منها كما بيّنّاه، لا في البشرة الظاهرة خلال الشعر على كلّ حال، بل يجب غسلها إجماعاً؛ لعدم انتقال اسم الوجه عنها، وعدم إحاطة الشعر بها. فعلى هذا لابدّ لخفيف الشعر من إدخال الماء إلى البشرة التي بين شعره، وغسل ما ظهر منها، وحينئذٍ فتقلّ فائدة الخلاف في ذلك.

(وتجب البدأة) في غسل الوجه (بالأعلى) إلى الذقن، فلو نكس بطل خلافاً للمرتضى(3).

ص: 87


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج6).
2- الفقيه، ج 1 ، ص 44 - 45، ح 88: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 364 - 365، ح 1106.
3- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 143؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 109، المسألة 67؛ وأسنده صاحب جواهر الكلام فيه، ج 2، ص 148 إلى كتاب المصباح.

لنا: وصف الباقر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وأنّه غسل وجهه من أعلاه(1).

وللمرتضى إطلاق الآية(2)، ومنعُه العمل بخبر الواحد، فلا يقيّد المطلق الثابت، وحيث قلنا بالتعبّد به لزم الحكم بالتقييد.

والمعتبر في غسل الأعلى فالأعلى المفهوم العرفي، فلا يقدح فيه اليسير من بعض الجهات بحيث لا يُخِلّ بتسميته غَسلاً للأعلى عرفاً؛ ولأنّ الوقوف على حدّه الحقيقي غير ممكن، وفي الاكتفاء فيه بكون كلّ جزءٍ من العضو لا يُغسَل قبل ما فوقه على خطّه وإن غسل ذلك الجزء قبل الأعلى من غير جهته، وجهٌ وجيه.

(ولا يجب غَسل فاضل اللّحية عن الوجه)؛ لخروجه عن المحدود، ولا فرق في ذلک بين الطول والعرض، وإنّما يجب غسل الشعر الكائن على الخدّين ونحوه وإن اتّصل بشعر اللحية ودخل في مسمّاها عرفاً، ويستفاد من تقييد عدم الوجوب بالفاضل أنّ الجزء المتّصل بالوجه الذي لا يخرج عنه منها، يجب غسله كشعر الوجه، وكما لا يجب غَسل فاضل اللَحية لا يجب إفاضة الماء على ظاهره؛ لعدم اتّصاف فاقد اللَحية بنقص الوجه.

(الثالث: غسل اليدين من المرفقين) - بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس - سمّي بذلك لأنّه يرتفق بهما في يرتفق بهما في الاتكاء ونحوه والمراد بهما العظمان المتداخلان، أعني طرف العضد والذراع لا نفس المفصل.

وكيفيّة الغسل وقوعه في حال كونه (مُبتدِئاً بهما إلى رؤوس الأصابع) في المشهور، فلا يجزئ النكس كالوجه.

واعلم أنّه لا خلاف في وجوب غسل المرفقين مع اليدين، إنّما الخلاف في سببه هل هو النصّ، بجعل «إلى» في الآية(3) بمعنى «مع» كقوله تعالى «مَنْ أَنصَارِي إِلَى

ص: 88


1- الكافي، ج 3، ص 24، ح : الفقيه، ج 1 ، ص 36 ، ح 74: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 55، ح 157
2- المائدة (5): 6
3- المائدة (5): 6

اللَّهِ»(1)، ولأنّ الغاية تدخل في المغيّا حيث لا مفصل محسوس؛ ولدخول الحدّ المجانس في الابتداء والانتهاء، كبعتُ الثوب من طرفه إلى طرفه الآخر؛ وللوضوء البيانيّ حيث أدار صلی الله علیه و آله و سلّم الماء على مرفقيه مبتدئاً بهما(2)، أو الاستنباط من باب مقدّمة الواجب بجعل «إِلَى» للغاية، وهي لا تقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه؛ لوروده معهما، والأصحّ الأوّل.

وتظهر الفائدة في وجوب غَسل جزء من العضد فوق المرفق حال اتّصاله، وعدم وجوب غسل رأس العضد لو قطعت من المرفق حال اتّصاله.

فإن قلنا بوجوب غَسله استنباطاً لم يجب غَسل الأوّل؛ لأنّ نفس المرفق هو المقدّمة، فلا يتوقّف على مقدّمة أُخرى، ويسقط غسل رأس العضد في الثاني لظهور طرف اليد فتسقط المقدّمة.

وإن قلنا بالأصالة وجب الأمران؛ لكون الأوّل هو المقدّمة، والثاني جزءً من محلّ الفرض، كما لو قُطعت من الزند.

(ويجَب تخليلُ ما يمنع وصولَ الماء) إلى البشرة (كالخاتم) - بفتح التاء وكسرها (والشعر) والمراد بتخليله إدخال الماء خلالَه على وجهٍ يتحقّق معه مسمّى الغسل لجميع البشرة الكائنة تحته، ولا فرق في وجوب تخليل الشعر هنا بين الخفيف و الكثيف؛ لعدم انتقال اسم اليد إليه بخلاف شعر الوجه.

ويجب غسل هذا الشعر أيضاً؛ لأنّه من توابع اليد، كما يجب غسل الظفر وإن خرج عن حدّ اليد، وغسل الإصبع واللحم الزائدين في المرفق أو تحته، واليد الزائدة كذلك وإن تميّزت عن الأصليّة، وكذا لو كانت فوق المرفق ولم تتميّز، ولو تميّزت حينئذٍ فالأصحّ عدم وجوب غَسلها، وفاقاً للمصنِّف؛ حملاً لليد على المعهود، وقبول انقسام

ص: 89


1- آل عمران (3): 52
2- الكافي، ج 3، ص 25 - 26 ، باب صفة الوضوء، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 56، ح 158 : الاستبصار، ج 1، ص 57 ، ح 168

اليد إليها وإلى غيرها أعمّ من الحقيقة.

ولو كان تحت الظفر وسخّ يمنع وصول الماء إلى ما تحته على وجه الغسل وجب إزالته مع الإمكان، ولو ثقبت يده وجب إدخال الماء الثقب؛ لأنّه صار ظاهراً، جزم به المصنّف في الذكرى(1) وهو يقتضي وجوب إدخال الماء في ثقب الأذن، وغسل باطنه في الغسل بطريقٍ أولى، ولو التحم فلا ريب في السقوط.

(والبدأة) ب_ ( اليد اليمنى) وهو موضع وفاق بين علمائنا، والوضوء البياني يدلّ عليه أيضاً، وهما مبيِّنان لإجمال الآية أو مقيِّدان لإطلاقها، ومن ثمّ وافق المرتضى عليه (2)مع أنّ حجّته لا تقتضيه.

(الرابع: مسحُ مُقدَّم شَعر الرأس) - بضمّ الميم وتشديد الدال المفتوحة - نقيض المؤخّر - بالتشديد - والمراد به المختصّ بمقدّم الرأس بحيث لا يخرج بمدّه عن حدّه المقدّم، فلا يجزئ المسحُ على شعر غير المقدّم وإن كان موضوعاً عليه، ولا على شعره غير المختصّ به كالجزء من الطويل الخارج بمدّه عنه.

وهذا التحديد ثابت في حال كونه (حقيقةً) في مستوي الخلقة بالنسبة إلى نبات شعر رأسه بأن لا يكون أنزع قد انحسر الشعر عن بعض مقدّم رأسه، ولا أغمَّ قد تجاوز شَعرُ رأسه إلى جبهته وجبينه.

(أو حكماً) في غير المستوي كهذين، فيمسح الأغمّ على الشعر الكائن على ما يُعدّ مقدماً لرأس مستوي الخلقة، لا على ما عليه الشعر مطلقاً ؛ لأنّ بعضه معدود من

جملة الوجه.

ووجه كون ذلك مقدّم شعر الرأس حكماً أنّ الشائع المعروف حسّاً كون الرأس هو ما ينبت عليه الشعر، وحيث لم يكن ذلك مُراداً هنا - لعدم جواز المسح على الشعر

ص: 90


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 49 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- الانتصار، ص 101، المسألة 10.

الكائن على الجبهة وما في حكمها - حاول المصنِّف بيان المراد بقوله: «أو حكماً» بمعنى أنّ بعض ما عليه الشعر للأغمّ الذي قد يُفهم منه أنه مقدّمُ شعر رأسه هو بحكم شعر المقدّم، والباقي خارج عن الحكم.

فلو اكتفى بقوله: «حقيقة» أو بلفظٍ يطلق عليها، لم يُعلَم خروجُ شعرٌ الأغمّ الخارج عن مستوي الخلقة؛ لعدم المفصل المعيّن الموجب لاختصاص اسم الرأس.

وأمّا الأنزع فلما لم يكن على بعض مقدّم رأسه شعرٌ، لم يدخل ذلك البعض في قوله: «مُقدّم شعر الرأس فإنّ الإطلاق ينصرف إلى الحقيقة، ولا شعر هنا مع أنّ المسح عليه جائز، فنبّه على دخوله بقوله: «أو حكماً» فإنّ بشرة الأنزع التي هي محلّ شعر مقدّم مستوي الخلقة في حكم شعر مقدّم رأسه وإن لم يكن إيّاه حقيقة، وقوله: (أو بشرته) أي بشرة مقدّم شعر الرأس، وأراد بذلك إدخال محلوق الرأس ونحوه، فإنّه يمسح على بشرة شعر المقدّم.

واعلم أنّ هذه العبارة من مشكلات الرسالة دلالةً على المطلوب منها، وقد اضطربت فيها الأفهام تنزيلاً وجرحاً وتسديداً.

وتحرير القول فيها أنّ الرأس إن كان إنّما يُطلق حقيقةً على رأس مستوي الخلقة وغيره يحال عليه كما هو الظاهر، فالأغمّ يُعلَم حكمه من قوله: «حقيقة» فإنّ مازاد من شعره عن رأس مستوي الخلقة لا يُسمّى شعر مقدّم رأسه حقيقةً فيخرج من العبارة، ويقتضي حينئذٍ أنّه لا يمسح إلا على مقدّم شعر رأسه حقيقةً، وهو ما ناسب شعر رأس مستوي الخلقة، فلا يفتقر إلى إدخاله في قوله: «حكماً» لأنّه بالحقيقة ألصق، فإنّ الشعر النابت على الجبهة والجبين لا يُسمّى مقدّم شعر الرأس حقيقةً ولا حكماً، فهو خارج بأوّل الكلام.

وأمّا الأنزع، فإنّه لما لم يكن على موضع نَزَعته شعر لم يدخل في قوله: «مقدّم شعر الرأس» لا مطلقاً ولا بقيد الحقيقة؛ إذ ليس هناك شعر يدخل في نظائره، وجعل بشرته - التي لو قدّر مستوي الخلقة لكان عليها شعر - في حكم الشعر المقدّم، يوجب كون بشرة

ص: 91

المحلوق في حكم المقدّم بطريقٍ أولى؛ لأنّها منبت الشعر وهو موجود فيها بالقوّة القريبة من الفعل، بل أُصوله موجودة فيها، فكونها في حكم شعر المقدّم أولى من كون بشرة الأنزع في حكمه، فاللازم حينئذٍ إمّا ترك قوله: «أو بشرته» ويُكتَفى بقوله: «أو حكماً» ويريد بذلك إدخال مَن ليس على مقدّم رأسه شعر، سواء كان لنَزَعةٍ أم لحلقٍ أم لغيرهما، أو يُكتَفى بذكر تلك البشرة عن الحكم فمن هنا جعل بعضهم في العبارة تكراراً(1)؛ بناءً على أنّ قوله: «أو بشرته» مغنٍ عن قوله «أو حكماً».

وبعضُهم اقتَصَر على استشكال إدخال الأنزع في الحكم دون الأغمّ؛ بناءً على عدم تسمية بشرته شعراً؛ ولدخوله في قوله: «أو بشرته»، فإنّ مدلولها المطابقي يدخل

الأنزع ولا وجه لادخاله في غيره، وكلا الأمرين مندفع عن العبارة.

أمّا الأوّل، فلأنّ ضمير قوله : «أو بشرته» يعود على مقدّم شعر الرأس كما سبق، والأنزع لا مقدّم لشعر رأسه في النَزَعتين، فلا يدخل في بشرته، فلولا قوله: «حكماً» لخرج.

وإنّما يتمّ ذلك لو كان ضمير «بشرته» يعود على مقدّم الرأس من غير اعتبار الشعر، لكنّه غير صحيح؛ إذ ليس مقدّم الرأس مذكوراً في العبارة حتّى يعود عليه الضمير، وإنّما المذكور مقدّم شعر الرأس وأحدهما غير الآخر، ومتى انتفى الشعر عن مقدّم رأس الأصلع انتفت بشرته. وإنّما دخل في قوله: «أو حكماً» فإنّ الصلعة في حكم شعر مقدّم الرأس من مستوي الخلقة، فيصير تقدير العبارة: يجب مسح مقدّم شعر الرأس حقيقةً في مَن نبت على مقدّمه شعر ولم يتجاوز الغالب، أو حكماً في الأنزع والأغمّ باعتبار المنع في الزائد بالنسبة إليه أو بشرة مقدّم شعر الرأس عند حلقه، ونحوه.

وأمّا الثاني، فمبنى كلامه على أن ضمير «بشرته» يعود على الرأس لقربه بمعنى وجوب مسح بشرة الرأس، فيدخل فيه الأنزع ومحلوق الرأس، ويندفع بمنع صحّة

ص: 92


1- حكاه عن كثير من الطلبة المحقّق الكركي في شرح الألفية، ص 50 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج7.

عود الضمير على الرأس؛ لاستلزامه جوازَ المسح على أيّ جزءٍ من بشرة الرأس حتّى المؤخّر؛ إذ لا دلالة للّفظ حينئذٍ على اختصاصه بالمقدّم؛ لأنّه جعله قسيماً لمقدّم الشعر، فلا يجب مشاركته في المقدّميّة.

وحيث بطل عود الضمير على الرأس وعلى مقدّمه تعيّن عوده على مقدّم شعره، وحينئذ، فلا يدخل الأنزع في قوله: «أو بشرته» إذ لا مقدّم لشعر رأسه على النَزَعة فلا بشرة له فتعيّن إدخاله في الحكم لئلّا يلزم الإخلال بذكره.

والعجب من إدخال الأغمّ في الحكم دون الأنزع مع أنّ الأغمّ ليس شعر رأسه المساوي لشعر المستوي في حكم شعر المقدّم، بل عينه فهو بالحقيقة أولى بخلاف الأنزع فلو عكس الأمر وقيل: يدخل في الحكم الأنزع دون الأغمّ - لأنّ الزائد من شعره عن مستوي الخلقة ليس شعر مقدّم الرأس فخرج من أوّل الأمر كان أولى.

نعم، بقي في العبارة أن يقال: يمكن الاكتفاء بقوله: «حكماً» عن قوله: «أوبشرته» فإنّ بشرة الأنزع إذا كانت في حكم شعر المقدّم كانت بشرة المحلوق أولى بالحكميّة فلا يحتاج إلى عبارة أُخرى تدخلها، وقد سبق التنبيه عليه.

ويُعتذَر له بأنّ هذا المعنى لخفائه واحتياجه إلى تكلُّفٍ في إلحاق البشرة بالشعر، أوجب التصريح بذكر البشرة، وهذا لا يُفيد التكرار المحض، خصوصاً مع كون الرسالة موضوعة لعامّة المكلّفين المقتضي لتفصيل الحال دون الإجمال. وإنّما اضطررنا إلى إدخال الأنزع في الحكم مع خفائه؛ لعدم إمكان إدخاله في قوله: «أو بشرته» كما بيّنّاه، فاستقامت العبارة على نهج السداد وإن عسر منها تحقيق المراد.

ويجب أن يكون المسحُ (ببقية البلل) الكائن على أعضاء الوضوء الواجب غَسلُها أو المندوب، فلو استأنف له بللاً خارجاً عن ذلك وإن كان على أعضاء المسح لم يصحّ، ويتحقّق الاستئناف في ذلك بانتقال البلل الموجود على جزء من العضو الممسوح إلى جزءٍ آخر بواسطة الماسح، فلو كان العضو رطباً ولم ينتقل البلل عنه بالمسح لم يضرَّ.

ويجزئ في المسح مسمّاه (ولو) كان (بإصبع) - بتثليث الهمزة مع تثليث الباء -

ص: 93

بمعنى الاكتفاء بكون الإصبع آلةٌ للمسح بحيث يحصل بها مسمّاه، لاكونه بقدر الإصبع عرضاً، وهذا التقدير لأقلّ الواجب، فلو زاد عليه كان واجباً أيضاً وإن وصف بالاستحباب بمعنى كونه أفضلَ الواجبين. هذا إن أوقعه دفعةً، وإلّا كان الزائد على المسمّى مستحبّاً؛ لجواز تركه لا إلى بدل وأصالة عدم الوجوب، وعدم الدليل

عليه.

وغاية المؤكّد ثلاث أصابعَ، ويجوز الزيادة عليها ما لم يستوعب جميع الرأس، فيكره على الأصحّ، إلّا أن يعتقد شرعيّته فيأثم خاصّةً، وقيل: يبطل المسح(1). وقد أغرب الشارح المحقّق (رحمه الله) حيث جعل الزائد على الثلاث أصابع غير مشروع(2).

ولا يتعيّن المسح من أعلى المقدّم وإن كان أفضل، بل يجوز ذلك (أو منكوساً) بأن يستقبل الشعر؛ لإطلاق الآية(3) والأخبار(4)، وصحيحة حمّاد بن عثمان عن الصادق علیه السلام: «لابأس بمسح الوضوء مقبِلاً ومديراً»(5)، وأكثر الأصحاب على منع النكس(6) حتّى المرتضى (رضي الله عنه) مع تجويزه ذلك في غَسل الوجه واليدين؛ محتجّاً بتوقّف القطع برفع الحدث عليه(7)، وهو غريب.

وقد اختلف حكم المصنّف رحمه الله فيه فجوّزه هنا، ومنعه في الدروس(8)، وتوقّف في الذكرى(9).

ص: 94


1- قاله ابن الجنيد، كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 125، المسألة 77
2- شرح الألفيّة، ص 143 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- المائدة (5): 6
4- الكافي، ج 3، ص 24، باب صفة الوضوء، ح 3: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58، ح 162.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58 ، ح 161؛ الاستبصار، ج 1، ص 57، ح 169
6- كالمفيد في المقنعة، ص 44 والشيخ في النهاية، ص 14 وابن حمزة في الوسيلة، ص 50.
7- الانتصار، ص 99 المسألة .9
8- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 11 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
9- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

(الخامس: مسحُ بَشَرة الرجلين)، وعلى وجوبه إجماعُ الإماميّة، وأخبارهم به متواترة(1)، والقرآن ناطق به(2). أمّا على قراءة «أَرْجُلِكُمْ» بالجرِّ، فظاهر؛ لعطفها على الرؤوس لفظاً، وأمّا على النصب، فبالعطف عليها محلّاً لا على الأيدي للقرب. والفصل والإخلال بالفصاحة بسبب الانتقال من جملة إلى أُخرى قبل تمام ،الغرض، وحمل الجرّ على المجاورة لم يرتضه محقّقو النحاة من المتقدّمين والمتأخّرين، ومن ثمّ تكلّف الزمخشريّ وتبعه ابن هشام من المتأخّرين - بعد الاعتراف بفساد الجرّ على المجاورة بحمل المسح على الغَسل الخفيف، أو على مسح الخُفّ(3).

وهو تكلّفٌ ينادي على نفسه بالكساد، ويُؤذِن بعد الفساد بمحضِ العصبيةِ والعِناد فإنّ مخالفة الأوضاع اللغويّة والشرعيّة سيّما في كتاب الله سبحانه وتعالى أقبحُ من مخالفةِ القواعد العربيّة.

والمراد بالبشرة ظاهر جلد الإنسان، كما ذكره أهل اللغة(4).

ويُستفاد من حصره المسحَ في بشرة الرجلين - مع تخييره في الرأس بين مسح مقدّم شعره وبشرته - أنّه لا يُجزئ المسح على الشعر في الرجلين وإن اختصّ بالظهر، بل يتحتّم [مسح] البشرة، والأمر فيه كذلك.

والفارق النصُّ الدالّ بإطلاقه على وجوب مسح الرجلين ؛ إذ الشعر لا يُسمّى رجلاً ولا جزءً منها، مع التصريح في بعض الأخبار بجواز المسح على شعر الرأس(5).

وإنّما لم يصرّح الأصحاب بالمنع من المسح على الشعر في الرجلين؛ لندور الشعر

ص: 95


1- انظر وسائل الشيعة، ج 1، ص 418 وما بعد، الباب 25 من أبواب الوضوء.
2- المائدة (5): 6
3- شرح شذور الذهب، ص 331 - 332
4- الصحاح، ج 2، ص 590: القاموس المحيط ، ج 1، ص 386، «بشر».
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 91، ح 241: الاستبصار، ج 1، ص 60، ح 176

الحائل فيهما القاطع لخطّ المسح، فاكتفوا باستفادته من لفظ البشرة، فإنّها كالصريح إن لم تكنه.

وحدّ الرجل الممسوحة (من رؤوس الأصابع إلى أصل الساق) وهو المفصل الذي هو ملتقَى الساق والقدم، وفاقاً للفاضل (رحمه الله)(1)، وأخذاً بالاحتياط.

والمشهور بين الأصحاب بل ادّعى عليه المصنّف في الذكرى(2) والمحقّق في المعتبر(3) والشيخ في التهذيب(4) الإجماعَ على أنّ حدّ المسح قُبّنا القدم عند معقد الشراك، وهما المراد بالكعبين لغةً(5) وشرعا.

وقد بالغ المصنّف في إنكار ما اختاره هنا في الذكرى، وجعله إحداثَ قولٍ ثالتٍ رافعٍ لما أجمع عليه الأُمّة؛ لأنّ الخاصّة أجمع وجماعةً من العامّة على أنّهما قبّنا القدم،

والباقين على أنّهما العظمان الناتئان عن يمين الرجل وشماله عند أسفلِ الساق(6).

وكأنّ المصنّف (رحمه الله) هنا حاول الخروج من الخلاف؛ لسهولة الخطب، وعموم النفع بالرسالة.

وكيف كان فيجب إدخال الكعب في المسح كالمرفق، وإدخال جزء من الحدّ المشترك من الطرفين لعدم المفصل المحسوس.

ولا يجب استيعاب القدم عرضاً، بل يُجزئ المسح عليه (بأقلٌ اسمه) وهو موضع وفاقٍ هنا كما نقله المحقّق في المعتبر(7)، وإنّما الخلاف في مسح الرأس، ولعلّ السرّ في

ص: 96


1- منتهى المطلب، ج 2، ص 69 قواعد الأحكام، ج 1، ص 203؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 44؛ مختلف الشيعةج 1 ، ص 125. المسألة 78
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
3- المعتبر، ج 1، ص 151
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 74 - 75، ذيل الحديث 188.
5- الصحاح ج 1، ص 213؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 129، «کعب».
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 67 - 68 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
7- المعتبر، ج 1، ص 150.

مخالفة المصنّف بين العبارتين حيث عبّر هناك بالإصبع(1) وهنا بأقلّ اسمه هو التنبيه على ذلك.

وكيف كان، فالتعبير بأقلّ الاسم أجود من التعبير بالإصبع؛ لإيهامه كون أقلّه مقدار إصبع وليس كذلك، بل التعبير بها لعدم إمكان جعل آلة المسح أقلّ من الإصبع وإن جاز الاقتصار في المسح بها على أقلّ من عرضها فالتمثيل بها من جهة كونها آلةً للمسح لا مقدّرة له بقدرها.

ويجب كون المسح (بالبلل) المتخلّف على أعضاء الوضوء المغسولة، كما تقدّم في مسح الرأس، ولا ينحصر في بلل اليدين، كما يقتضيه إطلاق العبارة ورشاقتُها، بل يجوز أخذ البلل من غيرهما من محالّ الوضوء الواجبة والمندوبة لا من غيرها.

فلو استأنف ماءً لأحد المسحين وهما مسح الرأس و مسح الرجلين. وإنّما أعاد مسح الرأس مع تقدّم ذكره ليدلّ بالمطابقة على بطلان المسح بالبلل المستأنَف؛ إذ إيجاب المسح بالبلل أعمُّ من البطلان بتركه (بطل) المسح المدلول على حصوله من ظاهر العبارة وإن لم يصرّح به ثمّ إن استمرّ عليه حتّى جَفٌ البلل عن جميع محالّ الوضوء بطل الوضوء أيضاً؛ لعدم الموالاة لا للاستئناف، وإن استدرك المسح بالبلل قبل الجفاف أجزأ، ومعنى بطلان المسح هنا وقوعُه باطلاً ابتداءً لا بطلانه بعد صحّته، وهو استعمال سائغ.

والشارح المحقِّق (رحمه الله) جعل ضمير «بطل» عائداً إلى الوضوء لا إلى المسح؛ مستدلّاً بعدم ذكر المسح سابقاً(2) وهو غريب، فإنّه مذكور عن قربٍ وبُعدٍ بخلاف الوضوء، فإنّه ليس مذكوراً في الرمز، وكون البحث فيه مشتركاً، بل المسح أولى به، ومع ذلك لا يستقيم في الوضوء، فإنّ بطلانه مشروطٌ بعدم إعادة المسح على وجهه بخلاف المسح، فإنّه باطلٌ مطلقاً.

ص: 97


1- تقدّم في ص 93.
2- شرح الألفية، ص 52 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره ، ج 7).

والمُوقِعُ في الوهم ذِكرُ المصنّف استئناف الماء للمسح من دون التصريح بوقوعه بعد ذلك، وعود ضمير «بطل» إلى المسح المذكور في قوله: «أحد»، وذكره أوّلاً يقتضى

حصوله؛ لأنّ البطلان لا ينسب إلّا إلى الواقع مع أنّ دلالة المقام عليه واضحةً.

(و) لا يتعيّن المسح بالبلل الكائن على الكفّين اختياراً، بل (يجوز الأخذُ من شعر الوجه) وغيره، والمسح به مع الاختيار.

ويشمل قوله: «شعر الوجه» ما يجب غَسلُه منه وما يُستحبّ، وهو أشملُ من عبارة مَن عبّر بالأخذ من اللَحية وأشفارِ العينين وأخصرُ(1)، وهذا الحكم قد عُلِم من إطلاق الأمر بالمسح بالبلل سابقاً، لكن أعاده للتصريح به بعدَ الإجمال.

(وينبغي) على وجه الاستحباب (البدأةُ ب_ ) الرجل (اليمنى احتياطاً) لا حتماً.

أمّا عدم التحتّم؛ فلإطلاق الآية(2)؛ ولإخبار الصادق علیه السلام بمسح كل واحدةٍ قبل الأُخرى ومسحِهما معا(3).

وأمّا تقديم اليمنى احتياطاً مستحبّاً، فللخروج من خلاف جماعةٍ من الأصحاب حيث حكموا بوجوب تقديمها، ولم يكتفوا بالمعيّة فضلاً عن تقديم اليسرى(4)، ومن خلاف آخرين حيث جوّزوا المعيّة دون تقديم اليسرى(5)، ويظهر من المصنّف في الدروس اختياره(6).

والقول الأوسط هو الأوسط؛ لأنّ الوضوء البياني الذي وصفه النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بأنّه «لا يقبل الله الصلاة إلّا به»(7) إن كان وقع مرتّباً بين الرجلين لزم القول به، وإلّا تعيّن مقابلُه.

ص: 98


1- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 13
2- المائدة (5): 6
3- الكافي، ج 3، ص 29، باب مسح الرأس والقدمين، ح 2
4- منهم: الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 45 ذيل الحديث 88 وسلار في المراسم، ص 38.
5- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 44.
6- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 11 - 12 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- الفقيه، ج 1، ص 38 ، ح 76.

والثاني باطل إجماعاً، فثبت الأوّل؛ لئلّا يلزم الإجماع على الخطأ. وهذا الاستلال صالح لجميع ما اختُلِف فيه من كيفيّات الوضوء، كغسل الوجه من أعلاه، واليدين من المرفقين، وتقديم اليمني وغيرها.

لا يقال: هذا واردٌ في المسح حيث إنّه يقتضي عدم إجزاء استقبال الشعر في الرأس لتقريب الدليل وقد حكم بجوازه.

لأنا نقول: المسح خَرجَ بدليلٍ خاصٍّ وهو صحيحة حمّاد(1)، فيبقى الباقي. وإخراجُ بعض مدلولات الدليل بأمرٍ خارجٍ لا يقتضي اطّراحَه.

(ولا يجوز النكس) في مسح الرجلين بأن يمسح من الكعبين إلى رؤوس الأصابع، (بل) يجب أن (يُبدَأ بالأصابع) ويُختم بالكعبين؛ عملاً بظاهر الآية بجعل «إلَى»(2) على بابها من الانتهاء، وهذا هو الذي اقتضى الفرق بين مسح الرأس والرجلين؛ إذ ليس في الرأس تحديد، بخلاف الرجلين.

ويجاب بأنّ صحيحة حمّاد المتقدّمة الشاملة لمسح الرأس والرجلين ناصّةٌ على جواز النكس فيهما، فلو حُملت الآيةُ على الابتداء في المسح بالأصابع خاصّةً لزم التنافي مع إمكان الجمع بينهما بجعل «إلى» بمعنى «مع» كاليدين، أو بجعلِ الكعبين نهايةً للممسوح لا المسح فجواز النكس حينئذٍ أجود، نعم يكره خروجاً من خلاف

الجماعة.

واعلم أنّه قد استُفيد من الاكتفاء بمسمّى المسح وكون مبدإه أحد الطرفين إمّا الأصابع أو الكعب، وانتهائه إلى الآخر أنّ ظهر القدم الموازي للأصابع بأجمعه محلِّ للمسح، وأنّ القدر الذي يُطلق عليه الاسمُ يُعتبر في عرض القدم، فعلى هذا يجوز المسح على أيّ إصبع شاء من أصابع الرجل إذا اتّصل خطّه بالكعب.

ثمّ إن قلنا بأنّه المفصل وجب الانتهاء إليه من أيّ جهاته الكائنة على ظهر القدم

ص: 99


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58 ، ح 161؛ الاستبصار، ج 1، ص 57 - 58، ح 169.
2- المائدة (5) : 6

شاء، وعلى المختار من أنّه الناتئ في ظهر القدم يجب اتّصال الخطّ إليه، فينحرف إليه لو جعل الخنصر مبدأ المسح، ومن هنا يظهر أنّ مُطلق الوصول بالمسح إلى المفصل ليس أحوط من القول الآخر.

(السادس: الترتيب) بين الأعضاء المغسولة والممسوحة (كما ذكر)، أي كما وقع في الذكر وهو عبارة المصنّف لا الذكر المعهود للترتيب؛ إذ لم يتقدّم لها ذكر.

فيبدأ بالنيّة ثم يغسل الوجه مقارناً لها ثمّ اليمنى(1) ثمّ اليسرى ثمّ يمسح الرأس ثمّ الرجلين مرتّباً بينهما على ما اخترناه.

وعلى اعتبار الترتيب في الجملة إجماع علمائنا وأكثر الجمهور(2)، وقد خالف أبوحنيفة(3) ومالك(4)، فجوّزا النكس فيه كيف فرض فصوره سبعمائة وعشرون كلّها مجزئة عندهما، ولا يجزئ منها عندنا إلّا واحدةً، ولو أسقطنا الترتيب في غسل الرجلين صحّ في واحدةٍ من مائةٍ وعشرين.

والمعتبر في الترتيب تقديمُ المقدَّم، لا عدم تأخيره، فلا تُجزئ المعية، بل يحصل الوجه دخولاً واليمنى خروجاً، فإن أعادها أو أخّر إخراج اليسرى عن إخراج اليمني

لحظةً صحّ غسلها أيضاً، ويجوز المسح بمائها؛ لعدم صدق التجديد عليه.

ولو كان في جارٍ وتعاقَبت عليه ثلاثُ جَريات أو في واقفٍ ومضى عليه ثلاثُ آناتٍ قاصداً غسل كلّ عضوٍ في آنٍ مرتّباً صحّ الجميع أيضاً، ولو ذهل عن القصد

ص: 100


1- في «ع ، ش: باليد اليمنى
2- المهذّب، ج 1، ص 33؛ المجموع شرح المهذّب، ج 1، ص 441: مغني المحتاج، ج 1، ص 79: السراج الوهّاج ى 17: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 156. المسألة 117؛ الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 98؛ التفسير الكبير، ج 6، ص 156 - 158، ذيل الآية 6 من المائدة (5).
3- المبسوط السرخسي، ج 1، ص 167 - 168 : بدائع الصنائع، ج 1، ص 33 - 34: الهداية، ج 1، ص 13: شرح فتح القدير، ج 1، ص 30
4- بداية المجتهد، ج 1، ص 17 : المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 14 مقدمات ابن رشد، ج 1، ص 54: بلغة السالك 4. ج 1 ، ص 47 .

فالظاهر أنّه كذلك؛ لعدم اشتراط القصد الطارئ لغسل الأعضاء ما دامت الاستدامة الحكميّةُ حاصلةٌ.

ومن هنا صحّ غَسل الوجه داخلاً فالاولى واليمين خارجاً؛ لتعذر الزمان وإن لم يقصده؛ لأنّ الاستدامة الحكميّة حاصلةً بناءً على تفسيرها بأمر عدمي، فلا تتوقّف صحّة الغسل على نيّته، وكذا لو فسّرناها بأمرٍ وجودي مع الذهول عنها حالة الإخراج. أمّا لو قصد غَسلهما معاً حالةَ الوضع وقصدَ بالإخراج عدمَ الغَسل، كان من باب إبطال الاستدامة الحكميّة بالنسبة إلى اليد اليمنى حيث صرّح بكون غَسلها حالة الإخراج ليس لأجل الوضوء، فلا يُحتسب له حينئذٍ إلّا الوجهُ من جهة النية لا من حيث الدفعة، وعدم نيّة الغَسل حالةَ الإخراج.

ولو قصد غَسلَهما معاً حالة الوضع وذهل عن النيّة حالة الإخراج، فالظاهر الصحّة أيضاً؛ لبطلان غسل اليد أوّلاً ثمّ حصوله لا بقصدِ ينافي الغرض، والنيّة الأُولى اقتضت غسل كلّ عضوٍ في محلّه ما لم يعرض لها منافٍ مُبطلٌ لها، أو لغسل عضوٍ خاصٍّ حال غسله مع احتمال البطلان هنا؛ لاقتضاء قصد الغسل أوّلاً عدمه ثانياً، ولا يخفى بطلان الملازمة.

وقد ظهر بذلك أنّ قول المصنّف في الذكرى: «لو غَسل الأعضاء معاً صحّ الوجه خاصّةً، فإن أعاده ثانياً فاليمنى، فإن أعاده ثالثاً فاليسرى»(1) ليس على إطلاقه، بل ما فصّلناه أجود وهو خيرة المعتبر(2).

وأيضاً لو كان عدم قصد الغسل للعضو الخاصّ مُبطلاً لغسله لما صحّ غسله فی الدفعة التالية(3)؛ لأنّه إن كان ذاهلاً عن قصد غسله صحّ في الصورتين من غير فرقٍ، وإن كان قاصداً غسل ما بعده لاغير بناءً على توهّمه انغساله قبل ذلك، فالحكم واحدٌ أيضاً.

ص: 101


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 80 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- المعتبر، ج 1، ص 156.
3- في هامش «ع»: كذا بخطّه، وفي بعض النُسخ بالثاء المثلثة أي الثالثة.

(السابع: الموالاة وهي متابَعةُ الأفعال بحيث لا يجفّ) البلل عن جميع (السابق من الأعضاء)، فيبطل الوضوء مع الجفاف لابدونه على المشهور بين الأصحاب، وعليه دلّت الأخبار(1).

واكتفى بعض الأصحاب بجفاف العضو السابق على ما هو فيه خاصّة(2). والعبارة محتملة له بجعل «من» تبعيضيّة غير أنّ الأوّل هو الموافق لمذهبه في غيرِها(3).

والمعتبر في الجفاف الحسّي لا التقديري، فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرطاً بالرطوبة(4)، بكونه معتدِلاً، ولا فرق في الحكم بين العامد والناسي والجاهل وإن سلم الناسي من الإثم على تقدير الجفاف.

وفي تفسير الموالاة هنا قولان آخران:

أحدهما: المتابَعَة بين الأعضاء بحيث لا يُجعل بين الانتقال من العضو إلى الآخر فاصلٌ يُعتدّ به، فيبطل الوضوء مع الإخلال بها مطلقاً.

والثاني: المتابَعَة بهذا المعنى في حال الاختيار، فإن أخلّ بها معه أثِم، ولا يبطل الوضوء إلّا بالجفاف ومع الضرورة لا إثم بالتأخير ولا إبطال إلّا مع الجفاف.

والأقوال الثلاثة للشيخ (رحمه الله)(5) فضلاً عن غيره، فلا اعتبار بإنكار الشارح المحقّق (رحمه الله) الثالث(6).

والموالاة بمعنى مراعاة الجفاف واجبةٌ بحيث يبطل الوضوء به (إلّا مع التعذّر

ص: 102


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 87 88 ح 231؛ الاستبصار، ج 1، ص 72 ، ح 221
2- كالسيّد المرتضى في المسائل الناصريّات، ص 126، المسألة 33؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 103
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 12؛ البيان، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
4- في «ش ، د» مفرط الرطوبة.
5- الأوّل قاله في الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر)، ص 159؛ والثاني في الخلاف، ج 1، ص 93، المسألة 41 : والثالث في المبسوط، ج 1، ص 44.
6- شرح الألفية، ص 53 - 54 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

كشدّة الحرّ وقلّة الماء) أي مع اجتماعهما معاً فيسقط اعتبار ذلك، ويجوز حينئذٍ تجديد ماء للمسح لمكان الضرورة ودفعاً للحرج.

ويُستفاد من التقييد بالتعذّر أنّه لو أمكنه غمسُ يده في الماء والمبادَرة إلى المسح قبل الجفاف أو تأخير بعض اليد والمبادرة بعد الصبّ عليه إلى المسح به قبل الجفاف، تعيّن ذلك وبطل الوضوء بالإخلال به حيث يحصل الجفاف وربما قيل بالانتقال على تقدير الجفاف على كلّ حالٍ إلى التيمّم؛ لفقد شرط صحّة الوضوء، والأوّل أجود.

(الثامن: المباشَرة) لغسل الأعضاء ومسحها (بنفسه)(1) مع الإمكان، (فلو وَضَّأه غيرُه لا لعذرٍ) حاصلٍ للمُوَضَّأ إلى ذلك (بطل) الوضوء إن كان الفاعل تولّى النيّة بمعنى وقوعه باطلاً، ولو تولّى المكلّفُ به النيّة على وجهٍ يصحّ بأن باشرَ غَسل الجزء المقارن لها ثمّ ولّى الوضوء غيره بَطل ما فعله المتولّي خاصّةً، إلّا مع جفاف ماصحّ منه فيبطل أيضاً.

وعلى وجوب المباشَرة بنفسه اختياراً واشتراطها في صحّة الوضوء إجماع الأصحاب، إلّا مَن شدّ منهم بحيث لا يؤثِّر فيه.

واحتَرز بقوله: «لالعذر» عن المضطرّ إليها، فإنّه يَسوغ له التولية لما يعجز عنه، بل يجب، ويتولّى المعذور النيّة؛ إذ لا عجز عنها مع بقاء التكليف.

ولو نويا معاً كان حسناً، ويشترط مطابَقَة نيّة كلٍّ منهما بحاله، فينوي المتولّي أوضِّئ - بالبناء للمعلوم - والمعذور أُوضَّا - للمجهول - لا أتَوضّاً.

ولو أمكن تقديم ما يغمس المعذور فيه الأعضاءَ لم تجز التولية، ولا يشترط العجز عن الكلّ، فيجوز أن يتبعّض. ويجب تحصيل المُعين مع الحاجة إليه ولو بأُجرة مقدورة، وتتحقّق توضئة الغير بصبّ الماء على العضو مع الاجتزاء بغسل ما أصابه، لابصبّه في

ص: 103


1- في النسخ الثلاث للألفيّة : بنفسه اختياراً.

اليد ليغسل به المتوضّئ ونحوه، فإنّه استعانةٌ مكروهةٌ مع الاختيار.

(التاسع: طهارة الماء) في نفسه بأن لا يكون نجساً (وطَهوريّته) بأن يكون مُطهّراً لغيره. واحترز به عن المضاف عنده، ومثله المُستعمل في الحدث الأكبر عند بعض الأصحاب(1). وإنّما كان وصف الطَهور مُفيداً لهذه الفائدة الزائدة على طاهرٍ؛ لأنّ فعولاً للمبالغة، ولا تتحقّق هنا إلّا بذلك، ويشهد له أيضاً النقل والاستعمال.

قال اليزيدي: الطَهور - بالفتح - من الأسماء المتعدّية وهو المُطّهر غيره(2).

وقريب منه قول الجوهري(3).

ومن مثل الاستعمال قوله علیه السلام: جُعِلت لي الأرض مسجداً وطَهوراً»(4).

ولو أراد الطاهر لم يَختصّ به.

ومثله جوابه عن ماء البحر حين سُئل عن الوضوء به بقوله: «هو الطَهور ماؤه»(5).

وقد خالف في هذا الحكم بعض العامّة حيث زعم أنّ فَعولاً إنّما تفيد المبالغة في فائدة فاعل، كما تقول: ضروب وأكول لزيادة الأكل والضرب(6)، وما تقدّم حجّةٌ عليه.

وإنّما جمع المصنِّف بين اشتراط طهارة الماء وطهوريّته مع أنّ الطهوريّة أخصُّ واشتراط الأخصِّ يقتضي اشتراط الأعمّ للتنبيه على انفكاك أحدهما عن الآخر، فإنّ

ص: 104


1- كابن حمزة في الوسيلة، ص 74
2- هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، أبو محمّد اليزيدي، عالم بالعربيّة والأدب، مؤدّب المأمون، من كتبه (النوادرفي اللغة) الأعلام الزركلي ، ج 8، ص 163
3- الصحاح، ج 2، ص 727، «طهر».
4- صحيح البخاري، ج 1، ص 128، ح 328؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 371، ح 523/5 : مسند أحمد، ج 2، ص 444 . ح 7028 : السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 328
5- سنن أبي داود، ج 1، ص 21، ح 83؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 136، ح 387؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 186 مسند أحمد، ج 2، ص 471، ح 7192؛ وج 3، ص 47، ح 8518.
6- شرح فتح القدير، ج 1، ص 60.

الطالب ينبعث عزمه(1) عند الوقوف على لفظهما على فهم معناهما الموجب لمعرفة الفرق بينهما، وهو أمر مطلوب في هذا الباب.

وأجاب الشارح المحقّق بجوابين آخرينِ أيضاً:

أحدهما: الاحتراز عن الماء المستعمل في الكبرى، وعن الماء المضاف.

أمّا الأوّل، فلمنع بعض الأصحاب من طهوريّته، ولمّا لم ينص المصنِّف على مذهبه فيه هنا أتى بما يجري على المذهبين كما اشترط في الساتر كونه غير ميةٍ بعد اشتراط طهارته، وسيأتي.

وأمّا المضاف، فإنّه إن لم يطلق عليه اسم الماء حقيقة، لكن يطلق عليه اسمه مجازاً، والمجاز يجوز الاحتراز عنه زيادة في البيان.

والثاني: - وذكر أنّه أمتنُها - أنّ الأصحاب لمّا ذكروا اشتراط طهارة ماء الوضوء وفروع ذلك في بحثٍ، واشتراط طهوريّته وبيان ذلك في بحثٍ، وكان المصنّف بصدد الإشارة إلى رؤوس المباحث لم يحسن منه رعايةَ الاختصار بحذف عنوان بعض المباحث بالكلّيّة(2)، وأنت خبير بأنّ الجواب الثاني - مع عدم مطابقته للسؤال حيث إنّ حاصله أنّ الطهوريّة مغنِيةٌ عن الطهارة، وقد أجاب عنه بالاحتراز بالطهوريّة عمّا ذكر، وهذا لا ينافي الاقتصار على الطهوريّة؛ لحصول الغرض بذلك - يرجع إلى الأوّل بنوعٍ من البيان، فإنّ الاحتراز عمّا ذكر يقتضي دخوله في الطاهر دون المطهّر وهو عين الانفكاك، والأخير لا يخرج عنه أيضاً؛ لأنّ حاصله أنّه جمع بينهما لينبّه على معنييهما، والفرق بينهما والإشارة إليهما حيث ذكرهما الأصحاب.

(و) كما يشترط طهوريّة الماء يجب أيضاً على وجه الشرط (طهارةٌ المحلّ) وهو الأعضاء المغسولة والممسوحة من الخبث بمعنى طهارة كلّ عضوٍ أو جزءٍ منه قبل الشروع في غسله للوضوء، فلا يكفي غسل واحدٍ لهما؛ لتغاير السبب.

ص: 105


1- في «د ، ه-»: غرضه.
2- شرح الألفيّة، ص 55-56 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

(العاشر: إباحته) أي إباحة الماء الذي يُتَوضَّأ به بالمعنى الأعمّ، وهو الإذن في استعماله بأن يكون مباحاً بالمعنى الأخصّ أو مملوكاً أو مأذوناً فيه صريحاً أو فحوىّ لابشاهد الحال.

(فلو كان مغصوباً) بأن يكون ملكاً للغير فاستعمله بدون إذنه (بطل) الوضوءُ مع علمه بالغصب وإن جهل الحكم التكليفي المتعلّق بالغصب، كتحريم التصرّف في المغصوب، أو الحكم الوضعي كبطلان الطهارة به؛ للنهي المقتضي للفساد.

والجاهل بالحكم بمعنييه مخاطب بالتعلّم على الفور، فلا يعدّ تقصيره عذراً، ولو نسي الغصب حالة الفعل ففي إلحاقه بالعالم أو الجاهل وجهان، أجودُهما الثاني.

أما الجاهل بأصل الغصب فيعذر حتّى لو علم به بعد غسل الأعضاء جاز المسح بما بقي من بلله؛ لأنّه في حكم التالف، كما لا يمنع من صحّة الصلاة مع استصحابه وإن كان الأولى خلاف ذلك فيهما، ومن الماء المغصوب ما استنبط من أرضٍ مغصوبةٍ، لا الوقف العامّ إذا استولى عليه شخصُ من المستحقّين عدواناً وإن أثم.

(الحادي عشر: إجراؤه على العضو) المغسول بنفسه أو بآلة ليتحقّق بذلك مسمّى الغسل، وأقلّه انتقال كلّ جزء من الماء عن محلّه إلى غيره.

(فلو مسّه) أي مسّ العضو بالماء (في الغسل من غير جريان لم يجزئ) لعدم تحقّق مسمّى الغسل، وتمثيل مَن بالغ في وصف الغسل بالدهن مبالغةً في تقليل الجريان على وجه التجوّز ولا يريد به حقيقته المشتملة على عدم الجريان أصلاً، أو أنّه تشبيه بحذف أداته.

(أمّا في المسح ، فيجزئ) الإمساس من غير جريانٍ؛ لأنّ حقيقة المسح لا تتوقّف على الجريان، بل تنافيه كما سيأتي.

وبقي في العبارة أمران:

أحدهما: أنّ المفهوم من إجزاء ذلك في المسح عدم تعيينه، بل الاستعمال يقتضي

ص: 106

كونَه الفرد الأضعف، فلو جرى الماء على العضو الممسوح أجزأ أيضاً أو كان أكمل، كما يُستفاد من لفظ الإجزاء في قسيمه، وبموافق هذا المفهوم صرّح المصنّف في الذكرى، وقطع بإجزائه(1).

فعلى هذا، يكون بين الغسل والمسح عموم وخصوص من وجهٍ يتحقّق الغسل وحده في جريان الماء الجديد على العضو والمسح وحده مع عدم الجريان ويتصادقان مع جريان بلل الوضوء على الممسوح.

والحقّ اشتراط عدم الجريان في المسح مطلقاً، وأنّ بين المفهومين تبايناً كلّيّاً لدلالة الآية والأخبار والإجماع على اختصاص أعضاء الغسل به، وأعضاء المسح بالمسح. والتفصيل قاطع للشركة، فلو أمكن اجتماعهما في مادّةٍ أمكن غسل الممسوح، فيتحقّق الاشتراك.

وقد نقل العلّامة(2) وغيره(3) الإجماع على أنّ الغسل لا يجزئ عن المسح، ولاشكّ أنّ الماء الجاري على العضو على ذلك الوجه غَسل؛ لتحقّق مفهومه فيه، فيجوز سوق الإجماع إلى عدم إجزائه.

لا يقال: الفرد المجزئ في المسح مع الجريان هو جريان الماء الممسوح به وهو الحاصل ببلل الوضوء، لا إجزاء غَسل موضع المسح وفرقٌ بين الأمرين.

لأنّا نقول: تحقّق مسمّى الغسل لا يتوقّف على كونه بماء جديد، بل هو أعمُّ منه، ألا ترى إلى أنّه إذا صبّ الماء على العضو وغسل به جزءاً منه صار الماء الموجود على

العضو بلل الوضوء.

ثمّ المكلّف حينئذٍ يتخيّر(4). بين أن يتكلّف إجراءَه على جزء آخر من العضو، بل على

ص: 107


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6)
2- منتهى المطلب، ج 2، ص 54: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 167 - 165. المسألة 49
3- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 84، المسألة 34
4- في «ق»: مخيّراً

جميع العضو إن أمكن، وبين أن يستأنف ماءً آخر للباقي، والغسل صادق على التقديرين، فدلّ ذلك على أنّ تحقّق مفهوم الغسل لا ينافيه كون الجريان ببلل الوضوء فكذا في صورة المسح ومرجع الأمر إلى وجوب تباين المفهومين؛ حذراً من الاشتراك المقتضي لقيام أحدهما مقام الآخر، وقد أُجمِعَ على عدمه، كما تقدّم.

واحتجاج المصنّف على الإجزاء بتحقّق الامتثال بذلك، وكون الغسل غير مقصود ضعيف؛ لأنّ الامتثال يتحقّق بالمسح لا بالغسل، كيف وهو أوّل المسألة، وعدم قصد

الغسل مع وجوده لا يخرجه عن كونه غسلاً؛ لأنّ الاسم تابعٌ للحقيقة لا للنيّة.

الثاني: أنّ ضمير «فيجزئ» لا مرجع له في العبارة إلّا الإمساس من غير جريان المدلول عليه تضمّناً بالفعل، وهو قوله: «فلو مسّه» إلى آخره حيث إنّ المصدر أحد مدلولي ،الفعل، ولا يتمّ ذلك أيضاً على إطلاقه؛ لأنّ ذلك المسّ المضمر أعمُّ من كونه بماء جديد وبغيره، والمراد بالمسح أحدهما خاصّةً، ولكن المُخصّص هنا مقام المبحوث عنه وهو المسح، فإنّه قد عُلِم عدم جواز استئناف الماء له، ومع ذلك فلابدّ من تقييد الإمساس بإمرار الماسح على الممسوح ، فلا يكفي مُطلق الإمساس، كما نبّه عليه في الذكرى(1).

(الثاني عشر: إباحة المكان) الذي يُتوضّأ فيه بأن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه أو غير مملوك لأحدٍ.

(فلو توضّأ في مكانٍ مغصوبٍ) في حالة كونه (عالماً) بالغصب (مختاراً) في كونه (بطل الوضوء؛ للنهي عن الكون الذي هو من ضرورة الفعل المقتضي للفساد.

واحترز بالعالم بالغصب عن الجاهل به، فإنّ وضوءه صحيح؛ لعدم توجّه النهي إليه؛ لاستحالة تكليف الغافل، وجاهل الحكم قسم من العالم، وفي الناسي الوجهان.

وب_ «المختار» عن المضطرّ إلى الوضوء فيه بِحَبْسٍ ونحوه، فإنّ طهارته صحيحةُ؛

ص: 108


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 58 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

لعموم وما استُكرِهوا عليه»(1).

ويظهر من المحقّق في المعتبر عدم اشتراط إباحة مكان الطهارة مطلقاً وإن حصل الإثم، وإن اشترط ذلك في مكان المصلّي فارقاً بينهما بأنّ الكون ليس جزءً من الطهارة ولا شرطاً فيها، وليس كذلك الصلاة، فإنّ القيام جزءُ من الصلاة وهو منهيّ عنه؛ لأنّه استقلال في المكان المنهيّ عن الاستقلال فيه، وكذا السجود، وإذا بطل القيام والسجود - وهما ركنان - بطلت الصلاة(2).

ويُضَعّف بأنّ جنس الكون من ضرورات الأفعال، وإن لم يكن الكون الخاصّ - وهو السكون ونحوه - شرطاً، فالنهي عنه يقتضي النهي عن الأفعال التي لا تتمّ إلّا به. والمراد بالمكان هنا ما يشغله الإنسان من الحيّز أو يستقرّ عليه ولو بواسطة أو وسائط، فيدخل فيه الهواء المغصوب وإن كان الاستقرار على موضعٍ مباحٍ، وكذا الفراش المغصوب، والخُفّ ونحوهما، وبالعكس.

(ومتى عرض له شكّ في أثنائه) في شيء من أفعاله حتّى النيّة؛ لأنّها من فعل القلب (أعادَه) أي المشكوك فيه (وما بعده) من الأفعال إلى آخر الوضوء؛ تحصيلاً للترتيب.

وضمير «أعاده» لا مرجع له في العبارة صريحاً، لكن لما كان عروض الشكّ مُستلزماً لمشكوكٍ فيه صحّ عود الضمير إلى المدلول عليه بالالتزام وهو الفعل المشكوك فيه.

ويُفهَم من قوله: «في أثنائه» أنّه لو عرض الشكّ بعد الفراغ منه وإن لم ينتقل عن محلّه لم يلتفت، بل يبني على وقوع ما شكّ فيه وهو كذلك. هذا كلّه إذا لم يكثر شكّه عرفاً، وإلّا بنى على فعل المشكوك فيه كالصلاة.

ص: 109


1- الخصال، ص 417، الباب 9. ح 9؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 659، ح 2043.
2- المعتبر، ج 2، ص 109
[واجبات الغسل]

(و واجب الغسل اثناعشر):

(الأوّل: النيّة) وقد تقدّم بيانُها(1)، ويجب كونها ( مقارنةً) لأوّل العبادة، فتكون هنا مقارنةً (الجزءٍ من الرأس) الشامل للرقبة وما فوقها (إن كان) المغتسل (مرتّباً) غسله، وهو الذي يغسل رأسه أوّلاً ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر.

ويجوز كون اسم «كان» هو الغسل و «مرتّباً» مبنيّاً للمجهول.

لكن الأوّل أولى رعايةً للمطابقة بينه وبين قسيمه الآتي.

ولا تجب مقارنة النيّة هنا للجزء الأعلى من الرأس كما في الوضوء؛ لعدم وجوب مراعاة الترتيب في نفس العضو هنا بخلافه ثُمَّ.

(و) يَجب كون النيّة مقارنةً (الجميع البدن إن كان مرتمیساً) أي داخلاً في الماء دفعةً واحدةً عرفيّةً.

ومعنى المقارنة لجميع البدن أن يقارن لجزءٍ منه؛ لأنّه حينئذٍ كالعضو الواحد ثمّ يتبعه الباقي من بدنه بغير مُهلةٍ؛ لتتحقّق الوحدة العرفيّة، لا أنّه يجعل جميع بدنه مقارناً للنيّة، كما يجعل الجزء من الرأس مقارناً؛ لتعذّر ذلك غالباً، خصوصاً في ذي الشعر الكثيف، فإنّ تخلَّله يتوقّف على زمانٍ ينافي الوحدة الحقيقيّة لكن لمّا كان الواجب هنا مراعاةَ الوحدة عرفاً والتعجيل بإتباع الباقي وكان جميع أجزاء البدن سواءً في النيّة،

ص: 110


1- تقدّم في ص 79

تجوّز المصنّف في جعل النيّة مقارنةً لجميع البدن، وإنّما الحقيقة مقارنتُها لجزءٍ منه مع إتباعه الباقي بسرعةٍ.

وربما تكلّف بعضهم استفادة إرادة الجزء هنا من العبارة بجعل «جميع» معطوفاً على «الرأس» ليصير التقدير: لجزءٍ من الرأس إن كان مُرتّباً، ولجزءٍ من جميع البدن إن كان مُرتمساً.

وهو فاسد؛ لأنّه لو كان كذلك لوجب حذف اللام؛ لفساد اللفظ حينئذٍ به؛ إذ يصير التقدير: ولجزءٍ من جميع البدن وإنّما يجب أن يقول: وجميع البدن أو و البدن أو ومن جميع البدن، وإنّما هو معطوف على الجزء فلاتكون المقارنةُ لجزءٍ موجودةٍ في العبارة، وتنزيله على حذف المضاف بين اللام والمضاف إليه لا دلالة في العبارة عليه. والموافق لنظم العبارة - على هذا التقدير - أن يكون الجزء المحذوف موصوفاً بكونه كائناً من جميع البدن يتعلّق به الجارّ لا مضافاً.

ولو أراد هذا المعنى لكان يكفيه أن يقول: ومن جميع البدن إن كان مرتمِساً ولا يحتاج إلى حذف شيء، بل العذر له في إطلاق المقارنة على جميع البدن ماذكرناه، فإنّ غسل جميع بدنه لمّا كان موصوفاً بالوحدة كان لمّا كان موصوفاً بالوحدة كان جميعه كأنّه كالجزء الواحد في غسل الترتيب حيث إنّه يغسل إذا قارن به دفعةً وإن كانت الدفعة هنا حقيقيّةً وفى الارتماس ،عرفيّةً، أو أنّ جميع أجزاء البدن لمّا كانت سواء في جواز إيقاع النيّة عندها أطلق المقارنة لها.

ولا بُعدَ في إرادة هذا المعنى وإن تأخّر بعض أجزاء البدن عن النيّة؛ لأنّ الوحدة ملحوظةٌ على كلّ حالٍ.

وقد ألحق جماعةٌ من الأصحاب(1). بالارتماس الوقوف تحت المجرى الكبير والمطر الغزير إذا حصل غسل جميع البدن منه بسرعةٍ لا تنافي الوحدة عرفاً، فيسقط الترتيب،

ص: 111


1- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 53 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 174 ، المسألة 122؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 232 ، المسألة 67

و تكفى المقارنة فيه لجزءٍ من البدن أيضاً وإن كان غسلُ الترتيب هو الأفضلَ، ويليه، الارتماس، وقد يتعيّن الترتيب حيث لا يجد من الماء ما يغمسه كذلك، وقد يتعيّن الارتماس حيث يضيق الوقت عن الترتيب، وقد يتخيّر بين الثلاثة حيث لا مانعَ.

والأصحّ أنّ الارتماس ليس فرعاً على الترتيب لا حكماً ولا نيّةً، فلو وجد المرتمِس لمعةً لم يُصِبها الماء بعد زمان يصدق عليه الانفصال ومنافاة الوحدة العرفيّة، وجب إعادة الغسل من رأسٍ.

ولا يجب استصحاب النيّة فعلاً إلى آخر الغسل، بل الواجب كونها (مستدامة الحكم إلى آخره) بأن لا يُحدث نيّةً تنافى النيَّة الأُولى، كما مرّ.

(وصفةُ) النيّة (أغتسلُ لاستباحة الصلاة لوجوبه قربةً إلى الله)، وقد استُفيد من النيّة وجوب التعرّض لما يُعتبر فيها من الأُمور وهو الاستباحةُ والوجهُ والقربةُ، ولاريب أنّ اعتبار ذلك هو الأولى وإن كان فى أدلّة وجوب اعتبار جميعها نظرً.

(ويجوز للمختار) وهو مَن ليس بذي حدث دائم (ضمُّ الرفع) إلى الاستباحة بأن يجمع بينهما في النيّة تاكيداً، أو ليدلّ كلّ منهما على معناه مطابقةً وإن كانا متلازمين في حقّه.

(و) كذا يجوز له (الاجتزاء به) أي بالرفع وحده. ويُفهم منه أن دائم الحدث - وهو هنا المستحاضة التي يغمس دمها القطنة؛ إذ الكلام في الحدث الأكبر - ليس لها أن تنوي سوى الاستباحة، وهو يخالف ما تقدّم في الوضوء من أنّ له الجمعَ بينهما، كما نبّه عليه بقوله: «أو نواهما جاز» ولا فرق بين الحدثين، ولكن نيّتها هناك ملحقة في بعض النسخ فكأنّه أغفلَ إلحاق ما يدلّ عليها هنا أيضاً.

أو يقال: إنّ تخصيص المختار هنا من حيث إنّ له أن يختار كلََّ واحدٍ من الثلاثة، و هو يدلّ على أنّ دائم الحدث ليس له الثلاثةُ أعمّ من ثبوت اثنين منها له أو واحدٍ، فلا ينافي حينئذٍ جواز الجمع بينهما، نعم ليس له الاقتصار على نيّة الرفع.

وإنّّما قيّدنا المختار هنا بكونه ليس بذي حدثٍ دائمٍ بالنسبة إلى الحدث الأكبر

ص: 112

بحيث انحصر في المستحاضة؛ لدلالة المقام عليه، فإنّ حدث الغسل هو الأكبر، فإطلاقه في مقامه محمولٌ عليه، كما أنّ إطلاقه في مقام الوضوء ينصرف إلى موجبه. وأيضاً لا تستقيم إرادة العموم، فإنّ الحدث الأصغر لا يمنع دوامه حالة الغسل من جواز نيّة الرفع بالغسل في غير غسل الجنابة؛ لأنّ المرتفع إنّما هو الحدث الأكبر، وما تجدّد من الحدث الأصغر يوجب الوضوء بعده.

نعم، في غسل الجنابة يأتي ذلك؛ لبطلانه بتخلّل الحدث الأصغر، كما سيأتي، فيقتصر على نيّة الاستباحة أو نيّتهما.

ولكن يبقى في المسألة بحث وهو أنّه مع دوام الحدث الأصغر لا إشكال في صحّة الغسل بالنسبة إلى صلاةٍ واحدةٍ بعده، لكن على القول بأنّه لا أثر لهذا الحدث في حقّ المختار أو بإيجابه الوضوء بعده لاكلام في حكمه، وعلى القول بوجوب إعادته في حقّ المختار يتّجه هنا وجوب الوضوء بعده للصلاة وإن لم يجب في غير هذه الصورة؛ لأنّ الأصل في الحدث أن يوجب شيئاً من الطهارات، كما سيأتي، ولمّا امتنع هاهنا إعادة الغسل؛ لعدم الفائدة وجب الوضوء بعده، وكان كدائم الحدث الأصغر بالنسبة إلى الوضوء، هذا بالنسبة إلى الصلاة الأُولى.

وأمّا بالنسبة إلى غيرها، فيشكل الحكم على القول بأنّ الحدث الأصغر في أثناء الغسل يبطله؛ إذ يحتمل هنا أن يقال: يلزمه الغسل والوضوء لكلّ صلاة؛ٍ لأنّ قضية الدليل بطلان الغسل الأوّل كما يبطل الوضوء لكن اغتفر ذلك للصلاة الواحدة فيجب إعادته، كما تجب إعادة الوضوء للصلاة الأُخرى، وينوي في الثاني الاستباحةَ كالأوّل. ويُحتمل أن يجتزئ هنا بالوضوء لكلّ صلاةٍ لا غير إلى أن يحصل ما يوجب الغسل؛ لتحقّق الاستباحة بالنسبة إلى الحدث الأكبر السابق، ولم يحصل بعد ما يوجب الغسل. ويَظهر من الشارح المحقّق اختيار هذا الاحتمال ولو على القول بإبطال الحدث الأصغر الغسلَ إذا وقع في أثنائه(1) وإن لم يكن ذلك ،مذهبه، وفي الحكم إشكال، والذي

ص: 113


1- شرح الألفيّة، ص 58 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

يناسب هذا القول اختصاص صحّة الغسل بالصلاة الأُولى كالوضوء.

ولقائلٍ أن يقول: أحد الأمرين لازم وهو إمّا إيجاب إعادة الغسل هنا لكلّ صلاةٍ، أو إيجاب الوضوء خاصّةً. أمّا إيجابهما معاً، فلا. وإنّما كان كذلك؛ لأنّ الغسل - والحال هذه - إن بطل بالحدث المتخلّل فاللازم إعادتُه لا غير ودخول الوضوء فيه، واغتفار ما يتجدّد من الحدث بعد ذلك كما يغتفر في الوضوء، وحينئذٍ، فيجب الغسل لكلّ صلاةٍ.

وأمّا إن يغتفر هذا الحدث بالنسبة إلى الغسل، ويحكم بوجوب الوضوء له، فلا وجه حينئذٍ لإعادة الغسل؛ لأنّ الموجب لإعادته إنّما هو الحذر من الجمع بينه وبين الوضوء، بناءً على أنّ غسل الجنابة لا وضوء معه، فإذا حكم بوجوب الوضوء زال المحذور فصحّ الغسل بالنسبة إلى الحدث الأكبر، وعمل الأصغر عمله، فيجب الوضوء لكلّ صلاةٍ خاصّةً.

وحينئذٍ فاحتمال وجوب الوضوء والغسل لكلّ صلاةٍ لا وجه له على القول بإبطال الحدث الأصغر الغسلَ فى حالة الاختيار، وعلى القول بعدم تأثيره لا إشكال في عدم الوضوء بالنسبة إلى الحدث الواقع في أثناء الغسل.

أمّا الواقع بعده وقبل الصلاة فيحتمل أيضاً أن يغتفر؛ لأنّ غُسل الجنابة منزّلٌ منزلة الوضوء وزيادة بالنسبة إلى الحدث الأصغر.

وكما يكتفى بوضوءٍ واحدٍ لكلّ صلاةٍ فكذا ما قام مقامه، وحينئذٍ فيكفي الغسل للصلاة الأُولى، ثمّ يتوضأ لكلّ صلاةٍ من الباقيات. ويحتمل أن يجب الوضوء بعد الغسل للصلاة الأُولى؛ لأنّ الأصل في الحدث الأصغر أن يوجب الوضوء، لكن تخلّف ذلك في الواقع في أثناء غسل الجنابة وقبله؛ لدخوله في الأكبر أو سقوط أثره معه، فيبقى الباقي - وهو المتأخّر - على الأصل، فيجب الوضوء لكلّ صلاةٍ مضافاً إلى الغسل أوّلاً خاصّةً.

وأمّا على القول الثالث - وهو أنّ الحدث الأصغر الواقع في أثناء الغسل يوجب الوضوء بعده لاغير - يجب هنا الوضوء بعده للواقع حالته وبعده، سواء دام أم لم يَدُم.

ص: 114

ولا إشكال حينئذٍ، وإنّما يجيء الإشكال على القولين، ولم أقف في هذه المسألة على كلامٍ لأحدٍ سبقَ، والله أعلم.

(الثاني: غسلُ الرأس والرقبة) وما بينهما من أجزاء الوجه والأُذنين، فإنّ هذه الجملة في الغسل عضوٌ واحدٌ يجب غسله أوّلاً، ولا ترتيب بين أجزائه، كما لا ترتيب بين أجزاء العضو الواحد في الغسل مطلقاً وإن وجب بين الأعضاء.

وفي عطف المصنِّف الرقبةَ على الرأس إشارة إلى أنّ الرأس ليس مقولاً في باب الغسل على المجموع المذكور بحيث يكون مشتركاً اشتراكاً لفظيّاً بين هذا المعنى وبين منابت الشعر الخاصّ؛ لأنّ الاشتراك على خلاف الأصل، والمفهوم من الرأس حقيقةً هو المعنى الثاني. والتجوّز في إطلاقه على الجميع - كما وقع في عبارة بعض الأصحاب حيث يجعلون أعضاء المغتسل ثلاثةً: الرأسَ، والجانبين(1) - أولى؛ لأنّ المجاز أرجح من الاشتراك.

نعم، لو ثبت الاشتراك أمكنَ تنزيلُ العبارة على كونه من باب عطف الجزء على الكلّ، لالكونه أشرف أفراده بل لرفعٍ توهّم إرادة بعض معاني المشترك غير المقصود.

(و) يجب تعاهد ما ظهر من الأُذنين) وهو الصماخ(2) دون مابطن منهما، والمراد بالتعاهد التحفّظ بالشيء وتجديد العهد به والتعهّد بمعناه. قاله الجوهري وزاد: «أنّ التعهّد أفصح من التعاهد - قال: - لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين»(3).

ونقل ابن هشام في المغني عن جماعةٍ من أهل العربيّة منعَ التعاهد هنا، ونقل الجواز عن الخليل ويونس(4).

ص: 115


1- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 52 : وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 118 ؛ والمحقّق في المعتبر، ج 1، ص 182.
2- الصحاح، ج 1، ص 426: القاموس المحيط، ج 1، ص 273؛ تاج العروس، ج 4، ص 288، صمخ».
3- الصحاح، ج 2، ص 516، «عهد».
4- مغني اللبيب، ج 2، ص 238

(و) كذا يجب (تخليل الشعر المانع) من وصول الماء إلى البشرة التي تحته، والمراد بتخليله إدخال الماء خلاله على وجه الغسل بأن يجري على البشرة كما مرّ ولا فرق في ذلك بین الشعر الخفيف والكثيف.

ولا يجب غسل الشعر نفسه بالأصالة، ولا نقض ضفائر المرأة إلّا أن يتوقّف عليه غسل البشرة، والفرق بينه وبين الشعر فى الوضوء النصّ(1).

(الثالث: غسلُ الجانب الأيمن) والمراد به ميا من المغتسل وهي يده اليمنى ورجله وتمام شقّه الأيمن. هذا هو الواجب الأصلي، ويجب إدخال جزء من الأيسر حيث لا مفصل بينهما محسوس، وكذا من الرقبة معه، ومنه ومن الأيسر معها كلّ ذلك من باب المقدّمة.

(الرابع: غسل الجانب الأيسر) كذلك (ويتخيّر في غسل العورتين) وهما القضيب والأنثيان وحلقة الدبر دون الأليتين (مع أيّ جانب شاء) من الجانبين؛ لأنّهما ليستا عضواً خارجاً عن الجانبين، ولا داخلتين فيهما بكلّ وجهٍ.

وهذا التخيير لا يكاد يتحقّق في الدبر؛ لأنّ خروج الأليتين منهما ووجوب إدخال الحدّ المشترك مع كلّ جانبِ يأتي على الدبر وزيادة.

وأمّا القبل ففائدة التخيير فيه قليلةٌ أيضاً؛ لما قرّرناه من وجوب إدخال جزءٍ منه مع كلّ جانبٍ، فلا يبقى منه بعد تمام الملاحظة إلّا مالا يكاد يفيد، ومع ذلك ليس على التخيير دليلٌ واضحٌ؛ إذ ليس في الدليل ما يدلّ على زيادةٍ في الأعضاء على الجانبين.

ومن ثَمّ قال: (والأولى غسلهما مع الجانبين)، وهذه الأولويّة على جهة الاستحباب؛ لأنّ في غسلهما معهما معنىّ زائداً على الواجب.

ص: 116


1- الأمالي الصدوق، ص 391، مجلس 73، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 135 ، ح 373؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 65 . ح 248 - 249 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 196 . ح 597 - 599 .

(الخامس تخليل ما) أي الشيء الذي (لا يصل إليه الماء) أي إلى الشيء المغسول المدلول عليه بالالتزام، أو إلى البدن كذلك.

(بدونه) أي بدون التخليل، ولا يجوز عوده إلى الموصول المانع من وصول الماء؛ لأنّ وصول الماء إليه غيرُ كافٍ في الغسل إلّا بتكلّفٍ وضربٍ من المجاز. ولو قال: تخليل ما لا يصل الماء إلى البشرة إلّا به كان أجود.

والمراد بالمانع نحو الشعر ومعاطف الأذنين والإبطين والسرّة وعُكَن(1). البطن في السمين وماتحت ثدي المرأة.

(السادس: عدم تخلّل حدثٍ) أصغر (في أثنائه أي في أثناء الغسل، فيبطل مع تخلّله على أصحّ الأقوال عنده إن كان غسل الجنابة؛ لأنّ غسلها يرفع الحدث الأكبر والأصغر معاً على تقدير وجوده معه قبل الغسل بمعنى دخوله في الأكبر وارتفاعه برافعه، كما تتداخل الأسباب المتماثلة وترفع بوضوءٍ واحدٍ أو غسلٍ، فالغسل مؤثّر تامّ لرفعهما معاً، وكلّ جزءٍ منه مؤثّرٌ ناقصٌ فى رفعهما، ولهذا لو بقيت لمعةٌ من بدنه لم يرتفع الحدث.

وليس المؤثّر التامّ هو الجزء الأخير من البدن؛ لاستواء أجزاء البدن في نقص التأثير، وإنّما الجزءُ الأخير تمام المؤثّر. وفرقٌ بين المؤثّر التامّ وتمام المؤثّر، فإذا فرض حدثٌ أصغر في أثنائه فلابدّ لرفعه من مؤثّرٍ تامٍّ وهو إمّا غسل الجنابة بجميع أجزائه أو الوضوء. والثاني منتفٍ في غسل الجنابة؛ للإجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب له ومابقي من أجزاء الغسل مؤثّراً تامّاً لرفعه، فانحصر الأمر في إعادته من رأس.

فإن قلتَ: لا نُسلّم أنّ للحدث الأصغر أثراً مع الأكبر، بل أثره مرتفع معه أصلاً إلى

ص: 117


1- العُكْنَةُ: الطيّ الذي في البطن من السمن والجمع عُكن وأعكان. انظر الصحاح، ج 4، ص 2165؛ القاموس المحيط ، ج 4، ص 251؛ تاج العروس، ج 18، ص 383، «عکن»

أن يكمل، والغسل إنّما يرفع الحدث الأكبر خاصّةً المنوي، ورفعه يقتضي رفع الأصغر على جهة الاستتباع لا بالذات، وإلّا لوجبت نيّتهما من أوّل الغسل؛ لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «وإنّما لكلّ امرئٍ مانوى»(1)، وهو باطل إجماعاً.

قلتُ: كون الأحداث المذكورة سبباً في إيجاب الطهارة أمرٌ ثابتٌ بالنصِّ والإجماع، سواء اتّحدت أم تعدّدت وتداخلها مع اتّفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر على تقدير اجتماعهما لا يوجب سقوط ما يثبت لها من السببيّة، فتخيّل سقوط اعتبار الأصغر عند مجامعته للأكبر في غسل الجنابة مندفعٌ بذلك.

ولأنّ التداخل لمّا ثبت للمتساويين قوّةً وضعفاً كأحداث الوضوء لم يبعد حينئذٍ دخول الأضعف تحت الأقوى حيث يرد به الشرع، كما في غسل الجنابة على تقدير مجامعته للحدث الأصغر.

وتخيّل احتياجه إلى النيّة على تقدير تأثيره عجيبٌ، فإنّ نيّة جميع المجتمعة المحكوم بتداخلها غير شرطٍ فى ارتفاعها إجماعاً، وحديث «إنّما لكلّ امرئ مانوى» لا يقولون به في تلك الأحداث.

والجواب عنهما واحد وهو خبر زرارة عن الصادق علیه السلام: إذا اجتمعت لله عليك حقوقٌ أجزاك حقٌّ واحدٌ منها» إلى آخره(2).

ولأنّ القدر المشترك بينهما وهو المنع من الصلاة تكفي نيّة رفعه أو رفع أحدها، فإنّه أيضاً يقتضي رفع المنع ولا يتمّ إلّا بارتفاع الجميع؛ إذ ليس المراد ارتفاع حقيقة

الخارج.

فإن قلتَ: تأثير الحدث الأصغر إنّما يقتضي وجوبَ الوضوء لا إعادة الغسل، وإلّا لكان الحدث الأصغر من موجبات الغسل؛ لاشتراك الناقض والموجب في المعنى. قلتُ هذا الكلام حقّ لولا إجماع الأصحاب على عدم وجوب الوضوء مع غسل

ص: 118


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 186، ح 519 : نصب الراية، ج 1، ص 302: فتح الباري، ج 1، ص 9، ح 1
2- الكافي، ج 3، ص 41 ، باب ما يجزئ الغسل منه .... ح 1 بتفاوت يسير

الجنابة، ولولا ذلك لما كان لنا عنه عدول ومن هنا ذهب السيّد المرتضى والمحقّق (رحمهما الله) إلى الاكتفاء بإكماله والوضوء بعدَه(1)، ولكن لمّا انتفى القول بوجوب الوضوء معه لم يبق لنا إلّا القول بالإعاة. ومن ثمّ يكتفى بالوضوء لو عرض الحدث الأصغر في أثناء غسل يجامعه الوضوء، وبإعادته على تقدير تقدّمه عليه.

وتوهّمُ أنّ إيجاب ذلك إعادةَ الغسل يوجِب كونه موجباً للغسل، ضعيف؛ إذ لم يحصل مسمّى الغسل بعد حتّى يقال: إنّه نقض الغسل، وإنّما استلزم إبطاله لبعض الغسل، وذلك غير موجب لكونه موجباً للغسل.

نعم، لو فرض عروضه بعد إكمال الغسل لم ينقضه إجماعاً، وإنّما يوجب الوضوء فلا يتمّ النقض.

فإن قلت: كيف يتحقّق الإجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب لغسل الجنابة مع مخالفة مثل هذين الإمامين وإيجابهما الوضوء بعده، فإذا كان الدليل ينساق إلى موافقتهما لا يسوغ العدول عنه.

قلتُ هذا كلامٌ متينٌ وناهيك بهما سلفاً، ولكن لمّا كانت الأخبار مطلقةً، أو عامّة الدلالة على عدم مجامعة الوضوء له والإجماع منقولٌ عليه في غير صورة النزاع، لاجرم لم يجز المصير إليهما، وتعيّن القول بالإعادة، وليس في هذا المبحث أقوى شبهةً من هذه، ولولا ما ذكرناه كان هذا القول في غاية القوّة.

هذا غاية ما يُقرّر به هذا القول وقد ظهر من تضاعيفه ما يرد على القولين الآخرين. ولقائل أن يقول: لانُسلّم الإجماع على عدم تحقّق الوضوء الواجب مع مطلق غسل الجنابة، كيف وهو محل النزاع، فإنّ ما ذكر فرد من أفراده وهو موضع الخلاف.

سلّمنا، لكن وجوب الوضوء هنا ليس مُجامعاً للغسل، بل لبعض الغسل، والإجماع على الأوّل دون الثاني، فلا يصدق حينئذٍ على موضع النزاع اجتماع غسل الجنابة مع الوضوء. ولعلّ السرّ في ذلك ما مرّ من أنّ الحدث الأصغر يدخل مع الأكبر حيث

ص: 119


1- حكاه عن السيّد المرتضى - واختاره أيضاً - المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 196

يجتمعان، بمعنى أنّ الغسل كافٍ عنهما، فإذا مضى من الغسل شيءٌ قبلَ الحدث الأصغر لم يدخل معه في رافعه فيجب له الوضوءُ.

ويؤيّد ذلك أنّ النصّ الدالّ على التداخل إنّما دلّ على تداخل الطهارات لا الأحداث، كقوله علیه السلام : «إذا اجتمعت لله عليك حقوقٌ أجزاك حقٌّ واحدٌ منها» إلى آخره، فإذا شرع في الغسل ثمّ طرأ الآخر لم يدخل معه وإن كان حكم الجنابة باقياً، وإنّما يتوجّه التداخل أن لو قلنا بتداخل الأحداث، وليس كذلك.

وقد ظهر بذلك قوّة الاكتفاء بالوضوء بعد إكمال الغسل، وقد أفردنا لتحقيق هذه المسألة رسالةً مفردةً تشتمل على مباحث شريفةٍ(1).

بقي في العبارة أُمور:

الأوّل: إطلاقه الحدث مع أنّ الأكبر ليس موضع الإشكال، ولا المقصودَ بالمقال؛ لأنّه نفسه موجب للغسل من غير اعتبار إبطال ما مضى بل المقصود تخلّل الحدث الأصغر، وإنّما أطلقه لظهور المراد وصحّة الإطلاق، فإنّ الأكبر مُبطلٌ للغسل وإن لم يكن موضعَ اشتباهٍ.

الثاني: إطلاقه الغسلَ بقوله: «في أثنائه» الشامل لغسل الجنابة وغيرِه؛ إذ ليس حكم الغسل في الرسالة مقصوراً على الجنابة كما ذكره غيره حيث يعقد باب الغسل

للجنابة ويُحيل غيرَه عليه.

وقد عرفت أنّ الحكم بالإعادة مقصورٌ على غسل الجنابة، فإطلاقه غير جيّدٍ.

نعم، قال في الذكرى بعد أن ذكر أنّ موضع الخلاف غسل الجنابة: لو تخلّل الحدثُ الغسل المُكمَّل بالوضوء أمكن المساواة في طرد الخلاف(2)، فيمكن أن يكون هنا تَرَجّحَ عنده العموم، لكنّه في غاية البعد؛ لضعفه، وعدم التفات المصنِّف وغيرِه من المحقّقين إليه.

ص: 120


1- وهي رسالة الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة، طبعت ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل /2.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 162 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)

الثالث: جَعله عدم تخلّل الحدث من واجبات الغسل مع أنّه أمرٌ عدمي إمّا على وجهٍ من المناسبة، كإدخاله مسألة الشكّ في الطهارة بعد تيقّن الحدث في موجبات الوضوء ،ونحوها ، أو بمعنى أنّ الواجب عليه تحقيق حاله والتحفّظ من الحدث ليلحق ذلك بالواجبات المخصوصة بأفعال المكلّفين، لا بالأعدام المحضة. وإنّما يتمّ ذلك أيضاً على تقدير كون إبطال الغسل محرّماً، وإلا فغايته أنّه مُبطلٌ للغسل، ولا يلزم منه الوجوب.

وفي تحريم قطعه ،نظر كغيره من الطهارات ووجه التحريم من حيث إنّه إبطال للعمل، وقد تنظّر فيه المصنّف في البيان مع نقله الإجماع على جواز إبطال الطهارة بعد إكمالها(1).

وحينئذٍ يمكن أن يقال بجواز قطعها قبله بطريق أولى ؛ لأنّ الطهارة إنما تصير. عملاً معتبراً في نظر الشارع بعد الفراغ منها، أمّا في أثنائها، فلا ؛ لعدم اعتبارها شرعاً حينئذٍ.

ويمكن الفرق بين الحالين بأنّ الطهارة بعد الإكمال لا يبقى لها فعل يتوجّه إليه الإبطال، بل ينقضي فعلها حين الفراغ منها، وإنّما الباقي أثرها وهو ليس بعمل، فلا يدخل في النهي عن إبطال العمل بخلاف حالتها قبل إكمالها، فإنّ العمل حينئذٍ واقع بالفعل يتصوّر إبطاله، فمن ثمّ اختصّ بالإشكال.

(السابع: المباشرةُ بنفسه) لغسل الأعضاء (اختياراً) أي فى حالة كونه مختاراً، وسَوّغَ مجيءَ المصدر حالاً سهولةُ تأويله بالوصف كقتل صبراً، وطلع بغتةً، وجاء ركضاً، واحترز بالاختيار عمّا لو اضطرّ إلى المساعد، فيجوز بل يجب ولو باُجرةٍ مقدورةٍ(2)، ويتولّى النيّة إلى آخر ما ذكر في الوضوء من أحكامه.

ص: 121


1- البيان، ص 83 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- لم ترد في «ع ، ش».

(الثامن: الترتيبُ) بين الأعضاء الثلاثة (كما ذكر) أي كما وقع في الذكر، فإنّه بدأ بذكر الرأس والرقبة ثمّ بالجانب الأيمن ثمّ بالأيسر.

وإنّما يجب الترتيب في غير الارتماس، فلابدّ من التنبيه عليه؛ لأنّه قسّم الغسل في صدر الباب إليه وإلى غيره.

وإنّما يجب الترتيب بين الأعضاء لا فيها بخلاف الوضوء؛ لأصالة العدم، وعدم الدليل، بل في إثبات دليل الترتيب بين الأعضاء تكلّفٌ لولا الإجماع، واستقرب المصنّف في الذكرى استحبابَ البدأة بالأعلى فالأعلى تحفّظاً من النسيان(1).

(ولا يجب) في الغسل (المتابَعةُ) بالأصالة، سواء فسّرناها بمراعاة الجفاف أم بالشروع في العضو عند الفراغ من الآخر بغير فصلٍ يعتدّ به.

واحترزنا بالأصالة عن العارض، فإنّه قد يوجب المتابعة كضيق وقت عبادةٍ واجبةٍ مشروطةٍ به أو دوام الحدث كالمستحاضة أو خوف فَجأهِ كذي الفترة لدائم الحدث أو خوف فقد الماء بدونها، أو نذرٍ وشبهه، فإنّ نذرها منعقدٌ لرجحانها فضلاً عن الإباحة؛ تحفّظاً من طريان المفسد، ومبادرةً إلى الواجب، وتأسّياً بصاحب الشرع وخلفائه علیهم السلام، ومتى فرّقه لم يجب عليه تجديد النيّة للمتأخّر من الأعضاء مع بقاء الاستدامة الحكميّة.

(التاسع: طهارةُ الماء وطَهوريّته) وقد تقدّم الكلام فيهما.

(وطهارة المحلّ) وهو بدن المُغتسل قبل الشروع في الغسل لا بمعنى طهارة جميعه، بل الجزء الذي يريد غسله بمعنى أنّه يغسل كلّ جزء يتوقّف على طهارته من الخبث قبله وإن كان باقي بدنه نجساً، فإنّ غاية ذلك الإخلال بالمتابعة بسبب إزالة النجاسة في أثناء الغسل، وهو غير قادحٍ في صحّة الغسل.

ص: 122


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 160 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)

(العاشر: إباحته) أي الماء. فلو كان مغصوباً بطل الغسل به مع العلم، وجميع ما تقدّم في الوضوء آتٍ هنا.

(الحادي عشر : إجراؤه) على العضو (كغسل الوضوء)، فلو مسّ العضو بالماء من غير جريان لم يُجزئ.

(الثاني عشر: إباحةُ المكان) المغتسل فيه. فلو كان مغصوباً مع العلم به والاختيار بطل كالوضوء من غير فرقٍ في جميع هذه الواجبات، فما ذكر هناك وارد هنا.

(فلو شكّ) المغتسِل (في) شيءٍ من (أفعاله) أي أفعال الغسل (وهو على حاله) أي حال الغسل لم يفرغ منه بعد وإن كان قد انتقل عن حالة العضو المشكوك فيه (فكالوضوء)، فيعيد المشكوك فيه وما بعده ما لم يكثر شكّه، كما مرّ.

ولو كان الشكّ بعد الانصراف من الغسل لم يلتفت إن كان مُرتمِساً، أو من عادته المتابعة، أو كان الشكّ في غير الجزء الأخير مع تحقّقه فعل الأخير عملاً بالظاهر، وإلّا فكالشكّ في الأثناء؛ لعدم تيقّن الإكمال، وأصالة عدم فعل المشكوك فيه.

ويحتمل وجوب العود إلى المشكوك فيه في غسل الترتيب مطلقاً لأصالة عدم فعله، وعدم الحكم بالإكمال مع الشكّ في شيءٍ من سابق الأفعال؛ لأصالة عدم فعله،

وبطلان الغسل الواقع بعده لعدم الترتيب.

ص: 123

[واجبات التيمّم]

(وواجب التيمّم اثنا عشر):

(الأوّل: النيّة) وقد تقدّم تحقيقها، ويجب إيقاعها (مقارنةً للضرب على الأرض)؛ لأنّه أوّل أفعال التيمّم، لا لمسح الجبهة) كما تقارنها في المائيّة.

والفرق بين التيمّم والطهارة المائيّة أنّ أخذ الماء ليس شرطاً في صحّة الطهارة، بل لا فرق بين نقل الماء إلى الوجه ووضعه في الماء، فأوّل أفعال الطهارة المائيّة غسل جزء من الوجه أو الرأس بخلاف التيمّم، فإنّ قصد الصعيد أحد واجباته وهو سابق على مسح الجبهة، فتكون النيّة عنده؛ لأنّ المُعتبر مقارنتها لأوّل العبادة.

وممّا يدلّ على أنّ قصد الصعيد جزءٌ من العبادة اتّفاقُهم على أنّه لو وضع جبهته على الأرض أو تعرّض لمهبِّ الريح لم يُجزئ، وردّ بذلك على الفاضل حيث ذهب في النهاية إلى جواز تأخير النيّة إلى مسح الجبهة؛ تنزيلاً للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة(1)، وقد عرفت الفرق بينهما.

وفرّق المصنّف بينهما أيضاً في سياق الردّ على الفاضل بأنّه «لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضرّ بخلاف الحدث بعد الضرب»، وهو غير واردٍ عليه؛ لأنّ ذلك فرع النيّة، فلو جوّزنا تأخيرَها إلى مسح الجبهة لم يؤثّر الحدث السابق عليها وإن تأخّر عن أخذ التراب، وإنّما يضرّ لو حتّمنا تقديمها. والفاضل حيث جوّز تأخيرها إلى مسح الجبهة جزم بمساواة التيمّم للطهارة المائيّة في ذلك، قال في النهاية : «ولو أحدث بعد أخذ

ص: 124


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 204.

التراب لم يبطل ما فعله كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفّه»(1).

وكيف كان، فمختار المصنِّف فيهما أصحّ، وإنّما الكلام على السند وهو غير مساوٍ.

ولا يجب استدامتها فعلاً إلى آخر التيمّم بل يكفي كونها (مستدامةَ الحكم) إلى آخره وقد مرّ تفسير الاستدامة الحكميّة.

(وصفةُ)(2) النيّة (أتَيمّمُ بدلاً من الوضوء أو الغسل لاستباحة الصلاة لوجوبه قربةً إلى الله) وقد أُستفيد منها ما يُعتبر فيها، وقد مرّ الكلام على الاستباحة والوجوب والقربة(3).

ومعنى «أتيمّم»: أفعل الطهارة المخصوصة وهي الضرب و(4) مسح الجبهة واليدين بالصعيد، فإنّه وإن كان في اللغة اسماً للقصد(5) لكنّه قد نقل شرعاً إلى نفس الفعل.

ويُستفاد من قوله: «بدلاً» وجوب التعرّض فيه للبدليّة عن الصغرى أو الكبرى، ولا يشترط تعيين شخصها، كما يُعلَم من عدم تعرّضه له، فإنّه بصدد بيان الواجب الذي يكفي المكلّف.

ويستثنى من وجوب التعرّض للبدليّة في الواجب التيمّم لخروج الجنب من المسجدين على مذهب المصنِّف في هذه الرسالة حيث جعل الخروج غاية للتيمّم خاصّةً(6). وإن قدر على الغسل فلا يجوز التعرّض فيه للبدليّة، وعلى ما اخترناه هو كغيره.

وممّا يسقط فيه اعتبارُ البدليّة التيمّمُ لصلاة الجنازة وللنوم؛ لشرعيُتهما من دونه ومع

ص: 125


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 203
2- في النسخ الخطيّة الثلاث للألفيّة وصورتها.
3- مرّ في ص 79 وما بعدها.
4- الضرب و: لم ترد في «ش ، ق ، د».
5- الصحاح، ج 4، ص 2064: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 300 تاج العروس، ج 17، ص 777 «يمم».
6- تقدم في ص 71 وما بعدها

وجود الماء، لكن هذان خارجان عن موضوع الرسالة فلا يفتقر إلى استثنائهما.

والاستباحة هنا متعيّنة (ولا مدخل للرفع هنا) للإجماع على كون التيمّم غيرَ رافعٍ للحدث، كما نقله المحقّق في المعتبر عن كافّة العلماء(1)، ومتى لم يرفعه امتنعت نيّته؛ لامتناع نيّة الممتنع شرعاً.

وإنّما يُبيح التيمّم العبادة المشروطةَ بمعنى زوال المنع من الصلاة مثلاً الذي هو أثر الحدث، لا المانع الذي هو المؤثّر.

ولهذا ينتقض بالتمكّن من استعمال الماء مع أنّه ليس من قبيل الأحداث، وإنّما يطهر به أثر الحدث السابق الذي كان قد تخلّف عن أثره بواسطة التيمّم.

وكذلك ادّعى المحقّق الإجماع على أنّ وجود الماء ليس حدثاً(2)؛ ولأنّه لو كان

حدثاً لوجب استواء المتيمّمين في موجبه، ضرورة استوائهم فيه.

لكن هذا باطل؛ لأنّ المُحدِثَ لا يغتسل، والمجنب لا يتوضّأ ؛ ولأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال لعمرو وقد تيمّم عن الجنابة من شدّة البرد: «صلّيتَ بأصحابك وأنت جنبٌ»(3) فلو ارتفع بالتيمّم لما سمّاه جُنباً، كما لا يُسمّى بذلك بعد الغسل.

ولو لوحِظ هنا في التسمية عدمُ اشتراط بقاء المعنى المشتقّ منه في صحّة الاشتقاق، لساوى ما بعد التيمّم ما بعد الغسل، وانتفاؤه بعد الغسل موضع ،وفاق، فدلّ على عدم اعتبار ذلك المعنى شرعاً كما امتنع تسمية المسلم عن كفر كافراً.

وهذا الدليل كما يدلّ على عدم رفع التيمّم الحدث مطلقاً كالمائيّة، كذلك يدلّ على عدم رفعه إلى غايةٍ معينةٍ، وهي إمّا الحدث، أو وجود الماء، أو رفعاً متزلزلاً مشروطاً بعدم وجود أحدهما.

وأقوى هذه الأدلّة الإجماع، وقد ضعف بها ما ذهب إليه المصنّف في قواعده من

ص: 126


1- المعتبر، ج 1، ص 394
2- المعتبر، ج 1، ص 394.
3- مسند أحمد، ج 5، ص 231، ح 17356

جواز نيّة رفع الحدث، بناءً على أنّ التمكّن من استعمال الماء جاز أن يكون غايةً للرفع، كما يكون طريان الحدث غايةً له في التيمّم وغيره(1)، وفي الدروس من جواز نيّة رفع الحدث الماضي كدائم الحدث(2).

وقد أُجيبَ عن الأوّل بأنّه ليس رفع الحدث في الطهارة المائيّة مُغيّاً بغايةٍ أصلاً، وإنّما المانع - أعني الحدث الموجب للطهارة - مرتفع بها، وزائل بالكلّيّة حتّى كأنّه لم يكن، ثمّ لا يعود ذلك المانع بعينه إلى الوجود مرّةً أُخرى، بل الحاصل بالحدث الطارئ مانعٌ آخر غير الأوّل، غايته أنّه مُبطلٌ لفائدة الطهارة؛ لأنّه من نواقضها.

ولا كذلك التيمّم، فإنّ إزالته المانعَ ليست إزالةً كلّيّةً، بل إلى أمدٍ معيّنٍ مضروبٍ، وهو إمّا طروء حَدث، أو التمكّن من استعمال الماء، فإذا وجد أحدهما عاد الأوّل بعينه حتّى كأنّه لم يَزُل. ولهذا يجب الغسل على المتيمّم بدلاً منه عند التمكّن، ولو كان رافعاً لما وجب إلّا بحدثٍ آخر موجبٍ للغسل(3).

وأنت خبير بأنّ هذا الجواب لا ينافي القول بكون الحدث مرتفعاً به إلى غايةٍ مضروبةٍ مغيّاة بأحد الأمرين: إمّا التمكّن من استعمال الماء، أو الحدث، بل هو إلى الدلالة عليه أقرب، فالاعتماد حينئذٍ على الإجماع.

وأمّا حكمه في الدروس فهو مبنيّ على اتّحاد حكم المتيمّم ودائم الحدث، والفرق بينهما واضح، فإنّ لدائم الحدث حدثاً سابقاً ومقارناً، وطهارته مائيّةٌ صالحة لرفع الحدث حيث يمكن، وإمكانه في السابق خاصّة؛ لأنّ المقارن والمتأخّر يمتنع تأثیر النيّة فيه، بخلاف المتيمّم فإنّه لا يصلح للرفع مطلقاً كما قد عرفت، فظهر من ذلك أنّ حكم المصنّف في هذه الرسالة من عدم الرفع هنا مطلقاً أقوى.

ص: 127


1- القواعد والفوائد، ص 39 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15).
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
3- المجيب هو المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 63 - 64 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

(الثاني: الضرب على الأرض) فلا يكفي التعرّض لمهب الريح.

(بكلتا يديه) فلا تُجزئ الواحدة.

(ببطونهما) فلا يجزئ الضرب بالظهر ولو من إحداهما.

كل ذلك (مع الاختيار) أمّا مع الاضطرار، فيجوز بعض ما امتنع هنا كالواحدة حيث يتعذّر الضرب بهما، والظهر حيث يتعذّر البطن، بل يسقط المسح بهما معاً حيث يتعذّر ويمسح جبهته بالأرض.

وفي العبارة مباحث:

الأوّل: تعبيره - ككثير من الأصحاب والأخبار - بالضرب المقتضي لمصاحبة الوضع باعتمادٍ يحصل به مسمّاه عرفاً يدلّ على عدم إجزاء الوضع المجرّد عنه والأمر فيه كذلك، تحقيقاً لمسمّى الضرب المأمور به. وما ورد في بعض الأخبار بلفظ الوضع(1) لا ينافيه؛ لأنّ الضرب وضع وزيادة فكان أعمّ من الضرب، فيحمل على الخاصّ جمعاً؛ لأنّ في العكس إطراح الخاصّ.

ومال المصنّف في الذكرى إلى عدم اشتراط الاعتماد؛ محتجاً بأن الغرض قصد الصعيد وهو حاصل بالوضع(2). وتبعه الشارح المحقّق؛ محتجاً بأنّ اختلاف الأخبار وكلام الأصحاب في التعبير بهما يدلّ على أنّ المراد بهما واحد(3).

ولا يخفى مافيهما، فإنّ الأوّل عين المتنازع فيه وكيف يكون مطلق القصد كافياً وقد دلّ الدليل على اشتراط وقوعه على وجه مخصوص.

وأمّا الثاني، فقد عرفت جوابه، فإنّ الوحدة لا تتمّ بحمل الخاصّ على العامّ، وأيضاً فإنّ مجرد الاختلاف لم يدلّ على كونهما واحداً، وإنّما دلّ على الوحدة وجوب تقرير

ص: 128


1- الفقيه ، ج 1، ص 104، ح 213.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- جامع المقاصد، ج 1، ص 489

النصّين ما أمكن وإنّما يتمّ بحمل العامّ على الخاصّ دون العكس فالدليل النقلي لا يساعد على ما اختاراه.

الثاني: جعل النيّة مقارنةً للضرب على الأرض وجعله هو الواجب الثاني يدلّ على وجوب استحضارها قبل الوضع؛ لتتحقّق مقارنتها للضرب، فلا يكفي استحضارها حالة الوضع المستدام.

أمّا على ما ،اخترناه فظاهر؛ لأنّ الفعل الذي يقارن به النيّة هو الضرب لا الوضع، والمتأخّر عن النيّة بعد وصول اليد إلى الأرض لا يُسمّى ضرباً.

وأمّا على ما اختاره المصنّف والشارح؛ فلأنّ الواجب مقارنة النيّة لأوّل العبادة، وهو هنا الوضع ولم يحصل، ومثله نيّة السجود للسهو والشكر وقضاء السجدة المنسيّة.

ويحتمل الاكتفاء في هذه الموارد باستدامة الوضع وكذا في التيمّم إن لم يوجب الضرب لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء، والوضع المعتبر هو المتأخّر عن النيّة، كما لو نوى الوضوء أو الغسل وهو تحت الماء.

الثالث: لاريب في وجوب مقارنة النيّة للضرب لكن هل تجب المقارنة لمجموع اليدين دفعةً واحدةً، أم يكفي مقارنتها لجزءٍ من اليدين مع إتباعه مسح الباقي؟

ليس في عبارة المصنّف وغيره تصريح بأحد الأمرين، ولاشكّ أنّ الأوّل طريق اليقين، وبه يتحقّق الخروج عن العهدة غير أنّ الاكتفاء بالثاني لا يخلو من قوّة؛ لأنّ الدليل لا يدلّ على أزيد من كون النيّة مقارنةً لأوّل العبادة، وهو أوّل جزءٍ من الضرب؛ ولأنّ ذلك يتعذّر غالباً في الحجر، فإنّ تساوي سطوحه بحيث لا يشذّ عنه جزءٌ من باطن اليد دفعة ،نادر وكذا التراب الخالص من شائبة التبن اليسير ونحوه.

ولو بقي على استحضار النيّة إلى أن استوعب بالمسح بطن اليد كان أولى عند مَن اكتفى بالوضع، وعلى اعتبار الضرب لا يفيد؛ لزوال مسمّى الضرب بعد الوضع.

الرابع: التعبير بالأرض متناول جميع أصنافها من التراب، والحجر، والرمل، والمدر، وأرض النورة، والجصّ قبل الإحراق ،وغيرها، فيصحّ التيمّم بهذه الأصناف كلّها اختياراً

ص: 129

على المشهور؛ لدخولها في اسم الصعيد المأمور بالتيمّم به في الآية(1)؛ لأنّ المراد به وجه الأرض كما ذكره جماعة من أهل اللغة(2)، وشرط جماعة من الأصحاب في جواز التيمّم بغير التراب تعذّره(3)، وهو ضعيف.

و خرج بالأرض ما خرج عنها بالاستحالة، كالمعادن والرماد.

(الثالث: مسحُ الجبهة) بباطن الكفّين وحدّها (من القصاص) المعهود سابقاً، وهو منتهى منابت شعر الرأس (حقيقةً)، كما في مستوي الخلقة بالنسبة إلى نبات شعره. (أو حكماً) كما في الأنزع والأغمّ، فإنهما يرجعان إلى مستوي الخلقة، فيمسحان ما يمسحه، فإنّ ما انحسر عنه الشعر من رأس الأنزع في حكم الرأس، كما أنّ ما نبت عليه شعر الأغمّ من الجبهة في حكمها.

(إلى طرف الأنف الأعلى) صفةٌ للمضاف لا للمضاف إليه (و) انتهاء المسح (إلى) الطرف (الأسفل) من الأنف (أولى)، ومعنى الأولويّة هنا أنّ فعله أفضلُ من تركه مراعاةً للاحتياط بسبب القول بوجوبه لا أنّ فعله على وجه الاستحباب، فإنّ إيقاعه على ذلك الوجه غير مُجزئ عند القائل بوجوبه، فلا يتمّ الاحتياط.

وحينئذٍ فليس في الأولويّة خروج عن موضوع الرسالة، فإنّ الممسوح أمر كلّي بعض أفراده أفضل من بعض، فيكون من باب الوجوب التخييري ليتمّ الخروج من الخلاف، وجواز ترك الزائد لا إلى بدل لا يخرجه عن الوجوب، كما في الصلاة في أماكن التخيير.

لكن فيه أنّ القائل بوجوب انتهاء المسح إلى أسفل الأنف غير معلوم، ودخوله في

ص: 130


1- المائدة (5) : 6
2- منهم: ثعلب والخليل والفيروز آبادي. انظر العين، ج 1، ص 290؛ الصحاح، ج 2، ص 498: القاموس المحيط. ج 1، ص 318 تاج العروس، ج 5، ص 61، «صعد»
3- كالمفيد في المقنعة، ص 60 والشيخ في النهاية ص 49 وسلار في المراسم، ص 53: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 137.

القول بوجوب استيعاب الوجه لا يقتضي تخصيصه بالذكر.

ويجب مسح الجبينين وهما المحيطان بالجبهة عن يمين وشمال يتّصلان بالصدغين؛ لوجوده في بعض الأخبار(1)، والزيادة غير المنافية مقبولة، وإدخال جزء من الحدّ المشترك من باب المقدّمة.

أمّا مسح الحاجبين، فأوجبه الصدوق(2)، ونفى المصنّف في الذكرى عنه نه البأس(3)، وهو أولى.

والمشهور عدم وجوب استيعاب الوجه؛ لدلالة الباء في قوله تعالى: «بِوُجُوهِكُمْ»(4)والأخبار عليه(5).

وذهب بعض الأصحاب إلى الوجوب(6) استناداً إلى أخبارٍ ضعيفةٍ(7)، ويمكن حملها على التقيّة او الاستحباب.

واختار المحقّق في المعتبر التخيير بين مسح جميع الوجه وبعضه تخييراً(8)، لكن لا ينقص عن الجبهة عملاً بالأخبار من الجانبين(9).

(الرابع: مسحُ ظهر كفّه اليمني) وحدّه (من الزَند) - بفتح الزاي - وهو موصل

ص: 131


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 212، ح 614؛ الاستبصار، ج 1، ص 171، ح 594
2- الفقيه، ج 1 ، ص 104 ، ذيل الحديث 213
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 176 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
4- المائدة (5): 6.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 - 208، ح 598؛ الاستبصار، ج 1، ص 170، ح 590.
6- ذهب إليه عليّ بن بابويه القمي كما حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 384؛ والعلّامة في مختلف الشيعة. ج 1، ص 267 ، المسألة 199
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209، ح 608: الاستبصار، ج 1، ص 171، ح 596.
8- المعتبر، ج 1، ص 386. وفي هامش «ع» كتب الناسخ: هذا ليس في بعض النسخ، أعني قوله (تخيراً)، وفي بعضها موجودة، إلّا أنّ الفقير وجدته بخطّ الشيخ زين الدين في آخر الأمر (قدّس سرّه).
9- الكافي، ج 3، ص 30 باب مسح الرأس والقدمين، ح 4 الفقيه، ج 1، ص 103 - 104، ح 212؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 61 ، ح 168

طرف الذراع من الكفّ (إلى أطراف الأصابع) على المشهور؛ لأنّ(1) اليد حقيقة في ذلك وإن كانت يقال على غيره، فيقتصر على المتعيّن؛ لأصالة عدم وجوب الزائد. وأوجب مستوعب الوجه مسح اليدين إلى المرفقين(2)، والآية(3) والأخبار(4) حجّة عليه.

(الخامس: مسحُ ظهر كفّه اليسرى كذلك) من الزند إلى أطراف الأصابع. ويجب إدخال جزءٍ من الذراع من باب المقدّمة، والبدأة بالزند، ولو كان له يد زائدة وجب مسحها إن كانت في الزند أو ما تحته أو لم تتميّز عن الأصليّة، وإلّا اقتصر على الأصليّة.

(السادس: نزعُ الحائل) بين الماسح والممسوح، أو بين الأرض والبشرة حالة الضرب (كالخاتم) مع الإمكان، ومع عدمه - كالجبيرة - يمسح بها وعليها كالطهارة المائية.

(السابع: الترتيب) بين الأعضاء الممسوحة (كما ذُكر) في العبارة يبدأ بالضرب ثمّ يمسح الجبهة ثمّ اليد اليمنى ثمّ اليسرى للنصّ(5) والإجماع والتأسّى فلو أخلّ به استدرك ما يحصل معه الترتيب.

(الثامن: الموالاة وهي المتابعة) بين الأعضاء بحيث لا يقع بينها تراخٍ يُعتد به.

ص: 132


1- لأنّ... وجوب الزائد لم ترد في «ع ، د».
2- هو عليّ بن بابويه القمّي كما حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 384؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 267، المسألة .199
3- المائدة (5): 6
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 208، ح 602: الاستبصار، ج 1، ص 170، ح 592.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 ، ح 598: الاستبصار، ج 1، ص 170، ح 591

ولا ريب في اعتبارها على القول بوجوب اعتبار ضيق الوقت في فعل التيمّم، و على غيره فللفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة في الآية(1). وكلّ مَن أوجب المتابعة بين الضرب والمسح أوجبه بين باقي المسحات وللتأسّي.

وهل هي شرط في الصحّة فيبطل التيمّم بالإخلال بها، أم هي واجبة لاغير فيأثم بتركها؟ وجهان.

و احترز بقوله: «هنا» عن موالاة الوضوء فإنّه مراعاة الجفاف وهي غير متصوّرة هنا.

(التاسع: طهارةُ التراب المضروب عليه) لوصف الصعيد بالطيّب(2) وهو الطاهر فلا يجزئ النجس اختياراً واضطراراً، سواء تعدّت نجاسته إلى الأعضاء أم لا.

وكان ينبغي تعميم العبارة بلفظ يشمل التراب وغيره، فإنّ التراب بعض أنواع ما يصحّ التيمّم به.

(و) كذا يجب طهارة (المحلّ) وهو الأعضاء الماسحة والممسوحة مع الإمكان، سواء تعدّت النجاسة إلى التراب أم لا . ولو تعذّرت الإزالة ولم تكن النجاسة حائلة بين الماسح والممسوح ولا متعدّية جاز التيمّم. ومع التعدّي إلى التراب يصبر، كما لو لم يجد إلّا التراب النجس.

أمّا مع الحيلولة، فإن أمكن إزالة الحائل ولو بنجاسة أُخرى كالبول تعيّن. ومع التعذّر يتيمّم كذلك، ولكون النجاسة الحائلة كالجبيرة، ويظهر من الذكرى سقوط التيمّم هنا(3)،وليس بواضح.

(ويجزئ الحجر) عن التراب وإن أمكن لأنّه من أصناف الأرض إجماعاً، كما نقله المحقّق في المعتبر(4)، فإنّه تراب اكتسب رطوبةً، وعملت فيه الحرارة، فأفاداه استمساكاً

ص: 133


1- المائدة (5): 6
2- المائدة (5): 6
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
4- المعتبر، ج 1، ص 376.

ويتناول الحجر جميع أنواعه من رخام وبرام وغيرهما.

وردّ بذلك على الشيخ(1) وجماعة حيث شرطوا في جواز استعماله فقد التراب(2).

ويضعّف بأنّه إن كان من الأرض جاز التيمّم عليه اختياراً، وإلّا لم يجز مطلقاً كالمعدن.

ولا يرد الوحل؛ لخروجه بنصّ خاصّ(3).

وفي حكم الحجر الخزف، بل هو أولى بالجواز؛ لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض كالحجر وإن خرج عن اسم التراب، خلافاً لبعض الأصحاب حيث منع من التيمّم به مع تجويزه الحجر(4)، وهو أقوى خروجاً عن اسم التراب.

والواجب في هذا النوع من الطهور الضرب عليه (ولا يشترط علوق شيء مم التراب) على اليدين عندنا؛ لأنّ الصعيد وجه الأرض لا التراب، ولجواز التيمّم على الحجر (بل يستحبّ النفض) لما علّق منه على اليدين إن اتّفق؛ لما روي أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم نفض يديه(5).

وردّ بذلك على ابن الجنيد حيث اعتبر العلوق(6)؛ عملاً بظاهر الآية(7) حيث جعل المسح منه، و «من» للتبعيض.

وردّ بجواز كونها لابتداء الغاية، أو بعود الضمير إلى التيمّم، وبأن المسح به غير واجب إجماعاً؛ للاتّفاق على جواز النفض، بل ربّما قيل بوجوبه تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم والأئمّة علیهم السلام.

ص: 134


1- النهاية، ص 49
2- كالشيخ المفيد في المقنعة ص 60 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 137
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 189، ح 543؛ الاستبصار، ج 1، ص 156، ح 537
4- كالمحقّق في المعتبر، ج 1، ص 375
5- سنن الدار قطني، ج 1، ص 416، ح 14/671.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 270، المسألة 201. 6.
7- المائدة (5) : 06

ومتى كان كذلك لم يكن للعلوق فائدة، بل هو دليل على عدم اشتراط العلوق، وهو السرّ في قول المصنّف هنا: «بل يستحبّ النفض» فإنّه ذكر الاستحباب تنبيهاً على الردّ على مَن اشترط العلوق لا لبيان الاستحباب في نفسه؛ لأنّه خروج عن موضوع الرسالة.

وتوجيه الدلالة به أنّه لو اشترط علوق شيء من التراب لم يستحبّ النفض والتالي باطل؛ لثبوته من فعل النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم والأئمّة علیهم السّلام، فالمقدّم مثله في البطلان، فلا يكون العلوق شرطاً، وهذا من لطائف الرسالة.

(العاشر: إباحتُه) أي إباحة التراب المضروب عليه بأن يكون مملوكاً، أو مأذوناً فيه صريحاً أو فحوى، ويكفي شاهد الحال، فيجوز التيمّم على جدار الغير وأرضه به ولو علم الكراهة أو ظنّها امتنع.

(الحادي عشر إباحة المكان) الذي يتيمّم فيه، فلو كان مغصوباً بطل وإن كان التيمّم على أرضٍ مباحةٍ، والكلام هنا في المكان كما تقدّم في الوضوء.

(الثاني عشر : إمرار الكفّين معاً على الوجه) فلا يُجزئ المسح بإحداهما، خلافاً لا بن الجنيد حيث اكتفى باليد اليمنى لصدق المسح(1). والدليل أعمّ من المدّعى، والواجب حصول المسح بهما وإن لم يتساويا فيه، ويجب البدأة بالأعلى، فلو نكس فالأقرب المنع؛ عملاً بالتيمّم البياني والتقريب ما تقدّم في الوضوء.

(و) يجب إمرار (بطن كلّ واحدةٍ) من الكفّين (على ظهر الأُخرى) حالة مسحها مع الإمكان، فإن تعذّر ولو بنجاسة أجزأ الظهر.

وليس في هذه الأحكام تكرار؛ لما تقدّم في الثالث والرابع والخامس؛ إذ ليس في

ص: 135


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 274، المسألة 204

تلك بيان المحلّ الماسح من اليد وإن كان قد ذكر أنّ الضرب على الأرض ببطن اليدين، إذ لا يتعيّن ذلك للمسح من مجرّد العبارة.

وقوله: (مستوعباً للممسوح خاصّة) صفةٌ لمصدر محذوف تقديره إمراراً مستوعباً،أو حال من الفاعل المدلول عليه بالإمرار، والعامل فيه المصدر المذكور.

ثمّ يمكن كونه حالاً مبيّنة؛ لأنّ تخصيص الاستيعاب بالممسوح في قوّة قوله مقتصراً على استيعاب الممسوح، وهذا المعنى ليس مفهوماً من الكلام السابق.

ويمكن كونه حالاً مؤكّدةً كما ذكره الشارح المحقِّق(1)؛ نظراً إلى صورة اللفط، فإنّ

ظاهر الكلام السابق دالّ على استيعاب الممسوح.

والمراد بالممسوح الجنس فيدلّ على استيعاب كلّ ممسوح دون العضو الماسح؛ لتحقّق الامتثال بدونه؛ ولعدم إمكان استيعاب الممسوح به دفعةً واحدةً غالباً، واستيعابه بعد الفراغ من الممسوح يوجب تكراراً في المسح لا دليل عليه (والشكّ في أثنائه) أي في أثناء التيمّم (كالمبدل) فيُعيد المشكوك فيه وما بعده مراعياً للترتيب.

(وينقضه) جميع نواقض المبدل، ويزيد عليه (التمكّن من المبدل) أي من الطهارة التي هذا التيمّم بدل منها، فلو تمكّن من الوضوء خاصّةً من عليه غير غسل الجنابة من الأغسال وقد تيمّم عن الوضوء والغسل انتقض تيمّم الوضوء خاصّةً، وكذا لو تمكّن من الغسل خاصّة، ولو تمكّن منهما انتقض التيمّمان دون مَن تمكّن من غسل بعض الأعضاء؛ إذ ليس ذلك مبدلاً.

ويشترط في استمرار الحكم بالنقض مع التمكّن كونه بمقدار زمان الطهارة أو اشتباه الحال، أمّا لو وجد الماء، فشرع في الطهارة فحصل مانع من الإكمال، أو لم يشرع ثمّ حصل المانع من الابتداء قبل مضيّ زمان يمكنه إكمالها فيه، فإنّه يكشف عن عدم الانتقاض وإن كان قد حكم به في ظاهر الحال؛ لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها.

ص: 136


1- شرح الألفيّة، ص 68 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

ولا منافاة بين وجوب الجزم بنيّة الوجوب لو شرع وبين عدمه بعد ذلك؛ لأنّ التكليف مبنيّ على الظاهر إلى أن يثبت خلافه.

ومثله ما لو شرع المكلّف بالصلاة في أوّل الوقت فإنّه لا يعلم بقاءه مكلّفاً إلى آخر الصلاة مع وجوب الجزم عليه بالوجوب في النيّة.

وكذا الشارع في الحجّ عام الاستطاعة مع تجويز تلف المال وعروض الحصر والصدّ قبل فعل ما يقتضي الإجزاء.

فاستمرار الشرائط يكشف عن مطابقة الواقع للظاهر، والتكليف منوطٌ بالظاهر. وفي إطلاق عبارات الأصحاب والأخبار مايدلّ على انتقاض التيمّم وإن لم يستمرّ المانع

والتحقيق ما هنا.

(ثمّ إن كان) التيمّم بدلاً (عن الوضوء فضربةٌ) واحدةٌ يقارن بها النيّة، ويمسح بها وجهه ويديه كافية.

(وإن كان) التيمّم بدلاً (عن) غسل (الجنابة) بل عن الغسل مطلقاً (فضربتان): إحداهما يمسح بها وجهه، والأُخرى يديه.

(وإن كان) التيمّم بدلاً (عن غيرهما) أي غير الوضوء والجنابة - وفي بعض النسخ «غيرها» بغير ميم أي غير الجنابة - (من الأغسال فتيمّمان): أحدهما بدل عن الغسل بضربتين، والآخر بدل عن الوضوء بضربةٍ.

ولا يخفى ما في العبارة من القصور، فإنّ تخصيص الجنابة بضربتين لا وجه له؛ لأنّ جميع الأغسال كذلك، وكذلك نسبة التيمّمين إلى غيرها من الأغسال، فإنّ نفس الأغسال ليس عنها إلّا تيمّم واحد بضربتين، وإنّما التيمّم الآخر بدل من الوضوء الذي يجامع الغسل.

ولا يجوز أن يراد بالأغسال هنا أسبابها أعني الأحداث الموجبة لها من باب

حذف المضاف؛ لأنّ التيمّم إنّما يكون بدلاً من الغسل نفسه أو الوضوء لا من سببه. وأيضاً فيه إخلال بكيفيّة التيمّمين اللذين عن غير الجنابة هل هما بضربة أم

ص: 137

بضربتين أم بالتفريق؟ ولا يستفاد من حكمه على بدل الوضوء بأنّه بضربةٌ، وعلى بدل الجنابة بضربتين؛ لأنّ هذا الثالث قسيم الاثنين فيغايرهما.

وكان حقّ العبارة أن يقال: ثمّ إن كان بدلاً من الوضوء فضربة، وإن كان عن الغسل فضربتان، ولغير الجنابة تيمّمان: أحدهما عن الوضوء، والآخر عن الغسل.

(وللميّت ثلاثة) لأنّها بدل عن ثلاثةِ أغسال والأجود وجوب تعدّد النيّة بحسب تعدّدها، وعلى ما اختاره المصنِّف من إجزاء نيّةٍ واحدةٍ للأغسال الثلاثة - كما سيأتي(1) - تجزئ نيّةً واحدةً للتيمّمات بطريق أولى، وعلى هذا القول يتخيّر في إفراد كلّ نيّة وجمعها بنيةٍ واحدةٍ في أوّلها.

وهل يجب غسل اليدين بعد كلّ مسح بناءً على تعدّي نجاسة الميّت إلى غيره وإن لم تكن رطوبة كما هو المختار؟

يحتمل قويّاً ذلك؛ لأنّ النجس لا يفيد غيره طهارة، والمطهّر هنا هو المسح بباطن اليد المنسوب إلى التراب. وإن كان المطهّر ينسب إلى التراب فقط، فلكلّ واحدٍ من اليد والأرض مدخل في التطهير، والعدم مع عدم التعدّي إلى التراب؛ لأنّه المطهّر حقيقةً وإن لم يمسح به.

وعلى القول بعدم تعدّي نجاسة الميّت مع اليبوسة لا إشكال في عدم وجوب تطهيرها؛ لعدم النجاسة وهو اختيار الشارح المحقّق(2).

وإذا تيمّم جاز أن يصلّى به صلواتٍ متعدّدةٍ ما لم يحدث أو يجد الماء (ولا يجب تعدّده بتعدّد الصلاة) عندنا إجماعاً، ونبّه به على خلاف بعض العامّة حيث أوجب

لكل صلاةٍ تيمّماً(3).

ص: 138


1- يأتي في ص 161
2- شرح الألفيّة، ص 70 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- انظر الأم، ج 1، ص 111؛ المجموع شرح المهذب، ج 2، ص 293 - 294؛ مختصر المزني، ص 9 (ضمن الأ ن الأم ج 9): كفاية الأخيار، ج 1، ص 39.

(و) لا يجوز التيمّم قبل دخول وقت العبادة المشروطة به إجماعاً، بل (ينبغي إيقاعه مع ضيق الوقت) لا مع سعته، سواء رجا زوال العذر أم لا: تفصيّاً من الخلاف وعملاً بالمشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعاً، فلا أقلّ من أن يكون أولى.

ويمكن كون ذلك في العبارة على وجه الوجوب، كما رجّحه المصنّف في الذكرى(1)، ناقلاً فيها عن الشيخ(2) والمرتضى(3) دعوى الإجماع عليه والمنقول منه بخبر الواحد حجّة، فضلاً عن هذين الإمامين، والأخبار الصحيحة دالّة عليه، فتعيّن المصير إليه.

والأصحّ أنّ التضيّق إنّما هو شرط في ابتداء التيمّم لا في استدامته، فلو تيمّم لضيق وقتٍ حاضرةٍ وصلّاها، ثمّ دخل وقت أُخرى وهو باقٍ على التيمّم جاز أن يصلّيها مع سعة الوقت. وكذا لو تيمّم مع سعة وقت الحاضرة لمشروطٍ به مضيّقٍ جاز أن يصلّيها بعد ذلك مع سعة الوقت.

ص: 139


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 166 - 168 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الخلاف ج 1، ص 146، المسألة 94
3- الانتصار، ص 122، المسألة 23؛ المسائل الناصريات، ص 156، المسألة 51.

(المقدمة الثانية: إزالة النجاسات العشر عن الثوب والبدن)

وخصّهما بالذكر؛ لأنّ البحث عن مقدّمات الصلاة وإلّا فيجب أيضاً إزالتها عن المساجد والضرائح المقدّسة، وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقّف على طهارتها، لكن ذلك كلّه خارج عن موضوع الرسالة، وإنّما يجب إزالة النجاسة عنهما على وجهٍ مخصوص لا مطلقاً، وإنّما أطلق هنا اتّكالاً على ما يفصّله.

(و) النجاسات العشر (هي البول والغائط من غير) الحيوان (المأكول) اللحم (إذا كان له) أي للحيوان (نفس سائلةٌ) أي دم يسيل إذا قطعت عروقه لا يرشّح رشحاً كدم السمك.

(و) الثالث: (الدم) الكائن (من) الحيوان (ذي النفس السائلة مطلقا) سواء كان مأكول اللحم أم لا، فمصدره أعمّ من مصدر البول والغائط مطلقاً.

(و) الرابع: (المنيّ منه) أي من ذي النفس مطلقاً.

(و) الخامس (الميتة منه) أيضاً، وأجزاؤها التي تحلّها الحياة دون ما لا تحلّها كالصوف والريش والعظم؛ لعدم صدق الاسم، إلّا أن يكون من نجس العين فبحكمه.

فهذه الثلاثة مشتركة في مصدرٍ واحدٍ وهو الحيوان ذي النفس مطلقاً.

ونجاسة الميتة حاصلةٌَ في جميع أفرادها ثابتةٌ فيها ما دامت كذلك (ما لم يطهر) منها (المسلم) أي مدّة عدم طهره (خاصّة) أي دون غيره من الميتات، فإنّها لا تقبل التطهير.

والمراد بطُهره كونه في نفسه طاهراً لا يقبل التنجيس بالموت كالمعصوم، أو يقبل

ص: 140

لكن لم تجتمع شرائط النجاسة فيه كالميّت الذي لم يبرد عند المصنّف، أو يقبل التنجيس لكن عرض له ما أوجب له عدم حصولها كالشهيد، أو حصلت له ولكن زالت عنه كالمُغَسَّلِ(1) غسلاً صحيحاً كاملا(2).

فالأجود على هذا قراءة «يطهر» - بالتخفيف - لتندرج فيه الثلاثة الأُولى، فإنّها طاهرة من غير تطهير وكذلك مَن قدّم غسله على قتله؛ إذ لامدّة لنجاستهم؛لأنّهم ينجسون أصلاً، فضلاً عن أن يكون لنجاستهم مدّة ثمّ تنقضي بتطهّرهم المستفاد من قراءته مشدّداً.

ويخرج بالقيد مَن غسّله كافرٌ، ومَن لم يكمل غسله مع توقّفها عليه، ومَن غُسّل فاسداً أو لضرورة، ومَن قتل بغير السبب الذي اغتسل له أو مات.

وب_ «المسلم» الكافر والبهيمة. وفي حكم المسلم طفله ومجنونه ولقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد. وذَكَرَ المسلم لفائدة التنبيه على المحلّ القابل للطهارة من الميتات وإلّا فقيد الطُهر كافٍ في صرفه إلى مَن يقبل الطهارة.

واعلم أنّ في تركيب العبارة إشكالاً، فإنّ «ما» في قوله: «ما لم يطهر المسلم» ظرفيّة زمانيّة؛ إذ لا مجال لغيرها من معانيها هنا. والمعنى حينئذٍ أنّ الميتة من ذي النفس نجسةٌ مدّة لم يطهر المسلم، فإذا طهر زال الحكم المقرون بالمدّة وهو نجاسة الميتة. وهذا المعنى لا يستقيم على ظاهره؛ لأنّ جميع الميتات لا تظهر عند طهر المسلم، وإنّما يطهر المسلم خاصّةً.

وحلّ الإشكال أنّ الميتة هنا ،جنس والمراد منها جميع ماصدق عليه اسم الجنس، فهو في قوّة كلّ ميتة بهذا الوصف نجسة؛ إذ لا يستثنى منها فرد أصلاً مادام الميّت المسلم لم يحكم بطهره، فإذا حكم به ارتفع ذلك العموم بسبب ارتفاع هذا الفرد منه وهو المسلم المحكوم بطهره وإخراج فرد المسلم منه وإن لم يصرّح به لكن يستفاد من

ص: 141


1- في «ق»: كالمغتسل
2- في ق، ش: كاملاً متقدماً على موته كالمأمور به ليقتل أم متأخراً

وصفه بالطهر، وكأنّ هذا اللفط في قوّة الاستثناء من العموم المراد من اللفظ، أي إلّا أن يطهر المسلم، لكن كون «ما» استثنائيّة غير واقع وإن دلّ عليه المقام.

(و) السادس: (الكلب) البرّي، وعلى نجاسته إجماع الإماميّة، وقول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله»(1) دليل على النجاسة، والأخبار به من طرقنا متظافرة(2).

واحترزنا بالبرّي عن كلب الماء، فإنّه طاهر وفاقاً للمصنِّف في الذكرى(3)؛ حملاً للّفظ على المعهود الذي يتبادر إليه الذهن عند إطلاق اللفظ، فإنّ ذلك من علامات الحقيقة.

وقيل: هو نجس أيضاً؛ لشمول اللفظ وانقسام الكلب إليهما، ومورد التقسيم مشترك(4).

ويندفع بأنّ الانقسام أعمُّ من الحقيقة، بل ربّما كان إلى ما هو أعمُّ منها ومن المجاز، كما برهن عليه في محلّه.

(و) السابع والثامن: (أخواه) وهما الخنزير البرّيّ دون البحري كما مرّ، والكافر أصليّاً كان أم مرتدّاً أم منتحلاً للإسلام جاحداً لبعض ضروريّاته كالناصب وهو مَن نصب العداوة لأهل البيت علیهم السلام أو لأحدهم نطقاً وتصريحاً، أو لزوماً ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم من حيث إنّها فضائلهم والعداوة لمحبّيهم بسبب محبّتهم.

أما تحقّقه ببغضهم علیهم السلام فلا إشكال فيه، أمّا ببغض محبّيهم وعداوتهم لأجل ذلك؛ فلدلالته أيضاً على بغض المحبوب، وقد روى الصدوق عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «ليس الناصب مَن نصب لنا أهل البيت؛ لأنّك لا تجد رجلاً يقول: أنا أبغض محمّداً وآل محمّد، ولكن الناصب مَن نصب لكم، وهو يعلم أنكم توالونا

ص: 142


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 234، ح 91 - 279/92؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 19، ح 71؛ مسند أحمد، ج 2، ص 161 ، ح 9227
2- تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 225، ح 646: الاستبصار، ج 1، ص 19، ح 4
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 78 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- السرائر، ج 2، ص 220

وأنّكم من شيعتنا»(1)، وقيّدنا ذلك بالحيثية مع إطلاق الخبر لإخراج بغضهم لنا بسبب تبرئنا من أئمّتهم ووقوعنا فيهم، فإنّ ذلك لا يعدّ نصباً كما لا يعدّ بغضاً بغضنا لأمر آخر.

والخوارج من جملة النواصب ؛ لبغضهم لعليّ علیه السلام بل بما هو أبلغ من بغضه، فعطفهم عليهم في كلام الأصحاب لاختصاصهم باسمٍ خاصٍّ، بل بشريعة وأُصول خاصّةٍ، ويكفي في جواز ذلك كونه من باب عطف الخاصّ على العامّ لمزيد اهتمام وروى الفضيل عن الباقر علیه السلام أنّه دخل عليه رجل فحيّاه ورحّب به فلمّا قام قال: «هذا من الخوارج فما هو»؟ قلت: مشركٌ فقال: «مشرك والله أي والله مشرك»(2).

ومن ضروب الكفّار المجسّمة ولو بالتسمية، وألحق بهم الشيخ المُجبّرة(3)، وجماعة من الأصحاب كلَِّ من خالف الحقّ(4)، والمشهور الأوّل.

وولد الكافرين بحكمهما ما لم يسبهِ مسلم وأجزاء هذه الثلاثة بحكمها وإن لم تحلّها الحياة، خلافاً للمرتضى(5).

(و) التاسع: (المسكِر) المائع بالأصالة كالخمر والنبيذ، وعلى نجاسته إجماع الإماميّة إلّا مَن شذّ(6).

واحترزنا بالمائع عن نحو الحشيشة، وبالأصالة عن المائع المجمّد والجامد الممّوع، فإنهما كأصلهما.

(و) العاشر (حكمُه) أي حكم المسكِر في النجاسة وإن لم يُسكر وهو شيئان:

أحدهما إجماعي وهو الفُقّاع - بضمّ الفاء - الفاء - وهو كما روي عن أئمّتنا علیهم السلام: «خمر

ص: 143


1- علل الشرائع، ج 2، ص 327 الباب 385، ح 60
2- الكافي، ج 2، ص 387، باب الكفر، ح 14
3- المبسوط، ج 1، ص 33.
4- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 84.
5- المسائل الناصريّات، ص 100 . المسألة 19
6- كابن أبي عقيل - حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 422 - والصدوق في الفقيه، ج 1، ص 74، ذيل الحديث 167؛ وعلل الشرائع، ج 2، ص 55 الباب 72. ح 1

مجهول»(1). و «خميرة استصغرها الناس»(2).

وقد ورد النهي عنه معلقاً على التسمية فيحرم ما أُطلق عليه اسمُه وإن لم يجمع خاصيّته الأصليّة وهو النشيش(3)، كالموجود منه في أسواق العامّة، إلّا أن يعلم انتفاؤه عنه قطعاً، كما لو شوهد الناس يضعون ماء الزبيب خالياً عن وصف الفقّاع في إناء طاهر ثمّ يطلقون عليه اسمه، فإنّه لا يحرم بذلك. نعم لو غابوا به عن العين بحيث احتمل تغييره، ثمّ وجدهم يُطلقون عليه اسمه حرم أيضاً.

والثاني مشهوري وهو العصير العنبي إذا غلى بأن يصير أعلاه أسفله بنفسه أم بالنار، واشتدّ بأن حصل له ثخانة ما.

والحكم بنجاسته مشهور بين المتأخّرين وليس عليه نصّ ظاهر كما اعترف به المصنِّّف في البيان(4)، بل نسب النجاسة في الذكرى إلى قليل من الأصحاب(5) غير أنّ الباقين منهم لم يصرّحوا بالطهارة، فتحقّق القول في المسألة مشكوك فيه وإن ضعف طريق المشهور، وغاية نجاسته ذهاب ثلثيه أو صيرورته خلّاً.

وبطُهره تَطهر آلاتُ طبخه، وأيدي مزاوليهِ وثيابهم وما فيه من الأجسام الطاهرة بالأصل، كما يحكم بطهر آنية الخمر ومافيها من الأجسام الموضوعة للعلاج وغيره بانقلابه خلّاً من باب مفهوم الموافقة، لا القياس الممتنع. ومثله طهارة الدلو والرشا(6)

ص: 144


1- الكافي، ج 6، ص 422، باب الفقّاع، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 124 ، ح 539؛ الاستبصار، ج 4، ص 95، ح 368.
2- الكافي، ج 1، ص 423، باب الفقاع، ح 9 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 125، ح 540: الاستبصار، ج 4، ص 95، ح 369
3- النشيش: الغليان، وفي الحديث النبيذ إذا نشَّ فلا تشرب، أي إذا غلى النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5. ص 56 تاج العروس، ج 9، ص 207، «نشش».
4- البيان، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
6- الرّشاء: الحبل الذي يتوصل به إلى الماء. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 226؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 184، «رشا».

وحافات البئر وثياب النازح بطهرها.

والسرّ في جميع ذلك أنّه لولا الحكم بطهر هذه الأشياء لزم بقاء أُصولها على النجاسة، أو حرج وعسر كثير منفي بالآية(1) والأخبار(2).

واعلم أنّ مَن حكم بنجاسة العصير شرطَ فيها مجموعَ الوصفين وهما الغليان والاشتداد والحكم بتحريمه في النصّ(3) والفتوى معلّقٌ على مجرّد الغليان. والظاهر أنّ بين الوصفين زماناً متحقّقاً، خصوصاً في الذي يغلي من نفسه أو بالشمس، فعلى هذا يحرم بعد الغليان، ولا ينجس إلّا أن يشتدّ، فيصير له ثلاث حالاتٍ.

والذي ادّعاه المصنّف (رحمه الله) في الذكرى وتبعه عليه الشارح المحقِّق أنّ الاشتداد مسبّبٌ عن مجرّد الغليان فالنجاسة والتحريم متلازمان(4)، لكن وجهه غيرُ واضح.

ولا يلحق به عصير التمر وغيره إجماعاً، ولا الزبيب على أصحّ القولين؛ للأصل، وضعف متمسّك القائل بالإلحاق.

إذا تقرّر ذلك، فيجب إزالة هذه النجاسات عمّا ذكر (بماء طهور)، فالباء تتعلّق بالمصدر المُصدّر به أوّل الباب، وهو «إزالة».

ويدخل في الطهور كونه طاهراً؛ لما عرفت من أنّ وصف الطهور أخصُّ.

وهذا النوع من المطهّرات يأتي على جميع أنواع النجاسات، وقد يشاركه غيرُه في بعض النجاسات على بعض الوجوه، كما نبّه عليه بقوله: (أو بثلاث مسحات فصاعداً) أي فاصعد على الثلاث صاعداً إن لم يحصل النقاءُ بها، فانتصابه بالمصدريّة لفعل محذوف، والفاء هي الداخلة على جواب الشرط مثلها في قولهم: «فقط».

ص: 145


1- البقرة (2): 185: الحجّ (22): 78
2- الكافي، ج 3، ص 13 - 14 ، باب اختلاط ماء المطر بالبول .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 86، ح 225
3- الكافي، ج 6، ص 419، باب العصير ، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 120 ، ح 514
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 : شرح الألفيّة، ص 71 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

(بطاهرٍ) أي بجسم طاهرٍ؛ لأنّ النجس لايُظهَر غيره.

وهذه المسحات إنّما تقع بدلاً اختياراً من الماء (في الاستنجاء)، فالجار متعلّق بما دلّ عليه العطف ب_ «أو» من معنى التخيير أي هذا التخيير في الاستنجاء وهو استفعال

من النجو وهو لغةً: ما ارتفع من ما ارتفع من الأرض(1)، سمّي بذلك التطهير المخصوص؛ لأنّه يرفع أثرَ النجاسة. أو من نجوت الشجرة إذا قطعتَها(2)؛ لأنّه يقطع أثرها.

وقوله (غيرَ المتعدّي) منصوبٌ بالاستثناء المتقدّم عن قوله: (من الغائط)، وتقدير العبارة في الاستنجاء من الغائط غير المتعدّي أي إلّا أن يكون الغائط متعدّياً. ولا يجوز كون «غير» مجروراً صفة للغائط؛ لفساد المعنى على تقديره، وإن كانت بحسب اللفظ(3) صفة له؛ لأنّه متقدّم على الموصوف، وقد نصّ ابن مالك وغيرُه على أنّ النعت إذا تقدّم يصيرُ المنعوتُ بعده بدلاً منه(4)، وحينئذٍ يصير النعت في قوّة الطرح، وذلك يفسد المعنى هنا؛ لأنّه يصير في قوّة الاستنجاء من الغائط، وهو غير كافٍ؛ إذ لابدّ من قيد عدم التعدّي.

ولا يجوز كون «غير» استثناء من الاستنجاء، أو بنزع الخافض كما زعمه الشارح المحقّق(5)؛ لأنّ التعدّي من صفات الحدث لا الاستنجاء.

وحينئذٍ فيجب تعلّق الجار في قوله: «من الغائط» بالمتعدّي، ويفسد المعنى حينئذٍ؛ لأنّه لا يصير مستثنىً من الاستنجاء إلّا هذا الفرد خاصّةً، فيلزم جواز الاستنجاء بثلاث مسحاتٍ من البول، فإنّ المراد من الاستنجاء إزالة النجاسة الحدثيّة المخصوصة، أعني البولَ والغائطَ عن محلّها، فإنّ الاستنجاء شامل للبول والغائط، فإذا استَثنى منه غير المتعدّي من الغائط بقي البول متعدّياً وغير متعدٍّ، والغائط غير المتعدّي، وهو فاسد،

ص: 146


1- المحيط في اللغة، ج 7، ص 188
2- المحيط في اللغة، ج 7، ص 189
3- في «ق»: الأصل
4- الوافي، ج 3، ص 498 : شرح الكافية، المحقق الرضي، ج 1، ص 317.
5- شرح الألفية، ص 74 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

ولا يجوز الجمع بين تعلّق من الغائط بالاستنجاء، وجعل غير المتعدّي استثناء من الاستنجاء؛ لأنّ في اسم الفاعل ضميراً يصير حينئذٍ عائداً إلى الاستنجاء، فيلزم كون التعدّي من صفات الاستنجاء وليس كذلك، بل هو من صفات الحدث المخصوص وهو الغائط هنا.

لا يقال: يلزم من جعله استثناءً مقدماً من الغائط عودُ ضمير «المتعدّي» على متأخّرٍ لفظاً ورتبةً؛ لأنّه ضمير الفاعل وقد منع المحقّقون منه.

لأنّا نقول: الاستثناء في قوّة المتأخّر ؛ لأنّ مرتبةَ الاستثناء التأخّرُ عن المستثنى منه وإن تقدم مع أنّ عود الضمير على ما ذكر واقعٌ لغةً وإن كان مرجوحاً، والكلام على نصب «غير» بنزع الخافض كالكلام على كونه استثناءً من الاستنجاء، فإنّه إذا قيل في الاستنجاء من غير المتعدّي من الغائط أو لغير المتعدّي منه، يوجب دخول الاستنجاء من البول في اللفظ والتقريب ما تقدّم، فتدبّر هذا التركيب، فإنّه من التركيب الغريب.

ثمّ اعلم أنّ هذه العبارة البديعة قد اشتملت على أكثر أحكام الاستنجاء، ونحن نشير إلى ما دلّت عليه منطوقاً ومفهوماً وهو أُمور:

الأوّل: يعلم من كون قسيم الماء هنا ثلاث مسحاتٍ أنّ الطهارة تحصل بالمسحات على الوجه المخصوص وإن كان ذلك رخصة لا كما يقوله بعض العامّة من أنّه نجس معفوّ عنه(1)، وتظهر الفائدة في جواز حمل المصلّي إنساناً مستجمراً، فعلى الطهارة تصحّ دون العفو؛ لاختصاصه بالمكلّف نفسه.

الثاني: كون العدد ثلاث مسحاتٍ لا أقلّ وإن نقى المحلّ بدونها، كما يستفاد من إطلاق العبارة وهو أصحٌ القولين في المسألة، واكتفى الفاضل في المختلف بالمزيل للعين مطلقاً(2)، والأخبار الدالّة على الثلاث(3) حجّةٌ عليه، ومُطلق المزيل ليس هو المطهِّر شرعاً.

ص: 147


1- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير ، ج 1، ص 764 - 765، المسألة 981
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 102 ، المسألة 60.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 50، ح 144: الاستبصار، ج 1، ص 55، ح 160 .

الثالث: إطلاق المسحات يؤذن بكون الحجر غير شرط وإن ورد في بعض الأخبار(1)، فقد ورد أيضا إجزاء الخرق ونحوها(2)، فيجزئ ما صدق به المسحات الثلاث مع إفادتها فائدةَ الحجر في قلع النجاسة.

الرابع: يشمل إطلاقُها استيعاب المحلّ بكلّ واحدة منها وتوزيعها على أجزائه بحيث تستوعبه الثلاثة، ولا خلاف في إجزاء الأوّل، والأصحّ إجزاء الثاني أيضاً؛ لحصول الامتثال وهو مختار المصنِّف صريحاً في باقي كتبه(3).

الخامس: الاكتفاء بالماسح الواحد إذا أمكن المسح به ثلاثَ مرّاتٍ فصاعداً كالخرقة الواسعة، والحجر ذي الشعب الثلاث، بل الواحدة إذا طهَّرَت وهو أشهر القولين، ونفى عنه المصنِّف في الذكرى الريب(4)، ومنعه المحقّق في المعتبر واعتبر ثلاثَ مواسحَ؛ للنصّ(5)، وهو أجود، وقد حرّرنا المسألة في شرح الإرشاد(6).

السادس: يستفاد من قوله: «فصاعداً» وجوب الزائد على الثلاث لو لم يحصل نقاء العين بها، ولا ينحصر حينئذٍ في عددٍ، بل ما يحصل به النقاء.

السابع: يدخل في قوله: «بطاهر» الحجر والخرق(7) والخزف وغيرها ممّا يجمع الوصف، وهذه الفائدة وإن دخلت في المسحات كما مرّ، لكن يستفاد أيضاً من الظاهر.

الثامن: يدخل فيه الحجر الواحد إذا طهّر وكان متّسعاً كما مرّ، وفائدة إعادة المسألتين كونهما مستفادتين مرّتين.

ص: 148


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209، ح 604.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209، ح 606.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 130؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 8؛ البيان، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9.5 و 12).
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 130 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- المعتبر، ج 1، ص 131؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 46 ، ح 129؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 166 - 167، ح 499 - 501 و 503
6- روض الجنان، ج 1، ص 64 وما بعد (ضمن الموسوعة، ج 10).
7- والخرق لم ترد في «ق ، د».

التاسع: يدخل فيه ما استعمل من الثلاث بعد النقاء بدونه فإنّه طاهر، فيجزئ تكرار المسح به لتحصل الثلاث إن قلنا بعدم وجوب تعدّد الماسح، وفي غير هذا التطهير إن

لم نقل به.

العاشر: يَدخل فيه المنهيّ عن استعماله كالمطعوم، والعظم، والروث إن تصوّر فيه قلع النجاسة، فإنّ ذلك كلّه مُطهّر وإن حرم استعماله، إذ لا منافاة بين التحريم وزوال النجاسة، كما لو أزال النجاسة بماءٍ مغصوبٍ.

الحادي عشر: يَدخل فيه الجلد الطاهر، سواء كان مدبوغاً أم لا حتّى جزء الحيوان الطاهر، فيصحّ الاستنجاء به مع قلعه للنجاسة، ومنه أصابع المستنجي ونحوها.

الثاني عشر: يَدخل فيه الجسم الرطب، وفي إجزائه إشكال؛ لتنجّس الرطوبة الكائنة عليه، فيصير كالنجاسة الخارجة، وقد صرّح العلّامة بالمنع منه(1)، اللهمّ إلّا أن تكون الرطوبة مضمحلّة بحيث لا تقبل الانفصال بوجهٍ، فيقوى حينئذٍ الإجزاءُ.

الثالث عشر : قيل: يدخل فيه الصقيل الذي يزلق عن النجاسة ويجب إخراجه(2).

الرابع عشر: قيل: يدخل فيه أيضاً الرخو الذي لا يستقلّ بقلع النجاسة، ويجب إخراجه(3).

الخامس عشر: قيل: يَدخل فيه الترابُ الذي يلتصق بالمحلّ ولا يقلع النجاسة، و مثله الحجر الذي عليه ترابٌ يَلتصق به(4).

ويمكن خروج الثلاثة بأوّل الكلام وهو قوله: «إزالة النجاسة بثلاث مسحاتٍ»، فإنّ هذه الثلاثة لا يتصوّر فيها الإزالة، فلا تدخل في العبارة.

السادس عشر: يَدخل فيه أوراق المصحف، وتربة الحسين علیه السلام المحترمة ونحوهما وهي لا تطهّر، بل يكفر مستعملها مع علمه، فلا تتصوّر حينئدٍ الطهارة. ويمكن إدخالها

ص: 149


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 88 تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 126 - 127 ، المسألة 37؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 280
2- القائل هو المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 74 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره ، ج 7)
3- القائل هو المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 74 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره ، ج 7)
4- القائل هو المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 74 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره ، ج 7).

بحمله على الجاهل بها إذاً العالم خارج بإزالة النجاسة كما مرّ؛ إذ لا يتصوّر زوالها عنه، وإطلاق بعض الأصحاب كالشارح عدمَ طهارة المستجمر بها(1) غير جيّد، كإطلاق بعضهم إجزاءَها(2).

السابع عشر: يَدخل فيه اللزج الذي لا يستقلّ بإزالة العين، والكلام فيه كالصقيل.

الثامن عشر: يدخل فيه الخشن الذي لا يحتمل المحلّ إجراءه عليه على وجه القلع للنجاسة، ويجب الاحتراز عنهما كما مرّ، ويمكن خروجهما بما خرجت به الثلاثة

السابقة.

التاسع عشر: يَخرج منه النجس ولو في بعض المسحات حتّى لو نقى المحلّ بالطاهر ثمّ أكمل العدد بنجسٍ جافٍّ لم يطهر، ومنه المستعمل قبل طهارته لو كان نجساً.

العشرون: يخرج منه إزالتها بمعونة مالا يقبل الوصف بالطهارة، كما لو أزال جرم الغائط وبقيت الرطوبة ثمّ جنّت بحرارة الشمس والهواء فإنّه لا يطهر؛ لعدم وصفه

بالطاهر.

الحادي والعشرون: يندرج في الاستنجاء إزالتُها عن المخرج الطبيعي وغيره إذا انسدّ الطبيعي أو اعتاد الخارج من غيره، وضابطه كونه ناقضاً؛ لصدق الاستنجاء حينئذٍ. الثاني والعشرون: يَخرج به إزالةُ النجاسة عن غير المخرج بها فإنّه لا يطهر، خلافاً للمرتضى حيث طهَر الصقيل بالمسح(3).

الثالث والعشرون: قد عرفت أنّ غير المتعدّي استثناءٌ من الغائط، والمراد بغير المتعدّي ما لازم المخرج وحواشيه، وبالمتعدّي ما جاوز ذلك وإن لم يبلغ الأليتين.

ص: 150


1- شرح الألفيّة، ص 73 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- منهم ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفية المطبوعة بهامش الفوائد المليةص 79
3- حكاه عنه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 479، المسألة 222؛ والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 450: والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 332 المسألة 249

الرابع والعشرون: يَخرج به ما يتعدّى المخرج من الغائط فإنّه لا يطهّره إلّا الماء عندنا؛ للنصّ(1)، ولعدم عموم البلوى به الذي هو مناط التخفيف.

الخامس والعشرون: يَخرج بقوله: «من الغائط» البول فإنّه لا يطهّره شيء سوى الماء عندنا، والأخبار عن أهل البيت علیهم السلام متواترة به(2)، فلا يُسمع الاستبعاد وتوهّم كونه أولى بالتخفيف من الغائط.

السادس والعشرون الغائط لغةً: ما انخفض من الأرض(3)، ومنه الحديث وهو أنّ رجلاً قال للنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : يا رسول الله قل لأهل الغائط: يُحسنوا مخالطتي(4) أراد أهل الوادي الذي كان منزله.

وسمّي الحدثُ المعلوم غائطاً باسم ما كان يُفعل فيه؛ لأنّ الرجل من العرب كان إذا أراد الحاجة قصد الغائط، فاستعير اسمه لما حلّ به استهجاناً للتلفّظ باسمه، قال الله تعالى: «أَوْجَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَابِطِ»(5) أي من الأرض المخصوصة وأراد به الفعل.

السابع والعشرون: يُعلم من حصر الإزالة في الاستنجاء المختصّ بالحدثين عدمُ وجوب الاستنجاء للريح، كما يقوله بعض العامّة(6)، ولا من الدود والحصى الخاليين من النجاسة.

الثامن والعشرون: يُعلَم من تخصيصه الغائطَ عدم ثبوت الرخصة لو خرج معه دمٌ أو عين نجاسةٍ ابتلعها كعظم الميتة؛ لانتفاء كونه غائطاً صرفاً بخلاف ما لو اغتذى بنجاسةٍ فاستحالت غائطاً، فإنّ الرخصة بحالها، وكذا لو أصابه نجاسةٌ من خارجٍ وإن

ص: 151


1- علل الشرائع، ج 1، ص 332 الباب 204، ح 1.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 50 ، ح 147: الاستبصار، ج 1، ص 57. ح 166.
3- الصحاح، ج 2، ص 1147: القاموس المحيط، ج 2، ص 390؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3 ص 395، «غيط»
4- الفائق، ج 2، ص 447: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 396. وفي «ع»: مخاطبتي.
5- المائدة (5): 6
6- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج 1، ص 113

كانت مماثلةً، إلّا أن يكون من نفس الخارج على أصحّ الوجهين.

التاسع والعشرون: يُعلَم من إطلاق العبارة عدم الفرق بين الرجال والنساء في ثبوت الرخصة وإطلاق النصِّ يقتضيه وهو موضع وفاقٍ.

الثلاثون: قد يدلّ سياق الكلام ومقتضى المقام وهو اختصاص البحث بالواجبات عدم دخول الأطفال في ذلك؛ لعدم مخاطبتهم بالوجوب، لكن الإجماع وإطلاق النصّ وعموم المشقّة يقتضي إدخالهم في الحكم وإن لم يتعلّق به غرض الرسالة، فإنّ زوال النجاسة شرطها الشرعي من باب خطاب الوضع لا يختصّ بالمكلّفين، وأمّا وجوب الإزالة أو ندبها، فمن باب خطاب الشرع، وفرق بين اللفظين واضح، والله الموفّق.

وما أبدع هذه العبارة وأجمعَها، وكم لها نظائر في هذه الرسالة (قدّس الله روح واضعها).

وحيث ذكر أحكام الاستنجاء المقصودة بالذات من الرسالة ناسب المقام أن يذكر أحكام الخلوة التي هي مقدّمات ولوازم ما يترتّب عليه الاستنجاء استتباعاً لطيفاً، كماقد استعمله في هذه الرسالة كثيراً ليأتي على جميع ماذكروه في باب الطهارة والصلاة فقال:

(ويجب على المتخلّي) وهو قاضي الحاجة وَصَفَهُ بذلك، لوقوع الفعل غالباً في الخلوة.

(ستر العورة) التي يجب سترها في الصلاة - وسيأتي بيانها - عن ناظر يحرم اطّلاعه عليها. وإنّما أطلق الوجوب اتّكالاً له إلى ما هو الشائع الظاهر، واحترزنا بالوصف عن زوجة الرجل ومملوكته غير المزوّجة والمعتدّة والطفل الذي لا يميّز العورة بحيث يفرّق بينها وبين غيرها بزيادة توجيه النفس إليها.

(وانحرافه) أي انحراف المتخلّي (عن القبلة بها) أي بالعورة؛ لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولكن شَرّقوا أو غَرّبوا»(1)، والمراد التوجّه إلى

ص: 152


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 25، ح 64: الاستبصار، ج 1، ص 47، ح 130.

الجهة التي فيها المشرق أو المغرب بحيث لا يصدق عليه التوجّه إلى عين الكعبه أو جهتها على حدّ ما يُعتبر في الصلاة.

و تعبير المصنِّف بالانحراف عن القبلة يتناول عدم الاستقبال والاستدبار معاً؛ لأنّ الانحراف على الوجه الذي ذكرناه يوجب كون المتخلّي غير مستقبلٍ ولا مستدبرٍ،

لأنّهما متقابلان فالانحراف عن أحدهما يقتضى الانحراف عن الآخر.

وفي تحقيق التقابل بين العورتين نظر واضح بل الظاهر أنّ المستدبر بالبول يتحقّق منه الانحراف عن القبلة، فكان الأولى التصريح بإخراجه كالاستقبال.

وقد توهّم بعضهم من هذه العبارة الاكتفاء بإحراف العورة خاصّةً وإن بقي الوجه مستقبلاً أو مستدبراً؛ لتعليقه الانحراف على العورة(1) وهو فاسد؛ لأنّ الأمر في الأخبار معلّق بالمكلّف لا بالعورة، كما عرفته في قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «فلا تستقبل القبلة» إلى آخره، فإنّ المتعارف من الاستقبال والاستدبار حين يتعلّق بالمكلّف أن يكون بوجهه ومقاديم بدنه على حدّ ما يُعتبر في الصلاة أو يمتنع، فتحمل العبارة على ذلك، إذ ليست منافيةً له إن لم تكن مطابقةً.

وأجاب الشارح المحقّق عن العبارة بأنّها تدلّ أيضاً على ذلك، فإنّ الانحراف بها يقتضي لغةً الانحراف معها على حدّ قولك: ذهبت بزيد وانطلقت به فإنّ المراد ذهابهما وانطلاقهما معاً حملاً لباء التعدية على معنى «مع»(2).

وفيه نظر، فإنّ المحقّقين من أهل العربيّة كابن هشام ونقله عن سيبويه وغيره على أنّ معنى التعدية بالهمزة والباء واحد، فكما لا يقتضي قولك: أذهبت زيداً ذهابك معه، لا يقتضيه قولك ذهبت بزيد، كما قال الله تعالى: «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ»(3)

ص: 153


1- منهم: ابن فهد الحلّي في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 39 والمقداد السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 69 : ونسبه ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّه المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 80 إلى المشهور
2- شرح الألفيّة، ص 76 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- البقرة (2): 17

مع أنّ الذاهب هو النور خاصّة(1).

والحقّ أن العبارة لا تدلّ على أحد المعنيين صريحاً بل تحتملهما، وأهل العربية قد اختلفوا في ذلك، فإنّ المبرّد(2) وجماعةً ذهبوا إلى ما اختاره الشارح لكن الدليل الشرعي لا يدلّ إلّا على اعتبار الوجه والبدن، فيكون ذلك هو المخصص للمعنى الأوّل، لانفس التركيب.

بقي في المسألة بحث وهو أنّ مقتضى العبارة على ذلك التقدير وصريح الشارح، أنّ الواجب متابعة العورة للبدن في الانحراف عن القبلة، فلو انحرف بوجهه وبدنه وبقي الذَكَر منحرفاً إلى القبلة لم يصحّ، والأدلّة لا تدلّ على ذلك، بل إنّما تدلّ على أنّ المحرّم من ذلك القدر المعتبر في الصلاة والواجب خلافه، ولا تعرّض لها إلى العورة بنفيٍ ولا إثباتٍ، والأصل يقتضي عدم تحريم ذلك، وبهذا يظهر ضعفُ حمل الباء في العبارة على معنى «مع».

ولمّا فرغ من ذكر النجاسات العشر وذكر مطهِّرها القوي - وهو الماء - أخذ في بقيّة أقسام المطهّر لبعض النجاسات دون بعض وقد ذكر منها المسحات في الاستنجاء وثلاث بالأرض، فقال:

(وقد تُطَهِّر الأرض) وأتى ب_ «قد» الدالّة على التقليل في هذا المقام؛ للتنبيه على قلّة مطهّرها في جنب مطهِّر الماء، فإنّ الأرض إنّما تُظهّر أسفل النعل والقدم؛ لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «إذا وطِئ أحدكم الأذى بخفّه فإنّ التراب له طهور»(3)، وقول الباقر علیه السلام في العذرة يطأها برجله: «يمسحها حتّى يذهب أثرها»(4).

ويشترط طهارة الأرض وسلامتها من رطوبة تخرجها عن اسمها أو توجب تعدّي

ص: 154


1- مغني اللبيب، ج 1، ص 199 - 200 ، الرقم 143
2- انظر شرح الكافية، المحقق الرضي، ج 2، ص 274.
3- سنن أبي داود، ج 1، ص 105، ح 385؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 395 ، ح 608: عوالي اللآلي ج 3، ص 60. ح 178.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 809

الرطوبة، وزوال عين النجاسة بالمشي أو المسح.

ولا فرق بين ذات الجرم وغيرها، ولا بين الرطبة والجافّة، ولا بين التراب وغيره من أصناف الأرض كالحجر وإن ورد التراب في بعض الأخبار(1)، ولا بين النعل والخفّ وغيرهما ممّا ينتعل ولو من خشبٍ كالقبقاب.

وخشبة الزَمِن(2) ملحقةٌ بالنعل أو القدم، ولا يلحق بهما أسفلُ العصا وكعب الرمح وما شاكل ذلك، وإنّما يطهر منهما ما استتر بالأرض حالة الاعتماد عليهما، فلا تطهر حافاتهما.

(و) كذا تُطَهِّر (الشمس) ما أشرقت عليه وجفّفته من النجاسة التي لاجرم لها الكائنة على الأرض ونباتها، وكلّ ما لا ينقل عادةً من الأخشاب والأبواب المثبتة في البناء والأوتاد المستدخلة فيه، والثمار الكائنة على الأشجار ونحو ذلك، وتُطَهِّر من المنقول عادةً شيئين لا غيرهما الحصرَ والبواريَ.

واحترزنا بالإشراق عن الحرارة، فإنّها لا تُطَهِّر ما تجفّفه من النجاسات اتّفاقاً، ولقول الصادق علیه السلام: «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(3)، واقتصاراً بالرخصة على موضع اليقين ومدلول النصّ، لكن متى أشرقت الشمس على شيء رطب طَهُرَ ظاهره وباطنه إذا جفّ الجميع بسببها مع اتّصال النجاسة واتّحاد الاسم كالأرض التي دخلت فيها النجاسةُ.

واحترزنا باتّصال النجاسة عن وجهي الحائط إذا كانت النجاسة فيهما غير خارقة له وأشرقت على أحدهما، فإنّه لا يطهر الآخر؛ لعدم الاتّصال وإن اتّحد الاسم.

وباتّحاد الاسم عن الأرض والحائط النجسين إذا أشرقت على أحدهما وإن كانت نجاستهما متّصلةً، ومثله الباريتان النجستان إذا كانت إحداهما فوق الأُخرى وأشرقت

ص: 155


1- الفقيه، ج 1، ص 109، ح 224؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 404، ح 1264.
2- الزمانة: العاهة، ورجل زَمن أي مُبتلى بيّن الزمانة. الصحاح، ج 4، ص 2131؛ لسان العرب، ج 13، ص 199؛ المصباح المنير، ص 256، «زمن».
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 273، ح 804: وج 2، ص 377، ح 1572: الاستبصار، ج 1، ص 193، ح 677 وفيها عن الإمام الباقر علیه السلام

الشمس على العليا، فإنّها تطهر ظاهراً وباطناً دون الأُخرى.

(و) كذا تُطَهِّر (النار) ما أحالته رماداً أو دخاناً أو فحماً على أحد الوجهين، لاخزفاً على أصحّهما خلافاً للشيخ والعلّامة على أحد قوليهما حيث أجرياء مجرى الرماد(1).

ويندفع بعدم خروج الخزف عن مسمّى الأرض، كما لا يخرج الحجر عن مسمّاها مع أنّه أقوى تصلّباً منه، وهما متساويان في علّة الصلابة، ومن ثمّ جاز السجود عليهما مع اختصاص محلّه بالأرض التي لا تخرج بالاستحالة ونباتها بشرطيه.

(والاستحالة) وهي التي تبدّل الصورة النوعيّة وانتقال الماهيّة إلى صورة أُخرى واكتسابٍ اسمِ مباينٍ للأوّل، وذلك كاستحالة النطفة حيواناً طاهراً، واستحالة العذرة و شبهها تراباً، لكن لو كانت رطبةً ونجّست التراب ثمّ استحالت لم يطهر التراب المتنجّس بطهرها، فلو امتزجت بقيت الأجزاء الترابيّة على النجاسة، والمستحيلة أيضاً لاشتباهها بها، إلّا أنّها تصير منجّسةً لا نجسةً فتقبل التطهير.

وصيرورة الماء النجس بولاً لحيوان مأكول اللحم أو جزءً من الخضراوات المستقيّة به، والغذاء النجس روثاً له أو لبناً، ومثله ما لو أكله النحل أو شَرِبَهُ واستحال عسلاً. نعم، لو علم بقاء عين النجاسة على موضع الملاقاة وأصاب به مكاناً رطباً، ولو من المعسلة نجس، ولم يطهر باستحالة المنقول كالتراب المتقدّم.

واستحالة الميتة والعذرة ونحوهما دوداً، واستحالة الخمر خلاً ولو بعلاجٍ مع عدم نجاسته من خارج، وبطهره يطهر إناؤه.

ومن النجاسة الخارجة صيرورة الدبس النجس خلاً، فإنّه لا يطهر بذلك اقتصاراً على مورد النصّ مع احتماله؛ لتحقّق الاستحالة(2)، واستحالة الدم قيحاً، والكلب والخنزير ملحاً على الأصحّ. واعتبر بعض الأصحاب كرّيّة ماء المملحة(3) وهو حسن

ص: 156


1- الخلاف، ج 1، ص 499، المسألة 239؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 291.
2- لتحقّق الاستحالة لم ترد في «د . ع».
3- كالمحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 79 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

بالنظر إلى نجاسة أرضها بدون الكرّيّة، فلا تطهر بطهر المستحيل ملحاً، فينجس منه الملاقي للأرض.

وأمّا نجاسة الجميع، فليس بواضح؛ لأنّ الاستحالة كما تُطهّر أجزاء الكلب والخنزير كذلك تُطهّر الماء النجس. ومنع جماعة من الأصحاب - منهم المحقّق في المعتبر - من طهارة هذا النوع أصلاً(1)، وفي الفرق بين نجاسة الكلب هنا ونجاسة الدبس السابق نظرٌ.

نعم، لو قيل: إنّ طهارة الخمر المنقلب خلّاً بالانقلاب لا بالاستحالة - كما ذكره المصنّف في بعض نسخ الرسالة(2) - تَحقَّق الفرق.

وكما تكون الاستحالة مطهِّرةً قد تكون منجّسةً، كما إذا استحال الماء الطاهر بولاً لذي النفس غير المأكول.

(والنقص) فإنّه مُطهِّر للعصير العنبي إذا ذهب ثلثاه، وللبئر بالنزح المعتبر في تطهيره، وفي معناه غور مائها أجمع، فإنّه مُسقِط لحكم النجاسة لو عادت.

(والانتقال) فإنّه مُطهّر للكافر إذا انتقل إلى الإسلام والدم النجس ونحوه إذا انتقل إلى باطن ما لا نفس له كالبعوض والبرغوث.

ومن المطهِّرات الغَيبة في الآدمي بمعنى أنّه لو كان نجساً وغاب عن عين مَن عَلِم بنجاسته زماناً يحتمل فيه إزالة النجاسة ثمّ رآه بعد ذلك وقد زالت عنه عين النجاسة أو لم يكن لها جرم، فإنّه يحكم بطهارته؛ عملاً بالظاهر من أنّ المسلم لا يبقى على النجاسة.

ويشترط علمه بها، وأهليّته لإزالتها بكونه مميّزاً معتقداً وجوب إزالتها أو استحبابها.

ص: 157


1- المعتبر، ج 1 ص 451؛ منتهى المطلب، ج 3، ص 287
2- اختلفت نُسخ الألفيّة في وجود كلمة (والانقلاب) وعدمها، فلم ترد في «ش 3»، ووردت في «ش 1 ، ش 2». وأشار الكركي إلى ذلك قائلاً - في شرح الألفيّة، ص 81 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7) : كان في الأصل المقابل بخطّ ولد المصنّف بعد النقص؛ والانقلاب والانتقال، ثمّ ضرب على (الانقلاب) وكتب (صحٌ) وكأنّه اكتفى بالاستحالة عنه.

واعتبر المصنّف في الذكرى كونه مكلّفاً ليكون المقتضي لطهارته ظاهراً تنزّه المسلم عن النجاسة(1)، (و) لو أخبر بالإزالة قُبِل مطلقاً.

(لا الغيبة في الحيوان) فإنّها ليست مُطهِّرة، (بل يكفي) في طهارته (زوال العين) النجسة عنه (في غير الآدمي مُطلقا) سواء غاب أم لم يغب. ويمكن أن يكون الإطلاق حالاً من الآدمي، أي سواء كان صغيراً أم كبيراً، فإنّه لا يطهر بزوال عين النجاسة عنه وإن كان الصغير مشاركاً لباقي الحيوانات في كثير من الأحكام.

(ويجب العصر) فيما يمكن عصره، كالثياب إذا غُسلت (في غير) الماء (الكثير).

والمراد بالعصر الاجتهاد في إخراج الماء النجس من المحلّ بكبسه أو لَيّة أو دَقِّه وتغميزه إذا كان غليظاً كالحشايا، ولو لم يقبل العصرَ مع ثبوت الماء النجس فيه كالقرطاس لم يطهر بالقليل، ولا يطهر ما يشترط فيه العصرُ بدونه وإن تركه حتّى جفّ.

والعصر معتبر في سائر النجاسات (إلّا في بول الرضيع) وهو الذكر الذي لم يغتذ بالطعام بحيث يغلب على اللبن أو يساويه، ولم يتجاوز سنّه الحولين، فإنّه يكفي صبّ الماء عليه بحيث يصيب الماء ما أصابه البول وإن لم ينفصل عنه. ولا يلحق به الصبيّة ولا الخنثى المشكل؛ اقتصاراً بالرخصة على مورد النصّ(2).

(و) يجب (الغسلتان في غيره) أي في غير بول الرضيع من النجاسات إذا غسلت في غير الكثير، فيدخل فيه البول مطلقاً عدا ما استُثني والنصّ بالمرّتين ورد في البول(3)، وألحقَ المصنِّف(4)، وجماعةٌ(5) به غيره من النجاسات؛ لأنّها أقوى منه، فيدخل من باب

ص: 158


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 90 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)
2- الكافي، ج 3، ص 56، باب البول يصيب الثوب والجسد، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 249، ح 715 الاستبصار، ج 1، ص 173، ح 602.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 251، ح 721
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 84: الدروس الشرعية، ج 1، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).
5- منهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 3، ص 264؛ وتحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 161؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 173

مفهوم الموافقة لا من باب القياس، وفي الدليل نظرٌ.

ومن ثمَّ ذهب الفاضل إلى عدم وجوب التعدّد في غير البول؛ لأنّ إيجاب الماهية يقتضي إيجادها من غير دلالةٍ على تكرارٍ(1).

(و) يجب (الثلاثُ) غسلاتٍ (في غسل الميّت) وذكره هاهنا - وإن كان من الأغسال الحدثيّة عند المصنِّف وأكثر الجماعة - لأنّ له حظاً من الأغسال الخبثيّة؛ لأنّ نجاسته حدثيّة من وجهٍ وخبثيّةٌ من آخرَ، فناسب استطراده هنا وذكر أحكامه، كما هي عادة المصنِّف في إدراج الأحكام في الرسالة لمناسبات تخصُّها. ولا يخفى أنّ ذلك في إزالة النجاسة الحكميّة الذاتيّة، أما العرضيّة التي على الميّت، فهي كباقي النجاسات فتدخل في قوله:«والغسلتان في غيره ويجب تقديم إزالتها على إزالة الحكميّة.

ويعتبر في الثلاث كونُها (بالسدر والكافور والقراح) أي بمصاحبة شيء من الخليطين في الأُولیَين، فالباء في السدر للمصاحبة، والكافور معطوف عليه، فهي مقدّرة فيه.

وأمّا القراح فلا يستقيم فيه ذلك؛ لأنّ المراد به الماءُ الخالص من مخالَطَة أحدهما،وهو نفس آلة الغسل، فليس معه شيء يصاحِبُه.

فيمكن كون الباء المقدّرة فيه للاستعانة كما هو الأصل في الباء الداخلة على آلة الفعل، ويسوّغ ذلك كونُ الباء فيه في قوّة الملفوظة، فتكون في قوّة المتعدّدة، فلا يضرّ اختلافُ معانيها أو مبنيّ على جواز استعمال المشترك في معنيَيهِ وإن لم نجوّزه حقيقةً، فلا أقلّ من كونه مجازاً وهو سائغ(2) أيضاً، أو يحمل القراح على أنّه مبتدأ محذوف الخبر قصد باستئناف جملته الإعراض عمّا قبله؛ لعدم المناسبة.

ويمكن كون الباء في الأُوليّين بمعنى «مع» أي بالماء مع السدر ومع الكافور، والماء مُستفاد من تغسيله، فإنّه لا يتمٌ حقيقةً بدون الماء، أو على حذف المضاف وهو الماء،

ص: 159


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 340. المسألة 261
2- في «ش»: شائع.

أي بماء السدر وبماء الكافور، ويمكن صحّة القراح على هذا الوجه بتقدير إضافة الموصوف إلى الصفة، كمسجد الجامع عند من جوّزه، ويؤول بما أُوّل به عند من منعه.

والقراح - بفتح القاف - لغةً : هو الخالص الذي لا يشوبه شيء(1).

والمراد هنا الخالص من أحد الخليطين لا من كلّ شيء، فيصحّ تغسيله بالماء الكدر ونحوه مادام إطلاق اسم الماء عليه باقياً.

وإنّما أُطلق عليه القراح ليتميّز عن قسيميه فهو قراحٌ بالإضافة إليهما. وفي خبر سليمان بن خالد عن الصادق علیه السلام: «اغسله بماءٍ وسدرٍ ثمّ بماءٍ وكافورٍ ثمّ بماءٍ»(2)، فجعل بدل القراح الماء المطلق، وتوهّم خلاف ذلك فاسدٌ.

وكيف يصحّ إزالة النجاسات الخبثيّة ويرفع به الحدث القويّ، ولا يصحّ تغسيل الميّت به مع ضعف حدثيّته وخبثيّته معاً، بل التحقيق الذي ينبغي إرادته منه أنّه الماء الذي لا يشترط مصاحبته لشيء، سواء كان خالصاً من المصاحبة أم مصاحباً لغيره، فيدخل فيه الماء المصاحب ليسير التراب والماء الذي فيه بقايا السدر.

والكافور أيضاً، فإنّه كما يطهّر من الحدث والخبث أيضاً كذلك يُطهّر الميّت.

وينبّه على ذلك أيضاً جواز تغسيل الميّت ارتماساً في الماء الكثير، فإنّه لولم يكن لم يصحّ؛ لتحقّق المصاحبة لهما في غسل القراح خصوصاً في الماء الواقف، فتدبّر ذلك فإنّه مُهمٌّ.

ويعتبر في السدر والكافور ،مسمّاه، وأن لا يخرج الماء به عن الإطلاق.

وقوله: (مرتَّباً) - بفتح التاء : اسم مفعول حالٌ من غسل الميّت، أي يجب تغسيله ثلاثاً كذلك في حال كونه مرتّباً كما ذكر، يبدأ بماء السدر ثم بماء الكافور ثمّ بالقراح.

ويجوز كونه بكسر التاء اسم فاعل حال من الغاسل أي مرتِّباً له كما ذكر.

ويُعتبر في كلّ غسلة كونه ( كالجنابة) أي كغسل الجنابة، فيغسل رأسه ورقبته أوّلاً

ص: 160


1- الصحاح، ج 1، ص 396؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 251؛ تاج العروس، ج 4، ص 169، «فرح».
2- تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 446. ح 1443

ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر.

ففي تشبيهه بالجنابة فائدة أُخرى غير فائدة الترتيب الأوّل، وليس المشبّه هوالترتيب الأوّل؛ لعدم إفادته الترتيب بين الغسلات، وعدم دلالة سابق العبارة عليه؛ لأنّ الواو لا تفيد الترتيب عند المحقّقين.

(ويُجزئ نيّةٌ واحدةٌ لها) أي للأغسال الثلاثة بأن ينوي عند أوّل غسل السدر؛ لأنّها في قوّة غسل واحد وإن تعدّد باعتبار كيفيّته، والأجود تعدّد النيّات بتعدّد الأغسال(1)؛ لاختلافها اسماً ومعنىً.

ومن ثمّ لو تعذّر بعض أغساله يُمّمَ عنه مع أنّ بعض الغسل لا يُتَيَمّم عنه. ولو كان الجميع غسلاً واحداً لم يجب أيضاً تغسيله لو وجد من الماء ما يغسّله مرّةً واحدةً منها؛ لأنّ الغسل الواحد لا يتبعّض، والاتّفاق على وجوبه.

ثمّ إن اتّحد الغاسل اختصّ بالنيّة، وإن اشترك جماعةٌ في غسله واشتركوا في الصبّ وجبت على الجميع، ولو كان بعضهم يصبّ الماء والباقي يقلّب وجبت على الصابّ؛ لأنه الغاسل حقيقةً، واستقرب المصنّف في الذكرى إجزاءها من كلّ منهما(2). وإن ترتّبوا بأن غسل كلّ واحد منهم بعضاً اعتبرت النيّة من كلّ واحدٍ عند ابتداء فعله، ويحتمل الاكتفاء بنيّة الأوّل.

(و) يجب (الثلاثُ بالقراح لو تعذّر الخليط) على أصحّ القولين؛ لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استَطَعتم»(3)، ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، وللمصنِّف قولٌ بالاجتزاء بغسل واحدٍ(4)، ضعيف والمائز بين الأغسال الثلاثة النيّة، فيجب أن يقصد تغسيله بالقراح موضع ماء السدر، وكذا في ماء الكافور.

ص: 161


1- في «ق»: الغسلات
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- مجمع الزوائد، ج 1، ص 392، ح 721 نصب الراية، ج 3، ص 3؛ عوالي اللآلي، ج 4، ص 58، ح 206
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وكما لا تسقط الغسلتان بفوات ما يطرح فيهما لا تسقط إحداهما بفقد خليطها، ولا تتغيّر غسلة الخليط عن محلّها.

ولو انعكس الفرض بأن كان المفقود ماء غسلتين مع وجود الخليط قُدِّم السدر؛ لوجوب البدء به واختار المصنّف في الذكرى القراحَ(1)، ولو وجد الماء لغسلتين قدّم الكافور على القراح وعلى ما اختاره يُقدّم السدر على الكافور، واحتمل في الذكرى تقديم الكافور(2).

(والثلاث بالتعفير) أي مع التعفير وهو مأخوذ من العَفَر - بفتح العين والفاء - وهو التراب، أي الدلك به (أوّلاً) قبل غسلتي الماء (في) نجاسة (الولوغ) وهو لغةً: شرب الكلب ممّا في الإناء بلسانه(3).

وألحق به لطعه الإناء بلسانه؛ لأنّه أقوى في وصول الأجزاء اللعابيّة إليه. ولا يُلحق به باقي نجاساته بل هي كغيرها.

والحكم مخصوص بالإناء، واكتفى المصنّف بالولوغ عن التصريح به؛ لدلالته عليه لغةً، كما قلناه، فليس في تركه إخلالٌ كما زعمه الشارح(4)، فلا يوهم موافقة بعض العامّة في تعميم وجوب التعفير لغير الإناء، ولا قائل به من الأصحاب.

وإطلاق الغسل على التراب إمّا حقيقةٌ شرعيةٌ أو مجازٌ من باب إطلاق اسم الجزء على الكلّ.

ولا يجب مزج التراب بالماء كما ذهب إليه بعض الأصحاب(5)؛ تحصيلاً لحقيقة الغسل، بل لو مزجه حتّى خرج به عن اسم التراب لم يُجزِئ.

وعبارة الرسالة لا تدلّ على أحد الأمرين؛ إذ لم يصرّح بكون مجموع الغسلة الأُولى

ص: 162


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- الصحاح، ج 4، ص 1329
4- شرح الألفيّة، ص 84 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 91

بالتراب والمصاحبة أعمّ منه، لكنّه لا يقول بهذا القول في غيرها.

ولا يطهر الإناء بدون التعفير مع إمكان التراب وعدم فساد المحلّ به، ومع عدمهما قيل: يجزئ مشابهه كالأشنان والدقيق(1)، والأولى عدمه؛ لعدم النصّ، وبطلان القياس

وعدم ثبوت التعليل، فيبقى على النجاسة إلى أن يحصل المطهّر.

وكذا لو فقد البدل والمبدل منه، وقيل: ينتقل إلى الماء فيغسل ثلاثاً(2).

ويشترط طهارة التراب كما يشترط طهارة الماء؛ لأنّه أحد المطهّرينِ.

ولو تكرّر الولوغ تداخل، وكذا لو جامعه نجاسة أُخرى لا تزيد عليه عدداً في الأثناء يستأنف. ولو جامعه مايزيد على عدده دخلت غسلاته المائيّة في الأزيد، ووجب التعفير قبل الأخيرتين. ولو كان الإناء ممّا يُعصر كالمُتّخذ من جلد يدخله الماء فلابُدَّ من عصره بعد التعفير في غير الكثير، وفيه يسقط العصر والعدد بعد التعفير.

وغسالة الولوغ كغيرها من النجاسات، فلا يجب لها تعفير، سواء كان قبل التعفير أم .بعده خلافاً للشارح المحقّق حيث أوجبه للإناء الذي أصابه قبل التعفير؛ استناداً إلى أنّها نجاسة الولوغ(3)، وهو لا يستلزم المدّعى.

(والسبع) بالماء من غير تعفير (في) ولوغ (الخنزير) في الإناء دون باقي نجاساته، فإنّها كباقي النجاسات كنجاسة الكلب بغير الولوغ.

(و) كذا يجب السَبع في غسل الإناء من نجاسة (الخمر) على المشهور.

(و) كذا في(4) نجاسة (الفأرة) - بالهمز - المستندة إلى موتها، ولا فرق فيها بین الجُرذ - بضمّ الجيم وفتح الراء - : وهو نوع منها، وبين غيره. والمستند في الخمر والفأرة مع شهرته ضعيف، والاكتفاء بالمرّة قويّ وإن كان المشهور أولى.

ص: 163


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 33.
2- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 33
3- شرح الألفيّة، ص 87 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
4- في: لم ترد في «ش ، د».

(والغسالة) وهي الماء المنفصل عن المحلّ المغسول حكمها في الطهارة والنجاسة (كالمحلّ) المغسول (قبلَها) أي قبل الغسالة المتحقّقة بالانفصال، فإن كان المحلّ قبل تحقّقها بالانفصال عنه طاهراً، وهو بعد استيفاء العدد المعتبر فهي طاهرة، وإن كان نجساً فهى نجسة، ويجب الغسل منها بقدر ما يجب غسل المحلّ الذي انفصلت عنه قبلَها، فإن كانت الأخيرة كفى غسل الملاقي لها مرّة، أو الأولى وجب كمال العدد.

وقيل: حكمها كالمحلّ بعدها(1)، فإن كانت من الأخيرة فهي طاهرة، وممّا قبلها فهي نجسة، لكن يجب الغسل منها بعدد ما يغسل المحلّ بعد الفراغ منها.

وقيل: حكمها كالمحلّ قبل الغسل(2)، فيجب لها ما يجب للمحلّ الذي انفصلت عنه قبل غسله.

وقيل: بعد الغسل(3) فهي طاهرة مطلقاً.

وقيل: هي نجسة مطلقاً وإن حُكِمَ بطهر المحلّ(4).

فهذه خمسة أقوالٍ حرّرناها بأدلتها، وذكرنا القائلَ بها في شرح الإرشاد(5)، فلا عبرة بإنكار الشارح المحقّق لما عدا ثلاثة منها(6).

ويتفرّع على هذه الأقوال ما لو أصابت هذهِ الغسالة شيئاً آخر، فلو أصابت الثانية ممّا وجب غسله مرّتين غسل المتنجّس بها مرّةً على الأوّل، ومرّتين على الثالث، وكان

طاهراً على الثاني والرابع.

ص: 164


1- قاله الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 179 ، المسألة 135
2- قاله فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 19؛ ونسبة ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 1، ص 119 إلى عدّة من الأصحاب.
3- قاله السيّد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 72 - 73 المسألة 3: وابن إدريس في السرائر، ج 1ص 180 - 181
4- قاله المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 90؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 71 ، المسألة 37.
5- روض الجنان، ج 1، ص 505 وما بعد ضمن الموسوعة، ج 10).
6- شرح الألفية، ص 89 - 90 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

وما اختاره (رحمه الله) اشتمل على دعويين:

إحداهما: أنّ ماء الغسالة نجس.

والثانية: أنّ نجاسته ليست على حدّ النجاسة الأولى مطلقاً.

ووجه الأُولى: أنّه ماءٌ قليلٌ لاقى نجاسةٌ فينجس عدا ما استثنى منه كماء الاستنجاء، وقول أبي عبدالله علیه السلام: «الماء الذي يغسل به الثوب ويغتسل به من الجنابة لا يَتَوضّأ منه»(1).

ووجه الثانية: أنّ المحلّ المغسول تضعف نجاسته بعد كلّ غسلة وإن لم يطهر، ولهذا يكفيه من العدد ما لا يكفي قبل ذلك، فيكون حكم ماء الغسلة كذلك؛ لأنّ نجاستها مسببة عنه، فلا يزيد حكمها عليه؛ لئلّا يلزم زيادةُ الفرع على أصله.

ويَظهر من المصنّف في الذكرى الميلُ إلى الرابع(2) وهو مذهب الشيخ والمرتضى وجماعة من الأصحاب(3). والحجّة عليه أنّه لو حكم بنجاسة القليل الوارد لم يكن لوروده أثرٌ، ومتى لم يكن له أثر لم يشترط الورود فيطهر النجس وإن ورد على القليل.

وهذا الدليل كما يدلّ على عدم النجاسة يدلّ على عدم اشتراط ورود الماء على المحلّ.

وخالف المرتضى في الثاني، ولا دليل عليه من جهة الاعتبار، بل من جهة النقل وهو قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «إذا استيقظَ أحدكم فلا يُدخِل يده في الماء حتّى يغسلها، فإنّه لا يدري أين باتت يدُه؟»(4)؛ إذ لو لم يشترط ورود الماء على النجاسة لم يكن للنهي معنىً.

واحتجّ المرتضى على الأوّل بأنّه لو حُكِمَ بنجاسته لم يطهر المحلّ بالغسل العدديّ، والتالي باطل بالإجماع، والملازمة واضحةٌ ويلزم أن لا ينجس بخروجه بطريق أولى؛ لأنّه مفارق للنجس، فإذا لم يؤثّر فيه حال اجتماعه معه فلأن لا يؤثّر بعد مفارقته

ص: 165


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 221، ح 630: الاستبصار، ج 1، ص 27، ح 71
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- الخلاف، ج 1، ص 181، المسألة 137؛ المسائل الناصريات، ص 73، المسألة 3.
4- سنن الدار قطني، ج 1، ص 131 - 135، ح 1/123-4/126.

أولى، فيضعف جواب العلّامة في المختلف بالتزام الحكم بنجاسته وطهارة الثوب بعد الانفصال(1).

والجواب عن حجّة الأوّل منع الكبرى، بل هي عين المتنازع، فكيف تُؤخذُ دليلاً؟! وأين الدليل عليها؟ والخبر أعمّ من الدعوى فإنّ المنع من الوضوء به أعمُّ من نجاسته، فلا يستلزمها، إذ العامّ لا يدلّ على الخاصّ.

وقد كان على المصنِّف أن يستثني ماءَ الاستنجاء، فإنّه غسالةٌ طاهرةٌ مع عدم تغییره بالنجاسة وعدم ملاقاته لنجاسةٍ خارجةٍ عن حقيقة الحدث أو عن محلّه.

(وعفي عمّا لا يرقاً) أي ما لا ينقطع (من الدم) كدم القروح والجروح المستمرّة. وفي حكم عدم الانقطاع رقوة فترةٍ لا تسع الصلاة وإن كانت العبارة تقتضي عدم العفو هنا. ومستند الرخصة قول الباقر علیه السلام لأبي بصير حين قال له: إنّ قائدي أخبرني أنّك تُصلّي وفي ثوبك دمٌ، فقال: «إنّ بيّ دماميل ولستُ أغسِلُ ثوبي حتّى تُبرأ»(2). وهذا الخبر يدلّ على عموم العفو إلى أن تبرأ سواء كان لها فترةٌ أم لا وهو حسن وإن كان ما اختاره المصنّف أحوط.

وبالغ العلّامة فأوجب طهارة الثوب مع الإمكان مطلقاً؛ محتجّاً بزوال المشقّة(3) والخبر حجّة عليه.

(وعمّا نقص) من الدم (عن سعة درهمٍ بغلي) - بإسكان الغين وتخفيف اللام - نسبة إلى رأس البغل، قيل: ضربه للثاني في ولايته أو - بفتحها وتشديد اللام - منسوب إلى «بغل» قرية بالجامعين كان يوجد بها دراهم تقرب سعتها من أخمص الراحة وهو المنخفض من الكفّ وقدّر الدرهم به وبعقد الإبهام العليا وبالوسطى ولا منافاة؛ لإمكان اختلافها سعةً وضيقاً، كما هو الواقع.

ص: 166


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 72، المسألة 37.
2- الكافي، ج 3، ص 58 باب الثوب يصيبه الدم والمدّة، ح1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 258، ح 747 الاستبصار، ج 1، ص 177، ح 616.
3- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 71 - 73، المسألة 23.

وإنّما يُعفى من ذلك عن الدم المسفوح، غير الدماء الثلاثة، ودم نجس العين ولو بالعرض كالموت.

ولا فرق بين المجتمع منه والمتفرّق، فيقدّر كذلك مجتمعاً على أصحّ الأقوال. ولا فرق في ذلك بين الثوب والبدن، فيضمّ الموجود فيهما وفي الثياب المتعدّدة بعضه إلى .بعض. وقيل: لكلّ واحدٍ حكمُ نفسِه(1).

ولو أصاب وجهي الثوب، فإن كان بالتفشّي فواحدٌ مطلقاً - وقيّده المصنّف في الذكرى برقّة الثوب-(2) وإلّا فدمان. وذو البطانة متعدّد، فيضمّ ما في أحدهما إلى الآخر وإن كان بالتفشّي.

ولو أصاب الدمّ المعفوَّ عنه مائع طاهر ولم يبلغ المجموع الدرهم، ففي بقائه على العفو وعدمه قولان اختار المصنّف أوّلهما في الذكرى(3) وثانيَهما في البيان(4). والأجود الأوّل؛ لأنّ المنجَّس بشيء لا يزيد عليه، غايته أن يساويه؛ إذ لا يزيد الفرع على أصله.

ووجه الثاني كون الرطوبة المنجّسة ليست دماً مسفوحاً.

(وعن نجاسة ثوب المربيّة للصبيّ حيث لا) تقدر على ثوبٍ (غيره) ولو بشراء أو استئجار أو إعارة(5)، وفي حكم الصبيّ هنا الصبيّة؛ لأنّ مورد الرواية المولود(6)، وهو شامل لهما. ولو تعدّد الولد فكذلك؛ لصدق اسم المولود وزيادة المشقّة مع احتمال العدم لكثرة النجاسة حينئذّ.

وألحق بعض الأصحاب بها المربّي؛ للاشتراك في العلّة وهي المشقّة الحاصلة من تكثّر النجاسة على تقدير غسلةِ للصلوات(7)، وفيه منع التعليل، فإنّه ليس منصوصاً،

ص: 167


1- قاله الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 61
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- البيان، ص 89 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
5- في «ق . د»: عارية.
6- الفقيه، ج 1، ص 70 ، ح 161؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719 .
7- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 493 - 494. المسألة 131 والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97؛ والبيان، ص 90 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).

بل مستنبطاً فلا يصحّ قياسُه.

واحترز بالثوب عمّا لو تعدّد ولو بالقوّة كما مرّ فلا تلحقها الرخصة حينئذٍ؛ لزوال المشقّة بالإبدال وقوفاً مع ظاهر النصّ(1)، هذا إذا لم تحتج إلى لبسها دفعةً للبرد ونحوه، وإلّا فكالواحد.

و مورد الرواية تنجّس الثوب ببوله، فتقصر الرخصة عليه وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده فلا يتعدّى إلى نجاسته بغير الصبيّ، ولا بنجاسته بغيره كدمه. وفي شموله لغائطه قول مشهور إمّا لاشتراكهما فى عموميّة البلوى، أو لأن البول شامل له؛ بناءً على ما هو المعروف في قواعد العرب من ارتكاب الكناية فيما يُستهجن التصريحُ به، وفيهما منع.

والحكم مختصّ بالثوب كما ورد به النصّ(2)، ودلّت عليه العبارةُ، فيجب غسل بدنها بحسب المكنة.

وهذه الرخصة حاصلة (وإن وجب غسله في اليوم(3) مرّةً) لثبوتها في النجاسة الحاصلة فيه بعد الطهارة و «اليوم» هنا يشمل الليلة إمّا تبعاً أو لغةً والأفضل جعل الغسل آخر النهار لتصلّي فيه الظهرين والعشاءين في وقتٍ متقاربٍ، ولو أخلّت بغسله فجميع صلاتها الواقعة بالنجاسة باطلةٌ؛ لعدم الأولوية وإن كان قد يصحّ بعضها لو فعلته.

(وعن نجاسة ما) أي الشيء الذي (لا تتمّ الصلاة فيه وحده) بأن لا يمكن ستر عورة الرجل به كالتّكة والقلنسوة والخفّ وإن كانت نجاسته مغلّظةً، لا إن كان نفسه نجاسةً كجلد الميتة.

والأصل فيه قول الصادق علیه السلام: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا يجوز الصلاة

ص: 168


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719.
3- بعد كلمة (اليوم) ورد في «ع»: (والليلة). وعليها علامة تدلّ على أنها نسخة بدل. والظاهر عدم وجودها في نسخة الألفية التي اعتمدها المصنف، لذلك نراه يقول: واليوم هنا يشمل الليلة إما تبعاً أو لغةً.

فيه فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة والتكة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك»(1).

والمراد بالصلاة التي لا تتمّ فيه جنس الصلاة الاختياريّة، فلو وقع فيه فرد من أفرادها كفى في المنع، فيكفي ستره لعورة الرجل وإن لم يستر المرأة. وقد عُلم من عموم الرواية أنّه لا فر في ذلك بين أن يكون من الملابس أو غيرها، ولافي الملابس بين كونها في محالّها أولا، خلافاً لبعض الأصحاب حيث قصر الرخصة على الملابس في محالّها(2)، والخبر حجَّة عليه.

(وعن النجاسة) الكائنة في الثوب والبدن (مُطلقاً) من أيّ أنواع النجاسة كانت (مع تعذر الازالة)، فتجوز الصلاة في الثوب النجس حينئذٍ وإن أمكن نزعه والصلاة عارياً، خلافاً للأكثر حيث أوجب الصلاة عارياً(3).

ويستفاد من كون الصلاة فيه رخصةً جواز تركها والصلاة عارياً فيتخيّر بينهما وهو كذلك، لكنّ الصلاة فيه أفضل للأمر به في خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام(4).

ولأن فوات وصفٍ في الستر أولى من فواته جملةً؛ ولاستلزامه كمال أفعال الصلاة، فإنّ الصلاة عارياً توجب الإيماء على وجهِ؛ ولأنّ شرطيّة الستر أقوى من شرطيّة الطهارة. ولولا دعوى العلّامة في المنتهى الإجماع على جواز الصلاة عارياً(5) أمكن القول بتحتّم الصلاة فيه.

ولو خاف البرد ونحوه من نزعه تعيّنت الصلاة فيه ولا إعادة على التقديرين؛ لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

ص: 169


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 810
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 481 - 482، المسألة 127؛ ومنتهى المطلب، ج 3، ص 260.
3- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 39؛ والخلاف، ج 1، ص 474 المسألة 218؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 186.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 224، ح 884: الاستبصار، ج 1، ص 169 ، ح 585
5- منتهى المطلب، ج 3، ص 304.

(المقدمة الثالثة: ستر العورتين للرجل)

وهما القُبل والدُبر، والمراد بالقبل القضيب والأُنثيان، وبالدبر المخرج دون الأليتين.

(وسترجميع البدن) للمرأة (عدا الوجه) وهو ما يجب غسله في الوضوء أصالةً (والكفّين) من الزندين (وظاهر القدمين)، وحدّها مفصل الساق (لها) أي للمرأة الحرّة وإن لم يسبق لها ذكر صريح؛ لدلالة سبق ذِكْرِ الرجل عليها على وجهٍ يظهر منه المراد، وذكر الأمة فيما يأتي على الحرّة.

و مقتضى إطلاق الكفّين عدم الفرق بين ظاهر هما وباطنهما، وتقييده بظاهر القدمين مُخرجٌ لباطنهما، وهو المناسب لكون بدنها عورةً إلّا ما أخرجه الدليل. وليس فيه مايدلّ على الباطن صريحاً، وأضافهما بعض الأصحاب إلى الظاهر، وكذا الخلاف في العقبين.

ويجب ستر شيء من حدّ(1) الوجه وباقي المستثنيات من باب المقدّمة؛ لعدم المفصل

المحسوس، فيتوقّف الواجب عليه.

(و) جميع البدن - عدا المستثنيات - عورةٌ (للخنثى المشكل أيضاً ليحصل بسترها يقين البراءة ويحتمل إلحاقها بالرجل؛ لأصالة البراءة من التكليف بالزائد عن المتيقن وجوب ستره.

(والأولى) للمرأة (ستر شعرها وأُذنيها للرواية) التي رواها الفضيل عن الباقر علیه السلام قال: صلّت فاطمة علیها السلام خِمارها(2) على رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها وأُذنيها»(3).

ص: 170


1- حدّ: لم ترد في «ع».
2- الخمار ثوب تغطّى به المرأة رأسها المصباح المنير، ص 181، «خمر».
3- الفقيه، ج 1، ص 257، ح 789

وفي التعبير ب_ «الأولى» إشارة إلى عدم الحكم بالوجوب، وفي الذكرى قرّب الوجوب(1). وهو الوجه؛ لأنّ بدنها كلّه عورةٌ كما دلّت عليه الرواية(2) إلّا ما أخرجه الدليل الخاصّ.

(أمّا الأمة المحضة) وهي التي لم يتحرّر منها شيء وإن تشبّثت بالحرّيّة فيدخل فيها القِنّة، والمدبّرة قبل وفاة السيّد، والمكاتبة المشروطة، والمطلّقة التي لم تؤدِّ شيئاً من مال الكتابة (فلا يجب عليها سترُ رأسها) وهو هنا العنق ومافوقه وإن وجب عليها سترُ جزءٍ من أسفل العنق. وإنّما يجب عليها ستر ما عدا الرأس، وما استثني للحرّة.

واحترز ب_ «المحضة» عمّن تحرّر منها شيء، فإنّها كالحرّة تغليباً؛ لحرمة الحرّيّة. ولو أُعتقت أو بعضها في أثناء الصلاة وجب عليها ستره، ولو افتقر إلى فعلٍ كثيرٍ استأنفت مع سعة الوقت ولو لركعة بعد الإبطال وأتمّت لا معها.

(ويُعتبر في الساتر) للعورة (أُمورٌ خمسة):

(الأول: أن يكون طاهراً) من النجاسة (إلّا ما استثني) فيما سلف وهو المتنجّس بما نقص عن سعة الدرهم من الدم، وثوب صاحب القروح والجروح والمربّية، وما تعذّر تطهيره. وأمّا مالا تتمّ الصلاة فيه وحده فخارجٌ بقيد الساتر، فلو كان نجساً بغير ذلك لم تصحّ فيه الصلاة.

(الثاني: أن لا يكون ميتةً) وإنّما ذكر هذا الشرط مع دخوله في شرط الطهارة؛ للتنبيه على انفكاكهما عند بعض الأصحاب وهو ابن الجنيد، فإنّه وإن طهّر جلد الميتة بالدبغ لكن منع من الصلاة فيه(3)، فأشار بتخصيصه إلى أنّ عدم جواز الصلاة فيه موضع وفاقٍ وإن حكم بطهره.

ص: 171


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 361 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 217، ج 853: الاستبصار، ج 1، ص 388، ح 1478.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 342، المسألة 262.

وذكر بعض الشرّاح أنّه احترز به عن ميتة السمك، فإنّها طاهرةٌ ولا يجوز الستر بجلدها في الصلاة(1).

ويشكل بمنع كون السمك ممّا تمتنع الصلاة في جلده وإن كان ميتةً؛ لأنّه طاهر في حال الحياة ولا ينجس بالموت؛ إذ لانفس له.

وبأنّ المصنّف (رحمه الله)(2) وأكثر الأصحاب جوّزوا الصلاة في جلد الخزّ وإن كان غیر مذكّى مع أنّ لحمه غير مأكول(3)، فجوازها في جلد السمك أولى.

وقد وهم الشارح المحقّق هنا في ردّه لهذا القول حيث حكى عن المصنّف في الذكرى أنّه نَقل عن المعتبر إجماع الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وإن كان ميتة(4) والحال أنّ المصنّف لم ينقل ذلك عن المعتبر، ولا هو موجود في المعتبر، وإنّما الذي نقله عن المعتبر والموجود فيه الإجماع على جواز الصلاة في وَبَر الخزّ وإن كان ميتةً؛ لأنّه طاهر فى حال الحياة ولم ينجس بالموت(5).

ولكن عبارة الذكرى تُوهِم كون البحث ثمّة عن السمك، وعند الاعتبار ومراجعة المعتبر ينجلي لك الحال.

وأمّا جلد السمك، فلم يذكراه في الكتابين، وإنّما ذكرا بعد دعوى الإجماع على جواز الصلاة في وبر الخز مطلقاً خلافاً في جوازها في جلده ثمّ اختارا الجوازَ ولم يقيّداه بكونه مذكئ، لكن شرطا تذكيته في مواضع أُخر، والظاهر أنّ هذا الإطلاق مبني عليه.

(الثالث: أن لا يكون جلد غير المأكول) لحمه وإن ذكّي ودُبِغَ (أو صوفه أو وبره

ص: 172


1- حكاه المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 96 ( ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 383؛ البيان، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 12).
3- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 262 والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 468 - 469. المسألة 122: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 78
4- شرح الألفيّة، ص 96 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- المعتبر، ج 2، ص 84؛ ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

أو شعره)؛ لقول الصادق علیه السلام: «كلّ شيء حُرِّمَ أكله فالصلاة في وبره وجلده وشعره وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره»(1).

ويستثنى من ذلك شعر الآدمي، خصوصاً شعر المصلّي نفسه؛ لعموم البلوى به وجواز الصلاة فيه متّصلاً فكذا منفصلاً عملاً بالاستصحاب، ولمكاتبة عليّ بن الريّان عن أبي الحسن علیه السلام(2).

هذا كلّه إذا لم يكن لباساً ولا جزءً منه بحيث يدخل في نسجه، وإلّا مُنع منه كغيره.

والحكم شامل لجميع أفراد الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه (إلّا الخزّ) وهو دابّة ذات أربعٍ تُصاد من الماء لا تعيش بدونه.

ولا يشترط في جواز الصلاة في وَبره التذكية إجماعاً كما مرّ، وهل يجوز في جلده؟ قولان أصحّهما الجواز وعلى تقديره(3) هل يشترط تذكيته بإخراجه من الماء حيّاً كالسمك؟ قولان، أجودهما اشتراطها؛ لرواية ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام(4).

وفي بعض نسخ الرسالة تقييد الخزّ بقوله: (الخالص)(5)، واحترز به عن المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ونحوهما ممّا لا تصحّ الصلاة فيه، فإنّ الصلاة فيه باطلةٌ.

أمّا المغشوش بالحرير بحيث لا يستهلكه الحرير فجائز؛ إذ المحرّم إنّما هو الحرير المحض.

(و) كذا يُستثنى منه (السنجابُ) فإنّ الصلاة فى جلده ووبره جائزةٌ أيضاً على أصحّ القولين. ويشترط في الصحّة تذكيته بالذبح؛ لأنّه ذو نفسٍ قطعاً، والدباغ غير

ص: 173


1- الكافي، ج 3، ص 397، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و.... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 209 ح 818: الاستبصار، ج 1، ص 383، ح 1454
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 367، ح 1526
3- في «ش ، ق»: تقدير الجواز.
4- الكافي، ج 3، ص 399 - 400، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و.... ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 2 ص 211 . ح 828
5- كما في نسختي «ش 1 ، 3».

مُطَهِّرٍ عندنا، وعلى تقدير حصولها تكره الصلاة فيه، بل ذهب أكثر الأصحاب إلى المنع(1).

قال المصنّف في الذكرى:

وقد اشتهر بين التجّار والمسافرين أنّه غير مذّكى ولا عبرة بذلك؛ حملاً لتصرّف المسلمين على ما هو الأغلب(2) انتهى.

ولأنّ متعلّق الشهادة إذا كان غير محصور لم تسمع، نعم، لو عُلِم ذلك حرم استعماله.

(الرابع: أن لا يكون مغصوباً) فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم؛ للنهي عن التصرّف في المغصوب المقتضي للبطلان.

هذا إذا كان ساتراً ليرجع النهي إلى شرط الصلاة، ومثله ما لو قام ف-وقه أو سجد عليه.

ولو كان المغصوب غير ساترٍ كالخاتم ففي صحّة الصلاة فيه وجهان، والأكثر على إلحاقهِ بالساتر؛ للنهي عن الحركات الواقعة فيه حيث تستلزم التصرّف في المغصوب وهي أجزاء الصلاة فتفسد.

ولأنّه مأمور بإبانة المغصوب عنه وبرّده إلى مالكهِ. فإن افتقر إلى فعلٍ كثيرٍ كان مُضادّاً للصلاة، والأمر بالشيء يستلزم النهي بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه فتفسد.

وفي الدليلين نظر وإن كان ذلك أحوطَ.

ولضعف أدلّة البطلان ذهب المحقّق في المعتبر إلى الصحّة هنا(3)، وقوّاه المصنِّف في الذكرى(4).

ولو نسي الحكم فكذلك، وفي ناسي أصل الغصب أوجهٌ تأتي إن شاء الله تعالى(5).

ص: 174


1- كالشيخ في النهاية، ص 587؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 262؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2 ص 94. المسألة 35.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 386 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- المعتبر، ج 2، ص 92.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 396(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
5- تأتي في ص 303

(الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجل) لتحريم لبسه عليه في غير الصلاة، ففيها أولى.

واحترز بالمحض عن الممتزج بغيره كالقطن والكتّان فإنّه جائز له، سواء كان الخليط أقلّ من الحرير أم أكثر ما لم يستهلكه الحرير بحيث يطلق عليه اسمه عرفاً إلّا أن يكون الإطلاق مجرّد اقتراح مع تحقّق الخليط المعتبر.

(والخنثى) كالرجل هنا؛ لاحتمال الرجوليّة، وأخذاً بمجامع الاحتياط، مع احتمال عدم تحريمه عليه؛ لأصالة البراءة، فإنّ التحريم معلّق في النصّ(1) على الذكور.

ولا فرق في بطلان الصلاة فيه بين كونه ساتراً أَم لا وإن كان السياق في الساتر، وهذا إنّما هو (في غير الحرب أو الضرورة).

أمّا الحرب فلمّا يحصل به من قوّة القلب وإرهاب العدوّ وهما مطلوبان شرعاً، وللنصّ (2).

وأمّا الضرورة، فكدفع البرد والقمّل، وقد أمر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بعض أصحابه بلبسه للقمّل(3).

ويجوز ركوبه وافتراشه والنوم عليه وغير ذلك ممّا لا يُعد لبساً؛ للرواية(4). واستثني من اللباس مالا يزيد على أربع أصابع مضمومةً ككفّ الثوب به، وجعله في رؤوس الأكمام والذيل، وما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكّة والقلنسوة على كراهيةٍ.

وخرج بالرجل المرأة، فيجوز لبسه لها في حال الصلاة وغيرها على المشهور،

ص: 175


1- الكافي، ج 3، ص 399، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و.... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 207 ح 812؛ الاستبصار، ج 1، ص 385 ، ح 1462
2- الكافي، ج 6 ، ص 453، باب لبس الحرير والديباج، ح 3؛ الفقيه، ج 1، ص 263 - 264، ذيل الحديث 811؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 208، ح 816؛ الاستبصار، ج 1، ص 386 ، ح 1466.
3- صحيح البخاري، ج 5، ص 2196، ح 5501: صحیح مسلم، ج 3، ص 1646، ح 24 - 2076/25؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 050 ح 4056: الجامع الصحيح، ج 4، ص 218 ، ح 1722؛ مسند أحمد، ج 3، ص 572، ح 11821؛ وج 4، ص 43. ح 12580، وص 144 . ح 13228 : سنن النسائي ، ج 8، ص 213، ح 5320 - 5321
4- الكافي، ج 6، ص 477 - 478، باب الفرش، ح 8: قرب الإسناد، ص 185 ، ح 687؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373 ح 1553

والصبيّ؛ لعدم التكليف في حقّه، والتحريم من باب خطاب الشرع. ولا يحرم على الوليّ تمكينه منه؛ لأنّه فرع تحريم اللبس.

(و) كذا يشترط أن (لا) يكون الساتر بل الملبوس مطلقاً (ذهباً لهما) أي للرجل والخنثى. ولا فرق في ذلك بين المحض والمموّه به وإن قلّ، نعم، لو تقادم عهده حتّى اندرس وزال مسمّاه جاز ،لبسه كما ذكره المصنّف في الذكرى(1).

(و) كذا (لا يجوز) أن يصلّى الإنسان (في ساتر ظهر القدم إلّا أن يكون له ساق وإن قصرت) بحيث تتجاوز مفصل القدم ولو يسيراً، والنهي مشروط بأمرين: ستر ظهر القدم، وعدم الساق. فالخفّ والنعل العربية لا خلاف في جواز الصلاة فيهما، بل هي في النعل أفضل.

ويجتمع الشرطان في الشُمِشك(2)- بضم الشين وكسر الميم - فيحرم فيه على المشهور بين الأصحاب، ومستندهم فعل النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم والأئمّة علیهم السلام؛ فإنهم لم يصلّوا في هذا النوع، ولا نقله عنهم ناقلٌ، ولو وَقَعَ لنُقِلَ مع عموم البلوىبه.

ولا يخفى ضعف هذا المستند، فإنّه شهادة على النفي غير المحصور فلا تُسمع. ومَن الذي أحاط علماً بأنّهم كانوا لا يصلّون في هذا النوع؟! ولو سُلّم لم يكن دليلاً على عدم الجواز؛ لجواز كونه غير معتادٍ لهم، بل الظاهر هو ذلك حتّى لو عُلم أنّهم كانوا لا يُصلّون فيه عمداً لم يكن دليلاً على التحريم ولو تمّ ذلك لزم تحريم الصلاة في كلّ ما لم يُصلّوا في نوعه وهو ضعيف.

فالقول بالجواز أقوى على كراهيةٍ؛ خروجاً من خلاف الجماعة.

ص: 176


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
2- الشمشك: قيل إنّه المشاية البغدادية مجمع البحرين، ج 5، ص 277، «شمشك».

(المقدّمة الرابعة: مراعاة الوقت)

(وهو هنا) أي بالنسبة إلى اليومية (لخمس) صلواتٍ بحسب تعدّد اليوميّة، وسيأتي في الخاتمة بيان أوقات باقي الصلوات الواجبةِ.

(فللظهر زوال الشمس المعلوم بظهور الظلّ في جانب المشرق) فإنّ الظلّ يقابل ذا النور فإذا كانت الشمس في جانب المشرق كان ظلّ الشاخص الذي يقع عليه في جهة المغرب. فإذا كانت في وسط السماء على دائرة نصف النهار كان ظلّ الشخص على خطّ نصف النهار من الشمال أو من الجنوب إن كان له ظلّ.

فإذا زالت بأنّ مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب، مال ظلّ الشاخص إلى جانب المشرق إن كان له ظلّ وحدث من ذلك الجانب إن لم يكن.

وعبارة الرسالة شاملة للظلّ الحادث والزائد، فإنّ كلا الظلّين يظهر عند الزوال في جانب المشرق.

فتشمل هذه العلامة سائر البلاد في جميع الفصول لكن ظهور الظلّ في جانب المشرق إنّما يُعلم في أوّله كذلك عند إخراج خطّ نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهنديّة، أو ربع الدائرة، أو الاسطرلاب.

فإذا وصل ظلّ الشاخص إليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل بعد، فإذا خرج الظلّ عنه إلى جهة المشرق فقد تحقّق زوالها، وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب.

وأمّا ما ذكره الأصحاب عن علمه بزيادة الظلّ بعد نقصه علمه بزيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه(1)،

ص: 177


1- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 301، المسألة 24 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 12

فلا يتوقّف إلا على نصب الشاخص كيف اتّفق، لكن تبيّن الزوال بالأوّل قبل الثاني بزمان كثير، فإنّ تحقّق الزيادة بعد انتهاء النقصان لا يَظهر إلّا بعد مضيّ نحو ساعةٍ من أوّل الوقت بخلاف ما لو أُخرج خطّ نصف النهار على سطحٍ مستوٍ، كما لا يخفى على من مارس ذلك.

واعلم أنّ الظلّ الباقي للشخص عند الزوال يختلف باختلاف البلاد والفصول بحسب قرب الشمس من مسامتة رأس الشخص وبُعدِها عنه، فكلّما كانت الشمس في البروج الجنوبيّة - وهو فصل الشتاء والخريف - كان الظلّ الموجود أطول ممّا لو كانت في البروج الشماليّة كالربيع والصيف في الربع المسكون.

وكلّما قربت الشمس من مسامتة الرأس كان الظلّ أقصر، ويتصوّر عدمه أصلاً إذا كانت الشمس على رأس الشخص، وذلك في خطّ الاستواء عند الاعتدالينم الربيعي والخريفي، وفيما خرج عنه إلى جهة الشمال إذا ساوى عرض البلدة مقدار ميل الشمس عن دائرة معدل النهار.

وقد ذكر المصنّف(1) وجماعة من المتأخّرين أنّ ذلك يكون بمكّة وصنعاء في يوم واحدٍ، وهو أطول أيّام السنة عند نزول الشمس في السرطان(2)، وهو فاسد قطعاً؛ لأنّ الشمس يكون لها في ذلك الوقت ظلّ جنوبي خصوصاً بصنعاء؛ لنقصان عرضه عن الميل الأعظم للشمس.

ونقل المصنّف في الذكرى في المسألة قولاً آخرَ وهو أنّ ذلك يكون بالبلدتين قبل الانتهاء بستّة وعشرين يوماً، ويستمرّ إلى الانتهاء، وبعده إلى ستّة وعشرين يوماً آخرَ، فيكون مدّة ذلك اثنين وخمسين يوماً(3).

وهذا أيضاً غلط فاحش، فإنّ الشمس إنّما تسامت الرأس يوماً واحداً ثمّ تميل عنه.

ص: 178


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 300 - 301، المسألة 24؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص12.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 229 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

والذي دلّت عليه البراهين المقرّرة في محلِّها من هذا العلم، وصرّح به أهل هذه الصنعة، كالمحقّق نصير الدين الطوسي وغيره أنّ الشمس تسامت رؤوس أهل مكّة وصنعاء مرّتين في السنة.

لكن ليس ذلك في يومٍ واحدٍ؛ لشدّة ما بين البلدين من الاختلاف في العروض، وإنّما يكون في صنعاء عند كون الشمس في الدرجة الثامنة من برج الثور صاعدةً ثمّ تميل عنه نحو الشمال ويحدث لها ظلّ جنوبي إلى أن ينتهي وترجع إلى الدرجة الثالثة والعشرين من برج الأسد بحيث يساوي ميلها لعرض البلد وهو أربع عشرة درجةً

وأربعون دقيقةً.

وأين ذلك من مناسبة ميل الشمس الأعظم في أطول الأيّام؟ وهو أربع وعشرون درجةً مجبورة الدقائق.

وأمّا مكّة، فعرضها إحدى وعشرون درجةً وأربعون دقيقةً، فمسامتة الشمس لرؤوس أهلها تكون أيضاً قبل انتهاء الميل بأيّام كثيرة، وذلك حين يكون مناسباً لعرضها فتسامت رؤوس أهلها مرّتين أيضاً صاعدةً وراجعةً.

والذي حقّقه أهل هذا الشأن أنّ ذلك يكون عند الصعود في الدرجة الثامنة من الجوزاء، وعند الهبوط في الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان؛ لمساواة الميل في الموضعين لعرض مكّة، وفيما بين هاتين الدرجتين من الأيّام إلى تمام الانتهاء يكون ظلّ الشمس جنوبيّاً.

والأولى التمثيل لأطول أيّام السنة بمدينة الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم فإنّ عرضها يناسب الميل الأعظم للشمس وإن خالفه بدقائق لا يكاد تظهر للحسّ، فتدبّر هذه الجملة، واتّبع طريق الرشاد، وفقنا الله وإيّاك للسداد.

وقد أشبعنا القول في هذه المسألة في شرح الإرشاد(1)، فراجعه فإنّك لا تجده في

غيره من الكتب.

ص: 179


1- روض الجنان، ج 2، ص 46 وما بعدها (ضمن الموسوعة، ج 11)

وإنّما بدأ المصنّف بوقت الظهر؛ لأنّها الفرد الأشرف والصلاة الوسطى على أصحّ الأقوال. ونقل الشيخ (رحمة الله عليه) إجماعنا(1)، ورواه عن الصادقين علیهما السلام(2).

(وللعصر الفراغ من الظهر ولو تقديراً) أي على تقدير أن لا يصلّى الظهر في أوّل الوقت يكون وقتها المختصّ بها مالو قدر وقوعها فيه تامّة الأفعال والشروط بحسب الواجب في ذلك الوقت شرعاً لَوَسِعها. ويختلف ذلك باختلاف الوقت في القصر والتمام، والحال في الخوف والأمن والسرعة والبطء، واستجماع شروط الصلاة بعد

دخول الوقت وفقدها.

فإذا مضى هذا المقدار اشترك الوقت بينها وبين العصر إلّا أنّ هذه قبل هذه.

وإنّما تظهر فائدة الاشتراك والاختصاص فيما لو صلّى العصر قبل الظهر ناسياً ولم يذكر حتّى فرغ منها، فإن وقعت في المشترك أو دخل وهو فيها صحّت، وإن وقعت بأسرها في المختصّ بالظهر بطلت.

ولو ذكر في الأثناء عدل إلى الظهر وصحّت على التقديرين، وكذا القول في العشاءين. ولو فرض شروعه في الظهر أوّل الوقت وسهوه عن بعض الأفعال، فإن كان ممّا يتلافى بعد الصلاة، فلابدّ من اعتبار وقته، وإلّا لم تجب حتّى يمضي مقدار وقته. وفي اعتبار وقت صلاة الاحتياط لو شكّ في الظهر بما يوجبه وجهان، أمّا سجود السهو، فلا.

(وللمغرب) غيبوبة الشمس وعلامتها (ذهاب الحمرة المشرقية) بحيث لا يبقى منها في الجانب الشرقي الذي ينتهي إلى قِمّة رأس الإنسان شيء، وإنّما كان ذلك علامة لها مع النصّ الصحيح(3)؛ لأنّ الاعتبار في طلوعها وغروبها لمّا كان بالأُفق الحقيقي لا المحسون لا المحسوس وكان طلوعها يتحقّق قبل بروزها للعين بزمان طويل غالباً،

ص: 180


1- الخلاف، ج 1، ص 294، المسألة 40
2- الكافي، ج 3، ص 271، باب فرض الصلاة، ح 1: الفقيه، ج 1، ص 195 - 196 ، ح 600 معاني الأخبار ص 331 ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 241، ح 954
3- الكافي، ج 3، ص 278 باب وقت المغرب والعشاء الآخرة، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 29، ح 83 الاستبصار، ج 1، ص 265، ح 959

فكذا غروبها يكون متأخّراً عن خفائها عن العين بسبب اختلاف الأرض وكرّية الماء.

وقد نبّه على ذلك مولانا الباقر علیه السلام في قوله : «إذا غابت الحمرةُ من هذا الجانب فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها»(1).

والصادق علیه السلام في قوله: «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق إذا جاوزت قمة الرأس إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار وسقط القرص»(2).

وهذه إشارةٌ شريفةٌ إلى أنّ سقوط القرص هو المراد من الغروب لكن علامته ذلك.

(وللعشاء الفراغ منها) كما مرّ في الظهر بالنسبة إلى حال المصلّي في استجماع الشرائط وعدمه (ولو تقديراً) أي على تقدير أن لا يصلّي المغرب في أوّل الوقت يقدّر لها من أوّله مقدار فعلها على حسب حاله فتختصّ بها، ثمّ يشترك الوقت بين الفرضين، وجميع ما تقدّم في الظهرين آتٍ هنا.

ويزيد هنا أنّه لو صلّى العشاء في وقت المغرب تماماً تامّة الأفعال ناسياً صحّت؛ الدخول المشترك وهو فيها.

نعم، لو فرض أنّ العشاء مقصورة أو تامّة، ولكن نسي بعض الأفعال منها بحيث تقع الأربع في مقدار وقت ثلاث ركعاتٍ أو أقلَّ بطلت؛ لوقوعها بأسرها في الوقت

المختصّ بالمغرب.

(وتأخيرها) أي العشاء (إلى ذهاب الحمرة المغربيّة أفضلُ) للنصّ الوارد في ذلك(3)، وخروجاً من خلاف جماعة من الأصحاب حيث أوجبوا التأخير(4).

ص: 181


1- الكافي، ج 3، ص 278، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 29، ح 84 الاستبصار، ج 1، ص 265، ح 957
2- الكافي، ج 3، ص 279، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 4، ص 185 ، ح 516
3- الفقيه، ج 1، ص 219، ح 657؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30، ح 88؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 953
4- كالمفيد في المقنعة، ص 93؛ والشيخ في النهاية، ص 59 والمبسوط، ج 1، ص 75 وسلار في المراسم ص 62

وليس حكمه بأفضليّة تأخير العشاء منافياً لغرض الرسالة من قصرها على الواجبات؛ لأنّ تأخيرها لا يخرجها عن أصل الوجوب، ولاعن الوقت الذي يجب مراعاته، وهو من أعظم الشروط بل يؤكّده، غايته أن يكون هذا الفرد أفضل ممّا قبله. ولا يلزم من ذلك ندبيّته، بل هو أفضل الفردين الواجبين.

وإنّما لم يذكر تأخير العصر إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله مع أنّه أولى أيضاً: لاتّفاق الأصحاب هناك على جواز تقديم العصر على المثل وإن كان الأفضلُ تأخيرها.

فليس في ذكر أولويّة التأخير أمر أزيد على الاستحباب بخلاف ما هنا، فإنّ فيه خروجاً من خلاف جماعةٍ من الأصحاب وإن اشترك الحكمان في عدم خروج الوقت والفرض عن أصل الوجوب.

(وللصبح الفجر المعترض) فوق الأُفق وهو المسمّى بالفجر الثاني وبالصادق؛ لأنّه صَدَقَك عن الصبح واحترز به عمّا يخرج قبله مستطيلاً، ويُعبّر عنه بالفجر الأوّل

والكاذب.

(ويمتدّ وقت الظهرين) وهما الظهر والعصر، سمّاها باسم أحدهما تغليباً وهي قاعدة مطّردة عند تساوي الفردين بالخفّة والثقل والتذكير والتأنيث، وإلّا تعيّن الأخفّ والمذكّر، كالحسنين والأبوين.

(إلى دخول) وقت (العشاءين) لاعلى معنى اشتراكهما في الوقت إلى آخره، كما يذهب إليه الصدوق(1)؛ لأنّ المصنّف لا يرى ذلك، بل يقول باختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها، كما يختصّ الظهر من أوّله بذلك.

بل المراد أنّ هذه الجملة المعبّر عنها ب_ «الظهرين» يمتدّ وقتها إلى أوّل وقت الجملة المسمّاة ب_ «العشاءين» وهو أوّل وقت المغرب بمعنى أنّه لوبقي من آخر الوقت مقدار ثماني ركعات وصلّى الظهرين فيها كانتا واقعتين في آخر الوقت بحيث يكون آخره

ص: 182


1- راجع مختلف الشيعة، ج 2، ص 33، المسألة 3 كما حكاه عنه؛ الفقيه، ج 1، ص 216، ح 647: المقنع، ص 91 الهداية، ص 127 - 128

مطابقاً لآخرِهما، وذلك لا ينافي اختصاص بعض أجزاء هذه الجملة من هذا الوقت بشيء منه، وينبّه على ذلك أنّ المصنّف قد صرّح باختصاص المغرب من أوّل الوقت بمقدار أدائها، ثمّ ذكر أنّ وقت الظهرين يمتدّ إلى دخول وقت العشاءين مع أنّ وقت العشاء لا يدخل حتّى يمضي مقدار ثلاث ركعات بعد تحصيل الشرائط المفقودة.

وإنّما أطلق ذلك؛ لما بيّنّاه من أنّ هذه الجملة أعني «العشاءين» إذا دخل وقت أوّلهما واتّصل به وقت الباقي صدق دخول وقت المجموع من حيث هو مجموع وإن لم يدخل وقت كلّ واحد من أفراد المجموع.

وحينئذٍ، فلا يحتاجٍ إلى تكلّف تجوّزٍ في العبارة بأنّ وقت العشاء لمّا كان آيلاً إلى الدخول بعد الغروب أُطلق عليه الدخول؛ لكونه يؤول إليه، كما اعتذر به المصنّف

حاشيته(1)؛ فإنّ ذلك مع مجازيّته لا يحسم مادّة الإشكال.

(و) كذلك يمتد (وقت العشاءين إلى نصف الليل) وإن اختصّت العشاء من آخر الوقت بمقدار أدائها، والتقريب ما تقدّم.

(و) يمتدّ (وقت) صلاة الصبح إلى (طلوعها أي طلوع الشمس. وأعاد الضمير عليها وإن لم يكن سبق لها ذكر ؛ لظهور الأمر وأمن اللبس ومناسبته لقوله تعالى: «حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(2)بعود ضمير «تَوَارَتْ» إلى الشمس على أحد التفسيرين وإن لم يسبق لها ذكر في السورة.

ويمكن على بُعدٍ عود الضمير إلى الشمس المذكورة في أوّل الباب في قوله: «فللظهر زوال الشمس» لكن الأوّل أقرب.

ص: 183


1- لم نعثر على حاشية المصنّف.
2- ص (38): 32

(المقدّمة الخامسة: المكان)

الذي يصلّى فيه وهو الفراغ الذي يشغله المصلّي بالكون فيه، أو يستقرّ عليه بواسطة أو وسائط.

وبالجمع بين القيدين يمتاز عمّا اصطلح عليه المتكلّمون من معناه، وبالقيد الأخير يمتاز عن معناه المشهور بينهم، فالمكان الشرعي أعمُّ منه(1).

وقد يُطلق شرعاً على ما يلاقي بدنه و ثوبه ، كما يقتضيه قولهم: «يشترط طهارة المكان» والظاهر أنّ إطلاق المكان على هذا المعنى مجاز لا حقيقة؛ لئلّا يلزم منه بطلان صلاة ملاصق الحائط والثوب المغصوبين وغيرهما ولو في حال من الأحوال بحيث لا يستلزم التصرّف فيه.

وربما أطلق بعضُ الأصحاب المكان على هذا المعنى أيضاً، وأبطل الصلاة فيما ذكر (2)وهو يناسب تعريف المكان على بعض مصطلحات الحكماء، كما فسّروه بأنّه السطح الباطن للجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحوي.

وعلى كلّ تقديرٍ، فصلاة المصلّي تحت سقفٍ مغصوب أو خيمةٍ مغصوبةٍ مع إباحة مكانهما وعدم المماسّة لهما صحيحة من حيث المكان.

أمّا من حيث استلزام ذلك التصرّف في مال الغير فيبنى على أنّ النهي مع خروجه عن جزء الصلاة وشرطها هل يفسد الصلاة أم لا؟ وله تحقيق في موضع آخر.

(و) إذا تقرّر ذلك فالمكان بأيّ معنى فُسّر «يعتبر(3) فيه أمران»:

(الأول: كونه غير مغصوبٍ) بأن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه صريحاً كالإذن في

ص: 184


1- منه: لم ترد في «ش ، د».
2- هو فخر المحقّقين في ايضاح الفوائد، ج 1، ص 86
3- في النُسخ الخطيّة الثلاث التي اعتمدناها في تصحيح الألفيّة: يشترط

الكون أو الصلاة فيه، أو فحوىِّ كإدخال الضيف منزله، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك قرينة تشهد بعدم كراهة المالك للصلاة فيه وإن لم يكن معروفاً، كما في الصحاري الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك، والأماكن المأذون في غشيانها ولو على وجهِ مخصوصٍ إذا اتّصف به المصلّي كالحمّامات(1) والخانات والأرحية.

ولو عَلِم الكراهةَ من صاحب الصحراء ونظائرها امتنعت الصلاة، ولو جهل بني على شاهد الحال. ولا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولّى عليه؛ لإمكان شهادة الحال من الولي، إذ لابدّ من وجود ولىّ ولو أنّه الإمام علیه السلام.

وإنّما يكون عدم الغصب في المكان شرطاً بحيث تبطل الصلاة في المغصوب مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم ومع الاختيار، فلو جهل الغصب صحّت صلاته؛ لاستحالة تكليف الغافل.

وكذا لو كان مضطرّاً كالمحبوس فيه، ومن يخاف على نفسه الضرر بخروجه منه، وفي ناسي الغصب أوجُهٌ يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

ولا فرق بين غصب العين أو المنفعة، كادّعاء الاستئجاركذباً، وإخراج روشن(2) أو ساباط(3) في موضع يُمنع منه.

والفرق بين غصب العين والمنفعة في صورة دعوى الاستئجار مع الاستئجار مع أنّه مستلزم للتصرّف في العين أنّ غصب العين هو الاستيلاء عليها بحيث يرفع يد المالك عنها عدواناً، بخلاف غصب المنفعة بدعوى الاستئجار والوصيّة بها، فإنّه وإن كان يتصرّف في العين، لكنّه لا يمنع المالك من الانتفاع بها على وجهٍ لا ينافي دعواه كالبيع والهبة.

ولا فرق في فساد الصلاة في المغصوب بين الغاصب وغيره حتّى الصحاري

ص: 185


1- في «د ، ق»: كما في الحمامات
2- الروشن: الكُوَّةُ الصحاح، ج 4، ص 2124؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 229؛ تاج العروس، ج 18، ص 23 «رشن»
3- الساباط سقيفة بين حائطين تحتها طريق الصحاح، ج 2، ص 1129؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 376: تاج العروس، ج 10، ص 274، «سبط»

المغصوبة وإن كانت الصلاة فيه جائزة قبل الغصب عند أكثر الأصحاب(1)، خلافاً للمرتضى (رحمه الله) حيث جوّز الصلاة في الصحاري لغير الغاصب استصحاباً لما كان عليه قبل الغصب(2).

ويُلحق بالصلاة كلُّ ما ناسبها من الأفعال التي من ضرورتها المكان وإن لم يشترط فيها الاستقرار كالطهارة ، وأداء الزكاة، وقراءة القرآن المنذورة.

أمّا الصوم في المكان المغصوب فقطع العلّامة بجوازه فيه؛ لعدم كونه فعلاً(3)، فلا مدخل للكون فيه.

ويمكن تأتّي الكلام فيه باعتبار النية، فإنّها فعل يتوقّف على المكان كالقراءة وإن افترقا بكون أحدهما فعل القلب والآخر فعل اللسان وعلى تفسيره بأنّه توطين النفس على ترك المفطرات فجميعه فعل محض.

وقد ناقش المحقّق في المعتبر في إلحاق الطهارة بالصلاة فارقاً بينهما بأنّ الكون ليس جزءً من الطهارة ولا شرطاً فيها بخلاف الصلاة(4) واللازم من ذلك الحكم بصحّة جميع ما ذكر غير الصلاة؛ لمساواتها الطهارة في عدم اعتبار الكون فيها.

وأجاب المصنّف بأنّ الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان، فالأمر بها أمر بالكون وهو منهىّ عنه، فيفسد(5).

(و) كذا يعتبر في المكان (طهارته) لا مطلقاً، بل على وجهٍ مخصوصٍ.

(و) ذلك أنّه (تجوز الصلاة (في) المكان النجس بحيث لا تتعدّى النجاسة إلى المصلّي أو محموله) وهو ما يستقلّ به وينقله، فيخرج الثوب الطويل الموضوع بعضه

ص: 186


1- منهم: المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 109؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 397 - 399، المسألة 83؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 116
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 342
4- المعتبر، ج 2، ص 109
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

على الأرض بحيث لا يحصل فيه الوصف وفي ذلك البعض نجاسةً، فإنّ الصلاة فيه صحيحة وإن كان ذلك البعض يتحرّك بحركته؛ لعدم كونه محمولاً.

ومن هذا الباب ما لو كان في وسطه حبل وطرفه نجس، أو مشدود في نجاسة بحيث لا يكون محمولاً.

ويستثنى من ذلك تعدّي النجاسة إلى ما لا تتمّ الصلاة فيه مُنفرداً، فلا تضر وإن كانت مغلّظةً، ومثله النجاسة المعفوّ عنها كدون الدرهم من الدم وإن تعدّى إلى محموله. ويمكن كون اللام في «النجاسة» للعهد الذكري أي النجاسة المعتبرة إزالتها فی صحّة الصلاة، وقد تقدّم الكلام فيها.

ویعتبر ذلك في جميع في جميع أجزاء المكان (إلّا في مسجد الجبهة) وهو القدر المعتبر في السجود منها (فيشرط) طهارته (مطلقاً) سواء كانت النجاسة متعدّيةً أم لا. ولا يشترط طهارة القدر الزائد من الجبهة على الواجب وهو ما يحصل به مسمّى السجود عندنا، أو قدر الدرهم عند المصنّف (رحمه الله)(1).

واعتبر بعض الأصحاب طهارة موضع الأعضاء السبعة(2)، والمرتضى (رحمه الله) طهارة جميع محلّ(3) المصلّي(4)، والأصح المشهور.

ولقد كان ينبغي أن يجعل المصنّف طهارة المكان واجباً ثانياً غير مندرج في عدم الغصب، كما صنع في كثيرٍ من الأبواب الماضية، لكنّه أخلّ بكثير من هذه المعتبرات رعايةً للعدد الذي يُريد حصره.

(الثاني: كون المسجد) - بفتح الجيم - وهو موضع الجبهة. واللام فيه للعهد الذكري، لسبقه عن قريب.

ص: 187


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 27 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
2- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 140 - 141.
3- محل: لم ترد في «ع« ، ش»
4- حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 90؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 26 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7) والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1 ، ص 143 - 144.

أرضاً أو نباتها الموصوف بكونه (غير مأكول أو ملبوس عادةً) وهو إجماع منّا، والأخبار به متظافرة عن أهل البيت علیهم السلام ، وقد قال الصادق علیه السلام حين سأله هشام عن علّة ذلك: «إنّ السجود خضوع الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يُلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها»(1).

ودخل في اسم الأرض جميع أجزائها وأصنافها من حجرٍ ومدرٍ ورملٍ وخزف وغيرها.

والمعتبر في المأكول والملبوس نوعه وإن لم يؤكل بالفعل، كما لو افتقر في أكله ولبسه إلى عملٍ مِن طبخٍ وغزلٍ ونسجٍ وخياطةٍ، ونحوها.

فلا يجوز السجود على الحنطة وإن لم تطحن لأنّها مأكولة بالقوّة.

وكذا لا يجوز على القطن والكتان قبل غزلهما؛ إذ لو اعتبر في ذلك الفعل لزم جواز السجود على الثوب غير المخيط وإن فصّل وخيط بعضه على وجه لا يصلح للّبس عادةً. وكذا القول في المأكول كالدقيق والعجين والحبوب المفتقرة إلى الطبخ.

وخالف بعض الأصحاب في كثير من هذه الموارد فجوّز العلّامة السجود على القطن والكتان قبل غزلهما، وعلى الحنطة والشعير قبل طحنهما(2).

ولا يعتبر في العادة عمومها في جميع البلاد، فإنّ اتفاق ذلك نادر، بل متى غلب في قطر عمّ التحريم مع احتمال اختصاص كلّ قطرٍ بما تقتضيه عادته(3).

ولو كان لشيء حالتان، يؤكل في إحداهما دون الأُخرى كقشر اللوز ، لم يجز السجود عليه حالة صلاحيته للأكل، وجاز في الأُخرى؛ إذ ربّما صار في تلك الحالة من جملة الخشب التي لا يعقل كونها من نوع المأكول.

ص: 188


1- الفقيه، ج 1، ص 272 ح :843؛ علل الشرائع، ج 2، ص 37 الباب 42. ح 1
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 436 - 437، المسألة 102؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 362.
3- في «ع»: يقتضيه عادة.

(المقدّمة السادسة: القبلة)

(ویُعتبر فیها امران):

(الأوّل: توجّه المصلّي إليها إن علمها) بالمشاهدة أو بمحراب معصوم.

(وإلّا) هذه هنا هي المركّبة من «إن الشرطيّة «ولا» النافية، أي وإن لم يعلمها (عوّل على أماراتها) الموضوعة لمعرفة جهتها المذكورة في كتب الفقه وغيرها.

وفي هذه العبارة إجمال، وخلاصة المسألة أنّ المصلّي متى أمكنه العلم بعين الكعبه كأهل مكّة و من بها تعيّن عليه مسامتة عينها وإن توقّف ذلك على الصعود إلى سطحٍ ونحوه، بل إلى بعض أبي قبيس لمن كان بالأبطح.

وإن لم يقدر على مسامتة عينها، فإن قدر على التعويل على محرابٍ صلّى فيه ،معصوم کمسجد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ومسجد الكوفه والبصرة تعيّن اتباعه ولم يجز له الاجتهاد فيه على وجه يخالفه مطلقاً.

وإن لم يقدر عليه ففرضه استقبال جهة الكعبة لاعينها؛ لتعذّرها مع البعد.

وقد اختلف كلام الأصحاب في تعريف جهة القبلة، فعرّفها المصنّف في الذكرى بأنّها السمت الذي يُظنّ كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة(1).

وليس المراد بالسمت هنا خطّ يُخرج من وجه المصلّي إلى الكعبة، أو نقطة من دائرة الأُفق إذا واجهها الإنسان كان مواجهاً للكعبة، كما هو تعريفه الاصطلاحي؛ لأنّ ذلك أمرٌ ضيّق يتوقّف على مقدّمات دقيقة لا يُكَلّف بها كلّ أحد، والنصوص دالّة على

ص: 189


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 100 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

ما هو أوسع من ذلك، بل الظاهر من سياق كلامه أنّه يُريد به جهة مخصوصة بحيث يظنّ كون الكعبة فيها لا السمت بمعنييه.

و معنى كون الكعبة في تلك الجهة اشتمال الجهة عليها وإن كانت أوسع منها بكثير، وضابطه أن لا يقطع بخروج الكعبة عنها.

وإنّما اعتبرنا ذلك؛ لأنّ السمت بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي إذا وجب اعتباره والصلاة إلى ما يُظنّ كون الكعبة فيه، لم يجز التحوّل عنه ولا بمقدار ذبابة؛ لأنّ ذلك في البعد يؤدّي إلى الخروج عن الخطّ الأوّل عند وصوله إلى قرب مكّة بفراسخ. فإن كان الأوّل موجباً لظنّ كون الكعبة فيه - كما هو المفروض - لم يكن الآخر مطابقاً للظنّ ويؤيّد ذلك أنّ الجهة - التي هي فرض البعيد - أوسع مجالاً من العين بكثير، والعلامات المنصوبة لها نصّاً واستنباطاً تقتضي سعته سعته أيضاً.

ولو عُوّل على ظاهر التعريف نافي جميع ذلك.

وقد عرّفها الشارح المحقّق بأنّها ما تسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خطّ مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه وقع على خطّ جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان. فلو وقع الخطّ الخارج من موقف المصلّي لا بالاستقامة بحيث تكون إحدى الزاويتين حادّة والأُخرى منفرجة، لم يكن مستقبلاً الجهة الكعبة(1).

وقد سبقه إلى نحو هذا التعريف صاحب التنقيح(2).

وفيه أنّ الخطّ الخارج عن جانبي الكعبة لم يبيّن قدره إلى أين ينتهي، فإن كان امتداده إلى منتهى الجهتين - كما صرّح به بعضهم - فظاهر فساده؛ لاستلزامه كون أهل الدنيا صلاتهم إلى جهتين خاصّةً متقابلتين.

وإن أراد امتداده قدراً مخصوصاً بحسب الإقليم الذي لا تتفاوت فيه القبلة، لم يتمّ

ص: 190


1- شرح الألفيّة، ص 101 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- التنقيح الرائع، ج 1، ص 178

من جهة أُخرى، وهو أنّ موقف المصلّي لو كان على نقطة واحدة بحيث لا يتجاوزها كانت الجهة أضيق من العين. والأمر بالعكس قطعاً، فإنّ الالتفات اليسير لا يقطع الصلاة مع أنّ اليسير منه إذا خرج منه خطّ واتّصل بالخطّ الأوّل كان أحد الخطّين مائلاً.

ولأنّ العلامات المنصوبة من قبل الشارع والمنصوصة للدلالة على الجهة كالجدي، لا يتعيّن جعلها على نقطة معيّنة من المنكب بحيث لا يجوز غيرها، بل يجوز جعله

خلف المنكب والصلاة ثمّ جعله كذلك مع انحراف يسير بحيث لا يخرج عن كونه علامة.

وحينئذٍ فيختلف الخطّان، فليفرض خروجهما من موقف واحد، فإذا اتّصلا بالخطّ المفروض عن جانبي الكعبة، حدث من ذلك مثلث قاعدته الخطّ المنتهى إليه.

وحينئذٍ فنقول: الزاويتان الداخلتان الحادثتان من وقوع الخطّين على الثالث إمّا حادّتان، أو إحداهما حادّة والأُخرى قائمة ولا يجوز أن تكونا قائمتين؛ لما برهن عليه فی محلّه من أنّ مجموع زوايا المثلّث الثلاث مساوية لقائمتين، فيلزم منه بطلان الصلاة إلى إحدى النقطتين أو النظرين؛ لعدم المسامتة.

وقريب منه الاعتبار باستقبال نجم كسهيل مثلاً، فإنّ مطلعه مختلف في الشام غالباً وإن قدّر في أرض معتدلة وما بين العينين مع ضيقه يقبل التعدّد، ومن المعلوم أنّ أدنى انحراف يوجب زيادته مع البعد.

وأشدّ ما يقال في تعريف الجهة أنّها القدر الذي يجوز على كلّ جزءٍ منه أن يسامت الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموع القدر لأمارة يجوز التعويل عليها شرعاً.

وحينئذٍ فيسلم من جميع ما ورد ويلزم منه كون الجهة أوسع من العين، كما لا يخفى.

واحترزنا بالقيد الأخير عن المتحيّر في الجهة؛ لعدم علمه بالعلامات، أو لفقدها كحالة الغيم، فإنّه يجوز على كلّ جزءٍ من جميع الجهات كون الكعبة مسامتة له، فلولا القيد لزم الاكتفاء بصلاته إلى أيّ جزءٍ شاء من الجهات الأربع.

ص: 191

وكذا المتحيّر في جهتين أو ثلاث مع علمه بانتفائها عمّا زاد على ذلك، فإنّه يجوز على ما تحيّر فيه كون الكعبة فيه. والواجب عليه الصلاة إلى أربع جهاتٍ أو ثلاثٍ أو أقلّ على حسب تحيّره، فلولا القيد الأخير لانتقض التعريف في طرده، فتدبّر هذه الجملة، فإنّها من المهمّات.

وبقي في عبارة المصنّف أُمور:

أحدها: أنّ الظاهر من سياق الكلام ومدلول المقام أنّ الضمير المجرور في قوله: «فيها» يعود إلى القبلة، وكذا الضمير في قوله: «توجّه المصلّي إليها إن علمها».

وفي كون الأمرين معتبرين في نفس القبلة تجوّز، وإنّما اعتبارهما حقيقة في الصلاة، أمّا القبلة - التي هي عين الكعبة أو جهتها - فلا اعتبار فيها لشيء منهما.

وهذا بخلاف ما تقدّم من الأُمور المعتبرة في باقي الشرائط من المكان والساتر وغيرهما، فإنّها مُعتبرة في نفس الشرائط، ككونه طاهراً مباحاً، إلى غير ذلك. وليس في نفس القبلة اعتبار شيء من هذين، إلّا أنّ باب التجوّز واسع.

وأجود وجوهه هنا أن يُريد بالقبلة الاستقبال، فإنّ الشرط حقيقة في الصلاة ليس هو القبلة؛ لأنّها ليست من الأفعال الشرعيّة، وإنّما هو الاستقبال للقبلة لتلحق بموارد

التكليف.

وحينئذٍ فاعتبار الأمرين فيه متوجّه.

أمّا الأوّل فظاهر.

وأمّا الثاني، وهو التوجّه إلى الأربع مع جهلها؛ فلانّه قائم مقامه، وكأنّ الصلاة المتكرّرة إلى الجهات موجبة للتوجّه إليها في إحداها، أو إلى ما يقوم مقامها وهو الانحراف اليسير الذي لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، وسيأتي له زيادة تحقيق إن شاء الله تعالى. وثانيها: أنّ المفهوم من قوله: «توجّه المصلّي إليها إن علمها» كون المراد بها عين الكعبة، فإنّ ذلك هو الواجب عنده مع الإمكان. وإنّما تُعتبر الجهة عند تعذّر العلم

ص: 192

بالعين، وحينئذٍ فقوله: «وإلّا عوّل على أماراتها» يدلّ على كون الأمارات المذكورة دالّة على العين.

وليس كذلك، وإنّما هي أمارات الجهة. ولو سلم أنّها أمارات العين بوجه، فليس في العبارة إشعار بالفرق بين القريب والبعيد بالنسبة إلى العين والجهة. واللازم على مذهبه التفصيل، كما مرّ.

ووجه العذر عنه أنّه لاحظ إيجاز العبارة - كما هي عادته في الرسالة - وأتى بعبارة تؤدّي الواجب بالنسبة إلى المصلّي وإن لم يحصل منها تفصيل المسألة؛ وذلك لأنّ قسم العلم يتناول مَن في مكّة ومَن قاربها ممّن لا يتعذّر عليه العلم بها لحبس أو مرض ونحوهما. وترك التصريح بكون القبلة هي الكعبة؛ لظهور أمرها وأمن اللبس وحكم في صورة الجهل بها بالتعويل على الأمارات وهي مقيّدة للعلم بالقبلة، أي الشيء الذي يجب استقباله أعمّ من العين والجهة والأمارات المذكورة محصّلة لها.

ولو ضويقنا في إرادة الكعبة فالأمارات المذكورة تؤدّي إلى الظنّ بكون الكعبة في سمته عند تحريرها على وجهها، وليس المراد من الأمارات إلّا إفادة الظنّ، فإنّ الأمارة هي الدليل الظنّي. وقد صرّح المصنّف في تعريفه للجهة - الذي حكيناه عنه - بكونها السمت الذي يظنّ كون الكعبة فيه(1)، فاعتبر حصول الظنّ للمصلّي بذلك، وهو مطابق للتعويل على الأمارة.

والتحقيق أنّ الأمارات المذكورة وغيرها إذا حرزها العارف عرف بها جهة القبلة يقيناً لاظنّاً، وقد يستفيد منها سمت العين ظنّاً، كما يعرفه مَن يطّلع على مباحث القبلة في العلم المعدّ لها، فإنّ ذلك ليس من وظائف الفقيه.

وثالثها: أنّه جعل الواجب الثاني - وهو قوله: (توجّهه إلى أربع جهات إن جهلها) - قسيماً للأوّل وهو قوله: «توجّه إليها إن علما» كما هو الظاهر من سياق الكلام ومرجع

ص: 193


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)، وقد تقدّم في ص 190.

الضمائر مع أنّه في الأوّل جعل العلم بها قسيماً في قوله: «وإلّا عوّل على أماراتها» فإنّ المراد - كما مرّ - وإن لم يعلمها عوّل إلى آخره، فلا يحسن نظم العبارة حينئذٍ. ومن ثمّ جعل الشارح المحقّق ضمير «جهلها» في الثاني عائداً إلى الأمارات لاقسيماً للأوّل(1)، والأجود عوده إلى القبلة كالأوّل، فيكون قسيماً له، وسيأتي تحقيق ذلك وبيان المخرج من الفساد على وجهٍ تنتظم معه العبارة.

ورابعها: أنّه يستفاد من قوله في القبلة: (ويعتبر فيها أمران) - ومن جملة الأمر الأوّل التعويل على أماراتها - أنّ العلم بذلك واجب عيناً على كلّ مكلّف، كما هو مبحث جميع مسائل الرسالة والأمر فيه كذلك، وقد صرّح المصنّف به في غيرها من كتبه(2).

وحينئذٍ فيجب معرفة أمارات القبلة للبعيد؛ لتوقّف صحّة الواجب عيناً - وهو الصلاة عليه، فتبطل الصلاة مع الإخلال به وإن صلّى إليها من غير طريق شرعي، كما نبّه عليه في الأعمى إذا رجع إلى رأيه، بل يزيد الجاهل على الأعمى ببطلان صلاته وإن قلّد العدل العارف مع إمكان النظر في الأمارات وسعة الوقت، اللهمّ إلّا أن يعوّل على محرابِ مسجدٍ أو قبور جماعة من المسلمين، فيكون ذلك كالنظر في الأمارات.

وكذا يجوز التعويل على ذلك للعالم بأدلّة القبلة مع عدم علمه بغلطه، ويجوز له الاجتهاد في التيامن والتياسر عنه لا في محض الجهة الذي يقطع بعدم غفلة الناس عن الخطأ في مثله بخلاف اليسير؛ لامكانه، بل وقوعه بالفعل في كثير من البلاد مع مرور الأعصار وصلاة الخلق الكثير، وقد وقع ذلك في مسجد دمشق، وكثير من مساجد بلادنا وبلاد خراسان.

والسرّ في ذلك أنّ الخلق الكثير ربّما تركوا الاجتهاد في المحراب مع قدرتهم أو

ص: 194


1- شرح الألفيّة، ص 104 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 112؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 159؛ البيان، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7، 9 و 12)

بعضهم عليه؛ لعدم وجوبه حينئذٍ عيناً، وجواز تقليد المحراب، فيستمرّ لذلك الغلط الواقع من الواضع.

هذا كلّه في غير محرابٍ صلّى فيه ،معصوم فإنّ الاجتهاد فيه المُفضي إلى مُطلق المخالفة غير جائز. وفي غير المحراب المجهول كالذي لا يعلم واضعه، أو يكون في طريق يقلّ مرور المسلمين عليه، ومثله القبر والقبران للمسلمين، فإنّ الاعتماد على ذلك كلّه غير جائز.

والمراد بالأمارات التي يعوّل عليها عند تعذّر العلم (كجعل الجدي خلف المنكب الأيمن) في حال استقامته وهو كونه في غاية ارتفاعه أو انخفاظه.

وإنّما اشترطنا ذلك ليكون حينئذٍ على دائرة نصف النهار، فإنّ كلّ كوكب يكون في غاية ارتفاعه عليها وهي مارّة بالقطبين الشمالي والجنوبي ونقطة الشمال والجنوب.

وحيث كان الأمر كذلك، فالمعتبر وضع جزء شمالي من دائرة نصف النهار خلف المنكب، سواء في ذلك الجدي وغيره كجعل الفرقدين حال ارتفاعهما وانخفاضهما كذلك، وجعل القطب الشمالي - وهو نجم صغير بين الجدي والفرقدين، لا يكاد يدركه إلّا قويّ البصر - كذلك؛ لاشتراك الجميع في المعنى.

وإنّما خصّ الجدي لوضوحه ولأنّه مورد النصّ.

(و) بجعل (المغرب والمشرق) الاعتداليين (على اليمين واليسار) على طريق اللفّ والنشر المرتّب (للعراقي) ومَن ناسبه من ورائه أو قدّامه، وفي حكم هذه الأمارة جعل الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن ممّا يلى الأنف.

والمراد بالمغرب والمشرق الاعتداليين نقطتاهما المتقاطعتان مع نقطتي الجنوب والشمال على خطّين مستقيمين، بحيث يحدث عنهما أربع زوايا قوائم، وهذا هو المعروف من الجهات الأربع. وما بين هذه الأربع لا يُعدّ منها إلّا على وجه المجاز، والمصنّف لم يقيّد المشرقين في الرسالة بذلك لكن قيّدهما به في غيرها(1) وهو

ص: 195


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 - 103: البيان، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)

أضبط، فإنّ إرادة غيرهما مما هو أعمّ يوجب اختلافاً كثيراً في الجهة الواحدة وهو غير جائز.

واعلم أنّ هذه العلامات الثلاث موجودة في كتب الأصحاب للعراقي بقول مطلق، والموجود منها في النصوص هو الأوّل خاصّة، والباقي استخرجوه بالمقايسة عليها، وكذا باقي العلامات لأهل الجهات غير منصوص وإنّما أخذوه من مقاييس الهيئة ونحوها من العلوم المفيدة لذلك، كما اعترف به المصنّف(1) وغيره. وأنت إذا تأمّلت هذه العلامات الثلاث وجدتها مختلفة اختلافاً بيّناً على وجهٍ يوجب العمل بإحداهما مخالفة الأُخرى.

وتوضيح ذلك أنّ العلامة الأُولى إذا اعتبرها المصلّي وجعل الجدي حال استقامته خلف المنكب الأيمن وهو مجمع عظم العضد والكتف، يكون منحرفاً عن نقطة الجنوب نحو المغرب انحرافاً بيّناً؛ لما مرّ من أنّ الكوكب في غاية ارتفاعه يكون على دائرة نصف النهار المارّة بنقطتي الجنوب والشمال فيكون حينئذٍ جعل الجدي بين الكتفين موجباً لاستقبال نقطة الجنوب، وكون المغرب والمشرق على اليمين واليسار. فإذا جعل الجدي خلف المنكب الأيمن، كان الوجه منحرفاً عن نقطة الجنوب نحو المغرب.

والثانية إن اعتبر فيها اعتدال الجهتين، اقتضت كون المصلّي عند جعلهما على اليمين واليسار مستقبلاً لنقطة الجنوب؛ لما مرّ من تقاطع الجهات الأربع على زوايا قوائم فيختلف مدلولا العلامتين.

وإن اعتبرنا في المشرق والمغرب جزءً مخصوصاً منهما بحيث يناسب العلامة الأُولى، لم يكن للثانية فائدة، بل ذلك غير مراد، فإنّ الأصحاب بين مُطلق للجهتين -

وظاهر أنّه أعمّ من الجزء المفروض - وبين مُقيّدٍ لهما بالاعتدالين، فتلزم المخالفة.

وإن اعتبرتا عامّتين وأُريد بهما ما هو أوسع من الاعتدالين كما هو المفهوم منهما عرفاً كانتا موافقتين للأُولى تارةً ومخالفتين لها أُخرى. بل ربما أمكن مخالفتهما لها

ص: 196


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 101 - 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

أضعاف ما تقتضيه حالة الاعتدال بأن يُجعل آخر جزءٍ من المغرب إلى جهة الجنوب على يمينه، وآخر جزء من المشرق إلى جهة الشمال على يساره. وهذا غير مرادٍ قطعاً، ولا صحيح في نفسه؛ لأنّه أبلغ في التشريق من قبلة الشام ومصر وغيرهما من البلاد الغربيّة وهو غير جائز.

وأمّا الثالثة، فهي مناسبة للثانية إذا اعتبر في الجهتين الاعتدال؛ لما أسلفناه من تقاطع الجهات الأربع، وأنّ دائرة نصف النهار التي يكون عليها الكوكب في غاية ارتفاعه مارّة بنقطتي الجنوب والشمال.

فإذا جعل الواقف المغرب والمشرق عن يمينه ويساره استلزم كون نقطة الجنوب بين عينيه فتكون دائرة نصف النهار مارّة بين عينيه، فإذا وصلت الشمس إليها - وذلك عند غاية ارتفاعها - تكون بين عينيه في بلدٍ يزيد عرضها عن ميل الشمس كالعراق، فإن مالت نحو المغرب - وهو المراد بالزوال - صارت على طرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف.

وكما قد عُلِم بذلك تساوي العلامتين عُلِم أيضاً أنّ قول الأصحاب علامة الزوال جعل الشمس على الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق، لا يحتاج إلى التقييد بمن كان في مكّة إذا استقبل الركن العراقي، بل عدم التقييد أجود؛ وذلك لأنّ غاية قبلة العراقي من جهة اليسار أن يكون على خطّ الجنوب، وباعتبارها يُعلم أوّل وقت الزوال، خصوصاً مع إخراج خطّ نصف النهار على وجه الأرض لتتحقّق نقطة الجنوب.

وإن اعتبرت قبلته بغير هذه العلامة كالعلامة الأُولى كان وصول الشمس إلى الحاجب أبلغ في تحقّق الزوال بكثير، بل هو قريب من استقبال الركن العراقي، فكان الإطلاق أولى من التقييد.

فإنّ مستقبل الركن العراقي يكون مُنحرفاً عن الجنوب انحرافاً كثيراً، ووصول الشمس إلى سمته حينئذٍ يكون بعد الزوال بزمانٍ طويلٍ؛ وذلك لأنّ زوايا الكعبة ليست مسامتة للجهات الأربع، بل للأهوية الأربعة، فالركن العراقي يسامت الصبا وهو بين

ص: 197

المشرق والشمال، فاستقباله يوجب استدبار الصبا وهو يقتضي تغريباً بيّناً أزيد ممّا يقتضيه جعل الجدي على المنكب الأيمن الذي هو أبعد علامات قبلة العراقي عن

الجنوب.

فظهر أنّ إطلاق القبلة أولى من تقييدها بالركن العراقي، كما فعله العلّامة في المنتهى(1) والنهاية(2)، وتبعه عليه الشارح المحقّق (رحمه الله)(3).

إذا تقرّر ذلك فنقول: قد ظهر لك اختلاف هذه العلامات الموجب لاختلاف جهة الكعبة بالنسبة إلى العراقي، وطريق الجمع بينها يحصل بأحد أمرين:

أحدهما: - وهو الموافق للأُصول المقرّرة في استخراج سمت القبلة المترتّبة على اختلاف البلدان في العروض والأطوال المبيّنة في الهيئة وغيرها - حملُ العلامة الأُولى على أوساط بلاد العراق، كالكوفة وبغداد والمشهدين والحلّة، فإنّ سمت قبلتها يميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب ميلاً بيّناً؛ لزيادتها على مكّة المشرّفة طولاً وعرضاً وهو موجب لذلك وموافق أيضاً لمحراب مسجد الكوفة الذي قد صلّى فيه الأئمّة علیهم السلام.

وحملُ الثانية على أطراف العراق الغربيّة كالموصل والجزيرة، فإنّها تقارب مكّة في الطول مع كونها أعرض منها. وذلك يقتضي كون قبلتها نقطة الجنوب، كما هو معلوم في محلّه، وأحد الأقسام الثمانية لنسبة البلد المطلوب سمتها إلى مكّة.

ومثلها العلامة الثالثة التي ليست في الرسالة وإنّما تركها المصنّف للاستغناء عنها بالثانية، ويبقى على هذا الوجه قبلة أطراف العراق الشرقيّة كالبصرة يقتضي زيادة انحراف نحوَ المغرب عن قبلة الوسط، وقريب منها بلاد خراسان وإن كان التحقيق احتياجهم إلى زيادة تغريبٍ، لكنّه لا يبلغ نقطة المغرب، بل تقرب من نصف مابينها

وبین نقطة الجنوب.

ص: 198


1- منتهى المطلب، ج 1، ص 219
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 394.
3- شرح الألفيّة، ص 101 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

والوجه الثاني من وجهي الجمع أن يسوغ الاعتماد على كلّ واحدٍ من هذه العلامات في سائر بلاد العراق، ويغتفر هذا التفاوت في اعتبار الجهة، فإنّ مسامتة البعيد لا يؤثّر فيها هذا الاختلاف.

ويؤيّده ما رواه محمّد بن مسلم - وهو كوفي - عن أحدهما علیهما السلام حين سأله عن القبلة، فقال: «ضع الجدي في قفاك وصلّ»(1)، فإنّ إطلاقه يقتضي التخيير في وضعه في القفا كيف اتّفق ومن جملته بل من أعدله جعله بين الكتفين، وهو حينئذٍ موافق للعلامة الثانية مع أنّ الكوفة من أوسط العراق، وهذا الوجه ليس ببعيد وإن كان الأول أقوى.

(وعكسه) أي عكس العراقي أو عكس ما ذكر من العلامات (لمقابله) كالعدني وشبهه من مقاريب بلاد اليمن، فإنّ قبلتها نقطة الشمال؛ لمناسبتها لمكّة في الطول و نقصانها عنها في العرض. وهذا بجعل الجدي مُعتدلاً بين العينين، وهو مقابل العراقي على بعض الوجوه المتقدّمة، وربما قابل العراقي بالنسبة إلى العلامة الأُولى بعض أهل الحبشة والنوبة.

(وكطلوع سهيل) وهو أوّل بروزه من الأُفق (بين العينين، والجدي) معتدلاً (على الكتف اليسرى، وغيبوبة بنات نعش) الكبرى وهي سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلاث بنات (خلف الاذن اليمنى).

والمراد جعل كلّ واحدة حال غيابها وهو انحطاطها ودنوّها إلى جانب المغرب خلف الأُذن (للشامي) وهو مَن بدمشق ومَن والاها.

وقد عُلم من هذه العلامات كون قبلة الشامي تميل عن نقطة الجنوب نحو المشرق يسيراً، وذلك ظاهر بعد العلم بما أسلفناه، فإنّ استدبار الجدي وبنات نعش عند غاية ارتفاعها يوجب استقبال نقطة الجنوب فجعل الجدي خلف الكتف اليسرى وبنات نعش حال غيبوبتها وتغريبها خلف الأذن اليمنى يوجب التشريق.

ص: 199


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 143

وكذا القول في سهيل، فإنّه يطلع من أطراف المشرق، ويكون عند غاية ارتفاعه على دائرة نصف النهار مُسامتاً لنقطة الجنوب، فاستقباله عند طلوعه يقتضي التشريق. وبالتحرير المستفاد من هذه العلامات وغيرها ينحرف الشامي عن الجنوب نحو المشرق قدر ثلث ما بين نقطتي الجنوب والمشرق بحيث يكون ثلث القدر على يمينه وثلثاه على يساره تقريباً.

والمقرّر في محلّه أنّ قبلة دمشق مُنحرفة عن نقطة الجنوب نحو المشرق واحداً وثلاثين جزءً من تسعين جزءً، وكلّما غربت البلاد الشاميّة كان التشريق أكثر.

وبهذا يظهر فساد كثير من المحاريب الموضوعة لمساجد بلادنا؛ لأنّها موضوعة على نقطة الجنوب تقريباً، وهي قبلة العراق لا الشام، كما قد أوضحناه.

وقد عُلِم من ذلك أنّ المراد بطلوع سهيل أوّل بروزه عن الأُفق كما فسّرناه به؛ لأنّ ذلك هو المفهوم من الطلوع، وليطابق باقي العلامات. وتوهم أنّ المراد به غاية ارتفاعه غلط فاحش؛ لأنّ استقباله حينئذٍ يكون علامة للعراقي لا الشامي كما مرّ، مع أنّ ذلك لا يسمّى طلوعاً عرفاً ولا اصطلاحاً.

وكذلك عُلم أنّ المراد بغيبوبة بنات نعش هو ميلها نحو المغرب بحيث تكون في قرب نصف مسافة التغريب وهو ربع قوسها لانهاية انحطاطها، فإنّها حينئذٍ تكون على دائرة نصف النهار، كما تقدّم في الجدي حال انخفاضه، وحينئذٍ لا يكون خلف أُذن الشامي اليمني بل خلف ظهر العراقي، كما لا يخفى على مَن أحاط علماً بما حرّرناه، وهذا أمر يشهد به الوجدان فضلاً عن التقرير، فتدبُر.

واعلم أنّه يُستفاد من قوله: «إنّ العراقي يجعل الجدي خلف المنكب الأيمن والشامي خلف الكتف الأيسر» أنّ انحراف العراقي نحو المغرب يزيد يسيراً عن انحراف الشامي نحو المشرق؛ لأنّ الكتف أقرب إلى نقطة الشمال من المنكب كما لا يخفى. وهو موافق للقواعد المثبتة لإخراج سمت القبلة، لكن هذا إنّما يتمّ في أواسط العراق - كما مرّ - لا في مطلق العراق، فإنّ انحراف الشامي أكثر من بعضه.

ص: 200

وممّا حرّرناه من الكلام على العراق والشام يُعلم أنّ تعليق الحكم عليهما ليس على ما صدق عليه الاسمان بحيث يحكم بالعلامات المذكورة للعراق لأطرافها الغربيّة مثلاً، وبعلامات الشام إلى طرفها الشرقي المجاور للعراق، بل يحتاج في ذلك إلى فضل اجتهاد ونظر في تلك الحدود.

فإنّ هذه ليست قواعد شرعيّةً لا يجوز تجاوزها، وإنّما هي علامات مُطلقة مُستنبطة بالاعتبار، فلا يستغنى عنه كما هو بيّن عند من تدبّر الحال.

وكذا القول في غيرهما من الجهات وما ذكره الفقهاء في ذلك قليل من كثير مع إغفالهم لأكثر البلاد الإسلاميّة، وذلك ليس بلازم لهم؛ لأنّه من وظيفة علم آخر، ومن

هنا ترى ما ذكروه مُجملاً يحتاج إلى البيان، أو مطلقاً يحتاج إلى التقييد.

(وعكسه) أي عكس ما ذكر من علامات الشامي (لليمني) فيجعل طلوع سهيل بين الكتفين، والجدي معتدلاً على طرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأذن. هذا هو الذي يقتضيه تحقيق المقابلة بينه وبين الشامي.

وهذا إنّما يتمّ في أطراف اليمن الشرقيّة كصنعاء وما والاها، وأمّا مغاربها، فهي مقابلة للعراقي، كما مرّ.

وقد ذكر المصنّف(1) وغيره من الأصحاب أنّ من علامات اليمني جعل الجدي عند طلوعه بين العينين وسهيل عند غاية ارتفاعه بين الكتفين(2)، وهو يقتضي مقابلته للعراقي لا للشامي كما لا يخفى.

بل يوجد في كلامهم كون علامته جعل سهيل عند مغيبه بين الكتفين وهو يقتضي انحرافاً بيّناً عن نقطة الشمال نحو المشرق، فيقابل حينئذٍ أوساط العراق فمازاد فضلاً عن مغاريبها، فيجتمع ممّا ذكروه أنّ سمته تارةً يكون نقطة الشمال كما إذا جعل

ص: 201


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 103؛ البيان، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 12، المسألة 140؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 395؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 59

الجدي طالعاً بين العينين، وتارةً: يميل عنها مشرقاً، وأُخرى مغرباً، والكلام فيه كالكلام في علامة العراقي، وهو يزيدك بصيرةً في احتياج كلامهم إلى التحرير.

(وجعل الثريّا والعيوق) وهو نجم مُضيء في طرف المجرّة يتلو الثريّا ويبعد عنها إلى جهة الشمال كبعدها عن نقطة المشرق عند طلوعها (على اليمين واليسار) على طريق اللفّ والنشر المرتّب أي بجعل الثريّا على اليمين والعيوق على اليسار (للمغربي) فقبلته ما بينهما.

ومن إطلاق كون جهة المغربي هي ما بينهما يُستفاد أنّ الجهة لا يؤثّر فيها التفاوت اليسير، مضافاً إلى ماقد تكرّر في كلّ جهة وهو يزيد ما فسّرت به من الخطّ المقاطع

للخطّ المفروض على يمين الكعبة ويسارها على زوايا قوائم فساداً.

ولو حمل ذلك على إرادة التنصيف بينهما أشكل أيضاً بأنّ بلاد المغرب متّسعة جدّاً لا تتمّ لجميع أقطارها هذه العلامة.

واعلم أنّ المراد بالمغرب هنا ليس هو البلاد المشهورة في زماننا ببلاد المغرب كقرطبة وزويلة وتونس وقيروان وطرابلس الغرب، فإنّ هذه البلاد قبلتها تقرب من

نقطة المشرق، بل بعضها يميل عنها نحو الجنوب، فهي بعيدة عمّا ذكروه.

وإنّما المراد بها بلاد الحبشة والنوبة وما والاها، مع احتياجها أيضاً في أقطارها إلى اجتهادٍ في التيامن ،والتياسر كغيرها من البلاد المتّسعة.

ومن أحاط علماً بأُصول الطريقة المُفيدة لهذه المسألة، يتّضح لديه ما قيّدنا به ما أطلقوه وفصّلنا به ما أجملوه.

(وعكسه) أي عكس ماذكر من علامات المغربي (للمشرقي) وهو الخراساني ومن والاه، فإنّ المغربي يستقبل منتصف ما بين نقطتي المشرق والشمال وجهة الخراساني تقرب من منتصف ما بين نقطتي الجنوب والمغرب وهما متقابلان.

بقي هنا بحث وهو أنّ المصنّف (رحمه الله) جعل اليمني مقابلاً للشامي، ولم يجعل المغربي مقابلاً للعراقي حتّى لزم من الرسالة ذكر ستّ جهات والمتداول في كُتب

ص: 202

الأصحاب ذكر الأربعة لاغير(1)، وهو المناسب لأركان الكعبة المنسوبة إلى الجهات، فإنّ الركن العراقي - وهو الذي فيه الحجر - يقابل الركن المغربي. كما أنّ الركن الشامي يقابل الركن اليمني وهو أيضاً يناسب ما نقلناه عنهم من علامات اليمني فإنّها علامات العراقي.

وما ذكره المصنّف هنا من عدم مقابلة العراقي للمغربي هو التحقيق، فإنّ العلامة الموضوعة للمغربي تقتضي كون المغرب المبحوث عنه مستقبلاً لنفس الركن الغربي؛ لأنّ أركان الكعبة موضوعة على الأهوية الأربعة لا على الجهات، فيكون الركن العراقي من جهة الصبا كما أنّ الغربي على الدبور.

وحينئذٍ فتكون جهة المغربي المذكور مقابلة للركن العراقي، وأهل العراق توجّههم ليس إلى نفس ركتهم بل إلى باب الكعبة، فلذلك كان انحرافهم عن أهل المغرب يسيراً، ولمّا كانت خراسان أشدّ تشريقاً من العراق قربت قبلتهم إلى الركن العراقي فقابلت المغرب، فتدبّر ما ذكرناه لك في هذا الباب فإنّه لا تجده مفاداً في كتاب.

(وإن فقد) المصلّي (الأمارات) الدالّة على جهة القبلة المذكورة وغيرها إمّا لعدم علمه بها أصلاً كالأعمى والعامي مع عدم إمكان التعلّم وضيق وقت الصلاة، أو لمانع من الاطّلاع عليها وإن كانت معلومة له لو وجدها كغيم وحبس (قلّد) العدل العارف بها بيقين أو اجتهاد، سواء كان رجلاً أم امرأة حُراً أم عبداً، فإنّه من باب الخبر لا الشهادة، وإلّا اعتبر التعدّد.

ولو تعذّر العدل، ففي الرجوع إلى المستور بل إلى الفاسق مع ظنّ صدقه، بل وإلى الكافر مع تعذّر المسلم وجهان أقربهما عند المصنّف في الذكرى ذلك في الأخيرين مع قطعه بالرجوع إلى الأوّل(2).

ص: 203


1- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 12، المسألة 140؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 394؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 53
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

ويشكل بأنّ اشتراط العدالة يوجب عدم الرجوع إلى المجهول؛ لاستلزام الجهل بالشرط، وبالأمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق، وبالنهي عن الركون إلى الكافر،

واختصاصه بحالة الاختيار لا دليل عليه، وحينئذٍ فتجب الصلاة إلى أربع جهات.

و ما اختاره المصنّف من جواز التقليد للأعمى والعامي مع أحد الشرطين هو المشهور بين الأصحاب(1). وللشيخ قول بوجوب الصلاة عليهما إلى أربع جهات(2)، والأوّل أقوى.

ولو قدر العامي على التعلّم مع سعة الوقت فلا إشكال في بطلان صلاته وقد تقدّم.

وأمّا العالم الممنوع لعارض، فقد اختلف أيضاً في جواز تقليده أو صلاته إلى أربع جهات، وقد اختلف فيه كلام المصنّف والعلّامة:

فذهب المصنّف في البيان(3) والعلّامة في المختلف(4)، والقواعد(5) إلى الأوّل كما في هذه الرسالة؛ لمشاركته للجاهل في المعنى، بل للأعمى فإنّه غير مقصّر، والمانع غير مستند إليه، فهو أولى بالحكم من الجاهل المقصّر في التعلّم إلى أن ضاق الوقت.

وذهب المصنّف في الذكرى(6) والعلّامة في كثير من كتبه إلى الثاني(7)؛ بناءً على أنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع الزوال.

وفي صلاحيته للدلالة نظر؛ لظهور العجز في الحال الذي هو محلّ التكليف، والقدرة على الاجتهاد مع المانع غير مُفيدة، وسرعة الزوال غير صالحة للتعليل مع المخاطبة

بالصلاة حالة العذر.

ص: 204


1- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 22 - 25، المسألة 144؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 398؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 70
2- الخلاف، ج 1، ص 302، المسألة 49
3- البيان، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 83، المسألة 27
5- قواعد الأحكام، ج 1، ص 253
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 110 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- كتذكرة الفقهاء، ج 3، ص 28، المسألة 147؛ ومختلف الشيعة، ج 2، ص 84 - 85، المسألة 28؛ ومنتهى المطلب، ج 1، ص 219

نعم، في مرسلة خداش عن الصادق علیه السلام ما يدلّ عليه(1)، لكنّها لا تصلح للدلالة، فكان ما اختاره هنا أوضح. ومن هنا ظهر أنّ ما اختاره المصنّف من جواز تقليد العارف بالأمارات عند خفائها، قول معروف قد ذهب إليه المصنّف في غير الرسالة (2) وغيره(3)، فما أورده عليه الشارح المحقّق(4) غير وارد.

(الثاني: توجّهه) أي المصلّي (إلى أربع جهات) بأن يصلّي الصلاة الواحدة أربع مرّاتٍ إلى أربع جهات (إن جهلها) أي القبلة بكلّ وجهه بأن لم يقدر على العين ولا على الأمارات، ولا وجد مَن يقلّده حيث يسوغ له التقليد.

ولا يحسن عود ضمير «جهلها» إلى الأمارات لاستلزامه صلاة من لا يعلمها إلى أربع جهاتٍ(5).

ومن جملة أفراده الأعمى والعاجز عن التعلّم مع ضيق الوقت، والمصنّف لا يرى صلاتهما إلى الأربع؛ ولأنّه يناقض الحكم السابق، اللهمّ إلّا أن يحمل على جهلها بكلّ وجهٍ حتّى بالتقليد فيصحّ عوده إليها من غير تناقض، لكنّه لا يوافق نظم العبارة؛ لأنّه جعل المعتبر فيها أمرين: أحدهما: الصلاة إليها إن علمها، والثاني: أنّ الصلاة إلى الأربع إن جهلها.

وكيف كان فالعبارة صحيحة المعنى خاليةٌ عن التناقض، لاكما زعمه الشارح المحقّق حيث أعاد الضمير إلى الأمارات، وجعلها متناولةً للعامي بشرطه والأعمى، وإنّما يقتضي صلاتهما إلى الأربع وصلاة العاجز عنها لمانع كالغيم بالتقليد، والأمر فيه على العكس، ونحن قد بيّناها بما يرفع هذه الشبهة وإن كان نظم العبارة لا يخلو من سماجة ما حيث جعل العلم بها قسماً أوّلاً في قوله: «وإلّا عوّل على أماراتها» ثمّ أتى

ص: 205


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45. ح 144؛ الاستبصار، ج 1، ص 295، ح 1085
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 110؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 81؛ البيان ص 113 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
3- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 121؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 88، المسألة 30.
4- شرح الألفيّة، ص 103 - 104 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- في «ق، د: الأربع

بهذا القسم في الثاني، لكنّه أسهل من فسادها المعنوي، كما ذكره الشارح، وقد أغرب في تقريرها شارح آخرُ(1) بما لا يستحق الحكاية.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: إذا تعذّر على المصلّي معرفة القبلة والتقليد لأهله وجب عليه أن يصلّي كلّ صلاة أربع مرّات إلى أربع جهات حتّى لو اجتمع عليه في وقت واحدٍ فرضان كالظهرين لم يصحّ الدخول في الثاني حتّى يفرغ من فعل الأوّل على الوجه المذكور ، فتكون هذه الأربع بمنزلة مرّةٍ واحدةٍ للعالم بالقبلة، فلو فرض ضيق الوقت إلّا عن قدر أربع صلواتٍ لمن عليه الفرضان اختصّت به الثانية كالعصر؛ لأنّ ذلك قدر أدائها بحسب هذه الحالة.

وإنّما يجب الفرضان لو أدرك مع ذلك قدر ركعة من الأُخرى فصاعداً، فحينئذٍ يزاحم الأولى ويصلّيها أربع مرات ثمّ يصلّي الثانية إلى جهةٍ لضيق الوقت إلّا عنها. وهل يجب في الأربع جهات كونها متقاطعةً على زوايا قوائم؟ الظاهر ذلك؛ لأنّه المتعارف منها؛ ولأنّه موافق للحكمة في وجوب الأربع، فإنّ الصلاة إذا فعلت على هذه الحالة فهي إمّا إلى القبلة، أو منحرفة عنها انحرافاً لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، وما بين القبلة وبينهما قبلة للمضطر ، فلو أوقع الأربع على غير هذه الصورة أمكن فرض القبلة على وجه يخرج عمّا صلّاه إلى حدّ اليمين أو اليسار، كما لا يخفى.

واحتمل المصنّف في البيان الاجتزاء بأربعٍ كيف اتّفق؛ محتجاً بأنّ الفرض إصابة جهة القبلة لا عينها وهو حاصل، وقطع باشتراط التباعد في الجهات بحيث لا يكون بين الجهة الأُولى والثانية ما يُعدّ قبلةً واحدةً(2).

ويضعّف الاحتمال بمنع إصابة الجهة بالصلاة إلى الأربع كيف اتّفق(3)؛ لأنّ القبلة لا تنحصر في الجهات الأربع عندنا ولا في عشرة.

ص: 206


1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 106
2- البيان، ص 114 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
3- في «ش»: اتّفق، وعدم إمكان دفع احتمال كون القبلة المطلوبة بين الجهتين وإن تقاربتا

كيف، والمصنّف قد ذكر في هذه الرسالة ستَّ جهاتٍ مع خروج كثيرٍ من البلاد الإسلامية عنها كمصر وما والاها والمغرب المشهور والروم وسمرقند وغيرها ممّا يكثر عدّه. وإنّما اكتفى الشارع بالصلاة إلى الأربع لا لاستلزامه إصابة العين أو الجهة، بل لما ذكرناه من أنّها إذا وقعت على الاستقامة استلزمت إمّا الإصابة، أو الانحراف إلى ما لا يبلغ حدّ اليمين أو اليسار.

وإنّما يتوجّه ما ذُكر على مذهب بعض العامّة حيث جعل المشرق قبلة أهل المغرب وإن صلّوا إلى منتهى خطّه، والمغرب قبلة أهل المشرق كذلك، وكذا القول في الجنوب والشمال، فالجهة عندهم منحصرةٌ في الأربع جهاتٍ(1)، وأمّا عندنا، فلا يتوجّه ذلك كما قد تحرّر.

وإنّما تجب الصلاة إلى الأربع مع سعة الوقت لها، (ولو ضاق الوقت) عنها أتى بالممكن، فإن ضاق (إلّا عن جهةٍ واحدةٍ أجزأت) ويتخير في المأتيّ بها، ولو تحرّى

كان أولى.

وإنّما يُجزئ ما دون الأربع مع تعذّرها إذا لم يكن التعذّر مستنداً إلى تقصيره، وإلّا ففي الإجزاء نظر:

من أنّ المجموع قائم مقام صلاةٍ واحدةٍ، فلا يتحقّق وقوع ركعةٍ منها في الوقت الموجب لصحة الصلاة إلّا بإدراك ما أقلّه ثلاث صلواتٍ وركعة من الرابعة، فالتقصير(2) إلى مادون ذلك كالتقصير في إدراك ركعةٍ من الصلاة حالة العلم بالقبلة.

ومن عدم المساواة لها في كلّ وجهٍ، وإلّا لما وجبت الصلاة بإدراك قدرها إلى جهةٍ، بل ثلاث جهات وهو خلاف المفروض.

ومن هنا توجّه أنّه لو أدرك مَن عليه الفرضان قدر جهتين يصلّي كلّ واحدة إلى جهة من غير أن يُخصّصها بالثانية؛ لأنّ ذلك من مواضع الضرورة المسوّغة للاجتزاء

ص: 207


1- انظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج 2، ص 12
2- في «د»: فإن التقصير

بالصلاة إلى جهةٍ واحدةٍ وإن كان ما تقدّم من الاختصاص أوجه.

وتطّرد الصلاة إلى أربعٍ على الوجه المتقدّم في جميع الصلوات حتّى الجنازة، وكذا تغسيل الميّت أمّا احتضاره ودفنه فلا، وكذا الذبح والتخلّي، أمّا الاجتهاد، فواجب في الجميع عند وجوبها.

(فهذه) إشارة إلى المذكور سابقاً (ستّون فرضاً) من فروض الصلاة (مقدّمة) عليها، واجبة (حضراً وسفراً) لا يختلف الحال فيهما. ويصدق وجوبها على المكلّف في الجملة (وإن كان بعضها بدلاً عن بعض، كأنواع الطهارة) فإنّ فروضها جميعاً لا تجتمع على المكلّف في حالة واحدة، بل غاية ما يجتمع عليه فروض اثنين منها، لكن ذلك لا ينافي وجوبها في الجملة.

والمراد بالستّين على ما يقتضيه الظاهر ونقل عن المصنّف في حاشية الرسالة واجبات الطهارات الثلاث وهي ستّ وثلاثون وإزالة النجاسات وهي عشرة، فتتعدّد الواجبات بتعدّدها، وواجبات الساتر وهي خمسة، وفي الوقت خمسة وهي مراعاته في كلّ واحدة من الصلوات الخمس، فتتعدّد بتعدّدها كإزالة النجاسة.

ولا يقدح عدم اجتماع الواجبات في الصلاة الواحدة؛ لأنّ غرض المصنّف حصر الألف في جملة الصلوات الخمس، لا في كلّ واحدةٍ منها.

وفي المكان أمران وفى القبلة ،أمران، وجملة ذلك ستّون فرضاً.

ولقد أغرب الشارح المحقّق حيث جعلها واجبات الطهارات المذكورة، و واجبات الساتر والمكان والقبلة وذلك خمسة وأربعون وجعل مراعاة الوقت أمراً واحداً ولم يجعل نفس إزالة النجاسات العشر من العدد بل جعل في مقدّمتها خمسة فروض:

الأوّل: إزالتها بماءٍ طهورٍ.

الثاني: ستر العورة للمتخلّى.

الثالث: انحرافه بها عن القبلة.

الرابع: العصر في غير الكثير.

ص: 208

الخامس: رعاية ما يجب من العدد بحسب النجاسة.

وجعل في مقدّمة الرسالة تسعةً:

الأوّل: وجوب اليوميّة بالنصّ والإجماع.

الثاني: كفر مُستحلّ تركها.

الثالث: وجوبها على كلّ مكلّفٍ إلى آخره.

الرابع: وجوب تقديم الإسلام على فعلها.

الخامس: وجوب تقديم المعارف عليها.

السادس: كون تلك المعارف بالدليل.

السابع: وجوب الأخذ بالاستدلال لأهله.

الثامن: وجوب الاستفتاء للقاصر.

التاسع: وجوب الإعادة على مَن لم يفعل ذينك الأمرين(1).

وهذا التوجيه فيه - مع مخالفته للمنقول عن المصنّف - أُمور:

أحدها: أنّه جعل - فيما تقدّم - المقدّمة ليست من المقصود بالذات، ومعلوم أنّ المقصود بالذات هو ذكر فروض الصلاة، فجعلها مشتملةً على تسعة فروض ينافي كونها خارجةً عن المقصود بالذات. فالتوجيهان متنافيان، لكنّه المطابق لمقتضى الحال، ولعادة المصنّفين جعل المقدّمة خارجة عن المقصود بالذات؛ لأنّ القصد منها ذكر تعريف الفنّ وموضوعه وغايته وماناسبها من الترغيب والترهيب. وحينئذٍ فلا تكون مشتملةً على شيء من المقصود بالذات وإن كان بعض ما ذُكر في المقدّمة يُناسب كونه من الواجبات المتقدّمة حينئذٍ، كالإسلام والأخذ بالاستدلال أو التقليد لأهلهما.

ثانيها: أن كثيراً ممّا عدّه فى المقدّمة لا يناسب كونه من الفروض التي يجب على المكلّف تقديمها على الصلاة، ككون وجوبها ثابتاً بالنصّ والإجماع، وكون مستحلّ تركها كافراً، فإنّ مَن لا يخطر بباله ذلك - ككثير من العامّة - تصحّ صلاتهم بدون

ص: 209


1- شرح الألفيّة، ص 330 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

معرفتهما مع القيام بباقي الواجبات وكذلك معرفة وجوبها على كلّ بالغ عاقل، ووجوب الإعادة على مَن أخلََّ بالاعتقاد والأخذ بأحد الطريقين وإن كان الأخذ بذلك موجباً للإعادة كمالا يخفى.

ثالثها: أنّ ما ذكره من العدد في إزالة النجاسات يرجع إلى الإزالة، فهو بيان لكيفيّتها، فذكرها مُغنٍّ عن ذكر التفصيل. ولمّا كان الواجب إزالة كلّ واحدٍ من النجاسات المتغايرة صدق تعدّد الواجب بتعدد المزال كما مرّ غاية ما في الباب أنّ للإزالة المتعدّدة شرائط وكيفيّة، إلّا أنّه لا يوجب إدخالها في العدد، خصوصاً مع فساد الأمر على تقديره، فإنّه إنّما يتمّ لو صحّ معه ما في المقدّمة والواقع خلافه.

رابعها: أنّه على تقدير الاعتناء بإدخالها لا يتوجّه دخول جميع ماذكر، فإنّ وجوب ستر العورة على المتخلّي وانحرافه بها عن القبلة لا مدخل لهما في مقدّمات الصلاة، ولا ارتباط لهما بها، بل هي مع الإتيان بباقي الواجبات صحيحة وإن أخلّ بهما وأثم، وإنّما يحتمل إدخال الثلاثة الأُخرى، وبها خاصّة لا يلتئم العدد.

خامسها: أنّ النظر إلى كون مراعاة الوقت أمراً واحداً - وإن اختلفت كيفيّته - يوجب جعل الإزالة أيضاً كذلك؛ لأنّ مرجعها إلى أمرٍ واحدٍ، وهو طهارة الثوب والبدن وإن اختلفت الكيفيّة. وهكذا مراعاة الوقت مرجعها إلى إيقاع الصلاة في وقتها وإن اختلفت الأوقات، فجعل أحدها مُتّحداً والآخر متعدّداً غير واضح.

نعم، يبقى هنا أن يقال: الحكم بتعدد فروض الوقت تعدّده يوجب تعدّد فروض إزالة النجاسة بحسب اختلاف كيفيّتها، فإنّ الطهارة بالعصر غير الطهارة بغيره وكذلك الصبّ مغاير للغسلتين.

ويجاب بأنّ رعاية ذلك وإن أمكنت، لكن لا ينتظم معها العدد بعد إبطال ما قد بطل منه، ويكفي في المصير إلى ما تقدّم صحته بنوع من الاعتبار.

ص: 210

[أحكام القصر]

ولمّا ذكر السفر هنا بسبب العدد استطرد ذكر شيء من أحكام الصلاة المتعلّقة وإن كان ذكرها بعد فصل المقارنات أولى بسبب آخر، ولذلك لم يذكر القصر بسبب الخوف؛ لعدم مناسبته للمقام، بل أخّره إلى أن اقتضى المقام ذكره بنوع من اللطف، كما هو واقع في تضاعيف هذه الرسالة لمن تدبّرها.

وأشار بعطفه على ما تقدّم بقوله: (ثمّ) المفيدة للتعقيب المتراخي إلى عدم الارتباط الحقيقي بين المبحثين وافتراق حكم المعطوف والمعطوف عليه؛ ليؤمن اللبس، والمعطوف هنا هو قوله (شمول السفر للوقت) أي لوقت الفريضة، فاللام للعهد الذكري المتقدّم، أو بدل من المضاف إليه.

والمراد ب«شمول السفر للوقت» أن يسافر في مجموع وقت العبادة، بحيث لا يمضي من أوّل وقتها مقدار فعل الصلاة مع شرائطها المفقودة، ولا يبقى من آخر الوقت الذي انتهى السفر فيه مقدار الصلاة كذلك، أو ما يقوم مقامها كإدراك ركعةٍ.

فالسفر الشامل للوقت على هذا الوجه (موجب) إيجاباً عينيّاً (قصر رباعيّته) أي رباعيّة الوقت المذكور أو رباعيّة السفر.

واحترز بالرباعيّة عن المغرب والصبح فإنّه لاقصر فيهما.

وبالإضافة إلى الوقت أو السفر عن رباعيّة الحضر إذا فاتت وأراد قضاءها سفراً فإنّه يقضيها تماماً؛ لأنّها ليست رباعيّة السفر وهو ظاهر ولا الوقت؛ لأنّ الوقت المُحدث عنه مشمول بالسفر، فتكون رباعيّته رباعيّة سفر أيضاً فيجب قصرها.

واحترز بشمول السفر للوقت عمّا لو سافر بعد دخوله ومضى مقدار الصلاة جامعة

ص: 211

لشرائطها، أو انتهى السفر وقد بقي من الوقت مقدار ذلك، بل مقدار ركعة كذلك، فإنّه يجب عليه الإتمام في الموضعين على أصحّ الأقوال.

والمعتبر من الوقت في الحالين ما يحصل قبل بلوغ خفاء الأذان والجدران، فلو أنشأ السفر في أوّل الوقت أو قبله، ولم يبلغ ذلك حتّى مضى مقدار الصلاة أتمّ في السفر. وكذا لو بلغ ذلك المحلّ ووسع زمان قطع الباقي من المسافة قدر ذلك المسافة قدر ذلك في الوقت فإنّه يتمّ؛ لأنّ ذلك في حكم البلد.

وإنّما لم يتعرّض المصنّف لبيان هذه الشرائط إيثاراً للاختصار واعتباراً بالاشتهار، ونبّه بقوله: «موجب» على أنّ القصر مع الشرائط عزيمة لارخصة عندنا، فلا يجوز العدول إلى التمام، فيعيد الصلاة لو فعل ذلك عامداً مُطلقاً، ويُعذر الجاهل، وفي الناسي قولان أصحّهما الإعادة في الوقت خاصّةً.

ووجوب القصر متعيّن (في غير الأربعة) المعهودة شرعاً، فاللام فيه للعهد الذهني، وهي مسجد مكّة والمدينة، وجامع الكوفة، والحائر الحسيني علیه السلام: وهو مادار عليه سور الحضرة الشريفة. ففي هذه الأربعة لا يتحتّم التقصير في السفر، بل يتخيّر بينه وبين اتمام الصلاة وهو أفضل، هذا مع سعة الوقت بحيث يتمكّن من الأمرين فيه.

فلو ضاق إلّا عن القصر كما لو أدرك من آخر وقت الظهرين مقدار أربع ركعات تعيّن القصر؛ ليجمع بين الفرضين أداءً، مع احتمال بقاء التخيير فيقضي الظهر لو اختار الإتمام، ومستند ذلك الأخبار المتضافرة عن أئمّة الهُدى علیهم السلام وليس في عبارة الرسالة ما يدلّ على حكم الصلاة في الأربعة، بل مقتضاها بقاء التمام؛ لأنّها كالمستثناة من وجوب القصر، والموجب لذلك الإيجاز.

وقوله (أداءً وقضاءً) حالان من الرباعيّة، والعامل فيهما المصدر وهو القصر، وسَوَّغ كونه جامداً قبولُه تأويل الاشتقاق أي مؤدّاه ومقتضاه، مع أنّ ذلك للحال أكثري لا كُلّي، ويجوز كونهما منصوبين بنزع الخافض.

ويستفاد من تخصيصه القصر بغير الأربعة أنّ الغاية فيها إذا قضى في غيرها يقصر

ص: 212

عيناً وهو أحد الأقوال في المسألة.

والقول الثاني : بقاؤه على التخيير؛ بناءً على وجوب المطابقة بين القضاء والأداء؛ رعايةً لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «فليقضِها كما قاتته»(1)، واختاره المصنّف في البيان (2).

والثالث: قصرها مطلقاً وإن قضيت فيها؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو الأداء.

واعلم أنّ شرائط وجوب القصر في السفر تسعةٌ وأشار المصنّف إليها جميعاً في هذه العبارة:

أحدها: كون السفر في مجموع وقت الصلاة أو ما هو في حكمهِ، فلو حضر في بعضه فلا قصر كما مرّ تفصيله.

وثانيها: كون الفريضة مؤدّاةً(3) في السفر، وإن لم يفعل فلا قصر في فوائت الحضر وإن صُلّيت سفراً، كالإتمام في فوائت السفر وإن قضيت في الحضر.

وثالثها: أن لا يكون الفعل في أحد الأربعة، وقد اندرجت هذه الشرائط في فقرةٍ واحدةٍ وهي المتقدّمة.

ورابعها: قصد السفر، فلا يقصر الهائم وهو مَن ليس له مقصد معيّن، ولا طالب الآبق بحيث يرجع متى وجده وإن بلغ سفرهما المسافة، نعم يقصران في الرجوع مع بلوغها.

وخامسها: كون المقصود مسافةً.

وإلى هذين الشرطين أشار بقوله: (بقصد ثمانية فراسخ) فالباء للسببيّة ومتعلّقها «موجب» فهو ظرف لغو.

والمشهور أنّ الفرسخ ثلاثة أميالٍ، والميل أربع آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون

ص: 213


1- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350 عوالي اللآلي، ج 3، ص 107، ح 150
2- البيان، ص 260 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
3- في «ع»: مأموراً بأدائها

إصبعاً، والإصبع سبع شعيراتٍ متلاصقاتٍ بالسطح الأكبر، وعرض الشعيرة سبع شعرات من أوسط شعر البِرذَون بكسر الباء وفتح الذال.

ويكفي عن التقدير مسير يوم فى الأرض المُعتدلة، والنهار المُعتدل بالسير المعتدل للأثقال. ويثبت ذلك بشهادة عدلين، وبالاستفاضة.

وفي حكم قصد المسافة قصد نصفها فصاعداً مع إرادة الرجوع ليومه أو ليلته، وكان عليه أن ينبّه على حكمه؛ لئلا يدخل في حكم التمام ولا يكفي عنه كون ذلك يستلزم المسافة باعتبار اتّصال السفر وبلوغ القدر؛ لأنّ ذلك لوتمَّ لم يُقيّد باليوم ولا بالأربعة، بل كان قاصد ثلاثة فراسخ ثلاث مرّات كذلك بل أزيد، وهو مُمتنع.

ويدخل في العبارة قاصد موضعٍ يبلغ المسافة على أبعد الطريقين وإن قصد الترخّص، ومثله قاصد الترخّص خاصةً بالسفر على أشهر القولين.

ولا فرق في اشتراط قصد المسافة بين التابع والمتبوع، كما يقتضيه إطلاق العبارة. فالزوجة والخادم والولد إن علموا مقصد المتبوع وقصدوه ولو بظنّ بقاء الاستيلاء والصحبة ترخّصوا، لا إن جوّز العبد العتق أو البيع والزوجة الطلاق؛ لظهور أمارة ذلك. ومثلهم الأسير والمأخوذ ظلماً، فيقصر علمه بمقصد الآخذ وبلوغه المسافة وظنّه بقاء الاستيلاء.

ومبدأ التقدير من آخر العمارة في البلد المتوسّط فما دون، ومن آخر محلّته في البلد المتّسع، والمرجع فيهما إلى العرف.

(و) سادسها: (خفاء الجدران والأذان) من بلده أو ما في حكمها، وأقام اللام مقام المضاف إليه.

و «الخفاء» في العبارة مجرور بالعطف على «قصد» وعطف الأذان بالواو الدالّة على الجمع المطلق دون «أو» للتنبيه على اشتراط خفائهما معاً، فلا يكفي أحدهما على المشهور.

والمعتبر خفاء صورة الجدران لاشبحها وسماع صوت الأذان وإن لم يميّز فصوله.

ص: 214

ويكفي اعتبار آخر الجدران والأذان ما لم يخرج البلد في السعة عن العادة، فتعتبر المحلّة ويعتبر الأمران.

(ولو) كان (تقديراً) كما في الأعمى والأصّم والمسافر ليلاً ولا صوت هناك، والبلدة المرتفعة والمنخفضة، والحائل المانع من الرؤية، وحلّة البدوي بالنسبة إلى الجدار، فيقدّر في هذه المواضع أن لو كان المانع مرتفعاً والخارج عن الاستواء معتدلاً، وكما يشترط في الترخّص خارجاً بلوغ ذلك، كذلك يزول بإدراك أحدهما، فخفاؤهما شرط ذهاباً وإياباً على أصحّ الأقوال.

(و) سابعها: (عدم المعصية به) أي بالسفر فلا يترخّص العاصي بسفره بأن كانت غاية سفره هي المعصية، كتابع الجائر في جوره لا بمجرّد الرفقة أو ليعمل له عملاً محلّلاً، وقاطع الطريق، والتاجر في المحرّمات والساعي على ضرر مسلم، والعبد الآبق، والزوجة الناشز. وفي حكمه ما لو كانت الغاية مشتركةً بین الطاعة والمعصية، كما لو قصد مع مع أحدها التجارة.

وألحق المصنّف(1) وغيره من الأصحاب تارك الجمعة بعد وجوبها، والوقوف بعرفة كذلك، والفارّ من الزحف، ومَن سلك طريقاً مخوفاً يغلب معه ظنّ العطب على النفس أو المال المُجحف وإن كانت الغاية طاعة(2).

ويشكل الفرق بينها وبين تارك مطلق الواجب كتعلّم العلم مع وجوبه عليه عيناً أو كفاية، ومنافاته للسفر، بل الوجوب هنا أقوى.

وكما تمنع المعصية القصر ابتداءً تمنعه استدامة، فلو عرض قصدها في أثناء السفر الطاعة زال الترخّص حينئذٍ.

ص: 215


1- ذكرى الشيعة ، ج 4، ص 209 - 210 : الدروس الشرعية ، ج 1، ص 130 ((ضمن موسوعة الشهيد ج 8 و 9)
2- منهم الشيخ من الخلاف، ج 1، ص 587. المسألة 349؛ والعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 400. المسألة 635: والمحقق الكركي في شرح الألفية، ص 111 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

وينعكس الحكم بانعكاس الفرض، لكن يشترط هنا كون الباقي إلى نهاية المقصد مسافة.

ويكفي في العود كونه مسافةً، لكن لا يضمّ إلى ما بقي من الذهاب لو قصر عنها فيترخّص في العود خاصّة. ولو رجع إلى الطاعة بعد تجدّد قصد المعصية في الأثناء، ففي ضمّ مابقي إلى ما مضى من الطاعة نظر، واستقرب المصنّف في الذكرى الضمّ؛ بناءً على أنّ المانع كان هو المعصية وقد زالت(1).

وثامنها: استمرار السفر، فلو انقطع في أثنائه زال الحكم. ويحصل ذلك بانتفاء الوصول إلى أحد ثلاثة أشياء أشار المصنّف إليها بقوله: (وانتفاء) بالجرّ عطف على «عدم» لا على «المعصية» أي يجب القصر مع ما تقدّم من الشرائط بشرط انتفاء (الوصول) من المسافر ، واللام عوض من المضاف إليه، أي وصوله (إلى بلده) والضمير يعود على المسافر المدلول عليه بالمقام والأحكام التزاماً.

والمراد ببلده ما له فيها ملك ما ولو شجرة واحدة لا تخرج عن حدود البلد الشرعيّة، وهي أوّل خفاء الأمرين السابقين.

وفي حكمه اتّخاذ البلد دار إقامة على الدوام.

ويشترط فيهما استيطانه ستّة أشهر يصلّي فيهما تماماً بنيّة الإقامة ولو متفرّقةً.

و دوام الملك والنيّة، فلو زالا زال الحكم بخلاف ما لو آجر الملك أو أعارهُ أو غصب منه. ولو تعدّدت كفى استيطان الأوّل منها مادام على ملكه، فلو خرج أُعتبر استيطان آخر، وهكذا.

و ملك الرقبة، فلاتكفي الإجارة ولا الوقوف العامّة مع دخوله في مقتضاها نعم، تكفى الخاصّة بناءً على انتقال الملك إليه. ولا يشترط ملك مغرس الشجرة، وفي الاكتفاء ببعضها وجه.

ويُعتبر في الأشهر الهلاليّة إن اتّفق الابتداء من أوّلها إلى آخرها، وإلّا العدديّة،

ص: 216


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).

ولواتّفق الوصف في بعضها فلكلٍّ حكمه، فيُتمّ المُنكسر خاصّة ثلاثين.

وإذا تحقّقت هذه الشرائط انقطع السفر بالوصول إليها، وإلى ما في حكمها، كإدراك مادون الخفاء.

(أو) بالوصول (إلى مُقام) - بضمّ الميم - وهو موضع إقامة (عشرة) أيّام تامّة (منويّة) في ابتدائها حقيقةً أو حكماً، كتعليق السفر على قضاء حاجة لا تنقضي في أقلّ من عشرة، ويُلفّق من العشرة ما حصل بعد النيّة من اليوم وقبل الخروج من آخرها.

(أو) الوصول إلى مقام (ثلاثين) يوماً (مُطلقاً) حال من (مقام). ومعنى إطلاقه كونه بغير نيّة؛ لأنّها في معنى التقييد وتعليق الحكم - وهو البقاء على القصر - على انتفاء الوصول إلى أحد هذه الثلاثة يتمّ في الأوّل بغير إشكال؛ لأنّ مجرّد الوصول إلى البلد يوجب قطع السفر، وكذا في الثاني على تقدير تقدّم نيّة إقامة العشرة على الوصول إلى موضع الإقامة، فإنّ مجرد الوصول حينئذٍ يقطع السفر أيضاً.

أمّا لو كانت نيّة الإقامة متجدّدةً بعد الوصول أُشكل تعليق الحكم على انتفاء الوصول.

وكذا القول في الثالث، فإنّ الوصول إلى مقام الثلاثين المتردّد فيها غيرُ كافٍ في قطع السفر أيضاً، بل لابدَّ من مضىّ الثلاثين تامّةً.

والطريق إلى دفع الإشكال أنّ المصنّف علّق الحكم على الوصول إلى مكانٍ تتحقّق فيه نيّة إقامة العشرة، أو تتحقّق فيه الإقامة ثلاثين يوماً بغير نيّة الإقامة.

وظاهر أنّ تعليق الحكم على أمرٍ موصوفٍ بوصفٍ لا يتحقّق بدون الوصف، فكان الكلام في قوّة تعليق الحكم على نيّة الإقامة على تقدير تأخيرها عن الوصول وعلى مضيّ الثلاثين.

ولا يتوهّم حينئذٍ أنّه يستغني عن قيد الوصول حيث إنّ الاعتبار بالنيّة ومضيّ الثلاثين؛ لأنّ ذلك هو تمام السبب، وعنده يحصل الحكم ولا يلزم من ذلك أن يكون سبباً تامّاً، وإنّما السببُ مركّب من الوصول والنيّة فكان كلّ منهما جزء السبب التامّ.

ص: 217

ألا ترى أنّه لو نوى الإقامة قبل الوصول لم تؤثّر حتّى يصل، فكما أنّ الحكم توقّف هناك على الجزء الثاني - وهو النيّة - توقّف هنا على الجزء الثاني أيضاً، وهو الوصول، فكانا معاً سبباً تامّاً وأحدهما جزءَه.

وأمّا مقام الثلاثين، فإنّه وإن كان لا يتحقّق بدون الوصول فيكون متأخّراً عنه، إلّا أنّ الوصول أيضاً جزء السبب الموجب للحكم حيث لا يتحقّق الحال بدونه.

وهذا الشرط - أعني انتفاء الوصول إلى أحد الثلاثة - شرط استمرار الحكم كالذي بعده وهو عدم كثرة السفر، وهما شرطان للقصر في الجملة وإن خالفا ما تقدّم من الشرائط فإنّ تلك شرائط ابتدائه، وهذان شرط دوامه مع أنّ شرط انتفاء المعصية أيضاً يأتي على الوجهين؛ لأنّها إن حصلت ابتداءً منعت ابتداءه، وإن عرضت في أثناء السفر المباح منعت استدامتَه.

فكانت الشروط ثلاثة أنواعٍ وهي مشتركة في مطلق الشرطيّة وإن كان الطارئ بالمانع أشبه منه بالشرط، لكن قد وقع ذلك في عبارات الفقهاء وقوعاً مستمرّاً لا يختصّ بهذه الرسالة.

وقد اندفع بما قرّرناه إشكال الشارح المحقّق على العبارة(1) مع زيادة تحقيق في المقام، وبقي في العبارة مباحث:

الأوّل: قد عرفت أنّ الوصول إلى بلد المسافر موجب لانقطاع سفره، فعلى هذا لوكانت له عدّةُ مواطن في طريق مقصده انقطع سفره ببلوغ كلّ واحدٍ منها، فيجب أن ينظر إلى المسافة التي بينها، فإن بلغت موجب التقصير قصّر في الطريق، وإلّا فلا.

وكذلك تُعتبر المسافة بين الوطن وبين نهاية مقصده، فإن كان يبلغ المسافة قصّر والّا فلا.

ولا يضمّ ذلك إلى العود وإن كان في نيّته الرجوع على غير طريق الوطن، وحينئذٍ

ص: 218


1- شرح الألفيّة، ص 113 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

فيتمّ من الوطن إلى المقصد ويقصّر راجعاً إن بلغ المسافة؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من الذهاب والعود حكماً برأسه لا يضمّ أحدهما إلى الآخر، إلّا في موضعٍ واحدٍ وهو مَن قصد أربعة فراسخَ وأراد الرجوع ليومه.

ولا فرق في ذلك بين أن يحصل بالانضمام للعود حكم لم يكن حاصلاً بدونه، كما لو كان العود لا يبلغ المسافة أو لا يحصل.

الثاني: لمّا كانت نيّة الإقامة قاطعةً للسفر سواء تقدمت أم تأخّرت، كان موضع الإقامة على تقدير تقدّم النيّة على السفر بحكم البلد فيشترط في القصر بلوغ المسافة فيما بين مبدأ السفر وموضع الإقامة وكذا القول فيما لو تعددّت المواضع مع تقدّم النيّة في كلّ موطن على الخروج إليه ولو ممّا قبله.

وكذا تعتبر المسافة بينه وبين المقصد وإن لم ينوِ الإقامة فيه، فإن لم يبلغ المسافة أتمّ وإن كان يقصّر راجعاً. ولو كانت نيّة الإقامة متجدّدة في المحلّ بعد الوصول إليه أتمّ فيه خاصّةً وقصّر في الطريق السابق عليه وإن لم يبلغ المسافة؛ لأنّها كانت مقصودة ابتداءً، فلا يضرّ ماطراً، والفائدة تظهر في عدم إعادة ما صلّاه قصراً، وقضاء ما تركه وفات وقته كذلك(1).

الثالث: مبدأ الترخّص في البلد المتعدّد كالمتّحد من موضع خفاء أحد الأمرين السابقين وهما الأذان والجدران، فيزول الترخّص بإدراك أحدهما عند الوصول إلى كلّ موطن متعدّدٍ، ويتوقّف على تجاوزه في الخروج وهو واضح.

لكن هل يكون حكم موضع الإقامة عشراً - على تقدير تقدم النية عليه - بحكم البلد، فينقطع السفر فيه بما ينقطع في البلد، وكذا في الخروج؟

يُحتمل ذلك؛ لكونه بحكم البلد في تلك الأحكام وكون ما دخل في هذه الحدود في حكم موضع الإقامة شرعاً، بل هو العلّة في قطع السفر وعدم ابتدائه في الخروج

ص: 219


1- وقضاء ماتركه وفات وقته كذلك: لم ترد في «ش ، ق»

بالنسبة إلى البلد وعدمه لتعليق الحكم في النصوص على السفر، وهو شامل لبلد الإقامة. وتخلّف الحكم على خلاف الأصل في البلد لا يوجب التعدية، وتوقّف المصنّف في الذكرى في الوجهين(1).

ويمكن قويّاً الفرق بين حالتي الدخول والخروج، فإنّ مجرّد نيّة الإقامة في محلٍّ لا يصيّره بحكم البلد، بل لا بدَّ مع ذلك من الصلاة تماماً أوما في حكمها، كما سيأتي(2).

وحينئذٍ فلا يلزم من النيّة والوصول لحوق حكم البلد؛ لجواز أن يرجع إلى السفر قبل الصلاة فيعود إليه حكمه وإن كان مُقيماً، وهذا ممّا يُخالف حكم البلد بخلاف ما لو خرج من موضع الإقامة بعد أن صلّى تماماً، فإنّه حينئذٍ يصير في حكم البلد بكلّ وجه، فيتوجّه توقّف الترخّص على مجاوزة حدوده في الخروج دون الدخول.

الرابع: لا فرق في الحكم بانقطاع السفر عند الوصول إلى البلد بين أن يعزم على الإقامة فيه يسيراً أولا، ولا بين أن يصلّي فيه وعدمه، بل لو مرَّ عليه وإن لم ينزل انقطع سفره، ولو صلّى حينئذٍ ففرضه التمام، ويتوقّف عود الترخّص على قصد مسافة جديدة.

وهذا بخلاف الموضع الذي ينوي فيه الإقامة عشرة، فإنّه وإن وجب التمام بمجرّد النيّة، لكن يشترط في بقاء الحكم أن يصلّي فيه ولو صلاةً واحدةً على التمام، فلورجع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة عاد إلى القصر وإن لم يخرج، بل وإن أقام أيّاماً بغير نيّة؛ لرواية أبي ولّاد الحنّاط عن الصادق علیه السلام(3).

وهل يُلحق بها الصوم الواجب أو الندب على القول بعدم جوازه سفراً، والنافلة المقصورة، وترك الصلاة إلى أن يخرج وقتها عمداً أو سهواً قبل الرجوع عن نيّة الاقامة؟ وجهان أصحّهما الإلحاق. فمتى تحقّق أحد هذه صارت في حكم البلد

ص: 220


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- في «ع»: سيجي.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 221، ح 553: الاستبصار، ج 1، ص 238، ح 851

واستمرّ على حكم التمام إلى أن يخرج إلى المسافة وإن رجع عن نيّة الإقامة، ولا فرق بين الخروج قبل إكمال العشرة وبعده.

الخامس: لو صلّى على التمام بعد نيّة الإقامة ثمّ خرج إلى مادون المسافة عازماً على العود والإقامة في موضعها، أو غيرها ممّا يقصر عن المسافة عشراً مستأنفة ولو بعد الترددّ مرّة أو مراراً أتمّ ذاهباً وعائداً وفي المقصد وهو موضع وفاقٍ.

وإن قصد العود من دون الإقامة قال المصنّف: يقصّر في العود خاصّةً(1).

والأصحّ اعتبار قصد المسافة، فإن تحقّق قصّر، وإلّا فلا، فإنّ الغرض أعمّ من ذلك.

ولو قصد عدم العود أو لم يقصد العود، قال المصنّف والعلّامة: يقصر بمجرّد الذهاب(2)، وفيه نظر؛ لأنّ المفروض كون الخروج إلى مادون المسافة، وحينئذٍ فمفارقة موضع الإقامة أعمّ من أن يستلزم المسافة مع كون المفروض عدمها.

وقد تقدّم أنّ مابقي من الذهاب لا يُضمّ إلى العود، فالمعتبر حينئذٍ ما مرَّ من تحقّق قصد المسافة وعدمه.

وبالجملة فالصلاة تماماً بعد نيّة الإقامة يصير موضعها في حكم البلد، فيتوقّف القصر على قصد المسافة، وقد استوفينا أقسام المسألة في محلّ آخر.

وتاسعها: أن لا يكون سفره أكثر من حضره، فإنّه يتمّ حينئذٍ كما أشار إليه بقوله: (ما لم يغلب السفر) على الحضر غلبةً شرعيّة لا مطلق الغلبة؛ لئلّا يدخل في الحكم مَن سافر عشرين يوماً فصاعداً وأقام عشراً.

وضابط الغلبة الشرعيّة الموجبة لانتفاء حكم القصر أن يسافر ثلاث سفراتٍ إلى مسافةٍ، ولا يُقيم بين السفرتين عشرة أيّام في بلده مُطلقاً، وفي غيرها مع النيّة، فيخرج حينئذٍ في الثالثة مُتمّماً، هذا هو الغالب.

ص: 221


1- البيان، ص 261 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج12)
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 413، المسألة 646: قواعد الأحكام، ج 1، ص 326: البيان، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

وقد يفرض تحقّقها في أقلّ من ذلك بأن يسمّى المسافر مكارياً أو تاجراً أو بريداً أو محاً، فإنّه حينئذٍ يتمّ وإن لم تتعدّد سفراته؛ لأنّ الحكم في النصوص معلّق على هذه الأسماء، لا على الكثرة والغلبة المذكورين في كلام الأصحاب.

وحيث حكم بالتمام استمرّ عليه (إلّا أن يُقيم عشراً) في بلده وإن لم يكن بنيّة، أوفي غيرها معها، ويشترط فيها التوالي بأن لا يفصل بينها بسفرٍ إلى مسافةٍ بالنسبة إلى بلده، أو بالخروج إلى موضع الخفاء في إقامة غير بلده، ولا يقدح الخروج إلى مادون المسافة في الأوّل، فيلفّق ما حصل في البلد منها.

وفي حكم العشرة القاطعة للكثرة إقامة عشرة أيّامٍ في غير البلد متردّدةً بعد إقامة ثلاثين بالتردّد أيضاً، كما اختاره المصنّف في الدروس(1).

ووجه ذلك ما تقدّم من أنّ الثلاثين المتردّدة في حكم نيّة إقامة العشرة بالنسبة إلى قطع السفر، فإنّه كما ينقطع بنيّة إقامة عشرة في غير البلد كذا ينقطع بالتردد ثلاثين يوماً. وكما لا يقطع كثرة السفر مجرّد نيّة الإقامة بل لابدّ من إكمال العشرة، كذا لا يقطعها ما هو بحكم النيّة، وهو التردّد ثلاثين يوماً، فإنّه بحكم النيّة لا بحكم إقامة العشرة. وحيث افتقرت نيّة الإقامة إلى العشرة بعدها فكذا ما هو بحكمها.

وذهب بعض الأصحاب إلى الاكتفاء بالثلاثين في قطع الكثرة(2) وهو ضعيف، وأضعف منه نسبته في المهذّب إلى المشهور(3)، مع أنّه غير معروف قبل ذلك فضلاً عن الشهرة.

واعلم أنّ الفاصل بين السفرات الثلاث إن تحقّق حسّاً وشرعاً كالوصول إلى بلده، ريب في صدق التعدّد وترتّب الحكم.

وهل يتحقّق بالفاصل الشرعي خاصّةً، كما لو تعدّدت مواطنه في السفرة المتّصلة

ص: 222


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- منهم: ابن فهد الحلّي في المقتصر، ص 93؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 513
3- المهذب البارع، ج 1 ، ص 486.

حسّاً بحيث يكون بين كلّ موطنين مسافة، وكما لو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشراً؟ وجهان.

وفصّل المصنّف في الذكرى فحكم بالتعدّد في الثاني، سواء كان في نيّة الإقامة في ابتداء السفر أم عزم عليها بعد الوصول إلى موضعها، وشرط في التعدّد بالنسبة إلى الوطن كون عزمه على الوطن الأوّل خاصّة ثمّ يتجدّد العزم بعد وصوله إليه، فلو كان في نيّته ابتداءً تجاوز الوطن الأوّل والثاني لم يتعدّد.

والفرق بين موضع الإقامة والوطن أنّ نيّة الإقامة تقطع السفر حسّاً وشرعاً، والخروج بعد ذلك سفرةً جديدةً بخلاف الوطن، فإنّه مع عزم التجاوز فاصل شرعاً لا حسّاً(1)، وهو قريب، ولا إشكال مع صدق الاسم عرفاً كما مرّ، فإنّه مناط الحكم.

ولو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأوّل بمعنى العود إليه، ففي احتسابه سفرة ثانية الوجهان.

فهذه نُبذة من أحكام صلاة السفر وجملة شروطها قد أدرجها المصنّف في هذه العبارة الجليلة، المشتملة على الألفاظ الموجزة الجزيلة، الآخذة بمجامع البلاغة ومعاقد الفصاحة، وبها تمّ فصل المقدّمات.

ص: 223


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

ص: 224

(الفصل الثاني)

اشارة

(في) الفروض (المقارنات) لذات الصلاة.

والمراد بها الأقوال والأفعال التي تلتئم منها حقيقتها. وأُطلق عليها المقارنة مع اقتضائها للمغايرة بين المقارن والمقارن به باعتبار مغايرة المجموع المركّب لأجزائه من حيث هي أجزاء، وجعل النيّة منها بناءً على كونها جزءً.

والحقّ أنّها بالشرط أشبه منها بالجزء؛ لوجود خواصّ الشرط فيها، واشتراطها بالشروط السابقة باعتبار المقارنة للتكبيرة لا باعتبار الجزئيّة ولوسلّم كونها لذاتها

لا تدلّ على الجزئيّة؛ لاختلاف الشروط في الأحكام.

(وهي) أي المقارنات (ثمانية) بناءً على وجوب التسليم

ص: 225

(الأولى: النيّة)

وهي لغةً: العزم على فعل شيء من الأفعال أو ما في حكمها والقصد إليه(1).

ولمّا كان القصد مقتضياً للتعلّق بمقصودٍ معيّنٍ كما يقتضيه فعل العاقل، بل مَن له تميّز في الجملة، وكان تعيين المقصود يتوقّف على حضور ذاته إجمالاً بالبال ليتميّز عن غيره بأوصافه الخاصّة، وجب إحضار ذات المقصود وصفاته أوّلاً ثمّ القصد إليه.

فإذا أراد المكلّف صلاة الظهر مثلاً، وجب عليه إحضار ذات الصلاة وصفاتها من كونها ظهراً مؤدّاةً واجبةً ثمّ يقصد فِعلها تقرباً إلى الله تعالى.

وهذه القيود ليست جزءً من النيّة، فإنّها أمرٌ واحدٌ بسيطٌ وهو القصد، وإنّما هي صفات معروضها وهو الفعل المنويّ. ووجوب هذه الأشياء في النيّة لا ينافي ذلك، ومن هنا أطلق المصنّف كونها واجبةً فيها بقوله: (ويجب فيها سبعة) أشياء:

أحدها (القصد إلى التعيين) من كونها ظهراً أو عصراً.

ولا يخفى ما في العبارة من الإجمال في تحقيق الحال فإنّ القصد هو حقيقة النيَّة لا واجب فيها كما قد عرفته لكن لمّا كان القصد مصاحباً للفعل الموصوف بهذه الأوصاف، صدقَ تعلّق القصد بكلّ واحدٍ من الأوصاف وإن كان للتحقيق حكم آخر، فالواجب الأوّل فى الحقيقة تعيين المقصود لا غير.

(و) ثانيها: القصد إلى (الوجوب) والمراد به هنا(2) الوجوب الواقع في النيّة مميّزاً المعبّر عنه بقوله في النيّة المشهورة: (فرض) لا الوجوب المقترن بلام العلّة، وإنّما اعتبر

ص: 226


1- كتاب العين، ج 8، ص 394؛ تاج العروس، ج 20، ص 266. «نوی»
2- هنا: لم ترد في «ش» و «د».

ذلك لتتميّز الصلاة به عن المندوبة وإن كان من اليوميّة كالمعادة.

(و) ثالثها: (الأداء) وهو فعل الشيء في وقته المحدود إن كانت أداءً (أو القضاء) وهو فعله بعد خروج وقته.

وقد يُطلقان على مُطلق الفعل فيقال: أدّيتُ ما عليّ، أي فعلته. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ)(1) أي فُعلت، والمراد هنا بهما المعنى الأوّل.

وإنّما وجب أحدهما ليتميّز عن الآخر؛ إذ يمكن قضاء الفريضة في كلّ وقتٍ إلّا لعارضِ كضيق وقت الحاضرة، فلابدّ من تمييز الفعل بأحدهما؛ لإمكان إيقاعه على الوجهين.وإن انتفى القضاء لعارض نادراً فإنّه غير قادحٍ في إمكان إيقاعه على الوجهين، فيجب التعرّض للأداء وإن ضاق الوقت مع احتمال عدم وجوبه حينئذٍ.

وفي بعض النسخ: «والقضاء»(2) معطوفاً على «الأداء» بالواو، والمراد به أحدهما، فهي بمعنى «أو» وكأنّه أمنَ اللبس حيث لا يتصوّر اجتماع الضدّين على الموضوع الواحد.

ورابعها: الوجوب المجعول عليه المعبّر عنه بقوله: (الوجوبه) وإليه أشار المصنّف بالوجوب المُطلق المتقدّم، فإنّه أشار به إلى الأمرين معاً، كما نبّه عليه بقوله بعد: (وصفتها) وذُكر مع الفرض لوجوبه والضمير يعود إلى النيّة الواجبة سابقاً، فلولا أنّه معدود من الواجب لزم المغايرة بين النيّة وصفتها وإدخال قيد فى الواجب ليس بواجبٍ وهو منافٍ لغرض الرسالة وموجب التهافت الكلام.

ووجه وجوب ذلك ما ذكره المتكلّمون من وجوب إيقاع الفعل على وجهه، ففي الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه كالأمر والشكر، وكونه لطفاً في التكليف العقلي ونحوها.

(و) خامسها (القربة) وهي غاية الفعل المتعبَّد به والمراد بها القرب إلى رضى الله

ص: 227


1- الجمعة (62): 10
2- كما في نسخة «ش 1»

(سبحانه) أو إلى ثوابه؛ لتنزّهه (تعالى) عن الزمان والمكان.

و آثر المصنّف وغيره هذه الصيغة مع افتقارها إلى التأويل وإيهامها غير المقصود؛ لورودها في الكتاب والسنّة، كقوله تعالى: «وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَتِ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ»(1).

وقوله تعالى في الحديث القدسي: «ما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما أفترضت عليه»(2).

وقوله فيه: «ما يزال ابن آدم يتقرب إليَّ بالصلاة حتّى أُحِبّه»(3) إلى آخره، كما مرََّ(4).

(و) سادسها: (المقارنة للتحريمة) بحيث لا يتخلّل بينهما زمان؛ وإنّما وجب ذلك لأنّ النيّة هي القصد إلى الأُمور المذكورة على ما ذكره المصنّف، أو إلى الأمر المتّصف بها - كما حقّقناهُ - عند أوّل العبادة(5)، وأوّل الصلاة التحريمة، وأوجب المصنّف مقارنتها المجموع التحريمة؛ لتوقّف الدخول في الصلاة على تمام التكبير(6).

ومن ثمّ لو تمكّن المتيمّم من استعمال الماء قبل تمامه وجب عليه استعماله بخلاف ما لو وجده بعده، ولاريب أنّه أحوط وإن كان دليله غير تامّ؛ إذ لا شكّ في أنّ التكبير جزءٌ من الصلاة، فتكون النيّة مقارنةً لأوّله، وليست الجزئيّة مختصّةً بآخره إجماعاً.

وغاية ما يلزم من دليله أنّ التحريم إنّما يتحقّق بالمجموع؛ لظاهر قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «وتحريمُها التكبير»(7)، فيكون آخر التكبير كاشفاً عن الدخول في الصلاة من أوّله، جمعاً

ص: 228


1- التوبة (9): 99
2- الكافي، ج 2، ص 352، باب من أذى المسلمين واحتقرهم، ح 7 - 8: إتحاف السادة المتّقين، ج 8، ص 477: عوالي اللآلي، ج 1، ص 408، ح 74
3- مجمع الزوائد، ج 2، ص 247؛ إتحاف السادة المتقين، ج 9، ص 569؛ مسند أحمد، ج 7، ص 365، ح 25661
4- تقدم في بحث الوضوء، ص 80.
5- تقدم في ص 79.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
7- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 12، ص 329، ح 6954 : نصب الراية لأحاديث الهداية، ج 19، ص 62؛ الجامع لأحكام القرآن، ج 19، ص 62، ذيل الآية 4 من المدثر (74)

بين كونه جزءً وكون التحريم به إنّما يتحقّق بإكماله؛ لأنّ تعليق الحكم على مجموعٍ، لا يتمّ إلّا بجميع أجزائِه، خلاف الجزئيّة فإنّها لا تتوقّف على المجموع، بل جزءُ الجزءِ جزءٌ.

وحيث قد عرفت أنّ النيّة أمرٌ واحدٌ بسيطٌ وهو القصد إلى الأمر المخصوص على وجهٍ، مخصوص كانت المقارنة بذلك القصد المستلزم لحضور المقصود بالبال وهذا معنى قولهم: «إنّ المقارنة تكون بمجموع الأُمور الأربعة».

وكيف كان، فهو أمر سهل وتكليف هيّن، فإنّ المعتبر لحظّ الذهن له بأدنى مخيّلة، وهذا القدر أمر لا ينفكّ منه جميع العقلاء، بل الأغبياء الجهلاء عند إرادتهم فعلاً ما من الأفعال، فإنّهم لا يفعلونه إلّا بقصد وتخصيص له من بين الأفعال، كما يشهد به الوجدان مع أنّهم لا يتكلّفون لنيّته عند فعله، والقدر الذي تزيده نية الصلاة من المميّزات لا يوجب ذلك إلّا بمعارضة الوهم أو الشيطان.

ومن هنا قال بعض الفضلاء: «لو كلّف الله تعالى الصلاة أو غيرها من العبادات بغير نيّةٍ كان تكليف مالايُطاق، وما هذا شأنه لاحاجة إلى التعب في تحصيله» وهو كلام متين لمن تدبّره.

وما يتّفق لبعض الناس من تجشّم الاستحضار فهو مجرّد وهمٍ أو معارضة شيطان، حتّى ربما(1) صيّر بعضهم هجنةً(2) عند العقلاء وضحكةً للجهلاء، فالأصوب لهم البناء على الصحّة والإعراض عن هذا الخيال وإن عزّهم(3) الخبيث بأنّ ذلك غير جائز، فإنّ أقلّ ما يجوّزه - مع سهولة الخطب واستلزام مخالفة الشيطان - أنّ الوقوف علی

ص: 229


1- في هامش «ع»: قوله: ربما إلى قوله : وضحكة للجهلاء: كذا بخطّ الشارح (رحمه الله) صحيحاً.
2- الهجنة في الكلام ما يلزمك منه عيب تقول: لا تفعله فيكون عليك هجنة. العين، ج 3، ص 392؛ تاج العروس ج 18، ص 582، «هجن».
3- في هامش «ع»: عزّهم بالعين المهملة والزاي المعجمة، فكان بمعنى أنه غلب عليهم، كما هو الظاهر من خط الشارح (رحمه الله ووضعه التشديد على الزاي المعجمة والنقطة كذلك. ويحتمل أن يقرأ بالغين المعجمة والراء المهملة احتمالاً بعيداً.

ما يرضيه موجب للعسر والحرج المنفّيين عنّا إجماعاً، فإذا لم يلتفت إلى ذلك مرّةً بعد أُخرى انحسمت عنه مادّته أصلاً ورأساً، كما ورد في الحديث عن الصادق علیه السلام: «إذا كثر عليك الوهم فأدرج صلاتك إدراجاً، فإنّ اللعين يوشك أن يدَعَك»(1).

وفي حديثٍ آخر: «لا تُعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة، فإنّه خبيث إذ طُمِّعَ طَمَع»(2).

ولو فرض صعوبة الاستحضار وتعسّره على بعض الناس بواسطة وهمٍ ونحوه سقط أيضاً وكفت المقارنة بما أمكن.

(و) سابعها: (الاستدامة) للنيّة (حكماً) لا فعلاً (إلى الفراغ) من الصلاة، بمعنى أن لا يحدث نيّةً تنافى النيَّة الأُولى على أجود القولين، وقد تقدّم الكلام فيها(3).

واعلم أنّ شُرّاح الرسالة قد اضطربوا في بيان السبعة المعتبرة في النيّة؛ لكون ظاهر العبارة أنّه لم يذكر إلّا ستّة مع اتّفاقهم على أنّ الوجوب أمر واحد، لاكما بيّنّاه(4).

فالشارح المحقّق جعل الأداء والقضاء واجبين وإن لم يكن اجتماعهما في صلاة شخصيّة، ووجّه ذلك بأنّ الكلام في نيّة الصلاة المُطلقة الشاملة للأداء والقضاء، ولمّا كانت أفراد الصلاة متعدّدة كانت قيود أفرادها كذلك، واعتذر عن نسخته التي عطف فيها «القضاء» ب_ «أو» المقتضية لأحد الأمرين خاصّة ب_ «أنّ الغرض من ذلک التنبيه على أنّ هذا الواجب مغاير لغيره من الواجبات حيث إنّها تجتمع في الصلاة الشخصيّة، وهو لا يجامع الأداء فيها»(5).

ولا يخفى ما فيه من التكلّف، خصوصاً على ما سيأتي من قول المصنّف (رحمه الله):

ص: 230


1- الكافي، ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلّها و..... ح 8-9.
2- الكافي، ج 3، ص 358 باب من شك في صلاته كلها و..... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 188، ح 747: الاستبصار، ج 1، ص 374، ح 1422
3- تقدم في ص 81
4- تقدم في ص 226
5- شرح الألفيّة، ص 116 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

«وصفتها أُصلّي» إلى أخره، فإنّ المراد صفة ما قد بحث عنه وعدّد واجباته، وأراد التعبير عنها ولم يذكر إلّا أحد الأمرين، وذكر الوجوب المميّز بقوله: «فرض الظهر» والوجوب المُعلّل بقوله بعد ذلك: «لوجوبه».

فاللازم حينئذٍ من كونه واجباً - مع عدم عدّه في الواجبات مع قرب المسافة وترك ما قد جعله واجباً - فساداتٌ متعدّدةٌ.

وعلى تقدير عدم وجوبه يفسد من وجهين آخرين: أحدهما: ذكر ما ليس من موضوع الرسالة: وإعادة الضمير إلى النيّة الواجبة بجميع قيودها.

ولا يخفى رداءة ذلك، مع أنّه قد صرّح في الذكرى عند البحث عن إجزاء هذه النيّة بأنّ وجه وجوب هذا القيد ما قاله المتكلّمون من وجوب إيقاع الواجب لوجوبه(1)، فكان ذلك أوفق لمذهبه وترتيبه.

وزعم بعض الشرّاح أنّ أحد الواجبات هو القصد المُطلق، وجعله مغايراً للتعيين وغيره من المميّزات، وحمل «إلى» على معنى «مع»(2).

وهو ظاهر الفساد بعد الإحاطة بما بيّنّاه سابقاً، فإنّ القصد هو النيّة وباقي الأُمور التي - جعل المصنّف القصد متعلّقاً بها - هي المقصود ومميّزاته، فلا يُعقل كون القصد المُطلق من واجبات النيَّة، بل هذا كلام مَن لم يعلم حقيقة النيَّة.

وتمادى الوهم ببعضهم حتّى خفي عليه أمر الواجب السابع، فجعله هو القيام في النيَّة؛ لقول المصنّف فيما بعد: «القيام في الثلاثة المذكورة».(3) ولا أدري كيف صنع هذا المتوهّم بباقي الثلاثة ؟! فإنّ واجباتها معدودةٌ معلومةٌ وليس القيام منها، فيلزمه أن يضيف إلى عدد كلّ منها القيام وذلك موجب لاختلال نظام الرسالة وفساد أعدادها المضبوطة آخر الفصل بسبب فهمٍ فاسدٍ.

ص: 231


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية المطبوعة بهامش الفوائد الملية، ص 112
3- يأتي في ص 261

(وصفتها) أي صفة النيّة المستجمعة للأُمور المعتبرة فيها (أُصلّي فرض الظهر أداءً؛ لوجوبه قربةً إلى الله)، والغرض بهذا اللفظ إيصال المعاني إلى أفهام المكلّفين وإن كان اللفظ غير مُعتبرٍ.

وأشار المصنّف بقوله: «وصفتها» دون صورتها إلى أنّ المُعتبر ليس هو اللفظ المخصوص، بل الصفة المُفهمة لمعناه، وأنّ الترتيب الواقع في الصورة غير شرطٍ، فلو قدّم بعضها على بعض لم يضرَّ. وتقديم بعضها على بعض في كلامهم لضرورة التعبير عنها بالألفاظ، إذ من ضرورتها ذلك؛ لعدم إمكان ذكرها جملةً، فقول المكلََِّف: «أُصلّى» إشارةٌ إلى القصد إلى الفعل المخصوص وكان من حقّه التأخير إلى أن يستحضر في ذهنه الفعل بمشخّصاته؛ لتوقّف القصد على مقصود معلوم. لكن لمّا كان المعتبر في النيّة حضورها مع ما يعتبر معها في القلب دفعةً، فلا فرق بين المتقدّم منها في اللفظ والمتأخّر، فهو وإن كان متقدّماً لفظاً فهو متأخّرٌ معنىً.

و «فرض الظهر» إشارة إلى الوجوب المميّز والتعيين.

و «أداءً» إلى الأداء، وهو فعل الشيء في وقته المحدود له شرعاً.

و «لوجوبه» إلى الوجوب المجعول عليه إشارةً إلى وجه الفعل، وينبغي إيقاع الفعل على وجهه المطلوب شرعاً من وجوب أو ندب وإن كان الدليل على وجوب هذا القيد غير واضح.

و «قربة إلى «الله» إلى غاية الفعل المتعبَّد به وانتصابها على المفعول لأجله.

وقد استشكل المصنّف (قدّس الله روحه) ذلك في الذكرى من حيث تعدّد المفعول له من غير توسّط حرف العطف، وزعم أنّ ذلك ممتنع مع اتّحاد المُغيّا، بل يجب توسّط الحرف كما قال تعالى: «وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا»(1)، ونقل عن بعض النُحاة الاعتذار عن ذلك بأنّ الوجوب غايةٌ لما قبله والتقرّب غاية للوجوب، فتتعدّد الغاية بحسب

ص: 232


1- الأنبياء (21): 90

تعدّد المُغيّا، فاستغنى عن الواو(1).

وفي كلّ واحد من الإشكال والجواب نظر، فإنّا نمنع أوّلاً من تعدّد المفعول لأجله، فإنّه هو المصدر المنصوب المعلّل للحدث شاركه وقتاً وفاعلاً، كقولك: «جئتك رغبةً»، ولو قلت: «جئتك للرغبة» لم يكن مفعولاً لأجلهِ اصطلاحاً وإن كان علّة الحدث جامعاً لباقي الشرائط، فحينئذٍ ليس هناك إلّا مفعولاً واحداً وهو القربة.

وأيضاً فشرط المفعول لأجله كونه فعلاً لفاعل الفعل المعلّل به كما قد عرفته في تعريفه، وصرّح به المحقّقون من أهل العربيّة، ولا شكّ أنّ فاعل الوجوب الذي توهّم كونه مفعولاً لأجله هو الله تعالى؛ لأنّه أحد أحكام الله تعالى الخمسة الشرعيّة، وفاعل الفعل المُعلّل . وهو الصلاة المشخصة - هو المكلّف فلا يكون الوجوب مفعولاً لأجله بالنسبة إليها وإن كان علّة.

نعم، المكلّف كما أنّه فاعل للصلاة فاعل للقربة أيضاً، فكانت مفعولاً لأجله؛ لجمعها الشرائط الخمسة كلّها.

بقي هنا لطيفة وهي أنّ من القواعد المقرّرة في العربيّة أنّ علّة الحدث إذا لم تجمع الشرائط المذكورة وجب جرّها بحرف التعليل، كما في قوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا»(2) فإنّ الركوب علّة لخلق هذه الأشياء، لكن فاعله ليس هو فاعل خلقها، فلذلك جاء به مجروراً بلام التعليل وعقّبه بقوله: «وَزِينَةً» بالنصب على المفعول له: لاتّحاد فاعل الخلق والتزيين وهو الله تعالى.

ومن هنا ظهر لك السرّ في الإتيان بالوجوب في عبارة النيّة مجروراً باللام، والإتيان بالقربة بعده منصوبةً على المفعول لأجله؛ لاتّحاد فاعلها وفاعل الفعل الأوّل دون الوجوب مع تشاركهما في أصل العلّيّة. وما أشدّ التناسب بين الآية الشريفة وما نحن فيه، وألطف الدلالة لذلك على عدم تعدّد المفعول لأجله.

ص: 233


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
2- النحل (16): 8

ثمّ لو تنزّلنا وسلّمنا أنّ المفعول له متعدّد منعنا من عدم جواز عطف أحدهما على الآخر بدون الواو، بل كما يجوز العطف به ملفوظاً يجوز محذوفاً، بل هو قاعدة مطّردة في هذا الباب وغيره، وقد ورد حذف حرف العطف في الشواهد الشعريّة والآيات القرانيّة، كما نصّ عليه ابن هشام في المغني وغيره(1)، وقد تقدّم منّا الإشارة إلى ذلك في صدر الكتاب عند الحاجة إليه(2)، وظهر بما حقّقناه ما يحسم مادّة الإشكال أصلاً ورأساً.

وأمّا الجواب، ففاسد من وجهين:

أحدهما: أنّ القربة إنّما هي غاية الفعل الواجب المتعبَّد به الموصوف بالوجوب، لا الوجوب الذي هو مجرّد الوصف، فإنّ تقرّب المكلّف إنّما هو بما يفعله من الفعل لا بما لا يفعله وهو الوجوب، فلا يجوز كون القربة غاية للوجوب.

الثاني: ما قد عرفته من أنّ شرط المفعول له اتّحاد فاعله وفاعل الحدث المعلّل والأمر هنا ليس كذلك، فإنّ فاعل القربة هو المكلّف وفاعل الوجوب هو الله تعالى، كما قد عرفته في بيان إبطال كون الوجوب غاية للفعل المتقدّم ومفعولاً لأجله، فيبطل بذلك كون القربة غايةً للوجوب كما زعمه المُجيب.

إذا تقرّر ذلك فلنعد إلى النيّة فنقول: قد عرفت أنّ محلّ القصد إلى الفعل المعيّن يكون بعد حضوره بالبال وأنّه لا ترتيب بين الأُمور المعتبرة فيها، وأنّه لا يجب الجمع بين الوجوب المميّز والغائي وإن كان أحوط.

فلو أنّ مكلّفاً أحضر في ذهنه صلاة الظهر الواجبة المؤدّاة ثمّ استحضر قصد فعلها لله تعالى كان ناوياً، ولو أراد التعبير عن ذلك فليقل: «صلاة الظهر الواجبة المؤدّاة أفعلها قربةً إلى الله تعالى، أو لله تعالى(3)». ولو قال : «أُصلّي فرض الظهر

ص: 234


1- مغني اللبيب، ج 2، ص 411 - 412، الرقم 871.
2- تقدّم في ص 57
3- أو لله تعالى: لم ترد في «د ، ق».

الواجب المؤدّى قربة إلى الله تعالى» كفى أيضاً، وارتفعت عنه كُلفة الإعراب المتقدّم.

(ولو نوى القطع في أثناء الصلاة) بها في الحال أو بعده في أثناء الصلاة (أو) نوى (فعل المنافي) لها بالذات كالحدث والكلام والاستدبار أو بالعرض كالذكر رياءً، فإنّه منافٍ لها بسبب الرياء وإن كانا من مكمّلاتها أو من أفعالها على وجه (بطلت) الصلاة بذلك كله (في قولٍ)(1) المنافاتها للاستدامة الحكميّة، فتبطل لضعف الباقي حكماً بالنسبة إلى المنويّ فعلاً، ولتنافي إرادتي الضدّين.

ولا يكفي تجديد النيّة بعد ذلك قبل فعل شيء منها كما في الوضوء؛ لأنّ الصلاة عبادةٌ واحدةٌ متّصلةٌ، ومحلّ النيّة أوّل العبادة إلّا ما نصّ عليه كالعدول بخلاف الوضوء، فإنّه منفصل شرعاً، وفي حكم نيّة القطع التردّد فيه.

والقول الآخر عدم البطلان بهما(2)؛ بناءً على منع تنافي إرادتي الضدّين، وإن تنافى معروضهما، وهي مسألة كلاميّة.

وفصّل ثالث، فأبطل الصلاة بنيّة القطع في الحال وفعل المنافي فيه لافي المآل إذا رجع عن النيّة قبل الوصول إليه(3). وجعل المصنّف ما ذكره قولاً يشعر بتوقّفه فيه، وقد اختاره في باقي كتبه(4).

(والواجب) في النيّة (القصد) بل هي عين القصد.

(ولا عبرة) فيها (باللفظ، بل يكره) اللفظ فيها مع اقترانه(5) بالقصد؛ (لأنّه كلام لغير

ص: 235


1- اختاره الماتن في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 185) (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 223
2- اختاره الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 307، المسألة 54.
3- هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 108، المسألة 205؛ وقواعد الأحكام، ج 1، ص 269.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 185 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 88 البيان، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
5- في «د ،ق»: إقرانه.

حاجة بعد الإقامة) وكلّ كلام يقع بعدها كذلك فهو مكروه كما ورد به النقل(1).

وأشار بذلك إلى الردّ على ما يخطر لأهل الوساوس الشيطانيّة والحماقة النفسانيّة من توهّم صعوبة استحضار النيّة بدون تجشّم المشاقّ القويّة، وتكرير الألفاظ المعدّة للنيّة، بل مجرّد التلفّظ بها ولو مرّةً واحدةً حتّى صيّر الشيطان بعضهم هجنةً عند العقلاء بل ضحكةً للأغبياء الجهلاء.

وكيف يتصوّر العاقل المختار - الذي يصدر عنه في آناء الليل وأطراف النهار أفعال كثيرة مختلفة المقاصد متباينة الغايات والفوائد، وكلّها لا يوقعها إلّا بعزيمة جازمة ونيّة لازمة - أنّ القصد إلى فعل من الأفعال يتوقّف على التلفّظ بالقصد إليها؟! مع أنّه عبارة عن مجرّد توجّه الذهن إليها وبعث النفس عليها، وإنّما النيّة أمر مركوز في جبّلة العقلاء، بل كثير من المجانين الأغبياء لا يفعلون فعلاً إلّا تبعاً لِقُصودهم، وليس النيّة إلّا ذلك مع اعتبار نيّة القربة إلى الله تعالى بها، ومقارنتها لأوّل العبادة، وذلك لا يوجب اختصاصها بهذه الزيادة، وكفى زاجراً عنها أنّها من وساوس الشيطان الذي قد أُمرنا بالاستعاذة منه ومن وسوسته في محكم القرآن(2).

وقد تمادى هذا الوهم ببعض المتأخّرين حتّى جعل التلفّظ بها غير مكروه، بل قد يكون واجباً مع توقّف الاستحضار عليها(3).

وهو بالإعراض عنه حقيق، فإنّ القصد إلى فعلٍ من الأفعال لا يُعقل توقّفه على اللفظ بوجهٍ.

ما هذه إلّا غفلةٌ محضة عن حقيقة النيّة أو جهلٌ بحالها. وما أبعد هذه المقالة عن كلام الله سبحانه وخلفائه علیهم السلام، وعلمائنا السالفين:

قال الله سبحانه: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا»(4)، عقّب غسل

ص: 236


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 55 ، ح 191: الاستبصار، ج 1، ص 301، ح 1112
2- الأعراف (7): 200
3- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 119.
4- المائدة (5): 6

الوجه في الوضوء لإرادة القيام إلى الصلاة بالفاء المفيدة للتعقيب بغير مهلة(1) من غير أن يجعل النيّة من أفعاله، أو يجعل لها وقتاً يتخلّل بينهما، وكلّ ذلك يؤيّد ما قلناه.

وفي حديث حمّاد المشهور عن الصادق علیه السلام حين سألهُ أن يعلّمه الصلاة إلى قوله: فقام علیه السلام واستقبل القبلة وقال بخشوع: «الله أكبر»(2). ولم يقل: فكّر(3) في النيّة، ولا تلفّظ بها، ولا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة.

وقد ذكر المصنّف (رحمه الله) في الذكرى أنّ المتقدّمين من العلماء ما كانوا يذكرون النيّة في كتبهم الفقهيّة، بل يقولون: أوّل واجبات الوضوء - مثلاً - غسل الوجه، وأوّل واجبات الصلاة تكبيرة الإحرام ونحو ذلك. فلمّا خلف من بعدهم خلف أضاعوا حدود الأحكام الشرعيّة، وأغفلوا وظائف الطُرق الفقهيّة، خاف عليهم علماؤهم، فنبّهوهم على وجوب النيّة، فآل الحال بهم إلى أن جهلوا معناها كما ترى والله المستعان(4).

ص: 237


1- جملة (بالفاء المفيدة للتعقيب بغير مهلة) لم ترد في «د ، ق»، وفي «ع» وردت في الهامش وكتب عليها: كذا بخطّه (رحمه الله)
2- الكافي، ج 3، ص 311، ح 8: الفقيه، ج 1، ص 300، ح 915؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81، ح 301
3- في هامش «ع»: فكّر بالفاء والكاف المشدّدة، والراء. كذا بخطّه (رحمه الله).
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 21 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

(الثانية: التحريمة)

وهي التكبيرة، سمّيت بذلك لتحريمها ما كان فعله جائزاً قبلها، كالكلام وغيره من المنافيات. قال الجوهري : «يقال : أحرم بالحجّ والعمرة؛ لأنّه يحرم عليه به ما كانَ حلالاً قبله»(1).

(ويجب فيها أحد عشر):

(الأوّل: التلفّظ بها) فلا يجزئ إجراؤها على القلب؛ لأنّها عبادة لفظيّة لا قلبيّة، وللتأسّي بصاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم.

(وصورتها: الله أكبر، فلو أبدل الصيغة) المذكورة (بطلت) الصيغة، ويتحقّق إبدالها بتغيّرها مادّة كإبدال «الله» ب-«الرحمن» ونحوه، و «أكبر» ب-«أعظم» و «أجلّ» ونحوهما، وصورة كتغيير ترتيبها المعيّن وحيث حكم ببطلان التكبيرة فأعادها صحّت الثانية مع بقاء الاستحضار الفعلي به للنيّة أو تجدّده، وإلّا فلا.

(الثاني: عربيّتها) تأسّياً بصاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم حيث كبّر بها، وقال: «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»(2).

(فلو كبّر بالعجميّة) وهي ما عدا العربيّة من اللغات (اختياراً بطل) تكبيره.

واحترز بالاختيار عن المضطرّ لضيق وقتٍ بحيث لا يمكنه التعلّم، فإنّه يكبر بلغتِه، فإن تعدّدت تخيّر، والأفضل تقديم السريانيّة والعبرانيّة على غيرهما، بل قيل بوجوبه حينئذٍ.

ص: 238


1- الصحاح، ج 4، ص 1897، «حرم»
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 226، ح 605؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 486 - 487، ح 441؛ سنن الدارمي ، ج 1، ص 286

(الثالث: الموالاة) بين الكلمتين (فلو فصل) بينهما (بما يُعدّ فصلاً) من كلام أو سكوت (بطل). والمرجع في تحقّق الفصل السكوتي إلى العرف؛ فلذلك علّق الحكم على الاعتداد به ولا فرق في الفاصل اللفظي بين المنافي للتكبير والمناسب، كقوله: الله تعالى أكبر.

(الرابع: مقارنتها للنيّة، فلو فصل) بينهما (بطل) لأنّ حقيقة النيّة شرعاً هي القصد المقارن، فمع الفصل يكون عزماً لا نيّةً وقد تقدّم هذا الباب في واجبات النيّة(1)، وقد كان يستغني عن إعادته مرّة أُخرى؛ لاستلزام وجوب مقارنة النيّة للتحريمة مقارنتها لها.

لكنّه لمّا كان بصدد تعداد الواجبات وجمعها حسب ما يتّفق - ليوافق الغرض المقصود - أعاده هنا، فإنّ الوجوب في الحقيقة حاصل بذلك لكلّ من النيّة والتحريمة وإن تلازما. وسيأتيك أنّه ترك عدد جملةٍ من الواجبات كان ذكر كلّ منها مكان هذا

أولى والأمر سهل.

(الخامس والسادس: عدم المدّ بين الحروف) في غير موضعه (فلو مدّ همزة الله بحيث يصير) اللفظ (استفهاما) إذا قصده، أو تصوّره إذا لم يقصده (بطل).

أمّا مع قصد الاستفهام، فظاهر؛ لمنافاته للإخبار المقصود من الصيغة على ما يظهر من كلامهم، أو للإنشاء الحاصل من اللفظ وإن كان بصورة الخبر كما يحتمله اللفظ.

وأمّا مع عدم قصده فيحتمل قويّاً كونه كذلك؛ لما ذكر(2) من العلّة؛ إذ لا يشترط في دلالة الألفاظ على معانيها الدالّة عليها القصد ومقتضى إطلاق الحكم هنا يشمله.

ويحتمل عدم البطلان هنا؛ لأنّ ذلك كإشباع الحركة.

والمراد بصيرورته مع المدّ بصورة الاستفهام أنّ همزة الاستفهام إذا اتّصلت بهمزة التعريف الواقع في الاسم يجوز قلب الثانية ألفاً، قاعدة مطّردة في اجتماع الهمزتين

ص: 239


1- تقدّم في ص 79
2- في «ع»: مر

المتوافقتين في الحركة أوّل الكلمة، فتصير الهمزة الأُولى ممدودة، فإذا مُدّت همزة الله صارت كذلك.

(وكذا) يبطل التكبير (لو مدّ أكبر بحيث) يخرج عن وزن «أفعل» و (يصير جمعاً) ل_ «كَبَر» بفتح الكاف والباء وهو الطبل له وجه واحد(1) مع قصده، ومع عدمه الوجهان والوجه البطلان، ولو كان الإشباع فيهما يسيراً لا يبلغ الألف لم يضرّ وإن كان مكروهاً.

واحترز بالمدّين المذكورين عن مدّ اللام الثانية من الجلالة، فإنّه لا يضرّ وإن طال، بل لابدّ فيه من مدّ طبيعي؛ لأنّ بعده ألف وإن لم يكن ثابتاً في الرسم.

وكان حقّه التنبيه عليه على الخصوص لئلّا يدخل في قوله: «عدم المدّ بين الحروف» فإنّ مجرّد ذكر المدّين لا ينفي ما عداهما، ونحن قد احترزنا عنه بقولنا: «في غير موضعه»(2).

وبقي في التكبير مدّ رابع يمكن وقوعه وهو مدّ همزة أكبر بحيث يصير بصورة الاستفهام، فإنّه مُبطل أيضاً؛ بناءً على البطلان بصورة الاستفهام وإن لم يقصد، وإنّما ترك المصنّف التنبيه عليه؛ لأنّ الاستفهام له صدر الكلام فلا يقع في أثنائه، ولكن الصورة ممكنة.

وإنّما جمع المصنّف هنا بين الواجبين أعني الخامس والسادس؛ لتقاربهما بسبب اشتراكهما في مسمّى المدّ، كما جمع بين الواجبين الأخيرين بسبب اشتراكهما في قطع

الهمزة.

(السابع: ترتيبها) أي ترتيب صيغة التحريمة بأن يقدّم «الله» على «أكبر» (فلو عكس بطل التكبير.

وقد كان يستغني عن إفراد هذا الواجب أيضاً؛ لدخوله في قوله: «فلو أبدل الصيغة بطلت» فإنّ تغيير الترتيب تبديل للجزء الصوري وكأنّه أراد بالإبدال هناك إبدال

ص: 240


1- المصباح المنير، ص 209؛ تاج العروس، ج 7، ص 432، «كبر».
2- تقدم في ص 239

مادّتها دون صورتها، فتعدّد بذلك الواجب وإن كان يمكنه جمعهما مراعاةً لزيادة العدد باعتبارٍما.

واعلم أنّ المصنّف غيّر مرجع الضميرين في هذه العبارة حيث أنّث الأوّل وأعاده إلى التحريمة أو الصيغة وذكّر الثاني وأعاده إلى التكبير. وسَوّغ ذلك كون الشيء الواحد له لفظان مختلفان في التذكير والتأنيث، فإنّه يجوز إعادة ضميره إلى أحدهما بتأويل الآخر كما نقل من كلامهم «فلان اتاه كتابي فاحتقرها» بتأويل الرسالة أو الصحيفة.

(الثامن: إسماع نفسه) الصيغة (تحقيقا) مع خلو السمع عن المانع من صمم وصوت وحائلٍ ونحوه، «أو تقديراً» عند وجود المانع من السمع.

ونبّه بكون الواجب فيه «إسماع نفسه» على أنّه لا يجب فيه جهراً ولا إخفاتاً عيناً، بل يتخيّر فيه مُطلقاً وإن كان للفضيلة تفصيل آخر، وقد عُلم من الأوّل وجوب التلفّظ به. وفي جمعهِ بينهما تنبيه على عدم انحصاره فيه، بل اللفظ أعمّ من سماعه، وكذا يُعلم ذلك من قولهم في القراءة: «أقلّ السرّ إسماع نفسه مع وجوب التلفّظ بالقراءة». (التاسع: إخراج حروفها من مخارجها) المقرّرة لها في مواضعها، فلو أخرجها من

غيرها بطل.

ويُعلم من ذلك وجوب تعلّم المخارج عيناً؛ إذ لا يعلم خروج الحرف من مخرجه بدون العلم بمخرجه، اللهمّ إلّا أن يُعرضه على العالم به مراراً، أو يخبره بخروجه من مخرجه ويعلم أنّه لم يتعدّ ذلك المخرج في تلفّظه. وهذا في الغالب أمر سهل وإن كان إطلاق إيجابه مقتضياً للعسر حيث يستلزم تكليف الآحاد بمعرفة مخارج الحروف وهو غير معهود من تكليف صاحب الشرع وتابعيه علیهم السلام.

وكما يجب إخراج حروف تكبيرة الإحرام من مخارجها، كذا يجب ذلك لغيره من أذكار الصلاة، كذكر الركوع والسجود والتشهّد، كما نبّه عليه بقوله: (كباقي الأذكار) أي كما أنّ باقي الأذكار كذلك يجب إخراج حروفها من مخارجها الخاصّة.

ص: 241

وفائدة التشبيه بها - مع عدم سبق ذكرها - المبالغة في وجوب ذلك لها، وإدراجها في الحكم؛ ليستغني عن ذكرها مرّة أُخرى. وهذا من باب التشبيه المقلوب وهو ان يجعل المُشبّه أصلاً والمشبّهُ به فرعاً مبالغة في التشبيه، إذ الأَصل فيه تشبيه الفرد الأخفى بالفرد الأظهر، ولا شكّ أنّ حكم التحريمة في ذلك قد صار بذكره أظهر من حكم باقي الأذكار ، فتشبيهه به قلب في التشبيه وهو باب معروف منه قوله تعالى: «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا»(1).

(العاشر والحادي عشر: قطع الهمزة) وبيانها وإظهارها (من الله، و) قطعها (من أكبر ، فلو وصلهما) فى الكلمتين بأن أسقطهما، كما يكون ذلك لهمزة الوصل حالة الدرج، أو وصل إحداهما (بطل).

أمّا وجوب قطع همزة «أكبر»، فظاهر؛ لأنّها همزة قطع إجماعاً.

وأمّا همزة «الله»، فقيل: «هي همزة قطع أيضاً»(2)؛ بناءً على أنها جزء من الاسم الشريف وليست للتعريف، ولا إشكال حينئذٍ.

وأمّا على القول المشهور من كونها همزة وصل؛ فلأنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم إنّما كان بقطع الهمزة، وقد قال صلی الله علیه و آله و سلّم: «صلوا كما رأيتموني أُصلّى»(3).

ولا يلزم من كونها همزة وصلٍ سقوطها؛ لأنّها إنّما تسقط في الدرج لكلامٍ متّصلٍ ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام، إذ النيّة - كما قد عُلم - أمر قلبي وهو السرّ في قطع النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم الهمزة؛ لعدم تلفّظه بمتّصل بها، فهي أوّل الكلام.

ولو فرض تكلّف متكلّفٍ بالتلفّظ بالألفاظ المعدّة للنيّة، لكان بمنزلة الهذر من

ص: 242


1- البقرة .(2): 275
2- قاله الخليل الفراهيدي في العين، ج 4، ص 91؛ والزمخشري في الكشّاف، ج 1، ص 5، ذيل الآية 1 من الفاتحة (1)؛ وحكاه اليعقوبي في معالم التنزيل، ج 1، ص 24 عن ابن مسعود والفرّاء
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 226، ح 605؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 486 - 487، ح 441؛ سنن الدارمي ، ج 1، ص 286.

الكلام، واستعمال مالا يحتاج إليه في المقام. وما هذا شأنه لا يُخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً، مع أنّ تكلّف اللفظ بها أمر حدث بعد ثبوت الحكم بقطعها تأسياً به صلی الله علیه و آله و سلّم، وبخاصّته، فلا يزيل التشريع الطارئ ما ثبت بالأصل والاستصحاب.

وقوله: «فلو وصلهما» المراد به مع التلفّظ بالنيّة أو بغيرها من الأذكار والدعوات؛ ليكون موضع الشبهة، أمّا مع عدم اتّصال التكبير بكلام سابق، فلا يقتضي المقام ذكره وإن كان الحكم فيه كذلك، وكفى بهذا الحكم تنفيراً وتقريعاً لأهل الوسواس ومعتاد التلفّظ بالنيّة من غفلة الناس.

ص: 243

(الثالثة: القراءة)

(وواجباتها ستّة عشر):

(الأوّل: تلاوة الحمد والسورة) أيّ سورة كانت من سُور القرآن عدا ما يُستثنى. فاللام إمّا زائدة أو لتعريف الحقيقة. وقد كان يغني عنها التنكير أي قراءة سورة بعد الحمد (في) الصلاة (الثنائية وفي) الركعتين (الأوّلتين من غيرها) أي غير الثنائيّة كالثلاثيّة والرباعيّة.

أمّا وجوب قراءة الحمد، فموضع وِفاقٍ، وأمّا وجوب السورة، فهو المشهور بين الأصحاب. هذا مع الاختيار كسعة الوقت والقدرة عليها، وإلّا سقطت إجماعاً.

(الثاني: مراعاة إعرابها) والمراد به ما يشمل الإعراب والبناء.

(وتشديدها) لنيابته مناب الحرف المدغم.

(على الوجه المنقول بالتواتر) وهي قراءة السبعة(1) المشهورة، وفي تواتر تمام العشرة بإضافة أبي جعفر(2) ويعقوب (3)وخلف(4) خلافٌ أجوده ثبوته، وقد شهد المصنّف

ص: 244


1- القُرّاء السبعة هم: عبدالله بن عامر الدمشقي (م 118ه-)، عبدالله بن كثير المكّي، المشهور بأبي معبد (م 120ه-)، زَبّان بن علاء المشهو بأبي عمرو البصري (م) 154ه-) ، نافع بن عبد الرحمن المدني المشهور بأبي رويم (م 169ه-)، عاصم بن أبي النجود الكوفي، المشهور بأبي بكر (م 127ه- أو 128ه-)، حمزة بن حبيب بب الكوفي المشهور بأبي عمارة (م156ه-)، عليّ بن حمزة الكسائي الكوفي المشهور بأبي الحسن (م 189ه-). انظر النشر من القراءات العشر، ج 1، ص 99 - 173.
2- أبو جعفر يزيد بن قعقاع المخزومي المدني (م 130ه-).
3- يعقوب بن اسحاق الحضر مي البصري (م) 205ه-).
4- أبو محمد خلف بن هشام الكوفي (م (229ه-)

في الذكرى بتواترها(1)، وهو لا يقصر عن نقل الإجماع بخبر الواحد.

واعلم أنّه ليس المراد أنّ كلّ ما ورد من هذه القراءات متواتر، بل المراد انحصار المتواتر الآن فيما نقل من هذه القراءات، فإنّ بعض ما نُقل عن السبعة شاذّ فضلاً غيرهم كما حقّقه جماعةً من أهل هذا الشأن(2).

والمعتبر القراءة بما تواتر من هذه القراءات وإن ركّب بعضها في بعض ما لم يترتّب بعضه على بعض آخر بحسب العربيّة، فيجب مراعاته، ك_ «فَتَلَقَى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَت»(3) فإنّه لا يجوز الرفع فيهما، ولا النصب وإن كان كلّ منهما متواتراً بأن يؤخذ رفع «ءَادَمُ» من غير قراءة ابن كثير، ورفع «كَلِمَت» من قرائته، فإنّ ذلك لا يصحّ؛ الفساد المعنى.

ونحوه «وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا»(4) بالتشديد مع الرفع أو بالعكس.

وقد نقل ابن الجَزَري في النشر عن أكثر القرّاء جواز ذلك أيضاً، واختار ما ذكرناه(5).

وأمّا اتّباع قراءة الواحد من العشرة في جميع السورة، فغير واجب قطعاً، بل ولا مُستحبّ، فإنّ الكلّ من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين تخفيفاً على الأُمّة، وتهويناً على أهل هذه الملّة وانحصار القراءات فيما ذكر أمر حادث غير معروف في الزمن السابق، بل كثير من الفضلاء أنكر ذلك خوفاً من التباس الأمر، وتوهّم أنّ المراد بالسبعة هي الأحرف التي ورد في النقل: أنّ القرآن أُنزل عليها، والأمر ليس كذلك، فالواجب القراءة بما تواتر منها.

(فلو قرأ ب_ ) القراءات (الشواذٌ) وهي في زماننا ما عدا العشر وما لم يكن متواتراً (بطلت الصلاة، وكذا القول فيما يأتي من ضمائر «بطلت» في هذا الباب، فإنّه يعود إلى

ص: 245


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 233 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- كابن الجزري في النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 9
3- البقرة (2): 37
4- آل عمران (3): 37
5- النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 19

الصلاة لا إلى القراءة وإن كانت أقرب من جهة اللفظ؛ لفساد المعنى على تقريره في أكثر المواضع، كما ستراه.

والشارح المحقّق أعاد الضمير إلى القراءة(1)، وستقف على مواضع كثيرةٍ لا يتوجّه فيها ذلك، بل هذه منها أيضاً؛ لأنّ الصلاة هنا تبطل لا القراءة خاصّةً؛ للنهي المفسد للعبادة؛ لأنّ الشاذّ ليس بقرآن ولا دعاءٍ. هذا مع العمد كما يقتضيه الإطلاق، أمّا مع النسيان، فكباقى الكلام.

(الثالث: مراعاة ترتيب كلماتها و) ترتيب (آيها) جمع آيةٍ، وتجمع أيضاً على «آیای» و «آیات» (على) الوجه (المتواتر).

فلو خالف عمداً بطلت وناسياً يعيد على ما يحصل معه الترتيب. ولا فرق في ذلك بین ما روي أنّه كان على خلاف هذا الترتيب وغيره؛ حملاً للأوامر الصادرة من الأئمّة علیهم السلام في القراءة على المعهود مع سبق الترتيب الخاصّ على زمان أكثرهم.

(الرابع: الموالاة) بين كلماتها وآيها، (فلو سكت) فى أثنائها (طويلاً) بحيث يخرج بالسكوت عن كونه مصلّياً، سواء أوقع ذلك عمداً أو سهواً، (أو قرأ خلالها غيرها عمدا بطلت) الصلاة في الحالتين:

أمّا الأوّل، فظاهر؛ لعدم صدق اسم المصلّي عليه عرفاً.

وأمّا الثاني، فللنهي(2) المقتضي لفساد العبادة.

وقيّدنا السكوت بكونه مُخرجاً للمصلّي عن كونه مصلّياً؛ ليطابق الحكم ببطلان الصلاة، ويوافق قسيمه الآخر وهو القراءة خلالها عمداً، فإنّه مُفسدٌ للصلاة قطعاً، كما صرّح به المصنّف (رحمه الله) في غير الرسالة(3) وغيره(4).

ص: 246


1- شرح الألفيّة، ص 24 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- الفقيه، ج 1، ص 354، ح 1030.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 238؛ البيان، ص 153) (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
4- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 215 - 216: والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 265

ولو خرج بالسكوت عن كونه قارئاً خاصّةً، فإن كان ذلك واقعاً ممّن أُرتج عليه قصداً للتذكّر لم يضرّ، وإلّا بطلت القراءة خاصّةً.

ولو لم يخرج السكوت عنهما لقصر وقته لم يضرّ ما لم يكن بنيّة القطع للصلاة أو القراءة، بمعنى عدم العود إليها؛ لأنّه كنيّة المنافي والمرجع في الطول بقسميه وعدمه إلى العرف.

واحترز في قراءته خلالها بالعمد عمّا لو وقع ذلك نسياناً، فإنّه يبطل القراءة خاصّة للإخلال بالموالاة، هذا هو المشهور، وينبغي تقييده بتخلّل ما يفوّت الموالاة، فإنّ نحو الكلمة والكلمتين لا يقدحان في الموالاة عرفاً، وفي المسألة أقوال أُخر هذا أجودها.

ويستثنى من القراءة المتخلّلة ردّ السلام، وتسميت العاطس، والحمدلةُ عند العطاس، وسؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، والدعاء السائغ للدين والدنيا، ونحوه ممّا لا تبطل الصلاة بفعلِه كما هو مشهور، وهو علّة إهمالِهِ.

وأنت خبير بما في العبارة من الإجمال في تحرير المسألة وبيان المراد منها، مع أنّها أجود من غيرها من عبارات الأصحاب في هذه المسألة، فإنّها في الأغلب غير جيّدة، فاعتبرها.

(الخامس: مراعاة الوقف على آخر كلمة) في حال كونه مع ذلك (محافظاً على النظم) البديع الذي به حصل الإعجاز عند المحقّقين والمراد به هنا تأليف كلماته مترتّبة ،المعاني متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل.

(فلو وقف في أثناء الكلمة بحيث لا يُعدّ قارئاً، أو سكت على كلّ كلمة) أو على أكثر الكلمات (بحيث يُخِلّ بالنظم) ويصير كأسماء العدد والحروف (بطلت) الصلاة؛ لأنّ الركن الأعظم في القرآن نظمه - لأنّ به يمتاز عن كلام المخلوقين ويصير معجزاً لا بمفرده - ومركّبه وعربيّته؛ لمساواته لغيره في ذلك، هذا مع العمد.

امّا مع النسيان، فتبطل القراءة لاغير ما لم يخرج عن كونه مصلّياً؛ لأنّ تلك القراءة تصير كالكلام الأجنبي.

ص: 247

ولا يقدح في ذلك الوقف على ما يَعدّه القُرّاء قبيحاً؛ لحصول مسمّى القرآن معه، كما لا يقدح ترك الوقف على ما يسمّونه واجباً، فإنّ ذلك كلّه محاسن ومصطلح خاصّ، لا وجوبٌ وقبح بالمعنى المتعارف شرعاً كما صرّح به جماعةٌ منهم كابن الجَزَري(1) وغيره(2)، وهذا أيضاً مع الاختيار.

أمّا لو اضطرّ إليه - كما لو انقطع النفس في وسط الكلمة - لم يقدح، لكن يجب الابتداء من أوّلها. ولو فرض تعذّر النطق في النفس الواحد بما يزيد على كلمةٍ بمرضٍ ونحوه، فالظاهر اغتفاره، ووجوب القراءة بالممكن مقدّماً على الذكر؛ لأنّ في ذلك فوات وصف، وهو أولى من فوات جملة الموصوف الواجب بأسره مع احتمال العدول إلى الذكر؛ لفوات المقصود الذاتي من القرآن كما يعدل إليه مع تعذّر النطق بالقرآن بالعربيّة، فإنّ الذكر أولى من الترجمة على ما اختاره جماعةٌ.

واعلم أنّ الحال في قوله: «محافظاً على النظم» مؤسّسة للمعنى لا مؤكّدة؛ لما دلّ عليه الكلام السابق، كما زعمه الشارح المحقّق(3).

وفي العبارة لفٌّ ونشر مرتّبٌ، فإنّه شرط أمرين: أحدهما: الوقف على آخر الكلمة، والثاني: المحافظة على النظم. وظاهرٌ أنّ الأول لا يستلزم الثاني، فإنّ الوقوف في أثناء الكلمة - كما يقتضيه نشره وتفريعه - قد لا يقتضي الإخلال بالنظم، بل هو أعمّ منه؛ لإمكان الوقوف في أثناء الكلمة مع قراءة جملة لا تخلّ بالنظم، وهو واضح.

وإنّما الذي يتفرّع على الإخلال بالنظم الوقوف على كلّ كلمةٍ، كما صرّح به في العبارة، فأحدهما غير الآخر.

والشارح (رحمه الله) زعم أنّها حال مؤكّدةٌ محتجّاً بأن مراعاة الوقف على آخر

ص: 248


1- النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 231
2- كابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد الملية، ص 124
3- شرح الألفيّة، ص 125 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

كلمةٍ يُحصّل المحافظة على النظم، فيكون مثل قولهم: «زيد أبوك عطوفاً» فإنّ الأُبوّة تقتضى العطف(1).

وأنت خبير بمنع استلزام الوقف على آخر الكلمة للمحافظة على النظم، فالحال مؤسّسة قطعاً.

نعم، ربما قيل: «إنّ الوقف على آخر كلمة إذا كان أعمّ لم يكن لذكره فائدةٌ، بل يُجتزأ عنه بالمحافظة على النظم، فإنّه هو المُعتبر لكن هذا لا يتوجّه إلّا على تقدير تأخيره عن إيجاب المحافظة على النظم للاستغناء عنه، أمّا مع تقديمه - كما وقع في العبارة - فلا؛ لإفادته فائدةً لا تغني عن ذكر الأخصّ وهي إخراج الوقف على آخر الكلمة، فاحتيج إلى ذكر الثاني.

(السادس: الجهر للرجل) بالقراءة (في الصبح وأُولتي العشاءين) وهما المغرب والعشاء جمعهما باسم أحدهما تغليباً.

(والإخفات) بالقراءة (في البواقي) وهي الظهران وأخيرتا العشاءين (مطلقاً) أي للرجل وغيره مقابل التقييد بالرجل أوّلاً. ويحتمل على بُعد أن يريد به في الأُولتين والأخيرتين.

واحترز بالرجل عن المرأة، فإنّ الجهر في مواضعه لا يجب عليها عيناً، بل تتخيّر بينه وبين الإخفات مع عدم سماع الأجنبي صوتها وإلّا تعيّن عليها الإخفات ولو جهرت عالمة بسماعه بطلت صلاتها؛ للنهي(2)، إلّا إن اتّفق غير عالمة به.

وظاهر العبارة أنّ الخنثى كالمرأة؛ لتخصيصه الحكم بالرجل، وفي الذكرى جزم بتخييرها(3)، فيؤيّد ما أطلق هنا. ولو أخذت حكمها بأن تجهر في مواضعه وتصلّي في موضع لا يسمعها الأجنبي - فإن تعذّر تعيّن عليها الإخفات كان أولى.

ص: 249


1- شرح الألفيّة، ص 125 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- قرب الإسناد، ص 223، ح 867
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 250 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

واعلم أنّ الشارح المحقّق (رحمه الله) ذكر في بعض تحقيقاته أنّه يجب قراءة «الأُولتين» في هذه ونظائرها باليائين المثنّائين من تحت؛ لأنّها تثنية «أُولى» لا «أُولة»، لأنّ أُولة غير مسموع(1). وما ذكره أغلب إلّا أنّه غير لازم، وقد وجدت في كلام بعض المعتمدين (أُولة) ومنهم الشيخ أبو جعفر الطوسي في أصل التهذيب بخطّهِ (رحمه الله) في مواضع كثيرةٍ(2).

(وأقلّ الجهر إسماع الصحيح القريب) من القارئ مع صدق اسم الجهر عليه عرفاً، فإنّ السرّ قد يُسمع كذلك مع عدم صدق اسم الجهر عليه، وأكثره أن لا يبلغ العلوّ كثيراً.

(و) أقلّ (السرّ) - بالجر عطف على الجهر - (إسماع) القارئ (نفسه) في حال كونه (صحيحاً، وإلّا) يكن الغير صحيحاً قريباً بأن انتفيا معاً أو أحدهما فقط بالنسبة إلى الجهر عليه، أو لم يكن المصلّي صحيح السمع بالنسبة إلى الإخفات خاصّةً، فإسماع نفسه أو الغير (تقديراً) بأن يقدّر أنّه لو كان صيح السمع لامانع له منه لسمع، أو أنَّ الغير لو كان كذلك لسمع، أو لو كان حاضراً، وأكثر السر أنّ لا يبلغ أقلّ الجهر.

فالتحقيق أنّهما كيفيّتان متباينتان تبايناً كليّاً، فلا يجتمعان في مادّةٍ؛ لأنّ التفصيل المدلول عليه من النصوص بالنسبة إلى محلّ الجهر والإخفات قاطع للشركة، فلو اجتمعا في مادَّةٍ أمكن القراءة في جميع الصلوات بوجهٍ واحدٍ وهو ما تصادقا عليه وهو باطل بالنصّ(3)، والإجماع الذي نقله الشيخ(4) فيه المقبول بخبر الواحد. فلا يقدح فيه خلاف ابن الجنيد(5)، كما لا عبرة بكلام بعض المتأخّرين حيث زعم أنّ أكثر السر أقلّ الجهر(6).

ص: 250


1- جامع المقاصد، ج 2، ص 243.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 97. ذيل الحديث 365.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ح 635: الاستبصار، ج 1، ص 313، ح 1163.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ذيل الحديث 636؛ الاستبصار، ج 1، ص 313، ذيل الحديث 1164
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 170، المسألة 93.
6- كابن فهد الحلّي في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 77.

واعلم أنّ «صحيحاً» في العبارة حال من المضاف إليه وهو الضمير في «نفسه» وسَوّغ مجئ الحال من المضاف إليه كون المضاف جزءً من المضاف إليه والعامل فيه المصدر وهو الإسماع. وقد نبّه بجعل أقلّ السر ما ذكر على خلاف ما تضمّنته رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام: «لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّماً»(1) فإنّها محمولة على مَن صلّى مع قومٍ يتّقيهم.

(السابع: تقديم الحمد على السورة، فلو عكس) بأنّ قدّم السورة على الحمد (عمداً بطل) فعله وهو الصلاة؛ للنهي المقتضي له. وكان الأولى تأنيث الضمير ليعود على الصلاة جرياً على القاعدة، ولإيهامه عدم بطلان الصلاة حيث عدل عن ضميرها

وخالف الباب المطّرد.

وقوله: «عمداً» وقع منصوباً على الحال وهو جامد بتأويل عامداً، أو على طريق النادر من مجيئه غير مشتقٌ والجاهل عامد.

(و) لو قدّمها عليها فى حالة كونه (ناسياً) لم تبطل الصلاة، بل (يعيد على الترتيب) بأن يقرأ السورة خاصّة؛ لوقوع الحمد أوّلاً بعد أن كانت ثانياً. ويحتمل إعادتهما معاً، كما هو ظاهر العبارة وفتوى المصنّف في غير الرسالة(2).

(الثامن: البسملة في أوّل الحمد و) أوّل (السورة) عدا سورة براءة وهو إجماع. (فلو تركها عمداً بطلت) الصلاة؛ لعدم الإتيان بجملة ما يجب في القراءة عمداً، فإنّها آية من كلّ سورة عدا ما ذكر والجاهل كالعامد، أمّا الناسي، فيعيدها وما بعدها إن ذكرها قبل أن يركع، كما لو نسي آية غيرها، وكذا القول في جميع الأبعاض.

(التاسع: وحدة السورة) بأن لا يقرأ في الركعة الواحدة بعد الحمد إلّا سورةً واحدةً، (فلو قرن) بين سورتين فصاعداً بأن قرأ أكثر من سورةٍ عمداً (بطلت) الصلاة

ص: 251


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 97، ح 365: الاستبصار، ج 1، ص 321، ح 1196.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 238؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 92 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7 و 9)

(في قولٍ) للنهي عنه في بعض الأخبار(1). ونسبته إلى القول يشعر بتوقّفه فيه، وقد اختار في غير الرسالة الكراهة(2) وهو أجود.

وفى حكم القِرآن بين السورتين تكرار الواحدة، بل تكرار الحمد فتبطل به الصلاة أو يُكره على الخلاف. وكذا قراءة بعض السورة؛ لوجود المعنى في الجميع وشمول النصّ له، هذا كلّه إذا لم ينوِ بالزائد الوجوب وإلّا بطلت؛ لزيادة الواجب في غير محلّهِ وإن قلنا بالكراهة لولا ذلك.

وقد استثنى الأصحاب من ذلك الضحى وألم نشرح(3)؛ لدلالة أخبارنا على كونهما في حكم السورة الواحدة(4) وكذا الفيل والإيلاف(5)، فلابدّ من قراءتهما معاً إن اختار ذلك، ويجب الترتيب بينهما كما ذكر، والبسملة بينهما على أصحّ القولين.

(العاشر: إكمال كلّ) واحدة (من الحمد والسورة، فلو بعّض) فيهما أو في أحدهما (اختياراً، بطلت) الصلاة إن لم يتدارك في موضعه. واحترز بالاختيار عن التبعيض اضطراراً، فإنّه جائز في الحمد والسورة.

أمّا الحمد، فبأن لا يحسن إلّا بعضها مع ضيق الوقت عن التعلّم وعدم إمكان الائتمام، فيقرأ ما يُحسنه. والأصحّ وجوب التعويض عن المجهول بقدره من غيرها إن حسن، وإلّا كرّره بقدرها، وكيف كان فأصل التبعيض حاصل وإن اتّفق له بدل. ومن الضرورة المسوّغة لتبعيضها أيضاً الاقتداء بالمخالف ثمّ يركع قبل أن يفرغ الناس من

ص: 252


1- الكافي، ج 3، ص 314 ، باب قراءة القرآن، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 69، ح 253؛ الاستبصار، ج 1، ص 314. ح 1167
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 254: الدروس الشرعية، ج 1، ص 94؛ البيان، ص 154 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
3- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 220 والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 468؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 262
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 72 ، ح 266؛ الاستبصار، ج 1، ص 317، ح 1182
5- مجمع البيان، ج 10، ص 544: المعتبر، ج 2، ص 188

الحمد، فإنّه يباح له الركوع معه و يسقط عنه الباقي.

وأمّا السورة، فيجوز تبعيضها للتقيّة، والمرض الذي يشقّ معه إكمالها، وضيق الوقت عنه، والحاجة التي يضرّ فوتها مع عدم إمكان الجمع بينهما، والتخلّف عن الرفقة التي يضطرّ إليها، ونحو ذلك، ولو لم يمكن قراءة بعض السورة اقتصر على الفاتحة.

(الحادي عشر: كون السورة) المقروءة بعد الحمد (غير عزيمة)، فتبطل الصلاة بمجرّد الشروع في إحدى العزائم الأربع عمداً؛ للنهي عنها وهو يقتضي الفساد. ولو قرأها سهواً، فإن ذكر قبل تجاوز السجدة عَدَلَ إلى غيرها وجوباً وإن تجاوز النصف، ولو ذكر بعد تجاوز محلّ السجود و قبل الركوع ففي الاجتزاء بها وجهان، ولو كان بعد الفراغ منها فكذلك مع زيادة رجحان في احتمال الاجتزاء بها. هذا كلّه في الفريضة كما هو موضوع البحث.

أمّا قراءتها في النافلة، فلا بأس به، ويسجد لها في محلّه؛ للنصّ(1)، وكذا لواستمع فيها على قارئ أو سمعه سمعه على أصحّ القولين ولو كان في فريضة حرم عليه الاستماع، فإن فعله أو سمع اتّفاقاً وقلنا بالوجوب به أومأ لها برأسه وقضاها بعد الصلاة، ولو كان يصلّي مع إمام للتنقيّة فقرأ العزيمة تابعه في السجود، وفي الاعتداد بالصلاة حينئذٍ وجهان أجودهما العدم.

(و) كذا يجب كون السورة (لا يفوت بقراءتها الوقت) قبل إكمال الصلاة لطولها فتبطل الصلاة بمجرّد الشروع فيها مع العلم بذلك؛ للنهي . ولو قرأها ناسياً عدل مع الذكر، وكذا لو ظنّ السعة فشرع فيها ثمّ تبيّن الضيق وتجاوز النصف في الموضعين.

(الثاني عشر: القصد بالبسملة إلى سورةٍ معيّنةٍ عقيب الحمد) لما تقدّم من أنّ

ص: 253


1- الكافي، ج 3، ص 318 باب عزائم السجود، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 291، ح 1167؛ الاستبصار، ج 1، ص 319، ح 1189

البسملة أيةٌ من كلّ سورة(1)، وهي أيضاً صالحة لكلّ سورة تجب فيها، فلا تتعيّن لأحدها إلّا بالتعيين كاللفظ المشترك بالنسبة إلى أفراده والمعيّن هو القصد بها لأحدها، ولا كذلك الحمد؛ لتعيّنها ابتداءً، فيُحمل الإطلاق على ما أمر به فلو ابتدأها بغير قصد أعادها بعده، ومحلّ القصد بعد الفراغ من الحمد. وفي الاكتفاء بالمتقدّم في أثناء الصلاة بل قبلها وجه من حيث إنّ السورة لمّا كانت كاللّفظ المشترك يكفي في تعيين أفراده القريبة وهي حاصلة في الجميع ووجه العدم عدم المخاطبة بها حينئذٍ، وهذا الحكم ثابت (إلّا أن تلزمه سورة بعينها) إمّا لضيق الوقت إلّا عن أقصر سورة، أو لكونه لا يعلم إلّا سورة واحدة، أو لنذرٍ وشبهه.

وهل يشترط في انعقاد النذر رجحان قراءتها في تلك الصلاة أو مساواتها لغيرها حتّى لونذر قراءة قصار سور المفصّل في الصبح ونحوها لم ينعقد، أم لا يشترط ذلك فينعقد مطلقاً؟ الأصح الثاني؛ لأنّ شرط المنذور عدم كونه مرجوحاً في نفسه لا بالإضافة إلى غيره، والعبادة لا تكون إلّا راجحة وإن كان بعض أفرادها أرجح من بعض، ومن البيّن أنّ من نذر عبادةً راجحةً مع كون غيرها من العبادات أرجحَ منها انعقد ،نذره ولا يضرّ رجحان غيرها عليها.

وقد أَلحق المصنّف في باقي كتبه بالمتعيّن ما لو جرى لسانه على بسملة وسورة، فلا يجب إعادتها مع الذكر في محلّها(2). وفي بعض تحقيقاته اعتياد سورة معيّنة والعزم عليها في أثناء الصلاة مطلقاً - كما مرّ(3)- والاقتصار على موضع اليقين في الجميع طريق البراءة وإن كان الأوّل لا يخلو من قوّة.

(الثالث عشر : عدم الانتقال من السورة) التي شرع فيها (إلى غيرها إن تجاوز نصفها) بل إن بلغه وإن لم يتجاوزه (أو كانت) السورة التي شرع فيها سورة (التوحيد

ص: 254


1- تقدّم في ص 251
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 94 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9).
3- تقدم في ص 253.

أو) سورة (الجحد)، فلا يعدل عنهما إلى غيرهما وإن لم يبلغ النصف (في) جميع (غير الجمعتين) وهما صلاة الجمعة وظهرها، فإنّه يعدل فيهما من الجحد والتوحيد إذا شرع فيهما ناسياً ثمّ ذكر قبل بلوغ نصفهما إلى الجمعة في الركعة الأُولى والمنافقين في الركعة الثانية.

وقد يُطلق على هاتين السورتين الجمعتان أيضاً تغليباً، كما يطلقان على الجمعة وظهرها. ويجوز أن يُريد المصنّف بقوله: «في غير الجمعتين» السورتين المذكورتين، بمعنى عدم جواز الانتقال من الجحد والتوحيد إلّا إلى هاتين السورتين.

وكيف كان فالمراد بهما السورتان في الصلاتين لاغير، فلابدّ من طيّ أحد الأمرين في العبارة، وكأنّه (رحمه الله) تركه عمداً؛ نظراً إلى إطلاق اسم الجمعتين على الأمرين معاً، فيكون قد استعمل المشترك في معنييه معاً، وهو جائز مع القرينة وهي موجودة هنا عند مَن مارس هذه الصنعة خصوصاً مع أنّ مقام الرسالة الإيجاز.

وحاصل حكم المسألة أنّه متى جاوز نصف السورة لم يجز الانتقال عنها مطلقاً، وفي حكمه بلوغ نصفها كما قلناه، ومتى لم يبلغه جاز مطلقاً، إلّا إن كانت الجحد أو التوحيد، فلا يجوز العدول عنهما مطلقاً، إلّا إلى الجمعة والمنافقين. ومتى عدل أعاد البسلمة؛ لما مرّ.

ويتحقّق الشروع في السورة بالبسملة بل بالشروع فيها. ومتى عدل في موضع النهي بطلت الصلاة بمجرّد الشروع في غيرها؛ للنهي ولو أُرتج على القارئ أو ضاق الوقت عن إكمال الصلاة بتلك السورة، وجب العدول مطلقاً.

(الرابع عشر : إخراج كلّ حرفٍ من مخرجه المنقول) بين أهل العربيّة وغيرهم (بالتواتر، فلو) أخرجه من غير مخرجه كما لو (أخرج ضادي الْمَغْضُوبِ) و (الضَّالِّينَ) من مخرج الظاء) المشالة (أو) مخرج (اللام المفخّمة، بطلت) صلاته مع التعمّد، ومع النسيان يستدرك مراعياً للترتيب ما لم يركع.

وإنّما خصّ الضاد بالذكر؛ لصعوبة خروجها من مخرجها، ومن ثمّ تمدّح النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم.

ص: 255

بقوله: «أنا أفصح مَن نطق بالضاد بَيْد أنّي من قريش»(1).

وخصّ ضادي «الْمَغْضُوبِ» و «الضَّالِّينَ» ؛ لإمكان خلوّ السورة من الضاد مع أنّ ذلك وقع على سبيل المثال، ولا مشاحّة فيه.

وخصّ مخرج الظاء واللام المُفخّمة؛ لأنّ اللسان يُفخّم بالضاد عند الخطأ في إخراجها إلى مخرجهما؛ لتقاربهما في الصفات.

ويُعلم من هنا أيضاً أنّ تعلّم المخارج واجب عيناً إلّا مع اليقين بخروج الحرف منها، فيجب كفايةً.

واعلم أنّ الحروف لصحيح النُطق تخرج في الأغلب من مخارجها ما عدا الضاد، فينبغي التنبيه على مخارج هذه الحروف المذكورة في الرسالة.

فمخرج الضاد أقصى حافّة اللسان وما يليها من الأضراس اليمني أو اليسرى، والأيسر أيسر.

ومخرج الظاء ما بين طرف اللسان والثنيين العليين.

و مخرج اللام حافّة اللسان وما يحاذيها من الحنك الأعلى فوق الضرس الضاحك وهو المجاور للناب.

(الخامس عشر: عربيّتها، فلو ترجمها) بغير العربيّة من اللغات (بطلت) الصلاة لما عرفت من أنّ الركن الأعظم في القرآن نظمه الذي به حصل الإعجاز، وهو يفوت بالترجمة بغير العربيّة، بل بالعربيّة المرادفة له، أو بتغيير أُسلوبه كما مرّ(2)، هذا مع الاختيار.

أمّا لو ضاق الوقت على الأعجمي العاجز عن التعلّم وأمكنه ترجمته فهل يجزئه، أو يعدل إلى الذِكر مع عجزه عن شيء من القرآن ولو بتكراره بقدر الواجب؟ وجهان: من

ص: 256


1- كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج 1، ص 232 ، ح 609: الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، ص 70 و 71 ح 246 و 248.
2- تقدّم في ص 248

قرب الترجمة إلى معنى القرآن، وفوات ،الغرض، والأجود الثاني حتّى لو تعارض ترجمة القرآن والذكر لعجزه عنه أيضاً بالعربيّة، قدّم ترجمة الذِكر لصدق اسمه به دون القرآن. هذا كله مع العجز عن قراءة شيء من القرآن وإلّا عوّض به عن الواجب مقدّماً على الذكر.

(السادس عشر : ترك التأمين) وهو قول: «آمين» في آخر الحمد وغيره حتّى في القنوت وإن كان موضع الخلاف في الشرعيّة بين الأمّة الأوّل، وإنّما وجب تركه مع أنّه اسم للدعاء - وهو اللهُمَّ استجب - للنهي عنه في أخبارنا(1) المقتضي للفساد، ولأنّ الاسم غير المسمّى حتى لو قال: اللهمّ استجب لم يضرّ على أصحّ القولين؛ لأنّه دعاء عامّ باستجابة ما يُدعى به.

وإنّما يجب تركه (لغير تقيّة) أمّا لها ،فلا بل قد يجب فعله إذا لم تتأدّ(2) بدونه. وإنّما تتحقّق التقيّة به آخر الحمد كما هو وظيفته عندهم فلو فعله في غيره كان كفعله لغير تقيّة، ولو تركه معها لم تبطل الصلاة وإن أثم؛ لعدم وجوبه عندهم، ولأنّه فعل خارج عن الصلاة.

(ويجزئ في غير) الركعتين (الأُولتين) من الثلاثيّة والرباعيّة عن قراءة الحمد قوله: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) مرّةً واحدةً على أشهر الأقوال.

وقيل: إنّما يُجزئ قول ذلك ثلاث مرّات ليكون اثنتي عشرة تسبيحةً(3) وهو أولى، واقتصر بعض على عشر تسبيحات بإسقاط التكبير في الأُولتين(4)، وآخرون على تسع بإسقاطه من الثلاث(5)، والكلّ مجزئ عدا الأخير.

ص: 257


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 74، ح 276: الاستبصار، ج 1، ص 318، ح 1186
2- في هامش «ع»: تتأدّى، كذا بخطّه (رحمه الله) بالياء والظاهر أنّ الياء تُحذف بالجازم، فهذا محمول على سهو القلم.
3- قاله الشيخ في النهاية، ص 76 والاقتصاد، ص 261
4- منهم: سلّار في المراسم، ص 72؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 222
5- منهم الحلبي في الكافي في الفقه، ص 117.

وهل يوصف الزائد عن الأربع على تقدير فعله بالوجوب؛ بناءً على أنّه الفرد الأكمل للواجب المخيّر وإن جاز إسقاط الزائد كالركعتين الأخيرتين في مواضع التخيير بين القصر والتمام أم بالندب؛ لجواز تركه لا إلى بدل، وأصالة عدم الوجوبِ؟ كلّ محتمل وإن كان الأخير أقوى.

بقي في العبارة شيء وهو أنّ قول المصنّف: «يُجزئ في غير الأُولتين» كذا إنّما يحسن بعد ذكر ما هو أقوى منه ليكون المُجزئ هو الفرد الآخر، ولم يسبق في العبارة ما يدلّ على ما يجب في الأخيرتين أصلاً، وإنّما ذكر وجوب قراءة الحمد والسورة فى الأُولتين، وسكت عن حكم غيرهما.

وكان الواجب أن يذكر مايدلّ على وجوب الحمد وحدها في غير الأُولتين، ثمّ يذكر الاجتزاء بالتسبيح المذكور. وكأنّه أهمل ذلك اتّكالاً على ظهوره.

تفسير التسبيح لغةً: التنزيه(1)، فمعنى سبحان الله: تنزيهاً له من النقائص مطلقاً ومن الصفات المحدثات كلّها، وهو اسم منصوب على أنّه واقع موقع المصدر بفعل محذوف تقديره: «سبّحتُ الله تسبيحاً وسبحاناً» فالتسبيح مصدر وسبحان واقع موقعه، ولا يستعمل غالباً إلّا مضافاً، كقولنا: سبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به، أي سبّحت الله؛ لأنّه المُسبّح المُنزّه.

قال أبو البقاء: ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل؛ لأنّ المعنى تنزيه الله(2).

والمشهور الأوّل، وقد تقدّم جملة من معنى الحمد(3)، والمراد أنّه مختصّ بالله لا يشركه فيه غيره، والجملتان بصورة الخبر ومعناهما الإنشاء، ومعنى لا إله إلّا الله أنّه ليس في الوجود إله مُستحقّ للعبوديّة أو موجود أو نحو ذلك إلّا هذا الفرد الخاصّ وهو

ص: 258


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 331؛ الصحاح، ج 1، ص 372 تاج العروس، ج 4، ص 75، «سبح»
2- إملاء ما مَنَّ به الرحمن، ج 1، ص 29
3- تقدم في ص 7

الله سبحانه، إذ كلّ معبود سواه باطل، وفيه اعتراف بنفي الشريك، وتخلية السرّ من العقائد الفاسدة، وتحليته بالتوحيد الحقّ.

و«لا» في هذه الصيغة هي النافية للجنس، و «إله» اسمها وخبرها محذوف وهو ما ذكر، والمستثنى - وهو الله تعالى - بدل منه فلذلك رُفع وهو في الحقيقة بدل من موضع الخبر لا من لفظه ؛ لأنّ «لا» الجنسيّة لا تعمل في معرفة، والبدل هنا مأخوذ باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ لفساد التركيب بتقدير المبدل منه مطروحاً، والبدل قائم مقامه بأن يقال: لا إله إلّا الله، ومن هنا ظهر أنّ المُبدل منه ليس في قوّة الطرح دائماً.

ومعنى الله أكبر: أكبر من كلّ شيء سِواه، وترك المفضّل عليه لإرادة التعميم من باب «وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَام»(1) أي كلََّ أحدٍ. والاعتراف به بحسب كونه مطابقاً ما في نفس المكبِّر، فإن كان في قلبه شيء هو أكبر من الله لزوماً وإن لم يعترف به فهو شاهد بشيء يشهد الله أنّه كاذب في شهادته وإن كانت مطابقة لما في نفس الأمر، وهذه صفات المنافقين كما حكاه الله تعالى عنهم في كتابه(2)، وما أخسر من كبّر الله وهواه في نفسه أكبر، والدنيا في قلبه أعظم واشتغال سرّه بها أقوى وأتمّ، نسأل الله العافية من ذلك بفضله ورحمته.

واعلم أنّ في هذه الكلمات اعتراف أُصول العقائد الحقّة من التوحيد وصفات الكمال ونعوت الجلال والعدل وفروعه تُعرف بالتدبّر والرجوع إلى مظانّها وهي الباقيات الصالحات(3) التي هي خيرٌ عند ربّك ثواباً من المال والبنين، وخير أملاً(4).

وواجبات التسبيح أربعة يجب على المصلّي ملاحظتها بأن يقولها (مرتّباً) لها كما ذكر (موالياً) بين كلماتها من غير فاصل بأجنبي ولا سكوت طويل (بالعربيّة)،

ص: 259


1- يونس (19): 25
2- المنافقون (63): 1
3- الصالحات: لم ترد في «ع».
4- مضمون آية 46 من سورة الكهف

فلا تجزئ ترجمتها مع القدرة (إخفاتاً)، فلا يجوز الجهر بها بناءً على المشهور، وخالف بعض الأصحاب في الواجب الأوّل(1) والأخير(2)، والاعتماد على ما ذكر هنا.

وظاهر سياق العبارة أنّ قوله: «مرتّباً إلى آخره» منصوب على الحاليّة من التسبيح المذكور، بمعنى أنّه يُجزئ في حالة كونه مرتّباً بالبناء للمجهول إلى آخره، وهو يشكل بقوله: «موالياً» فإنّه لو كان كذلك لوجب فتح اللام الموجبة لقلب الياء بعدها ألفاً: لتحرّكها وانفتاح ما قبلها والواقع في العبارة ثبوت الياء وهو موجود في النسخه التي عندنا، وهي مقروءة على المصنّف وعليها خطّه، وحينئذٍ فالأولى كونه حالاً من المصلّي المدلول عليه من الواجبات بالالتزام وقضيّة المقام، فيكون قوله: «مرتّباً موالياً» بكسر التاء واللام على البناء للفاعل، وعلى التقديرين ف_«إخفاتاً» مصدر وقع موقع الحال، والمراد مُخافتاً.

ص: 260


1- كابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 164، المسألة 90 والمحقق في المعتب ج 2، ص 190
2- كابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 222 وابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفية المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 141

(الرابعة: القيام)

(ويشترط في الثلاثة المذكورة) سابقاً وهي النيّة والتحريمة والقراءة. وإنّما أخّره عنها - مع أنّه أوّل أفعال الصلاة؛ لوجوب إيقاع النيّة في حالة القيام، فهو لها وللتحريمة بمنزلة الشرط وهو مقدّم على المشروط - ليوافق غرض الرسالة المقصورة على الواجبات، فإنّ القيام لا يتحقّق وجوبه ويتمحّض جزءً للصلاة إلّا بعد التكبير، إذ قبله وفيه يجوز تركه مع سعة الوقت. وعلى تقدير تركه مع ضيقه وحصول الإثم لا تتحقّق الجزئيّة فيه بدون النيّة والتكبير، وكان تأخيره عنهما أوفق.

وأمّا تأخيره عن القراءة، فلمناسبة اقتضائها الحال وهي مشاركتها لهما في اشتراطها به وإن لم يتوقّف أصل وجوبه عليها، ولو فعله بعد التكبير - كما فعل في الذكرى(1) - أمكن أيضاً، ولم ينافِ غرض الرسالة، وهذا كلّه أمر استحساني حسب ما يقع في الخلد حين فعله.

(و واجبه أربعة):

(الأوّل: الانتصاب) ويتحقّق بنصب فقار الظهر ويخلّ به الميل إلى اليمين واليسار بحيث يزول عن سُنن القيام، وبالانحناء وإن لم يبلغ حدّ الراكع. ولا يخلّ به إطراق الرأس.

(فلو انحنى اختياراً بطلت) الصلاة، واحترز بالاختيار عمّن تقوّس ظهره لكبر أو زمانة، فإنّه يُجزئه تلك الحالة بل يجب عليه، وعمّن عجز عن القيام لمرض أو خاف

ص: 261


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

منه عدوّاً أو حصل له بسببه مشقّة شديدة لا تتحمّل مثلها عادةً وإن لم يبلغ حدّ العجز.

(الثاني: الاستقلال) وهو استفعال من الإقلال بالشيء وهو الاستبداد به والقدرة علیه.

والمراد به هنا إيجاد الفعل وإن كان ذلك نادراً في اللغة، وقد جاء منه استقرّ بمعنى فر، «وأَسْتَوْقَدَ نَارًا»(1) في الآية بمعنى أوقد لاطلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال.

والمراد بالاستقلال بالانتصاب كونه غير مستندٍ إلى شيء بحيث لو أُزيل السناد سقط، فلاتضرّ الملاصقة غير المؤدّية إلى ذلك.

(فلو اعتمد) على شيء (مختارا بطل) الفعل، واحترز بالاختيار عن العاجز لمرض ونحوه، فيجوز له الاستناد، بل يجب ولو بأُجرةٍ مقدورةٍ وهو مقدّم على الانحناء مستقلّاً كما هو مقدّم عليه مستنداً وهو مقدّم بجميع مراتبه على القعود، ويقدّم الأعلى منه فالأعلى.

(الثالث: الاستقرار، فلو مشي) في حالة القيام (أو كان على الراحلة ولو) كانت (معقولة) يأمن حركتها (أو) كان (فيما) أي في مكان (لا تستقرّ قدماه عليه) كالثلج الذائب والقطن الكثير في حالة كونه في الحالات الثلاث (مختاراً، بطل) فعله.

واحترز بالمشي في حالة الاختيار عمّا لو عجز عن الوقوف بدونه، فإنّه يقف ماشياً مقدّماً على الجلوس مستقرّاً؛ لاستلزام الجلوس فوات واجب القيام رأساً، والمشي قائماً فوات صفة صفة من صفات القيام وهي الاستقرار، وفوات صفة من صفات الواجب أولى من فواته أصلاً، وشرط المصنّف في الذكرى في جواز المشي قائماً عدم قدرته على السكون ولو بمعاون، أو على القعود لو تعذّر المعاون؛ محتجّاً بأنّ الاستقرار ركن في القيام؛ إذ هو المعهود من صاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم(2)، ورجّح العلّامة المشي عليهما(3).

ص: 262


1- البقرة (2): 17
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 92 المسألة 192

وما ذكرناه أعدل، فإنّ ترجيحه على الجلوس قد عرفت وجهه وأمّا على القيام مستقرّاً بمعاون فغير ظاهر؛ لاستلزام كلّ حالة فوات صفة من صفات القيام: إحداهما الاستقلال و الأُخرى الاستقرار ومختار المصنّف فيه أوضح؛ لأنّ صفة الاستقرار أدخل في الركنيّة وصاحبها أشبه باسم المصلّي، فالتفصيل حينئذٍ أجود من الإطلاق فيهما.

وكذا تجوز الصلاة ماشياً لخائف فوت الرفقة بالاستقرار مع حاجته إليها، ولمن خاف الغرق إذا ثبت مكانه ولا قدرة له على القرار في غيره، وسيأتي ذلك في صلاة شدّة الخوف ونحو ذلك.

واحترز بالاختيار في الراحلة عن المضطرّ إلى الصلاة عليها للعجز عن النزول لعدم المعاون أو لعدم وقوف الرفقة المضرّ فوتها وعدم القدرة على إدراكها أو معها بمشقّة شديدة لا تتحمّل عادةً.

ثمّ إن تمكن من استيفاء الأركان من الركوع والسجود وجب، وإلّا أومأ بهما. ويجب أن يبلغ وسعه في تحصيل ما أمكن من الواجبات ويسقط المتعذّر، ويجب الاقتصار على ما يضطرّ إليه من الحركات والأفعال الخارجة عن الصلاة فلايُركّض الدابة، ولا يسرع الماشي لغير حاجةٍ.

وفي حكم الراحلة الأرجوحة المعلّقة بالحبال ونحوها ممّا يضطرب ولو في بعض الحركات كالركوع والسجود، دون المثبتة بحيث لا تضطرب مُطلقاً.

وقد استفيد من هذا الواجب - أعني الاستقرار - وجوب الطمأنينة الطمأنينة في الثلاثة المذكورة، فليس في تركها فيها إخلال.

(الرابع: أن يتقارب القدمان، فلو تباعدا بما يُخرجه عن حدّ القيام) عرفاً اختياراً (بطل) أمّا لو كان مضطرّاً إلى تفريق الرجلين كذلك لمرض ونحوه جاز. ولو دار الأمر بين تفريق الرجلين وبين الانحناء، تعارض قيام النصف الأعلى والأسفل والأوّل أولى؛ البقاء مسمّى القيام معه.

ص: 263

واعلم أنّه لا يلزم من وجوب تقارب القدمين وجوب الاعتماد عليهما معاً، بل هو أعمّ منه، فلا يغني ذكره عن ذكره. وكان عليه أن ينبّه على وجوبه إن كان يختاره، كما جمع بينهما في باقي كتبه(1) تأسّياً بصاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم.

وقول الشارح المحقّق: «إنّ ذِكْرَ تقارب القدمين يُستفاد منه وجوب الاعتماد عليهما»(2)، غير واضح.

(ولو عجز) المصلّي (عن القيام أصلاً) بجميع مراتبه من الاستقرار والاستقلال والمشي والاعتماد والانحناء بقسميه (قعد) كيف شاء، والأفضل أنّه يتربّع بأن يجلس على ألييه كما تقعد المرأة على حالة التشهّد وينحني للركوع قدر ما يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه، وأوجب المصنّف عليه رفع فخذيه(3).

ثمّ إن قدر على السجود وجب، وإلّا انحنى إليه بقدر الإمكان ولو بفعل هذا الانحناء مرّةً أُخرى. ولا يجب كونه هنا أخفض لتعذّره، وكون الأوّل ركوعاً في هذه الحالة، فليس له أن ينقص منه ليتحقّق الفرق. نعم، لو قدر على زيادةٍ يسيرةٍ للسجود وجب.

(فإن عجز) عن القعود ولو بمعاون بالأُجرة مع الإمكان (اضطجع) على جانبه الأيمن كالملحود مستقبلاً بوجهه القبلة، فإن عجز عن الأيمن فعلى الأيسر لرواية حمّاد(4)، ووفاق الذكرى(5) وإن كانت العبارة هنا مطلقة، بل مؤذنة بالتخيير.

(فإن عجز) عنهما (استلقى) على ظهره، وجعل وجهه وباطن قدميه إلى القبلة بحيث لَو جلسَ كان مستقبلاً، كما يوجّه المحتضر.

والمراد بالعجز في جميع هذه المراتب حصول المشقّة الكثيرة التي لا يتحمّل مثلها عادة، سواء نشأ منها زيادة المرض أم حدوثه أم بطء برئه أم لا، لا العجز الكلّي،

ص: 264


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 202؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9)
2- شرح الألفيّة، ص 135 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- الدروس الشرعيّة ج 1، ص 90 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 175، ح 392 وفيه عن عمّار.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 202 - 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

ويومئ برأسه للركوع، فإن تعذّر فبالعينين كما سيأتي.

وأمّا السجود فإن تمكّن منه وجب وإلّا فإن قدر على رفع ما يسجد عليه ووضع الجبهة عليه ووضع باقي المساجد وجب أيضاً، وإلّا رفع ما يسجد عليه ووضع عليه الجبهة، ووضع باقي المساجد مع الإمكان، وإلّا أتى بالممكن، وكذا القول في باقي المراتب.

وفي حكم العجز المسوّغ للاستلقاء الاحتياج إليه للعلاج كوجع العين إذا حكم به الطبيب وإن قدر على القيام، ومتى انتقل فرضه إلى الإيماء بالرأس أو العينين أو غيرهما ممّا يقوم مقام الركوع والسجود صار حكم البدل حكم المبدّل بالركنيّة.

(فإن خفّ) من إحدى مراتب العجز وقدر على أعلى منها (أو ثقل) من حالة عليا وعجز عنها (انتقل إلى) الأُخرى في حال كونه قارئاً في الفرض (الثاني) وهو النقل (دون الأوّل) وهو الخفّة. والفرق انتقاله في الأُولى إلى حالة دنيا، فقراءته في حالة الانتقال أولى؛ لأنّ كلّ جزء من الهويّ عن القيام - مثلاً - إلى الجلوس أعلى من حالة الجلوس و أولى عند القدرة عليها، فيكون ما أمكن من القراءة فيها أولى من الحالة الدنيا.

ومثله القول في الانتقال من حالة الجلوس إلى حالة الاضطجاع، لكن يشكل ذلك في باقي الحالات، كما في الانتقال من الاضطجاع على الجانب الأيمن إلى الأيسر، فإنّ حالة الانتقال ربما اقتضت قلبه على ظهره، وهي أدون من الجانب الأيسر، أيسر، أو على وجهه، وهو مرجوح في جميع المراتب.

فينبغي تقييد الحكم بما لو كان الانتقال في حالات هي أعلى من المنتقل إليه كما يدلّ عليه التعليل.

وأمّا الحالة الثانية فإنّه منتقل إلى حالة أعلى من حالة الانتقال، فيؤخّر القراءة إليها ثمّ يبني على ما مضى منها(1)، ولو استأنف لتقع متتاليةً في الحالة العليا كان أولى، مع

ص: 265


1- في «ش ، ق»: من القراءة.

احتمال عدم جوازه؛ لسقوط الفرض بما تقدّم، فيستلزم زيادة الواجب. واستشكل المصنّف في الذكرى القراءة في الحالة الأُولى(1)، بل منعه بعض الأصحاب كالشارح المحقّق(2)، بناءً على أنّ الاستقرار شرط مع القدرة ولم يحصل.

وجوابه أنّ الاستقرار شرط مع الإمكان لا مطلقاً، وحصوله بعد الانتقال إلى الحالة الدنيا موجب لفوات القراءة في الحالة العليا كالقيام أصلاً، وبتقدير القراءة يفوت بعض أوصاف الحالة العليا وهو الاستقرار وفوات الصفة أولى من فوات الموصوف كما مرّ، هذا إذا كانت الخفّة أو الثقل حالة القراءة.

فلو خفّ بعدها قبل الركوع انتقل ثمّ ركع، أو في أثنائه قبل الذكر انتقل كذلك إلى حدّ الراكع.

فلو كان الانتقال من حالة القعود إلى القيام قام مُنحنياً، ولا يجوز له الانتصاب، وحينئذٍ يكفي القدرة على ركوع القائم وإن لم يتمكن من كمال القيام، أو بعد الذكر - في المثال - قام للاعتدال من الركوع أو بعده قبل الطمأنينة قام لها، أو بعدهما قام للسجود ولا طمأنينة فيه وإن وجبت ليحصل الفصل.

ولو ثقل بعد القراءة ركع جالساً ولو كان في أثناء الركوع.

فإن كان بعد الذكر جلس مستقرّاً للفصل بينه وبين السجود بدلاً من القيام عن الركوع.

ولو كان قبل الذكر ففي الركوع جالساً أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان.

ولو ثقل بعد الرفع من الركوع وقبل الطمأنينة جلس مطمئنّاً ثمّ سجد.

ولو كان بعدها لم تجب الطمأنينة في الجلوس.

ص: 266


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- شرح الألفية، ص 136 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

(الخامسة: الركوع)

وهو لغةً: الانحناء، وشرعاً كذلك إلّا أنّه انحناءٌ مخصوصٌ.

(وواجبه تسعة:)

(الأوّل: الانحناء إلى أن تصل كفّاه) معاً ( ركبتيه) بحيث لو أراد وضعهما عليهما أمكنه ذلك، لا وصولهما بالفعل. واحترز بالانحناء عن الانخناس مع إخراج الركبتين بحيث وصلت كفّاه ركبتيه بدون الانحناء، أو مع مشاركته بحيث لولا الانخناس لم تبلغا.

وإنّما يجب ذلك مع الاختيار، فلو تعذّر أتى بالمقدور، حتّى لو أمكن إيصال إحدى اليدين دون الأُخرى لعارض في إحدى الشقّين وجب ولو توقّف على معاون ولو بأُجرة مقدورة وجب، ولو تعذّر ذلك كلّه أومأ له برأسه ثمّ بعينه كما سلف، ولو كان راكعاً خلقةً أو لعارض استحبّ أن يزيد انحناءً يسيراً لا يخرج به عن حدّ الراكع ليفرّق به بين قيامه وركوعه إن لم يمكنه أن ينقص من انحنائه حالة قيامه شيئاً ولو باعتمادٍ، وإلّا وجب.

والمراد بالكف ما يشمل الأصابع، فإنّه مرادف للراحة فيكفي إمكان وصول جزء من باطن كلّ منهما، لابرؤوس الأصابع (ولا يجب الوضع) إجماعاً وإن استحبّ.

(الثاني: الذكر فيه وهو سبحان ربّي العظيم وبحمده) على المشهور (أو سبحان الله ثلاثاً للمختار) وهو مَن ليس بمضطرٍّ كالمريض، والمستعجل للحوق رفقة، أو إدراك حاجةٍ يضرّ فوتها تفوت بدون التخفيف. (وسبحان الله للمضطرّ) وهو من ذكر ونحوه.

ومستند هذا التفصيل أخبار كثيرة دلّت على الذكر المخصوص(1)، ولا ريب أنّه

ص: 267


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76، ج 282؛ الاستبصار، ج 1، ص 323، ح 1204.

أحوط وإن كان القول بإجزاء مطلق الذكر المشتمل على الثناء أقوى؛ لورود أخبار صحاح بذلك(1).

ولا منافاة بينها وبين ما دلّ على المعيّن؛ إذ ليس فيه ما يدلّ على الانحصار فيكون كلّ واحدٍ من مدلولات الأخبار موصوفاً بالوجوب التخييري مع استلزامه للجمع بين الأخبار بخلاف العمل بالمعيّن فإنّه يقتضي إطراح ما دلّ على الاجتزاء بغيره.

وقد تقدّم معنى سبحان الله(2)، والمراد هنا نزّهت ربّي تنزيهاً، ومتعلّق الجارّ في «وبحمده» محذوف كما حذف عامل المصدر، أي وبحمده أنزّهه وقيل: معناه والحمد لربّي كما قيل في قوله تعالى: «مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ»(3)، أي والنعمة لربّك.

و «العظيم» في صفتهِ تعالى: مَن يقصر كلّ شيء سواه عنه، أو مَن حصلت له جميع صفات الكمال، أو مَن انتفت عنه صفات النقصان.

(الثالث: عربيّة الذِكر، فلو ترجمه) بلغةٍ غير العربيّة (بطل) الذكر، وكذا تبطل الصلاة إن تعمّد وكان يحسن العربيّة فعلاً أو يمكنه التعلّم، وإلّا فلا.

وكان ينبغي التقييد بالاختيار كما صنع في القراءة، ولو ترجمه ناسياً استدرك إن ذكر في محلّهِ، وإلّا فكناسي الذكر.

(الرابع: موالا ته، فلو فصل) بين كلماته (بما) أي بفاصلٍ من كلام أو سكوتٍ (يخرجه عن حدّه) وهو كونه ذِكراً مخصوصاً (بطل) الذكر.

ولا فرق في الكلام الفاصل بين كونه ذكراً أو غيره، بناءً على وجوب الذِكر المخصوص. والكلام هنا كما تقدّم في القراءة(4)، وحاصله أنّ الفصل إن كان بكلامٍ بطلت الصلاة مع تعمّده وإن كان ذِكراً؛ للنهي، وكذا إن كان بسكوتٍ ينافي الصلاة. وإن كان

ص: 268


1- الكافي، ج 3، ص 329، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح .... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 302، ح 1217
2- تقدّم في ص 257 - 258
3- القلم (68): 2: مجمع البیان، ج 10، ص 333، ذيل الآية 3 من القلم (68).
4- تقدم في ص 246

الكلام نسياناً أو كان السكوت مُخرجاً عن كونه ذاكراً، أعاد الذِكر خاصّةً، ولو لم يخلّ السكوت بالموالاة لم يضرّ(1)، ويستثنى هنا أيضاً ما استثني هناك من الدعاء بالمباح للدين والدنيا.

(الخامس: الطمأنينة) - بضمّ الطاء وسكون الهمزة بعد الميم - وهي السكون (بقدره راكعاً)(2) أي بقدر الذِكر الواجب.

وإنّما يتحقّق سبقها على أوّله يسيراً، تأخّرها عنه كذلك من باب المقدّمة لا لذاتها (فلو شرع فيه) أي في الذكر (قبل انتهائه) أي انتهاء الراكع المُضمر قريباً في «شرع» إلى حدّه، أو انتهاء الركوع بمعنى تحقّق مفهومه بأن صار الراكع إلى حدّه (أو أكمله) أي الذكر (بعد رفعه) أي رفع الراكع، وهو يؤيّد عود الضمير سابقاً إليه أيضاً.

والمراد بالرفع الأخذ فيه ولو يسيراً، بل بعد أخذه في الحركة وإن لم يرفع.

(بطل) فعله وهو الذكر، فيتداركه في محلّه مع إمكانه إن لم يتعمّد، فإن لم يمكن فكناسي الذِكر.

أمّا لو تعمّد فإن لم يمكن استدراكه بطلت الصلاة قطعاً؛ للإخلال بالواجب عمداً، ولو تداركه في محلّه ففي صحّة الصلاة وعدمها وجهان:

أحدهما: - وهو الذي اختاره المصنّف في الدروس(3) والعلّامة في القواعد(4) - الصحّة؛ لحصول الغرض، وهو الإتيان بالذِكر في محلّه، وكون مامضى ذِكر الله تعالى، فلا يؤثّر في البطلان كمطلق ذِكر الله تعالى.

والثاني: العدم؛ لتحقّق النهي في ما فعل من الذكر في غير محلّه، وهو يقتضي الفساد؛ ولاستلزامه زيادة الواجب في غير محلّه عمداً؛ إذ الغرض إيقاعه علی وجه

ص: 269


1- في «ش»: يضرّ بشيء
2- راكعاً: لم ترد في «ع ، ش ، ق»، ووردت في «د» والنُسخ الخطّيّة الثلاث للألفيّة.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 276

الوجوب، فلا يكون كالذكر المندوب في الصلاة، وهذا أقوى، وإطلاق البطلان في العبارة يحتمل الوجهين.

(السادس: إسماع الذِكر) بإضافة المصدر إلى المفعول، وهو أحد مفعولي الإسماع، والآخر (نفسه).

والمراد أنّه يجب أن يُسمع نفسَه الذِكر، سواء استمع مع ذلك غيره أم لا؛ إذ لا يتعيّن فيه جهر ولا إخفات، وكذا القول في باقي الأذكار (ولو تقديراً) عند حصول المانع مِن السمع لصمم أو غيره.

(السابع: رفع الرأس منه، فلو هوى) إلى السجود (من غير رفعٍ بطل) فعله، وتتبعه الصلاة أيضاً مع التعمّد، وإلّا استدركه ما لم يبلغ حدّ الساجد فيفوت، ولا يُبطل الصلاة؛ لأنّه ليس بركن ولاجزء منه.

(الثامن: الطُمأنينة فيه بمعنى السكون) وإن قلّ ( ولا حدّ له) أي للسكون (بل) يكفي (مسمّاه) عرفاً؛ لعدم وجوب ذكر فيه ليتقدّر بقدره فيكفي رجوع كلّ عضوٍ إلى مستقرّه.

(التاسع: أن لا يطيلها) بحيث يخرج عن كونه مصلّياً، (فلو خرج بتطويل الطُمأنينة عن كونه مصلّياً بطلت) الصلاة لما مرّ من عدم اشتمالها على ذِكر متقدّر بقدره، فكما يقدّر في جانب القلّة بالمسمّى يتقدّر في جانب الكثرة بعدم الخروج عن اسم المصلّي، بخلاف الطُمأنينة في الركوع والسجود؛ إذ لاحرج في زيادة الذكر فيهما فقد عُدَّ على الصادق علیه السلام فيهما ستّون تسبيحةً كبرى(1). ولا حرج في الزيادة، لكن إن كان تطويل الطُمأنينة فيهما مشتملاً على ذكر فلا كلام فيه، أمّا لو اطمأنّ ساكتاً فهل يكون الحكم كذلك؟

يحتمله؛ لأنّ تلك الصورة غير مُخرجة عن اسم المصلّي شرعاً وإن طالت، وسماع الذكر غير مُعتبر ويحتمل البطلان مع زيادتها عن مسمّاها بحيث يخرج عن كونه مصلّياً عند مَن علمه غير ذاكر.

ص: 270


1- الكافي، ج 3، ص 329، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 299، ح 1205

(السادسة: السجود)

وهو لغةً: الخضوع(1)، وشرعاً: وضع الجبهة على الأرض ونحوها.

(وواجبه اربعة عشر:)

(الأوّل: السجود على الأعضاء السبعة الجبهة) وهي ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولاً وبين الجبينين عرضاً.

(والكفّين) واحدهما الكفّ وهو الراحة ومنها الأصابع. فلا يجب الجمع بينهما، بل يُجزئ مسمّى كلّ منهما عن الآخر وإن كان الجمع بينهما أفضل. والمعتبر باطنهما، فلا يجزئ ظهرهما إلّا مع الضرورة.

(والرُكبتين) - بضمّ الراء - وإحداهما رُكبة - بالضمّ أيضاً -

(وإبهامي الرجلين) وهما الإصبعان الغليظتان المتطرّفتان، فلا يجزئ غيرهما من الأصابع مع الاختيار، نعم لو تعذّر السجود عليهما لقصرٍ أو غيره أجزأ غيرهما من الأصابع، ولا يتعيّن رؤوسهما كما هو مقتضى إطلاق العبارة وإن كان الرأس أحوط بل قيل بتعيينه(2).

(الثاني: تمكين الأعضاء من المصلَّى) - بفتح اللام - وهو موضع الصلاة، بمعنى الاعتماد عليها وإلقاء الثقل على مواضعها.

ولا تجب المبالغة فيه ولا التسوية بينهما في الثقل، بل يكفي مُسمّاه. (فلو تحامل عنها بطل) سجوده، وتتبعه الصلاة إن تعمّد وفاتَ محلّه، وإلّا تداركه على الوجه المعتبر.

ص: 271


1- الصحاح، ج 2، ص 483: القاموس المحيط، ج 1، ص 310، «سجد».
2- قاله ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 225

(وكذا) يبطل (لو سجد على ما لا يتمكّن من الاعتماد عليه كالثلج) الليّن والذائب، (والقطن) الكثير، والصوف الذي لا تستقرّ عليه الأعضاء بحيث يحصل بها مسمّى الطُمأنينة، هذا كلّه مع الاختيار، أمّا مع تعذّر غيره، فيجزئ.

(الثالث: وضع الجبهة على ما) أي على شيء أو الشيء الذي (يصحّ السجود عليه) وقد تقدّم تفصيله في المكان(1). فلا يجزئ وضعها على غيره مع الاختيار. أمّا مع الضرورة كالحرّ الشديد المانع من السجود عليه، وخوف الهوامّ في الظلمة الظلمة مع ظهور أماراته، والتقية فيجزئ ولا يشترط فيها عدم المندوحة، ويقدّم في غيرهما القطن والكتان على غيرهما، والظاهر تقديمهما فيها أيضاً.

(الرابع: مساواة مسجَده) - بفتح الجيم - وهو موضع سجوده (الموقفه) وهو موضع وقوفه.

(فلو علا) موضع سجوده عن موقفه (أو سفل) عنه (بزيادة عن) قدر (لبنةٍ) - بفتح اللام وكسر الباء أو كسر اللام وسكون الباء - : موضوعة على أكبر سطوحها، وقدّرت بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة تقريباً (بطل) سجوده مع الاختيار.

أمّا لو عجز عن ذلك لمرضٍ ونحوه فعلَ منه ما تمكّن بغير مشقّة شديدة لا تُتحمّل عادةً، حتّى لو عجز عن الانحناء أصلاً رفع ما يضع جبهته عليه مع الإمكان، وإلّا أوماً له برأسه ثمّ بعينيه كما مرّ(2).

وتُعتبر اللبنة في بقيّة المساجد وفاقاً للمصنّف في غير هذه الرسالة(3)، ولا فرق في المنع من الاختلاف المذكور بين كونه بسبب بناءٍ أو أرضٍ منحدرة، وإنّما يفرّق بينهما في علوّ الإمام على المأموم مع مساواة مسجد كلّ لموقفه.

واعلم أنّ اطلاق اشتراط المساواة في صدر المسألة في قوّة المقيّد بما بعد «فاء»

ص: 272


1- تقدّم في ص 187 - 188.
2- تقدّم في ص 267.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)

السببيّة، بمعنى اشتراط المساواة أو ما في حكمها، كالاختلاف الذي لا يزيد عن لبنةٍ، فإنّه في حكم المساواة كما ذُكر.

(الخامس: وضع مايصدق عليه) اسم (الوضع من العضو) عرفاً، (فلو وضع منه أقلّ من ذلك) المسمّى (بطل). ولا فرق في ذلك بين الجبهة وغيرها على أصحّ القولين، كما هو مقتضى إطلاق العبارة.

واستقرب المصنّف في الذكرى أن لا ينقص الموضوع من الجبهة عن درهم(1)؛ استناداً إلى روايةٍ(2) لا دلالة فيها عليه، ولاريب أنّ ذلك أحوطُ تخرّجاً من خلافه، ولا خلاف في الاجتزاء بالمسمّى في باقي المساجد، كما لا خلاف في عدم وجوب استيعاب الجبهة بالسجود وإن كان أفضل؛ لما فيه من زيادة الخشوع.

(السادس: الذكر فيه وهو سبحان ربّي الأعلى وبحمده، أو ما ذكر في الركوع) قسيماً للتسبيحة الكبرى وهو سبحان الله ثلاثاً للمختار، أو سبحان الله مرّةً واحدةً للمضطرّ لا جميع ما ذكر، فإنّ من جملته سبحان ربّي العظيم وبحمده، وهو غير مُجزئ في السجود عند المصنّف(3) وغيره(4) ممّن يعتبر فيهما الذكر المعيّن، وعلى ما قلناه الاجتزاء بمطلق الذكر المشتمل على الثناء يُجزئ هنا كما يجزئ غيره من الأذكار.

وقد عرفت معنى التسبيحة مجرّدة عن الأعلى، والمراد به البالغ نهاية مراتب العلوّ، المقابل للسفل في المراتب المعقولة والمحسوسة، فإنّ المسبّب سافل بالنسبة إلى السبب والميّت بالإضافة إلى الحيّ، والمدرك منه حسّاً وعقلاً أعلى من غيره، وما لا يعارض إدراكه قوى نفسه أعلى ممّن يعارضه، ومَن يستحيل عليه ذلك أعلى من الجميع. فهو الأعلى المُطلق وما دونه سافل مُطلق أو بالإضافة.

ص: 273


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 312 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الكافي، ج 3، ص 333، باب وضع الجبهة على الأرض، ح 1.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 314: البيان، ص 163 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 12)
4- منهم الشيخ في النهاية، ص 82؛ وسلار في المراسم، ص 71.

السابع: الطُمأنينة بقدره ساجداً(1)، فلو رفع) رأسه من السجود (قبل إكماله) أي إكمال الذكر (أو شرع فيه قبل وصوله) إلى حدّ الساجد (بطل) الذكر كما تقدم(2). والصلاة كذلك مع التعمّد و عدم تداركه في محلّه إن أمكن لا معه، وإلّا كان كناسي الذكر.

(الثامن: عربيّة الذِكر)، فلو ترجمه مختاراً بطل، ومع العجز وضيق الوقت يترجمه بلغته ثمّ يتعلّم.

(التاسع: موالاته) فلو فصل بين كلماته بكلام أو سكوت بطل كما مرّ تفصيله(3).

(العاشر: إسماع نفسه) الذِكر تحقيقاً أو تقديراً (كما مرّ) في الركوع(4)، فلا يجزئه مادون ذلك وإن سُمّي لفظاً.

(الحادي عشر: رفع الرأس منه) بحيث يصير جالساً، فلا يُجزئ مُطلق الرفع إجماعاً، وكأنّه ترك التقييد لظهوره وإن كان الأجود البيان في وقت الحاجة. (الثاني عشر: الطُمأنينة فيه) أي في رفع الرأس منه جالساً (بحيث يسكن ولو يسيراً) لعدم ذِكرٍ واجب يتقدّر بقدره، فيكفي مسمّاها.

(ولا تجب) الطُمأنينة (في رفع السجدة الثانية) وإن استحبّت وهي المسمّاة بجلسة الاستراحة، وأوجبها المرتضى فيه(5).

وفي بعض نسخ الرسالة (ولا يجب الرفع من السجدة الثانية)(6)، وأراد به عدم كون الرفع منها معدوداً من واجبات السجود، بل آخره الفراغ من ذكر الثانية كما ستأتي في باب الشكّ(7). فيكون الرفع واجباً مقدّمة لواجب آخر من تشهّد أو قراءة.

ص: 274


1- ساجداً: لم ترد في «د ، ع ، ش»، أثبتناها من «ق» والنسخ الخطيّة الثلاث للألفيّة
2- تقدّم في ص 269
3- تقدّم في ص 268
4- تقدّم في ص 270.
5- الانتصار، ص 150، المسألة 47
6- كما في نسخة «ش 2».
7- يأتي في ص 319.

وفي نسخة ثالثة زيادة على الثانية (الذاته)(1) وفي القيد زيادة توضيح للمعنى الذي بيّنّاه، فإنّ الرفع لا يجب لذات السجود أو لذات الرفع بمعنى كونه واجباً مستقلّاً بنفسه، بل إنّما يجب لغيره كما مرّ(2).

(الثالث عشر: أن لا يطيلها) كما مرّ(3)، فلو خرج بتطويل الطُمأنينة بين السجدتين عن كونه مصلِّياً بطل (كما مرّ(4)).

(الرابع عشر: تثنية السجود، فلا تُجزئ) السجدة (الواحدة، ولا يجوز) السجود (الزائد) على الاثنتين إجماعاً.

ص: 275


1- لا توجد في النسخ الخطية الثلاث التي اعتمدنا عليها في تصحيح الألفيّة، ذكرها المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 141 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- تقدّم في ص 274
3- تقدّم في ص 270.
4- تقدّم في ص 270.

(السابعة: التشهد)

وهو تفعّل من الشهادة، وهو لغةً: الخبر القاطع(1). وشرعاً: إخبارٌ جازمٌ بتوحيد الله تعالى ونبّوة نبينا محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم بصيغةٍ مخصوصةٍ، وقد يُطلق على ذلك وعلى الصلاة عليه وآله علیهم السلام إمّا حقيقةً شرعيّةً، أو تغليباً.

(و واجبه تسعةٌ):

(الأوّل: الجلوس له)، فلو فعله غير جالس عمداً مختاراً بطلت صلاته، وسهواً يُعيده إن أمكن، وإلّا كان كناسي التشهّد فيقضيه بعد الصلاة كما سيأتي(2).

(الثاني: الطُمأنينة بقدره) فلو شرع في التشهّد قبل إكمال الجلوس مُطمئناً، أو نهض قبل إكماله، بطلت صلاته مع العمد للنهي، وإن كان ناسياً تداركه في محلّه مع الإمكان والاختيار. أمّا عند الضرورة كالعاجز عن الطُمأنينة ومنه المصلّي ماشياً، فلا تجب الطمأنينة كما لا يجب الجلوس لو عجز عنه و مثله ما لو اقتضت التقيّة فعله من قيام، كما لو سبق مع مَن يتّقيه بركعة فإنّه لا يتخلّف في ثالثةٍ الإمام، بل يتشهّد قائماً؛ لسقوط التشهّد هنا عندهم.

(الثالث: الشهادتان) الأولى لله بالوحدانيّة، والثانية للنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بالرسالة.

(الرابع: الصلاة على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بعد الشهادتين.

(الخامس: الصلاة على آله) (عليه وعليهم السلام) بعدها، والمراد بآله «علیّ

ص: 276


1- الصحاح، ج 2، ص 494 تاج العروس، ج 5، ص 45؛ لسان العرب، ج 3، ص 239، «شهد»
2- يأتي في ص 332

وفاطمة والحسنان علیهم السلام للنقل(1)، ويُطلق على باقي الأئمّة الاثني عشر علیهم السلام تغليباً.

(السادس: عربيّته) فلا تجزئ الترجمة للقادر على العربيّة، والجاهل بها يجب عليه التعلّم، فإن ضاق الوقت أتى بما علمه منها ، فإن لم يُحسن شيئاً أجزأت الترجمة، فإن لم يحسنها فالأولى وجوب الجلوس بقدره حامداً لله تعالى، فإن لم يُحسن التحميد الجلوس بقدره؛ لأنّه أحد الواجبين وإن كان مُقيّداً مع الاختيار بالذكر.

(السابع: ترتيبه) فيقدّم الشهادة بالوحدانيّة ثمّ الشهادة بالرسالة ثمّ يصلّي علی النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ثمّ على آله علیهم السلام.

ولم يصرّح بكيفيّة الترتيب إمّا اتّكالاً على ما ذكر سابقاً، كما صنع مراراً فيما سلف فإنّه يقول: الترتيب كما ذُكر، ويعني به ما وقع في العبارة. لكن يشكل ذلك في الشهادتين، فإنّه ذكرهما جملةً، فالترتيب لا يمكن استفادته فيهما من المذكور بل من المشهور.

وإمّا إحالة على ما سيأتي في بيان رعاية المنقول(2)، فإنّ الصورة مستلزمة لبيان الترتيب.

(الثامن: موالاته) فلو فصله بكلام ليس منه ولا من سننه عمداً بطل مطلقاً، وناسياً يعيده كما مرّ(3). وإن فصله بسكوت مُخرج عن هيئة الصلاة أبطلها، أو عن هيئة التشهّد أبطله، أو لا عنهما لم يضرّ، وقد تقدّم هذا التفصيل في نظائره(4).

(التاسع: مراعاة المنقول) في خبر محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام (وهو «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمّ صلّ على محمّد و آله محمد»(5)).

ص: 277


1- ذخائر العقبى، ص 21؛ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج 1، ص 91؛ تفسير القمّي، ج 2، ص 193؛ ثواب الأعمال، ص 191. ح 2
2- إشارة إلى الواجب التاسع، وهو قوله: (مراعاة المنقول).
3- تقدّم في ص 269
4- تقدّم في ص 269 و 274.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101، ح 379؛ الاستبصار، ج 1، ص 342، ح 1289

ومعنى إيجابه هذه الصيغة - مع ما سيأتي من أنّ ترك بعض كلماتها لا يضرّ(1)- أنّ وجوبها تخييري بينها وبين ما سيأتي، وأفراد الواجب التخييري واجبة بقول مطلق وإن كان محلّ الواجب أحدها لا على التعيين. فعلى هذا ينوي الوجوب بما يأتي به من اللفظ الذي يجوز له تركه، ولا يخرج بذلك عن كونه واجباً؛ لعدم الملازمة بينهما، كما في الركعتين الأخيرتين في مواضع التخيير(2).

(فلو أبدله) أي المنقول (بمرادفه) كما لو قال: «أعتقد أو أجزم أو أقطع» بدل «أُشهد» ونحو ذلك (أو أسقط واو العطف) من الشهادة الثانية (أو لفظ أشهد) منها مع إتيانه بواو العطف، (لم يجزئ) لمخالفته للمنقول في الأخبار(3) الدالّة بخصوصها.

وذهب جماعة منهم العلّامة إلى جواز ترك كلّ واحدٍ من الأخيرتين مع الإتيان بالآخر(4)؛ عملاً بإطلاق الاجتزاء بالشهادتين في بعض النصوص(5)، وحصول الغرض بذلك، وما اختاره المصنّف أولى.

(ولو ترك وحده لاشريك له) وأتى بالباقي (أو) ترك (لفظ عبده) مع الإتيان بالباقي (لم يضرّ)، وفي حكمهما لو تركهما معاً.

ومقتضى جواز حذف «عبده» وبقاء ما بعده جواز إضافة الرسول إلى المضمر كما كان سابقاً، وقد قطع المصنّف في البيان بعدم جوازه، بل أوجب إضافته إلى المظهر(6).

واستفادة الفرق بينهما مع هذه التخصيصات من الأدلّة غير واضح وإنّما اللازم منها

ص: 278


1- سيأتي في هذه الصفحة بعد عدّة أسطر
2- كما في الركعتين الأخيرتين في مواضع التخيير لم ترد في «ع» وورد بدلها: كما مرّ
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92 ، ح 344: الاستبصار، ج 1، ص 341 ، ح 1284 : وانظر وسائل الشيعة، ج 6. ص 393. الباب 3 من أبواب التشهّد.
4- الخلاف، ج 1، ص 372، المسألة 131؛ تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 230. المسألة 292.
5- الكافي، ج 3، ص 337 باب التشهد في الركعتين .... ح 3: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101. ح 143: الاستبصار، ج 1، ص 341، ح 1285.
6- البيان، ص 168 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)

إمّا جواز مطلق التغيير مع بقاء الشهادتين، كما اختاره العمه(1) والمحقّق(2) إن عمل بالأخبار المطلقة في ذلك، أو اختصاص الجواز بما ذكر أوّلاً من لفظ الشهادة إن عمل بمقيّدها وحمل ذلك المطلق عليه.

ويظهر من المصنّف في الدروس اختياره الثاني(3) وهو أولى.

وحيث عملنا بمختار المصنّف هنا تصير الصيغ المختلفة في التشهّد المجزئة ستاً، وعلى العمل بالجميع ثماني عشرة وهي ظاهرة.

ص: 279


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 230، المسألة292
2- المعتبر،ج 2، ص 223
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 103 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

(الثامنة: التسليم)

وقد اختلف الأصحاب في وجوبه وندبه ولكلّ من الفريقين حُججٌ حققناها مع ما عندنا فيها في شرح الإرشاد(1).

ولا ريب أن نيّة الوجوب به أحوط ولا يقدح ذلك في الصلاة بوجهٍ؛ لأنّه إن طابق الواقع وإلّا كان فعلاً خارجاً عن الصلاة، فلا يضرّ عدم مطابقة نيّة الوجوب به، بخلاف الأفعال الداخلة فيها، فإن نيّتها لابدّ أن تكون مطابقةً لاعتقاد الفاعل؛ حذراً من زيادة واجب في الصلاة، أو إيقاع واجب بنيّة الندب.

ولو اشترطنا في الخروج من الصلاة - على تقدير القول بندبيّة التسليم - نيّة الخروج أو التسليم أو فعل المنافي - كما يظهر من المصنّف في بعض كتبه(2) وجماعةٍ - كان التسليم حينئذٍ بنيّة الوجوب كفعل المنافي، فلا يقدح أيضاً بوجه.

(وواجبه) على القول بوجوبه (تسعةٌ):

(الأوّل: الجلوس له) مع الاختيار، فتبطل بدونه كما مرّ في التشهّد(3).

(الثاني: الطُمأنينة بقدره) فلو أوقعه بدونها مختاراً بطل مع العمد، واستدركه في محلّه مع النسيان كما مرّ(4).

(الثالث: إحدى العبارتين: إمّا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وهي مُخرجة

ص: 280


1- روض الجنان، ج 2، ص 340 وما بعد ضمن الموسوعة، ج 11).
2- القواعد والفوائد، ص 452 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15).
3- تقدم في ص 276
4- تقدم في ص 276

بغير خلاف (أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) على المختار عنده(1)؛ تبعاً للفاضلين(2)؛ ولصدق اسم التسليم عليهما.

وقد أنكر المصنّف هذا القول في الذكرى والبيان وجعله قولاً حادثاً(3).

والأولى الاقتصار في الخروج ب_ «السلام عليكم إلى آخره»؛ للإجماع على الخروج بها، وجعل «السّلام علينا إلى آخره» من جملة التسليم المستحبّ، كما دلّ عليه بعض الأخبار(4)، واختاره المصنّف في الذكرى والبيان(5).

وفى بعض نسخ الرسالة (والأولى أولى)(6) أي الصيغة الأُولى من الصيغتين المذكورتين أولى من الأُخرى وهو موافق لما ذكره في الكتابين(7)، لكن سيأتي بينهما مخالفة من وجه آخر(8).

وأكثر الأصحاب على الاجتزاء ب_ «السلام عليكم» وإضافة «ورحمة الله وبركاته» بنيّة الوجوب أولى وإن قلنا بصحّته بدونها؛ جعلاً لذلك من باب الواجب التخييري، وإن كان بعض أفراده جزءً من البعض الآخر، فإنّ الماهيّة الكلّيّة المأمور بها يشملها كمامرٌ في التشهّد(9).

(الرابع: الترتيب بين كلماته) على الوجه المنقول، فلو أخلّ به عمداً بطل وسهواً يستدركه في محلّه إن أمكن، وإلّا كان كناسي التسليم.

ص: 281


1- البيان، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
2- تذكرة الفقهاءج 3، ص 245، المسألة 301 شرائع الإسلام، ج 1، ص 79
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 346؛ البيان، ص 170 - 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93، ح 349؛ الاستبصار، ج 1، ص 347، ح 1307
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 347؛ البيان، ص 170 - 171) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 12)
6- كما في نسختي «ش 1 ، 3»
7- أي ذكرى الشيعة والبيان
8- يأتي في ص 283
9- تقدم في ص 278

(الخامس: عربيّته) مع الاختيار، فلو ترجمه كذلك بطل، وقد تقدّم البحث عن نظائره مراراً(1).

(السادس: موالاته) فلو فصل بين كلماته بطل على ما مرّ تفصيله(2).

(السابع: مراعاة ما ذكر) من الصيغتين مادّةً وصورةً، وذلك يوجب الاستغناء عن ذكر الترتيب؛ إذ ليس في تركه مراعاة المذكور.

(فلو نكّر السلام) بأن قال: سلام عليكم (أو جمع الرحمة) فقال: ورحمات الله (أو وحّد البركات) فقال: وبركته (أو نحوه) من التغيير بأن أبدل بعض ألفاظه بمرادفه كالرأفة موضع الرحمة أو الأعمّ منه كالتحيّة موضع السلام (بطل) تسليمه، وتتبعه الصلاة إن تعمّد، وإلّا استدركه مع بقاء محلّه.

وإنّما يبطل جمع الرحمة وتوحيد البركات على القول بوجوب إضافتهما، وعلى القول بالاجتزاء بمادُونهما يحتمل ذلك أيضاً؛ بناءً على أنّه مع اختيار الإضافة يكون المجموع واجباً من جملة أفراد الواجب المخيّر.

ويُحتمل العدم؛ بناءً على انتهاء الواجب ،قبله أو أنّه وإن كان الأخير يوصف بالوجوب، لكن يشترط الإتيان به على وجهه، فإذا وقع بخلاف ذلك تبيّن انتهاء الصلاة قبله وهذا أقوى وإن كان الأوّل على تقدير الوجوب لا يخلو من قوّة.

(الثامن: تأخيره عن التشهّد) فلو قدّمه عليه أو على شيء منه عمداً بطلت الصلاة، وسهواً يكون كالكلام الأجنبي كذلك.

(ولا تجب فيه نيّة الخروج) من الصلاة، بل يخرج به منها وإن لم ينوِ، كما لا تفتقر باقي أجزاء الصلاة إلى نيّةٍ خاصّةٍ، فإنّ الصلاة فعل واحد متّصل شرعاً، والخروج منها يحصل بالفراغ لزوماً كباقي العبادات، فإنّ الانفصال عنها كافٍ في الخروج منها إجماعاً (وإن كانت) نيّة الخروج (أحوط) خروجاً من خلاف القائل بوجوبها، استناداً إلى أنّ

ص: 282


1- تقدّم في ص 256 و 268 و 274 و 277
2- تقدّم في ص 268

التسليم عملٌ يَخرج به من الصلاة فتَجب له النيَّة؛ لعموم: «إنّما الأعمال بالنيّات»(1) وقد عرفت جوابه وإن كان القول به أحوط وهي حينئذٍ بسيطة يكفي قصد الخروج منها به مع احتمال إضافة الوجوب والقربة، أمّا تعيين الفريضة والأداء، فلا.

ومحلّها بعد التشهّد مقارنة للتسليم، فلو تقدّمت على كمال التشهّد بطلت الصلاة؛ بناءً على بطلانها بنيّة الخروج وإن لم يكن في الحال. نعم لو نوى قبله الخروج بالتسليم لم يضرّ، لكن لا تكفي النيّة المتقدّمة عنها في محلّها.

(التاسع: جعل المُخرجة ما يُقدّمه(2) من إحدى العبارتين) فتكون هي الواجبة، وتصير الثانية مستحبّةً. (فلو جعله) أي جعل المُخرج هو (الثانية) ونوى بالأُولى الاستحباب (لم يجزئ).

أمّا إذا كان المتقدّم هو «السلام عليكم» فظاهر؛ لأنّها مُخرجة بالإجماع، ولا تشرع مستحبّة متقدّمة إجماعاً، فتكون نيّة الاستحباب بها كنيّة استحباب بعض الواجبات المتعيّنة في أثناء الصلاة وهو مبطل.

وأمّا إذا كان المتقدّم هو «السّلام علينا» فلما في بعض الأخبار من كونها مُخرجة من الصلاة(3)، وهو وجه إيجابها تخييراً، فنيّة الاستحباب بها توجب المحذور السابق.

وهذا بخلاف ماقد صرّح به في كتابيه(4) ونطقت به الأخبار الصحيحة(5) من استحباب تقديم السّلام علينا» مع التسليم المستحبّ والخروج ب_ «السّلام عليكم».

قال المصنّف في الذكرى:

الاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين بادِئاً ب- «السّلام علينا وعلى عباد الله

ص: 283


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1.
2- في «ع» ونسختي الألفيّة «ش 1 ، ش 2: يُقدّم.
3- الكافي، ج 3، ص 337 - 338، باب القنوت في الفريضة و.... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 316، ح 1292
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 - 353؛ البيان، ص 170 - 171) (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93، ح 349؛ الاستبصار، ج 1، ص 347، ح 1307

الصالحين» لا بالعكس، فإنّه لم يأتِ به خبرٌ صحيحٌ منقولٌ، ولا مصنّفٌ مشهور سوى ما في بعض كتب المحقّق(1)، ويعتقد ندب السلام علينا ووجوب الصيغة الأخرى(2).

وقريب منه ما ذكره في البيان، فإنّه بعد أن حكاه عن المحقّق قال: «إنّه لم يُذكر في خبرٍ ولا مُصنَّفٍ، بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلون «السّلام علينا» مقدّماً على الآخر»(3).

وهذا التحقيق هو الأقوى وإن كان الاحتياط للصلاة يقتضي عدم تقديم أحدهما مستحبّاً؛ خروجاً من خلاف المصنّف في هذه الرسالة، فإنّه يرى بطلان الصلاة بذلك.

(ويجب فيه) أي في التسليم الواجب (وفي التشهّد إسماع نفسه).

وهذا الواجب هو أحد الواجبات التي هو بصدد تعدادها، وقد عدّه في القراءة وذِكر الركوع والسجود واجباً مستقلّاً، وكأنّه أفرده هناك لتمام العدد الذي يُريد جمعه، وهو الألف بدونه.

وفيه: أنّ العدد غير مُنحصر في الألف تحقيقاً، فإدخال هذا واجباً فيها لا يقدح في مطلوبه إن كان ماسيأتي من الزيادة غير قادح وأيضاً فقد تقدّم في بعض الأعداد ما كان يستغنى عنه ببعض كوجوب الترتيب مع وجوب مراعاة المنقول حيث ذكر فإنّ مراعاة المنقول يغني عنه، والأمر في ذلك سهل.

(فهذه) إشارة إلى المعدود من أوّل باب النيّة إلى هنا (جميع الواجبات) المقارنة في الصلاة اليوميّة.

(فإن أُريد الحصر) والبيان (ففي الركعة الأُولى أحد وستّون) واجباً: في النيّة منها سبعةٌ، وفي التحريمة أحد عشر ، وفي القراءة ستّة عشر، وفي القيام أربعة وفي الركوع

ص: 284


1- المعتبر، ج 2، ص 236.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- البيان، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

تسعة، وفي السجود أربعة عشر. وذلك أحد وستّون.

(وفي الثانية أربعة وأربعون) لسقوط واجبات النيّة، إلّا الاستدامة الحكميّة فإنّها باقية في جميع الركعات وسقوط واجبات التكبير وذلك سبعة عشر، يبقى أربعة وأربعون.

(وفي الثالثة تسعة وثلاثون) إن اختار فيها قراءة الحمد كما يرشد إليه قوله بعد ذلك: «وإن تخيّر التسبيح» وحينئذٍ سقط منها واجبات السورة وهي خمسة:

الأوّل: إكمال السورة.

الثاني: وحدة السورة.

الثالث: كونها غير عزيمة.

الرابع: القصد بالبسملة إلى سورة معيّنة.

الخامس: عدم الانتقال من سورة إلى غيرها، إلى آخره.

ويبقى من واجبات القراءة أمران لهما مدخل في واجبات السورة:

أحدهما: البسملة أوّل الحمد والسورة.

والثاني: تقديم الحمد على السورة.

لكن الأوّل منهما يدخل في إكمال السورة؛ لأنّ البسملة آية من كلّ سورة عندنا فلذا ترکه.

وأمّا الآخر، فوجه تركه أنّ حاصله البدأة بالحمد بعد القيام بحيث لا تسبقها السورة، وهذا أمر حاصل مع عدم السورة.

وأيضاً فكما يصلح كونه من واجبات السورة يصلح أن يكون من واجبات الحمد، فإنّ معناه بالنسبة إلى السورة تأخيرها عن الحمد وبالنسبة إلى الحمد تقديمها، فجاز الاستغناء عنه.

والشارح المحقّق ذكره من الخمسة وترك ذِكر إكمال السورة(1)، وبعد الإحاطة بما

ص: 285


1- شرح الألفيّة، ص 148 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

قلناه يُعلم أنّ ما ذكرناه أصوب.

(وكذا في) الركعة (الرابعة) تسعة وثلاثون؛ لمساواتها لها (فإن تخيّر) المصلّي (التسبيح) في الأخيرتين دون قراءة الحمد (صار في كلّ واحدة منهما) أي من الثالثة والرابعة (اثنان وثلاثون) لسقوط واجبات القراءة بأسرها وهي ستّة عشر من أربعة وأربعين، وإضافة واجبات التسبيح - وهي أربعة كما أشار إليها سابقاً بقوله: «مرتّباً موالياً بالعربيّة إخفاتاً» - إلى الباقي وهو ثمانية وعشرون.

وحيث كان في كلّ ركعة ما ذُكر، (ففي) الصلاة (الثانية) وهي الصبح (مائة وثلاثة وعشرون واجباً(1))؛ لأنّ في الركعتين الأُولتين مائة وخمسة كما مرّ، ويضاف إليها واجبات التشهّد والتسليم يبلغ العدد.

(وفي الثلاثية) وهي المغرب (مائة وأحد وسبعون) بإضافة واجبات التشهّد وهي تسعة، وواجبات الركعة الثالثة وهي تسعة وثلاثون إلى ما يجب في الثنائيّة وهو مائة وثلاثة وعشرون.

(وفي الرباعيّة مائتان وعشرة) بإضافة ما يجب في الركعة الرابعة وهو تسعة وثلاثون إلى مائة وأحد وسبعين.

(ففي) الصلوات (الخمس حضراً تسعمائة وأربعة وعشرون فرضاً مقارنة) للقارئ منها في الرباعيات الثلاث ستّمائة وثلاثون وفي الثلاثيّة والثنائيّة مائتان وأربعة وتسعون، والجميع ماذُكر.

(و) في الخمس في حال كونها (سفراً) للقارئ (ستّمائة وثلاثة وستّون) لأنّها تصير أربع ثنائيات، وواجباتها أربعمائة واثنان وتسعون، وثلاثية تُضاف واجباتها وهي مائة وأحد وسبعون إلى المجتمع من الثنائيات يبلغ ذلك.

(وللمسبِّح ثمانمائة وخمسة وسبعون حضراً)؛ لأنّ واجبات كلّ من الثالثة

ص: 286


1- في النسخ الخطية الثلاث للألفيّة: فرضاً.

والرابعة للقارئ تسعة وثلاثون كما تقدّم، وللمسبِّح اثنان وثلاثون تنقص من كلّ ركعة من الأخيرتين سبعة، وهي سبع ركعات في الخمس فالساقط منها تسعة وأربعون تنقص من تسعمائة وأربعة وعشرين يبقى ما ذُكِرَ.

(و) للمسبِّح (سفراً ستّمائة وستّة وخمسون) وهي الستّمائة وما معها التي تقدّمت للقارئ ينقص منها سبعة في ثالثة المغرب هي التفاوت بين الواجب على تقدير التسبيح والقراءة كما تقدّم يبقى ماذُكر.

ص: 287

ص: 288

(الفصل الثالث)

(في المنافيات) للصلاة وهي مبطلاتها ولو على بعض الوجوه، فيدخل فيه ماهو منافٍ مطلقاً أو في حال العمد خاصّة (وهي خمسة وعشرون) منافياً.

(الأوّل: نواقض الطهارة مطلقاً) سواء صدرت اختياراً أم اضطراراً.

ونبّه بالإطلاق على خلاف الشيخ (رحمه الله)، حيث ذهب في أحد قوليه إلى عدم إعادة الصلاة ممّا سبق من الحدث، بل يبني عليها بعد إعادة الطهارة(1). وتبعه على ذلك جماعة(2)، استناداً إلى روايةٍ صحيحةٍ(3) دلّت بظاهرها على ذلك.

وليس المراد بالإطلاق شمول العمد وغيره كما ذكره الشارح المحقّق(4) وإن كان الحكم فيه كذلك؛ لما سيأتي من قوله في الرابع عشر: «وهذه منافيات وإن وقعت سهواً».

وأيضاً فلا فائدة في تخصيص هذه الصورة بالإطلاق عمّا بعدها، فإنّ الأمر فيها كذلك.

(ومبطلاتها) والمراد بها موانع صحّتها،(كالطهارة بالماء النجس) سواء علم

ص: 289


1- الخلاف، ج 1، ص 409، المسألة 157، المبسوط، ج 1، ص 173؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 205، ذيل الحديث 595
2- منهم: المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 407 والعلّامة في منتهى المطلب، ج 3، ص 151
3- الفقيه، ج 1، ص 367 ح 1061: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 332، ح 1370؛ الاستبصار، ج 1، ص 401، ح1533
4- شرح الألفيّة، ص 150 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

بالنجاسة أم لا حتّى لو استمر الجهل به حتّى مات فإنّ الصلاة باطلة غايته عدم المؤاخذة عليها؛ لامتناع تكليف الغافل.

هذا هو الذي يقتضي إطلاق العبارة وكلام الجماعة ولا يخفى ما فيه من البلوى فإنّ ذلك يكاد يوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة؛ لكثرة النجاسات في نفس الأمر وإن لم يحكم الشارع ظاهراً بفسادها، فعلى هذا لا يستحقّ عليها ثواب الصلاة وإن استحقّ أجر الذاكر المُطيع بحركاته وسكناته إن لم يتفضّل الله تعالى عليه بجوده.

(أو) الطهارة بالماء (المغصوب عمداً عالماً(1) في الأخير) وهو المغصوب، والجاهل بالحكم عامد أمّا لو كان جاهلاً بالغصبيّة صحّت طهارته وإن لزمه عوض الماء.

وفي ناسي الغصب أوجه وعدم إعادته مطلقاً لا يخلو من قوّة.

أمّا ناسى الحكم، فكجاهله؛ لوجوب التعلّم عليهما، وضمّهما الجهل إلى التقصير.

والفرق بين الجهل بالنجاسة والغصبيّة أنّ مانع النجاسة ذاتي فلا يغيّره الجهل به بخلاف الغصب، فإنّه عرضي بسبب النهي عن التصرّف في مال الغير، ومع الجهل والنسيان لا يتحقّق النهي؛ لعدم التكليف حينئذ، فينتفي المانع، وفي الفرق نظر.

وفي حكم النجس والمغصوب المشتبه بهما دون المشتبه بالمضاف؛ لإمكان الطهارة بهما.

(الثاني: استدبار القبلة) في حالة الصلاة ولو في بعضها (مطلقا) أي في الوقت وخارجه، فإنّه مقابل للتقييد في قسمه الآخر وهو التيامن والتياسر ببقاء الوقت، لا أنّ المراد به عمداً وسهواً كما ذكره الشارح لما مرّ.

ص: 290


1- عالماً: وردت في كافة نُسخ المقاصد العليّة ونُسخ الألفيّة المتوفّره لدينا، وفي هامش «ع» المنقولة من خطّ المصنّف: ليس لفظ (عالماً) في نسخة فيها خط الشارح، ولفظ (عمداً) موجود وقد استشكل المحقّق الكركي في شرحه للألفيّه، ص 150 ( ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7) على هذه العبارة قائلاً: وقوله : (عمداً عالماً) لا يخلو من مناقشة؛ لأنّ التقييد بالعمد يغني عن القيد بالعلم بعده: لأنّ العمد يُخرج الجهل والنسيان، وإلّا لانتفت فائدة التقييد به.

والمراد الاستدبار بالبدن جميعه؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(1).

ولو أمكن فرضه بالوجه خاصّة بحيث يبلغ حدّ الاستدبار، ففي إبطاله نظر، وظاهر الأصحاب أنّه كاليمين واليسار وهو أجود وربما قيل بإلحاقه بالاستدبار(2). ولا فرق في المستدبر بين العامد والظانّ والناسي كما هو مقتضى هذه المسائل.

(أو) الانحراف بكلّه إلى (اليمين أو اليسار) ومقتضى ظاهر العبارة أنّه معطوف على استدبار القبلة والتقدير «أنّ من المنافيات استدبار اليمين أو اليسار إلى آخره» وهو صحيح أيضاً، فإنّ استدبار كلّ من الجهتين يوجب استقبال الأُخرى، لكن تخلو(3) العبارة عن الجزالة، فإنّ تعليق الحكم على استدبار الجهتين يُشعر بأنّ لهما مدخلاً في العلّيّة كالقبلة وليس كذلك، ومن ثمّ جاز عطف اليمين واليسار على أصل الجملة بتقدير الانحراف، وكيف كان فالجزالة فائتة.

وإنّما يكون الانحراف إلى الجهتين منافياً (مع بقاء الوقت) لامع خروجه قبل العلم بالخلل، فإنّه لا إعادة حينئذٍ.

وهذا الحكم وإن شمل العامد والناسي والظانّ، لكن سيأتي أنّ العامد يُعيد مطلقاً، ولا يضرّ إدخاله هنا في حكم إعادته مع بقاء الوقت فإنّ عدم إعادته مع خروجه إنما يُستفاد من المفهوم، وما سيأتي من المنطوق يوضح الحال. وإنّما فرّق حكمه لمناسبة اقتضاها التصنيف حيث أفرد المنافيات مطلقاً عمداً وسهواً على حدة أوّلاً ثمّ عقّبها بالمنافيات عمداً.

ولو كان التيامن والتياسر بوجهه خاصّة، فالمشهور عدم إبطاله الصلاة وإن كان مكروهاً، بل يكره الالتفات بنظرة خاصّةٍ وإن لم يخرج الوجه عن سمت القبلة.

وبالجملة، ففي العبارة نوع من الإيجاز واللطف لا يبلغ حدّ الخلل، كما ادّعاه

ص: 291


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 199، ح 780؛ الاستبصار، ج 1، ص 405، ح 1543
2- حكاه الماتن الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 396 - 397 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7) عن بعض مشايخه
3- في هامش «ع»: تخلف كذا بخطه (رحمه الله)».

الشارح المحقّق(1)، ومَن تأمّل ما حرّرناه يظهر عليه جواب إيراداته على العبارة. واعلم أنّ الحكم بوجوب الإعادة مع الاستدبار مطلقاً إجماعي في صورة التعمّد، أمّا مع الظنّ أو النسيان ففيه قولان هذا أحدهما، والأصحّ إلحاقه بالتيامن والتياسر، فيُعيد في الوقت خاصّةً.

ولو كان الانحراف لا يبلغ حدّ اليمين واليسار لم يقطع الصلاة إجماعاً مع عدم التعمّد.

والمراد بالاستدبار ما قابل سمت القبلة، بمعنى أنّ أيّ خطّ مستقيم فرض جواز الصلاة إلى أحد طرفيه اختياراً وحكم بكونه غير خارج عن جهة القبلة فطرفه الآخر خطّ الاستدبار، فإذا وضع على هذا الخطّ خطّ آخر مقاطعٌ له بحيث يحدث عنهما بسبب التقاطع أربع زوايا قوائمَ، فالخطّ الثاني هو خطّ اليمين واليسار. ولو فرض وقوع خطّ ثالث على الأوّل بحيث يحدث عنهما حادّتان و منفرجتان، فما كان إلى جهة القبلة منه فهو الانحراف اليسير الذي يُعفى عنه، سواء اتّسعت الزاوية أم ضاقت، وما كان منه إلى جهة الاستدبار فهو مُلحق باليمين واليسار وإن كان إلى الاستدبار أقرب فيعيد المصلّي إليه في الوقت خاصّةً على ما اختاره المصنّف في الرسالة، وعلى ما قلناه يسقط البحث، وهذه صورة الخطوط للتوضيح:

كتب هذا الشكل من خطه (رحمه الله)

ص: 292


1- شرح الألفية، ص 151 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

(الثالث: الفعل الكثير عادةً) وهو ما يخرج به فاعله عن كونه مصلّياً، ويخيّل لناظره أنّه مُعرض عنها.

ونبّه بقيد العادة على أنّها المرجع في الكثرة لا اللغة بحيث يحكم ببطلان الصلاة بالأفعال الكثيرة كيف وقعت.

فعلى هذا، لا تؤثّر حركة الأصابع وإن تعدّدت، سواء كان ذلك بتسبيح أم غيره؛ لعدم الخروج بها عن حقيقة الصلاة، وتبطل الوثبة الكبيرة الفاحشة المخيّلة لِما ذُكر وإن كانت متّحدة لغةً ونحو الخطوة وحركة الرأس، وخلع النعل، ولبس الثوب الخفيف ونزعه، وقتل الحيّة والعقرب، أفعال قليلة عرفاً. وقد صرّح بهذه الأمثلة جماعة من الأصحاب(1) منهم المصنّف(2)، وحيث كان المرجع إلى العرف فلا عبرةَ بالمثال، وإنّما يقدح الكثير مع التوالي، فلو تفرّق على الركعات بحيث يكون كلّ واحد منه قليلاً لم يضرّ على أصحّ القولين.

وقد روي أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان يحمل أُمامة ابنة أبي العاص من ابنته صلی الله علیه و آله و سلّم، ويضعها إذا سجد، ويحملها إذاقام(3).

(الرابع: السكوت الطويل عادةً) بحيث يخرج به عن كونه مصلّياً، فلو كان طويلاً دون ذلك لم يكن مُنافياً للصلاة وإن نافى القراءة إذا خرج عن كونه قارئاً وقد تقدّم(4).

(الخامس: عدم حفظ عدد الركعات) بأن لا يدري المصلّي كم صلّى فتبطل صلاته

ص: 293


1- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 238؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 288، المسألة 328
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 387؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 107 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 9)
3- صحيح مسلم، ج 1، ص 385 ، ح 41/543؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 241 - 242، ح 917 و 918 و 920
4- تقدم في ص 246

إذا لم يغلب على ظنّه شيء، وإلّا بنى عليه؛ لرواية صفوان عن الكاظم علیه السلام : «إذا لم تدرِ كُمْ صلّيت، ولم يقع وهمك على شيء، فأعِد الصلاة»(1).

والمراد بالوهم هنا الظنّ وإن كان المشهور كونه مقابلاً له، وأنّه الطرف المرجوح، والظنّ الطرف الراجح، وكثيراً ما يُستعمل ذلك في الأخبار الواقعة في باب السهو والشكّ. وكان عليه أن يستثنى الظنّ؛ لدخوله في عدم الحفظ، بخلاف ما لو عبّر بالشكّ.

(السادس: الشكّ في الركعتين الأُولتين) من الرباعيّة (أو) في (الثنائيّة) كالصبح (أو في المغرب)، وإنّما أطلق الثنائيّة من غير أن يذكر الصبح وذكر المغرب للتنبيه على تعدية الحكم إلى كلّ ثنائيّة واجبة كالجمعة والعيدين، والكسوف، والمنذورة، بخلاف المغرب إذ لا نظير لها. ولو فرض نذر ثلاث ركعات بتسليمة مثلها، ففي صحّة النذر نظر، فإن قلنا به لحقه حكمها.

واحترز بالشكّ في المذكورات عمّا لو ظنّ شيئاً فإنه يبني عليه في الثلاثة علی أصحّ القولين.

(السابع: نقص ركن من الأركان الخمسة) أعني (النيّة، والتكبير، والقيام، والركوع والسجدتين) معاً. كذلك (زيادته) أي زيادة ركن من الأركان المذكورة.

أمّا حكمه بركنيّة النيّة، فهو أحد القولين فيها، وإن كان التحقيق يقتضي كونها أشبه بالشرط. وعلى القولين تبطل الصلاة بنقصها؛ إذ لاعمل إلّا بنيّة، ولأنّ فوات الشرط إن لم يكن ركناً يقتضي فوات المشروط.

وأمّا زيادتها، فعلى القول بالركنيّة يتّجه الإبطال بها؛ لأنّ ركن الصلاة تبطل زيادته ونقصه إلّا ما استثني.

ص: 294


1- الكافي، ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها و.... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187 ، ح 744 الاستبصار، ج 1، ص 373، ح 1419

وأمّا على الشرطيّة، فيمكن القول بعدم إبطاله؛ لأنّ تكرار الشرط غير ضائر، والأصحّ أنّ زيادتها من غير تلفّظٍ غير مُبطلٍ مطلقاً.

وأمّا التكبير، فلا خلاف في ركنيّته وبطلان الصلاة بنقصه وزيادته والمراد به مع قصد التحريم به لا مع قصد مُطلق الذكر، فإنّ ذلك غير مبطل ولاهو المفروض.

وأمّا القيام، فتبطل الصلاة بنقصانه أجمع.

وأمّا نقصان بعضه كما لو نسي بعض القراءة أو جميعها وقد قام فلا تبطل الصلاة أيضاً، وكذا لا تبطل بزيادته على بعض الوجوه كما لو قام في موضع قعود ولمّا يركع.

وقد حقّق المصنّف (رحمه الله) أنّ الركن منه هو القيام المتّصل بالركوع، فمتى لم يكن معه ركوع لا تبطل الصلاة بزيادته. ولا يضرّ على هذا كون زيادة الركوع مبطلة وإن لم يكن معه قيام؛ لأنّه ركن تامّ، فإنّ غاية ذلك كون كلّ منهما علّةً في البطلان. ولا يضرّ تعدّد العلل الشرعيّة، فإنّها معرّفات للأحكام لا علل حقيقيّة.

وليس الركن مجموع القيام المتّصل بالركوع، بل الأمر الكلّي منه، ومن ثمَّ لو نسي القراءة قائماً ثمّ ركع لم تبطل الصلاة، فهو حينئذٍ أمر كلّي يتحقّق في ضمن جميع القراءة وهو الفرد الأكمل منه وفي ضمن بعضها، ومع خلوّه عنها فهو شبيه بالوقوف بعرفة، فإنّه من حيث هو كلّي ركن، ومن حيث الاستيعاب للوقت الذي بين الزوال والغروب واجب لا غير(1).

وهذا تحقيق ،حسن، إلّا أنّه لا يوجب ثمرةً مهمّةً في ركنيّته، فإنّه مع الانفراد عن الركوع غير مُبطلٍ، ومع الانضمام يُستغنى عنه.

ولو قيل بأنّه ركن كيف اتّفق أمكن، وعدم بطلان الصلاة بزيادته ونقصانه على وجهٍ لا يُخرِجه عن الركنيّة، فلذا اغتفر ذلك في مواضع كثيرةٍ فليكن هذا منها. ومستند الجميع النصّ وهو مشترك.

وأمّا الركوع، فلا إشكال في ركنيّته، ويتحقّق بالانحناء إلى الحدّ المعتبر فيه، وليس

ص: 295


1- حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 200 - 201.

الذكر والطُمأنينة والرفع منه داخلاً في حقيقته على أصحّ القولين، بل هي واجبات فيه خاصّة، فتبطل الصلاة بزيادته على هذا الوجه خاصّةً.

ومن هنا يتفرّع أنّه لو شكّ في الركوع وهو قائم فركع لكونه شكّ في شيء وهو في محلّه ثمّ ذكرَ بعد بلوغه حدّ الراكع سبقَ الركوع بطلت الصلاة، خلافاً للمصنّف(1) وجماعةٍ(2).

وأمّا السجدتان فالمشهور كونهما معاً ركناً لا الواحدة، فلاتبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها سهواً.

ويرد عليه أنّ المجموع يفوت بفوات جزء من أجزائه، ونقصان الواحدة غير مبطل، وهو ينا في ركنيّة المجموع من حيث هو مجموع.

وأجاب المصنّف (رحمه الله) بأنّ انتفاء الماهيّة هنا غير مؤثّر مطلقاً، وإلّا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مُبطلاً، ولم يقل به أحد، بل المؤثّر هو انتفاء الماهيّة رأساً(3).

وهو مصادرة محضة، فإنّ الركن إذا كان هو المجموع لزم منه البطلان بفوات الواحدة؛ لاستلزامه الإخلال به.

وما ادّعاه من لزوم البطلان بالإخلال بالعضو غير صالح للمعارضة؛ لأنّ وضع ما عدا الجبهة لادخل له في مسمّى السجود كالذكر والطمأنينة، والتزم المصنّف (رحمه الله) بسبب الإيراد أنّ الركن هو مسمّى السجود، وهو الأمر الكُلّي الصادق بالواحدة لا مجموعهما، وهو دافع للإيراد بغير طريق السؤال؛ لأنّه وارد على جعل المجموع ركناً.

وأورد عليه مع ذلك لزوم البطلان بزيادة الواحدة لصدق مسمّى السُجود عليها

ص: 296


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9).
2- منهم: السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 70؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 179؛ وابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 251 - 252
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

المحكوم بركنيّته، كما ذهب إليه إبن أبي عقيل(1)، والأصحاب(2) والنصّ على خلافه(3).

ويمكن الجواب عن أصل السؤال بمنع كليّة المقدّمة القائلة بأنّ كلّ ركن تبطل الصلاة بزيادته مطلقاً، ولا يتمّ الإشكال إلّا مع تسليمها، كيف؟ وقد يتخلّف ذلك في مواضع كثيرة لادليل على انحصار الحال فيها بل كثير منها أضعف مستنداً من هذا الموضع؛ لدعوى المصنّف في الذكرى اتّفاق الأصحاب، والنصّ على عدم البطلان بزيادة الواحدة ونقصها(4). فيكون ذلك هو الموجب لخروج هذا الفرد من الكليّة كما خرج غيره.

وحينئذٍ، فيمكن القول بركنيّة المجموع والتزام فواته مع عدم الحكم ببطلان الصلاة، أو بركنيّة مسمّى السجود الصادق على الواحدة كما التزمه المصنّف. ويخرج الحكم بعدم البطلان بزيادتها من القاعدة بالنصّ، بل هو أولى من الأوّل؛ لكثرة نظائره المُستثناة من زيادة الركن.

إذا تقرر ذلك، فما ذكره من منافاة زيادة الركن ونقصانه للصلاة عمداً وسهواً، كما هو مقتضى هذه المسائل، يستثنى منها أمور منها أُمور:

الأوّل: النيّة، فإنّ زيادتها غير مبطلةٍ عمداً وسهواً؛ لأنّ استحضارها أقوى من الاستدامة الحكميّة المعلّل وجوبها بتعذّر الاستمرار على النيّة الفعليّة، وإلّا لكان الدليل يدلّ على وجوب استمرارها فعلاً؛ ولكونها من حديث النفس الذي لا ينافي الصلاة وإن لم يؤكّدها.

الثاني: القيام إن جعلناه ركناً كيف اتّفق كما اختاره بعض الأصحاب واستثنوه من

ص: 297


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 375، المسألة 264
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 147؛ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه، ص 119؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 369، المسألة 260
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 156، ح 610؛ الفقيه، ج 1، ص 346، ح 1010
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 153، ح 602؛ الاستبصار، ج 1، ص 359، ح 1361

القاعدة، ومنهم العلّامة(1).

الثالث: الركوع إذا سبق به المأموم إمامه سهواً، فإنّه يعود إليه ويتابعه فيه ثانياً.

الرابع: الركوع أيضاً إذا استدركه الشاكّ فيه في محلّه ثمّ تبيّن قبل رفع رأسه فعله على ما اختاره المصنّف (رحمه الله) في الذكرى(2) وجماعة(3) مع اعترافه بأنّ الرفع ليس جزءً منه.

الخامس السجود على ما فصّلناه عن قريب(4) على التقديرين.

السادس: لو تبيّن للمحتاط أنّ صلاته كانت ناقصة، وأنّ الاحتياط مكمّل لها، فإنّه يجزئه كما سيأتي، ويغتفر ما زيد من الأركان من النيّة وتكبيرة الإحرام وغيرهما.

السابع: لو سلّم على بعض من صلاته ثمّ شرع في فريضة أُخرى، أو ظنّ أنّه سلّم فشرع فيها ولمّا يأت بالمنافي بينهما فإنّ المرويّ عن صاحب الأمر علی السام الإجزاء عن الفريضة الأُولى، واغتفار مازيد من الأركان(5)، وهو اختيار المصنّف في كتبه(6).

الثامن: لو زاد ركعةً سهواً آخر الصلاة وقد جلس فيه بقدر التشهّد فإنّ الصلاة صحيحة والزيادة مُغتفرة وإن اشتملت على أركان، وسيأتي(7).

التاسع: لو أتمّ المسافر جاهلاً بوجوب القصر أو ناسياً ولم يذكر حتّى خرج الوقت، صحّت الصلاة واغتفرت الزيادة كما مرّ(8).

العاشر: لو كان فى الكسوف وتضيّق وقت الحاضرة قطعها وأتى بالحاضرة ثمّ بنى

ص: 298


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 307. المسألة 338
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
3- منهم السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 65؛ والشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 179؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 251 - 252
4- تقدم في ص 296 - 297.
5- انظر الاحتجاج، ج 2، ص 580
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428؛ البيان، ص 243 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
7- يأتي في ص 299 - 300.
8- تقدّم في ص 212

في الكسوف على ما اختاره المصنّف(1) وجماعة من الأصحاب(2)، ورُوي عن الصادقين علیهما السلام(3)، بل ذهب بعضهم إلى قطع الكسوف لو دخل وقت اليوميّة في الأثناء وإن كان متّسعاً(4)، والأوّل أقوى.

(الثامن: نقص ركعة فصاعداً ثمّ يذكر) النقص (بعد) فعل (المنافي مطلقاً) أي عمداً وسهواً كالاستدبار والحدث والفعل الكثير. أمّا لو ذكر النقص بعد فعل المنافي عمداً خاصّة كالكلام لم تبطل الصلاة، بل يكمّلها ويفعل ما يوجبه على أصحّ القولين؛ لكونه في حكم الساهي بالنسبة إلى الفعل.

(التاسع: زيادة ركعةٍ) على العدد الواجب في الصلاة رباعيّةً كانت أم ثنائيّةً أم ثلاثيةً، (و) الحال أنّه (لم يقعد آخر الرابعة) في الرباعيّة (بقدر التشهّد) وإن لم يتشهّد. فإن كان قد فعل ذلك صحّت الرباعيّة للنصّ على ذلك(5)، ومن ثمّ خصّها.

وفي الذكرى لم يفرّق بين الصلوات، وجعلَ الجلوس آخرها بقدر التشهّد كافياً لاشتراك الجميع في المعنى(6).

وعلى القولين لا يشترط الجلوس بقدر التسليم؛ للنصّ(7)، وفيه دلالة على عدم وجوبه، وحينئذٍ يقوى القول بعدم الفرق بين الرباعيّة وغيرها.

ص: 299


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 116؛ البيان، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12)
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 137؛ والحلبي في الكافي في الفقه، ص 156؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 125
3- الفقيه، ج 1، ص 346 . ح .1529.
4- كابن بابويه في الفقيه، ج 1، ص 550 - 550 . ذيل الحديث 1533.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 766: الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1431
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 410 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 320، ح 1306؛ الاستبصار، ج 1، ص 345 ، ح 1301

وأمّا على القول بوجوبه كما يختاره المصنّف(1)، فينبغي الاقتصار بالنصّ المخالف للأصل على مورده.

ولو ذكر الزيادة بين الركوع والسجود فكذلك عند المصنّف(2) وجماعة، وهو عند القائل بالندب أولى.

واحتمل العلّامة هنا الإيطال(3) : لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركناً آخر، وإن لم نأمره زاد ركناً غير معتدٍّ منفرداً، بخلاف الركعة فإنّها بصورة صلاة أُخرى بعد الفريضة، ومن ثمّ اعتبر الجلوس بقدر التشهّد لتكون الصلاة على صورة التامّة.

فإن قيل: على مذهب العلّامة من ندب التسليم(4) ينبغي الصحّة على كلّ حال؛ لأنّ الزيادة وقعت بعد الفراغ من الصلاة على تقدير التشهّد. نعم، لو فرض عدم التشهّد احتمل كونه كغيره؛ لعدم تحقّق الخروج.

قلنا: الظاهر من القائل بندب التسليم أنّ الخروج من الصلاة لا يتحقّق بمجرّد الفراغ من التشهّد بل لابدّ معه من معه من أحد أُمور ثلاثة: إمّا نيّة الخروج، أو فعل المنافي، أو التسليم وإن لم يكن واجباً.

وحينئذٍ تتجّه مساواته لغيره حيث لم يتحقّق ذلك؛ لأنّ الفرض كونه متوهّماً أنّه في الصلاة لم يخرج منها بعدُ.

ولو ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في الصحّة؛ لعدم كون زيادة هذا القيام مُبطلة، فيجلس ويسجد للسهو لمكان الزيادة. والنصّ ورد على زيادة ركعة فيمكن اختصاص الحكم بها قصراً له على مورده و تعديته إلى الزائد؛ لما ذكر، وهو اختيار المصنّف.

ص: 300


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 104 ؛ البيان، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 412 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 310، المسألة 339.
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 242، المسألة 299 نهاية الإحكام، ج 1، ص 504 قواعد الأحكام، ج 1، ص 279؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 191، المسألة 109

لكن يبقى في ذلك بحث وهو أن المصنّف(1) وغيره(2) حكموا بأنّ من أتمّ صلاته التي يجب عليه قصرها ناسياً، وذكر في الوقت يُعيد الصلاة مع أنّه في الحقيقة من أفراد المسألة غايته زيادة ركعتين، وقد ورد النصّ والفتوى بوجوب إعادته في الوقت، وهو ينافي التعدية هنا إلى مازاد على ركعة ولا مخلص منه إلّا بأحد أُمور: إمّا القول باختصاص الحكم هنا بركعة، أو برفع الحكم أصلاً كما اختاره الأكثر، أو اختصاص الحكم بغير المسافر جمعاً بين الأخبار. وفيه سؤال الفرق مع اتّحاد السبب، بل حكم المسافر أقوى؛ لأنّ الحكم ثابت له وإن تشهّد آخر الصلاة بالفعل.

(العاشر: عدم حفظ) الركعتين (الأُولتين) من الرباعيّة.

وليس في هذه تكرار لما سلف في السادسة من الشكّ في الأُولتين، بل هي أعمّ من تلك مطلقاً، فإنّ الشكّ يقتضي حصول الاعتقاد في الركعتين مع عدم الترجيح على أحد تفسيريه وعدم الحفظ أعم منه؛ الصدقه معه، ومع عدم الاعتقاد أصلاً، وذلك كافٍ في عدم التكرار والاحتياج إلى إعادتها، فإنّ الخاصّ لا يستلزم العامّ بخلاف العكس.

نعم، لو فسّر الشكّ بأمرٍ عدمي وهو سلب الاعتقادين عن النقيضين مع حضورهما بالبال توجّه التكرار.

والفرق بينها وبين الخامسة أنّ موضوع هذه الركعتان وتلك الركعات وأحدهما غير الآخر.

(الحادي عشر: إيقاعها قبل) دخول (الوقت) مع التعمّد مُطلقاً، وكذا مع ظنّ دخوله وله طريق إلى العلم ومع النسيان والظنّ حيث لا طريق له إلى العلم ولم يدخل

ص: 301


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 206: الدروس الشرعية ، ج 1، ص 133؛ البيان، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12)
2- منهم: الحلبي في الكافي في الفقه، ص 116؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 537، المسألة 395.

الوقت وهو فيها صحّت مع الظنّ ومع النسيان قولان(1).

واختار المصنّف إلحاقه بالعامد؛ لأنّ الوقت سبب في الوجوب فلا يتقدّم عليه والآخر تابع له خرج عنه الظانّ؛ للنصّ(2) عليه، فيبقى الباقي على أصله ولتفريطه بعدم التحفظ مع قدرته عليه(3).

(الثاني عشر: إيقاعها في مكان أو ثوب) في حالة كونهما (نجسين) أو موصوفين بذلك. و يجب تقييد نجاسة المكان بمسجد الجبهة، أو تقييد النجس بالنجاسة المتعدّية على وجه لايُعفى عنها، إذ لا تضرّ نجاسة غير مسجد الجبهة إذا لم تتعدّ، أو تعدّت على وجه يُعفى عنه كقليل الدم أو إلى ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده، كما تقدّم تفصيله(4). وتقييد نجاسة الثوب بما لا يعفى عنها مع إمكان إزالتها، كما سلف(5).

(أو) إيقاعها في مكان أو ثوب (مغصوبين) بغير إذن المالك (مع سبق العلم)(6) بالنجاسة والغصب وإن نسيهما حال الصلاة، كما يقتضيه إطلاق العبارة فيعيد ناسي النجاسة والغصب في الوقت وخارجه على أصحّ الأقوال، وخرج به الجاهل بالأصل، فلا ينافي أحدهما صلاته على حدّ ما ينافي العالم والناسي، وإن كان الأصحّ وجوب الإعادة على جاهل النجاسة في الوقت جمعاً بين الأخبار المتعارضة فيه.

وهذا بخلاف جاهل غصبيّة ماء الطهارة فإنّه لا يُعيد مطلقاً كما تقدّم؛ لعدم المعارض

ص: 302


1- ذهب إلى القول بالصحة أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 138؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذب، ج 1، ص 72؛ وذهب إلى القول بالبطلان السيّد المرتضى في جوابات المسائل الرسيّة الأُولى (ضمن رسائل الشريف المرتضى)، ج 2، ص 350
2- الكافي، ج 3، ص 286 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 11؛ الفقيه، ج 1، ص 222، ح 666؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 35 . ح 110.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 295 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
4- تقدّم في ص 187.
5- تقدّم في ص 187.
6- في «ش 2 ، ش3»: تقدم علمه

لدليل العفو عن الجاهل فيه، بل عدم الخلاف فيه ومختار المصنّف عدم الإعادة هنا على الجاهل بالنجاسة والغصب مُطلقاً(1)، وهو مناسب لإطلاق التقييد.

واعلم أنّ الشارح المحقّق ادّعى الإجماع هنا على عدم إعادة ناسي الغصب بعد خروج الوقت، وأنّ الخلاف إنّما وقع في إعادته في الوقت خاصّة أو عدم الإعادة مطلقاً(2).

وهذه دعوى غريبة من مثل هذا المحقّق فإنّ الخلاف في ذلك مشهور حتّى أنّ العلامة في أكثر كتبه اختار إعادة الناسي مطلقاً(3)، ولتحقيق المسألة محلّ آخر تحريراً ودليلاً.

(وكذا) القول في (البدن) بمعنى منافاة نجاسته للصلاة مع سبق العلم.

والمشبّه به في السابق المشار إليه ب_«ذا» هو حكم نجاسة الثوب بتفصيله السابق، وتقييده بكون النجاسة غير معفوٍّ عنها.

وربما قيل: إنّ الحكم المشبّه به هو حكم النجاسة والغصب معاً، ومثّل الغصب في البدن بالعبد الآبق والزوجة الناشز فإنّهما غاصبان لبدنهما(4)، وهو في الزوجة فاسد بغير شُبهة؛ لأنّ بدنها ليس ملكاً للزوج وإن وجب عليها التمكين للاستمتاع.

والذي يدلّ على فساده في العبد أيضاً أنّه لو تمّ لبطلت صلاته مع سعة الوقت وضيقها وهو خلاف الإجماع، وقد عدّهما الأصحاب في باب السفر من العاصي بسفره فلا يقصّران، بل يتعيّن عليهما الإتمام وهو صريح في فساد ما زعموه من بطلان صلاتهما.

ص: 303


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 99 وج 2 ص 396 الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 48؛ البيان، ص 91 و 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5، 9.6 و 12)
2- شرح الألفيّة، ص 158 - 159 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 477، المسألة 125؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 378؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 258
4- حكاه المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 159 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7) عن بعض القاصرين

واستدلّ الشارح على فساده أيضاً بأنّ الغصب نسبة تستدعي غاصباً ومغصوباً منه(1).

وفيه: أنّ المغايرة الاعتباريّة كافية في مثل ذلك في العقليّات والشرعيّات وهو كثير.

(الثالث عشر: منافاتها لحقّ آدمي مُضيَّق) بالبناء للمفعول صفة للحقّ.

والمراد ب_ «المضيَّق» المأمور بأدائه على الفور كردّ الوديعة المطالب بها، ووفاء الدين كذلك مع القدرة وردّ العين المغصوبة وأداء الزكاة والخمس وإن لم يُطالب صريحاً؛ لأنّ المُستحقّ مطالب في المعنى.

ومعنى منافاتها له عدم إمكان الجمع بينهما في حال الصلاة، فلو أمكن لم تبطل كلّ ذلك مع سعة الوقت.

امّا مع تضيّقه، فلا منافاة؛ لأنّها ذات الوقت بالأصالة مع احتمالها (على قول) خرّجه بعض المتأخّرين مع اعترافهم بعدم النصّ عليه من أنّه مأمور بقضاء الحقّ على الفور. فيكون منهيّاً عن أضداده التي من جملتها الصلاة إذا استلزمت المنافاة، والنهي في العبادات مفسد.

وهو مأخذ ضعيف، فإنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي النهي عن ضدّه العام الذي هو النقيض، لا الخاصّ كالصلاة وإن كان العامّ لا يتقوّم إلّا بالأضداد الخاصّة؛ لإمكان الكفّ عن الأمر الكلّى من حيث هو كلّى فإنّ الأمر بالكلّى ليس أمراً بشيء من جزئيّاته وإن توقّف عليها من باب المقدّمة على ما اختاره المحقّقون من الأُصوليّين(2).

نعم، روي أنّ مانع الزكاة لا تُقبل صلاته(3)، ولا دلالة فيها على محلّ النزاع، فإنّ القبول كثيراً ما يستعمل منفكّاً عن الإجزاء وإن كان قد قال الإجزاء وإن كان قد قال جمع من الأُصوليّين

ص: 304


1- شرح الألفيّة، ص 159 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- انظر المعتمد في أصول الفقه، ج 1، ص 97
3- الكافي، ج 3، ص 506 ، باب منع الزكاة، ح 23؛ الفقيه، ج 4، ص 358، ح 5765

بتلازمهما(1)، ويُطلق على الفرد الكامل من العبادة كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(2) مع الإجماع على أنّ عبادة غير المتّقي صحيحة إذا اجتمعت على ما يُعتبر(3) فيها غير التقوى.

وحديث «إنّ من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها إلى العشر، وأنّ منها لما يلفّ كما يلفّ الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها»(4)، صريح في الانفكاك؛ للإجماع على أنّ الصحّة لا تتبّعض في الصلاة ، وحكاية المصنّف له قولاً يشعر بتوقّفه فيه كما هي عادته، ولا ريب أنّه أحوط وأبلغ في الزجر عن المعصية، ومناسب لكفّ الخلق على التوتّب على الحقوق الماليّة.

(الرابع عشر: البلوغ في أثنائها) بالسنّ، ويتحقّق ذلك بإكمال السنة الخامس عشرة في الذكر، وبإكمال التسع في الأُنثى في أثناء الصلاة، فإنّها تبطل حينئذٍ، بناءً على أنّ عبادته قبل البلوغ تمرينيّة أو مندوبة، فلا تجزئ عن الواجب وإن سوّغنا له نيّة الوجوب كما اختاره المصنّف في الذكرى(5)؛ لأنّ المقصود به وقوع التمرين موقعه، لا الوجوب المتعارف.

وأمّا فرض البلوغ بالإنبات، فممكن في قدرة الله تعالى، لكنّه فرض بعيد.

أمّا البلوغ بالإمناء، فليس من هذا الباب؛ لأنّه من النواقض، فيدخل في المسألة الأُولى من المنافيات.

هذا كلّه، (إذا بقي من الوقت قدر الطهارة) الواجبة عليه حينئذٍ من وضوء أو

ص: 305


1- انظر المعتمد في أُصول الفقه، ج 1، ص 197
2- المائدة (5): 27
3- في «ش د» جمعت ما يعتبر
4- عوالي اللآلي ، ج 1، ص 411 ، ح 78 : القواعد والفوائد، ص 322 - 323 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15)؛ الفروق، القرافي، ج 2، ص 53
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 223 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

غسل، (و) قدر (ركعة) من الصلاة بحسب حاله من خفّة أو بطء وغيرهما وإلّا لم تبطل ؛ لعدم وجوبها عليه.

ويمكن فرض كون الطهارة المذكورة غسلاً بأن يجامع قبل البلوغ، فإنّه يجب عليه الغسل بعده، كما يجب عليه الوضوء بالحدث السابق بِناءً على أنّ الأحداث المقرّرة من قبيل الأسباب التي هي من باب خطاب الوضع، وهي لا تتوقّف على التكليف، وإنّما تأخّر المسبّب عنها؛ لأنّ وجوب الغسل من باب خطاب الشرع المشروط بالتكليف فإذا بلغ وجب عليه الغسل بالسبب السابق. ويستفاد من قوله: «قدر الطهارة» أنّه يجب عليه إعادة الطهارة أيضاً لعين ما ذُكر ونبّه بذلك على خلاف الشيخ حيث حكم في أحد قوليه بالإتمام؛ بناءً على أنّ عبادته شرعيّة لأمر الوليّ بأن يأمره(1).

وجوابه: أنّ الأمر بالأمر ليس أمراً، وتحقيقه في الأُصول.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأُنثى، خلافاً لظاهر المحقّق حيث خصّه بالصبيّ(2)، وحمله على إرادة المثال أولى من جعله قولاً.

وفي بعض النسخ: (وهذه) المسائل الأربع عشرة (منافيات للصلاة وإن كانت سهواً) وما سيأتي من المنافيات مخصوص بحالة التعمّد، كما نبّه عليه بقوله في أوّل كلّ مسألة: (تعمّد كذا). وهذه الكلمات مكتوبة في النسخة المقروءة على المصنّف، وعليها خطّه وقد ضرب عليها، ووجه الضرب دلالة السياق على ما دلّت عليه، فإنّه أطلق فيما تقدّم كون المذكور منافياً، وقيّد فيما بقي بحالة العمد وهو صريح في إرادة الإطلاق.

(الخامس عشر : تعمّد وضع إحدى اليدين على الأُخرى) وهو المسمّى بالتكفير.

ص: 306


1- المبسوط، ج 1، ص 113؛ الكافي، ج 3، ص 409، باب صلاة الصبيان و..... ح 1: الفقيه، ج 1، ص 280، ح 861: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 380، ح 1584
2- شرائع الإسلام، ج 1، ص 53

وإطلاق الوضع يقتضي عدم الفرق بين كون اليمين على الشمال أو بالعكس، وبين كون الكفّ على الكفّ أو على الزند وبين كونهما موضوعتين فوق السرة أو تحتها.

والأمر فيه كذلك عملاً بإطلاق النهي في الخبر(1) وإن كان مذهب المخالف مخصوصاً ببعض هذه الأحوال، وهذا هو المشهور ، بل ادّعى عليه الشيخ(2) والمرتضى (رحمهما الله) الإجماع(3)، وخبر الواحد مقبول في نقله، وقد ورد النهي عنه في أحاديث(4)، وليست العلّة كونه فعلاً كثيراً، بل النصّ والإجماع، فإنّ المخالف منّا نادر معلوم النسب، فلا يقدح خلافه.

وإنّما يحرم التكفير وتبطل الصلاة مع التعمّد (الغير تقيّة) أمّا معها فيجوز، بل يجب عند ظنّ الضرر بتركها وإن كانت عندهم سنّة. ولو تركه معها قيل: كان كترك الغسل في مسح الوضوء فتبطل الصلاة؛ لتحقّق النهي كما يبطل الوضوء.

وفيه نظر؛ لأنّ النهي هنا عن وصف خارج عن أفعال الصلاة بخلاف مسألة الوضوء، فإنّ النهي فيه متعلّق بركن من أركانه، فلا تبطل الصلاة بتركه هنا وإن بطل الوضوء ويجب معها فعله على الوجه المطلوب عندهم إذا لم يتأدّ بدونه.

(السادس عشر : تعمّد الكلام بحرفين) فصاعداً، والمراد بالكلام هنا جنس ما يتكلّم به، فيقع على الكلمة الواحدة، وهي صادقة على المركّب من حرفين فصاعداً، ويُلحق(5) به ما أُفهم من الأفعال المعتلّة الطرفين إذا أُمِرَ منها، وإن بقيت الكلمة على حرفٍ واحدٍ مثل «قِ» و «عِ» و «شِ» و «دِ» أمر من «وقی» و «وعی» و «وشی» و «ودى»؛ لصدق اسم الكلام عليه لغةً وعرفاً، بل هو كلام عند أهل العربيّة فضلاً

ص: 307


1- الكافي، ج 3، ص 336 - 337، باب القيام والقعود في الصلاة ، ح 9 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84، ح 309.
2- الخلاف، ج 1، ص 321، المسألة 74
3- الانتصار، ص 41 المسألة 39
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84، ح 310.
5- في (ع)» وألحق

الكلمة؛ لتضمّنه الإسناد. ولا يُلحق به الحرف الواحد اتّفاقاً وإن سمّي كلمة.

ولا فرق في البطلان بالحرفين بين كونهما مستعملين لغةً لمعنى أو مهملين، ولابين كون ذلك لمصلحة الصلاة أو غيرها، أو لا لمصلحة حتّى لو تحقّقا من التنحنح وغيره ممّا يسوغ فعله في الصلاة بطلت على المشهور، ومثله الحرف بعده مدّة وهي الحاصلة من إشباع الضمّ أو الفتح أو الكسر على حرف المدّ فإنّ المدّة إمّا ألف أو واو أو ياء، وتسميتها مدّة لا يخلّ بكونها حرفاً مضافاً إلى الحرف الممدود، كذا قرّره المصنّف(1) وجماعة(2) واختاروه.

وفيه نظر، فإنّ النصّ ليس وارداً بإبطال الصلاة بالحرفين على الخصوص، وإنّما ورد على الكلام(3) كما يعلمه مَن اعتبر مستند الحكم.

وحينئذٍ نقول: الكلام إن أُخذ بالمعنى المصطلح عليه بين أهل العرف الخاصّ وهو أهل العربيّة، لم يتمّ الحكم بكون الحرفين الخارجين من التنحنح وشبهه مبطلين للصلاة لاشتراط الدلالة والوضع في الكلمة، فضلاً عن الكلام وهما ليسا موضوعين لمعنى ولا دالّين عليه، بل إن دالّاً على شيء فإنّما هي دلالة طبيعيّة، لا وضعيّة لفظيّة كدلالة «أُخ» على أذى الصدر. وأمّا الحرف بعده مدّة، فمنه ما هو كذلك مثل «عا» «كا»، ومنه ما هو موضوع لمعنى مثل «با» «تا» «ثا» علماً على الحروف المخصوصة، فلا يصحّ الحكم عليه بكونه مبطلاً على الإطلاق، ولاغير مبطل.

وإن أُخذ بالمعنى اللغوي فليس فيه مايدلّ على خلاف ذلك، فالمصير إليه متعيّن، ومقتضاه حينئذٍ عدم البطلان بما يخرج من الحرفين بسبب التنحنح والنفخ ونحوهما.

ومثله الحرف بعده مدّة إذا لم يكن دالّاً على شيء بالوضع؛ لأنّه لا يُعدّ كلاماً، وبه

ص: 308


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 394(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 342
3- الكافي، ج 3، ص 365، باب ما يقطع الصلاة من الضحك ... . ح 9؛ الفقيه، ج 1 ، ص 354 ، ح 1030، وص 366 - 367 . ح 1058

جزم العلّامة في التذكرة(1) والنهاية(2)، وفي بعض الأخبار دلالة عليه(3). ولا يرد مثله في الكلمات المهملة المشتملة على أحرف كثيرة كديز؛ لأنّها تسمّى كلاماً في العرف العامّ وإن لم يكن كلاماً في الاصطلاح وهو كافٍ في البطلان.

وأمّا ما يُطلق عليه اسم الكلمة في الاصطلاح مع عدم اشتماله على حرفين، فيمكن استناد عدم البطلان فيه إلى الإجماع، ولولا ذلك أمكن القول بإبطاله، فتأمّل.

وإنّما يُبطل الصلاة تعمّد الكلام إذا كان (غير قرآن ولادعاء)، فلو كان أحدهما لم يضرّ وإن قصد به إفهام الغير إذا ضمّ إليه قصد التلاوة والدعاء، كقوله للمستأذن عليه: «ادْخُلُوهَا بِسَلَمٍ»(4)، ولو قصد مجرّد الإفهام بالدعاء بطل، وفي القرآن وجهان.

ويشترط كون المطلوب بالدعاء ،مباحاً، فتبطل بالمحرّم وإن جهل الحكم. وكذا القول في جميع منافيات الصلاة. ولو جهل كون المطلوب حراماً ففي إبطاله وجهان، واختار المصنّف في الذكرى الصحّة(5) والظاهر أنّ المُكره على الكلام متعمّد فتبطل الصلاة به وإن انتفى الإثم.

(ومنه) أي ومن الكلام المنافي للصلاة (التسليم) في غير محلّه فتبطل به الصلاة؛ لأنّه ليس بقرآن ولا دعاء.

(السابع عشر: تعمّد الأكل والشرب) وتتحقّق المنافاة بمسمّاهما، كما هو مقتضى إطلاق العبارة، فتبطل منهما الصلاة ما يبطل الصوم وبه صرّح جماعة من الأصحاب(6).

ص: 309


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 284 ، المسألة 323
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 516
3- الفقيه، ج 1، ص 370 ، ح 1078
4- الحجر (15): 46
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 394 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
6- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 173؛ والخلاف، ج 1، ص 413 المسألة 159؛ والعلامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 281

والأصحّ اعتبار الكثرة فيهما عرفاً؛ وفاقاً للمصنّف في غير الرسالة(1)، فلا يضرّ از دراد ما بين الأسنان، ولا تذويب سُكّرة وَضَعَها في فمه قبل الصلاة، فلا خصوصّية حينئذٍ للأكل والشرب بل الفعل الكثير.

ولو وضع لقمة وابتلعها أو تناول قُلّة(2) وشرب منها، فقد قال العلّامة في التذكرة ببطلان الصلاة مع حكمه باعتبار الكثرة؛ محتجّاً بأنّ تناول المأكول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة، وكذا المشروب(3)، وحيث اعتبرنا الكثرة عرفاً فهو المحكّم في أمثال ذلك.

ولو فعل ذلك ناسياً لم تبطل مطلقاً إجماعاً، نعم، لو أوجب محو صورة الصلاة رأساً احتمل قويّاً البطلان وكذا القول في الفعل الكثير، وهذا الحكم ثابت في جميع الصلوات (إلّا في) صلاة (الوتر لمريد الصيام) صبيحة تلك الليلة (وهو عطشان)، ويخاف فجأة الصبح قبل إكمال غرضه من الوتر ودعائه، رواه سعيد الأعرج عن الصادق علیه السلام(4).

ويُشترط أيضاً أن لا يفعل ما ينافي الصلاة غير الشرب من استدبار أو فعل كثير؛ اقتصاراً على مورد الرخصة.

نعم، جوّز في الرواية السعي له خطوتين أو ثلاثاً فإمّا أن يقيّد بعدم استلزامه الفعل الكثير كالخطوات الخفيفة جدّاً، أو يستثنى من المنافيات الفعل الكثير بالمشي المنصوص لا مطلق الفعل ولا المشي.

ولا فرق في الصوم بين الواجب والندب، ولا بين الفعل في حال القنوت وغيره وربما أوهم استثناء الوتر في الرسالة خروجها عن موضوعها من واجبات الصلاة ويمكن حمل الوتر هنا على الواجب بنذر وشبهه؛ ليتمّ الغرض، ولا يخرجه الوجوب عن جواز ذلك بعد ورود النصّ؛ حملاً لم في «الوتر» على الاستغراق أو الجنس

ص: 310


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 389؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 107؛ البیان، ص 177) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
2- القُلّة: إناء للعرب كالجرَّة الكبيرة الصحاح، ج 3، ص 1804، «قلل»
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 292، المسألة .328
4- الفقيه، ج 1، ص 494، ح 1423؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 329، ح 1354

المُفيدين للعموم والإطلاق، وعملاً بالاستصحاب.

(الثامن عشر: تعمّد القهقهة) وهي الضحك المشتمل على الصوت، ويكفي في منافاتها عمداً مسمّاه ومن ثمّ أطلق.

واحترز بالعمد عمّا لو وقعت نسياناً فإنّها لا تبطل إجماعاً، ولو صدرت على وجهٍ لا يمكن دفعها أبطلت أيضاً؛ وفاقاً للمصنّف في الذكرى(1)، وإن انتفى الإثم. ولا يُبطل التبسّم، وهو ما لا صوت فيه منه وإن كره.

(التاسع عشر: تعمّد البكاء لأُمور الدنيا) كذهاب مال وفقدِ حيٍّ.

واحترز بالعمد عمّا لو وقع نسياناً فإنّه لا يُبطل، ولو وقع على وجه لا يمكن دفعه أبطل أيضاً، كما مرّ.

وب_ «الدنيا» من البكاء لأُمور الآخرة، كخشية الله تعالى، وذكر الجنّة والنار، فإنّه من أفضل الأعمال - كما ورد في الخبر(2) - ولو مثل رأس الذباب(3) إذا لم يشتمل على كلام ليس بقرآن ولا دعاء، كقوله: «آه» من خوف النار وإلّا أبطل أيضاً. والمائز بين الأمرين القصد وعدمه حتّى لو تجرّد عن قصد الآخرة أبطل وإن لم يقصد غيرها.

واعلم أنّ البُكاء المُبطل للصلاة هو ما كان معه انتحابٌ وصوتٌ، لا مجرّد خروج الدمع مع احتمال البطلان ،به ووجه الاحتمال اختلاف معنى البُكاء لغة مقصوراً وممدوداً، والشكّ فى إرادة أيّهما من الأخبار. قال الجوهري:

البكاء يُمَدِّ ويُقصَر، فإذا مَدَدت أردتَ الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرتَ أردتَ الدموع وخروجها(4).

ص: 311


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1294؛ الاستبصار، ج 1، ص 408، ح 1558
3- انظر عدّة الداعي، ص 206
4- الصحاح ، ج 4، ص 2284، «بكى».

ووجه ترجیح أحد المعنيين أصالة الصحّة والشكّ في البطلان مع الدمع خاصّةً فيقتصر على المتيقّن وإن كان الأصل عدم المدّ.

(العشرون: تعمّد ترك واجب(1)) من واجبات الصلاة (مطلقاً) ركناً كان أم غيره، فتبطل صلاة تارك الواجب عمداً وإن كان جاهلاً بالحكم؛ لضمّه جهلاً إلى تقصيره (إِلّا الجهر والسرّ) في مواضعهما، (فيُعذر الجاهل فيهما)؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام(2).

والاستثناء في العبارة مُتّصل؛ لأنّ جاهل الحكم من أقسام العامد، وإنّما عقّبه بقوله: «فيعذر الجاهل فيهما» لئلّا يتوهّم عموم العذر لتاركهما مطلقاً كالمستثنى منه.

وناسي الحكم كجاهله هنا؛ لظاهر الخبر.

وخرج بالتعمّد ناسي أصل الواجب، فإنّ تركه كذلك ليس بمنافٍ مطلقاً، بل قد يكون كذلك كناسي الركن وبعض الشرائط كالطهارة، وقد لا يكون كذلك كناسي القراءة وأبعاضها، وقد يختلف في حكمه كناسي الستر، فإخراجه لبيان كونه غير منافٍ مطلقاً.

وخرج أيضاً جاهل الأصل فإنّه قد يعذر أيضاً كالجاهل بغصبيّة الماء المباح ظاهراً، وقد لا يعذر كالجاهل بنجاسته.

(الواحد والعشرون: تعمّد الانحراف) بالبدن (عن القبلة) بحيث يخرج عن سمتها وإن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار لا إن كان بوجهه خاصّةً، فإنّه مكروه إذا لم يبلغ حدّ الاستدبار.

واحترز بالعمد عمّا لو انحرف ناسياً، فإنّه لا يبطل إن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، وإلّا أعاد في الوقت خاصّةً، أو يستدبر فالوجهان، وقد تقدّم تفصيله.

ص: 312


1- فى «ش 2 ، ش 3» الواجب
2- الفقيه، ج 1، ص 344، ح 1004؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 147، ح 577: الاستبصار، ج 1، ص 313 ح 1163

وإنّما فصّل المسألة فى الموضعين؛ لمناسبة شقّيها للقسمين، فإنّ الاستدبار منافٍ مطلقاً، واليمين واليسار منافٍ مع ذكره في الوقت مطلقاً فناسب ذكرهما في القسم الأوّل، والانحراف اليسير منافٍ مع العمد خاصّةً فناسب ذكره هنا، فكان كالتتمّة لما سبق.

(الثاني والعشرون: تعمّد زيادة واجب مطلقاً) ركناً كان أم غيره من الأفعال، أمّا الكيفيّة، فزيادتها غير مُبطلةٍ ما لم يخرج بها عن كونه مصلّياً، كزيادة الطُمأنينة.

(الثالث والعشرون : تعمّد الرجل عقص شعره) وهو جمعه في وسط الرأس وشدّه. واحترز ب_ «الرجل» عن المرأة، فلا ينافي فعلها ذلك للصلاة إجماعاً. وفي إلحاق الخنثى بها وجهٌ؛ لأصالة البراءة.

ومستند الحكم ورود النهي عنه في أخبار ضعيفةٍ، وفي بعضها تصريحٌ بإعادة الصلاة(1)، لكن الشيخ في الخلاف نقل الإجماع على تحريمه(2)، فإن ثبت فهو الحُجّة لكن لا يدلّ على الإبطلال لأنّه أعمّ. ولو فرض منعه شيئاً من واجبات الصلاة توجّه التحريم لذلك لا لكونه عقصاً فهو خلاف موضع النزاع وإن أمكن حمل الأخبار عليه أو على الكراهة الشديدة.

(الرابع والعشرون: تعمّد وضع إحدى الراحتين على الأُخرى) في حال كون المصلّى (راكعاً) ثمّ إدخالهما (بين ركبتيه، ويسمّى) هذا الفعل (التطبيق)، ومنافاة هذين الأمرين ثابت (على خلافٍ فيهما)، ومنشأ الخلاف من النصّ الدالّ عليها(3)، ومن

ص: 313


1- الكافي، ج 3، ص 409، باب الرجل يصلّي وهو متلثم أو.... 5؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232 - 233 ح 914
2- الخلاف، ج 1، ص 510 المسألة 255
3- قرب الإسناد، ص 208 ، ح 809 : الجامع الصحيح، ج 2، ص 43 - 44، ح 258.

ضعف مستنده. والأقوى الكراهة فيهما، وأقلّ ما في الثاني أنّه مخالف للهيئة المستحبّة في وضع اليدين فيكون مكروهاً، وهذا القدر صالح للأمر بتركه. وعلى تقدير التحريم لا تبطل العبادة، فإنّ النهي عن وصف خارج مع احتماله كالكتف(1).

(الخامس والعشرون: تعمّد كشف العورة في قولٍ) قويّ مشهور، واحترز بالعمد عمّا لو انكشفت سهواً، فإنّه لا يبطل الصلاة مطلقاً لصحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي وفرجه خرجٌ لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله ؟ قال : «لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته»(2).

والجملة في قوله في الرواية: «وفرجه خارج إلى آخره» حاليّة من المصلّي المذكور، والمراد به أنّه صلّى في تلك الحالة وهو يشمل جميع الصلاة بتلك الحالة، ففي أبعاضها أولى.

فتفصيل الشارح المحقّق بالبطلان مع نسيان أصل الستردون ما لو نسيه في بعض الصلاة غير جيّد. والاستدلال بأنّ الشرط مُطلق الستر لا الستر في جميع الصلاة(3) ليس على إطلاقه، بل هو شرط مطلقاً مع العلم لابدونه، كما دلّت عليه الرواية.

نعم، يجب عليه المبادرة إلى الستر حين العلم بالانكشاف في أثناء الصلاة، فإن أخلّ به عمداً بطلت حينئذٍ.

(ومنهم) أي من الأصحاب (مَن أبطل) الصلاة (يه) أى بكشف العورة (مطلقاً) في حالة العمد والسهو في جميع الصلاة وبعضها، والقائل بذلك ابن الجنيد(4)، إلّا أنّه أوجب الإعادة في الوقت خاصّةً ؛ بناءً على أنّ الستر شرط في الصلاة، وفوات الشرط يستلزم

ص: 314


1- في هامش «ع»: كالكتف بالتاء المثنّاة من فوق «كذا بخطّه (رحمه الله)»
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 216، ح 851
3- شرح الألفيّة، ص 165 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 115، المسألة 56

فوات المشروط كالطهارة والخبر(1)حجّة عليه.

ومنه يظهر أنّ الشروط ليست على وتيرة واحدة، بل منها ما هو شرط مطلقاً وهو الطهارة، ومنها ما هو شرط مع العلم والاختيار خاصّةً وهو الستر، ومنها ما هو شرط مع العلم مطلقاً مطلقاً ومع عدمه إذا صادف جزءً مخصوصاً من الصلاة كالوقت، ومنها ما هو شرط مع الاختيار خاصّة كالقبلة، ومستند جميع ذلك النصوص.

(صار جميع ما يتعلّق ب)- الصلوات (الخمس) من الواجبات المتقدّمة والمقارنة والمنافية (ألفاً وتسعةً) بإضافة الستّين المتقدّمة إلى التسعمائة والأربعة والعشرين المقارنة، ثمّ إلى الخمسة والعشرين المنافية يبلغ ذلك. وإطلاق الواجب على المنافي باعتبار وجوب تركه، وإلّا فإدخاله في العدد ليس على وجه الحقيقة.

ويمكن أن يريد بالتعلّق أعمّ من الواجب فتكون الواجبات ما عدا المنافيات والمتعلّق بها هو الجميع.

(ولا يجب) على المكلّف (التعرّض للحصر) بمعنى جمعها على وجه يبلغ العدد المذكور عن ظهر القلب أو من كتاب، فإنّ ذلك غير واجب (بل يكفي المعرفة بها) بحيث يعلم حكم كلّ واحد منها متى أراده.

(والله الموفّق) أي جاعل الأسباب متوافقة موجّهة نحو المسبّبات.

ص: 315


1- أي خبر عليّ بن جعفر عن الإمام الكاظم علیه السلام المتقدّم.

ص: 316

(وأمّا الخاتمة)

اشارة

والمراد بها استدراك ما تُرك من الأحكام؛ لعدم انتظامه في الأبواب السابقة. (ففيها بحثان) واحدهما «بحث» وهو اصطلاحاً: القول من حيث إنّه يقع فيه البحث لغةً، وقد يُسمّى «مطلباً» من حيث يطلب بالدليل أو يطلب لينتفع به و «مسألة» من حيث إنّه سُئل عنه:

ص: 317

(البحث الأوّل)

(في) معرفة أحكام الخلل الواقع في الصلاة بسبب الزيادة والنقصان واشتباه الحال (وهو) خمسة (أقسام):

(الأوّل): ما يفسدها) إمّا مطلقاً، أو على وجهٍ مخصوصٍ، كحالة العمد خاصّةً، (وقد ذُكر) في فصل المنافيات.

(الثاني: ما لا يوجب شيئاً) بناءً على المشهور من اختصاص سجود السهو بمواضع محصورةٍ، وإلّا فسيأتي أنّ الأقوى وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة غير مبطلتين، فيجب في جميع هذه المواضع.

(وهو) أي الذي لا يوجب شيئاً (نسيان غير الركن من الواجبات ولم يذكر) المصلّي المدلول عليه بالمقام أنّه لم يفعله، أو لم يُذكر ذلك الفعل - بالبناء للمجهول - (حتّى تجاوز) المصلّي (محلّه) - بالنصب على المفعوليّة - أي محلّ المنسيّ. ويمكن رفعه بجعله فاعل «تجاوز» متضمناً معنى «مضى» ونحوه، وذلك (كنسيان) جميع (القراءة، أو) نسيان (أبعاضها، أو) نسيان (صفاتها) من الإعراب والترتيب والجهر والإخفات والمخرج، ولم يذكر ذلك حتّى صار في حدّ الراكع.

(أو) نسيان (واجبات الانحناء في الركوع) من الذكر فيه وعربيّته وموالاته والطمأنينة بقدره، ولم يذكر حتّى رفع رأسه من الركوع.

ص: 318

(أو) نسي (الرفع) من الركوع (أو) رفعَ ولكن نسي (الطمأنينة فيه) حتّى صار في حدّ الساجد.

(أو) نسي (واجبات الانحناء في السجدتين) من السجود على بعض الأعضاء غير الجبهة والذكر فيه وعربيّته وموالاته والطمأنينة بقدره، ولم يذكر حتّى رفع رأسه من السجود.

وإنّما عبّر بقوله: «واجبات الانحناء» فيهما دون واجبات الركوع والسجود - كما صنع بعضهم - للتنبيه على أنّ بعض واجباتهما لا يتحقّقان بدونه، كالانحناء قدراً تصل کفّاه ركبتيه، وقدر ما تصل جبهته إلى الأرض أو ما في حكمها، فيلزم من نسيان ذلك البعض فوات أصل الركوع والسجود الموجب لبطلان الصلاة بفوات الركن، بخلاف قوله: «واجبات الانحناء» لاقتضائه المغايرة بين الانحناء وواجباته.

(أو) نسي (الطمأنينة في الرفع من) السجدة (الأُولى) حتّى سجد ثانياً، فإنّه لا يلتفت في جميع هذه المواضع.

وبقي هنا مباحث:

الأوّل: مرجع الخلل الموجب للعود إلى الفعل إلى ما نصبه الشارع محلّاً، وهو ما بيّنّاه في محلّه.

ولا ينضبط تجاوزه بالدخول في ركن بعده وإن صحّ ذلك في نسيان القراءة حتّى ركع، ونسيان السجدة والتشهّد حتّى ركع أيضاً، ونسيان الرفع من الركوع وواجبه حتّى سجد؛ لانتقاضه بناسي واجبات الانحناء في الركوع ثمّ يذكر بعد الرفع منه.

ولا فيما يستلزم العود إلى المنسي زيادة ركن وإن صحّ في نسيان القراءة وواجباتها حتّى ركع وفي نسيان واجبات الانحناء في الركوع حتّى قام، وفي نسيان التشهّد و نحوه حتّى ركع؛ لانتقاضه بنسيان واجبات سجدة واحدة حتّى قام، فإنّها ليست ركناً على المشهور كما مرّ، ومثله نسيان الرفع أو واجباته حتّى وضع جبهته في السجدة الأولى، نعم يتمّ الثاني على القول بركنيّة السجدة الواحدة، وقد مضى تحقيقه.

ص: 319

ويمكن أن يجتمع من ذلك أنّ المراد بالمحلّ ما لا يستلزم استدراكه زيادة ركن أو سجدة.

الثاني: مقتضى إطلاق نسيان القراءة وأبعاضها وصفاتها حتّى تجاوز محلّه أنّ محلّها واحد وهو الركوع وهو كذلك في غير الجهر والإخفات، أمّا هما، ففي وجوب إعادة القراءة لو ذكرهما قبل الركوع قولان أصحّهما - وهو مختار المصنّف في البيان(1) - عدم الإعادة؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام في رجل جهر في ما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى: «إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلاشيء عليه»(2)، فإنّها دالّة بإطلاقها على عدم الالتفات مطلقاً، كما أنّها تدلّ على أنّ الجاهل معذور فيهما . ومن هنا يلزم أنّه لا يجوز العود أيضاً؛ لاستلزامه زيادة الواجب مع الغناء عنه، فلا مجال للاحتياط بالإعادة.

الثالث: قد عرفت أنّ ناسي السجود يرجع إليه ما لم يركع، وأنّ ناسي الطمأنينة بين السجدتين لا يرجع إليها إذا سجد فإنّها ليست ركناً ولكن هل ينزّل نسيان الرفع بين السجدتين منزلة نسيان الطمأنينة فلا يعود إليه متى سجد الثانية أم لا تتحقّق التثنية بدونه؟ إشكال، منشأه عدم تحقّق التثنية صورةً بدونه، وإمكان الفرق بين السجدتين بالنيّة بمعنى أنّه متى سبّح ثانیاً بنیّة السجدة الثانية بعد أن فرغ من الأُولى ذاهلاً عن الرفع فهما سجدتان، والمنسي هو الرفع وواجباته وإن لم تخطر الثانية بباله، فالمنسي السجدة الثانية، فيرجع إليها وإلى الجلوس بينهما إن لم يكن فعله مطمئنّاً ما لم يركع في الثاني دون الأوّل.

وقطع الشارح المحقّق بالعود إلى السجدة في الحالين؛ بناءً على عدم تحقّق التثنية بذلك(3).

(وكذا) لا يوجب شيئاً (زيادة ما ليس بركن) من أفعال الصلاة (سهواً) كما لا يوجب نقصانه.

ص: 320


1- البيان، ص 158 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162، ح 635: الاستبصار، ج 1، ص 313، ح 1163.
3- شرح الاللفیة ص 167( ضمن حیاة المحقّق الکرکی و اثاره، ج7) في «ش»: وفيه نظر

وإنّما قيّدنا «ما» العامّة بكون المراد منها أفعال الصلاة لئلّا يناقض قوله فيما بعد: «و تجبان أيضاً للقيام في موضع قعود وبالعكس» فإنّ زيادة القيام ليست ركناً، إلّا أنّه ليس من أفعال الصلاة.

وكان الأولى استثناء ذينك من المسألة؛ لما في إخراجهما من الحكم على الوجه الذي بيّنّاه من التكليف فإنّه يمكن أن يقال: إن أراد بأفعال الصلاة حقيقة لم تتحقّق زيادة شيء منها؛ لأنّه متى فعله لم يبق المزيد من أفعالها، وإن أراد بها صورة الأفعال ومثلها تحقّقت المثليّة في الأمرين المذكورين، فإنّ القيام والجلوس من جملة الأفعال، فيكون الزائد بصورتها، فكان الواجب استثناءَهُ.

أو يقال: هذا العامّ مخصوص بما سيأتي من الفردين فهو تخصيص بمنفصل وإن بعد، فأوجب اللبس.

(والسهو في موجَب السهو) - بفتح الجيم - وهو ما أوجبه السهو من سجود او صلاة احتياط فلو حصل له سهو في سجدتي السهو كنسيان ذكرٍ وغيره ممّا السجود في غيرهما فلا سجود عليه، ومثله صلاة الاحتياط والسجدة المنسيّة إذا تلافاها بعد الصلاة فسها عن ذكرها، أو عن السجود على بعض الأعضاء غير الجبهة حتّى تجاوز محلّه. ولو تيقّن فِعْلَ أو تَرْكَ ما يبطل كالركن في الموجب بطل. وليس منه ما لو شكّ في فعل فأتى به فشكّ في أثنائه في شيء من واجباته، فإنّ عوده هنا إلى ما شكّ فيه ليس مسبّباً عن السهو، وإنّما اقتضاه أصل الوجوب مع أصالة عدم فعله.

ويجوز استعمال السهو في الشكّ مجازاً، كما ستعلمه فيما سيأتي، فيدخل فيه حينئذٍ ما لو شكّ في عدد سجود السهو أو في ركعتي الاحتياط، فإنّه يبني على الأكثر كما ذكره المصنّف(1) وغيره(2).

نعم، لو استلزم الزيادة بنى على المصحّح، وكذا لو شكّ في فعل من أفعالهما أو

ص: 321


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 121؛ البيان، ص 249 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
2- الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 262؛ وابن فهد الحلّي في المهذب البارع، ج 1، ص 456

أفعال السجدة ،المنسيّة، فإنّه يبني على وقوعه ولو سها عمّا يتلافى كسجدة وتشهّد وجب تلافيه، ولا يجب سجود السهو له.

(أو) السهو (في حصوله) أي حصول السهو.

والمراد بالسهو أوّلاً هنا الشكّ كما مرّ إطلاقاً لاسم السبب على المسبّب، فإنّ السهو سبب فى الشكّ، وكثيراً ما يشتركان في العبارة، والمراد أنّه لو شكّ هل حصل منه سهو أم لا؟

وفي إطلاق السهو على الشكّ وإعادة الضمير إليه على معنى السهو الحقيقي ضرب من الاستخدام، ويجوز إطلاق السهو المُضمر على الشكّ أيضاً ويراد به الشكّ في حصول الشكّ، فإنّه لا يوجب شيئاً أيضاً.

وهذه المعاني كلّها صحيحة وإن توقّف دخولها في العبارة على نوع تكلّفٍ واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

ولو تحقّق وقوع السهو وشكّ في أنّ الواقع هل له حكم أم لا لعدم علمه بعينه؟ لم يلتفت أيضاً. ومثله ما لو علم انحصار السهو في أمرين على البدل أحدهما يوجب حكماً مخصوصاً والآخر لا يوجب شيئاً، وشكّ في تعيين المشكوك فيه، فإنّه في معنى الشكّ في الحصول؛ لأصالة البراءة.

أمّا لو انحصر الحال فيما يتدارك كالسجدة والتشهّد، وجب الإتيان بهما معاً؛ لاشتغال الذمّة قطعاً، وعدم يقين البراءة بدونهما.

ولو انحصر فيما يبطل وما لا يبطل احتمل قويّاً عدم البطلان؛ للشكّ فيه، وأصالة الصحّة. واستقر به المصنّف في البيان(1).

ولو تيقّن السهو الموجب للسجود أو التلافي وشكّ هل فعل موجبه أم لا؟ وجب عليه فعله؛ لأصالة عدمه.

(والسهو الكثير) عادة، وربما تحقّقت بالسهو في ثلاث فرائض متواليةٍ، وبالسهو

ص: 322


1- البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)

في فريضةٍ واحدةٍ أو فريضتين متواليتين ثلاث مرّاتٍ كما ذكره جماعة(1) وهو غير منافٍ للعرف.

ويتحقّق التعدّد في الواحدة بتخلّل الذكر لا بالسهو عن أفعال متعدّدة مع استمرار الغفلة.

ولو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتدّ بها ما لم تتكرّر على وجه توجبها عرفاً، كما لو تكرّر في فريضة معيّنة أيّاماً.

ومعنى عدم وجوب شيء مع الكثرة عدم تعلّق حكم السهو حينئذٍ وكذا الشكّ فلا يجب سجود السهو مع حصوله على وجهٍ يوجبه لولا الكثرة. وكذا يسقط الاحتياط فيما يوجبه لولاها، ويبني على الأكثر في أعداد الركعات مطلقاً ما لم يستلزم الزيادة على المطلوب، فيبني على المصحّح.

فلو شك في فعلٍ بنى على وقوعه وإن كان في محلّه حتّى لو أتى بما شكّ فيه بطلت صلاته؛ لأنّه زيادة في الصلاة عمداً وإن ذكر بعد فعله الحاجة إليه. ولو كان المتروك ركناً لم تؤثّر الكثرة في عدم البطلان، كما أنّه لو ذكر الفعل في محلّه استدركه أوسها عن فعل يتلافى بعد الصلاة تلافاه، ولكن لا يسجد له. ومتى حكم بثبوتها بالثلاث تحقّق الحكم في الرابع، ويستمرّ إلى أن يخلو من السهو والشكّ فرائض يتحقّق فيها الوصف، فيتعلّق به حكم السهو الطارئ، وهكذا فلو سها عن أربع سجدات في رباعيّة تخلّلها الذكر ثلاثاً قضى السجدات جُمع، ولو ذكر قبل الفراغ من الصلاة سجدة واحدةً وأعاد التشهّد، ويسجد لها ستّ سجدات في الموضعين؛ لسقوط السجود للرابعة في الأوّل بالكثرة، واحتمل المصنّف في الذكرى الاجتزاء بسجدتين؛ محتجّاً بدخوله في حيّز الكثرة(2) وليس بواضح، فإنّ اللازم من الكثرة

ص: 323


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 178 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 248؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 323. المسألة 349
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 469 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

وجوب ستّ أو أربع إن قلنا بسقوط الحكم في الثالثة كما ذهب إليه بعض(1).

وهل يعتبر في الثلاث تأثير السهو فيها ليتحقّق الحرج والمشقّة بفعل الموجب، أم يكفي مسمّاه حتّى لو غلب على ظنّه أحد الطرفين وبني عليه حسب من العدد عملاً بإطلاق النصّ؟ وجهان، ويجوز استعمال السهو هنا في الشكّ كما مرّ.

واعلم أنّ في حكمه بعدم وجوب شيء في السهو الكثير مناقشة لطيفة؛ لأنّ السهو الكثير يلتئم من جملة الأفراد الثلاثة التي بها تتحقّق كثرته، فيصدق على مَن سها ثلاث مرّات في فريضة أو فرائض أنّ ذلك منه سهو كثير، فيلزم بمقتضى العبارة أنّ ذلك الكثير لا يوجب شيئاً، وليس هو المراد، بل المراد - كما قد عرفت - سقوط حكم السهو الطارئ بعد تحقّق الكثرة، فكان حقّه أن يقول: «والشكّ بعد تحقّق الكثرة» ونحو ذلك.

ويمكن الاعتذار له بأنّ الشكّ الأوّل مثلاً لمّا لم تتحقّق معه كثرة أوجب ما اقتضاه، سواء فعل موجبه قبل تحقّق الكثرة كما لو وقع السهو الباقي في فريضة أُخرى أم لا.

وكذا القول في الثاني، فلا يسقط هذا الواجب بطروء المُسقط لحكم السهو، فإذا تحقّقت الكثرة سقط الحكم حينئذٍ وتمّ المقصود.

لكن يشكل ذلك بالشكّ الثالث فإنّ الكثرة تحقّقت به، فينبغي أن لا يوجب شيئاً على هذا التقدير وهو خلاف المفروض، وخلاف مختار المصنّف من أنّ الساقط حكمُ ما بعد الكثير(2)، كما دلّت عليه النصوص(3)، وهي سالمة عن هذا التجوّز.

(والشكّ) الحاصل (من الإمام مع حفظ المأموم) عليه (وبالعكس) فيرجع الشکّ منهما والظانّ إلى يقين الآخر، ويرجع الأوّل إلى الظانّ أيضاً.

ص: 324


1- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 248
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 430 - 431: الدروس الشرعية، ج 1، ص 121؛ البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).
3- الفقيه، ج 1، ص 339، ح 991

ولا يشترط عدالة المأموم، ولا تعدّده، ولا اتفاق جميع المأمومين على الحفظ. ولا يتعدّى إلى غيره وإن كان عدلاً إلّا أن يُفيد قوله الظنّ بأحد الطرفين، فيرجع إليه في ذلك لا لكونه حافظاً.

ولو اشترك الشكّ بين الإمام وبعض المأمومين، رجع الإمام إلى الحافظ منهم، ورجع الشاکّ إلى الإمام لا إلى مثله وإن كان المرجع واحداً.

ولو اختلف الإمام والمأموم، فإن جمعهما فيه رابطة رجعا إليها، كما لوشكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، فيرجعان إلى الثلاث؛ لتيقّن الأوّل عدم الزيادة عليها، والثاني النقيصه عنها.

ولو كانت الرابطة شكّاً كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والآخر بين الثلاث والأربع، سقط حكم الاثنتين عن الشاكّ فيهما؛ لتيقّن الآخر الزيادة عليهما، وصارا شاكّين بين الثلاث والأربع.

ولا فرق مع وجود الرابطة بين كون شكّ أحدهما موجباً للبطلان وعدمه، كما لوشكّ أحدهما بين الاثنتين والخمس بعد السجود والآخر بين الاثنتين والثلاث فيرجعان إلى الاثنتين.

ولا تبطل صلاة مَن تعلّق شكّه بالخمس؛ لتيقّن الآخر أنّها ليست خمساً، وتيقّنه أنّها ليست ثلاثاً.

وكذا لو كان شكّ كلّ منهما منفرداً بحكمٍ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والآخر بين الثلاث والأربع والخمس، فإنّهما يرجعان إلى الشكّ بین الثلاث والأربع، ويسقط عن كلٍّ منهما حكم ما اختصّ به من الاثنتين والخمس.

ولو لم تجمعهما رابطة مطلقاً تعيّن الانفراد ولزم كلّاً منهما حكم شكّه، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس.

ولو تعدّد المأمومون واختلفوا هم ،وإمامهم، فالحكم ما أسلفناه في الرابطة وعدمها، فيرجعون جميعاً إليها إن وجدت كما لو شكّ أحدهم بين الاثنتين والأربع والآخر بين

ص: 325

الثلاث والأربع والثالث بين الاثنتين والثلاث والأربع والرابع بين الأربع والخمس، فيرجعون جميعاً إلى الأربع؛ لتيقّن الثلاثة الأُول عدم الخمس، وتيقّن الرابع عدم الاثنتين والثلاث والحكم في الرجوع بواسطة الإمام أو بغير واسطة ما تقدّم.

وإن لم تجمعهم رابطة تعيّن الانفراد، ولزم كلّ واحد منهم حكمه من صحّةٍ وبطلانٍ واحتياط.

وكما لا حكم لشكّ المأموم مع حفظ الإمام كذا لاحكم لسهوه مع سلامة صلاة الإمام عنه، فلا يجب عليه سجود السهو لو فعل ما يوجبه، كما لو كان منفرداً وفاقاً للمصنّف في الذكرى(1) والبيان(2)، بل ادّعى الشيخ عليه الإجماع(3) وإن كان ظاهر الرسالة عدمه. نعم لو ترك مايتلافى مع السجود كالسجدة وجب على المأموم تلافيها دون السجود.

ولو انعكس بأن سها الإمام خاصّة ففي وجوب متابعة المأموم له في السجود قولان أجودهما العدم؛ لضعف مُستند الحكم وإن كانت المتابعة أحوط وفاقاً للشيخ(4).

(أو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه) فإنّه يبني على الطرف الراجح للنصّ فی ذلک عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم(5) والأئمّة علیهم السلام(6).

ولا فرق في ذلك بين الأفعال والركعات، ولابين الأُولتين وغيرهما، ولا بين الرباعيّة وغيرها حتّى لوكان الشكّ موجباً للسجود مع تساوي الطرفين كالشكّ بين الأربع والخمس وغلب ظنّه على الأربع، فلا سجود، ولو غلب على الخمس كان كما لو زاد ركعة آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن قد جلس قبل الركعة الأخيرة بقدر التشهّد.

ص: 326


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 432 - 433 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
3- الخلاف، ج 1، ص 463، المسألة 206
4- المبسوط، ج 1، ص 181
5- سنن الدار قطني ، ج 2، ص 43 - 44، ح 1/1391 - 3/1393؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 382، ح 1211.
6- الكافي، ج 3، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184، ح 733.

ومعنى عدم إيجابه شيئاً على هذا الوجه عدم لحوق أحكام الشكّ له، بل يبني على الطرف الذي تعلّق به الظنّ الغالب سواء استلزم صحّةً أم فساداً.

بقي في المسألة مباحث:

الأوّل: المراد بغلبة الظنّ على أحد طرفي الشكّ أنّ الترجيح المتعقّب للشكّ يرفع حکمه كما يرفع حقيقته؛ إذ لا يمكن اجتماع الشكّ والظنّ على الشيء الواحد؛ لاشتراط الترجيح في الظنّ والتساوي في الشكّ وهما متضادّان، لكن طروء أحدهما على الآخر ممكن وإن ارتفع والواقع هنا كذلك، فإنّ المصلّي إذا شكّ وتردّد في الطرفين وجب عليه التروّي، فإن بقي الشكّ لزمه حكمه، وإن ظنّ أحدهما ورجّحه بنى عليه وارتفع الشكّ. فهذه العبارة أجود ممّا ذكره جماعة في قولهم: «لا حكم للشكّ غلبة الظنّ» لعدم إمكان المعيّة حقيقةً.

لكن يبقى في العبارة أنّ الظنّ بأحد الطرفين لا يتوقّف على سبق الشكّ فيهما، بل قد يحصل الترجيح به ابتداءً. وحينئذٍ فيمكن حمل الظنّ على الشكّ مجازاً، كتسمية الشكّ سهواً؛ لتقارب هذه المعاني، فشرّكوا بينهما في العبارة فيبقى التقدير «لا حكم للشكّ الذي يغلب فيه أحد الطرفين وإن استبعد هذا الحكم» فيبني إطلاق الحكم بالغلبة بعد الشكّ على الغالب من حصول الشكّ أولا، وبالتروّي يحصل الظنّ.

الثاني: التعبير بغلبة الظنّ يقتضي اشتراط ترجيح زائد على أصل الظنّ تحصل به الغلبة، وبذلك عبّر كثير من الأصحاب. والأصحّ أنّ ذلك غير شرط، بل يكفي مطلق الظنّ، وبه صرّح المصنّف في الدروس(1)، ويمكن استفادته من قول الصادق علیه السلام في مستند الحكم: «إذا وقع وهمك على الثلاث فابنِ عليه، وإن وقع وهمك على الأربع فسلّم وانصرف»(2) وغيره من النصوص الكثيرة التي قد عبّر فيها عن الظنّ بالوهم(3)، وهو

ص: 327


1- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184 ، ح 733
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 183، ح 730

أحد معاني الوهم لغةً، فيكفي مُطلق الترجيح.

ولو أُريد بالوهم هنا معناه المُتعارف وهو الطرف المرجوح، لم تكن حقيقته مرادة إجماعاً ، فيصار إلى المجاز أو إلى أقرب المجازات وهو مُطلق الرجحان أو أوّل مراتبه، ودلالة الأوّل ظاهرة.

والاكتفاء بالثاني يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى منه بطريقٍ أولى.

وكأنّ مَن عبّر بالغلبة قد تجوّز بسبب أنّ الظنّ لمّا كان غالباً بالنسبة إلى الشكّ والوهم وصفه بما هو لازم له وأضاف الصفة المعبّر عنها بالمصدر إلى الموصوف، بمعنى الظنّ الموصوف بكونه غالباً.

وحينئذٍ فيكون وصف الظنّ بالغلبة بيانيّاً لا تقييديّاً من قبيل «طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ»(1).

وممّا يدلّ على عدم اعتبار الغلبة في الظنّ أنّ مراتبه غير متناهية وإن انحصرت بين حاصري العلم والشكّ، واستناد الترجيح إلى الأمارة وهي غير منضبطة، فما من فردٍ من الظنّ إلّا ويمكن فرض دونه، فيكون الأوّل بالنسبة إليه ظنّاً غالباً وفوقه، فيكون الثالث هو الغالب، وهكذا.

الثالث: جملة قوله: «غلب على ظنّه... إلىَ آخره» معطوفة على ما سبق من قوله: «والشكّ من «الإمام» أو المقدّرة في قوله: «وبالعكس» أو قوله: «وهو نسيان... إلى آخره».

وكيف كان، فالجملة المعطوف عليها اسميّة والمعطوفة فعليّة، وقد منع البيانيّون من ذلك وجماعة من أهل العربيّة(2)، وجوّزه جماعة منهم مطلقاً(3)، وآخرون في المعطوفة بالواو(4)، والحقّ هو الوسط، بل قد وقع ذلك في كلام الله تعالى، وحينئذٍ فلا إشكال فيما فعله المصنّف.

ص: 328


1- الأنعام (6): 38
2- منهم ابن جنيّ، كما حكاه عنه ابن هشام في مغني اللبيب، ج 2، ص 183.
3- كابن مالك وجلال الدين السيوطي، انظر البهجة المرضيّة في شرح الألفية، ج 2، ص 82
4- منهم أبو عليّ الفارسي، كما حكاه عنه ابن هشام في مغني اللبيب، ج 2، ص 184.

(الثالث: ما يوجب التلافي) أي التدارك والمراد هنا تدارك المنسي في محلّه، (بغير سجود) بناءً على أنّه مخصوص بمواضع معيّنة، وإلّا فسيأتي أنّ الأصحّ وجوبه هنا أيضاً.

(وهو) أي الموجب للتدارك (ما نُسي من الأفعال وذُكر قبل فوات محلّه) وقد تقدّم جملة من الكلام في المحلّ، وذلك (كنسيان قراءة الحمد حتّى قرأ السورة) فإنّه يرجع إلى قراءة الحمد ثمّ يعيد السورة أو يقرأ غيرها. وفي حكمه ما لونسي بعض القراءة أو صفاتها عدا الجهر و الإخفات على أصحّ القولين.

والحقّ أنّ محلّ القراءة يمتدّ مالم يبلغ الانحناء إلى حدّ الراكع، فيرجع إلى القراءة وتوابعها ما لم يبلغ ذلك الحدّ وإن شرع في الانحناء، وكلام الرسالة لا ينافيه.

وكذا القول في نسيان السجود أو التشهّد حتّى قام ولمّا يصل إلى حدّ الراكع، ويجب مراعاة الترتيب بين ما عاد إليه وما فعله بعده.

(أو نسيان الركوع حتّى هوى إلى السجود ولمّا يسجد) بأن يصل إلى حدّ الساجد وإن لم تكن الجبهة موضوعة على ما يصحّ السجود عليه، فإنّ ذلك وراء حقيقة السجود، فإنّه حينئذٍ يرجع إلى حدّ القائم ثمّ يركع، ولا يجزئه الهوي السابق؛ لأنّه نوى به السجود، فلا يجزئ عن الهوي إلى الركوع.

ولا تجب الطمأنينة في هذا القيام لذاتها وإن كان تحقّق الفصل بين الحركتين المتضادّتين وتحقّق تمام القيام قد يقتضيان سكوناً يسيراً، وإنّما يجب القيام قبل الركوع إذا كان نسيان الركوع حصل في حالة القيام بحيث كان هويّه بنيّة السجود أو بغير نيّة الركوع.

وأمّا لو فرض أنّه هوى للركوع ثمّ نسيه قبل أن يصير على هيئة الراكع لم يجب القيام للهوي عنه إلى الركوع لحصوله من قبل، بل يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع خاصّة إن كان نسيانه بعد انتهاء هوي الركوع، وإلّا قام بقدر ما يستدرك به الفائت منه وهذا إذا لم

ص: 329

تتحقّق صورة الركوع قبل النسيان، وإلّا أشكل العود إليه؛ لاستلزامه زيادة الركن، فإنّ ركنيّة الركوع تتحقّق بالانحناء الخاصّ، وما بقي من الطمأنينة والذكر(1) والرفع واجبات خارجة عن حقيقته.

(ونسيان السجود حتّى قام ولمّا يركع) سواء قرأ أم لم يقرأ، فإنّه يعود إلى السجود على المشهور، وسواء كان المنسي سجدةً أم سجدتين وذهب بعض علمائنا إلى بطلان الصلاة بنسيان السجدتين وإن ذكر قبل الركوع مع حكمهم بالعود إلى الواحدة قبله(2).

ثمّ إن كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما، وإن كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب الأُولى واطمأنّ بنيّة الجلوس الواجب للفصل أو لابنيّة، لم يجب الجلوس قبلها أيضاً. وإن لم يكن قد جلس كذلك أو جلس و لم يطمئنّ وجب الجلوس؛ لأنّه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه، واكتفاء الشيخ في الفصل هنا بالقيام(3) ضعيف.

ولو شكّ هل جلس أم لا ؟ بنى على الأصل، فيجب الجلوس وإن كان حالة الشكّ قد انتقل عن محلّه؛ لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشكّ يصير في محلّه فيأتي به.

ومثله ما لو تحقّق نسيان سجدة وشكّ في الأُخرى، فإنّه يجب عليه الإتيان بهما معاً عند الجلوس وإن كان ابتداء الشكّ بعد الانتقال، وكذا القول لو جلس ساهياً.

ولو كان قد نوى بالجلوس الاستحباب لتوهّمه أنّه قد سجد سجدتين فنوى الاستراحة، ففي الاكتفاء بها وجهان أجودهما وهو اختيار المصنّف في الذكرى(4) والقواعد(5) ذلك؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداءً كون كلّ فعل في محلّه، وهو يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النيّة الطارئة سهواً. ومثله ما لو نوى فريضةً ثمّ أكملها

ص: 330


1- في .«ق ، د»: الذكر والطمأنينة.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 138 وابن إدريس في السرائر، ج 1 ص 241.
3- المبسوط ، ج 1، ص 176.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 423 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- القواعد والفوائد، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).

بنيّة النفل سهواً، وقد حكم المصنّف(1) والجماعة بصحّتها، وبه نصوص صحيحة(2).

بقي هنا بحث وهو أنّه قد سلف في ناسي الركوع ولمّا يسجد أنّه يجب عليه القيام قبل الركوع، وقد صرّح به المصنّف(3) وغيره(4)؛ محتجّين بوقوع الهوي السابق بنيّة السجود، فلا يُجزئ عن الهوي للركوع، ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب القيام ثَمّ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال فيقع الهوي السابق للركوع، وتلغو النيّة الطارئة سهواً إن اتّفقت بل الأمر في الواجب أولى من المندوب فينبغي ثبوت الحكم فيه بطريق أولى مع أنّ المصنّف احتجّ لقيام الجلوس للاستراحة مقام جلسة الفصل بمفهوم الموافقة بالنسبة إلى موضع النصّ الدالّ على إجزاء الأفعال المندوبة عن الواجبة في الصلاة المذهول عنها(5).

وقد اتّجه من ذلك عدم وجوب القيام قبل الركوع لناسيه، لكن الأصحاب أوجبوه مع حكمهم بما أوضحناه.

ولو كان جلوسه بعد السجدة بنيّة الوجوب لا للفصل، كما لو جلس للتشهّد ففي الاجتزاء به الوجهان ولا يخفى قوّة الاجتزاء به، وهو اختيار المصنّف(6).

(وكذا) القول في (التشهّد) لو نسيه وذكره قبل أن يصير في حدّ الراكع، فإنّه يعود إليه مراعياً للترتيب.

والمراد به التشهّد الأوّل، كما يُشعر به عطفه على «السجود حتّى قام».

أمّا الثاني فيرجع إليه ما لم يسلّم على القول بوجوب التسليم، وعلى القول بندبه مالم ينصرف عن الصلاة بأحد الأُمور الثلاثة المتقدّمة.

ص: 331


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 185 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 343، ح 1419 - 1420
3- راجع ذكرى الشيعة، ج 3، ص 415 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 161: والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 258
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 343، ح 1419 - 1420
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 423: القواعد والفوائد، ص 41 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7 و 15)

(الرابع: ما يوجب التلافي) وهو التدارك وإن كان خارج الصلاة، كما هو الواقع هنا (مع سجود السهو وهو نسيان السجدة الواحدة)، (أو) نسيان (التشهّد) الأوّل أو الأخير؛ بناءً على القول بوجوب التسليم أو بندبه، وفعل ما يخرج من الصلاة. ولا فرق بین أن يتخلّل الحدث بين فعله والصلاة وعدمه، خلافاً لابن إدريس حيث حكم ببطلان الصلاة لو تخلّل الحدث بين فعل التشهّد الثاني والصلاة، بناءً على أنّ التسليم لا يصحّ إلّا إذا وقع بعد التشهّد فيكون الحدث بدونه واقعاً في أثناء الصلاة(1)، وهو ممنوع (أو) نسيان (الصلاة على النبيّ وآله) صلّى الله عليهم منفردين عن التشهّد.

ووجوب قضاء الأوّلين موضع ،وفاق، أمّا الثالث - وهو الصلاة - ففي وجوب قضائه نظر؛ لعدم النصّ الدالّ عليه. ومن ثمّ أنكره ابن إدريس، واحتج المصنّف عليه بأنّ التشهّد يُقضى بالنصّ فكذا أبعاضه؛ تسوية بين الجزء والكلّ(2).

والملازمة ممنوعة، فقد تُقضى الجملة ولا يُقضى جزؤها كالصلاة التامّة، وكذا تقضى السجدة بجميع واجباتها من الأذكار وغيرها ولا تقضى واجباتها منفردة، وهي جزء من جملة تُقضى وإن لم تكن جزءً من السجدة نفسها والاستلزامه وجوب قضاء الكلمة الواحدة المنسيّة في التشهّد والصلاة ، بل الحرف الواحد، ولا يقولون به.

وألحق بعضهم بذلك الصلاة على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم خاصّة، والصلاة على آله خاصّة. وهو متّجه على تعليل المصنّف لكن يلزمه إلحاق نسيان إحدى الشهادتين بنسيانهما إن لم يلحق به نسيان بعض الكلمات والمصنّف لا يقول به، نعم هو مذهب بعض المتأخّرين(3).

ص: 332


1- السرائر، ج 1، ص 259.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 422 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- في هامش «ع»: هو الشيخ جمال الدين بن أحمد بن فهد في الموجز بخطه». الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر. ص 106

والواو في قوله: (ويتجاوز) واو الحال، أي نسيان المذكورات والحال أنّه قد تجاوز (محلّه، فإنّه يفعل بعد التسليم ويسجد له) سجدتي السهو، مُقدماً لفعل الأجزاء على السجود على أحوط القولين، وفاقاً للمصنّف في الذكرى(1) وإن كان عطف السجود عليها بالواو لا يقتضي الترتيب.

وكذا الأولى تقديم الجزء على السجود لغيره من الأسباب وإن تقدّم سبب السجود وتقديم الأجزاء المنسية مترتّبة على السجود لها من دون أن يخلّله بينها، وتقديم الجزء على الاحتياط إن سبقه، كما لو كان من الركعتين الأُولتين، ولو تأخّر تخيّر، وتقديم صلاة الاحتياط على سجود السهو وإن تقدّم سببه، وأوجب ذلك كلّه المصنّف في الذكرى(2).

ولا ترتيب بين السجود المتعدّد وإن كان البدأة بالأوّل فالأوّل أفضل.

و (نيّته) أي نيّة الجزء الذي يجب تلافيه بعد الصلاة (أسجد السجدة المنسيّة) إن كان المنسيّ سجدة (أو أتشهّد التشهّد المنسيّ) إن كان تشهداً (أو أُصلّي الصلاة المنسية)(3) إن كان المنسيّ هو الصلاة على النبيّ وآله صلّى الله عليهم (في فرض كذا أداءً) إن كان فعله في وقت الصلاة، وقضاءً إن كان بعده أو كانت الصلاة قضاء. (الوجوبه قربة إلى الله) وقد تقدّم الكلام على معاني هذه الألفاظ.

ولو كان المصلّي نائباً وجب عليه تعيين المنوب عنه، كما يجب عليه تعيينه في صلاة الاحتياط، أمّا سجود السهو فأوجب فيه الشارح المحقّق تعيين المنوب أيضاً(4).

وفيه نظر؛ لأنّه ليس جزءً من الصلاة ولا محتملاً للجزئيّة، ولا مستناباً فيه وإنّما أوجبه سهو النائب ووجه الوجوب أنّ فعل النائب عن الغير كفعل المنوب عنه، ومثله

ص: 333


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 465 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 457 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
3- أو أصلّي الصلاة المنسيّة: لم ترد في نُسختي الألفيّة «ش 1 ، ش 2»، أي أنها ليست من المتن
4- شرح الألفية، ص 170 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

القول في الكفّارة اللازمة في الفعل المُستناب فيه.

(ونيّة سجدتي السهو: أسجد سجدتي السهو في فرض كذا أداء لوجوبهما) أي السجدتين، أو لوجوبه(1)، أي الفعل الذي هو السجود وإن تعدّدت أفراده (قربة إلى الله).

ومقتضى هذه النيّة المشتملة على ما يجب فيها عنده أنّه لا يجب عنده تعيين السبب الموجب للسجود، وهو حسن مع عدم تعدّد السبب المقتضي لتعدّد السجود وإلّا فوجوب التعيين أحسن، وفي الذكرى اختار وجوب تعيينه مطلقاً(2).

وتجب مقارنة النيّة لوضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، لأنّه أوّل الواجب، ولو نوى بعد الوضع لم يبعد جوازه. وكذا القول في السجدة المنسيّة وسجدة العزيمة وغيرها.

(ويجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة) من وضع المساجد السبعة، وكون مسجد الجبهة طاهراً، من جنس ما يصحّ السجود عليه، إلى آخر شروطه، والطمأنينة بقدر الذكر، ورفع الرأس بينهما، والطمأنينة فيه، ويدخل فيه الطهارة والستر، والتصريح به بعد ذلك لفائدة التعميم وإنّما لم يذكر ذلك في السجدة المنسيّة؛ لظهوره، فإنّها إنّما وجبت لكونها جزءً فائناً من الصلاة، فشرطها داخلةً وخارجةً واحدٌ.

(وذكرهما بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد و آل محمّد) أو بسم الله وبالله والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته. رواه الحلبي عن الصادق علیه السلام(3) سماعاً منه لكيفيّة الحكم وبياناً له لا لكونه علیه السلام سها؛ لتنزّه مرتبة النبوّة والإمامة عن السهو على أشهر القولين.

ص: 334


1- في «ع» وردت علامة على كلمة (الوجوبه) تدلّ على أنها من المتن، علماً بأنّها لم ترد في النسخ الخطّية الثلاث التي اعتمدنا عليها في تصحيح الألفيّة
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 467 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
3- الفقيه، ج 1، ص 342، ح 998؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196 ، ح 773

ولو قلنا بجوازه عليهم - كما ذهب إليه بعض قدمائنا(1) - فلا إشكال. وفي بعض متن الحديث «بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، أو بسم الله وبالله، السلام عليك» إلى آخره(2) والكلّ مجزئ.

وينحصر الذكر في الأربعة على أصحّ القولين فلا يُجزئ فيهما ما يجزئ في سجود الصلاة.

(ثمّ يتشهد فيهما) التشهّد المعهود (ويسلّم) السلام(3) المعهود، خلافاً لأبي الصلاح، حيث جعله التسليم على محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم(4)، وللخبر حيث جعل التشهّد فيهما خفيفاً(5)، أى مشتملاً على أقلّ الواجب، ولعلّه أراد أنّه أقلّ الواجب.

(وتجبان أيضاً للتسليم في غير محلّه نسياناً، وللكلام كذلك) أي في غير محلّه نسياناً، والتشبيه عائد إلى مجموع الأمرين، وفائدة عوده إلى غير محلّه الاحتراز عمّا يقع من الكلام في محلّه، كمطلق القرآن(6) والدعاء؛ إذ لولا ذلك لدخل في عموم الكلام مع وجوب إخراجه منه في هذه الأحكام وجميع الصلاة محلّ لهما وإن كان لبعض أجزائها رجحان على بعض في ذلك، كآية الرحمة.

ويمكن عود التشبيه إلى النسيان خاصّة وجعل اللام في «الكلام» للعهد الذكري وهو المذكور في المنافيات مقيّداً بغير القرآن والدعاء، إلّا أنّ هذا الاحتمال يستلزم كون ذكر التسليم مستدركاً لإدخاله في جملة الكلام المتقدّم.

(وللشكّ بين الأربع والخمس) بعد السجود على المشهور، وبعد الركوع علی

ص: 335


1- هو الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 359، ذيل الحديث 1032
2- الكافي، ج 3، ص 356، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل ح 5.
3- في «ش»: التسليم
4- الكافي في الفقه، ص 148
5- الفقيه، ج 1، ص 350، ح 1020: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772 الاستبصار، ج 1، ص 380 ح 1441.
6- في «ع ، ش»: القراءة.

مذهب المصنّف لا مطلق الشكّ في الركعتين، كما سيأتي تحريره.

(وللقيام في موضع قعود وبالعكس) وهو القعود في موضع قيام. ويدخل في الأوّل ناسي السجود والتشهّد حتّى قام ولمّا يركع وقد تقدّم أنّه لا يوجبهما. ويجب تقييد الثاني بعدم صلاحيته لجلسة الاستراحة كالقعود في أثناء الركعة، أو بزيادته عمّا يصلح لصرفه إليها وإلّا صرف إليها. ولا يجب السجود له لاقتضاء نيّة الصلاة ذلك ابتداءً، فيرجّح على النية الطارئة سهواً.

(والأحوط وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة غير مبطلتَينِ) لدلالة بعض الأخبار عليه(1). وذهب بعض الأصحاب إلى وجوبهما لهما(2) وهو أجود. وفي بعض الأخبار وجوبهما لمجرّد الشكّ في الزيادة والنقصان(3)، ومال إليه المصنّف في الذكرى(4)، وهو حسن.

ويتعدّدان بتعدّد السبب وإن كان في صلاة واحدة ما لم يدخل في حيّز الكثرة ويتحقّق التعدّد بتخلّل التذكّر، فنسيان جميع القراءة مع استمرار السهو موجب للسجدتين، ونسيان الحرف الواحد بعد الحرف مع تخلّل الذكر موجب للتعدّد، فقد يجب لبعض القراءة ستّ سجدات مع وجوب اثنتين لجميعها.

وقيّد بعضهم الزيادة والنقصان بمالا يجوز فعله وتركه اختياراً(5)؛ ليخرج منه نسيان القنوت وفعل الذكر والدعاء بغير قصد، والنصّ والفتوى مطلقان.

(وهما بعد التسليم مطلقاً) سواء كانتا لزيادة أم لنقصان على المشهور؛ حذراً من الزيادة في الصلاة للخبر(6). ونبّه بذلك على خلاف ما ورد في بعض الأخبار من فعلهما

ص: 336


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 155، ح 608: الاستبصار، ج 1، ص 361، ح 1367
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 349، المسألة 360 وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر، ص 108
3- الكافي، ج 3، ص 354، باب من سها في الأربع والخمس .... ح 1
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 462 - 463 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
5- حكاه السيّد الحسيني العاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 380 عن الصيمري في شرح الشرائع.
6- الكافي، ج 3، ص 355 باب من سها في الأربع والخمس .... ح 3: الفقيه، ج 1، ص 351، ح 1027 : تهذيب الأحكام، ج 2 ص 159، ح 624.

قبله للنقصان وبعده للزيادة(1)، وقد يجعل ذلك قولاً لبعض الأصحاب(2).

(قيل: ولا يجب فعلهما في الوقت ولا) فعلهما (قبل الكلام) وغيره من المنافيات؛ لإطلاق الأمر، وهو لا يقتضي الفور، ولأنّهما ليستا جزءً من الصلاة. (والأولى وجوبه) لورود أخبار به(3)، وفيها إشعار بالفوريّة، إذ لا خصوصيّة للكلام من بين المنافيات، ولمّا كانت الأخبار ليست سليمة لم يكن التزام مدلولها متعيّناً بل أولى.

وفي الذكرى أوجب المبادرة فيهما على الفور(4).

وعلى القولين لا يقدح تأخيرهما في صحّة الصلاة، ويجب الإتيان بهما وإن طالت المدّة، ولا تبطل الصلاة المتقدّمة عليهما مع احتماله.

(و) كذا (لا يجب التعرّض في نيّتهما للأداء والقضاء)؛ لأنّهما من توابع الوقت المحدود ولا وقت لهما محدوداً، وإن وجب البدار(5) بهما على الفور، (وإن كان) التعرّض للأداء إن فعلهما في وقت الصلاة وللقضاء إن فعلهما في غير وقتها أو كانت مقضيّة (أجود)(6) لتبعيّة وقتهما لوقت الصلاة، فينبغي رعايته، واختار المصنّف في البيان وجوب التعرض(7).

(ويجب في الأجزاء المنسيّة) وهي السجدة والتشهّد والصلاة على النبيّ وآله علیهم السلام (ذلك) المذكور من التعرّض للأداء والقضاء وهو هنا موضع وفاق، ولأنّهما جزء من الصلاة الواجب فيها ذلك.

ص: 337


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 769؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1439
2- هو قول ابن الجنيد في كتابه الأحمدي في فقه المحمدي، حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 426، المسألة 9
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 768؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1438
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 468 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
5- فى «ق»: التدارك
6- في «ش 3»: أحوط.
7- البيان، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)

ويُحتمل عود الإشارة إلى جميع ماسبق وهو وجوبها ذلك في الوقت وقبل الكلام، فإنّ للمصنّف قولاً بوجوب ذلك فيها، ولا ريب أنّه أحوط.

(أما الطهارة) من الحدث والخبث على جهة استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه (والستر و الاستقبال، فشرط في الجميع) وهو سجدتا السهو والأجزاء المنسيّة، وفي وجوب ذلك خلاف، وما هنا أقوى.

(الخامس: ما يوجب الاحتياط في) الصلوات (الرباعيّات).

والمراد بالاحتياط هنا إمّا صلاة الاحتياط ولو على وجه مرجوح؛ لما سيرد عليك من أنّ هذه المسائل منها ما تبطل الصلاة فيه على أصحّ الوجوه، ومنها ما يوجب سجود السهو لا غير كالشكّ بين الأربع والخمس في بعض صوره.

وأمّا ما يشمل الصلاة وفعل ما يتحقّق معه صحّة الصلاة وهو إعادتها، كما نبّه عليه بقوله في الأربع المشتركة في الاحتمالين وفيها «وجه بالبطلان في الثلاثة احتياطاً». وإنّما قدّرنا ذلك؛ لأنّ جميع هذه الصور توجب صلاة الاحتياط عنده كما ستعلمه.

(وهو) أي الموجب للاحتياط بمعنييه (اثنا عشر)؛ وذلك لأنّ الشكّ المبحوث عنه هنا إنّما يكون مع إحراز الأُوليين من الرباعيّة؛ لبطلان الشكّ المتعلّق بغيره.

وحينئذٍ فلا يخلو مع تعلّق الشكّ بالأخيرتين أو إحداهما إمّا أن يكون ثنائيّاً أي بين ركعتين أو ثلاثيّاً أي بين ثلاث ركعات أو رباعيّاً بأن يتعلّق بالخامسة مع ثلاث ركعات أُخر، وينشعب من ذلك إحدى عشرة صورة:

ست من الشكّ الثنائي وهي الشكّ بين الاثنتين والثلاث، وبين الاثنتين والأربع، وبين الاثنتين والخمس، وبين الثلاث والأربع، وبين الثلاث والخمس، وبين الأربع والخمس.

وأربع من الشكّ الثلاثي وهي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، وبين الاثنتين والثلاث والخمس، وبين الاثنتين والأربع والخمس، وبين الثلاث والأربع والخمس.

ص: 338

والصورة الحادية عشرة من الشكّ الرباعي وهي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.

والصورة الثانية عشرة أن يتعلّق الشكّ بالسادسة، وجعله قسماً واحداً بناءً على بطلان الصلاة به.

ولو قلنا بصحّته - ولو على بعض الوجوه - افتقر إلى تقسيمها كما قسّمت تلك الفروض، فترتقي وحدها إلى خمس عشرة صورة كما سيأتي تضاف إلى هذه الصور تبلغ سنّاً وعشرين.

ثمّ كلّ واحدة من هذه الصور لا يخلو الشكّ فيها إمّا أن يقع في حال كون المصّلي آخذاً في القيام، أو بعد استيفائه قبل القراءة، أو في أثنائها، أو بعدها قبل الركوع، أو بعد الانحناء قبل الرفع أو بعده قبل السجو، أو فيه قبل الفراغ من ذكر الثانية؛ إذ هو آخر السجدة كما سيأتي، أو بعده قبل الرفع منها أو بعده. فهذه تسعة أحوال آتية في كلّ واحدة من الصور فيرتقي مالا يتعلّق بالسادسة إلى تسعة وتسعين، والجميع إلى مائتين وأربعة وثلاثين حاصلة من ضرب الأحوال التسعة في ستّ وعشرين صورة، وسيرد عليك حكمها مفصّلاً:

(الأوّل: أن يشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين) ويتحقّق بالرفع من الثانية إجماعاً. وهل يتحقّق بكمال ذكرها من غير أن يرفع؟ الظاهر ذلك. وهو اختيار المصنّف في الذكرى(1)؛ لأنّ الرفع لا مدخل له في السجود، وإنّما هو مقدّمة لواجب آخر كالتشهّد والقراءة.

وقد تقدّم في السجود من الرسالة ما ينبّه على اختياره وهو قوله في بعض النسخ: «ولا يجب الرفع من السجدة الثانية» بمعنى أنّه لا يجب لذاته كما تقدّم تقريره(2).

(الثاني: الشكّ بين الثلاث والأربع مطلقاً) سواء وقع بعد إكمال السجدتين أم قبله؛

ص: 339


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 452 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- تقدم في ص 274.

لإحراز الأُوليين على التقديرين. (و) الحكم (البناء على الأكثر فيهما) وهو الثلاث في الأُولى والأربع في الثانية. (ويتمّ مابقي) من صلاته (ويسلّم ثمّ يصلّي ركعة قائماً أو ركعتين جالساً).

(الثالث: الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين) كما مرّ، وهو الضابط في كلّ شكّ يتعلّق بالثانية. (و) حكمه (البناء على الأكثر) وهو الأربع، (والاحتياط بركعتين قائماً) لأنّ ذلك هو المحتمل ،نقصه، كما أنّ المحتمل في الأُوليين نقص ركعة، فكان الاحتياط كذلك، وكذا القول في جميع الصور.

(الرابع: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإكمال) أي إكمال السجدتين، (و) حكمه (البناء على الأربع والاحتياط بركعتين جالساً) لاحتمال كون الصلاة ثلاثاً (و ركعتين قائماً) لاحتمال كونها اثنتين.

ولتكن الركعتان من قيام (قبلهما) أي قبل الركعتين من جلوس؛ عملاً بظاهر الرواية العاطفة للركعتين من جلوس ب_ «ثمّ» الدالّة على التعقيب كذلك(1). وعلّلت مع ذلك بأنّ الشكّ بين الاثنتين والأربع متقدّم فيه على الشكّ بین الثلاث والأربع، فيقدّم احتياطه.

والأكثر على التخيير. ونقل المصنّف عن المفيد القول بوجوب تقديم الركعتين من جلوس(2).

والعمل بما دلّت عليه الرواية - التي هي مُستند الحكم - أولى مع أنّ الجبر بالصلاة قائماً أقرب من الصلاة جالساً، خصوصاً على تقدير كونها اثنتين في نفس الأمر.

وهل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين من جلوس ركعة قائماً؟ ظاهر الأكثر عدمه (3)؛ عملاً بظاهر الرواية، واختار المصنّف(4) وجماعة(5) التخيير وهو حسن؛ لأنّ الركعة من

ص: 340


1- الكافي، ج 3، ص 353، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187 ، ح 742
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 451 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7، نقله عن المفيد في العزيّة
3- منهم: ابن أبي عقيل، كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 384، المسألة 271 : وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 148.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 451 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 123؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 386، المسألة 273.

قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواته، فيكون مدلولاً عليه بمفهوم الموافقة.

(الخامس: الشكّ بين الاثنتين والخمس) بعد إكمال السجود(1)؛ لتحتمل فيه

الصحّة، فإنّ كلّ شكٍّ يتعلّق بالثانية قبل إكمالها يبطل قولاً واحداً.

(السادس: الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الركوع أو بعد السجود).

واحترز بذلك عمّا لو كان الشكّ قبل الركوع، فإنّه يهدم الركعة ويصير شاكاً بين الاثنتين والأربع فيلزمه حكمه، ويزيد سجدتي السهو لزيادة القيام. وتحقّق بعديّة الركوع بالوصول إلى حدّ الراكع وإن لم يأت بواجباته من الذكر والطمأنينة وقد تقدّم تحقيقه(2).

وإنّما جمع بين قوله: «بعد الركوع» وبين قوله: «أو بعد السجود لماسيأتي من أنّ ما بينهما يحتمل إلحاقه بما قبل الركوع؛ لعدم إكمال الركعة، وبما بعد السجود؛ لزيادة الركن، وهو الركوع الموجب لعدم الهدم ولو قدّم بعديّة السجود على بعديّة الركوع كان أجود.

(السابع: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والخمس) بعد السجود؛ ليكون موضع الاحتمال كما مرّ.

(الثامن: الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس) بعد السجود.

(وفي هذه الأربعة) التي أوّلها الخامس (وجه بالبناء على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن)؛ ولأصالة الصحّة ولقوله علیه السلام : «ما أعاد الصلاة فقيه»(3).

(ووجه بالبطلان في الثلاثة الأُول) من الأربع (احتياطاً) لتعذّر البناء على أحد الطرفين؛ لاستلزامه التردّد بين محذورين، فإنّ البناء على الأكثر موجب للزيادة على

ص: 341


1- في نُسخ المقاصد العلية وفي نُسختي الألفية «ش 1 ، ش (2) وردت جملة بعد إكمال السجود) على أنّها من الشرح، وفي نسخة الألفية «ش 3» وردت في المتن.
2- تقدّم في ص 268 - 269
3- معاني الأخبار، ص 159، باب معنى ما روى أن الفقيه لا يعيد الصلاة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 351، ح 1455: الاستبصار، ج 1، ص 375 ، ح 1424

الواجب، ومعرض للنقصان، وعلى الأقلّ للزيادة.

(والبناء في الثامن على الأربع) لاشتماله على شكيّن لا يبطلان الصلاة:

أحدهما: الشك بين الاثنتين والأربع وهو غير مُفسد إذا وقع بعد السجود، بل منصوص الصحّة(1)، وموجب للركعتين قائماً.

والثاني: الشكّ بين الأربع والخمس وهو أيضاً غير مُفسدٍ في تلك الحالة قطعاً. (و) قد عُلِم من ذلك أنّ حكمه (الاحتياط بركعتين قائماً) للشك الأوّل (وسجود السهو) للثاني، وهذا الوجه حسن.

(التاسع: الشكّ بين بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس بعد) إكمال (السجود وحكمه حكم الثامن) لرجوعه إلى أصلين من أُصول الشكّ المنصوص حكمها:

أحدهما: الشكّ بین الاثنتين والثلاث والأربع وهو غير مُفسد إذا وقع بعد السجود كما هو المفروض، وموجب للاحتياطين.

والثاني: الشك بين الأربع والخمس وهو غير مُفسدٍ أيضاً خصوصاً في تلك الحالة، ويوجب سجود السهو.

(ويزيد) هذا على الثامن (في الاحتياط بركعتين جالساً) تتمّة الاحتياطين الواجبين للشكّ الأوّل، ويجوز إبدالهما بركعة قائماً كما مرّ.

(العاشر: الشك بين الأربع والخمس بعد السجود) وهو صحيح إجماعاً (موجب للمرغمتين) - بكسر الغين - اسم فاعل سمّيتا بذلك لأنّهما يُرغِمان الشيطان كما ورد في الخبر(2). وهو إمّا من المراغمة وهي المغاضبة أي تغضبانه. وإمّا من الرغام - بفتح الراء - وهو التراب. يقال: أرغم الله أنفه، أي ألصقه بالتراب ذلّةً وصغاراً، فكأنّهما يُرغِمان أنف الشيطان.

والمشبّه به في قوله: (كما مرّ) هو ما ذكر في الرابع من أقسام الخللّ في ما يوجب

ص: 342


1- الكافي، ج 3، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 8 : الفقيه، ج 1، ص 349، ح 1016
2- الكافي، ج 3، ص 357، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف ... ح 9

التلافي مع سجود السهو.

(و) لو تعلّق الشكّ بهما (قبل الركوع) سواء كان بعد القراءة أم فيها أم قبلها، هدم الركعة وجلس، و (يكون) حينئذٍ (شكّاً بين الثلاث والأربع) فيتشهد ويسلّم ويحتاط بركعةٍ من قيام أو ركعتين من جلوسٍ ويسجد للسهو؛ لمكان الزيادة. (وبعد الركوع) سواء كان قبل الرفع منه أم بعده (فيه قول بالبطلان) ذهب إليه العمه(1)، واختاره الشارح المحقّق؛ للتردّد بين محذورين كلّ منهما مُبطل للصلاة الإتمام المحتمل لكونها خامسة فيوجب الزيادة عمداً، والقطع المحتمل لكونها رابعة، فيوجب النقصان المبطل(2).

وفيه نظر؛ لمنع محذوريّته على تقدير الإكمال، فإنّ الأصل عدم الزيادة وإن أمكنت والمبطل يقين زيادة الركن لا احتماله، ولأنّ ذلك لو كان هو المؤثّر لأثر بعد السجود.

و تمحّل الفرق بين الحالين بأنّ الزيادة وقعت فيما لو كان الشكّ بعد السجود سهواً، بخلاف ما لو وقع بعد الركوع فإنّها حينئذٍ تكون عمداً فاسدٌ؛ لأنّ زيادة الركن لا فرق فيها بين العمد والسهو، إلّا ما استثنى وليس هذا منه.

والحاصل أنّ الصادر عمداً هو السجود الركني لازيادة الركن الذي هو مناط البطلان، ومورد النصّ منبّه عليه.

(و) من هنا تحقّق أنّ (الأصحّ إلحاقه) أي إلحاق الشكّ بعد الركوع (بالأوّل) وهو الشكّ بعد السجود، (فيجب الإتمام والمرغمتان).

(الحادي عشر : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس) سواء كان بعد السجود أم قبله (وفيه وجه بالبناء على الأقلّ)؛ لأنّه المتيقّن، ويضعف لمخالفته المنصوص من بناء الشاكّ بين الثلاث والأربع على الأكثر. (و) وجه (آخر بالبناء على الأربع) لرجوعه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع فيلزمه حكمه، وإلى الشكّ بين الأربع والخمس فيلزمه حكمه.

ص: 343


1- منتهى المطلب، ج 1، ص 416.
2- شرح الألفية، ص 182 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

(و) المجتمع من ذلك وجوب (الاحتياط بركعة قائماً) أو ركعتين جالساً (والمرغمتين). ويجب تقييده بما لو كان الشكّ بعد الركوع على ما اختاره المصنّف أو بعد السجود على القول الآخر. أما لو كان قبل الركوع هدم الركعة، وصار شكاً بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيلزمه حكمه، ويزيد سجدتي السهو لمكان الزيادة.

(الثاني عشر: أن يتعلّق الشكّ بالسادسة) فما زاد (وفيه وجه بالبطلان) مطلقاً؛ لأنّ زيادة الركن مبطلة، ومع احتمالها لا تتيقّن البراءة من الصلاة التي قد اشتغلت الذمّة بها بيقين.

وضعفه ظاهر، فإنّ تجويز زيادة الركن لو أثّر لبطلَ حكم كثير من الصور السابقة مع النصّ على صحّتها، والإجماع على صحّة بعضها، واحتمال خروج تلك عن الحكم بالنصّ يدفع بأصالة عدم الزيادة والشكّ في المبطل.

(و) وجه (آخر بالنباء على الأقلّ) لأصالة عدم الزيادة، والبناء على الأكثر أو الأربع موقوف على النصّ لخروجه عن الأصل وهو مفقود هنا، والفساد غير معلوم.

وفيه وجه ثالث أشار إليه بقوله: (أو يجعل حكمه حكم ما يتعلّق بالخمس) فيصحّ حيث يصحّ ويبطل حيث يبطل. ويجب سجود السهو في موضع الصحّة، ويلزمه الاحتياط مع السجود في موضع اجتماعهما.

وإلى هذا الاحتمال ذهب ابن أبي عقيل من القُدماء(1)، ومال إليه المصنّف(2) والعلّامة(3). ورجّحه الشارح المحقّق(4)، وهو الظاهر؛ تمسّكاً بظواهر النصوص الدالّة على عدم بطلان الصلاة بمجرّد احتمال الزيادة، وعموم قوله تعالى: «وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَلَكُمْ»(5)، و«أنّ

ص: 344


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 390، المسألة 277
2- البيان، ص 248 - 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 391، المسألة 277
4- شرح الألفيّة، ص 184 - 185 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- محمد (47): 33

الفقيه لا يُعيد صلاته»(1) وإطلاق قول الصادق علیه السلام في صحيحة الحلبي: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أو خمساً زدتَ أو نقصت، فتشهّد وسلّم واسجد سجدتي السهو»(2).

وهذه المسألة تتشعّب إلى خمس عشرة صورة سبع منها مع ضميمة مازاد على الخامسة إليها وإدخال ما نقص عنها وسبع مع انفرادها عنها، وواحدة مع الشكّ فيهما خاصة بأن تحقّق الزيادة على الأربع.

فأربع من الجميع ثنائيّة، وستّ ثلاثيّة، وأربع رباعيّة، وواحدة خماسيّة: فالأُولى: الشكّ بين الاثنتين والستّ وبين الثلاث والستّ، وبين الأربع والستّ، وبين الخمس والستّ.

والثانية: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والستّ، وبين الاثنتين والأربع والستّ، وبين الأثنتين والخمس والستّ وبين الثلاث والأربع والستّ، وبين الثلاث والخمس والستّ، وبين الأربع والخمس والستّ.

والثالثة: الشكّ بین الاثنتين والثلاث والأربع والستّ، وبين الاثنتين والثلاث والخمس والستّ، وبين الاثنتين والأربع والخمس والستّ، وبين الثلاث والأربع والخمس والستّ.

والرابعة: بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والستّ.

والمراد بالستّ في جميع ما ذكر الستّ فما فوقها؛ لاشتراك الجميع في الوصف والحكم.

فهذه خمس عشرة صورةً تُضاف إلى ما تقدّم من الصور الإحدى عشرة، ثمّ تُضرب في الأحوال التسعة والمجتمع - وهو مائتان وأربعة وثلاثون - هي مسائل الشكّ التي يقع البحث فيها من حيث الصحة والبطلان ولو بالاحتمال.

ص: 345


1- معاني الأخبار، ص 159، باب معنى ما روى أنّ الفقيه .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 351، ح 1455 الاستبصار، ج 1، ص 375 ، ح 1424.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196 ، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1441

إذا تقرّر ذلك فنقول: إن قلنا بالبطلان حيث يتعلّق الشكّ بالسادسة يسقط البحث في هذه الصور ويبقى الكلام في التسعة والتسعين المتقدّمة.

وإن حكمنا بالصحّة في الجملة افتقر إلى البحث عن خصوصيات هذه الصور، فإنّ منها ما يصحّ ومنها ما يبطل.

وخلاصة الحكم في الجميع أنّ كلّ شكّ يتعلّق بالثانية ويحكم بصحّته تصحّ من أحواله التسعة ،صورتان وهما ما بعد الفراغ من ذكر السجدة، وقبل الرفع وما بعده. وتبطل منها سبع صورٍ وهي ما قبل ذلك.

وجملة المسائل المتعلّقة بالثانية خمس عشرة منها سبع فيما لا يتعلّق بالسادسة، وثمان فيما يتعلّق بها.

وهذه الخمس عشرة منها ستّ باطلة بجميع صورها وهي الشك بين والخمس، وبين الاثنتين والثلاث والخمس والأُولى من الثنائية المتعلّقة بالسادسة، وفي اثنتين من الثلاثية، وهما الشكّ بين الاثنتين والثلاث والستّ وبين الاثنتين والخمس والستّ، وفي واحدة من الرباعيّة وهي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والخمس والستّ.

ويحصل من هذه المسائل الستّ أربع وخمسون صورةً باطلةً، وتتبعها مسألة أُخرى باطلةٌ في جميع صورها ممّا لا يتعلّق بالثانية وهي الشكّ بین الثلاث والستّ فالباطل ثلاثة وستّون.

وتبقى من المسائل المتعلّقة بالثانية تسعُ مسائل صحيحةٍ في الجملة يصحّ منها ثمان عشرة صورةً، وتبطل ثلاث وتسعون، ويبقى من الجملة عشرُ مسائل: منها ستّ تصحّ بجميع صورها ثلاث ممّا لا يتعلّق بالستّ وثلاث ممّا يتعلّق بها.

فالأُولى: الشكّ بين الثلاث والأربع، والشكّ بين الأربع والخمس، والشكّ بين الثلاث و الأربع والخمس.

والثانية: الشكّ بين الثلاث والأربع والستّ والشكّ بين الأربع والخمس والستّ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس والستّ، وصورها أربعٌ وخمسون.

ص: 346

وثلاث منها تتبعّض في الصحّة والبطلان وهي الشكّ بين الثلاث والخمس، والشكّ الثلاث والخمس والستّ، والشكّ بين الأربع والستّ.

والأوليان يصحّ منها أربع وهي ما قبل الركوع، وتبطل الخمس الأخيرة، وفي الثالثة بالعكس يصحّ منها الخمسة الأخيرة، وتبطل الأربع؛ لأنّ هدم الركعة قبل الركوع يصيّر الشكّ بین الثلاث والخمس بعد الركوع، وقد تقدّم أنّه مُبطل مع احتمال الإكمال، لكنّه مخالف لحكم الشكّ بین الأربع والخمس.

والمسألة العاشرة وهي الشكّ بين الخمس والستّ، وحكمها أنّ الشكّ إن كان قبل الركوع هدم الركعة، وكان شكّاً بين الأربع والخمس، فيلزمه حكمه ويزيد عنه سجدتي السهو لمكان الزيادة، فيسجد أربع سجدات.

وإن كان بعده كان كمن زاد ركعة آخر ،الرابعة فيتعيّن الجلوس بقدر التشهّد كمامرّ.

فهذه جملة أحكام المسائل، فالصحيح منها خمس وثمانون، والباطل مائة وأربعون، والتسع الأخيرة متردّدة بين صحّة جميعها وبطلانه، وذلك تمام العدد المتقدّم. وكيفيّة ما يجب فيها من الاحتياط فيما حكم بصحّته وكمّيته وسجود السهو يعلم ممّا سبق وحاصله الإتيان بمثل ما يحتمل فواته أو بدله، وسجود السهو لما أوجب زيادة أو إضافة مازاد على الأربع، والله الموفّق.

(ولابدّ في) صلاة (الاحتياط من النيّة) المشتملة على إحضار الفعل المعيّن بجميع مشخّصاته من كونه من قيام أو قعود، وركعة أو ركعتين في الفرض المعيّن، وقصد فعله على وجه التقرّب إلى الله تعالى.

وصفة نيّته (أصلّي ركعةً) في حال كونها (احتياطاً) أو لأجل الاحتياط (أو) أُصلّي (ركعتين) كذلك في حال كوني (قائماً أو جالساً في الفرض المعيّن) كالظهر. والجارّ يتعلّق بالمصدر وهو «احتياطاً» لا باسم الفاعل وإن جاز تعلّقه بحسب الصناعة بهما.

(أداءً) إن كانت الفريضة المحتاط لأجلها مؤدّاة ووقتها باقٍ، (أو قضاءً) إن كانت المجبورة مقضيّة أو مؤدّاة وقد خرج وقتها (الوجوبه) أي وجوب الاحتياط أو الفعل

ص: 347

وهو الصلاة (قربةً إلى الله، ويكبّر) تكبيرة الإحرام مقارناً بها النيّة.

(ويلزمه قراءة(1) الحمد وحدها إخفاتاً) للنصّ(2)؛ ولأنّه بدل من الأخيرتين فلا تجب السورة، كما لا يجوز الجهر.

(ولا يجزئ التسبيح) بل يتعيّن الحمد؛ لأنّها صلاة مستقلّة بالنيّة والتكبير وإن أمكن كونها جبراً للفائت، و «لاصلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(3).

وخالف في ذلك بعض الأصحاب، وخيّر بين الحمد والتسبيح تبعاً للتخيير في الأخيرتين(4)، والحقّ أنّها بدل من وجهٍ، ومستقلّهٌ من آخرَ.

ويتفرّع على البدليّة المطابقة للفائت حقيقة كالركعة والركعتين قائماً، أو حكماً كالركعتين جالساً بدلاً من ركعة قائماً والاجتزاء بها لوتبيّن النقصان. وعلى الاستقلال افتقارها إلى نيّة جديدة، وتحريمة وتعيين الفاتحة والتشهّد، والتسليم. ووقع الخلاف في مواضع بسبب تردّدها بين الأمرين.

(ويُعتبر فيه جميعُ ما يُعتبر في الصلاة) من الطهارة والستر والاستقبال وغيرها من الشرائط والأفعال.

وفي بعض النسخ «وجميع» بغير قوله: «ويعتبر»(5) وهو بالرفع عطف على قوله:

قراءة «الحمد» فاعل «يلزمه» أي ويلزمه جميع ما يُعتبر في الصلاة.

(و) منه (التشهد والتسليم)، وإنّما خصّهما بالذكر؛ لدفع احتمال عدم وجوبهما لو جعلناهما بدلاً محضاً من الأخيرتين؛ لسبق التشهّد والتسليم آخر الصلاة، فإنّ البدليّة المحضة غير تامّة هنا، فيجب فيهما ذلك على القولين.

ص: 348


1- ويلزمه قراءة لم ترد في «ش 2»، وورد بدلها ويقرأ
2- الفقيه ، ج 1 ، ص 349، ح 1016.
3- الكافي، ج 3، ص 317 باب قراءة القرآن، ح 28؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 146 ، ح 573: الاستبصار، ج 1 ص 354 ، ح 1339
4- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 146؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 254.
5- كما في نسختي «ش 1 ، ش 2».

(ولا أثر) في بطلان الصلاة (لتخلّل المبطِل) للصلاة (بينه) أي بين الاحتياط (وبين (الصلاة) على أصحّ القولين، ومبناهما على كون الاحتياط جزءً من الصلاة أو صلاةً مستقلةً، فعلى الأوّل تبطل بتخلّله دون الثاني واختار المصنّف في الذكرى الأوّل؛ محتجّاً بأن شرعيّة الاحتياط ليكون استدراكاً للفائت من الصلاة، فيكون على تقدير وجوبه جزءً، فالحدث الواقع بينهما واقع في أثناء الصلاة(1).

والصغرى ممنوعة، ومن ثمّ وجب فيه ما يجب في الصلاة المستقلّة دون ما يجب في الأخيرتين خاصّةً.

واعلم أنّ الأثر المنفيّ هو بطلان الصلاة بتخلّل المُبطِل، لا مطلق الأثر الذي تدلّ عليه العبارة بظاهرها حيث جعله نكرةً في سياق النفي. وإنّما خصّصناه بذلك؛ لأنّ المصنّف في الذكرى ادّعى الإجماع على وجوب الفوريّة في الاحتياط(2)، فعلى هذا، لو أخلّ بالفوريّة أو فعل المنافي أثِم قطعاً، وهو أثر من آثار المبطِل، ويبقى الكلام في بطلان الصلاة.

(ولا خروج الوقت) - بالجرّ - أي وكذا لا أثر لخروج وقت الصلاة المجبورة في بطلان الصلاة وإن حصل الإثم مع الإخلال بالفوريّة.

(نعم)، مع خروج وقت الصلاة قبل فعله (ينوي) فيه (القضاءَ) لتبعيته للصلاة في الوقت وفي كثير من الأحكام، فهو كالجزء إن لم يكن جزءً.

ويتفرّع على تبعيّته للصلاة في الوقت أنّه لو أدرك من آخر وقتها قدر ركعة، فحصل له في أخيرتيها شكّ يوجب الاحتياط، فعله أداءً وإن كان وقتها قد خرج؛ بناءً على أنّ مَن أدرك ركعة يكون مؤدّياً للجميع، كذا قرّره الشارح المحقّق(3).

والأصحّ وجوب نيّة القضاء على القولين؛ لأنّ الاحتياط إنّما يتبع الصلاة في الأداء

ص: 349


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 454 - 455 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 457 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
3- شرح الألفية، ص 188) (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

مع بقاء الوقت، أمّا مع خروجه، فمقتضى تبعيّته لها في الوقت وجوب القضاء، ومن ثمّ وجب فيه نيّة القضاء مع خروج وقتها وإن فُرض وقوعها بأجمعها في الوقت، مع أنّه يصدق عليه أنّه أدرك ركعةً من الوقت.

(ولو ذكر) المُصلّي (بعده أو في أثنائه النقصان) أي نقصان الصلاة (لم يلتفت)، بل تصحّ صلاته على التقديرين:

أمّا مع الفراغ منه، فلامتثاله المأمور به وهو يقتضي الإجزاء، ولا يضرّ ما زاده من الأركان للنصّ، وهذا من المواضع التي استثني فيها عدم بطلان الصلاة بزيادة الركن، ولأنّ ذلك لو أثّر على تقدير الحاجة إليه لم يكن له فائدة؛ إذ مع الغناء عنه لا يجب، ومع الحاجة إليه تبطل الصلاة بما اشتمل عليه من الأركان الزائدة، والحصر عقلي، فلا فرق بين العلم بالنقيصة وعدمه.

وأمّا مع الذكر في أثنائه؛ فلما مرّ.

ويشكل الحكم فيهما عند وجوب الاحتياطين إذا تذكّر عدداً لا يطابق ما ابتدأ به كما لو تذكّر أنّها ثلاث وقد ابتدأ بالركعتين من قيام لزيادة الركعة من غير أن يجلس عقيب الرابعة قدر التشهّد، وفيما لو وجب عليه احتياط مخيّر فيه بين القيام والقعود ففعله جالساً؛ لاختلال الهيئة.

ويندفع الإشكال بامتثال الأمر المقتضي للإجزاء، وبأنّ الاحتياط لايُراعى فيه محض الجزئيّة كما مرّ، ولا المطابقة المحضة، وإلّا لم يتحقّق ذلك. وإنّما هو قائم شرعاً مقام الفائت وإن خالفه، فإنّ المخالفة متحقّقة على كلّ تقدير.

وأشكل الفروض ما لو قدّم الركعتين من جلوس - على القول بجوازه - ثمّ تذكّر بعدهما أو بعد إحداهما أنّها اثنتان فإنّ إكمالها بركعة أُخرى قائماً يوجب تغييراً فاحشاً مع أنّه لو ذكر بعد ركعة جالساً إن اكتفى منه بأُخرى قائماً لزم قيام ركعة من جلوس مقام ركعة من قيام اختياراً وهو باطل، وإن وجب إكمال ركعتين من جلوس ثمّ ركعة من قيام لزم جواز الجلوس مع القدرة على القيام وإن وجب حذفها وإكمال الصلاة

ص: 350

بركعتين قائماً لزم عدم تأثیر زيادة الأركان من غير دليلٍ.

ومن هنا يظهر أنّ الأصحّ وجوب تقديم الركعتين من قيام، كما اختاره المصنّف في الرسالة سابقاً(1)، ودلّ عليه النصّ فيرتفع الإشكال. وغاية ما يبقى من الإشكال ما تقدّم من زيادة الركعة بغير جلوس بقدر التشهّد في بعض الصور، وهو غير قادحٍ مع النصّ عليه، كما لا يقدح زيادة الركعة مع الجلوس المذكور من غير تشهّد، فعلى هذا، يُغتفر ما فَعَله من الزيادة وغيره من الهيئة.

ثمّ إن كان ما فعله عند الذكر مساوياً لما تحقّقه ناقصاً أو قائماً مقامه اقتَصَر عليه، وإن كان زائداً ترك الباقي وتشهّد وسلّم حتّى لو كان بعد ركوع الثانية من الركعتين في حالة القيام فتذكّر الاحتياج إلى واحدة، تَرَك السجود وتَحلََّل. (وقيل: لو ذكر في أثنائه) النقصان(2) (أعاد الصلاة) مطلقاً؛ لتحقّق زيادة الركن فضلاً عن تغيير الهيئة إن اتّفق وقد تقدّم جوابه ولا ريب أنّ الاحتياط إعادة الصلاة بعد الفراغ ممّا أمر به منه، لا إبطالها وإعادتها؛ لأنّ ذلك غير جائز عند القائل بالصحّة.

(ولو ذكر) في أثنائه (التمام تخيّر بين القطع) له (والإتمام)؛ لأنّه يصير حينئذٍ نافلةً كما ورد به النقل فيجوز له قطعها ولو ذكره بعد الفراغ كان له ثواب النفل وإن كان منويّاً به الفرض كما ورد به النصّ(3).

ص: 351


1- تقدّم في ص 347 وما بعدها.
2- النقصان: وردت في نسخة الألفيّة «ش 3» فقط. أي أنّها من المتن لا الشرح
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 765: الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1430

(البحث الثاني)

اشارة

(في خصوصيّات باقي الصلوات) أي في واجباتها المختصّة بها (بالنسبة إلى) الصلاة (اليوميّة).

اعلم أنّ هذه الصلوات تشارك اليوميّةً في جميع ما تقدّم من الشرائط والأركان إلّا ما يُستَثنى هنا في الخصوصيّات، فإنّ في هذه الخصوصيّات ما هو زائد على ما تقدّم ككثير ممّا ذكر للجمعة.

ومنها ما هو بدل من بعض ما تقدّم كالوقت فإنّ أصل الوقت وإن كان مشتركاً بينها إلّا أنّ الوقت الشخصي مختلف، فما ذُكر سابقاً من الوقت المعيّن هو وقت اليوميّة، وهنا يذكر أوقات الصلوات الباقية.

ومنها ما هو ناقص عمّا تقدّم كالطهارة والقراءة والركوع والسجود والتشهّد في الآخر والتسليم بالنسبة إلى الجنازة.

ص: 352

[صلاة الجمعة]

(تختصّ الجمعة بأُمورٍ عشرة:)

(الأول: خروج وقتها) المبتدئ من حين زوال الشمس (بصيرورة الظلّ) أي ظلّ الشخص بجعل اللام عوضاً عن المضاف إليه (مثله)، أي مثل الشخص المدلول عليه بالظلّ التزاماً، فإنّ الظلّ يستدعي جسماً كثيفاً ذا ظلّ، أو المدلول عليه باللام التي هي عوض عنه.

والمراد بالظلّ هو الحادث بعد الزوال، لاجميع الظلّ الموجود؛ ليخرج منه الباقي عند الزوال، فإنّه غير داخل في التقدير.

واعلم أنّ الظلّ على قسمين: مبسوط ومنكوس.

فالمبسوط هو المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأُفق، وشخصه قطعة من عمود الارتفاع فيما بين مركز العالم والسطح الذي هو عليه.

والمنكوس هو المأخوذ من المقاييس الموازية للأُفق.

وبين الظلّين غاية التقابل، فإنّ الشمس عند طلوعها تُحدِث للشخص الأوّل ظلّاً مستطيلاً، وكلّما ارتفعت الشمس أخذ الظِلّ في النقصان إلى أن يصل إلى دائرة نصف النهار، فيكون الظلّ حينئذٍ في نهاية نقصانه. والظلّ الثاني بالعكس، فإنّه يكون عند طلوعها في نهاية نقصانه، وعند غاية ارتفاعها في غاية زيادته.

ومراد الفقهاء في إطلاقاتهم كون علامة الزوال زيادةَ الظلّ، وكون آخر وقت الظهر أو الجمعة أو فضيلتهما أو فضيلة الأُولى ووقت الثانية ونحو ذلك، بلوغُ الظلّ إلى قدر

ص: 353

معيّن وهو الظلّ الأوّل، والشخص الأوّل دون الثانى فيهما، فتأمّل.

وتحديد وقت الجمعة بما ذكر ثابت (في المشهور) بين الأصحاب، وليس عليه دلالة ظاهرة فضلاً عن النصّ، ومن ثمّ نسبه إلى المشهور وجزم في الدروس بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر(1)، ورجّحه في البيان(2)، والعمل على المشهور أقوى.

(الثاني: صحّتها بالتلبّس) بالصلاة في الوقت (ولو بالتكبير قبله)، أي قبل خروج وقتها المذكور في الرمز السابق.

و مُستند هذه الخصوصيّة - كالتي قبلها - غير واضح والذي يناسب أُصولنا واختاره المصنّف في غير هذه الرسالة اشتراط إدراك ركعةٍ في الوقت كاليوميّة(3)؛ لعموم: «من أدرك ركعةً من الوقت فقد أدرك الوقت»(4).

ولا فرق في ذلك بين مَن عَلِمَ قبل التلبّس بها بالحال وغيره، خلافاً للفاضل (رحمه الله) حيث فرّق بينهما، فأسقط الصلاة عمّن عَلِمَ قبل التلبس بقصور الوقت عن الخطبتين والصلاة تامّةً، وأوجب إكمالَها على مَن تلبّس بها غير عالم بالقصور ثمّ علم بعده إذا أدرك التكبير في الوقت(5)، وعلى ما اخترناه فهذه الخصوصيّة ساقطةٌ.

(الثالث: استحباب الجهر) بالقراءة (فيها) وهو موضع وفاقٍ، بل قيل باستحبابه في ظهرها على تقدير مشروعيّتها(6)، وقيل: «إن صُلِّيَت جماعةً»(7). وعلى هذين القولين،

ص: 354


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 110 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- البيان، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 49 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج 8).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 38، ح 119؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 999
5- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 10. المسألة 376
6- قاله الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 632، المسألة 407
7- قاله ابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 1، ص 298

فالخصوصيّة ساقطةٌ أيضاً، وذِكْرُ المصنّف لها في الخصوصيّات يقتضي منعه من الجهر بالظُهر مطلقاً.

واعلم أنّ هذا الاستحباب لا ينافي قصر الرسالة على الواجبات، ولا يستلزم تخصيص هذا المندوب على غيره من المندوبات المختصة بهذه الصلاة من غير مخصّصٍ؛ لأنّ مرجع هذا الاستحباب إلى الوجوب، فإنّ الجهر والإخفات كيفيّتان للقراءة الواجبة لا يمكن تأديتها بدونهما، وكيفيّة الواجب لا تكون إلّا واجبةً غاية ما في الباب أنّ القراءة إذا أمكن تأديتها بكلّ واحدٍ منهما كان كلّ واحدٍ موصوفاً بالوجوب التخييري ، وهو واجب بقول مطلق.

ومعنى استحباب الجهر كونه أفضل الواجبين على التخيير، وذلك وارد في كلّ واجب مخيّر إذا كانت أفراده متقاربة في الفضيلة، فإنّ الفرد الراجح منها مع كونه أحد أفراد الواجب يُطلق عليه الاستحباب بسبب رجحانه، فهو واجب تخييراً مستحبّ عيناً، وهو كثير في تضاعيف الفقه، وسيأتي عن قريبٍ في وجوب الجمعة حال الغيبة تخييراً.

(الرابع: تقديم الخطبتين عليها)، بمعنى أنّها تختصّ عن اليوميّة بالخطبتين المتقدّمتين عليها بخلاف اليوميّة، فإنّها لا خُطبةَ لها فضلاً عن تقديمها عليها.

وفي العبارة مناقشة دقيقة، فإنّ خصوصيّة هذه الصلاة بالنسبة إلى اليوميّة في ذلك إنّما هو الخطبتان، سواء حكم بتقديمهما أم لا. والعبارة تقتضي بحسب المقام البياني أنّ الخصوصيّة إنّما نشأت من التقديم، كما لا يخفى على مَن له ذوق سليم. وكأنّ المصنّف (رحمه الله) حاول الجمع بين إفادة الخصوصيّة وبيان محلّ الخطبتين، فعبّر بذلك إيثاراً للاختصار فتخلّفت البلاغة ولولا إسلافه كون الخصوصيّة بالنسبة إلى اليوميّة لاغير لصلح التقديم خصوصيّةً للجمعة بالنسبة إلى العيد، ووجوب أصل الخطبتين بالنسبة إلى اليوميّة، لكن هذا المعنى غير مُراد؛ لتصريحه بكون الخصوصيّة بالنسبة إلى اليوميّة لا غير.

ص: 355

ويشترط في الخطبتين الطهارة والقيام واشتمال كلّ واحدة منهما على حمد الله والصلاة على النبيّ وآله بلفظهما والوعظ بالعربيّة وقراءة ما تيسّر من القرآن وأقلّه آية، وأحوطه سورة خفيفة، ويزيد في الثانية الاستغفار للمؤمنين والدُعاء لأئمّة المسلمين استحباباً، ويجب الفصل بينهما بالجلوس.

(الخامس: الإجزاء عن الظهر) وهو موضع وفاق بين المسلمين، فلا يجب الجمع بينهما حيث تجتمع الشرائط، وهل يجوز الاحتياط بالظهر بعدها حال الغيبة عند القائل بشرعيّتها؟ نظر من تخيّل فسادها بسبب الخلاف فيها، فالجمع بينهما يوجب يقين البراءة مع مراعاة فعل أفضل الواجبين وهو الجمعة، فيكون كقضاء الصلاة اليوميّة والإيصاء بها احتياطاً، كما أجمع عليه الأصحاب، ونقله عنهم المصنّف في الذكرى(1)، ومن الحكم بسقوطها، فلاوجه لنيّة الوجوب، ولا لنيّة الندب؛ لأنّها لا تقع مندوبة؛ إذ لا يشرع فيها الإعادة، ولا يتحقّق في الظهر أيضاً الإعادة المنصوص على استحبابها؛ لأنّ المفعول هو الجمعة وهي مغايرة للظهر، فلاتكون الظهر الواقعة معادة؛ لعدم سبق فعلها.

(السادس: وجوب الجماعة فيها)، ويتحقّق بنيّة المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم بحيث يختلّ العدد المعتبر فيها لم تنعقد، وإن بقي العدد مع الإمام صحّت صلاة المؤتمِّ دون المُخلّ. ومن هنا وجب نيّة الاقتداء فيها على المأموم؛ لتوقّف الواجب عليها، وهل يجب على الإمام نيّة الإمامة هنا؟ استقر به المصنّف(2) وجماعة(3)؛ لوجوب نيّة العبادة الواجبة وهو أولى.

وإنّما تشترط الجماعة في ابتدائها لافي استدامتها، فلو انفضّوا بعد التحريم أتمّها

ص: 356


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 347 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- منهم: العلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 22؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 406.

الإمام مُنفرداً، وكذا لو عرض له مُبطلٌ وليس فيهم صالح للإمامة أتمَّها المأمومون منفردين، وعلى كلّ حال، فالخصوصيّة باقيةٌ.

(السابع: اشتراطها بالإمام أو مَن نصبه) بالنسبة إلى الوجوب العيني، أو مع الإمكان كحالة حضوره علیه السلام وهو موضع وفاقٍ.

أمّا مع غيبته علیه السلام كهذا الزمان، ففي انعقادها مطلقاً أو مع حضور المنصوب عموماً وهو الفقيه الجامع للشرائط أو تحريمها أوجهٌ، وربما كانت أقوالاً:

فالأوّل منها ظاهر الأكثر حيث اكتفوا بإمكان الاجتماع والخطبتين، كما يُعلم ذلك من عباراتهم، وممّن صرّح به أبو الصلاح(1)، وحكاه عنه في المختلف(2)، واختاره المصنّف في الذكرى(3).

والثاني مختار الشارح المحققّ صريحاً(4)، وظاهر المصنّف في الدروس(5)، وبعض الأصحاب(6).

وذهب إلى الثالث ابن إدريس(7) تبعاً للمرتضى في بعض فتاويه(8)، ورجحه العلّامة في باب الأمر بالمعروف من التحرير(9).

والوسط عدل وإن كان الأوّل أوضح دليلاً، وظاهر اختيار الرسالة هو الأخير مع احتمال إرادة الوسط بحمل المنصوب على الأعمّ من الخاصّ، لكن يبقي فيه أنّ

ص: 357


1- الكافي في الفقه، ص 151.
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 250، المسألة 147
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
4- شرح الألفيّة، ص 193 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 108 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
6- منهم الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 626 ، المسألة 397.
7- السرائر، ج 1، ص 303.
8- المسائل الميافارقيات، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 272
9- تحرير الأحكام الشرعية، ج 2، ص 243 ، الرقم 2978

الوجوب في حال الغيبة مع المنصوب العامّ وغيره تخييري لا عيني، كما أجمع عليه الأصحاب، فإرادة ذلك من الرسالة يوجب إجمالاً فى الفتوى حيث يريد بالوجوب المشترط بالإمام أو مَن نصبه ما يعمّ الوجوب العيني والتخييري.

وقد يعبّر بعض الأصحاب عن حكمها في حال الغيبة بالاستحباب(1)، ومراده به الاستحباب العيني مع كونه أحد الفردين الواجبين على التخيير، بمعنى أنّه أفضل الواجبين، وقد تقدّم مثله في استحباب الجهر بالجمعة عن قريب(2). فعلى هذا، يتعيّن فيها نيّة الوجوب وتجزئ عن الظهر؛ إذ لاقائل باستحبابها بالمعنى المتعارف.

(الثامن: توقّفها على) اجتماع (خمسةٍ فصاعداً أحدهم الإمام) على أشهر القولين، والقول الآخر توقّفها على سبعة؛ استناداً إلى رواية(3) مرجوحة بالنسبة إلى ما دلّ على الخمسة، وتوقّفها على العدد إنّما هو في ابتداء الصلاة بحيث يحصل تحرّمهم بها لا في استدامتها، فلو انفضّوا بعد التحريم أتمّ الباقون، وإن كان الانقضاض قبل إكمال ركعة حتّى لو بقي الإمام وحده أتمّ منفرداً كما مرّ(4).

(التاسع: سقوطها عن المرأة) وفي حكمها الخنثى المُشكل أمره؛ للشكّ في الوجوب وإن كان الأولى له الحضور.

(و) عن (العبد) سواء في ذلك القنّ والمدبّر والمكاتب بنوعيه وإن أدّى بعض مال الكتابة، ومَن انعتق بعضه وإن هاياه السيّد واتّفقت في نوبة الحريّة؛ لبقاء الرقّ المانع واستصحاب السابق الواقع، خلافاً للشيخ هنا(5).

ص: 358


1- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 27، المسألة :389؛ ومختلف الشيعة، ج 2، ص 253، المسألة 147
2- تقدّم في ص 354
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 245، ح 664: الاستبصار، ج 1، ص 418، ح 1607
4- تقدم في ص 356 - 357
5- المبسوط، ج 1، ص 208

(و) عن (الأعمى) وإن وجد قائداً أو كان قريباً من المسجد.

(و) عن (الهِمّ) - بكسر الها - وهو الشيخ الكبير العاجز عن الحضور، أو الذي يمكنه ذلك لكن بمشقّة شديدة لا يُتَحمّل مثلها عادةً.

(و) عن (الأعرج) البالغ عَرجُه حدّ الإقعاد أو الموجب لمشقّةٍ في السعي لا يُتحمّل مثلها عادةً، وفي حُكمه المُقعِد بل أبلغ، وكذا المريض ومُعلِّله(1) إذا لم يجد غيره مِمّن لا جمعة عليه مع كونه محترماً، ولو وجد مثله وجبت عليهما كفايةً، ومثله المشتغل بتجهيز ميّت.

(و) عن (المسافر) الذي يلزمه التقصير في سفره، فيخرج منه ناوي الإقامة عشراً في أثنائه، ومَن مضى عليه ثلاثون يوماً، وكثير السفر، والعاصي به.

(و) عن (مَن هو على رأس أزيد من فرسخين) عن موضع إقامتها إذا لم يمكنه إقامتها عنده، أو في موضع يقصر عن ذلك.

وهذا الحكم - وهو عدم وجوب الجمعة على المذكورين - ثابت (إلّا أن يحضر غير المرأة) موضع إقامة الجمعة، فتجب عليهم حينئذٍ، ويتمّ بهم العدد، وتجزئهم عن الظهر، كما في غيره من المواضع.

والحكم فيمن ذُكر غير العبد والمسافر موضع وفاق، أمّا هما، فقد اختُلِف في وجوبها عليهما مع حضورهما موضع الجمعة، والأصحّ أنّها لا تجب على العبد كالمرأة، وأمّا المرأة، فالمشهور عدم الوجوب عليها مع الحضور كما ذكر، وذهب بعض الأصحاب إلى الوجوب عليها كغيرها(2).

واعلم أنّ المصنّف في الذكرى ادّعى الاتّفاق على صحّتها من غير المرأة لو حضر(3). وإنّما الكلام في وجوب الشروع فيها، فحينئذٍ لو صلّوها أجزأتهم عن الظهر، وفي المرأة

ص: 359


1- أي الذي يخدم المريض.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 103 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 293.
3- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 36 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8.

نظر(1)، ولعلّ الصحّة قويّة.

لكن يبقى في المسألة شيء وهو أنّ الإجزاء عن الظهر يتوقّف على فعلها بنيّة الوجوب؛ لعدم إجزاء المندوب عن الواجب، ولأنّ الجمعة لا تقع مندوبةً بوجهٍ، ونيّة الوجوب تجب مطابقتها للواقع، وحيث لا وجوب على المرأة والعبد والمسافر - على القول به - كيف تتصور نيّة الوجوب؟!

ويمكن دفع الإشكال بأنّ الوجوب حينئذٍ تخييري بين فعل الجمعة والظهر، والوجوب المنفيّ هو العيني لا التخييري كما في فعلها حال الغيبة، وحينئذٍ فلا فرق في حال الغيبة بين الثلاثة المذكورين وغيرهم؛ لاشتراك الجميع في الوجوب التخييري، وإنّما تظهر فائدة الخلاف حالة الحضور.

(العاشر: أن لا يكون) أي لا يقع (جمعتان) فصاعداً (في أقلّ من فرسخ) فلو وقعتا كذلك بطلنا إن اقترنتا بالتكبير، سواء كانتا في بلدٍ أم بلدين.وحينئذٍ فيجب على الجميع إعادة الجمعة جميعاً أو متفرّقين بحيث يكون بين الجمعتين فرسخ إن وسع الوقت للتفرّق، وإلّا تعيّن الاجتماع.

ولو تلاحقتا بطلت اللاحقة خاصةً فتُصَلّى الظهر، هذا إذا كان الإمامان منصوبين أو متبرّعين حيث يسوغ التبرّع.

أمّا لو كان أحدهما منصوباً صحّت جمعته وإن تأخّرت وإن لم نشترط في إمامها حال الغيبة الاجتهاد، فالظاهر أنّ المنصوب - وهو المجتهد - وغيره في ذلك سواء.

ولو لم تتعيّن السابقة أو تعيّنت ثمّ نُسيت صلّوا جميعاً الظهر وإن كان في وقت الجمعة؛ لانعقاد جمعة صحيحة في الجملة، فلا تشرع الثانية.

ولو اشتبه السبق والاقتران صلّوا الجمعة مع بقاء الوقت وإلّا الظهر وأوجب العلّامة

ص: 360


1- وفي المرأة نظر : لم ترد في «ع».

هنا الجمع بين الجمعة والظهر؛ لتوقّف يقين البراءة عليها(1)، فإنّ الواقع في نفس الأمر إن كان هو السبق فالفرض هو الظهر، أو الاقتران فالفرض الجمعة، وحيث لا يقين بأحدهما لا تتيقّن البراءة من دونهما وهو أحوط إلّا أنّه غير متعيّن؛ لأنّ الجمعة في الذمّة تتعيّن؛ إذ هي فرض المكلّف، فلا يعدل عنها إلى الظهر إلّا مع يقين حصولها من غير مُصلّي الظهر وهو غير معلوم، ووجوب الفرضين على خلاف الأصل.

وقد تلخّص من هذا البحث وما قبله أنّ الناس في الجمعة بالنسبة إلى المكان ثلاثة أقسام:

فمَن دون الفرسخ يتعيّن عليهم الاجتماع على جمعة واحدة، أو التباعد بفرسخ.

ومَن يزيد عنه لكن لا يبلغ الفرسخين، فإن أمكنهم إقامة الجمعة عندهم تخيّروا بينه وبين الاجتماع، وإن لم يمكنهم تعيّن الاجتماع.

ومَن زاد على الفرسخين، فإن أمكن الاجتماع عندهم تخيّروا بينه و بين الحضور، وإلّا سقطت عنهم الجمعة.

ثمّ إن كان الإمام منصوباً فالواجب على مَن خرج عنه الحضور إليه، وإن تعدّد المنصوب أو لم يكن منصوباً لم يختصّ وجوب الحضور في ذلك ببلد دون بلد، بل يكون الوجوب حينئذٍ كفائيّاً، فمن قام به سقط عن الباقين، وإن تشاحّوا احتمل القرعة ويأثم الجميع بدون الاتّفاق، فلو بادروا إلى الصلاة المتعدّدة مع علم كلّ منهم بصلاة الأُخرى فالوجه بطلان الصلاتين وإن تلاحقتا للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأُخرى المقتضي للفساد. وعلى هذا إنّما تصحّ السابقة كما مرّ مع عدم العلم بصلاة الأُخرى، ووجه الإجزاء أنّ النهي عن وصف خارج.

ص: 361


1- تذكرة الفقهاء، ج 4 ص 59 المسألة 402: قواعد الأحكام، ج 1، ص 286
[صلاة العيد]

(وأمّا) صلاة (العيد) وهو اسم جنس يشمل العيدين المشهورين، واشتقاق العيد من العَود وهو التكرار، سمّي به اليوم المخصوص لتكرّره في كلّ سنةٍ؛ أو لعود السرور فيه، أو لكثرة عوائد الله تعالى فيه وأفضاله على عباده وياؤه منقلبة عن واو، فجمعه على أعياد غير قياسي؛ لأنّ حقّ الجمع ردّ الشيء إلى أصله. وإنّما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفرده، أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب.

(فتختصّ بثلاثة أشياء:)

(الأوّل: الوقت) والمشهور أنّه (من طلوع الشمس إلى الزوال) وقيل: أوّل وقته أوّل انبساط الشمس(1)، فمتى صلّاها في الوقت أو صلّى منها ركعة كانت أداءً، ولو خرج وقتها فاتت ولم تُقض كما سيأتي.

(الثاني: خمس تكبيرات بعد القراءة في) الركعة (الأُولى) على المشهور، وقيل: قبل القراءة(2)، (وأربع) تكبيرات (في) الركعة (الثانية بعد القراءة أيضاً).

وقد اختُلِف في وجوب هذه التكبيرات على تقدير وجوب الصلاة واستحبابها وأكثر الأصحاب(3) ومنهم المصنّف على الوجوب(4)، وهو الظاهر من الرسالة من حيث

ص: 362


1- قاله الشيخ في النهاية، ص 134 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 320؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 111
2- قاله ابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 266 ، المسألة 154
3- كالسيّد المرتضى في الانتصار، ص 169، المسألة 69؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 153؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 317؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 94.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 89 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).

إنّها مقصورة على بيان الواجب لا من حيث الخصوصيّة، فإنّها ثابتة على القولين.

(والقنوت) وهو لغةً: الخضوع والطاعة والدعاء(1)، والمراد به هنا الأخير، أي الدعاء.

(بينها) أي بين التكبيرات.

ولا يختصّ بلفظٍ ولا بدعاءٍ خاصٍّ وإن كان المنقول أفضل. والمراد بالقنوت بين التكبيرات القنوت بعد كلّ تكبير وإن كانت العبارة غير وافيةٍ بالمراد، فإنّ ظاهرها يقتضي نقص عدد القنوت عن عدد التكبيرات والكلام في دلالة العبارة على وجوب القنوت، كما تقدّم في التكبير، والخلاف فيهما واحد.

واعلم أنّ الجهر بالقراءة هنا مُستحبّ أيضاً كالجمعة، فكان ينبغي ذكره في الخصوصيات.

قال الشارح المحقّق: «وكذا ينبغي ذكر الجهر للقنوت، فإنّه مُستحبّ هنا، فلا وجه للإخلال بعدّه خصوصيّةً»(2).

وليس بجيّد؛ لأن المصنّف (رحمه الله)(3) وجماعة يختارون استحبابَ الجهر بالقنوت مطلقاً(4)؛ استناداً إلى صحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام : «القنوت كلّه جهار»(5)، فلا خصوصيّة للعيد حينئذٍ، فوجب تركه كذلك.

(الثالث: الخطبتان) الكائنتان (بعدها) وتقديمهما بدعة عثمانيّة أو مروانيّة. وذكرهما في الخصوصيّات يشعر بإيجابه لهما كما مرّ، والقول به ،نادر ولم يرتضه

ص: 363


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 111 القاموس المحيط، ج 1، ص 161؛ تاج العروس، ج 3 ص 110، «قنت».
2- شرح الألفيّة، ص 195 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 216 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- منهم العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 199، المسألة 112؛ ومنتهى المطلب، ج 1 ص300.
5- الفقيه، ج 1، ص 318، ح 944

المصنّف في شيء من كتبه(1)، بل ادّعى المحقّق في المعتبر الإجماع على استحبابهما(2)، ولكنّه مذهب العلّامة(3)، وجعله المصنّف في الذكرى أحوط(4)، وقد أجمع على عدم وجوب استماعهما، وعدم كونهما شرطاً في صحة الصلاة بخلاف الجمعة.

ويجب فيهما ما يجب في خطبة الجمعة من الحمد والصلاة والوعظ والقراءة، ويزيد فيهما ذكر شرائط الفطرة وقدرها ووقتها والمكلّف بها في عيد الفطر، وما يتعلّق بالأُضحيّة من الشرائط والأحكام في الأضحى.

(وتجب) صلاة العيد (على مَن تجب عليه الجمعة) عيناً، (ومَن لا) تجب عليه صلاة الجمعة عيناً (فلا).

والجارّ في قوله: (بشروطها) متعلّق بما تعلّق به السابق وهو الفعل، أي يجب العيد بالشروط المعتبرة في الجمعة، فيدخل في ذلك اشتراط الجماعة والعدد وحضور الإمام أو من نصبه والوحدة في الفرسخ. وقد اختُلِف في هذا الأخير هنا، واعتباره أولى هذا مع اجتماع شرائط الوجوب، وإلّا لم يشترط الوحدة.

وتفارق العيد الجمعةَ في استحباب فعلها فرادى لذوي الأعذار المانعة من حضورها جماعةً، واستحبابها حال الغيبة جماعةً وفرادى، وليس على المصنّف ذكر ذلك؛ إذ ليس من مقاصد الرسالة.

واعلم أنّ الأصحاب مع اختلافهم في شرعيّة صلاة الجمعة حال الغيبة وحكم الأكثر بوجوبها تخييراً(5)، لم يتعرّضوا لوجوب صلاة العيد مع اجتماع الشرائط كذلك وإن فعلها الفقهاء، بل ظاهرهم أنها مُستحبّة وإن وجبت الجمعة.

ص: 364


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 114؛ البيان، ص 196 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
2- المعتبر، ج 2، ص 324.
3- تذكرة الفقهاء 4: 136، المسألة 447: منتهى المطلب، ج 1، ص 345، ونهاية الإحكام، ج 2، ص 61.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)
5- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 151؛ وابن فهد في المهذب البارع، ج 1، ص 413: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 378 - 379

ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الوجوب العيني مُنتفٍ فيهما إجماعاً، والتخييري الثابت في الجمعة لا يأتي في العيد؛ إذ ليس هناك فرد يقوم مقامَها ليكون أحد الواجبين على التخيير، فلم يبق إلّا القول بالاستحباب؛ لأنّ إيجابها حينئذٍ يستلزم كونه عيناً، والحكم به يستلزم أولويّة الجمعة بذلك؛ لقوّة الأوامر المطلقة والعامّة بها في الكتاب والسنّة، وإجماع المسلمين على وجوبها في الجملة بخلاف العيد، فقد ذهب بعض الجمهور إلى أنّها سُنّة(1)، وبعضهم إلى أنّها واجب كفائي(2)، وبعضهم إلى أنّها عيني(3).

ص: 365


1- انظر: المجموع شرح المهذّب، ج 5، ص 2؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 310.
2- انظر : المجموع شرح المهذّب، ج 5، ص 2؛ المغني والشرح الكبير، ج 2، ص 223 - 224 ، المسألة 1393.
3- انظر: المبسوط، السرخسي، ج 2، ص 176 ؛ شرح فتح القدير، ج 2، ص 39 الهداية، المرغيناني ، ج 1، ص 85
[صلوات الآيات]

(وأمّا) صلوات (الآيات) جمع آية وهي العلامة، وسمّيت بذلك لأنّها علامات على أحوال الساعة وزلازلها وتكوير الشمس والقمر، وهو السرّ في الصلاة و الدعاء والانقطاع إلى الله تعالى في المساجد، لتذكّر القيامة عند مشاهدتها بالتوبة والإنابة، والفزع إلى بيوت الله تعالى واللام فيها إمّا للعهد الخارجي وهو المتقدّم في صدر الرسالة، أو الذهني وهو المعهود شرعاً.

وقوله: (فهي) أي الآيات التي قد أقامها مقام المضاف وهو الصلاة. والمراد أنّ الآيات التي تجب لها الصلاة هي (الكسوفان) أي كسوف الشمس والقمر، يقال: كسف الشمس و كسف القمر. وتثنيتهما حينئذٍ بهذه اللفظة على وجه الحقيقة، والأغلب في اللغة أن يقال: كسف الشمس وخسف القمر(1)، وجمعهما على هذا الوجه باسم أحدهما - وهو الكسوف - تغليبي لا حقيقي، كالظهرين والجمعتين ، وقد يقال: خسفت الشمس أيضاً وحينئذٍ فيجوز إطلاق الخسوفين عليهما حقيقةً أمّا تغليباً، فجائز كما مرّ تساويهما خفّة. واللام في الكسوفين للعهد الذهني المشهور، واحترز بهما عن كسف الكواكب بعضها لبعض، فإنّه لا يوجب الصلاة؛ لعدم كونه من الأخاويف؛ إذ لا يطّلع عليه أكثر الناس.

وأمّا انكساف الشمس ببعض الكواكب كالزهرة وعطارد، ففي إيجاب الصلاة قولان وقد مال المصنّف في الذكرى إلى الوجوب(2)، وقوّى العلّامة عدمه(3)، والعبارة تحتمل

ص: 366


1- الصحاح، ج 4، ص 1421: القاموس المحيط، ج 3، ص 196، «كسف».
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 125 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 195 المسألة 498: نهاية الإحكام، ج 2، ص 76.

المذهبين بحمل اللام على الجنس أو الاستغراق أو العهد الذهني، فإنّ المعهود والمتعارف الظاهر هو انكساف الشمس بالقمر والقمر بحيلولة الأرض بينه وبين جرم الشمس ومن ثمّ كان انكساف القمر ليلة الرابع عشر والشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر.

وأمّا كسف الزهرة وعطارد للشمس، فغير بيّن للأكثر ولا مخوف للعامّة والمعظم.

(والزلزلة) وهى مصدر زلزل الله الأرض زلزلةٌ وزلزالاً، أي حرّكها وهى الرجفة واللام فيها للعهد، فلا يكفي مطلق الحركة.

(وكلّ ريحٍ مُظلِمةٍ) في حال كونها (سوداء أو صفراء مخوّفة) ومقتضى العبارة انحصار الوجوب في الريح الجامعة للوصفين، فلا يجب للريح المنفكّة عنهما أو عن إحداهما وإن أخافت ولا المظلمة المنفكّة عن الريح.

والذي اختاره المصنّف في الذكرى(1) والبيان(2)- وهو أصحّ الأقول في المسألة - وجوب الصلاة لكلّ آيةٍ مخوفةٍ، فيدخل فيه الريح المنفردة عن الوصفين والظلِمَة المنفردة عن اللونين والرعدة العظيمة، وغيرها إذا حصل الخوف منها لأكثر الناس، ويدلّ عليه صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام: «كلّ أخاويف السماء من ظُلمةٍ أو ريحٍ فصلّ له صلاة الكسوف»(3) والأمر للوجوب.

واعلم أنّ وصف هذه الأخاويف بكونها سماويّة على طريق المجاز من باب إطلاق اسم الأقلّ على الأكثر، إذ ليس منه سماوي معروف سوى الكسوفين على مذهب

ص: 367


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 103 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- البيان، ص 201 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- الكافي، ج 3، ص 464، باب صلاة الكسوف، ح 3؛ الفقيه، ج 1، ص 548، ح 1528؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 330.

المصنّف هنا، وعلى القول الآخر قد يتّفق في غيرهما.

ويمكن أن يُريد بالسماء العلوّ مطلقاً، فيدخل فيه الظلمةُ والصاعقةُ والريحُ المذكورة وتبقى الرجفة مُلحقةً بها على وجه التبعيّة، وكيف كان فالمجاز باقٍ.

(و تختصّ) هذه الصلاة (بأُمور أربعةٍ):

(الأوّل: تعدّد الركوع) في الركعة الواحدة، (ففي كلّ ركعة خمسةُ) ركوعاتٍ، وماذكره مبنيّ على المشهور من عدم تعدّد الركعات بتعدّد الركوع ومن هنا يبني الشاكّ فيها على الأقلّ، وينّبه عليه اختصاص «سمع الله لمن حمده» بالخامس والعاشر ولا ينافي ذلك القنوت على كلّ مزدوجٍ؛ لعدم انحصار القنوت شرعاً في الركعة الثانية وإن كان ذلك هو الأغلب.

(الثاني: تعدّد الحمد في الركعة الواحدة إذا أتمّ السورة) أمّا إذا لم يُتمّها فهو مخيّر بین ثلاثة أشياء - كما اختاره المصنّف في الذكرى(1) وغيره(2) - : القراءة من حيث قطع، ومن أيّ موضع شاء من السورة ومنه الرجوع إلى أوّلها، والانتقال إلى غيرها.

ويجب إعادة الحمد في الموضعين الأخيرين على أجود القولين، وحينئذٍ فحكم المصنّف هنا بتعدّد الحمد عند إتمام السورة إمّا بناءٌ على القول الآخر وهو عدم تعدّد الحمد في هذه المواضع، أو محمول على الوجوب العيني بمعنى أنّه مع إكمال السورة يتعيّن عليه قراءة الحمد ليس ثمّ غيره. أمّا إذا لم يُتمّها فهو مخيّر إن شاء فعل ما يوجب إعادة الحمد وإن شاء فعل ما لا يوجبها، فليست قراءة الحمد حينئذٍ متعيّنة.

(الثالث: جواز تبعيض السورة) في القيام المتخلّل بين الركوعات وقبلها، (وفي) القيام (الخامس والعاشر يتمّها)؛ لأنّها آخرُ الركعة ولا يجوز أن يقصر في الركعة الواحدة عن السورة الواحدة، وإنّما يجب إتمامها في الحالين إذا لم يكن قد أتمّ سورةً

ص: 368


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 110 - 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 171، المسألة 472 ونهاية الإحكام، ج 2، ص 73؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 465

قبل ذلك في تلك الركعة. أمّا لو أتمّ سورةً في الركعة ثمّ بعّض في باقي القيام لم يجب عليه إكمال ما شرع فيه؛ لحصول الغرض وهو قراءة سورة في الركعة.

وفي بعض النسخ بعد قوله: «يتمّها» «لو لم يكن أتمّ السورة قبله» وهو قيد حسن لما ذكرناه.

(الرابع: البناء على الأقلّ لو شكّ في عدد ركوعاتها) إذا لم يتضمّن ذلك الشكّ في الركعتين، كما لو شكّ بين الخامس والسادس جازماً بأنّه إن كان في الخامس فهو في الركعة الأُولى، أو في السادس فهو في الثانية، فإنّ ذلك مُبطِلٌ للصلاة؛ لأنّه شكّ في عدد الثنائيّة. وقد اشتهر هذا التقييد في هذا المحلّ، ذكره المصنّف في الذكرى(1)، فهو كالمستغنى عنه، فإنّه خارج عن محلّ الفرض، كما أنّ البناء في الركوعات على الأقلّ يكاد يخرج عن الخصوصيّات لهذه الصلاة، فإنّ مرجعه إلى الشكّ في فعلٍ من أفعال الصلاة في محلّه، فإنّه يأتي به الأصالة عدم فعله، وهذا حكم آتٍ في جميع الصلوات.

واعلم أنّ الكلام في استحباب الجهر بالقراءة هنا كما تقدّم - فإنّه من خصوصيّاتها أيضاً بالنسبة إلى اليوميّة، فكان ينبغي ذكره كما ذكره في الجمعة. ولا فرق في ذلك بين الكسوف والخسوف وغيرهما على أصحّ القولين، ولو جعل هذه الخصوصيّة بدل السابقة إن لم يجمع بينهما كان أولى.

(ووقتها) أي وقت هذه الصلوات (حصولها) أي حصول الآيات المذكورة على طريق الاستخدام، والمراد به زمن حصولها.

وفيه إشارة إلى أنّ وقت الكسوفين يمتدّ من ابتداء الكسوف إلى تمام الانجلاء، وأنّ وقت غيرهما من الآيات غير الزلزلة هو زمن وقوعها، فلو قصر عن قدر الصلاة مع شرائطها المفقودة تلك الحال لم يجب.

أمّا الزلزلة، فإنّها لا تتقيّد بذلك إجماعاً، بل وقتها العمر وإن وجبت المبادرة بها على

ص: 369


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 444 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

الفور، وما دلّت عليه العبارة هو أحد القولين في المسألة. وأصحّهما - وهو مختاره في الدروس(1) - عدم اشتراط كون زمان غير الكسوفين من الآيات بقدر الصلاة، بل وقتها العمر، وإنّما يتضيّق عند ظنّ الوفاة.

نعم أوجب المصنّف (رحمه الله) الفوريّة بها وإن لم يخرج بالإخلال بها عن وقت الأداء(2) وهو أولى.

وكيف كان فعبارة الرسالة قاصرة الدلالة عن أحد القولين، فإنّه إن أراد أنَّ زمان حصولها هو مجموع الوقت فلابدّ من إخراج الزلزلة من ذلك إن لم يخرج غيرها.

وإن أراد أنّ ذلك هو أوّل الوقت من غير تعرّض لآخره؛ لتدخل الزلزلة وتلك الأخاويف على مذهبه الذي حكيناه عنه ، لم يكن فيها ما يدلّ على الآخر مع اختلافه بالنسبة إلى الكسوفين وغيرهما في الآيات.

ص: 370


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 105 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
[صلاة الطواف]

(وأمّا) صلاة (الطواف فتختصّ بأمرين):

(الأول: فعلها في المَقام) - بفتح الميم - اسم للمكان المخصوص، وهو موضع قيام إبراهيم علیه السلام في وقت بنائه البيت، وهو صخرة معهودة كان يصعد عليها وقت البناء.

وجعل هذه الصخرة ظرفاً مكانيّاً للصلاة على وجه المجاز تسمية لِما حولها باسمها؛ لعدم إمكان الصلاة فيها ولا عليها. وقد قال المصنّف (رحمه الله) في بعض تحقيقاته: إنّ معظم الأخبار(1) وكلام الأصحاب(2) ليس فيها الصلاة في المقام، بل خلفه أو إلى أحد جانبيه؛ للقطع بأنّ الصخرة المعيّنة لا يمكن الصلاة عليها، ونسب مَن عبّر بذلك إلى التجوّز وشاركهم فيه بأبلغ وجه(3)، فإنّهم لم يجمعوا في عباراتهم بين الصلاة فيه أو حوله، بل اقتصروا على الأوّل مُريدين الثاني.

وأمّا المصنّف فقد قال: (فعلها في المقام أو وراءه أو إلى أحد جانبيه) فقد صرّح بأنّه يُريد ب_ «المقام» أمراً آخر غير ما حوله من الجهات الثلاث، ولعلّه يُريد به ما هو داخل القبّة المبنيّة حول الصخرة المشهورة الآن بالمقام، ويريد ب_ «وراءه أو أحد جانبيه» ما خرج عنها ممّا قاربها.

ولا خلاف في عدم جواز التقدّم عليه، كما لا يجوز التباعد عن مجاورته في إحدى الجهات الثلاث عرفاً (إلّا لضرورة) كزحام ونحوه، فيجوز التباعد عن ذلك متحرّياً

ص: 371


1- الكافي، ج 4، ص 423، باب ركعتي الطواف ووقتهما و..... 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ص 137 ، ح 453.
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 360؛ والنهاية، ص 242؛ وسلار في المراسم، ص 110.
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 313 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

للقرب منه بحسب الإمكان.

(الثاني: جعلها بعد الطواف) وإن لم يبادر بهما على الفور، بل هو مستحبّ، و (قبل السعي إن وجب) السعي وذلك في طواف الحجّ والعمرة، فيجب توسّط الصلاة فيهما بين الطواف والسعي.

واحترز بالقيد عن طواف النساء؛ إذ لاسعي ،بعده، وعمّا لو نسي الصلاة حيث يجب السعي حتّى فرغ منه فإنّه يصلّيها بعده؛ إذ لم يبق عليه حينئذٍ سعي واجب.

ص: 372

[صلاة الجنائز]

(وأمّا) صلاة (الجنازة) - بكسر الجيم وفتحها - وهي اسم للميّت، وقد يخصّ الفتح بالميّت والكسر بالسرير. وقيل: هما لغتان، وفي الصحاح جعلها مع الكسر اسماً للميّت على السرير وجعل الفتح من كلام العامّة وإذا لم يكن الميّت عليه فهو سرير ونعش(1)، (فتختصّ بثلاثة) أشياءَ:

(الأوّل: وجوب تكبيرات أربع غير تكبيرة الإحرام) فتكون التكبيرات بها خمساً، هذا في غير المخالف، وفيه يُقتصر على معتقده وهو أربع تكبيرات، كما يُغسّل غسله.

وهذه التكبيرات أركان الصلاة، وكذا القيام فيها، بل هو أظهرها، فتبطل الصلاة بترك أحدهما ولو سهواً، فتكون أركانها سبعة؛ بناءً على ركنية النيّة، وإلّا فستّة. ولوشكّ في عدد التكبير بنى على الأقلّ؛ لرجوعه إلى الشكّ في الفعل قبل تجاوز محلّه، والدعاء تابع للتكبيرات في ذلك.

(الثاني: الشهادتان) المعهودتان شرعاً وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانيّة، وللنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بالرسالة، (عقيب) التكبيرة (الأُولى) وهي تكبيرة الإحرام (والصلاة على النبيّ وآله عقيب) التكبيرة (الثانية، والدعاء للمؤمنين عقيب) التكبيرة (الثالثة) (و) الدعاء (للميّت عقيب) التكبيرة (الرابعة) إن كان مؤمناً، وأن يجعله فرطاً وذخراً لأبويه إن كان طفلاً للمؤمنين، ولو كان أحدهما خاصّة مؤمناً خصّه بذلك. ولو انتفى عنهما معاً، كالمسبي إذا قلنا بتبعيّته في الإسلام، لم يصحّ الدعاء لأبويه بذلك.

ص: 373


1- الصحاح، ج 2، ص 870، «جنز».

ولو كان منافقاً - أي مخالفاً للحقّ - دعا عليه، ثمّ إن كان ناصباً فينبغي أن يدعو عليه بما قاله الحسين علیه السلام في صلاته: «اللهمّ العن عبدك ألف لعنةٍ مؤتلفة غير مختلفة، اللهمّ اخْزِ عبدك في عبادك وبلادك وأصلِه حرّ نارك، وأذِقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يوالي أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيّك»(1).

وإن لم يكن ناصباً قال مارواه محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام:«إن كان جاحداً للحقّ فقل: اللهمّ املأ جوفَه ناراً وقبرَه ناراً، وسلّط عليه الحيّات والعقارب»(2). ولو دعا به أيضاً على الناصب تأدّت الوظيفة؛ لدخوله في الجاحد للحقّ.

وهل الدعاء على هذا القسم واجب؟ قال المصنّف: الظاهر لا؛ لأنّ التكبير عليه أربع كمعتقده، وبالرابعة يخرج من الصلاة ويمكن القول بالوجوب وإن جعلنا التكبيرات أربعاً عملاً بظاهر الأمر، والتأسّي.

ولو كان مستضعفاً - و هو الذي لا يعرف الحقّ ولا يُعاند فيه، ولا يوالي أحداً من الأئمّة ولا من غيرهم - دعا بدعائه المروي عن الباقر علیه السلام: «إن كان واقفاً مستضعفاً فكبّر وقل: اللهمّ اغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم»(3). وليس من قسم المستضعف مَن يعتقد الحقّ ولا يعرف دليله التفصيلي، فإنّ ذلك من جملة المؤمنين، ولعدم كونه منافقاً كما دلّ عليه الحديث(4).

ولو كان مجهول الحال بأن لا يُعرف مذهبه ولا بلده على وجه تدلّالقرائن على إيمانه كالبلدة التي لا يعرف فيها مخالف ونحوه، دعا له بدعاء المجهول وهو ما رواه أبو المقدام قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول على جنازة رجل من جيرته: «اللهمّ إنّك

ص: 374


1- الكافي، ج 3، ص 189، باب الصلاة على الناصب، ح 3؛ الفقيه، ج 1، ص 168 ، ح 490؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 197، ح 453
2- الكافي، ج 3، ص 189 - 190، باب الصلاة على الناصب، ح .5
3- الكافي، ج 3، ص 187، باب الصلاة على الناصب، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 450.
4- الكافي، ج 3، ص 187 ، باب الصلاة على الناصب، ح 3 الفقيه، ج 1، ص 168، ح 489.

خلقت هذه النفوس وأنت تُميتها وأنت تُحيبها، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منّا ومستقرّها ومستودعها، اللهمّ وهذا عبدك ولا أعلم منه شرّاً وأنت أعلم به، وقد جِئناك شافعين له بعد موته، فإن كان مستوجباً فشفّعنا فيه واحشره مع مَن كان يتوالاه»(1).

وعن الصادق علیه السلام في الدعاء له: «اللهمّ إن كان يُحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه و تجاوز عنه»(2).

واعلم أنّ هذه الدعوات ونحوها من المنصوص هو الأفضل، لكنّه غير متعيّن، وإنّما يتعيّن فى هذه الصلاة لفظ الشهادتين والصلاة المعهودة.

ويجب أن يأتي لكلّ ميّت بما هو وظيفته من التذكير والتأنيث، والإفراد والجمع عند الصلاة على جماعة، فيقول في الدعاء: «اللهمّ هذا عبدك، وهؤلاء عبيدك إلى آخره» وللأُنثى: «اللهمّ إن هذه أمتك... إلى آخره» ويتخيّر في الخنثى.

(الثالث: لا ركوع فيها ولا سجود ولا تشهّد) آخرها (ولا تسليم) بمعنى أنّه لا يشرع فيها شيء من ذلك. وكذا لاقراءة فيها واجبة ولا مندوبة عندنا.

(ولا يشترط(3) فيها الطهارة) من الحدث الأصغر والأكبر إجماعاً، ولا من الخبث على أصحّ القولين، ويمكن شمول العبارة لهما؛ حملاً للطهارة على المعنى اللغوي، أو على الشرعي مع استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

وقد عُلِم من العبارة أنّه يجب فيها الاستقبال وإباحة المكان، وستر العورة، والنيّة، والقيام والتكبير بل هو الركن الأعظم.

ويجب فيها أيضاً الاستقبال بالميّت بحيث يكون بين يدي المصلّي إلى جهة القبلة، ورأسه عن يمينه، ورجلاه عن يساره مستلقياً، إلّا في المأموم مع استطالة الصف.

ص: 375


1- الكافي، ج 3، ص 188، باب الصلاة على المستضعف وعلى .... ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 451.
2- الكافي، ج 3، ص 187، باب الصلاة على المستضعف وعلى .... 3: الفقيه، ج 1، ص 168، ح 491.
3- في نسختي الألفية، «ش 1 ، ش 2» ولا يعتبر

وقربه منه عرفاً، إلّا مع اتّصال الصفوف بالنسبة إلى المأموم.

وتقديم غسله وتكفينه عليها، بمعنى كونهما شرطاً في صحتها مع الإمكان وكان ينبغي التنبيه على ذلك خصوصاً التكفين، وإدراج حكمه كما عادته هي في الرسالة كما أدرج تغسيله في باب إزالة النجاسة بنوع من اللطف وإن لم يكن من مقدّمات الصلاة اليوميّة، لكنّه مقدّمة للصلاة واجبة في الجملة وهو غرض مقصود للرسالة.

ص: 376

[صلاة الملتزم]

(وأمّا الملتزم) من الصلوات (فبحسب) السبب (الملزم) فليس له خصوصيّة زائدة على غيره من الصلوات فإن كان سببه النذر وشبهه فشرائطه وواجباته كاليوميّة مع الإطلاق، ومع تعيين بعض الهيئات المشروعة كالصلاة جالساً أو بغير سورة، أو إلى غير القبلة ماشياً أو راكباً يتبع شرطه.

ولو كان سببه الفوات الموجب للقضاء أو التحمّل، فشرائطه أيضاً شرائط اليوميّة.

وإن كان السبب الملزم هو الشكّ الموجب للاحتياط، فقد تقدّم حكمه، وقد عُلِم من ذلك أنّ المُلتزم ليس له ضابط يرجع إليه مطلقاً ولو كان سببه النذر.

(فمهما نذره) الناذر (من الهيئات المشروعة) أي الثابتة شرعاً من صلاة ركعة أو ركعتين أو أربع ونحو ذلك العدد، أو قائماً أو قاعداً، أو نحو ذلك من الهيئات (انعقد) النذر ( ووجب الوفاء به) أي بالمنذور المُضمر في (نذره).

واحترز بالشرعيّة عمّا لو نذر صلاة بغير ركوع أو سجود، أو ثلاث ركعات بتشهّد واحدٍ، أو أربعاً ،كذلك أو خمساً بتسليمة، ونحو ذلك، فإنّ النذر لا ينعقد. بخلاف مالو أطلق نذر الثلاث والخمس، فإنّه يصحّ ويصلّيها على هيئة شرعيّة كاثنتين اثنتين وواحدة وثلاثة واثنتين.

واعلم أنّ في انتظام حكم العبارة خفاءً، فإنّه إن أراد بالهيئة المشروعة التي ينعقد نذرها ماهي مشروعة في الجملة ولو على بعض الوجوه؛ ليدخل فيه نذر الصلاة قائماً وقاعداً، وسورة بعد الحمد وبدونها، صحّ الحكم فيما ذكر ، لكن يشكل الحكم فيما لو نذر هيئة مشروعة في غير وقتها كالعيد والكسوف والاستسقاء عند عدم أسبابها

ص: 377

المقتضية لشرعيّتها، فإنّ المشهور والمفتى به للمصنّف في غير هذه الرسالة عدمُ صحّة نذره كذلك(1) وإن كان فى المسألة خلاف حيث يمكن إدراجه فيها.

ويدخل أيضاً في العبارة نذر الصلاة إلى غير القبلة بغير قيدي المشي والركوب، والصلاة مضطجعاً ومستلقياً اختياراً؛ لصحّتها في الجملة، وامتناع انصراف النذر إلى ذلك عند المصنّف وإن كان فيه خلاف أيضاً بحيث يمكن إرادته.

وإن أراد المشروعيّة في حالة الاختيار ليخرج أمثال ذلك ويدخل فيه جميع ما تقدم، أشكل نذره ثلاث ركعات بتسليمة واحدة منفردة، فإنّهما وإن شرّعا اختياراً إلّا أنّهما لم يُشرّعا مطلقاً، بل من جهة كونهما مغرباً ووتراً، والحال أنّه لم يقيّد بهما.

وقد يندفع ذلك بأنّ الهيئتين مشروعتان في حالة الاختيار بقول مُطلق، وقد يعتدّ بهما الشارع في الجملة فينعقد ما هو على هيئتها، كما اختاره المصنّف في الذكرى(2).

وفيه أنّ الهيئة المقدّرة بزمان وسبب كالعيد والكسوف متعبّد بهما كذلك، ولزم أن ينعقد نذرهما في غير وقتهما، ويمكن التزام صحّة ذلك عند المصنّف وتنتظم معه العبارة.

والأولى حملها على ما هو أعمّ من ذلك بأن يُراد بالمشروعيّة ما يعتدّ بها الشارع بحسب حال الناذر حالة النذر ليدخل فيه مالا يصحّ من الهيئات اختياراً، لكن يصحّ في حالة اضطرارٍ يتّصف بها الناذر، فإنّ نذرها ينعقد أيضاً.

إذا تقرّر ذلك، فمتى نذر هيئة مشروعة ولم يعيّن للمنذور وقتاً كان وقته العمر فلا تتضيّق إلّا بظنّ ضيق وقت العمر إلّا عن فعله.

(ولو عيّن زماناً) للمنذور كهذه الجمعة مثلاً، (فأخلّ به) أي بالمنذور (فيه) أي في الزمان المعيّن (عمداً) أي متعمّداً (قضى) المنذور (وكفّر) للإخلال بصفة النذر. ومثله في وجوب الكفّارة لو ظنّ الوفاة في النذر المطلق فى زمان مضيّق بالمنذور وأخلّ به

ص: 378


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 151 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 131 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

ثمّ صدق ظنّه. ولو أخلّ به نسياناً قضى خاصّة، والجاهل عامد.

وفي بعض النسخ «فأخلّ به عمداً» بغير لفظة «فيه» وهو سديد أيضاً؛ لأنّ الإخلال بالمنذور في الزمان المعيّن لا يتحقّق إلا بفوات زمانه.

(ويدخل في شبه النذر العهد واليمين) لمشاركتهما للنذر في كونهما شيئين عارضين بغير أصل الشرع.

(وصلاة الاحتياط) لوجوبها أيضاً بسبب أجنبي من قبل المكلّف، وهو طروء الشكّ بسبب تقصيره في التحفّظ غالباً، فهو شبه النذر في كونه بسبب من المكلّف کذلک.

(والمُتحمّل) - بالبناء للمفعول - أي الصلاة المتحمّلة (عن الأب) فإنّها أيضاً من أقسام المُلتزم؛ لعدم وجوبها على الولد بأصل الشرع، بل بسبب عارضٍ وهو موت الأب بعد فوات الصلاة له على الوجه الذي اقتضى تحمّلها عنه. وهذا الفرد بعيد عن أقسام الملتزم؛ لأنّ موت الأب وغيره من أجزاء السبب لا اختيار للملتزم فيه، كأنّه واجب عليه بسبب من الله تعالى كغيره من الصلوات الواجبة بسبب من الأسباب كالكسوف والزلزلة.

(والمستأجر عليه) من الصلوات فإنّه يشبه النذر من حيث وجوبه على المكلّف

بسبب من قبله كالنذر ، وهو أظهر أفراد المشبه بالنذر بعد أخويه.

ص: 379

[صلاة القضاء]

(والقضاء فإنّه) وإن كان مُماثلاً للمقضيّ في الكميّة والكيفيّة الاختياريّة (ليس عين المقضيّ)؛ لأنّه قد فات بفوات ،وقته، فلا يمكن إيجاده في وقته حينئذٍ، (وإنّما هو) أي القضاء (فعل مثله) لاعينه وإن ماثله في الكميّة والكيفيّة، وسببه فوات الأداء المُستند غالباً إلى سببٍ من المكلّف وبواسطة كالترك والنوم وما شاكله.

وعلى هذا، فتقسيم اليوميّة إلى الأداء والقضاء على وجه المجاز، وعلى المشهور فالقضاء قسم من أقسام اليوميّة وهو أوضح، ولكلّ واحدٍ منهما وجهٌ.

واعلم أنّ نظم العبارة غير جيّد؛ لأنّه أدخل أوّلاً في شبه النذر العهد واليمين، فجعل المشابهة من الأسباب الموجبة للصلاة وهي النذر وأخواه، ثمّ عطف عليها نفس الصلوات الواجبة بأسباب أُخَر مشابهة للنذر فقال: «صلاة الاحتياط... إلى آخره».

وكان الأنسب في الجميع التمثيل بنفس الأسباب وهو الشكّ الموجب للاحتياط والتحمّل والاستئجار ونحو ذلك، أو جعل المجموع هو الصلوات المسبّبة عن هذه العوارض.

ويمكن أن يُريد المصنّف من هذه العبارة هذا القسم بأن يقدّر للنذر وأخويه مضافاً ليصير التقدير «ويدخل في شبه صلاة النذر صلاة العهد واليمين وصلاة الاحتياط... إلى آخره» لكن هذا خلاف الظاهر، بل الظاهر أنّه تفسير لما سبق في صدر الرسالة من قوله: «والملتزم بنذر وشبهه» فإنّ المشبه به هناك نفس النذر ليس إلّا، والمشبّه الأسباب اللاحقة به كالعهد واليمين، فيكون الأمر هنا كذلك ويحصل الاختلاف.

ولمّا ذكر القضاء استدرك جملةً من أحكامه، كما هي عادته في إدراج أحكام

ص: 380

الصلاة بنوع من اللطف فقال: (ويجب فيه) أي في القضاء (مراعاةٌ الترتيب كما فات) بأن يبدأ بقضاء ما فات أوّلاً فأوّلاً حتّى لوفاته العشاء من يوم ثمّ المغرب من يوم آخر، وهكذا إلى آخر الخمس قضاها معكوسة كذلك وجوباً على المشهور، بل كاد يكون إجماعاً، وينبّه عليه الخبر المشهور من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «فيلقضها كما فاتته»(1).

ونقل المصنّف في الذكرى عن بعض الأصحاب عدم الوجوب(2)، وله وجه إن لم يثبت الإجماع، ودلالة الخبر بعيدة.

(و) كذا يجب فيه (مراعاة العدد تماماً وقصراً)، فيقضي ما فات سفراً قصراً وما فات حضراً تماماً وهو موضع ،وفاق، ودلالة الخبر عليه واضحة.

وإنّما يجب عليه في القضاء مراعاة الهيئة المذكورة وهي التمام والقصر (لامراعاة) مُطلق (الهيئة)، فإنّه لا يجب مراعاة الهيئة الاضطراريّة ( كهيئة الخوف) من الصلاة على ظهر الدابّة وماشياً بالإيماء. فإذا فاتته صلاة على تلك الحالة وأراد قضاءها آمناً قضاها تامّة الأفعال (وإن وجب) عليه (قصرالعدد)؛ فإنّ الخوف من أسباب القصر كالسفر.

وهذا استطراد منه لذكر شيء من أحكام صلاة الخوف عند ذكره على عادته السابقة ومن جملتها قصر رباعيّته وإن عرض الخوف حضراً. ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكمّية وتغيير الكيفيّة بين كون سببه العدوّ أو اللصّ أو السبع أو غيرها من أسبابه.

ويجب على الخائف مع إتمام الأفعال في الركعتين بحسب الممكن إلّا أنّه لو عجز عن استيفاء الصلاة بالركوع والسجود التامين (أوماً ) لهما برأسه، ويجعل السجود أخفض، فإن تعذر الإيماء بالرأس فبالعينين كما مرّ.

ص: 381


1- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو يقدم .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 107. ح 150
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 335 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)

وضمير «أنّه» و «عجز» و «أومأ» يعود على المصلّي خائفاً المدلول عليه بالمقام.

(ويسقط) الإيماء (عنه لو تعذّر، ويجتزئ) حينئذٍ(عن الركعة بالتسبيحات الأربع)، كما فعل عليّ علیه السلام ليلة الهرير(1).

(وتجب النيّة والتحريمة) أوّلاً (والتشهّد والتسليم) أخيراً؛ بناءً على وجوب التسليم، وإلّا اقتصر على التشهّد ويجب الاستقبال بحسب الإمكان.

ولمّا ذكر أنّه لا يجب في القضاء مراعاة الهيئة المعتبرة في حالة فوته، نبّه على ما يُعتبر منها بقوله: (وإنّما المعتبر في الهيئة بوقت الفعل) في حالة كونه (أداءً وقضاءً)، فإذا قاتته صلاةٌ في حالة قدرته على تمام الأفعال وأراد قضاءها قاعداً أو مضطجعاً أو مستلقِياً أو خائِفاً قضاها كذلك، كما يجوز أداؤها على تلك الحالة، ولا يجب تأخيرها إلى أن يزول العذر ولا إعادتها بعده.

(وكذا) المعتبر في (باقي الشروط) من الستر والاستقبال والطهارة وهو المقدور عليه وقت الفعل (فيصحّ القضاء من (فاقدها) كما يصحّ الأداء؛ إذ ليست شروطاً مطلقاً بل مع الإمكان (إلّا فاقد الطهارة)، فإنّه لا يقضى مافاته من الصلاة حالة قدرته على الطهارة، أو عجز عنها على القول بوجوبه بدون الطهارة، بل يجب عليه التأخير إلى أن يتمكّن ولو من الطهارة الترابيّة؛ لأنّها شرط مطلقاً.

(والمريضِ) - بالجرّ عطف على فاقدها - أي وكذا يصحّ القضاء من المريض (المومئ بعينيه). وإنّما خصّه بالذكر مع دخوله فيما تقدّم لينبّه على كيفيّة ركوعه وسجوده باللطف الذي قد تكررّ منه.

(فتغميضهما ركوع و سجود، وفتحهما) أي فتح عينيه (رفعهما) أي رفع الركوع والسجود (و) يجعل (السجود أخفض) تغميضاً أي أشدّه، ولا فرق في ذلك بین من يبصر بهما وغيره ممّن يمكنه التغميض والفتح، وهذا كلّه مع تعذّر الإيماء بالرأس، كما

ص: 382


1- الكافي، ج 3، ص 457 - 458، باب صلاة المطاردة و.... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173، ح 384

نبّه عليه بقوله: «المومى بعينيه» أي الذي قد انتقل فرضه إليه. ولو تعذّر ذلك كلّه كفاه إحضار الأفعال على قلبه، وإجراء الأذكار على لسانه.

(وكذا) القول في (الأداء) فيؤدّي فاقد الشروط إلّا فاقد الطهارة، فلا يجب عليه الأداء ولا يصحّ منه، خلافاً للمفيد حيث أوجب عليه الأداء والقضاء(1).

(ولو جهل الترتيب) بين الصلوات الفائتة (كرّر) القضاء (حتّى يحصّله) في ضمن الفرائض المكرّرة (احتياطاً) خروجاً من خلاف القائل بوجوبه من حيث قدرته عليه على هذا الوجه فيقضي مَن اشتبه عليه فوات الظهرين ظهراً بين عصرين أو بالعكس.

ولو كانت ثلاثاً بإضافة المغرب إليهما صلّى الثلاثة المتقدّمة قبل المغرب وبعدها، فيحصل الترتيب بسبع.

ولو أضاف إليها العشاء فخمسة عشر تحصل بجعل السبع قبل العشاء وبعدها.

ولو أضاف إليها الصبح فإحدى وثلاثون ويجعل الخمسة عشر قبلها وبعدها، ويكفيه عن ذلك أن يصلّى أربعة أيّام متوالية ثمّ صبحاً.

والضابط وجوب التكرار على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات، وهي اثنان في الأوّل؛ إذ يحتمل تقدّم الظهر على العصر وبالعكس.

وستّة في الثاني؛ لورود الاحتمالين في كلّ واحدة من الثلاث، ومضروب ثلاثة في اثنتين ستّة.

وأربعة وعشرون في الثالث حاصلة من ضرب أربعة عدد الفرائض في الاحتمالات السابقة وهي ستّة.

ومائة وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب خمسة في أربعة وعشرين.

ولو فرض قوات فريضة سادسة كذلك فالاحتمالات سبعمائة وعشرون ويحصل الترتيب بثلاث وستّين فريضة بجعل السادسة محفوفة بالإحدى والثلاثين من الطرفين.

ص: 383


1- حكاه عنه المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 208 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

وعلى الضابط الثاني يحصل الترتيب بستّة وعشرين خمسة أيّام متوالية وتلك الفريضة، وقس على هذا زيادة الفرائض والاحتمالات.

وهذا كلّه على وجه الاحتياط (والسقوط أقوى) لأصالة البراءة من وجوب التكرار على هذا الوجه واستلزامه الحرج والعسر المنفيّين بالآية(1) والخبر(2)، واختار المصنّف في الذكرى اتّباع الظنّ مع فقد العلم ثمّ السقوط(3)، وفي الدروس العمل على الوهم مع عدم الظَّنّ ثمّ السقوط(4)، ومختار الرسالة أقوى.

(وإنّما يجب) القضاء (على التارك) للفريضة (مع بلوغه) حالة الترك على وجه يجب عليه الأداء؛ ليشمل من أدرك قدر ركعة من آخر الوقت فما زاد مع الشرائط المفقودة.

(وعقله وإسلامه) كذلك إسلاماً أصليّاً، فلا يجب القضاء على الكافر الأصلي إذا أسلم؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله(5) وإن عذّب على تركها لو مات على كفره، وقد تقدّم الكلام فيه في صدر الرسالة.

(وطهارة المرأة من الحيض والنفاس) فلا يجب القضاء على الحائض والنفساء وإن وجب عليهما قضاء الصوم.

(أمّا عادم) جنس (المُطهِّر) من ماء وتراب وما في حكمهما (فالأولى وجوب القضاء) عليه وإن لم يجب عليه الأداء؛ لعموم «من فاته فريضة فليقضها كما فاتته»(6)

ص: 384


1- البقرة (2): 185: الحج (22): 78
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 363، ح 1097؛ الاستبصار، ج 1، ص 77، ح 240
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9)
5- مسند أحمد، ج 5، ص 223، ح 17323، وص 231، ح 17357، وص 234، ح 17372 کشف الخفاء، ج 1، ص 140، ح 353؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 54، ح 145
6- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو .... ح 7 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350 عوالي 7؛ اللآلي، ج 3، ص 107 ، ح 150

وقول الباقر علیه السّلام في خبر زرارة: «إذا فاتتك فريضة فابدأ بالتي فاتتك»(1) - الحديث - وغيرهما من الأخبار(2).

وقد استوفيناها مع أدلّة المسألة سؤالاً وجواباً في شرح الإرشاد(3)، فإيراد الشارح المحقّق على الاستدلال بالخبر الأوّل القول بموجبه مع عدم ثبوت الوجوب - من حيث إنّ المراد بالفوات مع الوجوب بدليل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «فريضة» إذ يمتنع إرادة فريضة على غيره، وهي ليست مفروضة عليه، أو كونها فريضة في نفسها من غير اعتبارٍ مفروض عليه حتّى صار بسبب الإيراد إلى عدم وجوب القضاء(4) - مندفع بدلالة الأخبار الأُخر عليه صريحاً(5) من غير التعبير بالفريضة، وفي بعضها التصريح بالفوات بسبب عدم المطهّر(6)، وبأنّ الفريضة كثيراً ما تستعمل من غير مفروض عليه استعمالاً شائعاً حتّى صار اسم الفريضة للصلاة المعيّنة كالعَلَم.

ويؤيّد وجوب القضاء مع عدم المخاطبة بالأداء وجوبه على النائم والناسي مع عدم مخاطبتهما بالأداء، وأنّ وجوب القضاء لا يرتبط بوجوب الأداء وجوداً ولاعدماً، بل بسبب الأداء، وهو هنا حاصل.

وتعبير المصنف عن الحكم ب_ «الأولى» يُشعر بتوقّفه في الوجوب، وقد اختاره في غير الرسالة(7).

(ولو لم يُحصِ قدر الفائت) من الصلوات المتعدّدة، (أو) لم يُحصِ قدر الصلاة

ص: 385


1- الكافي، ج 3، ص 293، باب من نام عن الصلاة أو .... ح 4: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 172، ح 686؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 287، ح 1051.
2- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350
3- روض الجنان، ج 2، ص 572 وما بعد ضمن الموسوعة ، ج 11).
4- شرح الالفيّة، ص 211 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
5- الكافي، ج 3، ص 292، باب من نام عن الصلاة أو .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 159 ، ح 341.
6- الكافي، ج 3، ص 288، باب الصلاة التي تصلي في كل وقت، ح 3: الفقيه، ج 1، ص 434، ح 1266
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 142؛ البيان، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).

(الفائتة) المتّحدة كالصبح مثلاً إذا فاتته من أيّام لا يعلم قدرها (قضى) ذلك الفائت المتعدّد وتلك الفائتة مكرّراً (حتّى يغلب على الظنّ الوفاء) بالعدد الذي في ذمّته. ولو أمكنه التكرار المُفيد للعلم بالفوات(1) من غير عسر وجب، وإنّما يكتفى بالظنّ عند تعذّر العلم أو تعسّره عادةً.

(ويقضي المرتدّ) عن الإسلام ما فاته من الصلوات (زمان ردّته) سواء كان فطريّاً أم ملّيّاً، وسواء صلّى أم لا؛ لفسادها على تقدير فعلها لفقد شرط الصحّة وهو الإسلام أو الإيمان، وإيجاب القضاء على المرتدّ على الإطلاق يُشعر بقبول توبة الفطريّ، إلّا أن يحمل على وجوب الاستئجار عليها من ماله أو بمعنى العقوبة عليها في الآخرة.

والحقّ أنّ توبته تُقبل باطناً بمعنى صحّة عبادته بعد ذلك، ويترتّب عليه قضاء مافاته زمان الردّة وإن بقيت عليه أحكام المُرتدّ الدنيويّة من بينونة زوجته وقسمة ماله ووجوب قتله ونحوها؛ إذ لو لم يقبل منه مع كونه مكلّفاً لكلّف بما لا يطاق، ولأنّ باب التوبة لا ينسدّ ما بقى من التكليف.

(و) كذا يقضي (السكران وشارب المرقد عند زوال العذر) مع قصدهما إلى ما يوجب السكر والرقاد واختيارهما وعدم الحاجة إليه، وإلّا لم يجب القضاء كما صرّح به المصنّف في الذكرى(2)، وإن كانت عبارة المصنّف تشمله. هذا كلّه مع عدم عروض ما يسقط القضاء فى أثناء موجبه أو يقارنه، فلو طرأ الحيض على السكرى ونحوه سقط القضاء زمانه.

(ولو فاته فريضة مجهولة من الخمس قضى الحاضر) ثلاث صلوات (صبحاً ومغرباً) معيّنين، (وأربعاً مطلقة) إطلاقاً ثلاثيّاً بين الظهر والعصر والعشاء، فيدخل ما في ذمّته في ضمن ذلك. ولا ترتيب بين هذه الفرائض ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر

ص: 386


1- بالفوات: لَمَ ترد في «د ، ق»، وفي هامش «ع» وردت عبارة تدلّ على أنّها بخطّ المصنّف.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 330 - 331 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6).

والإخفات، ويردّد فيها بين الأداء والقضاء مع بقاء وقت العشاء.

(و) يقضي (المسافر) عن الفريضة المشتبهة كذلك (ثنائيّة مطلقة إطلاقاً رباعيّاً) بين الصبح والظهر والعصر والعشاء (ومغرباً) معيّنة، ولا ترتيب بينهما، والكلام في الجهر والإخفات والأداء والقضاء كما مرّ.

(والمشتبه) عليه كون الفريضة تماماً أو قصراً يقضي (ثنائية مطلقة) إطلاق المسافر بين ما عدا المغرب (ورباعيّة مطلقة) إطلاقاً ثلاثيّاً كإطلاق الحاضر (ومغرباً) ولا ترتيب هنا أيضاً؛ لاتّحاد الفائت في الصور الثلاث.

(ولو كانت) الفائتة (اثنتين) مشتبهتين بالخمس (قضى الحاضر) وهو الذي يتحقّق فواتهما حضراً، صبحاً ومغرباً) معيّنين، (وأربعاً مرّتين) لإمكان كون الفائت المتعدّد رباعيّتين، فلا يخرج عن العهدة برباعيّة واحدة وكونه ثنائيّة ومغرباً أو أحدهما مع رباعيّة، فوجبت الأربع.

ويجب مراعاة الترتيب بين هذه الفرائض؛ لتعدّد الفائت فجاز كونه الصبح مع إحدى الرباعيّات، فيجب تقديم الصبح أو إحداهما مع المغرب فيجب توسّطها، وذلك أمر سهل لا يوجب تعدّداً كما في ناسي الترتيب سابقاً، فيجب مراعاته مع احتمال سقوطه هنا أيضاً، وقد نبّه المصنّف على وجوبه مع حكمه فيما تقدّم بالسقوط في المسافر حيث أمره بتوسّط المغرب.

والقدر الواجب من الترتيب هنا ما ينطبق على جميع الاحتمالات الممكنة في الفريضتين - وهي عشرة - كون الفائت الصبح مع إحدى الأربع الباقية، أو الظهر مع إحدى الثلاث، أو العصر مع إحدى الباقيتين، أو المغرب مع العشاء، فيقدّم الصبح ويوسّط المغرب بين الرباعيّتين، ويُطلق في أولاها بين الظهر والعصر، وفي الثانية بين العصر والعشاء، فيحصل بالترتيب على جميع الاحتمالات.

وإنّما وجب الترديد بين العصر وغيرها في الرباعيّتين؛ لاحتمال كون الفائت العصر والعشاء، فتنصرف الأُولى إلى العصر والثانية إلى العشاء. وكونه الظهر والعصر فتنصرف

ص: 387

الأُولى إلى الظهر والثانية إلى العصر، وذلك لا يحصل مع عدم تكرارالعصر بخلاف غيرها من الرباعيّات.

(و) يقضي (المسافر) عن اثنتين (ثنائيّتين بينهما المغرب) فيطلق في الأُولى منهما بين الصبح والظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ يطلق في الثنائيّة الأُخرى بين الظهر والعصر والعشاء. وإنّما أوجب تكرار الإطلاق هنا بين ما عدا الأُولى والأخيرة؛ ليتحقّق الانطباق على الاحتمالات العشرة كما مرّ؛ إذ من المحتمل كون الفائت صبحاً وظهراً، فلو اكتفى بذكر الظهر في الأُولى لانصرفت إلى الصبح ولم تصحّ الظهر، وكذا لو اكتفى بذكر العصر في الثانية لأمكن كون الفائت العصر والعشاء، فتنصرف الأُولى إلى العصر ولم تصحّ العشاء، وكذا القول في باقي الاحتمالات.

والضابط في جميع هذه المسائل أن يُطلق في الأُولى بين ما عدا الأخيرة من الفرائض المطلقة، وفي الثانية بين ما عدا الأُولى.

ولو فرض ثالثة - كما في الصورة الآتية - أطلق في الثالثة ماعدا الأُوليين، والأُولى بين ما عدا الأخيرتين، والثانية بين ما عدا الأُولى والأخيرة.

(والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّة) بعد المغرب ويُطلق في ثنائيّة الحاضر بين الصبح والظهرين، وفي المزيدة بينهما وبين العشاء فيبتدئ بالثنائيّة الأُولى لتنصرف إلى الصبح إن كانت فائتة، ثمّ يصلّي رباعيّة يُطلق فيها بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب ثمّ الثنائيّة المزيدة، ثمّ يُصلّي رباعيّة الحاضر الثانية المطلقة بين العصر والعشاء، ولو قدّمها على الثنائيّة صحّ أيضاً يتخيّر فيهما بين الجهر والإخفات، وكذا القول في كلّ صلاة يُطلق فيها بين جهريّة وإخفاتيّة.

(ولو كانت) الفائتة (ثلاثاً قضى الحاضر الخمس) لاحتمال كون الفائت الرباعيّات الثلاث فلابدّ منها، وكونه الصبح والمغرب وإحدى الرباعيات، فلابدّ منها وهو موجب للخمس.

(والمسافر ثنائيّتين) يُطلق في الأُولى منهما بين الصبح والظهر، وفي الثانيّة بين

ص: 388

الظهر والعصر (ثمّ مغرباً، ثمّ ثنائيّة) يُطلق فيها بين العصر والعشاء، فيصحّ الترتيب على جميع الاحتمالات وهي هنا تسعة: كون الفائت الصبح والظهرين، أو(1) هي والعشاءين أو هي والظهر والمغرب، أو هي والظهر والعشاء، أو هي والعصر والمغرب، أو هي والعصر والعشاء، أو الظهر والعصر والمغرب، أو الظهر والعصر والعشاء، أو العصر والمغرب والعشاء.

(والمشتبه) عليه كون الفوائت الثلاث قصراً أو تماماً (يزيد على) خمس (الحاضر ثنائيّة قبل المغرب وثنائيّة بعدها) ويُطلق في ثنائيّة الحاضر أيضاً، فيصير له ثلاث ثنائيّات يُطلق فيها كما يطلق المسافر وثلاث رباعيّات معيّنة ويجب تقديم إحدى الثنائيّتين المتقدّمتين على المغرب على الظهر، ويتخيّر في الثنائيّة بين تقديمها عليهما وتأخيرها عنهما وتوسّطها بينهما.

(وإن كانت) الفوائت (أربعاً قضى الحاضر والمسافر الخمس) أمّا الحاضر فظاهر، وأمّا المسافر، فلجواز كون الفائت الثنائيّات الأربع وكونه المغرب مع بعضها.

(والمشتبه) عليه كونها سفراً أو حضراً (يزيد على) يوم (الحاضر ثنائيّتين قبل المغرب) ينوي بإحداهما الظهر المقصورة وبالأُخرى العصر معيّنتين مقدّمتين على الظهرين التمام، أو مؤخّرتين عنهما أو متوسّطتين بينهما أو بالتفريق.

(وثنائيّة بعدها) أي بعد المغرب يجعلها عشاء مقصورة، مقدّمة على العشاء التمام أو مؤخّرة عنها.

(وفرضه التعيين) في الفرائض الثمان، وإنّما سقط عنه التعدّد في الصبح والمغرب؛ لاتّحادهما سفراً وحضراً، وجميع ما تقدّم من الترتيب مبنيّ على وجوب تحصيله مع الإمكان للناسي، وإلّا فالظاهر سقوطه كما مرّ.

ص: 389


1- في هامش «ع» وردت على (أو) المتكرّرة في هذا السطر وما بعده، حروف تدلّ على العدد (أبج...) وفي الحاشية عبارة تدلّ على أن المصنف أضافها بخطه.

(وكذا لوفاته الخمس) صلوات (واشتبه اليومان) اللذان أحدهما في الحضر والآخر في السفر وقد فاتت الصلاة في أحدهما ولم يعلم بعينه، والمراد اشتباه يوم الفوات بين الحضر والسفر (اجتزأ بالثمان) فرائض، وهي الصبح والمغرب المتّحدان والرباعيّات الثلاث حضراً ومثلها ثلاث ثنائيّات سفراً. وإنّما اجتزأ بها؛ لما تقدّم من اشتراك اليومين في الصبح والمغرب، وانحصار الفائت في أحدهما، فيكرّر ما اختلف فيهما، ويكتفى بما اتّحد.

(ولا تقضى) صلاة (الجمعة) على تقدير فوات وقتها، بل تصلّى الظهر أداءً مع بقاء وقتها، أو قضاءً مع خروجه.

ومَن أطلق من الأصحاب كالفاضلين كونها تقضى ظهراً(1) أراد بالقضاء المعنى اللغوي، وهو الفعل، وجعل الضمير في «تقضى» عائداً على وظيفة الوقت يوم الجمعة لا إلى الجمعة، كما نبّه عليه المحقّق في المعتبر(2) مُفسّراً به كلامه في النافع(3).

والمعنى أنّ وظيفة الوقت يوم الجمعة للجمعة أو الظهر، إلّا أنّ الجمعة مقدّمة على الظهر مع اجتماع الشرائط، وإذا فاتت فُعلت ظهراً. ولو فرض عود الضمير إلى الجمعة فإطلاق القضاء على طريق المجاز؛ لقيام الظهر مقامها وإجزائها عنها، كما يقوم القضاء مقام الأداء.

(و) كذا (لا) تُقضى صلاة (العيد) لو فاتت على أشهر القولين، وروي أنّها تقضى أربع ركعات وجوباً أو استحباباً(4).

(ولا) صلاة (الآيات لغير العالم بها ما لم يستوعب الاحتراق) لقرصي الشمس والقمر، فيجب القضاء على مَن علم ذلك بالشياع أو شهادة عدلين به وفي الاكتفاء

ص: 390


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 12. المسألة 377: نهاية الإحكام، ج 2، ص 12؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 335.
2- المعتبر، ج 2، ص 277
3- المختصر النافع، ص 87
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 135، ح 295؛ الاستبصار، ج 1، ص 446، ح 1725

بشهادة العدل وجه. ولا فرق في وجوب القضاء على العالم بها بين العالم بوجوب الصلاة، والجاهل والناسي للصلاة بعد العلم بالسبب والوجوب.

واعلم أنّ القضاء للعبادة لا يتحقّق إلّا مع ضرب الشارع لها وقتاً محدوداً، سواء كان مضيّقاً كوقت الصوم، أم موسّعاً كوقت الصلاة. ثمّ لا يفعلها المكلّف في وقتها فعلاً جامعاً لما يعتبر في صحّتها، فإنّه حينئذٍ يجب قضاؤها إلّا ما استثنى.

وأمّا لو لم يضرب له الشارع وقتاً محدوداً، كصلاة الطواف التي قد جعل الأوقات بأسرها صالحة لها، وإن أوجب تقديمها على السعي على تقدير وجوبه كطواف العمرتين والحجّ، وكذا صلاة الجنازة وإن توقّف عليها الدفن، فإنّ ذلك ليس توقيتاً لها على الوجه المذكور، وإنّما هو ترتيب لبعض العبادات على بعض، ومثلها صلاة النذر المُطلق التي لم يشخّص الناذر لها وقتاً معيّناً، سواء لم يعيّن له وقتاً أصلاً، أو عيّنه على جه كلّي كيوم الجمعة مثلاً.

(ولو أُطلق القضاء على) هذه أعني (صلاة الطواف والجنازة، فمجاز) وتوسّع في الحكم؛ لمشابهتهما للمحدود وقته في تقييد فعلها بوجوه مخصوصة، كتقييد صلاة الجنازة بكونها بعد الغسل مع إمكانه وقبل الدفن وصلاة الطواف بكونها بعده وقبل السعي إن وجب.

(وكذا النذر المُطلق) حيث يتضيّق فعله ويتعيّن عند ظنّ الوفاة، فإذا فاتت هذه الأوصاف بأن سعى الطائف قبل الصلاة، ودفن الميّت قبلها، وتضيّق وقت النذر المطلق لغلبة الظنّ بالموت في وقت ثمّ كذب ظنّه، صار فعل هذه الثلاثة بعد ذلك شبه القضاء، لوقوعها في غير محلّها، وحصول الإثم بتأخيرها كذلك كما يأثم مؤخّراً لمؤقّتة كالظهر عن وقتها، فصحّ إطلاق اسم القضاء عليها بسبب هذه المشاكلة. لكن لمّا لم يكن التحديد بهذه الأشياء موجباً للتوقيت الحقيقي، كان إطلاق القضاء عليها على وجه المجاز لا الحقيقة.

ص: 391

اللهمّ حقّق بالنا بحقائق المعارف، ونوّر قلوبنا بأنوار لطائف العوارف، واقطع عنّا(1) ما يبعّدنا عن جوار قدسك من المجازات والصوارف، فإليك توجّهنا وعليك توكّلنا، ومن لدن جنابك طلبنا، فنوّر قلوبنا بأنوار الهداية وألحظ وجودنا بعين العناية، إنّك ذو الفضل العظيم.

وليكن هذا(2) آخر ما أردنا إملاءه على هذه الرسالة اللهمّ اجعله خالصاً لوجهك الكريم وتقبّله منّا، إنّك أنت اسمیع العليم، واجعله سبباً قريباً لنفع الطالبين، فإنّك أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.

وفرغ من تأليفه - مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد بن جمال الدين بن تقيّ الدين صالح بن مشرف العاملي، أحسن الله تعالى معاملته وشرّف خاتمته - زوال يوم الأحد مقارناً لأذان المؤذّن تاسع عشر ربيع الآخر سنة خمسين وتسعمائة، حامداً مصلّياً مستغفِراً مسلّماً، والحمد لله ربّ العالمين.

* * *

ورد في آخر نسخة «ش»: تمّ على يد العبد المحتاج إلى الله الغني ابن لطف الله أقلّ عباد الله القارئ شاه ملّا الحافظ القارئ وقت الضحى من يوم الجمعة سلخ شهر ذي الحجّة أربع وستّين وتسعمائة.

وفي آخر نسخة «ع» ورد وفرغ من تنميقه وكتابته العبد الضعيف النحيف الراجي رحمة ربّه اللطيف ابن محمد رفيع بن مظفر الحسيني الديهوكي الطبسي الكيلكي غفر الله له ولهما ولإخوانهم المؤمنين والمؤمنات. وقد اتّفق ذلك في دار الفضل والكمال أصفهان في مدرسة نوّاب العليّة العالية المتعالية دام ظلّها العالي، في وقت الضُحى من يوم الخميس في العشر الثالث من محرّم الحرام من شهور سنة مائة الألف

ص: 392


1- عنّا: لم ترد في «ع».
2- هذا لم ترد في «ع ، د».

الهجرة النبويّة المباركة المصطفويّة من مكّة إلى المدينة الطيّبة الشريفة على ساكنها ألف سلام وتحيّة. اللهمّ ارزقنا زيارة أوليائك واقطع من البلاد آثار أعدائك واجعلنا في زمرة الأولياء الذين قتلوا في سبيلك وأقاموا أعلام دينك إنّك اخترتهم وفوّضت أمرك إليهم.

وورد في آخر نسخة «ق»: تمّت الشرح رسالة ألفيّة (كذا) بعون الله الملك الوهّاب في أوائل سنة ثمانين وتسعمائة من الهجرة النبويّة حرّرها عبدالعظيم بن كمال الدين الحسيني في مشهد رضا (كذا) عليه التحيّة والثناء. اللهمّ اغفر لهما واستر عيوبهما بحقّ محمّد وأهل بيت محمّد.

ص: 393

ص: 394

حاشيتا الألفيّة

اشارة

(حاشية الوسطى وحاشية الصغرى)

ص: 395

ص: 396

بِسْمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَّحِيمِ

الحَمدُ للهِ

-----------

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاةُ على أفضلِ المُرسلين محمّدٍ وعترته الطاهرين،

والسلام عليهم أجمعين.

قوله: «الحمد لله». الحمد: هو الثناء على الجميل، ولا يحتاج إلى التقييد باللسان(1)؛ لأنّ الثناء لا يكون إلّا به، وثناءُ اللهِ تعالى على نفسه مجازٌ. ولا إلى قصد التعظيم والتبجيل(2)، ليخرج الاستهزاء والتهكّم؛ لأنّ الثناء لا يُطلق حقيقةً إلّا على الخير عند

------------

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: «الحمد لله». الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلّق بالفضائل الاختياريّة أم غيرها، فيرادف .المدح. وقد يُخصّ الحمد بالاختياريّة، والمدح يعمّها، فيكون المدح أعمّ منه مطلقاً.

ص: 397


1- عرّفه المصنّف في المقاصد العليّة، ص 7 (ضمن الموسوعة، ج (12) بقوله: الحمدُ وهو لغةً: الثناء باللسان على الجميل... والتقييد باللسان تخصيص لمورده.... وقد يستغني الحمد عن قيد اللسان.
2- كما قيّده بذلك المحقّق الكركي في حاشيته على الألفيّة، ص 17 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

رَبِّ العَالَمِين.

------------

المحقّقين(1)، وأيضاً فإنّ التبجيل لغةً: هو التعظيم(2)، فلا وجه للجمع بينهما في التعريف. هذا إن جعلنا الحمد والمدح أخوين وإلّا زيد في التعريف تقييدُ الجميل بالاختياري؛ ليخرج المدح، لأنّه أعمّ.

وإطلاق الثناء على الجميل يشمل كونه في مقابلة نعمة وغيرها، فخرج الشكر لاختصاصه بالأوّل، وما يدخل فيه من أفراد الشكر هو حمد حمد أيضاً، فلا يحتاج إلى إخراجه، وبما ذُكر يُعلم وجه اختيار الحمد عليهما.

واللام في «الله» للاختصاص، فلا فرق حينئذٍ بين كون لام «الحمد» للجنس أو الاستغراق.

قوله «ربّ العالمين» الربُّ: هو السيّد المالك، ولم يُطلق إلّا على الله وحده، ويُقيّد في غيره فيقال: ربُّ الدار وربُّ الضَيعة(3).

------------

والشكر: فعل يُنبئ عن تعظيم المنعم؛ لكونه مُنعماً، سواء كان ذِكراً باللسان، أم اعتقاداً ومحبّة بالجنان، أم عملاً وخدمةٌ بالأركان.

فبينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه؛ لأنّ مورد الحمد اللسان وحده ومتعلّقه يعمّ وغيرها، ومورد الشكر يعمّ اللسان وغيره، ومتعلّقه النعمة وحدها، فيتصادقان في الثناء باللسان في مقابلة الإحسان، وهو أظهر أفراد الشكر، ومن هنا قال علیه السلام: «الحمدُ رأسُ الشكرِ»(4).

قوله «ربّ العالمين». الربُّ: هو السيد والمالك، ولا يُطلق إلّا على الله، ويُقيّد في غيره فيقال: ربُّ الدار وربُّ البستان.

والعالمين: جمع عالَم: وهو اسمٌ لما يُعلم به الصانعُ من الجواهر وغيرها.

ص: 398


1- انظر مفردات الراغب، ص 79 مجمع البحرين، ج 1، ص 406، «ثنا»
2- الصحاح، ج 4، ص 1631 : القاموس المحيط ، ج 3، ص 343؛ تاج العروس، ج 14، ص 42، «بجل».
3- انظر التبیان، ج 1، ص 31 - 32: مجمع البیان، ج 1، ص 21 - 22: الکشّاف، ج 1، ص 10
4- الكشّاف، ج 1، ص 47 ؛ إتحاف السادة المتّقين، ج 9، ص 49

وَ الصَلاةُ عَلی افضَلِ المِرسَلِینَ.

------------

والعالَم: اسمٌ لأُولي العِلم من الملائكة والتّقلين أو اسمٌ لِما يُعلم به الصانعُ من الجواهر والأجسام والأعراض(1).

قوله «والصلاة». قيل: هي من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء(2).

وقيل: من الله الرحمة، ومن غيره طلبها؛ لأنّ الاستغفار والدعاء طلب لها. وكلا التعريفين يستلزم الاشتراك(3).

وقيل: الدعاء من الله وغيره، لكنّها منه مجاز في الرحمة(4)، وهو أنسب للمعنى اللغوي(5)، وأجود؛ لأنّ المجاز خير من الاشتراك.

قوله: «المرسلين». هم أخصّ من الأنبياء؛ لأنَّ النبيَّ إنسانٌ أُوحي إليه بشرعٍ وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أُمر بذلك فرسول أيضاً. وقيل: وأُمر بتبليغه وإن لم يكن له كتابٌ، أوناسخُ لِشرع مَن قَبله، فإن كان له ذلك فرسولٌ أيضاً(6). فتفضيله على المرسلين يستلزم تفضيله على سائر الخلق، أمّا على البشر فظاهرٌ؛ لأنّ أفضليّته على الرُسل یقتضی أفضليّته على الأنبياء(7). وأمّا على الملائكة؛ فَلِما تحقّق في الكلام أنّ الأنبياء أفضلُ منهم على المذهب الحقّ(8).

-------------

قوله: «والصلاة». هي من الله الرحمة، ومن غيره طلبها.

ص: 399


1- انظر الكشّاف، ج 1، ص 10؛ مفردات الراغب، ص 357؛ الدرّ المصون السمين الحلبي، ج 1، ص 47
2- قاله ابن هشام في مغني اللبيب، ج 2، ص 365؛ والبغوي في معالم التنزيل، ج 1، ص 38
3- في «ك»: مستلزم للاشتراك.
4- انظر مغني اللبيب، ج 2، ص 365
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 355 : تاج العروس، ج 19، ص 606 - 607 : المحيط في اللغة، ج 8، ص 184، «صلو»
6- انظر مجمع البيان، ج 7، ص 91 : التفسير الكبير، ج 23، ص 236
7- في «غ»: لأنّ الأفضليّة على الأنبياء تقتضي الأفضليّة على الخلق
8- انظر القواعد والفوائد، ص 330 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15 ؛ اللوامع الفاضل المقداد، ص 229

مُحمّدٍ وَعَثْرَتِهِ الطاهرين.

وَبَعْدُ، فَهَذِهِ رِسالَةٌ وَجِيزَةٌ فِي فَرْضِ الصَّلاةِ،

------------

قوله: «محمّد وعترته الطاهرين». محمّدٌ: علمٌ منقولٌ من اسم المفعول المضعّف للمبالغة، سُمّي به نبيُّنا صلی الله علیه و آله و سلّم بإلهامٍ من الله، وتفاؤلاً بأنّه يَكْثُرُ حَمدُ الخَلقِ له؛ لكثرة خصاله الحميدة.

والمراد بالعترة: الأئمّة الاثناعشر وفاطمة علیهم السلام، قال الجوهري: عترةُ الرجلِ: نَسْلُه ورَهْطُهُ الأدنون(1). فيدخل في الأوّل مَن عدا عليّ علیه السلام، ويدخل هو في الثاني.

قوله «فهذه». إشارة إلى المدوَّن في الخارج إن كان وضعَ الخطبةَ بعد الفراغ من الرسالة، وإلى المُرتَّبِ الحاضر في الذهن إن كان قَبلَه. والتحقيق أنّه إشارة إلى المرتَّب الحاضر في الذهن مُطلقاً؛ إذ لا حضور للألفاظ المرتّبة ولا لمعانيها في الخارج.

قوله: «رسالة». هي طائفة من الكلام قليلة، تُجمعُ لغرض من الأغراض.

قوله: «وجيزة». أى قليلةُ اللفظِ كثيرةُ المعنى، ويقابلها المُطْنَبهُ، وتُطلق على مُتناسب اللفظ والمعنى المتوسِّط.

قوله: «في فَرض الصلاة». أي في واجبها المرادفة الفَرض للواجب عندنا.

------------

قوله: «محمّد وعترته». سُمّي به نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم الهاماً من الله تعالى وتعليلاً(2) وتفاؤلاً بأنّه يَكْتُرُ حَمْدُ الخَلْقِ له؛ لكثرة خصاله المحمودة.

والمراد بالعترة (3): الأئمّة علیهم السلام وفاطمة لیها السلام.

قوله: «وجيزة». أي قليلةُ اللفظِ كثيرةُ المعنى.

ص: 400


1- الصحاح، ج 2، ص 735، عتر»
2- وتعليلاً: لم ترد في «ش»
3- في «ش»: بعترته

إجابَةً لالتماسِ مَنْ طَاعَتُهُ حَتمٌ.

------------

والمراد به الجنس؛ لأنّ الغرض ذِكرُ جميع الواجبات للصلاة الواجبة. وإضافةُ الفَرض إلى الصلاة يَقتضي إرادة الواجبة منها وإن كانت أعمّ لولا الإضافة، إذ لا فرض للمندوبة.

قوله: «إجابةً». مصدر أجاب يُجيب، وانتصابه على المفعول لأجله.

قوله: «لالتماس». هو الطلب من المساوي حقيقةً أو ادّعاءً، حسب ما يقتضيه المقام، ففيه ضَربٌ من التعظيم للطالب، وكذا في إبهام اسمه كما قُرّر في محلّه.

قوله: «مَنْ طاعتُه حَتْمٌ». المناسب لباب الخطابة كونه على جهة المبالغة، كما في جَعله مُساوياً له مع القطع بعدمه.

وقيل: إنّما كانت حتماً؛ لأنّه سأل واجباً(1).

ورُد بأنّه مع تفويته لجزالة الكلام وفوات الغرض من المبالغة، لا يتمّ إلّا أن يقول: طاعتُه في ذلك حتم، لا مع الإتيان بها مطلقة وبأنّ الواجب التعليم لا التصنيف(2).

ويمكن الجواب عن الأوّل بدلالة السياق على اختصاص الحتم بهذه الإجابة كما لا يخفى، وعن الثاني بأنّ الوجوب هنا من باب الوجوب التخييري، فبأيّ فرد أتى به كفى في تأديته، إمّا التصنيف أو التعليم، فإنّ الواجب إيصال المعاني إلى فهم المكلّف كيف اتّفق، غير أنّه خروجٌ من مقاصد أبواب الخطابة.

------------

قوله: «لالتماس». الالتماس هو الطلب من المساوي. وجعل المصنّف الطالب مساوياً له على سبيل(3) المبالغة في التعظيم، لا على وجه الحقيقة.

ص: 401


1- نسب المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 241 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7 هذا) القول إلى بعض الحواشي : وقال المصنّف في المقاصد العليّة، ص 12) (ضمن الموسوعة ، ج 12) وربما نُسب إلى المصنّف (أي الشهيد الأول)
2- الرادّ هو المحقّق الكركي في شرح الألفية، ص 241 - 242 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- في «ش»: طريق.

وإسعافُهُ غَنم، واللهُ المُستعان.

وهي مُرتبةً على مُقدِّمَةٍ، وَفُصولٍ ثَلاثَةٍ، وَخاتِمَةٍ.

------------

قوله: «وإسعافُه غُنْم». هو مصدر أَسْعَفْتُهُ بِحاجته إذا قضيتها له، والغُنمُ - بالضمِّ - مصدر غَنِمَ، وفي الإخبار بالمصدر مبالغةٌ وتأكيدٌ.

قوله: «وهي مر مرتَّبةٌ». الترتيب: جمع الأشياء المختلفة وجعلها بحيث يُطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعضها نسبةٌ إلى البعض بالتقدّم والتأخّر في النسبة العقليّة وإن لم تكن مؤتلفة. وهو أعمّ من التأليف من وجه؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفة، سواء كانت مرتّبة في الوضع أم لا. وهما معاً أخصّ من التركيب مُطلقاً؛ لأنّه ضمّ الأشياء مُطلقاً، يُطلق عليه اسم الواحد أم لا.

قوله: «على مقدِّمةٍ، وفصول ثلاثةٍ، وخاتمةٍ». المقدّمة، بكسر الدال وفتحها، والكسر أفصح والمراد بها: طائفة من الكلام تكون أمام المقصود؛ لارتباطٍ بينهما.

والفصلُ لغةً: الحاجزُ(1)، وعرفاً: الجامعُ لمسائلٍ مُتحدة جنساً مختلفة نوعاً، كذا قيل(2)، والأولى اختصاص كلّ كتاب باصطلاح للتعبير عن الفصل بغيره في مواضع مختلفة.

والخاتمة: ما به يُستدرك فائت المباحث السالفة.

و وجه الحصر أنّ البحث إمّا عن المقصود بالذات، أو عمّا يتوقّف عليه توقّف اللاحق على السابق.

والأوّل إمّا عن الشرط، أو المشروط، أو المانع المنافي، أو عمّا بقي من مباحثه ولم يلتئم في بابه. والأوّل الفصل الأوّل، والثاني الثاني والثالثُ الثالث والرابعُ الخاتمةُ.

------------

قوله: «وإسعافُه». الإسعاف: قضاء الحاجة، يقال: أسْعَفْتُ الرجلَ بحاجته إذا قضيتها له.

ص: 402


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 30؛ تاج العروس، ج 15، ص 573، «فصل».
2- قاله المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 242 ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

------------

والثاني - وهو غير المقصود بالذات مع توقّفه عليه - هو المقدِّمة.

وإنّما جعلنا الخاتمة من المقصود بالذات(1)؛ لأنّ غرض الرسالة بيان واجبات الصلاة بأنواعها، لا اليوميّة وحدها والخاتمةُ مشتملةٌ على كثيرٍ من فروض الصلاة غير اليوميّة. وخصّ بعضُهم المقصود بالذات بغير الخاتمة والمقدِّمة(2)، وبعضُهم بما هو أخصّ من ذلك وهو فصل المقارنات(3)، وما ذكرناه أوفق لمقصود الرسالة والله أعلم.

ص: 403


1- بالذات لم ترد في «غ».
2- منهم المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 242 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- منهم ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة ص 5 - 6 (الطبعة الحجريّة).

أمّا المُقدِّمَة

فَالصَلاةُ الواجِبَةُ : أَفعالُ مَعْهودَةٌ، مَشْروطةٌ بِالقِبْلَةِ والقِيام اختياراً، تَقَرّباً إلى اللهِ تَعالى.

------------

قوله: «فالصلاة الواجبة...» إلى آخره. هذا تعريف للصلاة الواجبة التي هي موضوع الرسالة، من حيث إنّه يبحث فيها عن واجباتها.

وتندرج في التعريف الأصناف السبعة، فال_ «أفعال» بمنزلة الجنس يشمل العبادات وغيرها وأفعال القلب واللسان والجوارح، وبقيّة القيود بمنزلة الفصل.

------------

قوله: «معهودة». أي معلومة شرعاً، وأراد بالقيد(1) إخراج المباحات ودخل باقي العبادات.

ثُمَّ خرج بال_ «مشروطة بالقبلة» الطواف والسعي، وغيرهما ممّا لا يُشترط فيه الاستقبال وبالمشروطة ب_ «القيام» الذبح، وبعض أحكام الموتى التي يشترط فيها الاستقبال.

وبقيد الاختيار تندرجُ صلاة المضطرّ في القبلة كالمتحيّر مع عجزه عن الصلاة إلى أربع جهات، وصلاة المطاردة، وصلاة المضطرّ في القيام كالمريض. والتقرّب إشارة إلى الغاية المقصودة من الصلاة، والمراد به طلب الرفعة عند الله بواسطة نيل الثواب، تشبيهاً بالقُرب المكاني.

ص: 404


1- في «ض 2» بالمعهود.

وَاليَومِيَّةُ واجِبَةٌ بالنص والإجماع،

------------

والمراد ب_ «المعهودة» عند الشارع، فخرج بها مالم يُنقل شرعاً على وجهٍ معينٍ كالمباحات.

وخرج بال_ «مشروطة بالقبلة» الطواف والسعي ونحوهما من العبادات المعهودة شرعاً، مع عدم توقّفها على الاستقبال بها. وبالمشروطة ب_ «القيام» الذبح وأحكام الموتى التي يُشترط فيها الاستقبال.

وبقيد الاختيار تندرج صلاة المضطرَّ في القبلة والقيام، كالمتحيّر مع عجزه عن الصلاة إلى أربع، والمريض، فلولا القيد لخرجت.

وقيدُ القربة بيانٌ للغاية لا للإدراج ولا للإخراج، وسوّغ ذكره الإشارة إلى العلل الأربع التي لا تتم ّإلّا به، أعني المادّة والصورة والفاعل والغاية، التي لا ينفكّ عنها مركّب صادر عن فاعل مختار. فالأفعال إشارة إلى المادّة، ومع القيود إلى الصورة، والتقرّب إلى الغاية، والأفعال تدلّ على الفاعل التزاماً.

وينتقض في عكسه بصلاة الاحتياط، التي يتخيّر فيها المكلّف بين القيام والقعود اختياراً، واحتمال زيادتها لا يُخرجها عن أصل الوجوب ومِن ثَمّ أجزأت لو ظهر نقصُ الصلاةِ بعدها. وقد نبّه المصنّفُ في آخر الرسالة على أنّها من الأصناف السبعة في قوله: «ويدخل في شبه النذر صلاة الاحتياط»(1). وقد ينتقض في طرده بأمور أُخرى.

قوله: «واليوميّةٌ واجبةٌ بالنصّ والإجماع». إنّما خصّها؛ لأنّ غيرها من الصلوات الواجبة مُختلف فيه، أمّا من غيرنا ففي صلاة الآيات(2)، وأمّا منّا ففي ما عدا الكسوف

------------

قوله: «بالنصّ والإجماع» النصّ من الله ورسوله والأئمة علیهم السلام، والإجماع: اتّفاق أهل الحلّ

ص: 405


1- يأتي في ص 639.
2- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 280، المسألة 1470 : المجموع شرح المهذّب، ج 5، ص 43 - 44 : بداية المجتهد، ج 1، ص 210.

وَمُسْتَحِلَّ تَرْكِها كافِرٌ.

وَفِيها تَوابٌ جَزيلٌ.

-------------

من الأخاويف السماويّة(1) والمرادُ بالإجماع هنا: إجماع المسلمين قاطبة الذين يُعتبر قولهم في انعقاد الإجماع، بدليل ترتّب الكفر على مستحلّها.

قوله: ومُستحلٌّ تركها كافر» الضمير يعود إلى «اليوميّة»؛ القُربها، ولعدم صحّة الحكم فيما عداها. وفي حكم استحلالها استحلالُ شَرْطٍ مُجمعٍ عليه كالطهارة، أو جزءٍ كالركوع.

واللازم من كُفره كونه مرتدّاً إن سبق له إسلام، فيُقتل إن كان عن فطرةٍ، ويُستتاب إن كان عن غيرها، فإن تاب فيها، وإلّا قُتل وتُقبل دعوى الشبهة المحتملة في حقّه كقُرب عَهده بالإسلام.

ولو تركها غير مُستحلّ عُزّر، فإن عاد عُزّر، فإن عاد قيل: قتل في الثالثة(2)، والأُولى قتله فى الرابعة ولا تُقتل المرأة مُطلقاً، بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلوات حتّى تتوب أو تموت، وفي الخُنثى نظر.

قوله: «وفيها ثواب جزيل» الضمير يعود إلى «اليوميّة» كما تقدّم، والغرض بذلك الترغيب والترهيب في فعلها ومن تركها كما هو بعض أغراض المقدّمة.

------------

والعقد من أُمّة محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم. وإنّما خصّ اليوميّة؛ لعدم الإجماع على وجوب غيرها، بل وقع فيها الخلاف منّا ومن غيرنا.

قوله: «ومُستحلٌّ تركها كافر». الضمير يعود إلى «اليوميّة»، واللازم من كفره كونه مرتدّاً إن سبق له الإسلام، فيُقتل إن كان ارتداده عن فطرة، ويُستتاب إن كان عن غيرها، فإن تاب فيها، وإلّا قُتل.

ولو تركها غير مُستحلّ عُزّر، فإن عاد عُزّر، فإن عاد قُتل والأولى قتله في الرابعة.

ولا تُقتل المرأة مُطلقاً، بل تُحبس وتُضرب أوقات الصلوات حتّى تتوب أو تموت. وكذا(3)

ص: 406


1- انظر الكافي في الفقه، ص 155 ؛ الوسيلة، ص 112 ؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 290، المسألة .179
2- قاله ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 461.
3- من هنا إلى قوله «ضرورة» لم يرد في «ش»

ففي الخَبَرِ بِطَرِيقِ َأهْلِ البَيْتِ علیهم السّلام: صَلاةُ فَريضَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ حِجّة، وَحِجّةٌ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَمْلُوءٍ ذَهَباً يتصدّق مِنْهُ حَتَّى يَفْنى». وَعَنْهمُ » : «ما تَقَرَّبَ العَبْدُ إلى اللهِ بِشَيءٍ بَعْدَ المَعْرِفَةِ أَفْضَل مِن الصَلاةِ».

-----------------

قوله: «ففي الخبر ...» إلى آخره. في العطف بالفاء - بعد عود الضمير على اليوميّة - تنبيهٌ على أنّ المراد بصلاة الفريضة في الخبر اليوميّة(1)، فلا يَرِدُ على الحديث حينئذٍ النقض بلزوم تفضيل الشيء على نفسه، حيث إنّ الحجّة مشتملة على صلاة فريضة؛ لعدم إرادة الإطلاق(2) من الحديث.

ويؤيِّد تفضيلها على سائر الأعمال - بعد المعرفة - حتّى الصلاة الواجبة غيرها، ما الأذان والإقامة من «حيّ على خير العمل» مع اختصاصهما باليوميّة(3)، وتفضيلُ بعض العبادات على بعضٍ إنّما يُعلم مِن قِبله تعالى.

وهذا التوجيه أجودُ ممّا ذكره المصنّف في القواعد من كون المعارضة بين الصلاة الواجبة والحجّ المندوب، أو بين المتفضّل به في الصلاة والمستحقّ في الحجّ مع قطع النظر عن المتفضّل به في الحجّ، أو بين الصلاة في ملّتنا والحجّ في غير هذه الملّة(4).

قوله: «خيرُ مِن بيتٍ مملوء ذهباً» إلى آخره قيل: المراد به ما يكون مجتمعاً من

------------

القول في استحلال الصوم والزكاة والحجّ وغيرها ممّا عُلم من دين الإسلام ضرورة.

قوله: «صلاةُ فريضةٍ». المراد ب-«صلاة فريضة» في الخبر اليوميّة، فلا يَرِدُ عليه لزوم تفضيل الشيء على نفسه، حيث إنّ الحجّ مشتمل على صلاة فريضة، وهي ركعتا الطواف.

ويُعلم من الخبر أنّ صلاة الفريضة خيرٌ من مائتي بيت مملوء من الذهب؛ لأنّ الصدقة

ص: 407


1- الكافي، ج 3، ص 265 ، باب فضل الصلاة، ح 7 : الفقيه، ج 1، ص 209، ح 630 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 236، ح 935.
2- في «غ»: العموم.
3- باليوميّة: لم ترد في «ع».
4- القواعد والفوائد، ص 334 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15)

واعْلَمْ أَنها تَجِبُ

------------

الصدقات الواجبة؛ لأنّ المندوب(1) الا مزيّة في تفضيل بعض الواجبات عليه، فلا يحسن ذكره في مقام الترغيب(2).

وفيه حينئذٍ إشارة إلى أنّ الحجّ أفضل من الزكاة والخمس والكفارات ونحوها، وفيه نظر؛ لأنّ تفضيل بعض المندوبات على الواجب واقع شرعاً، كما في إنظار المُعسر فإنّه واجب، وإبراؤه من الدين مندوب مع أنّه أفضل من الإنظار، وقد عقد له المصنّف قاعدةً برأسها في قواعده(3).

وممّا يُستبعد كون الصدقة بدرهمٍ فَرضاً أفضل من الصدقة بمائة ألف تطوّعاً، وما زاد على ذلك أضعافاً. قال بعض الأفاضل - ونِعم ما قال: - إنّ المراد بكون الواجب أفضل من المندوب مع التساوي في الكميّة، بمعنى أنّ درهماً صدقة واجبة أكثر ثواباً منه صدقة مندوبة، أمّا مع زيادة المندوب فلا دليل يدلّ على التفضيل عليه، نعم قد ورد أنّ «الفرض أفضل من سبيعن مثلاً من النفل»، فإن ثبت بقي الكلام فيما زاد(4).

قوله: «واعلم أنّها تجب». إن عاد الضمير إلى اليوميّة - جرياً على ما تقدّم - لم تتمّ فائدة الكلام؛ لأنّ غيرها من الصلوات(5) الواجبة كذلك، حتّى الجنازة، فإنّ الواجب الكفائي واجب بقول مُطلق، بل هو فرد من أفراد الواجب المطلق، كما أنّ الواجب العيني فرد له.

وإن عاد إلى الصلاة المُعرّفة - وهي الواجبة مطلقا اختلف مرجع الضمائر، وهو مستهجن.

-----------------

بعشر أمثالها(6)، فَمَن ضيعها على أحد فقد ظلمه في بضاعة قيمتها أكثر من مائتي بيت مملوء من الذهب في الجنّة، وذلك لا يقوم ببعضه الدنيا وما فيها.

ص: 408


1- في «ك»: المندوبات.
2- قاله المحقّق الكركي في شرح الألفية، ص 247 ( ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)
3- القواعد والفوائد، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 15)
4- انظر الفروق، القرافي، ج 2، ص 127؛ القواعد والفوائد، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15)
5- في «ك»: الصلاة
6- قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام (6): 160: «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ, عَشْرُ أَمْثَالِهَا»

على كُلِّ بالغٍ عاقلٍ، إلَّا الحائِضَ والنفساء. وَيُشْتَرَطُ في صحتِها الإِسْلامُ، لا في وجوبها.

----------------

وعلى كلّ حال فالثاني أولى؛ لعموم الفائدة، وعقد الرسالة للجميع، وحصول القرينة المعيّنة. لكن يبقى فيه أنّ صلاة الجنازة لا يُشترط فيها الطهارة، فتجب على الحائض والنفساء، إلّا أنّ في دخولها في أقسام الصلاة الواجبة على وجه الحقيقة نظر، وقوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(1)، و «لا صلاة إلّا بطهور»(2) وغيرهما(3)، يُريد عدم الحقيقة.

قوله: «على كلّ بالغٍ عاقلٍ». ولو في بعض الوقت إذا أدرك من أوّله أو وسطه قدر الصلاة وشرائطها المفقودة أو من آخره قدرَ ركعة معها.

قوله: «إلّا الحائض والنُفساء». فلا تجب عليهما في حال الحيض والنفاس، بل لا تصحّ ولا تحتاج إلى التقييد باستيعاب العذر الوقت. ولو عرض بعد مضي مقدار الصلاة والشرائط من أوّله، أو زال وقد بقى من الوقت مقدار ركعة كذلك، وجبت؛ لأنّ الواجب حينئذٍ مُستند إلى الطهر، فقد صدق أنّ الحائض والنفساء لا تجب عليهما مطلقاً.

قوله: «ويشترط في صحّتها الإسلام لا في وجوبها». فتجب على الكافر كما تجب عليه سائر التكليفات السمعيّة عندنا، وعند الأكثر(4)، لدخوله تحت الأوامر العامّة، لكن لا تصحّ منه مادام على كفره؛ لامتناع تقرّبه على وجهه. والمخالفُ في ذلك أبو حنيفة، حيث ذهب

----------------

قوله: «بالغ عاقل». ولو في بعض الوقت إذا أدرك من أوّله أو وسطه قدر الصلاة وشرائطها المفقودة، أو من آخره قدرَ ركعة معها.

قوله: «لا في وجوبها». فتجب على الكافر وإن لم تصحّ منه في حال كفره، لكن لو أسلم

ص: 409


1- السنن الكبرى البيهقي ، ج 2، ص 167 : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 2، ص 115
2- التمهيد ابن عبد البر، ج 8، ص 215 : فتح الباري ابن حجر، ج 12، ص 408 ، ح 6954.
3- سنن أبي داود، ج 1، ص 49، ح 61 ؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 21، ح 4/1343
4- انظر المجموع شرح المهذّب، ج 3، ص 4: الإنصاف، ج 1، ص 390.

ويَجِبُ أمامَ فِعْلِها مَعْرِفَةُ اللهِ تَعالى، وَمَا يَصِحُ عَلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ، وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَنُبوّة نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله و سلّم، وإمامَةِ الأَئِمَّةِ علیهم السلام، والإقرار بِجَميعِ ما جَاءَ بِهِ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم، كُلُّ ذلِكَ بالدليل لا بالتَقليدِ.

----------------

إلى كونه غير مكلّفٍ بفروع الشريعة(1)، ويردّه قوله تعالى حكايةً عن الكفّار : «مَا سَلَكَكُمْ فِي*سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ»(2) وغيرها من الآيات، وتحقيق المسألة في الأُصول.

وكما يشترط الإسلام في صحّتها يشترط الإيمان أيضاً، وسيأتي التنبيه عليه، وعدم وجوب القضاء على العامي إذا استبصر لا ينافي الاشتراط كما في الكافر إذا أسلم.

قوله: «وما يصحّ عليه ويمتنع». أراد ب_ «ما يصحّ عليه صفاته الثبوتيّة الثمان، وب_ «ما يمتنع»: صفاته السلبيّة السبع. وهذا بخلاف ما ذكره الفاضل في الباب الحادي عشر(3)، فإنّه أراد بهما باب العدل ووجهُ الاختلاف ذكره هنا باب العدل، وهناك الصفات الثبوتيّة والسلبيّة، ولكلّ وجهٌ وإن كان ما هنا أحسن.

قوله: «بجميع ما جاء به النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم». أي ممّا ثبت بالتواتر، لا مُطلق ماورد.

قوله: «بالدليلِ لا بالتقليدِ». الدليل: هو ما يلزم من العلم به العلمُ بشيء آخر. والتقليد: هو الأخذ بقول الغير من غير حجّةٍ، مأخوذٌ من تقليده بِقلادَةٍ وجعلها في عُنقه، فكأنّ المقلِّد يجعل ما يعتقده قِلادَةً في عنق من قلّده.

----------------

سقط عنه قضاء ما فات منها. وإنّما تظهر فائدة وجوبها عليه لو مات على كفره، فإنّه يُعاقب عليها كما يُعاقب على غيرها من التكليفات.

قوله: «وما يصحّ عليه ويمتنع». أراد ب_ «ما يصحّ عليه»: صفاته الثبوتيّة، وب_ «ما يمتنع»: صفاته السلبيّة. وهذا بخلاف ما ذكره العلّامة في الباب الحادي عشر، فإنّه (رضوان الله عليه) أشار إلى باب العدل.

ص: 410


1- أحكام القرآن الجصّاص، ج 1، ص 186 ؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 69.
2- المدّثر (74): 42 - 43.
3- الباب الحادي عشر، ص 9.

وَالعِلْمُ المُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ عِلْمُ الكَلامِ.

ثُمَّ إنّ المُكَلَّفَ بها الآن مِن الرَعِيّةِ صِنْفانُ:

----------------

ولا ينحصر الدليل فيما ذكره العلماء، بل كلّ ما أوصل منه إلى العلم بالأُمور المذكورة، كدليل العجوز وغيرها.

ولا يشترط في ذلك عبارة؛ لقصور العوام عنها غالباً، بل يكفي المعرفة بذلك بالقلبوالتصوّر له بمخيّلة الذهن.

ولا يشترط معرفة شرائط الدليل والإنتاج بإتقان علم الحدّ والبرهان في الوجوب العيني، وإنّما ذلك من الواجبات الكفائيّة لردّ شبهة الخصوم؛ حراسة للمذهب من تسلّطِ الخصم.

قوله: «علم» الكلام». هو العلم الباحث عن الذات الإلهيّة وصفاتها وأفعالها، والنبوّة، والإمامة، والمعاد على قانون الإسلام سُمّي به لوجوه مذكورة فيه.

قوله: «ثُمّ المكلف بها الآن». الضمير يعود إلى الصلاة الواجبة مُطلقاً، كما ذُكر فيما قبله(1)؛ لعدم اختصاص اليوميّة بذلك. وإنّما عطف ب_ «ثمّ» لينبّه على شدّة افتراق المعطوف والمعطوف عليه، إذ الأوّل محلّه أُصولُ الفقه، والثاني أُصولُ الدين.

و «الآن»: اسمٌ للزمان الحاضر وأراد به زمانَه (رحمه الله)، وما ماثله من زمان غيبة الإمام علیه السلام عن أهله مجازاً. واحترز به عن زمان ظهوره علیه السلام فإنّ الناس فيه ثلاثة أصناف:

----------------

قوله: «بها الآن». أراد ب_ «الآن» زمانه (رضوان الله عليه) وما ماثله من زمان غيبة الإمام علیه السلام. واحترز به عن زمان ظهوره علیه لاسلام، فإنّ الناس(2) فيه ثلاثة أصناف: من يُمكنه الوصول إليه، وفرضه الأخذ عنه ولا يُسمّى مجتهداً، ولا مقلِّداً. ومن لا يُمكنه الوصول إليه فيجب عليه أحد الأمرين، كما فصّله.

ص: 411


1- تقدّم في ص 408 عند قوله: واعلم أنّها.
2- في «ض 1 ، ض (2» الرعيّة.

مُجْتَهِدٌ، وَفَرْضُهُ الْأَخْذُ بِالاسْتِدْلالِ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِها، وَمُقَلّدٌ، وَيَكْفِيهِ الأخُذُ عَنْ المُجتَهِدِ

----------------

مَنْ يمكنه الوصولُ إليه، وفرضه الأخذ عنه، ولا يُسمّى مجتهداً ولا مقلّداً. ومَنْ بَعُدَ عنه بحيث لا يمكنه الوصولُ إليه في وقت الصلاة مثلاً، فيجب عليه الاجتهاد إن كان من أهله وإلّا فالتقليد لأهله؛ لأنّه علیه السلام بالنسبة إليه بمنزلة الغائب.

واللام في «الرعيّة» عوضٌ عن المضاف إليه، أي من رعيّة الإمام، واحترز به عن الإمام علیه السلام، فإنّه أجل من أن يكون مجتهداً أو مقلِّداً كالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم عندنا.

قوله «مجتهد». اسمُ فاعل من الاجتهاد وهو لغةً: استفراغ الوسع في أمر شاقّ (1).وعرفاً: استفراغ الوسع في تحصيل الظنِّ بحكمٍ شرعي فرعي. ويُستفاد من قوله: «وفرضهُ الأخذ بالاستدلال» عدم جواز تقليد مجتهد لآخر وإن كان أعلم منه، وهو الحقُّ كما ذكر في الأُصول(2).

قوله: «ويكفيه الأخذُ عن المجتهد». الأوفق للسياق كون اللام فيه للعهد، وهو المذكور قَبله، وفيه إشارةٌ إلى اشتراطِ حياة المجتهد في جوازِ الأخذ عنه. وأمّا كون اللام فيه للجنس، ففيه - مع عدم تماميّته - عدم النكته؛ إذ التنكير يؤدّي معناه هنا، وأمّا الاستغراق فغيرُ مرادٍ.

ويُستفاد من توحيد لفظ المجتهد اشتراطُ تقليد واحدٍ في الواقعة المعيّنة، فمع تعدّد المجتهدين يتعيّن تقليدُ الأعلم، فإن تساويا فالأورع، فإن تساويا فيهما تخيّر وإن كان الفرض بعيداً حتّى قيل بعدمه أصلاً.

ويُعلم الأعلم بالتسامع والقرائن لا بالبحث عن نفس العلم، إذ ليس على العامّي ذلك. وقريب منه العلم بالمجتهد، فلا يجب على العامّي - وهو المستفتي - العلم باجتهاد المُفتي، بل يجب عليه تقليد مَنْ يغلب على ظنّه أنّه من أهل الاجتهاد والورع. ويحصل

ص: 412


1- الصحاح، ج 1 ، ص 461 : القاموس المحيط ، ج 1، ص 296 : تاج العروس، ج 4 ، ص 409. (جهد).
2- انظر مبادئ الوصول إلى علم الأُصول، ص 249 : معارج الأُصول، ص 202؛ الإحكام في أُصول الأحكام ج 4، ص 210 - 211

وَلَوْ بالواسِطَةِ أَوْ وَسَائِطَ مَعَ عَدالَةِ الجَميعِ.

فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا ذَكَرْناهُ، وَلَمْ يَأخُذْ كَمَا وَصَفْناهُ،

----------------

هذا الظنُّ برؤيته مُنتصباً للفتوى بمشهدٍ من الخلق، واجتماع المسلمين على استفتائه والعمل بمقتضى قوله، وتحقيقُ ذلك كلّه في الأُصول(1).

قوله: «ولو بواسطةٍ أو وسائط». فيه إشارةٌ إلى عدم اشتراط مُشافهة المجتهد وإن أمكنت فيجوز الرجوع إلى مَنْ أخذ عنه وإن أمكن مشافهته.

وأراد ب_ «عدالة الجميع» المجتهد والوسائط، وذلك يستلزم العلم بالوسائط وعدالتهم وثبوتها شرعاً، فلا يكفي التعويل على حُسن الظنّ بمن أخذ عنه، وأنّه لا يأخذ إلّا عن عدلٍ مع عدم العلم بعدالة الواسطة قطعاً، هذا مع العلم بالاستناد إلى المجتهد.

أمّا ما يفعله بعضُ أهل زماننا من التقليد في أحكام لا يُعلم استنادُها إلى مجتهد، فلا يجوز العملُ به بإجماع المسلمين قاطبةً، ورُبما يَتَرتَِّبُ على اعتقاد بعضها ديناً خطرٌ عظيمٌ في أصل الدين نعوذ بالله ذلك.

قوله: «فمن لم يعتقد ما ذكرناه». أي من المعارف المتقدّمة الأَُصوليّة.

قوله: «ولم يأخُذ كما وصفناه». أي بالاجتهاد إن كان من أهله، وإلّا فبالتقليد لأهله.

----------------

قوله «مع عدالة الجميع». أي المجتهد والوسائط ويُشترط معرفة عدالتهم بأحد الطرق المفيدة لها شرعاً، وهي المعاشرة الباطنة، أو شهادة عدلين بها، أو شهرتها، فلا يكفي التعويل على حُسن الظنّ بِمَن أخذ عنه العدل.

قوله: «ما ذكرناه» من المعارف الأصوليّة المتقدّمة.

قوله: «ولم يأخذ كما وصفناه». أي بالاجتهاد إن كان من أهله، والتقليد إن كان من غير أهله(2).

ص: 413


1- انظر مبادئ الوصول إلى علم الأُصول، ص 247 - 248: معارج الأُصول، ص 201؛ الإحكام في أصول الأحكام، ج 4، ص 242 - 243
2- في «ش»: أو التقليد لأهله إن لم يكن.

فَلا صَلاةَ لَهُ.

ثُمَّ الصلاة إمّا واجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبةٌ، وَبَحْتُنا هُنا في الواجِبَةِ، وأصنافُها سَبْعَةٌ:

----------------

قوله «فلا صلاة له». ليس المراد نفي الحقيقة؛ لوقوعها ممّن ذكر، بل المراد نفي الصحّة؛ لأنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة، فتعيّن(1) الحمل عليه حيث يتعذّر الحمل على الحقيقة.

وأورد على هذا التقرير النقض بصلاة المخالفِ إذا استبصر، فإنّه لا يجب قضاؤها، ولوكانت فاسدةً لم يتمّ ذلك.

وأجاب المصنّف بإمكان حمل النفي على المشترك بين نفي الكمال والصحّة، وأقلّ أحوال استعمال المشترك في كلا معنييه أنّه مجاز(2)، وإلّا فقد قال جمعٌ بجوازه حقيقة(3).

قوله: «وأصنافها سبعة». حصرُ عدد الصلاة الواجبة فى سبعة أجود من جعلها تسعة، كما صنعه العلّامة(4)، وغيره(5) بجعل(6) الكسوف والزلزلة والآيات ثلاثة أقسام، فإنّ الآيات تشمل الثلاثة والكيفيّة أيضاً متّحدة، فجعلُها قسماً واحداً أولى. وكذلك إدخال صلاة القضاء في باب الملتزم أجودُ من جَعله من جملة اليوميّة؛ بناءً على أنّ المراد بها الصلوات الخمسُ سواءٌ صُلّيت(7) في وقتها أم خارجه، فإنّ

----------------

قوله: «فلا صلاة له». أي فصلاته باطلة وإن أتى بها مستجمعة لجميع ما يُعتبر فيها من الشروط والأفعال والكيفيّات مع عدم أحد الأمرين: الاجتهاد، أو التقليد.

ص: 414


1- في «غ»: فيتعيّن
2- لم أعثر عليه في مصنّفاته الموجودة بأيدينا، حكاه عنه المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 256 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- منهم: السيّد المرتضى في الذريعة إلى أُصول الشريعة، ج 1، ص 17؛ والمحقّق في معارج الأصول، ص 53
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 259، المسألة 1: نهاية الإحكام، ج 1، ص 308؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 245.
5- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 10.
6- في «ك»: ممّن جعل.
7- في « » فعلت.

اليَوْمِيَّةُ، والجُمْعَةُ، وَالعِيدانِ، وَالآياتُ، وَالطَّوافُ، والأمْواتُ والمُلتزم بالنَدْرِ وَشِبْهِهِ.

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِها قِسْمانُ : فَرْضٌ وَنَفْلُ . وَالغَرَضُ هُنا حَصْرُ الفَرْضِ، وَلِلنَفْلِ رِسالَةٌ مُنْفَردةٌ.

----------------

المؤدّى منها هو اليوميّة قطعاً، وما استُدرِكَ منها بعد وقته ليس عين الأوّل؛ لاستحالة إعادة المعدوم، وإنّما هو فعلُ مِثلهِ كما سيأتي، ومُوجبهُ تأخير الصلاة عن وقتها لعذر أو غيره فهو سبب من المكلّف - وإن كان نسياناً - بنوع من التجوّز، فتدخل في الملتَزَم، وسيأتي فيه مزيدُ بحث إن شاء الله تعالى.

وفي إدخال صلاة الجنازة في العدد(1) إشارةٌ إلى كون إطلاق اسم الصلاة عليها بطريق الحقيقة لا المجاز، وفيه بحثٌ، وكذا في إدخال صلاة الجمعة في العدد تنبيهٌ على عدم كونها ظُهراً مقصورةً، وفي بعض الروايات دليلٌ على كونها ظُهراً مقصورة(2).

قوله: «والملتَزَم بالنذر(3) وشبهه». يريد هنا ب_ «شبهه» ما هو أعمّ من العهد واليمين، وهو كلّ ما وجب بسببٍ عارض؛ لتدخل فيه صلاة الاحتياط والتحمّل والاستئجار والقضاء، وهو اصطلاح خاصّ.

----------------

قوله: «بالنذر وشبهه». أراد ب_ «شبهه» العهد واليمين وكلّ ما وجب بسبب عارض كالاحتياط والتحمّل عن الغير والقضاء.

ص: 415


1- في العدد: لم ترد في «غ».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 21، ح 78
3- في نُسختي «ك ، غ»: بنذرٍ، والمثبت من نسخ الألفيّة.

ص: 416

الفصل الأوّل في المقدِّمات

اشارة

وهي سِتّ:

[المقدِّمة] الأُولى: الطَّهَارَةُ

اشارة

و هي اسْمٌ لِما يُبيحُ الصَّلاةَ مِنْ الوضُوءِ وَالغُسْلِ والتَيمِّمِ.

----------------

قوله: «وهي اسم لما يُبيح الصلاة ...» إلى آخره. هذا هو الذي استقرّ عليه اصطلاحُ علماء الخاصّة من اختصاصها بالثلاثة إذا كانت مبيحة للصلاة(1)، وأراد بالإباحة هنا: ما يعمّ الناقصة والتامّة، ليدخل فيه وضوء الحائض وغسلها؛ لأنّ كلَِّ واحد منهما طهارةٌ. وكذا يُريد بها ما يعمّ الفعل والقوّة القريبة منه؛ ليدخل فيه الوضوء المجدِّد، فإنّه طهارةٌ عنده مبيحُ لها على تقدير ظهور فساد الأوّل على ما اختاره المصنّف في بعض كتبه(2).

وخرج بقيد المبيح وضوءُ الحائض للكون في مصلاها ذاكرة، فإنّه لا يُسمّى طهارة حقيقة، ودخولُه في التقاسيم توسّعٌ.

وأمّا الوضوء للنوم وغيره ممّا لا يبيح أصلاً، فمقتضى التعريف عدمُ تسميته طهارة،

ص: 417


1- انظر شرائع الإسلام، ج 1، ص 11؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 7؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 19؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 177
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 5 : القواعد والفوائد، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 15).

وَمُوجِباتُ الوُضُوءِ أَحَدَ عَشَرَ:

----------------

كوضوء الحائض، لكن الفرق بينهما واضح، ودخوله في التعريف يحتاج إلى فضل تكلُّف. ودخلَ فيه طهارةُ دائم الحدث والتيمّم، فلذلك كان ذكرُ المبيح أولى من الرافع.

وخرج بالثلاثة باقي الشرائط، حتّى إزالة النجاسة عن الثوب والبدن، فلا يُسمّى ذلك طهارة اصطلاحاً وإن كان قد يُطلق على بعضها طهارةٌ لغةً.

وإنّما نسبَ الإباحة إلى الصلاة، دون الصوم والطواف ومسّ خطّ المصحف، وغيرها من العبادات المشروطة بالطهارة؛ لأنّ الصوم لا يشترط فيه الطهارة من الأصغر، والطواف لا يشترط الطهارة في ماهيّته مطلقاً؛ لصحّة مندوبه بدونها على المختار، ومَسٌّ خطِّ المصحف مختلفٌ في توقّفه على الطهارة، وباقي العبادات لا تتوقّف على الطهارة من الأصغر والأكبر معاً، بخلاف الصلاة؛ لتوقّف واجبها ومندوبها مطلقاً عليها.

وفي صلاة الجنازة ما تقدّم من الكلام، فإنْ جَعَلها صلاةً حقيقةً، رُدّ عليه، إلّا أنّه غير جيّد، ودخولُها في التقسيم يحتمل التجوّز ومنه يُعلم وجهُ عدم اختياره العبادة مُطلقاً، كما صنع في القواعد(1)؛ لأنّ ماهيّتها لا تتوقّف على الطهارة وإن توقّف عليها بعضُ أفرادها كالصلاة، لكن ليس في اللفظ ما يدلّ عليه، فذكر الصلاة أوجه.

قوله: «وموجبات الوضوء أحد عشر». أراد بها موجبات الوضوء في الجملة، أعمّ من إيجابها الوضوء خاصّة، وسمّاها موجبات باعتبار وجودها عند تكليف المكلّف بما هی شرطٌ فيه، أو عند وجوب السبب فيما وجب منها لنفسه، كغَسل الأموات عند الجميع، وغُسل الجنابة عند بعضهم.

وقد يُعبّر عنها بالأسباب، باعتبار استلزامها الطهارة إمّا وجوباً أو ندباً، وهي أعمّ من الموجبات مُطلقاً، إذ تصدق على الأحداث السببيّة عند وجودها حال براءة ذمّة المكلّف من مشروط بالطهارة، ولا تصدق الموجبيّة حينئذٍ.

والتعبير بكلِّ وَجْهُ، وغرض الرسالة يناسبُ لفظ الموجبات، والتعبير بالأسباب أوجه.

ص: 418


1- القواعد والفوائد، ص 13 و 97 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15)

البَولُ وَالغَائِطُ وَالريحُ مِنْ المُعْتَادِ(1)، وَالنَّوْمُ الغَالِبُ عَلى الحاسَّتَيْنِ

----------------

قوله: «من المعتاد». أراد بالمعتاد إمّا باعتبار اعتياده؛ لخروج الثلاثة منه خلقة، وهو المخرج الطبيعي، وحينئذٍ لا يُشترط في نقض الخارج منه الاعتيادُ، بل ينقض الخارج منه بأوّل مرّة.

وإمّا باعتبار تكرّر خروجها منه وضعاً، كما لو خرجت الثلاثة من غير الطبيعي، فإنّها توجب بشرط الاعتياد إن لم ينسدّ الطبيعي، وإلّا قام مقامه ولحقه حكمه.

ويصيرُ معتاداً بالخروج منه مرّتين متواليتين، فيوجب في الثالثة، ولا فرق بين ما فوق المعدة أو تحتها.

ويُستفاد من الحصر في الثلاثة عدم الوجوب بالخارج غيرها من حبّ ودود وغيرهما، مع عدم مصاحبته لشيء من الثلاثة، ومعها توجبه لا باعتباره، بل باعتبار ما خرج معه.

وإنّما تنقض الثلاثة تحقّق انفصالها، فلو خرجت المقعدة ملطخة بالغائط، ثمّ عادت ولمّا ينفصل، لم يجب الوضوء على الأصحّ.

قوله: «والنوم الغالب على الحاسّتين». أي غلبةً مُستهلكةً مُعطّلةً للحاستين، لا مُطلق الغلبة، ولو عبّر بالمُزيل - كما صنَعَ في القواعد كان أجود.

----------------

قوله: «من المعتاد(2)» الموضع الخارج منه أحد الثلاثة: إن كان هو الموضع الطبيعي، لم يشترط في إيجاب الخارج منه الاعتياد، بل هو سبب في الوضوء بأوّل مرّة.

وإن كان غيره: فإن كان مع انسداد المعتاد، فكالأوّل. وإن كان مع بقائه، اشترط في إيجاب الخارج منه منه الاعتياد ويتحقّق ذلك في الثانية، فيوجب في الثالثة.

ولا يجب بخروج غير الثلاثة من حبّ ودودٍ وغيرهما، إلّا مع مصاحبة شيء من النواقض.

قوله: «والنوم الغالب». أي غلبةٌ مُعطّلةً للحاستين، لا مُطلق الغلبة. والمراد بالحاسّتين: السمع والبصر. وخصّهما من بين سائر الحواسّ مع اشتراط زوال الجميع؛ لأنّهما أقوى

ص: 419


1- في «ش 1 و ض 2: من الموضع المعتاد.
2- في «ش 1 و ض 2: من الموضع المعتاد.

تَحْقِيقَاً أَوْ تَقْدِيراً، وَالمُزِيلُ لِلْعَقْلِ، وَالحَيْضُ، والاسْتِحاضَةُ، وَالنِفاسُ، وَمَشْ مَيِّتِ الآدَمي نَجِسَاً، وَتَيَقَّنُ الحَدَثِ والشَكُ فِي الوَضُوءِ،

----------------

والمراد بالحاسّتين السمع والبصر، وخصّهما من بين الحواسّ مع اشتراط زوال الجميع؛ لأنّهما أقوى الحواسّ، فذها بهما يقتضي ذهابها، من غير عكسٍ.

قوله: «تحقيقاً». أي مع فرض سلامتهما من الآفة، وعدم المانع.

قوله: «أو تقديراً». على تقدير وجود المانع منه(1).

قوله «والمزيل للعقل». كالجنون، والإغماء، والسكر.

قوله: «ومسّ ميّت الآدمي نَجِساً». أي حال كونه نجساً، ويدخل فيه مَن لم يُغسّل بعد برده بالموت، ومَن غُسّل فاسداً، ومن غسّله كافر، والكافر مطلقاً، والمُيَمَّمُ ولو عن بعض الغَسلات، ومَن فُقد الخليطان أو أحدهما لغسله ومَن تقدّم غُسله على موته كالمقتول قصاصاً إن قُتل بغير السبب الذي اغتَسل له أو مات قبل قتله.

ويخرج عنه مَن لم يبرد بعد موته وإن وجب غسل العضو اللامس، ومَن كمُل غُسله الصحيح لا مَن كمل غُسلُ عضوٍ منه فمسّ ذلك العضو على الأقوى، ومَن قتل بالسبب الذي اغتَسل له والشهيد والمعصوم.

وفي حكم الميّت النَجس القطعةُ ذات العظم، وكذا العظم المجرّد قبلَ غسلهما.

واحترز ب_ «الآدمي» عن ميتة ما سواه من الحيوانات إذا كان لها نفس؛ فلا يجب

----------------

الحواسّ، فزوالهما يقتضي زوال الباقي.

قوله: «تحقيقاً أو تقديراً». المراد بالأوّل: سلامة الحاسة من الآفة وعدم المانع، وبالثاني: تقدير وجود المانع من السمع والبصر.

قوله: «نجساً». أي في حال كونه نجساً، واحترز به عن المُغسَّل، والشهيد، والمعصوم، ومَن لم يبرد.

ويدخل في النجس مَن لم يُغسّل بعد برده، أو غُسّل فاسداً أو يُمّم ولو عن بعض الغَسلات،

ص: 420


1- منه : لم ترد في «ك»

وَتَيَقَّنهُما وَالشَكُ فِي اللاحِقِ.

وَتَنْقُضُهُ الجَنَابَةُ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْهُ،

----------------

بمسّها غُسل، بل غَسلُ العضو الماسّ مطلقاً.

قوله: «وتيقّنهما» أي تيقّن كلّ من الوضوء والحدث والشكّ في اللاحق منهما للآخر، فإنّه يجب عليه الوضوء؛ لاحتمال كون اللاحق الحدث. هذا مع عدم علمه بحاله قبلهما، أو علمه بها مع اعتياده التجديد بحيث يحتمل في هذه الطهارة.

ولو علمَ بحاله ولم يحتمل التجديد، فإن استفاد من التعاقب والاتّحاد حكماً، بنى عليه ولم يكن من الشكّ في شيء، وإلّا فالأجود أخذه بضدّ ما علم من حاله؛ للقطع بالطهارة حينئذ على الوجه المعتبر على تقدير كونه محدثاً قبلهما، وعدم العلم بتعقّب الحدث لها؛ لاحتمال وقوعه بعد الحدث الأوّل، وبالعكس لو علم أنّه كان متطهّراً.

قوله: «وتنقضه الجنابة وإن لم توجبه». لأنّ غُسلها كافٍ عن الوضوء إجماعاً، بخلاف غيرها من موجبات أغسال الأحياء. وأشار بذلك إلى أنّها ليست معدودة من الموجبات الأحد عشر وإن أمكن عدُّها فى النواقض عند من عبّر بها، فبين النواقض والموجبات حينئذٍ بالنسبة إلى الوضوء عمومٌ من وجه؛ لصدق الناقض بدون الموجب في الجنابة إذا تعقّبت الوضوء فإنّها تنقضه ولا توجبه ويوجد الموجب بدون الناقض في الحدث الموجب للوضوء الحاصل عقيب التكليف بصلاة واجبة مثلاً من غير سبق وضوء، ويصدقان معاً في الحدث المتعقّب لطهارة حال اشتغال ذمّة المكلّف بمشروط بها، ويُعلم من ذلك النسبة بين الموجب والناقض مُطلقاً بالنسبة إلى ما هو أعمّ من الوضوء.

-------------

أو فُقد في غسله الخليطان أو أحدهما، ومَن لم يقبل التطهير كالكافر وغيره.

قوله: «وتيقّنهما». أي تيقّن كلّ واحد من الوضوء والحدث، والشكّ في اللاحق منهما للآخر، فإنّه يجب عليه الوضوء؛ لاحتمال كون اللاحق الحدث هذا إذا لم يستفد من الاتّحاد والتعاقب حكماً، وإلّا بنى عليه، كما لو تيقّن طهارةً وحدثاً، وأنّه لا يحدث إلّا عقيب طهارة، فإنّه يبني على الحدث، وكما لو تيقّن حدثاً وطهارةً وأنّه لا يتطهّر إلّا عقيب الحدث، فإنّه يبني على الطهارة، لتيقّنها.

ص: 421

وَيَجبُ بها الغُسْلُ، وَبِالدِماءِ الثَلاثَةِ إِلا قَلِيلَ الاسْتِحاضَةِ، وَبالمَسِّ وَالمَوتِ.

وَيَجِبُ التيممُ بِمُوجِباتِهما عِنْدَ تَعَذَرِهِما ، وَقَدْ تَجِبُ الثَلَاثَةُ بِنَذْرٍ أَوْ عَهْرٍ أَوْ يَمِينٍ

----------------

قوله: «ويجب بها الغُسل». أي الجَنابة - بفتح الجيم - وهي لغةً: البُعدُ(1)، وشرعاً: الحَدثُ الحاصل من نزول المنيّ مطلقاً، أو غيبوبة الحشفة، أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دُبرٍ.

قوله: «إلّا قليل الاستحاضة» فإنّه يوجب الوضوء خاصّةً.

قوله «وبالمسّ» اللام فيه للعهد الذكري، أي المذكور سابقاً على ما فصّل.

قوله: «والموت». أي المعهود ذهناً، وهو موت الآدمي المسلم ومَن هو بحكمه، غير الفِرق المشهورة المُلحقة بالكفّار، فإنّه لا يصحّ تغسيلهم فضلاً عن الوجوب.

قوله: «وقد تجب الثلاثة بنذرٍ أو عهدٍ أو يمين». أراد كلّ واحدٍ من الثلاثة، بأن ينذر كلََّ واحدٍ منها بلفظ على حدة، أو بلفظ يشملها كنذر الطهارة ملاحظاً إطلاقها على أنواعها الثلاثة. أمّا لو نذر الطهارة مُطلقاً، ففي تخيّره بين الثلاثة، أو حمله على المائيّة خاصّةً، أو عليها مع إمكانها ومع تعذّرها فالترابيّة، أوجهٌ، أجودها الأخير.

ويشترط في انعقاد نذر كلّ واحد منها أن يكون راجحاً لولا النذر، سواء كان واجباً أم مندوباً. فالوضوء ينعقد نذره دائماً؛ لاستحباب فعله كذلك. ثمّ إن أطلق كان وقته العمر، ويتضيّق عند ظنّ الوفاة. وإن قيّده بوقت واتّفق فيه محدثاً فطاهر، وإلّا وجب

----------------

قوله: «وبالمسّ». أي المسّ المعهود سابقاً، وهو مسّ ميّت الآدمي نجساً.

قوله: «والموت». وهو الآدمي المسلم، ومَن هو بحكمه، غير النواصب والخوارج والغُلاة والمجسّمة.

والمراد بالنواصب: مَن نصب العداوة لأهل البيت علیهم السلام، أو لأحدهم، نُطقاً أو لزوماً، ككراهة ذِكرهم وستر فضائلهم والعداوة لمحبّيهم لأجل محبّتهم.

ص: 422


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 302؛ الصحاح، ج 1، ص 103؛ تاج العروس، ج 1، ص 379، «جنب»

أوْ تَحَمُّل عَنْ الغَيْر.

والغاية في الثلاثَةِ الصلاةُ والطَّوافُ وَمَسخَطُ المُصْحَفِ،

----------------

التجديد، ولو لم يشرع التجديد لم يجب الوضوء ولا الحدث؛ لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط.

وأمّا الغسل فإن قيّده بأحد أسبابه الراجحة انعقد، وإلّا فلا. وأمّا التيمم فلمّا كانت مشروعيّته مشروطةً بعدم الماء أو عدم التمكّن من استعماله، اشترط ذلك في انعقاد نذره فيتوقّع مع الإطلاق.

قوله: «أو تحمّل عن الغير». كالمتحمّل عن الأب، والمستأجر على الصلاة، أو على فعل مشروط بالطهارة، أو عليها نفسها كما لو نذرها ناذر ومات بعد انعقاد نذره وقبل فعلها، فإنّه يجب فعلها عنه كالصلاة وغيرها.

قوله: «والغاية في الثلاثة». أي الوضوء والغسل والتيمّم، والمراد بالغاية: العلّة التي يقع لأجلها الشيء، ويعبّر عنها بما يقال في جواب «لِمَ».

قوله: «الصلاة والطواف». قد يُوهِم إطلاقهما اشتراكهما في الغاية مُطلقاً، والحقّ أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة سواء كانت واجبة أم مندوبة، أمّا الطواف فإنّما يشترط واجبه بها، وأمّا مندوبه فإنّما هي شرط في كماله ولكنّها تصلح غاية له في الجملة، فَمِن ثُمَّ أطلقه.

قوله: «ومسّ خطِّ المصحف». سواء وجب المسّ بنذرٍ وشبهه أم لإصلاح غلطٍ لا يتمّ إلّا به، أم لا، بمعنى توقّف المسّ على الطهارة، فإن أراده تطهّر، وإلّا فلا، فهو غاية لها وإن

----------------

قوله: «أو تحمّل عن الغير». يعني كالمتحمَّل عن الأب، والمستأجر على الصلاة، أو على فعلٍ مشروطٍ بالطهارة، أو عليها نفسها كما لو نذرها ناذر ومات بعد انعقاد نذره، فإنّه يجب فعلها عنه كالصلاة.

قوله: «والغاية». المراد بالغاية العلّة التي يقع لأجلها الشيء.

قوله: «الصلاة والطواف». لا فرق في الصلاة بين الواجبة والمندوبة، وأمّا الطواف فيتوقّف واجبه عليها دون مندوبة على الأصحّ، نعم هي غاية لكماله.

ص: 423

وَيَخْتَصُ الأخيرانِ بغايَةِ دُخُولِ المُجْنِبِ وَشِبْهِهِ المَسْجِدَينِ وَاللبْثِ فِيما عداهُما وَقِراءَةُ العَزيمة؛ وَيَخْتَصُ الغُسْلُ بالصَوْمِ لِلجُنُبِ وَذاتِ الدَمِ،

----------------

لم يجب. وهذا أُسلوبٌ خاصٌّ للمصنف (رحمه الله) في هذه الرسالة، بخلاف ما ذكره غيرُهُ في سياق الواجب من الطهارة وتقييد الصلاة والطواف بالواجب والمسّ بتقدير الوجوب(1).

قوله: «ويختصّ الأخيران ...» إلى آخره. أي الغسل والتيمّم، وعبّر في المسجدين بالدخول؛ لأنّه أعمّ من اللبث، لا لكون اللبث داخلاً فيه بطريق أولى، كما ذكره بعضهم(2).

قوله: «واللبث فيما عداهما» من المساجد، أمّا مجرّد دخولها من غير لبثٍ فلا يتوقّف على الطهارة، كما لو كان للمسجد ،بابان فدخل من أحدهما وخرج من الآخر. وفي حكم المساجد المشاهدُ المشرّفة بل الحكم فيها أغلظ لاشتمالها على فائدة المسجديّة وزيادة الشرف بالمنسوب إليه.

قوله: «وقراءة العزيمة». أراد بها الجنس، والمراد سور العزائم الأربع وأبعاضها حتّى البسملة إذا قصدها لأحدها أو أبعاضها(3).

قوله: «ويختصّ الغسل بالصوم للجنب وذات الدم» المراد بالجنب: من صادَفَت جنابَتُهُ جزءً من الليل يَسَعُ الغسلَ، لا مطلقاً. والمراد بذات الدم الحائضُ والنفساءُ إذا

----------------

قوله: «ويختصّ الأخيران». وهما الغسل والتيمّم، وعبَّر في المسجدين بالدخول؛ لأنّه أعمّ من اللبث.

قوله: «واللبث فيما عداهما». من المساجد، أمّا مجرّد دخولها من غير لبث، كما لو كان للمسجد ،بابان فدخل من أحدهما وخرج من الآخر، فلا يتوقّف عليها.

قوله: «وقراءة العزيمة». أي سور العزائم الأربع وأبعاضها، حتّى البسملة إذا قصدها لأحدها.

قوله: «ويختصّ الغسل بالصوم للجنب». هذا إذا صادفت جنابته جزءاً من الليل يسع

ص: 424


1- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 11؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 68.
2- منهم المحقّق الكركي في شرحه على ألفيّة، ص 264 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- لأحدها أو أبعاضها لم ترد في «ع»

والأولى التَيَمَّمُ مَعَ تَعَدِّرِ الغُسْلِ، وَيَخْتَصُ التَيَمَّمُ بِخُروج الجُنُبِ وَالحَائِضِ مِنْ المَسْجِدَينِ.

----------------

انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار الغسل، والمستحاضةُ غيرُ القليلة الدم. وإنّما أطلق اتّكالاً على ما فصّله قبلُ. ولا فرق في الصوم بين الواجب والمندوب بالنسبة إلى الغاية، فيشترط في صحّة المندوب الغُسل وإن كان غير واجب كالصلاة المندوبة.

قوله: «والأولى التيمّم مع تعذّر الغسل». أي لأجل الصوم، وهو رجوع عمّا تقدّم. أو احتياط والوجهُ وجوبه حينئذ والبقاء عليه حتّى يطلع الفجر، وفي جواز النوم وتجديده كلّما انتبه قبل الفجر نظرٌ.

قوله: «ويختصّ التيمّم بخروج الجنب والحائض من المسجدين». أي لا يُشاركه الغُسل في ذلك(1)، وإن أمكن فعله في المسجد ولم يستلزم تلويث المسجد بالنجاسة، ولا فرق بين مساواة زمان الغسل لزمان التيمّم أو قصوره عنه وإن كان الفرض بعيداً؛ لإطلاق النصّ(2)، ويؤيّده وجوبه على الحائض، فإنّه دليل على عدم اعتبار الطُهر في هذا التيمّم.

----------------

الغسل، فلو وقعت نهاراً وجب الغسل للصلاة لا للصوم.

قوله: «وذات الدم» المراد بذات الدم: الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار الغسل والمستحاضة غير القليلة الدم، ولا فرق في الصوم بين الواجب والمندوب.

قوله: «والأولى التيمّم». بل يجب التيمّم ليلاً والبقاء عليه حتّى يطلع الفجر.

قوله: «ويختصّ التيمّم بخروج الجنب والحائض من المسجدين». هذا مع تعذّر الغُسل في المسجد بحيث لا يستلزم قطع جزء من المسجدين قبله ولا تلويثه بالنجاسة، فلو أمكن وساوى زمانه زمان التيمّم أو قصر عنه(3) قدّم الغُسل وإن كان الفرض بعيداً. والنفساء في حكم الحائض، ولافرق في الجنب بين المحتلم في المسجد وغيره.

ص: 425


1- في ذلك: لم ترد في «غ»
2- الكافي، ج 3، ص 73، باب النوادر، ح 14
3- وساوى زمانه زمان التيمم أو قصر عنه: لم ترد في «ض 1 ، ض 2».

ثُمَّ وَاجِبُ الوضُوءِ اثْنَا عَشَر:

الأول: النِيَّةُ مُقارِنَةٌ لابْتِدَاءِ غَسْلِ الوَجْهِ، وَصِفَتُها(1): أَتَوَضّأ لاسْتِباحَةِ الصَلاةِ لوجُوبِهِ قُرْبَةً إِلى اللهِ.

----------------

والأولى حمله على الغالب من تعذّر الغُسل فيه على ذلك الوجه، وإلّا فلو أمكن وساوى زمانُه زمانَ التيمّم أو قَصُرَ وجب الغسلُ؛ جمعاً بين ما أُطلق من النصّ هنا وبين مادلّ على اشتراط عدم إمكان الطهارة المائيّة في جواز التيمّم(2).

والتعبير بالخروج يشمل ما لو أجنب في المسجد، أو خارجه ثمّ دخل سهواً أو عمداً وإن أثم.

وكذا لا فرق في الجنب بين المُحتلم وغيره وإن كان النصّ ورد في المحتلم(3)؛ لعدم تعقّل خصوصيّة الاحتلام.

وفي حكم الحائض النفساءُ؛ لأنّها في معناها، وفي المعتبر نفى الوجوب عن الحائض؛ استضعافاً للرواية الدالّة عليها، ولأنّه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب(4).

قوله: «النيّة مقارنة لابتداء غَسل الوجه». هذا آخر محالِّ نيّته، ويجوز تقديمُها عند غَسل اليدين المستحبّ له، وعند المضمضة والاستنشاق ومتى قدّمها عند غَسلهما دخلت نيّة المندوب تحت الواجب، وإن أخّرها إلى أوّل الفرض أو ما بعد غسل اليدين فلابدّ للمتقدّم منها عليها من نيّة على الخصوص، وإلّا لم يُثب عليه.

قوله: «وصفتها: أتوضّأ». استغنى بذكر مُميّزات النيّة عن التعرّض لما يجب فيها، وكذا صنَع في غيرها من النيّات، واعتبارُ ما اشتملت عليه من المميزات هو أحوط الأقوال

ص: 426


1- في «ش 1: فأخلّ.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 193، ح 556؛ الاستبصار، ج 1، ص 161، ح 558.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 407، ح 1280
4- المعتبر، ج 1، ص 223

وَيَجِبُ اسْتِدامَتُها حُكْماً إلى الفراغ، وَلَوْ نَوى المُخْتَارُ الرَفْعَ، أَوْ نَوَاهُما جَازَ،

----------------

فيها وإن كان الدليل قد لا يُساعد على بعضها.

قوله: «ويجب استدامتها حكماً إلى الفراغ» بمعنى أن لا يُحدِث بعد النيّة الأُولى نيّةً تنافيها، أو تنافي شيئاً من مميّزاتها، كنيّة القطع أو التبرّد أو التنظيف، حتّى يفرغ من الوضوء. فهي إذن أمرٌ عدَمي، وربما فُسّرت بأمر وجودي: وهو البقاء على حكم النيّة الأُولى والعزم على مقتضاها، وهو اختيار المصنّف في الذكرى(1)، وهو أحوط.

وإنّما وجبت الاستدامة الحكميّة بالمعنى الأوّل؛ لأنّ الواجب إيقاع الفعل بجملته على الوجه المخصوص، وذلك يقتضي عدم إيجادنيّة تنافي الأُولى لتنافي إرادة الضدين.

وعلى التقديرين فلو أخلّ بها في خلاله لم يبطل بمجرّده، بل يُجدّد النيّة ويُتمه مالم يجفّ البلل.

قوله «ولو نوى المختار» وهو مَن ليس بذي حَدثٍ دائمٍ، كالمستحاضة والسَلس(2) والمبطون(3).

قوله: «الرفع أو نواهما جاز». أمّا الرفع؛ فلاستلزامه الاستباحة في حقّ المختار، لأنّ المراد برفع الحدث: رفع أثره المانع من الصلاة، والمراد بالاستباحة: رفع المانع

----------------

قوله ويجب استدامتها حكماً». المراد بالاستدامة الحكميّة: أن لا ينوي نيّة تنافي النيّة الأولى، أو تنافي شيئاً من الأمور المعتبرة فيها كنيّة القطع والتبرّد والتنظيف إلى أن يفرغ من الفعل ولو أخلّ بالاستدامة الحكميّة بطلت النيّة الأولى دون الفعل فإن جدّد النيّة لباقي الأفعال قبل الجفاف صحّ.

قوله: «ولو نوى المختارُ». هو مَن ليس بذي حَدثٍ دائمٍ، كالمستحاضة والسَلس والمبطون.

قوله: «أو نواهما». أي الرفع والاستباحة.

ص: 427


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 26: واختاره أيضاً في القواعد والفوائد، ص 48 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 15)
2- سَلِس البول إذا كان لا يستمسكه الصحاح، ج 2، ص 938 : القاموس المحيط، ج 2، ص 220 تاج العروس ج 8، ص 319، «سلس»
3- المبطون: العليل البطن الذي به إسهال الصحاح، ج 4، ص 2080 : مجمع البحرين، ج 6، ص 215، «بطن»

أمّا المُسْتَحاصَةُ وَدَائِمُ الحَدَثِ فالاسْتِباحَةُ أو هُما لا غَيْر.

الثاني: غَسْلُ الوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ شَعْرِ الرَّأْسِ

----------------

منها، ورفع المانع يستلزم رفع المنع في حقّه، فيكون إيجاباً. وأمّا جواز الجمع بينهما في حقّه؛ فلعدم اللزوم البيّن بينهما، حتّى قال جمع من أصحابنا بوجوب الجمع بينهما(1)، فلا أقلّ من الجواز، ولتحصل نيّة كلّ منهما بالمطابقة.

قوله: «أمّا المستحاضة ودائم الحدث». هذا من باب عطف العامّ على الخاصّ؛ لأنّ المستحاضة من جملة أفراد دائم الحدث.

والمقصود أنّ دائم الحدث ينوي الاستباحة لا غير؛ لأنّ حدثه مستمرّ والمانع لازم له، فلا يتصوّر رفعه. نعم يمكن رفع أثر الحدث السابق على الطهارة، فيمكن الجمع وبين الاستباحة.

ويُحمل رفع الحدث على رفع ما يمكن منه، وهو الماضي. والاستباحة على رفع المنع من المقارن واللاحق قبل إكمال الصلاة فلا منافاة بينهما بهذا الوجه وإن كان قد يُستغنى عنه بالاستباحة لرفعها المنع مطلقاً، ويمكن حينئذٍ أن يلغوا الرفع.

واختار المصنّف في بعض كتبه جواز الاقتصار له على رفع الحدث إذا نوى به السابق؛ لأنّه في معنى الاستباحة(2)، وليس بجيّد.

قوله: «من قُصاص شعر الرأس». القُصاص مثلّث القاف منتهى نبته من نبته من مقدّمه

----------------

قوله: «من قُصاص شعر الرأس». القُصاص - مثلّث القاف : منتهى نبت شعر الرأس.

والمحادر - بالدال المهملة - أوّل انحدار الشعر عن الذقن، وهو طرفه.

والذَقَن - بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف : مجمع اللحيين.

والإبهام - بكسر الهمزة - الإصبع الغليظة المتطرّفة، وجمعها أباهيم.

ص: 428


1- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 132؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 51: وابن البراج في المهذب، ج 1، ص 43.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 27 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

حقيقةً أو حكماً إلى مَحادِرٍ شَعْرِ الذَّقَنِ طولاً، وَمَا حَواهُ الإبهام والوسطى عَرْضَاً حقيقَةٌ أو حكماً.

----------------

أو مؤخّره(1). والمراد هنا الأوّل.

والمحادر - بالدال المهملة - : أوّل انحدار الشعر عن الذَقَن(2)، وهو طرفه، وهو بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف - : مجمع اللحيين(3).

والإبهام - بكسر الهمزة -: الإصبع الغليظة المتطرّفة، وجمعها أباهيم(4).

قوله: «حقيقة». كما في مستوي الخلقة بالنسبة إلى نبات شعره في موضعه المعتاد.

قوله: «أو حكماً». كما في الأنزع والأغمّ؛ فإنّهما يرجعان إلى مستوي الخلقة، فيغسلان ما يغسله، ولا يجب على الأنزع غسل النزعتين بالتحريك: وهما البياضان المكتنفان للناصية(5) كما لا يجب غسل الناصية. ويجب على الأغمّ غسل ظاهر الشعر الكائن على الجبهة؛ لانتقال اسم الوجه إليه فيغسل البشرة الظاهرة في خلال الشعر دون المستورة، كما يجب ذلك في اللحية.

قوله: «حقيقة أو حكماً». يدخل في الحقيقة مستوي الخلقة، وفي الحكم طويل

----------------

قوله: «حقيقة». كما في مستوي الخلقة في نبات شعر الرأس.

قوله: «أو حكماً». كما في الأنزع والأغمّ، فإنّهما يغسلان ما يغسله مستوي الخلقة، فيجب على الأغمّ غَسل ظاهر الشعر الكائن على الجبهة، وغَسل الجبهة، وغَسل البشرة الظاهرة في خلال الشعر دون المستورة به.

قوله: «حقيقة أو حكماً». يدخل في الحقيقة مستوي الخلقة في اليدين والوجه، وفي الحكم طويل الأصابع وقصيرها وكبير الوجه وصغيره، فيغسل ما يغسله مستوي الخلقة منه.

ص: 429


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 325، «قصص»
2- مجمع البحرين، ج 3، ص 261، «حدر».
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 227، «ذقن»
4- الصحاح، ج 3، ص 1875 ؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 83 بهم»
5- الصحاح، ج 4، ص 2510 : القاموس المحيط، ج 4، ص 398، «نصا»

وَيَجِبُ تَخْلِيلُ ما يَمْنَعُ وُصول الماء إذا خَفَّ، أمّا الكَثيفُ مِنْ الشُّعورِ فَلا،

----------------

الأصابع وقصيرها وكبير الوجه وصغيره فيغسلون ما يغسله مستوي الخلقة.

ويجب غسل ظاهر الأهداب - بالدال المهملة: وهي شعر الأجفانِ(1) - والحاجبَين، والشارب، والعنفقة(2)، وشعر الخدّين والعارضين: وهما الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن نابتاً على اللحية من الجانبين والذقن تحتهما: وهو مجمع اللحيين؛ لانتقال اسم الوجه إلى ذلك كلّه، ولا يجب غَسل ما تحته.

والأحوط غَسل العذار: وهو ما حاذى الأُذن، يتّصلُ أعلاه بالصُدغ(3) وأسفله بالعارض، وكذا غسل موضع التحذيف بالذال المعجمة: وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين العذار والنزعة، سمي بذلك لحذف النساء والمترفين الشعر منه.

قوله: «ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء». أي الشعر الذي يمنع وصول الماء وإن

----------------

قوله: «ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء». الأصحّ عدم وجوب تخليل شعر الوجه مُطلقاً، نعم يجب غَسل ظاهر الشعر الذي عليه(4)؛ وغَسل البشرة الظاهرة خلاله دون المستورة، وهذه هي محلّ الخلاف.

ويجب غَسل ظاهر الأهداب - بالدال المهملة: وهي شعر الأجفان - والحاجبين، والشارب والعَنفقة، وشعر الخدّين والعارضين: وهما الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للاذُنين نابتاً على اللحية من الجانبين، والذقن تحتهما: وهو مجمع اللحيين؛ لانتقال اسم الوجه إلى ذلك كلّه، ولا يجب غَسل ما تحته.

والأحوط غَسل العذار: وهو ما حاذى الأُذنين، يتّصل أعلاه بالصُدغ وأسفله بالعارض، وكذا غَسل موضع التحذيف بالذال المعجمة: وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف من العذار

ص: 430


1- الصحاح، ج 4، ص 2092؛ القاموس المحيط ، ج 4، ص 211، «جفن».
2- القاموس المحيط ، ج 3، ص 278 ؛ تاج العروس، ج 13، ص 358، «عنفق»
3- الصحاح، ج 3، ص 1323؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 113، «صدغ».
4- الذي عليه: لم ترد في «ض 2».

وَتَجِبُ البَدْأَةُ بالأَعْلى،

----------------

كان اللفظ أعمّ منه، ووجه التخصيص دلالة قوله: «إذا خَفَّ» عليه؛ لأنّ ما يمنع غير الشعر يجب تخليله مطلقاً، اللهمّ إلّا أن يُقال: مفهوم الشرط ليس بحجّة، فيصحّ التعميم. أو يقال: إنّ اقتصاره على اخراج الكثيف من الشعور يؤذن بتعميم الحكم في غيره.

وعلى كلّ حال فالعبارة خالية عن المتانة وحُسن التأدية للمطلوب، وما حكم به هنا من وجوب تخليل الشعر الخفيف على الوجه هو أحوط القولين، والمشهور - وهو الذي اختاره المصنّف في غير هذه الرسالة - عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه، سواء خفّ كلّه أم كثف أم تبعّض لرجلٍ كان أم لامرأةٍ؛ لأنّ الوجه اسمٌ لِما يواجه به ظاهراً فلا يتبع به غیره(1)، ولعموم قول الباقر علیه السلام: «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه، لكن يجرى عليه الماء»(2).

نعم يجب غَسل ظاهر الشعور التي على الوجه؛ لانتقال اسمه إليها، ويُستحب تخليل الجميع استظهاراً ولو مع الكثافة، للأخبار(3)، وخروجاً من الخلاف في بعضها.

والمراد بالخفيف: ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، أو ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة وقد يؤثّر الشعرُ في أحد الأمرين دون الآخر بحسب السبوطة والجعودة، والكثيفُ يُقابله في الأمرين.

قوله وتجب البَدأَةُ بالأعلى». أي تجب البدأة بالغسل من أعلى الوجه إلى الذَقَن، فلو نكس بطلَ، خلافاً للمرتضى(4) وابن إدريس(5). ومنه يُعَلم وجوب مقارنة النيّة

-----------------

والنزعة: سُمّي بذلك لحذف النساء والمترفين الشعر منه.

ص: 431


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الفقيه، ج 1، ص 44 - 45. ح 88؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 364، ح 1106
3- سنن أبي داود، ج 1، ص 101، ح 145؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 191، ح 704.
4- الانتصار، ص 99 المسألة 9 جواب المسائل الموصليات ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 213
5- السرائر، ج 1، ص 100.

وَلا يَجِبُ غَسْلُ فاضِل اللحيةِ عَن الوَجْهِ.

الثالث: غَسْلُ اليَدَيْنِ مِن المِرْفَقَيْنِ مُبْتَدِنَا بِهِما إلى رُؤوس الأصابع،

----------------

لأعلى الوجه؛ لوجوب مقارنتها حينئذٍ لأوّل الأفعال، والبدأة بغير الأعلى ليست من الأفعال عند القائلين بمراعاته، فلا تكون النيّة عنده مُجزئة عندهم، فَتَوَهُّمُ خلاف ذلك فاسدٌ.

قوله: «ولا يجب غسل فاضل اللحية» لخروجه من المحدود، ولا فرق في ذلك بین الطول والعَرض. وكما لا يجب غَسله لا يجب إفاضة الماء على ظاهره؛ لعدم اتّصاف فاقد اللحية بنقص الوجه، نعم يُستحبّ.

قوله: «غَسل اليدين من المرفقين» هما بكسر الميم وفتح الفاء، وبالعكس. سمّيا بذلك؛ لأنّه يرتفق بهما في الاتّكاء ونحوه، وهما العظمان المتداخلان، أعني طرفي العضد والذراع.

ولا خلاف في وجوب غَسلهما، وإنّما الخلاف في سببه هل هو النصّ، بجعل (إِلَى) في الآية بمعنى «مع»(1) وغيره من الأدلّة، أو من باب مقدّمة الواجب، لعدم المفصل المحسوس لليدين، كغسل جزء من الرأس مع الوجه والمختارُ عند المصنّف (رحمه الله) الأوّل(2).

وتظهر الفائدة في وجوب غسل جزء من العضد فوق المرفق، وغسل رأس عظم العضد لو قُطعت اليد من مفصل المِرفق، فعلى الأوّل يجب فيهما دون الثاني.

قوله «مُبتدئاً بهما». الخلاف فيهما كما تقدّم في الوجه.

----------------

قوله: «غَسل اليدين من المرفقين». هما بكسر الميم وفتح الفاء، وبالعكس. سُمّيا بذلك؛ لأنّه يرتفق بهما في الاتّكاء ونحوه. وهما العظمان المتداخلان، أعني طرفي العضد والذراع، لا نفس المفصل. ويجب غَسل جزء آخر من العضد لعدم المفصل المحسوس، كما يجب غسله بالأصالة، وهذا القول جارٍ في باقي الأعضاء.

ص: 432


1- المائدة (5): 60: الكافي، ج 3، ص 28، باب حد الوجه الذي يغسل و .... ح 5 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1، ص 215 ح 15/267
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

وَيَجِبُ تَخْلِيلُ ما يَمْنَعُ وُصول الماء كالخاتم والشَّعْرِ والبَدأَةُ بِاليُمنى.

الرابع: مَسْحُ مُقَدَّمِ شَعْرِ الرَأْسِ حَقِيقَةٌ

----------------

قوله: «ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء كالخاتم والشعر». لا فرق في وجوب تخليل الشعر هنا بين الخفيف والكثيف؛ لعدم انتقال اسم اليد إليه بخلاف شعر الوجه.

ويجب غَسل هذا الشعر أيضاً؛ لأنّه من توابع اليد، كما يجب غسل الظفر وإن خرج عن حدّ اليد، والإصبع الزائدة، واللحم في المرفق أو تحته، واليد الزائدة كذلك وإن تميّزت عن الأصلية، وكذا لو كانت فوق المرفق ولم يتميّز.

ولو كان تحت الظفر وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته على وجه الغسل وجب إزالته مع الإمكان، ولو ثُقبت يده وجب إدخال الماء الثَقبَ؛ لأنّه صار ظاهراً، نصّ عليه المصنّف في الذكرى(1)، وهو يقتضي وجوب إدخال الماء في ثَقبِ الأُذن في الغُسل بطريق أولى، ولو التحم سقط في الموضعين.

قوله: «مسح مُقدّم شعر الرأس». بضمّ الميم وتشديد الدال المفتوحة، نقيض المؤخّر بالتشديد والمراد به المختصّ بمقدّم الرأس بحيث لا يخرج بمدّه عن حدّه، فلا يُجزئ المسح على شعر غير المقدّم وإن كان موضوعاً عليه، ولا على شعره غير المختصّ به كالجزء من الطويل الخارج بمدّه عنه.

----------------

قوله: «ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء كالخاتم والشعر». لا فرق في وجوب تخليل الشعر هنا بين الخفيف والكثيف، ويجب غَسل هذا الشعر أيضاً، وغَسل الظفر وإن خرج عن حدّ اليد، وإزالة ما تحته من الوسخ المانع من غَسل ما تحته مع الإمكان.

قوله: «مسح مُقدَّم شعر الرأس». بضمّ الميم وتشديد الدال المفتوحة، نقيض المؤخّر بالتشديد والمراد به المختصّ بالمقدّم بحيث لا يخرج بمدّه عن حدّه.

ص: 433


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 49 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

أوْ حُكْماً أَوْ بَشَرَتِهِ بِبَقِيَّةِ البَلَلِ وَلَوْ بِإِصْبِعٍ أَوْ مَنْكُوساً.

----------------

قوله: «أو حكماً». كالأنزع والأغمّ؛ فإنّ كلّاً منهما يمسح ما يجوز لمستوي الخلقة المسح عليه، فلا يُجزئ الأغمّ المسح على ما زاد عليه، كما لا يجب على الأنزع تتبّع منابت شعره.

قوله: «أو بشرته». أي بشرة مقدّم الشعر، وهي مقدّم الرأس، وهو منبت شعر الناصية. ولا يغني حكماً عنه؛ لأنّ المقصود منه إدخال الأنزع والأغمّ، وبالبشرة إدخال نحو مَن حلق رأسه وإن كان مستوي الخلقة.

قوله: «ولو بإصبع». المراد إجزاء ما صدق عليه اسم المسح ولو بجزءٍ من الإصبع، والتمثيل بالإصبع بناءً على أنّ أقلّ ما يمسح به المكلّف إذا اقتصر هو الإصبع، فكأنّها آلة للمسح لا ملحوظة بالتقدير. ويُستحبّ كونه بثلاث أصابع؛ خروجاً من خلاف المرتضى(1) وغيره(2).

وينوي الوجوب بالجميع؛ ليتمّ الخروج، ولأنّه بعض أفراد الواجب.

قوله: «أو منكوساً». لإطلاق الآية(3) والأخبار(4)، وصحيحة حمّاد بن عثمان عن الصادق علیه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مُقبلاً و مُدبرا»ً(5). لكن يُستحبّ المسح مُقبلاً تفصّياً من الخلاف، فيحصل القطع برفع الحدث وليس بواجبٍ، خلافاً للأكثر.

----------------

قوله: «أو حكماً». كالأنزع والأغمّ، فإنّ كلّاً منهما يمسح على ما يجوز لمستوي الخلقة المسح عليه ، فلا يُجزئ الأغمَّ المسحُ على ما زاد عليه، كما لا يجب على الأنزع المسح على منابت شعره عيناً، بل يتخيّر بينه وبين المسح على ما ينبت عليه شعر مستوي الخلقة(6).

ص: 434


1- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 145.
2- كالصدوق في الفقيه، ج 1، ص 44 - 45، ح 88؛ والشيخ في النهاية، ص 14
3- المائدة (5) : 6
4- الكافي، ج 3، ص 24 ، باب صفة الوضوء، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58، ح 162.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58، ح 161: الاستبصار، ج 1، ص 057 ح 169.
6- كالسيّد المرتضى في الانتصار، ص 190 ؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 21 - 22 : والنهاية، ص 14: وابن حمزة في الوسيلة، ص 50

الخامس: مَسْحُ بَشَرَةِ الرِجْلَيْنِ مِنْ رؤوس الأصابع إلى أصْلِ الساقِ

----------------

قوله: «مسح بشرة الرجلين». المراد بالبشرة: ظاهر جلد الإنسان كما ذكره أهل اللغة(1).

ويستفاد من قوله: «بشرة الرجلين» مع قوله في الرأس: مسح مقدّم شعره أو بشرته، أنّه لا يُجزئ المسح على الشعر في الرجلين وإن اختصّ بالظهر، بل تتحتم البشرة(2)، والأمر فيه كذلك. وإنّما لم يُصرحّوا بالمنع من المسح على الشعر هنا؛ لندور الشعر الحائل القاطع لخطّ المسح، فاكتفوا باستفادته من لفظ البشرة.

قوله: «إلى أصل الساق». هذا مذهب العلّامة جمال الدين (رحمه الله)(3)، وقد ادّعى المصنّف في الذكرى إجماعنا - وأكثر مَن خالفنا(4) - على خلافه، وأنّهما قبّنا القدم عند معقد الشراك، وقالوا: إنّه مشتقّ من قولهم : كعبَ إذا ارتفع، ومنه كعبَ ثديُ الجارية إذا على(5).

----------------

قوله: «مسح بشرة الرجلين». البشرة: هي ظاهر جلد الإنسان، ومنه سُمّي بَشَراً: لبروز جِلدِهِ، ولا يجزيء المسح على الشعر النابت على ظهر القدمين، بل يتحتّم(6) المسح على البشرة بخلاف الرأس.

قوله: «إلى أصل الساق». المشهور أنّ الكعبين هما قبّنا القدم وهما المرتفعان في ظهر القدم عند معقد الشراك، والعمل على ما ذكره المصنّف أحوط.

ص: 435


1- الصحاح، ج 2، ص 590 : القاموس المحيط ، ج 1، ص 386، «بشر»
2- البشرة: لم ترد في «غ»
3- منتهى المطلب، ج 2، ص 69 : قواعد الأحكام، ج 1، ص 203 : نهاية الإحكام، ج 1، ص 44؛ مختلف الشيعة ج 1، ص 125، المسألة 78.
4- انظر المبسوط، السرخسي، ج 1، ص 9: بدائع الصنائع، ج 1، ص 70: أحكام القرآن، الجصاص، ج 2 ص 347.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 66 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6) وانظر النهاية في غريب الحديث والأثر ج 4، ص 179 : القاموس المحيط، ج 1، ص 129، «كعب».
6- في «ض 2»: يجب

بِأَقَلِّ اسمِهِ بالبَلَلِ، فَلَو اسْتَأْنَفَ مَاءً لأَحَدِ المَسْحَينِ بَطَلَ.

----------------

وكأنّ المصنّف أراد بما ذكره هنا الاحتياط والخروج من الخلاف؛ لعموم النفع بهذه الرسالة للمكلّفين، وإلّا فقد أنكر هذه المقالة غاية الإنكار(1).

وعلى كلّ حال فيجب إدخال الكعب في المسح كالمِرفق، وإدخال جزءٍ من الحدّ المشترك من الطرفين؛ لعدم المفصل المحسوس.

قوله: «بأقلّ اسمه». هذا أجود من التعبير بالإصبع، كما تقدّم في مسح الرأس، والخلافُ المتقدّم ليس وارداً هنا، بل الإجماع منعقد على الاكتفاء بمسمّاه، كما نقله المحقّق في المعتبر(2)، ولعلّه السرّ في تخالف العبارتين.

قوله: «بالبلل». أي بالبلل المتخلّف على أعضاء الوضوء، ولا ينحصر في بلل اليدين كما هو مقتضى إطلاق العبارة ورشاقتها، فيجوز أخذ البلل من غيرهما من محالّ الوضوء الواجبة والمندوبة؛ لاشتراك الجميع في كونه بلل الوضوء.

قوله: «فلو استأنف ماءً(3) لأحد المسحين بطل». أي المسح، ثمّ إن استمرّ عليه حتّى جفّ البلل عن أعضائه بطل الوضوء أيضاً؛ لعدم الموالاة لا للاستئناف، وإن استدرك المسح بالبلل قبل الجفاف أجزاً.

والمراد باستئناف الماء لأحد المسحين مع المسح به، وإلّا فمجرّد الاستئناف لأجل المسح به لا يقتضي البطلان، والعبارة تدلّ على ذلك؛ لأنّ ضمير «بطل» إذا عاد إلى

----------------

قوله: «لأحد المسحين بطلَ». أي المسح، ثمّ إن استمرّ عليه حتّى جفّ البلل عن أعضائه بطلّ الوضوء أيضاً، وإن استدركَ المسح بالبلل قبل الجفاف أجزاً.

ص: 436


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 66 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
2- المعتبر، ج 1، ص 150.
3- في «ك» ونسخة الألفيّة «ش 1»: ماءً جديداً. علماً بأنّ كلمة «جديداً» لم ترد في باقي نسخ الألفيّة، ولم يُوردها المصنّف في المقاصد العليّة أيضاً، ولا المحقّق الكركي في شرحه وحاشيته على الألفيّة، ولا الشيخ حسين بن عبدالصمد في شرح الألفيّة

وَيَجُوزُ الأخُذُ مِنْ شَعْرِ الوَجْهِ، وَيَنْبَغِي البَدأَةُ باليُمْنى احتياطاً، وَلا يَجُوزُ النَكْسُ بَلْ يَبْدَأ بالأصابع.

----------------

المسح دلّ على حصوله به ظاهراً، فلا يرد أنّ فعل الاستئناف قد ينفكّ عن المسح، ويجب تقييد ذلك بغير التقيّة والضرورة.

قوله: «ويجوز الأخذ من شعر الوجه». هذا كالتصريح بما دلّ عليه الإطلاق المتقدّم في قوله: «بالبلل».

والمراد ب_ «شعر الوجه»: اللحية، والحاجبان، وأشفار العينين. وهو أخصر وأشمل من تعبير غيره باللحية وأشفار العينين(1).

قوله: «وينبغي البَدأة باليمنى احتياطاً». أي يُستحبُّ البَدأة بها من غير إيجاب؛ للأصل، ولقوله: «وَأَرْجُلَكُمْ»(2)، فيصدق مع البدأةِ بأيّهما كان وبالمعيّة. وأوجبه جماعة(3)، للوضوء البياني(4)، إذ لو قدَّم فيه اليسرى أو مَسَحَهما معاً لتعيّن ذلك؛ لوصفهِ بكونِه «لا تُقبَلُ الصلاةُ إِلّا به» ولا يُعارضُ بالنكس؛ للنصِّ الخاصِّ(5) عليه بخلافه هنا، فالوجه حينئذٍ وجوب تقديم اليمنى.

قوله: «ولا يجوز النكس بل يَبدأ بالأصابع». بل يجوز كما سلف في مسح الرأس(6) على كراهيّة والتقريب ما تقدّم.

----------------

قوله: «وينبغي البَدأة باليمنى احتياطاً». بل يجب تقديم اليمنى، فلا يُجزيء العكس ولا المعيّة.

قوله: «ولا يجوز النكس». بل يجوز كما سبق في مسح الرأس على كراهيّة فيهما.

ص: 437


1- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 21
2- المائدة (5): 6
3- كالشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 45، ذيل الحديث :888: وسلّار في المراسم، ص 38
4- الفقيه، ج 1، ص 38، ح 76.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83. ح 217؛ الاستبصار، ج 1، ص 57، ح 169
6- تقدم في ص 434

السادس: التَرْتِيبُ كَما ذُكِرَ.

السابع: الموالاة: وهي مُتابَعَةُ الأفْعالِ بِحَيْث لا يَجِنُّ السابِقُ مِنْ الأعْضاءِ

----------------

قوله: «الترتيب كما ذُكر». أي كما وقع في الذِكر؛ إذ لم يُذكر قبل ذلك صريحاً. والمعتبر في الترتيب تقديم المقدّم، لا عدم تأخيره، فلا تُجزئ المعيّة، بل يحصل غَسل الوجه دخولاً واليمنى خروجاً، فإن أعادها فاليسرى ويجوز المسح بمائهما؛ لعدم صدق التجديد عليه، ولو أخرجها مرتّباً صح غسل الجميع، ولو كان في جارٍ وتعاقبت عليه ثلاث جريات صحّ غسل الوجه واليدين أيضاً.

قوله: «الموالاة: وهي متابعة الأفعال بحيث لا يجفّ السابق من الأعضاء». تفسير الموالاة بمراعاة الجفاف هو قول الأكثر(1)، وقيل: هى متابعة الأعضاء بعضها لبعض بحيث إذا فرغ من عضو شرع في آخر اختياراً(2)، فإن أخلّ بها معه أثم ولا يبطل إلّا بالجفاف ومع الضرورة كنَفادِ الماء ونحوه لا إثم بالتأخير بحسب الحاجة ولا إبطال ما لم يجفّ.

والمراد بجفاف السابق جميع الأعضاء المتقدّمة، والمعتبر في البلل الحسّي فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرط الرطوبة بكونه معتدلاً، ولا فرق في البطلان على تقدير الجفاف بين العامد والناسي والجاهل وإن سلم الناسي من الإثم.

----------------

قوله: «الترتيب كما ذُكر». أي كما وقع في الذِكر، إذ لم يُذكر قبل ذلك ما يدلّ على الترتيب.

والمعتبر أنّ الترتيب تقديم المقدّم، لا عدم تأخيره، فلا تُجزئ المعيّة، بل يحصل غَسل الوجه دخولاً واليمنى خروجاً، فإن أعادها فاليسرى ويجوز المسح بمائها؛ لعدم صدق التجديد عليه، ولو أخرجها مرتّباً صحّ غَسل الجميع، ولو كان في جارٍ تعاقبت عليه ثلاث جريات صحٌ غُسل الوجه واليدين أيضاً.

ص: 438


1- كالسيد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 126، المسألة 33؛ والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 157؛ وشرائع الإسلام، ج 1، ص 22؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 101 : وابن حمزة في الوسيلة، ص 50.
2- قاله المفيد في المقنعة، ص 47 ؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 23؛ والخلاف، ج 1، ص 93، المسألة 41 كتاب الطهارة

إلَّا مَعَ التَعَدَّرِ كَشِدَّةِ الحَرِّ وَقِلّة الماء.

الثامن: المُباشَرَةُ بِنَفْسِهِ اختياراً، فَلَوْ وَضَأَهُ غَيْرُهُ لا لِعُذْرِ بَطَلَ.

التاسع: طَهَارَةُ الماءِ وَطَهُورِيَّتُهُ، وَطَهَارَةُ المَحَلِّ.

----------------

قوله: «إلّا مع التعذّر كشدّة الحرّ وقلّة الماء». فيُغتفر الجفاف، حتّى لو توقّف على استئناف ماء جديد للمسح حينئذٍ جاز، كما اختاره المصنِّف في البيان(1)، لكن لو أمكن تأخير جزء من اليد اليسرى ثمّ يصبّ عليه أو يغمسه في الماء ويعجّل المسحَ به، وجب مقدّماً على الاستئنا.

قوله: «فلو وضّأه غيرُه لا لعذر بطل». ويتحقّق ذلك بصبّ الغير الماء على نفس العضو المغسول، لا بصبّه في اليد ليغسل به المتوضّئ فإنّ ذلك استعانة مكروهة، هذا مع الاختيار.

أمّا مع العذر ، كالمرض المانع من المباشرة بنفسه ونحوه، فإنّه يجوز التولية، ويتولّى المعذور النية؛ إذ لا عجز عنها مع بقاء التكليف ولو أمكن إحضار ماء يغمس المعذور فيه الأعضاء قُدّم على التولية، ولا يُشترط في جوازها العجز عن الكلّ، فيجوز أن تتبعض.

قوله: طهارة الماء وطهوريّته». المراد بطهارته: كونه غير نجس، سواء طهّر غيره أم لا.

---------------

قوله: «كشدّة الحرّ وقلّة الماء». فيُغتفر الجفاف ويجوز استئناف ماء جديد للمسح، لكن لو أمكن تأخير جزء من اليد اليسرى وإسراع غسله والمسح به وجبَ مقدّماً على الاستئناف.

قوله: «فلو وضّأه غيره لا لعذر». يتحقّق ذلك بصبّ الغير الماءَ على العضو المغسول بحيث يعتدّ به لا بصبّه في اليد ليغسل به المتوضّىء، فإنّ ذلك استعانة مكروهة، هذا مع الاختيار.

أمّا مع العذر كالمرض المانع من المباشرة، فإنّه يجوز التولية، ويتولّى المعذور النيّة ولو أمكن إحضار ماء يغمس المعذور فيه الأعضاء، قدّم على التولية.

قوله: «طهارة الماء وطهوريّته». المراد بطهارته: كونه غير نجس، سواء طهّر غيره أم لا.

ص: 439


1- البيان، ص 45 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)

.....................................

----------------

وبطهوريّته: كونه مع طهارته مُطهّراً لغيره من الحدث أو الخبث. فهي من الأسماء المتعدّية، كما ذكره جماعة من أهل اللغة(1)، وصحّحه الاستعمال(2)؛ فلا يُعتدّ بقدح بعضٍ فيه بكونه فَعُولاً(3)، وإنّما تُفيد المبالغة فى فاعل، كما يُقال: ضَروب وأكول لزيادة الأكل والضرب.

وإنّما جمع بين الطهارة والطهوريّة - مع أنّ الطهوريّة أخصّ، واشتراط الأخصّ يقتضي اشتراطَ الأعمِّ - لوجهين:

أحدهما: بيان افتراقهما بحسب الوضع، فإنّ الطهارة أعمّ والطهورية أخصّ، فإنّ الطالب ينبعث عزمه عند الوقوف على لفظهما على البحث عن معناهما، فلو اقتصر على الأخصّ انتفت هذه الفائدة.

والثاني: الاحترازُ عن الماء المُستعمل في الكبرى، وعن الماء المضاف.

أمّا الأوّل فلمنع بعض الأصحاب من طهوريّته(4)، ولمّا لم ينصّ المصنّف على مذهبه فيه هنا أتى بما يجري على المَذْهَبَين، كما اشترط في الساتر كونه غير ميتةٍ بعد اشتراط طهارته وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

وأمّا المضاف فإنّه وإن لم يُطلق عليه اسمُ الماء حقيقة لكنّه يُطلق عليه اسمه مجازاً، ويجوز الاحتراز عنه زيادةً في البيان.

----------------

وبطهوريّته: كونه مع طهارته مُطهّراً لغيره واحترز به عن الماء المضاف، ونحوه كالمستعمل في الطهارة الكبرى على القول بعدم طهوريّته.

ص: 440


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 147: المصباح المنير، ص 379؛ لسان العرب، ج 8، ص 211 «طهر».
2- كقوله تعالى في سورة الفرقان (25): 48: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) ، وقول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : «الماء طهور لا ينجسه شيء»؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 16 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 173؛ مسند أحمد، ج 1، ص 234
3- حكاه ابن قُدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 35 عن بعض الحنفيّة
4- كالشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 12 ؛ والشيخ المفيد في المقنعة، ص 64 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 74.

العاشر: إباحَتُهُ، فَلَوْ كَانَ مَغْصُوباً بَطَلَ.

الحادي عشر : إجْراؤُهُ عَلَى العُضْوِ فَلَوْ مَسَّهُ في الغَسْلِ مِنْ غَيْرِ جَرَيانِ لَمْ يُجْزِى، أما في المَسْحِ فَيُجْزِى.

----------------------

قوله: «إباحته، فلو كان مغصوباً بطلَ». مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم، فلا يُعذر الجاهل هنا، لضمّه جهلاً إلى تقصير، وكذا مع النسيان. أمّا الجاهل بأصل الغصب فيُعذر، حتّى لو علم به بعد غسل الأعضاء وقبل المسح جاز المسح به؛ لأنّ الرطوبة المتخلّفة على الأعضاء لا قيمة لها.

قوله: «إجراؤه على العضو» المراد به ما يحصل به مسمّاه، وأقلّه انتقال كلّ جزءٍ من الماء عن محلّه إلى غيره، وهو المعبّرُ عنه بأن يجري جزء من الماء على جزءين من البشرة. وإنّما وجب ذلك ليتحقّق مُسمّى الغَسل، فإنّ حقيقته مغايرة لحقيقة المسح. وأمّا تمثيلُ مَنْ بالغ في وصف الغسل بالدهن(1)، فهو ضربٌ من التجوّز مبالغةً في تقليل الجريان، ولا يُريد به عدمه أصلاً.

قوله: «أمّا في المسح فيُجزئ». بل يتعيّن فيه عدم الجريان، فلا يُجزئ الغسل عنه - وإن كانت العبارة قد تُوهم خلاف ذلك - لاختلاف مفهومهما لغةً وعرفاً، ولأنّه مع الجريان يصير فرداً من أفراد الغسل، وهو غير مُجزئ عن المسح إجماعاً، ولأنّ التفصيل قاطع للشركة.

----------------

قوله: «إباحته، فلو كان مغصوباً بطلَ». مع العلم بغصبيّته وإن جهل الحكم، وكذا مع النسيان أمّا الجاهل بأصل الغصب فَيُعذَر به.

قوله: «إجراؤه على العضو». وأقلّه ما يتحقّق معه مسمّاه، وهو انتقال كلّ جزءٍ من الماء عن محلّه إلى غيره ولو بمعاون.

قوله: «أمّا في المسح فيُجزى». بل يتعيّن فيه عدم الجريان، فلا يُجزىء الغَسل عنه.

ص: 441


1- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 23.

الثاني عشر إباحةُ المَكانِ، فَلَوْ تَوَضّاً فِي مَكانٍ مَغْصوب عَالِماً مُختاراً بَطَلَ، وَمَتى عَرَضَ لَهُ شَكٍّ (1)في أثنائِهِ أَعادَهُ وَمَا بَعْدَهُ.

----------------

قوله: «إباحة المكان». المراد بالمكان هنا: ما يشغله المكلّف من الحيّز، أو ما يستقرّ عليه ولو بواسطةٍ أو وسائط. فالطهارة والصلاة في الهواء المغصوب باطلة وإن كان مستقرّاً على موضعٍ مباحٍ، وكذا على البساط المغصوب والخُفّ ونحوهما، وبالعكس. والمراد به: العالم بالغصب وإن جهلَ الحكم، ويلحق به الناسي دون جاهل أصل الغصب. وخرج بقيد الاختيار ما لو حبس في مكانٍ مغصوبٍ، فإنّ طهارته وصلاته فيه صحيحة مع سلامة المطهّر من الغصب.

قوله: «ومتى عرض له شكّ في أثنائه أعاده وما بعده». أي المشكوك فيه المدلول عليه بالشكّ، هذا إذا لم يكثر شكّه، ولو كثر بنى على فعل المشكوك فيه كالصلاة. وتقييدُ الإعادة بالشكّ في الأثناء يخرج منه ما لو عرض الشكّ بعد الفراغ، فإنّه لا يلتفت وإن لم ينتقل عن محلّه. وتعبير بعضهم بالانصراف (2)مجاز أو مؤوّل بالانصراف عن الاشتغال بالأفعال.

----------------

قوله: «فلو توضّاً في مكان مغصوب». المراد به هنا: ما يشغله المكلّف من الحيّز، أو يثبت عليه ولو بواسطةٍ أو وسائط، فيدخل فيه الهواء والخفّ والبساطَ ونحوها. واحترز بالاختيار عمّا لو حُبس في مكانٍ مغصوب، فإنّ طهارته وصلاته فيه صحيحة مع سلامة عين المطهّر من الغصب.

قوله: «ومتى عرض له شكّ في أثنائه أعاده» أي أعاد المشكوك فيه المدلول عليه بالشكّ، هذا إذا لم يكثر شكّه ، وإلّا بنى على فعلِ المشكوك فيه كالصلاة.

ص: 442


1- في «ش 1» الشكّ
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 24؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 50 : والمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 24.

وَواجِبُ الغُسْلِ اثْنَا عَشَر:

الأول: النِيَّةُ مُقارِنَةٌ لِجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ إِنْ كانَ مُرَتِّباً، وَلِجَمِيعِ البَدَنِ إِنْ كَانَ مُرْتَمِساً، مُسْتَدامَةَ الحُكْمِ إِلى آخِرِهِ.

----------------

قوله: «النيّة مقارنة لجزءٍ من الرأس إن كان مرتّباً». الرأس هنا: اسم للرقبة وما فوقها، كما ينبّه عليه قوله بعد: «غسل الرأس والرقبة»، حيث جَعَلَهما عضواً واحداً، فيجوز المقارنة بأيّ جزء شاء من ذلك.

قوله: «ولجميع البدن إن كان مُرتمساً». الارتماس: هو الدخول تحت الماء دفعةً واحدةً عرفيةً، بحيث يَشملُ الماء البشرة في زمان قليل، ونحوه الوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين والمعتبر فيه مقارنة النيّة لجزء من البدن، مع إتباعه الباقي بغير مهلة؛ التصدق الوحدة العرفيّة.

وإطلاق المصنّف المقارنة لجميع البدن بناءً على سرعة الإتباع، وإلّا فلا يشترط مقارنتها لجميع البدن، بل ربما تعذّر، أو يُريد أنّ جميع أجزاء البدن سواءٌ في جواز إيقاع النيّة عنده.

وربما تكلّف بعضهم إرادة الجزء من العبارة بجعل «جميع» معطوفاً على الرأس، ليصير التقدير: لجزء من الرأس إن كان مرتّباً، ولجزء من جميع البدن إن كان مرتمساً.

----------------

قوله: «مقارنةً لجزء من الرأس». الرأس هنا: اسم للرقبة وما فوقها؛ فيجوز للمرتّب المقارنة بأيّ جزءٍ شاء من ذلك.

قوله: «ولجميع البدن إن كان مُرتمساً». بحيث يشملُ الماءُ البشرة في زمان قليل، ونحوه الوقوف تحت الميزاب والوقوف في المطر الغزير.

والارتماس: هو ملاقاة الماء البدن دفعةً واحدةً عرفيّة، والمعتبر فيه مقارنة النيّة لجزءٍ من البدن مع إتباعه الباقي بغير مهلة فإنّ البدن فيه عضوٌ واحدٌ.

ص: 443

وَصِفَتُها : أغْتَسِلُ لاسْتِباحَةِ الصَّلاةِ لِوجُوبِهِ قُرْبَةٌ إلى اللهِ، وَيَجُوزُ لِلمُخْتارِ ضَمُّ الرَفْعِ والاجْتِرَاءُ بِهِ.

الثاني : غَسْلُ الرَأْسِ وَالرَقَبَةِ ، وَتَعاهُدُ مَا ظَهَرَ مِنْ الأُذُنَيْنِ،

----------------

وهو فاسد؛ لأنّه لو كان كذلك لوجب حذف الجارّ، لفساد اللفظ به، إذ يصير التقدير: ولجزء من جميع البدن، ولوجوده في المعطوف عليه. وإنّما يتمّ ذلك أن لو قال: وجميع البدن، لكن إعادة الجارّ تُعيِّنُ عَطفَه على قوله : «الجزء»، ويُحمل حينئذٍ على أحد الأمرين السابقين.

قوله: «ويجوز للمختار ضمّ الرفع». إلى الاستباحة بحيث يجمع بينهما في النيّة تأكيداً، أو خروجاً من الخلاف. ويجوز له الاجتزاء بالرفع لتأديته معنى الاستباحة وزيادة. ومفهومه أنّ غير المختار - وهو دائم الحدث، والمرادُ به هنا: المستحاضة الكثيرة الدم؛ لأنّ الكلام في الحدث الموجب للغسل - لا ينوي رفع الحدث ولا ينويهما معاً؛ لعدم إمكان رفعه، فلا وجه لنيّته. وما اختاره في الوضوء من جواز الجمع (1) له آت هنا، لكن نيّتهما هناك إنّما توجد في بعض النسخ، وتركها أوفق للعبارة وأمتن في الفتوى.

قوله: غسل الرأس والرقبة». أشار بذلك إلى كونهما عضواً واحداً، فلا ترتيب بينهما في الغسل؛ لعدم وجوب الترتيب في نفس العضو بالنسبة إلى الغُسل وإن وجب بين الأعضاء، نعم يُستحب غسل الأعلى فالأعلى تحفّظاً من النسيان.

والمراد ب_ «ما ظهر من الأُذنين» ظاهر الصماخين دون باطنهما، والتعاهدُ والتَعَهُّدُ بمعنىً، وهو التحفّظُ بالشيء وتجديدُ العهد به، قاله في الصحاح وزاد: أنّ التعهُدَ أفصحُ

----------------

قوله: «ويجوز للمختار ضمّ الرفع». إلى الاستباحة بحيث يَجمع بينهما في النيّة تأكيداً، وأمّا دائم الحدث والمستحاضة الكثيرة والمتوسّطة فلا يُجزىء.

ص: 444


1- تقدّم في ص 427 عند قوله: «أو نواهما جاز».

وَتَخْلِيلُ الشَعْرِ المانِعِ.

الثالث: غَسْلُ الجَانِبِ الأَيْمَنِ.

الرابع: غَسْلُ الجانِبِ الأيْسَرِ، وَيَتَخَيْرُ في غَسْلِ العَوْرَتَيْنِ مَعَ أَيِّ جَانِبِ شَاءَ، وَالأوْلى غَسْلُهُما مَعَ الجَانِبَيْنِ.

-------------------

من التعاهد قال: لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين(1).

قوله «وتخليل الشعر المانع» من وصول الماء إلى البشرة، ولا يجب غسله ولا نقض ضفائر المرأة، إلّا أن يتوقّف عليه غسل البشرة، والفرقُ بينه وبين الشعر في الوضوء النصُّ(2).

قوله: «غَسل الجانب الأيسر». ويجب غسل الحدّ المشترك من كلّ عضو يتوقّف الواجب عليه؛ لعدم المفصل المحسوس.

قوله: «ويتخيّر في غسل العورتين(3)، والأولى غسلهما مع الجانبين». وليست الأليان من العورة، وإنّما يجب غسل كلّ واحدةٍ مع جانبها، بل المرادُ الذَكرُ والأُنثَيان وحَلقهُ الدُبر. ووجوبُ إدخال الحدّ المشترك يكاد يرفع التخيير بالنسبة إلى الدبر، وإنّما يأتي في بعض القُبل.

----------------

قوله: «وتخليل الشعر المانع» من وصول الماء إلى البشرة، ولا يجب غسله ولا نقض ضفائر المرأة، إلّا أن يتوقّف غَسل البشرة عليه.

قوله: «غَسل الجانب الأيسر»(4). ويجب غَسل الحدّ المشترك من كلّ عضوٍ؛ لعدم المفصل المحسوس.

ص: 445


1- الصحاح، ج 2، ص 516، «عهد»
2- الأمالي الصدوق، ص 391، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 135، ح 373؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 171، ح 248؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 196 ، ح 597
3- كذا في النسختين الخطّيتين لهذه الحاشية، وفي النُسخ الخطيّة للألفيّة: العورتين مع أي جانب شاء
4- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1» و «ض 2».

الخامس تَخْلِيلُ مَا لا يَصِل إليْهِ الماءُ بِدُونِهِ.

السادس: عَدَمُ تَخلّلِ حَدَثٍ في أثنائِهِ.

----------------

قوله: «تخليل مالا يصل إليه الماء بدونه». يمكن عودُ ضمير «إليه» إلى البدن، أو إلى الشيء المغسول. وأمّا عودُه إلى الموصول المانع من وصول الماء، ففيه قربٌ في اللفظ وتسامحٌ في المعنى، فإنّ المعتبر وصوله إلى البشرة لا إليه، لكنّه جائزٌ بضربٍ من المجاز.

قوله: «عدم تخلّل حَدَثٍ في أثنائه». أي أصغر، وهو موضع الخلاف. وإنّما أطلقه الظهوره فيبطل بتخلّل الحدث عند الأكثر إن كان غُسل الجنابة(1) ؛ لأنّ غُسلها يرفع أثر الحدث الأكبر والأصغر على تقدير وجوده قبل الغسل، فهو مؤثّر تامٌ لرفعهما معاً، وكلُّ جزءٍ منه مؤثّرٌ ناقصٌ في رفعهما.

ولهذا لو أخلّ بلمعة في بدنه لم يرتفع الحدث أصلاً، فإذا فُرض حدثُ أصغر في أثنائه فلابدّ لرفعه من مؤثّر تامٍ وهو إمّا الغُسل بجميع أجزائه، أو الوضوء والثاني منتفٍ في غُسل الجنابة؛ للإجماع على عدم مجامَعَةِ الوضوء الواجب له، وما بقي من أجزاء الغسل ليس مؤثّراً تامّاً في رفعه، فلابُدّ من إعادته من رأس.

أمّا غير غُسل الجنابة فيكفي إتمامه وإعادة الوضوء بعده إن كان قدَّمه، والقول بخلاف ذلك(2) ضعيف.

----------------

قوله: «ويتخيّر في غسل العورتين مع أيّ جانبٍ شاء». وكذا السُرّة، هذا إن غَسلهما بين الجانبين، أمّا لو قدّمهما أو أخّرهما لم يكفِ، بل يجب إتباع كلّ شقّ لجانبه، ولذلك كان الأولى غَسلهما مع الجانبين، وهذا التخيير لا يكاد يتحقّق في الدبر ؛ لأنّ الأليتين ليستا من العورة.

قوله «عدم تخلّل حَدَثٍ». أي أصغر، وهو موضع الخلاف فيبطل بالتخلّل عند الأكثر إن

ص: 446


1- كالصدوق في الهداية، ص 21؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 29 - 30: والنهاية، ص 22؛ والشيخ يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 40.
2- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 109 : وابن البراج في جواهر الفقه، ص 12؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 276

السابع: المُباشَرَةُ بِنَفْسِهِ اخْتِياراً.

الثامن: التَرْتِيبُ كَما ذُكِرَ، وَلا تَجِبُ المُتابَعَةُ.

التاسع: طَهَارَةُ الماءِ وطَهُورِيَّتُهُ وَطَهَارَةُ المَحَلِّ.

العاشر: إباحَتُهُ.

----------------

قوله: «الترتيب كما ذُكر» أي كما وقع في الذكر بين الأعضاء لا فيها، كما صرّح به المصنّف في الذكرى(1) وغيره(2).

قوله: «ولاتجب المتابعة». هنا، سواءٌ فسرناها بمراعاة الجفاف كما تقدّم في الرسالة(3)، أم بالشروع في العضو بعد الفراغ ممّا قبله بغير فصل، بل يجوز تفريق أعضاء الغُسل. وإنّما تجب متابَعَتُها لعارض كضيق وقت، أو دوام حدث كالمستحاضة، أو لخوف فجأته كذي الفترة لدائم الحدث، أو بنذرٍ وشبههِ، ومتى فرّقه لم يجب عليه تجديد النيّة للمتأخّر من الأعضاء مع بقاء الاستدامة الحكميّة.

قوله: «إباحته». أي في ظاهر الحال لا في نفس الأمر، ومِن ثَمَّ صحّت طهارة الجاهل بالغصب، وقد تقدّم تفصيل حكم الغاصب(4).

----------------

كان غُسل الجنابة، أمّا غيره فيكفي إتمامه وإعادة الوضوء بعده إن كان قدّمه.

قوله: «الترتيب كما ذُكر». إنّما يجب الترتيب في الغُسل بين الأعضاء لا فيها، بل يجوز أن يَغسل العضو فيه كيف شاء، والأفضل البدأة بالأعلى فالأعلى.

قوله: «وطهوريّته وطهارة المحلّ». إنّما اشترط طهارة المحلّ المغسول بالنسبة إلى غسل ذلك المحل، فيجوز أن يُطهّر بعضَ أعضائه من الخبث ثمّ يَغسله من الحدث مراعياً للترتيب.

قوله: «إباحته». في ظاهر الحال، لا في نفس الأمر، ومِن ثمّ صحّت طهارة الجاهل بالغصب.

ص: 447


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 133) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 132، المسألة 75 والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 231 ونهاية الإحكام ج 1 ، ص 107
3- تقدّم في أحكام الوضوء، ص 438 عند شرح قوله: (الموالاة)
4- تقدّم في أحكام الوضوء، ص 441 عند شرح قوله: (إباحته)

الحادي عشر: إجراؤهُ كَغَسْل الوَضوء.

الثاني عشر : إباحَةُ المَكانِ، فَلَوْ(1) شَكٍّ في أفعالِهِ(2) وهو على حالِهِ فَكَالوَضوء.

وَواجِبُ التَيمَمِ اثْنا عَشَر:

الأول : النِيَّةُ مُقَارِنَةٌ لِلْضَرْبِ عَلى الأَرْضِ - لا لِمَسْحَ الجَبْهَةِ - مُسْتَدامَةً الحُكْمِ. وَصُورَتُها : أَتَيَمَّمُ بَدَلاً مِنْ الوَضُوءِ أَوْ الغُسْلِ لاسْتِباحَةِ الصَلاةِ

----------------

قوله: «فلو شكّ في أفعاله وهو على حاله فكالوضوء». فيأتي بالمشكوك فيه وما بعده مالم يكثر شكّه فيبني على وقوع المشكوك فيه، ولو كان بعد الفراغ لم يلتفت إن كان مرتمساً أو من عادته المتابعة؛ عملاً بالظاهر، وإلّا فكالشكّ في الأثناء؛ لعدم تحقّق الإكمال وأصالة عدم غَسل المشكوك فيه.

قوله: «النيّة مقارنةً للضرب على الأرض لا لمسح الجبهة». لأنّ قصد الصعيد فِعلٌ من أفعال التيمّم، ولهذا لو تعرّض لِمَهَبِّ الريح أو مسح جبهته بالأرض لم يجز، وهو أوّلها، فتجب النيّهُ عنده بخلاف الطهارة المائيّة، فإنّ قصد الماء ليس شرطاً، فلو غمس الأعضاء في الماء كفى.

قوله: «أتيمّم بدلاً ...» إلى آخره. استُفيدَ من النيّة ما يُعتبر فيها من المميزِّات، ومنها التعرُّض للبدليّة من الصغرى والكبرى، ويسقط اعتباره في مواضع:

ا: التيمّم لصلاة الجنازة؛ لعدم اشتراطه بعدم الماء فلا يكون بدلاً.

ب: التيمّم للنوم؛ لشرعيّته مع وجود الماء أيضاً.

----------------

قوله: «فلو شكّ ...» إلى آخره. فيأتي بالمشكوك فيه وما بعده، ولو كان بعد انصرافه لم يلتفت إن كان مُرتمساً أو من عادته المتابعة، وإلّا فكالشكّ في الأثناء.

ص: 448


1- في «ش 1 و ش 2» : ولو
2- في «ش 2»: في شيء من أفعاله

لوجُوبِهِ قُرْبَةٌ إلى اللهِ، وَلا مَدْخَل للرفع هنا.

الثاني: الضَرْبُ عَلَى الأَرْضِ بِكِلْنَا يَدَيْهِ بِبُطُونِهِما مَعَ الاخْتِيارِ.

----------------

ج: التيمّم لخروج الجُنب من المسجدين على مذهب المصنّف في هذه الرسالة من كونه غايةً للتيمّم خاصة.

قوله: «ولا مدخل للرفع هنا» للإجماع على كون التيمّم غير رافع للحدث، فلا تصحّ نیّته؛ لاستحالة نيّة الممتنع. وذهب المصنّف في بعض كتبه إلى جواز نيّة رفع الماضي(1)، بل مال في القواعد إلى جوازه مُطلقاً(2)، وما هنا أجود.

قوله: «الضرب على الأرض بكلتا يديه ببطونهما مع الاختيار». يُستفاد من هذه العبارة فوائد:

أ: وجوب الضرب على الأرض باليدين، فلا يكفي التعرّض لِمهبٌ الريح، ومسح الجبهة على الأرض.

ب: الاعتماد بهما ولو يسيراً؛ ليتحقّق مُسمّى الضرب، فلا يكفي الوضع المجرّد، واختار في الذكرى الاكتفاء به(3).

ج: كون المضروب عليه مسمّى الأرض وإن لم يكن تراباً، فيجزئ على جميع أصنافها من ترابٍ ومدرٍ وحجرٍ، حتّى تراب الجصّ والنورة قبل الإحراق، دون المعدن وما خرج بالاستحالة عنها كالرماد ولو من الأرض.

د: الضرب باليدين، فلا يُجزئ الواحدة اختياراً.

----------------

قوله: «الثاني: الضرب على الأرض بكلتا يديه». يُستفاد من هذه العبارة فوائد: الأولى: وجوب وجوب الضرب على الأرض باليدين فلا يكفي التعرّض لمهبّ الريح، ولا مسح الجبهة على الأرض اختياراً.

ص: 449


1- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 54 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- القواعد والفوائد، ص 315 - 316 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)

الثالث: مَسْحُ الجَبْهَةِ مِنْ القصاصِ حَقيقَةٌ أَوْ حُكْمَا إِلى طَرَفِ الأَنْفِ الأعْلى،

وَإلى الأسْفَل أَوْلى.

الرابع: مَسْحُ ظَهْرِ كَفِّهِ اليُمْني مِنْ الزَّيْدِ إِلَى أَطْرَافِ الأَصابع.

الخامس: مَسْحُ ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى كَذَلِكَ.

السادس: نَزْعُ الحائِلِ كَالخَاتَمِ.

السابع: التَرْتيبُ كَما ذُكِرَ.

الثامن: المُوالاةُ، وهى المُتابَعَةُ هُنا.

----------------

ه_ : كونه ببطونهما، فلا يُجزئ الضرب بالظهر اختياراً ولو من إحداهما، ومع تعذّره بهما أو بإحداهما يُجزئ الظهر، فإن تعذّر مسحَ جبهته بالأرض مع النيّة.

قوله: «مسح الجبهة من القصاص حقيقة أو حكماً». يدخل في الحكم الأنزع والأغمّ، فإنّهما يمسحان ما يمسحه مستوي الخلقة، ويجب مسح الجبينين، والأولى مسح الحاجبين(1) والحدّ المشترك من كلّ جانب، وكذا القول في اليدين.

قوله: «الموالاة وهي المتابعة هنا». لعدم تعقّل غيرها، سواء كان بدلاً من الوضوء

----------------

الثانية: كون المضروب عليه مُسمّى الأرض وإن لم يكن تراباً، فيُجزىء على جميع أصنافها من ترابِ وحجرٍ ورمل وإن كره بهما، دون المعدن وما خرج بالاستحالة عنها كالرماد ولو من الأرض.

الثالثة: الضرب باليدين، فلا يُجزئ الواحدة اختياراً.

الرابعة: كونه ببطونهما، فلا يُجزئ بظهورهما اختياراً، ومع تعذّره بهما أو بإحداهما يُجزئ الظهر، فإن تعذّر مسحَ جبهته بالأرض مع النيّة.

قوله: «مسح الجبهة من القصاص حقيقةً أو حكماً». يدخل في الحكم الأنزع والأغمّ، فإنّهما يمسحان ما يمسحه مستوي الخلقة، ويجب مسح الجبينين والحدّ المشترك من كلّ جانب، وكذا القول في اليدين، والأولى مسح والأولى مسح الحاجبين.

ص: 450


1- والأولى مسح الحاجبين: لم ترد في «غ».

التاسع طَهَارَةُ التُرابِ المَضْروبِ عَلَيْهِ ، والمَحَلّ. وَيُجْزِئُ الحَجَرُ، وَلا يُشْتَرَطُ عُلُوقُ شَيءٍ مِنْ التُرابِ، بَلْ يُسْتَحَبُ النَّفْضُ.

----------------

أم الغسل، ومتى اعتبرنا في فِعله تضيّق الوقت اتّضح وجوب المتابعة.

قوله: «طهارة التراب المضروب عليه والمحلّ». لقوله تعالى: (صَعِيدًا طَيِّبًا)(1) . قيل: هو الطاهر(2)، ولأنّ النجس لا يفيد غيره طهارةً. ويشترط طهارة محلِّ المسح مع الإمكان، ومع التعذّر يصحّ وإن كانت نجسةً مالم تكن حائلة أو متعدّية، فيجب إزالة الحائل مع الإمكان ولو بنجاسةٍ أُخرى كالبول.

قوله: «ويجزئ الحجر» لأنّه من أصناف الأرض، وأصله تراب اكتسب لزوجةً وعملت فيه الحرارةُ فجمدَ لذلك. وردّ بذلك على الشيخ(3) وجماعة(4) حيث شرطوا في جواز استعماله فَقدَ التراب. وكذا يجوز التيمّم بالخزف؛ لأنّه أضعفُ تجمّداً من الحجر، والعلّة واحدة، خلافاً للمحقّق(5) وابن الجنيد(6).

قوله: «ولا يُشترط علوق شيء من التراب بل يُستحبّ النفض». قيل: هذا خروج من موضوع الرسالة، حيث هي مقصورة على الواجبات دون المندوبات(7).

----------------

قوله: «طهارة التراب المضروب عليه والمحلّ». هذا مع الإمكان، ومع التعذّر يصحّ وإن كان المحلّ نجساً، ما لم تكن حائلة أو متعدّية، فيجب إزالة الحائل مع الإمكان ولو بنجاسة أخرى.

ص: 451


1- النساء (4): 43: المائدة (5): 6
2- تاج العروس، ج 2، ص 191 ؛ لسان العرب، ج 8، ص 233 ؛ مجمع البحرین، ج 2، ص 112، «طيب»
3- النهاية. ص 49
4- كالشيخ المفيد في المقنعة، ص 60؛ وسلار الديلمي في المراسم، ص 53 : وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 137
5- المعتبر ، ج 1، ص 375
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 375؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 260، المسألة 194
7- المستشكل والمجيب هو المحقق الكركي في شرحه للألفية، ص 291) ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

العاشر: إباحَتُهُ.

الحادي عشر إباحَةُ المَكان.

الثاني عشر : إمْرارُ الكَفَّيْنِ مَعَاً عَلى الوَجْهِ، وَبَطْن كُلِّ واحِدَةٍ عَلى ظَهْرِ

----------------

وأُجيب بأنّ القصدَ بذلك ليس بيان الاستحباب، بل الاستدلال على عدم اشتراط علوق شيء من التراب على اليدين؛ ليكون حجّةً على ابن الجنيد حيث شرط العلوق مع موافقته على استحباب النفض(1).

وحاصل الدليل: أنّه لو كان العلوق شرطاً لم يُستحبّ النفضُ؛ لعدم فائدة العلوق حينئذٍ، لكن النفض مُستحبّ باعتراف الخصم فلا يكون العلوق شرطاً. وهذا من اللطائف المودَعة في الرسالة عمداً، وسيأتي لها نظائر فيها.

قوله: «إباحته». صريحاً أو فحوى، ويكفي شاهد الحال، فيجوز التيمّم على جدار الغير وأرضه.

قوله: «إمرار الكفّين معاً على الوجه». ردَّ بذلك على ابن الجنيد، حيث اكتفى بمسح الجبهة باليد اليمنى(2).

قوله: «وبطن كلّ». مجرورٌ عطفاً على الكفّين، وفي عطف المجرور من دون إعادة الجارِّ كلامٌ في العربيّة، لكن جوزه بعضُهم(3)، وقد وردَ به التنزيل(4).

----------------

قوله : «إباحته». صريحاً أو فحوى، ويكفي شاهد الحال، فيجوز التيمّم على جدار الغير وأرضه.

ص: 452


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 270، المسألة 201
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 274، المسألة 204
3- جوّزه ابن مالك في ألفيّته. انظر البهجة المرضيّة في شرح الألفيّة، ج 2، ص 79؛ ومنعه الزجاجي في الجمل في النحو، ص 18.
4- كقوله تعالى في سورة النساء (4): 1: «الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِى وَالْأَرْحَامَ» بكسر «وَالْأَرْحَامَ» على قراءة حمزة وابن عبّاس والحسن، عطفاً على (به) من غير إعادة الجارّ. انظر التفسير الكبير، ج 3، ص 479.

الأُخرى مُسْتَوعِبَاً لِلْمَمسوح خاصةً ، والشَّكُ فِي أَثْنَائِهِ كَالمُبْدَلِ، وَيَنْقُضْهُ التَمَكِّن مِنْ المُبْدَلِ.

----------------

وإنّما يجب استيعاب الممسوح كما لو كان مغسولاً دون الماسح؛ لأنّه آلةٌ، وقد تقدّم ما يدلّ على وجوب استيعاب الممسوح في الوجه واليدين(1) وإنّما ذكره هنا تأكيداً أو تنبيهاً على اختصاص الحكم بالممسوح، إذ لم يتقدّم ما يدلّ على حكم الماسح.

قوله: «والشكّ في أثنائه كالمُبدل». فيُعيد المشكوك فيه وما بعده مراعياً للترتيب إذا لم ينافِ الموالاة، وإلّا بطل، وهذا أمرٌ زائدٌ على بعض المبدل.

قوله: «وينقضه التمكّن من المبدل». أي من الطهارة التي التيمُّم المذكورُ بدلٌ منها، فلو تمكّن من الوضوء خاصّةً مَن عليه غير غُسل الجنابة من الأغسال انتقض تيمّم الوضوء خاصّة، وكذا الغسل ولو تمكّن منهما انتقضا دون مَن تمكّن من غسل بعض الأعضاء، إذ ليس ذلك مُبدلاً.

ويُشترط في استمرار الحكم بالنقض مع التمكّن كونه بمقدار زمان الطهارة أو اشتباه الحال، أمّا لو وجدَ الماء فشرع في الطهارة فحصل مانعٌ من الإكمال أو حصل المانع قبل الابتداء، كشف عن عدم الانتقاض وإن كان ثابتاً في ظاهر الحال؛ لاستحالة التكليف بعبادة يَقصُرُ وقتُها عنها.

----------------

قوله: «مستوعباً للممسوح خاصّة، والشكّ في أثنائه كالمُبدل». فيُعيد المشكوكش فيه وما بعده مراعياً للترتيب إذا لم ينافِ الموالاة، وإلّا بطلَ.

قوله: «التمكّن من المبدل». أي من الطهارة التي التيمّمُ المذكورُ بدل منها، فلو تمكّن من الوضوء خاصّة مَن عليه غير غُسل الجنابة من الأغسال انتقض تيمّم الوضوء خاصّة، ولو تمكّن منهما انتقضا.

ص: 453


1- تقدّم في ص 450 ذلك في كلام الماتن عند ذكر الواجب الثالث والرابع والخامس من واجبات التيمّم.

ثُمَّ إِنْ كانَ عَنْ الوَضُوءِ فَضَرْبَةٌ، وإِنْ كانَ عَنْ الجَنَابَةِ فَضَرْبَتانُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِها مِنْ الأغْسالِ فَتَيممان، وللميِّتِ ثَلاثَةٌ. وَلا يَجِبُ تَعَدّدُهُ بِتَعَدّدِ الصَّلاةِ،

----------------

قوله: «وإن كان عن الجنابة فضربتان». لا وجه للتخصيص بالجنابة، إذ غيرها من الأغسال كذلك، ولا يغنى عنه.

قوله: «وإن كان عن غيرها من الأغسال فتيمّمان». إذ لا يعلم بذلك كميّة الضرب في التيمّم بدلاً عن الغسل، فالأولى حينئذٍ أن يقول: وإن كان عن الغُسل فضربتان ولغير الجنابة فتيمّمان إلى آخره.

قوله: «وللميّت ثلاثة» لأنّها بدلٌ عن ثلاثة أغسال، ويجب إفراد كلّ واحدٍ بنیّة وقيل: يتخيّر بين إفرادها بها وجمعها(1). وكذا يجب غسل اليدين بعد كلّ مسح؛ لنجاستهما، فلايفيدان غيرهما طهارة، إذ المُطهّر هنا هو المسحُ المنسوبُ إلى التراب وإن كان الواقع المطهّر هو التراب. ويحتمل العدم مع عدم التعدِّي إلى التراب؛ لأنّه المُطَهِّر حقيقةً وإن لم يمسح به. وعلى القول بعدم تعدّي نجاسة الميّت مع اليبوسة، فلا إشكال في عدم وجوب تطهيرهما.

----------------

قوله : «وإن كان عن الجنابة فضربتان». لا وجه للتخصيص بالجنابة؛ إذ غيرها من الأغسال كذلك. والأولى(2) أن يقال : « وإن كان عن الغُسل فضربتان، ولغير الجنابة فتیمّمان».

قوله: «وللميّت ثلاثة». ويجب إفراد كلّ واحدٍ بنيّة، ويجب غَسل اليدين بعد كلّ مسح؛ النجاستهما، فلا يُفيدان غيرهما طهارة. وعلى القول بعدم تعدّي نجاسة الميّت مع اليبوسة، فلا إشكال في عدم وجوب تطهيرهما.

ص: 454


1- قاله المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 294 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- من هنا إلى آخر العبارة: لم يرد في «ض 2».

وَيَنْبَغِي إيقاعُهُ مَعَ ضِيقٍ الوَقْتِ.

----------------

قوله: «وينبغي إيقاعُه مع ضيق الوقت». سواء كان لعذر لا يُرجى زوالهُ أم لا إذ المشهور - بل كاد يكون إجماعاً - وجوبُ مراعاة الضيق مطلقاً، فلا أقلّ من أن يكون أولى. ويحتمل كون الأولويّة على وجه الوجوب، كما رجّحه في الذكرى(1)، كيف وقد ادّعى عليه السيّد المرتضى(2) والشيخ(3) الإجماع، والمنقولُ منه بخبر الواحد حجّة فضلاً عن هذين الإمامين.

----------------

قوله: «مع ضيق الوقت». بل الأقوى(4)، وجوب مراعاة الضيق مُطلقاً، سواء رجا زوال العذر أم لا، وهذا في التيمّم المبتدأ. أمّا المستدام، كما لو دخلَ وقت فريضة وهو مُتيمّم لسابقة، لم يجب عليه التأخير إلى الضيق وكذا لو نذرَ صلاة ركعتين في وقت معيّن فتيمّم لهما، جاز أن يُصلّي اليوميّة مع سعة الوقت بذلك التيمّم.

ص: 455


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 166 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
2- الانتصار، ص 122 ، المسألة 23؛ المسائل الناصريّات، ص 156 - 157، المسألة 51.
3- لم أعثر على ادّعاء الشيخ الإجماع في هذا المقام.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 166 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

المُقدّمةُ الثانِيةُ في إزالة النجاساتِ العَشْرِ عَنْ الثّوبِ وَالبَدَنِ

وهي البَولُ وَالغائِطُ مِنْ غَيْرِ المَأكُولِ إذا كَانَ لَهُ نَفْسُ سَائِلَةٌ، وَالدَمُ مِنْ ذِي النَّفْسِ مُطلَقاً والمَنِيُّ مِنْهُ، وَالمِيتَةُ مِنْهُ مالَمْ يَطهر المُسلم خاصّةً،

-------------------------------------

قوله: «إزالة النجاسات العشر عن الثوب والبدن». التقييد بهما لكون البحث عن مُقدِّمات الصلاة، وإلّا فتجب إزالتها أيضاً عن المساجد والمشاهد والضرائح المقدَّسة، وعن الأواني لاستعمالها، لكن ذلك خارجٌ عن شروط الصلاة.

قوله: «من ذي النفس مُطلقاً». سواءٌ كان مأكول اللحم أم لا.

قوله: «ما لم يطهر المسلم خاصّةً». قيد في نجاسة الميتة مُطلقاً، والأولى قراءة «يطهر» مخفّفاً.

----------------

قوله: «إزالة النجاسات العشر عن الثوب والبدن إنّما قيّد بهما؛ لكون البحث عن مقدّمات الصلاة وإلّا فتجب إزالتها أيضاً عن المساجد والمشاهد والضرائح المقدّسة، وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقّف على تطهيرها.

قوله: «من ذي النفس مُطلقاً». سواء كان مأكول اللحم أم لا.

:قوله «ما لم يطهر المسلم خاصّةً». أراد به من حكم(1) بطهره شرعاً كالمعصوم والشهيد، أو فُعل به ما أوجبَ طهارته كمن غُسّل صحيحاً.

ص: 456


1- في «ض2» احترز به عمّن حُكم.

وَالكَلْبُ وأخَواهُ،

----------------

والمرادُ به : مَنْ حكم بطهره شرعاً، أو يفعل ما به تحصل الطهارة؛ ليندرج فيه الشهيدُ والمعصومُ، فإنّهما طاهران من غير تطهير.

ويندرج على التقديرين مَن غُسّل صحيحاً، ومَن تقدّم غُسله إذا قُتل بالسبب الذي اغتسل له.

ويخرج منهما مَن لم يكمل غُسله مع توقّفهما عليه، ومَن غُسّل فاسداً، ومَن قُتل بغير السبب الذي اغتسل له أو مات، ومن غُسّل اضطراراً، والكافر والبهيمةُ.

ويدخل في المسلم مَن بحكمه كالطفل، والمجنون، ولقيط دار الإسلام، أو دار الكفر وفيها مسلمٌ صالحٌ للاستيلاد ولو أسيراً أو تاجراً أو غيرهما.

قوله: «والكلب وأخواه». هما الخنزير والكافر: وهو من جحدَ الإلهيّة، أو الرسالة، أو ما عُلم من دين الإسلام ضرورةً وإن كان مسلماً، كالناصب: وهو مَن نصب العداوة لأهل البيت علیهم السلام أو لأحدهم قطعاً، أو لزوماً ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم من حيث كونها فضائلهم، والعداوة لمُحبّيهم لأجل محبّتهم. ومنهم الخوارجُ وإن اختصّوا باسمٍ خاصّ لإعلانهم ببغض عليٍّ عليه الصلاة والسلام، وكالغلاة، والمجسِّمة بالحقيقة، وكمنكِر وجوب الصلاة وغيرها من الشرائع الإسلاميّة المعلوم ثبوتها من دين الإسلام ضرورةً وإن كان على ظاهر الإيمان.

----------------

وفي حكم المسلم ولده الصغير، والمجنون، ولقيط دار الإسلام، أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد، والمسبيّ غير المكلّف.

قوله: «والكلب وأخواه»(1). وهما الخنزير، والكافر، وهو مَن جحد الإلهية، أو الرسالة، أو ما عُلم من دين الإسلام ضرورة وإن كان على ظاهر الإسلام كالغلاة والمجسّمة والنواصب ومنهم الخوارج.

ص: 457


1- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2».

وَالمُسْكِرُ وحُكمهُ.

----------------

قوله: «والمسكر». المراد به المائع بالأصالة، فيدخل فيه الخمر وإن كان جامداً، و تخرج الحشيشة ونحوها من الجامدات المُسكرة وإن عرض لها الميعان.

قوله: «وحكمه». وهو ما أُلحق به شرعاً وإن لم يسكر، وهو شيئان:

أحدهما: الفقّاع، وهو المتّخذ من الشعير أو الزبيب إذا حصل له نشيش(1)، وقفزان وما يُطلق عليه اسمه ممّا يوجد في الأسواق مع الجهل بحاله. أمّا لو عُلم انتفاؤه قطعاً. كما لو شوهِدَ ماءُ الزبيب الخالي من الخاصّيتين يوضعُ في إناء طاهر ويُطلق عليه اسمُه لم يحرم بمجرّد هذه التسمية.

والثاني: العصير العنبي إذا غلى بأن صار أعلاه أسفله واشتدّ، وشدّته عند المصنّف مسبّبةٌ عن مجردّ الغليان(2).

ولا فرق في ذلك بين كونه بنفسه أو بالنار أو غيرهما، وغاية النجاسة ذهاب ثُلثيه، أو صيرورته دبساً أو انقلابه خلاً، ولا يلحق به عصير التمر وغيره حتّى الزبيب.

ومتى حُكم بطهره طهرت آلات طبخه وأيدي مَن ناوَلَته وثيابهم، كما يحكم بطهر آنية الخمر وما عولج به بانقلابه خلاً؛ دفعاً للحرج.

----------------

قوله: «والمسكر». المراد به المائع بالأصالة، فيدخل فيه الخمر وإن كان جامداً، وتخرج الحشيشة ونحوها وإن عرض لها الميعان.

قوله: «وحكمه». وهو الفقّاع، والعصير العنبي إذا غلى بأن صار أسفله أعلاه واشتدّ ولا فرق في ذلك بين غليانه بنفسه، أو بالنار، أو غيرهما كالشمس. وغاية النجاسة ذهاب ثلثيه، أو صيرورته دبساً، أو انقلابه خلاً. ومتى حُكم بطهُرهِ طَهرت آلات طبخه وأبدان مزاوليه وثيابهم.

ص: 458


1- النشيش: الغليان. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 56 : تاج العروس، ج 9، ص 207، «نشش».
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 : البيان، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).

بِمَاءٍ طَهُورٍ، أَوْ بِثَلاثِ مَسَحاتٍ فَصاعِداً بِطاهِرٍ في الاسْتِنْجَاءِ غَيْرِ المُتَعدِّي مِنْ الغائِطِ.

----------------

قوله: «بماء طهور» الجارّ يتعلّق بقوله: «إزالة النجاسات»، وإنّما خصّ الطهورَ هنا بعد جَمعه مع الطاهر قيل: لشموله إيّاه وفائدة الجمع قد حصلت فيما سبق.

قوله: «أو بثلاث مسحات فصاعداً بطاهر في الاستنجاء غير المتعدِّي من الغائط».أشار بذلك إلى أحكام الاستنجاء بالاستجمار، حيث إنّ الإخلال بذكره هنا يوهم انحصار المطهِّر في الماء مُطلقاً، فَعَطَفَه ب_ «أو» الدالّة على التخيير، وفي هذه العبارة تنبيهاتٌ ومحترزاتٌ:

أ: اعتبار ثلاث مسحات لا أقلّ وإن نقي المحلّ بدونها، وهو أشهر القولين.

ب: الاكتفاء بما يحصل به مُسمّى المسحات وإن كان خزفاً أو خرقاً ونحوهما، فلا يختصّ بالحجر.

ج: الاكتفاء بالماسح الواحد ذي الجهات كالخرقة الواسعة والحجر ذي الشعب، وهو أشهر القولين، ونفى عنه المصنِّف في الذكرى الريب(1)، ومنعه المحقّق في المعتبر(2)، وهو أجود، ولا بُعد فيه بَعدَ ورود النصّ(3).

----------------

قوله: «أو بثلاث مسحات». في العبارة مسائل:

الأولى: اعتبار ثلاث مسحات لا أقلّ وإن نقى المحلّ بدونها.

الثانية: الاكتفاء بما يحصل به مُسمّى المسحات وإن كان خَزفاً أو خرقاً، فلا يختصّ بالحجر.

الثالثة: الاكتفاء بالماسح الواحد ذي الجهات كالخِرقة الواسعة والحجر ذي الشعب والأجود(4)، عدم الاكتفاء به.

ص: 459


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 126 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)
2- المعتبر، ج 1، ص 131
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 49، ح 144 : الاستبصار، ج 1، ص 55، ح 160.
4- في «ش» والأولى.

وَيَجِبُ عَلى المُتَخَلّي سِتْرُ العَوْرَةِ، وانْحِرافُهُ عَنْ القِبْلَةِ بِها.

----------------

د: وجوب الزائد على الثلاث لو لم يحصل النقاء بها، ولا ينحصر حينئذٍ في عدد.

ه_ : اشتراط طهارة الماسح؛ لأنّ النجس لا يُطهِّر غيره. ولا فرق حينئذٍ بين المستعمل إذا طُهّر أو كان طاهراً كالمكمّل للثلاث إذا حصل النقاء بدونه، وغيره.

و يدخل فيه ما حَرُمَ الاستجمارُ به لحرمته كالمطعوم على خلاف فيه مالم يستلزم استعماله كفراً كورق المصحف وتُربة الحسين علیه السلام المحترمة، إذ لا تتصوّر حينئذٍ الطهارة. ويدخل في العبارة الصقيل غير القالع للنجاسة، والرخو، ونحوهما، فلابدّ من الاحتراز عنها. والضابط على هذا التقدير في الآلة كونُها جسماً طاهراً صلباً ناشفاً، غير صقيل ولا لزج ولا محترم، وباقي مدلولات العبارة واضح.

قوله: «ويجب على المتخلّي سترُ العورة». عن ناظر بشريّ محترم، واحترزَ بالمحترم عن الطفل غير المميِّز والزوجين، ومَنْ ساواهما كالمملوكة غير المزوّجة والمعتدّة.

قوله: «وانحرافه عن القبلة بها» أي انحراف المتخلّي ببدنه وعورته معاً، فلا يكفي أحدهما؛ لقوله علیه السلام: «إذا دخلتَ المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها؛ ولكن شرّقوا أو غرّبوا».

----------------

الرابعة: وجوب الزائد على الثلاث لو لم يحصل النقاء بها، ولا ينحصر حينئذٍ في عددٍ.

الخامسة: اعتبار طهارة الماسح إمّا في الأصل كما لو كان الثلاث نقيّاً، أو بطهارته، وضابط الماسح كونه جسماً طاهراً صلباً، غير صقيل ولا لزج ولا محترم.

قوله: «ويجب على المتخلّي ستر العورة».(1) عن ناظرٍ بشريّ محترم.

قوله: «وانحرافه». الواجب من الانحراف عن القبلة ما يخرج عن القدر الذي تجوز الصلاة إليه اختياراً.

-----------------

ص: 460


1- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2».

وَقَدْ تُطَهِّرُ الأَرْضُ،

----------------

وهذه العبارة على حدّ قولك: ذَهَبْتُ بزيد وانطلقتُ به، فإنّ المراد ذهابهما وانطلاقهما معاً، كما اختاره المبرّد(1) وجماعة من أهل العربيّة(2)، وأنكره ابن هشام في المغني وجعل معنى التعدية بالهمزة والباء واحداً، فكما لا يقتضي قولك: أذهبتُ زيداً، ذهابك معه، لا يقتضيه قولك: ذهبتُ بزيد؛ محتجّاً بقوله تعالى: «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ»(3). فإنّ الذاهب هو النور خاصّة(4)؛ والعبارة وإن كانت محتملة لهما، لكن الدليل الشرعي لا يساعد على الثاني.

وفي العبارة لطيفة، وهي تناولها للنهي عن الاستقبال والاستدبار بأرشق عبارة، فإنّ العورتين متى انحرف بهما عن القبلة لزم منه الانحراف عن الاستدبار، ومتى استدبر القبلة لم يكن منحرفاً بعورته عنها، فإنّ المصنّف لم يخصّ الانحراف بالعورة التي يخرج منها الحدث، فيتناول وجوبُ الانحراف بها عن القبلة وجوب الانحراف عن استدبارها، لكن هذا لا يتمُّ إلّا إذا أُريد انحرافه ببدنه وعورته معاً، وإلّا فلا ملازمة بين الاستقبال بإحدى العورتين والاستدبار بالأُخرى، وهو يؤيّد إرادة ذلك المعنى.

قوله: «وقد تطهِّر الأرض». إنّما عبَّرَ ب_ «قد» للتنبيه على قلة مُطَهِّر هذه الأشياء في جنب مُطَهِّر الماء، فإنّها إنّما تُطهِّر بعضَ النجاسات، فالأرض تُطهِّر النجاسة الموجودة على باطن النعل والقدم إذا زالت عنهما عينُ النجاسة بها وإن لم يكن بالمشي، مع طهارة الأرض وجمودِها.

----------------

قوله: «وقد تُطهِّر الأرض». إنّما تُطهّر الأرضُ النجاسةَ الموجودة على أسفل النَعل والقدم إذا زالت عنهما عين النجاسة بها وإن لم يكن بالمشي مع طهارة الأرض، وفي حكمها الحجر.

ص: 461


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 25، ح 64 : الاستبصار، ج 1، ص 47، ح 130.
2- انظر شرح الكافية، نجم الدين المحقّق الرضي، ج 2، ص 274.
3- البقرة (2): 17
4- مغني اللبيب، ج 2، ص 390

وَالشَّمْسُ،

----------------

ولا فرق في النجاسة بين ذات الجرم وغيرها، ولا بين الجافة والرطبة ولا بين أنواع النعال كالخُفٌ والقبقاب ونحوهما ممّا يصدق عليه اسم النعل أو القدم عُرفاً، ولا يلحق بها جوانبُها التى لا تسترها الأرضُ حال المشي، وإطلاق الأرض يَشمَلُ الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها.

قوله: «والشمس». فإنّها تطهِّر ما تجفّفه من البول وشبهِه من النجاسات التي لا جرم لها عن الحصر والبواري ممّا يُنقل عادة، وعن سائر مالا يُنقل عادة كالبناء والنبات المتّصل والأخشاب والأبواب المثبتة والأوتاد المستدخلة، والفواكه الكائنة على الأشجار وإن بلغت أوان أخذها. كلّ ذلك مع إشراق الشمس عليه، فلا تكفي الحرارة ولا غيرها من ريح وغيره، نعم لا تضرّ مشاركته للشمس.

ويطهر بتجفيفها الظاهر والباطن مع اتّحاد الاسم واتّصال النجاسة، كالأرض التي دخلت فيها النجاسة دون وجهي الحائط إذا لم تخرقه النجاسةُ، ودون الباريتين! المتلاصقتين إذا جفّفت الشمسُ إحداهما بالإشراق والأُخرى بالحرارة؛ لعدم الاتّحاد.

----------------

قوله: «والشمس». ما أشرقت عليه وجفّفته من النجاسة التي لا جرم لها، كالحصر والبواري، ومالا ينقل عادةً من الأرض والنبات والأخشاب والأبواب المثبتة، والأوتاد المستدخلة، والفواكه الكائنة على الأشجار وإن بلغت أوان أخذها، كلّ ذلك مع إشراق الشمس. ولا تكفي الحرارة وغيرها من ريح ونحوه، نعم لا تضرّ مع مشاركة الشمس.

ويطهر بتجفيفها الظاهر والباطن مع اتّحاد الاسم واتّصال النجاسة كالأرض التي دخلت فيها النجاسة، دون وجهي الحائط إذا لم تخرقه النجاسة، ودون الباريتين(1) المتلاصقتين إذا جفّفت الشمس إحداهما بالإشراق والأُخرى بالحرارة؛ لعدم الاتّحاد.

ص: 462


1- البارية : الحصير الخشن المصباح المنير، ص 60، «بري».

والنارُ، وَالاسْتِحالَةُ، وَالانْتِقالُ، وَالانْقِلابُ، والنَّقْصُ،

----------------

قوله «والنار». فإنّها تُطهِّر ما أحالته دُخاناً أو رَماداً، لا خَزَفاً وأجراً على أشهر القولين(1)؛ لعدم خروجهما عن مُسمّى الأرض كما لم يخرج الحجر بتصلّبه عنها وإن كان أقوى تصلّباً منهما، مع تساويهما في العلّة الموجبة لذلك وهي عَمَلُ الحرارة في أرض رطبة، ومن ثمّ جاز السجودُ عليهما بغير خلاف.

قوله: «والاستحالة». كاستحالة النطفةِ والعلقةِ حيواناً، والميتةِ دوداً، والماءِ النجس وشبهه بولاً لحيوان محلّل، والخمرِ خلاً، والدمِ قَيحاً، والعذرَة تراباً لكن لو لاقت الأرضَ رطبةً نجّستها ولم تطهر بطهرها، فلو امتزجت بها حكم بنجاسة الجميع؛ للاشتباه.

وكما قد تكون الاستحالة مُطهرةً قد تكون منجّسةً، كما لو استحال الماء الطاهر بولاً لذي النفس غير المأكول.

قوله: «و الانتقال». كانتقال الكافر إلى الإسلام، وانتقال الدم من ذي النفس إلى باطن ما لا نَفس له كالبعوض والبرغوث.

قوله: «والنقص». فإنّه مُطهّر للعصير العنبي إذا ذهب ثلثاه أو صار دبساً أو خلاً، ونَقصُ البئر بالنزح المعتبر في التطهير. وبطهرهما يطهُر ما يزاول به كالدلو

----------------

قوله: «والنار». ما أحالته دخاناً أو رماداً، لا خَزفاً وآجراً.

قوله: «والاستحالة». كاستحالة النُطفة حيواناً، والميتة دوداً، والماء النجس بولاً لحيوان مُحلّل، والخمر خلّاً، والعذرة تراباً.

قوله: «والانتقال». كانتقال الكافر إلى الإسلام، وانتقال الدم من ذي النفس إلى باطن مالا نَفسَ له.

قوله: «والنقص». فإنّه مُطهّر للعصير العنبي إذا ذهب ثلثاه والبئر إذا نزح منها ما يُعتبر في التطهير.

ص: 463


1- ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 499 المسألة :239؛ والمبسوط، ج 4، ص 680: والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 291؛ والمحقق الكركي في شرح الألفية، ص 303 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

لا الغَيْبَةُ فِي الحَيْوانِ، بَلْ يَكْفِي زَوالُ العَيْنِ في غَيْرِ الآدَمِي مُطلَقاً.

----------------

والرِشا(1) وثياب النازح وحافات البئر، كما تظهر آلات الطبخ والفاعل كما تقدّم(2).

قوله: «لا الغَيبة في الحيوان، بل يكفي زوال العين في غير الآدمي مُطلقاً». معناه أنّ الغَيبة ليست شرطاً في طهارة الحيوان غير الآدمي، بل يكفي في طهارته زوالُ عين النجاسة عنه، سواءٌ غاب أم لا.

وأمّا الآدمي فالمطهِّر للنجاسة عنه إمّا إزالتُها بما يُعتبر في تطهيرها، أو غيبته زماناً يمكن فيه تطهيرها ثمّ لا توجد بَعدُ.

واعتبر المصنّف في الذكرى كونه مكلّفاً(3)؛ ليكون المقتضي لطهارته ظاهراً تَنَزُهَ المسلم عن النجاسة، ويعتبر مع ذلك اعتقاده وجوب إزالتها أو استحبابه، ولو أخبر بالإزالة قُبل مُطلقاً.

ويحتمل أن يريد بقوله: «مُطلقاً» سواء كان الآدمي كبيراً أم صغيراً، بمعنى أنّ الآدمي لا يَطهر بزوال العين وإن كان صغيراً مشاركاً للحيوان في كثير من الأحكام، فيكون حالاً من الآدمي. ويمكن كونه حالاً من زوال العين، بمعنى أنّ الحيوان يكفي فيه زوالُ عين النجاسة مطلقاً، أي سواء كان الزوال في حال غيبته أم حضوره.

----------------

قوله: «لا الغَيبة». معناه أنّ الغَيبة ليست شرطاً في طهارة الحيوان غير الآدمي، بل يكفي في طهارته زوال عين النجاسة عنه، سواء غاب أم لا.

أمّا الآدمي فالمطهّر للنجاسة عنه إمّا تطهيرها، أو غيبته زماناً يمكن فيه تطهيرها ثمّ لا توجد عليه. ويعتبر مع ذلك كونه مكلّفاً، واعتقاد وجوب إزالتها أو استحبابها، ولو أخبر بالإزالة قُبل مُطلقاً، سواء كان مكلّفاً أو لا مع كونه مميّزاً.

ص: 464


1- الرشا: الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 2، ص 226 : مجمع البحرين ج 1، ص 184، «رشا».
2- تقدّم في ص 458
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)

وَيَجِبُ العَصْرُ في غَيْرِ الكَثيرِ، إِلَّا في بَوْلِ الرّضيع خاصةً، والغَسْلتان في غَيْرِهِ،

----------------

قوله: ويجب العصر في غير الكثير». يريد به عصر ما يمكن عصره عادةً كالثياب، لا ما يعسر كالحشايا والجلود بل يكفي فيهما الدق والتغميز. ولا ما ينفصل الماء عنه بدونه كالبدن والخشب والحجر الذي لا مَسامّ(1) له بحيث يقف فيها الماء، فإنّه يكفي صبّ الماء عليه مع انفصاله عنه. ولا ما لا يمكن نزعه عنه كالمائعات والقرطاس، فإنّه لا يطهر بالقليل، وفي تطهير المائعات بالكثير وجهٌ ضعيف.

قوله: «إلّا في بول الرضيع». وهو الذكر الذي لم يغتَذِ بالطعام في الحولين بحيث يغلب الغذاء على اللبن أو يساويه، فإنّه يطهر بصبِّ الماء عليه من غير عصرٍ ولا جریان، ولا تلحق به الرضيعة.

قوله: «والغسلتان في غيره». عطفٌ على العصر، أي تجب الغسلتان في غير بول الرضيع من النجاسات إذا غسلت في القليل، أمّا في الكثير فيسقط فيه العدد كما يسقط العصر.

----------------

قوله: «ويجب العصر». إنّما يجب العصر في ما يمكن عصره كالثياب، لا ما يُعسر كالحشايا، بل يكفي فيها الدقّ والتغميز وكذا ما ينفصل الماء المغسول به عنه بدونه کالبدن والخشب، فإنّه يكفي صبّ الماء عليه انفصاله عنه، وما لا يمكن نزعه عنه بوجه كالمائعات والقرطاس لا يطهر بالقليل.

قوله: «إلّا في بول الرضيع». وهو الذَكر الذي لم يغتذ بالطعام في الحولين بحيث يغلب الغذاء على اللبن أو يساويه، ولا تلحق به الرضيعة.

قوله: «والغسلتان». إذا غسّل بالقليل، وإلّا سقط العدد كما يسقط العصر.

ص: 465


1- مَسامٌ الجسد، ثُقَبُهُ. الصحاح، ج 4، ص 1953: القاموس المحيط ، ج 4، ص 134 : تاج العروس، ج 16، ص 364، «سمم»

والثلاثُ في غَسْلِ المَيِّتِ ِبالسِدْرِ والكافُورِ والقَراحِ

----------------

قوله: «والثلاث في غسل الميّت». إنّما ذَكَرَ غسلَ الميّت هنا وإن كان من قبيل الأغسال الحدثية؛ لأنّ له حظّاً من إزالة النجاسة، فإنّ نجاسته حدثيةٌ من وجه وخبثيّةٌ من وجهٍ آخر فناسب استطراده هنا وطرد أحكامه، كما هي عادته في إدراج الأحكام في هذه الرسالة لمناسبات تخّصها ولا يخفى أنّ ذلك كلّه في إزالة النجاسة الحكميّة الذاتيّة، أمّا العرضية على الميّت فهي كباقي النجاسات، فتدخل في قوله: «والغسلتان في غيره»، وأنّه يجب تقديم إزالتها على إزالة الحكميّة.

قوله: «بالسدر والكافور والقَراح». الباء في قوله: «بالسدر» للمصاحبة، وكذا في الكافور المقدَّر فيه الباء، أي بماء مُصاحب لشيء من السدر. وأقلّه مسمّاه، وأكثره مالا يخرج الماء به عن الإطلاق، ثمّ بشيء من الكافور كذلك.

وأمّا القَراح فلا يستقيم فيه ذلك؛ لأنّ المراد به الماء الخالص من مخالطة أحدهما، وهو نفس الة الغسل فليس معه شيء يُصاحبه. فيمكن كون الباء المقدّرة فيه للاستعانة، كماهو الأصل في الباء الداخلة على آلة الفعل، ككتبتُ بالقلم، ونجوتُ بالقدوم. ويسوّغ ذلك كون الباء فيه في قوّة الملفوظ، فتكون في قوّة المتعددة، فلا يضرّ اختلاف معانيها. أو يُبنى على جواز استعمال المشترك في كلا معنييه، أو يحمل القَراح على أنّه مبتدأ محذوف الخبر، قصد باستئناف جملته الإعراض عمّا قبله؛ العدم المناسبة.

----------------

قوله: «والثلاث في غسل الميّت بالسدر والكافور» أي بماء مُصاحب لشيء من السدر، وأقلّه مسمّاه، وأكثره مالا يخرج الماء به عن الإطلاق، وكذا القول في الكافور.

والقراح هو الماء الخالص من مصاحبة أحدهما لا من كلّ شيء. هذا في النجاسة الحكميّة أمّا العرضيّة عليه فهي كباقي النجاسات، ويجب تقديم إزالتها على إزالة الحكميّة.

ص: 466

مُرَتَّباً كالجَنابَةِ وَتُجْزِئُ نِيَّةٌ واحِدةٌ لَها،

----------------

واعلم أنّ القَراح في اللغة بفتح القاف هو الخالص الذي لا يشوبه شيء(1)، والمراد هنا الخالص من أحد الخليطين، لا من كلّ شيء، فيصحّ تغسيله بالماء الكدر ونحوه مادام إطلاق الاسم عليه باقياً، وإنّما أطلق عليه القَراح ليميِّزُ عن قسيميه، وفي خبر سليمان بن خالد عن الصادق علیه السلام: «اغسله بماء وسدر، ثمّ بماء وكافور، ثمّ بماء»(2)، فجعل بدل القَراح الماء المطلق، فتوهُّمُ خلاف ذلك فاسدٌ.

قوله «مُرتََّباً كالجنابة». أي مَرتّباً بين الأغسال، كما وقع في العبارة بأن يقدّم الغسل بماء السدر، ثمّ بماء الكافور، ثمّ بالقَراح. وقوله: «كالجنابة» إشارةٌ إلى وجوب ترتيب كلِّ غُسل في نفسه بالنسبة إلى الأعضاء الثلاثه، كما يترتّب غسل الجنابة.

قوله: «وتُجزىُ نيةٌ واحدة لها». أي للأغسال الثلاثة بأن ينوي عند أوّل غسل السدر؛ لأنّها في قوّة غسلٍ واحد وإن تعدّد باعتبار كيفيّته. والأجود تعدّد النيات بتعدد الأغسال؛ لتعدّدها اسماً ومعنيً وصورةً.

ثمّ إنّ الغاسل إن اتّحد وجبت عليه النية، ولو اشترك في غسله جماعة، فإن اجتمعوا في الصبّ وجبت على الجميع، ولو كان بعضهم يَصُبُّ والباقي يقلّب وجبت على الصابِّ؛ لأنّه الغاسل حقيقةً، واستقرب المصنِّف في الذكرى إجزاءها من كلِّ واحد(3)، وإن ترتّبوا بأن غسل كلٌّ واحد منهم بعضاً، اعتبرت النيّة من كلّ واحدٍ

----------------

قوله: «وتجزئ نيّة واحدة لها». أي للأغسال الثلاثة، والأجود تعدّد النيّة بتعدّدها. ثمّ إن اتّحد الغاسل وجبت عليه النيّة، ولو اشترك في غسله جماعة: فإن اجتمعوا في الصبّ وجبت على الجميع، ولو كان بعضهم يصبّ والباقي يقلّب وجبت على الصابّ.

ص: 467


1- الصحاح، ج 1، ص 396، «قرح»
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 446، ح 1443
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)

والثَلاتُ بالقَراحَ لَوْ تَعَذَّرَ الخَلِيطُ.

----------------

عند ابتداء فعله مع احتمال الاكتفاء بنيّة الأوّل.

قوله: «والثلاث بالقَراح لو تعذّر الخليط». هذا أصحّ القولين؛ لقوله علیه السلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(1)، ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، وللمصنّف قولٌ بالاجتزاء بغسلٍ واحدٍ(2)، وهو ضعيفٌ.

والمائز بين الغسلات حينئذٍ النيّة، فيجب أن يقصد تغسيله بالقَراح موضع ماء السدر، وكذا في ماء الكافور.

وكما لا تسقط الغسلتان بفوات ما يُطرح فيهما، كذا لا تسقط إحداهما لفقد خليطها، ولا تتغيّر غسلة الخليط عن محلّهما.

ولو انعكس الفرض بأن كان المفقود ماء غسلين مع وجود الخليط، قدّم السدر؛ لوجوب البدأة به، واختار المصنِّف في الذكرى القَراح(3).

ولو وجد الماء لغسلين قدّم الكافور على القراح وعلى ما اختاره المصنّف يُقدّم

السدر على الكافور، واحتمل تقديم الكافور(4).

----------------

قوله: «والثلاث بالقَراح» والمائز بين الغسلات حينئذٍ النيّة، فيقصد تغسيله بالقَراح موضع ماء السدر وكذا الكافور، وكذا لو فقد أحد الخليطين، ولا تتغيّر الغسلة عن محلّها.

ولو انعكس الفرض بأن كان المفقود ماء غسلتين مع وجود الخليط، قدّم السدر؛ ولو وجد الماء لغسلتين قدّم الكافور على القراح.

ويجب طلب الخليط مع عدم الضرر على الميّت وانتفاء المشقّة الكثيرة وأُجرة الطلب من الأصل.

ص: 468


1- عوالي اللآلي. ج 4 ، ص 58. ح 206 ؛ مجمع الزوائد، ج 1، ص 158؛ نصب الراية، ج 3، ص3.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)

والثلاثُ بالتعفيرِ أوّلاً في الولوغِ،

----------------

قوله: «والثلاث بالتعفير أوّلاً في الولوغ». التعفير من العَفَر - بفتح العين والفاء - : وهو التراب. والمراد هنا تَترِيب الإناء، أي دلكه بالتراب أوّلاً، أي قبل الغسل بالماء في الولوغ، فهو لغة: شرب الكلب ممّا في الإناء بلسانه(1).

وهذا النوع من نجاسة الكلب هو محلّ التعفير، دون النجاسة بباقي أعضائه. وفي حكمه لطعه الإناءَ بلسانه؛ لأنّه أقوى في وصول الأجزاء اللعابيّة إليه، والحكم مخصوصٌ بالإناء. واكتفى بالولوغ عن التصريح به؛ لدلالته عليه لغةً كما قلناه، فليس فى تركه إخلالُ كما قيل(2). وإطلاق الغسلات الثلاث هنا مجاز؛ لعدم تسمية المسح بالتراب غسلاً حقيقةً، وهو من باب إطلاق اسم الجزء على الكلّ.

ولا يجب في التراب مزجه بالماء، بل يُجزىٌ الجافُّ والممزوجةُ به مزجاً لا يخرج به عن اسم التراب.

ولا يُجزئ غسله بالماء ثلاثاً وإن كان في الكثير من غير تراب مع إمكانه، ومع فقده قيل: يُجزئٌ مشابهه كالأشنان والدقيق(3). والأولى العدمُ؛ لعدم النصِّ، وبطلان القياس، وعدمِ ثبوت التعليل، فيبقى الإناءُ على النجاسة حتّى يحصل المطهِّر.

وتُشترط طهارة التراب كما تشترط طهارة الماء؛ لأنّه أحدا لمُطهِّرين. ولو تكرّر الولوغ تداخَلَ، وفي الأثناء يستأنف، ولو غَسَله في الكثير كفت المرّة بالماء بعد التعفير.

----------------

قوله: «والثلاث بالتعفير أوّلاً». «التعفير»: ذلك الإناء بالتراب «أوّلاً: أي قبل الغسل بالماء في الولوغ، وهو شرب الكلب من الإناء بلسانه أو لطعه.

وأمّا نجاسة باقي أعضائه فملحقة بغيرها من النجاسات، وتشترط طهارة التراب لا مزجه بالماء، ولو غسله بالكثير كفت المرّة بعد التعفير.

ص: 469


1- الصحاح، ج 3، ص 1329؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 115 : تاج العروس، ج 12، ص 72، «ولغ»
2- قاله المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 308 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- قاله العلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص198

والسَّبْعُ في الخنْزيرِ والخَمْرِ والفأرَةِ، والغُسالةُ كالمَحلِّ قَبلها.

----------------

قوله: «والسبع في الخنزير والخمر والفأرة». أي في ولوغ الخنزير دون باقي نجاساته فإنّها كباقي النجاسات كنجاسة الكلب بغير الولوغ.

و «الفأرةُ» مهموزةٌ، والمرادُ هنا نجاستُها بموتها كما ورد به الخبر(1).

قوله: «والغُسالة كالمحلِّ قبلها». أي حكمها في الطهارة والنجاسة كالمحلّ المغسول قبلها، فإن كان قبل تحقّقها بالانفصال طاهراً، وهو بعد استيفاء العدد المعتبر، فهي طاهرةٌ. وإن كان نجساً، فهي نجسةٌ.

ويجب الغسل منها بقدر ما يجب غُسل المحل المنفصلة عنه قبلها، فإن كانت الأخيرة كفى غسل الملاقي لها مرّة، أو الأولى وجب كمال العدد.

وقيل حكمها كالمحلّ بعدها(2)، فإن كانت من الأخيرة فهي طاهرة، وممّا قبلها فهي نجسة، لكن يجب الغسل منها بعدد ما يغسل المحلّ بعد الفراغ منها.

وقيل :حكمها كالمحلّ قبل الغسل(3)، فيجب لها ما يجب للمحلّ المنفصلة عنه قبل غسله.

وقيل: بعد الغسل(4)، فهي طاهرة مطلقاً.

----------------

قوله: «والسبع في الخنزير». أي في ولوغ الخنزير، دون باقي نجاساته.

قوله: «والفأرة». في نجاستها المستندة إلى الموت لا غيرها.

قوله: «والغُسالة كالمحلّ قبلها». أي حكمها في الطهارة والنجاسة كالمحلّ المغسول قبلها، فإن كان قبل ورودها عليه طاهراً فهي طاهرة، وإن كان نجساً فهي نجسة، ويجب الغسل منها بقدر ما يجب غسل المحل المنفصلة عنه قبلها.

ص: 470


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832
2- قاله الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 179، المسألة 135
3- قاله فخر المحقّقين في ايضاح الفوائد، ج 1، ص 19؛ ونسبه ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 1، ص 119 إلى عدة من الأصحاب
4- قاله السيّد المرتضى في المسائل الناصريّات، ص 72 - 73، المسألة 3؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 180 - 181

وَعُفِي عَمّا لا يَرقاً مِنْ الدَمِ، وَعَمَّا نَقَصَ عَنْ سَعَةِ دِرْهَم بَغْلِي،

----------------

فلو لاقت الغسلة الثانية من الولوغ - وهي أولى المائيّتين - إناء، غُسلَ مرّتين بالماء من غير تعفير على الأوّل، ومرّة على الثاني، ومرّتين بعد التعفير على الثالث، ولا أثر لها على الرابع. ولو كانت الثانية منهما وجب الغسل مرّة على الأوّل، ولا شيء على الثاني والرابع، ووجب الثلاث على الثالثة كلُّ ذلك مع الغسل في القليل.

قوله: «وعُفي عمّا لا يرقأ من الدم». أي مالا ينقطع من دم القروح والجروح، قيل: وهو مبنيٌّ على الغالب من أنّها إذا لم تبرأ يكون دمها سائلاً(1)، وليس بجيد، بل هو جارٍ على ظاهره، ولإيجاب إزالته لو كان له فترة في وقت الصلاة بحيث ينقطع بمقدار أدائها. وعلى التقديرين ففى العبارة تساهلٌ والأولى عموم الرخصة حتّى تبرأ للرواية(2) وإن كان ما ذكره أحوط.

قوله: «وعمّا نقص عن سَعَةِ درهم بغلي» هو بإسكان العين المعجمة، وقيل : بفتح الغين ثمّ تشديد اللام(3). وقُدّر بسعة أخمص الراحة، وهو المنخفض من الكفّ(4)، وبعقد الإبهام

----------------

قوله: «وعُفي عمّا لا يرقأ». أي مالا ينقطع من دم القروح والجروح، فإنّه يُعفى عنه مادام كذلك، وكذا لو انقطع في وقت لا يسع الصلاة، وما ذكره المصنّف أحوط القولين، والأقوى العفو عنها إلى أن تبرأ.

قوله: «سَعة درهم بَغْلي». قُدّر بسعة أخمص الراحة، وهو المنخفض من الكفّ، وبعقد الإيهام العليا، ولو كان الدم متفرّقاً قدّر كذلك مجتمعاً. وتستثنى منه الدماء الثلاثة، ودم الميتة ونجس العين، فلا يعفى عنها مُطلقاً.

ص: 471


1- قاله المفيد في المقنعة، ص 69؛ والشيخ في الخلاف، ج 1، ص 476، المسألة 220 وسلار في المراسم ص 55 : وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 177؛ والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 285
2- الكافي، ج 3، ص 58 باب الثوب يصيبه الدم والمدّة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 258، ح 747 : الاستبصار، ج 1، ص 177، ح 616.
3- المهذّب البارع، ج 1، ص 239 - 240 : مجمع البحرين، ج 5، ص 323، «بغل»
4- قدّره بذلك ابن إدريس عن مشاهدة. السرائر، ج 1، ص 177

وَعَنْ نَجاسَةِ تَوْبِ المُربّيةِ لِلْصَبيّ حَيْثُ لا غَيْرَهُ

----------------

الوسطى، وبعقدها العليا، والكلُّ جائزٌ.

ولو كان الدم متفرّقاً قُدِّر كذلك مجتمعاً، ولا فرق بين الثوب والبدن، ويُضَمُّ في المتفرّق بعضها إلى بعض ويقدّر الجميع. ولو تفشّى الدم في وجهي الثوب فواحدٌ، واشترط المصنِّف في الوحدة رقّةَ الثوب(1)، وإلّا تعدّد هذا في غير المتعدّد حكماً كالثوب ذي البطانة فإنّه في حكم ثوبين.

وإنّما يُعفى عنه من غير الدماء الثلاثة، ودمِ نجس العين كالميتة والكلب وأخويه.

ولو أصابه مائعٌ طاهرٌ، فللمصنّف في بقاء العفو وعدمِه قولان(2)، أجودُهما الأول؛ لأنّ الفرعَ لا يزيد على أصله لكن يشترط أن لا يبلغ المجموع الدرهم.

قوله: «وعن ثوب(3) المربّية للصبيّ حيث لا غيره». وتُلحق به الصبيّة، والولد المتعدّد، والمربّي؛ للمشاركة في العلّة، وهو ثبوت المشقّة، مع احتمال العدم قصراً للرخصة على مورد النصّ(4)؛ والرخصة مقصورةٌ على نجاسته ببول الولد - قيل: أو غائطه(5)، دون غيرهما من النجاسات، بل يجب إزالتها بحسب الإمكان - وعلى الثوب دون البدن.

----------------

قوله: «ثوب المربّية للصبيّ». وتُلحق به الصبيّة والولد المتعدّد، والمُربّي. والرخصة مقصورة على نجاسته ببول الولد قيل: وغائطه دون غيرهما من نجاسته.

ص: 472


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)
2- اختار بقاء العفو في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96؛ وعدم البقاء في البيان، ص 89 - 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12)
3- كذا في النسختين الخطيّتين، وفي نُسخ الألفيّة: نجاسة ثوب
4- الفقيه، ج 1، ص 70، ح 161؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719
5- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 494، ذيل المسألة 131؛ والماتن الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97؛ البيان، ص 90 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12)

وَإِنْ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي اليَومِ وَالليلِ مَرَّةً، وَعَنْ نَجَاسَةِ مَالَا تَتِمُّ الصَّلَاهُ فِيهِ وَحْدَه،

----------------

وخرج بقوله: «حيث لا غيره» ما لو كان لها ثوبان فصاعداً، فإنّ الرخصة تزول أيضاً، إلّا أن تحتاج إلى لبسهما دفعة فكالثوب الواحد.

ولو لم يكن لها إلّا ثوبٌ واحد وأمكنها الشراء أو الاستئجار، فليست بفاقدة على الأظهر.

قوله: «وإن وجب غسلُه في اليوم مرّة». اليوم اسم للّيل والنهار، وينبغي جعلُ الغسل آخر النهار بحيث تُصلّي بعده الظهرين والعشاءين في وقت متُقارب، تخفيفاً للنجاسة بحسب الإمكان، ولو أخلّت بالغسل فجميعُ صلاتها الواقعة بالنجاسة باطلةٌ؛ لعدم الأولويّة وإن كان قد يصحّ بعضها لو فعلته.

قوله: «وعن نجاسة مالا تتمّ الصلاة فيه وحده». وهو الذي لا يستقلّ بستر العورتين، كالتكّة والقلنسوة والخفّ وإن كانت نجاستها مُغلّظة لا إن كانت نفسها نجاسة كجلد الميتة.

ولا فرق بين الملابس وغيرها كالدراهم النجسة، ولا بين كونها في محالّها أو لا، كما نبّه عليه المصنّف في الدروس(1)، لعموم النصّ(2)، وخصّها العلّامة بكونها ملابس في محالّها(3)، ولا ريب أنّه أحوط.

----------------

قوله: «مالا تتمّ الصلاة فيه وحده». وهو الذي لا يستقلّ بستر العورتين، كالقلنسوة والخفّ. ولا فرق بين الملابس وغيرها، ولا بين كونها في محالّها أولا، وإنّما يُعفى عنها لو كانت متنجّسة لا نجاسة كجلد الميتة.

ص: 473


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9)
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 810
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 193 ؛ منتهى المطلب، ج 3، ص 260 : مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 326، المسألة 242

وَعَنْ النَّجاسَةِ مُطلقاً مَعَ تَعَدّرِ الإِزالَةِ.

----------------

قوله: «وعن النجاسة مُطلقاً مع تعذّر الإزالة». فتجوز الصلاة في الثوب النجس بأيّ نوعٍ كان من أنواع النجاسات مع تعذّر تطهيره، وعدم إمكان طاهر غيره يستر العورتين، أو اضطرّ إليه لبردٍ ونحوه. ولا يجب نزعه والصلاة عارياً، خلافاً للأكثر(1)، بل يتخيّر بين الصلاة فيه وعارياً، والصلاة فيه أفضل، إلّا مع الخوف من نزعه فتتعيّن الصلاة فيه. وعلى التقديرين لا تجب إعادة الصلاة؛ لامتثاله المأمور به على ذلك الوجه المقتضي للإجزاء.

----------------

قوله: «مُطلقاً مع تعذّر الإزالة». فيتخيّر مع تعذّر إزالتها عن الثوب والبدن وعدم إمكان غيره بين الصلاة فيه وعارياً، والصلاة فيه أفضل.

ص: 474


1- كالشيخ في النهاية، ص 55 والخلاف، ج 1، ص 474، المسألة 218؛ والمبسوط، ج 1، ص 39؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 186.

المقدّمة الثالثة:[ستر العورة]

سِتْرُ العَوْرَتَيْن للرَجُل، وَسِتْرُ جَميع البَدَن عَدا الوَجْهِ وَالكَفِّينَ وَظَاهر القَدَمَيْنِ لَها وَللخُنْثى،

----------------

قوله: «ستر العورتين للرجل». وهما القبل والدبر والمراد بالقبل: القضيب والأنثيان وبالدبر: المخرج دون الأليتين.

قوله: «وستر جميع البدن عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين لها وللخنثى». ضمير «لها» يعود على المرأة الحرّة وإن لم يسبق لها ذِكرٌ صريحاً، لكن دلّ على إرادة المرأة سبقُ ذكر الرجل، وعلى الحرّة ما سيأتي من حكم الأمة. واستثناء الوجه لما دلّ عليه الإجماع، والمراد به ما يجب غَسله في الوضوء، فيجب ستر الصدغين وغيرهما ممّا لا يجب غسله. والمشهور استثناء الكفّين والقدمين؛ لبدوّهما غالباً، وللأصل، ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما.

وحدّ اليدين الزند والقدمين مفصل الساق. نعم يجب سترُ شيء من حدّ الوجه

----------------

قوله: «ستر العورتين». هما القبل والدبر، والمراد بالقبل: القضيب والأُنثيان، وبالدبر نفس: المخرج دون الأليتين.

قوله: «وستر جميع البدن عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين».

حدّ الوجه ما يجب غسله في الوضوء أصالة، وحدّ اليدين الزند، والقدمين مَفصل الساق، ويجب ستر شيء من حدودها من باب المقدّمة.

قوله: «و للخنثى». المراد بالخنثى: المشكل أمره، وكذا القول حيثما أطلق.

ص: 475

وَالأولى سِتْرُ شَعْرها وَأُذنيها ؛ للرواية ، أما الأمَة المَحْضَة فلا يَجِبُ عَلَيْها سِتْرُ رَأسِها.

----------------

وباقي المستثنيات من باب المقدّمة ؛ لعدم المفصل المحسوس، فيتوقّف الواجبُ عليه.

وألحق الخنثى بالمرأة لتيقّن البراءة، وأصالة البراءة من التكليف بالزائد عن المتيقّن يقتضي إلحاقها بالرجل والمرادُ بالخنثى المشكل أمره، وكذا في كلّ موضع يُطلق الكلام فيه.

قوله : «والأولى ستر شعرها وأُذنيها ؛ للرواية». هي رواية الفُضيل عن الباقر علیه السلام، قال: «صلّت فاطمة علیها السلام وخمارها(1) على رأسها، ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها وأُذنيها»(2)، والتعبير ب_ «الأولى» يقتضي توقّفه في الوجوب، وفي الذكرى قرّب الوجوب(3)، وهو الوجه؛ لأنّ بدنها كلّه عورةٌ إلّا ما أخرجه الدليل الخاصّ.

قوله: «أمّا الأمة المحضة فلا يجب عليها ستر رأسها». أراد ب_ «المحضة» من لم يتحرّر منها شيء وإن تشبّثت بالحرّية فتدخل فيها القنّة والمدبّرة قبل وفاة السيّد والمكاتبة المشروطة، والمطلقة التي لم تؤدِ شيئاً. واحترز بها عمّن تحرّر منها شيء، فإنّها كالحرّة تغليباً؛ لحرمة الحرّيّة. ولو أُعتقت أو بعضها في الأثناء وجب عليها ستره، ولو افتقر إلى فعل كثير استانفت مع سعة الوقت وأتمت لا معها.

والمراد بالرأس: العنق وما فوقه وإن وجب ستر جزء من العنق. ويجب على الأمة سترُ ما عدا الرأس وما استثني للحرّة.

----------------

قوله: «والأولى ستر شعرها». بل الأصح وجوب ستر کلّه.

قوله: «أمّا الأمة المحضة». المراد بالمحضة مَن لم يتحرّر منها شيء وإن قلّ، فإن تحرّر منها شيء لُحقت بالحرّة، والمراد بالرأس: العنق وما فوقه.

ص: 476


1- الخِمارُ: ثوب تُغطّي به المرأة رأسها. المصباح المنير، ص 181، «خمر»
2- الفقيه، ج 1، ص 257، ح 789
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 361 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

وَيُعْتَبَرُ في الساتِرِ أُمورٌ خَمْسَة :

الأوّل: أنْ يَكُونَ طَاهِراً إلا ما استُثْنِي.

الثاني: أنْ لا يَكُونَ جلد مِيتَةً.

----------------

قوله: «أن يكون طاهراً إلّا ما استُثني». وهو أربعة: ما نقص دمه عن سعة الدرهم، وثوب صاحب القروح ونحوها، والمربّية، وما تعذّر تطهيره.

قوله: «أن لا يكون ميتة(1)»(2) إنّما اشترط كونه غير ميتة بعد دخوله في اشتراط الطهارة؛ للتنبيه على انفكاكهما عند بعض الأصحاب، وهو ابن الجنيد، فإنّه طهّر جلد الميتة بالدبغ، لكن منع من الصلاة فيه(3)، فأشار بتخصيصه إلى أنّ عدم جواز الصلاة فيه موضع وفاق وإن طهّره بعضهم.

وذكر بعض الشرّاح أنّه احترز بها عن ميتة السمك فإنّها طاهرة ولا يجوز التستّر بجلدها(4).

وخطأ الشارحُ المحقّق بنقل المصنّف في الذكرى عن المعتبر إجماع الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وإن كانت ميتة(5)، والإجماعُ المنقول بخبر الواحد حجّةٌ. وهذا النقل خطأ صدرَ عن إيهام لفظ الذكرى ذلك، وإنّما الذي نقل في المعتبر فيه

----------------

قوله: «إلّا ما استُثني». وهو أربعة: ما نقص عن سعة الدرهم، وثوب صاحب القروح ونحوها، والمربّية، وما تعذّر تطهيره.

ص: 477


1- كذا في نسخ الحاشتين، وفي نسخ الألفيّة «جلد ميتة».
2- وردت هذه التعليقة بتمامها في الحاشية الصغرى أيضاً.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 342، المسألة 262 كتاب الطهارة.
4- حكاه المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 320 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7) عن بعض من لا تحصیل له
5- شرح الألفيّة، ص 320(ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

الثالث: أنْ لا يَكُونَ جِلْدَ غَيْرِ المَأكُولِ أوْ صُوفَهُ أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبْرَهُ، إِلَّا الخَنَّ الخالص والسنجاب.

----------------

الإجماع ميتة الخزّ لا ميتة السمك(1)، وعبارةُ الذكرى(2) توهم أنّ الكلام على ميتة السمك، لكن كونه بطريق النقل عن المعتبر يوضح الحال. وأمّا ميتة السمك فلم يذكراها في الكتابين أصلاً، ولم نقف على حكمها في غيرهما.

ولو قيل: إنّ العلّة التي ذكرها في المعتبر لجواز الصلاة في مية الخزّ - بعد الإجماع، وهي أنّه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت - مشتركة بينه وبين ميتة السمك، فليس بتامٌ؛ لأنّه ذكرَ ذلك في المعتبر دليلاً على الوبَر من الميتة لا على الجلد، ثمّ ذكر الجلد حاكياً للخلاف فيه فلا يتمّ حكم الوبر من الخزّ مع جلد السمك(3)؛ لأنّ غايته مساواة جلده لجلده، فينساق فيه [الخلاف](4) إن لم يكن قياساً لا دعوىالإجماع.

قوله: «إلّا الخزّ والسِنجاب». فإنّ الصلاة في جلدهما ووَبرِهما جائزةٌ على أشهر القولين في السنجاب.

والخزّ: دويبة ذات أربع، تصاد من الماء لا تعيش بدونه كالسمك، وذكاتها إخراجها منه حيّةً، وتجوز الصلاة في وبره وإن كان ميتةً إجماعاً، كما نقله في المعتبر(5).

----------------

قوله: «إلّا الخزّ والسنجاب». الخَزّ: دويبة ذات قوائم أربع. تصاد من الماء لا تعيش بدونه كالسمك، وذكاتها إخراجها من الماء حيّة، وتجوز الصلاة في وبره وإن كان ميتة. أمّا السنجاب فيُشترط في جواز الصلاة فيه تذكيته.

ص: 478


1- المعتبر، ج 2، ص 84
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6)
3- في نسخ الحاشية الصغرى: فلا يتم حكم جلد الخرّ مع جلد السمك».
4- الزيادة من الحاشية الصغرى.
5- المعتبر، ج 2، ص 84

الرابع: أن لا يَكُونَ مَغْصوباً.

----------------

وفي جلده على أصحّ القولين(1). وإنّما تجوز الصلاة في وَبَره إذا كان خالصاً، وأُحترز بالخالص عن المغشوش بوَبَر الأرانب والثعالب، فإنّ الصلاة فيه باطلةٌ. أمّا المغشوش بالحرير بحيث لا يستهلكه الحرير فجائزٌ، إذ الحرام إنّما هو الحرير المحض.

وأمّا السنجاب فيُشترط في جواز الصلاة في وبره وجلده تذكيتُه؛ لأنّه ذو نفس قطعاً، والدِباغ غير مُطهِّر عندنا، وعلى تقدير حصولها تكره الصلاة فيه، بل قيل بالمنع(2)، قال المصنّف في الذكرى:

وقد اشتهر بين التجار والمسافرين أنّه غير مُذكّى، ولا عبرة بذلك؛ حملاً لتصرّف المسلمين على ما هو الأغلب، نعم لو علم ذلك حَرُمَ استعمالُه(3).

قوله: «أن لا يكون مغصوباً». لا ريب في اشتراط كون الساتر غير مغصوبٍ، لأنّ الستر شرط في الصلاة، والنهي عن التصرّف في المغصوب يقتضي البطلان؛ لرجوع النهي إلى شرط الصلاة، وهو يقتضي الفساد. ومثله مالو قام فوقه أو سجد عليه، لرجوع النهي إلى جزء الصلاة، فتفسد مع العلم بالغصب إجماعاً، سواء علم مع ذلك بحكم المغصوب أم جهله؛ لوجوب التعلّم على الجاهل، ولو نسي الحكم فكذلك.

ولو كان المغصوب غير الساتر كالخاتم ففي صحّة الصلاة وجهان، والأكثر على إلحاقه بالساتر(4) وفي إلحاق ناسي الغصب بالعالم أو الجاهل بالأصل وجهان، وسيأتي تحقيقه في المنافيات.

ص: 479


1- ذهب إليه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 85
2- قاله الشيخ في النهاية، ص 586 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 262؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 94. المسألة 35
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- منهم: الماتن الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) ؛ والعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 477، ذيل المسألة 125؛ والمحقق الكركي في شرح الألفية، ص 96 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

الخامس : أَن لا يَكُونَ حَريراً مَحْضَاً لِلرّجلِ وَالخُنْثى في غَيْرِ الحَرْبِ أوْ الضَرورَةِ،

----------------

قوله «أن لا يكون حريراً محضاً». احترز بالمحض عن الممتزج بغيره ممّا تجوز الصلاة فيه كالقطن والكتّان فإنّه جائز لهما(1)، سواء كان الخليط أقلّ من الحرير أم أكثر، ما لم يستهلكه الحرير بحيث يُطلق عليه اسم الحرير عادةً، نعم لا يضرّ إطلاق اسمه عليه مع تحقّق الخليط المعتبر، ولا فرق في بطلان الصلاة فيه بين كونه ساتراً أم لا وإن كان سياق العبارة في الساتر، وهذا إنّما هو في غير الحرب والضرورة.

أمّا الحرب فلما يحصل به من قوّة القلب وإرهاب العدوّ، وهما مطلوبان شرعاً(2).

وأمّا الضرورة فكدفع البرد والحرّ والقمل.

ويجوز ركوبه وافتراشه والنوم عليه، وغير ذلك ممّا لا يُعدُّ لبساً؛ للرواية(3). وكذا يجوز منه في اللباس مالا يزيد عن أربع أصابع مضمومة، ككفِّ الثوب به، وجعله في رؤوس الأكمام ،والذيل، وما لا تتمُّ الصلاة فيه منفرداً كالتكّة والقلنسوة ونحوهما على كراهيّة، وكذا يجوز للنساء مطلقاً.

----------------

قوله: «أن لا يكون حريراً محضاً للرجل». احترز بالمحض عن الممتزج بغيره ممّا تجوز الصلاة فيه كالقطن والكتّان فإنّه جائز لهما وإن قلّ الخليط ما لم يستهلكه الحرير، وهذا في غير الحرب والضرورة كدفع الحرّ والبرد والقمل.

ص: 480


1- أي للرجل والخُنثى.
2- كما ورد النصّ عليهما في الكافي، ج 6 ، ص 453، باب لبس الحرير والديباج، ح 3 وتهذيب الأحكام، ج 2 ص 208، ح 816؛ والاستبصار، ج 1، ص 386، ح 1466
3- الكافي، ج 1، ص 477 ، باب الفرش ، ح 8 : قرب الإسناد، ص 86 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373 ح 1553

ولا ذَهَبَاً لَهُما. ولا يَجُوزُ في ساتِرِ ظَهْرِ القَدَمِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاقٌ وَإِنْ قَصُرَت.

----------------

قوله: «ولا ذهباً لهما». أي للرجل والخنثى، ولا فرق في ذلك بين الساتر وغيره وإن كان السياق يخصّه، ولا فرق بين المحض والمموّه به وإن قلّ، نعم لو تقادم عهده حتّى اندرس وزال مُسمّاه جاز، كما ذكره المصنّف في الذكرى(1).

قوله: «ولا يجوز في ساتر ظهر القدم، إلّا أن يكون له ساق وإن قصرت». هذا هو المشهور، والمراد بالساق: ما تجاوز مفصل القدم، والمراد بالقاصرة: أقلّ ما يحصل به التجاوز المذكور، فالمنع مشروط بأمرين: ستر ظهر القدم، وعدم الساق. فالخفّ والنعل العربيّة لا إشكال في جواز الصلاة فيهما، بل هي أفضل في النعل، ويحصل الشرطان في الشُمشِك(2) ونحوه، ومستند المنع(3) ضعيف، والأجود الكراهية.

----------------

قوله: «ولا ذهباً لهما». أي للرجل والخنثى، ولا فرق بين الساتر وغيره، ولا بين المحض والمموّه به وإن قلّ.

قوله: «إلّا أن يكون له ساق وإن قصرت». المراد بالساق: ما تجاوز مفصل القدم وبالقاصرة: أقلّ ما يحصل به التجاوز والأجود الجواز على كراهية.

ص: 481


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج6).
2- الشُمشك: المشاية - النعل - البغداديّة. انظر مجمع البحرين،ج 5، ص 277، «شمشك».
3- وهو عدم صلاة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم والأئمة الأطهار علیهم السلام فيه، ولا نَقَلَهُ عنهم ناقل، ولو وقَعُ منهم ذلك لنُقِل.

المقدّمةُ الرابعة: مراعاة الوقت

وهو هنا لِلخَمسِ : فَلِلظهرٍ زَوالُ الشَّمْسِ المَعْلُومُ بِظُهورِ الظَّلَّ فِي جانِبِ المَشْرِقِ،

----------------

قوله: «مراعاة الوقت، وهو هنا لخمس». قيّد بذلك؛ لأنّ موضوع الرسالة أعمّ من بیان وقت الخمس، أعني اليوميّة، وسيأتى فى الخاتمة ما يدلّ على أوقات المفروضة الباقية إن شاء الله تعالى.

قوله: «المعلوم بظهور الظلّ في جانب المشرق». في هذه العبارة جزالة حسنة؛ لشمولها سائر البلاد في سائر الفصول، فإنّ الظلَّ سواء زاد بعد نقصه أم حدث بعد عدمه، فقد ظهر حينئذٍ في جانب المشرق، لكن ذلك لا يتمّ إلّا مع إخراج خطّ نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهندية، أوربع الدائرة، أو الاصطرلاب؛ ليتحقّق خطّ نصف النهار، وهو الخطّ الخارج من الجنوب إلى الشمال الذي إذا وصل ظلّ الشاخص إليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل بعد، فإذا خرج الظلّ عنه إلى جهة المشرق فقد تحقّق زوالها، وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب.

----------------

قوله: «في جانب المشرق». هذا إنّما يتحقّق في ابتدائه مع إخراج خطّ نصف النهار على وجه الأرض وإلّا كانت العلامة بزيادة الظلّ بعد نقصه، أو حدوثه بعد عدمه في بعض البلاد؛ لأنّه حينئذٍ يكون قد ظهر في جانب المشرق.

ص: 482

...............................................................................................

----------------

وأمّا ما ذكره الأصحاب من علمه بزيادة الظلّ بعد نقصه، أو حدوثه بعد عدمه، فلا يتوقّف إلّا على نصب الشاخص كيف اتّفق لكن يتبيّن الزوال بالأوّل قبل الثاني بزمان كثير، فإنّ تحقّق الزيادة بعد انتهاء النقصان لا يظهر إلّا بعد مضيّ نحو ساعة من أوّل الزوال، بخلاف ما لو فرض خطّ نصف النهار على سطح مستوٍ، وهذا أمر تحقّقه التجربة إن لم يستقلّ به الحسّ.

واعلم أنّ الظلّ الباقي للشخص عند الزوال يختلف باختلاف البلاد والفصول، بحسب قرب الشمس من مسامتة رأس الشخص وبعدها عنه، فكلّما كانت الشمس في البروج الجنوبية - وهو فصل الشتاء والخريف - كان الظلّ الموجود أطول ممّا لو كانت في البروج الشمالية كالربيع والصيف في البلاد

المعمورة.

ويتصوّر عدمه أصلاً إذا كانت الشمس على رأس الشخص، وذلك في خطّ الاستواء عند الاعتدالين، وفيما خرج عنه إلى جهة الشمال إذا ساوى عرض البلد مقدار میل الشمس عن دائرة معدّل النهار.

وما ذكره بعض الأصحاب من إطلاق كون ذلك بمكّة وصنعاء في يوم واحد، وهو أطول أيّام السنة(1)، فاسد بغير شكٍّ؛ لأنّ الشمس في ذلك الوقت يكون لها بالبلدين المذكورين ظلّ جنوبي، خصوصاً بصنعاء؛ لنقصان عرضها عن الميل الأعظم.

نعم يتّفق ذلك في البلدين في غير اليوم المذكور ، وهذا الأمر لا يخفى على مَن له دراية في هذا الفنّ.

ص: 483


1- كالماتن الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 12

وَلِلعَصْرِ الفَراغُ مِن الظُّهْرِ وَلَوْ تَقْدِيراً، وللمَغْرِبِ ذهابُ الحُمْرَةِ المشرِقيَّةِ،

----------------

قوله: «و للعصر الفراغ من الظهر». المراد أنّ وقت العصر يدخل متى فرغ من صلاة الظهر تامّة الأفعال والشروط، بحسب الواجب شرعاً من قصر أو تمام. ولو فرض سهوه عن بعض الأفعال فإن كان ممّا يتلافى بعد الصلاة فلابُدَّ من اعتبار وقته، وإلّا لم يجب الصبر بها حتّى يمضي مقدار وقته.

قوله: «ولو تقديراً». أي على تقدير أن لا يُصلّي الظهر في أوّل الوقت، يكون وقتها المختصّ بها ما لو قدّر وقوعها فيه لَوَسِعَها على ما ذكرناه من التفصيل، فإذا مضى هذا المقدار اشترك الوقت بينها وبين العصر، إلّا أنّ هذه قبل هذه.

وإنّما تظهر فائدة الاشتراك والاختصاص فيما لو صلّى العصر قبل الظهر ناسياً ولم يذكر حتّى فرغ منها، فإن وقعت في المشترك أو دخل وهو فيها صحّت، وإن وقعت بأسرها في المختصّ بالظهر بطلت، ولو ذكر في الأثناء عدل إلى الظهر وصحّت على التقديرين، وكذا القول في العشاءين.

قوله: «وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة». المراد ذهاب الحمرة الكائنة في جهة المشرق بأسره إلى أن تتجاوز قمّة الرأس، فإنّ ذلك علامة غيبوبة الشمس عن الأُفق

----------------

قوله: «وللعصر الفراغ من الظهر ولو تقديراً». أي على تقدير أن لا يُصلّي الظهر في أوّل الوقت، يكون وقتها المختصّ بها ما لو قدّر وقوعها فيه لَوَسِعَها، فإذا مضى هذا المقدار من أوّل الوقت اشترك الوقت بينها وبين العصر لا بمعنى جواز إيقاع العصر قبلها مع الذكر، بل تظهر فائدة الاشتراك فيما لو صلّى العصر قبل الظهر ناسياً ولم يذكر حتّى فرغ منها، فإن وقعت في الوقت المشترك أو دخلَ وهو فيها صحّت، وإن وقعت بأسرها في المختصّ بالظهر بطلت. ولو ذكر في الأثناء عدل إلى الظهر وصحّت على التقديرين، وكذا القول في العشاءين. ولو قدّم العشاء على المغرب وذكر في الرابعة قبل الركوع، هدمَ وعدل إلى المغرب وصحّت.

قوله: «وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة». يتحقّق ذهابها بانتفائها من جانب المشرق الذي حدّه في قمّة رأس المصلّى.

ص: 484

ولِلعِشاءِ الفَراغُ مِنْها وَلَو تقديراً وَتَأخِيرُها إلى ذَهَابِ الحُمْرةِ المَغْرِبِيَّةِ أَفْضَلُ،

----------------

المغربي، فإنّه كما يحكم بطلوعها قبل مشاهدتها - بسبب اختلاف البلاد في السهولة والجبال، إذ لا اعتبار بطلوعها في الأُفق - فكذا الاعتبار بمغيبها فيه، أعني تجاوزها عن دائرته الموهومة، وهو غير مرئيّ غالباً.

قوله: «وللعشاء الفراغ منها ولو تقديراً». أي على تقدير أن لا يُصلّي المغرب في أوّل الوقت، وحينئذٍ يأتي فيه جميع ما قلناه في الظهر بتقريب التقدير، ويزيد هنا أنّه لو صلّى العشاء في وقت المغرب تامّة الأفعال ناسياً صحّت؛ لدخول المشترك وهو فيها. نعم لوفرض أنّه نسى بعض الأفعال من العشاء، بحيث تقع الأربع في مقدار وقت(1) ثلاث ركعات بطلت؛ لوقوعها بأسرها في المختص بالمغرب.

قوله: «وتأخيرها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة أفضل». بل قال جماعة من الأصحاب بوجوبه(2).

واعلم أنّ أفضليّة التأخير لا تنافي قصر الرسالة على الواجبات؛ لأنّ تأخيرها لا يخرجها عن أصل الوجوب، ولا عن الوقت الذي هو من أعظم الشروط، بل يؤكده غايته أن يكون هذا الفرد أفضل ممّا قبله. ولا يلزم من كون بعض الفروض أفضل من بعض ندبيّته، ومثله استحباب تأخير العصر إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله زيادة على ما زالت عليه الشمس منه.

----------------

قوله: «وللعشاء الفراغ منها ولو تقديراً». الكلام هنا كما في الظهرين، ويزيد هنا أنّه لو صلّى العشاء في وقت المغرب تامّة الأفعال ناسياً صحّت؛ لدخول المشترك وهو فيها.

ص: 485


1- وقت لم ترد في «غ»
2- منهم المفيد في المقنعة، ص 93؛ والشيخ في النهاية، ص 59 : والمبسوط، ج 1، ص 75 وسلار في المراسم، ص 62

وَلِلصُبْح الفَجْرُ المُعْتَرِضُ.

وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الظُّهْرَينِ إِلى دُخُولِ العِشاءَ ينِ، وَوَقْتُ العِشَاءَ ينِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ،

----------------

قوله: «وللصبح الفجر المُعترِض». أي الذي يخرج في الأُفق مُعترضاً، ويعبّر عنه بالفجر الثاني وبالصادق؛ لأنّه قد صدقك عن الصبح، واحترز به عمّا يخرج قبلهُ مستطيلاً ويُعبّر عنه بالفجر الأوّل والكاذب.

قوله: «ويمتدّ وقت الظهرين إلى دخول العشاءين». هذا على القول باشتراك الفرضين في الوقت من غير اختصاص لأحدهما بشيء منه، كما ذهب إليه الصدوق ظاهراً(1). وأمّا على قول أكثر الأصحاب من الاختصاص(2) الذي منه اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها، فيشكل إطلاق القول بامتداد وقتهما معاً إلى دخول العشاءين. ومثله القول في امتداد العشاء ين إلى نصف الليل؛ لأنّ اشتراك الفرضين يزول إذا بقي من الوقت المحدّد قدر أداء الثانية. وأشكل منه - على ما يظهر من المصنّف في قواعده (3)- من اختصاص الظهر من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات قبل الأربع المختصة بالعصر بغير فصل، إذ يزول امتداد

----------------

قوله: «وللصبح الفجر المعترض». احترز به عمّا يخرج قبله مستطيلاً، ويعبّر عنه بالفجر الأوّل والكاذب.

قوله: «ويمتد وقت الظهرين إلى دخول العشاءين، ووقت العشاءين إلى نصف الليل».

المراد أنّ آخر جزء من الظهرين يمتدّ إلى دخول أوّل جزء من وقت العشاءين، ولكن العصر يختص بمقدار أدائها من آخر وقتها، وكذا القول في العشاءين.

ص: 486


1- المقنع، ص 27؛ الهداية، ص 29
2- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 72؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 137؛ وابن حمزة الطوسي في الوسيلة، ص 82؛ والمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 60 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2،ص33، المسألة 3
3- القواعد والفوائد، ص 44 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).

والصُّبْحِ إِلى طُلوعِها.

----------------

وقتهما معاً على هذا التقدير قبل خروج الوقت المفروض بثمان ركعات.

وكذا يرد الإشكال من وجه آخر، وهو الحكم بامتداد الظهرين إلى دخول العشاءين، فإنّ المقصود امتداد وقتهما إلى المغرب والعشاء لم يدخل وقتها حينئذٍ.

واعتذر المصنّف في حاشيته(1) عن كلّ ذلك بحمله على المعنى المجازي، ونبّه في الإشكال الثاني بأنّ وقت العشاء لمّا كان عند الغروب آئلاً إلى الدخول، أطلق عليه؛ لكونه يؤول إليه(2).

ويمكن الجواب عنهما معاً بأنّ هذا اللفظ - أعني الظهرين والعشاءين - قد صار علماً على الفرضين المعروفين، بحيث صارا بسبب هذا اللفظ الواحد كالشيء الواحد، فإذا دخل وقت الأوّل منهما مع اتّصال وقت الثاني به، فقد دخل الوقت المنسوب إلى مدلول هذا اللفظ وإن كان بعض أفراده لا يقتضي هذا الحكم، فالحكم متعلّق بالمجموع من حيث هو مجموع، لا بكلّ واحد من أفراده، وحينئذٍ فيكون الإطلاق على وجه الحقيقة لا المجاز.

قوله: «والصبح إلى طلوعها». أي طلوع الشمس وإن لم يكن سبقَ لها ذِكرٌ؛ لظهور الأمر وأمن اللبس كما في قوله تعالى: «حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(3) على أحد التفسيرين مع عدم سبق ذكر الشمس في السورة.

----------------

قوله: «والصبح إلى طلوعها». أي طلوع الشمس وإن لم يكن سبقَ لها ذِكرٌ عن قرب؛ لظهور الأمر وأمن اللبس.

ص: 487


1- لم نعثر على حاشية المصنّف.
2- حكاه عنه المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 99 ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- ص (38): 32

المقدِّمة الخامسة: المكان

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْران:

الأوّل: كَوْنُهُ غَيْرَ مَغْصُوبٍ، وَطَهَارَتُهُ.

----------------

قوله: «كونه غير مغصوب». بالنسبة إلى غير المالك وإن كانت الصلاة فيه جائزة لولا الغصب بشاهد الحال على المشهور بين الأصحاب(1)، هذا مع العلم بالغصب - وإن جهلَ الحكم - والاختيار.

أمّا لو جهل الغصب صحّت صلاته؛ لاستحالة تكليف الغافل، وكذا لو كان مُضطراً كالمحبوس فيه ومن يخاف على نفسه التلف بخروجه منه؛ لعموم: «وما استكرهوا عليه»(2)، وفي الناسي خلافٌ يأتي في المنافيات.

ولا فرق بين غصب العين أو المنفعة، كادّعاء الاستئجار كذباً، وإخراج روشن(3)

----------------

قوله: «كونه غير مغصوب». بالنسبة إلى غير المالك وإن حصل هناك شاهد حال، هذا مع العلم بالغصب - وإن جهلَ الحكم - ومع الاختيار.

أمّا لو جهلَ الغصب صحّت صلاته، وكذا لو كان مضطرّاً كالمحبوس.

ولا فرق بين غصب العين أو المنفعة، كادّعاء الاستئجار كذباً، وإخراج روشن أو ساباط في موضع يُمنع منه.

ص: 488


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 84: والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 109؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 399
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 659. ح 2044 ؛ نصب الراية، ج 2، ص 65
3- الروشن: الكُوّة. الصحاح، ج 4، ص 2124؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 229؛ تاج العروس، ج18، ص 23، «رشن»

وَتَجوزُ في النَّجِسِ بِحَيْثُ لا تَتَعَدّى النّجاسَةُ إلى المُصَلِّي أَوْ مَحْموله، إلّا في مَسْجِدِ الجَبْهَةِ فَيُشْتَرطُ مُطلقاً.

----------------

أو ساباط(1) في موضع يمنع منه.

قوله: «بحيث لا تتعدّى النجاسة إلى المصلّي أو محموله». المراد بالمحمول: ما يستقل به وينقله، واحترز به عن الثوب الطويل الموضوع بعضه على الأرض بحيث لا يحصل فيه الوصف، وفي ذلك البعض نجاسة، فإنّ الصلاة فيه صحيحة وإن كان ذلك البعض يتحرّك بحركته؛ لعدم كونه محمولاً. ومثله ما لو كان في وسطه حبل، وطرفه مشدود في نجاسة بحيث لا يكون محمولاً.

ويستثنى من ذلك تعدّي النجاسة إلى ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، فلا يضرّ وإن كانت مغلّظة. ومثله النجاسة المعفوّ عنها، كدون الدرهم من الدم، سواء تعدّى إليه أم إلى محموله.

ويمكن كون اللام في «النجاسة» للعهد الذكري، أي النجاسة المعتبر إزالتها في صحّة الصلاة، فإنّ الكلام قد تقدّم فيها مُفصّلاً.

قوله: «إلّا في مسجد الجبهة فيشترط مُطلقاً». سواء كانت النجاسة(2) متعدّية أم لا،

----------------

قوله: «إلى المصلّي أو محموله». المراد: ما يستقل به وينقله ويُستثنى منه ما لو تعدّت النجاسة إلى مالا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، والنجاسة المعفو عنها وإن تعدّت إلى محموله. ولو أُريد بالنجاسة المعتبر إزالتها في صحّة الصلاة، وهي المعهودة سابقاً، لم يُفتقر إلى التقييد.

قوله: «إلّا في مسجد الجبهة». المراد ب_ «مسجد الجبهة»: القدر المعتبر منه في السجود، فلا تشترط طهارة موضع جميعها.

ص: 489


1- الساباط: سقيفة بين حائطين تحتها طريق الصحاح، ج 2، ص 1129؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 376؛ تاج العروس، ج 1، ص 274 سبط».
2- النجاسة : لم ترد في «غ»

الثاني: كَوْنُ المَسْجِدِ أَرْضَاً، أَوْ نَبَاتَهَا غَيْرِ مَا كُولٍ أَوْ مَلْبُوسٍ عادَةٌ.

----------------

والمراد ب_ «مسجد الجبهة» القدر المعتبر في السجود منه، فلا تشترط طهارة موضع جميعها، بل ما يحصل به مُسمّى السجود أو قدر الدرهم منه على الخلاف، واعتبر بعض الأصحاب طهارة موضع الأعضاء السبعة(1)، والمرتضى (رحمه الله) طهارة جميع موضع المصلّي(2)، والمشهور الأوّل.

قوله: «كون المسجد أرضاً ...» إلى آخره. اللام فيه للعهد، أي مسجد الجبهة.

والمراد بالمأكول والملبوس: فعلاً أو قوّة؛ ليدخل فيه ما يحتاج أكله إلى طبخ ونحوه، ولُبسه إلى غزل ونسج. فلا يجوز السجود على الحنطة والدقيق، ولا على القطن غير المنسوج، سواء غزل أم لا؛ لأنّ ذلك كلّه نوع المأكول والملبوس على المختار عند المصنّف(3)، وفيه أقوال أُخر(4) هذا أجودها.

واعتبار الاعتياد قيد فيهما، فإن كانت عامة فظاهر، ولو اختصت بقوم دون قوم فالأجود عموم المنع، ولا اعتبار بوقوعها نادراً.

----------------

قوله: «غير مأكول أو ملبوس». المراد بالمأكول والملبوس فعلاً أو قوّة؛ ليدخل فيه ما يحتاج أكله إلى طبخ ونحوه، ولُبسه إلى غزل ونسج. فلا يجوز السجود على الحنطة والدقيق، ولا على القطن وإن لم يغزل.

ص: 490


1- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 140 - 141.
2- حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 143 - 144؛ وفخر المحقّقين في ايضاح الفوائد، ج 1، ص 90 والماتن الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 77؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 78 و 79؛ البیان، ص 131 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
4- منها ما قاله السيّد المرتضى في جواب المسائل الموصليات الثانية، ضمن رسائله، ج 1، ص 174، حيث ذهب إلى كراهة السجود على الثوب المنسوج من قطن أو كتان

المقدّمة السادسة: القبلة

وَيُعْتَبَرُ فيها أمران:

الأول: تَوجّهُ المُصلّي إليها إنْ عَلِمَها،

----------------

قوله: «توجّه المصلّي إليها إن علمها» بالمشاهدة أو بمحراب معصوم، فالقادر على أحدهما لا يجوز له الاجتهاد مُطلقاً، وإن لم يقدر على أحدهما عوّل على أماراتها الدالّة عليها. ويجب النظر فيها عيناً ما لم يكن هناك محراب مسجدٍ أو قبور جماعة من المسلمين، فيتخيّر بين التعويل على قبلتهما وبين النظر في الأمارات إن لم يعلم وضعهما على الخطأ.

ثمّ إن نظر في الأمارات فأدّاه اجتهاده إلى مخالفة قبلة المسجد يمنة أو يسرة عوّل على اجتهاده؛ لإمكان الخطأ في الشيء اليسير بالنسبة إلى أكثر الخلق، فإنّ القبلة مع البعد يخفى تحقيقها على أكثر الناس وإن أدّاه إلى جهة أُخرى لم يجز التعويل عليه؛ لبعد هذا الخطأ الفاحش على الخلق الكثير.

والمراد بالاجتهاد هنا: النظر في الأمارات المذكورة وغيرها.

أمّا لو علم خطأها في الجهة لم يجز التعويل عليها كما سبق، لكنّه ليس من الاجتهاد المصطلح عليه هنا.

----------------

قوله: «إن علمها» بالمشاهدة كمن هو في مكّة أو ما قاربها بحيث لا يعسر عليه العلم بالعين عادة، أو بمحراب معصوم.

ص: 491

وإِلَّا عَوّلَ عَلى أماراتِها كَجَعْلِ الجَدي خَلْفَ المنكب الأَيْمَنِ،

----------------

قوله: «وإلّا عوّل على أماراتها». أي وإن لم يعلم عينها بأحد الأمرين عوّل على أماراتها المذكورة أو غيرها، فإنّ ما ذُكر في كتب الفقه قليل من كثير، وفرضه حينئذٍ استقبال الجهة لا العين.

والحاصل أنّ مَن أمكنه مشاهدة الكعبة - كأهل مكّة - يتعيّن عليه استقبالها، بمعنى مسامتة عينها ولو بالصعود إلى سطح ونحوه. وإن لم يقدر على مشاهدتها؛ لبُعدٍ أو حبسٍ أو ضيقٍ وقتٍ، ففرضه استقبال ،جهتها، وهي السمت الذي يجوز كونها فيه؛ لأمارة معتبرة شرعاً والأمارات المذكورة للبعيد تدلّ على السمت المذكور يقيناً، وبعضها على العين ظنّاً.

قوله: «کجعل الجدي خلف الأيمن(1)». أي خلف المنكب الأيمن، والمراد بالمنكب: مجمع عظمي العضد والكتف. والجدي يكبّر، وربما صُغّر؛ ليتميّز عن البرج، وهو نجم مضيءٌ في داخل دائرة بنات النعش الكبرى يقرب من قطب العالم الشمالي، يدور مع الفرقدين حوله كلّ يوم وليلة مرّة واحدة.

وإنّما يكون علامةً إذا كان على دائرة نصف النهار، وذلك عند غاية ارتفاعه أو نهاية انخفاضه. ويُعلم ارتفاعه بكون الفرقدين تحته، وانخفاضه بكونهما فوقه. أمّا لو كان الجدي إلى جهة المشرق والفرقدان إلى المغرب أو بالعكس، لم يكن علامة؛ لخروجه عن دائرة نصف النهار المتّصلة بالقطب الشمالي، وهو نقطة مخصوصة من الفلك بين

----------------

قوله: «وإلّا عوّل على أماراتها». أي إذا لم يقدر على المشاهدة؛ لبعدٍ أو حبسٍ أو ضيقٍ وقتٍ، ففرضه التعويل على الأمارات المفيدة للظنّ بجهتها، وهي السمت الذي يجوز كونها فيه لأمارة شرعيّة.

ص: 492


1- كذا في نسخ الحاشية، وفي نسخ الألفيّة «خلف المنكب الأيمن»

والمَغْرِبِ وَالمَشْرِقِ عَلى اليمينِ واليَسارِ لِلْعِراقي،

----------------

الجدي والفرقدين، يقابلها مثلها من الجنوب منخفضة عن الأُفق بقدر ارتفاع الشمالية عنه، يدور عليهما الفلك.

والمراد بالقطبين: الجزء آن اللذان لا يتحرّكان إذا دارت الكرة على نفسها، فإنّ الكرة إذا دارت دورة كاملة رسمت نقطتها المفروضة عليها دوائر متوازية، إلّا النقطتين اللتين هما قطباها فإنّهما لا يتحرّكان.

وهذه النقط من علامات القبلة للعراقي والشامي كالجدي حال استقامته، لكن لا يمكن إدراكها بحاسة البصر؛ لكونها جزءاً مخصوصاً من الفلك، إلّا أنّ أقرب الكواكب إليها نجم خفي في بنات النعش الصغرى متوسط بين الجدي والفرقدين، يدور حول القطب الحقيقي كلّ يوم وليلة دورة لطيفة لا تكاد تُدرك فمن ثمّ كان علامةً دائماً، ويُسمّى هذا النجم القطب لمجاورته القطب الحقيقي، ويخلفه في العلامة.

قوله : والمغرب والمشرق على اليمين واليسار للعراقي». في تحقيق الجمع بين هذه الأمارة وبين ما قبلها إشكال؛ لأنّه إن أراد بهما مغرب الاعتدال ومشرقه، أعني الخطّ القاطع للخطّ المتصل بنقطة الجنوب والشمال على زوايا قوائم كما هو المشهور، فظاهراً اختلاف الأمارتين؛ لأنّ المصلّي إذا وقف بهذه الصفة كانت قبلته نقطة الجنوب كما لا يخفى، وحينئذٍ فيكون القطب خلف ظهره معتدلاً، وكذا الجدي حال استقامته؛ لأنّ دائرة نصف النهار تمر بقطبي العالم وبنقطتي الجنوب والشمال، فتكون كلّها على سمت واحدٍ.

وإن أراد بهما جزءاً مخصوصاً من المشرق والمغرب غير ما ذكر؛ لتطابق العلامة الأولى، لم تظهر له فائدة إلّا مرتّبا عليها أو مجملاً لا يفيد فائدة.

----------------

قوله: «على اليمين واليسار. إنّما يكون المغرب والمشرق علامة للعراقي - كما مرّ - في أطراف بلاد العراق العربيّة كالموصل، أمّا وسطها كبغداد والمشهدين فيحتاجون إلى انحراف نحو المغرب عن نقطة الجنوب، نحو انحراف الشاميّ عنها نحو المشرق.

ص: 493

وَعَكْسِهِ لِمُقابِلِهِ، وَكَطُلُوعِ سُهَيْلٍ بَيْنَ العَيْنَيْنِ،

----------------

والحقّ أنّ المغرب والمشرق إذا جُعلا على اليمين واليسار كانا من علامات العراقي في الجملة، وأمّا النظر الدقيق فإنّهما في حال الاعتدال علامة لأطراف العراق العربيّة كالموصل والجزيرة وما قاربهما، فإنّ قبلة هذه الجهة نقطة الجنوب تقريباً؛ لتقارب طولها وطول مكّة، ولكن لا تكون العلامة الأُولى مناسبة لها، وإنّما تساوي هذه إذا جعل الجدي بين الكتفين، وهذا هو الحقّ الموافق للقواعد، وقد حكى المصنّف في الذكرى عن بعض علمائنا ما يوافقه، وهو أنّ أهل الجزيرة وسمياط يجعلون الجدي إذا طلع بين الكتفين(1).

وأمّا العلامة الأُولى - أعني جعل الجدي خلف المنكب الأيمن - فيتمّ في بغداد والكوفة وما ناسبهما؛ لكون قبلتهم تميل من خطّ الجنوب إلى المغرب قليلاً، لزيادتها على مكّة طولاً وعرضاً، لكن لا يتمّ لهم التوسط بين مشرق الاعتدال ومغربه، بل يحتاجون إلى انحراف يسير عنهما، وتحقيق الحال يقتضي بسطاً للمقال.

قوله: «وعكسه لمقابله». كأهل عدن وما ناسبها من مقاريب بلاد اليمن.

قوله: «وكطلوع سهيل بين العينين». المراد بطلوعه أوّل بروزه من الأُفق؛ ليكون مائلاً إلى المشرق قليلاً، ويناسب باقي العلامات الشاميّة كجعل الجدي خلف الكتف اليُسرى، فإنّ ذلك يقتضي تشريقاً عن نقطة الجنوب بيّناً؛ لأنّ اعتداله بين الكتفين يوجب استقبال نقطة الجنوب، وكذلك باقي العلامات.

وتوهّم خلاف ذلك، وأنّ المراد غاية ارتفاعه(2)، غلط فاحش بغير شكّ، فإنّ جعله

----------------

قوله: «وكطلوع سهيل بين العينين». المراد بطلوعه: أوّل بروزه على الأرض المعتدلة؛ ليناسب باقي العلامات المعتبرة للشامي، وأمّا غاية ارتفاعه فيكون حينئذٍ على قبلة العراقي.

ص: 494


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 103 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7، والمقصود ب_ (بعض علمائنا) في كلام الماتن هو أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القميّ في كتابه ازاحة العلّة في معرفة القبلة
2- نسبَ المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 57 هذا التوهمّ إلى بعض حواشي الكتاب ؛ ونسبه الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهر الكلام، ج 7، ص 379 إلى الحواشي المنسوبة إلى الشهيد.

وَالجَدي على الكتفِ اليُسْرى، وَغَيبُوبَةِ بناتِ نَعْشِ خَلْفَ الأُذُنِ اليُمْنى لِلْشامي وَعَكْسِهِ لليمني،

----------------

حينئذٍ بين العينين يوجب كون المشرق والمغرب على اليمين واليسار ونقطة الجنوب بين العينين؛ لأنّه حينئذٍ يكون على دائرة نصف النهار، وهذه علامات قبلة العراق لا قبلة الشام، لولا قلّة البصيرة وسوء التوفيق.

قوله: «والجدي على الكتف اليسرى» حال استقامته، وهو غاية ارتفاعه أو انخفاضه كما تقدّم. ويُستفاد من هذه العلامات كون قبلة الشامي(1) بين مشرق الاعتدال ونقطة الجنوب، وميلها إلى نقطة الجنوب أكثر(2). وبالتحرير المستفاد من العلامات المدوّنة في كتب الفقه وغيرها يجب جعل ثلثي ما بين نقطة الجنوب ونقطة المشرق على اليسار، وثلثه على اليمين بالتقريب(3).

قوله: «وغيبوبة بنات نعش ....» إلى آخره. المراد بها: بنات نعش الكبرى، وبغيبوبتها: نهاية انحطاطها المرئي وميلها إلى جانب المغرب.

قوله وعكسه لليمني كصنعاء وما ناسبها لا جميع بلاد اليمن، فإنّ في بعضها انحرافاً يسيراً عن مقابلة الشامي نحو المغرب. ومن ثمة يجعل الشامي الجدي خلف

----------------

قوله: «والجدي على الكتف اليسرى» حال استقامته، وهو غاية ارتفاعه أو انخفاضه كما مرّ.

قوله: «وغيبوبة بنات نعش». المراد بغيبوبتها: غاية انحطاطها نحو المغرب قبل أن تبلغ نهايته، وهو بمقدار نصف انحطاطها تقريباً.

قوله: «وعكسه لليمني». كصنعاء وما والاها، لا جميع بلاد اليمن، فإنّ في بعضها انحرافاً يسيراً عن مقابلة الشامي، ولهذا يجعل الشامي الجدي خلف المنكب الأيسر، ويجعله اليمني بين العينين.

ص: 495


1- في «ك»: الشام.
2- أكثر : لم ترد في «غ»
3- في «ك»: بالتقدير.

وَجَعْلِ المُرَيَّا وَالعَيُّوقِ عَنْ اليَمِينِ وَاليسارِ لِلْمَغْرِبي، وَعَكْسِهِ الْمَشْرِقي.

----------------

منكبه الأيسر واليمني يجعله بين العينين كما ذكره العلّامة(1) وغيره(2) وهو يدلّ على استدبارهم نقطة الجنوب واستقبالهم نقطة الشمال فيكون المشرق والمغرب منهم على اليمين واليسار عكس بعض أهل العراق كما تقدّم، وهذا القسم لأهل عدن ومن والاهم فإنّ قبلتهم نقطة الشمال.

قوله: «وجعل الثريّا والعيّوق على اليمين واليسار للمغربي». فيه لفّ ونشر مُرتّب، أي جعل الثريّا على اليمين والعيّوق على اليسار وقت طلوعها.

والعيّوق: نجم مُضيٌّ يقابل الثريّا إلى جهة الشمال، بُعده عنها كبعدها عن أنجم النظم المشهور بالميزان.

والمراد بالمغربي هنا: أهل النوبة(3) وما ناسبها من بلاد الحبشة، لا مطلق المغرب، فإنّ المغرب المشهور كقرطبة وتونس وقيروان وما والاها قبلتهم نقطة المشرق، وفي بعضها تميل عنها إلى الجنوب يسيراً.

قوله: «وعكسه للمشرقي». العاكس للفريق الأوّل أكثر أهل خراسان، كطوس ونيشابور وسبزوار، فإنّ قبلتهم ما بين نقطة المغرب ونقطة الجنوب، بحيث يميلون

----------------

قوله: «وجعل الثريّا والعيّوق على اليمين واليسار». أي جعل الثريّا وقت طلوعها على اليمين، والعيّوق وقت طلوعه على اليسار والمراد بالمغربي هنا: أهل النوبة وما والاها من بلاد الحبشة، لا مطلق المغربي.

قوله: «وعكسه للمشرقي». وهو الخراساني وما ناسبه، فإنّ قبلته ما بين الجنوب ومغرب الاعتدال قريباً من قبلة العراقي.

ص: 496


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 12، المسألة 140 : نهاية الإحكام، ج 1، ص 395
2- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 59
3- النوبة قرية بصنعاء اليمن القاموس المحيط ، ج 1، ص 140، «نوب»؛ وراجع معجم البلدان، ج 5، ص 356 - 357 الرقم 12167

وَإِنْ فَقَدَ الأَماراتِ قَلّدَ.

----------------

عن التوسط نحو الجنوب يسيراً، كما يقرب هذا القسم في أهل المغرب من التوسّط بين نقطة المشرق ونقطة الشمال.

وذكر كثيرٌ من علمائنا أنّ قبلة خراسان قبلة العراق(1)، وهو تقريبي، خصوصاً مع اعتبار الجهة. والتحقيق احتياجهم إلى زيادة تغريب يسير عن أهل العراق كما بيّنّاه، فتدّبر ما فصلناه لك، فإنّه عزيز الوجود بعيد المرام، لا تطّلع عليه مجموعاً في غير هذا المقام.

قوله: «وإن فقد الأمارات قلّد». المراد بفقد الأمارات: فقد العلم بها، فيدخل فيه الأعمى، والعاميّ الذي لا يتمكّن من التعلّم، فإنّهما يقلّدان على أشهر القولين(2). وكذا العالم بها حيث يتعذّر عليه معرفتها لعارض، كغيمٍ ونحوه، فإنّه بحكم العاجز عنها لفقدها، وهو خيرة العلّامة في المختلف(3) والقواعد(4)، والمصنّف في البيان(5).

واختار المصنّف في الذكرى(6)، والعلّامة في النهاية(7)، وغيرهما(8) صلاته إلى أربع جهات؛ لأنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع الزوال.

----------------

قوله: «وإن فقدَ الأمارات قلّد». كالأعمى والعامّي الذي لا يتمكّن من التعلّم، فيقلّد العدل العارف بالقبلة وأماراتها. ولو أمكن العامّي التعلّم لم يجزئه التقليد، فتبطل صلاته معه وإن أصاب.

ص: 497


1- كالعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 12؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 394؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 53
2- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 79؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 23 ؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 397؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 71
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 88، المسألة 30
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 253
5- البيان، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 109 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
7- نهاية الإحكام، ج 1، ص 398
8- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 302، المسألة 49

الثاني: توجههُ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ إِنْ جَهَلَهَا،

----------------

وفي صلاحيّته للدلالة منع واضح، ولا ريب أنّه أحوط.

وحيث يسوغ التقليد فليقلّد العدل العارف بالقبلة أو بأماراتها، رجلاً كان أم امرأة، حرّاً أم عبداً؛ لأنّه من قبيل الإخبار، فتعتبر فيه المعرفة والعدالة، لا من قبيل الشهادة. واكتفى المصنّف في الذكرى بالمستور مع تعذّر العدل، وتوقف في الفاسق، بل وفي الكافر مع ظنّ صدقهما وتعذّر المستور(1).

ولو وجد مجتهدين أو عارفين بأدلة القبلة المذكورة وغيرها، رجع إلى أعلمهما، إلّا أن يترجّح عنده إصابة المفضول، فإن تساويا تخيّر.

قوله: «توجّهه إلى أربع جهات إن جهلها». أي جهل القبلة بكلّ وجه، وذلك حيث لا يمكنه العلم بها، ولا الاجتهاد ولا وجد مَن يسوغ تقليده.

ويجوز أن يعود ضمير «جهلها إلى الأمارات، ويُراد الجهل بها على وجه يستلزم الجهل بالقبلة، بحيث لا يجد من يقلّده فيها كما قلناه.

ويدخل فيه أيضاً العارف بالأمارات عند تعذّر معرفة الجهة بها؛ لاستتارها عنه بغيم وشبهه، فإنّه بجهله بعينها على وجه يستبعد منه العلم بالجهة، يصدق عليه الجهل بها في الجملة وإن كان عالماً بها من وجه آخر.

ودخول الآخَرَيْنِ في العبارة ظاهر.

وحينئذٍ فإنّه يُصلّي الصلاة الواحدة إلى أربع جهات مع سعة الوقت، سواء في ذلك الأعمى وغيره.

ويشترط في الأربع كونها على خطّين مُستقيمين، وضع أحدهما على الآخر بحيث

----------------

قوله: «أربع جهات إن «جهلها». أي جهل القبلة بكلّ وجه ولو بالتقليد، فإنّه يصلّي كلّ صلاة إلى أربع جهات مع سعة الوقت، وإلا فما أمكن.

ص: 498


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)

وَلَوْ ضَاقَ الوَقْتُ إِلَّا عَنْ جِهَةٍ أَجْزَات.

----------------

يحدث عنهما أربع زوايا قائمة؛ لأنّه المفهوم من الجهات الأربع.

ويحتمل الاجتزاء بما دون ذلك، بحيث لا يحتمل أن يكون بين الجهتين ما يُعدّ قبلة؛ لقلّة الانحراف.

ويضعف بالقطع بعدم إمكان زوال هذا الاحتمال وإن فُرضت الأربع على الوجه الأوّل؛ لأنّ جهة القبلة لا تنحصر في أربع وإن اشتهر في الكتب الفقهيّة البحث عن أربع جهات، كيف وقد فرض في هذه الرسالة ست جهات للقبلة مع خروج كثير من البلاد الإسلاميّة كمصر وغيرها منها.

واعلم أنّ الشارح المحقّق أعاد ضمير «جهلها» إلى «الأمارات»، وجعلَ مِن أفراد هذا القسم الأعمى والعامّي الذي لا يقدر على التعلّم، ثمّ أورد عليه التناقض حيث جوّز لفاقد الأمارات التقليد - مع أنّ الأرجح صلاته إلى الأربع - وأوجب الأربع على الجاهل بالأمارات كالأعمى(1)، مع أن الأشهر جواز تقليده، وكان ينبغي العكس.

وهذا الإيراد مُندفع بما قرّرناه، فإنّ جميع من ذكر من أصحاب الأعذار دخلوا حينئذٍ(2) في العبارة الدالّة على التقليد كما أشرنا إليه، فيجب حمل قوله هنا: «إن جهلها» على جهل القبلة، أو الأمارات المفيدة لها بكلّ وجه بحيث يدخل فيه التقليد؛ ليصير تقدير العبارة: إنّه لو تعذّر جميع ما تقدّم حتّى التقليد صلّى إلى أربع جهات، فيتمّ الكلام ويستقيم الحكمان على أبلغ النظام.

قوله: «ولو ضاق الوقت إلّا عن جهة أجزأت». الضابط أنّه يُكرّر الصلاة بالنسبة إلى

----------------

قوله: «إلّا عن جهة أجزأت». هذا إذا لم يكن التأخير مستنداً إلى تقصيره في الوقت، وإلّا وجب القضاء.

ص: 499


1- شرح الألفيّة، ص 104 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
2- حينئذٍ: لم ترد في غ».

فَهَذِهِ سِتّونَ فَرْضاً مُقَدِّمَةً حَضَراً وَسَفَراً

----------------

الأربع بحسب الإمكان، فإن أمكن الأربع وجبت أو الثلاث أو الاثنتان، فإن تعذّر إلّا واحدة أجزأت إن استمر الاشتباه، أو انكشفت الموافقة، أو الميل اليسير الذي لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، وإلّا وجبت الإعادة.

وهذا إذا لم يكن التأخير بسبب تقصيره في الوقت، وإلّا وجب القضاء إن لم يتيقّن أنّ التي صلّى إليها جهة القبلة بعد ذلك؛ لأنّ الصلاة هنا أربع مرّات بمنزلة أداء الفريضة مرّة في حال الاختيار، فلابُدّ في الحكم بالبراءة من فعل الجميع في الوقت أو ثلاثة وركعة من المرة الرابعة.

ويتفرّع على ذلك ما لو بقي من الوقت مقدار الفريضة الواحدة أربع مرّات وعليه الظهر والعصر مثلاً، فإنّ الأربع تختص بالعصر ويقضي الظهر، كما لو أدرك في الاختيار من الوقت مقدار أربع ركعات.

واعلم أنّ الصلاة إلى أربع مع الاشتباه آتٍ في جميع الصلوات حتّى الجنازة والظاهر أنّ تغسيل الميّت كذلك، أمّا احتضاره ودفنه فلا، وكذا الذبح والتخلّي، نعم يجب الاجتهاد لجميع ذلك كما يجب للصلاة من باب مقدّمة الواجب المطلق.

قوله: «فهذه ستّون فرضاً». أشار بذلك إلى ما سبق ذكره، وهي - كما يقتضيه النظر، والمنقول عن المصنّف في حاشيته - واجبات الطهارات الثلاث ستّة وثلاثون، وإزالة النجاسات عشرة، وفي ستر العورة خمسة، وفي الوقت خمسة، وفي المكان أمران وفي القبلة أمران.

وقد تكلّف الشارح المحقّق في بيانها بمالا يوافق النظر، ولا يساعد عليه النقل،

----------------

قوله: «فهذه ستّون فرضاً». وهي في واجبات الطهارات الثلاثة ستّة وثلاثون، وفي إزالة النجاسات عشرة، وفي ستر العورة خمسة، وفي الوقت خمسة وفي المكان أمران وفي القبلة أمران.

ص: 500

وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا بَدَلَا عَنْ بَعْضٍ كَأَنواعِ الطَهَارَاتِ.

ثُمّ شُمُولُ السَفَرِ لِلْوَقْتِ مُوجِبُ قَصْرِ رُباعِيَّتِهِ.

----------------

وجعل منها تسعة أشياء في المقدّمة(1) ليست بداخلة في فروض الصلاة وإن كان بعضها معدوداً في أصل الواجبات والله أعلم.

قوله: «وإن كان بعضها بدلاً عن بعض. كأنواع الطهارات، فإنّ كون بعض هذه الواجبات بدلاً عن بعض كالتيمّم بالنسبة إلى الوضوء والغسل، لا ينافي كونها فروضاً على الأعيان، فتجب معرفتها؛ للعمل بمقتضاها عند عروض أسبابها، فإذن المجموع فروض على المكلّف في الجملة.

قوله: «ثمّ شمول السفر». إنّما أتى ب_ «ثمّ» المُفيدة للتعقيب المتراخي؛ للتنبيه على عدم ارتباط البحث بما قبله، وإنّما ذُكر هنا استطراداً؛ لمناسبة ما. ومن ثمَّ فصله عن قسيمه في سببيّة القصر وهو الخوف؛ لما وجد من المناسبة بينه وبين الصلاة على حالة مخصوصة اقتضت تغيير الكيفيّة.

و «شمول السفر» أشار بذلك إلى تحقّق السفر الموجب للقصر وشروطه وأحكامه بأوجز عبارة وأجزلها، فمِن جملتها شمول السفر للوقت، أي وجوده، وعمومه في جميع أجزاء وقت الصلاة.

واحترز بذلك عمّا لو سافر بعد دخول الوقت أو انتهى سفره قبل خروجه، أو ابتدأهُ بعد دخوله وانتهى قبل خروجه، فإنّ ذلك كلّه لا يوجب القصر، بل يبقى على أصله على أشهر الأقوال.

----------------

قوله: «ثمّ شمول السفر». أي وجوده في جميع وقت الصلاة، واحترز به عمّا لو سافر بعد دخول الوقت وقد مضى منه مقدار الصلاة وشرائطها المفقودة، أو انتهى سفره وقد بقي منه قدر الشرائط وركعة، فإنّ الصلاة تجب تماماً.

ص: 501


1- شرح الألفية، ص 106 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

فی غَيْرِ الأَرْبَعَةِ

----------------

ويجب تقييد الأوّل بما لو كان سفره بعد مضي مقدار الصلاة وشرائطها المفقودة من الوقت، فلو كان قبل ذلك قصّر قولاً واحداً، وتقييد الثاني بإدراك قدر الشرائط كذلك وركعة وإلّا قصّر أيضاً. ويتحقّق السفر بخفاء الأذان والجدران، وزواله بإدراكهما. وكان عليه أن ينبّه على هذه القيود، ولعلّه تركها لوضوحها وشهرتها.

وأشار بقوله: «موجب» إلى أنّ القصر عزيمة لا رخصة عنده(1)، فلو عدل إلى التمام عامداً عالماً بطلت صلاته، لا إن كان جاهلاً - وإن كان للحكم - ولم يخرج الوقت على أشهر الأقوال، ولو أتمّ ناسياً فأشهر الأقوال الإعادة في الوقت.

وضمير «رباعيّته» يعود إلى السفر والمراد بها ما وجبت فيه، سواء فعلها فيه أم لا. واحترز بها عن الثنائيّة والثلاثيّة فلا قصر فيهما، وعن الرباعيّة الفائتة في الحضر فإنّها لا تقصر وإن قُضيت سفراً.

قوله: «في غير الأربعة». اللام للعهد الذهني وهي مسجد مكّة والمدينة وجامع الكوفة، والحائر: وهو ما دار عليه سور الحضرة المقدّسة الحسينيّة على المشهور.

وهذه الأربعة مُستثناة عند عامة الأصحاب من مواطن السفر، فلا يتحتّم القصر فيها، بل يتخيّر المسافر فيها بين القصر والإتمام ، وليس في العبارة ما يدلّ على زيادة عدم وجوب التقصير فيها.

ولو فات فيها شيء من الرباعيات، ففي بقاء التخيير مطلقاً، أو تَحتَمُّ القصر مُطلقاً،

----------------

قوله: «في غير الأربعة». أي مسجد مكّة والمدينة، وجامع الكوفة، والحائر المقدّس: وهو ما دار عليه سور الحضرة الحسينيّة (على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام)، فإنّ هذه الأربعة لا يتعيّن فيها القصر بل يتخيّر بينه وبين الإتمام.

ص: 502


1- في «غ»: عندنا.

أداءً وَقَضاءً بِقَصْدِ ثَمَانِيَةِ فَراسِخَ،

----------------

أو اختصاص التخيير بقضائها فيها، أوجه، واختار المصنّف الأوّل في البيان(1)، ويمكن استفادة الثالث من العبارة.

قوله: «أداءً وقضاءً». حالان من رباعيّته»، والمراد أنّ رباعيّة السفر تقصر سواء صلّيت فيه أداء أم أُهملت ثمّ قضيت فيه أم في الحضر. ويمكن استفادة ذلك من قوله: «رباعيّته» كما تقدّم بيانه، ولعلّ إعادته لزيادة البيان، وللتصريح بالنصوصيّة وإن كان ما هو فيه من غاية الإيجاز يأباه.

قوله: «بقصد ثمانية فراسخ». الجارُّ متعلّق ب_ «موجب» وأشار بذلك إلى شرطين من شرائط القصر:

أحدهما: ربط القصد بمقصد معلوم، فلا يقصّر الهائم، وطالب الآبق ومستقبل المسافر إذا جوّز الظفر بالحاجة قبل المسافة وإن تمادى في السفر.

والثاني: كون المقصود مسافة ، وهي ثمانية فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ،ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعاً، والإصبع سبع شعيرات متلاصقات البطون عرض الشعيرة سبع شعرات من شعر البرذون.

وقدّر الميل بمدّ البصر في الأرض المستوية، والمسافة بمسير الأثقال يوماً السير المعتدل في الأرض المعتدلة. فلا قصر لمن قصد دونها إلّا قاصد أربعة فراسخ إذا أراد الرجوع ليومه أو ليلته مع اتّصال السفر.

وكان عليه أن يستثنيه، ولا يغني عنه كونه في قوّة قصد المسافة؛ لانتقاضه بقاصد ثلاثة فراسخ في اليوم ثلاث مرّات ونحوه.

----------------

قوله: «بقصد ثمانية فراسخ». وفي حكمها قصد أربعة فراسخ مع قصد الرجوع إلى محلّه في يومه أو ليلته، مع اتّصال السفر.

ص: 503


1- البيان، ص 260 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

وَخَفاءِ الجُدْرانِ والأذانِ وَلَوْ تَقْدِيراً،

----------------

وفي حكم قصد المسافة قصد المتبوع لها بالنسبة إلى التابع، كالزوجة، والمملوك، والولد، والمأخوذ ظلماً إذا عرف مقصد المتبوع وغلب على ظنّه بقاء الصحبة، لا إن جوّز الطلاق والعتق والهرب ونحو ذلك من غير ترجيح، ومبدأ التقدير من منتهى عمارة البلد المتوسّط فما دون، ومنتهى محلّه فيما زاد.

قوله: «وخفاء الجدران والأذان». هذا هو المشهور، بل كاد يكون إجماعاً.

والمراد جدران بلده وأذانه، وأقام اللام مقام المضاف إليه لوضوحه.

والمعتبر صورة الجدار لا شبحه؛ لتوقّف زوال الشبح على قطع أكثر المسافة، وفي الأذان صوته وإن لم يميّز فصوله. ويكفي إدراكهما من آخر البلد ما لم يتّسع بحيث يخرج عن العادة فتتعين محلّته.

ولا عبرة بأعلام البلد كالمنارة والقلاع والقباب ولا بسماع الأذان المفرط في العلو. كما لا عبرة بخفاء الأذان المنخفض، بل يعتبر التوسّط.

والتمثيل بالأذان؛ لأنّه أبلغ الأصوات غالباً، فيقوم الصوت العالي مقامه. والعطف بالواو المقتضي لاجتماعهما في الحكم يدلّ على اعتبار خفائهما معاً، فلا يكفي أحدهما، وهذا هو المشهور بين المتأخرين ويعتبر ذلك في العود أيضاً، فإدراك أحدهما فيه لا يجعله بحكم المقيم.

قوله: «ولو تقديراً». يندرج فيه مالا جدار له من المساكن كمحل البدوي، ومَن لا يسمع الصوت ولا يبصر الجدار؛ إمّا لصممٍ أو عمى أو لعارضٍ كَلَيلٍ وحائلٍ. ومَن ارتفعت بلده أو انخفضت ارتفاعاً وانخفاظاً خارجين عن العادة فيقدّران فيهما لو كانتا معتدلتين، كما يُقدّر فيما سبق ما فُقد من الأُمور المعتبرة.

----------------

قوله: «ولو تقديراً». يدخل في التقدير مالا جدار له من المساكن، ومَن لا يسمع الصوت ولا يبصر الجدار، ومن ارتفعت بلده أو انخفضت فيقدّران لو كانتا في أرض معتدلة، وكذا يقدّر الأذان معتدلاً.

ص: 504

وَعَدَمِ المَعْصِيةِ بهِ، وَانْتِفاءِ الوُصُولِ إِلى بَلَدِهِ أَوْ إِلى مُقامِ عَشَرَةٍ مَنْويّةٍ

----------------

قوله: «وعدم المعصية به». لا فرق بين كون السفر نفسه معصية، كالفارٌ من الزحف، وسفر تارك الجمعة بعد وجوبها. أو غايته معصية، كتابع الجائر ليُعينه على جوره اختياراً، والتاجر في المحرّمات، والساعي بسفره في ضررٍ على مسلم، ونحو ذلك.

واحترز ب_ «المعصية به» عن المعصية فيه كفاعل المحرّمات في سفر جائز، فإنّه لا يؤثّر في عدم الترخّص. وسلوك طريق مخوف على النفس أو المال المجحف بحيث يغلب معه ظنّ التلف، يُلحق السفر بالقسم الأوّل، فلا ترخّص فيه. وكما تمنع المعصية به الترخّص ابتداء، كذلك يمنعه لو طرأت نيتها في أثنائه، فينقطع الترخّص حينئذ، وبالعكس يعود الترخّص مع بلوغ الباقي مسافة.

قوله: «وانتفاء الوصول». عطف على «عدم» لا على «المعصية» لفساد المعنى، والضمير البارز في «بلده» يعود إلى مادلّ عليه حكم السفر، وهو المسافر وإن لم يجرِ له ذكر خاصّ. والمراد ب_ «بلده» ما هو ملك له، أو له فيه ملك قد استوطنه ستّة أشهر في زمان الملك متواليةً أو متفرّقة، مُصلّياً فيها تماماً بنيّة الإقامة.

ولا يشترط في الملك السكنى ولا صلاحيّته لها، فتكفي الشجرة الواحدة. نعم يشترط ملك الرقبة، ودوام الملك، وعدم خروجه عن حدود البلد، وهو منتهى سماع الأذان ورؤية الجدران، فلو خرج عن ملكه أو عن الحدود زال الحكم.

وفي حكم بلده ما اتّخذه للمقام على الدوام ولا ملك له فيه، فيشترط فيه إقامة السنّة كما مرّ، وكذا لو اتّخذ بلداناً كذلك على التناوب.

قوله: «أو إلى مقام عشرة منويّة». المقام - بالفتح والضم - : موضع الإقامة(1).

----------------

قوله: «وعدم المعصية به». احترز ب_ «المعصية به عن المعصية فيه، فإنّ ذلك غير قادح مع كون السفر نفسه طاعة.

ص: 505


1- الصحاح، ج 4، ص 2017 ؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 170، «قوم».

أوْ ثَلاثِينَ مُطلَقاً

----------------

والمراد أنّ مِن جملة الشروط المعتبرة في القصر استمرار القصد، فلو قطعه بنيّته إقامة عشرة أيام في غير بلده أتمّ، وكذا لو علّقها على شرط كلقاء رجلٍ فلقيه، أو علّق السفر على قضاء حاجة لا تنقضي في أقلّ من عشرة.

وتصدق العشرة ولو ملفّقة بما حصل في البلد من يومي الدخول والخروج.

قوله: «أو ثلاثين مُطلقاً». أي من غير نيّة، وفي حواشي المصنّف أنّ الإطلاق بالنسبة إلى النيّة وعدمها(1)، وزيّف بأنّ العشرة مع النيّة كافية، فلا فائدة حينئذٍ للثلاثين.

والحاصل أنّ من شرائط استمرار القصد عدم إقامة المسافر في غير بلده ثلاثين يوماً مردّداً فيها بين الإقامة وعدمها، فيتمّ بعد ذلك كما يتمّ لو نوى إقامة العشرة - إلى أن يخرج من البلد، أو يجزم بالسفر قبل أن يُصلّي فريضته تماماً، أو ما هو بحكمها كنافلة الظهر. ومتى حصل أحد الأمرين افتقر بعده إلى مسافة جديدة إن لم يكن بلغها قبل ذلك، وإلّا كفى الرجوع في القصر.

وهذا الشرط وما عطف عليه مغاير لغيره من الشروط في أنّه شرط لاستمرار القصد لالابتدائه، ونظيره ما يأتي من اشتراط عدم كثرة السفر، وهي شروط للقصر في الجملة وإن غايرت ما قبلها فقد اشتملت العبارة مع وجازتها على الشروط بنوعيها.

واعلم أنّ في انتظام قوله: «وانتفاء الوصول إلى بلده أو إلى مقام...» إلى آخره مع ما عطف عليه من قوله: «أو ثلاثين مُطلقاً» خفاء من حيث إنّ مجرّد الوصول إلى بلده أو إلى بلد سبقت نيّة مقام العشرة على وصوله أو قارنته، كاف في الانتقال من القصر إلى التمام.

----------------

قوله: «أو ثلاثين مُطلقاً». أي من غير نيّة، فمتى حصل ذلك أتمّ إلى أن يخرج ولو فريضة واحدة.

ص: 506


1- حكاه عن الماتن الشهيد المحقّق الكركي في شرحه للألفية، ص 114 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

ما لَمْ يَغْلِبُ السَفَرُ،

----------------

والمعطوف وهو مقام الثلاثين من غير نيّة لابدَّ في الحكم بالتمام فيه من مضيّ الثلاثين كما لا يخفى فلايتم عطفه على «مقام» ولا «بلده»؛ لاستلزامه الاكتفاء بالوصول إلى مقام الثلاثين ولا على قوله «وصول» لفساد التركيب حينئذٍ، إذ لا معنى لانتفاء الثلاثين. ولا يمكن تركيب «مقام» معه؛ لعدم العطف على «عشرة». ويمكن زواله بالتزام عطفه على «عشرة» واستفادة اشتراط مضيّ الثلاثين مع الوصول من إطلاق كلامه، إذ لا يتحقّق مقام الثلاثين غير المنوية إلّا بانقضائها.

والحاصل أنّ الشرط عدم الوصول إلى مقام تتحقق فيه نيّة إقامة العشرة، أو تتحقّق فيه إقامة الثلاثين من غير نيّة. لكن يمكن تحقّق الفرض الأوّل في ابتداء الوصول وفي أثنائه، ولا يتحقّق الثاني إلّا بعد مضيّ المدّة.

وبهذا الوجه يندفع الإشكال عن الأوّل أيضاً؛ فإن نيّة العشرة لا يشترط سبقها على الوصول أو مقارنتها له، بل لو تأخّرت عنه بأيّام كثيرة .كفت. وحينئذٍ يتحقّق البلد المنويّ فيه العشرة، ولا يتحقّق التمام بمجرّد الوصول إليه.

ووجه الاندفاع أنّ الشرط مركّب من: الوصول، وأحد الأمرين: نيّة العشرة، أو مضىّ الثلاثين غير المنويّة، والله الموفّق(1).

قوله: «مالم يغلب السفر». المراد الغلبة المعتبرة شرعاً لا مُطلق الغلبة؛ لصدقها على مَن سافر عشرين يوماً بعد إقامة عشرة. والمرجع في الغلبة إلى العرف، ومن ثمّة أطلق، وإنّما يحصل غالباً في الثالثة.

----------------

قوله: «ما لم يغلب السفر». الضابط في ذلك أن يسافر ثلاث سفرات إلى مسافة، ولا يُقيم عقيبَ واحدةٍ منها عشرة أيّام في بلده مطلقاً، أو في غيرها مع النيّة. ولابدّ من تخلّل حكم الإتمام مرّة بعد الأولى والثانية، فيتمّ في الثالثة، ويبقى كذلك إلى أن يُقيم عشرة، كما ذكر.

ص: 507


1- والله الموفّق: لم ترد في «ك»

إِلَّا أَنْ يُقِيمَ عَشْراً.

----------------

والضابط على هذا التقدير أن يُسافر ثلاث سفرات إلى مسافة، ولا يُقيم عقيبَ واحدةٍ منها عشرة أيّام في بلده مطلقاً أو في غيرها مع النيّة، فيصير كثير السفر في الثالثة، فيخرج فيها مُتمّماً، ويبقى كذلك إلى أن يُقيم عشرة على التفصيل أو ما في حكمها. وقد تتحقّق السفرات الثلاث مع انفصالها شرعاً وإن اتّصلت حسّاً، كناوي المقام في أثناء السفر بعد قطع المسافة عشراً وإن لم يتمّها.

قوله: «إلّا أن يُقيم عشراً». في بلده وإن لم ينوِ الإقامة فيها، أو في غير بلده مع النيّة، فإنّ ذلك يقطع غلبة السفر الموجبة للإتمام إن حصلت الغلبة قبلها، ويمنع صدق اسمها إن حصلت الإقامة قبل الشروع في السفرة الثالثة، إذ لا يشترط في العشرة التوالي، نعم يشترط عدم تخلّل المسافة بينها فيلفّق منها ما تخلله سفر إلى غير مسافة.

وحيث عرفتَ أنّ قطع السفر تكفي فيه نيّة إقامة العشرة في غير البلد وإن لم يتمّها أو الوصول إلى البلد أو مضيّ الثلاثين مع التردّد، وأنّ غلبة السفر لابُدَّ لقطعها من إقامة عشرة كاملة إمّا في البلد أو في غيره مع النيّة كانت إقامة العشرة بعد الثلاثين المتردّد فيها قاطعة لكثرة السفر أيضاً لا مجرّد مضيّ الثلاثين؛ لأنّها في حكم نيّة العشرة لا في حكمها، وهو اختيار المصنّف في الدروس(1).

وما أبدع هذه العبارة الفائقة وأجمعها للمعاني والجلالة، مع جمعها بين الوجازة والجزالة، فلقد أخذت بمجامع أحكام السفر في كلام قليل مختصر.

----------------

قوله: «إلّا أن يُقيم عشراً». في بلده وإن لم ينوها، أو في غير بلده مع النيّة.

ص: 508


1- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9)

الفصل الثاني: في المُقارنات

وهي ثمانيةٌ:

الأُولى: النِيّةُ

وَيَجِبُ فِيها سَبْعَةُ : القَصْدُ إلى التعيين، وَالوُجُوب، وَالأداء، أو القضاء، وَالقُربَةُ، والمُقارَنَةُ لِلْتَحْرِيمَةِ، والاسْتِدامَةُ حُكْماً إلى الفَراغِ.

----------------

قوله: «الفصل الثاني في المقارنات» المراد بها الأفعال والأقوال التي تلتئم منها الحقيقة، وإطلاق المقارنة عليها المقتضي لمغايرتها للصلاة، المقتضية لمغايرة المقارن للمقارن، تكفي فيه المغايرة الحاصلة بين المركّب وجزئه، وجعل النيّة منها؛ لشدّة ما بينها وبين باقي الأفعال من اللصوق والاشتراك في الشرائط السابقة، فكأنّها جزء من الصلاة، وإلّا فهي بالشرط أشبه منها بالجزء؛ لوجود خواصّ الشرط فيها.

قوله: «النيّة، ويجب فيها أُمور سبعة ...» إلى آخره. اعلم أنّ النيّة حقيقة هي القصد(1)، لكن لمّا كان القصد لابُدَّ من تعلّقه بمقصود معيّن كما يقتضيه فعل العاقل، بل مَن له تمييز في الجملة، وكان تعيين المقصود يتوقّف على حضور ذاته وصفاته بالبال كانت المميّزات

----------------

قوله: «ويجب فيها سبعة». أراد بالسبعة التعيّين للفريضة، والوجوب المميّز، والأداء، والوجوب المجعول علّة للفعل، والقربة والمقارنة للتحريمة، والاستدامة الحكميّة.

ص: 509


1- العين ، ج 8، ص 394 : القاموس المحيط، ج 4، ص 400 ؛ تاج العروس، ج 20، ص 266، «نوی».

....................................

----------------

المعتبرة فيه مُعتبرة فى النيّة أيضاً، لا لذاتها، بل لتوقّف القصد على مقصود مشخّص.

فإذا أراد المكلّف صلاة الظهر مثلاً، وجب عليه إحضار ذات الصلاة، وصفاتها من كونها ظُهراً مؤداة أو مقضاة واجبة، ثمّ يقصد فعلها تقرّباً إلى الله تعالى. فهذه القيود المعتبرة في النيّة ليست أجزاءً لها، بل صفات ،معروضها، وهو الفعل المنويّ، ووجوبها فيها لا يدلّ على أزيد من ذلك.

إذا تقرّر هذا فالسبعة المعتبرة في النيّة:

أحدها: القصد إلى تعيين الفريضة كالظهر، وليس القصد وحده واجباً فيها؛ لأنّه نفسها، بل الواجب فيها تعيين المقصود.

وثانيها: القصد إلى الوجوب، والمراد به الوجوب الواقع في النيّة تميّزاً لا غاية، وإنّما اعتبر ذلك ليتميّز الظهر عن المندوب منها كالمعادة.

وثالثها: الأداء؛ ليتميّز عن القضاء، إذ يمكنه قضاء الفريضة في كلّ وقت، إلّا لعارض كضيق وقت المؤدّاة، فلابدّ من القصد إلى أحد الأمرين اللذين يمكن وقوع الفعل عليهما. ولا يقدح هذا العارض نادراً في أصل إمكان الوقوع على الوجهين، فيجب التعرّض إلى الأداء وإن ضاق الوقت.

ورابعها: القضاء؛ ليتميّز به عن الأداء، وإنّما كان هذا واجباً مستقلّاً مع عدم إمكان مجامعته للأداء في نيّة واحدة؛ لأنّ الكلام في نيّة الصلاة المُطلقة الشاملة للأداء والقضاء، ولمّا كانت أفراد الصلاة متعدّدة كانت قيود أفرادها كذلك.

وإنّما عطفه ب_ «أو» مخالفاً لما قبله وبعده من الأُمور المعتبرة فيها؛ للتنبيه على مغايرة بينهما في الجملة، لعدم إمكان الجمع بينه وبين قسيمه في الصلاة المعيّنة.

وهذا القدر من البيان كافٍ في تصحيح العبارة؛ ليتحقّق تمام العدد وإن كان جعل الأداء والقضاء مميّزاً واحداً هو المشهور المألوف، باعتبار تواردهما على الصلاة الواحدة لا جمعهما، ولكلّ وجه بحسب مقامه.

ص: 510

....................................

----------------

وهذا الوجه ذكره بعض الشرّاح على طريق الاحتمال، واحتمل وجوهاً أُخرى غيرَهُ مُتعسّفةً(1)، والشارح المحقّق نصره ونفى احتمال غيره بالكليّة(2).

ويمكن تقرير العدد بوجه آخر لم يذكروه، ولعلّه أقرب إلى الصواب وهو أن يكون الوجوب إشارة إلى أمرين من السبعة:

أحدهما: المميّز، كما تقدّم المدلول عليه بقوله: «فرض».

الثاني: المجعول علّۀ المدلول عليه بقوله: «لوجوبه».

وهذا أنسب لمراد المصنّف؛ لأنّه يختار في كتبه الجمع بين الوجوب المميّز والعلّي(3)، ويدلّ عليه قوله بعد ذكر السبعة: «وصفتها: أُصلّي... إلى آخرها» وذكر الوجوب العلّي، فلولا أنّه معدود منها لزمه المغايرة بين صفة النيّة وما يجب فيها، ولأنّ ضمير «صفتها» يعود إلى النيّة المبحوث عنها التي قد عدّدت واجباتها، فتكون مدلولات ألفاظها واجبة؛ صوناً للكلام عن التهافت. وحينئذٍ يكون الأداء أو القضاء واجباً واحداً على البدل بالنسبة إلى الصلاة الواحدة.

وخامسها: القربة، وهي غاية الفعل المتعبّد به، والمراد بها القرب إلى رضاه أو إلى ثوابه.

وإيثار هذه الصيغة؛ لورودها في الكتاب والسنة كقوله تعالى: «وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ»(4)، وقوله: «ما يزال ابن آدم يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أُحبّه»(5) الحديث.

وسادسها: مقارنة الاستحضار الذهني للتحريمة بحيث لا يتخلّل بينهما زمان، وإنّما

ص: 511


1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة، ص 113
2- شرح الألفيّة، ص 118 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 87 ؛ البيان، ص 148 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
4- التوبة .(9): 99
5- مسند أحمد، ج 6، ص 256: مجمع الزوائد، ج 2، ص 247 ؛ إتحاف السادة المتّقين، ج 9، ص 569.

وَصِفَتُها: أصلّي فَرْضَ الظُّهْرِ أَداءً لِوُجوبِهِ قُرْبَةً إِلى اللهِ.

----------------

ذلك لأنّ النيّة هي القصد إلى الأُمور المذكورة عند أوّل العبادة، وأوّل الصلاة وجب التحريمة. وأوجب المصنِّف في أكثر كتبه مقارنتها لمجموع التحريمة؛ لتوقّف الدخول في الصلاة على تمام التكبير(1). ومن ثمّة لو تمكّن المتيمّم من استعمال الماء قبل تمامه تعیّن عليه استعمالُه بخلاف ما لو وجده بعده، ولا ريب أنّه أحوط. نعم لو تعذّر ذلك كفى استحضارها عند أوّله، كما أنّه لو تعذّر استحضار المقصود مع مميّزاته دفعة كفى مقارنة التكبير للقصد المقارن لما أمكن جمعه منها، وإلّا فللقربة.

وسابعها: استدامتها حُكماً إلى الفراغ من الصلاة، بمعنى أن لا يُحدث نيّة تنافي النيّة الأُولى على المشهور. وإنّما اكتفى بها وإن كان الدليل الدالّ على أصل النيّة دالاً على الاستمرار عليها؛ لامتناع الاستدامة الفعليّة إلى آخر العبادة أو غيرها، فاكتفى بالحكمية دفعاً للحرج.

قوله: «وصفتها». إنّما عبّر عنها بالصفة، وعن التحريمة بالصورة كما سيأتي لوجهَين: أحدهما: أنّ المعتبر في النيّة الحضور القلبي، لا التلفظ بالكلمات، فالمراد بالوصف تحصيل ماهيّتها في الذهن بخلاف التكبيرة، فإنّ المعتبر فيها مادّة اللفظ وصورته لا وصفه المفهم معناه.

الثاني: أنّ مدلولات الألفاظ المذكورة في النيّة لا يجب بينها ترتيب مخصوص بحسب التصوّر، وإن وقع بينها ترتيب في عباراتهم فإنّما هو بحسب التعبير عنها بالألفاظ، إذ من ضرورتها ذلك؛ لعدم إمكان ذكرها جملة. فكان التعبير عن هذا المعنى بالصفة فيها ،أولى، إذ المعتبر فيها مادّة مدلول الألفاظ لا الصورة المخصوصة بخلاف التكبير، فإنّ رعاية المادّة والصورة فيه واجبة إجماعاً فكان ذكر الصورة لها مناسباً للمطلوب، واستلزامها للمادّة اقتضى الاكتفاء بها.

قوله: «أُصلّي فرض الظهر...» إلى آخره. أشار بذلك إلى لفظ يجمع تلك الأُمور

ص: 512


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 181؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 87؛ البيان، ص 148 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12).

وَلَوْ نَوَى القَطعَ في أثناءِ الصَّلاةِ، أَوْ فَعَلَ المُنافِي بَطَلَتْ في قَولٍ.

----------------

المعتبرة في النيّة، والغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلّفين وإن كان اللفظ غير معتبر. فقولُ المكلّف «أُصلّي» إشارةً إلى القصد إلى الفعل المخصوص.

وقوله «فرض الظهر» إشارة إلى الوجوب والتعيين. و «أداءً» إلى الأداء، وهو فعل الشيء في وقته المحدود له شرعاً.

و «لوجوبه» إلى الوجوب المجعول علّة، بناء على ما نقله المصنّف المتكلّمين من أنّه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه(1)، كالأمر والشكر وكونه لُطفاً في التكليف العقلي.

و«قربةً إلى الله» إلى غاية الفعل المتعبّد به وانتصابها على المفعول له، أي للقربة كقوله «لوجوبه».

وكان ينبغي عطفها بالواو؛ لتعدّد الغاية مع اتّحاد المغيّى، ولتوجيه إهمال العطف وجوهٌ لا يليق تحريرها بالمقام.

وتقديم القصد - وهو أصلي، مع أنّ حقّه التأخير؛ لتوقّف القصد على كون المقصود معلوماً - غيرُ ضارّ؛ لأنّ النيّة لما كان المعتبر حضورها مع ماهيته في القلب دفعةً، فلا فرق بين اللفظ المتقدّم منها والمتأخّر، فهو وإن كان متقدّماً لفظاً فهو متأخّر معنىً.

ومنه يُعلم أنّ مادّة هذه الألفاظ وصورتها غير شرط فى النيّة وإن أدّت المراد فلو أنّ مكلفاً أحضر في نفسه صلاة الظهر الواجبة المؤدّاة، ثمّ قصد فعلها تقرّباً إلى الله تعالى ونحو ذلك، كان ناوياً.

والظاهر عدم وجوب الجمع بين الوجوب المميّز والغائي؛ لعدم دليل معتبر على وجوب الثاني، وقول المتكلّمين غير كافٍ في الحكم بالوجوب وإن كان الجمع بينهما أحوط، وذِكرهُ في هذه الرسالة مناسب لمقامها، وعموم النفع بها كما سبق، وسيأتي في مواضع.

قوله: «ولو نوى القطع في أثناء الصلاة، أو فعلَ المنافي بطلت في قول». أمّا الأوّل؛

ص: 513


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).

والواجِبُ القَصدُ، وَلا عِبْرَةَ باللفظ ، بَلْ يُكْرَهُ؛ لأَنَّهُ كَلامٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بَعْدَ الإقامَةِ.

----------------

فلمنافاته الاستدامة الحكميّة. ومثله ما لو تردّد في القطع، أو شكّ فيه هذا إذا لم يكن من خواطر النفس التي يُبتلى بها المُوَسوسون، فإنّ ذلك لا عبرة به ولا فرق في البطلان بنيّة القطع بين نيّته في الحال، أو بعده في أثناء الصلاة.

وأمّا الثاني؛ فلأنّ إرادة أحد الضدّين تنافي إرادة الآخر، وذلك يستلزم قطع الاستدامة الحكميّة أيضاً ولا فرق في المنافي بين المنافي بالذات كالحدث والكلام والاستدبار، والمنافي بالعَرَضِ كالذكر رياءً، فإنّه بحسب الذات من أفعال الصلاة أو مُكملاتها، وإنّما صار منافياً بعروض قصد الرياء وحكايته قولاً هنا يشعر بتوقّفه فيه، وقد اختاره في باقي كتبه(1).

قوله: «والواجب القصد، ولا عبرة باللفظ». لما تقدّم من أنّ النيّة عبارة عن القصد المحض(2)، فلا مدخل للفظ فيه، فيكون كالكلام الأجنبي بعد الإقامة، وهو مكروه كما ورد به النقل(3).

وأشار بذلك إلى الردّ على ما يخطر لأهل الوساوس الشيطانيّة والحماقة النفسانيّة، من توهّم صعوبة استحضار النيّة بدون تجشم المشاقّ القويّة وتكرار الألفاظ المعدّة للنيّة، حتّى صيّر الشيطان بعضهم هُجنة(4) للعقلاء، بَل ضحكة للأغبياء الجهلاء.

وكيف يتوهّم العاقل المختار - الذي يصدر عنه في آناء الليل وأطراف النهار أفعال كثيرة مختلفة المقاصد متباينة الغايات والفوائد، وكلّها لا يوقعها إلّا بعزيمة حازمة ونيّة جازمة - أنّ القصد إلى فعل من الأفعال أو سببٍ من الأسباب يتوقّف على هذا

ص: 514


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 185 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 87؛ البيان، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
2- تقدّم في ص 509.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 55، ح 191 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 301، ح 1112
4- الهجنة في الكلام ما يلزمك منه عيب تقول: لا تفعله فيكون عليك هجنة العين، ج 3، ص 392 : تاج العروس ج 18، ص 582. «هجن»

الثانية: التحريمَةُ

وَيجِبُ فيها أحَدَ عَشَرَ:

الأوّل: التلفظ بها، وَصُورَتُها «الله أكبر»، فَلَوْ أَبْدَلَ الصِيغَةً بَطَلَتْ.

الثاني: عَرَبِيَّتُها فَلَوْ كَبَّرَ بالعَجْمِيةِ اخْتِياراً بَطَلَ.

----------------

التكلّف والاضطراب، وإنّما النيّة أمر مركوز في جبلّة العقلاء، بل كثير من المجانين الأغبياء لا يفعلون فعلاً إلّا تبعاً لقصودهم الخاصّة، وليست النيّة إلّا ذلك مع اعتبار مقارنتها لأوّل العبادة، وذلك لا يوجب هذه الزيادة، بل لو أراد المكلّف أن يفعل فعلاً من غير نيّة لم يكد يقدر عليه إلّا بتقدير ذهول ونحوه، ومن هنا قال بعض الأفاضل: لو كلّف الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نيّة كان تكليف ما لا يطاق، وما هذا فرضه فلا حاجة إلى التعب في تحصيله.

قوله: «التحريمة». سُمّيت التكبيرة بذلك لتحريمها ما كان فعله جائزاً قبلها، كالكلام وغيره من المنافيات.

قوله: «فلو أبدل الصيغة بطلت». اللام للعهد الذكري أي الصيغة المذكورة، وهي الله أكبر. ويتحقّق إبدالها بتغيّرها مادّةً وصورةً، فيشمل إبدال أحد اللفظين بغيره وإن دلّ على معناه، وإبدالهما معاً وتغيّر الترتيب فإنّه موجب لإبدال صورتها.

وضمير «بَطَلَت» يعود إلى الصيغة لا إلى الصلاة؛ لعدم انعقادها بعدُ بعدها، ثمّ إن أتى بغيرها مع بقاء الاستحضار الفعلي للنيّة صحّت، وإلّا فلا.

قوله: «فلو كبّر بالعجميّة اختياراً بطل». المراد بالعجميّة غير العربي، واحترز بالاختيار

----------------

قوله: «وصورتها الله أكبر» إنّما عبر هنا بالصورة، وفي النيّة بالصفة؛ للتنبيه على أنّ الواجب في التكبير مادّة اللفظ وصورته لا وصفه المفهم لمعناه. وفي النيّة الحضور القلبي لا التلفّظ بالكلمات المخصوصة، بل يكفي إحضار مدلولاتها في القلب بأيّ ترتيب اتّفق.

قوله: «فلو كبّر بالعجميّة». المراد بالعجميّة غير العربيّة واحترز بالاختيار عن المضطرّ. وهو الذي لا يَعرف التكبير بالعربي وقد ضاق الوقت عن التعلّم، فإنّه يكبّر بلغته، فإن تعدّدت تخيّر.

ص: 515

الثالث: المُوالاة، فَلَوْ فَصَلَ بِما يُعَدُّ فَصْلاً بَطَلَ.

الرابع مُقارنتها للنيّة، فَلَوْ فَصَلَ بَطَلَ .

الخامس والسادس: عَدَمُ المَدِّ بَيْنَ الحُروفِ، فَلَوْ مَدَّ هَمْزَةَ «الله» بِحيثُ يَصيرُ اسْتِفها ما بَطَلَ ، وَكَذا لَوْ مَدَّ «أكبر» بحيثُ يَصِيرُ جَمْعاً.

----------------

عن المضطرّ، لضيق الوقت بحيث لا يمكنه التعلّم فإنّه يكبّر بلغته، فإن تعدّدت تخيّر والأفضل تقديم السريانيّة والعبرانيّة على غيرهما؛ خروجاً من خلاف القائل بوجوب تقديمها(1).

قوله: «فلو فصل بما يُعدّ فصلاً بطل». الفصل لغة: القطع والمراد هنا قطع إحدى الكلمتين عن الأُخرى، سواء كان بسكوت أم كلام وإن كان له تعلّق بهما كقوله: الله تعالى أو الجليل أكبر، ونحوه. وأشار بقوله «بما يعدّ» إلى أنّ المرجع في ذلك إلى المتعارف، والوجه في ذلك كلّه مخالفة الصيغة المتلقّاة من صاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم.

قوله: «مقارنتها للنيّة». قد تقدّم وجوب مقارنة النيّة لها(2)، وهو يستلزم وجوب مقارنتها للنيّة، فكان يستغنى به عنه. لكنّه لمّا كان بصدد تعداد الواجب أعاده، فإنّ الوجوب حاصل لهما معاً وإن تلازما.

قوله «عدم المدّ بين الحروف». هذا كالعامّ المخصوص بالمدّين المذكورين، فإنّ مدّ الألف المتخلّل بين اللام والهاء لا يجب تركه، بَل غاية فعله أن يكون مكروهاً.

----------------

قوله: «عدم المدّ بين الحروف». إنّما يجب ترك المدّين المذكورين لا مطلق المدّ، فإنّ المدّ المتخلّل بين اللام والهاء من «الله» لا يجب تركه.

قوله: «بحيث يصير جمعاً». فإنّ «أكبار » جمع «كَبَر»، وهو الطبل الذي له وجه واحد.

ص: 516


1- لم أعثر على القائل، وفي جواهر الکلام، ج 9، ص 210: ربما حكي عن بعض الوجوب؛ وفي الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر لا بن فهد الحلّي، ص 74 والأفضل تقديم السريانيّة والعبرانيّة ثمّ الفارسيّة
2- تقدّم في ص 509 في واجبات النيّة

السابع : تَرْتِيبُها فَلَوْ عَكَسَ بَطَلَ.

----------------

والمراد ب_ «مدّ همزة الله بحيث يصير استفهاماً» صورة الاستفهام إن لم يقصده، وحقيقته إن قصده ولا ريب في بطلان الصلاة مع القصد، أمّا مع عدمه ففيه وجهان:

البطلان؛ لخروجه عن صيغة الإخبار، واختاره المصنّف في الذكرى(1)، وهو الظاهر من إطلاقه هنا.

وعدمه؛ لأنّ ذلك كإشباع الحركة.

والمراد بصيرورته مع المدّ بصورة الاستفهام أنّ همزة الاستفهام إذ اتّصلت بهمزة الاسم ثمّ قُلبت الثانية ألفاً صارت الأُولى همزة ممدودة.

وكذا يبطل لو أشبع فتحة الباء، بحيث يخرج «أكبر» عن وزن «أفعل» ويصير جمعاً لكَبَر - بفتح الكاف والباء، وهو الطبل له وجه واحد (2)- مع قصده، ومع عدمه الوجهان. وإن كان الإشباع فيهما يسيراً، بحيث لا تتولّد منه ألف، لم يضرّ وإن كان مكروهاً.

قوله: «ترتيبها، فلو عکس بطل». الضمير المؤنّث يعود إلى التحريمة، والمذكّر في «بَطَلَ» إلى التكبير، ويسوّغ ذلك كون الشيء الواحد له لفظانِ مختلفانِ في التذكير والتأنيث، فإنّه يجوز إعادة ضميره إلى أحدهما بتأويل الآخر، كما نقل: فلان أتاه كتابي فاحتقرها، بتأويل الرسالة أو (3)الصحيفة. وقد تقدّم أن مراعاة صورة الصيغة مُغنٍ عن ذکر مراعاة الترتيب(4)، فإنّ تغيّر الترتيب تبديل للجزء الصوري؛ لكن اشتمال الأوّل على أفراد متعدّدة وخفاء هذا الفرد يسوّغ إفراده وجعله واجباً برأسه، فإنّه يقبل التفكيك إلى واجبات كثيرة.

ص: 517


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 191) (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تاج العروس، ج 7، ص 432 : المصباح المنير، ص 209
3- الرسالة أو: لم ترد في «غ»
4- تقدّم في ص 515 عند قوله: فلو أبدل الصيغة بطلت

الثامن: إِسْمَاعُ نَفْسِهِ تَحْقِيقاً أَوْ تَقْدِيراً.

التاسع: إخْراجُ حُروفِها مِنْ مَخارِجِها كَبَاقِي الأَذْكَارِ.

العاشر والحادي عشر : قَطْعُ الهَمَزَةِ مِنْ «الله» وَ مِنْ «أكبر» فَلَوْ وَصَلَهُما بَطَلَ.

----------------

قوله: «تحقيقاً أو تقديراً». عند خلوّ السمع عن المانع من صممٍ وصوت حائل ونحوه، والتقدير عند وجود المانع منه.

قوله: «كباقي الأذكار». أي كما أنّ باقي الأذكار كذلك يجب إخراج حروفها من مخارجها الخاصّة وفائدة التشبيه بها - مع عدم سبق ذكرها- المبالغة في وجوب ذلك لها وإدراجها في الحكم؛ ليستغني عن ذكرها مرّة أُخرى، وهو من محاسن(1) العبارات.

قوله: «قطع الهمزة من «ألله» ومن «أكبر». أمّا قطع الهمزة من «أكبر» فظاهر؛ لأنّها همزة قطع إجماعاً.

وأمّا همزة «الله» فقيل: هي همزة قطع أيضاً(2)؛ لأنّها جزء من الاسم الشريف وليست للتعريف ولا إشكال حينئذٍ. وأمّا على القول المشهور من كونها همزة وصل؛

----------------

قوله: «تحقيقاً». عند خلوّ السمع من المانع من صممٍ وصوتٍ ونحوهما.

قوله: «أو تقديراً». عند وجود المانع من السمع.

قوله: «كباقي الأذكار». أي كما أنّ باقي الأذكار كذلك يجب إخراج حروفها من مخارجها، وفائدة التشبيه بها مع عدم سبق ذكرها - إدراجها في الحكم ؛ ليستغني عن ذكرها مرّة أخرى.

قوله: «قطع الهمزة من «الله» ومن «أكبر». قطع الهمزة: بيانه وإظهاره، ووجه وجوب قطع همزة «أكبر» ظاهر، لأنّها همزة قطع.

وأمّا همزة «ألله» فإنّها وإن كانت همزة وصل إلّا أنّه لا كلام يتّصل بها قبلها، وللتأسّي بصاحب الشرع علیه السلام.

ص: 518


1- في «ك»: أحسن
2- قاله الخليل الفراهيدي في العين، ج 4، ص 91؛ والزمخشري في الكشاف، ج 1، ص 5؛ وحكاه البغوي في معالم التنزيل، ج 1، ص 24 عن ابن مسعود والفرّاء

الثالثة: القِراءَةُ

وَواجِباتُها سِتَّة عَشَرَ:

الأوّل: تِلاوَةُ الحَمْدِ وَالسُّورَةِ فِي التُنائِيَةِ وَفِي الأُولَتَيْنِ مِنْ غَيْرِها.

الثاني: مُراعاةُ إعْرابِها وَتَشدِيدِها عَلَى الوَجْهِ المَنْقُولِ بالتَواتِرِ،

----------------

فلأنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم إنّما كان بقطع الهمزة، وقد قال صلی الله علیه و آله و سلّم : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»(1). ولا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها لأنّها إنّما تسقط في الدرج بكلام متّصل، ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام، إذ النيّة - كما علم - أمرٌ قلبي فتكلّف التلفّظ بها تكلّف لهذر الكلام واشتغال بما لا يحتاج إليه في المقام.

وما هذا شأنه لا يُخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً، ولأنّ تكلّف اللفظ بها أمر حدث بعد ثبوت الحكم بقطعها تأسّياً به صلی الله علیه و آله و سلّم وبخاصّته، فلا يزيل ما ثبت بالأصل والاستصحاب.

وقوله: «فلو وصلهما» المراد مع التلفّظ بالنيّة أو بغيرها من الأذكار والدعوات ليكون موضع الشبهة، أمّا مع عدم اتّصال التكبير بكلام فلا يقتضي المقامُ ذكره وإن كان حكمه مطابقاً له.

قوله: «على الوجه المنقول بالتواتر». لاريب في جواز القراءة بما نُقل تواتراً، والمُحَقَّق منه ما اتّفق عليه أو ما اشتهر من قراءة السبعة(2)، واختار المصنّف جواز القراءة بتمام العشرة(3) بإضافة أبي جعفر(4)، ويعقوب(5)، وخلف.(6)

----------------

قوله: «على الوجه المنقول بالتواتر». وهو قراءة السبعة، وفي جوازه بالعشرة قول قويّ.

ص: 519


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 226، ح 605 ؛ سنن الدارمي ، ج 1، ص 286
2- القرّاء السبعة هم: عبدالله بن عامر الدمشقي (م 118ه-)، عبدالله بن كثير المكّي المشهور بأبي معبد (م 120ه-). زيان بن علاء المشهور بأبي عمر و البصري (م 154ه-)، نافع بن عبد الله المدني المشهور بأبي رويم (م 169ه-)، عاصم بن أبي النجود الكوفي، المشهور بأبي بكر (م 127 ه- أو 128ه-)، حمزة بن حبيب الكوفي، المشهور بأبي عمارة (م156ه-). علي بن حمزة الكسائي الكوفي، المشهور بأبي الحسن (م) (89) انظر النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 99 - 173
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- أبو جعفر يزيد بن قعقاع المخزومي المدني (م 130ه-)
5- يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري ( م 205ه-)
6- أبو محمد خلف بن هشام الكوفي (م 229ه-).

فَلَوْ قَرَأَ بِالسَّواذُ بَطَلَتْ.

الثالث: مُراعاةُ تَرْتِيبِ كَلِماتِها وَآبِها عَلى المُتواتِرِ.

الرابع: المُوالاةُ، فَلَوْ سَكَتَ طَوِيلاً أَوْ قَرَأَ خِلالَهَا غَيْرَها عَمْداً بَطَلَتْ.

----------------

وليس المراد أنّ كلّ ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن فيما نُقل عنهم، فإنّ بعض ما نُقل عن السبعة شاذٌّ فضلاً عن غيرهم، كما حقّقه جماعة من أهل هذا الشأن(1).

والمعتبر القراءة بما تواتر من هذه القراءات وإن ركّب بعضها في بعض مالم يكن مترتّباً بحيث لا تجيزه العربية ك_ «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ، كَلِمَتٍ»(2) بالرفع فيهما أو بالنصب، أخذاً رفع «ءَادَمٌ» من غير قراءة ابن كثير، ورفع «كَلِمَتٍ» من قراءته، ونحوه.

قوله: «فلو قرأ بالشواذّ بطلت». المراد بالشواذّ مالم يكن متواتراً، وضمير «بطلت» يعود إلى الصلاة، وكذا كلّ ما سيأتي وإن كان عوده إلى القراءة أقرب من جهة اللفظ؛ لفساد المعنى في أكثر المواضع.

وإنّما تبطل؛ لكون الشاذّ ليس بقرآن ولا دعاء، وذلك يتمّ مع العمد، أمّا مع النسيان فلا كباقي الكلام.

قوله: «فلو سكت طويلاً أو قرأ خلالها من غيرها عمداً بطلت». أمّا السكوت الطويل فإنّما يُبطل الصلاة إذا خرج به عن كونه مُصلّياً، أمّا لو خرج عن كونه قارئاً خاصّةً بطلت القراءة خاصّة، ولا فرق في الصورتَين بين العمد والسهو.

----------------

قوله: «الموالاة، فلو سكت...» إلى آخره. إنّما يُبطل السكوتُ الطويل الصلاة إذا خرج به عن كونه مصلّياً، ولو خرج به عن كونه قارئاً خاصّة بطلت القراءة لا غير، ولا فرق فيهما بين العمد والسهو.

ص: 520


1- كابن الجزري في النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 9
2- البقرة (2): 37

الخامس: مُراعاةُ الوَقْفِ عَلَى آخِرِ كَلِمَةٍ مُحافِظاً عَلَى النَظْمِ، فَلَوْ وَقَفَ في

----------------

ولو كان السكوت غير طويل بحيث لا يخرج عنهما لم يضرّ ما لم يكن بنيّة القطع للصلاة أو القراءة، بمعنى عدم العود إليها؛ لأنّه كنيّة المنافي. والمرجع في الطول بقسمَيه وعدمه إلى العُرف. واستثنى المصنّف في الذكرى من السكوت المخرج عن كونه قارئاً ما لو وقع ممّن أُرتج عليه قصداً للتذكير، فإنّه لا يضرّ ما لم يخرج عن كونه مُصلّياً(1).

وأمّا قراءة غيرها خلالها فتبطل الصلاة مع العمد؛ لتحقّق المخالفة المنهيّ عنها. ولا فرق في بين الطويل ، وغيره، فمن ثمّة أطلقه. واحترز بالعمد عمّا لو وقع نسياناً، فإنّه يبطل القراءة خاصّة، فقوله «عمداً» قيد في الأخير خاصة، كما أنّ ضمير «بطلت» يعود إلى الصلاة دون القراءة.

ويستثنى من ذلك ردّ السلام وتسميت العاطس والحمدلة عند العطاس، وسؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما، والدعاء السائغ للدنيا والدين، ونحوه ممّا لا تبطل الصلاة بفعله كما هو مشهور.

قوله: «الوقوف على آخر كلمة محافظاً على النظم». لمّا كان الركن الأعظم في القرآن نظمه؛ لأنّ به تحصل المعجزة(2) ويمتاز عن كلام المخلوقين، لا بمفرده ومركّبه و عربيّته؛ لمساواته لغيره في ذلك، لم تجز القراءة بما يخلّ بالنظم، كما لو وقف في أثناء الكلمة أو على كلّ كلمة بحيث تصير قراءته كأسماء الحروف وأسماء العدد.

----------------

ولو كان السكوت غير طويل بحيث لا يخرج عنهما لم يضرّ، وأما قراءة غيرها خلالها فتُبطل الصلاة مع العمد ومع النسيان تبطل القراءة خاصّة.

ص: 521


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 239 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- في «ك»: يحصل المعجز.

أثناءِ الكَلِمَةِ بحيث لا يُعَدُّ قارئاً ، أَوْ سَكَتَ عَلى كُلِّ كَلِمَةٍ بحيثُ يُخِلُّ بالنظمِ بَطَلَتْ.

----------------

والضابط مراعاة النظم، أمّا لو وقف في موضع يعدّه القرّاء قبيحاً لم يضرّ، لحصول مُسمّى القرآن كما أنّه لو ترك الوقف على ما يسمّونه واجباً لم يأثم بذلك، فإنّ ذلك كلّه محاسن ومصطلح خاصّ لا وجوب ونهي بالمعنى المتعارف شرعاً، وقد صرّح به جماعة منهم كابن الجزري في النشر(1) وغيره.

واعلم أنّ الوقوف على آخر كلمة لا يستلزم المحافظة على النظم، بل هو أعمّ منه؛ لجواز فواته مع الوقوف على كلّ كلمة أو على بعضها، فقوله: «محافظاً على النظم» ليست حالاً مؤكّدة مثل قولهم: زيد أبوك عطوفاً، كما ذكره الشارح المحقّق(2)، بل هي حال مؤسّسة.

فإن قيل: إذا كان أعمّ لم يكن لإيجابه فائدة، فإنّ المقصود المحافظة على النظم، فإذا لم يحصل لم يتحقّق الوجوب.

قلنا: الفائدة المقصودة مدلول عليها بقوله: «محافظاً على النظم»، وإنّما خرج بأوّل الكلام الوقوف على وسط الكلمة، إذ من المعلوم أنّ الوقوف على آخر الكلمة لا ينافي السكوت على كلّ كلمة بل الوقوف على كلمة مع المحافظة على النظم، فلم يستغن بالأُولى عن الثانية.

وإنّما يرد ما ذكر لو قدّم المحافظة على الوقوف على آخر الكلمه، وقد نبّه على انفكاك إحداهما عن الأُخرى بقوله: «فلو وقف في أثناء الكلمة ...» إلى آخره فإنّه نشر للأُولى، ثمّ قوله : «أو سكت على كلّ كلمة» فإنّه نشر للثانية، فتأمّل.

ص: 522


1- النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 231
2- شرح الألفية، ص 126 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

السادس: الجَهْرُ لِلْرَجِل في الصُّبْحِ وَأُولَتَي العِشاءَيْنِ، وَالإِخْفاتُ في البَواقِي مُطلَقاً. وَأَقَلُّ الجَهْرِ إسْمَاعُ الصَحِيحِ القَريِبِ،

----------------

قوله: «الجهر للرجل في الصبح وأُولتي العشاءين». احترز بالرجل عن المرأة، إذلا يتحتّم عليها جهر في موضعه وإن جاز لها ذلك مع أمنها سماع الأجنبي، ولو جهرت مع علمها بسماعه بَطَلَتْ صلاتها، بخلاف ما لو اتّفق. وظاهر العبارة أنّ الخنثى كالمرأة، لتخصيصه الحكم بالرجل، وفي الذكرى جزم بتخييرها(1). ولو قيل بأخذها حكمها كان أجود، فيجب عليها الجهر، ويجزئ في موضع لا يسمعها الأجنبي مع الإمكان، فإن تعذّر تعيّن الإخفات.

واعلم أنّه يجب قراءة «الأُولتين» هنا بالياء بن المثناتين من تحت؛ لأنّها تثنية «أُولى»، لا بالتاء المنقوطة من فوق أوّلاً؛ لأنّها تثنية «أوّلة»، وهي غير مسموعة، وكذا القول في نظائرها.

والمراد بالجهر في القراءة: لأنّها المبحوث عنها هنا، أمّا باقي الأذكار فلا يتعيّن فيها جهر ولا إخفات وإن كان للاستحباب فيها تفصيل في موضع آخر.

قوله: «مُطلقاً». أي للرجل وغيره مقابل التقييد بالرجل أوّلاً. ويحتمل في الأُوليين والأخيرتين على ضعف.

قوله: «وأقلّ الجهر إسماع الصحيح القريب». لابدّ مع ذلك من صدق اسم الجهر عليه

----------------

قوله: «الجهر للرجل». احترز بالرجل عن المرأة، إذ لا يتحتّم عليها جهر في موضعه وإن جاز لها مع أمنها سماع الأجنبي. وإنّما يجب الجهر بالقراءة المذكورة، أمّا باقي الأذكار كالتشهّد وذكر الركوع والسجود فلا يتعيّن فيه جهر ولا إخفات.

قوله: «والإخفات في البواقي مطلقاً». للرجل وغيره.

قوله: «وأقلّ الجهر إسماع الصحيح القريب». لابدّ مع ذلك من صدق اسم الجهر عليه عرفاً، كما يعتبر ذلك في السرّ.

ص: 523


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 250 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

وَالسِرِّ إِسْمَاعُ نَفْسِهِ صَحِيحاً، وَإِلَّا تَقْدِيراً.

السابع: تَقْدِيمُ الحَمْدِ عَلَى السُّورَةِ، فَلَوْ عَكَسَ عَمْداً بَطَلَت(1)، وَناسِياً يُعِيدُ عَلى الترتيب.

----------------

عرفاً، كما يعتبر ذلك في السرّ. ولم يذكر لأكثرهما حدّاً، وذهب بعض الأصحاب إلى تساوي أكثر السرّ وأقلّ الجهر(2)، والحقّ أنّهما حقيقتان متباينتان تبايناً كلّياً فلا يجتمعان في مادّة؛ لأنّ التفصيل يقطع الاشتراك. ولو تمّ ما ذكره القائل أمكن القراءة في جميع الصلوات بوجه واحد، وهو ما تصادقا عليه، وهو مخالف للنصّ(3)، والإجماع الذي نقله الشيخ فيه(4)، والمنقول منه بخبر الواحد حجّة، فلا يقدح فيه خلاف ابن الجنيد(5).

قوله: «صحيحاً». حال من المضاف إليه، وهو «نفسه»، والعامل فيه المصدر، وهو «إسماع». وسوّغ مجيء الحال من المضاف إليه كون المضاف جزءه، وقد ذكر اعتباره في إسماع القريب. وقوله « وإلّا تقديراً» متعلّق بالأمرين معاً، أي وإن لم يتّفق الصحيح القريب يراعي التقدير، ويصدق عدم المركّب بعدم جزءيه أو أحدهما.

قوله: «تقديم الحمد على السورة ، فلو عكس عمداً بطلت». أي الصلاة؛ لتحقّق النهى المفسد للعبادة، هذا العمد، وفي حكمه الجهل. أمّا الناسي فيعيد القراءة على

----------------

قوله: «وناسياً يُعيد على الترتيب». فيعيد السورة لا غير.

ص: 524


1- في «ش 2 ، ش (3): بطلَ. وكذا في النسخة التي اعتمدها المصنّف في المقاصد العليّة، حيث علّق عليها قائلاً: وكان الأولى تأنيث الضمير : ليعود على الصلاة جرياً على القاعدة، ولإيهامه عدم بطلان الصلاة حيث عدل من ضميرها، وخالف الباب المطّرد.
2- كابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 1، ص 223؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 260
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ح 635: الاستبصار، ج 1، ص 313، ح 1163
4- الخلاف، ج 1، ص 371، المسألة 130
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 170، المسألة 93

الثامن: البَسْمَلَةُ في أوّلِ الحَمْدِ وَالسُّورَةِ فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْداً بَطَلَتْ.

التاسع: وَحدةُ السُّورَةِ، فَلَوْ قَرَنَ بَطَلَتْ في قَوْلٍ.

----------------

الترتيب، بأن يعيد الحمد ثمّ السورة، كما صرّح به في الذكرى(1). وفي الاكتفاء بإعادة السورة خاصّة وجه؛ لتحقّق الترتيب بذلك.

قوله: «البسملة أوّل الحمد والسورة ، فلو تركها عمداً بطلت». أي الصلاة مع العمد؛ لأنّها آية من كلّ سورة إجماعاً، ومثله الجهل، ومع النسيان وذكرها في محلّها يأتي بها وبما بعدها.

قوله: «وحدة السورة، فلو قَرَنَ بطلت في قول». القران يتحقّق بقراءة سورتَين فصاعداً، بل بقراءة ما زاد على سورة. وهذا في غير الضحى وألم نشرح، فقد ثبت في أخبارنا وجوب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة، وكذا الفيل والإيلاف(2) . ويجب الترتيب بينهما كما ذُكر، والبسملة بينهما. وقد اختلف الأصحاب في تحريم القران (3)وكراهيّته(4) بسبب اختلاف الأخبار(5)، ومختار المصنّف(6) وجماعة الكراهة جمعاً بين الأخبار. وفي حكمه تكرار الحمد، فينساق فيه الخلاف.

----------------

قوله: «فلو قرن». يتحقّق القرآن بقراءة سورتين فصاعداً، وفي حكمه قراءة ما زاد علی سورة في غير الضحى وألم نشرح، والفيل والإيلاف

ص: 525


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- انظر المعتبر، ج 2، ص 188 ؛ مجمع البيان، ج 9، ص 544
3- ذهب إليه الشيخ في النهاية، ص 75 وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 118
4- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 220 : والمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 82؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 247 - 248
5- أخبار التحريم في الكافي، ج 3، ص 314، ح 12؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 69، ح 253؛ والاستبصار، ج 1، ص 314 ، ح 1167 : وأخبار الكراهة في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 1192 ؛ والاستبصار، ج 1، ص 317، ح 1181
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 251 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 94 : البيان، ص 154 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)

العاشر: إكمالُ كُلّ مِنْ الحَمْدِ وَالسُّورَةِ، فَلَوْ بَعَضَ اختياراً بَطَلَتْ.

الحادي عشر : كَوْنُ السُّورَةِ غَيْرَ عَزِيمَةٍ، وَلَا يَفُوتُ بِقراءَتِهَا الوَقْتُ.

----------------

قوله: «فلو بعّض اختياراً بطلت». أي الصلاة إن لم يتدارك في موضعه، واحترز بالاختيار عن التبعيض اضطراراً، كتقيّة، ومرض يشقّ معه إكمالها، وحاجة يضرّ فوتها، وتخلّف عن رفقة، ونحو ذلك. فإنّ التبعيض في جميع ذلك جائز، بل الاقتصار على الفاتحة إن لم يمكن قراءة بعض السورة فيجب منها ما أمكن، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور. وهذا كلّه في السورة، أمّا الفاتحة فلا تُبعض بوجه وإن كان مفهوم العبارة يشملها.

قوله: «كون السورة غير عزيمة». فلا يصحّ قراءة إحدى العزائم الأربع في الفريضة؛ لوجوب السجود على الفور عند وجود سببه المستلزم لزيادة سجود في الصلاة وللنهي عنه في الأخبار(1)، أمّا النافلة فلا بأس. ولو قرأها ناسياً عدل إلى غيرها مع الذكر وإن تجاوز النصف، ولو لم يذكر حتّى تجاوز محلّ السجود أوماً به وجوباً ثمّ قضاه بعد الصلاة.

قوله: «ولا يفوت بقراءتها الوقت». لا فرق في ذلك بين فواته قبل الفراغ منها، أو بعده في أثناء الصلاة بسببها فإنّ الصلاة تبطل بذلك مع العمد للنهي عن قراءتها

----------------

قوله: «فلو بعّض اختياراً». احترز بالاختيار عمّا لو بعّض اضطراراً، كتقيّةٍ، وضيقٍ وقتٍ ومرضٍ يشقّ معه إكمال السورة ونحو ذلك. فإنّ تبعيض السورة حينئذٍ جائز، بل الاقتصار على الفاتحة إن لم يمكن قراءة بعض السورة.

قوله: «كون السورة غير عزيمة». أي فتبطل الصلاة بقراءتها أو بعضها في الفريضة عمداً، ولو شرع فيها ناسياً عدل إلى غيرها مع الذكر وإن تجاوز النصف، ولو لم يذكر حتّى تجاوز محلّ السجود أومأ به وجوباً ثمّ قضاه بعد الصلاة.

ص: 526


1- الكافي، ج 3، ص 318 باب عزائم السجود، ح 6 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 96 ، ح 361

الثاني عشر: القَصْدُ بالبَسْمَلَةِ إِلى سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَقِيبَ الحَمْدِ إِلَّا أَنْ تَلْزَمَهُ سُورَةٌ بعينها.

الثالث عشر: عَدَمُ الانْتِقالِ مِنْ سُورَةٍ إلى غَيْرِها إِنْ تَجاوَزَ نِصْفَهَا، أَوْ كانَتْ التَوْحِيدَ وَالجَحْدَ في غَيْرِ الجُمْعَتَيْنِ.

----------------

المقتضي للفساد، ولو قرأها ناسياً عدل مع الذكر، وكذا لو ظنّ السعة فشرع فيها ثمّ تبيّن الضيق وإن تجاوز النصف في الموضعين.

قوله: «القصد بالبسملة إلى سورة معيّنة». لمّا كانت البسملة آية من كلّ سورة، وهي صالحة لكلّ سورة عدا ،براءة، لم تتعيّن لسورة معيّنة إلّا بالتعيين، وهو القصد بها لأحدها، ولا كذلك الحمد؛ لتعيّنها ابتداء، فيحمل الإطلاق على ما أمر به. فلو ابتدأها بغير قصد أعادها بعدها، وهذا إذا لم تلزمه سورة بعينها؛ إمّا لضيق الوقت إلّا عن أقصر سورة كالكوثر، أو لكونه لا يعلم إلّا سورة واحدة، أو لنذر وشبهه حيث ينعقد بأن لا ينافي الأفضليّة.

وألحقَ به المصنّف في الذكرى والدروس مالو جرى لسانه على بسملة وسورة(1)وفي غيرهما اعتياد سورة معيّنة، أو العزم عليها في أثناء الصلاة وإن لم يكن في محلّها(2)، والأولى الاقتصار على موضع التعيّن في الجميع.

قوله: «عدم الانتقال من سورة إلى غيرها....» إلى آخره. هذا هو المشهور بين

----------------

قوله: «إلّا أن تلزمه سورة بعينها». كما لو ضاق الوقت إلّا عن أقصر سورة كالكوثر، أو لكونه لا يعلم إلّا سورة واحدة، أو لتعيّنها بنذرٍ وشبههِ.

قوله: «إن تجاوز نصفها». حاصل ذلك أنّ المصلّي متى تجاوز نصف السورة لم يجز له العدول عنها إلى غيرها مُطلقاً، وإن لم يتجاوز جاز إذا لم يكن في إحدى السورتين الجحد

ص: 527


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 94 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9).
2- حكاه السيّد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 2، ص 412 عن بعض تحقيقات الشهيد

الرابع عشر: إِخْراجُ كُلِّ حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ المَنْقُولِ بِالتَواتِرِ، فَلَوْ أَخْرَجَ صَادَي «المَغْضُوبِ» و«الضالين» مِنْ مَخْرَج الظاء، أو اللام المُفَخَمَةِ بَطَلَتْ.

----------------

الأصحاب(1)، وحاصله أنّ المصلّي متى تجاوز نصف السورة لم يجز له العدول عنها إلى غيرها مطلقاً، واكتفى بعضُ الأصحاب ببلوغ النصف وإن لم يتجاوزه(2)، وهو أولى.

وإن لم يبلغ النصف جاز له العدول إلى غيرها اختياراً إذا لم تكن التي شرع فيها إحدى السورتَين الجحد والتوحيد فإن كانت إحداهما لم يجز العدول عنها إلى غيرها متى شرع فيها ولو بالبسملة، إلّا في موضع واحد وهو الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهرها. ولا يحتاج إلى تقييد ذلك بعدم مجاوزة النصف؛ لأنّه قد عُلم ممّا سلف.

وإطلاق الجمعتين على الجمعة والمنافقين تغليب أحد المتصاحبين على الآخر، بأن يجعل الآخر تابعاً له في الاسم ثمّ يتنّي ذلك الاسم ويقصد إليهما جميعاً، وينبغي أن يغلّب الأخفّ كالحسنَين والقمرين والجمعتين، ولو كان أحد اللفظين مذكّراً غلّب على المؤنّث كالقمرين والأبوين، كما قُرِّر في المعاني. قوله: «اخراج كلّ حرف من مخرجه ... فلو أخرج ضادي المغضوب و...» إلى آخره.

يمكن أن يُستفاد منه وجوب معرفة المخارج إلّا مع اليقين؛ لخروج الحروف منها.

----------------

والتوحيد، فإن كانت إحداهما لم يجز العدول عنها إلى غيرها متى شرع فيها ولو بالبسملة، إلّا في موضعٍ واحدٍ وهو الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهرها.

والمراد بالجمعتين: الجمعة والمنافقين سمّاهما باسم إحداهما.

قوله: «فلو أخرج ضادي المغضوب والضالين». إنّما خصّ الضاد بالذكر؛ لصعوبة خروجها

ص: 528


1- ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 147؛ والشيخ في النهاية، ص 77؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 191
2- منهم: العلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 478؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 279؛ وشرح الألفيّة، ص 131 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).

الخامس عشر : عَرَبيّتُها فَلَوْ تَرْجَمَها بَطَلَتْ.

----------------

وإنّما خصّ الضاد بالذكر؛ لصعوبة خروجها من مخرجها ومن ثمّ تمدّح النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بقوله: «أنا أفصح من نطق بالضاد بَيدَ أنّي من قريش»(1)، ولإمكان خلوّ السورة من الضاد خصّ ضادي «الْمَغْضُوبِ» و «الضَّالِّينَ» وخصّ مخرج الظاء واللام المُفخّمة؛ لأنّ اللسان يُفخّم بالضاد عند الخطأ إلى مخرجهما.

واعلم أنّ مخرج الضاد أقصى حافة اللسان وما يليها من الأضراس اليمنى واليسرى وإن كان الثاني أسهل، ومخرج الظاء ما بين طرف اللسان والثنيتين العليَين، ومخرج اللام حافة اللسان وما يحاذيها من الحنك الأعلى فوق الضاحك وهي السنّ التي تلي الناب.

قوله: «عربيّتها، فلو ترجمها بطلت». لما تقرر من أنّ الركن الأعظم في القرآن نظمه الذي به حصل الإعجاز، وهو يفوت بالترجمة بغير العربية، بل وبالعربية المرادفة؛ لأنّه تفسيرٌ لا قرآن ولا فرق في ذلك بين القادر وغيره، حتّى لو ضاق الوقت عن التعلّم عوّض عن القراءة بذكر الله بقدرها وإن قدر على الترجمة على أصحّ القولين. ولو تعارض ترجمة القرآن والذكر قدّم الذكر؛ لصدق اسمه تعالى بالذكر دون ترجمة القرآن. هذا كلّه إذا لم يحسن شيئاً من القرآن وإلّا وجب أن يقرأ ممّا علمه منه بقدرها مراعياً للحروف والآيات على تفصيل ذِكرُهُ أليق بالمطوّلات.

----------------

من مخرجها، وخصّ مخرج الظاء واللام المفخّمة؛ لأنّ اللسان يُفخّم بالضاد عند الخطأ إلى مخرجهما.

واعلم أنّ مخرج الضاد أقصى حافّة اللسان وما يليها من الأضراس اليمنى واليسرى، ومخرج الظاء ما بين طرف اللسان والثنيتين العليَين، ومخرج اللام حافّة اللسان وما يحاذيها من الحنك الأعلى فوق الضاحك، وهي السنّ التي تلي الناب.

ص: 529


1- كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج 1، ص 232؛ الأسرار المرفوعة، ص 70 و 71 ، ح 246 و248

السادس عشر: تَرْكُ التَأْمِينِ لِغَيْرِ تَقِيةٍ، وَيُجْزِئُ فِي غَيْرِ الأُولَتَيْنِ «سُبحانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إله إلا الله والله أكبر»، مُرَتِّباً موالياً بِالعَربيّةِ، إخفاتاً.

الرابعة: القِيامُ وَيُشْتَرطُ في الثلاثَةِ المَذْكُورَةِ، وَواجِبُهُ أَرْبَعَةُ:

----------------

قوله: «ترك التأمين». هو قول: «آمین»، ولا فرق بین آخر الحمد وغيرها، ومن ثمّ. أطلق وإنّما يبطل مع العمد لغير تقيّة، أمّا معها ،فلا ولا يبطل لو قال: «اللهمّ استَجِبْ» وإن كان مسمّاه؛ لأنّه دعاء لم يرد عنه نهي.

قوله: «ويجزئ في غير الأُوليين سبحان الله». مقتضاه الاجتزاء بها مرّة واحدة، وهو المشهور. ولو كرّرها ثلاثاً بنيّة الوجوب كان أولى؛ خروجاً من الخلاف. وكذا لو اختار رواية العشر(1) بحذف التكبير في الأُوليين، أمّا التسبيح بحذف التكبير في الجميع فلا، ولا استبعاد في التخيير بين شيء وتركه على جهة الوجوب، ومثله تخيير المسافر بين القصر والإتمام في المواضع الأربعة.

قوله: «مرتّباً موالياً ...» إلى آخره. أشار بذلك إلى واجبات التسبيح، وهي الأربعة المذكورة، وقد خالف في الأوّل(2) والأخير(3) بعض الأصحاب، والمشهور ما هنا.

قوله: «القيام ويشترط في الثلاثة...» إلى آخره. إنّما أخّره عن النيّة والتكبير مع أنّه

----------------

قوله: «ترك التأمين لا فرق بين كونه آخر الحمد ،وغيرها، ومن ثمّ أطلقه المصنّف وإنّما یبطل مع العمد لغير تقيّة، ولا يبطل قول: «اللهمّ استجب» وإن كان مسمّاه.

قوله: «مرتّباً موالياً بالعربيّة إخفاتاً». أشار بذلك إلى واجبات التسبيح، وهي أربعة كما ذكر.

ص: 530


1- الفقيه، ج 1، ص 392، ح 1160
2- منهم: ابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 164 ، المسألة 90؛ والمحقّق في المعتبر ج 2، ص 190.
3- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 222؛ وابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفية المطبوعة بهامش الفوائد الملية، ص 141.

الأوّل: الانْتِصابُ، فَلَوْ انْحَنَى اخْتِياراً بَطَلَتْ.

الثاني: الاستقلال، فَلَوْ اعْتَمَدَ مُختاراً بَطَلَ.

----------------

أوّل أفعال الصلاة، من حيث إنّه شرط في النيّة وأخويها، والشرط مُقدَّم على المشروط؛ ليوافق غرض الرسالة المقصورة على الواجبات، فإنّ القيام لا يتمحّض جزءاً للصلاة إلّا بعد التكبير، إذ قبله يجوز تركه لا إلى بدل ولا شيء من الواجب كذلك.

وأمّا تأخيره عن القراءة فلمناسبة اقتضاها الحال وهي مشاركتها لهما في اشتراطها به وإن لم يتوقّف القطع بالوجوب عليها، ولو ذكره بعد التكبير - كما فعل في الذكرى(1) - كان أنسب لغرض الرسالة.

قوله: «الانتصاب». ويتحقّق بنصب فقار الظهر ويخلّ به الميل إلى اليمين واليسار بحيث يزول عن سنن القيام اختياراً، والانحناء كذلك وإن لم يبلغ حدّ الراكع، ولا يخلّ به إطراق الرأس.

واحترز بالاختيار عمّن يتقوّس ظهره لكبر أو زمانة فإنّه تجزئه تلك الحالة بل يجب، وعمّن عجز عن القيام لمرض أو خاف فيه عدوّاً أو حصل له بسببه مشقّة شديدة وإن لم يبلغ حدّ العجز.

وضمير «بَطَلَت» يعود على الصلاة كما يعود على الصلاة كما سبق في القراءة، ويجوز عوده إلى الثلاثة المذكورة، وهو يستلزم بطلان الصلاة أيضاً.

قوله: «الاستقلال، فلو اعتمد مختاراً بطلَ». الاستقلال: استفعال من الإقلال بالشيء، وهو القدرة عليه والاستبداد .به والمراد به هنا إيجاد الفعل كاستقرّ بمعنى قرّ، لاطلبه

----------------

قوله: «الانتصاب». يتحقّق بنصب فقار الظهر، ويخلّ به الميل والانحناء، ولا يخلّ به إطراق الرأس. واحترز بالاختيار عمّن تقوّس ظهره، فإنّه تجزئه تلك الحالة.

قوله: «الاستقلال». المراد بالاستقلال: كونه غير مستند إلى شيء، بحيث لو أُزيل السناد سقط، فلا تضرّ الملاصقة غير المؤدّية إلى ذلك.

ص: 531


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 197 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

الثالث: الاستِقْرارُ ، فَلَوْ مَشَى أَوْ كَانَ عَلى الراحِلَةِ وَلَوْ مَعْقُولَةٌ، أَوْ فِيما لا تَسْتَقِرُّ قَدَماهُ عَلَيْهِ مُختارَاً بَطَلَ.

----------------

كما هو الغالب في باب الاستفعال.

والمراد بالاستقلال: كونه غير مستند إلى شيء بحيث لو أُزيل السناد سقط، فلا تضرّ الملاصقة غير المؤديّة إلى ذلك.

وخالف في ذلك ابن الجنيد(1)، فعدّ الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية مكروها؛ استناداً إلى رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام المتضمّنة جواز الإستناد على حائط المسجد من غير علّة(2).

وردّه في الذكرى بمنع دلالة الخبر على الاعتماد، إذ الاستناد يغايره وليس بمستلزم له(3). وفي تحقّق المغايرة نظر، بل ظاهر الصحاح أنّهما مترادفان(4).

واحترز بالاختيار عن العاجز عنه لمرض أو نحوه، فيحوز له الاستناد، بل يجب ولو بأُجرة مقدورة، وهو مقدّم على القعود.

قوله: «الاستقرار، فلو مشى....» إلى آخره. قوله: ««مختاراً» حال من الثلاثة، واحترز

----------------

قوله: «على الراحلة، ولو معقولة». رُخّص في النافلة سفراً حيث توجّهت الراحلة، وكذا رُخّص في ذلك للماشي وإن لم يكن مسافراً، وقبلته طريقه، ويومئ برأسه للركوع والسجود، ویزید في السجود انحناء.

ص: 532


1- كذا في النُسختين الخطيّتين، ولم أجد من حكى هذا القول عن ابن الجنيد، وحكاه - بنفس اللفظ الوارد هنا - العلّامة الحلّي والمحقّق الكركي عن أبي الصلاح الحلبي، فلعلّ المصنّف (رحمه الله تعالى أراد أن يُثبت اسم أبي الصلاح فأثبت بدله ابن الجنيد والله العالم. انظر الكافي في الفقه، ص 125 ؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 211، المسألة 123؛ جامع المقاصد، ج 2، ص203
2- الفقيه، ج 1، ص 364، ح 1046 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 326 - 327، ح 1339
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- الصحاح، ج 2، ص 489، «سند»

....................................

----------------

بالمشي في حالته عمّا لو عجز عن الوقوف بدونه، فإنّه يقف كذلك. وشرط المصنّف في الذكرى في جواز المشي مضطرّاً عدم قدرته على السكون ولو بمعاون، أو على القعود لو تعذّر المعاون محتجّاً بأنّ الاستقرار ركن في القيام، إذ هو المعهود من صاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم(1)، ورجّح العلّامة المشى عليهما(2).

وترجيحه على الثاني ظاهر؛ لأنّ فوات الاستقرار الذي هو صفة القيام أولى من فوات القيام بالكلّيّة. أمّا على الأوّل فغير ظاهر؛ لأنّ في كلّ حال فوات صفة من صفات القيام إحداهما الاستقلال والأُخرى الاستقرار، ومختار المصنّف فيه أوضح؛ لأنّ صفة الاستقرار أدخل في الركنيّة وصاحبها أشبه باسم المصلّين، فالتفصيل حينئذٍ أجود من الإطلاق في الموضعين.

وكذا تجوز الصلاة ماشياً لخائف فوت الرفقة بالاستقرار مع حاجته إليها، ولمن خاف الغرق إذا ثبت مكانه ولا قدرة له على القرار في غيره، وفي مواضع أُخرى، وكلّها تصلح للاحتراز عنها بقيد الاختيار، ويقرب من ذلك الاضطرار إلى الصلاة على الراحلة.

ثمّ إن تمكّن من استيفاء الأركان من الركوع والسجود وجب، وإلّا أومأ بهما. وهل يجب عليه حينئذ أن يبلغ غاية وسعه في الانحناء؟ الظاهر ذلك؛ لعموم: «فأتوا منه ما استطعتم»(3)، وقرّب العلّامة عدمه(4).

وينبغي الاقتصار على الأفعال والحركات التي يحتاج إليها، فلا يُركض الدابّة ولا يعدو الماشي لغير حاجة. فلو فعلهما مع عدم الحاجة احتمل البطلان لاشتراط

ص: 533


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 200 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 92 المسألة 192
3- السنن الكبرى البيهقي ، ج 4 ص 326
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 407

الرابع: أَنْ يَتَقارَب القَدَمان، فَلَوْ تَبَاعَدا بِما يُخْرِجَهُ عَنْ حَدِّ القِيامِ بَطَلَ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ القِيام أصلاً ،قَعَدَ

----------------

الاستقرار مُطلقاً، خرج منه موضع الضرورة، فيبقى الباقي. وعدمه واختاره العلّامة(1)؛ لأنّهما نوع من الركوب والمشي، وهما سائغان حينئذٍ.

وفي حكم الراحلة المعقولة الأُرجوحة المعلّقة بالحبال ونحوها مما يضطرب ولو في بعض الحركات كالركوع والسجود، دون المثبتة بحيث لا تضطرب مطلقاً.

واعلم أنّه استفيد من وجوب الاستقرار في القيام وجوب الطُمأنينة في الثلاثة المذكورة، أعني النيّة والتكبير والقراءة، فليس في تركها فيها إخلال، وهو واضح.

قوله: «أن يتقارب القدمان، فلو تباعدا بما يخرجه عن حدّ القيام بطل». هذا مع الاختيار، أمّا لو اضطرّ إلى تفريق الرجلين كذلك لمرضٍ ونحوه، جاز قطعاً. ولو دار الأمر بين تفريق الرِجلين وبين الانحناء، تعارض قيام النصف الأعلى والأسفل، والأوّل أولى؛ لبقاء مُسمّى القيام معه.

واعلم أنّه لا يلزم من وجوب تقارب القدمين وجوب الاعتماد عليهما معاً، بل هو أعمّ منه، فلا يغني ذكره عن ذكره ومن ثمّ جمع بينهما المصنّف في كتبه، ذاكراً كلّاً منهما على حدة(2)؛ بناءً على ما اختاره من وجوب الاعتماد على الرجلين معاً، تأسّياً بصاحب الشرع صلی الله علیه و آله و سلّم. وقول الشارح المحقّق: إنّ ذكر تقارب القدمين يُستفاد منه وجوب الاعتماد عليهما(3)، غير واضح.

قوله: «ولو عجز عن القيام أصلاً». أي في جميع القراءة وبعضها بالاستقلال، والمعاون ولو بأُجرة مقدورة، وغير ذلك من أنواعه ولا تُعتبر في القدرة على القيام القدرة على المشي؛ لانفكاك أحدهما عن الآخر، واشتراط المشي في القيام في

ص: 534


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 408
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 205؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 90 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9)
3- شرح الألفيّة، ص 135 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

فَإِنْ عَجَزَ اضْطَجَعَ،

----------------

بعض الأخبار(1) مبني على الغالب من التلازم بينهما.

ومتى صار فرضه القعود قعد كيف شاء، والأفضل أن يتربّع قارئاً، ويثني رجليه راكعاً، ويتورّك متشهداً.

والمراد بالتربيع: أن يجلس على أليتيه كما تفعل المرأة في التشهّد.

وبثني الرجلين: أن يفترشهما تحته ويعتمد على صدريهما بغير إقعاء.

وبالتورّك: أن يجلس على وركه الأيسر.

ويجب الانحناء للركوع قدر ما يحاذي وجهه بأقدام ركبتيه من الأرض، رافعاً فخذيه. ثمّ إن قدر بعد ذلك على السجود وجب، ولو لم يقدر إلّا على هذا الانحناء فعله مرّة للركوع ومرّتين للسجود ولا يجب كونه هنا أخفض؛ لعدم القدرة عليه. وليس له أن ينقص منه ليحقّق الفرق؛ لأنّه ركن.

واعلم أنّه ليس المراد بالعجز عن القيام أصلاً العجز الكلّي بحيث لا يتيسّر معه القيام بوجه، بل ما فيه تضيّق على النفس، فيجوز الجلوس مع مشقّة القيام وإن أمكن تحمّله علی عسر ،شديد وكذا باقي مراتبه ذكره المصنّف في قواعده(2).

قوله: «فإن عجز اضطجع». على جانبه الأيمن كالملحود مستقبلاً بوجهه القبلة، فإن عجز عن الأيمن فعلى الأيسر، كما اختاره المصنّف في الذكرى(3) وإن كان إطلاق العبارة هنا

----------------

قوله: «فإن عجز اضطجع». على جانبه الأيمن كالملحود مستقبلاً بوجهه القبلة، فإن عجز عنه فعلى الأيسر ويومئ برأسه للركوع، فإن تعذّر فبالعينَين.

وأمّا السجود فإن تمكّن منه وجب، وإلّا رفع ما يسجد عليه ووضع باقي مساجده أيضاً، فإن تعذّر الجميع أتى بالممكن.

ص: 535


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 178 ، ح 402
2- القواعد والفوائد، ج 3، ص 73 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7)

فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلْقَى، فَإِنْ خَفَّ أَوْ تَقُلَ انْتَقَلَ قارئاً في الثاني دُونَ الأَوّل.

----------------

يقتضي التخيير، ويومئ برأسه للركوع، فإن تعذّر بالرأس فبالعينين، كما سيأتي في الرسالة.

وأمّا السجود فإن تمكّن منه وجب، وإلّا فإن قدر على رفع ما يسجد عليه، ووضع الجبهة عليه، ووضع باقي المساجد، وجب أيضاً. فإن تعذّر وضَعَ ما يصحّ السجود عليه على جبهته، ووضعَ بقيّة مساجده إن أمكن، وإلّا سقط. وكذا القول في باقي المراتب، إذ الميسور لا يسقط بالمعسور(1).

قوله: «فإن عجز استلقى». على ظهره ويستقبل بوجهه وأخمصه القبلة كالمحتضر، ويومئ برأسه للركوع والسجود، ثمّ بعينَيه على ما مرّ. وفي حكم العجز المسوّغ للاستلقاء الاحتياج إليه للعلاج، كوجع العين إذا حكم به الطبيب وإن قدر على القيام.

واعلم أنّه إذا انتقل فرضه إلى الإيماء بالرأس أو العينين(2)، أو غيرهما ممّا يقوم مقام الركوع والسجود، صار حكم البدل حكم المبدل في الركنيّة، فيلحقه حكمه.

قوله: «فإن خفّ أو ثقل انتقل قارئاً في الثاني دون الأوّل». هذا شامل لجميع المراتب من القيام والقعود والاضطجاع وغيره، فينتقل كلّ من القادر إذا تجدّد عجزه، والعاجز إذا تجدّدت قدرته إلى ما يقدر عليه مستمراً، ولا يستأنف؛ لأصالة الصحّة والامتثال وإنّما

----------------

قوله: «فإن عجز استلقى». على ظهره ويستقبل بوجهه وأخمصه القبلة كالمحتضر، ويومئ برأسه للركوع والسجود، فإن تعذّر فبعينيه.

قوله: «في الثاني دون الأوّل». هذا شامل لجميع المراتب من القيام والقعود والاضطجاع ،والاستلقاء فينتقل كلّ من القادر إذا تجدّد عجزه، والعاجز إذا تجدّدت قدرته إلى ما يقدر عليه مستمرّاً من غير استئناف. وإنّما ينتقل قارئاً في صورة تجدّد العجز؛ لانتقاله إلى حالة الدنيا، فقراءته في العليا أولى، بخلاف العكس.

ص: 536


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) : جامع المقاصد، ج 2، ص 209 عوالي اللآلي، ج 4، ص 258، ح 205 ، وفيه: لا يترك الميسور بالمعسور
2- في «ع »: أو العين.

الخامسة: الرَّكُوعُ

وواجبه تسعة:

الأوّل: الانْحِناءُ إلى أنْ تَصِلَ كَفَّاهُ رُكْبَتَيْهِ،

----------------

ينتقل قارئاً في صورة تجدّد العجز، لانتقاله إلى حالة الدنيا، فقراءتُه في حال الانتقال أقرب إلى ما كان عليه، بخلاف المنتقل إلى الحالة العليا، فإنّه لا يقرأ قطعاً، بل يصبر حتّى يستقرّ فيما هو صائر إليه ثمّ يبني على قراءته والأفضل استئنافها لتقع متتالية في الحالة العليا.

واستشكل المصنّف القراءة في الحالة الأُولى، بأنّ الاستقرار شرط مع القدرة، ولم يحصل(1).

ويمكن حلّه بأنّ الاستقرار شرط مع الاختيار لا مطلقاً، وحصوله بعد الانتقال إلى الحالة الدنيا موجب لفوات القراءة في الحالة العليا، كالقيام مثلاً بالكلّية، وبتقدير القراءة يفوت بعض أوصاف القيام وما دونه خاصّة وهو الاستقرار، وفوات الصفة أولى من فوات الموصوف، هذا كلّه إذا خفّ في زمان القراءة.

أمّا لوخفّ بعدها وقبل الركوع، قام له ثمّ ركع بعد تحقّقه المستلزم لسكونٍ ما، ضرورة تحقّق الفصل بين الحركتين المتضادّتين أو في أثناء الركوع قبل الذكر، قام مُنحنياً إلى حدّ الركوع، وليس له الانتصاب، وحينئذٍ تكفي القدرة على ركوع القائم.

وإن لم يتمكّن من كمال القيام أو بعد الذكر فيه قام للاعتدال من الركوع، أو بعده قبل الطمأنينة فيه قام لها، أو بعدها قام للسجود، ولا طُمأنينة فيه لذاتها وإن وجبت ليحصل الفصل كما تقدّم.

قوله: «الانحناء إلى أن تصل كفّاه ركبتَيه». أي يجب الانحناء قدراً تبلغ كفّاه معاً

----------------

قوله: «الانحناء إلى أن تصل كفّاه ركبتيه». أي يجب الانحناء قدراً تبلغ كفّاه معاً ركبتَيه، بحيث لو أراد وضعهما عليهما وضع هذا مع الاختيار، ومع التعذّر يأتي بالمقدور، ولو توقّف على معاون ولو بأُجرة مقدورة وجب، فإن تعذّر جميع ذلك أومأ برأسه ثمّ بعينيه.

ص: 537


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

وَلا يَجِبُ الوَضْعُ.

الثاني : الذِكْرُ فِيهِ ، وهو «سُبْحانَ رَبِّي العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» أَوْ «سُبْحانَ اللهِ»

----------------

ركبتَيه، بحيث لو أراد وضعهما عليهما وضع.

ويعتبر كون بلوغ ذلك بالانحناء لا بالانخناس مع إخراج الركبتين، ولا بمشاركته الانخناس بحيث لولاه لم تبلغ الكفّان ذلك. نعم لو تعذّر ذلك أتى بالمقدور، حتّى لو أمكن إيصال إحدى اليدَين دون الأُخرى لعارض في إحدى الشقّين وجب، ولو توقّف على معاون ولو بأُجرة مقدورة وجب، ولو تعذّر ذلك كلّه وجب الإيماء برأسه ثمّ بعينيه كما سلف، ولو كان راكعاً خِلْقةً أو لعارض استحبّ أن يزيد الانحناء يسيراً لا يخرج به عن حدّ الراكع؛ ليفرّق به بين قيامه وركوعه إن لم يمكنه أن ينقص من انحنائه حال قيامه شيئاً ولو باعتمادٍ وإلّا وجب.

قوله: «ولا يجب الوضع». ادّعى المصنّف في الذكرى وغيرها عليه الإجماع(1)، نعم يستحبّ وضعهما عليهما بادئاً باليمنى، ولو لم يضعهما ثمّ شكّ بعد الانتصاب في إكمال الهوي لم يلتفت؛ لأنّه شكّ بعد الانتقال مع احتمال العود، ورجّح المصنّف في الدروس الأوّل(2)، وتوقّف في الذكرى(3).

قوله : «الذكر فيه، وهو سبحان ربّي العظيم وبحمده». هذا أشهر القولين، واجتزاء الفاضل(4)، وجماعة(5) بمطلق الذكر المشتمل على الثناء؛ استناداً إلى أخبار

----------------

قوله: «ولا يجب الوضع بل يستحب، ويبدأ باليمني.

ص: 538


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 101 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 482 ؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 182، المسألة 101
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 111؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 224؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 286

ثَلاثاً لِلْمُختارِ، أو «سُبْحانَ اللهِ لِلْمُضْطَرِ.

الثالث: عَرَبِيةُ الذِكْرِ، فَلَوْ تَرْجَمَهُ بَطَلَ.

الرابع: مُوالاتُهُ، فَلَوْ فَصَلَ بِما يُخْرِجْهُ عَنْ حَدِّهِ بَطَلَ.

----------------

صحيحة(1)، لا تنافي مادلّ على الذكر المعيّن فإنّه بعض أفراد الواجب الكلّي. بخلاف القول بالتعيين، فإنّه يقتضي إصلاح تلك الأخبار، ولا ريب أنّ العمل بالمشهور أحوط.

قوله: «فلو ترجمه بطل». أي الذكر، وكذا تبطل الصلاة إن تعمّد وكان يحسن العربيّة فعلاً أو يمكنه التعلّم، وإلّا فلا. وكان ينبغي التقييد بالاختيار، كما صنع في القراءة، ولو ترجمه ناسياً استدرك إن ذكر في محلّه، وإلا فكناسي الذكر.

قوله: «فلو فصل بما يُخرجه عن حدّه بطل». الكلام هنا كما تقدّم في القراءة، وحاصله أنّ الفصل إن كان بكلام بطلت الصلاة مع العمد؛ لتحقّق النهي وإن كان ذكراً على القول باختصاصه فيه بالمعيّن، وأعاد الذكر مع النسيان. وإن كان بسكوتٍ، فإن خرج عن كونه موالياً خاصّة أعاد الذكر، وإن خرج عن كونه مصلّياً بطلت الصلاة. فإطلاق البطلان يحتاج إلى التنقيح وما استثني في القراءة من الدعاء بالمباح وغيره

----------------

قوله: «أو سبحان الله للمضطر». الاكتفاء بمطلق الذكر المشتمل على الثناء قويّ، وكذا في السجود.

قوله: «فلو ترجمه بطلَ». أي الذكر، وكذا تبطل الصلاة إن تعمّد الترجمة وكان يحسن العربيّة فعلاً أو يمكنه التعلّم. ولو ترجمه ناسياً استدرك إن ذكر في محلّه، وإلّا فكناسي الذكر.

قوله: «موالاته، فلو فصل بما يخرجه عن حدّه بطل». إن كان الفاصل كلاماً بطلت الصلاة مع العمد، وأعاد الذكر مع النسيان وإن كان سكوتاً: فإن خرج عن كونه مصلّياً بطلت الصلاة، وإن خرج عن كونه ذاكراً أعاد الذكر.

ص: 539


1- الكافي، ج 3، ص 329 باب أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود .... ح 5 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 302، ح 1217

الخامس: الطُمَانِينَةُ بِقَدَرِهِ راكِعاً ، فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ انْتِهَائِهِ أَوْ أَكْمَلَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ بَطَلَ.

السادس: إسْمَاعُ الذِكْرِ نَفْسَهُ وَلَوْ تَقْدِيراً.

----------------

آتٍ هنا ما لم يقطع الموالاة.

قوله: «فلو شرع فيه قبل انتهائه - إلى قوله - بطل». أي فعله، فيتداركه في محلّه مع إمكانه إن لم يتعمّد، فإن لم يمكن كان كناسي الذكر. أمّا لو تعمّد، فإن لم يمكن استدراكه بطلت الصلاة قطعاً؛ للإخلال بالواجب عمداً، ولو تداركه في محلّه ففي صحّة الصلاة وعدمها وجهان:

أحدهما: - وهو الذي اختاره المصنّف في الدروس(1)، والعلّامة في القواعد(2) - الصحّة؛ لحصول ،الغرض وهو الإتيان بالذكر في محلّه.

والثاني: العدم؛ لتحقّق النهي فيما فعل من الذكر في غير محلّه وهو يقتضي الفساد؛ و لاستلزامه زيادة الواجب عمداً، إذ الفرض إيقاعه على وجه الوجوب، وإطلاق البطلان هنا يحتمل الوجهين.

قوله: «إسماع» الذكر نفسه». يُستفاد من ذلك عدم وجوب الجهر والإخفات فيه عيناً كالقراءة، فإنّ اسماع نفسه يشمل الجهر والإخفات وكذا القول في باقي الأذكار والمراد بالتقدير عند حصول المانع من السمع لصممٍ أو غيره.

----------------

قوله: «الطُمأنينة بقدره راكعاً، فلو شرع فيه قبل انتهائه، أو أكمله بعد رفعه بطلَ». أي ذكره، فيتداركه في محلّه مع إمكانه إن لم يكن تعمّد، فإن لم يمكن كان كناسي الذكر. أمّا لو تعمّد، فإن لم يمكن استدراكه في محلّه بطلت الصلاة أيضاً، وإن أمكن ففي بطلان الصلاة قولان أجودهما البطلان.

ص: 540


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 276

السابع : رَفْعُ الرّأسِ مِنْهُ، فَلَوْ هَوَى مِن غَيْرِ رِفْعِ بَطَلَ .

الثامن : الطُّمَانِينَةُ فِيهِ بِمَعْنى السُكونِ، وَلا حَدَّ لَهُ، بَلْ مُسَمّاه. التاسع : أنْ لا يُطِيلَها، فَلَوْ خَرَجَ بِتَطْوِيلِ الطُّمَانِينَة عَنْ كَوْنِهِ مُصَلِّياً بَطَلَتْ.

----------------

قوله: «فلو هوى من غير رفع بطل». أي فعله، ثمّ إن كان عامداً بطلت الصلاة أيضاً، وإلّا استدركه مالم يبلغ حدّ الساجد، فإن بلغه استمرّ؛ لأنّه ليس ركناً على أشهر القولَين.

قوله: «بل مُسمّاه». لعدم وجوب ذكرٍ فيه ليتقدّر بقدره، فيكفي رجوع كلّ عضو إلى مستقرّه.

قوله: «أن لا يُطيلها....» إلى آخره. لمّا كانت الطمأنينة هنا لا تشتمل على ذكرٍ واجب، كان تطويلها بحيث يخرج عن اسم المصلّي مبطلاً للصلاة. بخلاف الطمأنينة في الركوع والسجود، إذ لا حرج في زيادة الذكر فيهما، فقد عُدّ على الصادق علیه السلام ستّون تسبيحة كبرى(1).

فإن قيل (2): لو خيّل الناظر حالتهما أنّه غير مصلّي، فينتفي الحكم بفساد الصلاة؛

لأنّ صحّة الصلاة دائرة مع إطلاق الاسم في غيرهما من المواضع.

قلنا: هذا الخيال لا يُعتبر من مطلق الناظرين لاستلزامه صلاة كلّ من يحتمل أنّه غير مصلّي، بل المراد تخيّل مَن يعلم حقيقة الصلاة، ومن جملة أفعالها الذِكر المخصوص وإن طال على ذلك الوجه بخلاف الطُمأنينة في الرفع، إذ لا وجه لطولها مع عدم الذكر.

----------------

قوله: «رفع الرأس منه فلو هوى من غير رفع بطل». أي فعله، ثمّ إن كان عامداً بطلت الصلاة أيضاً، وإلّا استدركه مالم يبلغ حدّ الساجد، فإن بلغه استمرّ؛ لأنّ الرفع ليس ركناً ولا جزء منه.

ص: 541


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 299، ح 1205
2- هذا القول وجوابه لم يردا في «غ»

السادسة: السُجُودُ

وَواجِبُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ :

الأوّل: السجودُ عَلى الأَعْضاءِ السَبْعَةِ : الجَبْهَةِ، وَالكَفِّينِ، والرُكْبَتَينِ، وَإيهامي الرِجلَينِ.

----------------

قوله: «الجبهة والكفّين...» إلى آخره. الجبهة: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى طولاً، وما بين الجبينين عرضاً ولابدّ من إدخال جزء من حدودها؛ لعدم المفصل المحسوس كما يجب إدخال جزء من الحدود في التيمّم من باب المقدّمة فيهما، وهما على طرف النقيض.

والمراد بالكفّين: الراحة والأصابع، فلا يجب الجمع بينهما، بل يجزئ مسمّى كلّ منهما عن الآخر وإن كان الجمع بينهما مستحبّاً. نعم لو جافي وسط كفّه وسجد على رؤوس أصابعه، بحيث لا يلتقي من بطون الأصابع ما يعتبر في السجود، لم يجزئ.

والمراد بالكفّين باطنهما وإن كانت العبارة أعمّ منه، نعم لو تعذّر الباطن أجزأ الظاهر.

وأمّا إبهاما الرجلين، فإطلاق العبارة والأخبار يقتضي الاجتزاء بأيّ جزء كان منهما وإن لم يكن طرفاً وإن كان السجود على رؤوسهما أحوط، ولا يجزئ غيرهما من

----------------

قوله: «على الأعضاء السبعة». لو تعذّر السجود على الجبهة وأحد الجبينين سجد على الذقن وجوباً، ولا يجب فرق الشعر لتقع البشرة على الأرض.

والجبهة: ما بين قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى طولاً، وما بين الجبينين عرضاً. ولابدّ من إدخال جزء من حدودها، كما يجب إدخال جزء من خارجها في التيمّم.

والمراد بالكفّين: الراحة والأصابع، فلا يجب الجمع بينهما وإن كان مستحبّاً.

ص: 542

الثاني: تَمْكِينُ الأَعْضاء مِنْ المُصَلَّى ، فَلَوْ تَحَامَلَ عَنْهَا بَطَلَ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى

ما لا يتمكن مِنَ الاعْتِمَادِ عَلَيْهِ كَالتَلْجِ وَالقُطْنِ.

الثالث: وَضْعُ الجَبْهَةِ عَلى ما يَصِحُ السُجُودُ عَليْهِ.

الرابع: مُساواةُ مَسْجِدِهِ لِمَوْقِفِهِ، فَلَوْ عَلا أَوْ سَفَلَ بِزِيادَةٍ عَلى لَبِنةٍ بَطَلَ.

----------------

الأصابع على المختار عند المصنّف(1) وجماعة(2)، نعم لو تعذّر السجود عليهما لقصرٍ أو غيره أجزأ غيرهما من الأصابع.

قوله: «تمكين الأعضاء... إلى آخره. المراد الاعتماد عليها بحيث يلقي ثقله عليها، ولا تجب المبالغة في ذلك، بل يكفي مسمّاه.

وضمير «بطل» يعود إلى الفعل وتتبعه الصلاة إن كان متعمّداً وفات محلّه، وإلّا تداركه على الوجه المعتبر. ومثله سجوده على مالا يتمكن من الاعتماد عليه كالثلج اللين أو الذائب والقطن والصوف وغيرهما ممّا لا تثبت عليه الأعضاء ولا يحصل لها مسمّى الطمأنينة مع إمكان السجود على غيرها ممّا يحصل الوصف، أمّا مع التعذّر فيكفي الممكن.

قوله: «مساواة مسجده لموقف... إلى آخره. المراد المساواة عرفاً، فلا يقدح فيه

----------------

قوله: «تمكين الأعضاء...» إلى آخره. المراد به الاعتماد عليها بحيث يلقي ثقله عليها، ولا تجب المبالغة، بل يكفي مسمّاه.

قوله: «فلو علا أو سفل بزيادة على لبنةٍ» اللبنة: بفتح اللام وكسر الباء، ويجوز كسر اللام وسكون الباء.

ص: 543


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 311 : الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 101 ؛ البيان، ص 162 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 112؛ والنهاية، ص71؛ وابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 93؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 301

الخامس : وَضْعُ ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ الوَضْعُ مِنْ العُضْوِ ، فَلَوْ وَضَعَ مِنْهُ دُونَ ذلكَ بَطَلَ.

----------------

تفاوت اللبنة؛ لأنّ الحكم لو تعلّق هنا بالعرف لم يتقدّر باللبنة، بل بما دلّ عليه.

واللبنة بفتح اللام وكسر الباء، ويجوز كسر اللام وسكون الباء على قلّة.

والمعتبر في قدرها كونها موضوعة على أكبر سطوحها، وقُدّرت بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة تقريباً، والمنع من الزائد عليها يقتضي اغتفار قدرها علوّاً وانخفاضاً.

ويعتبر ذلك في بقيّة المساجد أيضاً، كما اختاره المصنّف في غير هذا الكتاب(1). ولا فرق في المنع من الاختلاف بين كونه بسبب بناء أو أرضٍ مُنحدرة، وإنّما يفرّق بينهما في علوّ الإمام على المأموم، كما ذكره الأصحاب(2) هناك وأطلقواه هنا، وهذا كلّه في حال الاختيار.

أمّا لو عجز عن ذلك لمرضٍ ونحوه، فَعَلَ منه ما يمكن بغير مشقّة شديدة، ووجه رفع ما يسجد عليه في ذلك القدر من وسادة ونحوها ولا يكفي الانحناء إليه بدونه.

ولو عجز عن الانحناء أصلاً رفع ما يضع جبهته عليه، وأومأ برأسه ثمّ بعينيه كما سلف.

قوله: «وضع ما يصدق عليه الوضع من العضو». لا فرق في الاكتفاء بمسمّى الوضع بين مسجد الجبهة وغيره على أشهر القولين كما هو مقتضى إطلاق العبارة. واستقرب

----------------

والمعتبر في قدرها كونها موضوعة على أكبر سطوحها، وقُدّرت بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة تقريباً. ويعتبر ذلك في بقيّة المساجد أيضاً، ولا فرق بين كونه بسبب بناء أو أرض منحدرة.

ص: 544


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 311؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 101 ؛ البيان، ص 164 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 160: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 283 : والعلّامة في نهاية الإحكام ج 2، ص 124.

السادس : الذكْرُ فيه ، وهو «سُبْحانَ رَبِّي الأعلى وَبِحَمْدِهِ»، أَوْ ما ذُكِرَ في الرَّكُوع.

السابع: الطُّمَأنينَةُ بِقَدَرِهِ، ساجِداً، فَلَوْ رَفَعَ قَبْلَ إِكَمَالِهِ أَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ وُصولِهِ بَطَلَ.

----------------

المصنّف في الذكرى في مسجد الجبهة أن لا ينقص الموضوع منه عن درهم(1)، تبعاً لا بن إدريس(2).

ولا خلاف في الاجتزاء بالمسمّى في باقي المساجد، كما لا خلاف في عدم وجوب استيعاب الجبهة بالسجود، بل هو الأفضل؛ لما فيه من زيادة الخشوع.

قوله: «أو ما ذكر في الركوع» من قوله: «سبحان الله» ثلاثاً للمختار، أو «سبحان الله» للمضطرّ لا جميع ما ذكر، فإنّ التسبيحة الكبرى فيه لا تجزئ في السجود عند القائل باعتبار الذكر المخصوص، وعلى ما قلناه من الاجتزاء بمطلق الذكر المشتمل على الثناء يُجزئ هنا كما يُجزئ غيره من الأذكار.

قوله: «فلو رفع قبل إكماله... إلى آخره. الكلام فيه كما تقدّم في الركوع، وهو بطلان الصلاة مع العمد مُطلقاً، وتداركه في محلّه إن أمكن لا معه، وإلّا فكناسي ،الذكر، وما تقدّم من الخلاف آتٍ هنا، وضمير «بطل» يعود على الفعل وتتبعه الصلاة على التفصيل وإنّما نسب البطلان إليه؛ لعدم بطلان الصلاة في بعض أقسامه.

----------------

قوله: «أو ما ذكر في الركوع» من قوله: «سبحان الله» ثلاثاً للمختار، أو «سبحان الله» للمضطرّ، لا جميع ما ذكر، فإنّ التسبيحة الكبرى فيه لا تجزئ في السجود عند القائل باعتبار الذكر المخصوص.

ص: 545


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 312 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- السرائر، ج 1، ص 225

الثامن: عَرَبِيَّةُ الذِكْرِ.

التاسع: مُوالاتُهُ.

العاشر: إسماعُ نَفْسِه كَما مَرَّ.

الحادي عشر: رَفْعُ الرأْسِ مِنْهُ.

الثاني عشر : الطُمَانِينَةُ فِيهِ بَحَيْثُ يَسْكُن وَلَوْ يَسيراً، وَلا تَجِبُّ في رفع السجدة الثانية.

الثالث عشر: أنْ لا يُطيلَها كَما مَرَّ.

الرابع عشر: تَتْنِيةُ السُّجُودِ، فَلا تُجزِئُ الواحِدَةُ، ولا يَجُوزُ الزائد.

السابعة: التَشَهدُ

وَواجبهُ تسْعَة:

----------------

قوله: «ولا تجب في رفع السجدة الثانية». أي الطُمأنينة، بل تستحبّ، وهي المسمّاة بجلسة الاستراحة، خلافاً للمرتضى حيث أوجبها(1).

واعلم أنّ الكلام في عربيّة الذكر، وموالاته، وإسماع نفسه، وباقي الأحكام كما تقدّم في الركوع مفصّلاً.

قوله: «التشهّد». هو تفعّل من الشهادة، وهي لغة الحضور(2)، وشرعاً إخبار جازم بتوحيد الله تعالى ونبوّة نبيّنا محمد صلی الله علیه و آله و سلّم، وإطلاقه على ما يشمل الصلاة على النبيّ وآله تغليب.

----------------

قوله: «رفع الرأس منه بحيث يستوي جالساً.

منه». قوله: «ولا تجب في رفع السجدة الثانية». أي لا تجب الطُمأنينة بل تستحبّ، وهي المسمّاة بجلسة الاستراحة.

ص: 546


1- الانتصار، ص 46 المسألة 47
2- الصحاح، ج 2، ص 494 : تاج العروس، ج 5، ص 45، «شهد»

الأوّل: الجُلوسُ لَهُ.

الثاني: الطُّمَانِينَةُ بِقَدَرِهِ.

الثالث: الشَهادَتان.

الرابع: الصَّلاةُ عَلى النَبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم.

الخامس: الصَّلاةُ عَلَى آلِهِ.

السادس: عَرَبيَّتُهُ.

السابع: تَرتِيبُهُ.

الثامن: مُوالاتُهُ.

----------------

قوله: «الطُمأنينة بقدره». فلو شرع في التشهّد قبل إكمال الجلوس ساكناً، أو نهض قبل إكماله، بطلت صلاته مع التعمّد للنهي المقتضي للفساد مع الإخلال بالواجب، ومع تداركه في محلّه الوجهان، وإن كان ناسياً تداركه إن بقي محلّه، هذا كلّه في حال الاختيار.

أمّا عند الضرورة كالعاجز عن الطمأنينة، والمصلّي ماشياً، فلا تجب الطُمأنينة، كما لا يجب الجلوس لو عجز عنه ومثله ما لو اقتضت التقيّة فعله من قيام، كما لو سبق معهم بركعة، فإنّه لا يتخلّف في ثالثة الإمام، بل يتشهّد قائماً؛ لسقوط التشهّد هنا عندهم.

قوله: «عربيّة الذكر». فلا تجزئ الترجمة للقادر على العربية، والجاهل بها يجب عليه التعلّم، فإن ضاق الوقت أتى بما علمه منها، فإن لم يحسن شيئاً أجزأت الترجمة، فإن لم يحسنها فالأقرب وجوب التحميد بقدره.

----------------

قوله: «الطُمأنينة بقدره». فلو شرع في التشهّد قبل إكمال الجلوس ساكناً، أو نهض قبل إكماله بطلت صلاته مع التعمّد، وتداركه في محلّه مع النسيان.

ص: 547

التاسع: مُراعاة المَنْقُولِ، وهو: أشهدُ أَنَّ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللهُمّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّد فَلَوْ أَبْدَلَهُ(1) بمُرادِفِهِ، أَوْ أَسْقَطَ واوَ العَطْفِ أَوْ لَفْظَ «أَشْهَدُ لَمْ يُجْزِى وَلَوْ تَرَكَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه» أَوْ لَفْظَ (2)«عَبْدُهُ» لَمْ يَضُرٌ.

----------------

قوله: «مراعاة المنقول - إلى قوله: - فلو أبدله بمرادفه أو أسقط واو العطف...» إلى آخره. المرادف كَ_ «أتَيَقَّنُ» أو «أجزِمُ» بدل «أشهد»، وإسقاط واو العطف من الشهادة بالرسالة، وحذف لفظ «أشهد» والاكتفاء بواو العطف بأن قال: وأن محمّداً ... إلى آخره، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله علیه السلام جواز الاقتصار على الواو بدون «أشهد»(3). واختاره العلّامة في بعض كتبه(4)، وما هنا أجود.

قوله: «ولو ترك وحده لا شريك له» أو لفظ «عبده» لم يضرّ». ظاهر العبارة جواز حذف «عبده» مع بقاء إضافة الرسول إلى المضمر، وهو خيرة العلّامة(5)، لكنّ المصنّف منع منه، قال في البيان: ولو أضاف الرسول إلى المضمر عند حذف «عبده» لم يجزئ(6).

----------------

قوله: «فلو أبدله بمرادفه أو أسقط واو العطف». المرادف ك_ «أفهم» أو «أعلم» بدل «أشهد»، وإسقاط واو العطف من الشهادة بالرسالة، وحذف «أشهد» والاكتفاء بواو العطف بأن قال: وأنّ محمّداً.

قوله: «ولو ترك وحده لا شريك له» أو لفظ «عبده» لم يضرّ». مع إضافة الرسول إلى المضمر، وإلّا ضرّ.

ص: 548


1- في «ش 1 ، ش 2 بدّله
2- في «ش 1 ، ش 2» لفظة.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 99 ، ح 373
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 500 : تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 335، المسألة 295
5- منتهى المطلب، ج 5، ص 185
6- البيان، ص 168 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)

الثامنة : التَسْلِيمُ

وَواجِبُهُ تِسْعَةً:

الأوّل: الجُلوس لَهُ.

الثاني: الطُمَأنينَةُ بِقَدَرِهِ.

الثالث : إحدى العِبارَتين، إمّا : «السَلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ».

----------------

ويستفاد من العبارة كون صيغ التشهّد المجزئة أربعاً، ومع العمل بظاهرها في الاكتفاء بالمضمر مع حذف «عبده» تصير ستّاً ؛ لأنّ جواز المضمر يقتضي جواز المظهر بطريق أولى.

واعلم أنّ كلّ صيغة يجوز إبدالها بغيرها لاريب في وجوب كلّ منهما تخييراً، وما يجوز فعلها وتركها كلفظ «وحده لا شريك له» هل يوصف بالاستحباب، أو بالوجوب تخييراً؟ يحتمل الأوّل؛ لجواز تركه لا إلى بدل، والواجب ليس كذلك، وهو ظاهر العلّامة(1)، والذي اختاره المصنّف(2) وجماعة(3) الثاني؛ عملاً بظاهر الأخبار الدالّة على كيفيّة الواجب(4). ولا بُعد في التخيير بالواجب بين فعله وتركه كركعتي المسافر الأخيرتين في مواضع التخيير.

قوله: «إحدى العبارتين». هذا قول المحقّق نجم الدين بن سعيد(5)، وجزم به المصنّف

----------------

قوله: «إحدى العبارتين». الأولى الاقتصار في الخروج من الصلاة على «السلام عليكم...» إلى آخره، وجعل «السلام علينا» من جملة التسليم المستحبّ خاتمة له، والأحوط تأخيره عن الواجب.

ص: 549


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 230، المسألة 292؛ منتهى المطلب، ج 5، ص 179.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
3- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 223؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 319
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101، ح 379؛ الاستبصار، ج 1، ص 342، ح 1289
5- شرائع الإسلام، ج 1، ص 89

أوْ «السَلامُ عَلَيْنا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصالحين»، وَالأُولى أَوْلى.

الرابع: التَرْتِيبُ بَيْنَ كَلِماتِهِ.

الخامس: عَرَبِيَّتُهُ.

----------------

في اللمعة(1)، ونفى عنه البأس في الدروس(2)، وجعله في الذكرى قويّاً متيناً بعد أن ذكر أنّه قول حادث في زمان المحقّق أو قبله بيسير(3)، وردّه في البيان أبلغ ردّ(4).

والأولى الاقتصار في الخروج على «السلام عليكم...» إلى آخره للإجماع على الخروج بها، وجعل «السلام علينا...» إلى آخره، من جملة التسليم المستحبّ خاتمة له، كما دلّ عليه بعض الأخبار(5)، واختاره المصنّف في الذكرى(6) والبيان(7).

والأكثر على الاجتزاء ب_ «السلام عليكم»(8) وإضافة «ورحمة الله وبركاته» بنيّة الوجوب أولى وإن قلنا بصحّته بدونها، فيكون ذلك من باب الواجب المخيّر وإن كان بعض أفراده جزءً من البعض الآخر، فإنّ الماهيّة الكليّة المأمور بها تشملهما كما مرّ فى التشهّد.

----------------

قوله: «والأُولى أولى».(9) يستحبّ للمنفرد أن يقصد به الأنبياء والأئمّة علیهم السلام، والحَفظة، ومُسلمي الإنس والجنّ.

ص: 550


1- اللمعة الدمشقيّة، ص 31 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13)
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 104 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- البيان، ص 170 - 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12)
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93، ح 349: الاستبصار، ج 1، ص 347، ح 1307
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- البيان، ص 170 - 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
8- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 119: والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 236 والعلّامة في من المطلب، ج 1، ص 296.
9- هذا القول وشرحه لم يردا في «ش»

السادس: مُوالاتُهُ.

السابع: مُراعاة ما ذُكِرَ، فَلَوْ نَكَّرَ «السلام» أَوْ جَمَعَ «الرَحْمَةَ، أَوْ وَحْدَ «البَرَكات» أَوْ نَحوَه بَطَلَ.

----------------

قوله: «مراعاة ما ذكر، فلو نكّر «السلام» ...» إلى آخره. يستفاد من ذلك وجوب إضافة «ورحمة الله وبركاته» كما دلّ عليه أيضاً قوله: «إحدى العبارتين»، إذ لو قلنا بالاستحباب لم يبطل أصل التسليم بتغيّر كيفيّة المندوب الخارج عن الصلاة من جمع «الرحمة» وتوحيد «البركات».

والمراد بتنكير السلام: حذف لام التعريف منه، فيقول: سلام عليكم والمشهور عدم صحّته، خلافاً للمعتبر حيث اجتزأ به مع نيّة الخروج به؛ محتجّاً بوقوع اسم التسليم عليه، وبأنّه كلمة نطق القرآن بها(1)، فتكون مُجزئة(2). والأوّل محلّ النزاع، والثاني لا يصلح له.

وأمّا جمع «الرحمة» وتوحيد «البركات بقوله: ورحمات الله وبركته، فمبطل على القول بوجوب إضافتها قطعاً.

والمراد بنحو ذلك: إبدال ألفاظه أو بعضها بمرادفه، أو ما هو أعمّ منه كالرأفة والتحيّة ونحوهما.

وضمير «بطل» يعود على التسليم، وتتبعه الصلاة إن تعمّد، وإلّا استدركه مع بقاء محلّه.

----------------

قوله: «فلو نكّر «السلام» ...» إلى آخره. المراد بتنكير السلام: حذف لام التعريف منه، فيقول : سلام عليكم. وبجمع «الرحمة» أن يقول: ورحمات الله. وبتوحيد «البركات» أن يقول : وبركته. والمراد بنحو ذلك : إبدال ألفاظه أو بعضها بمرادفه، أو ما هو أعمّ منه كالرأفة والتحيّة.

ص: 551


1- الرعد (13): (15) هود (11): 69؛ مریم (19): 15
2- المعتبر، ج 2، ص 236

الثامن: تَأخِيرهُ عَنْ التَشَهْدِ، وَلا تَجِبُ فيه نِيَّةُ الخُروج وَإِنْ كَانَتْ أحْوَط.

التاسع: جَعْلُ المُخْرِجَةِ مَا يُقدِّمُهُ مِنْ إحدى العِبارَتَيْنِ، فَلَوْ جَعَلَهُ الثانِيَةَ لَمْ یُجزِی.

----------------

قوله: «ولا تجب فيه نيّة الخروج» لأنّ التسليم جزء من الصلاة، فلا يحتاج إلى نيّة تخصّه كباقي الأجزاء، فإنّ الصلاة فعل واحد والخروج يحصل به لزوماً كباقي العبادات، فإنّ الانفصال منها كافٍ في الخروج منها بغير نيّة إجماعاً.

ووجه الوجوب أنّه عمل يخرج به من الصلاة، فتجب النيّة له؛ لعموم: «إنّما الأعمال بالنيّات»(1). ولا ريب أنّه أحوط؛ لتيقّن الخروج من العهدة. وعلى القول به فهي بسيطة يكفي قصد الخروج منها به، مع احتمال إضافة الوجوب والقربة، أمّا تعيين الفريضة والأداء فلا.

ومحلّها بعد التشهّد مقارنة للتسليم، فلو تقدّمت بطلت الصلاة؛ لمنافاتها الاستدامة الحكميّة. نعم لو نوى قبله الخروج عنده لم يضرّ، لكن لا يكفي عن إعادتها عنده.

قوله: «جعل المخرجة ما يُقدّمه من إحدى العبارتين، فلو جعله الثانية لم يجزئ». هذا القول ليس بجيّد؛ لدلالة الأخبار الصحيحة(2)، وكلام كثير من الأصحاب على تقديم «السلام علينا» بنيّة الاستحباب وإتباعه ب_ «السلام عليكم» بنيّة الوجوب أو الخروج من الصلاة(3).

----------------

قوله: «جعل المُخرجة ما يقدّمه». إنّ الأولى الخروج ب_«السلام عليكم لا غير.

ص: 552


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 2 ؛ كنز العمّال، ج 3، ص 424 ، ح 7272.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 373.
3- كالسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 68: وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 124؛والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 326

وَيَجِبُ فِيهِ وَفِي التَشَهْدِ إِسْمَاعُ نَفْسِهِ.

فَهَذِهِ جَميعُ الواجبات فَإِنْ أُريدَ الحَصْرُ فَفي الرّكْعَةِ الأُولى أَحَدٌ وَستُّونَ،

----------------

قال المصنّف في البيان بعد حكاية هذا القول عن المحقّق(1): إنّه لم يُذكر في خبر ولا مُصنّف بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلون «السلام علينا» مقدّماً على الآخر(2).

وقال في الذكرى:

الاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جميعاً، بادئاً ب-«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، لا بالعكس فإنّه لم يأتِ به خبر منقول ولا مُصنّفٌ مشهور، سوى ما في بعض كتب المحقّق، ويعتقد بندب «السلام علينا» ووجوب الصيغة الأُخرى، وإن أبى المصلّي إلّا إحدى الصيغتين ف_ «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» مخرجة بالإجماع(3). انتهى.

قوله: «ويجب فيه وفي التشهّد إسماع نفسه» هذا أحد الواجبات كما تقدّم في القراءة سرّاً وأذكار الركوع والسجود، فلا وجه لإفراده عن العدد، وعلى كلّ حال فيزيد عدد واجباتهما اثنين. وفي التعبير بإسماع النفس إشارة إلى عدم وجوب الجهر والإخفات فيهما عيناً مُطلقاً، وهو حقّ وإن كان الأفضل للإمام الجهر بهما، وللمأموم السرّ.

قوله: «ففي الركعة الأُولى أحد وستّون»(4). في النيّة منها سبعة، وفي التحريمة أحد عشر، وفي القراءة ستّة عشر، وفي القيام أربعة، وفي الركوع تسعة، وفي السجود أربعة عشر، وذلك أحد وستّون.

ص: 553


1- المعتبر، ج 2، ص 236
2- البيان، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- وردت هذه التعليقة والتي بعدها بتمامها في الحاشية الصغرى أيضاً

وفي الثانِيَةِ أَربَعَةٌ وَأَرْبَعون، وفي الثالثةِ تِسْعَةٌ وَثَلاثُونَ، وَكَذا في الرابعَةِ.

----------------

قوله: «وفي الثانية أربعة وأربعون». لسقوط واجبات النيّة، إلّا الاستدامة الحكميّة فإنّها باقية في جميع الركعات، وسقوط واجبات التكبير، وذلك سبعة عشر، يبقى أربعة وأربعون.

قوله: «وفي الثالثة تسعة وثلاثون». إن اختار فيها قراءة الحمد، كما يُرشد إليه قوله بعد: «وإن تخيّر التسبيح»، وحينئذٍ يسقط منها واجبات السورة، وهي خمسة: إكمال السورة، ووحدتها، وكونها غير عزيمة، والقصد بالبسملة إلى سورة معيّنة، وعدم الانتقال من سورة إلى غيرها إلى آخره.

وبقي من واجبات القراءة أمران لهما مدخل في واجبات السورة:

أحدهما البسملة أوّل الحمد والسورة.

الثاني: تقديم الحمد على السورة.

والأوّل منهما يدخل في إكمال السورة؛ لأنّ البسملة آية من كلّ سورة عندنا، فلذا تركه.

وأمّا الأمر الآخر فوجه تركه أنّ حاصله البدأة بالحمد بعد القيام بحيث لا تسبقها السورة، وهو أمر حاصل مع عدم السورة.

وأيضاً فكما يصلح كونه من واجبات السورة يصلح أن يكون من واجبات الحمد، فإنّ معناه بالنسبة إلى السورة تأخيرها. وبالنسبة إلى الحمد تقديمها، فجاز الاستغناء عنه.

والشارح المحقّق ذكره من الخمسة وترك ذكر إكمال السورة(1)، وبعد الإحاطة بما قلناه يُعلم أنّ ما هنا أصوب.

----------------

قوله: «وفي الثالثة تسعة وثلاثون». إن اختار فيها قراءة الحمد، كما يدلّ عليه قوله بعد: «وإن تخيّر التسبيح»، وحينئذٍ يسقط من الأربعة والأربعين واجبات السورة، وهي خمسة: إكمال السورة ووحدتها، وكونها غير عزيمة. والقصد بالبسملة إلى سورة معيّنة وعدم الانتقال من سورة إلى غيرها.

ص: 554


1- شرح الألفيّة، ص 148 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

وَإِنْ تَخَيَّرَ التَسْبيحَ صَارَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهما اثنانُ وَثَلاتُون، فَفِي التُنانِيَّةِ مائةٌ وَثَلاثَةٌ وَعُشْرُون فَرْضَاً، وَفي الثلاثِيَةِ مائةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعون، وَفِي الرُباعِيَّةِ مائتان وَعَشْرَةٌ. فَفَى الخَمْسِ حَضَراً تسعمائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعُشرون فرْضَاً مُقارنةً، وَسَفَراً سِتَمائَةٌ وَثَلاثَةٌ وستّون،

----------------

قوله: «وإن تخيّر التسبيح صار في كلّ واحدةٍ منهما اثنان وثلاثون»(1). وذلك لسقوط واجبات القراءة بأسرها، وهي ستّة عشر من أربعة وأربعين، وإضافة واجبات التسبيح - وهي أربعة كما أشار إليها سابقاً بقوله: «مرّتباً موالياً إخفاتاً بالعربيّة» - إلى الباقي وهي ثمانية وعشرون.

قوله: «ففي الثنائيّة مائة وثلاثة وعشرون». لإضافة واجبات التشهّد والتسليم وهي ثمانية عشر إلى ما وجب في الركعتين، وهو مائة وخمسة.

قوله: وفي الثلاثيّة مائة وأحد وسبعون». بإضافة واجبات التشهّد وهي تسعة، وواجبات الركعة الثالثة وهي تسعة وثلاثون، إلى ما يجب في الثنائيّة وهو مائة وثلاثة وعشرون.

قوله: وفي الرباعيّة مائتان وعشرة». بإضافة ما يجب في الركعة الرابعة، وهو تسعة وثلاثون، إلى مائة وأحد وسبعين.

قوله: «ففي الخمس حضراً تسعمائة وأربعة وعشرون فرضاً». منها في الرباعيّات الثلاث ستّمائة وثلاثون، وفي الثلاثيّة والثنائيّة مائتان وأربعة وتسعون، والجميع ما ذكر.

قوله: «وسفراً ستّمائة وثلاثة وستّون». لأنّها تصير أربع ثنائيّات وواجباتها أربعمائة واثنان وتسعون، وثلاثية تُضاف واجباتها وهي مائة وإحدى وسبعون إلى المجتمع، يبلغ ما ذكر.

ص: 555


1- وردت هذه التعليقة والتعليقات التي تلي بعدها إلى قوله «كما تقدّم» - متناً وشرحاً - في الحاشية الصغرى أيضاً

وَلِلمُسبِّح ثَمانمائةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعون حَضَرَاً، وسَفَراً ستَمائَةٌ وَسِتَةٌ وَخَمْسون.

----------------

قوله: «وللمسبّح ثمانمائة وخمسة وسبعون». لأنّ واجبات كلّ من الثالثة والرابعة للقارئ وهي تسعة وثلاثون كما تقدم، وللمسبح اثنان وثلاثون، ينقص من كلّ ركعة من الأخيرتين سبعة، وهي سبع ركعات في الخمس، فالساقط منها تسعة وأربعون يسقط تسعمائة وأربعة وعشرين يبقى ما ذكر.

قوله: «وسفراً ستّمائة وستّة وخمسون». وهي الستّمائة والثلاثة والستّون التي تقدّمت للقارئ، ينقص منها سبعة من ثالثة المغرب، هي التفاوت بين الواجب ع-ل-ى تقدير التسبيح والقراءة كما تقدّم مراراً يبقى ما ذكر.

ص: 556

الفصل الثالث في المُنافيات

وهى خَمْسَةٌ وعشرون:

الأوّل: نَواقِضُ الطَهارَةِ مُطلقاً وَمُبطلاتها، كالطَهَارَةِ بالماءِ النَّجْسِ أَوْ المَغْصُوبِ، عَمْداً، عَالِماً في الأَخِيرِ.

----------------

قوله: «الفصل الثالث في المنافيات». المراد بالمنافيات ما يمنع صحّة الصلاة في الجملة، أعمّ من إبطالها مطلقاً أو على بعض الوجوه، فيدخل فيه ما هو منافٍ مُطلقاً أو في حال العمد خاصة.

قوله: «نواقض الطهارة مُطلقاً». سواء صدرت اختياراً أم لضرورة، وَرَدَّ بذلك على ماذكره الشيخ في أحد قوليه من عدم إعادة الصلاة ممّا سبق من الحدث، بل يبني عليها بعد إعادة الطهارة(1).

وليس المراد بالإطلاق شمول العمد وغيره(2) وإن كان الحكم فيه كذلك؛ كما سيأتي

----------------

قوله: «نواقض الطهارة مطلقاً». سواء صدرت اختياراً أو اضطراراً، والمراد ب_ «مبطلاتها» موانع صحّتها كالطهارة بالماء النجس، سواء علم بالنجاسة أم لا. وأمّا الطهارة بالماء المغصوب فإنما تنافي الصلاة مع العمد، أمّا مع الجهل بالغصب أو النسيان له فلا. والجاهل بالحكم خاصّة عامد وفي حكمه الناسي.

ص: 557


1- الخلاف، ج 1، ص 409، المسألة 157 : المبسوط، ج 1، ص 173؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 205
2- كما ذكره المحقق الكركي في شرحه للألفية، ص 150 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)

الثاني: اسْتِدْبارُ القِبْلَةِ مُطْلَقاً، أوْ اليَمِينِ أَوْ اليَسارِ مَعَ بَقاءِ الوَقْتِ.

----------------

من قوله في الرابع عشر: «وهذه المنافيات وإن وقعت سهواً». وأيضاً فلا فائدة في تخصيص هذه الصورة بالإطلاق عمّا بعدها، فإن الأمر فيها كذلك.

والمراد ب_«مبطلاتها» موانع صحّتها كالطهارة بالماء النجس، سواء علم بالنجاسة أم لا حتّى لو استمرّ الجهل به حتّى مات فإنّ الصلاة باطلة غايته عدم المؤاخذة عليها؛ لاستحالة تكليف الغافل كناسي الصلاة أصلاً كذلك.

وأمّا الطهارة بالماء المغصوب فإنّما تنافي الصلاة مع العمد، أمّا مع الجهل بالغصب أو النسيان له فلا. والجاهل بالحكم خاصّة عامد، وفي حكمه الناسي له.

والفرق بين الجهل بالنجاسة والغصبيّة: أنّ مانع النجاسة ذاتي فلا يغيّره الجهل به، بخلاف الغصب فإنّه عرضي بسبب النهي عن التصرّف في مال الغير، ومع الجهل والنسيان لا يتحقّق النهي؛ لعدم التكليف حينئذٍ، فينتفي المانع، وفي حكم المغصوب المشتبه به.

قوله: «استدبار القبلة مُطلقاً». أي في الوقت وخارجه؛ بدليل ما سيأتي من التقييد في قسمه الآخر، لا عمداً وسهواً؛ كما سيأتي من التنبيه عليه.

والمراد بالاستدبار بكلّه إمّا لعدم تحقّق ما سواه فإنّ الوجه لا يكاد يصل إلى حدّ الاستدبار وإن وصل النظر، وإمّا لدلالة قول الباقر علیه السلام في رواية زرارة: «الالتفات يقطع

----------------

قوله «استدبار القبلة مطلقاً». أي سواء ذكر ذلك في الوقت أم خارجه؛ بدليل ما سيأتي من التقييد في قسمه الآخر.

وخلاصة المسألة أنّ المستدبر والمنحرف إن كان عامداً أعاد مُطلقاً، وسيأتي حكمه.

وإن كان ظانّاً أو ناسياً أعاد المستدبر في الوقت وخارجه، والآخر في الوقت لا غير، وإلّا أعاد الجميع في الوقت خاصّة. هذا إذا كان الانحراف بالبدن، أمّا لو كان بالوجه خاصة فيكره مالم يبلغ حدّ الاستدبار.

ص: 558

الثالث: الفِعْلُ الكثير عادَةً.

----------------

الصلاة إذا كان بكلّه»(1)، ولو فرض الاستدبار بالوجه خاصّة ففي إبطاله الصلاة نظر.

أمّا الالتفات إلى محض اليمين أو اليسار، فإن كان بوجهه خاصّة لم يفسد وإن كان مكروهاً، وإن كان بكلّه أوجب الإعادة في الوقت لا في خارجه إن لم يكن عن عمد، ومعه تبطل الصلاة كالاستدبار كما سيأتي التصريح به في الحادي والعشرين بقوله: «تعمّد الانحراف عن القبلة».

وحينئذٍ فيكون قوله: «أو اليمين...» إلى آخره مُبيّناً لحكم الظانّ والناسي والعامد وإن كان داخلاً في إطلاقه من حيث استواء العامد وغيره في هذه المنافيات، إلّا أنّ تمام حكمه يأتي فيما بعد.

وإنّما فرّقه كذلك؛ لمناسبة اقتضاها الاختصار، فإنّ وجوب إعادة الظانّ والناسي في الوقت يشاركهما فيه العامد، فلا يضرّ ترك الاحتراز عنه مراعاة للاختصار، ثمّ بيّن عموم إعادته مُطلقاً في المسألة الآتية.

وبما ذكرناه من التقرير اندفعت إيرادات الشارح المحقّق على العبارة بأسرها(2). قوله: «الفعل الكثير عادةً». وهو ما يخرج به عن كونه مُصلّياً، والمرجع في الكثرة والقلّة إلى العادة - كما ذكر - لا إلى اللغة، ومن ثمّ لم تؤثّر حركة الأصابع بالتسبيح وغيره وإن زاد عن ثلاثة.

ومثّلوا للقلّة بالإشارة بالرأس، وتصفيق اليد، وضرب الحائط، وخلع النعل، ولبس الثوب الخفيف ونزعه وقتل الحيّة والعقرب، والخطوة، والضربة، بل والخطوتين

----------------

قوله: «الفعل الكثير عادةً». وهو ما يُخيّل للناظر إعراض فاعله عن الصلاة، كالوثبة الكبيرة والخطوات الكثيرة، دون الخطوة والخطوتين وحركة الأصابع والإشارة بالرأس، ونحو ذلك(3).

ص: 559


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 199 ، ح 780؛ الاستبصار، ج 1، ص 405. ح 1، 1543
2- شرح الألفيّة، ص 152 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
3- في «ش»: ونحوه

الرابع: السكوتُ الطَويلِ عادَةً.

الخامس : عَدَمُ حِفْظِ عَدَدِ الرَكَعَاتِ.

السادس: الشَدُّ في الرَكعَتَيْنِ الأُولَتَيْنِ أَوْ الثنائيّة أَو فى المَغرِبِ.

----------------

والضربتين. أمّا الثلاث فكثير، وفي حكمه الوثبة الكبيرة، ونحوها ممّا يخيّل للناظر إعراض فاعله عن الصلاة.

ويشترط التوالي، فلو تفرّق على الركعات لم يضرّ على أصحّ الوجهين.

قوله: «السكوت الطويل عادة». وهو الذي يخرج به عن كونه مُصلّياً، وقد مرّ تحقيقه في القراءة.

قوله: «عدم حفظ عدد الركعات». وهو الذي لم يدرِ كَمْ صلّى، فتبطل صلاته إذا لم يغلب على ظنّه شيء؛ لرواية صفوان عن أبي الحسن علیه السلام: «إذا لم تدرِ كم صلّيت، ولم يقع وهمك على شيء، فأعد الصلاة»(1).

قوله: «الشكّ في الركعتين الأوليين أو الثنائيّة أو فى المغرب». هذا إذا لم يغلب ظنّه على شيء، وإلّا بني عليه.

ومن الثنائيّة الكسوف فيبطلها الشكّ في الركعات، أمّا في عدد الركوع فيبني على الأقلّ إن لم يستلزم الشكّ في الركعات كما لو شكّ بين الخامس والسادس؛ لأنّه إن كان في الخامس فهو في الأُولى، أو في السادس فهو في الثانية، وإلّا بطلت أيضاً.

----------------

قوله: «عدم حفظ عدد الركعات». بحيث لم يدرِ(2) كَم صلّى فتبطل صلاته إذا لم يغلب على ظنّه شيء، وإلّا بنى عليه.

قوله: «الشكّ في الركعتين الأُوليين أو الثنائيّة». هذا إذا لم يغلب ظنّه على شيء، وإلّا بني عليه.

ص: 560


1- الكافي، ج 3، ص 358، باب من شكّ في صلاته كلّها و.... ح 1 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187، ح 744: 373 الاستبصار، ج 1، ص 373 ، ح 1419
2- في «ش» يذكر

السابع: نَقْصُ رُكْنٍ مِن الأَرْكَانِ الخَمْسَةِ: النِيَّةِ، وَالتَكْبِيرِ، وَالقِيامِ، والرَّكُوعِ، والسجدَتين أو زيادَتُهُ.

----------------

قوله: «نقص ركن من الأركان الخمسة...» إلى آخره. أمّا التكبير والركوع فلا إشكال في ركنيّتهما.

وأمّا النيّة فهي أشبه بالشرط، بل قيل إنّها شرط(1)، وعلى القولين تبطل الصلاة

بنقصها، وأمّا زيادتها فإنّما تبطل بها على ما اختاره المصنّف من أنّها ركن(2).

وأمّا القيام فليس جميعه ركناً؛ لعدم بطلان الصلاة بزيادته ونقصانه سهواً مُطلقاً، بل الركن منه هو القيام الذي يركع عنه، واستلزام زيادته أو نقصه على هذا الوجه زيادة الركوع أو نقصه - وهو كافٍ في إبطال الصلاة - لا يقتضي عدم ركنيّة القيام أيضاً، غايته استناد البطلان إلى كلّ واحدٍ منهما، وليس بضائر، فإنّ علل الأحكام الشرعيّة مُعرّفات لها لا علل عقليّة، فلا يضرّ تعدّدها، وليس الركن مجموع القيام المتّصل بالركوع، بل الأمر الكلّى منه، ومن ثمّ لو نسي القراءة قائماً ثمّ ركع لم تبطل الصلاة.

وأمّا السجدتان فالمشهور كونهما معاً ،ركناً، لا الواحدة، فلا تبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها نسياناً.

ويرد عليه أنّ المجموع يفوت بفوات جزء من أجزائه، إذ نقصان الواحدة غير مُبطل، وهو ينافي ركنيّة المجموع من حيث هو مجموع والتزم المصنّف لذلك بأنّ الركن مسمّى السجود، وهو الأمر الكلّي الصادق بالواحدة لا مجموعهما.

----------------

قوله: «والقيام». ليس مطلق القيام ركناً؛ لعدم بطلان الصلاة بزيادته ونقصانه سهواً، بل الركن منه هو القيام الذي يركع عنه. فلو نسي القراءة قائماً وركع صحّت صلاته؛ لتحقّق مسمّى القيام الركني.

ص: 561


1- قاله المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 149
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 179 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

الثامن: نَقْصُ رَكْعَةٍ فَصَاعِداً ثُمَّ يَذكُر بَعْدَ المُنافِي مُطْلَقاً.

التاسع: زيادَةُ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ آخِرَ الرابِعَةِ بِقَدَرِ التَشَهْدِ.

----------------

وأورد عليه لزوم البطلان بزيادة السجدة الواحدة؛ لصدق مسمّى السجود عليه المحكوم بركنيّته، كما ذهب إليه ابن أبي عقيل(1) والأصحاب(2)، والنصّ على خلافه(3).

ويمكن الجواب عنه بأنّ الحكم بالبطلان بزيادة الركن ليس كلّياً؛ لتخلّفه في مواضع مشهورة، فيكون هذا منها؛ لعدم القائل بالحصر، خصوصاً مع ورود النصّ على عدم الإبطال بزيادة الواحدة سهواً(4)، وعدم تماميّة الحكم بجعل المجموع هو الركن والله أعلم.

قوله: «نقص ركعة فصاعداً ثمّ يذكر بعد المنافي مطلقاً». أي عمداً وسهواً كالحدث والفعل الكثير ونحوهما، أمّا لو ذكر النقص بعد فعل المنافي عمداً خاصّة كالكلام لم تبطل الصلاة، بل يكمّلها ويفعل ما يوجبه على أصحّ القولين؛ لكونه في حكم الساهي بالنسبة إلى الفعل.

قوله: «زيادة ركعة ولم يقعد آخر الرابعة بقدر التشهّد». إنّما خصّ الرابعة بالذكر

----------------

قوله: «نقص ركعة فصاعداً ثمّ يذكر بعد المنافي مطلقاً». أي المنافي عمداً وسهواً كالحدث، أمّا لو ذكر النقص بعد فعل المنافي عمداً خاصّة كالكلام لم تبطل الصلاة، بل يكملها ويفعل ما يوجبه المنافي.

قوله: «زيادة ركعة ولم يقعد آخر الرابعة بقدر التشهّد». إنّما خصّ الرابعة لأنّها مورد النصّ ويتعدّى الحكم إلى الثلاثيّة والثنائيّة، ولا فرق بين زيادة ركعة وأكثر إذا جلس آخر الصلاة بقدر التشهّد وإن لم يتشهّد ولا يشترط الجلوس بقدر التسليم.

ص: 562


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 273، المسألة 363
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 138؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 119؛ وسلار في المراسم، ص 89؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 373 المسألة 263
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 153، ح 602: الاستبصار، ج 1، ص 359، ح 1361
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 153، ح 602: الاستبصار، ج 1، ص 359، ح 1361

العاشر: عَدَمُ حِفْظِ الأُولَتَين.

----------------

لأنّها مورد النصّ(1)، والظاهر عدم الفرق بينها وبين الثلاثيّة والثنائيّة كما اختاره المصنّف في الذكرى(2)، كما لا فرق بين زيادة ركعة وأكثر إذا جلس آخر الصلاة بقدر التشهّد وإن لم يتشهّد على أصحّ القولين. ولا يشترط الجلوس مع ذلك بقدر التسليم؛ إمّا لعدم وجوبه، أو لخلوّ النصّ منه ، ويمكن استفادة عدم وجوبه منه مضافاً إلى مادلّ عليه من الأخبار(3) والاعتبار.

ولو ذكر الزيادة بين الركوع والسجود فكذلك عند المصنّف(4)، وجماعة(5)، واحتمل العلّامة هنا الإبطال(6)؛ لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركناً آخر، وإن لم نأمره زاد ركناً غير متعبّد به بخلاف الركعة واعتبار الجلوس بقدر التشهّد يكفي في تحقّق صورة الصلاة، فلا تؤثّر الزيادة سهواً، ولو ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في الصحّة؛ لعدم كون زيادة هذا القيام مُبطلة، فيجلس وعليه سجدتا السهو.

والواو في قوله: «ولم يقعد للحال، أي والحال أنّه لم يقعد.

قوله: «عدم حفظ الأُوليين». الفرق بين هذه الصورة وبين ما ذُكر في السادسة من الشكّ في الأوليين فرقٌ ما بين العامّ والخاصّ، فإنّ عدم حفظ الأُوليين أعمّ من حصول الاعتقاد في الركعة والركعتين على التساوي المعبّر عنه بالشكّ، ومن عدم الاعتقاد بالكليّة، فتكون الأُولى أخصّ من هذه مطلقاً، وهو كافٍ في عدم التكرار والاحتياج إلى إعادتها، فإنّ الخاصّ لا يستلزم العامّ، بخلاف العكس، نعم، لو قدّم الثانية على الأُولى أمكن الاكتفاء بها.

وأمّا الفرق بينها وبين الخامسة فواضح؛ لأنّ موضوع هذه الركعتان، وتلك الركعات، وأحدهما غير الآخر وإن أمكن استفادته منه في بعض الموارد.

ص: 563


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 766 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1431
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 412 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 320، ح 1306 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 345 ، ح 1301
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 412 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 120؛ والعلّامة في قواعد الأحكام، ج 1، ص 306
6- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 310، المسألة 339

الحادي عشر: إيقاعُها قَبْلَ الوَقْتِ.

الثاني عشر: إيقاعُها فِي مَكَانٍ أَوْ تَوْبِ نَجِسَينِ أَوْ مَعْصوبَينِ مَعَ تَقَدِّمِ عِلْمِهِ بذلِكَ، وَكَذا البَدَن.

----------------

قوله: «إيقاعها قبل الوقت». لا فرق في ذلك بين العامد والناسي والظانّ مع إمكان العلم أولا معه إذا وقعت جميعها قبل الوقت، كما هو المفروض هنا. أمّا لو دخل الوقت فی أثنائها، فإن كان عامداً لم يؤثّر في الصحّة؛ لانعقادها باطلة، ومثله الظانّ إذا كان له طريق إلى العلم، ومع عدمه يصحّ قولاً واحداً.

وفي الناسي وجهان أصحّهما عند المصنّف إلحاقه بالعامد(1)؛ لأنّ الوقت سبب في الوجوب، فلا يتقدّم عليه، والإجزاء تابع له خرج عنه الظانّ للرواية(2)، فيبقى الباقي على أصله، ولتفريطه بعدم التحفّظ مع قدرته عليه.

قوله: «إيقاعها في مكان أو ثوب نجسين أو مغصوبين مع تقدّم علمه، وكذا البدن».

----------------

قوله: «إيقاعها قبل الوقت». المراد إيقاعها جميعها قبله ليشركه في البطلان العامد والناسي والظانّ. أمّا لو دخل الوقت وهو فيها فكذلك إن كان عالماً بعدم الدخول، أو ظانّاً دخول الوقت وله طريق إلى العلم، أمّا لو لم يكن له طريق صحّت صلاته إذا دخل الوقت وهو فيها. وفي الناسي وجهان أصحّهما عند المصنّف إلحاقه بالعامد.

قوله: «إيقاعها في مكان أو ثوب نجسين أو مغصوبين مع تقدّم علمه». يجب تقييد نجاسة المكان بمسجد الجبهة أو بتعدّي النجاسة المتعدّية على وجه لا يُعفى عنها؛ إذ لا تضرّ نجاسة غير مسجد الجبهة إذا لم تتعدّ، أو تعدّت على وجه يُعفى عنه كما مرّ، وكذا الثوب يجب تقييد نجاسته بما لا يعفى عنها. وقوله مع تقدّم علمه» قيد في المسألتين، فتبطل الصلاة بأحد الوصفين مع سبق العلم به

ص: 564


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 295 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 64 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 9).
2- الكافي، ج 3، ص 286 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والربح ومن صلّى لغير القبلة، ح 11: الفقيه، ج 1، ص 222 ، ح 667 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 35 ، ح 110

....................................

----------------

يجب تقييد نجاسة المكان بمسجد الجبهة، أو تقييد النجس بالنجاسة المتعدّية على وجه لا يُعفى عنها، إذ لا تضرّ نجاسة غير مسجد الجبهة إذا لم تتعدّ، أو تعدّت على وجه يُعفى عنه كقليل الدم، أو إلى مالا تتمّ الصلاة فيه وحده كما تقدّم تفصيله(1)، وكذا الثوب تقييد نجاسته بما لا يُعفى عنها مع إمكان إزالتها كما سلف(2).

وقوله «مع تقدّم علمه» قيد في مسألتي النجاسة والغصب، فتبطل الصلاة بأحد الوصفين مع سبق العلم به وإن نسيه حال الصلاة، كما يقتضيه إطلاق العبارة، فيعيد ناسي النجاسة والغصب في الوقت وخارجه على أصحّ الأقوال.

وخرج به الجاهل بالأصل، فلا ينافي ذلك صلاته على حدّ ما ينافيها فيهما، وهو أعمّ من أن يوجب عليه الإعادة في الوقت خاصّة أم لا يوجبها مُطلقاً، ومختار المصنّف الثاني فيهما(3).

واعلم أنّ الشارح المحقّق ادّعى الإجماع هنا على عدم وجوب إعادة ناسي الغصب بعد خروج الوقت، وذكر أنّ الخلاف إنّما وقع في إعادته في الوقت خاصّة أو عدم الإعادة مطلقاً(4).

وما أدري من أين علمَ هذا المحقّق الإجماع الذي ادّعاه مع الخلاف المشهور فيه،

----------------

وإن نسيه حال الصلاة وخرج به الجاهل بالأصل، فإنّه يُعيد في الوقت خاصة.

قوله: «وكذا البدن». المشبّه به في السابق المشار إليه ب_ «كذا» هو حكم نجاسة الثوب والمكان، فتبطل الصلاة في البدن النجس مع تقدّم العلم بالنجاسة وإن نسيها حال الصلاة.

ص: 565


1- تقدّم في ص 489.
2- تقدّم في ص 477
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97؛ وج 2، 396؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 48 : البيان 91 و 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 9 و 12)
4- شرح الألفية، ص 158 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

الثالث عشر : مُنافاتُها لِحَقِّ آدَمِي مُضَيَّقٍ عَلى قَوْلٍ.

----------------

حتّى أنّ العلّامة اختار في أكثر كتبه كالقواعد(1) والنهاية(2) إعادة الناسي مطلقاً.

وليس لأحدٍ أن يقول بإمكان دعوى الإجماع مع مخالفة العلّامة وغيره من معلومي النسب؛ لأنّ هذه الدعوى مشتركة الإلزام، فإنّ الذي صرّح بالإعادة في الوقت أو بعدم الإعادة محصور أيضاً معلوم النسب، فيمكن دعوى الإجماع على خلافه، وفي هذه المسألة مزيد تحقيق في محلّ آخر حجّةً وتقريراً.

وقوله وكذا البدن» معطوف على ما قبله، والمشبّه به في السابق المشار إليه ب_«كذا» هو حكم نجاسة الثوب والمكان، فتبطل الصلاة في البدن النجس مع تقدّم العلم بالنجاسة وإن نسيها حال الصلاة.

ونُقل عن المصنّف أنّ حكم المشبّه به حكم النجاسة والغصب، ومثّل الغصب في البدن بالعبد الآبق فإنّه غاصب لبدنه إذ هو ملك للغير، وليس ببعيد وإن أنكره الشارح المحقّق بناءً على أنّ الغصب نسبة تستدعي غاصباً ومغصوباً ومغصوباً منه(3)، فإنّ المغايرة الاعتباريّة كافية في مثل ذلك كالموجب والقابل في العقود. نعم بالغ بعضهم في ذلك وجعل الزوجة الناشزة من هذا القبيل(4)، وهو فاسد قطعاً؛ لأنّ بدن الزوجة ليس ملكاً للزوج وإن وجب عليها التمكين للاستمتاع، والله أعلم بحقيقة أحكامه.

قوله «منافاتها لحقّ آدمي مُضيّق على قول». المراد بالحقّ المضيّق المأمور بأدائه

----------------

قوله: «منافاتها لحقّ آدمی مُضیّق علی قول» المراد بالحقّ المضیّق: المامور بادائه علی الفور، كردّ الوديعة المطالب بها، ووفاء الدين كذلك مع القدرة، وردّ العين المغصوبة، وأداء الزكاة والخمس وإن لم يُطالب.

ص: 566


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 258.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 378
3- شرح الألفيّة، ص 159 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
4- حكاه المحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 159) (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج7) عن بعض القاص القاصرين

....................................

----------------

على الفور، كردّ الوديعة المطالب بها، ووفاء الدين كذلك مع القدرة، وردّ العين المغصوبة، وأداء الزكاة والخمس وإن لم يُطالب، ونحو ذلك.

ومعنى منافاتها له: عدم إمكان الجمع بينهما في حال الصلاة، فلو أمكن فلا إبطال سعة الوقت.

والقول المشار إليه خرّجه بعض أصحابنا المتأخّرين - مع اعترافهم بعدم النصّ عليه - من أنّه مأمور بقضاء الحقّ على الفور، فيكون منهيّاً عن أضداده التي من جملتها الصلاة إذا استلزمت المنافاة، والنهى في العبادة مفسد لها(1).

وهو مأخذ ضعيف، فإنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي النهي عن ضدّه العامّ الذي هو النقيض، لا الخاصّ كالصلاة(2) وإن كان العامّ لا يتقوّم إلّا بالأضداد الخاصّة؛ لإمكان الكفّ عن الأمر الكلّي من حيث هو هو، فإنّ الأمر بالكلّي ليس أمراً بشيء من جزئيّاته وإن توقّف عليها من باب المقدّمة، على ما اختاره المحقّقون من الأُصوليين(3).

وأمّا ما روي من أنّ صلاة مانع الزكاة لا تُقبل(4)، فلا دلالة لها على محلّ النزاع، فإنّ القبول كثيراً ما يُستعمل فى الفرد الكامل منه ك_ «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(5)، وإنّ من الصلاة لما يُقبل نصفها إلى العشر(6)، مع أنّها صحيحة؛ لعدم إمكان تشطير الصحّة شرعاً.

----------------

ومعنى منافاتها له: عدم إمكان الجمع بينهما في حال الصلاة، فلو أمكن لم يبطل.

ص: 567


1- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 33
2- كالصلاة: لم ترد في «غ»
3- انظر المعتمد في أصول الفقه، ج 1، ص 197
4- الكافي، ج 3، ص 503، باب منع الزكاة، ذيل الحديث : الفقيه، ج 2، ص 10، ح 1586 : تهذيب الأحكام ج 4، ص 111 . ح 326.
5- المائدة (5): 27
6- إشارة للحديث النبوي المروي في عوالي اللآلي، ج 1، ص 411 ، ح 78؛ والقواعد والفوائد، ص 322 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15) والفروق، القرافي، ج 2، ص 53.

الرابع عشر : البلوغ في أثنائها إذا بَقِيَ مِن الوَقْتِ قَدَرُ الطَهَارَةِ وَرَكْعَةٍ.

الخامس عشر : تَعَمّدُ وَضْعِ إحدى اليَدَينِ على الأُخرى لِغَيْرِ تَقِيَّةٍ.

----------------

وحكاية المصنّف له قولاً يُشعر بتوقّفه فيه، ولا ريب أنّه أحوط وأبلغ في الزجر عن المعصية والتوثّب على الحقوق الماليّة.

قوله: «البلوغ في أثنائها إذا بقي من الوقت قدر الطهارة وركعة». يمكن فرض ذلك بالبلوغ بالسنّ بأن يكمل السنة الخامسة عشرة أو التاسعة في أثناء الصلاة فإنّها تبطل بناءً على أنّ عبادته قبل البلوغ تمرينيّة ومندوبة فلا تُجزئ عن الواجب وإن سوّغناله نيّة الوجوب، كما اختاره المصنّف في الذكرى(1)؛ لأنّ المقصود به وقوع التمرين موقعه، لا الوجوب المتعارف.

وللشيخ قول بالإتمام هنا(2)؛ بناءً على أنّ عبادته معتبرة شرعيّة لأمر الوليّ بأن يأمره(3)، وهو معنى الشرعي. هذا كلّه إذا كان يبقى من الوقت بعد القطع مقدار الطهارة وركعة وإلّا بنى على صلاته قولاً واحداً.

ويُستفاد من قوله «قدر الطهارة» أنّه يجب عليه إعادة الطهارة أيضاً لعين ما ذُكر ولا فرق في ذلك بين الذكر والأُنثى، خلافاً لظاهر المعتبر(4).

قوله: «تعمّد وضع إحدى اليدين على الأُخرى لغير تقيّة». هذا هو المشهور، بل ادّعى عليه الشيخ(5) والمرتضى الإجماع(6)، والمنقول منه بخبر الواحد حجّة، فلا يضرّ

----------------

قوله: «تعمّد وضع إحدى اليدين على الأُخرى لغير تقيّة». لا فرق في ذلك بين وضع اليُمنى

ص: 568


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 32 و 223 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
2- المبسوط، ج 1، ص 112
3- الكافي، ج 3، ص 409 ، باب صلاة الصبيان ومتى يؤخذون بها ، ح : الفقيه، ج 1، ص 280، ح 861؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 380 ، ح 1584
4- المعتبر، ج 2، ص 47
5- الخلاف، ج 1، ص 321، المسألة 74
6- الانتصار، ص 41 المسألة 39

السادس عشر : تَعَمّدُ الكَلامِ بِحَرفَيْنِ غَيْرِ قُرآنٍ وَلَا دُعاءٍ، وَمِنْهُ التَسْلِيم.

----------------

قدح المحقّق في المعتبر فيه وحكمه بالكراهة(1)، وقدورد النهي عنه في أحاديث(2)، وليست العلّة كونه فعلاً كثيراً، بل النصّ(3) والإجماع.

ولا فرق بين وضع اليمين على الشمال الذي هو مورد فعل المخالف(4)، وبين العكس كما يقتضيه إطلاق العبارة، وصرّح به في غيرها(5)، ولا بين كونهما مع ذلك فوق السرّة أو تحتها، ولا بين أن يكون بينهما حائل أولا؛ لإطلاق النهي في ذلك وإن كان مذهب المخالف مخصوصاً ببعض هذه الأحوال(6).

قوله: «تعمّد الكلام بحرفين». وفي حكمه الحرف الواحد المُفهم، كما في الأمر من الأفعال المعتلّة الطرفين مثل «ف ، ق ، ع ، د ، ش»، أمر من «وفى» و«وقى» و«وعی» وودى» و«وشى»؛ لأنّه كلام لغة وعرفاً. وذكر الحرفين خرج مخرج الغالب، وفي حكمهما حرف بعده مدّ؛ لأنّها إمّا ألف أو ياء أو واو.

----------------

على اليُسرى وبالعكس، ولا بين كونهما فوق السرّة أو تحتها، ولا بين أن يكون بينهما حائل أو لا.

قوله: «بحرفين غير قرآن ولا دعاء». وفي حكمه الحرف المفهم، مثل «قِ» و «عِ»، مِن وقى يقي، و وعى يعي. ويستثنى من ذلك القرآن وإن قصد به إفهام الغير إذا ضمَّ إليه قصد التلاوة والدعاء بالمباح للدين والدنيا.

ص: 569


1- المعتبر، ج 2، ص 257
2- الكافي، ج 3، ص 299، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث، ح 1: الخصال، ص 622، ذيل الحديث 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84 ، ح 310؛ وانظر الوسائل، ج 7، ص 265 الباب 15 عدم جواز التكفير
3- الكافي، ج 3، ص 336، باب القيام والقعود في الصلاة، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84، ح 309
4- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 549، المسألة 661؛ المهذب، ج 1، ص 71
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 223 ؛ البيان، ص 176 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)
6- انظر المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 549 المسألة 661

السابع عشر : تَعَمّدُ الأكل والشَّرْبِ، إلا في الوَتْرِ لِمُرِيدِ الصيامِ وهو عَطْشان.

----------------

ولا فرق في البطلان بالحرفين فصاعداً بين كونهما مستعملين لغة لمعنى أو مهملين، ولا بين كون ذلك لمصلحة الصلاة أو غيرها أو لا لمصلحة، فلو تحقّقا من التنحنح وغيره ممّا يسوغ فعله في الصلاة بطلت خلافاً للفاضل(1).

ويُستثنى من ذلك القرآن وإن قصد به إفهام الغير إذا ضمّ إليه قصد التلاوة كقوله للمستأذن عليه: «ادْخُلُوهَا بِسَلَام عَامِنِينَ»(2)، ولو قصد مجرّد الإفهام فوجهان. والدعاء بالمباح وإن استلزم سوء الأدب، لا بالمحرّم وإن كانت العبارة مُطلقة فتبطل به وإن جهل الحكم، وكذا القول في جميع منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة.

ولو جهل كون المطلوب حراماً ففي الإبطال وجهان، واختار المصنّف في الذكرى الصحّة(3). والظاهر أن المكره على الكلام متعمّد فتبطل الصلاة به وإن انتفى الإثم.

قوله: «تعمّد الأكل والشرب». مقتضاه أنّ المنافي منهما لها مُسمّاهما، فلا تعتبر الكثرة، وهو أحد القولين في المسألة(4)؛ واعتبار الكثرة عرفاً - كما اختاره المصنّف في

----------------

قوله: «تعمّد الأكل والشرب». ظاهره أنّ المنافي مسمّاهما، فلا تعتبر الكثرة واعتبارها أجود كما اختاره المصنّف في غير هذه الرسالة، فلا يضرّ ازدراد ما بين الأسنان ونحوه. ويُستثنى من ذلك الشرب في الوتر لخائف فجأة الصبح قبل الفراغ، وهو عطشان يريد صوم ذلك اليوم مع عدم استلزامه فعلاً كثيراً ولا غيره من المنافيات غير الشرب.

ص: 570


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 284، المسألة 323: نهاية الإحكام، ج 1، ص 516.
2- الحجر (15): 46
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 118

الثامن عشر : تَعَمّدُ القَهْقَهَةِ.

----------------

غير هذه الرسالة - أجود(1)، فلا يضرّ ازدراد ما بين الأسنان. أمّا لو مضغ لقمة وابتلعها أو تناول قُلّةً(2) وشرب منها، فقد قال العلّامة في التذكرة ببطلان الصلاة(3)؛ لأنّ تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال متعدّدة، وكذا المشروب.

ويُستثنى من ذلك الشرب في الوتر لخائف فجأة الصبح قبل الفراغ وهو عطشان يريد صوم ذلك اليوم، رواه سعيد الأعرج عن الصادق علیه السلام(4).

ويشترط أن لا يستلزم فعلاً كثيراً غير الشرب، أو غيره من المنافيات كالاستدبار؛ وقوفاً في الرخص على موضع الوفاق. وجوّز في الرواية السعي له خطوتين أو ثلاث، وهو يقتضي استثناء المشي من الفعل الكثير، لا استثناء مُطلق الفعل.

ولا فرق بين الصوم الواجب وغيره، ولا بين الفعل في حال القنوت وغيره؛ لعدم الفرق بين أفعال الصلاة في ذلك وإن كان ظاهر الرواية يقتضي تخصيصه بالقنوت.

واعلم أنّ ذكر الوتر في الرسالة ربما أوهم خروجها عمّا هي مقصورة عليه من ذكر الواجب، ومن ثمّ حمله بعضهم على الوتر الواجب بنذرٍ وشبهه؛ ليتمّ الغرض ولا يخرجه الوجوب عن جواز ذلك بعد ورود النصّ؛ حملاً للام في الوتر» على الاستغراق أو الجنسية المفيدين للعموم، وعملاً بالاستصحاب. قوله: «تعمّد القهقهة». وهي الضحك المشتمل على الصوت، ويكفي في الإبطال بها

----------------

قوله: «تعمّد القهقهة». هي الضحك المشتمل على الصوت، ويكفي في الإبطال بها مسمّاها. ولا يُبطل التبسّم وهو مالا صوت فيه.

ص: 571


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 389؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 107 ؛ البیان، ص 177) (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)
2- القُلّة: إناء للعرب، كالجرّة الكبيرة الصحاح، ج 3، ص 1804، «قلل»
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 292، المسألة 328
4- الفقيه، ج 1، ص 494، ح 1423 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 329 . ح 1354

التاسع عشر : تَعَمّدُ البُكاءِ لأُمورِ الدُّنْيا.

----------------

مسمّاها، فلا تعتبر فيها الكثرة، ومن ثمّ أطلق.

واحترز بالعمد عمّا لو قهقه ناسياً، فإنّها لا تبطل إجماعاً، ولو صدرت على وجه لا يمكن دفعه أبطلت أيضاً - كما اختاره المصنّف في الذكرى(1) - وإن انتفى الإثم. ولا يبطل التبسّم، وهو مالا صوت فيه إجماعاً، لكنّه مكروه.

قوله: «تعمّد البكاء لأُمور الدنيا». وهو ما كان معه انتحاب، وفي الإبطال بمجرّد سيلان الدمع نظر، من الشكّ في كون البكاء المذكور في النصوص(2) مقصوراً أو ممدوداً، فعلى الأوّل يبطل، دون الثاني.

والمراد بالبكاء لأُمور الدنيا: ما كان لذكرِ ميّتٍ أو فوت مالٍ ونحوه، فإنّه مُبطل وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه، لكن ينتفي الإثم.

واحترز بالعمد عمّا لو وقع نسياناً، فإنّه لا يبطل.

وبأُمور الدنيا عن البكاء لأُمور الآخرة كخشية الله تعالى وذكر الجنة والنار، فإنّه من أفضل الأعمال - كما ورد في الخبر(3)- ولو مثل رأس الذباب، إذا لم يشتمل على

----------------

قوله: «تعمّد البكاء لأُمور الدنيا». المراد بالبكاء لأُمور الدنيا: ما كان لذكر ميّتٍ أو فوت مالٍ ونحوه، فإنّه مُبطل وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه واحترز بالدنيا عن البكاء لأُمور الآخرة كخشية الله تعالى وذكر الجنّة والنار، فإنّه من أفضل الأعمال(4) إذا لم يشتمل على كلام ليس بقرآن ولا دعاء.

ص: 572


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الفقيه، ج 1، ص 317 ، ح 941؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1295؛ الاستبصار، ج 1، ص 408 ح 1558
3- الكافي، ج 3، ص 301 باب البكاء والدعاء في الصلاة ، ح 2 : الاستبصار، ج 1، ص 407، ح 1557.
4- في ض 1 العبادات والأعمال

العشرون: تَعَمّدُ تَرْكِ وَاجِبٍ مُطْلَقاً، إِلَّا الجَهْرَ وَالسِّر فَيُعْذَرُ الجَاهِلُ فِيهما.

الحادي والعشرون: تَعَمّدُ الانحرافِ عَن القِبْلَةِ.

----------------

كلام ليس بقرآن ولا دعاء، ك_ «آه» من خوف النار، وإلّا أبطل أيضاً، والمائز في هذا الفعل بالنسبة إلى كونه منافياً أو مستحبّاً القصد وعدمه.

قوله: «تعمّد ترك واجب مُطلقاً». سواء كان ركناً أم غيره، فهو أعمّ من السابع ويدخل في العمد الجهل بالحكم؛ لضمّه جهلاً إلى تقصير، إلّا في الجهر والسرّ فإنّ الجاهل فيهما بحيث أتى بأحدهما في موضع الآخر معذور؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام(1)، ومثله ناسي الحكم لظاهر الخبر.

قوله: «تعمّد الانحراف عن القبله». ببدنه بحيث يخرج عن سمت القبلة وإن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، لا إن كان ذلك بوجهه خاصّة، فإنّه مكروه إذا لم يبلغ حدّ الاستدبار.

واحترز بالعمد عمّا لو انحرف نسياناً، فإنّه لا يبطل إن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، وإلّا أعاد في الوقت خاصّة، أو يستدبر يستدبر فيعيد مُطلقاً، كما سبق تفصيله.

وإنّما فصّل المسألة في الموضعين؛ لمناسبة شقّيها للقسمين، فإنّ الاستدبار منافٍ

----------------

قوله: «تعمّد ترك واجب مُطلقاً». سواء كان ركناً أو غيره، ويدخل في العمد الجهل بالحكم، ومن ثمّ استثناه في الجهر والإخفات.

قوله: «تعمّد الانحراف عن القبلة» ببدنه بحيث يخرج عن سمت القبلة وإن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، لا إن كان ذلك بوجهه خاصّة، فإنّه مكروه، واحترز بالعمد عمّا لو انحرف نسياناً، فإنّه لا يبطل إن لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، وإلّا أعاد في الوقت كما مرّ.

ص: 573


1- الفقيه، ج 1، ص 343 ، ح 1002 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 147، ح 577 : الاستبصار، ج 1، ص 313 ح 1163

الثاني والعشرون : تَعَمّدُ زيادَةِ واجِبٍ مُطلَقاً.

الثالث والعشرون: تَعَمّدُ الرَجُلِ عَقْصَ شَعْرِهِ.

الرابع والعشرون: تَعَمّدُ وَضْعِ إحدى الراحتينِ عَلى الأُخرى راكعاً بينَ رُكبتَيْهِ، وَيُسمّى التطبيق عَلى خِلافٍ فيهما.

----------------

مُطلقاً، واليمين واليسار منافٍ مع ذكره في الوقت مُطلقاً، فناسب ذكرهما في القسم الأوّل، والانحراف اليسير منافٍ مع العمد خاصّة، فناسب ذكره هنا، فيكون كالتتمّة لما سبق.

قوله: «تعمّد زيادة واجب مُطلقاً».ركناً كان أم غيره من الأفعال.

قوله: «تعمّد الرجل عقص شعره». هو جمعه في وسط الرأس وشدّه، ومستند الحكم ورود النهي عنه في أخبار(1) لا تخلو عن ضعف. ولو سلّم إرادة التحريم من النهي لم يدلّ على بطلان الصلاة به، نعم لو منع شيئاً من واجبات الصلاة تصوّر التحريم لذلك.

والحكم مخصوص بالرجل دون المرأة، وفي الخنثى نظر.

قوله: «تعمّد وضع إحدى الراحتين على الأُخرى... إلى آخره. القول بالكراهة أجود؛ لضعف دليل التحريم، ولعدم تضمّنه زيادة على ترك وضعهما على الركبتين الذي هو مستحبّ. وهذا القدر صالح؛ لأمر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم للراوي بتركه(2). وعلى تقدير التحريم لا تبطل

----------------

قوله: «تعمّد زيادة واجب مطلقاً»(3). ركناً كان أم غيره من الأفعال.

قوله: «عقص شعره». هو جمعه في وسط الرأس وشدّه، والحكم مختصّ بالرجل دون المرأة.

قوله: «ويسمّى التطبيق، على خلاف فيهما». الكراهية فيهما أقوى(4).

ص: 574


1- الكافي، ج 3، باب الرجل يصلّى وهو متلثم أو مختضب أو لا يخرج يديه، ص 409 ، ح 5 : تهذيب الأحكام ج 2، ص 232 - 233، ح 914.
2- قرب الإسناد، ص 208 ، ح 809؛ الجامع الصحيح، ج 1، ص 163 ، ح 258
3- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2».
4- في «ش»: الكراهة في موضعين أجود

الخامس والعشرون: تَعَمّدُ كَشْفِ العَوْرَةِ في قَوْلٍ، وَمِنهُم مَن أبْطَلَ بهِ مطلقاً.

صَارَ جَمِيعُ ما يَتعلّق بالخَمْسِ ألفاً وتِسْعَةً،

----------------

العبادة؛ لأنّ النهي عن وصف خارج عنها مع احتماله.

قوله: «تعمّد كشف العورة في قول، ومنهم من أبطل به مُطلقاً». القائل بذلك ابن الجنيد(1)، إلّا أنّه أوجب الإعادة في الوقت خاصّة والعمل على الأوّل للشهرة ولصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة، أو ما حاله؟ قال: «لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته»(2).

وهذه الرواية كما تدلّ على اغتفار انكشاف العورة في أثناء الصلاة من غير علم، كذلك تدلّ على اغتفار انكشافها في جميع الصلاة، فالقول بالتفصيل(3) ضعيف أيضاً، لكن لو علم به في أثناء الصلاة وجب عليه المبادرة إلى الستر، فإن أخلّ به عمداً بطلت حينئذ.

قوله: «صار جميع ما يتعلّق بالخمس ألفاً وتسعة». بإضافة الستين المتقدّمة إلى التسعمائة والأربعة والعشرين المقارنة، ثمّ إلى الخمسة والعشرين المنافية، يبلغ ما ذكر.

----------------

قوله: «و منهم من أبطل مطلقاً»(4). الأجود الأوّل، فلا تبطل مع النسيان وإن استوعب الصلاة، ولو علم في الأثناء وجب عليه المبادرة إلى الستر فإن أخلّ بها عمداً بطلت حينئذٍ.

ص: 575


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 115. المسألة 56
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 216، ح 851
3- ذهب إليه المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 165 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7 حيث حكم بالبطلان مع نسيان أصل الستر، دون مالو نسيه في بعض الصلاة
4- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2»

ولا يجب التعرّضُ لِلْحَصْرِ، بَلْ يَكفى المعرفة بها، واللهُ المُوَفِّقُ.

----------------

قوله: ولا يجب التعرّض للحصر، بل يكفي المعرفة بها». المراد بالحصر: جمعها على وجه يبلغ العدد المذكور عن ظهر القلب أو عن كتاب، فإنّ ذلك غير واجب، إنّما الواجب المعرفة بها بحيث كلّما عرض له شيء منها(1) عرفه.

----------------

قوله: «ولا يجب التعرّض للحصر». أي جمعها على وجه يبلغ العدد عن ظهر القلب أو عن کتاب فإنّ ذلك غير واجب، إنّما الواجب المعرفة بها بحيث كلّما عرض له شيء منها عرف حكمه.

ص: 576


1- منها: لم ترد في «غ»

وأمّا الخاتمة

اشارة

ففيها بحثان:

البَحثُ الأوّل: في الخَلَلِ الواقع في الصَلاةِ

وهو أقسام:

الأوّل: ما يُفْسِدُها ، وَقَدْ ذُكِرَ.

----------------

قوله: «وأمّا الخاتمة ففيها بحثان». الخاتمة والتتمّة بمعنى، وهو استدراك ما تُرك؛ لعدم انتظام الباب به.

والبحث: هو القول من حيث إنّه يقع فيه البحث، وقد يُسمّى مطلباً من حيث يطلب بالدليل، أو لينتفع به.

قوله: «وقد ذكر». في فصل المنافيات، والمراد بإفساده لها ولو على وجه مخصوص كما تقدّم بيانه(1).

----------------

قوله: «وأمّا الخاتمة ففيها بحثان». الخاتمة والتتمّة بمعنى واحد وهو استدراك ما فات؛ لعدم انتظام الباب به والبحث هو القول من حيث إنّه يقع فيه البحث.

قوله: «الأوّل: ما يفسدها». المراد بإفساده لها ولو على وجه مخصوص، كما تقدّم.

ص: 577


1- تقدم في ص 557

الثاني: مالا يُوجِبُ شَيْئاً، وهو نِسيانُ غَيْرِ الرُکنِ مِنْ الواجِباتِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى تَجاوَزَ مَحَلَّهُ، كَيْسِيانِ القِراءةِ أَوْ أَبْعَاضِها

----------------

قوله: «مالا يوجب شيئاً». بناءً على المشهور من اختصاص سجود السهو بمواضع مخصوصة، وسيأتي في كلام المصنّف الاحتياط لسجود السهو في هذه المواضع(1).

قوله: «حتّى تجاوز محلّه». المرجع في المحلّ إلى جعل الشارع، ولا ينحصر التجاوز في الدخول في ركنٍ؛ لانتقاضه بناسي واجبات الانحناء كالذكر مثلاً ثمّ ذكر بعد الرفع منه ولا في استلزام استدراكه زيادة ركن؛ لانتقاضه بناسي واجبات السجدة الواحدة مع تحقّق وضع الجبهة ثمّ ذكر بعد الرفع منها فإنّه لا يعود إليه.

نعم قد يجتمع من ذلك أنّ المراد بالمحلّ مالا يستلزم استدراكه زيادة ركن أو سجدة، فمحلّ القراءة وأبعاضها باقٍ مالم يصل إلى حدّ الراكع، ومحلّ واجبات الانحناء مالم يرتفع عن مقدار ما تصل كفّاه ركبتيه ومحلّ واجبات السجود ما لم يرتفع عن مسمّاه وإن لم يصر جالساً.

واعلم أنّ الضمير المستكنّ في «تجاوز» يعود على المصلّي وإن لم يجر له ذكر؛ لظهوره كما في قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْتَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»(2) و «حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(3).

----------------

قوله: «الثاني: مالا يوجب شيئاً». بناءً على المشهور من اختصاص سجود السهو بمواضع مخصوصة، وسيأتي أنّ الأصح وجوبهما لكلِّ زيادة ونقيصة غير مبطلتين، فيجب في هذه المواضع.

قوله: «كنسيان القراءة». محلّ القراءة باقي مالم يصل حدّ الراكع ومحلّ واجبات الانحناء مالم يرتفع عن مقدار ما تصل كفّاه ركبتيه، ومحلّ السجود ما لم يرتفع عن مسمّاه.

ص: 578


1- يأتي في ص 593
2- القدر (97): 1
3- ص (38): 32

أَو صِفاتِها، أو واجِباتِ الانحناء في الرُّكُوعِ أَو الرَفْعِ أو الطُّمَانِينَةِ فِيهِ، أو واجِباتِ الانحناء فى السجدَتَين،

----------------

قوله: «أو صفاتها». كالإعراب، والترتيب والجهر والإخفات والمخرج. ومقتضى الإطلاق تساوي هذه الأُمور في العود إليها عند ذكرها في محلّها، وهو في غير الجهر والإخفات كذلك، أمّا هما ففي وجوب إعادة القراءة حينئذٍ قولان، ومختار المصنّف في البيان عدم الإعادة(1)، وهو جيد؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى: «إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلاشيء عليه»(2).

قوله: «أو واجبات الانحناء في الركوع». إنّما عدل عن قوله: واجبات الركوع وواجبات السجود، كما صنع غيره(3) لأنّ الانحناء الذي به يتحقّق مُسمّى الفعل فيهما يدخل في واجبات الركوع والسجود، فيلزم عدم البطلان بالإخلال به مع الاتّفاق على إبطاله ولا يدخل في التعبير بواجبات الانحناء؛ لاقتضائه المغايرة بين الانحناء وواجباته.

والمراد بواجبات الانحناء فيهما الذكر، وعربيّته، وموالاته، والطمأنينة فيه، والسجود على بعض الأعضاء وهو غير الجبهة، ونحو ذلك.

----------------

قوله: «أو صفاتها»(4). كالإعراب والترتيب والجهر والإخفات والمخرج.

قوله: «أو واجبات الانحناء المراد بواجبات الانحناء فيهما الذكر، وعربيته، وموالاته، والطمأنينة فيه، والسجود على غير الجبهة.

ص: 579


1- البيان، ص 161 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج12)
2- الفقيه، ج 1، ص 344، ح 1004 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ح 635؛ الاستبصار، ج 1، ص 313، ح 1163
3- كالمحقّق في المختصر النافع، ص 68 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 321. المسألة 347
4- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2»

أو الطمأنينَةِ فِي الرَفْعِ مِنْ الأُولى، وكذا زِيادَةٌ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ سَهْواً، وَالسَهُو في مُوجَبِ السَهوِ

----------------

قوله: «أو الطُمأنينة في الرفع من الأولى». ومثله نسيان الرفع منها وإن لم يرفع جبهته عن محلّ السجود، والفرق بينه وبين نسيان السجدة مع اتحادهما صورة تحصل بالنيّة، فإن سبّح ثانياً بنيّة السجدة الثانية ناسياً للرفع فهما سجدتان والمنسيّ هو الرفع وواجباته، وإن لم يحضر الثانية بباله فالمنسيّ السجدة الثانية.

ويتفرّع عليهما ما لو ذكر ذلك في محلّ السجود، ففي الثانية يسجد قطعاً، والظاهر في الأوّل عدم الوجوب، بل عدم الجواز، وربما قيل بوجوب العود إلى السجدة هنا مالم يركع، فلا فرق حينئذٍ بين الأمرين، وهو حسن، وفي المسألة إشكال.

قوله: «وكذا زيادة ما ليس بركن سهواً». المراد زيادة شيء من أفعال الصلاة ليس بركن، لا مطلق ما ليس بركن؛ لئلا يناقض قوله بعد: «وتجبان أيضاً للقيام في موضع قود...» إلى آخره؛ فإنّه زيادة ليست ركناً، إلّا أنّه ليس من أفعال الصلاة، وقرينة التخصيص هنا بأفعال الصلاة عطفه على نقصان شيء من أفعالها.

قوله: «والسهو في مُوجَب السهو». هو بفتح الجيم، وهو ما أوجبه السهو من سجود أو صلاة. فلو حصل له سهو في سجدتي السهو كنسيان ذكر وغيره ممّا يوجب السجود في غيرهما فلا سجود عليه، ومثله صلاة الاحتياط.

----------------

قوله: «والسهو في موجَب السهو». هو - بفتح الجيم -: ما أوجبه السهو من سجود أو صلاة. فلو حصل له سهو في سجدتي السهو كنسيان ذكرٍ وغيره ممّا يوجب السجود في غيرهما فلا سجود عليه، ومثله صلاة الاحتياط.

ولو شكّ في عدد سجدتي السهو أو صلاة الاحتياط بنى على الأكثر إلّا أن يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح. وكذا لو شكّ في فعل من أفعالهما، أو أفعال السجدة المنسيّة، أو التشهّد، فإنّه يبني على وقوعه ولو سها عمّا يتلافى كسجدة وتشهّد وجب تلافيه، ولا يجب سجود السهو له.

ص: 580

أوْ في حُصولِهِ، والسهوُ الكَثيرِ،

----------------

أمّا لو شكّ في سجدة في محلّها فعادَ لها فهي فيها لزمه موجبه؛ لأنّ فعل السجدة هنا ليس مُسبباً عن السهو، وإنّما اقتضاه أصل الوجوب وأصالة عدم الفعل.

ولو شكّ في عدد سجود السهو أو صلاة الاحتياط بنى على الأكثر، إلّا أن يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح وكذا لو شكّ في فعل من أفعالهما، أو أفعال السجدة المنسيّة، أو التشهّد المنسيّ، فإنّه يبني على وقوعه. ولو سها عمّا يتلافى كسجدة وتشهّد وجب تلافيه، ولا يجب سجود السهو له.

قوله: «أوفي حصوله». أراد بالسهو هنا الشكّ؛ إطلاقاً لاسم السبب على المُسبب فإنّ السهو سبب فى الشكّ، وكثيراً ما يشتركان في العبارة.

والمراد أنّه لو شكّ هل حصل منه سهو أم لا، وهل وقع منه شكّ، أو تحقّق وقوع السهو وشكّ في أن الواقع هل له حكم أم لا، فإنّه لا يلتفت في ذلك كلّه. ومثله ما لو علم انحصار السهو في أحد الأمرين: أحدهما يوجب حكماً مخصوصاً، والآخر لا يوجب شيئاً، وشكّ في تعيّين المشكوك فيه؛ لأنّه شكّ في الحصول معنى؛ لأصالة البراءة.

أمّا لو انحصر الحال فيما يتدارك كالسجدة والتشهّد، وجب الإتيان بهما معاً،

لاشتغال الذمّة قطعاً، وعدم يقين البراءة بدونهما.

ولو انحصر بين مبطل وغيره، فقد استقرب المصنّف في البيان الإبطال(1).

قوله: «والسهو الكثير». المرجع في الكثرة إلى العرف؛ لعدم التنصيص شرعاً على الكمّية.

----------------

قوله: «أو في حصوله». المراد أنّه شكّ هل حصل منه سهو أم لا، وهل وقع منه شكّ فإنه لا يلتفت. ومثله ما لو تحقّق وقوع سهو، وشكّ في أنّ الواقع هل له حكم أم لا.

قوله: «والسهو الكثير». ويتحقّق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية، وبالسهو ثلاثاً فی

ص: 581


1- البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)

.....................................

----------------

ويتحقّق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية، وبالسهو ثلاثاً في فريضة واحدة أو فريضتين متواليتين، فيسقط الحكم في الرابع.

ويتحقّق التعدّد في الواحدة بتخلّل التذكّر، ولو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتدّ بها ما لم تتكرّر في فرائض معيّنة أيّاماً بحيث يصدق اسم الكثرة عرفاً، وفاقاً للمصنّف(1).

ومعنى عدم وجوب شيء مع كثرة السهو: عدم تعلّق حكم السهو - حينئذٍ وكذا الشكّ، فلا يجب سجود السهو مع حصوله على وجه يوجبه لولا الكثرة. وكذا يسقط الاحتياط، فلا تجب صلاته ويبني على الأكثر في عدد الركعات مُطلقاً.

ولو شكّ في فعل بنى على وقوعه حتّى لو أتى به بطلت صلاته للنهي لا عدم قضاء ما تيقّن فواته ممّا يُقضى كالسجدة والتشهّد، أو عدم الإبطال بما يوجبه كترك الركن مع فوات محلّ تداركه. فلو ترك أربع سجدات في رباعيّة وتخلّلها الذكر وذكر قبل التسليم، سجد سجدة واحدة وأعاد التشهّد وقضى الثلاث وسجد لها ثلاث سجدات. وإن ذكر بعده قضاها أجمع، وسقط السجود للرابعة؛ لصدق الكثرة قبلها.

وهل يشترط في الثلاث تأثير السهو فيها ليتحقّق الحرج، أم يكفي مسمّاه، حتّى لوغلب على ظنّه أحد الطرفين وبنى عليه حسب من العدد؛ لإطلاق النصّ؟ وجهان. ويتفرّع عليهما ما لو غلب على ظنّه في ثلاث بعد تحقّق الكثرة، فعلى الأوّل تزول

----------------

فريضة واحدة أو فريضتين متواليتين، فيسقط الحكم في الرابع، ويستمرّ إلى أن تخلو ثلاث فرائض متوالية من السهو فيسقط حكم الكثرة، وهكذا.

ومعنى عدم وجوب شيء مع كثرة السهو عدم تعلّق حكم السهو حينئذٍ.

وكذا الشكّ، فلا يجب سجود السهو مع حصوله على وجه يوجبه لولا الكثرة، وكذا يسقط الاحتياط، ويبني على الأكثر في أعداد الركعات مُطلقاً.

ص: 582


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 432 : الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 121 ؛ البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7، 9 و 12)

والشكُّ مِنْ الإمامِ مَعَ حِفْظِ المأمومِ، وبالعَكسِ،

----------------

الكثرة، لا على الثاني، ومثله ما لو عرض الشك بعد الانتقال عن محلّه.

وتزول الكثرة بما تثبت به وقد عُلم ممّا قرّرناه أنّه أراد بالسهو هنا أيضاً ما يعمّ الشكّ كما تقدّم.

قوله: «والشكّ من الإمام مع حفظ المأموم، وبالعكس». فيرجع الشاكّ منهما إلى يقين الآخر، ولا يشترط عدالة المأموم، ويكفي في الرجوع تنبيه الحافظ بتسبيح ونحوه. ولا يتعدّى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدلاً على الأصحّ، نعم لو أفاد قوله الظنّ بأحد الطرفين عوّل عليه، وليس ذلك من باب التقليد، بل رجوع إلى الظنّ.

ولو اشترك الشكّ بينهما معاً، فإن جمعهما فيه رابطة رجعا إليها، كما لو شكّ الإمام بين الاثنتين والثلاث، والمأموم بين الثلاث والأربع، فيرجعان إلى الثلاث؛ لتيقّن الإمام عدم الزيادة عليها، والمأموم عدم النقيصة، وكذا العكس.

ولو كانت الرابطة شكّاً، كما لو شكّ أحدهما بین الاثنتين والثلاث والأربع، والآخر بين الثلاث والأربع، سقط حكم الاثنتين عن الشاكّ فيهما؛ ليتيقّن الآخر حكمها، وصارا شاكّين بين الثلاث والأربع.

ولو لم تجمعهما رابطة أصلاً كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث، والآخر بين الأربع والخمس، تعيّن الانفراد.

ولو اختلف المأمومون، فإن حفظ الإمام رجعوا إليه وسقط عنهم حكم الشكّ، وإلّا تعيّن عليهم الانفراد وبطلت صلاته.

----------------

قوله: «والشكّ من الإمام مع حفظ المأموم، وبالعكس» فيرجع الشالّ منهما إلى يقين الآخر، وكذا الظانّ. ولا يشترط عدالة المأموم، ويكفي في الرجوع إليه تنبيهه بتسبيح ونحوه.

ولو اشترك الشكّ بينهما، فإن جمعهما ،رابطة رجعا إليها كما لو شكّ الإمام بين الاثنتين والثلاث، والمأموم بين الثلاث والأربع، فيرجعان إلى الثلاث، ولو لم تجمعهما رابطة أصلاً تعيّن الانفراد، ولزم كلّ منهما حكم شكّه.

ص: 583

أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنْهِ أَحَدٌ طَرَفَي مَا شَكٍّ فِيهِ.

----------------

وكما لا حكم لشكّ المأموم مع حفظ الإمام، كذا لا حكم لسهوه مع سلامة صلاة الإمام عنه، فلا يجب عليه سجود السهو لو فعل ما يوجبه لو كان منفرداً؛ وفاقاً للمصنّف(1)، بل ادّعى الشيخ عليه الإجماع(2). نعم لو ترك ما يُتلافى مع السجود (3)كالسجدة، وجب على المأموم تلافيها دون السجود. ولو انعكس، ففي وجوب متابعة المأموم لإمامه في السجود قولان ولا ريب أنّها أحوط.

وعلى الوجوب، فلو رأى المأموم الإمام يسجد وجب عليه متابعته وإن لم يعلم السبب. ولا فرق بين متابعته بعد عروض السبب وعدمها، بل لو علم المأموم بالسّبب وجب عليه السجود وإن لم يسجد الإمام.

قوله: «أو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه». لافرق في سقوط الحكم مع غلبة الظنّ بين أن يكون شاكّاً فى الأفعال أو الركعات ولا بين الأوليين وغيرهما، ولا بين الرباعيّة وغيرها؛ للعموم، حتّى لو كان الشكّ موجباً للسجود، مع تساوي الطرفين كالشكّ بين الأربع والخمس، وغلب ظنّه على الأربع فلا سجود، ولو غلب على الخمس كان كما لو زاد ركعة آخر الصلاة، فتبطل على التفصيل المتقدّم.

----------------

قوله : «أو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه». لا فرق في سقوط الحكم مع غلبة الظنّ أن يكون الشكّ في الأفعال أو الركعات، ولا الأفعال أو الركعات ولا بين الأُوليين وغيرهما، ولا بين الرباعيّة وغيرها، حتّى لو كان الشكّ موجباً للسجود(4) مع تساوي الطرفين، كالشكّ بين الأربع والخمس، و غلب ظنّه على الأربع فلا سجود له، وإن غلب على الخمس كان كما لو زاد ركعة آخر الصلاة.

ص: 584


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 432 و 433 : البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)
2- الخلاف، ج 1، ص 463، المسألة 206
3- مع السجود: لم ترد في «غ»
4- في «غ»: لسجود السهو

....................................

----------------

ومعنى عدم إيجابه شيئاً على هذا الوجه عدم لحوق أحكام الشكّ له، بل يبني على الطرف الذي تعلّق به الظنّ الغالب، سواء استلزم صحّة أم فساداً، فتفطن لذلك.

بقي هنا مباحث ينبغي التنبّه لها:

الأوّل: أنّ المصنّف عطف الجملة الفعليّة ب_ «أو» على ما قبلها وهي جملة اسميّة، وربما استهجن ذلك؛ لمنع بعض أهل العربيّة منه(1). ويدفعه قول جماعة بجوازه(2)، و وقوعه في كلام الله تعالى(3)، وقد استضعف ابن هشام في المغني القول بالمنع(4).

الثاني: أنّ الشكّ والظنّ لا يجتمعان في وقت واحد؛ لأنّ الشكّ سلب الاعتقادين عن النقيضين، والظنّ ترجيح أحد الطرفين في الذهن ترجيحاً غير مانع من النقيض، فمعنى سقوط حكم الشكّ إذا غلب الظنّ على أحد الطرفين أنّ الترجيح المتعقّب للشكّ يرفع حكمه، ولو فرض غلبة الظنّ بأحد الطرفين ابتداءً من دون توسّط الشكّ كان إطلاق الظنّ على الشكّ مجازاً؛ كتسمية الشكّ سهواً، لتقارب هذه المعاني، فشركوا بينهما في العبارة.

وعبارة المصنّف هنا ألطف من عبارة غيره من الأصحاب القائلين: لا حكم للشكّ مع غلبة الظنّ فإنّ التعبير بالمعيّة مجاز آخر؛ لعدم إمكان الاجتماع كما مرّ. وهذه العبارة لا تدلّ على الاجتماع، بل هي صريحة في تعقّب غلبة الظنّ للشكّ، فجاز توسّط التروّي الموجب للظنّ بينه وبين الشكّ، نعم لو حصلت الغلبة ابتداءً افتقر هنا إلى التجوّر في الشكّ.

الثالث: أنّه عبّر بغلبة الظنّ تبعاً للأصحاب، والمراد بغلبته ما فيه ترجيح يحصل به أصل الظنّ وزيادة.

ص: 585


1- حكاه ابن هشام في مغني اللبيب، ج 2، ص 183 عن ابن جني.
2- كابن مالك وجلال الدين السيوطي، انظر البهجة المرضيّة في شرح الألفية، ج 2، ص 82
3- العاديات (100): 3 - 4.
4- مغني اللبيب، ج 2، ص 184

الثالث: ما يُوجِبُ التلافي بِغَيْرِ سُجُودٍ، وهو ما نُسِيَ من الأَفعالِ وذُكِرَ قَبْلَ فَواتِ مَحَلّه،

----------------

والظاهر أنّ ذلك غير شرط بل يكفي مُطلق الظنّ؛ لتعلّق الحكم في النصوص على وقوع الوهم(1). ووجه دلالته على ذلك أنّ المراد من الوهم هنا الظنّ، كما هو أحد معانيه، وهو يشمل بإطلاقه جميع أفراد الظنّ. ولو أُريد به معناه المتعارف - وهو الظنّ المرجوح - كانت حقيقته غير مرادة هنا، ومتى تعذّر حمل اللفظ على حقيقته حُمل على أقرب المجازات إليها، وهو أدنى مراتب الظنّ أعني ما يحصل به أدنى ترجیح.

ومتى جاز الاستناد إلى هذا القدر، وسقط به حكم الشكّ، جاز غيره من الأفراد القويّة بطريق أولى.

وأيضاً فإنّ مراتب الظنّ غير متناهية وإن انحصرت بين حاصري العلم والشكّ، واستناد الترجيح إلى الأمارة وهي غير منضبطة، فما من فرد من الظنّ إلّا ويمكن فرض دونه، فيكون الأوّل بالنسبة إليه ظنّاً غالباً، وفوقه، فيكون الثالث هو الغالب.

ويجوز كون وصف الظنّ بالغلبة بيانيّاً لا تقييدياً من قبل «طَرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ» (2)و «إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ»(3)، أو بالإضافة إلى الشكّ أو الطرف المرجوح. وقد جزم المصنّف في الدروس بالاكتفاء بمطلق الظنّ حيث عبّر بقوله: والظان يتبع ظنّه(4).

----------------

قوله: «وهو ما نُسي من الأفعال وذُكر قبل فوات محلّه». السهو: عزوب المعنى عن القلب بعد حضوره والشكّ: تردّد الذهن بين النقيضين والظنّ: ترجيح أحدهما من غير جزم،

ص: 586


1- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 183 و 184 ، ح 730 و 733.
2- الأنعام (6): 38
3- النحل (16): 51
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

كَنِسْيانِ قِراءَةِ الحَمدِ حَتَّى قَرَأَ السُّورَةَ، أَوْ نُسْيانِ الرَّكُوعِ حَتَّى هَوَى إِلَى السُجودِ وَلَمَّا يَسْجُد،

----------------

قوله: «حتّى قرأ السورة». بل يمتد محلّ القراءة ما لم يبلغ الانحناء إلى حدّ الراكع، فيرجع إلى القراءة وأبعاضها وأوصافها عدا الجهر والإخفات ما لم يبلغ ذلك الحدّ وإن شرع في الانحناء وكلام المصنّف لا ينافيه، بل ينبّه عليه حكمه بعوده إلى الركوع ما لم يصر ساجداً وإن هوى إليه، وكذا القول في نسيان السجود أو التشهد حتّى قام ولا يصل إلى حدّ الراكع.

ويجب في جميع ما ذُكر مراعاة الترتيب بين ما عاد إليه وما فعله بعده، فيقرأ السورة بعد الحمد ويتشهّد بعد السجود ولو ذكر السجدة بعده، ونحو ذلك.

قوله: «أو نسيان الركوع حتّى هوى إلى السجود». ويجب العود إلى حدّ القائم ثمّ الركوع، ولا تجب الطُمأنينة في هذا القيام لذاتها وإن كان تحقّق الفصل بين الحركتين المختلفتين وتحقّق تمام القيام موقوف لذاتها على سكون يسير، وربما قيل بتخصيص وجوب القيام بناسي الركوع ابتداءً بحيث نوى بهويّه السجود.

وأمّا لو هوى إلى حدّ الراكع ثمّ نسيه بحيث لم تتحقّق فيه صورة الركوع، وجب القيام له إلى حدّ الراكع خاصّة؛ لحصول الهوي له من قبل.

ويحتمل عدم وجوب القيام مطلقاً؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداءً كون الهويّ المتعقّب للقراءة للركوع، فلا تؤثّر معارضته النيّة اللاحقة بجعله للسجود سهواً، وقد نبّه عليه المصنّف في الذكرى في مسألة مَن شكٍّ في الركوع وهو قائم فركع ثمّ تحقّق سبق

----------------

ويقال للنقيض الآخر المرجوح «وهم».

قوله: «كنسيان قراءة الحمد حتّى قرأ السورة». بل يمتدّ محلّ القراءة مالم يبلغ الانحناء إلى حدّ الراكع، فيرجع إلى القراءة وأبعاضها وصفاتها عدا الجهر والإخفات مالم يبلغ ذلك الحدّ وإن شرع في الانحناء، ويجب مراعاة الترتيب بين ما عاد إليه وما فعله.

ص: 587

وَنِسْيانِ السُّجُودِ حَتَّى قامَ وَلَمّا يَركع، وكذا التشهد.

الرابع: ما يُوجِبُ التلافي مَعَ سُجود السهو، وهو نِسْيانُ السَجدَةِ الواحِدَةِ، أو التَشَهْدِ،

----------------

الركوع، وحكم فيه بعدم البطلان، وصرف الهويّ الثاني إلى السجود(1)؛ لما ذكر من أنّه هنا وجب القيام للركوع مُطلقاً، والقول بالتفصيل أجود.

قوله: «ونسيان السجود حتّى قام». لا فرق في ذلك بين نسيان السجدتين معاً أو السجدة الواحدة؛ خلافاً لابن إدريس حيث حكم ببطلان الصلاة بنسيانهما وإن لم يركع، ووافق في العود إلى الواحدة(2).

ومتى كان المنسيّ السجدة الواحدة وجب الجلوس قبلها مُطمئنّاً؛ لأنّه واجب مغاير للسجود، يمكن تداركه في محلّه إن لم يكن فعله فيه وإن كان بنيّة الاستحباب کالاستراحة لاقتضاء نيّة الصلاة كونه للفصل.

ويحتمل هنا عدم الإجزاء؛ لوقوعه بنيّة الندب، فلا يجزئ عن الواجب. والعجب في اجتزائهم هنا بالجلوس المندوب ترجيحاً للنيّة المستدامة، وعدم اجتزائهم بالهويّ إلى السجود لناسي ،الركوع، مع وجوبه على التقديرين.

ولو شكّ في الجلوس فكالعالم بعدمه وإن تجاوز محلّه؛ لأنّ عوده إلى السجود یصیر الشكّ فيه في محلّه، فيجب استدراكه لأصالة عدمه. ومثله لو شكّ في السجدة الأُولى قائماً، فإنّ الرجوع إلى الثانية يوجبها، وكذا الشكّ في الثانية فجلس ساهياً.

قوله: «أو التشهّد». لا فرق في ذلك بين التشهّد الأول والأخير؛ بناءً على القول

بوجوب التسليم، كما هو مذهب المصنّف. ولا بين تخلّل الحدث وعدمه؛ خلافاً لابن إدريس حيث حكم ببطلان الصلاة لو تخلل الحدث بين فعل التشهّد الثاني والصلاة؛ بناءً على أنّ التسليم لا يصحّ إلّا إذا وقع بعد التشهّد، فيكون

ص: 588


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7)
2- السرائر، ج 1، ص 241

أوْ الصَّلاةِ على النَّبِيِّ وَآلِهِ وَيَتَجاوَزُ مَحَلَّها، فَإِنَّهُ يُفعَلُ بَعدَ التَسليمِ وَيَسْجُدُ لَهُ.

----------------

الحدث بدونه واقعاً في أثناء الصلاة(1)، وهو ممنوع.

وعلى القول باستحباب التسليم يمكن القول بفساد الصلاة بالحدث قبل التشهّد لعدم تحقّق الخروج بدونه والصحّة؛ لعدم ركنية التشهّد، والوجهان آتيان في ناسي التسليم على القول بوجوبه.

قوله: «أو الصلاة على النبيّ وآله». إذا نسيهما مُنفردين عن التشهّد، ولا يضر الفصل بينهما وبينه وإن كان كالجزء منه، وهذا هو المشهور، ودليله غير واضح، ومن ثمّ أنكره ابن إدريس؛ لعدم النصّ(2). وأجاب المصنّف بأنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه؛ تسوية بين الجزء والكلّ(3).

وفيه نظر؛ لمنع الملازمة، إذ قد تُقضى الجملة ولا يُقضى جزؤها كالصلاة التامّة وكذا تُقضى السجدة بجميع واجباتها من الأذكار وغيرها ولا تقضى واجباتها منفردة وهي جزء من كلّ تقضى وإن لم تكن جزء من السجدة نفسها، ولاستلزامه وجوب قضاء الكلمة الواحدة المنسية في التشهّد أو الصلاة، بل الحرف الواحد، ولا يقولون به.

وربما أُلحق بالصلاة على النبيّ وآله نسيان الصلاة على أحدهما خاصّة، وهو متّجه على تعليل المصنّف، لكن يلزمه إلحاق نسيان إحدى الشهادتين بنسيانهما إن لم يلحق به نسيان بعض الكلمات والمصنّف لا يقول به، نعم صرّح به ابن فهد في الموجز(4).

قوله: «ويسجد له». العطف بالواو الدالّ على مُطلق الجمع أعمّ من الترتيب، يدلّ

----------------

قوله: «ويسجد له». الأولى تقديم فعل الجزء على سجوده وتقديم فعله على السجود لغيره

ص: 589


1- السرائر، ج 1، ص 259
2- السرائر، ج 1، ص 257
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 422 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- الموجز الحاوي ضمن الرسائل العشر، ص 106.

ونِيتُهُ: «أَسْجُدُ السَجْدَةَ المَنْسِيّة»، أو «أَتَشْهَدُ التَشَهدَ المَنسيَّ»، أو «أُصَلَّي الصَّلاةَ المَنْسِيَّةَ» في فرض كذا، أداءً لوجوبِها قُرْبَةً إلى اللهِ.

ونيَّةُ سجدتي السَهْوِ: «أَسْجُدُ سَجْدَتَي السَّهْوِ فِي فَرضِ كَذا أداءً لوجوبِهِما قُربَةً إِلى اللهِ».

----------------

على التخيير بين تقديم الجزء المنسيّ على سجود السهو له وتأخيره عنه، واستغرب في الذكرى وجوب تقديم فعل الجزء على سجوده وتقديم فعله على السجود لزيادة أو نقصان وإن تقدّم سبب السجود، وتقديم الأجزاء المنسيّة مترتّبة على السجود لها من دون أن يخلّله بينها(1)، وهو أحوط.

ولو اجتمع صلاة الاحتياط وأجزاء منسيّة قدّم الأجزاء إن سبقت كما لو كانت من الركعتين الأوليين، ولو تأخّرت تخيّر. ولو اجتمع صلاة الاحتياط وسجود السهو قدّم الصلاة وفاقاً للذكرى في جميع ذلك(2)، وقيل: يتخيّر في جميع هذه الصور، وهو متّجه، ولا ترتيب بين السجود المتعدّد وإن كان البدأة بالأوّل فالأوّل أفضل.

قوله: «أسجد السجدة المنسية - إلى قوله - أداءً لوجوبهما قربة إلى الله». هذا إذا كانت الصلاة أداءً والوقت باقياً، وإلّا نوى القضاء؛ لأنّها جزء من الصلاة، فتبعها في ذلك. ولوكان المصلّي نائباً وجب تعيين المنوب كأصل الصلاة، أمّا سجود السهو فلا، إذ ليس جزء منها ولا مستناباً فيه، وإنّما أوجبه سهو النائب. قوله: «أسجد سجدتي السهو... إلى آخره. وأوجب في الذكرى تعيين السبب

----------------

وإن تقدّم سبب السجود، وتقديم الأجزاء المنسيّة مرتّبة على السجود لها من دون أن يخلّله بينها.

قوله: «أسجد السجدة المنسيّة... إلى آخره. هذا إذا كانت الصلاة أداءً والوقت باقياً، وإلّا نوى القضاء. ولو كان المصلّي نائباً وجب تعيين المنوب كأصل الصلاة.

ص: 590


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 465 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 457 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)

ويجب فيهما ما يَجِبُ فى سُجُودِ الصَّلاةِ.

وَذِكْرُهُما: «بِسمِ الله وباللهِ وَصَلَّى الله عَلى مُحَمّدٍ وَ آل مُحمّد».

----------------

الموجب للسجود، وفرّع عليه ما لو ظنّ سهوه كلاماً فسجد له، فتبيّن أنّه كان نسيان سجدة، أنّه يُعيد السجود(1)، وهو متّجه مع تعدّد السبب المقتضي لتعدّد السجود. أمّا مع اتحاده فلا، وقيل: لا يجب تعيينه مُطلقاً.

ومحل النيّة قبل وضع الجبهة مقارناً له، ولو نوى بعده كفى، وكذا القول في السجدة المنسيّة وسجدة العزيمة وغيرها.

قوله: «ويجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة». من وضع المساجد السبعة، وكون مسجد الجبهة طاهراً من جنس ما يصحّ السجود عليه، والطُمأنينة بقدر الذكر، ورفع الرأس بينهما، والطُمأنينة فيه. وتدخل فيه الطهارة والستر والتصريح به بعد ذلك لفائدة التعميم. وإنّما لم يذكر ذلك في السجدة المنسيّة؛ لظهوره، فإنّها إنّما وجبت لكونها جزءً فائتا من الصلاة، فشرطها واحد سواء وقعت داخلة في الصلاة أم خارجة.

قوله: «وذكرهما: بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد». أو بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته. رواه الحلبي عن الصادق علیه السلام(2)

----------------

قوله: «ويجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة». من وضع المساجد السبعة، وكون مسجد الجبهة طاهراً، من جنس ما يصحّ السجود عليه، والطُمأنينة بقدر الذكر، ورفع الرأس بينهما، والطُمأنينة فيه. وتدخل فيه الطهارة والستر.

قوله: «وذكرهما: بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» أو بسم الله وبالله والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته. ولو قال بدل «وصلّى الله»: «اللهمّ صلّ»، أو حذف واو العطف من «السلام عليك» أجزاً.

ص: 591


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 465 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 773

ثُمَّ يَتَشَهدُ فيهما وَيُسَلّمُ.

وتجبان أيضاً للتَسْلِيم في غَيْرِ مَحَلَّه نسياناً، وللكَلامِ كَذلِكَ، وَلِلشَّكُ بَينَ الأَرْبَعِ وَالخَمْسِ،

----------------

سماعاً منه لكيفيّة الحكم، لا لكونه سها؛ لتنزّهه علیه السلام عنه. وفي بعض متنه بدل «وصلّى الله على محمّد و آل محمّد» «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»، وفي الصيغة الأُخرى بحذف واو العطف قبل السلام(1)، والكلّ مُجزئ وينحصر الذكر في الأربعة، ولا يجزئ مُطلق الذكر.

قوله: «ثمّ يتشهد فيهما ويسلّم». فائدة إعادة الضمير إليهما دفع توهّم افتقار فعل الأجزاء إلى ذلك، وفي خبر الحلبي: «يتشهد فيهما تشهداً خفيفاً»(2). ومعنى الخفيف: المقتصر فيه على أقلّ الواجب، والمراد بالتسليم المعهود، خلافاً لأبي الصلاح حيث جعله التسليم على محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم(3).

قوله: «وللكلام كذلك». أي في غير محلّه نسياناً، والتشبيه عائد إلى مجموع الأمرين. وفائدة عوده إلى غير محلّه الاحتراز عمّا يقع من الكلام في محلّه المطلق كالقرآن والدعاء، إذ لولا ذلك لدخل في عموم الكلام، مع وجوب إخراجه منه في هذه الأحكام وإنّما كانت الصلاة محلّاً مُطلقاً له، لجوازه فيها من غير تقييد بمحلّ معيّن وإن كان لبعض الموادّ رجحان على غيره كآية الرحمة والنقمة.

ويمكن عود التشبيه إلى النسيان خاصّة، وجعل اللام في «الكلام» للعهد الذكري وهو المذكور في المنافيات مُقيداً بغير القرآن والدعاء، إلّا أنّ فيه استلزام كون ذكر التسليم مستدركاً؛ لإدخاله في الكلام المذكور أيضاً، والأمر في ذلك كلّه سهل.

قوله: «وللشكّ بين الأربع والخمس». بعد السجود على المشهور، وقبله أيضاً على خلاف، وتفصيله يأتي إن شاء الله.

ص: 592


1- كما في الكافي، ج 3، ص 356، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمها .ح 5
2- الفقيه ، ج 1 ، ص 350، ح 1020؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1441.
3- الكافي في الفقه، ص 148

وَلِلقِيامِ في مَوْضِع القُعُودِ، وبالعكس.

والأَحْوَطُ وُجُوبُهُما لِكُلِّ زِيادَةٍ وَنَقِيصَةٍ غَيْرِ مُبطِلَتَينِ.

----------------

قوله «وللقيام في موضع قعود». يدخل في ذلك ناسي السجود والتشهّد حتّى قام، وقد تقدّم أنّه لا يوجبهما(1).

ويجب تقييد العكس - وهو القعود في موضع قيام - بعدم صلاحيته لجلسة الاستراحة، كالقعود في أثناء الركعة، أو بزيادته عمّا يصلح لصرفه إلى جلسة الاستراحة؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ذلك وإن كان قد نوى به الوجوب إن أمكن ذلك. ولا يخفى أنّ المراد به إذا لم يستلزم ترك ركن في حالة القيام المنسيّة، وإلّا أبطل الصلاة.

قوله «والأحوط وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة غير مبطلتين». هذا اختيار الفاضل في النهاية والقواعد(2)، وجعله في الذكرى أعدل الأقوال(3)، وله شواهد من الأخبار(4)، وعليه العمل. ويدخل فيه جميع ما ذكر في القسمين الأوّلين، وزيادة المندوب سهواً في غير محلّه، وربما قيل بوجوبهما لمجرّد الشكّ في الزيادة والنقصان(5)؛ لرواية الفضيل بن يسار عن الصادق علیه السلام(6)، ومال إليه المصنّف في الذكرى(7)، وهو حسن.

----------------

قوله: «والأحوط وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة غير مبطلتين». هذا هو الأجود، وكذا تجبان للشكّ في الزيادة والنقيصة.

ص: 593


1- تقدّم في ص 588.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 547 : قواعد الأحكام، ج 1، ص 307 - 308
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 464 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
4- الكافي، ج 3، ص 354، باب من سها في الأربع والخمس .... ح 1 ؛ الفقيه، ج 1، ص 350، ح 1020؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 155، ح 608.
5- قاله الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 340 ذيل الحديث 994؛ وحكاه المقداد السيوري في التنقيح الرائع 1، ج 1 ، ص 263 عن الشيخ المفيد في الرسالة العزيّة
6- الفقيه، ج 1، ص 350، ح 1019.
7- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 463 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

وهما بَعدَ التَسْلِيمِ مُطلَقاً، قِيلَ : وَلا يَجِبُ فِعْلُهما في الوَقتِ ولا قَبلَ الكلام، والأولى الوُجُوبُ.

----------------

ويتعدّدان بتعدّد السبب وإن كان في صلاة واحدة ما لم يدخل في جزء الكثرة.

قوله: «وهما بعد التسليم مُطلقاً». سواء كانتا لزيادة أم لنقصان على المشهور؛ حذراً من الزيادة في الصلاة، وللخبر(1). وردّ بذلك على ما ورد في بعض الأخبار من فعلهما قبله للنقصان وبعده للزيادة(2)، وقد ينسب القول بذلك إلى ابن الجنيد(3)، ولم يثبت.

قوله: «قيل: ولا يجب فعلهما في الوقت ولا قبل الكلام، والأولى وجوبه». وجه القول إطلاق الأمر، وهو لا يقتضي الفور، ولأنّهما ليستا جزء من الصلاة. وإنّما كان فعلهما قبل الكلام أولى؛ لورود روايات به(4)، وفيه إشعار بالفوريّة، إذ لا خصوصيّة للكلام من بين المنافيات، ولما كانت الروايات ليست سليمة عن الطعن لم تكن موافقة مدلولها متحتّمة، بل أولى.

وفي الذكرى أوجب البدار بهما على الفور(5).

----------------

قوله: «وهما بعد التسليم مُطلقاً». سواء كانتا لزيادة أم لنقصان.

قوله: «ولا يجب فعلهما في الوقت ولا قبل الكلام» الضابط في جميع أبواب الشكّ أنّه عند عروضه يجب التروّي، فإن غلب على ظنّه شيء بنى عليه مُطلقاً، وإن تساوى الاحتمالان لزمه ما فصّل.

ص: 594


1- الكافي، ج 3، ص 356، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل .... ح 4 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 378، ح 1433؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 191 ، ح 755
2- الفقيه، ج 1، ص 341 ، ح 996؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195 ، ح 769 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1439.
3- نسبه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 426، المسألة 299 كتاب الصلاة إلى ابن الجنيد في كتابه الأحمدي في فقه المحمّدي
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 768 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1438
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 468 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

ولا يَجِبُ التَعَرّضُ في نِيَّتِهِما لِلأَداءِ والقَضاءِ وَإِنْ كانَ أجودَ، وَيجِبُ في الأجزاءِ المَنْسِيَةِ ذَلِكَ(1) أمّا الطَهَارَةُ والستر والاستقبالُ فَشَرط في الجميعِ.

----------------

وعلى القول به فلو أخّرهما أو تركهما لم يقدح في صحّة الصلاة، ويجب الإتيان بهما فيما بعد وإن طالت المدّة، ويرتّب غيرها من الصلوات عليهما على القول به، ولو خالف صحّت الصلاة.

قوله: «ولا يجب التعرّض في نيّتهما للأداء والقضاء وإن كان أجود». لأنّ الأداء والقضاء من توابع الوقت المحدود، ولا وقت لهما محدود أو إن وجب البدار بهما على الفور.

ووجه كون التعرّض أجود؛ لكون وقت الصلاة وقتاً لهما(2)، فيجب رعايته، وهو خير(3).

قوله: ويجب في الأجزاء المنسيّة ذلك». الإشارة تعود إلى الأداء والقضاء، ووجوب التعرّض فيهما إليهما موضع ،وفاق، ولأنّهما جزء من الصلاة الواجب فيها ذلك.

ويحتمل عوده إلى جميع ما سبق، وهو وجوبها مع ذلك في الوقت وقبل الكلام، فإنّ للمصنّف قولاً في غير هذا الكتاب بوجوب ذلك فيها(4)، والمسألة موضع خلاف، ولا ريب أنّ مراعاة ذلك أحوط.

قوله: «أمّا الطهارة والاستقبال والستر فشرط في الجميع». المراد: الطهارة من

----------------

قوله: ويجب في الأجزاء المنسيّة ذلك». الإشارة تعود إلى الأداء والقضاء، ويمكن عودها إلى جميع ما ذُكر، وهو وجوبهما في الوقت وقبل الكلام، فإنّ المصنّف يوجب ذلك، وهو أحوط.

قوله: «أمّا الطهارة». المراد: الطهارة من الحدث والخبث.

ص: 595


1- في «ش 3»: ذلك كله.
2- في «غ»: لهما بالتبعية
3- كذا في «غ ، ك»: خيرتان. ولعلّ الصحيح: (وهو خيرة البيان) إذ أن الماتن اختاره في بيانه، وأشار إليه المصنّف في المقاصد العليّة. انظر البيان، ص 247 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12 ؛ المقاصد العليّة، ص 337 المطبوع في هذا المجلّد
4- البيان، ص 247 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)

الخامس: ما يُوجِبُ الاحتياط في الرُباعِيَّات، وهو اثنا عَشَر:

----------------

الحدث والخبث وإن كان إطلاقها على الثاني مجازاً شرعيّاً، ولا يُعد في مختصر الكلام في استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

وبالجميع: سجدتا السهو، والأجزاء المنسيّة. والمسألة موضع خلاف، والعمل على ما هنا.

قوله: «ما يوجب الاحتياط في الرباعيّات وهو اثنا عشر». المراد بايجابها الاحتياط ولو على وجه، فيدخل فيه ما قيل ببطلانه مع أنّ فيه وجها بالاحتياط، وما أوجب سجود السهو خاصّة كالشكّ بين الأربع والخمس مع أنّه قد يوجب الاحتياط على وجه كما لو كان الشكّ قبل الركوع، وعلى هذا فإدخال باقي الأقسام التي لا توجبه في العدد(1) على جهة التبعيّة، ومع ذلك فالكلام جارٍ على أحد(2) أمرين:

إمّا على وجه التغليب؛ لأنّ في الصور ما لا احتياط فيه قطعاً، بل إمّا البطلان أو البناء على الأقلّ كالخامس ونحوه.

وإمّا على استعمال لفظ الاحتياط في معنى الصلاة المعهودة وفعل ما يتحقّق معه صحّة الصلاة وهو إعادة الصلاة، كما نبّه عليه بقوله في الأربع الآتية: «ووجه بالبطلان في الثلاثة احتياطاً». والقدر المشترك بين صلاة الاحتياط والبطلان المستلزم للحكم بالإعادة فعل ما يتحقّق معه براءة الذمّة.

إذا تقرّر ذلك فوجه الحصر في الاثني عشر أنّ الشكّ في الثنائيّة والثلاثيّة وأُولى الرباعيّة مبطل كما مرّ فيبقى ما يحتمل تعلّق الحكم به ولو على وجه ضعيف أخيرتا الرباعيّة.

ثمّ قد يُضاف إلى الشكّ فيهما أو في إحداهما الشكّ في خامسة، ومنه تتشعب الصور؛ لأنّ الشكّ قد يكون ثنائيّاً، أي يتعلّق بركعتين خاصّة، وهو ستّ صور: الشكّ بين الاثنتين والثلاث وبين الاثنتين والأربع، وبين الاثنتين والخمس، وبين الثلاث

ص: 596


1- في «ك»: أحكام العدد.
2- أحد: لم ترد في «غ».

الأوّل: أنْ يَشُكَ بَينَ الاثْنَتَيْنِ والثَلاثِ بَعْدَ إكمالِ السَجْدَتَينِ.

----------------

والأربع، وبين الثلاث والخمس، وبين الأربع والخمس.

وقد يكون ثلاثياً، أي يتعلّق بثلاث ركعات، وهو أربع صور: الشكّ بین الاثنتين والثلاث والأربع، وبين الاثنتين والثلاث والخمس وبين الاثنتين والأربع والخمس، وبين الثلاث والأربع والخمس.

وقد يكون رباعيّاً، وهو صورة واحدة، وهو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.

فهذه إحدى عشرة صورة، والثانية عشرة أن يتعلّق الشكّ بالسادسة، وجعله قسماً واحداً؛ بناءً على بطلان الصلاة به مطلقاً، ولو قلنا بالصحة انقسم أقساماً تأتي إن شاء الله تعالى.

واعلم أنّ الشكّ في كلّ واحدة من هذه الصور الإحدى عشرة لا يخلو: إمّا أن يقع وهو آخذ في القيام، أو بعد استيفائه قبل القراءة، أو في أثنائها، أو بعدها قبل الركوع، أو بعد الانحناء وقبل الرفع، أو بعده قبل السجود، أو فيه قبل الفراغ من ذكر الثانية إذ هو آخر السجدة كما سيأتي، أو بعده قبل الرفع منها، أو بعده. فهذه تسعة أحوال آتية في كلّ واحدة من الصور الإحدى عشرة، فتصير مسائل الشكّ بهذا الاعتبار تسعاً وتسعين مسألة.

وأمّا حكمها فسيرد عليك مفصّلاً، والضابط فيه أن كلّ شكٍّ ذكر فيه الركعة الثانية وحكم بصحة الصلاة معه صحّ من الأحوال التسعة اثنان، وهما: ما وقع الشكّ فيه بعد الفراغ من ذكر السجدة الثانية وقبل الرفع منها وما وقع بعد الرفع منهما. وتبطل منها السبعة الباقية. وما لا يتعلّق منه بالثانية يصحّ في جميع أحواله على خلاف يأتي عدا الشكّ بین الثلاث والخمس فإنّما تصح منه الأربعة الأُولى وتبطل خمس، وسيرد عليك تفصيل ما أُجمل من هذا الضابط.

قوله: «أن يشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين». لا ريب في تحقّق إكمال

----------------

قوله: «أن يشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين». يتحقق إكمالهما بالفراغ من ذكر

ص: 597

الثاني: الشَكُ بَينَ الثلاث والأربع مُطلَقاً، والبناء على الأكثر فيهما، ويُتِمُّ ما بَقِيَ ويُسَلَّمَ ثُمَّ يُصَلَّى رَكَعَةٌ قائِماً أو رَكَعَتَينِ جالِساً.

الثالث: الشَكٍّ بين الاثنتين والأربع بَعدَ إكمال السَجدَتَينِ، والبناء على الأربَع والاحتياط بِرَكعَتَيْنِ قائِماً.

----------------

السجدتين بالرفع من الثانية، وهل يتحقّق بكمال ذكرها من غير أن يرفع؟ الظاهر ذلك، وهو اختيار المصنّف في الذكرى(1)؛ لأنّ الرفع لا مدخل له في السجود، وإنّما هو مقدّمة لواجب آخر كالتشهّد والقراءة. وعبارة الرسالة هنا تحتمل الأمرين وإن كانت إلى الثاني أقرب، وينبّه عليه أيضاً(2)ما يوجد في بعض نسخ الرسالة في الثاني عشر من واجبات السجود وهو قوله: «ولا يجب الرفع من السجدة الثانية» بمعنى أنّه لا يجب لذاته، بل إنّما يجب مقدّمة لواجب آخر، وليس الرفع منها معدوداً في واجبات السجود، وعلى النسخة المشهورة «ولا يجب في رفع السجدة الثانية» يكون فاعل «يجب» مستتراً فيها، وهو ضمير عائد على الطُمانينة.

قوله: «الشكّ بين الثلاث والأربع مطلقاً. أي سواء وقع بعد إكمال السجدتين أم قبله؛ لإحراز الأُوليين على التقديرين، وهذه الصورة تصحّ على جميع الأحوال.

قوله: «وركعتين قائماً قبلهما». أشار بذلك إلى وجوب الترتيب بين الاحتياطين، كما تضمّنته الرواية؛ لعطف الركعتين من جلوس فيها ب_ «ثمّ» الدالة على التعقيب(3)،

----------------

الثانية وإن لم يرفع رأسه، فمتى تعلّق الشكّ بالثانية وكان قبل ذلك بطلت الصلاة.

قوله: «الشكّ بين الثلاث والأربع مطلقاً». سواء وقع بعد إكمال السجدتين أم قبله؛ لإحراز الأُوليين على التقديرين وهذه المسألة تصحّ حيث وقع الشكّ فيها.

ص: 598


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 454 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- أيضاً: لم ترد في «غ».
3- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع. ح 6 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187، ح 742.

الرابع: الشكٍّ بَينَ الاثنتين والثلاث والأربعِ بعد الإكمال(1) والبناء على الأربعِ، والإحتياط بِرَكعَتَينِ جالِساً وَرَكعَتَينِ قائِماً قَبلَهُما.

الخامس: الشكّ بَينَ الاثنتينِ والخَمْسِ.

----------------

وربما شيّدت بأنّ الشكّ في الاثنتين متقدّم، وهو يوجب الركعتين من قيام فيقدّم احتياطه ونقل المصنّف عن المفيد القول بوجوب تقديم الركعتين من جلوس(2)، والأكثر على التخيير(3).

وهل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين من جلوس ركعة من قيام؟ ذهب جماعة إلى عدمه(4)؛ لظاهر الرواية(5)، وآخرون إلى التخيير(6) وقوّاه المصنّف؛ لتساويهما في البدليّة(7).

قوله: «الشكّ بين الاثنتين والخمس». المراد به بعد السجود(8)؛ ليتّجه فيه احتمال الصحّة، فإنّ كلّ شكّ يتعلّق بالأُوليين قبل إكمالهما مُبطل بغير احتمال.

----------------

قوله: «وركعتين قائماً قبلهما». أشار بذلك إلى وجوب الترتيب بين الاحتياطين، كما ورد به الخبر، فيجب تقديم الركعتين من قيام، ويجوز أن يصلّي بدل الركعتين من جلوس ركعة من قيام.

قوله: «الشكّ بين الاثنتين والخمس». المراد به بعد السجود؛ ليتصوّر احتمال الصحّة، فإنّ كلّ شكّ يتعلّق بالأُوليين قبل إكمالهما مُبطل بغير احتمال.

ص: 599


1- في «ش3»: بعد إكمال السجدتين.
2- نقله في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 451 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7) عن الرسالة العزية
3- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 123؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 386، المسألة 273 كتاب الصلاة.
4- كابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 384، المسألة 271 ؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 148
5- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 6 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187 ، ح 742
6- كالسيد المرتضى في الانتصار، ص 48 والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 542.
7- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 449 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
8- في «ش (3) وردت جملة (بعد إكمال السجود) من ضمن المتن

السادس: الشَّكُّ بين الثلاثِ والخمسِ بعدَ الرَّكُوعِ، أو بَعدَ السُّجُودِ.

السابع: الشَكٍّ بَينَ الاثنتَينِ والثَّلاثِ والخَمْسِ.

الثامن: الشَّكُّ بين الاثنتين والأربعِ والخمسِ.

وفي هذهِ الأربعَةِ وجه بالبناء على الأقل؛ لأنّهُ المُتَيَقَّنُ، وَوَجْهُ بالبُطلانِ في

----------------

قوله: «الشكّ بین الثلاث والخمس بعد الركوع أو بعد السجود». احترز بذلك عمّا لوكان الشكّ قبل الركوع، فإنّه يهدم الركعة ويصير شاكّاً بين الاثنتين والأربع، فيحتاط بركعتين قائماً ويسجد للسهو لمكان الزيادة، وهو يشمل أربع صور كما تقدّم. ويفهم من قوله: «بعد الركوع» أنّه لو وقع في أثنائه كان كما لو وقع قبله، والأصحّ إلحاقه بما بعده؛ لتحقّق الركوع بتمام الانحناء وإن لم يرفع.

قوله: «الشكّ بين الاثنتين والثلاث والخمس». المراد بعد السجود، كما سبق؛ ليكون موضع الاحتمال.

قوله: «وفي هذه الأربعة وجه بالبناء على الأقلّ» لأصالة الصحّة، وقوله علیه السلام: «ما أعاد الصلاة فقيه»(1).

قوله: «ووجه بالبطلان». لتعذّر البناء على أحد الطرفين؛ لاستلزامه التردّد بين محذورين، فإنّ البناء على الأكثر معرّض للنقصان، وعلى الأقلّ للزيادة. وهذا يتمّ في غير الثامن؛ لاشتماله على شكّين لا يبطلان الصلاة:

أحدهما: الشكّ بين الاثنتين والأربع، و هو غير مفسد إذا وقع بعد السجود، وموجب للركعتين قائماً.

----------------

قوله: «الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الركوع أو بعد السجود». احترز بذلك عمّا لو كان الشكّ قبل الركوع، فإنّه يهدم الركعة ويصير شاكّاً بين الاثنتين والأربع، فيحتاط بركعتين قائماً ويسجد للسهو لمكان الزيادة.

ص: 600


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 351، ح 1455 : الاستبصار، ج 1، ص 375 ، ح 1424

الثلاثَةِ الأول احتياطاً، والبناء في الثامن على الأربع، والاحتياط برَكعَتَينِ قائماً وسُجُودِ السَهْوِ.

التاسع: الشَكُّ بَينَ الاثْنَتَينِ والثَّلاثِ والأربعِ والخَمْسِ بَعدَ السُّجودِ، وَحُكمُهُ حُكمُ الثامِنِ، وَيَزِيدُ في الاحتياطِ بِركعَتَينِ جالِساً.

العاشر: الشَّكُ بين الأربع والخَمسِ بَعدَ السجودِ مُوجِبٌ لِلمُرغِمَتَيْنِ كَما مَرَّ،

----------------

والثاني: الشكّ بين الأربع والخمس، وهو أيضاً غير مفسد في تلك الحالة قطعاً، فيسجد له سجدتي السهو، وهذا الوجه جيّد.

قوله: «وحكمه حكم الثامن». وذلك لرجوعه إلى أصلين من أُصول الشكّ منصوصين:

أحدهما: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، وهو غير مفسد إذا وقع بعد السجود، كما هو الفرض، وموجب للاحتياطين.

والثاني: الشكّ بين الأربع والخمس، وهو غير مفسد في تلك الحالة قطعاً، ويوجب سجود السهو لا غير.

قوله: «بعد السجود موجب للمرغمتين كما مرّ». المراد ببعديّة السجود: الفراغ من الثانية وإن لم يرفع منها ، كما سبق التنبيه عليه(1).

----------------

قوله: «الشكّ بين الأربع والخمس بعد السجود موجب للمرغمتين». المراد ببعديّة السجود: الفراغ من السجدة الثانية وإن لم يرفع منها، كما مرّ.

والمراد بالمرغمتين: سجدتا السهو سمّيتا بذلك لأنّهما ترغمان الشيطان إمّا من المراغمة: وهي المغاضبة أي تغضبانه. وإمّا من الرَغام - بالفتح- : وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه: أي ألصقه بالتراب فكأنّهما ترغمان أنف الشيطان.

ص: 601


1- تقدم في ص 592

وقَبْلَ الرُّكوعِ يكونُ شَكّاً بين الثلاث والأربع، وبعدَ الرُّكُوعِ فيه قول بالبطلان، والأصَحُ إلحاقه بالأَوَّلِ، فَيَجِبُ الإتمامُ والمُرغِمَتان.

----------------

والمراد بالمرغمتين: سجدتا السهو، سمّيتا بذلك لأنّهما ترغمان الشيطان كما ورد في الأخبار(1). وهو إمّا من المراغمة: وهي المغاضبة أى تغضبانه. وإمّا من الرَغام - بالفتح - : وهو التراب يقال: أرغم الله أنفه: أي ألصقه بالتراب، فكأنّهما ترغمان أنف الشيطان.

قوله: «وقبل الركوع يكون شكّاً بين الثلاث والأربع». فيهدم الركعة ويتشهّد ويسلّم، ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، ويسجد للسهو؛ لمكان الزيادة. فهذه ستّ صور من مسألة الشكّ بين الأربع والخمس لا إشكال في صحّة الصلاة معها.

قوله: «وبعد الركوع فيه قول بالبطلان والأصحّ إلحاقه بالأوّل، فيجب الإتمام والمرغمتان». المراد ببعديّة الركوع هنا: ما كان بعد الانتصاب منه؛ بناءً على ما فسّره المصنّف في محلّ آخر من عدم تحقّق الركوع بمجرّد الانحناء في حالة السهو(2)، ولتصير المسألة ذات قولين كما ذكره، إذ لو كان الشكّ قبل الرفع ففيه احتمالات ثلاثة: الإكمال، والإبطال، والإرسال إلحاقاً له بما قبل الركوع؛ بناءً على عدم تحقّقه بذلك.

وعلى هذا فيشمل قوله «بعد الركوع» صورتين وهما: ما بينه وبين السجود، أو في أثناء السجود. ويبقى فرض مالو وقع قبل الرفع منه مسكوتاً عنه. والحقّ إلحاقه بما بعده.

----------------

قوله: «وقبل الركوع يكون شكّاً بين الثلاث والأربع»(3). فيهدم الركعة ويتشهّد ويسلّم ويسجد للسهو زيادةً على الاحتياط.

ص: 602


1- الكافي، ج 3، ص 357، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن .... ح 9.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2»

الحادي عشر : الشََّكُّ بينَ الثَلاثِ والأَربَعِ والخَمسِ، وَفِيهِ وَجهُ بالبِناءِ عَلی الأَقَلِّ، وآخرُ بالبناءِ على الأربَعِ والاحتياطِ بِرَكعَةٍ قائماً والمرغِمَتَينِ.

----------------

والقائل بالبطلان الفاضل (رحمه الله)(1)، ووجهه التردد بين محذورين كلّ منهما مبطل للصلاة؛ لأنّه إن أتمّها أمكن كونها خامسة وإن قطعها أمكن كونها رابعة(2).

وفيه نظر؛ لمنع المحذورية على تقدير الإكمال، فإنّ إمكان كونها خامسة غير كافٍ في الحكم بالإبطال؛ لأصالة العدم، ولأنّ ذلك لو أثّر لورد فيما لو وقع بعد السجود، إذ التجويز قائم.

والفرق بين الحالتين - بأنّ الزيادة في المتنازع وقعت عمداً، بخلاف ما بعد السجود؛ لوقوعها سهواً على تقدير أن تكون خامسة - فاسدٌ؛ لأنّ زيادة الركن لا فرق فيها بين العمد والسهو فما ذهب إليه المصنّف من الصحّة هو الصحيح.

والمراد بالأوّل: ما بعد السجود فيصح في جميع الصور، وتجب سجدتا السهو. قوله: «الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس وفيه وجه بالبناء على الأقل». لأنّه المتيقّن، ويضعف بمخالفة المنصوص من بناء الشاکّ بين الثلاث والأربع على الأكثر.

ووجه البناء على الأربع رجوعه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع فيلزمه حكمه، وإلى الشكّ بين الأربع والخمس فيلزمه سجدتا السهو.

ويجب تقييده بما لو كان الشكّ في إحدى الصور(3) الخمس الأخيرة؛ بناء على ما اختاره المصنّف من الصحّة في جميعها. أمّا لو كان الشكّ كذلك قبل الركوع وجب

----------------

قوله: «وآخر بالبناء على الأربع». هذا إذا كان الشكّ بعد الركوع أو بعد السجود، ولو كان قبله هدم الركعة وصار شكّاً بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيلزمه حكمه، ويزيد سجدتي السهو.

ص: 603


1- منتهى المطلب، ج 1 ص 416
2- هذا التوجيه للمحقّق الكركي ذكره في شرح الألفيّة، ص 173 - 174 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- في «ك»: الفروض

....................................

----------------

الإرسال، ويكون شاكّاً بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيلزمه حكمه ويزيد سجدتي السهو لمكان الزيادة، وهو واضح. وهذه المسألة تصحّ أيضاً في جميع الصور(1) على ما اختاره المصنّف.

واعلم أنّ الذي تلخص من جميع ما تقدّم أنّ صور الشكّ التسعة والتسعين تصحّ الصلاة منها في إحدى وأربعين صورة، وتبطل في الباقي، وهو ثمان وخمسون.

وبيان ذلك: أنّ الشكّ المتعلّق بالركعة الثانية فما زاد له صور سبع، منها خمس صحيحة في الجملة، وهي: الشكّ بين الاثنتين والثلاث، وبين الاثنتين والأربع، وبين الاثنتين والثلاث والأربع، وبين الاثنتين والأربع والخمس، وبين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.

فهذه الخمس تصحّ كلّ واحدة منها في صورتين وهما: ما بعد الذكر من السجدة الثانية، وبعد الرفع منها، فالمجتمع منها عشر صور ويبطل منها الباقي، وهو خمس وثلاثون مسألة.

ويبقى من الشكّ المتعلّق بالثانية مسألتان باطلتان في جميع صورهما، وهي: الشكّ بين الاثنتين والخمس، وبين الاثنتين والثلاث والخمس، وصورهما ثمانية عشر مضافة إلى ما تقدّم تصير ثلاثاً وخمسين.

والذي لا يتعلّق بالثانية تصحّ منه ثلاث مسائل في جميع صورها، وهي الشكّ بین الثلاث والأربع، وبين الأربع والخمس، وبين الثلاث والأربع والخمس. وهي سبع وعشرون صورة، تُضاف إلى العشرة المتقدّمة.

ويبقى من المسائل الإحدى عشرة مسألة واحدة، وهي الشكّ بين الثلاث والخمس، وهذه تصح منها الصلاة في الأربعة السابقة منها على الركوع، وتبطل في الخمسة الأخيرة.

فالمجتمع من المسائل أحد وأربعون كما ذكر، والباطل منها ما ذكر.

ص: 604


1- في «ك»: الفروض

الثاني عشر : أَنْ يَتَعلَّق الشَّكُّ بالسادِسَةِ، وفيهِ وجهٌ بالبُطلانِ، وآخَرُ بالبناءِ على الأقَلِّ، أو يجعَلُ حُكمَهُ حُكمَ ما يَتَعَلّق بالخَمْسِ.

----------------

قوله: «أن يتعلّق الشكّ بالسادسة، وفيه وجه بالبطلان، وآخر بالبناء على الأقلّ، أو يجعل حكمه حكم ما يتعلّق بالخمس».

اعلم أنّ الشكّ المتعلّق بالسادسة فما زاد لا نصّ عليه على الخصوص، وقد ذكر المصنّف فيه احتمالات ثلاثة - والمشهور فيه قولان - :

أحدهما: البطلان مُطلقاً؛ لأنّ زيادة الركن مبطلة، ومع احتمالها لا تتيقّن البراءة. وضعفه ظاهر، فإنّ تجويز زيادة الركن غير قادح في الصحّة، وينبه عليه حكم المنصوصات، وحكم مَن شكّ في فعل في محلّه، وهو أمر واضح.

وثانيها: البناء على الأقلّ؛ لأصالة عدم الزيادة والبناء على الأكثر أو على الأربع موقوف على النصّ الخاص، وهو مفقود، والفساد غير معلوم ويدلّ عليه أيضاً عموم: «وَلَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ»(1) و «الفقيه لا يُعيد صلاته»(2).

وثالثها: إلحاقه بالشك في الخامسة مع ما قبلها، فيصح حيث يصحّ ويبطل حيث يبطل، ويجب سجود السهو في موضع الصحّة. وهو مذهب ابن أبي عقيل(3)، ويلوح من المصنّف الميل إليه(4)، وكذلك الفاضل في المختلف(5).

ووجهه التمسّك بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرّد احتمال الزيادة، وأقوى منها دلالة صحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم

ص: 605


1- محمّد (47): 33
2- الفقيه، ج 1، ص 340 . ح 994؛ معاني الأخبار، ص 159 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 351 ، ح 1455: الاستبصار، ج 1، ص 375، ح 1424
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 390، المسألة 377
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 444 ؛ البيان، ص 248 - 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12)
5- مختلف الشيعة، ج 2، ص 391، المسألة 377

....................................

----------------

خمساً زدت أو نقصت فتتشهّد وسلّم واسجد سجدتي السهو»(1) فإنّه متناول بعمومه موضع النزاع، مضافاً إلى ما دلّ على عدم البطلان سابقاً.

وأضعف الوجوه الثلاثة الأول؛ لِما قد عرفت من دليله، وعدم نقل غيره عن القائل به. وأقواها الأخير.

واعلم أنّ هذه المسألة تتشعّب إلى أربع عشرة صورة، سبع مع ضميمة ما زاد على الخامسة إليها، وسبع مع انفرادها عنها ثلاث من الجميع ثنائيّة، وستّ ثلاثيّة، وأربع رباعيّة، وواحدة خماسيّة.

فالأولى: الشكّ بين الاثنتين والستّ، وبين الثلاث والستّ، وبين الأربع والستّ. والثانية: بين الاثنتين والثلاث والستّ وبين الاثنتين والأربع والستّ، وبين الاثنتين والخمس والستّ وبين الثلاث والأربع والستّ وبين الثلاث والخمس والستّ، وبين الأربع والخمس والستّ.

والثالثة: بين الاثنتين والثلاث والأربع والستّ وبين الاثنتين والثلاث والخمس والستّ، وبين الاثنتين والأربع والخمس والستّ، وبين الثلاث والأربع والخمس والستّ.

والرابعة: بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والستّ.

والمراد بالستّ فما فوقها؛ لاشتراك الجميع في الحكم.

والأحوال التسع المتقدّمة آتية في كلّ واحدة من هذه الصور، فتصير المسائل مضروب أربع عشرة في تسع، وذلك مائة وستّ وعشرون، إذا أضيفت إلى التسع والتسعين المتقدّمة، صارت مسائل الشكّ مائتين وخمساً وعشرين.

وبقي صورة صورة أُخرى ثنائيّة، وهي الشكّ بين الخمس والستّ، ولها تسعة أحوال، لكنّها لا تدخل مع هذه المسائل؛ لأنّ مرجعها إلى تحقّق زيادة ركعة، فيعتبر فيها الجلوس بعد الرابعة قدر التشهّد كما مرّ، وغايتها الشكّ بين زيادة ركعة أو أزيد،

ص: 606


1- الفقيه، ج 1، ص 350 ، ح 1020؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1441

....................................

----------------

ولا فرق. هذا إن كان بعد الركوع، وقبله يهدم الركعة ويكون شكّاً بين الأربع والخمس، فيلزمه حكمه، ويزيد عليه سجدتي السهو أيضاً.

إذا تقرّر ذلك، فعلى القول بالبطلان لا كلام في بطلان جميع المسائل، وكذا على البناء على الأقلّ.

وعلى القول بإلحاقه بالشكّ في الخامسة تبطل في المسألتين الأُوليين من الثنائيّة؛ لتعذّر البناء على أحد الطرفين، وفي اثنتين من الصور الثلاثيّة وهما: الشكّ بین والثلاث والستّ وبين الاثنتين والخمس والستّ، وفي واحدة من الرباعيّة وهي الشكّ بین الاثنتين والثلاث والخمس والستّ، فتبطل في هذه الخمس خمس وأربعون مسألة.

ويصحّ على جميع الأحوال في ثلاث صور،اثنتان من الثلاثيّة وهي الشكّ بین الثلاث والأربع والستّ وبين الأربع والخمس والستّ. وواحدة من الرباعيّة وهي الشكّ بین الثلاث والأربع والخمس والستّ، فهذه سبع وعشرون مسألة صحيحة.

ويبقى من الباقي أربع صور تصحّ منها حالتان وهما: ما بعد السجود واحدة من الثلاثيّة وهي الشكّ بین الاثنتين والأربع والستّ، واثنتان من الرباعيّة وهما: الشكّ بین الاثنتين والثلاث والأربع والستّ، وبين الاثنتين والأربع والخمس والستّ، والرابعة من الخماسيّة. فتصحّ من هذه الأربع ثمان مسائل، وتبطل ثمان وعشرون.

ويبقى من الأربع عشرة صورتان: واحدة من الثنائيّة، وهي الشكّ بين الأربع والستّ، وهذه تصحّ منها الخمس

الأخيرة، وتبطل الأربع الأُولى؛ لأنّ هدمها يصيّر الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الركوع، وقد تقدّم أنّه مبطل.

والثانية من الثلاثيّة، وهي الشكّ بين الخمس والثلاث والستّ، وهي عكس ما قبلها، تصح منها الأربع الأُولى وتبطل الخمس الأخيرة.

فالصحيح من هذه المسائل أربع وأربعون، والباطل اثنتان وثمانون.

وكيفيّة ما يجب من الاحتياط في ما حكم بصحّته وكميّته وسجود السهو يُعلم

ص: 607

ولا بُدَّ فى الاحتياط مِن النِيَّةِ : أَصَلَّى رَكعَةً احتياطاً - أو رَكْعَتَيْن - قائماً ، أو جالساً : في الفَرضِ المُعَيْنِ، أداءً أو قَضَاءُ، لِوُجُوبِهِ قُربَةٌ إلى اللهِ وَيُكَبِّر،

----------------

ممّا سبق. وحاصله الإتيان بمثل ما يحتمل فواته أو بدله، وسجود السهو لما أوجب زيادة أو إضافة ما زاد على الأربع، والله الموفق.

قوله: «أداءً أو قضاءً». [أداءً] مع بقاء وقت المجبورة، والقضاء مع خروج وقتها أو كانت المجبورة قضاء ولو كانت نيابة عن الغير وجب تعيين المنوب قطعاً. والفرق بينها وبين سجود السهو كالفرق بينه وبين الأجزاء المنسيّة، وقد تقدّم.

قوله: «ويكبّر، ويلزمه قراءة(1) الحمد وحدها إخفاتاً، ولا يجزئ التسبيح». ردّ بذلك على ابن إدريس حيث خيّر بين الحمد والتسبيح(2)؛ لأنّها بدل من الركعتين الأخيرتين، والتخيير فيهما ثابت فكذلك ما هو بدل عنهما أو عن أحدهما. والأخبار الصحيحة ناطقة بتعيّن الحمد وكونها صلاة مستقلّة بعينها أيضاً، إذ لا صلاة إلّا بها(3).

والحقّ أنّها بدل من وجه ومستقلّة من آخر.

ويتفرع على البدليّة المطابقة للفائت حقيقةً أو حكماً، والاجتزاء بها لو تبيّن النقصان. وعلى الاستقلال افتقارها إلى نيّة جديدة، وتحريم، وتعيين الفاتحة، والتشهّد والتسليم، وغير ذلك. ووقع الخلاف في مواضع بسبب التردّد في هدمها، وسيأتي بعضها.

----------------

قوله: «أصلّي ركعة احتياطاً - أو ركعتين - قائماً أو جالساً في الفرض المعيّن، أداءً أو قضاء؛ لوجوبه قربة إلى الله». مع بقاء وقت المجبورة، والقضاء مع خروج وقتها، أو كانت المجبورة قضاءٌ، ولو كانت نيابةً عن الغير وجب تعيين المنوب.

ص: 608


1- ويلزمه قراءة: لم ترد في «ش 2»، وورد بدلها: ويقرأ.
2- السرائر، ج 1، ص 254
3- الكافي، ج 3، ص 317، باب قراءة القرآن، ح 28 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 146، ح573 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 354، ح 1339

وَيَلْزَمُهُ قِراءةُ الحَمدِ وحْدَها إخفاتاً ولا يُجزئ التسبيح، ويعتبر فيه جميعُ ما يُعتبرُ في الصَّلاةِ، والتَشَهدُ والتَسليمُ.

ولا أثَرَ لتَخَلّل المُبطِل بينَهُ وَبَينَ الصَّلاةِ،

----------------

قوله: «وجميع ما يعتبر في الصلاة». عطف على فاعل «يلزمه» أي ويلزمه جميع ما يعتبر في الصلاة من الطهارة والستر والاستقبال وغيرها من الشرائط والأفعال، سواء قلنا إنّها جزء من الصلاة، أم صلاة مستقلّة، أم متردّدة.

قوله: «ولا أثر لتخلّل المُبطل بينه وبين الصلاة». هذا مبني على كون الاحتياط صلاة مستقلّة، أو جزءاً من المشكوك فيها.

فعلى الأوّل لا أثر للمنافي بينهما، وهو مذهب ابن إدريس(1)، ويؤيّده الأخبار الواردة في باب الاحتياط العاطفة للاحتياط على الصلاة ب_ «ثمّ» المقتضي للتراخي(2).

وبالغ المصنّف في الذكرى في إنكار هذا القول وضعفه؛ محتجّاً بأن شرعيّة الاحتياط ليكون استدراكاً للفائت من الصلاة، فيكون على تقدير وجوبه جزءاً، فيكون الحدث واقعاً في الصلاة(3).

----------------

قوله: «وجميع ما يُعتبر في الصلاة»(4). من الطهارة والستر والاستقبال، وغيرها منالشرائط والأفعال.

قوله: «ولا أثر لتخلّل المبطل بينه وبين الصلاة» بمعنى أنّه لو تخلّل لم تبطل الصلاة؛ لأنّ ذلك جائز اختياراً، فإنّ الفوريّة واجبة في الاحتياط إجماعاً، والفائدة مع صحّة الصلاة حصول الإثم لو وقع المنافي اختياراً.

ص: 609


1- السرائر، ج 1، ص 256
2- الفقيه، ج 1 ، ص 349 ، ح 1016؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 186، ح 739: الاستبصار، ج 1، ص 372، ح 1315
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 455 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
4- هذا القول وشرحه لم يردا في «ض 1 ، ض 2»

ولا خُروج الوَقْتِ، نَعَمْ ينوي القَضَاءَ. وَلَو ذَكَرَ بَعْدَهُ أو في أثنائِهِ النُّقصانَ لَمْ يَلتَفِتْ، وَقِيلَ: لَوْ ذَكَرَ في أثنائِهِ أعادَ الصَّلاةَ،

----------------

ويجاب بمنع الجزئيّة المحضة، ومن ثمّ وجب فيه ما يجب في الصلاة المستقلّة.

وأُورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه سابقاً بجواز التسبيح، وهنا بعدم بطلان الصلاة بتخلّل الحدث بينهما. فإنّ الأوّل يقتضي كون الاحتياط جزءاً من الصلاة والثاني يقتضي كونه صلاة منفردة(1).

وردّه المصنّف بأنّ التسليم جُعل لهما حكماً مغايراً للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة، ولا ينافي تبعيّة الجزء في باقي الأحكام(2).

واعلم أنّ المصنّف ادّعى في الذكرى الإجماع على وجوب الفوريّة في الاحتياط(3) فعلى هذا يبقى الخلاف هنا في فساد الصلاة بتخلّل المبطل وعدمه، لا في جواز التراخي به بل إن قلنا بالصحّة مع التراخي يلزم الإثم.

قوله: «ولا خروج الوقت نعم ينوي .القضاء» أي لا أثر في بطلان الصلاة لخروج وقتها قبل فعله وإن حصل الإثم بالتراخي اختياراً، لكن ينوي القضاء بعد الوقت؛ لتبعيّته للصلاة في الوقت وكثير من الأحكام فهو كالجزء إن لم يكن جزءاً.

قوله: «ولو ذكر بعده أو في أثنائه النقصان لم يلتفت، وقيل: لو ذكر في أثنائه أعاد الصلاة». أمّا عدم الالتفات مع الفراغ منه فظاهر؛ لامتثاله المأمور به وهو يقتضي الإجزاء. ولا يضرّ ما زاده من الأركان للنصّ، ولأنّه لو أثّر - على تقدير الحاجة إليه -

----------------

قوله «ولا خروج الوقت. أي لا أثر في بطلان الصلاة لخروج وقتها قبل فعل الاحتياط وإن حصل الإثم بالتراضي اختياراً.

ص: 610


1- أورده العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 413، المسألة 293
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 455 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 458 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7)

....................................

----------------

لم تكن له فائدة، إذ مع الغنى عنه لا يجب، ولأنّ زيادة الركن مُغتفرة في مواضع للنصّ، وهذا منها.

وربما أشكل ذلك في مسألة وجوب الاحتياطين إذا تذكّر بعده عدداً لا يُطابق ما ابتدأ به، كما لو تذكّر أنّها ثلاث وقد بدأ بالركعتين من قيام؛ لزيادة الركعة من غير أن يجلس عقيب الرابعة قدر التشهّد، وفيما لو صلّاه من جلوس؛ لاختلال الهيئة.

وهذا كلّه مندفع بالامتثال المقتضي للإجزاء، وبأنّه لو أثّر لم تسلم صلاة بعد احتياط ذَكَرَ فاعله الحاجة إليه؛ لزيادة النيّة وتكبير الافتتاح.

وأمّا عدم الالتفات لو تذكّر في أثنائه؛ فلما مرّ.

ويشكل أيضاً في الفرض المذكور فيما لو بدأ بالركعتين من قيام وذَكَرَ بعد ركوع الثانية أنّها ثلاث، وقوّى المصنّف في الذكرى هنا البطلان؛ لأنّه إن اعتبر كونه مكمّلاً للصلاة فقد زاد وإن اعتبر كونه صلاة منفردة فقد صلّى زيادة عمّا في ذمّته بغير فاصل(1).

وفيهما نظر؛ لأنّ المكمّل لا يراعى فيه محض الجزئيّة كما مرّ والصلاة المنفردة لا تعتبر فيها المطابقة المحضة، وإلّا لم يتحقّق ذلك، بل هي قائمة شرعاً مقام الفائت وإن خالفته، إذ المخالفة متحقّقة على كلّ تقدير.

والإشكال آتٍ أيضاً فيما لو قدّم الركعتين من جلوس، ثمّ ذكر بعدهما أو بعد إحداهما أنّهما اثنتان، أو أنّها ثلاث وإن كان الأمر فيه أسهل وما اختاره هنا أوجه؛ للامتثال وعدم كون مثل ذلك معدوداً من المبطلات، فعلى هذا يغتفر ما فعله من الزيادة وغيره من الهيئة.

ثمّ إن كان ما فعله عند الذكر مساوياً لما تحقّقه ناقصاً أو قائماً مقامه اقتصر عليه، وإن كان زائداً ترك الباقي وتشهّد وسلّم حتى لو كان بعد ركوع الثانية من الركعتين في حالة القيام فتذكّر الاحتياج إلى واحدة تركَ السجود وتحلّل.

ص: 611


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 456 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)

وَلَوْ ذَكَرَ التَمامَ تَخَيرَ في القطعِ والإتمام.

----------------

ووجه القول بالبطلان مطلقاً زيادة الركن في أثناء الصلاة، فضلاً عن تغيير الهيئة إن كان، ولا ريب أنّ الاحتياط إعادة الصلاة بعد الفراغ ممّا اقتربه منه، لا إبطاله وإعادتها فإنّ ذلك حرام.

قوله: «ولو ذكر التمام تخيّر في القطع والإتمام». لأنّه يصير حينئذٍ نافلة، كما ورد به النقل، فيجوز له قطعها ولو ذكره بعد الفراغ كان له ثواب النفل وإن كان منويّاً به الفرض؛ للنصّ(1).

----------------

قوله: «تخيّر في القطع والإتمام». لأنّه يصير حينئذٍ نافلة فيجوز له قطعها. ولو ذكر التمام بعد الفراغ من الاحتياط كان له ثواب النفل وإن كان منويّاً به الفرض.

ص: 612


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194 ، ح 765 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1430

البحث الثاني: في خُصوصيّاتِ باقي الصَّلَواتِ بالنسبة إلى اليوميّة

تختَصُّ الجُمُعَةُ بأُمورٍ عَشرَةٍ:

الأوّل: خُروجُ وَقتِها بِصَيرُورَةِ الظَّلِّ مِثلهُ في المَشهورِ.

----------------

قوله: «في خصوصيّات باقي الصلوات بالنسبة إلى اليوميّة». المراد بها ما تختصّ بها زيادة على ما يعتبر في اليوميّة من الألف المتقدّمة، ومن هنا يُعلم أنّ في الخاتمة فروضاً كثيرة من المقصودة بالذات، فيحتاج إلى التنبيه له في بيان وجه حصر الرسالة في أبوابها، وقد تقدّم.

قوله: «خروج وقتها بصيرورة الظلّ مثله في المشهور». ضمير «مثله» يعود إلى الشخص المدلول عليه ب_«الظلّ» التزاماً، وتركه لوضوحه وأمن اللبس، أو يجعل «ال» عوضاً عن المضاف إليه، فحذف؛ لئلّا يجمع بين العوض والمعوّض.

----------------

قوله: «في خصوصيّات باقي الصلوات». المراد بالخصوصيّات ما يختصّ بهذه الصلاة زيادة على ما يُعتبر في اليوميّة.

قوله: «بصيرورة الظلّ مثله في المشهور». ضمير «مثله» يعود إلى الشخص المدلول عليه ب_ «الظلّ» التزاماً، والمراد ب_ «الظلّ»: الحادث بعد الزوال، لا جميع الظلّ الموجود؛ ليخرج منه الباقي عند الزوال، فإنّه غير داخل في التقدير.

ص: 613

الثاني: صحتها بالتَلَبْسِ وَلَوْ بالتَكْبِيرِ قَبلَهُ.

----------------

والمراد ب_ «الظلّ»: الحادث بعد الزوال، لا جميع الظلّ الموجود؛ ليخرج منه الباقي عند الزوال، فإنّه غير داخل في التقدير.

ونسبه إلى المشهور؛ لعدم وقوفه له على حجّة مقنعة غير الشهرة، كما اعترف به في الذكرى(1)، ومن ثمّ جزم في الدروس بامتداد وقتها إلى أن يبقى للعصر بقدر أدائها مخفّفة كوقت الظهر(2)، ورجّحه في البيان(3) وإن كان العمل بالمشهور أحوط.

قوله: «صحّتها بالتلبّس ولو بالتكبير قبله». هذا مذهب الفاضل (رحمه الله)(4) ومستنده غير واضح، والذي يناسب أُصول مذهبنا واختاه المصنّف في غير هذه الرسالة اشتراط إدراك ركعة في الوقت(5)، لعموم الحديث(6).

ولا فرق في ذلك بين مَن علم قبل التلبس بها بالحال وغيره، وفاقاً للمصنّف. وفرّق الفاضل بين من علم قبل التلبّس بقصور الوقت عن مجموع الخطبتين والصلاة، وبين مَن تلبّس بها غير عالم بذلك فتبيّن القصور، فأسقطها عن الأوّل دون الثاني، وعلى ما بيّنّاه فالخصوصيتان ساقطتان.

----------------

قوله «صحّتها بالتلبّس ولو بالتكبير قبله». بل يشترط إدراك ركعة في الوقت كغيرها من الصلوات، ولا فرق في ذلك بين من علم قبل التلبّس بها بالحال وغيره.

ص: 614


1- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 44 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 110 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
3- البيان، ص 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 10، المسألة 376.
5- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 49 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 109 ؛ البيان، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12).
6- الخلاف، ج 1، ص 273 ، المسألة 13 و ص 623، المسألة 392: المعتبر، ج 2، ص 46 -47

الثالث: استحباب الجهر فيها.

الرابع: تقديمُ الخُطبَتَينِ عَلَيها.

----------------

قوله: «استحباب الجهر فيها» لا خلاف في استحباب الجهر بالجمعة كما نقله المصنّف(1) وغيره(2)، وإنّما الخلاف في استحبابه في ظهرها، فقيل باستحبابه فيها مطلقاً(3). وقيل: إن صُلّيت جماعة(4)؛ وعلى هذين القولين فهذه الخصوصيّة ساقطة أيضاً، والذي اختاره المصنّف المنع من الجهر بها مُطلقاً فبقيت الخصوصيّة للجمعة.

واعلم أنّ هذا الاستحباب لا ينافي قصر الرسالة على الواجبات ولا يستلزم تخصيص هذا المندوب على غيره من المندوبات المختصّة بهذه الصلاة؛ لأنّ مرجعه إلى الوجوب، فإنّ الجهر كيفيّة للواجب، وهي لا تكون إلّا واجبة. ومعنى استحبابها: كونها أفضل الواجبين على التخيير، وذلك وارد في كلّ واجب مخيّر إذا كانت أفراده متقاربة(5) في الأفضليّة، فإنّ الفرد الراجح منها - مع كونه أحد أفراد الواجب - يُطلق عليه الاستحباب بسبب رجحانه فهو واجب تخييراً ومستحبّ عيناً، وهو كثير في تصانيف الفقه.

قوله: «تقديم الخطبتين عليها». قد أسلف المصنّف في أوّل البحث أنّ هذه

----------------

قوله استحباب الجهر فيها». هذا الاستحباب لا ينافي قصر الرسالة على الواجبات، ولا يستلزم تخصيص هذا المندوب على غيره من المندوبات المختصّة بهذه الصلاة؛ لأنّ مرجعه إلى الوجوب، فإنّ الجهر كيفيّة للواجب، وهي لا تكون إلّا واجبة. ومعنى استحبابها كونها أفضل الواجبين على التخيير.

ص: 615


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 267 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 151؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 151؛ وابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 1، ص 297؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 304
3- قاله الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 632، المسألة 407
4- قاله ابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 1، ص 298
5- في «غ»: متفاوتة

الخامس: الإجزاء عَن الظهر.

السادس: وُجُوبُ الجَمَاعَةِ فيها.

----------------

الخصوصيّات بالنسبة إلى اليوميّة، وحيث كانت اليوميّة لا خطبة لها كان حقّ خصوصيّة الجمعة إثبات الخطبتين ،لها ، لا الحكم بتقديمهما عليها ابتداءً؛ لأنّ ذلك يدلّ من حيث الوضع البياني على أنّ الخصوصيّة إنّما نشأت من التقديم.

وكأنّ المصنّف (رحمه الله) حاول الجمع بين إفادة الخصوصيّة وبيان محلّ الخطبتين، فعبّر بذلك إيثاراً للاختصار، فتخلّفت البلاغة. ولولا إسلاف كون الخصوصيّة بالنسبة إلى اليوميّة لا غير لصلح التقديم خصوصيّة للجمعة بالنسبة إلى العيد، ووجود أصل الخطبة بالنسبة إلى اليوميّة، لكن هذا المعنى منفيّ بما تقدّم.

ويشترط في الخطبتين الطهارة، والقيام، والجلوس بينهما، وإيقاعهما في وقت الصلاة. ويجب في كلّ واحدة منهما حمد الله والصلاة على النبيّ وآله علیهما السلام بلفظهما، والوعظ بالعربيّة كيفما اتّفق وقراءة ما تيسّر من القرآن.

قوله: «الإجزاء عن الظهر». لا خلاف في ذلك بين أهل الإسلام، فلا يشرع الجمع بينهما حيث تجتمع شرائطها. ومن هنا يُعلم أنّها لا تقع مندوبة بحال؛ لأنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب وما يوهم ذلك من العبارات معناه أنّها أفضل الواجبين على التخيير كما تقدّم، وذلك في حال الغيبة.

قوله: وجوب الجماعة فيها». تتحقّق الجماعة بنيّة المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصحّ صلاة المخلّ، ويعتبر في الباقين كمال العدد.

----------------

قوله: «وجوب الجماعه فيها». تتحقّق الجماعة بنيّة المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصحّ صلاة المخلّ، ويعتبر في الباقين كمال العدد، ويجب على الإمام نيّة الإمامة هنا.

وإنّما تشترط الجماعة في ابتدائها، فلو انفضّوا بعد التحريم بها أتمّها الإمام منفرداً، وكذا لو عرض له مُبطل وليس فيهم صالح للإمامة أتمّها المأمومون منفردين.

ص: 616

السابع: اشتِراطُها بالإمامِ، أو مَنْ نَصبَهُ.

----------------

وهل تجب نيّة الإمام للإمامة هنا؟ استقر به المصنّف(1)؛ لوجوب نيّة كلّ واجب و اعتبار الجماعة في صلاته، فلا يتحقّق من قبله إلّا بنيّتها. وإنّما تشترط الجماعة في ابتدائها لا في استدامتها، فلو انفضّوا بعد التحريم أتمّها الإمام منفرداً، وكذا لو عرض له مُبطل وليس فيهم صالح للإمامة أتمّها المأمومون منفردين وعلى كلّ حال فالخصوصيّة باقية.

قوله: «اشتراطها بالإمام أو مَن نصبه». هذا الشرط مع حضوره علیه السلام موضع وفاق، وهو شرط في صحّتها حينئذٍ.

وأمّا مع الغيبة ففي بقاء الشرط فيكون فعلها حراماً، أو جوازها مع حضور المنصوب عموماً وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، أو جوازها مُطلقاً مع إمكان اجتماع العدد مع إمام يجمع شرائط إمامة الصلاة اليوميّة، أقوال.

وممن صرّح بالأوّل ابن إدريس(2)، والثاني ظاهر الدروس(3) وبعض الأصحاب(4)، والثالث مذهب أبي الصلاح صريحاً(5)، واختاره المصنّف في الذكرى(6)، وهو ظاهر كثير

----------------

قوله: «اشتراطها بالإمام أو من نصبه». خصوصاً، أو عموماً كالفقيه الجامع لشرائط الفتوى، فتجب معه و. وجوباً تخييريّاً بينها وبين الظهر، فينوي بها حينئذٍ الوجوب، وتجزئ عن الظهر؛ لأنّها متى صحّت أجزأت عن الظهر.

ص: 617


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 41 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 و 9).
2- السرائر، ج 1، ص 303
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 626، المسألة 397؛ والمحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 192 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
5- الكافي في الفقه، ص 151
6- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

....................................

----------------

من الأصحاب(1)، وقد نقل العلّامة في المختلف عن أبي الصلاح ذلك(2).

والقول الأوسط أعدل وإن كان الأخير غير بعيد.

ولا التفات إلى دعوى الإجماع على خلافه، وتصريح جماعة بالإجماع على اشتراطها بالإمام أو مَن نصبه(3)، فإن ذلك كلّه في حال الحضور لا في حال الغيبة؛ لتصريحهم بالخلاف فيها بعد ذكر الإجماع في حال الحضور، فإطلاق دعوى الإجماع باطل.

وممّن صرّح بذلك العلّامة في المختلف، فإنّه أجاب عن حجّة ابن إدريس بالإجماع على اشتراطها بالإمام أو مَن نصبه بمنع دعوى الإجماع عن موضع النزاع، وبأنّ الفقهاء يباشرون ما هو أعظم من ذلك(4).

وهذا الثاني لنقص دليله على امتناعها في حال الغيبة؛ لعدم القائل بإمكان ذلك الفقيه، ومتى أمكن ذلك فقد أبطل القول بتحريمها مُطلقاً في حال الغيبة، ولتحقيق المسألة موضع آخر.

إذا تقرّر ذلك، فعبارة الرسالة تحتمل الأقوال الثلاثة:

أمّا الأوّل فظاهر؛ لإطلاقه اشتراطها بالإمام أو مَن نصبه ويراد المنصوب الخاصّ، كما هو المتبادر من معناه ويراد اشتراط ذلك في الصحّة فإنّها أقرب المجازات إلى الحقيقة. ويلزم من ذلك امتناعها في حال الغيبة، واستوجهه في الذكرى بعد أن اعتمد على الجواز مطلقاً(5).

وأمّا احتمالها للقول الثاني، فبأن يراد بمنصوب الإمام خصوصاً أو عموماً، فيدخل

ص: 618


1- كالشيخ في النهاية، ص 107؛ وابن البراج في المهذّب، ج 1، ص 100؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 297
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 250، المسألة 147
3- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 626، المسألة 397؛ وابن إدريس الحلّي في السرائر، ج 1، ص 303
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 253، المسألة 147
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

....................................

----------------

فيه الفقيه الجامع للشرائط في حال الغيبة، وهو ظاهر، غير أنّه يستلزم إجمالاً مخلّاً في معنى الوجوب، فإنّ الإطلاق يقتضي اتحاد معنى الوجوبين في حالتي الغيبة والحضور، والإجماع على خلافه، فإنّ الوجوب مع حضور الإمام أو مَن نصبه على الخصوص عيني إجماعاً، ومع حضور المنصوب عموماً - وهو الفقيه حال الغيبة - الوجوب تخييري إجماعاً إلّا أنّ ذلك غير مستبعد من الرسالة؛ لأنّ المقصود منها في مثل هذه المسائل رؤوسها لا تحقيقها، وأصل الاشتراط ومطلق الوجوب حاصلان على التقديرين.

وأمّا احتمالها للقول الثالث فمن وجهين:

الأوّل: أن يُراد بالاشتراط: الاشتراط في الوجوب لا في الجواز، ويراد الوجوب العيني. وحينئذٍ لا يلزم من انتفاء الوجوب بذلك المعنى انتفاء الجواز مُطلقاً، أو الوجوب مُطلقاً، وقد نبّه على ذلك جماعة من الأصحاب(1).

الثاني: أنّ اشتراطها بإذن الإمام أو مأذونه إنّما يُعتبر مع إمكانه كحال(2) الحضور، أمّا مع عدمه فيسقط اعتباره، ويرجع في الجواز إلى عموم القرآن(3) والأخبار الصحيحة(4)؛ وهذا هو الذي اعتمد عليه المصنّف في الذكرى بعد دعواه الإجماع على اشتراط إذن الإمام(5)، فتكون عبارة الرسالة جارية على ذلك.

واعلم أنّه متى حكم بجوازها في حال من الأحوال، فالمراد به معناه الأعمّ، فلا ينافي إرادة الوجوب إلّا أنّ وجوبها عيني مع الحضور، وتخييري مع الغيبة، ومَن عبّر باستحبابها في حال الغيبة أراد أنّها أفضل الفردين الواجبين على التخيير، وهما

ص: 619


1- منهم: الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 626، المسألة 397؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 307
2- في «ك»: كما في.
3- الجمعة (62): 9
4- الكافي، ج 3، ص 418 ، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 19 ، ح 69
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 24 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

الثامن: تَوَقَّفُها عَلَى خَمْسَةٍ فَصَاعِدَا أَحَدُهُمُ الإمام.

التاسع: سُقُوطُها عَنْ المرأَةِ،

----------------

الجمعة والظهر، كما سبق الكلام فيه مراراً(1)، لا الاستحباب بالمعنى المتعارف، إذ لم يقل به أحد؛ لما تقدّم من أنّها متى جاز فعلها نوى بها الوجوب وأجزأت عن الظهر.

قوله: «توقّفها على خمسة فصاعداً أحدهم الإمام». هذا هو المشهور خصوصاً بین المتأخّرين(2)، وروي توقّفها على سبعة(3)، وهي قاصرة عن رواية الخمسة(4)، شهرة ودلالةً وسنداً. وتوقّفها على العدد إنّما هو في ابتداء الصلاة بحيث يحصل تحرّمهم بها، لا في استدامتها، فلو انفضّوا بعده أتمّ الباقون وإن كان الانقضاض قبل إكمال ركعة حتّى لو بقي الإمام وحده، كما تقدّم في الجماعة(5).

قوله: «سقوطها عن المرأة». وفي حكمها الخنثى المشكل أمره؛ للشكّ في سبب الوجوب. أمّا لو التحق بالرجال لأمارة شرعيّة، فلا ريب في الوجوب عليه واحتسابه من العدد.

----------------

قوله: «خمسة فصاعداً أحدهم الإمام». هذا في ابتداء الصلاة، لا في استدامتها، فلو انفضّوا بعده أتمّ الباقون وإن كان الانفضاض قبل إكمال ركعة حتّى لو بقي الإمام وحده أتمّ، كما مرٍّ في الجماعة.

قوله: «سقوطها عن المرأة». وفي حكمها الخنثى المشكل أمره، أمّا لو التحق بالرجال فلا ريب في الوجوب عليه، واحتسابه العدد.

ص: 620


1- مراراً: لم ترد في «ك»
2- كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 224 ؛ وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر: 87: والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 383
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 245، ح 664 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 418، ح 1607
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 636 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 419، ح 1610
5- تقدّم في ص 616

والعَبدِ، والأَعْمى، والهِمِّ، والأعرَجِ،

----------------

قوله: «والعبد». لا فرق هنا بين القنّ، والمدبّر، والمكاتب بنوعيه وإن أدّى بعض مال الكتابة، ومَن انعتق بعضه وإن هاياه السيّد واتّفقت في نوبة الحرّيّة؛ لبقاء الرقّ المانع واستصحاب السابق الواقع، خلافاً للمبسوط(1).

قوله: «والأعمى». سواء كان قريباً من المسجد أم بعيداً، وسواء وجد قائداً أم لا.

قوله: «والهِمّ» بكسر الهاء: الشيخ الفاني بحيث يعجز عن الحضور، أو يمكنه ذلك لكن مع مشقّة كثيرة لا يتحمّل مثلها عادة.

قوله: «والأعرج» البالغ عرجه حدّ الإقعاد أو الموجب لمشقّة في السعي بالغة لا يتحمّل مثلها عادة، وبدون ذلك يجب الحضور وإن كان بمشقّة دون ذلك، ومنه يعلم سقوطها عن المقعد أيضاً.

وكذا يسقط عن المريض مع المشقّة غير المتحمّلة عادة، أو خوف زيادة المرض.

وفي حكمه المشتغل بتعليل مريض له حرمة وإن كان أجنبياً، إذا لم يوجد غيره ممّن لاجمعة عليه، ولو وجد مثله وجب عليهما كفاية. وكذا المشتغل بتجهيز ميّت والممنوع بالمطر والوحل الشديد والحرّ والبرد إذا خاف الضرر بها، أو خبز يخاف إحراقه أو طعام يخاف فساده، ونحو ذلك.

----------------

قوله: «والعبد». لا فرق هنا بين القنّ والمدبّر، والمكاتب وإن انعتق بعضه.

قوله: «والأعمى». سواء كان بعيداً عن المسجد أو قريباً منه، وسواء وجدَ قائداً أم لا.

قوله «والهِمّ» بكسر الهاء: الشيخ الفاني بحيث يعجز عن الحضور، أو تحصل له مشقّة كثيرة لا يتحمّل مثلها عادة.

قوله: «والأعرج». البالغ عرجه حدّ الإقعاد أو الموجب لمشقّة بالغة لا يتحمّل مثلها عادة ومثله المريض.

ص: 621


1- المبسوط، ج 1، ص 208

والمُسافِرِ، وَمَنْ هُوَ عَلَى رأسِ أزيد مِن فَرسَخَينِ إِلَّا أَن يَحضُرَ غيرَ المرأةِ.

----------------

وكذا المحبوس بباطل أو حقّ يعجز عنه، وخائف الحبس على حقّ ماليّ مع إعساره عنه، وخائف الظالم على نفسه أو ماله أو عرضه ولو بشتم لا يليق به أو ضرب كذلك. ولو رجا القاتل عمداً الصلح بالاستتار جاز له تركها، لا مَن وجب عليه حدّه وخاف استيفاءه.

قوله: «والمسافر» المراد به هنا: مَن يلزمه التقصير في سفره، فيجب على مَن نوى إقامة العشرة في أثنائه، و مَن مضى عليه ثلاثون يوماً متردّداً حيث يلزمه الإتمام، وعلى كثير السفر والعاصي به.

قوله: «ومَن هو على رأس أزيد من فرسخين». بمعنى أنّه لا يجب عليه السعي إليها هذا المقدار، أمّا لو أمكنه إقامة الجمعة عنده، أو في موضع يقصر عن ذلک وجب ومبدأ التقدير من موضع إقامته إلى المحلّ الذي يقام فيه الجمعة.

قوله: «إلّا أن يحضر غير المرأة». فتجب عليهم الجمعة حينئذٍ، ويتمّ بهم العدد وتجزئهم عن الظهر؛ لأنّها متى وجبت أجزأت عنها.

والكلام في غير العبد والمسافر موضع ،وفاق، أمّا هما فقد اختلف في وجوبها عليهما مع حضورهما(1)، مع الاتّفاق - على ما يظهر، وصرّح به المصنّف في الذكرى(2)-

----------------

قوله: «و من هو على رأس أزيد من فرسخين» بمعنى أنّه لا يجب عليه السعي إليها هذا المقدار، أمّا لو أمكنه إقامة الجمعة عنده، أو في موضع يقصر عن ذلك وجب.

قوله: «إلّا أن يحضر غير المرأة». وفي حكمها الخنثى.

ص: 622


1- ممّن ذهب إلى وجوبها عليهما الشيخ - في أحد قوليه - في الخلاف، ج 1، ص 110، المسألة 375؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 151 ؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 293؛ وممن ذهب إلى عدم وجوبها عليهما الشيخ - في قوله الثاني - في المبسوط، ج 1، ص 143 ؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 103؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 245 - 246، المسألة 138 - 139
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 36 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

العاشر: أن لا تكون جُمعَتان في أقل مِن فَرسَخٍ.

----------------

على صحّتها منهما. والدليل لا يساعد على الوجوب، فإنّ الرواية به ضعيفة السند مقطوعة(1) وإن كان الأحوط الوجوب وصلاة الظهر.

وأمّا المرأة فإخراجها من الحكم بالوجوب على تقدير الحضور هو المشهور بين الأصحاب(2)، بل كاد يكون إجماعاً وخالف فيه ابن إدريس، فحكم بالوجوب عليها وإجزائها عن الظهر، غير أنّها لا تُحسب من العدد(3)، والعمل على المشهور.

لكن لو حَضَرَت هل تصحّ منها وإن لم تجب عليها ؟ الظاهر نعم وإن كان الأفضل لها ترك الحضور للرواية(4). ولا فرق في ذلك بين المُسنّة والشابّة؛ لعموم الرواية بالستر(5).

قوله: «أن لا يكون جمعتان في أقلّ من فرسخ». لا فرق في المنع بين كونهما في بلدٍ أو بلدين، فلو وقعتا كذلك بطلتا إن اقترنتا، فيُعيد الجميع الجمعة متّحدة، أو يتفرّقوا بحيث يكون بين الجمعتين أزيد من فرسخ إن وسع الوقت. ولو تلاحقتا بطلت اللاحقة خاصّة، ويتحقّق بسبق الأُخرى بتمام التكبير وإن تأخّرت في التسليم، ويعيد اللاحقة الظهر، هذا إذا كان الإمامان منصوبين أو متبرّعين.

ولو كان أحدهما منصوباً صحّت جمعته وإن تأخّرت، ولو لم تتعيّن السابقة، أو تعيّنت ثمّ نسيت صلّوا جميعاً الظهر وإن كان في وقت الجمعة؛ لانعقاد جمعة صحيحة في الجملة.

ولو اشتبه السبق والاقتران صلّوا الجمعة مع بقاء الوقت، وإلّا الظهر والأحوط

ص: 623


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 21، ح 78.
2- ممّن ذهب إليه الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 146 : والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 292؛ والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 45 : والمحقّق الكركي في شرح الألفيّة، ص 194 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7)
3- السرائر، ج 1، ص 293
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 241، ح 644.
5- وسائل الشيعة، ج 20، ص 67. ح 25054 نقلاً عن كشف الغمة، ج 1، ص 466

وأمّا العِيد فتختصّ بِثلاثَةِ أشياءَ:

الأوّل: الوَقتُ مِن طُلوعِ الشَمسِ إلى الزَوالِ.

الثاني: خَمسُ تكبيراتٍ بَعدَ القِراءَةِ في الأُولى، وأربَعٌ في الثانيةِ بَعدَ القِراءَةِ أيضاً،

----------------

الجمع بين الجمعة والظهر مع بقاء الوقت؛ لاحتمال وقوع جمعة صحيحة، فلا يكتفي مَن تأخر بالجمعة.

وقد تلخّص من جميع ما تقدّم أنّ الناس في الجمعة بالنسبة إلى المكان ثلاثة أقسام:

فمن دون الفرسخ يتعيّن عليهم الاجتماع على جمعة واحدة، أو التباعد أزيد منه.

ومَن يزيد عنه ولا يتجاوز الفرسخين، فإن أمكنهم إقامة الجمعة عندهم تخيّروا بينه وبين الاجتماع، وإن لم يمكنهم تعيّن الاجتماع.

ومَن زاد على الفرسخين، فإن أمكن الاجتماع عندهم تخيّروا بينه وبين الحضور، وإلّا سقطت عنهم الجمعة.

قوله: «وأمّا العيد». الكلام في هذه المواضع كلّها جارٍ على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه ،مقامه، إذ المراد صلاة العيد. واشتقاق العيد من العَود: وهو التكرار، سُمّي به اليوم المنسوب إليه الصلاة؛ لتكرّره، أو لِعود السرور فيه، أو لكثرة عوائد الله فيه وإفضاله على عباده(1). وياؤه منقلبة عن واو، فجمعه على أعياد غير قياس.

قوله: «الوقت من طلوع الشمس إلى الزوال». هذا هو المشهور، وقيل أوّل وقتها انبساط الشمس(2)، والعمل على المشهور.

قوله: «خمس تكبيرات بعد القراءة في الأُولى، وأربع في الثانية بعد القراءة أيضاً». هذا

ص: 624


1- انظر الصحاح، ج 2، ص 515 ؛ القاموس المحيط ، ج 1، ص 607 ؛ تاج العروس، ج 5، ص 136 - 137، «عود».
2- قاله الشيخ في النهاية، ص 134 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 320؛ وابن حمزة في الوسيلة ص 111

والقُنوتُ بَينَها.

----------------

هو المشهور، وقيل في الأُولى: قبل القراءة(1)؛ استناداً إلى رواية حملت على التقيّة(2)، لأنّه مذهب أبي حنيفة(3).

وقد اختلف في وجوب هذه التكبيرات أو استحبابها، والأكثر(4)، ومنهم المصنّف - على الوجوب(5). وكلامه هنا وإن كان غير صريح في أحدهما، إلّا أنّ حصر الرسالة في الفرض يدلّ على الوجوب، ولا دلالة على أحدهما من جهة الخصوصيّة، فإنّها حاصلة على القولين.

قوله: «والقنوت بينها». المراد به الدعاء، ولا ينحصر في لفظ مخصوص وإن كان المنقول أفضل.

والمراد بالقنوت بين التكبيرات القنوت بعد كلّ تكبير وإن كانت العبارتان غير متطابقتين، وكأنّه وقع تجوّزاً، فإنّ العمل بظاهره يوجب نقص قنوت، فإنّ القنوت بعدد التكبير في الأُولى خمسة وفي الثانية أربعة والكلام في دلالة العبارة على وجوب القنوت كما تقدّم في التكبير، والخلاف فيهما واحد.

واعلم أنّ الجهر بالقراءة هنا مستحبّ أيضاً كالجمعة، فكان ينبغي ذكره أيضاً في الخصوصيّات قيل وكذا ينبغي ذكر الجهر بالقنوت فإنّه مستحبّ هنا، ولا ينافيه خصوصيّة الواجب(6).

----------------

قوله: «والقنوت بينها». المراد به الدعاء ولا ينحصر في لفظ مخصوص وإن كان المنقول أفضل. والمراد بالقنوت بين التكبيرات: القنوت بعد كلّ تكبير وإن كانت العبارة غير مطابقة.

ص: 625


1- قاله ابن الجنيد، كما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 266، المسألة 154
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 131 ، ح 284 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 450 ، ح 1740.
3- بدائع الصنائع، ج 1، ص 277؛ المبسوط، السرخسي، ج 2، ص 38؛ اللباب، ج 1، ص 116 - 117
4- كالسيّد المرتضى في الانتصار، ص 169، المسألة 69؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 153: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 317؛ وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 94
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 89؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 114 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8 و 9)
6- قاله المحقق الكركي في شرح الألفية، ص 195 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7)

الثالث: الخطبتانُ بَعدَها وَتَجِبُ على مَن تَجِبُ عَلَيهِ الجُمعة، وَمَنْ لا فَلا بشروطها.

----------------

وليس بجيّد؛ لأنّ المصنّف(1) وجماعة يختارون استحباب الجهر بالقنوت مطلقاً(2)؛ استناداً إلى صحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام : «القنوت كلّه جهار»(3)، فلا خصوصيّة للعيد حينئذٍ، فلذلك تركه.

قوله: «الخطبتان بعدها» هذه الخصوصيّة لا تتمّ إلّا على القول بوجوبهما، والمصنّف لا يراه في سائر كتبه(4)، بل ادّعى المحقّق في المعتبر الإجماع على استحبابهما(5)، نعم هو مذهب العلّامة(6)، فلعلّه اختاره هنا وجعله في الذكرى أحوط(7). والإجماع على عدم وجوب استماعهما، وعدم كونهما شرطاً في صحّة الصلاة، بخلاف الجمعة.

ويجب فيهما ما يجب في خطبة الجمعة من الحمد والصلاة والوعظ والقراءة. ويزيد فيهما ذكر شرائط الفطرة، وقدرها، ووقتها، والمكلّف بها في عيد الفطر، وما يتعلّق بالأُضحيّة - بضمّ الهمزة وتشديد الياء - في الأضحى.

قوله: «وتجب على من تجب عليه الجمعة، ومن لا فلا بشروطها». يدخل في العموم

----------------

قوله: «ومَن لا فلا بشروطها». وتفارقها في عدم اشتراط الوحدة مع اختلال الشرائط، وفي استحباب فعلها فرادى لذوي الأعذار المانعة من حضورها جماعة، واستحبابها حال الغيَبة جماعة وفرادى.

ص: 626


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 216 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)
2- منهم: المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 243 : والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 199، المسألة 112؛ ومنتهى المطلب، ج 1، ص 300
3- الفقيه، ج 1، ص 318، ح 944
4- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 114 : البيان، ص 196 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12)
5- المعتبر، ج 2، ص 324
6- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 136 ، المسألة 447 : نهاية الإحكام، ج 2، ص 61؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 345
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 82 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

وأمّا الآيات: فَهىَ الكسُوفانِ،

----------------

شرط الوحدة، وقد اختلف فيه هنا، واعتباره أحوط. هذا مع اجتماع الشرائط، وإلّا لم يشترط.

وتفارقها في استحباب فعلها فرادى لذوي الأعذار المانعة من حضورها جماعة، واستحبابها حال الغيبة جماعة وفرادى. والظاهر أنّ استحبابها حال الغيبة ثابت وإن جمعها الفقهاء، بخلاف الجمعة.

قوله: «وأمّا الآيات». جمع آية: وهي العلامة؛ سُمّيت بذلك لأنّها علامات على أهوال الساعة وزلازلها وتكوير الشمس والقمر، وهو السرّ في الدعاء والصلاة والانقطاع إلى الله تعالى؛ لتذكّر القيامة عند مشاهدتها بالتوبة والإنابة، والفزع إلى بيوت الله تعالى.

واللام فيها للعهد الذهني، وهي المعهودة شرعاً من الأخاويف السماويّة، وليست للعهد الذكري؛ لأنّ ما تقدّم في صدر الرسالة محتمل كما هنا، ويمكن حملها عليها بتكلّف.

قوله: «فهي الكسوفان». هما كسوف الشمس والقمر، يقال: كسفت الشمس وخسف القمر، وهو الأغلب، وجمعهما على هذا الوجه باسم أحدهما - وهو الكسوف - تغليبي لا حقيقي، كالظهرين قال في الصحاح: وكذا يقال: كسف القمر(1)، وإطلاق الكسوفين حينئذٍ عليهما على جهة الحقيقة. وفي الذكرى: ربما قيل خسفت الشمس(2)، وحينئذٍ يجوز إطلاق الخسوفين عليهما حقيقة، أمّا تغليباً فجائز؛ لتساويهما في الخفّة.

واحترز بالتثنية عن كسف الكواكب بعضها البعض، فإنّه لا يوجب الصلاة؛ لعدم كونه من الأخاويف، لعدم اطّلاع أكثر الناس عليه فيندرج فيهما انكساف أحدهما ببعض

----------------

قوله: «وأمّا الآيات». جمع آية: وهي العلامة. سُمّيت بذلك؛ لأنّها علامات على أهوال الساعة وزلازلها وتكوير الشمس والقمر.

ص: 627


1- الصحاح ، ج 3، ص 1421، «كسف»
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 101 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)

والزِلْزِلَةٌ، وكُلُّ ريحٍ مُظلِمَةٍ سوداءَ أو صَفراءَ مُخُوفَةٍ، وَتَختَصُّ بِأَمُورٍ أَربَعَةٍ:

----------------

الكواكب؛ لعدم ذكر ما انكسفا به ومال إليه في الذكرى(1)، وقوّى الفاضل عدمه(2). ويمكن إرادته من العبارة بجعل اللام للعهد، فإنّ المعهود والمتعارف البيّن هو انكساف الشمس بالقمر، والقمر بحيلولة الأرض بينه وبين جرم الشمس، وأمّا كسف الزهرة وعطارد للشمس فغير بيّن للأكثر ولا مخيف للعامّة.

قوله: «والزلزلة». هي مصدر زلزل الله الأرض زلزلة، أي حركّها، وهي الرجفة. واللام فيها للعهد أيضاً، فلا يكفي مطلق الحركة.

قوله: «وكلّ ريح مظلمة سوداء أو صفراء». ظاهر العبارة انحصار الوجوب في الريح الجامعة للوصفين، فلا تجب للمنفكّة عنهما أو عن أحدهما وإن أخافت ولا المظلمة المنفكّة عنها كذلك.

والذي اختاره المصنّف في الذكرى(3) والبيان(4)، وجوب هذه الصلاة لكلّ مخوّف سماوي، فيدخل فيه الريح المنفردة عن الوصفين والظلمة المنفردة عنهما، والرعدة العظيمة، وغيرها إذا حصل الخوف منه لأكثر الناس. وهذا هو الأجود؛ لصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح فصلّ له صلاة الكسوف»(5)، والأمر للوجوب.

----------------

قوله: «سوداء أو صفراء مخوفة». الأصحّ وجوبها لكلّ آية مخوفة، فيدخل فيه الريح المنفردة عن الوصفين، والظلمة المنفردة عنهما، وغيرها، إذا حصل الخوف منه لأكثر الناس.

ص: 628


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 124 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)
2- تذكرة الفقهاء ، ج 4، ص 195، المسألة 498 : نهاية الإحكام، ج 2، ص 76
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)
4- البيان، ص 201 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
5- الكافي، ج 3، ص 464 ، باب صلاة الكسوف، ح 3: الفقيه، ج 1، ص 548، ح 1528؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ص 155، ح 330.

الأوّل: تَعَدّدُ الرُكُوعِ، فَفِي كُلِّ رَكَعَةٍ خَمْسَة.

الثاني: تَعَدّدُ الحَمدِ في الرَكعَةِ الواحِدَةِ إذا أتَمَّ السُّورَةَ.

الثالث: جوازُ تَبعِيضِ السُّورَة، وفي الخامس والعاشِرِ يُتِمّها.

----------------

واعلم أنّ وصف هذه الأخاويف بكونها سماويّة على طريق المجاز، إذ ليس منها سماويّ سوى الكسوفين. ويمكن أن يريد بالسماء العلوّ مُطلقاً، فيدخل فيه الظلمة، والصاعقة، والرياح المذكورة، وتتبعها الرجفة على جهة الاستتباع.

قوله: «تعدد الركوع، ففي كلّ ركعة خمسة». ولا يعدّ كلّ ركوع بركعة على المشهور، ومن ثمّ يبني الشكّ فيها على الأقلّ، وينبّه عليه اختصاص «سمع الله لمن حمده» بالخامس والعاشر. ولا ينافي ذلك القنوت على كلّ مزدوج؛ لعدم انحصار القنوت شرعاً بالركعة الثانية، فإنّ ذلك هو الأغلب.

قوله: «تعدّد الحمد في الركعة الواحدة إذا أتمّ السورة». تقييد تعدّد الحمد بإكمال السورة بالنسبة إلى الوجوب العيني، وإلّا فقد يتعدّد الحمد وإن لم يكمل السورة، بل إذا قرأ بعض سورة في القيام الأوّل تخيّر في الثاني بين ثلاثة أشياء: القراءة من موضع قَطَعَ، ومن أيّ موضع شاء من السورة ومنه الرجوع إلى أوّلها، وترك تلك السورة والانتقال إلى غيرها.

وتجب إعادة الحمد في الموضعين الأخيرين، لكن لمّا كان ذلك غير محتّم عليه لم يلتفت إليه. ويمكن أن يكون الحكم على إطلاقه فلا يجب إعادة الحمد في جميع هذه المواضع، فإنّ في وجوبها حينئذٍ إشكالاً.

قوله: «جواز تبعيض السورة وفي الخامس والعاشر يتمّها». إنّما يجب إتمامها في الحالين، إذا لم يكن قدأتمّ سورة قبل ذلك في تلك الركعة. أمّا لو أتمّ سورة في الركعة،

----------------

قوله: «جواز تبعيض السورة ، وفي الخامس والعاشر يتمّها». إنّما يجب إتمامها في الحالين. إذا لم يكن قد أتمّ سورة قبل ذلك في تلك الركعة. أمّا لو أتمّ سورة في الركعة، ثمّ بعض لباقي الركوعات، لم يجب عليه إكمال ما شرع فيه.

ص: 629

الرابع: البناء على الأَقَلِّ لَو شَكَ فى عَدَدِ رُكُوعاتِها، وَوَقتُها حُصُولُها.

----------------

ثمّ بعّض لباقي الركوعات، لم يجب عليه إكمال ما شرع فيه؛ لحصول الغرض، وهو قراءة سورة في الركعة.

قوله: «البناء على الأقلّ لو شكّ في عدد ركوعاتها». لأنّ الركوعات فيها بمنزلة باقي الأفعال، ومن القواعد المتقدّمة أنّه إذا شكّ في فعل في محلّه أتى به؛ لأصالة عدم فعله، هذا إذا لم يتضمّن الشكّ فيها الشكّ في الركعتين، كما لو شكّ بين الخامس والسادس، فإنّه إن كان في السادس فهو في الركعة الثانية، وإن كان في الخامس فهو في الركعة الأُولى، وإلّا بطلت الصلاة؛ لأنّه شكّ في عدد الثنائيّة. وإنّما ترك التقييد بذلك؛ لظهوره وسبق ما يدلّ عليه.

والكلام في استحباب الجهر في القراءة كما تقدّم، فإنّه من خصوصيّاتها أيضاً بالنسبة إلى اليوميّة، فكان ينبغي ذكره كما ذكره في الجمعة، ولا فرق في ذلك بين الكسوف والخسوف وغيرهما.

قوله: «ووقتها حصولها» فيه إشارة إلى أنّ وقت صلاة الكسوف يمتدّ إلى تمام الانجلاء؛ لأنّه متى بقى شيء منه محترقاً فالكسوف حاصل، فيكون الوقت باقياً. وهو مختاره في غير هذه(1) الرسالة(2).

----------------

قوله: «البناء على الأقلّ لو شكّ في عدد ركوعاتها». إذا لم يتضمّن الشكّ فيها الشكّ في الركعتين، كما لو شكّ بين الخامس والسادس، فإنّه إن كان في الخامس فهو في الركعة الأُولى، أو في السادس فهو في الثانية، وإلّا بطلت الصلاة؛ لأنّه شكّ في عدد الثنائيّة.

قوله: «ووقتها حصولها». فإن كان كسوفاً امتدّ وقت أداء الصلاة إلى تمام الانجلاء وتشترط سعة وقته لها . وإن كان زلزلة لم يشترط ذلك، وكان وقتها العمر، لكن تجب الفوريّة بها، فإن أخّر أثم وبقيت أداءً.

ص: 630


1- «هذه» لم ترد في «غ»
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 124 : الدروس الشرعية، ج 1، ص 116؛ البيان، ص 201 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8، 9 و 12)

وأمّا الطَواف(1) فَتَختَصُّ بأمرَينِ:

الأوّل: فعلها في المقام، أو وَراءَهُ، أو إلى أحدِ جانِبَيهِ، إِلَّا لِضَرُورَةٍ.

----------------

وإلى أنّ زمان الكسوف لو كان قصيراً بحيث لا يتّسع الصلاة وشرائطها المفقودة لم تجب؛ لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها.

ويشكل الحكم في غير الكسوفين مطلقاً؛ لأنّه إن أراد بكون زمان حصول تلك الآيات ظرفاً للصلاة، بحيث ينحصر وقتها فيه، فيشترط في وجوب الصلاة مكثها بقدر الصلاة والشرائط، وبدون ذلك لا يجب، كما هو مختاره في الذكرى(2)، أشكل بالزلزلة، فإنّ وقتها العمر وتصلّى أداء دائماً وإن وجبت الفوريّة بها، كما عند المصنّف(3) وغيره من الأصحاب(4)، فلابدّ من لفظ يخرجها.

وإن أراد بكون حصولها وقتاً لها أنّه أوّل وقتها، ويكون الحكم في آخر الوقت مسكوتاً عنه، ويكون إهماله بناءً على ما اختاره المصنّف في الدروس من كون جميع الآيات غير الكسوفين وقتها العمر ولا يشترط امتدادها بقدر الصلاة كالزلزلة(5)، التبس الحال في الجميع.

وبالجملة فالعبارة قاصرة عن تأدية المعنى المراد منها.

قوله: «فعلها في المقام، أو وراءه، أو إلى أحد جانبيه، إلّا لضرورة». المقام - بالفتح والضمّ - موضع قيام إبراهيم علیه السلام في وقت بنائه البيت، وهو الصخرة المعهودة التي كان

----------------

قوله: «فعلها في المقام، أو وراءه، أو إلى أحد جانبيه». إطلاق الصلاة في المقام على سبيل المجاز؛ لأنّه الصخرة المخصوصة ولا يمكن الصلاة فيها. وإنّما الواجب الصلاة عن أحد جانبيها أو خلفها بحيث لا يتباعد عنها كثيراً بما يخرج عن مجاورتها عرفاً مع الاختيار، ومع الضرورة كالزحام يجوز أن يصلّيها حيث أمكن من المسجد.

ص: 631


1- في «ش 1»: وأمّا صلاة الطواف
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 124 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 124 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)
4- كالعلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 77؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 472
5- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)

....................................

----------------

يصعد عليها وقت البناء. وقد يُطلق على داخل القبّة الموضوعة عليها مجازاً للمجاورة، أو على ما هو أعمّ منها.

والمعنى هنا على الثاني؛ لأنّ المقام بالمعنى الأوّل - وهو الحقيقي - لا يمكن الصلاة عليه، فلا تكون الصلاة إلّا وراءه أو إلى أحد جانبيه، إذ لا خلاف في عدم جواز التقدّم عليه. فإتيانه ب_ «أو» التخيريّة يقتضي كون الصلاة في المقام حالة الاختيار مغايرة للصلاة وراءه أو إلى أحد جانبيه، فكان حمله على المعنى الثاني - وهو داخل القبّة - أولى، ويكون المراد ب_ «وراءه» و «أحد جانبيه»: ما خرج عنها بحيث لا يتباعد بما يخرجه عن مجاورته عرفاً، إلّا لضرورة كزحام ونحوه فيجوز التباعد(1).

وقد اختلفت عبارات متأخّري الأصحاب في التعبير عن هذا المعنى، ونقل المصنّف في الدروس أنّ كلام أكثر الأصحاب(2) ومعظم الأخبار(3) خالية من لفظ الصلاة في المقام، بل وراءه أو إلى أحد جانبيه، وأنّ تعبير مَن عبّر بالصلاة في المقام مجاز؛ تسمية لما حوله باسمه، إذ القطع بأنّ الصخرة التي فيها أثر قَدَمي إبراهيم علیه السلام لا يصلّى عليها(4).

وكلامه مع هذا التحقيق خالٍ عن توضيح الحال في حالتي الاختيار والاضطرار.

وبالجملة فمحلّ الصلاة خلف الصخرة، أو إلى أحد جانبيها بحيث لا يتباعد عنها بما يخرجه عن حدّ المجاورة عرفاً مع الاختيار.

ولا فرق بين داخل القبّة وخارجها، فتخصيصه لا وجه له، ومع الضرورة فيصلّيها حيث أمكن في المسجد، حتّى لو نسيها حتّى خرج وتعذّر العود إلى المقام صلّاهما في الحرم، فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع.

ص: 632


1- فيجوز التباعد لم ترد في «غ»
2- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 484 ؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 199
3- الكافي، ج 4، ص 423، باب ركعتي الطواف ووقتها و.... ح 4 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 137، ح 453
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 313 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)

الثاني: جَعَلُها بَعدَ الطَّوافِ قَبلَ السَعْي إِنْ وَجَبَ.

وأمّا الجنازة فَتَختَصُّ بِثلاثَةٍ(1):

الأول: وُجُوبُ تكبيراتٍ أربَعٍ غَيرَ تكبيرة الإحرام.

----------------

قوله: «جعلها بعد الطواف قبل السعي إن وجب». أي إن وجب السعي، وذلك في طواف الحجّ والعمرة، فيجب توسّط الصلاة فيهما بينه وبين السعي واحترز به عن طواف النساء، إذ لا سعي بعده، وعمّا لو نسي الصلاة فيهما حتّى فرغ من السعي، فإنّه يصلّيها بعده، إذ لم يبق عليه حينئذٍ سعي واجب.

قوله: «وأمّا الجنازة» هي بكسر الجيم وفتحها اسم للميّت، وربما خصّ الفتح بالميّت والكسر بالسرير، وقيل: هما لغتان(2).

وفي الصحاح جعلها مع الكسر اسماً للميّت على السرير، وجعل الفتح من كلام العامّة، فإذا لم يكن الميّت عليه فهو سرير ونعش(3).

قوله : «وجوب تكبيرات أربع غير تكبيرة الإحرام». هذا مبني على الغالب، وإلّا فالمخالف يقتصر في الصلاة عليه على أربع بتكبيرة الإحرام، كما ذكره

----------------

قوله: «جعلها بعد الطواف قبل السعي إن وجب». أي إن وجب السعي، وذلك في طواف الحجّ والعمرة، فيجب توسّط الصلاة فيهما بينه وبين السعي واحترز به عن طواف النساء، إذ لا سعي بعده، وعمّا لو نسي الصلاة فيهما حتّى فرغ من السعي، فإنّه يصلّيها بعده، إذ لم يبق عليه سعي واجب.

قوله: «وجوب تكبيرات أربع غير تكبيرة الإحرام». هذا في الصلاة على غير المخالف، وفيه يقتصر على أربع بتكبيرة الإحرام، كما هو معتقده.

ص: 633


1- في «ش 2» بثلاثة أشياء
2- قال الأصمعي وابن الأعرابي: بالكسر الميت نفسه، وبالفتح السرير. القاموس المحيط، ج 2، ص 242 : المصباح المنير، ص 137، «جنز»
3- الصحاح، ج 2، ص 870، «جنز»

الثاني: الشَّهادَتَانُ عَقِيبَ الأُولى، والصَلاةُ على النَبيِّ وآلهِ عَقيبَ الثانية، والدُعاءُ للمؤمِنينَ(1) عَقيبَ الثالِثَةِ، وللمَيِّتِ عَقِيبَ الرابعة.

----------------

المصنّف(2) وغيره(3)، ورواه إسماعيل بن سعد عن الرضا علیه السلام(4)، وإلزاماً له بمعتقده.

وهذه التكبيرات أركان الصلاة، وكذا القيام وهو أظهرها، فتبطل بترك بعضها ولو سهواً، فتكون أركانها ستّة، ولو لم يجعل النيّة شرطاً صارت سبعة، ولو شكّ في عدد التكبير بنى على الأقلّ.

قوله: «الشهادتان عقيب الأُولى، والصلاة على النبيّ وآله عقيب الثانية». هذا هو المشهور ، ولا يختصّ الدعاء بلفظ وإن كان المنقول عن أهل البيت علیهم السلام أفضل. وينبغي الصلاة على الأنبياء علیهم السلام عقيب الثانية أيضاً؛ لوروده في الأخبار(5) وكلام بعض الأصحاب(6).

وأمّا الدعاء للميّت عقيب الرابعة فهو مخصوص بالمؤمن البالغ، فلو كان طفلاً قال في دعائه: «اللهمّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفَرَطاً وذُخراً»(7).

----------------

قوله: «والصلاة على النبيّ عقيب الثانية والدعاء للمؤمنين عقيب الثالثة، وللميّت عقيب الرابعة». لا يختصّ ذلك بلفظ مخصوص وإن كان المنقول أفضل، وينبغي الصلاة على الأنبياء علیهم السلام عقيب الثانية أيضاً. والدعاء للميّت عقيب الرابعة مخصوص بالمؤمن البالغ، فلو كان مخالفاً دعا عليه ولو كان من أطفال المؤمنين سأل الله أن يجعله لأبويه فرطاً وذخراً، ولو كان مستضعفاً أو مجهولاً دعا بدعائهما.

ص: 634


1- في «ش 3» للمؤمنين والمؤمنات.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 361: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 33؛ البيان، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج 05 9 و 12)
3- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 106؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 422
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 192، ح 439: الاستبصار، ج 1، ص 477، ح 1848.
5- الكافي، ج 3، ص 181، باب علّة تكبير الخمس على الجنائز، ح 3
6- كالعلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 453
7- الفقيه ، ج 1، ص 167 ، ح 486 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 449 ، وفيه: وفرطاً وأجراً

....................................

----------------

والفَرَط بالتحريك: المتقدّم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه(1)، ومنه قوله علیه السلام : «أنا فرطكم على الحوض»(2)، والمراد هنا الأجر المتقدّم.

ولو كان منافقاً، وهو هنا المخالف للحقّ الجاحد له، دعا عليه وجوباً على الظاهر بقوله: «اللهمّ املأ جوفه ناراً وقبره ناراً، وسلّط عليه الحيّات والعقارب، واجعل الشيطان له قرينا»(3)، ونحو ذلك.

وإن كان مع ذلك ناصبيّاً قال: «اللهمّ العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهمّ أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حرّ نارك وأذقه أشدّ عذابك، فإنّه كان يتولّى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيّك»(4). وإن كان مستضعفاً: وهو الذي لا يعرف الحقّ ولا يعانده ولا يوالي أحداً بعينه قال: «اللهمّ اغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم»(5).

وإن كان مجهولاً قال: «اللهمّ أنت خلقت هذه النفوس، وأنت أمتّها وأنت تعلم سرها وعلانيّتها، آتيناك شافعين فيها فشفّعنا، ولها ما تولّت، واحشرها مع مَن أحبت»(6). وفي بعض الأخبار: «اللهمّ هذا عبدك ولا أعلم منه شرّاً وأنت أعلم به، وقد جئناك شافعين له بعد موته، فإن كان مستوجباً فشفّعنا فيه»(7).

ص: 635


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 434: الصحاح، ج 3، ص 1149، «فرط».
2- صحيح مسلم، ج 4، ص 1792، ح 2289؛ مجمع الزوائد، ج 10، ص 365؛ کنز العمال، ج 11، ص 405. ح 31888
3- الكافي، ج 3، ص 189، باب الصلاة على الناصب، ح 5.
4- الكافي، ج 3، ص 188، باب الصلاة على الناصب، ح 2 : الفقيه، ج 1، ص 168 ، ح 490 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 197 ، ح 453.
5- الكافي، ج 3، ص 187، باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يعرف ح 2 : تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 450
6- الكافي، ج 3، ص 188، باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يعرف، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 451 باختلاف يسير
7- الكافي، ج 3، ص 188، باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يعرف، ح 6

الثالث: لا رُكُوعَ فيها ولا سجود ولا تَشَهدَ ولا تَسليم، ولا يُشتَرَطُ فيها الطَهَارَةُ.

وأمّا المُلتَزَمُ فَبِحَسَبِ المُلزم.

----------------

قوله: «لا ركوع فيها ولا سجود أي مشروعاً، وهو موضع وفاق.

قوله: «ولا تشهّد ولا تسليم» أي آخر التكبيرات والمراد أيضاً نفي الشرعيّة، وذلك في غير موضع التقيّة.

قوله: «ولا يشترط فيها الطهارة». المراد بها الحدثيّة وهي التي ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق. وعدم اشتراطها فيها موضع وفاق والظاهر عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضاً؛ وفاقاً للدروس(1)، وتوقّف في الذكرى(2)؛ لعدم وقوفه على نصّ.

ويعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصلوات من الستر، والاستقبال والاستقرار والاستقلال، وغيرها. وكون الميّت بين يدي المصلّي، ورأسه إلى يمينه ورجله إلى شماله، غير بعيد عنه بما يعتدّ به، ولا يعتبر ذلك في المأموم مع تعدّد الصفوف واستطالتها.

قوله: «وأمّا الملتزم فبحسب الملزم» بمعنى أنّ واجباته غير مضبوطة على وجه واحد، بل هي بحسب السبب الملزم. فإن كان هو الفوات الملزم للقضاء فشرائطه شرائط اليوميّة، أو التحمّل فكذلك مع زيادة قصد المنوب عنه في النيّة، أو النذر فشرائط الصلاة المنذورة

----------------

قوله: «ولا يشترط فيها الطهارة». لا من الحدث ولا من الخبث. ويعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصلوات من الستر والاستقبال والاستقرار وغيرها.

قوله: «وأمّا المُلتزم فبحسب المُلزَم». بمعنى أنّ واجباته غير مضبوطة على وجه واحد، بل هي بحسب السبب الملزم فإن كان هو الفوات الملزم للقضاء فشرائطه شرائط اليوميّة، أو النذر فشرائط الصلاة المنذورة وواجباتها مع الإطلاق شرائط الواجبة وواجباتها، ومع التعيين تتبع شرطه ما لم يخالف المشروع.

ص: 636


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 33 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 372 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)

فَمهما نَذَرَهُ من الهيئاتِ المَشروعَةِ انعَقَدَ وَوَجَبَ الوَفَاءُ بِهِ،

----------------

شرائط الواجبة مع الإطلاق وأفعالهما، ومع التعيين تتبع شرطه مالم يخالف المشروع.

قوله: «فمهما نذره من الهيئات المشروعة انعقد». احترز ب_«المشروعة» عمّا لو نذر صلاة بأزيد من ركوع أو سجدتين في ركعة واحدة أو خمساً بتسليمة واحدة، ونحو ذلك، فإنّ النذر غير منعقد.

ويدخل في المشروعيّة نذر ركعة وركعتين ولو بغير سورة، أو جالساً، أو مخيّراً، أو إلى غير القبلة ماشياً أو راكباً؛ لكونها في تلك الحال مشروعة، ونذر نافلة مخصوصة كصلاة جعفر فتجب بخصوصيّاتها وأذكارها الداخلة فيها دون الخارجة عنها. ولو أطلق نذر الركعة أو الركعتين صارت واجبة فيعتبر فيها ما يعتبر في الواجبة من القيام مع القدرة، والسورة مع الفاتحة وغيرهما.

ويدخل في المشروعة أيضاً نذر الصلاة الواجبة، فينعقد نذرها. والفائدة تقوية الباعث على الفعل ولزوم الكفّارة مع الإخلال ولو نذر هيئة مشروعة في وقت مخصوص كالعيد والاستسقاء وأطلق، أو قيّدها بها(1)، انعقد ولو قيّدها بغيره فمن الهيئة غير المشروعة عند العلّامة(2)، وتوقّف المصنّف(3).

----------------

قوله: «فمهما نذره من الهيئات المشروعة». احترز ب_ «المشروعة» عمّا لو نذر صلاة بأزيد من ركوع أو سجدتين في ركعة واحدة غير الآيات، أو خمساً بتسليمة واحدة، ونحو ذلك، فإنّ النذر غير منعقد.

ويدخل في المشروعة نذر ركعة وركعتين ولو بغير سورة، أو جالساً، أو مخيّراً، أو إلى غير القبلة، ماشياً أو راكباً.

ص: 637


1- في «ك»: لوقتها
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 199، المسألة 504 : نهاية الإحكام، ج 2، ص 87؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص264
3- غاية المراد، ج 1، ص 130: الدروس الشرعية، ج 2، ص 120؛ البيان، ص 208 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1، 10 و 12)

....................................

----------------

وفي تنقيح العبارة شكّ، فإنّه إن أراد بالهيئة المشروعة: ما وقع التعبّد بها في الجملة ولو في وقت مخصوص أو على حالة مخصوصة، كما يقتضيه إطلاق العبارة، دخل فيها نذر الهيئة في غير وقتها، ودخل فيها أيضاً نذر ركعة أو ما زاد بغير سورة، أو جالساً أو مستلقياً، أو غيرهما من الحالات، أو إلى غير القبلة، وبالتسبيحات الأربع في غير حال شدّة الخوف والإيماء، وغير ذلك من مراتب الضرورة والأحوال الخاصّة.

وإن كان النذر تعلّق بإيقاعه في حال الاختيار، فإنّ جميع ذلك متعبّد به في الجملة، ويشكل إرادة هذا العموم.

وإن أراد بها: المشروعة في الوقت المعيّن أو مطلقاً مع الإطلاق، خرج كثير من هذه الموارد، وزال الإشكال عمّا هو محلّه منها. لكن يشكل نذر الثلاث في غير المغرب، والخمس ونحوها من العدد الفرد الذي يمكن فعله فيه وفي غيره. وقد حكم المصنّف(1) وغيره(2) بجواز ذلك مطلقاً، إلّا أن يستثنى من ذلك ما كان على وفق هيئة اليوميّة باعتبار أغلبيتها وشرفها وفيه بحث.

ويمكن أن يريد بالمشروعة: ما وقع التعبّد بها اختياراً مع الاختيار، أو اضطراراً مع الاضطرار المؤدّي إلى تلك الحالة. فيخرج به نذر الصلاة ماشياً، والى غير القبلة اختياراً، وبدون المشي والركوب اضطراراً، والصلاة بالتسبيح، ومضطجعاً ومستلقياً على القول بعدم جواز النافلة كذلك اختياراً. ويدخل نذر الثلاث مطلقاً، وغيرها من العدد المؤدّى بها أو بها وبغيرها.

ولكن يدخل فيه أيضاً نذر الهيئة المخصوصة بوقت في غيره، والمصنّف لا يقول به، إلّا أنّ الأمر فيه سهل؛ للخلاف فيه.

ص: 638


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 137 : البيان، ص 208 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8 و 12)
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 199، المسألة 502 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 86.

وَلَو عَيَّنَ زَماناً وأخَلَّ بِهِ فيه عَمدَاً قَضى وَكَفَرَ.

وَيَدخُلُ في شبه النذرِ العَهدُ واليَمينُ، وَصَلاة الاحتياط، والمُتَحَمَّلُ عن الأب، والمستأجرُ عَلَيهِ،

----------------

قوله: «ولو عيّن زماناً وأخلّ به فيه عمداً قضى وكفّر». ضمير «فيه» يعود على الزمان المعيّن، و «به» يعود على المنذور، وهو الضمير في «نذره» أو المدلول عليه بتعيين الزمان، فإنّ التقدير: ولو عيّن زماناً للمنذور.

ويتحقّق الإخلال بترك المنذور في الزمان المعيّن(1) كهذه الجمعة، لا المطلق كيوم الجمعة، إلّا مع ظنّ الوفاة فيخلّ به حينئذٍ ويصدق ظنّه فيخرج الكفارة من ماله، فلو عاش بعد ذلك وفعله فيه كشف عن عدم الاستقرار.

قوله: «وصلاة الاحتياط». دخول صلاة الاحتياط في الملتزم باعتبار إسناد وجوبها إلى الشكّ المستند إلى تقصيره في التحفّظ غالباً، فهو شبه النذر في كونه من المكلّف.

قوله: «والمتحمّل عن الأب». دخول هذا الفرد في شبه النذر أخفى ممّا قبله؛ لأنّ التحمّل مستند إلى موت الأب، وكون المتحمّل ابنه ولا اختيار له في ذلك.

قوله: «والمستأجر عليه». دخول المستأجر عليه في شبه النذر أوضح الأفراد؛ لصدور الملتزم باختياره ووجوب الصلاة بسببه فهو كالنذر الموجب للصلاة.

----------------

قوله: «ولو عيّن زماناً وأخلّ به فيه عمداً قضى وكفّر». ضمير «به» يعود على المنذور المضمر في «نذره»، وضمير «فيه» يعود على الزمان المعيّن.

ويتحقّق الإخلال بترك المنذور في الزمان المعيّن كهذه الجمعة، لا المطلق كيوم الجمعة، إلّا مع ظنّ الوفاة فيخلّ به حينئذٍ ويصدق ظنّه فيخرج الكفّارة من ماله.

ص: 639


1- المعين: لم ترد في «غ».

والقضاءُ فإنّهُ لَيسَ عَينَ المَقْضيّ، وإنّما هو فعلُ مِثلِهِ، وَيَجِبُ فِيهِ مُراعاةُ التَرتيبِ كَمَا فاتَ.

----------------

قوله: «والقضاء فإنّه ليس عين المقضي، وإنّما هو فعل مثله». أشار بذلك إلى أنّ القضاء من أقسام الملتزم، وإلى وجه إلحاقه به.

وقوله «فإنّه ليس عين المقضي...» إلى آخره، جواب عن سؤال مقدّر هو أنّ القضاء من أنواع اليوميّة؛ لأنّه فعل الفائت منها في غير وقته، فأيّ وجه لإلحاقه بالملتزم؟

وحاصل الجواب: أنّ ما فات من اليوميّة لا يمكن استدراكه، وما وجب بعد الوقت هو فعل مثل الفائت لا عينه، وسببه فوات الأداء المستند غالباً إلى سبب من المكلّف أو بواسطته كالترك والنوم وما شاكله. وعلى هذا فتقسيم اليوميّة إلى الأداء والقضاء بضرب من التجوّز.

وكيف كان فإلحاق القضاء بالملتزم لأنّه أشبهه إلّا في بعض أفراده، فلابدّ من ملاحظة المجاز في الإلحاق.

قوله: «ويجب فيه مراعاة الترتيب كما فات». لمّا ذَكَرَ أنّ القضاء يدخل في شبه النذر، استطردَ بعض أحكامه، كما استطردَ أحكام الخوف وغيره هنا. ووجوب الترتيب بين الفوائت كما فاتت مع العلم هو المشهور، ونقل المصنّف في الذكرى عن بعض الأصحاب عدم الوجوب(1) والعمل على المشهور.

----------------

قوله: «والقضاء فإنّه ليس عين المقضي». هذا جواب عن سؤال مقدّر هو أنّ القضاء من أنواع اليوميّة؛ لأنّه فعل الفائت منها في غير وقته، فأيّ وجه لإلحاقه بالملتزم؟

والجواب: أنّ ما فات من اليوميّة لا يمكن استدراكه، وما وجب بعد الوقت هو فعل مثل الفائت لا عينه، وسببه فوات الأداء المستند غالباً إلى سبب من المكلّف كالترك والنوم والنسيان المستند إلى التقصير.

ص: 640


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)

وَمُراعاة العَدَدِ تماماً وقصراً، لا مُراعاة الهيئةِ كَهَيئَةِ الخوفِ وَإِن وَجَبَ قَصْرُ العَدَدِ، إلا أنه لو عَجَزَ عَن استيفاء الصّلاةِ أوماً،

----------------

قوله: «ومراعاة العدد تماماً وقصراً». فيجب قضاء ما فات سفراً قصراً، ومافات حضراً أو بحكمه تماماً؛ لعموم قوله علیه السلام: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته»(1) وهو موضع وفاق.

قوله: «لا مراعاة الهيئة كهيئة «الخوف». أراد ب_«الهيئة» الكيفيّة من قيام وقعود وذكر ونحوها، لا مطلق الهيئة، فإنّ مراعاة العدد من جملة الهيئة.

وحاصل الجملتين وجوب مراعاة الكميّة لا الكيفيّة، وقوله: «وإن وجب قصر العدد» استطراد لذكر شيء من أحكام صلاة الخوف عند ذكره، ومن جملتها وجوب قصر الرباعيّة كالسفر وإن عرض الخوف حضراً. ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكميّة وتغيير الكيفيّة بين كون سببه العدوّ أو اللصّ، أو السبع، أو غيرها.

قوله: «إلّا أنّه لو عجز عن استيفاء الصلاة أومأ». هذا الاستثناء منقطع؛ لعدم تقدّم كلام يقتضي إدخال ما بعد إلّا» حتّى يخرجه بها ومعناه الاستدراك، والتقدير: لكن لو عجز الخائف عن استيفاء الأفعال أوماً برأسه للركوع والسجود، ويجعل السجود

----------------

قوله: «لا مراعاة الهيئة». أراد ب_«الهيئة» الكيفيّة من قيامٍ وقعودٍ ونحوهما، لا مطلق الهيئة فإنّ مراعاة العدد من جملة الهيئة.

قوله: «وإن وجب قصر العدد». استطراد لِذكر شيء من أحكام صلاة الخوف عند ذكره، ومن جملتها وجوب قصر الرباعيّة كالسفر وإن عرض الخوف حضراً. ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكميّة وتغيير الكيفيّة بين كون سببه العدوّ، أو اللصّ، أو السبع.

قوله: «إلّا أنّه لو عجز عن استيفاء الصلاة أو ماً». برأسه للركوع والسجود ويزيد الإيماء في السجود بزيادة الانخفاض فإن تعذّر الإيماء بالرأس فبالعينين، كما سيأتي.

ص: 641


1- الكافي، ج 3، ص 435 ، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ص 162، ح 350.

ويسقُطُ عَنهُ لَو تَعذَّرَ، وَيَجْتَزِيُّ عَن الرَكعَةِ بالتسبيحاتِ الأَربَعِ.

وَتَجبُ فيه النِيَّةُ، والتحريمةُ، والتشهد، والتسليم. وإنما المُعتَبَرُ في الهيئة بوقتِ الفِعل أداءً وَقَضاءٌ،

----------------

أخفض، فإن تعذّر الإيماء بالرأس فبالعينين كما سيأتي.

وضمير «أنّه» يعود على المصلّي خائفاً، المدلول عليه بالسياق.

قوله: «ويسقط عنه لو تعذّر». الضمير المستكنّ في «تعذّر» يعود على الإيماء كما يعود عليه ضمير يسقط». والمعنى أنّه لو تعذّر على الخائف الإيماء للركوع والسجود مع الإتيان بأذكارهما سقط ذلك كلّه، واجتزاً عن كلّ ركعة بالتسبيحات الأربع، كما فعله عليّ علیه السلام ليلة الهرير.

ولابدّ من النيّة والتكبير أوّلاً، ومن التشهّد والتسليم في محلّهما، ويجب الاستقبال بحسب الإمكان.

قوله: «وإنّما المعتبر في الهيئة بوقت الفعل أداءً وقضاء»، أشار بذلك إلى ضابط كلّى للصلاة، وهو أنّ المعتبر في الهيئة للأداء والقضاء الهيئة المقدورة وقت الفعل لا غير، فكما يجوز يجوز ر الأداء بتلك الهيئة يجوز القضاء حينئذٍ. فلو أراد قضاء فائتة في زمن الصحّة في حال الإيماء أو حال شدّة الخوف، جاز قضاؤها كذلك، ولم تجب إعادتها بعد زوال

----------------

قوله: «ويسقط عنه لو تعذّر». أي يسقط الإيماء عن الخائف للركوع والسجود مع تعذّره، وكذا تسقط واجباتهما والقراءة، ويجتزئ عن الركعة بالتسبيحات الأربع. ولابدّ من النيّة والتكبير أوّلاً، ومن التشهّد والتسليم في محلّهما، ويجب الاستقبال بحسب الإمكان.

قوله: «وإنّما المعتبر في الهيئة بوقت الفعل أداءً وقضاءً». أشار بذلك إلى ضابط كلّي للصلاة، وهو أنّ المعتبر في الهيئة للأداء والقضاء الهيئة المقدورة وقت الفعل لا غير، فكما يجوز الأداء بتلك الهيئة يجوز القضاء حينئذٍ. فلو أراد قضاء فائتة في الصحّة في حالة الإيماء جاز، ولا يجب التأخير إلى الاختيار.

ص: 642

وكذا باقى الشُروطِ، فَيَصْحُ القَضَاءُ مِن فاقِدِها، إلا فاقِدَ الطَّهارة - والمريضُ المُومِيُّ بِعَينَيهِ، فتغميضُهُما رُكوعٌ وَسُجُودٌ، وفتحهما رَفعُهُما ، والسُجُودُ أخفَضَ

----------------

العذر، ولا تأخيره إليه. وهذا يتمّ في جميع الصلوات حتّى النيابة عن الأب، أمّا المستأجر عليها، فيشكل الحكم فيها من الشكّ في اقتضاء الإطلاق صلاة مجزئة شرعاً أو كاملة اختياراً.

قوله: «وكذا باقي الشروط». معطوف على ما قبله والمعتبر أنّ الكلام في باقي شروط الصلاة من الستر والاستقبال والطهارة كالكلام في الهيئة، فالمعتبر فيها هو المقدور عليه وقت الفعل، فيصحّ الأداء والقضاء من فاقدها، إذ ليست شروطاً مطلقاً، بل مع الإمكان. ويستثنى من الشرائط فاقد الطهارة بأنواعها، فإنّه لا يصلّي بدونها مطلقاً.

قوله: «والمريض»(1). بالجرّ عطف على «فاقدها»، والتقدير: فيصح القضاء من فاقدها ومن المريض. وإنّما خصّه بالذكر مع دخوله فيما تقدّم؛ لينبّه على كيفيّة ركوعه و سجوده.

قوله: «المومئ بعينيه». أي الذي انتقل فرضه إليهما؛ لتعذّر إيمائه برأسه، فلو أمكن بالرأس قدّم على العين ولا فرق في وجوب الإيماء - بعد انتقال الفرض إليهما - بين من يُبصر بهما، وغيره ممّن يمكنه فتحهما وتغميضهما. ولو تعذّر ذلك كلّه كفاه إحضار الأفعال على قلبه مع إجراء الأذكار على لسانه.

----------------

قوله: «وكذا باقي الشروط» أي الكلام في باقي الشروط من الستر والاستقبال كالكلام في الهيئة، فالمعتبر فيها هو المقدور عليه وقت الفعل، فيصحّ الأداء والقضاء من فاقدها، إذ لیست شروطاً مُطلقاً، بل مع الإمكان. ويستثنى من الشروط فاقد الطهارة بأنواعها، فإنّه لا يصلّي بدونها مطلقاً.

ص: 643


1- وردت هذه التعليقة والتي تليها بتمامها إلى قوله «مع إجراء الأذكار على لسانه في الحاشية الصغرى

وَكَذَا الأداء.

وَلَو جَهِلَ الترتيب كَرَّرَ حَتَّى يُحَصِّله احتياطاً،

----------------

قوله: «وكذا الأداء». عطف على قوله: «فيصحّ القضاء من فاقدها...» إلى آخره ويستفاد من التركيب أنّه يصحّ الأداء من فاقد الشروط، إلّا فاقد الطهارة فإنّه لا يجب عليه الأداء ولا يصحّ منه، خلافاً للمفيد حيث أوجب عليه الأداء والقضاء(1).

قوله: «ولو جهل الترتيب كرّر حتّى يحصّله». فيصلّي مَن اشتبه عليه ترتيب فوات الظهرين ظهراً بين عصرين أو بالعكس.

ولو أضاف إليهما المغرب صلّى الثلاثة قبلها وبعدها، فيجب عليه سبع فرائض.

ولو أُضيفت العشاء فخمسة عشر بجعل السبع قبل العشاء وبعدها.

ولو أضاف الصبح إلى الجميع فإحدى وثلاثون بجعل الخمسة عشر قبلها وبعدها، ولو صلّى هنا أربعة أيّام متواليّة ثمّ صبحاً حصل الترتيب بإحدى وعشرين فريضة.

والضابط وجوب التكرار على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات وهي اثنان في الأوّل، وستّة في الثاني، وأربعة وعشرون في الثالث، ومائة وعشرون في الرابع.

ولو فرض فوات فريضة سادسة كذلك وجب ثلاث وستّون فريضة، بجعل السادسة

----------------

قوله: «وكذا الأداء». عطف على قوله: «فيصحّ ....» إلى آخره، أي وكذا يصحّ الأداء من فاقد الشروط، إلّا فاقد الطهارة فلا يجب عليه ولا يصحّ منه على المشهور.

قوله: «ولو جهل الترتيب كرّر حتّى يحصّله». فيصلّي مَن اشتبه عليه ترتيب فوائت الظهرين ظهراً بين عصرين، أو بالعكس. ولو أضاف إليهما المغرب صلّى الثلاثة قبلها وبعدها، فيجب عليه سبع فرائض، وهكذا، والضابط أن يأتي بعددٍ على وجه يحصل معه الترتيب على جميع الاحتمالات.

ص: 644


1- المقنعة، ص 60

والسُقُوطُ أقوى، وَإنّما يَجِبُ عَلى التارِكِ مَعَ بُلوغِهِ وَعَقلِهِ

----------------

محفوفة بالإحدى والثلاثين من الطرفين. وعلى ما ذكرناه يحصل الترتيب بستّة وعشرين خمسة أيّام متواليّة وتلك الفريضة، وقس على ذلك زيادة الفرائض والاحتمالات.

قوله « والأقوى السقوط»(1). الأصالة عدم وجوب التكرار على ذلك الوجه، وبراءة الذمّة منه، ولأنّ فيه ضرراً أو مشقّة وحرجاً، وهي منفيّة بالآية(2) والخبر(3).

ووجه الوجوب مُطلقاً قوله علیه السلام : «فليقضها كما فاتته»(4) وقد فاتت مترتّبة، وتحصيل العلم يمكن بالتكرار، ووجوبه من باب المقدّمة، والحرج غير آت في جميع الفروض.

واختار المصنّف في الذكرى اتّباع الظنّ مع فقد العلم ثمّ السقوط(5)، وفي الدروس العمل على الوهم مع عدم الظنّ ثمّ السقوط(6). ومختار المصنّف هنا متّجه؛ لثبوت الحرج في الجملة وعدم القائل بالفرق.

قوله: «مع بلوغه». أي في وقت الترك على وجه يجب عليه الأداء؛ ليشمل إدراك قدر ركعة من آخر الوقت فمازاد مع الشرائط المفقودة.

ومثله القول في إسلام الكافر الأصلي، وطهارة المرأة من الحيض والنفاس. ويريد

----------------

قوله: «والسقوط أقوى»(7) وهو قويّ.

ص: 645


1- كذا في النسختين الخطيّتين المعتمدتين في التحقيق، وفي النسخ الخطيّة الثلاث للألفيّة: والسقوط أقوى
2- البقرة (2) : 185: الحجّ (22): 78
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 363 ، ح 1097: الاستبصار، ج 1، ص 77 ، ح 240
4- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه .... ح 7 : تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162، ح 350 : عوالي اللآلي، ج 2، ص 054 ح 143.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)
6- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)
7- هذا القول وشرحه لم يردا في «ش»

وإسلامِهِ، وَطَهَارَةِ المرأة من الحيض والنفاس، أمّا عادِمُ المُطَهِّرِ فالأولى وُجوبُ القَضاءِ.

----------------

أنّهما لو عرضا في أوّل الوقت، اشترط في وجوب القضاء مضيّ مقدار الصلاة مع الشرائط المفقودة.

قوله: «وإسلامه». احترز به عن الكافر الأصلي، فإنّه لا يجب عليه القضاء؛ لأنّ «الإسلام يجبّ ما قبله»(1) أمّا المسلم عن ارتداد فسيأتي حكمه(2).

قوله: «وأمّا عادم المطهّر فالأولى وجوب القضاء». المراد به عادم جنس المطهّر من ماء وتراب وما في حكمهما، فإنّه لا يجب عليه الأداء كما تقدّم(3)، خلافاً للمفيد(4)، وهل يجب عليه القضاء؟ قال المصنّف : الأولى ذلك(5)، وهو يشعر بعدم القطع بالوجوب.

ووجه الوجوب عموم قول النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم :«مَن فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته»(6) والأمر للوجوب.

وأورد عليه القول بالموجب مع عدم ثبوت المدّعى، فإنّ المراد الفوات مع الوجوب؛ بدلیل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : «فريضة» إذ المراد كونها فريضة عليه، إذ يمتنع إرادة فريضة على غيره،

----------------

قوله: «أمّا عادم المطهّر فالأولى وجوب القضاء». أي عادم جنس المطهّر من ماء و تراب وما في حكمهما، فإنّه لا يجب عليه الأداء كما تقدّم، والأصحّ وجوب القضاء عند الإمكان.

ص: 646


1- مسند أحمد، ج 4، ص 199؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 54 ، ح 145.
2- يأتي في ص 647.
3- تقدّم في ص 643
4- المقنعة، ص 60.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 142 : الدروس الشرعية ، ج 1 ، ص 53 و 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 و 9).
6- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه .... ح 7 : تهذيب الأحكام، ج 3،ص 162 . ح 350 : عوالي اللآلي، ج 2، ص 54، ح 143

وَلَوْ لَمْ يُخص قَدَرَ الفائِتِ أو الفائِتَةِ قَضَى حَتَّى يَغلب على الظَّنِّ الوَفَاءُ، وَيَقضِي المُرتَدُّ زمانَ ردّته

----------------

أو كونه فريضة في نفسها من غير إضافة إلى مفروض عليه(1).

ويجاب بأنّ المتبادر إلى الأفهام والشائع في الاستعمال إطلاق الفريضة والفرائض على الصلوات المخصوصة من غير إضافة إلى مفروض عليه، كقولهم: عدد الصلوات المفروضة كذا وحكمها كذا، وقوله صلی الله علیه و آله و سلّم في الخبر المتقدّم في صدر الرسالة: «صلاة فريضة خير من عشرين حجّة»(2). فلمَ لا تُحمل الفريضة في حديث الفوات على ذلك، ويراد بها الصلاة المخصوصة التي من شأنّها أن تفرض على المكلّف، كما هو المتبادر من معناها، وهو آية الحقيقة، فيجب القضاء حينئذٍ وإن لم يجب الأداء كما اختاره المصنّف في غير هذه الرسالة(3)، وظاهر اختياره هنا.

قوله: «قدر الفائت أو الفائتة». أي الفائت من الصلوات المتعدّدة، أو لم يُحص الصلاة الفائتة المتّحدة، فإنّه يكرّر القضاء كذلك حتّى يغلب على ظنّه الوفاء. قوله: «ويقضي المرتدّ زمان ردّته». سواء صلّى أم لا؛ لفسادها على تقدير فعلها، لفقد الشرط.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المرتدّ عن فطرة وغيره، وهو يقتضي صحّة قبول توبة المرتدّ عن فطرة، إلّا أن يريد وجوب الاستئجار عليها من ماله، أو بمعنى العقوبة عليها في الآخرة.

----------------

قوله: «ويقضي المرتدّ زمان ردّته». سواء صلّى أم لا، ولا فرق بين المرتدّ عن فطرة أو ملّة.

ص: 647


1- المستشكل هو المحقّق الكركي في شرحه للألفيّة، ص 435 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 7).
2- الكافي، ج 3، باب فضل الصلاة، ص 265، ح : الفقيه، ج 2، ص 143، ح 627 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 21 ، 22، ح 61 ؛ وتقدّم في ص 407
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 142 : الدروس الشرعية ، ج 1، ص 53 ؛ البيان ص 251 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9.5 و 12).

والسَكرانُ وَشارِبُ المُرقِدِ عِندَ زَوالِ العُذرِ. وَلَو فاتته فريضَةٌ مَجهولَةٌ مِن الخَمْسِ قَضَى الحاضِرُ صُبْحاً وَمَغرِباً وأربعاً مُطلقةً،

----------------

والحقّ أن توبته تقبل باطناً بمعنى صحّة عبادته بعد ذلك، ويترتّب عليه صحّة قضائه لمافات زمان الردّة؛ حذراً من تكليف مالا يطاق إن أُمر بالإسلام، أو سقوط الإسلام عنه إن لم يؤمر به، ولأنّ باب التوبة لا ينسدّ ما بقي التكليف.

ويخصّص عدم القبول بباقي الأحكام من تحتّم قتله، واعتداد زوجته منه عدّة الوفاة، وقسمة ماله وغير ذلك.

قوله: «والسكران وشارب المرقد». مع قصدهما إلى ما يوجب السكر والرقاد واختيارهما، وعدم الحاجة إليه، وإلّا لم يجب القضاء. وهذا كلّه مع عدم عروض ما يسقط القضاء في أثناء ما يوجبه أو يقارنه، فلو طرأ الحيض على السكرى ونحوه سقط القضاء زمانه.

قوله: «ولو فاتته فريضة مجهولة من الخمس قضى الحاضر صبحاً ومغرباً وأربعاً مطلقاً». يجوز كونه اسم فاعل وفيه ضمير يعود على المكلّف، أي مطلقاً للأربع إطلاقاً ثلاثياً بين الظهر والعصر والعشاء. ويجوز بناؤه للمفعول، ويعود ضميره المذكّر إلى الفعل.

واعلم أنّه لا ترتيب بين هذه الفرائض الثلاث، ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر

----------------

قوله: «والسكران وشارب المرقد». مع قصدهما إلى ما يوجب السكر والرقاد واختيارهما، وعدم الحاجة إليه، وإلّا لم يجب القضاء.

قوله: «قضى الحاضر صبحاً ومغرباً وأربعاً مطلقة». إطلاقاً ثلاثياً بين الظهر والعصر والعشاء، ولا ترتيب بين الفرائض الثلاث، ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر والإخفات، ويردّد فيها بين الأداء والقضاء مع بقاء وقت العشاء.

ص: 648

والمسافِرُ ثنائيَّةٌ مُطلَقَةً إطلاقاً رُباعِيّاً وَمَغرِباً، والمُسْتَبِهُ تُنائِيَّةٌ مُطلقَةٌ وَرُباعِيَّةٌ مُطلَقَةً وَمَغرباً.

ولو كانَتْ اثنتين قَضَى الحاضِرُ صُبحاً وَمَغرِباً وأَربَعَاً مَرَّتَين،

----------------

والإخفات، ويردّد فيها بين الأداء والقضاء مع بقاء وقت العشاء.

قوله: «والمسافر ثنائيّة مطلقة إطلاقاً رباعيّاً». بين ما عدا المغرب، ولا ترتيب بينها وبين المغرب أيضاً. والكلام في الجهر والإخفات، والأداء والقضاء ما مرّ.

قوله: «والمشتبه ثنائيّة مطلقة». بين ثنائيّات المسافر الأربع.

قوله: «ورباعيّة مطلقة». بين رباعيّات الحاضر الثلاث.

قوله: «ولو كانت اثنتين قضى الحاضر صبحاً ومغرباً وأربعاً مرّتين». إنّما وجبت الأربع هنا مرّتين؛ لتعدد الفائت فجاز كونه رباعيّتين وكونه ثنائيّة ومغرباً، أو أحدهما مع رباعيّة فوجبت الأربع.

ويجب توسّط المغرب بين الرباعيّتين، وإطلاق الأُولى بين الظهر والعصر، والعشائيّة بين العصر والعشاء.

واعلم أنّه يجب في هذه المسألة وما بعدها ملاحظة الترتيب والإطلاق على وجه يصحّ على جميع الاحتمالات الممكنة بالنسبة إلى الفائت، فالاحتمالات في هذه المسألة عشرة: كون الفائت الصبح مع إحدى الأربع الباقية، أو الظهر مع إحدى الثلاث أو العصر مع إحدى الباقيتين، أو المغرب مع العشاء، ومع تقديم الصبح وتوسّط المغرب بين الرباعيتين كما قلناه ينتظم الترتيب على الجميع.

----------------

قوله: «والمسافر ثنائيّة مطلقة إطلاقا رباعيّاً». بين ما عدا المغرب، ولا ترتيب بينها وبين المغرب.

قوله: «والمشتبه ثنائيّة مطلقة». بين ثنائيّات المسافر الأربع.

قوله: «ورباعيّة مطلقة». بين رباعيّات الحاضر الثلاث.

قوله: «ولو كانت اثنتين قضى الحاضر صبحاً ومغرباً وأربعاً مرّتين». يصلّي أوّلاً الصبح، ثمّ

ص: 649

والمُسافِرُ تُنائيَتَين بَينَهُما المغرِبُ ، والمشتَبِهُ يَزِيدُ عَلى الحاضِرِ تُنائِيَّةٌ.

وَلَوْ كانَتْ ثَلاثاً قَضى الحاضِرُ الخَمْسَ،

----------------

قوله: «والمسافر ثنائيّتين بينهما المغرب». يُطلق في الأُولى منهما بين الصبح والظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ يطلق في الثنائيّة الأخرى بين الظهر والعصر والعشاء.

والضابط في الإطلاق في جميع هذه المسائل أن يطلق الأُولى بين ما عدا الأخيرة، والثنائيّة بین ما عدا الأُولى ولو وجب ثلاثة أطلق في الثالثة بين ماعدا الأُوليين والأُولى بين ماعدا الأخيرتين، والثانية بين ماعدا الأُولى والأخيرة فتأمل.

قوله : والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّة». فيطلق في ثنائيّة الحاضر - وهي الصبح - بينها وبين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي رباعيّة يطلق فيها بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ الثنائيّة المزيدة يطلق فيها بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ يصلّي رباعيّة الحاضر الثانية ويطلق فيها بين العصر والعشاء.

ولا ترتيب بين هذه الرباعيّة والثنائيّة التي قبلها ويتخيّر فيها بين الجهر والإخفات، وكذا القول في كلّ صلاة يطلق فيها بين جهريّة وإخفاتيّة.

قوله: «ولو كانت ثلاثاً قضى الحاضر الخمس». لاحتمال كون الفائت الرباعيّات الثلاث فلابدّ منها، وكونه الصبح والمغرب وإحدى الرباعيّات فلابدّ منها، وهو موجب للخمس.

----------------

رباعيّة مطلقة بين الظهر والعصر، ثمّ المغرب، ثمّ رباعيّة مطلقة بين العصر والعشاء.

قوله: «والمسافر ثنائيّتين بينهما المغرب». يُطلق في الأولى منهما بين الصبح والظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ يطلق في الثنائيّة الأخرى بين الظهر والعصر والعشاء.

قوله: «والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّة». فيُطلق في ثنائيّة الحاضر - وهي الصبح - بينها وبين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي رباعيّة يطلق فيها بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ الثنائيّة المزيدة يطلق فيها بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ يصلّي رباعيّة الحاضر الثانية يُطلق فيها بين العصر والعشاء ولو قدّم الثنائيّة الثانية على الرباعيّة صحّ، ويتخيّر فيها بين الجهر والاخفات.

ص: 650

والمسافِرُ تُنائيَّتَين ثمَّ مَغرِباً ثُمَّ تُنائِيَّةٌ ، والمشتَبِهُ يَزِيدُ عَلَى الحَاضِرِ تُنائِيَّةٌ قَبلَ المغرب وَتُنائِيَّةٌ بَعدَها.

وَإن كانَت أربعاً قضى الحاضِرُ والمُسافِرُ الخَمس، والمُسْتَبِهُ يَزِيدُ على الحاضِرِ تُنائيَّتَينِ قَبْلَ المَغْرِبِ وَتُنائِيَّةً بَعدَهَا، وَفَرضُهُ التَعيينُ،

----------------

قوله: «والمسافر ثنائيّتين ثمّ مغرباً ثمّ ثنائيّة». يطلق في الأُولى بين الصبح والظهر، و في الثانية بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ ثنائيّة يطلق فيها بين العصر والعشاء. فيصح على جميع الاحتمالات وهي تسعة: كون الفائت الصبح والظهرين، أو هي والعشاءين، هي والظهر والعصر والمغرب، أو هي والظهر والعشاء، أو هي والعصر والمغرب، أو هي والعصر والعشاء، أو الظهر والعصر والمغرب، أو الظهر والعشاء، أو العصر والمغرب والعشاء.

قوله: «والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّة قبل المغرب وثنائيّة بعدها». ويطلق في ثنائية الحاضر كما مرّ في المسافر، وكذا في الثنائيّتين الأخيرتين. ويجب تقديم إحدى الثنائيّتين المتقدّمتين على المغرب على الرباعيّتين، ويتخيّر بين تقديمهما على الثنائيّة الأُخرى وتأخيرهما عنها وتوسّطها بينهما.

قوله: «وإن كانت أربعاً قضى الحاضر والمسافر الخمس». أمّا الحاضر فظاهر، وأمّا المسافر فلجواز كون الفائت الثنائيّات الأربع وكونه المغرب مع بعضها.

قوله: «والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّتين قبل المغرب وثنائيّة بعدها، وفرضه التعيين». لوجوب الرباعيّات الثلاث، والثنائيّات الأربع وإنّما يسقط عنه تعدّد المغرب والصبح؛ لاتّحادهما على تقديري الحضر والسفر، فيصلّي الصبح ثمّ الظهرين تماماً

----------------

قوله: «والمسافر ثنائيّتين ثمّ مغرباً ثمّ ثنائيّة». يُطلق في الأُولى بين الصبح والظهر، وفي الثانية بين الظهر والعصر، ثمّ يصلّي المغرب، ثمّ ثنائيّة يُطلق فيها بين العصر والعشاء.

قوله: «والمشتبه يزيد على الحاضر ثنائيّة قبل المغرب وثنائيّة بعدها». فيطلق في إحدى الثنائيتين، إطلاقاً ثنائيّاً بين الصبح والظهر، وفي الأُخرى بين الظهر والعصر. ويصلّي الرباعيّتين

ص: 651

وكذا لو فاتتهُ الخَمسُ واشتبَة اليَومان اجتزاً بالثمان، ولا تُقضى الجمعَةُ

----------------

وقصراً كما مرّ. وما ذكرناه من الترتيب مبنيّ على وجوب تحصيله للناسي مع الإمكان، وعلى القول بالسقوط يصلّي العدد الواجب كيف اتّفق في جميع الفروض.

قوله: «وكذا لو فاتته الخمس واشتبه اليومان». إطلاق الاشتباه هنا على اليومين باعتبار اشتباه الصلاة الواجبة فيهما بسبب فواتها في أحدهما، فوجه الاكتفاء بالثمان اتّحاد الصبح والمغرب كما مرّ.

قوله: «ولا تقضى الجمعة». بل تصلّى الظهر مع فوات وقتها أداءً وقضاءً، ومَن أطلق من الأصحاب كونها تقضى ظهراً(1)، فمراده بالقضاء المعنى اللغوي: وهو الفعل.

والضمير المستكن في «تقضى» يعود على وظيفة الوقت، لا على الجمعة. والمعنى أنّ وظيفة يوم الجمعة الجمعة أو الظهر، إلّا أنّ الجمعة مقدّمة على الظهر مع اجتماع الشرائط، وإذا فاتت فعلت ظهراً. ولو فرض عود الضمير إلى «الجمعة» فإطلاق القضاء على طريق المجاز؛ لقيام الظهر مقامها وإجزائها عنها، كما يقوم القضاء مقام الأداء.

----------------

المعيّنتين بعد الثنائيّة الأولى حتماً، أو بعد الثنائيّتين إن شاء، ثمّ يصلّي المغرب والعشاء تماماً، وثنائيّة يُطلق فيها بين العصر والعشاء.

قوله: «وكذا لو فاتته الخمس واشتبه اليومان». أي اشتبه يوم الفوات بكونه تماماً أو قصراً، وأطلق عليه اليومين مجازاً. أو اشتبه يوم السفر والحضر اللذان أحدهما محلّ الفوات.

قوله: «اجتزاً بالثمان». لاتحاد الصبح والمغرب في اليومين فحينئذٍ الصبح والمغرب مجزئان على التقديرين، ويصلّي الظهرين بعد الصبح وقبل المغرب تماماً وقصراً، والعشاء بعد المغرب تماماً وقصراً فهذه ثمان.

قوله: «ولا تُقضى الجمعة». بل تصلّى ظهراً مع فوات وقت الجمعة.

ص: 652


1- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 277؛ وشرائع الإسلام، ج 1، ص 93؛ وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 1، ص 399 : والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 1، ص 223

وَلا العِيد(1)، ولا الآياتُ لِغَيرِ العالِمِ بها ما لَمْ يَستَوعِبُ الاحتراقُ.

ولو أُطلِق القضاء على صلاةِ الطُّوافِ والجنازةِ فَمَجاز، وكذا النذرُ المُطلَقُ.

----------------

قوله: «ولا العيد». هذا هو أشهر القولين(2)، وقيل: تقضى مع فوات وقتها وجوباً(3)، وقيل: استحباباً(4).

قوله: «ولا الآيات لغير العالم بها». ولا فرق مع العلم بها علمه بوجوب الصلاة بین وجهله، ولا بين تركها بعد العلم عمداً أو نسياناً. وقوله «مالم يستوعب الاحتراق» قيد لبعض ما دلّ عليه الآيات، وهو الكسوفان، فيجب قضاء صلاتهما مع استيعاب الاحتراق؛ لوجوبهما على التارك مطلقاً.

قوله: «ولو أُطلق القضاء على صلاة الطواف والجنازة فمجاز، وكذا النذر المطلق». إنّما كان الإطلاق على وجه المجاز لا الحقيقة؛ لأنّ القضاء حقيقةً: فعل مثل الشيء الفائت وقته في غيره. وتعقّل هذا المعنى يقتضي اختصاص القضاء بما ضرب له الشارع وقتاً محدوداً، كالصلاة اليوميّة ونحوها. وهذه الثلاثة ليست كذلك، إذ لا وقت لها.

ووجه التجوّز مشابهتها للمحدود وقته في تقييد فعلها بوجوه مخصوصة، كتقييد صلاة الجنازة بكونها بعد الغسل مع إمكانه وقبل الدفن، وصلاة الطواف بكونها بعده

----------------

قوله: «ولا الآيات لغير العالم بها». يدخل في «العالم» مَن تعمّد الترك، ومَن طرأ عليه النسيان بعد علمه ومَن تركها جهلاً بالوجوب.

***

ص: 653


1- في «ش 3»: العيدان
2- قاله الصدوق في المقنع، ص 46 : والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 128؛ والنهاية، ص 133؛ والعلامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 160، المسألة 464.
3- قاله ابن الجنيد كما حكا عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 281، المسألة 171؛ وابن حمزة الطوسي في الوسيلة، ص 111
4- قاله ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 318

والحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصلاة والسّلامُ عَلَى مُحمّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ.

----------------

قبل السعي إن وجب، والنذر المطلق بتضيّقه ووجوب المبادرة به حتماً عند ظنّ الوفاة.

فإذا فاتت هذه الهيئات بأن دفن الميّت، وسعى المكلّف، وكذب ظنّ من ظهر له أمارة الموت المعجّل كان فعل هذه الثلاثة بعد ذلك يشبه القضاء، فصحّ إطلاق اسمه عليها بسبب هذه المشاكلة. ولمّا لم يكن التحديد بهذه الأشياء يوجب التوقيت الحقيقي، كان إطلاق القضاء عليها مجازاً، والله الموفّق.

وليكن هذا آخر ما أردنا ذكره في هذه الحاشية على وجه الإيجاز، ونسأل الله بمنّه وجوده وفضله أن ينفع بها كما نفع بأصلها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، موجبة الثوابه العظيم، والحمد لله ربّ العالمين.

***

ورد في آخر نسخة «غ»: تمّت الحواشي المزيّنة الزينيّة، أبقاه الله لتزيين العلوم الدينيّة.

وورد في آخر نسخة «ك»: قد استسعد بإتمام أرقام هذا الشرح الذي علّقه الشيخ المحقّق المدقّق الوحيد الشهيد الثاني زين الملّة والدين بن عليّ العاملي (قدّس الله رمسه ولعن قاتله...).

ص: 654

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.